فالواجب تحذير الناس من هذه الأحاديث ، وبيان بطلانها وكذبها ، ونفيُ الكذب عن النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال والقربات .
ثالثا :
مما ينبغي التنبيه عليه ما يفعله بعض الناس حين يرفع الطعام الساقط على الأرض فتجده يقبله ويضعه على جبهته ، فما حكم ذلك ؟
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/133-134) :
" صرّح الشّافعيّة بجواز تقبيل الخبز ، وقالوا : إنّه بدعة مباحة أو حسنة ، لأنّه لا دليل على التّحريم ولا الكراهة ، لأنّ المكروه ما ورد عنه نهي ، أو كان فيه خلاف قويّ ، ولم يرد في ذلك نهي ، فإن قصد بذلك إكرامه لأجل الأحاديث الواردة في إكرامه فحسن ، ودوسه مكروه كراهة شديدة ، بل مجرّد إلقائه في الأرض من غير دوس مكروه .
وقال صاحب الدّرّ من الحنفيّة مؤيّداً قول الشّافعيّة في جواز تقبيل الخبز : وقواعدنا لا تأباه .
أمّا الحنابلة فقالوا : لا يشرع تقبيل الخبز ولا الجمادات إلا ما استثناه الشّرع " انتهى .
قال ابن مفلح : ( وهو ظاهر كلام الشيخ تقي الدين ؛ فإنه ذكر أنه لا يشرع تقبيل الجمادات ، إلا ما استثناه الشرع ) الآداب الشرعية (3/231) .
وإلى المنع ذهب المالكية أيضا . قالوا : ( وَيُكْرَهُ تَقْبِيلُ الْمُصْحَفِ وَكَذَا الْخُبْزُ وَالْمُعْتَمَدُ أَنَّ امْتِهَانَهُ ـ أي الخبز ـ مَكْرُوهٌ [ الخرشي على خليل ( 2/326) الفواكه الدواني (1/356) ]
وقد سبق نص ابن الحاج على أن تقبيل الخبز بدعة .
والأظهر ـ والله أعلم ـ ما ذهب إليه المالكية والحنابلة من المنع ، لقول عمر رضي الله عنه ، لمّا قبل الحجر : ( لَوْلَا أَنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَكَ مَا قَبَّلْتُكَ ) رواه البخاري (1610) ومسلم (1270) .
قال الحافظ ابن حجر : " قال شيخنا [ يعني : العراقي ] في شرح الترمذي : فيه كراهة تقبيل ما لم يرد الشرع بتقبيله .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
83001
العنوان:
تعاني من البدانة فهل هناك علاج شرعي لذلك
السؤال:
أنا بدينة جدًا جدًا ، وحملت اللحم بشكل مفرط !! والحمد لله أصلي الفروض الخمسة يوميًا ، والنفل أيضًا ، ولا آكل إلا إذا جعت ؛ من فضلك أخبرني بأي علاج ، وفقًا للقرآن والسنة ، يساعدني على إنقاص وزني ؟
الجواب:
الحمد لله
البدانة قد تكون راجعة إلى نوع مرض أو اضطراب في هرمونات الجسم ، وعلاج ذلك يكون بالرجوع إلى المختصين .
وهناك ما يرجع إلى الإفراط في الأكل ، وعدم التقيد بآداب الشرع ، وعلاج هذا بالمحافظة على التسمية قبل الأكل ، والحمد بعده ، والتقليل من الأكل ، كما روى الترمذي (2380) وابن ماجه (3349) عَنْ مِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مَلَأَ آدَمِيٌّ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ بِحَسْبِ ابْنِ آدَمَ أُكُلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ فَإِنْ كَانَ لَا مَحَالَةَ فَثُلُثٌ لِطَعَامِهِ وَثُلُثٌ لِشَرَابِهِ وَثُلُثٌ لِنَفَسِهِ ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وقد قال الله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) الأعراف/31 .
وليس في القرآن والسنة علاج خاص لمشكلة السمنة ، وإن كان القرآن شفاء حقيقة ، كما قال الله عز وجل : ( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَاراً) الإسراء/82 .(/1)
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) يونس/57 قال ابن القيم رحمه الله : " فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية ، وأدواء الدنيا والآخرة ، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به ، وإذا أحسن العليل التداوي به ووضعه على دائه بصدق وإيمان وقبول تام واعتقاد جازم واستيفاء شروطه ، لم يقاومه الداء أبدا " [ زاد المعاد 4/322 ]
ويشرع للمريض أن يقرأ المعوذات ، وأن ينفث على نفسه ، فذلك له أثر نافع بإذن الله .
وقد روى البخاري (4439) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ إِذَا اشْتَكَى نَفَثَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ وَمَسَحَ عَنْهُ بِيَدِهِ ، فَلَمَّا اشْتَكَى وَجَعَهُ الَّذِي تُوُفِّيَ فِيهِ ، طَفِقْتُ أَنْفِثُ عَلَى نَفْسِهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ الَّتِي كَانَ يَنْفِثُ وَأَمْسَحُ بِيَدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْهُ .
ورواه مسلم (2192) بلفظ : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا مَرِضَ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِهِ نَفَثَ عَلَيْهِ بِالْمُعَوِّذَاتِ فَلَمَّا مَرِضَ مَرَضَهُ الَّذِي مَاتَ فِيهِ جَعَلْتُ أَنْفُثُ عَلَيْهِ وَأَمْسَحُهُ بِيَدِ نَفْسِهِ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً مِنْ يَدِي وَفِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَيُّوبَ بِمُعَوِّذَاتٍ )(/2)
وروى البخاري (5018) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ
كما يشرع للمسلم أن يدعو الله تعالى بما أحب من خيري الدنيا والآخرة ، وأن يصرف عنه ما يكره ، فسلي الله تعالى الشفاء والعافية ، والحسن والجمال .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
83034
العنوان:
الآثار الشرعية لزنا الزوج بأم زوجته قبل النكاح وبعده
السؤال:
امرأة متزوجة ، وزوجها قد زنى بأمها مرات عديدة وهذه الزوجة لا تعلم ، ماذا تفعل مع أمها ومع زوجها ، فهي في حيرة من أمرها ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يحل لأحدٍ أن يدَّعي على غيره أنه وقع في الزنا إلا أن يَثبت ذلك بطريق شرعي ، كاعتراف الزاني ، أو شهادة أربعة رجال عدول شهدوا وقوعه في الزنا ، ومن نسب لغيره الوقوع في الزنا من غير بينة : فقد وقع في القذف ، وهو من كبائر الذنوب ، ويستحق صاحبه ثمانين جلدة ، وهو الحد المترتب على القذف .
قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) النور/4-5 .
ثانياً :
إن ثبت عند السائلة ما جاء في السؤال من وقوع الزوج في جريمة الزنا بأم زوجته : فليُعلم أنهما مستحقان لعذاب الله وسخطه ، ومستحقان للعقوبة في الدنيا ، أما المرأة : فلأنها محصنة ؛ فإنها تستحق الرجم حتى الموت ، وأما هو فإن كان محصناً : فمثل حكمها ، وإن لم يكن محصناً ، وإنما وقع منه الزنى قبل زواجه : فحدُّه مائة جلدة .
قال تعالى : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 .(/1)
وعن أبي هُرَيْرَةَ قَالَ : أَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ مِنْ النَّاسِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ فَنَادَاهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ - يُرِيدُ نَفْسَهُ - فَأَعْرَضَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : أَبِكَ جُنُونٌ ؟ قَالَ : لَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ : أَحْصَنْتَ ؟ قَالَ : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : اذْهَبُوا بِهِ فَارْجُمُوهُ .
رواه البخاري ( 6439 ) ومسلم ( 1691 ) .
والمحصَن : هو من سبق له الزواج والدخول ، ولو حصل بعد زواجه طلاق أو وفاة زوج أو زوجة .
بل قال الإمام أحمد – في رواية عنه – فيمن فعل ذلك " يقتل على كل حال " يعني أن من زنى بمحرم من محارمه ، قتل ، سواء كان محصناً أو لا ، وسواء كان محرماً من النسب أو المصاهرة أو الرضاع .
قال ابن قدامة : " وبهذا قال جابر بن زيد ، وإسحاق ، وأبو أيوب ، وابن أبي خيثمة " اهـ "المغني" (12/341)
قال ابن القيم رحمه الله : " وأما إن كانت الفاحشة مع ذي محرم ، فذلك الهُلك كل الهُلك ، ويجب قتل الفاعل بكل حال ، عند الإمام أحمد وغيره .. "
" روضة المحبين" ص(374)
وهل يوجب زناه بأمها تحريم نكاحه ابنتها ، أو فسخ النكاح القائم : وقع خلاف بين العلماء في هذا ، والراجح عدم تحريم نكاحها ، وعدم فسخ النكاح .
وقد بيَّنا حكم هذه المسألة وفصَّلناها في جواب السؤال رقم ( 78597 ) فلينظر .
ثالثاًً :
الواجب على الزوجة الآن :(/2)
1. عدم بناء أحكام أو تصرفات على هذا الأمر إلا أن يثبت لديها قطعاً .
2. نصح أمها – إن ثبت الادعاء بالزنى – بضرورة التوبة الصادقة .
3. نصح زوجها بالتوبة الصادقة إن كان وقع الزنا بأمها بعد نكاحها ، وضرورة إبعاده عن أمها في السكن واللقاء حتى لا يتكرر الفعل ، وإن لم يتب من الفعل فلتسع في الطلاق ، ولا يحل لها البقاء معه ؛ لأن الله تعالى حرَّم نكاح الزاني للمؤمنة العفيفة .
على أننا نعلم شدة البلاء الذي نزل بالأخت الكريمة ، فكم يحزن المرأة ، ويشق عليها أن يزني زوجها !! وأشق من ذلك على النفس وأغيظ للقلب ، ألف مرة ومرة أن تزني أمها !! فكيف إذا كان زوجها هو الزاني بأمها !! إن هذا لبلاء مبين .
نسأل الله تعالى أن يفرج همها ، ويزيل كربها ، وأن يرزقها الصبر والحكمة
على أننا ننصحها – قبل اتخاذ قرار كبير في حياتها – أن تتدبر جيداً في عاقبته :
إذا قررت الانفصال عن زوجها فهل يمكنها – حينئذ – أن تعيش مع أمها في بيتها ، وهي التي فعلت وفعلت ، ثم كان خرب بيتها على يدها ؟!
نحسب أنه – إذا لم يكن عندها مأوى مناسب ، ومحرم يقوم على شأنها ويرعاها – أن البقاء مع زوجها مع نصحه بالتوبة والاستقامة أهون من طلاقها والعيش في بيت أمها !!
فلتوازن هذه الأخت الكريمة بين نتائج قرارها ، وبعض الشر أهون من بعض !!
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
83044
العنوان:
زوجته أسلمت ويؤذيها ويسيء لها
السؤال:
رجل هاجر إلى بلاد أوروبا وتزوج من نصرانية وأنجب معها طفلة للحصول على الإقامة ، وعاش السنين الأولى في الظلمات ، وكان يعتدي على زوجته وابنته وكأنهم ليسو بأسرته ، اعتنقت زوجته الإسلام بعد هداية من الله ، ولكن حالته هو لم تتغير فلا يزال يزني ويرتكب المعاصي ولا ينفق في بيته مالاً ولا طعاماً ، يعيش على نفقة زوجته بالقوة ، والمسكينة صابرة على كل الظلم لأن لها أطفالاً آخرين ولا تريد تخريب بيتها ، راجيةً من الله أن يهدي زوجها . أهل المرأة يرون الإسلام والأجانب السبب في هلاك ابنتهم ، هل لكم من نصيحة أو طريقة قد ترد هذا الرجل إلى الصواب ؟ وما حكم الإسلام في هذا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
نحمد الله تعالى أن هدى هذه الأخت للإسلام ، ونسأله تعالى أن يثبتها على الحق ، وأن يهديها للصواب في الأقوال والأفعال .
وما ذكرته الأخت الكريمة هو صورة لمحنة الإسلام ـ إن صح التعبير ـ مع أهله ، أهله الذين انتسبوا إليه ، ثم خالفوا أحكامه وآدابه ؛ ثم لو كانت المخالفة في ديار الإسلام ، حيث يكون الدين ظاهرا ، وأهله الذين هم أهله معروفون ؛ فلا يؤاخذ أحد بجريرة غيره ، ولا يطعن في الإسلام بإساءة من أساء ، لو كان ذلك لهان الأمر ، لكن تعظم المصيبة حين يكون المرء من هؤلاء في الغرب ، ويعيش بين الكفار ، ويعتبرونه صورة لدينه ، وممثلا لأخلاقه وآدابه وأحكامه ، ثم هو يعيش في حياته كما يعيش من حوله من اليهود والنصارى ، لا يبالي بحرام ولا حلال .
قال الأوزاعي رحمه الله : كان يقال : ما من مسلم إلا وهو قائم على ثغرة من ثغر الإسلام ، فمن استطاع ألا يؤتى الإسلام من ثغرته فليفعل .(/1)
وقال الحسن بن حي رحمه الله : إنما المسلمون على الإسلام بمنزلة الحصن ؛ فإذا أحدث المسلم حدثا ثُغِر في الإسلام من قبله ؛ فإن أحدث المسلمون كلهم فاثبت أنت على الأمر الذي لو اجتمعوا عليه لقام الدين لله ، بالأمر الذي أراده من خلقه ، لا يؤتى الإسلام من قبلك !!
" السنة لمحمد بن نصر المروزي رقم (29، 30)
وإنه ليحز في نفس كل مسلم أن تتعرض الأخوات المسلمات اللاتي دخلن في الإسلام حديثاً إلى الإيذاء والضرر القولي والبدني من أناسٍ يُفترض بهم أن يكونوا صورة حسنة عن الإسلام ، وعن الأسرة المسلمة والتي تتميز بالاستقرار والمودة والرحمة بين أفرادها ، وللأسف أن يكون من بين المنتسبين للإسلام مثل هذا الزوج الذي كان قدوة سيئة ومنفِّراً عن الإسلام ومسبِّباً له الطعن والتشويه .
وإن كان من أفعال هذا الزوج ترك الصلاة : فلتعلم الأخت الفاضلة أنه لا يحل لها البقاء معه ؛ لأن ترك الصلاة في الشرع كفرٌ مخرج عن الملة ، وبه يصير العقد مفسوخاً ، ومثل هذا الزوج ليس أهلاً لأن يكون ربَّ أسرة يؤتمن فيها على زوجته وذريته ، بل إنه يُخشى عليهم من سوء أفعاله ، وإذا كان لا ينفق عليهم النفقة التي أوجبها الله تعالى عليه : فإنه يكون قد جمع الشر كلَّه في أفعاله وصفاته ، والبقاء معه عبءٌ ثقيل تتحمله الزوجة من غيرِ داعٍ ، ولو أنها تتخلص منه بالطلاق والفراق لكان خيراً لها وأفضل ، ولعل حياتها أن تتغير للأحسن إما وحدها مع أبنائها أو مع زوجٍ آخر يعرف للأسرة قيمتها ، ويؤدي الرسالة التي أوجبها الله تعالى عليه .
وعلى الأخت الفاضلة إن كانت ترجو هداية زوجها وصلاحه أن تسعى لذلك عن طريق أصدقائه أو أقربائه الذين يمكن أن يكون لهم تأثيرٌ عليه لتقويمه وهدايته ، ويمكنها الاستعانة بالأشرطة السمعية والمرئية في المواعظ والترهيب من اقتراف المعاصي ، والتذكير بالموت والقبر والحساب ، فلعلَّ ذلك أن يؤثِّر فيه ويرجع لربه تبارك وتعالى .(/2)
فإن لم يُجدِ ذلك نفعاً فلا ينبغي لها التردد في رفع أمرها لقاضٍ مسلم أو مفتٍ أو إمام مسجد يوثق بعلمهم ودينهم ليخلصوها منه ، فإن لم تستطع فلترفع أمره لمن يخلصها منه من المسئولين عن حماية الأسرة أو القضاء أو غيرهما من مؤسسات الدولة ، وهو إن كان تاركاً للصلاة فعقدها مفسوخ معه ، وإن كان مرتكباً لتلك المعاصي مع أدائه للصلاة : فلتسلك الطريق الشرعي في التخلص منه عن طريق عالم أو طالب علم أو مركز إسلامي لإلزامه بالنفقة على أهله مع ترك المعاصي والمنكرات ، فإن أبى فليطلقوها منه وفقاً للشرع ، ولتسلك بعدها الطريق الرسمي للتخلص منه بصفته زوجاً .
ولتحرص هذه الأخت الفاضلة على الانتقال لبلاد الإسلام والمسلمين فإنها – على ما فيها من مخالفات للشرع – خيرٌ من بلاد الكفر والمجون ، والتي لا يستطيع المسلم طلب السلامة لنفسه ولا لأولاده فيها .
ونسأل الله تعالى أن يُعظم لها الأجر ، وأن يهديها ويوفقها وذريتها لما فيه رضاه عز وجل .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
83048
العنوان:
هل تلزمها زيارة زوجة أحد أقاربها ؟
السؤال:
أنا إنسانه أخاف الله - ولله الحمد - وأرجو منكم إفادتي في سؤالي هذا ؛ لأني شديدة الحرص إذا كان يلزمني شيء أم لا ، من باب خشيتي من خالقي.. هناك امراة من إحدى زوجات الأقارب ، وساكنة في نفس المحافظة ، وبما أنها زوجة أحد أقاربنا فهي تعتبر منا ، ولكن في يوم من الأيام ، حدثت مشكلة ، ولم أكن أحمل في قلبي عليها شيئا ، وأتمنى لها كل خير لها ولأولادها وزوجها ، وفي كل مناسبة سواء كانت فرحا أو عيدا أو جمعة عند الأقارب أهنئها وأسلم عليها ، ولكن هي لا تزورني في بيتي ولا أزورها...هل يلحقني إثم ؟ هل أعتبر قاطعة رحم ؟ وماذا توصوني ؟
الجواب:
الحمد لله
أسأل الله أن يجزيك على حرصك على البعد عن الآثام خير الجزاء ، والله سبحانه وتعالى يحب العبد التقي ، الذي يراقبه في السر والعلن ، ويحاسب نفسه في جميع أموره ، فلا يهنأ حتى يطمئن قلبه أنه لم يعص الله ، ولم يقع في سخطه وغضبه .
أما ما ذكرتِ من شأن خلافِكِ مع زوجة أحد أقاربك ، فقد قمتِ بالخطوة الأولى الصحيحة حين سلمت عليها وهنئتها بكل مناسبة تمر عليكم ، وينبغي إتمام الخير والمعروف بزيارتها ولو مرة ، حتى لا يبقى في النفس شيء من الضغينة والكراهية ، وتقطعين بذلك سبيل الشيطان عليكما ، واحرصي على البعد عن كل ما يثير الخلاف والشقاق بينكما ، إذ لا يجوز للمسلم أن يخاصم أخاه في أمور الدنيا التافهة ، حتى يُستحب لمن ظُلم أن يعفو ويغفر ، فكيف بخلاف يبدو أنه في أمور شكلية عادية !!
وزوجة القريب ليست من الأرحام ، ولكن صلة هذا القريب - إن كان من الأرحام - تقتضي زيارة زوجته ، والسؤال عن حالها ، والاهتمام بأمرها .
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (26/127) :(/1)
" أمر الشرع المطهر بغرس المحبة بين المسلمين ، وحثهم على التواد والتراحم والتواصل بينهم حتى تستقيم أمورهم ، وتصفو نفوسهم ، ويكونوا يدا واحدة على من سواهم ، وقد حذرهم من العداوة والبغضاء ، كما نهاهم عن الهجران والقطيعة بينهم ، وجعل الهجر ما فوق الثلاث محرما .
ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا ، وَخَيرُهُمَا الذِي يَبدَأُ بِالسَّلَامِ ) .
وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إِيَّاكُم وَسُوءَ ذَاتِ البَينِ ، فَإِنَّها الحَالِقَةُ ) أي تحلق الدين .
والواجب على المسلم إذا وقع بينه وبين أخيه شحناء أن يذهب إليه ، ويسلم عليه ، ويتلطف له في إصلاح ذات بينهما ، فإن في ذلك أجرا عظيما ، وسلامة من الإثم " انتهى .
والحاصل : أنك لا تعتبرين قاطعة رحم بهذا ، وعليك السعي في إزالة ما بينكما من شحناء .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
83089
العنوان:
تبرُّ حماتها أكثر من برِّها لأمها !
السؤال:
هل أؤجر على برِّي بحماتي ؟ وهل قد يعفو الله عني عدم برى بأمي كما ينبغي أن يكون البر ، إذا كنت بارة بحماتي ؟ .
الجواب:
الحمد لله
شرع الله تعالى أعدلَ الأحكام وأحسنها ، وفيها سعادة الفرد والأسرة والمجتمع ، وقد شرع لذلك حقوقاً وواجبات على كل فرد في المجتمع لتتم الحياة ويعرف كلٌّ ما له وما عليه .
وحقوق الزوج على زوجته عظيمة في نفسه وماله وبيته وأهله ، فاحترام أهل الزوج وخاصة أبويه من احترام الزوج وحسن عشرته ، والمرأة عندما تقوم بواجبات زوجها فهي إنما تطيع ربها وترجو ثوابه .
وبرُّكِ بحماتك أمرٌ تُشكرين عليه ، ولا يمكن لأحدٍ أن يُنكر عليكِ ، بل إن ما تفعلينه موافق للشرع والعقل ، وأنتِ بذلك تكسبين رضى زوجكِ ، وتساهمين في إنجاح علاقتك الزوجية ، وتخلينها مما يمكن أن يسوءها .
ولكن على المرء أن لا يطيع ربه في جانب وينسى الجوانب الأخرى ، فلا يجوز أن يكون برُّكِ بحماتك على حساب برِّك بأمك ؛ فإن للوالدين - وخاصة الأم - على أولادهم حقوقاً كبيرة ، وانظري في ذلك جواب ( 5053 ) ففيه تفصيل لحق الأم على أولادها .
فيجب عليكِ برُّ أمَّكِ والإحسان إليها حتى ولو كانت كافرة ، على قدر طاقتك وما تسمح به ظروف حياتك ؛ بل لو دعتك إلى الكفر وجاهدت نفسها في سبيل ذلك ، كما قال ربنا تبارك وتعالى ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) العنكبوت/8 ، وقال : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان/15 ، فكيف يكون حقها عليكِ إن كانت مسلمة موحِّدة ؟ .(/1)
عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما قالت : قدمت عليَّ أمي وهي مشركة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستفتيتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قلت : وهي راغبة أفأصل أمي ؟ قال : " نعم ، صِلي أمك " .
رواه البخاري ( 2477 ) ومسلم ( 1003 ) .
ومعنى راغبة : أي : تطلب بر ابنتها لها .
فاجمعي بين الخيريْن ، وبرِّي أمكِ وحماتك ، وإذا تعارض الأمران فلا تقدِّمي على أمكِ حماتك ولا غيرها من النساء ، لكن بشرط ألا تفسدي ما بينك وبين زوجك .
ونسأل الله أن يوفقك لما فيه رضاه ، وأن يجعلك من الصالحات القانتات .
وانظري جواب الأسئلة ( 22782 ) و ( 5326 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
83093
العنوان:
إذا سألها زوجها عن ماضيها فهل لها أن تحلف كذباً أو تورية
السؤال:
أريد أن أسأل إذا كان لإحدى الفتيات ماض من الخوض في المعاصي ثم تابت ورجعت إلى الله عز وجل وجاءها من يتقدم لخطبتها بعد أن التزمت فهل تخبره عن هذا الماضي؟ ولو سألها هو فهل تكذب ؟ وإن كان عليها أن تكذب فهل يجوز أن تحلف كذبا إذا اضطرت لهذا؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من ابتلي بشيء من المعاصي ثم تاب ، تاب الله عليه ، وبدل سيئاته حسنات ، مهما كان ذنبه ، ومهما عظم جرمه ، كما قال سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا . إِلا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) الفرقان/68– 70
والمهم أن تكون التوبة صادقة نصوحا خالصة لله تعالى .
ثانيا :
من إحسان الله تعالى على عبده أن يستره ، ولا يكشف أمره ، ولهذا كان من القبيح أن يفضح الإنسان نفسه وقد ستره الله ، بل أن ينبغي أن يستتر بستر الله تعالى ، والنصوص الشرعية مؤكدة لذلك ، حاثة عليه في غير ما موضع . فمن ذلك :
قوله صلى الله عليه وسلم : ( اجتنبوا هذه القاذورة التي نهى الله عز وجل عنها ، فمن ألمّ فليستتر بستر الله عز وجل ) والحديث رواه البيهقي وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (663)
وروى مسلم (2590) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَلَى عَبْدٍ فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ).(/1)
وهذا من البشارة للتائب الذي ستره الله تعالى في الدنيا ، أن الله سيستره في الآخرة ، وقد حلف النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى تأكيدا له ، فقد روى أحمد (23968) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ثَلَاثٌ أَحْلِفُ عَلَيْهِنَّ لَا يَجْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ لَهُ سَهْمٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَنْ لَا سَهْمَ لَهُ فَأَسْهُمُ الْإِسْلَامِ ثَلَاثَةٌ الصَّلَاةُ وَالصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ ، وَلَا يَتَوَلَّى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا فَيُوَلِّيهِ غَيْرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُحِبُّ رَجُلٌ قَوْمًا إِلَّا جَعَلَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَعَهُمْ وَالرَّابِعَةُ لَوْ حَلَفْتُ عَلَيْهَا رَجَوْتُ أَنْ لَا آثَمَ لَا يَسْتُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَبْدًا فِي الدُّنْيَا إِلَّا سَتَرَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) وصححه الألباني في السلسة الصحيحة برقم (1387)
وقال صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلَّا الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلًا ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلَانُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ ) رواه البخاري (6069) ومسلم (2990).
وبهذا يُعلم أن المرأة لا تخبر خاطبها أو زوجها بشيء من معاصيها ، ولو سألها فإنها لا تخبره ، وتستعمل المعاريض والتورية ، وهي الكلام الذي يفهم منه السامع معنى ، خلاف ما يريد المتكلم ، كأن تقول : لم يكن لي علاقة بأحد ، وتقصد لم يكن لي علاقة بأحد قبل يوم أو يومين ، ونحو هذا .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في التعليق على قصة ماعز رضي الله عنه :(/2)
" ويؤخذ من قضيته : أنه يستحب لمن وقع في مثل قضيته أن يتوب إلى الله تعالى ويستر نفسه ولا يذكر ذلك لأحد كما أشار به أبو بكر وعمر على ماعز . وأن مَن اطلع على ذلك يستر عليه بما ذكرنا ، ولا يفضحه ، ولا يرفعه إلى الإمام كما قال صلى الله عليه وسلم في هذه القصة " لو سترته بثوبك لكان خيراً لك " ، وبهذا جزم الشافعي رضي الله عنه ، فقال : أُحبُّ لمَن أصاب ذنباً فستره الله عليه أن يستره على نفسه ويتوب واحتج بقصة ماعز مع أبي بكر وعمر .
وفيه : أنه يستحب لمن وقع في معصية وندم أن يبادر إلى التوبة منها ، ولا يخبر بها أحداً ويستتر بستر الله ، وإن اتفق أنه أخبر أحداً : فيستحب أن يأمره بالتوبة وستر ذلك عن الناس كما جرى لماعز مع أبي بكر ثم عمر " انتهى من "فتح الباري" (12/124).
ثالثا :
ينبغي للزوج أن يختار صاحبة الدين والخلق ، فإذا وُفق لذلك فلا يفتِّش في ماضيها ، ولا يسألها عن معاصيها ، فإن ذلك مخالف لما يحبه الله تعالى من الستر ، مع ما فيه من إثارة الشك ، وتكدير الخاطر ، وتشويش البال ، والإنسان في غنى عن ذلك كله ، فحسبه أن يرى زوجته مستقيمة على طاعة الله ، ملتزمة بأمره . وهكذا الزوجة لا تسأل زوجها عن أموره الماضية ، هل أحب غيرها ، أو تعلق بسواها ، أو زل في معصية ، فإن هذا لا خير فيه ، ويفتح بابا من الشر قد لا يمكن تلافيه ، وهو مخالف لمراد الشارع كما سبق .
رابعا :
إذا ألح الزوج في سؤال زوجته ، أو بلغه كلام أراد التحقق منه ، ولم تجد وسيلة لستر نفسها إلا أن تحلف له ، فيجوز لها أن تحلف وأن تُورّي في حلفها كما سبق ، فتقول : والله ما كان شيء من ذلك ، أو لم أفعل ذلك ، وتقصد : لم أفعله بالأمس مثلا .(/3)
وقد فصّل أهل العلم في مسألة الحلف وما يجوز فيه من التأويل والتورية ، وما لا يجوز ، وحاصل كلامهم أن الإنسان ليس له أن يوري في حلفه عند القاضي ، إلا إذا كان مظلوما . أما عند غير القاضي ، فله التورية إن كان مظلوما – لا ظالما -، أو يخاف أن يترتب على صدقه مضرة له أو لغيره ، أو كان هناك مصلحة في توريته .
قال ابن قدامة رحمه الله : " مسألة : قال : وإذا حلف , فتأول في يمينه , فله تأويله إذا كان مظلوما .
ومعنى التأويل : أن يقصد بكلامه محتَمَلا يخالف ظاهره , نحو أن يحلف : إنه أخي , يقصد أخوة الإسلام , أو المشابهة , أو يعني بالسقف والبناء السماء ... ، أو يقول : والله ما أكلت من هذا شيئا , ولا أخذت منه . يعني : الباقي بعد أخذه وأكله .
فهذا وأشباهه مما يسبق إلى فهم السامع خلافه , إذا عناه بيمينه , فهو تأويل ; لأنه خلاف الظاهر .
ولا يخلو حال الحالف المتأول , من ثلاثة أحوال :
أحدها : أن يكون مظلوما , مثل من يستحلفه ظالم على شيء , لو صدَقه لظلمه , أو ظلم غيره , أو نال مسلما منه ضرر . فهذا له تأويله .
وقد روى أبو داود , بإسناده عن سويد بن حنظلة , قال : خرجنا نريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا وائل بن حجر , فأخذه عدو له , فتحرج القوم أن يحلفوا , فحلفت أنه أخي , فخلى سبيله , فأتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له فقال : ( أنت أبرُّهم وأصدقُهم , المسلم أخو المسلم ) صححه الألباني في صحيح أبي داود
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب ) [ضعيف ، وصح موقوفا عن عمر. ينظر : صحيح الأدب المفرد 857] . يعني سعة المعاريض التي يوهم بها السامع غيرَ ما عناه .
قال محمد بن سيرين : الكلام أوسع من أن يكذب ظريف يعني لا يحتاج أن يكذب ; لكثرة المعاريض , وخص الظريف بذلك ; يعني به الكيس الفطن , فإنه يفطن للتأويل , فلا حاجة به إلى الكذب .(/4)
الحال الثاني : أن يكون الحالف ظالما , كالذي يستحلفه الحاكم على حق عنده , فهذا ينصرف يمينه إلى ظاهر اللفظ الذي عناه المستحلف , ولا ينفع الحالف تأويله . وبهذا قال الشافعي . ولا نعلم فيه مخالفا ؛ فإن أبا هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يمينك على ما يصدقك به صاحبك ) رواه مسلم وأبو داود .
وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( اليمين على نية المستحلف } . رواه مسلم .
وقالت عائشة : اليمين على ما وقع للمحلوف له .
ولأنه لو ساغ التأويل , لبطل المعنى المبتغى باليمين ؛ إذ مقصودها تخويف الحالف ليرتدع عن الجحود , خوفا من عاقبة اليمين الكاذبة , فمتى ساغ التأويل له , انتفى ذلك , وصار التأويل وسيلة إلى جحد الحقوق , ولا نعلم في هذا خلافا .
الحال الثالث : لم يكن ظالما ولا مظلوما , فظاهر كلام أحمد , أن له تأويله , فروي أن مَهَنّا كان عنده , هو والمروذي وجماعة , فجاء رجل يطلب المروذي , ولم يرد المروذي أن يكلمه , فوضع مهنا أصبعه في كفه , وقال : ليس المروذي هاهنا , وما يصنع المروذي هاهنا ؟ يريد : ليس هو في كفه ، ولم ينكر ذلك أبو عبد الله .
... وقال أنس : إن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله , احملني . فقال رسول الله : ( إنا حاملوك على ولد الناقة . قال : وما أصنع بولد الناقة ؟ قال : وهل تلد الإبل إلا النوق ؟ ) . رواه أبو داود .
وقال لرجل احتضنه من ورائه : ( من يشتري هذا العبد ؟ فقال : يا رسول الله , تجدني إذا كاسدا . قال : لكنك عند الله لست بكاسد ) .
وهذا كله من التأويل والمعاريض , وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم حقا , فقال ( لا أقول إلا حقا )..." انتهى ـ باختصار ـ من "المغني" (9/420).
وقال شيخ الإسلام رحمه الله فيمن اغتاب إنسانا ثم تاب وأحسن :(/5)
" وعلى الصحيح من الروايتين لا يجب له الاعتراف لو سأله ، فيعرّض ولو مع استحلافه ؛ لأنه مظلوم ، لصحة توبته ، وفي تجويز التصريح بالكذب المباح ههنا نظر . ومع عدم توبةٍ وإحسانٍ تعريضُه كذب ، ويمينه غموس ، واختيار أصحابنا : لا يُعلمه ؛ بل يدعو له في مقابلة مظلمته " انتهى من "الاختيارات الفقهية" (5/507) مطبوع مع الفتاوى الكبرى ، ونقله ابن مفلح في الفروع (7/97).
وينظر تفصيل مسألة التأويل في الحلف في "الموسوعة الفقهية" (7/306).
خامسا :
جاءت الرخصة في الكذب في ثلاثة مواضع ، كما في الحديث الذي رواه الترمذي (1939) وأبو داود (4921) عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ يَزِيدَ قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَحِلُّ الْكَذِبُ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ يُحَدِّثُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ لِيُرْضِيَهَا وَالْكَذِبُ فِي الْحَرْبِ وَالْكَذِبُ لِيُصْلِحَ بَيْنَ النَّاسِ ). والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وهو محمول عند جماعة من أهل العلم على الكذب الصريح ، لا التورية ، وقد ألحقوا به ما دعت إليه الضرورة أو المصلحة الراجحة ، فيجوز الكذب فيه . وإن احتاج إلى الحلف ، حلف ولا شيء عليه ، والأولى أن يستعمل المعاريض كما سبق .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْحَرْب خُدْعَة ) ... وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث جَوَاز الْكَذِب فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء : أَحَدهَا فِي الْحَرْب . قَالَ الطَّبَرِيُّ : إِنَّمَا يَجُوز مِنْ الْكَذِب فِي الْحَرْب الْمَعَارِيض دُون حَقِيقَة الْكَذِب , فَإِنَّهُ لَا يَحِلّ , هَذَا كَلَامه , وَالظَّاهِر إِبَاحَة حَقِيقَة نَفْس الْكَذِب لَكِنْ الِاقْتِصَار عَلَى التَّعْرِيض أَفْضَل . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .(/6)
وقال السفاريني رحمه الله : " فهذا ما ورد فيه النص ، ويقاس عليه ما في معناه ، ككذبه لستر مال غيره عن ظالم , وإنكاره المعصية للستر عليه ، أو على غيره ما لم يجاهر الغير بها , بل يلزمه الستر على نفسه وإلا كان مجاهرا , اللهم إلا أن يريد إقامة الحد على نفسه كقصة ماعز , ومع ذلك فالستر أولى ويتوب بينه وبين الله تعالى .
ثم قال السفاريني : " والحاصل أن المعتمد في المذهب أن الكذب يجوز حيث كان لمصلحة راجحة كما قدمناه عن الإمام ابن الجوزي , وإن كان لا يتوصل إلى مقصود واجب إلا به وجب . وحيث جاز فالأولى استعمال المعاريض " انتهى من "غذاء الألباب" (1/141).
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
" ..فالمشروع للمؤمن أن يقلل من الأيمان ولو كان صادقا ؛ لأن الإكثار منها قد يوقعه في الكذب ، ومعلوم أن الكذب حرام ، وإذا كان مع اليمين صار أشد تحريماً ، لكن لو دعت الضرورة أو المصلحة الراجحة إلى الحلف الكاذب فلا حرج في ذلك ؛ لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس فينمي خيرا ويقول خيراً . قالت : ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقول الناس إنه كذب إلا في ثلاث : الإصلاح بين الناس ، والحرب ، وحديث الرجل امرأته ، وحديث المرأة زوجها ) رواه مسلم في الصحيح . فإذا قال في إصلاحٍ بين الناس : والله إن أصحابك يحبون الصلح ، ويحبون أن تتفق الكلمة ، ويريدون كذا وكذا ، ثم أتى الآخرين وقال لهم مثل ذلك ، ومقصده الخير والإصلاح : فلا بأس بذلك للحديث المذكور .
وهكذا لو رأى إنساناً يريد أن يقتل شخصاً ظلماً أو يظلمه في شيء آخر ، فقال له : والله إنه أخي ، حتى يخلصه من هذا الظالم إذا كان يريد قتله بغير حق أو ضربه بغير حق ، وهو يعلم أنه إذا قال : أخي تركه احتراما له : وجب عليه مثل هذا لمصلحة تخليص أخيه من الظلم .(/7)
والمقصود : أن الأصل في الأيمان الكاذبة المنع والتحريم ، إلا إذا ترتب عليها مصلحة كبرى أعظم من الكذب ، كما في الثلاث المذكورة في الحديث السابق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (1 /54) .
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
83099
العنوان:
سرق أموالا من أبيه ومن غيره ويريد التوبة
السؤال:
ببساطة شديدة أنا شاب من الله تبارك وتعالى عليَّ بالالتزام قبل فترة وجيزة فقط بعد فترة حافلة بالمعاصي على عمري القصير نسبياً (20 عاماً) وقد قمت ولله الحمد بالتوبة إلى الله تبارك وتعالى من كل ذنوبي التي مارستها وحمدته وشكرت فضله علي أن هداني للالتزام ومن علي به وقد بدأت بالتعرف أكثر على ديني وقد صدمت لما قرأت وسمعت عن التوبة من السرقة -وكنت قد بليت بها - وعلمت أن توبة السارق لا تقبل إلا لو رد إلى العباد حقوقهم وأخبرهم بما ارتكب في حقهم وقبلوا منه ما قال وسامحوه وكذا كل من أكل من مال الناس بالباطل لا تقبل توبته إلا لو رد المال الحرام وهنا تأتى المصيبة التي تواجهني والتي سأحاول تفصيلها في نقاط كي تكون واضحة ويسهل الإجابة عليها في هيئة نقاط: - أول شيء أنا قمت بالسرقة من والدي وأكثر من مرة وبآلاف الريالات وهو ما سبب في بعض الأوقات مشاكل في البيت وخلافا ولو أخبرته أني كنت السارق لربما أحدث هذا بعض المشاكل (وأقول ربما فقد يحدث وقد لا يحدث والله تعالى أعلم) فماذا أفعل هل يجب عليَّ أن أخبره وأتحمل تبعة المشاكل التي ربما أكون في غنى عنها والتي قد أتمكن من تحملها في المستقبل وليس الآن أم أن الإخبار واجب في الحال لأني وكما قلت ربما -والله أعلم- أستطيع تحمل هذه المشاكل في المستقبل ولكني أراها الآن من الصعوبة بمكان أن أتحملها وأن يسامحني والدي أيضاً – ثاني شيء وهو أساس المشكلة أني الآن لا أستطيع تسديد أي مبلغ مما سرقت ولا حتى ريالات محدودة لا آلاف الريالات - فبالطبع كل ما قمت بسرقته قد تم صرفه من وقت قديم- أنا مازلت طالبا ومازلت أتقاضى مصروفي من والدي وأبذل قصارى جهدي في الدعاء وفى بذل الأسباب الدنيوية لفتح أي باب -حلال بالطبع- للرزق أستطيع من خلاله أن أبدأ بسداد ما علي من أموال قمت بسرقتها في الماضي وأرجو الله(/1)
أن يوفقني في ذلك وإن استطعت فإني لن أستطيع بطبيعة الحال تسديد المال دفعة واحدة ولكنى أعتقد أني سأبدأ بذلك -متى توفر لي عمل ومصدر دخل- على مراحل كلما تجمع لدي مال سددته لوالدي .. وكما ذكرت سلفاً فإني ربما لن أستطيع أن أخبر والدي -ولو أخبرتموني أنه يجب علي إخباره فسأخبره ولن أبالي بالعواقب- بأني سارق أمواله فسوف أقدم له الأموال على دفعات كما ذكرت على أنها من باب الهدية أو المساعدة أو أي طريقة أخرى وبالطبع في نيتي سداد ديوني فهل يجوز هذا أم يجب أن يعلم أن ما يتقاضاه من أموال هي أمواله التي كنت قد سرقتها منه – ثالث شيء بالنسبة للمبالغ لا أستطيع بالضبط تحديد حجم المبالغ التي قمت بسرقتها ولا أستطيع الاقتراب من الرقم لأنه تعدى الآلاف حيث لم يقتصر الأمر على مرة أو اثنتين بل تواصل على مدى سنين وفى كل مرة كان حجم المال المسروق يختلف عن السابقة وقد حاولت أكثر من مرة حساب الكم ولو تقريبياً ولكن أشعر أحياناً بأن المبلغ أكثر بكثير مما سرقت وأحياناً بأنه أقل .. فكيف أقوم بالحساب ؟ لأني أخاف إن قربت مهما قربت أن يبقى علي ولو ريال واحد يكون بيني وبين الجنة هو الحائل – رابع شيء هناك أناس لا أتذكر أسماءهم ولا أعرف أماكن إقامتهم بل ربما هناك من أتذكر ومن لا أتذكر ممن قمت بسرقتهم من أناس ربما لم ألقهم إلا قليلاً جداً في حياتي ولم أسرق منهم إلا أموالا من باب الفراغ!! فكيف أرجع إليهم أموالهم وأستسمحهم مع العلم أني الآن لا أعلم عنهم أي شيء ولا أتذكر كم سرقت منهم ولكنى أستطيع التقدير فهل أقدر الأموال -حين أتحصل عليها إن شاء الله- وأخرجها في سبيل الله على سبيل الرد أم ماذا أفعل بالضبط في هذا الشأن؟؟ هناك بالطبع الكثير من الأغراض التي اشتريتها من الأموال التي سرقتها من والدي ربما أستطيع الاستغناء عن بعضها الآن وربما البعض لا -فعلى سبيل المثال لا أستطيع الآن التخلي عن كل ملابسي بدون مقدمات وأطلب من(/2)
أهلي ملابس كلية جديدة تماما- فعندما أسدد الأموال هل تصبح هذه الأغراض ملكاً خالصاً لي أم يجب عليَّ إخراجها أيضاً وإذا كان هناك بعض الأغراض -أجهزة وأغراض شخصية وكتب وخلافه- أود الإبقاء عليها فماذا أفعل لكي تصبح هذه الأغراض ملكية خاصة لي؟؟ - ما يقلقني وربما بسببه أكتب المشكلة للمرة الثانية ولو اقتضى الأمر أن أكتبها مئات المرات لفعلت هو أني أخشى الموت قبل تسديد ديني لو أتاني الموت فماذا أقول لربى؟؟ وماذا أفعل بين يديه وماذا أقول؟؟ ولو بدأت بتسديد الأموال وقبضت قبل أن أكمل سدادها فكيف سيكون موقفي بين يدي ربى؟؟ العفو أم العقاب؟؟ إني أكاد أدمر عندما سمعت اليوم حديثاً يتحدث عن آكل أموال الناس بالباطل وكيف لا يستجيب الله له دعاءه وانأ منذ التزمت أحاول قدر المستطاع المداومة على الدعاء فمعنى هذا أن دعائي لا يقبل؟؟ ملبسي كله تقريباً من حرام وكم نبت في جسدي نبت تلو نبت تلو نبت من حرام .. أفيدوني بالله عليكم ماذا أفعل أعلم أنى أطلت وتجاوزت حدود الأدب في الإطالة ولكن ما بي من حيرة ومن خوف لا يعلمه إلا الله ويعلم الله أنى لأطرق كل الأبواب لأحصل على أموال أسدد منها ما علي ولا أرجو منكم إلا أن تساعدوني في التخلص من بقايا آثامي وبقايا معاصي الماضي كي أستطيع الوصول إلى ربى وأن يتقبل منى دعائي وأرجو منكم بالله عليكم أستحلفكم بالله أن تصلوا للشباب ما استطعتم فلا يصلوا إلى ما وصلت إليه ، عوذوهم بالله فلا يتلبسهم الشيطان كما تلبسني ولا يصبحوا شياطين على الأرض تسير وفقنا الله وإياكم واعذروني على ما سببته لكم من صداع من كثرة الكلام فإنما هو غيض من فيض مما يجوس في صدري وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى الذي وفقك وهداك وأنعم عليك بنعمة الالتزام ، ونسأله سبحانه أن يزيدك إيمانا وهدى وتقى .
ثانيا :(/3)
يشترط لصحة التوبة فيما يتعلق بحقوق العباد : رد المظالم أو التحلل منها ؛ لما روى البخاري (2449) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "مَنْ كَانَتْ لَهُ مَظْلَمَةٌ لِأَخِيهِ مِنْ عِرْضِهِ أَوْ شَيْءٍ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهُ الْيَوْمَ قَبْلَ أَنْ لَا يَكُونَ دِينَارٌ وَلَا دِرْهَمٌ إِنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ أُخِذَ مِنْهُ بِقَدْرِ مَظْلَمَتِهِ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ صَاحِبِهِ فَحُمِلَ عَلَيْهِ ).
قال النووي رحمه الله : " قال العلماء: التوبة واجبة من كل ذنب ، فإن كانت المعصية بين العبد وبين الله تعالى لا تتعلق بحق آدمي فلها ثلاثة شروط : أحدها : أن يقلع عن المعصية. والثاني : أن يندم على فعلها . والثالث : أن يعزم أن لا يعود إليها أبدا . فإن فقد أحد الثلاثة لم تصح توبته .
وإن كانت المعصية تتعلق بآدمي فشروطها أربعة : هذه الثلاثة ، وأن يبرأ من حق صاحبها ، فإن كانت مالا أو نحوه رده إليه ، وإن كانت حد قذف ونحوه مكّنه منه أو طلب عفوه ، وإن كانت غيبة استحله منها " انتهى من "رياض الصالحين" ص 33
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة (15/352) : " س : منذ صغري إذا رأيت أبي وضع شيئا سواء من النقود أو أي انتفاع ، وأنا آخذ ، ولا يعرف أبي ذلك ، وبعد أن أصبحت كبيرا خفت الله وتركت كل هذا العمل ، والآن يجوز لي أن أعترف لأبي بذلك الفعل أم لا ؟
ج : يجب عليك أن ترد ما أخذت من والدك من النقود وغيرها إلا إذا كان شيئا يسيرا للنفقة فلا حرج " انتهى .
ثانيا :
إذا سرق الإنسان مال غيره ، وشق عليه أن يخبره بذلك ، أو خشي زيادة المفسدة بإخباره ، كأن تحصل القطيعة بينهما ، فلا يلزمه إخباره ، بل يرد المال إليه بأي طريق ممكن ، كأن يدخله في حسابه ، أو يعطيه لمن يوصله إليه .(/4)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " … فإذا سرقتَ من شخصٍ أو من جهة ما سرقةً : فإن الواجب عليك أن تتصل بمن سرقت منه وتبلغه وتقول إن عندي لكم كذا وكذا ، ثم يصل الاصطلاح بينكما على ما تصطلحان عليه ، لكن قد يرى الإنسان أن هذا الأمر شاق عليه وأنه لا يمكن أن يذهب – مثلاً – إلى شخص ويقول أنا سرقت منك كذا وكذا وأخذت منك كذا وكذا ، ففي هذه الحال يمكن أن توصل إليه هذه الدراهم – مثلاً – من طريق آخر غير مباشر مثل أن يعطيها رفيقاً لهذا الشخص وصديقاً له ، ويقول له هذه لفلان ويحكي قصته ويقول أنا الآن تبت إلى الله – عز وجل – فأرجو أن توصلها إليه .
وإذا فعل ذلك فإن الله يقول { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً } الطلاق / 2 ، { وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً } الطلاق / 4 .
فإذا قُدِّر أنك سرقتَ من شخصٍ لا تعلمه الآن ولا تدري أين هو : فهذا أيضاً أسهل من الأول ؛ لأنه يمكنك أن تتصدق بما سرقتَ بنيَّة أنه لصاحبه ، وحينئذٍ تبرأ منه .
إن هذه القصة التي ذكرها السائل توجب للإنسان أن يبتعد عن مثل هذا الأمر ؛ لأنه قد يكون في حال طيش وسفهٍ فيسرق ولا يهتم ، ثم إذا منَّ الله عليه بالهداية يتعب في التخلص من ذلك " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " ( 4 / 162) .
ثالثا :
يجب رد المال إلى المسروق منه ، أو إلى ورثته في حال موته ، فإن تعذرت معرفته أو الوصول إليه ، فإنه يتصدق بالمال عنه ، على أنه متى جاء يوما من الدهر خيّر بين إمضاء الصدقة ، أو إعطائه المال .(/5)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" في جندي سرق مالا من عبدٍ : " إن كان يعرف العبدَ أو يعرف من يعرفه : فيتعين عليه البحث عنه ليسلم له نقوده فضة أو ما يعادلها أو ما يتفق معه عليه ، وإن كان يجهله وييأس من العثور عليه : فيتصدق بها أو بما يعادلها من الورق النقدي عن صاحبها ، فإن عثر عليه بعد ذلك فيخبره بما فعل فإن أجازه فبها ونعمت ، وإن عارضه في تصرفه وطالبه بنقوده : ضمنها له وصارت له الصدقة ، وعليه أن يستغفر الله ويتوب إليه ويدعو لصاحبها " انتهى من " فتاوى إسلاميَّة " (4 /165) .
رابعا :
إذا جهلت قدر المال المسروق ، فردّ ما يغلب على ظنك أنك تبرأ به ، فتقدر المبلغ تقديرا ، وتحتاط فتخرج بأزيد ، فإن دار الأمر بين أن يكون المال عشرة – مثلا – أو ثمانية ، فأخرج عشرة ، حتى تبرأ ذمتك بيقين .
خامسا :
ما عجزت عن رده الآن ، فهو دين عليك ، لا تبرأ ذمتك إلا بدفعه ، والواجب عليك حينئذ أن تثبته في وصية لك ، خشية أن يفاجئك الموت قبل سداده ؛ لما روى البخاري (2738) ومسلم (1627) عن ابن عمر أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ ثَلَاثَ لَيَالٍ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ عِنْدَهُ مَكْتُوبَةٌ". قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: مَا مَرَّتْ عَلَيَّ لَيْلَةٌ مُنْذُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ذَلِكَ إِلَّا وَعِنْدِي وَصِيَّتِي ).(/6)
واعلم أن التائب الصادق إن عزم على رد المال لأهله ، ثم فاجأه الموت ، فإنه يرجى من الله تعالى أن يعفو ويتجاوز عنه وأن يرضي عنه أصحاب الأموال يوم القيامة ، ويُستأنس لهذا بما رواه البخاري (2387) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ).
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح : " قَوْله : ( أَدَّى اللَّه عَنْهُ ) فِي رِوَايَة الكُشْمِيهَنِيّ " أَدَّاهَا اللَّه عَنْهُ " . وَلِابْن مَاجَهْ وَابْن حِبَّان وَالْحَاكِمِ مِنْ حَدِيث مَيْمُونَة " مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدَّانُ دَيْنًا يَعْلَمُ اللَّه أَنَّهُ يُرِيدُ أَدَاءَهُ إِلَّا أَدَّاهُ اللَّه عَنْهُ فِي الدُّنْيَا " وَظَاهِره يُحِيلُ الْمَسْأَلَةَ الْمَشْهُورَةَ فِيمَنْ مَاتَ قَبْلَ الْوَفَاءِ بِغَيْرِ تَقْصِير مِنْهُ كَأَنْ يُعْسِرَ مَثَلًا أَوْ يَفْجَأَهُ الْمَوْت وَلَهُ مَالٌ مَخْبُوءٌ وَكَانَتْ نِيَّته وَفَاء دَيْنه وَلَمْ يُوَفَّ عَنْهُ فِي الدُّنْيَا .
وَيُمْكِنُ حَمْل حَدِيث مَيْمُونَة عَلَى الْغَالِبِ , وَالظَّاهِر أَنَّهُ لَا تَبِعَةَ عَلَيْهِ وَالْحَالَة هَذِهِ فِي الْآخِرَةِ بِحَيْثُ يُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِهِ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ , بَلْ يَتَكَفَّلُ اللَّهُ عَنْهُ لِصَاحِبِ الدَّيْنِ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيث الْبَابِ وَإِنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ اِبْن عَبْد السَّلَام وَاللَّه أَعْلَمُ " انتهى .
سادسا :
ما كان في يدك من الأمتعة المسروقة يلزمك رده على أهله ، أو التصدق به ، أو بثمنه بعد بيعه – في حال عدم معرفتهم -.(/7)
وما اشتريته من الأمتعة بالمال الحرام ، إن قدرت على بيعه ورد ثمنه على أصحابه ، أو التصدق به عنهم فافعل ، فإنهم أولى بهذا المال وأحق به .
وفي حال توبتك وردك المال لأهله ، تصبح هذه الأمتعة المشتراة بالمال المسروق ملكا حلالا لك .
وأخيرا نوصيك بالإكثار من الاستغفار والأعمال الصالحة ، والاجتهاد في بر الوالدين ، وبذل النفس في خدمتهما والإحسان إليهما ، فإن الله تعالى يقول في شأن التوبة : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82
وفقنا الله وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
83117
العنوان:
حكم من تكررت منه الردة
السؤال:
تنص سورة النساء على أن الله لن يقبل إسلام من يكفر أكثر من 3 مرات ، ولن يهديه ، فهل يشمل ذلك ترك الصلاة على سبيل المثال 3 مرات ؟
الجواب:
الحمد للَّه
القاعدة العظيمة التي يقررها الله سبحانه وتعالى في وحيه ، ويذكر أنها قاعدة الحساب ومبدأ الثواب والعقاب ، أن التوبة تَجُبُّ ما قبلها ، وأن الإسلام يهدم ما كان قبله ، وأن باب التوبة مفتوح لكل عبد ، ولو وقع في الذنب والكفر مرّاتٍ ومرّاتٍ ، فإنَّ كرمه سبحانه وتعالى ورحمته بعباده اقتضت أن تقبل توبة التائب ويغفر له ذنبه .
يقول الله عز وجل : ( قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ ) الأنفال/38
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ الْإِسْلَامَ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ، وَأَنَّ الْهِجْرَةَ تَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلِهَا ، وَأَنَّ الْحَجَّ يَهْدِمُ مَا كَانَ قَبْلَهُ ) رواه مسلم (121)
كما جاءت الآيات تدل على قبول توبة المرتد إذا عاد إلى الإسلام وصدقت توبته :
يقول سبحانه وتعالى : ( كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ وَشَهِدُواْ أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَجَاءهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * أُوْلَئِكَ جَزَآؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ * خَالِدِينَ فِيهَا لاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنظَرُونَ )
وبعد ذلك كله قال سبحانه : ( إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) آل عمران/86-89(/1)
أما من ارتد ثم ازداد كفرا وطغيانا ، ولم يتب ، ولم يرجع إلى الإسلام ، فهذا هو الذي جاءت الآية في سورة النساء – التي قصدها السائل الكريم – وجاءت آية آل عمران أيضا بعدم قبول توبته .
يقول سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّن تُقْبَلَ تَوْبَتُهُمْ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الضَّآلُّونَ * إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَمَاتُواْ وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مِّلْءُ الأرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) آل عمران/90-91
وقال سبحانه : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ) النساء/137
يقول ابن كثير رحمه الله في "تفسير القرآن العظيم" (1/753) :
" يخبر تعالى عمن دخل في الإيمان ثم رجع عنه ، ثم عاد فيه ، ثم رجع واستمر على ضلاله ، وازداد حتى مات ، فإنه لا توبة بعد موته ، ولا يغفر الله له ، ولا يجعل له مما هو فيه فرجا ولا مخرجا ولا طريقا إلى الهدى ، ولهذا قال : ( لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم سبيلا ) قال ابن أبي حاتم .. عن ابن عباس في قوله تعالى : ( ثم ازدادوا كفرا ) قال : تمادوا على كفرهم حتى ماتوا . وكذا قال مجاهد " انتهى .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (16/28-29) :
" وهؤلاء الذين لا تقبل توبتهم قد ذكروا فيهم أقوالا :(/2)
قيل لنفاقهم ، وقيل : لأنهم تابوا مما دون الشرك ولم يتوبوا منه ، وقيل لن تقبل توبتهم بعد الموت ، وقال الأكثرون كالحسن وقتادة وعطاء الخراساني والسدى : لن تقبل توبتهم حين يحضرهم الموت ، فيكون هذا كقوله ( وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلاَ الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ ) النساء/18
و كذلك قوله ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْراً لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً ) النساء/137
قال مجاهد وغيره من المفسرين : ( ازدادوا كفرا ) ثبتوا عليه حتى ماتوا .
قلت ( هو ابن تيمية ) : وذلك لأن التائب راجع عن الكفر ، ومن لم يتب فإنه مستمر ، يزداد كفرا بعد كفر ، فقوله : ( ثم ازدادوا ) بمنزلة قول القائل : ثم أصروا على الكفر ، واستمروا على الكفر ، وداموا على الكفر ، فهم كفروا بعد إسلامهم ، ثم زاد كفرهم وما نقص ، فهؤلاء لا تقبل توبتهم ، وهي التوبة عند حضور الموت ؛ لأن من تاب قبل حضور الموت فقد تاب من قريب ، ورجع عن كفره ، فلم يزدد ، بل نقص ، بخلاف المصر إلى حين المعاينة " انتهى .
ولم يختلف أهل العلم في أن المرتد إذا صدقت توبته ورجع إلى الإسلام ، فإن الله سبحانه وتعالى يقبله عنده ويغفر له ما قد مضى وسلف ، وإن تكررت ردته .
هذا بالنسبة لما عند الله تعالى في الآخرة .
وأما بالنسبة لأحكام الظاهر في الدنيا فقد قال بعض أهل العلم بأن من تكررت ردته فإننا نقتله ولا نقبل توبته ، فالخلاف بين أهل العلم هو في قبول التوبة من حيث أحكام الظاهر ، وليس بالنسبة لما عند الله سبحانه وتعالى .
يقول ابن قدامة في "المغني" (12/271ط هجر ) :(/3)
" وفي الجملة ، فالخلاف بين الأئمة في قبول توبتهم في الظاهر من أحكام الدنيا وترك قتلهم وثبوت أحكام الإسلام في حقهم .
وأما قبول الله تعالى لها في الباطن ، وغفرانه لمن تاب وأقلع باطنا وظاهرا ، فلا خلاف فيه " انتهى .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (16/30) :
" والفقهاء إذا تنازعوا فى قبول توبة من تكررت ردته أو قبول توبة الزنديق ، فذاك إنما هو فى الحكم الظاهر ؛ لأنه لا يوثق بتوبته ، أما إذا قدر أنه أخلص التوبة لله فى الباطن ، فإنه يدخل فى قوله : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 " انتهى .
على أن الصحيح من قولي أهل العلم أن توبة من تكررت ردته مقبولة في أحكام الظاهر أيضا ، وتجري عليه أحكام الإسلام ، وهو قول جماهير أهل العلم : الحنفية والشافعية والمشهور عند المالكية ، وآخر قولي أحمد بن حنبل .
انظر حاشية تبيين الحقائق (3/284) ، فتح القدير (6/68) ، الإنصاف (10/332-335)
تحفة المحتاج (9/96) ، كشاف القناع (6/177-178) ، "الموسوعة الفقهية" (14/127-128)
وعزا في المبسوط (10/99-100) لعلي وابن عمر عدم قبول توبة من تكررت ردته .
وعليه فإن توبة تارك الصلاة مقبولة إذا صدق ، ولو تكرر منه الترك مرات كثيرة ، ولكن على العبد أن يحذر ، فقد تأتيه المنية قبل أن يوفق للتوبة ، وقد يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا قبل الآخرة .
نسأل الله تعالى أن يرحمنا وإياكم برحمته الواسعة .
والله تعالى أعلم .(/4)
رقم السؤال:
83133
العنوان:
السنة أن يسنّم القبر ويرفع قدر شبر
السؤال:
قرأت الحديث عن تسوية القبور المرتفعة المروي عن علي (رضي الله عنه). وقد كان قبر جدتي مرتفعاً بقدر أربعة أقدام تقريباً ، ومبنيا من الرخام . وقد هدمت الجزء العلوي من القبر وجعلته منخفضاً – اتباعاً للسنة . وبعد ذلك صادف أن قرأت الإجابة عن السؤال رقم 8991 في هذا الموقع والذي يتضمن عبارة: " ومِن رفع القبور الداخل تحت الحديث: القُبب والمشاهد المبنية على القبور، واتخاذ القبور مساجد..." . والآن أشعر بالقلق أنني ربما فعلت شيئاً فيه امتهان للقبر أو لروح جدتي ؟!! ثانياً، كبار الأسرة يلعنوني بسبب ما فعلت . فهل ارتكبت خطأً ، وإذا كان كذلك فماذا ينبغي أن أفعل؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
السنة أن يرفع القبر عن الأرض قدر شبر ، وأن يجعل مسنّما لا مسطحا ، في قول جمهور العلماء ؛ لما روى البخاري (1390) عَنْ سُفْيَانَ التَّمَّارِ أَنَّهُ رَأَى قَبْرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُسَنَّمًا.
وروى ابن حبان في صحيحه (6635) والبيهقي في السنن (6527) ـ حسنه الألباني ـ عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أُلحد ، ونُصب عليه اللبن نصبا ، ورفع قبره من الأرض نحوا من شبر .
قال في "زاد المستقنع" : " ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر مسنما " .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه "الشرح الممتع" (5/364) : " أي السنة أن يرفع القبر عن الأرض ، وكما أنه سنة ، فإن الواقع يقتضيه ؛ لأن تراب القبر سوف يعاد إلى القبر ، ومعلوم أن الأرض قبل حرثها أشد التئاما مما إذا حرثت ، فلا بد أن يربو التراب .
وأيضا فإن مكان الميت كان بالأول ترابا ، والآن صار فضاء ، فهذا التراب الذي كان في مكان الميت في الأول سوف يكون فوقه ...(/1)
واستثنى العلماء من هذه المسألة : إذا مات الإنسان في دار حرب ، أي : في دار الكفار المحاربين ، فإنه لا ينبغي أن يُرفع قبره ، بل يسوى بالأرض خوفا عليه من الأعداء أن ينبشوه ، ويمثلوا به ، وما أشبه ذلك .
وقوله : " مسنما " أي : يجعل كالسنام بحيث يكون وسطه بارزا على أطرافه ، وضد المسنم : المسطح الذي يجعل أعلاه كالسطح .
والدليل على هذا : أن هذا هو صفة قبر النبي صلى الله عليه وسلم ، وقبري صاحبيه " انتهى.
وقال ابن القيم رحمه الله :
" ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور ولا بناؤها بآجر ولا بحجر ولبن ، ولا تشييدها ولا تطيينها ، ولا بناء القباب عليها ؛ فكل هذا بدعة مكروهة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم ....، وكانت قبور أصحابه لا مشرفة ولا لاطئة ، وهكذا كان قبره الكريم وقبر صاحبيه ؛ فقبره صلى الله عليه وسلم مسنم مبطوح ببطحاء العرصة الحمراء ، لا مبني ولا مطين ، وهكذا كان قبر صاحبيه ، وكان يعلم قبر من يريد تعرف قبره بصخرة " .
انتهى من زاد المعاد (1/524)
ثانيا :
أما ما رواه مسلم (969) عَنْ أَبِي الْهَيَّاجِ الْأَسَدِيِّ قَالَ قَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : أَلَا أَبْعَثُكَ عَلَى مَا بَعَثَنِي عَلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْ لَا تَدَعَ تِمْثَالًا إِلَّا طَمَسْتَهُ وَلَا قَبْرًا مُشْرِفًا إِلَّا سَوَّيْتَهُ ).
فالمقصود بالتسوية هنا ، أي تسويته بسائر القبور ، وقد تقدم أنها تكون في حدود الشبر .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنَّ الْقَبْر لَا يُرْفَع عَلَى الْأَرْض رَفْعًا كَثِيرًا , وَلَا يُسَنَّم , بَلْ يُرْفَع نَحْو شِبْر وَيُسَطَّح , وَهَذَا مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَمَنْ وَافَقَهُ , وَنَقَلَ الْقَاضِي عِيَاض عَنْ أَكْثَر الْعُلَمَاء أَنَّ الْأَفْضَل عِنْدهمْ تَسْنِيمهَا وَهُوَ مَذْهَب مَالِك " انتهى .(/2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "القول المفيد شرح كتاب التوحيد" :
" قوله : ( ولا قبرا مشرفا ) : عاليا .
قوله : ( إلا سويته ) . له معنيان :
الأول : أي سويته بما حوله من القبور .
الثاني : جعلته حسنا على ما تقتضيه الشريعة ، قال تعالى : ( الذي خلق فسوى ) ( الأعلى : 2 ) أي : سوى خلقه أحسن ما يكون ، وهذا أحسن ، والمعنيان متقاربان .
والإشراف له وجوه :
الأول : أن يكون مشرفا بكبر الأعلام التي توضع عليه ، وتسمى عند الناس ( نصائل ) أو ( نصائب ) ، ونصائب أصح لغة من نصائل .
الثاني : أن يبنى عليه ، هذا من كبائر الذنوب ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم : ( لعن المتخذين عليه المساجد والسرج ) .
الثالث : أن تشرف بالتلوين ، وذلك بأن توضع على أعلامها ألوان مزخرفة .
الرابع : أن يرفع تراب القبر عما حوله ليكون ظاهرا .
فكل شي مشرف ، ظاهر على غيره متميز عن غيره يجب أن يسوى بغيره ، لئلا يؤدي ذلك إلى الغلو في القبور والشرك " انتهى .
ثالثا :
قد تبين مما سبق أن بناء القبب والمشاهد على القبور ممنوع ، وهو ذريعة إلى تعظيمها والإشراك بها ، وكذلك رفع القبر أكثر من شبر تقريبا ، ممنوع أيضا .
قال الشوكاني رحمه الله :
" ومن رفع القبور الداخل تحت الحديث [ يعني حديث علي السابق ] دخولا أوليا : القبب والمشاهد المعمورة على القبور ، وأيضا هو من اتخاذ القبور مساجد ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعل ذلك ...(/3)
وكم قد سرى عن تشييد أبنية القبور وتحسينها من مفاسد يبكي لها الإسلام ؛ منها اعتقاد الجهلة لها كاعتقاد الكفار للأصنام ، وعظُم ذلك فظنوا أنها قادرة على جلب النفع ودفع الضرر، فجعلوها مقصدا لطلب قضاء الحوائج وملجأ لنجاح المطالب ، وسألوا منها ما يسأله العباد من ربهم ، وشدوا إليها الرحال ، وتمسحوا بها واستغاثوا ؛ وبالجملة إنهم لم يَدَعوا شيئا مما كانت الجاهلية تفعله بالأصنام إلا فعلوه ، فإنا لله وإنا إليه راجعون !!
ومع هذا المنكر الشنيع ، والكفر الفظيع ، لا نجد من يغضب لله ويغار حمية للدين الحنيف ، لا عالما ولا متعلما ، ولا أميرا ولا وزيرا ولا ملكا ؟!!
وقد توارد إلينا من الأخبار ما لا يشك معه أن كثيرا من هؤلاء المقبوريين ، أو أكثرهم ، إذا توجهت عليه يمين من جهة خصمه حلف بالله فاجرا ، فإذا قيل له بعد ذلك : احلف بشيخك ومعتقدك ، الولي الفلاني ، تلعثم وتلكأ وأبى واعترف بالحق ؟!!
وهذا من أبين الأدلة الدالة على أن شركهم قد بلغ فوق شرك من قال إنه تعالى ثاني اثنين أو ثالث ثلاثة ؛ فيا علماء الدين ويا ملوك المسلمين أي رزء للإسلام أشد من الكفر ، وأي بلاء لهذا الدين أضر عليه من عبادة غير الله ، وأي مصيبة يصاب بها المسلمون تعدل هذه المصيبة ، وأي منكر يجب إنكاره إن لم يكن إنكار هذا الشرك البين واجبا :
لقد أسمعتَ لو ناديتَ حيا ... ولكن لا حياة لمن تنادي
ولو نارا نفختَ بها أضاءت ... ولكن أنت تنفخ في رماد "
انتهى من نيل الأوطار (4/83-84) .
وبهذا تعلم أن ما قمت به من هدم الرخام ، وإزالة الجزء العلوي من القبر ، أمر حسن ، موافق للسنة التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم ، وليس فيه من امتهان القبر أو صاحبه شيء ، بل الإكرام للقبر وصاحبه أن يكون على سنة النبي صلى الله عليه وسلم .(/4)
وأما ما ذكرته من أن كبار السن صاروا يلعنونك على ما فعلت فهذا عدوان وظلم منهم ، واصبر على ما أصابك من أجل ما قمت به من الطاعة ؛ فهكذا حال من يأمر الناس بمعروف أو ينهاهم عن منكر . قال الله تعالى ، فيما حكى لنا من وصايا لقمان الحكيم لابنه : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ) (لقمان:17)
لكن يجب أن يراعى في ذلك عدم حدوث مفسدة أعظم ؛ فإن شرط إنكار المنكر ألا يخلفه ما هو أنكر منه .
ولهذا إذا غلب على ظن الإنسان أنه لو سوّى القبر ، حدث بسبب ذلك فتنة في بلده أو قومه ، أو ناله أذى من سجن أو ضرب ، فإنه يسعه السكوت حينئذ ، وقد يحرم عليه الإنكار إذا عظمت المفسدة ، أو كانت تلحق غيره من أخ أو قريب .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
83179
العنوان:
من أحق بابنها هي أم زوجها الذي تتهمه بالسحر ؟وما هي علامات الساحر ؟
السؤال:
ولدي عمره 11 سنة تقريبا ، وأصبح عدوانيّاً كثيراً ، ومرات لا يحترمني ويعلي صوته عليَ ، وأيضا يمد يده فجأة من دون مبررات بعد أن أهدى إليه والده جهاز كمبيوتر ، مع العلم أن أباه يتعامل بالشعوذة ، ولا أعلم أو أجزم أنه ساحر ، فعلا الله هو العالم ، وهو يريد أن يأخذ الولد مني ( نحن مطلقان ) . ما هي الطريقة لأن أحمي ولدي ونفسي ، وأن يرجع ولدي لما كان من قبل ؟ وكيف أعرف حقيقة هذا الأب ؟ وهل لي أن أمنع أباه إن أراد أن يراه ، إن تأكدت أنه ساحر وأنه يريد بي وبابني شرّاً ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أوصت الشريعة المطهرة الوالدين بالعناية بأولادهما والقيام على حسن تربيتهم ، ويتربى الأولاد على ما يسمعونه ويقرؤونه ويرونه في بيتهم وشارعهم ومدارسهم ، وما يحصل من خلل في تربيتهم إنما هو بسبب الخلل في أحد تلك الجوانب ، أو كلها .
وما حصل من ولدك من سوء خلُق تجاهكِ قد يكون سببه ما رآه وسمعه في البيت من مشكلات بينك وبين زوجك ، والتي أدت للطلاق ، وقد يكون بسبب ما تأثر به مما سمعه وقرأه في جهاز " الكمبيوتر " ، وقد يكون نتيجة " سحر كراهية " قام عليه والده ليأخذه منكِ ، وكل ذلك محتمل ، وقد تكون الأسباب كلها مجتمعة هي التي أدَّت لتلك التصرفات السيئة من قبَل ابنكِ تجاهك .
وعلى كل حال : فيجب عليك لإصلاح حاله أن تبحثي عن الأسباب التي أدَّت به لتلك التصرفات لكي تعالجي الأمر بمعالجة السبب ، فإن كان بسبب مشاكلك مع والده : فلا بدَّ من تفهيمه لحقيقة الحال التي آلت إليه بينكما بطريقة لبقة تناسب سنَّه وعقله ، وإن كان بسبب ما يسمعه ويشاهده ويقرؤه في جهاز " الكمبيوتر " ، فلا بدَّ لك من مراقبة المواد التي يطلع عليها ، ولا بدَّ من توجيهه نحو حسن الاستفادة من الجهاز، فإن لم يستجب فيمكنك منعه منه بالكلية.(/1)
وإن كان بسبب سحر والده له : فيمكنك البدء بعلاجه بالرقية الشرعية من القرآن والأذكار النبوية الصحيحة ، ولا مانع من عرضه على من يوثق بدينه ممن يقوم على العلاج الشرعي لمثل هذه الحالات .
ثانياً :
يمكنك معرفة حقيقة والده إن كان يشتغل بالسحر ، وذلك بمعرفة طريقة علاجه للآخرين ، أو معرفة حقيقية ما يقوله لزائريه ومراجعيه .
وقد ذكر بعض أهل العلم علامات للساحر يمكن لأي أحدٍ تمييزه عن غيره من أهل الخير والصلاح ، وهذه العلامات هي :
1. أنه يطلب من المريض اسم الأم ، وبعض الأشياء الخاصة من المراد علاجه مثل الشعر أو اللباس .
2. أنه يتمتم بكلمات ليس لها معنى ، ولا يفهمها السامع ، وهذه التمتمات قد تكون نداءات للجن والشياطين ليقوموا بخدمته .
3. ومن العلامات : أن هذا الساحر لا يحضر صلاة الجمعة ، ولا الصلوات الخمس في المسجد .
4. أنه يكون رث الثياب كريه الرائحة ، يحب الظلام والوحدة .
5. أنه يعطي المريض حجاباً يحتوي على طلاسم ومربعات وأرقام .
ولمعرفة حقيقته لا بدَّ من أن يكون متصفاً بتلك الصفات مجتمعة أو ببعضها ، وبذلك تعرفين حقيقته ، مع التنبيه أنك قد تكونين مبالغة في اتهامه بالسحر ، فيجب عليكِ العدل في الحكم عليه ، وتحقيق تقوى الله قبل الاتهام والادعاء بما هو منه براء .
على أنك ، ما دمت قد انفصلت عنه ، فلا نرى لك أن تشغلي نفسك كثيرا بحال طليقِك ؛ هل هو ساحر أو لا ، وإنما الذي ينبغي عليك أن تشغلي نفسك به هو كيفية المحافظة على نفسك ، وابنك ، وكيف تؤدين واجب الرعاية والتربية الواجبة لهذا الولد عليك .
ثالثاً :
وأما حضانة الولد : فليعلم أن مقصود الحضانة هو حفظ الطفل ورعايته ، ولهذا يسقط حق الشخص في الحضانة لفسقه وفساده ، أو لإهماله وتضييعه ، أو لكثرة أسفاره ، بما يضر بمصلحة أولاده .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :(/2)
ومما ينبغي أن يُعلم أن الشارع ليس له نص عام في تقديم أحد الأبوين مطلقاً ، ولا تخيير أحد الأبوين مطلقا ، والعلماء متفقون على أنّه لا يتعيّن أحدهما مطلقا ؛ بل مع العدوان والتّفريط لا يقدم من يكون كذلك [ يعني : من يكون معتديا أو مفرطا من الأبوين ] على البَر العادل المحسن القائم بالواجب .
" مجموع الفتاوى " ( 34 / 132 ) .
وليُعلم أن مدة الحضانة هي إلى سن التمييز والاستغناء ، أي : أنه تستمر الحضانة إلى أن يميِّز المحضون ويستغني عن حاضنه ، بمعنى أن يأكل وحده ويشرب وحده ، ويستنجي وحده ونحو ذلك .
وبما أنه قد بلغ سن ( 11 ) فإنه يخيَّر بين العيش مع والده أو معكِ ؛ على أن يكون الاختيار نابعاً من اختياره دون ضغط أو إكراه ، وعلى أن لا يكون سبب الاختيار هو أنه لن يُلزم بصلاة أو طاعة لله تعالى ، أو ما فيه مصلحة دينه ودنياه ؛ لأن اختياره – والحالة هذه – فيها مضرة له ، وكثير من الأطفال يكون همه في اختياره من يبالغ في تدليله ، أو إعطائه ما يريده من اللهو واللعب ؛ فلا يمكن أن يمكَّن له ـ حينئذ ـ ما يريد .
وإن ثبت أن والده يتعامل بالسحر فلا يحل له أن يأخذ ولده ، بل يُمنع منه إلى أن يتوب إلى الله تعالى توبة صادقة .
فإذا لم يثبت على الوالد أنه يتعامل بالسحر : فينبغي أن يتعاون الأبوان في رعاية ابنهما ، مراعاةً لمصلحته ، وحتى لا يكون تنازعهما سبباً لفشل الأبناء وضياعهم .
وانظري أجوبة الأسئلة : ( 8189 ) و ( 20705 ) و ( 21516 ) .
ونسأل الله تعالى أن يصلح شأنكِ كله ، وأن يهدي ابنك لما يحب ربنا ويرضى ، وأن يصلح والده ويحفظ عليه دينه .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
83250
العنوان:
تخيل الكعبة في الصلاة والدعاء هل هو الإحسان ؟
السؤال:
إذا حاولت أثناء الصلاة أو الدعاء أن أتخيل الكعبة فهل أكون قد حققت المراد من " اعبد الله كأنك تراه " ؟ فإني عندما أتصور شيئاً آخر - وهذا يحدث كثيراً وليست وسوسة - أشعر أني لست في كامل خشوعي ، فعندما أحاول مناجاة الله أريد أن أشعر بهذا , ولأن النظر إلى السماء مكروه في الصلاة ، فأشيروا عليَّ حفظكم الله .
الجواب:
الحمد لله
الإحسان هو الإتقان ، ومن معانيه العظيمة في الشرع : إتقان العبادات وأدائها على الوجه الذي أمر الله تعالى به .
وإن تذكُّر العابد أن الله تعالى مطلع عليه وناظر إليه : يوجب الإتقان في العبادة ، ويبلغ بعبادته مبلغاً عالياً .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَارِزًا يَوْمًا لِلنَّاسِ فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ : مَا الْإِيمَانُ ؟ قَالَ : الْإِيمَانُ : أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَبِلِقَائِهِ وَرُسُلِهِ وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ ، قَالَ : مَا الْإِسْلَامُ ؟ قَالَ : الْإِسْلَامُ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ وَتُؤَدِّيَ الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومَ رَمَضَانَ ، قَالَ : مَا الْإِحْسَانُ ؟ قَالَ : أَنْ تَعْبُدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ ) رواه البخاري ( 50 ) ومسلم ( 9 ) .
قال ابن رجب رحمه الله : " يشير إلى أن العبد يعبد الله تعالى على هذه الصفة ، وهي استحضار قربه ، وأنه بين يديه كأنه يراه ؛ وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم .. ويوجب أيضا النصح في العبادة ، وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها " انتهى .
جامع العلوم والحكم (1/35) .(/1)
وقال أيضا : " وأصل الخشوع هو لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته ؛ فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء ؛ لأنها تابعة له ؛ كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَلَا َإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ ) [ رواه البخاري (25) ومسلم (1599) ] .
فإذا خشع القلب خشع السمع والبصر والرأس والوجه ، وسائر الأعضاء ، وما ينشأ منها ، حتى الكلام .. "
ثم قال :
" وأصل الخشوع الحاصل في القلب إنما هو من معرفة الله ، ومعرفة عظمته وجلاله وكماله ؛ فمن كان بالله أعرف ، فهو له أخشع .
وتتفاوت القلوب في الخشوع بحسب تفاوت معرفتها لمن خشعت له ، وبحسب تفاوت مشاهدة القلوب للصفات المقتضية للخشوع ؛ فمن خاشع لقوة مطالعته لقرب الرب من عبده ، واطلاعه على سره وضميره ، المقتضي للاستحياء من الله تعالى ومراقبته في الحركات والسكنات .
ومن خاشع لمطالعته لجلال الله وعظمته وكبريائه ، المقتضي لهيبته وإجلاله .
ومن خاشع لمطالعته لكماله وجماله ، المقتضي للاستغراق في محبته ، والشوق إلى لقائه ورؤيته .
ومن خاشع لمطالعة شدة بطشه وانتقامه وعقابه ، المقتضي للخوف منه .
وهو سبحانه جابر القلوب المنكسرة لأجله ، فهو سبحانه وتعالى يتقرب من القلوب الخاشعة له ، كما يتقرب ممن هو قائم يناجيه في الصلاة ، وممن يعفر له وجهه في التراب بالسجود ، وكما يتقرب من وفده وزوار بيته الوافدين بين يديه ، المتضرعين إليه في الوقوف بعرفة ، ويدنو ويباهي بهم الملائكة ، وكما يتقرب عباده الداعين له ، السائلين له ، المستغفرين من ذنوبهم بالأسحار ، ويجيب دعاءهم ، ويعطيهم سؤلهم ، ولا جبر لانكسار العبد أعظم من القرب والإجابة " انتهى .
"الذل والانكسار للعزيز الجبار" ( ضمن رسائل ابن رجب 1/290، 293) .(/2)
وأما ما أشار إليه السائل من تخيله للكعبة في صلاته ، فلا نعلم لذلك أصلا ، ولا يظهر أن في ذلك التخيل ما يعين على الخشوع الحقيقي في الصلاة ، وكم ممن يكون في صحن الكعبة ، ويشاهده أمامه رأي العين ، ثم هو يصلي كأنه يصلي في سوقه ، لا يعرف للخشوع طعما .
وحديث أبي هريرة السابق بيَّن فيه النبي صلى الله عليه وسلم الإحسان وعرَّفه بأنه " أن تعبد الله كأنك تراه " ولم يقل " كأنك ترى الكعبة " .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
83292
العنوان:
من فاته صيام الست من شوال هل يصومها في ذي القعدة؟
السؤال:
امرأة صامت أربعة من الأيام الست في شوال ثم جاءها الحيض في نهاية شوال ولم تكمل الست ، ولم يبق لها سوى يومين ، هل تستطيع أن تكمل الست من شوال بعد شوال أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
روى مسلم في صحيحه (1164) عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الْأَنْصَارِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ).
وظاهر الحديث أن تحصيل هذا الأجر إنما يكون لمن صام الست في شوال .
واختلف أهل العلم فيمن صام الست في غير شوال ، لعذر أو غيره ، هل يحصل له فضيلة صومها في شوال ، على أقوال :
القول الأول :
ذهب جماعة من المالكية وبعض الحنابلة إلى أن الفضيلة تحصل لمن صام ستة أيام في شوال أو بعده ، وأن الحديث إنما ذكر شوال من باب التيسير على المكلف ، لأن صومها بعد رمضان أسهل من صومها بعد ذلك .
قال العدوي في حاشيته على شرح الخرشي : (2/243) : " وإنما قال الشارع : ( من شوال ) للتخفيف باعتبار الصوم ، لا تخصيص حكمها بذلك الوقت ، فلا جرم أن فعلها في عشر ذي الحجة مع ما روي في فضل الصيام فيه أحسن ؛ لحصول المقصود مع حيازة فضل الأيام المذكورة , بل فعلها في ذي القعدة حسن أيضا , والحاصل : أن كل ما بعد زمنه كثر ثوابه لشدة المشقة " انتهى .
ونقل في "تهذيب فروق القرافي" لمحمد بن علي بن حسين مفتي المالكية بمكة ، المطبوع مع الفروق (2/191) عن ابن العربي المالكي أن قوله صلى الله عليه وسلم : (من شوال) "على جهة التمثيل ، والمراد : أن صيام رمضان بعشرة أشهر ، وصيام ستة أيام بشهرين ، وذلك المذهب [يعني مذهب الإمام مالك] ، فلو كانت من غير شوال لكان الحكم فيها كذلك ، قال : وهذا من بديع النظر فاعلموه" انتهى .(/1)
وقال ابن مفلح رحمه الله في "الفروع" (3/108) : " ويتوجه احتمال : تحصل الفضيلة بصومها في غير شوال , وفاقا لبعض العلماء , ذكره القرطبي , لأن فضيلتها كون الحسنة بعشر أمثالها , كما في خبر ثوبان , ويكون تقييده بشوال لسهولة الصوم لاعتياده رخصة , والرخصة أولى" انتهى .
ونقله صاحب الإنصاف وتعقبه بقوله : " قلت : وهذا ضعيف مخالف للحديث , وإنما ألحق بفضيلة رمضان لكونه حريمه , لا لكون الحسنة بعشر أمثالها ; ولأن الصوم فيه يساوي رمضان في فضيلة الواجب " انتهى من "الإنصاف" (3/344).
القول الثاني :
ذهب جماعة من الشافعية إلى أن من فاته صيام ست من شوال قضاها في ذي القعدة .
لكن ثوابها يكون دون ثواب من صامها في شوال ، فمن صام رمضان وأتبعه بست من شوال كان له ثواب صيام سنةٍ فرضا ، بخلاف من صام رمضان وستة من غير شوال ، فهذا له ثواب رمضان وثواب ستة أيام نفلا .
قال ابن حجر المكي في "تحفة المحتاج" (3/456) : " من صامها مع رمضان كل سنة تكون كصيام الدهر فرضا بلا مضاعفة ، ومن صام ستةً غيرها كذلك تكون كصيامه نفلا بلا مضاعفة" انتهى .
القول الثالث :
أنه لا تحصل فضيلتها إلا بصومها في شوال ، وهو مذهب الحنابلة .
قال في "كشاف القناع" (2/338) : " ولا تحصل الفضيلة بصيامها أي : الستة أيام في غير شوال ، لظاهر الأخبار" انتهى .
لكن يرجى لمن صام بعضها ولم يكملها لعذر أن ينال أجرها وفضيلتها .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ولا يشرع قضاؤها بعد انسلاخ شوال ؛ لأنها سنة فات محلها ، سواء تركت لعذر أو لغير عذر " .(/2)
وقال فيمن صامت أربعة أيام من شوال ولم تكمل الست لبعض الظروف : " صيام الأيام الستة من شوال عبادة مستحبة غير واجبة ، فلك أجر ما صمت منها ، ويرجى لك أجرها كاملة إذا كان المانع لك من إكمالها عذراً شرعياً ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له ما كان يعمل مقيماً صحيحاً ) رواه البخاري في صحيحه . وليس عليك قضاء لما تركت منها . والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (15/389 ، 395).
والحاصل :
أن صيام الست من غير شوال ، من أهل العلم من رآه كصيامها في شوال ، ومنهم من أثبت لها فضلا لكن دون فضل الست في شوال . ومنهم من رجي الثواب لمن لم يكملها لعذر ، وفضل الله واسع ، وعطاؤه لا منتهى له ، فلو أن هذه الأخت صامت يومين من ذي القعدة عوضا عما فاتها من شوال ، كان ذلك حسنا ، ويرجى لها الثواب والأجر إن شاء الله .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
83362
العنوان:
إذا لم يعلم هل ذكي الحيوان أو مات بالصعق؟
السؤال:
يقوم الألمان بذبح الحيوانات ، وهم مأمورون بأن يقوموا بصعق الحيوان قبل الذبح. فما حكم هذه اللحوم وهم يعدون من أهل الكتاب؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأصل أن ما ذبحه الكتابي فهو حلال ، يهوديا كان أو نصرانيا ؛ لقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ ) المائدة/5 .
ثانيا :
يشترط لحل الذبيحة من المسلم والكتابي أن يكون الذبح في محله ، فيقطع الودجين ، وإن قطع مع ذلك الحلقوم وهو مجرى النَّفَس ، والمريء وهو مجرى الطعام والشراب كان أكمل في الذبح .
وأما صعق الحيوان قبل ذبحه ففيه تفصيل :
فإن تم الذبح وفي الحيوان حياة ، جاز أكله ، كأن يكون الصعق خفيفا ، ويبادر الذابح إلى الذبح فورا .
وإن كان الذبح بعد موت الحيوان ، لم يجز أكله ، ويكون في حكم الموقوذة ، والموقوذة "هي التي ترمى أو تضرب بحجر أو عصا حتى تموت من غير تذكية" كما روي عن ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والسدي . "تفسير القرطبي" (6/46) .
ويدل على ذلك قوله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) المائدة/3.
فقوله : ( إلا ما ذكيتم ) : استثناء يدل على حل المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وأكيلة السبع إذا أُدركت وهي حية ، وذُكيت .
والمراد بالحياة هنا : الحياة المستقرة ، وتعرف بحركتها أثناء الذبح وبتدفق الدم منها .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" : (9/322) : " والمنخنقة , والموقوذة , والمتردية , والنطيحة , وأكيلة السبع , وما أصابها مرض فماتت به , محرمة , إلا أن تُدرك ذكاتها ; لقوله تعالى : (إلا ما ذكيتم) . وفي حديث جارية كعب (أنها أصيبت شاة من غنمها , فأدركتها , فذبحتها بحجر , فسأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : كلوها) . فإن كانت لم يبق من حياتها إلا مثل حركة المذبوح , لم تبح بالذكاة.
وإن أدركها وفيها حياة مستقرة , بحيث يمكنه ذبحها , حلت ; لعموم الآية والخبر . وسواء كانت قد انتهت إلى حال يعلم أنها لا تعيش معه أو تعيش ; لعموم الآية والخبر , ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يسأل , ولم يستفصل . وقد قال ابن عباس في ذئب عدا على شاة , فعقرها , فوقع قصبها بالأرض , فأدركها , فذبحها بحجر , قال : يلقي ما أصاب الأرض , ويأكل سائرها . وقال أحمد في بهيمة عقرت بهيمة , حتى تبين فيها آثار الموت , إلا أن فيها الروح . يعني فذبحت . فقال : إذا مصعت بذَنَبها , وطرفت بعينها , وسال الدم , فأرجو إن شاء الله تعالى أن لا يكون بأكلها بأس . وروي ذلك بإسناده عن عقيل بن عمير , وطاوس . وقالا : تحركت . ولم يقولا : سال الدم . وهذا على مذهب أبي حنيفة . وقال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد عن شاة مريضة , خافوا عليها الموت , فذبحوها , فلم يعلم منها أكثر من أنها طرفت بعينها , أو حركت يدها أو رجلها أو ذنبها بضعف , فنهر الدم ؟ قال : فلا بأس به " انتهى .
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم أكل لحوم الذبائح التي تذبحها الدولة المسلمة بطريق الآلة الكهربائية ؟ علماً بأن البهيمة تسلط عليها الآلة الكهربائية حتى تسقط في الأرض ثم يتولى الجزار ذبحها فور سقوطها على الأرض .(/2)
فأجابت : "إذا كان الأمر كما ذكر من ذبح الجزار بهيمة الأنعام فور سقوطها على الأرض من تسليط الآلة الكهربائية عليها ، فإذا قُدِّر ذبحه إياها وفيها حياة جاز أكلها ، وإن كان ذبحه إياها بعد موتها لم يجز أكلها ، وذلك أنها في حكم الموقوذة ، وقد حرمها الله إلا إذا ذكيت ، والذكاة لا أثر لها إلا فيما ثبتت حياته بتحريك رِجْل أو يد أو تدفق الدم ونحو ذلك مما يدل على استمرار الحياة حتى انتهاء الذبح ، قال الله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ ) المائدة/3 ، فأباح ما أصيب من بهيمة الأنعام بخطر بشرط تذكيته ، وإلا فلا يحل أكلها" انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" ( 22/455).
وجاء فيها أيضا (22/456) : "أولاً : إن كان صعقها بضرب رأسها أو تسليط تيار كهربائي عليها مثلاً فماتت من ذلك قبل أن تذكى فهي موقوذة لا تؤكل ، ولو قطع رقبتها ، أو نحرها في لبتها ( أسفل العنق ) بعد ذلك ، وقد حرمها الله تعالى في قوله : (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ ) المائدة/3 ، وقد أجمع علماء الإسلام على تحريم مثل هذه الذبيحة .(/3)
وإن أدركت حية بعد صعقها بما ذكر ونحوه وذبحت أو نحرت جاز أكلها ، لقوله تعالى في آخر هذه الآية بالنسبة للمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع : (إلا ما ذكيتم). فاستثنى سبحانه من هذه المحرمات ما أدرك منها حياً وذكّي ، فيؤكل لتأثير التذكية فيه بخلاف ما مات منها بالصعق قبل الذبح أو النحر ، فإن التذكية لا تأثير لها في حله ، وبهذا يعلم أن القرآن حرم ما يصعق من الحيوانات إذا مات بالصعق قبل تذكيته ، لأن المصعوقة موقوذة ، وقد بيّن الله في آية المائدة تحريمها إلا إذا أدركت حيّة وذكّيت بذبح أو نحر .
ثانياً :
يحرم صعق الحيوان بضرب أو تسليط كهرباء أو نحوهما عليه ، لما فيه من تعذيبه ، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن إيذائه وتعذيبه ، وأمر بالرفق والإحسان مطلقاً ، وفي الذبح خاصة فقد روى مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تتخذوا شيئاً فيه الروح غرضاً ) ، وروى مسلم جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( نهى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يقتل شيء من الدواب صبراً ) ، وروى مسلم أيضاً عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة ، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة ، وليحدّ أحدكم شفرته وليرح ذبيحته ) .
فإن كان لا يتيسر ذبح الحيوان أو نحره إلا بعد صعقه صعقاً لا يقضي عليه قبل ذبحه أو نحره جاز صعقه ثم تذكيته حال حياته للضرورة " انتهى .
ثالثا :
إذا كان الأمر كما ذكرت من أنهم يصعقون الحيوان قبل ذبحه ، فهنا ثلاث احتمالات :
الأول : ما علمنا أنه صعق ثم ذكي قبل موته ، فهذا يحل أكله .
الثاني : ما علمنا أنه مات من الصعق ، فلا يحل أكله .(/4)
الثالث : إذا جهل الحال ، فإنه يؤخذ بالأغلب ، فإن كان الأغلب في البلد أنهم يذبحون الحيوان بعد موته بالصعق ، فلا يحل الأكل من هذه الذبائح التي جهل حالها ، وإن كان الأغلب هو ذبحها وفيها حياة مستقرة ، جاز الأكل .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
83381
العنوان:
الرجل والمرأة إذا أرادا الأضحية منعا من قص الشعر والظفر
السؤال:
هل يجوز لمن يضحى سواء كان رجلاً أو امرأة أن يقص من شعره وأظافره ؟ وما هي الممنوعات عند ما يهل هلال ذي الحجة ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا هل هلال ذي الحجة حرم على من يريد الأضحية أن يأخذ من شعره أو من ظفره أو من بشرته شيئا ؛ لما روى مسلم (1977) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا رَأَيْتُمْ هِلالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ ) وفي لفظ له : ( إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا ).
قال النووي رحمه الله : " وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَنْ دَخَلَتْ عَلَيْهِ عَشْر ذِي الْحِجَّة وَأَرَادَ أَنْ يُضَحِّيَ فَقَالَ سَعِيد بْن الْمُسَيِّب وَرَبِيعَة وَأَحْمَد وَإِسْحَاق وَدَاوُد وَبَعْض أَصْحَاب الشَّافِعِيّ : إِنَّهُ يَحْرُم عَلَيْهِ أَخْذ شَيْء مِنْ شَعْره وَأَظْفَاره حَتَّى يُضَحِّي فِي وَقْت الْأُضْحِيَّة , وَقَالَ الشَّافِعِيّ وَأَصْحَابه : هُوَ مَكْرُوه كَرَاهَة تَنْزِيه وَلَيْسَ بِحَرَامٍ . . . " انتهى من شرح مسلم .
وهذا الحكم عام في كل من أراد أن يضحي ، رجلا كان أو امرأة .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ماذا يجوز للمرأة التي تنوي الأضحية عن نفسها وأهل بيتها أو عن والديها بشعرها إذا دخلت عشر ذي الحجة ؟
فأجاب : " يجوز لها أن تنقض شعرها وتغسله ، لكن لا تكده ، وما سقط من الشعر عند نقضه وغسله فلا يضر ".
وكدّ الشعر : تمشيطه .
"فتاوى الشيخ ابن باز" (18/47).
ولا يمنع مريد الأضحية من شيء آخر كاللباس أو الطيب أو الجماع .
وانظر جواب السؤال رقم (70290) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
83385
العنوان:
كيف يقسم ثمن الأرض على هؤلاء الورثة ؟
السؤال:
أرجو شرح تقسيم قطعة أرض بين أفراد أسرة ورثوها عن جدهم الذي توفي منذ نحو 35 عاما وترك ولدين من زوجته الأولى وخمس بنات من زوجته الثانية التي تزوجها بعد أن توفيت زوجته الأولى، وقد توفيت الزوجة الثانية منذ أربع سنوات وكذلك توفي الولدان. وسوف تباع قطعة الأرض وتقسم بين السبعة، فما هو الحكم في تقسيم هذه الأرض وكيف تقسم؟
الجواب:
الحمد لله
الزوجة الأولى لا ترث من الجد لأنها توفيت قبله .
وأما الزوجة الثانية فإنها ترثه ، ونصيبها يأخذه ورثتها .
وكذلك الولدان ، يرثان ، ونصيبهما لورثتهما .
وعلى ذلك فتركة الجد تقسم على هؤلاء الثمانية : الولدان ، وخمس بنات ، وزوجة .
للزوجة الثمن ، والباقي للأولاد ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
وأما كيفية تقسيم الأرض إذا بيعت ، فإن ثمنها يقسم 72 جزءا متساوية ، للزوجة تسعة منها ، ولكل بنت سبعة أجزاء ، ولكل ولد أربعة عشر جزءاً .
فإذا بيعت الأرض ، فنصيب كل شخص يحسب كالتالي : يقسم ثمن الأرض على 72 ثم يضرب الناتج في عدد الأجزاء التي يستحقها .
فنصيب الزوجة = ثمن الأرض مقسوما على 72 × 9
ونصيب كل ابن = ثمن الأرض مقسوما على 72 × 14
ونصيب كل بنت = ثمن الأرض مقسوما على 72 × 7
وينظر فيمن يرث الزوجة ، فيقسم نصيبها عليهم .
وكذلك ينظر فيمن يرث الولدين الذكرين ، فيقسم نصيب كل منهما على ورثته .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
83405
العنوان:
يعمل في فندق ويدل النزلاء على أماكن الرقص الغناء
السؤال:
أعمل في أحد الفنادق في قسم الاستعلامات ، وطبيعة وظيفتي تفرض علي أن أرشح بعض المطاعم وأماكن السهر التي بها راقصات وغناء لنزلاء الفندق ، وأن أحجز لهم فيها ، لذلك لابد أن أكون على علم تام بهذه الأماكن مثل ( عناوينها ومواعيد عملها وماذا يقدمون من برامج ترفيهية ....إلخ) وأيضاً لابد أن أعرف أيضاً الأفلام المعروضة في السينمات والمسرحيات المعروضة وما إلى ذلك من أماكن الترفيه الأخرى. فهل هذا حرام؟ علماً بأنني لا أذهب لهذه الأماكن وأنا متزوج ولدي أطفال وليس لي مصدر رزق آخر .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت ، فهذا العمل محرم ، لما فيه من الدلالة على المحرمات ، وهذا من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
والدال على الشر كفاعله ، كما أن الدال على الخير كفاعله ، ومن دعا الناس إلى معصية أو أرشدهم إليها ، فعليه مثل آثامهم ، لما روى (2674) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنْ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ ، لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا) .
وإذا كان الساكت على المنكر شريكا في الإثم ، فكيف بمن أرشد إليه ، ودل عليه ؟!(/1)
فالواجب عليك ترك العمل في هذا المجال ، والانتقال إلى عمل آخر مباح ، داخل الفندق أو خارجه ، ولتعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، كما صح عن نبينا صلى الله عليه وسلم ، وأن ما عند الله تعالى لا ينال إلا بطاعته ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها ، وتستوعب رزقها ، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، ولا يحملن أحدكم استبطاء الرزق أن يطلبه بمعصية الله ، فإن الله تعالى لا ينال ما عنده إلا بطاعته) رواه أبو نعيم في الحلية من حديث أبي أمامة ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 2085 .
وقال الله عز وجل : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً. وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2 ،3
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
83429
العنوان:
طلبت منها صديقتها أن تدعو لها بمولودة أنثى
السؤال:
في أحد الأيام طلبت مني إحدى الأخوات وهي حامل أن أدعو لها أن ترزق ببنت ، فهل يجوز أن أدعو بمثل هذا الدعاء؟
الجواب:
الحمد لله
الأولى أن يسأل الإنسان ربه الذرية الصالحة ، لأنه لا يعلم هل تكون البنت خيرا ، أم الذكر ، ولهذا كان من دعاء عباد الرحمن : ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) الفرقان/74 .
وإذا اشتاقت الأم للابن أو للبنت ، وسألت ربها ذلك ، فلتقرن الدعاء بسؤال الصلاح والتوفيق كأن تقول : اللهم إني أسألك بنتا مؤمنة صالحة تكون قرة عين لي ، ونحو ذلك .
وأنت لا حرج عليك في الدعاء لها ، وقولي : اللهم ارزقها بنتا صالحة تكون عونا لها على طاعتك ومرضاتك ، أو نحو هذا الدعاء .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
83636
العنوان:
ماتت أمها وقد نذرت أن تذبح شاة فهل تخرج البنت نقودا؟
السؤال:
تعرض خالها لحادثة سيارة فنذرت أمها بأن لو خرج سالما تذبح شاة أو ما شابهها وتدعو الناس من الجيران والمعارف أو توزع اللحم على الناس.. والحمد لله خرج الخال سالماً ، لكن قدّر الله أن ماتت الأم قبل سنتين ولم تقضِ النذر، فابنتها تسأل هل يستوجب عليها الآن أن تقوم بأداء النذر عن والدتها ؟ وهل تستطيع إعطاء مبلغ من المال للفقراء في العراق ؟ علماً بأن البنت نفسها تعيش في أوربا وصعب عليها النذر بذبح حيوان ما .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا نذر الإنسان أن يذبح شاة مثلا إذا نجى الله قريبا له ، فهذا من نذر الطاعة الذي يجب الوفاء به ، وإذا كانت الأم قد ماتت قبل الوفاء بنذرها ، فيعتبر هذا دينا عليها ، يُخرج من تركتها ، فإن لم يكن لها مال ، فيستحب لأبنائها أن يقضوه عنها ، فقد روى البخاري (2761) ومسلم (1638) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ اسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ ، وَعَلَيْهَا نَذْرٌ ، فَقَالَ : ( اقْضِهِ عَنْهَا ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " وَقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَاقْضِهِ عَنْهَا ) دَلِيل لِقَضَاءِ الْحُقُوق الْوَاجِبَة عَلَى الْمَيِّت , فَأَمَّا الْحُقُوق الْمَالِيَّة فَمُجْمَعٌ عَلَيْهَا . وَأَمَّا الْبَدَنِيَّة فَفِيهَا خِلَاف .
ثُمَّ مَذْهَب الشَّافِعِيّ وَطَائِفَة أَنَّ الْحُقُوق الْمَالِيَّة الْوَاجِبَة عَلَى الْمَيِّت مِنْ زَكَاة وَكَفَّارَة وَنَذْر يَجِب قَضَاؤُهَا , سَوَاء أَوْصَى بِهَا أَمْ لَا كَدُيُونِ الْآدَمِيّ .(/1)
وَاعْلَمْ أَنَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجُمْهُور أَنَّ الْوَارِث لَا يَلْزَمهُ قَضَاء النَّذْر الْوَاجِب عَلَى الْمَيِّت إِذَا كَانَ غَيْر مَالِيّ , وَلَا إِذَا كَانَ مَالِيًّا وَلَمْ يُخَلِّف تَرِكَة , لَكِنْ يُسْتَحَبّ لَهُ ذَلِكَ " انتهى باختصار .
ثانيا :
إذا نذر الإنسان أن يذبح شاة أو غيرها ، وجب عليه الوفاء بالنذر ، ولا يجزئه دفع القيمة .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن امرأة نذرت أن تذبح كل شهر خروفاً ، وقد وجدت صعوبة في شراء الخروف وذبحه وتوزيعه ، فهل يجوز لها دفع قيمة الخروف ؟
فأجابت :
"ليس في ذبح الخروف مشقة ، بل عليها أن تستمر على ذبحه وتفريق لحمه على الفقراء ، ولا يجزئ عنها دفع القيمة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه)" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. الشيخ عبد الله بن غديان .. الشيخ عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (23/395) .
وعليه ؛ فلا يجوز إخراج النقود بدلا عن ذبح الشاة ، وكون السائلة تعيش في أوربا ، لا يمنع من أن تُوَكَّل من يذبح لها الشاة ويوزعها على الجيران والمعارف . إما في البلد الذي تقيم فيه أو في غيره .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
83652
العنوان:
زوجها ضربها وأخذ مالها فهل تدعو عليه ؟
السؤال:
لقد تزوجت منذ 43 عاماً ، وزوجي لم يكن عنده أي طموح ، وكنت دائماً أعمل معه ، وكان عصبيّاً ، ويضربني ضرباً لا أستطيع حتى الآن أن أسامحه ؛ كان يمسك رأسي ويضربه بالحائط ، ويحضر على التلفزيون حلقات المصارعة فتكون النتيجة أن أتلقى ما تعلمه ، وبقيت كذلك حتى سافرنا للهجرة على أساس أني أنا النحس وسنصير أغنياء ، المهم خلال تحضيرنا للسفر توفى والدي ، وكان قبلها قد كتب لي زوجي نصف البيت الذي نعيش به ؛ لأنه كان يأخذ مني بطريق الحيلة كل ما كان أبي يعطيني إياه ، ولم أستطع أن أبوح لأهلي لأني حاولت مرة ، وأمي ضربتني وأرجعتني إليه لأن البنت قبرها عند زوجها ، والمهم بعد سنة رجع للبلاد بعد أن خسر كل شيء مما أخذه من البلاد ، وفضلت أن أعمل حتى وفيت ثمن البيت ، وفي بلادي استغل الوكالة التي أجبرني أن أعملها له وأخذ كل المال وصرفه في تجارة لا يفهمها ، مع العلم أن أخواتي اشتروا بيوتاً لأولادهم من أرباح أموالهم لأن والدي توفى منذ 20 عاماً ، والآن هو لا يعترف بهم ويقول : إن نصف البيت كتبه لي لقاء أموالي ، مع أنني لا أريده ، فماذا أفعل به - وأنا قضيت شبابي وحياتي في العمل - الآن ؟ . أرجو أن تساعدوني ، أحس أن الله ليس معي ، مع أن الله مع المظلومين . دائما أتعرض إلى إهانته ، مع العلم أن والدي كان من كبار التجار وهو تاجر ، ولكن زوجي كان مع إخوته شركاء وافترقوا ، ومن وقتها لا يعرف يشتغل ، والآن لا أستطيع مسامحته ، ودائما أدعو عليه ، فهل هذا حرام ؟ وهل لا يجوز الدعاء ؟ وهل ربنا سبحانه وتعالى يحاسبنا - مع أنني لم أقصر - ؟ وتعرض لحادث سيارة ، ومدة ثلاث سنوات خدمته ولما عرف أنني أريد مالي قال إنه لم يعد يتحملني ويريد أن يطلقني ، أفيدوني ، ووالله لم أذكر إلا بعض قليل مما جرى معي ، ولكم الأجر والثواب ، زوجي أمام الناس يصلي ويصوم ويعبد(/1)
الله والكل يحترمه ، ولكن أي مشكلة بيننا يحاربني عدة أيام ، أكاد أجن ، ولم أعد أحتمل حتى وجوده ، مع العلم أننا نسكن لوحدنا ، وكل الأولاد تركونا ، لم أعد أتحمل الصمت ، أرجوكم أفيدوني بإجابة تساعدوني فيها أن لا أفقد إيماني فأنا أحس أني بحاجة إلى شحنة إيمان أستعيد بها توازني ، والله الموفق .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
جعل الله تعالى خَلْق الزوجة من آياته العظيمة ، وأخبر أن من عظيم حِكَم اقتران الأزواج المودة والرحمة والسكن بينهما ، وأوجب عز وجل معاشرتهن بالمعروف ، وكل ذلك مسطَّر في القرآن الكريم يعرفه المسلمون جميعاً .
قال تعالى : ( وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) الروم/21 .
وقال عز وجل : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيراً ) النساء/19 .
وقد أذن الله تعالى بضرب الزوجة كما في قوله تعالى : ( وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ) النساء/ 34 ، وكما في قوله عليه الصلاة والسلام - في حجة الوداع - : ( وَلَكُم عَلَيْهنَّ أَلاَّ يُوطِئْنَ فُرُشَكُم أَحَداً تَكْرَهونَهُ ، فَإنْ فَعَلْنَ ذلك فاضْرِبُوهنَّ ضَرْباً غَيْرَ مُبَرِّح ) رواه مسلم ( 1218 ) .
عَنْ حَكِيمِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْقُشَيْرِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا عَلَيْهِ ؟ قَالَ : ( أَنْ تُطْعِمَهَا إِذَا طَعِمْتَ وَتَكْسُوَهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ أَوْ اكْتَسَبْتَ وَلَا تَضْرِبْ الْوَجْهَ وَلَا تُقَبِّحْ وَلَا تَهْجُرْ إِلَّا فِي الْبَيْتِ ) .(/2)
قَالَ أَبُو دَاوُد : وَلَا تُقَبِّحْ : أَنْ تَقُولَ قَبَّحَكِ اللَّهُ .
رواه أبو داود ( 2142 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وفي الآية والحديثين بيان لشروط ضرب الزوجة ، فهو يكون بعد فشل الوعظ والهجر ، ويكون غير مبرِّح ، فلا يكسر عظماً ولا يُحدث عاهة ، بل القصد منه التأديب ، كما لا يجوز أن يضرب الوجه ، ولا أن يصاحب الضربَ شتم وقذف وسب للزوجة أو أهلها ، وهذا كله في حال أن يكون سبب الضرب شرعيّاً كأن تترك الزوجة واجباً أو تفعل محرَّماً .
ولا شك أن ما فعله الزوج هو الغاية في السفه والحمق – إن كان ما تقولينه حقّاً – كما أنه مخالف للشرع مسبِّب للإثم ، فمن ذا الذي يقول بجواز ضرب رأس الزوجة بالحائط ، أو تطبيق فنون المصارعة عليها ؟! .
ثانياً :
ويتحمَّل أهلك – وخاصة أمك - كثيراً من المسئولية تجاه ما حدث لك من زوجك ، إذ الواجب أن يكون بينهم وبينكِ ثقة ومصارحة ، وكان الواجب عليهم أن يسمعوا منكِ ولا يرجعونك لزوجك إلا بعد أخذ العهود والمواثيق عليه أن لا يسيء معاملتك ، وأن يعطيك حقوقكِ كافة .
ثالثاً :
وأما دعاؤك على زوجك : فقد شُرع لنا الدعاء على الظالم ، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه وسلم من أن يتسبب أحد بدعوة مظلوم عليه ، وأخبر أن دعوة المظلوم مستجابة .
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ ) رواه البخاري ( 1425 ) ومسلم ( 19 ) .(/3)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلَاثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٌ لَا شَكَّ فِيهِنَّ دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ) . رواه الترمذي ( 1905 ) وابن ماجه ( 3862 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1655 ) .
أخيراً :
فإننا نسأل الله تعالى أن يُعظمَ لك الأجر على صبرك واحتسابك ، واعلمي أن الله تعالى ينصر المظلوم ويستجيب دعاءهم ، ولك الحق في طلب مالكِ منه ، ولك الحق في طلب الخلع ؛ لما تسببه الحياة معه من ضرر وأذى لكِ ، لكن هذا لا يكون بفتوى إنما بحكم قاضٍ شرعيٍّ يسمع منك ومنه ، فإن ثبت له بعض ما تقولين فإنه يرجع الحق لك ، ويعطيك الخيار في مخالعته مع إعطائك كامل حقوقك ، لذا لا تترددي في رفع أمرك للقضاء الشرعي.
نعم ، إن الطلاق والفرقة آخر ما يفكر المرء فيه في حل المشكلات الزوجية ، والكيّ آخر الدواء ، لكن استعمال الكي خير من الهلاك ، أو استفحال الداء .
ورجل – كهذا – بعد رحلة العمر ، وكثرة البذل ، ولم ينصلح حاله ، فمتى ينصلح !!
فلتكن راحة قلبك واجتماع شملك على الله هو شغلك الأول ، وعلى أساسه تقررين ما يصلحك مع الله .
ونحن لا نملك إلا أن نسدي لك النصح ونبين لك عظيم الأجر على الصبر والتحمل ، ونملك أن ندعو الله تعالى لكِ أن ييسر أمرك ويفرِّج كربك .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
83661
العنوان:
تسببت أختها بخلاف مع زوجها فأقسمت أن لا تكلمها فهل تتراجع؟
السؤال:
أنا امرأة متزوجة ، ولدي أخت تكبرني وتزوجتْ من بعدي وسافرتْ للخارج مع زوجها ، لكنها عندما كانت تأتي لزيارتنا كنت أستقبلها وزوجها في بيتي وفي حضور زوجي ، ولم يكن يظهر مني لزوجها إلا وجهي فقط ، وذات مرة أرسل لي رسالة يعترف فيها بحبه لي وأنه يريد إقامة علاقة غير شرعية معي ، علما بأنني لم أعطه بريدي بل أخذه من أختي ، أخبرت زوجي بهذه الرسالة وأقسم أنه سيوسعه ضربا بالحذاء - أكرمكم الله - أمام جميع الخلق بمجرد عودته من الخارج ، وقمت أنا بإبلاغ أختي بالموضوع كله ، في بادئ الأمر أعربت عن أسفها ، ثم طلبت مني أن أسامحها ؛ لأنه ليس لها أي ذنب ، وقد قمت بذلك أنا وزوجي لوجه الله وعلماً منَّا أنه ليس لها أي ذنب ، اتصلتْ في اليوم التالي لتقول لي إن زوجها اعترف لها أنه قد كتب هذه الرسالة وأنه كان يمزح فقط وأقسم لها بذلك ، بعد ذلك اتصل زوجها بزوجي وأخبره أنه لم يكتب أي شيء ، وأقسم بذلك ، وأخبره أنه من المستحيل أن يفعل شيئاً كهذا ، وأن لا فكرة لديه عن الرسالة - علماً بأنها كانت باسمه ومن بريده - ، ثم حادثتْ أختي زوجي ونفت ما قالته من قبل ، وقالت له بأنها هي من قام بكتابة الرسالة حتى تحدث خصاما بين زوجها وزوجي ، مبررة ذلك بأن زوجها حين يختلط بزوجي يتحدثان بسخرية عن والدي . فضيلة الشيخ : لقد سمعت أختي وهي تقول لزوجي ذلك لأنه كان يحادثها من مكبر الصوت وهي لا تعلم ، فغضبت ، وأخذت الهاتف وقلت لها : " أنت لست أختي إلى يوم الدين ، وأنا لا أعرفك ، ولا أريد أي صلة لك بي وبزوجي ، لا أنت ولا زوجك ولا بناتك " ، ولم أرها أو أتحدث معها منذ سنة تقريبا ، علما بأنها عادت إلى الوطن ، وتعيش هنا الآن , فهل عليَّ أي إثم - علما بأني لا أنوي أبدا أن أكلمها أو أراها في المستقبل - ؟ . جزاكم الله خيراً
الجواب:
الحمد لله(/1)
أولاً :
نرجو أن يكون في مثل هذه المشاكل عبرة وعظة للجميع ، فكل الذي حصل معكم هو من شؤم المعصية ، ونتيجة التساهل في الأحكام الشرعية ، وجماع المخالفات يرجع إلى مسألتين : الاختلاط في الزيارات ، وكشف وجهك أمام زوج أختك .
والزيارات الأسرية كثيراً ما يتساهل فيها الناس فتجدهم يجلس رجالهم مع نسائهم دون أدنى تحرج ، ظانين أن الأمر ليس فيه مخالفة للشرع ، وغافلين عن آثاره السيئة ، وهذا الاختلاط باب شر كبير يفتحه الناس ليدخلوا منه على مشاكل ومفاسد تسبِّب غضب الرب وتقطِّع أواصر هذه الأسر ، فيحصل الإعجاب والمواعدة والمراسلة وقد يتطور الأمر – كما في كثير من الحوادث – إلى الزنا – والعياذ بالله - .
وأما المخالفة الثانية فهي كشفكِ لوجهكِ أمام زوج أختك ، والواجب على المرأة أن تستر كامل بدنها ووجهها عن الرجال الأجانب ، وبالأخص من له خلطة في بيتها كأقرباء زوجها ، أو له كثرة حضور كزوج أختها .
وينظر في المسألتين :
جواب السؤال رقم ( 1200 ) ففيه تفصيل الحكم في الاختلاط .
وجواب السؤال رقم ( 11774 ) ففيه بيان حكم تغطية الوجه بالأدلة التفصيلية .
ثانياً :
قد تعدت العلاقة بين أسرتك وأسرة أختكِ إلى أكثر من حدها الشرعي حتى تجرأ وأرسل زوج أختكِ – كما ظهر أولاً - رسالة يطلب إقامة علاقة غير شرعية !! وهذا من ثمار التساهل في الأحكام الشرعية كما سبق .
وادعاؤه المزح عذر قبيح ، فهو مزح فاحش.
ثالثاً :
إن قطيعتك لأختك وأولادها أمر منكر ، ويمينك يمكنك التكفير عنه بإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم ، فإن لم تستطيعي فتصومين ثلاثة أيام .
عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا حَلَفْتَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَيْتَ غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفِّرْ عَنْ يَمِينِكَ ) . رواه البخاري ( 6343 ) ومسلم ( 1652 ) .(/2)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَلْيَأْتِهَا وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ ) . رواه مسلم ( 1650 ) .
ويجب على زوجك أيضاً كفارة يمين لأنه أقسم أن يضربه ، ثم لم يفعل .
وإنكار زوج أختك ما فعله بعد إقراره عجيب ، واعتراف أختك بأنها هي التي أرسلت وتراجعها عن كونها لا تعلم إلى أن تصبح هي المرسلة عجيب ، ولا شك أن أحدهما كاذب ، فإما أن تكون هي المرسلة وأراد أن يغطي فعلتها ، أو يكون هو المرسل وأرادت أن تغطي فعلته بنسبة الأمر إليها ، وبكل حال : فمثل هذه العلاقات على هذه الحال ضررها أكثر من نفعها .
رابعاً :
الذي نراه أنه إذا صلح حال أختكِ واعترفت بذنبها وتابت منه توبة صادقة : أنه ليس لك مقاطعتها ، بل الواجب عليكِ أن تُرجعي علاقتكِ بها ، و ( التائب من الذنب كمن لا ذنب له ) ، و ( كل ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون ) ، ولا علاقة لأبنائها بما حصل منها ، فأنت خالتهم وهم جزء منك ، وفي الحديث الذي رواه البخاري ( 2335 ) قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( الخالة بمنزلة الأم ) .
وكذلك الأمر بالنسبة لزوجها ، فإن تاب وأناب فلا مانع من إرجاع علاقة زوجك معه ، على أن يكون ما حصل عبرة وعظة لكم ، وإن رجعت العلاقات بينكم فلا يحل لكِ كشف وجهك أمامه ، ولا يحل لكم أن تجلسوا جميعاً معاً ، واحرصي على أن تكون مجالستك لأختك مجالسة نفع وخير ، تتواصيان فيها على الطاعة ، وتجتمعان فيها على ما يرضي الله .
ونسأل الله تعالى أن يهديكم جميعاً لما يحب ويرضى ، وأن يصلح قلوبكم ، وأن يجنبكم الفتن ومجالس السوء .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
83721
العنوان:
عقد عليها وتغير حالها فهل يطلقها ؟
السؤال:
عقدت قراني على إحدى قريباتي منذ ستة شهور ، مع العلم أني أعمل في دولة أخرى ، حيث تمت فترة الخطبة وحتى العقد وأنا في السفر ، منذ أن تم العقد وزوجتي اختلفتْ كثيراً وأصبحتْ متشائمة جدّاً ، وتُردد أنها لا تحس بالسعادة معي ، ولا تتوقعها في المستقبل لذا فهي تطلب الطلاق ، فهل يجوز لي تطليقها - مع العلم أنها أصبحت تعاندني في أمور هامة بالنسبة لي مثل الحجاب الشرعي الكامل ، وعملها في مكان مختلط ، وأنا أحب أن أحافظ على ديني - ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأصل في الطلاق الكراهة ؛ لأنه يحصل به من تقطع أواصر المصاهرة ، وتشتيت الأسرة ، وضياع الأولاد .
قال شيخُ الإسلامِ ابنِ تيمية - رحمه الله - :
الأصلُ في الطلاقِ الحظرُ ، وإنما أبيحَ منه قدرَ الحاجةِ .
" مجموع الفتاوى " ( 33 / 81 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :
الأصل في الطلاق الكراهة ، والدليل : قوله تعالى في الذين ( يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِم ) أي : يحلفون ألا يجامعوا مدة أربعة أشهر ( فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ . وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) وهذا فيه شيء من التهديد ، لكن في الفيء ، أي : الرجوع ، قال : ( فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) فدل هذا على أن الطلاق غير محبوب إلى الله عز وجل ، وأن الأصل فيه الكراهة ، وهو كذلك .
" الشرح الممتع " ( 10 / 428 ) .
ولكن لما كانت طباع الناس وأخلاقهم ودينهم يتفاوت ويختلف من شخص لآخر ، كان لا بدَّ من تشريع الطلاق في شرع الله تعالى ، فقد تتأذى المرأة ببقائها مع زوجها لقلة دينه أو سوء خلقه أو غلظ طباعه ، كما قد يتأذى الرجل ببقاء زوجته معه لعدم صلاحيتها لتربية أولاده ، أو عدم إعطائه حقه من العشرة بالمعروف ، ومن هنا كان تشريع الطلاق موافقاً للحكمة وموافقاً لطبيعة الخِلقة .(/1)
وقد يكون لكلا الزوجين في اختياره الآخر بعد الطلاق ما تستقيم به حياتهما ، كما قال تعالى : ( وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا ) النساء/130 ، لذا فليس الطلاق نهاية الدنيا ، ويمكن أن يكون الطلاق الوسيلة الناجعة لما بين الزوجين من تنافر في الطباع ، وعدم توافق في السلوك والأخلاق والأفعال .
وعليه : فالذي ننصحك به هو توسيط العقلاء من أهلك وأهلها لإقناعها بضرورة تغيير سلوكها وتصرفاتها معك ، وأن تعاهدك على السير على الطريق المستقيم في حياتكما الزوجية من غير اعوجاج ولا انحراف ، وإخبارها بأنه بمثل هذا يمكنك الاستمرار معها للزواج ، فإن استجابت وقبلت هذا فالحمد لله ، ولعل الله أن يؤدم بينكما ، ويجمع بينكما على خير ، وننصحك بأن تتريث فترة قبل إتمام الزواج ، لترى مدى رغبتها في الاستقامة في الحياة معك ، ثم مدى قدرتها ـ بالفعل ـ على تنفيذ ذلك ؛ فإن ما ذكرته لنا من حالها يجعلنا نشك ـ بقوة ـ في رغبتها في ذلك التوافق ، أو قدرتها عليه .
وإن لم تقبل فالذي نراه أن تطلقها ، وطلاقها الآن خير لك ولها من طلاقها بعد الدخول ، أو بعد الإنجاب .
ولو فعلتَ هذا وحصل الطلاق فليس عليك إثم ؛ لأن الطلاق في حقك هنا يكون واجباً أو مستحبّاً وخاصة إذا أصرَّت على عملها المختلط ، وهو أمرٌ محرَّم لا ينبغي لك التفاوض عليه ، بل يجب إلزامها بالخروج منه ، ولو أصرَّت فيكفي هذا الأمر لتطليقها ، فكيف إذا انضم إليه ما عندها من أمور أخرى ؟! .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
83776
العنوان:
زوجها لا يشبع رغبتها الجنسية فتلجأ للاستمناء
السؤال:
عند الجماع لا يحدث إشباع للشهوة بيني وبين زوجي وفي بعض الأحيان بعد انتهاء الجماع أستمني بيدي دون علم الزوج وهذا يحصل في بعض الأحيان فما حكم الشرع في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يحرم الاستمناء باليد وغيرها ، على الرجل والمرأة ، لأدلة تجدينها في جواب السؤال رقم (329) .
وللزوجين أن يستمتع كل منهما بالآخر ، كيفما شاءا إذا اتقيا الحيضة والدبر ، فلا حرج أن تستمني بيده ، أو العكس .
ثانيا :
ما ذكرت من عدم حدوث الإشباع لك ، علاجه هو المصارحة والتفاهم مع الزوج ، والتهيؤ النفسي من الطرفين ، وشعورهما بالمسئولية والرغبة في تحقيق السعادة والسكن والمودة . وكثير من الأزواج يغفلون عن حق المرأة في الاستمتاع وقضاء الوطر ، وهذا ينشأ غالبا عن الجهل بحال المرأة واختلافها عن الرجل في هذه العملية ، والمصارحة ، ومحاولة العلاج ، وقراءة الكتب المختصة في هذا الجانب ، لها دور كبير في التصحيح إن شاء الله ، كما أن المرأة إذا اعتادت الاستمناء قد يصدها ذلك عن زوجها ، ولا تشعر بالرغبة في الجماع ، أو لا يكون كافيا في إشباعها ، وهذا أحد مضار الاستمناء التي يذكرها أهل الاختصاص .
وراجعي السؤال رقم (23390) .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
83778
العنوان:
تعيش مع حماتها وبينهما مشاكل كثيرة
السؤال:
أنا زوجة منذ 10 سنوات تقريبا ولديَّ طفلان ، أعيش منذ أن تزوجت مع والد ووالدة زوجي ، بدأت حياتي وأنا أرجو أن نكوِّن أسرة وأن أعامل وكأني ابنة لهم وأعاملهم بنفس الطريقة ، ولكن الحياة بيننا أصبحت ما يمكن أن يسمى " تعايش سلمي " ، فهناك حوار ما دامت ليس لها ملاحظات عليَّ ، لكني أفتقد الإحساس بالمحبة وخصوصا عندما أكون مريضة أو أحس بالتعب ، لا أحس أنها تسأل عن صحتي باهتمام الأم ، إن أنا قلت إني أحس بالتعب لا تسألني إن تحسنت حالتي أو كيف أصبحت فصرت لا أقول ، وفي بعض الأحيان ردها على كلامي يوصل الإحساس أنها ترى أني أتصنع ذلك ، وهذا يحز في نفسي ، فأنا لا أطلب أن أستريح وتقوم هي بعمل المنزل ولكن مجرد الاهتمام بالسؤال عن صحتي ، والمشكلة الأخرى تكمن في طبع والدة زوجي أنها كثيرة الانتقاد لتصرفات الآخرين ، تكون في بعض الأحيان على صواب وأحيانا أخرى تكون فيها مبالغة ، فهي تريد الأمور أن تتم كما تراها وغير ذلك فهو في نظرها خطأ ، المشكلة أن حديثنا في الغالب ما يكون انتقادا لأشخاص سواء من الأصدقاء أم من الأقارب من جهتهم أو من جهتي ، وانتقادها يكون غالباً حادّاً وخاصة إن كانت في حالة غضب من الشخص وفي بعض الأحيان يصل إلى حد الشتم ، أولاً أنا أحس أننا نرتكب الكثير من الغيبة ، وإن لم أرد عليها أو حاولت أن أبرر تصرفات من تنتقده في محاولة لرد غيبة الشخص المتحدث عنه انقلب عليَّ الحال ، فالوضع الوحيد الذي يرضيها أن أقول إنها على حق وأن الطرف الآخر قد أخطأ ، ولكن ذلك لا يتم إلا وقد جرحنا في الناس كثيراً ، ويزيد من ضيقي أن يكون هذا النقد اللاذع لأهلي ( أبى وأمي وإخوتي وأزواجهم ) ، وقد يكون معها الحق أحيانا ، فهم بشر ولهم عيوبهم وأخطاؤهم ، ولكن أن نظل نتحدث عما حدث وننتقدهم والانتقاد لا يكون فقط على السلوك الذي حدث منهم وأغضبها ((/1)
وطبعا بشكل لاذع ) بل يكون أحيانا على تصرفاتهم في حياتهم الشخصية ، وإن ظهر عليَّ الضيق غضبت مني ، وقد توفي والد زوجي منذ ما يقل من عام فأصبح الوضع أكثر سوءا ؛ أصبحتْ أشد حساسية وانتقاداً للنظرة والحركة والكلمة وطريقة كلام من نعرفهم ، وانتقل هذا الانتقاد لي أنا شخصيّاً في كل أمور حياتنا ؛ طريقة معاملتي لزوجي ( ابنها ) ، وتعاملي مع أولادي ، وتعاملي مع أهلي ، فهي تريديني أن ألومهم على ما تراه هي أن فيه خطأ ما مباشرة وأن لا أفوت لهم أي تصرف دون معاتبة ، ولكن أنا أرى أن إخوتي يجاملونها ( إرضاء لخاطري ) ، وحتى إن غضبتْ من أحدهم لتصرُّف صدر عنه يأتي للاعتذار – أليس في ذلك سببا كافيا لأحمل لهم هذا الجميل ففي استطاعتهم ألا يهتموا بزعلها منهم ولكنهم يفعلون ذلك لأجل خاطري – كمثال لما أقول ، كان زوجي مسافراً لمدة 10 أيام كانوا يتصلون كل يوم للسؤال عنَّا وإن كنا نريد شيئا ، كان أول ما أخذته عليهم أن من المفروض أن يأتي كل يوم أحد منهم ليجلس معنا قليلا ويعرض استعداده لأخذنا للمكان الذي نريد ، ثم كان موعد أخذ إبرة دواء تأخذها أسبوعيا فأتى زوج أخت لي لأخذها إلى المستشفى ، وأخذنا بعدها لشراء أغراض للمنزل ، أخذت عليه أنه لم يكلف نفسه عناء شراء شيء لأولادي فقد كانوا معنا ، وغضبت كثيراً ، ووصفته بالبخل ، أما من ناحيتي أنا فقد زادت انتقاداتها لي كثيراً ، وازدادت حدتها ، وقد تصل أيضا لحد الألفاظ الجارحة أحيانا ، وقد يتم ذلك أمام أولادي ، صبرتُ واحتملتُ كل هذه السنين دون أن أرد أو حتى يظهر عليَّ أي اعتراض لما تقول احتراماً لها وإرضاء لزوجي ، ونيتي في ذلك أجددها دائما أنها طاعة لله ، ولكن أحس أني لا أستطيع الاحتمال أكثر من ذلك ، وقد أثَّر ذلك على حالتي النفسية فأصبحت عصبيَّة جدّاً مع أولادي ، أعرف أنه تنفيس عن الضغط النفسي الذي أحس به ، وأحاول أن أتغلب على ذلك ولكن لا أستطيع ، وأيضاً إحساسي أنه(/2)
ليست لي أي حياة زوجية خاصة ، فلا وقت لي لأجلس مع زوجي بمفردنا ، فأنا أجلس معها دائماً حتى لا أتركها تجلس بمفردها وأتجاذب معها أطراف الحديث الذي أحاول أن أبتعد به عن ذكر أي شخص وأن أجعله في أمر عام أو ديني ، ولا أن أقضي وقتا مع أولادي لألعب معهم فهم أطفال أعمارهم 9 و 6 سنوات ، لا أحس أن لي بيتاً أستطيع أن آخذ راحتي فيه فيجب أن أسألها قبل أن أفعل أي شيء ؛ لأني في رأيها قليلة الحيلة لا أستطيع التصرف ، أصبحت أحس أنني فعلا لا أعرف التصرف في أي شيء ، ماذا أفعل ؟ أفعل ما في وسعي لإرضائها ، ولكن أحس إحساس من يتعب في غير بيته كأني مقيمة ، كضيفة في بيت قريب يجب أن تظل منتبها طوال الوقت لما يجب أو لا يجب أن تفعله ، وقد تكلمت مع زوجي ، رأيه أن هذا طبعها وأننا لا يجب أن نعتبره موجها لشخصي ، فهي تعامل الناس جميعاً بهذه الطريقة القريب والبعيد ، وبالتالي إن اعتبرته طبعا لا يقصد به شخصي فقط ، فيجب ألا يسبب لي هذا ضغطاً نفسيّاً ، بصراحة لم أستطع أن أستوعب هذه النظرية ولا أن أكيِّف نفسي عليها وأصبحت كالمكثف الكهربائي أظل أخزن التوتر والضغط لفترة ثم أنهار ليلا بالبكاء لاحتمل لفترة أخرى ، وتذهب طاقتي النفسية في أن أمتص ما تقوله سواء في حق الغير لإحساسي بارتكاب الغيبة أو في حق الأهل وهو غيبة ويؤلم لأنهم أهلي وفي حقي ، فلا أظهر لها امتعاضي أو غضبي وأن أرد على ما تقول بأقصى ما أستطيع من دبلوماسية في محاولة لرد غيبة من نتكلم عنهم وتجنب أن يرتد غضبها على وإن كنت أفشل أحيانا في الجمع بين هذين الأمرين فتغضب مني ، أصبحت بلا أصدقاء ، فقد فضلت أن أنقطع عمن أعرفهم قبل زواجي لأقلل من انتقاداتها ولأنني لا أستطيع أن أجاملهم كما تعودت معهم ، فأنا لا أخرج إلا إن رضيت هي ، حتى زياراتي لأهلي يجب أن نتحايل لتحس أنها هي من قال لنا اذهبوا ، فليست لي حرية الخروج مع زوجي كما نريد ، وإن حدث وخرجنا أحس عند عودتي أنها(/3)
غاضبة ويكون ذلك واضحا حتى لزوجي ولا مبرر لهذا الغضب إلا أننا خرجنا بمفردنا ، لا أجد سبباً آخر لذلك مع أننا نكون استأذنا للخروج ، وزوجي ليس لديه أصدقاء يقيم معهم علاقات اجتماعية بل في حدود العمل وخارج المنزل دون أسرهم ، فقد حدثت علاقات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة مع أسَر من يعمل معهم وانتهت كلها بسبب انتقادها لتصرفاتهم سواء الرجل أو أسرته ، فلم تعد لدينا أي علاقة مع أي أسرة ، وأنا من أسرة ترى أن الحياة الاجتماعية شيء أساسي وأصدقاء والدي ووالدتي منذ عشرات السنين في تزايد وعلاقات مستمرة وأحسبهم والحمد لله صالحين ، قاموا بتربيتي أنا وإخوتي على حفظ القرآن منذ صغرنا والصلاة وأن الصحبة الصالحة ضرورية للمسلم ، لذا أحس بفراغ كبير في هذا الجانب ، ولا أعرف تعويضه ، أريد الصحبة الصالحة ولكن أخشى أن تأتي من ورائها المشاكل وأنا في غنى عن المزيد ، ماذا أفعل ؟ أحس أنني لا أستطيع الاستمرار ، وفي نفس الوقت لا أريد أن أفقد في الطريق أحلى سنين أطفالي وأنا أصرخ فيهم ؛ لأن طاقتي العصبية وقدرتي على الصبر والتفهم تستنفذ في امتصاص ما أحس من توتر من أم زوجي ، فهي على الرغم من كل شيء هي أم زوجي ، وعليه أن يبرها وأن أبرها أنا أيضا ، ولكن أحس أني لن احتمل لفترة أطول ، هل الخطأ مني ؟ هل ضاع أجر صبري عندما أصبح عصبية مع أولادي أو أشتكي لزوجي مما ألاقيه ؟ وهل طلبي من زوجي أن تكون لنا بعض الخصوصية كأن يحاول توفير وقت نجلس فيه معا أو نخرج فيه بمفردنا فيه عدم بر بالوالدة ؟ وما يرتكب من غيبة للناس كيف أتحاشاه ؟ هل يكفي إنكاري بالقلب ومحاولة رد الغيبة إن استطعت بما لا يسبب لي الضرر حتى لا أأثم ؟ وإن اضطررت للمشاركة فأشارك بلساني وقلبي كاره وأستغفر سرّاً لمن اغتبناهم ، هل أنا بذلك آثمة ؟ وأصبحت أقوم بواجبي تجاهها وتجاه المنزل من باب أداء الواجب ، بدون أن يكون ذلك نابعاً عن حب حقيقي ، كنت أتمنى أن أحس بإحساس(/4)
الابنة تجاه والدتها ، ولكن ذلك لا يكون من طرف واحد ، يجب أن يبادلك الطرف الآخر نفس الشعور ، فهل أنا آثمة في ذلك - أن يكون أدبي ومساعدتي لها في المنزل من باب الواجب وصلة الرحم واحترام الكبير - ؟ بصراحة لا أحس أنه منزلي ! نحن لا نستطيع أن نتكلم معها بصراحة فيما يحدث ، فلن تتقبل النقد بصدر رحب ، والمشكلة أنها حين تنفعل أو تغضب فإنها تتعب جسديّاً ، أي : أن التعب النفسي يظهر عندها بشكل عضوي ، هل هناك طرق لتفادي ما أنا فيه ، أم عليَّ أن أستمر في الاحتمال ؟ وأيضا علاقتي مع زوجي تتأثر بحالتي النفسيَّة جدّاً ، فأنا بشر . أفيدوني أفادكم الله .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ينبغي أن تعلمي – أختنا السائلة - اختلاف طبيعة البشر ، فهم ليسوا سواء من حيث الخلُق والدين والعقل والتصرفات ، وينبغي عليكِ - كذلك - مراعاة من كان كبيراً في السنِّ فإن عقله يضعف ويعود صغيراً في كثيرٍ من تصرفاته ، وعليكِ – أيضاً – مراعاة أنكِ تتعاملين مع أم زوجكِ ، وغالب هؤلاء الأمهات تدب فيهن غيرة الضرائر من زوجات أبنائهنَّ .
فإذا راعيتِ كل ما سبق وفطنتِ له فإنه تهون عليك مشاكلك وتفرَّج همومك ، فما تعانين منه تعاني منه كثيرات ، وهو يحتاج لأمرين مهمين : الصبر والحكمة .
فاصبري على ما ترينه وتسمعينه من أهل زوجك ، وكوني حكيمة في تعاملك معهم ، وبخاصة أم زوجك ؛ فإنه بحكمتك تستطيعين تجنب كثير من المشاكل ، وتفوزين برضاهم أو على الأقل كف شرهم عنكِ ، وتفوزين بقلب زوجك ورضاه عنكِ .
والحكمة في تعاملك مع أم زوجكِ تقتضي منكِ إسماعها الكلام الحسن ، والثناء عليها ، والدعاء لها ، وتلبية طلباتها ، وأن تكوني أحرص منها على نفسها إن كانت تتناول دواء – مثلاً – أو لها موعد زيارة طبيبة ، كما أن للهدية دوراً كبيراً في ترقيق قلبها وتغيير معاملتها تجاهك .(/5)
مع العلم أنه لا يجب عليكِ خدمتها ولا العناية بها من حيث الوجوب الشرعي ، فما تفعلينه هو أمر مستحب محبوب للشرع ، وهو من حسن العشرة لزوجكِ ، ولعلَّها إذا عرفت أنكِ تقومين بما لا يجب عليكِ شرعاً ، وعرف زوجكِ ذلك – أيضاً – أن يكون لك مكانة عندهما عالية .
ثانياً :
هذا لا يعني أنكِ تجارينها في الغيبة التي تفعلها ، بل يجب عليكِ نصحها بترك أكل لحوم الناس باغتيابهم ، فإن انتهت فهو خير لها ، ولكِ أجر ذلك ، فإن استمرت ولم تنته فلا يحل لك الجلوس معها وهي تغتاب الآخرين ، بل يجب مفارقة مجلسها ، وقد يكون تصرفك هذا مساهماً في تركها للغيبة ، ولا يكفي إنكارك بقلبك في الحال ؛ لأنك لستِ في حكم المكرَهة ، ولا بدَّ أن تفهم هي وابنها هذا الحكم ، واعلمي أنكِ إن بقيتِ معها وهي على ذلك الحال فأنت شريكة معها في إثم الغيبة ، فكيف إن شاركتِ معها بلسانك ؟! .
ثالثاً :
لك كل الحق في أن يكون لكِ بيتٌ مستقل تعيشين فيه مع زوجكِ وأبنائكِ ، ولك الحق أن يكون لك كثير من الخصوصية إن كان زوجك يريد أن يكون مسكنكم مع أهله ، ولا يكون عاقّاً لأمه لو فعل ذلك ، فالرجل العاقل الحكيم يزن الأمور بميزان الشرع ، ويعطي كل ذي حقٍّ حقَّه ، ولا ينتقص لواحدٍ من الآخر .
على أننا ، مع ذلك ، نعلم صعوبة الاستقلال بمسكن في كثير من الأحيان ، لا سيما مع الظروف المعاصرة التي جعلت من الحصول على المسكن الملائم ، خاصة في المدن الكبرى ، أمرا صعب المنال ، وهنا يتوجب على المرء أن ينظر في الظروف المحيطة به ، بشكل عام ، وبأفق أرحب ، من أجل ألا يشق على نفسه ، ولا على من حوله ، والله تعالى كتب الإحسان على كل شيء .(/6)
ويجب على زوجكِ أن يعلم بحقيقة وضعك مع أمه ؛ لأن هذا سبَّب لك عصبية ظهر أثرها على أبنائك ، وقد يكون أثر على زوجك أيضاً ، لذا ينبغي عليه أن يسارع في حل مشكلات البيت ، وعليك أن يتقبل منكِ المصارحة في الأمور كلها ؛ وعليه أن يتحمل المسئولية التي أوجبها عليه الشرع ، فعليه برُّ أهله ، ومن برِّهما نصحهما وتذكيرهما إن وقعا في مخالفة الشرع ، كما أن عليه مسئولية عِشرة زوجته بالمعروف ، وعليه مسئولية تربية أولاده ، فهو أحوج ما يكون للمصارحة والمعاونة على ذلك ، وأنتِ الطرف الأساس الذي يعينه على ذلك كله .
ونسأل الله تعالى أن يهديكم ويصلح بالكم ، وأن يجمع بينكم على خير ، وأن تكونوا أسرة واحدة سعيدة في الدنيا والآخرة .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
83903
العنوان:
عنده أسهم وعليه دين فكيف يزكي ؟
السؤال:
لقد أخذت تمويلا إسلاميا من شركة الراجحي بشراء أسهم وتقسيط ثمنها على أقساط شهرية وبلغ حجم الدين المطلوب سداده لشركة الراجحي تقريبا (99) ألف ريال ، وقد سددت حتى الآن تقريبا(20) ألف ريال ، وحاليا أنا أتداول الأسهم النقية عن طريق تداول الراجحي ، فكيف أزكي أموالي ؟ علما أنني سمعت من أحد الإخوان أن الذي عليه دين ولو كان على أقساط شهرية ليس عليه زكاة ، أرغب من فضيلتكم إجابتي بشكل مفصل.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اختلف الفقهاء في الدَّين هل يمنع الزكاة ؟ على قولين مشهورين ، أحدهما : أنه لا يمنع الزكاة ، فمن ملك نصابا ، وحال عليه الحول ، وجب أن يزكيه ، مهما كان دينه ، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله ، وهو الذي يرجحه كثير من أهل العلم .
وذلك لعموم الأدلة الدالة على وجوب الزكاة على من ملك نصاباً ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرسل عماله لقبض الزكاة ، ولا يأمرهم بالاستفصال هل على أصحاب الأموال ديون أو لا ؟ ولأن الزكاة تتعلق بعين المال ، والدين يتعلق بالذمة ، فلا يمنع أحدهما الآخر .
قال النووي رحمه الله : " الدين هل يمنع وجوب الزكاة ؟ فيه ثلاثة أقوال : أصحها عند الأصحاب , وهو نص الشافعي رضي الله عنه في معظم كتبه الجديدة : تجب ... فالحاصل أن المذهب وجوب الزكاة ، سواء كان المال باطنا أو ظاهرا ، أم من جنس الدين أم غيره , قال أصحابنا : سواء دين الآدمي ودين الله عز وجل , كالزكاة السابقة , والكفارة والنذر وغيرها " انتهى من "المجموع" (5/317) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " وأما الدين الذي عليه فلا يمنع الزكاة في أصح أقوال أهل العلم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (14/189) .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا ، ولو كان عليه دين ينقص النصاب ، إلا دَيْناً وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه ، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/189) : " الصحيح من أقوال العلماء أن الدين لا يمنع من الزكاة ، فقد كان عليه الصلاة والسلام يرسل عماله لقبض الزكاة ، ولم يقل لهم : انظروا هل أهلها مدينون أم لا " انتهى .
وعلى هذا ؛ فإنك تنظر فيما لديك من مال في نهاية حوله ، فتزكيه ، ولو كان دينك أكثر أو أقل من هذا المال ، إلا إذا سددت الدين أو بعضا منه قبل نهاية الحول ، فلا زكاة في هذا القدر ، بل فيما بقي من المال .
وراجع جواب السؤال رقم (22426).
ثانيا :
لمعرفة زكاة الأسهم راجع السؤال رقم (69912).(/2)
رقم السؤال:
83912
العنوان:
السفر للعمل في بلاد الكفار
السؤال:
بعض الناس يريد أن يسافر إلى بلاد الكفار للعمل وبدعوى أن لديهم نظاما ومعاملة راقية إلخ من مزايا . فهل هذا يجوز؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي أن تعلم أولا أن السفر والإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا بشروط بينها أهل العلم ، وملخصها :
1- أن يأمن الإنسان على دينه ، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان ما يبعده عن الانحراف.
2- أن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم ، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم.
3- أن يتمكن من إظهار دينه ، من الصلاة وغيرها.
4- أن يكون بقاؤه هناك لضرورة أو مصلحة كالدعوة إلى الله تعالى ، أو تعلم علم لا يوجد في بلده .
انظر : "فتاوى علماء البلد الحرام" (ص 92-95) .
هذا على سبيل الإجمال ، وأما على سبيل التفصيل فيقال :
الإقامة في بلاد الكفر ، تارة تكون جائزة ، وتارة تكون مستحبة ، وتارة تكون محرمة ، وذلك بحسب حال المقيم ، وغرض إقامته ، ومدى قدرته على إظهار دينه . وقد أجبنا على ذلك مرات ، لكن سنضع هنا بين يديك كلاما دقيقا للشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله ، يجمع شتات هذه المسألة :
قال الشيخ رحمه الله :
" وأما الإقامة في بلاد الكفار فإن خطرها عظيم على دين المسلم ، وأخلاقه ، وسلوكه ، وآدابه وقد شاهدنا وغيرنا انحراف كثير ممن أقاموا هناك فرجعوا بغير ما ذهبوا به ، رجعوا فساقا ، وبعضهم رجع مرتدا عن دينه وكافرا به وبسائر الأديان والعياذ بالله حتى صاروا إلى الجحود المطلق والاستهزاء بالدين وأهله السابقين منهم واللاحقين ، ولهذا كان ينبغي بل يتعين التحفظ من ذلك ووضع الشروط التي تمنع من الهوي في تلك المهالك .
فالإقامة في بلاد الكفر لا بد فيها من شرطين أساسين :(/1)
الأول : أمنُ المقيم على دينه ، بحيث يكون عنده من العلم والإيمان وقوة العزيمة ما يطمئنه على الثبات على دينه والحذر من الانحراف والزيغ ، وأن يكون مضمرا لعداوة الكافرين وبغضهم ، مبتعدا عن موالاتهم ومحبتهم ، فإن موالاتهم ومحبتهم مما ينافي الإيمان ، قال الله تعالى : ( لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ) الآية المجادلة/22. وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ ) المائدة/ 51، 52 ، وثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أن من أحب قوما فهو منهم) ، (وأن المرء مع من أحب) .
ومحبة أعداء الله من أعظم ما يكون خطرا على المسلم ، لأن محبتهم تستلزم موافقتهم واتباعهم ، أو على الأقل عدم الإنكار عليهم ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحب قوما فهو منهم) .
الشرط الثاني : أن يتمكن من إظهار دينه ، بحيث يقوم بشعائر الإسلام بدون ممانع ، فلا يمنع من إقامة الصلاة والجمعة والجماعات إن كان معه من يصلي جماعة ومن يقيم الجمعة ، ولا يمنع من الزكاة والصيام والحج وغيرها من شعائر الدين ، فإن كان لا يتمكن من ذلك لم تجز الإقامة لوجوب الهجرة حينئذ .(/2)
قال في المغني (8/457) في الكلام على أقسام الناس في الهجرة : أحدها من تجب عليه وهو من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه ، ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار فهذا تجب عليه الهجرة ، لقوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمْ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) النساء /97 . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب ، ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه ، والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته ، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب . انتهى .
وبعد تمام هذين الشرطين الأساسيين تنقسم الإقامة في دار الكفر إلى أقسام :
القسم الأول : أن يقيم للدعوة إلى الإسلام والترغيب فيه ، فهذا نوع من الجهاد ، فهي فرض كفاية على من قدر عليها ، بشرط أن تتحقق الدعوة ، وأن لا يوجد من يمنع منها ، أو من الاستجابة إليها ؛ لأن الدعوة إلى الإسلام من واجبات الدين ، وهي طريقة المرسلين ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، بالتبليغ عنه في كل زمان ومكان ، فقال صلى الله عليه وسلم : (بلغوا عني ولو آية) .(/3)
القسم الثاني : أن يقيم لدراسة أحوال الكافرين والتعرف على ما هم عليه من فساد العقيدة ، وبطلان التعبد ، وانحلال الأخلاق ، وفوضوية السلوك ؛ ليحذر الناس من الاغترار بهم ، ويبين للمعجبين بهم حقيقة حالهم ، وهذه الإقامة نوع من الجهاد أيضا لما يترتب عليها من التحذير من الكفر وأهله المتضمن للترغيب في الإسلام وهديه ، لأن فساد الكفر دليل على صلاح الإسلام ، كما قيل : وبضدها تتبين الأشياء . لكن لا بد من شرط أن يتحقق مراده بدون مفسدة أعظم منه ، فإن لم يتحقق مراده بأن منع من نشر ما هم عليه والتحذير منه فلا فائدة من إقامته ، وإن تحقق مراده مع مفسدة أعظم مثل أن يقابلوا فعله بسب الإسلام ورسول الإسلام وأئمة الإسلام وجب الكف ، لقوله تعالى : (وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) الأنعام/ 108 .
ويشبه هذا أن يقيم في بلاد الكفر ليكون عينا للمسلمين ؛ ليعرف ما يدبرونه للمسلمين من المكايد فيحذرهم المسلمون ، كما أرسل النبي صلى الله عليه وسلم حذيفة بن اليمان إلى المشركين في غزوة الخندق ليعرف خبرهم .
القسم الثالث : أن يقيم لحاجة الدولة المسلمة وتنظيم علاقاتها مع دولة الكفر كموظفي السفارات فحكمها حكم ما أقام من أجله . فالملحق الثقافي مثلا يقيم ليرعى شؤون الطلبة ويراقبهم ويحملهم على التزام دين الإسلام وأخلاقه وآدابه ، فيحصل بإقامته مصلحة كبيرة ، ويندرئ بها شر كبير .
القسم الرابع : أن يقيم لحاجة خاصة مباحة كالتجارة والعلاج فتباح الإقامة بقدر الحاجة ، وقد نص أهل العلم رحمهم الله على جواز دخول بلاد الكفار للتجارة ، وأثروا ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم .(/4)
القسم الخامس : أن يقيم للدراسة وهي من جنس ما قبلها إقامة لحاجة ، لكنها أخطر منها وأشد فتكا بدين المقيم وأخلاقه ، فإن الطالب يشعر بدنو مرتبته وعلو مرتبة معلميه ، فيحصل من ذلك تعظيمهم والاقتناع بآرائهم وأفكارهم وسلوكهم فيقلدهم إلا من شاء الله عصمته وهم قليل ، ثم إن الطالب يشعر بحاجته إلى معلمه فيؤدي ذلك إلى التودد إليه ومداهنته فيما هو عليه من الانحراف والضلال . والطالب في مقر تعلمه له زملاء يتخذ منهم أصدقاء يحبهم ويتولاهم ويكتسب منهم ، ومن أجل خطر هذا القسم وجب التحفظ فيه أكثر مما قبله فيشترط فيه بالإضافة إلى الشرطين الأساسيين شروط :
الشرط الأول : أن يكون الطالب على مستوى كبير من النضوج العقلي الذي يميز به بين النافع والضار وينظر به إلى المستقبل البعيد ، فأما بعث الأحداث " الصغار السن " وذوي العقول الصغيرة فهو خطر عظيم على دينهم ، وخلقهم ، وسلوكهم ، ثم هو خطر على أمتهم التي سيرجعون إليها وينفثون فيها من السموم التي نهلوها من أولئك الكفار كما شهد ويشهد به الواقع ، فإن كثيرا من أولئكم المبعوثين رجعوا بغير ما ذهبوا به ، رجعوا منحرفين في دياناتهم ، وأخلاقهم ، وسلوكهم ، وحصل عليهم وعلى مجتمعهم من الضرر في هذه الأمور ما هو معلوم مشاهد ، وما مثل بعث هؤلاء إلا كمثل تقديم النعاج للكلاب الضارية .
الشرط الثاني : أن يكون عند الطالب من علم الشريعة ما يتمكن به من التمييز بين الحق والباطل ، ومقارعة الباطل بالحق لئلا ينخدع بما هم عليه من الباطل فيظنه حقا أو يلتبس عليه أو يعجز عن دفعه فيبقى حيران أو يتبع الباطل . وفي الدعاء المأثور : (اللهم أرني الحق حقا وارزقني اتباعه ، وأرني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه ، ولا تجعله ملتبسا علي فأضل) .(/5)
الشرط الثالث : أن يكون عند الطالب دين يحميه ويتحصن به من الكفر والفسوق ، فضعيف الدين لا يسلم مع الإقامة هناك إلا أن يشاء الله وذلك لقوة المهاجم وضعف المقاوم ، فأسباب الكفر والفسوق هناك قوية وكثيرة متنوعة فإذا صادفت محلا ضعيف المقاومة عملت عملها .
الشرط الرابع : أن تدعو الحاجة إلى العلم الذي أقام من أجله بأن يكون في تعلمه مصلحة للمسلمين ولا يوجد له نظير في المدارس في بلادهم ، فإن كان من فضول العلم الذي لا مصلحة فيه للمسلمين أو كان في البلاد الإسلامية من المدارس نظيره لم يجز أن يقيم في بلاد الكفر من أجله ، لما في الإقامة من الخطر على الدين والأخلاق ، وإضاعة الأموال الكثيرة بدون فائدة .
القسم السادس : أن يقيم للسكن وهذا أخطر مما قبله وأعظم ، لما يترتب عليه من المفاسد بالاختلاط التام بأهل الكفر وشعوره بأنه مواطن ملتزم بما تقتضيه الوطنية من مودة ، وموالاة ، وتكثير لسواد الكفار ، ويتربى أهله بين أهل الكفر فيأخذون من أخلاقهم وعاداتهم ، وربما قلدوهم في العقيدة والتعبد ، ولذلك جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله) . وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند لكن له وجهة من النظر ، فإن المساكنة تدعو إلى المشاكلة ، وعن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين ، قالوا : يا رسول الله ولم ؟ قال : لا تراءى نارهما) . رواه أبو داود والترمذي ، وأكثر الرواة رووه مرسلا عن قيس بن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال الترمذي : سمعت محمدا - يعني البخاري - يقول : الصحيح حديث قيس عن النبي صلى الله عليه وسلم ، مرسل . ا هـ .(/6)
وكيف تطيب نفس مؤمن أن يسكن في بلاد كفار تعلن فيها شعائر الكفر ، ويكون الحكم فيها لغير الله ورسوله ، وهو يشاهد ذلك بعينه ، ويسمعه بأذنيه ، ويرضى به ، بل ينتسب إلى تلك البلاد ويسكن فيها بأهله وأولاده ، ويطمئن إليها كما يطمئن إلى بلاد المسلمين ، مع ما في ذلك من الخطر العظيم عليه وعلى أهله وأولاده في دينهم وأخلاقهم .
هذا ما توصلنا إليه في حكم الإقامة في بلاد الكفر نسأل الله أن يكون موافقا للحق والصواب " انتهى من "شرح الأصول الثلاثة" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، ضمن مجموع الفتاوى له (6/132).
ثانيا :
بناء على ما سبق ، فالذي يظهر أن السفر لأجل العمل في بلاد الكفار ، يلحق بما ذكره الشيخ رحمه الله في القسم الخامس والسادس ، وهو السفر للدراسة ، وللسكن والإقامة ؛ ففي هذه الحالات ، تطول المدة ، ويعظم الخطر ، لا سيما إذا كان الإنسان محتاجا إليهم ، وقد ذهب منبهرا بما عندهم من حضارة ورقي ، فإن كان العامل هناك : يتمكن من إظهار دينه ، ولديه نضج يميز به بين النافع والضار والصالح والطالح ، وعلم يدفع به الشبهات ، وإيمان يقف في وجه الشهوات ، ولم يجد فرصة للعمل في بلاد المسلمين ، واقتصر بقاؤه هناك على قدر حاجته ، فهذا يجوز له السفر . والسلامة في ترك ذلك ؛ لأنه إن أمن على نفسه ، فلا يكاد يأمن على أولاده ، وقد تلهيه الحياة وتطغيه ، ويركن إلى البقاء هناك ، فيضيع دينه ، أو ينحرف أبناؤه ، نسأل الله العافية .
وعلى من ابتلي بالسفر إلى هذه البلاد أن يظهر ولاءه لأهل الإسلام هناك ، وأن يعتصم بالأخوة الإيمانية ، وأن يكون عضوا فاعلا في المراكز الإسلامية ، لأن الذئب إنما يأكل من الغنم القاصية ، والشيطان من الفرد قريب ، ومن الاثنين أبعد .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
83962
العنوان:
يعاني من مشكلة نفسية : الخوف من الزواج
السؤال:
أريد الزواج .. أريد زوجة صالحة نعيش معاً في سعادة ورضى وطمأنينة .. نعيش في حب وصفاء وتناصح .. نقوم من الليل معاً وأسكن إليها وتأنس بي .. أنا شاب أعيش في رهبة وخوف كبيرين من الزواج والزوجة .. أعيش في خجل وحياء .. لي فترة أريد الزوج ولكن أستحي من البوح به لوالدي مع أنهما يلحان كثيراً .. ومن داخلي أصرخ أريد الزواج .. أشعر أنني جعلت الحياء والخجل والوساوس بشأن قدرتي الجنسية حاجزاً بيني وبين الزواج حتى أهرب منه .. نعم أنا أحب الزواج ، ولكنني لا أدري لماذا أهرب منه هل هو لخوفي وخجلي أم لعدم الثقة بنفسي وأن الفشل يقف بيني وبين ما أريد .. أعيش في بعض حالاتي ترددا كبيرا وخاصة عند الشراء أو البيع .. أعيش في أسرة محافظة .. وقليلاً ما تتكلم أسرتي في أمور الجنس ولا حتى من بعيد .. مع أنني أسمع أقاربي كيف يمازحون أبناءهم في أمور الجنس وكيف أن أبناءهم واثقون ويتحدثون بطلاقة ليس في أمور الجنس فحسب بل في أمور الزواج .. بلغ بي الخوف من الفشل أنني ذهبت لعيادة الذكورة لقياس العضو وكفاءته .. وتحليل الهرمونات .. وغيرها .. لا أدري هل هو الخوف أم الرغبة في البعد عن الزواج .. حتى أن بعض التحاليل والفحوصات أدخلت الشكوك في نفسي بشكل كبير .. ومع ذلك فأنا أشعر بداخلي بأن ليس الفحوصات السبب في بعدي عن الزواج بل هو الخوف منه .. إذا عقدت العزم على محادثة أهلي بالزواج أشعر برهبة وخوف .. والحق أنني كنت أعيش في سابق عهدي على إستحالة زواجي وخزنت في داخلي أنني مستحيل أن أتزوج .. وسأبقى هكذا .. حتى إن من يحادثني متى تتزوج أرد فوراً " في الجنة " .. أشعر والله أن مايسمى بالعقل الباطن خزن ما كنت أردده .. أريد الزواج .. والله إنني أريد الزواج .. ولكن هذا الخوف أو المخاوف من المرأة والفشل وعدم تصور أنني في يوم من الأيام يمكن لي الزواج وعدم(/1)
تصور أنني أمارس الجنس مع أنثى وعدم تصور أنني أنام وأسافر مع امرأة .. كل هذا يقف حاجزاً بيني وبين الزواج .. تشجعت قبل فترة وكلمت أهلي وخطبوا لي فتاة .. وتمت الموافقة وبقي أن أذهب لرؤيتها فتملكني الخوف الشديد .. وقلت لأهلي لا أريد الفتاة هذه .. عمري الآن قفز الثلاثين سنة .. وأنا أقف عاجزاً وإن كان الأمل موجوداً .. أقف مترددا وإن كانت الهمة تواقة .. أقف متخوفاً وإن كان اليقين يغلب أحياناً .. لقد تأثرت نفسيتي بهذا .. وزرت أطباء نفسانيين أشكو اكتئابي .. وقلقي .. وكلهم يصرف لي حبوب ويقول استعملها .. لا يشعرون بما أشعر به .. إلا آخرهم استمر معي حتى وضع يده على أساس المشكلة وهو الخوف من المرأة والزواج والفشل والجنس .. أرجوكم أرشدوني .. فأنا بحاجة لنصحكم وتوجيهكم .. أريد كسر هذا الحاجز بيني وبين الزواج .. يعلم الله أن الكلمة تؤثر في نفسي سواء السلب أم الإيجاب .. أريد من يأخذ بيدي ويعبر بي إلى حيث الراحة والأنس والطمأنينة الزوجية .
الجواب:
الحمد لله
ثق تمام الثقة - أخي الكريم – أننا نعيش معك هذه المشكلة ونشعر بك وبآلامك ، وأن أي مسلم في الدنيا هو أخ لنا ، مصابه مصاب لنا ، ومشاعرنا معه في فرحه إن فرح ، وفي حزنه إن حزن ، ونتألم لألمه ، ونحاول أن نضع الحلول بين يديك ، من باب المشاركة لك في هذا الألم حتى تتخلص منه عاجلاً بإذن الله تعالى .
أخي الكريم ، اعلم – رعاك الله - أنك لست الوحيد في الدنيا الذي يعيش مشكلة ويعاني هماً وكآبة ، فأنت في هذه الآونة تعيش ابتلاءً من الله لك ، وهذا البلاء يتطلب منك بعض الأمور لتستفيد منه وتخرج من بلائك بمنافع جليلة وكثيرة ، ومن هذه الأمور :(/2)
أولاً : حسن الظن بالله تعالى ، وأنه ما قدر عليك هذا القدر إلا لحكمة عظيمة بالغة يعلمها سبحانه ، وأنه يريد بك الخير مادمت مستقيماً على أمره ، مستمسكاً بهديه ، ممتثلاً أمره ومحاذراً الوقوع في حدوده ومحارمه ، فلا تدري لعل هذا البلاء جاءك ليدفع الله به عنك ما هو أشد وأبلى ، ولعل الله دفع عنك به بعض كبائر الذنوب والمهلكات من حيث لا تشعر ، فأحسن ظنك بربك ومولاك لعله يخرجك من بلائك ، كما تخرج الشعرة من العجين .
ثانيا : إن البلاء يحتاج إلى الصبر والاحتساب ، وقد امتدح الله الصابرين في كتابه ورتب لهم الأجر الذي لا يساويه أجر ، فقال سبحانه : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10
وامتدحه النبي صلى الله عليه وسلم ، وامتدح أهله الذين يتخلقون به ، فقال ـ في المتفق عليه ـ من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه : " ...... وَمَنْ يَتَصبَّر يُصبِّرْه الله ، وَمَا أُعْطِيَ أَحَدٌ عَطَاءً هُوَ خيراً وَأَوْسَع مِن الصَّبْر " رواه البخاري ( 1400 ) ومسلم ( 1053 ) .
