رقم السؤال:
1118007
العنوان:
لمس الجنب والحائض للكتب والمجلات التي بها آيات قرآنية
السؤال:
هل يحرم على الجنب والحائض لمس الكتب والمجلات التي تشتمل على آيات قرآنية ؟
الجواب:
الحمد لله
"لا يحرم على الجنب ولا على الحائض ولا على غير المتوضئ لمس شيء من الكتب أو المجلات التي فيها شيء من الآيات ، لأن ذلك ليس بمصحف" انتهى .
فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله .
"مجموع فتاوى ابن عثمين" (4/225) .
وانظر جواب السؤال رقم (22829) .(1/1)
رقم السؤال:
947
العنوان:
حكم تهنئة الكفار بأعيادهم
السؤال:
ما حكم تهنئة الكفار بأعيادهم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم - يرحمه الله - في كتاب ( أحكام أهل الذمة ) حيث قال : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول: عيد مبارك عليك ، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله ، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه ، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة ، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه ." انتهى كلامه - يرحمه الله - .
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراماً وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقراراً لما هم عليه من شعائر الكفر، ورضى به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنّئ بها غيره ، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى : { إن تكفروا فإن الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم } وقال تعالى : { اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً } ، وتهنئتهم بذلك حرام سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا .(2/1)
وإذا هنؤنا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا ، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى ، لأنها إما مبتدعة في دينهم وإما مشروعة لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً إلى جميع الخلق ، وقال فيه : { ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين } . وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام ، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها لما في ذلك من مشاركتهم فيها .
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة ، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى ، أو أطباق الطعام ،أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من تشبّه بقوم فهو منهم } . قال شيخ الإسلام ابن تيميه في كتابه : ( اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم ) : " مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل ، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء " . انتهي كلامه يرحمه الله .
ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو توددا أو حياء أو لغير ذلك من الأسباب لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم .
والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم ، ويرزقهم الثبات عليه ، وينصرهم على أعدائهم ، إنه قوي عزيز . ( مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين 3/369 ) .(2/2)
رقم السؤال:
1117
العنوان:
الزكاة في الديون المشكوك في تحصيلها
السؤال:
السؤال :
شخص عنده نقود يقترضها منه بعض إخوانه ومعارفه ، وقد تعود إليه أو لا تعود ، ويسأل هل تجب فيها الزكاة ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
من كان له على مليء دين يبلغ النصاب أو يكمّل بلوغ النصاب عنده فتجب فيه الزكاة ، ويزكّيه إذا قبضه لما مضى عليه ، سواء كان ذلك سنة أو أكثر ، وإن زكّاه قبل قبضه فحسن ، وإن كان على غير مليء فيزكيه إذا قبضه لسنة واحدة ، وإن مضى عليه أكثر من سنة ، وهذا رواية عن الإمام أحمد وهو قول مالك ، .. وهو اختيار الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله . وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(3/1)
رقم السؤال:
1346
العنوان:
هل تجب الزكاة في الدّيْن على المعسر أو المماطل
السؤال:
ما هو حكم الزكاة في الدين على المعسر الذي ربما يمكث سنوات طويلة عليه وما هو حكم الزكاة في الدين على المليء الذي يتماطل في تسديد ذلك الدين ، وما هو حكم الدين على شخص يعرف ملائته ويعرف عزمه على التسديد وكان ذلك طبعا بعد بلوغ عام الحول ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كان المدين معسرا أو كان مليئا لكنه مماطل ولا يمكن للدائن استخلاصه دينه منه ، إما لكونه لا يجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقّه لدى الحاكم ، أو لديه الإثبات لكن لا يجد من وليّ الأمر ما يساعده على تخليص حقه ، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولاً ( أي تمر عليه سنة هجرية والمال عنده ) . وأما إذا كان المدين مليئا ويمكن استخلاص الدين منه فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول ، وكان الدَّين نصابا بنفسه أو بضمّه إلى غيره من النقود ونحوها.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.(4/1)
رقم السؤال:
1533
العنوان:
الصندوق الخيري للعائلة
السؤال:
السؤال :
أشخاص كونوا جمعية باشتراك مقداره مائة دولار على كل شخص من الذكور كبيراً أو صغيراً تُدفع في بداية كل سنة ، بحيث يدخرونه للاستفادة منه في الدّيات وغيرها من البلايا التي تصيب بعض الأشخاص . فهل على تلك الأموال زكاة إذا حال عليها الحول ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الواقع كما ذكر وكان لا يعود ما توفر منه إلى من تبرعوا به بنسبة تبرعهم بل انقطع تملكهم الخاص بمجرد تبرعهم وإنما يصرف فيما تبرعوا من أجله فلا زكاة فيه . والله أعلم .(5/1)
رقم السؤال:
1672
العنوان:
كفارة من جامع زوجته في نهار رمضان
السؤال:
جامعت زوجتي في نهار رمضان عدة مرات وأنا نادم أشد الندم ، وعلمت أن كفارة الجماع في نهار رمضان عتق رقبة وأنا لا أجد ما أدفعه لعتق الرقبة وصيام شهرين متتابعين يصعب علي جداً بسبب العمل فهل أطعم ستين مسكيناً كما جاء في الحديث ؟.
الجواب:
الحمد لله
النصيحة أن تحاول صيام الشّهرين المتتابعين في الأيام الباردة أو المعتدلة حيث يقصر النهار وتخفّ المشقة أو في أيام الإجازة السنوية التي يمنحها لك العمل ونحو ذلك من الفُرص التي يمكن أن تُنتهز لأداء ما عليك ، فإن عجزت عن الصّيام حقّا وحقيقة فيجوز لك عند ذلك أن تُطعم ستين مسكينا يُمكن صرف الطّعام لهم على دفعات - حسب قدرتك - حتى تستكمل عددهم ، وعلى زوجتك كفّارة مماثلة إذا كانت مطاوعة لك في الجماع أثناء شهر رمضان ، والجماع الذي حصل إن كان في أيام مختلفة فعليكما كفّارات مختلفة بعدد الأيام التي انتهكتما حرمتها من أيام الشّهر الكريم .
قال صاحب " كفاية الطالب " : وتتعدد الكفارة بتعدد الأيام ولا تتعدد بتكررها في اليوم الواحد قبل إخراجها اتفاقاً . وقال في حاشية الدسوقي : فلا تتعدد بتعدد الأكلات أو الوطآت في يوم واحد . وقال صاحب مغني المحتاج " : تعدّد الكفارة بتعدّد الفساد .. ( ومن جامع في يومين لزمه كفارتان ) لأن كل يوم عبادة مستقلة فلا تتداخل كفارتاهما ، .. فإن تكرّر الجماع في يوم واحد فلا تعدد . انتهى .(6/1)
ولا يُكلّف الله نفسا إلا وسعها ، والحديث الذي أشرت إليه في سؤالك قد جاء عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( بَيْنَمَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكْتُ قَالَ مَا لَكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَلْ تَجِدُ رَقَبَةً تُعْتِقُهَا قَالَ لا قَالَ فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ قَالَ لا فَقَالَ فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا قَالَ لا قَالَ فَمَكَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيْنَا نَحْنُ عَلَى ذَلِكَ أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعَرَقٍ فِيهَا تَمْرٌ وَالْعَرَقُ الْمِكْتَلُ ( وهو الزنبيل الكبير ) قَالَ أَيْنَ السَّائِلُ فَقَالَ أَنَا قَالَ خُذْهَا فَتَصَدَّقْ بِهِ فَقَالَ الرَّجُلُ أَعَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَوَ اللَّهِ مَا بَيْنَ لابَتَيْهَا يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ ثُمَّ قَالَ أَطْعِمْهُ أَهْلَكَ ) رواه البخاري فتح 1936(6/2)
وفي رواية لأحمد عن عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَا هُوَ جَالِسٌ فِي ظِلِّ فَارِعِ أُجُمِ ( الأجم : الحِصْن ) حَسَّانَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ احْتَرَقْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا شَأْنُكَ قَالَ وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي وَأَنَا صَائِمٌ قَالَتْ وَذَاكَ فِي رَمَضَانَ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اجْلِسْ فَجَلَسَ فِي نَاحِيَةِ الْقَوْمِ فَأَتَى رَجُلٌ بِحِمَارٍ عَلَيْهِ غِرَارَةٌ فِيهَا تَمْرٌ قَالَ هَذِهِ صَدَقَتِي يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيْنَ الْمُحْتَرِقُ آنِفًا فَقَالَ هَا هُوَ ذَا أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ قَالَ وَأَيْنَ الصَّدَقَةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلا عَلَيَّ وَلِي فَوَ الَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ أَنَا وَعِيَالِي شَيْئًا قَالَ فَخُذْهَا فَأَخَذَهَا المسند 6/276.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وأن يتوب علينا إنه هو التواب الرحيم .(6/3)
رقم السؤال:
1995
العنوان:
زكاة الأموال المستحقة إذا تأخر صرفها
السؤال:
السؤال :
الاستحقاقات الحكومية التي صرفت وهي تعود لأعوام مضت ، هل تجب الزكاة في تلك الاستحقاقات حين استلامها ؟ وإن كانت تجب فهل تحسب عن عام واحد ؟ أم كيف تحسب ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر فإنه يستقبل بها عاماً جديداً ابتداء من تاريخ قبضها ، ثم يخرج الزكاة ، ولا زكاة عليه فيما مضى لعدم ملكه لها ملكاً مستقراً . والله أعلم .(7/1)
رقم السؤال:
2534
العنوان:
ما صحة حديث : من زار قبري بعد مماتي فكأنما زارني في حياتي
السؤال:
لقد علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أن زيارة قبره بعد موته كزيارته وهو على قيد الحياة ولهذا عندما نزور قبره في المدينة لا يعد حراما أن نتحدث إليه كما لو كان حيا وأن نطلب منه الشفاعة لنا عند الله يوم الحساب ، لكني قلق من أن يكون هذا من الشرك في شيء .
الجواب:
الحمد لله
روى الدارقطني في سننه (2/278) بإسناده عن حاطب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي .. الحديث " وهذا حديث حكم عليه كثير من علماء الحديث بالبطلان وأنه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم فممن حكم عليه بذلك الحافظ الذهبي في لسان الميزان (4/285) عند ترجمته لأحد رواته وهو هارون بن أبي قزعة فقال الذهبي : هارون بن أبي قزعة المدني عن رجل " عن زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم " قال البخاري : لا يتابع عليه .
وقال الحافظ ابن حجر في لسان الميزان (6/217) : قال الأزدي : هارون أبوقزعة يروي عن رجل من آل حاطب المراسيل . قلت : ( أي الحافظ ) : فتعين أنه الذي أراد الأزدي وقد ضعفه أيضا يعقوب بن شيبة ..
وقد ذكره الحافظ ابن حجر أيضا في التلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير (2/266) وقال : وفي إسناده الرجل المجهول . ومقصود الحافظ بالرجل هو رجل من آل حاطب .(8/1)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في التوسل والوسيلة (ص134) عن الحديث : إن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين ، فإن من زاره في حياته ، وكان مؤمنا به ، كان من أصحابه ، لاسيما إن كان من المهاجرين إليه ، المجاهدين معه . وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لا تسبوا أصحابي ، فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه " أخرجاه في الصحيحين . والواحد من بعد الصحابة لايكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة ؛ كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه ، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين ، بل ولا شرع السفر إليه ، بل هو منهي عنه . وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه ، والسفر إلى المسجد الأقصى للصلاة فيه هو مستحب ، والسفر إلى الكعبة للحج فواجب . فلو سافر أحد السفر الواجب والمستحب لم يكن مثل واحد من الصحابة الذين سافروا إليه في حياته ، فكيف بالسفر المنهي عنه .
وقال أيضاً في ( ص 133 ) : فإن أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة ، لا يعتمد على شيء منها في الدين ؛ ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئا منها ، وإنما يرويها من يروي الضعاف كالدارقطني والبزار وغيرهما .
وقال الشيخ الألباني في الضعيفة (رقم1021) عن الحديث : باطل . وذكر علل الحديث وهي الرجل الذي لم يسم وضعف هارون أبي قزعة وعلة ثالثة وهي الاختلاف والاضطراب ثم قال الشيخ : وبالجملة فالحديث واهي الإسناد .(8/2)
وقال أيضا في الضعيفة رقم ( 47) : يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صلى الله عليه وسلم ؛ وهذا كذب وافتراء وليست أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى ، وعليهم ، وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صلى الله عليه وسلم واستحبابها إذا لم يقترن بها شيء من المخالفات والبدع ، مثل شد الرحل والسفر إليها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تشد الرحل إلا إلى ثلاثة مساجد " . والمستثنى منه في الحديث ليس هو المساجد فقط كما يظن كثيرون بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه سواء كان مسجداً أو قبراً أو غير ذلك ، بدليل ما رواه أبو هريرة قال ( في الحديث له ) :
" فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري فقال : من أين أقبلت ؟ فقلت : من الطّور ، فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت ! سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لا تُعْمل المُطيّ إلا إلى ثلاثة مساجد " الحديث أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح .
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه ، ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شدّ الرّحْل لزيارة قبر ما ، فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة ، فمن طعن فيه فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم، ورحم الله من قال :
وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف . انتهى
والخلاصة أنّ السّفر بنية زيارة القبر النبوي بدعة وحرام لأجل الحديث الوارد في النهي عن شد الرّحال إلى بقعة للعبادة غير المساجد الثلاثة ، وأمّا زيارة قبره صلى الله عليه وسلم لمن كان بالمدينة فهو أمر صحيح ومشروع وكذلك السّفر بنية الصّلاة في المسجد النبوي قربة وطاعة وعبادة لله تعالى وإنما يقع في الخطأ والإشكال من لم يفهم الفرق بين ما هو مشروع وما هو ممنوع والله أعلم .(8/3)
رقم السؤال:
2544
العنوان:
الزكاة على الأموال الدائرة في التجارة
السؤال:
السؤال :
أملك مبلغاً من المال ، أكثر من النصاب في مجموعه . و ضعت جزءاً من هذا المال في تجارة عند حساب الزكاة لهذا العام ، هل يجب أن أضم هذا المال مع أني لم أستردّه بعد من التجارة ، أم يكفي حساب الزكاة بناءً على ما أملك من مالٍ الآن ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
إذا حال على مالك الحول فإنّك تُخرج الزّكاة عليه سواء ما كان بحوزتك أم ما كان دائرا في التّجارة ، ولو نتج عنه ربح فحوله حول أصله ، والله تعالى أعلم .(9/1)
رقم السؤال:
2571
العنوان:
استمنى في نهار رمضان وأكل
السؤال:
أثناء صيامي أحد أيام شهر رمضان حدث أن مارست العادة السرية ثم قرأت في إجابة أحد الأسئلة الإسلامية بإحدى الجرائد ان العادة السرية تبطل الصيام لكن الأمر لا يتطلب أداء كفارة ( تحرير رقبة أو إطعام ستين مسكينا ) فهل هذا صحيح ؟
أما سؤالي الثاني فهو أنى تناولت الطعام في ذلك الوقت لأني اعتقدت بأن صيامي باطل فهل إفطاري ذلك اليوم يتطلب كفارة أم لا ؟؟ جزاكم الله خيرا على الإجابة .
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن العادة السرية محرمة عند أكثر أهل العلم كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فإذا كان استعمالها في شهر رمضان كان ذلك أعظم ، فإذا وقع الإنزال بسبب العادة السرية كان انتهاك حرمة الصيام أشد إثماً ، وعليه فمن أنزل المني فقد أفطر وعليه أن يمسك بقية يومه الذي أنزل فيه ، ولا يجوز له الإفطار لحرمة الشهر الكريم ، فعليك التوبة لإفساد صومك بالإنزال متعمّدا وعليك التوبة أيضا لأنّك لم تمسك بقيّة اليوم وانتهكت حرمة الصّيام بتناول مفطّر آخر وهو الطّعام وعليك بقضاء يوم بدل الذي أفسدته ، وأكثر من الحسنات وصيام النّافلة فإنّ الحسنات يُذهبن السيئات ، والله غفور رحيم .(10/1)
رقم السؤال:
3325
العنوان:
مشاركة الكفار احتفالاتهم ليشاركونا احتفالاتنا
السؤال:
السؤال: هل يمكن أن نشارك في احتفالات غير المسلمين فقط لكي نجذبهم لكي يشاركونا في احتفالاتنا ؟
الجواب:
الجواب:
الحمد لله
إن كانت هذه الاحتفالات أعياد الكفار والمشركين فلا يجوز مشاركتهم في تلك الأعياد المحدثة ، لما في تلك المشاركة من الإعانة على الإثم والعدوان ، كما أن مشاركتهم في أعيادهم من صور التشبه بالكفار ، وقد نهى الشارع عن التشبه بهم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم فهو منهم) أخرجه أبو داود وأحمد ، وكان عمر رضي الله عنه يقول : ( اجتنبوا أعداء الله في عيدهم ) أخرجه البيهقي .
وإن كانت المشاركة في وليمة مثلاً ولا يقع فيها شيء من المحاذير الشرعية كاختلاط الرجال بالنساء أو يُتعاطى فيها ما حرم الله من خمر أو خنزير أو رقص وموسيقى ونحوها ، وكانت هذه المشاركة لا تفضي إلى محبة أو مودة لهؤلاء الكفرة فلا بأس بإجابة دعوتهم ، وأن يسعى إلى تبليغهم دين الإسلام ، فقد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم دعوة بعض اليهود ، والله أعلم(11/1)
رقم السؤال:
4082
العنوان:
هل تبدأ المرأة بقضاء رمضان أو بستّ شوال
السؤال:
بالنسبة لصيام ستة من أيام شوال بعد يوم العيد ، هل للمرأة أن تبدأ بصيام الأيام التي فاتتها بسبب الحيض ثم تتبعها بالأيام الستة أم ماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا أرادت الأجر الوارد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : " مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ . " رواه مسلم رقم 1984 فعليها أن تتمّ صيام رمضان أولا ثم تتبعه بست من شوال لينطبق عليها الحديث وتنال الأجر المذكور فيه .
أمّا من جهة الجواز فإنه يجوز لها أن تؤخرّ القضاء بحيث تتمكن منه قبل دخول رمضان التالي .(12/1)
رقم السؤال:
7175
العنوان:
حكم شراء طعام زكاة الفطر قبل مدة
السؤال:
السؤال : مركز إسلامي في بلاد الغرب يقوم بشراء كميات من الطعام كالرز مثلاً قبل العيد بعشرة أيام مثلاً ثم يعلن عن استعداده أخذ مبالغ من المسلمين لزكاة الفطر ، ثم يخرجها عنهم ، وذلك لأنه لا يتمكن من شراء الكمية إذا أخذ الأموال قبل العيد بيوم أو يومين فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
عرضنا السؤال التالي على فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين فأجاب حفظه الله بقوله :
لا باس أن يشتري المركز الطعام قبل مدة ثم يبيعه على الراغبين في شراء زكاة الفطر ثم تخرج في وقتها الشرعي .(13/1)
رقم السؤال:
7284
العنوان:
فضائل يوم عرفة
السؤال:
ما هي فضائل يوم عرفة ؟.
الجواب:
الحمد لله
من فضائل يوم عرفة :
1- أنه يوم إكمال الدين وإتمام النعمة :
ففي الصحيحين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رجلا من اليهود قال له : يا أمير المؤمنين ، آية في كتابكم تقرءونها ، لو علينا معشر اليهود نزلت لاتخذنا ذلك اليوم عيدا . قال أي آية ؟ قال : " اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا " المائدة :3 . قال عمر : قد عرفنا ذلك اليوم والمكان الذي نزلت فيه على النبي صلى الله عليه وسلم : وهو قائم بعرفة يوم الجمعة .
2- أنه يوم عيد لأهل الموقف :
قال صلى الله عليه وسلم : " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب " رواه أهل السنن . وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه قال : " نزلت - أي آية ( اليوم أكملت ) - في يوم الجمعة ويوم عرفة ، وكلاهما بحمد الله لنا عيد " .
3- أنه يوم أقسم الله به :
والعظيم لا يقسم إلا بعظيم ، فهو اليوم المشهود في قوله تعالى : " وشاهد ومشهود " البروج :3 ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " اليوم الموعود يوم القيامة ، واليوم المشهود يوم عرفة ، والشاهد يوم الجمعة .. " رواه الترمذي وحسنه الألباني .
وهو الوتر الذي أقسم الله به في قوله : " والشفع والوتر " الفجر :3 ، قال ابن عباس : الشفع يوم الأضحى ، والوتر يوم عرفة . وهو قول عكرمة والضحاك .
4- أن صيامه يكفر سنتين :
فقد ورد عن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال : " يكفر السنة الماضية والسنة القابلة " رواه مسلم .
وهذا إنما يستحب لغير الحاج ، أما الحاج فلا يسن له صيام يوم عرفة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك صومه ، وروي عنه أنه نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة .
5- أنه اليوم الذي أخذ الله فيه الميثاق على ذرية آدم :(14/1)
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله أخذ الميثاق من ظهر آدم بنعمان - يعني عرفة - وأخرج من صلبه كل ذرية ذرأها ، فنثرهم بين يديه كالذر ، ثم كلمهم قبلا ، قال : " ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من يعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون " الأعراف :172-173 ، رواه أحمد وصححه الألباني ، فما أعظمه من يوم وما أعظمه من ميثاق .
6- أنه يوم مغفرة الذنوب والعتق من النار والمباهاة بأهل الموقف :
ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة ، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول : ما أراد هؤلاء ؟ "
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة ، فيقول : انظروا إلى عبادي أتوني شعثا غبرا " رواه أحمد وصححه الألباني .
والله تعالى أعلم .(14/2)
رقم السؤال:
7857
العنوان:
ما العمل إذا وافق العيد يوم الجمعة
السؤال:
إذا جاء عيد الفطر في يوم الجمعة فهل يجوز لي أن أصلي العيد ولا أصلي الجمعة أو العكس ؟.
الجواب:
الجواب :
إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فإنه من صلى العيد مع الإمام سقط عنه وجوب حضور الجمعة ويبقى في حقه سنة . فإذا لم يحضر الجمعة وجب عليه أن يصلي ظهراً وهذا في حق غير الإمام. أما الإمام فإنه يجب عليه أن يحضر للجمعة ويقيمها بمن حضر معه من المسلمين ، ولا تترك صلاة الجمعة نهائياً في هذا اليوم .(15/1)
رقم السؤال:
7858
العنوان:
هل يشترط التتابع في صيام الست من شوال
السؤال:
بالنسبة لصيام ستة أيام من شوال بعد رمضان هل يُشترط أن تكون متتابعة أم يُمكن أن أفرّقها حيث أنني أريد أن أصومها على ثلاث دفعات يومين في الإجازة الأسبوعية في نهاية كل أسبوع .
الجواب:
- أنه لا يُشترط التتابع فيها فلو صامها متفرقة أو متتابعة فلا بأس بذلك وكلما بادر كان أفضل ، قال الله تعالى : ( فاستبقوا الخيرات ) ، وقال : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم ) ، وقال موسى عليه السلام : ( وعجلت إليك رب لترضى ) ولما في التأخير من الآفات وإليه ذهب الشافعية وبعض الحنابلة ، لكن لا حرج في عدم المبادرة ، فلو أخرها إلى وسط الشهر أو آخره فلا بأس .
قال النووي رحمه الله :
قَالَ أَصْحَابُنَا : يُسْتَحَبُّ صَوْمُ سِتَّةِ أَيَّامٍ مِنْ شَوَّالٍ ، لِهَذَا الْحَدِيثِ قَالُوا : وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَصُومَهَا مُتَتَابِعَةً فِي أَوَّلِ شَوَّالٍ فَإِنْ فَرَّقَهَا أَوْ أَخَّرَهَا عَنْ شَوَّالٍ جَازَ . وَكَانَ فَاعِلا لأَصْلِ هَذِهِ السُّنَّةِ ، لِعُمُومِ الْحَدِيثِ وَإِطْلاقِهِ . وَهَذَا لا خِلافَ فِيهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَدَاوُد . المجموع شرح المهذب .(16/1)
رقم السؤال:
7860
العنوان:
متى يبدأ المسلم بصيام ستة أيام من شوال
السؤال:
متى يُمكن أن أبدا بصيام الستّ من شوال حيث أنه يوجد لدينا إجازة سنوية الآن ؟.
الجواب:
يُمكن الشروع بصيام الستّ من شوال ابتداء من ثاني أيام شوال لأنّ يوم العيد يحرم صيامه ويُمكن أن تصوم الستّ في أيّ أيام شوال شئت وخير البرّ عاجله .
وقد جاء إلى اللجنة الدائمة السؤال التالي :
هل صيام الأيام الستة تلزم بعد شهر رمضان عقب يوم العيد مباشرة أو يجوز بعد العيد بعدة أيام متتالية في شهر شوال أو لا؟
فأجابت بما يلي :
لا يلزمه أن يصومها بعد عيد الفطر مباشرة، بل يجوز أن يبدأ صومها بعد العيد بيوم أو أيام، وأن يصومها متتالية أو متفرقة في شهر شوال حسب ما يتيسر له، والأمر في ذلك واسع ، وليست فريضة بل هي سنة.
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(17/1)
رقم السؤال:
7863
العنوان:
هل يشرع في صيام الست وعليه قضاء من رمضان
السؤال:
هل من صام ستة أيام من شوال بعد شهر رمضان إلا أنه لم يكمل صوم رمضان ، حيث قد أفطر من شهر رمضان عشرة أيام بعذر شرعي ، هل يثبت له ثواب من أكمل صيام رمضان وأتبعه ستاً من شوال ، وكان كمن صام الدهر كله ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً..
الجواب:
تقدير ثواب الأعمال التي يعملها العباد لله هو من اختصاص الله جل وعلا ، والعبد إذا التمس الأجر من الله جل وعلا واجتهد في طاعته فإنه لا يضيع أجره ، كما قال تعالى : ( إنا لا نضيع أجر من أحسن عملاً ) ، والذي ينبغي لمن كان عليه شيء من أيام رمضان أن يصومها أولا ثم يصوم ستة أيام من شوال ؛ لأنه لا يتحقق له اتباع صيام رمضان لست من شوال إلا إذا كان قد أكمل صيامه .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(18/1)
رقم السؤال:
7865
العنوان:
هل يلزم صيام الست من شوال كل سنة ؟
السؤال:
شخص يصوم ستة أيام شوال، أتاه مرض أو مانع أو تكاسل عن صيامها في إحدى السنوات هل عليه إثم لأننا نسمع أنه من يصومها في عام يجب عليه عدم تركها.
الجواب:
صيام ستة أيام من شوال بعد يوم العيد سنة ، ولا يجب على من صامها مرة أو أكثر أن يستمر على صيامها ، ولا يأثم من ترك صيامها .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(19/1)
رقم السؤال:
8375
العنوان:
جمع التبرعات لشراء هدايا للعوائل الفقيرة في الكريسمس
السؤال:
مدرستي فيها تقاليد في أعياد الميلاد فكل عام يقوم أحد الفصول بتولي أمر أسرة فقيرة يجمع لها التبرعات لشراء هدايا أعياد الميلاد ولكني رفضت ذلك لأن الأسرة حينما تتلقى هذه الهدايا تدعو "بارك الله في النصارى" فهل فعلي صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
يظهر أنك تعني ميلاد المسيح عليه السلام الذي تعظمه النّصارى وتتخذه عيداً . وأعياد النصارى من دينهم ، وتعظيم المسلمين لأعياد الكفّار بإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا هو من التشبُّه بهم ، وقد قال صلى الله عليه وسلم ( من تشبّه بقوم فهو منهم ) . فيجب على المسلمين أن يحذروا من التشبه بالنصارى في أعيادهم ، وفي العادات المختصة بهم ، وقد أحسنت وأصبت حيث لم توافق على جمع التبرعات للأسر الفقيرة بمناسبة أعياد الميلاد ، فاستقم على طريقك ، وناصح إخوانك وبيِّن لهم أن هذا العمل لا يجوز فنحن المسلمين ليس لنا سوى عيد الفطر ، وعيد الأضحى وقد أغنانا الله عن أعياد الكافرين بهذين العيدين . انتهى .
كتبه : الشيخ عبد الرحمن البراك
ونحن المسلمين إذا أردنا الصّدقة فإننا نبذلها للمستحقّين الحقيقيين ولا نتعمد جعْل ذلك في أيام أعياد الكفار بل نقوم به كلما دعت الحاجة وننتهز مواسم الخير العظيمة كرمضان والعشر الأوائل من ذي الحجّة وغيرها من المواسم الفاضلة التي تُضاعف فيها الأجور ، وكذلك في أوقات العسرة كما قال الله تعالى : فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11)وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ(12)فَكُّ رَقَبَةٍ(13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ(14)يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ(15)أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ(16)ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ(17)أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ(18) سورة البلد
وصلى الله على نبينا محمد.(20/1)
رقم السؤال:
8400
العنوان:
هل الأفضل إخراج الزكاة في رمضان؟
السؤال:
سمعت أن إخراج الزكاة في رمضان أفضل من إخراجها في غيره من الأشهر. فهل هذا صحيح؟ وما الدليل على ذلك؟ علماً أن وقت إخراج الزكاة الأصلي قد يكون قبل أو بعد رمضان.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : الزكاة إذا حال عليها الحول وجب إخراجها إلا أن تكون زكاة زروع فيجب إخراجها يوم الحصاد لقوله تعالى : { وآتوا حقه يوم حصاده } سورة الأنعام/ 141
ويجب إخراجها أول ما يحول الحول لقوله تعالى : ( سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض ) الحديد/21
قال ابن بطال :
إن الخير ينبغي أن يبادر به فإن الآفات تعرض ، والموانع تمنع ، والموت لا يؤمن ، والتسويف غير محمود .
قال ابن حجر : وزاد غيره :
وهو أخلص للذمة وأنفى للحاجة وأبعد عن المطل المذموم وأرضى للرب وأمحى للذنب " فتح الباري " ( 3 / 299 ) .
ثانياً : لا يجوز تأخير الزكاة بعد حلول موعدها إلا لعذر .
ثالثاً : يجوز إخراج الزكاة قبل انتهاء الحول بطريق التعجيل .
وتعجّل الزكاة : أداؤها قبل موعدها بحولين فأقل .
عن علي أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم : تعجَّل من العباس صدقة سنتين .
رواه أبو عبيد القاسم بن سلاَّم في " الأموال " ( 1885 ) . وقال الألباني في " الإرواء " ( 3 / 346 ) : حسن .
وفي رواية :
عن علي أن العباس سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم في تعجيل صدقته قبل أن تحل فرخص له في ذلك . رواه الترمذي ( 673 ) وأبو داود ( 1624 ) وابن ماجه ( 1795 ) .
وصححه الشيخ أحمد شاكر في " تحقيق المسند " ( 822 ) .
رابعاً : الصدقة والإحسان إلى الناس بالمال في رمضان أفضل من غيره من الشهور .(21/1)
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ الْقُرْآنَ فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالْخَيْرِ مِنْ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ . رواه البخاري (6) ومسلم (2308) .
قال النووي : وَفِي هَذَا الْحَدِيث فَوَائِد مِنْهَا : اِسْتِحْبَاب إِكْثَار الْجُود فِي رَمَضَان اهـ .
فمن كانت زكاته في رمضان ، أو بعد رمضان ولكنه أخرجها في رمضان متعجلاً ليدرك فضيلة الزكاة في رمضان فإن هذا لا بأس به . أما إن كانت زكاته تجب قبل رمضان ( كشهر رجب مثلاً ) فأخرها حتى يخرجها في رمضان فإن هذا لا يجوز . لأنه لا يجوز تأخير الزكاة عن وقتها إلا لعذر .
خامساً : قد يعرض من الأسباب ما يجعل إخراج الزكاة في غير رمضان أفضل من إخراجها في رمضان . كما لو حدثت كارثة عامة أو مجاعة في بعض بلاد المسلمين كان إخراج الزكاة في هذا الوقت أفضل من كونها في رمضان . وكما لو كان كثير من الناس يخرجون زكاتهم في رمضان فتسد حاجات الفقراء ، ثم لا يجد الفقراء من يعطيهم في غير رمضان فهنا إخراجها في غير رمضان أفضل ولو أدى ذلك إلى تأخير الزكاة عن وقتها ، مراعاةً لمصلحة الفقراء .
سادساً : قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
يجوز تأخير الزكاة لمصلحة الفقراء لا للضرر بهم ، فمثلاً عندنا في رمضان يكثر إخراج الزكاة ويغتني الفقراء أو أكثرهم ، لكن في أيام الشتاء التي لا توافق رمضان يكونون أشدّ حاجةً ، ويقل من يخرج الزكاة ، فهنا : يجوز تأخيرها لأن في ذلك مصلحة لمستحقها . " الشرح الممتع " ( 6 / 189 ) .
والله أعلم .(21/2)
رقم السؤال:
9245
العنوان:
هل يبطل الصوم بالإغماء
السؤال:
رجل أصيب بإغماء وهو صائم ، فهل يبطل صومه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
مذهب الإمامين الشافعي وأحمد أن من أصيب بإغماء في رمضان لا يخلو من حالين :
الأولى :
أن يستوعب الإغماء جميع النهار ، بمعنى أنه يغمى عليه قبل الفجر ولا يفيق إلا بعد غروب الشمس.
فهذا لا يصح صومه ، وعليه قضاء هذا اليوم بعد رمضان .
والدليل على عدم صحة صومه أن الصوم إمساك عن المفطرات مع النية ، لقول الله تعالى في الحديث القدسي عن الصائم : ( يَتْرُكُ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ وَشَهْوَتَهُ مِنْ أَجْلِي ) رواه البخاري (1894) ومسلم (1151) . فأضاف الترك إلى الصائم ، والمغمى عليه لا يضاف إليه الترك .
وأما الدليل على وجوب القضاء عليه فقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 .
الثانية :
أن يفيق جزءً من النهار – ولو لحظة - فهذا يصح صيامه . سواء أفاق من أول النهار أو آخره أو وسطه .
قال النووي رحمه الله وهو يذكر اختلاف العلماء في هذه المسألة :
وأصح الأقوال : يشترط الإفاقة في جزءٍ منه اهـ .
أي : يشترط لصحة صوم المغمى عليه أن يفيق جزءً من النهار .
والدليل على صحة صومه إذا أفاق جزءً من النهار أنه قد وجد منه الإمساك عن المفطرات في الجملة.
انظر : "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (3/381) .
وخلاصة الجواب :
أن الرجل إذا أغمي عليه جميع النهار –أي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس- لم يصح صومه ، وعليه القضاء .
وإذا أفاق في أي جزء من النهار صح صومه . وهذا هو مذهب الشافعي وأحمد واختاره الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
انظر : المجموع (6/346) ، والمغني (4/344) ، الشرح الممتع (6/365).
والله أعلم .(22/1)
رقم السؤال:
9497
العنوان:
انتكس زوجها وغير معاملته لها وارتكب المحرمات فماذا تصنع ؟
السؤال:
أنا امرأة متزوجة منذ عشر سنوات ، ولدي ولدان وبنت ، لم أتزوج عن حب ، ولكن أحببت زوجي كثيراً ؛ لأنه كان في بداية زواجنا يقدرني ويناقشني في كل أموره ، وكان يُسمعني من كلمات الحب والغرام حتى أحببته بكل جوارحي ، وبصراحة كان يصلى في المسجد ، ويساعدني في كل شيء ، في تربية الأولاد ، وأعمال المنزل ، وبعد أربع سنوات من عمر الزواج بدأ يكوِّن علاقات مع الشباب ، وصدفة اكتشفت أنه يدخن الشيشة ، وحزنت كثيراً عندما عرفت ذلك ، ووعدني بأنه لن يفعلها مرة أخرى ، ولكن للأسف الشديد فهو ما زال يدخن الشيشة وبإدمان لدرجة أنه يذهب إلى المقهى خلال فترة الصباح لكي يدخنها ، وعندما منعته صرخ في وجهي بأن لا أتدخل في شؤونه ، مع العلم بأنه مقصِّر في حقي وحق أولاده ، وأصبح مشغولاً جدّاً مع أصدقائه ، لدرجة أنه عندما يخرج في الصباح لا يرجع إلا آخر الليل ، وحاولت أن أًدخل أهله في الموضوع ، ولكن دون جدوى ، فهو لا يسمع لأحد . أنا في حيرة من أمري ، فهو عصبي جدّاً معي ، ولكن مع أصدقائه يضحك ويمرح ، كما أنه عندما أطلب منه أن نخرج معاً لا يرضى ، وإذا خرجنا فإنه طوال الوقت صامت لا يتكلم ، ويكون مشغولاً بالهاتف ، إما برسائل ، أو الرد على المكالمات ، لدرجة في بداية الأمر ظننت بأن له علاقة بغيري ، ولكن حسب تصرفاته أراه فقط مشغولاً بالأصدقاء ، وأنا أحبه وأريده بكل جوارحي . ملاحظات : كان يصلِّي في المسجد ، والآن تمر عليه صلوات دون أن يصليها ، يُكثر من تجريحي وإهانتي ، يصرخ في وجهي أمام الأولاد ، وأمام أي شخص دون مراعاة لمشاعري ، كثير الرحلات مع الأصدقاء ، مدمن الشيشة ، مسرف في ملابسه وأناقته ، ولا يبالي بنواقص واحتياجات المنزل والأولاد ، كثير الديون ، ولا يملك أي شيء ثمين ، علماً بأني أعمل وأصرف على نفسي ، وأدفع الإيجار ، وراتب(23/1)
الشغالة ، وكثير من مصاريف البيت ، وهو لا يبالى ، فكيف أتصرف معه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
مشكلات بيوت الزوجية كثيرة ، وإذا كانت هذه المشكلات من طرف الزوج : فلا بدَّ للمرأة العاقلة من البحث عن أسباب تغير معاملة زوجها لها ، وسبب إحداثه المشكلات في حياتها ، فقد تكون مخالِفة لأوامره ، معاندة في تصرفاتها ، أو مقصرة في طاعته ، أو مهملة في بيتها وتربية أولادها ، وغير ذلك من الأسباب ، ولا يُتصور وجود حياة زوجية سعيدة ، ثم تنقلب الأمور فجأة إلى كراهية الزوجة ، وحب السهر خارج البيت ، وشرب الشيشة ، وغيرها إلا أن تكون ثمة أسباب دفعت هذا الزوج لمثل هذه الأفعال ، وإن كنا نعلم أنه في كثير من الأحيان لا يكون للزوجة يد في هذه الأسباب ؛ بل تكون انتكاسة ألمت بالرجل بعد استقامته ، نسأل الله الثبات والهداية ، أو رفقة سوء أحاطت به ، حتى أضلته عن صراط ربه المستقيم ، ومصالح معاشه ومعاده ، كما هو الظاهر من المشكلة التي أمامنا .
وإذا تبين للزوجة أن لا دخل لها فيما حدث لزوجها من تغيرات : فإنه ابتلاء من الله لها ، فعليها أن تختار بين الصبر على ما يفعله زوجها ، مع مداومة النصح والدعاء ، أو طلب الفراق ، إذا لم يمكنها الصبر على أذاه ، أو كانت تخشى على نفسها أو دينها أو ولدها إذا بقيت معه ، أو وصل في معصيته إلى حد الكفر ، والعياذ بالله .
ثانياً :
على الزوجة أن تبذل وسعها في نصح زوجها ، وتذكيره ، بالتي هي أحسن ، ولا تعنِّف في الكلام ، ولا تعبس في وجهه ، بل تتلطف في اللفظ والمعاملة ، وتخبر أهلها ليجعلوا أحد المقربين له من أهل الخير ينصحه ويذكره ويوجهه للصواب ، مع حرصها على الدعاء في سجودها ، وفي آخر الليل أن يهديه ربه ويوفقه .
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :(23/2)
لا يجوز للزوج أن يعامل زوجته معاملة سيئة ؛ لأن الله تعالى يقول : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/19 ، ويقول صلى الله عليه وسلم : ( وإن لزوجك عليك حقًا ) - رواه البخاري من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما - ، وإذا أساء عشرتها : فإنه ينبغي لها أن تقابل ذلك بالصبر ، وأن تؤدي ما له عليها من حق ؛ ليكون لها الأجر في ذلك ، ولعل الله أن يهديه ، قال الله تعالى : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ) فصّلت/34 .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 4 / 177 ) .
وإذا كان ثمة معاصٍ يرتكبها وتستطيع الزوجة الصبر عليها : فإن تركه للصلاة ليس من هذا الباب ؛ لأن ترك الصلاة كفر وردة ، فلا تمكنه منها إلا أن يرجع لصلاته .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
امرأة عند رجل يرتكب بعض المعاصي والآثام الكبيرة ، كالمخدرات ، ونحو ذلك ، وهي تعاني من هذا الرجل ، وهي امرأة فيها صلاح ، وإيمان - نحسبها كذلك ، والله حسيبها - ماذا تعمل هذه المرأة وقد نصحت واهتمت لكي يترك هذا الرجل هذا المحرم ، ويعود إلى الله سبحانه وتعالى ، ولكن بدون جدوى ؟ فما رأيك ؟ هل تذهب إلى أهلها أو تصبر لعل الله يهديه ؟ وكذلك أبناؤه يمنعهم من الصلاة .
فأجاب :
هذا الرجل الذي يفعل المحرمات هل يصلي أم لا يصلي ؟ .
السائل :
يصلي بتهاون ، أحياناً في البيت ، وأحياناً في العمل ، وأحياناً يتأخر .