فعليك بالصبر فهو عدتك في البلاء وزادك في الرخاء .(/3)
ثالثاً : يقول أهل الطب : " التشخيص ثلثا العلاج " ، ومن خلال الشرح الذي ذكرتَ في سؤالك عن حالتك يتبين أن ابتلاءك ليس بدنيّاً عضويّاً ، وليس نفسيّاً مما يعالج مثله عند الأطباء النفسيين ، بقدر ما هو وسواس قهري ، يتملكك ، في جانب خطير من حياتك . فالوسواس مرض خطير ، إذا تمكن من العبد فيمكن أن يودي به إلى المهالك وربما أخرج بعض الناس من ملة الإسلام ، نسأل الله العفو والعافية ، ولكن ولله الحمد فوسواسك لا يتعلق بعقيدتك وأصول دينك ولا في العبادات وأركان الإسلام ، وإنما يتعلق بترددك في الزواج والبيع والشراء كما ذكرت ، وهذا الأمر وإن كان في نفسك عظيماً ، إلا أنه صغير إذا ما قارنته بوسواس غيرك ممن يتردد في الطهارة ؛ فربما اغتسل بعضهم مرات عديدة ، وبعدها لا يكون مطمئناً أنه على طهارة ، وربما توضأ أكثر من عشر مرات ولا يطمئن أنه على وضوء ، وربما أدرك بعضهم تكبيرة الإحرام خلف الإمام وتذهب منه الركعة الأولى وهو يحاول أن يأتي بتكبيرة الإحرام ، ثم يكمل صلاته وهو لا يعلم أتى بها أم لا ، والحمد لله أن لا شيء من ذلك عندك .
لذا فاعلم أن علاجك بإذن الله في الخطوات التالية :
1. أن تعلم أن الوسواس من الشيطان ، بل إن الله سمى الشيطان بـ ( الوَسواس ) في سورة الناس كما هو معلوم ، وهذا يتطلب منك أن تشن على الشيطان حرباً شديدةً مع العلم أنه هو الذي بدأها معك ، وهو الذي اعتدى عليك وقيدك وأراد سلب حقوقك ، فلا تولّه ظهرك ، ولا تريه ضعفك ، فهو الضعيف ، وهو المهزوم ، وهو الخناس ، فتشجع وكن واثقاً من التغلب عليه ما دمت مع الله ، قال تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ) الحج/78 .(/4)
2. أن تكثر من قراءة سورة البقرة ، وأن تختمها كل ثلاث ليال ، وإن كان في قيام الليل فهو أفضل ، فقد ثبت عن نبينا صلوات الله وسلامه عليه قوله : ( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا اقْرَءُوا سُورَةَ الْبَقَرَةِ فَإِنَّ أَخْذَهَا بَرَكَةٌ وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ وَلَا تَسْتَطِيعُهَا الْبَطَلَةُ ) رواه مسلم ( 804 ) " فِرقان " : جماعتان أو قطيعان ، " تُحاجان " : تدفعان ، " البَطَلَة " : السَّحَرَة .
فالشياطين لا تقدر على سماع سورة البقرة وتفر منها وتضعف أمام قارئها وتخافه ، وقد ثبت في الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ مَقَابِرَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْفِرُ مِنْ الْبَيْتِ الَّذِي تُقْرَأُ فِيهِ سُورَةُ الْبَقَرَةِ ) رواه مسلم ( 780 ) .
3. أن تحافظ على الأذكار الخاصة بالمناسبات ، كأذكار الصباح والمساء ، وأذكار النوم ، ودخول المسجد والمنزل والخلاء والخروج منها ، وأذكار الطعام والشراب واللباس وما شابه ذلك ، ففي كل منها نفع عظيم لك وقطع لطريق الشيطان إليك .(/5)
4. أن تكثر من الدعاء ، بل أن تلح على ربك ومولاك بالدعاء أن يفرج عنك وأن يخرجك من محنتك ، وتحين لذلك أوقات الإجابة ، وخصص للدعاء وقتاً في كل ليلة في ثلث الليل الآخر ، وفي الساعة الأخيرة من نهار يوم الجمعة ، وأدبار الصلوات المكتوبة ، وادعُ لكل مبتلى فإن الملائكة تؤمن على دعائك وتقول ولك بمثل ، وأكثر من الإستغفار والتوبة إلى الله فإن الله وعد المستغفر بخير عظيم ، فقال سبحانه : ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً . يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً . وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً ) نوح/10 – 12 .
5. لا بد لك مع ذلك كله أن تبذل وسعك في دفع الوسواس ، وأن تعالج نفسك بأن تقنع نفسك أنك طبيعي ولا مشكلة عندك وأن تدفع كل ما يأتيك من من الأفكار التي تضعفك ، وأن تعلم أن هذا كله مصدره شيء واحد هو الوسواس والتغلب عليه سهل بإذن الله تعالى .
06 استعن بالله ـ أيها الأخ الكريم ـ وأقدم على الزواج ، واستعن بأهلك والمخلصين من أصدقائك على إمضاء ذلك ، ولقد علمنا ـ عيانا ـ بعض من أصيب بما أصبت به ، وكانت حاله مثل حالك تماما ، أو أشد ، ثم استكرهه بعض إخوانه ومحبيه على الزواج ، وحملوه على ذلك حملا ، بعد ما تأكدوا أنه لا يعاني مشكلة عضوية ، ثم إن الله تعالى وفقه في ذلك ، وشرح صدره ، واستقام له أمر زواجه كغيره من الناس .
07 لا بأس أن تستشير بعض الأخصائيين النفسيين ، وتستعمل بعض العلاجات النفسية المساعدة في هذا الشأن ؛ فإن الوسواس هو ـ أيضا ـ مرض نفسي معروف لدى المختصين ، فلا بأس من الجمع بين العلاج الذي أشرنا عليك به ، والعلاج النفسي .
أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك ، وأن يعجل فرجك وفرحك ، إنه سميع قريب
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
83987
العنوان:
يريد الحج ولكن تنزل منه قطرات بعد البول فيشق عليه غسل الثياب
السؤال:
أريد الحج عن أخي المتوفى ، وأنا أعاني من نزول بعض القطرات اللزجة الشفافة (ليست بول) بعد التبول بفترات زمنية مختلفة ، مما يضطرني لغسل ملابسي عند كل صلاة . سؤالي: هل أحج عن أخي هذه السنة مع ما في ذلك من حرج أثناء الإحرام والصلاة أو أؤجل الحج إلى أن أتعالج بإذنه تعالى . سؤالي الآخر: هل تعتبر هذه القطرات مذيا أو وديا أو إفرازات أخرى ؟ وما الحكم في كل حالة؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ما يخرج بعد البول غالبا هو الودي ، وهو ماء أبيض ثخين ، يخرج قطرات بيضاء ، وهو نجس ناقض للوضوء.
قال النووي رحمه الله مبينا الفرق بين المذي والودي: " وأما المذي فهو ماء أبيض رقيق لزج يخرج عند شهوةٍ ، لا بشهوة ، ولا دفق ولا يعقبه فتور وربما لا يحس بخروجه ، ويشترك الرجل والمرأة فيه ...
وأما الودي فماء أبيض كدر ثخين ، يشبه المني في الثخانة ويخالفه في الكدورة ولا رائحة له ، ويخرج عقيب البول ... ، وعند حمل شيء ثقيل ، ويخرج قطرة أو قطرتين ونحوهما . وأجمع العلماء أنه لا يجب الغسل بخروج المذي والودي " انتهى من "المجموع" (2/160) باختصار .
وسئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : عند نهاية التبول أجد نزول بعض السائل المنوي ، ولا أدري هل يجب الاغتسال بعد كل تبول أو ماذا أفعل؟ لأني في شك بأن تأثيره نفس تأثير الجماع .
فأجاب: "هذا المني الذي يخرج بعد البول هو الودي المشهور ، وحيث إنه يخرج بعد البول ويسيل سيلانا فإنه لا يوجب الاغتسال ، وإنما ينقض الوضوء ، فيلزم غسل الذكر بعده والوضوء ، ولا يجب الاغتسال ، وإنما يجب الغسل بخروج المني دفقا بلذة لا بدونها ؛ والدفق هو أن يندفع اندفاعا قويا ، لا كخروج البول الذي يسيل ويتقاطر ، فلا يضرك خروجه هكذا " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/226).
وراجع جواب السؤال رقم (47693).
ثانيا :(/1)
ما دامت هذه القطرات لا تنزل إلا بعد التبول ، فلا يكون ذلك كسلس البول الذي ينزل باستمرار بدون اختيار صاحبه ، وحينئذ عليك أن تستعد للصلاة قبل دخول وقتها بفترة كافية لانقطاع هذه القطرات ، وينبغي أن تجعل قطعة قماش أو منديل يمنع انتشار هذه النجاسة إلى ثيابك ، وحينئذ لا تحتاج إلا إلى تغيير هذا المنديل فقط ، وهذا أيسر عليك من غسل الثياب أو تغييرها .
وإذا نسيت وضع المنديل أو تعدت النجاسة إلى الثياب وشق عليك تغييرها أو غسلها ، لسبب ما ، فنرجو ألا يكون عليك حرج في الصلاة بها.
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ويغسل ما يصيب بدنه ، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك ، وإلا عفي عنه ، لقول الله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/192).
ولا يجوز لك أن تصلى مع نزول هذه القطرات ما دمت تعلم أن ستنقطع ولو أدى ذلك إلى فوات صلاة الجماعة .
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : رجل مصاب بسلس في البول ، يطهر بعد التبول لفترة . لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم ؟
فأجابوا : إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت ، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) .
ثالثا :(/2)
أما الحج عن أخيك هذه السنة أو في السنة القادمة بعد العلاج ، فانظر ما هو الأرفق لك ، ولا حرج في تأخير الحج عنه إلى العام القادم .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
83997
العنوان:
ترك الصلاة سبب كل ضيق
السؤال:
أنا فتاة عمري 23 سنة ، الصراحة أنا لا أصلي ، وإن قمت للصلاة لا أصلي كل الفروض ، والصراحة أنا أستمع للأغاني ، ولكن - والله شاهد - أن هذا الموضوع يسبب لي حالة نفسية ، أريد الصلاة ، وأريد أن أطيع الله ، وأنا أخافه ، أنا أعتز بكوني مسلمة ، وربي هو الله وحده لا شريك له ، وأحب الحبيب المصطفى وسيرته ، وأتأثر عند سماع قصصه ، الحمد لله ، أكرمني الله عز وجل بأن ذهبت إلى العمرة هذه السنة ، وكنت فرحة لهذا ، ولكني أحس أني جاحدة ، أو لا فرق بيني وبين الكافرين لأني لا أصلي ، حاولت كثيراً أن أداوم على الصلاة ، لكن لا أدري لماذا يحدث معي هذا ، مع العلم أني كنت لفترة طويلة جدّاً لا أصلي أبداً ، وأحس أيضاً أني أجهل أموراً كثيرة بالدِّين ، وأشعر أيضاً أن الله لن يتقبل مني أي عمل كان : صلاة أو زكاة أو عمرة أو غير ذلك من أمور الدين الإسلامي ، وأن مثواي لا محالة النار ، أحتاج إلى من يأخذ بيدي ، ينصحني ، ينتشلني من حالة الضياع التي أنا فيها ، أكره كوني على هذه الحالة !!
وفوق كل هذا هناك مشكلة أخرى ، وهي أني أشعر أني لم أصم أياما من رمضان ، وأنا لا أعاني من أي شيء ، أي لا يوجد هناك مانع من الصوم !!
والصراحة أني لست متأكدة إن كانت أياما من رمضان أو كانت من أيام شوال الستة ، فعندنا عادة في منزلنا أن نصوم هذه الأيام الست كل سنة ، فاختلطت الأمور علي ، وهذه المشكلة حدثت لي في الفتره التي كنت فيها بعيدة عن الله ، وأنا أعلم أنه من أفطر رمضان بدون سبب لا يقبل الله له صوما ، وعليه كفارة ، فماذا أفعل ؟
أرجوك ساعدني وأفدني ، أرجوك ، أنا يائسة جدّاً ، جعله الله في ميزان حسناتك إن شاء الله ، وجزاك عن المسلمين جميعاً خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(/1)
لا بد – أختي الفاضلة – أن تُحَدِّدِي أولا مكان المشكلة ثم تنطلقي في العلاج ، وإن طلبتِ منَّا المساعدة في تحديدها فسنقول لكِ : المشكلة في نفسك أنتِ وليس في شيءٍ آخر ! ولن تكون المساعدة التي يقدمها لك الآخرون نافعة حتى تأخذي أنتِ بنفسكِ إلى النجاة .
والمشاعر التي بثثتِيها في سؤالك تدل على أن مقومات الاستقامة والصلاح موجودةٌ فيك ، فإن المؤمن هو الذي يحاسب نفسه ويعاتبها ، ويبدو أنك تقومين بذلك .
والمؤمن يخاف تقصيره وذنوبه ، ويراها كأنها جبل يوشك أن يقع عليه ، ويظهر أنك تشعرين بذلك أيضا .
والمؤمن يرتفع بإسلامه وإيمانه ، ويعتز بانتسابه إلى هذا الدين العظيم ، ويحب نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم ، ورسالتك تنضح بذلك ؟!!
إذاً فكيف اجتمعت هذه الصفات مع التقصير في أعظم واجبات الدين ، وهي الصلاة ؟!
ليس عندنا تفسير لذلك سوى سوء إدارة النفس وضعف التحكم فيها ، وإلا فأداء الصلاة لا يستغرق جهدا ولا وقتا ، ما هي إلا دقائق يخلو فيها المرء بربه ، يناجيه بحاجته ، ويبث إليه ثقل الدنيا ، ويشكو إليه شوقه إليه وإلى رحمته .
فإذا كانت أنفسنا لا تحتمل الالتزام بهذه الدقائق المعدودة ، فلا أظننا ننجح في حياتنا أبدا ، فإن قيادة النفس تحتاج إلى شيء من العزم والحزم ، ونحن المسلمين لم يكلفنا ربنا فوق طاقتنا ، بل لم يكلفنا ما يشق علينا ، وهو سبحانه يحب أن يتوب علينا ويخفف عنا .
قال سبحانه وتعالى : ( يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185(/2)
وقال سبحانه : ( يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ . وَاللّهُ يُرِيدُ أَن يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَن تَمِيلُواْ مَيْلاً عَظِيماً . يُرِيدُ اللّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفاً ) النساء/26-28
والصلاة رحمة فرضها الله علينا من جوده وكرمه ، من حافظ عليها وقام بحق القيام بها : رأى فضل الله تعالى علينا حين كتبها علينا ، وعرف أن الإنسان المحروم هو الذي حرم نفسه لذة الصلة بالله سبحانه .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( الصَّلَاةُ خَيرٌ مَوضُوعٌ ، فَمَنِ استَطَاعَ أَن يَستَكثِرَ فَلْيَستَكثِرْ )
رواه الطبراني ( 1 / 84 ) وصححه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 390 ) .
وانظري كيف عقب الله تعالى آيات فرض الطهارة للصلاة بقوله :
( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) المائدة/6 .
والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم ، الذي تحبينه وتحبين سيرته كان يقول :
( جُعِلَت قُرَّةُ عَينِي فِي الصَّلَاةِ ) رواه النسائي ( 3940 ) وحسنه الحافظ ابن حجر في " التلخيص الحبير " ( 3 / 116 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " .
فكيف يرضى المؤمن لنفسه أن تفوته تلك الخيرات والبركات ؟.
قال ابن القيم - رحمه الله - :(/3)
فواأسفاه وواحسرتاه كيف ينقضي الزمان وينفذ العمر والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة ، وخرج من الدنيا كما دخل إليها ، وما ذاق أطيب ما فيها ، بل عاش فيها عيش البهائم ، وانتقل منها انتقال المفاليس ، فكانت حياته عجزاً ، وموته كمداً ، ومعاده حسرة وأسفاً ، اللهم فلك الحمد ، وإليك المشتكى ، وأنت المستعان ، وبك المستغاث ، وعليك التكلان ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
" طريق الهجرتين " ( ص 327 ) .
ولا أذكر لك هذا الكلام لأزيد اليأس الذي تشعرين به ، إنما كي تسعي جاهدة للتخلص منه ، فهو لم يصبك إلا لعجزك عن أداء أسهل الفرائض ، فعرفتِ أنكِ عن سواها أعجز .
ويجب أن لا تجعلي في حياتك مجالاً لليأس في جنب الله ؛ ويجب أن تعلمي أنه سبحانه يكره القنطين : ( وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ) الحجر/56 ، ويحب عباده المستبشرين برحمته وفضله ، ومن سعة كرمه أنه يغفر السيئات ، ويصفح عن الزلات ، بل قال سبحانه وتعالى : ( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً . وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ) الفرقان/70-71 ، وقد قال بعض الحكماء : " لا يأتي بالأمل إلا العمل " ، ولن يخرجك من حالة اليأس التي أوقعك الشيطان فيها إلا البدء بالعمل ، ومحاولة الالتزام بالاستقامة ،
ولو تخللها في البداية بعض النقص .
قال الله تعالى : ( وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ) ؛ فإن الرجاء يوجب للعبد السعي والاجتهاد فيما رجاه ، والإياس : يوجب له التثاقل والتباطؤ ، وأولى ما رجا العباد ، فضل الله وإحسانه ، ورحمته ، وروحه .(/4)
" إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون " ؛ فإنهم ـ لكفرهم ـ يستبعدون رحمته ، ورحمته بعيدة منهم ، فلا تتشبهوا بالكافرين . ودل هذا على أنه بحسب إيمان العبد ، يكون رجاؤه لرحمة الله وروحه ." تفسير ابن سعدي .
وأول ما يجب أن تبدئي به أن توجدي في نفسك همّاً كبيراً وحرصا عظيما للمحافظة على الصلاة ، كما هو الهم الذي تستشعرينه لأمور الدنيا الأخرى من طعام وشراب ودراسة وزواج ونحو ذلك ، فإن كل عمل يسبقه اهتمام وتفكر ، وقد كان بعض السلف يجاهد نفسه على الإكثار من نوافل الصلاة مجاهدة عظيمة ، حتى قال ثابت البناني رحمه الله : كَابَدتُ الصلاة [ يعني : قيام الليل ] عشرين سنة ، واستمتعت بها عشرين سنة .
ولا يكفي هذا الفكر والاهتمام حتى يقوم بموازاته فكر واهتمام بوسائل المحافظة على الصلاة ، وكيف تحتالين على نفسك حتى تلتزم بما فرض الله تعالى ، والإنسان يملك قدرة كبيرة في حسن اختيار الأساليب التي تعينه على ما يريد .
احرصي أن تقومي مباشرة إذا سمعت صوت المؤذن بالتكبير ، واستشعري أنه سبحانه أكبر من كل الدنيا التي أنت منشغلة بها ، ثم اعمدي إلى محرابك لتصلي ما كتب الله لك ، ولا تنسي أن تقولي الدعاء الذي علمنا إياه نبينا صلى الله عليه وسلم دبر كل صلاة : ( اللهم أعِنِّي على ذِكْرِك وشُكْرِك وحُسْنِ عِبادتِك ) .
وقد ذكرتِ أنكم أهل بيت حريصون على صيام الست من شوال ، وهذه أمارة صلاح وإحسان تعينك على أداء الصلاة في وقتها ، حين ترين الوالدة والإخوة يقيمونها في وقتها ، واحمدي الله تعالى على ذلك ، فكم من شكاوى تأتي من أبناء يضربهم أهلهم على ترك الصلاة وخلع الحجاب ، وأنت قد أكرمك الله تعالى بالأهل الذين يعينونك على تقوى الله تعالى .
صاحبي الفتيات المصليات المستقيمات ، واطلبي منهن العون على الصلاة ، وتذكيرك بها ، والتواصي عليها ، وقد يكون ذلك خير معين لك .(/5)
وأخيرا احذري المعاصي ، فهي أساس كل داء ، والمعصية تأتي بأختها وهكذا حتى تجتمع على الإنسان فتهلكه ، فتثقل العبد عن صلاته ، وتحرمه من نورها وبركتها ، نسأل الله السلامة .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
المعاصي تزرع أمثالها ، وتولد بعضها بعضا ، حتى يعِزَّ على العبد مفارقتُها والخروج منها ، كما قال بعض السلف : إن من عقوبة السيئة السيئة بعدها ، وإن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها .
" الجواب الكافي " ( ص 36 ) .
ثانيا :
أما سؤالك عن صيام رمضان ، وأنك تشكين في تركك صيام أيام منه من غير عذر ، فنقول لك : لا تلتفتي لهذه الشكوك ، إذ يبدو أن الغالب على ظنك أنك أديت تلك العبادة في وقتها مع أسرتكِ ، وغلبة الظن كافية لبراءة الذمة ، ولا عبرة بالشك بعد ذلك .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 7 / 143 ) :
الشك بعد الانتهاء من الطواف والسعي والصلاة لا يلتفت إليه ؛ لأن الظاهر سلامة العبادة .
انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله - :
إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة : فإنه لا يلتفت إليه ، ما لم يتيقن الأمر .
" مجموع فتاوى الشيخ العثيمين " ( 14 / السؤال رقم 746 ) .
ثم إن ترك الصيام بغير عذر لا يوجب القضاء ولا الكفارة ، وإنما يوجب التوبة والاستغفار ، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم ( 50067 ) .
أسأل الله تعالى أن يكتب لك أجرك ، وأن يثبت قلبك على الحق والدين ، وأن يعيذك من الشيطان الرجيم .
والله أعلم .(/6)
رقم السؤال:
84005
العنوان:
هل يجب على المرأة زكاة مؤخر الصداق
السؤال:
أنا متزوج منذ أكتوبر 2003 وسافرت مع زوجتي للعمل في الإمارات بعد البناء مباشرة. كان الاتفاق بيني وبين والدها أن المهر سيؤجل إلي أن أحصل على شقة في مصر (بلدنا الأصلي) ويدفع المهر لتجهيز الشقة بالأثاث (هكذا العرف في مصر) وأيضا هناك المؤخر، وهذا يدفَع في حالة الطلاق أو الموت (أيهما أقرب). السؤال هو: ما حكم زكاة المهر والمؤخر علما بأني لا أملك المال ، وهو أكثر من النصاب ، فهل علي زكاة ، و كيف أخرجها ، أم علي زوجتي؟ علما بأنها لا تعمل وليس لها مصدر دخل .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ما دمت لا تملك مالا الآن ، فلا زكاة عليك . وإذا ملكت مالا يبلغ النصاب وحال عليه الحول وهو في يدك ، وجبت فيه الزكاة ولو كنت ترصده أو تعده لتجهيز الشقة ونحو ذلك ؛ إلا أن تدفعه في تجهيز الشقة أو تسلمه لزوجتك مهرا لها ، قبل أن يحل الحول ، فلا زكاة عليك حينئذ .
ثانيا :
الصداق المؤخر يعتبر دَيْنًا للزوجة على زوجها ، فالقول في زكاته كالقول في سائر الديون التي للإنسان على غيره ، وهذا فيه تفصيل عند الفقهاء :
أ – إن كان الدين على قادر على السداد ، باذل للدين ، غير منكر له ولا مماطل ، أي : يمكن استيفاء الدين منه عند طلبه ، فتجب زكاته كل عام ، لأنه في حكم المال الذي بيد صاحبه .
ب- وإن كان الدين على فقير لا مال له ، أو جاحد للدين ، ولا بينة تُثبته ، فهذا لا زكاة فيه على الراجح ، لكن إذا قبضه الإنسان فالأحوط له أن يدفع زكاة سنة واحدة وإن كان قد مَرَّ عليه عند المدين سنوات ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (1346) .
وعلى هذا ؛ فالمهر المؤجل (الذي سيتم به شراء الأثاث) هو دَيْن للزوجة عليك ، ولا زكاة عليها ولا عليك فيه لأنك لا تملك المال .(/1)
وكذلك (المؤخر) الذي لا تأخذه المرأة إلا بعد المفارقة لا زكاة عليها فيه ، لأنها لا تستطيع أن تطالب به في حال استمرار الزوجية ، وإذا أخذت بالأحوط ودفعت زكاته لسنة واحدة إذا قبضته كان ذلك أحسن .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يصح تأجيل صداق المرأة ؟ وهل هو دين على الرجل يلزم بدفعه ؟ وهل تجب الزكاة فيه ؟
فأجاب : " الصداق المؤجل جائز ولا بأس به ؛ لقول الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1. والوفاء بالعقد يشمل الوفاء به وبما شرط فيه .
فإذا اشترط الرجل تأجيل الصداق أو بعضه فلا بأس ، ولكن يحل إن كان قد عيّن له أجلا معلوما ، فيحل بهذا الأجل ، وإن لم يؤجل فيحل بالفرقة : بطلاق ، أو فسخ ، أو موت ، ويكون دَيْناً على الزوج يُطالَب به بعد حلول أجله في الحياة ، وبعد الممات كسائر الديون .
وتجب الزكاة على المرأة في هذا الصداق المؤجل إذا كان الزوج مليّا (أي : غنيا باذلا للدين) ، وإن كان فقيرا فلا يلزمها زكاة .
" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/30).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
84028
العنوان:
يذهبون إلى الجامعة في مدينة أخرى فهل يقصرون الصلاة؟
السؤال:
نحن طلاب في الجامعة ولكن ليس في المدينة التي فيها الجامعة (في المدينة الأخرى) هل يجوز لنا أن نقصر صلاتنا ؟ كالمسافر. ونذهب إلى مدينتنا كل أسبوع أو أسبوعين .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كنتم في مدينتكم أو رجعتم إليها من الجامعة فإنكم تتمون الصلاة ؛ لأن هذا هو وطنكم الأصلي .
ثانيا :
إذا كان بين مدينتكم ، وبين المدينة التي فيها الجامعة ، مسافة قصر ، وهي 80 كيلومتر ، تقريباً ، فإنكم تقصرون الصلاة أثناء سفركم إليها .
ثالثا :
إذا وصلتم المدينة التي فيها الجامعة ، فإن نويتم البقاء فيها أكثر من أربعة أيام ، فإنكم تتمون الصلاة من لحظة دخولكم إليها .
وإن نويتم الإقامة فيها أربعة أيام أو أقل ، أو ترددتم في المدة ، فإنكم حينئذ في حكم المسافر ، تقصرون الصلاة الرباعية - الظهر والعصر والعشاء - ركعتين ، إلا إن صليتم خلف مقيم فتتمون معه الصلاة ، ويلزمكم حضور الصلاة مع جماعة المسجد .
وراجع جواب الأسئلة (38079) ، (21091) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
84036
العنوان:
أمه لا تحب زوجته فأدى ذلك إلى سكنه عند أهلها
السؤال:
أمي لا تحب زوجتي ، مما أدَّى إلى خروجي من المنزل والعيش مع زوجتي في منزل والديها ؛ فما العمل ؟
الجواب:
الحمد لله
ليس من الضروري أن تعيش مع أهلك ، بل قد يكون من الخير لك ولزوجتك ولأمك أن تعيش مع زوجتك خارج بيت والديك ، وفي الغالب فإن من يسكن مع أهله – أو حتى قريبا منهم – لا تخلو حياته من منغصات ومشكلات ، والعقلاء الذين يزِنون الأمور بميزان الشرع والحكمة قليل ، وخاصة من النساء بسبب ما يحصل بينهن من غيرة وتنافس .
وقد يكون في سكنك خارجاً عن أهلك ما يُصلح العلاقة بين أمك وزوجتك ، فالبُعد غنيمة في كثيرٍ من الأحيان ، فلا داعي للقلق ، وربَّ شيء تراه ضارّاً وتغتم له ثم يكون فيه الخير ، وقد يتولد الشوق من أمك لك ولأحفادها ببُعدك عنها ، وقد يختلف شعورها تجاه زوجتك إذا كانت بعيدة عن ناظريها ، ولا تراها إلا قليلاً ، وهذا مشاهد ومجرَّب .
وأما إذا أردت الحل لأصل المشكلة ، وهي عدم محبة أمك لزوجتك : فلا بدَّ لك من البحث عن أسباب عدم المحبة ، ومعرفة موانع وجود المحبة ، وهذه بعض الأسباب التي يمكن أن تكون أدَّت لعدم محبة أمك لزوجتك :
1. كثرة الخلطة ، وهو ما يولِّد كثرة الكلام ، ومن كثُر كلامه كثر لغطه وخطؤه .
2. الغيرة من تعلق زوجتك بها وحبك لها ، وهذا موجود بكثرة ، فترى أم الزوج تغار من تعلق ابنها بزوجته ، وتلبيته لرغباتها ، وترى أن هذه الزوجة قد أخذت ابنها منها .
3. سوء تعامل زوجتك مع أمك ، فبعض الزوجات لا تحسن التعامل مع أم زوجها ، فلا تلبي لها طلباتها ، ولا تظهر لها الاحترام والتقدير ، فتقع بينهما من المشاكل الشيء الكثير .
4. تقصيرك في حق أمك ، وعدمه في حق زوجتك ، فلا تستطيع الأم بغض ولدها ، بل تجعل ذلك – فيما بدا لها – في السبب وهو زوجته ، فتبغضها .(/1)
فهذه بعض الأسباب التي قد تولِّد بغض أمك لزوجتك ، وإذا تبين لك أنها موجودة كلها أو بعضها : فلا بدَّ لك من معالجتها بالحكمة والحسنى .
وننصحك أن تقوم بهذه الخطوات لتوجِد المحبة بين أمك وزوجتك :
1. السكن بعيداً عن والدتك ، وأن تخبر أمك أنك فعلتَ هذا مع عدم رغبتك به من أجلها ، ومن أجل أن لا تضغط أمك على نفسها فيسبب لها آلاماً وأمراضاً .
2. أن توصي زوجتك بالإكثار من بعث الهدايا لأمك ، سواء المادية منها كاللباس والطعام وغيرهما ، أو المعنوية كبعث السلام والسؤال عن صحتها .
3. توسيط عقلاء ممن تحبهم والدتك لتغيير نظرتها تجاه زوجتك ، وهنا قد يكون لطرف خارجي من التأثير ما يفوق تأثير ولدها وزوجها عليها .
على أننا نشير هنا إلى أنه ينبغي عليك ، ما دمت تركت السكن مع أمك ، أن تجتهد في الاستقلال بمسكن خاص بك ، بعيد عن أهل زوجتك أيضا ، فإن انتقالك إليهم ربما يعمق هوة الخلاف بين الطرفين ، ثم إنه لا يكون ـ في العادة ـ مستحبا في استقامة الحياة الزوجية ، وربما تولدت عنه آثار سلبية في العشرة بين الزوجين .
ولا تنس دعاء الله تعالى أن يهدي الجميع لما يحب ويرضى ، والدعاء بأن يؤلِّف الله تعالى بين القلوب ، وأن يصلح بالهم ، ويهديهم لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق .
والله الموفق(/2)
رقم السؤال:
84052
العنوان:
ترغب بالزواج من شخص ووالدها غير موافق فهل تخالفه وتتزوج ؟
السؤال:
أنا فتاة عربية مسلمة أبلغ من العمر 28 سنة ، بدأت العمل في إحدى الإدارات الحكومية منذ 6 أشهر ، تعرفت على شاب في أوروبا وهو على خلق كبير ويريد الزواج مني بشرط أن أذهب معه إلى مكان إقامته ، لكن أبي يقول بأن لدي مستقبلا كبيراً في عملي ، وأنا أرى أن المرأة عملها في البيت أن تهتم بأطفالها ، ما حكم الشرع إذا خالفتُ رأي أبي ، وأنا متأكدة أن الشاب مسلم وعلى خلق ، وهو أيضا من نفس البلد الذي أعيش فيه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إن من أعظم نعَم الله على الفتاة في هذا الزمان المليء بالفتن أن تُرزق بزوج صالح مستقيم في دينه ، يرعى حقوق ربه وحقوق زوجته ، والمرأة العاقلة المستقيمة إن تقدَّم لها من يرتضى دينه وخلقه لا ترفضه بحجة دراستها أو وظيفتها ؛ لأنها إن رفضت الزواج في هذا السن وتقدم بها العمر ، فسوف تتنازل عند الزواج عن كثير مما كانت تحرص عليه ، حينما كانت صغيرة مرغوبة لكل خاطب .
ثانياً :
أما عن مخالفة الوالد في شأن الزواج أو عدمه أو في اختيار الزوج : ففيه تفصيل :
فإن كان للأب في معارضته سبب شرعي : فإنه يجب أن يطاع ولا يعصى وتكون معصيته ومخالفة أمره من العقوق الذي هو من كبائر الذنوب .
وإن كان السبب في المعارضة دنيويّاً أو اجتماعيّاً مخالفاً للدين ولمقاصد الشرع : فإنه لا إثم في مخالفته مع الحرص الشديد على رضاه وإقناعه .
مع التنبيه الشديد على ضرورة الاستجابة لرغبة الأب العاقل ؛ لأنه أدرى بمصلحة ابنته منها ، وأنت إن يسَّر الله لك الزواج ستكونين أمّاً ، فكيف سيكون شعورك لو أن رجلاً تقدَّم لابنتك راغبا الزواج بها ورأيتِ أنت وزوجك عدم صلاحيته للزواج من ابنتك ؟ وهل سترضين بمخالفة ابنتكِ لكِ ولأبيها ؟!(/1)
وقد يرى الأب لابنته أحياناً ألاّ تتغرب بعد زواجها وأن تبقى قريبة منه ، وذلك لمظنة أن تظلم أو يهضم حقها في حال بعدها عن أهلها وعيشها مع الزوج في الغربة ، وهذا الحكم مبني على واقع وخبرة في الحياة ولا شك .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح ، فليس لها أن تخالف أباها ما دام أنه ينظر في مصلحتها .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 5 / 242 ) .
وقلنا في جواب السؤال ( 6398 ) :
الأهل هم الأقدر – عادة وغالباً – على تحديد الأفضل لابنتهم ومن يصلح للزواج منها ؛ لأن الغالب على البنت هو قلة العلم وقلة الخبرة بالحياة وما يصلح فيها وقد تخدع ببعض الكلمات فتحكم عاطفتها دون عقلها .
لذلك فإن على البنت أن لا تخرج عن رأي أهلها إن عُرف عنهم الدين والعقل .
انتهى
وانظري جواب السؤال رقم ( 20162 ) لتقفي على قصة بعض النساء اللاتي خالفن رأي أهلهن وتزوجن بمن يرغبن .
ثالثاً :
: لا بد للمرأة من ولي يزوجها ويباشر عقد النكاح ، وهو من أركان العقد الشرعي ، ولا يحل للمرأة أن تزوِّج نفسها بغير ولي شرعي ، فإن خالفت فالعقد باطل ولا يأخذ صفة عقد النكاح الشرعي الحلال ؛ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أًيُّمَا امْرَأةٍ نَكَحَت بِغَيْرِ إِذْنِ وَليِّهَا فَنِكاحُها بَاطِلٌ فَنكاحُها بَاطِل فنكاحها باطل ... " الحديث ، رواه الترمذي ( 1102 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وانظري جواب الأسئلة : و ( 7989 ) .
رابعاً :(/2)
لا يجوز العيش والسكنى في بلاد الشرك والكفر إلا لعذر شرعي ليس فيه إقامة ، كعلاج ، وتجارة ، ودعوة ، وما شابه ذلك من الأمور التي لا بد منها ، أما أن يعيش في بلادهم ويستقر بينهم فذلك لا يحل لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُر المُشْرِكِينَ " رواه أبو داود ( 2645 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
خامساً :
وننبه على شيئين وردا في سؤالك ، وهما : عملكِ ، وتعرفكِ على الشاب الذي يرغب بالزواج منكِ :
أما عمل المرأة فلا شك أن ما ذكرتيه من كون الأصل في عمل المرأة هو أن يكون في بيتها لرعاية حق زوجها وأبنائها ، ولكن إن كانت المرأة تعمل خارج بيتها : فلا بدَّ أن يخلو عملها من طبيعة محرَّمة ومن بيئة غير شرعية ، فإن كان عملها في بنك ربوي أو مؤسسة تأمين أو محل يقدم المنكرات أو يبيعها : فلا يحل لها العمل فيه .
وإن كانت طبيعة العمل مباحة لكن بيئته ليست كذلك كأن يكون فيه اختلاط غير منضبط مع الرجال ، ويفتح باب التعامل معهم ، والتعارف عليهم : فلا يجوز لها العمل فيه .
وأما تعرفكِ على الشاب : فإن كان عن طريق محرَّم كالمراسلة أو المحادثة أو ما يسمى برامج التعارف بين الجنسين : فإن هذا يستوجب عليك التوبة والاستغفار ؛ لأن محادثة الأجنبي ومراسلته لا تحل لامرأة أجنبية عنه ، وهذا سبب موجب لمنعه من التزوج بك .
وقد بيَّنا حكم هذا الفعل في فتاوى متعددة ، فانظري أجوبة الأسئلة : ( 78375 )
والخلاصة فيما يتعلق بمشكلتك هذه أنه لا ينبغي لك التعجل في أمر هذا الزواج الذي لا يريده وليك ، فإن رأيت أنه ليس لرفض والدك سبب شرعي مقبول ، فاجتهدي في إقناعه بالقبول ، عن طريق والدتك أو من له رأي عند أبيك من أهلك وأقاربك ، لا سيما وأن سنك قد بدأت في الزحف نحو الثلاثين ، وهو أمر يوجب على وليك أن يكون همه الأول اختيار الزوج المناسب لك ، وليس الوظيفة المناسبة .(/3)
وأسأل الله العلي القدير أن يختار لك الخير في أمر دينك ودنياك .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
84124
العنوان:
بين النفاق والمداراة
السؤال:
1. أود معرفة الخط الفاصل بين النفاق والمجاملة ؛ ذلك أني ألمس في الكثير من الأحيان ازدواجية في سلوك الناس وتصرفاتهم تبعا للمصلحة والأهواء ، ويقال : إن الأمر مجرد مجاملة فهل هذا صحيح ؟
2. وهل يمكن أن يشوب الصداقة الحقة بعض النفاق ؛ ذلك أن لي صديقة لم تحمل لي من الود ما كنت اعتقده ، كانت لها مكانة في قلبي لا ينازعها عليها أحد ، واكتشفت أخيرا أن مكانتي لديها لا تساوي شيئا مطلقا ، وسلوكها معي لسنوات تحكمه الأقنعة الزائفة ، كنت أعتقد ، وكان الكل يجزم قطعا ، أن الصداقة بيننا قوية ، وإلى الآن لست أدري كيف لي أن أتبرأ من هذه الصداقة بعد أن علمت بحقيقتها .
3. فهل سلوك هذه الصديقة يعد نفاقا ؟
4. وما جزاء نفاق الأصدقاء ؟
الجواب:
الحمد لله
كثيراً ما يخلط بعض الناس بين مفاهيم النفاق والمداراة والمداهنة ، وسبب ذلك غياب معاني الأخوة والصحبة الصادقة في الذهن والواقع ، فلم تعد قلوبهم تفرق بين الحق والباطل ، وبين الإحسان والإساءة .
أولاً :
إذا أُطلق لفظ النفاق فإنه يستوحي معانيَ الشر كلها ، ولم يكن النفاق يوما محمودا ولو من وجه ما ، ويعرِّفُه علماء السلوك بأنه إظهار الخير للتوصل إلى الشر المضمر .
فالمنافق لا يبتغي الخير أبدا ، وإنما يسعى للإضرار بالناس وخيانتهم وجلب الشر لهم ، ويتوصل إلى ذلك بإظهار الخير والصلاح ، ويلبَسُ لَبوس الحب والمودة .
يقول سبحانه وتعالى في التحذير من صحبة المنافقين :(/1)
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ . هَاأَنتُمْ أُوْلاء تُحِبُّونَهُمْ وَلاَ يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْاْ عَضُّواْ عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) آل عمران/118-119 .
وهكذا كل من يصاحب الناس فيظهرُ لهم الخير والمودة ، وفي حقيقة أمره إنما يسعى في أذاهم ، ويتمنى النيل منهم ، ويطلبُ الشرَّ لهم .
ثانياً :
أما المُدَارِي ( وهو المُجَامِلُ أيضا ) فلا يُضمِرُ الشر لأحد ، ولا يسعى في أذية أحد في ظاهر ولا في باطن ، ولكنه قد يظهر المحبة والمودة والبِشر وحسن المعاملة ليتألف قلب صاحب الخلق السيء ، أو ليدفع أذاه عنه وعن غيره من الناس ، ولكن دون أن يوافقه على باطله ، أو يعاونَه عليه بالقول أو بالفعل .
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :
وقيل لابن عقيل في فنونه : أسمع وصية الله عز وجل ( ادْفَعْ بِاَلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، وأسمع الناس يعدون من يظهر خلاف ما يبطن منافقا , فكيف لي بطاعة الله تعالى والتخلص من النفاق ؟ .
فقال ابن عقيل : " النفاق هو : إظهار الجميل , وإبطان القبيح , وإضمار الشر مع إظهار الخير لإيقاع الشر, والذي تضمنتْه الآية : إظهار الحسن في مقابلة القبيح لاستدعاء الحسن " .(/2)
فخرج من هذه الجملة أن النفاق إبطان الشر وإظهار الخير لإيقاع الشر المضمر ، ومن أظهر الجميل والحسن في مقابلة القبيح ليزول الشر : فليس بمنافق ، لكنه يستصلح ، ألا تسمع إلى قوله سبحانه وتعالى ( فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) ، فهذا اكتساب استمالة , ودفع عداوة , وإطفاء لنيران الحقائد , واستنماء الود ، وإصلاح العقائد , فهذا طب المودات ، واكتساب الرجال . " الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ، 51 ) .
ولذلك كانت المداراة من الأخلاق الحسنة الفاضلة ، وذكر العلماء فيها من الآثار والأقوال الشيء الكثير .
قال ابن بطال رحمه الله : المداراة من أخلاق المؤمنين ، وهي خفض الجناح للناس ، ولين الكلمة ، وترك الإغلاظ لهم في القول ، وذلك من أقوى أسباب الألفة . "
فتح الباري " ( 10 / 528 )
وقد أنشأ البخاري رحمه الله في صحيحه بابا بعنوان : ( باب المداراة مع الناس ) وقال فيه :
" ويُذكَرُ عن أبي الدرداء : إِنَّا لنُكَشِّرُ في وجوهِ أقوامٍ وإنَّ قُلوبَنا لَتَلعَنُهُم " .
ومعنى " لنكشر " : من الكشر ، وهو ظهور الأسنان ، وأكثر ما يكون عند الضحك ، وهو المراد هنا .
وأسند في هذا الباب حديث عائشة رضي الله عنها :
( أَنَّهُ استَأذَنَ عَلَى النّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَقَالَ : ائذَنُوا لَهُ فَبِئسَ ابنُ العَشِيرَةِ أَو بِئسَ أَخُو العَشِيرَةِ . فَلَمَّا دَخَلَ أَلَانَ لَهُ الكَلَامَ . فَقُلتُ لَهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قُلتَ مَا قُلتَ ثُمَّ أَلَنتَ لَهُ فِي القَولِ ؟ فَقَالَ : أَيْ عَائِشَةُ ! إِنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنزِلَةً عِندَ اللَّهِ مَن تَرَكَهُ أَو وَدَعَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحشِهِ)
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :(/3)
وقول أبي الدرداء هذا ليس فيه موافقة على محرَّم ، ولا في كلام , وإنما فيه طلاقة الوجه خاصة للمصلحة وهو معنى ما في الصحيحين وغيرهما عن عائشة رضي الله عنها : يَا عَائِشَةُ إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَنْزِلَةً عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مَنْ وَدَعَهُ النَّاسُ أَوْ تَرَكَهُ النَّاسُ اتِّقَاءَ فُحْشِهِ .
قَالَ فِي " شَرْحِ مُسْلِمٍ " وَغَيْرِهِ : " فيه مداراة من يتقى فحشه ، ولم يمدحه النبي صلى الله عليه وسلم ولا أثنى عليه في وجهه ، ولا في قفاه ، إنما تألفه بشيء من الدنيا مع لين الكلام " .
وقد ذكر ابن عبد البر كلام أبي الدرداء في فضل حسن الخلق .
" الآداب الشرعية " ( 1 / 50 ) .
وقد كتب أهل العلم فصولا في " المداراة " حتى أفرد ابن أبي الدنيا جزءً بعنوان " مداراة الناس " ، وكان مما أسنده فيه في ( ص / 48 و 50 ) :
عن حميد بن هلال قال : أدركتُ الناس يَعُدُّون المداراة صدقة تُخرج فيما بينهم .
وعن الحسن قال : التودد إلى الناس نصف العقل " . انتهى .
وقال حنبل إنه سمع أبا عبد الله – أي : أحمد بن حنبل - يقول :
والناس يحتاجون إلى مداراة ورفق ، وأمر بمعروف بلا غلظة ، إلا رجل معلن بالفسق فقد وجب عليك نهيه وإعلامه .
" الآداب الشرعية " ( 1 / 191 ) .
وسئل الشيخ ابن باز - رحمه الله - :
في بعض الظروف تقتضي المجاملة بأن لا نقول الحقيقة ، فهل يعتبر هذا نوعا من الكذب ؟
فأجاب :
هذا فيه تفصيل : فإن كانت المجاملة يترتب عليها جحد حق أو إثبات باطل : لم تجز هذه المجاملة ، أما إن كانت المجاملة لا يترتب عليها شيء من الباطل ، إنما هي كلمات طيبة فيها إجمال ، ولا تتضمن شهادة بغير حق لأحد ، ولا إسقاط حق لأحد : فلا أعلم حرجاً في ذلك .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 5 / 280 ) .
ثالثاً :(/4)
ومن المهم أيضا التفريق بين المداراة المحمودة ، وبين المداهنة المذمومة ، فقد يخلط الناس بينهما في حمأة اختلاط المفاهيم والأخلاق في هذه الأزمان .
قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - :
وظن بعضهم أن المداراة هي المداهنة فغَلِطَ ؛ لأن المداراة مندوبٌ إليها ، والمداهنةَ محرَّمة ، والفرق أن المداهنة من الدهان وهو الذي يظهر على الشيء ويستر باطنه ، وفسرها العلماء بأنها : معاشرة الفاسق وإظهار الرضا بما هو فيه من غير إنكار عليه ، والمداراة : هي الرفق بالجاهل في التعليم ، وبالفاسق في النهي عن فعله ، وتركُ الإغلاظِ عليه حيث لا يُظهِر ما هو فيه ، والإنكار عليه بلطف القول والفعل ، ولا سيما إذا احتيج إلى تألفه ونحو ذلك .
" فتح الباري " ( 10 / 528 ) .
رابعاً :
كثير من الأصحاب والأصدقاء – ويكثر ذلك في معشر النساء - يخطؤون في فهم الوجه الصحيح لصحبتهم ، فينحون نحو المغالاة الظاهرة التي تدفعهم إلى التعلق الشديد ، في حين يكون الطرف المقابل لا يرى كل تلك المعاني المبالغة ، بل يقصد صحبة طيبة متزنة اقتضاها الحال والمقام ، وحينئذ يصدم من كان يُعَلِّقُ على تلك الصحبة آمالا لا تكاد تحملها الجبال ، فنحن بحاجة إلى ترشيد المودة التي قد تأسر قلوبنا تجاه أناس نحبهم ، كي لا نُفاجأ يوما ، فنظن قصورا من المعاني هدمت ، وهي لم تكن مبنيةً يوما .
يقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " لا يكن حُبُّكَ كَلَفًا ولا بغضك تَلَفًا " .
وفي المقابل نحن بحاجة إلى تعميق معاني الأخوة ، الأخوة التي تقتضي الوفاء والصدق والإخلاص ، وترفع التكلف والمجاملة والمداراة . وقديما قالوا : " إِذَا صَحَّتِ المَوَدَّةُ سَقَطَ التَّكَلُّفُ "
جاء في " لسان العرب " ( 11 / 123 ) :
" وجامَل الرجلَ مُجامَلةً : لم يُصْفِهِ الإِخاءَ ، وماسَحَه بالجَمِيل " انتهى .(/5)
ولا شك أن مثل هذه المجاملة مذمومة ، إذ ليس لها محل في سياق الأخوة والصحبة الصالحة ، وإن وقعت المجاملة أحيانا بين الأصحاب فإنما تكون بحسب المقام فقط ، درءا لفتنة أو حفظا لمودة ، أما أن تكون المجاملة شعار تلك الصداقة ، فذلك تشويه لجميع معاني الأخوة الصادقة.
قال علي رضي الله عنه : شر الأصدقاء من تكلف لك ، ومن أحوجك إلى مداراة ، وألجأك إلى اعتذار .
وقيل لبعضهم : من نصحب ؟ قال : من يرفع عنك ثقل التكلف ، وتسقط بينك وبينه مؤنة التحفظ .
وكان جعفر بن محمد الصادق رضي الله عنهما يقول : أثقل إخواني علي من يتكلف لي وأتحفظ منه . " إحياء علوم الدين " ( 2 / 181 ) .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
84136
العنوان:
أهداها أبوها أسهما في بنك ربوي فماذا تعمل بها؟
السؤال:
أهداني أبي 50 سهما من أسهم بنك الرياض ، وأنا أعرف أن بنك الرياض من البنوك الربوية ، وأبي كان من المساهمين ، وساهم باسمي منذ أن كنت طفلة والآن كبرت ، وأعطاني إياها ، ما العمل في هذه الأسهم ؟ هل حلال أن أبيعها وأن أضارب بها بأسهم شركات نقية وأستفيد من المبلغ الذي يتكون من المضاربة أو أتصدق ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز شراء أسهم البنوك الربوية ، وعلى من ابتلي بشيء من ذلك أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يأخذ رأس ماله ، ثم يتخلص من الباقي بإنفاقه في مصالح المسلمين وأوجه الخير .
ولما كانت هذه الأسهم محرمة ، فإن الأصل أنه لا يجوز لك بيعها على أحد ، بل سبيل الخروج منها هو ردها على البنك ، فإن تعذر ذلك ، جاز لك بيعها ، وأخذ رأس المال الذي وضع فيها ، والتخلص من الباقي كما سبق .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : كان لي مساهمات في شركة ، وأفلست هذه الشركة قبل 25 عاما ، وكان هناك أوصياء على الشركة ، اشتروا بالمبلغ المتبقي أسهما في بنك الرياض قبل 25 عاما ، بمبلغ 1000 ريال للسهم الواحد ، والآن ثمن السهم الواحد ثلاثين ألف ، وأنا بحاجة لهذا المبلغ ، فهل يجوز لي أن آخذ المبلغ الحالي للسهم ؟ علما بأن شراءهم لأسهم هذا بنك الرياض تم بدون علمنا طيلة هذه المدة .
فأجابوا: "تسلم المبلغ كله ، أصله وفائدته ، ثم أمسك أصله ؛ لأنه ملك لك ، وتصدق بالفائدة في وجوه الخير ؛ لأنها ربا ، والله يغنيك من فضله ويعوضك خيرا منها ، ويعينك على قضاء حاجتك ، ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم" انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. عبد الرزاق عفيفي .. عبد الله بن غديان .. عبد الله بن قعود .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/506) .(/1)
وسئلوا أيضا (13/508) : ما حكم المساهمة في الشركات والبنوك ؟ وهل يجوز للشخص المكتتب في شركة أو بنك أن يبيع الأسهم الخاصة بعد الاكتتاب على مكاتب بيع وشراء الأسهم ، ومن المحتمل بيعها بزيادة عن قيمة ما اكتتب به الشخص ؟ وما حكم الفائدة التي يأخذها المكتتب كل سنة عن قيمة أسهمه المكتتب فيها ؟
فأجابوا : "المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز ، وإذا أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق ، ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط ، والباقي ينفقه في وجوه البر ، ولا يحل له أن يأخذ شيئاً من فوائد أسهمه أو أرباحها الربوية ، أما إن كانت المساهمة في شركة لا تتعامل بالربا فأرباحها حلال " انتهى .
ولا تتأسفي على فوات هذا المال ، فإنه مال حرام لا خير لك فيه ، ويرجى أن يعوضك الله خيرا منه ، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
84165
العنوان:
معاق يسأل عن وضع سلك مكان كعب المصحف
السؤال:
شخص معاق ويصعب عليه تقليب صفحات المصحف وإمساكها عن الرجوع ، هل يجوز أن يضع فيه سلك مكان كعبه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يظهر أي حرج في وضعه سلكاً مكان كعب المصحف ليسهل عليه تقليب أوراق المصحف ويمنعها من الرجوع ، وتعظيم كتاب الله تعالى واجب في أوراقه وجلده ، لكن دون مبالغة أو غلو ، فقد قال بعض العلماء باستحباب القيام للقرآن تعظيماً له ، وهذا من المبالغة المخالفة للشرع ، وأعظم تعظيم لكتاب الله تعالى : قراءته ، والعمل به .
وقد أفتى بعض التابعين بجواز مس القرآن بِعِلاقة ، وذلك لمن كان محدثا حدثاً أصغر أو أكبر ، وهذا أولى بالجواز لو كان ممنوعاً منه .
قال البخاري – رحمه الله - :
بَاب قِرَاءَةِ الرَّجُلِ فِي حَجْرِ امْرَأَتِهِ وَهِيَ حَائِضٌ وَكَانَ أَبُو وَائِلٍ يُرْسِلُ خَادِمَهُ وَهِيَ حَائِضٌ إِلَى أَبِي رَزِينٍ فَتَأْتِيهِ بِالْمُصْحَفِ فَتُمْسِكُهُ بِعِلَاقَتِهِ .
" صحيح البخاري " ( 1 / 114 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
قوله : ( وكان أبو وائل ) هو التابعي المشهور صاحب ابن مسعود , وأثره هذا وصله ابن أبي شيبة عنه بإسناد صحيح .
قوله : ( بعلاقته ) بكسر العين , أي : الخيط الذي يربط به كيسه , وذلك مصير منهما إلى جواز حمل الحائض المصحف لكن من غير مسه .
" فتح الباري " ( 1 / 402 ) .
وقال ابن المنذر – رحمه الله - :
قال الحكم وحماد في الرجل يمسّ المصحف وليس بطاهر ، قالا : إذا كان في عِلاقة : فلا بأس .
" الأوسط " ( 2 / 101 ) .
وهذا التجويز من هؤلاء الأئمة – ووافقهم عليه الحنفية والحنابلة – بسبب أنهم يرون أن الماسَّ للمصحف بعِلاقته لا يعدُّ ماسّاً لذات المصحف ، وهم يمنعون من مسه لغير الطاهر .(/1)
وأفتى بعض العلماء بجواز تقليب أوراق المصحف بعُودٍ ونحوه ، وذلك لمن أراد أن يقرأ القرآن وهو محدث ، حتى لا يمسه بيده ، وهو قول الجمهور خلافاً للمالكية .
ففي " الموسوعة الفقهية " ( 38 / 7 ) :
ولو قلّب غير المتطهّر أوراق المصحف بعُودٍ في يده : جاز عند كلٍّ من الحنفيّة والحنابلة , ولم يجز عند المالكيّة على الرّاجح , وعند الشّافعيّة صحّح النّووي جواز ذلك ؛ لأنّه ليس بمسّ ولا حملٍ , قال : وبه قطع العراقيون من أصحاب الشّافعيّ .
انتهى
وهذا الأخ المعاق فعله أولى بالجواز لو قيل بالمنع أصلاً ، والصحيح أنه لا يمنع ؛ لقيام العذر به ، وهو الإعاقة التي تمنعه من التحكم بتقليب أوراق المصحف ، وعدم رجوعها ، وعدم مخالفة فعله للتعظيم المشروع لكتاب الله تعالى ، بل إن حرصه على تلاوة كتاب الله تعالى وتعلمه ، بحسب الطاقة ، هو من تعظيم كتاب الله تعالى وإكرامه .
ونسأل الله تعالى أن يمنَّ عليه بالشفاء العاجل ، وأن يرفع درجته ، وأن ييسر له حفظ القرآن والعمل به .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
84174
العنوان:
امرأة بدينة وتستعين برجل أجنبي لصعود ونزول الحافلة
السؤال:
إذا أحد أمسك بيدي عند نزولي من ( الأتوبيس ) أو ( الميكروباص ) علماً بأنني لا أستطيع النزول أو الصعود بمفردي ؛ لأن قدمي يؤلمني وجسمي بدين فهل هذا حرام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الأصل في المرأة المسلمة ألاّ تخرج من بيتها ، إلا إذا دعت حاجة لذلك ، فإن لم تدعُ حاجة للخروج فهي مأمورة بالقرار في البيت بقول الله تعالى : ( وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ) الأحزاب/33 .
قال ابن كثير - رحمه الله - :
هذه آداب أمر الله تعالى بها نساء نبيه صلى الله عليه وسلم ونساء الأمة تبع لهن في ذلك .
" تفسير القرآن العظيم " ( 3 / 482 ) .
فإن دعت الحاجة للخروج من البيت فلتخرج بالشروط الشرعية ، كالحجاب الشرعي وعدم التطيب والتزين ، وإن خرجت لمسافة سفر فلا بد لها من المحرم .
وإن كانت المرأة كبيرة في السن أو بدينة أو مريضة تحتاج إلى رجل يعينها على صعود الحافلة أو النزول منها ، فعندئذ لا يجوز لها الخروج إلا بمحرم أو امرأة تعينها على ذلك ، ولا يجوز للمرأة أن تمكن رجلاً من يدها فيلمسها أو يمسك بها لأنها أجنبية عنه .
وانظري تفصيل حكم مس الأجنبية جواب السؤال رقم : ( 21183 ) .
فإن اضطرت المرأة للخروج ، وليس لها من محارمها من يعينها على صعود ونزول الحافلة ، فلتستعن بامرأة ممن في الحافلة على ذلك .
فإن تعذر ذلك كله ، جاز لها الاستعانة برجل ؛ لأن الضرورات تبيح المحظورات ، والضرورة تقدر بقدرها ، والقاعدة الشرعية المشهورة عند أهل العلم : " المشقة تجلب التيسير " .
ويجدر التنبيه إلى أن هذا الظرف الذي تتعرضين له لا يجعل الحرام حلالاً ، وإنما هو حرام باقٍ على حكمه إلى يوم القيامة ، هذا من حيث العموم ، وإنما يرخص فيه للمحتاج ، وقت حاجته فقط .(/1)
فإن زالت الضرورة ، أو أمكن معالجتها بطريقة شرعية ، كالاستعانة بالمحرم أو المرأة رجع الحكم إلى التحريم والإثم ، فليحذر من التمادي فيه .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
84269
العنوان:
هل المهدي موجود الآن ؟
السؤال:
هل الإمام المهدي المنتظر يشبه الرسول صلى الله عليه وسلم. وما الأصوات المتعالية في هذه الأيام الأخيرة على وجوده و انه قد ولد أي أنه حي في وقتنا هذا ؟
الجواب:
الحمد لله :
خروج المهدي في آخر الزمان وأنه يملأ الأرض عدلاً وقسطاً بعد أن ملئت جوراً وظلماً أمر وردت به السنة الصحيحة حتى إن بعض أهل العلم بالحديث قال : إن أحاديث المهدي متواترة من كثرتها ونزول عيسى بن مريم عليه وعلى نبينا الصلاة وسلام وصلاته خلفه أمر معلوم ، واسم المهدي واسم أبيه كاسم النبي صلى الله عليه وسلم واسم أبيه وهو من ولد فاطمة رضي الله عنها ، ويجب أن تعلم أن هذا المهدي الذي وردت به الأحاديث ليس المنتظر المزعوم الذي تذكره تلك الطائفة المنحرفة الاثنا عشرية التي تزعم أنه دخل السرداب وأنه ينتظر الأمر بالخروج ويقولون : اسمه محمد بن الحسن العسكري ، فهذا وهم وخرافة ، والرد على ذلك مبسوط في الكتب وليست هذا محل بسط ذلك ، ولكن ننصح بقراءة منهاج السنة لشيخ الإسلام ابن تيمية ومختصراته كمنهج الاعتدال للذهبي ، وكتاب التحفة الاثنى عشرية لمحب الدين الخطيب ، ولا بد أن تعلم أن كل طائفة تنتظر مهدي فاليهود ينتظرون المهدي، وهو عندهم المسيح الدجال الذي سيتبعه يهود أصبهان ، والنصارى ينتظرون مهدياً وهو نزول المسيح ، ولا شك عندنا – نحن المسلمين – في نزول عيسى ابن مريم عليه السلام ، فيكسر الصليب ويقتل الخنزير، ويضع الجزية ويحكم بشريعة الإسلام وعندئذٍ تضع الحرب أوزارها .
وقد ظهر في التاريخ دجالون ادعوا المهدية وقد عدهم بعض الباحثين فأوصلهم أكثر من ثلاثين منهم ابن تومرت في ا لمغرب ومهدي السودان وغيرهم .(/1)
وأما القول بأنه موجود الآن ، وأنه قد وُلِد ، فهذه مجرد دعوى يدعيها البعض ، ولا دليل عليها ، والأقرب أ،ها خرافة ، والأحاديث التي وردت في شأن المهدي لم تذكر أين يولد ، ولا متى يولد ن ولم تأمرنا بالبحث عنه ولا بالقيام بتربيته ، بل بيّنت أن الله تعالى يصلحه في ليلة ، وأن المسلمين يبايعونه على الخلافة ويجتمعون عليه .
ومتى يكون ذلك ؟!
عِلمُه عند الله .
والله تعالى أعلم
وانظر كتاب المهدي وفقه أشراط الساعة للشيخ محمد بن إسماعيل المقدم(/2)
رقم السؤال:
84271
العنوان:
استحباب صيام الثمانية من ذي الحجة للحاج وغيره
السؤال:
ما حكم صيام الثماني أيام الأولى من ذي الحجة للحاج علما بأني أعلم أنه مكروه صيام يوم عرفة ؟.
الجواب:
الحمد لله
صيام الأيام الثمان الأولى من ذي الحجة مستحب للحاج وغيره ؛ لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ، إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ ) رواه البخاري (969) والترمذي (757) واللفظ له ، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (28/91) : " اتفق الفقهاء على استحباب صوم الأيام الثمانية التي من أول ذي الحجة قبل يوم عرفة .... وصرح المالكية والشافعية : بأنه يسن صوم هذه الأيام للحاج أيضا " انتهى .
وقال في "نهاية المحتاج" (3/207) : " ويسن صوم الثمانية أيام قبل يوم عرفة ، كما صرح به في "الروضة" سواء في ذلك الحاج وغيره , أما الحاج فلا يسن له صوم يوم عرفة بل يستحب له فطره ولو كان قويا ، اقتداءً بالرسول صلى الله عليه وسلم , وليقوى على الدعاء " انتهى بتصرف
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
84285
العنوان:
هل يبيع منزله لشركة تمويل إسلامي ليسدد ما تبقى من القرض الربوي
السؤال:
أعيش بكندا ومنذ خمسة سنوات، قمنا بارتكاب جريمة الربا بشرائنا منزلنا هذا بقرض من بنك محلي على أساس فتاوى عديدة من شيوخ عدة (سامحهم الله). منذ عامين تقريباً لقد هدانا الله للإسلام وكأننا نعرفه لأول مرة . ظهرت مؤخراً شركات مالية في كندا للتمويل الإسلامي (أو كما يدعون)، التالي هو شرح مختصر لأسلوبهم في تحويل قرضي الربوي من البنك لتمويل إسلامي على أساس المشاركة: اتفقت الشركة الإسلامية مع بنك ربوي لتمويل مشروعهم. كما تقول الشركة، علاقتهم بالبنك على أساس تجاري وليس ربوياً. الشركة تقدر قيمة البيت في السوق المحلية على أساس تقييم مقيم للعقار مرخص من الحكومة. بناءاً على المتبقي من القرض الذي لدى ونسبة ربح حددوها بـ 4.9%، يحسب الإيجار الشهري الذي يتوجب على دفعه. هذا المبلغ الشهري يذهب جزء منه ربحاً والباقي لامتلاك حصة من البيت به. نسبتهم من البيت هو الفرق بين قيمة المنزل الآن والمتبقي من القرض الربوي. تقوم الشركة بتقييم قيمة البيت كل 1، 2، أو 5 سنوات. تتغير نسبة الربح بحسب عدد السنوات التي أختارها. هذا يعني أن حصص كل منا تقيم كل عدة سنوات ولكن نسبة الربح تبقى ثابتة. مع العلم أن قيمة المتبقي من القرض (حصتهم من المنزل) هو 178000$: وربحهم خلال الخمس سنوات الأول هو 49038.88$ و امتلكت ما قيمته 18408.08$ من قيمة البيت الذي يمتلكونه وهو 178000$. والعلاقة بينهم وبين البنك غير واضحة ولا زالت تعتمد في روحها على شراء المال بالمال لأنهم لم يشتروا البيت (أو يشاركوننا فيه) بشكل رسمي وإنما كل هذه المعاملات هي بين البنوك وهذه الشركة على ورق لا علاقة للأصل (المنزل) بها إلا بذكره على ورق بينهم. إننا في حيرة كبيرة ونرجو منكم أن تخرجونا من هذه الحيرة.
الجواب:
الحمد لله(/1)
نسأل الله تعالى أن يجزيكم خيراً على تحريكم الحلال وحرصكم على التخلص من آثار ما قد فعلتموه من الاقتراض من البنك الربوي، ونجيب عن سؤالكم في الفقرات التالية:
أولاً: أكل الربا والإعانة عليه حرام بل من كبائر الذنوب، فقد روى مسلم في صحيحه، عن جابر رضي الله عنه قال: ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه، وقال: هم سواء).
والقرض المشترط فيه زيادة للمقرض، كما هو عمل البنوك، حرام بغير خلاف بين العلماء
ثانياً: ذكرتم أنكم فعلتم ذلك جاهلين حرمة ذلك، فنرجو أن يكون ذلك رافعاً للإثم عنكم ، فقد قال الله تعالى في آيات تحريم الربا: ( فَمَن جَاءهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىَ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللّهِ ) البقرة/275 .
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء (13/352) : " ما أخذته من الفوائد قبل العلم بتحريمها فنرجو أن يعفو الله عنك في ذلك، وأما ما بعد العلم فالواجب عليك التخلص منه وإنفاقه في وجوه البر " انتهى .
ثالثاً: لا يلزمكم أن تبيعوا البيت للشركة المذكورة أو غيرها لتردوا القرض، فإن اشتراط نفع للمقرض في عقد القرض وإن كان حراماً إلا أنه لا يفسد القرض، فشراؤكم للبيت صحيح ، وامتلاككم له صحيح ، فلا يلزمكم بيعه لتعجيل سداد ما تبقى من القرض للبنك ، لا سيما وصورة التعامل مع الشركة المذكورة الذي ضمنتموه في السؤال لا يخلو من غموض ، وقد ذكرتم في آخر سؤالكم أنهم لا يشترون البيت حقيقة وإن تم بيع وشراء في الأوراق فإنه لا يحصل قبض حقيقي للمبيع قبل بيعه ثانية، فيُخشى أن تكون معاملة الشركة هي حيلة على ارتكاب الربا ، تحت مسمى البيع .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
84304
العنوان:
حكم تسمية الابن معاوية وذِكر من تسمى بهذا الاسم
السؤال:
زوجتي مسلمة سعودية ، وأصلها من فارس ، وبعض أهلها لهم حساسية من خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، فاتفقت أنا وهي أن نسمي مولودنا القادم ( معاوية ) انتصارا ًله ، وحتى يحبوه فيحبوا خال المؤمنين رضي الله عنه , وذلك أن بعض أقاربها من فارس لهم ميول للتشيع المذموم فيقدحون في معاوية ، أما أبوها وأمها فلا رأي لهم فيه , فما حكم تسمية الابن بـ ( معاوية ) ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نشكر لك ولزوجتك حبَّكما للصحابي الجليل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ، ونشكر لكما جهودكما في تبليغ حبه للآخرين الذين تأثروا بشائعات الروافض حوله .
وقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه يغيِّر الاسم القبيح لاسم حسن ، وقد كان معاوية رضي الله عنه من كتبة الوحي ، ولو كان اسمه قبيحاً لغيَّره النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه : فلا مانع من تسمية ابنكما " معاوية " وخاصة أنكما تقصدان تحبيب هذا الصحابي لبعض أهل زوجتك ، فلعلها مناسبة لكما أن تلمَّا بحياة هذا الصحابي الجليل ، وأن تقرآ ما كتبه أهل السنَّة في فضائله والدفاع عنه ؛ لتستطيعا مواجهة الخصوم ، ونشر فضائل هذا الصحابي الجليل .
والروافض – الشيعة – يكذبون ويفترون على الشرع والتاريخ وحتى اللغة ، وهم يتندرون باسم الصحابي الجليل " معاوية " ويتخذونه هزواً ، ويزعمون أن معنى اسمه " الكلبة " !
والرد عليهم :
1. أنه حتى لو كان معناه " الكلبة " فإن العرب تسمي بأسماء الحيوانات نظراً إلى ما عندها من صفات لا لكونها بهيمة ، فيسمون " جحش " و " صقر " و " ذئب " وهكذا ، ولاسم الكلب نصيب كبير من تسمية أبنائهم وقبائلهم وديارهم .(/1)
2. أنهم كذبوا في زعمهم أن اسم " معاوية " يعني " الكلبة " ؛ لأن " المعاوية " بأل التعريف هي التي تعني " الكلبة " ، وأما من دونها فمعناه " قوة اليد " ، و " أبو معاوية " هو الفهْد ، وهذا يفسد عليهم – كذلك – الطعن بوالده أبو سفيان رضي الله عنه .
قال ابن منظور – رحمه الله - :
وعوى الرجل : بلغ ثلاثين سنة فقَوِيت يدهُ ، فعوى يد غيرهِ ، أي : عطفها شديداً .
" لسان العرب " ( 15 / 107 ) .
وقال الفيروزآبادي :
و " المُعاوَيةُ " الكَلْبَةُ وجِرْوُ الثْعْلَبِ ، وبِلا لام : ابنُ أبي سفيانَ الصَحابِيُّ ، وأبو مُعاوِيَةَ : الفَهْد .
" القاموس المحيط " ( ص 1697 ) .
ثانياً :
وأما إطلاق لقب " خال المؤمنين " – باعتبار أن أخته أم حبيبة أم المؤمنين – فقد ثبت هذا عن بعض أئمة أهل السنَّة ، وعلى رأسهم الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله .
عن أبي طالب أنه سأل أبا عبد الله – أحمد بن حنبل - أقول : " معاوية خال المؤمنين " و " ابن عمر خال المؤمنين " ؟ قال : نعم ، معاوية أخو أم حبيبة بنت أبي سفيان زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما ، وابن عمر أخو حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورحمهما ، قلت : أقول معاوية خال المؤمنين ؟ قال : نعم .
" السنَّة " للخلال ( 2 / 433 ) طبعة دار الراية .
وعن هارون بن عبد الله أنه قال لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل - : جاءني كتاب من " الرقة " أن قوماً قالوا : لا نقول معاوية خال المؤمنين ، فغضب ، وقال : ما اعتراضهم في هذا الموضع ؟ يُجْفَوْن حتى يتوبوا .
" السنَّة " للخلال ( 2 / 434 ) .(/2)
وعن محمد بن أبي هارون ومحمد بن أبي جعفر أن أبا الحارث حدثهم قال : وجهنا رقعة إلى أبي عبد الله – أحمد بن حنبل - ما تقول رحمك الله فيمن قال لا أقول إن معاوية كاتب الوحي ولا أقول إنه خال المؤمنين فإنه أخذها بالسيف غصباً ؟ قال أبو عبد الله : هذا قول سوء رديء ، يجانبون هؤلاء القوم ، ولا يجالسون ، ونبين أمرهم للناس .
" السنَّة " للخلال ( 2 / 434 ) .
وعن أبي بكر المروذي قال : قلت لأبي عبد الله – أحمد بن حنبل - أيما أفضل معاوية أو عمر بن عبد العزيز ؟ فقال : معاوية أفضل ، لسنا نقيس بأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أحداً ، قال النبي صلى الله عليه وسلم " خير الناس قرني الذي بُعثت فيهم " .
" السنَّة " للخلال ( 2 / 434 ) .
وكل أسانيد هذه الآثار صحيحة كما تجده في تحقيق الكتاب للدكتور عطية الزهراني .
ثالثاً :
وهذه قائمة في ذِكر من اسمه " معاوية " من الصحابة – وفي بعضهم بحث - من كتاب " الإصابة في تمييز الصحابة " وهو يدل على شهرة التسمي بهذا الاسم :(/3)
معاوية بن أنس السلمي ، معاوية بن ثور بن عبادة بن البكاء العامري البكائي ، معاوية بن جاهمة بن العباس بن مرداس السلمي ، معاوية بن الحارث بن المطلب بن عبد المطلب ، معاوية بن حديج ، معاوية بن حزن القشيري ، معاوية بن الحكم السلمي ، معاوية بن حيدة بن معاوية بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة القشيري ، معاوية بن أبي ربيعة الجرمي ، معاوية بن سفيان بن عبد الأسد ، معاوية بن سويد بن مقرن المزني ، معاوية بن صعصعة التميمي ، معاوية بن عبادة بن عقيل ، معاوية بن عبد الله ، معاوية بن عروة الدئلي ، معاوية بن عفيف المزني ، معاوية بن عمرو ، معاوية بن قرمل ، معاوية بن محصن بن علس ، معاوية بن مرداس بن أبي عامر ، معاوية بن معاوية المزني ، معاوية بن المغيرة بن أبي العاص بن أمية الأموي ، معاوية بن مقرن المزني ، معاوية بن نفيع ، معاوية الثقفي ، معاوية العذري ، معاوية الليثي ، معاوية الهذلي .
" الإصابة " للحافظ ابن حجر ( 6 / 145 - 164 ) طبعة دار الجيل .
وفي كتاب " سير أعلام النبلاء " جملة من التابعين والسلف ممن تسمى باسم معاوية ، فلينظر فهرس " السير " ( 25 / 448 ) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
84327
العنوان:
مشكلاته مع أهله سببت له اكتئابا
السؤال:
منذ نعومة أظفاري نشأت في حياة بائسة ، فقد كان والدي متزوجاً باثنتين زوجته الأولى ، وأمي ، وقد كان أخي الأكبر مسيطراً سيطرة كاملة على المنزل ، وكان جبَّاراً لا أحد يستطيع الكلام في وجوده أو حتى الهمس ، ولا أعلم ما هو السر حتى الآن ، أما أبي فقد ترك كل شيء له ، حتى أمي وزوجة أبي لا يقدرون عليه ولا يستطيعون مناقشته ، وعندما أصبحت في الصف الرابع أو الخامس طُلقت والدتي وعشتُ أصنافاً من العذاب والويل - والله - ، قمع على أتفه الأسباب ، واستعباد ، وقلوب قاسية من هذا الأخ ومن زوجة أبي ، وضرب حتى يخرج الدم ، وأبي لا حياة لمن تنادي ، ثم كبرت وتوظفت وكبر إخواني الآخرون ، وما زال حتى الآن يراهم ملائكة ويراني لا شيء - تافه وحقير - وهم بدورهم متكبرون وقاطعوني ، وقد واصلتهم ، ولكني رأيت تعاملهم معي فقاطعتهم ، حاولت التقرب منه ولكنه مصمم على عدم العدل في كل تصرفاته ، والآن أعاني من هذا الظلم ، وأعاني من الاكتئاب ومن ثقتي بنفسي ، فما هو الحل ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا شك أن ما تعاني منه هو مؤلم ، والظلم إذا حصل من القريب كان أشدَّ على النفس من ظلم البعيد ، لكنَّ المسلم الذي يحمل اعتقاد أهل السنَّة والجماعة يعلم أن " ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه " ، وهو يأخذ بأسباب السعادة ، ويفعل ما أمره الله تعالى به دون تقصير ، وإذا لم يقدِّر الله تعالى له الخير فيكون ما أصابه ابتلاء ليكفِّر الله تعالى به السيئات ويرفع الدرجات .
ثانياً :
والظلم الذي وقع عليك من والدك ، وزوجته ، وأخيك ، هو مما يحز في النفس وجوده ، وهو أمرٌ يدل على استيلاء الشيطان على عقول وقلوب أتباعه الذين يستجيبون لأمر الشر والسوء ، ويصدون أنفسهم عن مواطن الخير والفضل .(/1)
وما كنتَ تفعله من مواصلتهم مع قطعهم لك هو الذي ينبغي لك المداومة عليه ، وقد أخطأتَ في ترك مواصلتهم ، والمسلم يحتسب ما يقع عليه من ظلم ، ويرجو ثواب صبره عند ربه تبارك وتعالى ، وإذا كان هذا الظلم من والدَين أو رحم فإنه لا يقطعهم إلا أن يؤثر قربه منهم على دينه ، ولتعلم أن الله تعالى ينصرك ويؤيدك إن كنتَ واصلاً لهم وهم يقطعونك .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَجُلًا قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُمْ وَيَقْطَعُونِي ، وَأُحْسِنُ إِلَيْهِمْ وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحْلُمُ عَنْهُمْ وَيَجْهَلُونَ عَلَيَّ ، فَقَالَ : لَئِنْ كُنْتَ كَمَا قُلْتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمْ الْمَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنْ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيْهِمْ مَا دُمْتَ عَلَى ذَلِكَ .
رواه مسلم ( 2558 ) .
وقد جعل الله تعالى ذلك أدبا عاما للمسلم مع الناس : أن يحلم على الجاهل ، ويحسن إلى المسيء ؛ قال الله تعالى :
( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ * وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) سورة فصلت
قال الشيخ ابن سعدي رحمه الله في تفسيره (558) :
" أي : لا يستوي فعل الحسنات والطاعات ، لأجل رضا الله تعالى ، وفعل السيئات والمعاصي ، التي تسخطه ولا ترضيه . ولا يستوي الإحسان إلى الخلق ، ولا الإساءة إليهم ، لا في ذاتها ، ولا في وصفها ، ولا في جزائها : " هل جزاء الإحسان إلا الإحسان " ؟!!(/2)
ثم أمر بإحسان خاص ، له موقع كبير ، وهو : الإحسان إلى من أساء إليك فقال : " ادفع بالتي هي أحسن " : أي : فإذا أساء إليك مسيء من الخلق ، خصوصا من له حق كبير عليك ، كالأقارب ، والأصحاب ، ونحوهم ، إساءة بالقول أو بالفعل ، فقابله بالإحسان إليه ؛ فإن قطعك فصله ، وإن ظلمك فاعف عنه ، وإن تكلم فيك ، غائبا أو حاضرا ، فلا تقابله ، بل اعف عنه ، وعامله بالقول اللين . وإن هجرك ، وترك خطابك ، فطيب له الكلام ، وابذل له السلام . فإذا قابلت الإساءة بالإحسان ، حصل فائدة عظيمة : " فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم " أي : كأنه قريب شفيق !!
" وما يلقاها " أي : وما يوفق لهذه الخصلة الحميدة " إلا الذين صبروا " نفوسهم على ما تكره ، وأجبروها على ما يحبه الله . فإن النفوس مجبولة على مقابلة المسيء بإساءته وعدم العفو عنه ، فكيف بالإحسان ؟ فإذا صبر الإنسان نفسه ، وامتثل أمر ربه ، وعرف جزيل الثواب وعلم أن مقابلته للمسيء بجنس عمله ، لا تفيده شيئا ، ولا تزيد العداوة إلا شدة ، وأن إحسانه إليه ليس بواضع قدره ، بل مَنْ تواضع لله رفعه ، هان عليه الأمر ، وفعل ذلك متلذذا مستحليا له .
" وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم " لكونها من خصال خواص الخلق ، التي ينال بها العبد ، الرفعة في الدنيا والآخرة ، التي هي من أكبر خصال مكارم الأخلاق ." انتهى .
قال ابن حبان البستي – رحمه الله - :
الواجب على العاقل توطين النفس على لزوم العفو عن الناس كافة ، وترك الخروج لمجازاة الإساءة ؛ إذ لا سبب لتسكين الإساءة أحسنُ من الإحسان ، ولا سبب لنماء الإساءة وتهييجها أشدُّ من الاستعمال بمثلها .
ولقد أنشدني منصور بن محمد الكريزي :
سألزمُ نفسي الصفح عن كل مذنب وإن كثرت منه إليَّ الجرائم
فما الناس إلا واحد من ثلاثةٍ شريف ومشروف ومثلٌ مقاوم
فأما الذي فوقي فأعرف فضله وأتبع فيه الحقَّ، والحقُّ لازم(/3)
وأما الذي دوني فإن قال صنْتُ عن إجابته عِرضي وإن لام لائم
وأما الذي مثلي فإن زلَّ أو هفا تفضَّلتُ إن الحلم للفضل حاكم
" روضة العقلاء ونزهة الفضلاء " ( ص 166 ) .
ولا يعني أنك إذا واصلتَهم أنك لا تُنكر عليهم أفعالهم ولا تبيِّن لهم أخطاءهم ، بل يجب عليك أن تفعل ذلك ، وهذا من النصيحة التي أوجبها الله تعالى عليك ، حتى يقفوا على أخطائهم ، ويصلحوا ما أفسدوه ، فإن رأيت تغيرهم للأفضل فهو خير عظيم قدَّمتَه لهم ، وإن لم يستجيبوا لنصحك فعليك بتكرار المحاولة مع الاستعانة بالدعاء أن يصلح الله تعالى بالهم وشأنهم ، ولا تقطع الصلة بهم بالكلية ؛ بل أبق عليها ولو على أدنى مراتبها .
ثالثاً :
وأما ما أصابك من اكتئاب وفقدان ثقة بنفسك فمردُّه إلى ما عانيته من هموم وغموم ، لكن لا ينبغي لك الاستسلام لهذا ، ويجب أن تعلم أن اكتئابك هذا سيسبب لك أمراضا نفسية وعضوية إن استمررت مستسلماً له ، وعليك أن تبدأ بعلاج نفسك لتواجه الحقيقة وهي أن الناس تختلف طبائعها ، وأنك تجد الخير والشر عندهم ، وأن غيرك يعاني أضعاف ما تعاني منه ، فليس أمامك إلا أن تسلك الطرق الشرعية في انشراح الصدر لتنعم بحياة آمنة مطمئنة لا كدر فيها ولا هم ولا غم .
ويمكن أن نلخص لك ما نريد منك أن تفعله في أمور :
1. الرضا بقدر الله تعالى ، والسعي في إصلاح والدك وزوجته وأخيك بالتي هي أحسن .
2. المحافظة على ذِكر الله تعالى ، ومنها الأدعية الواردة في علاج مثل هذه الأمور .
أ. قال الله تعالى : ( الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد/28 .(/4)
ب. وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بنِ مسْعُود قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ فَقَالَ " اللَّهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ وَابْنُ عَبْدِكَ وَابْنُ أَمَتِكَ نَاصِيَتِي بِيَدِكَ مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي وَنُورَ صَدْرِي وَجِلَاءَ حُزْنِي وَذَهَابَ هَمِّي " : إِلَّا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًا ، قَالَ : فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلَا نَتَعَلَّمُهَا ؟ فَقَالَ : بَلَى يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا ) .
رواه أحمد ( 3704 ) وصححه الشيخ الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 199 ) .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
ومن أسباب شرح الصدر : دوام ذِكْره على كل حال ، وفي كل موطن ؛ فللذكر تأثير عجيب في انشراح الصدر ، ونعيم القلب ، وللغفلة تأثير عجيب في ضيقه ، وحبسه ، وعذابه .
" زاد المعاد " ( 2 / 22 )
3. إشغال الوقت بطلب العلم والدعوة إلى الله تعالى وقراءة سير الصالحين .
4. ترك النظر المحرَّم وفضول المخالطة والأكل والنوم .
قال ابن القيم – رحمه الله - :
ومنها – أي : أسباب انشراح الصدر - : ترك فضول النظر والكلام والاستماع والمخالطة والأكل والنوم ؛ فإن هذه الفضول تستحيل آلاماً وغموماً وهموماً في القلب ، تحصره ، وتحبسه ، وتضيِّقه ، ويتعذب بها ، بل غالب عذاب الدنيا والآخرة منها .
" زاد المعاد " ( 2 / 22 )
وستجد – إن شاء الله - أن ما بك من هموم وغموم وتكدر معيشة سيزول ، وسيكون مكانه انشراح صدر وراحة بال .(/5)
ونسأل الله تعالى أن يرفع عنك الهموم والغموم ، وأن يصلح أهلك ويهديهم لأحسن الأقوال والأفعال والأخلاق ، ونسأله تعالى أن يُعظم لك الأجر ، وأن يعينك على ذِكره وشكره وحُسن عبادته .
وللمزيد : انظر أجوبة الأسئلة ( 21677 ) و ( 45847 ) و ( 4631 ) .
وانظر أيضا : في قسم الكتب في موقعنا : علاج الهموم .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
84328
العنوان:
هل السيئات تتضاعف في رمضان ؟
السؤال:
هل السيئات تضاعف في رمضان كما تتضاعف الحسنات ؟
الجواب:
الحمد لله
"المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه ، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته ، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان ، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين ، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض ، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام ، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار ، فإذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات ، وعظم فيه إثم السيئات ، فسيئة في رمضان أعظم إثما من السيئة في غيره ، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره ، لما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره .
فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات ، عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق ، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره ، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة ؛ لقول الله عز وجل في سورة الأنعام : (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ) الأنعام/160 . والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف الحسنات فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية ، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل ، والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك" اهـ .(/1)
رقم السؤال:
84330
العنوان:
والدتها تسيئ معاملتها
السؤال:
يوجد تفرقة في المعاملة بين الأخوات من قبل الأهل ، التحكم والسيطرة من قبل الوالدين في التصرفات والملبس والمأكل ، ولا تقل لي إنهم ينصحونني بالزى الإسلامي ، بل على العكس ( وضع ماكياج لإعجاب العرسان ) هم يريدونني أن لا أصرف من مرتبي ، أو عدم الذهاب كثيرا للملاجئ والمسنين ، وأمي تريدنا أن نذهب لأهلها فقط ، وأبي لا يبالي ، فَهَمُّه جمع المال والأكل ؛ فهو شخصية ضعيفة مع أمي المتسلطة ، وأختي الوحيدة تابعة لأمي في كل شيء ، وفي المقابل أمي تعاملها أحسن وباهتمام وتكبرها علي ، لقد احتسبت الله بيني وبينهم ،
أريد فقط أن أعرف ما معنى المعاملة بالإحسان ، وكيف أضبط انفعالي معها وهى تكذب ؟ وهل قولي لها أنت كاذبة حرام ؟ وماذا أفعل عندما يضيق صدري وتبتل وسادتي مما تفعله وتقوله عني أمام الناس ؟ والله المستعان .
الجواب:
الحمد لله
كثيرة هي المشاكل التي تعرض في حياة الأسرة المسلمة ، كما أنها متنوعة بتنوع نواحي الحياة المختلفة إلى اجتماعية أو اقتصادية أو نفسية ، ولكن من أخطر أنواع المشاكل تلك التي يعاني فيها الأبناء من تصرفات آبائهم ، ذلك أن الواجب أن يقوم الوالدان باحتواء أبنائهم وشملهم بعطفهم ورعايتهم ، وتفهم حاجاتهم ، ومراعاة نفسياتهم ، في حين أن الحال ينعكس في هذا النوع من المشاكل ، حيث تتغير وجهة الخطاب لتصبح موجهة إلى الأبناء ، كي تتسع صدورهم ونفوسهم لما يعانونه من والديهم .
وفي ذلك دعوة للجيل القادم كي يستفيد من التجربة ، فيقوم بدور الأبوة الذي سيسخره الله له ، ولن يعذره أحد بالجهل أو قلة المعرفة ، كما يمكن أن يعذر به الجيل السابق ، فإن تعلم وسائل التربية الإسلامية الصحيحة أمر ميسور اليوم ، ولا يعجز عنه إلا عاجز .(/1)
وسوف نعترف لك ـ مقدما ـ بأن حديثنا هنا ربما يبدو وكأنه يهون من مشكلة ، هي كبيرة في حقيقة الأمر ، ونقول لك أختنا الكريمة : لا عيب في ذلك ، فإذا قدر أن ذلك التهوين يخفف عنا بعضا من أعباء تلك المشاكل ، وإحساسنا بوطأتها ، فأهلا به ، وهو جزء من العلاج :
فَقُلتُ لَها يا عَزَّ كُلُّ مُصيبَةٍ إِذا وُطِّنَت يَومًا لَها النَفسُ ذلَّتِ
وإذا كان لهذه المشكلة طرفان : أحدهما أنت ، والآخر : أسرتك ؛ أمك ، وأبوك ـ أيضا ـ ، ثم أختك ؛ فإن حديثنا سوف ينصب في معظمه ـ أيضا ـ عليك ، وأنت الشاكية ، وأنت المظلومة ، كما يبدو لنا من رسالتك ؟!!
وإذا بدا ذلك نوعا من الاستسهال في التعامل مع المشكلة ، فليكن ـ أختنا الكريمة ـ ؛ فلا أنت ، ولا نحن نريد تعقيد المشكلة ، ولا إلهاب العداوة ، إنما نريد الحل ، بغض النظر عن طرف الخيط الذي نمسك به ؛ فالمهم أن نحل المشكلة ، إن استطعنا ، أو ـ على أقل تقدير ـ ألا نزيدها تعقيدا !!
لو كان أبوك يسمع لنا لقلنا له : الواجب الأول عليك ، والدور الكبير لك ، فأنت القيم ، وأنت الراعي ومسئول عن رعيتك ؛ لكنه لم يسألنا ، ولا نظنه يسمع لنا صوتا !!
لو كانت أمك تسمع نداءنا لقلنا لها : اللهَ الله في أبنائكِ ، فحقهم واحد ، والعدل بينهم واجب :
( ... فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) متفق عليه ، واللفظ للبخاري
لو كانت أمك تسمع لنا لقلنا لها : ( إِنَّ الْمُقْسِطِينَ عِنْدَ اللَّهِ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ عَزَّ وَجَلَّ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ الَّذِينَ يَعْدِلُونَ فِي حُكْمِهِمْ وَأَهْلِيهِمْ وَمَا وَلُوا ) رواه مسلم (1837) .
لقد كان من الممكن أن نقول الكثير ، لو كان طرف المشكلة الآخر يسمع لنا !!(/2)
لكننا الآن مضطرون إلى أن نوجه حديثنا إلى طرف واحد ، هو أنت ، وأن نحمل عبء الحل على جانب واحد ، هو أنت ، فأنت الخيط الذي نملك أن نجذبه ، إذا كنا نريد أن نحل العقدة التي تؤرقك !!
وإذا كان واضحا أنك أمام أزمة في التفاهم مع والدتك ، وهذه حقيقة يجب أن تبدئي العلاج منها ، فلا تحاولي الفرار ورفض الاعتراف وتقبل هذه المشكلة ، ويتمثل ذلك بالانفعالات الغضبية التي تصيبك أثناء تعاطيك مع الوالدة ، ونحن لا نظن أنها تصدر إلا ممن يحاول الهروب من واقعه ، ولم يتفهم ما يواجهه .
والبداية الصحيحة في العلاج تبدأ من الحقيقة التي يقررها القرآن الكريم في قوله تعالى :
( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ) الشورى/30 ، فتغيير كل واقع إنما ينطلق من أصحاب الشأن ، وليس من غيرهم ، وينطلق فقط حين يتفهمون أن التغيير يبدأ من أنفسهم ، وليس من غيرهم .
فلا بد – أختي الفاضلة – أن تتلمسي مواضع الخلل ومكامن النقص في تعاملك مع أسرتك ، وتعملي على علاجها أو لنقل – تغييرها - ، ولا نقول هذا تجاوزا ، إذ ليس بالضرورة أن يكون هذا الخلل سوء خلق منك – لا قدر الله - ، لكنه قد يكون خطأ في طريقة التعاطي مع المشكلة والتعامل مع الواقع ، وأستطيع مما ذكرت في السؤال التنبيه على شيء من ذلك :
- دائرة المندوبات والمستحبات لا ينبغي أن تجعل مثار شقاق ونزاع ، فإن أمر إصلاح ذات البين وتأليف القلوب أعظم من مصلحة فعل تلك المستحبات ، فإن كنت تسببت في بعض النزاع لإصرارك على القيام بأمور غاية أمرها الندب ، فأرجو أن تراجعي مواقفك تلك .
- متابعة الوالدة مصروفات ابنتها ومحاولة ضبطها أمر محمود ، والجانب السلبي فيه فقط هو المبالغة في ذلك ، وأظن أن هذا الفهم لسياق المشكلة أكثر موضوعية من وضعها في سياق التجبر والتسلط !(/3)
- الانفعال السريع والغضب أساس كل مشكلة ، ولن يقود إلى علاج أبدا ، من أراد تحصيل ما يتمنى فلا بد أن يكتم في قلبه بعض سهام الظلم أو الأذى .
عن ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَا مِنْ جُرعَةٍ أَعظَمُ أَجرًا عِندَ اللَّهِ مِن جُرعَةِ غَيظٍ كَظَمَهَا عَبدٌ ابتِغَاءَ وَجهِ اللَّهِ ) رواه ابن ماجه ( 4189 ) وحسنه العراقي في " تخريج الإحياء " ( 4 / 163 ) .
ويمكنك الاستفادة من الأجوبة التالية في علاج سرعة الغضب ( 658 ) و ( 45647 ) .
وأظنك تملكين – والحمد لله – بعض المفاتيح التي يمكن أن تخفف عنك ما أهمك ، فقد أنعم الله عليك بالوظيفة ، والمال يأسر القلوب .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( تَهَادُوا تَحَابُّوا ) .
رواه البخاري في " الأدب المفرد " ( 208 ) وحسَّنه العراقي في " تخريج الإحياء " ( 2 / 53 ) وابن حجر في " بلوغ المرام " ( 277 ) والألباني في " صحيح الأدب المفرد " .
وبالهدية يمكن أن تتملكي قلب والدك ووالدتك وأختك ، وراوحي بين أنواع الهدايا : عينية أو نقدية أو بعض أثاث المنزل أو رحلة سياحية إلى مكان جميل ، وسيكون لذلك أثر عظيم في نفوسهم إن شاء الله .
وأختك مفتاح حل آخر ، إذ يمكنك التفاهم معها والتقرب والتحبب إليها ، لتكون عونا لك على ما تواجهين ، وخسارتك لها يعني فشلك أنت في ذلك ، فلا تحاولي أن تضعي اللوم عليها هي أيضا – وإن كان ذلك هو الواقع – ولكن حين يتهم المرء طريقته فإنه سيسعى حتما لتغييرها إلى الملائم والمناسب ، وهنا يكون العلاج .(/4)
واعلمي – أختي الفاضلة – أن قلب الوالدة يظل ينبض بالشفقة والرأفة على ولده ، مهما أظهر من قسوة وشدة ، فحاولي أن تستخرجي كل رحمة في قلب والدتك ، بالتحبب والتذلل والمسامحة والمصابرة ، ولا أظنك إذا ارتميت في حجر والدتك وقبلت يدها واختلطت دموعك بكلماتك في حبها وشكوى تعب الحياة وألمها إليها : فلا أظنك ترجعين خائبة ، بل أرجو أن تعود والدتك خيراً مما كنت تظنين .
يقول الله عز وجل : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت/34 .
وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم أنه : ( وَلَا يَدْفَعُ بِالسَّيِّئَةِ السَّيِّئَةَ ، وَلَكِن يَعفُو وَيَغفِر ) رواه البخاري ( 2125 ) .
وأولى من يعامل بالحسنى ويقابل بالمسامحة هما الوالدان ، لما فرض الله لهما من حق عظيم ، حتى قال سبحانه وتعالى : ( وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً ) الإسراء/24 .
والخُلُق الحسن يقتضي تحمل الظلم والأذى من الأحبة ، فكيف بالوالدين ؟!!
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " المؤمن ملجم بلجام ، فلا يبلغ حقيقة الإيمان حتى يجد طعم الذل " .
وخطب علي بن أبي طالب في أصحابه فقال : ( كونوا في الناس كالنحلة في الطير ، فإنه ليس شيء من الطير إلا يستضعفها ، ولو يعلم ما في أجوافها لم يفعل ، خالقوا الناس بأخلاقكم وألسنتكم ، وزايلوهم بأعمالكم وقلوبكم ، فإن لامرئ ما اكتسب ، وهو يوم القيامة مع من أحب ) .
وعن محمد بن الحنفية قال : ( ليس بحليم من لم يعاشر بالمعروف من لا يجد من معاشرته بُدّاً حتى يجعل الله له فرجا - أو قال : مخرجاً - )
روى هذه الآثار ابن أبي الدنيا في كتابه " مداراة الناس " ( 37 ، 27 ، 41 ) .(/5)
كن كالنخيل عن الأضغان مرتفعا يرمى بطوب ، فيلقي أطيب الثمرِ
والمهم – أختي الفاضلة – أن تسعي في تغيير الأساليب التي اعتدت عليها في مخاطبة ومحاورة والدتك ، وأن تتفكري في كل فكرة ممكنة تكون منفذا لقلبها ، ولا تعجزي أبداً ، ولا تقولي حاولت وأسقط في يدي ، واستعيني بالله سبحانه وتعالى أولاً وآخراً .
وأخيراً :
لن يكون سوء معاملة والدتك لك نهاية المطاف أبدا ، فالدنيا مليئة بالفرص الطيبة ، ومليئة بالخيِّرين من أقارب وجيران وأصحاب ، يعيش المرء معهم أيامه ، ويطوي بقربهم عمره ، يحسن إلى الناس كافة ، ويخالقهم بخلق حسن ، وهذه أعظم رسالة يحملها المسلم في حياته .
عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِنَّ مِن أَحَبِّكُم إِلَيَّ وَأَقرَبِكُم مِنِّي مَجلِسًا يَومَ القِيَامَةِ أَحَاسِنُكُم أَخلَاقًا ) رواه الترمذي ( 2018 ) وقال : حسن غريب ، وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
سئلت اللجنة الدائمة :
السائل يعيش مع والديه في منزل واحد ، لكنه دائم الخصومة مع أمه والقطيعة لوالده ، وسبب ذلك أن أمه تفضل أخاه الصغير ، فتصفه بأقبح الأوصاف ، وتشتمه بأقذع الشتائم ولأتفه الأسباب ، فصارت عنده عقد نفسية ، وتتسامح مع أخيه ، ولو أساء أشد إساءة ، فصار مدللا خاليا من العقد النفسية ، وكذلك والده يسيء إليه كثيرا ، لا يرد عليه السلام إلا نادرا ، ويضربه أحيانا أمام الناس لأدنى سبب ، ولا يضرب أخاه الصغير ولو اشتدت إساءته ، فهل يطالب من أساء إليه والداه بما يطالب به سائر الأبناء من البر والصلة ، وهل يأثم بإثارة الخصومات مع أنه يجتهد في إبعاد الخصومات ، وكثيرا ما يندم بعد وقوعها ويتصدق عنهما دون شعور منهما ، فهل يثابان بذلك ويثاب هو أيضا ، وهل يخفف ذلك من ذنوبه ، مع أن هذه الصدقة قليلة جدّاً ؟ .
فأجابت :(/6)
قد يكون الوالدان معذوريْن فيما حصل منهما ، وقد يكون لديهما اعتبارات في التشديد على واحد من أولادهما دون آخر ، ككونه أكبر سنّاً ، وأرشد من غيره ، فالغلط منه أشد ، وكتأديبه ليستقيم فيكون قدوة لإخوانه الصغار ، وعلى تقدير إساءتهما لا يجوز للولد أن يقابل سيئتهما بالسيئة ، بل يقابلها بالحسنة ، عملا بقوله تعالى ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصلت/34 ، وقوله ( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/15 .
فأمر الولد أن يصاحب والديه بالمعروف ولو جاهداه على أن يشرك بالله غيره ، والشرك أكبر الكبائر ، وأمره أن يلزم سبيل الله المستقيم ، وأخبر بأن جزاء الجميع عنده تعالى يوم القيامة ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم ببر الوالدين ، وحذر من عقوقهما وبين أن العقوق من أكبر الكبائر ، هذا وتُشكَر على الندم على ما فعلت من إثارة الخصومات والقطيعة ، وعلى الصدقة عنهما ، ولو أعلنت ذلك لهما كان أرجى إلى الوئام وحنانهما عليك ، ويرجى لك ولهما الأجر ومغفرة الذنوب بما قربت من الصدقة عنهما ، وإن قَلَّت ، فإن الله يضاعف الحسنات ، وأما الوالدان فالواجب عليهما تحري العدل بين أولادهما ، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 123 – 125 ) .
ونسأل الله أن يوفقكِ ويفتح عليك أبواب رحمته وفضله .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
84357
العنوان:
هل يجوز إقراض الأسهم؟
السؤال:
احتجت إلى مال ، فسألت صاحبي أن يقرضني إياه ، فقال : ليس عندي سيولة ، ولكن عندي خمسة أسهم في شركة الأسمنت أقرضك إياها وتعيدها لي خمسة أسهم من نفس الشركة ، وسأقوم بأخذ الأسهم وبيعها لقضاء حاجتي ثم أشتري له بعد ذلك من سوق الأسهم بنفس العدد لنفس الشركة ، فهل يجوز ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله :
لا يظهر مانع من ذلك ما دام سيردها بنفس العدد لنفس الشركة ، ولا يؤثر الارتفاع أو الانخفاض في سعر السهم على القرض .
الشيخ عبد الرحمن البراك .
بشرط أن لا تكون الأسهم أسهماً لمؤسسة نقدية ، كأسهم البنوك الإسلامية – مثلاً – لأن غالب الموجود فيها سيولة نقدية . والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
84426
العنوان:
تحرش المحارم
السؤال:
تحرش بي عمي من قبل عدة مرات ، وبعد ذلك صارحت والدي بما حدث ، فلم أجد منه سوى رد فعل لا يقارن بما فعله بي عمي , وأجد والدي الآن على علاقة طيبة جدّاً بعمي ، ويدعوه إلى البيات معنا في منزلنا ، ويعامله معاملة حسنة جدّاً ، وأنا لا أتحمل هذا ، فما عقاب والدي ؟ وهل إذا شعرت بالكراهية تجاه والدي هل يوجد ذنب عليَّ ؟ وجزاكم الله كل خير .
الجواب:
الحمد للَّه
قد أحسنتِ حين شكوتِ أمر عمكِ إلى والدك ، فقد كان تصرفا حكيما يدل على عقل وخلق ودين ، نسأل الله تعالى أن يزيدك من فضله ويحفظك بحفظه ، ولكن لا تعجلي في الحكم على والدك بالكراهة ، أو التشكك في حرصه على حفظك ورعايتك .
نعم الواجب عليه أن يكون أكثر صرامة مع أخيه الذي تكرر منه التحرش ، وأقل ما جب عليه فعله هو عدم السماح له بالمبيت في منزلكم ، وعدم استئمانه على بيته وأهله وعرضه ، بل عدم السماح له بزيارتكم ورؤيتكم ، والغيرة الشرعية تقتضي منه توعد أخيه بقطع العلاقة معه ، فالأولاد أمانة في عنق والدهم ، وهو مسؤول عن حفظ ورعاية هذه الأمانة .
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( أَلَا كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكُم مَسئُولٌ عَن رَعِيَّتِهِ ... وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهلِ بَيتِهِ وَهُوَ مَسئُولٌ عَنهُم ) رواه البخاري ( 2554 ) ومسلم ( 1829 ) .
ولكن قد يقصر بعض الآباء في ذلك بسبب قلة الوعي وسوء تقدير للأمور ، أو لثقة زائدة في أخيه ، أو شعور بأن أخاه قد تاب وندم ، وأن تحرشه إنما كان زلة .(/1)
فلا تتعجلي في اتهام والدك والظن بإهماله عرضه وعرض بناته ، وتجاوزي ذلك بمصارحته ومحاورته والاستعانة بالوالدة والإخوان ، وحاولي إقناعه بخطورة الأمر وأنه لا ينبغي التساهل فيه ، خاصة وأنه قد اتخذ موقفا من أخيه ، لكنه رد فعل ضعيف كما وصفته أنت في السؤال ، وهو على كل حال يدل على حرص من والدك ولو إلى حد ما .
فإن أراد أن يمنح أخاه فرصة أخيرة فلا يكون ذلك بالإذن له بالمبيت عندكم ، فإن في ذلك إعانة للشيطان عليه ، بل يكون بالبعد عنكم وعن مخالطتكم ، وإن أراد أن يبقى على اتصال به فليكن بينهما دون أن يكون لكم أنتم أهل بيته شأن في الموضوع .
فإن أصر والدك – لا قدر الله – على اختلاط أخيه بكم ، والتوسعة له في منزلكم ، فلا يجوز لك السكوت والرضا حينئذ ، ويجب أن تتحلي بالقوة والشجاعة كي تشكي أمر والدك لأقرب الناس إلى أسرتكم ممن ترين فيه الدين والخلق والحكمة ، واستعيني بهم على حل المشكلة التي تواجهين ، ولا بد أن تجدي من يتفهم الموقف ويكون خير معين لك إن شاء الله .
وعليك أنت خلال ذلك المحافظة على الحجاب الشرعي الكامل ، فإن كثيرا من حالات التحرش بين المحارم يكون سببها التساهل في كشف العورات أمامهم ، فتجد الفتاة تلبس اللباس الضيق جدّاً ، وتكشف ساقيها وذراعيها وأكثر من ذلك ، بدعوى أنها تجلس مع محارمها ، وهي لا تدري أن الشيطان يسول للنفس كل محرَّم ، وأن المحرَم قد يفتن بما يراه من محاسن محارمه ، خاصة إذا كان شابّاً عزباً .
وعليك الابتعاد عن المكان الذي يراك فيه عمك هذا ، وقطع العلاقة به تماما ، فلا تجلسي في مجلس يكون فيه ، ولا تلقي عليه السلام ، وإن وجدت بيتا من بيوت محارمك من أصحاب الخلق والدين فاخرجي إليه حتى يخرج عمك السيء من منزلكم .(/2)
بل إننا ننبهك هنا إلى مسألة مهمة ، في حال عدم تصرف التصرف المناسب أمام تلك المشكلة ، وعدم مبالاته بالتصرف الشائن لهذا الأخ الخائن ؛ ننبهك إلى أنه سوف يكون عليك أن تتحملي مسئولية كبيرة تجاه نفسك ودينك ، مسئولية في تعويض ذلك المقدر المفتقد من غيرة والدك ، وحسن قوامته عليك ، ورعايته لك ، خاصة فيما يتعلق بأمر الدين والفضيلة ، والحفاظ على حجابك ، والبعد عن الاختلاط والخلوة المحرمة .
والله سبحانه وتعالى مطلع على حالك ، ويعلم أنك تحبين الفضيلة وتكرهين الرذيلة ، وأنك تجاهدين في سبيل درء كل فتنة ، وسيكتب لك أجرك إن شاء الله تعالى كاملا موفرا غير منقوص .
قال سبحانه وتعالى : ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الأحزاب/35 .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
84849
العنوان:
هل يتزوج من تطلقت لأجله ؟
السؤال:
أنا رجل متزوج منذ 13 سنة ، وعندي ثلاثة أولاد ، منذ حوالي سنتين وأنا منفصل عن فراش زوجتي ، علاوة على أن زوجتي أصبحت سمينة جدّاً ، ولا تهتم بنفسها !!
تعرفت منذ سنة ونصف على امرأة متزوجة ، ووقعت هذه المرأة في حبي الشديد ، لدرجة أنها تركت زوجها وطفلتيها وتطلقت ، منذ طلاقها وهي ملتصقة بي التصاقاً شديداً ، حتى إنها قدمت من بلدها لتزورني هنا وتقيم معي لعدة أيام ( عائلتي موجودة في بلد آخر ) ، تتصل بي يوميّاً وعن طريق الإيميل ، اتفقنا مرات كثيرة على الزواج ، ولكنني أتراجع في كل مرة خوفا على أولادي وبيتي من الهدم ، ولكن بنفس الوقت فأنا أشفق عليها جدّاً ؛ لأنها ضحت بحياتها وبناتها من أجل سعادتنا معا ( رغم أنني لم أطلب منها الطلاق ) ، أريد أن أتزوج هذه المرأة ، ولكنني بنفس الوقت لا أستطيع نسيان أنها كانت زوجة لرجل قبلي وكانت تمارس معه الجنس ، أنا الآن ملتزم دينيّاً منذ رمضان ، ولا أفوِّت أي فرض صلاة في المسجد ، وأقرأ القرآن ، وأتصدق ، وأخلاقي أصبحت ممتازة مقارنة بما كانت عليه ، وأيضا هي أصبحت ممتازة جدّاً ، أخاف من الله أن أكون قد تسببت بهدم حياتها الأولى ، وأريد أن أعيش معها كزوجة ثانية ، ولكني أخاف على بيتي وأولادي من الهدم ، وأخاف أن لا أنسى زواجها الأول
أرجوكم أرشدوني ، فتأنيب الضمير يقتلني ، ويفسد علي عبادتي ، علما أنني قادر ماديّاً على الزواج .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
عجيب أمر تلك النفوس التي تأبى إلا سلوك سبيل الردى والهلاك .
وغريب حال تلك النفوس التي تتخبط في كل واد في سبيل تحصيل لذة فانية ، أو سعادة متوهمة .
فمن رزقه الله سبحانه بيتا وأولاداً ؛ ثم لا يقنع بعد ذلك إلا بإفساد بيوت الناس وهدم سعادتهم ، فليت شعري ؛ عن أي سعادة يبحث ، وفي أي سبل الأهواء يسير ؟!(/1)
ثم ها أنت ذا ، أيها السائل الكريم ، لم تعد ترى من زوجك وأم أولادك إلا أنها أصبحت سمينة جدا ، ولا تهتم بنفسها !!
فيا عجبا كل العجب ، من الشيطان حين يزين للإنسان ما حرم الله عليه ، ويصده عما أحله الله له بكل سبيل !!
ولمن تعتني زوجك بنفسها ، وأنت قد هجرت فراشها من زمن طويل ، ثم لم تكتف بذلك حتى صرت تسكن ببلد ، وزوجك وأولادك ببلد آخر ؟!!
أهكذا تكون البيوت ؟!! أم هكذا يكون قيامك بشأن أسرتك ورعيتك التي استرعاك الله عليها ؟!!
وإذا قدر أن رجلا لم تكفه زوجته الأولى ، أو قصرت في بعض شأنه ، فقد أوسع الله علينا – نحن المسلمين – فأباح لنا أربعا من الزوجات ، تقوم الواحدة منهن بإكمال نقص الأخرى ، في مقابل قيام الزوج على أمورهن وأمور أبنائهن والعدل بينهن .
فسد حاجة النفس لا يكون بالنظر إلى ما من الله به على بعض الناس ، أو فضلهم به علينا ، من زوجة أو أولاد أو أموال : ( وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً) النساء/32 .
وإذا كان الله تعالى قد من الله علينا من الحلال بما فيه الكفاية ، فما حاجتنا إلى سبل الغواية في إعفاف النفس وسد حاجاتها ؛ اللهم إلا أن يكون كل هم المرء أن يجري خلف الشهوات المسعورة ؟!!
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ) . رواه أبو داود ( 2175 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .(/2)
وروى أبو داود ( 5170 ) – أيضاً - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي – رحمه الله - :
( مَن خبَّب ) : بتشديد الباء الأولى ، أي : خدع وأفسد .
( امرأة على زوجها ) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته ، أو محاسن أجنبي عندها .
" عون المعبود " ( 6 / 159 ) .
وقال :
( مَنْ خَبَّب زوجة امرئ ) : أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك .
" عون المعبود " ( 14 / 52 ) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن إمام المسلمين : خبب امرأة على زوجها حتى فارقته وصار يخلو بها ، فهل يُصَلَّى خلفه ؟ وما حكمه ؟ .
فأجاب :
في المسند عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها أو عبدا على مواليه ) فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة ، وهو من فعل السحرة ، وهو من أعظم فعل الشياطين ، لا سيما إذا كان يخببها على زوجها ليتزوجها هو ، مع إصراره على الخلوة بها ، ولا سيما إذا دلت القرائن على غير ذلك ، ومثل هذا لا ينبغي أن يولى إمامة المسلمين إلا أن يتوب ، فان تاب تاب الله عليه ، فاذا أمكن الصلاة خلف عدل مستقيم السيرة فينبغى أن يصلى خلفه ، فلا يصلَّى خلفَ من ظَهَرَ فجوره لغير حاجة ، والله أعلم .
" مجموع الفتاوى " ( 23 / 363 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :(/3)
وقد لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم من فعل ذلك ، وتبرأ منه ، وهو من أكبر الكبائر ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قد نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه وأن يستام على سومه : فكيف بمن يسعى بالتفريق بينه وبين امرأته وأمته حتى يتصل بهما ، وعشاق الصور ومساعدوهم من الديثة لا يرون ذلك ذنبا ؛ فإن في طلب العاشق وصل معشوقه ومشاركة الزوج والسيد ففي ذلك من إثم ظلم الغير ما لعله لا يقصر عن إثم الفاحشة إن لم يربُ عليها ، ولا يسقط حق الغير بالتوبة من الفاحشة ، فإن التوبة وإن أسقطت حق الله فحق العبد باق ، له المطالبة به يوم القيامة ، فإنَّ ظُلْمَ الزوج بإفساد حبيبته والجناية على فراشه أعظمُ مِن ظلمه بأخذ ماله كله ، ولهذا يؤذيه ذلك أعظم مما يؤذيه بأخذ ماله ، ولا يعدل ذلك عنده إلا سفك دمه ، فيا له من ظلم أعظم إثما من فعل الفاحشة ، فإن كان ذلك حقّاً لغازٍ في سبيل الله وقف له الجاني الفاعل يوم القيامة ، وقيل له : خذ من حسناته ما شئت ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم قال : فما ظنكم ؟! أي : فما تظنون تبقى له من حسناته ، فإن انضاف إلى ذلك أن يكون المظلوم جاراً ، أو ذا رحم محرم : تعدد الظلم ، وصار ظلما مؤكدا لقطيعة الرحم وأذى الجار ، ولا يدخل الجنة قاطع رحم ، ولا من لا يأمن جاره بوائقه .
" الجواب الكافي " ( ص 154 ) .
وإفساد الزوجة على زوجها ليس فقط بأن تطلب منها الطلاق ، بل إن محاولة ملامسة العواطف والمشاعر ، والتسبب في تعليقها بك أعظم إفساد ، وأشنع مسعى يمكن أن يسعى به بين الناس .
نعم – أخي السائل – لقد أتيت أمرا عظيما حين تعرفت على تلك المرأة واتصلت بها حتى هدمت أسرتها ، كما أتت هي أيضا أمرا عظيما حين تعلقت بغير زوجها ، حتى طلبت منه الطلاق ، فخربت بيتها بيدها ، وسألت ما لا يحل لها .(/4)
عن ثوبان رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امرَأَةٍ سَأَلَت زَوجَهَا طَلَاقًا فِي غَيرِ مَا بَأسٍ فَحَرَامٌ عَلَيهَا رَائِحَةُ الجَنَّةِ ) .
رواه الترمذي ( 1187 ) وأبو داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
ونحن إنما نرجو بهذا العتاب الشديد أن يقذف الله في قلب كل من يقرأ هذا الجواب فظيع عاقبة التعدي على الحرمات ، والتساهل في أمور الاتصال بالجنس الآخر والحديث إليه ، وقد أشرنا مرارا إلى كلام أهل العلم في تحريم ذلك .
انظر ( 26890 ) ، ( 52768 ) ، ( 66266 ) ، ( 59907 ) .
كما نرجو أن يكون ذلك حافزاً لكما على إخلاص التوبة لله تعالى ، والإنابة إليه ، وسؤال المغفرة منه سبحانه على ما فات ، وأخيرا رد المظالم إلى أهلها .
واعلم – أخي الكريم – أن الله سبحانه يقبل التوبة عن عبادة إذا صدقوا بها ، وأن باب رحمته مفتوح لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها ، بل كثيرا ما يكون العبد بعد المعصية والتوبة خيرا منه قبلها .
يقول سبحانه وتعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) الزمر/53-54 .
ويقول عز وجل : ( إنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) البقرة/222 .
ثانياً :
من شروط التوبة الصادقة رد المظالم إلى أهلها ، فإن المؤاخذة لا تسقط حتى ترجع المظلمة ويأخذ المظلوم حقه في الدنيا قبل الآخرة .(/5)
فالواجب على تلك المرأة الرجوع إلى بيتها ، ومحاولة الاعتذار إلى زوجها السابق عن طريق بعض المقربين منهما ، ولو رفع الأمر إلى القاضي لما أجاز أي عقد على تلك المرأة حتى تتوب وترجع إلى زوجها .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 5 / 251 ) :
وقد صرّح الفقهاء بالتّضييق عليه وزجره ، حتّى قال المالكيّة بتأبيد تحريم المرأة المخبّبة على من أفسدها على زوجها معاملةً له بنقيض قصده ، ولئلاّ يتّخذ النّاس ذلك ذريعةً إلى إفساد الزّوجات . انتهى .
والزواج الذي يبدأ بمعصية الله تعالى لن يوفق في الغالب ، وسينقلب نقمة على صاحبه .
فإذا عفا الزوج وسامح فالحمد لله ، فإن رفض ولم يقبل إرجاع زوجته ، فلا حرج عليكما أن تتزوجا حينئذ ، مع استشعار الندم وسؤال الله تعالى العفو والمغفرة .
وجمهور العلماء يرون صحة عقد من أفسد على رجل زوجته حتى طلقها ثم تزوجها هو ، رغم إثم التخبيب – وهو القول الراجح - ، وخالف في ذلك بعض أهل العلم من المالكية والحنابلة فأبطلوا العقد .
ففي " الإقناع " ( 3 / 181 ) – وهو من كتب الحنابلة - :
وقال في رجل خبب امرأة على زوجها : يعاقب عقوبة بليغة ، ونكاحه باطل في أحد قولي العلماء في مذهب مالك وأحمد وغيرهما ، ويجب التفريق بينهما . انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 11 / 19 ، 20 ) :
انفرد المالكيّة بذكرهم الحكم في هذه المسألة ، وصورتها : أن يفسد رجل زوجة رجل آخر ، بحيث يؤدّي ذلك الإفساد إلى طلاقها منه ، ثمّ يتزوّجها ذلك المفسد .
فقد ذكروا أنّ النّكاح يفسخ قبل الدّخول وبعده بلا خلاف عندهم ، وإنّما الخلاف عندهم في تأبيد تحريمها على ذلك المفسد أو عدم تأبيده ، فذكروا فيه قولين :
أحدهما - وهو المشهور - : أنّه لا يتأبّد ، فإذا عادت لزوجها الأوّل وطلّقها ، أو مات عنها جاز لذلك المفسد نكاحها .(/6)
الثّاني : أنّ التّحريم يتأبّد ، وقد ذكر هذا القول يوسف بن عمر كما جاء في شرح الزّرقانيّ ، وأفتى به غير واحد من المتأخّرين في فاس .
هذا ومع أنّ غير المالكيّة من الفقهاء لم يصرّحوا بحكم هذه المسألة ، إلاّ أنّ الحكم فيها وهو التّحريم معلوم ممّا سبق في الحديث المتقدّم . انتهى .
وفي " كتب أئمة الدعوة النجدية " ( 7 / 89 ) :
سئل الشيخ عبد الله بن الشيخ محمد - رحمهما الله - : عن رجل خبب امرأة على زوجها وتزوجها ؟ .
فأجاب :
نكاح الثاني الذي خببها على زوجها : باطل ، ويجب أن يفارقها ؛ لأنه عاص لله في فعله ذلك. انتهى .
ونرجو لكَ ، بحسن توبتك وصدقك مع الله تعالى أن يوفقك إن تزوجت هذه المرأة ، إذا بدأت أولا بمحاولة إصلاح ما أفسدت من شأنها مع وزجها الأول .
وأما أنها كانت زوجة لغيرك ، وكان بينهما ما يكون بين المرء وزوجه ، فهذا هاجس لا قيمة له في واقع الأمر ؛ فالذي يأنف الحر منه أن تكون امرأة لوثت نفسها بعشرة في الحرام ، وأما ما أحله الله له لعباده وشرعه لهم ، فلا وجه للأنفة منه !!
قال الله تعالى : ( عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَاراً) (التحريم:5) ؛ فجعل الله تعالى النعمة بزواج الثيب ، كالنعمة بزواج البكر .
ثم ما تخشاه من ضياع أولادك ، هو وارد في زيجة تفكر فيها ، بعد زواجك الأول ؛ والذي نرجوه أنك ، إذا تزوجت هذا المرأة أو غيرها ، ألا تبني بيتا جديدا على أنقاض بيتك الأول ، الذي فيه زوجك الأولى وأولادك ؛ بل الواجب على من أراد خوض تلك التجربة أن يكون عنده من الحكمة والكياسة ما يعينه على تدبير أمر بيته ، وسياسة رعيته ، وأن يكون عنده من العدل بين نسائه ، وإعطاء كل ذي حق حقه ، ما لا يبقي عليه تبعة لأحد ، ولا مظلمة يطلبه بها عند ربه .(/7)
قيل لرجل من العرب كان يجمع الضرائر: كيف تقدر على جمعهنّ؟
قال: كان لنا شبابٌ يصابرهنّ علينا، ثم كان لنا مالٌ يصبّرهنّ لنا، ثم بقي خلق حسن، فنحن نتعاشر به ونتعايش !! [ عيون الأخبار 1/396] .
ونسأل الله لنا ولكما العفو والتوفيق
والله أعلم(/8)
رقم السؤال:
84903
العنوان:
استعمال الفواكه والخضروات لعلاج مشاكل البشرة
السؤال:
أعمل في مجال البرامج التي تخص المرأة والأسرة ، في مجلة على الانترنت ، مع العلم أن كل تعاملي مع النساء ، وأجتهد في إدخال الدعوة إلى الله في هذه المواضيع . وهناك بعض المشكلات الصحية التي تشغل النساء ، من وجود حب الشباب في الوجه ، أو ما شابه ذلك ، مما قد يحتاج في علاجه استعمال الفواكه الطبيعية أو الخضار ؛ فهل علي شيء في ذلك ، مع العلم أنني أنبه في مواضيع الزينة أنها يجب أن تكون داخل المنزل ، وألا يطلع عليها إلا الزوج أو المحارم ، فهل عملي هذا جائز ؟!!
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكرت من التعامل مع النساء ، والمشاركة بالمواضيع النافعة لهن ، فلا حرج في ذلك ، بل يرجى لك الأجر والثواب على الدعوة إلى الله تعالى ونشر الخير بين الناس .
واستعمال الفواكه أو الخضروات في علاج بعض مشاكل البشرة ، لا حرج فيه ، بشرط عدم السرف .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ما نصه : " بعض صديقاتي يستعملن البيض والعسل واللبن في علاج النمش والكلف الذي يظهر في الوجه فهل يجوز لهن ذلك ؟
فأجاب : من المعلوم أن هذه الأشياء من الأطعمة التي خلقها الله عز وجل لغذاء البدن، فإذا احتاج الإنسان إلى استعمالها في شيء آخر ليس بنجس كالعلاج فإن هذا لا بأس به ؛ لقوله تعالى: ( هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ) فقوله تعالى: (لكم) يشمل عموم الانتفاع إذا لم يكن ما يدل على التحريم.
وأما استعمالها للتجميل فهناك مواد أخرى يحصل التجميل بها سوى هذه، فاستعمالها أولى.(/1)
وليعلم أن التجميل لا بأس به ، بل إن الله سبحانه وتعالى جميل يحب الجمال ، لكن الإسراف فيه حتى يكون أكبر هم الإنسان بحيث لا يهتم إلا به ، ويغفل كثيرا من مصالح دينه ودنياه من أجله، فهذا أمر لا ينبغي لأنه داخل في الإسراف، والإسراف لا يحبه الله عز وجل " انتهى نقلا عن "فتاوى المرأة" جمع محمد المسند ص 238
وكون هذه الوصفات قد تستفيد منها من تتبرج بزينتها ، لا يضرك ، ما دام قصدك متوجها لمن تستعملها على الوجه المباح .
وينبغي أن تستمري في التذكير بأن المرأة إنما تبدي زينتها داخل بيتها لزوجها ومحارمها .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
84907
العنوان:
تعرضت للاغتصاب وهي صغيرة ، وتريد الزواج الآن
السؤال:
أعاني من مشكلة نفسية واجتماعية فى نفس الوقت , حيث تعرضت في صغري لاغتصاب من أحد أقاربي ، أشك فى أنه أفقدني براءتي ، مما كان له أثر سيئ على نفسيتي ، فكنت أبكي كل ليلة وأنا نائمة لا يشعر بي أحد ، ثم في مرحلة الثانوية وما قبل الجامعة جاء إلى بيتنا شاب لدرس ، واعترف لي أنه يريد الزواج مني ، فصارحته بكل شيء ، فأجاب بأن هذا ماض وأنه مسامح ، ولا أخفي عليك ، فمنذ ذلك الحين نتحادث هاتفيّاً كل مدة ، وأهلي على علم بذلك ، وهو الآن فى العام الأخير من الجامعة ، فأريد أن أعرف هل ذلك حرام ؟ وهل أنا كذلك مستسلمة لقضاء الله ؟ وإن لم يكن كذلك فماذا أفعل ؟ .
أرجو النظر في مشكلتي وإفادتي .
وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قد لا يدرك المرء حقيقة الحكمة التي من أجلها ابتلاه الله تعالى في دنياه ، حتى يكون يوم القيامة ، فينكشف له ذلك المقام الرفيع الذي أعده الله تعالى له في الجنة إذا صبر واحتسب ، ويعلم حينئذ أن الله تعالى كان قد ابتلاه بفضله ، واختبره بحكمته .
عن جابر رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَوَدُّ أَهلُ العَافِيَةِ يَومَ القِيَامَةِ حِينَ يُعطَى أَهلُ البَلَاءِ الثَّوَابَ لَو أَنَّ جُلُودَهُم كَانَت قُرِّضَت فِي الدُّنْيَا بِالمَقَارِيضِ ) .
رواه الترمذي ( 2402 ) وحسنه الألباني في " السلسلة الصحيحة " ( 2206 ) .
ويبدو أنك – أختي الفاضلة – قد تجاوزت بحمد الله تلك الواقعة ، وتحملت آثارها النفسية ، بل وأرجو أن تكوني خرجت بنفسية أقوى ، وبروح أعلى وأذكى ، فإن في كل محنة منحة ، ووراء كل بلاء عافية ، ولا ينبغي للمرء أن يتأسف على ما فات ، ويستذكر الماضي الذي لن يرجع أبدا ، بل ينبغي أن يأخذ منه العبرة ليومه والتفاؤل لغده .(/1)
وفي قصتك درس للآباء الذين يتحملون مسؤولية أبنائهم أمام الله تعالى ، ألا يُسلِموهم لمواضع الردى بدعوى حسن الظن بالقرابة ، والحقيقة المؤسفة تقتضي أن نقول : إن كثيرا من حالات الاعتداء إنما تجيء من القرابة ، نسأل الله العافية .
وليست هذه دعوة لقطع الأرحام أو التشكك في الناس ، إنما هي دعوة للاحتفاظ بالحذر والاحتياط الذي يقتضيه الحال ، وعلى الوالدين تقدير ذلك الحذر من غير غلو ولا تفريط ، وقد جاءت شريعتنا بقاعدة عظيمة في ذلك ، هي قاعدة سد الذرائع ، بل جاءت الشريعة بأخذ الاحتياط بين الإخوة في البيت الواحد ، وذلك حين أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتفريق بينهم في المضاجع ، كما رواه أبو داود ( 495 ) وصححه الألباني .
قَالَ الْمُنَاوِيُّ رحمه الله : أَيْ فَرِّقُوا بَيْن أَوْلَادكُمْ فِي مَضَاجِعهمْ الَّتِي يَنَامُونَ فِيهَا إِذَا بَلَغُوا عَشْرًا حَذَرًا مِنْ غَوَائِل الشَّهْوَة ، وإن كُنّ أخواته . انتهى [ فيض القدير 5/531] .
قَالَ الطِّيبِيُّ رحمه الله : إنما جَمَعَ بَيْن الْأَمْر بِالصَّلَاةِ وَالْفَرْق بَيْنهمْ فِي الْمَضَاجِع فِي الطُّفُولِيَّة تَأْدِيبًا وَمُحَافَظَة لِأَمْرِ اللَّه كُلّه ... وَتَعْلِيمًا لَهُمْ َالْمُعَاشَرَة بَيْن الْخَلْق , وَأَنْ لَا يَقِفُوا مَوَاقِف التُّهَم فَيَجْتَنِبُوا محارم الله كلها . اِنْتَهَى . [ شرح مشكاة المصابيح 2/155] .
وفي قصتك درس للآباء ـ أيضا ـ : أن يتفقدوا أحوال أبنائهم ، ويُعَوِّدُوهم على مصارحتهم في كل ما يواجهون ، في المدرسة أو الشارع أو المنزل ، فإن كثيرا من الأطفال تصيبهم المصائب ، وتلحقهم الأمراض النفسية ، والوالدان في غفلة تامة عن أمرهم ، وقد كان يمكن للوالدين أن يخففا عن أبنائهم ما أصابهم ، ولكن ترك المصارحة الأسرية يولِّدُ حرجا عند الأبناء في الشكوى لآبائهم .(/2)
وأما ذلك القريب الظالم الفاجر المعتدي ، فقد استحق غضب الله وسخطه ومقته ، واستحق جهنم التي أعدها الله تعالى للظالمين المعتدين ، الذين يلبسون جلود الضأن على قلوب الذئاب ، وهو يظن أنه ينجو بفعلته ويلوذ بجريمته ، ولكنه لا يشعر أن الله تعالى يتربص به وبأمثاله ، حتى إذا أخذه فما له مِنَ الله مِنْ ناصر .
يقول الله تعالى : ( وَلاَ تَحْسَبَنَّ اللّهَ غَافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأَبْصَارُ ) إبراهيم/42 .
وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُملِي لِلْظَالِمِ ، فَإِذَا أَخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ ، ثُمَّ قَرَأَ : ( وَكَذَلِكَ أَخذُ رَبِّك إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ) . رواه مسلم ( 2583 ) .
قال النووي – رحمه الله - : " معنى ( يملي ) يمهل ويؤخر ويطيل له في المدة ... .
ومعنى ( لم يفلته ) : لم يطلقه ، ولم ينفلت منه " . " شرح مسلم " ( 16 / 137 ) .
ثانياً :
أنصحكِ بمراجعة الطبيبة المختصة للفحص ، فإن لم يكن ثمة أثر بسبب ما جرى معك ، وعلمت أنك ما زلت بكراً : فلا حاجة بعد ذلك لإخبار من يخطبك بما حصل معك ، بل يجب الستر على نفسك ونسيان ما مضى .
أما إن وَجَدَت الطبيبة غير ذلك : فيجب عليك إخبار من يتقدم لخطبتك ، حتى لا يظن السوء فيك وأنك قد غششتِيه ، والصدق منجاة ، والله سبحانه وتعالى مطلع على عباده ، ولن يخذل عباده الصادقين .
قال علماء اللجنة الدائمة :
يجب على الولي أن يبين للخاطب ما في المرأة المخطوبة من العيوب والأمراض إذا كان الزوج لا يعرف ذلك ؛ حتى يكون على بصيرة ؛ لأن في عدم إخباره بذلك غشّاً له ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا ) . " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 18 / 62 ) .
ثالثا :(/3)
أما ما ذكرتِ من شأن الشاب الذي عرض عليك أمر الزواج ، وأنت بدورك صَدَقتِيهِ القول وصارحتيه بما جرى معك في صغرك فتقبل ذلك ولم يعترض : فذلك من نِعَم الله تعالى عليك ، أَن هَيَّأَ لك من يعذركِ فيما حصل معكِ في صغرك ، ويستر عليك في أمر ظلمتِ فيه ، ويرغب في الاقتران بك بالطريق الذي شرعه الله ، فجزاه الله خيرا .
ولكنكما أخطأتما حين استمرت المحادثات بينكما ، قبل أن يتم الرابط الشرعي ، وقد كان بإمكانكما إتمام عقد الزواج الشرعي ، وتأخير الدخول إلى حين التخرج أو العمل ، أما أن تبقى الحال على ما هي عليه : فلا شك في حرمة ذلك ، إذ ليس بينكما علاقة شرعية ، وإنما هي إلى الآن أماني أو وعود بالزواج .
والواجب عليكما الوقوف عند الحكم الشرعي ، وأنه لا يجوز استمرار المحادثة بينكما حتى يتم العقد الشرعي ، فإن كان صادقا في وعده لك بالزواج : فسيستجيب لحكم الله ، ويسارع في إتمام العقد ، أو يقطع الاتصال حتى يتخرج ، فإن لم يستجب لحكم الله تعالى : فاحذري حينئذ ، فقد يكون ذئباً جديداً يسعى للتسلية وقضاء الوقت في محادثة الفتيات ، ويتخذ الوعود بالزواج وسيلة لتحقيق ما يريد ، وخاصة أنه قد علِم بحالك ، وقد تكون هذه فرصة له يسول له الشيطان بسببها أمراً منكَراً .
سئل الشيخ الفوزان - حفظه الله - :
مكالمة الخطيب لخطيبته عبر الهاتف ، هل هي جائزة شرعا أم لا ؟
فأجاب :
مكالمة الخطيب عبر الهاتف لا بأس به ، إذا كان بعد الاستجابة له ، وكان الكلام من أجل المفاهمة ، وبقدر الحاجة ، وليس فيه فتنة ، وكون ذلك عن طريق وليها : أتم وأبعد عن الريبة .(/4)
أما المكالمات التي تجري بين الرجال والنساء وبين الشباب والشابات ، وهم لم تجرِ بينهم خطبة ، وإنما من أجل التعارف - كما يسمونه - : فهذا منكر ، ومحرَّم ، ومدعاة إلى الفتنة ، والوقوع في الفاحشة ، يقول الله تعالى : ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ) الأحزاب/32 .
فالمرأة لا تكلم الرجل الأجنبي إلا لحاجة ، وبكلام معروف لا فتنة فيه ولا ريبة ، وقد نص العلماء على أن المرأة المحرمة تلبي ولا ترفع صوتها ، وفي الحديث ( إِنَّمَا التَّصْفِيقُ للنِّسَاءِ ) - رواه البخاري ( 1218 ) ومسلم ( 421 ) - مما يدل على أن المرأة لا تُسمع صوتها الرجال إلا في الأحوال التي تحتاج فيها إلى مخاطبتهم مع الحياء والحشمة .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 604 - 605 ) .
وقد سبق في موقعنا بعض الإجابات التي تبين حكم المحادثة بين الجنسين ، ومنها : أجوبة الأسئلة : ( 7492 ) ، ( 13791 ) ، ( 26890 ) ، ( 45668 ) ، ( 66266 ) ، ( 82702 ) .
نسأل الله تعالى أن يحفظك ويوفقك ويرزقك الرضى والسعادة .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
84912
العنوان:
أخطاء تمنع من قبول الدعاء
السؤال:
هناك أخطاء كثيرة تقع في الدعاء تمنع من قبول الدعاء فما هي هذه الأخطاء ؟
الجواب:
الحمد لله :
الأخطاء في الدعاء كثيرة جداً وأكثرها داخل تحت باب الاعتداء في الدعاء ومنها :-
1- اشتمال الدعاء على الشرك بالله كدعاء غير الله معه من بشر أو شجر أو قبر لأن الدعاء عبادة وصرفه لغير الله شرك والشرك أعظم ذنب عصي الله به وفي الحديث :" أي الذنب عند الله أعظم ؟ قال : أن تجعل لله نداً وهو خلقك ". رواه البخاري ومسلم .
2- أن يشتمل الدعاء على شيء من التوسلات المبتدعة ، كالتوسل بذات النبي صلى الله عليه وسلم أو بجاهه . والدين مبنيٌّ على الاتباع لا على الابتداع .
3- تمني الموت من أجل بلاء نزل به ، ففي الحديث عن خباب رضي الله عنه قال : " لولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهانا عن تمني الموت لدعوت به ". رواه البخاري (6350) ومسلم (2681).
وفي الحديث : " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان لا بد متمنياً فليقل : اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي ، وتوفني ما كانت الوفاة خيراً لي ". رواه البخاري(6351) ومسلم (2680).
4- الدعاء بتعجيل العقوبة ، والأولى أن يسأل الله السلامة في الدارين ، ولمَّا رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً من المسلمين قد ضعف حتى صار مثل الفرخ قال له : " هل كنت تدعو بشيء أو تسأله إياه ؟ قال : نعم ، كنت أقول : اللهم ما كنت معاقبي به في الآخرة فافعله في الدنيا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : سبحان الله ! لا تطيقه أو لا تستطيعه ، أفلا قلت : " اللهم آتنا في الدنيا حسنة ، وفي الآخرة حسنة ، وقنا عذاب النار " ؟ فدعا الله له فشفاه " رواه مسلم (1688).(/1)
5- الدعاء على الأهل والمال وفي الحديث : " لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير ، ولا تدعوا على أولادكم ، ولا تدعوا على أموالكم ، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم " رواه مسلم (3009) .
6- الدعاء بقطيعة الرحم كأن يدعو على أحد بأن يفرق بينه وبين زوجه أو أقاربه .
7- الدعاء بتحجير الرحمة كأن يقول : اللهم انزل الغيث على بلادنا خاصة ونحو ذلك .
8- ترك الأدب في الدعاء مع الله بأن يدعو بما لا يليق . قال الخطابي : " ولا يحسن أن يقال : يا رب الكلاب ويا رب القردة والخنازير.. وإن كانت جميع المكونات إليه من جهة الخلق لها ، والقدرة عليها شاملة لجميع أصنافها . شأن الدعاء (153).
فاللائق بالعبد حال دعائه بربه أن يتأدب غاية ما يمكنه وأن يجتنب ما لا يليق فإن المقام مقام ذل وخضوع .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يبالغ في ثنائه على ربه في دعائه حتى إنه أظهر العجز والانقطاع عن الوصول إلى غاية مدحه فقال : " وأعوذ بك منك لا نحصي ثناء عليك".
9- أن يعتمد على غيره في الدعاء :
فتجد من الناس من لا يدعو الله بنفسه بحجة أنه مذنب ، فتجده دائماً يطلب من غيره الدعاء ، وهذا وإن كان جائزاً في الجملة إلا أن فيه محاذير . ولهذا فعلى العبد أن يكثر من الدعاء ويحسن الظن وينظر إلى عظيم جوده وكرمه مهما كان متمادياً في المعصية فإن رحمة الله سبحانه تَسَعُه ، فإذا كان الله سبحانه يجيب دعاء المشركين عند الاضطرار فإن إجابته للمؤمنين مع تقصيرهم من باب أولى.
وجاء رجل إلى مالك بن دينار فقال : أنا أسألك بالله أن تدعو لي ، فأنا مضطر . قال :" إذاً فاسأله فإنه يجيب المضطر إذا دعاه" الجامع لأحكام القران (13/223).
10- اليأس وقلة اليقين من إجابة الدعاء فبعض الناس إذا أصيب بمرض عضال يغلب على الظن أنه لا يبرأ يدع الدعاء ويترك اللجوء إلى الله وربما ألقى الشيطان في روعه أن الدعاء لا داعي له .(/2)
وهذا من أعظم الأخطاء وهو جهل بالله وقدرته وجميل إحسانه ، فهو سبحانه على كل شيء قدير ، يقول للشيء إذا أراده كن فيكون .
وقد دعا زكريا عليه السلام وهو شيخ كبير وامرأته عاقر طالباً الذرية : ( رب هب لي من لدنك ذرية طيبة إنك سميع الدعاء ) فأجاب الله دعاءه : (فنادته الملائكة وهو قائم يصلي في المحراب أن الله يبشرك بيحيى...) فلا تيأس من روح الله ، ولا تحجر رحمة الله سبحانه .
11- المبالغة في رفع الصوت خاصة مع وجود مكبرات الصوت فربما سمعت أصوات الداعين من مكان بعيد وهو خطأ واعتداء وباب من أبواب الرياء والأولى رفع الصوت بقدر ما يسمعه المصلون إذا كانوا يؤمنون وراءه .
12- الدعاء بـ : اللهم إني لا أسألك رد القضاء ولكن أسألك اللطف فيه ، وهو خطأ لأنه سبحانه شرع لنا أن نسأله رد القضاء ؛ لأن كل ما يصيب الإنسان من بلاء هو من القضاء .
وفي الدعاء المشهور : " وقني شر ما قضيت فإنك تقضي ولا يقضى عليك " وقال البخاري : " باب من تعوذ بالله من درك الشقاء وسوء القضاء " وقوله تعالى : ( قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ) ثم ذكر قوله صلى الله عليه وسلم : " تعوذوا بالله من جهد البلاء ودرك الشقاء وسوق القضاء" رواه البخاري (7/215).
13- إطالة الدعاء في القنوت ، والدعاء بما لا يناسب المقصود ، وخاصة في النوازل فإن القنوت عند النوازل إنما يشرع للدعاء لقوم أو الدعاء على آخرين ، قال ابن تيمية رحمه الله تعالى - : " وينبغي للقانت أن يدعو عند كل نازلة بالدعاء المناسب لتلك النازلة .." الفتاوى 22/271.
وقال : " فالسنة أن يقنت عند النازلة ويدعو فيها بما يناسب أولئك القوم المحاربين." الفتاوى 21/155.
فهذه بعض الأخطاء التي ترتكب في الدعاء ، نسأل الله تعالى أن يلهمنا رشدنا ، ويوفقنا للصواب في القول والعمل .(/3)
رقم السؤال:
84945
العنوان:
تقدم لخطبتها مهندس يعمل في أحد البنوك فهل تقبله
السؤال:
تقدم لخطبتي شخص خريج هندسة معمارية ، ويعمل في قسم الإدارة الهندسية في أحد البنوك المتخصصة في بناء الشقق والبنايات الفاخرة ، فهل أقبله أم أرفضه ؟
الجواب:
الحمد لله
ينبغي أن تحرص المرأة على اختيار الزوج الصالح المستقيم ، الذي يراقب الله تعالى فيها ، ويطعمها وأولادها من الحلال ، ويجنبهم الحرام .
ولهذا فنحن نشكرك على هذا السؤال الذي يدل على اهتمامك بهذا الأمر ، ونقول : إن كان البنك الذي يعمل فيه هذا الشخص بنكا ربويا ، يقوم تسويقه للشقق والبنايات على الربا ، فلا يجوز العمل فيه ، ولا إعانته على مشاريعه بأي وجه من الإعانة .
وكذلك لا يجوز العمل في بناء شقق أو أماكن للمعصية ، كأماكن اللهو الباطل ، أو صالات القمار ، أو بنوك الربا ونحو ذلك .
وينبني على ذلك مسألة قبول هذا الخاطب أو رفضه ، فإن كان عمله مباحا ، وكان مرضي الدين والخلق ، فاقبلي به ، وإن كان عمله محرما ، أو كان غير مرضي الدين والخلق ، فلا تقبليه ، لما يترتب على الزواج منه من مضار تعود عليك وعلى أولادك .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
84975
العنوان:
مزاولة التمارين الرياضية في قاعة بها موسيقى
السؤال:
ما حكم مزاولة التمارين الرياضية في قاعة فيها موسيقى ؟ مع العلم أنني نصحت المسئولين ولم يعملوا بالنصيحة , وبدأت الآن أضع سماعات جهازmp3 أثناء التمارين ؟
الجواب:
أولا :
لا يجوز استماع الموسيقى ، في قاعة الرياضة أو غيرها ؛ للأدلة الكثيرة في تحريم استماع آلات اللهو ، وانظر جواب السؤال رقم (5000) .
ثانيا :
وجود الموسيقى في قاعة التمرين منكر يجب إنكاره ، ولا يكفي في ذلك وضع سماعات في الأذن ، لحجب الصوت أو الانشغال بسماع شيء آخر مباح ، بل إذا لم يُجد الإنكار باللسان بقي الإنكار بالقلب ، وهذا لا يتم إلا بمفارقة المنكر ، والخروج من محلّه ما دام الإنسان قادرا على ذلك .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَراً فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِن لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ ) رواه مسلم (49).
ومما يدل على وجوب مفارقة محل المنكر : قوله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) النساء/140.
قال القرطبي رحمه الله : " قوله تعالى: ( فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) أي غير الكفر. ( إنكم إذا مثلهم ) فدل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ( إنكم إذا مثلهم ) فكل من جلس في مجلس معصية ، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.(/1)
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه أخذ قوماً يشربون الخمر ، فقيل له عن أحد الحاضرين : إنه صائم ، فحمل عليه الأدب وقرأ هذه الآية : ( إنكم إذا مثلهم ) أي إن الرضا بالمعصية معصية .
وقال الجصاص في "أحكام القرآن" (2/407) : " وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله ، وأن من إنكاره إظهار الكراهة إذا لم يمكنه إزالته ، وترك مجالسة فاعله والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها " انتهى .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " والإنكار بالقلب فرض على كل واحد ، وهو بغض المنكر وكراهيته ، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان ؛ لقول الله سبحانه : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) الأنعام/68 . انتهى نقلا عن : "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (16/142).
والحاصل أن عليك إنكار هذا المنكر ، ونصح القائمين على هذه القاعة ، فإن استجابوا فالحمد لله ، وإن لم يستجيبوا فابحث عن قاعة غيرها ، ولا تشارك في الإثم والمعصية .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
84976
العنوان:
الدعاء لمن أحسن إليك بـ ( جزاك الله خيرا )
السؤال:
هل شكر من تأخذ منه المال بمثل : " جزاك الله خيرا " فيه محذور ؟
الجواب:
الحمد لله
الخلق الكريم يقتضي مكافأة من يؤدي إليك المعروف ، وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بهذا ، فقال : ( مَن صَنَعَ إِليكُم مَعرُوفًا فَكَافِئُوه ، فَإِن لَم تَجِدُوا مَا تُكَافِئُوا بِهِ فَادعُوا لَهُ حَتَّى تَرَوا أَنَّكُم قَد كَافَأتُمُوهُ ) رواه أبو داود (1672) وصححه الألباني .
وإحسان المكافأة يعني اختيار ما يدخل الفرح والسرور على صاحب المعروف ، فكما أنه أدخل على قلبك المسرة ، فينبغي أن تسعى لشكره بالمثل ، قال تعالى : ( هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ ) الرحمن/60 .
فإن قصرت الحيلة عن مكافأته بهدية ، أو مساعدة في عمل ، أو تقديم خدمة له ، ونحو ذلك ، فلا أقل من الدعاء له ، وقد يكون هذا الدعاء من أسباب سعادته في الدنيا والآخرة .
ومن أفضل صيغ الدعاء لمن أدى إليك معروفا ما جاءت به السنة :
فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صُنِعَ إِلَيْهِ مَعْرُوفٌ فَقَالَ لِفَاعِلِهِ : جَزَاكَ اللَّهُ خَيْرًا . فَقَدْ أَبْلَغَ فِي الثَّنَاءِ ) .
رواه الترمذي (1958) والنسائي في "السنن الكبرى" (6/53) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وقد ورد هذا الدعاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم في سياق حديث طويل وفيه قوله : ( وَأَنتُم مَعشَرَ الأَنصَارِ ! فَجَزَاكُمُ اللَّهُ خَيرًا ، فَإِنَّكُم أَعِفَّةٌ صُبُرٌ ) رواه ابن حبان (7277) والحاكم (4/79) وقال : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي ، وقال الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3096) : وهو كما قالا .
كما كانت هذه الجملة من الدعاء معتادة على ألسنة الصحابة رضوان الله عليهم :(/1)
جاء في مصنف ابن أبي شيبة (5/322) : قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : ( لو يعلم أحدكم ما له في قوله لأخيه : جزاك الله خيرا ، لأَكثَرَ منها بعضكم لبعض ) .
وهذا أسيد بن الحضير رضي الله عنه يقول لعائشة رضي الله عنها : ( جزاك الله خيرا ، فوالله ما نزل بك أمر قط إلا جعل الله لك منه مخرجا ، وجعل للمسلمين فيه بركة ) رواه البخاري (336) ومسلم (367) .
وفي صحيح مسلم ( 1823 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه ، وقالوا : جزاك الله خيرا . فقال : راغب وراهب ) . أي راغب فيما عند الله من الثواب والرحمة ، وراهب مما عنده من العقوبة .
ومعنى " جزاك الله خيرا" أي أطلب من الله أن يثيبك خيرا كثيراً .
"فيض القدير" (1/410) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (4/22) :
" والمكافأة تكون بحسب الحال ، من الناس من تكون مكافأته أن تعطيه مثل ما أعطاك أو أكثر ، ومن الناس من تكون مكافأته أن تدعو له ، ولا يرضى أن تكافئه بمال ، فإن الإنسان الكبير الذي عنده أموال كثيرة ، وله جاه وشرف في قومه إذا أهدى إليك شيئا فأعطيته مثل ما أهدى إليك رأى في ذلك قصورا في حقه ، لكن مثل هذا ادع الله له ، ( فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه ) ، ومن ذلك أن تقول له : ( جزاك الله خيرا ) ، وذلك لأن الله تعالى إذا جزاه خيرا كان ذلك سعادة له في الدنيا والآخرة " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
84977
العنوان:
حكم تأخير صلاتي الظهر والعصر بنحو ساعة من الوقت
السؤال:
أنا أعمل في شركة أهلية عدد الموظفين فيها حوالي 50 موظفاً تحين صلاة الظهر والعصر وأنا على رأس العمل والمشكلة أن الموظفين متفقون على تثبيت صلاة الظهر عند الساعة 12:45 والعصر 3:40 صيفا وشتاء بعذر أنه أفضل لتجميع الموظفين ، ومما لا يخفى عليكم أنه في بعض الأحيان يكون الفارق بين الأذان والإقامة أكثر من ساعة . وسؤالي هو ما هي مشروعية تثبيت وقت الإقامة وتأخير الصلاة لآخر وقت الجواز مع عدم وجود مانع غير انتظار الموظفين ؟ كذلك هل يجوز لي ترك جماعة الشركة وأداء الصلاة في وقتها لوحدي أو الصلاة بشخص أو شخصين جماعة في وقت الصلاة وعدم تأخيرها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في تأخير صلاتي الظهر والعصر إلى نحو ساعة من الأذان .
وبيان ذلك : أن وقت صلاة الظهر ممتد من زوال الشمس إلى دخول وقت العصر ، فكل هذا الوقت وقت لصلاة الظهر ، من غير كراهة لفعل الصلاة في أي جزء من أجزائه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَقْتُ الظُّهْرِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ) رواه مسلم (612) .
ولصلاة العصر وقتان : وقت اختيار ، وهو إلى اصفرار الشمس ، ووقت اضطرار ، وهو إلى غروب الشمس . وذلك لقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ ) رواه مسلم (612) ، فهذا وقت الاختيار ، وأما وقت الاضطرار فلقوله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَدْرَكَ مِنْ الْعَصْرِ رَكْعَةً قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَقَدْ أَدْرَكَ ) رواه مسلم (608) .
ومعنى "وقت الاختيار" أنه يجوز فعل الصلاة في أي جزء من أجزاء هذا الوقت من غير كراهة .
وتأخير الصلاة إلى نحو ساعة من الأذان لا يخرجها عن وقت الاختيار .(/1)
ولا حرج عليك إن صليت في أول الوقت ، على أن يكون ذلك جماعةً ، أما إذا كنت ستصلي منفردا ، فإن الأفضل الانتظار حتى تؤديها جماعة .
والأفضل تعجيل الصلاة في أول وقتها ، لكن إذا كان تأخيرها يناسب اجتماع الموظفين وتهيأهم لها ، فلا حرج في ذلك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
84978
العنوان:
هل يجوز أن يسأل الله مبلغا معينا من المال
السؤال:
هل يجوز أن يقول الإنسان في دعائه : اللهم ارزقني عدد كذا من الريالات (1000) ريال مثلا؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز للإنسان أن يسأل ربه حاجة من حوائج الدنيا ، من مال أو زوجة ونحو ذلك ، كما روى الترمذي (3973) ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لِيَسْأَلْ أَحَدُكُمْ رَبَّهُ حَاجَتَهُ كُلَّهَا حَتَّى يَسْأَلَ شِسْعَ نَعْلِهِ إِذَا انْقَطَعَ ) وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح .
والأفضل أن يقرن هذا بطلب النفع والبركة والعون على الطاعة ، كأن يقول : اللهم ارزقني مالا صالحا أو طيبا ، وبارك لي فيه ، واجعله عونا على طاعتك وبلاغا لمرضاتك ، أو يقول : اللهم أغنني بحلالك عن حرامك ، أو ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة ، فإن المال قد يكون فتنة وبلاء ونقمة .
ومن أدعية النبي صلى الله عليه وسلم ما رواه ابن ماجه (925) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ إِذَا صَلَّى الصُّبْحَ حِينَ يُسَلِّمُ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ عِلْمًا نَافِعًا وَرِزْقًا طَيِّبًا وَعَمَلًا مُتَقَبَّلًا). وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى الترمذي (3500) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ سَمِعْتُ دُعَاءَكَ اللَّيْلَةَ فَكَانَ الَّذِي وَصَلَ إِلَيَّ مِنْهُ أَنَّكَ تَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي وَوَسِّعْ لِي فِي دَارِي وَبَارِكْ لِي فِيمَا رَزَقْتَنِي قَالَ فَهَلْ تَرَاهُنَّ تَرَكْنَ شَيْئًا . والحديث حسنه الألباني في صحيح الجامع برقم 1265
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
84982
العنوان:
الزنا بالمحارم أعظم إثما وجرما
السؤال:
ما هو حد زنا المحارم ؟ وهل هناك توبة منه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الزنى بذوات المحارم أعظم إثما من الزنى بغير المحارم ، لما فيه من القطيعة والأذى والاعتداء على الرحم المأمور بصلتها ، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الزاني بالمحارم يقتل مطلقا ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، وهي رواية عن أحمد رحمه الله . والجمهور على أنه يحد حد الزاني ، فيرجم المحصن ، ويجلد غير المحصن مائة جلدة ، وإن كان إثمه أعظم .
وقال في "مطالب أولي النهى" (6/181) : " وزان بذات محرم كأخته كزان بغيرها ; لعموم الأخبار وعنه ; أي : الإمام أحمد : يقتل زان بذات محرم بكل حال أي : محصنا كان أو لا , قيل له : فالمرأة ؟ قال : كلاهما في معنى واحد . والمذهب ما تقدم ( يعني أن الزنا بذات المحرم كغيرها ) " انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله عن وطء الأم والبنت والأخت : " فإن النفرة الطبيعية عنه كاملة ، مع أن الحد فيه من أغلظ الحدود في أحد القولين وهو القتل بكل حال محصنا كان أو غير محصن ، وهذه إحدي الروايتين عن الإمام أحمد ، وهو قول إسحاق بن راهويه وجماعة من أهل الحديث . وقد روى أبو داود من حديث البراء بن عازب قال : لقيت عمى ومعه الراية فقلت له : إلى أين تريد ؟ قال بعثني رسول الله إلى رجل نكح امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله . [ صححه الألباني في إرواء الغليل (2351) ] .
وفي سنن أبي داود وابن ماجه من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من وقع على ذات محرم فاقتلوه ) . [ ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5524) ] .(/1)
..... وقد اتفق المسلمون على أن من زنا بذات محرم فعليه الحد ، وإنما اختلفوا في صفة الحد هل هو القتل بكل حال أو حده حد الزاني ؟ على قولين ، فذهب الشافعي ومالك وأحمد في إحدى روايتيه إلى أن حده حد الزاني ، وذهب أحمد وإسحق وجماعة من أهل الحديث إلى أن حده القتل بكل حال " انتهى من "الجواب الكافي" ص (270) باختصار .
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول بقتل الزاني بذات المحرم بكل حال .
قال : " وظاهر كلام المؤلف أنه لا فرق بين الزنا بذوات المحارم وغيرهم ، ولكن بذوات المحارم فيه القتل بكل حال ، لحديث صحيح ورد في ذلك ، واختار ذلك ابن القيم في كتاب الجواب الكافي على أن الذي يزني بذات محرم منه فإنه يقتل بكل حال .
مثلا : لو زنى بأخته والعياذ بالله أو بعمته أو خالته أو أم زوجته أو بنت زوجته التي دخل بها ، وما أشبه ذلك فإنه يقتل بكل حال ؛ لأن هذا الفرج لا يحل بأي حال من الأحوال ، لأنه من محارمه ، ولأن هذه فاحشة عظيمة , وورد في ذلك أيضا حديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم في قتل من أتى محرما من محارمه ، وهو رواية عن أحمد ، وهي الصحيحة أن من زنى بذوات المحارم يقتل ولو كان غير محصن " انتهى من "الشرح الممتع" (6/132) ط. هجر.(/2)
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (24/20) : " يتفاوت إثم الزنى ويعظم جرمه بحسب موارده . فالزنى بذات المحرم أو بذات الزوج أعظم من الزنى بأجنبية أو من لا زوج لها , إذ فيه انتهاك حرمة الزوج , وإفساد فراشه , وتعليق نسب عليه لم يكن منه , وغير ذلك من أنواع أذاه . فهو أعظم إثما وجرما من الزنى بغير ذات البعل والأجنبية . فإن كان زوجها جارا انضم له سوء الجوار . وإيذاء الجار بأعلى أنواع الأذى , وذلك من أعظم البوائق , فلو كان الجار أخا أو قريبا من أقاربه انضم له قطيعة الرحم فيتضاعف الإثم . وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه ) . ولا بائقة أعظم من الزنى بامرأة الجار . فإن كان الجار غائبا في طاعة الله كالعبادة , وطلب العلم , والجهاد , تضاعف الإثم ، حتى إن الزاني بامرأة الغازي في سبيل الله يوقف له يوم القيامة , فيأخذ من عمله ما شاء . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( حرمة نساء المجاهدين على القاعدين كحرمة أمهاتهم , وما من رجل من القاعدين يخلف رجلا من المجاهدين في أهله فيخونه فيهم , إلا وقف له يوم القيامة فيأخذ من عمله ما شاء ، فما ظنكم ؟ ) رواه مسلم (1897) . أي : ما ظنكم أن يترك له من حسناته ؟ قد حكم في أنه يأخذ ما شاء على شدة الحاجة إلى حسنة واحدة , فإن اتفق أن تكون المرأة رحما له انضاف إلى ذلك قطيعة رحمها , فإن اتفق أن يكون الزاني محصنا كان الإثم أعظم , فإن كان شيخا كان أعظم إثما وعقوبة , فإن اقترن بذلك أن يكون في شهر حرام , أو بلد حرام , أو وقت معظم عند الله كأوقات الصلوات وأوقات الإجابة تضاعف الإثم " انتهى .
ثانيا :(/3)
من ابتلي بشيء من ذلك فليبادر بالتوبة إلى الله تعالى ، فإن التوبة تصح من كل ذنب مهما كان عظيما ، قال تعالى : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة/104 .
وقال سبحانه : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70. وقال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82 ، وفي هذه الآية إرشاد إلى أن التائب ينبغي له أن يكثر من الأعمال الصالحة ، وأن يسلك طريق الهداية ، ويبتعد عن أسباب الغواية .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
85000
العنوان:
حكم بيع الجوال الذي به آلة تصوير
السؤال:
هل يجوز بيع الهاتف الجوال الذي به آلة تصوير أو آلة كاميرا ؟
الجواب:
الحمد لله
آلة التصوير المصاحبة للجوال قد تستعمل في المباح ، وقد تستعمل في الحرام ، وما كان كذلك فالقاعدة فيه أنه :
1- لا حرج في بيعه على من عُلم أو غلب على الظن أنه يستخدمه في المباح .
2- لا يجوز بيعه لمن عُلم أو غلب على الظن أنه يستعمله في الحرام .
3- إذا جهل الحال ، فالعبرة بالغالب ، فإذا كان الغالب في البلد استعماله في الحلال جاز بيعه ، وإلا فلا .
وهذا ينطبق على بيع الجوال نفسه ، وعلى بيع التلفاز ، وأجهزة الفيديو ، وأدوات الزينة ، وملابس النساء ، وغير ذلك مما يستعمل في الخير والشر .
وراجع السؤال رقم (39744) ، ورقم (82551)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
85031
العنوان:
حكم تخليل اللحية في الوضوء
السؤال:
ما حكم تخليل اللحية في الوضوء ؟ وما هو الراجح من أقوال أهل العلم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اللحية إن كانت خفيفة يظهر جلد الوجه من تحتها ، وجب تخليلها وغسل ما تحتها ، لأنه داخل في حد الوجه .
وإن كانت كثيفة لا يظهر جلد الوجه من تحتها ، فلا يجب غسل ما تحتها ، ويستحب تخليها ، في قول جمهور العلماء ، وهو الراجح .
قال ابن قدامة رحمه الله : " اللحية إن كانت خفيفة تصف البشرة وجب غسل باطنها . وإن كانت كثيفة لم يجب غسل ما تحتها , ويستحب تخليلها .
وقال إسحاق : إذا ترك تخليل لحيته عامدا أعاد , لأن النبي صلى الله عليه وسلم ( كان يخلل لحيته ) رواه عنه عثمان بن عفان . قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح . وقال البخاري: هذا أصح حديث في الباب . وروى أبو داود عن أنس (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه . وقال : هكذا أمرني ربي عز وجل) . وعن ابن عمر قال : (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ عرك عارضيه بعض العرك , ثم شبك لحيته بأصابعه من تحتها) رواه ابن ماجه .
وقال عطاء وأبو ثور : يجب غسل باطن شعور الوجه وإن كان كثيفا كما يجب في الجنابة ; لأنه مأمور بغسل الوجه في الوضوء كما أمر بغسله في الجنابة , فما وجب في أحدهما وجب في الآخر مثله .(/1)
ومذهب أكثر أهل العلم أن ذلك لا يجب , ولا يجب التخليل ; وممن رخص في ترك التخليل ابن عمر , والحسن بن علي , وطاوس , والنخعي , والشعبي , وأبو العالية , ومجاهد , وأبو القاسم , ومحمد بن علي , وسعيد بن عبد العزيز وابن المنذر ; لأن الله تعالى أمر بالغسل , ولم يذكر التخليل , وأكثر من حكى وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحكه . ولو كان واجبا لما أخل به في وضوء , ولو فعله في كل وضوء لنقله كل من حكى وضوءه أو أكثرهم , وتركه لذلك يدل على أن غسل ما تحت الشعر الكثيف ليس بواجب ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان كثيف اللحية فلا يبلغ الماء ما تحت شعرها بدون التخليل والمبالغة , وفعله للتخليل في بعض أحيانه يدل على استحباب ذلك , والله أعلم " انتهى من "المغني" (1/74).
وقال النووي رحمه الله: " اللحية الكثيفة يجب غسل ظاهرها بلا خلاف ولا يجب غسل باطنها ولا البشرة تحته , هذا هو المذهب الصحيح المشهور ، الذي نص عليه الشافعي رحمه الله وقطع به جمهور الأصحاب ، وهو مذهب مالك وأبي حنيفة وأحمد وجماهير العلماء من الصحابة والتابعين وغيرهم .
وحكى الرافعي قولا ووجها أنه يجب غسل البشرة وهو مذهب المزني وأبي ثور " انتهى من "المجموع" (1/408) .
ومن أدلة الجمهور على أن تخليل اللحية الكثيفة غير واجب ، وأن باطن اللحية الكثيفة لا يجب غسله : ما رواه البخاري (140) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ تَوَضَّأَ فَغَسَلَ وَجْهَهُ ، أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ ، فَمَضْمَضَ بِهَا وَاسْتَنْشَقَ ، ثُمَّ أَخَذَ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ فَجَعَلَ بِهَا هَكَذَا ، أَضَافَهَا إِلَى يَدِهِ الْأُخْرَى ، فَغَسَلَ بِهِمَا وَجْهَهُ . . . ثُمَّ قَالَ : هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ .(/2)
ووجه الاستدلال من الحديث : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان كث اللحية ، فغرفة واحدة لا تكفي لغسل الوجه ، وغسل ما تحت اللحية ، فعلم من ذلك أنه صلى الله عليه وسلم اكتفى بغسل ظاهرها فقط .
وانظر : "المجموع" (1/408) ، "نيل الأوطار" (1/190) .
ثانيا :
احتج من أوجب التخليل بما روى أبو داود (145) عَنْ أَنَسٍ ابْنَ مَالِكٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (كَانَ إِذَا تَوَضَّأَ أَخَذَ كَفًّا مِنْ مَاءٍ فَأَدْخَلَهُ تَحْتَ حَنَكِهِ فَخَلَّلَ بِهِ لِحْيَتَهُ ، وَقَالَ : هَكَذَا أَمَرَنِي رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ ) .