الجواب :(23/3)
أرى أنها إذا نصحته ولم يستفد : فلها الحق في طلب الفسخ ، ويفسخ النكاح ، لكن على كل حال مثل هذه الأمور قد يكون هناك أشياء ما تتمكن معها من الفسخ ؛ لأنها معها أولاد ، يحصل مشاكل في الفسخ ، فإذا لم تصل معصيته إلى حد الكفر : فلا حرج عليها أن تبقى معه ؛ خوفاً من المفسدة ، أما إذا وصلت إلى حد الكفر مثل كونه لا يصلي : فهذا لا تبقى معه طرفة عين .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 13 / السؤال رقم 18 ) .
ثالثاً :
يجب على الأزواج أن يتقوا الله تعالى في زوجاتهم ، ولْيعلموا أن الله تعالى قد أمرهم بعشرتهن بالمعروف ، وأمرهم بإمساكهن بمعروف ، وأخبرهم أنه قد يكره الواحد منهم زوجته ويجعل الله فيها خيراً كثيراً ، وهكذا ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه إن ساءه منها خلُق فليرض بما لها من أخلاق حسنة .
قال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً ) النساء/من الآية19 .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً ، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ - أَوْ قَالَ : غَيْرَهُ - ) . رواه مسلم ( 1469 ) .
وليعلم هؤلاء الأزواج أن قدوتهم هو النبي صلى الله عليه وسلم ، وقد كان خير زوج لنسائه .
قال ابن كثير – رحمه الله - :(23/4)
وقوله : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) أي : طيِّبُوا أقوالكم لهن ، وحَسّنُوا أفعالكم ، وهيئاتكم ، بحسب قدرتكم ، كما تحب ذلك منها ، فافعل أنت بها مثله ، كما قال تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/228 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأهْلِهِ ، وأنا خَيْرُكُم لأهْلي ) - رواه الترمذي ( 3892 ) وصححه - ، وكان من أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه جَمِيل العِشْرَة ، دائم البِشْرِ ، يُداعِبُ أهلَه ، ويَتَلَطَّفُ بهم ، ويُوسِّعُهُم نَفَقَته ، ويُضاحِك نساءَه ، حتى إنه كان يسابق عائشة أم المؤمنين ؛ يَتَوَدَّدُ إليها بذلك ، قالت : سَابَقَنِي رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فَسَبَقْتُهُ ، وذلك قبل أن أحملَ اللحم ، ثم سابقته بعد ما حملتُ اللحمَ فسبقني ، فقال : ( هذِهِ بتلْك ) – رواه أبو داود ( 2578 ) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " - ، ويجتمع نساؤه كل ليلة في بيت التي يبيت عندها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فيأكل معهن العشاء في بعض الأحيان ، ثم تنصرف كل واحدة إلى منزلها ، وكان ينام مع المرأة من نسائه في شعار واحد ، يضع عن كَتِفَيْه الرِّداء وينام بالإزار ، وكان إذا صلى العشاء يدخل منزله يَسْمُر مع أهله قليلا قبل أن ينام ، يُؤانسهم بذلك صلى الله عليه وسلم ، وقد قال الله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) الأحزاب/21 .
" تفسير ابن كثير " ( 2 / 242 ) .
على أننا ، وبخصوص هذه المشكلة ، نرى أن جزءا كبيرا من العلاج يكمن في إبعاد زوجك عن صحبة السوء التي شغلته عن بيته وأهله ودينه ؛ فإن أمكن الاستعانة على ذلك برفقة صالحة من أهله تغنيه عن رفقاء السوء الذي أفسدوا حاله ، فهو أمر حسن .(23/5)
ثم عليك أنت أيضا أن تستعيني بالله في تعويضه عن هذه الرفقة بالسكن والمودة والرحمة التي تشيعينها في بيتك ، عسى الله أن يجعل لك ولزوجك من ذلك البلاء فرجا ومخرجا .
ونسأل الله تعالى أن يهدي زوجك ، وأن يوفقه لمرضاته ، وأن يجمع بين زوجته على خير .
وانظري جوابي السؤالين ( 45600 ) و ( 9463 ) .
والله الموفق(23/6)
رقم السؤال:
10127
العنوان:
لماذا يُعاقَب من وُلِد في أسرة كافرة ومات على الكفر
السؤال:
نؤمن كمسلمين بالقضاء والقدر ، فإذا كان مكتوباً على الطفل أن يولد في أسرة كافرة ، فلماذا يعاقب بدخول النار إذا كبر ومات على ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله :
نعم أخانا المكرم ، نحن نؤمن بالقضاء والقدر ، لكن قبل ذلك وبعده ، نحن نؤمن بكمال الله تعالى وعدله ، وتنزهه عن ظلم عباده ، أدنى ما يكون ذلك الظلم ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئاً وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ) (يونس:44) ، والآيات في هذا المعنى كثيرة معلومة ، بل فوق ذلك نعلم أن الله تعالى رفيق يحب الرفق في الأمر كله ، رحمن ، رحيم ، ذو رحمة واسعة هي أوسع من غضبه وانتقامه ، كما في حديث أبي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ كِتَابًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي فَهُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ ) رواه البخاري (7554)
ومن أجل ذلك يحب أن يمهل عباده ويحلم عليهم ، ويعذر إليهم ، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( .. لَا أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ ..) رواه البخاري (7416)(24/1)
فإذا استقر عندك هذا الأصل البيِّن المحكم المنير ، الذي لا يصح لأحد إيمانه إلا بالتمكن فيه ، فرُدّ إليه – رحمنا الله وإياك – كل غبش من ظلمةِ جهل ، أو شبهة هوى ، وسرعان ما تجد قلبك قد استراح ، وقد علمت أن الله تعالى أرحم بك وبسائر عباده من الوالدة بولدها ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَدِمَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْيٌ فَإِذَا امْرَأَةٌ مِنْ السَّبْيِ قَدْ تحلّب ثَدْيهَا تَسْقِي إِذَا وَجَدَتْ صَبِيًّا فِي السَّبْيِ أَخَذَتْهُ فَأَلْصَقَتْهُ بِبَطْنِهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَقَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتُرَوْنَ هَذِهِ طَارِحَةً وَلَدَهَا فِي النَّارِ قُلْنَا لَا وَهِيَ تَقْدِرُ عَلَى أَنْ لَا تَطْرَحَهُ فَقَالَ لَلَّهُ أَرْحَمُ بِعِبَادِهِ مِنْ هَذِهِ بِوَلَدِهَا ) رواه البخاري (5999) ومسلم (2754)
والله الرحمنُ الرحيم أرحم بهذا الذي تسألُ وتجادل عنه ، منك ومن نفسه ، فإما كان من أهل رحمة الله فستدركه إن شاء الله ، لا محالة .
وإما كان من المحادين المعاندين فاشتغل بما ينفعك أنتَ وينجيك " ولا تكن للخائنين خصيماً "
وأحذر أن تغفل عن ذلك الأصل طرفة عين ، ثم احذر أن تنظر في القدر قبل أن تُحكِمه ، واعلم أن باب القدر كالشمس ، متى آمنت به ، وسلمت ، على ما أتاك من خبر الله ووحيه ، استرحت ، واطمأنت نفسك ، كالذي يسير في وضح النار .
وأما إذا دققت وشققت ، وتعمقت وتنطعت ، فما يستفيد المحدِّق في قرص الشمس سوى تلف عينيه ؟!(24/2)
فإذا جئنا إلى ما سألت عنه ، حتى لا تظن أن ما قدمناه لك حيدةٌ عن الجواب ، فاعلم مما يَجِبُ أن الله سبحانه وتعالى قد هيأ لكل إنسان ما يمكنه من معرفة الخير والشر ، قال تعالى : (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ) (البلد:8) ، أي عينين يبصر بهما ، (وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ) (البلد:9) ، أي ولسانا ينطق به عما في ضميره وشَفَتَينِ يَسْتَعِين بهما على الكلام ، ( وهَدَيْنَاهُ النَّجدين ) البلد/10 ، قال ابن مسعود : الخير والشر، وقوله تعالى : ( إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً) (الانسان:2-3) ، فقد بَيّن لله في الآيات السابقة أنه عز وجل وَهَبَ للإنسان الوسائل والآلات التي يُمْكِنُه معها معرفة طريق الخير والشر .
ثم إنه سبحانه لم يجعل هذه الآلات حجة على عباده بمفردها ، بل فتح لهم باب العذر ، وأملى لهم في الحجة ، حتى يأتيهم نور الوحي من السماء ، قال تعالى : ( رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء/165 ، وقال تعالى : ( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً) الإسراء/ 15
ومن أجل ذلك يوبخ الله تعالى الكفار به على ما أضاعوا من عذر الله وإمهاله ، وغفلوا عن رسله وبيناته : ( َيا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ * ذَلِكَ أَن لَّمْ يَكُن رَّبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا غَافِلُونَ ) (الأنعام 130-131 )(24/3)
أما هذا الذي قَلّد أباه على الكفر ، ومات عليه ، فقد قال ابن القيم رحمه الله :
" َيُفَرّق بين مُقَلّدٍ تَمَكّن من العلم ومعرفة الحق ، ومُقَلّد لم يتمكن من ذلك بِوَجْهٍ ، والقسمان واقعان في الوجود فالمُتَمَكِّن المُعْرِض ، مفرطٌ تاركٌ للواجب عليه ، لأنه لا عذر له عند الله ، وأما العاجز عن السؤال والعلم ، الذي لا يتمكن من العلم بوجه ، فهم قسمان أيضا :
أحدهما : مُرِيدٌ للهدى مُؤْثِر له ، مُحِب له ، غير قادر عليه ، ولا على طلبه ، لعدم من يُرْشِده ، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات ومن لم يبلغه الدعوة .
الثاني : معرض لا إِرَادة له ، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه ، فالأول يقول : يا رب لو أعلم دينا خيرا مما أنا عليه لَدِنْتُ به وتركت ما أنا عليه ، والثاني راضٍ بما هو عليه ، لا يُؤْثِر غيره عليه ، ولا تَطْلُب نفسه سواه ، ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته ، وكلاهما عاجز ، فالأول كمن طلب الدين في الفترة ولم يَظْفَر به ، فعدل عنه بعد استفراغ الوسع في طلبه عَجْزاً وجهلاً ، والثاني كمن لم يطلبه ، بل مات على شركه " أهـ . طريق الهجرتين 678 .
وإن كان لو طلبه لعجز عنه ، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض ، فتأمل هذا الموضع ، والله يقضي بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله ، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل ، فهذا مقطوع به في جملة الخلق ، وأما كون إنسا معين قد قامت عليه الحجة أم لا ، فذلك ما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه ، وهذا في أحكام الثواب والعقاب ، وأما في أحكام الدنيا فهي جارية على ظاهر الأمر ، فأطفال الكفار ومجانينهم كفار في أحكام الدنيا ، لهم حكم أوليائهم "(24/4)
وهؤلاء الذين لم تبلغهم الدعوة ، ولم تقم عليهم حجة الله بالرسل ، أصح الأقوال فيهم أنهم يمتحنون في عرصات القيامة ، ويرسل إليهم هناك رسول ، فمن أطاعه دخل الجنة ، ومن عصاه دخل النار ، كما في مسند الإمام أحمد (18566) وغيره من حديث الْأَسْوَدِ بْنِ سَرِيعٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أرْبَعَةٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ رَجُلٌ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ شَيْئًا وَرَجُلٌ أَحْمَقُ وَرَجُلٌ هَرَمٌ وَرَجُلٌ مَاتَ فِي فَتْرَةٍ فَأَمَّا الْأَصَمُّ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا وَأَمَّا الْأَحْمَقُ فَيَقُولُ رَبِّ لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونِي بِالْبَعْرِ وَأَمَّا الْهَرَمُ فَيَقُولُ رَبِّي لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ شَيْئًا وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ فَيَقُولُ رَبِّ مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ أَنْ ادْخُلُوا النَّارَ قَالَ فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا لَكَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا ) وفي رواية : ( فَمَنْ دَخَلَهَا كَانَتْ عَلَيْهِ بَرْدًا وَسَلَامًا وَمَنْ لَمْ يَدْخُلْهَا يُسْحَبُ إِلَيْهَا) رواه أحمد
والله الموفق(24/5)
رقم السؤال:
10246
العنوان:
وقت إخراج الزكاة
السؤال:
أعلم أنه حسب الشريعة, فإن الزكاة تحين إذا حال الحول. والذي أرغب في التعرف عليه هو: هل يوجد تاريخ محدد يحين فيه دفع الزكاة, أم أن الأمر متروك لتقدير الفرد ؟.
الجواب:
الحمد لله
اعلم أيها المسلم أنّه تجب المُبَادرة بإخراج الزكاة ، فَوْرَ وُجُوبِهَا في المال ، لقوله تعالى : ( وآتوا الزكاة ) البقرة 110 ، ولأنّ حَاجَة الفَقِير تَسْتَدْعِي المُبَِادرة بِدَفعها إليه وفي تأخيرها إضرار به ، ولأن المبادرة بإخراجها أبْعَد عن الشُّحِّ وأخْلَص للذِّمة ، وهو مرضاة للرَّب ، وعَدَم تأخيرها إلا لضرورة ، كما لو أخرها ليَدْفَعَها إلى من هو أشدّ حاجة أو لغَيْبَةِ المال ، كما أنه يجوز تَعْجِيل إخراج الزكاة قبل وجوبها ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم تعجل من العباس صدقة سنتين ، رواه الترمذي ( الزكاة/615) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي ، ويكون تعجيلها إذا انعقد سبب وجوبها .
انظر الملخص الفقهي للفوزان 1/247.(25/1)
رقم السؤال:
10394
العنوان:
تريد الصيام وهي تكشف الوجه والشعر
السؤال:
أصوم بصفة دورية وأريد أن أعرف هل صيامي صحيح إذا لم أرتدي الحجاب الصحيح؟ عندما أذهب للعمل يكون شعري ورقبتي ويدي مكشوفين بينما أغطي ما عدا ذلك .
الجواب:
الحمد لله
ننصحك بالالتزام بالحجاب التام أمام الرجال الأجانب حتى يُقبل الصيام ويكون مضاعفا ، وكذلك الصلاة وبقية الأعمال الصالحة ، وإذا صامت المسلمة مع ترك الحجاب يصح صيامها ، وتأثم على ترك الحجاب ، فالكشف لا يؤثر على صحة الصيام ، ولكن المتبرجة مهددة بالعقوبة من الله على مخالفتها أمر الله ، فننصحك يا أمة الله بالتزام أمر الله ( يدنيين عليهن من جلابيبهن ... ) وبقوله تعالى ( ولا يبدين زينتهن ... ) وبقوله تعالى : ( وليضربن بخُمرهن على جيوبهن ... ) .(26/1)
رقم السؤال:
10508
العنوان:
التكبير المطلق والمقيد في أيام ذي الحجة
السؤال:
عن التكبير المطلق في عيد الأضحى ، هل التكبير دبر كل صلاة داخل في المطلق أم لا ؟ وهل هو سنة أم مستحب أم بدعة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أما التكبير في الأضحى فمشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة ، لقول الله سبحانه : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) الحج /28 ، الآية ، وهي أيام العشر ، وقوله عز وجل : ( واذكروا الله في أيام معدودات ) البقرة / 203 ، الآية ، وهي أيام التشريق ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل ) رواه مسلم في صحيحه ، وذكر البخاري في صحيحه تعليقاً عن ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما : ( أنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ) . وكان عمر بن الخطاب وابنه عبد الله رضي الله عنهما يكبران في أيام منى في المسجد وفي الخيمة ويرفعان أصواتهما بذلك حتى ترتج منى تكبيراً ، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم التكبير في أدبار الصلوات الخمس من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم الثالث عشر من ذي الحجة وهذا في حق غير الحاج ، أما الحاج فيشتغل في حال إحرامه بالتلبية حتى يرمي جمرة العقبة يوم النحر ، وبعد ذلك يشتغل بالتكبير ، ويبدأ التكبير عند أول حصاة من رمي الجمرة المذكورة ، وإن كبر مع التلبية فلا بأس ، لقول أنس رضي الله عنه : ( كان يلبي الملبي يوم عرفة فلا ينكر عليه ، ويكبر المكبر فلا ينكر عليه ) رواه البخاري ، ولكن الأفضل في حق المحرم هو التلبية ، وفي حق الحلال هو التكبير في الأيام المذكورة .(27/1)
وبهذا تعلم أن التكبير المطلق والمقيد يجتمعان في أصح أقوال العلماء في خمسة أيام ، وهي يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق الثلاثة . وأما اليوم الثامن وما قبله إلى أول الشهر فالتكبير فيه مطلق لا مقيد ، لما تقدم من الآية والآثار ، وفي المسند عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر ، فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ) أو كما قال عليه الصلاة والسلام .(27/2)
رقم السؤال:
10526
العنوان:
دفع قيمة زكاة الفطر لهيئة خيرية في بداية رمضان
السؤال:
هل يجوز لهيئة خيرية استلام أموال زكاة الفطر مع بداية شهر رمضان وذلك بهدف الاستفادة منه بقدر المستطاع ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا عدم الفقراء في البلاد أو كان الذين يأخذونها ليسوا بحاجة أو لا يأكلونها وإنما يبيعونها بنصف الثمن وتعذر البحث عن الفقراء المعوزين الذين يأكلونها جاز إخراجها عن البلاد ويجوز دفع ثمنها من أول الشهر للوكيل الذي يشتريها ثم يوصلها لمستحقها في وقت الدفع وهو ليله العيد أو قبله بيومين والله أعلم .(28/1)
رقم السؤال:
11185
العنوان:
لم تقض ما عليها من صوم
السؤال:
السؤال :
إنني لم أقض الأيام التي يفوتني صيامها من شهر رمضان بسبب العادة الشهرية وأنا لا أستطيع إحصاءها فماذا علي أن أفعل؟.
الجواب:
الجواب :
الحمد لله
عليك أن تتحري أيتها الأخت في الله وأن تصومي ما غلب على ظنك أنك تركت صيامه وتسألين الله العون والتوفيق قال تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) . اجتهدي وتحري واحتاطي لنفسك حتى تصومي ما غلب على الظن أنك تركتيه وعليك التوبة إلى الله ، والله ولي التوفيق .(29/1)
رقم السؤال:
12366
العنوان:
بدعة عيد الأبرار
السؤال:
ما حكم عيد الأبرار الذي يقام في شوال من كل سنة ؟.
الجواب:
الحمد لله
من الأمور المحدثة المبتدعة في شهر شوال : بدعة عيد الأبرار وهو اليوم الثامن من شوال.
فبعد أن يتم الناس صوم شهر رمضان , ويفطروا اليوم الأول من شهر شوال - وهو يوم عيد الفطر - يبدأون في صيام الستة أيام الأول من شهر شوال , وفي اليوم الثامن يجعلونه عيداً يسمونه عيد الأبرار.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وأما اتخاذ موسم غير المواسم الشرعية كبعض ليالي شهر ربيع الأول التي يقال : إنها ليلة المولد , أو بعض ليالي رجب , أو ثامن عشر ذي الحجة , أو أول جمعة من رجب , أو ثامن من شوال الذي يسميه الجهَّال عيد الأبرار : فإنها من البدع التي لم يستحبها السلف , ولم يفعلوها. والله سبحانه وتعالى أعلم). ا.هـ. مجموع الفتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية (25/298).
وقال أيضاً : ( وأما ثامن شوال : فليس عيداً لا للأبرار ولا للفجار , ولا يجوز لأحد أن يعتقده عيداً, ولا يحدث فيه شيئاً من شعائر الأعياد ) ا. هـ. الاختيارات الفقهية ص/199
ويكون الاحتفال بهذا العيد في أحد المساجد المشهور فيختلط النساء بالرجال ويتصافحون ويتلفظون عند المصافحة بالألفاظ الجاهلية , ثم يذهبون بعد ذلك إلى صنع بعض الأطعمة الخاصة بهذه المناسبة). السنن والمبتدعات للشقيري ص/166(30/1)
رقم السؤال:
12411
العنوان:
شروط الاعتكاف
السؤال:
ما هي شروط الاعتكاف ، وهل الصيام منها ، وهل يجوز للمعتكف أن يزور مريضاً ، أو يجيب الدعوة ، أو يقضي حوائج أهله أو يتبع جنازة ، أو يذهب إلى العمل ؟ .
الجواب:
الحمد لله
يشرع الاعتكاف في مسجد تقام فيه صلاة الجماعة ، وإن كان المعتكف ممن يجب عليهم الجمعة ويتخلل مدة اعتكافه جمعة ففي مسجد تقام فيه الجمعة أفضل .
ولا يلزم له الصوم .
والسنة ألا يزور المعتكف مريضاً أثناء اعتكافه ، ولا يجيب الدعوة ، ولا يقضي حوائج أهله ، ولا يشهد جنازة ، ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد ؛ لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : " السنة على المعتكف ألا يعود مريضاً ، ولا يشهد جنازة ولا يمس امرأة ، ولا يباشرها ، ولا يخرج لحاجة إلا لما لابد منه " أخرجه أبو داوود 2473.(31/1)
رقم السؤال:
12459
العنوان:
حكم زكاة الفطر ومقدارها
السؤال:
هل حديث ( لا يرفع صوم رمضان حتى تعطى زكاة الفطر) صحيح ؟
وإذا كان المسلم الصائم محتاجاً لا يملك نصاب الزكاة هل يتوجب عليه دفع زكاة الفطر لصحة الحديث أم لغيره من الأدلة الشرعية الصحيحة الثابتة من السنة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
صدقة الفطر واجبة على كل مسلم تلزمه مؤنة نفسه إذا فضل عنده عن قوته وقوت عياله يوم العيد وليلته صاع .
والأصل في ذلك ما ثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ، على العبد والحر والذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) متفق عليه ، واللفظ للبخاري .
وما روى أبو سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( كنا نخرج زكاة الفطر إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعاً من زبيب أو صاعاً من أقط ) متفق عليه.
ويجزئ صاع من قوت بلده مثل الأرز ونحو ه.
والمقصود بالصاع هنا : صاع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أربع حفنات بكفي رجل معتدل الخلقة .
وإذا ترك إخراج زكاة الفطر أثم ووجب عليه القضاء.
وأما الحديث الذي ذكرته فلا نعلم صحته .
ونسأل الله أن يوفقكم ، وأن يصلح لنا ولكم القول والعمل .
وبالله التوفيق .(32/1)
رقم السؤال:
12468
العنوان:
حال المسلم في رمضان
السؤال:
ما هي الكلمة التي توجهونها للمسلمين بمناسبة دخول شهر رمضان ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الله تعالى : ( شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون ) البقرة / 185 هذا الشهر المبارك موسم عظيم للخير والبركة والعبادة والطاعة .
فهو شهر عظيم ، وموسم كريم ، شهر تضاعف فيه الحسنات ، وتعظم فيه السيئات ، وتفتح فيه أبواب الجنات ، وتقفل فيه أبواب النيران ، وتقبل فيه التوبة إلى الله من ذوي الآثام والسيئات . شهر أوله رحمه ، وأوسطه مغفره ، وآخره عتق من النار .
فاشكروه على ما أنعم عليكم به من مواسم الخير والبركات ، وما خصكم به من أسباب الفضل وأنواع النعم السابغات ، واغتنموا مرور الأوقات الشريفة والمواسم الفاضلة بعمارتها بالطاعات وترك المحرمات تفوزوا بطيب الحياة وتسعدوا بعد الممات .
والمؤمن الصادق كل الشهور عنده مواسم للعبادة والعمر كله عنده موسم للطاعة , ولكنه في شهر رمضان تتضاعف همته للخير وينشط قلبه للعبادة أكثر ، ويقبل على ربه سبحانه وتعالى , وربنا الكريم من جوده وكرمه تفضل على المؤمنين الصائمين فضاعف لهم المثوبة في هذا الموقف الكريم وأجزل لهم العطاء والمكافئة على صالح الأعمال .
ما أشبه الليلة بالبارحة ..
هذه الأيام تمر بسرعة وكأنها لحظات ، فقد استقبلنا رمضان ثم ودعناه، وما هي إلا فترة من الزمن وإذ بنا نستقبل رمضان مرة أخرى ، فعلينا أن نبادر بالأعمال الصالحة في هذا الشهر العظيم ، وأن نحرص على ملئه بما يرضي الله ، وبما يُسعدنا يوم نلقاه .
كيف نستعد لرمضان ؟(33/1)
إن الاستعداد في رمضان يكون بمحاسبة النفس على تقصيرها في تحقيق الشهادتين أو التقصير في الواجبات أو التقصير في عدم ترك ما نقع فيه من الشهوات أو الشبهات ..
فيُقوم العبد سلوكه ليكون في رمضان على درجة عالية من الإيمان .. فالإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية ، فأول طاعة يحققها العبد هي تحقيق العبودية لله وحده وينعقد في نفسه ألا معبود بحق إلا الله ، فيصرف جميع أنواع العبادة لله لا يشرك معه أحداً في عبادته ، ويستيقن كل منا أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وما أخطأه لم يكن ليصيبه وأن كل شيء بقدر .
ونمتنع عن كل ما يناقض تحقيق الشهادتين وذلك بالابتعاد عن البدع والإحداث في الدين . وبتحقيق الولاء والبراء ، بأن نوالي المؤمنين ونعادي الكافرين والمنافقين ، ونفرح بانتصار المسلمين على أعدائهم ، ونقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ، ونستن بسنته صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده ، ونحبها ونحب من يتمسك بها ويدافع عنها في أي أرض وبأي لون وجنسية كان .
بعد ذلك نحاسب أنفسنا على التقصير في فعل الطاعات كالتقصير في أداء الصلوات جماعة وذكر الله عز وجل وأداء الحقوق للجار وللأرحام وللمسلمين وإفشاء السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتواصي بالحق ، والصبر على ذلك، والصبر عن فعل المنكرات ، وعلى فعل الطاعات ، وعلى أقدار الله عز وجل .
ثم تكون المحاسبة على المعاصي واتباع الشهوات بمنع أنفسنا من الاستمرار عليها ، أي معصية كانت صغيرة أو كبيرة سواءً كانت معصية بالعين بالنظر إلى ما حرم الله أو بالسماع للمعازف أو بالمشي فيما لا يرضي الله عز وجل ، أو بالبطش باليدين في ما لا يرضي الله ، أو بأكل ما حرم الله من الربا أو الرشوة أو غير ذلك مما يدخل في أكل أموال الناس بالباطل .(33/2)
ويكون نصب أعيننا أن الله يبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل ويبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، وقد قال سبحانه وتعالى: { وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين .الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين . والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون . أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين }.
وقال تعالى : { قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم }. وقال تعالى : { ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفوراً رحيماً }.
بهذه المحاسبة وبالتوبة والاستغفار يجب علينا أن نستقبل رمضان ، " فالكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ".
إن شهر رمضان شهر مغنم وأرباح ، والتاجر الحاذق يغتنم المواسم ليزيد من أرباحه فاغتنموا هذا الشهر بالعبادة وكثرة الصلاة وقراءة القرآن والعفو عن الناس والإحسان إلى الغير والتصدق على الفقراء .
ففي شهر رمضان تفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النار وتصفد فيه الشياطين وينادي منادٍ كل ليلة: يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر.
فكونوا عباد الله من أهل الخير متبعين في ذلك سلفكم الصالح مهتدين بسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم حتى نخرج من رمضان بذنب مغفور وعمل صالح مقبول.
واعلموا بأن شهر رمضان خير الشهور:
قال ابن القيم : " ومن ذلك – أي المُفاضلة بين ما خَلَق الله – تفضيل شهر رمضان على سائر الشهور وتفضيل عشره الأخير على سائر الليالي" أهـ زاد المعاد 1/56.
وفُضِّل هذا الشهر على غيره لأربعة أمور :
أولاً :(33/3)
فيه خير ليلة من ليالي السنة ، وهي ليلة القدر . قال تعالى: { إنا أنزلناه في ليلة القدر . وما أدراك ما ليلة القدر . ليلة القدر خير من ألف شهر . تنزّل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر . سلام هي حتى مطلع الفجر } سورة القدر .
فالعبادة في هذه الليلة خير من عبادة ألف شهر .
ثانياً :
أُنزلت فيه أفضل الكتب على أفضل الأنبياء عليهم السلام. قال تعالى: { شهر رمضان الذي أُنزل فيه القرآن هدى للناس وبيّنات من الهدى والفرقان } البقرة / 158 . وقال تعالى: { إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين .فيها يُفرق كل أمر حكيم . أمراً من عندنا إنا كنا مرسِلين } الدخان / 1-2 .
وروى أحمد والطبراني في معجمه الكبير عن واثلة بن الأسقع - رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أُنزلت صحف إبراهيم أول ليلة من شهر رمضان ، وأُنزلت التوراة لِسِتٍ مضت من رمضان ، وأُنزل الإنجيل لثلاث عشرة مضت من رمضان ، وأُنزل الزبور لثمان عشرة خلت من رمضان ، وأُنزل القرآن لأربع وعشرين خلت من رمضان ) . حسنه الألباني في السلسلة الصحيحة (1575) .
ثالثاً : هذا الشهر تُفتح فيه أبواب الجنة وتُغلق أبواب جهنم وتُصفَّد الشياطين:
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصُفِّدت الشياطين ) متفق عليه.
وروى النَّسائي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا جاء رمضان فُتحت أبواب الرحمة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين ) وصححه الألباني في صحيح الجامع (471).(33/4)
وروى الترمذي وابن ماجه وابن خزيمة في رواية : ( إذا كان أول ليلة في شهر رمضان صُفِّدت الشياطين ومَرَدَة الجن ، وغلقت أبواب النار فلم يُفتح منها باب ، وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ، وينادي منادٍ : يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر . ولله عُتقاء من النار وذلك كل ليلة ) . وحسنه الألباني في صحيح الجامع (759) .
فإن قيل : كيف نرى الشرور والمعاصي واقعة في رمضان كثيراً ، فلو صُفدت الشياطين لم يقع ذلك ؟
فالجواب : أنها إنما تَقِل عن الذي حافظ على شروط الصيام وراعى آدابه .
أو أن المُصفَّد بعض الشياطين وهم المَرَدة لا كلُّهم .
أو المقصود تقليل الشرور فيه وهذا أمر محسوس ، فإنَّ وقوع ذلك فيه أقل من غيره، إذ لا يلزم من تصفيد جميعهم أن لا يقع شر ولا معصية لأن لذلك أسباباً غير الشياطين كالنفوس الخبيثة والعادات القبيحة والشياطين الإِنسية . الفتح 4/145.
رابعاًَ :
فيه كثير من العبادات ، وبعضها لا توجد في غيره كالصيام والقيام وإطعام الطعام والاعتكاف والصدقة وقراءة القرآن .
أسأل الله العلي العظيم أن يوفقنا جميعاً لذلك ويعيننا على الصيام والقيام وفعل الطاعات وترك المنكرات .
والحمد لله رب العالمين .(33/5)
رقم السؤال:
12591
العنوان:
طريقة إخراج الكفارة
السؤال:
الفدية للمفطر في رمضان هل تكون عن كل يوم أم بعد رمضان تخرج مرة واحدة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
من أفطر في رمضان لعذر لا يرجى زواله ككبير السن فإن عليه أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ، ويخير في هذا الإطعام ، إما أن يطعم يوماً بيوم ، وإما أن ينتظر حتى ينتهي الشهر فيطعم مساكين بعدد أيام الشهر .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/335) :
ووقته – يعني وقت الإطعام - بالخيار إن شاء فدى عن كل يوم بيومه ، وإن شاء أخر إلى آخر يوم لفعل أنس رضي الله عنه اهـ .(34/1)
رقم السؤال:
12597
العنوان:
بلع الصائم للريق وللنخاعة
السؤال:
هل الريق يفطر في رمضان أم لا ؟ حيث أنه يأتيني ريق كثير وخاصة إذا كنت أقرأ القرآن وفي المساجد .
الجواب:
الحمد لله
ابتلاع الصائم ريقه لا يفسد صومه ولو كثر ذلك وتتابع في المسجد وغيره ، ولكن إذا كان بلغماً غليظاً كالنخاعة فلا تبلعه ، بل أبصقه في منديل ونحوه إذا كنت في المسجد .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء 10 / 270
فإن قيل :
هل يجوز بلع النخاعة ( النخامة ) متعمداً ؟
فالجواب :
يحرم بلع النخاعة على الصائم وغير الصائم ، لأنها مستقذرة وربما تحمل أمراضاً خرجت من البدن .
ولكنها لا تُفطر الصائم إذا ابتلعها ؛ لأنها لم تخرج من الفم ، ولا يُعد بلعها أكلاً ولا شرباً ، فلو ابتلعها بعد أن وصلت إلى فمه فإنه لا يُفطر بها . انتهى من كلام الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله . أنظر الشرح الممتع (6/428) .(35/1)
رقم السؤال:
12598
العنوان:
فضل تفطير صائم
السؤال:
ما هو الثواب المترتب على تفطير صائم ؟.
الجواب:
الحمد لله
عن زيد بن خالد الجهني قال : قال صلى الله عليه وسلم : " مَن فطَّر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء " .
رواه الترمذي ( 807 ) وابن ماجه ( 1746 ) وصححه ابن حبان ( 8 / 216 ) والألباني في " صحيح الجامع " ( 6415 ) .
قال شيخ الإسلام : والمراد بتفطيره أن يشبعه . ا.هـ الاختيارات ص 194 .
وقد كان السلف الصالح يحرصون على إطعام الطعام ويرونه من أفضل العبادات .
وقد قال بعض السلف : لأن أدعو عشرة من أصحابي فأطعمهم طعاماً يشتهونه أحب إلي من أن أعتق عشرة من ولد إسماعيل .
وكان كثير من السلف يؤثر بفطوره وهو صائم ، منهم عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - وداود الطائي ومالك بن دينار ، وأحمد بن حنبل ، وكان ابن عمر لا يفطر إلا مع اليتامى والمساكين .
وكان من السلف من يطعم إخوانه الطعام وهو صائم ويجلس يخدمهم ، منهم الحسن وابن المبارك .
قال أبو السوار العدوي : كان رجال من بني عدي يصلون في هذا المسجد ما أفطر أحد منهم على طعام قط وحده ،إن وجد من يأكل معه أكل و إلا أخرج طعامه إلى المسجد فأكله مع الناس وأكل الناس معه .
وعبادة إطعام الطعام ، ينشأ عنها عبادات كثيرة منها : التودد والتحبب إلى المُطعَمين فيكون ذلك سبباً في دخول الجنة : كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا " رواه مسلم ( 54 ) ، كما ينشأ عنها مجالسة الصالحين واحتساب الأجر في معونتهم على الطاعات التي تقووا عليها بطعامك .(36/1)
رقم السؤال:
12647
العنوان:
سماع الموسيقى في رمضان
السؤال:
هل الموسيقى حرام أثناء الصيام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
سماع الموسيقى حرام ، سواء في رمضان أو غير رمضان ، وهي في رمضان أشد تحريماً ، وأعظم إثماً ، لأنه ليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب ، بل المقصود تحقيق تقوى الله تعالى ، وصوم الجوارح وامتناعها عن معصية الله .
قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ليس الصيام من الأكل والشرب ، إنما الصيام من اللغو والرفث ..) رواه الحاكم وقال : هذا حديث صحيح على شرط مسلم اهـ
راجع سؤال (37989) .
وقد دلت السنة الصريحة الصحيحة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على تحريم سماع آلات الموسيقى .
روى البخاري تعليقاً أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُّونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ . . .) . والحديث وصله الطبراني والبيهقي .
والمراد بـ (الحر) الزنى .
والمعازف هي آلات الموسيقى .
والحديث يدل على تحريم آلات الموسيقى من وجهين :
الأول : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (يستحلون) فإنه صريح في أن الأشياء المذكورة محرمة،
فيستحلها أولئك القوم .
الثاني : قرن المعازف مع المقطوع حرمته وهو الزنا والخمر ، ولو لم تكن محرمة لما قرنها معها .
انظر : السلسلة الصحيحة للألباني حديث رقم (91) .
والواجب على المؤمن أن ينتهز هذا الشهر المبارك ، ويقبل فيه على ربه ، ويتوب إلى الله تعالى ، ويقلع عن المحرمات التي اعتاد فعلها قبل رمضان ، لعل الله تعالى أن يتقبل صيامه ، ويصلح أحواله .
والله أعلم .(37/1)
رقم السؤال:
12653
العنوان:
تصفيد الشياطين في رمضان
السؤال:
أود الاستفسار عن أننا نعرف أن شهر رمضان تقيد فيه الشياطين والعياذ بالله منهم... كذلك أود الاستفسار عن هل السحرة عليهم لعنة من الله يعملون في هذا الشهر الكريم .
الجواب:
الحمد لله
نعم ، قد توسوس الشياطين للإنسان في رمضان ، وقد يعمل السحرة في رمضان ، ولكن ذلك بلا شك أقل منه في غير رمضان.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( إِذَا دَخَلَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جَهَنَّمَ ، وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين ) . رواه البخاري (3277) ومسلم (1079) . وعند النسائي (2106) ( وَتُغَلُّ فِيهِ مَرَدَةُ الشَّيَاطِينِ ) .
والمردة جمع مارد ، وهو المتجرد للشر .
وهذا لا يعني أنه ينعدم تأثير الشياطين تماماً ، بل يدل على أنهم يضعفون في رمضان ولا يقدرون فيه على ما يقدرون عليه في غير رمضان .
ويحتمل أن الذي يغل هو مردة الشياطين وليس كلهم .
قَالَ الْقُرْطُبِيّ : فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ نَرَى الشُّرُورَ وَالْمَعَاصِيَ وَاقِعَةً فِي رَمَضَان كَثِيرًا فَلَوْ صُفِّدَتْ الشَّيَاطِينُ لَمْ يَقَعْ ذَلِكَ ؟
فَالْجَوَابُ : أَنَّهَا إِنَّمَا تَقِلُّ عَنْ الصَّائِمِينَ الصَّوْم الَّذِي حُوفِظَ عَلَى شُرُوطِهِ وَرُوعِيَتْ آدَابُهُ .
أَوْ الْمُصَفَّد بَعْض الشَّيَاطِينِ وَهُمْ الْمَرَدَةُ لَا كُلُّهُمْ كَمَا تَقَدَّمَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ .
أَوْ الْمَقْصُودِ تَقْلِيل الشُّرُورِ فِيهِ وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس فَإِنَّ وُقُوع ذَلِكَ فِيهِ أَقَلّ مِنْ غَيْرِهِ , إِذْ لا يَلْزَمُ مِنْ تَصْفِيد جَمِيعهمْ أَنْ لا يَقَعُ شَرّ وَلا مَعْصِيَة لأَنَّ لِذَلِكَ أَسْبَابًا غَيْر الشَّيَاطِينِ كَالنُّفُوسِ الْخَبِيثَةِ وَالْعَادَات الْقَبِيحَة وَالشَّيَاطِينِ الإِنْسِيَّة اهـ . من فتح الباري .
والله أعلم .(38/1)
رقم السؤال:
12658
العنوان:
هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف
السؤال:
أريد أن أعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف .
الجواب:
الحمد لله
كان هديه صلى الله عليه وسلم في الاعتكاف أكمل هدي وأيسره .
اعتكف مرة في العشر الأول ثم الأوسط يلتمس ليلة القدر ، ثم تبين له أنها في العشر الأخير فداوم على اعتكاف العشر الأخير حتى لحق بربه عز وجل .
وترك مرة اعتكاف العشر الأخير فقضاه في شوال فاعتكف العشر الأول منه . رواه البخاري ومسلم .
ولما كان العام الذي قُبض فيه اعتكف عشرين يوماً . رواه البخاري (2040) .
"قِيلَ : السَّبَبُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِلْم بِانْقِضَاءِ أَجَلِهِ فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَكْثِرَ مِنْ أَعْمَالِ الْخَيْرِ لِيُبَيِّنَ لأُمَّتِهِ الاجْتِهَادَ فِي الْعَمَل إِذَا بَلَغُوا أَقْصَى الْعَمَل لِيَلْقَوْا اللَّهَ عَلَى خَيْرِ أَحْوَالِهِمْ , وَقِيلَ : السَّبَبُ فِيهِ أَنَّ جِبْرِيل كَانَ يُعَارِضُهُ بِالْقُرْآنِ فِي كُلّ رَمَضَانَ مَرَّةً , فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الَّذِي قُبِضَ فِيهِ عَارَضَهُ بِهِ مَرَّتَيْنِ فَلِذَلِكَ اِعْتَكَفَ قَدْرَ مَا كَانَ يَعْتَكِف مَرَّتَيْنِ.
وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ إِنَّمَا اِعْتَكَفَ فِي ذَلِكَ الْعَام عِشْرِينَ لأَنَّهُ كَانَ الْعَام الَّذِي قَبْلَهُ مُسَافِرًا , وَيَدُلُّ لِذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَاللَّفْظ لَهُ وَأَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ اِبْن حِبَّانَ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيث أُبَيّ بْن كَعْب " أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْر الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَان , فَسَافَرَ عَامًا فَلَمْ يَعْتَكِف , فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ اِعْتَكَفَ عِشْرِينَ " اهـ من فتح الباري .(39/1)
وكان صلى الله عليه وسلم يأمر بخباء ( على مثل هيئة الخيمة ) فيضرب له في المسجد ، فيمكث فيه ، يخلو فيه عن الناس ، ويقبل على ربه تبارك وتعالى ، حتى تتم له الخلوة بصورة واقعية .
واعتكف مرة في قُبَّة تركية (أي خيمة صغيرة) وجعل على بابها حصيراً . رواه مسلم (1167) .