وهو حديث مختلف فيه ، قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " وأما حديث أنس فرواه أبو داود وفي إسناده الوليد بن زروان وهو مجهول الحال ...
وله طرق أخرى عن أنس ضعيفة " انتهى من "التلخيص الحبير" (1/86) باختصار .
والحديث صححه ابن القيم في "تهذيب السنن" ، والألباني في "صحيح أبي داود" .
وعلى فرض صحته ، فيحمل الأمر فيه على الاستحباب ، جمعا بينه وبين الأدلة الأخرى ؛ إذ أكثر من حكى وضوءه صلى الله عليه وسلم لم يذكر التخليل ، ولو كان واجبا لما أخل به في وضوء , ولو فعله في كل وضوء لنقله كل من حكى وضوءه أو أكثرهم .
ثالثا :
ينبغي التنبه إلى أن ظاهر اللحية الكثيفة يجب غسله ، ولو كانت مسترسلة ؛ لأنها داخلة في حد الوجه . فيغسل ظاهرها وجوبا .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " من سنن الوضوء : تخليل اللحية الكثيفة ، واللحية إما خفيفة ، وإما كثيفة .
فالخفيفة هي التي لا تستر البشرة ، وهذه يجب غسلها وما تحتها ؛ لأن ما تحتها لما كان باديا كان داخلا في الوجه الذي تكون به المواجهة ، والكثيفة : ما تستر البشرة ، وهذه لا يجب إلا غسل ظاهرها فقط ، وعلى المشهور من المذهب يجب غسل المسترسل منها .(/3)
وقيل : لا يجب ، كما لا يجب مسح ما استرسل من الرأس ، والأقرب في ذلك الوجوب ، والفرق بينها وبين الرأس : أن اللحية وإن طالت تحصل بها المواجهة ؛ فهي داخلة في حد الوجه ، أما المسترسل من الرأس فلا يدخل في الرأس ، لأنه مأخوذ من الترؤس وهو العلو ، وما نزل عن حد الشعر ، فليس بمترئس " انتهى من "الشرح الممتع" (1/106).
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
85039
العنوان:
يقيم في بلد تمنع الذبح فهل يتصدق بثمن الأضحية
السؤال:
أنا وأسرتي نقيم ببلد لا يسمح فيه بالذبح . ماذا يجب علينا فعله ؟ هل نتصدق بثمنه ؟.
الجواب:
الحمد لله
إن كان المقصود هو الأضحية أو العقيقة عن المولود ، وتعذّر الذبح في البلد الذي تقيم فيه ، فالأفضل أن ترسل نقودا لمن يذبح عنك ، في بلد آخر ، حيث يوجد الأهل ، أو الفقراء والمحتاجون ؛ لأن ذبح الأضحية أو العقيقة أولى من التصدق بثمنها .
قال النووي رحمه الله : " فرع : فعل العقيقة أفضل من التصدق بثمنها عندنا . وبه قال أحمد وابن المنذر " انتهى من "المجموع" (8/414).
وقال في "مطالب أولي النهى" ( : " ( وذبحها ) أي الأضحية ( و ) ذبح ( عقيقة : أفضل من صدقةٍ بثمنها ) نصا [أي نصّ على ذلك الإمام أحمد رحمه الله ] وكذا هَدْي . لحديث { ما عمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هراقة دم . وإنه ليأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها . وإن الدم ليقع من الله عز وجل بمكان قبل أن يقع على الأرض . فطيبوا بها نفسا } رواه ابن ماجه . وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم وأهدى الهدايا والخلفاء بعده ; ولو أن الصدقة بالثمن أفضل لم يعدلوا عنه " انتهى . والحديث المذكور ضعفه الألباني في السلسة الضعيفة ، برقم 526
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " هل يجوز ذبح الأضحية والنحر في بلد أنت فيه ، أو ترسل مبلغا مقابل ذلك إلى بلدك أو أي بلد من بلدان المسلمين ؟
فأجاب : الأفضل أن تضحي في بلدك إذا كان أهلك عندك ، وإذا كان أهلك في مكان آخر وليس عندهم من يضحي لهم ، فأرسل دراهم لهم يضحوا هناك " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (24/207).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
85046
العنوان:
إسقاط الجنين قبل الأربعين بسبب الظروف النفسية والاجتماعية
السؤال:
تزوجت قبل ثلاثة أشهر وكنت أود السفر بعد زواجي مباشرة إلى الخارج للدراسة ومعي زوجتي وحصلت لي ظروف منعتني من السفر. وأنا الآن أبحث عن وظيفة وأريد إعداد مسكن لي ولزوجتي. وتبين لي الآن أن زوجتي حامل. سؤالي هو هل يجوز إسقاط ذلك لغرض تأجيل الحمل وليس خوفاً من عدم القدرة على النفقة؟ علماً بأنه لم يمر أكثر من شهر على الحمل وليس لدي مسكن خاص ولا وظيفة. وأحتاج إلى وقت لكي أعد ذلك. ولم أعش مع زوجتي الاستقرار النفسي والحسي في خصوصية تامة لأن معظم وقتنا ونحن في بيت أهلها. أريد الاستقرار والتفاهم والاتصال جيداً مع زوجتي أولاً. وأريد من زوجتي الاستعداد لبيتها الجديد وإدارته وتعلم الطبخ لأنها لا تجيد الطبخ. كل هذا لن يحدث بسبب الحمل لأن الحمل متعب بالنسبة للمرأة وأنا أرى في هذه الحالة أن الحمل قد يقود إلى ظهور مشاكل بيني وبين زوجتي وعدم وجود الراحة النفسية. وقد قرأت عن إباحة الإسقاط قبل مضي أربعين يوماً على الحمل بدون عذر من بعض المذاهب فما رأيكم في ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
نعم ، ذهب جمع من أهل العلم إلى إباحة إسقاط النطفة قبل الأربعين ، وذهب آخرون إلى تحريم ذلك .
ومن أقوال المجيزين : ما قاله ابن الهمام الحنفي في "فتح القدير" (3/401) : " وهل يباح الإسقاط بعد الحبل ؟ يباح ، ما لم يتخلق شيء منه " .
ويحتمل أنهم أرادوا بالتخليق نفخ الروح ، وذلك يكون بعد تمام مائة وعشرين يوما على الحمل ، ويحتمل أنهم أرادوا التخليق وإن لم تنفخ فيه الروح ، وذلك لا يكون قبل ثمانين يوماً من بداية الحمل ، والغالب أنه يكون عند التسعين .
وفي حاشية قليوبي وعميرة (شافعي) (4/160): " نعم ، يجوز إلقاؤه ولو بدواء قبل نفخ الروح فيه ، خلافا للغزالي " انتهى .(/1)
وقال المرداوي في "الإنصاف" (حنبلي) (1/386): " يجوز شرب دواء لإسقاط نطفة . ذكره في الوجيز ، وقدمه في الفروع . وقال ابن الجوزي في أحكام النساء : يحرم . وقال في الفروع : وظاهر كلام ابن عقيل في الفنون : أنه يجوز إسقاطه قبل أن ينفخ فيه الروح . قال: وله وجه . انتهى . وقال الشيخ تقي الدين : والأحوط أن المرأة لا تستعمل دواء يمنع نفوذ المني في مجاري الحبل " انتهى .
ومن أقوال المانعين : قول الدردير في شرحه على خليل (مالكي) (2/266): "ولا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يوما ، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعا" انتهى .
وقال الرملي في نهاية المحتاج (شافعي) (8/442) : " وقال المحب الطبري : اختلف أهل العلم في النطفة قبل تمام الأربعين على قولين : قيل : لا يثبت لها حكم السقط والوأد , وقيل : لها حرمة ، ولا يباح إفسادها ، ولا التسبب في إخراجها بعد الاستقرار في الرحم , بخلاف العزل فإنه قبل حصولها فيه ... وقد أشار الغزالي إلى هذه المسألة في الإحياء فقال بعد أن قرر أن العزل خلاف الأولى ما حاصله : وليس هذا كالإجهاض والوأد لأنه جناية على موجود حاصل , فأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة ، فإفسادها جناية , فإن صارت علقة أو مضغة فالجناية أفحش , فإن نفخت الروح واستقرت الخلقة زادت الجناية تفاحشاً , ثم قال : ويبعد الحكم بعدم تحريمه " انتهى .
والحاصل أن الفقهاء مختلفون في هذه المسألة ، وعليه فلا ينبغي الإقدام على شيء من ذلك إلا لعذر ، براءة للذمة ، واحتياطا للدين .
وثمة أمر آخر لا ينبغي أن تغفل عنه ، وهو إدراك نعمة الله تعالى وفضله في إعطاء الولد ، وهذه النعمة ينبغي أن تقابل بالفرح والشكر والرضا ، ولا يدري الإنسان إن هو أعرض عن هذه النعمة ، هل تعود له بعد ذلك أو لا ؟(/2)
ولهذا فنصيحتنا لك هي الإبقاء على الحمل ، وتهيئة النفس لذلك ، واستشعار نعمة الله فيه ، ولعله يكون بابا لسعة الرزق ، المادي والمعنوي ، ومنه الاستقرار النفسي ، والتوافق الزوجي، فإن اخترت الأمر الآخر ، فليكن بعد استخارة الله تعالى ، فإن الإنسان لا يدري أين الخير . ويشترط لذلك رضا الزوجة ؛ لأن لها حقا في الولد ، وقد قرر الفقهاء أن الرجل لا يعزل عن المرأة الحرة إلا بإذنها .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
85048
العنوان:
الفرق بين الحديث المنكر والحديث المضطرب
السؤال:
ما الفرق بين الحديث المنكر والحديث المضطرب ؟
الجواب:
الحمد لله
لمعرفة الفرق بين هذين النوعين لا بد أولا من توضيح معنى كل منهما ، وبيان الصور التي يطلق عليها العلماء هذين الوصفين ، ثم تحديد أوجه الشبه وأوجه الافتراق بينهما . فيقال :
أولا :
يطلق العلماء الوصف بالنكارة على الصور التالية :
الصورة الأولى : بعض حالات التفرد ، وذلك في :
1- أن ينفرد برواية الحديث الراوي الصدوق النازل عن درجة أهل الإتقان ، وليس له عاضد يصحح به ، ترى هذا في كلام أحمد بن حنبل وأبي داود والنسائي والعقيلي وابن عدي وغيرهم .
2- تفرد المستور ، أو الموصوف بسوء الحفظ ، أوالمضعف ، وليس له عاضد يقوى به . ( انظر الموقظة/42 ، تدريب الراوي 2/278 ، النكت لابن حجر 2/674 )
الصورة الثانية : بعض حالات المخالفة :
1- مخالفة المستور ، أو الموصوف بسوء الحفظ ، أو المضعف ، وإذا كثرت مخالفة الرواي أصبح متروكا ، وعليه أكثر ما يطلق الوصف بالنكارة .
2- مخالفة الثقة من هو أوثق منه أو أكثر عددا .
(انظر تدريب الراوي 2/277)
الصورة الثالثة : أنواع من الحديث الضعيف لأسباب أخرى ، كالمدرج ، والمنقطع ، وحديث المجهول ، وقع ذلك في كلام غير واحد من الأئمة المتقدمين ، كيحيى بن سعيد القطان ، وأحمد بن حنبل ، وأبي زرعة ، وأبي حاتم ، وأبي داود ، والنسائي ، وغيرهم ، يطلقون لقب ( المنكر ) على هذه الأنواع .
(انظر النكت لابن حجر 2/675 ، تحرير علوم الحديث لعبد الله الجديع 2/ 1036 ) .
ثانيا :
الحديث المضطرب لقب أطلقه العلماء على الصور التالية :
الصورة الأولى : أن يروى الحديث على أوجه مختلفة متساوية في القوة ، بحيث يتعذر الترجيح .
وتصح دعوى الاضطراب حين يتعذر الجمع بين الوجوه المختلفة ، فإذا أمكن الجمع فلا اضطراب .(/1)
والصورة الثانية : التردد في الإسناد أو المتن من الراوي المعين ، فيقال : ( كان فلان يضطرب فيه فتارة يقول كذا ، وتارة يقول كذا ) .
(انظر تدريب الراوي 2/308 ، النكت لابن حجر 2/773) .
ثالثا :
يتبين مما سبق الفرق بين النكارة والاضطراب وذلك من جهتين :
الأولى : أن المنكر يطلق على تفرد من لا يُحْتمل تفرده ، من مستور أو ضعيف برواية لم يتابع عليها ، يعني : أن الوصف بالنكارة لا يشترط له تعدد الروايات والمخالفة بينها ، أما المضطرب فلا يطلق إلا على ما جاء من أكثر من وجه ، ثم اختلفت هذه الوجوه بحيث لا يمكن الجمع ولا الترجيح بينها .
الثانية : ثمة فرق آخر ، وهو أنه عند تعدد الطرق فإننا ننظر ، إن استطعنا تحديد الأرجح منها فإن المرجوح يوصف بالنكارة ، في حين أننا لا نصفه بالاضطراب إلا حين تستوي الأوجه الواردة ، ولا يمكن الترجيح بينها .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
85065
العنوان:
هل يؤخر غسل قدميه حتى يفرغ من الاغتسال ؟
السؤال:
ما هي أنواع الغسل ؟ وكيف نؤديها ؟ وهل غسل الجمعة كغسل العيدين كغسل التبرد كغسل الجنابة ؟ ما هي التي يجب الوضوء بعدها إذا أردنا أن نصلي ؟ حين يقال "من السنة ترك غسل الرجلين إلى آخر الغسل ؛ أيعني ذلك أننا لا نتم الوضوء الذي نفعله في أول الغسل حتى نصل إلى آخر الغسل (أي يبقى غسل الرجلين إلى آخر الغسل) ؟
الجواب:
الحمد لله
الغسل المشروع صفته واحدة ، سواء كان للجمعة أو للعيدين أو الجنابة ، فيستحب فيه البداءة بالوضوء ، ثم إفاضة الماء على سائر الجسد مبتدئاً بالشق الأيمن . وانظر السؤال رقم (10790)
ثانيا :
إذا توضأ الإنسان في مبتدأ غسله فله أن يغسل قدميه مع الوضوء ، أو يؤخرهما حتى يفرغ من غسله ، فقد ثبت كلا الأمرين عن الرسول صلى الله عليه وسلم .
ففي حديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا اغْتَسَلَ مِنْ الْجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيْهِ ، وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ اغْتَسَلَ ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعَرَهُ ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّهُ قَدْ أَرْوَى بَشَرَتَهُ أَفَاضَ عَلَيْهِ الْمَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ. رواه البخاري (273) ومسلم (316).
وهذا يدل على أنه صلى الله عليه وسلم غسل رجليه حين توضأ أولا .(/1)
وفي حديث ميمونة رضي الله عنها قالت : أَدْنَيْتُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلَهُ مِنْ الْجَنَابَةِ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ ثُمَّ أَفْرَغَ بِهِ عَلَى فَرْجِهِ وَغَسَلَهُ بِشِمَالِهِ ، ثُمَّ ضَرَبَ بِشِمَالِهِ الْأَرْضَ فَدَلَكَهَا دَلْكًا شَدِيدًا ، ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ أَفْرَغَ عَلَى رَأْسِهِ ثَلَاثَ حَفَنَاتٍ مِلْءَ كَفِّهِ ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ، ثُمَّ تَنَحَّى عَنْ مَقَامِهِ ذَلِكَ فَغَسَلَ رِجْلَيْهِ . رواه البخاري (265) ومسلم (317) واللفظ له .
وعلى هذا ، فكلا الأمرين جائز ، سواء غسل رجليه مع الوضوء ، أم أخرهما إلى نهاية الغسل .
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله أن الأفضل أن يغسل رجليه مع الوضوء إلا من عذر. فقال في "الشرح الممتع" (1/213) :
" قوله : ( ويغسل قدميه مكانا آخر ) أي : عندما ينتهي من الغسل يغسل قدميه في مكان آخر غير المكان الأول .
وظاهر كلام المؤلف أنه سنّة مطلقا ، ولو كان المحل نظيفا كما في حماماتنا الآن .
والظاهر لي أنه يغسل قدميه في مكان آخر عند الحاجة ، كما لو كانت الأرض طينا ، لأنه لو لم يغسلهما لتلوثت رجلاه بالطين .
ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يغسل رجليه في حديث عائشة بعد الغسل . ورواية : " أنه غسل رجليه " ضعيفة . والصواب : أنه غسل رجليه في حديث ميمونة فقط " انتهى.
ثالثا :
الغسل الذي يجزئ عن الوضوء هو الغسل من حدث أكبر (الجنابة والحيض والنفاس) أما سائر الأغسال فإنها لا تغني عن الوضوء .
وينظر : السؤال رقم (5032) و (68854)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
85101
العنوان:
هل يكفي إخبار المخطوبة بالعيب أم يلزم إخبار أهلها؟
السؤال:
أنا أبلغ من العمر 25 عاماً , وعندي نسبة خصوبة السائل المنوي قليلة ، تتراوح النسبة من 1% إلى 5% من المستوى الطبيعي, رأي الأطباء أنه من الصعب حدوث حمل بهذه النسبة , وممكن اللجوء للإخصاب الصناعي ولكن النسبة قليلة جدا أيضا . أنا الآن مقبل على التقدم لخطبة فتاة , وقد صارحتها بكل شيء وقد وافقت برضا وبإيمان أن كل شيء بيد الله . سؤالي : هل المفروض مصارحة الأهل بهذا الأمر أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا رضيت الفتاة بالزواج ، مع علمها بما ذكرتَ من قلة الخصوبة واحتمال عدم الإنجاب ، وهي بالغة رشيدة ، فهذا كافٍ ، ولا يتوقف الأمر على معرفة وليها ؛ لأن الحقّ لها .
وقد نص الفقهاء على أن الزوج أو الزوجة إذا علم أحدهما بالعيب الموجب للفسخ ، عند العقد أو بعده ورضي به ، أنه يسقط خياره في الفسخ .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ومن شرط ثبوت الخيار بهذه العيوب , أن لا يكون عالما بها وقت العقد , ولا يرضى بها بعده , فإن علم بها في العقد , أو بعده فرضي , فلا خيار له ، لا نعلم فيه خلافا " انتهى من "المغني" (7/142).
وفي "المدونة" (2/144) : " قلت : أرأيت إن تزوجتْ مجبوبا (أي : مقطوع الذكر) أو خصيا وهي تعلم ؟ قال : فلا خيار لها , كذلك قال مالك . قال : قال مالك : إذا تزوجت خصيا وهي لا تعلم فلها الخيار إذا علمت , فقول مالك إنها إذا علمت فلا خيار لها " انتهى .
وقال في "كشاف القناع" (5/111) : " فإن كان أحد الزوجين الذي لا عيب به عالماً بالعيب في الآخر وقت العقد فلا خيار له ، أو علم بالعيب بعد العقد ورضي به فلا خيار له . قال في المبدع : بغير خلاف نعلمه " انتهى بتصرف .(/1)
وقال السرخسي الحنفي : " ولو تزوجت واحدا من هؤلاء [أي المجبوب أو الخصي أو العنين] وهي تعلم بحاله , فلا خيار لها فيه ؛ لأنها صارت راضية به حين أقدمت على العقد مع علمها بحاله , ولو رضيت به بعد العقد بأن قالت : رضيت ، سقط خيارها " انتهى من "المبسوط" (5/104) .
وينظر : "الموسوعة الفقهية" (29/69).
ومعلوم أن ضعف الخصوبة دون هذه العيوب التي ذكرها العلماء بمراحل .
فظهر كلام العلماء في ذلك : أنه يكفي علم المرأة بالعيب ، ولا يشترط إخبار أهلها به .
ومسألة الإنجاب ، لا ينبغي أن تحمل لها همّا ، فكم من رجل قيل له ما قيل لك ، ثم رزقه الله تعالى بالذرية ، فالأمر له سبحانه ، والفضل بيده ، وعليك ببذل الأسباب في المعالجة ، وسؤال الله تعالى من فضله .
وننبهك إلى أن المخطوبة أجنبية عن خطيبها فلا يجوز له الخلوة بها ولا ملامستها ، وليكن الحديث في أمر الزواج مع وليها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
85102
العنوان:
ضوابط التكفير
السؤال:
نرجو من سيادتكم معرفة الضوابط التي يمكن الحكم بها على شخص ما بالكفر أو النفاق ، حتى لا أقع في البدع التي وقع فيها كثير من الفرق ، وبأي كتب توصيني أن أقرأ فيها ، مع العلم أني طالب علم مبتدئ ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الحكم بالتكفير والتفسيق ليس إلينا ، بل هو إلى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فهو من الأحكام الشرعية التي مردها إلى الكتاب والسنة ، فيجب التثبت فيه غاية التثبت ، فلا يكفر ولا يفسق إلا من دل الكتاب والسنة على كفره أو فسقه .
والأصل في المسلم الظاهر العدالة بقاء إسلامه وبقاء عدالته ، حتى يَتَحَقَّقَ زوال ذلك عنه بمقتضى الدليل الشرعي . ولا يجوز التساهل في تكفيره أو تفسيقه ؛ لأن في ذلك محذورين عظيمين :
أحدهما : افتراء الكذب على الله تعالى في الحكم ، وعلى المحكوم عليه في الوصف الذي نبزه به .
الثاني : الوقوع فيما نبز به أخاه إن كان سالماً منه .
ففي صحيحي البخاري (6104) ومسلم (60) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا كَفَّرَ الرَّجُلُ أَخَاهُ فَقَد بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا ) وفي رواية : ( إِن كَانَ كَمَا قَالَ ، وَإِلاَّ رَجَعَتْ عَلَيهِ )
ثانيا :
وعلى هذا فيجب قبل الحكم على المسلم بكفر أو فسق أن ينظر في أمرين :
أحدهما : دلالة الكتاب أو السنة على أن هذا القول أو الفعل موجب للكفر أو الفسق .
الثاني : انطباق هذا الحكم على القائل المعين أو الفاعل المعين ، بحيث تتم شروط التكفير أو التفسيق في حقه ، وتنتفي الموانع .
ومن أهم الشروط :
1- أن يكون عالماً بمخالفته التي أوجبت أن يكون كافراً أو فاسقاً ؛ لقوله تعالى :(/1)
( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) النساء/115
وقوله : ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْماً بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) التوبة/115
ولهذا قال أهل العلم : لا يكفر جاحد الفرائض إذا كان حديث عهد بإسلام حتى يُبَيَّنَ له .
2- ومن الموانع أن يقع ما يوجب الكفر أو الفسق بغير إرادة منه ، ولذلك صور :
منها : أن يكره على ذلك ، فيفعله لداعي الإكراه ، لا اطمئناناً به ، فلا يكفر حينئذ ؛ لقوله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النحل/106
ومنها : أن يُغلَقَ عليه فِكرُهُ ، فلا يدري ما يقول لشدة فرح أو حزن أو خوف أو نحو ذلك .
ودليله ما ثبت في صحيح مسلم (2744) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلَاةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِي ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِي وَأَنَا رَبُّكَ أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ )(/2)
3- ومن الموانع أن يكون متأولا : يعني أن تكون عنده بعض الشبه التي يتمسك بها ويظنها أدلة حقيقية ، أو يكون لم يستطع فهم الحجة الشرعية على وجهها ، فالتكفير لا يكون إلا بتحقق تعمد المخالفة وارتفاع الجهالة .
قال تعالى : ( ولَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَّحِيماً ) الأحزاب/5
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (23/349) :
" فالإمام أحمد رضي الله تعالى عنه ترحم عليهم ( يعني الخلفاء الذين تأثروا بمقالة الجهمية الذين زعموا القول بخلق القرآن ، ونصروه ) واستغفر لهم ، لعلمه بأنه لم يتبين لهم أنهم مكذبون للرسول ، ولا جاحدون لما جاء به ، ولكن تأولوا فأخطأوا ، وقلدوا من قال ذلك لهم " انتهى .
ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى" (12/180) :
" وأما التكفير فالصواب أن من اجتهد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وقصد الحق فأخطأ لم يكفر ، بل يغفر له خطؤه ، ومن تبين له ما جاء به الرسول ، فشاق الرسول من بعد ما تبين له الهدى واتبع غير سبيل المؤمنين فهو كافر ، ومن اتبع هواه وقصر في طلب الحق وتكلم بلا علم فهو عاص مذنب ، ثم قد يكون فاسقاً . وقد يكون له حسنات ترجح على سيئاته " انتهى .
وقال رحمه الله (3/229) :
" هذا مع أني دائماً ومن جالسني يعلم ذلك مني ، أني من أعظم الناس نهياً عن أن ينسب معين إلى تكفير وتفسيق ومعصية ، إلا إذا علم أنه قد قامت عليه الحجة الرسالية التي من خالفها كان كافراً تارة ، وفاسقاً أخرى ، وعاصياً أخرى ، وإني أقرر أن الله قد غفر لهذه الأمة خطأها ، وذلك يعم الخطأ في المسائل الخبرية القولية والمسائل العملية . وما زال السلف يتنازعون في كثير من هذه المسائل ، ولم يشهد أحد منهم على أحد لا بكفر ولا بفسق ولا بمعصية ... "
وذكر أمثلة ثم قال :(/3)
" وكنت أبين أن ما نقل عن السلف والأئمة من إطلاق القول بتكفير من يقول كذا وكذا ، فهو أيضاً حق ، لكن يجب التفريق بين الإطلاق والتعيين .. "
إلى أن قال : " والتكفير هو من الوعيد ؛ فإنه وإن كان القول تكذيباً لما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم ، لكن قد يكون الرجل حديث عهد بإسلام ، أو نشأ ببادية بعيدة ، ومثل هذا لا يكفر بجحد ما يجحده حتى تقوم عليه الحجة ، وقد يكون الرجل لم يسمع تلك النصوص ، أو سمعها ولم تثبت عنده ، أو عارضها عنده معارض آخر أوجب تأويلها وإن كان مخطئاً .
وكنت دائماً أذكر الحديث الذي في الصحيحين في الرجل الذي قال : ( إذا أنا مت فأحرقوني ، ثم اسحقوني ، ثم ذروني في اليم ، فوالله لئن قدر الله عليَّ ليعذبني عذاباً ما عذبه أحداً من العالمين . ففعلوا به ذلك ، فقال الله : ما حملك على ما فعلت ؟ قال : خشيتك . فغفر له )
فهذا رجل شك في قدرة الله وفي إعادته إذا ذري ، بل اعتقد أنه لا يعاد ، وهذا كفر باتفاق المسلمين ، لكن كان جاهلاً لا يعلم ذلك ، وكان مؤمناً يخاف الله أن يعاقبه ، فغفر له بذلك .
والمتأول من أهل الاجتهاد الحريص على متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالمغفرة من مثل هذا " انتهى .
( مستفاد من خاتمة القواعد المثلى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله مع بعض الزيادات ) .
وإذا كان أمر التكفير بهذه المثابة ، والخطر والخطأ فيه شديد ؛ فالواجب على طالب العلم ، خاصة إذا كان مبتدئا ، أن يتوقى الخوض في ذلك ، وأن ينشغل بتحصيل العلم النافع الذي يصلح به أمر معاشه ومعاده .
ثالثا :
قبل أن نشير عليك بشيء من الكتب ، فإننا ننصحك بأن تستعين في تعلمك بأهل العلم من أهل السنة ؛ فإن ذلك هو الطريق الأسهل والأكثر أمنا ، لكن شريطة أن يكون ذلك الذي تأخذ عنه من الموثوق في علمه ودينه ، واتباعه للسنة ، وبعده عن الأهواء والبدع .(/4)
قال مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رحمه الله : ( إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ ) رواه مسلم في مقدمة صحيحه .
فإن لم يتيسر لك ، في مكانك أن تحضر دروس أهل العلم ، فيمكنك أن تستعين بأشرطتهم ، وقد أصبح الحصول عليها عن طريق الأقراص ، أو المواقع الإسلامية أكثر سهولة ، والحمد لله . ثم يمكنك أيضا أن تنتفع ببعض طلاب العلم ، الذين يحرصون على العلم الشرعي ، واتباع السنة ، وقلما يخلو منهم مكان ، إن شاء الله .
رابعا :
من الكتب التي ينبغي أن تعتني باقتنائها ، والنظر والدراسة فيها :
- التفسير : تفسير الشيخ ابن سعدي ، وتفسير ابن كثير .
- الحديث : الأربعين النووية ، مع أحد شروحها ، والاهتمام بجامع العلوم والحكم لابن رجب ، ثم رياض الصالحين ، مع زيادة العناية بهذا الكتاب المبارك ، ويمكنك الاستعانة بشرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله له .
- العقيدة : تهتم بكتاب التوحيد ، للشيخ محمد بن عبد الوهاب ، مع شرح ميسر له ، والعقيدة الواسطية ، لشيخ الإسلام ابن تيمية . مع بعض الرسائل النافعة في هذا الباب ، مثل : تحقيق كلمة الإخلاص لابن رجب ، والتحفة العراقية في الأعمال القلبية لابن تيمية .
- الاستعانة بزاد المعاد لابن القيم رحمه الله ، وكثير من كتبه ، مثل : الوابل الصيب ، والداء والدواء .
وهذه مجموعة مبدئية ، ومع المطالعة ، لا سيما إن وجدت من يعينك على القراءة والفهم ، فسوف تزداد معرفتك بالكتب النافعة والمهمة لك ، شيئا فشيئا ، إن شاء الله .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
85110
العنوان:
تعاني من عدم الاستيقاظ لصلاة الفجر
السؤال:
أردت أن أسالك عن حكم تأخير صلاة الفجر إلى الصباح ، فكثيراً ما تفوتني رغم أنني أطلب من أختي إيقاظي ، وأقوم بوضع المنبه لكن بلا فائدة !! معظم الأحيان أستيقظ لأغلق المنبه وأعود للنوم دون إدراك مني ، لأجد الصبح قد طلع ؛ فهل علي شيء ؟ أرجو منك أن تدلني على طريقة أتبعها لأنني أشعر بالخزي من كثرة استغفاري لربي ، والقول بأنني لن أعود إلى هذا الذنب العظيم ، فأجد نفسي في نفس الدوامة.
الجواب:
الحمد لله
النوم عن صلاة الفجر ، قد يكون عن تفريط وتقصير ، وقد يكون ناتجا عن ثقل النوم الذي هو طبيعة لبعض الناس ، والغالب هو الأول . فإن كثيرا من الناس يفرطون في السهر ، أو لا يهتمون بضبط ساعة الإيقاظ ، وإن ضبطوها لم تجد شيئا ، لحاجة الإنسان إلى النوم بعد السهر الطويل .
وقد سبق تفصيل الكلام على هذه المسألة ، وبيان النائم المعذور من غير المعذور ، في جواب السؤال رقم (65605) والذي نوصيك به النوم المبكر ، فهذا خير وسيلة للاستيقاظ ، وبدونه يبقى الأمر عسيرا ، غالبا ، ثم الاستعانة بالمنبه ، والتواصي مع الأهل ، والتعاون على ذلك ، وقبل ذلك كله سؤال الله تعالى التوفيق والهداية لذلك ، والمحافظة على الوضوء والذكر قبل النوم ، وتطهير البيت من الصور وغيرها مما يمنع دخول الملائكة .
وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
85116
العنوان:
هل الأفضل أن نقول في الصلاة سيدنا محمد؟
السؤال:
أيهما أفضل أن نقول في التشهد في الصلاة : أشهد أن سيدنا محمداً رسول الله ، واللهم صل على سيدنا محمد ؟ أم نقول محمد فقط بدون سيدنا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا شك أن وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالسيادة وصف صحيح ، فهو صلى الله عليه وسلم سيدنا ، بل سيد البشر أجمعين ، روى مسلم (2278) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) . وروى الترمذي (3615) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا فَخْرَ ، وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ وَلَا فَخْرَ ، وَمَا مِنْ نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إِلَّا تَحْتَ لِوَائِي ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ عَنْهُ الْأَرْضُ وَلَا فَخْرَ ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
ثانياً :
يجب أن يُعلم أن العبادات مبناها على الاتباع ، فلا يزاد في العبادة شيء على ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهذا من علامات محبة العبد لله عز وجل ، قال الله تعالى : (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) آل عمران /31 .
والاتباع أن تفعل كما فعل ، وتقول كما قال ، وتترك ما ترك ، فلا تزيد عليه ، ولا تنقص من فعله .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .(/1)
والوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد في الصلاة : (وأشهد أن محمدا عبده ورسوله) والوارد عنه في الصلاة عليه : (اللهم صل على محمد ... اللهم بارك على محمد) ولم يرد عنه قط أنه علَّمنا أن نقول (سيدنا) ، فلا يزاد على ما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم ، وعملنا إياه . فهذا هو الأفضل بلا شك ، وكيف يكون الأفضل هو ما خالف هدي النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وهو صلى الله عليه وسلم كان يقول في كل خطبة جمعة ، ويعلنها على المنبر : (أَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ خَيْرَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ ، وَخَيْرُ الْهدي هديُ مُحَمَّدٍ - صلى الله عليه وسلم ) رواه مسلم (867) .
وقد سئل الحافظ ابن حجر رحمه الله : هل الأفضل أن يقال في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم (سيدنا) لأنه وصف له ، أم عدم ذلك لعدم وروده في الآثار ؟
فأجاب :
" اتّباع الألفاظ المأثورة أرجح ، ولا يُقال : لعلّه ترك ذلك تواضعاً منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأمّتُه مندوبةٌ إلى أن تقول ذلك كلما ذكر، لأنا نقول : لو كان ذلك راجحاً لجاء عن الصّحابة ثم عن التابعين، ولم نقف في شيء من الآثار عن أحد من الصحابة ولا التابعين ، أنه قال ذلك مع كثرة ما ورد عنهم من ذلك . . .
ثم ذكر آثارا عن بعض الصحابة والتابعين والإمام الشافعي وليس فيها لفظ (سيدنا) . . . ثم قال :
والمسألة مشهورة في كتب الفقه ، والغرض منها أن كل من ذكر هذه المسألة من الفقهاء قاطبة لم يقع في كلام أحد منهم (سيدنا) ، ولو كانت هذه الزيادة مندوبة ما خفيت عليهم كلهم حتى أغفلوها ، والخير كله في الاتباع ، والله أعلم " انتهى باختصار .
نقله عنه الألباني في كتابه "صفة الصلاة" (ص 153-155) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة : هل يجوز أن نقول أثناء كلامنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدنا محمد في غير المأثور عنه كالصلاة الإبراهيمية أو غير ذلك؟
فأجابوا :(/2)
" الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم في التشهد لم يرد فيها - فيما نعلم - كلمة سيدنا أي: (اللهم صل على سيدنا محمد ..إلخ) وهكذا صفة الأذان والإقامة ، فلا يقال فيها سيدنا، لعدم ورود ذلك في الأحاديث الصحيحة التي علَّم فيها النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه كيفية الصلاة عليه ، وكيفية الأذان والإقامة، ولأن العبادات توقيفية فلا يزاد فيها ما لم يشرعه الله سبحانه وتعالى، أما الإتيان بها في غير ذلك فلا بأس، لقوله صلى الله عليه وسلم: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/65) .(/3)
رقم السؤال:
85151
العنوان:
هل يقترض بالربا من أجل أن يعالج ابنه؟
السؤال:
رجل عنده ثلاثون ألف ريال ، وعنده ولد مريض قرر الأطباء إجراء عملية له تكلفتها ستون ألف ريال، ولم يجد من يقرضه المبلغ المتبقي ، ولم يجد طريقة أخرى فاستثمر المبلغ الثلاثون ألف ريال في الربا فأصبح ستين ألف ريال فعالج ابنه به وهو يقول : الضرورات تبيح المحذورات ، فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
تجب عليه التوبة إلى الله من المعاملة الربوية ؛ لأن الحاجة لا تبيح المعاملات الربوية ، ولا يسمى مثل هذا الواقع ضرورة ؛ لأن العلاج للمريض مستحب وليس بواجب ؛ ولأن في إمكانه أن يستدين بالقرض، أو بشراء سلعة بثمن مؤجل ، ثم يبيعها بثمن معجل أقل من المؤجل ، إلى غير ذلك من الأسباب التي تعينه على قضاء حاجته ، نسأل الله أن يوفقنا وإياه للتوبة النصوح ، والله الموفق .(/1)
رقم السؤال:
85161
العنوان:
هل يعيد المسبوق سجود السهو الذي سجده مع الإمام؟
السؤال:
هل على المسبوق إذا أخطأ إمامه وسجد للسهو بعد السلام، أو قبله أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته؟ وهل يتصور أن يسجد للسهو مرتين؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا سها الإمام وسجد للسهو قبل السلام فإن على المسبوق أن يتابعه لأنه مرتبط بإمامه حتى يسلم ، فإذا قضى ما فاته لزمه السجود أيضاً ، لأن سجوده مع إمامه في غير محله ، فإن سجود السهو لا يكون في أثناء الصلاة ، وإنما كان سجوده مع إمامه تبعاً لإمامه فقط .
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه المسبوق فإنه لا يعيد السجود مرة ثانية ، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه فإنه كان قبل أن يدخل معه .
أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المسبوق لا يسجد معه ، لأن متابعة الإمام في هذه الحال متعذرة إلا بالسلام معه ، وهذا غير ممكن ، لأن المسبوق لا يسلم إلا بعد انتهاء الصلاة.
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فإنه لا سجود عليه ، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه ، وإن كان سهوه بعد أن دخل معه سجد إذا سلم .
هذا ما تقضيه الأدلة بعضها سمعية ، مثل وجوب سجود المأموم تبعاً لإمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (إنما جعل الإمام ليؤتم به) متفق عليه .
وبعضها بالنظر الصحيح كما في تعليل الأحكام المذكورة ، وانظر : "الشرح الكبير على المقنع" ، و "المجموع شرح المهذب" . انتهى .(/1)
رقم السؤال:
85171
العنوان:
هل يرفع الإمام والمصلون أيديهم عند الدعاء في خطبة الجمعة؟
السؤال:
إذا دعا الإمام وهو يخطب يوم الجمعة ، هل يرفع يديه أم لا ؟ وهل يرفع المصلون أيديهم أم لا؟
الجواب:
الحمد لله
إذا دعا الخطيب يوم الجمعة وهو على المنبر ، فالسنة أن لا يرفع يديه في الدعاء ، ولا يرفع المأمومون أيديهم ، بل يكفي الإمام بالإشارة بالسبابة ، كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد أنكر بعض الصحابة على من رفع يديه عند الدعاء في الخطبة ، لأن ذلك لم يكن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد روى مسلم (874) عَنْ عُمَارَةَ بْنِ رُؤَيْبَةَ رضي الله عنه أنه رَأَى بِشْرَ بْنَ مَرْوَانَ عَلَى الْمِنْبَرِ رَافِعًا يَدَيْهِ فَقَالَ : قَبَّحَ اللَّهُ هَاتَيْنِ الْيَدَيْنِ ، لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا يَزِيدُ عَلَى أَنْ يَقُولَ بِيَدِهِ هَكَذَا ، وَأَشَارَ بِإِصْبَعِهِ الْمُسَبِّحَةِ .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : "فِيهِ أَنَّ السُّنَّة أَنْ لا يَرْفَع الْيَد فِي الْخُطْبَة وَهُوَ قَوْل مَالِك وَأَصْحَابنَا وَغَيْرهمْ . وَحَكَى الْقَاضِي عَنْ بَعْض السَّلَف وَبَعْض الْمَالِكِيَّة إِبَاحَته لِأَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ فِي خُطْبَة الْجُمُعَة حِين اِسْتَسْقَى ، وَأَجَابَ الْأَوَّلُونَ بِأَنَّ هَذَا الرَّفْع كَانَ لِعَارِضٍ " انتهى .(/1)
فإن استسقى الإمام في خطبة الجمعة ، سنّ له رفع اليدين ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وكذلك يرفع المأمومون أيديهم ويؤمنون على دعائه ؛ لما روى البخاري (933) ومسلم (897) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ : أَصَابَتْ النَّاسَ سَنَةٌ (أي : جدب وقحط) عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَبَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ ، قَامَ أَعْرَابِيٌّ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، هَلَكَ الْمَالُ ، وَجَاعَ الْعِيَالُ ، فَادْعُ اللَّهَ لَنَا ، فَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَمَا نَرَى فِي السَّمَاءِ قَزَعَةً ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا وَضَعَهَا حَتَّى ثَارَ السَّحَابُ أَمْثَالَ الْجِبَالِ ، ثُمَّ لَمْ يَنْزِلْ عَنْ مِنْبَرِهِ حَتَّى رَأَيْتُ الْمَطَرَ يَتَحَادَرُ عَلَى لِحْيَتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ما حكم من يرفع يديه والخطيب يدعو للمسلمين في الخطبة الثانية مع الدليل ، أثابكم الله ؟(/2)
فأجاب : "رفع اليدين غير مشروع في خطبة الجمعة ولا في خطبة العيد لا للإمام ولا للمأمومين ، وإنما المشروع الإنصات للخطيب والتأمين على دعائه بينه وبين نفسه من دون رفع صوت ، وأما رفع اليدين فلا يشرع ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يرفع يديه في خطبة الجمعة ولا في خطبة الأعياد ، ولما رأى بعض الصحابة بعض الأمراء يرفع يديه في خطبة الجمعة أنكر عليه ذلك ، وقال : ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفعهما ، نعم إذا كان يستغيث في خطبة الجمعة للاستسقاء ، فإنه يرفع يديه حال الاستغاثة - أي طلب نزول المطر - لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في هذه الحالة ، فإذا استسقى في خطبة الجمعة أو في خطبة العيد فإنه يشرع له أن يرفع يديه تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم " انتهى من " مجموع الشيخ ابن باز " (12/339).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
85176
العنوان:
مسافر ونسي وقام إلى ركعة ثالثة
السؤال:
رجل مسافر قام إلى ثالثة في الصلاة التي نوى قصرها فهل يلزمه الرجوع في الحال أو له أن يكمل ؟ وماذا عليه ؟
الجواب:
الحمد لله
الأفضل له أن يرجع ، لأنه دخل الصلاة على أنه يريد أن يصلي ركعتين ، فليصل ركعتين ولا يزيد عليهما ، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن استمر فأتم الصلاة فلا حرج عليه .(/1)
رقم السؤال:
85181
العنوان:
توفي وترك أسهما مباحة ومختلطة
السؤال:
والدي متوفى ولديه أسهم في الشركات وهي شركة سابك وشركة الأسمنت الجنوبية وشركة النقل الجماعي ، وهناك أرباح من الشركات آخذها بصفتي أنا الوكيل الشرعي ، ولا أدري هل الشركات المذكورة أعلاه حرام ؟ وماذا يجب علي ؟ هل أبيع أسهم الشركات كلها أم أتركها كما هي وآخذ أرباحها ؟ وكيف تقسم بين إخواني وأخواتي في حالة بيعها ، وكذلك والدتي لازالت على قيد الحياة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ما تركه الوالد من أسهم وغيرها ، يدخل في التركة التي يجب تقسيمها القسمة الشرعية التي بينها الله في كتابه ، فللزوجة الثمن ، والأولاد للذكر منهم مثل حظ الأنثيين .
وأما أرباح الأسهم المباحة ، فتقسم على الورثة حسب قسمة الميراث ، ولا يجوز لك الاستئثار بها بحجة أنك الوكيل الشرعي ، كما قد يفهم من سؤالك .
وإذا رأى الورثة أن يحتفظوا بالأسهم المباحة ، أو أن يتركوها دون تقسيم ، ويوكلوا أحدهم في متابعتها ، على أن توزع أرباحها بينهم على حسب إرثهم ، فلهم ذلك .
ثانيا :
الشركات التي أصل نشاطها مباح ، ولكنها تتعامل بالحرام كالربا ، قرضاً أو اقترضاً ، لا يجوز المساهمة فيها ، وعلى من ابتلي بالدخول فيها أن يخرج منها ، ويتخلص من القدر المحرم ، فإن لم يفعل حتى مات ، فعلى الورثة أن يفعلوا ذلك قبل تقسيم التركة .
وقد أوردنا قائمة بأسماء الأسهم المباحة (النقية) في الجواب رقم (73296) ، ومنه يتبين أن شركة النقل الجماعي أسهمها مباحة . وأما سابك وأسمنت الجنوبية فليستا من الأسهم النقية .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
85190
العنوان:
هل للمدرس إعادة الامتحان لتحسين درجات الطلاب؟
السؤال:
إحدى الطالبات تقول : نحن بالمدرسة اختبرنا رياضيات والعلامات اللي حصلنا عليها قليلة فطلبنا من المعلمة أنها تعمل لنا إعادة امتحان تحسين فرفضت بحجة أن أحد الشيوخ أفتى لها بأن التحسين حرام فما رأيك ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا لم يترتب على عملية الإعادة مخالفة لنظام المدرسة ، أو ظلم لغيركم ، فلا حرج في ذلك ، والظلم هنا تارة يكون للفصول الأخرى الموجودة بالمدرسة ، إذا لم تعط فرصة الإعادة أيضا ، وتارة يكون لبعض طلاب الفصل نفسه ، أو الفصول الأخرى ، ممن حصّل درجة مرضية ، ويكون في إعادته للامتحان تكليف وإرهاق له ، أو احتمال نقص درجاته . فإذا أمكن إعادة الامتحان من غير وقوع في الظلم ، فلا حرج حينئذ ، وبعض أنظمة التعليم تسمح لمن شاء من الطلبة من إعادة الاختبار ، وتسجل له الدرجة الأعلى من الاختبارين .
وإذا كان نظام المدرسة يمنع الإعادة ، فلابد من إذن الإدارة وموافقتها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
85191
العنوان:
يعمل في مخزن وقد يطلب منه نقل لحم الخنزير إلى الشاحنات
السؤال:
أنا شاب مسلم أعمل في بلد غربي في مخزن لتوزيع المواد الغذائية على الأسواق والمحلات التجارية حيث نقوم بجمع هذه المواد وتعبئتها في الشاحنات لتحمل إلى الأسواق ومن بين المواد التي نجمعها الخضر والفواكه والألبان واللحوم .... وأحيانا نتصادف مع زبون يطلب لحم الخنزير أو مشتقاته فنكون مضطرين إلى جمعها وحملها على الشاحنات. سؤالي : ما رأي الشرع في عملي هذا؟ مع العلم أن فرص العمل المتوفرة في المطاعم والمقاهي بدورها تقدم أطباقا تحتوي علي لحم خنزير.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز بيع لحم الخنزير ، ولا الإجارة على حمله ، ولا الإعانة عليه بوجه من الوجوه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ( إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ حَرَّمَ بَيْعَ الْخَمْرِ وَالْمَيْتَةِ وَالْخِنْزِيرِ وَالْأَصْنَامِ ) رواه البخاري (2082) ومسلم (2960) .
ولقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 ، وكذا كل ما ثبت تحريمه ، فلا يجوز الإعانة عليه ، كتقديم الخمر ، أو الميتة ، أو لحم الحمر الأهلية ، في المطاعم وغيرها .
قال الله تعالى : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ ) المائدة/3 .(/1)
والواجب على المسلم أن يتقي الله تعالى ، وأن يبحث عن الكسب الحلال ، وأن يجتنب الكسب الحرام ، فإن كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر رضي الله عنه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (4519) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عن العمل في المطاعم التي تقدم بها الخمور ولحم الخنزير .
فأجابوا : " يحرم العمل والتكسب بالمساعدة على تناول المحرمات من الخمور ولحوم الخنزير ، والأجرة على ذلك محرمة ؛ لأن هذا من التعاون على الإثم والعدوان ، والله تعالى نهى عنه بقوله ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) وننصحك بالبعد عن العمل في هذا المطعم ونحوه ؛ لما في ذلك من التخلص من الإعانة على شيء مما حرمه الله ".
فتاوى اللجنة الدائمة (13/49) .
والحاصل أنه لا حرج عليك في العمل في هذا المخزن ، بشرط عدم الإعانة على شيء من الحرام ، بيعا ، أو جمعا ، أو حملا ، أو غير ذلك من صور الإعانة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
85195
العنوان:
الاحتكار المحرم يكون في كل ما يحتاج الناس إليه
السؤال:
هل الاحتكار يكون في القوت والطعام فقط ، أم ممكن يكون في باقي السلع ؟
الجواب:
الحمد لله
الاحتكار محرم ، ودل على تحريمه ما رواه مسلم في صحيحه عن معمر بن عبد الله رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) .
قال النووي رحمه الله تعالى: قال أهل اللغة الخاطئ هو العاصي الآثم وهذا الحديث صريح في تحريم الاحتكار. انتهى.
وإنما حرم الشرع الاحتكار لما فيه من الإضرار بالناس .
وقد اختلف أهل العلم فيما يجرى فيه الاحتكار فمنهم من يقول هو في القوت خاصة .
ومنهم من يرى أنه يجرى في كل ما يحتاجه الناس ويتضررون بحبسه، وهذا مذهب المالكية ورواية عن أحمد . وهذا القول هو الصحيح الموافق لظاهر الأحاديث .
قال الشوكاني رحمه الله تعالى في "نيل الأوطار" (5/262 ):
"وظاهر الأحاديث أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غيره ، والتصريح بلفظ الطعام في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة ، بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق" انتهى.
وقال الرملي الشافعي في حاشيته على أسنى المطالب (2/39): "ينبغي أن يجعلوه في كل ما يحتاج إليه غالباً من المطعوم والملبوس" انتهى.
وهذا ما يتفق مع الحكمة التي من أجلها منع الاحتكار ، وهي منع الإضرار بالناس ، وبهذا القول أفتت اللجنة الدائمة للإفتاء ، حيث جاء في فتواهم برقم (6374): "لا يجوز تخزين شيء الناس في حاجة إليه ، ويسمى الاحتكار ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحتكر إلا خاطئ) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه، ولما في ذلك من الإضرار بالمسلمين.
أما ما كان الناس في غنى عنه فيجوز تخزينه حتى يُحتاج إليه فيبذل لهم ، دفعاً للحرج والضرر عنهم" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/184).
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
85197
العنوان:
احتاج سداد أجرة البيت ولم يجد من يقرضه فهل يقترض بالربا؟
السؤال:
إذا احتاج الرجل إلى شيء من المال لنفقات البيت ، أو تسديد أجرة البيت ، ونحو ذلك ، ولم يجد من يقرضه ولا من يستدين منه : فهل يجوز له أن يستدين من البنك ؟
الجواب:
الحمد لله
إن كانت الاستدانة من البنك على طريقة شرعية ؛ كأن يأخذ منه قرضا بمثله من دون زيادة ، أو يشتري منه سلعة إلى أجل معلوم - ولو بأكثر من ثمنها الحاضر - : فلا بأس ، أما إذا اقترض منه على وجه الربا : فهذا لا يجوز ؛ لأن الله سبحانه حرم الربا في كتابه العظيم ، وسنة رسوله الكريم عليه الصلاة والسلام ، وورد فيه من الوعيد ما لم يرد في أكل الميتة ، ونحوها ، قال الله سبحانه : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ) قال أهل التفسير : معنى ذلك أنه يقوم من قبره يوم القيامة كالمجنون ، ثم قال الله سبحانه بعد ذلك : ( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ . يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ) .
وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء. رواه مسلم في صحيحه ، والآيات والأحاديث في تحريم الربا والوعيد عليه كثيرة مشهورة ، وليس عدم المحتاج من يقرضه أو يبيع عليه بالدين يجعله في حكم المضطر الذي تباح له الميتة أو الربا، هذا قول لا وجه له من الشرع ؛ لأن في إمكان المحتاج أن يعمل بيده حتى يحصل ما يسد حاجته ، أو يسافر إلى بلاد أخرى حتى يجد من يقرضه أو يبيع عليه بالدين إلى أجل .(/1)
والمضطر هو الذي يخشى على نفسه الموت إذا لم يأكل من الميتة ونحوها بسبب شدة المجاعة وعدم قدرته على ما يسد رمقه بالكسب ولا بغيره ، وليست حاجة هؤلاء الذين يعاملون البنوك بالربا في حكم الضرورة التي تبيح الميتة ونحوها .
وكثير من الناس سهل عليهم أمر الربا حتى صار يعامل فيه ويفتي الناس به بأدنى شبهة ، وما ذاك إلا لقلة العلم ، وضعف الإيمان ، وغلبة حب المال على النفوس ، نسأل الله السلامة والعافية مما يغضبه ، ومهما أمكن عدم التعامل مع البنك وعدم الاقتراض منه - ولو بالطرق الشرعية التي ذكرنا آنفا - فهو أولى وأحوط ؛ لأن أموال البنك لا تخلو من الحرام غالباً ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) متفق عليه ، والله المستعان .(/2)
رقم السؤال:
85206
العنوان:
سجد الإمام للتلاوة ولم يعلم المأموم فركع
السؤال:
إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أن الإمام ركع فركع فما الحكم ؟
الجواب:
الحمد لله
"إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أنه ركع ثم ركع بناء على أن الإمام قد ركع ، فلا يخلو من حالين :
إحداهما : أن يعلم بأن الإمام ساجد وهو راكع ، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد اتباعاً لإمامه .
الحال الثانية : أن لا يشعر أن الإمام ساجد إلا بعد أن يقوم من السجدة ، وحينئذ نقول للمأموم الذي ركع: ارفع الآن وتابع الإمام واركع مع إمامك واستمر ، وسجود التلاوة سقط عنك حينئذ ، لأن سجود التلاوة ليس ركناً في الصلاة حتى يحتاج أن تأتي به بعد إمامك ، وإنما يجب عليك متابعة للإمام . والمتابعة هنا قد فاتت ، فهي سنة قد فات محلها ، وتستمر في صلاتك" انتهى .(/1)
رقم السؤال:
85229
العنوان:
الفرق بين الركن والواجب في الصلاة
السؤال:
ما الفرق بين الركن والواجب في الصلاة
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الفرق بين الركن والواجب في الصلاة : أن الركن لا يسقط عمدا ولا سهوا ولا جهلاً ، بل لابد من الإتيان به .
أما الواجب : فيسقط بالجهل والنسيان ، ويجبر بسجود السهو .
وأركان الصلاة أربعة عشر ركنا ، وواجباتها ثمان ، وقد سبق بيانها في جواب السؤال رقم (65847) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
85257
العنوان:
لا يجوز للإنسان أن يدعو على نفسه
السؤال:
أنا فتاة ولدت بعيب خلقي وهو عدم وجود الرحم وأختي الصغرى قد تأخرت عنها الدورة الشهرية فخفت أن تكون مثلي فطلبت من الله أن يصرف عني الزواج ويرزق أختي الدورة حتى لا تكون مختلفة عن صديقاتها ولا تمر بما مررت به . فهل يجوز الآن وبعد أن بَلغَتْ والحمد لله أن أدعو الله بالزوج الصالح أم آثم إذا دعوته ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز لك أن تدعي الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح ، ولا إثم عليك في ذلك ، وقد أخطأت في دعائك الأول ، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن دعاء الإنسان على نفسه .
روى مسلم (3014) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَوْلَادِكُمْ وَلَا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ لَا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ ).
وروى مسلم (920) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ إِلَّا بِخَيْرٍ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُؤَمِّنُونَ عَلَى مَا تَقُولُونَ ).(/1)
وروى مسلم (6288) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَادَ رَجُلا مِنْ الْمُسْلِمِينَ قَدْ خَفَتَ ، فَصَارَ مِثْلَ الْفَرْخِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هَلْ كُنْتَ تَدْعُو بِشَيْءٍ، أَوْ تَسْأَلُهُ إِيَّاهُ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، كُنْتُ أَقُولُ : اللَّهُمَّ مَا كُنْتَ مُعَاقِبِي بِهِ فِي الْآخِرَةِ فَعَجِّلْهُ لِي فِي الدُّنْيَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! لَا تُطِيقُهُ ، أَوْ لَا تَسْتَطِيعُهُ ، أَفَلَا قُلْتَ : اللَّهُمَّ آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً ، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً ، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ . قَالَ : فَدَعَا اللَّهَ لَهُ ، فَشَفَاهُ .
ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
85280
العنوان:
هل الإنجيل المكتوب بالآرامية موجود اليوم ؟
السؤال:
هل الإنجيل الأصلي الذي باللغة الآرامية موجود هذا الزمان وأين ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
اختلف الباحثون والمتخصصون في علوم الديانات والتاريخ القديم في اللغة التي كان يتحدث بها الرسول الكريم عيسى بن مريم عليه السلام .
" ويجمع الباحثون أن فلسطين زمن بعثة عيسى كانت بمثابة لوحة فسيفسائية ، وأن سكانها كانوا خليطا من كل أمة ولسان ، وكانوا يتكلمون بدرجات متفاوتة : العبرانية ، والآرامية بلهجاتها ، والإغريقية ، واللاتينية .
ولكن الاختلاف يقوم بينهم حين يسعون إلى تلمس الحدود الجغرافية لكل واحدة من تلك اللغات ، وحين يريدون حصر الخصائص المميزة لتلك اللغات ، وتحديد نسبة تأثر بعضها ببعض ،
ونحن حين نقرأ سيرة عيسى في الأناجيل الأربعة نجده يخاطب فئات مختلفة من الناس :
فقد خاطب عامة الناس من مختلف المدائن والبوادي ، وخاطب أعضاء المجلس الأعلى ، ومعلمي الشريعة ، والقائمين على تسيير الهيكل وإدارة الشؤون الدينية اليهودية ، كما خاطب الحاكم الروماني لفلسطين وكانت لغته اللاتينية .
وفي كلمات المسيح المنسوبة إليه في الإنجيل كلمات آرامية :
" إيلي إيلي لما شبقتني ؟! أي إلهي إلهي لماذا تركتني ؟! ( إنجيل متى 27 / 46 ) .
" وأمسك بيد الصبية وقال لها : " طليثا ، قومي ! " الذي تفسيره : يا صبية ، لك أقول : قومي ! ( إنجيل مرقص 5 / 41 ) .
وفيه كلمات عبرية :
" قال لها يسوع : " يا مريم " فالتفتت تلك وقالت له : " رَبُّونِي " ، الذي تفسيره : يا معلم " ( إنجيل يوحنا 20 / 17 ) .
" وكان يخاطب ويباحث اليونانيين " ( أعمال الرسل 9 / 29 ) وظاهره أن المباحثة كانت بلغتهم ، ولاختلاف هذه الشواهد كان الخلاف شديدا بين العلماء والباحثين في تحديد لغة المسيح عليه السلام .(/1)
وذهب ابن تيمية وابن القيم إلى أنه لم يتكلم بغير العبرانية ، فقال ابن تيمية في " الجواب الصحيح " ( 3 / 75 ) :
" والمسيح كان عبرانيا لم يتكلم بغير العبرانية " انتهى .
وقال في ( 1 / 90 ) : " ومن قال إن لسان المسيح كان سريانيّاً ( أي آراميّاً ) أو روميّاً : فقد غلط " انتهى .
وذهب بعضهم إلى أن " هذه المعطيات جميعها تبين أن أغلب حديث عيسى عليه السلام كان باللغة الآرامية ، وهي اللغة الشعبية التي كانت شائعة أكثر من غيرها ، ثم يتلوه حديثه باللغة العبرانية لغة العهد القديم ، كما يبدو أنه كان مثقفا باللاتينية والإغريقية " .
انظر " لغة المسيح عيسى بن مريم " بحث د.عبد العزيز شهبر ( ص 112 ، 113 ) ، منشور في كتاب " لغات الرسل " .
ثانيا :
يجب على المسلمين جميعا الإيمان بالإنجيل الذي أوحاه الله إلى نبيه عيسى المسيح عليه السلام ، ومن أنكره كفر باتفاق أهل العلم .
يقول سبحانه وتعالى : ( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ ) المائدة/46 .
وإيماننا بالإنجيل يقتضي منا الإيمان بوجوده وتمام وحيه ، وكذلك الإيمان بكل ما جاء فيه أنه حق ومن عند الله .
ولكن لم يأت في شريعتنا شيء في بيان هل كان هذا الإنجيل مكتوبا ومجموعا جميعه في عهد عيسى عليه السلام ، ومن الذي كتبه ، ومن الذي حفظه ونشره ، أم كان المسيح يعلمه الناس مشافهة ، ثم يتناقله الحواريون ومن آمن به ؟ أم كتب بعضه وترك بعض آخر ؟ فهذه أسئلة قد لا نستطيع أن نجزم فيها بجواب اليوم ، بل إن بعض الباحثين ينفي أن يكون الإنجيل الحقيقي مدونا على هيئة كتاب ، وإنما كان أقوالا متناقلة .(/2)
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في " التحرير والتنوير " ( 3 / 26 ) في مطلع تفسير آل عمران :
" وأما الإنجيل : فاسم للوحي الذي أوحي به إلى عيسى عليه السلام فجمعه أصحابه " انتهى .
يقول الشيخ أحمد ديدات – رحمه الله - :
فنحن نؤمن بإخلاص بأن كل ما كان يقوله عيسى عليه السلام كان وحياً من الله ، وبأنه هو الإنجيل والبشارة إلى بني إسرائيل ، وخلال حياته لم يكتب عيسى كلمة واحدة ، كما أنه لم يأمر أحداً بالكتابة .
" هل الكتاب المقدس كلمة الله " ( ص 14 ) .
وإن كان الظاهر أن المسيح عليه السلام يعرف الكتابة والقراءة ، ويفهم ذلك من قوله تعالى :
( وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ) آل عمران/48
قال ابن كثير – رحمه الله - :
الظاهر أن المراد بالكتاب ههنا الكتابة .
" تفسير القرآن العظيم " ( 1 / 485 ) .
إلا أننا لا نملك دليلا على كتابة الوحي زمن عيسى عليه السلام ، وليس في تسمية الإنجيل " كتابا " في القرآن الكريم دليل على كتابته في الصحف زمن الوحي ، فإن التسمية بـ " الكتاب " إنما هي باعتبار ما عند الله في اللوح المحفوظ ، أو باعتبار تهيئه للكتابة والتدوين ، واعتبر ذلك بالقرآن الكريم ، فقد سماه الله " كتابا " ، وإنما كان يتناقل شفاها مع كتابة متفرقة له في الجلود والصحف ، وفي الحقيقة لم يكن كتابا مجموعا حتى كان زمن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، بل قال سبحانه وتعالى : ( وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ ) الأنعام/7 .
يقول الطاهر ابن عاشور في تفسير سورة مريم الآية/30 :
والكتاب : الشريعة التي من شأنها أن تكتب لئلا يقع فيها تغيير . فإطلاق الكتاب على شريعة عيسى كإطلاق الكتاب على القرآن .
" التحرير والتنوير " ( 8 / 470 ) .(/3)
والنصارى كذلك لا يؤمنون أن ثمة كتابا كتبه المسيح أو أحد تلامذته في عهده ، ثم فُقِدَ بعد ذلك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
وأما الإنجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح عليه السلام ، ولا أملاه على من كتبه ، وإنما أملوه بعد رفع المسيح .
" الجواب الصحيح " ( 1 / 491 ) .
وهذا فرق ظاهر بين الوحي الذي أنزل على موسى والوحي الذي أنزل على عيسى ، فقد جاء في القرآن الكريم ما يدل على كتابة الأول في قوله تعالى : ( وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ ) الأعراف/145 .
وإن كان يبدو من كلام بعض علماء المسلمين أن الإنجيل الحقيقي كان مدونا ومكتوبا في عهد المسيح عليه السلام ، تجد ذلك في كلام ابن حزم في " الفِصَل " ، وابن تيمية في " الجواب الصحيح " .
وكذلك جاء في " الإنجيل " إطلاق هذا اللفظ على ما أوحاه الله إلى المسيح ، حيث جاء في (إنجيل مرقص 8/35) : " ومن أهلك نفسه من أجلي ومن أجل الإنجيل يخلصها " .
أما الأناجيل الموجودة اليوم ، فليست هي الإنجيل الحقيقي ، ولكن لا ينكر احتواؤها على كثير من الإنجيل الذي أوحاه الله سبحانه إلى المسيح .
قال ابن تيمية - رحمه الله -(/4)
هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل ، وقد يسمون كل واحد منهم إنجيلا إنما كتبها هؤلاء بعد أن رفع المسيح ، فلم يذكروا فيها أنها كلام الله ، ولا أن المسيح بلغها عن الله ، بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح ، وأشياء من أفعاله ومعجزاته ، وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه ، فكانت من جنس ما يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي صلى الله عليه وسلم من أقواله وأفعاله التي ليست قرآنا ، فالأناجيل التي بأيديهم شبه كتاب السيرة وكتب الحديث أو مثل هذه الكتب ، وإن كان غالبها صحيحاً .
" الجواب الصحيح " ( 2 / 14 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 47516 ) .(/5)
رقم السؤال:
85299
العنوان:
هل يكتب للأطفال حج ؟
السؤال:
هل اصطحاب الأطفال للحج. هل تكتب لهم حجة إذا أديت المناسك عنهم أو ماذا.
الجواب:
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أن الصبي له حج يثاب عليه ، لكن لا يجزئه عن حجة الإسلام ، فقد روى مسلم (2378) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : رَفَعَتْ امْرَأَةٌ صَبِيًّا لَهَا فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ , أَلِهَذَا حَجٌّ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ وَلَكِ أَجْرٌ ).
قال النووي في "شرح مسلم" :
" فِيهِ حُجَّة لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِك وَأَحْمَد وَجَمَاهِير الْعُلَمَاء أَنَّ حَجّ الصَّبِيّ مُنْعَقِد صَحِيح يُثَاب عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ لَا يُجْزِيه عَنْ حَجَّة الْإِسْلَام , بَلْ يَقَع تَطَوُّعًا , وَهَذَا الْحَدِيث صَرِيح فِيهِ . . .
قَالَ الْقَاضِي : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئهُ إِذَا بَلَغَ عَنْ فَرِيضَة الْإِسْلَام إِلَّا فِرْقَة شَذَّتْ فَقَالَتْ : يُجْزِئهُ , وَلَمْ تَلْتَفِت الْعُلَمَاء إِلَى قَوْلهَا . . .
وقَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَلَك أَجْر ) مَعْنَاهُ بِسَبَبِ حَمْلهَا وَتَجْنِيبهَا إِيَّاهُ مَا يَجْتَنِبهُ الْمُحْرِم وَفِعْل مَا يَفْعَلهُ الْمُحْرِم " انتهى .
وقال الخطابي :(/1)
" إِنَّمَا كَانَ لَهُ الْحَجّ مِنْ نَاحِيَة الْفَضِيلَة دُون أَنْ يَكُون مَحْسُوبًا عَنْ فَرْضه لَوْ بَقِيَ حَتَّى بَلَغَ وَيُدْرِك مَدْرَك الرِّجَال , وَهَذَا كَالصَّلَاةِ يُؤْمَر بِهَا إِذَا أَطَاقَهَا وَهِيَ غَيْر وَاجِبَة عَلَيْهِ وُجُوب فَرْض وَلَكِنْ يُكْتَب لَهُ أَجْرهَا تَفَضُّلًا مِنْ اللَّه سُبْحَانه وَتَعَالَى وَيُكْتَب لِمَنْ يَأْمُرهُ بِهَا وَيُرْشِدهُ إِلَيْهَا أَجْر فَإِذَا كَانَ لَهُ حَجّ فَقَدْ عُلِمَ أَنَّ مِنْ سُنَنه أَنْ يُوقَف بِهِ الْمَوَاقِف وَيُطَاف بِهِ حَوْل الْبَيْت مَحْمُولًا إِنْ لَمْ يُطِقْ الْمَشْي وَكَذَلِكَ السَّعْي بَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة وَنَحْوهَا مِنْ أَعْمَال الْحَجّ " انتهى نقلاً من "عون المعبود" .
وروى الترمذي (926) عَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : (حَجَّ بِي أَبِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ) صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أيما صبي حج ثم بلغ فعليه حجة أخرى) رواه الشافعي في مسنده ، وصححه الألباني في إرواء الغليل (686) .
وقد سبق الكلام على حج الصبي ، وما يترتب عليه في جواب السؤال رقم (3240) و (49028)
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
85317
العنوان:
أخت زوجها تسبب لهم المشاكل
السؤال:
أنا امرأة مُتزوجة وأُمٌ لِثلاثة أولاد , وزوجي يخشى اللّه , ويبَرُّ والديه , إلاّ أنّ أُختَ زوجي تسبِِّبُ دائما المشاكل بيني وبين زوجي , حيث إنّها تكذِبُ عليه في كثير من الأمور ، مِمّا يُؤدي بِنا دائما إلى المُشاجرة ، وقد ينعكِس على حياتِنا الزوجية ، لكن في الأخير عرَف زوجي الحقيقة بأنّها تَكذب ، هذه المرة تعقدت الأمور جدا ؛ حيث إنّها وصلت بِها الجرأة إلى السّب والشتم وانتِهاك عرضي وعرضَ زوجي , وحرَّضت والِديه عليه وعليَّ بالبُهتان ، لِتُبرِّئ نَفسَها , مع العلم أنّها البنت الوحيدة لديهما , مما يزيد التعلُّق بقولِها , فصدّقاها وكذّبا زوجي ، ممّا أدّى إلى تَوَتُر العلاقات بين زوجي ووالِديه ، ومعي كذَلِك , ومع هذا كُلُّه فهو يصل والديه , ولإخوته الباقين , إلاّ هيَ .
فهل على زوجي إِثم في قَطعِ صِلة الرَّحم بها ؟ وأنا هل تُعتَبر صِلة رَحم لي ؟ مع العلم أنِّي حاولت بِعِدّة طُرُق مباشرة أو غير مباشرة التَقرُّب إليها , مَثَلا إهدائها الهدايا , إكرام ضِيافَتِها إلخ ، أمّا الآن أُريد الابتعاد عنها لتَجنُب الفِتنة بيني وبين عائلة زوجي , وكي لا أكون عائقا بين زوجي ووالديه ، أمّا بالنسبة إلى والديه فأُريد أن أَبقَى على علاقة من بعيد ، حيث الاتصال بهما في المُناسبات ، وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أسأل الله سبحانه أن يصلح الأحوال ، وألا يجعل للشيطان عليكم سبيلا ، وأن يهديكم لما فيه الخير والصلاح(/1)
وقد أحسنتِ غاية الإحسان في المبادرة بالصلح والتفاهم ، وبهذا أديت الواجب عليك ، ورفعت عنك الإثم والمؤاخذة ، فسعيك مقبول إن شاء الله ، وبعد بذل الأسباب في محاولة الإصلاح ودرء المشكلات : قد يكون البعد أفضل علاج ، أعني بُعدك عن أخت زوجك والاحتكاك بها ، خاصة إذا بلغت الأمور إلى الطعن في الأعراض ، وكذا البعد عن والدي زوجك ، إذا كانت الصلة تسبب المشاكل ، فإن أهل الزوج ليسو من أرحامك الذين تجب عليك صلتهم ، كما سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم ( 75057 ) .
وإنما هم أرحام الزوج ، فلا يجوز في حقه هو قطيعتهم ، وإن كانوا يؤذونه ، ويتطاولون عليه
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلا قال : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُم وَيَقطَعُونِي ، وَأُحسِنُ إِلَيهِم وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ ، وَأَحلُمُ عَنهُم وَيَجهَلُونَ عَلَيَّ . فَقَالَ : لَئِن كُنْتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُمُ المَلَّ ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِنَ اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِم مَا دُمتَ عَلَى ذَلِكَ . رواه مسلم ( 2558 )
قال النووي – رحمه الله - :
معناه : كأنما تطعمهم الرماد الحار ، وهو تشبيه لما يلحقهم من الألم بما يلحق آكل الرماد الحار من الألم ، ولا شئ على هذا المحسن ، بل ينالهم الإثم العظيم في قطيعته وإدخالهم الأذى عليه ، وقيل معناه : إنك بالإحسان إليهم تخزيهم وتحقرهم في أنفسهم لكثرة إحسانك وقبيح فعلهم من الخزي والحقارة عند أنفسهم كمن يسف المل ، وقيل : ذلك الذي يأكلونه من إحسانك كالمل يحرق أحشاءهم . " شرح مسلم " ( 16 / 115 ) .(/2)
وعليه أن يتحمل كل أذى يناله منهم ، ويتحرى وصلهم بالحدود التي لا تزيد المشاكل ، ولا تفاقم الأمور ، وليستعمل الرفق والتهذيب في معاملة أخته ؛ لعل الله سبحانه وتعالى أن يهديها إلى الخير والصلاح ، فيحاول نصحها وبيان حقيقة الأمور ، وليستعن عليها بمن هو أقرب إليه منها ، ولا يعامل والديه إلا بالحسنى ، وعليكِ أن تعينيه على ذلك ، وتحثيه على صلتهم والإحسان إليهم ، وذكريه بقول الله تعالى : ( وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ . وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ) فصلت/34،35
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة عن مشكلة مشابهة لما عرضت في السؤال فكان جوابهم :
نوصيك ببر والدتك ، وطيب الكلام معها ، وعدم إظهار التضجر منها ، وعليك بمداومة نصيحة أختك بالأسلوب الحسن للكف عن إثارة المشكلات إن كانت غير محقة .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 254 ) .
ولتكن نيتكِ في بعدكِ عنهم النظر إلى وقت صفاء النفوس ، ومراجعة المواقف ، حتى يأذن الله تعالى بالمحبة والمودة بينكم ، فتعود العلاقات الطيبة إلى أسرتكم ، فإن ذلك من أعظم المقاصد التي جاءت الشريعة لتحقيقها بين الناس .
وقد جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 26 / 127 ) :(/3)
أمر الشرع المطهر بغرس المحبة بين المسلمين ، وحثهم على التواد والتراحم والتواصل بينهم حتى تستقيم أمورهم ، وتصفو نفوسهم ، ويكونوا يدا واحدة على من سواهم ، وقد حذرهم من العداوة والبغضاء ، كما نهاهم عن الهجران والقطيعة بينهم ، وجعل الهجر ما فوق الثلاث محرما . ففي الصحيحين وغيرهما عن أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ ، يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا وَيُعرِضُ هَذَا ، وَخَيرُهُمَا الذِي يَبدَأُ بِالسَّلَامِ ) ، وفي سنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِيَّاكُم وَسُوءَ ذَاتِ البَينِ ، فَإِنَّها الحَالِقَةُ ) أي : تحلق الدِّين .
والواجب على المسلم إذا وقع بينه وبين أخيه شحناء أن يذهب إليه ، ويسلم عليه ، ويتلطف له في إصلاح ذات بينهما ، فإن في ذلك أجرا عظيما ، وسلامة من الإثم .
انتهى
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
85331
العنوان:
هل يلزم الزوج أجرة سكن ولده المحضون عند مطلقته؟
السؤال:
لدي صديق زوجته ناشز وعادت إلى بيت أهلها وبقيت هناك مدة سنة أو أكثر حيث أنجبت خلالها طفلة كانت بها حاملا ساعة خروجها من البيت , وخلال تلك السنة رفعت على صديقي قضية في المحاكم الشرعية هنا لتثبت أنها تضررت وهي في ذمته ولكن لم تصل إلى نتيجة حيث إنها وجدت غير متضررة حتى من قبل آخر محامي لديها ، والذي أقنعها بخلع نفسها عوضا عن ذلك ، مع محاولة ثني عزم صديقي عن المطالبة بالمهر ومصاريف الزواج ، وإلزامه بدفع نفقة الطفلة ما قيمته 90 دينارا ليبيا ، وهو مبلغ كبير بالنسبة لصديقي العاطل عن العمل حاليا . سؤالي : هل يوجد من ضمن نفقة الطفلة ما يسمى بأجرة السكن والتي يجب أن تدفع للأم مع باقي قيمة النفقة ؟ أفيدونا أفادكم الله حيث إن الأمر متوقف على مدى شرعية هذه المسألة ، وما يدخل تحت اسم النفقة تحديدا ؟
الجواب:
الحمد لله
نفقة الولد واجبة على أبيه ، ولا تسقط بنشوز أمه أو طلاقها ، فإن كان الولد في حضانة أمه فالنفقة تعطى لها .
وكذلك للأم الحاضنة أن تطالب بأجر رضاعها للولد ، لقول الله تعالى : (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍ) الطلاق/6 .
وانظر : "المغني" (11/411، 432) .
ويدخل في النفقة : الطعام والكسوة وما يحتاج إليه الولد من نفقات أخرى كالتعليم ، ويراعى في ذلك حال الأب ، من الغنى أو الفقر ، لقول الله تعالى : (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) الطلاق/7 .
واختلف العلماء في الطفل الصغير الذي في حضانة أمه . هل يدخل في النفقة الواجبة له : السكن أم لا ؟(/1)
فذهب بعض العلماء إلى أنه يلزم الأب نفقات سكن ولده ، لأنه لابد له من السكن .
وذهب آخرون إلى أنه لا يحتاج إلى السكن اكتفاءً بسكن أمه ، فإنه في حضانتها .
واختار ابن عابدين رحمه الله قولاً وسطاً بين القولين ، وهو قول حسن ، وهو : وجوب أجرة السكن للولد إذا كانت الأم ليس لها سكن ، فإن كان لها سكن فلا يلزم الأب أجرة سكنه . فقال : "والحاصل : أن الأوجه لزوم السكن للولد ، لكن هذا إنما يظهر لو لم يكن للأم مسكن ، أما لو كان لها مسكن يمكنها أن تحضن فيه الولد ويسكن تبعاً لها فلا ، لعدم احتياجه إليه ... ولا يخفى أن هذا هو الأرفق بالجانبين ، فليكن عليه العمل " انتهى بتصرف.
"حاشية ابن عابدين" (3/562) .
ونظراً لاختلاف العلماء في هذه المسألة ، فالمرجع في ذلك إلى القاضي ، فيحكم بما ظهر له أنه الحق ، ويلزم الطرفين الانقياد له .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
85335
العنوان:
لا يصح نكاح الزانية والزاني حتى يتوبا
السؤال:
هل يجوز الزواج من امرأة كانت تمارس الزنى ؟
الجواب:
لا يصح نكاح الزانية أو الزاني حتى يتوبا ، فإن لم تتب المرأة أو الرجل لم يصح النكاح .
قال الله تعالى : ( الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3 .
وقد ورد في سبب نزول الآية ما يزيد الحكم بيانا ، وهو ما رواه أبو داود (2051) عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ مَرْثَدَ بْنَ أَبِي مَرْثَدٍ الْغَنَوِيَّ كَانَ يَحْمِلُ الْأَسَارَى بِمَكَّةَ وَكَانَ بِمَكَّةَ بَغِيٌّ يُقَالُ لَهَا عَنَاقُ وَكَانَتْ صَدِيقَتَهُ . قَالَ : جِئْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَنْكِحُ عَنَاقَ ؟ قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي ، فَنَزَلَتْ (وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ) فَدَعَانِي فَقَرَأَهَا عَلَيَّ ، وَقَالَ : لَا تَنْكِحْهَا . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال في "عون المعبود" :
"فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَتَزَوَّج بِمَنْ ظَهَرَ مِنْهَا الزِّنَا , وَيَدُلّ عَلَى ذَلِكَ الْآيَة الْمَذْكُورَة فِي الْحَدِيث لِأَنَّ فِي آخِرهَا : ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) فَإِنَّهُ صَرِيح فِي التَّحْرِيم" انتهى .
قال السعدي رحمه الله في تفسير الآية السابقة :(/1)
"هذا بيان لرذيلة الزنا, وأنه يدنس عرض صاحبه , وعرض من قارنه ومازجه , ما لا يفعله بقية الذنوب. فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء, إلا أنثى زانية, تناسب حالُه حالَها, أو مشركةٌ بالله, لا تؤمن ببعث ولا جزاء, ولا تلتزم أمر الله. والزانية كذلك, لا ينكحها إلا زان أو مشرك (وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ) أي: حرم عليهم أن يُنْكِحوا زانيا, أو يَنْكِحوا زانية.
ومعنى الآية: أن من اتصف بالزنا, من رجل أو امرأة , ولم يتب من ذلك , أن المقدم على نكاحه , مع تحريم الله لذلك , لا يخلو إما أن لا يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فذاك لا يكون إلا مشركا. وإما أن يكون ملتزما لحكم الله ورسوله, فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه, فإن هذا النكاح زنا, والناكح زان مسافح . فلو كان مؤمنا بالله حقا, لم يقدم على ذلك.
وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية, حتى تتوب, وكذلك نكاح الزاني حتى يتوب. فإن مقارنة الزوج لزوجته, والزوجة لزوجها, أشد الاقترانات, والازدواجات. وقد قال تعالى: (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ) أي: قرناءهم. فحرم الله ذلك, لما فيه من الشر العظيم. وفيه من قلة الغيرة, وإلحاق الأولاد, الذين ليسوا من الزوج, وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها, مما بعضه كاف في التحريم" انتهى.
وبمثل ذلك قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، وأن معنى الآية :
أن من اعتقد تحريم نكاح الزانية ومع ذلك نكحها ، فقد عقد عقداً محرماً ، يعتقد أنه حرام ، والعقد الحرام وجوده كعدمه ، فلا يحل له الاستمتاع بالمرأة ، فيكون هذا الرجل زانيا في هذه الحال .
وأما إذا أنكر تحريم نكاح الزانية ، وقال : هو حلال ، فيكون هذا الرجل مشركا في هذه الحال ، لأنه أحل ما حرم الله ، وجعل نفسه مشرعا مع الله . وهكذا نقول لمن زوج ابنته رجلا زانيا .
"فتاوى المرأة المسلمة" جمع أشرف عبد المقصود (2/698) .(/2)
وبهذا (أي تحريم نكاح الزانية) أفتى الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله .
انظر : "فتاوى محمد بن إبراهيم" (10/135) ، "فتاوى اللجنة الدائمة" (18/383) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية :
" لما أمر الله تعالى بعقوبة الزانيين حرم مناكحتهما على المؤمنين ، هجرا لهما ، ولما معهما من الذنوب والسيئات . .. فأخبر أنه لا يفعل ذلك إلا زان أو مشرك .
أما المشرك فلا إيمان له يزجره عن الفواحش ومجامعة أهلها .
وأما الزاني ففجوره يدعوه إلى ذلك وإن لم يكن مشركا . . .
والله قد أمر بهجر السوء وأهله ما داموا عليه ، وهذا المعنى موجود في الزاني . . .
والله سبحانه شرط في الرجال أن يكونوا محصنين غير مسافحين فقال : ( وأحل لكم ما وراء ذلكم أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين ) وهذا المعنى مما لا ينبغي إغفاله ; فإن القرآن قد نصه وبينه بيانا مفروضا .
فأما تحريم نكاح الزانية فقد تكلم فيه الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم وفيه آثار عن السلف وإن كان الفقهاء قد تنازعوا فيه ، وليس مع من أباحه ما يعتمد عليه " انتهى .
"مجموع الفتاوى" (15/316) .
وقال أيضاً (32/110) :
" نكاح الزانية حرام حتى تتوب ، سواء كان زنى بها هو أو غيره . هذا هو الصواب بلا ريب وهو مذهب طائفة من السلف والخلف : منهم أحمد بن حنبل وغيره . .
وهذا هو الذي دل عليه الكتاب والسنة والاعتبار ; والمشهور في ذلك آية النور قوله تعالى : ( الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وحرم ذلك على المؤمنين ) وفي السنن حديث أبي مرثد الغنوي في عناق " انتهى .
وعلى من ابتلي بذلك وعقد النكاح قبل التوبة أن يتوب إلى الله تعالى ويندم على ما فعل ويعزم على عدم العودة إلى هذا الذنب ، ثم يعيد عقد النكاح مرة أخرى .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
85353
العنوان:
عرض عليه البنك تجميد جزء من حسابه مقابل فائدة
السؤال:
لدى زوجي حساب جاري في أحد البنوك الأجنبية ، ولأن حركة الحساب نشطة جداً بسبب عمله عرض عليه البنك تجميد مبلغ معين مقابل الحصول على مبلغ 40.000 درهم شهرياً ولا أعرف إن كان يعتبر هذا ربا أو لا ؟ والمشكلة أن زوجي لا يقتنع بأنه ربا ، وذلك لأن الربا- من وجهة نظره - يكون باستغلال ظروف الناس (من محتاجين ومرضى ومضطرين) وزيادة الفائدة عليهم , وهو يقول : إن البنك ليس بحاجة إلى أموالي . فأرجو معرفة الحكم الشرعي لهذه الحالة ؟ وإن كانت ربا فكيف أقنعه بذلك علماً أنه مسلم من الطائفة العلوية ، وليست لديه الثقة الكافية بالعلماء والشيوخ وبذات الوقت يقول إن القرآن حرم الربا ولكن ليس في مثل هذه الحالات وأن الفتاوى غالباً ما تكون شخصية وغير مقنعة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قبل أن ننصح زوجك فيما يتعلق بالربا ، نرى أن الواجب علينا أن ننصحه فيما هو أهم ، وهو المذهب العلوي ، والمذهب العلوي له عقائد كثيرة يخالف بها عقائد المسلمين ، ولذلك فالمرجو من زوجك أن يراجع تلك العقائد ، ويرفض منها ما يتعارض مع الإسلام ، ويعتقد ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد ذكرنا في جواب السؤال رقم (109264) نبذة عن الطائفة العلوية ، فليرجع إليه .
ثانياً :
تجميد الحساب في البنك في مقابل الحصول على مبلغ 40.000 درهماً ، هو عين الربا ، لأن حقيقة هذه المعاملة أنها قرض بفائدة ، ولا يؤثر في هذا كون البنك محتاجا أو غير محتاج ، فكل قرض جر نفعا فهو ربا بإجماع العلماء ، وحقيقة القرض هي : أخذ المال ورد بدله ، فإن حصل الاتفاق على رده بزيادة ولو درهماً واحداً ، فهذا ربا بلا شك .(/1)
وليس في القرآن أو السنة تقييد الربا بما أُخذ من المحتاجين أو المرضى أو المضطرين ، بل الربا أبواب كثيرة ، منها القرض بالفائدة ، ومنها ربا البيوع : كمبادلة الذهب بالذهب بزيادة ، أو الفضة بالفضة بزيادة ، أو التمر بالتمر بزيادة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الربا اثنان وسبعون بابا ، أدناها مثل إتيان الرجل أمه) رواه الطبراني في الأوسط، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3537) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد عند الله من ستة وثلاثين زنية) رواه أحمد والطبراني وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (3375) .
وهذا الوعيد الشديد يهز قلب كل مؤمن ومؤمنة ، ويمنعه من الوقوع في هذا الجرم العظيم . وقد توعد الله آكل الربا بالحرب فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278، 279.
فمن الذي يرضى لنفسه ذلك ، ومن الذي يقدر على ذلك ؟!
وقد أخبر الله تعالى أن الربا ممحوق البركة ، مذموم العاقبة ، فقال : (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) البقرة/276.
وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن اللعنة تنزل على آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ، فروى مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، ومؤكله ، وكاتبه ، وشاهديه ، وقال : هم سواء) .
فما قيمة المال إن كان الله لا يبارك فيه ، وإن كانت اللعنة تنزل على صاحبه ؟!(/2)
ولهذا نرى كثيرا من أكلة الربا تضيع أموالهم في غير نفع ؛ لأنه لا بركة فيها ، مع ما يشعرون به من الهم والغم وضيق الصدر ، وهذا أثر من آثار المعصية ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى ، نسأل الله السلامة والعافية .
فعلى العاقل أن يرضى بالحلال ، وأن يقنع به ، وألا يلهث خلف الحرام ، فإنه لن يجني منه إلا الخسار والبوار .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
85362
العنوان:
دوافع النجاح وتجاوز الفشل
السؤال:
ما هو الدافع لدى بعض الناس لمقاومة الفشل ؟
الجواب:
الحمد لله
إن اسم الفشل ، أيها السائل الكريم ، كاف لكي ننفر منه ، ونسعى للنجاح ، بغض النظر عن مكسب مادي يتحصل عليه المرء من نجاحه ؛ فالفشل اسم نقص وذم ، والنجاح اسم كمال ومدح :
وَلَم أَرَ في عُيوبِ الناسِ شَيئاً كَنَقصِ القادِرينَ عَلى التَمامِ
إن الفشل والنجاح ، ثنائية منقطعة متصلة في الوقت نفسه ، قد يبدو منها التناقض في أول وهلة ، ولكنها في حقيقتها متلاحمة متشابكة في تنظير الفكر ، وشواهد التجربة والواقع ، وإن كان لكل منهما معرِّفاتُه التي من خلالها نفهم الدوافع التي تحملنا على سلوكها إقبالا أو إحجاما :
فالنجاح سنة في هذا الكون أراد الله تعالى أن تكون غاية كل مؤمن ، وخلق الكون كله مسخرا لتحقيق تلك الغاية ، فقد أمر سبحانه الإنسان بالإيمان ، وطلب منه الالتزام بالعبودية التي لا ينفك عنها ، وجعل ذلك غاية الخلق حين قال : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات/56 ، وعد سبحانه من مات على ذلك الطريق هو الناجح وغيره هو الخاسر : ( فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ ) آل عمران/185
فالنجاح إذا قصة الحياة ، وغاية خلق الله تعالى لهذا الكون ، وما أرسلت الرسل ، وما أنزلت الكتب إلا لدعوة الناس إلى النجاح الحقيقي عند الله سبحانه ، وقد وضع سبحانه من محفزات النجاح في الدنيا والآخرة ما يأخذ بأيدي السالكين إليه ، وذلك :(/1)
- حين كتب النعيم المقيم الخالد لمن نجح في اختبار الإيمان والعبودية ، والتزم طريقهما ومات عليهما : ( فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ . إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ . فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ . فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ . قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ . كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ ) الحاقة/19-24
- وحين صور القرآن حال أولئك الذين رفضوا سبيل النجاح ، وأصروا على سبيل الغواية والفشل ، ووصف حالهم يوم تعرض النتائج ، ويُعلم الناجح من الخاسر : ( وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ . وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ . يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ . مَا أَغْنَى عَنِّي مَالِيهْ . هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ ) الحاقة/25-29
- وحين كتب سبحانه الحياة الطيبة في الدنيا لمن يسلك سبيل النجاح ، فقال عز وجل : ( مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) النحل/97
قال ابن كثير - رحمه الله - :
" هذا وعد من الله تعالى لمن عمل صالحا بأن يحييه الله حياة طيبة في الدنيا ، والحياة الطيبة تشمل وجوه الراحة من أي جهة كانت ، وقد روي عن ابن عباس وجماعة أنهم فسروها بالرزق الحلال الطيب ، وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه فسرها بالقناعة ، وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس : إنها هي السعادة ، والصحيح أن الحياة الطيبة تشمل هذا كله . " تفسير القرآن العظيم " ( 4 / 601 ) .(/2)
هذا هو المنهج الذي يعيش وفقه المسلم ويفهم من خلاله الحياة ، ومن انطلق من هذا الفهم فإنه لا بد سيقوده إلى النجاح والتفوق في أمور دينه ودنياه ، لأن المؤمن يعلم أنه مطالب بإقامة الحق والعدل في هذه الدنيا لقول الله تعالى : ( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) الحديد/25 ، ونجاح الفرد جزء من نجاح الأمة في تحقيق العدل والقسط .
ولأن المؤمن يسمع كلام النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُم عَمَلًا أَن يُتقِنَهُ ) رواه أبو يعلى ( 7 / 349 ) وحسنه الألباني بشواهده في " السلسلة الصحيحة " ( 1113 ) ، وإتقان العمل ركن من أركان النجاح .
هذه الدوافع كلها هي التي تحفز المؤمن لبلوغ أقصى درجات النجاح ، فهو يسعى دائما في تنمية مواهبه ، واكتساب المهارات النافعة ، وتطوير ذاته على المستوى الثقافي والأخلاقي والاجتماعي والاقتصادي ، ويعلم أن المؤمن العامل الناجح خير من القاعد المحبط الكسول ، الذي لا يجني من كسله سوى خسارة الدنيا والدين .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَرُ اللَّهِ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ ) . رواه مسلم ( 2664 ) .
قال ابن القيم رحمه الله : " فتضمن هذا الحديث الشريف أصولا عظيمة من أصول الإيمان ..، ومنها :(/3)
أن سعادة الإنسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده ، والحرص هو بذل الجهد واستفراغ الوسع ... ، ولما كان حرص الإنسان وفعله إنما هو بمعونة الله ومشيئته وتوفيقه أمره أن يستعين به ، ليجتمع له مقام إياك نعبد وإياك نستعين ، فإن حرصه على ما ينفعه عبادة لله ، ولا تتم إلا بمعونته ؛ فأمره بأن يعبده وأن يستعين به .
ثم قال : ( ولا تعجز ) ؛ فإن العجز ينافي حرصه على ما ينفعه ، وينافي استعانته بالله ، فالحريص على ما ينفعه ، المستعين بالله ، ضد العاجز ؛ فهذا إرشاد له قبل وقوع المقدور إلى ما هو من أعظم أسباب حصوله ، وهو الحرص عليه مع الاستعانة بمن أزمة الأمور بيده ، ومصدرها منه ، ومردها إليه ؛ فإن فاته ما لم يُقَدَّرْ له ، فله حالتان : حالة عجز ، وهي مفتاح عمل الشيطان ؛ فيلقيه العجز إلى لو ، ولا فائدة في لو ههنا ، بل هي مفتاح اللوم والجزع والسخط والأسف والحزن ، وذلك كله من عمل الشيطان ، فنهاه صلى الله عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا المفتاح ، وأمره بالحالة الثانية ، وهي : النظر إلى القدر وملاحظته ، وأنه لو قدر له لم يفت ولم يغلبه عليه أحد ؛ ... فلهذا قال : ( فإن غلبك أمر فلا تقل لو أني فعلت لكان كذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل ) ، فأرشده إلى ما ينفعه في الحالتين : حالة حصول مطلوبة ، وحالة فواته ، فلهذا كان هذا الحديث مما لا يستغني عنه العبد أبدا "
شفاء العليل ( 37-38 ) .
وهو بهذا الفكر يتجاوز كل عقبة وكل فشل ، لا يعجزه شيء ، وليس لأمانيه حدود ، وليس لهمته وعزيمته نهاية .(/4)
بل يعلم أن الفشل إنما هو دليل على العمل ، لأن الذي يعمل هو الذي قد يفشل ، وأما القاعد المتكاسل فلا يصيب فشلا ولا نجاحا ، والعمل لا بد أن يثمر النجاح يوما ولو بعد حين ، فهو لذلك يتخذ من الفشل خطوة نحو النجاح ، يتنبه به على مواطن الخلل والنقص ، ويحاول تجاوزها وإصلاحها ، فيعود أقوى وأصلب مما كان عليه من قبل ، حتى يصيب النجاح الذي يسعى إليه .
وما باب التوبة الذي فتحه الله تعالى للذين يخطئون ويفشلون إلا حافز آخر لتجاوز مراحل الفشل إلى مراقي النجاح ، خاصة إذا استفاد المقصر من تجربته ، حتى قال بعض السلف : " معصية تورث ذلا وانكسارا خير من طاعة تورث عجبا واستكبارا " .
وأخيراً ، ومع كل هذه الحوافز والدوافع نحو النجاح وتجاوز الفشل لا يبقى عذر لقاعد أو متكاسل أو محبط ، فالسبيل ميسر ، إنما يَطلُبُ منك شيئا من العزيمة والإرادة والحكمة .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّ أُمَّتِي يَدخُلُونَ الجَنَّةَ إِلَّا مَن أَبَى ) رواه البخاري ( 7280 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 22704 ) .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
85369
العنوان:
حكم زواج المسيار
السؤال:
ما حكم زواج المسيار ؟
الجواب:
الحمد لله
فقد شرع الله الزواج لأهداف متعددة، منها تكاثر النسل والحفاظ على النوع الإنساني وإنجاب الذرية، ومنها تحقيق العفاف وصون الإنسان عن التورط في الفواحش والمحرّمات، ومنها التعاون بين الرجل والمرأة على شؤون العيش وظروف الحياة والمؤانسة، ومنها إيجاد الود والسكينة والطمأنينة بين الزوجين، ومنها تربية الأولاد تربية قويمة في مظلة من الحنان والعطف.
قال الله تعالى : ( وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) سورة الروم/21 .
قال السعدي (1/639) :
" بما رتب على الزواج من الأسباب الجالبة للمودة والرحمة فحصل بالزوجة الاستمتاع واللذة والمنفعة بوجود الأولاد وتربيتهم، والسكون إليها، فلا تجد بين أحد في الغالب مثل ما بين الزوجين من المودة والرحمة " انتهى .
وفي السنوات الأخيرة ظهر ما يسميه الناس : " زواج المسيار " وهذه التسمية جاءت في كلام العامة، تمييزاً له عما تعارف عليه الناس في الزواج العادي، لأن الرجل في هذا الزواج يسير إلى زوجته في أوقات متفرقة ولا يستقر عندها .
صورته المعروفة :
هو زواج مستوفي الشروط والأركان ، ولكن تتنازل الزوجة عن بعض حقوقها الشرعية باختيارها ورضاها مثل النفقة والمبيت عندها .
الأسباب التي أدت إلى ظهور هذا النوع من الزواج :
1- كثرة عدد العوانس والمطلقات والأرامل وصواحب الظروف الخاصة .
2- رفض كثير من الزوجات لفكرة التعدد ، فيضطر الزوج إلى هذه الطريقة حتى لا تعلم زوجته الأولى بزواجه .(/1)
3- رغبة بعض الرجال في الإعفاف والحصول على المتعة الحلال مع ما يتوافق وظروفهم الخاصة . 4- تهرّب البعض من مسؤوليات الزواج وتكاليفه ويتضح ذلك في أن نسبة كبيرة ممن يبحث عن هذا الزواج هم من الشباب صغار السن .
وينبغي أن يعلم أن هذه الصورة من النكاح ليست هي الصورة المثلى والمطلوبة من الزواج ، ولكنها مع ذلك صحيحة إذا توفرت له شروطه وأركانه ، من التراضي ، ووجود الولي والشهود . . . إلخ . وبهذا أفتى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله .
وذلك لأن من حق المرأة أن تتنازل عن حقوقها أو بعضها المُقَرَّرة لها شرعًا، ومنها النفقة والمسكن والقَسْم في المَبيت ليلا، وقد ورد في الصحيحين أن سَودة وَهَبَتْ يومَها لعائشة رضي الله عنهما ، ولو كان هذا غيرَ جائز شرعًا لَمَا أقره الرسول صلى الله عليه وسلم. وكل شرط لا يُؤثر في الغرض الجوهريّ والمقصود الأصليّ لعقد النكاح فهو شرط صحيح، ولا يَخِلُّ بعقد الزواج ولا يبطله.
قرار المجمع الفقهي :
جاء في قرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة عشرة المنعقد بمكة ما يلي :
" يؤكد المجمع أن عقود الزواج المستحدثة وإن اختلفت أسماؤها وأوصافها وصورها لا بد أن تخضع لقواعد الشريعة المقررة وضوابطها من توافر الأركان والشروط وانتفاء الموانع
وقد أحدث الناس في عصرنا الحاضر بعض تلك العقود المبينة أحكامها فيما يأتي :
إبرام عقد زواج تتنازل فيه المرأة عن السكن والنفقة والقسم أو بعض منها وترضى بأن يأتي الرجل إلى دارها في أي وقت شاء من ليل أو نهار .
ويتناول ذلك أيضاً إبرام عقد زواج على أن تظل الفتاة في بيت أهلها ثم يلتقيان متى رغبا في بيت أهلها أو في أي مكان آخر حيث لا يتوفر سكن لهما ولا نفقة .
هذان العقدان وأمثالهما صحيحان إذا توافرت فيهما أركان الزواج وشروطه وخلوه من الموانع ، ولكن ذلك خلاف الأولى " اهـ .
وقد حقق هذا الزواج بعضاً من المصالح والمنافع للرجل والمرأة معاً :(/2)
تقول بعض المتزوجات بهذه الطريقة :
" هذا الزواج على الرغم من كثرة التنازلات التي تقدمها المرأة في سبيل أن تتزوج من إنسان ترضاه إلا أنه بالتأكيد يوفر لها بعض الاطمئنان والرضا والحرية الشخصية والأمل في مستقبل متجدد وذرية صالحة. ولذلك أنا لا أعترض على هذا الزواج وأطالب بنشر التوعية للمجتمع بشأنه كي يفهم الناس معناه وأسبابه وظروفه وفوائده وأضراره " .
وأخرى تحكي نجاحها في هذا الزواج وتقول : أنا لا أحلم بأكثر من ذلك، وأشكر ربي على كل النعم التي أنعم بها علي.
وثالثة تقول : تزوجت بهذه الطريقة ، وبصراحة أقول : إنني قد استطعت تحقيق النجاح في التجربة ووصلت إلى الاستقرار النفسي ، وأعتقد أن إمكانية تطبيقها في المجتمع ممكنة مع توافر الوعي والنضوج التام بين الطرفين ، كما أنها تحمي المرأة فعلا عندما تكون في ظروف معينة مثل ( العانس والأرملة والمطلقة أو التي تعجز عن إيجاد الزوج المناسب ) من الوقوع في الحرام أو العيش دون زواج .
ورابعة تقول : لقد عايشت تجربة زواج المسيار لفترة وجيزة وأقول إنها تجربة تحتمل نسبة 90 في المائة من النجاح بشرط اتفاق الطرفين والانسجام بينهما.
ولا ننكر أن هناك أضراراً قد تحصل بسببه :
1- قد يتحول الزواج بهذه الصورة إلى سوق للمتعة وينتقل فيه الرجل من امرأة إلى أخرى، وكذلك المرأة تنتقل من رجل لآخر.
2- الإخلال بمفهوم الأسرة من حيث السكن الكامل والرحمة والمودة بين الزوجين .
3- قد تشعر المرأة فيه بعدم قوامة الرجل عليها مما يؤدي إلى سلوكها سلوكيات سيئة تضر بنفسها وبالمجتمع .
4- عدم إحكام تربية الأولاد وتنشئتهم تنشئة سوية متكاملة ، مما يؤثر سلباً على تكوين شخصيتهم.
فلهذه الأضرار المحتملة فهذه الصورة من صور النكاح ليست هي الصورة المثلى المطلوبة ، ولكنها تبقى مقبولة في بعض الحالات من أصحاب الظروف الخاصة .(/3)
رقم السؤال:
85392
العنوان:
عق عن الغلام بشاة واحدة قبل مدة فهل يذبح شاة الآن؟
السؤال:
رزقت بمولود ذكر وذبحت شاة واحدة فقط قبل 6 سنوات ، أيمكن أن أذبح شاة أخرى لتتم العقيقة أي شاتين للمولد الذكر أو لابد أن أذبح شاتين من جديد؟
الجواب:
الحمد لله
العقيقة سنة مؤكدة ، ولا إثم على من تركها ، وذلك لما رواه أبو داود (2842) أن رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( مَنْ وُلِدَ لَهُ وَلَدٌ فَأَحَبَّ أَنْ يَنْسُكَ عَنْهُ فَلْيَنْسُكْ ، عَنْ الْغُلامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ ، وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وإذا أردت تحصيل هذه السنة ، فاذبح شاة واحدة الآن ، تكملة لما فعلته قبل ست سنوات .
وانظر السؤال رقم (38197) ، ( 20018) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
85426
العنوان:
اصطدم اثنان بسيارتيهما وماتا فما الواجب على الأبناء؟
السؤال:
والدي توفي في حادث سير والسائق للسيارة الأخرى أيضا توفي وكان تقرير المرور 50% على كل منهما ، ماذا يجب علينا نحن أبناؤه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا تقرر أن الخطأ كان مشتركاً بينهما ، فعلى كل واحد منهما ضمان ما تلف من الآخر من نفس أو مال على قدر نسبة خطئه .
وما دام أن تقرير المرور قد قدَّر نسبة الخطأ بـ 50% على كل واحد منهما ، فعلى كل منهما نصف دية الآخر ، ونصف قيمة ما تلف من السيارة .
والدية في هذه الحالة تكون على عاقلة كل واحد منهما ، وهم الأقارب من الذكور من جهة الأب ، كالإخوة والأعمام وأبنائهم .
وأما الكفارة فتجب على كل واحد منهما كفارة كاملة عن القتل الخطأ ، لأن الكفارة لا تتجزأ .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/273) :
"إذا كان الحادث مشتركاً بنسب بين السائقين وجب على كل مشترك في القتل من الدية بقدر نسبته ، أما الكفارة فعلى كل مشترك في القتل الخطأ كفارة ولو كانت نسبته أقل ، وأما من كان خطؤه 100% فعليه وحده الكفارة دون غيره ، وعلى عاقلته الدية" انتهى .
وإذا اتفق ورثة كل واحد منهما على إسقاط حقهم مقابل إسقاط الطرف الآخر حقه فلا حرج في ذلك .
ثانيا :
كفارة القتل الخطأ هي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين .
وحيث إن والدك قد توفي في الحادث ، فإن أمكن إيجاد رقبة مؤمنة ، فيلزمكم أن تخرجوا من تركته ما تشترى به هذه الرقبة ، ثم تعتق .
وإذا لم يمكن العثور على رقبة مؤمنة ، فلا يلزمكم الصيام عنه ، لكن لو تبرع أحدكم بالصيام عنه ، فهذا حسن ، ونافع بإذن الله ، ولا يجوز أن يشترك أكثر من واحد في الصيام ، بل يصوم الشهرين المتتابعين شخص واحد .(/1)
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/324) : " إذا كان الواقع من والدك ما ذكرت فإن عليه كفارة قتل الخطأ ، وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين ؛ لقول الله سبحانه وتعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) إلى قوله سبحانه : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) .
وما دام توفي ولم يؤد ما وجب عليه فإنه يجب على وليه شراء رقبة مؤمنة من تركته وإعتاقها عنه ، فإن لم يوجد في التركة ما يفي بذلك ، أو لم توجد رقبة فإنه يستحب لوليه أن يصوم عنه شهرين متتابعين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صوم صام عنه وليه ) متفق على صحته " انتهى .
وجاء فيها أيضاً (21/326) : " ولا يجوز أن يشترك في صيام الكفارة الواحدة أكثر من واحد ، وإنما المشروع أن يتولى الكفارة الواحدة شخص واحد " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
85430
العنوان:
حكم حضور العرضة الشعبية في الأعياد والأعراس
السؤال:
ما حكم سماع الطبل والدف ومشاهدة العرضة وفيها طبل ، علما أن هناك شيخا من الشيوخ يقول : إن الشيخ ابن باز أجاز سماعه ، وأن ابن عثيمين حضر العرضة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سماع الطبل لا يجوز ؛ لأنه من جملة المعازف التي وردت الأدلة بتحريم استماعها ، بل جاء النص الخاص على تحريم الطبل ، فقد روى أبو داود (3685) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَالْكُوبَةِ وَالْغُبَيْرَاءِ وَقَالَ كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ . قَالَ أَبُو دَاوُد قَالَ ابْنُ سَلَامٍ أَبُو عُبَيْدٍ : الْغُبَيْرَاءُ السُّكْرُكَةُ تُعْمَلُ مِنْ الذُّرَةِ ، شَرَابٌ يَعْمَلُهُ الْحَبَشَةُ والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
والكوبة هي الطبل .
ولا يستثنى من المعازف إلا الدف ، وانظر السؤال رقم (29406) و (5000)
ثانيا :
العرضة إذا اشتملت على معازف ، كالطبل أو المزمار ، إلا الدف ، فلا يجوز حضورها ولا الاستماع إليها .
وإن اشتملت على الدف ، ففيها خلاف ينبني على أن مشروعية الدف في الأعياد والأعراس ، هل هي للنساء خاصة ، أو للنساء والرجال .
وأما رأي الشيخ ابن باز رحمه الله في هذه المسألة ، فلم أقف عليه ، لكن الشيخ رحمه الله يحرم استعمال الدف للرجال ، في الأعراس وغيرها ، كما في السؤال رقم (20406) ، وإذا كان هذا في الدف فكيف بالطبل ؟!
وأما الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فله كلام صريح في تحريم العرضة إذا اشتملت على طبل أو مزمار ، ورخص في الدف .
فقد سئل رحمه الله : " ما حكم العرضة الشعبية التي يتخللها الزير والشعر النبطي الذي لا يخلو من الهجاء والغزل والمدح والذم، جزاكم الله خيراً؟(/1)
فأجاب : العرضة الشعبية إذا لم يكن لها سبب فإنها من العبث واللهو ، وإذا كان لها سبب كأيام العيد فإنه لا بأس به، لا بأس أن يلعب الناس بالسيوف والبنادق وما أشبهها، وأن يضربوا بالدف، أما الطبل والزير ، والأغاني التي تتضمن الهجاء والسب فهي محرمة ، ولا يجوز للإنسان أن يحضر مثل هذه العرضات، ويجب النهي عنها ونصيحة الناس بعدم حضورها؛ لأن مجالس المنكر إذا حضرها الإنسان شاركهم في الإثم وإن لم يفعل ، لقول الله تبارك وتعالى: وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً [النساء:140]. " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" 52 سؤال رقم 11
وانظر أيضا : لقاء الباب المفتوح" 8 ، سؤال رقم 39 .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
85441
العنوان:
العمل في إنتاج رقائق إلكترونية تستخدم في التلفاز والدش والحواسب والسيارات
السؤال:
أعمل مهندس بشركة علمية في مجال الميكروإلكترونية (Microelectronic). هذه الشركة تنتج نظما على الرقائق (System on Chip ) تستعمل في عديد المجالات: تلفاز ، حواسب ، هاتف جوال، طائرات، سيارات، دش... نواجه كذلك الاختلاط وهذا ما لا مفر منه في الشركات في بلدنا لكن الحمد لله لدي صحبة صالحة في العمل نتواصى بالحق ، وينصح بعضنا البعض. سؤالي هو هل مأكلي حلال ؟ وأرجو النصح والإرشاد.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى لكم العون والتوفيق والثبات ، ونوصيكم بمزيد من الألفة والتعاون على البر والتقوى ، والسعي في نشر الخير ، والدعوة إليه بما يتاح من الوسائل .
ثانيا :
العمل في الأماكن المختلطة ، له مفاسد ومضار لا تخفى على أحد ، لكن من ابتلي بذلك ، ولم يجد مجالا آخر للعمل ، فليتق الله تعالى ، وليعتصم بغض البصر ، والبعد عن الخلوة ، والمصافحة ، وأسباب الفتنة والشر ، وليجتهد في البحث عن عمل آخر ، يسلم له فيه قلبه ودينه ، ولو كان براتب أقل ، فإن حفظ الدين مقدم على حفظ النفس والمال . وراجع السؤال رقم (50398) .
ثالثا :
إذا كانت الشركة تنتج رقائق متعددة ، تستعمل بعضها في الحواسب ، وأخرى في الطائرات ، وثالثة في أجهزة التلفاز والدش . . إلخ ، فاجتنب العمل في إعداد ما يتصل بالتلفاز والدش ؛ لأن الغالب هو استعمال هذه الأجهزة في المعصية ، نظرا واستماعا .
وكل ما غلب استعماله في المعصية لم يجز الإعانة عليه ، بتصنيعٍ أو تصليحٍ أو تركيبٍ أو بيع ، إلا لمن عُلم أنه يستخدمه في المباح . وانظر السؤال رقم (39744) .
وإذا كان النظام المنتج مما يمكن استعماله في هذه الأمور كلها (التلفاز والحواسب والسيارات ...) ، فلا حرج في العمل في إنتاجه ، لغلبة المباح .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
85481
العنوان:
حكم قول : بلى عند قوله تعالى (أليس الله بأحكم الحاكمين)
السؤال:
ما حكم قول" بلي" عند قول الإمام "أليس الله بأحكم الحاكمين" هل هي بدعة ؟
الجواب:
الحمد لله :
لا بأس أن يقول المأموم ذلك ، أو يقول : سبحانك فبلى ، ونحوا من ذلك ، عند قراءة الإمام : ( أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40) ، أو قراءة : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8) ، ونحوهما .
وهذا هو مذهب المالكية . قال في مواهب الجليل (2/253) : " إذَا مَرَّ ذِكْرُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قِرَاءَةِ الْإِمَامِ فَلَا بَأْسَ لِلْمَأْمُومِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ إذَا مَرَّ ذِكْرُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَسْأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ وَيَسْتَعِيذَ بِهِ مِنْ النَّارِ وَيَكُونُ ذَلِكَ الْمَرَّةَ بَعْدَ الْمَرَّةِ ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ الْمَأْمُومِ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } بَلَى إنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ " انتهى .
وهو أيضا مذهب الحنابلة ، قال في شرح المنتهى (1/206) : "وَلِمُصَلٍّ قَوْلُ : سُبْحَانَكَ ، فَبَلَى إذَا قَرَأَ { أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى } نَصًّا ، فَرْضًا كَانَتْ أَوْ نَفْلًا ؛ لِلْخَبَرِ .
وَأَمَّا { أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ؟ } فَفِي الْخَبَرِ فِيهَا نَظَرٌ ، ذَكَرَهُ فِي الْفُرُوعِ " انتهى .
وانظر : الفروع (1/481) ، والإنصاف (2/107) .(/1)
والخبر المشار إليه رواه أبو داود (884) عَنْ مُوسَى بْنِ أَبِي عَائِشَةَ قَالَ : ( كَانَ رَجُلٌ يُصَلِّي فَوْقَ بَيْتِهِ وَكَانَ إِذَا قَرَأَ أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى قَالَ سُبْحَانَكَ فَبَلَى فَسَأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ )
وإسناده ضعيف ؛ فيه انقطاع بين موسى والصحابي ، سقط منه رجل آخر على الأقل ، كما بينه الحافظ في النكت الظراف (11/210) ونتائج الأفكار (2/48) .
على أن الخبر لو صح ، فليس فيه أن ذلك كان في صلاة الفريضة ، بل ظاهر الحال أن النبي صلى الله عليه وسلم ، لم يكن يفعل ذلك في الفريضة ، ولو فعله لنقل ، كما نقل عنه في صلاته بالليل ؛ في حديث حُذَيْفَةَ رضي الله عنه ، قَالَ : ( صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ ، فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا ، يَقْرَأُ مُتَرَسِّلًا إِذَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا تَسْبِيحٌ سَبَّحَ وَإِذَا مَرَّ بِسُؤَالٍ سَأَلَ وَإِذَا مَرَّ بِتَعَوُّذٍ تَعَوَّذَ ... ) رواه مسلم (772) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" أما في النفل ، ولا سيما في صلاة الليل ، فإنه يسن أن يتعوذ عند آية الوعيد ، ويسأل عند آية الرحمة ، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأن ذلك أحضر للقلب ، وأبلغ في التدبر ، وصلاة الليل يسن فيها التطويل ، وكثرة القراءة والركوع والسجود ، وما أشبه ذلك .
وأما في صلاة الفرض ، فليس بسنة ، وإن كان جائزا .
فإن قال قائل : ما دليلك على هذا التفريق ، وأنت تقول : إن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض..؟(/2)
فالجواب : الدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وسلم ، يصلي في كل يوم وليلة ثلاث صلوات ، كلها فيها جهر بالقراءة ، ويقرأ آيات فيها وعيد ، وآيات فيها رحمة ، ولم ينقل الصحابة الذين نقلوا صفة صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم ، أنه كان يفعل ذلك في الفرض ، ولو كان سنة لفعله ، ولو فعله لنقل ؛ فلما لم ينقل علمنا أنه لم يفعله ، ولما يفعله علمنا أنه ليس بسنة ، والصحابة رضي الله عنهم حريصون على تتبع حركات النبي صلى الله عليه وسلم ، وسكناته ، حتى إنهم يستدلون على قراءته في السرية باضطراب لحيته ، ولما سكت بين التكبير والقراءة سأله أبو هريرة ماذا يقول ، ولو سكت عند آية الوعيد من أجل أن يتعوذ ، أو آية الرحمة من أجل أن يسأل لنقلوا ذلك بلا شك .
فإذا قال قائل : إذا كان الأمر كذلك ، لماذا لا تمنعونه في صلاة الفرض ، كما منعه بعض أهل العلم ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) [ البخاري (602) ]
فالجواب : على هذا أن نقول : ترك النبي صلى الله عليه وسلم له لا يدل على تحريمه ، لأنه أعطانا عليه الصلاة والسلام قاعدة : ( إن هذا الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن .. ) [ مسلم (537) ] ، والدعاء ليس من كلام الناس ، فلا يبطل الصلاة ، فيكون الأصل فيه الجواز ، لكننا لا نندب الإنسان أن يفعل ذلك في صلاة الفريضة ، لما تقدم تقريره .
ولو قرأ القارئ : ( أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) (القيامة:40) ، لأنه ورد فيه حديث ، ونص الإمام أحمد عليه ، قال : إذا قرأ القارئ .. في الصلاة وغير الصلاة ، قال : سبحانك فبلى ، في فرض ونفل .
وإذا قرأ : ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ) (التين:8) ، فيقول : سبحانك فبلى ... "
انتهى من الشرح الممتع (1/604-605) بتصرف يسير .(/3)
وقد سئل الشيخ رحمه الله : " سمعنا بعض المأمومين إذا قرأ الإمام قوله تعالى: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) يقول المأموم: بلى، فما صحة هذا ؟
فأجاب : هذا صحيح، إذا قال الله تعالى: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) فقل: بلى ، وكذلك مثل هذا الترتيب ، يعني : إذا جاءنا مثل هذا الكلام نقول : بلى. ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) الزمر/36 تقول : بلى. ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ) الزمر/37 تقول : بلى. (أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى ) تقول : بلى. لكن المأموم إذا كان يشغله هذا الكلام عن الاستماع إلى إمامه فلا يفعل ، لكن إذا جاء في آخر الآية التي وقف عليها الإمام فإنه لا يشغله . فإذا قال: ( أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ ) يقول : بلى. انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (11/81).
تنبيه : الحديث المشار إليه في قول ابن مفلح : " فيه نظر " ، رواه أبو داود (887) والترمذي ( عن أَبي هُرَيْرَةَ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ مِنْكُمْ وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ فَانْتَهَى إِلَى آخِرِهَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ فَلْيَقُلْ بَلَى وَأَنَا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الشَّاهِدِينَ وَمَنْ قَرَأَ لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَانْتَهَى إِلَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى فَلْيَقُلْ بَلَى وَمَنْ قَرَأَ وَالْمُرْسَلَاتِ فَبَلَغَ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فَلْيَقُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ ) والحديث في إسناده راو مجهول ، كما ذكر الترمذي عقبه ، وقد ضعفه جمع من الأئمة ، كالنووي في المجموع (3/563) ، وغيره ، وذكره الألباني في ضعيف أبي داود .(/4)
رقم السؤال:
85495
العنوان:
إذا انفرد الواحد من ذوي الأرحام أخذ جميع التركة
السؤال:
لي قريبة عجوز ليس لديها سوى وريث وحيد وهو ابن أختها الشقيقة الوحيدة المتوفاة وذلك بعد إحصاء الورثة ، وهي بذلك تريد أن تعرف نصيبه من الإرث وهل يجوز أن تكتب باقي التركة لشخص قامت بتربيته حيث إنها ليس لديها أولاد ؟
الجواب:
الحمد لله
ابن الأخت الشقيقة ، من ذوي الأرحام ، وقد اختلف العلماء في توريثهم ، والصحيح أنهم يرثون إذا لم يوجد أحد من أصحاب الفروض أو العصبة .
وممن ذهب إلى توريثهم : علي وابن مسعود وابن عباس في أشهر الروايات عنه , ومعاذ بن جبل وأبو الدرداء وأبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم ، وهو قول الحنفية والإمام أحمد , ومتأخري المالكية والشافعية.
ينظر : "الموسوعة الفقهية" (3/54).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وقد اختلف العلماء رحمهم الله في توريث ذوي الأرحام ، ولكن القول الراجح المتعين أن توريثهم واجب ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الخالة بمنزلة الأم ) ، وقال أيضا : ( الخال وارث من لا وارث له ) ، ولقول الله تعالى : ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ). والقول بعدم التوريث قول ضعيف ، فكيف نحرم الخال أو أبا الأم من مال القريب ثم نضعه في بيت المال ليأكله أبعد الناس ؟!
مثل هذا لا تأتي به الشريعة ، فالصواب المقطوع به أن ذوي الأرحام وارثون ، لكن بعد أن لا يكون ذو فرض أو عاصب " انتهى من "الشرح الممتع" (5/73).
وأما كيفية توريث ذوي الأرحام ، فإنه ينزل الموجود منهم منزلة من أدلى به ، ويأخذ نصيبه من التركة ، ففي الحالة المذكورة في السؤال ، ينزل ابن الأخت منزلة الأخت ، ويأخذ نصيبها ، وهو النصف ، ثم يرد إليه باقي التركة ، فيأخذ التركة كلها ، لأنه لا يوجد وارث غيره .(/1)
قال في "كشاف القناع" (4/456) : " فإن انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله ، لأنه ينزّل منزلة من أدلى به , فإما أن يدلي بعصبة فيأخذه تعصيبا ، أو بذي فرض فيأخذه فرضا وردا " .
وانظر : "الموسوعة الفقهية" (3/54).
وبناء على ذلك ، فإذا ماتت هذه المرأة ، ولم يكن لها وارث غير ابن أختها ، فإنه يأخذ جميع التركة .
ولها أن توصي بما لا يزيد عن الثلث لذلك الشخص الذي ربته ، أو لغيره ؛ لما روى البخاري (5659) ومسلم (1628) أن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، إِنِّي أَتْرُكُ مَالًا ، وَإِنِّي لَمْ أَتْرُكْ إِلَّا ابْنَةً وَاحِدَةً ، فَأُوصِي بِثُلُثَيْ مَالِي وَأَتْرُكُ الثُّلُثَ ؟ فَقَالَ : لَا . قال : فَأُوصِي بِالنِّصْفِ وَأَتْرُكُ النِّصْفَ ؟ قَالَ : لَا . قال : فَأُوصِي بِالثُّلُثِ وَأَتْرُكُ لَهَا الثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ ).
فأجاز له الرسول صلى الله عليه وسلم أن يوصي بثلث ماله ، وقد اتفق العلماء على أنه لا تجوز الوصية بأكثر من الثلث .
انظر : "المغني" (8/404) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
85512
العنوان:
تظهر زينتها أمام إخوة زوجها
السؤال:
السؤال هو : زوجة أخي لا تستحي أو تخجل من إخوتي ، تظهر أمامهم بحركات ولباس لا يليق بها ، وهي سيئة الخلق معنا نحن أخوات زوجها ، تتعامل معنا بوقاحة ، ومع إخوتي الرجال بلطف ولين ودلع ، وتغريهم بحركاتها وكلامها ، حتى إن أحد إخواني بدأ ينتقد زوجته على كل شيء ، وحوَّل حياتها إلى جحيم بسبب زوجة أخي هذه ، حاولنا أن نعلمها أو نصلحها دون فائدة ، قلنا لزوجها بما تفعله من حركات وكيف علاقتها بنا ، وهو لا يعلم عنها كل شيء ؛ لأنه يقضى معظم وقته في العمل ، كل الأهل يعرفون أنها سيئة الخلق ، وأخي أحياناً يضربها على أفعالها ، ولكنه متمسك بها بإصرار من والدتي ، لا يريد طلاقها ، فما هو الحل معها ؟ وكيف يمكن التعامل معها ؟ وهل أترك المنكر هذا ولا أهتم به ؟ فكرت أن أسعى لتزويج أخي بامرأة أخرى صالحة ، أرجو منكم إفادتي .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أوجب الله تعالى على المسلمين نصح بعضهم بعضاً ، وأوجب على من نُصح بالحق أن يستجيب لأمر الله تعالى ، وأن يكف عن القبائح التي يرتكبها ، لذا فإن عليكم واجب النصح :
1. لزوجة أخيكم أن تكف عن فعل ما حرَّمه الله عليها من الكشف عن شيء من جسمها أمام إخوة زوجها ، ومن التكسر في كلامها ، وأفعالها ومن الإساءة لكُنَّ .
2. ولأخيكم نفسِه أن يَمنع زوجته من مخالطة الرجال الأجانب ، وأن يمنعها من الإساءة لأخواته ، وأن ينتبه للشرور التي يمكن أن تُحدثها في البيت من التفرقة بين إخوته ونسائهم .
3. وعلى والديكم أن يكون لهم موقف من أفعال زوجة ابنهم .
4. وعلى إخوة الزوج أن لا يجلسوا مع زوجة أخيهم ، ولا يستمعوا لكلامها ، وأن يحذروا أن تكون سبباً للفرقة بين الأسرة الواحدة ، والفرقة بينهم وبين نسائهم .
ثانياً :(/1)
ويجب عليها أن تعلم حدود الله تعالى فتقف عندها ، وواجب على زوجها – كذلك – أن يعلم أن زوجته من رعيته التي أوجب الشرع عليه أن يقوم برعايتها ، وليعلم أنه مسئول يوم القيامة عنها وعن أفعالها .
ومما يوجبه الإسلام عليها:
1. أن تحافظ على حيائها ، وعفتها ، وتغض بصرها عما حرَّم الله عليها .
قال الله تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) النور/31 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب من الرجال بشهوة .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 396 ) .
2. المحافظة على حجابها الكامل أمام الرجال الأجانب ، ولتعلم أن إخوة زوجها منهم ، بل يجب أن تحتاط في لباسها وزينتها وكلامها أمامهم أكثر من غيرهم ، وفي الآية السابقة من سورة النور بيان من يجوز لهم إظهار زينتها أمامهم .(/2)
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
وانظري شرح الإمام النووي لهذا الحديث في جواب السؤال ( 12837 ) .
3. أن تلتزم أحكام الشرع في كلامها مع الأجانب ، وفي مشيتها ، فلا يكون في كلامها ولا أفعالها ميوعة وتكسر ، قال تعالى : ( فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) الأحزاب/ من الآية 32 .
4. تجنب وضع الطيب الذي يجد ريحه الأجانب .
فعَنْ أَبي مُوسى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ اسْتَعْطَرَتْ فَمَرَّتْ عَلَى قَوْمٍ لِيَجِدُوا مِنْ رِيحِهَا فَهِيَ زَانِيَةٌ ) .
رواه الترمذي ( 2786 ) وأبو داود ( 4173 ) والنسائي ( 5126 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح أبي داود "
5. تمتنع عن الخلوة بأحدٍ من إخوة زوجها ، كما تمتنع عن الاختلاط بهم .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : ( لاَ يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأةٍ إِلاَّ وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ ) ، رواه البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1341 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
هل يجوز للمرأة أن تجلس مع أقارب زوجها وهي محجبة حجاب السنَّة ؟
فأجاب :
" يجوز للمرأة أن تجلس مع إخوة زوجها أو بني عمها أو نحوهم إذا كانت محجبة الحجاب الشرعي ، وذلك بستر وجهها وشعرها وبقية بدنها ؛ لأنها عورة وفتنة ، إذا كان الجلوس المذكور ليس فيه ريبة ، أما الجلوس الذي فيه تهمة لها بالشر : فلا يجوز ، وهكذا الجلوس معهم لسماع الغناء وآلات اللهو ونحو ذلك .(/3)
ولا يجوز لها الخلوة بواحد منهم أو غيرهم ممن ليس محرماً لها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ) متفق على صحته، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما ) أخرجه الإمام أحمد بإسناد صحيح من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه " انتهى .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 1 / 422 ، 423 ) .
ويجب على الزوج أن يقف على هذه الأوامر والنواهي ، وأن يعلم أنه مسئول عن زوجته ، فيجب عليه نصحها وتوجيهها للخير ، وهدايتُها أحب إلينا من تسريحها وتطليقها .
كما يجب على الوالدين أن يكون لهما موقف حازم تجاه هذه المسألة ، وعلى الأم أن تقف مع الحق والصواب ، ولا تقدم عاطفتها على الشرع والعقل ، وعليها أن تعلم أن استمرار زوجة ابنها بتلك التصرفات معناه تخريب بيوت أبنائها ، وها هي بوادر ذلك واضحة كما جاء في السؤال .
كما يجب على إخوة الزوج أن يتقوا الله تعالى في أنفسهم ، وأن يكتفوا بالحلال الذي رزقهم الله إياه ، ويجب عليهم نصح أخيهم والأخذ على يده ويد زوجته لئلا تفسد علاقتهم بنسائهم ، وعليهم المحافظة على غض البصر ، وترك الجلسات المختلطة .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
85562
العنوان:
تب إلى الله ولا يلزمك التعجيل بسداد القرض الربوي
السؤال:
تزوجت وعشت في شقة صغيرة لمدة 4 سنوات وعندما رزقت بالولد أردنا أن نستبدل شقتنا بشقة أكبر فبعت هذه الشقة ووضعت ثمنها كمقدمة50% للشقة الجديدة في مدينة جديدة وأردت أن أقسط بقية الثمن مع المدينة ولكني فوجئت أن نظام المدينة في التقسيط مجحف ولن يراعوا أني دفعت نصف ثمن الشقة وسيأخذون الفوائد على المبلغ كله فاضطررت إلى أن آخذ قرضاً من البنك بفوائد ربوية ومن يومها وأنا محتار هل ما فعلته يمكن أن يكون في بند المضطر أم لا ؟ وهل إذا كان حراما فهل أبيع سيارتي القديمة لأسدد جزءا من هذا القرض على سبيل التكفير الجزئي لما اقترفته وأحاول أن اشترى سيارة بالقسط بعد مدة طالما أن القسط حلال كما قرأت ، أستحلفكم بالله أعينوني فأنا أعيش في بلد دار إفتاؤه تحلل أغلب المسائل الفقهية بسهولة ويسر وعندما ذهبت إليهم أحلوا لي القرض ، وأنا أعلم أنه حرام .
الجواب:
الحمد لله
الاقتراض من البنوك أو غيرها بنظام الفائدة هو صورة من ربا الجاهلية الذي هدمه الإسلام ، وحرمه تحريما شديدا ، ورتب عليه من الوعيد ما لم يرتبه على غيره من الذنوب . وشراء المنزل لا يعد ضرورة تبيح الربا ؛ إذ الضرورة ما يترتب على فقدها الهلاك أو ما يقاربه ، والحاجة إلى السكن يمكن دفعها بالاستئجار ، أو البقاء في السكن الصغير ، إلى أن يوسع الله .
وقد كان خيراً لك أن تتحمل الظلم بزيادة ثمن الشقة ، بدلاً من أن تلجأ إلى التعامل بالربا . ولهذا فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى من هذا الذنب العظيم ، والعزم على عدم العود إليه أبدا .
وراجع السؤال رقم (39829)
واعلم أنك كلما تعجلت في سداد هذا القرض فهو أفضل ، حتى تتخلص من آثار الربا وشؤم عاقبته ، لكن لا يلزمك ذلك ، وعليه فلا يلزمك بيع سيارتك لتسدد جزءاً من الدين .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
85669
العنوان:
اشتراط التسمية لحل الذبيحة
السؤال:
ما حكم عدم التسمية على الأضحية خاصة أن الذابح لا يصلي ؟
الجواب:
الحمد لله
تارك الصلاة لا تحل ذبيحته ، سواء سمى عليها أو لم يسم ، وانظر السؤال رقم (70278) .
وأما التسمية على الذبيحة فمختلف فيها بين الفقهاء ، على ثلاثة أقوال :
الأول : أنها مستحبة فقط ، وهو مذهب الشافعي .
الثاني : أنها شرط في حل الذبيحة ، لكن إن تركها سهوا أبيحت ، وهذا مذهب الحنفية والمالكية والحنابلة .
الثالث : أنها شرط ، ولا تسقط بحال ، لا سهوا ولا عمدا ولا جهلا ، وهذا مذهب الظاهرية ورواية عن مالك وأحمد ، وقول جماعة من السلف ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وهو الصحيح ".
وقال : " واستدل هؤلاء بعموم قوله تعالى : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) الأنعام/ 121 ، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما أنهر الدم وذُكر اسم الله عليه فكُل ) فشرط لحل الأكل التسمية ، ومعلوم أنه إذا فقد الشرط فقد المشروط ، فإذا فقدت التسمية فإنه يفقد الحل ، كسائر الشروط . ولهذا لو أن إنسانا صلى وهو ناسٍ أن يتوضأ ، وجبت عليه إعادة الصلاة ، وكذلك لو صلى وهو جاهل أنه أحدث بحيث يظن أن الريح لا تنقض الوضوء ، أو أن لحم الإبل لا ينقض الوضوء مثلا ، فعليه الإعادة ، لأن الشرط لا يصح المشروط بدونه ، وكما أنه لو ذبحها ولم ينهر الدم ، ناسيا أو جاهلا ، فإنها لا تحل ، فكذلك إذا ترك التسمية ؛ لأن الحديث واحد " انتهى من "الشرح الممتع" (6/358).
وينظر : العناية شرح الهداية (9/489) ، الفواكه الدواني (1/382) ، المجموع (8/387) ، المغني (9/309).
وعلى هذا فلا يذبح الأضحية وغيرها إلا من كان من أهل الصلاة ، ويشترط أن يسمي عند الذبح ، فيقول : بسم الله .
ويستحب أن يكبر ، فيقول : بسم الله ، والله أكبر .(/1)
وقد روى البخاري (5558) ومسلم (1966) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ : ( ضَحَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِكَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ فَرَأَيْتُهُ وَاضِعًا قَدَمَهُ عَلَى صِفَاحِهِمَا يُسَمِّي وَيُكَبِّرُ فَذَبَحَهُمَا بِيَدِهِ) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
87532
العنوان:
من دخل دار الحرب بأمان لم يجز له خيانتهم في أنفسهم أو أموالهم
السؤال:
مرحلة من أيام الطيش قمت بأخد مبلغ مالي قدره 30000 فرنك بلجيكي من بنكين لقد رجعت إلى بلدي مند عدة سنوات والحساب لابد أن يكون أغلق كيف العمل للتخلص من المظلمة لا يمكنني الرجوع إلى بلجيكا هل تكفيني التوبة مع العلم أني لم أقم بمثل هذه الأعمال إلا مرة واحدة وهل أقف أمام أصحاب هذه المؤسسة وإن كانت ربوية لأحاسب ؟ هل أرجع المال إلى أصحابه مع العلم أني أحتفظ بمبلغ مالي يفوق بقليل هذه القيمة من أجل الزواج ؟
الجواب:
الحمد لله
ما قمت به من أخذ المبلغ المذكور من البنكين ، عمل محرم ؛ لأنه من أكل أموال الناس بالباطل ، أي بغير وجه حق ، وقد قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29.
ولو فرض أن أصحاب البنك من الكفار ، فإن هذا لا يبيح أخذ مالهم ، لأن المسلم إذا دخل بلاد الكفار بعهد وأمان ، لم يجز له خيانتهم ، ولم يحل له شيء من أنفسهم أو أموالهم .
قال الشافعي رحمه الله في "الأم" (4/263) : " إذا دخل قوم من المسلمين بلاد الحرب بأمان ، فالعدو منهم آمنون إلى أن يفارقوهم ، أو يبلغوا مدة أمانهم ، وليس لهم ظلمهم ولا خيانتهم " انتهى .
وقال السرخسي في "شرح السير الكبير" (2/507) : " ولو أن رهطا من المسلمين أتوا أهل الحرب فقالوا : نحن رسل الخليفة ، وأخرجوا كتابا يشبه كتاب الخليفة , أو لم يخرجوا , وكان ذلك خديعة منهم للمشركين . فقالوا لهم : ادخلوا . فدخلوا دار الحرب ، فليس يحل لهم قتل أحد من أهل الحرب , ولا أخذ شيء من أموالهم ما داموا في دارهم ؛ لأن ما أظهروه لو كان حقا كانوا في أمان من أهل الحرب , وأهل الحرب في أمان منهم أيضا ، لا يحل لهم أن يتعرضوا لهم بشيء .....(/1)
ولو استأمنوا (أي : طلبوا الأمان ) فآمنوهم وجب عليهم أن يفوا لهم .....
وكذلك لو قالوا : جئنا نريد التجارة . وقد كان قصدهم أن يغتالوهم ؛ لأنهم لو كانوا تجارا حقيقة كما أظهروا لم يحل لهم أن يغدروا بأهل الحرب , فكذلك إذا أظهروا ذلك لهم " انتهى .
وقال في "الهداية" –مطبوع مع نصب الراية- (4/304) : " وإذا دخل المسلم دار الحرب تاجرا فلا يحل له أن يتعرض لشيء من أموالهم ولا من دمائهم لأنه ضمن أن لا يتعرض لهم بالاستئمان , فالتعرض بعد ذلك يكون غدرا ، والغدر حرام إلا إذا غدر بهم ملكهم فأخذ أموالهم أو حبسهم , أو فعل غيره بعلم الملك ولم يمنعه ، لأنهم هم الذين نقضوا العهد , بخلاف الأسير لأنه غير مستأمن , فيباح له التعرض وإن أطلقوه طوعا " انتهى .
وينظر : سؤال رقم (72384) والاطلاع على فتوى اللجنة الدائمة المذكورة فيه .
وبناء على ما سبق فإنه يلزمك رد المال لأصحابه ، وعدم التواني في ذلك ، لأن من شرط التوبة : رد المظالم والحقوق إلى أهلها .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
87542
العنوان:
هل يقترض قرضا ربويا إذا كان في نيته ألا يدفع الفائدة
السؤال:
سؤالي هو أن أحد الأشخاص يقيم في دولة أجنبية ويريد أخد قرض من أحد البنوك هناك ويرجع إلى بلده ويشتغل بالمال ثم يعيد القرض بدون فائدة بمعني إذا اقترض 10000 دولار مثلا والفائدة هي 5000 دولار مثلا فهو سيعيد فقط 10000 دولار حتى لا يقع في الربا, فهل هذا يعتبر سرقة مادام تم الاتفاق على الفائدة .. وحتى لو كان الطرف الآخر غير مسلم؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
عقد القرض المشتمل على الربا ، عقد محرم شرعا ، لا يجوز الدخول فيه ، ولو كان في نية المقترض ألا يدفع الفائدة ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال : هم سواء . رواه مسلم (1598) .
والتوقيع على الربا والدخول في عقده التزام بدفع الربا الذي حرمه الله ورسوله ، فقد يشمله هذا الوعيد .
ثانياً :
الربا محرم ، ومن كبائر الذنوب ، سواء تم بين مسلمين أو بين مسلم وكافر ، وذلك لعموم الأدلة من الكتاب والسنة التي تحرم الربا ، ولم تستثن منه ما كان بين مسلم وكافر ، وانظر جواب السؤال رقم (8141) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
87556
العنوان:
يدعى الناس يوم القيامة بأسماء آبائهم لا أمهاتهم
السؤال:
هل صحيح أن الله يوم القيامة يدعو الناس بأسمائهم وأسماء أمهاتهم( فلان ابن فلانة ) وما الرد على من يقول ذلك ؟....وهل هناك دليل شرعي ؟
الجواب:
الحمد لله
القول بأن الناس يدعون يوم القيامة بأسماء أمهاتهم ، خطأ مخالف لما ثبت في السنة الصحيحة الدالة على أنهم ينسبون لآبائهم ، وقد بوب البخاري في صحيحه : باب ما يُدعى الناس بآبائهم ، وساق تحته الحديث رقم (6177) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الْغَادِرَ يُرْفَعُ لَهُ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ ).
والحديث رواه مسلم أيضا برقم (1735).
وما ورد من أن الناس يدعون بأسماء أمهاتهم ، ضعيف .
قال ابن القيم رحمه الله في "تحفة المودود بأحكام المولود" ص (147) : " الفصل العاشر في بيان أن الخلق يدعون يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم . هذا الصواب الذي دلت عليه السنة الصحيحة الصريحة ، ونص عليه الأئمة كالبخاري وغيره فقال في صحيحه : باب يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم ، ثم ساق في الباب حديث ابن عمر قال قال رسول الله : ( إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة يرفع الله لكل غادر لواء يوم القيامة فيقال هذه غدرة فلان بن فلان ).
وفي سنن أبي داود [4948] بإسناد جيد عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّكُمْ تُدْعَوْنَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَسْمَائِكُمْ وَأَسْمَاءِ آبَائِكُمْ فَأَحْسِنُوا أَسْمَاءَكُمْ ) .(/1)
فزعم بعض الناس أنهم يدعون بأمهاتهم ، واحتجوا في ذلك بحديث لا يصح ، وهو في معجم الطبراني من حديث أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا مات أحد من إخوانكم فسويتم التراب على قبره فليقم أحدكم على رأس قبره ثم ليقل يا فلان بن فلانة فإنه يسمعه ولا يجيبه ثم يقول يا فلان بن فلانة فإنه يقول أرشدنا يرحمك الله ) الحديث ، وفيه : فقال رجل يا رسول الله فإن لم يعرف اسم أمه ؟ قال فلينسبه إلى أمه حواء يا فلان ابن حواء )
[ قال الهيثمي (3/163) : في إسناده جماعة لم أعرفهم . انتهى . وقال في كشف الخفاء (2/375) : وضعفه ابن الصلاح ثم النووي وابن القيم والعراقي والحافظ ابن حجر في بعض تصانيفه وآخرون ]
قالوا : وأيضا فالرجل قد لا يكون نسبه ثابتا من أبيه كالمنفي باللعان وولد الزنى فكيف يدعى بأبيه ؟
والجواب : أما الحديث فضعيف باتفاق أهل العلم بالحديث ، وأما من انقطع نسبه من جهة أبيه فإنه يدعى بما يدعى به في الدنيا ، فالعبد يُدعى في الآخرة بما يدعى به في الدنيا من أب أو أم والله أعلم " انتهى .
تنبيه : قد حمل بعضهم قول الله عز وجل : ( يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ ) الإسراء/ 71 على هذا القول الضعيف [ انظر القرطبي 10/257] .
قال الزمخشري : " ومن بدع التفاسير : أن الإمام جمع أم ، وأن الناس يدعون يوم القيامة بأمهاتهم ، وأن الحكمة في الدعاء بالأمهات دون الآباء : رعاية حق عيسى عليه السلام ، وإظهار شرف الحسن والحسين ، وأن لا يفتضح أولاد الزنا !! وليت شعري أيهما أبدع : أصحة لفظه ، أم بهاء حكمته !!؟ " انتهى [ الكشاف 2/682] .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
87638
العنوان:
اشترى أرضا بالتقسيط فهل له أن يبيعها قبل سداد الثمن
السؤال:
اشتريت قطعة أرض كي أبني عليها مسكنا ودفعت مقابل شرائها الدفعة الأولى عبارة عن ثلث الثمن الإجمالي لها وبعد مدة أردت أن أبيع هذه الأرض التي لم أستكمل دفعاتها مقابل مبلغ زائد عن المبلغ الذي دفعته في الدفعة الأولى التي سددت ما حكم الشرع في هذا البيع ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز شراء الأرض والأمتعة – غير الذهب والفضة والنقود – بالثمن المؤجل كله أو بعضه ، كأن يُتفق على دفع مبلغ كالثلث أو الربع ، ويؤجل الباقي إلى زمن معين .
وإذا تم العقد ، أصبح المشتري مالكا للأرض ، يتصرف فيها تصرف الملاك ، فله أن يبيعها أو يهبها ، مع استمراره في دفع الأقساط التي عليه ، بشرط ألا يبيعها على البائع الأول بثمن حالٍّ أقل مما اشتراها به ؛ لأن هذا بيع العينة المحرم .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (9/36) : " الآثار المترتبة على البيع : أولا : انتقال الملك : يملك المشتري المبيع , ويملك البائع الثمن , ويكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح , ولا يتوقف على التقابض , وإن كان للتقابض أثره في الضمان " انتهى .
وجاء فيها أيضا : (9/40) : " وتسليم المبيع أهم الآثار التي يلتزم بها البائع في عقد البيع , وهو يثبت عند تسليم الثمن الحال ، أما في الثمن المؤجل فلا يتوقف تسليم المبيع على أدائه " انتهى .
وفي بعض العقود يشترط البائع على المشتري ألا يبيع السلعة – أرضا أو غيرها – حتى يسدد جميع ثمنها ، وهذا الشرط جائز ، وحقيقته : رهن الأرض على ثمنها أو إلى سداد ثمنها ، وحينئذ لا يجوز للمشتري أن يبيعها إلا بإذن المرتهن (البائع الأول).
وانظر السؤال رقم (69877)(/1)
وبناء على ذلك ، فإذا لم تتفق مع البائع على رهن الأرض له حتى تسدد ثمنها ، فيجوز لك أن تبيعها بما شئت من الثمن ، سواء كان أكثر مما اشتريتها به ، أو أقل ، لأنك أصبحت مالكا للأرض ولك أن تتصرف فيها كما تشاء .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
87664
العنوان:
هل يشرع رفع الأيدي في أذكار الصباح والمساء؟
السؤال:
أقول أذكار الصباح والمساء مباشرة بعد صلاة الصبح والمغرب, فهل يجوز لي رفع اليدين بالدعاء عند هذه الأذكار ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يشرع رفع الأيدي عند الإتيان بأذكار الصباح والمساء ، ولا في أدبار الصلوات المكتوبة ، لعدم ورود ما يدل على استحباب ذلك .
والأصل هو استحباب رفع اليدين مع كل دعاء ، إلا في المواطن التي دعا فيها النبي صلى الله عليه ولم يرفع يديه ، كالدعاء في خطبة الجمعة لغير الاستسقاء ، والدعاء في الطواف والسعي ، والدعاء دبر الصلاة ، سواء قيل المراد بدبر الصلاة ما قبل السلام ، أو ما بعده ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرفع يديه في هذه المواطن .
لكن لو رفع الإنسان يديه في بعض المواضع أحياناً ، فلا حرج إن شاء الله .
وراجع جواب السؤال رقم (11543) .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل الدعاء بعد صلاة الفرض سنة ؟ وهل الدعاء مقرون برفع اليدين ؟ وهل ترفع مع الإمام أفضل أم لا ؟
فأجابوا : "ليس الدعاء بعد الفرائض بسنة إذا كان ذلك برفع الأيدي ، سواء كان من الإمام وحده أو المأموم وحده أو منهما جميعا، بل ذلك بدعة؛ لأنه لم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم ولاعن أصحابه رضي الله عنهم، أما الدعاء بدون ذلك فلا بأس به لورود بعض الأحاديث في ذلك" انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/103) .(/1)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " رفع الأيدي في الدعاء من أسباب الإجابة في أي مكان ، يقول صلى الله عليه وسلم : ( إن ربكم حيي سِتِّير يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرا ) ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا ، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ) وقال سبحانه : (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا) ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر ، يمد يديه إلى السماء ، يا رب ، يا رب ، ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام ، فأنى يستجاب له ) رواه مسلم في صحيحه .(/2)
فجعل من أسباب الإجابة رفع اليدين . ومن أسباب المنع ، وعدم الإجابة : أكل الحرام والتغذي بالحرام . فدل على أن رفع اليدين من أسباب الإجابة ، سواء في الطائرة أو في القطار أو في السيارة أو في المراكب الفضائية ، أو في غير ذلك ، إذا دعا ورفع يديه . فهذا من أسباب الإجابة إلا في المواضع التي لم يرفع فيها النبي صلى الله عليه وسلم فلا نرفع فيها ، مثل خطبة الجمعة ، فلم يرفع فيها يديه ، إلا إذا استسقى فهو يرفع يديه فيها . كذلك بين السجدتين وقبل السلام في آخر التشهد لم يكن يرفع يديه صلى الله عليه وسلم فلا نرفع أيدينا في هذه المواطن التي لم يرفع فيها صلى الله عليه وسلم ؛ لأن فعله حجة ، وتركه حجة ، وهكذا بعد السلام من الصلوات الخمس ، كأن يأتي بالأذكار الشرعية ولا يرفع يديه ، فلا نرفع في ذلك أيدينا اقتداء به صلى الله عليه وسلم ، أما المواضع التي رفع صلى الله عليه وسلم فيها يديه ، فالسنة فيها رفع اليدين تأسيا به صلى الله عليه وسلم ؛ ولأن ذلك من أسباب الإجابة ، وهكذا المواضع التي يدعو فيها المسلم ربه ولم يرد فيها عن النبي رفع ولا ترك ، فإنا نرفع فيها للأحاديث الدالة على أن الرفع من أسباب الإجابة كما تقدم " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز رحمه الله" (6/158).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
87695
العنوان:
إذا سوّق سلعة لا يملكها فهل يكون الربح له؟
السؤال:
اتفق شخص يعمل في إحدى الشركات مع أخي على أن نقوم بتسويق سلعة لديه ونقتسم معه ثمنها. علما أن هذه السلعة تحصل عليها من خطأ ارتكبه في حساباته التي يرسلها إلى شركته. سؤالي هو: أنا أدير تجارة أخي هل المال الذي حصلنا عليه من هذا الشخص حرام أم حلال؟ وما حكم الأرباح الناتجة عن هذه التجارة؟ هل أجرتي على تسيير تجارة أخي الممولة بهذا المال حرام أم حلال ؟ وكيف السبيل للتوبة من هذه الأموال؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إذا كانت السلعة قد حصل عليها صاحبكم نتيجة خطأ ارتكبه في حساباته ، كما ذكرت ، فهذه السلعة لا تحل له ، بل هي ملك للشركة ، ولا يجوز لأحد أن يعينه على بيعها ، والواجب عليه أن يصحح الخطأ ، وأن يرد السلعة إلى الشركة .
ثانيا :
ما أخذ بغير حق ، يعتبر في حكم المغصوب ، ويجب رده إلى صاحبه إن كان باقيا ، وإلا وجب رد مثله إن كان له مثل ، أو رد قيمته .
وإذا اتجر الغاصب في السلعة ، وربح ، فالواجب عليه رد هذا الربح إلى صاحب السلعة ، لأنه ربح ماله .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله عن رجل كان عنده وديعة (نقود) فاستثمرها وربح فيها ، ثم رد الوديعة إلى صاحبها بدون الربح .
فأجاب :
"إذا أودع عندك أحد وديعة فليس لك التصرف فيها إلا بإذنه ، وعليك أن تحفظها فيما يحفظ فيه مثلها ، فإذا تصرفت فيها بغير إذنه فعليك أن تستسمحه ، فإن سمح وإلا فأعطه ربح ماله ، أو اصطلح معه على النصف أو غيره ، والصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (19/411).
ثالثا :
الأجرة التي أخذتها على تسيير هذه التجارة يلزمك التصدق بها ، لأنك أخذتها نتيجة عمل محرم .
ونسأل الله تعالى أن يوفقكم للتوبة النصوح .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
87720
العنوان:
حكم تصوير صور أطفال من غير ملامح وجه
السؤال:
أنا سيدة أود العمل في مجال قصص الأطفال ، ومجلات الأطفال ، ورسومات الأطفال غالبا ما تتضمن ذوات الأرواح ، فهل يجوز لي رسم وجوه مع إغفال بعض الحواس حتى لا يكون مضاهاة لخلق الله ؟ . أرجوكم الرد على هذا السؤال للأهمية ، وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يصور الصور - رسماً أو نحتاً - أنهم يعذبون يوم القيامة ، وهذه الصور التي ورد في أصحابها الوعيد هي صور ذوات الأرواح بدليل أن في الحديث قوله ( أحيوا ما خلقتم ) .
عَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُقَالُ لَهُمْ أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ ) .
رواه البخاري ( 5607 ) ومسلم ( 2108 ) .
والذي يظهر أن الصور غير الكاملة الملامح والتي ليس فيها أنف ولا عيون : ليست داخلة في الصور المحرمة ، ولا أصحابها داخلين في الوعيد ؛ لأنه لا يصدق عليها أنها صورة ؛ وليس في هذه الصور مضاهاة لخلق الله .
عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ) .
رواه البخاري ( 5610 ) ومسلم ( 2107 ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
أما مسألة القطن والذي ما تتبين له صورة رغم ما هنالك من أعضاء ورأس ورقبة ولكن ليس فيه عيون وأنف فما فيه بأس ؛ لأن هذا لا يضاهي خلق الله .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 2 / السؤال رقم 330 ) .
وقال الشيخ - أيضاً - :(/1)
كل من صنع شيئاً يضاهي خلق الله : فهو داخل في الحديث ، وهو : ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصورين . . . ) ، وقوله ( أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) ، لكن كما قلت إنه إذا لم تكن الصورة واضحة ، أي : ليس فيها عين ولا أنف ولا فم ولا أصابع : فهذه ليست صورة كاملة ، ولا مضاهية لخلق الله عز وجل .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 2 / السؤال رقم 331 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
87779
العنوان:
ينكرون عليه تطبيق السنَّة ويدَّعون أنها تفرق المسلمين !
السؤال:
قال إمام مسجدنا في خطبة الجمعة بأنه لا ينبغي التشدد بالسنة النبوية ؛ لأن السنَّة تفرق بين المسلمين , ونحن يجب علينا أن نتحد ، واستدل بأَنَّ أَعْرَابِيًّا جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ ، قَالَ : تَعْبُدُ اللَّهَ لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، قَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا شَيْئًا أَبَدًا وَلاَ أَنْقُصُ مِنْهُ ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا . هل هذا صحيح - مع العلم بأننا متبعون للسنَّة ، وهو يسمي المتبع للسنَّة متشدداً ؟ . أفيدونا بارك الله فيكم.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لقد قال إمامكم منكراً من القول وزوراً ، وكان الواجب عليه أن يتقي الله ربَّه ، وأن يحفظ لسانه عن الكلام فيما يغمسه في الإثم .
والسنَّة النبوية هي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله ، فكيف تكون السنَّة مفرِّقة بين المسلمين ؟! وما الذي يوحدهم إن كانت السنَّة تفرقهم ؟!
ولو صدق ذلك الإمام لقال : إن السنة هي التي تجمع الناس ، وتلم شتاتهم .
قال الإمام أبو المظفر السمعاني رحمه الله : " وكان السبب في اتفاق أهل الحديث أنهم أخذوا الدين من الكتاب والسنة وطريق النقل ، فأورثهم الاتفاق والائتلاف ، وأهل البدعة أخذوا الدين من طريق المعقولات ، فأورثهم الافتراق والاختلاف .. " الانتصار لأهل الحديث ص (47) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(/1)
" سبب الاجتماع والألفة جمع الدين والعمل به كله ، و هو عبادة الله وحده لا شريك له كما أمر به ، باطنا وظاهرا ، وسبب الفرقة ترك حظ مما أمر العبد به ، والبغى بينهم !!
ونتيجة الجماعة رحمة الله ورضوانه وصلواته وسعادة الدنيا والآخرة وبياض الوجوه ،
ونتيجة الفرقة عذاب الله ولعنته وسواد الوجوه وبراءة الرسول منهم . "
مجموع الفتاوى (1/17) .
وقال ـ رحمه الله ـ أيضا :
" ما كان مأثورا حصلت له الألفة وما كان معروفا حصلت به المعرفة كما يرى عن مالك رحمه الله أنه قال : إذا قل العلم ظهر الجفاء وإذا قلت الآثار كثرت الأهواء "
درء التعارض (1/149) .
وكيف يسمَّى المتبع للسنَّة متشدِّداً والمسلم مأمورٌ باتباعها والاقتداء بهدي صاحبها وهو النبي صلى الله عليه وسلم ؟! وماذا يقول هذا الإمام عن أفعال الصحابة رضي الله عنهم عندما اتبعوا سنة نبيهم صلى الله عليه خير اتباع ؟! وماذا سيكون حكمه على هذه الواقعة :
عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : بَيْنَمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ إِذْ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فَوَضَعَهُمَا عَنْ يَسَارِهِ فَلَمَّا رَأَى ذَلِكَ الْقَوْمُ أَلْقَوْا نِعَالَهُمْ فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاتَهُ قَالَ : مَا حَمَلَكُمْ عَلَى إِلْقَاءِ نِعَالِكُمْ ؟ قَالُوا : رَأَيْنَاكَ أَلْقَيْتَ نَعْلَيْكَ فَأَلْقَيْنَا نِعَالَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ جِبْرِيلَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَانِي فَأَخْبَرَنِي أَنَّ فِيهِمَا قَذَرًا - أَوْ قَالَ : أَذًى - وَقَالَ : إِذَا جَاءَ أَحَدُكُمْ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلْيَنْظُرْ فَإِنْ رَأَى فِي نَعْلَيْهِ قَذَرًا أَوْ أَذًى فَلْيَمْسَحْهُ وَلْيُصَلِّ فِيهِمَا .
رواه أبو داود ( 650 ) ، وصححه الألباني .(/2)
فهؤلاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد ألقوا نعالهم في الصلاة لمجرد رؤيتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم يخلع نعله ، فكيف لو كان الأمر سنَّةً عنه صلى الله وسلم ، أو كان هدياً له ؟! .
ثانياً :
إن لمز متبعي سنَّة النبي صلى الله عليه وسلم واتهامهم بالتشدد أو التطرف هو من الإيذاء والبهتان ، وقد توعد الله تعالى من يفعل ذلك ، فضلاً أنه يكون متشبهاً بالمشركين الذين سبقوه إلى هذا الفعل .
قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً ) الأحزاب/58 .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ . وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ . وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ . وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ ) المطففين/29 – 32 .
قال الشيخ العثيمين – رحمه الله - :
" ( وَإِذَا رَأَوْهُمْ ) أي : رأى المجرمون المؤمنين قَالُوا :(/3)
( إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ ) ضالون عن الصواب ، متأخرون ، متزمتون ، متشددون ، إلى غير ذلك من الألقاب ، ولقد كان لهؤلاء السلف خلفٌ في زماننا اليوم ، وما قبله ، وما بعده ، فمن الناس من يقول عن أهل الخير : إنهم رجعيون ، إنهم متخلفون ، ويقولون عن الملتزم : إنه متشدد ، متزمّت ، وفوق هذا كله من قالوا للرسل : إنهم سحرة أو مجانين ، قال الله تعالى : ( كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ ) الذاريات/52 ، فورثة الرسل من أهل العلم والدين سينالهم من أعداء الرسل ما نال الرسل ؛ من ألقاب السوء والسخرية ، وما أشبه ذلك ، ومن هذا تلقيب أهل البدع والتعطيل لأهل الإثبات من السلف بأنهم حَشوَّية ، مُجسِّمة ، مُشبِّهة ، وما أشبه ذلك من ألقاب السوء التي ينفرون بها الناس عن الطريق السوي .
" لقاءات الباب المفتوح " ( اللقاء رقم 30 ) .
ثالثاً :
التشدد المذموم في الدِّين هو جعل المستحب واجباً ، أو جعل المكروه محرَّماً ، وقد حذَّر النبي صلى الله عليه من الغلو في الدين ، كما أنه حذَّر من التشدد فيه ، وليس معنى الغلو والتشدد تطبيق السنة ، بل تغيير أحكامها ، والتشدد في إيجاب الأمر أو تحريمه وليس هو كذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – في شرح حديث ( لَا تُشَدِّدُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ فَيُشَدَّدَ عَلَيْكُمْ فَإِنَّ قَوْمًا شَدَّدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ فَشَدَّدَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ فَتِلْكَ بَقَايَاهُمْ فِي الصَّوَامِعِ وَالدِّيَارِ ) - :(/4)
" ففيه نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التشدد في الدين بالزيادة عن المشروع ، والتشديد تارة يكون باتخاذ ما ليس بواجب ولا مستحب بمنزلة الواجب والمستحب في العبادات ، وتارة باتخاذ ما ليس بمحرم ولا مكروه بمنزلة المحرم والمكروه في الطيبات ، وعلل ذلك بأن الذين شددوا على أنفسهم من النصارى شدد الله عليهم لذلك ، حتى آل الأمر إلى ما هم عليه من الرهبانية المبتدعة .
وفي هذا تنبيه على كراهة النبي صلى الله عليه وسلم لمثل ما عليه النصارى من الرهبانية المبتدعة ، وإن كان كثير من عبادنا قد وقعوا في بعض ذلك متأولين معذورين ، أو غير متأولين ولا معذورين .
وفيه أيضا تنبيه على أن التشديد على النفس ابتداء يكون سببا لتشديد آخر يفعله الله إما بالشرع وإما بالقدر ، فأما بالشرع : فمثل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يخافه في زمانه من زيادة إيجاب أو تحريم كنحو ما خافه لما اجتمعوا لصلاة التراويح معه ، ولما كانوا يسألون عن أشياء لم تحرم ، ومثل أن من نذر شيئا من الطاعات وجب عليه فعله وهو منهي عن نفس عقد النذر ، وكذلك الكفارات الواجبة بأسباب .
وأما القدر : فكثيراً ما قد رأينا وسمعنا من كان يتنطع في أشياء فيبتلى أيضا بأسباب تشدد الأمور عليه في الإيجاب والتحريم ؛ مثل كثير من الموسوسين في الطهارات : إذا زادوا على المشروع ، ابتلوا بأسباب توجب حقيقة عليهم أشياء فيها عظيم مشقة ومضرة ."
" اقتضاء الصراط المستقيم " ( 103 ، 104 ) .
وقال الشيخ العثيمين – رحمه الله ـ في شرح حديث الرسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ ؛ فَإِنَّمَا أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ ) رواه النسائي ( 3059 ) وابن ماجه ( 3029 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " - :(/5)
وفي هذا الحديث يحذر الرسول صلى الله عليه وسلم أمته من الغلو ، ويبرهن على أن الغلو سبب للهلاك ؛ لأنه مخالف للشرع ؛ ولإهلاكه للأمم السابقة ؛ فيستفاد منه تحريم الغلو من وجهين :
الوجه الأول : تحذيره صلى الله عليه وسلم ، والتحذير نهي وزيادة .
الوجه الثاني : أنه سبب لإهلاك الأمم كما أهلك من قبلنا ، وما كان سببا للهلاك كان محرما .
.. والناس في العبادة طرفان ووسط ؛ فمنهم المفرط ، ومنهم المفرط ، ومنهم المتوسط .
فدين الله بين الغالي فيه والجافي عنه ، وكون الإنسان معتدلا لا يميل إلى هذا ولا إلى هذا : هذا هو الواجب ؛ فلا يجوز التشدد في الدين والمبالغة ، ولا التهاون وعدم المبالاة ، بل كن وسطا بين هذا وهذا .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 9 / 367 ، 368 ) .
رابعاً :
الحديث الذي استدل به إمامكم : فهذا الحديث رواه البخاري ( 1333 ) ومسلم ( 14 ) وليس في صحته إشكال ، لكنه أُتي من سوء فهمه له ، ولو وقف على رواياته وكلام أهل العلم لما استدل به على ما فهمه منه ، فقد جاء في رواية عند البخاري ( وعَلَّمَهُ شَرَائِعَ الإسْلام ) وهذه اللفظة تشمل باقي الفرائض ، وتشمل المندوبات .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
قوله : ( فَإِذَا هُوَ يَسْأَل عَن الإِسْلام ) أي : عن شرائع الإسلام , ويحتمل أنه سأل عن حقيقة الإسلام , وإنما لم يذكر له الشهادة لأنه علم أنه يعلمها ، أو علم أنه إنما يسأل عن الشرائع الفعلية , أو ذكرها ولم ينقلها الراوي لشهرتها , وإنما لم يذكر الحج إما لأنه لم يكن فرض بعد أو الراوي اختصره , ويؤيد هذا الثاني ما أخرجه المصنِّف – أي : البخاري - في الصيام من طريق إسماعيل بن جعفر عن أبي سهيل في هذا الحديث قال : " فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام " , فدخل فيه باقي المفروضات بل والمندوبات ... .(/6)
قوله : ( وَذَكَرَ رَسُولُ الله صلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم الزَّكَاةَ ) في رواية إسماعيل بن جعفر قال : " أخبرني بما فرض الله عليَّ من الزكاة , قال فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام " , فتضمنت هذه الرواية أن في القصة أشياء أجملت , منها بيان نصب الزكاة ؛ فإنها لم تفسر في الروايتين , وكذا أسماء الصلوات , وكأن السبب فيه شهرة ذلك عندهم , أو القصد من القصة بيان أن المتمسك بالفرائض ناج وإن لم يفعل النوافل ... .
فإن قيل : أما فلاحه بأنه لا ينقص فواضح , وأما بأن لا يزيد فكيف يصح ؟ أجاب النووي بأنه أثبت له الفلاح لأنه أتى بما عليه ، وليس فيه أنه إذا أتى بزائد على ذلك لا يكون مفلحا , لأنه إذا أفلح بالواجب ففلاحه بالمندوب مع الواجب أولى .
" فتح الباري " ( 1 / 108 ) .
ونرجو من الإمام أن يتأمل لفظة " وعلمه شرائع الإسلام " ، كما نرجو أن يتأمل نهاية ما نقلناه عن الحافظ ابن حجر ، والذي أقرَّ فيه كلام الإمام النووي ، بأن الفلاَح يكون أولى لمن جاء بالواجبات وأضاف إليها المندوبات .
خامساً :
نوصيكم بالمحافظة على أوامر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم ، كما نوصيكم بالمحافظة على تطبيق السنن والمستحبات ، دون غلو وتشدد ، وتعليم ذلك للناس بحكمة وحسن أسلوب ، ولا يجوز لكم تنفير الناس بالتشدد فيما فيه سعة ، أو بجعل المستحبات واجبات ، أو بالتشدد في النكير على الناس ، وخاصة خاصتهم كإمام المسجد أو المفتي أو من له منزلة عند الناس ، واستمعوا لهذه النصيحة الجامعة من عالم فاضل .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :(/7)
يجب عليك الالتزام بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمحافظة عليها ، وألا تلتف إلى عذل من يعذلك ، أو يلومك في هذا ، أما أن الوالدين يلومانك في تمسكك بالسنة ويريدان منك التساهل في ذلك : فلا تطعهما في هذا الأمر ، خصوصاً إذا كانت هذه السنن من الواجبات التي يجب التمسك بها ، لا في المستحبات ، وإذا لم يصل الأمر إلى التشدد ، أما إذا كان الأمر بلغ بك إلى حد التشدد : فلا ينبغي لك ، ولكن ينبغي الاعتدال والتوسط في تطبيق السنن ، والعمل بها ، من غير غلو وتشدد ، ومن غير تساهل ولا تفريط ، هذا هو الذي ينبغي عليك ، وعلى كل حال أنت مثاب - إن شاء الله - وعليك بالتمسك بسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإقناع من يلومك في هذا ، خصوصًا الوالدين ، عليك أن تتبعهما وأن ترغبهما في السنن وتبين لهما ما في ذلك من الثواب والخير ، فلعله أن يزول عنهما هذا الاعتراض أو هذا الاستغراب ، ولعله أيضاً أن يكون هذا العمل سبباً في التزامهما أيضاً بالسنن والاقتداء ، وتكون أنت داعية إلى الله عز وجل ، ولا شك أن الإنسان الذي يدعو إلى الله يجب أول ما يدعو أقاربه وأقرب الناس إليه ، والوالدان من أقرب الناس إليك .
فعلى كل حال إذا كان تمسكك بالسنن لا ينتهي إلى حد الإفراط والغلو : فهو أمر محمود ، وعليك أن تستمر عليه ، وأن تدعو إليه والديك وغيرهما ، والله أعلم .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 2 / 301 ، 302 ) .(/8)
وأخيرا : كما أن من التشدد المذموم أن ننزل المستحب منزلة الأمر الواجب ، أو المكروه منزلة المحرم ، أو نلزم أنفسنا بما لم يلزمنا الله تعالى به ؛ فكذلك من الجهل بأصول الشريعة أن نهدر الأصل العام العظيم ، وهو وجوب الألفة والمحبة بين المسلمين ، والاجتماع على حبله المتين ، وصيانة عرض المسلم من السلب والعيب ، فضلا عن العدوان والأذى والضرب ، من الجهل أن نهدر ذلك كله لأجل أن هذا تمسك بأمر مستحب ، وغيره لا يراه مستحبا ، أو لا يلتزم به ، وبالمقابل العدوان على عرض المسلم أو حقه لأجل أنه أخل بأمر يستمسك به غيره ، وبمثل ذلك ينال العدو اللعين مراده من المؤمنين ؛ فكيف لو كان ذلك في بلاد المهجر والغربة ، حيث يرانا غيرنا صورة لديننا .
روى الإمام مسلم في صحيحه (2812) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ أَيِسَ أَنْ يَعْبُدَهُ الْمُصَلُّونَ فِي جَزِيرَةِ الْعَرَبِ ، وَلَكِنْ فِي التَّحْرِيشِ بَيْنَهُمْ ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" فأما صفة الصلاة : ومن شعائرها مسألة البسملة ؛ فإن الناس اضطربوا فيها نفيا وإثباتا : في كونها آية من القرآن ، وفي قراءتها ، وصنفت من الطرفين مصنفات يظهر في بعض كلامها نوع جهل وظلم مع أن الخطب فيها يسير . وأما التعصب لهذه المسائل ونحوها فمن شعائر الفرقة والاختلاف الذي نهينا عنها ; إذ الداعي لذلك هو ترجيح الشعائر المفترقة بين الأمة وإلا فهذه المسائل من أخف مسائل الخلاف جدا لولا ما يدعو إليه الشيطان من إظهار شعار الفرقة ... "(/9)
ثم قال : " ويستحب للرجل أن يقصد إلى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات ، لأن مصلحة التأليف في الدين أعظم من مصلحة فعل مثل هذا ، كما ترك النبي صلى الله عليه وسلم تغيير بناء البيت ، لما في إبقائه من تأليف القلوب ، وكما أنكر ابن مسعود على عثمان إتمام الصلاة في السفر ، ثم صلى خلفه متما ، وقال : الخلاف شر . "
مجموع الفتاوى (22/405-4079) .
والله أعلم(/10)
رقم السؤال:
87815
العنوان:
هل يأثم الابن إذا رفض سفر والدته لزيارته حرصا على زوجها وأسرتها ؟
السؤال:
يسكن أخي البالغ من العمر 45 سنة بالديار الأوروبية ، متزوج وله طفلتان من أجنبية ، المشكلة هو أنه يرفض إنجاز أوراق الإقامة لأمي ، لأنها حين كانت تذهب عنده لأجل قضاء شهر تمكث 9 أشهر ، وتترك الأولاد والزوج في البلد ، وحين طلب منها الرجوع إلى بيتها وزوجها انهالت عليه بالشتائم أمام زوجته وأطفاله ، وحين رجعت رفض أن ينجز لها التأشيرة تفادياً للوقوع معها في المشاكل ، خاصة وهي عصبية المزاج ، وتثور لأتفه الأسباب ، مما يؤدي به إلى تعاطي المخدرات ، يسأل هل إذا رفض مجيئها يعتبر آثما ؟ .
الجواب:
الحمد لله
البر الواجب الذي أمر الله به في كتابه وحث عليه رسوله صلى الله عليه وسلم يقتضي السعي في خدمة الوالدين وإسعادهما وإرضائهما ، وذلك بكل وسيلة متاحة مباحة ، وفي كل فرصة ممكنة .
ومن أفضل ما يبر المرء به والديه الحرص على نجاح حياتهما الزوجية ، وتواصل الود والمحبة والعشرة الحسنة بينهما ، فإن الأبناء الحكماء البررة يملكون من تقريب الود بين الوالدين ما لا يملكه غيرهم ، وكثيراً ما يكونون سبباً لتجاوز كل ما قد ينغص حياة الأسرة .
ولا أرى حرص أخيكِ على بقاء والدته بين أبنائها وزوجها إلا دليلا على حكمته ، خاصة إذا كانت الأسرة تتضرر بغياب الوالدة كثيراً – كما هو الحال غالباً - .
ولكن ينبغي عليه أن يحسن التصرف ويختار الأسلوب الأمثل في تجاوز هذا التعارض : تعارض رغبته في محافظة والدته على أسرتها وبيتها ، مع رغبة والدته في زيارته في غربته والبقاء معه .(/1)
ولن يعدم – إن شاء الله – فكرة متميزة تحل له هذه المشكلة ، فإذا كان بإمكانه تحديد تأشيرة زيارة الوالدة بالشهر : فهذا حسن ، ويعتذر لوالدته إذا أنهت شهر الزيارة بانتهاء التأشيرة ولزوم العودة ، والأَوْلى من ذلك إن كان يقدر على استقبال أسرته كلها ، فيستخرج لهم تأشيرات الزيارة جميعا ، كي يصحبوا والدتهم حيثما كانت .
فإن استطاع أن ينصح والدته بالحسنى ويصارحها بوجوب طاعة زوجها وخدمته – خاصة إذا كان الزوج غير موافق على خروجها كل تلك الفترة – فليجتهد في ذلك ، ولا يستحيي أو يمل ، ولا يضره إن كانت والدته ستتهمه بعقوقها أو كراهية زيارتها ، فإن الله سبحانه وتعالى مُطَّلِعٌ على ما في قلبه ، ويعلم نيته وحقيقة حاله .
يقول سبحانه وتعالى : ( رَّبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَا فِي نُفُوسِكُمْ إِن تَكُونُواْ صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً ) الإسراء/25 .
قال الإمام ابن جرير الطبري – رحمه الله - :
يقول تعالى ذكره ( ربُّكم ) أيها الناس ( أَعلمُ ) منكم ( بِمَا في نُفُوسِكم ) من تعظيمكم أمر آبائكم وأمهاتكم وتكرمتهم والبر بهم ، وما فيها من اعتقاد الاستخفاف بحقوقهم والعقوق لهم وغير ذلك من ضمائر صدوركم ، لا يخفى عليه شيء من ذلك ، وهو مجازيكم على حسن ذلك وسيئه ، فاحذروا أن تضمروا لهم سوءا وتعقدوا لهم عقوقا .
وقوله ( إنْ تكونوا صالِحين ) يقول : إن أنتم أصلحتم نياتكم فيهم وأطعتم الله فيما أمركم به من البر بهم والقيام بحقوقهم عليكم ، بعد هفوة كانت منكم ، أو زلة في واجب لهم عليكم ، مع القيام بما ألزمكم في غير ذلك من فرائضه : ( فإنَّه كان للأوابين ) بعد الزلة والتائبين بعد الهفوة ( غفُوراً ) لهم .
" تفسير الطبري " ( 17 / 421 ، 422 ) .(/2)
وفي هذه الآية دعوة صادقة لأخيكِ أن يمحص قلبه ونيته ، ليكون باعثه على اعتذاره عن تأشيرة زيارة الوالدة هو حرصه على صلاح بيتها وأسرتها ببقائها فيه ، وعدم معاونتها على الإثم الذي ترتكبه حين تعصي زوجها وتسافر بغير رضاه .
وأما إن كان باعثه الحقيقي كراهية والدته ورغبته عن استقبالها واستضافتها وخدمتها فهو آثم حينئذ ، مرتكب معصية وواقع في كبيرة العقوق ، فإن من أعظم حقوق الوالدين على أولادهم رعايتهم في كبرهم وتوفير الخدمة لهم .
وعلى الأخ ، إذا لم يتمكن من التحكم في زيارة الوالدة على النحو المناسب المعقول ، أن يعوض ذلك بأن ينزل هو للزيارة ، كلما تمكن من ذلك ، وألا يطيل الاغتراب عنها ، ثم يحاول أن يجتهد في صلتها والإحسان إليها بالهدايا ونحوه ، خاصة مما تتعلق نفسها به .
ثانياً :
أما ما ذكرتِ في شأن تعاطي أخيك المخدرات : فإن كنت تقصدين الحبوب المهدئة التي يتناولها من يصاب بنوبات الفزع والغضب والقلق : فإن الأصل في هذه الحبوب عدم جوازها لما فيها من المخدر المفتر الذي جاءت الشريعة بالنهي عنه ، ولكن إذا كان ذلك لحاجة يقدرها الطبيب المختص فيجوز له تناولها حينئذ تحت إشراف الطبيب فقط ، فإن الحاجة تنزل منزلة الضرورة .
سئل الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :
ما حكم تناول الحبوب المنومة أو ما يسمى بالمهدئات ، وهل تدخل ضمن المخدرات أم لا ، وهل تجوز إذا دعت الضرورة أو أرشد إليها الطبيب ؟ .
فأجاب :
هذه الحبوب لا يجوز استعمالها إلا إذا دعت الحاجة إليها ، بشرط أن يكون الآذن بها طبيباً فاهماً عالماً ؛ لأن هذه لها خطر ، ولها مردود فعل على المخ ، فإذا استعملها الإنسان فقد يهدأ تلك الساعة ويلين ، لكنه يعقبه شر أكبر وأعظم ، فالمهم أنه يجوز استعمالها للحاجة ، بشرط أن يكون ذلك تحت نظر الطبيب وإذنه .
" فتاوى نور على الدرب " ( شريط رقم : 82 / الوجه الأول ) .(/3)
وإذا كانت هذه الحبوب تفتَِّر الجسم فإنه يكون حكمها حكم المخدرات المحرَّمة .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
ما حكم الأدوية المهدئة التي تستخدم في علاج بعض الأمراض العصبية وغيرها ، وتوضع تحت قسم المفترات ؟ .
فأجابوا :
لا يجوز التداوي بما حرم الله ، ومن المحرمات تناول المفترات .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 25 / 32 ) .
وأما إذا كنت تقصدين المخدرات الممنوعة – لا قدر الله - ، التي يتعاطاها المدمنون شهوة من عند أنفسهم ، فهذه معصية عظيمة يجب عليك مناصحة أخيك بشأنها والسعي في تخليصه منها بمراجعة الأطباء المختصين الذين يشرفون على علاج مثل هذه الحالات ، وقد سبق في موقعنا بيان حرمة هذه المواد لما فيها من ضرر كبير على الفرد والمجتمع .
انظري جواب الأسئلة رقم ( 6540 ) و ( 32466 ) و ( 66227 ) .
ونسأل الله لك ولأخيك الحفظ والهداية والتوفيق .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
87834
العنوان:
إذا منعها من زيارة أهلها فهل تطيعه؟
السؤال:
هل يجوز طاعة الزوج في عدم رغبته في زيارة الزوجة لبيت أهلها؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، ولو كان ذلك لزيارة والديها ، وينبغي له أن يأذن لها ، حتى تتمكن من صلة رحمها ، لكن إن منعها من الزيارة لزمها طاعته ، وليس له أن يمنع والديها من زيارتها أو الكلام معها .
وقد اختلف الفقهاء في هذه المسألة ، وما ذكرناه هو الراجح من أقوالهم .
فذهب الحنفية والمالكية إلى أنه ليس له أن يمنعها من زيارة والديها .
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن له أن يمنعها ، ويلزمها طاعته ، فلا تخرج إليهما إلا بإذنه ، لكن ليس له أن يمنعها من كلامهما ولا من زيارتهما لها ، إلا أن يخشى ضررا بزيارتهما ، فيمنعهما دفعا للضرر .
قال ابن نجيم (حنفي) : " ولو كان أبوها زمِنا مثلا ، وهو يحتاج إلى خدمتها ، والزوج يمنعها من تعاهده ، فعليها أن تعصيه ، مسلما كان الأب أو كافرا , كذا في فتح القدير . وقد استفيد مما ذكرناه أن لها الخروج إلى زيارة الأبوين والمحارم ، فعلى الصحيح المُفتى به : تخرج للوالدين في كل جمعة بإذنه وبغير إذنه ، ولزيارة المحارم في كل سنة مرة بإذنه وبغير إذنه " انتهى من "البحر الرائق" (4/212).
وقال في "التاج والإكليل على متن خليل" (مالكي) (5/549) : " وفي العُتْبية : ليس للرجل أن يمنع زوجه من الخروج لدار أبيها وأخيها ، ويُقضى عليه بذلك ، خلافا لابن حبيب . ابن رشد : هذا الخلاف إنما هو للشابة المأمونة , وأما المتجالّة فلا خلاف أنه يُقضى لها بزيارة أبيها وأخيها , وأما الشابة غير المأمونة فلا يقضى لها بالخروج " انتهى .
والمتجالة هي العجوز الفانية التي لا أرب للرجال فيها . "الموسوعة الفقهية" (29/294).(/1)
وقال ابن حجر المكي (شافعي) : " وإذا اضطرت امرأة للخروج لزيارة والدٍ ، أو حمام ، خرجت بإذن زوجها غير متبهرجة ، في مِلْحفة وثياب بذلة ، وتغض طرفها في مشيتها ، ولا تنظر يمينا ولا شمالا ، وإلا كانت عاصية " انتهى من "الزواجر عن اقتراف الكبائر" (2/78).
وقال في "أسنى المطالب" (شافعي) (3/239) : " وللزوج منع زوجته من عيادة أبويها ومن شهود جنازتهما وجنازة ولدها ، والأولى خلافه " انتهى .
وقال الإمام أحمد رحمه الله في امرأة لها زوج وأم مريضة : " طاعة زوجها أوجب عليها من أمها ، إلا أن يأذن لها " انتهى من "شرح منتهى الإرادات" (3/47).
وقال في الإنصاف (حنبلي) (8/362) : " لا يلزمها طاعة أبويها في فراق زوجها , ولا زيارةٍ ونحوها . بل طاعة زوجها أحق ".
وسئلت "اللجنة الدائمة للإفتاء" : " ما حكم خروج المرأة من بيت زوجها من غير إذنه ، والمكث في بيت أبيها من غير إذن زوجها ، وإيثار طاعة والدها على طاعة زوجها ؟
ج : لا يجوز للمرأة الخروج من بيت زوجها إلا بإذنه ، لا لوالديها ولا لغيرهم ؛ لأن ذلك من حقوقه عليها ، إلا إذا كان هناك مسوغ شرعي يضطرها للخروج " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (19/165).
ومما يدل على اشتراط إذن الزوج في زيارة الأبوين : ما جاء في الصحيحين في قصة الإفك ، وقول عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم : " أتأذن لي أن آتي أبوي ". البخاري (4141) ومسلم (2770).
قال العراقي في "طرح التثريب" (8/58) : " وقولها : { أتأذن لي أن آتي أبوي : } فيه أن الزوجة لا تذهب إلى بيت أبويها إلا بإذن زوجها ، بخلاف ذهابها لحاجة الإنسان فلا تحتاج فيه إلى إذنه ، كما وقع في هذا الحديث " انتهى.(/2)
ومع ذلك فإن الأولى للزوج أن يسمح لزوجته بزيارة والديها ومحارمها ، وألا يمنعها من ذلك إلا عند تحقق الضرر بزيارة أحدهم ، لما في منعها من قطيعة الرحم ، وربما حملها عدم إذنه على مخالفته ، ولما في زيارة أهلها وأرحامها من تطييب خاطرها ، وإدخال السرور عليها ، وعلى أولادها ، وكل ذلك يعود بالنفع على الزوج والأسرة .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
87846
العنوان:
حقيقة السياحة في الإسلام وأحكامها وأنواعها
السؤال:
أرجو منكم تزويدي بمعلومات هامة وشاملة عن السياحة الإسلامية ، أو ما هي السياحة في الإسلام ، أو ما هي الضوابط السياحية في الإسلام ، أو كيف ننشئ سياحة إسلامية ، أو كيف نكون بلدا سياحيا إسلاميا ، أو ماهي المشاريع السياحية الإسلامية . مع جزيل الشكر .
الجواب:
الحمد لله
السياحة في اللغة تحمل معاني كثيرة ، ولكنها في الاصطلاح المشهور اليوم تقتصر على بعض تلك المعاني ، فتدل على التنقل في البلاد للتنزه أو للاستطلاع والبحث والكشف ونحو ذلك ، لا للكسب والعمل والإقامة .
انظر " المعجم الوسيط " ( 469 ) .
وللحديث عن السياحة في نظر الشريعة الإسلامية ، لا بد من التقسيم الآتي :
أولا : مفهوم السياحة في الإسلام .
جاء الإسلام ليغير كثيراً من المفاهيم المشوهة التي تحملها عقول البشر القاصرة ، ويربطها بمعالي الأمور ومكارم القيم والأخلاق ، وكانت السياحة في مفهوم بعض الأمم السابقة مرتبطة بتعذيب النفس وإجبارها على السير في الأرض ، وإتعاب البدن عقابا لها أو تزهدا في دنياها ،
فأبطل الإسلام هذا المفهوم السلبي المنتكس للسياحة .
روى ابن هانئ عن أحمد بن حنبل أنه سئل : عن الرجل يسيح أحب إليك أو المقيم في الأمصار ؟ فقال : ما السياحة من الإسلام في شيء ، ولا من فعل النبيين ولا الصالحين .
" تلبيس إبليس " ( 340 ) .
وعلَّق ابن رجب الحنبلي على كلمة الإمام أحمد فقال :
والسياحة على هذا الوجه قد فعلها طوائف ممن ينسب إلى عبادة واجتهاد بغير علم ، ومنهم من رجع لما عرف ذلك .
" فتح الباري " لابن رجب ( 1 / 56 ) .
فجاء الإسلام ليرتقي بمفهوم السياحة ، ويربطه بالمقاصد العظيمة ، والغايات الشريفة ، ومن ذلك :(/1)
1. أنه ربط السياحة بالعبادة ، فأوجب السفر – أو : " السياحة " - لأداء ركن من أركان الدين وهو ( الحج ) في أشهر معلومة ، وشرع العمرة إلى بيت الله تعالى في العام كله ، ولما جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستأذنه في السياحة ( بالمفهوم القديم الذي يعني تقصد السفر للرهبنة أو تعذيب النفس فقط ) أرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى المقصد الأسمى والأعلى من السياحة فقال له : ( إِنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) رواه أبو داود ( 2486 ) وحسنه الألباني في " صحيح أبي داود " وجوَّد إسناده العراقي في " تخريج إحياء علوم الدين " ( 2641 ) ، فتأمل كيف ربط النبي صلى الله عليه وسلم السياحة المشروعة المندوبة بالهدف العظيم والغاية السامية .
2. كما اقترنت السياحة في المفهوم الإسلامي بالعلم والمعرفة ، وقد سيرت أعظم وأقوى الرحلات السياحية في صدر الإسلام لغرض طلب العلم ونشره ، حتى ألف الخطيب البغدادي كتابه المشهور " الرحلة في طلب الحديث " ، وقد جمع فيه من رحل من أجل حديث واحد فقط ! ، ومن ذلك ما قاله بعض التابعين في قوله سبحانه وتعالى : ( التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنكَرِ وَالْحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) التوبة/112
قال عكرمة : ( السائحون ) : هم طلبة العلم .
رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 7 / 429 ) ، وانظر " فتح القدير " ( 2 / 408 ) .
وإن كان التفسير الصحيح الذي عليه جمهور السلف أن المقصود بـ ( السائحين ) هو : الصائمين .
3. ومن مقاصد السياحة في الإسلام الاعتبار والادِّكار ، وقد جاء في القرآن الكريم الأمر بالسير في الأرض في عدة مواطن :
قال تعالى : ( قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) الأنعام/11 .(/2)
وقال سبحانه : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ ) النمل/69 .
قال القاسمي – رحمه الله - :
هم السائرون الذاهبون في الديار لأجل الوقوف على الآثار ، توصلا للعظة بها والاعتبار ولغيرها من الفوائد .
" محاسن التأويل " ( 16 / 225 ) .
4. ولعل أعظم مقاصد السياحة في الإسلام تكون في الدعوة إلى الله تعالى ، وتبليغ البشرية النور الذي أنزل على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو وظيفة الرسل والأنبياء ، ومن بعدهم أصحابهم رضوان الله عليهم ، وقد انتشر صحابة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الآفاق يعلمون الناس الخير ، ويدعونهم إلى كلمة الحق ، ونحن نرجو أن تحذو سياحة اليوم تلك السياحة العظيمة المقصد ، الشريفة الغاية والهدف .
5. وأخيراً فإن من مفهوم السياحة في الإسلام السفر لتأمل بديع خلق الله تعالى ، والتمتع بجمال هذا الكون العظيم ، ليكون ذلك باعثا للنفس البشرية على قوة الإيمان بوحدانية الله ، وليكون عونا لها أيضا على أداء واجبات الحياة ، فإن ترويح النفس ضروري لأخذها بالجد بعد ذلك .
يقول سبحانه وتعالى : ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) العنكبوت/20 .
ثانياً :
ضوابط السياحة المشروعة في الإسلام
لقد جاءت شريعتنا الحكيمة بكثير من الأحكام التي تنظم السياحة وتضبطها وتوجهها كي تحافظ على مقاصدها التي سبق ذكرها ، ولا يتجاوز بها إلى الانفلات أو التعدي ، فتعود السياحة مصدر شر وضرر على المجتمع ، ومن تلك الأحكام :
1. تحريم السفر بقصد تعظيم بقعة معينة إلا إلى ثلاثة مساجد :(/3)
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لَا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى ) .
رواه البخاري ( 1132 ) ومسلم ( 1397 ) .
وفي الحديث دليل على حرمة الترويج للسياحة " الدينية " كما يسمونها لغير المساجد الثلاثة ، كمن يدعو إلى السياحة لزيارة القبور والمشاهد والأضرحة والمراقد ، وخاصة تلك الأضرحة التي يعظمها الناس ويرتكبون عندها أنواع الشرك والموبقات ، فليس في الشريعة تقديس لمكان تؤدى فيه عبادة ويكون فيع تعظيم سوى هذه الثلاثة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ : ( خَرَجْتُ إِلَى الطُّورِ فَلَقِيتُ كَعْبَ الْأَحْبَارِ فَجَلَسْتُ مَعَهُ...فذكر حديثا طويلا ثم قال : فَلَقِيتُ بَصْرَةَ بْنَ أَبِي بَصْرَةَ الْغِفَارِيَّ فَقَالَ : مِنْ أَيْنَ أَقْبَلْتَ ؟ فَقُلْتُ مِنْ الطُّورِ . فَقَالَ : لَوْ أَدْرَكْتُكَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ إِلَيْهِ مَا خَرَجْتَ ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : لَا تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِلَّا إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ : إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِلَى مَسْجِدِي هَذَا وَإِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ أَوْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ) .
رواه مالك في الموطأ ( 108 ) والنسائي ( 1430 ) وصححه الألباني في " صحيح النسائي " فلا يجوز إنشاء سفر لقصد مكان مقدس غير هذه الأماكن الثلاثة ، ولا يعني ذلك حرمة زيارة المساجد في بلاد المسلمين ، فإن زيارتها مشروعة ومستحبة ، وإنما الممنوع هو إنشاء السفر لهذا الغرض ، فإذا كان له قصد آخر من السفر ، وجاءت الزيارة تابعة فلا بأس ، بل قد تجب لأداء الجمعة والجماعة .(/4)
ومن باب أولى حرمة السفر لزيارة الأماكن المقدسة في الديانات الأخرى ، كمن يخرج لزيارة " الفاتيكان " أو الأصنام البوذية وغير ذلك مما يشبهه .
2. وقد جاءت الأدلة أيضا في تحريم سياحة المسلم في بلاد الكفار مطلقا ، لما فيها من مفاسد تعود على دين وخلق المسلم باختلاطه مع تلك الأمم التي لا تراعي دينا ولا خلقا ، خاصة مع عدم وجود الحاجة لهذا السفر من علاج أو تجارة ونحو ذلك ، إنما هو للمتعة والترفيه ، وقد أوسع الله تعالى بلاد المسلمين بحمد الله ، فجعل فيها من بديع خلقه ما يغني عن زيارة الكفار في بلادهم .
قال الشيخ صالح الفوزان - حفظه الله - :
السفر إلى بلاد الكفر لا يجوز ؛ لأن فيه مخاطر على العقيدة والأخلاق ومخالطة للكفار وإقامة بين أظهرهم ، لكن إذا دعت حاجة ضرورية وغرض صحيح للسفر لبلادهم كالسفر لعلاج مرض لا يتوفر إلا ببلادهم ، أو السفر لدراسة لا يمكن الحصول عليها في بلاد المسلمين ، أو السفر لتجارة ، فهذه أغراض صحيحة يجوز السفر من أجلها لبلاد الكفار بشرط المحافظة على شعائر الإسلام ، والتمكن من إقامة الدين في بلادهم ، وأن يكون ذلك بقدر الحاجة فقط ثم يعود إلى بلاد المسلمين .
أما السفر للسياحة فإنه لا يجوز ؛ لأن المسلم ليس بحاجة إلى ذلك ، ولا يعود عليه منه مصلحة تعادل أو ترجح على ما فيه من مضرة وخطر على الدين والعقيدة .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 2 / سؤال رقم 221 ) .
وقد سبق في موقعنا تقرير هذه المسألة بتفصيل مطول ، انظر أجوبة الأسئلة رقم ( 52845 ) و ( 8919 ) و ( 13342 ) .
3. ومما لا شك فيه أن الشريعة تنهى عن السياحة في أماكن الفساد ، حيث تُشرب الخمور وتَقَع الفاحشة ، وتُرتكب المعصية ، مثل شواطئ العري وحفلات المجون وأماكن الفسق ، أو السفر لإقامة الاحتفالات في الأعياد المبتدعة ، فإن المسلم مأمور بالبعد عن المعصية ، فلا يرتكبها ولا يجالس من يقوم بها .
قال علماء اللجنة الدائمة :(/5)
لا يجوز السفر إلى أماكن الفساد من أجل السياحة ؛ لما في ذلك من الخطر على الدين والأخلاق ؛ لأن الشريعة جاءت بسد الوسائل التي تفضي إلى الشر .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 26 / 332 ) .
فكيف بالسياحة التي تشجع المعصية والفاحشة ، وتنظم لدعمها وتشجيعها ؟! .
وقال علماء اللجنة الدائمة – أيضاً - :
إذا كانت هذه السياحة مشتملة على تسهيل وتيسير فعل المعاصي والمنكرات والدعوة إليها : فإنه لا يجوز لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يكون عوناً على معصية الله ومخالفة أمره ، ومن ترك شيئاً لله عوَّضه الله خيراً منه .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 26 / 224 ) .
4. أما زيارة آثار الأمم السابقة وأماكنهم : فإن كانت أماكن عذاب ، وقع فيها من الخسف أو المسخ أو الإهلاك لهم بسبب كفرهم بالله سبحانه : فلا يجوز حينئذ اتخاذ هذه الأماكن للسياحة والاستجمام .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
يوجد في مدينة ( البدع ) بمنطقة تبوك آثار قديمة ومساكن منحوتة في الجبال ، ويذكر بعض الناس أن هذه مساكن قوم شعيب - عليه السلام - ، والسؤال : هل ثبت أن هذه هي مساكن قوم شعيب - عليه السلام - ، أم لم يثبت ذلك ؟ وما حكم زيارة تلك الآثار لمن كان قصده الفرجة والاطلاع ، ولمن كان قصده الاعتبار والاتعاظ ؟ .
فأجابوا :
اشتهر عند الإخباريين أن منازل " مَدْين " الذين بعث فيهم نبي الله شعيب عليه الصلاة والسلام هي في الجهة الشمالية الغربية من جزيرة العرب ، والتي تسمى الآن : ( البدع ) وما حولها ، والله أعلم بحقيقة الحال ، وإذا صح ذلك : فإنه لا يجوز زيارة هذه الأماكن لقصد الفرجة الاطلاع ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مر بالحِجر – وهي منازل ثمود - قال : ( لاَ تَدْخلُوا مَسَاكِن الذينَ ظَلموا أَنْفسَهم أَنْ يُصيبَكُم مَا أَصَابَهم إِلاَّ أَنْ تكُونوا بَاكِينَ ) ، ثم قنع رأسه وأسرع السير حتى أجاز الوادي - رواه البخاري ( 3200 ) ومسلم ( 2980 ) - .(/6)
قال ابن القيم - رحمه الله - في أثناء ذكره للفوائد والأحكام المستنبطة من غزوة تبوك - :
ومنها : أن من مرَّ بديار المغضوب عليهم والمعذبين لا ينبغي له أن يدخلها ، ولا يقيم بها ، بل يسرع السير ، ويتقنع بثوبه حتى يجاوزها ، ولا يدخل عليهم إلا باكياً معتبراً ، ومن هذا إسراع النبي صلى الله عليه وسلم السير في وادي محسر بين منى ومزدلفة ، فإنه المكان الذي أهلك الله فيه الفيل وأصحابه .
" زاد المعاد " ( 3 / 560 ) .
وقال الحافظ ابن حجر - رحمه الله - في شرحه الحديث السابق - :
وهذا يتناول مساكن ثمود وغيرهم ممن هو كصفتهم ، وإن كان السبب ورد فيهم .
" فتح الباري " ( 6 / 380 ) .
وانظر في " مجموعة أبحاث هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية " المجلد الثالث بحثاً بعنوان " حكم إحياء ديار ثمود " .
وانظر جواب السؤال رقم ( 20894 ) .
5. ولا يجوز أيضا سفر المرأة بغير محرم ، وقد أفتى العلماء بحرمة سفرها بغير محرم للحج أو العمرة ، فكيف إذا كان السفر للسياحة التي يصاحبها كثير من التساهل والاختلاط المحرم ؟! .
وانظر أجوبة الأسئلة : ( 3098 ) و ( 69337 ) و ( 45917 ) و ( 4523 ) .
6. أما تنظيم رحلات سياحية للكفار في بلاد المسلمين : فالأصل فيه الجواز ، والسائح الكافر إذا أذنت له الدولة المسلمة بالدخول إليها أصبح مستأمنا حتى يغادرها ، ولكن وجوده في بلاد المسلمين يجب أن يتقيد فيه باحترام الدين الإسلامي وأخلاق المسلمين وثقافتهم ، فلا يدعو إلى دينه ، ولا يتهم الإسلام بالباطل ، ولا يخرج إلا محتشما بلباس يناسب بلاد المسلمين ، وليس كما اعتاد هو في بلاده على التعري والتفسخ ، وألا يكون عينا أو جاسوسا لبني قومه ، وأخيرا لا يمكَّن الكفار من زيارة الحرمين في مكة والمدينة المنورة .
ثالثاً :(/7)
لا يخفى على أحدٍ أن واقع السياحة اليوم يغلب عليه المعصية والوقوع في الفواحش والتعدي على الحرمات ، مِن تبرج مقصود ، وعري في أماكن معروفة ، واختلاط مستباح ، وشرب للخمور ، وترويج للفساد ، وتشبه بالكفار وجلب لعاداتهم وأخلاقهم بل وحتى أمراضهم الخبيثة ، فضلا عن ضياع الأموال الطائلة والأوقات والجهود ، يغلف ذلك كله اسم جميل " السياحة " ، فنذكِّر كل غيور على دينه وخلقه وأمته بالله سبحانه وتعالى ألا يكون عونا للترويج لهذه السياحة الفاسقة ، بل يكون حربا عليها وعلى الثقافة التي تروج لها ، وليفتخر بدينه وثقافته وخلقه ، فقد حمته من كل المفاسد ، وأوجدت له البديل الواسع في خلق الله تعالى في بلاد المسلمين المحافظة .
والله أعلم(/8)
رقم السؤال:
87865
العنوان:
تعرضت للتحرش الجنسي وتركها خطيبها
السؤال:
أنا فتاة أبلغ من العمر 19 سنة ، نشأت في ظل أسرة علمت أبناءها " لا إله إلا الله محمد رسول الله " منذ النشأة ورسخت مبادئ الدين في عقولهم وركائز الإسلام في قلوبهم والحمد والشكر لله عز وجل .
تعرضت وأنا بنت 16 سنة إلى اعتداء جنسي تكرر 8 مرات من طرف شخص يقرب عائلتي ، لم يكتفِ بفعلته بل تسرب كابوسه إلى حياتي كلها ، فأصبح يظهر لي في كل الوجوه ، ذلك بعد أن مرت فترة دفنتُ فيها هذه الذكرى المحزنة بمساعدة خطيبي بعد الله تعالى ، الذي أخبرته عن كل ما وقع معي وبالتفصيل الممل ؛ ذلك لأنه علم بالأمر من أشخاص لا أعرفهم لحد الآن ، والذين أمدوه برقم الهاتف الخاص الذي يخص ذلك الشخص فاتصل به و لم يتفانى هذا الأخير في إعطائه معلومات خاطئة ولا تمت للحقيقة بصلة ، فحينها عندما أخبرني بالأمر ، لم يكن بوسعي سوى التفسير ، حينها تفهم خطيبي الوضع ، وحاول تنسيته لي ، بعدها وقع خلاف بيننا فاقترحت البعد فترة حتى نهدأ جميعاً ، وحتى نصل إلى الحل الأمثل ، لكنني فوجئت بردة فعله ألا وهي الفراق ، حاولت معرفة السبب فإذا بما دفن يقوم ليؤكد لي ضعفي وضعف شخصيتي وقلة عقلي وينتصر عليَّ فيدمر حياتي ، وهذا هو ما صبا إليه ذلك الشخص ، حاولت - سيدي الفاضل - تسوية المسألة إلا أنه صمم على أن أستشير أحد الأساتذة والدعاة وأصحاب الدين في مسألتي وأن أطلب منهم الأجر والثواب الذي سينتظره ، وماذا عليه القيام به ، خصوصا وأن فكرة الانتقام لا تفارق خياله ، كما أرجو أن تدعم لي بقصة حصلت قبل هذا الوقت ، وأسألك بدوري ماذا عساني أن أفعل ؟ فلا أحد يصدق أني بريئة مما حصل لي غيره سبحانه ، فما أشكو بثي وحزني إلا لله هو العلام الخبير ، مع العلم أني كنت جافة صارمة مع خطيبي خلال الفترة الأخيرة وكنت السبب في معاناته لكنني أدركت خطئي وأريد التكفير عنه ، فماذا عساني أن أفعل ؟ .(/1)
وأخيراً : أطلب منك العذر والمسامحة ، كما أتمنى أن تجيبني في أقرب وقت ، وجزاك الله عني كل خير.
معلومة : قد تسألني لماذا لم أخبر أسرتي خصوصا وأن الأمر تكرر 8 مرات لكن ما أريد قوله أنه كان الخوف والخوف من الفضيحة خصوصا أنه كان يضربني ويهددني وأن باب الحوار داخل أسرتي كان شبه مقفل في هذه الأمور .
أرجوا أن تفهمني وتتفهمني وجزاك الله عني كل خير.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يجبر كسرك ، ويفرج همك ، فمآسي التحرش كثيرة ، وآثاره على النفس عظيمة ، ونسأل الله تعالى أن يهلك هؤلاء المتحرشين والذين لا يردعهم دين ولا عقل ولا فطرة ، فقد استهانوا بدينهم ، ولوثوا عقولهم ، ونكَّسوا فطرتهم .
وإن كان منا عجب فهو أنه قد تحرش بك ذلك المجرم في سن ال 16 ! وهي سن كبيرة تستطيعين فيها الصراخ والدفاع عن النفس ، وخاصة أنه قد تكرر فعله معك عدة مرات ، وكان بإمكانك قطع الطريق عليه – أيضاً – بإخبار أهلك ، ومهما بلغت القطيعة بين أفراد الأسرة فإنهم لا يتساهلون في هذه الحوادث ، وفي ظننا أن المجرم المتحرش قد أوصل هذه الرسالة لخطيبك ، وأخبره برضاك عن فعله ، وهو الذي جعله يتغير من جهتك .
ونحن نصدقك في أنك كنتِ مكرهة ، ولم تستطيعي النجاة من أفعاله والخلاص من شروره ، ونريد أن نقف معك في محنتك هذه فنقول لك ِ :
هذا هو قدر الله تعالى لك ، وقد عانت نساء مسلمات عفيفات كثر في سجون بلاد المسلمين والكفار من التحرش والاغتصاب على يد فسقة المسلمين والكفار الشيء الكثير ، وإن القلب ليتفطر بسماع قصصهم وحكاياتهم ويود لو أنه مات قبل أن يسمع شيئا منها .(/2)
وعزاؤنا أن الله تعالى سينتقم من أولئك المجرمين ، وأن الله تعالى سيكتب الأجر والثواب لأخواتنا ، لكن يجب عليهن احتساب هذه المصيبة ، ويجب عليهن أن يصبرن على ما قدَّر الله تعالى عليهن وقضى ، ولا يجوز لهن الانتحار وقتل أنفسهن ؛ فهذه جريمة وكبيرة من كبائر الذنوب ، ولا نقول إن الأمر يسير على المرأة المتحرَّش بها ، بل هو أمر عظيم ، وآثاره على المتحرش بها خطيرة ، فبعضهن أصابتها الأمراض النفسية ، وبعضهن انتحرن أو فكَّرن في الانتحار ، وبعضهن سلكن سبيل الانحراف والعلاقات المحرَّمة مع الأجانب ، وبعضهن أصابهن الاكتئاب والنفور من زوجها ، لذا لا بدَّ للمرأة المتحرَّش بها أن تحتسب ما جرى لها وأن تصبر على آثاره ، وأن تزود نفسها بالطاعة والإيمان ليكرمها الله تعالى بصفاء القلب وراحة البال .
ثانياً :
وقد أخطأ من أخبر خطيبك بما حصل معك ، والواجب على هؤلاء التوبة والاستغفار ؛ لأنه لا يحل لهم أن يجعلوا أعراض الناس فاكهة مجالسهم ، ولا أن يوقعوا بين الناس ، ولا أن يتسببوا في الضرر لهم ، وكان الواجب عليهم الستر وعدم نشر الأمر بين الناس ، وليعلموا أن عندهم أخوات وبنات وهم – بالتأكيد – لا يسرهم أن يفعل الناس فعلهم بمن ابتليت بتلك المصيبة .(/3)
عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ عُوَيْمِرًا أَتَى عَاصِمَ بْنَ عَدِيٍّ وَكَانَ سَيِّدَ بَنِي عَجْلَانَ فَقَالَ : ( كَيْفَ تَقُولُونَ فِي رَجُلٍ وَجَدَ مَعَ امْرَأَتِهِ رَجُلًا أَيَقْتُلُهُ فَتَقْتُلُونَهُ أَمْ كَيْفَ يَصْنَعُ سَلْ لِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ ذَلِكَ فَأَتَى عَاصِمٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَكَرِهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِلَ فَسَأَلَهُ عُوَيْمِرٌ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَرِهَ الْمَسَائِلَ وَعَابَهَا !!.. )
رواه البخاري (4745) ومسلم (14929)
قال النووي رحمه الله : قَوْله : ( فَكَرِهَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَسَائِل وَعَابَهَا ) الْمُرَاد كَرَاهَة الْمَسَائِل الَّتِي لَا يُحْتَاج إِلَيْهَا لَا سِيَّمَا مَا كَانَ فِيهِ هَتْك سِتْر مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة أَوْ إِشَاعَة فَاحِشَة أَوْ شَنَاعَة عَلَى مُسْلِم أَوْ مُسْلِمَة
ثالثاً :
ولستِ ملزمة بالبوح بهذا السر لأحد ، حتى لو جاء ليخطبك ، فقلوب الناس ضعيفة ، والشبَه خطّافة ، ولا يكاد يجد المسلم رجلاً يثق بدينه ورجاحة عقله أن يستر أمراً مثل هذا ، أو يتجاوزه فلا يعيرها به .
وبما أن خطيبك قد تصرف معك مثل هذا التصرف ورغب في الفراق : فإنه يدل على تأثره بكلام ذلك المجرم ، ويكون قد كوَّن في ذهنه صورة قاتمة للحياة معكِ ، فالذي ننصحك به : هو البعد عنه بالكلية ، وعدم إتمام الزواج ؛ لأنه لا يُؤمَن أن يكون له تأثير على حياتكما بعد ذلك .
واستخيري الله تعالى في هذا الفراق وفي دعاء الاستخارة دعاء الله تعالى أن يصرفك عن الزواج به إن كان الزواج شرّاً لك في دينك ودنياك ، ويصرفه عنكِ ، وفيه دعاء الله تعالى أن يقدِّر لك الخير كان ثم يرضيك به .(/4)
فاحرصي على الاستخارة ، وانظري تفصيلاً حولها في جواب السؤال ( 11981 ) .
فإن أراد خطيبك التراجع عن الفراق : فليعلم أن أجره عند الله عظيم عندما يقوم بالستر على من عرف حالها في أمرٍ لم يكن لها فيه يدٌ ، لكن يجب أن يكون هذا عن اقتناع منه كامل ، ولا ينبغي أن يكون لنزوة عاطفة سرعان ما تزول ، فإذا أراد الرجوع والزواج : فلا يحل له تعييرك ولا لومك فيما حصل لكِ ، بل يحتسب سكوته وصبره راجياً الثواب من الله تعالى .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
87894
العنوان:
يريد أن يتزوج من فتاة كان على علاقة بها
السؤال:
أرجو من سماحتكم أن تساعدوني لأني في ورطة ، أنا تعرفت على بنت تعمل في منطقة بعيده عن أهلها ، واستمرت علاقتنا لمدة سنتين في حب وغرام ومقابلات وزنى ، لكن اتفقت معها على الزواج لأني لا أستطيع نسيانها ، وهي كذلك ، المهم من أول ما دخلت حياتها وهي تغيرت عن الأول ، واستقامت ؛ ويعلم الله أني أحببتها ولا أستطيع نسيانها ، فهل تنصحني بالارتباط بها ؟ لأني أعيش حالة عصبيّة جدّاً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قبل الإجابة على سؤالك لا بدَّ لنا من تذكيرك بوجوب التوبة والندم على ما فعلتَ مع تلك المرأة ، وغير خافٍ عليك أنك وقعتَ في كبائر من الذنوب ، وأعظمها الزنا الذي نُصَّ على تحريمه في الكتاب والسنَّة ، وأجمع العلماء على تحريمه ، وأجمع العقلاء على قبحه وسوئه .
قال الله تعالى : ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً ) الإسراء / 32 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ ) رواه البخاري ( 2475 ) ومسلم ( 57 ) .(/1)
وللزناة عذاب عظيم في البرزخ قبل عذابه في الآخرة ، فقد جاء في حديث الرؤيا المشهور – حديث سمرة بن جندب رضي الله عنه : ( ... فَانْطَلَقْنَا – أي : النبي صلى الله عليه وسلم وجبريل وميكائيل - فَأَتَيْنَا عَلَى مِثْلِ التَّنُّورِ ، فَإِذَا فِيهِ لَغَطٌ وَأَصْوَاتٌ فَاطَّلَعْنَا فِيهِ فَإِذَا فِيهِ رِجَالٌ وَنِسَاءٌ عُرَاةٌ ، وَإِذَا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِنْ أَسْفَلَ مِنْهُمْ ، فَإِذَا أَتَاهُمْ ذَلِكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا (أي صاحوا) قَالَ : قُلْتُ لَهُمَا : مَا هَؤُلاءِ ؟ … قَالَ : قَالا لِي : أَمَا إِنَّا سَنُخْبِرُكَ … َأَمَّا الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ الْعُرَاةُ الَّذِينَ فِي مِثْلِ بِنَاءِ التَّنُّورِ فَإِنَّهُمْ الزُّنَاةُ وَالزَّوَانِي ) رواه البخاري ( 6640 ) .
وقد أوجب الله تعالى في الزنا الحدّ ، فقال تعالى في بيان حدِّ الزاني البكر : ( الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) النور/2 .
أما المحصن - وهو الذي قد سبق له الزواج - فجعل حدّه القتل فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه ( 3199 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائة وَالرَّجْمُ ) .
وما قلناه لكَ فهو موجه للمرأة كذلك ، ولتعلم أن ذنبها أقبح ، وبما أنها – كما تقول – قد استقامت فنرجو أن تكون توبتها صادقة ، وأن يعفو الله عنها بمنِّه وكرمه .
ثانياً :(/2)
اعلم أنكما إذا لم تتوبا من ذنب الزنا : فإنه لا يحل لك الزواج بها ؛ لأن الله تعالى حرَّم نكاح الزاني والزانية حتى يتوبا ، قال تعالى : ( الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) النور/3 .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله :
" هذا بيان لرذيلة الزنا ، وأنه يدنس عرض صاحبه ، وعرض من قارنه ومازجه ، ما لا يفعله بقية الذنوب ، فأخبر أن الزاني لا يقدم على نكاحه من النساء إلا أنثى زانية ، تناسب حاله حالها ، أو مشركة بالله لا تؤمن ببعث ولا جزاء ، ولا تلتزم أمر الله ، والزانية كذلك ، لا ينكحها إلا زان أو مشرك ( وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ) أي : حرِّم عليهم أن يُنْكحوا زانياً ، أو يَنكحوا زانية .
ومعنى الآية : أن من اتصف بالزنا من رجل أو امرأة ، ولم يتب من ذلك : أن المقدم على نكاحه مع تحريم الله لذلك لا يخلو إما أن لا يكون ملتزماً لحكم الله ورسوله : فذاك لا يكون إلا مشركاً ، وإما أن يكون ملتزماً لحكم الله ورسوله ، فأقدم على نكاحه مع علمه بزناه : فإن هذا النكاح زنا ، والناكح زانٍ مسافحٍ ، فلو كان مؤمناً بالله حقّاً : لم يقدم على ذلك ، وهذا دليل صريح على تحريم نكاح الزانية حتى تتوب ، وكذلك إنكاح الزاني حتى يتوب ، فإن مقارنة الزوج لزوجته ، والزوجة لزوجها ، أشد الاقترانات والازدواجات ، وقد قال تعالى : ( احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ ) أي : قرناءهم ، فحرَّم الله ذلك ؛ لما فيه من الشر العظيم ، وفيه من قلة الغيرة ، وإلحاق الأولاد الذين ليسوا من الزوج ، وكون الزاني لا يعفها بسبب اشتغاله بغيرها ، مما بعضه كاف للتحريم " انتهى .
" تفسير السعدي " ( ص 561 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
زنى رجل ببكرٍ ويريد أن يتزوجها فهل يجوز له ذلك ؟
فأجابوا :(/3)
" إذا كان الواقع كما ذكر : وجب على كلٍّ منهما أن يتوب إلى الله فيقلع عن هذه الجريمة ، ويندم على ما حصل منه من فعل الفاحشة ، ويعزم على ألا يعود إليها ، ويكثر من الأعمال الصالحة ، عسى الله أن يتوب عليه ويبدل سيئائه حسنات ، قال الله تعالى : ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً . يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً . إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً . وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً ) الفرقان/68 – 71 . وإذا أراد أن يتزوجها : وجب عليه أن يستبرئها بحيضة قبل أن يعقد عليها النكاح ، وإن تبين حملها : لم يجز له العقد عليها إلا بعد أن تضع حملها ، عملاً بحديث نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يسقي الإنسان ماءه زرع غيره " انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 3 / 247 ) .
فتوبا إلى الله تعالى ، وأصلِحا حاليكما ، وأكثرا من الأعمال الصالحة ، ويجوز لكم بعد ذلك التزوج ، ونسأل الله تعالى أن يقبل توبتكما ويعفو عنكما بفضله ورحمته .
وانظر السؤال رقم (85335)
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
87916
العنوان:
هل يُنكِر على من يقع في البدعة ؟
السؤال:
رفع اليدين بالدعاء ، والدعاء جهراً وجماعة بعد الصلوات المكتوبة بدعة. سؤالي : هل يجب عليَّ أن أنكر على الذين يفعلون تلك البدعة من أفراد المسجد الذي أصلي فيه بما فيهم الإمام ؟ وما هي أفضل طريقة لذلك الإنكار ؟ مع العلم أن بعضهم من ذوي الرؤوس الصعبة - كما يقال - ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يعني أنهم - كما تعلم - لا يرضون الحق بسهولة ، وقد لا يرضونه أبدا ، أفدني بالله - جزاك الله خيراً - يا شيخي الفاضل ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الدين ، وبه تكون حياة الأمة وروحها .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 248 ) :
اتّفق الأئمّة على مشروعيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وحكى الإمام النّوويّ وابن حزمٍ الإجماع على وجوبه ، وتطابقت آيات الكتاب وأحاديث الرّسول صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين على أنّه من النّصيحة الّتي هي الدّين ، قال اللّه تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران/104 ، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .
قال الإمام الغزاليّ : الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أصل الدّين ، وأساس رسالة المرسلين ، ولو طوي بساطه ، وأهمل علمه وعمله ، لتعطّلت النّبوّة واضمحلّت الدّيانة ، وعمّت الفوضى ، وهلك العباد .
إلاّ أنّهم اختلفوا بعد ذلك في حكمه ، هل هو فرض عينٍ ، أو فرض كفايةٍ ، أو نافلة ؟ أو يأخذ حكم المأمور به والمنهيّ عنه ، أو يكون تابعاً لقاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد .
على أربعة مذاهب .
انتهى
ويقول الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - :(/1)
الأمر المعروف والنهي عن المنكر واجب ، ولكنه فرض كفاية ، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين ، ولكن إذا لم يوجد إلا الشخص المعين : صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه واجباً عينيّاً كسائر فروض الكفايات ، إذا لم يوجد من يقوم بها وجب على الباقين ، وعلى هذا فلو مررتَ بقوم على منكر ولم تجد أحداً ينهاهم عنه : كان نهيك إياهم واجباً يجب عليك أن تنهاهم .
" اللقاء الشهري " ( اللقاء رقم 35 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمه الله - :
ما حكم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع ذلك ؟ .
فأجاب :
حُكمه أنه عاصٍ لله ولرسوله ، ضعيف الإيمان ، وعليه خطر عظيم من أمراض القلوب وعقوبتها العاجلة والآجلة ، كما قال الله سبحانه : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا للقيام بهذا الواجب العظيم على الوجه الذي يرضيه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 504 ) .
ثانياً :
حرص أهل العلم على ضبط هذا الباب بالضوابط والقيود الشرعية تجنبا لأي مفسدة يمكن أن تحصل نتيجة عدم فهم هذا الباب الخطير .
وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض الضوابط والآداب في كلمة جامعة له قال فيها :(/2)
ينبغي لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به ، فقيهاً فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه ، فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف وينكر المنكر ، والرفق عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود ، والحلم بعد الأمر ليصبر على أذى المأمور المنهي ؛ فإنه كثيراً ما يحصل له الأذى بذلك ، ولهذا قال تعالى : ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) لقمان/17 .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 167 ) .
كما جاء عن سفيان الثوري – رحمه الله – قوله :
لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال : رفيق بما يأمر ، رفيق بما ينهى ، عدل بما يأمر ، عدل بما ينهى ، عالم بما يأمر ، عالم بما ينهى .
" جامع العلوم والحكم " ( ص 325 ) .
إذاً فالعالم هو الذي يشتغل بالأمر بالمعروف وإنكار المنكر ؛ لأنه هو الذي يتبين له الحكم الشرعي بدليله ، ويتمكن من إقناع المخاطبين ، وبيان الحجة لهم ، وأما عوام المسلمين فإن الوجوب يلزمهم أيضاً في الأمر بالمعروف الظاهر ، كالصلاة والصيام وأداء الزكاة ، ونحو ذلك ، والنهي عن المنكر الظاهر كالفاحشة والتبرج والسرقة وغير ذلك .
أما إذا وَجد العامي بعض المنكرات أو البدع التي يخفى مأخذها ، ويشتبه حكمها ، أو يكون ثمة من يخالف فيها من العلماء : فلا يجوز له حينئذ إنشاء الإنكار من قبل نفسه ، وإنما له أن ينقل للناس فتاوى أهل العلم التي اطلع عليها وفيها بيان حكم المسألة فقط ، من غير تعنيف أو إحداث فتنة وفرقة ، والله سبحانه وتعالى سيثيبه خير الثواب .
قال علماء اللجنة الدائمة :
إنكار البدع والخرافات واجب على أهل العلم من أهل السنة والجماعة .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 345 ) .
ثالثا :(/3)
وأنت أخي السائل الكريم ما عليك إلا أن تطلع على الفتاوى المنشورة في موقعنا ، تحت الأرقام الآتية : ( 11543 ) و ( 21976 ) و ( 26279 ) .
فتنقل ذلك للناس وتبين لهم ما فهمته منها بالرفق والحسنى واللين ، فإن استجابوا لك فالحمد لله ، وإن لم يستجيبوا فليس عليك من أمرهم أكثر من ذلك ، ويبقى الواجب الباقي في محاولة المجادلة والإقناع على أهل العلم المتخصصين .
وانظر إجابة السؤال رقم (87779 ) .
أسأل الله تعالى أن يوفقك ويزيدك من فضله وكرمه .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
88023
العنوان:
تشارك زوجها في شراء شقة وماله قد اقترضه بالربا
السؤال:
أنا وزوجي نشتغل في نفس المؤسسة , في إطار أعمالها الاجتماعية لفائدة الموظفين قامت المؤسسة ببناء ثلاث عمارات وبيع شققها برأس المال أي بثمن إنجازها وهذه أثمان غير موجودة في السوق. وبما أننا نحن الاثنان نشتغل في المؤسسة, كنا في لائحة المستفيدين على أساس أن يكون لكل واحد منا نصيب خمسين بالمائة . سؤالي الأول هو : إذا اقترضنا من المؤسسة لشراء هذه الشقة مع العلم أن هذا الاقتراض يكون بفائدة صغيرة, ثم إن المؤسسة تقوم بإعانة بنسبة 12.5 بالمائة من المبلغ المقترض, هل هذا حرام ويعتبر ربا؟ سؤالي الثاني : بالنسبة لي, أستطيع أن أقترض من أختي ثمن نصيبي من الشقة, أما زوجي إذا اقترض من البنك بالفائدة وكانت هذه هي وسيلته الوحيدة, هل الذنب يقع عليه وحده أم نحن الاثنين- وما العمل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كان شراء الشقة يتم عن طريق الاقتراض من المؤسسة بفائدة ، فهذا الاقتراض هو الربا المحرم ، مهما كانت الفائدة صغيرة أو كبيرة .(/1)
وعليه ؛ فلا يجوز الدخول في هذه المعاملة ، لما جاء في الربا من التحريم والوعيد الشديد ، كقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ ) البقرة/275 ،276، وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278 ،279.
وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا ، وموكله ، وكاتبه ، وشاهديه ، وقال : هم سواء . رواه مسلم (1598) من حديث جابر رضي الله عنه.
فالحذر الحذر من الوقوع في هذا الذنب العظيم ، والكبيرة الموبقة .
ثانيا :
الواجب عليك أن تنصحي زوجك بالابتعاد عن الربا ، فإن الله تعالى يمحق الربا ، ولا يبارك فيه ، والواجب على المؤمن أن يستعد للقاء الله تعالى ، ويعمل لذلك ، ويعلم أن الله تعالى إنما حرم عليه ما حرم لأجل ضرره وخبثه ، وقد جاء في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : (وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ) الأعراف/158 .
فإن أصر زوجك على الاقتراض بالربا، فإثم ذلك يقع عليه وحده .
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
88025
العنوان:
تختلط مع قريبها وتكشف وجهها أمامه وتكلمه في الهاتف
السؤال:
أنا معلمة حلقة ولدي طالبة في العشرين من عمرها ، بنَتْ علاقة مع أحد أقربائها من غير المحارم ( قيل إنه مستقيم ) فإذا حصل اجتماع للعائلتين تكشف له عن وجهها من غير خلوة بحيث يكون معهم أطفال صغار ، وعندما نُصحت قالت : مادام أنه قريب : فلا حرج من ذلك ، وهي تحدثه في الهاتف ، هي لا تعلم أنني أعرف شيئا من ذلك ، فماذا أفعل ؟ وكيف أواجهها - مع العلم أنني أخاف من عنادها ، وابتعادها عن الحلقة ، وهي بأشد الحاجة إليها - ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا شك أن هذه الأخت بحاجة لنصيحة وتوجيه ، ومن يُزعم بأنه مستقيم من أقربائها يحتاج للأمر نفسه ؛ وليس من شك في أنهما يفتحان عليهما بتلك العلاقة التي بدآ فيها بابا من الفتنة ، وطريقا إلى الإثم والعدوان ، ثم لا يؤمن ما يكون من عاقبة ذلك ، ولا يدري أحد أين ينتهي بهما المطاف .
عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ رضي الله عنه ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا ، وَعَلَى جَنْبَتَيْ الصِّرَاطِ سُورَانِ ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ ، وَعَلَى الْأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ يَقُولُ : أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلَا تتعوجوا ، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الْأَبْوَابِ قَالَ : وَيْحَكَ ؛ لَا تَفْتَحْهُ ، فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ !!(/1)
وَالصِّرَاطُ الْإِسْلَامُ وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى وَالْأَبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ )
رواه الإمام أحمد (17182) وصححه الألباني في ظلال الجنة (19) .
وقوله : (ويحك) زجر له من تلك الهمة ، وهي كلمة ترحم وتوجع تقال لمن وقع في هلكة لا يستحقها .
( لا تفتحه فإنك إن فتحته تلجه) أي تدخل الباب وتقع في محارم الله ، قال الطيبي : هذا يدل على أن قول أبواب مفتحة أنها مردودة غير مغلقة .
" فيض القدير" (4/334) .
قال ابن رجب رحمه الله :
" ومن كان في الدنيا قد خرج عن الاستقامة على الصراط ففتح أبواب المحارم التي في ستور الصراط يمنة ويسرة ، ودخل إليها ، سواء كانت المحارم من الشهوات أو من الشبهات ، أخذته الكلاليب التي على ذلك الصراط ، يمنة ويسرة ، بحسب ما فتح في الدنيا من أبواب المحارم ؛ فمنهم المكدوس في النار ، ومنهم من تخدشه الكلاليب وينجو . "
" شرح حديث مثل الإسلام " ص (44) .
إن القرابة التي أشار إليها السؤال داعية إلى أمرين :
الأمر الأول : أن يكون حرص القريب على قريبه ، وصيانته له أكثر من حرص غيره ، فلا يساعده على فتح باب الحرام , ولا الولوج في الشهوات أو الشبهات ، بل يكون حرصه على قريبه لحق الإسلام أولا ،ثم لحق القرابة التي بينهما ينبغي أن يتأكد ذلك الحرص
الأمر الثاني : لما كان كثير من الناس يتساهلون في الخلطة بين الأقرباء ، وقل منهم من يصون الحرمة ، ويردع نفسه من مواطن الفتن ، شدد الشرع في سد باب الفتنة بالقريب ، الذي لا يتحفظ الناس منه ، أكثر غيره ، حتى لقد شبهه بالموت !!(/2)
عن عقبة بن عامر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إياكم والدخول على النساء ، فقال رجل من الأنصار : يا رسول الله ، أفرأيت الحمو ؟ قال : الحمو الموت ) رواه البخاري ( 4934 ) ومسلم ( 2172 ) .
وانظري شرح الإمام النووي لهذا الحديث في جواب السؤال ( 12837 ) .
وفي الجواب المحال عليه فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – في جواز جلوس المرأة مع أقاربها بشرطين :
الأول : أن تكون بحجابها الكامل ، بما فيه وجهها ويداها .
والثاني : عدم وجود ريبة .
وكلا الشرْطين مفقودان هنا ، فهي تجلس مع قريبها كاشفةً لوجهها ، ولا شك أن مجلسهما فيه ريبة ، ومن آثار تلك المجالس : المحادثات التي تمت بينهما ، وهي محرَّمة - أيضاً - ، وقد بيَّنا فتاوى أهل العلم في هذه المسألة في جواب السؤالين : ( 26890 ) و ( 10221 ) .
ثانياً :
يجب عليكِ التلطف في دعوتها ونصحها وتذكيرها ، وعليكِ استعمال الحكمة والموعظة الحسنة ، والرفق في النصح مظنة الاستجابة ، والموعظة المؤثرة مظنة تأثر القلب .
قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/125 .
وقال تعالى لموسى وهارون : ( اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى . فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ) طه/43 ، 44 .
وانظري جواب السؤالين ( 60244 ) و ( 13261 ) ففيهما فوائد مهمة .(/3)
وإذا خشيت نفرتها من المواجهة ، أو عنادها ، فيمكنك أن تلمحي لها بما تريدين ، وتورِّي لها بمقصودك ، كأن تذكري أمامها بعض الأحاديث التي تحذر من الفتنة بالرجل الأجنبي ، وخاصة القريب ، وأن تعطيها بعض الأشرطة أو الرسائل والمطويات التي تتكلم عن ذلك ، وخطورة التساهل في ذلك الأمر على دين المرأة وعفتها . وأظهري لها الكلام بصفة العموم ، كأنك لا تعرفين شيئا عن حالها .
ثم حمليها أمانة الدعوة إلى الله ، ونشر ذلك الأدب بين المسلمات ، وأنه لا يكفي الفتاة أن تصون نفسها من الفاحشة ، أو مقدماتها من الاختلاط المحرم ، والعلاقات المرفوضة شرعا ، بل يجب عليها أيضا أن تدعو غيرها إلى الله تعالى ، وأن تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ، بحسب طاقتها .
ثالثاً :
إذا لم تجد هذه التورية ، ولم ينفع التلميح ، فيمكنك أن تتلطفي في مواجهتها بما تفعل ، فهي كبيرة في السن وتفهم الكلام ، وهي – كذلك – طالبة في حلقة قرآنية ، وتصرفاتها لا تُحسب عليها فقط بل على مكان تعلمها وتربيتها ، وأعلميها أن ذلك هو من باب محبتها ومحبة الخير لها ، والخوف عليها ، وليس من باب الرقابة والسلطان على تصرفات الغير ؛ فكثير من الناس ينفر من الحق ، لا لشيء إلا لأنه يعتبر أن من ينصحه نصب نفسه رقيبا عليه .
ويمكنك أن تركزي على مجموعة من الأمور في نصحها :
1. أن تبيِّني لها منزلة الحياء في الشرع ، وكيف كانت نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، ونساء الصحابة على قدر عظيم من هذا الخُلُق .
2. تنبيهها على وقوعها في محاذير شرعية ، مثل كشف وجهها أمام ذلك الأجنبي ، وتلك المجالس المختلطة ، والحديث معه في الهاتف ، وسبقت الإحالة على فتاوى كثيرة لأهل العلم في هذه المواضيع .
وقد بيَّنا في جواب السؤالين ( 11774 ) و ( 21536 ) حكم تغطية الوجه والكفين فلينظرا .
3. تذكيرها بقصص واقعية لضحايا الاختلاط والمحادثات والمراسلات مع الأجانب ، وهي أكثر من أن تُحصى .(/4)
وانظري جواب السؤال رقم ( 20784 ) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 1200 ) تفصيل الحكم في الاختلاط ، وذِكر آثاره السيئة .
4. الاتصال بوالدتها أو زيارتها لنصحها وتذكيرها بخطأ ما يفعلونه في بيتهم ، وأثر ذلك على عليهم ، وعلى ابنتهم خاصة .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
88086
العنوان:
هل يمشي مع أخته المتبرجة
السؤال:
لدي أخت متبرجة ، وأنا لا أمشي معها في الطرقات ، وهذا مما قد يسبب غضب أمي ، فأريد أعرف مدى حدود تعاملي معها ؟ هل يوجد جدول سنوي مقترح بالأيام والساعات وأسماء الكتب ، علما بأني قد اطلعت على إجابات فضيلتك ، فوجدت أسماء الكتب ؟ ما هو أسهل أسلوب للقراءة وترويض النفس للصبر عليها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي أن تنصح لأختك ، وتبين لها حكم الحجاب وحرمة التبرج ، لعل الله تعالى أن يهديها ويشرح صدرها للحق .
والمهم أن تتحلى بالحكمة والصبر ، وأن يظهر في دعوتك ما تكنّه لها من المحبة والرحمة والشفقة ، وأن تختار الأسلوب المناسب والوقت المناسب لذلك ، ولعلك أن تستعين بشيء من الكتب أو الأشرطة التي ترغبها في الحجاب ، وتكشف لها ما قد يرد عليها من شبهات .
وأما الخروج معها إلى الطرقات وهي متبرجة ، فلا يجوز إلا لضرورة ، لأن خروجها كذلك منكر لا يجوز إعانتها عليه ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2(/1)
وينبغي أن تنصح لوالديك ، وتبين لهما حرمة خروج الفتاة إلى الشارع متبرجة ، وأنهما مسئولان عن ذلك ، كما قال الله : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ قَالَ وَحَسِبْتُ أَنْ قَدْ قَالَ وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
وليس من البر بالوالدين طاعتهما في التبرج ، أو في الخروج مع المتبرجة ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
ثانيا :
لا يوجد جدول سنوي مقترح لتنظيم القراءة ، ولكن يرجع ذلك إلى كل إنسان بحسب شغله وفراغه ، ومدى استيعابه ، وغير ذلك من العوامل ، والمهم أن تنظم وقتك ، وأن يكون لديك همة وحرص على تحصيل العلم ، وزيادة المعرفة ، مع الاستعانة ببعض الشيوخ في ترتيب الأولويات في القراءة ، وحل المشكل ، وتوضيح الغامض .
فإن لم يتيسر لك أحد من الشيوخ الذين يحمل عنهم العلم ، فيمكنك أن تستعين بالأشرطة العلمية التي تتولى شرح الكتب ، في فنون مختلفة ، مع الاستعانة بأحد إخوانك الصالحين ، يذاكر معك وتذاكر معه ، والانتظام بمواعيد ثابتة في حضور الدرس ، أو المذاكرة ، من أعظم أسباب البركة والتحصيل .
ثالثا :(/2)
قراءة الكتب تحتاج إلى وعي وبصيرة وحسن اختيار ، كما تحتاج إلى وسائل تعين على الاستمرار والإنجاز ، وننصحك في هذه الخصوص بقراءة كتاب: "كيف تقرأ كتابا" ، وتجده على هذا الرابط مقروءا ومسموعا :
http://audio.islamweb.net/audio/index.php?page=audioinfo&audioid=102290
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .(/3)
رقم السؤال:
88102
العنوان:
تحديد عدد معين للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
السؤال:
سؤالي يتعلق بالصوفية إلى حد ما.. فقد اختلطت بجماعة منهم ولم أكن أعرف حقيقة الأمر.. ولكن بعد الاستماع لسلسلة العقيدة الصحيحة للشيخ المنجد حفظه الله.. ومعرفة بعض ما عليه الصوفية الغلاة .. بدأت أشك في أمر من خالطتهم.. وأود أن أعرف الحقيقة.. فلله الحمد على نعمة العلم ، والأسئلة هي : 1- يقوم هؤلاء الأشخاص بالصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم في اليوم الواحد ثلاثة أو أربعة آلاف مرة .. ويقولون : كلما زدت في الصلاة ، زادت محبتك للرسول صلى الله عليه وسلم ، وزدت قرباً منه.. وكلما زدت في الصلاة.. زادت فرصتك في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام.. فهل هذا الزعم صحيح ؟ وهل هذا الفعل جائز ؟ وهل يدخل في عموم الذكر ؟ وهل هناك أدلة تدعمه ؟ 2- كيف يمكن الربط بين أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي تدعو إلى الإكثار من الذكر مثل فضل قول "سبحان الله وبحمده" مئة مرة .. وبين حديث ابن مسعود عندما رأى أناساً في المسجد يعدون الذكر بالحصى.. فأمرهم بعد سيئاتهم؟ وجزاكم الله الخير !
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم قربة من أجل القربات ، أمر الله تعالى بها ، وأثنى على أهلها ، وجعلها سببا لمغفرة الذنوب ، وقضاء الحاجات .
قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب/56 ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ) رواه مسلم (384).(/1)
وعن أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا ذَهَبَ ثُلُثَا اللَّيْلِ قَامَ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا اللَّهَ اذْكُرُوا اللَّهَ جَاءَتْ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ جَاءَ الْمَوْتُ بِمَا فِيهِ ) قَالَ أُبَيٌّ : قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي أُكْثِرُ الصَّلَاةَ عَلَيْكَ ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَكَ مِنْ صَلَاتِي ؟ فَقَالَ : مَا شِئْتَ !!
قَالَ : قُلْتُ : الرُّبُعَ ؟! قَالَ مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ !!
قُلْتُ : النِّصْفَ ؟! قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ !!
قَالَ : قُلْتُ فَالثُّلُثَيْنِ ؟ قَالَ : مَا شِئْتَ ، فَإِنْ زِدْتَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ !!
قُلْتُ : أَجْعَلُ لَكَ صَلَاتِي كُلَّهَا ؟ قَالَ : إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ) رواه الترمذي (2457) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
قال ابن القيم رحمه الله في "جلاء الأفهام" (79) : ( وسئل شيخنا أبو العباس [ يعني : ابن تيمية ] عن تفسير هذا الحديث ، فقال : كان لأبي بن كعب دعاء يدعو به لنفسه ، فسأل النبي هل يجعل له منه ربعه صلاةً عليه ؟ فقال : ... ، لأن من صلى على النبي صلاة صلى الله عليه بها عشرا ، ومن صلى الله عليه كفاه همه ، وغفر له ذنبه ) .
قال في "تحفة الأحوذي" : " ( فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ صَلَاتِي ) أَيْ بَدَلَ دُعَائِي الَّذِي أَدْعُو بِهِ لِنَفْسِي ، قَالَهُ الْقَارِي . وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي التَّرْغِيبِ : مَعْنَاهُ : أُكْثِرُ الدُّعَاءَ ، فَكَمْ أَجْعَلُ لَك مِنْ دُعَائِي صَلَاةً عَلَيْك ... ( قُلْتُ أَجْعَلُ لَك صَلَاتِي كُلَّهَا ) أَيْ أَصْرِفُ بِصَلَاتِي عَلَيْك جَمِيعَ الزَّمَنِ الَّذِي كُنْت أَدْعُو فِيهِ لِنَفْسِي .(/2)
وقوله : (إِذًا تُكْفَى هَمَّكَ ، وَيُغْفَرُ لَكَ ذَنْبُكَ ) : َالْهَمُّ مَا يَقْصِدُهُ الْإِنْسَانُ مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ , يَعْنِي : إِذَا صَرَفْت جَمِيعَ أَزْمَانِ دُعَائِك فِي الصَّلَاةِ عَلَيَّ أُعْطِيت مَرَامَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " انتهى .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الرد على البكري" (1/133) : (وهذا غاية ما يدعو به الإنسان لنفسه من جلب الخيرات ودفع المضرات ؛ فإن الدعاء فيه تحصيل المطلوب واندفاع المرهوب ) .
قال بعض شراح المصابيح : ( .. فلم ير صلى الله عليه وسلم أن يعين له في ذلك حدا ، لئلا يغلق باب المزيد ؛ فلم يزل يفوض الاختيار إليه ، مع مراعاة الحث على المزيد ، حتى قال : أجعل لك صلاتي كلها ، فقال : إذا تكفى همك ؛ أي : ما أهمك من أمر دينك ودنياك ، لأن الصلاة عليه مشتملة على ذكر الله تعالى وتعظيم الرسول ، صلى الله عليه وسلم ، وهي في المعنى إشارة له بالدعاء لنفسه .. ) نقله السخاوي في " القول البديع " (133) .
وروى الترمذي (484) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَوْلَى النَّاسِ بِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَكْثَرُهُمْ عَلَيَّ صَلَاةً ) وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب .
قال في "تحفة الأحوذي" : قوله ( أولى الناس بي ) أي أقربهم بي أو أحقهم بشفاعتي ( أكثرهم علي صلاة ) : لأن كثرة الصلاة منبئة عن التعظيم ، المقتضي للمتابعة الناشئة عن المحبة الكاملة ، المرتبة عليها محبة الله تعالى . قال تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) .
فلا يشك أحد في فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم .(/3)
فقول من ذكرتَ : كلما زدت في الصلاة زادت محبتك للرسول صلى الله عليه وسلم ، وزدت قرباً منه ، صحيح ، فإنّ من أكثر من ذكر شيء أحبه .
وقولهم : وكلما زدت في الصلاة.. كلما زادت فرصتك في رؤية الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام ، قد يكون صحيحا أيضا من جهة الواقع ، لكن لم يدل على ذلك دليل ، والمعوّل عليه ليس رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن اتباع سنته واقتفاء أثره ، وتقديم محبته على النفس والنفيس ، وإلا فقد رآه أناس في اليقظة ، وكانوا من أعظم المخالفين له ، الصادين عن سبيله .
وإذا كانت الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قربة مشروعة كما ذُكر ، فإنه لا يجوز تحديد عدد معين لها ، لم يرد تحديده في الشرع ، سواء كان ألفا أو ثلاثة آلاف أو غير ذلك ، مما يخترعه المتصوفة ، فإن هذا التحديد بدعة مذمومة ، لمضاهاتها التشريع ، وقد نص العلماء على أن العبادة لابد أن تكون مشروعة بأصلها ووصفها وعددها وكيفيتها ومكانها وزمانها ، بمعنى أنه لا يجوز تقييدها بمكان أو زمان أو كيفية ، لم ترد في الشرع .
وينبغي أن يُعلم أن كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ، بل البدعة أحب إلى إبليس من المعصية لأنه لا يتاب منها . وقد قال مالك رحمه الله : من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة فقد زعم أن محمدا خان الرسالة .
ويقال لمن حدّ الصلاة هنا بثلاثة آلاف : ما الذي حملك على هذا العدد ، وما خاصيته ؟ فما من خير يذكره ، إلا ويقال له : فهل قصّر النبي صلى الله عليه وسلم في دلالة أمته على هذا الخير؟! وهو أحرص الناس عليهم ، وأرحمهم بهم ، وهلا أرشد أبي ابن كعب – كما في الحديث السابق- إلى هذا العدد معين ؟!(/4)
والواقع أن كثيرا من المتصوفة يعتمدون في تحديد هذه الأعداد على المنامات ، أو على مجرد الاختراع ، وإيهام المريد أنه لا يصلح له أكثر من ذلك ، وأن الزيادة عليه ترجع إلى إذن الشيخ المطلع على حاله ، بل على سرّه ، إلى غير ذلك من الباطل ، الذي يتسلطون به على أتباعهم .
وإنه ليخشى على هذا المبتدع أن يضيع عمله ، وأن تذهب حسناته ، وألا يجني من عبادته خيرا ، لا سيما إذا تعمد ذلك عن علم وبصيرة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَحْدَثَ فِي أَمْرِنَا هَذَا مَا لَيْسَ فِيهِ فَهُوَ رَدٌّ ) رواه البخاري (2697) ومسلم (1718) .
ولهذا ترى كثيرا من هؤلاء لا يظهر عليهم أثر الذكر في معاملاتهم وأحوالهم ، مع تفريطهم في الأذكار المشروعة التي حد الشارع فيها حدا معينا ، كقول : سبحان الله وبحمده مائة مرة في الصباح والمساء .
وانظر : إجابة السؤال رقم (11938) .
ثانيا :(/5)
حديث ابن مسعود رضي الله الذي أشرت إليه ، هو ما رواه الدارمي (204) عن عمرو بن سلمة قَالَ : كُنَّا نَجْلِسُ عَلَى بَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَبْلَ صَلَاةِ الْغَدَاةِ فَإِذَا خَرَجَ مَشَيْنَا مَعَهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَجَاءَنَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ فَقَالَ أَخَرَجَ إِلَيْكُمْ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ بَعْدُ ؟ قُلْنَا لَا فَجَلَسَ مَعَنَا حَتَّى خَرَجَ فَلَمَّا خَرَجَ قُمْنَا إِلَيْهِ جَمِيعًا فَقَالَ لَهُ أَبُو مُوسَى يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنِّي رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ آنِفًا أَمْرًا أَنْكَرْتُهُ وَلَمْ أَرَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ إِلَّا خَيْرًا قَالَ فَمَا هُوَ ؟ فَقَالَ إِنْ عِشْتَ فَسَتَرَاهُ قَالَ رَأَيْتُ فِي الْمَسْجِدِ قَوْمًا حِلَقًا جُلُوسًا يَنْتَظِرُونَ الصَّلَاةَ فِي كُلِّ حَلْقَةٍ رَجُلٌ وَفِي أَيْدِيهِمْ حَصًى فَيَقُولُ كَبِّرُوا مِائَةً فَيُكَبِّرُونَ مِائَةً فَيَقُولُ هَلِّلُوا مِائَةً فَيُهَلِّلُونَ مِائَةً وَيَقُولُ سَبِّحُوا مِائَةً فَيُسَبِّحُونَ مِائَةً قَالَ فَمَاذَا قُلْتَ لَهُمْ ؟ قَالَ مَا قُلْتُ لَهُمْ شَيْئًا انْتِظَارَ رَأْيِكَ وَانْتِظَارَ أَمْرِكَ قَالَ أَفَلَا أَمَرْتَهُمْ أَنْ يَعُدُّوا سَيِّئَاتِهِمْ وَضَمِنْتَ لَهُمْ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِهِمْ ثُمَّ مَضَى وَمَضَيْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَى حَلْقَةً مِنْ تِلْكَ الْحِلَقِ فَوَقَفَ عَلَيْهِمْ فَقَالَ مَا هَذَا الَّذِي أَرَاكُمْ تَصْنَعُونَ ؟ قَالُوا يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَصًى نَعُدُّ بِهِ التَّكْبِيرَ وَالتَّهْلِيلَ وَالتَّسْبِيحَ قَالَ فَعُدُّوا سَيِّئَاتِكُمْ فَأَنَا ضَامِنٌ أَنْ لَا يَضِيعَ مِنْ حَسَنَاتِكُمْ شَيْءٌ وَيْحَكُمْ يَا أُمَّةَ مُحَمَّدٍ مَا أَسْرَعَ هَلَكَتَكُمْ هَؤُلَاءِ صَحَابَةُ نَبِيِّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُتَوَافِرُونَ(/6)
وَهَذِهِ ثِيَابُهُ لَمْ تَبْلَ وَآنِيَتُهُ لَمْ تُكْسَرْ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّكُمْ لَعَلَى مِلَّةٍ هِيَ أَهْدَى مِنْ مِلَّةِ مُحَمَّدٍ أَوْ مُفْتَتِحُو بَابِ ضَلَالَةٍ قَالُوا وَاللَّهِ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ مَا أَرَدْنَا إِلَّا الْخَيْرَ قَالَ وَكَمْ مِنْ مُرِيدٍ لِلْخَيْرِ لَنْ يُصِيبَهُ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدَّثَنَا أَنَّ قَوْمًا يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ وَايْمُ اللَّهِ مَا أَدْرِي لَعَلَّ أَكْثَرَهُمْ مِنْكُمْ ثُمَّ تَوَلَّى عَنْهُمْ فَقَالَ عَمْرُو بْنُ سَلَمَةَ رَأَيْنَا عَامَّةَ أُولَئِكَ الْحِلَقِ يُطَاعِنُونَا يَوْمَ النَّهْرَوَانِ مَعَ الْخَوَارِجِ .
وهذا لا يعارض ما جاء في السنة من تحديد العدد لبعض الأذكار ، إذ المذموم أمران :
تحديد عدد معين ، لم يرد تعيينه في الشريعة .
أو التزام كيفية معينة ، أو وقت معين ، من غير دليل ، كحال هؤلاء الذين أنكر عليهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، فاستعمال الحصى ، ووجود هذا الموجّه الذي يقول : كبروا مائة ، سبحوا مائة ، هذه كيفية لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم .
قال الشاطبي رحمه الله : " فالبدعة إذن عبارة عن طريقة في الدين مخترعة ، تضاهي الشرعية ، يقصد بالسلوك عليها المبالغة في التعبد لله سبحانه ... ومنها التزام الكيفيات والهيآت المعينة ، كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد ، واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا ، وما أشبه ذلك .
ومنها التزام العبادات المعينة، في أوقات معينة ، لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة ، كالتزام صيام يوم النصف من شعبان ، وقيام ليلته " انتهى من "الاعتصام" (1/37-39).(/7)
وقصة ابن مسعود رضي الله عنه هذه دليل على بطلان ما يعمله الصوفية في حضراتهم ، من التزام أعداد معينة للذكر ، بتوجيه الشيخ وإرشاده ، إضافة إلى الكيفيات المخترعة ، من القيام والقعود والحركات التي يجعلونها طقوسا يتعين التزامها .
والأمر أكبر من ذلك ، فليست المخالفة محصورة في هذه البدع ، لكنها تتجاوز ذلك إلى صور من الشرك في الاعتقاد والعمل ، كدعاء النبي صلى الله عليه وسلم ، واعتقاد النفع والضر في الأولياء والصالحين .
نسأل الله تعالى أن يهدي ضال المسلمين ، وأن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
88106
العنوان:
تأتيها في الصلاة وساوس تتعلق بالأمور الجنسية
السؤال:
امرأة لديها وسوسة في الصلاة وتفكر دائما في الأمور الجنسية أثناء الصلاة . فكيف تتخلص من هذه الوساوس . وهل تقطع الصلاة في كل مرة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الوسوسة نوع من المرض ينشأ عن تسلط الشيطان على الإنسان ، أو غلبة النفس الأمارة بالسوء ، ولهذا فعلاجها يكون بتقوية الإيمان ، وإضعاف موارد الشيطان ، والإكثار من الطاعة والإنابة ، والذكر والتسبيح والاستغفار ، والفزع إلى الصلاة ، واللجوء إلى الله تعالى والتضرع إليه ، ليكشف السوء ، ويرفع الضر ، وهو سبحانه نعم المجيب ، وهو أرحم بالعبد من نفسه ، قال تعالى : ( أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل/62 ، وقال سبحانه : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ) الأنبياء/83، 84
وكثير ممن هو مبتلى بالوسوسة تجده مفرطا في الأذكار المشروعة في الصباح والمساء ، وعند النوم ، والدخول والخروج ، والطعام والشراب ، وهذا يزيد من تسلط الشيطان عليه ، وإرهاقه بالأفكار السيئة والخواطر الرديئة ؛ ليزيده هما وحزنا .
ثانيا :
من أنفع الوسائل في علاج الوسوسة : الإعراض عنها ومجاهدة النفس على عدم الالتفات إليها ، حتى تذهب بالكلية . سئل ابن حجر المكي رحمه الله : " عن داء الوسوسة هل له دواء ؟(/1)
فأجاب : له دواء نافع وهو الإعراض عنها جملة كافية ، وإن كان في النفس من التردد ما كان ، فإنه متى لم يلتفت لذلك لم يثبت ، بل يذهب بعد زمن قليل كما جرب ذلك الموفقون , وأما من أصغى إليها وعمل بقضيتها فإنها لا تزال تزداد به حتى تُخرجه إلى حيز المجانين ، بل وأقبح منهم , كما شاهدناه في كثيرين ممن ابتلوا بها وأصغوا إليها وإلى شيطانها ) انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (1/149).
ثالثا :
ينبغي أن يعلم المبتلى بالوسوسة أنه غير مؤاخذ على ما يجول في خاطره من أفكار مهما كانت سيئة ، سواء جاءته في الصلاة أو خارجها ، ما دام كارها لها راغبا في زوالها ، وقد دل على ذلك : ما روى مسلم (132) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ نَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلُوهُ إِنَّا نَجِدُ فِي أَنْفُسِنَا مَا يَتَعَاظَمُ أَحَدُنَا أَنْ يَتَكَلَّمَ بِهِ قَالَ وَقَدْ وَجَدْتُمُوهُ قَالُوا نَعَمْ قَالَ ذَاكَ صَرِيحُ الْإِيمَانِ .
أي كراهة ذلك والنفرة منه ، تدل على وجود الإيمان في القلب .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
" يخطر ببال الإنسان وساوس وخواطر وخصوصا في مجال التوحيد والإيمان ، فهل المسلم يؤاخذ بهذا الأمر ؟ .(/2)
فأجاب : قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما أنه قال : " إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم " – متفق عليه - وثبت أن الصحابة رضي الله عنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عما يخطر لهم من هذه الوساوس والمشار إليها في السؤال ، فأجابهم صلى الله عليه وسلم بقوله : " ذاك صريح الإيمان " – رواه مسلم - وقال عليه الصلاة والسلام : " لا يزال الناس يتساءلون حتى يقال هذا خلق الله الخلق فمن خلق الله فمن وجد من ذلك شيئا فليقل آمنت بالله ورسله " – متفق عليه - ، وفي رواية أخرى " فليستعذ بالله ولينته " رواه مسلم في صحيحه " انتهى من "تحفة الإخوان بأجوبة مهمة تتعلق بأركان الإسلام " السؤال العاشر.
وإذا كان الأمر كذلك فالحذر الحذر من استماع وساوس الشيطان في ترك العبادة ، لأجل ما يخطر على البال فيها من أمور محرمة ، بل على الإنسان أن يستمر في صلاته ، مهما خطر له ، ولا يقطعها ولا يعيدها ، بل يجاهد نفسه على تجاهل هذه الأفكار ، وستذهب عنه بإذن الله تعالى .
انظر : السؤال رقم (25778) .
على أننا ننبه هنا إلى أنه من الواجب عليها أن تبتعد عما يثير في نفسها تلك الوساوس والخيالات الفاسدة ؛ مثل أن تكون تشاهد الأفلام أو الصور الخليعة التي تستقر في النفوس ، وتعمل فيها عملها ، ولو بعد حين .
فإن ابتليت بشيء من ذلك ، على كره منها ، أو كان في نفسها شيء من الرغبة والميل إلى زوجها ، فينبغي أن تفرُغ من حاجتها إلى زوجها أولا ، وقبل أن تصلي ، متى أمكن ذلك ، وكان في وقت الفريضة متسع .
قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه : ( مِنْ فِقْهِ الْمَرْءِ إِقْبَالُهُ عَلَى حَاجَتِهِ حَتَّى يُقْبِلَ عَلَى صَلَاتِهِ وَقَلْبُهُ فَارِغٌ ) . رواه المروزي في تعظيم قدر الصلاة (134) وعلقه البخاري في صحيحه .
نسأل الله تعالى لنا ولكم التوفيق والسداد .(/3)
وللتعرّف على أسباب الخشوع في الصلاة راجع رسالة 33 سببا للخشوع في الصلاة في قسم الكتب من هذا الموقع
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
88124
العنوان:
الإسراف في الولائم
السؤال:
امرأة ذهبت إلى بيت امرأة رزقها الله بمولود وهناك ولائم وإسراف وتبذير جرت عليه العادة فهنأتها بسلامتها ومولودها ولا تريد أن تأكل من هذه الولائم خشية الإثم وتتكرر الولائم لأسبوع أو أكثر. فما الحكم في هذه الولائم. وبم تنصحون هذه المرأة؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على هذه الزائرة في الأكل من هذه الولائم ، ولو كان فيها إسراف كما ذكرت ، وعليها أن تنصح لأهل البيت ، وتبين لهم أهمية المحافظة على النعمة ، وشكرها ، وعدم التبذير أو الإسراف فيها ، وأن ترشدهم إلى الاستفادة من هذه الولائم ، بتوزيع الزائد منها على الفقراء والمحتاجين ، وبهذا يتحقق لهم الأجر والثواب ، مع الفرح والسرور .
وأما ما يفعله بعض الناس من التبذير في الطعام ، وإلقائه مع المهملات ، فهذا منكر ، وتعدٍّ على نعم الله وخيراته ، وإعانة للشيطان وإفادة له . فقد روى مسلم (2033) عَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ثُمَّ لِيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ ).
وسئلت اللجنة الدائمة ما نصه : " ما قولكم رضي الله عنكم في بقايا الطعام ، والطعام الزائد عن الحاجة ، ففي الكلية تقدم أصناف متعددة ، والطالب يأكل القليل ويحذف الباقي ؟
فأجابت : الإسراف ممنوع ، وإضاعة المال ممنوعة ، فيجب حفظ الطعام الباقي للمرة الثانية ، أو إطعامه المحتاجين ، فإن لم يوجدوا فالحيوانات ، ولو بعد تجفيفه لمن يتيسر له ذلك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (22/291).(/1)
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
88125
العنوان:
تعرفت عليه في الإنترنت وخطبها وليس بينهما تفاهم
السؤال:
عملت لمدة سنتين بعيداً عن أهلي ( ذقت فيها مرارة الغربة والتعب وتأثرت نظرتي للحياة كثيراً ) والآن أعمل في قرية من القرى التي تبعد عن مدينتي بحوالي 150 كم أي : ما يعادل ساعة ونصف ذهاباً ، وساعة ونصف إياباً ، تدور حياتي في محيط الأسرة والدراسة والعمل ، ليس لي صديقات ، ولا أزور أقاربي أو معارفي إلا نادراً ، وتقريباً لا أخرج من المنزل إلا للضرورة ، أو التنزه مع أسرتي أو للذهاب إلى عملي ، أو إحدى الدورات ، وفي فترة من الفترات اشتركت في نادي صحي مع أمي ( وذلك لظروف صحية ، وحفاظا على لياقتي ) ، تربيت في أسرة على الحشمة والالتزام المتوسط ، والمحافظة على الصلاة ، وتأدية ما فرضه الله علينا ، وبحكم عملي وتغربي ومركزي بين أخوتي ( الكبرى ) تعودت على الاستقلال والاعتماد على النفس ، وعلى احترام الآخرين لرأيي ، والداي هما أقرب أصدقاء لي ، لا أخفي عنهما أي سرٍّ من أسراري ، تعرفت على الإنترنت منذ عام 1422 هـ ، اطلعت على كثير من المواقع ، وكان هدفي هو تحسين لغتي الإنجليزية ، وتطوير طريقة تدريسي لها ، وكنت أبحث عن مواضيع مختلفة خاصة بالمرأة والأسرة والحياة الزوجية ، قبل ستة أشهر بينما كنت في أحد برامج ممارسة اللغة الإنجليزية جاءتني رسالة خاصة من أحد الأشخاص يريد أن يناقشني في بعض المسائل المتعلقة بتدريس اللغة الإنجليزية والصعوبات التي نواجهها مع الطالبات ، خصوصا أنه خريج قسم لغة إنجليزية - ينتظر وظيفته ، ويصغرني بعامين - وبعد مقابلتين أو ثلاث في هذا البرنامج ، وعن طريق الرسائل الكتابية القصيرة : سألني أسئلة شخصية مثل عمري / مدينتي / عادات أهلي ، أخيراً أخبرني أنه يريد خطبتي فأعطيته رقم والدي لمجرد اختبار صدقه ، وبالفعل اتصل بوالدي ، وبعد أسبوعين – تقريباً - زارنا وأهله ، في البداية تردد أهلنا ، خصوصا لتحسسهم من(/1)
طريقة التعارف ، ولعاداتنا وتقاليدنا واختلاف الطباع ( خاصة أنني حضرية وهو شريف ) ، وبعد عدة زيارات من أهله ، ومفاوضات مع أهلي : استطعنا أنا وهو أن نجعلهم يتقبلون الموضوع ، والحمد لله تعيَّن خطيبي في قرية تابعة لمدينته ، وقريبا سيحصل على موافقة من أحد البنوك على قرض بالمرابحة حتى يتم مراسيم ملكتنا وزواجنا ، بعد فترة من خطوبتي أصبحنا نتحدث عبر الهاتف ( أعرف أننا أخطأنا في هذه النقطة خصوصا أنه لم يتم عقد القران ) ومن خلال هذه الأحاديث تعرفنا على بعض بصورة أكبر ، ولاحظت عليه عدة أمور : أمور إيجابية : ( المحافظة على الصلاة ( هذا شيء شجعني للارتباط به ، خصوصا أنني رفضت قبله أشخاصاً لسبب وحيد هو عدم الصلاة ، أو التهاون فيها ( والالتزام وعدم سماع الأغاني ) ، ( وعدم التدخين أو التعسيل أو التشييش ) ، وهذا شيء شجعني للارتباط به خصوصا أنني رفضت قبله أشخاصاً لسبب وحيد هو التدخين ، ( طيبته وبساطته ) ، ( وجود أمور كثيرة مشتركة بيننا خصوصا في رأينا حول مواضيع مختلفة ) ، ( تخصصنا الدراسي ) ، ( وظائفنا ) ، ( حتى في الأحلام المستقبلية حول الأسرة والأولاد ومواصلة الدراسة ) .(/2)
أمور سلبية : أحس أن التزامه لا ينبع من الدين بقدر من تربيته وعادات أهله ، وأنه يريد أن يفرض عليَّ أموراً ، ليس لأنها من الدين بقدر أن مظهره الاجتماعي كشخص متدين لا يسمح ، ونظرته وأهله لي ولأهلي ، يظنون أننا غير متمسكين بالدين وغير محتشمين ، نساؤنا متسلطات ، ومتحكمات يسيِّرن الرجال على أهوائهن - مع أني أرى تقريبا غالب الرجال في العالم يسيرون حسب أراء زوجاتهم ، وحتى ولو أظهروا عكس ذلك - ، ثم نظرتهم إلينا على أننا أقل منهم في النسب ، وأصعب شيء في العلاقة الزوجية إذا احتقر طرف من الأطراف الآخر ، أو لم يثق فيه وفي قدرته على القيام بالواجبات في الحياة الزوجية ، يريد مني التفرغ له ولأولاده ، ووقف حياتي عليهم ، والتوقف عن العمل ونسيان نفسي تماما ، وطي كل أحلامي في إكمال دراستي ، أو تحسين أدائي الوظيفي أو ممارسة أي نشاط آخر ، أو حتى الالتحاق بنادي صحي ، وإن مارست يكون ذلك كرما منه لأن الوقت الذي أقضيه في تلك الأمور من حقه و حق أولاده !
أنا لست ضد الزواج ولا رعاية الأبناء ولا خدمة الزوج ، ولكن أعتقد من حق الزوجة أن يكون لها مساحتها الخاصة .(/3)
يرى أن أعمال البيت من واجباتي ، وفي حال استقدام خادمة يجب أن تكون على حسابي ؛ لأنها تقوم بواجباتي ، معترض بقوة على اشتراط والدي للخادمة في عقد القران ، ويرى أن ذلك يشوه مظهره أمام أهله ، وأن شروطي تعجيزية ، معقول بنات القبائل والأشراف ما لهم شروط صعبة ولا طلبات ؟ مع العلم أن أهلي لم يشترطوا ذلك إلا خوفا عليَّ من المشاكل التي تقع فيها المرأة العاملة مع زوجها بسبب الخادمة ، ولأن الرجال في مجتمعنا تناسوا أن أشغال البيت في الإسلام من مسؤولية الزوج ، وهو حر إما أن يؤديها بنفسه أو يستقدم الخدم ، وإن قامت بها الزوجة فهو كرم منها وفضل ! ، مع العلم أنني لا أحب وجود الخادمة في البيت ، فبقليل من التعاون بين الزوجين والأبناء واستخدام وسائل التكنولوجيا ، أو المعاونات الخارجية مثل : كوي الملابس عند المكوجي ووضع الأبناء في حضانة فترة العمل يستطيعون الاستغناء عن الخادمة وشرها ومشاكلها ، ورجال اليوم ليسوا بأفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم في خدمة أهله والقيام بأعمال البيت .(/4)
يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل ، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس ، مع أني أخبرته برأيي في هذه الأمور ، الأغاني : لا أرتاح لها وسأتركها في أقرب فرصة ، مشاهدة الأفلام والتمثيل : لا أرى حرمة لها ، بالنسبة للإنجليزية : طريقة للتدرب على سماع اللغة الإنجليزية ، أما التمثيل : فلا أتابع غير الهادف والمفيد منها ، لبس البنطلونات : فأخبرتك أنني إنسانة عاقلة وأعرف ألبس حسب المكان والمناسبة والأشخاص الذين سأقابل ، فأنا في المدرسة وزياراتي الرسمية أو زياراتي لأناس غريبين عني لا أرتديها ، ولكن أحب ارتداءها في الإجازات والخرجات خصوصا أنها أستر لي لأني كثيرة الحركة ، أما بالنسبة لعباءة الرأس فلا أؤيد لبسها ؛ لأنه أساسا لا يوجد شكل معين لحجاب المسلمة ، وبحكم تجربتي وجدت أنها لا تناسبني ، فالعباءة على الكتف المقفلة من الأمام مع وضع طرحة فضفاضة وتغطية الوجه أفضل لي وأستر ، خصوصا لو كنت أحمل أشياء أو أطفال ، أو أسير لمسافة طويلة ، يرى أن كل الأماكن التي أتنزه فيها مع أهلي ( أسواق ، منتزهات على البحر ، مراكز ترفيهية ، حتى الكورنيش ) أماكن مختلطة ، لا يستطيع أن يأخذني إليها ، حاولت تفهم غيرته ، ولكني بصراحة قلقة وخائفة من أنه يحبسني في البيت ، ولا يكون خروجي إلا لزيارات الأهل والأقارب التي لا أحبها كثيراً ، خاصة بسبب ما يحدث بين النساء من غيبة ونميمة وحسد وحقد ، يقول : إني لا أعرف كيف أتفاهم معه ، وأسلوبي جاف ، وكثيراً ما أخطئ في حقه ، فأرجوك علِّمني ؛ لأني فعلا بدأت أشك في قدراتي ، وأشعر بالندم الشديد عندما أراه مجروحاً مني .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(/5)
من عادتنا في الأجوبة على الأسئلة التي تردنا أن ننبه على الأخطاء الشرعية التي تأتي في ثنايا السؤال ، وبعضها قد يكون له تعلق في السؤال ، وبعضها الآخر ليس كذلك ، لكنه من المهم لنا أن نبين للسائل الصواب فيما يرد في كلامه ، أداء للنصيحة التي أوجبها الله علينا .
ثانياً :
ويمكن إجمال ما رأيناه من المخالفات الشرعية في السؤال سواء ما يتعلق بالزوجة أو الزوج فيما يأتي :
1. السفر من غير محرم :
وقد فهمنا هذا من خلال قول الأخت السائلة : " والآن أعمل في قرية من القرى التي تبعد عن مدينتي بحوالي 150 كم أي : ما يعادل ساعة ونصف ذهاباً ، وساعة ونصف إياباً " .
فإن كان هذا هو الواقع ، وأنه لا يسافر معها محرم لها : فلتعلم أنه " لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر إلا مع ذي محرم " ، ولا تكفي عصبة النساء – كما يراه بعض العلماء – لتسافر المرأة من غير محرم ، ويجب على كل امرأة منهن أن يكون لها محرم .
وانظري تفصيل هذه المسألة في أجوبة الأسئلة : ( 3098 ) و ( 69337 ) و ( 45917 ) و ( 4523 ) .
2. المراسلة مع أجنبي في الإنترنت .
وهو ما حصل منكِ مع الرجل الأجنبي عنك ، وإذا كان هذا الأجنبي عنكِ قد تقدم للزواج منكِ فإن الآلاف لم يفعلوا مع من أوقعوهنَّ في حبائلهم ، وقد تُبنى العلاقة الزوجية التي تقوم على مثل هذه المقدمات على الشك والريبة والتهمة ، وبالتالي لا يُكتب للزواج النجاح .
وقد سبق ذِكر تحريم المراسلة بين الجنسين في جواب السؤالين : ( 26890 ) و ( 10221 ) .
3. القرض الربوي المحتال عليه باسم " المرابحة " :
وقد جاء هذا في قولك عن خطيبك : " وقريبا سيحصل على موافقة من أحد البنوك على قرض بالمرابحة حتى يتم مراسيم ملكتنا وزواجنا " .
وتسمية عامة الناس لهذه المعاملة بـ " القرض " إنما هو تسمية لحقيقتها ، وإن احتالت البنوك على الناس بتسميتها مرابحة ، إذ حقيقتها اقتراض بفائدة ربوية .(/6)
وانظري تفصيل المسألة في جواب السؤال رقم : ( 36408 ) .
4. المحادثة أثناء الخطوبة .
قلتِ في سؤالكِ : " بعد فترة من خطوبتي أصبحنا نتحدث عبر الهاتف ( أعرف أننا أخطأنا في هذه النقطة خصوصا أنه لم يتم عقد القران ) " .
فالواجب الحذر من الخلوة بالمخطوبة ، أو الخروج معها ، أو التوسع في الاختلاط بها ، والحديث إليها ، وخاصة في الهاتف ، وحيث لا يكون هناك محرم أو رقيب .
وانظري جواب الأسئلة ( 7757 ) و ( 2572 ) و ( 20069 ) لتعلمي حدود العلاقة بين الخاطب والمخطوبة .
5. الاشتراط في الزواج :
قولكِ : " معقول بنات القبائل والأشراف ما لهم شروط صعبة ولا طلبات ؟ " .
والجواب : نعم ، معقول ، واشتراط الأمور الصعبة على الزوج مما يساهم في تعقيد الحياة الزوجية ، وقد يكون فيها تكليف الزوج ما لا يطيق ، فيؤثر ذلك سلباً على نفسيته وحياته وتعامله مع زوجته وأهلها .
ثم إن اشتراط الأشياء الصعبة والطلبات على الزوج لا يدل على رجاحة عقل ولا شرف نسب ، وهذه فاطمة رضي الله عنها وهي من أشرف نساء العالمين ، وابنة سيد المرسلين لم تَشترط في زواجها شروطاً ( صعبة ) ، ولا كان فيه كثرة ( طلبات ) ، وكذا نقول في بنات النبي صلى الله عليه وسلم وبنات أصحابه المشرفات المكرمات نسباً وديناً وعقلاً .
عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( جَهَّزَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَاطِمَةَ فِي خَمِيلٍ [ قصيفة ] وَقِرْبَةٍ وَوِسَادَةِ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفُ الْإِذْخِرِ ) .
رواه أحمد (644) والنسائي (3384) وصححه الألباني .
وقد جاء في السنة المشرفة ما يدل على خلاف ذلك الظن الذي تظنينه ، وهو الترغيب بتيسير الخِطبة ، وقلة مؤنة الزواج .
عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ مِنْ يُمْنِ الْمَرْأَةِ : تَيْسِيرَ خِطْبَتِهَا ، وَتَيْسِيرَ صَدَاقِهَا ) .(/7)
رواه أحمد ( 23957 ) وحسَّنه الألباني في " صحيح الجامع " ( 2235 ) .
6. خدمة المرأة لزوجها :
قولكِ : " ولأن الرجال في مجتمعنا تناسوا أن أشغال البيت في الإسلام من مسؤولية الزوج ، وهو حر إما أن يؤديها بنفسه ، أو يستقدم الخدم ، وإن قامت بها الزوجة : فهو كرم منها وفضل ! " .
وهذا وإن كان هو قول الجمهور لكنه قول ضعيف مرجوح ، وليست خدمة المرأة في بيتها كرماً منها وفضلاً ، بل هو واجب عليها ولا شك ، وإنما يكون ذلك بحسب قدرتها وطاقتها .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :
وتجب خدمة زوجها بالمعروف من مثلها لمثله ، ويتنوع ذلك بتنوع الأحوال ، فخدمة البدوية ليست كخدمة القروية ، وخدمة القوية ليست كخدمة الضعيفة .
" الفتاوى الكبرى " ( 4 / 561 ) .
وسئل الشيخ عبد الله بن جبرين - حفظه الله -:
قرأت في إحدى الصحف هنا فتوى لأحد العلماء يقول فيها إن خدمة الزوجة لزوجها ليست واجبة عليها أصلاً وإنما عقده عليها للاستمتاع فقط ، أما خدمتها له فذلك من باب حسن العشرة ، وقال إنه يلزم الزوج إحضار خدم لزوجته لو كانت لا تخدمه أو تخدم نفسها لأي سبب ، هل هذا صحيح وإذا كان غير صحيح فالحمد لله أن هذه الصحيفة ليست واسعة الانتشار ، وإلا لأصبح الأزواج بعضهم عزابا عندما تقرأ بعض النسوة هذه الفتوى ؟ .
فأجاب :(/8)
هذه الفتوى غير صحيحة ، ولا عمل عليها ؛ فقد كانت النساء الصحابيات يخدمن أزواجهن كما أخبرت بذلك أسماء بنت أبي بكر عن خدمتها للزبير بن العوام ، وكذا فاطمة الزهراء في خدمة علي رضي الله عنهما وغيرهما ، ولم يزل عُرف المسلمين على أن الزوجة تخدم زوجها الخدمة المعتادة لهما في إصلاح الطعام وتغسيل الثياب والأواني وتنظيف الدور ، وكذا في سقي الدواب وحلبها ، وفي الحرث ونحوه ، كلٌّ بما يناسبه ، وهذا عُرفٌ جرى عليه العمل من العهد النبوي إلى عهدنا هذا من غير نكير ، ولكن لا ينبغي تكليفها بما فيه مشقة وصعوبة ، وإنما ذلك حسب القدرة والعادة ، والله الموفق .
" فتاوى المرأة المسلمة " ( 2 / 662 ، 663 ) .
وانظري جواب السؤالين : ( 12539 ) و ( 10680 ) .
7. حكم التمثيل ومشاهدة الأفلام .
قولكِ : " مشاهدة الأفلام والتمثيل : لا أرى حرمة لها " .
ولا شك أن هذا خطأ ، وفي الأفلام كثير من المنكرات كخروج النساء سافرات ، وقصص الحب والعشق المحرم ، وشرب الخمور ، والعلاقات المحرَّمة ، وإشاعة الجريمة والجرأة على الأخلاق الفاضلة .
وللتفصيل : ينظر جواب السؤالين : ( 21227 ) و ( 13956 ) .
8. قولكِ " يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل ، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس " .
أما المعازف والأغاني : فينظر تفصيل الحكم في حرمتهما : أجوبة الأسئلة : ( 43736 ) و ( 5000 ) و ( 5011 ) .
وينظر جواب السؤال رقم ( 8555 ) للوقوف على حكم لبس المرأة العباءة على الكتف .
وأما الأفلام والتمثيل : فقد سبقت الإحالة على الأجوبة التي فيها حكمهما .
ثالثاً :
وللإنصاف فقد جاء في سؤالك ذِكر شيء ينكره الخاطب وهو أمر جائز لكِ شرعاً ، وهو اشتراط والدكِ عليه الخادمة ، كما جاء في قولكِ " معترض بقوة على اشتراط والدي للخادمة في عقد القران " .
لكن لوجود الخادمة في البيت أحكام ومفاسد ، فانظري جواب السؤالين : ( 22980 ) و ( 26231 ) .(/9)
رابعاً :
هناك أشياء يطلبها الخاطب وهي صحيحة ، ليس لكِ أن تنكري شيئاً منها ، ومنها :
1. قولكِ " يريد مني التفرغ له ولأولاده ، ووقف حياتي عليهم والتوقف عن العمل ونسيان نفسي تماما وطي كل أحلامي في إكمال دراستي أو تحسين أدائي الوظيفي أو ممارسة أي نشاط آخر ، أو حتى الالتحاق بنادي صحي " .
فتفرغ المرأة لبيتها وأولادها وزوجها من أعظم أعمال المرأة ، وهو عمل ما يفوق في مدته وعظَم شأنه وحتى تكلفته المادية ما يقوم به الزوج من أعمال خارج المنزل .
وقد كثرت أصوات النساء في الغرب الداعيات إلى الرجوع بالمرأة إلى عملها الذي تحسنه ، والذي تحافظ فيه على مروءتها وكرامتها ، وهو عمل البيت ، والذي لا تكفيها ساعات النهار والليل للقيام به ، فكيف إن كانت مفرطة بكثرة الخروج من بيتها للعمل المستمر ؟! .
2. قولكِ " يريد مني ترك سماع الأغاني وعدم مشاهدة الأفلام والتمثيل ، وعدم لبس البنطلونات ولبس عباءة الرأس " .
وقد سبق التنبيه على هذه المسائل .
3. قولكِ " يرى أن كل الأماكن التي أتنزه فيها مع أهلي ( أسواق ، منتزهات على البحر ، مراكز ترفيهية ، حتى الكورنيش ) أماكن مختلطة ، لا يستطيع أن يأخذني إليها ) .
وهو صادق في كون تلك الأماكن مختلطة ، لكنه يمكنه التحرز عن أماكن الاختلاط في بعضها ، واختيار الزمان والمكان المناسبيْن للذهاب إلى تلك الأماكن .
ويجب أن تعلمي أن دافعه في عدم اصطحابك لتلك الأماكن هي غيرته عليكِ ، وهو أمر محمود وجوده في الزوج ، وليست هي غيرة سيئة كتلك التي يصاحبها التهمة والريبة ، بل هي غيرة محمودة ينبغي لك تشجيعه على وجودها وتنميتها فيه ، ويمكنك التلطف في طلب اختيار الأماكن المناسبة والأوقات الملائمة لزيارة تلك الأماكن أو بعضها .
وانظري جواب السؤال رقم : ( 8901 ) ففيه فتوى لعلماء اللجنة الدائمة في حكم الذهاب لأماكن الترفيه التي تكثر فيها المنكرات .
خامساً :
وأخيراً :(/10)
الحياة الزوجية حياة رائعة ، وهي قائمة على التفاهم والانسجام ، والله تعالى يجعل فيها بين الزوجين مودة ورحمة من أجل استمرارها وديمومتها .
وإذا رأت المرأة من نفسها أو ممن تقدم لها عدم الانسجام في المواقف والتلاقي في الأفكار : فإن من الأفضل أن تتأنى في إتمام ذلك الزواج ، وخاصة إذا حصلت خلافات قبل الدخول ، أو حول أمور يصعب على كل من الطرفين أن يتقبل وجهة نظر الآخر فيها ، أو يتفهم موقفه ، أو يستغني عنها في حياته ، فهنا يصبح الإقدام على إتمام ذلك الزواج مخاطرة غير مأمونة.
والذي ننصحك به : هو إصلاح نفسكِ وترك الأفعال المحرَّمة التي نبهناكِ عليها – ولا علاقة لهذا التنبيه بالزواج فهي حرام حتى لو لم تتزوجي - ، وبعدها يمكنك التفاهم مع خطيبك على ما يحل لك شرعاً ، فإن رضي بهذا التفاهم وانشرح صدره له ، وذلَّل العقبات : فلعل الاستمرار في الزواج أن يكون خيراً للطرفين ، وإن رضيتِ لنفسك الاستمرار فيما نبهناكِ عليه مما لا يحل لك شرعاً فعله : فإننا لا ننصحه بالتزوج منك ، ومن حقه بل من الواجب عليه أن لا يفعل .
واعلمي أن السعادة هي في طاعة الله سبحانه وتعالى ، وأن الموفَّق للطاعة يجعل الله تعالى صدره منشرحاً ، وإذا وفق الله تعالى الطائع لزواج مبارك وأسرة طيبة : فإنه يكون في جنَّة قبل جنَّة الخلد ، فاحرصي على الطاعة ، وابحثي عن زوج يرعى حدود الله تعالى ، فإن الخير كل الخير لك في الدنيا هو في البحث عن رضا الله تعالى .
وللأهمية : نرجو منكِ النظر في جواب السؤالين : ( 33710 ) و ( 22397 ) .
والله الموفق(/11)
رقم السؤال:
88153
العنوان:
اختلاف الوالدين في طريقة التربية
السؤال:
إذا اختلف الأبوان فى طريقة تربية الأبناء ، بحيث إن كلا منهما يرى ما لا يراه الآخر ، فهل تجب على الزوجة أن تطيع زوجها فيما تراه يؤدى إلى فتنة الابن - حيث إن أباه يريد أن يحاسبه على كل كبيرة وصغيرة - ؟ أم إنها تظهر الطاعة أمامه ، ثم تفعل ما تراه مناسبا بعد ذلك مع ابنها - من باب قول الله تعالى ( قوا أنفسكم وأهليكم نارا ) ومن باب ( كلكم راع ) - ؟ أم إن هذا الخطاب موجه للولي فقط ، وهو الأب ؟ أم إن هذا يدخل تحت قوله صلى الله عليه وسلم ( لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق ) ؟ أفيدونا أفادكم الله .
الجواب:
الحمد لله
تربية الأبناء مسؤولية مشتركة بين الوالدين ، فقد ولاهما الله سبحانه وتعالى حفظ هذه الأمانة ، كل بحسب موقعه وقدرته ، ولا ينبغي حصر هذه المسؤولية العظيمة في واحد منهما دون الآخر .
عن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، فَالْإِمَامُ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ فِي أَهْلِهِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا رَاعِيَةٌ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا ) .
رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
فتأملي كيف نص الحديث على مسؤولية كل واحد من الأبوين ليؤكد استقلال كل واحد بهذا التكليف ، وفي حديث الفطرة يظهر أيضا كيف أن التوجه الديني للأبناء مبني على توجه أبويهم معا وليس واحداً منهما فقط .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَا مِنْ مَوْلُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ ) .(/1)
رواه البخاري ( 1292 ) ومسلم ( 2658 ) .
وفي أداء المسؤوليات المشتركة جاءت الشريعة بالأمر بوسيلة تؤدي في الغالب إلى أكمل النتائج وأحسنها ، وذلك من خلال " الحوار والمشاورة " ، ولعل هذه القيمة أعظم سبب لسعادة الأسرة ونجاح التربية ، وقد جاء الأمر بالشورى في المسؤوليات المشتركة في قوله تعالى : ( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) البقرة/233 .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
أي : فإن اتفق والدا الطفل على فطامه قبل الحولين ، ورأيا في ذلك مصلحة له ، وتشاورا في ذلك ، وأجمعا عليه : فلا جناح عليهما في ذلك ، فيؤخذ منه أن انفراد أحدهما بذلك دون الاخر لا يكفي ، ولا يجوز لواحد منهما أن يستبد بذلك من غير مشاورة الآخر ، قاله الثوري وغيره ، وهذا فيه احتياط للطفل ، وإلزام للنظر في أمره ، وهو من رحمة الله بعباده حيث حجر على الوالدين في تربية طفلهما وأرشدهما إلى ما يصلحهما ويصلحه .
" تفسير القرآن العظيم " ( 1 / 380 ) .
وتشير بعض الدراسات إلى أن كثيراً من المشاكل الزوجية التي تؤدي إلى الطلاق سببها غياب هذا النمط من المعايشة " نمط الشورى " من حياة الأسرة ، أو الخطأ في ممارسته ، فإن الحوار والشورى فن وعلم يحتاج دربة وممارسة وتفهما .
ومن الطبيعي أن تتعارض آراء الزوجين في بعض المسؤوليات المشتركة كتربية الأبناء ؛ وذلك بسبب اختلاف ثقافة الزوجين ، أو تدخّل بعض الأقارب في ذلك ، وغير ذلك من الأسباب ، ولكن ذلك لا يستلزم الوصول إلى حالة الأزمة الحقيقية إلا إذا لم يتوصل الزوجان إلى طريقة مناسبة لاحتواء هذا التعارض .(/2)
ثمة حل وعلاج يمكن اقتراحه لفك التعارض القائم بين أسلوبي الوالدين في التربية ، وهو استشارة المختص ، أو من تتيسر استشارته في المشاكل التي تختلفون حولها ، ممن كانت عنده الخبرة والأمانة الكافية في ذلك ؛ فالتربية علم وفن قائم بذاته ، تقام له الدراسات وتمنح فيه الشهادات ، بل هو من أخطر التخصصات وأدقها ، ولن يعدم الزوجان بعض المستشارين التربويين الأمناء ، فيلجؤوا إليهم لأخذ رأيهم في محل الخلاف خاصة .
ولعل إدراك الوالدين لخطورة انعكاسات تعارض أساليب التربية على شخصية الابن يحثهما على ضرورة تجاوز هذه المشكلة .
فالرسالة التربوية التي يحرص الأب على إيصالها ستضيع ويتلاشى أثرها إن قامت الأم بتوجيه رسالة مغايرة لها ، ويؤدي ذلك إلى اختيار الابن الرسالة التي تناسبه هو ، بل كثيرا ما يبتدع حلاًّ ثالثاً تبعاً لهواه هو ، وذلك يعني صعوبة في تمييز الابن بين الصواب والخطأ ، والحلال والحرام ، وهو أخطر ما يواجه التربية الصحيحة .
وتعارض أساليب التربية قد يؤدي إلى كراهة الطفل أحد الوالدين وضعف الميل نحوه ، وقد تبدو المشكلة أكبر فأكبر في مراحل متقدمة من تعمق الخلاف بين الأب والأم حول تربية الأبناء .
إذًا فمن الواجب أن يكون هناك اتفاق مبدئي بين الأب والأم على عدم قيام أي طرف منهما بتوجيه رسالة تربوية مخالفة للرسالة التي وجهها أحدهما إلى الأبناء ، خاصة أمامهم ، وإن كان ثمة ملاحظات أو اعتراضات على تلك الرسالة فيؤخر أمرها إلى حين المشاورة والمحاورة بعيدا عن أعين الأبناء .(/3)
كما أن من المهم جدّاً أن يتعامل الوالدان بينهما بالصدق والصراحة ، فلا ينبغي لا شرعا ولا خلقا وتربية وأدبا لأحد الوالدين أن يظهر للآخر موافقة على أسلوب تربوي معين ، ولكنه في حقيقة الأمر يخالفه ويناقضه ولا يقوم به ، وسريعا ما يكتشف الطرف الآخر خداعه له ، فتفقد الثقة بين الأبوين في مسألة التربية ، ولا تؤدي إلا إلى تفاقم المشكلة ، في حين أن سلوك الصراحة والمشاورة والمراضاة بين الأبوين يؤدي إلى تجاوز الخلاف ، كما أنه يتجاوز بالأبوين كل خلاف آخر ، وذلك حين يعتادان على الشورى والتفاهم .
ويجب مراقبة الله عز وجل في تربية الأبناء ، والتحاكم إلى كتاب الله وسنة رسوله في أصول التربية عند الاختلاف ، فإن كان الاختلاف في الوسائل فطريقه المشاورة والمحاورة بين الأبوين ، ثم بعد ذلك يكون الحَكَم بينهما هو الناصح الأمين ، من أهل الاختصاص أو الخبرة ، وإذا صدق الوالدان في نيتهما صَلاح الأبناء خلقا ودينا فإن الله سبحانه وتعالى سيجعل لهما من خلافهما مخرجا .
مع التنبيه – أخيراً – إلى أن الله تعالى جعل في المرأة ما لم يجعل في الرجل ، فالعاطفة والحنان عند المرأة أكثر منه عند الرجل ، ورجاحة العقل وقوة الإرادة والإدارة عند الرجل أكثر منه عند المرأة ، فيراعى هذا الجانب في الخلاف بين الزوجين ، ولعلَّ الأمر لو أوكل للزوج أن يكون فيه نفع بالغ ، إن كان الزوج متصفاً بالدين والعقل .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
88180
العنوان:
إذا كان التصوير حراما فكيف يجوز النظر إلى التلفاز والفيديو ؟
السؤال:
قال لي أحد الإخوة : إن التصوير الفوتوغرافي حرام ، فبحثت في فتاوى العلماء ووجدت خلافا في التحريم ، ولكن ما اقتنعت به وما أتبعه هو فتوى اللجنة الدائمة والشيخ ابن باز رحمه الله ، والآن مستقر عندي أن التصوير بجميع أنواعه حرام ، إلا لضرورة أو حاجة ، و الاحتفاظ بالصورة أيا كان نوعها حرام ، إلا لضرورة أو حاجة ، والذي يقبل بتصويره داخل في حكم المصور لأنه رضي بذلك. ومشاهدة التلفزيون والفيديو( بدون وجود منكر ) جائزة على حسب فتوى الشيخ ابن باز ، لكن سؤالي ومحل إشكالي.. عند القائلين بحرمة التصوير ( مثل الشيخ ابن باز واللجنة الدائمة ) هل يجوز رؤية الصور( التي تخلو من منكر ) بدون حاجة ، ( أي للتسلية ) أيا كانت وسيلة التقاطها؟ وإذا كانت جائزة فكيف أجمع بينها وبين مراتب إنكار المنكر ، لأن الصورة حينها منكر، وأقلها أن أنكره بقلبي ، وبالتالي بجوارحي فأصرف نظري عنه ، وأبتعد عن المكان الذي فيه صورة ، وإذا أراني أحدًا مقطع فيديو بالجوال فإني لا أقبل رؤيته وعرضه ، أرجو منك يا فضيلة الشيخ الرد على هذا الإشكال ، و قل لي : هل أنا ماشي صح أو غلط ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ما ذكرته من تحريم الصور الفوتوغرافية ، وتحريم الاحتفاظ بها إلا لضرورة أو حاجة ، وجواز رؤية التلفاز والفيديو إذا خلا من المنكر ، هو رأي جماعة من أهل العلم منهم الشيخ ابن باز رحمه الله ، وعلماء اللجنة الدائمة للإفتاء حفظهم الله .
ثانيا :
ما ذكرته من إشكال أجاب عنه الشيخ ابن عثيمين رحمه الله مبينا أن الصور المدونة على شريط الفيديو وما شابه ، لا يكون لها مظهر ولا منظر ، وإنما هي موجات كهرومغناطيسية ، ولهذا أجازها من لا يجيز التصوير بالكاميرا .
قال رحمه الله : " والصُّور بالطُّرُقِ الحديثة قسمان :(/1)
الأول : لا يَكُونُ له مَنْظَرٌ ولا مَشْهَد ولا مظهر ، كما ذُكِرَ لِي عن التصوير ، بِأَشرطة الفيديو ، فهذا لا حُكْمَ له إطلاقاً ، ولا يَدْخُل في التحريم مطلقاً ، ولهذا أجازه العلماء الذين يَمْنَعونَ التّصوير على الآلة الفوتوغرافية على الورق ، وقالوا : إن هذا لا بأس به ، حتى إنه قيل : هل يجوز أن تصوَّر المحاضرات التي تلقى في المساجد ؟ فكان الرأي ترك ذلك ، لأنه ربما يشوش على المصلين ، وربما يكون المنظر غير لائق وما أشبه ذلك .
القسم الثاني : التصوير الثابت على الورق ......
ولكن يبقى النظر : إذا أراد الإنسان أن يُصوِّر هذا التصوير المباح ، فإنه تجري فيه الأحكام الخمسة بحسب القصد ، فإذا قصد به شيئا مُحَرَّما فهو حرام ، وإن قصد به شيئا واجبا كان واجباً . فقد يجب التصوير أحياناً خصوصاً الصور المتحركة ، فإذا رأينا مثلاً إنساناً متلبساً بجريمة من الجرائم التي هي من حق العباد كمحاولة أن يقتل ، وما أشبه ذلك ولم نتوصل بإثباتها إلا بالتصوير ، كان التصوير حينئذٍ واجباً ، خصوصاً في المسائل التي تضبط القضية تماماً ، لأن الوسائل لها أحكام المقاصد . إذا أجرينا هذا التصوير لإثبات شخصية الإنسان خوفاً من أن يُتَّهم بالجريمة غيره ، فهذا أيضاً لا بأس به بل هو مطلوب ، وإذا صوّرنا الصورة من أجل التمتع إليها فهذا حرام بلا شك " انتهى من "الشرح الممتع" (2/197-199).
وراجع السؤال رقم (10326) و(13633) و(20325) والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
88206
العنوان:
شروط الأكل من ذبيحة اليهودي والنصراني
السؤال:
أنا أعلم أن التسمية عند ذبح ما يؤكل من الحيوان لازمة وأنه لا يجوز الأكل مما لم يذكر اسم الله عليه ولكن في بعض الأحيان يضطر الفرد المسلم للسفر إلى بلاد غير مسلمة والبقاء هناك لسنوات للعمل أو الدراسة فهل يمتنع نهائيا عن أكل اللحوم طيلة هذه المدة أم يعتبر في هذه الحالة من المضطر أن يأكل اللحم أم أنه يجزئه التسمية عند وقت الأكل؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
التسمية شرط لحل الذبيحة ، لا تسقط سهوا ولا جهلا ، على الراجح من أقوال أهل العلم ، وانظر السؤال رقم : (85669)
ثانيا :
تحل ذبيحة الكتابي (اليهودي والنصراني) بشرطين :
الأول : أن يذبح الذبيحة كما يذبحها المسلم ، فيقطع الحلقوم والمريء ، وينهر الدم ، فإن كان يقتلها بالخنق أو الصعق الكهربائي أو الإغراق في الماء ، فلا تحل ذبيحته ، وكذلك المسلم لو فعل ذلك ، لم تحل ذبيحته .
الثاني : ألا يذكر عليها اسم غير الله تعالى ، كاسم المسيح أو غيره ؛ لقوله تعالى : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ ) الأنعام/121 ، وقوله في المحرمات : ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ ) البقرة/173 .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" والمراد به هنا ما ذكر عليه اسم غير الله عند ذبحه ، مثل أن يقول : " باسم المسيح " ، أو " باسم محمد " ، أو " باسم جبريل " ، أو " باسم اللات " ، ونحو ذلك " انتهى من تفسير سورة البقرة .
ويدخل في التحريم : ما ذبحوه تقربا للمسيح أو للزهرة ، ولو لم يذكروا عليه اسم غير الله ، فهذا محرم أيضا .(/1)
قال شيخ الإسلام رحمه الله : " وأما ما ذبحه أهل الكتاب لأعيادهم وما يتقربون بذبحه إلى غير الله نظير ما يذبح المسلمون هداياهم وضحاياهم متقربين بها إلى الله تعالى ، وذلك مثل ما يذبحون للمسيح والزهرة ، فعن أحمد فيها روايتان أشهرهما في نصوصه أنه لا يباح أكله وإن لم يسم عليه غير الله تعالى ، ونقل النهي عن ذلك عن عائشة وعبد الله بن عمر ..." انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (1/251).
ثالثا:
إذا ذبح المسلم أو الكتابي ذبيحة ، ولم يُدر أذكر اسم الله عليها أم لا ، فيجوز الأكل منها ، ويسمي من أكل ؛ لما روى البخاري (2057) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قَوْمًا قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَنَا بِاللَّحْمِ ، لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( سَمُّوا اللَّهَ عَلَيْهِ وَكُلُوهُ ) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولا يلزم السؤال عما ذبحه المسلم أو الكتابي كيف ذبحه ، وهل سمى عليه أو لا ؟ بل ولا ينبغي ، لأن ذلك من التنطع في الدين ، والنبي صلى الله عليه وسلم أكل مما ذبحه اليهود ولم يسألهم . وفي صحيح البخاري وغيره عن عائشة رضي الله عنها أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم : إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا ، فقال : ( سموا عليه أنتم وكلوه ) قالت : وكانوا حديثي عهد بكفر . فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأكله دون أن يسألوا مع أن الآتين به قد تخفى عليهم أحكام الإسلام ، لكونهم حديثي عهد بكفر " انتهى من رسالة في أحكام الأضحية والذكاة ، للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
رابعاً :(/2)
بناء على ما سبق ، فمن سافر إلى بلاد غير مسلمة ، وكان الغالب على من يذبح فيها أنهم نصارى أو يهود ، فإنه يحل له الأكل من ذبائحهم ، إلا إن علم أنهم يصعقون الذبيحة أو يسمون عليها باسم غير الله ، كما سبق .
وإن كان الذابح وثنيا أو شيوعيا ، فإنها لا تحل ذبيحته .
وحيث كانت الذبيحة محرمة ، فإنه لا يجوز الأكل منها بحجة الاضطرار ، ما دام أن الإنسان يجد ما يحفظ به حياته ، من أكل الأسماك أو البقوليات ونحوها .
وقال الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله : " ما يعرض من اللحوم في بلاد الكفار أنواع :
أما السمك فهو حلال بكل حال لأن حله لا يتوقف على تذكيته ولا على التسمية .
وأما بقية الأنواع فإن كان الذين ينتجون اللحوم من شركات أو أفراد هم من أهل الكتاب من اليهود أو النصارى ولا يعرف من طريقتهم أنهم يقتلون الحيوان بالصعق الكهربائي ، أو الخنق ، أو ضرب الحيوان على رأسه مثل ما هو معروف في الغرب فهذه اللحوم حلال ، قال تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ) . وإن كانوا يقتلون الحيوان ببعض هذه الطرق فاللحوم حرام لأنه حينئذ تكون من المنخنقة والموقوذة ، وإن كان الذين ينتجون اللحوم من غير اليهود والنصارى فاللحوم التي يعرضونها حرام ، قال تعالى : ( ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق ) . فعلى المسلم أن يجتهد في اجتناب الحرام البين واتقاء المشتبهات حرصا على سلامة دينه ، وسلامة بدنه من التغذي بالحرام " انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
88490
العنوان:
هل دعا الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين الذين لم يروه ؟
السؤال:
هل دعا الرسول - صلى الله عليه وسلم - لإخوانه الذين يأتون بعده بدعوةٍ تخصهم بالخير ؟
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
لقد كان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم أرحم الناس وأرقَّهم ، يحب الخير لهم ، ويحرص على سعادتهم ونجاتهم ، ولن نجد أصدق من كلمات الله تعالى دليلا على ذلك :
يقول الله عز وجل :
( لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ) التوبة/128
وكان يحب أمته كثيرا ، يحمل هَمَّ نجاتها يوم القيامة ، ويرجو أن يكرمها الله سبحانه وتعالى بجنته ، حتى كان يبكي من شدة خوفه عليهم ورحمته بهم .
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه :
( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَلَا قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ) الْآيَةَ وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَام : ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ : اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي . وَبَكَى . فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : يَا جِبْرِيلُ ! اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ - وَرَبُّكَ أَعْلَمُ - فَسَلْهُ مَا يُبْكِيكَ . فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَام فَسَأَلَهُ فَأَخْبَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا قَالَ ، وَهُوَ أَعْلَمُ . فَقَالَ اللَّهُ : يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ : إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوءُكَ ) رواه مسلم (202)
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (3/78-79) :(/1)
" هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها : بيان كمال شفقة النبي صلى الله عليه وسلم على أمته ، واعتنائه بمصالحهم ، واهتمامه بأمرهم ، ومنها البشارة العظيمة لهذه الأمة - زادها الله تعالى شرفا - بما وعدها الله تعالى بقوله ( سنرضيك في أمتك ولا نسوؤك ) وهذا من أرجى الأحاديث لهذه الأمة أو أرجاها " انتهى .
فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو لجميع أمته ، ويستغيث الله تعالى أن يجعلها أمةً مكرَّمةً مرحومةً ، حتى استجاب اللَّه له فجعل شطر أهل الجنة من أمته ، أو يزيد ، ورزقهم شفاعته يوم القيامة .
ثانيا :
من رحمته صلى الله عليه وسلم وحبه لأمته أنه خص مَن آمن به واتبعه ولم يره بمزيد فضل وخير :
عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( طُوبَى لِمَن آمَنَ بِي وَرَآنِي مَرَّةً ، وُطُوبَى لِمَن آمَنَ بِي وَلَم يَرَنِي سَبعَ مِرَارٍ )
رواه أحمد في "المسند" (3/155) وقال المحققون : حسن لغيره . وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1241) ، وقد جاء نحو هذا الحديث عن جماعة من الصحابة .
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/176) :
" وأما معنى طوبى : فاختلف المفسرون فى معنى قوله تعالى : ( طوبى لهم وحسن مآب ) فروي عن ابن عباس رضى الله عنهما أن معناه : فرح وقرة عين . وقال عكرمة : نِعم ما لهم . وقال الضحاك : غبطةٌ لهم . وقال قتادة : حسنى لهم . وعن قتادة أيضا : معناه أصابوا خيرا . وقال إبراهيم : خير لهم وكرامة . وقال ابن عجلان : دوام الخير . وقيل : الجنة . وقيل : شجرة فى الجنة . وكل هذه الأقوال محتملة فى الحديث والله اعلم " انتهى .
ثم بشر صلى الله عليه وسلم المؤمنين بعده ممن لم يره بأنه ينتظرهم عند الحوض الشريف :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ إِلَى الْمَقْبُرَةِ فَقَالَ :(/2)
( السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ ، وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا . قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَلَسْنَا إِخْوَانَكَ ؟ قَالَ : بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي ، وَإِخْوَانِي الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ ؟ قَالَ : أَرَأَيْتَ لَوْ كَانَ لِرَجُلٍ خَيْلٌ غُرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ بُهْمٍ دُهْمٍ أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ ؟ قَالُوا : بَلَى . قَالَ : فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ الْوُضُوءِ ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ )
( أنا فرطهم ) أي أنا أتقدمهم على الحوض ، ( دهم ) سود . "شرح النووي" (3/139)
رواه مسلم (249) والنسائي (150) واللفظ له ، وانظر "السلسلة الصحيحة" (2888)
فمن أراد أن يحصل هذه الفضائل فعليه أن يلتزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن يتمسك بسنته ، حتى يفوز بصحبته في الجنة .
نسأل الله تعالى أن يكرمنا وإياكم بذلك من فضله ، إنه جواد كريم .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
88734
العنوان:
تأخير تسمية المولود
السؤال:
ازداد عندنا مولود ، لكن تأخرنا في تسميته حوالي 5 أشهر لعدم توفر الخرفان ، فهل جائز تسمية هذا الابن ؟
الجواب:
الحمد للَّه
جاءت السنة في تحديد وقت تسمية المولود بأحاديث متنوعة ، ومن ذلك :
1- ما يدل على استحباب التسمية في اليوم السابع :
عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ :
( أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ يَوْمَ سَابِعِهِ ، وَوَضْعِ الْأَذَى عَنْهُ ، وَالْعَقِّ )
رواه الترمذي (2832) وقَالَ : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي
وعَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( كُلُّ غُلَامٍ رَهِينَةٌ بِعَقِيقَتِهِ ، تُذْبَحُ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ، وَيُحْلَقُ ، وَيُسَمَّى )
رواه أبو داود (3838) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
2- ما يدل على التسمية في أول يوم الولادة :
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( وُلِدَ لِي اللَّيْلَةَ غُلَامٌ فَسَمَّيْتُهُ بِاسْمِ أَبِي إِبْرَاهِيمَ ) رواه مسلم (2315)
وذهب جمهور العلماء إلى أن الأَوْلَى التسمية في اليوم السابع ، قالوا وحديث أنس بن مالك يدل على جواز التسمية في يوم الولادة فقط ، وليس على الاستحباب .
انظر "المغني" (9/356)
وقال بعض المالكية والنووي ووجه عند الحنابلة باستحباب التسمية في أول يوم ، وكذا استحبابها في اليوم السابع .
يقول النووي في "الأذكار" (286) :
" السنة أن يُسَمَّى المولودُ في اليوم السابع من ولادته ، أو يوم الولادة " انتهى .
وانظر "الإنصاف" (4/111)(/1)
وذهب البخاري إلى أنَّ من يريد أن يَعُقَّ أَخَّرَ التسميةَ إلى حينِ العقيقةِ في اليومِ السابع ، أما من لم يكن يريد العقيقة فَيُسَمِّي في أول يوم .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (9/588) :
" وهو جمع لطيف لم أره لغير البخاري " انتهى .
يقول العراقي في "طرح التثريب" (5/203-204) :
" وَبِهَذَا ( يعني باستحباب اليوم السابع ) قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَغَيْرُهُمْ
قَالَ أَصْحَابُنَا : وَلَا بَأْسَ أَنْ يُسَمَّى قَبْلَهُ .
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ وَقَتَادَةُ وَالْأَوْزَاعِيُّ : إذَا وُلِدَ وَقَدْ تَمَّ خَلْقُهُ سَمَّى فِي الْوَقْتِ إنْ شَاءُوا .
وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : تَسْمِيَتُهُ يَوْمَ السَّابِعِ حَسَنٌ ، وَمَتَى شَاءَ سَمَّاهُ .
وَقَالَ ابْنُ حَزْمٍ : يُسَمَّى يَوْمَ وِلَادَتِهِ ، فَإِنْ أُخِّرَتْ تَسْمِيَتُهُ إلَى السَّابِعِ فَحَسَنٌ .
وَقَالَ ابْنُ الْمُهَلِّبِ : يَجُوزُ تَسْمِيَتُهُ حِينَ يُولَدُ وَبَعْدَهُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْعَقِيقَةَ عَنْهُ يَوْمَ سَابِعِهِ ، فَالسُّنَّةُ تَأْخِيرُهَا إلَى السَّابِعِ ، وَأُخِذَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ الْبُخَارِيِّ فِي تَبْوِيبِهِ ( بَابُ تَسْمِيَةِ الْمَوْلُودِ غَدَاةَ يُولَدُ لِمَنْ لَمْ يَعُقَّ ) " انتهى .
وعلى كل حال ، فإن جميع ما سبق يدل على أن الأمر يدور بين الاستحباب والجواز ، وليس ثمة ما يفرض ويوجب التسمية في اليوم السابع ، فلو أخر التسمية عن السابع فلا بأس ولا حرج في ذلك .
يقول النووي رحمه الله في "المجموع" (8/415) :
" قال أصحابنا وغيرهم : يستحب أن يسمى المولود في اليوم السابع ، ويجوز قبله ، وبعده ، وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة في ذلك " انتهى .(/2)
وبناء على ما سبق ، فقد كان الأحرى بكم أن تسموا مولودكم الجديد المبارك ـ إن شاء الله ـ من أول يوم أو في اليوم السابع ، ثم تتركوا أمر العقيقة حين يتيسر لكم ، إلا أن الأمر في ذلك للاستحباب فقط ، وتركه لا يوجب الإثم أو العقوبة .
انظر جواب السؤال رقم (7889) ، (20646)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
89575
العنوان:
فضل الإنصات لخطبة الجمعة
السؤال:
هل يُجزى الرجل في خطبة الجمعة عند إنصاته لها ؟
الجواب:
الحمد للًّه
الإنصات للخطيب يوم الجمعة من الواجبات المحتمات ، فلا يجوز للمسلم أن يتساهل في ذلك ، فيعبث أو يتحدث أو ينشغل عن الخطبة ، وقد ورد في فضائل الإنصات الأحاديث الآتية :
1- تكفير ما بين الجمعة والجمعة السابقة :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( مَنْ اغْتَسَلَ ثُمَّ أَتَى الْجُمُعَةَ فَصَلَّى مَا قُدِّرَ لَهُ ثُمَّ أَنْصَتَ حَتَّى يَفْرُغَ مِنْ خُطْبَتِهِ ثُمَّ يُصَلِّي مَعَهُ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الْأُخْرَى وَفَضْلُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ )
رواه مسلم (857) وبنحوه عن سلمان الفارسي عند البخاري (883)
2- يُكتَب له بكل خطوة إلى الجمعة أجرُ صيامِ سنةٍ وقيامها :
عَنْ أَوْسِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَغَسَّلَ وَبَكَّرَ وَابْتَكَرَ وَدَنَا وَاسْتَمَعَ وَأَنْصَتَ كَانَ لَهُ بِكُلِّ خُطْوَةٍ يَخْطُوهَا أَجْرُ سَنَةٍ صِيَامُهَا وَقِيَامُهَا )
رواه الترمذي (496) وقال : حديث حسن وصححه البيهقي في "السنن الكبرى" (3/227) والألباني في صحيح الترمذي .
3- أجر صلاة الجمعة موقوف على الإنصات :
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ ) رواه البخاري (934) ومسلم (851)
4- من أنصت له كفلان من الأجر :
خطب علي بن أبي طالب في الكوفة فكان في خطبته :(/1)
( فَإِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ كَانَ لَهُ كِفْلَانِ مِنْ أَجْرٍ ، فَإِنْ نَأَى وَجَلَسَ حَيْثُ لَا يَسْمَعُ فَأَنْصَتَ وَلَمْ يَلْغُ لَهُ كِفْلٌ مِنْ أَجْرٍ ، وَإِنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَسْتَمْكِنُ فِيهِ مِنْ الِاسْتِمَاعِ وَالنَّظَرِ فَلَغَا وَلَمْ يُنْصِتْ كَانَ لَهُ كِفْلٌ مِنْ وِزْرٍ )
ثُمَّ يَقُولُ فِي آخِرِ ذَلِكَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ ذَلِكَ
رواه أبو داود (1051) وضعفه الألباني ، وجاء نحوه عن أبي أمامة مرفوعا في "المعجم الكبير" (8/165) ، ومرسلا عن يحيى بن أبي كثير في "مصنف عبد الرزاق" (3/223)
وانظر حكم الإنصات لخطبة الجمعة في جواب السؤال رقم (45651)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89604
العنوان:
يعاني من وسواس العين
السؤال:
إذا أعجب أحدهم بشيء وذكر الله , هل ممكن أن يصاب بالعين ؟ وإذا كان أحدهم يشك بذلك الأمر , وهذا يضيق عليه حياته الاجتماعية كثيرا ، وأصبح يخاف من أن ينظر إلى الأشياء أو الأشخاص , علما أنه لا يحسد الناس على ما عندهم ، ولا يحب الأذى لغيره أبدا والله ، ويقرأ القرآن ، ويذكر الله دائما . أرجو المساعدة في فك هذا الكرب عن أخيكم المسلم . جزاكم الله كل خير.
الجواب:
الحمد لِلَّه
أسأل الله تعالى أن يفرج كربك ويزيل همك .
واعلم أخي السائل الكريم أن الشريعة لا تجيء بالحرج أبدا ، بل من أهم مقاصدها رفع الحرج عن الناس .
قال سبحانه وتعالى : ( مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ ) المائدة/6
ولا يجوز للمسلم أن يجاري الشيطان لتصير حياته شكا ووسواسا وريبة ، فإنه إن فعل ذلك خسر في دنياه ولم يكسب في آخرته ، ومثل هذه الوساوس إنما هي من مكائد الشيطان اللعين ، يريد أن يحزن الذين آمنوا ، ويريد أن يشق عليهم ، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
فالواجب عليك أخي الكريم قطع جميع هذه الوساوس ، وعدم الالتفات إلى ظنون السوء ، ويكفيك أن تأتي بالذكر المشروع عند رؤية الشيء الحسن ، والله سبحانه وتعالى يدفع عنه العين أو الحسد ، ولا يمكن أن يجتمع ذكر الله مع العين والحسد أبدا .
عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( أَلاَ بَرَّكْتَ ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌ )
رواه مالك في "الموطأ" (2/938) وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (6/149)
قال الزرقاني في شرح الموطأ (4/320) : " أي : قلت بارك الله فيك ، فإن ذلك يبطل المعنى الذي يُخاف من العين ، ويُذهب تأثيره " انتهى .(/1)
وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة عن أبيه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا رَأَى أَحَدُكُم مِن نَفسِهِ وَأَخِيهِ مَا يُعجِبُهُ فَلْيَدعُ بِالبَرَكَةِ ، فَإِنَّ العَينَ حَقٌّ )
رواه الحاكم في "المستدرك" (4/240) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه بذكر البركة . ووافقه الذهبي . وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (556)
جاء في "الموسوعة الفقهية" (13/31) :
" فيه دليل على أنّ العين لا تضرّ ولا تعدو إذا برّك العائن ، فالمشروع على كلّ من أعجبه شيء أن يبرّك ، فإنّه إذا دعا بالبركة صرف المحذور لا محالة ، والتّبرّك أن يقول : تبارك اللّه أحسن الخالقين ، اللّهمّ بارك فيه .
وقال النّوويّ يستحبّ للعائن أن يدعو لمعيّن بالبركة ، فيقال : اللّهمّ بارك ولا تضرّه .
ويقول : ما شاء اللّه لا قوّة إلّا باللّه " انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (10/205) :
" الذي يعجبه الشيء ينبغي أن يبادر إلى الدعاء للذي يعجبه بالبركة ، ويكون ذلك رقية منه " انتهى .
وفي "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/547) :
" وأما العلاج للعائن فإذا رأى ما يعجبه فليذكر الله وليبرك " انتهى .
ويقول الشيخ الفوزان في "المنتقى" (1/سؤال رقم 87) :
" فإذا خشي العائن أن يضر المنظور ؛ فإنه يقول : اللهم بارك عليه !! وكذلك يُستحَبُّ له أن يقول : ما شاء الله لا قوَّة إلا بالله ؛ لأنه رُويَ عن هشام بن عروة عن أبيه ؛ أنه كان إذا رأى شيئًا يُعجِبُهُ ، أو دَخلَ حائطًا من حِيطانِهِ ؛ قال : ما شاء الله لا قُوَّةَ إلا بالله .
فإذا لازم العائن هذا الذكر؛ فإنه يدفع ضرره بإذن الله " انتهى .
وجاء في فتاوى الشيخ عبد الكريم الخضير (5) :(/2)
" لا ينبغي للمسلم أن تساوره الشكوك والأوهام والظنون والخوف الزائد من العين فيصاب بأمراض نفسية وغيرها ، وليحسن الظن بالله عز وجل ، وليعلم أن ما أصابه لم يكن إلا بقدر الله تبارك وتعالى ، فليلجأ إلى الله عز وجل ؛ لأنه وحده سبحانه القادر على كشف الضر ورفع البلاء " انتهى .
فإذا رأيت شيئا يعجبك أخي الكريم فادع الله له بالبركة ، ثم لا تلتفت إلى غير ذلك ، فإن الله سبحانه وتعالى يحفظه بدعائك ، ويرد عنه كل سوء ، ولا تترك نفسك في مخاوفها ، فإن الله سبحانه وتعالى لا يرضى ذلك لعباده ، مع مجاهدة نفسك على النظر إلى تقدير الله تعالى في كل أمر ، وأن له الحكمة البالغة سبحانه فيما أعطى ومنع ، وخفض ورفع ، لا معقب لحكمه ، ولا مبدل لكلماته سبحانه .
وتذكر دائما ـ يا عبد الله ـ أن أمر الدنيا وما فيها أحقر من أن نتحاسد أو نتعادى من أجله ، كما قال المتنبي :
وَمُرادُ النُفوسِ أَصغَرُ مِن أَن نَتَعادى فيهِ وَأَن نَتَفانى
وإلى ذلك الإشارة في قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( علامَ يقتلُ أحدُكم أخاه ) رواه الإمام مالك (1746) أحمد (15550) وغيرهما .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
89609
العنوان:
كيف تنقذ جدها المتوفى من عاقبة أكله مال الآخرين ؟
السؤال:
أنا حفيدة لجد مات ، وأنا أحبه ولن أنساه بالدعاء : توفي جدي والد أبي ، وبعد أن مات أصبحنا نراه في أحلامنا بأحوال غريبة ومفزعة ، فمرة نراه محروقا ، ومرة نراه يتقلب في دورة المياه ، وهكذا ، وبعد البحث تبين لنا أنه قد أخذ قطعة أرض ليتيم وبنى عليها منزله ، وأن هذا اليتيم لا يعلم ، ولكنه قبل أن يموت استسمح منه وأعطاه ثلاثة آلاف ريال دون أن يخبره ، وقد سامحه وهو لا يعلم إلى الآن ، كما أن جدي هذا وأخاً له - وقد مات أيضا - لم يعطوا أخواتهم وعمتهم ورثهم ، كما هو متعارف بأن المرأة لا ترث ، أما أخواتهم فقد ماتوا ولهم بنات ، أما عمتهم فقد ماتت ولها ابن واحد ، لكن المسألة لا تقف عند هذا الحد ، فقد رفض الأبناء الاعتراف بحقوق الآخرين ، بحجة أنهم لن يوزعوا أراضيهم على الناس ، مع أنهم لا يذهبون إلى القرية ، ويسكنون في المدن ، والبيوت أصبحت مهجورة ، والأراضي لم تعد تزرع ، ونحن الأحفاد في حيرة من أمرنا ، فهذا جدنا ، ونحن الذين دائما نحلم به ، فأرجو إعطائي الحل والنصيحة ؛ فجدي في عذاب.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من أخطر ما يمكن أن يلقى العبدُ ربَّه به يوم القيامة أكل أموال الناس بالباطل ، فهي كبيرة من الكبائر التي تهلك العبد وتثقل وزره يوم القيامة ، وتفضي به إلى النار ، نسأل الله السلامة والعافية .
ومن أعظم الظلم والتعدي : أكل أموال المستضعفين من اليتامى والنساء ، فقد خصهم الله تعالى بمزيد عناية ، ومزيد تحذير من أكل أموالهم ، لأن أيدي الظلمة تجد أموالهم سهلة المنال بسبب ضعفهم وعجزهم .(/1)
فلما ذكر الله سبحانه وتعالى في سورة النساء نصيب أصحاب الفروض من الوارثين ، حذر من تجاوز هذه القسمة الشرعية ، فقال سبحانه : ( وَمَن يَعْصِ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَاراً خَالِداً فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) النساء/14 .
كما عد الله تعالى أكل أموال اليتامى من الكبائر .
يقول الله تعالى : ( وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً ) النساء/2 .
ويقول عز وجل : ( إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً ) النساء/10 .
وغصب الأرض من كبائر الذنوب ، وعقابه شديد ، ويزداد العقاب شدة إذا كانت الأرض ليتيم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ) رواه البخاري (3198) ومسلم (1610) .
فالعجب - والله - ممن تجده يحرص على أداء الصلوات ونوافل العبادات ، ثم تجده قد شغل ذمته بحقوق الناس ، وحمل على ظهره أوزارا تنوء بها الجبال يوم القيامة ، فلم تردعه صلاته ولا صيامه ولا قراءته القرآن عن طمع نفسه وشحها ، ولم يرحم ضعف امرأة أو صغير أو يتيم فاعتدى على حقوقهم التي كتبها الله لهم .
وبعد ذلك كله نرجو النجاة لهم عند الله ؟!
أختنا :(/2)
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على حرصك الشديد لإنقاذ جدك المتوفى مما تظنينه واقعاً فيه من العذاب ، ولكننا لا نملك إلا أن نذكر لك الحقيقة التي قررها الله في كتابه ، وقررها نبينا صلى الله عليه وسلم ، أن غصب الأرض ، وأكل أموال اليتامى ظلما ، والتعدي في قسمة المواريث ، كل ذل من كبائر الذنوب ، فإذا لم يتب الرجل منها قبل موته ( ومن توبته : رد الحقوق إلى أهلها ) فإذا لم يتب كان معرضا لعقاب الله تعالى ، ثم إذا كان يوم القيامة أخذ أصحاب الحقوق من حسناته بقدر حقوقهم ، فإن فنيت حسناته أخذ من سيئاتهم وطرحت عليه ، ثم طرح في النار ، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه عن المفلس . رواه مسلم (2581) .
وتوبة جدك من غصب أرض اليتيم بالصورة التي ذكرت لا تكفي ، بل كان الواجب عليه أن يخبره بحقيقة الأمر ، ويعطيه حقه كاملا .
قال الغزالي رحمه الله - في شروط التوبة من مظالم الناس - :
"وعليه أن يعرفه قدر جنايته وتعرضه له ، فالاستحلال المبهم لا يكفي ، وربما لو عرف ذلك وكثرة تعديه عليه لم تطب نفسه بالإحلال ، وادخر ذلك في القيامة ذخيرة يأخذها من حسناته أو يحمله من سيئاته " انتهى . " إحياء علوم الدين " ( 4 / 47 ) .
وجدك قد انتقل من دار العمل إلى دار الجزاء ، فلا تملكون له إلا أمرين :
الأول : الدعاء له بأن يتجاوز الله عنه .
الثاني : رد الحقوق إلى أصحابها وسؤالهم أن يعفوا عن جدك ويسامحوه ، فإنَّ ردَّ الحقوقِ إليهم ـ وإن كان لا يبرئ ذمة جدك تماماـ إلا أنه ولا شك يخفف كثيرا من المظالم التي تحملها ، وحيث إنك تقولين إن بعض أصحاب الحقوق قد ماتوا ، فالواجب دفع حقهم إلى ورثتهم .
ثانيا :(/3)
وأما أعمامك فالنصيحة لهم أن يبادروا إلى رد الحقوق إلى أصحابها ، فإن لم يفعلوا كانوا مغتصبين لهذه الحقوق ، وسيلقون الله تعالى بهذه الكبائر إن لم يتوبوا منها ، وقولهم : " إنهم لن يعطوا أراضيهم للناس " قول عجيب منهم ، وهم يعلمون أنها ليست أرضهم ولا أرض أبيهم ، والقول الحق الموافق للواقع هو أن يقولوا : ( إننا سنستمر غاصبين لأراضي الناس ) . والظن بهم وبجميع المسلمين أنهم لا يقحمون أنفسهم فيما يستوجبون به عذاب الله ، فإن عذاب الله شديد ، ونعيم الدنيا بأجمعها لا يساوي لحظة في نار جهنم ، نسأل الله العافية .
ونسأل الله أن يوفق أعمامك للتوبة النصوح .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
89642
العنوان:
حكم العادات والتقاليد إذا خالفت الشرع أو سببت الحرج
السؤال:
هناك عادة عند فئة من الناس في الجنازة والتعزية لأهل فقيد بين قريتين ، بينهما مسافة ساعة واحدة بالسيارة ، جميع أهالي القريتين مسلمون ، وهناك ترابط وثيق بين أهالي القريتين من قرابة بصلة رحم ، زواج ، مودة ، جنسية واحدة ، وكلهم أو أغلبهم في المذهب الحنفي . العادة : بعد ما يحضرون الجنازة ، أو زيارة أهل الفقيد للتعزية من قرية إلى أخرى ... فورا مسرعين يرجعون إلى قريتهم ولا يقبلون أن يتأخروا قليلا للضيافة عند أقاربهم ( دون أهل الفقيد ) ، حتى عند أرحامهم ، بحجة أنه لا يليق أو لا يجوز التأخر للضيافة أو الزيارة في هذه المناسبة . السؤال : هل هذه العادة لها أصل في الدين ؟ أرجو جوابا شافيا ومفصلا لأن العادة قد تؤدي إلى إحراج ، توتر ، وسلبيات أخرى من الناحية الاجتماعية .
الجواب:
الحمد لِلَّه
ليس في الشرع الحنيف شيء يدل على العادات التي ذكرتها في السؤال ، ويبدو أنها مما اعتاد الناس عندكم عليها في حياتهم ولا ينسبونها إلى الدين ، ويبدو أيضا أنها ترجع إلى أمورهم النفسية والاجتماعية .
وعلى كل حال ، فبما أن هذه العادة لم ترد في الشريعة المطهرة ، لا سيما وقد ذكرت في سؤالك أن الضيافة المسئول عنها لا تكون عند أهل الفقيد ، وهذا هو الذي يُنهى عنه ؛ فلا ينبغي أن يتخذها الناس شرعا مقدَّسًا لا يغيرونه ولا يبدلونه ، وذلك لأن في هذه العادة تقصيرا – ولو بقدر ما – في صلة الأرحام ، وزيارة الأهل والإخوان ، وليس ثمة سبب وجيه للتقصير في هذه الصلة ، خاصةً وأن العتب من قبل الأرحام قائم على أقاربهم الذين يصلون قريتهم دون أن يأتوا لزيارتهم ، وقد يكون ذلك سببا لإيغار الصدور وظنون السوء .(/1)
والعادات والتقاليد التي تخالف الشرع مخالفة ظاهرة ، أو تخالف مقاصد الشريعة العامة ، أو تؤدي إلى المخالفة والتقصير ، يجب نبذها والسعي إلى تغييرها ، ويحتاج الأمر إلى شيء من الحكمة والرفق .
يقول الشيخ السعدي رحمه الله "رسالة في أصول الفقه" (7) :
( الأصل في العادات الإباحة إلا ما ورد عن الشارع تحريمه )
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (6/510) :
" الواجب على كل مسلم أن لا يعتمد على العادات ، بل يجب عرضها على الشرع المطهر ، فما أقره منها جاز فعله ، وما لا فلا ، وليس اعتياد الناس للشيء دليلا على حله ، فجميع العادات التي اعتادها الناس في بلادهم أو في قبائلهم يجب عرضها على كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ، فما أباح الله ورسوله فهو مباح ، وما نهى الله عنه وجب تركه وإن كان عادة للناس " انتهى .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "تفسير سورة البقرة 2" (299) :
" العادات لا تجعل غير المشروع مشروعاً ؛ لقوله تعالى : ( وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوْاْ الْبُيُوتَ مِن ظُهُورِهَا ) مع أنهم اعتادوه واعتقدوه من البر ؛ فمن اعتاد شيئاً يعتقده براً عُرِض على شريعة الله " انتهى .
وقد عد أهل العلم التمسك بالعادات والتقاليد التي تشق على الناس ، وتؤدي إلى بعض المفاسد ، أو تؤدي إلى بعض الشقاق والنزاع ، أو توقع في الحرج ، عد ذلك أهل العلم من الغلو المذموم ، ومن التكلف والتنطع الذي جاء النهي عنه في شريعتنا .
عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( هَلَكَ المُتَنَطِّعُونَ . قالها ثلاثا ) رواه مسلم (2670)
قال النووي رحمه الله "شرح مسلم" (16/220):
" أي : المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم " انتهى .
ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حديثه عن أقسام الغلو "مجموع الفتاوى" (7/7) :(/2)
" القسم الرابع : الغلو في العادات : وهو التشدد في التمسك بالعادات القديمة وعدم التحول إلى ما هو خير منها . أما إن كانت العادات متساوية في المصالح فإن كون الإنسان يبقى على ما هو عليه خير من تلقي العادات الوافدة " انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
89671
العنوان:
أثر شيخ الإسلام ابن تيمية في دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب
السؤال:
هل الشيخ ابن تيميه رحمه الله شيخ الإسلام هل كانت له علاقة بالحركة الوهابية ؟
الجواب:
الحمد لِلَّه
أولا :
لا بد من التنبيه بداية على أن إطلاق اسم "الوهابية" على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب إنما بدأه أعداء هذه الدعوة بقصد التنفير عنها وتحذير الناس منها ، يحاولون إظهارها مظهر الدعوة المنفردة بآرائها الشاذة ، المتحيزة إلى أفكار إمامها ، المخالفة لمذهب أهل السنة والجماعة .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (2/255) :
" الوهابية : لفظة يطلقها خصوم الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله على دعوته إلى تجريد التوحيد من الشركيات ونبذ جميع الطرق إلا طريق محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ، ومرادهم من ذلك : تنفير الناس من دعوته ، وصدهم عما دعا إليه ، ولكن لم يضرها ذلك ، بل زادها انتشارًا في الآفاق وشوقًا إليها ممن وفقهم الله إلى زيادة البحث عن ماهية الدعوة وما ترمي إليه وما تستند عليه من أدلة الكتاب والسنة الصحيحة ، فاشتد تمسكهم بها ، وعضوا عليها ، وأخذوا يدعون الناس إليها ولله الحمد " انتهى .
ويقول الشيخ صالح الفوزان حفظه الله "البيان لأخطاء بعض الكتاب" (70) :
" فهذه التسمية خطأ من ناحية اللفظ ، ومن ناحية المعنى :
أما الخطأ من ناحية اللفظ ، فلأن الدعوة لم تنسب في هذا اللقب إلى من قام بها - وهو الشيخ محمد - ، وإنما نسبت إلى عبد الوهاب - الذي ليس له أي مجهود فيها - ، فهي نسبة على غير القياس العربي ، إذ النسبة الصحيحة أن يقال : ( الدعوة المحمدية ) .
لكن الخصوم أدركوا أن هذه النسبة نسبة حسنة لا تنفر عنها ، فاستبدلوها بتلك النسبة المزيفة.(/1)
وأما الخطأ من ناحية المعنى ، فلأن هذه الدعوة لم تخرج عن منهج مذهب السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم ، فكان الواجب أن يقال : الدعوة السلفية ؛ لأن القائم بها لم يبتدع فيها ما نسب إليه كما ابتدع دعاة النحل الضالة من الإسماعيلية والقرمطية ، إذ هذه النحل الضالة لو سميت سلفية لأبى الناس والتاريخ هذه التسمية ؛ لأنها خارجة عن مذهب السلف ، ابتدعتها من قام بها .
فالنسبة الصحيحة لفظًا ومعنى لدعوة الشيخ محمد عبد الوهاب أن يقال " الدعوة المحمدية " ، أو " الدعوة السلفية " .
لكن لما كانت هذه النسبة تغيظ الأعداء حرفوها ، ولذلك لم تكن الوهابية معروفة عند أتباع الشيخ ، وإنما ينبزهم بها خصومهم ، بل ينبزون بها كل من دان بمذهب السلف ، حتى ولو كان في الهند أو مصر وإفريقية وغيرها ، والخصوم يريدون بهذا اللقب عزل الدعوة عن المنهج السليم , فقد أخرجوها من المذاهب الأربعة , وعدُّوها مذهبًا خامسًا ( حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ) " انتهى .
ثانيا :
كانت دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب في القرن الثاني عشر امتدادا لدعوة شيخ الإسلام ابن تيمية التي ظهرت في القرنين السابع والثامن .
وقد تأثر بها الإمام لموافقتها أصول الإسلام في العقائد والأحكام ، ومن هذه الأصول :
1- اعتماد القرآن الكريم والسنة الصحيحة مصادر التشريع الأولى .
2- الحرص على التمسك بمنهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم .
3- الدعوة إلى التوحيد ونبذ الشرك .
4- إثبات ما أثبته الله لنفسه ونفي ما نفاه عن نفسه في باب الأسماء والصفات .
5- نبذ التعصب للأئمة المتبوعين والدعوة إلى اتباع الحق بالدليل .
6- الدعوة إلى السنة ومحاربة البدعة .
وقد كان الكتاب هو حلقة الوصل بين الإمامين ، فقد اعتنى الإمام محمد بن عبد الوهاب بكتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم اعتناء بالغا .(/2)
يقول عبد الرحمن بن عبد اللطيف آل الشيخ "مشاهير علماء نجد وغيرهم" (18) :
" وقد كتب بخط يده كثيرا من مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية ، لا يزال بعضها موجودا بالمتحف البريطاني بلندن " انتهى .
ولقد أبرز الكتاب المسلمون وغيرهم من المستشرقين في كتاباتهم صلةَ الإمام ابن عبد الوهاب بدعوة شيخ الإسلام بأهمية بالغة .