قال ابن القيم في "زاد المعاد" (2/90) :
"كل هذا تحصيلاً لمقصود الاعتكاف وروحه ، عكس ما يفعله الجهال من اتخاذ المعتكف موضع عشرة ، ومجلبة للزائرين ، وأخذهم بأطراف الحديث بينهم ، فهذا لون ، والاعتكاف النبوي لون" اهـ .
وكان دائم المكث في المسجد لا يخرج منه إلا لقضاء الحاجة ، قال عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْها : (وَكَانَ لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةٍ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا ) رواه البخاري (2029) ومسلم (297) . وفي رواية لمسلم : ( إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ ) . وَفَسَّرَهَا الزُّهْرِيُّ بِالْبَوْلِ وَالْغَائِط .
وكان صلى الله عليه وسلم يحافظ على نظافته فكان يخرج رأسه من المسجد إلى حجرة عائشة فتغسل له رأسه صلى الله عليه وسلم وتسرحه .
روى البخاري (2028) ومسلم (297) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي الْمَسْجِدِ (أي : معتكف) فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ . وفي رواية للبخاري ومسلم : (فَأَغْسِلُهُ) . وترجيل الشعر تسريحه .
قال الحافظ :
"وَفِي الْحَدِيث جَوَاز التَّنَظُّفِ وَالتَّطَيُّبِ وَالْغَسْلِ وَالْحَلْقِ وَالتَّزَيُّن إِلْحَاقًا بِالتَّرَجُّلِ , وَالْجُمْهُور عَلَى أَنَّهُ لا يُكْرَهُ فِيهِ إِلا مَا يُكْرَه فِي الْمَسْجِدِ" اهـ .(39/2)
وكان من هديه صلى الله عليه وسلم إذا كان معتكفاً ألا يعود مريضاً ولا يشهد جنازة ، وذلك من أجل التركيز الكلي لمناجاة الله تعالى ، وتحقيق الحكمة من الاعتكاف وهي الانقطاع عن الناس والإقبال على الله تعالى .
قالت عائشة : (السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا ، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً ، وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا ، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ ) . رواه أبو داود (2473) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
"وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا " تريد بذلك الجماع . قاله الشوكاني في "نيل الأوطار" .
وكانت بعض أزواجه تزوره وهو معتكف صلى الله عليه وسلم فلما قامت لتذهب قام معها ليوصلها ، وكان ذلك ليلاً .
فعن صَفِيَّةَ زَوْج النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهَا جَاءَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَزُورُهُ فِي اعْتِكَافِهِ فِي الْمَسْجِدِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ ، فَتَحَدَّثَتْ عِنْدَهُ سَاعَةً ، ثُمَّ قَامَتْ تَنْقَلِبُ فَقَامَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَهَا يَقْلِبُهَا . أي : ليردها إلى منزلها . رواه البخاري (2035) ومسلم (2175) .
وخلاصة القول كان اعتكافه صلى الله عليه وسلم يتسم باليسر وعدم التشدد ، وكان وقته كله ذكراً لله تعالى وإقبالاً على طاعته التماساً لليلة القدر .
انظر : "زاد المعاد" لابن القيم (2/90) ، "الاعتكاف نظرة تربوية" للدكتور عبد اللطيف بالطو .(39/3)
رقم السؤال:
12679
العنوان:
نزول المني بدون لذة
السؤال:
أشكو نزول السائل المنوي في أيام رمضان أثناء الصيام بدون أي احتلام أو ممارسة العادة السرية فهل في هذا تأثير على الصوم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكر فإن نزول المني منك بدون لذة في نهار رمضان لا يؤثر على صيامك وليس عليك القضاء .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .(40/1)
رقم السؤال:
13619
العنوان:
استعمال معجون الأسنان في الصوم
السؤال:
هل يجوز تنظيف الأسنان بالفرشاة والمعجون في حال الصوم ؟ على حسب علمي أن هذا جائز طالما أن المعجون لم يصل إلى الجوف (لم يتم بلعه) . أرجو الإدلاء برأيك في هذا الموضوع.
الجواب:
الحمد لله
سئل سماحة الشيخ ابن باز رحمه الله عن استعمال معجون الأسنان فقال : لا حرج في ذلك مع التحفظ عن ابتلاع شيء منه ، كما يشرع استعمال السواك للصائم ..
" فتاوى الشيخ ابن باز " ( 4 / 247 )
وقال الشيخ محمد الصالح بن عثيمين :
ويتفرع على هذا : هل يجوز للصائم أن يستعمل الفرشة والمعجون أو لا ؟
الجواب : يجوز ، لكن الأولى ألا يستعملها لما في المعجون من قوة النفوذ والنزول إلى الحلق ، وبدلاً من أن يفعل ذلك في النهار يفعله في الليل .
" الشرح الممتع لابن عثيمين ( 6 / 407 ، 408 ).(41/1)
رقم السؤال:
13934
العنوان:
مَنْ كان مِنْ أهل الصيام دُعِيَ من باب الرَّيَّان
السؤال:
يخبرني زوجي عن باب الرضوان ، والذي يُفتح خلال شهر رمضان فقط . وقد نمى إلى علمي أنه عندما يُفتح هذا الباب ، فإن الله يصب الثراء من خلاله . هلا أكدت/وضحت هذه المقولة وأرشدتنا كي نلم بهذه المسألة بشكل أفضل .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
فرض الله على المسلمين صيام شهر رمضان ، ووعد بالأجر الجزيل للصائمين ، ولما كان فضل الصيام عظيماً لم يعيِّن الله عز وجل أجره وإنما قال عز وجل – في الحديث القدسي - : ( إلا الصوم فإنه لِي وأنا أجزي به ) .
وفضائل شهر رمضان كثيرة ، ومنها ما أعده الله للصائمين وهو باب " الريان " ، وهكذا ورد اسمه في الحديث المتفق عليه من حديث سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ ) البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1947 ) .
ومن الأحاديث التي تُبَيِّن أجر الصيام :
عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ) رواه البخاري (الإيمان / 37)(42/1)
عن أَبَي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلَّا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلا يَصْخَبْ فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَخُلُوفُ فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ
لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ ) رواه البخاري ( 1771 ) .
ثانياً :
ومن المعلوم أن للجنة أبواباً كثيرة كما قال تعالى : { جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ } الرعد/23 .
وقال سبحانه : { وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ } الزمر/73 .
وقد جاء في صحيح السنة أنها ثمانية أبواب :
عن سهل بن سعد رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون " . رواه البخاري ( 3017 ) .
عن عبادة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمدا عبده ورسوله وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه والجنة حق والنار حق أدخله الله الجنة من أبواب الجنة الثمانية أيها شاء على ما كان من العمل ".رواه البخاري ( 3180 ) ومسلم ( 41 ) .(42/2)
ومن فضل الله على هذه الأمة أنه سبحانه يفتح أبواب الجنة كلها في شهر رمضان ، وليس باباً واحداً ، ومن قال إن في الجنة باباً يقال له " باب الرضوان " فعليه الدليل .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب جهنم وسلسلت الشياطين " . رواه البخاري ( 3035 ) ومسلم ( 1793 ) .
نسأل الله أن يجعلنا من الداخلين جنّات النعيم وصلى الله على نبينا محمد .(42/3)
رقم السؤال:
13956
العنوان:
قضاء الوقت في الأفلام والمسلسلات واللعب في رمضان
السؤال:
بعض الصائمين يقضون معظم نهار رمضان في مشاهدة الأفلام والمسلسلات من الفيديو والتلفاز ولعب الورق فما حكم ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على الصائم وغيره من المسلمين أن يتقي الله سبحانه فيما يأتي وما يذر في جميع الأوقات ، وأن يحذر ما حرّم الله عليه من مشاهدة الأفلام الخليعة التي يظهر فيها ما حرّم الله ، من الصور العارية وشبه العارية ، ومن المقالات المنكرة ، وهكذا ما يظهر في التلفاز مما يخالف شرع الله ، من الصور والأغاني وآلات الملاهي والدعوات المضللة . كما يجب على كل مسلم صائماً كان أو غيره أن يحذر اللعب بآلات اللهو من الورق وغيرها من آلات اللهو ، لما في ذلك من مشاهدة المنكر وفعل المنكر ، ولما في ذلك أيضاً من التسبب في قسوة القلب ومرضها واستخفافها بشرع الله والتثاقل عما أوجب الله من الصلاة في الجماعة أو غير ذلك من ترك الواجبات ، والوقوع في كثير من المحرمات ، والله سبحانه وتعالى يقول : ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتّخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولّى مستكبراً كأن لم يسمعها كأنه في أذنيه وقراً فبشره بعذاب أليم ) سورة لقمان/6-7 ، ويقول سبحانه في سورة الفرقان في صفة عباد الرحمن : ( وَالَّذِينَ لا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً ) الفرقان/72 ، والزور يشمل جميع أنواع المنكر ، ومعنى لا يشهدون : لا يحضرون .(43/1)
ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ) رواه البخاري في صحيحه معلّقاً مجزوماً به ، والمراد بالحر .. الفرج الحرام ، والمراد بالمعازف : الغناء وآلات اللهو . ولأن الله سبحانه حرم على المسلمين وسائل الوقوع في المحرمات ، ولا شك أن مشاهدة الأفلام المنكرة وما يعرض في التلفاز من المنكرات من وسائل الوقوع فيها أو التساهل في عدم إنكارها والله المتسعان .(43/2)
رقم السؤال:
13981
العنوان:
لا يجوز تأخير الزكاة إلى رمضان
السؤال:
زكاة أموالي سوف تكون قبل شهر رمضان ، فهل يجوز لي أن أؤخرها إلى رمضان لأن الزكاة في رمضان أفضل ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا مَرَّ الحولُ على ملك النصاب وجب إخراج الزكاة على الفور ، ولا يجوز تأخيرها بعد الحول مع القدرة على إخراجها .
قال الله تعالى : ( وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ) آل عمران/133 .
وقال : ( سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) الحديد/21 .
ولأن الإنسان إذا أخرها لا يدري ما يعرض له ، فقد يموت ويبقى الواجب في ذمته ، وإبراء الذمة واجب .
ولأن حاجة الفقراء قد تعلقت بها ، فإذا أخرها بعد الحول بقي الفقراء محتاجين ولا يجدون ما يكفيهم ويسد حاجتهم . انظر الشرح الممتع (6/187) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن رجل ملك النصاب في شهر رجب ويريد إخراج الزكاة في رمضان .
فأجابت اللجنة :
تجب الزكاة عليك في شهر رجب من السنة التالية للسنة التي ملكت فيها النصاب . . . لكن إن رغبت في إخراجها في رمضان الذي بالسنة التي ملكت فيها النصاب تعجيلاً لها قبل أن يحول الحول جاز ذلك إذا كانت هناك حاجة ملحة لتعجيلها ، أما تأخير إخراجها إلى رمضان بعد تمام الحول في رجب فهذا لا يجوز لوجوب إخراجها على الفور اهـ باختصار. فتاوى اللجنة (9/392) .
وفي فتوى أخرى (9/395) :
من وجبت عليه زكاة وأخرها بغير عذر مشروع أثم ، لورود الأدلة من الكتاب والسنة بالمبادرة بإخراج الزكاة في وقتها اهـ
وفي فتوى أخرى (9/398) :(44/1)
لا يجوز تأخير إخراج الزكاة بعد تمام الحول إلا لعذر شرعي ، كعدم وجود الفقراء حين تمام الحول ، وعدم القدرة على إيصالها إليهم ، ولغيبة المال ونحو ذلك . أما تأخيرها من أجل رمضان فلا يجوز إلا إذا كانت المدة يسيرة ، كأن يكون تمام الحول في النصف الثاني من شعبان فلا بأس بتأخيرها إلى رمضان اهـ .(44/2)
رقم السؤال:
13999
العنوان:
السنَّة تعجيل الفطر في الصيام
السؤال:
أسأل هل الإفطار فرض أم لا؟
فعندما يصل المسلم إلى المسجد وقت صلاة المغرب، وفي أثناء وقت الإفطار، فهل عليه/عليها أن يفطر أولا ثم يدرك الجماعة، أم يصلي أولا ثم يفطر؟.
الجواب:
الحمد لله
السنَّة أن يعجّل الإنسان الفطر ، وهذا الذي تدل عليه الأحاديث فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ ) رواه البخاري (1821) ومسلم (1838)
فالذي ينبغي المبادرة إلى الإفطار على لقيمات يسكن بها جوعه ثم يقوم إلى الصلاة ، ثم إن شاء عاد إلى الطعام حتى يقضي حاجته منه .
وهذا كان فعل النبي عليه الصلاة والسلام ، فعن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ ) رواه الترمذي (الصوم / 632) وصححه الألباني في صحيح أبي داود برقم (560)
قال المباركفوري في شرحه للحديث : وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى كَمَالِ الْمُبَالَغَةِ فِي اِسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الْفِطْرِ .(45/1)
رقم السؤال:
14046
العنوان:
من اعتكف العشر الأواخر ، متى يدخل ومتى يخرج ؟
السؤال:
أريد أن أعتكف العشر الأواخر من رمضان ، وأريد أن أعرف متى أدخل المسجد ومتى أخرج منه ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
أما دخول المعتكف فذهب جمهور العلماء ( منهم الأئمة الأربعة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد رحمهم الله ) إلى أن من أراد أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فإنه يدخل قبل غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ، واستدلوا على ذلك بعدة أدلة ، منها :
1- أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان . متفق عليه .
وهذا يدل على أنه كان يعتكف الليالي لا الأيام ، لأن العشر تمييز لليالي ، قال الله تعالى : ( وَلَيَالٍ عَشْرٍ ) الفجر/2.
والعشر الأواخر تبدأ من ليلة إحدى وعشرين .
فعلى هذا ، يدخل المسجد قبل غروب شمس ليلة إحدى وعشرين .
2- وقالوا : إن من أعظم ما يقصد من الاعتكاف التماس ليلة القدر ، وليلة إحدى وعشرين من ليالي الوتر في العشر الأواخر فيحتمل أن تكون ليلة القدر ، فينبغي أن يكون معتكفا فيها . قاله السندي في حاشيتة النسائي .
وانظر : "المغني" (4/489) .
لكن روى البخاري (2041) ومسلم (1173) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ .
وقد قال بظاهر هذا الحديث بعض السلف وأنه يدخل معتكفه بعد صلاة الفجر . وبه أخذ علماء اللجنة الدائمة (10/411) ، والشيخ ابن باز (15/442) .
لكن أجاب الجمهور عن هذا الحديث بأحد جوابين :
الأول :
أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان معتكفاً قبل غروب الشمس ولكنه لم يدخل المكان الخاص بالاعتكاف إلا بعد صلاة الفجر .
قال النووي :(46/1)
( إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِف صَلَّى الْفَجْر ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفه ) اِحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُول : يَبْدَأ بِالاعْتِكَافِ مِنْ أَوَّل النَّهَار , وَبِهِ قَالَ الأَوْزَاعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ , وَاللَّيْث فِي أَحَد قَوْلَيْهِ , وَقَالَ مَالِك وَأَبُو حَنِيفَة وَالشَّافِعِيّ وَأَحْمَد : يَدْخُل فِيهِ قَبْل غُرُوب الشَّمْس إِذَا أَرَادَ اِعْتِكَاف شَهْر أَوْ اِعْتِكَاف عَشْر , وَأَوَّلُوا الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ دَخَلَ الْمُعْتَكَف , وَانْقَطَعَ فِيهِ , وَتَخَلَّى بِنَفْسِهِ بَعْد صَلَاته الصُّبْح , لا أَنَّ ذَلِكَ وَقْت اِبْتِدَاء الاعْتِكَاف , بَلْ كَانَ مِنْ قَبْل الْمَغْرِب مُعْتَكِفًا لابِثًا فِي جُمْلَة الْمَسْجِد , فَلَمَّا صَلَّى الصُّبْح اِنْفَرَدَ اهـ .
الجواب الثاني :
أَجَابَ به الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى مِنْ الْحَنَابِلَة بِحَمْلِ الْحَدِيث عَلَى أَنَّهُ كَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَل ذَلِكَ فِي يَوْم الْعِشْرِينَ . قال السندي : وَهَذَا الْجَوَاب هُوَ الَّذِي يُفِيدهُ النَّظَر ، فَهُوَ أَوْلَى وَبِالاعْتِمَادِ َأَحْرَى اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين في "فتاوى الصيام" (ص 501) :متى يبتدئ الاعتكاف ؟
فأجاب :
"جمهور أهل العلم على أن ابتداء الاعتكاف من ليلة إحدى وعشرين لا من فجر إحدى وعشرين ، وإن كان بعض العلماء ذهب إلى أن ابتداء الاعتكاف من فجر إحدى وعشرين مستدلاًّ بحديث عائشة رضي الله عنها عند البخاري : ( فلما صلى الصبح دخل معتكفه ) لكن أجاب الجمهور عن ذلك بأن الرسول عليه الصلاة والسلام انفرد من الصباح عن الناس ، وأما نية الاعتكاف فهي من أول الليل ، لأن العشر الأواخر تبتدىء من غروب الشمس يوم عشرين" اهـ .
وقال أيضاً (ص 503) :(46/2)
"دخول المعتكِف للعشر الأواخر يكون دخوله عند غروب الشمس من ليلة إحدى وعشرين ، وذلك لأن ذلك وقت دخول العشر الأواخر، وهذا لا يعارضه حديث عائشة لأن ألفاظه مختلفة ، فيؤخذ بأقربها إلى المدلول اللغوي، وهو ما رواه البخاري (2041) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْتَكِفُ فِي كُلِّ رَمَضَانٍ وَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ .
فقولها : ( وَإِذَا صَلَّى الْغَدَاةَ دَخَلَ مَكَانَهُ الَّذِي اعْتَكَفَ فِيهِ ) يقتضي أنه سبق مكثُه دخولَه ( أي سبق مكثُه في المسجد دخولَه مكان الاعتكاف ) ، لأن قولها: ( اعتكف ) فعل ماض ، والأصل استعماله في حقيقته اهـ .
ثانياً:
وأما خروجه :
فإنه يخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من أيام رمضان .
سئل الشيخ ابن عثيمين : متى يخرج المعتكف من اعتكافه أبعد غروب شمس ليلة العيد أم بعد فجر يوم العيد ؟
فأجاب :
"يخرج المعتكف من اعتكافه إذا انتهى رمضان ، وينتهي رمضان بغروب الشمس ليلة العيد" اهـ فتاوى الصيام (ص 502) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/411) :
"وتنتهي مدة اعتكاف عشر رمضان بغروب شمس آخر يوم منه" اهـ .
وإذا اختار البقاء حتى يصلي الفجر ويخرج من معتكفه إلى صلاة العيد فلا بأس ، فقد استحب ذلك بعض السلف .
قال الإمام مَالِك رحمه الله إنَّهُ رَأَى بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ إِذَا اعْتَكَفُوا الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ لا يَرْجِعُونَ إِلَى أَهَالِيهِمْ حَتَّى يَشْهَدُوا الْفِطْرَ مَعَ النَّاسِ . قَالَ مَالِك : وَبَلَغَنِي ذَلِكَ عَنْ أَهْلِ الْفَضْلِ الَّذِينَ مَضَوْا وَهَذَا أَحَبُّ مَا سَمِعْتُ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ .
وقال النووي في "المجموع" (6/323) :(46/3)
"قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالأَصْحَابُ : وَمَنْ أَرَادَ الاقْتِدَاءَ بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الاعْتِكَافِ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَيَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْهُ , لِكَيْ لَا يَفُوتَهُ شَيْءٌ مِنْهُ , ويَخْرُجُ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ لَيْلَةَ الْعِيدِ , سَوَاءٌ تَمَّ الشَّهْرُ أَوْ نَقَصَ , وَالأَفْضَلُ أَنْ يَمْكُثَ لَيْلَةَ الْعِيدِ فِي الْمَسْجِدِ حَتَّى يُصَلِّيَ فِيهِ صَلَاةَ الْعِيدِ , أَوْ يَخْرُجَ مِنْهُ إلَى الْمُصَلَّى لِصَلاةِ الْعِيدِ إنْ صَلُّوهَا فِي الْمُصَلَّى" اهـ .
وإذا خرج من الاعتكاف مباشرة إلى صلاة العيد فيستحب له أن يغتسل قبل الخروج إليها ويتجمل ، لأن هذا من سنن العيد . راجع تفصيل ذلك في السؤال (36442) .(46/4)
رقم السؤال:
14225
العنوان:
تأخير الغسل من الجنابة في رمضان حتى يطلع الفجر لا يُبطل الصيام
السؤال:
احتلمت قبل السحور مرة .. ولم يكن باستطاعتي أن أغتسل .. وكنت أحس بالخجل الشديد من الاغتسال .. لأن والداي سيعلمان بالأمر (أني احتلمت) .. ولذلك فقد تناولت سحوري دون أن أغتسل ، وللأسف فإني لم أصلي صلاة الفجر ذلك الصباح أيضا .. لكني اغتسلت وصليت الفجر لاحقا .. وأريد أن أعرف ما إذا كان صومي مقبولاً . لأني أظن أني أخطأت عندما تناولت سحوري وأنا جنب (من الاحتلام) .. فهل صومي مقبول ؟.
الجواب:
الحمد لله
يصح صيام من واقع زوجته ليلاً وأصبح جنباً ، وكذا يصح صيام من أصابته جنابة في نومه ليلاً أو نهاراً ولا حرج عليه في تأخير الغسل حتى يطلع الفجر ، وإنما يُفسد الصيام الجماع في نهار رمضان من طلوع الفجر إلى غروب الشمس .
فتاوى اللجنة الدائمة 10/327
أما تأخيرك الصلاة حتى تطلع الشمس فإنه محرَّم عليك ، والواجب تأدية الصلاة في وقتها ، وخجلك الشديد من الاغتسال ليس عذراً يبيح لك تأخير الصلاة عن وقتها ، والواجب عليك التوبة من ذلك والاستغفار . وفقنا الله وإياك لكل خير .(47/1)
رقم السؤال:
14307
العنوان:
يريد أن يسافر من مكة ثم يعود لطواف الوداع بعد خفة الزحام
السؤال:
هل يجوز لأهل جدة أن يتركوا طواف الوداع ثم يعودون إلى مكة للإتيان به بعد خفة الزحام ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لأحد من الحجاج أن يسافر من مكة قبل طواف الوداع .
سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ هل يصح لأهل جدة النفر من منى إلى جدة دون طواف الوداع ومن ثم الرجوع بعد أيام لطواف الوداع ؟
فأجاب ـ رحمه الله ـ :
لا يجوز لأهل جدة ولا غيرهم أن يذهبوا إلى بلادهم قبل طواف الوداع ثم يرجعوا إلى مكة إذا خف الزحام يجب ألا يغادوا مكة حتى يطوفوا الوداع ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت ) وقال ابن عباس : كان الناس ينصرفون من كل وجه يعني من كل ناحية ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لا ينفر أحدكم حتى يكون آخر عهده بالبيت ) . مجموع فتاوى ابن عثيمين (23/353)
بل إذا رجع بعد ذلك لطواف الوداع فإنه لا ينفعه ، قال الشيخ ابن عثيمين ( إذا خرج من مكة يريد جدة ووصل جدة فإنه لو أتى به ( يعني طواف الوداع ) لا ينفعه ؛ لأنه خرج وودع فكيف ينفعه بعد أن ودع وذهب ) اهـ مجموع فتاوى ابن عثيمين (23/353) .(48/1)
رقم السؤال:
20473
العنوان:
سؤال عن حضانة الأطفال
السؤال:
أعلم أن الزوجين إذا تطلقا فإن المرأة لها الحق الأكبر في حضانة الأطفال الغير بالغين، ولكنها إذا تزوجت فإن حق الزوج يكون أكبر . سؤالي أن الأب إذا لم يؤد حق النفقة على أولاده فهل لا يزال له الحق بأن يأخذ الأولاد من أمهم ؟ أنا أتحدث عن رجل يقول بأنه قادر على النفقة ، تزوج امرأة أخرى وله منها ولد وهو ينفق على هذا الولد ولكنه لا ينفق على ولديه من زوجته الأولى . يقول لزوجته الأولى بأنها لو تزوجت مرة أخرى فإنه سيأخذ منها الأولاد ، هل هذا صحيح ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من المجمع عليه بين العلماء أن المرأة أحق بحضانة الطفل ما لم يبلغ سن التمييز، حيث إن الطفل في هذه المرحلة من العمر بحاجة إلى الحنان ونوع من الرعاية لا يقدر عليها إلا النساء ، ولكن هذا الحق يسقط إذا تزوجت ، لأنها تنشغل بزوجها عن القيام بخدمة ولدها ، ولتعارض المصالح مصلحة المحضون ومصلحة الزوج، وقد نقل ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على سقوط حق ا لأم في الحضانة بالزواج.
ينظر: "الكافي" لابن عبد البر (1/296) ، "المغني" (8/194) .
ويدل على هذا حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ ابْنِي هَذَا كَانَ بَطْنِي لَهُ وِعَاءً ، وَثَدْيِي لَهُ سِقَاءً ، وَحِجْرِي لَهُ حِوَاءً ، وَإِنَّ أَبَاهُ طَلَّقَنِي ، وَأَرَادَ أَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنِّي ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنْتِ أَحَقُّ بِهِ مَا لَمْ تَنْكِحِي ) رواه أحمد (6707) وأبو داود (2276) ، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود ، وصححه ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (2/250) .
ثانياً:(49/1)
نفقة الأولاد واجبة على الأب باتفاق العلماء ، سواء أمسك زوجته أو طلقها ، وسواء كانت الزوجة فقيرة أم غنية ، فلا يلزمها الإنفاق على الأولاد مع وجود الأب .
وفي حال حضانة المطلقة للأولاد ، فإن نفقة الأولاد على أبيهم ، وللحاضنة المرضع أن تطلب أجرة على إرضاعها الطفل .
والنفقة على الأولاد ، تشمل المسكن والمأكل والمشرب والملبس والتعليم .... وكل ما يحتاجون إليه ، وتقدر بالمعروف ، ويراعى فيها حال الزوج ؛ لقوله تعالى : ( لِيُنْفِقْ ذُو سَعَةٍ مِنْ سَعَتِهِ وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنْفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ) الطلاق/7 ، وهذا يختلف من بلد لآخر ، ومن شخص لآخر .
فإذا كان الزوج غنياً فالنفقة على قدر غناه ، أو كان فقيراً أو متوسط الحال فعلى حسب حاله أيضاً ، وإذا اتفق الوالدان على قدر معين من المال ، قليلاً كان أو كثيراً ، فالأمر لهما ، وأما عند التنازع فالذي يفصل في ذلك هو القاضي .
ويجوز للمطلقة أن تطالب زوجها بأجرة إرضاعها الطفل باتفاق العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله : " رضاع الولد على الأب وحده ، وليس له إجبار أمه على رضاعه إذا كانت مطلقة، لا نعلم في ذلك خلافاً " انتهى من "المغني" (11/430) بتصرف .
وقال أيضاً : " الأم إذا طلبت إرضاعه بأجر مثلها فهي أحق به ، سواء وجد الأب مرضعة متبرعة أو لم يجد " المغني (11/431) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وأما أجر الرضاع فلها ذلك باتفاق العلماء , كما قال تعالى : ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (3/347).
ثالثاً :(49/2)
باعتبار أن الحضانة - كما عرفها جمعٌ من العلماء - " القيام بحفظ من لا يميز ولا يستقل بأمره وتربيته بما يصلحه ووقايته عما يؤذيه" "روضة الطالبين " (9/98) ، وأن المقصود بها رعاية الصغير والقيام بشؤونه فالمراعى في الحضانة هو مصلحة المحضون ، لذا فإن الأب إذا امتنع عن القيام بهذا الواجب- ومنه النفقة - تجاه طفله فهو آثم بذلك ، ويسقط حقه في الحضانة، قال في الروض المربع " ولا يقر محضون بيد من لا يَصونه ويصلحه لفوات المقصود من الحضانة ". " الروض المربع " (3/251) .
وقال ابن قدامة المقدسي: " والحضانة إنما تثبت لحظ الولد فلا تشرع على وجه يكون فيه هلاكه وهلاك دينه" . " المغني" (8/190) ، وقال ابن القيم: " على أنا إذا قدمنا أحد الأبوين فلا بد أن نُراعي صيانته وحفظَه للطفل، ولهذا قال مالك والليث: إذا لم تكن الأم في موضع حرزٍ وتحصين، أو كانَتْ غيرَ مرضية، فللأب أخذُ البنت منها، وكذلك الإِمامُ أحمد رحمه اللّه في الرواية المشهورة عنه، فإنه يعتبر قدرتَه على الحفظ والصيانة. فإن كان مهملاً لذلك ، أو عاجزاً عنه، أو غيرَ مرضي، أو ذا دِياثة والأم بخلافه، فهي أحقُّ بالبنتِ بلا ريب ، قال شيخنا: وإذا ترك أحدُ الأبوين تعليم الصبي، وأمره الذي أوجبه اللّه عليه، فهو عاصٍ، ولا وِلاية له عليه، بل كُلُّ من لم يقم بالواجب في ولايته ، فلا ولاية له ، بل إما أن تُرفع يدُه عن الولاية ويُقام من يفعل الواجب ، وإما أن يُضم إليه مَنْ يقومُ معه بالواجب ، إذ المقصودُ طاعةُ الله ورسوله بحسب الإِمكان..... فلو قدر أن الأب تزوج امرأة لا تراعي مصلحة ابنته، ولا تقوم بها وأمها أقوم بمصلحتها من تلك الضرة، فالحضانة للأم قطعاً ". "زاد المعاد" (5/424) .
وقال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " فأما إذا أهمل أحدها ما يجب عليه من حضانة ولده وأهمله عما يصلحه فإن ولايته تسقط ويتعين الآخر". " الفتاوى السعدية " (ص 535) .(49/3)
فعلى هذا ، إذا امتنع الأب من النفقة على أولاده سقط حقه في حضانتهم ، حتى ولو كان امتناعه من أجل الإضرار بالأم ، فهذا يدل على أنه غير مؤتمن على مصالح أولاده ، وللأم مطالبته عند القاضي بالنفقة على أولاده .
والله أعلم(49/4)
رقم السؤال:
20518
العنوان:
يجوز الطبخ أثناء الصيام
السؤال:
هل يجوز الطبخ أثناء الصيام ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجوز الطبخ أثناء الصيام .
" ولا حرج في تذوّق الإنسان للطعام في نهار الصيام عند الحاجة ، وصيامه صحيح إذا لم يتعمّد ابتلاع شيء منه " .(50/1)
رقم السؤال:
21049
العنوان:
قضاء الصوم الواجب في أيام التشريق لا يصح
السؤال:
قررت وبجهل مني بأيام التشريق أن أصوم قضاء شهر رمضان ، هل أعد اليوم الثاني من أيام التشريق الثلاثة التي بدأت الصيام عندها أم يجب أن أواصل الأيام العشرة (بسبب العادة أو مرض) بعد أيام التشريق ؟.
الجواب:
الحمد لله
أيام التشريق هي الأيام الثلاثة التالية ليوم عيد الأضحى ، وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة ، وهذه الأيام يحرم صومها .
لقول النبي صلى الله عليه وسلم " أيام التشريق أيام أكل وشرب " رواه مسلم (1141) من حديث نُبَيْشة الهذلي .
وقوله : " إن يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام وهي أيام أكل وشرب " رواه النسائي (3004) والترمذي (773) وأبو داود (2419) من حديث عقبة بن عامر. وصححه الألباني في صحيح أبي داود.
ولم يرخص النبي صلى الله عليه وسلم في صوم هذه الأيام إلا للمتمتع أو القارن الذي لم يجد الهدي ، فقد روى البخاري (1998) عن عائشة وعن ابن عمر رضي الله عنهم قالا: لم يُرخص في أيام التشريق أن يُصمن إلا لمن لم يجد الهدي.
لهذا فأن جمهور العلماء يمنعون صيام هذه الأيام تطوعا أو قضاء أو نذرا ، ويرون بطلان الصوم لو وقع في هذه الأيام .
والراجح ما عليه الجمهور ، ولا يستثنى إلا صوم الحاج الذي لم يجد الهدي .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
( وكذلك يوم عيد النحر وأيام التشريق كلها لا تصام ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك إلا أن أيام التشريق قد جاء ما يدل على جواز صومها عن هدي التمتع والقران خاصة لمن لم يستطع الهدي ... أما كونها تصام تطوعا أو لأسباب أخرى فلا يجوز كيوم العيد )
نقلا عن فتاوى رمضان ، جمع أشرف عبد المقصود ص 716
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :(51/1)
( فيجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما. وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها ، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده ثم يواصل صومه ) .
فتاوى رمضان ص 727
وعليه فما صمته في هذه الأيام قضاء عن رمضان ، لا يصح ، ويلزمك إعادته .
ولا يشترط في قضاء رمضان أن يكون صيام الأيام متتابعات ، فلك أن تصوم القضاء أياماً متتابعة أو متفرقة .
راجع سؤال رقم ( 21697 )
والله أعلم .(51/2)
رقم السؤال:
21697
العنوان:
لا يجب التتابع في قضاء رمضان
السؤال:
أفطرت خمسة أيام من رمضان بسبب المرض ، فهل يجب عليّ أن أصومها متتابعة ، أو يمكن أن أصوم يوماً كل أسبوع ؟.
الجواب:
الحمد لله
اتفق الأئمة على أن الواجب في قضاء رمضان أن يصوم أياماً بعدد الأيام التي أفطرها ، لقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 .
ولا يشترط في هذه الأيام أن تكون متتابعة ، فلك أن تصومها متتابعة ، ولك أن تصومها متفرقة ، سواء صمت كل أسبوع يوماً أو كل شهر يوماً أو حسب ما يتيسر لك ، والدليل على ذلك الآية السابقة، فإنها لم تشترط التتابع في قضاء رمضان ، وإنما أوجبت فقط أن يكون بعدد الأيام التي أفطرها .
انظر : "المجموع" (6/167) ، و "المغني" (4/408) .
وسئلت اللجنة الدائمة هل يجوز أن يصوم قضاء رمضان في أيام متفرقات ؟
فأجابت : نعم يجوز له أن يقضي ما عليه من أيام متفرقات ، لقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 . فلم يشترط سبحانه التتابع في القضاء . اهـ فتاوى اللجنة الدائمة (10/346) .
وفي فتاوى الشيخ ابن باز (15/352) : إذا أفطر يومين أو ثلاث أو أكثر وجب عليه القضاء ولا يلزمه التتابع ، إن تابع فهو أفضل ، وإن لم يتابع فلا حرج عليه اهـ .
والله أعلم .(52/1)
رقم السؤال:
21710
العنوان:
تأخير قضاء الصوم
السؤال:
أفطرت في إحدى السنوات الأيام التي تأتي فيها الدورة الشهرية ولم أتمكن من الصيام حتى الآن وقد مضى عليّ سنوات كثيرة وأود أن أقضي ما علي من دين الصيام ولكن لا أعرف كم عدد الأيام التي عليّ فماذا أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
عليك ثلاثة أمور :
الأمر الأول :
التوبة إلى الله من هذا التأخير والندم على ما مضى من التساهل والعزم على ألا تعودي لمثل هذا ، لأن الله يقول : ( وتوبوا إلى الله جميعاً أيُّها المؤمنون لعلكم تفلحون ) النور / 31 ، وهذا التأخير معصية والتوبة إلى الله من ذلك واجبة .
الأمر الثاني :
البدار بالصوم على حسب الظن لا يكلف الله نفساً إلا وسعها فالذي تظنين أنك تركته من أيام عليك أن تقضيه ، فإذا ظننت أنها عشرة فصومي عشرة أيام وإذا ظننت أنها أكثر أو أقل فصومي على مقتضى ظنك ، لقول الله سبحانه : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة / 286 ، وقوله عز وجل ( فاتقوا الله ما استطعتم ) التغابن / 16
الأمر الثالث :
إطعام مسكين عن كل يوم إذا كنت تقدرين على ذلك يصرف كله ولو لمسكين واحد ، فإن كنت فقيرة لا تستطيعين الإطعام فلا شيء عليك في ذلك سوى الصوم والتوبة .
والإطعام الواجب عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد ومقداره كيلو ونصف .(53/1)
رقم السؤال:
21775
العنوان:
فضل صيام عاشوراء
السؤال:
سمعت بأن صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية ، فهل هذا صحيح ؟ وهل يكفر كل شيء حتى الكبائر ؟ ثم ما هو السبب في تعظيم هذا اليوم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : صيام يوم عاشوراء يكفر السنة الماضية لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ أَحْتَسِبُ عَلَى اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ " رواه مسلم 1162. وهذا من فضل الله علينا أن أعطانا بصيام يوم واحد تكفير ذنوب سنة كاملة والله ذو الفضل العظيم .
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتحرى صيام يوم عاشوراء ؛ لما له من المكانة ، فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ . " رواه البخاري 1867
ومعنى " يتحرى " أي يقصد صومه لتحصيل ثوابه والرغبة فيه .
ثانياً : وأما سبب صوم النبي صلى الله عليه وسلم ليوم عاشوراء وحث الناس على صومه فهو ما رواه البخاري (1865) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ فَقَالَ مَا هَذَا ؟ قَالُوا : هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ فَصَامَهُ مُوسَى، قَالَ فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ "
قوله : ( هذا يوم صالح ) في رواية مسلم " هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه وغرّق فرعون وقومه " .(54/1)
قوله : ( فصامه موسى ) زاد مسلم في روايته " شكراً لله تعالى فنحن نصومه " .
وفي رواية للبخاري " ونحن نصومه تعظيما له " .
قوله : ( وأمر بصيامه ) وفي رواية للبخاري أيضا : " فقال لأصحابه أنتم أحق بموسى منهم فصوموا " .
ثالثاً : تكفير الذنوب الحاصل بصيام يوم عاشوراء المراد به الصغائر ، أما الكبائر فتحتاج إلى توبة خاصة .
قال النووي رحمه الله :
يُكَفِّرُ ( صيام يوم عرفة ) كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ , وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ .
ثم قال رحمه الله : صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ , وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ , وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ ... كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ , وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ , .. وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ , رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ . المجموع شرح المهذب ج6
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : وَتَكْفِيرُ الطَّهَارَةِ , وَالصَّلاةِ , وَصِيَامِ رَمَضَانَ , وَعَرَفَةَ , وَعَاشُورَاءَ لِلصَّغَائِرِ فَقَطْ . الفتاوى الكبرى ج5 .(54/2)
رقم السؤال:
21776
العنوان:
حكم إفراد عاشوراء بالصيام
السؤال:
هل يجوز أن أصوم عاشوراء فقط دون صيام يوم قبله ( تاسوعاء ) أو يوم بعده ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال شيخ الإسلام : صِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ وَلا يُكْرَهُ إفْرَادُهُ بِالصَّوْمِ .. الفتاوى الكبرى ج5
وفي تحفة المحتاج لابن حجر الهيتمي : وعاشوراء لا بأس بإفراده . ج3 باب صوم التطوع
وقد سئلت اللجنة الدائمة هذا السؤال فأجابت بما يلي :
" يجوز صيام يوم عاشوراء يوماً واحداً فقط ، لكن الأفضل صيام يوم قبله أو يوم بعده ، وهي السُنَّة الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع " رواه مسلم (1134).
قال ابن عباس رضي الله عنهما : ( يعني مع العاشر ).
وبالله التوفيق .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ( 11/401 ) .(55/1)
رقم السؤال:
21785
العنوان:
استحباب صيام تاسوعاء مع عاشوراء
السؤال:
أريد أن أصوم عاشوراء هذه السنة ، وأخبرني بعض الناس بأن السنة أن أصوم مع عاشوراء اليوم الذي قبله ( تاسوعاء ) . فهل ورد أن النبي صلى الله أرشد إلى ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
روى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قال : حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ قَالَ فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه مسلم 1916
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون : يستحب صوم التاسع والعاشر جميعا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم صام العاشر , ونوى صيام التاسع .
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب أدناها أن يصام وحده وفوقه أن يصام التاسع معه وكلّما كثر الصّيام في محرّم كان أفضل وأطيب .
فإن قلت ما الحكمة من صيام التاسع مع العاشر ؟
فالجواب :
قال النووي رحمه الله : ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ فِي حِكْمَةِ اسْتِحْبَابِ صَوْمِ تَاسُوعَاءَ أَوْجُهًا :
( أَحَدُهَا ) أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْيَهُودِ فِي اقْتِصَارِهِمْ عَلَى الْعَاشِرِ , وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ..
( الثَّانِي ) أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ وَصْلُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ بِصَوْمٍ , كَمَا نَهَى أَنْ يُصَامَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ وَحْدَهُ ..(56/1)
( الثَّالِثَ ) الاحْتِيَاطُ فِي صَوْمِ الْعَاشِرِ خَشْيَةَ نَقْصِ الْهِلالِ , وَوُقُوعِ غَلَطٍ فَيَكُونُ التَّاسِعُ فِي الْعَدَدِ هُوَ الْعَاشِرُ فِي نَفْسِ الأَمْرِ . انتهى
وأقوى هذه الأوجه هو مخالفة أهل الكتاب ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : نَهَى صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ فِي أَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ مِثْلُ قَوْلِهِ .. فِي عَاشُورَاءَ : ( لَئِنْ عِشْتُ إلَى قَابِلٍ لأَصُومَنَّ التَّاسِعَ ) . الفتاوى الكبرى ج6
وقال ابن حجر رحمه الله في تعليقه على حديث : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) :
" ما همّ به من صوم التاسع يُحتمل معناه أن لا يقتصر عليه بل يُضيفه إلى اليوم العاشر إما احتياطاً له وإما مخالفةً لليهود والنصارى وهو الأرجح وبه يُشعر بعض روايات مسلم " انتهى من فتح الباري 4/245 .(56/2)
رقم السؤال:
21787
العنوان:
صوم عاشوراء لمن عليه قضاء رمضان
السؤال:
عليَّ قضاء من رمضان وأريد أن أصوم عاشوراء فهل يجوز لي صوم عاشوراء قبل القضاء . وهل لي أن أصوم عاشوراء والحادي عشر بنية قضاء رمضان ، ويحصل لي أجر صيام عاشوراء ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : لا يصوم تطوعاً وعليه قضاء صيام يوم أو أيام من رمضان ، بل يبدأ بقضاء صيام ما عليه من رمضان ثم يصوم تطوعا ً.