ذكر العلامة الشيخ أحمد بن حجر آل بوطامي في كتابه "الشيخ محمد بن عبد الوهاب" تصريحات كثير منهم :
قال عبد المتعال الصعيدي في كتابه "المجددون في الإسلام" :
" ..أخذ يدعو مثل ما دعا إليه ابن تيمية قبله ، من التوحيد بالعبادة لله وحده "
وقال الأمير شكيب أرسلان في الجزء الرابع من "حاضر العالم الإسلامي" تحت عنوان : "تاريخ نجد الحديث" :
" وتَشَرَّبَ مبادئ الحافظ حجة الإسلام ابن تيمية .. وأخذ يفكر في إعادة الإسلام لنقاوته الأولى.. ولا أظنه أورد ثمة شيئا غير ما أورده ابن تيمية " انتهى .
وقال حافظ وهبة في كتابه "جزيرة العرب" :
" وتكاد تكون تعاليمهم مطابقة تمام المطابقة لما كتبه ابن تيمية وتلاميذه في كتبهم ، وإن كانوا يخالفونهم في مسائل معدودة في فروع الدين " انتهى .
وقال منهج هارون في الرد على الكاتب الإنجليلزي ( كونت ويلز ) :
" ..كل ما قاله الشيخ ابن عبد الوهاب قال به غيره ممن سبقه من الأئمة والأعلام ومن الصحابة الكرام ، ولم يخرج في شيء عما قاله الإمام أحمد وابن تيمية رحمهما الله " انتهى .
وقال محمد ضياء الدين الريس :
" ..وابن تيمية هو الأستاذ المباشر لابن عبد الوهاب ، وإن فصل بينهما أربعة قرون ، فقد قرأ كتبه ، وتأثر كل التأثر بتعاليمه " انتهى .
وقال بروكلمان في "تاريخ الشعوب الإسلامية" :(/3)
" وفي بغداد درس محمد فقه أحمد بن حنبل ..ثم إنه درس مؤلفات أحمد ابن تيمية الذي كان قد أحيا في القرن الرابع عشر [ يقصد الميلادي ] تعاليم ابن حنبل ، والواقع أن دراسته لآراء هذين الإمامين انتهت به إلى الإيقان من أن الإسلام في شكله السائد في عصره ، وبخاصة بين الأتراك ، شُرِّبَ بالمساوئ التي لا تمت إلى الدين الصحيح بنسب " انتهى .
وقال أحمد أمين :
" ...اقتفى في دعوته وتعاليمه عالما كبيرا ظهر في القرن السابع الهجري في عهد السلطان الناصر ، هو ابن تيمية...وهو كان يقول بالاجتهاد ، وكان حر التفكير في حدود الكتاب والسنة..فيظهر أن محمد بن عبد الوهاب عرف ابن تيمية..فكان إمامه ، ومرشده ، وباعث تفكيره ، والموحي إليه بالاجتهاد ، والدعوة إلى الإصلاح " انتهى .
انظر "أثر دعوة شيخ الإسلام ابن تيمية في الحركات الإسلامية المعاصرة" (1/136-138) لصلاح الدين مقبول ، ومنه استفدت هذه النقول .
ثالثا :
ولكن ، ومع هذه الصلة القوية بين فكر الإمامين ، إلا أن الإمام محمد بن عبد الوهاب كان متبعا للدليل ولم يكن مقلدا للأشخاص ، فقد كان يدرك أن شيخ الإسلام ابن تيمية أحد أئمة الإسلام العظام ، إلا أن الخطأ جائز على جميع البشر ، ويدرك أن ابن تيمية رحمه الله لم يكن مستحدثا لدعوة مبتدعة غريبة عن الإسلام ، إنما كان متبعا نهج السلف الصالحين ، والاتِّبَاعُ يجب أن يكون للدليل وما أجمعت عليه الأئمة ، ولا ينبغي أن يقدس الإمام مهما بلغت رتبته في العلم ، بل كلٌّ يُؤخَذُ من قوله ويرد إلا النبي صلى الله عليه وسلم .
يقول الشيخ الفوزان حفظه الله في "البيان بالدليل" (150) في الرد على دعوى أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب لم يكن إلا نسخة مكررة من ابن تيمية :(/4)
" هكذا قال عن مرتبة الشيخ محمد بن عبد الوهاب العلمية : أنه لم يدرس إلا مؤلفات ابن تيمية ! وكأنه لم يقرأ ترجمة الشيخ وسيرته ، ولم يعرف شيئا عن تحصيله العلمي ، أو أنه عرف ذلك وكتمه بقصد التقليل من شأنه ، والتغرير بمن لم يعرف شيئا عن الشيخ .
ولكن هذا لا يستر الحقيقة ، ولا يحجب الشمس في رابعة النهار ، فقد كتب المنصفون عن الشيخ - رحمه الله - مؤلفات كثيرة انتشرت في الأقطار ، وعرفها الخاص والعام ، وأنه - رحمه الله - تعمق في دراسة الفقه والحديث والأصول وكتب العقيدة التي من جملتها مؤلفات شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وقد تخرج على أيدي علماء أفذاذ وأئمة كبار في مختلف الفنون في بلاد نجد والحجاز والإحساء والبصرة ، وقد أجازوه في مروياتهم وعلومهم ، وقد ناظر ودرس وأفتى وألف في الفقه والحديث والعقيدة حتى نال إعجاب من اجتمع به أو استمع إلى دروسه ومناظراته ، أو قرأ شيئا من مؤلفاته ، ومؤلفاته تدل على سعة أفقه وإدراكه في علوم الشريعة ، وسعة اطلاعه وفهمه ، ولم يقتصر فيما ذكر في تلك المؤلفات على كتب ابن تيمية - كما يظن الجاهل أو المتجاهل - بل كان ينقل آراء الأئمة الكبار في الفقه والتفسير والحديث ؛ مما يدل على تبحره في العلوم ، وعمق فهمه ، ونافذ بصيرته ، وها هي كتبه المطبوعه المتداولة شاهد بذلك والحمد لله ، ولم يكن رحمه الله يأخذ من آراء شيخ الإسلام ابن تيمية ولا من آراء غيره إلا ما ترجح لديه بالدليل ، بل لقد خالف شيخ الإسلام في بعض الآراء الفقهية " انتهى .
وللفائدة يرجى مراجعة جواب السؤال رقم : (36616) ، (10867) ، (12203)(/5)
رقم السؤال:
89677
العنوان:
حلف أيمانا كثيرة ولم يكفر عنها
السؤال:
أنا سريع الغضب والحلف وكثيرا ما تسقط الأيمان التي حلفتها ولا أعلم كم علي من كفارات الأيمان ولا أحصي رقما وأريد أن أوفي ما علي من كفارات ؟ فماذا أفعل ؟ وهل يجوز أن تكون كفارة اليمين عبارة عن دعوة غداء للأهل والأقارب ؟ وهل الحلف بالطلاق مع سقوط اليمين يوجب الكفارة ؟ مع العلم أن النية عند الحلف بالطلاق غير معلومة ، ولكن غالب الظن أنها ليست بقصد الطلاق .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يكره الإكثار من الحلف ؛ لقول الله تعالى : ( وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلافٍ مَهِينٍ) القلم / 10 ، وهذا ذم له يقتضي كراهة فعله ، كما قال ابن قدامة رحمه الله . "المغني" (13/439).
ثانيا :
من حلف أيمانا متعددة ، وحنث ولم يكفّر عن شيء منها ، فله حالان :
الأول : أن تكون الأيمان على شيء واحد ، كأن يقول : والله لا أشرب الدخان ، ثم يحنث ولا يكفر ، ثم يعود فيحلف كذلك ، فهذا تلزمه كفارة واحدة .
والثاني : أن تكون الأيمان على أفعال مختلفة ، كقوله : والله لا شربت ، والله لا لبست ، والله لا أذهب إلى مكان كذا ، ويحنث في الجميع ولم يكفّر عن شيء منها ، فهل تلزمه كفارة واحدة أو كفارات ؟ فيه خلاف بين الفقهاء ، فجمهور العلماء على تعدد الكفارة . وهو الصحيح ؛ لأنها أيمان على أفعال مختلفة ، كل يمين مستقلة بنفسها .
وينظر : "المغني" (9/406) .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله : أنا شاب حلفت بالله أكثر من ثلاث مرات على أن أتوب من فعل محرم ، سؤالي : هل علي كفارة واحدة أم ثلاث ، وما هي كفارتي ؟(/1)
فأجاب : "عليك كفارة واحدة ، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام ؛ لقول الله سبحانه : ( لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ) المائدة/89 ، وهكذا كل يمين على فعل واحد أو ترك شيء واحد ، ولو تكررت ليس فيها إلا كفارة واحدة ، إذا كان لم يكفر عن الأولى منهما . أما إذا كان كفر عن الأولى ثم أعاد اليمين فعليه كفارة ثانية إذا حنث ، وهكذا لو أعادها ثالثة وقد كفر عن الثانية فعليه كفارة ثالثة .
أما إذا كرر الأيمان على أفعال متعددة أو ترك أفعال متعددة فإن عليه في كل يمين كفارة ، كما لو قال : والله لا أكلم فلانا ، والله لا آكل طعاما ، و الله لا أسافر إلى كذا ، أو قال : والله لأكلمن فلانا ، والله لأضربنه ، وأشباه ذلك .
والواجب في الإطعام لكل مسكين نصف صاع من قوت البلد وهو كيلو ونصف تقريبا .
وفي الكسوة ما يجزئه في الصلاة كالقميص أو إزار ورداء . وإن عشاهم أو غداهم كفى ذلك؛ لعموم الآية الكريمة المذكورة آنفا . والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (23/145).
ثالثا :
إذا جهلت عدد الأيمان بيقين ، فاجتهد في تقديرها على وجه التقريب ، ثم أخرج كفارات على عددها التقريبي – إذا كانت على أشياء مختلفة - حتى يغلب على ظنك أنك أخرجت الواجب عليك .
رابعا :
إذا كان أقاربك فقراء ومساكين ، ودعوت عشرة منهم إلى غداء أو عشاء ، أجزأ ذلك عن كفارة يمين ، سواء دعوتهم في مجلس واحد أو في أوقات مختلفة .(/2)
ومن لم يستطع العتق أو الإطعام أو إخراج الكسوة ، فإنه يصوم ثلاثة أيام ، كما سبق في الآية الكريمة .
خامسا :
الحلف بالطلاق أمره عظيم ، وينبني عليه وقوع الطلاق عند الحنث ، في قول جمهور الفقهاء ، ولهذا يجب الحذر من ذلك .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه يرجع فيه إلى نية الحلف ، فإن نوى التهديد أو الحث أو المنع أو التصديق أو التكذيب ، ثم حنث ، فعليه كفارة يمين ، وإن نوى الطلاق وقع الطلاق ، وكل أدرى بنيته . وإذا غلب على ظنه أحد الأمرين ، فليعمل بما غلب على ظنه .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
89693
العنوان:
أكل الطعام الذي يوزع يوم المولد النبوي الشريف
السؤال:
هل يجوز أكل الطعام الذي يوزع في مولد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن الناس يحتج بأن أبا لهب لما أعتق الجارية في ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم خفف الله له العذاب في ذلك اليوم ؟
الجواب:
الحمد لِلَّه
أولا :
ليس ثمة في شريعة الإسلام شيء يسمى بـ "عيد المولد النبوي" ، ولم يكن الصحابة ولا التابعون ولا الأئمة الأربعة ولا غيرهم يعرفون مثل هذا اليوم في دينهم ، وإنما استحدث هذا العيد بعض المبتدعة من جهلة الباطنية ، ثم سار الناس على هذه البدعة التي ما زال الأئمة ينكرونها في كل زمان ومكان .
وقد سبق التوسع في بيان نكارة هذه البدعة في موقعنا في جواب السؤال رقم :
(10070) (13810) ، (70317)
ثانيا :
وعليه فإن كل ما يخصُّ الناسُ به ذلك اليوم من أعمال تعد من الأعمال المحرمة المبتدعة ، لأنهم يريدون بها إحياء عيد مبتدع في شريعتنا ، بمثل إقامة الاحتفالات ، وإطعام الطعام ، وغير ذلك .
يقول الشيخ الفوزان في "البيان لأخطاء بعض الكتاب" (268-270) :(/1)
" لا يخفى ما ورد في الكتاب والسنة من الأمر باتباع ما شرعه الله ورسوله والنهي عن الابتداع في الدين ، قال تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ) ، وقال تعالى : ( اتَّبِعُواْ مَا أنزل إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ ) ، وقال تعالى : ( وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ) وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها ) ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) وفي رواية لمسلم : ( من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد ) .
وإن من جملة ما أحدثه الناس من البدع المنكرة الاحتفال بذكرى المولد النبوي في شهر ربيع الأول ، وهم في هذا الاحتفال على أنواع :
فمنهم من يجعله مجرد اجتماع تقرأ فيه قصة المولد ، أو تقدم فيه خطب وقصائد في هذه المناسبة .
ومنهم من يصنع الطعام والحلوى وغير ذلك ، ويقدمه لمن حضر .
ومنهم من يقيمه في المساجد ، ومنهم من يقيمه في البيوت .
ومنهم من لا يقتصر على ما ذكر ، فيجعل هذا الاجتماع مشتملًا على محرمات ومنكرات من اختلاط الرجال بالنساء والرقص والغناء ، أو أعمال شركية كالاستغاثة بالرسول صلى الله عليه وسلم وندائه والاستنصار به على الأعداء ، وغير ذلك .
وهو بجميع أنواعه واختلاف أشكاله واختلاف مقاصد فاعليه لا شك ولا ريب أنه بدعة محرمة محدثة بعد القرون المفضلة بأزمان طويلة .
فأول من أحدثه الملك المظفر أبو سعيد كوكبوري ملك إربل في آخر القرن السادس أو أول القرن السابع الهجري ، كما ذكره المؤرخون كابن كثير وابن خلكان وغيرهما .(/2)
وقال أبو شامة : وكان أول من فعل ذلك بالموصل الشيخ عمر بن محمد الملا أحد الصالحين المشهورين ، وبه اقتدى في ذلك صاحب إربل وغيره .
قال الحافظ ابن كثير في " البداية " (13 -137) في ترجمة أبي سعيد كوكبوري :
وكان يعمل المولد الشريف في ربيع الأول ويحتفل به احتفالًا هائلًا . . إلى أن قال :
قال السبط : حكى بعض من حضر سماط المظفر في بعض الموالد ، كان يمد في ذلك السماط خمسة آلاف رأس مشوي ، وعشرة آلاف دجاجة ، ومائة ألف زبدية ، وثلاثين ألف صحن حلوى...إلى أن قال : ويعمل للصوفية سماعًا من الظهر إلى الفجر ، ويرقص بنفسه معهم ، اهـ .
وقال ابن خلكان في " وفيات الأعيان " (3-274) :
فإذا كان أول صفر زينوا تلك القباب بأنواع الزينة الفاخرة المتجملة ، وقعد في كل قبة جوق من الأغاني ، وجوق من أرباب الخيال ومن أصحاب الملاهي ، ولم يتركوا طبقة من تلك الطبقات ( طبقات القباب ) حتى رتبوا فيها جوقًا " انتهى .
إذا فأعظم ما يحيى به المبتدعة هذا اليوم هو صنع الطعام بأشكاله وأصنافه ، وتوزيعه ، ودعوة الناس إليه ، فإذا شاركهم المسلم هذا العمل ، فأكل طعامهم ، وجلس على موائدهم فلا شك أنه بذلك يشارك في إحياء البدعة ، ويعاون على إقامتها ، والله سبحانه وتعالى يقول :
( وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2
ولذلك جاءت فتاوى أهل العلم بتحريم أكل الطعام الذي يوزع في ذلك اليوم وفي غيره من الأعياد المبتدعة .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال التالي "مجموع الفتاوى" (9/74) :
" ما حكم الذبائح التي تكون في المولد ؟
فأجاب رحمه الله :
إن كان ذبحها لصاحب المولد فهذا شرك أكبر ، أما إن كان ذبحها للأكل فلا شيء في ذلك ، لكن ينبغي ألا يؤكل منها ، وأن لا يحضر المسلم إنكارا عليهم بالقول والفعل ؛ إلا أن يحضر لنصيحتهم بدون أن يشاركهم في أكل أو غيره " انتهى .(/3)
وقد سبق في موقعنا أيضا بعض الفتاوى في ذلك ، انظر جواب السؤال رقم (7051) (9485)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
89704
العنوان:
قبلته زوجا بعد الاستخارة لكنه طلقها
السؤال:
قبل مدة تقدم لي شاب ووافقت عليه بعد استخارتي أنا وأمي أكثر من مرة ، وكتب كتابي ، ولكن بعد العقد بستة أشهر فسخ العقد بيننا لأسباب مجهولة من جهته ، أي أنها غير مقنعة يقول : إنه يشعر ببرود في المشاعر بعد أن كان يحبني حبا كبيرا فسبب لي إحباطا وكرها للشباب الذين لا يهمهم في الحياة سوى أنفسهم فعلا أنا أكره الشباب ولا أريد أن أخطب مرة أخرى ، لأن في المرة الأولى كان كل شيء صحيحا أي "زواج تقليدي" وبعد استخارة . ملاحظة : الشاب يعمل في البنك هل من الممكن أن الله يعاقبني لأنني وافقت على شاب يعمل في البنك ؟ لكنني استخرت أكثر من مرة .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحن نقدر مشاعرك تجاه هذا الأمر ، وما سببه لك من ضيق وألم ، لكن قد يكون في ذلك خير عظيم لك ، تدركينه فيما بعد إن شاء الله .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ) رواه مسلم (2999) .
فالمؤمنة ترضى بقضاء الله تعالى ، وتعلم أن الله أرحم بها من نفسها ، وأن البلاء يزيد المؤمن أجرا ورفعة ، إن هو صبر واحتسب .
ثانيا :
إذا كان الشاب الذي تقدم لك يعمل في بنك ربوي ، فاحمدي الله تعالى أن صرفه عنك ، ولم تصبحي زوجة له ، تأكلين من ماله الحرام ، وهذه نتيجة الاستخارة ، والحمد لله ، فإن الاستخارة قد لا تظهر نتيجتها في الحال ، فيمضي الطرفان في القضية ، ثم يصرف الله أحدهما أو كليهما عن إتمامها ، فثقي تماما أن الله تعالى قد اختار لك خير الأمرين ، ويكون ما جرى من كتابة العقد ثم الطلاق ، ابتلاء من الله ، وهو مفيد ونافع ، وإن جرّ عليك شيئا من الألم والحزن .(/1)
ولاشك أنك أخطأت في قبول هذا الشاب ، فإن أول ما ينبغي أن تبحثي عنه هو الدين والخلق ، ومن يعمل في الربا كتابة أو شهادة أو غير ذلك ، ساقط العدالة ، معرّضٌ نفسه للعن والطرد من رحمة الله ، فكيف ترضى به المؤمنة زوجا لها ، وأبا لأولادها .
فاحمدي الله تعالى ، واشكريه على هذه النعمة ، وخذي من هذا الدرس عبرةً وعظة ، فإن الإنسان إن سلِم مرة ، قد لا يسلم في كل مرة .
ولا أعجب من حال العبد ، يصرفه الله عن الشر ، رحمة منه وإحسانا ، ويظل هو يتألم على فواته !
قال ابن مسعود رضي الله عنه : ( إن العبد ليهم بالأمر من التجارة والإمارة حتى ييسر له ، فينظر الله إليه فيقول للملائكة : اصرفوه عنه ، فإنه إن يسرته له أدخلته النار ، فيصرفه الله عنه ، فيظل يتطير بقوله : سبقني فلان ، وأهانني فلان ، وما هو إلا فضل الله عز جل ).
ثالثاً :
وأما الإحباط الذي حصل لك وعزمك على عدم تكرار ذلك مرة أخرى فالأولى بك غير هذا التصرف ، وكون الإنسان فشل مرة ، لا يعني ذلك أنه سيفشل كل مرة ، بل استفيدي مما حصل ، وليكن ذلك دافعا لك إلى حسن الاختيار في المرة القادمة ، وأن يكون أساس ذلك الاختيار : الدين والخلق .
نسأل الله تعالى أن يزيدك إيمانا وتقى ، وأن يرزقك الزوج الصالح ، والذرية الصالحة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89705
العنوان:
هل يجوز أن يذبح شكرا لله على نعمة معينة ؟
السؤال:
هل يجوز لإنسان قد اشترى سيارة أو داراً أن يذبح شكراً للَّه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
إنعام الله على الناس كبير ، وفضله وكرمه لهم جزيل وعظيم ، والنعمة لا تقابل إلا بالشكر والتقدير ، وقد أمر الله سبحانه وتعالى بشكره ، فهو سبحانه شكور يحب الشاكرين .
قال تعالى : ( فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) النحل/114 .
وقال تعالى : ( فَابْتَغُوا عِندَ اللَّهِ الرِّزْقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْكُرُوا لَهُ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) العنكبوت/17 .
ومِن شُكر الله تعالى التقرب إليه بأنواع العبادات والطاعات ، والتحبب له بالحسنات الطيبات ، من صلاة وزكاة وصيام ونحو ذلك .
ومن شكر الله أيضا شكره بالنسك وهو الذبح لوجه الله تعالى .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله تعالى : ( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وانْحَرْ ) :(/1)
"والمقصود أن الصلاة والنسك هما أجلّ ما يُتقرب به إلى الله ، فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب ؛ لأن فعل ذلك وهو الصلاة والنحر سبب للقيام بشكر ما أعطاه الله إياه من الكوثر والخير الكثير ، فشكر المنعم عليه وعبادته أعظمها هاتان العبادتان ، بل الصلاة نهاية العبادات وغاية الغايات ، كأنه يقول إنا أعطيناك الكوثر والخير الكثير ، وأنعمنا عليك بذلك لأجل قيامك لنا بهاتين العبادتين شكراً لإنعامنا عليك ، وهما السبب لإنعامنا عليك بذلك ، فقم لنا بهما ، فإن الصلاة والنحر محفوفان بإنعامٍ قبلهما وإنعام بعدهما ، وأجلُّ العبادات المالية النحر ، وأجلُّ العبادات البدنية الصلاة ، وما يجتمع للعبد فى الصلاة لا يجتمع له فى غيرها من سائر العبادات ، كما عرفه أرباب القلوب الحية ، وأصحاب الهمم العالية ، وما يجتمع له فى نحره من إيثار الله وحسن الظن به وقوة اليقين والوثوق بما فى يد الله أمر عجيب إذا قارن ذلك الإيمان والإخلاص ، وقد امتثل النبي صلى الله عليه وسلم أمر ربه ، فكان كثير الصلاة لربه ، كثير النحر ، حتى نحر بيده فى حجة الوداع ثلاثا وستين بدنة ، وكان ينحر فى الأعياد وغيرها " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 16 / 532 ) .
فإذا أنعم الله على العبد بنعمة جليلة – وكلُّ نِعَمِه سبحانه جليلة – فيستحب له أن يشكر الله عليها بأن يحسن إلى الناس ، فيذبح ويطعم ويدعو إخوانه وأصحابه ، ويتصدق على أهل الحاجة والمسكنة .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 26 / 180 ، 181 ) :
" يستحبّ تجديد الشّكر عند تجدّد النّعم لفظاً بالحمد والثّناء ، ويكون الشّكر على ذلك أيضاً بفعل قربة من القرب ، ومن ذلك أن يذبح ذبيحةً أو يصنع دعوةً ، وقد ذكر الفقهاء الدّعوات الّتي تصنع لما يتجدّد من النّعم ، كالوكيرة الّتي تصنع للمسكن المتجدّد ، والنّقيعة الّتي تصنع لقدوم الغائب ، والحِذَاق وهو ما يصنع عند ختم الصّبيّ القرآن .(/2)
ومذهب الحنابلة ، وهو الرّاجح من مذهب الشّافعيّة ، أنّ هذه الدّعوات مستحبّة .
قال ابن قدامة : وليس لهذه الدّعوات - يعني ما عدا وليمة العرس والعقيقة - فضيلة تختصّ بها ، ولكن هي بمنزلة الدّعوة لغير سبب حادث ، فإذا قصد بها فاعلها شكر نعمة اللّه عليه ، وإطعام إخوانه ، وبذل طعامه ، فله أجر ذلك إن شاء اللّه " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
إذا نجح أحد الأبناء في الدراسة ، فهل يجوز لي أن أذبح ذبيحة احتفاءً بنجاح الابن ، وشكراً لله عز وجل ؟
فأجاب :
"لا بأس إذا نجح الأبناء أو أحدهم أن يصنع الإنسان وليمة يدعو إليها أحبابه وأصحاب ابنه ، فرحاً بنعمة الله تبارك وتعالى ، وتشجيعاً للابن وتنشيطاً له " انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( لقاء رقم 161 ، السؤال رقم 1 ) .
ثانياً :
الواجب الحذر من بعض العقائد التي يؤمن بها كثير من الناس ، فيقولون : إنه لا بد لحفظ البيت الجديد أو السيارة الجديدة من التقرب بالذبح وتلطيخه بدم المذبوح ، وأن الأرواح الشريرة لا تنكفئ عنك إلا بذلك ، وإلا فسرعان ما تزول النعمة ، وهذا اعتقاد جاهلي ، لا يصدر عمن يؤمن بالله ربا يملك النفع والضر ، وبيده الخلق والأمر ، ويعلم أنه لا يجوز التقرب بالنسك والعبادة إلا لوجه الله سبحانه وتعالى .
سئل علماء اللجنة الدائمة :
عما اعتاده كثير من الناس أن الذبح على عتبة المنزل الجديد وقبل دخوله من أهم الأسباب لدفع العين ، ولجعل البيت مباركاً ، ولتجنب المآسي والحوادث غير المستحبة .
فأجابوا :
"إذا كانت هذه العادة – أي : الذبح عند عتبة البيت الجديد - من أجل إرضاء الجن وتجنب المآسي والأحداث الكريهة : فهي عادة محرمة ، بل شرك ، وهذا هو الظاهر من تقديم الذبح على النزول بالبيت ، وجعله على العتبة على الخصوص .(/3)
وإن كان القصد من الذبح إكرام الجيران الجدد ، والتعرف عليهم ، وشكر الله على ما أنعم به من السكن الجديد ، وإكرام الأقارب والأصدقاء بهذه المناسبة ، وتعريفهم بهذا المسكن : فهذا خير يُحمد عليه فاعله ، لكن ذلك إنما يكون عادة بعد نزول أهل البيت فيه لا قبل ، ولا يكون ذبح الذبيحة أو الذبائح عند عتبة الباب أو مدخل البيت على الخصوص " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 214 ) .
وانظر جواب السؤال رقم ( 26952 ) ففيه فتويان للشيخين عبد العزيز بن باز والعثيمين في الموضوع ذاته .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
89719
العنوان:
دهن الشفاه بما يجعلها منتفخة
السؤال:
يوجد في الأسواق بعض المساحيق والدهانات التي توضع على الشفاه بقصد تكبير حجمها للزينة في المناسبات ، ويكون مفعول هذه الدهانات مؤقتاً ، أي : أن تكون الشفاه كبيرة – منتفخة - لمدة ساعة أو ساعتين بعد ذلك تعود إلى طبيعتها ، فهل يجوز استخدام هذا الدهان ؟ وهل يعتبر هذا من تغيير خلق الله أم أنه يقاس على العدسات الملونة التي تتخذ للزينة ؟
الجواب:
الحمد لله
أباح الله تعالى للمرأة أن تتزين لزوجها ، وأباح لها التزين أمام النساء والمحارم ، إلا أن هذه الزينة لا يجوز أن يكون فيها مخالفة للشرع ، فلا يجوز وضع مساحيق تسبب لها الضرر في بدنها ، كما لا يجوز أن تكون هذه الزينة فيها تغيير لخلق الله تعالى ، فالكحل والحناء وما يشبههما ليس فيها تغيير لخلق الله ، بخلاف تفليج الأسنان والنمص والوشم ، فإنَّ فِعْل هذه الأشياء فيه تغيير لخلق الله من حيث الشكل واللون ، ولذا كانت هذه الأفعال محرَّمة ومن كبائر الذنوب .
فعن عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال : ( لَعَنَ اللَّهُ الْوَاشِمَاتِ وَالْمُسْتَوْشِمَاتِ وَالْمُتَنَمِّصَاتِ وَالْمُتَفَلِّجَاتِ لِلْحُسْنِ الْمُغَيِّرَاتِ خَلْقَ اللَّهِ تَعَالَى ) رواه البخاري ( 5931 ) ومسلم ( 2125 ).(/1)
ومما يشبه تلك المحرمات ما جاء في السؤال من وضع كريمات لنفخ الشفاه ، وهو بخلاف وضع لون مباح غير ضار للشفة ، فإنه ليس تثبيت لونٍ كالوشم ، بل هو مؤقت لا يخرج عن حكم الحناء والكحل للعين ، ولذا فالذي يظهر لنا أن تكبير الشفتين بهذه المساحيق لا يجوز ، لأنه تغيير لخلق الله تعالى ، وأقبح منه وأشد تحريماً مَن تجري عملية جراحية لنفخ شفتيها ، وما عُرفت هذه الأمور إلا في حال الضعف والانهزامية والتبعية للغرب الكافر ، ولم ترض تلك النساء بما خلقهن الله عليه حتى رحنَ يعبثن بأجسادهن تكبيراً وتصغيراً بحثاً عن الجمال في غير خلقة الله تعالى ! وبعضهن أصبحن مثار سخرية الناس عندما نفخت شفتيها حتى صارت كشفتي البعير ! هكذا علَّق عليها من رآها من الناس .
لذا فيجب على المرأة المسلمة أن تعتز بدينها وأخلاقها وأحكام شرع الله تعالى ، وأن تبتعد عن تقليد الكافرات والفاسقات ، وقد أباح الله لها من الزينة الشيء الكثير ، ولم ينهها إلا عما فيه ضرر عليها في بدنها وخلقها ودينها .
وفي جوابنا على السؤال رقم ( 1006 ) ذكرنا أنواع جراحات التجميل ، وذكرنا أن من المحرمات منها : جراحة تكبير الثديين وتصغيرهما ، وهو مثل حكم نفخ الشفتين ، فليراجع .
وانظري جواب السؤال : ( 47694 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
89720
العنوان:
حكم تفضيل الأولاد البارين على العاقين في العطية
السؤال:
إن والدي لديه أربعة ذكور وعشر إناث وإنه لا يريد إعطاء بعض ما يملك لذكور وإناث عاقين بل سيعطيهم جزءا بسيطا وسيعطي البعض جزءا كبيرا كهبة ، فما الحكم في هذا الأمر؟
الجواب:
الحمد لله
يجب على الأب أن يسوي بين أبنائه في العطية ، لما رواه البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا ، فَقَالَ : أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : ( فَارْجِعْهُ ). ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما .
وفي رواية للبخاري (2587) قَالَ : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ ) قَالَ : فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ.
وفي رواية للبخاري أيضا (2650) : ( لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ ).
وفي رواية لمسلم (1623) قَالَ : ( أَيَسُرُّكَ أَنْ يَكُونُوا إِلَيْكَ فِي الْبِرِّ سَوَاءً ؟) قَالَ : بَلَى . قَالَ : ( فَلَا إِذًا ) .
والتفضيل بين الأولاد في العطية يسبب الأحقاد ويزرع الضغائن ويزيد الأبناء العاقين عقوقا وتمردا .
ولهذا فالقول الراجح هو تحريمه ومنعه ، إلا لمسوغ شرعي . وراجع السؤال رقم (22169)
قال ابن قدامة رحمه الله : " يجب على الإنسان التسوية بين أولاده في العطية , إذا لم يختص أحدهم بمعنى يبيح التفضيل , فإن خص بعضهم بعطيته , أو فاضل بينهم فيها أثم , ووجبت عليه التسوية بأحد أمرين ; إما رد ما فَضَّل به البعض , وإما إتمام نصيب الآخر " انتهى من "المغني" (5/387).(/1)
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : والدتي تملك بيتا صغيرا قمت أنا ببنائه من جديد، ولي أخ لم يشترك معي بشيء إطلاقا، ولكنه يغضب والدتي ووالدي كثيرا جدا، ويعاملهم معاملة سيئة للغاية طوال حياته حتى الآن، وهو الآن يعيش خارج البيت، فغضبت والدتي وقررت أن تكتب هذا البيت لي، راجعتها كثيرا ولكنها مصممة على كتابته لي، فأنا الآن أسأل: هل يقع على والدتي ذنب في كتابتها لي البيت وحرمان أخي منه؟ وهل يقع علي أي ذنب لو قبلت ذلك من والدتي؟
فأجابت :
" إذا كان الواقع كما ذكر فلا يجوز لوالدتك أن تعطيك البيت دون أخيك ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ولما ورد في معناه من الأحاديث. وإن فعلت ما ذكر فهي آثمة وأنت آثم؛ لكون قبولك ذلك منها مشاركة لها في الإثم والعدوان، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله: ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ويجب أن ترد العطية أو أن تعطي الابن الثاني ما يعادلها، وإذا رأيت أنها مصرة على عدم إشراكه معك فلا مانع من قبول العطية وإعطاء أخيك نصفها؛ إبراء لذمتك إذا لم يكن لها من الأولاد غيركما. وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89743
العنوان:
جوائز المسابقات في المناسبات البدعية
السؤال:
فى مساجدنا تقام بالمناسبات الدينية ( شهر رمضان ، ذكرى مولد النبي عليه الصلاة والسلام.....) مسابقات حول هذه المناسبات ، فتقدم جوائز . فهل يجوز أخذ هذه الجوائز ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأعياد والمناسبات التي ترد على أمة الإسلام معدودة معروفة جاء الشرع ببيانها وحث الناس على الاعتناء بها ، من ذلك مواسم الخير في رمضان والأعياد وعشر ذي الحجة والمحرم ، ونحوها ، وليس منها يوم المولد النبوي ، إذ لم تأت النصوص بتخصيص ذلك اليوم بشعيرة أو عبادة أو احتفال ، بل لم يعتبره الصحابة ولا التابعون ولا من بعدهم ، فمن نسب إليه شيئا من الشرعية فقد ابتدع وأحدث في الدين ما ليس منه ، وقد سبق في موقعنا بيان بدعة الاحتفال بالمولد النبوي .
انظر جواب السؤال رقم (5219) ، (10070) ، (13810) ، (20889) ، (70317)
ثانيا :
لا شك أن عمل المسابقات في ذلك اليوم هو من إحيائه والاحتفال به ، وهو نوع من جعله عيدا ، فلا يجوز المشاركة في أي مسابقة تقام بمناسبة مبتدعة ، وإلا كان المشارك فيها مبتدعا أيضا ، نسأل الله السلامة والعافية .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/25) :
" ما ترون أبقاكم الله عونًا للأمة الإسلامية في تعطيل المدارس والمعامل ، أو إلقاء الخطب والمحاضرات والمواعظ ونحوها كما هي الحال عندنا في أفريقيا بمناسبة المولد النبوي الشريف ؟
فكان الجواب :
الاحتفال بالمولد والتعطيل من أجله بدعة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله ولا أصحابه رضي الله عنهم ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) " انتهى .
ثالثا :(/1)
أما المناسبات الشرعية ، مثل شهر رمضان وغيره ، فإن المشروع بل المستحب تذكير الناس بها ، وتعريفهم بفضائلها وما يستحب فيها من أعمال ، وما يكتب فيها من أجور ، وإقامة الدروس والندوات هي خير طريق لتعليم الناس كيف يحيون مواسم الخير الشرعية .
ومن وسائل إحياء المناسبات الشرعية إقام المسابقات العلمية ومسابقات حفظ القرآن في هذا الموسم الشريف ، حيث يقبل الناس فيه على الله تعالى ، ويجتهدون في تلاوة القرآن الكريم وحفظه وتعلم أحكام الدين ، فلا بأس بإقامة هذه المسابقات والمشاركة فيها إن شاء الله تعالى .
رابعا :
قد سبق في موقعنا بيان حكم وضع الجوائز في المسابقات المختلفة ، وأن الصحيح جوازه إذا كانت المسابقة فيها من الخير والفائدة الدينية أو الدنيوية ، بل نص الأحناف في مذهبهم على خصوص جواز العوض في مسابقات العلم والحساب .
جاء في "الفتاوى الهندية" (5/324) :
" إذا قال واحد من المتفقهة لمثله : تعال حتى نطارح المسائل ، فإن أصبتَ وأخطأتُ أعطيتُك كذا ، وإن أصبتُ وأخطأتَ فلا آخذُ منك شيئا ، يجب أن يجوز " انتهى .
وانظر "رد المحتار" (6/404)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89787
العنوان:
العمل بوظيفة مندوب تسويق بطاقات الفيزا
السؤال:
ما حكم العمل كمندوب تسويق بطاقات الفيزا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج في استعمال بطاقة الفيزا إذا خلت من المحاذير الشرعية ، وهذه المحاذير كما يلي :
1- أن يُشترط فيها غرامة أو زيادة عند التأخر في السداد .
2- أن يؤخذ في مقابل استخراجها أو السحب بها مبلغ زائد عن التكاليف الفعلية .
وقد أصدر المجمع الفقهي قراره رقم : 108 ( 2/12 ) بشأن بطاقة الائتمان غير المغطاة ، وحكم العمولة التي يأخذها البنك . وهذا نص القرار :
"إشارة إلى قرار المجلس في دورته العاشرة رقم 102/4/10 ، موضوع ( بطاقات الائتمان غير المغطاة ) . وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله من الفقهاء والاقتصاديين ، ورجوعه إلى تعريف بطاقة الائتمان في قراره رقم 63/1/7 الذي يستفاد منه تعريف بطاقة الائتمان غير المغطاة بأنه : "مستند يعطيه مصدره ( البنك المُصدر ) لشخص طبيعي أو اعتباري ( حامل البطاقة ) بناء على عقد بينهما يمكنه من شراء السلع ، أو الخدمات ، ممن يعتمد المستند ( التاجر ) دون دفع الثمن حالا لتضمنه التزام المصدر بالدفع ، ويكون الدفع من حساب المُصدر ، ثم يعود على حاملها في مواعيد دورية ، وبعضها يفرض فوائد ربوية على مجموع الرصيد غير المدفوع بعد فترة محددة من تاريخ المطالبة ، وبعضها لا يفرض فوائد .
قرر ما يلي :
أولا : لا يجوز إصدار بطاقة الائتمان غير المغطاة ولا التعامل بها ، إذا كانت مشروطة بزيادة فائدة ربوية ، حتى ولو كان طالب البطاقة عازما على السداد ضمن فترة السماح المجاني .
ثانيا : يجوز إصدار البطاقة غير المغطاة إذا لم تتضمن شروط زيادة ربوية على أصل الدين .
ويتفرع على ذلك :
أ ) جواز أخذ مُصدرها من العميل رسوما مقطوعة عند الإصدار أو التجديد بصفتها أجرا فعليا على قدر الخدمات المقدمة على ذلك .(/1)
ب ) جواز أخذ البنك المُصدر من التاجر عمولة على مشتريات العميل منه ، شريطة أن يكون بيع التاجر بالبطاقة بمثل السعر الذي يبيع به بالنقد .
ثالثا : السحب النقدي من قبل حامل البطاقة اقتراض من مُصدرها ، ولا حرج فيه شرعا إذا لم يترتب عليه زيادة ربوية ، ولا يعد من قبيلها الرسوم المقطوعة التي لا ترتبط بمبلغ القرض أو مدته مقابل هذه الخدمة . وكل زيادة على الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا ، كما نص على ذلك المجمع في قراره رقم 13 ( 10/2 ) و 13 (1/3) .
رابعا : لا يجوز شراء الذهب والفضة وكذا العملات النقدية بالبطاقة غير المغطاة" . انتهى نص قرار المجمع .
وانظر جواب السؤال رقم (13725) ففيه تحريم التعامل بـ ( فيزا سامبا ) ولو سدد في الوقت المحدد .
ثانيا :
إذا كانت بطاقة الفيزا من النوع الجائز الخالي من المحاذير ، فلا حرج عليك في العمل في تسويقها . وأما إن كانت من النوع المحرم ، فلا يجوز لك العمل بهذه الوظيفة ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2 ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم كاتب الربا وشاهديه ، كما روى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا ، وَمُؤْكِلَهُ ، وَكَاتِبَهُ ، وَشَاهِدَيْهِ . وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89791
العنوان:
ما صحة حديث ( بشر الزاني بالفقر ) ؟
السؤال:
ما صحة الحديث القائل : ( بشر الزانى والزانية بالفقر ولو بعد حين ) ؟ وإذا كان حديثا صحيحا أرجو تفسيره .
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
الحديث بلفظه المذكور ليس له أصل ؛ إذ لم يروه أحد من أصحاب الحديث ، ولا هو موجود في شيء من كتب السنة المعتمدة .
يقول العجلوني في "كشف الخفاء" (1/286) :
" ( بشر القاتل بالقتل ) قال في المقاصد : لا أعرفه ، والمشهور على الألسنة بزيادة :
( والزاني بالفقر ولو بعد حين ) ولا صحة لها أيضا ، وإن كان الواقع يشهد لذلك " انتهى .
يقول الشيخ أحمد العامري في "الجد الحثيث" (73) عنه إنه " ليس بحديث " انتهى .
وجاء في "النخبة البهية في بيان الأحاديث المكذوبة على خير البرية" لمحمد الأمير الكبير المالكي (1228هـ) (ص/43) : " لا يُعرَف " انتهى .
وجاءت أحاديث أخرى تدل على هذا المعنى ، لكنها أيضا لا تصح ، منها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الزنا يورث الفقر )
رواه أبو حاتم كما في "العلل" (1/410-411) ، والقضاعي في "مسند الشهاب" (1/73) وابن عدي في "الكامل" (6/432) ، والبيهقي في "شعب الإيمان" (4/363) من طريق الماضي بن محمد عن ليث بن أبي سليم عن مجاهد عن ابن عمر به .
قال أبو حاتم بعد روايته الحديث : " هذا حديث باطل ، وماضي لا أعرفه " انتهى .
وذكره ابن حبان في "المجروحين" (2/237) في منكر حديث ليث بن أبي سليم .
وقال ابن عدي في "الكامل" (8/183) : غير محفوظ . وقال الذهبي في "الميزان" (3/423) : منكر . وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (140) : باطل .
وانظر في "السلسلة الضعيفة" (1/270-274) أحاديث أخرى كلها موضوعة أو منكرة في بيان ما يورثه الزنى من الشرور والآفات .
ثانيا :(/1)
من المقرر أن الذنوب لا تأتي إلا بالسوء والمصائب ، كما قال الله تعالى : ( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) الروم:41 ، وقال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) الشورى:30 وبسب الذنوب والمعاصي يحرم العبد من الرزق والخير ، بل بسببها تحرم الأرض من القطر ، ولو كانت ذنوبا صغيرة ، فكيف إذا كانت من الكبائر ؟!
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : أَقْبَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ( يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ ؛ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ :
لَمْ تَظْهَرْ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا ، إِلَّا فَشَا فِيهِمْ الطَّاعُونُ وَالْأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلَافِهِمْ الَّذِينَ مَضَوْا !!
وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلَّا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ .
وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلَّا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ ، وَلَوْلَا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا .
وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ ، إِلَّا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ ، فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ .
وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ ، وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَّا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ !! )
رواه ابن ماجة (4019) وحسنه الألباني .(/2)
فليس ببعيد أن يبتلي الله تعالى الزاني بالفقر ، عقوبة على معصيته ؛ حيث تناول لذة من غير حلها ، فعوقب بأن حرمه الله الفضل والغنى ، وأرسل عليه الفقر والعنا ، والجزاء من جنس العمل .
روى ابن حبان في "الثقات" (7/574) من طريق مكحول الشامي قال لي ابن عمر :
( يا مكحول ! إياك والزنا ، فإنه يورث الفقر )
وعن أسماء رضي الله عنها قالت : ( رأيت زيد بن عمرو شيخا كبيرا مسندا ظهره إلى الكعبة وهو يقول : ويحكم يا معشر قريش ! إياكم والزنى ، فإنه يورث الفقر )
رواه أبو نعيم في "معرفة الصحابة" (8/120 ش2) وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (19/512-513) وذكره ابن كثير في "البداية والنهاية" (2/241)
يقول المناوي في "فيض القدير" (4/72) :
" ( الزنا يورث الفقر ) أي : اللازم الدائم ؛ لأن الغنى من فضل الله ، والفضل لأهل الفرح بالله وبعطائه ، وقد أغنى الله عباده بما أحل لهم من النكاح من فضله ، فمن آثر الزنا عليه فقد آثر الفرح الذي من قبل الشيطان الرجيم على فضل ربه الرحيم ، وإذا ذهب الفضل ذهب الغِنى وجاء العَنا ، فالزِّنا موكَّلٌ بزوال النعمة ، فإذا ابتلي به عبد ولم يُقلع ويرجع فليُوَدِّع نِعَمَ الله ، فإنها ضيفٌ سريع الانفصال ، وشيكُ الزوال ( ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) الأنفال/53
قال في "شرح الشهاب" : الفقر نوعان : فقر يد ، وفقر قلب ؛ فيُذهب شؤمُ الزنا بركةَ ماله فيمحقه ؛ لأنه كَفر النعمةَ واستعان بها على معصية المنعم ، فيسلبها ثم يبتلى بفقر قلبه لضعف إيمانه ، فيفتقر قلبه إلى ما ليس عنده ، ولا يعطَى الصبر عنه ، وهو العذاب الدائم " انتهى .
ويقول ابن القيم في "روضة المحبين" (360) :(/3)
" والزنى يجمع خلال الشر كلها : من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة ، فلا تجد زانيا معه ورع ، ولا وفاء بعهد ، ولا صدق في حديث ، ولا محافظة على صديق ، ولا غيرة تامة على أهله .
فالغدر والكذب والخيانة وقلة الحياء وعدم المراقبة وعدم الأنفة للحرم وذهاب الغيرة من القلب من شعبه وموجباته .
ومن موجباته غضب الرب بإفساد حرمه وعياله ، ولو تعرض رجل إلى ملك من الملوك بذلك لقابله أسوأ مقابلة .
ومنها : سواد الوجه وظلمته ، وما يعلوه من الكآبة والمقت الذي يبدو عليه للناظرين .
ومنها : ظلمة القلب وطمس نوره ، وهو الذي أوجب طمس نور الوجه وغشيان الظلمة له . ومنها : الفقر اللازم ، وفي أثر يقول الله تعالى : ( أنا الله مهلك الطغاة ومفقر الزناة ) .
ومنها : أنه يذهب حرمة فاعله ويسقطه من عين ربه ومن أعين عباده .
ومنها : أنه يسلبه أحسن الأسماء ،وهو اسم العفة والبر والعدالة ، ويعطيه أضدادها كاسم الفاجر والفاسق والزاني والخائن .
ومنها : أنه يسلبه اسم المؤمن كما في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) فسلبه اسم الإيمان المطلق ، وإن لم يسلب عنه مطلق الإيمان . وسئل جعفر بن محمد عن هذا الحديث ، فخط دائرة في الأرض وقال : هذه دائرة الإيمان ، ثم خط دائرة أخرى خارجة عنها وقال : هذه دائرة الإسلام ، فإذا زنى العبد خرج من هذه ولم يخرج من هذه .
ولا يلزم من ثبوت جزء ما من الإيمان له أن يسمى مؤمنا ، كما أن الرجل يكون معه جزء من العلم والفقه ولا يسمى به عالما فقيها ، ومعه جزء من الشجاعة والجود ولا يسمى بذلك شجاعا ولا جوادا ، وكذلك يكون معه شيء من التقوى ولا يسمى متقيا ، ونظائره ، فالصواب إجراء الحديث على ظاهره ولا يتأول بما يخالف ظاهره والله أعلم .
ومنها : أن يعرض نفسه لسكنى التنور الذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم فيه الزناة والزواني .(/4)
ومنها : أنه يفارقه الطيب الذي وصف الله به أهل العفاف ، ويستبدل به الخبيث الذي وصف الله به الزناة ، كما قال الله تعالى : ( الخبيثات للخبيثين والخبيثون للخبيثات والطيبات للطيبين والطيبون للطيبات )
وقد حرم الله الجنة على كل خبيث ، بل جعلها مأوى الطيبين ولا يدخلها إلا طيب ، قال الله تعالى : ( الذين تتوفاهم الملائكة طيبين يقولون سلام عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون ) وقال تعالى : ( وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين )
فإنما استحقوا سلام الملائكة ودخول الجنة بطيبهم ، والزناة من أخبث الخلق ، وقد جعل الله سبحانه جهنم دار الخبيث وأهله ، فإذا كان يوم القيامة ميز الخبيث من الطيب ، وجعل الخبيث بعضه على بعض ثم ألقاه وألقى أهله في جهنم ، فلا يدخل النار طيب ، ولا يدخل الجنة خبيث.
ومنها : الوحشة التي يضعها الله سبحانه وتعالى في قلب الزاني ، وهي نظير الوحشة التي تعلو وجهه ، فالعفيف على وجهه حلاوة وفي قلبه أنس ، ومن جالسه استأنس به ، والزاني تعلو وجهه الوحشة ، ومن جالسه استوحش به .
ومنها : قلة الهيبة التي تنزع من صدور أهله وأصحابه وغيرهم له ، وهو أحقر شيء في نفوسهم وعيونهم ، بخلاف العفيف ؛ فإنه يرزق المهابة والحلاوة .
ومنها : أن الناس ينظرونه بعين الخيانة ، ولا يأمنه أحد على حرمته ، ولا على ولده .
ومنها : الرائحة التي تفوح عليه يشمها كل ذي قلب سليم ، تفوح من فيه وجسده ، ولولا اشتراك الناس في هذه الرائحة لفاحت من صاحبها ونادت عليه ولكن كما قيل
كل به مثل ما بي غير أنهم ... من غيرة بعضهم للبعض عذال(/5)
ومنها : ضيقة الصدر وحرجه ؛ فإن الزناة يعاملون بضد قصودهم ، فإن من طلب لذة العيش وطيبه بما حرمه الله عليه عاقبه بنقيض قصده ، فإن ما عند الله لا ينال إلا بطاعته ، ولم يجعل الله معصيته سببا إلى خير قط ، ولو علم الفاجر ما في العفاف من اللذة والسرور وانشراح الصدر وطيب العيش لرأى أن الذي فاته من اللذة أضعاف أضعاف ما حصل له ، دع ربح العاقبة والفوز بثواب الله وكرامته .
ومنها : أنه يعرض نفسه لفوات الاستمتاع بالحور العين في المساكن الطيبة في جنات عدن ، وقد تقدم أن الله سبحانه وتعالى إذا كان قد عاقب لابس الحرير في الدنيا بحرمانه لبسه يوم القيامة ، وشارب الخمر في الدنيا بحرمانه إياها يوم القيامة ، فكذلك من تمتع بالصور المحرمة في الدنيا ، بل كل ما ناله العبد في الدنيا فإن توسع في حلاله ضيق من حظه يوم القيامة بقدر ما توسع فيه ، وإن ناله من حرام فاته نظيره يوم القيامة .(/6)
ومنها : أن الزنى يجرئه على قطيعة الرحم وعقوق الوالدين وكسب الحرام وظلم الخلق وإضاعة أهله وعياله ، وربما قاده قسرا إلى سفك الدم الحرام ، وربما استعان عليه بالسحر وبالشرك وهو يدري أو لا يدري ، فهذه المعصية لا تتم إلا بأنواع من المعاصي قبلها ومعها ، ويتولد عنها أنواع أخر من المعاصي بعدها ، فهي محفوفة بجند من المعاصي قبلها ، وجند بعدها ، وهي أجلب شيء لشر الدنيا والآخرة ، وأمنع شيء لخير الدنيا والآخرة ، وإذا علقت بالعبد فوقع في حبائلها وأشراكها عز على الناصحين استنقاذه ، وأعيى الأطباء دواؤه ، فأسيرها لا يفدى ، وقتيلها لا يودى ، وقد وكلها الله سبحانه بزوال النعم ، فإذا ابتلي بها عبد فليودع نعم الله ، فإنها ضيف سريع الانتقال ، وشيك الزوال ، قال الله تعالى : ( ذلك بأن الله لم يك مغيرا نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن الله سميع عليم ) وقال تعالى : ( وإذا اراد الله بقوم سوءا فلا مرد له وما لهم من دونه من وال ) " انتهى .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
89805
العنوان:
هل يأخذ الفوائد البنكية ليسدد بها الضرائب؟
السؤال:
الدولة عندنا تفرض ضرائب على المقيمين من مواطنين وغيرهم ، وهذه الضرائب لها حالات ترتفع فيها ارتفاعا باهظا ، وحالات أخرى تكون فيها طبيعية. وبعض الناس يرى أن هذه الضرائب تؤخذ منه بدون حق ، ولذلك تجده يأخذ الفوائد البنكية على حسابه البنكي بحجة أنها تغطي الضرائب المأخوذة منه بدون حق أو جزءا منها . فما هو رأيكم في ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية ، إلا لضرورة حفظ المال ، عند عدم وجود بنك إسلامي خالٍ من الربا . ويجب الاقتصار حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري [أي : بدون فوائد] ، ارتكابا لأخف الشرين ، ولأن الضرورة تقدر بقدرها .
فإن ترتب على الإيداع فائدة ، فالواجب التخلص منها ، وإنفاقها في أوجه البر المختلفة .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : أفيد فضيلتكم أنني أحد الطلبة في بريطانيا ، وحيث إنه تفرض علينا ضرائب من قبل الحكومة ، مثل ضريبة الطرق وضريبة أخرى مقدارها 15% على المواد التي نقوم بشرائها غير المواد الغذائية ، وملابس الأطفال ، وحاليًا تم تطبيق ضريبة جديدة على الخدمات البلدية ، التي تقدمها بلدية المدينة، مثل : التعليم ، النظافة ، المسابح ، المتنزهات ، أماكن الترفيه والخدمات الاجتماعية ، وحيث إننا لا نستفيد من معظم هذه الخدمات ، حيث إنها تتعارض مع تعاليم ديننا الحنيف ، ونستفيد فقط من التعليم والنظافة وملاعب الأطفال ، ومن المفروض علينا دفع هذه الضريبة والتي تتراوح ما بين 3000 إلى 4000 ريال سعودي في السنة ، والسؤال : هل يجوز لي أن أضع مبلغًا من المال في حساب الإيداع وهو حساب ربوي (يتعامل بالربا) ويعطي أرباحًا تصل إلى 12% في السنة، وأقوم بتسديد بعض هذه الضرائب من الأرباح أو الفوائد التي أتحصل عليها من هذا الحساب ؟ حيث إن تسديد هذه الضرائب سوف يضيف إلى أعبائي المادية .(/1)
فأجابت : "لا يجوز لك أن تودع بفائدة لتسديد ما يترتب عليك من الضرائب من هذه الفائدة؛ لعموم أدلة تحريم الربا" انتهى.
الشيخ عبد العزيز بن باز .. الشيخ عبد الرزاق عفيفي .. الشيخ عبد الله بن غديان.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (13/366) .
وهذا فيمن أراد أن يتعامل بالربا ليسدد الضرائب التي عليه من الفوائد الربوية ، أما من كان يتعامل بالربا أو وضع الأموال في البنك وهو لا يدري أنهم يعطونه عليها فوائد ، ثم أراد التوبة من الربا والتخلص من هذه الفوائد ، فلا حرج عليه من دفعها في الضرائب ، ليدفع بذلك الظلم عن نفسه ، وقد سألنا فضيلة الشيخ يوسف الشبيلي عن ذلك فأفاد بأنه لا حرج من دفع الضرائب من الفوائد الربوية ، لكن بشرط أن لا يتعامل بالربا من أجل دفع الضرائب .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89816
العنوان:
البنك يطلب منه فتح حسابين أحدهما للتوفير بدعوى حماية ماله
السؤال:
عندي حساب في بنك ربوي بدون فوائد, وعند وصول حسابي إلى مبلغ معين كلمني المسئول عن حسابي وطلب مني أن أفتح حسابا آخر لحماية مالي حيث يصبح لدي حسابان ؛ واحد أتعامل به بواسطة بطاقة الائتمان ودفتر الشيكات ولا آخذ عليه فوائد , والآخر أدخر فيه أغلبية مالي وأستطيع السحب منه بالذهاب شخصيا إلى البنك وآخذ عليه فوائد , فهم إذاً يجبرونك على فتح حساب آخر وأخذ الفائدة عليه لحماية حسابك الأصلي ! هل يجوز ذلك علما أن الحساب في البنك الربوي يعتبر من الضروريات في بلاد الكفر ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز إيداع المال في البنوك الربوية إلا عند الاحتياج لذلك مع عدم وجود البنوك الإسلامية ، ويقتصر حينئذ على الإيداع في الحساب الجاري بدون فوائد ، من باب ارتكاب أهون الشرين ، وإلا فإن فتح الحساب الجاري في البنك الربوي محرم أيضا ، لكنه دون تحريم حساب التوفير ، ووجه التحريم أن البنك يستفيد من هذا المال ، ويستعين به على أعماله المحرمة من ربا وغيره .
لكن إذا خاف الإنسان على ماله ، جاز له هذا الإيداع .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/346) : " لا يجوز إيداع النقود ونحوها في البنوك الربوية ونحوها من المصارف والمؤسسات الربوية ، سواء كان إيداعها بفوائد أو بدون فوائد ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد قال تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ، إلا إذا خيف عليها من الضياع ، بسرقة أو غصب أو نحوهما ، ولم يجد طريقا لحفظها إلا إيداعها في بنوك ربوية مثلا ، فيرخص له في إيداعها في البنوك ونحوها من المصارف الربوية بدون فوائد محافظة عليها ؛ لما في ذلك من ارتكاب أخف المحظورين " انتهى .
ثانيا :(/1)
إذا كان إبقاء المال في حساب واحد يمثل خطرا عليه ، فلا مانع من فتح حساب آخر – بغير فوائد - ، بعد التحقق مما يدعيه البنك بهذا الخصوص . وإن كان الخطر لا يزول إلا بفتح حساب توفير ، جاز ذلك ، مع عدم الانتفاع بالفائدة ، بل تصرف في مصالح المسلمين ، كالمدارس والمستشفيات والفقراء والمساكين ونحو ذلك .
لكن ينبغي أن لا تقدم على هذا التصرف حتى تتأكد من وجود الخطر المدعَى ، كما سبق ، ويزداد الأمر هنا تأكيدا ؛ لعظم حرمة الإقراض بالربا ، فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله ، ومعلوم أن حساب التوفير يعتبر قرضا منك للبنك ، بفائدة ، وهذا هو القرض الربوي .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89850
العنوان:
حديث موضوع في ذم الرافضة
السؤال:
ممكن أتأكد من سند هذا الحديث وصحته : عن أم سلمة رضي الله عنها قالت : ( كانت ليلتي ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم عندي ، فأتته فاطمة ، فسبقها علي ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ! أنت وأصحابك في الجنة ، ألا إنه ممن يزعم أنه يحبك أقوام يرفضون الإسلام ثم يلفظونه ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، لهم نبز ، يقال لهم الرافضة ، فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون . قلت : يا رسول الله ما العلامة فيهم ؟ قال : لا يشهدون جمعة ولا جماعة ، ويطعنون على السلف الأول ) رواه الطبراني في الأوسط .
الجواب:
الحمد للَّه
أولاً:
لمعرفة عقيدة الرافضة يراجع للأهمية جواب سؤال رقم (4569) و (1148)
ثانياً:
وإذا كان من علامة الرافضة ، بل من دينهم ألا يشهدوا جمعة ولا جماعة ، وإذا كان من دينهم الخبيث الضال أن يطعنوا في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأزواجه أمهات المؤمنين ، بل ويكفرونهم ، وإذا كانوا حقا من أجهل الناس بكتاب الله تعالى وسنة نبيه ، وأبعدهم عن فقهه بقلوبهم ، وإذا كان فيهم حقا من البدع والضلال والشرك ما الله به عليم ، مما نبه عليه أهل العلم في موضعه .
نقول : إذا كان فيهم كل هذا وغيره ، فإن ذلك لا يبيح لنا أن نكذب على نبينا صلى الله عليه وسلم ، أو ننسب إليه ما لم يقله ، حتى ولو كان للتحذير من بدعهم وضلالهم .
جاءت تسمية الرافضة في الأحاديث في معرض الذم عن خمسة من الصحابة ، وهم :
1- عن أم سلمة رضي الله عنها ، ولفظ الحديث :(/1)
( كانت ليلتي ، وكان النبى صلى الله عليه وسلم عندي ، فأتته فاطمة ، فسبقها علي ، فقال له النبى صلى الله عليه وسلم : يا علي ! أنت وأصحابك في الجنة ، أنت وشيعتك في الجنة ، إلا أنه ممن يزعم أنه يحبك أقوام يرفضون الإسلام ثم يلفظونه ، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، لهم نبز ( أي لقب ) ، يقال لهم الرافضة ، فإن أدركتهم فجاهدهم فإنهم مشركون ، فقلت : يا رسول الله ! ما العلامة فيهم ؟ قال : لا يشهدون جمعة ولا جماعة ، ويطعنون على السلف الأول )
أخرجه الطبراني في "المعجم الأوسط" (6/354) والخطيب في "تاريخ بغداد" (12/358) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/167)
من طريق سوَّار بن مصعب الهمداني عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري عن أم سلمة به ، قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث عن عطية إلا سوار بن مصعب .
وقال ابن الجوزي : " وهذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، عطية : قد ضعفه الثوري وهشيم وأحمد ويحيى ، وسوَّار : قال فيه أحمد ويحيى : متروك " انتهى .
وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (5590) : موضوع .
2- عن معاذ بن جبل في حديث طويل في "تاريخ دمشق" (32/383)
جاء في "تنزيه الشريعة المرفوعة" لابن عراق (2/389) :
" منكر وفي إسناده غير واحد من المجهولين " انتهى .
3- عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ، بنحو لفظ حديث أم سلمة ، ورد من عدة طرق عن علي بن أبي طالب :
الطريق الأولى : عن كثير النواء عن إبراهيم بن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب عن أبيه عن جده علي به .
أخرجه أحمد في "المسند" (1/103) والبخاري في "التاريخ الكبير" (1/279) ، والبزار (2/138) وقال : لا نعلم له إسنادا عن الحسن إلا هذا الإسناد . وابن عدي في "الكامل" (6/66) ، وأخرجه ابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/163) وقال :(/2)
" هذا حديث لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحيى بن المتوكل قال فيه أحمد بن حنبل : هو واهي الحديث . وقال ابن معين : ليس بشيء . وكثير النواء : ضعفه النسائي . وقال ابن عدي : كان غاليا في التشيع مفرطا فيه " انتهى .
ويبدو أن رواية الشيعي لأحاديث فيها ذم الرافضة الغرض منها نفي تهمة الغلو المذموم عن نفسه ، أو يريد بها الطعن على فرق معينة من الرافضة ، والله أعلم .
والطريق الثانية : عن سوار بن مصعب عن محمد بن جحادة عن الشعبي عن علي به .
أخرجه عبد الله بن أحمد في "السنة" (2/547) أبو نعيم في "الحلية" (4/329) وعنه ابن الجوزي في "العلل المتاهية" (1/164) ، وسوار متروك الحديث كما سبق .
والطريق الثالثة : عن أبي جناب الكلبي يحيى بن أبي حية عن أبي سليمان الهمداني عن عمه عن علي به .
أخرجه ابن عدي في "الكامل" (7/213) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (42/335)
وهي طريق منكرة بسبب ضعف أبي جناب الكلبي كما في "تهذيب التهذيب" (4/350) وجهالة أبي سليمان الهمداني حيث قال الذهبي في "الميزان" (4/533) : لا يُدْرَى من هو .
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
( كنت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده علي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : يا علي ! سيكون في أمتنا قوم ينتحلون حبنا أهل البيت ، لهم نبز ، يسمون الرافضة ، فاقتلوهم فإنهم مشركون )
أخرجه أحمد بن حنبل في "فضائل الصحابة" (1/417،440) الطبراني في "المعجم الكبير" (12/242) وابن عدي في "الكامل" (5/90) ، وأبو يعلى في "المسند" (4/459) وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/163،166) جميعهم من طريق الحجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس به .
قال ابن الجوزي : " وهذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال العقيلي حجاج لا يتابع على هذ الحديث ، وله غير حديث لا يتابع عليه " انتهى . وانظر ضعف حجاج في "تهذيب التهذيب" (1/357) .(/3)
ورواه ابن عدي في "الكامل" (5/152) من طريق عمرو بن مخرم البصري ثنا يزيد بن زريع ثنا خالد الحذاء عن عكرمة عن ابن عباس .
وقال : " وهذا حديث بهذا الإسناد ، وخاصة عن يزيد بن زريع عن خالد ، باطل لا أعلم يرويه غير عمرو بن مخرم ، وعن عمرو أحمد بن محمد اليمامي وهو ضعيف أيضا ، فلا أدري أتينا من قبل اليمامي أو من قبل عمرو بن مخرم " انتهى .
5- عن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت :
( نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي فقال : هذا في الجنة ، وإن من شيعته قوما يعطون الإسلام فيلفظونه ، لهم نبز ، يسمون الرافضة ، من لقيهم فليقتلهم فإنهم مشركون )
أخرجه أبو يعلى في "المسند" (12/116) وابن حبان في "المجروحين" (1/204) ، وابن الجوزي في "العلل المتناهية" (1/165)
من طريق تليد بن سليمان المحاربي عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف عن محمد بن عمرو الهاشمي عن زينب بنت علي عن فاطمة رضي الله عنها به .
قال ابن الجوزي : " هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال أحمد ويحيى بن معين : تليد بن سليمان المحاربي كذاب "
قال ابن حبان في "المجروحين" (1/204) :
" تليد بن سليمان المحاربي كنيته أبو إدريس من أهل الكوفة ، يروي عن أبي الجحاف داود بن أبي عوف ، روى عنه الكوفيون ، وكان رافضيا يشتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ، وروى في فضائل أهل البيت عجائب ، وقد حمل عليه يحيى بن معين حملا شديدا وأمر بتركه " انتهى
وفيه علة أخرى قالها الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/748) :
" أن زينب بنت علي لم تسمع من فاطمة فيما أعلم " انتهى .
لذا حكم عليه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (6541) بالنكارة .
6- عن ابن عمر رضي الله عنهما بنحو الألفاظ السابقة :
أخرجه ابن عساكر في "تاريخ دمشق" (42/335) والآجري في "الشريعة" (5/219) من طريق محمد بن معاوية عن يحيى بن سابق المديني عن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر.(/4)
جاء في "لسان الميزان" (6/256) في ترجمة يحيى بن سابق :
" قال أبو حاتم : ليس بقوي . وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الثقات . وقال الدارقطني : متروك . وقال أبو نعيم : حدث عن موسى بن عقبة وغيره بموضوعات " انتهى
يظهر مما سبق أن خلاصة الحكم على كل حديث فيه التصريح بذم الرافضة بالاسم أنه حديث منكر ، لا ينبغي نسبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، إذ لم يرو من طريق صحيحة ولا حسنة ، بل ولا حتى يسيرة الضعف .
قال البيهقي في "دلائل النبوة" (8/24) :
" روي في معناه من أوجه أخر ، كلها ضعيفة " انتهى .
وضعفها الألباني أيضا في "ظلال الجنة" (2/191-194) .
ومما يدل على ضعفها أن العلماء يذكرون في تاريخ ظهور هذا اللقب " الرافضة " قصة مشهورة ، تدل على تأخر ظهور هذا اللقب عن العهد النبوي .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة" (1/34) :
" لفظ الرافضة إنما ظهر لما رفضوا زيد بن علي بن الحسين في خلافة هشام ، وقصة زيد بن علي بن الحسين كانت سنة إحدى وعشرين أو اثنتين وعشرين ومائة ، في أواخر خلافة هشام ، قال أبو حاتم البستي : قتل زيد بن علي بن الحسين بالكوفة سنة اثنتين وعشرين ومائة ، وصلب على خشبة ، وكان من أفاضل أهل البيت وعلمائهم ، وكانت الشيعة تنتحله .
قلت : ومن زمن خروج زيد افترقت الشيعة إلى رافضة وزيدية ، فإنه لما سئل عن أبي بكر وعمر فتَرَحَّمَ عليهما رفضه قوم ، فقال لهم : رفضتموني ! فسموا " رافضة " لرفضهم إياه ، وسمي من لم يرفضه من الشيعة زيديا لانتسابهم إليه " انتهى .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
89869
العنوان:
كيف شرح الله صدر رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم
السؤال:
كيف شرح الله تعالى صدر رسوله صلى الله عليه وسلم عندما قال : ( ألم نشرح لك صدرك ) ؟.....وهل صحيح ما قيل : إنه كان على يد سيدنا جبريل عليه السلام مرتين في عمره ؟
الجواب:
الحمد للَّه
لقد أنعم الله سبحانه وتعالى على أنبيائه ورسله بنعم عظيمة جليلة ، أولاها فضلا ، وأوفاها مِنَّةً ، وأعلاها قدرا نعمةُ النبوة ، حيث اصطفاهم لقربه ، واجتباهم لرحمته .
يقول الله تعالى : ( وَلَكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِن رُّسُلِهِ مَن يَشَاءُ ) آل عمران/179
ويقول سبحانه : ( وَمِنْ آبَائِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانِهِمْ وَاجْتَبَيْنَاهُمْ وَهَدَيْنَاهُمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الأنعام/87
وقد خص الله سبحانه وتعالى نبيه وخليله محمدا صلى الله عليه وسلم بمزيد فضل ، وحباه بعظيم قدر ، حتى قال سبحانه وتعالى : ( وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّآئِفَةٌ مُّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلاُّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً ) النساء/113
ومن هذا الفضل أنه سبحانه شرح صدر الرسول الكريم محمدٍ صلى الله عليه وسلم ، وامتن عليه بهذه النعمة العظيمة في سورة من القرآن الكريم تتلى إلى يوم القيامة ، تسمى سورة "الشرح" .
يقول سبحانه وتعالى : ( أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ ) الشرح/1
وشَرْحُ صدر النبي صلى الله عليه وسلم يتضمن معاني كثيرة عظيمة :
1- شرح الله صدره للإسلام دينا وشريعة ، وهذا أعظم ما يمكن أن ينشرح له الصدر ، وهو تفسير ابن عباس ، علقه البخاري في صحيحه ( كتاب التفسير / باب سورة الشرح ، ص 982)(/1)
2- وشرح الله صدر نبيه محمد صلى الله عليه وسلم بأن ملأه حكمة وعلما وإيمانا ، كما فسره الحسن البصري ، ويذكر العلماء في تفسير ذلك حادثة شق صدره صلى الله عليه وسلم ، والتي تكررت مرتين في حياته صلى الله عليه وسلم :
الأولى : كانت وهو صغير في بني سعد .
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَاهُ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ ، فَأَخَذَهُ فَصَرَعَهُ ، فَشَقَّ عَنْ قَلْبِهِ ، فَاسْتَخْرَجَ الْقَلْبَ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ عَلَقَةً ، فَقَالَ : هَذَا حَظُّ الشَّيْطَانِ مِنْكَ . ثُمَّ غَسَلَهُ فِي طَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ بِمَاءِ زَمْزَمَ ، ثُمَّ لَأَمَهُ ، ثُمَّ أَعَادَهُ فِي مَكَانِهِ ، وَجَاءَ الْغِلْمَانُ يَسْعَوْنَ إِلَى أُمِّهِ يَعْنِي ظِئْرَهُ فَقَالُوا إِنَّ مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ فَاسْتَقْبَلُوهُ وَهُوَ مُنْتَقِعُ اللَّوْنِ قَالَ أَنَسٌ وَقَدْ كُنْتُ أَرْئِي أَثَرَ ذَلِكَ الْمِخْيَطِ فِي صَدْرِهِ ) رواه مسلم (162)
الثانية : كانت ليلة الإسراء .
كَانَ أَبُو ذَرٍّ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي وَأَنَا بِمَكَّةَ فَنَزَلَ جِبْرِيلُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَفَرَجَ صَدْرِي ثُمَّ غَسَلَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ ثُمَّ جَاءَ بِطَسْتٍ مِنْ ذَهَبٍ مُمْتَلِئٍ حِكْمَةً وَإِيمَانًا فَأَفْرَغَهَا فِي صَدْرِي ثُمَّ أَطْبَقَهُ ) رواه البخاري (349) ومسلم (163)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى "فتح الباري" (7/204) :(/2)
" وقد استنكر بعضهم وقوع شق الصدر ليلة الإسراء ، وقال إنما كان ذلك وهو صغير في بني سعد ، ولا إنكار في ذلك ، فقد تواردت الروايات به ... وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الأمور الخارقة للعادة مما يجب التسليم له دون التعرض لصرفه عن حقيقته ، لصلاحية القدرة ، فلا يستحيل شيء من ذلك ، قال القرطبي في "المفهم" : لا يلتفت لإنكار الشق ليلة الإسراء ؛ لأن رواته ثقات مشاهير " انتهى .
وقد جاءت حادثة شق الصدر أيضا في بعض الروايات في أوقات أخرى ، في عمر العشر سنوات ، وعند البعثة ، لكنها روايات ضعيفة . انظر "السيرة النبوية الصحيحة" (1/103)
يقول ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (4/677) :
" يقول تعالى : ( ألم نشرح لك صدرك ) يعني : أما شرحنا لك صدرك ، أي : نورناه وجعلناه فسيحا رحيبا واسعا ، كقوله : ( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام )
وقيل : المراد بقوله : ( ألم نشرح لك صدرك ) شرح صدره ليلة الإسراء ، ولكن لا منافاة ، فإنه من جملة شرح صدره الذي فعل بصدره ليلة الإسراء وما نشأ عنه من الشرح المعنوي أيضا فالله أعلم " انتهى .
3- وجاء في "روح المعاني" (30/166) :
" وقيل : المعنى : ألم نزل همك وغمك بإطلاعك على حقائق الأمور وحقارة الدنيا ، فهان عليك احتمال المكاره في الدعاء إلى الله تعالى .
ونقل عن الجمهور أن المعنى : ألم نفسحه بالحكمة ونوسعه بتيسيرنا لك تلقي ما يوحى إليك بعد ما كان يشق عليك " انتهى .
4- وقال ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/4850) :
" وشرح صدره كناية عن الإنعام عليه بكل ما تطمح إليه نفسه الزكية من الكمالات ، وإعلامه برضى الله عنه ، وبشارته بما سيحصل للدين الذي جاء به من النصر " انتهى .
وانظر "سبل الهدى والرشاد" (2/59) .
5- ويقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير سورة الشرح" (ص/1) :(/3)
" وهذا الشرح شرح معنوي ليس شرحاً حسيًّا ، وشرح الصدر أن يكون متسعاً لحكم الله عز وجل بنوعيه ، حكم الله الشرعي وهو الدين ، وحكم الله القدري وهو المصائب التي تحدث على الإنسان " انتهى باختصار .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
89871
العنوان:
ماذا يقرأ في جلسة التشهد الأولى ؟
السؤال:
أريد منكم بيان كيفية التشهد في الصلاة الثلاثية والرباعية ، أعني هل يجب قراءة التشهد بأكمله في الركعة الثانية ، وذلك بالتعليل من الكتاب والسنة .
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
التشهد الأول في الصلاة الثلاثية أو الرباعية واجب على الصحيح من قولي العلماء ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (65847) .
وللتشهد ألفاظ متنوعة ، انظر بعضها في جواب السؤال رقم (98031) .
ثانيا :
اختلف العلماء في مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد قراءة التشهد الأول ، على قولين :
القول الأول : أنه يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول الشافعي رحمه الله ، وجعل على من تركها سجود السهود ، واختار المشروعية أيضا ابن حزم في "المحلى" (2/302)
يقول الشافعي في "الأم" (1/228) :
" والتشهد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول في كل صلاة غير الصبح تشهدان : تشهد أول وتشهد آخر ، إن ترك التشهد الأول والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ساهيا لا إعادة عليه ، وعليه سجدتا السهو لتركه " انتهى .
وقد اختار هذا القول الشيخ عبد العزيز بن باز والألباني رحمهما الله ، انظر : "مجموع فتاوى ابن باز " (11/201) و "كتاب الصلاة " للألباني (ص 145) .
القول الثاني : أنه يقتصر على قراءة التشهد إلى الشهادتين ، ولا يزيد الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وهذا قول جمهور الفقهاء ، وقد اختار هذا القول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (12/39) :
" يرى جمهور الفقهاء أنّ المصلّي لا يزيد على التّشهّد في القعدة الأولى بالصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم وبهذا قال النّخعيّ والثّوريّ وإسحاق .
وذهب الشّافعيّة في الأظهر من الأقوال إلى استحباب الصّلاة فيها ، وبه قال الشّعبيّ .(/1)
وأمّا إذا جلس في آخر صلاته فلا خلاف بين الفقهاء في مشروعيّة الصّلاة على النّبيّ صلى الله عليه وسلم بعد التّشهّد " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (3/225) :
" لا يستحب أن تصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ، وهذا ظاهر السنة ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يعلِّم ابن مسعود وابن عباس إلا هذا التشهد فقط ، وقال ابن مسعود : ( كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد ) وذكر التشهد الأول فقط ، ولم يذكر الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول ، فلو كان سنة لكان الرسول عليه الصلاة والسلام يعلمهم إياه في التشهد .
وأما قولهم : ( يا رسول الله ! علمنا كيف نسلم عليك فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا ؟ ) فهو سؤال عن الكيفية وليس فيه ذكر الموضع ، وفرق بين أن يعين الموضع أو تبين الكيفية ، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد : كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم تخفيف هذا التشهد ، ثم ذكر الحديث أنه ( كان كأنما يجلس على الرضف ) يعني الحجارة المحماة ، من شدة تعجيله ، وهذا الحديث وإن كان في سنده نظر ، لكن هو ظاهر السنة ، أي أنه لا يزيد على هذا ، وفي صحيح ابن خزيمة ( أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتشهد في هذا الجلوس ولا يدعو ) ، ومع ذلك لو أن أحدا من الناس صلى على النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الموضع ما أنكرنا عليه ، لكن لو سَأَلَنَا أيهما أحسن ؟ لقلنا : الاقتصار على التشهد فقط ، ولو صلى لم ينه عن هذا الشيء ؛ لأنه زيادة خير ، وفيه احتمال ، وإن كان ضعيفا أنه يصلي عليه في هذا المكان " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89882
العنوان:
إذا وهب لولده شيئا ثم مات قبل أن يحوزه الابن
السؤال:
عائلتي تتكون من أبي رحمه الله وأمي وأخي ، قبل أن يتوفى أبي بسبع سنوات كتب لي أنا وأخي لكل واحد منا تنازلا عن 3 أفدنة من الأرض من إجمالي ما يملك وعددها 14 فدانا ، فما حكم الشرع في ذلك ؟ وهل هذا يجوز أو لا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
للأب أن يهب أولاده ما يشاء بشرط أن يعدل بينهم في الهبة ، وهو ما فعله والدك حيث أعطاك مثل ما أعطى أخاك .
ثانيا :
الهبة لا تملك ولا تلزم إلا بالقبض ، في قول جمهور العلماء .
فإذا لم يقبض الولد الهبة ويحوزها لنفسه ، ثم مات الأب ، فإن الهبة تبطل ، ويصير المال جزءا من تركة الميت ، تقسم على جميع ورثته .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (4/64) : " وإذا وهب الرجل لابنه جارية ، فإن كان الابن بالغا لم تكن الهبة تامة حتى يقبضها الابن , وكذلك روي عن أبي بكر وعائشة وعمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهم " انتهى .
وقبض الأرض يكون بحيازتها والتصرف فيها ، وحيازة الأرض ـ إن كانت زراعية يكون بالعمل فيها أو تأجيرها لمن يزرعها ، ونحو ذلك من التصرفات .
وحيازة الأرض غير الزراعية ( كالتي تعد للبناء عليها ) يكون بمجرد تسجيل ذلك ومعرفة حدودها .
وعلى هذا ، فإن كنت قبضت هذه الأفدنة فهي لك الآن ، وإن كان الأمر مجرد تسجيل تنازل من قبل الأب ، مع حيازته للأرض وتصرفه فيها دونك ، فالهبة لم تتم ، وهذه الأرض تدخل في التركة ، وتقسم على جميع الورثة ، فلأمك منها نصيب .
وهذا يقال في حق أخيك أيضا .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
89893
العنوان:
تعليق المعلقات المحتوية على خرز أزرق
السؤال:
ما حكم تعليق المعلقات التى تحتوى على خرز أزرق مع القرآن مع التأكيد والعلم بأنها لا تحمي من الحسد ، وأن الله سبحانه وتعالى هو الحفيظ الوحيد ، أريد أن أعلم هل مجرد تعليقها في المنزل حرام حتى للزينة فقط؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تعليق القرآن على الجدران ، لا ينبغي ، وفيه عدة محاذير ، سبق بيانها في جواب السؤال رقم (254) .
ثانيا :
تعليق المعلقات التي تحتوي على خرز أزرق ، لأجل الزينة ، لا حرج فيه ، ما لم يتضمن اعتقادا فاسدا كاعتقاد أنها تجلب الحظ أو تدفع العين ، وانظر الجواب رقم (10543) .
ومع ذلك فالأولى بلا شك عدم تعليقها ، لأن أكثر الناس إنما يعلقونها بزعم أنها تدفع العين ، أو تحمي من الحسد ، فتعليقها فيه مشابهة لهؤلاء ، وقد يظن به بعض الناس سوءً إذا رأى هذه الخرزات فيظن أنه علقها من أجل رفع العين ، وقد يقتدي به بعض الناس في ذلك ، والحاصل : أن تعليقها فيه جملة من المحاذير ، فالأولى عدم تعليقها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
89915
العنوان:
أهم شيوخ الإمام البخاري رحمه الله
السؤال:
مَن هُم أهم شيوخ البخاري ؟
الجواب:
الحمد للَّه
البخاري شيخ الإسلام ، وإمام الحفاظ ، أبو عبد الله محمد بن إسماعيل بن إبراهيم ، صاحب الصحيح والتصانيف ، مولده في شوال سنة أربع وتسعين ومائة ، وأول سماعه للحديث سنة خمس ومائتين ، وحفظ تصانيف ابن المبارك وهو صبي ، ونشأ يتيما .
صنف وحدث وما في وجهه شعرة ، وكان رأسا في الذكاء ، رأسا في العلم ، ورأسا في الورع والعبادة .
وكان شيخا نحيفا ليس بطويل ولا قصير ، مائلا إلى السمرة .
كان يقول : لما طعنت في ثماني عشرة سنة جعلت أصنف قضايا الصحابة والتابعين وأقاويلهم في أيام عبيد الله بن موسى ، وحينئذ صنفت التاريخ عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم في الليالي المقمرة .
وكان يقول : أحفظ مائة ألف حديث صحيح ، وأحفظ مائتي ألف حديث غير صحيح .
قال ابن خزيمة : ما تحت أديم السماء أعلم بالحديث من البخاري .
مات ليلة عيد الفطر سنة ست وخمسين ومائتين " انتهى .
اختصارا من "تذكرة الحفاظ" للذهبي (2/555)
ثانيا :
أما شيوخه فهم كثير ، حدث محمد بن أبي حاتم عنه أنه قال :
" كتبت عن ألف وثمانين نفسا ، ليس فيهم إلا صاحب حديث " انتهى . كما في "سير أعلام النبلاء" (12/395) .
وأهمية الشيخ تختلف بحسب الاعتبار : فقد تكون الأهمية بسبب مكانة الشيخ العلمية الرفيعة ، وقد تكون بسبب إكثار البخاري عنه ، وقد تكون بسبب علو سنده ، وقد تكون بسبب تأثر البخاري به كثيرا ، وقد يجتمع في الشيخ أكثر من اعتبار واحد .
أما شيوخه الذين أكثر عنهم جدا في الصحيح ، ولهم عنده أكثر من مائة رواية فهم :(/1)
عبد الله بن يوسف التنيسي ، وقد فاقت رواياته عنه الثلاثمائة رواية ، علي بن عبد الله المديني فاقت مروياته المائتين ، أبو اليمان الحكم بن نافع ، موسى بن إسماعيل التبوذكي ، عبد الله بن محمد المسندي ، أبو نعيم الفضل بن دكين ، محمد بن بشار المعروف ببندار ، قتيبة بن سعيد ، سلمان بن حرب ، أبو الوليد هشام بن عبد الملك الطيالسي ، محمد بن المثنى .
أما المتوسطون : وهم من لهم دون المائة رواية وأكثر من خمسين ، فهم :
عبد العزيز بن عبد الله الأويسي ، عبد الله بن الزبير الحميدي ، إبراهيم بن موسى ، إبراهيم بن المنذر ، محمد بن يوسف الفريابي ، محمد بن كثير ، حفص بن عمر .
ومن أهم شيوخه الذين بلغوا رتبة الإمامة في العلم والدين :
الإمام أحمد بن حنبل وإن لم يرو عنه في الصحيح ، وإسحاق بن راهويه روى عنه نحو الثلاثين رواية ، وأحمد بن صالح المصري ، وأبو نعيم الفضل بن دكين ، وغيرهم .
ولعل أعظمهم تأثيرا في نفس الإمام البخاري وشخصيته ، وأجلهم مرتبة عنده هو الإمام علي بن المديني رحمه الله ، حيث قال البخاري فيه :
" ما استصغرت نفسي عند أحد إلا عند علي بن المديني " انتهى . "تذكرة الحفاظ" (2/428) .
وقد ذكر الذهبي في ترجمة البخاري أسماء أشهر شيوخه ، ورتبهم بحسب البلدان فقال في "سير أعلام النبلاء" (12/394-396) ؛ وأما الحافظ ابن حجر فله ترتيب آخر مفيد أيضا ، حيث قال في "هدي الساري" (479) :
" ينحصرون في خمس طبقات :
الطبقة الأولى :
من حدثه عن التابعين : مثل محمد بن عبد الله الأنصاري حدثه عن حميد ، ومثل مكي بن إبراهيم حدثه عن يزيد بن أبي عبيد ، ومثل أبي عاصم النبيل حدثه عن يزيد بن أبي عبيد أيضا ، ومثل عبيد الله بن موسى حدثه عن إسماعيل بن أبي خالد ، ومثل أبي نعيم حدثه عن الأعمش ، ومثل خلاد بن يحيى حدثه عن عيسى بن طهمان ، ومثل على بن عياش وعصام بن خالد حدثاه عن حريز بن عثمان ، وشيوخ هؤلاء كلهم من التابعين .(/2)
الطبقة الثانية :
من كان في عصر هؤلاء لكن لم يسمع من ثقات التابعين : كآدم بن أبي إياس وأبي مسهر عبد الأعلى بن مسهر وسعيد بن أبي مريم وأيوب بن سليمان بن بلال وأمثالهم .
الطبقة الثالثة :
هي الوسطى من مشايخه ، وهم من لم يلق التابعين ، بل أخذ عن كبار تبع الأتباع ، كسليمان بن حرب وقتيبة بن سعيد ونعيم بن حماد وعلي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه وأبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة وأمثال هؤلاء ، وهذه الطبقة قد شاركه مسلم في الأخذ عنهم .
الطبقة الرابعة :
رفقاؤه في الطلب ، ومن سمع قبله قليلا ، كمحمد بن يحيى الذهلي وأبي حاتم الرازي ومحمد بن عبد الرحيم صاعقة وعبد بن حميد وأحمد بن النضر وجماعة من نظرائهم ، وإنما يخرج عن هؤلاء ما فاته عن مشايخه ، أو ما لم يجده عند غيرهم .
الطبقة الخامسة :
قوم في عداد طلبته في السن والإسناد ، سمع منهم للفائدة : كعبد الله بن حماد الآملي وعبد الله بن أبي العاص الخوارزمي وحسين بن محمد القباني وغيرهم ، وقد روى عنهم أشياء يسيرة .
وعمل في الرواية عنهم بما روى عثمان بن أبي شيبة عن وكيع قال : لا يكون الرجل عالما حتى يحدث عمن هو فوقه ، وعمن هو مثله ، وعمن هو دونه ، وعن البخاري أنه قال : لا يكون المحدث كاملا حتى يكتب عمن هو فوقه ، وعمن هو مثله ، وعمن هو دونه " انتهى .
انظر جواب السؤال رقم (21523)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
89945
العنوان:
هل يقرن بين حمد الله وشكره وشكر الوالدين ؟
السؤال:
هل يجوز لي القول : الحمد والشكر لله رب العالمين ، والشكر لوالدي ، عملا بقوله تعالى : ( أن اشكر لي ولوالديك الي المصير )
الجواب:
الحمد للَّه
بر الوالدين من أعظم القربات ، وأولى الطاعات ، وهو حق معظم لهما في شريعة الإسلام ، حتى قرن الله سبحانه وتعالى في أكثر من موضع طاعته بطاعتهما ، وحقَّه بحقِّهما .
يقول الله سبحانه وتعالى :
( وَوَصَّيْنَا الْإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْناً عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ) لقمان/14
قال القرطبي رحمه الله في تفسيره (5/171) : " قال العلماء : فأحق الناس بعد الخالق المنان بالشكر والإحسان والتزام البر والطاعة له والإذعان من قرن الله الإحسان إليه بعبادته وطاعته وشكره بشكره وهما الوالدان فقال تعالى : { أن اشكر لي ولوالديك } لقمان : 14 .
...عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : رضى الرب في رضى الوالدين وسخطه في سخط الوالدين " [ قال الألباني : حسن لغيره ] .
والتصريح بشكر الوالدين والاعتراف بفضلهما وقدرهما لا شك أنه داخل في معنى الآية ، ولكن لا ينبغي فهم الآية على ذلك فقط ، فيظن أن من قال "الشكر لوالدي" قد أدى ما عليه ، بل حقيقة الشكر أعظم وأعلى من ذلك ، بل المراد بالشكر ما هو أعم من ذلك ؛ أن يقوم العبد بحق ربه عليه بقلبه ولسانه وجوارحه ، وهكذا يقوم بحق والديه عليه من ذلك .
قال ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين" (2/244-246) :
" والشكر مبني على خمس قواعد :
خضوع الشاكر للمشكور ، وحبه له ، واعترافه بنعمته ، وثناؤه عليه بها ، وأن لا يستعملها فيما يكره .(/1)
فهذه الخمس : هي أساس الشكر وبناؤه عليها ، فمتى عدم منها واحدة : اختل من قواعد الشكر قاعدة ، وكل من تكلم في الشكر وحده فكلامه إليها يرجع وعليها يدور .
والشكر يكون : بالقلب خضوعا واستكانة ، وباللسان ثناء واعترافا ، وبالجوارح طاعة وانقيادا " انتهى .
وفي تفسير هذه الآية ، يقول الشيخ السعدي رحمه الله : " ولما أمر بالقيام بحقه، بترك الشرك الذي من لوازمه القيام بالتوحيد، أمر بالقيام بحق الوالدين فقال: { وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ } أي: عهدنا إليه، وجعلناه وصية عنده، سنسأله عن القيام بها، وهل حفظها أم لا؟ فوصيناه { بِوَالِدَيْهِ } وقلنا له: { اشْكُرْ لِي } بالقيام بعبوديتي، وأداء حقوقي، وأن لا تستعين بنعمي على معصيتي. { وَلِوَالِدَيْكَ } بالإحسان إليهما بالقول اللين، والكلام اللطيف، والفعل الجميل، والتواضع لهما، [وإكرامهما] (5) وإجلالهما، والقيام بمئونتهما واجتناب الإساءة إليهما من كل وجه، بالقول والفعل.
فوصيناه بهذه الوصية، وأخبرناه أن { إِلَيَّ الْمَصِيرُ } أي: سترجع أيها الإنسان إلى من وصاك، وكلفك بهذه الحقوق، فيسألك: هل قمت بها، فيثيبك الثواب الجزيل؟ أم ضيعتها، فيعاقبك العقاب الوبيل؟ " انتهى [ التفسير 648 ] .
فلا حرج على من قرن شكر الله تعالى بشكر الوالدين ، وجمع بينهما في مقام واحد ، لكن لا ينبغي أن يلتزم ذلك دائما كما يلتزم الذكر الوارد بلفظه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، لعدم وروده عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وفي موقعنا العديد من الإجابات التي تبين أمر بر الوالدين ، انظر :
(13783) ، (22782) ، (35533)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
89961
العنوان:
صلى في مسجد ثم علم أن به قبورا وأضرحة
السؤال:
صليت في مسجد للصوفية ، وكان الإمام صوفيا وبعد الانتهاء من الصلاة فيه علمت أنه يوجد في المسجد قبور وأضرحة ، وعليها قبة ؛ فهل أعيد الصلاة ؟ وهل علي إثم إذا كنت أعلم أن هذا المسجد وإمامه صوفي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا تجوز الصلاة في مسجد بني على قبر ، أو وضع فيه قبر ؛ للأحاديث الواردة في لعن من اتخذ القبور مساجد . ولا تصح الصلاة في هذا المسجد ، على الراجح من كلام أهل العلم ، وعليه فيلزمك إعادة الصلاة .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله ما نصه : " هل تصح الصلاة في المساجد التي يوجد فيها قبور؟
فأجاب : المساجد التي فيها قبور لا يصلى فيها، ويجب أن تنبش القبور وينقل رفاتها إلى المقابر العامة ، يجعل رفات كل قبر في حفرة خاصة كسائر القبور، ولا يجوز أن يبقى في المساجد قبور ، لا قبر ولي ولا غيره ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى وحذر من ذلك، ولعن اليهود والنصارى على عملهم ذلك ، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) قالت عائشة رضي الله عنها: ( يُحذّر ما صنعوا ) متفق عليه.(/1)
وقال عليه الصلاة والسلام لما أخبرته أم سلمة وأم حبيبة بكنيسة في الحبشة فيها تصاوير فقال: ( أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله ) متفق على صحته ، وقال عليه الصلاة والسلام: ( ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك ) خرجه مسلم في صحيحه، عن جندب بن عبد الله البجلي. فنهى عن اتخاذ القبور مساجد عليه الصلاة والسلام ولعن من فعل ذلك، وأخبر: أنهم شرار الخلق ، فالواجب الحذر من ذلك. ومعلوم أن كل من صلى عند قبر فقد اتخذه مسجداً ، ومن بنى عليه مسجداً فقد اتخذه مسجداً ، فالواجب أن تبعد القبور عن المساجد ، وألا يجعل فيها قبور ؛ امتثالاً لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ، وحذراً من اللعنة التي صدرت من ربنا عز وجل لمن بنى المساجد على القبور ؛ لأنه إذا صلى في مسجد فيه قبور قد يزين له الشيطان دعوة الميت ، أو الاستغاثة به ، أو الصلاة له ، أو السجود له ، فيقع الشرك الأكبر، ولأن هذا من عمل اليهود والنصارى ، فوجب أن نخالفهم ، وأن نبتعد عن طريقهم ، وعن عملهم السيئ .
لكن لو كانت القبور هي القديمة ثم بني عليها المسجد فالواجب هدمه وإزالته؛ لأنه هو المحدث، كما نص على ذلك أهل العلم؛ حسماً لأسباب الشرك وسدا لذرائعه.
هنا شبهة يشبه بها عباد القبور، وهي وجود قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده.(/2)
والجواب عن ذلك: أن الصحابة رضي الله عنهم لم يدفنوه في مسجده، وإنما دفنوه في بيت عائشة رضي الله عنها، فلما وسع الوليد بن عبد الملك مسجد النبي صلى الله عليه وسلم في آخر القرن الأول أدخل الحجرة في المسجد، وقد أساء في ذلك، وأنكر عليه بعض أهل العلم، ولكنه اعتقد أن ذلك لا بأس به من أجل التوسعة. فلا يجوز لمسلم أن يحتج بذلك على بناء المساجد على القبور، أو الدفن في المساجد؛ لأن ذلك مخالف للأحاديث الصحيحة؛ ولأن ذلك أيضاً من وسائل الشرك بأصحاب القبور، والله ولي التوفيق " انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (5/388).
ومما يدل على عدم صحة الصلاة في المسجد الذي به قبر ، ما روى الترمذي (317) وأبو داود (492) وابن ماجه (745) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِدٌ إِلَّا الْمَقْبَرَةَ وَالْحَمَّامَ ) والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والألباني ، وينظر : صحيح سنن الترمذي .
قال في زاد المستقنع : " ولا تصح الصلاة في مقبرة ".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه : " قوله : « ولا تصح الصلاة في مقبرة » نفي الصحة يقتضي الفساد ؛ لأن كل عبادة إما أن تكون صحيحة ، وإما أن تكون فاسدة ، ولا واسطة بينهما ، فهما نقيضان شرعا ، فإذا انتفت الصحة ثبت الفساد .
وقوله : « الصلاة » يعم كل ما يسمى صلاة ، سواء كانت فريضة أم نافلة ، وسواء كانت الصلاة ذات ركوع وسجود أم لم تكن ؛ لأنه قال : « الصلاة » وعليه فيشمل صلاة الجنازة فلا تصح في المقبرة . لكن قد دلت الأدلة على استثناء صلاة الجنازة ، كما سنذكره إن شاء الله ، وعلى هذا ؛ فالمراد بالصلاة ما سوى صلاة الجنازة ...
فإذا قال قائل : ما الدليل على عدم صحة الصلاة في المقبرة ؟ .
قلنا : الدليل :(/3)
أولا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : « الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام » ، وهذا استثناء ، والاستثناء معيار العموم .
ثانيا : قول النبي صلى الله عليه وسلم : « لعن الله اليهود والنصارى ، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد » والمساجد هنا قد تكون أعم من البناء ؛ لأنه قد يراد به المكان الذي يبنى ، وقد يراد به المكان الذي يتخذ مسجدا وإن لم يبن ؛ لأن المساجد جمع مسجد ، والمسجد مكان السجود ، فيكون هذا أعم من البناء .
ثالثا : تعليل ؛ وهو أن الصلاة في المقبرة قد تتخذ ذريعة إلى عبادة القبور ، أو إلى التشبه بمن يعبد القبور ، ولهذا لما كان الكفار يسجدون للشمس عند طلوعها وغروبها ، نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة عند طلوعها وغروبها ؛ لئلا يتخذ ذريعة إلى أن تعبد الشمس من دون الله ، أو إلى أن يتشبه بالكفار .
وأما من علل ذلك بأن علة النهي عن الصلاة في المقبرة خشية أن تكون المقبرة نجسة ، فهذا تعليل عليل ، بل ميت لم تحل فيه الروح " انتهى من "الشرح الممتع" (2/237).
وسئل رحمه الله : " عن حكم الصلاة في مسجد في قبلته قبر ؟(/4)
فأجاب بقوله : لا يجوز أن يوضع في المسجد قبر ، لا في قبلته ولا خلف المصلين ، ولا عن أيمانهم ، ولا عن شمائلهم ، وإذا دفن أحد في المسجد ولو كان هو المؤسس له فإنه يجب أن ينبش هذا القبر وأن يدفن مع الناس ، أما إذا كان القبر سابقا على المسجد وبني المسجد عليه ، فإنه يجب أن يهدم المسجد وأن يبعد عن القبر ، لأن فتنة القبور في المساجد عظيمة جدا فربما يدعو إلى عبادة هذا المقبور ولو بعد زمن بعيد ، وربما يدعو إلى الغلو فيه ، وإلى التبرك به وهذا خطر عظيم على المسلمين ، لكن إن كان القبر سابقا وجب أن يهدم المسجد ويغير مكانه ، وإن كان المسجد هو الأول فإنه يجب أن يخرج هذا الميت من قبره ويدفن مع المسلمين ، والصلاة إلى القبر محرمة ولا تصح الصلاة إلى القبر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تصلوا إلى القبور ) . والله المستعان " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/374).
ثانيا :
الصلاة خلف الصوفي فيها تفصيل :
فإن كان متلبسا ببدعة شركية كدعاء غير الله ، أو اعتقاده أن الأولياء يعلمون الغيب ، أو يتصرفون في الكون ، فلا تصح الصلاة خلفه .
وإن كانت بدعته غير شركية ، صحت الصلاة خلفه .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (7/353) : " وأما الصلاة خلف المبتدعة : فإن كانت بدعتهم شركية كدعائهم غير الله ونذرهم لغير الله واعتقادهم في مشايخهم ما لا يكون إلا لله من كمال العلم ، أو العلم بالمغيبات ، أو التأثير في الكونيات ، فلا تصح الصلاة خلفهم .
وإن كانت بدعتهم غير شركية ؛ كالذكر بما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولكن مع الاجتماع والترنحات ، فالصلاة وراءهم صحيحة ، إلا أنه ينبغي للمسلم أن يتحرى لصلاته إماما غير مبتدع ؛ ليكون ذلك أعظم لأجره وأبعد عن المنكر " انتهى .
وانظر السؤال رقم (4983) للوقوف على شيء من انحراف المتصوفة .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
90023
العنوان:
معنى حرف الجر ( مِن ) في قوله تعالى : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي )
السؤال:
هل دعاء نبي الله إبراهيم عليه السلام ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) يصلح لأن يقال كما هو ؟ لورود كلمة " ومن ذريتي " وليست : رب اجعلني مقيم الصلاة وذريتي ؟
الجواب:
الحمد لِلَّه
أولا :
سياق الآيات في هذا المقطع من سورة إبراهيم عليه السلام ، يصور فيه مشهد إبراهيم الخليل عليه السلام الضارع الخاشع الذاكر الشاكر ، وهو يدعو ربه الكريم ، ويتذلل بين يديه سبحانه ، ليرد الجاحدين إلى الاعتراف ، ويرد الكافرين إلى الشكر ، ويرد الغافلين إلى الذكر ، ويرد الشاردين من أبنائه إلى سيرة أبيهم لعلهم يقتدون بها ويهتدون .
يقول سبحانه وتعالى : ( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ * رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ * رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ * رَبَّنَا إِنَّكَ تَعْلَمُ مَا نُخْفِي وَمَا نُعْلِنُ وَمَا يَخْفَى عَلَى اللّهِ مِن شَيْءٍ فَي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء * الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء * رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاء * رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ ) إبراهيم/35-41(/1)
وقد كان إبراهيم عليه السلام رحيما شفيقا بأمته وذريته ، فلم يكن يفوت فرصة إلا ويسأل الله سبحانه الخير لهم .
ويبقى السؤال عن سبب مجيء حرف الجر ( مِن ) في قوله : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاَةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ) ، ولم يقل ( وذريتي ) .
اختلف في ذلك المفسرون إلى قولين :
القول الأول : وهو قول جماهير المفسرين ممن تكلم في هذه المسألة ، أن ( مِن ) هنا للتبعيض ، قالوا وهو تأدب من إبراهيم الخليل عليه السلام في دعائه الله سبحانه وتعالى ، حيث كان يعلم أن حكمة الله اقتضت وجود المؤمن والكافر ، والظالم والمحسن ، فكان دعاؤه مراعيا لما يعلمه من حكمة الله وسنته في خلقه ، كما قال سبحانه : ( وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ) الصافات/113
يقول الزمخشري في "الكشاف" (1/634) :
" ( ومن ذريتي ) وبعض ذريتي ، عطفا على المنصوب في ( اجعلني ) ، وإنما بعَّضَ لأنه عَلِمَ بإعلام اللَّهِ أنه يكون في ذريته كفار ، وذلك قوله : ( لا ينال عهدي الظالمين ) " انتهى .
وانظر : "تفسير البيضاوي" (3/202) ، "تفسير أبي السعود" (5/54) ، "الجلالين" (335) ، "روح المعاني" (13/243)
وفي القرآن الكريم مواقف عديدة من دعاء إبراهيم عليه السلام وتخصيصه ذريته بشيء من الدعاء ، وفي كل منها يأتي حرف الجر ( مِن )
فانظر قوله سبحانه في سورة البقرة :
( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) البقرة/124
وكذلك قوله سبحانه وتعالى :
( رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) البقرة/128(/2)
القول الثاني : عدم التسليم بكونها للتبعيض ، فقد كان الأنبياء يدعون لأقوامهم بصيغة التعميم وهم يعلمون سنة الله في خلقه حين كتب في الناس المؤمن والكافر وكتب من المؤمنين أيضا من يعذب بسبب ذنوبه في النار ثم يخرج منها ، ولم يكن ذلك اعتداء في الدعاء .
فهذا نوح عليه السلام يقول : ( رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَاراً ) نوح/28
وإبراهيم عليه السلام أيضا يقول : ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) ( رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسَابُ )
وكان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يدعو ويقول : ( الّّلهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي ) رواه مسلم (202)
قالوا والأنبياء يسألون الله أكمل ما يحبون لأنفسهم وذرياتهم وأقوامهم ، وإبراهيم عليه السلام يطمع أن تكون ذريته كلها مُوَحِّدَةً ، تعبد الله وتجتنب الأصنام ، وإن كان الشرك لا بد وأن يكون على الأرض ، ففي غير ذريته .
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في تفسيره المتميز "التحرير والتنوير" (7/445) :
" و ( مِن ) ابتدائية ، وليست للتبعيض ؛ لأن إبراهيم عليه السلام لا يسأل الله إلا أكمل ما يحبه لنفسه ولذريته .
ويجوز أن تكون ( مِن ) للتبعيض ، بناء على أن الله أعلمه بأن يكون من ذريته فريق يقيمون الصلاة وفريق لا يقيمونها ، أي : لا يؤمنون .
وهذا وجه ضعيف ؛ لأنه يقتضي أن يكون الدعاء تحصيلا لحاصل ، وهو بعيد ، وكيف وقد قال ( وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ ) ولم يقل : ومن بني " انتهى .(/3)
أو يقال إنها لبيان الجنس ، فإن تقدير الآية : ( واجعل من ذريتي مقيمي الصلاة ) ، والمعنى : واجعل جنس ذريتي مقيمي الصلاة ، كقوله تعالى : ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً ) الفتح/29 . انظر "مغني اللبيب" (420-421)
وهذا الوجه أقرب .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير البقرة 2" (33) في قوله تعالى : ( وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) البقرة/124 :
قوله تعالى: ( وَمِن ذُرِّيَّتِي ) أي واجعل من ذريتي إماماً ؛ وهنا ( مِن ) يحتمل أنها لبيان الجنس ؛ وبناءً على ذلك تصلح ( ذريتي ) لجميع الذرية ؛ يعني: واجعل ذريتي كلهم أئمة ؛ ويحتمل أنها للتبعيض " انتهى .
ثانيا :
إذا فهم ما سبق تبين أنه لا بأس للمسلم أن يدعو بالصيغة نفسها التي جاءت في القرآن الكريم ، فقد تبين أنها ليست للتبعيض ، وأن الدعاء بها ينال جميع الذرية .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "لقاء الباب المفتوح" (30/14) :
" الدعاء بقوله : ( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ) من دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام لا بأس به " انتهى بتصرف .
ثالثا :
تنبيه على بدعة منتشرة تتعلق بقراءة هذه الآية بعد إقامة الصلاة .
جاء في أسئلة اللقاء الشهري (23/10) مع الشيخ ابن عثيمين رحمه الله السؤال التالي :(/4)
" بعض الإخوة من المصلين يقول بعد انتهاء المؤذن من الإقامة إما : ( أقامها الله وأدامها ما دامت السماوات والأرض ) وإما أن يقرأ قول الله تعالى عن إبراهيم : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ ) فما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء في هذا المقام خاصة ، أقصد قراءة الآية ، هل ينكر على الإنسان مع أنه يدعو بها ، وهل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم دعاء بعد الإقامة ، أرجو التوضيح أثابكم الله ؟
فأجاب رحمه الله تعالى :
" الإقامة ليس بعدها دعاء ، وإنما يشرع الإمام بالصلاة بعد انتهاء الإقامة وبعد أن يسوي الصفوف بنفسه أو بنائبه ؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يمكن أن يكبر للصلاة حتى تستوي الصفوف ، حتى إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجوب الصف من أوله إلى آخره يمسح بالمناكب والصدور ، يقول : استووا ، ولما كثر الناس في زمن عمر وعثمان ، صار الخليفة يوكل رجالاً يجوبون الصفوف يتفقدونها بعد الإقامة ، فإذا جاءوا وقالوا : إن الصفوف على ما ينبغي كبروا للصلاة ، وليس بعد الإقامة دعاء .
وأما قوله : أقامها الله وأدامها مادامت السماوات والأرض . فإن قوله : ( ما دامت السماوات والأرض ) لم يرد عن النبي عليه الصلاة والسلام ، وأما قول : ( أقامها الله وأدامها ) فهذه تقال عند قول: ( قد قامت الصلاة قد قامت الصلاة ) لأن فيها حديثاً ضعيفاً ، وهذا الحديث الضعيف لا يعمل به عند جماعة من العلماء ، ولهذا فلا يقال : أقامها الله وأدامها لا بعد قوله : قد قامت الصلاة ، ولا بعد انتهائه من الإقامة .
وأما الدعوة بدعوة إبراهيم : ( رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي ) فهذه أيضاً لا أصل لها إطلاقاً ، ولم يرد الدعاء بها عن السلف ، فتركها أولى وأحسن " انتهى .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
90063
العنوان:
إذا أعطاها والدها نصيب أختها من الميراث فهل يلزمها رده
السؤال:
نحن 4 أخوات كلنا متزوجات ولنا أولاد. مند قرابة 6 سنوات وقبل وفاة أمي رحمها الله قررنا موافقة أبى بشأن الميراث وأن نتنازل لأختنا (ش) عن البيت العائلي كي تتمكن من رعاية أمي المريضة آنذاك ونكتفي نحن الثلاثة بقطع أرضية لكل واحدة منا . لكنها رفضت المجيء حتى يكتب البيت باسمها قانونيا. ولكن إلى الآن وبعد وفاة أمي لم تلتزم أختي بشروطنا وتنتقل إلى البيت لمراعاة والدي كبير السن (رغم حصولها على الأوراق الرسمية بامتلاكها المنزل قرابة سنة) اكتشفنا بعد ذلك أن أختنا (ش) كتب لها البيت العائلي وقطعة الأرض التي تعود شرعا لأختنا الكبيرة ، وبالتالي (ش) حصلت على البيت وقطعة أرض. (ب) حصلت على قطعة أرض ، (ف) حصلت على قطعة أرض ، وأختنا الكبيرة حرمت من قطعة أرضها وأعطيت لـ (ش). حاولنا إقناع الوالد بأن هذه القسمة غير عادلة ولكنه شيخ كبير قارب التسعين سنة رفض بالإضافة إلى أنه لا يعرف أحكام الدين ولا يتقبل الرأي الآخر ولا حتى المناقشة . حاولنا إقناع أختنا (ش) بإرجاع قطعة الأرض إلى أختها لكي ننجي والدنا من النار لكنها رفضت بحجة أن والدنا يتبرأ منها إذا فعلت ذلك وأنها غير مسئولة وهو الذي سيدخل النار وليست هي. من فضلك أنا الأخت (ب) متعبة جدا مما جرى وما زال يجري نور بصيرتي وقلبي 1- هل لي أن أقبل بهذا الحق بعد أن حرمت أختي من حقها بدون سبب؟ 2- وهل أخذ (ش) لحق أختها حلال عليها وليست مسئولة أمام الله بأخذ حق غيرها، حتى وإن أعطاها إياه أبوها؟ 3- ماذا بإمكاني أن أفعل حتى أنجي أبي من النار؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز للشخص أن يقسم ميراثه في حياته ، على القسمة الشرعية التي بينها الله تعالى .(/1)
ويجوز تخصيص بعض الأبناء بالعطية لوجود مسوغ شرعي ، لا سيما مع رضا بقية الأولاد ، كما هو الحال في مسألتكم ، وتنازلكم عن البيت لصالح أختكم ، في مقابل بقائها فيه وخدمة والديكم .
ثانيا :
ما فعله والدك من حرمان أختك الكبيرة من نصيبها وإعطائها للأخت (ش) : منكر عظيم ، ومحرم واضح ، واعتداء على القسمة التي قسمها الله تعالى . وقد قال سبحانه في ختام الكلام على المواريث : ( تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ ) النساء/13، 14
وقال سبحانه : ( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) النساء/176
فالواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يرد إلى ابنته نصيبها ، فإن الظلم ظلمات يوم القيامة .
ثالثا :
لا يجوز للأخت (ش) الاحتفاظ بنصيب أختها ، بحجة أن أباها هو الذي أعطاها ، فإنها تعلم أن أباها قد وقع في الظلم والخطأ ، ولا يجوز لها أن تقره على ذلك ، ولا أن ترضى به ، وإلا كانت شريكة في الذنب والإثم .
فيجب عليها أن ترد قطعة الأرض لأختها ، لأمرين :
الأول : أن تخفف الإثم عن أبيها .
الثانية : أن تبرأ هي من المشاركة في الظلم والإثم .(/2)
وكل من أخذ مالا أو شيئا يعلم أنه نصيب غيره ، فهو ظالم معتد ، ولو جاءه عن طريق الأب أو القاضي أو غيرهما ، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ ، وَإِنَّهُ يَأْتِينِي الْخَصْمُ ، فَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَبْلَغَ مِنْ بَعْضٍ ، فَأَحْسِبُ أَنَّهُ صَدَقَ ، فَأَقْضِيَ لَهُ بِذَلِكَ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ بِحَقِّ مُسْلِمٍ فَإِنَّمَا هِيَ قِطْعَةٌ مِنْ النَّارِ ، فَلْيَأْخُذْهَا أَوْ فَلْيَتْرُكْهَا ) رواه البخاري (2458) ومسلم (1713).
فقول الأخت (ش) إنها غير مسئولة وأن الإثم على أبيها فقط ، غير صحيح ، بل هي شريكة في الإثم والظلم وقطع الرحم .
ولا ندري كيف ترضى أخت بظلم أختها ، وحرمانها من إرثها ؟!
وما هذا الطمع والجشع الذي يحمل الإنسان على أن يحوز نصيبه ونصيب أخيه ؟!
وأي سعادة يجنيها الإنسان ، وهو مستولٍ على حق غيره ، متجاهل له ، معرض نفسه لدعوة المظلوم التي ليس بينها وبين الله حجاب .
وكما قيل :
تنام عيناك والمظلوم منتبه يدعو عليك وعين الله لم تنم
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : والدتي تملك بيتا صغيرا قمت أنا ببنائه من جديد، ولي أخ لم يشترك معي بشيء إطلاقا، ولكنه يغضب والدتي ووالدي كثيرا جدا، ويعاملهم معاملة سيئة للغاية طوال حياته حتى الآن، وهو الآن يعيش خارج البيت، فغضبت والدتي وقررت أن تكتب هذا البيت لي، راجعتها كثيرا ولكنها مصممة على كتابته لي، فأنا الآن أسأل: هل يقع على والدتي ذنب في كتابتها لي البيت وحرمان أخي منه؟ وهل يقع علي أي ذنب لو قبلت ذلك من والدتي؟
فأجابوا :(/3)
"إذا كان الواقع كما ذكر فلا يجوز لوالدتك أن تعطيك البيت دون أخيك ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) ولما ورد في معناه من الأحاديث. وإن فعلتْ ما ذكر فهي آثمة وأنت آثم ؛ لكون قبولك ذلك منها مشاركة لها في الإثم والعدوان ، وقد نهى الله سبحانه وتعالى عن ذلك بقوله : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ويجب أن ترد العطية أو أن تعطي الابن الثاني ما يعادلها . وإذا رأيت أنها مصرة على عدم إشراكه معك فلا مانع من قبول العطية وإعطاء أخيك نصفها ؛ إبراء لذمتك إذا لم يكن لها من الأولاد غيركما . وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/207)
وسئلوا أيضا عن رجل أعطى كل واحد من أولاده الذكور قطعة أرض ليبني عليها بيتا ، ولم يعط ذلك للبنات ، ثم مات الأب ، فما حكم أخذ الذكور لهذه الأرض ؟
فأجابوا :
"إذا كانت أخواتكم قد رضين بالعملية فلا حرج عليكم ، وإن كن لم يرضين فالواجب إعطاؤهن حقهن من الأرض مقسما لهن على حسب الميراث ؛ للذكر مثل حظ الأنثيين ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (16/236) .
فنقول لأختنا (ش) : اتقي الله تعالى ، واحذري عقابه ، وردي الأرض لأختك ، ولو بدون أن يعلم أباك ، حتى تخرجي من إثم الظلم ، وشؤم عاقبته .
وعلى بقية الأخوات الاستمرار في نصح الأب ، ونصح أختهم ، والتشديد عليها في ذلك ، ولو بمقاطعتها ، حتى ترد الحق لأختها .
وأما أخذك لنصيبك ، فلا حرج عليك في ذلك .
نسأل الله أن يصلح أحوالكن ، وأن يهدي الوالد إلى الحق والصواب .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
90071
العنوان:
صلاة المرأة في بيتها خير من صلاتها في المسجد
السؤال:
أنا شاب متزوج وامرأتي حاليا متواجدة بدولة غير التي أنا فيها لزيارة أهلها وقد سمعت هي حلقة عن فضل صلاة الجماعة وخاصة صلاة الفجر وهى تريد أن تأخذ أجر جماعة الفجر ولا يصح أن تذهب إلى هناك بسبب الوقت المتأخر وبعد المسافة التي تصل إلى حوالي ساعتين فهل إن صلت في البيت لها نفس أجر الجماعة ؟ وهل علي وزر إن صليت لها الفجر بعد أن أصليه لنفسي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في المسجد ، فعن أم حميد امرأة أبي حميد الساعدي رضي الله عنهما : ( أنها جاءت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك قال : قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي ، قال : فأمرت فبني لها مسجد في أقصى شيء من بيتها وأظلمه فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل ) . رواه أحمد ( 26550 ) . وصححه ابن خزيمة في " صحيحه " ( 3 / 95 ) وابن حبان ( 5 / 595 ) ، والألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 1 / 135 ) .
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها ) رواه أبو داود ( 570 ) والترمذي ( 1173) . وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " ( 1 / 136 ) .
( في بيتها ) هو الحجرة التي تكون فيها المرأة .
( حجرتها ) المراد بها صحن الدار التي تكون أبواب الغرف إليها ، ويشبه ما يسميها الناس الآن بـ ( الصالة ) .
( مخدعها ) هو كالحجرة الصغيرة داخل الحجرة الكبيرة ، تحفظ فيه الأمتعة النفيسة .
وانظر : "عون المعبود".(/1)
وعليه فأخبر أهلك بهذا الفضل والخير ، وأنها تنال بصلاتها في البيت أجرا فوق صلاتها في المسجد ، ولله الحمد والمنة .
ثانيا :
صلاتك عن زوجتك لا تصح ، ولا تجزئ عن صلاتها ؛ إذ لا يصلي أحد عن أحد ، لا حيا ولا ميتا ، عند جماهير العلماء ، وحكاه بعضهم إجماعا . انظر : "فتح الباري" (11/584).
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (2/334) : " أما العبادات البدنية المحضة كالصلاة والصوم فلا تجوز فيها النيابة حال الحياة باتفاق " انتهى.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
90073
العنوان:
التأمين على نقل السيارة حال تعطلها على الخط السريع
السؤال:
أنا طالب مبتعث لتحضير دراسة جامعية في الخارج ولدي سيارة ليست بالجديدة وهي معرضة للتوقف في أي وقت مع العلم أن في هذه الدولة إذا تعطلت سيارتك لن يقف أحد لمساعدتك وخاصة في الطرق الخارجية مما يشكل خطر علي وعلى العائلة . وتوجد في هذه الدولة شركات تقوم بدفع ما يقارب مائتي ريال كعقد لمدة سنة تتعهد الشركة بالحضور لك عند طلبهم بالهاتف وإصلاح سيارتك إذا كان العطل بسيطا أو نقلها إلى اقرب نقطة أصلاح وحتى لو تعطلت سيارتك أكثر من مرة , وأيضا إذا لم تتعطل سيارتك خلال هذا العام فلا يحق لك المطالبة بأي مبلغ . ما حكم ذلك علما انه يسمى تأمين أو تغطية الأعطال أو BREAKDOWN COVER
الجواب:
الحمد لله
هذه صورة من عقد التأمين القائم على الغرر ، وهو محرم ، ووجه الغرر أن الإنسان يدفع هذا المبلغ (200 ريال) وقد يستفيد منه في نقل سيارته حال تعطلها ، مرة أو أكثر ، وقد لا يستفيد منه شيئا ، إذا لم تتعطل سيارته .
وفتاوى أهل العلم صريحة في تحريم هذا النوع من التأمين ، وما شابهه من أنواع التأمين التجاري .
لكن أمام المشكلة التي ذكرت ، إن تيسر لك التعاقد مع شركة تقدم خدمات معلومة ثابتة كتغيير الزيت ، وتقديم إرشادات عن السفر ، والطرق ، أو صيانة وفحص دوري ، إضافة إلى قيامها بنقل السيارة عند حدوث العطل ، فنرجو ألا يكون في ذلك حرج ، وهو مخرج من المشكلة التي ذكرت .
ونسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
90074
العنوان:
المكي إذا خرج إلى الطائف وفي نيته الحج هل يلزمه الإحرام؟
السؤال:
قمت أنا وزوجتي وعمتي ولله الحمد بأداء فريضة الحج للعام المنصرم1426 هـ أنا وزوجتي من سكان مكة المكرمة أما عمتي فهي من سكان مدينة الباحة وقد قامت بالسفر إلى مدينة الطائف حيث ذهبت أنا وزوجتي لإحضارها من مدينة الطائف إلى مكة المكرمة في اليوم السادس من ذي الحجة حيث أحرمت من ميقات " وادي محرم " وفي اليوم السابع قامت بأداء طواف القدوم وفي اليوم الثامن قمت أنا وزوجتي بالإحرام من منزلنا في مكة للحج وانطلقنا نحن الثلاثة لأداء فريضة الحج في إحدى الحملات .... سؤالي : هل يلزمنا فدية لأننا لم نحرم من ميقات " وادي محرم " أي أننا تجاوزناه أنا وزوجتي بدون أن نحرم منه لأننا من سكان مكة ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج عليكم في تجاوز الميقات دون إحرام ؛ لكونكم لم تريدوا الحج أو العمرة في ذلك الوقت ، وفي نيتكم الإحرام في اليوم الثامن من منازلكم ، لمفهوم قوله صلى الله عليه وسلم في المواقيت : ( هُنَّ لَهُنَّ وَلِمَنْ أَتَى عَلَيْهِنَّ مِنْ غَيْرِهِنَّ مِمَّنْ أَرَادَ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ ، وَمَنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فَمِنْ حَيْثُ أَنْشَأَ ، حَتَّى أَهْلُ مَكَّةَ مِنْ مَكَّةَ ) رواه البخاري (1524) ومسلم (1181).
وهكذا إذا خرج المكي إلى الطائف أو جدة ، ثم رجع وهو غير مريد للنسك ، فلا يلزمه الإحرام ، على الراجح من قولي العلماء .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (11/122) : " من مر على أي واحد من المواقيت التي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أو حاذاها جوا أو برا أو بحرا وهو يريد الحج أو العمرة وجب عليه الإحرام ، وإذا كان لا يريد حجا ولا عمرة فلا يجب عليه أن يحرم " انتهى .(/1)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا خرج المكي إلى جدة مثلا ثم رجع إلى مكة في اليوم الخامس من ذي الحجة وهو يريد الحج من عامه فهل يلزمه الإحرام من جدة ؟ وهل له أن يحرم بالعمرة ويكون متمتعا ؟
فأجاب : " له أن يحرم بالعمرة ويكون متمتعا ، وإذا كان يريد الحج لم يلزمه (يعني الإحرام من جدة ) ؛ لأن أهله في مكة " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (21/326).
وقوله رحمه الله : " لأن أهله في مكة " المقصود أنه من أهل مكة أو المقيمين بها ، فلا يؤثر كون أهلك خرجوا معك إلى الطائف ، فالحكم واحد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
90097
العنوان:
الصلاة على السجاجيد التي بها صورة الكعبة أو الأماكن المقدسة
السؤال:
هل يعد وطء صورة الكعبة والأماكن المقدسة التي على سجادة الصلاة حراما ؟ هناك حملة تدعو لمقاطعة شراء سجاد الصلاة التي بها رسومات للأماكن المقدسة تفاديا لوطئها بالأقدام .. ما الرأي الشرعي في هذا الأمر ؟ جزاكم الله خيرا عن الإسلام والمسلمين .
الجواب:
الحمد لله
تصوير ما لا روح فيه من الجمادات والأشجار ونحوها ، لا حرج فيه ، ويدخل في ذلك تصوير الكعبة والأماكن المقدسة ، إذا خلت من صور الآدميين .
لكن لا ينبغي للمصلي أن يكون أمامه أو في سجادته شيء من التصاوير ؛ لئلا ينشغل بها ، وقد روى البخاري (373) ومسلم (556) عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلَامٌ فَنَظَرَ إِلَى أَعْلَامِهَا نَظْرَةً فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلَاتِي وَقَالَ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُنْتُ أَنْظُرُ إِلَى عَلَمِهَا وَأَنَا فِي الصَّلَاةِ فَأَخَافُ أَنْ تَفْتِنَنِي
والخميصة : ثوب مخطط من حرير أو صوف .
والأعلام : نقوش وزخارف
والأنبجانية : كساء غليظ لا نقوش فيه ولا تطريز .
فكراهة الصلاة على هذه السجاجيد المنقوشة والمزركشة ، لأجل ما يترتب عليها من شغل المصلي وإلهائه ، لا لأجل ما ذكر في السؤال من امتهان الأماكن المقدسة بوطئها ، فالذي يظهر أنه لا امتهان في هذا ، بل هذه السجاجيد يعتني بها أصحابها ، ويجعلون موطئ أقدامهم الجزءَ الخالي من الصورة غالبا .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن السجاد التي بها صور مساجد هل يصلى عليها ؟(/1)
فأجاب بقوله : " الذي نرى أنه لا ينبغي أن يوضع للإمام سجاد فيه تصاوير مساجد ، لأنه ربما يشوش عليه ويلفت نظره وهذا يخل بالصلاة ، ولهذا لما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في خميصة لها أعلام ، ونظر إلى أعلامها نظرة فلما أنصرف قال : ( ( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم ، وائتوني بأنبجانية أبي جهم فإنها ألهتني آنفا عن صلاتي ). متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها .
فإذ قُدّر أن الإمام لا ينشغل بذلك لكونه أعمى ، أو لكون هذا الأمر مرّ عليه كثيرا حتى صار لا يهتم به ولا يلتفت إليه ، فإننا لا نرى بأسا أن يصلي عليها . والله الموفق " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (12/362).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (6/181) : " س: ما حكم الصلاة على الفرش المحتوية على الرسوم التي على شكل البناء الإسلامي كما هو موجود بالفرش الموجودة بالمساجد حاليا. وما حكم الصلاة عليها إذا كانت تحتوي على الصلبان. وهل يلزم من الحكم على الشكل بأنه صليب بأن يكون ذا طرف سفلي طويل وطرف علوي قصير مع تساوي الجانبين ، أم يحكم على كل خطين متعامدين بأنه صليب . نرجو إفادتنا عن هذا الموضوع لعموم الابتلاء به والله يحفظكم ويرعاكم ؟
جـ : أولاً : المساجد بيوت الله تعالى، بنيت لإقام الصلاة، ولتسبيح الله تعالى فيها بالغدو والآصال مع حضور القلب ، والضراعة والخشوع ، وخشية الله . والرسوم والزخارف في فرش المساجد وجدرانها مما يشغل القلب عن ذكر الله ويذهب بكثير من خشوع المصلين ، ولذا كرهه كثير من السلف. فينبغي للمسلمين أن يجنبوا ذلك مساجدهم، محافظة على كمال عبادتهم بإبعاد المشاغل عن الأماكن التي يتقربون فيها لله رب العالمين رجاء عظم الأجر ومزيد الثواب ، أما الصلاة عليها فصحيحة .(/2)
ثانياً: الصليب شعار النصارى يضعونه في معابدهم ويعظمونه ويعتبرونه رمزاً لقضية كاذبة واعتقاد باطل هو صلب المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ، وقد أكذب الله تعالى اليهود والنصارى في ذلك فقال سبحانه وتعالى ( وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم ) فلا يجوز للمسلمين أن يجعلوه في فرش مساجدهم أو غيرها ، ولا أن يبقوا عليه بل يجب أن يتخلصوا منه بطمسه والقضاء على معالمه بعداً عن المنكر وترفعاً عن مشابهة النصارى عموماً وفي مقدساتهم خاصة ، ولا فرق بين ما إذا كان الخط العمودي في الصليب أطول من الأفقي وما إذا كان مثله ، ولا بين ما إذا كان الجزء الأعلى من تقاطع الخطين أقصر أو مساو للأسفل منه " انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
90112
العنوان:
من هي الفرقة الناجية ؟
السؤال:
إذا سمحتم بيان وتوضيح كيفية التفريق بين الفرق التي تدَّعي أنها على المنهج الصحيح ، ونحن نعلم أن أهل السنة والجماعة هم الذين على المنهج الصحيح ، ولكن هناك بعض المسلمين لا يعلمون ما حكم الطوائف الأخرى ، والتي بدأت تنتشر وتعرف في هذا الزمان كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام في حديثه ، وبما معناه أنه ستوجد طوائف عددها والله أعلم 73 طائفة ، وواحدة هي الصحيحة الناجية ، فكيف نفرق ونعرف تلك الطوائف ، وكيفية الرد عليهم ، والابتعاد عنهم وعن تصرفاتهم ؟ أرجو الإتيان بالأدلة ، والتوثيق من القرآن والحديث للأهمية ، فالأكثر لا يعلمون ، ونخاف على من أسلم جديدا من الضياع في تلك المتاهات . وجدت سؤالا يتكلم في هذا الصدد في الموقع ، ولكن أريد المزيد من التوضيح .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
التفرق والاختلاف في هذه الأمة واقع لا محالة ، يشهد له التاريخ ، وتشهد له نصوصٌ من سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم .
فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّهُ مَن يَعِشْ مِنكُم بَعدِي فَسَيَرَى اختِلاَفًا كَثِيرًا ) رواه أبو داود ( 4067 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " ، وقد وقع الاختلاف في جوانب الحياة السياسية ، كما وقع الاختلاف في الفكر والعقيدة ، وتمثل ذلك بظهور الفرق في أواخر عهد الخلفاء الراشدين ، كالمرجئة والشيعة والخوارج .(/1)
ثم إن من رحمته سبحانه وتعالى أن جعل هذا التفرق والاختلاف طارئا على جماعة المسلمين ، حادثا على عقيدتهم ، متميزا باسمه الخاص وشكله المستقل ، فلم تلتبس يوما عقيدة أهل السنة والجماعة ، وعقيدة عموم المسلمين ، بعقائد ومناهج الفرق الضالة الأخرى ، حتى إن تلك الفرق المخالفة لم تجرؤ على تسمية نفسها بأهل السنَّة والجماعة ، وإنما كانت تنتسب إلى بدعتها التي أحدثتها ، أو إلى الشخص الذي أسس هذه الفرقة ، وتأمَّل ذلك في أسماء الفرق جميعها .
والحديث المشهور في افتراق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة شاهدٌ على ذلك .
فعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ : ( أَلَا إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ فِينَا فَقَالَ : أَلَا إِنَّ مَنْ قَبْلَكُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ افْتَرَقُوا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ ، ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَهِيَ الْجَمَاعَةُ )
رواه أبو داود ( 4597 ) وغيره وصححه الحاكم ( 1 / 128 ) بل قال : إنه حديث كبير في الأصول ، وحسنه ابن حجر في " تخريج الكشاف " ( 63 ) ، وصححه ابن تيمية في " مجموع الفتاوى " ( 3 / 345 ) ، والشاطبي في " الاعتصام " ( 1 / 430 ) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 199 ) وتوارد على ذكره والاستشهاد به أهل العلم في كتب السنة ، وقد ورد عن جماعة من الصحابة بطرق كثيرة ، أكثرها وأصحها على تحديد عدد الفرق بثلاث وسبعين فرقة .(/2)
فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية بأنها الجماعة ، يعني إجماع علماء المسلمين ، كما وصفها في روايات أخرى للحديث بأنهم ( السواد الأعظم ) كما في حديث أبي أمامة وغيره عند ابن أبي عاصم في " السنَّة " ( 1 / 34 ) والطبراني في " المعجم الكبير " ( 8 / 321 ) بإسناد حسن لغيره .
وأيضا جاء وصفها بقوله صلى الله عليه وسلم : ( وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً ، قَالُوا : وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي ) ، كما في حديث عبد الله بن عمرو عند الترمذي ( 2641 ) وحسَّنه ، وحسَّنه ابن العربي في " أحكام القرآن " ( 3 / 432 ) ، والعراقي في " تخريج الإحياء " ( 3 / 284 ) ، والألباني في " صحيح الترمذي " .
إذاً فهذه أظهر علامة يمكن للمسلم أن يستدل بها على الفرقة الناجية ، فيتبع ما عليه عامة علماء الأمة ، الذين يشهد لهم جميع الناس بالأمانة والديانة ، ويتبع ما كان عليه العلماء السابقون من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم من أهل العلم ، ويحذر من كل فرقة تتميز عن جماعة المسلمين ببدعة محدثة .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" شعار أهل البدع ترك انتحال اتباع السلف " انتهى من " مجموع الفتاوى " ( 4 / 155 ) .
وقال أيضاً (3/346) : "وشعار هذه الفرق – يعني الثنتين وسبعين فرقة المخالفة لأهل السنة والجماعة- مفارقة الكتاب والسنة والإجماع . فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة " انتهى .(/3)
فلا يجوز أن يتصور أحد بعد ذلك أن تكون الشيعة مثلا هي الفرقة الناجية ، أو منحرفة الصوفية أو الخوارج أو الأحباش ، بل هذه فرق حادثة ، لا تمثل إلا أفكارا طارئة ، ينكرها أهل العلم وعامة المسلمين ، ويجدون في قلوبهم نفورا عنها ، ولم تكن أفكارها التي تحملها يوما عقيدة عند أبي بكر أو عمر أو عثمان أو علي رضي الله عنهم ، كما لم يحمل أفكارهم تلك الإمام أبو حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل ، وهل يظن عاقل أن عقيدة غابت عن هؤلاء الأئمة يمكن أن تكون صوابا ؟! .
أظن - أخي الكريم - أنه قد ظهر أعظم فرق وأوضح فرق بين أهل السنة والجماعة ( الفرقة الناجية ) وبين غيرها من الفرق الضالة .
يقول ابن تيمية - رحمه الله - :
ولهذا وصف الفرقة الناجية بأنها أهل السنة والجماعة ، وهم الجمهور الأكبر ، والسواد الأعظم ، وأما الفرق الباقية فإنهم أهل الشذوذ والتفرق والبدع والأهواء ، ولا تبلغ الفرقة من هؤلاء قريبا من مبلغ الفرقة الناجية ، فضلا عن أن تكون بقدرها ، بل قد تكون الفرقة منها في غاية القلة ، وشعار هذه الفرق مفارقة الكتاب والسنة والإجماع ، فمن قال بالكتاب والسنة والإجماع كان من أهل السنة والجماعة .
" مجموع الفتاوى " ( 3 / 346 ) .
وقد توسع في ذكر سمات الفرق الهالكة الشاطبي في " الاعتصام " ( 1 / 453 – 460 ) .
ثانياً :
وقد قرر علماء السنة والجماعة في كتبهم أن الفرق الأخرى هي مِنَ الفرق الضالة الهالكة المبتدعة ، وأنها تستحق دخول النار بسبب ما أحدثته في دين الله من أقوال شنيعة ، وبدع عظيمة ، إلا أنها في غالبها لا تُعتبر كافرة ، بل تعد من فرق المسلمين .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :(/4)
وكذلك سائر الثنتين وسبعين فرقة : مَن كان منهم منافقاً : فهو كافر فى الباطن ، ومن لم يكن منافقا بل كان مؤمنا بالله ورسوله فى الباطن : لم يكن كافراً في الباطن وإن أخطأ في التأويل كائناً ما كان خطؤه ، وقد يكون فى بعضهم شعبة من شعب النفاق ولا يكون فيه النفاق الذى يكون صاحبه فى الدرك الأسفل من النار .
ومن قال إن الثنتين وسبعين فرقة كل واحد منهم يكفر كفراً ينقل عن الملة : فقد خالف الكتاب والسنة وإجماع الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ، بل وإجماع الأئمة الأربعة وغير الأربعة ، فليس فيهم من كفَّر كل واحد من الثنتين وسبعين فرقة ، وإنما يكفر بعضهم بعضا ببعض المقالات .
" مجموع الفتاوى " ( 7 / 218 ) .
ولا يعني ذلك أن كل فرقة تنتسب إلى الإسلام أنها مسلمة ، بل قد تكون كافرة مرتدة كغلاة الرافضة وغلاة الصوفية والفرق الباطنية كالدروز والنصيرية وغيرها ، وألحق بعضهم الجهمية بهم ، فهؤلاء جميعا خارجون عن ملة الإسلام ولا يُعدون من الفرق الواردة في الحديث .
ثالثاً :
مورد الافتراق والاختلاف بين هذه الفرق المقصودة في الحديث هو مسائل الدين الكلية ، وأمور العقائد العامة ، وليس الاختلاف الفقهي .
يقول الشاطبي – رحمه الله - :
هذه الفرق إنما تصير فرقاً بخلافها للفرقة الناجية في معنًى كليٍّ في الدين ، وقاعدة من قواعد الشريعة ، لا في جزئي من الجزئيات ، إذ الجزئي والفرع الشاذ لا ينشأ عنه مخالفة يقع بسببها التفرق شيعاً ، وإنما ينشأ التفرق عند وقوع المخالفة في الأمور الكلية ؛ لأن الكليات تقتضي عدداً من الجزئيات غير قليل ، وشاذها في الغالب أن لا يختص بمحل دون محل ، ولا بباب دون باب .
" الاعتصام " ( 1 / 439 ) .(/5)
فإذا تميزت بعض الجماعات الإسلامية عن الأخرى بطريقة معينة في الدعوة والعمل للإسلام ، ولم تخالف أهل السنة والجماعة في عقيدتهم : فلا تعد من الفرق الهالكة ، بل هي من أهل الفرقة الناجية إن شاء الله تعالى إذا كانت تتبع ما كان عليه الصحابة والتابعون في العقيدة والعمل .
وفي موقعنا مجموعة من الأجوبة التي تزيد المسألة شرحا وتوضيحا ، فانظر : : ( 206 ) ، ( 1393 ) ، ( 10121 ) ، ( 10554 ) ، ( 10777 ) ، ( 12761 ) ، ( 21065 ) .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
90131
العنوان:
يطلب منهم أثناء الدراسة التدرب لمدة شهر في بنك ربوي
السؤال:
أنا طالب بالسنة الثالثة بمدرسة للتجارة والتسيير ويطلب منا القيام بتدريب لمدة شهر بإحدى الشركات أو البنوك , وأنا أفكر دوما بالعمل ببنك إسلامي , لكن لا يوجد عندنا أي بنك إسلامي ، أود أن أسألكم عن حكم القيام بهذا التدريب بالبنوك الربوية من أجل كسب التجربة ؟ وإن كانت هناك مكافأة في آخر التدريب فما حكمها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أن بصرك بالحق ، فأدركت حرمة الربا ، وحرمة العمل في مجاله ، ونسأل الله تعالى أن يزيدك علما وهدى ، وأن ييسر لك الخير حيث كان .
ثانيا :
لا يجوز العمل في الشركات أو البنوك الربوية ، لما في ذلك من التعاون على الإثم والعداون ، وقد قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 ، كما ورد لعن من أعان على الربا بالكتابة والشهادة ، كما في الحديث الذي رواه مسلم (1598) عن جابر رضي الله عنه قال : ( لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا ومؤكله وكاتبه وشاهديه ، وقال : هم سواء ).
وعليه فلا يجوز التدرب في هذه البنوك ، إذا تضمن ذلك مباشرة الأعمال الربوية أو الإعانة عليها ، إلا أن يضطر الطالب لذلك ، بحيث لا يجد وسيلة للتخلص منه ، فيجوز له الحضور ، بشرط كراهته للربا ، وإنكاره له ، وامتناعه عن المشاركة في أي عملية ربوية ، بل ينصح ويبين لهم حرمة الربا ، ويستفيد التعرف على الإجراءات المتبعة فيه ، ليكون منها على بصيرة .
وأما المكافأة التي تصرف له في نهاية التدريب ، فيأخذها ، ويتخلص منها بإعطائها للفقراء والمساكين ، لأنه مال خبيث بذل في مقابل العمل المحرم .
وينظر جواب السؤال رقم (81915) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
90148
العنوان:
تريد الخطيب الأول ووالدها يريد غيره
السؤال:
أنا فتاة في سن الزواج ، وقد تقدم لي شاب من حوالي العام ، وقد وافقنا عليه ، ووافق والدي عليه أيضاً ، ولكن طلبنا منه تأخير الإجراءات من كتاب وزواج حتى أنهي دراستي الجامعية ، وهو ينتظرني حتى أنهيها ، ولكن الآن والدي يريد أن يزوجني بشاب غيره ، ليس أفضل منه لا ديناً و لا خلقاً ، بعد أن التزمنا بكلمة مع ذلك الشاب الذي ارتضينا دينه وخلقه ، وأنا صراحة لا أريد إلا الزواج بمن خطبني أولاً ووافقنا عليه ، فما عساي أن أفعل الآن ؟
الجواب:
الحمد لِلَّه
أولا :
من الأمور العظام التي تحدث بين الناس ، التساهل في أمر الخطبة على خطبة الغير .
فمع أنهم يسمعون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لاَ يَخطِبْ عَلَى خِطبَةِ أَخِيهِ إِلاَّ أَنْ يَأذَنَ لَهُ ) رواه البخاري (5142) ومسلم (1412)
إلا أنك تجدهم يخالفون أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، فيجترؤون على الخطبة وقد علموا بأمر الخطبة السابقة ، وكذلك تجد بعض الأولياء يعين على ذلك المنكر باستقبال الخطيب الثاني وبقبوله في كثير من الأحيان .
فأي توفيق يرجون ! وأي سعادة يؤملون ! وهم يريدون أن يبدؤوا زواجهم بمعصية عظيمة ، ظُلم فيها الخطيب الأول واعتُدي على حقه فيها .
وقد نص أهل العلم على حرمة خطبة المسلم على خطبة أخيه المسلم إذا حصل الإيجاب والقبول أو الميل نحو الخطيب الأول .
يقول النووي في "شرح مسلم" (9/197) :
" هذه الاحاديث ظاهرة في تحريم الخطبة على خطبة أخيه ، وأجمعوا على تحريمها اذا كان قد صُرح للخاطب بالإجابة ، ولم يأذن ولم يترك " انتهى .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (32/7) :
عن رجل خطب على خطبته رجل آخر فهل يجوز ذلك ؟
فأجاب :(/1)
الحمد لله ، ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا يحل للرجل أن يخطب على خطبة أخيه ) ولهذا اتفق الأئمة الأربعة في المنصوص عنهم وغيرهم من الأئمة على تحريم ذلك .
وإنما تنازعوا في صحة نكاح الثاني على قولين :
أحدهما : أنه باطل كقول مالك وأحمد في إحدى الروايتين .
والآخر : أنه صحيح كقول أبي حنيفة والشافعي وأحمد في الرواية الأخرى ، بناء على أن المحرم هو ما تقدم على العقد وهو الخطبة ، ومن أبطله قال إن ذلك تحريم للعقد بطريق الأولى .
ولا نزاع بينهم في أن فاعل ذلك عاص لله ورسوله ، والإصرار على المعصية مع العلم بها يقدح في دين الرجل وعدالته وولايته على المسلمين " انتهى .
ويقول الشيخ الفوزان حفظه الله "الملخص الفقهي" (2/262-263) :
" وبعض الناس لا يبالي بذلك ، فيقدم على خطبة المرأة وهو يعلم أنه مسبوق إلى خطبتها ، وأنها قد حصلت الإجابة ، فيعتدي على حق أخيه ، ويفسد ما تم من خطبته ، وهذا محرم شديد التحريم ، وحري بمن أقدم على خطبة امرأة وهو مسبوق إليها مع إثمه الشديد أن لا يوفق وأن يعاقب . فعلى المسلم أن يتنبه لذلك ، وأن يحترم حقوق إخوانه المسلمين ; فإن حق المسلم على أخيه المسلم عظيم ; لا يخطب على خطبته ، ولا يبيع على بيعه ، ولا يؤذيه بأي نوع من الأذى " انتهى .
ثانيا :
لا يجوز لوالدك قبول طلب الخطيب الثاني ولا إجابته ، فضلا عن حرمة إحضار خطيب آخر ، إلا إن فعل ذلك لعذر شرعي ، كأن يمرض الخطيب الأول بمرض خطير ، أو تظهر عليه علامات الفسق ونحو ذلك ، أما إذا لم يكن ثمة موجب شرعي لفسخ خطبة الأول ، فالواجب الالتزام بها .
يقول الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/43) :
" أما بالنسبة لأب المرأة فلا يحل له أن يقبل خطبة الرجل الأخير وهو قبل من الأول ، ما لم يكن هناك موجب شرعي " انتهى .(/2)
بل ذهب بعض أهل العلم إلى أنه لا ينبغي للقاضي أن يعقد نكاح الثاني أبدا ، لأنه قد اعتدى على حق غيره ، فيجب أن يرجع الحق إلى أهله .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية "مجموع الفتاوى" (29/285) في معرض الحديث عن حق الخاطب الأول :
" وَإِذَا قِيلَ : هُوَ ( يعني الخاطب الثاني ) غَيَّرَ قَلْبَ الْمَرْأَةِ عَلَيَّ !
قِيلَ : إنْ شِئْت عَاقَبْنَاهُ عَلَى هَذَا ؛ بِأَنْ نَمْنَعَهُ مِنْ نِكَاحِ تِلْكَ الْمَرْأَةِ ، فَيَكُونُ هَذَا قِصَاصًا لِظُلْمِهِ إيَّاكَ . وَإِنْ شِئْت عَفَوْت عَنْهُ فأنفذنا نِكَاحَهُ " انتهى .
ثالثا :
أما نصيحتي لك أختي الكريمة ، فألخصها بكلمة واحدة " الحوار " .
فبالحوار الهادئ الهادف يتمكن المرء من مواجهة كل مشكلة تعترض حياته ، وبه يتوصل إلى إقناع الآخرين بوجهة نظره ، أو على الأقل بتقبلها واحترامها .
ومحاورة الوالد تقتضي منك إظهار كل التقدير والاحترام ، كما تقتضي منك إظهار عقلانية راجحة ، وتفهم كامل لأمور المعاش وحياة الناس .
كثيرا ما يفقد الناس مكتسباتهم ، ويحرمون من الخير الذي كان قريبا منهم ، بسبب ضعف معاني قيم الحوار والمشورة والاحترام من حياتهم ، وهي مهارات تتطلب من المرء معالجة ومصابرة وتدريبا كي يرتقي بها إلى المستوى المطلوب .
ولا يمنعنَّك الحياء عن مصارحة والدك برغبتك ورأيك ، فذلك حق لك كفله لك الشرع المنزل من الله سبحانه وتعالى ، والمصارحة بين الأبناء والآباء من أركان السعادة الأسرية ، يتم بها التفاهم وتبادل التقدير ، وبغيرها توغر الصدور ، وتحمل النفوس ما لا تحتمل ، وقد يؤدي الكتمان إلى عواقب وخيمة .
واعلمي - أختي الكريمة - أن والدك حريص عليك ، رفيق بك ، يرجو لك الخير ، وإن كان يبدي حزما وصرامة ، إلا أنه – إن شاء الله – سيرجع إلى حكم الشرع ويرضى به .(/3)
فيجب أن تُذَكِّرِي والدك بحرمة الخطبة على خطبة الغير ، وحرمة إخلاف الوعد ، ومساعدة المعتدي على اعتدائه – إن كان الخاطب الثاني يعلم بوجود الخطبة الأولى - ، فإن لم تجدي في نفسك الكفاءة بتذكيره ، فاطلبي ممن يتمكن من ذلك ممن يحترمهم والدك ويقتنع بمشورتهم أن ينصحه ويذكره بوجوب الالتزام بشرع الله ، وأن الله سبحانه وتعالى لن يوفق زواجا فيه اعتداء على حق الخاطب الأول .
ولا تترددي في اختيارك ، إذ لا شك أن صاحب الدين والخلق هو الحقيق بالتزويج دون غيره ، إلا أن الرفق مفتاح كل خير ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَن يُحرَمِ الرِّفقَ يُحرَمِ الخَيرَ ) رواه مسلم (2592) ، ويقول : ( إِنَّ الرِّفقَ لاَ يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلاَّ زَانَهُ ، وَلاَ يُنزَعُ مِن شَيْءٍ إِلاَّ شَانَهُ ) رواه مسلم (2594) ، ويتأكد الأمر بالرفق حين يتعلق الأمر بأحد الوالدين ، فقد أمر الله سبحانه وتعالى بحسن صحابتهما ولو كانا على الشرك ، فما الظن حين يكونان مسلمين حريصين على أبنائهما ؟!
فعليك بهذه الوصية النبوية .
أسأل الله لك التوفيق والسعادة والخير في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
90186
العنوان:
هل ورد في فضل سورة "طه" حديث صحيح ؟
السؤال:
أود الاستفسار عن فضل قراءة سورة طه ، وأيضا عن فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات متواصلة لفترة معينة ؟ ولكم جزيل الشكر .
الجواب:
الحمد لِلَّه
أولا :
صح في فضائل سورة ( طه ) الأحاديث الآتية :
1- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قال في بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفُ وَمَرْيَمُ وَطه وَالْأَنْبِيَاءُ : ( هُنَّ مِنْ الْعِتَاقِ الْأُوَلِ ، وَهُنَّ مِنْ تِلَادِي )
رواه البخاري (4994)
قال البيهقي في "شعب الإيمان" (2/476) :
" ( العِتاق ) : جمع عتيق ، والعرب تجعل كل شيء بلغ الغاية في الجودة عتيقا ، يريد تفضيل هذه السور لما تضمنت من ذكر القصص وأخبار الأنبياء عليهم الصلاة السلام وأخبار الأمم ، و ( التِّلاد ) : ما كان قديما من المال ، يريد أنها من أوائل السور المنزلة في أول الإسلام لأنها مكية ، وأنها من أول ما قرأه وحفظه من القرآن " انتهى .
ويقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (8/388) :
" ( مِنَ العِتَاقِ ) جمع عتيق وهو القديم ، أو هو كل ما بلغ الغاية في الجودة ، وبالثاني جزم جماعة في هذا الحديث ، وقوله ( هُنَّ مِن تِلَادِي ) أي : مما حفظ قديما ، والتلاد قديم الملك ، وهو بخلاف الطارف ، ومراد ابن مسعود أنهن من أول ما تعلم من القرآن ، وأن لهن فضلا لما فيهن من القصص وأخبار الأنبياء والأمم " انتهى .
2- عن أبي أمامة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( اسْمُ اللَّهِ الأَعظَمُ فِي سُوَرٍ مِنَ القُرآنِ ثَلَاثٍ : فِي " البَقَرَةِ " وَ " آلِ عِمرَانَ " وَ " طَهَ " )
رواه ابن ماجه (3856) والحاكم (1/686) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (746) وقال رحمه الله :(/1)
" قول القاسم بن عبد الرحمن ( الراوي عن أبي أمامة ) أن الاسم الأعظم في آية ( وعنت الوجوه للحي القيوم ) من سورة ( طه ) لم أجد في المرفوع ما يؤيده ، فالأقرب عندي أنه في قوله في أول السورة ( إني أنا الله لا إله إلا أنا..) فإنه الموافق لبعض الأحاديث الصحيحة ، فانظر "الفتح" (11/225) ، و "صحيح أبي داود" (1341) " انتهى .
ثانيا :
جاء في فضائل سورة طه أحاديث ضعيفة واهية ، أذكرها هنا للتنبيه عليها ، ولتحذير الناس منها :
1- عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إن الله تبارك وتعالى قرأ " طه " و " يس " قبل أن يخلق السماوات والأرض بألف عام ، فلما سمعت الملائكة القرآن قالت : طوبى لأمة ينزل هذا عليها ، وطوبى لأجواف تحمل هذا ، وطوبى لألسنة تتكلم بهذا )
رواه الدارمي (2/547) وقال المحقق : إسناده ضعيف جدا ، عمر بن حفص بن ذكوان قال أحمد : تركنا حديثه وحرقناه . وفي "المعجم الأوسط" (5/133) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (1/208) : هذا متن موضوع . وكذا قال ابن الجوزي في "الموضوعات" (1/110) ، وقال ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (5/271) : فيه نكارة . وقال الألباني في "السلسلة الضعيفة" (1248) : منكر . وانظر "الكامل" (1/216) ، و "لسان الميزان" (1/114)
2- عن معقل بن يسار رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه و سلم :
( اعملوا بالقرآن ، أحِلُّوا حلاله ، وحرموا حرامه ، واقتدوا به ، ولا تكفروا بشيء منه ، وما تشابه عليكم منه فردوه إلى الله وإلى أولي الأمر من بعدي كَيْمَا يخبروكم ، وآمنوا بالتوراة والإنجيل والزبور وما أوتي النبيون من ربهم ، ولْيَسَعكم القرآن وما فيه من البيان ؛ فإنه شافع مشفع وماحل مصدق ، ألا ولكل آية نور يوم القيامة ، وإني أعطيت سورة البقرة من الذكر الأول ، وأعطيت " طه " و " طواسين " و " الحواميم " من ألواح موسى ، وأعطيت فاتحة الكتاب من تحت العرش )(/2)
رواه الحاكم في "المستدرك" (1/757) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد و لم يخرجاه . والطبراني في "المعجم الكبير" (20/225) وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2826) وابن حبان في "المجروحين" (2/65)
3- أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في دعائه :
( يا رب " طه " و " يس " ويا رب القرآن العظيم )
قال ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (5/173-174) :
" لا خلاف بين أهل العلم بالحديث أن هذا الحديث كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم " انتهى .
4- ( من قرأ " طه " أعطي يوم القيامة ثواب المهاجرين والأنصار )
ذكره الزمخشري والبيضاوي في فضائل سورة طه ، وهو من الأحاديث الموضوعة .
انظر "الكشف الإلهي" للطرابلسي (1/178)
وأما ما سألت عنه من فضل قراءتها كل ليلة ثلاث مرات فلم أجده في كتب السنة ، بل لم أجده حتى في كتب الموضوعات ، ولم يثبت في ذلك شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، فينبغي التنبه والحذر ، والحرص على العمل بالصحيح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ونبذ الضعيف والموضوع .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
90222
العنوان:
قوله للكافر في عيده : أتمنى لك الخير أو الأفضل هل يعد تهنئة
السؤال:
أعلم أن تهنئة الكتابيين بأعيادهم حرام ، لما فيها من إقرار لعقائد باطلة, و لكن هل يجوز لي أن أرسل لمن أعرفه منهم في أعيادهم رسائل لا تحتوى على تهنئة, كأن أرسل لهم "أتمنى لك الخير", "أتمنى لك الأفضل" بنية تمنى لهم الهدى ؟
الجواب:
الحمد لله
تهنئة الكفار في أعيادهم ، أمر محرم ، كما ذكرت . وراجع السؤال رقم (947) ، ورقم (81977)
والذي يظهر أن إرسال رسالة إلى من تعرفه منهم ، في أيام أعيادهم ، مضمونها : أتمنى لك الخير أو الأفضل ، أن ذلك من التهنئة .
لكن لو أرسلت هذه الرسالة في غير أيام الأعياد الخاصة بهم ، بنية دعوتهم والرغبة في هدايتهم ، فلا حرج .
عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ كَانَ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ [ يعني : يفتعلون العطاس من عندهم ] عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْجُونَ أَنْ يَقُولَ لَهُمْ يَرْحَمُكُمْ اللَّهُ فَيَقُولُ يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ .
رواه الإمام أحمد (19089) أبو داود (5038) والترمذي (2739) وصححه الألباني في الإرواء (1277) .
قال في عون المعبود : " أَيْ وَلَا يَقُول لَهُمْ يَرْحَمكُمْ اللَّه , لِأَنَّ الرَّحْمَة مُخْتَصَّة بِالْمُؤْمِنِينَ بَلْ يَدْعُو لَهُمْ بِمَا يُصْلِح بَالَهُمْ مِنْ الْهِدَايَة وَالتَّوْفِيق لِلْإِيمَانِ .
فالدعاء للكافر بالهداية ، أو بصلاح البال : يعني : بالإيمان والهدى ، لا بأس به ، بل هو ثابت بسنة النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
91142
العنوان:
محاذير الأناشيد الحديثة وشروط الجائز منها
السؤال:
هل يجوز الأناشيد المصورة \" فيديو كليب \" ؟ أليست تشبة أغاني الكفار ؟ فهل يجوز الفيديو كليب وظهور نساء سافرات يظهرهن الوجه والكفين واستخدام المؤثرات الصوتية وظهور رجال حالقين للحية فهل يجوز ظهورهم ؟ وجزاكم الله خيراً أريد الرد باستفاضة .
الجواب:
20406) .
3. أن تخلو من المؤثرات الصوتية التي تشبه صوت الآلات الموسيقية ؛ لأن العبرة بالظاهر والأثر ، وتقليد الآلات المحرمة لا يجوز ، وخاصة أن أثرها السيئ هو نفسه الذي تحدثه الآلات الحقيقية .
4. أن لا تكون الأناشيد ديدناً للمستمع ، وتستهلك وقته ، وتؤثر على الواجبات والمستحبات ، كتأثيرها على قراءة القرآن ، والدعوة إلى الله .
5. أن لا يكون المنشد امرأة أمام الرجال ، أو رجلاً فاتنا في هيئته أو صوته ، أمام النساء .
6. أن يتجنب سماع أصحاب الأصوات الرقيقة ، والمتكسرين في أدائهم ، والمتمايلين بأجسادهم ، ففي ذلك كله فتنة ، وتشبه بالفساق .
7. تجنب الصور التي توضع على أغلفة أشرطتهم ، وأولى من ذلك : تجنّب ظهورهم بالفيديو كليب المصاحب لأناشيدهم ، وخاصة ما يكون من بعضهم من حركات مثيرة ، وتشبه بالمغنين الفاسقين .
8. أن يكون القصد من النشيد الكلمات لا الألحان والطرب .
وهذه كلمات أهل العلم التي تحتوي الضوابط والشروط السابقة :
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(/1)
\" وبالجملة قد عرف بالاضطرار من دين الإسلام أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يشرع لصالحي أمته وعبَّادهم وزهَّادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف ، كما لم يُبح لأحدٍ أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به من الكتاب والحكمة ، لا في باطن الأمر ولا في ظاهره ، ولا لعامي ولا لخاصي ، ولكن رخص النبي صلى الله عليه وسلم في أنواع من اللهو في العرس ونحوه ، كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح .
وأما الرجال على عهده : فلم يكن أحد منهم يضرب بدف ، ولا يصفق بكف ، بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال : ( التصفيق للنساء ، والتسبيح للرجال ) و ( لعن المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء ) .
ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف من عمل النساء : كان السلف يسمُّون من يفعل ذلك من الرجال مخنَّثاً ، ويسمُّون الرجال المغنين مخانيثاً ، وهذا مشهور في كلامهم
والحاصل أن البَتَّ فيها مطلقاً ليس بسديد ، بل يُنظر فيها ؛ فالأناشيد السليمة : لا بأس بها ، والأناشيد التي فيها منكر ، أو دعوة إلى منكرٍ : منكرةٌ \" 47996 ) و ( 67925 ) .
5. وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
\" بل قد يكون في هذا – [ أي : الأناشيد ] - آفةٌ أخرى ، وهي أنّها قد تُلحَّن على ألحان الأغاني الماجنة ، وتوقع على القوانين الموسيقية الشرقية والغربية التي تطرب السامعين وترقصهم ، وتخرجهم عن طورهم ، فيكون المقصد هو اللحن والطرب ، وليس النشيد بالذات ، وهذه مخالفة جديدة ، وهي التشبه بالكفار والمجّان ، وقد ينتج من وراء ذلك مخالفة أخرى ، وهي التشبه بهم في إعراضهم عن القرآن وهجرهم إياه ، فيدخلون في عموم شكوى النبي صلى الله عليه وسلم من قومه ، كما في قوله تعالى : ( وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجوراً ) \"11563 ) ذكر جملة من الضوابط ، نذكرها هنا للفائدة :(/2)
\" وهناك ضوابط تراعى في هذا الأمر :
عدم استعمال الآلات والمعازف المحرمة في النشيد .
عدم الإكثار منه وجعله ديدن المسلم وكل وقته ، وتضييع الواجبات والفرائض لأجله .
أن لا يكون بصوت النساء ، وأن لا يشتمل على كلام محرم أو فاحش .
وأن لا يشابه ألحان أهل الفسق والمجون .
وأن يخلو من المؤثرات الصوتية التي تنتج أصواتاً مثل أصوات المعازف .
وأن لا يكون ذا لحن يطرب وينتشي به السامع ويفتنه كالذين يسمعون الأغاني ، وهذا كثير في الأناشيد التي ظهرت هذه الأيام ، حتى لم يعد سامعوها يلتفتون إلى ما فيها من المعاني الجليلة لانشغالهم بالطرب والتلذذ باللحن \".
وإننا لنربأ بإخواننا المنشدين والمقرئين أن يكونوا سبب فتنة الشباب والشابات ، وسبباً في إلهائهم عن طاعة الله ، وهم يعلمون كم لأصواتهم وصورهم من أثرٍ سيء على الذكور والإناث ، وجولة في عالم المنتديات ترى عجباً ، ترى من تعشق منشداً ، وترى من لا تستطيع النوم إلا على صوت فلان ، وترى من تسمي نفسها \" عاشقة فلان \" – من المنشدين - ، وترى تعظيماً وتبجيلاً لأولئك المنشدين من النساء والرجال ، فيُعطون الألقاب والمنازل العالية ، مع أن بعضهم ليس متديناً أصلاً ، وبعضهم سقط في أوحال الغناء الماجن ، وجولة أخرى في عالم المواقع الصوتية ترى عجباً آخر وهو الغلو في سماع وتحميل هذه الأناشيد ، والزهد في سماع القرآن والمحاضرات النافعة .
نسأل الله أن يصلح أحوال الجميع .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
91259
العنوان:
هل له أن ينقل الناس بسيارته الخاصة بأجرة؟
السؤال:
هل يجوز نقل الناس في السيارة بالمقابل بدون رخصة سيارة أجرة ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز للإنسان أن يحمل غيره على دابته أو سيارته إلى مكان معين ، بأجرة يتفقان عليها عند العقد .
قال في "فتح القدير" (9/83) : "ويجوز استئجار الدواب للركوب والحمل ; لأنه منفعة معلومة معهودة " انتهى .
وفي "الموسوعة الفقهية" (1/302) : " إجارة وسائل النقل الحديثة : لم يتعرض الفقهاء الأقدمون لبيان أحكام استئجار وسائل النقل الحديثة من سيارات وطائرات وسفن كبيرة , وإنما تعرضوا لاستئجار الدواب والأشخاص والسفن الصغيرة . ويمكن تطبيق أحكام إجارة هذه الأشياء على وسائل النقل الحديثة , وإذا كان هناك اختلاف في بعض الأحوال , كاختلافهم في تعيين الراكب , فإن هذا يرجع فيه إلى العرف . فلا فرق بين شخص وآخر في استئجار سيارة أو طائرة , بخلاف الدابة , فإنها تتأثر بالأشخاص ضخامة ونحافة - وأما ما يصحبه الراكب من المتاع فمرجع ذلك إلى الشرط . فإن لم يكن فالحكم العرف . وأما استحقاق الأجرة , سواء على نقل الأشخاص أو الأمتعة , فالمرجع أيضا إلى الشرط . وإلا فالعرف " انتهى بتصرف.
وكون الإنسان لا يملك رخصة سيارة أجرة ، لا يمنع من جواز أن يحمل غيره بأجرة كما سبق ، لأنه مالك للعين ولمنفعتها وله أن يتصرف فيها بالبيع والإجارة وغيرها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
91287
العنوان:
عرض عليه أن يستقبل في حسابه مبلغاً في مقابل عمولة كبيرة جدا
السؤال:
تم عرض علي مبلغ من المال يفوق الخيال على أن أستقبله بحسابي في البنك الذي أتعامل معه ، على أن يتم إرساله مرة أخرى لحساب آخر مقابل عمولة مغرية جدا.. المرسل لا يقبل سؤالي ما هو مصدر المال ولكني أعرفه جيدا. فما هو حكم الشرع في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
كان ينبغي أن تذكر لنا مصدر المال ، هل هو حلال أم حرام، ما دمت تعرفه جيداً .
ثانيا :
إذا كانت الأموال مصدرها من الحرام ، كالمخدرات مثلا ، فلا يجوز لك قبول هذا العرض ، لأنه وسيلة إلى نشر الفساد ، وتسهيل الحرام ، والتستر على المنكر ؛ وهذه صورة من صور غسيل الأموال ، ولا يجوز الإعانة على ذلك ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2.
وإذا لم تعرف مصدر المال ، فليس لك أن تقوم بهذا العمل ، حتى يخبرك الشخص بمصدر أمواله ، والسبب الذي يحمله على الاستعانة بك ، فإن تبين خلو المسألة من الحرام جاز لك إعانته .
وننبه إلى أن الطريقة المذكورة قد تكون وسيلة من وسائل الخداع والسرقة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
91305
العنوان:
ذكر اللَّه باسمه المفرد
السؤال:
سمعت أحد طلاب العلم يذكر بدع الصوفية ، فذكر من بينها ذكرهم الله بالاسم المفرد ، وأن هذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن أصحابه الكرام ، ولكن ألم يقل رسول الله في الحديث الذي لا أذكر نصه ، ولكن معناه أنه لن تقوم الساعة على عبد يقول الله الله ، وهذا ذكر لله بالاسم المفرد ، ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في مقام مدح لقائله ، حيث استثناه من شرار الخلق الذين تقوم عليهم الساعة ؟
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
ذكر الله بالاسم المفرد ، بأن يقتصر الذاكر على لفظ الجلالة فيقول : الله ، الله ، الله ، من بدع الأذكار التي أحدثها الجهال من المتصوفة ومن وافقهم ، لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من الصحابة .
وقد سبق في موقعنا تقرير ذلك بشكل مفصل في جواب السؤال رقم : (9389) ، (26867)
ثانيا :
أما ما يستدل به البعض على مشروعية هذا الذكر ، فهي شبهات ساقطة لا تدل على مشروعية هذا النوع من الذكر أبدا ، ومن هذه الأدلة :
ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ اللَّهُ اللَّهُ ) رواه مسلم (148)
وليس في الحديث دليل على الذكر بالاسم المفرد ، وذلك من وجوه :
1- أن بعض الرويات جاء فيها : ( لاَ تَقُومُ السَّاعَةُ عَلَى أَحَدٍ يَقُولُ : لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّه )
وهي رواية أحمد في "المسند" (3/268) ، وابن حبان في صحيحه (15/262) والحاكم (4/540) بل هي إحدى روايات مسلم كما نقله القاضي عياض من رواية ابن أبي جعفر . انظر النووي في "شرح مسلم" (2/178)
فهذه الرواية تفسر الرواية الأولى ، فيكون المعنى : لا تقوم الساعة على الموحدين الذين يقولون : لا إله إلا الله .(/1)
2- لا يجوز أن يكون المراد بالحديث : أن الساعة لا تقوم على من يذكر الله باسمه المفرد ، وتقوم على من يذكرون بغير ذلك ، فإن غاية ما يُزعم هو استحباب الذكر بالاسم المفرد ، وليس فرضيته ، فكيف يكون مدار النجاة من هول قيام الساعة على أمر مستحب ؟! .
3- ثم إن اللغة العربية لا تسعف من يريد أن يستدل به ، لأن الاسم المفرد لا يفيد معنى تاما ، وذكر الله تعالى لا بد أن يحمل معنى الثناء عليه بشيء من صفاته .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/564) :
" اتفق أهل العلم بلغة العرب وسائر اللغات على أن الاسم وحده لا يحسن السكوت عليه ، ولا هو جملة تامة ولا كلاما مفيدا " انتهى .
4- أن الصحابة رضي الله عنهم ، والتابعين ومن تبعهم ، لم يفهموا من هذا الحديث استحباب الذكر بالاسم المفرد ، ولم يرد عن أحد منهم أنه استنبط ذلك من هذا الحديث ، وهذا دليل كاف على بطلان هذا الاستدلال .
5- ثم تواردت أقوال العلماء في تفسير الحديث ، ولم يرد عن أحد منهم الاستدلال به على الذكر بالاسم المفرد .
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (2/178) :
" ( يقول الله الله ) : هو برفع اسم الله تعالى ، وقد يغلط فيه بعض الناس فلا يرفعه " انتهى .
ويقول الطيبي كما في "تحفة الأحوذي" (6/375) :
" معنى ( حتى لا يقال ) حتى لا يذكر اسم الله ولا يعبد " انتهى .
ويقول المناوي في "فيض القدير" (6/417) :
" وليس المراد أن لا يتلفظ بهذه الكلمة ، بل أنه لا يذكر الله ذكرا حقيقيا ، فكأنه لا تقوم الساعة وفي الأرض إنسان كامل ، أو التكرار كناية عن أن لا يقع إنكار قلبي على منكر ؛ لأن من أنكر منكرا يقول عادة متعجبا من قبحه " الله الله " فالمعنى : لا تقوم الساعة حتى لا يبقى من ينكر المنكر " انتهى .
ويقول الشيخ الألباني رحمه الله في "فتاوى جدة" (الشريط رقم/6/الدقيقة 60) :(/2)
" هذا لا يعني أن المسلم يجلس يذكر الله بالاسم المفرد ، فيقول مائة مرة "الله الله الله" كما يفعلون في كثير من الطرق ، وتفسيره في رواية الإمام أحمد في "المسند" ( لا تقوم الساعة وعلى وجه الأرض من يقول : لا إله إلا الله )
فإذًا اللفظ المفرد في الرواية الأولى كنايةٌ عن التوحيد ، ومعنى ذلك أنه لا تقوم الساعة على وجه الأرض من يعبد الله .
هذا قد جاء صريحا في حديث ابن سمعان في صحيح مسلم ، وفيه أن الله تبارك وتعالى إذا أراد أن يقيم الساعة أرسل ريحا طيبة فيقبض روح كل مؤمن ، فلا يبقى على وجه الأرض إلا شرار الخلق ، وعليهم تقوم الساعة .
وليس في هذا الذكر أكثر من أنه مستحب ، فهل لا تقوم الساعة إلا على من ترك المستحب ، يعني إذا استمر المسلمون يقومون بكل واجباتهم وعقائدهم الصحيحة ، لكنه أخل بهذا الأمر المستحب ، فعليهم تقوم الساعة !؟ " انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
91306
العنوان:
شبهة في خلق القرآن
السؤال:
أنا أؤمن أن القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق ، ولكن كيف نجمع بين هذا وبين الحديث القائل بأن سورة البقرة وآل عمران تأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان تحاجان عن صاحبهما ، وهذا قطعاً ينفي كون تلك الغيايتين من ذات الله ، وكذلك الأحاديث الأخرى عن سورة تبارك في القبر ، وغيرها من سور القرآن التي تتمثل في صورة مخلوق يدافع عن العبد في الآخرة؟
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
يعتقد المسلمون أن القرآن الكريم كلام الله تعالى ، تكلم به كما يليق بجلاله وعظمته سبحانه .
يقول الله عز وجل :
( وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ ) التوبة/6
يقول الإمام الآجري في كتاب "الشريعة" (1/84) :
" اعلموا رحمنا الله تعالى وإياكم : أن قول المسلمين الذين لم تزغ قلوبهم عن الحق ، ووُفقوا للرشاد قديما وحديثا : أن القرآن كلام الله عز وجل ، ليس بمخلوق ؛ لأن القرآن من علم الله تعالى ، وعلم الله عز وجل لا يكون مخلوقا ، تعالى الله عز وجل عن ذلك ، دل على ذلك القرآن والسنة وقول الصحابة رضي الله تعالى عنهم وقول أئمة المسلمين رحمة الله تعالى عليهم ، لا ينكر هذا إلا جهمي خبيث ، والجهمية عند العلماء كافرة .
وقال الله عز وجل لنبيه عليه الصلاة والسلام : ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) الأعراف/158 .
وهو القرآن .(/1)
وقال جل وعلا لموسى عليه الصلاة والسلام : ( قَالَ يَا مُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُن مِّنَ الشَّاكِرِينَ ) الأعراف/188
ومثل هذا في القرآن كثير ، وقال عز وجل : ( فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) آل عمران/61 ، وقال عز وجل : ( وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءهُم مِّن بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذَاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ) البقرة/145
لم يزل الله تعالى عالما متكلما سميعا بصيرا بصفاته قبل خلق الأشياء ، من قال غير هذا فقد كفر .
وسنذكر من السنن والآثار وقول العلماء الذين لا يستوحش من ذكرهم : ما إذا سمعها من له علم وعقل زاده علما وفهما ، وإذا سمعها من في قلبه زيغ فإذا أراد الله هدايته إلى طريق الحق رجع عن مذهبه ، وإن لم يرجع فالبلاء عليه أعظم " انتهى .
فمن أحب التوسع فليرجع إلى ما ذكره الآجري من أدلة متواترة على أن القرآن كلام الله غير مخلوق .
ثانيا :
أصل القول بخلق القرآن ليس استدلالا من الكتاب والسنة ، وإنما بأدلة عقلية اضطرتهم إلى نفي الصفات عن الله تعالى ، وذلك حين قالوا بأن الصفات لا تقوم إلا في المخلوقات والحوادث ، وتوصلوا إلى هذه القاعدة عبر سلسلةٍ من المغالطات التي يسمونها "دليل حدوث العالم" ، ثم نظروا بعد ذلك في القرآن الكريم ، فحرَّفوا كل دلالة تُخَالفُ هذا المفهوم الذي توصلوا إليه ، وجمعوا كل شبهة يمكن أن تدل عليه ، فكان مما تشبَّثُوا به ما ذكره السائل الكريم ، مما جاء في السنة الآحادية الصحيحة – مع أنهم لا يحتجون في العقائد إلا بالمتواتر منها – أن القرآن يأتي يوم القيامة على هيئة معينة ليشفع لصاحبه ، قالوا وهذا يدل على أنه مخلوق ، فإنه لا يتصف بالمجيء والإتيان إلا المخلوق .(/2)
عن أَبي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( اقْرَءُوا الْقُرْآنَ فَإِنَّهُ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَفِيعًا لِأَصْحَابِهِ اقْرَءُوا الزَّهْرَاوَيْنِ الْبَقَرَةَ وَسُورَةَ آلِ عِمْرَانَ فَإِنَّهُمَا تَأْتِيَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَنَّهُمَا غَمَامَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا غَيَايَتَانِ أَوْ كَأَنَّهُمَا فِرْقَانِ مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ تُحَاجَّانِ عَنْ أَصْحَابِهِمَا ) رواه مسلم (804)
الغمامة والغياية كل شيء أظل الإنسان فوق رأسه ، ( الفِرقان ) هما قطيعان وجماعتان من طير ( صواف ) جمع صافة : وهي من الطيور ما يبسط أجنحتها في الهواء . "شرح مسلم للنووي" (6/90)
وعن بريدة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( يَجِيءُ الْقُرْآنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَالرَّجُلِ الشَّاحِبِ فَيَقُولُ أَنَا الَّذِي أَسْهَرْتُ لَيْلَكَ وَأَظْمَأْتُ نَهَارَكَ ) رواه ابن ماجه (3781) وصححه البوصيري في الزوائد ، وابن حجر في "المطالب العالية" (4/66) ، وقال الألباني في ضعيف ابن ماجه : ضعيف يحتمل التحسين . وحسنه من حديث أبي هريرة في "السلسلة الصحيحة" (2829)
وهذه شبهة قديمة أجاب عنها الإمام أحمد وغيره من أئمة السنة .
يقول ابن قتيبة رحمه الله في "تأويل مختلف الحديث" (258):
" أراد بقوله ( تجيء البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان ) أن ثوابهما يأتي قارئهما حتى يظله يوم القيامة ، ويأتي ثوابه الرجل في قبره ، ويأتي الرجل يوم القيامة حتى يجادل عنه ، ويجوز أن يكون الله تعالى يجعل له مثالا يحاج عنه ويستنقذه " انتهى .
وانظر : الرد على الزنادقة والجهمية ، للإمام أحمد ص (42-43) .
ويقول ابن بطة في "الإبانة الكبرى" (5/476) :(/3)
" ثم إن الجهمية لجأت إلى المغالطة في أحاديث تأولوها ، موهوا بها على من لا يعرف الحديث ، وإنما عنى في هذه الأحاديث في قوله : ( يجيء القرآن وتجيء البقرة وتجيء الصلاة ويجيء الصيام ) يجيء ثواب ذلك كله ، وكل هذا مبين في الكتاب والسنة .
قال الله عز وجل : ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ) الزلزلة/7-8
فظاهر اللفظ من هذا أنه يرى الخير والشر ، وليس يرى الخير والشر ، وإنما ثوابَهما والجزاء عليهما من الثواب والعقاب .
كما قال عز وجل ( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَيُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَاللّهُ رَؤُوفُ بِالْعِبَادِ ) آل عمران/30
وليس يعني أنها تلك الأعمال التي عملتها بهيئتها وكما عملتها من الشر ، وإنما تجد الجزاء على ذلك من الثواب والعقاب .
فيجوز في الكلام أن يقال : يجيء القرآن ، تجيء الصلاة ، وتجيء الزكاة ، يجيء الصبر ، يجيء الشكر ، وإنما يجيء ثواب ذلك كله " انتهى .
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (8/408) :
" ولما احتج الجهمية على الإمام أحمد وغيره من أهل السنة على أن القرآن مخلوق بقول النبى صلى الله عليه و سلم : ( تأتي البقرة وآل عمران كأنهما غمامتان أو غيايتان أو فرقان من طير صواف ) و ( يأتي القرآن فى صورة الرجل الشاحب ) ونحو ذلك .
قالوا : ومن يأتى ويذهب لا يكون إلا مخلوقا .(/4)
أجابهم الإمام أحمد : بأن الله تعالى قد وصف نفسه بالمجيء والإتيان بقوله : (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ ) الأنعام/158 ، وقال : ( وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً ) الفجر/22 ، ومع هذا فلم يكن هذا دليلا على أنه مخلوق بالاتفاق ، بل قد يقول القائل جاء أمره ، وهكذا تقوله المعتزلة الذين يقولون القرآن مخلوق ، يتأولون هذه الآية على أن المراد بمجيئه مجيء أمره ، فَلِمَ لا يجوز أن يتأول مجيء القرآن على مجيء ثوابه ، ويكون المراد بقوله ( تجيء البقرة وآل عمران ) بمجيء ثوابها ، وثوابها مخلوق ! وقد ذكر هذا المعنى غير واحد ، وبينوا أن المراد بقوله ( تجيء البقرة وآل عمران ) أي : ثوابهما ، ليجيبوا الجهمية الذين احتجوا بمجيء القرآن وإتيانه على أنه مخلوق " انتهى
وفي مجموع الفتاوى (5/398) :
" وأحمد وغيره من أئمة السنة فسروا هذا الحديث بأن المراد به مجىء ثواب البقرة وآل عمران ، كما ذكر مثل ذلك من مجىء الأعمال فى القبر وفى القيامة ، والمراد منه ثواب الأعمال ، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اقرؤوا البقرة وآل عمران فانهما يجيئان يوم القيامة كأنهما غيايتان أو غمامتان أو فرقان من طير صواف يحاجان عن أصحابهما )
وهذا الحديث فى الصحيح ، فلما أمر بقرائتهما ، وذكر مجيئهما يحاجان عن القارىء ، علم أنه أراد بذلك قراءة القارىء لهما ، وهو عمله ، وأخبر بمجيء عمله الذى هو التلاوة لهما فى الصورة التى ذكرها ، كما أخبر بمجىء غير ذلك من الأعمال " انتهى .
يتبين مما سبق أنه لا يصح الاستدلال بهذه الأحاديث على خلق القرآن ، لأن المقصود بها ثواب قراءة القرآن ، كما أن المقصود بقوله تعالى ( فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ) الزلزلة/7 ، أنه يرى ثواب الخير .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
91323
العنوان:
هل يتصدق على أخيه ويصلي معه في وقت النهي ؟
السؤال:
ماذا أفعل إذا طلب مني شخص لم يصلّ أن أتصدق عليه وأصلي معه لينال ثواب الجماعة، إذا كان هذا وقت كراهية ، مثل بعد صلاة الفجر أو العصر؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في إعادة الجماعة في وقت النهي ، صدقةً على من فاتته الجماعة ، ولم يجد من يصلي معه ، لأن هذه الصلاة ليست نفلا مطلقا ، وإنما هي لسبب ، والصلاة إذا كان لها سبب ، جاز فعلها في وقت النهي ، على الراجح من قولي العلماء .
وقد دل على مشروعية إعادة الجماعة هنا : ما رواه أحمد (11631) وأبو داود (574) والترمذي (220) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا جَاءَ وَقَدْ صَلَّى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : (أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ؟)
ولفظ أبي داود : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَبْصَرَ رَجُلًا يُصَلِّي وَحْدَهُ فَقَالَ : ( أَلَا رَجُلٌ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ؟) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن قوله عليه الصلاة والسلام : ( لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس ، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس ) فهل هذا العموم مراد أو ليس بمراد ؟
فأجاب فضيلته بقوله : " هذا العموم ليس بمراد ، بل يخرج منه بعض أفراده .
ومن ذلك :(/1)
إعادة الجماعة مثل أن يصلي الإنسان الصبح في مسجده ، ثم إذا ذهب إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون الصبح فإنه يصلي معهم ، ولا إثم عليه ولا نهي ، والدليل : أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ذات يوم في منى ، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه فسألهما لماذا لم تصليا ؟ قالا : صلينا في رحالنا ، قال : ( إذا صليتما في رحالكما ، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم ) ، وهذا بعد صلاة الصبح .....إلخ " انتهى باختصار من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (14/344).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
91344
العنوان:
شراء المجلات والكتالوجات لأخذ الموديلات النسائية
السؤال:
ما حكم شراء كتالوجات الملابس الأجنبية (الطلبية) بحجة عدم دخول النساء للسوق والاكتفاء بهذه الكتالوجات لشراء الملابس؟ علماً بأن هذه الكتالوجات تحتوي على صور نساء ورجال لعرض الأزياء، ومن ضمن تلك المعروضات يوجد صور نساء ورجال بملابس داخلية فقط!!! (أي صور شبه عرايا) فما الحكم في ذلك؟ وهل يجوز نظر المرأة للمرأة بملابس داخلية فقط في العرض !! وذلك للشراء ، آمل منكم الإجابة على سؤالي حول شراء هذا الكتالوج إجابة مفصلة كافية مقنعة .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز شراء الكتالوجات المذكورة ، لاشتمالها على الصور الخليعة ، التي لا يجوز للرجل أو المرأة مشاهدتها .
ومعلوم أن عورة الرجل بالنسبة للرجل ، وعورة المرأة بالنسبة للمرأة ، ما بين السرة والركبة ، وهذه الصور لا تخلو من كشف للعورات كما ذكرت . هذا زيادة على الفتنة والشر الذي يمكن أن يحصل بسببها ، لمن يشاهدها من النساء أو الرجال أو الأولاد .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ، ما نصه : " ما حكم أخذ المجلات التي فيها صور نساء لأخذ أنواع الموديلات التي تتناسب مع شريعتنا السمحة، وترك ما يكون مخالفًا لها؟
فأجابت : لا يجوز لك أن تشتري هذه المجلات التي بها صور أزياء مختلفة ؛ لما فيها من الفتنة وترويج مثل هذه المجلات الضارة ، ويسعك في اللباس ما يسع نساء بلدك .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (13/75).(/1)
وجاء فيها أيضا (1/468) : " وأما ما يوجد في المجلات من الصور الخليعة فهذه لا يجوز شراؤها ولا إدخالها في البيت ؛ لما في ذلك من المفاسد التي تربو على المصلحة المقصودة من مصلحة الذكرى - إن كانت هناك مصلحة - وإلا فالأمر أعظم تحريما، وقد قال صلى الله عليه وسلم: « إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه » وقال صلى الله عليه وسلم: « دع ما يريبك إلى ما لا يريبك » وقال صلى الله عليه وسلم لرجل جاء يسأله عن البر: « البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب، والإثم ما حاك في النفس وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك » .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم شراء الكتب المشتملة على صور:
فأجاب : " الكتب التي بها صورة تنقسم إلى قسمين : قسم موضوع للصور , مثل ما يسمى الآن بمجلة البردة هذه ، فلا يجوز شراؤها ولا اقتناؤها ؛ لأن المقصود بها أولاً وآخراً الصور, وقسم آخر لا يقصد به الصور إنما يقصد به الفائدة ، لكن قد يشتمل على صورة الذي كتب المقال , فهذا لا بأس من اقتنائها ؛ لأن التحرز منها شاق , وكونه يمشي عليها كلها ويطمس الوجوه أيضاً شاق , وبيعها جائز؛ لأنه متى جاز استعمالها جاز بيعها "
انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (21/115).
وقال رحمه الله : " أحذركم من أن تتسرب هذه الصحف والمجلات المملوءة بالصور الفاتنة والأقوال المضلة والأزياء المنحرفة إلى بيوتكم ، فتقع في أيدي أهليكم ، فتهلكهم وتطيح بأخلاقهم وقيمهم ؛ إن كل شيء يعرض في هذه الصحف والمجلات سوف يؤثر على من يقتنيها مقتنعاً بها وبما ينشر فيها من أفكار ومظاهر .(/2)
أيها المؤمنون إن وجود هذه المجلات والصحف في البيوت مانع من دخول الملائكة إليها ، لأن الملائكة لا تدخل بيتا فيه صورة، وما ظنك ببيت لا تدخله الملائكة ، فاقتناء مثل هذه المجلات حرام ، وشراؤها حرام ، وبيعها حرام ، ومكسبها حرام ، وقبولها هدية حرام ، وكل ما يعين على نشرها بين المسلمين حرام ، لأنه من التعاون على الآثم والعدوان ، وقد قال الله عز وجل : { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .
فاتقوا الله عباد الله واحذروا أن تبقى هذه الصحف والمجلات في أيديكم وأحرقوها ، فإنها قد قامت عليكم الحجة بما سمعتم ، أحرقوا هذه المجلات ، أتلفوها لا تبقى في أيدي أهلكم ، لا في أيدي البنين ولا في أيدي البنات ، وإياكم أن تبذلوا الأموال في شرائها أو المساهمة فيها ، فإن في ذلك مفاسد كثيرة ؛ من هذه المفاسد إضاعة المال الذي جعله الله قياماً للناس تقوم به مصالح دينهم ودنياهم ، وإضاعة المال صرفه فيما لا نفع فيه ، أو فيما فيه ضرر ، وقد ثبت عن النبي ، - صلى الله عليه وسلم - ، أنه نهى عن إضاعة المال "
انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/381).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
91391
العنوان:
يجوز للعريس أن يستقبل المهنئين وهو جنب
السؤال:
اعتاد الناس في بلدتنا انتظار العروس بعد الدخول به ليلة الزفاف ليباركوا لها والجلوس معها بعض الوقت ، وكذلك يفعل الرجال مع العريس ، هذا الأمر يجعل العرسان يخرجون إليهم قبل الغسل من الجنابة ؛ فهل هذا جائز ، أم يجب عليهم الغسل أولا ثم الخروج لاستقبال المهنئين ، الأمر الذي يأخذ منهم الكثير من الوقت لتجهيز أنفسهم ، خاصة المرأة ، فما رأيكم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في خروج الجنب لاستقبال المهنئين والسلام عليهم والجلوس معهم ؛ لما روى البخاري (283) ومسلم (372) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقِيَهُ فِي بَعْضِ طَرِيقِ الْمَدِينَةِ وَهُوَ جُنُبٌ فَانْخَنَسْتُ مِنْهُ فَذَهَبَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ أَيْنَ كُنْتَ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ كُنْتُ جُنُبًا فَكَرِهْتُ أَنْ أُجَالِسَكَ وَأَنَا عَلَى غَيْرِ طَهَارَةٍ فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَنْجُسُ ).
والأفضل له أن يتوضأ ؛ لما روى مسلم (305) عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ جُنُبًا فَأَرَادَ أَنْ يَأْكُلَ أَوْ يَنَامَ تَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ .
ولأنّ الملائكة لا تقرب الجُنُب كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( ثَلَاثَةٌ لَا تَقْرَبُهُمْ الْمَلَائِكَةُ جِيفَةُ الْكَافِرِ وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ وَالْجُنُبُ إِلا أَنْ يَتَوَضَّأَ ) رواه أبو داود 4180 وحسنه الألباني في صحيح أبي داود 3522
وَالْمُتَضَمِّخُ بِالْخَلُوقِ : هو الرجل المتلطّخ بطيب فيه زعفران لما في ذلك من الرّعونة والتشبّه بالنساء . "فيض القدير" (3/325).
وراجع السؤال رقم (6533)(/1)
على أن هذه العادات القديمة ، مما ينبغي توعية الناس وتعويدهم على التخلص منها ؛ فمثل هذا الاجتماع المتعمد ، والمعتاد ، مما يخدش حياء العروسين ، بل ويحملهما عبئا نفسيا زائدا في مثل هذه الظروف : أن يشعر الرجل هو وامرأته أن الأقارب والأصدقاء في انتظار انتهائهما من شأنهما ، ليباركوا لهما بعد ذلك ؟!!
إن وقت التهنئة ليس مضيقا على هذا الوقت المحرج ؛ فبالإمكان أن تتم هذه التهنئة أثناء العرس ، أو بعد تلك الليلة ، أو في أي وقت آخر ، ولا وجه لتعمد ذلك الوقت ، وتهنئة الزوجين به إلا العادات القديمة البالية ، والتي لا أصل لها في الشرع ، ولا وجه لها من العقل السليم ، أو محاسن الآداب والأخلاق .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
91459
العنوان:
هل يجوز تأجير البيت المرهون ؟
السؤال:
أنا أحد المنسوبين لدى شركه أرامكو والشركة تقدم قرضا بدون فوائد لإنشاء بيت يتم سداده بحسم تلقائي من راتبي الشهري يصل إلي 15 سنة ، والأرض توفرها الشركة مجانا. هل يجوز لي تأجير جزء (دور) من البيت والسكن في الآخر ؟ علماً بأن الصك مرهون لصالح الشركة إلى الانتهاء من تسديد القرض. والاتفاقية الموقع عليها مع الشركة في المادة التاسعة تقول: لا يجوز لك تأجير البيت أو بيعه أو رهنه أو انتقاله على أي نحو آخر قبل الانتهاء من تسديد كامل القرض المستدان إلا بإذن خطي مسبق من الشركة على أن يكون للشركة الحق باتخاذ أي إجراءات تراها مناسبة إذا أخللت بأي شرط من شروط هذه الاتفاقية .
الجواب:
الحمد لله
هذا معناه أن الأرض مرهونة لدى الشركة حتى يتم سداد القرض ، وقد اختلف العلماء في جواز تأجير الراهن (صاحب الرهن) العين المرهونة بدون إذن المرتهن (صاحب الدين) .
فذهب بعضهم إلى أنه لا يجوز ذلك ، وهو مذهب الإمامين أبي حنيفة وأحمد .
وذهب آخرون إلى جواز تأجيره مدة تنتهي قبل حلول الدين ، وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/254).: " وليس للراهن الانتفاع بالرهن , باستخدام , ولا وطء , ولا سكنى , ولا غير ذلك ولا يملك التصرف فيه , بإجارة , ولا إعارة , ولا غيرهما , بغير رضا المرتهن . وبهذا قال الثوري وأصحاب الرأي . وقال مالك وابن أبي ليلى والشافعي , وابن المنذر : للراهن إجارته وإعارته مدة لا يتأخر انقضاؤها عن حلول الدين " انتهى .
ولا شك أن المقصود من الرهن توثقة الدين ، وأن الشركة من حقها بيع الرهن وأخذ القرض من ثمنه إذا جاء وقت السداد وامتنع المدين من السداد ، أو تعذر عليه السداد .(/1)
وهذه التوثقة تقل إذا كان البيت المرهون مؤجراً ، لصعوبة إخراج المستأجر ، فقد يمتد ذلك إلى سنوات ، مع ما فيه من إنفاق الأموال والجهد والوقت حتى يتم ذلك .
ولهذا فإن للشركة الحق أن تشترط على المدين ألا يؤجر البيت ، لأن هذه الإجارة وإن كانت لا تبطل حق الشركة ولكنها تضعف توثيق الدين بلا شك ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( وَالْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا حَرَّمَ حَلَالًا أَوْ أَحَلَّ حَرَامًا ) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فإذا وافق المدين على هذا الشرط لزمه الوفاء به .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
91478
العنوان:
لديهم مصاب بالسلس ويجلس على الفرش فما حكم الصلاة عليها؟
السؤال:
عندنا رجل مريض مصاب بمرض في قدميه ومصاب بمرض سلس البول فيلبس الحفاظات أحياناً ، وأحياناً يرفض لبسها ويقول لا يوجد لدي شيء وهو يزحف على كل مفروشات المنزل ما حكم جلوسنا على كل المفروشات والسير عليها إذا كنا متوضئين والصلاة عليها .
الجواب:
الحمد لله
إذا تيقن المريض من انقطاع الخارج ، فلا حرج عليه في نزع الحفاظة ، وجلوسه على الفُرش .
والأصل حمل كلامه على الصدق ، لكن إن تبين لكم أن الأمر بخلاف ما يقول ، وأن المفروشات يصيبها شيء من بوله ، فينبغي الاحتياط لأمر الصلاة ، بأن يغسل الإنسان قدميه قبل أن يصلي خشية أن يكون أصابها شيء من النجاسة ، ويتخذ فراشا طاهرا يصلي عليه .
والأصل في هذه الفرش الطهارة ، فلا يحكم بنجاسة شيء منها بمجرد الشك ، لكن إذا تُحقق من وجود النجاسة ، وعُلم موضعها ، وكان يشق رفعها وغسلها ، فيكفي في طهارتها أن يصب الماء على النجاسة ، بحيث يغلبها .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : هل إذا بال الطفل على الفرشة على مختلف سنه يكفي صب الماء وتطهر من النجاسة، نظرا إلى أن الفرشة قد تكون كبيرة وقد تكون لاصقة بالأرض ، أو تكون مثبتا عليها دواليب كبيرة وسرر أو لا؟
فأجابت :
"إذا كان من بال على هذه الفرشة ونحوها غلاما لم يأكل الطعام كفى في تطهيرها رش الماء عليها حتى يعم موضع النجاسة منها ، ولا يجب عصرها ولا غسلها ، وإن كان قد أكل الطعام أو كان جارية سواء أكلت الطعام أم لا ، فلا بد لتطهيرها من الغسل ، ويكفي صب الماء على موضع النجاسة ، ولا يجب نزع الفرشة ولا عصرها كالنجاسة على الأرض ، لما ثبت في الصحيحين عن أنس رضي الله عنه : ( أن أعرابيا بال في المسجد فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يصب على بوله دلو من الماء) انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/364) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
91640
العنوان:
هل الأفضل لطالب العلم لبس العقال أم لا ؟
السؤال:
من المعلوم أن لبس العقال هو من المباحات التي سكت عنها الشارع ، وأن قضية العقال ينبغي ألا تأخذ حيزًا أكبر مما تستحقه من اهتمامنا ولكني مع ذلك أسأل : هل الأنسب لطالب العلم أو خطيب الجمعة أو القاضي أو إمام المسجد أو نحوه أن يضع العقال على رأسه في هذه المواضع أم لا يضعه جريا على العادة في هذه البلاد ولماذا ؟ جزاكم الله خيرا وسدد خطاكم .
الجواب:
الحمد لله
لبس العقال من المباحات كما ذكرت ، والأفضل أن يتبع الإنسان عادة بلده ، فلا يشذ عنهم بلباس أو هيئة .
وإذا كانت العادة أن أهل العلم من القضاة والخطباء وأئمة المساجد ، لا يلبسون العقال ، وكنت واحدا من هؤلاء ، فقد يقال إن الأفضل عدم لبسه ، ومن لبسه فلا حرج .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ما حكم لبس العقال حيث إني أرى الأئمة والمؤذنين لا يلبسونه ؟
فأجاب : " لبس العقال لا بأس به ؛ لأن الأصل في الملبوسات الحل إلا ما قام الدليل على تحريمه . وقد أنكر الله عز وجل على من يحرمون شيئاً من اللباس أو من الطعام بلا دليل شرعي قال الله تعالى: { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق } . أما إذا دل دليل على تحريم هذا اللباس سواء كان محرما لعينة ، كالحرير للرجل وما فيه صور للرجل أو المرأة ، أو كان محرما لجنسه كما لو كان هذا اللباس من لباس الكفار الخاص بهم فإنه يكون حراماً ، وإلا فالأصل الحل " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (4/246).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
91777
العنوان:
أمه لا ترضى عن الزواج بهذه المرأة فماذا يفعل ؟
السؤال:
أبلغ من العمر 35 سنة . أعيش مع والدتي التي سهرت على تربيتي أنا وأختي المتزوجة بعد وفاة أبي قبل ولادتي بـ 4 أشهر ولم تتزوج بعده رحمه الله . قبل 3 سنوات وقعت في حب سيدة تبلغ من العمر 50 سنة أرملة هي كانت زوجة عم أمي رحمه الله . كما لديها بنت تربيها تبلغ 13 سنة. هذه السيدة تحبني حبا لا حد له وقد اتفقنا على الزواج . ولما صارحت أمي رفضت رفضا مطلقا . واعلم أن هده السيدة تحبني وتفعل المستحيل من أجلي ، وأنا أحبها كذلك . لكن إذا تزوجنا سأفقد أمي وعائلتي . وكذلك هي. أستاذي أرجوك أرجوك أرجوك أن ترشدني وتدلني على حل وما يقول الدين في هذه المسألة لإرضاء الله أولا وأخيرا. أرجوكم ولكم إن شاء لله جنة الفردوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم .
الجواب:
الحمد لله
إذا لم تستطع إقناع أمك بهذا الزواج ، وكان استمرارك فيه يعني إغضابها بل فقدانها كما ذكرت ، فالواجب أن تطيعها في عدم الزواج من هذه المرأة ، إلا في حالة أن تخشى الوقوع في الزنا بها ، عياذا بالله من ذلك .
وفقه المسألة أن طاعة الأم واجبة ، والزواج من امرأة بعينها ليس واجبا ، فالنساء كثيرات ، ولهذا صرح ابن الصلاح والنووي وابن هلال -كما ذكر العلامة محمد مولود الموريتاني في نظم البرور- بوجوب طاعة الوالد إذا منع ابنه من الزواج بامرأة معينة .
لكن إذا غلب على الظن الوقوع في الحرام ، كان درء هذه المفسدة مقدما على طاعة الأم .
قال الشيخ المرابط أباه ولد محمد الأمين الشنقيطي في نظم الفردوس :
إن يمنع الوالد الابن من نكاحْ امرأةٍ امنعن على ابنه النكاحْْ
ما لم يكن خشي من معصيةِ تقع بينه وبين المرأةِ
كما عزاه للهلالي السيدُ عبد الإله العلوي الأمجدُ(/1)
ونصيحتنا أن تغلب جانب العقل على العاطفة ، وأن تبحث عن غير هذه المرأة ، ممن ترضى دينها وخلقها ، والأفضل أن تكون بكرا ، في سنٍّ يسمح لها بالإنجاب ، وبهذا تحقق جملة من المصالح ، أعظمها إرضاء أمك الكريمة ، التي ضحت بمصلحتها لأجل تربيتك ، ثم المحافظة على كيان العائلة ، وإنجاب الذرية التي هي أحد مقاصد النكاح .
وأكثر من دعاء الله تعالى ، أن يلهمك الصواب والسداد .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
91794
العنوان:
الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق
السؤال:
سمعت أنه قبل قيام الساعة لن يكون هناك مؤمنون ولن يذكر اسم الله ، هل هذا قبل قيام الساعة مباشرة أم في الفترة قبل ظهور المسيح الدجال ؟ أنا في حيرة من أمري بسبب هذه النقطة لأني أعلم أنه في آخر الزمان ستزيد نسبة المؤمنين ويرجع مرة أخرى تطبيق شرع الله ، فكيف هذا؟
الجواب:
الحمد لله
دلت السنة الصحيحة على أن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق ، حين لا يقال في الأرض : الله . وذلك في آخر عمر الدنيا ، بعد ظهور المسيح الدجال وقتله على يد عيسى بن مريم عليه السلام وظهور الإسلام وأهله ، وتطبيق الشريعة في الأرض .
روى البخاري (2222) ومسلم (155) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمْ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا ، فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ ، وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ ، وَيَضَعَ الْجِزْيَةَ ، وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَا يَقْبَلَهُ أَحَدٌ ).
وفي رواية لمسلم : ( وَاللَّهِ لَيَنْزِلَنَّ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا عَادِلًا ، فَلَيَكْسِرَنَّ الصَّلِيبَ ، وَلَيَقْتُلَنَّ الْخِنْزِيرَ ، وَلَيَضَعَنَّ الْجِزْيَةَ ، وَلَتُتْرَكَنَّ الْقِلَاصُ فَلَا يُسْعَى عَلَيْهَا ، وَلَتَذْهَبَنَّ الشَّحْنَاءُ وَالتَّبَاغُضُ وَالتَّحَاسُدُ ، وَلَيَدْعُوَنَّ إِلَى الْمَالِ فَلَا يَقْبَلُهُ أَحَدٌ ).
والقلاص : الإبل الفتية .(/1)
قال النووي رحمه الله : " وَمَعْنَاهُ أَنْ يُزْهَد فِيهَا وَلَا يُرْغَب فِي اِقْتِنَائِهَا لِكَثْرَةِ الْأَمْوَال , وَقِلَّة الْآمَال , وَعَدَم الْحَاجَة , وَالْعِلْم بِقُرْبِ الْقِيَامَة . وَإِنَّمَا ذُكِرَتْ الْقِلَاص لِكَوْنِهَا أَشْرَف الْإِبِل الَّتِي هِيَ أَنْفَس الْأَمْوَال عِنْد الْعَرَب . وَهُوَ شَبِيه بِمَعْنَى قَوْل اللَّه عَزَّ وَجَلَّ : ( وَإِذَا الْعِشَار عُطِّلَتْ ) وَمَعْنَى ( لَا يُسْعَى عَلَيْهَا ) : لَا يُعْتَنَى بِهَا أَيْ يَتَسَاهَل أَهْلهَا فِيهَا , وَلَا يَعْتَنُونَ بِهَا " انتهى .
فهذه مرحلة خير وإيمان وظهور لأهل الإسلام ، ثم تأتي مرحلة أخرى فينقص عدد المؤمنين ، حتى يرسل الله تعالى ريحا تقبض أرواحهم ولا يبقى إلا شرار الخلق ، فعليهم تقوم الساعة .
روى مسلم (148) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى لَا يُقَالَ فِي الْأَرْضِ : اللَّهُ اللَّهُ ).
وروى أحمد (3844) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( إِِنَّ مِنْ شِرَارِ النَّاسِ مَنْ تُدْرِكُهُ السَّاعَةُ وَهُمْ أَحْيَاءٌ وَمَنْ يَتَّخِذُ الْقُبُورَ مَسَاجِدَ ) حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .(/2)
وجاء تفصيل هذه المراحل في الحديث الذي رواه مسلم (2940) عَنْ عَبْد اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أُمَّتِي فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ كَأَنَّهُ عُرْوَةُ بْنُ مَسْعُودٍ فَيَطْلُبُهُ فَيُهْلِكُهُ ، ثُمَّ يَمْكُثُ النَّاسُ سَبْعَ سِنِينَ لَيْسَ بَيْنَ اثْنَيْنِ عَدَاوَةٌ ، ثُمَّ يُرْسِلُ اللَّهُ رِيحًا بَارِدَةً مِنْ قِبَلِ الشَّامِ فَلَا يَبْقَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ أَحَدٌ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ أَوْ إِيمَانٍ إِلَّا قَبَضَتْهُ ، حَتَّى لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ دَخَلَ فِي كَبِدِ جَبَلٍ لَدَخَلَتْهُ عَلَيْهِ حَتَّى تَقْبِضَهُ ، قَالَ : فَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ فِي خِفَّةِ الطَّيْرِ وَأَحْلَامِ السِّبَاعِ لَا يَعْرِفُونَ مَعْرُوفًا وَلَا يُنْكِرُونَ مُنْكَرًا فَيَتَمَثَّلُ لَهُمْ الشَّيْطَانُ فَيَقُولُ أَلَا تَسْتَجِيبُونَ ؟ فَيَقُولُونَ : فَمَا تَأْمُرُنَا ؟ فَيَأْمُرُهُمْ بِعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ ، وَهُمْ فِي ذَلِكَ دَارٌّ رِزْقُهُمْ ، حَسَنٌ عَيْشُهُمْ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ) .
قال النووي رحمه الله في شرحه : " قَوْله : ( فِي كَبِد جَبَل ) أَيْ وَسَطه وَدَاخِله . قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَيَبْقَى شِرَار النَّاس فِي خِفَّة الطَّيْر وَأَحْلَام السِّبَاع ) قَالَ الْعُلَمَاء : مَعْنَاهُ يَكُونُونَ فِي سُرْعَتهمْ إِلَى الشُّرُور وَقَضَاء الشَّهَوَات وَالْفَسَاد كَطَيَرَانِ الطَّيْر , وَفِي الْعُدْوَان وَظُلْم بَعْضهمْ بَعْضًا فِي أَخْلَاق السِّبَاع الْعَادِيَة .(/3)
وروى مسلم (2937) عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ : ذَكَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الدَّجَّالَ ذَاتَ غَدَاةٍ . . . ثم ذكر نزول المسيح عيسى ابن مريم ، فَيَنْزِلُ عِنْدَ الْمَنَارَةِ الْبَيْضَاءِ شَرْقِيَّ دِمَشْقَ ، وَاضِعًا كَفَّيْهِ عَلَى أَجْنِحَةِ مَلَكَيْنِ ، فَيَطْلُبُهُ ( أي يطلب المسيح الدجال) حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ . . . ثم ذكر خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم ، ثُمَّ يُقَالُ لِلْأَرْضِ : أَنْبِتِي ثَمَرَتَكِ ، وَرُدِّي بَرَكَتَكِ . . . فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا طَيِّبَةً فَتَأْخُذُهُمْ تَحْتَ آبَاطِهِمْ فَتَقْبِضُ رُوحَ كُلِّ مُؤْمِنٍ وَكُلِّ مُسْلِمٍ ، وَيَبْقَى شِرَارُ النَّاسِ يَتَهَارَجُونَ فِيهَا تَهَارُجَ الْحُمُرِ ، فَعَلَيْهِمْ تَقُومُ السَّاعَةُ ) .
( يَتَهَارَجُونَ تَهَارُج الْحُمُر ) أَيْ : يُجَامِع الرِّجَال النِّسَاء بِحَضْرَةِ النَّاس كَمَا يَفْعَل الْحَمِير .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
91836
العنوان:
إذا اشتهى أن يصلي الصلوات الخمس في الجنة !!
السؤال:
هل إن شاء الله إذا دخلت الجنة برحمة الله يمكن أن أطلب أن أصلي الصلوات الخمس في الجنة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا خلاف بين العلماء في أن الجنة ليست دار تكليف ، وإنما هي دار جزاء ، فلا تكليف فيها بالصلاة قطعا.
ثانيا :
إذا اشتهى العبد أن يصلي الصلوات الخمس أو غيرها في الجنة ، هل يكون له ذلك ؟ جوابه : أن هذا من الغيب الذي يتوقف إثباته على الدليل ، ولم نقف على ما يفيد ذلك ، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله أن العبادات ترفع في الجنة ولا يبقى إلا عبادة التسبيح والذكر .
قال رحمه الله : " فصل في ارتفاع العبادات في الجنة إلا عبادة الذكر فإنها دائمة : روى مسلم في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أن النبي قال : يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ، ولا يتمخطون ، ولا يتغوطون ، ولا يبولون ، ويكون طعامهم ذلك جشاء ورشحا كرشح المسك يلهمون التسبيح والحمد كما يلهمون النفس ) وفي رواية : ( التسبيح والتكبير كما تلهمون ) بالتاء ، أي تسبيحهم وتحميدهم يجري مع الأنفاس كما تلهمون أنتم النفس " انتهى من "حادي الأرواح" ص 285
والمهم أن يحرص العبد على تحصيل الأسباب التي تقربه إلى الله تعالى ، وتدخله جنته .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
91862
العنوان:
الأحق بالحضانة
السؤال:
أنا متزوج لمدة أكثر من أربع سنوات من زوجتي وهي تسكن مع أهلها لظروف الدراسة ورزقني الله ثلاث بنات وأنا في خلاف مع زوجتي حيث إنه خلال السنة الأولى من الزواج حدث خطأ من زوجتي باكتشافي لشخص غريب يحادثها عبر الهاتف وتم إنهاء الموضوع باعتبار أن الشخص لا علاقة له بها وأنه كان يضايقها وكانت تخشى أن أعلم فأسيء الظن بها ولكن الأمر أخذ مني وأصبح هاجسا في وقتها وأقدمت على الزواج أثناء سفري للخارج بزواج عرفي ومن بعدها أصبحت الزوجة الأولى تعاني من أمراض جنسية تصيب النساء فقررت الانفصال عن الزوجة الثانية لما رأيت من زوجتي الأولى من حسن أخلاق مع العلم أن الزوجة الثانية كانت تسكن في بلدها خارج المملكة وكنت أراها بين فترات متباعدة ولم يكن عقد الزواج العرفي موثقا في المحكمة فقمت بتمزيق الورقة التي بيننا وأنهيت العلاقة معها وكنت أيضا مبتلى بشرب البيرة التي تحتوي على الخمر وكنت أشربها لما أسافر للخارج ومرت الأيام وهداني الله وفي لحظة صدق مع الله على ترك المعاصي أعلمت زوجتي طوعا بأمر زواجي الثاني وأنني أشرب البيرة وأن الله تاب علي وأنني عازم على الثبات ولكن زوجتي لم تحتمل الأمر وهي الآن مصرة على الانفصال مع أنني لا أرغب بذلك ولكن كل الجهود باءت بالفشل ، وأسأل : هل يحق لي إمساكها بالمعروف وطلبها في بيت الطاعة على أن أعيشها حياة كريمة كما يحب الله ويرضى ؟ وهل يحق لها طلب الخلع مني فيما لو قدمت تقارير طبية تثبت تضررها من الزوجة الثانية ؟ وما هو مصير البنات الثلاث فيما لو حدث الطلاق لا قدر الله حيث إن أعمارهن ستة أشهر وثلاث سنوات وأربع سنوات وهل يحق لي حضانتهن ومتى ؟ لأني عازم بإذن الله سبحانه وتعالى على تربيتهن كما يحب الله ويرضى
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أن وفقك للتوبة وهداك ، وصرف عنك السوء ، ونسأله سبحانه لك المزيد والثبات .(/1)
ثانيا :
ينبغي أن تختار من صالح أهلك أو أهل زوجتك من يسعى للصلح بينكما وإقناع الزوجة بالعدول عن طلب الطلاق ، لمصلحة بيتها وبناتها .
ولك أن تتمسك بها ، وأن ترفض طلاقها ، وأن تعلن رغبتك في استمرار الحياة بينكما .
وأما الزوجة فليس لها أن تطلب الطلاق أو الخلع إلا إذا وجد ما يدعو إلى ذلك ، كحصول الضرر ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) رواه أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وأما كون القاضي يحكم بالطلاق أو بالخلع ، فهذا يعتمد على ما تقدمه الزوجة من أعذار .
ثالثا :
في حال الطلاق ، فإن حضانة الأولاد تبقى لأمهم إلى سبع سنوات ، ما لم تتزوج ؛ لما روى أحمد (6707) وأبو داود (2276) عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن امرأة قالت : يا رسول الله ، إن ابني هذا كان بطني له وعاء ، وثديي له سقاء ، وحجري له حواء ، وإن أباه طلقني وأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أنت أحق به ما لم تنكحي) حسنه الألباني في صحيح أبي داود.
وإذا بلغ الطفل سبع سنين ، فإن كان ذكراً فإنه يخير بين أبويه ، فيختار أحبهما إليه ويكون عنده ، وأما الأنثى ، فقد اختلف العلماء في ذلك .
فقال الشافعي : إنها تخير أيضا .
وقال أبو حنيفة : الأم أحق بها حتى تُزوج أو تحيض .
وقال مالك : الأم أحق بها حتى تزوج ويدخل بها الزوج .
وقال أحمد : الأب أحق بها ؛ لأن الأب أولى بحفظها .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (17/314- 317).
ونظرا لهذا الاختلاف ، وليس هناك نص من السنة يفصل في هذه المسألة ، فالمرجع في ذلك إلى القاضي الشرعي هو الذي يحدد عند من تكون البنت إذا بلغت سبع سنين .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
91867
العنوان:
هل للرجل أن يتخصص في أمراض النساء والولادة؟
السؤال:
أنا طالب في كلية الطب في السنة النهائية وأفكر كثيرا في إمكانية تخصصي في علم النساء والولادة فما رأى الدين في هذه المسألة ؟
الجواب:
الحمد لله
عرض على اللجنة الدائمة للإفتاء برئاسة الشيخ ابن باز رحمه الله ، سؤال مشابه لسؤالك ، هذا نصه :
أنا طالب في كلية الطب ، وفي السنة القادمة يكون مقررا علينا إن شاء الله مادة : أمراض النساء والتوليد ، وعلى هذا أسأل في الآتي :
أ- هل يجوز أن أحضر الدراسة العملية التي ربما ينكشف فيها جسد المرأة ؟
ب- وهل يجوز للطبيب أن يتخصص في طب النساء والتوليد ، أم يقتصر هذا على الطبيبات ؟
فأجابت : " إذا كان هناك من يكفى من المتخصصات في طب النساء والولادة ؛ اقتصر عليهن ولم يجز لك أن تدرس فيه ، ولا أن تطلع على عورة المرأة بالتدريب : في كشف عليها ، أو إجراء عملية لها . وإن كان من تخصص في طب النساء والولادة من النساء غير كاف للقيام بالواجب في هذا الجانب ، ودعت حاجة المسلمين إلى تخصصك فيه ؛ جاز لك أن تدرس فيه ، ورخص لك في رؤية ما تدعو الضرورة إلى كشفه من جسد المرأة ؛ لإجراء كشف أو عملية " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/175).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
91878
العنوان:
تكره زوجها ويرفض طلاقها فلا تعطيه حقه
السؤال:
أنا زوجة متدينة ولكني أكره زوجي لأسباب كثيرة وهو يعلم ذلك ويرفض الطلاق وأنا أمتنع عن العلاقة الزوجية معه أحيانا كثيرة فما حكم الدين في ذلك؟
الجواب:
أولا :
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق من زوجها من غير سبب ، فإن وجد سبب كتقصيره في حقها ، أو ظلمه لها ، فلا حرج عيها في طلب الطلاق .
روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وإذا كان الرجل غير مقصر في حق زوجته ولا ظالم لها غير أنه تكرهه كرهاً شديداً بحيث لا تستطيع الحياة معه ولا تؤدي إليه حقوقه ، فعليهما معاً محاولة الإصلاح ، فإن لم تثمر تلك المحاولات ووصلت الحياة بينهما إلى طريق مسدود فقد جعل الله لها مخرجا ، وهو الخلع ، فترد إليه جميع المهر الذي أعطاها ، ويؤمر الرجل حينئذ بقبوله ومفارقتها .
روى البخاري (5273) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ ، مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلَا دِينٍ ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ).
وعند ابن ماجه (2056) (لا أطيقه بغضاً) صححه الألباني في صحيح ابن ماجة .(/1)
فالذي حملها على طلب الفراق ، هو بغضها له .
وقولها : ( أكره الكفر في الإسلام ) تعني : كفر العشير ، بمعنى أنها تقصر في حقه ولا تقوم بما أوجب الله عليها من طاعة زوجها وحسن عشرته .
ثانيا :
نذكرك بأنه إذا لم يكن لك مبرر ظاهر في طلب الطلاق ، بأن الامتناع عن الفراش منكر عظيم ، جاء فيه قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا دَعَا الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهِ فَأَبَتْ فَبَاتَ غَضْبَانَ عَلَيْهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تُصْبِحَ ) رواه البخاري (3237) ومسلم (1736).
ونشير عليك أن تختاري من أهل الصلاح من أهلك أو أهله من ينصح زوجك ويدعوه لمفارقتك بالمعروف .
ثالثا :
والنصيحة للزوج أن لا يمسك الزوجة وهي متضررة من البقاء معه ، فإن كان راغبا في بقائها ، ويرفض طلاقها ، فعليه أن يحسن عشرتها ، وأن يزيل الأسباب التي تدعو للنفرة ، فإن لم يمكن ذلك ، فعليه أن يطلق أو يخالع ، ولا يلجئ الزوجة لاقتراف الإثم بنشوزها وعصيانها .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : امرأة كرهت زوجها ، لا تعيب فيه خلقا ولا دينا ، ودفعت له كامل ما أخذته من صداق، فهل يجبر هذا الزوج على طلاق زوجته وإن كان متمسكا بها وهي كارهة جدا له؟
فأجابت : "إذا كرهت المرأة زوجها وخافت ألا تقيم حدود الله، شرع حينئذ الخلع، بأن ترد عليه ما أعطاها من الصداق ثم يفارقها؛ لحديث امرأة ثابت بن قيس . . . وإذا حصل نزاع بينهما فإن مرد ذلك إلى الحاكم الشرعي ليفصل بينهما" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (19/411) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
91885
العنوان:
حكم الزواج من شيعية
السؤال:
ما رأي فضيلتكم بالزواج من فتاة مسلمة " شيعية " علماً بأني مسلم على مذهب أهل السنة والجماعة ، وللعلم بأن تلك الفتاة وبحكم أنها من أحد البلدان العربية لا توجد لديها تلك البدع التي يؤمن بها الكثير من الشيعة ، بل إنها قريبة كل القرب من مذهب أهل السنة والجماعة ما عدا في بعض الأمور والتي أحاول أن أقنعها بأنها أمور غير صحيحة ، وأنه يجب أن تتثبت من كل شيء في دينها .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الله تعالى قد وفقك وهداك لالتزام طريق أهل السنة والجماعة فإنك ولا بد تعلم مدى البُعد بين ما عليه أهل السنة والجماعة وما عليه الشيعة .
والأصول التي يخالفون فيها أهل السنة والجماعة كثيرة ، ومن ذلك : اعتقادهم بتحريف القرآن ، واعتقادهم بعصمة أئمتهم ، وتكفيرهم للصحابة رضي الله عنهم إلا نفرا يسيرا منهم ، وتعظيمهم للقبور والمشاهد وتعميرها بدعاء صاحب القبر والاستغاثة به من دون الله تعالى ، أضف إلى ذلك حقدهم وبغضهم الشديد لأهل السنَّة والجماعة وتكفيرهم لهم ، فكيف سيكون حال الزواج من هؤلاء الشيعة لو حصل ؟ وكيف سيكتب له النجاح مع وجود هذه التناقضات في الدينيْن ؟ وكيف سيربَّى الأولاد ؟ هل على توحيد الله تعالى أم على الشرك به ؟ وهل سيُعلَّمون حب الصحابة رضي الله عنهم أم بغضهم ؟ وهل سيقال لهم بعصمة الأئمة الاثني عشر أم بجواز حصول السهو والخطأ منهم ؟ في أشياء أخرى كثيرة متناقضة .
ومن حيث عقد النكاح : فإن كانت تلك المرأة تعتقد هذه الاعتقادات أو بعضها : فإن العقد باطل ، ولا يحل لك نكاحها ؛ لأن هذه لاعتقادات مضادة لدين الإسلام ، وقد قال الله سبحانه وتعالى : ( وَلا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ ) البقرة/221 .(/1)
وأما إن كانت ممن لا يحمل هذه الاعتقادات ولا بعضها ، أو أنها كانت على عقيدتهم ثم تركتها واتجهت للتوحيد والسنَّة : فيجوز لك الزواج بها ، وأنت مأجور على إعانتها على التخلص من تلك البيئة الفاسدة .
وقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : عن الرافضة هل تزوَّج ؟ .
فأجاب :
" الرافضة المحضة هم أهل أهواء وبدع وضلال ، ولا ينبغي للمسلم أن يزوِّج موليته من رافضي .
وإن تزوج هو رافضية : صح النكاح ، إن كان يرجو أن تتوب ، وإلا فترك نكاحها أفضل ؛ لئلا تفسد عليه ولده " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 61 ) .
فأنت ترى منع شيخ الإسلام رحمه الله من تزويج الرافضة ؛ لما للزوج من أثر على زوجته ، وأجاز التزوج بالرافضية بشرط أن يرجو أن تتوب مما عليه .
فإن كنت ترى منها توجها للاستقامة على طريق الحق ، ورأيت منها بغضا وتركاً لما عليه أهلها من اعتقادات وأفعال : فلا حرج عليك من التزوج بها . وإن كان الأفضل أن تبحث عن صاحبة دين كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
91899
العنوان:
زوَّر ورقة عزوبة ليتزوج بالثانية
السؤال:
قريبتي تزوجت برجل متزوج ، من غير إخبار أهله ؛ لأنه تزوج من الأولى لرغبة أبيه ، المشكل : لقد تزوج بقريبتي على الطريقة الشرعية إلا أن هذا الشخص أتى بورقة العزوبة تزويراً لأنه :
1. القانون الجديد في بلدنا لا يسمح للرجل التزوج من الثانية إلا بموافقة زوجته الأولى .
2. لا يريد حاليّاً الطلاق من الأولى ، وهو ليس لديه مصاريف الطلاق .
علماً أن له ولداً منها ، سافر الآن خارج البلد لتحسين دخله وللعيش هناك وبالتالي حل مشاكله لأنه كما يقول لا يريد البقاء مع زوجته الأولى ، وفي نفس الوقت إذا كانت تريد الجلوس في بيت أبيه حيث تجلس بدون تطليق من أجل الولد ، ولحال عائلتها المزرية ، ولكن لن يعاشرها ، فهو يقول هي تختار لأنه لا يريد طردها علما أن أمر الزواج لا يعلمه أهله لتفادي المشاكل مع أبيه .
السؤال : هل هذا الزواج صحيح بورقة العزوبة المزورة ؟ هل نحن أهل الزوجة الثانية آثمون لتشجيعه للزواج بهذه الطريقة ، وبهده الورقة المزورة - علما أننا شجعناه ؛ لأن بنتنا - وللأسف - كانت في علاقة غير شرعية معه قبل زواجه من الأولى ، فلخوفنا من هذا الحرام طالبناه بالزواج منها ، ولو بهذه الطريقة - ؟
الجواب:
أولاً :
نأسف لحال الدول التي تنتسب للإسلام ثم هي تحارب الإسلام ، وتضيق على المسلمين في شعائرهم وطاعاتهم لربهم تعالى ، وفي الوقت الذي تفتح هذه الدول الأبواب على مصارعها للفساد والانحلال والتحلل من الأخلاق الفاضلة نجدها تضيق الخناق على من يرغب بالتعدد في الزواج الذي أباحه الله تعالى ، فبعض هذه الدول تمنعه بالكلية ، وبعضها الآخر تشترط رضا الزوجة الأولى ! – وأي زوجة لو عُرض عليها ستقبل ؟! – وبعضها تشترط دخلاً معيَّناً يعجز عنه كثيرون وهم قادرون على التعدد .(/1)
وعلى هذه الدول أن تتقي الله ربها في مخالفة شرع الله ، ولا يجوز لأحدٍ من العلماء والقضاة أن يقبل بهذه التشريعات ، وما يوجد من ظلم لدى بعض المعددين فإنه يوجد أضعافه في أصحاب الزوجة الواحدة فهل هذا سيؤدي بهم إلى إلغاء الزواج من الأولى أيضاً ؟! .
ومن العجب أن هذه القوانين تبيح المحرم ولا تراه جريمة ولا منكراً ، وتحرم الحلال وتراه جريمة منكرة ، فهذا الرجل الذي سألت عنه ، وقد كانت له علاقة محرمة بهذه المرأة قبل زواجه بها ، لو وصلت تلك العلاقة إلى القانون لأباحها القانون طالما حصل ذلك بالتراضي ، وكانت المرأة رشيدة !! أما أن يتخذها زوجة فهذا هو المحرم المنكر عندهم ، فيقولون : يجوز لك أن تتخذها عشيقة ، ولا يجوز أن تتخذها زوجة ! ألا ساء ما يحكمون !
فمثل هذه القوانين الباطلة التي تحارب شرع الله ، لا حرج على المسلم في التحايل عليها والتهرب منها .
فمن رغب في التعدد فأحضر ورقة مزورة من أجل إتمام عقده : فلا حرج عليه ؛ لأن القانون الذي منعه من التعدد قانون باطل ، ولا يُلزم المسلم بطاعته والانقياد له ، لكن ينبغي للزوج أن يدرس الآثار المترتبة على هذا الفعل ، لأنه قد يترتب على هذا مفاسد كثيرة أو أضرار .
ولا حرج أيضاً على أهل الزوجة الثانية الذين علموا بهذه الورقة المزورة وزوجوه ، ولا شك أن هذا خير لهم ولابنتهم ولزوجها من البقاء في علاقة محرمة .
ثانيا :
لا ينبغي للأب أن يجبر ابنه على الزواج بامرأة لا يريدها ، ولا ينبغي للابن أن يطيعه في هذه الحال ، لأنه بهذه الطريقة لن تكون هناك المودة والرحمة والسكن بين الزوجين ، بل قد يقع الزوج في ظلم زوجته لكراهته لها ، ومثل هذه الزيجات تتعرض كثيراً للفشل ، ولا يجني الزوجين من ورائها إلا المتاعب والمشاكل وتشتت الأولاد .(/2)
ومع هذا ، فلا ذنب للمرأة ، بأن يسيء معاملتها من أجل أنه تزوجها وهو كاره ، وإذا كان يريد إرضاء أبيه فإن عليه أن يحسن إلى زوجته ويعطيها حقوقها ، ويرضى بها زوجة لها حقوقها الكاملة من المعاشرة بالمعروف ، فإن لم يحصل هذا ولم يستطع إمساكها بمعروف فليسرحها بإحسان ، بتطليقها وإعطائها حقها كاملاً من غير نقصان .
وإذا كانت المرأة ترغب ببقائها على ذمته ، ينفق عليها ، ويرعى ولدها دون معاشرة : فإنه يجوز لها أن تقبل بذلك ، وهكذا لو عرض هو الأمر عليها ووافقت .
عَنْ عَائِشَةَ في قوله تعالى : ( وَإِنْ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا ) الْآيَةَ قَالَتْ : أُنْزِلَتْ فِي الْمَرْأَةِ تَكُونُ عِنْدَ الرَّجُلِ فَتَطُولُ صُحْبَتُهَا فَيُرِيدُ طَلَاقَهَا فَتَقُولُ : لَا تُطَلِّقْنِي ، وَأَمْسِكْنِي ، وَأَنْتَ فِي حِلٍّ مِنِّي ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ . رواه البخاري ( 2318 ) ومسلم ( 3021 ) .
وفي رواية عند البخاري ( 2584 ) : قَالَتْ عائشة : هُوَ الرَّجُلُ يَرَى مِنْ امْرَأَتِهِ مَا لَا يُعْجِبُهُ كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَيُرِيدُ فِرَاقَهَا فَتَقُولُ أَمْسِكْنِي ، وَاقْسِمْ لِي مَا شِئْتَ ، قَالَتْ : فَلَا بَأْسَ إِذَا تَرَاضَيَا .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
الرجل إذا قضى وطراً من امرأته وكرهتها نفسه ، أو عجز عن حقوقها : فله أن يطلقها ، وله أن يخيِّرها ، إن شاءت أقامت عنده ولا حق لها في القسم والوطء والنفقة أو في بعض ذلك بحسب ما يصطلحان عليه ، فإن رضيت بذلك : لزم ، وليس لها المطالبة به بعد الرضى .(/3)
هذا موجب السنَّة ومقتضاها ، وهو الصواب الذي لا يسوغ غيره ، وقول من قال : إن حقها يتجدد فلها الرجوع في ذلك متى شاءت : فاسد ؛ فإن هذا خرج مخرج المعاوضة ، وقد سماه الله تعالى صلحاً ، فيلزم كما يلزم ما صالح عليه من الحقوق والأموال ، ولو مكنت من طلب حقها بعد ذلك : لكان فيه تأخير الضرر إلى أكمل حالتيه ولم يكن صلحا ، بل كان من أقرب أسباب المعاداة ، والشريعة منزهة عن ذلك ، ومن علامات المنافق أنه إذا وعد أخلف ، وإذا عاهد غدر ، والقضاء النبوي يرد هذا .
" زاد المعاد " ( 5 / 152 ، 153 ) .
ولشيخ الإسلام ابن تيمية كلام مثل هذا في " مجموع فتاوى ابن تيمية " ( 32 / 270 ) .
ثالثاً :
وقد ذكرتم في سؤالكم أنه كان على علاقة غير شرعية معها ، فإن كان معنى ذلك : الزنا ، فاعلموا أنه لا يصح زواج الزاني ولا الزانية حتى يتوبا ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11195) و (14381) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
91901
العنوان:
مصابة بالمس ويتكلم الجني على لسانها ويرفض الخروج منها
السؤال:
بنت خالتي متلبسة بجني يتكلم على لسانها بصوت رجل ويقول إنه لن يخرج لأنه يحبها ، وذهبنا بها للرقية كثيراً ، وكل مرة يتكلم ويقول إنه لن يخرج . فماذا تفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يذهب عن ابن خالتك ما تجد ، وأن يعافيها ، ويصرف عنها ذلك الجني ، إنه سميع مجيب .
ثانيا :
علاج هذه الحالة وغيرها يكون بالرقية الشرعية ، من قبل المريض نفسه ، أو من يعالجه ، وهي نافعة بإذن الله تعالى ، لكن قد تحتاج إلى تكرار ، وأمور مساعدة ، ونحن نذكر لك أهم هذه الأمور :
1- مواظبة المريض على أذكار الصباح والمساء والنوم ، والأكل والشرب ، ودخول البيت والخروج منه ، والإكثار من الذكر بصفة عامة ، وأعظم الذكر قراءة القرآن ، وآكد ما يقرأ منه المعوذات والفاتحة وسورة البقرة وآية الكرسي . وكلما واظب المريض على الذكر ، ضعف أثر الشيطان عليه ، وأمكن إخراجه بالرقية .
2- أن تكون الرقية على يد صالح متمسك بالسنة ، بعيد عن البدع ، والشعوذة والسحر .
3- أن يكثر المريض من اللجوء إلى الله تعالى وسؤاله ، فإنه سبحانه يجيب دعوة المضطر ، ويكشف السوء ، كما قال : ( أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ) النمل/62 .
لا سيما إذا كان الدعاء في أوقات الإجابة ، كما بين الأذان والإقامة ، وفي السحر ، وفي الساعة الأخيرة بعد عصر يوم الجمعة ، وعند فطر الصائم ، وفي السفر .
4- المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها .
5- التوبة إلى الله تعالى من الذنوب والمعاصي التي هي سبب تسلط الشيطان على الإنسان .
6- تطهير البيت من المواد التي يحبها الشيطان ، كالصور ، والكلاب ، والغناء والموسيقى .(/1)
وتخيل هذا الشيطان الذي ضُيق عليه ، فلا طعام ولا شراب ، ولا متعة ، قد حُرم ذلك بالتسمية على الطعام والشراب ، وبإخراج ما يحب من البيت ، هل يحرص على البقاء ؟
ولمعرفة الرقية الشرعية وآدابها ، انظر السؤال رقم (12918) (11290) (3476) (11026) (21581) والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
91956
العنوان:
تشعر بحالة نفسية سيئة أثناء الحيض
السؤال:
أشعر أحيانا ًبأن داخلي ليس نظيفاً ، بل إنني عند قرب موعد الدورة الشهرية أشعر كما لو أن دمي يفور في داخل عروقي وأشعر برغبة في تقطيع نفسي فما بالك بالناس من حولي وقد بدأت منذ حوالي سنتين أو أكثر بالتوقف عن الغيبة والمحاولة الجادة في ذلك وكم أحب الإحساس بالراحة الذي تحصّل لي منذ تركي لهذا الإثم . ولكني مع قرب الدورة الشهرية أشعر بأني أغلي فأبدأ بإعادة ما فات من أهلي وأمي فعلت كذا وأبي فعل كذا وأختي كذا ولا أعرف كيف أتوقف وقد تستمر معي هذه الحالة يومين أو أكثر . فأرجو إرشادي
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك لمعرفة خطر الغيبة وشرها ، والسعي في التخلص منها ، ونسأله سبحانه أن يعينك ويثبتك على ذلك .
ثانيا :
من المعلوم أن كثيرا من النساء يصبن بحالة من الكآبة والضيق أثناء الحيض ، وخاصة عند بدايته ، كما أن حالة المرأة العقلية والفكرية لا تكون طبيعية أثناء الحيض ، وأكثر النساء يصبن بآلام في الظهر وفي أسفل البطن ، وبعضهن تكون آلامهن فوق الاحتمال مما يستدعي استعمال الأدوية والمسكنات . ينظر السؤال رقم (43028) .
ولاشك أن ما تشعرين به هو أثر من تأثيرات الحيض ، وما عليك إلا أن تصبري وتحتسبي ، فإنه ما يصيب المسلم من هم ولا غم إلا كفر به من خطاياه .
وينبغي أن تشغلي نفسك بما ينفعك من عمل ومطالعة ونحو ذلك ، فإن الفراغ يزيد المهموم هما .
ولا حرج على الحائض في قراءة القرآن دون أن تمس المصحف ، وفي هذا ما يشغلها ويخفف عنها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
91979
العنوان:
لبست النقاب والقفازين أثناء طواف الإفاضة
السؤال:
لدي استفسارات متعلقة بالحج، أرجو التفضل على إجابتها مأجورين. وهو: أني حججت هذا العام وكنت قد نويتها قرانا، ولدي في حجتي هذه إشكالان: في أول مجيئنا لمكة المكرمة لم نعتمر وأجلناها إلى اليوم الثامن، وخلال أيام إحرامي نزلنا عند جماعة هم بنات مثلنا وأجبروني وأنا محرمة على أن يضعوا لي مكياج وأنا كنت منكرة هذا الأمر إنكاراً فقط ليس بناء على أنه لا يجوز الزينة في الإحرام لأن هذا ذهب عن بالي ، ثم بعد ذلك استخدمت كريم نيفيا لإزالة آثار المكياج ، فما أدري هل عليّ شيء بصنعي هذا ؟ مع العلم أنني كنت متحرزة شديدة التحرز من الروائح ولم نستخدم الصابون ولا أي شيء له رائحة ولم أعمل أي محظور سوى هذا . ثم بعد ذلك لما أردنا في اليوم الثامن أن نعتمر أصبت عذراً حتى اليوم الثاني من أيام التشريق، مع العلم أنني في اليوم الأول من أيامه قد رمى ولينا عنا وهي جمرة العقبة ، وأحللنا قبل طواف الإفاضة ، وهذا جائز لمن قد اعتمر ، أما أنا فقارنة لم أعتمر فقد أحللت إحرامي ناسية ثم ذبحت دما ، وقبل انصرافنا من مكة طاف من معي الوداع وأنا طفت الإفاضة وسعيت على اعتبار أنها عمرة الحج – وقد كنت لابسة النقاب والقفازين ، ثم خلعتها بعد الطواف وأنا مترددة في أمري فلست أدري هل علي شيء ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
القارن بين الحج والعمرة لا يعتمر عند قدومه مكة ، وإنما يطوف للقدوم وهو سنة ليس واجباً ، ثم إن شاء سعى بعده أو يؤخر هذا السعي بعد طواف الإفاضة ، ويكفي هذا السعي عن الحج والعمرة جميعاً ، وعليه فكونك لم تطوفي ولم تسعي عند وصولك إلى مكة لا شيء فيه .(/1)
ويلزم القارن أيضاً طوافان : الأول طواف الإفاضة بعد رجوعه من عرفات والمزدلفة ، وطواف الوداع عند خروجه من مكة ، وله أن يؤخر طواف الإفاضة فيطوف عند خروجه من مكة طوافاً واحداً للإفاضة والوداع معاً ، كما فعلت .
ثانيا :
استعمال المحرمة للزينة التي ليست طيبا ، لا حرج فيه . والمحظور هو استعمال الطيب . وعليه فلا حرج فيما صنعت من وضع المكياج ، واستعمال الكريم لإزالته ، وإن كان الأحوط عدم استعمال هذا الكريم لأجل ما فيه من الرائحة ، لكنه ليس طيبا في الأظهر ، ولا يسمى صاحبه متطيبا .
ثالثا :
إذا رمى الحاج جمرة العقبة ، وقصر من شعره ، فقد تحلل التحلل الأول ، سواء كان مفردا أو متمتعا أو قارنا ، فيباح له كل شيء إلا النساء ، فيجوز له استعمال الطيب ، وتقليم الأظافر ، ولبس المخيط إن كان رجلا ، وتلبس المرأة النقاب والقفازين , وإنما يمنع بعد هذا التحلل من الجماع فقط .
ويجوز التوكيل في الرمي للضعفة والنساء عند شدة الزحام .
وقد ذكرت أنك تحللت بعد الرمي ، ولم تبيني مرادك بالتحلل ، ولم تذكري شيئا عن تقصير الشعر ، فإن كنت قد قصرت من شعرك فقد تحللت التحلل الأول ، فيحل لك كل شيء إلا الجماع ، ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة جائزاً ، أما إذا كنت لم تقصري شعرك قبل الطواف فأنت باقية على إحرامك ويكون لبسك للنقاب والقفازين في طواف الإفاضة غير جائز ، وعليك الفدية ، وهي صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم ، أو ذبح شاة توزع على فقراء الحرم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
92780
العنوان:
نذر أن يصوم رجب وشعبان ورمضان ولا يستطيع بسبب عمله؟
السؤال:
نذرتُ لئن أراد الله ووصلت الديار المقدسة وزرت البيت الحرام ، أن أصوم ثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان ، وقد أديتُ فرضي والحمد لله ، ولكن نظراً لظروف عملي لم أستطع إكمال الصيام فهل يجزئ عن ذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع أم لا ؟ وهل يُشترط التتابع في الصيام أم لا ؟ وإذا لم أستطع فهل يجزئ عنَّي كفارة أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
"أولاً : ننبه أنه لا ينبغي للإنسان أن ينذر، فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وقال : (إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ).(/1)
فلا ينبغي للإنسان أن ينذر ، الإنسان ينبغي له أن يتقرب إلى الله بالطاعات والقربات من غير نذر ، ولا يُلزم نفسه إلا ما أوجبه الله عليه في أصل الشريعة ، أما أن يدخل نفسه في حرج ، ويُحمِّلها واجباً ثقيلاً من صيام أو عبادة لا تجب عليه بأصل الشرع ، ثمَّ بعد ذلك يتحرج ويطلب المخارج فهذا شيء يجب عليه أن يحذر منه من البداية وألا ينذر ، لكن إذا نذر وعقد النَّذر وهو نذر طاعة ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ) ، والله تعالى يقول : ( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا ) الإنسان/ 7 ، ويقول تعالى : ( وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ ) البقرة/270 ، ويقول تعالى : ( وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) الحج/29 ، فإذا نذر الإنسان طاعة وجب عليه أن يؤديه ، لأنه أوجبه على نفسه فوجب عليه أداؤه ، وما ذكرته السائلة من أنها نذرت أن تصوم ثلاثة أشهر ، رجب وشعبان ورمضان : أما رمضان فهذا واجبٌ عليها في أصل الشرع أن تصومه، فقد نذرته فيكون واجباً من ناحتين : بأصل الشرع وبالنذر، فهذا لابد من صيامه، وأما صيام رجب وشعبان، فهذا يجب عليها صيامهما بالنذر فقط ، ويجب عليها أن تصوم ما دامت نذرت أن تصوم رجب وشعبان ورمضان ، لأن هذا نذر طاعة .
وإذا كانت عينت سنة معينة، قالت: من سنة كذا فيجب عليها أن تصوم رجب وشعبان من السنة المعنية، أما إذا كانت نذرت رجب وشعبان غير معين من سنة، فإنها تصوم رجب وشعبان من أي سنة تمرُّ عليها.(/2)
الحاصل : لا بد لها من صيام هذا النذر ، ولو كان فيه عليها مشقة ، لأنها هي التي ألزمت نفسها بهذا ، فتصوم ما دامت تستطيع الصيام، ولو كان عليها مشقة ، ولا يجزئ عنها أن تصوم الاثنين والخميس من كل أسبوع كما ذكرت ، لا بد من صيام رجب وشعبان ورمضان ، ولا يجزئ عنها الإطعام أيضاً ، لأنها تستطيع أن تصوم ولو مع المشقة .
وإذا كان قصدها رجب وشعبان من سنة يعني متواليين ، يجب عليها أن تصومهما متواليين ، أما إذا كان قصدها رجب من أي سنة ، وشعبان من أي سنة ، فلا مانع أن تصوم رجب مثلاً في سنة ، وشعبان في سنةٍ أخرى ، إذا لم تكن قد نوت سنة معينة ، أو في سنة واحدة" .
"مجموع فتاوى الشيخ صالح الفوزان" (1/98) .(/3)
رقم السؤال:
92801
العنوان:
هل يشاهد البرامج التي تقدمها مذيعة سافرة؟
السؤال:
في بعض البرامج التعليمية أو الأخبار يكون المقدم لها امرأة سافرة ، هل يأثم الرجال في مشاهدة هذه البرامج - خاصة وأن المواضيع التي يتحدثون عنها ليست حراماً - ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجب على المرأة المسلمة أن تغطي بدنها كله عن الرجال الأجانب ، ولا يحل لها من باب أولى إبداء زينتها كالشَّعر والصدر والذراعين .
وفي جواب السؤال رقم ( 11774 ) تجد حكم تغطية وجه المرأة بالأدلة التفصيلية .
وفي آخر ذلك الجواب ذكرنا مفاسد إظهار الوجه للأجانب ، ومنها : فتنتها بنفسها وبجمالها ، وزوال الحياء عنها ، وافتتان الرجال بها .
فإذا كان هذا هو حكم من أظهرت وجهها ، وهذه بعض آثار ظهوره أمام الأجانب : فماذا سيكون حكم إظهار الصدر والشعر معه ؟! وما هي الآثار التي ستترتب على ذلك ؟! .
ونأسف للحال التي قبلت المرأة لنفسها أن تصبح عليه من كونها سلعة رخيصة يتاجِر بها المرضى من أهل الشر والفساد ، فهل يمكن أن تُختار امرأة للعمل مذيعة في فضائية وليست جميلة ؟! إنه المقياس الأول الذي يُبحث عنه ؛ ليُمتَّع المشاهد بالنظر إليها والتغزل بها ، فكيف رضيت المرأة لنفسها أن تكون محط أنظار الملايين يتأملون بها ، ويغازلونها ، وهل ستكون في نظرهم تلك المرأة الشريفة المحافظة على عفافها وحيائها وهم يرونها تتزين للمشاهدين ما لا تتزينه لزوجها ؟! .
ثانياً:
وأما نظر الرجل إلى وجه الأجنبية وصدرها وشعرها : فلا يجوز أن يشك في تحريمه.
قال النووي رحمه الله:
"ويحرُم نظر رجل بالغ إلى عورة حرة كبيرة أجنبية ، وكذا وجهها وكفها ، عند خوف الفتنة ، وكذا عند الأمن على الصحيح" انتهى .
قال ابن شهاب الدين الرملي رحمه الله شارحاً كلام النووي :
"ووجهه الإمام – أي : الجويني - باتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه ، وبأن النظر مظنة الفتنة ، ومحرك للشهوة".(/1)
" نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج " ( 6 / 187 ، 188 ) .
وقال الدكتور محمد إسماعيل المقدَّم :
أجْمَع العُلماء جميعًا - ومِنهم عُلماء المذاهِب الأربَعَة - على وجوب تَغطيةِ المرأةِ جَميعَ بَدَنِها عَن الأجانب ، سواء مَن يَرىَ مِنهم أنَّ الوَجْه والكَفَين عورَةٌ ومَن يَرىَ أنَّهما غَيرُ عورَةٍ ، لَكِنَّه يوجِبُ تَغطيتَهما في هذا الزمان ؛ لفساد أكثر النَّاس ؛ ورِقَة دينِهم ؛ وعَدَمِ تورُّعِهم عَن النَّظَرِ المُحَرَّم إلى وَجْه المرأة الذي هو مَجْمَعُ المحاسِن ، ومِعيار الجَمال ، ومِصباح البَدَن .
" عودة الحِجاب " ( ص 432 ) بتصرف .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 26 / 269 ) .
" إذا كانت المرأة أجنبيّةً حرّةً : فلا يجوز النّظر إليها بشهوة مطلقاً ، أو مع خوف الفتنة ، بلا خلاف بين الفقهاء" انتهى
وفي ( 26 / 270 ) :
" هذا ، وقد اتّفق الفقهاء على أنّ النّظر إلى المرأة بشهوة حرام ، سواء أكانت محرماً أم أجنبيّةً عدا زوجته ومن تحلّ له .
وكذا يحرم نظر الأجنبيّة إلى الأجنبيّ إذا كان بشهوة" انتهى.
والنظرة للأجنبية المعفو عنها في الشرع : هي النظرة التي تكون من غير قصد ، وإذا حصلت تلك النظرة فإنه يجب على الناظر صرف بصره ، ولا يجوز له استدامة النظر ، وكلام العلماء في هذا المنع إنما هو في النظر إلى وجهها ، وأما النظر إلى صدرها وشعرها – كما تُخرجه المذيعات – فلا يَشك أحد في تحريمه ، ولا ينبغي أن يُختلف في هذا .
قال تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/30 .
وعموم غض البصر المأمور به المسلم في هذه الآية يشمل العورة التي لا يحل إظهارها إلا لزوجها ، والأعضاء التي لا تُظهرها إلا للنساء والمحارم ، والوجه المختلف فيه بين العلماء .
قال ابن كثير رحمه الله :(/2)
"هذا أمرٌ مِن الله تعالى لعباده المؤمنين أن يغضوا من أبصارهم عما حرَّم عليهم ، فلا ينظروا إلا إلى ما أباح لهم النظر إليه ، وأن يغضوا أبصارهم عن المحارم ، فإن اتفق أن وقع البصر على مُحرَّم من غير قصد : فليصرف بصره عنه سريعاً ... .
ولما كان النظر داعية إلى فساد القلب ، كما قال بعض السلف : " النظر سهام سم إلى القلب " ؛ ولذلك أمر الله بحفظ الفروج كما أمر بحفظ الأبصار التي هي بواعث إلى ذلك ، فقال : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ) " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 6 / 41 ، 42 ) باختصار .
وعن جرير بن عبد الله قال : ( سألت النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ نَظَر الفَجْأةِ ؟ فَأَمَرَنِي صلى الله عليه وسلم أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي ) رواه مسلم ( 2159 ) .
وعن بريدة بن الحصيب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعلي : ( يَا عَليّ ، لاَ تُتْبِع النَّظْرَةَ النَّظْرَة ، فَإِنَّ لكَ الأُولَى ، وَلَيْسَت لكَ الآخِرَة ) .
رواه الترمذي ( 2777 ) وأبو داود ( 2149 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
قال ابن القيم رحمه الله :
ونظرة الفجأة هي النظرة الأولى التي تقع بغير قصد من الناظر ، فما لم يتعمده القلب لا يعاقب عليه ، فإذا نظر الثانية تعمّداً : أثم ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم عند نظرة الفجأة أن يصرف بصره ، ولا يستديم النظر ؛ فإن استدامته كتكريره .
" روضة المحبين " ( ص 96 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :(/3)
إذا رأى الرجل المرأة وهي سافرة : فإن عليه أن يغض بصره ، ويصرفه عنها ، فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن نظر الفجأة فقال : ( اصرف بصرك ) و ( إن لك الأولى وليست لك الأخرى ) ، والمعنى : أنه لا حرج عليه في الأولى التي نظرها صدفة ، ولم يقصدها لما صادفها من باب خارجة ونحوه وهو داخل ، أو في طريق ، فإنه يصرف بصره ولا يتبع النظرة نظرة أخرى ، بل عليه أن يغض بصره .
" فتاوى ابن باز " ( 22 / 208 ) .
وقد سبق في إجابة السؤال رقم ( 22917 ) : فوائد غض البصر ، فلينظر .
والخلاصة :
1. يجب على المرأة المسلمة أن تستر جميع بدنها ، وأن الصحيح أنه يجب عليها ستر وجهها وكفيها .
2. لا يحل لها – من باب أولى – أن تُظهر للأجانب ما تظهره للنساء ولأقاربها المحارم .
3. يحرم على المرأة العمل مذيعة في تلفاز أو فضائية لما يستلزمه هذا العمل من إظهار وجهها وشعرها . ... وغير ذلك في الغالب ، واستدامة نظر المشاهدين لها المنافي للأمر بغض البصر.
4. وأولى بالتحريم من خرجت أمام الناس كاشفة شعرها وصدرها وذراعيها ، ولا تخلو هذه المرأة – عادة – من ارتكاب محرمات أخرى كالنمص ، واستعمال أدوات التجميل والعطور أمام الرجال الأجانب عنها .
5. لا يجوز للرجل الأجنبي النظر إلى المذيعة ، وليس له إلا النظرة الأولى ، والتي تكون من غير قصد .
6. لا فرق بين ظهور المذيعة في نشرة الأخبار وبرامج تعليمية ، وبين ظهورها في أفلام ومسلسلات من حيث النظر .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
92806
العنوان:
هل من السنة المصافحة باليدين جميعا ؟
السؤال:
هل من السنة المصافحةُ باليد اليمني فقط ؟ وماذا عن وضع يد المسلَّم عليه بين يدي المسلِّم ( احتواء يد واحدة بين يدين ) ؟
الجواب:
الحمد لله
المصافحة عند اللقاء والسلام من آداب الإسلام وأخلاقه الكريمة ، فهي تعبير عن المحبة والمودة بين المتصافحين ، كما أنها تذهب الغل أو الحقد والكراهية بين المسلمين ، وقد جاء في فضلها حديث عظيم جليل يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ مُسْلِمَيْنِ يَلْتَقِيَانِ فَيَتَصَافَحَانِ إِلَّا غُفِرَ لَهُمَا قَبْلَ أَنْ يَفْتَرِقَا ) رواه أبو داود (5212) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وقد كانت المصافحة من العادات المشهورة بين الصحابة رضوان الله عليهم .
فعَنْ قَتَادَةَ قَالَ : قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ : هَلْ كَانَتْ الْمُصَافَحَةُ فِي أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ : نَعَمْ . رواه البخاري (6263) .
قال ابن بطال : المصافحة حسنة عند عامة العلماء . وقال النووي : المصافحة سنة مجمع عليها عند التلاقي . كما في "فتح الباري" (11/55)
ثانيا :
تقع المصافحة حين يضع الرجل صفح كفه في صفح كف صاحبه ، هذا ما تقتضيه اللغة العربية ، كما في "معجم مقاييس اللغة" (3/229) وغيره ، وعليه تفهم ظواهر الأحاديث السابقة التي جاءت في المصافحة .
ولذا فقد ذهب أكثر أهل العلم إلى أن المصافحة باليد الواحدة هي السنة المجزئة ، وهي العادة المطردة التي كانت بين المسلمين وبين الصحابة رضوان الله عليهم .
يقول الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1/22) في ذكره لفوائد بعض الأحاديث :
" الأخذ باليد الواحدة في المصافحة ، وقد جاء ذكرها في أحاديث كثيرة ، وعلى ما دل عليه هذا الحديث يدل اشتقاق هذه اللفظة في اللغة .(/1)
قلت : وفي بعض الأحاديث المشار إليها ما يفيد هذا المعنى أيضا ، كحديث حذيفة مرفوعا :
( إن المؤمن إذا لقي المؤمن فسلم عليه وأخذ بيده فصافحه تناثرت خطاياهما كما يتناثر ورق الشجر ) قال المنذري (3/270) : " رواه الطبراني في " الأوسط " ورواته لا أعلم فيهم مجروحا " قلت : وله شواهد يرقى بها إلى الصحة .
فهذه الأحاديث كلها تدل على أن السنة في المصافحة : الأخذ باليد الواحدة " انتهى .
أما ما ذهب إليه بعض الفقهاء من الحنفية والمالكية من استحباب المصافحة بكلتا اليدين ، فيضع بطن كفه اليسرى على ظهر كف أخيه ، فهذا لم يثبت فيه سنة معتادة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه ، وإنما غاية ما فيه أنه جاء في بعض الأحاديث ما يدل على أخذ النبي صلى الله عليه وسلم يد الصحابي بكلتا كفيه لمزيد عناية من تعليم وإرشاد وغيره ، كما في صحيح البخاري (6265) ومسلم (402) عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : (عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ التَّشَهُّدَ وكَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ ) .
ولكن لم يكن ذلك هو العادة المطردة ، بدليل التقرير السابق في كون الأصل هو المصافحة باليد الواحدة ، وما جاء في بعض الروايات من التصريح بذلك ، بل وفي هذا الحديث دليل عليه أيضا ، إذ لو كانت العادة هي المصافحة باليدين جميعا لما ذكر ابن مسعود تلك الحالة ، فذِكرُهُ لها دليل على أنها لم تكن من عادة النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه .
ومع هذا ، فلا توصف المصافحة باليدين جميعا بأنها بدعة ، بل هي أمر جائز ، غير أن السنة والأفضل الاقتصار على المصافحة بيد واحدة .
فقد جاء عن حماد بن زيد أنه صافح عبد الله بن المبارك بكلتا يديه . كما في صحيح البخاري معلقا (ص/1206).
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (24/125) :
" أما المصافحة باليدين جميعا فلا نعلم فيه شيئا ، ولكنه لا ينبغي ، فالأَوْلى أن يكون بواحدة " انتهى .(/2)
وانظر "الموسوعة الفقهية" لفظ (مصافحة)، "تحفة الأحوذي" (7/431-433)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
92818
العنوان:
تعرَّف على فتاة ويريد السفر لزيارتها
السؤال:
تعرَّفت على أخت صالحة من دولة عربية أحببتها في الله...هل يجوز لي السفر إلى بلدها لزيارتها ؟ على الرغم من وجود نساء سافرات في تلك البلاد .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للشاب أن يُقدِم على إقامة العلاقات الشخصية مع أي فتاة صالحة أو غير صالحة ، وتحت أي اسم أو وصف ، سواء " حب في الله !!" أو " صداقة !" أو " زميلة عمل !" أو غير ذلك من الأعذار التي يتخذها الرجال أسبابا للاتصال بالنساء ومحادثتهن وتجاذب الحديث معهن .
والنصيحة لك أيها السائل أن تنأى بنفسك عن هذه المسالك ، فإنها والله مهالكُ مُردِيَة ، قد لا يشعر المرء بها في أول أمره ، ولكنها لا تفتأ تجر بقدمه حتى يزلَّ في الهاوية ، وقد لا يملك له أحد حينئذ أن يأخذ بيده نحو بر الأمان .
ونحن ننصح بذلك عن دليل بيِّنٍ ظاهر من الكتاب والسنة سبق تقريره في موقعنا في عشرات الفتاوى والإجابات ، انظر منها : (1200) ، (33702) ، (52768)
كما ننصح به عن خبرةٍ بواقع الناس ، وما يحكونه من مصائب تجرها عليهم نحو هذه المشاعر التي يُغرِي بها الشيطان ابنَ آدم ، فيسمي له التعلقَ المحرَّم بالمرأة " حبا في الله !!".
وانظر جواب السؤال (60269) ففيه عبرة لمن يعتبر .
وتأمل في نفسك – أخي الكريم – تجد مصداق ما نقول :
أرأيت لو كان بدلا من هذه الفتاة الصالحة شاب صالح ، أتراك تسافر السفر الطويل لزيارته والاطمئنان على أحواله ، أم تكتفي بالمراسلة والمهاتفة ؟!!
أرأيت لو كانت هذه الفتاة الصالحة التي تعرفت عليها متزوجة ولديها من الأولاد ، أتراك تُقدم على السفر لزيارتها ، أم لعلك تكتفي بالدعاء لها بالخير والتوفيق ؟!
أرأيت لو كانت لك بنت طيبة وجاء من تعرف عليها من بلاد بعيدة ليطمئن على حالها أكنت تصدق أن ذلك حب في الله مجرد أم هو حب الهوى والفتنة ؟!(/1)
لو فتشت لوجدت أن للشيطان نصيبا في مثل هذه الزيارة ، كما لهوى النفس نصيب آخر.
ويقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (3/123) :
" وإنما يجب الاحتراز من أوائله – يعني الحب المحرم – بترك معاودة النظر والفكر ، وإلا فإذا استحكم عسر دفعه ، ومثال من يكسر سَوْرَةَ العشق في أول انبعاثه مثال من يصرف عنان الدابة عند توجهها إلى باب لتدخله ، وما أهون منعها بصرف عنانها . ومثال من يعالجها بعد استحكامها مثال من يترك الدابة حتى تدخل وتجاوز الباب ، ثم يأخذ بذنبها ويجرها إلى ورائها . وما أعظم التفاوت بين الأمرين في اليسر والعسر ، فليكن الاحتياط في بدايات الأمور ، فأما في أواخرها فلا تقبل العلاج إلا بجهد جهيد يكاد يؤدي إلى نزع الروح" انتهى .
فإن أردت مخرجا شرعيا مما أنت فيه فاصرف همتك إلى التفكير الجاد بالزواج من هذه الفتاة ، وأن تكون زيارتك متجهة لولي أمرها ليزوجك إياها، كي يكون اتصالك بها بعد ذلك اتصالا شرعيا ، فإن لم يكن لك قصد في ذلك فليس أمامك إلا أن تصرف نفسك عن التفكير فيها ، وعليك بما ينفعك .
وأما ما تجده في تلك البلاد – وأي بلاد – من مظاهر المنكر وتبرج النساء ونحو ذلك ، فعليك أن تحترز عنه قدر الإمكان ، وتتقصد الأماكن التي تقل فيها هذه المظاهر ، وتحرص على اصطحاب الرفقة الصالحة في ذلك السفر ، فإذا خشيت على نفسك الفتنة فسارع إلى تحقيق مقصدك من الزواج الشرعي ، ثم عَجِّل إلى بلدك حيث لا تجد تلك المنكرات .
نسأل الله تعالى أن يهدينا وإياكم سواء السبيل .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
92831
العنوان:
حكم إجراء عملية ولادة قيصرية
السؤال:
هل اللجوء للعملية القيصرية بسبب بعض المخاوف على حياة الجنين واجبة ؟ أشعر أنها كثرت ، ولربما هي خطة غربية لتقليل نسل المسلمين وإضعاف أرحامهم , وأتساءل هل يجب اللجوء إليها والتعجيل بها قبل مجيء الطلق الطبيعي حرصا على الجنين ، أم الأفضل هو الانتظار حتى مجيء الطلق عاش الطفل أو مات ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الولادة القيصرية هي عملية جراحية يتم فيها شق البطن ، لإخراج الطفل من الأم ، ويقال إنها سميت بهذا الاسم نسبة إلى " يوليوس قيصر " ؛ لأنه أول من ولد بهذه الطريقة ، إذ ماتت أمه أثناء الطلْق ، وقام الطبيب بعدها بشق بطنها وأخرجه منها ، وعاش قيصر ليصبح إمبراطور روما .
ثانياً :
والولادة الطبيعية هي الأفضل للأم ، إلا أن هذا لا يمنع من استعمال العملية القيصرية إذا اقتضت الضرورة لذلك ، ومن هذه الضرورات : نزول المشيمة أسفل الرحم ، ونقص الأكسجين عن الجنين ، ووجود أورام في الحوض ، أو وجود ارتفاع في ضغط الدم ، أو كان هناك نزيف يهدد حياة الأم وجنينها ، أو في حال وجود توأمين ملتصقين ، أو وجود جنين كبير الحجم ، وغيرها من الضرورات التي تحتم إجراء عملية قيصرية ، وهذا من نِعَم الله العظيمة ، ومن رحمته بخلقه .
ويتساهل كثير من الأطباء في اللجوء إلى العملية القيصرية ؛ طمعاً منهم في المال ، أو لعدم صبره على الأم أثناء الطلق للولادة الطبيعية ، كما أن بعض النساء تطلب هذه العملية للحفاظ على رشاقة جسدها ، أو للتخلص من آلام الولادة .
ولا شك أن في هذا الفعل تضييعاً لفوائد متعددة ، كما أنه قد يسبب آثاراً على الأم وولاداتها المستقبلية ، ومنه ما أشار إليه الأخ السائل .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :(/1)
"وبهذه المناسبة أود أن أشير إلى ظاهرة ذُكِرت لنا ، وهي : أن كثيراً من المولِّدين أو المولِّدات في المستشفيات يحرصون على أن تكون الولادة بطريقةِ عملية ، وهي ما تسمى بالقيصرية ، وأخشى أن يكون هذا كيداً للمسلمين ؛ لأنه كلما كثرت الولادات على هذا الحال : ضَعُفَ جِلْدُ البطن وصار الحمل خطراً على المرأة ، وصارت لا تتحمل ، وقد حدَّثني بعض أهلِ المستشفيات الخاصة بأن كثيراً من النساء عُرِضْن على مستشفيات فقرر مسئولوها أنه لا بد من قيصرية ، فجاءت إلى هذا المستشفى الخاص فوُلِّدت ولادة طبيعية ، وذَكَرَ أكثرَ من ثمانين حالة من هذه الحالات في نحو شهر ، وهذا يعني أن المسألة خطيرة ، ويجب التنبُّه لها، وأن يُعْلَم أن الوضع لا بد فيه من ألم ، ولا بد فيه من تعب (حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً) الأحقاف/15 ، وليس لمجرد أن تحس المرأة بالطَّلْق تذهب وتُنْزِل الولد حتى لا تحس به ، فالولادة الطبيعية خير من القيصرية " انتهى بتصرف .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 2 / السؤال 42 ) .
وسئل الشيخ – رحمه الله - :
فضيلة الشيخ ! يقول الله سبحانه وتعالى في سورة عبس : ( ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ ) عبس/20 ، فالله سبحانه وتعالى تكفل بتيسير هذا المولود ، ويلاحظ كثيرٌ من الناس من الرجال والنساء الاستعجال للقيام بعملية ما تسمى بالقيصرية ، فهل هذا من ضعف التوكل على الله سبحانه وتعالى ؟ .
فأجاب :
أرى - بارك الله فيك - أن هذه الطريقة التي يستعملها الناس الآن عندما تحس المرأة بالطلْق تذهب إلى المستشفى ، ويصنع لها عملية قيصرية : أرى أن هذا من وحي الشيطان ، وأن ضرر هذا أكثر بكثير من نفعه ؛ لأن المرأة لابد أن تجد ألماً عند الطلق ، لكن ألمها هذا تستفيد منه فوائد :
الفائدة الأولى : أنه تكفير للسيئات .
الثاني : أنه رفعة للدرجات إذا صبرت واحتسبت .(/2)
والثالث : أن تعرف المرأة قدْر الأم التي أصابها مثلما أصاب هذه المرأة .
والرابع : أن تعرف قدر نعمة الله تعالى عليها بالعافية .
والخامس : أن يزيد حنانها على ابنها ؛ لأنه كلما كان تحصيل الشيء بمشقة كانت النفس عليه أشفق ، وإليه أحن .
والسادس : أن الابن أو أن هذا الحمل يخرج من مخارجه المعروفة المألوفة ، وفي هذا خير له وللمرأة .
والسابع : أنها تتوقع بذلك ضرر العملية ؛ لأن العملية تضعف غشاء الرحم وغير ذلك ، وربما يحصل له تمزق ، وقد تنجح ، وقد لا تنجح .
والثامن : أن التي تعتاد القيصرية لا تكاد تعود إلى الوضع الطبيعي ؛ لأنه لا يمكنها ، وخطر عليها أن تتشقق محل العمليات .
والتاسع : أن في إجراء العمليات تقليلاً للنسل ، وإذا شق البطن ثلاث مرات من مواضع مختلفة وهَنَ وضعف وصار الحمل في المستقبل خطيراً .
والعاشر : أن هذه طريقة من طرق الترف ، والترف سبب للهلاك ، كما قال الله تعالى في أصحاب الشمال : ( إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُتْرَفِينَ ) الواقعة/45 ، فالواجب على المرأة أن تصبر وتحتسب ، وأن تبقى تتولد ولادة طبيعية ؛ فإن ذلك خير لها في الحال ، وفي المآل ، وعلى الرجال أيضاً هم بأنفسهم أن ينتبهوا لهذا الأمر، وما يدرينا فلعل أعداءنا هم الذين سهلوا علينا هذه العمليات من أجل أن تفوتنا هذه المصالح ونقع في هذه الخسائر .
السائل : ما مفهوم الترف ؟ .
الشيخ : الترف : أن فيه اجتناب ألم المخاض الطبيعي ، وهذا نوع من الترف ، والترف إذا لم يكن معيناً على طاعة الله : فهو إما مذموم ، أو على الأقل مباح .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 86 / السؤال 17 ) .
وخلاصة الجواب : أن الولادة القيصرية لا يلجأ إليها إلا عند الضرورة ، بأن تتعذر الولادة الطبيعية ، أو يكون فيها خطر على الأم أو على الجنين .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
93016
العنوان:
توفي عن زوجة وأربعة أبناء وأربع بنات
السؤال:
إذا مات شخص وترك 4 بنات و 4 أولاد ، وزوجة ، وترك مثلا 120000 درهماً ، كيف توزع تركته ؟
الجواب:
الحمد لله
تقسيم هذه المسألة من مسائل الفرائض يحكم به آيتان من كتاب الله :
الأولى : قوله سبحانه وتعالى في بيان ميراث الزوجة: ( فإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم ) النساء/12 .
فتفرض هذه الآية للزوجة الثمن من التركة إذا وجد ولد للزوج .
الثانية : قوله سبحانه وتعالى في بيان ميراث الأولاد إذا اجتمع منهم ذكور وإناث ، أي: ( بنين وبنات) : ( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ ) النساء/11.
وعلى هذا يكون تقسيم التركة على النحو التالي :
1- للزوجة ثمن التركة .
2- الباقي يكون للبنين والبنات ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
وأما تقسيم التركة (120000درهماً) فيكون حسب الجدول التالي :
الوارثون
أصل المسألة
تصحيح المسألة
تقسيم التركة
المجموع
8
96
120000
زوجة
1
12
15000
4 أبناء ذكور
7
56
70000
4 بنات إناث
28
35000
قيمة السهم الواحد : (120000) ÷ (96) = (1250) درهما .
نصيب الزوجة من التركة = (12) * (1250) = (15000) درهماً .
نصيب الأبناء جميعاً = (56) * (1250) = (70000) درهماً .
نصيب الابن الواحد من الذكور = (70000) ÷ (4) = (17500) درهم .
نصيب البنات جميعاً = (28) * (1250) = (35000) درهماً .
نصيب البنت الواحدة من الإناث = (35000) ÷ (4) = (8750) درهما .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
93018
العنوان:
أخذ حبوب منع الدورة لأجل الاعتكاف
السؤال:
أريد الجلوس للاعتكاف. ستكون هذه هي المرة الثالثة لي. الدورة الشهرية ستكون في وقت بالعشر الأواخر لرمضان. هناك حبوب موجودة لوقف الدورة الشهرية . لقد استخدمتها في أول مرة وأنا في الاعتكاف عندما كانت عادتي في تلك الفترة. لكن هذه المرة أنا أخاف استخدامها لأن عندي السرطان واستخدمت علاج الكيماوي.
عندما شُخصت حالتي بالسرطان عقدت النية أن الله سيعافيني وأنني سأجلس في الاعتكاف. ماذا يجب علي أن أفعل ؟ هل يجب أن أستشير الطبيب حتى أعرف هل الحبوب تؤذيني أو لا أجلس في الاعتكاف ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا : نسأل الله تعالى لك الشفاء والعافية ، والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا .
ثانيا : يجوز أخذ حبوب منع الدورة للتمكن من أداء العبادة كالاعتكاف والعمرة والحج ، ولكن بشرط ألا تكون مضرة بالبدن ، وحيث إنك تعانين من المرض الذي ذكرت ، فلابد من استشارة الطبيب قبل أخذ هذه الحبوب ، للتأكد من عدم معارضتها لعلاجك ، وعدم إضرارها بك ، والمسلم مأمور بالمحافظة على بدنه ، وعدم إلحاقه الضرر به ؛ لقوله تعالى : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) النساء/29 ، وقوله : ( وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلى التَّهْلُكَةِ ) البقرة/195 ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : (لا ضَرَرَ وَلا ضِرَارَ ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وقال في الآداب الشرعية" (2/463) : " وتحرم المداواة بكل مضر " انتهى .
وعلى هذا ، فإن كانت هذه الحبوب مضرة فلا يجوز لك تناولها ، ويمكنك البدء في الاعتكاف ثم إذا حصل الحيض خرجت من المسجد وقطعت الاعتكاف وهذا عذر لك في قطعه بل هذا هو الواجب عليك لأن الحائض لا يجوز لها أن تبقى في المسجد .
أما إن كانت غير مضرة فلا حرج عليك في تناولها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
93019
العنوان:
أتى بشهادة مزورة ليحصل على ترقية وزيادة راتب
السؤال:
أخي قام بتزوير شهادة دراسية لكي يترقى لرتبة جديدة وعند تقديم الشهادة تمت ترقيته فهل ما يأخذه من راتب يعتبر حراماً وماذا يجب عليه ؟
الجواب:
الحمد لله
ما قام به أخوك من تزوير الشهادة ليترقى بها في العمل ، أمر محرم ، لاشتماله على الكذب والتزوير وأخذ ما لا يحق له من الراتب .
وما بني على هذا الباطل فهو باطل ، فلا يحل له أخذ هذه الزيادة التي تعطى له بعد الترقية المبنية على التزوير .
والواجب عليه أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يعود لمرتبته الأولى ، أو يخرج من العمل ، ويسعى لتحصيل شهادة حقيقية تؤهله للمرتبة التي يريد .
وراجع السؤال رقم (6418) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
93031
العنوان:
حكم شراء البضاعة المسروقة وانتقالها لغير المشتري
السؤال:
والدي اشترى ماكينات من كافر مع علمه بأنها مسروقة ، فما رأي الشرع في ذلك ؟ وما حكم الشرع في مال أخذته منه واستعملته في التجارة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز شراء البضائع المسروقة – ولو سرقت من كفار - ، وهي من المال المحرَّم لعينه ، والذي لا يحل لأحدٍ أن يتملكه ولو بطريق مشروعة كالشراء والهبة والميراث .
والواجب على من علم أن ما سيشتريه مسروق أن يُنكر على السارق ، ويأمره بالتوبة من السرقة ، ورد البضاعة إلى أصحابها ، وأن يحاول إرجاع البضاعة إلى أصحابها إن تمكن من ذلك وعلِم أعيانهم ، أو يخبرهم بمكان بضاعتهم المسروقة ، أو يخبر الجهات المسئولة عن ذلك .
ومن اشترى بضاعة وهو يعلم أنها مسروقة : أثِم ، ومن تمام توبته إرجاع البضاعة لأصحابها ، والرجوع بالثمن على من باعه إياها .
والشراء من السارق فيه إعانة على الإثم والعدوان ، وتشجيع للسارق بالاستمرار على فعله ، وفيه ترك لإنكار المنكر ، كما أن من شروط صحة البيع ملك البائع لما يبيعه ، فإن كان سارقاً فهو غير مالك ، وهذا موجب لبطلان العقد .
وهذه فتاوى أهل العلم فيما سبق :
1. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
" الأموال المغصوبة والمقبوضة بعقود لا تباح بالقبض إن عرفه المسلم : اجتنبه ، فمن علمتُ أنه سرق مالاً ، أو خانه في أمانته ، أو غصبه فأخذه من المغصوب قهراً بغير حق : لم يجز لي أن آخذه منه ، لا بطريق الهبة ، و لا بطريق المعاوضة ، و لا وفاء عن أجرة ، ولا ثمن مبيع ، و لا وفاء عن قرض ، فإن هذا عين مال ذلك المظلوم " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 29 / 323 ) .
2. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضاً :(/1)
"وإن كان الذي معهم – أي : التتار - أو مع غيرهم أموال يعرف أنهم غصبوها من معصوم : فتلك لا يجوز اشتراؤها لمن يتملكها ، لكن إذا اشتُريت على طريق الاستنقاذ لتصرف في مصارفها الشرعية فتعاد إلى أصحابها إن أمكن ، وإلا صرفت في مصالح المسلمين : جاز هذا" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 29 / 276 ) .
3. وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"إذا تيقن الإنسان من كون السلعة المعروضة للبيع أنها مسروقة ، أو مغصوبة ، أو أن مَن يعرضها لا يملكها ملكاً شرعيّاً ، وليس وكيلاً في بيعها : فإنه يحرم عليه أن يشتريها ؛ لما في شرائها من التعاون على الإثم والعدوان ، وتفويت السلعة على صاحبها الحقيقي ؛ ولما في ذلك من ظلم الناس ، وإقرار المنكر ، ومشاركة صاحبها في الإثم ، قال الله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 .
وعلى ذلك ينبغي لمن يعلم أن هذه السلعة مسروقة أو مغصوبة أن يقوم بمناصحة من سرقها برفق ولين وحكمة ليرجع عن سرقته ، فإن لم يرجع وأصر على جرمه : فعليه أن يبلغ الجهات المختصة بذلك ليأخذ الفاعل الجزاء المناسب لجرمه ، ولرد الحق إلى صاحبه ، وذلك من باب التعاون على البر والتقوى ؛ ولأن في ذلك ردعا للظالم عن ظلمه ، ونصرة له وللمظلوم .
ولذلك ثبت في الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) قالوا : يا رسول الله : هذا ننصره مظلوماً ، فكيف ننصره ظالماً ؟ قال : ( تأخذ فوق يديه ) أخرجه البخاري في صحيحه وأخرج الإمام أحمد في " المسند " نحوه ، وفي رواية أخرى : فقال رجل : يا رسول الله : أنصره إذا كان مظلوماً ، أفرأيت إذا كان ظالما كيف أنصره ؟ قال : ( تحجزه عن الظلم ، فإن ذلك نصره ) .(/2)
وعلى ذلك : فإن نصر الظالم بردعه عن ظلمه ، واعتدائه ، ونصر المظلوم بالسعي في رد حقه عليه ، ومنع الظالم من تمكينه من إيذائه هو فرض كفاية ، فإذا لم يوجد من يقوم بذلك بصفة رسمية ، أو من هو أقوى منه في الأخذ على يد الظالم والعاصي لله ، وردعه عن ظلمه وجرمه : تعين الأمر عليه حسب قدرته واستطاعته ، مع الرفق واللين ، وله الأجر والثواب على ذلك ، إن شاء الله تعالى" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 13 / 82 ، 83 ) .
4. وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
عُرض عليَّ سلعة اتضح لي أنها مسروقة ، غير أن الذي عرضها عليَّ لم يكن هو السارق وإنما اشتراها من شخص آخر اشتراها من السارق ، إذا اشتريتها مع علمي بذلك : فهل أكون آثماً ، مع أني لا أعلم صاحبها الذي سرقت منه ؟
فأجاب :
"الذي يظهر من الأدلة الشرعية : أنه لا يجوز لك شراؤها إذا اتضح لك أو غلب على ظنك أنها مسروقة ؛ لقول الله سبحانه : ( وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ؛ ولأنك تعلم أو يغلب على ظنك أن البائع ليس مالكاً لها شرعاً ، ولا مأذوناً له شرعاً في بيعها ، فكيف تعينه على ظلمه فتأخذ مال غيرك بغير حق ، نعم إذا أمكن شراؤها للاستنقاذ وردها إلى مالكها : فلا بأس ، إذا لم يتيسر أخذها بالقوة ، وعقوبة الظالم ، أما إذا أمكن أخذها بالقوة وعقوبة الظالم بعقوبته الشرعية : فهذا هو الواجب للأدلة المعلومة من الحديث ( انصر أخاك ظالما أو مظلوماً ... ) الحديث" انتهى.
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 19 / 91 ، 92 ) .
ثانياً :
وأما أخذك المال من والدك فلا حرج في ذلك ، لأن من اختلط ماله ، فكان فيه الحرام والحلال لا حرج من معاملته بالبيع والشراء والهبة والقرض ونحو ذلك ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعامل مع اليهود وهم أكلة الربا والمال الحرام .(/3)
ولكن إذا كان المال الذي تأخذه من والدك هو نفس المال المسروق فإن هذا لا يحل لوالدك ولا لك .
وأخيرا .. ينبغي عليك نصح والدك بتحري الحلال وتجنب الحرام فإن كل جسم نبت من حرام فالنار أولى به .
نسأل الله تعالى أن يغنيكم بحلاله عن حرامه وبفضله عمن سواه .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
93045
العنوان:
تساعد والديها من راتبها دون علم زوجها
السؤال:
أنا سيدة متزوجة ولي 3 أطفال ، اشتغل بشركة وأتقاضى مرتبا شهريا أشارك به في مصروف البيت ، أي أساعد زوجي ، سؤالي هو أن أبي يبلغ 84 من العمر ، و أمي 76 ، وأنا ابنتهم الوحيدة ، فأساعدهم من مرتبي الشهري دون علم زوجي ، بالرغم من أنه لا يعارض في الأمر ؛ فما حكم الشرع في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا لم يكن هناك اشتراط من قِبل الزوج أن تعملي في مقابل مشاركتك بالراتب كله أو جزء منه ، في مصروف البيت ، فراتبك الذي تأخذينه ، أو المبلغ المتبقي منه بعد القدر الذي اشترط زوجك أن تشاركي به ،: ملكٌ لك ، يجوز أن تتصرفي فيه بما يباح من أنواع التصرف ، ولا يلزمك استئذان الزوج في ذلك ، لكن إن فعلت تطييبا لخاطره ، فهو أفضل .
ومساعدة الوالدين من أعظم أعمال البر والخير ، وهي من صلة الرحم التي تزيد في العمر ، وتبارك في الرزق ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ) رواه البخاري (5986) ومسلم (2557) .
وعلى ذلك ، فلا حرج فيما تفعلينه من مساعدة والديك بجزء من راتبك ، من دون علم زوجك ، خاصة وأنت تقولين أنه لا يمانع من مثل ذلك ، لكن لو رأيت أن إخباره بذلك يطيب خاطره فهو أفضل .
نسأل الله تعالى أن يأجرك ويثيبك على هذه المساعدة ، وأن يبارك لك في مالك وعملك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
93066
العنوان:
الذكر المشروع عند الإفطار
السؤال:
ما حكم الدعاء من الأحاديث التي قالوا عنها أنها ضعيفة مثل :
1 - عند الفطور " اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ".
2 - أشهد أن لا إله إلا الله أستغفر الله أسألك الجنة وأعوذ بك من النار . هل يشرع , يجوز , لا يجوز , مكروه , لا يصح أو حرام ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الدعاء عند الإفطار بما ذكرت ، ورد في حديث ضعيف رواه أبو داود (2358) عَنْ مُعَاذِ بْنِ زُهْرَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ .
ويغني عنه ما رواه ابو داود (2357) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَفْطَرَ قَالَ : ( ذَهَبَ الظَّمَأُ وَابْتَلَّتْ الْعُرُوقُ وَثَبَتَ الأَجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
ثانيا :(/1)
يستحب للصائم أن يدعو أثناء صيامه ، وعند فطره ؛ لما روى أحمد (8030) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا إِذَا رَأَيْنَاكَ رَقَّتْ قُلُوبُنَا وَكُنَّا مِنْ أَهْلِ الآخِرَةِ وَإِذَا فَارَقْنَاكَ أَعْجَبَتْنَا الدُّنْيَا وَشَمَمْنَا النِّسَاءَ وَالأَوْلادَ قَالَ لَوْ تَكُونُونَ أَوْ قَالَ لَوْ أَنَّكُمْ تَكُونُونَ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَلَى الْحَالِ الَّتِي أَنْتُمْ عَلَيْهَا عِنْدِي لَصَافَحَتْكُمْ الْمَلائِكَةُ بِأَكُفِّهِمْ وَلَزَارَتْكُمْ فِي بُيُوتِكُمْ وَلَوْ لَمْ تُذْنِبُوا لَجَاءَ اللَّهُ بِقَوْمٍ يُذْنِبُونَ كَيْ يَغْفِرَ لَهُمْ قَالَ قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ حَدِّثْنَا عَنْ الْجَنَّةِ مَا بِنَاؤُهَا قَالَ لَبِنَةُ ذَهَبٍ وَلَبِنَةُ فِضَّةٍ وَمِلاطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرَابُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ وَلا يَمُوتُ لا تَبْلَى ثِيَابُهُ وَلا يَفْنَى شَبَابُهُ ثَلاثَةٌ لا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ الإِمَامُ الْعَادِلُ وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ تُحْمَلُ عَلَى الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ عَزَّ وَجَلَّ وَعِزَّتِي لأَنْصُرَنَّكَ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ). والحديث صححه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
ورواه الترمذي (2525) بلفظ : " وَالصَّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ ..." وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فلك أن تسأل الله الجنة وأن تتعوذ من النار ، وأن تستغفر ، وأن تدعو بغير ذلك من الأدعية المشروعة ، وأما الدعاء بهذه الصيغة المرتبة : " أشهد أن لا إله إلا الله أستغفر الله أسألك الجنة وأعوذ بك من النار " فلم نقف عليها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93088
العنوان:
التحايل على الدولة بشراء مزرعة وتسجيل قيمتها بأقل من ثمنها وزكاة ثمارها
السؤال:
في العام الماضي اشترى والدي مزرعة من أحد الأشخاص لكنه أمرني أن أذهب أنا مع البائع إلى الحكومة لتسجيل عقد البيع على أساس أن أكون المشتري ، ولتكون المزرعة باسمي ؛ وذلك لأنه يود الحصول على مزرعة أخرى كان قدَّم عليها لدى الدولة باسمه ؛ حيث أنهم كانوا سيلغون طلبه لتلك المزرعة لو أن المزرعة التي لدينا الآن كانت باسمه ، فهو يريد الآن أن يمتلك مزرعتين ! عندما ذهبنا أنا والبائع إلى الحكومة قلت إنني دفعت له مبلغاً معيَّناً وهو المبلغ الذي قال لي أبي أن أقول إنني دفعته ، ولكن في الواقع ذلك لم يكن هو المبلغ الذي استلمه صاحب المزرعة السابق ، بل استلم مبلغاً أكبر ، فالدولة تطلب من مشتري المزرعة أن يدفع قيمة مالية إضافية إجبارية للحكومة على حسب المبلغ الذي دفعه المشتري للبائع ، وكلما كانت قيمة المزرعة أكبر كان تلك القيمة المالية أعلى ( لا أذكر لم هي تلك القيمة المالية ، لكني أظنها تأميناً ) ، لذلك فإن والدي أراد إخفاء السعر الحقيقي الذي بيعت به المزرعة حتى يدفع مبلغاً أقل . فهل يجوز ما فعله أبي ؟ وهل يجوز ما فعلته أنا عندما كذبت بشأن سعر المزرعة ؟ . وهذه المزرعة ممنوعة من التسويق من قبل الدولة ، فهل تجب عليها الزكاة حتى وإن لم تكن منتجاتها ستباع وتشترى ؟ إذا كان الجواب بنعم تجب الزكاة : فمن المسئول عن دفع الزكاة هل هو أنا أم والدي ؛ لأن المزرعة مكتوبة باسمي ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :(/1)
حكم تسجيلك للمزرعة التي دفع والدك ثمنها باسمك يختلف باختلاف السبب الدافع لهذا الأمر ، فإن فعلتما ذلك من أجل دفع ضر عنكم ، مثل أن يوجد قانون جائر يمنع مِن تملك أكثر من مزرعة : فيجوز لكم فعل ذلك ، ولا حرج في تسجيل المزرعة المشتراة باسمك أو باسم غيرك ، وأما إن كان هذا الفعل منكما من أجل الحصول على منفعة ليست من حقكم ، مثل أن تَشترط الدولة للحصول على مزرعة عن طريقها هبةً أو بسعرٍ مخفَّض : عدم وجود مزرعة عند المتقدم بالطلب : فهذا الفعل منكما حرام ، وهو من أكل أموال الناس بالباطل .
وإذا أردتم إصلاح الوضع - إن كان الأمر على الصورة الثانية - : فيمكنك أن تشتري المزرعة أنت شراءً حقيقيّاً من والدك ، وتكون لك ، أو أنكم تبيعونها ، ويرجع الأمر كما كان ، وهو أن والدك لا يملك مزرعة .
ثانياً :
وأما حكم الكذب في الإخبار عن حقيقة ثمن المزرعة من أجل توفير الرسوم الضريبية : فإن هذا الأمر جائز ؛ لأن أخذ أموال الناس عن طريق الجمارك أو الضرائب من المحرمات ، ولا حرج على المسلم إذا سعى في إنقاذ ماله من ذلك ، لكن كلما أمكن التعريض والكلام المحتمل فهو أولى من الكذب .
قال ابن حزم رحمه الله :
"واتفقوا أن المراصد الموضوعة للمغارم [أي الضرائب] على الطرق ، وعند أبواب المدن ، وما يؤخذ في الأسواق من المكوس على السلع المجلوبة من المارة ، والتجار : ظلم عظيم ، وحرام ، وفسق " انتهى .
" مراتب الإجماع " ( ص 121 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عند ذِكر ما يأخذه الإمام :
"ونوع يحرم أخذه بالإجماع ... كالمكوس التي لا يسوغ وضعها اتفاقا" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 28 / 278 ) .
وليست هذه من حقوق السلطان ، بل من سمَّاها حقّاً فإنه يقع في إثم عظيم .
قال النووي رحمه الله :(/2)
"مما يتأكد النهيُ عنه والتحذيرُ منه : ما يقولُه العوامّ وأشباهُهم في هذه المكوس التي تُؤخذُ ممن يبيع أو يشتري ونحوهما فإنهم يقولون : هذا حقّ السلطان ، أو عليك حقّ السلطان ، ونحو ذلك من العبارات المشتملة على تسميته حقّاً أو لازماً ونحو ذلك ، وهذا من أشدّ المنكرات ، وأشنع المستحدثات حتى قال بعضُ العلماء : من سمَّى هذا حقّاً فهو كافرٌ خارجٌ عن ملّة الإِسلام ! والصحيحُ : أنه لا يكفرُ ، إلا إذا اعتقده حقّاً مع علمه بأنه ظلم ، فالصوابُ أن يُقال فيه المَكسُ ، أو ضريبةُ السلطان ، أو نحو ذلك من العبارات" انتهى .
" الأذكار " ( ص 369 ) .
وانظر أجوبة الأسئلة ( 39461 ) و ( 25758 ) و ( 42563 ) .
وأما إن كان المستوفى من معاملات البيع والشراء هو رسوم عادية تتعلق بخدمات تؤدى للبائع أو المشتري أو لكليهما : فلا يجوز التهرب منها بحال ، بل يصبح هذا حقّاً للآخذ لا يجوز التحايل عليه ، والتهرب من دفع ما له من حق .
ثالثاً :
وفيما يتعلق بسؤالك عن زكاة ما يخرج من المزرعة : فاعلم أن الزكاة واجبة على صاحب المزرعة الحقيقي ، وهو هنا والدك.
ولا يشترط لوجوب الزكاة في الزروع والثمار أن تكون للبيع بل تجب فيها الزكاة ولو كانت من أجل أن يأكل منها صاحبها وأولاده وأهله .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
عندي في منزلي خمس نخلات ، وكلها مثمرة ، هل في ثمارها زكاة ؟ وما مقدارها ؟ .
فأجاب :
"هذه مسألة في الحقيقة السؤال عنها جيد ، كثير من الناس عندهم بيوت فيها نخل ، والنخل تكون ثمارها بالغة للنصاب ، ومع ذلك لا يزكونه ؛ لأنهم يظنون أن الزكاة تجب في الحوائط الكبيرة ، أما النخلات التي في البيت : فيظن كثير من الناس أنه ليس فيها زكاة ، ولكن الأمر ليس كذلك ، بل نقول : إذا كان في بيتك نخل وعندك بستان آخر ، وكانت النخل الموجودة في البيت لا تبلغ النصاب : فإنها تضم إلى النخل الذي في البستان .(/3)
أما إذا لم يكن عندك بستان : فإننا ننظر في النخل الذي في البيت ، إن كان يبلغ النصاب : وجبت الزكاة ، وإن كان لا يبلغ النصاب : فلا زكاة فيه .
والنصاب ثلاثمائة صاع ، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ... .
الخلاصة : أن النخل الذي في البيت إن كان مالك البيت عنده بستان فيه نخل : فإن ثمرة النخل الذي في البيت تضم إلى ثمرة النخل الذي في البستان ، فإذا بلغ مجموعها نصاباً : وجب إخراج الزكاة .
وإن لم يكن له بستان : فإننا نعتبر النخل الذي في البيت بنفسه ، ونقول : إذا بلغت ثمرتها نصاباً : وجب فيها الزكاة ، وإلا فلا .
والزكاة نصف العشر فيما يسقى بمؤونة ، والعشر كاملاً فيما يسقى بلا مؤونة" انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 18 / السؤال رقم 39 ) .
ووقع خلاف بين العلماء في الزرع الذي يُزكى ، وما رجحناه في موقعنا هو أن الزكاة تجب في الثمر الذي يكال ويدخر ، وانظر ذلك في جواب السؤال رقم (3593) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
93101
العنوان:
اشترى أسهما بالتقسيط فهل يخصم الأقساط عند الزكاة
السؤال:
اشتريت أسهماً بالتقسيط، هل تجب علي الزكاة في قيمة الأسهم الحالية أم أخصم منها قيمة القرض؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
من اشترى الأسهم بقصد الاتجار فيها ، وجب عليه أن يزكيها زكاة التجارة في نهاية الحول ، فيقومها بسعر السوق ، ويخرج ربع العشر .
ومن اشترى الأسهم بغرض اقتنائها ، والاستفادة من أرباحها ، لا للاتجار فيها ، فهذا يزكي الربح، ويزكي ما يقابل السهم من نقود في مال الشركة ، وانظر تفصيل هذا في الجواب رقم (69912)
ثانيا :
إذا حال الحول ، وبقي بعض الأقساط عليك ، لزمك أن تزكي الأسهم دون اعتبار لهذه الأقساط ؛ لأن الدين لا يؤثر على الزكاة ، في أصح قولي العلماء ، وهو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله . انظر : المجموع (5/317)، نهاية المحتاج (3/133).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والذي أرجحه أن الزكاة واجبة مطلقا ، ولو كان عليه دين ينقص النصاب ، إلا دينا وجب قبل حلول الزكاة فيجب أداؤه ، ثم يزكي ما بقي بعده " انتهى من "الشرح الممتع" (6/39).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
93111
العنوان:
إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة ؟!
السؤال:
إذا كان القرآن كاملا مكتملا وافيا للشريعة فما الحاجة إلى السنة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يزال أعداء الدِّين يحرصون على النيل من دين الله تعالى بشتى الصور والأساليب ، وينشرون شبهاتهم وضلالاتهم بين عامة المسلمين ، فينساق وراءهم بعض ضعاف الإيمان ، والجهلة من المسلمين ، ولو أن واحداً من هؤلاء العامة فكَّر قليلاً لعلم أن شبههم خاوية ، وأن حجتهم داحضة .
ومن أيسر ما يمكن أن يرد به العامي على هذه الشبهة المتهافتة أن يسأل نفسه : كم ركعة أصلي الظهر ؟ وكم هو نصاب الزكاة ؟ وهذا سؤالان يسيران ، ولا غنى بمسلم عنهما ، ولن يجد إجابتهما في كتاب الله تعالى ، وسيجد أن الله تعالى أمره بالصلاة ، وأمره بالزكاة ، فكيف سيطبق هذه الأوامر من غير أن ينظر في السنَّة النبوية ؟ إن هذا من المحال ، ولذا كانت حاجة القرآن للسنَّة أكثر من حاجة السنَّة للقرآن ! كما قال الإمام الأوزاعي - رحمه الله - : " الكتاب أحوج إلى السنَّة من السنَّة إلى الكتاب " ، كما في " البحر المحيط " للزركشي ( 6 / 11 ) ، ونقله ابن مفلح الحنبلي في " الآداب الشرعية " ( 2 / 307 ) عن التابعي مكحول .
ولا نظن بالأخ السائل إلا خيراً ، ونظن أنه سأل مستفهماً عن أوجه الرد على من يقول بمثل هذه الأقاويل زاعماً تعظيمه للقرآن الكريم .
ثانياً :
من أوجه الرد على من يزعم أنه لا حاجة للمسلمين للسنَّة المشرفة ، وأنه يُكتفى بالقرآن الكريم : أنه بهذا القول يرد كلام الله تعالى في كتابه الكريم ، حيث أمر في آيات كثيرة بالأخذ بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالانتهاء عما نهى عنه ، وبطاعته ، وقبول حكمه ، ومن ذلك :(/1)
قال تعالى : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) الحشر:من الآية7 .
وقال تعالى : ( قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ) النور/54 .
وقال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ ) النساء/من الآية64 .
وقال تعالى : ( فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) النساء/65 .
فماذا يصنع هذا الزاعم المدعي أنه يُكتفى بالقرآن ويُستغنى به عن السنَّة في هذه الآيات ؟ وكيف سيستجيب لأمر الله تعالى فيها ؟ .
وهذا بالإضافة إلى ما قلناه أولاً باختصار ، وهو أنه كيف سيقيم الصلاة التي أمره الله تعالى بها في كتابه الكريم ؟ وما عددها ؟ وما أوقاتها ؟ وما شوطها ؟ وما مبطلاتها ؟ وقل مثل ذلك في الزكاة ، والصيام ، والحج ، وباقي شعائر الدين وشرائعه .
وكيف سيطبق قول الله تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) المائدة/38 ؟ فكم هو نصاب السرقة ؟ ومن أين تُقطع اليد ؟ وهل هي اليمين أم الشمال ؟ وما هي الشروط في الشيء المسروق ؟ ، وقل مثل ذلك في حد الزنا والقذف واللعان وغيرها من الحدود .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :(/2)
وقال الشافعي في " الرسالة " - في باب فرض طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم - : قال تعالى : ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) وكل فريضة فرضها الله تعالى في كتابه : كالحج ، والصلاة ، والزكاة : لولا بيان الرسول ما كنا نعرف كيف نأتيها , ولا كان يمكننا أداء شيء من العبادات , وإذا كان الرسول من الشريعة بهذه المنزلة : كانت طاعته على الحقيقة طاعة لله .
" البحر المحيط " ( 6 / 7 ، 8 ) .
وكما يرى المسلم العاقل أن الزاعم أنه معظم لكتاب الله تعالى هو من أعظم المخالفين للقرآن ، ومن أعظم المنسلخين عن الدين ؛ حيث جعل القرآن كافيا لإقامة الدين والأحكام ، وهو بالضرورة إما أنه لا يفعل ما جاء بالسنة فيكفر ، أو أنه يفعلها فيتناقض !
ثالثاً :
والله تعالى بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بالإسلام ، وهذه النعمة العظيمة ليست القرآن وحده ، بل هي القرآن والسنَّة ، ولما امتنَّ الله على الأمة بإتمام الدين وإكمال النعمة لم يكن المقصود منه إنزال القرآن ، بل إتمام الأحكام في القرآن والسنَّة ، بدليل نزول آيات من القرآن الكريم بعد إخبار الله تعالى بمنته على عباده بإكمال الدين وإتمام النعمة .
قال الله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإسْلامَ دِيناً ) المائدة/من الآية3 .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :
قوله تعالى ( اليوم أكملت لكم دينكم ) أي : أكملت لكم الأحكام ، لا القرآن ؛ فإنه نزل بعد ذلك منه آيات غير متعلقة بالأحكام .
" المنثور في القواعد " ( 1 / 142 ) .
وقال ابن القيم – رحمه الله - :
فقد بيَّن الله - سبحانه - على لسان رسوله بكلامه وكلام رسوله جميع ما أمره به ، وجميع ما نهى عنه ، وجميع ما أحله ، وجميع ما حرمه ، وجميع ما عفا عنه , وبهذا يكون دينُه كاملا كما قال تعالى : ( اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ) .(/3)
" إعلام الموقعين " ( 1 / 250 ) .
رابعاً :
وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن السنَّة التي جاء بها هي مثل القرآن في كونها من الله تعالى ، وفي كونها حجة ، وفي كونها ملزمة للعباد ، وحذَّر من الاكتفاء بما في القرآن وحده للأخذ به والانتهاء عن نهيه ، وبيَّن مثالاً لحرامٍ ثبت في السنَّة ولم يأت له ذِكر في القرآن ، بل في القرآن إشارة لحلِّه ، وكل ذلك في حديث واحدٍ صحيح .
عَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : ( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ أَلَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ وَلَا كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السَّبُعِ ) .
رواه أبو داود ( 4604 ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود .
وهذا الذي فهمه الصحابة رضي الله من دين الله تعالى :
عن عبد الله قال : " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب فجاءت فقالت : إنه بلغني أنك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن هو في كتاب الله ؟ فقالت : لقد قرأتُ ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنتِ قرأتيه لقد وجدتيه ؛ أما قرأت : ( وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا ) الحشر/7 ؟ ، قالت : بلى ، قال : فإنه قد نهى عنه ، قالت : فإني أرى أهلك يفعلونه ، قال : فاذهبي فانظري ، فذهبت فنظرت فلم تر من حاجتها شيئاً ، فقال : لو كانتْ كذلك ما جامعَتنا .
رواه البخاري ( 4604 ) ، ومسلم ( 2125 ) .(/4)
وهو الذي فهمه التابعون وأئمة الإسلام من دين الله تعالى ، ولا يعرفون غيره ، أنه لا فرق بين الكتاب والسنَّة في الاستدلال والإلزام ، وأن السنَّة مبينة ومفسرة لما في القرآن .
قال الأوزاعي عن حسان بن عطية : كان جبريل ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والسنَّة تفسر القرآن .
وقال أيوب السختياني : إذا حدَّث الرجل بالسنَّة فقال : دعنا من هذا ، حدِّثنا من القرآن : فاعلم أنه ضال مضل .
وقال الأوزاعي : قال الله تعالى ( من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ، وقال ( وما آتاكم الرسول فخذوه ) .... .
وقال الأوزاعي : قال القاسم بن مخيمرة : ما توفي عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حرام : فهو حرام إلى يوم القيامة , وما توفي عنه وهو حلال : فهو حلال إلى يوم القيامة .
انظر : " الآداب الشرعية " ( 2 / 307 ) .
قال بدر الدين الزركشي – رحمه الله - :
قال الحافظ الدارمي : يقول : ( أوتيت القرآن , وأوتيت مثله ) : من السنن التي لم ينطق بها القرآن بنصه , وما هي إلا مفسرة لإرادة الله به , كتحريم لحم الحمار الأهلي , وكل ذي ناب من السباع , وليسا بمنصوصين في الكتاب .
وأما الحديث المروي من طريق ثوبان في الأمر بعرض الأحاديث على القرآن , فقال الشافعي في " الرسالة " : " ما رواه أحد ثبت حديثه في شيء صغير ولا كبير " , وقد حكم إمام الحديث يحيى بن معين بأنه موضوع , وضعته الزنادقة ، قال ابن عبد البر في كتاب " جامع بيان العلم " : قال عبد الرحمن بن مهدي : الزنادقة والخوارج وضعوا حديث : ( ما أتاكم عني فاعرضوه على كتاب الله , فإن وافق كتاب الله فأنا قلته , وإن خالف فلم أقله ) ، قال الحافظ : وهذا لا يصح , وقد عارضه قوم , وقالوا : نحن نعرضه على كتاب الله فوجدناه مخالفا للكتاب ; لأنا لم نجد فيه : لا يقبل من الحديث إلا ما وافق الكتاب , بل وجدنا فيه الأمر بطاعته , وتحذير المخالفة عن أمره حكم على كل حال . انتهى .(/5)
وقال ابن حبان في " صحيحه " في قوله صلى الله عليه وسلم : ( بلغوا عني ولو آية ) : فيه دلالة على أن السنَّة يقال فيها : آي .
" البحر المحيط " ( 6 / 7 ، 8 ) .
خامساً :
قد ذكر العلماء أوجهاً لبيان السنة للقرآن ، ومنها : أنها تأتي موافقة لما في القرآن ، وتأتي مقيدة لمطلقه ، ومخصصة لعمومه ، ومفسرة لمجمله ، وناسخة لحكمه ، ومنشئة لحكم جديد ، وبعض العلماء يجمع ذلك في ثلاث منازل .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
والذي يجب على كل مسلم اعتقاده : أنه ليس في سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة سنَّة واحدة تخالف كتاب الله ، بل السنن مع كتاب الله على ثلاث منازل :
المنزلة الأولى : سنَّة موافقة شاهدة بنفس ما شهد به الكتاب المنزل .
المنزلة الثانية : سنَّة تفسر الكتاب ، وتبين مراد الله منه ، وتقيد مطلقه .
المنزلة الثالثة : سنَّة متضمنة لحكم سكت عنه الكتاب ، فتبيِّنه بياناً مبتدأً .
ولا يجوز رد واحدة من هذه الأقسام الثلاثة ، وليس للسنة مع كتاب الله منزلة رابعة .
وقد أنكر الإمام أحمد على من قال " السنة تقضي على الكتاب " فقال : بل السنَّة تفسر الكتاب وتبينه .
والذي يشهد الله ورسوله به أنه لم تأت سنَّة صحيحة واحدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم تناقض كتاب الله وتخالفه ألبتة ، كيف ورسول الله صلى الله عليه وسلم هو المبين لكتاب الله ، وعليه أنزل ، وبه هداه الله ، وهو مأمور باتباعه ، وهو أعلم الخلق بتأويله ومراده ؟! .
ولو ساغ رد سنن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما فهمه الرجل من ظاهر الكتاب لردت بذلك أكثر السنن ، وبطلت بالكلية .
وما من أحد يُحتج عليه بسنَّة صحيحة تخالف مذهبه ونحلته إلا ويمكنه أن يتشبث بعموم آية ، أو إطلاقها ، ويقول : هذه السنة مخالفة لهذا العموم والإطلاق فلا تقبل .(/6)
حتى إن الرافضة قبحهم الله سلكوا هذا المسلك بعينه في رد السنن الثابتة المتواترة ، فردوا قوله صلى الله عليه وسلم ( لا نُورث ما تركنا صدقة ) وقالوا : هذا حديث يخالف كتاب الله ، قال تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين ) .
وردت الجهمية ما شاء الله من الأحاديث الصحيحة في إثبات الصفات بظاهر قوله ( ليس كمثله شيء ) .
وردت الخوارج من الأحاديث الدالة على الشفاعة ، وخروج أهل الكبائر من الموحدين من النار بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت الجهمية أحاديث الرؤية مع كثرتها وصحتها بما فهموه من ظاهر القرآن في قوله تعالى ( لا تدركه الأبصار ) .
وردت القدرية أحاديث القدر الثابتة بما فهموه من ظاهر القرآن .
وردت كل طائفة ما ردته من السنة بما فهموه من ظاهر القرآن .
فإما أن يطرد الباب في رد هذه السنن كلها ، وإما أن يطرد الباب في قبولها ، ولا يرد شيء منها لما يفهم من ظاهر القرآن ، أما أن يرد بعضها ويقبل بعضها - ونسبة المقبول إلى ظاهر القرآن كنسبة المردود - : فتناقض ظاهر .
وما مِن أحد رد سنَّة بما فهمه من ظاهر القرآن إلا وقد قبل أضعافها مع كونها كذلك .
وقد أنكر الإمام أحمد والشافعي وغيرهما على من ردَّ أحاديث تحريم كل ذي ناب من السباع بظاهر قوله تعالى ( قل لا أجد في ما أوحى إليَّ محرماً ) الآية .
وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من رد سنَّته التي لم تذكر في القرآن ، ولم يدَّعِ معارضة القرآن لها : فكيف يكون إنكاره على من ادعى أن سنَّته تخالف القرآن وتعارضه ؟ .
" الطرق الحكمية " ( 65 – 67 ) .
وللشيخ الألباني – رحمه الله - رسالة بعنوان " منزلة السنة في الإسلام ، وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن " ، وفيها :(/7)
تعلمون جميعاً أن الله تبارك وتعالى اصطفى محمداً صلى الله عليه وسلم بنبوته ، واختصه برسالته ، فأنزل عليه كتابه القرآن الكريم ، وأمره فيه - في جملة ما أمره به - أن يبينه للناس ، فقال تعالى : ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزِّل إليهم ) النحل/44 ، والذي أراه أن هذا البيان المذكور في هذه الآية الكريمة يشتمل على نوعين من البيان :
الأول : بيان اللفظ ونظمه ، وهو تبليغ القرآن ، وعدم كتمانه ، وأداؤه إلى الأمة ، كما أنزله الله تبارك وتعالى على قلبه صلى الله عليه وسلم ، وهو المراد بقوله تعالى : ( يا أيها الرسول بلِّغ ما أنزل إليك من ربك ) المائدة/67 ، وقد قالت السيدة عائشة - رضي الله عنها - في حديث لها " ومن حدثك أن محمداً كتم شيئاً أُمر بتبليغه : فقد أعظم على الله الفرية " ، ثم تلت الآية المذكورة " - أخرجه الشيخان - ، وفي رواية لمسلم : " لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً شيئاً أُمر بتبليغه لكتم قوله تعالى : ( وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمتَ عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه ) الأحزاب/37 .
والآخر : بيان معنى اللفظ ، أو الجملة ، أو الآية الذي تحتاج الأمة إلى بيانه ، وأكثر ما يكون ذلك في الآيات المجملة ، أو العامة ، أو المطلقة ، فتأتي السنَّة ، فتوضح المجمل ، وتُخصِّص العام ، وتقيِّد المطلق ، وذلك يكون بقوله صلى الله عليه وسلم ، كما يكون بفعله وإقراره .
وقوله تعالى : ( والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما ) المائدة/38 ، مثال صالح لذلك ، فإن السارق فيه مطلقٌ كاليد ، فبينتِ السنَّة القوليَّة الأول منهما ، وقيدته بالسارق الذي يسرق ربع دينارٍ بقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا قطع إلا في ربع دينار فصاعداً ) - أخرجه الشيخان -(/8)
كما بينتِ الآخَرَ بفعله صلى الله عليه وسلم أو فعل أصحابه وإقراره ، فإنهم كانوا يقطعون يد السارق من عند المفصل ، كما هو معروف في كتب الحديث ، وبينت السنة القوليَّة اليد المذكورة في آية التيمم : ( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم ) النساء/43 و المائدة /6 بأنها الكف أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( التيمم ضربة للوجه والكفين ) أخرجه أحمد والشيخان وغيرهم من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنهما .
وإليكم بعض الآيات الأخرى التي لم يمكن فهمها فهماً صحيحاً على مراد الله تعالى إلا من طريق السنة :
1. قوله تعالى : ( الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون ) الأنعام /82 ، فقد فهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قوله( بظلم ) على عمومه الذي يشمل كل ظلم ولو كان صغيراً ، ولذلك استشكلوا الآية فقالوا : يا رسول الله أيُّنا لم يلبس أيمانه بظلم ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( ليس بذلك ، إنما هو الشرك ؛ ألا تسمعوا إلى قول لقمان : ( إن الشرك لظلم عظيم ) لقمان/13 ؟ ) أخرجه الشيخان وغيرهما .
2. قوله تعالى : ( وإذا ضربتم في الأرض فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم أن يفتنكم الذين كفروا ) النساء/101 ، فظاهر هذه الآية يقتضي أن قصر الصلاة في السفر مشروط له الخوف ، ولذلك سأل بعض الصحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا : ما بالنا نقصر وقد أَمِنَّا ؟ قال : ( صدقة تصدَّق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته ) - رواه مسلم - .
3. قوله تعالى : ( حرمت عليكم الميتة والدم ) المائدة/3 ، فبينت السنة القولية أن ميتة الجراد والسمك ، والكبد والطحال ، من الدم حلال ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أحلت لنا ميتتان ودمان : الجراد والحوت - أي : السمك بجميع أنواعه - ، والكبد والطحال ) - أخرجه البيهقي وغيره مرفوعاً وموقوفاً ، وإسناد الموقوف صحيح ، وهو في حكم المرفوع ؛ لأنه لا يقال من قِبَلِ الرأي - .(/9)
4. قوله تعالى : ( قل لا أجد في ما أوحي إلي مُحرَّماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً، أو لحم خنزير فإنه رجس أو فسقاً أهل لغير الله به ) الأنعام/145 ، ثم جاءت السنَّة فحرمت أشياء لم تُذكر في هذه الآية ، كقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير حرام ) ، وفي الباب أحاديث أخرى في النهي عن ذلك ، كقوله صلى الله عليه وسلم يوم خيبر : ( إن الله ورسوله ينهيانكم عن الحمر الإنسية ؛ فإنها رجس ) - أخرجه الشيخان - .
5. قوله تعالى : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) الأعراف/32 ، فبينت السنة أيضاً أن من الزينة ما هو محرم ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خرج يوماً على أصحابه وفي إحدى يديه حرير ، وفي الأخرى ذهب ، فقال : ( هذان حرام على ذكور أمتي ، حلٌّ لإناثهم ) - أخرجه الحاكم وصححه - .
والأحاديث في معناه كثيرة معروفة في " الصحيحين " وغيرهما ، إلى غير ذلك من الأمثلة الكثيرة المعروفة لدى أهل العلم بالحديث والفقه .
ومما تقدم يتبين لنا - أيها الإخوة - أهمية السنَّة في التشريع الإسلامي ، فإننا إذا أعدنا النظر في الأمثلة المذكورة - فضلا عن غيرها مما لم نذكر - نتيقن أنه لا سبيل إلى فهم القرآن الكريم فهماً إلا مقروناً بالسنَّة .
" منزلة السنة في الإسلام " ( ص 4 – 12 ) .
وننصح بالرجوع إلى رسالة الشيخ الألباني – رحمه الله – فهي في صلب موضوع السؤال .
وبه يتبين :
أنه لا يحل لأحدٍ أن يفصل القرآن عن السنَّة في إثبات الأحكام ولزومها للمكلَّف ، وأن من فعل ذلك فهو من أعظم المخالفين لما في القرآن من أوامر بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم والأخذ بسنَّته والانتهاء عن نهيه ، وأن السنَّة النبوية جاءت مؤيدة لما في القرآن وموضحة له ومقيدة لمطلقه ومخصصة لعمومه ، وجاءت كذلك مستقلة في إنشاء الأحكام ، وكل ذلك لازم للمسلم الأخذ به .(/10)
وأمر أخير :
هب أننا نعدُّ هذا تنازعاً بيننا وبين خصومنا الذين يرون الاكتفاء بالقرآن : فإننا نقول : إننا أُمرنا في القرآن الكريم عند التنازع أن نرجع إلى القرآن والسنَّة ! فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً ) النساء/59 ، فماذا هو صانعٌ خصمنا بهذه الحجة القرآنية ؟ إن قبلها : رجع إلى السنَّة فبطل قوله ، وإن لم يرجع : فقد خالف القرآن الذي يزعم أنه كافٍ عن السنَّة .
والحمد لله رب العالمين(/11)
رقم السؤال:
93112
العنوان:
ما صحة الأثر الذي فيه ( اختاروا لبناتكم كما تختارون لأبنائكم ) ؟
السؤال:
سمعت أحد أئمة المساجد يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( اختاروا لبناتكم كما تختارون لأبنائكم ) وقد بحثت في جميع المراجع ولم أجد أثرا لهذا الحديث حسب ما طرحه الإمام ، وأظن بأنه من أثر الصحابة رضوان الله عليهم ، دلنا من فضلكم وجزاكم الله كل خير .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
البنت أمانة في عنق والدها ، وقد أمره الله سبحانه وتعالى بحفظ هذه الأمانة ورعايتها ، ولا شك أن اختيار الزوج الصالح لها من أعظم ما يحفظ به الولي ابنته ، لأن الزواج نقلة في حياة الفرد نحو الطمأنينة والاستقرار والسعادة ، فلا بد أن يكون الاختيار صالحا لتحقيق هذه الأماني .
والعاقل من الآباء هو الذي يسعى لتحقيق هذا المقصد العظيم لابنته ، فلا يهدأ له بال حتى يجد لها صاحب الخلق والدين الذي يقوم على أمرها ويصلح شأنها ، وإذا وجده فلا يتردد في عرض موليته عليه لأنه يرى في ذلك سعادتها وهناءها .
وفي القرآن والسنة نماذج سامية من الأولياء الذين اختاروا الأزواج لبناتهم وأخواتهم ، وكانوا سببا في جلب السعادة إليهم ، واختصار الزمن في الانتظار الذي لا تعلم له نهاية .
فقد قص الله سبحانه وتعالى في قصة موسى عليه السلام حين ورد ماء مدين ، وسقى لامرأتين من ذلك الماء رحمة وشفقة بهما ، فلما علم أبوهما بأمانة وقوة موسى عليه السلام – وذلك قبل أن يبعث بالرسالة – عرض عليه أن يزوجه إحدى ابنتيه ، فقال سبحانه وتعالى حاكيا ذلك :
( َقالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَن تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِندِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) القصص/27(/1)
وفي السنة نموذج آخر رواه الإمام البخاري رحمه الله برقم (5122) ، وبوب عليه بقوله : باب عرض الإنسان ابنته أو أخته على أهل الخير . كما رواه النسائي برقم (3248) وبوب عليه بقوله : باب عرض الرجل ابنته على من يرضى .
عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ عُمَرَ قَالَ :
( تَأَيَّمَتْ حَفْصَةُ بِنْتُ عُمَرَ مِنْ خُنَيْسٍ يَعْنِي ابْنَ حُذَافَةَ - وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ بِالْمَدِينَةِ - فَلَقِيتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ فَعَرَضْتُ عَلَيْهِ حَفْصَةَ ، فَقُلْتُ : إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ . فَقَالَ : سَأَنْظُرُ فِي ذَلِكَ . فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَلَقِيتُهُ فَقَالَ : مَا أُرِيدُ أَنْ أَتَزَوَّجَ يَوْمِي هَذَا . قَالَ عُمَرُ : فَلَقِيتُ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : فَقُلْتُ إِنْ شِئْتَ أَنْكَحْتُكَ حَفْصَةَ . فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَيَّ شَيْئًا . فَكُنْتُ عَلَيْهِ أَوْجَدَ مِنِّي عَلَى عُثْمَانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، فَلَبِثْتُ لَيَالِيَ فَخَطَبَهَا إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْكَحْتُهَا إِيَّاهُ ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ : لَعَلَّكَ وَجَدْتَ عَلَيَّ حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ حَفْصَةَ فَلَمْ أَرْجِعْ إِلَيْكَ شَيْئًا ؟ قُلْتُ : نَعَمْ . قَالَ : فَإِنَّهُ لَمْ يَمْنَعْنِي حِينَ عَرَضْتَ عَلَيَّ أَنْ أَرْجِعَ إِلَيْكَ شَيْئًا إِلَّا أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَذْكُرُهَا ، وَلَمْ أَكُنْ لِأُفْشِيَ سِرَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَلَوْ تَرَكَهَا نَكَحْتُهَا )
قال الحافظ ابن حجر في فوائد هذا الحديث "فتح الباري" (9/222) :(/2)
" وفيه عرض الإنسان ابنته وغيرها من مولياته على من يعتقد خيره وصلاحه ؛ لما فيه من النفع العائد على المعروضة عليه ، وأنه لا استحياء في ذلك " انتهى .
والنماذج في التاريخ كثيرة ، ومن أعجب ذلك ما يذكره الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (4/233) من قصة تزويج سعيد بن المسيب ابنته على تلميذه كثير بن المطلب ، جاء فيها :
كنت أجالس سعيد بن المسيب ، ففقدني أياما ، فلما جئته قال : أين كنت ؟ قلت : توفيت أهلي فاشتغلت بها ، فقال : ألا أخبرتنا فشهدناها ، ثم قال : هل استحدثت امرأة ؟ فقلت : يرحمك الله ، ومن يزوجني وما أملك إلا درهمين أو ثلاثة ؟ قال : أنا . فقلت : وتفعل ؟ قال : نعم ، ثم تحمد ، وصلى على النبي صلى الله عليه وسلم ، وزوجني على درهمين - أو قال: ثلاثة - فقمت وما أدري ما أصنع من الفرح ، فصرت إلى منزلي وجعلت أتفكر فيمن أستدين .
فصليت المغرب ، ورجعت إلى منزلي ، وكنت وحدي صائما ، فقدمت عشائي أفطر ، وكان خبزا وزيتا ، فإذا بابي يقرع ، فقلت : من هذا ؟ فقال : سعيد . ففكرت في كل من اسمه سعيد إلا ابن المسيب ، فإنه لم ير أربعين سنة إلا بين بيته والمسجد ، فخرجت فإذا سعيد ، فظننت أنه قد بدا له ، فقلت : يا أبا محمد ألا أرسلت إلي فأتيك ؟ قال : لا ، أنت أحق أن تؤتى ، إنك كنت رجلا عزبا فتزوجت ، فكرهت أن تبيت الليلة وحدك ، وهذه امرأتك . فإذا هي قائمة من خلفه في طوله ، ثم أخذ بيدها فدفعها في الباب ، ورد الباب . فسقطت المرأة من الحياء ، وبلغ أمي ، فجاءت وقالت : وجهي من وجهك حرام إن مسستها قبل أن أصلحها إلى ثلاثة أيام ، فأقمت ثلاثا ، ثم دخلت بها ، فإذا هي من أجمل الناس ، وأحفظ الناس لكتاب الله ، وأعلمهم بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأعرفهم بحق زوج . اهـ(/3)
إذن فقد نشأت بيوت دين وعلم وأدب وسعادة على هذا السبيل ، ولم يمنع الحياء أحدا أن يكسب زوجا صالحا لابنته أو أخته ، فقد كان التواضع خلقهم ، وكان الكرم والوفاء حليتهم .
ولعل فيما سبق من النماذج قدوة حسنة لأهل هذا الزمان ، والله المستعان .
ثانيا :
أما الحديث الذي رواه ذلك الخطيب وجاء فيه : ( اختاروا لبناتكم كما تختارون لأبنائكم ) فهذا ليس بحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم أقف على نسبته لأحد من الصحابة أو التابعين ، إنما هو مثل يتناقله الناس فيما بينهم من كلامهم وتجاربهم ، ومَن نسبه إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم فقد أخطأ خطأ فاحشا شنيعا ، وتجاوز حدا عظيما في نسبة الكذب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو القائل : ( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنْ النَّارِ ) رواه البخاري (110) ومسلم (3)
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
93122
العنوان:
حكم التصرف في العينات بعد اختبارها
السؤال:
زوجتي تعمل في أحد مخازن المشتقات النفطية ، فعند ورود الواردات النفطية يجب عليهم فحصها ، فيأخذون منها عينات بقدر لتر ونصف تقريباً ، علماً أن الكمية الواردة تأتي بسيارات النقل البري - الصهاريج - ، فهل يجوز لي أن آخذ من تلك النماذج بعد فحصها ، علماً أن لدي سيارة ، أي : أضعها فيها ، علماً أن تلك النماذج لا ترد بعد فحصها إلى مكانها الأصلي ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت العينات تعاد بعد فحصها إلى أصحابها ، فهي حق لهم ، لا يجوز لأحد أن يأخذ منها شيئاًَ إلا بإذنهم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ ) رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (7662).
أما إذا كانت هذه العينات لا ترجع إلى أصحابها برغبتهم ، فإنه يُرجع في أمرها لهم ، فإن جعلوها مباحة التصرف لمن أخذها : فجائز للموظفين أخذها والتصرف بها .
ويجوز لهم أخذها – كذلك – بل يجب – إن كانوا مأمورين بإتلافها ؛ لأن الشرع نهى عن إضاعة المال ، وأمَرَ بشكر النعَم ، وإتلافُها مخالف لهذين الأمريْن .
والذي يظهر - والله أعلم - أن أصحاب هذه العينات لا يطالبون بها ويعتبرون أنها خرجت من ملكهم ، فإن كان الأمر كذلك ، فلا حرج على من أخذ منها شيئا ، وتكون بمنزلة المال الذي تركه صاحبه رغبة عنه ولا يريده ، فإنه يملكه من أخذه كما قال العلماء .
وانظر : "المغني" (5/347) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
93145
العنوان:
تمنع من لبس الحجاب فكيف تخرج للعمل وقضاء الحوائج؟
السؤال:
سؤالي حول الحجاب فالمرأة عندنا ممنوع عليها لبس الحجاب وتعامل معاملة سيئة إضافة إلى أنه مرفوض دخولها إلى شغلها وإلى عديد الأماكن مثل مركز الشرطة ...إلا ولا بد أن تخلع حجابها فما الحل وخاصة عندما نكون مجبرات لقضاء مصلحتنا وخاصة في العمل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لبس المرأة للحجاب أمام الرجال الأجانب فريضة محكمة دل عليه الكتاب والسنة والإجماع ، فلا يجوز لأحد أن يأمر بخلاف ذلك ، ولا أن يمنع من أرادت امتثال ذلك ، وإلا كان مضادا لله تعالى في أمره ، محادا له في شرعه ، قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ) الأحزاب/36 ، وقال سبحانه : ( وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ) النساء/115، وقال عز وجل : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء/65 .
ثانيا :
لا يجوز للمرأة أن تتهاون في هذه الفريضة ، ولا أن تخرج من بيتها كاشفة عن شيء من بدنها ، إلا أن تضطر لذلك اضطرارا يبيح الحرام ، كأن تُستدعى لمقر الشرطة ، ولا يمكنها التخلف عن الحضور لما يترتب على ذلك من مفسدة معتبرة في نفسها أو مالها .
وأما الخروج للعمل ، فإذا كانت غير مضطرة إليه ؛ لوجود الكفاية بنفقة زوجها أو والدها أو من تلزمه نفقته من قريب غيره ، فلا يجوز له الخروج للعمل إذا كان سيترتب عليه خلع الحجاب .(/1)
وعلى المسلمين أن يتعاونوا في هذا الأمر ، وأن يغنوا المسلمات عن الاضطرار لهذا الخروج المشتمل على المعصية ، وذلك بدعوة الآباء والأقارب للإنفاق والبذل ، وتوفير بعض الأعمال النافعة التي يقوم بها النساء من داخل بيوتهن ، وإغناؤهن عن الخروج لأي مطلب يترتب عليه نزع حجابهن وتعرضهن للأذى بلبسه .
وهذا يتوقف على اقتناع الرجال بفريضة الحجاب ، وإلا فكثير منهم لا يبالي بذلك ، ولا يهتم به ، ومنهم من يحرص على إخراج زوجته وبنته للعمل ، ومنهم لا يقبل الزواج إلا ممن تعمل ، ولو كان عملها يقتضي ترك الحجاب ، وهذا الجهل والتقصير من الرجال يعتبر من أكبر أسباب المشكلة ، وأسباب التقصير في علاجها ، فينبغي السعي في نشر هذا العلم ، والتذكير به ، والتربية عليه ، حتى يحرص كل رجل على صيانة أهله ومن يعول ، ويعلم أنه مسئول غدا عن هذه الأمانة ، أحفظ أم ضيّع ؟ قال صلى الله عليه وسلم : ( مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ) رواه البخاري (7150) ومسلم (142).
بل يتعين على المسلمين السعي في إزالة هذا المنكر ، واتخاذ كافة الوسائل المتاحة في ذلك ، عن طريق الهيئات والمجامع والنقابات وغيرها ، لترفع الفتنة والمحنة عن نسائهم ، وتتمكن كل مسلمة من ارتداء حجابها ، ولا ينبغي اليأس أو التقاعس عن هذا الواجب ، فكم من حقوق مسلوبة عادت لأهلها بالصبر والمجاهدة والمثابرة .
ثالثا :
من ضاقت عليها السبل ، ولم تجد بدا من الخروج للعمل لكونها لا تجد من ينفق عليها ، وتضطر مع ذلك لخلع الحجاب ، فإن قدرت على الهجرة إلى بلد تتمكن فيه من إظهار دينها ، والتزام أمر ربها ، وجب عليها ذلك .
فقد ذكر ابن العربي في "أحكام القرآن" (1/612) :
"أن الهجرة واجبة من دار الكفر إلى دار الإسلام .(/2)
ومن الأرض التي انتشرت بها البدعة ، قال الإمام مالك رحمه الله : "لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يُسب فيها السلف" .
ومن الأرض التي غلب عليها الحرام ، فإن طلب الحلال فريضة على كل مسلم".
والهجرة قد لا يستطيعها كل أحد ، ولا تعتبر حَلاًّ لجميع المسلمات .
فمن كانت في حاجة ملحة للخروج من بيتها للعمل أو إنهاء بعض الإجراءات ونحو ذلك وكان الأمر مقصورا على كشف الوجه فقط ، فنرجو أن لا يكون عليها في ذلك حرج .
والواجب السعي الجاد لحل هذه المشكلة حلا كاملا ، كما سبق ، وذلك بمناصحة المسئولين ، ومطالبتهم بهذا الحق الديني والشخصي ، وعلى الدعاة إلى الله وأهل العلم أن يبينوا للناس أن الحجاب فريضة محكمة فرضها الله تعالى على نساء المسلمات .
والعجب كل العجب أننا نرى تلك الحرب الضروس على الحجاب ، رمز العفة والطهارة ، وفي الوقت ذاته نرى فتح الباب على مصراعيه أمام الماجنات والعاهرات .
فصبراً أيتها المؤمنات ، فإن سلعة الله غالية ، وليأتين اليوم الذي يظهر فيه دين الله على سائر الأديان (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُون) التوبة/33 ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .
نسأل الله تعالى أن يبرم لأمته أمرا رشدا يعز فيه أهل الطاعة ، ويذل فيه أهل المعصية ، وأن يوفقك وسائر المسلمات إلى التمسك بالحجاب ، وترك التبرج والسفور .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
93148
العنوان:
سؤال من الصين عن وقت الإفطار
السؤال:
أنا طالب أدرس في الصين , والمدينة التي أقيم فيها تحيط بها الجبال من جهة الغرب , والجالية المسلمة هنا يعتمدون في إفطارهم على التوقيت المأخوذ من مواقع الإنترنت ، لكن بالنسبة لي فأنا أراقب قرص الشمس , فأفطر حين يغيب قرص الشمس خلف الجبل وأصلي المغرب تحقيقا لسنَّة تعجيل الفطر والمغرب , ومخالفة اليهود ، فهل عملي هذا صحيح ؟ وهل يجب عليَّ أن أفترض أنه يتوجب عليَّ الصعود إلى مكان عال جدّاً مساوٍ لارتفاع الجبل لأراقب قرص الشمس ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز الاعتماد على التقاويم التي تبين أحكام الصلوات ما لم يثبت خطؤها ، وقد ثبت خطأ كثير منها – إن لم نقل كلها – في صلاة الفجر ، وبعضها في صلاة العشاء ، وأما صلاة المغرب فالخطأ فيها يسير ؛ لأنه يسهل على عامة الناس معرفة صوابها ، واكتشاف الخطأ فيها ، بمراقبة الشمس بأنفسهم .
وعلى كل حال : فإن علامة غروب الشمس الذي به يفطر الصائم ، ويدخل به وقت صلاة المغرب هي : غياب قرص الشمس في الأفق غياباً حقيقيّاً ، وليس غيابها وراء جبل ، أو عمارة .
وقد نصَّ الصحابة رضي الله عنهم على وقت الغروب بذكرهم غياب الشمس في الحجاب ، وتنوعت ألفاظهم في ذلك ، فبعضهم يقول " غابت الشمس " ، وآخر يقول " توارت بالحجاب " ، وثالث يقول " وجبت الشمس " ، وكلها ألفاظ تدل على معنى واحد ، وهو الغياب الكلي لقرص الشمس .
ولا يلزمك أن تصعد على الجبل أو على مكان مرتفع ، بل المراد غروب الشمس بالنسبة للمكان الذي أنت فيه ، وذلك بسقوطها في الأفق ، أما مجرد اختفائها خلف الجبل فلا يعتبر ذلك غروباً .
ونظرا لأنك لا تستطيع رؤية الشمس وقت الغروب بسبب الجبال ، فيمكن معرفة وقت الغروب بعلامة أخرى ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهي إقبال الظلام من جهة المشرق .(/1)
روى البخاري (1954) ومسلم (1100) عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المشرق) وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا (جهة المغرب) وَغَرَبَتْ الشَّمْسُ فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ ) .