ثانياً : إذا صام اليوم العاشر والحادي عشر من شهر محرم بنية قضاء ما عليه من الأيام التي أفطرها من شهر رمضان جاز ذلك ، وكان قضاء عن يومين مما عليه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى " .
فتاوى اللجنة الدائمة 11/401
" ويرجى أن يكون لك أجر القضاء وأجر صيام ذلك اليوم " فتاوى منار الإسلام للشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله 2/358 .(57/1)
رقم السؤال:
21819
العنوان:
هل يثبت أجر عاشوراء لمن نوى صيامه أثناء اليوم
السؤال:
أعلم بفضيلة صيام يوم عاشوراء وأنه يكفِّر السنة التي قبله ، ولكن لأن العمل عندنا جارٍ بالتقويم الميلادي لم أعلم بيوم عاشوراء إلا في صباحه ولم أكن أكلت شيئا فنويت الصيام ، فهل صومي صحيح ، وهل أحصَّل فضيلة هذا اليوم وتكفير السنة التي قبله ؟ .
الجواب:
الحمد لله
الحمد لله على ما يسَّر لك من الحرص على النوافل والطاعات ونسأله أن يثيبنا و إياك على ذلك .
أما ما سألت عنه من عقد نية الصيام من الليل فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلَّم ما يدل على صحة نية صوم النافلة من النهار ، ما دام الإنسان لم يتناول شيئا من المفطرات من بعد الفجر ، فقد روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلَّم دخل ذات يوم على أهله فقال : هل عندكم من شيء (أي من الطعام) ؟ قالوا : لا ، قال : فإني إذن صائم " مسلم (170،1154). وإذن ظرف للزمان الحاضر فدلَّ ذلك على جواز إنشاء نية صيام النفل من النهار ، بخلاف صيام الفرض فإنه لا يصح إلا بتبييت النية من الليل لحديث " من لم يبيت الصيام قبل الفجر فلا صيام له " أبو داود (2454) الترمذي (726) وصححه الألباني في صحيح الجامع (6535) . والمراد هنا صوم الفرض .
وعلى هذا فصيامك صحيح ، أما حصول الأجر في الصيام فهل هو ثواب يوم كامل أو من وقت النية فقط ؟ قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
( في هذا قولان للعلماء : الأول : أنه يثاب من أول النهار ، لأن الصوم الشرعي لا بد أن يكون من أول النهار .
الثاني : أنه لا يثاب إلا من وقت النية فقط ، فإذا نوى عند الزوال فأجره نصف يوم . وهذا هو القول الصحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلَّم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ، وهذا الرجل لم ينو إلا أثناء النهار فيحسب له الأجر من حين نيته .(58/1)
وبناء على القول الراجح لو كان الصوم يطلق على اليوم مثل : صيام الاثنين وصيام الخميس وصيام الأيام البيض وصيام ثلاثة أيام من كل شهر ونوى في أثناء النهار فإنه لا يثبت له ثواب ذلك اليوم ) (الشرح الممتع 6/373 )
وينسحب الحكم على من لم ينو صوم عاشوراء إلا بعد طلوع الفجر فإنه لا يحصِّل الأجر المترتب على صيام عاشوراء وهو تكفير سنة ؛ نظرا لأنه لا يصدق عليه أنه صام يوم عاشوراء وإنما صام بعضه ـ من أول ما نوى .
لكن يثبت له عموم الأجر على الصيام في شهر الله المحرم وهو أفضل الصيام بعد رمضان ( كما في صحيح مسلم 1163) .
ولعل من أهم أسباب عدم معرفتك ومعرفة الكثيرين ليوم عاشوراء ـ ومثله الأيام البيض ـ إلا في أثناء اليوم ؛ ما ذكرت من جريان العمل بالتقويم الميلادي ، فلعل فوات مثل هذه الفضائل يكون باعثا لك ولعامة من منَّ الله عليهم بالاستقامة للعمل بالتقويم الهجري القمري ـ الذي شرعه الله لعباده وارتضاه لدينه ـ ولو في نطاق أعمالهم الخاصة وتعاملهم بينهم إحياءً لهذا التقويم وما يذكَّر به من مناسبات شرعية ، ومخالفةً لأهل الكتاب الذين أُمرنا بمخالفتهم والتميُّز عنهم في شعائرهم وخصائصهم ، لاسيما وأن هذا التوقيت القمري هو المعمول به حتى عند أمم الأنبياء السابقين كما استُنبط هذا من حديث تعليل اليهود صومهم لعاشوراء ـ وهو يوم يعرف عن طريق الشهور القمرية ـ بأنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى فدل على عملهم به وليس بالشهور الإفرنجية الشمسية
(الشرح الممتع 6/471) .(58/2)
وعسى الله أن يجعل في فوات مثل هذا الأجر الخاص عنك وعمَّن هم مثلك في الحرص خيراً ، وذلك بما يقوم في القلب من الإحساس بفوات هذا الأجر فيدعو الإنسان للاجتهاد في العمل الصالح مما يورث طاعات عديدة قد يكون أثرها على القلب أبلغ مما قد يحصل للإنسان من الطاعة المعينة التي قد يركن إليها بعض الناس فتكون سبباً في تكاسلهم عن الطاعات وقد تكون سبباً في عجبه بنفسه وامتنانه على الله بهذه الطاعة .
نسأل الله أن يرزقنا من فضله وأجره ، وأن يعيننا على ذكره وشكره .(58/3)
رقم السؤال:
22833
العنوان:
الأكل في رمضان ناسياً لا يضر
السؤال:
ما حكم من أكل أو شرب في نهار رمضان ناسياً ؟.
الجواب:
الحمد لله
ليس عليه بأس وصومه صحيح . لقول الله سبحانه في آخر سورة البقرة : ( رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) البقرة/286 وصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه قال : " قد فعلت " ، ولما ثبت عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) متفق عليه .
وهكذا لو جامع ناسياً فصومه صحيح في أصح قولي العلماء للآية الكريمة ، ولهذا الحديث الشريف ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من أفطر في رمضان ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ) خرجه الحاكم وصححه ، وهذا اللفظ يعم الجماع وغيره من المفطرات إذا فعلها الصائم ناسياً . وهذا من رحمة الله وفضله وإحسانه فله الحمد والشكر على ذلك .(59/1)
رقم السؤال:
22888
العنوان:
مقدار زكاة الفطر ، وهل يجوز إخراجها نقوداً
السؤال:
ما مقدار زكاة الفطر ؟ وهل يجوز إخراجها بعد صلاة العيد؟ وهل يجوز إخراج زكاة الفطر نقوداً ؟.
الجواب:
الحمد لله
ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة – أعني صلاة العيد – وفي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : كنا نعطيها في زمن النبي صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام ، أو صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير أو صاعا من أقط أو صاعا من زبيب . . وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر – وهو القمح – وفسره آخرون بكل ما يقتاته أهل البلاد أيا كان سواء كان برا أو ذرة أو غير ذلك ، وهذا هو الصواب ، لأن الزكاة مواساة من الأغنياء إلى الفقراء ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده . والواجب صاع من جميع الأجناس وهو أربع حفنات باليدين الممتلئتين وهو بالوزن يقارب ثلاثة كيلو غرام . فإذا أخرج المسلم صاعا من الأرز أو غيره من قوت بلده أجزأه ذلك .
وأول وقت لإخراجها هو ليلة ثمان وعشرين لأن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين ، والشهر يكون تسعاً وعشرين ويكون ثلاثين .
وآخر وقت لإخراجها هو صلاة العيد فلا يجوز تأخيرها إلى ما بعد الصلاة لما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) رواه أبو داود .(60/1)
ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو الأصح دليلاً ، بل الواجب إخراجها من الطعام ، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وجمهور الأمة . والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعاً للفقه في دينه والثبات عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .(60/2)
رقم السؤال:
23423
العنوان:
هل ينكر على من رآه يأكل ناسياً في رمضان
السؤال:
يقول بعض الناس : إذا رأيت مسلماً يشرب أو يأكل ناسياً في نهار رمضان فلا يلزمك أن تخبره ، لأن الله أطعمه وسقاه كما في الحديث ، فهل هذا صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
من رأى مسلما يشرب في نهار رمضان أو يأكل أو يتعاطى شيئاً من المفطرات الأخرى ، وجب إنكاره عليه ، لأن إظهار ذلك في نهار الصوم منكر ، ولو كان صاحبه معذوراً في نفس الأمر ، حتى لا يجترئ الناس على إظهار ما حرّم الله من المفطرات في نهار الصيام بدعوى النسيان ، وإذا كان من أظهر ذلك صادقاً في دعوى النسيان فلا قضاء عليه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتمّ صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) متفق على صحته . وهكذا المسافر ليس له أن يُظهر تعاطي المفطرات بين المقيمين الذين لا يعرفون حاله ، بل عليه أن يستتر بذلك حتى لا يتّهم بتعاطيه ما حرّم الله عليه ، وحتى لا يجرؤ غيره على ذلك ، وهكذا الكفار يمنعون من إظهار الأكل والشرب ونحوهما بين المسلمين ، سدّاً لباب التساهل في هذا الأمر ، ولأنهم ممنوعون من إظهار شعائر دينهم الباطل بين المسلمين . والله وليّ التوفيق .(61/1)
رقم السؤال:
26212
العنوان:
من عليه أيام من رمضان لا يذكر عددها
السؤال:
أفطرت في إحدى السنوات الأيام التي تأتي فيها الدورة الشهرية، ولم أتمكن من الصيام حتى الآن ، وقد مضى عليَّ سنوات كثيرة، وأود أن أقضي ما عليَّ من دين الصيام ، ولكن لا أعرف كم عدد الأيام التي عليَّ ، فماذا أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد :
فيجب عليك ثلاثة أمور:
الأمر الأول : التوبة إلى الله من هذا التأخير ، والندم على ما مضى من التساهل ، والعزم على ألا تعودي لمثل هذا ؛ لأن الله يقول : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(النور: من الآية31)، وهذا التأخير معصية ، والتوبة إلى الله من ذلك واجبة.
الأمر الثاني : البدار بالصوم على حسب الظن ، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ، فالذي تظنين أنك تركتيه من أيامٍ عليك أن تقضيه ، فإذا ظننت أنها عشرة فصومي عشرة أيام ، وإذا ظننت أنها أكثر أو أقل فصومي على مقتضى ظنك ؛ لقول الله سبحانه : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا )(البقرة: من الآية286) . وقوله عز وجل : ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )(التغابن: من الآية16) .
الأمر الثالث: إطعام مسكين عن كل يوم إذا كنت تَقْدِرين على ذلك ، يُصرف كله ولو لمسكين واحد ، فإن كنت فقيرة لا تستطيعين الإطعام ، فلا شيء عليك في ذلك سوى الصوم والتوبة، والإطعام الواجب عن كل يوم نصف صاع من قوت البلد ، ومقداره كيلو ونصف في حق من قدر على ذلك . والله ولي التوفيق .(62/1)
رقم السؤال:
26746
العنوان:
هل يقرأ المأموم الفاتحة أم يستمع لقراءة الإمام؟
السؤال:
أمر الله سبحانه وتعالى بالاستماع والتزام الصمت والقرآن يقرأ ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) كما أن النبي صلى الله عليه وسلم حذرنا من أن الصلاة التي لا يقرأ فيها بالفاتحة تبطل . أرجو أن تخبرني ماذا أفعل دون الوقوع في ما يتعارض مع أي من هذين الأمرين إذا كان الإمام لا يترك مجالا للمأمومين لقراءة الفاتحة ؟ وما هو الصحيح في المسألة ؟
الجواب:
أولا :
سبق في جواب السؤال رقم (10995) بيان أن قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة في حق الإمام والمأموم والمنفرد .
ثانياً :
وأما السكتة التي يسكتها بعض الأئمة بعد قراءتهم للفاتحة ، فليس سكتة طويلة يتمكن المأموم فيها من قراءة الفاتحة ، وإنما هي سكتة يسيرة ، يحصل بها الفصل بين قراءة الفاتحة ، وقراءة السورة .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"السكتة بين قراءة الفاتحة ، وقراءة سورة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ، على ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتا يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة ، وإنما هو سكوت يسير يتراد به النفس من جهة ، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى ، حتى يشرع في القراءة ويكمل ، ولو كان الإمام يقرأ ، فهي سكتة يسيرة ليست طويلة " انتهى.
"فتاوى أركان الإسلام" (ص323-324 ) .
فإذا كان الإمام لا يسكت سكتة طويلة بعد قراءة الفاتحة ، فإن المأموم عليه أن يقرأ الفاتحة ، ولو مع قراءة الإمام السورة ، لأن هذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه في صلاة الفجر .(63/1)
روى أبو داود (823) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : كُنَّا خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَقَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَثَقُلَتْ عَلَيْهِ الْقِرَاءَةُ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : ( لَعَلَّكُمْ تَقْرَءُونَ خَلْفَ إِمَامِكُمْ ! قُلْنَا : نَعَمْ ، يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ) .
وقد حسنه الترمذي وصححه البيهقي والخطابي وغيرهم ، وهو نص في وجوب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة الجهرية.
قال الشيخ ابن باز : " فإن لم يسكت الإمام فالواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة ولو في حال قراءة الإمام في أصح قولي العلماء " انتهى من "فتاوى الشيخ ابن باز" (11/221) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"فإن قيل : إذا كان الإمام لا يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة ؟
فنقول : يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ ؛ لأن الصحابة كانوا يقرؤون مع الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : ( لا تفعلوا إلا بأم القرآن ؛ فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها ) " انتهى .
"فتاوى أركان الإسلام" ( ص322 ) .
وأما قوله تعالى : (وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا) فهذا عام مخصوص بغير الفاتحة ، بمعنى أنه يجب الإنصات لقراءة الإمام القرآن في الصلاة إلا إذا كان المأموم يقرأ الفاتحة فقط ، بدليل قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لَا تَفْعَلُوا إِلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ ، فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا ) وكان ذلك في صلاة الفجر ، وهي صلاة جهرية كما هو معلوم .
فيكون المأموم مأمور بالإنصات إلا عن قراءة الفاتحة .
والله أعلم .(63/2)
رقم السؤال:
26770
العنوان:
هل يجوز للابنة دفع زكاة الفطر عن والدها ؟
السؤال:
هل يجوز للمسلمة أن تدفع زكاة الفطر عن والدها ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ محمد العثيمين – رحمه الله - :
من أخرج عمن لا تلزمه فطرتُه : فإنه لا بدَّ من إذنه ، فلو أن زيداً من الناس أخرج عن عمرو بغير إذنه : فإنها لا تُجزئ ؛ لأن زيداً لا تلزمه فطرة عمرو ، ولا بدَّ فيها من نيَّة إما ممن تجب عليه أو من وكيله ، وهذا مبني على قاعدة معروفة عند الفقهاء يسمونها " تصرف الفضولي " بمعنى أن الإنسان يتصرف لغيره بغير إذنه ، فهل يبطل هذا التصرف مطلقاً ، أو يتوقف على إذن ورضى الغير ؟
هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم ، والراجح : أنه يُجزئ إذا رضي الغير – وساق الشيخ حديث أبي هريرة مع الشيطان في حفظ الزكاة - انظر نصه في جواب السؤال رقم ( 6092 ) - ... والشاهد من ذلك : أن الرسول عليه الصلاة والسلام أجاز هذا التصرف من أبي هريرة وجعله مجزئاً مع أن المأخوذ منه زكاة ، وأبو هريرة وكيل في الحفظ ، لا وكيل في غيره .
" الشرح الممتع " ( 6 / 165 ) .
والله أعلم .(64/1)
رقم السؤال:
26814
العنوان:
على من يجب صوم رمضان ؟
السؤال:
من الذي يجب عليه صوم رمضان ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجب الصوم على الشخص إذا توفرت فيه خمسة شروط :
أولاً / أن يكون مسلماً .
ثانياً / أن يكون مكلفاً .
ثالثاً / أن يكون قادراً على الصوم .
رابعاً / أن يكون مقيماً .
خامساً / الخلو من الموانع .
فهذه الشروط الخمسة متى توفرت في الشخص وجب عليه الصوم .
فخرج بالشرط الأول الكافر ؛ فالكافر لا يلزمه الصوم ولا يصح منه ، فإذا أسلم لم يؤمر بقضائه .
والدليل على ذلك قوله تعالى : ( وما منعهم أن تُقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله وبرسوله ولا يأتون الصلاة إلا وهم كسالى ولا يُنفقون إلا وهم كارهون ) فإذا كانت النفقات - ونفعها متعدٍ - لا تُقبل منهم لكفرهم ، فالعبادات الخاصة من باب أولى .
وكونه لا يقضي إذا أسلم لقوله تعالى : ( قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ) وثبت عن طريق التواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لم يكن يأمر من أسلم بقضاء ما فاته من الواجبات .
وهل يعاقب الكافر في الآخرة على ترك الصيام إذا لم يسلم ؟
الجواب :
نعم يعاقب على تركه ، وعلى ترك جميع الواجبات ؛ لأنه إذا كان المسلم المطيع لله الملتزم بشرعه يعاقب عليها فالمستكبر من باب أولى ، وإذا كان الكافر يُعذب على ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس ، ففعل المحرمات وترك الواجبات من باب أولى ، وهذا من القياس .
أما النص فيقول الله تعالى عن أصحاب اليمين أنهم يقولون للمجرمين : ( ما سلككم في سقر . قالوا لم نك من المصلين . ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين ) فهذه الأربعة هي التي أدخلتهم النار :
{ لم نكُ من المصلين } الصلاة ، { لم نكُ نطعم المسكين } الزكاة ، { وكنا نخوض مع الخائضين } مثل الاستهزاء بآيات الله .{ وكنا نكذب بيوم الدين } .
الشرط الثاني :(65/1)
أن يكون مكلفاً ، والمكلف هو البالغ العاقل ، لأنه لا تكليف مع الصغر ولا تكليف مع الجنون .
والبلوغ يحصل بواحد من ثلاثة أمور تجدها في السؤال (20475) .
والعاقل ضده المجنون ، أي فاقد العقل من مجنون ومعتوه ، فكل من ليس له عقل بأي وصف من الأوصاف فإنه ليس بمكلف ، وليس عليه واجب من واجبات الدين لا صلاة ولا صيام ولا إطعام ، أي لا يجب عليه شيء إطلاقاً .
الشرط الثالث :
" القادر " أي قادر على الصيام ، أما العاجز فليس عليه صوم لقول الله تعالى : ( ومن كان مريضا أو على سفر فعدةٌ من أيام أُخر ) .
لكن العجز ينقسم إلى قسمين : قسم طارئ وقسم دائم :
فالقسم الطارئ هو المذكور في الآية السابقة ( كالمريض مرضا يُرجى زواله والمسافر فهؤلاء يجوز لهم الإفطار ثم قضاء ما فاتهم ) .
والعجز الدائم ( كالمريض مرضاً لا يُرجى شفائه ، وكبير السن الذي يعجز عن الصيام ) وهو المذكور في قوله تعالى : ( وعلى الذين يطيقونه فديةٌ طعام مسكين ) حيث فسرها ابن عباس رضي الله عنهما " بالشيخ والشيخة إذا كانا لا يطيقان الصوم فيُطعمان عن كل يوم مسكينا " .
الشرط الرابع :
أن يكون مقيماً ، فإن كان مسافرا فلا يجب عليه الصوم ؛ لقوله تعالى : ( ومن كان مريضاً أو على سفر فعدةٌ من أيامٍ أُخر ) وقد أجمع العلماء أنه يجوز للمسافر الفطر .
والأفضل للمسافر أن يفعل الأيسر ، فإن كان في الصوم ضرر كان الصوم حراماً لقوله تعالى : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ) فإن هذه الآية تدل على أن ما كان ضرراً على الإنسان كان منهياً عنه . راجع السؤال (20165)
فإن قلت : ما هو مقياس الضرر الذي يُحرِّم الصيام ؟
فالجواب :
الضرر يكون بالحس ، وقد يُعلم بالخَبَر ، أما بالحس فأن يشعر المريض بنفسه أن الصوم يضره ويثير عليه الأوجاع ، ويوجب تأخر الشفاء وما أشبه ذلك .
وأما الخَبَر فأن يُخبره طبيب عالم ثقة بأنه يضره .
الشرط الخامس :(65/2)
الخلو من الموانع ، وهذا خاص بالنساء ، فالحائض والنفساء لا يلزمها الصوم ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم مقرراً ذلك : " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم " .
فلا يلزمها ولا يصح منها إجماعاً ، ويلزمها قضاؤه إجماعاً .
الشرح الممتع 6/330
والله أعلم .(65/3)
رقم السؤال:
26860
العنوان:
صيام يوم الشك بنية قضاء ما فات من رمضان
السؤال:
أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صوم يوم الشك ، ونهى عن الصيام قبل رمضان بيومين . ولكن هل يجوز لي أن أقضي رمضان الفائت في هذه الأيام ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز قضاء رمضان الفائت في يوم الشك وقبل رمضان بيوم أو يومين .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يوم الشك ، ونهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين . ولكن هذا النهي ما لم يكن للإنسان عادة بالصيام ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ) . رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) فإذا اعتاد الإنسان صوم يوم الاثنين -مثلاً- ووافق ذلك آخر يوم من شعبان فإنه يجوز أن يصومه تطوعاً ولا يُنهى عن صيامه .
فإذا جاز صيام التطوع المعتاد فجواز صيام قضاء رمضان من باب أولى ، لأنه واجب ، ولأنه لا يجوز تأخير القضاء إلى ما بعد رمضان التالي .
قال النووي رحمه الله في المجموع (6/399) :
قَالَ أَصْحَابُنَا : لا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ بِلا خِلافٍ . . . فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ ، لأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ فَالْفَرْضُ أَوْلَى , كَالْوَقْتِ الَّذِي نُهِيَ عَنْ الصَّلاةِ فِيهِ , وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ; لأَنَّ وَقْتَ قَضَائِهِ قَدْ ضَاقَ اهـ .(66/1)
رقم السؤال:
26865
العنوان:
تأخير قضاء رمضان حتى يدخل رمضان الثاني
السؤال:
أفطرت أياماً من رمضان بسبب الحيض ، وهذا من عدة سنوات . ولم أصم هذه الأيام حتى الآن . فماذا عليّ أن أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
اتفق الأئمة على أنه يجب على من أفطر أياماً من رمضان أن يقضي تلك الأيام قبل مجيء رمضان التالي .
واستدلوا على ذلك بما رواه البخاري (1950) ومسلم (1146) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : ( كَانَ يَكُونُ عَلَيَّ الصَّوْمُ مِنْ رَمَضَانَ ، فَمَا أَسْتَطِيعُ أَنْ أَقْضِيَهُ إِلا فِي شَعْبَانَ ، وَذَلِكَ لِمَكَانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
قال الحافظ :
وَيُؤْخَذ مِنْ حِرْصهَا عَلَى ذَلِكَ فِي شَعْبَان أَنَّهُ لا يَجُوز تَأْخِير الْقَضَاء حَتَّى يَدْخُلَ رَمَضَان آخَرُ اهـ
فإن أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي فلا يخلو من حالين :
الأولى :
أن يكون التأخير بعذر ، كما لو كان مريضاً واستمرَّ به المرض حتى دخل رمضان التالي ، فهذا لا إثم عليه في التأخير لأنه معذور . وليس عليه إلا القضاء فقط . فيقضي عدد الأيام التي أفطرها .
الحال الثانية :
أن يكون تأخير القضاء بدون عذر ، كما لو تمكن من القضاء ولكنه لم يقض حتى دخل رمضان التالي.
فهذا آثم بتأخير القضاء بدون عذر ، واتفق الأئمة على أن عليه القضاء ، ولكن اختلفوا هل يجب مع القضاء أن يطعم عن كل يوم مسكيناً أو لا ؟
فذهب الأئمة مالك والشافعي وأحمد أن عليه الإطعام . واستدلوا بأن ذلك قد ورد عن بعض الصحابة كأبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم .
وذهب الإمام أبو حنيفة رحمه الله إلى أنه لا يجب مع القضاء إطعام .
واستدل بأن الله تعالى لم يأمر مَنْ أفطر من رمضان إلا بالقضاء فقط ولم يذكر الإطعام ، قال الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185.(67/1)
انظر : المجموع (6/366) ، المغني (4/400) .
وهذا القول الثاني اختاره الإمام البخاري رحمه الله ، قال في صحيحه :
قَالَ إِبْرَاهِيمُ -يعني : النخعي- : إِذَا فَرَّطَ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُهُمَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِ طَعَامًا ، وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مُرْسَلا وَابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ . ثم قال البخاري : وَلَمْ يَذْكُرِ اللَّهُ الإِطْعَامَ ، إِنَّمَا قَالَ : ( فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) اهـ
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله وهو يقرر عدم وجوب الإطعام :
وأما أقوال الصحابة فإن في حجتها نظراً إذا خالفت ظاهر القرآن ، وهنا إيجاب الإطعام مخالف لظاهر القرآن ، لأن الله تعالى لم يوجب إلا عدة من أيام أخر ، ولم يوجب أكثر من ذلك ، وعليه فلا نلزم عباد الله بما لم يلزمهم الله به إلا بدليل تبرأ به الذمة ، على أن ما روي عن ابن عباس وأبي هريرة رضي الله عنهم يمكن أن يحمل على سبيل الاستحباب لا على سبيل الوجوب ، فالصحيح في هذه المسألة أنه لا يلزمه أكثر من الصيام إلا أنه يأثم بالتأخير . اهـ
الشرح الممتع (6/451) .
وعلى هذا فالواجب هو القضاء فقط ، وإذا احتاط الإنسان وأطعم عن كل يوم مسكيناً كان ذلك حسناً .
وعلى السائلة - إذا كان تأخيرها القضاء من غير عذر- أن تتوب إلى الله تعالى وتعزم على عدم العودة لمثل ذلك في المستقبل .
والله تعالى المسؤول أن يوفقنا لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(67/2)
رقم السؤال:
26869
العنوان:
جدول مقترح للمسلم في شهر رمضان
السؤال:
أولاً أهنئكم بدخول شهر رمضان الكريم ، وأتمنى أن يتقبل الله منا ومنكم الصيام والقيام .
وأتمنى أن أستغل هذه الفرصة بقدر ما أستطيع في العبادة وتحصيل الأجر ، فأرجو منكم إعطائي برنامجاً مناسباً لي ولأُسرتي حتى نستغل الشهر بالخير والطاعة.
الجواب:
الحمد لله
تقبل الله من الجميع صالح القول والعمل ، ورزقنا الإخلاص في السر والعلن .
وهذا جدول مقترح للمسلم في هذا الشهر المبارك :
يوم المسلم في رمضان :
يبدأ المسلم يومه بالسحور قبل صلاة الفجر , والأفضل أن يؤخر السحور إلى أقصى وقت ممكن من الليل .
ثم بعد ذلك يستعد المسلم لصلاة الفجر قبل الآذان , فيتوضأ في بيته , ويخرج إلى المسجد قبل الآذان ,
فإذا دخل المسجد صلى ركعتين (تحية المسجد) , ثم يجلس ويشتغل بالدعاء , أو بقراءة القرآن , أو بالذكر , حتى يؤذن المؤذن , فيردد مع المؤذن ويقول ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بعد الفراغ من الأذان , ثم بعد ذلك يصلي ركعتين ( راتبة الفجر) , ثم يشتغل بالذكر والدعاء وقراءة القرآن إلى أن تُقام الصلاة , وهو في صلاة ما انتظر الصلاة .
بعد أن يؤدي الصلاة مع الجماعة يأتي بالأذكار التي تشرع عقب السلام من الصلاة , ثم بعد ذلك إن أحب أن يجلس إلى أن تطلع الشمس في المسجد مشتغلا بالذكر وقراءة القرآن فذلك أفضل , وهو ما كان يفعله النبي صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الفجر .
ثم إذا طلعت الشمس وارتفعت ومضى على شروقها نحو ربع ساعة فإن أحب أن يصلي صلاة الضحى ( أقلها ركعتين ) فذلك حسن , وإن أحب أن يؤخرها إلى وقتها الفاضل وهو حين ترمض الفصال ، أي : عند اشتداد الحر وارتفاع الشمس فهو أفضل .(68/1)
ثم إن أحب أن ينام ليستعد للذهاب إلى عمله , فلينوي بنومه ذلك التَّقوِّي على العبادة وتحصيل الرزق , كي يؤجر عليه إن شاء الله تعالى ، وليحرص على تطبيق آداب النوم الشرعية العملية والقولية .
ثم يذهب إلى عمله , فإذا حضر وقت صلاة الظهر , ذهب إلى المسجد مبكرا , قبل الأذان أو بعده مباشرة , وليكن مستعدا للصلاة مسبقا , فيصلي أربع ركعات بسلامين ( راتبة الظهر القبلية ) , ثم يشتغل بقراءة القرآن إلى أن تقام الصلاة ، فيصلي مع الجماعة , ثم يصلي ركعتين ( راتبة الظهر البعدية ) .
ثم بعد الصلاة يعود إلى إنجاز ما بقي من عمله , إلى أن يحضر وقت الانصراف من العمل , فإذا انصرف من العمل فإن كان قد بقي وقت طويل على صلاة العصر ويمكنه أن يستريح فيه , فليأخذ قسطا من الراحة , وإن كان الوقت غير كاف ويخشى إذا نام أن تفوته صلاة العصر فليشغل نفسه بشيء مناسب حتى يحين وقت الصلاة , كأن يذهب إلى السوق لشراء بعض الأشياء التي يحتاجها أهل البيت ونحو ذلك , أو يذهب إلى المسجد مباشرة من حين ينتهي من عمله , ويبقى في المسجد إلى أن يصلي العصر .
ثم بعد العصر ينظر الإنسان إلى حاله , فإن كان بإمكانه أن يجلس في المسجد ويشتغل بقراءة القرآن فهذه غنيمة عظيمة , وإن كان الإنسان يشعر بالإرهاق , فعليه أن يستريح في هذا الوقت , كي يستعد لصلاة التراويح في الليل .
وقبل أذان المغرب يستعد للإفطار , وليشغل نفسه في هذه اللحظات بشيء يعود عليه بالنفع , إما بقراءة قرآن , أو دعاء , أو حديث مفيد مع الأهل والأولاد .
ومن أحسن ما يشغل به هذا الوقت المساهمة في تفطير الصائمين , إما بإحضار الطعام لهم أو المشاركة في توزيعه عليهم وتنظيم ذلك , ولذلك لذة عظيمة لا يذوقها إلا من جرب .(68/2)
ثم بعد الإفطار يذهب للصلاة في المسجد مع الجماعة , وبعد الصلاة يصلي ركعتين ( راتبة المغرب ) , ثم يعود إلى البيت ويأكل ما تيسر له – مع عدم الإكثار - , ثم يحرص على أن يبحث عن طريقة مفيدة يملأ بها هذا الوقت بالنسبة له ولأهل بيته , كالقراءة من كتاب قصصي , أو كتاب أحكام عملية , أو مسابقة , أو حديث مباح , أو أي فكرة أخرى مفيدة تتشوق النفوس لها , وتصرفها عن المحرمات التي تبث في وسائل الإعلام , والتي يعد هذا الوقت بالنسبة لها وقت الذروة , فتجدها تبث أكثر البرامج جذبا وتشويقا , وإن حوت ما حوت من المنكرات العقدية والأخلاقية ، فاجتهد يا أخي في صرف نفسك عن ذلك , واتق الله في رعيتك التي سوف تسأل عنها يوم القيامة , فأعد للسؤال جوابا .
ثم استعد لصلاة العشاء , واتجه إلى المسجد , فاشتغل بقراءة القرآن , أو بالاستماع إلى الدرس الذي يكون في المسجد .
ثم بعد ذلك أدِ صلاة العشاء , ثم صلِ ركعتين ( راتبة العشاء ) ثم صلِّ التراويح خلف الإمام بخشوع وتدبر وتفكر , ولا تنصرف قبل أن ينصرف الإمام , وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة " . رواه أبو داود (1370) وغيره ، وصححه الألباني في "صلاة التراويح " (ص 15) .
ثم اجعل لك برنامجا بعد صلاة التراويح يتناسب مع ظروفك وارتباطاتك الشخصية ، وعليك مراعاة ما يلي :
البعد عن جميع المحرمات ومقدماتها .
مراعاة تجنيب أهل بيتك الوقوع في شيء من المحرمات أو أسبابها بطريقة حكيمة ، كإعداد برامج خاصة لهم , أو الخروج بهم للنزهة في الأماكن المباحة , أو تجنبيهم رفقة السوء والبحث لهم عن رفقة صالحة.
أن تشتغل بالفاضل عن المفضول .(68/3)
ثم احرص على أن تنام مبكرا , مع الإتيان بالآداب الشرعية للنوم العملية والقولية , وإن قرأت قبل النوم شيئا من القرآن أو من الكتب النافعة فهذا أمر حسن ، لا سيما إن كنت لم تنه وردك اليومي من القرآن , فلا تنم حتى تنهه .
ثم استقيظ قبل السحور بوقت كاف للاشتغال بالدعاء , فهذا الوقت _ وهو ثلث الليل الأخير _ وقت النزول الإلهي , وقد أثنى الله عز وجل على المستغفرين فيه , كما وعد الداعين فيه بالإجابة والتائبين بالقبول , فلا تدع هذه الفرصة العظيمة تفوتك .
يوم الجمعة :
يوم الجمعة هو أفضل أيام الأسبوع , فينبغي أن يكون له برنامجا خاصا في العبادة والطاعة , يراعى فيه ما يلي :
التبكير في الحضور إلى صلاة الجمعة .
البقاء في المسجد بعد صلاة العصر , والاشتغال بالقراءة والدعاء حتى الساعة الأخيرة من هذا اليوم , فإنها ساعة ترجى فيها إجابة الدعاء .
اجعل هذا اليوم فرصة لاستكمال بعض أعمالك التي لم تتمها في وسط الأسبوع , كإتمام الورد الأسبوعي من القرآن , أو إتمام قراءة كتاب , أو سماع شريط , ونحو ذلك من الأعمال الصالحة .
العشر الأواخر :
العشر الأواخر فيها ليلة القدر , التي هي خير من ألف شهر , لذا يشرع للإنسان أن يعتكف في هذه العشر في المسجد , كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل , طلبا لليلة القدر , فمن تيسر له الاعتكاف فيها , فهذه منة عظيمة من الله عليه .
ومن لم يتيسر له اعتكافها كلها , فليعتكف ما تيسر له منها .
وإن لم يتيسر له اعتكاف شيء منها فليحرص على إحياء ليلها بالعبادة والطاعة من قيام وقراءة وذكر ودعاء , وليستعد لذلك من النهار بإراحة جسمه ليتمكن من السهر في الليل .
تنبيهات :
هذا الجدول جدول مقترح , وهو جدول مرن يمكن لكل فرد أن يعدل فيه بحسب ظروفه الخاصة .(68/4)
هذا الجدول روعي فيه الالتزام بذكر السنن الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم , فلا يعني ذلك أن جميع ما فيه من الواجبات والفرائض , بل فيه كثير مع السنن والمستحبات .
أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل , فالإنسان في أول الشهر قد يتحمس للطاعة والعبادة , ثم يصاب بالفتور , فاحذر من ذلك , واحرص على المداومة على جميع الأعمال التي تؤديها في هذا الشهر الكريم .
ينبغي على المسلم أن يحرص على تنظيم وقته في هذا الشهر المبارك , حتى لا يضيع على نفسه فرص كبيرة للازدياد من الخير والعمل الصالح , فمثلا : يحرص الإنسان على شراء الأغراض التي يحتاجها أهل البيت قبل بداية الشهر , وكذلك الأغراض اليومية يحرص على شرائها في الأوقات التي لا يكون فيها زحام في الأسواق ، ومثال آخر : الزيارات الشخصية والعائلية ينبغي أن تنظم بحيث لا تشغل الإنسان عن عبادته .
اجعل الإكثار من العبادة والتقرب إلى الله هو همك الأول في هذا الشهر المبارك .
اعقد العزم من بداية الشهر على التبكير إلى المسجد في أوقات الصلاة , وعلى ختم كتاب الله عز وجل تلاوة , وعلى المحافظة على قيام الليل في هذا الشهر العظيم ، وعلى إنفاق ما تيسر من مالك .
اغتنم فرصة شهر رمضان لتقوية صلتك بكتاب الله عز وجل , وذلك من خلال الوسائل التالية :
ضبط القراءة الصحيحة للآيات , والسبيل إلى ذلك هو تصحيح القراءة على مقرئ جيد , فإن تعذر فمن خلال متابعة أشرطة القراء المتقنين .
مراجعة ما مَنَّ الله عز وجل به عليك من حفظ , والاستزادة من الحفظ .
القراءة في تفسير الآيات , وذلك إما بمراجعة الآيات التي تشكل عليك في كتب التفاسير المعتمدة كتفسير البغوي وتفسير ابن كثير وتفسير السعدي , وإما بأن تجعل لك جدولا للقراءة المنتظمة في كتاب من كتب التفسير , فتبدأ أولا بجزء عم , ثم تنتقل إلى جزء تبارك , وهكذا .
العناية بتطبيق الأوامر التي تمر بك في كتاب الله عز وجل .(68/5)
نسأل الله عز وجل أن يتم علينا نعمة إدراك رمضان , بإتمام صيامه وقيامه , وأن يتقبل منا , وأن يتجاوز عن تقصيرنا .(68/6)
رقم السؤال:
27005
العنوان:
زكاة الفطر عن الجنين
السؤال:
هل الطفل الذي ببطن أمه تدفع عنه زكاة الفطر أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
يستحب إخراجها عنه لفعل عثمان رضي الله عنه ولا تجب عليه لعدم الدليل على ذلك .
وبالله التوفيق .(69/1)
رقم السؤال:
27006
العنوان:
لمن تدفع زكاة الفطر
السؤال:
يطلب رجال زكاة الفطر بالأسواق ، ولا نعرف أهم متدينون أم لا ؟ وآخرون حالهم زينة ، والذي يجيئهم من الزكاة ينفقونه على أولادهم ، وبعضهم يتسلم راتب ولكنهم ضعفاء دين ، فهل يجوز دفعها لهم أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
تدفع زكاة الفطر لفقراء المسلمين وإن كانوا عصاة معصية لا تخرجهم من الإسلام ، والعبرة في فقر من يأخذها حالته الظاهرة ، ولو كان في الباطن غنياً ، وينبغي لدافعها أن يتحرى الفقراء الطيبين بقدر الاستطاعة ، وإن ظهر أن آخذها غني فيما بعد فلا يضر ذلك دافعها ، بل هي مجزئة والحمد لله .
وبالله التوفيق .(70/1)
رقم السؤال:
27008
العنوان:
حجز اليهود أزواجهن فكيف يخرجن زكاة الفطر
السؤال:
في بلدتنا في خان يونس تحاصرنا القوات الإسرائيلية فتقطعت بنا السبل ولا تعلم الزوجات عن أزواجهن شيئاً فكيف يخرجن زكاة الفطر ؟.
الجواب:
الحمد لله
تجب زكاة الفطر على عائل الأسرة وهو صاحب المال فعليه أن يخرج الزكاة عنه وعمن يعولهم من الزوجات والأولاد وغيرهم .
فإذا عجز عن إخراج الزكاة فإن الله يعذره ، وعليه القضاء بعد أن يفرج الله عنه ويرجع إلى أهله .
وبالنسبة للزوجات فإن كن يقدرن على دفع زكاة الفطر عن أنفسهن فعليهن المبادرة بدفعها ، فإذا عجزن عن ذلك فليس عليهن شيء لقول الله تعالى : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) وقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) .
والمرأة إذا أخرجت عن نفسها وعن أولادها فهي مأجورة ، وإن لم تستطع إلا عن نفسها فليس عليها إلا ذلك .
وإن استطاعت المرأة أن تكلم زوجها بالهاتف وتأخذ منه توكيلاً بدفع الزكاة وكان في البيت ما تخرج به الزكاة عن زوجها ومن يعول فإنها تخرج زكاة الفطر عنهم بعد إذن زوجها .
نسأل الله أن يفرج الكرب وأن يعيد هؤلاء الأزواج سالمين وينصر الإسلام والمسلمين ويخزي اليهود الكافرين .
وصلى الله على نبينا محمد .(71/1)
رقم السؤال:
27015
العنوان:
هل هناك دعاء عند إخراج زكاة الفطر
السؤال:
هل من قول معين يقال عند إخراج زكاة الفطر، وما هو ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا نعلم دعاء معيناً يقال عند إخراجها .
وبالله التوفيق .(72/1)
رقم السؤال:
27016
العنوان:
هل لإمام المسجد جمع زكاة الفطر ، وأين تُوزع ؟
السؤال:
متى تخرج زكاة الفطر وأين توزع وهل يجوز جمعها من طرف إمام المسجد ثم توزيعها على المستحقين ولو بعد حين ، وهل هي تابعة للتضخم المالي ، وهل يجوز إرسالها للمجاهدين في فلسطين مثلاً أو إدخالها في صندوق بناء مسجد مثلاً ؟.
الجواب:
الحمد لله
وقت زكاة الفطر ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد .
ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة ، وتعطى فقراء المسلمين في بلد مخرجها ، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى أهلها أشد حاجة ويجوز لإمام المسجد ونحوه من ذوي الأمانة أن يجمعها ويوزعها على الفقراء ؛ على أن تصل إلى مستحقيها قبل صلاة العيد ، وليس قدرها تابعاً للتضخم المالي ، بل حدَّها الشرع بصاع ، ومن ليس لديه إلا قوت يوم العيد لنفسه ومن يجب عليه نفقته تسقط عنه ، ولا يجوز وضعها في بناء مسجد أو مشاريع خيرية .
وبالله التوفيق .(73/1)
رقم السؤال:
27021
العنوان:
هل يعطي زكاة الفطر لشخص واحد أم يوزعها
السؤال:
هل زكاة الفطر للشخص الواحد لا يجوز توزيعها بل تعطى لشخص واحد ؟ .
الجواب:
الحمد لله
يجوز دفع زكاة الفطر عن النفر الواحد لشخص واحد ، كما يجوز توزيعها على عدة أشخاص .
وبالله التوفيق .(74/1)
رقم السؤال:
27227
العنوان:
شرب بعد الأذان ظنا منه عدم طلوع الفجر
السؤال:
كنت نائما ولم اسمع أذان الفجر ، والمنبه كان متأخرا عن التوقيت الصحيح وبعد أن شربت كوبا من الماء أقيمت الصلاة فماذا علي ، أفتوني مأجورين .
الجواب:
الحمد لله
الصحيح من أقوال أهل العلم ، أن من أكل ظنا منه أن الفجر لم يطلع ، ثم تبين له أن قد طلع ، فلا شيء عليه ، لأنه جاهل بالوقت فهو معذور .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إذا تناول الصائم شيئا من هذه المفطرات جاهلا ، فصيامه صحيح ، سواء كان جاهلا بالوقت ، أو كان جاهلا بالحكم ، مثال الجاهل بالوقت ، أن يقوم الرجل في آخر الليل ، ويظن أن الفجر لم يطلع ، فيأكل ويشرب ويتبين أن الفجر قد طلع ، فهذا صومه صحيح لأنه جاهل بالوقت .
ومثال الجاهل بالحكم ، أن يحتجم الصائم وهو لا يعلم أن الحجامة مفطرة ، فيقال له : صومك صحيح . والدليل على ذلك قوله تعالى : ( ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين ) هذا من القرآن .
ومن السنة حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما الذي رواه البخاري في صحيحه ، قالت : ( أفطرنا يوم غيم على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم طلعت الشمس ) فصار إفطارهم في النهار ، ولكنهم لا يعلمون بل ظنوا أن الشمس قد غربت ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ، ولو كان القضاء واجبا لأمرهم به ، ولو أمرهم به لنقل إلينا " مجوع الفتاوى 19
ويراجع السؤال رقم ( 38543 ).(75/1)
رقم السؤال:
32715
العنوان:
اشترى أرضاً بغرض التجارة فكيف يزكيها ؟
السؤال:
اشتريت أرضاً بقيمة 115 ألف ريال بقصد التجارة وحال عليها الحول ، هل يجب فيها الزكاة ؟ وكم نصاب الزكاة بالريال السعودي إذا كان يجب فيها الزكاة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
امتلاك الأرض بقصد التجارة يوجب عليها زكاة في كل عام ، فتقدر قيمة الأرض في نهاية الحول ، وتخرج الزكاة على هذه القيمة ، وقدر الزكاة الواجبة فيها هو ريع العشر أي 2.5 بالمائة ، فتصرف في مصارف الزكاة التي بينها الله تعالى في قوله : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة /60.
وينبغي التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب ، أو فضة ، أو نقود ( ريالا أو دولارات أو غيرها من العملات ) أو عروض أخرى ؛ فإن حول العروض هو حول المال الذي اشتريت به ، وعلى هذا ، فلا يبدأ حولاً جديداً للعروض من حين امتلاكها ، بل يكمل على حول المال الذي اشتريت به .
مثال ذلك : لو أن رجلاً امتلك ألف ريال في رمضان ، فإنه يبدأ في حساب الحول ، ثم في شعبان من السنة الثانية (أي قبل نهاية الحول بشهر) اشترى بهذه الألف عروضاً للتجارة ، فإنه يزكي هذه العروض في رمضان ، أي بعد امتلاكها بشهر واحد فقط ، وذلك لأن حول العروض يبنى على حول الأثمان التي اشتريت بها .
انظر : "الشرح الممتع" (6/149) للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/331) :(76/1)
"تجب الزكاة في الأراضي المعدة للبيع والشراء ؛ لأنها من عروض التجارة ، فهي داخلة في عموم أدلة وجوب الزكاة من الكتاب والسنَّة ، ومن ذلك قوله تعالى : ( خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها ) ، وما رواه أبو داود بإسناد حسن عن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نُخرج الصدقة مما نعده للبيع . وبذلك قال جمهور أهل العلم ، وهو الحق" اهـ .
وسئلت اللجنة الدائمة :
الأراضي المشتراة للتجارة كيف يجب أن يتم احتسابها عند احتساب الزكاة بثمن الشراء أو بما تسوى من أقيام وقت حلول حول الزكاة ؟
فأجابت :
" الأراضي المشتراة للتجارة هي من جملة عروض التجارة ، والقاعدة العامة في الشريعة الإسلامية أن عروض التجارة تقوم عند تمام الحول بالثمن الذي تساويه ، بصرف النظر عن الثمن الذي اشتريت به ، سواء كان زائداً عن الثمن الذي تساويه وقت وجوب الزكاة أو أقل ، وتخرج زكاتها من قيمتها ، ومقدار الواجب فيها من الزكاة ربع العشر ، ففي أرض قيمتها ألف ريال – مثلاً - خمسة وعشرون ريالاً وهكذا" اهـ .
"فتاوى اللجنة الدائمة" ( 9 / 324 ، 325 ) .
وأما نصاب الزكاة ، فقد سبق في السؤال رقم (42072) أن نصاب الزكاة من الذهب هو عشرون ديناراً أي: 85 جراماً من الذهب . ونصاب الفضة مائتا درهم أي ، أو : 595 جراماً من الفضة .
ونصاب النقود (الريال السعودي أو غيره من العملات) ما بلغ قيمة نصاب الذهب أو الفضة . وحيث إن الفضة الآن أقل ثمناً من الذهب ، فنصاب النقود الآن هو ما بلغ قيمة 595 جراماً من الفضة .
والله أعلم .(76/2)
رقم السؤال:
32751
العنوان:
هل على الفقير وأهله زكاة الفطر
السؤال:
إنسان فقير يعول عائلة مكونة من أمه وأبيه وأولاده ، ويدركه عيد الفطر ، وليس عنده إلا صاع من الطعام فمن يخرجه عنه ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا كان الأمر كما ذكره السائل من حال الفقير المسئول عنه ؛ فإنه يخرج الصاع عن نفسه إذا كان فاضلاً عن قوته وقوت من يعول يوم العيد وليلته ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ابدأ بنفسك ثم بمن تعول ) رواه البخاري 2/117 ، 6/190 ، ومسلم 2/717، 718، 721 ، برقم (1034، 1036، 1042) .
أما من يعولهم السائل فإذا لم يكن لديهم شيء يزكون به عن أنفسهم فتسقط لقوله تعالى : ( لا يكلف الله نفساً إلا وسعها ) البقرة /286 ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صدقة إلا عن ظهر غنى ) رواه البخاري ( 2،117، 6/190 ) ، ومسلم 2/717 برقم (1034) ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) .
وبالله التوفيق .(77/1)
رقم السؤال:
33613
العنوان:
لا حرج على الوكيل في ذبح الأضحية أن يحلق رأسه في العشر
السؤال:
إذا وَكَّلني رجل في ذبح أضحيته ، فهل يجوز لي أن أحلق شعري في عشر ذي الحجة ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز ذلك ، لأن تحريم أخذ الشعر والظفر إنما هو على المضحي خاصة ، والمضحي هو صاحب الأضحية ، أما الوكيل في ذبحها فإنه لا يلزمه شيء من ذلك .
قال الشيخ ابن باز :
الوكلاء ليس عليهم شيء لأنهم ليسوا مُضحين ، وإنما المُضحون هم الموكلون لهم اهـ .
"فتاوى إسلامية" (2/316) .(78/1)
رقم السؤال:
33743
العنوان:
لأهل المضحي أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم في العشر
السؤال:
إذا كان الرجل هو الذي سيضحي فهل يجوز لزوجته وأولاده أن يأخذوا من شعورهم وأظفارهم إذا دخل شهر ذو الحجة ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز ذلك ، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (36567) أن المضحي يحرم عليه أن يأخذ من شعره أو أظفاره أو بشرته شيئاً ، وهذا الحكم خاص بالمضحي الذي هو صاحب الأضحية .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
وأما أهل المضحي فليس عليهم شيء ، ولا يُنهون عن أخذ شيء من الشعر والأظافر في أصح قولي العلماء ، وإنما الحكم يختص بالمضحي خاصة الذي اشترى الأُضحية من ماله اهـ . "فتاوى إسلامية" (2/316) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/397) :
يشرع في حق من أراد أن يضحي إذا أهل هلال ذي الحجة ألا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي ؛ لما روى الجماعة إلا البخاري رحمهم الله، عن أم سلمة رضي الله عنها، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) ، ولفظ أبي داود (2791) ومسلم (1977) : ( من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ومن أظفاره شيئاً حتى يضحي ) سواء تولى ذبحها بنفسه أو وَكَلَ ذَبْحَها إلى غيره، أما من يُضَحَّى عنه فلا يشرع ذلك في حقه ؛ لعدم ورود شيء بذلك اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/530) :
من يُضَحَّى عنه لا حرج عليه أن يأخذ من ذلك ، والدليل على هذا ما يلي :
1- أن هذا هو ظاهر الحديث ، وهو أن التحريم خاص بمن يضحي ، وعلى هذا فيكون التحريم مختصاً برب البيت ، وأما أهل البيت فلا يحرم عليهم ذلك ، لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَّقَ الحكم بمن يضحي ، فمفهومه أن من يُضَحَّى عنه لا يثبت له هذا الحكم .(79/1)
2- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل أنه قال لهم : لا تأخذوا من شعوركم وأظفاركم وأبشاركم شيئاً ، ولو كان ذلك حراماً عليهم لنهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عنه ، وهذا القول هو القول الراجح اهـ .(79/2)
رقم السؤال:
33760
العنوان:
لا كفارة على من نوى الأضحية وحلق شعره بعد دخول العشر
السؤال:
حلقت شعري ناسياً بعد دخول شهر ذي الحجة وقد نويت أن أضحي ، فهل عليّ كفارة ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
من أراد أن يضحي فليس له أن يأخذ من شعره ولا من أظفاره ولا من بشرته شيئاً إذا دخل ذو الحجة حتى يُضحي لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فعن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِذَا دَخَلَتْ الْعَشْرُ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ فَلَا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا ) رواه مسلم . . . ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره أو بشرته في العشر ناسياً أو جاهلاً وهو عازم على التضحية فلا شيء عليه ، لأن الله سبحانه قد وضع عن عباده الخطأ والنسيان في هذا الأمر وأشباهه ، وأما من فعل ذلك عمداً فعليه التوبة إلى الله سبحانه ولا شيء عليه اهـ . ( يعني ليس عليه فدية ولا كفارة ) .(80/1)
رقم السؤال:
33818
العنوان:
إذا حلق شعره في العشر فقد أساء وأضحيته صحيحة
السؤال:
إذا حلق شعره بعد دخول شهر ذي الحجة وقد نوى أن يضحي فهل أضحيته صحيحة وتكون مقبولة ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ ابن عثيمين :
نعم ، تكون مقبولة لكنه يكون عاصياً ، وأما ما اشتهر عند العوام أنه إذا أخذ الإنسان من شعره أو ظفره أو بشرته في أيام العشر فإنه لا أضحية له فهذا ليس بصحيح ، لأنه لا علاقة بين صحة الأضحية والأخذ من هذه الثلاثة اهـ . "الشرح الممتع" (7/533) .
والله أعلم .(81/1)
رقم السؤال:
34170
العنوان:
شرح حديث : (تنكح المرأة لأربع . . . .)
السؤال:
لم أفهم معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( تنكح المرأة لأربع مالها وجمالها وحسبها ودينها ) فهل هذا يعني أن المرأة يجب أن تكون غنية وجميلة وذات حسب وأن تكون متدينة ؟ موضوع التدين واضح بالنسبة لي ولكن ماذا عن بقية الأشياء ؟
الجواب:
الحمد لله :
هذا الحديث رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَلِجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) .
وليس في الحديث أمر أو ترغيب في نكاح المرأة لأجل جمالها أو حسبها أو مالها.
وإنما المعنى : أن هذه مقاصد الناس في الزواج ، فمنهم من يبحث عن ذات الجمال ، ومنهم من يطلب الحسب ، ومنهم من يرغب في المال ، ومنهم من يتزوج المرأة لدينها ، وهو ما رغب فيه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : ( فاظفر بذات الدين تربت يداك ) .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
" الصحيح في معنى هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع ، وآخرها عندهم ذات الدين ، فاظفر أنت أيها المسترشد بذات الدين ، لا أنه أمر بذلك ... وفي هذا الحديث الحث على مصاحبة أهل الدين في كل شيء لأن صاحبهم يستفيد من أخلاقهم وحسن طرائقهم ويأمن المفسدة من جهتهم " اهـ باختصار .
وقال المباركفوري في تحفة الأحوذي :
" قال القاضي رحمه الله : من عادة الناس أن يرغبوا في النساء ويختاروها لإحدى الخصال واللائق بذوي المروءات وأرباب الديانات أن يكون الدين مطمح نظرهم فيما يأتون ويذرون ، لا سيما فيما يدوم أمره ، ويعظم خطره " اهـ .(82/1)
وقد اختلف العلماء في معنى قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( تربت يداك ) اختلافاً كثيراً ، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم :
" وَالْأَصَحّ الْأَقْوَى الَّذِي عَلَيْهِ الْمُحَقِّقُونَ فِي مَعْنَاهُ : أَنَّهَا كَلِمَة أَصْلُهَا اِفْتَقَرَتْ , وَلَكِنَّ الْعَرَب اِعْتَادَتْ اِسْتِعْمَالهَا غَيْر قَاصِدَة حَقِيقَة مَعْنَاهَا الْأَصْلِيّ , فَيَذْكُرُونَ تَرِبَتْ يَدَاك , وَقَاتَلَهُ اللَّه , مَا أَشْجَعه , وَلَا أُمّ لَهُ , وَلَا أَب لَك , وَثَكِلَتْهُ أُمّه , وَوَيْل أُمّه , وَمَا أَشْبَهَ هَذَا مِنْ أَلْفَاظهمْ يَقُولُونَهَا عِنْد إِنْكَار الشَّيْء , أَوْ الزَّجْر عَنْهُ , أَوْ الذَّمّ عَلَيْهِ , أَوْ اِسْتِعْظَامه , أَوْ الْحَثّ عَلَيْهِ , أَوْ الْإِعْجَاب بِهِ . وَاللَّهُ أَعْلَم " اهـ .(82/2)
رقم السؤال:
34499
العنوان:
الاعتكاف في غرفةٍ داخل المسجد
السؤال:
هل تعتبر غرفة الحارس وغرفة لجنة الزكاة في المسجد صالحة للاعتكاف فيها ؟ علماً بأن أبواب هذه الغرف في داخل المسجد.
الجواب:
الحمد لله
الغرف التي داخل المسجد وأبوابها مفتوحة على المسجد لها حكم المسجد ، وبناءً عليه فيجوز الاعتكاف فيها ؛ لأنها من المسجد .
أما لو كان بناءها خارج المسجد فلا يصح الاعتكاف فيها حتى لو كان لها باب داخل المسجد .(83/1)
رقم السؤال:
34516
العنوان:
حكم من لم يخرج زكاة الفطر مع القدرة
السؤال:
ما حكم من كانت لديه الاستطاعة في إخراج زكاة الفطر ولم يخرجها ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجب على من لم يخرج زكاة الفطر أن يتوب إلى الله عز وجل ، ويستغفره ؛ لأنه آثم بمنعها ، وأن يقوم بإخراجها إلى المستحقين ، وتعتبر بعد صلاة العيد صدقة من الصدقات .
وبالله التوفيق .(84/1)
رقم السؤال:
34519
العنوان:
إخراج الزكاة عن العمال
السؤال:
عندنا مصنع ومزرعة فيها عمال ويتقاضون أجرة فهل لنا أن نصرف الفطرة عنهم أم يصرفونها هم عن أنفسهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
العمال الذين يتقاضون أجرة مقابل ما يؤدونه من عمل في المصنع والمزرعة هم الذين يخرجون زكاة الفطر عن أنفسهم ؛ لأن الأصل وجوبها عليهم . ( فلا يلزمك إخراجها عنهم ) .
وبالله التوفيق .(85/1)
رقم السؤال:
34748
العنوان:
بينه وبين زوجته نزاع فهل يخرج عنها زكاة الفطر ؟
السؤال:
هل يلزم الزوج زكاة فطرة الزوجة التي بينه وبينها نزاع شديد أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
زكاة الفطر تلزم الإنسان عن نفسه وعن كل من تجب عليه نفقته ومنهم الزوجة ، لوجوب نفقتها عليه ، فإذا وجد بينهما نزاع شديد حكم بمقتضاه عليها بالنشوز وإسقاط نفقتها فلا يجب عليه أن يخرج زكاة الفطر عنها لأنها تابعة لنفقتها فتسقط بسقوطها .
وبالله التوفيق .(86/1)
رقم السؤال:
34766
العنوان:
أخرج زكاة الفطر عن الجنين فتبين أنه توأم
السؤال:
كانت زوجتي حاملاً في شهر رمضان المبارك وزكيت عن الجنين الذي في بطن أمه، وعندما وضعت الأم بعد عيد الفطر المبارك بأيام قليلة وضعت اثنين توائم بقدر الله سبحانه وتعالى .
والآن هل علي شيء ، علماً بأني زكيت عن جنين واحد ولم أزك عن الجنين الثاني ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يجب عليك شيء لتركك زكاة الفطر عن الجنين الثاني .
وبالله التوفيق .(87/1)
رقم السؤال:
34801
العنوان:
الزيادة على زكاة الفطر
السؤال:
هل زكاة الفطر محدودة بأن أكيل لكل شخص من أفراد عائلتي صاعاً واحداً بدون تزويد ، إنني أقصد بالزيادة الصدقة ليس احتياطاً عن نقص الصاع دون أن أخبر الفقير الذي أدفعها له بتلك الصدقة مثل : عندي عشرة أشخاص ثم اشتريت كيس أرز يزن خمسين كيلواً ثم دفعتها كلها زكاة فطر عن هؤلاء العشرة بدون عدها بالأصواع ؛ لأنني أعرف بأنها تزيد عنهم بعشرين كيلو أو أكثر ، جاعلاً الزيادة صدقة ، ثم إنني لا أخبره بأن هذه الزيادة صدقة ، بل أقول : خذ زكاتنا ، فهو لا يعلم أن ذلك الكيس فيه زيادة عن الزكاة فيأخذها راضياً بها . فما الحكم في ذلك.
الجواب:
الحمد لله
زكاة الفطر صاع من البر أو التمر أو الأرز ونحوها من قوت البلد للشخص الواحد ، ذكراً أو أنثى صغيراً أو كبيراً ، ولا حرج في إخراج زيادة في زكاة الفطر كما فعلت بنية الصدقة ولو لم تخبر بها الفقير .
وبالله التوفيق .(88/1)
رقم السؤال:
36432
العنوان:
تعريف الأضحية وحكمها
السؤال:
ما المقصود بالأضحية ؟ وهل هي واجبة أم سنة ؟.
الجواب:
الحمد لله
الأضحية : ما يذبح من بهيمة الأنعام أيام عيد الأضحى بسبب العيد تقرباً إلى الله عز وجل .
وهي من شعائر الإسلام المشروعة بكتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلّم ، وإجماع المسلمين.
أما الكتاب :
فقوله تعالى :
1- {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ } .
2- وقال تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلاَتِى وَنُسُكِى وَمَحْيَاىَ وَمَمَاتِى للَّهِ رَبِّ الْعَلَمِينَ * لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ}. والنسك الذبح ، قاله سعيد بن جبير، وقيل جميع العبادات ومنها الذبح ، وهو أشمل .
3- وقال تعالى: { وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِّيَذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِّن بَهِيمَةِ الاَْنْعَمِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُواْ وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ }.
ومن السنة :
1- ما جاء في صحيح البخاري (5558) ومسلم (1966) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : « ضحى النبي صلى الله عليه وسلّم بكبشين أملحين ذبحهما بيده وسمى وكبر، وضع رجله على صفاحهما » .
2- وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : « أقام النبي صلى الله عليه وسلّم بالمدينة عشر سنين يضحي » . رواه أحمد (4935) والترمذي (1507) ، وحسنه الألباني في مشكاة المصابيح ( 1475 )
3- وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قسم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقال : يا رسول الله صارت لي جذعة فقال : « ضح بها » رواه البخاري (5547) .
4- وعن البراء بن عازب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال: «من ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين » . رواه البخاري(5545).(89/1)
فقد ضحى صلى الله عليه وسلّم وضحى أصحابه رضي الله عنهم ، وأخبر أن الأضحية سنة المسلمين يعني طريقتهم .
ولهذا أجمع المسلمون على مشروعيتها ، كما نقله غير واحد من أهل العلم .
واختلفوا هل هي سنة مؤكدة ، أو واجبة لا يجوز تركها ؟
فذهب جمهور العلماء إلى أنها سنة مؤكدة ، وهو مذهب الشافعي ، ومالك وأحمد في المشهور عنهما .
وذهب آخرون إلى أنها واجبة ، وهو مذهب أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن أحمد ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وقال : هو أحد القولين في مذهب مالك ، أو ظاهر مذهب مالك ." انتهى من رسالة أحكام الأضحية والذكاة لابن عثيمين رحمه الله .
قال الشيخ محمد ابن عثيمين رحمه الله : " الأضحية سنة مؤكدة للقادر عليها ، فيُضحي الإنسان عن نفسه وأهل بيته " فتاوى ابن عثيمين 2/661 .(89/2)
رقم السؤال:
36477
العنوان:
فضل يوم النحر
السؤال:
هل هناك مزايا خاصة لليوم العاشر من ذي الحجة ؟.
الجواب:
الحمد لله
لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة كان لهم يومان يلعبون فيهما ، فقال : " إن الله قد أبدلكم يومين خيراً منهما ، يوم الفطر ، والأضحى " رواه أبو داود ( 1134 ) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة ( 2021 ) .
فأبدل الله هذه الأمة بيومي اللعب واللهو يومي الذِّكر والشكر والمغفرة والعفو .
ففي الدنيا للمؤمنين ثلاثة أعياد :
عيدٌ يتكرر كلَّ أسبوع ، وعيدان يأتيان في كل عام مرَّةً مرَّة ، من غير تكرر في السنة .
فأما العيد المتكرر كل أسبوع فهو يوم الجمعة .
وأما العيدان اللذان لا يتكرران في العام ، وإنما يأتي كلُّ واحدٍ منهما في العام مرةً واحدة .
فأحدهما : عيد الفطر من صوم رمضان ، وهو مرتب على إكمال صيام رمضان ، وهو الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه ، فإذا استكمل المسلمون صيام شهرهم المفروض عليهم ، شرع الله لهم عقيب إكمالهم لصيامهم عيداً يجتمعون فيه على شكر الله وذكره وتكبيره على ما هداهم له . وشرع لهم في ذلك العيد الصَّلاة والصَّدقة .
والعيد الثاني : عيد النحر وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة ، وهو أكبر العيدين وأفضلهما ، وهو مترتب على إكمال الحجِّ ، فإذا أكمل المسلمون حجَّهم غُفر لهم .
وإنما يكمُلُ الحجُّ بيوم عرفة والوقوف بعرفة ؛ فإنه ركن الحجِّ الأعظم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " الحج عرفة " رواه الترمذي ( 889 ) وصححه الألباني في إرواء الغليل ( 1064 ) .
ويوم عرفة هو يوم العتق من النار ، فيُعتق الله فيه من النار من وقف بعرفة ومن لم يقف بها من أهل الأمصار من المسلمين ، فلذلك صار اليوم الذي يليه عيداً لجميع المسلمين في جميع أمصارهم ، من شهد الموسم منهم ومن لم يشهده .
وشُرع للجميع التقرُّب إليه بالنُّسُك ، وهو إراقة دماء القرابين .
وتتلخص فضائل هذا اليوم بما يلي :(90/1)
1- أنه خير الأيام عند الله :
قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد ( 1/54 ) : " خير الأيام عند الله يوم النحر ، وهو يوم الحج الأكبر كما في سنن أبي داود ( 1765 ) عن النبي صلى الله عليه وسلم : " إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر " وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
2- أنه يوم الحج الأكبر ..
فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ وَقَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ النَّحْرِ بَيْنَ الْجَمَرَاتِ فِي الْحَجَّةِ الَّتِي حَجَّ وَقَالَ هَذَا يَوْمُ الْحَجِّ الأَكْبَرِ " رواه البخاري 1742
وذلك لأن معظم أعمال الحج تكون في هذا اليوم ، ففيه يفعل الحجاج ما يلي :
1- رمي جمرة العقبة .
2- النحر .
3- الحلق أو التقصير .
4- الطواف .
5- السعي .
3- أنه يوم عيد المسلمين :
قال صلى الله عليه وسلم : " يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب " رواه الترمذي ( 773 ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
والله أعلم .(90/2)
رقم السؤال:
36567
العنوان:
فيما يجتنبه من أراد الأضحية
السؤال:
هل يجوز لمن أراد أن يضحي أن يقص شعره وأظفاره ؟.
الجواب:
الحمد لله
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله :
" إذا أراد أحد أن يضحي ودخل شهر ذي الحجة إما برؤية هلاله ، أو إكمال ذي القعدة ثلاثين يوماً فإنه يحرم عليه أن يأخذ شيئاً من شعره ، أو أظفاره أو جلده حتى يذبح أضحيته لحديث أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " إذا رأيتم هلال ذي الحجة ، وفي لفظ : " إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ". رواه أحمد ومسلم ، وفي لفظ : " فلا يأخذ من شعره وأظفاره شيئاً حتى يضحي " ، وفي لفظ : " فلا يمس من شعره ولا بشره شيئاً ".
وإذا نوى الأضحية أثناء العشر أمسك عن ذلك من حين نيته ولا إثم عليه فيما أخذه قبل النية .
والحكمة في هذا النهي أن المضحي لما شارك الحاج في بعض أعمال النسك وهو التقرب إلى الله تعالى بذبح القربان شاركه في بعض خصائص الإحرام من الإمساك عن الشعر ونحوه .
وهذا حكم خاص بمن يضحي ، أما من يضحى عنه فلا يتعلق به ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : " وأراد أحدكم أن يضحي " ولم يقل أو يضحى عنه ؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يضحي عن أهل بيته ولم ينقل عنه أنه أمرهم بالإمساك عن ذلك .
وعلى هذا فيجوز لأهل المضحي أن يأخذوا في أيام العشر من الشعر والظفر والبشرة .
وإذا أخذ من يريد الأضحية شيئاً من شعره أو ظفره أو بشرته فعليه أن يتوب إلى الله تعالى ولا يعود، ولا كفارة عليه ، ولا يمنعه ذلك عن الأضحية كما يظن بعض العوام . وإذا أخذ شيئاً من ذلك ناسياً أو جاهلاً ، أو سقط الشعر بلا قصد فلا إثم عليه ، وإن احتاج إلى أخذه فله أخذه ولا شيء عليه مثل أن ينكسر ظفره فيؤذيه فيقصه، أو ينزل الشعر في عينيه فيزيله، أو يحتاج إلى قصه لمداواة جرح ونحوه " .(91/1)
رقم السؤال:
36627
العنوان:
التكبير المطلق والمقيد ( فضله ووقته وصفته )
السؤال:
ما هو التكبير المطلق والمقيد ؟ ومتى يبدأ ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : فضل التكبير...
الأيام العشر الأولى من شهر ذي الحجة أيامٌ معظمة أقسم الله بها في كتابه والإقسام بالشيء دليل على أهميته وعظم نفعه ، قال تعالى : ( والفجر وليال عشر ) قال ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وغير واحد من السلف والخلف : إنها عشر ذي الحجة . قال ابن كثير : " وهو الصحيح " تفسير ابن كثير8/413 .
والعمل في هذه الأيام محبوبٌ إلى الله سبحانه وتعالى لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ .
فَقَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ : وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : وَلا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ . إِلا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ " رواه البخاري ( 969 ) والترمذي ( 757 ) واللفظ له وصححه الألباني في صحيح الترمذي 605
ومن العمل الصالح في هذه الأيام ذكر الله بالتكبير والتهليل لما يلي من الأدلة :
1- قال تعالى : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات ) الحج / 28 . والأيام المعلومات هي عشر ذي الحجة .
2- قال تعالى : ( واذكروا الله في أيام معدودات ... ) البقرة / 203 ، وهي أيام التشريق .
3- ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل ) رواه مسلم 1141
ثانياً : صفته ...
اختلف العلماء في صفته على أقوال :
الأول : " الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله ، الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد "(92/1)
الثاني : " الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله ، الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد "
الثالث : " الله أكبر .. الله أكبر .. الله أكبر .. لا إله إلا الله ، الله أكبر .. الله أكبر .. ولله الحمد " .
والأمر واسع في هذا لعدم وجود نص عن النبي صلى الله عليه وسلم يحدد صيغة معينة .
ثالثاً : وقته ...
التكبير ينقسم إلى قسمين :
1- مطلق : وهو الذي لا يتقيد بشيء ، فيُسن دائماً ، في الصباح والمساء ، قبل الصلاة وبعد الصلاة ، وفي كل وقت .
2- مقيد : وهو الذي يتقيد بأدبار الصلوات .
فيُسن التكبير المطلق في عشر ذي الحجة وسائر أيام التشريق ، وتبتدئ من دخول شهر ذي الحجة ( أي من غروب شمس آخر يوم من شهر ذي القعدة ) إلى آخر يوم من أيام التشريق ( وذلك بغروب شمس اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة ) .
وأما المقيد فإنه يبدأ من فجر يوم عرفة إلى غروب شمس آخر أيام التشريق - بالإضافة إلى التكبير المطلق – فإذا سَلَّم من الفريضة واستغفر ثلاثاً وقال : " اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام " بدأ بالتكبير .
هذا لغير الحاج ، أما الحاج فيبدأ التكبير المقيد في حقه من ظهر يوم النحر .
والله أعلم .
أنظر مجموع فتاوى ابن باز رحمه الله 13/17 ، والشرح الممتع لابن عثيمين رحمه الله 5/220-224 .(92/2)
رقم السؤال:
36648
العنوان:
حكم مس يد الفتاة في رمضان
السؤال:
ما حكم من مس يد فتاة أو قامت تلك الفتاة بضمه أو تقبيله في نهار رمضان ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يحرم على الرجل أن يمس يد امرأة أجنبية عنه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
وإذا كان هذا في مجرد المس ، فإن الضم والتقبيل أعظم وأشد . وإذا حاولت المرأة فعل ذلك ، وجب على الرجل أن يمنعها ، وألا يمكنها من فعل الحرام معه .
وهذا حكم عام ، يشمل الصائم وغيره ، إلا أن الصائم يتأكد في حقه البعد عن جميع المحرمات والمغريات والمثيرات التي تنافي حكمة الصوم وأهدافه ، وقد قال الله تعالى في بيان الحكمة من فرض الصيام : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .
وقال عز وجل في الحديث القدسي : ( الصَّوْمُ لِي ، وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَأَكْلَهُ وَشُرْبَهُ مِنْ أَجْلِي ) . رواه البخاري (7492) ومسلم (1151) .
فعلى من فعل ذلك أن يتوب إلى تعالى ، ويعزم على عدم العود لذلك أبداً .
وأما صومه ففيه تفصيل :
إن خرج منه منيّ بسبب هذه الأعمال ، فسد صومه ، ووجب عليه قضاء هذا اليوم .
وإن لم يخرج منه مني فصومه صحيح .
ولكن ... ليس معنى صحة صومه أنه لا إثم عليه ، أو أن صومه كامل .
كلا ! بل كل المعاصي التي يفعلها العبد تنقص من ثواب صيامه ، وقد تذهب بثواب كله .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري (6057) .(93/1)
وقال أيضاً صلى الله عليه وسلم : ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلَّا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلَّا السَّهَرُ ) رواه ابن ماجه (1690) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وانظر السؤال (50063) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا ، ويعيذنا من مضلات الفتن .
والله أعلم .(93/2)
رقم السؤال:
36649
العنوان:
لم يروا هلال ذي الحجة فماذا يفعلون
السؤال:
أنا مسلم سني أقيم في اليابان أكتب إليكم سائلاً ومستفسراً حول رؤية هلال ذو الحجة , حيث يكاد المسلمون أن يختلفوا حول تحديد يوم العيد . وسؤالي هنا أفادكم الله هل نعيد مع المملكة العربية السعودية أو نتبع أقرب البلدان إلينا ؟.
الجواب:
الحمد لله
يكفيكم ويسعكم أن تأخذوا بالرؤية الشرعية التي ثبتت في بلاد الحرمين
والله اعلم .(94/1)
رقم السؤال:
36775
العنوان:
يوم الحج الأكبر
السؤال:
ما معنى يوم الحج الأكبر والحج الأكبر ؟ وهل هما في معنى واحد ، أو يختلف أحدهما عن الآخر ؟ وهل كل منهما موجود في القرآن الكريم والسنة الصحيحة ؟.
الجواب:
الحمد لله
يوم الحج الأكبر هو يوم النحر ( وهو اليوم العاشر من شهر ذي الحجة ) ، ( فقد ) أخرج أبو داود عن ابن عمر رضي الله عنهما ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقف يوم النحر في الحجة التي حج فيها فقال : ( أي يوم هذا ؟ ) فقالوا : يوم النحر ، فقال : ( هذا يوم الحج الأكبر ) ، ( سنن أبي داوود (1945) وصححه الألباني في صحيح أبي داود (1700) )
وأخرج البخاري (369) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : بعثني أبو بكر الصديق رضي الله عنه فيمن يؤذن يوم النحر بمنى : ( لا يحج بعد العام مشرك ، ولا يطوف بالبيت عريان ) .
وسمي يوم النحر يوم الحج الأكبر ؛ لما في ليلته من الوقوف بعرفة ، والمبيت بالمشعر الحرام ، والرمي في نهاره والنحر والحلق والطواف والسعي من أعمال الحج ، ويوم الحج هو الزمن ، والحج الأكبر هو العمل فيه ، وقد ورد ذكر يوم الحج الأكبر في القرآن قال تعالى : ( وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر ) التوبة / 3
وبالله التوفيق .(95/1)
رقم السؤال:
37636
العنوان:
وقت إخراج زكاة الفطر
السؤال:
هل وقت إخراج زكاة الفطر من بعد صلاة العيد إلى آخر ذلك اليوم ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يبدأ وقت زكاة الفطر من بعد صلاة العيد ، وإنما يبدأ من غروب شمس آخر يوم من رمضان ، وهو أول ليلة من شهر شوال ، وينتهي بصلاة العيد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإخراجها قبل الصلاة ، ولما رواه ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة ، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات ) أخرجه أبو داود 2/262-263 برقم (1609)، وابن ماجه 1/585 برقم (1827) ، والدار قطني 2/138، والحاكم 1/409.
ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر من رمضان ..) ، وقال في آخره : ( وكانوا يعطون قبل ذلك بيوم أو يومين ) . فمن أخرها عن وقتها فقد أثم ، وعليه أن يتوب من تأخيره وأن يخرجها للفقراء .
وبالله التوفيق .(96/1)
رقم السؤال:
37637
العنوان:
زكاة الفطر عن الكفار
السؤال:
لكثير من الناس خدم كفار في البيت فهل يخرج عنهم زكاة الفطر أو يعطيهم شيئاً من الزكاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يخرج عنهم زكاة الفطر ولا يجوز له أن يعطيهم من الزكاة شيئاً ، ولو أعطاهم شيئاً منها لم يجزئه ، لكن له أن يحسن إليهم من غير الزكاة المفروضة ، مع العلم بأن الواجب الاستغناء عنهم بالعمال المسلمين ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أوصى بإخراج الكفار من جزيرة العرب وقال : ( لا يجتمع فيها دينان ) .
وبالله التوفيق .(97/1)
رقم السؤال:
37658
العنوان:
لا يجوز للصائم أن يشتم أحداً
السؤال:
إذا كنت صائماً وأثناء الصيام شتمت أحداً أو أسأت الأدب مع شخص ما فهل يفسد هذا صيامي ؟
أريد أن أعرف الجواب لأن أصدقائي يشتمون ويسيئون للناس أثناء الصيام وأريد أن أخبرهم لماذا يجب أن يتجنبوا المعاصي كالشتم وغيره .
الجواب:
الحمد لله
ارتكاب المعاصي في نهار رمضان كالسب والشتم لا يفسد الصيام ، بمعنى أن ذلك ليس من المفطرات ، ولكنه يُنقص ثواب الصيام ، وقد تذهب هذه المعاصي بالثواب جملةً ، فيبقى الصائم لم يستفد شيئاً من صيامه إلا الجوع والعطش .
والصائم مأمور بحفظ جوارحه عن معصية الله تعالى ، وليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب ، بل المقصود هو الإمساك عن معصية الله تعالى ، وتحقيق تقوى الله تعالى ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْجَهْلَ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (1903) (6075) .
وقول الزور يشمل كل قول محرم كالكذب والغيبة والنميمة والسب والشتم .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا أَصْبَحَ أَحَدُكُمْ يَوْمًا صَائِمًا فَلا يَرْفُثْ ، وَلا يَجْهَلْ ، فَإِنْ امْرُؤٌ شَاتَمَهُ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي صَائِمٌ إِنِّي صَائِمٌ ) رواه البخاري (1894) ومسلم (1151).
قال الحافظ :
قَوْله : (فَلا يَرْفُث) الْمُرَاد بِالرَّفَثِ هُنَا الْكَلام الْفَاحِش .
قَوْله : ( وَلا يَجْهَل ) أَيْ لا يَفْعَل شَيْئًا مِنْ أَفْعَال أَهْل الْجَهْل كَالصِّيَاحِ وَالسَّفَه وَنَحْو ذَلِكَ .(98/1)
والْمُرَاد مِنْ الْحَدِيث أَنَّهُ لا يُعَامِلهُ بِمِثْلِ عَمَله بَلْ يَقْتَصِر عَلَى قَوْله : "إِنِّي صَائِم" اهـ
فإذا كان الصائم مأمور بعدم الرد على من شتمه ، فكيف يليق به أن يعتدي على الناس ويبتدئ الشتم هو ؟!
وقال النووي :
اعْلَمْ أَنَّ نَهْيَ الصَّائِمِ عَنْ الرَّفَث وَالْجَهْل وَالْمُخَاصَمَةِ وَالْمُشَاتَمَة لَيْسَ مُخْتَصًّا بِهِ , بَلْ كُلّ أَحَد مِثْله فِي أَصْل النَّهْي عَنْ ذَلِكَ ، لَكِنَّ الصَّائِم آكَدُ اهـ .
وأخرج الحاكم عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد أو جهل عليك فقل : إني صائم ، إني صائم ) .
وروى ابن ماجه (1690) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ) .
يراجع سؤال ( 37989 ) عن الكذب في الصيام .(98/2)
رقم السؤال:
37698
العنوان:
اعتكاف المرأة في المسجد
السؤال:
هل يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان ؟ .
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز للمرأة أن تعتكف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان .
بل الاعتكاف سنة للرجال والنساء ، وقد كانت أمهات المؤمنين رضي الله عنهن يعتكفن مع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته ، واعتكفن بعد وفاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
روى البخاري (2026) ومسلم (1172) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَعْتَكِفُ الْعَشْرَ الأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ مِنْ بَعْدِهِ .
قال في "عون المعبود" :
فِيهِ دَلِيل عَلَى أَنَّ النِّسَاء كَالرِّجَالِ فِي الاعْتِكَاف اهـ
قال الشيخ عبد العزيز ابن باز رحمه الله :
" الاعتكاف سنة للرجال والنساء لما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يعتكف في رمضان ، واستقر أخيرا اعتكافه في العشر الأواخر، وكان يعتكف بعض نسائه معه ، ثم اعتكفن من بعده عليه الصلاة والسلام ، ومحل الاعتكاف المساجد التي تقام فيها صلاة الجماعة ." انتهى من موقع الشيخ ابن باز على الانترنت
والله اعلم .(99/1)
رقم السؤال:
37745
العنوان:
استعمال السواك للصائم وبلع الريق بعده
السؤال:
ما حكم استعمال السواك في نهار رمضان ؟ وهل يجوز بلع ريق السواك ؟ .
الجواب:
الحمد لله
السواك مستحب في جميع الأوقات ، في الصيام وغير الصيام ، في أول النهار وآخره . ودليل ذلك :
1- روى البخاري (887) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ ) .
2- روى النسائي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ) رواه النسائي (5) . وصححه الألباني في صحيح النسائي (5) .