قال النووي :
" قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَقْبَلَ اللَّيْل وَأَدْبَرَ النَّهَار وَغَرَبَتْ الشَّمْس ) قَالَ الْعُلَمَاء : كُلّ وَاحِد مِنْ هَذِهِ الثَّلَاثَة يَتَضَمَّن الْآخَرَيْنِ وَيُلَازِمُهُمَا , وَإِنَّمَا جَمَعَ بَيْنَهَا ; لِأَنَّهُ قَدْ يَكُون فِي وَادٍ وَنَحْوه بِحَيْثُ لَا يُشَاهِد غُرُوب الشَّمْس , فَيَعْتَمِد إِقْبَال الظَّلَّام وَإِدْبَار الضِّيَاء . وَاَللَّه أَعْلَم " انتهى .
فإن لم يمكن هذا أيضا فلا حرج من الاعتماد على التقاويم لأنها تفيد على الأقل غلبة الظن بدخول وقت الصلاة ، ما لم يثبت أنها خطأ .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
93160
العنوان:
وقت الفجر الصادق
السؤال:
ما هي الطرق التي أستطيع بها معرفة الفجر الصادق ؟ أجتهد صباحاً في تحري الفجر الصادق , وذلك لمعرفة وقت الصلاة والإمساك ، وذلك لي ولأصدقائي ، لأني أقيم في الصين , والمسلمون هنا يعتمدون التوقيت من الإنترنت , لكنه غير دقيق ، وبناء عليه فهم يصلون الفجر قبل دخول الوقت ، ولكن فيما لو لم أستطع ضبط التوقيت بشكل صحيح ( لأني أقربه إلى حين ذهاب العتمة وظهور الضوء ) ، فهل عليَّ إثم في ذلك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله أن يجزيك خير الجزاء على تحريك الحق والصواب في عبادتك ، ونسأله تعالى أن يوفقك ويزيدك من فضله على حبك للعلم وحرصك على التعلم .
واعلم أن الفجر فجران : فجر كاذب لا يدخل معه وقت صلاة الفجر ، ولا يمنع من الطعام والشراب والجماع لمن أراد الصوم ، وفجر صادق ، وهو الذي يدخل معه وقت صلاة الفجر ، ويمنع من الطعام والشراب والجماع في الصيام ، وهو المقصود بقوله تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) البقرة/187.
وقد صرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بالفرق بينهما في أحاديث كثيرة ، بعضها في التفريق بينهما من حيث الأوصاف ، وبعضها الآخر من حيث التفريق بينهما في الأحكام ، وبعضها جمعت بين الأوصاف والأحكام .
انظر هذه الأحاديث في جواب السؤال رقم ( 26763 ) .
وقد جاء التفريق واضحاً بين الفجرين في كلام الصحابة ، والتابعين ، ومن بعدهم من أئمة العلم .
قال ابن كثير رحمه الله :
"وقال عبد الرزاق : أخبرنا ابن جريج عن عطاء قال : سمعت ابن عباس يقول : هما فجران ، فأما الذي يسطع في السماء : فليس يُحِلّ ولا يحرِّم شيئاً ، ولكن الفجر الذي يستبين على رؤوس الجبال هو الذي يحرّم الشراب .(/1)
قال عطاء : فأما إذا سطع سطوعاً في السماء - وسطوعه أن يذهب في السماء طولاً - : فإنه لا يحرم به شراب لصيام ولا صلاة ، ولا يفوت به حج ، ولكن إذا انتشر على رؤوس الجبال : حرم الشراب للصيَّام ، وفات الحج .
وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس وعطاء ، وهكذا رُوي عن غير واحد من السلف رحمهم الله" .
" تفسير ابن كثير " ( 1 / 516 )
وقال ابن قدامة رحمه الله :
"وجملته : أن وقت الصبح يدخل بطلوع الفجر الثاني إجماعاً ، وقد دلَّت عليه أخبار المواقيت ، وهو البياض المستطير المنتشر في الأفق ، ويسمَّى " الفجر الصادق " ؛ لأنَّه صدقك عن الصبح وبيَّنه لك ، والصبح ما جمع بياضاً وحمْرة ، ومنه سمِّي الرجل الذي في لونه بياض وحمرة : "أصبح"
فأما الفجر الأول : فهو البياض المستدق صعداً من غير اعتراض فلا يتعلق به حكم ، ويسمَّى " الفجر الكاذب " ثم لا يزال وقت الاختيار إلى أن يسفر النهار .
" المغني " ( 1 / 232 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"وذكر العلماء أن بينه - أي : الفجر الكاذب - وبين الثاني ثلاثة فروق :
الفرق الأول : أن الفجر الأول ممتد لا معترض ، أي : ممتد طولاً من الشرق إلى الغرب ، والثاني : معترض من الشمال إلى الجنوب .
الفرق الثاني : أن الفجر الأول يظلم ، أي : يكون هذا النور لمدة قصيرة ثم يظلم ، والفجر الثاني : لا يظلم بل يزداد نوراً وإضاءة .
الفرق الثالث : أن الفجر الثاني متصل بالأفق ليس بينه وبين الأفق ظلمة ، والفجر الأول منقطع عن الأفق بينه وبين الأفق ظلمة .
وهل يترتب على الفجر الأول شيء ؟ لا يترتب عليه شيء من الأمور الشرعيَّة أبداً ، لا إمساك في صوم ، ولا حل صلاة فجر ، فالأحكام مرتبة على الفجر الثاني" انتهى .
" الشرح الممتع " ( 2 / 107 ، 108 ) .
ثانياً :
وأما ما يوجد في التقاويم فإنه ليس مصدر ثقة في معرفة وقت صلاة الفجر ، فقد ثبت خطأ هذه التقاويم .(/2)
فالواجب عليكم عدم اعتماد التقاويم في معرفة صلاة الفجر ، وعليكم تحري الوقت الصحيح بما ذكرناه لك من فروق بين الفجر الكاذب والصادق ، وإذا لم تستطع النظر في كل يوم في السماء : فإنه يمكنك وضع وقت احتياطي بعد أذان التقويم ، وبلادنا يختلف فيها هذا الوقت من بلد لآخر ، ومن فصل لآخر ، فيمكنك اعتماد وقت " نصف ساعة " مثلاً لتصلي فيه الفجر ، على أن تحتاط في الإمساك عن الطعام والشراب قبل ذلك .
ويمكنكم وضع تقويم صحيح لتعتمده الأجيال بعدكم بعد أن تتحروا الفجر الصادق خلال عام كامل ، وفي أوقات متفرقة ، عسى أن يكتب لكم أجر تصحيح عبادات المسلمين .
وعلى هذا ، فإذا أمكنكم متابعة وقت الفجر بأنفسكم ، فإنكم تعملون بذلك في الصلاة والصيام ، وإن لم يمكن ، فإنكم لا تصلون حتى يغلب على ظنكم دخول وقت الصلاة .
وأما في الصيام فلكم أن تأكلوا وتشربوا حتى تتيقنوا طلوع الفجر ، لقوله تعالى : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) البقرة/187 .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" فما دام لم يتيقن أن الفجر قد طلع فله الأكل ولو كان شاكاً حتى يتيقن" انتهى .
"فتاوى الصيام" (ص299) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
93197
العنوان:
يسأل عن العقيدة الطحاوية
السؤال:
ما هي العقيدة الطحاوية ؟ وما هو مقصدها ؟
الجواب:
الحمد لله
العقيدة الطحاوية هي كتاب يحوي العقيدة التي كتبها الإمام الطحاوي فنسبت إليه ، والتعريف بهذه العقيدة يقتضي النظر فيها من عدة جوانب :
أولا :
المؤلف : هو الإمام المحدث الفقيه أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطحاوي – نسبة إلى قرية بصعيد مصر - ، تخرَّج على كثير من الشيوخ وأخذ عنهم وأفاد منهم ، وقد أربى عددهم على ثلاثمائة شيخ .
أثنى عليه غير واحد من أهل العلم :
قال ابن يونس : كان الطحاوي ثقة ثبتا فقيها عاقلا لم يخلف مثله .
وقال الذهبي : الفقيه المحدث الحافظ أحد الأعلام وكان ثقة ثبتا فقيها عاقلا .
وقال ابن كثير : هو أحد الثقات الأثبات والحفاظ الجهابذة .
وله من التصانيف ما هو في غاية التحقيق والجمع وكثرة الفوائد منها كتابه العظيم "معاني الآثار" فيه من الأبحاث الفقيهة المقرونة بدليلها مع مناقشة الخلاف والترجيح . ومنها كتاب "مشكل الآثار" وغيرها .
توفي رحمه الله سنة إحدى وعشرين وثلاثمائة (321هـ) ودفن في مصر بالقرافة .
انظر ترجمته في "سير أعلام النبلاء" (15/27-33) ، "البداية والنهاية" (11/174)
ثانيا :
هذه العقيدة التي كتبها الطحاوي ذكر فيها جُمَلا من عقائد السلف الصالحين ومن تبعهم من أهل السنة والجماعة ، والتي يقررها أئمة الأحناف – فقد كان الطحاوي على مذهب أبي حنيفة - وقد بين في مقدمته مقصوده من ذلك فقال :
" هذا ذكر بيان عقيدة أهل السنة والجماعة على مذهب فقهاء المِلَّة : أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي ، وأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم الأنصاري ، وأبي عبد الله محمد بن الحسن الشيباني رضوان الله عليهم أجمعين ، وما يعتقدون من أصول الدين ، ويدينون به رب العالمين " انتهى .
ثم شرع في ذكر أصول هذه العقائد ، فبلغ ما ذكره (105) جملة من الأمور التي يؤمن بها أهل السنة والجماعة عامة .(/1)
ابتدأها ببيان وحدانية الله تعالى وذكر شيء من صفات ربوبيته سبحانه كالحياة والقيومية والخلق والرزق ، وإثبات صفات الكمال إثباتا بلا تكييف ولا تشبيه لقوله سبحانه وتعالى ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ ) الشورى/11 ، ثم أعقبه بذكر وجوب الإيمان بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم وعموم بعثته ، ثم التعريف بالقرآن الكريم وأنه كلام الله غير مخلوق ، وإثبات رؤية الله في الآخرة ، ثم ذكر بعض ما يؤمن به أهل السنة من الغيبيات كالحوض والشفاعة والعرش والكرسي ، وبعدها ذكر من أركان الإيمان القضاء والقدر ، وما يعتقد أهل السنة والجماعة في هذا الباب ، ثم انتقل إلى تعريف الإيمان وبيان أركانه وأنه يزيد وينقص ووضح مذهب أهل السنة بين مذاهب الخوارج والمرجئة ، كما قرر ما يؤمن به أهل السنة في الصحابة الكرام رضوان الله عليهم ، وأن حبهم من الدين والإيمان والإحسان ، وبغضهم من الكفر والنفاق والعصيان ، ثم عرج على شيء من أشراط الساعة وما يكون يوم القيامة ، ثم ختم رسالته ببيان وسطية هذا الدين ، وأنه وسط بين الغلو والتقصير .
ثالثا :
وهي عقيدة سهلة العبارة ، واضحة المعنى ، تتسم بالجمع والاختصار ، وقد اجتمع على مجملها أهل السنة والجماعة ، فكانت – في معظمها – محل إجماع واتفاق بين أهل العلم .
وقد اهتم كثير من العلماء بشرح هذه العقيدة وتفسير كلماتها ومعانيها ، ومن أشهرهم ابن أبي العز الحنفي ، حيث كتب شرحا مطولا عليها ، ثم من المتأخرين الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمهما الله ، وكذا فضيلة الشيخ سفر بن عبد الرحمن الحوالي حفظه الله ، فيمكن لمن أراد التوسع في فهم معاني الطحاوية الرجوع إلى هذه الشروح .
رابعا :(/2)
عقيدة الطحاوي اقتصرت على جمل المسائل ، وإنما الذي كتب لها الذيوع والشهرة في أوساط السلفيين خاصة ، هو شرحها الذي كتبه العلامة ابن أبي العز الحنفي رحمه الله ، وهو أهم شروحها وأوسعها مادة ، وقد استقى مادة هذا الشرح من كتب أهل السنة ، لاسيما كتب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وتلميذه ابن القيم رحمه الله .
خامسا :
رغم ما أشرنا إليه من محاسن هذه العقيدة ، وشرحها للعلامة ابن أبي العز ؛ ففيها ـ أيضا ـ عدة مسائل قد انتقدت ، لمخالفتها لما عليه السلف ؛ مثل قوله في تعريف الإيمان : " والإيمان هو الإقرار باللسان ، والتصديق بالجنان " ؛ فإن الاقتصار على ذلك هو مذهب مرجئة الفقهاء الذين يخرجون أعمال الجوارح من حقيقة الإيمان . وهكذا قوله بعدها : " والإيمان واحد ، وأهله في أصله سواء " .
وفيها أيضا بعض العبارات المجملة التي تحتمل معاني باطلة ، بل كثر استعمالها من أهل البدع في مقاصد تخالف ما عليه السلف الصالح ؛ مثل قوله : " وتعالى عن الحدود والغايات ، والأركان والأعضاء والأدوات ، لا تحويه الجهات كسائر المبتدعات " ؛ فمثل هذه العبارات يستعملها المعطلة في نفي ما ثبت لله تعالى في كتابه وسنة رسوله ، من الصفات الحسنى اللائقة بكماله سبحانه ، مثل الوجه واليدين والعينين .. ، فيسمونها الجوارح والأعضاء ، وينزهون الله عنها .
ومثل علوه سبحانه فوق خلقه ، واستوائه على عرشه في سمائه ، فيسمون هذه " جهة ، ومكانا " وينزهون الله تعالى عنها .
ولأجل ذلك كان من المهم لطالب العلم أن يعتني بأخذ هذه العقيدة عمن شرحها من أهل السنة ، كابن أبي العز قديما ، ومن علمائنا المعاصرين من علق عليها تعليقات مختصرة ، كما أشرنا إليه.
ويوجد لها شروح صوتية كثيرة ، وبعضها مفرغ ، مثل شرح الشيخ صالح آل الشيخ ، وشرح الشيخ يوسف الغفيص ، وغيرهما من أهل العلم .(/3)
وللشيخ سفر الحوالي حفظه الله وعافاه ، شرح وتعليق مطول على شرح ابن أبي العز ، يمكن الرجوع إليه في موقعه .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
93204
العنوان:
هل قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة كي يتزوج امرأته ؟
السؤال:
أسأل عن مادة قرأتها في موقع للشيعة وقد ذكر فيه : أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتني . يعني : سأقتل من أجلك ، وقال الزمخشري وابن الأثير وأبو الفدا والزبيدي : إن مالك بن نويرة رضي الله عنه قال لامرأته يوم قتله خالد بن وليد : أقتلتني ؟ أسأل عن مدى صحة هذه الرواية .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الصحابي الجليل خالد بن الوليد سيف الله المسلول على المشركين ، وقائد المجاهدين ، القرشي المخزومي المكي ، أسلم سنة سبع للهجرة بعد فتح خيبر وقيل قبلها ، وتوفي سنة 21هـ ، وله من الفضائل الشيء الكثير ، ومن أهم ما جاء في فضائله :
1- عن أنس رضي الله عنه :
أن النبي صلى الله عليه وسلم نعى زيدا وجعفرا وابن رواحة للناس قبل أن يأتيهم خبرهم فقال :
( أَخَذَ الرَّايَةَ زَيدٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ جَعفَرٌ فَأُصِيبَ ، ثُمَّ أَخَذَ ابنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ ) وَعَينَاهُ تَذرِفَانِ ( حَتَّى أَخَذَ الرَّايَةَ سَيفٌ مِن سُيُوفِ اللَّهِ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيهِم )
رواه البخاري (4262)
2- وعَنْ عَمْرِو بن الْعَاصِ رضي الله عنه قَالَ :
( مَا عَدَلَ بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِخَالِدِ بن الْوَلِيدِ أَحَدًا مِنْ أَصْحَابِهِ مُنْذُ أَسْلَمْنَا ) رواه الحاكم في "المستدرك" (3/515) وأبو يعلى في "المسند" (13/274) وقال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/350) : ورجاله ثقات .
ثانيا :
قد تعرض هذا الصحابي الجليل لحملات من الطعن والتشويه قام عليها بعض المستشرقين الذين يتلقفون كل رواية من غير بحث ولا تدقيق ، وقام عليها طوائف من الشيعة حقدا وغيظا من هذا الصحابي الذي أبلى بلاء حسنا في قتال الكفار ، وحماية الدولة المسلمة في عهود الخلافة الراشدة.(/1)
ومن بعض تلك الطعون القصة المشهورة في قتل مالك بن نويرة وتزوج خالد من امرأته ليلي بنت سنان .
ومالك بن نويرة يكنى أبا حنظلة ، كان شاعرا فارسا من فرسان بني يربوع ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعمله على صدقات قومه .
وقد اتفقت الروايات التاريخية على قدر مشترك ، فيه أن مالك بن نويرة قتله بعض جند خالد بن الوليد ، وأن خالدا تزوج بعد ذلك زوجته ليلى بنت سنان .
وأما سبب قتل مالك بن نويرة وذكر بعض ملابسات ذلك الحادث فقد تفاوتت الروايات في بيانه ، إلا أن معظم قدامى المؤرخين الذين سجلوا تلك الحادثة ، مثل الواقدي وابن إسحاق ووُثَيمة وسيف بن عمر وابن سعد وخليفة بن خياط وغيرهم ، ذكروا امتناع مالك بن نويرة من أداء الزكاة وحبسه إبل الصدقة ، ومنعه قومه من أدائها ، مما حمل خالدا على قتله ، من غير التفات إلى ما يُظهره من إسلام وصلاة .
قال ابن سلام في "طبقات فحول الشعراء" (172) :
" والمجمع عليه أن خالدا حاوره ورادَّه ، وأن مالكا سمح بالصلاة والتوى بالزكاة " انتهى .
وقال الواقدي في كتاب "الردة" (107-108) :
" ثم قدَّم خالدٌ مالكَ بن نويرة ليضرب عنقه ، فقال مالك : أتقتلني وأنا مسلم أصلي للقبلة ؟! فقال له خالد : لو كنتَ مسلما لما منعت الزكاة ، ولا أمرت قومك بمنعها ." انتهى .
كما تواتر على ذكر ذلك من بعدهم من المؤرخين كالطبري وابن الأثير وابن كثير والذهبي وغيرهم .
وتتحدث بعض الروايات عن علاقة بين مالك بن نويرة وسجاح التي ادعت النبوة ، وتشير أيضا إلى سوء خطابٍ صدر من مالك بن نويرة ، يفهم منه الردة عن دين الإسلام ، كما ذكر ذلك ابن كثير في "البداية والنهاية" (6/322) فقال :(/2)
" ويقال : بل استدعى خالد مالك بن نويرة ، فأنَّبَه على ما صدر منه من متابعة سجاح ، وعلى منعه الزكاة ، وقال : ألم تعلم أنها قرينة الصلاة ؟ فقال مالك : إن صاحبكم كان يزعم ذلك . فقال : أهو صاحبنا وليس بصاحبك ؟! يا ضرار اضرب عنقه ، فضربت عنقه ." انتهى .
إذن فلماذا أنكر بعض الصحابة على خالد بن الوليد قتل مالك بن نويرة ، كما فعل عمر بن الخطاب وابنه عبد الله وأبو قتادة الأنصاري ؟
يمكن تلمس سبب ذلك من بعض الروايات ، حيث يبدو أن مالك بن نويرة كان غامضا في بداية موقفه من الزكاة ، فلم يصرح بإنكاره وجوبها ، كما لم يقم بأدائها ، فاشتبه أمره على هؤلاء الصحابة ، إلا أن خالد بن الوليد أخذه بالتهمة فقتله ، ولما كان مالك بن نويرة يظهر الإسلام والصلاة كان الواجب على خالد أن يتحرى ويتأنى في أمره ، وينظر في حقيقة ما يؤول إليه رأي مالك بن نويرة في الزكاة ، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة رضوان الله عليهم .
جاء في البداية والنهاية لابن كثير رحمه الله (6/322) :
" فبث خالد السرايا في البطاح يدعون الناس ، فاستقبله أمراء بني تميم بالسمع والطاعة ، وبذلوا الزكوات ، إلا ما كان من مالك بن نويرة ، فكأنه متحير في أمره ، متنح عن الناس ، فجاءته السرايا فأسروه وأسروا معه أصحابه ، واختلفت السرية فيهم ، فشهد أبو قتادة الحارث بن ربعي الأنصاري أنهم أقاموا الصلاة ، وقال آخرون إنهم لم يؤذنوا ولا صلوا ." انتهى .
ولما كان مالك بن نويرة من وجهاء قومه وأشرافهم ، واشتبه موقفه في بداية الأمر ، شكا أخوه متمم بن نويرة ما كان من خالد إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، فعاد ذلك بالعتاب على خالد ، وتخطئته في إسراعه إلى قتل مالك بن نويرة ، قبل رفع أمره إلى أبي بكر الصديق وكبار الصحابة رضوان الله عليهم .
روى خليفة بن خياط (1/17) قال :(/3)
" حدثنا علي بن محمد عن أبي ذئب عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : قدم أبو قتادة على أبي بكر فأخبره بمقتل مالك وأصحابه ، فجزع من ذلك جزعا شديدا ، فكتب أبو بكر إلى خالد فقدم عليه . فقال أبو بكر : هل يزيد خالد على أن يكون تأول فأخطأ ؟ ورد أبو بكر خالدا ، وودى مالك بن نويرة ، ورد السبي والمال ." انتهى .
وقال ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :
" فقدم أخوه متمم بن نويرة على أبي بكر ، فأنشده مرثية أخيه ، وناشده في دمه وفي سبيهم ، فرد أبو بكر السبي . وذكر الزبير بن بكار أن أبا بكر أمر خالدا أن يفارق امرأة مالك المذكورة ، وأغلظ عمر لخالد في أمر مالك ، وأما أبو بكر فعذره ." انتهى .
هذا غاية ما يمكن أن يقال في شأن قتل خالد بن الوليد مالك بن نويرة ، أنه إما أن يكون أصاب فقتله لمنعه الزكاة وإنكاره وجوبها بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، أو إنه أخطأ فتسرع في قتله وقد كان الأوجب أن يتحرى ويتثبت ، وعلى كلا الحالين ليس في ذلك مطعن في خالد رضي الله عنه .
يقول ابن تيمية رحمه الله في "منهاج السنة " ( 5/518) :
" مالك بن نويرة لا يعرف أنه كان معصوم الدم ، ولم يثبت ذلك عندنا ، ثم يقال : غاية ما يقال في قصة مالك بن نويرة : إنه كان معصوم الدم ، وإن خالداً قتله بتأويل ، وهذا لا يبيح قتل خالد ، كما أن أسامة بن زيد لما قتل الرجل الذي قال : لا إله إلا الله . وقال له النبي صلى الله عليه وسلم : " يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال : لا إله إلا الله ؟ يا أسامة أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله ؟ " فأنكر عليه قتله ، ولم يوجب قوداً ولا دية ولا كفارة.
وقدر روى محمد بن جرير الطبري وغيره عن ابن عباس وقتادة أن هذه الآية : قوله تعالى :(/4)
( وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً ) نزلت في شأن مرداس ، رجل من غطفان ، بعث النبي صلى الله عليه وسلم جيشاً إلى قومه ، عليهم غالب الليثي ، ففر أصحابه ولم يفر . قال : إني مؤمن ، فصبحته الخيل ، فسلم عليهم ، فقتلوه وأخذوا غنمه ، فأنزل الله هذه الآية ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم برد أمواله إلى أهله وبديته إليهم ، ونهى المؤمنين عن مثل ذلك .
وكذلك خالد بن الوليد قد قتل بني جذيمة متأولاً ، ورفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال : " اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد ". ومع هذا فلم يقتله النبي صلى الله عليه وسلم لأنه كان متأولاً؛ فإذا كان النبي لم يقتله مع قتله غير واحد من المسلمين من بني جذيمة للتأويل ، فلأن لا يقتله أبو بكر لقتله مالك بن نويرة بطريق الأولى والأحرى ." انتهى .
أما اتهام خالد بن الوليد رضي الله عنه بأنه قتل مالك بن نويرة من أجل أن يتزوج امرأته لهواه السابق بها ، فيبدو أنها تهمة مبكرة رماه بها مالك نفسه وبعض أتباعه بها ، وليس لهم عليها دليل ظاهر ، إنما يبدو أنه أطلقها ليغطي بها السبب الحقيقي الذي قتل لأجله وهو منع الزكاة ، يدل على ذلك : الحوار الذي نقله الواقدي بين خالد ومالك .
قال الواقدي في "كتاب الردة" (107-108) :
" فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته ، فنظر إليها ثم قال : يا خالد بهذا تقتلني .
فقال خالد : بل لله أقتلك ، برجوعك عن دين الإسلام ، وجفلك – يعني منعك - لإبل الصدقة ، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم . قال : ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا .
فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك ودخل بها ، وعلى ذلك أجمع أهل العلم ." انتهى .
يقول الحافظ ابن حجر في "الإصابة" (5/755) :(/5)
" وروى ثابت بن قاسم في "الدلائل" أن خالدا رأى امرأة مالك - وكانت فائقة في الجمال - فقال مالك بعد ذلك لامرأته : قتلتِني ! يعني : سأقتل من أجلك .
وهذا قاله ظنا ، فوافق أنه قتل ، ولم يكن قتله من أجل المرأة كما ظن ." انتهى .
ويقول ابن حجر الهيتمي في "الصواعق المحرقة" (1/91) :
" الحق عدم قتل خالد ؛ لأن مالكا ارتد ورد على قومه صدقاتهم لما بلغه وفاة رسول الله ، كما فعل أهل الردة ، وقد اعترف أخو مالك لعمر بذلك .
وتزوُّجُه امرأتَه : لعله لانقضاء عدتها بالوضع عقب موته ، أو يحتمل أنها كانت محبوسة عنده بعد انقضاء عدتها عن الأزواج على عادة الجاهلية ، وعلى كل حال فخالد أتقى لله من أن يظن به مثل هذه الرذالة التي لا تصدر من أدنى المؤمنين ، فكيف بسيف الله المسلول على أعدائه ، فالحق ما فعله أبو بكر ، لا ما اعترض به عليه عمر رضي الله تعالى عنهما ، ويؤيد ذلك أن عمر لما أفضت إليه الخلافة لم يتعرض لخالد ، ولم يعاتبه ، ولا تنقصه بكلمة في هذا الأمر قط ، فعلم أنه ظهر له أحقية ما فعله أبو بكر ، فرجع عن اعتراضه ، وإلا لم يتركه عند استقلاله بالأمر ؛ لأنه كان أتقى لله من أن يداهن في دين الله أحدا " انتهى .
ويقول الدكتور علي الصلابي في كتابه "أبو بكر الصديق" (219) :(/6)
" وخلاصة القصة أن هناك من اتهم خالدا بأنه تزوج أم تميم فور وقوعها في يده ، لعدم صبره على جمالها ، ولهواه السابق فيها ، وبذلك يكون زواجه منها - حاش لله - سفاحا ، فهذا قول مستحدث لا يعتد به ، إذ خلت المصادر القديمة من الإشارة إليه ، بل هي على خلافه في نصوصها الصريحة ، يذكر الماوردي في "الأحكام السلطانية" (47) أن الذي جعل خالدا يقدم على قتل مالك هو منعه للصدقة التي استحل بها دمه ، وبذلك فسد عقد المناكحة بينه وبين أم تميم ، وحكم نساء المرتدين إذا لحقن بدار الحرب أن يسبين ولا يقتلن ، كما يشير إلى ذلك السرخسي في المبسوط (10/111) ، فلما صارت أم تميم في السبي اصطفاها خالد لنفسه ، فلما حلت بنى بها كما "البداية والنهاية" .
ويعلق الشيخ أحمد شاكر على هذه المسألة بقوله : إن خالدا أخذها هي وابنها ملك يمين بوصفها سبية ، إذ إن السبية لا عدة عليها ، وإنما يحرم حرمة قطعية أن يقربها مالكها إن كانت حاملا قبل أن تضع حملها ، وإن كانت غير حامل حتى تحيض حيضة واحدة ، ثم دخل بها وهو عمل مشروع جائز لا مغمز فيه ولا مطعن ، إلا أن أعداءه والمخالفين عليه رأوا في هذا العمل فرصتهم ، فانتهزوها وذهبوا يزعمون أن مالك بن نويرة مسلم ، وأن خالدا قتله من أجل امرأته وأما ما ذكره من تزوجه بامرأته ليلة قتله ، فهذا مما لم يعرف ثبوته . ولو ثبت لكان هناك تأويل يمنع الرجم . والفقهاء مختلفون في عدة الوفاة : هل تجب للكافر ؟ على قولين . وكذلك تنازعوا : هل يجب على الذمية عدة وفاة ؟ على قولين مشهورين للمسلمين ، بخلاف عدة الطلاق ، فإن تلك سببها الوطء ، فلا بد من براءة الرحم . وأما عدة الوفاة فتجب بمجرد العقد ، فإذا مات قبل الدخول بها فهل تعتد من الكافر أم لا ؟ فيه نزاع . وكذلك إن كان دخل بها ،وقد حاضت بعد الدخول حيضة .(/7)
هذا إذا كان الكافر أصلياً . وأما المرتد إذا قتل ، أو مات على ردته ، ففي مذهب الشافعي وأحمد وأبي يوسف ومحمد ليس عليها عدة وفاة بل عدة فرقة بائنة ، لأن النكاح بطل بردة الزوج ، وهذه الفرقة ليست طلاقاً عند الشافعي وأحمد ، وهي طلاق عند مالك وأبي حنيفة ، ولهذا لم يوجبوا عليها عدة وفاة ، بل عدة فرقة بائنة ، فإن كان لم يدخل بها فلا عدة عليها ، كما ليس عليها عدة من الطلاق .
ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتداً ، فإذا كان لم يدخل بامرأته فلا عدة عليها عند عامة العلماء ، وإن كان قد دخل بها فإنه يجب عليها استبراء بحيضة ، لا بعدة كاملة ، في أحد قوليهم ، وفي الآخر : بثلاث حيض ، وإن كان كافراً أصلياً فليس على امرأته عدة وفاة في أحد قوليهم . وإذا كان الواجب استبراء بحيضة فقد تكون حاضت . ومن الفقهاء من يجعل بعض الحيضة استبراء ، فإذا كانت في آخر الحيض جعل ذلك استبراء لدلالته على براءة الرحم .
وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد ، والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم ، وهذا مما حرمه الله ورسوله ) " انتهى .
والله أعلم .(/8)
رقم السؤال:
93208
العنوان:
تستغل القوانين الوضعية لمنع زوجها من الزواج
السؤال:
امرأة مسلمة متحجبة طلقها زوجها لفظا في سويسرا. بعدها مباشرة لجأت هذه المرأة إلى القضاء السويسري وطلبت الانفصال وحصلت على أكثر من نصف راتب الزوج شهريا . مع العلم أن هذه المرأة لا تعمل وتحضن ابنتها التي يبلغ عمرها 4 سنوات. حسب القانون السويسري فهذا الحكم ليس طلاقا . فالطلاق لا يحصل إلا باتفاق من الزوجين أو بعد انقضاء عامين ابتداء من تاريخ الانفصال. فبعد مرور أكثر من سنة وهذه المرأة تأخذ أكثر من حقها ولا تزال ترفض اتفاقية الطلاق حتى تمنع بذلك زوجها الذي طلقها من الزواج بامرأة أخرى. 1- هل اللجوء إلى القضاء السويسري بحجة أنه يجب التحاكم إلى قوانين البلد الذي نعيش فيه وعدم الرجوع إلى الشريعة الإسلامية يعد صحيحا ؟ 2-علما بأن نفقة البنت على أبيها, فهل يجب على هذا الزوج نفقة ومسكن هذه المرأة بعدما انقضت عدتها منذ أكثر من سنة؟ ومتى ينتهي وجوب هذه النفقة؟ 3- ما هو حكم هذه المرأة التي تستغل القوانين السويسرية لمنع الزوج من الزواج بأخرى بالرغم من انه قد طلقها منذ أكثر من سنة؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز التحاكم إلى غير شريعة الله عز وجل لقول الله سبحانه : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء /65 .(/1)
قال ابن كثير رحمه الله : " يقسم تعالى بنفسه الكريمة المقدسة: أنه لا يؤمن أحد حتى يُحَكم الرسول صلى الله عليه وسلم في جميع الأمور، فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنا وظاهرا ؛ ولهذا قال : ( ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجا مما حكمت به، وينقادون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليما كليا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة، كما ورد في الحديث: ( والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به ) انتهى . تفسير ابن كثير (1/532)
وقال ابن عثيمين رحمه الله : "فهذا إقسام مؤكد بـ(لا)، وإقسام بأخص ربوبية من الله عز وجل لعباده ـ وهي ربوبية الله للرسول ـ على نفي الإيمان عمن لم يقم بهذه الأمور:
الأول: تحكيم الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لقوله: ( حتى يحكموك ) ، فمن طلب التحاكم إلى غير الله ورسوله، فإنه ليس بمؤمن، فإما كافر كفراً مخرجاً عن الملة، وإما كافر كفراً دون ذلك.
الثاني: انشراح الصدر بحكمه، بحيث لا يجدون في أنفسهم حرجاً مما قضى، بل يجدون القبول والانشراح لما قضاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
الثالث: أن يسلموا تسليماً، وأكد التسليم بمصدر، يعني: تسليماً كاملاً.
فاحذر أيها المسلم أن ينتفي عنك الإيمان" انتهى .
انظر : "شرح الواسطية" لابن عثيمين صفحة ص181/182
فالواجب على هذه الأخت والتي ظهر من السؤال أن فيها خيراً كثيراً وعلامة ذلك التزامها بالحجاب ، الواجب عليها أن ترجع إلى من يحكم بينها وبين مطلقها بشرع الله عز وجل وقد بينا كيف يفعل ذلك في البلاد التي هم فيها وما شاكلها في جواب السؤال رقم (4044) فليرجع إليه ففيه ما يكفي إن شاء الله .
ونحن ننصح ببذل المزيد من محاولة الإصلاح والتقريب لإعادة الزواج ففي ذلك مصلحة ابنتهما .(/2)
وأما الجواب عن المسائل التي وردت في السؤال:
أولا : الطلاق يقع بتلفظ الزوج به ولا يحتاج إلى حكم حاكم شرعي فضلا عن غيره ممن لا يحكم بما أنزل الله .
ثانيا : لا يجوز اللجوء إلى القوانين الوضعية لمنع الرجل مما أباحه الله له وفي ذلك تعد عليه وظلم له فلتتق الله هذه الأخت ولتعلم بأن الظلم ظلمات يوم القيامة .
ثالثا : المطلقة بعد انقضاء عدتها لا نفقة لها ولا سكنى قال ابن قدامة في "المغني" (7/145) : " السُّكْنَى وَالنَّفَقَةَ إنَّمَا تَجِبُ لِمَرْأَةٍ لِزَوْجِهَا عَلَيْهَا الرَّجْعَةُ " انتهى .
رابعا : إذا علم أنه لا نفقة لها ولا سكنى فما تأخذه من الرجل بحكم القانون بغير طيب نفس منه حرام لقول الله سبحانه وتعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه ) رواه مسلم فعليها أن ترده إليه أو تستسمحه .
خامسا : حضانة البنت قبل أن تبلغ سبع سنين حق لأمها ما دامت مسلمة مؤتمنة عليها ولم تتزوج ، قال الإمام ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (8/190) : " الزوجان إذا افترقا , ولهما ولد طفل أو معتوه , فأمه أولى الناس بكفالته إذا كملت الشرائط فيها , ذكرا كان أو أنثى , وهذا قول يحيى الأنصاري , والزهري , والثوري , ومالك , والشافعي , وأبي ثور , وإسحاق , وأصحاب الرأي , ولا نعلم أحدا خالفهم" انتهى .(/3)
سادسا : نفقة البنت واجبة شرعا على أبيها وإن كانت في حضانة أمها ، لما رواه البخاري ومسلم عن عائشة أن هند بنت عتبة قالت : يا رسول الله إن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إلا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال: ( خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف) . ففيه أن نفقة الأولاد واجبة على أبيهم ، وأن النفقة مقدرة بالكفاية ، فليس لها أن تأخذ أكثر مما يكفيها .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
93211
العنوان:
هل يحذر أصحابه من الاستماع لهذا الداعية ؟
السؤال:
أنا أحذر أصدقائي من سماع أحد الدعاة ولي أسباب هي : 1:- أنه قال إن إبليس لم يكفر . 2:- قوله إن الله سوف يدخل الفنانين الجنة بفنهم . 3:- قوله إن اليهود ليسوا أعداءنا . وأنا لم أقل ذلك عليه من فراغ ، ولكني استمعت لأحاديثه وهو يقول بذلك ، فإن كان ذلك حراما فأريد أن أعرف . وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
نشكر لك حرصك وغيرتك على الإسلام ، ولكن لا بد هنا من ذكر بعض القواعد المهمة التي ينبغي لكل مسلم التوقف عندها :
أولا :
باب الكلام في الناس باب خطير ، والحكم عليهم بالمدح أو الذم أمر جليل ، تهيب خوض غماره كثير من العلماء ، فإن الغيبة من موبقات الذنوب ، ويتعاظم إثمها إذا كانت غيبة للدعاة أو العلماء أو المصلحين .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ : دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ) رواه مسلم (2564)
قال ابن دقيق العيد في "الاقتراح" (34) :
" أعراضُ المسلمين حُفْرَةٌ من حُفَرِ النار " انتهى .
وقد أصبح الاشتغال بأخطاء الآخرين ومتابعتها آفة ابتلي بها الناس اليوم ، وقد كان الأحرى بهم السعي في تحصيل العلم النافع والاجتهاد في صالح الأقوال والأعمال .
ومع ذلك فإن الغيبة تكون جائزة ، بل قد تكون واجبة ، إذا كانت لتحذير المسلمين من شر فاسق أو ضال أو مبتدع .
الناس جميعا - والدعاة والعلماء منهم - ليسوا معصومين من الخطأ ، بل لم يسلم من الخطأ أحد من البشر .
غير أن هذه الأخطاء على نوعين :
الأول : أخطاء واضحة لمخالفة النصوص الصريحة أو الظاهرة ، أو مخالفة إجماع الأمة ، فهذا الخطأ يجب بيانه ، ولا يجوز السكوت عنه .(/1)
النوع الثاني : أخطاء في مسائل اجتهادية ، كتلك التي لم ترد فيها نصوص قطعية أو ظاهرة تدل على حكمها ، ولكن ورد فيها نصوص محتملة في دلالتها ، أو مختلف في صحتها ، أو ليس فيها نصوص أصلا ، وإنما هي قضايا اجتهادية عند أهل العلم ، على ما هو معروف في بابه ؛ فهذه لا يجوز إنكارها ، ولا التشنيع على القائل بها ، وإن كان لا يُمنع من التباحث فيها وبيان الصواب من غيره ، كلٌّ حسب ما يراه .
وأما الطعن في الشخص نفسه والتحذير منه ، فذلك يختلف باختلاف الأشخاص وحجم الأخطاء التي وقعوا فيها ، ومدى استفادة المسلمين من دعوته ، فإذا كان الرجل يدعو إلى منهج غير منهج أهل السنة والجماعة ، ويحارب منهج أهل السنة ، ويمدح غيره من المناهج ، أو ينطلق في منهجه ـ وإن لم يصرح بذلك ـ من أصول بدعية ؛ فهذا ـ إن كان عنده خير ـ إلا أن شره أعظم من خيره ، فيجب التحذير منه ، حتى لا ينخدع الناس بكلامه ، ويكون سببا في إضلالهم .
ومن الناس ـ الدعاة ـ من ينتسب إلى أهل السنة والجماعة ، ولا يدعو إلى منهج آخر ، ولكنه كثرت أخطاؤه وشذوذاته ، حتى صارت سيئات دعوته تربو على حسناته ، وأخطاؤه أكثر من صوابه ، فهذا أيضا يجب التحذير منه .(/2)
وقسم ثالث من الناس ، ينتسب إلى أهل السنة والجماعة ، وله بعض الأخطاء ـ التي لا يخلو منها بشر ـ إما عن تأويل أو اجتهاد خاطئ أو ضعف في العلم ، أو دعوى المصلحة ....إلخ ، ولكنه في الجملة متمسك بالسنة داع إليها مدافع عنها ، وحسناته أكثر من سيئاته ، وانتفاع الناس بدعوته أكثر من الضرر الحاصل على بعضهم في اتباعه في هذه الأخطاء ، فهذا يجب بيان أخطائه تحذيرا للناس ، ونصحا لهم ، وإنكارا للمنكر ، ولكنه لا يجوز أن يتعدى ذلك إلى الطعن في الشخص نفسه ، أو محاولة إسقاطه وتحذير الناس من استماعه أو الأخذ منه ، أو الحمل عليه ـ تأولا ـ بأخطاء لم يصرح بها في كلامه ؛ فإن المنصف من يغتفر قليل زلل المرء في كثير صوابه ، ومَنْ مِنَ الناس هو الذي يصيب دائما ولا يخطئ ؟
من الذي ما ساء قط ومن له الحسنى فقط
فقد دار حديثنا هنا ـ أيها الأخ الكريم ـ على أصول مهمة يجب البناء عليها عند النظر والحكم على الآخرين :
الأصل الأول : النظر إلى أصول الشخص ، ومنطلقه في علمه وعمله ؛ فمن كان قصده متابعة الرسول ، وتعظيم شرعه ، ظاهرا وباطنا ، فهذا يغتفر له ، إن شاء الله .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، في معرض كلامه عن أبي ذر الهروي ، والباقلاني والباجي ، وغيرهم من علماء الأشاعرة :
" ثم إنه ما من هؤلاء إلا من له في الإسلام مساع مشكورة ، وحسنات مبرورة ، وله في الرد على كثير من أهل الإلحاد والبدع ، والانتصار لكثير من أهل السنة والدين ، ما لا يخفى على من عرف أحوالهم ، وتكلم فيهم بعلم وصدق وعدل وإنصاف .(/3)
لكن لما التبس عليهم هذا لأصل المأخوذ ابتداء عن المعتزلة [ يعني : نفي الأفعال الاختيارية ، والأمور المتعلقة بمشيئة الله تعالى ] وهم فضلاء عقلاء ، احتاجوا إلى طرده والتزام لوازمه ، فلزمهم بسبب ذلك من الأقوال ما أنكره المسلمون من أهل العلم والدين ؛ وصار الناس بسبب ذلك : منهم من يعظمهم لما لهم من المحاسن والفضائل ، ومنهم من يذمهم لما وقع في كلامهم من البدع والباطل ، وخيار الأمور أوساطها !!
وهذا ليس مخصوصا بهؤلاء ؛ بل مثل هذا وقع لطوائف من أهل العلم والدين ، والله تعالى يتقبل من جميع عباده المؤمنين الحسنات ، ويتجاوز لهم عن السيئات : { ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم } ( الحشر : 10 ) .
ولا ريب أن من اجتهد في طلب الحق والدين من جهة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخطأ في بعض ذلك ، فالله يغفر له خطأه ؛ تحقيقا للدعاء الذي استجابه الله لنبيه وللمؤمنين حيث قالوا : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ( البقرة : 286 )
ومن اتبع ظنه وهواه ، فأخذ يشنع على من خالفه بما وقع فيه من خطأ ، ظنه صوابا بعد اجتهاده ، وهو من البدع المخالفة للسنة ؛ فإنه يلزمه نظير ذلك ، أو وأعظم أو أصغر ، فيمن يُعَظِّمُه هو من أصحابه ؛ فقلَّ من يسلم من مثل ذلك في المتأخرين ، لكثرة الاشتباه والاضطراب ، وبعد الناس عن نور النبوة وشمس الرسالة الذي به يحصل الهدى والصواب ، ويزول به عن القلوب الشك والارتياب .. " انتهى .
درء تعارض العقل والنقل (2/102-103) .
الأصل الثاني : إذا عرف أن أصله تعظيم شرع الله ، واتباع رسوله ، ظاهرا وباطنا ، فإنه يوزن قوله وعمله بميزان الكتاب والسنة ، وموازنة حسناته وسيئاته ، على ما سبق الإشارة إليه .
يقول شيخ الإسلام ، رحمه الله :(/4)
" وجماع ذلك داخل في القاعدة العامة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد ، والحسنات والسيئات ، أو تزاحمت ؛ فإنه يجب ترجيح الراجح منها ، فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد ، وتعارضت المصالح والمفاسد ؛ فإن الأمر والنهى وإن كان متضمنا لتحصيل مصلحة ودفع مفسدة ، فينظر في المعارض له ؛ فإن كان الذي يفوت من المصالح ، أو يحصل من المفاسد أكثر ، لم يكن مأمورا به ؛ بل يكون محرما إذا كانت مفسدته أكثر من مصلحته .
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة ؛ فمتى قدر الإنسان على اتباع النصوص لم يعدل عنها ، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر ، وقل أن تُعْوِز النصوص من يكون خبيرا بها وبدلالتها على الأحكام .
وعلى هذا إذا كان الشخص أو الطائفة جامعين بين معروف ومنكر بحيث لا يفرقون بينهما ؛ بل إما أن يفعلوهما جميعا أو يتركوهما جميعا ، لم يجز أن يؤمروا بمعروف ولا أن ينهوا عن منكر ؛ بل ينظر :
فإن كان المعروف أكثر أُمر به ، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر ، ولم ينه عن منكر يستلزم تفويت معروف أعظم منه ، بل يكون النهي حينئذ من باب الصد عن سبيل الله ، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وزوال فعل الحسنات !!
وان كان المنكر اغلب نهي عنه ، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف ، ويكون الامر بذلك المعروف المستلزم للمنكر الزائد عليه ، أمرا بمنكر ، وسعيا في معصية الله ورسوله !!
وان تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان لم يؤمر بهما ولم ينه عنهما ؛ فتارة يصلح الأمر ، وتارة يصلح النهي ، وتارة لا يصلح لا أمر ولا نهي ؛ حيث كان المنكر والمعروف متلازمين ، وذلك في الأمور المعينة الواقعة .
وأما من جهة النوع : فيؤمر بالمعروف مطلقا ، وينهى عن المنكر مطلقا .(/5)
وفي الفاعل الواحد ، والطائفة الواحدة : يؤمر بمعروفها ، وينهى عن منكرها ، ويحمد محمودها ، ويُذم مذمومها ؛ بحيث لا يتضمن الأمر بمعروف فوات معروف أكبر منه ، أو حصول منكر فوقه ، ولا يتضمن النهي عن المنكر حصول ما هو أنكر منه أو فوات معروف أرجح منه .
وإذا اشتبه الأمر : استثبت المؤمن حتى يتبين له الحق ؛ فلا يقدم على الطاعة إلا بعلم ونية ، وإذا تركها كان عاصيا ؛ فترك الأمر الواجب معصية ، وفعل ما نهى عنه من الأمر معصية ؛ وهذا باب واسع ولا حول ولا قوة إلا بالله !! " انتهى .
الاستقامة (2/216-219) .
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله تعالى "مجموع الفتاوى" (7/311-315) :
"وما وجد من اجتهاد لبعض العلماء وطلبة العلم فيما يسوغ فيه الاجتهاد فإن صاحبه لا يؤاخذ به ولا يثرب عليه إذا كان أهلا للاجتهاد , فإذا خالفه غيره في ذلك كان الأجدر أن يجادله بالتي هي أحسن , حرصا على الوصول إلى الحق من أقرب طريق ، ودفعا لوساوس الشيطان وتحريشه بين المؤمنين .
فإن لم يتيسر ذلك , ورأى أحد أنه لا بد من بيان المخالفة فيكون ذلك بأحسن عبارة وألطف إشارة , ودون تهجم أو تجريح أو شطط في القول قد يدعو إلى رد الحق أو الإعراض عنه ، ودون تعرض للأشخاص أو اتهام للنيات أو زيادة في الكلام لا مسوغ لها ، وقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول في مثل هذه الأمور : ( ما بال أقوام قالوا كذا وكذا ) " انتهى .
والله أعلم .
الأصل الثالث : ألا يكون الكلام إلا بما هو فيه فعلا ، وإلا كان بهتانا ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ، لمن سأله عن الغية :
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ ؟
قَالُوا : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ !!
قَالَ : ( ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ !!
قِيلَ : أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ ؟(/6)
قَالَ : إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدْ اغْتَبْتَهُ ؛ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ !! ) رواه مسلم (2589) .
سئل شيخ الإسلام رحمه الله :
هل يجوز غيبة تارك الصلاة أم لا ؟
فأجاب :
" الحمد لله ؛ إذا قيل عنه إنه تارك الصلاة ، وكان تاركها ، فهذا جائز ، وينبغي أن يشاع ذلك عنه ويُهجر حتى يصلي ، وأما مع القدرة فيجب أن يُسْتتاب ؛ فإن تاب وإلا قُتِل !!) انتهى .
آثار شيخ الإسلام (5/122) .
ويجب التنبه أيضا إلى أن كثيراً من هؤلاء الدعاة دعوتهم موجهة في الأصل إلى عامة المسلمين ، الذين قد يكون كثير منهم تاركاً للصلاة أو متهاوناً بها ، أو منغمسا في المعاصي والموبقات ، فإقبال هؤلاء وأمثالهم على أولئك الدعاة واستمالتهم إليهم وهدايتهم على أيديهم فيه خير كثير ، وهو خطوة أو خطوات إلى الأمام ، فليس من الحكمة الكلام مع أمثال هؤلاء عن أولئك الدعاة وتحذيرهم منهم ، لأن كثيرا من هؤلاء يكون أمامه خياران اثنان ، إما أن يبقى مع هؤلاء الدعاة ، وإما أن يعود إلى ما كان عليه ، ولا شك أن بقاءه مع هؤلاء الدعاة خير له ،
ولكن الواجب على أهل الحق بعد ذلك أن يتعاهدوا هؤلاء ، ويأخذوا بأيديهم إلى منهج أهل السنة شيئا فشيئا .
وما ذكرته من الأخطاء عن الشخص المعين ، يجب تحذير المسلمين منها ، وتنبيههم إلى مخالفتها لكتاب الله وسنة رسوله ، بل وإجماع المسلمين ؛ ثم ينظر في منهجه في دعوته ، في ضوء الأصل العام الذي سبق ذكره ، وإن أمكن لمن فيه علم وانتباه ودين أن ينتفع في نفسه ، أو ينفع غيره ، بما عند هذا الشخص وأمثاله من الخير ، ويحذر في نفسه , ويحذر غيره ، مما عنده من خطأ أو بدعة ، فهو حسن إن شاء الله تعالى ؛ وإلا ففي الخير الخالص أو الغالب ما يغني عنه إن شاء الله :
خُذ ما تَراهُ وَدَع شَيئاً سَمِعتَ بِهِ في طَلعَةِ الشَمسِ ما يُغنيكَ عَن زُحَلِ
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
93213
العنوان:
يتصدق بثيابه الشتوية بعد انتهاء الشتاء ، ويشتري غيرها في العام القادم
السؤال:
عندما ينتهي الشتاء أقوم بالتصدق بثيابي الشتوية ، حيث إني لا أعلم إن كنت أعيش للعام المقبل ، وعندما يحل الشتاء المقبل أقوم بالشراء مرة أخرى ، حيث إني ميسور ولله الحمد ، فهل فعلي صحيح ؟ وهل يوجد ما هو أصح منه ؟ وهل يعد ذلك إسرافاً بحيث أني ألبس دائما الجديد كل شتاء ؟
الجواب:
الحمد لله :
لا بأس أن يتصدق المسلم بثيابه كل عام ، ويشتري غيرها ، أو يبيعها ويتصدق بثمنها ، ولا يدخل هذا في الإسراف ، ولا التبذير إن كان الله تعالى قد وسَّع عليه في المال ، بل هذا أمر حسن ممدوح من صاحبه . قال الله تعالى : ( وَآَتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ) الإسراء/26-27 .
" قال ابن مسعود رضي الله عنه : التبذير: الإنفاق في غير حق ، وكذا قال ابن عباس رضي الله عنهما .
وقال مجاهد : لو أنفق إنسان ماله كله في الحق ، لم يكن مبذرًا ، ولو أنفق مُدًا في غير حقه كان تبذيرًا .
وقال قتادة: التبذير: النفقة في معصية الله تعالى ، وفي غير الحق ، وفي الفساد " .
تفسير ابن كثير (5/68) .
وفي صحيح البخاري (73) ومسلم (816) عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَسُلِّطَ عَلَى هَلَكَتِهِ فِي الْحَقِّ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ فَهُوَ يَقْضِي بِهَا وَيُعَلِّمُهَا ) .(/1)
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قَوْله : ( أَيْ : إِهْلَاكه , وَعَبَّرَ بِذَلِكَ لِيَدُلّ عَلَى أَنَّهُ لَا يُبْقِي مِنْهُ شَيْئًا . وَكَمَّلَهُ بِقَوْلِهِ: " فِي الْحَقّ "، أَيْ : فِي الطَّاعَات لِيُزِيلَ عَنْهُ إِيهَام الْإِسْرَاف الْمَذْمُوم ."
وقال القرطبي – رحمه الله - :
وروي عن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب - شيخ مالك - رضي الله عنهم أنه كان يلبس كساء خزٍّ بخمسين ديناراً ، يلبسه في الشتاء ، فإذا كان في الصيف : تصدَّق به ، أو باعه فتصدق بثمنه ، وكان يلبس في الصيف ثوبين من متاع بمصر ممشقين – أي : مصبوغيْن بـ " المشق " ، وهو صبغ أحمر - ويقول : ( قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) .
" تفسير القرطبي " ( 7 / 195 ، 196 ) .
ثم إن ما ذكرته في سؤالك من أنك لا تعلم أنك لا تعيش إلى العام المقبل ، هو أمر تحمد عليه ؛ أعني : إذا عودت نفسك قِصَر الأمل في الدنيا ، وترك التعلق بها .
وفي صحيح البخاري (6416) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَنْكِبِي فَقَالَ : ( كُنْ فِي الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبِيلٍ )
وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ : إِذَا أَمْسَيْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الصَّبَاحَ ، وَإِذَا أَصْبَحْتَ فَلَا تَنْتَظِرْ الْمَسَاءَ ، وَخُذْ مِنْ صِحَّتِكَ لِمَرَضِكَ ، وَمِنْ حَيَاتِكَ لِمَوْتِكَ . ٍ
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93217
العنوان:
عليها كفارة قتل ولا تستطيع العتق أو الصيام فهل تطعم؟
السؤال:
امرأة قتلت امرأة خطأ وعندما سألت عن الحكم قالوا لها أن تطعم ستين مسكينا ولكن تبين أن هذه الفتوى غير صحيحة وعليها صيام شهرين , لكن الآن هي كبيرة في السن ولا تستطيع الصيام فما العمل؟
الجواب:
الحمد لله
كفارة قتل الخطأ هي : عتق رقبة ، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فمن لم يستطع فلا شيء عليه ، وليس فيها إطعام على الراجح .
قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا ) إلى قوله سبحانه : ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ) النساء/92 .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل علي الصوم بعد سداد الدية وما مقداره وهل هو متتابع أو لا ، وهل يمكن تجزئته أو الإطعام عنه؟
فأجابوا : "تجب عليك كفارة القتل خطأ ، وهي عتق رقبة مؤمنة ، فإن لم تجدها فصم شهرين متتابعين ، ولا يصح تجزئة صومهما ، ولا يجزئ إطعام المساكين في كفارة القتل خطأ ؛ لأنه لم يثبت ذلك في كفارة القتل في كتاب الله ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وما كان ربك نسيا " انتهى . "فتاوى اللجنة الدائمة" (21/273) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : رجل مريض بمرض السكر, وعليه كفارة صيام شهرين -كفارة قتل خطأ- ولا يستطيع أن يصوم لمرضه، فماذا عليه؟(/1)
فأجاب : "إذا كان لا يستطيع أن يصوم فلا شيء عليه؛ لأن كفارة القتل ليس فيها إلا عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين, كما في سورة النساء: ( فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً ) النساء/92 . وليس فيه إطعام , فإن قدر على الصوم صام وإلا سقط عنه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" 107 سؤال رقم (24) .
وسئل أيضا :
شخص عليه كفارة القتل لا يستطيع العتق ولا الصيام ، هل يعدل إلى الإطعام ، أم تسقط عنه الكفارة؟
فأجاب : "لا ، تسقط عنه ، كفارة القتل نوعان فقط: إما العتق وإما الصيام؛ لأن الله تعالى لم يذكر ثالثاً، ولو كان الثالث واجباً لذكره الله كما ذكره في كفارة الظهار ، فقد ذكر الله في كفارة الظهار: عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكيناً، وفي كفارة القتل لم يذكر الإطعام ، وعلى هذا نقول : إذا عجز عن العتق والصيام سقطت عنه " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" 190 سؤال رقم 15.
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93218
العنوان:
نصيحة لداعية يريد هجر أهله الذين وقعوا في المعاصي
السؤال:
أخي قد بلغ من عمره 21 سنة ، وقد بدأ يكرهنا ، وخاصة أخاه الكبير ؛ لمشاهدته التلفاز ، ومخالفته لبعض أحكام الشريعة ، عالما بحرمة بعضه دون بعض ، ولعله سيهجرنا جميعاً ، وقد يئس منا، بأننا لم نكن على الصراط السوي الذي يدعو إليه ، ونبهته إلى ما قال الله ربنا جلَّ وعلا في محكم كلامه : ( إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء ) وأمثاله ، فإنه في كثير من كلامه يحدثنا بأنه يجب علينا أن نلتزم ونعتصم بحبله سبحانه وتعالى في كل مكان وزمان ، ويقول إنه يريد أن يعيش العيشة التي عاشها النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه . أفتوني ، فإن أخي يريد أن ينعزل عنا جميعا ، ليس أبد الآباد كما هو ظاهر كلامي ، ولكنه عزم على أنه سيقوم بكل ما شرع الله بجد وقدر استطاعته .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا بدَّ من توجيه رسالة لكم أولاً ، فنقول : إنه يجب عليكم أن تتقوا الله ربكم ، وأن تتركوا ما تفعلونه مما يغضب الرب تعالى ، من المعاصي والآثام ، كما يجب عليكم الالتزام بكل ما أمركم الله تعالى به ، ولا يسعكم غير هذا إن أردتم النجاة من العقوبة ، وتحقيق الفوز برضا الرحمن سبحانه وتعالى .
ووجود أخٍ لكم ينكر عليكم معاصيكم ، ويطلب منكم الالتزام بشرع الله تعالى هو رحمة من الله بكم ، فكم يوجد من أهل المعاصي والفجور ولا يجدون ناصحاً يدلهم على الحق ، ولا واعظاً يأمرهم وينهاهم ، فالواجب عليكم ترك المحرمات ، وفعل الطاعات ، وإكرام أخيكم الذي جعله الله رحمة لكم وبكم .
ثانياً :
ورسالتنا لأخيكم نرسلها له في نقاط :(/1)
1. اعلم أن الدعوة إلى الله واجبة على كل مسلم ، وهي على أهل العلم أوجب ، وأول ما أوجب الله تعالى الدعوة على نبيه إنما أوجبها في حق أهله ، فقال تعالى : ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) الشعراء/214 ، فلذا يجب وضع هذا في اهتمامك ، وجعله غاية عندك .
2. واعلم أن الدعوة إلى الله تحتاج للصبر ، والصبر هنا هو صبر على طاعة الله تعالى ، وليس طريق الدعوة مليئاً بالورود والرياحين ، بل يعاني الداعية مشقة وتعباً في توجيه الناس نحو طريق الخير ، وفي سعيه لهدايتهم ، وتأمل وصية لقمان لابنه حين قال : ( يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ) لقمان/17 ، فقد جاء بالأمر بالصبر بعد الأمر بالدعوة ، حتى يهيئه لهذا الطريق ، فلا ينبغي لك الضجر من دعوة أهلك ، ولا الضجر من الاستمرار بها .
3. ومما ينبغي لك معرفته : أن الدعوة إلى الله بحاجة لأسلوب يصل به الداعية لقلوب المدعوين ، وليس العنف والهجر من الأساليب الناجعة في هذا ، بل الرفق واللين هما المطلوبان في الدعوة عموماً ، وبخاصة في دعوة الأهل ، قال تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159 ، فتأمل هذه الآية جيِّداً لتعلم أن انفضاض الناس عن الداعية إنما هو بسبب شدته وعنفه ، وتأمل قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ الرِّفْقَ لَا يَكُونُ فِي شَيْءٍ إِلَّا زَانَهُ وَلَا يُنْزَعُ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا شَانَهُ ) رواه مسلم ( 2594 ) .(/2)
4. وعليك أن تكون حكيماً في دعوة أهلك ، وتنوع طرق الوصول لقلوبهم ، بالهدية ، والخدمة ، والتلطف في القول ، كما عليك أن تنوع طرق النصيحة كتشغيل شريط ، أو إحضار فيلم مؤثر ، أو محاضرة منتقاة ، أو استضافة بعض الدعاة الذين يحسنون مخاطبة الناس ودعوتهم ، أو جعل غيرك ينصحهم ويوجههم ، وهكذا يمكن أن يُكتب النجاح لدعوتك.
5. وجود المعاصي من الأهل بل الكفر بل الدعوة للكفر لا يمنع من أن يحسن المسلم معاملتهم ، ويبرهم ، ويستمر معهم في الدعوة ، قال تعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْناً وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ) العنكبوت/8 ، وهذا نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ظلَّ يدعو عمه أبا طالب مع بقائه على الشرك والكفر حتى الرمق الأخير ، فأين المتبعون لسنته منه صلى الله عليه وسلم في حرصه وهمه على المخالفين للشرع ، حتى قال له ربه تعالى : ( فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ) فاطر/8 ، وقال له : ( فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً ) الكهف/6 .
6. لا ينبغي لك هجر أهلك ، وتركهم فريسة للشيطان ، بل عليك الصبر والتحمل .
نعم ، لك أن تهجر مكان المعصية فلا تجلس حيث يُشغَّل التلفاز بالمحرمات ، لكن لا داعي لهجرهم أثناء الطعام أو الحديث أو زيارة الناس لكم ، وإنما يُشرع الهجر حيث يمكن للداعية أن يتأثر ببيئة فاسدة تؤثر على دينه ، أما هجر أهله لأنهم لم يستجيبوا له : فليس بمشروع ، إلا أن ترى أن خروجك يمكن أن يكون مؤثراً عليهم بحيث يتركون سماع ومشاهدة المحرمات ، لكن الأكمل هو بقاؤك وتلطفك معهم في الدعوة ؛ حتى يكون تركهم للمحرمات وفعلهم للواجبات عن قناعة والتزام بشرع الله .(/3)
7. ولا تنس أن تستعين بالدعاء لربك تعالى أن يهدي قلوب أهلك ، ويوفقهم لاتباع الحق ، وهكذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يفعل ، فقد دعا لقبيلة " دوس " ، ودعا لثقيف ، بل أخبرنا عن بعض الأنبياء أنه كان يدعو لقومه وهم يؤذونه ويضربونه ! .
قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مَسْعُود رضي الله عنه: كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَحْكِي نَبِيًّا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ضَرَبَهُ قَوْمُهُ فَأَدْمَوْهُ ، وَهُوَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ وَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ .
رواه البخاري ( 3290 ) ومسلم ( 1792 ) .
ونسأل الله تعالى أن يكتب لك الأجر ، وأن يهديك لما يحب ويرضى ، وأن يهدي أهلك لطريق الاستقامة ، وأن يجمعكم في الدنيا على خير وهدى ، وفي الآخرة في الفردوس الأعلى .
والله الموفق(/4)
رقم السؤال:
93230
العنوان:
تقصير الزوج في حقوق زوجته بسبب مرضه البدني والنفسي
السؤال:
أنا متزوجة منذ سنتين ونصف تقريباً ، وزوجي لا يقربني إلا كل ثلاثة أو خمسة شهور تقريباً ، متعللاً دوماً إما بالمرض ، أو السحر ، أو عدم الاستقرار المالي ، ولا يتودد نهائيّاً لي ، وكلما صارحته بالأمر أوجد الأعذار الجاهزة ، مع العلم أنه لا يعاني شيئاً كما يقول ، ويرفض الذهاب للطبيب ، حتى أخبرت عائلته بالموضوع ، وأيضاً لم يجدوا أي فائدة من الكلام معه ، وهو يضغط عليَّ من أجل العلاج للحمل ، ولا أعلم كيف سيحصل ، أنا متعبة جدّاً ، ولا أعلم ما أفعل ، إن علم أهلي بموضوعي سيكون الطلاق أكيداً ، ومع العلم أننا ذهبنا إلى العديد من شيوخ الدين ، وكلهم أجمعوا على وجود نفْس أصابتنا ، ولم ينفع معنا شيء ، وبصراحة أنا أخاف من القيام بالفاحشة . أرجو منكم إطلاعي ما يتوجب عليَّ عمله ، وفي حالة الطلاق ما هي حقوقي ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أوجب الله تعالى على الزوج معاشرة زوجته بالمعروف ، فقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، وهو من الحقوق المشتركة ، فيجب على كل واحدٍ من الزوجين معاشرة صاحبه بالمعروف .
ولكل واحدٍ من الزوجين حق على الآخر ، وقد فصلنا القول في حقوق الزوجين بعضهما على بعض في جواب السؤال ( 10680 ) .
ومن حقوق الزوجة على زوجها : إعفافها بالوطء ، وهو واجب على القادر ، وهو قول جمهور العلماء.
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 30 / 127 ) :
" من حقّ الزّوجة على زوجها أن يقوم بإعفافها ، وذلك بأن يطأها ، وقد ذهب جمهور الفقهاء - الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة - إلى أنّه يجب على الزّوج أن يطأ زوجته " انتهى .
وقد اختلف العلماء في الحد الذي يجب فيه على الزوج جماع زوجته ، وأصح الأقوال أنه ذلك يتبع حاجتها وقدرته .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:(/1)
عن الرجل إذا صبر على زوجته الشهر والشهرين لا يطؤها ، فهل عليه إثم أم لا ؟ وهل يطالب الزوج بذلك ؟ .
فأجاب :
يجب على الرجل أن يطأ زوجته بالمعروف ، وهو من أوكد حقها عليه ، أعظم من إطعامها ، والوطء الواجب قيل : إنه واجب في كل أربعة أشهر مرة ، وقيل : بقدر حاجتها وقدرته ، كما يطعمها بقدر حاجتها وقدرته ، وهذا أصح القولين .
" مجموع الفتاوى " ( 32 / 271 ) .
وقد يكون زوجك تعرض لأمراضٍ نفسيَّة أو عضويَّة ، وهو ما سبَّب له نفوراً من الجماع أو التودد ، وليس لكِ الجزم بعدم وجود ذلك عنده ، وبخاصة أنكِ تقولين إن المشايخ الذين اطلعوا على حالتكما رأوا أنه قد أصابتكما عينٌ – وتسمَّى " النفْس " - ، فلا يبعد أن تكون تلك العيْن هي التي تسببت في سلوكه المتغير .
سئل الدكتور عبد الله السدحان – وهو أحد المختصين في أمور الرقية ، ورسالته للدكتوراة كانت بعنوان " دراسة مقارنة عن الرقية الشرعية " - :
هل تسبِّب العين أمراضاً عضوية ومشكلات مادية أو اجتماعية ؟ .
فأجاب :
نعم ، تتسبَّب العين في عدم شفاء كثير من الأمراض العضوية ، بل واستفحالها ، وكذلك المشكلات المادية ، والزوجية ، والقطيعة ، وكثير من المصائب ، كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكثر من يموت من أمتي بعد قضاء الله وقدره بالعين ) ، فما دون الموت من المصائب أولى أن تُلحق بالعين .
عن " مجلة الدعوة " العدد ( 2018 ) ، 15 شوال 1426هـ ، 17 نوفمبر 2005 م .
ومن واجب الزوجة الصالحة أن تقف مع زوجها في مثل هذه الأحوال ، فهو أحوج ما يكون لمن يسانده ، ويعينه في علاجه ، حتى يكتب الله له الشفاء ، وإذا كان ما أصابه سببه الظروف المادية ، والحياة الاجتماعية : فإنك تستطيعين كسب قلبه بالتجمل له ، والتودد إليه ، والتلطف معه ، فأنتِ سكنه ، وقد جعل الله بين الزوجين من المودة والرحمة ما يسهِّل عليك الوصول إلى قلبه ، والتخفيف عنه ما يعانيه من ضغط الحال .(/2)
ولتعلمي أن الرجل ليس كالمرأة ، فالمرأة تستطيع تلبية حاجة زوجها الجنسية في كل أحوالها ، إلا أن تكون مريضة أو حائضاً أو نفساء ، والرجل لا يستطيع ذلك إلا أن يكون نشيطاً وله رغبة في الجماع ، ولذا لم يوجب الشرع عليه العدل في الجماع بين زوجاته ؛ لأن هذا يتبع النشاط والرغبة والقوة ، ولذا – أيضاً – جاء الوعيد في الامتناع عن الفراش للزوجة دون الزوج .
وأما قولك ! إنك تخافين من الوقوع في الفاحشة فإنه ينبغي لك الصبر والتحمل وإعانة زوجك حتى يشفيه الله ، فإن لم يمكنك الصبر فلك الحق في طلب الطلاق .
وعلى زوجكِ المسارعة في علاج نفسه ، ولا ينبغي له التردد في ذلك أو التهاون والكسل ، فهو – بحسب كلامك – واقع في التفريط في حق زوجته ، وللزوجة حقها في الإعفاف ، فإن كان قادراً فليفعل ، وإلا فليطلِّقها ، وليسرحها سراحاً جميلاً ، إن كانت لا تستطيع الصبر على مرض زوجها .
وفي جواب السؤال رقم ( 11359 ) ذكرنا كيفية الوقاية من العين ، والعلاج منها ، فلينظر .
ونرى أن عرض قضيتك على قاضٍ شرعي هو الأولى ، فهو الذي يستطيع إثبات حقيقة حالة زوجك ، وطلب التقارير الطبية ، وهو الذي يحكم بعد ذلك في مسائل الطلاق والحقوق .
ونوصيك بالصبر على ما أنتِ فيه من حال ، وأن تقفي مع زوجك في مرضه ، وأن تساهمي في البحث عن علاجه ، سواء عند أطباء ، ولو كانوا أطباء نفسيين ، وعرضه على مشايخ ثقات لمعرفة سبب تصرفاته ، فقد يكون فعلاً مصاباً بالعين .
نسأل الله أن يصلح أحوالكما .
والله اعلم .(/3)
رقم السؤال:
93234
العنوان:
نوم المحرم مع زوجته في فراش واحد ولمسها بدون شهوة
السؤال:
هل النوم مع الزوجة بعد الإحرام حرام إذا كان في فراش واحد ولمسها بدون شهوة ؟
الجواب:
الحمد لله
المحظور على المحرم هو الجماع ، والمباشرة بشهوة ، لمسا أو تقبيلا ؛ لقوله تعالى : ( الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة/197.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (1/319) : " وقوله ( فلا رفث ) أي من أحرم بالحج أو العمرة فليجتنب الرفث ، وهو الجماع ، كما قال تعالى : ( أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم ) وكذلك يحرم تعاطي دواعيه من المباشرة والتقبيل ونحو ذلك ، كذلك التكلم به بحضرة النساء " انتهى .
وقال النووي رحمه الله : " اتفقت نصوص الشافعي والأصحاب على أنه يحرم على المحرم المباشرة بشهوة كالمفاخذة والقبلة واللمس باليد بشهوة ... وأما اللمس بغير شهوة فليس بحرام بلا خلاف " انتهى .
وفي "الموسوعة الفقهية" (2/168) : " يحرم على المحرم باتفاق العلماء وإجماع الأمة الجماع ودواعيه الفعلية أو القولية وقضاء الشهوة بأي طريق " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في الشرح الممتع (7/184) أثناء ذكره لمحظورات الإحرام: المحظور التاسع: مباشرة النساء لشهوة أم المباشرة لغير شهوة كما لو أمسك الرجل بيد امرأته فهذا ليس حراماً . اهـ
وعليه فإذا نام المحرم مع زوجته في فراش واحد ، أو لمسها دون شهوة ، فلا حرج عليه ، إلا إن خشي أن يؤدي ذلك إلى وقوعه في المحظور ، فعليه أن ينام في فراش مستقل .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
93237
العنوان:
هل يجوز خطبة المرأة المطلقة وهي في العدة؟
السؤال:
هل يجوز خطبة المطلقة أثناء فترة العدة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الخطبة إما أن تكون تصريحا ، أو تعريضا ، والتصريح : هو اللفظ الذي لا يحتمل غير النكاح , نحو أن يقول : إذا انقضت عدتك تزوجتك ، أو يطلب خطبتها صراحة من وليها ، ونحو ذلك . .
والتعريض هو اللفظ الذي يحتمل الخطبة وغيرها كقول الرجل : مثلك يُرغب فيها ، أو إني أبحث عن زوجة ، أو لعل الله أن يسوق لك خيرا أو رزقا ، ونحو ذلك .
ثانيا :
لا يجوز التصريح بخطبة المعتدة ، سواء كانت معتدة من طلاق رجعي أو بائن ، أو في عدة وفاة .
وأما التعريض ففيه تفصيل :
1- إن كانت المرأة معتدة من طلاق رجعي ، فلا يجوز التعريض لها بالخطبة ؛ لأن الرجعية لا تزال زوجة ، قال الله تعالى في شأن المطلقة طلاقاً رجعياً : (وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحا) (البقرة/228) . فسمى الزوج المطلق لزوجته طلاقا رجعيا "بعلا" أي زوجاً . فكيف يمكن لرجل أن يتقدم لخطبة امرأة وهي لا تزال في عصمة زوجها!
2- وإن كانت في عدة وفاة ، أو طلاق ثلاث ، أو فسخ النكاح لأجل عيب في أحد الزوجين أو لسبب آخر ، فيجوز التعريض لها بالخطبة ، ولا يجوز التصريح. وقد دل على جواز التعريض هنا قوله تعالى : ( وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) البقرة/235 .
قال الشيخ السعدي في تفسيره (ص 106) :(/1)
" هذا حكم المعتدة من وفاة, أو المبانة في الحياة. فيحرم على غير مبينها (زوجها) أن يصرح لها في الخطبة, وهو المراد بقوله : ( وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا ).
وأما التعريض, فقد أسقط تعالى فيه الجناح. والفرق بينهما: أن التصريح, لا يحتمل غير النكاح, فلهذا حرم, خوفاً من استعجالها, وكذبها في انقضاء عدتها, رغبة في النكاح ، وقضاءً لحق زوجها الأول, بعدم مواعدتها لغيره مدة عدتها.
وأما التعريض وهو: الذي يحتمل النكاح وغيره, فهو جائز للبائن كأن يقول: إني أريد التزوج, وإني أحب أن تشاوريني عند انقضاء عدتك, ونحو ذلك, فهذا جائز لأنه ليس بمنزلة التصريح, وفي النفوس داع قوي إليه. وكذا إضمار الإنسان في نفسه أن يتزوج من هي في عدتها, إذا انقضت (يعني لا حرج فيه أيضاً) . ولهذا قال : ( أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ ) هذا التفصيل كله, في مقدمات العقد. وأما عقد النكاح فلا يحل ( حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ ). أي: تنقضي العدة " انتهى .
وينظر : "المغني" (7/112) ، "الموسوعة الفقهية" (19/191) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93240
العنوان:
الإفطار من أجل العروض العسكرية والمسيرات ، وبسبب خوف الهلاك
السؤال:
خرجنا في رمضان في مسيرة عسكرية في فلسطين ، أو عرض عسكري ، ما يقارب أربع ساعات سيراً على الأقدام ، بالنهاية عدنا ونحن على وشك الهلاك ، هناك من أفطر لأنه لم يحتمل التعب وبدا الهلاك عليه واضحاً ، هل ما فعله من أفطروا من الشباب خطأ ؟ وما هو الحل إذا كان خطأ ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يرينا في اليهود الغاصبين لأرض المسلمين يوم ذل ، وأن يعز دينه ، ويَرجع الحق لأهله ، كما نسأله تعالى أن يتقبل من مات مدافعاً عن دينه وعرضه وأرضه من المسلمين شهيداً ، ونسأله تعالى أن يوفق المجاهدين والعاملين لخدمة الإسلام ونصرة المستضعفين .
ثانياً :
الإفطار في نهار رمضان لأصحاب الأعذار الشرعية لا شك في جوازه ، بل قد يكون واجباً في بعض الأحيان ، ومن ذلك : الإفطار عند ملاقاة العدو ، أو قبله استعداداً للقائه ومحاربته ، وقد ثبت في السنَّة الصحيحة ما يدل على وجوب ذلك .
فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ - يعني : في فتح مكة - وَنَحْنُ صِيَامٌ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّكُمْ قَدْ دَنَوْتُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ، فَكَانَتْ رُخْصَةً ، فَمِنَّا مَنْ صَامَ ، وَمِنَّا مَنْ أَفْطَرَ ، ثُمَّ نَزَلْنَا مَنْزِلا آخَرَ ، فَقَالَ : إِنَّكُمْ مُصَبِّحُو عَدُوِّكُمْ وَالْفِطْرُ أَقْوَى لَكُمْ ، فَأَفْطِرُوا ، وَكَانَتْ عَزْمَةً ، فَأَفْطَرْنَا رواه مسلم ( 1120 ) .
وانظر تفصيل ذلك في جواب السؤال رقم ( 12641 ) .(/1)
فإذا كان ما فعلتموه هو من التدريب المتحتم للقاء العدو اليهودي : فإنه يجوز لمن أراد لقاء العدو أن يستعين بالفطر ويتقوى به للمنازلة والمحاربة ، وأما إن كان ما فعلتموه هو من التدريب الذي يمكن تأجيله ، أو من العرض الذي لا يكون بعده لقاء للعدو : فلا يظهر أنه يجوز لكم الفطر ، وينبغي التفريق بين الحالين ، ولا يجوز الخلط بينهما ؛ فالحال الأولى التي يجوز فيها الإفطار أو يجب : هي الحال التي يكون فيها يقين أو غلبة ظن لقاء العدو ، وأما الحال الثانية والتي لا يجوز فيها الفطر : فهي العروض العسكرية ، أو التدريبات التي لا يكون فيها استعداد لمواجهة قريبة مع العدو ، أو يمكن تأجيلها إلى ما بعد المغرب حتى يستطيع الجندي الجمع بينها وبين الصيام .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
ومثلُ ذلك مَن احتاجَ إلى الْفِطرِ للتَّقَوِّي به على الْجهادِ في سبيل الله في قِتَاله الْعَدُوَّ : فإنه يُفْطر ، ويقضي ما أفطَر ، سواء كان ذلك في السفر ، أو في بلده ، إذا حضره العَدُوُّ ؛ لأنَّ في ذلك دفاعاً عن المسلمينَ ، وإعلاءً لكلمة الله عزَّ وجَلَّ ، وفي صحيح مسلمٍ عن أبي سعيدٍ الخدريِّ رضي الله عنه قال : سافَرْنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إلى مكةَ ونحنْ صيامٌ ... – وساق الحديث - ففي هذا الحديث إيماءٌ إلى أن القوةَ على القتال سببٌ مُستقِلٌ غيرُ السفرِ ؛ لأنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلّم جعل عِلَّةَ الأمْرِ بالفِطر القُوَّةَ على قتالِ العدُوِّ دونَ السفرِ ، ولذلِك لم يأمرهم بالفِطر في المنزَلِ الأوَّل .
" مجالس شهر رمضان " ( المجلس الثامن ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 28 / 57 ) :(/2)
وألحقوا بإرهاق الجوع والعطش : خوف الضّعف عن لقاء العدوّ المتوقّع ، أو المتيقّن ، كأن كان محيطاً ، فالغازي إذا كان يعلم يقيناً أو بغلبة الظّنّ القتال بسبب وجوده بمقابلة العدوّ ، ويخاف الضّعف عن القتال بالصّوم ، وليس مسافراً : له الفطر قبل الحرب ....
وقال البهوتيّ : ومن قاتل عدوّاً ، أو أحاط العدوّ ببلده ، والصّوم يضعفه عن القتال : ساغ له الفطر بدون سفر ، لدعاء الحاجة إليه . انتهى.
ثالثاً :
وإذا غلب على ظن الذين أفطروا معكم أنهم يستطيعون الصيام ، ولذا فقد شاركوا في المسيرة والعرض ، ثم شقَّ عليهم الصيام حتى خافوا على أنفسهم الهلاك : جاز لهم الفطر ، بل وجب عليهم ، على أن يكون الفطر بقدر ما يرفع خشية الهلاك ، ويلزمهم الإمساك بعدها إلى المغرب ، وعليهم قضاء ذلك اليوم ، وعدم العود لذلك الفعل إن لم يكن لهم فيه رخصة .
قال علماء اللجنة الدائمة :
إذا احتاج الصائم إلى الفطر في أثناء اليوم ، ولو لم يفطر خاف على نفسه الهلاك : يفطر في وقت الضرورة ، وبعد تناوله لما يسد رمقه يمسك إلى الليل ، ويقضي هذا اليوم الذي أفطره بعد انتهاء رمضان لعموم قوله تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) ، وقوله تعالى : ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ) .
" مجلة البحوث الإسلامية " ( 24 / 67 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
ما حكم من أفسد صومه الواجب بسبب العطش ؟ .
فأجاب :
حُكمه أنه يحرم على من كان في صوم واجب ، سواء من رمضان أو قضائه ، أو كفارة ، أو فدية ، يحرم عليه أن يفسد هذا الصوم ، لكن إن بلغ به العطش إلى حد يخشى عليه من الضرر ، أو من التلف : فإنه يجوز له الفطر ، ولا حرج عليه ، حتى ولو كان ذلك في رمضان ، إذا وصل إلى حد يخشى على نفسه الضرر ، أو الهلاك : فإنه يجوز له أن يفطر .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 149 ) .
وفي " الموسوعة الفقهية " ( 28 / 56 ) :(/3)
"من أرهقه جوع مفرط ، أو عطش شديد ، فإنّه يفطر ويقضي .
وقيّده الحنفيّة بأمرين :
الأوّل : أن يخاف على نفسه الهلاك ، بغلبة الظّنّ ، لا بمجرّد الوهم ، أو يخاف نقصان العقل، أو ذهاب بعض الحواسّ ، كالحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما الهلاك ، أو على أولادهما .
قال المالكيّة : فإن خاف على نفسه حرُم عليه الصّيام ؛ وذلك لأنّ حفظ النّفس والمنافع واجب.
الثّاني : أن لا يكون ذلك بإتعاب نفسه" انتهى .(/4)
رقم السؤال:
93307
العنوان:
حكم توزيع الطيب على المصلين أثناء جلوس الخطيب على المنبر
السؤال:
عند دخول الإمام وجلوسه على المنبر هل هناك مبطلات للصلاة لأني مرة جلس بجانبي مسلم وأعطاني زجاجة عطر صغيرة وقال لي بالإشارة حط عليك العطر ووزعه على الذي بجانبك وهكذا بصراحة خفت قلت في نفسي ربما صلاتي باطلة آنذاك . وعند دخولي المسجد أصلى ركعتين ، ولكن ماذا أفعل إذا أقيمت الصلاة وأنا في الركعة الأولى ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب على من حضر الجمعة أن يستمع وينصت للخطبة ، ولا يجوز أن يتشاغل عنها بشيء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ ) رواه البخاري (934) ومسلم (851) .
وقوله : (وَمَنْ مَسَّ الْحَصَى فَقَدْ لَغَا) رواه مسلم (857) .
قال النووي في "شرح مسلم" :
"فِيهِ النَّهْي عَنْ مَسِّ الْحَصَى وَغَيْره مِنْ أَنْوَاع الْعَبَث فِي حَالَة الْخُطْبَة , وَفِيهِ إِشَارَة إِلَى إِقْبَال الْقَلْب وَالْجَوَارِح عَلَى الْخُطْبَة , وَالْمُرَاد بِاللَّغْوِ هُنَا الْبَاطِل الْمَذْمُوم الْمَرْدُود" انتهى .
وتوزيع العطر على المصلين وقت الخطبة يشغلهم عن الاستماع لها ، فيشبه مس الحصى المذكور في الحديث .
وتحريم الكلام والعبث يوم الجمعة إنما هو إذا بدأ الخطيب في الخطبة حتى ينتهي منها .
أما عند الأذان وجلوس الإمام على المنبر فلا يحرم الكلام ، وذلك لمفهوم الحديث المتقدم : ( إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَنْصِتْ وَالْإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ ) . فهو واضح أن تحريم الكلام إنما هو والإمام يخطب .(/1)
ولأن الناس كانوا في زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه إذا خرج عمر , وجلس على المنبر , وأذن المؤذنون , جلسوا يتحدثون , حتى إذا سكت المؤذنون , وقام عمر سكتوا , فلم يتكلم أحد . وبهذا قال الإمام أحمد ومالك والشافعي رحمه الله .
وانظر : "المغني" (2/86).
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : متى يمتنع الإنسان في صلاة الجمعة عن مس الحصى والتسوك هل هو من صعود الإمام على المنبر أم من بداية الخطبة ؟ لأني أشاهد كثيرا من الناس لا يتوقفون عن التسوك إلا بعد أن يبدأ الإمام في الخطبة ، وبعضهم يستاك أثناء الخطبة؟
فأجاب : "السنة الإنصات إلى الخطبة وترك التسوك وسائر العبث من حين الشروع فيها إلى أن يفرغ منها ، عملا بالأحاديث الصحيحة الواردة في ذلك .
لكن من دخل المسجد والإمام يخطب فإنه يصلي تحية المسجد قبل أن يجلس .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطب فليركع ركعتين وليتجوز فيهما ) " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (12/336).
وعليه ، فلا حرج من توزيع العطر على المصلين قبل شروع الإمام في الخطبة ، وأما إذا شرع فيها فالواجب الامتناع عن ذلك والإقبال على الاستماع والإنصات للخطبة .
ثانيا :
وأما إذا أقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى من تحية المسجد أو السنة الراتبة ، فإنك تقطع الصلاة وتدخل مع الجماعة .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (33582) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93321
العنوان:
مبتلى بالعادة السرية ويعاني من الاغتسال فهل يصلي بوضوء وهو جنب ؟
السؤال:
أنا شاب نشأت نشأة متدينة ، أحفظ القرآن الكريم ، أدمنت تحسس أعضائي والعبث بها ، لم أكن أعلم أن ما أمارسه هو العادة السرية إلا بعد سنوات ، ولم أكن أعلم أنها تسبب الجنابة والحدث الأكبر . أنا أدمنت إدماناً شديداً على فعل هذه العادة ، حتى إني أفعلها في اليوم ثلاث مرات . لما علمت أنها تسبب الجنابة ، وأنها توجب الغسل : بدأت في بادئ الأمر أغتسل ، ولكن لا فائدة ، فلا يكاد ينتصف اليوم حتى أفعلها ، أصبحت أكتفي بالوضوء للصلاة وقراءة القرآن ؛ لأنه يصعب الاغتسال في كل مرة ، بدأت أشك في صحة صلاتي وأنها باطلة ، ثم بدأت أتهاون بها ، ولا أحرص عليها إلا إذا اغتسلت ، ثم خفت أن أكون كافراً فقررت أن أتوضأ وأصلي حتى لا أتَعَوَّد على تركها . لقد حاولت تركها مرات ليست بالقليلة ولكن جميعها فشلت ، أقصى مدة استطعت أن أبقى فيها بدون استمناء ثلاثة أيام فقط ثم أعود وأمارسها بشراهة . هل أستمر على ما أنا عليه وأحضر الصلاة مع الجماعة متوضأً الوضوء العادي فقط ، أم أتركها وأجمعها إلى حين أغتسل ؟ وهل أقرأ القرآن في تلك الفترة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا بدَّ أن نقف معك قليلاً قبل أن نجيب على أسئلتك ، فقد سرَّنا أنك راسلتنا ، وذكرت لنا ما تعانيه من تسلط الشيطان على نفسك ، وساءنا أن وصل بك المقام إلى هذا الحد ، لكننا نرجو ربنا تعالى أن يوفقك ويهديك لأحسن الأخلاق والأفعال ، ونرى أن حفظك للقرآن وحبك للطاعة والعبادة وبخاصة الصلاة ، سيكون ذلك سبباً – إن شاء الله – في حفظك وهدايتك .
ثانياً :(/1)
واعلم أن ما تفعله من ممارسة العادة السرية السيئة قد فعله كثيرون ، ووفقهم الله إلى التوبة منه ، والأسباب في انقطاع هؤلاء عنها كثيرة ، فبعضهم يتركها خوفاً من الله ، وحياءً منه سبحانه وتعالى ومن ملائكته الكرام ، فهو يعتقد أن الله تعالى يراه ، فيتركها حياء منه ، ويعلم أن الملائكة تراه ، فيتركها حياء منهم ، ويعلم أن الله حرَّمها فيخاف عقوبته ، ومن هؤلاء من يتركها لما يقف عليه من أضرارها الكثيرة ، على النفس ، والبدن ، ويعلم أنها ستؤثر على حياته الزوجية ، فيتركها خوفاً من أن تصيبه عواقبها ، ومن هؤلاء من يتركها لأنها تتنافى مع فطرته السوية ، وعقله الذي وهبه الله إياه .
وفي ظننا أنك ستتركها من أجل كل ما سبق ، فقد وهبك الله قوة وشباباً ، وصحة وعافية ، واستقامة وهداية ، وهي نِعَم لا يمكن لك أن تؤدي شكر بعضها لو عشت عمر نوح عليه السلام ، تصلي وتطيع ربك ، فهل هذا هو شكر هذه النعم ؟ وبما أنك تحفظ كتاب الله تعالى ، وتعلم حكم ترك الصلاة فإن ذلك سيدفعك للتفكير مليّاً في أن هذه العادة أدَّت بك إلى التفريط في أعظم أركان الإسلام العملية وهي الصلاة ، وأن بتركك لها ستصير في زمرة المشركين والمرتدين عن دين الله ! فظننا بك حسنٌ ، وهو أنك ستترك هذه العادة حياء من الله تعالى وملائكته ، وخوفاً من عقوبته ، ولما يترتب عليها من آثار سيئة على النفس والبدن ، ولما هو بيِّن في الشرع من تحريمها .
فهذا هو الظن بك ، ونرجو أن لا يخيب ظننا بك ، ونرجو منك – بعد كل هذا – أن تفكِّر في شيئين اثنين لا ثالث لهما :
الأول : ماذا لو رآك أحد المشايخ الكبار والعلماء الأجلاء الذين تثق بهم وتحترمهم ؟
ماذا لو رآك وأنت تمارس هذه العادة السيئة ؟! هل ستطيب لك حياة ؟ هل تستطيع مواجهته بعد ذلك ؟
فاعلم أن الله تعالى يراك ويطلع عليك ! واعلم أن ملائكته الكرام يرونك ! .(/2)
الثاني : نأمل أن تفكِّر للحظة واحدة أن يقدِّر الله تعالى عليك الوفاة وأنت تمارس هذه العادة ! فهل يرضيك أن تكون هذه هي خاتمتك ؟ هل يرضيك أن تُبعث من قبرك وأنت على هذه الحال ؟ وهل يرضيك أن تموت جنباً من فعل محرَّم ؟!
نأمل أن تفكر في هذين الأمرين ، لتراسلنا بعدها معاهداً نفسك على عدم فعلها ، وسالكاً سبيل تعمير القلب بالإيمان واليقين ، ومبتعداً عن كل سبب يؤدي فعل هذه العادة ، كالنظر المحرَّم ، والخلوة ، والقراءة للقصص المهيجة ، وغيرها من الأسباب ، وننتظر رسالة منك تخبرنا بها أنك تائب إلى الله تعالى ، محافظ على الطهارة والصلاة ، وعسى أن لا يخيب ظننا بك ، وعسى أن يكون ذلك قريباً .
ثالثاً :
اعلم أن نزول المني بشهوة موجب للاغتسال ، وأنه لا يحل لك الاكتفاء بالوضوء للصلاة بعد أن تكون جنباً ، وهذا لا خلاف فيه ، ولن نقول لك توضأ وصلِّ فهو خير من عدم صلاتك ؛ لأن في هذا غشّاً في الفتوى ، وغشّاً لك ، بل نقول لك جازمين : الصلاة من غير اغتسال في حال الجنابة باطلة ، وفعلها مع علمك بهذا نوع من أنواع الاستهزاء بالشريعة .
والصلاة من غير طهارة كبيرة من كبائر الذنوب ، يستحق صاحبها العذاب في القبر ، واسمع لهذا الحديث الذي رواه الطحاوي في مشكل الآثار عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (أُمر بعبد من عباد الله أن يضرب في قبره مائة جلدة ، فلم يزل يسأل الله ويدعوه حتى صارت واحدة ، فامتلأ قبره عليه ناراً ، فلما ارتفع عنه أفاق فقال: علام جلدتموني ؟ قالوا : إنك صليت صلاة بغير طهور ، ومررت على مظلوم فلم تنصره) حسنه الألباني في صحيح الترغيب (2234) .
فهذه عقوبة من صلى صلاة واحدة بغير طهارة ، فهل تقوى عليها ؟
وإياك أن تستجيب لنزغات الشيطان الذي يدعوك لترك الصلاة ، وقد تزين لك نفسك ذلك ، فراراً من هذه العقوبة .(/3)
ولكن . . ليس هكذا يكون الفرار من العذاب ، فمثل ذلك كمثل من فر من شيء إلى ما هو أسوأ منه .
لأن ترك الصلاة كفر مخرج من الإسلام ، والكافر خالد مخلد في النار أبداً ، فاعلم هذا وتيقنه ، فلعله أن يفيدك في أن تعلم الحال الذي أوصلتك له تلك العادة السيئة ، ولعلك أن تسارع في إصلاح الخطأ والخلل الذي أصاب حياتك بسبب تلك الفعلة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
الطهارة من الجنابة فرض ، ليس لأحدٍ أن يصلي جُنُباً ، ولا محدثا حتى يتطهر ، ومَن صلَّى بغير طهارة شرعية مستحلا لذلك : فهو كافر ، ولو لم يستحل ذلك : فقد اختلف في كفره ، وهو مستحق للعقوبة الغليظة .
" مجموع الفتاوى " ( 21 / 295 ) .
والفرار من العذاب يكون بالفرار إلى الله تعالى (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ مُبِين) الذاريات/50.
وكل من خفت منه ففرت منه ، إلا الله تعالى فإنك إذا خفته ففرت إليه ، والفرار إليه معناه : الفرار مما يكرهه الله إلى ما يحبه ، الفرار من المعصية إلى الطاعة ، من الكفر إلى الإيمان ، من البدعة إلى السنة ، من الغفلة إلى الذكر .
نسأل الله أن يطهر قلبك ويحصن فرجك ، وأن يوفقك لما يحب ويرضى .
والله الموفق(/4)
رقم السؤال:
93324
العنوان:
أجرى لوالده العمل بدون رضاه ، فهل يكون عاقاً ؟
السؤال:
والدي مريض ورفض إجراء العملية الجراحية ، وقد احتلت عليه حتى تجرى له بدون علمه ، وذلك حرصاً مني على شفائه ، فهل في هذا عقوق له ؟ وماذا لو كان توفي في هذه العملية ، هل أكون متسبباً في قتله بذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
" لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله؛ لأنكَ تريد له الخير، وتريد له المصلحة، ولم تُرِد به الضَّرر؛ فأنت محسن، ويُرجى لك الأجر إن شاء الله، وحتى لو تُوُفِّي من أثر هذه العمليَّة، ما دامت أنَّها عمليَّة جارية مجراها الطبّيَّ، ولم يحصل فيها تفريط، والطَّبيب من أهل الخبرة، وتوفرت الشُّروط؛ فلا حرج عليك في ذلك؛ لأنك محسن، والله تعالى يقول : ( مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ ) التوبة /91 ".
والله تعالى أعلم .
" المنتقى من فتاوى الشيخ صالح الفوزان " ( 3 / 403 )(/1)
رقم السؤال:
93334
العنوان:
التعامل مع شركة تبيع وتشتري العملات
السؤال:
أود أن أسال عن شركة استثمارية على الإنترنت هل التعامل معها حلال أم حرام... هذه الشركة شركة استثمار طويل الأجل ، فهي أساسا شركة وساطة في مجال تجارة العملات العالمية وتقدم خدمة إدارة الحسابات (إدارة أموال المستثمرين وتشغيلها في الـFOREX) وهو عبارة عن صندوق استثمار (مثل صناديق الاستثمار الموجودة ببعض الدول لتشغيل أموال المستثمرين في البورصة) حيث يتم تجميع أموال المستثمرين في هذا الصندوق ثم يقوم فريق الشركة (المختصين) بتشغيلها والمضاربة في بورصة العملات العالمية FOREX ، طبعاً هناك فريق من المختصين يديرون أموال العملاء (نظام إدارة الحسابات) وتدفع فائدة أسبوعية للمستثمرين بها ما بين 8 و 12 % أي فائدة متغيرة والشركة لا تتعامل في الخمور أو القمار أو الأمور المحرمة ولها حد أدنى لكي يشارك الشخص بها ... فأرجو أن تخبرونا التعامل معها حلال أم حرام نظرا لانتشارها الشديد وكثرة من يتعاملون معها
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ينبغي على المسلم الحذر البالغ في التعامل مع الشركات الأجنبية ، وخاصة عندما يكون التعامل معها عن بُعد ، فهو لا يدري عن حال المتعامَل معهم ، ولا عن حقيقة أنشطتهم التجارية ، فيمكن أن يتعرض للنصب والاحتيال ، كما يمكن أن يتعامل مع أناسٍ لا يراعون أحكام الشريعة في تعاملاتهم ، وقد يُخفون حقيقة تعاملاتهم من أجل جذب أموال المسلمين لاستثمارها فيما يرون لا فيما تبيحه الشريعة الإسلامية .
ثانياً :
تجارة العملات من التجارة المباحة ، لكن يشترط لإباحة التجارة بها : التقابض في مجلس العقد .(/1)
فعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلاً بمثلٍ ، سواءً بسواء ، يداً بيدٍ ، فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيدٍ ) رواه مسلم ( 1587 ).
والعملات الورقية لها حكم الذهب والفضة من حيث الزكاة ، ومن حيث اشتراط التقابض عند بيعها ، والحديث نصٌّ بيِّن في اشتراط التقابض عند بيع الذهب بالذهب ، والفضة بالفضة ، وعليه : فلا يجوز بيع عملة بعملة إلا بشرط التقابض في مجلس العقد .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
فالعملة لا تباع بمثلها إلا يداً بيد مثْلا بمثل ، وإذا كانت عملة بعملة أخرى كريال بالدولار ، أو جنيه إسترليني بغيره : جاز البيع يداً بيدٍ ، بدون تأجيل ، ولو تفاضلا ، فالطرق الشرعية موجودة وكافية - بحمد الله - وليس الناس بحاجة إلى الربا ، لولا أن الشيطان يدعوهم إلى ذلك ، ويزين لهم الفائدة السريعة بالربا .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 7 / 294 ، 295 ) .
وقال الشيخ عبد الله الجبرين حفظه الله :
لا بأس في التجارة بالعملة ، وهو بيع نقدٍ بنقد ، ولكن بشرط التقابض قبل التفرق ، سواء سلَّم العيْن واستلم ما يقوم مقامها من الشيكات المصدَّقة الموثقة ، وسواء كان المتصارفان مالكيْن أو وكيليْن ، فإن كان العرف ليس على هذه الصفة : فلا يجوز ، وفاعله عاصٍ بفعله ، وناقص الإيمان .
" فتاوى إسلامية " ( 2 / 364 ) .
ووجود القبض يداً بيدٍ في الهاتف والإنترنت مع الغياب والبعد من المستحيلات ، ولذا فإن العلماء المعاصرين قالوا بجواز بيع العملات بالهاتف والإنترنت في حال وجود ما يقوم مقام القبض ، وهو التحويل المباشر من حساب البائع إلى حساب المشتري ، أو تسلُّم وكيل للمشتري شيكات بنكية مصدَّقة باسم الطرف الآخر ، وهو ما قال به مجلس الفقه الإسلامي ، وهذا نص ما قال :(/2)
إن مجلس الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 - 20 آذار ( مارس ) 1990 م .
بعد إطِّلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع : " القبض : صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها " .
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله .
قرر :
أولاً :
قبض الأموال كما يكون حسيّاً في حالة الأخذ باليد ، أو الكيل أو الوزن في الطعام ، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض ، يتحقق اعتباراً وحكماً بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسّاً ، وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضاً لها .
ثانياً :
إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعاً وعرفاً :
1. القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية :
( أ ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية .
( ب ) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حال شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل .
( ج ) إذا اقتطع المصرف - بأمر العميل - مبلغاً من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى ، في المصرف نفسه أو غيره ، لصالح المستفيد أو لعميل آخر ، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإسلامية .
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل ، على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي .
2. تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف" انتهى .
" مجلة المجمع " ( العدد السادس ، 1 / 453 ) ، " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي " ( ص 113 ، 114 ) .(/3)
وقد نبّه العلماء المختصون في المعاملات المالية المعاصرة أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض ، فيكون محرما شرعا .
ثم إن هناك سبباً آخر لتحريم المعاملة المسئول عنها : وهي أن الشركة تعطي المستثمرين بها أرباحاً أسبوعية ما بين 8 و 12 % ، وهذا يجعل عقد المضاربة فاسدا ، لأن الواجب في عقد المضاربة أن يتم توزيع الربح بالنسبة بين الشركاء فيأخذ كل شريك نسبة معينة من الربح مثل نصف الربح أو ربعه وما أشبه ذلك ، أما أن يأخذ شيئاً ثابتاً أو تكون النسبة من رأس المال فهذا لا يجوز .
والخلاصة :
أن بيع العملات بهذه الطريقة لا يجوز لسببين :
1- أن بيع العملات عن طريق الإنترنت لا يحصل فيه التقابض .
2- أن عقد المضاربة يشترط فيه أن توزع الأرباح بين الشركاء بالنسبة ولا يجوز أن تكون تلك النسبة من رأس المال .
وننبه هنا إلى أنه لا يجوز لكم الاقتراض من هؤلاء الوسطاء أو الوكلاء أو الأجراء بما يسمَّى " نظام المارجن " ، وهو ما يتطلب منك وضع جزء من قيمة القرض لديهم ليتم الاتجار في البورصة – وخاصة العملات – ويقوم هؤلاء الوسطاء بتسهيل التعامل بأضعاف ما دفعته لهم ، ويتم حسم الخسارة من مبلغك المودع لديهم .
واعلم أن التعامل بنظام " المارجن " حرام شرعاً ، ولا يجوز لأحدٍ أن يتعامل به ، وقد حذَّر كثيرون منه - حتى من غير المسلمين - ؛ لما له من أثر سيء في التعاملات المالية في البورصات ، وانهيار بورصة نيويورك في " الاثنين الشهير " كان من أهم أسبابها هو التعامل بنظام " المارجن " ، " بسبب تخزين أوامر بالبيع على أجهزة الكومبيوتر الخاصة بالسماسرة في حالة انخفاض الأسعار إلى الهوامش المتفق عليها ، وحين هبطت أسعار الأسهم بالفعل صدرت أوامر البيع آليّاً فارتفع العرض بصورة غير مسبوقة دون وجود طلب للشراء ، وهو ما أدى إلى الانهيار " ، وفي الكويت - وغيرها - دعوات متعددة من اقتصاديين لإلغاء العمل به .(/4)
والذي يهمنا نحن هو حكم الله تعالى في هذا النظام وغيره ، وهو حرام من جهات متعددة ، منها : أنه قرض ربوي بصورة تعامل مباح ، وأن شراء العملات لا يتم فيه القبض الشرعي ، وأن فيه مخاطرة مما يدخله في معاملات القمار .
فنصيحتنا لكم ترك التعامل مع مثل هؤلاء الغرباء البُعداء ، والذي لا يدري المسلم ما يُفعل بماله عندهم ، والحذر البالغ من الوقوع في المحرّمات .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
93376
العنوان:
حكم إنشاء صحيفة إعلانات
السؤال:
ما هو حكم صنع جريدة خاصة بالإعلانات التجارية ، مثل : طلب عمل ، بيع شقق ، بيع سيارات ، التعريف ببعض المؤسسات ...إلخ ، وإعلانات تجارية لبعض المؤسسات ؟ وإذا كان الأمر جائزاً فما هي الضوابط الشرعية التي يجب الالتزام بها مثلا في اختيار المؤسسات والإعلانات ونوعها ؟ والضوابط في أخذ مال من الشركات ، أو من الراغبين في وضع إعلان في الجريدة ؟ مع العلم أني سأكون أنا المشرف عليها مع بعض أصحابي ، بحيث يمكننا اختيار الإعلانات التي توضع في الجريدة .
الجواب:
الحمد لله
تنتشر المخالفات الشرعية في كثير من الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية ، وقد بينَّا بعض هذه المخالفات ، وحكم العمل في تلك الصحف ، وحكم بيعها في جوابي السؤالين ( 89737 ) و ( 82704 ) ، فلينظرا .
وأما بخصوص الصحف الخاصة بنشر الإعلانات : فإن الأصل في إنشائها وتوزيعها الحل والإباحة ، لكنَّ هذه الإباحة لها ضوابط وشروط ، ويجمعها : تجنب الإعلانات المخالفة للشرع ، ومن ذلك :
1. تجنب إعلانات السياحة والفساد .
والإعلان عن أماكن السياحة التي يوجد فيها محرمات مثل الخمور والاختلاط وكشف العورات على الشواطئ والملاعب : كل ذلك يدخل في التعاون على الإثم والعدوان ، ويدخل في حب إشاعة الفاحشة .
قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 .
وقال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ ) النور/19 .
2. تجنب إعلانات مؤسسات الربا والميسر والكسب المحرَّم ، مثل الدعاية والإعلان للبنوك الربوية ، وشركات التأمين ، ومصانع ومحلات تبيع المنكرات .(/1)
3. تحنب إعلانات الأعياد البدعية والمشابهة للكفار ، كالإعلان عن الاحتفال بالمولد النبوي ، أو ليلة النصف من شعبان ، أو الإعلان عن أعياد ميلاد الأشخاص.
4. تجنب وضع صور النساء ، وصور ذوات الأرواح المرسومة باليد .
5. تجنب الإعلانات عن مؤتمرات تعقد فيها ندوات تخالف الشرع أو تحاربه .
6. تجنب إعلانات المدح والثناء للميت ، وخاصة إن كان غير مسلم .
وهذه بعض الفتاوى في الإعلان عن بعض تلك المحاذير :
1. سئل علماء اللجنة الدائمة :
من الناس من يعمل في توزيع الإعلانات على البيوت ، أي : يضع الإعلان أمام الباب ، هذه الإعلانات كل محل له ورقة منفصلة ، فهناك إعلانات عن محل لبيع الأحذية ، ومحل لبيع الموبيليا ، ولكن هناك إعلانات عن محلات المواد الغذائية ، وهذا إعلان يعرض معظم ما لديه ، فيعرض بجانب السكر والأرز يعرض الخمور، أو يعرض لحوم البقر والخرفان ، ولحوم الخنزير ، فما الحكم في توزيع هذه الإعلانات ؟ بعض الناس يوزعون الإعلانات التي تحتوي على مواد غذائية ، أما الإعلانات التي يكون داخل فيها الخمر والخنزير فيلقونها في الزبالة بدون أن يدري صاحب الإعلان ، ولكن يحاسبونه عليه اعتبارا أنه وزعها ، فما حكم المال ؟ بعض علماء أوربا قالوا : إن الخمر والخنزير حلال في شريعة هؤلاء ، فهل معنى ذلك أننا نعمل في محلات الخمر والخنزير ، فما رد فضيلتكم على هذا الكلام ؟
فأجابوا :(/2)
"يحرم على المسلمين بيع الخمر والخنزير، ولا يحل لهم التعاون مع غيرهم في ترويج المحرم : بتسويقه ، أو الدعاية له ، أو الإعلان عنه ، أو إلصاق الإعلانات عنه على المنازل ؛ لما في ذلك من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله جل شأنه : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) ، والمبالغ التي يأخذها الأجير مقابل إلصاق الإعلان عن المحرم لا تجوز ، ولو رمى الإعلان عن المحرم ولم يلصقه لا يحل له المال ؛ لأنه من أكل المال بالباطل" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 429 ، 430 ) .
2. وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً - :
رجل يعمل صحفيّاً في جريدة بمصر ويكتب أخباراً ، ويعمل إعلانات يدفعون الأجر فيها تأييداً لمن يحاد الله ورسوله ، وبالنسبة للإعلانات يقوم بدور الوسيط بين الجريدة وبين العامة ، يذهب للناس ( مثلا التجار ) يحثهم على عمل إعلانات ، فيقومون بدفع الثمن لهذه الإعلانات بمحض اختيارهم ، كي تنشر أسماء متاجرهم في الجريدة ، وهذا نوع من أنواع الدعاية ، ثم يؤيدون فيها الطاغوت ، ومن جرَّاء هذا له نسبة معينة من أجر الإعلان ، فيأخذ مالاً ، فهل هذا المال حلال أم حرام ؟ وإذا كان هذا المال حراماً فهل يجوز لي أن آكل منه كابن لهذا الرجل ، وكذلك باقي إخوتي ؟ علماً بأن له دخلاً آخر من عمل حكومي وظيفي ، وهل المال الذي يأخذه من وظيفة الحكومة جائز ؟ .
فأجابوا :
"أولاً : العمل من أجل خدمة من يحاد الله ورسوله لا يجوز ؛ لأنه تعاون معهم على الإثم والعدوان الذي نهى الله سبحانه وتعالى عباده عنه بقوله : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) .(/3)
ثانياً :
ما كسب من المال بسبب التعاون معهم في شرهم حرام .
ثالثاً : إذا كان مال أبيك الذي كسبه من أجل العمل مع من يحاد الله ورسوله متميزا عما كسبه من وظيفته الأخرى أو غيرها من الطرق المباحة : فلا يجوز لك أن تأكل أنت ولا إخوانك منه ، وإن كان غير متميز جاز لك على القول الصحيح من أقوال العلماء أن تأكل منه ، وتركه احتياطا أولى ، سيما إن كان الحرام هو الأكثر" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 102 ، 103 ) .
3. وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
إعلانات التعازي في الصحف والشكر على التعزية والإعلان عن وفاة شخص ، ما رأي الشريعة في ذلك ؟ .
فأجاب :
"الإعلان في الصحف عن وفاة شخص إذا كان لغرض صحيح وهو أن يعلم الناس بوفاته فيحضروا للصلاة عليه وتشييعه والدعاء له ، وليعلم من كان له على الميت دين أو حق حتى يطالب به أو يسامحه : فالإعلان لأجل هذه الأغراض لا بأس به ، ولكن لا يبالغ في كيفية نشر الإعلان من احتجاز صفحة كاملة من الصحيفة ؛ لأن ذلك يستنفذ مالاً كثيراً لا داعي إليه ، ولا تجوز كتابة هذه الآية التي اعتاد كثير من الناس كتابتها في الإعلان عن الوفاة وهي قوله تعالى : ( يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ، ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَّرْضِيَّةً، فَادْخُلِي فِي عِبَادِي، وَادْخُلِي جَنَّتِي ) الفجر/ 27 - 30 ؛ لأن هذا فيه تزكية للميت ، وحكم بأنه من أهل الجنة ، وهذا لا يجوز ؛ لأنه تقوُّل على الله سبحانه ، وشبه ادعاء لعلم الغيب ؛ إذ لا يُحكم لأحد معين بالجنة إلا بدليل من الكتاب والسنة ، وإنما يرجى للمؤمن الخير ، ولا يجزم له بذلك" انتهى .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 2 / 159 ) .
والخلاصة :(/4)
أنه ينبغي عليكم تجنب الإعلان والدعاية للمحرمات والمخالفات الشرعية ، وما عداه فيجوز لكم الدعاية له والإعلان عنه .
أما أخذ الأموال من الشركات أو الأشخاص الذين يريدون الإعلان عندكم فلا حرج فيه ، ما دام الإعلان ليس فيه محرم ، وتم العقد بينكم بالتراضي .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
93377
العنوان:
وفَّر على الحكومة مبالغ مالية فهل يأخذ مكافأة دون علمهم؟
السؤال:
أنا موظف لدى إحدى الجهات الحكومية في بلدي ، وقد قمت بعمل وفَّر على الدولة أموالاً كثيرة ، فقال لي المدير : " إني لا أستطيع مكافأتك مكافأة جيدة ؛ لأن الإدارة في بلدنا لاتكافئ مكافآت جيدة للموظفين " ، وفي هذه الحالة جهدي وحقي يضيع ، فاقترح عليَّ المدير أن أجلب فاتورة من إحدى الجهات الخاصة من أحد معارفي ، ونكتب العمل باسمها ، يعني : كأنما العمل تمَّ من خلالها ، وبنصف القيمة الحقيقة التي قدر بها العمل ، وعند استلام المال آخذ نصيبي من المال ، وكذلك تأخذ الجهة الخاصة جزءً ، والباقي يفرَّق على احتياجات الإدارة ، هل هذا المال حلال أو حرام ؟ ولماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
هذا العمل الذي أشار المدير به محرَّم ، وهذا المال الذي ستحصل عليه بهذا الفعل حرام ، ولا يحل لك ولا للإدارة أخذه من الدولة بتلك الطريقة المبنية على الكذب والتزوير .
والموظفون الحكوميون وغير الحكوميين يجب عليهم أداء وظيفتهم على أكمل وجه ، ويجب عليهم الحرص على جلب النفع ودفع الضر عن أماكن عملهم ، وهم يأخذون رواتب على أعمالهم الوظيفية مقابل بذل الجهد المتعلق بوظائفهم .
ومَن أحسن في عمله ، ووفَّر على مكان عمله أموالاً ، أو كان سبباً في ربحهم أموالاً وفيرة : فلا يحل له أن يأخذ من مكان عمله أكثر من راتبه ، ويمكنه تقديم تقرير لإدارته يطلعهم فيه على ما فعله ، فإن أقروا له بمكافأة جاز له أخذها ، وإلا فلا يجوز له أخذ مال منهم دون علمهم ، فإن فعل كان مكتسباً بطريق محرَّم .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :(/1)
"الإخلاص في العمل الوظيفي أو المستأجر عليه هو : أداؤه على الوجه المطلوب ، والمتفق عليه في العقد ، أو النظام الوظيفي ، وهو من الأمانة التي يجب أداؤها ، كما في قوله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) النساء/58" انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 155 ، 156 ) .(/2)
رقم السؤال:
93414
العنوان:
زكاة المال المستفاد أثناء الحول
السؤال:
هل يجب احتساب مقدار زكاة المال على المال حين بلوغه النصاب أم عند مرور الحول؟ إذا كان مقدار المال 10000 وقت بلوغ النصاب وكان مقدار المال 50000 بعد مرور الحول، علي أي المبلغين تحتسب زكاة المال؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يشترط لوجوب الزكاة في النقود أمران :
الأول : بلوغ النصاب .
والثاني : مرور الحول على ذلك النصاب .
فإذا كان المال أقل من النصاب ، لم تجب فيه الزكاة .
وإذا بلغ مال نصابا ، وحال عليه الحول ، أي مضت سنة قمرية (هجرية) من وقت بلوغه النصاب ، وجبت الزكاة حينئذ .
والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب ، أو 595 جراما من الفضة .
والقدر الواجب إخراجه في الزكاة هو ربع العشر (2.5%).
ثانيا :
إذا بلغ المال نصابا وهو 1000 مثلا ، ثم صار في نهاية الحول 5000 ، فكيف يزكى ؟
في هذا تفصيل :
1- إذا كانت هذه الزيادة ناتجة عن الأصل ، كما لو كان الألف مستثمرا ، فربح أربعة آلاف ، فإنك تزكي الجميع في نهاية الحول ، لأن ربح المال تابع لأصله .
2- وإن كانت هذه الزيادة ليست ناتجة عن الأصل ، وإنما هي مال استفيد بطريق آخر ، كالميراث ، أو الهدية ، أو كان ثمن شيء بعته ، ونحو ذلك ، فإنه يحسب لها حول مستقل ، يبدأ من يوم امتلاك هذه الزيادة . وإذا أردت إخراج زكاته مع الألف وتكون معجلة فلا حرج في ذلك .
3- وقد تأتي هذه الزيادة على التدرج ، كالمال الذي يدخره الإنسان من الراتب ، فيدخر في شهرٍ 500 ، وفي شهر آخر 1000 ، حتى يجتمع له في نهاية الحول 4000 ، فأنت بالخيار بين أن تزكي الجميع في حول الألف وتكون قد أخرجت الزكاة معجلة عن النقود التي لم تَمُرّ َعليها سنة ، أو أن تجعل لكل مالٍ مستفاد حولا خاصا ، لكن هذا فيه نوع مشقة ، لأنك ستخرج الزكاة عدة مرات في السنة .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال (50801) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
93416
العنوان:
أهدي لها أوانٍ فيها ذهب فماذا تصنع بها؟
السؤال:
جاءتني مؤخرا هدايا لزفافي لكن بعضها لا أعرف حكمها شرعا وهي أوعية مطلي أطرافها بالذهب وليس كل جسم الوعاء ، فهل يجوز لي استخدامها أو الاحتفاظ بها فقط ؟ أم يجب عليّ التخلص منها ؟
الجواب:
الحمد لله
الإناء المصنوع من الذهب أو المطلي به ، لا يجوز الاحتفاظ به ، ولا استعماله في الأكل أو الشرب أو غيره ، ولو كان الذهب على أطرافه فقط ؛ لما روى البخاري (5633) ومسلم (2067) عن حُذَيْفَةَ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ ).
ولما روى البخاري (5634) ومسلم (2065) عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الَّذِي يَشْرَبُ فِي إِنَاءِ الْفِضَّةِ إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ ).
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم بيع الساعات والنظارات الرجالية إذا كانت مطلية بالذهب الحقيقي ، وكذلك الأواني المنزلية والأدوات الصحية المطلية بالذهب للرجال أو النساء؟
فأجابوا : "إذا كان الأمر كما ذَكرت فلا يجوز بيع الأواني والأدوات الصحية إذا كانت مطلية بالذهب أو الفضة على الرجال والنساء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ) متفق على صحته ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( الذي يأكل في إناء الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) متفق على صحته واللفظ لمسلم ، وبقية الاستعمالات ملحقة بالأكل والشرب ، لعموم العلة والمعنى وسداً للذريعة .(/1)
وهكذا الساعات المطلية والنظارات المطلية بالذهب أو الفضة لا يجوز يبعهما على الرجال
وفقنا الله وإياك وأعان الجميع على كل خير " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/156) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء أيضاً (22/158) : ما حكم استخدام الأكواب التي تكون مطلية بالذهب عند حواف الشرب؟ حيث إننا اشترينا صندوقا منها وعندما فتحنا الصندوق وجدنا مكتوبا عليه: (مطلي بالذهب عند حوافه) والجزء المطلي سطر بسيط يكاد لا يرى وهي رخيصة الثمن جدا.
فأجابوا : "لا يحوز اتخاذ الأواني المصنوعة من الذهب أو الفضة أو الأواني المطلية أو المطلي بعضها بالذهب أو الفضة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الذي يشرب في آنية الذهب والفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) رواه مسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: ( لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافهما، فإنها لهم في الدنيا ولكم في الآخرة ) رواه البخاري ومسلم، والمموه (المطلي) بالذهب والفضة يدخل في ذلك ؛ لأن فيه استعمالا للذهب والفضة في الأكل والشرب ، فإذا ثبت أن الأكواب المذكورة مذهبة فلا يجوز استعمالها" انتهى.
وراجعي السؤال رقم (13733) لمزيد الفائدة .
وبناء على هذا فهذه الأوعية التي جاءتك ، لا يجوز لك الاحتفاظ بها ولا استعمالها ، وسبيل التخلص منها أمران : ردها على بائعها ، إن أمكن ذلك . أو نزع ما فيها من الذهب ، ولو بكسر الإناء ، واستعمال هذا الذهب في حلي الزينة ، أو بيعه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93421
العنوان:
تسلط الشيطان عليه بالشهوات المحرمة ، والشبهات الباطلة !!
السؤال:
في رمضان الماضي مارستُ العادة السرية حوالى 4 أيام في نهار رمضان ، وأكلتُ بعدها لتأكدي من فساد صيامي ، والأكثر من ذلك أنني أصبحتُ وفي رمضان الحالي أمارسها بعد الإفطار ، لا أعرف كيف أصبر في نهار رمضان وأفعلها في ليله ، وصرت أسمع الغناء كذلك في رمضان .
كانت تأتيني بعض الوساوس والشبهات التى تدور في ذهني دون أن أسمعها من أحد ، ولكنني أتجاهلها ؛ ليقيني بأن هذا هو الدين الحق ؛ لما قرأت عنه في الإعجاز العلمي , وأحاديث صدق نبوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، بينما لا توجد بشارات أو إعجاز في الأديان الأخرى ، ولم نسمع مطلقاً بذلك إلا في الإسلام , ولكن دون جدوى ، أحياناً أسمع حديثاً ما ، وعقلي لايصدقه ، ويرفضه ، كالحديث الذي يخبر أن الجنة تفتح أبوابها كل يوم إثنين وخميس ، فقلت في نفسي كيف ذلك ؟! هناك بعض الدول البعيدة عنا والتى تختلف معنا في الأيام ، فمثلا اليوم عندنا الإثنين ، وفي نيوزيلندا وتلك البلاد قد يكون عندهم الثلاثاء ، أعني عدم توافق الزمن ، وهكذا , عقلي أجده يفكر في أشياء وحده من هذا النوع .
آسف جدّاً على الإطالة ، إفادتي فيما يجب عليَّ فعله ، وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أما حكم العادة السرية : فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها محرمة ، وقد بيَّنا ذلك في جواب السؤال رقم ( 329 ) ، لذا فالواجب عليك التوبة والاستغفار من هذه الفعلة ، والكف عنها ، وعدم الرجوع لفعلها .
ثانياً :
قد اتفق الأئمة الأربعة على أن من فعل ذلك فقد بطل صومه ، ووجب عليه القضاء .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
في رمضان السابق وأنا صائم وقعت في العادة السرية ، فماذا يجب عليَّ ؟ .
فأجاب فضيلته :(/1)
عليك أن تتوب إلى الله من هذه العادة ؛ لأنها محرمة على أصح القولين لأهل العلم ؛ لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَآءَ ذالِكَ فَأُوْلَائِكَ هُمُ الْعَادُونَ ) ؛ ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، فمن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) ، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم الشباب الذين لا يستطيعون الباءة إلى الصوم ، والصوم فيه نوع من المشقة بلا شك ، ولو كانت العادة السرية جائزة لأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إليها ؛ لأنها أهون على الشباب ؛ ولأن فيها شيئاً من المتعة ، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل عن الأسهل إلى الأشق لو كان الأسهل جائزاً ؛ لأنه كان من عادته صلى الله عليه وسلم أنه ما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما ، ما لم يكن إثماً ، فعدول النبي صلى الله عليه وسلم عن الأيسر في هذه المسألة يدل على أنه ليس بجائز .
أما بالنسبة لعمله إياها وهو صائم في رمضان : فإنه يزداد إثماً ؛ لأنه بذلك أفسد صومه ، فعليه أن يتوب إلى الله توبتين ، توبة من عمل العادة السرية ، وتوبة لإفساد صومه ، وعليه أن يقضي هذا اليوم الذي أفسده .
" فتاوى الشيخ العثيمين " ( 19 / السؤال 191 ) .
وانظر جواب الأسئلة : ( 38074 ) و ( 37887 ) و ( 2571 ) .
ولم يكن لك أن تأكل بعد أن أفسدتَ صيامك بالعادة السرية ، وليس لمن أبطل صومه بفعل مباحٍ في الأصل كالجماع ، أو فعل محرَّم كالاستمناء أن يأكل ويشرب ؛ بل يجب عليه الإمساك بقية يومه ، وإن كان إمساكه لا يعدُّ صياماً ، وإنما الذي يجوز له الأكل والشرب والجماع هو من أفطر برخصة من الشرع ، وبعذر شرعي .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :(/2)
إذا أفطر الإنسان لعذرٍ وزال العذر في نفس النهار فهل يواصل الفطر أم يمسك ؟ .
فأجاب :
الجواب : أنه لا يلزمه الإمساك ؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بدليل من الشرع ، فحرمة هذا اليوم غير ثابتة في حق هذا الرجل ، ولكن عليه أن يقضيه ، وإلزامنا إياه أن يمسك بدون فائدة له شرعاً ، ليس بصحيح ، ومثال ذلك : رجل رأى غريقاً في الماء ، وقال : إن شربت أمكنني إنقاذه ، وإن لم أشرب لم أتمكن من إنقاذه ، فنقول : اشرب وأنقذه ، فإذا شرب وأنقذه فهل يأكل بقية يومه ؟ نعم ، يأكل بقية يومه ؛ لأن هذا الرجل استباح هذا اليوم بمقتضى الشرع ، فلا يلزمه الإمساك .
ولهذا لو كان عندنا إنسان مريض ، هل نقول لهذا المريض : لا تأكل إلا إذا جعت ولا تشرب إلا إذا عطشت ؟ لا ؛ لأن هذا المريض أبيح له الفطر ، فكلُّ مَن أفطر في رمضان بمقتضى دليل شرعي : فإنه لا يلزمه الإمساك ، والعكس بالعكس ، لو أن رجلاً أفطر بدون عذر ، وجاء يستفتينا : أنا أفطرت وفسد صومي هل يلزمني الإمساك أو لا يلزمني ؟ قلنا : يلزمك الإمساك ؛ لأنه لا يحل لك أن تفطر ، فقد انتهكت حرمة اليوم بدون إذن من الشرع ، فنلزمك بالبقاء على الإمساك ، وعليك القضاء ؛ لأنك أفسدت صوماً واجباً شرعت فيه .
" فتاوى ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 57 ) .
ثالثاً :
أما سماعك الغناء : فهو فعل محرَّم ، وقد سبق بيان حكم الأغاني المصاحبة للآلات المحرَّمة في أجوبة الأسئلة : ( 43736 ) و ( 5000 ) و ( 20406 ) و ( 5011 ) .
ربعاً :
أما عن الشبهات التي تطرأ على قلبك أخي الفاضل : فاعلم أنها من مكائد الشيطان ، واعلم أن مثل هذه الشبهات لا تطرأ على صاحب العلم واليقين ، فكن من أهلهما ، واحرص على زيادتهما لترى أنه لا مكان للشبهات عند أصحابهما .(/3)
واجعل في صحابة نبيك صلى الله عليه وسلم خير أسوة لك ، فعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من كل ليلة – كما جاء في الصحيحين – هل استشكلوا ذلك ؟ هل قالوا كيف ذلك وهنا ثلث ليل وهناك في أقصى الأرض نهار في الوقت نفسه ؟ لم يكن من ذلك شيء ؛ لما عندهم من علم بالكتاب والسنَّة ، ويقين بصدق نبيهم ، وأن ما قاله وحي من ربه تعالى ، فماذا فعلوا ؟ سارعوا إلى الدعاء والصلاة في ثلث الليل الآخر ، وهذا هو المطلوب من كل مسلم ، أن يسلِّم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم ، ويستجيب لأوامره ، وإلا كان مشابهاً للكفار الذين أنكروا إسراءه لبيت المقدس ، ومعراجه للسماء في جزء من الليل ، ومن كان مصدِّقاً لما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم : كان مشابهاً للصدِّيق أبي بكر رضي الله عنه .
وعندما أخبرهم نبيهم صلى الله عليه وسلم أن الدجال يمكث في الأرض أربعين يوماً ، يوم كسنَة ، ويوم كشهر ، ويوم كأسبوع ، وسائر أيامه كأيامكم – كما رواه مسلم - ، فماذا فعل الصحابة رضي الله عنهم ؟ هل توقفوا ؟ هل استشكلوا ؟ هل ردوا الخبر ؟ كل ذلك لم يكن ، وإنما سألوا عن صلاتهم في اليوم الذي يكون كسنَة !! وهذا هو موقف أهل العلم واليقين من الأخبار الصادقة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
وما ذكرته من أن الجنة تفتح أبوابها يوم الاثنين والخميس : هو حديث صحيح ، رواه مسلم وغيره ، فهل علمتَ ماذا حوى من علم وتوجيه للمسلمين ؟ اقرأ الحديث وتمعن فيه جيداً :(/4)
روى مسلم في صحيحه (2565) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُفْتَحُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ وَيَوْمَ الْخَمِيسِ فَيُغْفَرُ لِكُلِّ عَبْدٍ لَا يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا ، إِلَّا رَجُلًا كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ فَيُقَالُ : أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ، أَنْظِرُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا ) .
انظر في الحديث وما حوى من عظم الشرك وخطره ، وانظر إلى عظم القطيعة والشحناء بين المسلمين ، ثم انظر لنفسك تترك ذلك كله لتستشكل ما استشكلت ، وليس الأمر عجزاً عن الرد ، بل هو لتأصيل موقف المسلم من صحيح السنَّة ، وموقفه مما يطرأ على قلبه من الشبهات ، ومعرفة سبب ذلك ، وكيف يدفعه .
واعلم أنك لو تراجع نفسك في اعتقادك بربك تعالى فإنك ستجد نفسك تؤمن بما هو أعظم وأعلى من ذلك بكثير ، فأنت تؤمن أن الله يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور لكل خلقه في اللحظة نفسها ، وأنت تؤمن أن الله تعالى يسمع كلام خلقه على اختلاف لغاتهم في اللحظة نفسها ، فأين هذا مما يجيء به الشيطان للمسلم من استعظامه لبعض صفات الرب تعالى ، أو لبعض الأحكام ؟! .
وقد رأينا للإمام ابن القيم كلاماً متيناً حول هذا الموضوع بعينه ، نرجو أن يكون كافياً لكل أحدٍ يقرؤه في قطع كل شبهة ترد على القلب مما ليس أساس من العلم ، وفي كلامه رحمه الله بيان أسباب ورود الشبهات ، وطريقة دفعها .
قال ابن القيم – رحمه الله - :(/5)
وقوله – أي : علي بن أبي طالب رضي الله عنه - " ينقدح الشك في قلبه بأول عارض من شبهة " : هذا لضعف علمه ، وقلة بصيرته ، إذا وردت على قلبه أدنى شبهة : قدحت فيه الشك والريب ، بخلاف الراسخ في العلم لو وردت عليه من الشبَه بعدد أمواج البحر ما أزالت يقينه ، ولا قدحت فيه شكّاً لأنه قد رسخ في العلم ، فلا تستفزه الشبهات ، بل إذا وردت عليه : ردها حَرَسُ العلم ، وجيشه ، مغلولةً ، مغلوبةً ، والشبهة وارد يرد على القلب يحول بينه وبين انكشاف الحق له ، فمتى باشر القلب حقيقة العلم : لم تؤثر تلك الشبهة فيه ، بل يقوى علمه ويقينه بردها ومعرفة بطلانها ، ومتى لم يباشر حقيقة العلم بالحق قلبه : قدحت فيه الشك بأول وهلة ، فإن تداركها وإلا تتابعت على قلبه أمثالها حتى يصير شاكّاً مرتاباً ، والقلب يتوارده جيشان من الباطل : جيش شهوات الغي ، وجيش شبهات الباطل ، فأيما قلب صغا إليها ، وركن إليها : تشرَّبها ، وامتلأ بها ، فينضح لسانه وجوارحه بموجبها ، فإن أُشرب شبهات الباطل تفجرت على لسانه الشكوك والشبهات والإيرادات ، فيظن الجاهل أن ذلك لسعة علمه ، وإنما ذلك من عدم علمه ويقينه .
وقال لي شيخ الاسلام رضي الله عنه – أي : ابن تيمية - وقد جعلت أُورد عليه إيراداً بعد إيراد - : لا تجعل قلبَك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها فلا ينضح إلا بها ، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها ، فيراها بصفائه ، ويدفعها بصلابته ، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها : صار مقرّاً للشبهات ، أو كما قال ، فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك .(/6)
وإنا سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها ؛ فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ، وأكثر الناس أصحاب حُسن ظاهر ، فينظر الناظر فيما ألبسته من اللباس : فيعتقد صحتها ، وأما صاحب العلم واليقين : فإنه لا يغتر بذلك ، بل يجاوز نظره إلى باطنها ، وماتحت لباسها ، فينكشف له حقيقتها ، ومثال هذا : الدرهم الزائف ، فإنه يغتر به الجاهل بالنقد نظراً إلى ما عليه من لباس الفضة ، والناقد البصير يجاوز نظره إلى ما وراء ذلك ، فيطَّلع على زيفه .
" مفتاح دار السعادة " ( 1 / 139 ، 140 ) .
ونسأل الله تعالى أن يهديك لما يحب ويرضى ، وأن يوفقك لكل خير ، وأن يثبت قلبك على الإيمان ، وأن يزيدك هدى وعلماً وتوفيقاً .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
93450
العنوان:
الحب والمراسلة قبل الزواج
السؤال:
أنا شاب أغرمت ببنت جارنا ، واستمر لمدة سنتين بدون أن تعلم أو أخبرها أو أخبر أحدا من أهلي ولم أقابلها وكنت أطمح للارتباط بها كزوجة ، ثم حصل لي حادث سير سبب لي إصابات بليغة وحصل لي شبه إعاقة ، كنت مهموما جدا لأن الحلم الذي عشته وهو الارتباط بتلك الفتاة بدأ يتلاشى ، فجأة طلبت أختي أن أصارحها بهمي فحكيت لها ما بداخلي ، فقالت لي أختي : سوف أخبرها بحبك لها وهي بعد ذلك تختار ، وكانت المفاجأة أنها كذلك كانت تحبني ، فبدأت رسائل الحب تتبادل بيننا عن طريق أختي ( رسائل والله في غاية الشرف والعفة ) وبعد سنتين تقدمت وخطبتها وتمت الموافقة ولله الحمد وبعد سنة تزوجنا وعشنا سعداء وخلال هذه المدة والله لم أرها إلا من بعيد ، بحكم أنهم جيراننا وتجمعنا بهم الصدف ، ولم أكلمها قط إلا ليلة الزواج ، فسمعت أنا ارتكبنا بحبنا لبعضنا إثما فهل هذا صحيح ؟ وما هي كفارة هذا الإثم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يأجرك في مصابك ، وأن يزيد ما بينك وبين أهلك من الألفة والمودة .
ثانيا :
الحب الذي لا يتسبب فيه الإنسان ، لا يلام عليه ، كأن يرى فتاة فجأة ، فيقع حبها في قلبه ، ثم لا يكون منه عمل محرم ، كتكرار نظر ، أو مصافحة ، أو خلوة ، أو كلام عاطفي بينهما.
وأما الحب الذي ينشأ عن تكرار النظر ، أو المخالطة المحرمة ، أو المراسلة ، فهذا يأثم صاحبه ، بقدر ما يرتكب من الحرام في علاقته وحبه .
ثالثا :(/1)
لا تجوز المراسلة بين الجنسين ؛ لما في ذلك من إثارة الفتة وحصول الشر غالبا ، فإن مخاطبة الرجل لامرأة أجنبية عبر رسالة لا يطلع عليها غيرهما ، يؤدي إلى مفاسد كثيرة ، وقد حرم الشارع خلوة المرأة برجل غير محرم لما يترتب على ذلك من حصول الفتنة والمكروه ، من تعلق القلب وانبعاث الرغبة في النظر والمس وما وراء ذلك . وهذا كله يحصل غالبا بمخاطبة الرجل للمرأة عبر هذه الرسائل أو المحادثات الخاصة ، لا سيما إذا كانا في سن الشباب والشهوة والرغبة .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله : ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام؟
فأجاب : " لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه ؛ لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة ، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ، ويغريها به. وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه ، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه.
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول: إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى ، نقلا عن : فتاوى المرأة ، جمع محمد المسند ، ص 96
والمرأة ممنوعة من الخضوع بالقول مع من لا يحل لها ، كما قال سبحانه : ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32. والرجل يحرم عليه أن يتلذذ بكلام المرأة الأجنبية أو بصوتها .
ثم إن جعل الأخت وسيطا في نقل الرسائل منكر آخر ؛ لما في ذلك من تشجيعها على مثل هذه المراسلات .
وبناء على هذا فالواجب عليكما هو التوبة إلى الله تعالى ، والإكثار من العمل الصالح ، ولا يلزمكما غير ذلك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93502
العنوان:
يهدده بالانتحار إن لم يفعل به الفاحشة
السؤال:
أنا شاب أبلغ من العمر 24 عاماً ، وتربطني علاقة مع شاب بلغ من العمر 29 ، وعمر صداقتنا حوالي 10 سنوات تقريبا , في البداية كانت العلاقة على ما يرام ، ولم تكن هناك أي مشاكل ، وما إن وصل عمر صداقتنا إلى الخمس سنوات حتى انقلبت الدنيا على رأسي ، وبدأ صديقي يطلب مني أن يلامسني جنسيّاً ! ورفضت ، وقاومت ، رغم الضغوط التي واجهني بها ، وكنت أتحملها ، ولكن بعد فترة قام يهددني بالانتحار ، وبالفعل حاول فعلها مرات عديدة عندما رفضت الفعل الذي يريده ، ولكنني لم أصمد تجاه ما أراده ، فقد شاهدته يسكب البنزين ، ويشعل النار ، ويهددني ، ولولا رضوخي وبكائي لفعلها ! وبين كل فترة يعيد نفس الفعل ، ويقول لي هذه آخر مرة ، وأعدك بأن أترك هذا الفعل ، ولكن بعد فترة يخون ، ولا يترك الفعل المشين هذا ، وأقوم بمقاومته ، ولكن يواجهني بالانتحار ، فمرة يسكب الزيت لكي يحرق نفسه ، ومرة يشرب الغراء – مادة لاصقة - ، ومرة يريد أن يرمي نفسه من فوق المنزل ، ومرة بالسكين ..... الخ ، وكل مرة يقول : إني سأترك ، ولا يترك هذا الفعل ، فلا أعلم هل هو مريض نفسيّاً أو مصاب بسحر ، أو ، أو ، والعلم عندكم ، فأنا كرهته ، ولا أريد أن أصاحبه ، ولو لا تهديده بالانتحار لتركته ، ولكنه يهددني دائما بالانتحار ، ودائما يحاول أمام عيني أن ينتحر ، ولكنني أمتنع ، واخضع لطلباته الجنسية . فأرجو منكم النظر في مشكلتي ، ومساعدتي في أقرب وقت ممكن ؛ لان التأخر قد يجعل حياته وحياتي في خطر . أرجوك دكتور أن تعالجني .
الجواب:
الحمد لله
إنا لله وإنا إليه راجعون ، من يعش في هذا الزمان يسمع ويرى عجباً ، ونحن في غاية العجب منك أخي السائل عندما تريد منا النصيحة والمشورة ، فهل ستظننا نوافق على أن تبذل عرضك لمجرم خسيس الهمة ، منتكس الفطرة ؟! وهل سننصحك بالبقاء معه ومصاحبته ؟! .(/1)
إن الذي يلزمك الآن ودون أدنى تردد أن تهجر هذا المجرم الخسيس ، وألا ترى عينك عينه.
واعلم أن ما فعلتَه من تسليم نفسك له منكر شنيع ، وكبيرة من كبائر الذنوب ، وأنه لا عذر لك في كونه سينتحر ، وهل حياة ذلك الخسيس أعظم عندك من عرضك ؟! إنه مستحق للقتل أصلاً من أول مرة فعل ذلك الفعل الشنيع ، ولو أنه انتحر وقتل نفسه لكان في ذلك إراحة للمجتمع من شره ، وإن كانت توبته أحب إلينا ، لكننا لا نراه حريصاً عليها ولا مهتما بها .
فاعلم أيها السائل أن هذا الرجل لو قتلك أنت فهو خير لك من مثل هذه الحياة التي تميتك في كل لحظة ، فكيف لا ترضى أن يكون المقتول هو نفسه ؟! .
قال ابن كثير رحمه الله :
ولأن يُقتل المفعول به خير من أن يُؤتى في دبره ؛ فإنه يُفسَد فساداً لا يُرجى له بعده صلاح أبداً ، إلا أن يشاء الله .
" البداية والنهاية " ( 9 / 184 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله:
ولَأَن يقتل المفعول به خيرٌ له من أن يُؤتى ؛ فإنه يَفسد فساداً لا يرجى له بعده صلاح أبداً ، ويَذهب خيرُه كله ، وتمص الأرضُ ماء الحياء من وجهه ، فلا يستحيي بعد ذلك لا من الله ولا من خلقه ، وتعمل في قلبه وروحه نطفة الفاعل ما يعمل السم في البدن .
" الجواب الكافي " ( ص 115 ) .
وقال أيضاً:
وقتل المفعول به خيرٌ له من وطئه ؛ فإنه إذا وطئه الرجل قتله قتلاً لا تُرجي الحياة معه ، بخلاف قتله ؛ فإنه مظلوم شهيد ، وربما ينتفع به في آخرته .
" الجواب الكافي " ( ص 119 ) .
لكن هذا لا يعني أن الله تعالى لا يقبل توبتك ، بل إننا نذكر لك هذا لنبين لك عظَم ما اقترفت من ذنب ، وقبح ما فعلتَ من معصية ، حتى إن بعض العلماء يقول بأنه لا يدخل الجنة مفعول به ! .
قال ابن كثير رحمه الله :(/2)
وقد اختلف الناس : هل يدخل الجنة مفعول به ؟ على قولين ، والصحيح في المسألة أن يقال : إن المفعول به إذا تاب توبة صحيحة نصوحاً ، ورُزق إنابةً إلى الله وصلاحاً ، وبدَّل سيئاته بحسنات ، وغسل عنه ذلك بأنواع الطاعات ، وغض بصره ، وحفظ فرجه ، وأخلص معاملته لربه : فهذا - إن شاء الله - مغفور له ، وهو من أهل الجنة ، فإن الله يغفر الذنوب للتائبين إليه ( وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الحجرات/11 ، ( فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) المائدة/39 ، وأما مفعول به صار في كبَره شرّاً منه في صغره : فهذا توبته متعذرة ، وبعيدٌ أن يؤهل لتوبة صحيحة ، أو لعمل صالح يمحو به ما قد سلف ، ويخشى عليه من سوء الخاتمة ، كما قد وقع ذلك لخلقٍ كثيرٍ ماتوا بأدرانهم وأوساخهم ، لم يتطهروا منها قبل الخروج من الدنيا ، وبعضهم خُتم له بشرِّ خاتمة ، حتى أوقعه عشق الصور في الشرك الذي لا يغفره الله .
وفي هذا الباب حكايات كثيرة وقعت للوطية وغيرهم من أصحاب الشهوات ، يطول هذا الفصل بذكرها .
" البداية والنهاية " ( 9 / 184 ) .
والواجب عليك بعد هجره بالكلية : أن تتوب إلى الله تعالى توبة صادقة لا شائبة فيها ، ومن تمام توبتك البعد عنه محادثته ومراسلته ومشاهدته ، والواجب عليك – أيضاً – تحذير الذين يعرفهم ويصاحبهم من شره وكيده ، ولو بإخبار آبائهم وأهاليهم ، وليكن ذلك من غير طريقك لسببين : الأول : أن لا يتعرض لك بالأذى والضرر ، والثاني : أنه قد يتكلم في عرضك ، ويفضحك بين الذين تحذِّرهم منه ، وليس ذلك عنه ببعيد .
ونسأل الله تعالى أن يوفقك لتوبة صادقة ، وأن ييسر لك الهدى والتوفيق ، وأن يطهر قلبك وجوارحك من الإثم والعصيان .(/3)
وانظر جواب السؤال رقم ( 27176 ) ففيه أربع مسائل هي : قبح وشناعة فاحشة اللواط ، والآثار المترتبة عليها من حيث المخاطر الصحية ، وبيان سعة رحمة الله للتائبين ، وطرق العلاج لمن ابتلي بهذه الفاحشة .
والله الموفق(/4)
رقم السؤال:
93519
العنوان:
نصائح للمراهقات واختيار الصديق
السؤال:
كيف أستطيع التوفيق بين أن أكون فتاة مراهقة عصرية ، وفتاة مرضية لأهلها ويحبها الجميع ، وأن أتخلص من صديقتي التي لا أحبها ولا أجد طريقة في حبها .
الجواب:
الحمد لله
اعلمي أن مرحلة المراهقة هي أخطر مرحلة يمر بها الإنسان حيث إن للإنسان فيها تغيرات جسمية وعقلية وعاطفية وجنسية ، والشيطان حريص على إغوائه في هذه المرحلة بكل ما يستطيع من طرق ووسائل الإغواء ، ولذا فإنه يجب على كل مراهق ومراهقة أن ينتبه لنفسه وأن يأخذ حذره ، ومما نوصي به في هذه المرحلة :
أولاً : احرصي على فعل الطاعات من: واجبات ومستحبات، واحرصي على البعد عن المحرمات والمشتبهات والمكروهات.
ومن الوسائل التي تنجي من الوقوع في حبائل الشيطان وتبعد العبد عن معصية الله :
ـ مراقبة الله واستحضار عظمته وخصوصاً عند الخلوة، قال الشاعر:
إذا ما خلوت الدهر يوماً فلا تقل خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة ولا أن ما تخفي عليه يغيب
وقال الآخر:
وإذا خلوت بريبة في ظلمة والنفس داعية إلى الطغيان
فاستحي من نظر الإله وقل لها إن الذي خلق الظلام يراني
ـ عدم الإنسياق وراء خطوات الشيطان، قال تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَن يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) النور/21 . فخطوات الشيطان كالسلسلة من انساق وراءها لم تنته .
وكل خطوة أعظم من التي قبلها ، إلا أن يتدارك الإنسان نفسه بالإقلاع والتوبة .(/1)
ـ التوبة من كل ذنب ، فالذنب قد يحصل من المسلم ، ولكن الواجب عند ذلك هو الإقلاع والتوبة، وليس الاستمرار والإصرار، قال تعالى: ( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) آل عمران/135.
وقال صلى الله عليه وسلم: ( كُلُّ ابْنِ آدَمَ خَطَّاءٌ وَخَيْرُ الْخَطَّائِينَ التَّوَّابُونَ ) رواه ابن ماجة برقم (4251) ، وقال الشيخ الألباني : حسن .
ـ تذكر الموت ولقاء الله ، فإن من تذكر أن الموت يأتي بغتة ، وأنه سيلقى الله وسيسأله عن عمله، فإنه سيرتدع عن الذنب.
ـ اللجوء إلى الله بالدعاء بأن يوفقه لفعل الطاعات، وترك المنكرات، والله لن يخيب من دعاه، قال سبحانه: ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُم يَرْشُدُونَ ) البقرة/186
ثانياً : احرصي على جلساء الخير وابتعدي عن جلساء السوء، فإن الصاحب ساحب. وكما قيل: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي.
ثالثاً : عليك بشغل الوقت بالنافع والمفيد من أمور الدين والدنيا، وإياك والفراغ فإنه من أعظم المفسدات في هذه المرحلة.
رابعاً : إذا أردت أن تملكي قلوب الناس فأحسني معاملتهم وحسني أخلاقك معهم، وتعاوني معهم واقض حوائجهم، فإنك بذلك تستطيعين ملك قلوبهم ، ألم تسمعي إلى ما قال الشاعر :
أحسن إلى الناس تستعبد قلوبهُمُ * فطالما استعبد الإنسانَ إحسانُ
ومن مأثور الحكم عن على رضي الله عنه قوله :
اُمنُنْ على من شئت تكن أميره ، واحتج إلى من شئت تكن أسيره ، واستغن عمن شئت تكن نظيره !!
على أننا نقول لك هنا قولا جامعا ، في ملك قلوب الناس ، واستجلاب محبتهم .(/2)
قال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا ) ، قال قتادة رحمه الله في تفسير الآية : " إي والله ، في قلوب أهل الإيمان ؛ ذُكر لنا أن هرم بن حيان كان يقول : ما أقبل عبد بقلبه إلى الله، إلا أقبل الله بقلوب المؤمنين إليه ، حتى يرزقه مودّتهم ورحمتهم " تفسير الطبري (18/266) .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَقَالَ إِنِّي أُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبَّهُ ؛ قَالَ : فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي السَّمَاءِ فَيَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ ، قَالَ : ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ !!
وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا دَعَا جِبْرِيلَ فَيَقُولُ إِنِّي أُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضْهُ ، قَالَ فَيُبْغِضُهُ جِبْرِيلُ ثُمَّ يُنَادِي فِي أَهْلِ السَّمَاءِ : إِنَّ اللَّهَ يُبْغِضُ فُلَانًا فَأَبْغِضُوهُ ، قَالَ فَيُبْغِضُونَهُ ، ثُمَّ تُوضَعُ لَهُ الْبَغْضَاءُ فِي الْأَرْضِ !! ) رواه البخاري (7485) ومسلم (2637) .
أرأيت يا أمة الله ، كيف أن امتلاك قلوب الناس ، والحصول على محبتهم ، ليس بمقدورك أنت ، ولا بمقدور غيرك من البشر ، وإنما هو بيد الله سبحانه وحده ، فهو الذي يؤلف بين القلوب ، وهو الذي يباعد بينها ، وهو الذي يعطي ويمنع ، ويخفض ويرفع ، وهذا كله من مقتضى ربوبيته سبحانه لخلقه .(/3)
وأما كيف نتحصل على محبة الله تعالى ، وهو أعظم مطلوب للعبد المؤمن ، فذلك القصد النبيل العظيم له طريق واحد ، هو اتباع نبيه وطاعته . قال الله تعالى : ( قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (آل عمران:31)
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ قَالَ : مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالْحَرْبِ ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ الْمُؤْمِنِ يَكْرَهُ الْمَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ) رواه البخاري (6502) .
وأما إن بقي بعد ذلك ، قوم من أهل الشر والفساد ، ممن يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا ، ويريدون لك الشر ، ويطلبون منك موافقتهم ، وثقل عليهم ما أنت فيه من طاعة الرحمن ، والحرص على منازل الطاعة ، وشعب الإيمان ، فلا عليك منهم يا أمة الله ، وسيري في طريقك المستقيم ، وكوني مع الصالحين من عباده :
إِذا رَضِيَتْ عَنِّي كِرامُ عَشيرَتي فَلا زالَ غَضْباناً عَلَيَّ لِئامُها
ونؤكد هنا على الإحسان إلى الوالدين والأقربين فإنهم أحق من يحسن المرء إليهم وأحق من يسعى لملك قلوبهم، ولا بد من الصبر على ما قد يصدر من الوالدين من نظرة إليك على أنك مازلت صغيرة، لأنك مهما كبرت فأنت في أعين والديك صغيرة.(/4)
ثم إن لهما حق القوامة والرعاية والتربية والأدب عليك ، وهما مؤتمنان عليك ، مسئولان عنك في الدنيا والآخرة ، ومن حقهما أن يحملاك على الأدب ، ومراعاة أحكام الدين ، واحترام أعراف الناس وعاداتهم التي لا تخالف شرع الله ؛ وكل ذلك يصطدم مع أهواء المراهق ونزعاته ، مما يسبب الحالة التي تصفينها ، وتشعرين بكونها مشكلة ؛ نعني : حالة التوفيق بين ما تتطلبه منك حالة المراهقة ، ومتابعة رغبات النفس وأهوائها ، وما يتطلبه منك واجب الأدب ، ويجلبه عليك حق الرعاية والقوامة لأبويك .
وبهذا تعلمين الجواب عن بقية سؤالك ؛ فإذا كانت هذه الصاحبة من أهل الخير ، فاحرصي على مودتها والتقرب إليها ، وإن كانت من أهل السوء والفساد ، فانأي بنفسك عنها ، واتخذي جانبا منها ، وسوف تنأى ـ هي ـ أيضا عنك :
( الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّأُونَ مِمَّا يَقُولُونَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ) (النور:26) .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
93528
العنوان:
كلام شيخ الإسلام أن الهلال اسم لما استهل ورآه الناس
السؤال:
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : "وأصل المسألة أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمي الهلال والشهر ...... لكن الذي تنازع فيه الناس أن الهلال هل هو اسم لما يظهر في السماء ؟ وإن لم يعلم الناس به ؟ وبه يدخل الشهر ، أو الهلال اسم لما يستهل به الناس والشهر لما اشتهر بينهم ؟ علي قولين " وقد مال شيخ الإسلام للقول الثاني بأن الهلال هو استهلال الناس ، وعلي أساسه أيضا مال إلي أن من رأى الهلال وحده لا يصوم إلا مع الناس ، لأن الهلال يوم استهلال الناس ، وهذا ما اطمأن إليه قلبي أن الصوم يوم يصوم الناس ، لكن هناك إشكال عندي فيما اختاره عن مدلول الهلال والشهر ، فما دليل من قال بذلك ؟ وكيف والرسول صلي الله عليه وسلم يقول : (إذا رأيتموه) ؟ وعلى هذا يسقط عندي أن الهلال هو استهلال الناس ويثبت أن الهلال هو هلال القمر في السماء ، فهل يلزم من ذلك سقوط الحكم المبني عليه في صيام من رأى الهلال وحده وأن الصوم يوم يصوم الناس ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
قول شيخ الإسلام رحمه الله : إن الهلال اسم لما استهل بين الناس ، والشهر هو ما اشتهر بينهم ، بناه على جملة من الأدلة ، وهي :
الأول : أن الله سبحانه وتعالى علق أحكاما شرعية بمسمى الهلال , والشهر : كالصوم والفطر والنحر , فقال تعالى : (يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج) . فبين سبحانه أن الأهلة مواقيت للناس والحج . وقال تعالى : (كتب عليكم الصيام) - إلى قوله – (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس) . والهلال مأخوذ من الاستهلال وهو رفع الصوت، والشهر مأخوذ من الاشتهار . فما لم يستهل الناس به ، ولم يشتهر بينهم ، فلا يكون هلالاً ولا شهراً .(/1)
الثاني : القياس على رؤية هلال ذي الحجة ، قال الشيخ : "ما علمت أن أحدا قال : من رآه يقف وحده , دون سائر الحاج , وأنه ينحر , ويرمي جمرة العقبة , ويتحلل دون سائر الحاج" . فأي فرق بين هلال رمضان وهلال ذي الحجة ؟ لماذا يعمل برؤية نفسه ويخالف الجماعة في رمضان ، ولا يعمل برؤية نفسه في هلال ذي الحجة !
الثالث : حديث : ( الصوم يوم تصومون , والفطر يوم تفطرون , والأضحى يوم تضحون ) . رواه الترمذي (697) وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (244) . ومعنى الحديث : أن الصوم والفطر والأضحى تكون مع جماعة المسلمين ، لا يتفرد أحد منهم بشيء من ذلك ، ولذلك قال الإمام أحمد في رواية عنه : يصوم مع الإمام وجماعة المسلمين ، يد الله مع الجماعة .
وهذه الأدلة تدل دلالة قوية على ما اختاره الشيخ رحمه الله .
وانظر : "مجموع فتاوى ابن تيمية" (25/109- 118) .
ثانياً : لا شك أن هذه المسألة من المسائل الاجتهادية ، التي اختلف فيها العلماء ، والمطلوب من المسلم القادر على تحقيق المسائل ومعرفة الراجح منها بالأدلة الشرعية ، أن يعمل بما ترجح عنده ، كما قال بعض السلف : قد أحسن من انتهى ما قد سمع .
فإذا لم يطمئن قلبك إلى ما سبق من الأدلة ، ورأيت أن قول من قال بوجوب الصيام على من انفرد برؤية هلال رمضان أقرب إلى الصواب ، فإنه يلزمك العمل بما ترجح عندك .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا تيقن شخص من دخول الشهر برؤية الهلال ولم يستطع إبلاغ المحكمة فهل يجب عليه الصيام ؟
فأجاب : " اختلف العلماء في هذا ، فمنهم من يقول : إنه لا يلزمه ، وذلك بناء على أن الهلال هو ما استهل واشتهر بين الناس .
ومنهم من يقول : إنه يلزمه ؛ لأن الهلال هو ما رؤي بعد غروب الشمس ، سواء اشتهر بين الناس أم لم يشتهر .(/2)
والذي يظهر لي أن من رآه وتيقن رؤيته وهو في مكان ناءٍ لم يشاركه أحد في الرؤية ، أو لم يشاركه أحد في الترائي ، فإنه يلزمه الصوم ، لعموم قوله تعالى : (فمن شهد منكم الشهر فليصمه) وقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا رأيتموه فصوموا) ولكن إن كان في البلد وشهد به عند المحكمة ، وردت شهادته فإنه في هذا الحال يصوم سرا ، لئلا يعلن مخالفة الناس " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/74) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
93579
العنوان:
هل تأخذ راتبها من غير أن تعمل ؟
السؤال:
أنا أم ... عملتُ مدرِّسة بإحدى المدارس القريبة من بيتنا ، ثم صدر قرار بتعييني بمدرسة أخرى بعيدة ، وبها اختلاط ، وهي بعيدة عن بيتي ، فرفضت الذهاب ، وأصبح مرتبي مستمرّاً لم ينقطع ، ما حكم المبلغ الموجود بالمصرف ؟ هل أستطيع أعطيه لزوجي - مع العلم أنه موقوف عن العمل لأسباب أمنية ؛ لأن أخاه ينتمي لحزب إسلامي - مع العلم أننا - ولله الحمد - في أمسِّ الحاجة ، وهذا المال لا يُرد للدولة كما هو معروف بل للمصرفيين ؟
الجواب:
الحمد لله
نشكر لك غيرتك على محارم الله تعالى ، ونسأل الله تعالى أن يُكثر في المسلمات من أمثالك ، وأن يأجرك أجراً جزيلاً على امتناعك من العمل في مدرسة مختلطة ؛ لما في العمل فيها من تعدٍّ على الشرع ، ووقوع في المعاصي والآثام .
وأما بخصوص الراتب الذي نزل في حسابك دون أن تباشري العمل : فاعلمي أنه على وجهين :
إما أن يكون ذلك بعلمهم ومعرفتهم حتى يُسوَّى الأمر ، أو يكون ذلك بغير علمهم ولا درايتهم ، فإن كان الحال هو الأول : فالمال الذي يأتيك حلال ، لا إشكال في جوازه ، وإن كان الحال هو الثاني : فلا يحل لكِ أخذه ، لا لنفسك ، ولا لزوجك ، بل يجب عليك ردُّه إلى الجهة نفسها التي حوَّلته لك .
واعلمي أن بينك وبين الدولة التي عيَّنتكِ في هذه الوظيفة عقد عمل ، وهو ما يوجب عليك الالتزام به بما لا يخالف شرع الله تعالى ، ومن مقتضى العقود المعروفة أنه يأخذ العامل راتباً مقابل عمله ، فإن استنكف عن العمل أو امتنع فإنه يتوقف راتبه ، إلا أن يكون السبب هو فعلٌ من الدائرة أو الوزارة أو صاحب العمل ، ويمكن أن يكون في بنود العقود ما يبين أن الراتب يبقى مستمراً في حساب الموظف إلى أن يُسوَّى الأمر ، فإن كان الأمر كذلك : فالراتب من حقك ، ولا حرج في أخذه .(/1)
وقد يكون في بنود العقد الذي بينك وبين الدولة – مثلاً – ما يقتضي منك الالتزام بالمكان الذي يرونه مناسباً لتعملي فيه ، وأنه في حال امتناعك عن العمل فإنك لا تستحقين الراتب ، فإن كان الحال كذلك : فلا يحل لك ذلك الراتب ، وأنتِ مخيَّرة بين محاولة البقاء في مكانٍ شرعي للتدريس أو الخروج من الوظيفة .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله - :
النظام الذي هو الدوام الرسمي للدولة تجد البعض يأتي متأخراً نصف ساعة ، أو يخرج من الدوام أيضا نصف ساعة ، وأحيانا يتأخر ساعة أو أكثر ، فما الحكم ؟ .
فأجاب :
الظاهر أن هذا لا يحتاج إلى جواب ؛ لأن العِوض يجب أن يكون في مقابل المعوَّض ، فكما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً : فكذلك يجب أن ألا يُنقص من حق الدولة شيئاً ، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي ، ولا أن يتقدم قبل انتهائه .
قال السائل :
ولكن البعض يتحجج أنه ما فيه عمل أصلا لأن العمل قليل ؟ .
قال الشيخ :
المهم أنت مربوط بزمن لا بعمل ، يعني قيل لك : هذا الراتب على أن تحضر من كذا إلى كذا ، سواء فيه عمل أم لم يكن فيه عمل ، فما دامت المكافأة مربوطة بزمن : فلا بد أن تستوفي هذا الزمن ، يعني : أن يوفي هذا الزمن ، وإلا كان أكلُنا لِما لم نحضر فيه باطلاً .
" الباب المفتوح " ( 9 / السؤال 3 ) .
وسئل الشيخ – أيضاً - :(/2)
أنا موظف حكومي ، ويتطلب العمل مني أحياناً عملاً إضافيّاً , وقد قامت الدائرة التي أعمل فيها بتعميدي أنا وبعض وزملائي في العمل خارج وقت الدوام الرسمي ولمدة ( 45 ) يوماً , وقد كنت حريصاً على أن أحضر مع زملائي في العمل , ولكنهم لم يُعلموني بذلك , ولما سألت أحدهم قال لي : لم يأت دورك بعد , حتى انتهت المدة المحددة , وصرف المبلغ لذلك العمل لي ولزملائي , وإنني في حيرة من أمري في هذا المبلغ أهو حلال أم حرام , علماً أن رئيسي في العمل المباشر ورئيس الدائرة راضون عني في العمل , حيث إنني في نظرهم موظف نشيط ، وقد يكون هذا المبلغ مكافأة لي على حرصي ، وعلى حسن عملي , حيث إن راتبي قليل , وإذا لم يكن هذا المبلغ حلالاً فماذا أعمل به ؟ .
فأجاب :
هذا السؤال يقع كثيراً , وأنا أسألكم الآن : هل هذا حق أو باطل ؟ بمعنى : هل هذه المكافأة التي حصلت للإنسان على عمل معين هل قام بهذا العمل أم لا ؟ لم يقم بالعمل , إذا لم يقم بالعمل صار أخذ المال بغير حق , وأخذ المال بغير حق هو أكل المال بالباطل تماماً , مع ما في ذلك من خيانة للأمانة , حتى ولو وافق الرئيس المباشر على مثل هذا العمل فهو خائن , والمال ليس ماله - أعني : الرئيس المباشر - حتى يتصرف به كيف يشاء , المال مال الدولة ، وهذا الرجل السائل أعتقد أنه قد تاب مما صنع , ... .
" الباب المفتوح " ( 114 / السؤال 15 ) .
وسئل الشيخ – رحمه الله – أيضاً - :
كنتُ موظفاً في إمارة إحدى القرى التي تبعد عن منزلي نحو ( 75 كم ) ، طريق صحراوي وعر ، وعندما كنت أتردد لحقتني مشقة ، فقلت لأمير المنطقة : ائذن لي أن أداوم يومين في الأسبوع ، فكان يأذن لي في بعض الأيام ، وبعضها لا يأذن لي ، ومضى على ذلك عامان ، فما حكم الأيام التي كنت أتغيب فيها من غير إذن من أمير المنطقة ؟ .
فأجاب :(/3)
الأيام التي تتغيب فيها عن عملك بدون إذن : لا يحل لك أن تأخذ ما يقابلها من الراتب ؛ لأن الراتب في مقابلة عمل ، فإذا أتممت العمل استحققت الراتب كاملاً ، وإن نقصت لم تستحقه كاملاً ، وإذا كنت الآن أخذت الراتب كاملاً بدون خصم : فالواجب عليك أن ترده إلى من أخذته منه إن أمكن ، وإن كنت تخشى من المسئولية والتعب : فتصدق به تخلصاً منه ، أو أدخله في عمارة مسجد ، في إصلاح طريق لتسلم من إثمه .
السائل :
واستأذنت من نفس المسئول ، فما الحكم ؟ .
الشيخ :
إذا استأذنت منه ، أي : المسئول المباشر عندك وأنت تعلم أن العمل يحتاج إلى وجودك : فلا تقبل منه الإذن ، يجب أن تحضر ، ولو أذن لك بالغياب ، وأما إذا كان العمل لا يحتاج ، وأذن لك صاحبه المباشر : فأرجو ألا يكون في ذلك بأس .
" الباب المفتوح " ( 14 / السؤال 17 ) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
93608
العنوان:
شراء سيارة ممن اشتراها بقرض ربوي
السؤال:
ما حكم شراء سيارة بالتقسيط من مؤسسة مع العلم أن هذه المؤسسة تقترض أموالا من البنك بفائدة من أجل تمويل هذه العملية ؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يجزيك خيراً على حرصك على تحري التعامل الحلال، وحذرك من مباشرة الحرام، وبخصوص سؤالك عن المعاملة التي ذكرتها ، فلا شك في أن الاقتراض بفائدة هو عين الربا الذي حرمه الله ورسوله ، ومن القواعد الفقهية المتفق عليها بين العلماء "أن كل قرض جر نفعاً فهو ربا" ، فالمقترض بهذا قد وقع في كبيرة من كبائر الذنوب وهي التعامل بالربا ، ولكن وقوعه في الإثم من هذه الجهة لا يعني حرمة التعامل معه في البيع والشراء ، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعامل اليهود، وهم قوم كما وصفهم الله تعالى في كتابه بأنهم متعاملون بالربا أكَّالون للسحت .
فعلى هذا تجوز معاملة من يتعامل بالربا بيعاً وشراء .
فلا حرج عليك من شراء سيارة من هذه المؤسسة ، ولا إثم عليك في ذلك إن شاء الله تعالى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
93615
العنوان:
وضع خطوط في المسجد لتسوية الصفوف
السؤال:
ما حكم وضع شريط لاصق أو التعليم بالقلم لرسم خطوط مستقيمة لتسوية الصفوف في الصلاة ، فإني أتعرض دوما للفوضى ورفع الأصوات في المسجد احتجاجا على تأخر الإمام (المتحدث) في تسويته للصفوف ، ونرجو أن تنقلوا لنا أقوال أهل العلم وخاصة المعاصرين منهم في جواز أو تحريم ذلك ، وما العمل في مثل هذه الحال لإخماد الفتنة لأني في مسجد به جماعة متمسكة بقول الشيخ الألباني وتلاميذه في التحريم ، ومنهم من يتمسك بقول الشيخ ابن عثيمين في الجواز ، وما فتوى هيئة كبار العلماء في هذه المسألة ؟
الجواب:
الحمد لله
الأمر بتسوية الصفوف وارد في أحاديث كثيرة مشهورة ، منها قوله صلى الله عليه وسلم : (سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلَاةِ ) رواه البخاري (723) ومسلم (433) من حديث أنس رضي الله عنه .
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : ( لَتُسَوُّنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ وُجُوهِكُمْ ) رواه البخاري (717) ومسلم (436) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه .
وقد ذهب بعض أهل العلم إلى القول بوجوب تسوية الصفوف ؛ " لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلا باديا صدره قال : ( عباد الله ، لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) ، وهذا وعيد ، ولا وعيد إلا على فعل محرم أو ترك واجب . والقول بوجوب تسوية الصفوف قول قوي" انتهى من "فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ج13 سؤال رقم 375 .
وينبغي للإمام أن يأمر الناس بالتسوية ، وأن يتعاهدهم في ذلك .
وأما وضع خط على الحصير أو السجاد للمساعدة في تسوية الصف ، فلا حرج فيه ، وليس هو من البدع .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم عمل خط على الحصير أو السجاد بالمسجد نظرا إلى أن القبلة منحرفة قليلا بقصد انتظام الصف ؟(/1)
فأجابت : "لا بأس بذلك ، وإن صلوا في مثل ذلك بلا خط فلا بأس ؛ لأن الميل اليسير لا أثر له" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز . والشيخ عبد الرزاق عفيفي .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/315) .
وسئل الشيخ عبد الرزاق عفيفي رحمه الله : عن حكم رسم خطوط المساجد لتستوي الصفوف عليها .
فأجاب : "إذا كان الناس لا تستقيم صفوفهم إلا بذلك فلا بأس ، أو كان المسجد قد بني منحرفا عن القبلة ولا تستقيم الصفوف فيه إلا برسم خطوط فلا بأس بذلك إن شاء الله " انتهى من "فتاوى ورسائل الشيخ عبد الرزاق عفيفي" ص 412 .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " البدعة هي التعبد لله عز وجل بغير ما شرع . وعلى هذا فالبدع لا تدخل في غير العبادات ، بل ما أُحدث من أمور الدنيا ينظر فيه هل هو حلال أم حرام ، ولا يقال إنه بدعة . فالبدعة الشرعية هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بغير ما شرع يعني الذي يسمى بدعة شرعاً ، وأما البدعة في الدنيا فإنها وإن سميت بدعةً حسب اللغة العربية فإنها ليست بدعةً دينية بمعنى أنه لا يحكم عليها بالتحريم ولا بالتحليل ولا بالوجوب ولا بالاستحباب إلا إذا اقتضت الأدلة الشرعية ذلك . وعلى هذا فما أحدثه الناس اليوم من الأشياء المقربة إلى تحقيق العبادة لا نقول إنها بدعة وإن كانت ليست موجودة ، من ذلك مكبّر الصوت . مكبر الصوت ليس موجوداً في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه حدث أخيراً إلا أن فيه مصلحة دينية يبلغ للناس صلاة الإمام وقراءة الإمام والخطبة ، وكذلك في اجتماعات المحاضرات فهو من هذه الناحية خير ومصلحة للعباد ، فيكون خيراً ، ويكون شراؤه للمسجد لهذا الغرض من الأمور المشروعة التي يثاب عليها فاعلها .(/2)
ومن ذلك ما حدث أخيراً في مساجدنا من الفرش التي فيها خطوط من أجل إقامة الصفوف وتسويتها فإن هذا وإن كان حادثاً ولكنه وسيلةٌ لأمرٍ مشروع ، فيكون جائزاً أو مشروعاً لغيره، ولا يخفى على الناس ما كان الأئمة الحريصون على تسوية الصفوف يعانونه قبل هذه الخطوط ، فكانوا يعانون مشاكل إذا تقدم أحد ثم قالوا له تأخر. تأخرَ أكثر ثم قالوا له تقدم. تقدم أكثر يحصل تعب . الآن والحمد لله يقول الإمام : سووا صفوفكم على الخطوط ، توسطوا منها ، فيحصل انضباطٌ تام في إقامة الصف . هذا بدعة من حيث العمل والإيجاد ، لكنه ليس بدعة من حيث الشرع ؛ لأنه وسيلة لأمرٍ مطلوبٍ شرعاً " انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
هذا وينبغي لمن لم يقنع بهذا الكلام ، وأصر على قوله ببدعية الخط في المسجد ، أن يبين رأيه للإمام ، من باب النصيحة ، ثم يمسك عن إثارة الخلاف داخل المسجد ، لأن الإمام في حال وضعه للخطوط ، يكون قد أخذ بقول معتبر ، فلا وجه للإنكار عليه ، بل هذا القول هو الصواب كما سبق .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
93632
العنوان:
أدركت من وقت الصلاة قدر التحريم
السؤال:
أنا امرأة جاءني الحيض بعد أن غربت الشمس بدقائق ، فهل ألزم بقضاء صلاة المغرب ، إذا طهرت من الحيض ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء رحمهم الله ، فيمن جاءه المانع – أي : الذي يمنع من الصلاة - ، كالجنون والحيض بعد دخول وقت الصلاة ، هل يلزمه قضاء تلك الصلاة بعد زوال المانع ؟ على أقوال :
القول الأول : أن من أدرك من وقت الصلاة قدر تكبيرة الإحرام ، ثم جاءه المانع ، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع .
قال البهوتي رحمه الله في "كشاف القناع" (1/260) : " وَمَنْ أَدْرَكَ مِنْ أَوَّلِ وَقْتِ مَكْتُوبَةٍ قَدْرَ تَكْبِيرَةٍ ثُمَّ طَرَأَ عَلَيْهِ مَانِعٌ مِنْ جُنُونٍ أَوْ حَيْضٍ وَنَحْوِهِ كَنِفَاسٍ ، ثُمَّ زَالَ الْمَانِعُ بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهَا ; لَزِمَهُ قَضَاءُ الصَّلَاةِ الَّتِي أَدْرَكَ التَّكْبِيرَةَ مِنْ وَقْتِهَا فَقَطْ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ بِدُخُولِ أَوَّلِ الْوَقْتِ عَلَى المكلف " انتهى .
القول الثاني : أنه إذا مضى زمن يمكن فيه فعل الفريضة ، ثم حصل المانع من جنون أو حيض ، فإنه يلزمه قضاء تلك الصلاة إذا زال المانع ، وإذا كان الوقت الذي أدركه أقل مما يمكن فيه فعل الفريضة فلا يجب قضاؤها .
وانظر "المجموع" (3/50،72-73)
القول الثالث : أنه لا يلزم قضاء الصَّلاة ، إلا إذا أدرك من وقتها ما يكفي لصلاة ركعة كاملة ؛ لما روى البخاري (580) ومسلم (954) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الصَّلَاةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ ) .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى نور على الدرب" عن : امرأة دخل عليها وقت صلاة الظهر فانشغلت ببعض أمورها ، وقبل خروج الوقت همت بالصلاة إلا أنها حاضت فهل تصلي إذا طهرت ؟(/1)
فأجاب : " الصحيح أن المرأة إذا طهرت وقد أدركت من الوقت مقدار ركعة وجب عليها أن تقضي الصلاة ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة ) ، وهذه أدركت من وقتها ركعة فيجب عليها أن تقضي الصلاة " انتهى .
فيجب على من أدركت من الصلاة قدر ركعة ، ثم جاءها الحيض أن تقضي تلك الصلاة إذا طهرت من الحيض .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93635
العنوان:
هل تتزوج مسلماً أهله كاثوليك ؟ هل يُنسب أولادها لقومه الكفار ؟
السؤال:
أريد أن أعرف إذا تزوج مسلم تحول حديثا للإسلام هل يهم إذا كانت عائلته كاثوليكية ؟ أيضا بعد الزواج هل يأخذ الأطفال الاسم الأخير للأب حيث إنه غير مسلم ؟ أرجوكم انصحوني .
الجواب:
الحمد لله
أولاً:
حرَّم الإسلام على المرأة التزوج بغير مسلم ، وهو أمرٌ متفق عليه لا خلاف بين العلماء في هذا الحكم .
قال القرطبي – رحمه الله - :
وأجمعت الامة على أن المشرك لا يطأ المؤمنة بوجه ؛ لِما في ذلك من الغضاضة على الإسلام .
" تفسير القرطبي " ( 3 / 72 ) .
وينظر أجوبة الأسئلة : ( 69752 ) و ( 6402 ) و ( 22468 ) .
ويجوز للمسلمة أن تتزوج مسلماً هداه الله للإسلام بعد أن كان كافراً ، ولا يهم أن تكون أسرته كاثوليكية أو غيرها من مذاهب وأديان الكفر ، ولا يهم ـ كذلك ـ ما إذا كانت هدايته للإسلام قديمة ، أو كان قد دخل في الإسلام لتوه ؛ لكن المهم ـ كل الأهمية حقا ـ أن يكون إسلامه حقيقيّاً لا صوريّاً من أجل الزواج بمسلمة ؛ حيث وُجد من يُظهر دخوله في الإسلام عن اقتناع ويكون الحال خلاف ذلك ، فإن عُلم هذا الحال منه : فلا تجري على مثل هذا أحكام الإسلام .
قال الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :(/1)
لا بد أن تفهم الكلمة وتعقلها ، " لا إله إلا الله " أفضل الكلام , وهي أصل الدين ، وأساس الملة ، وهي التي بدأ بها الرسل عليهم الصلاة والسلام أقوامهم ، فأول شيء بدأ به الرسول قومه أن قال قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا , قال تعالى : ( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ ) الأنبياء/25 ، وكل رسول يقول لقومه : ( اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) فهي أساس الدين والملة ، ولا بد أن يعرف قائلها معناها , فهي تعني أنه لا معبود بحق إلا الله ، ولها شروط وهي : العلم بمعناها ، واليقين وعدم الشك بصحتها ، والإخلاص لله في ذلك وحده ، والصدق بقلبه ولسانه ، والمحبة لما دلت عليه من الإخلاص لله ، وقبول ذلك ، والانقياد له ، وتوحيده ونبذ الشرك به مع البراءة من عبادة غيره , واعتقاد بطلانها ، وكل هذا من شرائط قول لا إله إلا الله وصحة معناها ، يقولها المؤمن والمؤمنة مع البراءة من عبادة غير الله ، ومع الانقياد للحق ، وقبوله ، والمحبة لله ، وتوحيده ، والإخلاص له ، وعدم الشك في معناها ؛ فإن بعض الناس يقولها وليس مؤمناً بها كالمنافقين الذين يقولونها وعندهم شك أو تكذيب .
فلا بد من علم ، ويقين ، وصدق ، وإخلاص ، ومحبة ، وانقياد ، وقبول ، وبراءة .
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 3 / 49 ، 50 ) .
وانظر تفصيل شروط شهادة ( لا إله إلا الله ) بأدلتها في جوابي السؤالين : ( 9104 ) و ( 12295 ) .
ثانياً :(/2)
وبعد زواج المسلمة بمسلم فإن أولادهما يُنسبون إلى أبيهم ، ولا يجوز غير ذلك ، حتى لو كان أهله كفاراً ، فهذا نسبٌ تُبنى عليها أحكام كثيرة كصلة الرحم والمواريث وتحريم أو إباحة الزواج ، وغير ذلك ، ولذا فلا يجوز نسبة الابن المسلم لغير أبيه وأسرته ، وقد جاءت النصوص النبوية بالتشديد في هذا الأمر ، وجعل مخالفه واقعاً في كبيرة من كبائر الذنوب .
عن سعد بن أبي وقاص وأبي بكرة قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَن ادَّعَى أَباً فِي الإِسْلامِ غَيْرَ أَبيهِ يَعْلَمُ أنَّه غَيْرُ أَبِيهِ فالجَنَّةُ عَلَيْهِ حَرَامٌ ) .
رواه البخاري ( 4072 ) ومسلم ( 63 ) .
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لَيْسَ مِن رجل ادعى لِغَيْرِ أَبيهِ وَهُوَ يَعْلَمُهُ إِلاَّ كَفَرَ ، وَمَن ادَّعَى قَوْماً لَيْسَ لَهُ فِيهِم نَسَبٌ فَلْيَتَبوأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ) .
رواه البخاري ( 3317 ) ومسلم ( 61 ) .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله - :
وفي الحديث : تحريم الانتفاء من النسب المعروف ، والادعاء إلى غيره .
" فتح الباري " ( 10 / 308 ) .
ولا يُعرف في الأنبياء والصحابة والتابعين وأهل العلم من غيَّر نسبه من أجل كون آبائه أو أجداده كفَّاراً ! بل لا يفعل ذلك عاقل ؛ لما يترتب على ذلك من أمورٍ منكرة .
ولو تأمل أحدٌ كتب التراجم فسيجد أسماء أعجمية لآباء وأجداد كثير من علماء المسلمين ؛ حيث منَّ الله على الأبناء بالإسلام وظلَّ أهاليهم على الكفر ، ولم يتغير نسب هؤلاء العلماء لأهاليهم وقبائلهم مع وجود الأعجمية في الأسماء ، والكفر في الأديان .
ولمَّا حرَّم الشرع التبني حرَّم نسبة المتبنّى لغير أبيه وقبيلته ، قال تعالى : ( ادْعُوهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ ) الأحزاب/5 .(/3)
وفي حال عدم معرفة الأب لكونه لقيطاً – مثلاً – فإنه لا ينسب لأحدٍ بعينه ، بل يُدعى بالأخوة والمولاة ، كما قال تعالى في تتمة الآية السابقة : ( فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) .
ومن الأشياء المنكرة التي تبع فيها بعض المسلمين أهلَ الكفر هو نسبة الزوجة لزوجها ! وهذا أمرٌ محرَّم ومنكر ، بل يجب أن تنسب لأبيها .
وقد بيَّنا حكم انتساب الزوجة لغير أبيها في أجوبة الأسئلة رقم : ( 2537 ) و ( 1942 ) و ( 4362 ) و ( 6241 ) .
والخلاصة :
يجوز للمسلمة التزوج بمسلم أسلم حديثاً إذا كان إسلامه عن صدق ويقين ، ولا يهم كون أهله على أي مذهب كفري ، ويجب أن يُنسب الأبناء لأبيهم المسلم وآبائه وأجداده ولو كانوا كفّاراً ، ولا يجوز غير ذلك .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
93701
العنوان:
حكم تارك الزكاة
السؤال:
أعمل مع رجل لا يزكي ولا يدفع ولا درهماً واحداً للزكاة وحتى إنه يوم أداء الزكاة قام بالفرار من المدينة التي يقطنها كي لا يزعجه طالبو الزكاة, فما حكم هذا الرجل ؟ هل هو كافر مرتد أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
تارك الزكاة إما أن يكون مقرا بوجوبها أو لا ، فإن كان غير مقر بوجوبها ، فهو كافر بإجماع المسلمين ، لإنكاره شيئا معلوما من الدين بالضرورة وأما إن كان مقرا بوجوبها ، لكنه لا يخرجها بخلا ، فليس بكافر في قول جماهير أهل العلم ، وذهب بعض العلماء إلى كفره .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/228): " : فمن أنكر وجوبها جهلا به , وكان ممن يجهل ذلك إما لحداثة عهده بالإسلام , أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار , عرف وجوبها , ولا يحكم بكفره ; لأنه معذور , وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد , تجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا , فإن تاب وإلا قتل ; لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة , فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله , فإذا جحدها لا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة , وكفره بهما .
وإن منعها معتقدا وجوبها , وقدر الإمام على أخذها منه , أخذها وعزره , ولم يأخذ زيادة عليها , في قول أكثر أهل العلم , منهم أبو حنيفة ومالك والشافعي وأصحابهم .
وقال إسحاق بن راهويه وأبو بكر عبد العزيز : يأخذها وشطر ماله ...
فأما إن كان مانع الزكاة خارجا عن قبضة الإمام قاتله ؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم قاتلوا مانعيها , وقال أبو بكر الصديق رضي الله عنه : لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه " انتهى .(/1)
وسئل علماء اللجنة الدائمة : لقد كتبتم في عدد سابق أن الذي يصوم ولا يصلي لا يجوز صومه، والآن العكس فهل الذي يصلي ولا يصوم تجوز صلاته. وهل الذي لا يزكي ويصلي تجوز صلاته. وهل الذي يحج ولا يصلي يجوز حجه؟
فأجابوا : "من ترك صوم شهر رمضان جحدًا لوجوبه كفر ولا تصح صلاته ، ومن تركه عمدًا وتساهلًا فلا يكفر في الأصح وتصح صلاته ، ومن ترك الزكاة المفروضة جحدًا لوجوبها كفر ولا تصح صلاته، ومن تركها عمدًا تساهلا وبخلا فلا يكفر وتصح صلاته، وهكذا الحج من تركه جحدًا لوجوبه مطلقًا كفر أما من تركه مع الاستطاعة تساهلا لم يكفر وتصح صلاته " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10/143) .(/2)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن الزكاة : " وهي فرض بإجماع المسلمين ، فمن أنكر وجوبها فقد كفر ، إلا أن يكون حديث عهد بإسلام ، أو ناشئا في بادية بعيدة عن العلم وأهله فيعذر ، ولكنه يُعَلَّم ، وإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدا ، وأما من منعها بخلا وتهاونا ففيه خلاف بين أهل العلم ، فمنهم من قال : إنه يكفر ، وهو إحدى روايتين عن الإمام أحمد ، ومنهم من قال : إنه لا يكفر ، وهذا هو الصحيح ، ولكنه قد أتى كبيرة عظيمة ، والدليل على أنه لا يكفر حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة ، ثم قال : ( حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله : إما إلى الجنة وإما إلى النار ) . وإذا كان يمكن أن يرى له سبيلا إلى الجنة فإنه ليس بكافر ؛ لأن الكافر لا يمكن أن يرى سبيلا له إلى الجنة ، ولكن على مانعها بخلا وتهاونا من الإثم العظيم ما ذكره الله تعالى في قوله : ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) آل عمران/180 ، وفي قوله : ( وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ ) التوبة/34،35 " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/14).
وينبغي نصح هذا المتهاون بالزكاة ، وتذكيره بعظم شأنها ، والنصوص الواردة في وعيد من بخل بها .
والله أعلم.(/3)
رقم السؤال:
93733
العنوان:
التأمين على دعاء الشيخ في التلفاز
السؤال:
ما حكم التأمين عند دعاء أحد الشيوخ أثناء برنامج تلفزيوني ؟
الجواب:
الحمد لله
التأمين على الدعاء مشروع ، سواء كان الداعي قريبا أو بعيدا يُسمع في تلفاز أو مذياع ، فمن سمع الدعاء وأحب أن يكون من أهله الداخلين فيه ، فليقل : آمين ، وهي اسم فعل بمعنى : استجب ، فهو يسأل ربه أن يستجيب هذا الدعاء ، ويحقق له ما فيه ، وهو سبحانه خير مسئول ، جل وعلا .
لكن إذا كان البرنامج مسجلاً ، فلا يشرع التأمين خلف الداعي .
فقد سئل علماء اللجنة الدائنة للإفتاء : هل إذا سمعت شريطاً صدر قبل سنة أو سنتين فيه شيخ يدعو ، هل أؤمن على دعائه ؟
فأجابوا :
"الدعاء والتأمين عليه عبادة ، والمشروع هو التأمين على دعاء الداعي الحاضر ، أما الدعاء المسجل على الأشرطة فلا يشرع التأمين عليه ؛ لأنه ليس هناك شخص يدعو له على الحقيقة.
وبالله التوفيق ، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ... الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ صالح الفوزان ... الشيخ بكر أبو زيد .
"فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء" (24/256) .(/1)
رقم السؤال:
93769
العنوان:
خروج المني بغير شهوة لا يفسد الصوم
السؤال:
ينزل منى المنى بصفة يومية في شهر رمضان مما يمنعني من الصيام مع العلم أن هذا لا يحدث في الأيام العادية ، فهل هذا بسبب ضعف الإيمان؟ مع العلم أني لست مصاباً بأي أمراض ، وماذا علي أن أفعل خصوصاً أن أيام رمضان المباركة تمر دون أن أصوم؟ ملحوظة: ذهبت لأعتمر منذ شهر فحدث نفس الشيء . أيضا أرجو الإفادة .
الجواب:
الحمد لله
لم يتضح لنا مرادك بقولك : " ينزل منى المنى بصفة يومية في شهر رمضان "
1- فإن كان المقصود : أنك تحتلم ، وينزل المني بذلك ، فهذا لا يؤثر على الصوم ، لأنه خارج بغير إرادة الإنسان .
2- وإن كان المقصود أن المني يخرج في اليقظة بغير فعل منك ، بل يخرج بنفسه ، وكنت متأكدا من كونه منيا ، فهذا يكون عن مرض غالبا ، وجمهور العلماء من الحنفية والمالكية والحنابلة - وهو الصحيح - أنه لا يوجب الغسل ، وراجع جواب السؤال رقم (84409).
ولا يفسد الصوم بخروج هذا المني ، لأنه خارج بدون إرادة واستدعاء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولو استمنى بيده فقد فعل محرما , ولا يفسد صومه به إلا أن ينزل , فإن أنزل فسد صومه . فأما إن أنزل لغير شهوة , كالذي يخرج منه المني أو المذي لمرض , فلا شيء عليه ; لأنه خارج لغير شهوة , أشبه البول , ولأنه يخرج من غير اختيار منه , ولا تسبب إليه , فأشبه الاحتلام " انتهى من "المغني" (3/21) باختصار .
والحاصل : أن المني لو خرج بغير فعل من الصائم ، لا بيده ولا بالمباشرة أو تكرار النظر ، فإن صومه لا يفسد . وغالبا ما يكون خروج المني على هذه الصفة لعلة ومرض .(/1)
3- وأما من استمنى ، أي استدعى خروج المني بيده ، أو بتكرار النظر إلى ما يثير شهوته ، فهذا يفسد صومه ، مع الإثم الكبير ، لأنه ارتكب محرمين : الأول الاستمناء ، والثاني : تعمد الفطر في نهر رمضان ، وهو ذنب عظيم كبير ، وقد جاء فيه من الوعيد ما رواه ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ [الضبع هو العضد] فأتيا بي جبلا وعِرا ، فقالا : اصعد فقلت : إني لا أطيقه . فقالا : إنا سنسهله لك . فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا : هذا عواء أهل النار . ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دما، قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم . صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم 1509.
4- وقد يكون الأمر مشتبها عليك ، فلم تفرق بين المني ، وبين المذي والودي ، وكلاهما لا يفسد الصوم .
وإليك الفرق بين هذه الأمور :
فالمذي ماء رقيق لزج يخرج عند الملاعبة أو تذكر الجماع أو إرادته أو نظر ، وقد لا يحس به الإنسان .
والودي ماء أبيض ثخين ، يخرج قطرات بيضاء بعد البول غالبا. وكلاهما نجس ، ينقض الوضوء ، إلا أن نجاسة المذي أخف ، فيكفي فيه النضح ، وهو أن يعم المحل الذي أصابه بالماء دون عصر أو فرك .
ولا يجب الغسل منهما ، ولا يفسد الصوم بهما .
وأما المني فماء أبيض ، يخرج على وجه الدفق والشدة ، ويعقبه فتور ، والرطب منه له رائحة كرائحة العجين أو طلع النخل ، واليابس منه رائحته كرائحة بياض البيض ، وهو طاهر ، لكنه يوجب الغسل ، إلا إذا خرج يقظة بلا شهوة ، كما سبق ، فلا يجب الاغتسال منه.(/2)
وأما حصول ذلك معك وأنت مسافر للعمرة ، فإن كان ذلك احتلاماً وأنت نائم ، فيجب عليك الاغتسال ، ولا يجوز دخول المسجد الحرام ولا الطواف بالكعبة للجنب ، وإن كان ذلك نهاراً بدون شهوة ، فلا يجب عليك إلا الوضوء فقط .
ولعلنا بذلك نكون قد أجبنا سؤالك ، فإن كان هناك إشكال ، فأعد طرحه ، ويسعدنا تواصلك .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
93775
العنوان:
هل يهجر أخته أو يضربها لعدم ارتدائها الحجاب !
السؤال:
هل يجوز للأخ أن يقاطع أخته إن رفضت التقيد بالحجاب الشرعي؟ حتى ولو كان ذلك من باب الإجبار على ذلك. وهل يمكنه أن يلجأ للضرب في حال تعذر جميع الوسائل الإقناعية؟ مع العلم بموافقة الوالدين لها. ما أود توضيحه لكم أنها تغطي رأسها وترتدي بنطلونات واسعة.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي للأخ أن يكون عونا لأخته على طاعة الله تعالى ، ومن ذلك نصحها وتوجيهها للبس الحجاب الذي أمر الله تعالى به ، وأن يسلك في ذلك سبيل الحكمة ، والموعظة والدعوة بالتي هي أحسن ، وأن يدع الغلظة والشدة ، فإن الرفق ما كان في شيء إلا زانه ، وما نزع من شيء إلا شانه ، قال تعالى : ( ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحو/125 ، وقال سبحانه : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159 .
وقال عز وجل : ( وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا ) الإسراء/53 .
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ ، وَيُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ ، وَمَا لَا يُعْطِي عَلَى مَا سِوَاهُ ) رواه مسلم (2593).
وقال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ يُحْرَمْ الرِّفْقَ يُحْرَمْ الْخَيْرَ ) رواه مسلم (2592).
وهذا الرفق يتأكد في حق الداعية إذا كان خطابه موجها لأهله وأقاربه ، لما لهم من الحق في الصلة والإحسان والبر .
ثانيا :(/1)
هجر أهل البدع والمعاصي مشروع ، إذا غلب على الظن نفعه وتأثيره ، كما هجر النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة الذي خلفوا عنه في غزوة تبوك ، حتى تاب الله عليهم .
وقد يكون الهجر سببا في زيادة التمرد والعناد ، وحائلا دون استمرار النصح والدعوة ، فيمنع حينئذ .
فالهجر بمنزلة الدواء ، يستعمل عند الحاجة ، إذا غلب على الظن نفعه .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم ؛ فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله ، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة بحيث يفضي هجره إلى ضعف الشر وخفيته : كان مشروعا ، وإن كان لا المهجور ولا غيره يرتدع بذلك ، بل يزيد الشر ، والهاجر ضعيف، بحيث يكون مفسدة ذلك راجحة على مصلحته : لم يشرع الهجر ، بل يكون التأليف لبعض الناس أنفع من الهجر .
والهجر لبعض الناس أنفع من التأليف ، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يتألف قوماً ويهجر آخرين " انتهى من "مجموع الفتاوى" ( 28 / 206 ) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : بعض الشباب -هدانا الله وإياهم- يتهاونون في الصلاة تهاوناً عظيماً, لدرجة تصل إلى تركها بالكلية, وهؤلاء الشباب قد يكونون أقارب لنا مثل: الإخوان وغير ذلك, وبعضهم أصدقاء, فكيف التعامل معهم في نظركم: هل نقاطعهم مقاطعة شرعية أم ماذا؟(/2)
فأجاب : "لا شك أن التهاون بالصلاة سبب الشقاء والبلاء؛ لأن الصلاة إذا صلحت صلحَت الأعمال, وإذا فسدت فسدت الأعمال, فهي للأعمال بمنزلة القلب, ولهذا عند الحساب يوم القيامة أول ما ينظر في الصلاة, إن كان قد أضاعها هو لما سواها أضيع, وإن كان قد حافظ عليها ينظر في بقية أعماله, والصلاة عمود الدين إذا سقطت سقط البناء, ولقد قال الله تعالى: ( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا يُظْلَمُونَ شَيْئاً ) مريم/59-60 . هؤلاء الذين يتهاونون في الصلاة من الآباء والأبناء والإخوان، والأعمام والعمات والخالات وغيرهم من الأقارب, أو من الأصحاب أو من الجيران, يجب علينا أن ننصحهم ونحذرهم ونبين لهم ما في الصلاة من الخير والأجر العظيم, والآثار الحميدة, وما في تركها وإضاعتها من الشر والبلاء, فإن اهتدوا فهذا المطلوب, وإن لم يهتدوا نظرنا: هل في هجرهم والبعد عنهم فائدة بحيث يخجلون فيستعتبون, أو هذا لا يزيد الأمر إلا شدة ونفوراً ؟ إن كان الثاني فإننا لا نهجرهم, وإن كان الأول فإننا نهجرهم, أي: إذا هجرناهم خجلوا واستقاموا, فهنا نهجرهم حتى يستقيموا, وإن كان الهجر لا يفيد شيئاً بل لا يزيد الأمر إلا شدة وبعداً ونفوراً منا فلا نهجرهم, لأن الهجر دواء, والدواء متى يستعمل؟ يستعمل عند الحاجة وعند ظن النفع, إذا لم تظن النفع في الدواء فلا تستعمله " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (209/5).
ثانيا :(/3)
ليس لك اللجوء إلى ضرب أختك في حال إصرارها على ترك الحجاب ، إذ لا سلطان لك عليها في ذلك ، وحسبك النصح والبيان ، والاستعانة بالوالدين ، وتذكيرهم بما أوجب الله عليهم من المسئولية ، والقيام على شئون الرعية ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا) رواه البخاري (893) ومسلم (1829).
نسأل الله لأختك الهداية والتوفيق والسداد .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
93821
العنوان:
استنشاق الصائم لبخار الماء
السؤال:
ما حكم صيام من يستحم في نهار رمضان بالماء الساخن ثم يتكون بخار ماء في حمامه والذي سيكون لا بد من استنشاقه؟ فقد احتلمت في نهار رمضان واضطررت لرش الماء الساخن على الفرج لخروج باقي المني! كذلك فإني أستحم أحياناً وأنا صائم بالماء الساخن حتى عندما لا أكون جنباً.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
استنشاق الصائم للبخار الناتج عن استحمامه بالماء الساخن ، لا يفطّر ؛ لدخوله الجوف قهرا وغلبة بلا قصد .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة : أفيدكم بأنني أحد العاملين في المؤسسة العامة للتحلية، ويحل علينا شهر رمضان ونحن صائمون وعلى رأس العمل، والذي فيه بخار ماء من المحطة التي نعمل بها، وقد نستنشقه في كثير من الأحوال، فهل يبطل صيامنا؟ وهل يلزمنا قضاء ذلك اليوم الذي قد استنشقنا فيه بخار الماء سواء كان فريضة أم نافلة، وهل علينا عن كل يوم صدقة؟
فأجابوا : إذا كان الأمر كما ذكر؛ فصيامكم صحيح ولا شيء عليكم " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (10/275)
ثانيا :
قولك : " واضطررت لرش الماء الساخن على الفرج لخروج باقي المني! ".
جوابه : أن إخراج المني بهذه الطريقة ، هو من الاستمناء المحرم ، وهو مبطل للصوم ، ويلزم منه التوبة مع القضاء .
وفعلك هذا من التعدي على حرمات الله ، فإن الاحتلام لا يؤاخذ به الصائم ، لأنه لا يد له فيه ، وأما تعمده إخراج بقية المني ، فهذه جناية على الصوم وإبطال له .
نسأل الله أن يعفو عنا وعنك .
والله أعلم .
تنبيه :
ثم أرسل إلينا السائل ما يلي :
أنا صاحب سؤال رقم (...) وقد أفتيتم لي أنه يجب علي أن أقضي صيام ذلك اليوم لأن ذلك يعتبر استمناء، علماً أني كنت جاهلاً تماماً بأن ذلك يعتبر استمناء ، لأني لم أكن أحس بأي لذة أو شهوة عند فعل ذلك .(/1)
والآن أريد أن أعرف بالنسبة لمسألة صيام الست من شوال. فعندما وصلتني إجابتكم كنت قد أنهيت صيام الأيام الستة وعندما قضيت ذلك اليوم المذكور، قضيته بتاريخ 23 شوال . وقد جعلني هذا أستنتج أن صيامي للأيام الست لم يكن صحيحاً لأني لم أكن أكملت صيام رمضان ولذا يجب علي إعادة صيام الست من شوال بعد قضاء ذلك اليوم. وغداً هو اليوم الـ 24 من شوال، أي أني يجب أن أعيد صيام الست غداً مباشرةً لكي أضمن صيام ستة أيام. سؤالي الآن بالنسبة للأيام الست التي صمتها سابقاً، هل ستعتبر لي صيام نافلة على الأقل؟ أم أنها غير صحيحة على الإطلاق؟
الحمد لله
إذا كان استعمالك للماء الساخن لإخراج بقية المني الحاصل من الاحتلام ، لا يصحبه لذة أو شهوة ، فصيامك صحيح ، لأن خروج المني من غير لذة لا يفسد الصوم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "إذا نزل المني بغير شهوة فصومه صحيح ولا قضاء عليه" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/238).
وقال أيضا : " والمني إذا خرج بغير شهوة فإنه لا يوجب الغسل " انتهى من "شرح الكافي".
وبناء على ذلك ، فصيامك ذلك اليوم من رمضان صحيح ، ولا يجب عليك قضاؤه ، وأما قضاؤك له بناء على الفتوى السابقة ، فيحسب لك صيام نفل إن شاء الله تعالى ، وصيامك للست من شوال حاصل بعد صيام رمضان تامّاً ، والحمد لله ، ولست بحاجة لإعادة صيامها .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93858
العنوان:
هل يجوز استقبال القبر عند الدعاء لصاحبه ؟
السؤال:
هل يجوز استقبال القبر عند الدعاء لصاحبه ؟
الجواب:
الحمد لله
يجب أن نفرق بين أمرين اثنين مشتبهين :
الأول : القصد إلى القبر وتحري استقباله أثناء دعاء الإنسان لنفسه ، تبركا ، واعتقادا بقرب ذلك الإجابة : فهذا لا شك من البدع المحدثة ، ومن الغلو الذي نهت عنه الشريعة ، قد يؤدي إلى الوقوع في الشرك إذا صار الداعي يسأل صاحب القبر أن يقضي له الحاجات .
يقول ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (27/165) :
" وأما زيارة القبور لأجل الدعاء عندها أو التوسل بها أو الاستشفاع بها فهذا لم تأت به الشريعة أصلا ، ولهذا كانت السنة عند الصحابة وأئمة المسلمين إذا سلم العبد على النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبيه أن يدعو الله مستقبل القبلة ، ولا يدعو مستقبل الحجرة ، ولم أعلم الأئمة تنازعوا في أن السنة استقبال القبلة وقت الدعاء ، لا استقبال القبر النبوي ." انتهى
ويقول أيضا رحمه الله في "اقتضاء الصراط المستقيم" (364) :
" ولعل هذا الذي ذكره الأئمة أخذوه من كراهة الصلاة إلى القبر ، فإن ذلك قد ثبت النهي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم ، كما تقدم ؛ فلما نهى أن يتخذ القبر مسجدا أو قبلة ، أمروا بأن لا يتحرى الدعاء إليه كما لا يصلي إليه . قال مالك في المبسوط : لا أرى أن يقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ، ولكن يسلم ويمضى .
وهذا أصل مستمر ، فإنه لا يستحب للداعي أن يستقبل إلا ما يستحب أن يصلي إليه ، ألا ترى أن المسلم لما نهى عن الصلاة إلى جهة المشرق وغيرها ، فإنه ينهى أن يتحرى استقبالها وقت الدعاء ، ومن الناس من يتحرى وقت دعائه استقبال الجهة التي يكون فيها معظمه الصالح، سواء كانت في المشرق أو غيره ، وهذا ضلال بين وشرك واضح ." انتهى.(/1)
والمسلم حين يعبد الله بالدعاء يستحب له أن يتوجه إلى القبلة التي أمرنا بتعظيمها ، وليس إلى قبور البشر الذين لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا .
جاء في "كشاف القناع" ـ من كتب الحنابلة ـ (1/367) :
" ويستقبل الداعي القبلة لأن خير المجالس ما استقبل به القبلة " انتهى .
ومثله في حاشية "تحفة المحتاج" ـ من كتب الشافعية ـ (2/105) .
ويقول ابن تيمية رحمه الله في "نقض التأسيس" (2/452) :
" إن المسلمين مجمعون على أن القبلة التي يشرع للداعي استقبالها حين الدعاء هي القبلة التي شرع استقبالها حين الصلاة " انتهى .
الثاني :
أما عند زيارة القبر للدعاء للميت والاستغفار له ، كما يصنع الناس عند زيارة موتاهم في قبورهم ، فلا حرج على من يستقبل القبر في دعائه حينئذ ، فإنه لم يفعل ذلك تقصدا لبركة ذلك القبر أو تعظيما لجهته ، إنما ليكون أقرب في مكانه من الميت ، وأقرب في دعائه منه .
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله (13/338) ما يلي :
هل ينهى عن استقبال القبر حال الدعاء للميت ؟
فأجاب رحمه الله :
" لا ينهى عنه ؛ بل يدعى للميت سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على القبر بعد الدفن ، وقال : ( استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل ) رواه البخاري .
ولم يقل استقبلوا القبلة ، فكله جائز ، سواء استقبل القبلة أو استقبل القبر ، والصحابة رضي الله عنهم دعوا للميت وهم مجتمعون حول القبر ." انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93866
العنوان:
إذا تناول المفطر جاهلا بالحكم أو الوقت
السؤال:
لقد قرأت إجابتكم على سؤال رقم 80425 ، ولقد كنت أعاني من نفس مشكلة الأخ السائل ، ولكن الفرق بيني وبينه أن الطعام إذا وصل لحلقي كنت أبتلعه ظناً مني أنه لا يفطر ، لأن هذا الطعام مصدره المعدة فأرجعته لمصدره ( جهلاً مني )، ولقد قرأت أنه يجب علي القضاء لكن لا أذكر عدد الأيام التي فعلت فيها ذلك لأنها كانت في الماضي ، والآن أنا قد تركت هذه العادة ، فما الذي أفعله ؟
الجواب:
الحمد لله
ما دمت لا تعلم أن ابتلاع هذا الطعام مفطر ، فلا قضاء عليك ؛ لأن الجهل بالمفطرات عذر على الصحيح .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " والمفطرات التي تكون باختيار المرء لا يفطر بها الإنسان إلا بشروط ثلاثة هي :
الشرط الأول : أن يكون عالما ، وضد العالم الجاهل .
فإذا أكل الإنسان وهو جاهل فإنه لا قضاء عليه ، والجهل نوعان :
1- جهل بالحكم : مثل أن يتقيأ الإنسان متعمدا لكن لا يدري أن القيء مفسد للصوم ، فهذا لا قضاء عليه لأنه جاهل ، والدليل على أن الجاهل بالحكم لا يفطر ما ثبت في الصحيحين من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه جعل تحت وسادته عقالين أحدهما أسود ، والثاني أبيض ، والعقالان هما الحبلان اللذان تعقل بهما الإبل ، فجعل ينظر إليهما ، فلما تبين له الأبيض من الأسود ، أمسك عن الأكل والشرب ، فلما غدا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخبره بذلك فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (إن وسادك لعريض ، أنْ وسع الخيط الأبيض والأسود ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) . ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ، لأنه كان جاهلا بمعنى الآية الكريمة .(/1)
2- جهل بالوقت : مثل أن يأكل الإنسان يظن أن الفجر لم يطلع ، فيتبين أنه قد طلع ، فهذا لا قضاء عليه ، ومثل أن يفطر في آخر النهار يظن أن الشمس قد غربت ثم يتبين أنها لم تغرب ، وهذا أيضا لا قضاء عليه ، والدليل ما رواه البخاري عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنه قالت : ( أفطرنا في يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس ). ووجه الدلالة من هذا : لو كان الصوم فاسدا لكان القضاء واجبا ، ولو كان القضاء واجبا لأمرهم بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ولو أمرهم بذلك لنقل إلينا ، لأن ذلك من حفظ الشريعة ، فلما لم ينقل علم أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمرهم به ، ولما لم يأمرهم به علم أن الصوم غير فاسد ، فلا قضاء في هذه الحال ، ولكن يجب على الإنسان متى علم أن يمسك عن الأكل والشرب ، حتى لو كانت اللقمة في فمه وجب عليه لفظها " انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/116) بتصرف يسير .
ثم ذكر الشرط الثاني والثالث ، وهو أن يكون ذاكرا ، مختارا .
وبهذا تعلم أنه لا قضاء عليك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
93872
العنوان:
تقع في الذنب المرة بعد المرة وتظن أن خطيبها من أسباب ذلك
السؤال:
أريد أن أتوب عن بعض المعاصى ، ولكن لا أستطيع ، كل ما أنوى التوبة وأندم على ما فعلت أعود إليها مرة أخرى ، وخطيبي يكاد يكون سبباً في تلك المعاصي ، وكل مرة يعدنى أنه سوف يساعدنى على التوبة ، ولكن بلا جدوى ، فلا أعرف ماذا أفعل ؟ مع العلم أنى محجبة حجاباً إسلاميّاً ، فهل أفسخ خطوبتى أم ماذا أفعل ؟ مع العلم أنه سوف يتم زفافي في خلال شهور ، وأنا أحبه كثيراً وهو أيضاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله لك ولخطيبك الهداية ، وأن يمنَّ عليكما بالتوبة الصادقة ، والعمل الصالح ، وأن يجعل منكما نواة أسرة صالحة ترعى حق الله ، وتقيم شرائعه ، وتعظم شعائره .
ثانياً :
بحسب ما ظهر لنا من سؤالكِ فإننا نجد فيك حباً للخير ، وبغضا للشر ، ومن علامات ذلك : التزامكِ بالحجاب الشرعي ، واستياؤك من الرجوع إلى الذنب بعد التوبة منه .
والأمر - يا أختنا - لا يتعلق بشخصٍ نضع عليه حِملَنا بأنه لا يعيننا على الطاعة ، أو أنه لا يكف أنفسَنا عن المعصية ، بل الأمر كله يتعلق بالإنسان وحده وبنفسه الأمَّارة بالسوء ، واستجابة لنزغات الشيطان ، ونحن نريد منك أن تصلحي نفسكِ لتكوني سبب إصلاح زوجك، بل وذريتكِ .
وما تقترحينه من فسخ الخطوبة ليس هو الحل ؛ لأنك متعلقة به ، وهو متعلق بك .
وهل إذا فُسخت الخطوبة سيكون حالكِ مع الله تعالى أحسن ؟ إذا كان الجواب : نعم ، فلمَ لا يكون الأمر كذلك الآن ؟ وأنت لم تتزوجي بعدُ ، فيمكنك الجمع بين التوبة الصادقة والزوج المحبوب إذا رجعتِ إلى دينك حق الرجوع .
ثالثاً :(/1)
واعلمي أن التّوبة من المعاصي واجبة شرعاً على الفور باتّفاق العلماء ، قال اللّه تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ) التحريم/8 .
والتوبة الصادقة النصوح تتعلق بأمرٍ ماضٍ وحاضر ومستقبل ، أما الماضي فهو الندم على ما فعلتِ ، وأما الحاضر فهو الإقلاع فوراً عن المعصية ، وأما المستقبل فهو العزم التام على عدم الرجوع إليها .
قال الشنقيطي رحمه الله :
"التوبة النصوح : هي التوبة الصادقة ، وحاصلها : أن يأتي بأركانها الثلاثة على الوجه الصحيح ، بأن يقلع عن الذنب إن كان متلبساً به ، ويندم على ما صدر منه من مخالفة أمر ربّه جل وعلا ، وينوي نيّة جازمة ألاّ يعود إلى معصية الله أبدا " انتهى .
"أضواء البيان" ( 6 / 206 ) .
رابعاً :
إذا تاب الإنسان توبة نصوحاً ثم ضعفت نفسه واستزله الشيطان وعاد إلى الذنب مرة أخرى لم تبطل بذلك توبته السابقة ، ولكن عليه أن يتوب توبة أخرى من الذنب الجديد ، وهكذا ، كلما أحدث ذنبا أحدث له توبة .
قال الشنقيطي رحمه الله :
"وأظهر أقوال أهل العلم أن من تاب توبة نصوحاً ، وكفَّر الله عن سيئاته بتلك التوبة النصوح ، ثم عاد إلى الذنب بعد ذلك : أن توبته الأولى الواقعة على الوجه المطلوب لا يبطلها الرجوع إلى الذنب ، بل تجب عليه التوبة من جديد لذنبه الجديد ، خلافاً لمن قال : إنّ عوده للذنب نقضٌ لتوبته الأولى" انتهى .
"أضواء البيان: (6/206) .
وليس له أن يترك التوبة والاستغفار كلما وقع في الذنب ، بل ودَّ الشيطان لو ظفر بهذا من العبد العاصي ، حتى يجمع عليه الذنب واليأس من رحمة الله بترك التوبة والاستغفار .
قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله :(/2)
"قيل للحسن البصري : ألا يستحيى أحدنا من ربه يستغفر من ذنوبه ثم يعود ، ثم يستغفر ثم يعود ؟ فقال : ودّ الشيطان لو ظفر منكم بهذا ، فلا تملُّوا من الاستغفار" .
" جامع العلوم الحِكَم " ( 1 / 165 ) .
ونقل ابن رجب الحنبلي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه قال :
" أيها الناس مَن ألمَّ بذنبٍ : فليستغفر الله ، وليتب ، فإن عاد : فليستغفر الله ، وليتب ، فإن عاد : فليستغفر ، وليتب ، فإنما هي خطايا مطوَّقة في أعناق الرجال ، وإن الهلاك : في الإصرار عليها " .
" ثم قال ابن رجب : ومعنى هذا : أن العبد لا بد أن يفعل ما قدِّر عليه من الذنوب ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُتب على ابن آدم حظه من الزنا فهو مدرك ذلك لا محالة ) ولكن الله جعل للعبد مخرجاً مما وقع فيه من الذنوب ، ومحاه بالتوبة ، والاستغفار ، فإن فعل : فقد تخلص من شر الذنوب ، وإن أصرَّ على الذنب : هلك" انتهى .
" جامع العلوم الحِكَم " ( 1 / 165 ) .
خامساً :
الوصية لكِ ، ولخطيبك : أن تكونا على الحال التي يحبها الله تعالى ، ويجب عليكِ أن تنصحيه بما أعلمناكِ به من وجوب التوبة ، وأن تكون نصوحاً صادقة ، واعلما أن العمر قصير ، ولا يدري الإنسان متى يلقى ربّه تعالى ، فليحرص على أداء الطاعات ، وترك المنكرات ، قبل أن تأتي ساعة الندم ، فلا يستطيع تأخير موته لحظة ، ولا الرجوع إلى الدنيا إذا مات وانتهى أجله .
وعليكما أن تتعاونا على الطاعة ، وتتعاهدا على ترك المعصية ، واجعلا وقتكما عامراً بذكر الله تعالى ، وحافظا على أذكار الصباح والمساء ، وعلى النوافل والدعاء ، وإياكما أن يكون زفافكما فيه معصية وغناء ، واختلاط وفحشاء ؛ فإن هذا مما يغضب الرب تعالى .
ونسأل الله عز وجل أن يبارك لكما ، وعليكما ، وأن يجمعا بينكما على خير ، ونسأله تعالى أن يوفقكما لما فيه رضاه .
سادساً :(/3)
إن كانت معصيتك هو ما يقع بين الخطيب ومخطوبته من بعض التجاوزات ، فالنصحية لكما أن تعجلا عقد النكاح ، حتى تكوني زوجة له ، ويكون زوجاً لك ، فيحل لكما ما يحل للرجل من امرأته ، والمرأة من زوجها .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
93998
العنوان:
يريد أن يعتكف الليالي الوتر فقط
السؤال:
هل يجوز لي أن أعتكف الليالي الفردية من شهر رمضان لأنني لا أستطيع اعتكاف العشرة كاملة بسبب أني متزوج حديثا وزوجتي تبقى لوحدها في بيتي مع أنني أسكن بجوار أهلي ؟.
الجواب:
الحمد لله
الأفضل أن يعتكف المسلم العشر الأواخر كلها ، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم ، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ . رواه البخاري (2025) ومسلم (1171) .
وإذا لم يمكنه اعتكاف العشر الأواخر كلها ، واقتصر على بعض أيامها أو لياليها فلا حرج في ذلك ، وقد روى البخاري أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بنذره . رواه البخاري (2042) ومسلم (1656) ففيه دليل على صحة اعتكاف ليلة .
وقد سبق في جواب السؤال (38037) أن الاعتكاف لا حد لأقله ، ونقلنا فتوى الشيخ ابن باز في ذلك .
والذي ينبغي هو الاجتهاد في العبادة في هذه العشر ، والتزود منها بقدر الاستطاعة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
94019
العنوان:
هل يخلو بامرأة ليصلي بها إماماً؟
السؤال:
هل يجوز الاختلاء بامرأة للصلاة بها إماما ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يخلو بامرأة أجنبية عنه .
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلونَّ رجل بامرأةٍ إلا ومعها ذو محرَم ) رواه البخاري ( 5233 ) ومسلم ( 1341 ) .
وقال صلى الله عليه وسلم : (لا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ ، فَإِنَّ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه أحمد (178) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1813) .
وهذه الأحاديث عامة ، تدل على تحريم خلوة الرجل بالمرأة في أي حال ولو كان ذلك من أجل الصلاة ، وقد نص على تحريم ذلك أهل العلم .
قال النووي في "المجموع" (4/174) :
" قال أصحابنا : إذا أمَّ الرجل بامرأته أو محرم له , وخلا بها جاز بلا كراهة ; لأنه يباح له الخلوة بها في غير الصلاة , وإن أمَّ بأجنبية وخلا بها حرم ذلك عليه وعليها , للأحاديث الصحيحة التي سأذكرها إن شاء الله تعالى . . ثم ذكر نحو الأحاديث المتقدمة " انتهى .
وجاء في الموسوعة الفقهية" (19/267) :
"وقد اتفق الفقهاء على أن الخلوة بالأجنبية محرمة . وقالوا : لا يخلون رجل بامرأة ليست منه بمحرم , ولا زوجة , بل أجنبية ; لأن الشيطان يوسوس لهما في الخلوة بفعل ما لا يحل , قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان ) . وقالوا : إن أمَّ بأجنبية وخلا بها , حرم ذلك عليه وعليها " انتهى .(/1)
رقم السؤال:
94037
العنوان:
لا تستطيع الصوم إلا باستعمال العقاقير
السؤال:
ما حكم من لا تستطيع الصوم إلا بالعقاقير وإلا تصاب بصداع نصفى شديد يؤدى أحيانا للغثيان , وخوفا من الوقوع في هذا ومنذ الصغر لا ترد الأيام التي تفطر فيها ، علماً أن الحالة هي هي ، لأنها مصابة بالحساسية . هل يمكنها أن تفدي الأيام التي أفطرتها بالصدقة على المساكين ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الصوم يشق عليها فيجوز لها الفطر ، ولا يلزمها استعمال العقاقير لتتمكن من الصوم ؛ لأن المكلف لا يلزمه تحصيل شرط الوجوب .
فإن أخبرتها طبيبة ثقة أن مرضها يرجى شفاؤه ، فالواجب عليها قضاء الأيام التي أفطرتها ، ولا يجزئها الإطعام وهي تقدر على القضاء .
وأما إن أخبرتها الطبيبة بأن حالتها هذه لا يرجى تغيرها ، وأن الصوم يؤدي إلى إصابتها بالصداع النصفي الشديد دائما ، فإنها تفطر وتخرج الفدية عن الأيام التي لم تصمها .
وعليها أن تجتهد في تقدير الأيام التي أفطرتها منذ بلوغها ، وتخرج الفدية عنها .
والأصل في جواز الفطر للمرض قوله تعالى : (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) البقرة/185. وهذه الآية في المريض الذي يستطيع القضاء فيما بعد .
وأما إن كان المرض لا يرجى شفاؤه - في تقدير الأطباء - فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكينا ، نصف صاع من الأرز ونحوه [ أي : كيلو ونصف تقريباً ] ، وهو في ذلك ملحق بالشيخ الكبير الذي لا يقدر على الصوم ، وفيه قوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) البقرة/184.(/1)
روى البخاري (4505) عَنْ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : (هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا) .
وقال النووي رحمه الله : " قال الشافعي والأصحاب : الشيخ الكبير الذي يجهده الصوم أي يلحقه به مشقة شديدة , والمريض الذي لا يرجى برؤه لا صوم عليهما بلا خلاف , وسيأتي نقل ابن المنذر الإجماع فيه , ويلزمهما الفدية في أصح القولين " انتهى من "المجموع" (6/261) .
ونسأل الله تعالى لها الشفاء والعافية .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
94402
العنوان:
طهارة وصلاة من ابتلي بالبواسير
السؤال:
لدى بواسير فماذا يجب أن أفعل لتكون صلاتي صحيحة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
البواسير جمع باسور – ويقال له أيضاً ناسور ، وناصور - ، وهو عبارة عن تمدد الأوردة الدموية في فتحة الشرج ، وهي داخلية وخارجية ، فما كان التمدد في أوردة الجزء الخارجي فهو باسور خارجي ، وما كان من تمدد في الأوردة في الجزء الداخلي من فتحة الشرج : فهو باسور داخلي .
قال النووي رحمه الله :
وأما الناصور : ففيه ثلاث لغات : إحداها : هذه ، والثانية : ناسور بالسين ، والثالثة باسور بالباء والسين .
" المجموع " ( 2 / 541 ) .
ثانياً :
وفيما يتعلق بالطهارة : فإن كان الباسور خارجيّاً : فلا ينقض الوضوء ، وهو يشبه حكم الدمامل ، وعليه تنظيف ثيابه وبدنه ، فإن شق ذلك عليه فلا يلزمه غسل الثياب ولا تبديلها دفعاً للحرج والمشقة .
وما كان داخليّاً ويسيل للخارج : فإن كان متقطعاً فهو ناقض للوضوء ، ، وإن كان مستمرّاً فيتوضأ – على قول جمهور العلماء – بعد دخول الوقت ، ويكون حكمه حكم سلس البول ، والمستحاضة .
سئل يحيى بن سعيد الأنصاري عن الرجل يكون به الباسور لا يزال يَطلع منه فيرده بيده , قال : إذا كان ذلك لازماً في كل حين : لم يكن عليه إلا غسل يده ، فإن كثر ذلك عليه وتتابع : لم نر عليه غسل يده ، وكأن ذلك بلاء نزل عليه فيعذر به بمنزلة القرحة .
" المدونة " ( ص 121 ) .
وروى ابن أبي شيبة في " المصنف " ( 1 / 164 ) عن الشعبي أنه سئل عن رجل به الناصور ، فقال : يصلي وإن سال من قرنه إلى قدمه .
وقال النووي رحمه الله :
ولا يجب الوضوء في مسألة الجرح ، ولا في مسألة الناسور إلا أن يكون في داخل مقعدته بحيث ينقض الوضوء .
" المجموع " ( 2 / 541 ) .
ثالثاً :(/1)
وفيما يتعلق بالصلاة : فإن كان يستطيع القيام في الصلاة : فلا يسعه إلا هذا ؛ لأن القيام في صلاة الفريضة ركن بلا خلاف ، فإن عجز بسبب مرضه : صلَّى جالساً ، فإن لم يستطع صلَّى على جنب ، وهذا الذي قاله نبينا صلى الله عليه وسلم للصحابي عمران بن حُصين ، وكان من المبتلين بالبواسير .
فعن عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَتْ بِي بَوَاسِيرُ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الصَّلاةِ ، فَقَالَ : ( صَلِّ قَائِمًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَقَاعِدًا ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَطِعْ فَعَلَى جَنْبٍ ) رواه البخاري ( 1066 ) .
وليُعلم أنه إن صلَّى جالساً أو على جنب فله الأجر كاملاً ، ولا ينقص من أجر صلاته بسبب ذلك شيء ..
فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مِثْلُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحاً ) رواه البخاري ( 2834 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
94454
العنوان:
إذا اشترطت المرأة على زوجها ألا يطأها
السؤال:
خطيبتي لديها أفكار سلبية عن معاشرة الرجل زوجته وترى أن ذلك غير صحيح وتشترط على عدم المساس بها بعد عقد الزواج ، وهي مصممة على ذلك بحيث لو رفضت طلبها لن تقبل الزواج مني ، وهي فتاة متدينة جداً .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز للمسلم أن يحرم على نفسه شيئاً أحله الله له ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِين ) المائدة/87 .
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا رهبانية في الإسلام ) ذكره الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (4/387) .
ووصف المعاشرة بين الزوجين بأنها أمر غير صحيح وأنها أمر سلبي ، منكر من القول ، إذ كيف تكون كذلك وقد أحلها الله تعالى لعباده ، وتمتع بها أفضل البشر وهم الأنبياء والمرسلون، قال الله تعالى : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) الرعد/38 .
ثم لو أخذ الناس بهذا القول المنكر ، كيف يبقى الجنس البشري على الأرض ؟ وكيف تتحقق مباهاة النبي صلى الله عليه وسلم للأنبياء يوم القيامة بأن أمته أكثر الأمم ، ولهذا السبب فقد حثنا النبي صلى الله عليه وسلم على التزوج بالمرأة كثيرة الولادة .
فقال صلى الله عليه وسلم : (تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ الْأُمَمَ) رواه أبو داود (2050) .
ثانياً :
إذا اشترطت المرأة أو وليها على الزوج ألا يطأها مطلقا ، أو ألا يطأها إلا مرة ، فالشرط باطل ؛ لأنه ينافي مقصود العقد ؛ إذ الزواج يراد منه الاستمتاع ، والإحصان ، وإنجاب الذرية .
وهل يصح العقد ويلغى هذا الشرط الباطل ؟ أم يبطل العقد من أصله ؟ خلاف بين الفقهاء .(/1)
فالمالكية والشافعية يرون بطلان العقد حينئذ ، والحنفية والحنابلة يرون صحة العقد مع إلغاء الشرط .
قال في "مغني المحتاج" (4/377) من كتب الشافعية : " وإن أخل الشرط بمقصود النكاح الأصلي كأن شرط أن لا يطأها الزوج أصلا , وأن لا يطأها إلا مرة واحدة مثلا في السنة أو أن لا يطأها إلا ليلا فقط أو إلا نهارا فقط أو أن يطلقها ولو بعد الوطء ، بطل النكاح لأنه ينافي مقصود العقد فأبطله " انتهى بتصرف .
وقال ابن قدامة في "المغني" (7/72) وهو من كتب الحنابلة : " ما يبطل الشرط , ويصح العقد , مثل أن يشترط أن لا مهر لها . . . أو تشترط عليه أن لا يطأها , أو يعزل عنها ... فهذه الشروط باطلة في نفسها ; لأنها تنافي مقتضى العقد ... فأما العقد في نفسه فصحيح ... فإن شرط عليه ترك الوطء , احتمل أن يفسد العقد ; لأنه شرط ينافي المقصود من النكاح , وهذا مذهب الشافعي " انتهى .
وينظر : "حاشية ابن عابدين" (3/131) ، "فتاوى عليش المالكي" (1/333) ، "حاشية الدسوقي" (2/237).
وبناء على ذلك فلا يجوز لك الموافقة على هذا الشرط ، ولا يجوز للمرأة أن تشترطه ، لأنه شرط فاسد مخالف لمقصود النكاح ، والواجب عليها أن تتوب إلى الله تعالى ، وأن تحذر من القول على الله بلا علم .
واعلم أن الخاطب أجنبي عن مخطوبته فلا يجوز له الحديث معها إلا للحاجة ، شأنها شأن سائر الأجنبيات .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
94473
العنوان:
كيف يزكي السيارة إذا بقيت في المعرض ثلاث سنوات ونقص سعرها ؟
السؤال:
شخص اشترى سيارة بمبلغ 13000 ريال بنية عرضها للبيع والربح ولكنه بعد الشراء اكتشف أن بها عيبا مما أدى إلى نزول قيمتها فتركها في معرض للسيارات وبقيت لمدة ثلاث سنوات وقد سيمت بأسعار متفاوتة بأقل من سعر الشراء بكثير خلال تلك المدة وبعد الثلاث سنوات باعها بمبلغ 8000 ريال فهل على هذه السيارة المعروضة للبيع لمدة 3 سنوات زكاة كلما دار عليها الحول ؟ وكيف يخرجها ؟ وكم مقدار الزكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
من اشترى سيارة بنية التجارة فيها والتربّح ، لزمه زكاتها كلما حال عليها الحول ، فيقومها بسعر يومها ، أي سعرها في السوق يوم يحول عليها الحول ، ويخرج من ذلك ربع العشر (2.5%) سواء زادت قيمتها أو نقصت .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : شخص اشترى أرضاً بقصد التجارة , ولكن بقيت على ملكه مدة طويلة هل عليها زكاة ؟
فأجاب : " إذا اشترى الإنسان أرضاً للتجارة فعليه زكاة كل عام , سواء زادت قيمتها أو نقصت ، وسواء نَفَقت أو كسدت ، يقوِّمها كل سنة بما تساوي , ثم إن كان لديه مال أخرج زكاتها من المال الذي عنده , وإن لم يكن لديه مال , قيد الزكاة في كل سنة بسنتها وإذا باعها أدى الزكاة لما مضى " انتهى من "لقاء الباب المفتوح" (15/12).
وعلى هذا فكان الواجب على مالك السيارة أن ينظر إلى سعرها عند نهاية كل سنة ، فيزكيه ، فإن لم يكن لديه مال ، قيّد ذلك ، وأخرجه عند بيع السيارة .
وينبغي أن يُعلم أن حول التجارة هو حول المال الذي اشتريت به إذا كان نصابا. فحول السيارة هنا لا يبدأ من وقت شرائها ، ولكن يبدأ من وقت ملك المال الذي اشتريت به .
والذي يلزم صاحب السيارة الآن هو أن يقدر سعر السيارة عند نهاية كل حول ، ويستعين في ذلك بأهل الخبرة في السوق ، ثم يخرج الزكاة .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
94539
العنوان:
هل يلزمها الوضوء من الإفرازات لتقرأ القرآن؟
السؤال:
أنا أتوضا قبل قراءة القرآن فهل إذا خرجت إفرازات مني أثناء قراءتي للقرآن يجب على إعادة وضوئي لمتابعة القراءة؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز للمحدث حدثا أصغر أن يقرأ القرآن من غير مس للمصحف ، كما يجوز له أن يمس كتب التفسير وأن يقرأ القرآن منها ، وليس له أن يمس المصحف إلا بوضوء . وانظري جواب السؤال رقم (10672) .
ثانيا :
الإفرازات الخارجة من الفرج (محل الولادة) طاهرة ، ولكن في نقضها للوضوء خلاف ، فذهب جماهير أهل العلم إلى أنها ناقضة للوضوء ، ولكن إذا كانت مستمرة ، فإنها تأخذ حكم السلس ، فتتوضأ المرأة لوقت كل صلاة ، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من الفرض والنوافل ، وتمس به المصحف ، ولا يضرها نزول هذه الإفرازات .
وأما إذا كانت الإفرازات غير مستمرة فيمكنك القراءة من المصحف بأن تجعلي على يدك حائلا بينك وبين المصحف كالقفاز ونحوه .
وانظري جواب السؤال رقم (2564) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
94820
العنوان:
زنت وحملت من أجنبي وهي متزوجة ! فماذا تصنع ؟
السؤال:
امرأة متزوجة ، كانت قبل زواجها على علاقة حب مع شاب ، فلما تزوجت استمرت هذه العلاقة المحرمة من دون علم زوجها ، حتى مارست معه الفاحشة ، وحملت منه ، ولكنها رجعت إلى الله ، وتابت ، فتقول : هل لها من توبة ؟ وماذا تعمل بالجنين الذي في أحشائها ؟ لو أخبرت زوجها فالمصير محتوم ، وهو الطلاق ، وممكن تحدث مشكلة كبيرة لو أفشت هذا الأمر بين أهلها وأهل زوجها ، وإن أخفيت الموضوع عن زوجي وأهلي فالطفل غير شرعي وسوف يترتب عليه أحكام كثيرة من نفقة وخلوة وصلة وغيرها . فأرجو مساعدتي في هذا الأمر ، فقد بلغ مني الهم والغم مبلغه ، وأنا الآن تائبة نادمة على ما فعلت .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا شك أن ما فعلتيه من الزنا وأنتِ متزوجة من كبائر الذنوب ، وإذا كان الزنا كبيرة فإنه يشتد إثمه من المتزوجين ، ولذا كانت عقوبة الزاني البكر الجلد مائة جلدة ، وعقوبة الزاني المحصن – وهو من سبق له الزواج والدخول – الرجم حتى الموت .
ثانياً :
ومع عظَم ذنبك الذي اقترفتيه ، وقبحه في الفطَر والعقول : فإنه لا يحول بينك وبين التوبة شيء ، والله تعالى يفرح بتوبة العاصين ويقبل منهم .
قال الله تعالى : ( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) الزمر/53 .
قال ابن كثير رحمه الله :
"هذه الآية الكريمة دعوة لجميع العصاة من الكفرة وغيرهم إلى التوبة والإنابة ، وإخبار بأن الله يغفر الذنوب جميعا لمن تاب منها ورجع عنها ، وإن كانت مهما كانت ، وإن كثرت وكانت مثل زبد البحر" انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 7 / 106 ) .
فنرجو أن تكون توبتك صادقة ، فيها الندم على ما حصل منكِ ، وفيها العزم على عدم العوْد إلى الذنب بعد التوبة .(/1)
ثالثاً :
وأما نسب هذا الطفل ، فإنه ينسب لزوجك إذا كان قد دخل بك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الولد للفراش) ومعناه : أن المرأة إذا صارت فراشا للزوج بعقد النكاح والدخول بها ، فإذا أتت بولد ، فهذا الولد ينسب لزوجها .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن امرأة متزوجة ولها ثلاثة أطفال، وحملت بالطفل الرابع سفاحا، فهل يجوز لها أن تجهض الجنين، أو تحتفظ به. وإذا احتفظت به فهل تخبر زوجها أم لا ؟ ثم ما هو الواجب على الزوج في هذه الحالة؟
فأجاب : "لا يجوز لها إجهاض الجنين. والواجب عليها التوبة إلى الله سبحانه، وعدم إفشاء الأمر، والولد لاحق بالزوج ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (الولد للفراش ، وللعاهر الحجر) أصلح الله حال الجميع " انتهى .
"فتاوى الشيخ ابن باز" (21/205) .
وبهذا أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، وقد نقلنا فتواهم في جواب السؤال رقم (95024) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
94823
العنوان:
حكم عليه بالسجن فهل يأخذ قرضاً ربويّاً لينجو منه ؟
السؤال:
أبلغ من العمر 30 سنة ، دخلت الإسلام مند ست سنوات بعد صراع مرير مع الكفر ، فقد كنت أعيش في فرنسا ، وعدت إلى وطني عودة نهائية ، وفتحت مشروعاً صغيراً ، لم أوفق فيه ، فتراكم عليَّ من الديْن 25 ألف دولار ، ولم أستطع خلاصها ، فاقترح عليَّ البنك قرضاً على أن أسدده على ثلاث سنوات مع فائض 30 بالمائة ، فنصحني بعض الإخوة بالابتعاد عن الربا لما فيه من معصية لله سبحانه ، ولكن بعض رجال الدين قالوا : إذا كان للضرورة : فلا بأس بذلك ، فأنا اليوم مهدد بالسجن إن لم أقض ما عليَّ من ديْن ، أنا في حيرة من أمري ، إما أن أقبل بالقرض وإما أن أقضي تسع سنوات سجن ، مع أن الحكم صدر مند شهرين ولم يبق لي إلا شهر واحد ، فأرجو منك أن تفتني .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
بدايةً : نهنئك على دخول الإسلام ، ونسأل الله أن يثبتك على الحق ، وأن يزيدك هدى وتوفيقاً ، واعلم أن المسلم يبتلى ليُعلم صدقه من عدمه في استقامته على الدين ، ثم إن ابتلاءه يكفِّر الله به عنه سيئاته ، ويرفع به درجاته ، لكن لا بدَّ أن يحتسب مصيبته عند ربه ، فلا يضجر ، ولا يسخط ، بل يصبر ويحتسب .
وما أصابك من مصيبة في مالك إنما هو ابتلاء من ربك ، وما قد تكون تعرضت له من صد الناس عنك ، وعدم مساعدتهم لك إنما ابتلاء أيضاً ، فاصبر فإنك على الحق ، والزم طريق التقوى ؛ فإن الله تعالى قد وعد المتقين بأن يجعل لهم مخرجاً من ضيقهم ، ووعدهم بالرزق من فضله ، قال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ) الطلاق/2-3 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً ) الطلاق/4 ، وقال تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) الطلاق/5 .
ثانياً :(/1)
واعلم أن الربا من المحرَّمات القطعية في الشرع ، وهو من كبائر الذنوب .
وانظر جواب السؤال رقم ( 22339 ) ففيه بيان تحريم الربا .
ثالثاً :
واعلم أن المحرَّمات في الشريعة يجوز فعلها إذا كان المسلم معذوراً بالإكراه أو الاضطرار .
قال الله تعالى : ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) البقرة/173 ، وقال تعالى : ( وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ ) الأنعام/119 .
وننبه هنا إلى ثلاثة أمور :
الأول : أن الضرورة في باب الربا متعلقة بالمقترض ، لا بالمقرض ؛ إذ ليس هناك ما يجعل المقرض مضطراً لأن يقرِض بالربا ، بخلاف المحتاج للقرض فإنه قد تُغلق الأبواب في وجهه فلا يجد إلا باب القرض بفائدة ربوية .
وفي فتوى " مجمع البحوث الإسلامية " بالقاهرة في مؤتمره الثاني المنعقد في شهر محرم 1385 هـ ( مايو 1965م ) قالوا :
"والفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم ، لا فرق بين ما يسمَّى بالقرض الاستهلاكي ، وما يسمى بالقرض الإنتاجي ( الاستغلالي ) ، وكثير الربا في ذلك وقليله حرام ، والإقراض بالربا محرم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة ، والاقتراض بالربا كذلك ، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه ضرورة ، وكل امرئ متروك لدينه في تقدير الضرورة" انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 167 ) :
أنه يجوز للمضطر أن يتعامل بالربا للضرورة ، "فيأثم المقرض دون المقترض" انتهى .(/2)
الثاني : أن المقترض بالربا لا بدَّ أن يكون الدافع لفعله المحرَّم هذا هو الضرورة ، وليست الحاجة التي يمكنه التخلي عنها ، وعدم فعلها ، والضرورة تتعلق بضرر يقع على دينه أو بدنه أو عقله أو عرضه أو ماله – وهي ما يسمى " الضرورات الخمس " - ، وليست هي المشقة التي يمكن تحملها ، بل هي الضرورة التي قد تسبب له هلاكاً ، أو تلفاً لبعض أعضائه ، أو سجناً طويلاً ، أو مرضاً مزمناً .
قال أبو عبد الله الزركشي رحمه الله :
فالضرورة : بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك أو قارب كالمضطر للأكل ، واللبس بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات ، أو تلف منه عضو ، وهذا يبيح تناول المحرم .
والحاجة : كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك ، غير أنه يكون في جهد ومشقة ، وهذا لا يبيح المحرَّم .
" المنثور في القواعد " ( 2 / 319 ) .
وفي " نظرية الضرورة الشرعية " ( ص 67 ، 68 ) :
"الضرورة : هي أن تطرأ على الإنسان حالة من الخطر ، أو المشقة الشديدة بحيث يخاف حدوث ضرر أو أذى بالنفس أو بالعضو أو بالعرض أو بالعقل أو بالمال وتوابعها ، ويتعين أو يباح عندئذ ارتكاب الحرام ، أو ترك الواجب أو تأخيره عن وقته دفعاً للضرر عنه في غالب ظنه ضمن قيود الشرع " انتهى .
الثالث : يجب أن يكون الضرر الذي سيلحقك في حال عدم الدفع يقينيّاً أو بغلبة الظن ، ولا ينبغي أن يكون خياليّاً أو متوهماً .
وقد توسَّع كثيرون في أمر القرض بالربا ، فجعلوا شراء بيتٍ ، أو سيارة ، أو تغيير أثاث البيت ، أو شراء جهاز خلوي من الضرورات ، فتعاملوا مع مؤسسات الربا بمثل هذا العذر ، وقد وجدوا من يفتي لهم في بعض تلك الأشياء !(/3)
كما لم يفهم كثيرون معنى الضرورة ، فراحوا يبحثون عن البنوك والمؤسسات الربوية من أجل الاقتراض بفائدة ربوية ، دون أن يكون منهم بحث عن طرق مباحة يتحصلون فيها على الأموال اللازمة ، ومن الطرق التي أباحتها الشريعة في الحصول على المال لعادمه : العمل المباح ، والاستدانة من شخص دون ربا ، وشراء سلعة بالأقساط وبيعها نقداً ، وليُعلم أن كثيراً من هؤلاء قد يكون لهم الحق في الزكاة ، فلا بأس من طلبهم ذلك من المؤسسات التي تقوم على جمع زكاة المسلمين .
والذي نراه في مسألتك : أنه إن أمكنك الحصول على المال بالطرق الشرعية المباحة : فلستَ معذوراً بأخذ قرضٍ ربوي ، وإن كنتَ تستطيع تقسيط المبلغ الذي عليك : فلستَ معذوراً أيضاً ، فإن لم يمكنك الحصول على المال بطريق مباح وكان يترتب على عدم دفعك للمبلغ ، دخولك السجن فنرجو أن تكون من المعذورين المضطرين للتعامل بالربا ، ولا إثم عليك ، وإنما الإثم على من أقرضك بالربا ، وعلى من علم بحالك ولم يساعدك مع استطاعته .
ويجب أن تعلم أن العلماء يقولون " إن الضرورة تقدَّر بقدرها " ، ومعنى ذلك – في حالتك -: أنه لا يجوز لك أن تأخذ من البنك إلا القدر الذي به تسلم من الضرر والأذى ، ولا يجوز لك الزيادة عليه ، كما ننبهك إلى أنك إن وجدت مالاً بعد ذلك فيجب عليك أن تسارع في سداد البنك إن كنت بذلك تتخلص من الفوائد الربوية كلها أو بعضها .
ونسأل الله تعالى أن يرزقك التقوى والعمل الصالح ، وأن يغنيك من فضله ، وأن ينجيك من الآثام ، وأن يثبتك على الحق ، وأن يزيدك هدى وتوفيقاً .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
94824
العنوان:
زادت أيام عادتها بسبب اللولب
السؤال:
أثناء شهر رمضان زوجتي ذهبت لتركيب لولب بعد أن أتتها الحيضة وزادت أيام الحيض وأفطرت أحد عشر يوما وثبت بعد ذلك أن أربعة أيام منها ليس بدم حيض ولكن دم نزيف ... ما حكم هذه الأيام؟ وهل هناك كفارة ؟ وما هي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا زادت أيام نزول الدم بسبب اللولب ، وكان الدم متصلا ، فالجميع حيض ، كأن تكون عادتها سبعة أيام فتزيد إلى أحد عشر يوما .
أما إذا انقطع الدم بعد الأيام السبعة ، وتحققت من الطهر ، ثم جاءها أربعة أيام ، مخالفا لدم الحيض المعروف ، وكان ذلك بسبب اللولب ، فهذه الأربعة لا تعد حيضا وإنما هي استحاضة.
وكذلك إذا تبين بالطب أن الدم النازل دم نزيف لا دم حيض ، فيكون استحاضة .
ثانيا :
إذا أفطرت المرأة عند رؤية الدم ظنا منها أنه دم حيض ، ثم تبين أنه دم استحاضة ، فلا شيء عليها غير قضاء الأيام التي أفطرتها .
والحاصل : أنه إذا ثبت أن هذه الأيام لم تكن حيضاً فليس عليها إلا القضاء فقط .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
94832
العنوان:
اختلف مع زوجته فتعرف على فتاة عبر الهاتف
السؤال:
كنت في حالة غضب شديد من زوجتي وطلبت زوجتي مني الطلاق وأنا أعرف جيدا بأن الطلاق سوف يؤدي إلى دمار بناتي لأن بعضهن في حكم حضانة الأم وهذا كان يؤلمني كثيرا ، وأصبحت لا أطيق العشرة معها بعد طلب الطلاق وتعرفت على إحدى البنات عبر الهاتف وليس بغرض الزواج ولكن لتعويضي عن الكلمة الحلوة فقط وليس أكثر من ذلك ليس بقصد الزواج وارتكاب المعاصي ، وبعد تصالحي مع زوجتي عرفت بذلك والآن أخجل من التحدث معها في هذا الشأن مما قد يعود علينا بالانفصال نظرا لطلب زوجتي معرفة أصل الموضوع وإحراجي من التحدث معها في ذلك . ماذا أفعل أفادكم الله ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية ، ولو كان لغرض سماع الكلمة الحلوة كما تقول ، فإن ذلك من خطوات الشيطان التي يستدرج بها الناس ، والمرأة ممنوعة من الخضوع بالقول مع من لا يحل لها ، كما قال سبحانه : ( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32. والرجل يحرم عليه أن يتلذذ بصوت المرأة الأجنبية. ولا يخفى أن مثل هذا العمل لا يرضاه مؤمن من زوجته أو أخته أو بنته ، أعني أن تتعرف على من تتكلم معه في الهاتف ، فلماذا يرضاه لبنات الناس ؟
ولهذا فالواجب عليك هو التوبة إلى الله تعالى ، وقطع هذه العلاقة نهائيا، ولا يلزمك إخبار زوجتك بالتفاصيل ، ويكفيك أن تبين لها أنه خطأ رجعت عنه وتركته .
ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك .(/1)
رقم السؤال:
94833
العنوان:
تقدم لها شاب يعمل عازفا على الطبل
السؤال:
أنا فتاة مسلمة أبلغ من العمر 38 سنة مسلمة ومتحجبة وأعمل موظفة قمت بعديد من الصلاة بنية حل عقدة الزواج وهذه الصلاة : - صلاة الاستخارة التي رواه البخاري (ركعتين ) - صلاة الحاجة التي رواه الحاكم ( 12 ركعة ) - وقرأت سورة البقرة ومعها دعاء تيسير الزواج للشيخ XXX كما أدعو وأنا ساجدة بحل هذه العقدة . وبعد هذا تقدم لي رجل مسلم ومصل مبتدءا قام بعمرتين يبلغ من العمر 39 سنة لا يعمل سوى أنه عازف إيقاع (طبال) من عائلة كريمة له نسب. ما رأي فضيلتكم في هذا الموضوع ؟ الرجاء الإجابة في أقرب الأوقات لأني متحيرة في أمري . ولكم جزيل الشكر.
الجواب:
الحمد لله
1- صلاة الاستخارة مشروعة إذا همّ الإنسان بعمل ما ، كما جاء في الحديث : (إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ ثُمَّ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ ...) الحديث رواه البخاري (1166).
فمن تقدم لها شخص لخطبتها شرع لها أن تستخير الله تعالى في قبول هذا الشخص .
2- أما صلاة الحاجة الواردة في حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( اثنتي عشرة ركعة تصليهن من ليل أو نهار وتتشهد بين كل ركعتين فإذا تشهدت في آخر صلاتك فأثن على الله عز وجل وصل على النبي صلى الله عليه وسلم واقرأ وأنت ساجد فاتحة الكتاب سبع مرات وآية الكرسي سبع مرات وقل لا إله إلا الله لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات ثم قل اللهم إني أسألك بمعاقد العز من عرشك ومنتهى الرحمة من كتابك واسمك الأعظم وجدك الأعلى وكلماتك التامة ثم سل حاجتك ثم ارفع رأسك ثم سلم يمينا وشمالا ولا تعلموها السفهاء فإنهم يدعون بها فيستجابون ) .(/1)
فهذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو حديث موضوع مكذوب ، كما قال الألباني رحمه الله في "ضعيف الترغيب والترهيب" رقم (418) .
3- ليس هناك دعاء خاص بالزواج يسمى دعاء "تيسير الزواج" ، وإنما يسأل الإنسان ربه أن يرزقه من فضله ، وأن ييسر له الخير حيث كان .
4- العمل في العزف والموسيقى والطبل : عمل محرم ، والراتب الناشئ عنه مال محرم ، وذلك لما جاء في الشريعة من تحريم استعمال المعازف ، وانظري جواب السؤال رقم (5000) .
وعليه فينبغي نصح هذا الشاب ، فإن تاب إلى الله تعالى وترك هذا العمل ، وأقبل على عمل مباح ، فلا مانع من الزواج منه ، وإن استمر في عمله فلا خير لك فيه ؛ لأن ماله حرام ، وهو مصر على الحرام .
ونسأل الله تعالى أن يرزقك الزوج الصالح والذرية الصالحة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
94836
العنوان:
مبتلى بحب المردان فكيف يتخلص من مرضه هذا ؟
السؤال:
ابتليت بحب المرد والرغبة عن النساء ، ربما بسبب تجارب سيئة في طفولتي ، أصابر ما استطعت ، وأغض بصري ، وأعلم أن هذا حرام ، ولا أستحله ، وأستغفر الله منه ، وأدعو " اللهم طهر قلبي وحصِّن فرجي " ، لا أظن الزواج حلاًّ لي لأني لا أجد رغبة في النساء ، أصوم الاثنين والخميس ، ولكن هذا الأمر لا يزال في قلبي ، ما العمل ؟ وهل هناك ما يعوضني في الجنة ؟ أستغفر الله إن كان هذا اعتداء في السؤال .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اعلم يا أخي السائل أن هذه البلية من أعظم البلايا ، واعلم أنها قد تُهلك صاحبها ، تصيبه في عقله فيصير مجنوناً ، وتصيبه في بدنه فينقلب مريضاً ، وتصيبه في دينه فيهلك ، ويختم له بشر ، فالحذر الحذر من الاستمرار على هذا الأمر ، وابذل جهدك مستعيناً بربك للتخلص منه ، وانظر في حال من أصيب به لتعتبر .
قال ابن القيم رحمه الله :
" ويروى أن رجلاً عشق شخصاً ، فاشتد كلفه به ، وتمكن حبه من قلبه ، حتى وقع ، ألماً به ، ولزم الفراش بسببه ، وتمنَّع ذلك الشخص عليه ، واشتد نفاره عنه ، فلم تزل الوسائط يمشون بينهما حتى وعده أن يعوده ، فأخبر بذلك البائس ، ففرح ، واشتد سروره ، وانجلى غمه ، وجعل ينتظر للميعاد الذي ضربه له ، فبينا هو كذلك إذ جاءه الساعي بينهما فقال : إنه وصل معي إلى بعض الطريق ورجع ، فرغبت إليه وكلمته ، فقال : إنه ذكرني ، وفرح بي ، ولا أدخل مداخل الريب ، ولا أعرِّض نفسي لمواقع التهم ، فعاودته ، فأبى ، وانصرف ، فلما سمع البائس ذلك أُسقط في يده ، وعاد إلى أشد مما كان به ، وبدت عليه علائم الموت ، فجعل يقول فى تلك الحال :
أسلم يا راحة العليل ... ويا شفاء المدْنَف النحيل
رضاك أشهى إلى فؤادي ... من رحمة الخالق الجليل !!
فقلت له : يا فلان اتق الله ، قال : قد كان !!(/1)
فقمت عنه ، فما جاوزت باب داره حتى سمعت صيحة الموت !
فعياذاً بالله من سوء العاقبة ، وشؤم الخاتمة " انتهى .
" الجواب الكافي " ( ص 117 ) .
فما رأيك أخي السائل ؟ هل يتمنى مسلم عاقل أن يموت كما مات ذلك العاشق البائس ، والذي جعل رضا محبوبه مقدَّماً على رضا خالقه الذي خلقه وصوره ورزقه وهداه للإسلام ، وأسبغ عليه نِعَمه ظاهرة وباطنة ؟! فإن قلت إنك لا تتمنى ذلك – وهذا هو الظن بك - : فينبغي أن تعلم أنك سائر على طريقه ، وأنه قد يصيبك ما أصابه إن لم تتدارك نفسك .
واعلم أن هذا أول طريقٍ سلكه قوم لوط ، وهو العشق للمردان ، ولذا عاقبهم الله تعالى بما لم يعاقب به أمَّة قبلهم ولا بعدهم ، فقلب الله تعالى ديارهم ، وخسف بهم ، ورجمهم بالحجارة ، وطمس أعينهم .
قال ابن القيم رحمه الله في بيان أنواع العشق :
"وعشقٌ هو مقتٌ عند الله وبُعدٌ من رحمته ، وهو أضر شيءٍ على العبد في دينه ودنياه : وهو عشق المردان ، فما ابتليَ به إلا مَن سقط مِن عين الله ، وطرد عن بابه ، وأبعد قلبه عنه ، وهو من أعظم الحُجب القاطعة عن الله ، كما قال بعض السلف : إذا سقط العبد مِن عين الله ابتلاه بمحبة المردان ، وهذه المحبة هي التي جلبت على قوم لوط ما جلبت ، وما أوتوا إلا مِن هذا العشق ، قال الله تعالى : ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) " انتهى .
" الجواب الكافي" ( ص 173 ، 174 ) .
ثانياً :
واعلم أن هذا البلاء له أسباب ، وهذه الأسباب من كسبِ المبتلى نفسه ، فمن أراد النجاة مما هو فيه : فليقف على هذه الأسباب ، وليتخلَّص منها ، وإلا فهو راضٍ عن حاله ، ولا يريد تحولاً إلى ما هو خير ، ومن هذه الأسباب التي هي من فعله :
1. ضعف الإيمان ، وبُعد القلب عن حب الله تعالى ، وقلة الخوف من عقابه .
2. إطلاق النظر للمردان ، والتمتع بجمالهم وهيئتهم .(/2)
وهذا هو أول طريق المعصية التي سلكها هذا المبتلى ، وقد أمره ربه تعالى بغض بصره عن المحرمات ، وكذا أمره نبيه صلى الله عليه وسلم ، فلما ترك الأمر ووقع في النهي : أدخل إبليس سهمه المسموم في قلبه ، فقضى عليه .
قال ابن القيم رحمه الله :
"والنظر أصل عامة الحوادث التي تصيب الإنسان ؛ فإن النظرة تولِّد خطرة ، ثم تولد الخطرة فكرة ، ثم تولِّد الفكرة شهوة ، ثم تولِّد الشهوة إرادة ، ثم تَقوى فتصير عزيمة جازمة ، فيقع الفعل ولا بد ، ما لم يمنع منه مانع ، وفي هذا قيل : " الصبر على غض البصر أيسر من الصبر على ألم ما بعده " .
"الجواب الكافي" ( ص 106 ) .
ومن هنا فإن العلماء قد حرموا النظر إلى الأمرد ، بل إن بعضهم جعله أكثر حرمة من النظر للنساء .
قال النووي رحمه الله :
"وكذلك يحرم على الرجل النظر إلى وجه الأمرد إذا كان حسن الصورة ، سواءً كان بشهوةٍ أم لا ، سواءً أمن الفتنة أم خافها ، هذا هو المذهب الصحيح المختار عند العلماء المحققين ، نص عليه الشافعي ، وحذاق أصحابه - رحمهم الله تعالى - ، ودليله : أنه في معنى المرأة ، فإنه يُشتهى كما تشتهى ، وصورته في الجمال كصورة المرأة ، بل ربما كان كثيرٌ منهم أحسن صورةً من كثيرٍ من النساء ، بل هم في التحريم أولى لمعنى آخر : وهو أنه يتمكن في حقهم من طرق الشر ما لا يتمكن مثله في حق المرأة" انتهى .
" شرح مسلم " ( 4 / 31 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"والنظر إلى وجه الأمرد لشهوة كالنظر إلى وجه ذوات المحارم ، والمرأة الأجنبية بالشهوة ، سواء كانت الشهوة شهوة الوطء ، أو شهوة التلذذ بالنظر ، فلو نظر إلى أمِّه ، وأخته ، وابنته يتلذذ بالنظر إليها كما يتلذذ بالنظر إلى وجه المرأة الأجنبية : كان معلوماً لكل أحدٍ أن هذا حرام ، فكذلك النظر إلى وجه الأمرد باتفاق الأئمة" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 413 ) و ( 21 / 245 ) .
وقال - رحمه الله – أيضاً - :(/3)
ومن كرَّر النظر إلى الأمرد ونحوه ، أو أدامه ، وقال : إني لا أنظر لشهوة : كذب في ذلك ، فإنه إذا لم يكن معه داع يحتاج معه إلى النظر : لم يكن النظر إلا لما يحصل في القلب من اللذة بذلك ، وأما نظرة الفجأة فهي عفو إذا صرف بصره .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 419 ) و ( 21 / 251 ) .
ومن النظر الذي ابتلي به هؤلاء المرضى : ما يشاهدونه في القنوات الفضائية ، والصحف والمجلات ، ومواقع الإنترنت من صور الأطفال والشباب المردان ، وهو ما يهيجهم على الفاحشة .
3. التقصير في الواجبات والنوافل .
ولو أن هذا المبتلى أدى الصلوات في أوقاتها ، وبشروطها وواجباتها : لكانت ناهية له ورادعة عن الوقوع في الفحشاء والمنكر ، قال تعالى : ( إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ) العنكبوت/45 ، فكيف إذا حافظ على الرواتب والنوافل ؟! .
4. هجر القرآن ، وهجر قراءة كتب سير الصالحين وتراجم الأئمة .
وكتاب الله تعالى فيه الهدى والنور والشفاء ، فهو خير وقاية للمسلم من الوقوع في الآثام والمعاصي ، وهو خير علاج لمن وقع فيها .
وإذا قرأ في كتب الأئمة وتراجم العلماء : اتخذهم قدوة له ، وأنس بصحبتهم ، وترفع عن الرذائل والقبائح .
5. التقصير في طلب العلم .
فالعلم نور ، وبه يعرف الحلال فيفعله ، والحرام فيجتنبه ، وبه يتعرف على ربه تعالى ، على أسمائه وصفاته وأفعاله ، فيولِّد ذلك في قلبه حياء من ربه ، وحياء من ملائكته أن يقع في فاحشة قبيحة ، وبه يتعرف على أحوال العصاة وما أعده الله لهم من العقوبة .
6. كثرة الفراغ في حياة هؤلاء المبتلين .
ولو أنهم شغلوا أوقاتهم بالطاعة ، والرياضة ، والأعمال المباحة ، وطلب العلم : لما وجدوا أوقاتاً يصرفونها في التفكير في المحرمات فضلا عن فعلها .
7. اتخاذ أصدقاء السوء ، وجلساء الشر .(/4)
وقد شبَّه النبي صلى الله عليه وسلم جليس السوء بنافخ الكير ، فهو إما أن يحرق ثياب جليسه ، وإما أن يشم منه رائحة خبيثة .
8. ترك الزواج .
وقد خلق الله تعالى في الرجال شهوة طبيعية ، وجعلها تصريفها في النساء ، والطريق المباح لذلك هو الزواج ، ومن انتكست فطرته فإنها يصرفها في أمثاله من الذكور ، وينزل بذلك عن درجة البهائم ، فها هي البهائم التي خلقها الله تعالى أمامنا فهل رأينا ذكراً يعلو ذكراً ؟
ثالثاً :
ومن أراد علاج مرضه ، والتخلص من بلائه : فليبحث عن الأسباب التي أدَّت به للوقوع في المحرَّمات من النظر والخلطة والمصاحبة للمردان ، وليتخلص منها بتركها ، وعلاج دون ترك لسبب المرض علاج فاشل غير ناجح ، وهذه طرق العلاج لمن أراد التخلص من بلائه ، والسعي نحو تخليص نفسه من شرَك الشيطان ، والمشي في طريق رضا الرحمن ، ومنها :
1. تقوية الإيمان بالطاعات ، ومنها الصوم ، وتعمير القلب بمحبة الله ، واستشعار الخوف من عقابه .
2. منع نفسه من النظر للمردان بشهوة وبغير شهوة ، وترك مصاحبتهم والجلوس معهم مطلقاً ، وترك الخلوة بهم ، ولو لتدريس القرآن .
قال النووي رحمه الله :
"والمختار : أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة ، فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة ، إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين" انتهى .
" شرح النووي " ( 9 / 109 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"وأما صحبة المردان ، وعلى وجه الاختصاص بأحدهم ، كما يفعلونه ، مع ما ينضم إلى ذلك من الخلوة بالأمرد الحسن ، ومبيته مع الرجل ، ونحو ذلك : فهذا من أفحش المنكرات ، عند المسلمين ، وعند اليهود والنصارى ، وغيرهم " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 11 / 542 ) .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :(/5)
"قال شيخ الإسلام ابن تيمية : لا تجوز الخلوة بالأمرد ولو بقصد التعليم ؛ لأن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وكم من أناس كانوا قتلى لهذا الأمرد فأصبحوا فريسة للشيطان والأهواء ، وهذه المسألة يجب الحذر منها" انتهى .
" الشرح الممتع " ( 1 / 294 ، 295 ) .
3. المحافظة على الصلوات في أوقاتها ، والحرص على فعل الرواتب والنوافل .
4. الالتزام بورد من القرآن يقرؤه ، والمحافظة على أذكار الصباح والمساء ، والنظر في كتب تراجم الأئمة وحياتهم .
5. طلب العلم ، قراءة وسماعاً ومشاهدة ، وهو أمرٌ واجب على المسلم أصلاً .
6. إشغال الوقت بالطاعة ، وبما هو مفيد لدينه ودنياه .
7. هجر الصحبة الفاسدة ، والبحث عن الصحبة الصالحة والتزامها مجالسةً واستفادة من علمهم وأخلاقهم .
8. السعي المباشر للزواج ؛ لإطفاء الشهوة بطريق مباح .
9. الاستعانة بالله تعالى بالدعاء أن يخلصه مما هو فيه من مرض وابتلاء .
10. التأمل في حال الواقعين في هذا العشق المحرَّم وما أدى بهم إلى الجنون والأمراض والردة – والعياذ بالله – .
قال ابن القيم :
ودواء هذا الداء الردي : الاستعانة بمقلِّب القلوب ، وصِدق اللجأ إليه ، والاشتغال بذِكْره ، والتعوض بحبِّه وقربه ، والتفكر بالألم الذي يعقبه هذا العشق واللذة التي تفوته به فتُرتب عليه فوات أعظم محبوبٍ وحصول أعظم مكروه ، فإذا قدِمت نفسه على هذا وآثرته : فليكبِّر على نفسه تكبير الجنازة ، وليعلم أن البلاء قد أحاط به .
"الجواب الكافي" ( ص 174 ) .
ولمزيد الفائدة راجع جواب السؤال رقم ( 27176 ) .
والله أعلم(/6)
رقم السؤال:
94838
العنوان:
هل يأخذ الأحفاد بقانون الوصية الواجبة شيئا من الميراث؟
السؤال:
امرأة توفيت وتركت زوجا وثلاثة أبناء وبنتا ، ولها أيضا أولاد ابن رابع متوفى ، وهم ابن وبنتان . والسؤال : هل يرث أولاد الابن المتوفى ؟ وما صحة ما يسمى بالوصية الواجبة ؟ علما بأن المتوفاة ماتت ولم توص لهم بشيء ، وهل من نصيحة لأبناء المتوفى ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا مات الإنسان فإن تركته تقسم على ورثته الأحياء فقط ، وهذا متفق عليه بين الفقهاء ، ولهذا قرر أهل العلم أن من شروط الإرث : تحقق حياة الوارث بعد موت المورث .
انظر : "الموسوعة الفقهية" (3/22)
فالابن الرابع المتوفى ليس له نصيب من التركة .
وأولاده لا يرثون أيضا ، لأن الأحفاد لا يرثون من جدهم في حالة وجود أحد من أعمامهم ، بإجماع العلماء .
انظر "المغني " (9/22) ، "التحقيقات المرضية في المباحث الفرضية " للشيخ صالح الفوزان (ص 114-115) .
وعليه فلا شيء لأبناء الابن الذي توفي قبل موت أمه ؛ لأنهم محجوبون بوجود أعمامهم . والتركة تقسم بين الأحياء فقط ، وهم : الزوج والأبناء الثلاثة والبنت ، فللزوج الربع لوجود الفرع الوارث ، والباقي للأبناء والبنت ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
ثانيا :
يستحب إعطاء أولاد الابن المتوفى شيئا من التركة ، إما بأن توصي لهم جدتهم قبل وفاتها بما لا يزيد عن الثلث ، وإما بأن يتبرع لهم أعمامهم وعمتهم بما يطيب خاطرهم ، لا سيما إذا كانوا محتاجين .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (حكم ما يسمى بالوصية الواجبة ) بيان بطلان قانون الوصية الواجبة ، وأن المال المأخوذ به مال حرام .
ثالثا :(/1)
نصيحتنا لأبناء الابن المتوفى ، أن يتقوا الله تعالى ، وأن يحذروا من أكل المال بالباطل ، فإنه لا حق لهم في هذه التركة كما سبق ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسٍ منه ) رواه أحمد (20714) وصححه الألباني في صحيح الجامع رقم 7662.
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كل جسد نبت من سحت فالنار أولى به ) رواه الطبراني وأبو نعيم عن أبي بكر رضي الله عنه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم 4519 .
وليعلموا أن حكم المحكمة المخالف للشرع ، لا يبيح لهم أكل هذا المال ، ولا يجوّز لهم المطالبة به ولا مقاضاة الورثة لأجله .
ونصيحتنا لمن يتولى القضاء أن يرفض هذا القانون وأن يبرأ منه ؛ لما فيه من التعدي والاستدراك على القسمة التي قسمها الله تعالى بنفسه .
وأما الورثة من الزوج والأبناء والبنات ، فينبغي لهم التبرع بشيء من التركة لأبناء أخيهم المتوفى ، تطييبا لخاطرهم ، وحفظا على المودة والألفة بينهم ، لا سيما إذا كانوا فقراء .
نسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
94839
العنوان:
طهرت من الحيض قبل الفجر فصامت دون أن تغتسل
السؤال:
طهرت قبل صلاة الفجر وانتظرت إلى ما بعد الصلاة فأخذني النوم واستيقظت الساعة العاشرة ولم أغتسل فنسيت وأخذت ابنتي المريضة إلى المستشفى واستغرق إلى صلاة العصر ثم اغتسلت وصليت ما فاتني من الصلاة .. ويعلم الله أنها أول مرة تحدث معي منذ بلغت ولكن السبب أن الدورة عادة تأتيني 9 أيام وفي هذا الشهر كانت 8 أيام فسوفت للتأكد ولكن كنت صائمة فماذا عليّ ؟ هل أقضي ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا تيقنت الطهر ونويت الصيام قبل الفجر ، ولو بدقيقة واحدة ، فصيامك صحيح ، ولو تأخر اغتسالك .
وانظري جواب السؤال رقم (7310) .
وأما إذا كنت شاكة في حصول الطهر ومع ذلك نويت الصوم ، فإن الصوم لا يصح من الشك في حصول الطهر من الحيض .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن امرأة صامت وهي شاكة في الطهر من الحيض ، فلما أصبحت فإذا هي طاهرة هل ينعقد صومها وهي لم تتيقن الطهر ؟
فأجاب : "صيامها غير منعقد ، ويلزمها قضاء ذلك اليوم ، وذلك لأن الأصل بقاء الحيض ودخولها في الصوم مع عدم تيقن الطهر دخول في العبادة مع الشك في شرط صحتها ، وهذا يمنع انعقادها" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (19/107).
وإذا علمت المرأة أنها طهرت من الحيض ، وجب عليها أن تغتسل لأجل الصلاة ، ولا يجوز لها تأخير ذلك بحيث يخرج وقت الصلاة ، فإن فعلت فعليها التوبة ، مع قضاء ما فاتها .
فإن نسيت أنها طهرت من الحيض ـ كما ذكرت في سؤالك ـ فلا حرج عليها إن شاء الله من تأخير الصلاة ، وعليها إذا تذكرت أن تغتسل وتصل ما فاتها من الصلوات ـ كما فعلت .
ونسأل الله أن يعفو عنا وعنك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
94840
العنوان:
الإسلام والرق
السؤال:
كثيرا ما أسمع من دعاة الدين النصراني ذم الإسلام وتوجيه الاتهامات إليه بسبب أن الإسلام أباح الرق ، وهذا فيه الاعتداء على حرية الإنسان وحقوقه ، فكيف نمكن أن نجيب على هؤلاء ؟
الجواب:
الحمد لله
الخوض في الحديث عن الرق وإثارة الأسئلة حوله من قبل دعاة التنصير والصادين عن دين الإسلام مما يثير حفيظة المتعقل , ومما يشير بأصابع الاتهام نحو الأغراض المستترة وراء هذه التساؤلات .
ذلك أن الرق في اليهودية والنصرانية مقرر ثابت على صور ظالمة , وكتبهم بتفاصيل الحديث عنه والاستحسان له طافحة ، وعليه فإن أول ما يستلفت النظر : كيف يسعى الكنسيون للدعوة إلى التنصير ، والنصرانية تقول بالرق ومشروعيته ؟
وبمعنى آخر : كيف يثيرون أمراً هم غارقون فيه إلى الأذقان ؟
أما أمر الرق في الإسلام فمختلف تماماً إذا ما قورن بين النظرتين , وإذا ما قورن كذلك بما عليه حال الرق حين مجيء الإسلام .
ولذلك لا بد من بسط القول في هذا الموضوع شيئاً ما مع الإشارة إلى ما عند اليهودية والنصرانية والحضارة المعاصرة في هذا الموضوع ( الرق ) ثم نذكر ما في الإسلام .
وقد تعرض الإسلام في هذا لإفك كثير على حين نَجَا مجرمون عريقون في الإجرام لم تشر إليهم – مع الأسف – أصابع الاتهام .
الإسلام والرق :
يقرر الإسلام أن الله عز وجل خلق الإنسان كامل المسئولية وكلفه بالتكاليف الشرعية ورتب عليها الثواب والعقاب على أساس من إرادته واختياره .
ولا يملك أحد من البشر تقييد هذه الإرادة ، أو سلب ذلك الاختيار بغير حق , ومن اجترأ على ذلك فهو ظالم جائر .
هذا مبدأ ظاهر من مبادئ الإسلام في هذا الباب وحينما يثار التساؤل : كيف أباح الإسلام الرق ؟(/1)
نقول بكل قوة وبغير استحياء : إن الرق مباح في الإسلام , ولكن نظرة الإنصاف مع التجرد وقصد الحق توجب النظر في دقائق أحكام الرق في الإسلام من حيث مصدره وأسبابه ثم كيفية معاملة الرقيق ومساواته في الحقوق والواجبات للحر وطرق كسب الحرية وكثرة أبوابها في الشريعة ، مع الأخذ في الاعتبار نوع الاسترقاق الجديد في هذا العالم المتدثر بدثار الحضارة والعصرية والتقدمية .
لقد جاء الإسلام وللرق أسباب كثيرة ، منها : الحروب ، المدين إذا عجز عن الدين ، يكون رقيقا ، السطو والخطف ، الفقر والحاجة .
وما انتشر الرق ذلك الانتشار الرهيب في قارات الدنيا إلا عن طريق هذا الاختطاف ، بل كان المصدر الأعظم في أوربا وأمريكا في القرون الأخيرة .
والإسلام يقف بنصوصه من هذا موقفاً حازماً حاسماً ، جاء في حديث قدسي : قال الله تعالى : ( ثَلَاثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، وَمَنْ كُنْتُ خَصْمَهُ خَصَمْتُهُ ، ذكر منهم : رَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ) رواه البخاري ( 2227) .
ومن الطريف أنك لا تجد في نصوص القرآن والسنة نصاً يأمر بالاسترقاق , بينما تحفل آيات القرآن وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم بالعشرات من النصوص الداعية إلى العتق والتحرير.
كانت مصادر الرق ومنابعه كثيرة عند ظهور الإسلام , بينما طرق التحرر ووسائله تكاد تكون معدومة , فقلب الإسلام في تشريعاته النظرة فأكثر من أسباب الحرية ، وسَدَّ مسالك الاسترقاق , ووضع من الوصايا ما يسد تلك المسالك .
فقد حصر الإسلام مصادر الرق التي كانت قبل الرسالة المحمدية في مصدر واحد فقط وهو : رق الحرب الذي يفرض على الأسرى من الكفار وكذا على نسائهم وأولادهم .(/2)
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله : " وسبب الملك بالرق : هو الكفر ، ومحاربة الله ورسوله ، فإذا أقدر اللهُ المسلمينَ المجاهدين الباذلين مُهَجهم وأموالهم وجميع قواهم وما أعطاهم الله لتكون كلمة الله هي العليا على الكفار : جعلهم ملكاً لهم بالسبي إلا إذا اختار الإمام المنَّ أو الفداء لما في ذلك من المصلحة للمسلمين " انتهى من " أضواء البيان " (3/387) .
وقال أيضاً :
فإن قيل : إذا كان الرقيق مسلماً فما وجه ملكه بالرق ؟ مع أن سبب الرق الذي هو الكفر ومحاربة الله ورسله قد زال .
فالجواب : أن القاعدة المعروفة عند العلماء وكافة العقلاء : أن الحق السابق لا يرفعه الحق اللاحق ، والأحقية بالأسبقية ظاهرة لا خفاء بها .
فالمسلمون عندما غنموا الكفار بالسبي : ثبت لهم حق الملكية بتشريع خالق الجميع ، وهو الحكيم الخبير ، فإذا استقر هذا الحق وثبت ، ثم أسلم الرقيق بعد ذلك كان حقه في الخروج من الرق بالإسلام مسبوقاً بحق المجاهد الذي سبقت له الملكية قبل الإسلام ، وليس من العدل والإنصاف رفع الحق السابق بالحق المتأخر عنه كما هو معلوم عند العقلاء .
نعم ، يحسن بالمالك ويجمل به أن يعتقه إذا أسلم ، وقد أمر الشارع بذلك ورغَّب فيه ، وفتح له الأبواب الكثيرة . فسبحان الحكيم الخبير ( وتمَّت كلمة ربِّك صدقاً وعدلا لا مبدِّل لكلماته وهو السميع العليم ) الأنعام/115.
فقوله : ( صدقاً ) أي : في الأخبار ، وقوله : ( عدلاً ) أي : في الأحكام .
ولا شك أن من ذلك العدل : الملك بالرق وغيره من أحكام القرآن .
وكم من عائب قولاً صحيحاً وآفته من الفهم السقيم " انتهى من "أضواء البيان" ( 3 / 389) .(/3)
ولقد كان الأسر في الحروب من أظهر مظاهر الاسترقاق , وكل حرب لابد فيها من أسرى , وكان العرف السائد يومئذ أن الأسرى لا حرمة لهم ولا حق ، وهم بين أمرين إما القتل وإما الرق ، ولكن جاء الإسلام ليضيف خيارين آخرين : المن والفداء ، قال الله تعالى : (فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً) محمد/4 .
ففي غزوة بدر أخذ النبي صلى الله عليه وسلم الفداء من أسرى المشركين وأطلق سراحهم ، وأطلق الرسول صلى الله عليه وسلم كثيراً من الأسرى في غزواته مجاناً ، منَّ عليهم من غير فداء ، وفي فتح مكة قيل لأهل مكة : اذهبوا فأنتم الطلقاء .
وفي غزوة بني المصطلق تزوج الرسول أسيرة من الحي المغلوب ليرفع من مكانتها , حيث كانت ابنة أحد زعمائه , وهي أم المؤمنين جويرة بنت الحارث رضي الله عنها ، فما كان من المسلمين إلا أن أطلقوا سراح جميع هؤلاء الأسرى .
فالإسلام ليس متعطشا لدماء الأسرى ، بل ولا متعطشا حتى لاسترقاقهم .
ومن هذا تدرك الصورة المحدودة والمسالك الضيقة التي يلجأ إليها في الرق , وهو لم يلغه بالكلية , لأن هذا الأسير الكافر المناوئ للحق والعدل كان ظالماً ، أو معيناً على ظلم ، أو أداة في تنفيذه أو إقراره , فكانت حريته فرصة لفشو الطغيان والاستعلاء على الآخرين ، والوقوف في وجه الحق ، ومنعه من الوصول إلى الناس .
إن الحرية حق أصيل للإنسان ، ولا يسلب امرؤ هذا الحق إلا لعارض نزل به , والإسلام – عندما قبل الرق في الحدود التي أوضحناها – فهو قيّد على إنسان استغلَّ حريته أسوأ استغلال .... فإذا سقط أسيراً إثر حرب عدوان انهزم فيها ، فإن إمساكه بمعروف مدة أسره تصرف سليم .
ومع كل هذا فإن فرصة استعادة الحرية لهذا وأمثاله في الإسلام كثيرة وواسعة .
كما أن قواعد معاملة الرقيق في الإسلام تجمع بين العدالة والإحسان والرحمة .(/4)
فمن وسائل التحرير : فرض نصيب في الزكاة لتحرير العبيد , وكفارات القتل الخطأ والظهار والأيمان والجماع في نهار رمضان , إضافة إلى مناشدة عامة في إثارة للعواطف من أجل العتق والتحرير ابتغاء وجه الله .
وهذه إشارات سريعة لبعض قواعد المعاملة المطلوبة عدلاً وإحساناً مع هؤلاء :
1- ضمان الغذاء والكساء مثل أوليائهم :
عَنْ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه قَالَ : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( هُمْ إِخْوَانُكُمْ ، جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ , فَمَنْ جَعَلَ اللَّهُ أَخَاهُ تَحْتَ يَدِهِ , فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ , وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ , وَلَا يُكَلِّفُهُ مِنْ الْعَمَلِ مَا يَغْلِبُهُ فَإِنْ كَلَّفَهُ مَا يَغْلِبُهُ فَلْيُعِنْهُ عَلَيْهِ ) رواه البخاري (6050) .
2- حفظ كرامتهم :
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ أَبَا الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ وَهُوَ بَرِيءٌ مِمَّا قَالَ جُلِدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ كَمَا قَالَ ) رواه البخاري (6858) .
وأعتق ابن عمر رضي الله عنهما مملوكاً له ، ثم أخذ من الأرض عوداً أو شيئاً فقال : ما لي فيه من الأجر ما يساوي ! هذا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ لَطَمَ مَمْلُوكَهُ أَوْ ضَرَبَهُ فَكَفَّارَتُهُ أَنْ يُعْتِقَهُ) رواه مسلم (1657) .
3- العدل مع الرقيق والإحسان إليهم
روى أن عثمان بن عفان رضي الله عنه دَعَك أُذُن عَبْدٍ له على ذنب فعله ، ثم قال له بعد ذلك : تقدم واقرص أذني ، فامتنع العبد فألح عليه ، فبدأ يقرص بخفة ، فقال له : اقرص جيداً ، فإني لا أتحمل عذاب يوم القيامة ، فقال العبد : وكذلك يا سيدي : اليوم الذي تخشاه أنا أخشاه أيضاً .(/5)
وكان عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه إذا مشى بين عبيده لا يميزه أحد منهم – لأنه لا يتقدمهم ، ولا يلبس إلا من لباسهم .
ومر عمر بن الخطاب رضي الله عنه يوماً فرأى العبيد وقوفاً لا يأكلون مع سادتهم ، فغضب ، وقال لمواليهم : ما لقوم يستأثرون على خدامهم ؟ ثم دعا الخدم فأكلوا معهم .
ودخل رجل على سلمان رضي الله عنه فوجده يعجن – وكان أميراً - فقال له : يا أبا عبد الله ما هذا ؟! فقال بعثنا الخادم في شغل فكرهنا أن نجمع عليه عملين !
4- لا مانع أن يتقدم العبد على الحر في بعض الأشياء:
فيما يفضله فيه من شئون الدين والدنيا ، وقد صحت إمامته في الصلاة ، وكان لعائشة أم المؤمنين عبد يؤمها في الصلاة ، بل لقد أمر المسلمون بالسمع والطاعة إذا ملك أمورهم عبد !
5- وله أن يشتري نفسه من سيده ويكون حراً
فإذا حدث لأمر ما أن استرق ثم ظهر أنه أقلع عن غيه ، ونسي ماضيه وأضحى إنساناً بعيد الشر قريب الخير ، فهل يجاب إلى طلبه بإطلاق سراحه ؟ الإسلام يرى إجابته إلى طلبه ، ومن الفقهاء من يوجب ذلك ومنهم من يستحبه !!!
وهو ما يسمى عندنا مكاتبة العبد لسيده (بمعنى أن العبد يشتري نفسه من سيده مقابل مال يدفعه له على أقساط ) قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ) النور/33 .
هذا عدل الإسلام مع الرقيق وإحسانه إليهم ، ومعاملته لهم .
فكان من نتائج هذه الوصايا : أن أصبح الرقيق صديقا لمالكه في كثير من الأحيان ، بل أحله بعضهم محل الابن، يقول سعد بن هاشم الخالدي في وصف غلام له :
ما هو عبد لكنه ولد * خولنيه المهيمن الصمد
شد أزري بحسن خدمته * فهو يدي والذراع والعضد
وكان من نتيجة معاملة المسلمين للأرقاء هذه المعاملة، اندماج الأرقاء في الأسر الإسلامية إخوة متحابين، حتى كأنهم بعض أفرادها.(/6)
يقول جوستاف لوبون في "حضارة العرب" (ص459-460) : "الذي أراه صادقاً هو أن الرق عند المسلمين خير منه عند غيرهم، وأن حال الأرقاء في الشرق أفضل من حال الخدم في أوروبا، وأن الأرقاء في الشرق يكونون جزءاً من الأسرة... وأن الموالي الذين يرغبون في التحرر ينالونه بإبداء رغبتهم.. ومع هذا لا يلجأون إلى استعمال هذا الحق" انتهى .
كيف معاملة غير المسلمين للرقيق ؟
موقف اليهود من الرقيق :
ينقسم البشر عند اليهود إلى قسمين : بنو إسرائيل قسم ، وسائر البشر قسم آخر .
فأما بنو إسرائيل فيجوز استرقاق بعضهم حسب تعاليم معينة نص عليها العهد القديم .
وأما غيرهم ، فهم أجناس منحطة عند اليهود ، يمكن استعبادها عن طريق التسلط والقهر ، لأنهم سلالات كتبت عليها الذلة باسم السماء من قديم ، جاء في الإصحاح الحادي والعشرين من سفر الخروج ( 2- 12 ) ما نصه :
( إذا اشتريت عبداً عبرانياً فست سنين يخدم ، وفي السابعة يخرج حراً مجاناً ، إن دخل وحده ، فوحده يخرج ، إن كان بعل امرأة تخرج امرأته معه , إن أعطاه سيده امرأة وولدت له بنين وبنات فالمرأة وأولادها يكونون للسيد ، وهو يخرج وحده ، ولكن إذا قال العبد : أحب سيدي وامرأتي وأولادي لا أخرج حراً ، يقدمه سيده إلى الله ، ويقربه إلى الباب أو إلى القائمة ، ويثقب سيده أذنه بالمثقب يخدمه إلى الأبد ) .(/7)
أما استرقاق غير العبراني فهو بطريق الأسر والتسلط لأنهم يعتقدون أن جنسهم أعلى من جنس غيرهم ، ويلتمسون لهذا الاسترقاق سنداً من توراتهم المحرفة ، فيقولون : إن حام بن نوح – وهو أبو كنعان- كان قد أغضب أباه ، لأن نوحاً سكر يوماً ثم تعرى وهو نائم في خبائه ، فأبصره حام كذلك ، فلما علم نوح بهذا بعد استيقاظه غضب ، ولعن نسله الذين هم كنعان ، وقال – كما في التوراة في "سفر التكوين" إصحاح (9/25- 26) : ( ملعون كنعان عبد العبيد يكون لإخوته ، وقال : مبارك الرب إله سام ، وليكن كنعان عبداً لهم ) . وفي الإصحاح نفسه (27) : ( ليفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام ، وليكن كنعان عبداً لهم ) .
وفي سفر التثنية الإصحاح العشرون (10-14) : ( حين تقرب من مدينة لكي تحل بها استدعها إلى الصلح ، فإن أجابتك إلى الصلح وفتحت لك ، فكل الشعب الموجود فيها يكون لك للتسخير ويستعبد لك ، وإن لم تسالمك بل عملت معك حربا فحاصرها ، وإذا دفعها الرب إلهك إلى يدك فاضرب جميع ذكورها بحد السيف ، وأما النساء والأطفال والبهائم وكل ما في المدينة ، كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك ) .
موقف النصرانية من الرقيق :
جاءت النصرانية فأقرت الرق الذي أقره اليهود من قبل ، فليس في الإنجيل نص يحرمه أو يستنكره .
والغريب أن المؤرخ ( وليم موير ) يعيب نبينا محمداً صلى الله عليه وسلم بأنه لم يبطل الرق حالاً ، مع تغاضيه عن موقف الإنجيل من الرق ، حيث لم ينقل عن المسيح ، ولا عن الحواريين ولا عن الكنائس شيئاً في هذه الناحية .
بل كان بولس يوصي في رسائله بإخلاص العبيد في خدمة سادتهم ، كما قال في رسالته إلى أهل إفسس.(/8)
أمر بولس العبيد بطاعة سادتهم كما يطيعون المسيح ، فقال في رسالته إلى أهل إفسس الإصحاح السادس (5-9) : ( أيها العبيد ، أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة في بساطة قلوبكم كما للمسيح ، لا بخدمة العين كمن يرضى الناس ، بل كعبيد المسيح ، عاملين مشيئة الله من القلب ، خادمين بنية صالحة كما للرب ليس للناس ، عالمين أن مهما عمل كل واحد من الخير فذلك يناله من الرب عبدا كان أو حرا ) .
وفي المعجم الكبير للقرن التاسع عشر ( لاروس ) : " لا يعجب الإنسان من بقاء الرق واستمراره بين المسيحيين إلى اليوم ، فإن نواب الدين الرسميين يقرون صحته ويسلمون بمشروعيته " .
وفيه : " الخلاصة : أن الدين المسيحي ارتضى الاسترقاق تماماً ، إلى يومنا هذا ، ويتعذر على الإنسان أن يثبت أنه سعى في إبطاله " .
وأقر القديسون أن الطبيعة جعلت بعض الناس أرقاء .
فرجال الكنيسة لم يمنعوا الرق ولا عارضوه بل كانوا مؤيدين له ، حتى جاء القديس الفيلسوف توماس الأكويني فضم رأي الفلسفة إلى رأي الرؤساء الدينيين ، فلم يعترض على الرق بل زكاه لأنه - على رأي أستاذه أرسطو - حالة من الحالات التي خلق عليها بعض الناس بالفطرة الطبيعية ، وليس مما يناقض الإيمان أن يقنع الإنسان من الدنيا بأهون نصيب .
"حقائق الإسلام" للعقاد (ص215) .
وجاء في قاموس الكتاب المقدس للدكتور جورج يوسف : "إن المسيحية لم تعترض على العبودية من وجهها السياسي ولا من وجهها الاقتصادي ، ولم تحرض المؤمنين على منابذة جيلهم في آدابهم من جهة العبودية ، حتى ولا المباحثة فيها ، ولم تقل شيئاً ضد حقوق أصحاب العبيد ، ولا حركت العبيد إلى طلب الاستقلال ، ولا بحثت عن مضار العبودية ، ولا عن قساوتها , ولم تأمر بإطلاق العبيد حالاً ، وبالإجماع لم تغير النسبة الشرعية بين المولى والعبد بشيء ، بل بعكس ذلك فقد أثبتت حقوق كل من الفريقين , وواجباته" .
أوربا المعاصرة والرقيق :(/9)
من حق القارئ أن يسأل وهو في عصور النهضة والتقدم عن رائدة التقدم في هذه العصور ، وعدد من كانوا يموتون بسبب طرق الاصطياد, وفي الطريق إلى الشواطئ التي ترسو عليها مراكب الشركة الإنجليزية وغيرها , ثم إن الباقين يموتون بسبب تغير الطقس , ويموت نحو 4% أثناء الشحن , و 12 % أثناء الرحلة , فضلاً عمن يموتون في المستعمرات !!!
ومكثت تجارة الرقيق في أيدي شركات إنجليزية حصلت على حق احتكار ذلك بترخيص من الحكومة البريطانية , ثم أطلقت أيدي جميع الرعايا البريطانيين في الاسترقاق , ويقدر بعض الخبراء مجموع ما استولى عليه البريطانيون من الرقيق واستعبدوه في المستعمرات من عام 1680 / 1786م حوالي 2130000 شخصاً .
فعندما اتصلت أوربا بإفريقيا السوداء كان هذا الاتصال مأساة إنسانية , تعرض فيها زنوج هذه القارة لبلاء عظيم طوال خمسة قرون ، لقد نظمت دول أوربا وتفتقت عقليتها عن طرق خبيثة في اختطاف هؤلاء واستجلابهم إلى بلادهم ليكونوا وقود نهضتها , وليكلفوهم من الأعمال مالا يطيقون , وحينما اكتُشِفَتْ أمريكا زاد البلاء , وصاروا يخدمون في قارتين بدلاً من قارة واحدة !!
تقول دائرة المعارف البريطانية (2/779) مادة Slavery : " إن اصطياد الرقيق من قراهم المحاطة بالأدغال كان يتم بإيقاد النار في الهشيم الذي صنعت منه الحظائر المحيطة بالقرية حتى إذا نفر أهل القرية إلى الخلاء تصيدهم الإنجليز بما أعدوا لهم من وسائل " .
وتم نقل مليون زنجي أفريقي إلى أمريكا مقابل موت تسعة ملايين أثناء عملية الاصطياد والشحن والنقل ، وذلك في الفترة ما بين عام 1661م إلى عام 1774م ، أي أن عشر الذين كانوا يصطادونهم فقط هم الذين يبقون أحياء ، ويتم نقلهم إلى أمريكا ، لا ليجدوا الراحة واللذة ، بل ليجدوا السخرة والتعذيب !!
وكان لهم في ذلك قوانين يخجل منها العقلاء !(/10)
فكان من قوانينهم السوداء في ذلك : من اعتدى على سيده قُتل ، ومن هرب قطعت يداه ورجلاه وكوي بالحديد المحمى , إذا أبق للمرة الثانية قُتل ! وكيف سيهرب وقد قطعت يداه ورجلاه !!
ومن قوانينهم : يحرم التعليم على الرجل الأسود ويحرم على الملونين وظائف البيض .
وفي قوانين أمريكا : إذا تجمع سبعة من العبيد عُدَّ ذلك جريمة ، ويجوز للأبيض إذا مر بهم أن يبصق عليهم ، ويجلدهم عشرين جلدة .
ونص قانون آخر : العبيد لا نفس لهم ولا روح ، وليست لهم فطانة ولا ذكاء ولا إرادة ، وأن الحياة لا توجد إلا في أذرعهم فقط .
والخلاصة في ذلك : أن الرقيق من جهة الواجبات والخدمة والاستخدام عاقل مسئول يعاقب عند التقصير , ومن جهة الحقوق شيء لا روح له ولا كيان بل أذرعة فقط !!
ثم أخيرا وبعد قرون طويلة من الاستعباد والظلم تم تحرير البروتوكول الخاص بمنع الرق والعمل للقضاء عليه ، والمحرر في مقر الأمم المتحدة عام 1953 م .
وهكذا لم تستفق ضمائرهم إلا في هذا القرن الأخير بعد ما بنوا حضارتهم على رفات الأحرار الذين استعبدوهم ظلماً وقهراً ، وأي منصف يقارن بين هذا وبين تعاليم الإسلام -الذي مضى له أكثر من 14 قرناً- يرى أن إقحام الإسلام في هذا الموضوع أحق بالمثل السائر : "رمتني بدائها وانسلت!" .
والله أعلم
انظر كتاب : "شبهات حول الإسلام" لمحمد قطب ، "تلبيس مردود في قضايا خطيرة" للشيخ الدكتور صالح بن حميد إمام الحرم المكي .(/11)
رقم السؤال:
94842
العنوان:
أموال الصناديق الخيرية لا زكاة فيها
السؤال:
نجمع أموالاً في صندوق خيري لمساعدة المحتاجين ، وإقراض من يحتاج إلى قرض ، وهذا الصندوق فيه مبلغ كبير الآن ، فهل تجب فيه الزكاة ؟
الجواب:
الحمد لله
المال الذي يوضع في صندوق خيري ، لغرض إقراضه للمحتاجين ، أو مساعدتهم فيما ينوبهم ، من حوادث وغيرها ، لا تجب فيه الزكاة ، لأنه مال غير مملوك لمعين ، فهو كالأموال الموقوفة ، لا تجب فيه الزكاة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : قبيلة من القبائل كونوا مبلغاً من المال ، وجعلوا هذا المبلغ خاصاً لما يجري على هذه القبيلة من الدم ، ومشوا هذا المبلغ للتجارة ، والربح الناتج عائد للدم أيضاً. فهل يجب بهذا المبلغ زكاة أم لا ، وإذا لم يتاجر فيه هل عليه زكاة أم لا ، وهل يحق للقبيلة نفسها أن تدفع فيه زكاة أموالها من النقدين؟
فأجابوا : " إذا كان الواقع كما ذكر فلا زكاة في المال المذكور؛ لكونه في حكم الوقف ، سواء كان مجمداً أو في تجارة تدار ، ولا يجوز أن تدفع فيه الزكاة ، لكونه ليس مخصصاً للفقراء ، ولا غيرهم من مصارف الزكاة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (8/291)
وسئلوا أيضا : حصل تكوين صندوق بمبلغ من المال لأبناء القبيلة ، وذلك لسد حاجة بعض الأمور ، مثل الدم وخلافه لا قدر الله ، ثم وضعت هذا المبلغ في المضاربة الإسلامية فهل تجب فيه الزكاة أم لا ؟ فأجابوا : " إذا كان الواقع كما ذكر وكانت المبالغ المتبرع بها لا تعود لمن جمعت منهم ، ولو فشل المشروع أنفقت في وجوه بر أخرى فالزكاة لا تجب فيها ، وإذا كانت تعود لمن جمعت منهم إذا فشل المشروع وجبت الزكاة على كلٍ في نصيبه الذي جمع منه إذا حال عليه الحول " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة (8/296) .(/1)
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في جمعية قروية يتبرع أهلها باشتراك شهري لها ، ويرصد مالها للإعانة على الحوادث والديات وإقراض من يحتاج إلى الزواج : " أموال هذا الصندوق ليس فيها زكاة , لأنها خارجة عن ملك المشتركين فليس لها مالك معين , ولا زكاة فيما ليس له مالك معين " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/184) .(/2)
رقم السؤال:
94843
العنوان:
إذا رفض أخذ الدواء هل يكون عاقاً لأبيه?
السؤال:
أنا مريض بالربو وكثيراً ما أذهب إلى المستشفى على طول العام وكانوا يعطونني مادة الكرتزون مما أثر على عظامي ، فقطعته خشيه الهلاك مما أغضب والدي فهل أنا عاق ؟ 2- أعاني من آلام في المعدة مما يسبب لي كثرة الغازات فكيف أتطهر للصلاة؟ ولهذه الأسباب أصبحت لا أستطيع المشي كثيرا وعند قطعي للكرتزون تعبت أكثر فأمرني الطبيب بلزوم البيت وأصبحت لا أكثر من الذهاب للمسجد إلا لصلاة الجمعة لهذا السبب فهل أنا آثم.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يشفيك ويعافيك ويأجرك على ما أصابك .
ثانيا :
إذا كان الدواء يضرك ويؤثر على عظامك ، فلا حرج في قطعه ، لأنه لا يلزمك أن تتناول ما يضرك من دواء أو غيره وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
لكن ينبغي مراجعة الطبيب في ذلك ، فقد تكون المضرة بتركه أعظم من المضرة الحاصلة بأخذه .
فعليك أن توازن بين المصالح المترتبة على أخذك الدواء وبين المفاسد وبين المفاسد المترتبة على عدم أخذه .
وإذا ثبت أن الدواء مضرّ بك ، فلا يكون امتناعك عن أخذه عقوقاً لوالدك ، لأن الطاعة إنما تكون في المعروف ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف ) رواه البخاري (7257) ومسلم (1840)
ثالثا :
ينبغي أن تبحث عن علاج لكثرة الغازات ، حتى تؤدي الصلاة بخشوع واطمئنان مع الجماعة ، فإن استمر خروجها ، بحيث لا تنقطع وقتا يتسع لفعل الطهارة والصلاة ، فهذا ما يسمى بسلس الريح ، وحينئذ يكفيك الوضوء بعد دخول الوقت ، وتصلي به الفرض وما شئت من النفل ، ولا يضرك خروج الريح ولو في الصلاة .
وأما إن كان الريح ينقطع عنك وقتاً يتسع للطهارة والصلاة ، فيلزمك أداء الصلاة في هذا الوقت ، ولو أدى إلى ترك الجماعة في المسجد .
رابعا :(/1)
إذا كان الخروج إلى المسجد يضرك أو يشقّ عليك ، فلا حرج عليك في أداء الصلاة في البيت ، لقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) التغابن/16 ، وقوله سبحانه : (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ) البقرة/286 .
وكلما شعرت بالنشاط والقوة خرجت إلى المسجد .
ونسأل الله تعالى لك الشفاء والمعافاة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
94857
العنوان:
حكم تناول الأقراص المنبهة
السؤال:
ما حكم تناول الأقراص المنبّهة ؟
الجواب:
الحمد لله
القاعدة العامة هي تحريم تناول ما يضر بالإنسان ، بجسمه أو عقله أو بهما معا ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ ) رواه أحمد وابن ماجه (2341) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه.
والأقراص المنشطة والمنبهة لها مضار ومخاطر على الجسم ، ومنها ما يسمى بـ " الأمفيتامينات " ومما يؤسف له أن هذه الأقراص كثر استعمالها بين الطلبة – تحت أسماء مختلفة – بحجة أنها تمكنهم من مقاومة النوم والاستزادة من استذكار دروسهم في مواسم الامتحانات ، كذلك يستخدمها بعض الرياضيين ، وسائقي الشاحنات ، لمواصلة العمل دون نوم أو شعور بالتعب ، وعلى فرض وجود هذه المنفعة ، فإنها منفعة يعقبها الضرر ، بل لهذه الأقراص أضرار بالغة منها : ظهور حالات نشاط مفرط ، واكتئاب ، وارتفاع ضغط الدم ، مما قد يعرض متناولها لنوبة ضغط دم شديد الارتفاع من الممكن أن تودي بحياته في أي لحظة ، كما أن متعاطيها يصاب بمشاعر عدائية وجنون الارتياب (البارانويا) ، ثم لا يلبث مع مرور الأيام واستمرار التعاطي أن يتحول إلى مدمن ، ويؤثر إدمان الأمفيتامينات على انسحاب المدمن من الحياة ، وتتزايد لديه الأفكار والمشاعر الاضطهادية ، وينتهي به الأمر إلى المزيد من العنف وفقدان البصيرة.
وقد قال الله تعالى في شأن الخمر والميسر : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا ) البقرة/219 ، فأهدر الله تعالى ما في الخمر والميسر من منفعة ، لما فيهما ويترتب عليهما من المفاسد والآثام والشرور ، ولهذا كانت قاعدة الشريعة أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح .(/1)
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم الأدوية المسهرة للطلاب للمذاكرة والسائقين في الرحلات الطويلة ؟
فأجابت : " ضررها أكثر من نفعها ، وكل ما كان كذلك فهو محرم ، ثم يمكن الاستغناء عن هذه الأدوية بما هو أنفع منها مع السلامة من آفاتها وعواقبها الوخيمة ؛ إذ يمكن الطلاب أن يوزعوا مذاكرة العلوم المقررة على مدة الدراسة ، وهذا أرسخ للمعلومات في أذهانهم ، وأعمق لها فهما ، حتى إنها لا تكاد تنسى ، ويمكن للسائقين أن يستريحوا فترات في رحلاتهم الطويلة ، وإن تأخروا زمنا في قطع المسافة ، لكنه أسلم لهم ولمن ركب معهم ولمن على طريقهم ولمواصلاتهم ، وأوفق للنظام الذي وضع لمصلحتهم " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (25/32).
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
94861
العنوان:
هل يسقط بر الوالدين بتعاطي السحر لأبنائهما
السؤال:
أب قام بعمل سحر لابنته وهي زوجتي الآن من أجل التفريق بيننا ، ومن أجل أن تصبح ابنته في حالة اللاشعور فما الحكم الديني في هذه الحالة ؟ هل تقطع رحمه ؟ علما بأنه مصر على التفريق بشعوذته هذه أم أنها تكتفي بالتواصل معه هاتفيا وخاصة في العيدين ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يسقط حق الوالدين في الإحسان والبر ولو بتعاطي السحر والشعوذة ، وإضرار أولادهما بذلك .
فقد أمر الله تعالى بمصاحبة الوالدين بالمعروف ولو كانا يأمران ولدهما بالشرك، قال الله تعالى: (وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلَى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً ) لقمان/15 .
فالأب وإن ارتكب كبيرة من الكبائر، فلا يجوز هجره ، بل عليك أن تحسني إليه، وتعظيه بالتي هي أحسن، ولا تملي من نصحه لعل الله يجعل هدايته على يديك.
هذا مع الحذر منه، وتجنب الوسائل التي يمكن أن يستخدمها في سحره كالشرب والأكل عنده، مع التحصن بالأذكار الشرعية الثابتة في ذلك .
وإذا خشيت من زيارته حصول ضرر عليك فلا حرج عليك من الامتناع من زيارته ، وتقتصري في صلته والإحسان إليه بالاتصال به هاتفيا ، والسؤال عنه ومساعدته إن احتاج إلى مساعدة .
وعلى الأب أن يتق الله ويدع ما هو عليه من اقتراف الكبائر ( إن كان كما ذكرت ابنته ) قبل أن يفجأه الموت وهو على ذلك ، كما ننبه السائلة إلى عدم اتهام أبيها بما ذكرت دون بينة ثابتة ، فقد يكون الأمر مجرد شكوك ووساوس لا حقيقة لها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
94870
العنوان:
صديقه يعمل في المطار وسيحضر له تذكرة مجانا فهل يقبلها؟
السؤال:
أحد أصدقائي يعمل بالمطار ووعدني بأن يحضر لي تذكرة مجانا على حساب شركة الخطوط وأنا لا أعمل فيها فهل يجوز لي الاستفادة بهذه التذكرة أم لا ؟ وإذا حجزها لي فماذا أفعل هل أردها ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان صديقك سيحصل على التذكرة بطريق مباح ، كأن تُهدى له من شركة الطيران ، من غير أن يقع في كذب أو رشوة أو احتيال ، فلا حرج عليك في قبولها منه .
وأما إن كان سيتوصل إليها بطريق محرم ، فلا تقبلها ، ولا تكن عونا له على الحرام .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
94877
العنوان:
هل تقام جماعة مستقلة للنساء مع جماعة الرجال ؟
السؤال:
هل يمكن إقامة أكثر من صلاة جماعة في مسجد واحد في نفس الوقت ؟ ففي مسجد الجامعة لا يتم استخدام ميكروفون والنساء لا يسمعن الإمام فهل يمكنهن إقامة جماعة أخرى بإمام منهن ؟
الجواب:
الحمد لله
الأصل أنه لا يشرع إقامة جماعتين في مسجد في وقت واحد ، لما في ذلك من تفريق المسلمين ، وتشويش بعضهم على بعض ، لكن إذا وجد عذر ، كعدم سماع النساء صوت الإمام فلا حرج من إقامة جماعة خاصة بالنساء تصلي بهن إحداهن ، مع وجود جماعة الرجال ، ولكن يشترط لذلك ألا يحصل تشويش من الجماعتين بعضهما على بعض .
وقد ثبت عن عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهما أنهما فعلا ذلك في صلاة التراويح في المسجد ، حيث جعلا إماماً للرجال ، وآخر للنساء .
قال الألباني رحمه الله في رسالة "قيام رمضان" :
" ويشرع للنساء حضورها – يعني صلاة التراويح - . . . بل يجوز أن يُجْعَلَ لهن إمام خاص بهن ، غير إمام الرجال ، فقد ثبت أن عمر رضي الله عنه لما جمع الناس على القيام ، جعل على الرجال أُبَيَّ بن كعب ، وعلى النساء سليمان بن أبي حثمة .
وعن عرفجة الثقفي قال : ( كان علي بن أبي طالب رضي الله عنه يأمر الناس بقيام شهر رمضان ويجعل للرجال إماماً وللنساء إماماً ، قال : فكنت أنا إمام النساء ) .
قلت (الألباني) : وهذا محله عندي إذا كان المسجد واسعاً ، لئلا يشوش أحدهما على الآخر " انتهى .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
94880
العنوان:
زكاة المهر المودع في البنك
السؤال:
هل تجب الزكاة في مال المهر المودع في البنك أي منذ أن تزوجت ولا أريد شراء به أي شيء ؟ وإن كان كذلك فكيف أزكيه ؟
الجواب:
الحمد لله
من ملك مالا يبلغ نصابا ، وحال عليه الحول ، وجب عليه أن يزكيه ، سواء كان هذا المال نقودا أو ذهبا أو فضة ، من مهر أو غيره ، وسواء ادخره لسفر أو بناء بيت أو غير ذلك من الأغراض .
والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب أو 595 جراما من الفضة .
وعليه فإذا كان مهرك المودع في البنك يبلغ نصابا فأكثر ، وجب عليك أن تزكيه كلما مر عليه الحول (سنة هجرية ) فتخرجين منه ربع العشر (2.5%).
وننبه على أنه لا يجوز إيداع الأموال في البنوك الربوية ، إلا لضرورة الحفظ عند الخوف عليها وعدم وجود بنك إسلامي ، وبشرط أن يكون ذلك الإيداع بلا فائدة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
94936
العنوان:
حكم الجلوس في مقهى يقدم فيه الحلال والحرام كالشيشة
السؤال:
هل الجلوس في المقهى الذي يقدم الحلال كالمشروبات والحرام كالشيشة جائز مع العلم أني أطلب الحلال فقط؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز الجلوس في محل يعلن فيه بالمعصية ، إلا لمن اضطر إلى ذلك ، لأن إنكار المنكر باليد واللسان والقلب أمر واجب ، والجلوس في مكان المنكرات وعدم إنكارها يتنافى مع ذلك ، وقد قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ ) النساء/140 .
قال القرطبي رحمه الله : " قوله تعالى: ( فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ) أي غير الكفر. ( إنكم إذا مثلهم ): فدل هذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم ، والرضا بالكفر كفر. قال الله عز وجل (إنكم إذا مثلهم ) فكل من جلس في مجلس معصية ، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
وقد روي عن عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخذ قوماً يشربون الخمر، فقيل له عن أحد الحاضرين: إنه صائم فحمل عليه الأدب (أي : عاقبه) وقرأ هذه الآية : ( إنكم إذا مثلهم ) أي إن الرضا بالمعصية معصية " انتهى.
وقال الجصاص في "أحكام القرآن" (2/407) : " . وفي هذه الآية دلالة على وجوب إنكار المنكر على فاعله وأن مِنْ إنكاره إظهار الكراهة إذا لم يمكنه إزالته وترك مجالسة فاعله والقيام عنه حتى ينتهي ويصير إلى حال غيرها " انتهى .(/1)
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " والإنكار بالقلب فرض على كل واحد ، وهو بغض المنكر وكراهيته ، ومفارقة أهله عند العجز عن إنكاره باليد واللسان ؛ لقول الله سبحانه : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) الأنعام/68" انتهى نقلا عن : "الدرر السنية في الأجوبة النجدية" (16/142).
ثم إنه يخشى على من جلس في هذه الأماكن أن يضعف إيمانه ، وأن تذهب الغيرة من قلبه ، وربما دعاه الشيطان إلى مقارفة شيء من المعصية ، وقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) النور/21.
لكن ...إذا احتاج المسلم إلى الجلوس في مكان كهذا ، كما لو كان مسافرا ولم يجد مكانا يستريح فيه إلا ذلك المكان ، فله الجلوس فيه ، على أن يبعد عن أهل المعاصي بقدر استطاعته ، ويكون جلوسه بقدر ما يحتاج فقط ، ثم يقوم .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
94963
العنوان:
هل يجامع زوجته الحائض ويخرج الكفارة نظرا لطول مدة الحيض ؟
السؤال:
مدة حيضي 10 أيام وأجلس 5 أيام أرى فيها صفرة فقط وزوجي لا يحتمل مدة حيضي ويتضايق كثيرا فهل له أن يجامع قبل العشرة ثم يدفع كفارة وخصوصا أن الوقت بين الحيضتين 16 يوما فقط؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كانت الصفرة بعد الحيض متصلة به ، فهي جزء من الحيض ، فلا يجوز فيها الجماع ولا الصلاة ولا الصوم . وإن جاءت الصفرة بعد الطهر من الحيض ، فلا تعتبر شيئا .
وأما الصفرة قبل الحيض المتصلة به فإن صاحبها آلام الحيض التي تصيب المرأة فهي حيض ، وإن لم تصاحبها تلك الآلام فليست بحيض .
وانظر جواب السؤال رقم (37840)
والطهر من الحيض يحصل بإحدى علامتين : نزول القصة البيضاء ، أو جفاف المحل بحيث لو احتشت بقطنة أو نحوها خرجت نظيفة لا أثر بها من دم أو صفرة أو كدرة .
ثانيا :
لا يجوز للزوج أن يجامع زوجته في فترة الحيض ؛ لقوله تعالى : ( وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِين ) البقرة/222 فلا يجوز جماع الحائض حتى تطهر وتغتسل .
وقد ورد الوعيد الشديد في إتيان الحائض ، كما روى الترمذي (135) وأبو داود (3904) وابن ماجه (639) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي.
وللزوج أن يستمتع بزوجته الحائض فيما عدا الوطء ، وينظر السؤال رقم (36722)
وليس للزوجة أن توافق زوجها على ذلك المنكر ، بل يجب أن تأبى وتمتنع منه .(/1)
وعلى الزوج أن يتقي الله تعالى ، وأن يحذر من الاستمتاع المحرم ، ففي الحلال غنية وكفاية ، والوطء في الحيض مع كونه محرما ، هو مضر مؤذٍ للرجل والمرأة . وينظر السؤال رقم (43028)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
94965
العنوان:
تطلب سكنا مستقلا فهل يعد ذلك تفريقا بين الزوج وأهله؟
السؤال:
تزوجت بنت خالي منذ شهر ونصف ولم أشعر بالسعادة في هذا الزواج فهي قليلة الاحترام لي كثيرة الخروج من البيت لزيارة أهلها ، ولا تطيعني في بعض الأمور وجاء يوم وقالت فيه : أريد بيتاً مستقلاً ، مع العلم أني أسكن مع أخي وزوجته وأختي والكل راضٍ باجتماعنا وبقائنا أسرة واحدة فحلفت يميناً لها بأن طلبها سينفذ ولكن اصبري بعض الوقت ، فرفضت ثم ذهبت إلى بيت أهلها . بلغ الخبر والدتي وعرفت أن زوجتي تريد أن تفرق بيني وبين أخي بالمسكن، فقالت إن سكنت مع زوجتك في بيت مستقل فلن أدخل منزلك أبداً ولا أخوك ولا جميع أفراد عائلتك . وأنا الآن في حالة سيئة 1- هل أعصي والدتي وأطيع زوجتي ، أم أخسر زوجتي و أطيع أمي ؟ علماً أنها لم تشترط علي في عقد الزواج المسكن بل شرطت فقط إكمال الدراسة . 2- عائلتي تريدني أن أطلقها وأسترد مالي لأنها ناشز . 3- عائلتي وجماعتي يعتبرون خروجي عن البيت الذي أسكن فيه مع أخي عيباً - سؤالي هو هل زوجتي ناشز حقاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ينبغي أن تكون العلاقة بين الزوجين علاقةَ محبة ومودة وصلةٍ وبر ، لا سيما إذا كان بينهما قرابة ، فيجتمع حق القرابة مع حق الزوجية ، وينبغي أن يسعى الطرفان إلى تحقيق هذه العلاقة .
وما يقع من سوء العشرة بين الزوجين ، قد يكون مردّه إلى الزوج أو الزوجة أو كليهما ، وعليه فينبغي أن تبحث في أسباب قلة احترامها لك ، أو عدم طاعتها لأوامرك ، وتسعى في علاج ذلك .
وبعض النساء حديثات العهد بالزواج لا يدركن أهمية طاعة الزوج ، ولا مفهوم القوامة التي يختص بها ، ولهذا يحتجن شيئا من الوقت لإدراك ذلك ، وربما احتجن إلى من ينبههن ويعلمهن ، ولعلك تستعين ببعض الأشرطة والكتب النافعة التي تتحدث عن العلاقة الزوجية وأسس نجاحها .(/1)
وفي الوقت ذاته يبالغ بعض الرجال حيث يريد من زوجته أن تسمع وتطيع له طاعة مطلقة في كل شيء ، فلو ناقشته أو اقترحت أو تأخرت قليلا في تنفيذ ما يأمر به ، اتهمها بالنشوز والعصيان ومخالفة أمر الله ، وعدم احترامه .
ولا ينبغي أبدا أن يعامل الرجل زوجته كما يعامل خادمته ، فللزوجة ما تستحق من احترام ومشورة وإبداء رأي ونقاش للوصول إلى ما هو خير وأصلح .
ثانيا :
من حق الزوجة أن يكون لها مسكن خاص مع زوجها وأولادها ، لا يشاركها فيه أحد ، لا أب ولا أم ولا قريب .
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والحنابلة ، وأن لها الامتناع من السكن مع أبيه وأمه وإخوته .
قال الكاساني في بدائع الصنائع (4/24): " ولو أراد الزوج أن يسكنها مع ضرتها أو مع أحمائها كأم الزوج وأخته وبنته من غيرها وأقاربه فأبت ذلك ; عليه أن يسكنها في منزل مفرد ; لأنهن ربما يؤذينها ويضررن بها في المساكنة ، وإباؤها دليل الأذى والضرر ولأنه يحتاج إلى أن يجامعها ويعاشرها في أي وقت يتفق ولا يمكنه ذلك إذا كان معهما ثالث " انتهى.
واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا كان الزوج فقيراً وعاجزا عن إيجاد سكن مستقل لزوجته ، فليس لها أن تطالب بما يعجز عنه . نقله عنه في "مطالب أولي النهى" (5/122) . بل تصبر حتى يغنيه الله .(/2)
والحاصل أن السكن المستقل حق للزوجة ، ولو لم تشترطه في العقد ، ولها أن تطالب به الآن ، ولا تعد ناشزا بذلك ، وما يشيع عند بعض الناس من أن ذلك يعني التفريق بين الإخوة ، كلام لا يعوّل عليه ؛ لأن هذا حق شرعي للزوجة ، وفيه مصلحة للزوجين أيضا ، من جهة عدم الاختلاط ، وأمن النظر والاطلاعِ على ما لا يحل ، ومما يؤسف له أن كثيرا من البيوت العائلية المشتركة ، يطلع فيها الرجل على زوجة أخيه ، وربما حصلت المصافحة والخلوة ، وما يتبع ذلك من الغيرة ، والحسد ، والخلاف والشقاق ، مع ما قد ينشأ من الخلافات بسبب الأولاد ، ولا شك أن الرجل أجنبي عن زوجة أخيه ، فلا يجوز له أن يصافحها أو يخلو بها أو يتعمد النظر إليها ، إلا أن يكون محرما لها من جهة أخرى كالرضاع .
والذي ينظر إلى البيوت العائلية المشتركة يجزم أن الحكمة والمصلحة فيما قاله العلماء ، من إفراد الزوجة بسكن مستقل ، حيث يكثر في هذه البيوت المشاكل والخلافات بين الزوجين ، وبين الرجل وأخيه ، وبين الزوجة وأم زوجها . . . وهكذا ، مع فيها من منكرات ومخالفات للشرع كثيرة .
والذي ننصحك به في ختام هذا الجواب أن تسعى للتوفيق بين زوجتك ووالدتك وعائلتك ، وأن تعطي كل ذي حق حقه ، فتعطي الزوجة حقها في السكن المستقل ، ولا يضرك أن يغضب أحد منهم لانفرادك بالسكن ، لأنك لم تخطئ في ذلك ، ولكن عليك الاستمرار في صلة أقاربك وأمك وإخوانك .
وإذا كنت لا تستطيع في الوقت الحالي أن توفر سكنا مستقلا لزوجته ، فيمكنك أن تعدها وعدا حسنا ، وتوصيها بالصبر والتحمل حتى يغنيكم الله من فضله .
نسأل الله تعالى أن يصلح حالكم ، ويجمع كلمتكم ، ويزيدكم ألفة ومحبة وبرا .
والله أعلم.(/3)
رقم السؤال:
94974
العنوان:
هل تعوِّد ابنها على عدم لباس سروال داخلي ؟
السؤال:
عمر ابني 4 سنوات ونصف ، ولقد بدأت ألاحظ عليه أنه يضع يده في سرواله الداخلي أحياناً ؛ وذلك بهدف إبعاد السروال عن جسمه ، وعندما نهرته لوضعه يده في هذا المكان قال : إنه يشعر بألم في هذه المنطقة " يقصد عملية الانتصاب " ، ولقد قمت حينها بخلع سرواله الداخلي وتركته بالسروال الخارجي ، ولقد أصبح يفضل الجلوس في البيت بدون سرواله الداخلي ، فهل هذا خطأ ؟ وهل ممكن أن يتعود على ذلك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
نشكر لك حرصك على الاهتمام بتربية أولادك ، وهذا أمرٌ قد فرَّط فيه كثيرون ، مع وجود الأوامر في القرآن والسنَّة بوجوب وقاية النفس والأهل النار ، وبوجوب إحاطتهم بالنصح ، ورعايتهم والعناية بأحوالهم الدينية ، كالأمر بالصلاة ، والتفريق بينهم في المضاجع .
قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6 .
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ : الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا ) .
رواه البخاري ( 853 ) ومسلم ( 1829 ) .
عَن مَعْقِل بْنِ يَسَارٍ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ عَبْدٍ اسْتَرْعَاهُ اللَّهُ رَعِيَّةً فَلَمْ يَحُطْهَا بِنَصِيحَةٍ إِلَّا لَمْ يَجِدْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ) .
رواه البخاري ( 6731 ) .(/1)
وانتباهك لحركة ولدك يدل على حرصك على تعويده على صفات الخير ، وتجنب الصفات السيئة ، وهو أمرٌ طيب ، ومع أن سن ابنك الذي أشرت إليه ـ أربع سنوات ـ لا يكون النشاط الجنسي قد ظهر لدى معظم الأطفال ؛ فقد " دلت بعض البحوث إلى أنه يمكن أن يكون لدى بعض الأطفال نشاط جنسي قبل البلوغ ، يتمثل في اللعب والعبث بالأعضاء التناسلية بغية الاستمتاع ... ، ويرى بعض المهتمين بالتربية أن ممارسة هذه العادة تبدأ في سن التاسعة عند عشرة بالمائة من الأولاد ، ويرى البعض الآخر أنها تبدأ في الفترة من سنتين إلى ست سنوات" [ انظر : عدنان صالح باحارث : مسؤولية الأب المسلم في تربية الولد في مرحلة الطفولة ، ص ( 468) ] .
" وكثيرا ما يشاهد الولد في هذا السن واضعا إحدى يديه على عضوه التناسلي ، دون انتباه منه ؛ فإذا نُبُّه انتبه ورفع يده .
ويعود السبب في ذلك ، في بعض الحالات ، إلى وجود حكة ، أو التهاب في ذلك الموضع ، من جراء التنظيف الشديد من قِبَل الأم ، أو ربما كان سبب الالتهاب هو : إهمال تنظيف الولد من الفضلات الخارجة من السبيلين .
ومن أسباب اهتمام الولد بفرجه : إعطاؤه فرصة للعب بأعضائه عن طريق تركه عاريا لفترة طويلة ؛ فإنه ينشغل بالنظر إليها والعبث بها ، والمفروض تعويده على الستر منذ حداثته ، وتنفيره من التعري .
وإذا شوهد الولد واضعا يده على فرجه ، صُرِف اهتمامه إلى غير ذلك ؛ كأن يعطى لعبة ، أو قطعة من البسكويت ، أو احتضانه وتقبيله .
والمقصود هو صرفه عن هذه العادة بوسيلة سهلة ميسرة ، دون ضجيج . ولا ينبغي زجره وتعنيفه ؛ فإن ذلك يثير فيه مزيدا من الرغبة في اكتشاف تلك المنطقة ، ومعرفة سبب منع اللعب بها .
ولا بأس أن يُسأل الولد عما إذا كانت هناك حكة ، أو ألم في تلك المنطقة يدفعه للعبث بنفسه "
المرجع السابق ، ص ( 472) .(/2)
وبالنسبة لأمر ابنك خاصة : فنرى أن تتأكدي من أن ملابسه ، أو بدنه ليس فيه مشكلة تدعوه لذلك الأمر ، وحاولي أن تلبسيه لباساً داخليّاً فضفاضاً ، وأن لا تبقيه بسرواله الخارجي فقط .
وعلى كل حال :
فنحن نوصي الآباء والأمهات بضرورة تعويد أولادهم على الستر والحياء ، وعدم تمكينهم من اللباس القصير سواء للذكور أو الإناث ، وأن يعوَّدوا على الملابس الساترة في صغرهم ، حتى ينشأ الواحد فيهم على العفاف والفضيلة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
" من المعلوم أن الإنسان يتأثر بالشيء في صغره ، ويبقى متأثراً به بعد الكبر ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن نأمر الصبيان بالصلاة لسبع سنين ، ونضربهم عليها لعشر ؛ ليتعودوا ، والطفل على ما اعتاد .. "
" اللقاء الشهري " ( 66 / السؤال رقم 9 ) .
وانظر جواب السؤالين : ( 43485 ) و ( 9909 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
94980
العنوان:
هل يعتبر أخوها من الرضاع محرما لأختها من أبيها
السؤال:
لي أخ من الرضاع ( يعتبر أخي من والدتي ) ولي أخت أخرى من أبي ( من زوجة أخرى تزوجها قبل والدتي ) وللعلم فإنها لم ترضع من أمي ولم تعش معنا بتاتاً . هل أخي من الرضاع يعد محرما لأختي التي من أبي ؟ وهل عماتي يعتبرن عماتاً له ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان هذا الأخ رضع من والدتك خمس رضعات ، فإنها تصير أما له ، ويكون زوجها ( والدك) أباً له ، وجميع بنات أبيك من أي زوجة أخواتٍ له ، وجميع عماتك عماتٍ له ، وهذه المسألة تعرف عند أهل العلم بلبن الفحل ، أي لبن الزوج ، لأن الزوج هو صاحب اللبن أو المتسبب فيه ، فيثبت التحريم من جهته كما يثبت من جهة المرضعة .
ولهذا يكون للرضيع أبٌ من الرضاعة ، وعمٌّ من الرضاعة ، وعمة من الرضاعة الخ .
وقد روى البخاري (6156) ومسلم (3315) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : إِنَّ أَفْلَحَ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ اسْتَأْذَنَ عَلَيَّ بَعْدَ مَا نَزَلَ الْحِجَابُ ، فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا آذَنُ لَهُ حَتَّى أَسْتَأْذِنَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَإِنَّ أَخَا أَبِي الْقُعَيْسِ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي ، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَةُ أَبِي الْقُعَيْسِ ، فَدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الرَّجُلَ لَيْسَ هُوَ أَرْضَعَنِي ، وَلَكِنْ أَرْضَعَتْنِي امْرَأَتُهُ قَالَ : ائْذَنِي لَهُ ، فَإِنَّهُ عَمُّكِ )
وفي هذا إثبات الأبوة من الرضاعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب عليه كون (أفلح) عمّاً لعائشة من الرضاع ؛ لأنه أخو أبيها من الرضاعة .
والحاصل : أن هذا الأخ الذي رضع من والدتك يعتبر أخا من الرضاعة لأختك من جهة أبيك ، كما أن عماتك من النسب ، يعتبرن عماتٍ له من الرضاع .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
94990
العنوان:
العمل في محل إنترنت يُسمح به بالأفلام والأغاني
السؤال:
أنا أعمل في محل إنترنت وغير مسموح فتح المواقع الجنسية ولكن ممسوح بالأغاني والأفلام العادية فهل العمل فيه حرام ؟
الجواب:
الحمد لله
استماع الأغاني والمعازف ، ومشاهدة الأفلام التي يختلط فيها النساء والرجال ، وتكشف فيها العورات ، ويصحبها استعمال آلات اللهو ، كل ذلك من المحرمات ، ولا يجوز لصاحب المحل أو من يعمل فيه أن يمكّن أحدا من ذلك ، ولا أن يعين عليه ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (47396) .
وعليه فإن استطعت منع مشاهدة الأفلام واستماع الأغاني ، فلا حرج عليك في هذا العمل ، وإلا فاتركه ابتغاء مرضاة ربك ، وحذرا من إقرار المنكر والسكوت عليه ، وذلك موجب لغضب الله تعالى وسخطه ، كما قال سبحانه : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المائدة/78، 79
نسأل الله تعالى لك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95005
العنوان:
اقترض بالربا لشراء منزل تحت ضغط والده
السؤال:
أنا شخص تائب من أخذ أي قروض ربوية ولكن في فترة قصيرة طلب مني والدي أن آخذ قرضا ربويا لشراء منزل ، لأن المنزل الذي نحن به ليس ملكا لنا ولأن المالك مصر على استرجاع المنزل وحالتنا المادية ضعيفة لشراء منزل آخر. فأنا أصررت على أن نستأجر منزلا وهو أفضل من الوقوع في الحرام إلا أنهما غضبا وغُصبت على أن أشارك أحد أفراد العائلة في أخذ قرض ربوي وشراء المنزل. أنا بريء من هذا القرض من قبل أن نأخذه ولكن القرض باسمي وأحد أفراد العائلة. فهل هناك أي شي علي وأنا معارض وإلى اليوم معارض؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز الاقتراض بالربا ، من البنك أو غيره ، ولو كان ذلك لشراء منزلٍ للسكنى ؛ لما ورد في الربا من التحريم المؤكد ، والوعيد الشديد ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ . فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ ) البقرة/278- 279 .
وروى مسلم (1598) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ , وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ) .
قال ابن قدامة رحمه الله : " وكل قرض شرط فيه أن يزيده فهو حرام بغير خلاف . قال ابن المنذر : أجمعوا على أن المُسلف إذا شرط على المستلف زيادة أو هدية ، فأسلف على ذلك أن أخذ الزيادة على ذلك ربا " انتهى من "المغني" (6/436).
وشراء المنزل ليس عذرا في ارتكاب هذه المعصية العظيمة والذنب الكبير ، وكان يمكنكم الاكتفاء باستئجار منزل ، كما ذكرت .(/1)
وقد أخطأت في الدخول في هذه المعاملة ، وكان يجب عليك أن تثبت على موقفك ولو أدى ذلك إلى غضب والداك أو عائلتك ؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ولا تكفي معارضتك مع توقيع القرض أو جزء منه باسمك .
والواجب عليك الآن وعلى كل من اقترض بالربا أن يتوب إلى الله تعالى ، وأن يندم على ما فات ، ويعزم عزما أكيدا على عدم العود إلى هذا الذنب العظيم ، والجرم الخطير ، الذي ورد فيه من الوعيد ما لم يرد في غيره ، نسأل الله العافية
ولا حرج عليكم في سكنى هذا المنزل ، وقد سئلت اللجنة الدائمة عن رجل اقترض قرضاً ربوياً وبنى بيتاً ، فهل يهدم البيت أم ماذا يفعل ؟
فأجابت :
" إذا كان الواقع كما ذكرت ، فما حصل منك من القرض بهذه الكيفية حرام لأنه ربا وعليك التوبة والاستغفار من ذلك ، والندم على ما وقع منك والعزم على عدم العودة إلى مثله ، أما المنزل الذي بنيته فلا تهدمه ، بل انتفع به بالسكنى أو غيرها ، ونرجو أن يغفر الله لك ما فرط منك " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" ( 13 / 411 ).
نسأل الله تعالى أن يتجاوز عنا وعنك ، وأن يغفر لنا ولك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
95010
العنوان:
الصلاة في غرفة النوم
السؤال:
هل صحيح أنه لا يجوز للرجل أو المرأة الصلاة في غرفة النوم؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج في صلاة الرجل أو المرأة في غرفة النوم ؛ لقول النبي : ( وَجُعِلَتْ لِي الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا فَأَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أُمَّتِي أَدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ ) رواه البخاري (335) ومسلم (521).
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي النافلة وقيام الليل في حجرة عائشة رضي الله عنها وحجر غيرها من زوجاته رضي الله عنهن .
ولا يخفى أن الرجل مأمور بالصلاة مع الجماعة ، حيث يُنادى بها ، لكن إن فاتته الصلاة ، أو مكان معذورا في عدم الذهاب للمسجد ، أو صلى النافلة في غرفة نومه فلا حرج في ذلك ، ولو ترك صلاة الجماعة في المسجد بلا عذر وصلى في غرفته تلك ، صحت صلاته ، وأثم لترك الجماعة .
والمقصود أنه لا فرق بين غرفة النوم وبين غيرها من أماكن البيت الطاهرة .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
95024
العنوان:
زنت وهي متزوجة فلمن ينسب الولد؟
السؤال:
استغفر الله وأتوب إليه لقد ارتكبت أعظم وأكبر الكبائر وهي الزنا وأنا متزوجة وحملت بطفلة والآن عمرها 6 سنوات ونسبت إلى زوجي ، لم أستطع أن أعترف لزوجي بالقذارة التي فعلتها، خفت على أهلي وابني منه وقد تبت إلى الله توبة نصوحة وتحجبت والتزمت بصلاتي، طلبت المغفرة والعفو من الله على هذا الجرم الذي ارتكبته فهل يغفر الله لي؟ ماذا أفعل حتى تكتمل توبتي أرجوكم أفيدوني هل أعترف لزوجي حتى يغفر الله لي؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله تعالى أن يغفر لك وأن يتجاوز عنك ، فإن الزنا ذنب عظيم ، وجرم كبير ، لا سيما ممن أنعم الله عليها بالزواج ، فبدلت نعمة الله كفرا ، وخانت زوجها ، ودنست عرضه ، ولوثت فراشه . ولهذا كان عقاب هذه المتزوجة أن ترجم بالحجارة حتى تموت ، نكالا من الله عز وجل ، والله عزيز حكيم .
لكن من رحمته سبحانه أنه يلطف بعبده ، ويمهله ، ويدعوه للتوبة ، ويقبلها منه ، ويثيبه عليها ، فما أرحمه ، وما أعظمه ، وما أكرمه سبحانه وتعالى .
قال عز وجل : ) وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/68- 70
فاستمري في توبتك وإنابتك ، وتضرعي إلى الله تعالى أن يقبلها منك ، والله تعالى يتوب على من تاب .(/1)