ففي هذه الأحاديث دليل على استحباب السواك في جميع الأوقات ، ولم يستثن النبي صلى الله عليه وسلم الصائم ، بل عموم الأحاديث يشمل الصائم وغير الصائم .
ويجوز بلع الريق بعد السواك ، إلا إذا كان تحلل من السواك شيء في الفم فإنه يخرجه ثم يبتلع ريقه . كما أن الصائم يجوز له أن يتوضأ ثم يخرج الماء من فمه ثم يبتلع ريقه ولا يلزمه أن يجفف فمه من ماء المضمضة .
قال النووي في " المجموع" (6/327) :
قَالَ الْمُتَوَلِّي وَغَيْرُهُ : إذَا تَمَضْمَضَ الصَّائِمُ لَزِمَهُ مَجُّ الْمَاءِ , وَلا يَلْزَمُهُ تَنْشِيفُ فَمِهِ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا بِلا خِلافٍ اهـ .
قال البخاري رحمه الله :(100/1)
بَاب سِوَاكِ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ لِلصَّائِمِ . . . قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ وُضُوءٍ ) . قال البخاري : وَلَمْ يَخُصَّ الصَّائِمَ مِنْ غَيْرِهِ . وَقَالَتْ عَائِشَةُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( السِّوَاكُ مَطْهَرَةٌ لِلْفَمِ ، مَرْضَاةٌ لِلرَّبِّ ) . وَقَالَ عَطَاءٌ وَقَتَادَةُ : يَبْتَلِعُ رِيقَهُ .
قال الحافظ في الفتح :
أَشَارَ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ إِلَى الرَّدِّ عَلَى مَنْ كَرِهَ لِلصَّائِمِ الاسْتِيَاكَ بِالسِّوَاكِ الرَّطْبِ . . . وَقَدْ تَقَدَّمَ قِيَاسُ اِبْنِ سِيرِينَ السِّوَاكَ الرَّطْبَ عَلَى الْمَاء الَّذِي يُتَمَضْمَضُ بِهِ . . .
"وَلَمْ يَخُصَّ صَائِمًا مِنْ غَيْره" أَيْ وَلَمْ يَخُصَّ أَيْضًا رَطْبًا مِنْ يَابِسٍ , وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ تَظْهَرُ مُنَاسَبَةُ جَمِيعِ مَا أَوْرَدَهُ فِي هَذَا الْبَاب لِلتَّرْجَمَةِ , وَالْجَامِعُ لِذَلِكَ كُلِّهِ قَوْله فِي حَدِيث أَبِي هُرَيْرَة : ( لأَمَرْتهمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلّ وُضُوءٍ ) , فَإِنَّهُ يَقْتَضِي إِبَاحَتَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَعَلَى كُلّ حَالٍ . .
( وَقَالَ عَطَاء وَقَتَادَةُ يَبْتَلِعُ رِيقَهُ ) مُنَاسَبَتُهُ لِلتَّرْجَمَةِ مِنْ جِهَة أَنَّ أَقْصَى مَا يُخْشَى مِنْ السِّوَاك الرَّطْب أَنْ يَتَحَلَّلَ مِنْهُ فِي الْفَمِ شَيْءٌ وَذَلِكَ الشَّيْءُ كَمَاءِ الْمَضْمَضَةِ فَإِذَا قَذَفَهُ مِنْ فِيهِ لا يَضُرُّهُ بَعْدَ ذَلِكَ أَنْ يَبْتَلِعَ رِيقَهُ . انتهى كلام الحافظ ابن حجر باختصار .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
الصواب أن التسوك للصائم سنة في أول النهار وفي آخره اهـ فتاوى أركان الإسلام ص 468 .(100/2)
( والسواك سنّة للصائم في جميع النهار وإن كان رطبا ، وإذا استاك وهو صائم فوجد حرارة أو غيرها من طَعْمِه فبلعه أو أخرجه من فمه وعليه ريق ثم أعاده وبلعه فلا يضره . الفتاوى السعدية 245 .
( ويجتنب ما له مادة تتحلل كالسواك الأخضر ، وما أضيف إليه طعم خارج عنه كالليمون والنعناع ، ويُخرج ما تفتت منه داخل الفم ، ولا يجوز تعمد ابتلاعه فإن ابتلعه بغير قصده فلا شيء عليه ) اهـ من رسالة "سبعون مسألة في الصيام" .
والله أعلم .(100/3)
رقم السؤال:
37765
العنوان:
التدخين في رمضان
السؤال:
أعلم أن بعض العلماء قد حرموا التدخين، ولكن لماذا يحرم التدخين أثناء الصيام مع أنه لا يوجد شيء من الطعام أو الشراب يدخل الحلق ؟
سألت العديد من الناس ولم يجبني أحد غير أن قالوا بأنه محرم فأرجو أن تخبرني بما أفعل .
الجواب:
الحمد لله
الدخان محرم ولا يشك في تحريمه – انظر السؤال رقم ( 10922 ) و ( 7432 ) - ، وأما سبب كونه مفطراً فلأن له جرماً يصل إلى الجوف والمعدة .
سئل الشيخ ابن عثيمين عن استنشاق العطر للصائم فقال :
يجوز أن يستعملها في نهار رمضان وأن يستنشقها إلا البخور لا يستنشقه لأن له جرماً يصل إلى المعدة وهو الدخان .
" فتاوى إسلامية " ( 2 / 128 ) .
والدخان مثل البخور في كونهما لهما جرم لكنهما يختلفان من حيث حكم الأصل فالبخور حلال طيب والدخان محرم خبيث .(101/1)
رقم السؤال:
37805
العنوان:
ليس هناك دعاء يدُعى به في أول الصيام
السؤال:
ما هو الدعاء الذي ندعو به عند بداية الصيام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
روى الترمذي (3451) عن طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ : ( اللَّهُمَّ أَهْلِلْهُ عَلَيْنَا بِالْيُمْنِ وَالإِيمَانِ ، وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ ، رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي (2745) .
واليُمن : البركة .
وهذا الدعاء ليس خاصاً بهلال رمضان بل يقوله المسلم إذا رأى الهلال في أول كل شهر .
وأما الدعاء كل يوم فليس هناك دعاء يدعو به المسلم عند بداية الصيام كل يوم .
وإنما فقط ينوي بقلبه أنه صائم غداً .
ويشترط في النية أن تكون في الليل ، وقبل طلوع الفجر، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يُجْمِعْ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ ) رواه الترمذي (730) ولفظ النسائي (2334) : ( مَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَلا صِيَامَ لَهُ ) . صححه ألألباني في صحيح الترمذي (573) .
والمعنى : من لم ينو الصيام ويعزم على فعله من الليل فلا صيام له .
والنية عمل قلبي ، فيعزم المسلم بقلبه أنه صائم غداً ، ولا يشرع له أن يتلفظ بها ويقول : نويت الصيام أو نحو ذلك من الألفاظ التي ابتدعها بعض الناس .
والله أعلم .(102/1)
رقم السؤال:
37820
العنوان:
لا يقبل صوم رمضان مع ترك الصلاة
السؤال:
أنا أصوم رمضان ولكن لا أصلي فهل يكون صيامي صحيحا ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يقبل صوم رمضان ، بل ولا أي عمل من الأعمال مع ترك الصلاة ، وذلك لأن ترك الصلاة كفر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ ) رواه مسلم (82) . راجع سؤال (5208) .
والكافر لا يقبل منه أي عمل لقول الله تعالى : ( وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا ) الفرقان/23 . وقوله سبحانه : ( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنْ الْخَاسِرِينَ ) الزمر/65 .
وروى البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) رواه البخاري (553) .
ومعنى (حبط عمله) أي : بَطَلَ ولم ينتفع به .
فهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة لا يقبل اللهُ منه عملاً ، فلا ينتفعُ تاركُ الصلاةِ من عمله بشيء ، ولا يَصْعَدُ له إلى الله عملٌ .
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث : " والذي يظهر في الحديث ؛ أن الترك نوعان : تركٌ كليٌّ لا يصليها أبداً ، فهذا يحبط العملُ جميعُه ، وتركٌ معينٌ في يومٍ معينٍ ، فهذا يحبط عملُ ذلك اليومِ ، فالحبوطُ العامُّ في مقابلةِ التركِ العامِّ ، والحبوطُ المعينُ في مقابلةِ التركِ المعينِ" اهـ من كتاب الصلاة ص 65 .(103/1)
فالنصيحة للسائلة أن تتوب إلى الله تعالى ، وتندم على تفريطها في حق الله ، وتعريضها نفسها لمقت الله تعالى وغضبه وعقابه، والله تعالى يقبل توبة من تاب من عباده ، ويغفر له ذنوبه ، بل ويفرح بها سبحانه وتعالى أشد الفرح ، وقد بشر النبي صلى الله عليه وسلم التائب بقوله : ( التَّائِبُ مِنْ الذَّنْبِ كَمَنْ لا ذَنْبَ لَهُ ) رواه ابن ماجه (4250) وحسنه الألباني في صحيح ابن ماجه 3424 .
ولتبادر إلى الاغتسال والصلاة لتجمع بين طهارة الظاهر وطهارة الباطن ، ولا تؤجل التوبة وتقول سوف أتوب غداًّ أو بعد غد ، فإن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت ، ولتتب إلى الله قبل أن لا ينفع الندم ( وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتِى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنْ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولا ) الفرقان/27-29 .(103/2)
رقم السؤال:
37877
العنوان:
هل الكبائر تُبطل الصوم
السؤال:
هل يقبل الله صيام من لديه شهادات استثمار ويضارب في أسهم البنوك الربوية هو مرابي أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
فإن الله تعالى يقول : " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين " البقرة / 278
هذا نداء من الله لعباده أن يتركوا الربا ويجتنبوه ، لأنه سبحانه حرم الربا : { وأحل الله البيع وحرم الربا } .
وآكل الربا سبب من أسباب هوان المسلمين وذلهم فقد قال عليه الصلاة والسلام : " إذا تبايعتم بالعينة ورضيتم بالزرع وأخذتم أذناب البقر وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم " رواه أبو داوود (3462) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (11) .
وقد تقدم في بعض الأسئلة التفصيل في مسألة المساهمة في البنوك الربوية.
انظر السؤال (8590) و (4714) .
وأما صوم من ارتكب كبيرة من الكبائر – كشراء أسهم البنوك الربوية - فإنه مجزئ إلا أنه ناقص ، وقد لا يحصل له أجر الصيام .
فتأمل قول الله تعالى : { يأيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } فقد ذكر الله تعالى في هذه الآية الحكمة من فرض الصيام وهي أن يكون وسيلة لتقوى الله عز وجل بفعل الواجبات وترك المحرمات .
وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري (1903) ، أي لم يرد الله منا بالصوم أن نترك الطعام والشراب ، إنما يريد الله عز وجل أن نتقي الله لقوله تعالى : { لعلكم تتقون } . أنظر الشرح الممتع (6/435) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله : " قَوْلُهُ : ( قَوْل الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ ) َالْمُرَاد بِقَوْلِ الزُّورِ : الْكَذِبُ , وَالْعَمَلِ بِهِ أَيْ بِمُقْتَضَاهُ .(104/1)
َقَالَ اِبْن الْعَرَبِيِّ : مُقْتَضَى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ فَعَلَ مَا ذُكِرَ لا يُثَابُ عَلَى صِيَامِهِ , وَمَعْنَاهُ أَنَّ ثَوَاب الصِّيَام لا يَقُومُ فِي الْمُوَازَنَةِ بِإِثْم الزُّور وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ .
وَقَالَ الْبَيْضَاوِيّ : لَيْسَ الْمَقْصُود مِنْ شَرْعِيَّةِ الصَّوْمِ نَفْس الْجُوعِ وَالْعَطَشِ , بَلْ مَا يَتْبَعُهُ مِنْ كَسْرِ الشَّهَوَات وَتَطْوِيعِ النَّفْسِ الأَمَّارَةِ لِلنَّفْسِ الْمُطْمَئِنَّةِ , فَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ ذَلِكَ لا يَنْظُرُ اللَّه إِلَيْهِ نَظَر الْقَبُولِ .
وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الأَفْعَالَ تَنْقُصُ الصَّوْم ." انتهى من فتح الباري .(104/2)
رقم السؤال:
37890
العنوان:
إذا وصل الماء إلى داخل البدن أثناء الاستنجاء
السؤال:
هل دخول الماء في فتحة الشرج أثناء الاستنجاء من الغائط يفطر ؟ .
الجواب:
الحمد لله
دخول الماء في فتحة الشرج أثناء الاستنجاء لا يفطر ، لأن هذا ليس أكلاً ولا شرباً ، ولا هم بمعنى الأكل والشرب ، وقد سبق في إجابة السؤال رقم (22959) ، (22927) أن الحقنة الشرجية واللبوس الذي يوضع في الدبر ليس من المفطرات .
وننصح السائل بعدم التكلف في مثل هذه المسائل ، إذ لا داعي لأن يتقصد إدخال الماء داخل دبره بحجة الزيادة في الطهارة ، لأن هذا من التنطع في الدين ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هلك المتنطعون " .
والله أعلم .(105/1)
رقم السؤال:
37930
العنوان:
التهنئة بدخول رمضان
السؤال:
ما حكم التهنئة بدخول شهر رمضان بلفظ : (كل عام وأنت بخير) ؟ .
الجواب:
الحمد لله
ليس للتهنئة بدخول شهر رمضان لفظ معين لا ينبغي للمسلم أن يتعداه إلى غيره ، فيجوز التهنئة بأي لفظ اعتاده الناس مثل : ( كل عام وأنتم بخير) ونحو ذلك من الألفاظ التي ليس فيها محظور شرعي .
والله أعلم .(106/1)
رقم السؤال:
37951
العنوان:
هل يجوز للمعتكف الخروج من المسجد
السؤال:
أود أن أعرف كيفية الاعتكاف في المسجد في العشر الأواخر من رمضان علماً بأنني أعمل وعملي ينتهي الساعة الثانية ظهراً ، وهل يجب أن أقيم إقامة دائمة في المسجد؟.
الجواب:
الحمد لله
خروج المعتكف من المسجد يبطل الاعتكاف ، لأن الاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى .
إلا إذا خرج لما لا بد منه ، كقضاء الحاجة ، والوضوء ، والاغتسال ، وإحضار الطعام إذا كان ليس له من يحضره له إلى المسجد ، ونحو ذلك من الأمور التي لا بد منها ولا يمكن فعلها في المسجد .
روى البخاري (2092) ومسلم (297) عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلا لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ إِذَا كَانَ مُعْتَكِفًا .
قال ابن قدامة رحمه الله في المغني : (4/466) :
وَالْمُرَادُ بِحَاجَةِ الإِنْسَانِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ , كَنَّى بِذَلِكَ عَنْهُمَا ; لأنَّ كُلَّ إنْسَانٍ يَحْتَاجُ إلَى فِعْلِهِمَا , وَفِي مَعْنَاهُ الْحَاجَةُ إلَى الْمَأْكُولِ وَالْمَشْرُوبِ , إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَنْ يَأْتِيهِ بِهِ , فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ إذَا احْتَاجَ إلَيْهِ . . . وَكُلُّ مَا لا بُدَّ لَهُ مِنْهُ , وَلا يُمْكِنُ فِعْلُهُ فِي الْمَسْجِدِ , فَلَهُ الْخُرُوجُ إلَيْهِ , وَلا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَهُوَ عَلَيْهِ , مَا لَمْ يُطِلْ اهـ .
وخروج المعتكف لعمله مما ينافي الاعتكاف .
سئلت اللجنة الدائمة :
هل يجوز للمعتكف أن يزور مريضاً أو يجيب الدعوة أو يقضي حوائج أهله أو يتبع جنازة أو يذهب إلى العمل ؟
فأجابت :(107/1)
السنة ألا يزور المعتكف مريضاً أثناء اعتكافه ، ولا يجيب الدعوة ، ولا يقضي حوائج أهله ، ولا يشهد جنازة ، ولا يذهب إلى عمله خارج المسجد ، لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : ( السُّنَّةُ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَنْ لا يَعُودَ مَرِيضًا ، وَلا يَشْهَدَ جَنَازَةً ، وَلا يَمَسَّ امْرَأَةً وَلا يُبَاشِرَهَا ، وَلا يَخْرُجَ لِحَاجَةٍ إِلا لِمَا لا بُدَّ مِنْهُ ) رواه أبو داود (2473) اهـ .
فتاوى اللجنة الدائمة (10/410) .(107/2)
رقم السؤال:
37990
العنوان:
تأخير زكاة الفطر عن وقتها
السؤال:
كنت في سفر ونسيت دفع الفطرة وكان السفر ليلة 27/9 ولم نخرج الفطرة حتى الآن .
الجواب:
الحمد لله
إذا أخر الشخص زكاة الفطر عن وقتها وهو ذاكر لها أثم وعليه التوبة إلى الله والقضاء ؛ لأنها عبادة فلم تسقط بخروج الوقت كالصلاة ، وحيث ذكرت عن السائلة أنها نسيت إخراجها في وقتها فلا إثم عليها ، وعليها القضاء ، أما كونها لا إثم عليها فلعموم أدلة إسقاط الإثم عن الناسي ، وأما إلزامها بالقضاء فلما سبق من التعليل .
وبالله التوفيق(108/1)
رقم السؤال:
37991
العنوان:
لم تكن تقضي أيام حيضها
السؤال:
امرأة كبيرة تبلغ من العمر ستين سنة ، وكانت جاهلة أحكام الحيض سنين عديدة مدة حيضها ، لم تقض صوم رمضان ظناً منها أنه لا يُقضى حسبما سمعت من أفواه العامة.
الجواب:
الحمد لله
عليها التوبة إلى الله من ذلك لأنها لم تسأل أهل العلم وعليها مع ذلك القضاء فتقضي ما تركته من الصيام حسب غلبة ظنها في عدد الأيام وتكفر عن كل يوم تركته بإطعام مسكين نصف صاع من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد إذا استطاعت الإطعام فإن كانت لا تستطيع الإطعام سقط عنها وكفاها قضاء الصوم.
وبالله التوفيق .(109/1)
رقم السؤال:
38027
العنوان:
إذا حاضت قبل المغرب بخمس دقائق فهل تكمل الصيام؟
السؤال:
إذا بدأت الدورة الشهرية عند المرأة قبل أذان المغرب بخمس دقائق فهل تكمل الصيام أم تفطر؟ .
الجواب:
الحمد لله
إذا نزل الحيض من المرأة قبل غروب الشمس ولو بلحظة فسد صومها ، وعليها قضاء هذا اليوم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "مجالس شهر رمضان" ص 39 :
وإذا ظهر الحيض منها وهي صائمة ولو قبل الغروب بلحظة بطل صوم يومها ، ولزمها قضاؤه اهـ
ولا يجوز لها أن تصوم وهي حائض ، فإذا فعلت لم يصح صومها .
قال بن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/397) :
ومتى نوت الحائض الصوم وأمسكت مع علمها بتحريم ذلك أثمت ولم يجزئها اهـ .
والله أعلم .(110/1)
رقم السؤال:
38064
العنوان:
لماذا يصوم المسلمون ؟
السؤال:
أعيش في بريطانيا وكثيراً ما يسألني غير المسلمين لماذا يصوم المسلمون ؟ فماذا أقول لهم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نصوم – نحن المسلمين- شهر رمضان لأن الله تعالى أمرنا بذلك ، بقوله سبحانه تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183.
فنحن نتعبد لله تعالى بهذه العبادة المحبوبة إلى الله تعالى ، والتي أمرنا بها .
والمؤمن يبادر إلى امتثال أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عملاً بقوله تعالى : ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) النور/51.
وقوله : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً ) الأحزاب /36.
ثانياً :
"من حكمة الله عز وجل ، أن الله نوع العبادات في التكليف ؛ ليختبر المكلف كيف يكون امتثاله لهذه الأنواع ، فهل يمتثل ويقبل ما يوافق طبعه ، أو يمتثل ما به رضا الله عز وجل ؟ فإذا تأملنا العبادات الخمس : الشهادة والصلاة ، والزكاة ، والصوم ، والحج وجدنا أن بعضها بدني محض ، وبعضها مالي محض ، وبعضها مركب ، حتى يتبين الشحيح من الجواد ، فربما يهون على بعض الناس أن يصلي ألف ركعة ، ولا يبذل درهما ، وربما يهون على بعض الناس أن يبذل ألف درهم ولا يصلي ركعة واحدة .
فجاءت الشريعة بالتقسيم والتنويع حتى يعرف من يمتثل تعبدا لله ، ومن يمتثل تبعا لهواه .(111/1)
فالصلاة مثلا عبادة بدنية محضة وما يجب لها مما يحتاج إلى المال كماء الوضوء الذي يشتريه الإنسان ، والثياب لستر العورة تابع ، وليس داخلا في صلب العبادة .
والزكاة : مالية محضة ، وما تحتاج إليه من عمل بدني كإحصاء المال وحسابه ، ونقل الزكاة إلى الفقير والمستحق فهو تابع ، وليس داخلا في صلب العبادة .
والحج : مركب من مال وبدن إلا في أهل مكة فقد لا يحتاجون إلى المال ، لكن هذا شيء نادر ، أو قليل بالنسبة لغير أهل مكة .
والجهاد في سبيل الله : مركب من مال وبدن ، ربما يستحق المال وربما يستحق البدن .
والتكليف أيضا ينقسم إلى : كف عن المحبوبات ، وإلى بذل للمحبوبات ، وهذا نوع من التكليف أيضا .
كف عن المحبوبات مثل : الصوم ، وبذل للمحبوبات كالزكاة ؛ لأن المال محبوب إلى النفس ، فلا يبذل المال المحبوب إلى النفس إلا لشيء أحب منه .
وكذلك الكف عن المحبوبات ، وربما يهون على المرء أن ينفق ألف درهم ، ولا يصوم يوما واحدا أو بالعكس" اهـ قاله الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/190).
ثالثاً :
لتشريع الصيام حكم عظيمة سبق ذكر بعضها في إجابة السؤال ( 26862) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين عن الحكمة من إيجاب الصوم ؟
فأجاب :
إذا قرأنا قول الله عز وجل : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة /183 ، عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم ، وهي التقوى والتعبد لله سبحانه وتعالى، والتقوى هي ترك المحارم وهو عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري (6057) . راجع السؤال رقم (37658) ، (37989) .(111/2)
وعلى هذا يتأكد على الصائم القيام بالواجبات وكذلك اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال ، فلا يغتاب الناس ولا يكذب ، ولا ينم بينهم ، ولا يبيع بيعا محرما ، ويجتنب جميع المحرمات ، وإذا فعل الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام . ولكن المؤسف أن كثيرا من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم ويوم فطرهم فهم على العادة التي هم عليها من ترك الواجبات وفعل المحرمات ، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم ، وهذه الأفعال لا تبطل الصوم ، ولكن تنقص من أجره ، وربما عند المعادلة ترجح على أجر الصوم فيضيع ثوابه اهـ .
"فتاوى أركان الإسلام" (ص 451) .(111/3)
رقم السؤال:
38125
العنوان:
الإفطار مع غير المسلمين
السؤال:
هل يجوز تناول طعام الإفطار مع غير المسلمين كالهندوس والنصارى ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجوز تناول طعام الإفطار مع غير المسلمين إذا كانت هناك مصلحة شرعية في ذلك ، كدعوتهم إلى الدين الحق ، أو تأليف قلوبهم على الإسلام أو نحو ذلك مما يرجى من حضورهم لتناول الإفطار من الموائد التي يضعها المسلمون للإفطار العام كما يحصل في بعض الدول ، أما مجرد الأنس بهم والسرور بصحبتهم فهو أمر خطير ، إذ إن عقيدة الولاء والبراء من آكد أصول الدين ، وأولى الواجبات على المؤمنين ، وقد دل على هذا الأصل عدة آيات من كتاب الله ، وأحاديث من سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك :
قوله تعالى : ( لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم أولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون ) المجادلة /22
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الكافرين أولياء من دون المؤمنين أتريدون أن تجعلوا لله عليكم سلطانا مبينا ) النساء /144
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) المائدة /51
وقوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون ) آل عمران /118
وعلى هذا ، فنية الاجتماع على هذا الإفطار هي التي تحدد حكمه .
والله أعلم .(112/1)
رقم السؤال:
38153
العنوان:
مصافحة النساء في رمضان
السؤال:
ما حكم ملامسة النساء في الكف فقط في رمضان وخروج المني ؟ .
الجواب:
الحمد لله
حكم ملامسة النساء الأجنبيات حرام في رمضان وفي غير رمضان ، وسواء في ذلك كانت الملامسة بالكف فقط أو بما هو أشد من ذلك ، لقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ) رواه الطبراني في "الكبير" (486) وصححه الألباني في صحيح الجامع (5045) .
راجع سؤال (2459) ، (21183) .
والمعاصي عموماً – ومنها ملامسة النساء- في رمضان أشد تحريما ، وأعظم إثماً ، وتنقص ثواب الصيام ، حتى قد يخرج الصائم من صيامه ولم يستفد منه إلا الجوع والعطش ، لذلك كان الواجب على الصائم الاحتراز من المعاصي أشد الاحتراز .
ولينتهز المؤمن شهر رمضان لإصلاح أحواله ، والتوبة من المعاصي ، والإقبال على الله ، ولا يكون يوم صومه ويوم فطره سواء .
قال جابر بن عبد الله رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما : إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ، ودع أذى الجار ، وليكن عليك وقار وسكينة يوم صيامك ، ولا تجعل يوم فطرك وصومك سواء . رواه ابن المبارك في الزهد (1308) .
راجع سؤال (37658) .
وإذا صافح الرجل امرأة في نهار رمضان ، فأنزل المني ، فسد صومه بلا خلاف بين العلماء ، وعليه التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية ، وعليه الإمساك بقية يومه ، وقضاء يوم مكانه .
انظر : "المغني" لابن قدامة (4/361) .
وأما خروج المني في الصيام فإن كان ذلك بدون شهوة كما لو خرج بسبب مرض ، فإنه لا يؤثر على الصيام .
سئلت اللجنة الدائمة :
أشكو نزول السائل المنوي في أيام رمضان أثناء الصيام بدون أي احتلام أو ممارسة للعادة السرية فهل في هذا تأثير على الصوم ؟
فأجابت :(113/1)
إذا كان الأمر كما ذُكِرَ فإن نزول المني منك بدون لذة في نهار رمضان لا يؤثر على صيامك، وليس عليك القضاء اهـ
فتاوى اللجنة الدائمة (10/278) .
أما إذا كان نزول المني بشهوة فله حالان :
الأولى : أن يكون ذلك بفعل من الرجل يثير به شهوته ، كتقبيل زوجته أو مصافحة امرأة بشهوة ونحو ذلك ، فهذا مفسد للصيام وعليه قضاء هذا اليوم .
الثانية : أن يخرج المني بدون فعل من الرجل ، كمجرد التفكير في الشهوة ، أو الاحتلام ، فهذا لا يفطر ، وصومه صحيح .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
أما خروج المني عن شهوة فإنه يبطل الصوم سواء حصل عن مباشرة أو قبلة أو تكرار نظر أو غير ذلك من الأسباب التي تثير الشهوة كالاستمناء ونحوه ، أما الاحتلام والتفكير فلا يبطل بهما الصوم ولو خرج مني بسببهما اهـ
فتاوى إسلامية (2/135) .
والله أعلم .(113/2)
رقم السؤال:
38205
العنوان:
حكم تقيؤ الشيء القليل من الصائم
السؤال:
هل تقيؤ الشيء القليل يفسد الصيام ؟ كان شيئاً بين البصق والتقيؤ . أرجو توضيح الحكم .
الجواب:
الحمد لله
التقيؤ هو خروج الطعام ونحوه من الجوف إلى ظاهر البدن ، قال في لسان العرب :" هو استِخْراجُ ما في الجَوْفِ عامداً " 1/135
وحكمه من جهة إفساده للصوم من عدمه ، أنه إن تعمد القيء فسد صومه ، ولزمه قضاء ذلك اليوم ، أما إن غلبه القيء ، فقاء بغير اختيار منه ، فصومه صحيح ، ولا شيء عليه ، وقد سبق بيان هذا في السؤال رقم ( 38023 )
وإذا احتاج إلى التقيؤ بسبب مرضه وكان التقيؤ يساعد على العلاج، فإنه يجوز له ذلك ويلزمه قضاء هذا اليوم بعد رمضان لقوله تعالى ( فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر) البقرة /185
ولا فرق في القيء بين القليل والكثير على الصحيح ، فلو تعمد القيء ، وخرج شيء قليل أفطر ، قال في الفروع : " وإن استقاء فقاء أي شيء كان أفطر , لخبر أبي هريرة ( من ذرعه القيء فليس عليه قضاء ومن استقاء عمدا فليقض ) " الفروع 3/49 ، والحديث رواه أبو داود (2380) والترمذي (720) وقال العمل عند أهل العلم عليه ، وصححه الألباني.
لكن هناك فرق بين البصاق والتقيؤ ، فالبصاق والبلغم ونحوهما لا يأتيان من الجوف ، فلا حرج في إخراجهما أو تفلهما ، أما التقيؤ ، فهو خروج ما في الجوف على ما سبق بيانه .
والله أعلم .(114/1)
رقم السؤال:
38213
العنوان:
هل تضاعف السيئة والحسنة في رمضان
السؤال:
هل صحيح أن السيئة تضاعف في رمضان كما أن الحسنة تضاعف؟ وهل ورد دليل على ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، تضاعف الحسنة والسيئة في الزمان والمكان الفاضلين ، ولكن هناك فرق بين مضاعفة الحسنة ومضاعفة السيئة ، فمضاعفة الحسنة مضاعفة بالكم والكيف ، والمراد بالكم : العدد ، فالحسنة بعشر أمثالها أو أكثر ، والمراد بالكيف أن ثوابها يعظم ويكثر ، وأما السيئة فمضاعفتها بالكيف فقط أي أن إثمها أعظم والعقاب عليها أشد ، وأما من حيث العدد فالسيئة بسيئة واحدة ولا يمكن أن تكون بأكثر من سيئة .
قال في مطالب أولي النهى (2/385) :
( وتضاعف الحسنة والسيئة بمكان فاضل كمكة والمدينة وبيت المقدس وفي المساجد , وبزمان فاضل كيوم الجمعة , والأشهر الحرم ورمضان . أما مضاعفة الحسنة ; فهذا مما لا خلاف فيه , وأما مضاعفة السيئة ; فقال بها جماعة تبعا لابن عباس وابن مسعود . . . وقال بعض المحققين : قول ابن عباس وابن مسعود في تضعيف السيئات : إنما أرادوا مضاعفتها في الكيفية دون الكمية ) اهـ .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : ( الصيام هل يحصّل به المسلم تكفير الذنوب صغيرها وكبيرها ؟ وهل إثم الذنوب يتضاعف في رمضان ؟ )(115/1)
فأجاب : ( المشروع للمسلم في رمضان وفي غيره مجاهدة نفسه الأمارة بالسوء حتى تكون نفسا مطمئنة آمرة بالخير راغبة فيه ، وواجب عليه أن يجاهد عدو الله إبليس حتى يسلم من شره ونزغاته ، فالمسلم في هذه الدنيا في جهاد عظيم متواصل للنفس والهوى والشيطان ، وعليه أن يكثر من التوبة والاستغفار في كل وقت وحين ، ولكن الأوقات يختلف بعضها عن بعض ، فشهر رمضان هو أفضل أشهر العام ، فهو شهر مغفرة ورحمة وعتق من النار ، فإذا كان الشهر فاضلا والمكان فاضلا ضوعفت فيه الحسنات ، وعظم فيه إثم السيئات ، فسيئة في رمضان أعظم إثما من سيئة في غيره ، كما أن طاعة في رمضان أكثر ثوابا عند الله من طاعة في غيره . ولما كان رمضان بتلك المنزلة العظيمة كان للطاعة فيه فضل عظيم ومضاعفة كثيرة ، وكان إثم المعاصي فيه أشد وأكبر من إثمها في غيره ، فالمسلم عليه أن يغتنم هذا الشهر المبارك بالطاعات والأعمال الصالحات والإقلاع عن السيئات عسى الله عز وجل أن يمن عليه بالقبول ويوفقه للاستقامة على الحق ، ولكن السيئة دائما بمثلها لا تضاعف في العدد لا في رمضان ولا في غيره ، أما الحسنة فإنها تضاعف بعشر أمثالها إلى أضعاف كثيرة ؛ لقول الله عز وجل في سورة الأنعام : ) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) الأنعام / 160
والآيات في هذا المعنى كثيرة .
وهكذا في المكان الفاضل كالحرمين الشريفين تضاعف فيهما أضعافا كثيرة في الكمية والكيفية، أما السيئات فلا تضاعف بالكمية ولكنها تضاعف بالكيفية في الزمان الفاضل والمكان الفاضل كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ، والله ولي التوفيق )
انتهى من مجموع فتاوى ومقالات متنوعة (15/446) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (7/262) :
تضاعف الحسنة والسيئة بمكان وزمان فاضل .(115/2)
فالحسنة تضاعف بالكم وبالكيف . وأما السيئة فبالكيف لا بالكم ، لأن الله تعالى قال في سورة الأنعام وهي مكية : ( مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) الأنعام/160 . وقال : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) الحج/25 . ولم يقل : نضاعف له ذلك . بل قال : ( نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) فتكون مضاعفة السيئة في مكة أو في المدينة مضاعفة كيفية .( بمعنى أنها تكون أشد ألماً ووجعاً لقوله تعالى : وقال : ( وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ) الحج/25 .اهـ
والله أعلم .(115/3)
رقم السؤال:
38221
العنوان:
استحباب العمرة في جميع رمضان
السؤال:
هل العمرة مستحبة في العشر الأواخر من رمضان ؟ .
الجواب:
الحمد لله
رَغَّبَ النبيُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أداء العمرة في شهر رمضان ، روى البخاري (1782) ومسلم (1256) عن ابْنِ عَبَّاسٍ قال : قَالَ رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عُمرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةٌ ) .
وهذا يشمل جميع رمضان ، وليس مختصًّا بالعشر الأواخر .
والله أعلم .(116/1)
رقم السؤال:
38282
العنوان:
زوجته لا تريد أن تصوم
السؤال:
أخي متدين ولكن زوجته غير متدينة فهي لا تصوم ولا تدري أصلاً عن رمضان، لا يوجد أحد من أقربائنا يسكن قريباً منه ويجده من الصعب أن يؤثر على زوجته أو يجعلها تتغير، يدعو الله لها أن يهديها وأن يرزقه الصبر عليها، ولكن الذي يبدو أنها لا تريد أن تتغير أو أن تتصرف كالمسلمين .
هل يمكن أن تخبرني كيف يتصرف معها لكي تقرب أكثر للإسلام وتصبح متدينة ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على أخيك أن يسعى بكل الوسائل لهداية زوجته إلى طريق الحق ، فيستعمل معها أسلوب الترغيب والترهيب ، ويذكرها بالله عز وجل وحقوقه ، ويعظها وينبهها إلى خطر ما هي عليه ، ثم ليسعى إلى ربطها بصحبة صالحة ، ولو لم تكن من أقاربه ، كأن يربطها بزوجات أصحابه المستقيمات الصالحات ، ويحضر لها الأشرطة النافعة ، والكتيبات المفيدة ، فإن أطاعته فهذا هو المطلوب ، وإلا فلا مانع من أن يستعمل معها أسلوب الهجر إذا كان مفيدا في مثل هذه الحالة ، فإنه إذا شرع الهجر لأجل حق الزوج ، فلأن يشرع لأجل حق الله من باب أولى .
وقد ثبت عن أبي أمامة الباهلي قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعي فأتيا بي جبلا وعرا ، فقالا لي اصعد ، فقلت إني لا أطيقه ، فقالا إنا سنسهله لك ، فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل ، إذا أنا بأصوات شديدة ، فقلت ما هذه الأصوات قالوا هذا عواء أهل النار ، ثم انطلق بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم مشققة أشداقهم تسيل أشداقهم دما ، فقلت من هؤلاء ؟ قال هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم ) رواه البيهقي برقم 7796 ، وصححه الألباني
فإذا كانت تلك عقوبة من يفطر قبل موعد الإفطار ، فكيف بمن لا يصوم أصلا .(117/1)
أما إذا كانت تلك الزوجة تضيف إلى عدم صيامها عدم الصلاة بالكلية ، فإنها بذلك تكون قد خرجت عن حظيرة الإسلام على الراجح من أقوال أهل العلم ، وعليه فلا يجوز لأخيك أن يبقيها تحت عصمته .
والله أعلم .
يراجع السؤال رقم ( 12828 ) .(117/2)
رقم السؤال:
38543
العنوان:
أكل بعد طلوع الفجر جاهلاً
السؤال:
في فجر أول يوم من رمضان أيقظتني زوجتي وقالت هل تريد أن تشرب ماء ؟ وعندما أخذت منها الماء سألتها هل أذن ؟ فقالت : لا ، وبعد شرب الماء بحوالي 15-20 دقيقة أقيمت الصلاة ، فإذا أنا شربت الماء بعد الأذان بحوالي 5-10 دقائق فهل عليَّ شيء ؟ .
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم من أكل أو شرب ظاناً بقاء الليل وعدم طلوع الفجر ، وكذلك من أكل أو شرب ظاناً غروب الشمس ثم تبين له خطؤه .
فذهب كثير من العلماء إلى أنه يفسد صومه بذلك ، ويلزمه صيام يوماً مكانه .
وذهب آخرون إلى أن صيامه صحيح وأنه يتم صومه ولا قضاء عليه .
وهو قول مجاهد والحسن من التابعين ، ورواية عن الإمام أحمد ، واختاره المزني من الشافعية ، وشيخ الإسلام ابن تيمية ورجحه الشيخ محمد الصالح العثيمين – رحمهم الله - .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية :(118/1)
والذين قالوا لا يفطر في الجميع ( يعني : إذا أخطأ أو نسي في أول النهار أو آخره ) قالوا حجتنا أقوى ، ودلالة الكتاب والسنَّة على قولنا أظهر : فإن الله تعالى قال : { ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا } ، فجمع بين النسيان والخطأ ؛ ولأن من فعل محظورات الحج والصلاة مخطئا كمن فعلها ناسيا ، وقد ثبت في الصحيح " أنهم أفطروا على عهد النبي صلى الله عليه وسلم ثم طلعت الشمس " ولم يذكروا في الحديث أنهم أُمروا بالقضاء ، ولكن هشام بن عروة قال : " لا بدَّ من القضاء " ، وأبوه أعلم منه وكان يقول : " لا قضاء عليهم " ، وثبت في الصحيحين " أن طائفة من الصحابة كانوا يأكلون حتى يظهر لأحدهم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم لأحدهم إن وسادك لعريض ، إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل " ، ولم ينقل أنه أمرهم بقضاء ، وهؤلاء جهلوا الحكم فكانوا مخطئين ، وثبت عن عمر بن الخطاب أنه أفطر ثم تبين النهار فقال : " لا نقضي فإنا لم نتجانف لإثم " ، وروي عنه أنه قال : " نقضي " ، ولكن إسناد الأول أثبت ، وصح عنه أنه قال :" الخطْب يسير " فتأول ذلك مَن تأوله على أنه أراد خفة أمر القضاء ، لكن اللفظ لا يدل على ذلك .
وفى الجملة : فهذا القول أقوى أثراً ونظراً ، وأشبه بدلالة الكتاب والسنَّة والقياس ،
" مجموع الفتاوى " ( 20 / 572 ، 573 ) .
وانظر الشرح الممتع ( 6 / 411 )
وبهذا يظهر قوة أدلة القول بأن صيامه صحيح ولا قضاء عليه .
ومع ذلك لو أخذ المسلم بالأحوط وقضى يوماً مكانه فقد أحسن .
والله أعلم .(118/2)
رقم السؤال:
38565
العنوان:
هل التجشؤ يفطر الصائم
السؤال:
هل التجشؤ يفطر الصائم ؟.
الجواب:
الحمد لله
الجُشاء هو خروج الهواء بصوت من المعدة عن طريق الفم عند حصول الشبع .
ومجرد خروج الجشاء لا يفطر الصائم ، لكن إن خرج معه شيء من الطعام وجب عليه أن يلفظه ، فإن ابتلعه مختاراً عامداً فسد صومه ، فإن ابتلعه بلا قصد منه أو لم يتمكن من إخراجه ، فصيامه صحيح .
قال الرملي في نهاية المحتاج (3/171) :
أَكَلَ أَوْ شَرِبَ لَيْلا كَثِيرًا وَعُلِمَ مِنْ عَادَتِهِ أَنَّهُ إذَا أَصْبَحَ حَصَلَ لَهُ جُشَاءٌ يَخْرُجُ بِسَبَبِهِ مَا فِي جَوْفِهِ هَلْ يَمْتَنِعُ عَلَيْهِ كَثْرَةُ مَا ذُكِرَ أَوْ لا , وَهَلْ إذَا خَالَفَ وَخَرَجَ مِنْهُ يُفْطِرُ أَمْ لا ؟
فِيهِ نَظَرٌ , وَالْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّهُ لا يُمْنَعُ مِنْ كَثْرَةِ ذَلِكَ لَيْلا , وَإِذَا أَصْبَحَ وَحَصَلَ لَهُ الْجُشَاءُ الْمَذْكُورُ يَلْفِظُهُ وَيَغْسِلُ فَمَه وَلا يُفْطِرُ وَإِنْ تَكَرَّرَ مِنْهُ ذَلِكَ مِرَارًا كَمَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ اهـ .
راجع سؤال رقم ( 12659 )
والله أعلم .(119/1)
رقم السؤال:
38579
العنوان:
إذا غلبه القيء ورجع بعضه القيء إلى المعدة من غير قصد فلا يفسد صومه
السؤال:
أنا حامل في الشهر الثاني وأتقيأ خلال شهر رمضان . أحياناً يكون التقيوء قبل المغرب بقليل ، أحياناً أحس بأنه يرجع منى التقيوء إلى البلعوم . فما حكم ذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا خلاف بين العلماء في أن التقيوء عمداً من المفطرات ، وأنه إذا غلبه القيء فلا يفسد الصوم بذلك .
ذكره الخطابي وابن المنذر . وانظر "المغني" (4/368) .
ودليل ذلك من السنة ما رواه الترمذي (720) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ – أي : غلبه- فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ ، وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ) . صححه الألباني في صحيح الترمذي .
قال شيخ الإسلام في الفتاوى (25/266) : أَمَّا الْقَيْءُ : فَإِذَا استقاء أَفْطَرَ ، وَإِنْ غَلَبَهُ الْقَيْءُ لَمْ يُفْطِرْ اهـ .
وسئل الشيخ ابن باز عن حكم من ذرعه القيء وهو صائم هل يقضي ذلك اليوم أم لا ؟
فأجاب :
لا قضاء عليه ، أما إن استدعى القيء فعليه القضاء ، واستدل بالحديث السابق اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص231) : عن القيء في رمضان هل يفطر ؟
فأجاب :
إذا قاء الإنسان متعمدا فإنه يفطر ، وإن قاء بغير عمد فإنه لا يفطر ، والدليل على ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه وذكر الحديث المتقدم .
فإن غلبك القيء فإنك لا تفطر ، فلو أحس الإنسان بأن معدته تموج وأنها سيخرج ما فيها ، فهل نقول : يجب عليك أن تمنعه ؟ لا . أو تجذبه ؟ لا . لكن نقول : قف موقفا حياديا ، لا تستقئ ولا تمنع ، لأنك إن استقيت أفطرت ، وإن منعت تضررت . فدعه إذا خرج بغير فعل منك ، فإنه لا يضرك ولا تفطر بذلك اهـ .
ثانيا :
إذا رجع شيء من القيء إلى المعدة بدون قصد من الإنسان فصومه صحيح ، لأنه رجع بدون اختياره.(120/1)
سئلت اللجنة الدائمة (10/254) : عن صائم تقيأ ثم ابتلع قيئه بغير عمد فما حكمه ؟
فأجابت :
إذا تقيأ عمدا فسد صومه ، وإن غلبه القيء فلا يفسد صومه ، وكذلك لا يفسد ببلعه ما دام غير متعمد اهـ .(120/2)
رقم السؤال:
38623
العنوان:
احتلم وهو صائم ولم ير أثراً للمني
السؤال:
احتلمت وأنا صائم ، ولكني عندما استيقظت لم أر شيئا قد نزل مني ، فلقد حلمت دون أن أنزل ، فهل أغتسل وأكمل صيامى أم أكمل بدون اغتسال أم أفطر ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من احتلم ثم لما استيقظ لم ير أثر المني في ثوبه فإنه لا يلزمه الاغتسال .
قال ابن قدامة في "المغني" :
إذَا رَأَى أَنَّهُ قَدْ احْتَلَمَ , وَلَمْ يَجِدْ مَنِيًّا , فَلا غُسْلَ عَلَيْهِ . قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ : أَجْمَعَ عَلَى هَذَا كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ ...
وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ أُمَّ سُلَيْمٍ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ , هَلْ عَلَى الْمَرْأَةِ مِنْ غُسْلٍ إذَا هِيَ احْتَلَمَتْ ؟ قَالَ : (نَعَمْ, إذَا رَأَتْ الْمَاءَ ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ , وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لا غُسْلَ عَلَيْهَا إلا أَنْ تَرَى الْمَاءَ اهـ .
ثانيا :
لا يبطل الصوم بالاحتلام لأنه يحصل بدون اختيار الصائم .
قال النووي في "المجموع" :
إذَا احْتَلَمَ فَلَا يُفْطِرُ بِالإِجْمَاعِ ; لأَنَّهُ مَغْلُوبٌ كَمَنْ طَارَتْ ذُبَابَةٌ فَوَقَعَتْ فِي جَوْفِهِ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ , فَهَذَا هُوَ الْمُعْتَمَدُ فِي دَلِيلِ الْمَسْأَلَةِ ، وَأَمَّا الْحَدِيثُ الْمَرْوِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم : ( لا يُفْطِرُ مَنْ قَاءَ وَلا مَنْ احْتَلَمَ وَلا مَنْ احْتَجَمَ ) فَحَدِيثٌ ضَعِيفٌ لا يُحْتَجُّ بِهِ اهـ .
وقال في "المغني" (4/363) :
وَلَوْ احْتَلَمَ لَمْ يَفْسُدْ صَوْمُهُ , لأَنَّهُ عَنْ غَيْرِ اخْتِيَارٍ مِنْهُ , فَأَشْبَهَ مَا لَوْ دَخَلَ حَلْقَهُ شَيْءٌ وَهُوَ نَائِمٌ اهـ .
وسئل الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/276) :
عن شخص نام في نهار رمضان واحتلم وخرج منه المني ، هل يقضي هذا اليوم ؟
فأجاب :(121/1)
ليس عليه قضاء ؛ لأن الاحتلام ليس باختياره ، ولكن عليه الغسل إذا وجد المني اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص284) عمن احتلم في نهار رمضان ؟
فأجاب : صيامه صحيح ، فإن الاحتلام لا يبطل الصوم ؛ لأنه بغير اختياره ، وقد رفع القلم عنه في حال نومه اهـ .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/274) :
"من احتلم وهو صائم أو محرم بالحج أو العمرة فليس عليه إثم ولا كفارة ولا يؤثر على صيامه وحجه وعمرته وعليه غسل الجنابة إذا كان قد أنزل منياً اهـ .(121/2)
رقم السؤال:
38747
العنوان:
عقوبة الإفطار في رمضان من غير عذر
السؤال:
أنا لا أصوم هل أعذب يوم القيامة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
صوم رمضان أحد الأركان التي بني عليها الإسلام ، وقد أخبر الله أنه كتبه على المؤمنين من هذه الأمة ، كما كتبه على من كان قبلهم، فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة / 183
وقال : ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدىً لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) البقرة / 185
وروى البخاري (8) ومسلم (16) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَصَوْمِ رَمَضَان ) .
فمن ترك الصوم فقد ترك ركناً من أركان الإسلام ، وفعل كبيرة عظيمة من كبائر الذنوب ، بل ذهب بعض السلف إلى كفره وردته ، عياذا بالله من ذلك.(122/1)
وقد روى أبو يعلى في مسنده عن ابن عباس رضي الله عنه عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( عرى الإسلام وقواعد الدين ثلاثة عليهن أسس الإسلام من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم : شهادة أن لا إله إلا الله ، والصلاة المكتوبة ، وصوم رمضان ) . والحديث صححه الذهبي ، وحسنه الهيثمي في مجمع الزوائد (1/48) والمنذري في الترغيب والترهيب برقم 805 ، 1486 ، وضعفه الألباني في السلسة الضعيفة برقم 94 .
وقال الذهبي في الكبائر (ص 64):
وعند المؤمنين مقرر أن من ترك صوم رمضان بلا مرض ولا غرض ( أي بلا عذر يبيح ذلك ) أنه شر من الزاني ومدمن الخمر ، بل يشكون في إسلامه ويظنون به الزندقة والانحلال اهـ .
ومما صح من الوعيد على ترك الصوم ما رواه ابن خزيمة (1986) وابن حبان (7491) عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( بينا أنا نائم إذ أتاني رجلان فأخذا بضبعيّ ( الضبع هو العضد ) فأتيا بي جبلا وعِرا ، فقالا : اصعد فقلت : إني لا أطيقه . فقالا : إنا سنسهله لك . فصعدت حتى إذا كنت في سواء الجبل إذا بأصوات شديدة ، قلت : ما هذه الأصوات ؟ قالوا : هذا عواء أهل النار . ثم انطلقا بي فإذا أنا بقوم معلقين بعراقيبهم ، مشققة أشداقهم ، تسيل أشداقهم دما، قلت : من هؤلاء ؟ قال : هؤلاء الذين يفطرون قبل تحلة صومهم . صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن برقم 1509.
قال الألباني رحمه الله : هذه عقوبة من صام ثم أفطر عمدا قبل حلول وقت الإفطار ، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلا ؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة اهـ .
والعُرقوب هو العَصَب الذي فوق مؤخرة قدم الإنسان .
والشِّدق هو جانب الفم .(122/2)
فالنصيحة للأخ السائل : أن يتقي الله تعالى ، ويحذر نقمته وغضبه وأليم عقابه ، ولتبادر إلى التوبة قبل أن يفاجأك هاذم اللذات ومفرق الجماعات ، فإن اليوم عمل ولا حساب ، وغداً حساب ولا عمل ، واعلم أن من تاب تاب الله عليه ، ومن تقرب إلى الله شبرا تقرب إليه باعا ، فهو الكريم الحليم الرحيم سبحانه : ( أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) التوبة / 104
ولو جربت الصوم وعلمت ما فيه من اليسر ، والأنس ، والراحة ، والقرب من الله ، ما تركته.
وتأمل قول الله تعالى في ختام آيات الصوم : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) وقوله ( وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) لتدرك أن الصوم نعمة تستحق الشكر ، ولهذا كان جماعة من السلف يتمنون أن يكون العام كله رمضان .
نسأل الله أن يوفقك ، وأن يهديك ، وأن يشرح صدرك لما فيه سعادتك في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .(122/3)
رقم السؤال:
38927
العنوان:
أركان الصيام
السؤال:
ما هي أركان الصيام ؟.
الجواب:
الحمد لله
اتفق الفقهاء على أن الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس ، ركن من أركان الصوم .
واختلفوا في النية : فذهب الحنفية والحنابلة إلى أنها شرط في صحة الصوم .
وذهب المالكية والشافعية إلى أنها ركن يضاف إلى الإمساك .
وسواء اعتُبرت النية ركنا أو شرطا ، فلا يصح الصوم – كغيره من العبادات – إلا بنية ، مع الإمساك عن المفطرات .
[ البحر الرائق 2/276، مواهب الجليل 2/378 ، نهاية المحتاج 3/149 ، نيل المآرب شرح دليل الطالب 1/274 ] .
والله أعلم .(123/1)
رقم السؤال:
39408
العنوان:
حكم بيع جوزة الطيب واستعمالها
السؤال:
ما حكم وضع جوز الطيب في الطعام ؟ وهل يحل بيعه في محل العطارة أم لا ؟ أم أنه محرم أكله وبيعه كالخمور ؟
الجواب:
الحمد لله
شجرة " جوزة الطيب " معروفة منذ قديم الزمان ، وقد كانت تستخدم ثمارها كنوع من " البهارات " التي تعطي للأكل رائحة زكية ، واستخدمها قدماء المصريين دواء لآلام المعدة وطرد الريح .
وارتفاع شجرتها حوالي عشرة أمتار ، وهي دائمة الخضرة ، ولها ثمار شبيهة بالكومثرى ، وعند نضجها يتحول ثمرها إلى غلاف صلب ، وهذه الثمرة هي ما يعرف بجوزة الطيب ، ويتم زراعتها في المناطق الاستوائية ، وفي الهند ، وإندونيسيا وسيلان .
وتأثيرها مماثل لتأثير الحشيش ، وفي حالة تناول جرعات زائدة يصاب المرء بطنين في الأذن وإمساك شديد وإعاقة في التبول وقلق وتوتر وهبوط في الجهاز العصبي المركزي والذي قد يؤدي إلى الوفاة .
أما عن حكمها فقد اختلفت آراء العلماء فيها إلى قولين :
فجمهور العلماء على حرمة استعمال القليل منها والكثير ، وذهب آخرون إلى جواز استعمال اليسير منها إذا كانت مغمورة مع غيرها من المواد .
قال ابن حجر الهيتمي - المتوفى سنة 974 هجرية - عن جوزة الطيب - :
"عندما حدث نزاع فيها بين أهل الحرمين ومصر واختلفت الآراء في حلها وحرمتها طرح هذا السؤال : هل قال أحد من الأئمة أو مقلِّديهم بتحريم أكل جوزة الطيب ؟ .
ومحصل الجواب ،- كما صرح به شيخ الإسلام ابن دقيق العيد - أنها مسكرة ، وبالغ ابن العماد فجعل الحشيشة مقيسة عليها ، وقد وافق المالكية والشافعية والحنابلة على أنها مسكرة فتدخل تحت النص العام : (كل مسكر خمر ، وكل خمر حرام) ، والحنفية على أنها إما مسكرة وإما مخدرة ، وكل ذلك إفساد للعقل ، فهي حرام على كل حال" انتهى .
انظر : " الزواجر عن اقتراف الكبائر " ( 1 / 212 ) ، و" المخدرات " لمحمد عبد المقصود ( ص 90 ) .(124/1)
وفي مؤتمر " الندوة الفقهية الطبية الثامنة " - " رؤية إسلامية لبعض المشاكل الصحية " " المواد المحرمة والنجسة في الغذاء والدواء " - والمعقود بدولة الكويت ، في الفترة من 22 -24 من شهر ذي الحجة 1415هـ الذي يوافقه 22 - 24 من شهر مايو 1995 ، قالوا :
"المواد المخدرة محرمة ، لا يحل تناولها إلا لغرض المعالجة الطبية المتعينة ، وبالمقادير التي يحددها الأطباء وهي طاهرة العين .
ولا حرج في استعمال " جوزة الطيب " في إصلاح نكهة الطعام بمقادير قليلة لا تؤدي إلى التفتير أو التخدير .
وقال الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي :
لا مانع من استعمال القليل من جوزة الطيب لإصلاح الطعام والكعك ونحوه ، ويحرم الكثير ؛ لأنها مخدِّرة .
والأحوط : هو القول بمنعها ولو كانت مخلوطة مع غيرها وبنسبة قليلة ، و" ما أسكر كثيره فقليله حرام " .
وللعلم : فإن ثمرة جوزة الطيب - بذرتها ومسحوقها الخاص - ممنوع استيرادها إلى بلاد الحرمين الشريفين ، ويقتصر السماح باستيراد مسحوقها المخلوط بغيره من التوابل في حدود النسبة المسموح بها والتي لا تزيد عن 20 % .
والله أعلم(124/2)
رقم السؤال:
39742
العنوان:
هل تلزم الكفارة مع القضاء فيمن أخره بلا عذر
السؤال:
أنا فتاة فاتني قضاء ما علي من صوم لبعض الأيام في السنوات الماضية من عمري فهل يجوز القضاء بالصوم فقط أم الصوم والكفارة وإذا كانت كفارة فما مقدارها ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للإنسان أن يؤخر قضاء ما عليه من رمضان بلا عذر حتى يدخل رمضان آخر ، فإن فعل ذلك لحقه الإثم ، واختلف العلماء هل يلزمه مع القضاء كفارة بسبب هذا التأخير أم لا
والنصيحة للأخت السائلة أن تحرص على قضاء ما عليها من أيام أولا بأول ، حتى لا تتراكم عليها العبادات ، وتصبح ذمتها مشغولة ، ثم يصعب عليها حينئذ القضاء .
وبخصوص مسألة الكفارة ، فقد سبق بيان خلاف العلماء في هذه المسألة في السؤال رقم ( 26865 ، 21710 )
ومن السؤالين السابقين تعلمين أنه لا يجب عليك كفارة مع القضاء على القول الراجح ، وإنما عليك التوبة إلى الله عز وجل ، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك ، وإذا أخرجت الكفارة مع القضاء احتياطاً فلا بأس ومقدار الكفارة إطعام مسكين عن كل يوم من أيام القضاء .
راجع السؤال رقم : ( 43268 ) .(125/1)
رقم السؤال:
39752
العنوان:
ظنّ أن صوم القضاء كصوم التطوع يجوز قطعه
السؤال:
أتيت زوجتي في نهار صيامها وهي تصوم قضاء أيام أفطرتها من رمضان وذلك لأني كنت أظن أن حكم صيام القضاء كحكم صيام التطوع . ثم سمعت غير ذلك . فما الحكم في هذه المسألة وهل يلزمني فيه شيء ؟.
الجواب:
الحمد لله
قضاء رمضان من الصيام الواجب ، الذي لا يجوز للإنسان أن يبطله إلا لعذر شرعي ، فإذا دخل الإنسان في صيام قضاء ، فإنه يلزمه أن يتمه ، وليس كالمتنفل ، فالمتنفل أمير نفسه ، إن شاء أفطر ، وإن شاء لم يفطر .
راجع السؤال رقم : ( 49985 )
وقد ثبت عن أم هانئ رضي الله عنها أنها قالت : ( يا رسول الله لقد أفطرت وكنت صائمة ؟ فقال لها : أكنت تقضين شيئا ، قالت لا ، قال : فلا يضرك إن كان تطوعا ) رواه أبو داود (2456) ، وصححه الألباني ، وهذا يدل على أنه يضرها إن أفطرت في صيام واجب ، والضرر هنا هو الإثم .
أما ما حصل بينكما ، فإن كفارة الجماع لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان نفسه ، وعليه فلا يلزمك شيء ، ولا يلزمها إلا إعادة قضاء ذلك اليوم ، مع التوبة إلى الله عز وجل ، والعزم على عدم العودة إلى مثل ذلك .
قال ابن رشد :" واتفق الجمهور : على أنه ليس في الفطر عمدا في قضاء رمضان كفارة لأنه ليس له حرمة زمان الأداء أعني : رمضان " بداية المجتهد 2/80
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (10/352)
( الكفارة إنما تجب على من جامع في شهر رمضان لحرمة الزمان ، أما القضاء فلا تجب فيه الكفارة في أصح قولي العلماء ) اهـ .(126/1)
رقم السؤال:
39768
العنوان:
مبتلى بالعادة السرية بسبب مشاهدة التلفاز
السؤال:
أنا مبتلى بالعادة السرية والمصيبة أني ملتزم ، أجاهد نفسي بأن لا أشاهد التلفاز ، وحين تأتيني الشهوة أخسر هذه المجاهدة ، وأتابع التلفاز حتى أفعلها ، فما الحل في هذه العادة ؟ إذا أتتني الشهوة تراودني نفسي على مشاهدة التلفاز فأجلس أصبر حتى أفعلها ، فما الحل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
العادة السرية محرَّمة ، وقد أوضحنا ذلك في جوابنا على السؤال ( 329 ) فليراجع .
فينبغي عليك التوبة من هذا الفعل بالإقلاع عنه ، والندم على فعله ، والعزم على عدم العودة إليه .
ثانياً :
وأما علاج هذه العادة السيئة المحرَّمة فإننا نوصيك بما يلي :
عليك بغض البصر عن المحرمات ، فالنظرة المحرَّمة سهم من سهام الشيطان ، وإذا كنت تدفع شهوتك بالعادة السرية الآن : فإنك لا تستطيع كبح هذه الشهوة في تصريفها في كبائر أخرى أعظم وأقبح مثل اللواط والزنى .
الابتعاد عن الخلوة ، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية ، ويتسلط الشيطان على الواحد ما لا يتسلط على الاثنين وهو من الثلاثة أبعد .
التعجيل بالزواج ، فهو السبيل المباح لتصريف الشهوة ، فإن لم تستطع فعليك بالإكثار من الصيام ، وهو وصية النبي صلى الله عليه وسلم للشباب العاجز عن الزواج ، ففيه تهذيب للنفس وغض للبصر وحفظ للفرج .
الإكثار من الذكر والاستغفار والتسبيح وقراءة القرآن ، ومن كان منشغلاً بهذا فإنه لا يجد الشيطان سبيلاً لإغوائه وإضلاله .
الدعاء بصدق أن يُبعدك الله عن المحرمات وطرقها ، وقد قال الله تعالى : ( وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) .
الصحبة الصالحة ، والصاحب الصالح لا يدلّك إلا على خير ، وقد قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ( يكفي إخواني شرفا أني لا أعصي الله بينهم ) .(127/1)
وانظر جواب السؤال رقم ( 3633 ) ففيه بيان حكم مشاهدة التلفاز ، ويمكن الاطلاع على أجوبة المسائل : ( 20229 ) ففيه بيان الوسائل التي تعين على غض البصر ، و (20161) فيه بيان حل مشكلة الشهوة وتصريفها .
والله أعلم(127/2)
رقم السؤال:
39864
العنوان:
من أفطر في يوم القضاء فهل يصوم ثلاثة أيام ؟ !!
السؤال:
أفطرت في يوم قضاء بدون عذر، ما الواجب سمعت البعض يقول إنني أصوم ثلاثة أيام بعده .
الجواب:
الحمد لله
قضاء رمضان من الصيام الواجب ، الذي لا يجوز للإنسان أن يبطله إلا لعذر شرعي ، فإذا دخل الإنسان في صوم قضاء ، فإنه يلزمه أن يتمه .
راجع السؤال ( 39752 ) ( 39991 )
وإذا أفطر في قضاء رمضان فإنه يلزمه قضاء ذلك اليوم . وإن كان فطره من غير عذر فإنه يلزمه مع القضاء التوبة إلى الله تعالى من هذه المعصية .
أما ما ذكرته من صيام ثلاثة أيام بدلا عنه فهذا لا أصل له .
وإنما قال بعض العلماء : عليه يوم يومين ، يوم رمضان ويوم القضاء .
والصحيح أنه ليس عليه إلا صوم يوم واحد فقط .
قال ابن حزم في المحلى (6/271) : " ومن أفطر عامدا في قضاء رمضان فليس عليه إلا قضاء يوم واحد فقط ، لأن إيجاب القضاء إيجاب شرع لم يأذن به الله تعالى . وقد صح أنه عليه السلام قضى ذلك اليوم من رمضان فلا يجوز أن يزاد عليه غيره بغير نص ولا إجماع " اهـ .(128/1)
رقم السؤال:
40389
العنوان:
هل يبدأ بالست من شوال قبل القضاء إذا كان باقي الأيام لا يكفي
السؤال:
هل يجوز صيام الست من شوال قبل قضاء ما أفطر من رمضان إذا كان ما تبقى من الشهر لا يكفي لصومهما معا ؟.
الجواب:
الحمد لله
صيام ست من شوال متعلق بإتمام صيام رمضان على الصحيح ، ويدل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ) ، رواه مسلم (1164)
فقوله " ثم " حرف عطف يدل على الترتيب والتعقيب، فيدل على أنه لا بد من إتمام صيام رمضان أولا ( أداءً وقضاءً ) ، ثم يكون بعده صيام ست من شوال، حتى يتحقق الأجر الوارد في الحديث .
ولأن الذي عليه قضاء من رمضان يقال عنه : صام بعض رمضان ، ولا يقال صام رمضان .
لكن إذا حصل للإنسان عذر منعه من صيام ست من شوال في شوال بسبب القضاء ، كأن تكون المرأة نفساء وتقضي كل شوال عن رمضان ، فإن لها أن تصوم ستا من شوال في ذي القعدة ، لأنها معذورة ، وهكذا كل من كان له عذر فإنه يشرع له قضاء ست من شوال في ذي القعدة بعد قضاء رمضان ، أما من خرج شهر شوال من غير أن يصومها بلا عذر فلا يحصل له هذا الأجر .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى عما إذا كان على المرأة دين من رمضان فهل يجوز أن تقدم الست على الدين أم الدين على الست ؟(129/1)
فأجاب بقوله : " إذا كان على المرأة قضاء من رمضان فإنها لا تصوم الستة أيام من شوال إلا بعد القضاء ، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال ) ومن عليها قضاء من رمضان لم تكن صامت رمضان فلا يحصل لها ثواب الأيام الست إلا بعد أن تنتهي من القضاء ، فلو فرض أن القضاء استوعب جميع شوال ، مثل أن تكون امرأة نفساء ولم تصم يوما من رمضان ، ثم شرعت في قضاء الصوم في شوال ولم تنته إلا بعد دخول شهر ذي القعدة فإنها تصوم الأيام الستة ، ويكون لها أجر من صامها في شوال ، لأن تأخيرها هنا للضرورة وهو ( أي صيامها للست في شوال) متعذر ، فصار لها الأجر . " انتهى مجموع الفتاوى 20/19 ، راجع الأسئلة ( 4082 ) ، ( 7863 )
يضاف إلى ذلك أن القضاء واجب في ذمة من أفطر لعذر بل هو جزء من هذا الركن من أركان الإسلام وعليه فتكون المبادرة إلى القيام به وإبراء الذمة منه مقدمة على فعل المستحب من حيث العموم . راجع السؤال ( 23429 ).(129/2)
رقم السؤال:
40664
العنوان:
ممارسة العادة السرية في رمضان دون إنزال
السؤال:
عند ما كنت في سن المراهقة كنت استمني في بعض أيام نهار رمضان ولكني لا أدع السائل المنوي يخرج من الذكر بحجزي إياه ولكني ابلغ المتعة والشهوة.
فما حكم صيامي ، وكيف يمكنني التكفير عن هذا الذنب العظيم ، مع العلم أني لا أعرف عدد الأيام التي فعلت ذلك فيها ؟.
الجواب:
الحمد لله
اعلم أن الوقوع في هذه العادة محرم شرعا ، كما دل على ذلك كتاب الله تعالى ، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وقد سبق تفصيل الأدلة في السؤال رقم ( 329 ) ، كما أن تلك العادة من الأمور المستقبحة فطرة وعقلا ، ولا يليق بمسلم أن يدنو بنفسه لفعلها .
ثم اعلم أن المعاصي لها شؤم على المرء ، في عاجل دنياه ، وفي أخراه ، إن لم يتب ، أو يتداركه الله برحمته ، وقد سبق بيان ذلك في الأرقام التالية ( 23425 ، 8861 ، 45040 )
أما حكم المسألة الواردة في السؤال ، فإنه إذا مارست العادة السرية ولم يخرج المني لأي سبب من الأسباب لم يفسد الصوم على الصحيح من أقوال أهل العلم ، لأن المعتبر هو خروج المني ، فإذا خرج فسد الصوم ولزم القضاء ، وإن لم يخرج لم يفسد الصوم ، لكن يلزمك على كل حال التوبة إلى الله عز وجل ، والاستغفار من تضييع الصيام في مثل هذه الأمور .
وقد يخرج المني بعد فترة حتى إذا منعته من الخروج ، وحينئذ يفسد صيام ذلك اليوم ويلزمك القضاء ، فإن كنت لا تدري عدد الأيام التي أفسدتها ، فتحر ذلك ، حتى يغلب على ظنك أنك قضيت ما عليك من أيام .
قال الشيخ ابن عثيمين في شرح زاد المستقنع :" وهل يمكن أن ينتقل - يعني المني - بلا خروج ؟
نعم يمكن ؛ وذلك بأن تفتر شهوته بعد انتقاله بسبب من الأسباب فلا يخرج المني .(130/1)
ومثلوا بمثال آخر : بأن يمسك بذكره حتى لا يخرج المني ، وهذا وإن مثل به الفقهاء فإنه مضر جدا ، والفقهاء رحمهم الله يمثلون بالشيء للتصوير بقطع النظر عن ضرره أو عدم ضرره ، على أن الغالب في مثل هذا أن يخرج المني بعد إطلاق ذكره .
وقال بعض العلماء : لا غسل بالانتقال ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ، وهو الصواب ، والدليل على ذلك ما يلي :
1- حديث أم سلمة وفيه : " نعم ، إذا هي رأت الماء " ولم يقل : أو أحست بانتقاله ، ولو وجب الغسل بالانتقال لبينه صلى الله عليه وسلم لدعاء الحاجة لبيانه .
2- حديث أبي سعيد الخدري : " إنما الماء من الماء " ، وهنا لا يوجد ماء ، والحديث يدل على أنه إذا لم يكن ماء فلا ماء .
3- أن الأصل بقاء الطهارة ، وعدم موجب الغسل ، ولا يعدل عن هذا الأصل إلا بدليل . " [ الشرح الممتع 1 / 280 ، وانظر الفروع 1 / 197 ، المبسوط 1 / 67 ، المغني 1 / 128 ، المجموع 2 / 159 ، الموسوعة الفقهية الكويتية 4 / 99 ]
راجع الأسئلة رقم ( 38074 ، 2571 ) ، والله أعلم .(130/2)
رقم السؤال:
40695
العنوان:
كانت لا تقضي الصوم أيام حيضها من سنوات
السؤال:
امرأة تبلغ من العمر خمسين عاما وكانت إذا حاضت في رمضان تفطر أيام حيضها ثم لا تقضي تلك الأيام جهلا منها بوجوب القضاء ثم علمت الآن وجوب القضاء فماذا تفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
عليها قضاء تلك الأيام ، والأحوط أن تطعم عن كل يوم مسكيناً .
سئل الشيخ ابن باز (15/184)
: " لي أخت مرّ عليها عدة أعوام لم تقض ما أفطرته في العادة الشهرية لسبب جهلها بالحكم سيما أن بعض العاميين قالوا لها ليس عليها قضاء في الإفطار ، فماذا عليها ؟
عليها أن تستغفر الله وتتوب إليه ، وعليها أن تصوم ما أفطرت من أيام وتطعم عن كل يوم مسكيناً كما أفتى بذلك جماعة من أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وهو نصف صاع مقداره كيلو ونصف ، ولا يسقط عنها ذلك بقول بعض الجاهلات لها أنه لا شيء عليها .
قالت عائشة رضي الله عنه : ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) . متفق عليه .
فإذا جاء رمضان الثاني قبل أن تقضي أثمت ، وعليها القضاء والتوبة وإطعام مسكين عن كل يوم إن كانت قادرة ، فإن كانت فقيرة لا تستطيع الإطعام أجزأها الصوم مع التوبة وسقط عنها الإطعام ، وإن كانت لا تحصي الأيام التي عليها عملت بالظن ، وتصوم الأيام التي تظن أنها أفطرتها من رمضان ويكفيها ذلك ، ولقول الله عز وجل : ( فاتقوا الله ما استطعتم ) " اهـ .
وسئلت اللجنة الدائمة (10/151) عن امرأة كبيرة تبلغ من العمر ستين سنة ، وكانت جاهلة أحكام الحيض سنين عديدة مدة حيضها ، لم تقض صوم رمضان ظناً منها أنه لا يقضى حسبما سمعت من أفواه العامة . فأجابت :(131/1)
عليها التوبة إلى الله من ذلك لأنها لم تسأل أهل العلم ، وعليها مع ذلك القضاء فتقضي ما تركته من الصيام حسب غلبة ظنها في عدد الأيام وتكفّر عن كل يوم تركته بإطعام مسكين نصف صام من بر أو تمر أو أرز أو نحو ذلك من قوت البلد إذا استطاعت الإطعام فإن كانت لا تستطيع الإطعام سقط عنها وكفاها قضاء الصوم . اهـ .
ولمعرفة حكم الإطعام يراجع السؤال رقم : ( 26865 ) .(131/2)
رقم السؤال:
40769
العنوان:
هل يعفي لحيته مع احتمال إصابته بالأذى ؟
السؤال:
سؤالي يتمثل في صراع داخلي ، فرغبتي في أن ألتزم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم وخاصة اللحية والقميص ولكن الظروف التي نعيشها في بلدي تصعب هذا النوع من الالتزام فلو حدث أي عمل إرهابي في الحي الذي أسكن فيه سأكون أول المعتقلين ، أضف إلى هذا لو تنقلت إلى أي مدينة في الداخل وأنت باللحية والقميص ستكون أول من سيوقف ، وللأمانة هناك من هو في نفس حالتي وملتزم أعتقد أن قوة إيمانه سمحت له بذلك ، ولهذا أخشى على نفسي وديني فهل هذا عذر شرعي ؟
الجواب:
الحمد لله
يجب على الرجل إعفاء لحيته ويحرم عليه حلقها؛ للأحاديث الصريحة في الأمر بإعفائها، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ( أحفوا الشوارب وأعفوا اللحى ) رواه البخاري (5554) ومسلم (259) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( خالفوا المشركين ، وفروا اللحى ، وأحفوا الشوارب ) رواه البخاري (5553) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( جزوا الشوارب ، وأرخوا اللحى ، خالفوا المجوس ) رواه مسلم (260).
قال العلامة ابن مفلح رحمه الله : "وذكر ابن حزم الإجماع أن قص الشارب وإعفاء اللحية فرض" انتهى من "الفروع" ( 1 / 130 ) .
ويحرم الإسبال في القميص وغيره ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما أسفل من الكعبين من الإزار ففي النار ) رواه البخاري (5450) .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إزرة المسلم إلى نصف الساق ، ولا حرج أو لا جناح فيما بينه وبين الكعبين ، ما كان أسفل من الكعبين فهو في النار ، من جر إزاره بطرا لم ينظر الله إليه ) رواه أحمد (11415) وأبو داود (4093) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
والواجب على المؤمن أن يتقي الله تعالى ، بفعل الواجبات وترك المحرمات ، وأن يبذل في ذلك وسعه واستطاعته .
وكلما قوي إيمان العبد أمكنه تحمل المشاق وعدم المبالاة بها في سبيل مرضاة ربه جل وعلا .(132/1)
والشيطان حريص على إخافة الإنسان ، وصرفه عن الاستقامة، كما قال الله سبحانه : ( إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) آل عمران/175 فلا ينبغي الاستسلام للهواجس والأوهام .
وإذا كانت هذه المخاوف التي ذكرتها حقيقة ، وليست مجرد أوهام فنرجو أن تكون عذراً لترك بعض الواجبات ، دفعاً للضرر المتوقع ، وهو نوع من الإكراه ، وقد قال الله تعالى : ( مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْأِيمَانِ) النحل/106 .
وقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجة (2045) وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة .
ولكن ليحذر المسلم أن يكون ذلك من تزيين الشيطان له وتخويفه من أوليائه ، وتكون هذه بداية سلسلة من التنازلات والتقصير في الواجبات .
فلا بد من الصدق مع النفس : هل هناك ضرر حقيقي أم لا ؟
وفقك الله لكل خير ، وثبتك على الحق .
والله أعلم.(132/2)
رقم السؤال:
41633
العنوان:
هل يستحب صيام عشر ذي الحجة بما فيها يوم العيد
السؤال:
قرأت في موقعكم عن فضل صيام يوم عرفة ولكنني قرأت أيضاً عن فضل صيام عشر ذي الحجة فهل هذا صحيح ؟ إذا كان صحيحاً فهل يمكن أن تؤكد لي إذا كنا نصوم 9 أيام أم 10 لأن اليوم العاشر هو يوم العيد ؟.
الجواب:
الحمد لله
صيام تسع من ذي الحجة مستحب ، ويدل لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث ابن عباس رضي الله عنهما : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر يعني عشر ذي الحجة ، فقالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ فقال : ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء ) رواه البخاري 969 ، وعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر أول اثنين من الشهر وخميسين ) رواه الإمام أحمد 21829 ، وأبو داود 2437 ، وضعفه في نصب الراية 2 / 180 ، وصححه الألباني .
أما صيام يوم العيد فهو محرم ، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعا : ( نهى عن صوم يوم الفطر ويوم النحر ) رواه البخاري برقم 1992 ، ومسلم برقم 827 ، وقد أجمع العلماء على أن صومهما محرم .
فالعمل الصالح في هذه الأيام العشر أفضل من غيرها ، وأما الصيام فلا يصام فيها إلا تسع فقط ، واليوم العاشر هو يوم العيد يحرم صومه .
وعلى هذا ، فالمراد من ( فضل صيام عشر ذي الحجة ) صيام تسعة أيام فقط ، وإنما أطلق عليها أنها عشر على سبيل التغليب .
انظر شرح مسلم للنووي حديث رقم (1176) .(133/1)
رقم السؤال:
41899
العنوان:
السن الواجب مراعاته في الأضحية
السؤال:
هل هناك سن معين للأضحية ؟ وهل يجوز ذبح البقر أضحية وعمره سنة ونصف ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اتفق العلماء رحمهم الله على أن الشرع قد ورد بتحديد سِنٍّ في الأضحية لا يجوز ذبح أقل منه ، ومن ذبح أقل منه فلا تجزئ أضحيته .
انظر : "المجموع" (1/176) للنووي .
وقد وردت أحاديث تدل على ذلك :
فمنها : ما رواه البخاري (5556) ومسلم (1961) عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : ضَحَّى خَالٌ لِي يُقَالُ لَهُ أَبُو بُرْدَةَ قَبْلَ الصَّلاةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( شَاتُكَ شَاةُ لَحْمٍ ) . فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ عِنْدِي دَاجِنًا جَذَعَةً مِنْ الْمَعَزِ . وفي رواية : (عَنَاقاً جَذَعَةً ) . وفي رواية للبخاري ( 5563) ( فَإِنَّ عِنْدِي جَذَعَةً هِيَ خَيْرٌ مِنْ مُسِنَّتَيْنِ آذْبَحُهَا ؟) قَالَ : ( اذْبَحْهَا ، وَلَنْ تَصْلُحَ لِغَيْرِكَ ) وفي رواية : ( لا تُجْزِئ عَنْ أَحَدٍ بَعْدَكَ ) . ثُمَّ قَالَ : ( مَنْ ذَبَحَ قَبْلَ الصَّلاةِ فَإِنَّمَا يَذْبَحُ لِنَفْسِهِ ، وَمَنْ ذَبَحَ بَعْدَ الصَّلاةِ فَقَدْ تَمَّ نُسُكُهُ ، وَأَصَابَ سُنَّةَ الْمُسْلِمِينَ ) .
ففي هذا الحديث أن الجذعة من المعز لا تجزئ في الأضحية ، وسيأتي معنى الجذعة .
قال ابن القيم في "تهذيب السنن" :
قَوْله : ( وَلَنْ تُجْزِئ عَنْ أَحَد بَعْدك ) وَهَذَا قَطْعًا يَنْفِي أَنْ تَكُون مُجْزِئَة عَنْ أَحَد بَعْده " انتهى .
ومنها : ما رواه مسلم (1963) عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَذْبَحُوا إِلا مُسِنَّةً إِلا أَنْ يَعْسُرَ عَلَيْكُمْ فَتَذْبَحُوا جَذَعَةً مِنْ الضَّأْنِ ) .(134/1)
ففي هذا الحديث أيضاً التصريح بأنه لا بد من ذبح مسنة ، إلا في الضأن فيجزئ الجذعة .
قال النووي في "شرح مسلم" :
" قَالَ الْعُلَمَاء : الْمُسِنَّة هِيَ الثَّنِيَّة مِنْ كُلّ شَيْء مِنْ الإِبِل وَالْبَقَر وَالْغَنَم فَمَا فَوْقهَا , وَهَذَا تَصْرِيح بِأَنَّهُ لا يَجُوز الْجَذَع مِنْ غَيْر الضَّأْن فِي حَال مِنْ الأَحْوَال " انتهى .
وقال الحافظ في "التلخيص" (4/285) :
" ظاهر الحديث يقتضي أن الجذع من الضأن لا يجزئ إلا إذا عجز عن المسنة , والإجماع على خلافه , فيجب تأويله بأن يحمل على الأفضل , وتقديره : المستحب ألا يذبحوا إلا مسنة " انتهى .
وكذا قال النووي في "شرح مسلم" .
وقال في "عون المعبود" :
" هذا التَّأْوِيل هُوَ الْمُتَعَيِّن " انتهى .
ثم ذكر بعض الأحاديث الواردة والدالة على جواز الجذع من الضأن في الأضحية ، ومنها حديث عُقْبَة بْن عَامِر رضي الله عنه قال : ( ضَحَّيْنَا مَعَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِجِذَعٍ مِنْ الضَّأْن ) أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ (4382) . قَالَ الْحَافِظ سَنَده قَوِيّ وصححه الألباني في صحيح النسائي .
وجاء في "الموسوعة الفقهية" (5/83) في ذكر شروط الأضحية :
" الشرط الثاني : أن تبلغ سن التضحية , بأن تكون ثنية أو فوق الثنية من الإبل والبقر والمعز , وجذعة أو فوق الجذعة من الضأن , فلا تجزئ التضحية بما دون الثنية من غير الضأن , ولا بما دون الجذعة من الضأن . . . وهذا الشرط متفق عليه بين الفقهاء , ولكنهم اختلفوا في تفسير الثنية والجذعة " انتهى .
وقال ابن عبد البر رحمه الله :
" لا أعلم خلافاً أن الجذع من المعز ومن كل شيء يضحى به غير الضأن لا يجوز ، وإنما يجوز من ذلك كله الثني فصاعداً ، ويجوز الجذع من الضأن بالسنة المسنونة " انتهى من "ترتيب التمهيد" (10/267) .
قال النووي في "المجموع" (8/366) :(134/2)
" أجمعت الأمة على أنه لا يجزئ من الإبل والبقر والمعز إلا الثني , ولا من الضأن إلا الجذع , وأنه يجزئ هذه المذكورات إلا ما حكاه بعض أصحابنا ابن عمر والزهري أنه قال : لا يجزئ الجذع من الضأن . وعن عطاء والأوزاعي أنه يجزئ الجذع من الإبل والبقر والمعز والضأن " انتهى .
ثانياً :
وأما السن المشترط في الأضحية بالتحديد فقد اختلف في ذلك الأئمة :
فالجذع من الضأن : ما أتم ستة أشهر عند الحنفية والحنابلة ، وعند المالكية والشافعية ما أتم سنة .
والمسنة (الثني) من المعز : ما أتم سنة عند الحنفية والمالكية والحنابلة ، وعند الشافعية ما أتم سنتين .
والمسنة من البقر : ما أتم سنتين عند الحنفية والشافعية والحنابلة ، وعند المالكية ما أتم ثلاث سنوات .
والمسنة من الإبل : ما أتم خمس سنوات عند الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة .
انظر : "بدائع الصنائع" (5/70) ، "البحر الرائق" (8/202) ، "التاج والإكليل" (4/363) ، "شرح مختصر خليل" (3/34) ، "المجموع" (8/365) ، "المغني" (13/368) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في " أحكام الأضحية" :
" فالثني من الإبل : ما تم له خمس سنين ، والثني من البقر : ما تم له سنتان . والثني من الغنم : ما تم له سنة ، والجذع : ما تم له نصف سنة ، فلا تصح التضحية بما دون الثني من الإبل والبقر والمعز ، ولا بما دون الجذع من الضأن " انتهى .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (11/377) :
" دلت الأدلة الشرعية على أنه يجزئ من الضأن ما تم ستة أشهر ، ومن المعز ما تم له سنة ، ومن البقر ما تم له سنتان ، ومن الإبل ما تم له خمس سنين ، وما كان دون ذلك فلا يجزئ هدياً ولا أضحية ، وهذا هو المستيسر من الهدي ؛ لأن الأدلة من الكتاب والسنة يفسر بعضها بعضاً " انتهى .
وقال الكاساني في "بدائع الصنائع" (5/70) :(134/3)
" وتقدير هذه الأسنان بما قلنا لمنع النقصان لا لمنع الزيادة ; حتى لو ضحى بأقل من ذلك سِنًّا لا يجوز ، ولو ضحى بأكثر من ذلك سِنًّا يجوز ، ويكون أفضل , ولا يجوز في الأضحية حَمَل ولا جدي ولا عجل ولا فصيل ; لأن الشرع إنما ورد بالأسنان التي ذكرناها وهذه لا تسمى بها " انتهى .
فتبين بذلك أن ذبح البقر وهو دون السنتين لا يجزئ عن أحد من الأئمة .
والله أعلم .(134/4)
رقم السؤال:
42106
العنوان:
حكم صيام أيام التشريق
السؤال:
اعتدت أن أصوم كل خميس وصادف أنى صمت يوم الخميس الموافق 12 ذو الحجة وقد سمعت يوم الجمعة انه لا يجوز صيام أيام التشريق والخميس هو ثالث أيام التشريق . فهل على شئ أنى صمته؟؟ وهل فعلا لا يجوز صيام أيام التشريق أو فقط لا نصوم أول أيام العيد ؟؟.
الجواب:
الحمد لله
صيام يومي العيدين محرم ، ويدل لذلك حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : ( نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَالنَّحْرِ) . رواه البخاري (1992) ، ومسلم (827) . وقد أجمع العلماء على أن صومهما محرم .
كما يحرم صيام أيام التشريق وهي الأيام الثلاثة بعد يوم عيد الأضحى ( الحادي عشر ، والثاني عشر ، والثالث عشر ، من شهر ذي الحجة ) لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ) رواه مسلم (1141) .
وروى أبو داود (2418) عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى أُمِّ هَانِئٍ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى أَبِيهِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ فَقَرَّبَ إِلَيْهِمَا طَعَامًا ، فَقَالَ : كُلْ . فَقَالَ : إِنِّي صَائِمٌ . فَقَالَ عَمْرٌو : كُلْ فَهَذِهِ الأَيَّامُ الَّتِي كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا بِإِفْطَارِهَا ، وَيَنْهَانَا عَنْ صِيَامِهَا . قَالَ الإمام مَالِكٌ : وَهِيَ أَيَّامُ التَّشْرِيقِ . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
لكن يجوز صوم أيام التشريق للحاج الذي لم يجد الهدي فعن عائشة وابن عمر رضي الله عنهم قالا : ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي ) رواه البخاري (1998) .(135/1)
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " يجوز للقارن والمتمتع إذا لم يجدا الهدي أن يصوما هذه الأيام الثلاثة حتى لا يفوت موسم الحج قبل صيامهما . وما سوى ذلك فإنه لا يجوز صومها ، حتى ولو كان على الإنسان صيام شهرين متتابعين فإنه يفطر يوم العيد والأيام الثلاثة التي بعده ثم يواصل صومه " فتاوى رمضان ص 727
ويراجع في ذلك الأسئلة ( 21049 ، 36950 ) .
والله أعلم .(135/2)
رقم السؤال:
42402
العنوان:
نسي التقصير في الحج وعقد قرانه
السؤال:
حججت أنا ووالدتي قبل عامين ونسينا التقصير ولم نذكره إلا الآن أثناء مشاهدة برنامج فتاوى السؤال : ما الواجب فعله الآن ؟ وهل نقصر الآن ؟ وهل يبطل عقد قراني لهذا السبب - حيث تم في هذا العام - ؟
الجواب:
الحمد لله
عليك أن تقصر الآن ، وليس عليك شيء آخر ، وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عن امرأة حجت وفعلت جميع أعمال الحج إلا أنها لم تقصر شعرها حتى الآن جهلاً أو نسياناً وقد وصلت إلى بلدها وتسأل ماذا يلزمها ؟
فأجابوا : "إذا كان الأمر كما ذكره السائل من أنها فعلت كل شيء إلا التقصير نسياناً منها أو جهلاً فيلزمها أن تقصر رأسها في بلدها ولا شيء عليه لقاء تأخيره لجهلها أو نسيانها بنية إتمام الحج ، ونسأل الله للجميع التوفيق والقبول" انتهى باختصار .
"فتاوى إسلامية" (2/264) .
وأما عقد النكاح فهو صحيح ، لأن الحاج إذا فعل جميع المناسك وترك الحلق ، فقد حلت له جميع محظورات الإحرام ، (ومنها عقد النكاح) إلا الجماع فقط .
والله أعلم(136/1)
رقم السؤال:
43033
العنوان:
هل تحسب الزكاة على الحلي بسعر الذهب الجديد أم المستعمل
السؤال:
بالنسبة لزكاة الحلي، هل آخذ الذهب إلى محلات الجواهر وأقدر ثمنه أم أحسبه على حسب سعر الذهب ؟ محلات الذهب ستعطيني قيمة أقل للذهب لأنه مستعمل أما أسعار الذهب فهي أعلى .
الجواب:
الحمد لله
إذا بلغ الذهب نصابا ، وهو خمسة وثمانون جراما ، وحال عليه الحول وجبت زكاته ، بإخراج ربع العشر منه ، أو من قيمته ، والمراد بقيمته : السعر الذي يباع به مستعملا ، وقت وجوب الزكاة ، وهو غالبا ما يكون أقل من سعر الذهب الجديد .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ( وعلى هذا فتقدر المرأة قيمة الذهب الذي عندها ، سواء بقدر ما اشترته به ، أو أقل ، أو أكثر ، فتقدر قيمته مستعملا ثم تخرج منها ربع العشر ، أي : واحد من أربعين ، ففي المائة ريالان ونصف ، وفي الألف خمسة وعشرون ريالا وهكذا ، وطريقة ذلك أن تقسم قيمته على أربعين ، وناتج القسمة هو الزكاة ، وبهذا تبرئ ذمتها ، ويحصل لها الفكاك من عذاب النار ولا يضرها شيئا ) .
وسئل رحمه الله تعالى : هل زكاة الحلي تكون بسعر الشراء أم بسعره كل عام وقت إخراج زكاته ؟
فأجاب بقوله :
( زكاة الحلي تجب كل سنة ولا تكون بسعر الشراء ، وإنما تكون بسعره عند تمام الحول ، فإذا قدر أن المرأة اشترت ذهبا بعشرة آلاف ريال ، ولما دار عليه الحول صار لا يساوي إلا خمسة آلاف ريال ، فإنها لا تزكي إلا خمسة آلاف ريال فقط ، والعكس بالعكس ، فإذا اشترت ذهبا بخمسة آلاف ريال ، وصار عند تمام الحول يساوي عشرة آلاف ريال فإنها تزكي عشرة آلاف ريال ، لأن ذلك هو وقت الوجوب . والله الموفق) انتهى من مجموع فتاوى الشيخ . مجلد 18 سؤال رقم 18 ، 58
والله أعلم .(137/1)
رقم السؤال:
43146
العنوان:
هل يجوز نقل الزكاة إلى بلد آخر ؟
السؤال:
هل يجوز إعطاء الزكاة لبلدة أخرى مثل فلسطين ويوجد فقراء في بلدي ؟.
الجواب:
الحمد لله
جاء في فتاوى اللجنة الدائمة ( 10/9 ) :
تعطى الزكاة لمن فرضها الله لهم بقوله سبحانه : { إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم } ، ولا تعطى إلا لمن تحقق إسلامه ظاهراً ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام لمعاذ بن جبل لما بعثه إلى اليمن : " فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد في فقرائهم " ، وكلما كان المُعطى من الفقراء والمساكين أتقى وأكثر طاعة فهو أولى من غيره .
والأصل في الزكاة أن تصرف في فقراء البلد التي بها المال للحديث المذكور ، وإن دعت حاجة إلى نقلها ، كأن يكون فقراء البلد التي ينقلها إليه أشد حاجة ، أو أقرباء للمزكي بجانب أنهم فقراء ، أو نحو ذلك : جاز النقل .
والله اعلم .(138/1)
رقم السؤال:
43268
العنوان:
لا حرج من إعطاء الفدية كلها لمسكين واحد
السؤال:
هل يجوز للعاجز عن الصوم أن يطعم مسكينا واحدا لمدة ثلاثين يوما أو يطعم ثلاثين مسكينا في يوم واحد ؟ .
الجواب:
الحمد لله
العاجز عن الصوم عجزا مستمرا يلزمه أن يطعم عن كل يوم أفطره مسكينا ، لقوله تعالى ( وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين ) ، قال ابن عباس رضي الله عنهما :" ليست بمنسوخة هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " رواه البخاري (4505) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"كيفية الإطعام ، له كيفيتان :
الأولى : أن يصنع طعاما فيدعو إليه المساكين ، بحسب الأيام التي عليه ، كما كان أنس بن مالك يفعله رضي الله عنه لما كبر .
الكيفية الثانية : أن يطعمهم طعاما غير مطبوخ" اهـ الشرح الممتع (6/335) .
راجع السؤال (49944) .
وأما إطعام مسكين واحد لمدة ثلاثين يوما ، فقد نص كثير من أهل العلم على جوازه وهو مذهب الشافعية والحنابلة وجماعة من المالكية ، قال في الإنصاف (3/291) :" يجوز صرف الإطعام إلى مسكين واحد جملة واحدة " اهـ .
وانظر تحفة المحتاج 3 / 446 ، كشاف القناع 2 / 313 .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/198) :
" متى قال الأطباء أن هذا المرض الذي تشكو منه ، ولا تستطيع معه الصوم – لا يرجى شفاؤه ، فإن عليك أن تطعم عن كل يوم مسكيناً نصف صاع من قوت البلد من تمر أو غيره ، وإذا عشيت مسكيناً أو غديته بعدد الأيام التي عليك كفى ذلك" اهـ .
وبه تعلم أن إطعام مسكين واحد مدة الثلاثين يوما ، أو جمع ثلاثين مسكينا على طعام واحد ، جائز .
والله أعلم .(139/1)
رقم السؤال:
43458
العنوان:
هل يؤخذ من غضب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لغضب فاطمة أنها معصومة
السؤال:
أورد بعض الرافضة إشكالا وهو القول بعصمة فاطمة رضي الله عنها مستدلا بقوله صلى الله عليه وسلم (فاطمة بضعة مني فمن أغضبها فقد أغضبني ) فقال إن فاطمة رضي الله عنها بما أن غضبها من غضب رسول الله وغضب رسول من غضب الله فلذلك فاطمة رضي الله عنها لا تغضب لباطل أي أنها معصومة فكيف يجاب عن هذا الإشكال ؟
الجواب:
الحمد لله :
فإن الرافضة قوم خصمون ، فهم يثيرون الشبهات الواهية ، ويهولونها حتى يجعلوها حقائق ، ثم يرمونها أمام العامة ليحاجوهم بها ، لكن من وهبه الله تعالى فقها في دينه ، وسؤالا لأهل العلم ، فإنه لا شك سينكشف له زيف شبهاتهم ، وتهافت حججهم ، ومن ذلك الشبهة التي ذكرها السائل ، والجواب عن هذه الشبهة من وجوه :(140/1)
أولا : أن الرافضة يستدلون بهذا الحديث ، ويوردون هذا الاستدلال الذي ذكره السائل ، ليتوصلوا به إلى أن أبا بكر رضي الله عنه قد أغضب فاطمة حين منعها ما طلبته من ميراث النبي صلى الله عليه وسلم ، وإذا كان الأمر كذلك ، فإن أبا بكر قد أغضب فاطمة ، وبالتالي قد أغضب النبي صلى الله عليه وسلم ، وبالتالي قد أغضب الله !! ، وهذا من جهلهم وسفههم ، إذ إن الحديث وارد أصلا في حق علي رضي الله عنه وأرضاه ، فقد روى البخاري ومسلم عن المسور بن مخرمة أنه قال :" إن عليا خطب بنت أبي جهل ، فسمعت بذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يزعم قومك أنك لا تغضب لبناتك ، وهذا علي ناكح بنت أبي جهل ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فسمعته حين تشهد يقول : أما بعد ، أنكحت أبا العاص بن الربيع فحدثني وصدقني ، وإن فاطمة بضعة مني وإني أكره أن يسوءها ، والله لا تجتمع بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبنت عدو الله عند رجل واحد ، فترك علي الخطبة " وفي رواية للبخاري " فاطمة بضعة مني فمن أغضبها أغضبني " [ البخاري رقم 3523 ، 3556 ، ومسلم برقم 2449 ] ، وبالنظر إلى الراوية السابقة يتبين أنه إن كان سيلحق الذم أحدا ، فإنه سيلحق عليا رضي الله عنه ، إذ إن سبب ورود الحديث السابق هو رغبته في خطبة بنت أبي جهل ، وحينها غضبت فاطمة رضي الله عنها ، وقد تقرر عند الأصوليين أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، لكن تقرر عندهم أيضا أن السبب داخل دخولا أوليا في النص ، ولا يمكن أن يخرج عنه بحال ، فإذا كان الرافضة يريدون أن يستدلوا بهذا الحديث على ذم أبي بكر رضي الله عنه ، فإنه من جهلهم وتلبيسهم كتموا أن هذا الذم – إن كان حاصلا – فإنه سيلحق عليا رضي الله عنه أولا .(140/2)
ثانيا : أن الغضب الوارد في الحديث ، ورد على سبب معين ذكر سابقا ، وهو يفيد بأن الغضب ليس لأن فاطمة معصومة أو نحو ذلك مما يدعيه الرافضة ، بل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصا على مشاعر ابنته ، فكان ما يغضبها يغضبه صلى الله عليه وسلم ، ويدل لهذا ما جاء في رواية مسلم " إنما فاطمة بضعة مني يؤذيني ما آذاها " ، فهذه أذية لشخص النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا علاقة للأمر بالعصمة كما يدعي ذلك الرافضة .(140/3)
ثالثا : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في أحاديث صحيحة أخرى :" من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ، ومن أطاع أميري فقد أطاعني ومن عصى أميري فقد عصاني " [ رواه البخاري برقم 6718 ، ومسلم برقم 1835 ] ، وهذا بالاتفاق – حتى عند الرافضة – لا يقتضي أن يكون الأمير معصوما ، بل إن بعض الأمراء الذين أرسلهم النبي صلى الله عليه وسلم قد أخطؤوا في أمور يعلم مخالفتها لكتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، ومن ذلك ما ثبت عن علي رضي الله عنه قال :" بعث النبي صلى الله عليه وسلم سرية فاستعمل عليها رجلا من الأنصار وأمرهم أن يطيعوه ، فغضب فقال : أليس أمركم النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيعوني ؟ قالوا : بلى ، قال فاجمعوا لي حطبا ، فجمعوا فقال : أوقدوا نارا فأوقدوها ، فقال ادخلوها فهمُّوا ( أي فكّروا أن يدخلوها ) وجعل بعضهم يمسك بعضا ويقولون فررنا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من النار فما زالوا حتى خمدت النار فسكن غضبه ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال لو دخلوها ما خرجوا منها إلى يوم القيامة الطاعة في المعروف " [ رواه البخاري برقم 4085 ، ومسلم برقم 1840 ] ، ولهذا قيد النبي صلى الله عليه وسلم هذه الطاعة بالمعروف ، وهكذا إذا كان غضب فاطمة من غضب الرسول صلى الله عليه وسلم ، فإنه بالاتفاق مقيد بالمعروف ، فإذا كان غضب فاطمة في مقابل شرع الله تعالى ، فإن المعروف هو في تطبيق شرع الله تعالى ، وإن كان فيه غضب فاطمة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم :" لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " ، وقال صلى الله عليه وسلم :" ... ويا فاطمة بنت محمد اشتريا أنفسكما من الله لا أملك لكما من الله شيئا سلاني من مالي ما شئتما " ، وهذا يقتضي أنه لا عصمة لها . [ وانظر منهاج السنة النبوية 4 / 250 ](140/4)
رقم السؤال:
43609
العنوان:
الحكمة من تشريع الزكاة
السؤال:
هل هناك حكمة معينة من تشريع الزكاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجب أن يُعلم أن الله تعالى لا يشرع شيئاً إلا وهو متضمن لأحسن الحكم ، ومحقق لأحسن المصالح ، فإن الله تعالى هو العليم ، الذي أحاط بكل شيء علماً ، الحكيم ، الذي لا يشرع شيئاً إلا لحكمة .
ثانياً :
وأما الحكمة من تشريع الزكاة ، فقد ذكر العلماء حكما كثيرة لذلك ، منها :
الأولى : إتمام إسلام العبد وإكماله ؛ لأنها أحد أركان الإسلام ، فإذا قام بها الإنسان تم إسلامه وكمل ، وهذا لا شك أنه غاية عظيمة لكل مسلم ، فكل مسلم مؤمن يسعى لإكمال دينه .
الثانية : أنها دليل على صدق إيمان المزكي ، وذلك أن المال محبوب للنفوس ، والمحبوب لا يبذل إلا ابتغاء محبوب مثله أو أكثر ، بل ابتغاء محبوب أكثر منه ، ولهذا سميت صدقة ؛ لأنها تدل على صدق طلب صاحبها لرضا الله عزّ وجل .
الثالثة : أنها تزكي أخلاق المزكي ، فتنتشله من زمرة البخلاء ، وتدخله في زمرة الكرماء ؛ لأنه إذا عود نفسه على البذل ، سواء بذل علم ، أو بذل مال ، أو بذل جاه ، صار ذلك البذل سجية له وطبيعة حتى إنه يتكدر ، إذا لم يكن ذلك اليوم قد بذل ما اعتاده ، كصاحب الصيد الذي اعتاد الصيد ، تجده إذا كان ذلك اليوم متأخراً عن الصيد يضيق صدره ، وكذلك الذي عود نفسه على الكرم ، يضيق صدره إذا فات يوم من الأيام لم يبذل فيه ماله أو جاهه أو منفعته .
الرابعة : أنها تشرح الصدر ، فالإنسان إذا بذل الشيء ، ولاسيما المال ، يجد في نفسه انشراحاً ، وهذا شيء مجرب ، ولكن بشرط أن يكون بذله بسخاء وطيب نفس ، لا أن يكون بذله وقلبه تابع له .(141/1)
وقد ذكر ابن القيم في "زاد المعاد" أن البذل والكرم من أسباب انشراح الصدر ، لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس ، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده ، أما من أخرج المال من يده ، لكنه في قرارة قلبه ، فلن ينتفع بهذا البذل .
الخامسة : أنها تلحق الإنسان بالمؤمن الكامل ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) فكما أنك تحب أن يبذل لك المال الذي تسد به حاجتك ، فأنت تحب أن تعطيه أخاك ، فتكون بذلك كامل الإيمان .
السادسة : أنها من أسباب دخول الجنة ، فإن الجنة ( لمن أطاب الكلام ، وأفشى السلام ، وأطعم الطعام وصلى بالليل والناس نيام ) ، وكلنا يسعى إلى دخول الجنة .
السابعة : أنها تجعل المجتمع الإسلامي كأنه أسرة واحدة ، فيعطف فيه القادر على العاجز ، والغني على المعسر ، فيصبح الإنسان يشعر بأن له إخواناً يجب عليه أن يحسن إليهم كما أحسن الله إليه ، قال تعالى : ( وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ) القصص/77 . فتصبح الأمة الإسلامية وكأنها عائلة واحدة ، وهذا ما يعرف عند المتأخرين بالتكافل الاجتماعي ، والزكاة هي خير ما يكون لذلك ؛ لأن الإنسان يؤدي بها فريضة ، وينفع إخوانه .
الثامنة : أنها تطفئ حرارة ثورة الفقراء ؛ لأن الفقير قد يغيظه أن يجد هذا الرجل يركب ما شاء من المراكب ، ويسكن ما يشاء من القصور ، ويأكل ما يشتهي من الطعام ، وهو لا يركب إلا رجليه ، ولا ينام إلا على الأرض وما أشبه ذلك ، لا شك أنه يجد في نفسه شيئاً .
فإذا جاد الأغنياء على الفقراء كسروا ثورتهم وهدؤوا غضبهم ، وقالوا : لنا إخوان يعرفوننا في الشدة ، فيألفون الأغنياء ويحبونهم .
التاسعة : أنها تمنع الجرائم المالية مثل السرقات والنهب والسطو ، وما أشبه ذلك ؛ لأن الفقراء يأتيهم ما يسد شيئاً من حاجتهم ، ويعذرون الأغنياء بكونهم يعطونهم من مالهم ، فيرون أنهم محسنون إليهم فلا يعتدون عليهم .(141/2)
العاشرة : النجاة من حر يوم القيامة ، فقد قال النبي صلّى الله عليه وسلّم : ( كل امرئ في ظل صدقته يوم القيامة ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (4510) ، وقال في الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله : ( رجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ) متفق عليه .
الحادية عشرة : أنها تلجئ الإنسان إلى معرفة حدود الله وشرائعه ؛ لأنه لن يؤدي زكاته إلا بعد أن يعرف أحكامها وأموالها وأنصباءها ومستحقيها ، وغير ذلك مما تدعو الحاجة إليه .
الثانية عشرة : أنها تزكي المال ، يعني تنمي المال حساً ومعنى ، فإذا تصدق الإنسان من ماله فإن ذلك يقيه الآفات ، وربما يفتح الله له زيادة رزق بسبب هذه الصدقة ، ولهذا جاء في الحديث : ( ما نقصت صدقة من مال ) رواه مسلم (2588) ، وهذا شيء مشاهد أن الإنسان البخيل ربما يسلط على ماله ما يقضي عليه أو على أكثره باحتراق ، أو خسائر كثيرة ، أو أمراض تلجئه إلى العلاجات التي تستنزف منه أموالاً كثيرة .
الثالثة عشرة : أنها سبب لنزول الخيرات ، وفي الحديث : ( ما منع قوم زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (5204) .
الرابعة عشرة : ( أن صدقة السر تطفئ غضب الرب ) كما ثبت ذلك عن الرسول صلّى الله عليه وسلّم ، صححه الألباني في "صحيح الجامع" (3759)
الخامسة عشرة : أنها تدفع ميتة السوء .
السادسة عشرة : أنها تتعالج ( أي تتصارع ) مع البلاء الذي ينزل من السماء فتمنع وصوله إلى الأرض .
السابعة عشرة : أنها تكفر الخطايا ، قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم : ( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار ) صححه الألباني في "صحيح الجامع" (5136) .
انظر : "الشرح الممتع" (6/4-7) .(141/3)
رقم السؤال:
44038
العنوان:
حكم طلاق الهازل
السؤال:
إذا قال الزوج لزوجته : أنت طالق ، ولم يكن يريد الطلاق ، ولكنه يمزح معها ، هل يقع الطلاق ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في وقوع " طلاق الهازل " فذهب الجمهور إلى وقوعه ، واستدلوا بما رواه أَبِو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( ثَلاثٌ جِدُّهُنَّ جِدٌّ وَهَزْلُهُنَّ جِدٌّ : النِّكَاحُ ، وَالطَّلاقُ ، وَالرَّجْعَةُ ) رواه أبو داود ( 2194 ) والترمذي ( 1184 ) وابن ماجه ( 2039 ) واختلف العلماء في تصحيحه وتضعيفه ، وقد حسنه الألباني في "رواء الغليل" (1826) .
وقد ورد معناه موقوفاً على بعض الصحابة :
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : ( أربع جائزات إذا تكلم بهن : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ، والنذر ) .
وعن علي رضي الله عنه : ( ثلاث لا لعِب فيهن : الطلاق ، والعتاق ، والنكاح ) .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : ( ثلاث اللعب فيهن كالجد : الطلاق ، والنكاح ، والعتق ) .
قال ابن القيم رحمه الله ، بعد أن ذكر الحديث المتقدم :
" تضمنت هذه السنن : أن المكلف إذا هزل بالطلاق أو النكاح أو الرجعة : لزمه ما هزَل به ، فدلَّ ذلك أن كلام الهازل معتبر وإن لم يُعتبر كلام النائم والناسي ، وزائل العقل والمكرَه .
والفرقُ بينهما : أن الهازل قاصدٌ للفظ غير مريد لحكمه ، وذلك ليس إليه ، فإنما إلى المكلف الأسباب ، وأما ترتب مسبَّبَاتها وأحكامها : فهو إلى الشارع ، قَصَدَه المكلف أو لم يقصده ، والعبرة بقصده السبب اختياراً في حال عقله وتكليفه ، فإذا قصده : رتَّب الشارع عليه حكمه جدَّ به أو هزل ، وهذا بخلاف النائم والمبرسم [ وهو الذي يهذي لعلة في عقله ] والمجنون وزائل العقل ، فإنهم ليس لهم قصد صحيح ، وليسوا مكلفين ، فألفاظهم لغو بمنزلة الطفل الذي لا يعقل معناها ، ولا يقصده .(142/1)
وسر المسألة : الفرق بين من قصد اللفظ وهو عالم به ولم يُرد حكمه ، وبين من لم يقصد ولم يعلم معناه ، فالمراتب التي اعتبرها الشارع أربعة :
إحداها : أن يقصد الحكم ولا يتلفظ به .
الثانية : أن لا يقصد اللفظ ولا حكمه .
الثالثة : أن يقصد اللفظ دون حكمه .
الرابعة : أن يقصد اللفظ والحكم .
فالأوليان : لغو ، والآخرتان : معتبرتان ، هذا الذي استفيد من مجموع نصوصه وأحكامه " انتهى .
" زاد المعاد " ( 5 / 204 ، 205 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (10/461) :
" يقع الطلاق من الجاد ومن الهازل , والفرق بينهما أن الجاد : قصد اللفظ والحكم , والهازل : قصد اللفظ دون الحكم .
فالجاد : طلق زوجته وهو يقصد الطلاق , أما الهازل : فهو قاصد للفظ غير قاصد للحكم ، فهو يقول مثلاً : كنت أمزح مع زوجتي أو أمزح مع صديقي فقلت : إن زوجتي طالق أو ما أشبه ذلك . يقول : ما قصدت أنها تطلق ولكني قصدت اللفظ .
نقول : يترتب الحكم عليه ، لأن الصيغة وجدت منك ، والحكم إلى الله .
ما دام وجد لفظ الطلاق بنية معتبرة من إنسان يعقل ويميز ويدري ماذا يعني فإنه يقع , فكونه يقول : أنا ما قصدت أن يقع فهذا ليس إليه , بل إلى الله .
هذا من جهة التعليل والنظر .
أما من جهة الأثر فعندنا حديث أبي هريرة : ( ثلاثٌ جدهن جد وهزلهن جد : النكاح والطلاق والرجعة ) فهذا دليله من الأثر .
وقال بعض أهل العلم : إنه لا يقع الطلاق من الهازل , وكيف يقع الطلاق من الهازل وهو ما أراد إلا اللفظ فقط ؟! وشنع بعض العلماء على من قال بوقوع طلاق الهازل , وقال : أنتم تقولون : إنه هزل فكيف تقولون : يقع , وتعاملونه معاملة الجد ؟
لكن الرد على هؤلاء أن نقول : إننا ما قلنا إلا ما دل عليه الدليل , وهذا الحديث صححه بعضهم وحسنه بعضهم , ولا شك أنه حجة . فنحن نأخذ به .(142/2)
ثم إن النظر يقتضيه ؛ لأننا لو أخذنا بهذا الأمر وفتحنا الباب لادّعى ذلك كل واحد , وحينئذٍ لا يبقى طلاق على الأرض , فالصواب أنه يقع , سواء كان جاداً أو هازلاً .
ثم إن قولنا بالوقوع فيه فائدة تربوية , وهي كبح جماح اللاعبين , فإذا علم الإنسان الذي يلعب بالطلاق أنه يؤاخذ به فإنه لن يقدم عليه أبداً .
لكن الذي يقول : أنا أمزح فإنه يفتح باباً للناس أن يتخذوا آيات الله هزواً " انتهى .
والله أعلم .(142/3)
رقم السؤال:
44970
العنوان:
تعرف أخوه على فتاة شيعية ويريد الزواج منها
السؤال:
لي أخ يصغرني في السن ، يبلغ من العمر 30 سنة ، غير متزوج، كان محافظاً على أداء جميع الصلوات بما فيها الفجر في المسجد، وهو يصوم من النوافل ما ورد في سنة نبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام والحمد لله ، تعرف على فتاة شيعية وهو يرغب بالزواج منها ، ومن الطبيعي أن يرفض جميع الأهل وذلك لاختلاف المذهب ، حاول الجميع التحدث معه إلاّ أنه يرفض التفاهم أو حتى الحديث في الموضوع ، وهو حالياً يرفض الزواج من أي فتاة أخرى علماً بأنه لن يتزوج من هذه الفتاة الشيعية بدون رضى والديه، وهو مازال على علاقة بها وبأهلها وقد لاحظنا مؤخراً أنه يقتني بعض كتب الشيعة ويقرؤها ويجادلنا في بعض الأمور ومن هذه الأمور أنه لم يعد يصوم يوم العاشر من محرم ويقول إنه غير ثابت ، أرجو أن يكون الرد على هذا السؤال موجهاً له
الجواب:
الحمد لله
قد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أمته ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة، كما في الحديث الذي رواه ابن ماجه (3993) عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على ثنتين وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهى الجماعة ) والحديث قال عنه البوصيري في الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة.
وقد بَيَّنَ النبي صلى الله عليه وسلم الفرقة الناجية ، بقوله: ( ما أنا عليه وأصحابي ، فقد روى الترمذي (2641) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن بني إسرائيل تفرقت على ثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة ) قالوا : ومن هي يا رسول الله ؟ قال: " ما أنا عليه وأصحابي" والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي.(143/1)
فالأمة ستفترق على ثنتين وسبعين أو ثلاث وسبعين فرقة ، كلها في النار إلا واحدة ، وهي المستمسكة بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ، السائرة على طريقة أصحابه رضوان الله عليهم ، وهذا لا ينطبق إلا على أتباع السلف الصالح من أهل السنة والجماعة ، فهم الذين لزموا طريقة الصحابة في أبواب الاعتقاد والعمل والسلوك، غير مبتدعين ولا مغيرين، وأما الشيعة فإن شعارهم هو بغض خاصة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأبي بكر وعمر وعثمان وعائشة وحفصة رضي الله عنهم جميعا، فهم أبعد الناس عن هذا الوصف ، وهو التمسك بما عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بل يذهب الشيعة إلى تكفير كل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم إلا نفراً يسيراً ( سبعة فقط ) ! .
وهذا الانحراف عن منهج الصحابة أوقع الشيعة في ألوان من الابتداع والضلال، كالغلو في علي والحسن والحسين رضي الله عنهم، بل الغلو في آل البيت بصفة عامة، حتى صرفوا لهم أنواعا من العبادة، كالدعاء والذبح والطواف والحلف، فتراهم يستغيثون ويهتفون بأسمائهم عند النوائب، وهذا هو الشرك الأكبر، الذي أخبر الله أنه لا يغفر : (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) النساء / 116.
ومن ضلال هؤلاء أنهم يزعمون أن الصحابة حرفوا كتاب الله ، بالزيادة والنقصان ، وهذا كفر آخر ، فإن من اعتقد أن القرآن الذي بين أيدينا قد زيد فيه أو نقص منه ولو حرف واحد ، فهو كافر بإجماع المسلمين ، لما في ذلك من تكذيب قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) الحجر / 9 .(143/2)
ويعتقدون في أئمتهم أنهم يعلمون الغيب ، ويعلمون ما كان وما يكون ومتى وأين يقبضون ، وهذا تكذيب لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) لقمان / 34 وقوله تعالى : ( قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) النمل/65 . إلى غير ذلك من العقائد الفاسدة المنتشرة بين هذه الطائفة .
واعلم أن الطعن في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، طعن في الله ، وفي رسوله صلى الله عليه وسلم .
ووجه ذلك : أن من زعم أن أبا بكر وعمر وعثمان وعامة المهاجرين والأنصار كانوا على ضلال وانحراف، فقد طعن في الله الذي اختارهم لصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، وطعن في النبي الذي ائتمنهم ، وصاهرهم، وصلى خلف أناس منهم، وشهد أنهم من أهل الجنة، وهذا يعني أنهم يموتون على الإيمان دون تبديل أو تغيير ، خلاف ما تزعم الرافضة.
وننصحك بقراءة رسالة "الخطوط العريضة" لمحب الدين الخطيب ، أو "أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية"، أو "مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة" ، كلاهما للدكتور ناصر القفاري.
إذا تقرر هذا فنقول: اقطع علاقتك بهذه الفتاة وبأهلها، لأنه واضح أنهم يدعونك إلى مذهبهم ، ويطمعون في إضلالك ، فهم يعطونك الكتب التي تدعو إلى باطلهم ، فاحذر أن تدخل عليك شبهة من شبهاتهم فيزيغ قلبك، واعلم أن من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه، والنساء سواها كثير، ولا تستجب لنداءات الشيطان ووسوسته وتزيينه، قال تعالى: ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لا يَهْتَدُونَ) النمل/24 .(143/3)
وقال تعالى : ( وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَكَانُوا مُسْتَبْصِرِينَ) العنكبوت/ 38 .
ولا تغتر بما يزخرفوه لك من القول، فإن دين هؤلاء مبني على الكذب المسمى عندهم بالتقية، فقد يزعمون أنهم يحبون أبابكر وعمر وعائشة، حتى إذا ما أنسوا من انقيادك لهم كاشفوك بمذهبهم الرديء، فالفرار الفرار من الآن.
واعلم أن قراءة كتب أهل البدع والضلال محظورة إلا على المتمكن من دفع الشبهات ، وتمييز الحقائق من الأكاذيب والأباطيل، فتخلص مما لديك من الكتب، واعرض ما اشتبه عليك على أهل العلم، وانظر ما قاله الإمام الحافظ الذهبي رحمه الله ، وقد ساق قول سفيان: (من أصغى بسمعه إلى صاحب بدعة وهو يعلم خرج من عصمة الله ووكل إلى نفسه ، وقال أيضاً : من يسمع ببدعة فلا يحكها لجلسائه لا يلقيها في قلوبهم .
قلت : (الذهبي) أكثر أئمة السلف على هذا التحذير يرون أن القلوب ضعيفة والشبه خطافة) انتهى من "سير أعلام النبلاء" 7/261 .
فالأمر كما قال رحمه الله: الشبه خطافة، لا سيما لمن لم يتضلع من علوم الكتاب والسنة.
وأما صوم اليوم العاشر من محرم ، فلا خلاف عند المسلمين في استحباب صيامه ، فقد ثبت فيه أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
منها : ما رواه البخاري (1865) ومسلم (1910) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمَدِينَةَ فَرَأَى الْيَهُودَ تَصُومُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ ، فَقَالَ : مَا هَذَا ؟ قَالُوا هَذَا يَوْمٌ صَالِحٌ ، هَذَا يَوْمٌ نَجَّى اللَّهُ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ عَدُوِّهِمْ ، فَصَامَهُ مُوسَى . قَالَ : فَأَنَا أَحَقُّ بِمُوسَى مِنْكُمْ ، فَصَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ .
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "والعلماء مجمعون على استحبابه للأحاديث" .(143/4)
فكيف يقال عن أمر ثابت بالأحاديث الصحيحة، وانعقد عليه الإجماع إنه أمر غير ثابت؟!
ونوصيك أن تكثر من دعاء الله تعالى وسؤاله أن يثبت قلبك، وأن يحفظك من مضلات الفتن.
والله أعلم.(143/5)
رقم السؤال:
45152
العنوان:
هل يجوز أن يضحي ببهيمة خنثى ؟
السؤال:
ما حكم الأضحية بذبيحة خنثى ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا مانع من التضحية بالخنثى ، إلا إذا كان ذلك يضر باللحم .
وقد بيَّن الرسول صلى الله عليه وسلم العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضحية ، وهي : العور البيِّن ، والمرض البيِّن ، والعرج البيِّن ، والهزال الذي يزيل المخ .
ويقاس على هذه العيوب ما كان مثلها أو أشد ، كالعيماء والعاجزة عن المشي ، ومقطوعة اليد أو الرجل ... وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (36755) .
والذي يظهر أن الخنثى لا تلحق بهذه العيوب ، إلا إذا كان هذا يوجب نوعاً من الضرر في لحمها .
وقد سئل النووي رحمه الله عن التضحية ببقرة خنثى فأفتى بالجواز ، نقله عنه في "مواهب الجليل" (3/239) .(144/1)
رقم السؤال:
45511
العنوان:
هل يجوز لها العمل في مكتب وحدها لاستقبال الزبائن ؟
السؤال:
أعمل في مكتب يملكه والدي حيث لا يعمل هنا إلا أنا ووالداي وأخي ، وعادة ما يكون والداي بعيدين عن المكتب في ساعات الصباح ، ويقع مراراً أن يضطر أخي للخروج لإنهاء مهام معينة ، ويتركني وحدي لفترات طويلة ، أنا أعمل في مكتب الاستقبال ، مما يستوجب عليَّ مقابلة الزبائن ، أنا أرتدي ملابس مناسبة تتمثل في عباءة ونقاب وقفازين ... إلخ . وسؤالي هو : هل يجوز لي أن أبقى في المكتب وحدي عندما يخرج أخي منه ؟ لقد أخبرت والداي باعتراضي على هذا الوضع لكنهما لا يقبلان بأن هذا الوضع خاطئ ، أرجو منك النصيحة .
الجواب:
الحمد لله
لا مانع من أن تعمل المرأة عملاً مباحاً وفي ظروف شرعية ، فإذا كان عملها في بيع وشراء وتصنيع محرمات ، أو كانت ظروفه غير شرعية كوجود الاختلاط مع الرجال أو الخلوة المحرمة - سواء مع موظف أو مع زبون - : فإن عملها يكون محرَّماً .
وعملكِ مع أهلكِ شرعي ليس فيه محذور ، لكنَّ بقاءكِ وحدك في مكتب الاستقبال يعرضكِ للوقوع في المحذور وهو الخلوة المحرمة ؛ وذلك باحتمال دخول رجل عليكِ وحده ، وهي الخلوة التي نهى عنها الشارع .
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ) . رواه البخاري ( 1763 ) ومسلم ( 1341 ) .
قال الحافظ ابن حجر :
"قوله : ( ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم ) فيه منع الخلوة بالأجنبية ، وهو إجماع , لكن اختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات ؟ والصحيح : الجواز لضعف التهمة به " انتهى .
" فتح الباري " ( 4 / 77 ) .
وقال النووي :(145/1)
"وأما إذا خلا الأجنبي بالأجنبية من غير ثالث معهما : فهو حرام باتفاق العلماء , وكذا لو كان معهما من لا يستحي منه لصغره كابن سنتين وثلاث ونحو ذلك , فإن وجوده كالعدم , وكذا لو اجتمع رجال بامرأة أجنبية فهو حرام ، بخلاف ما لو اجتمع رجل بنسوة أجانب , فإن الصحيح جوازه " انتهى .
" شرح مسلم " ( 9 / 109 ) .
فالذي يجب على أهلكِ هو الاستجابة لحكم الشرع في عدم بقائك وحدك في المكتب لاستقبال الناس ، وقد ذكرنا أنه يجوز لك العمل معهم بشرط التزامك بالحجاب الكامل ، وكون العمل مباحاً في نفسه ، ولا يكون اختلاط محرم ولا خلوة ، ثم إن في بقائكِ وحدك خطراً عليكِ من الناحية الأمنية ؛ لكثرة السفهاء الذين يتصيدون فرائسهم في الأسواق والمكاتب ويبحثون عن فرصٍ كهذه تكون المرأة فيه في مكان وحدها ، وقد رأينا وسمعنا عن تعديهم على النساء في الأماكن العامة وفي وضح النهار فكيف بهذه ؟! فنسأل الله أن يتمم عليكِ ستره ، وأن يحفظكِ من الشر والسوء ، ولا بدَّ لكِ ولأهلك من الأخذ بالأسباب لحفظ النفس .
والله أعلم(145/2)
رقم السؤال:
45544
العنوان:
تكفي أضحية واحدة عن أهل البيت جميعاً
السؤال:
أعيش أنا وزوجتي مع أبي ، فهل تجزئ أضحية واحدة عنا جميعاً أم علينا أضحيتان ؟.
الجواب:
الحمد لله
تكفيكم أضحية واحدة ، لأن السُّنَّة وردت بإجزاء الأضحية الواحدة عن الرجل وأهل بيته .
روى الترمذي (1505) عن عَطَاء بْن يَسَارٍ قال : سَأَلْتُ أَبَا أَيُّوبَ الأَنْصَارِيَّ كَيْفَ كَانَتْ الضَّحَايَا عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ فَقَالَ : كَانَ الرَّجُلُ يُضَحِّي بِالشَّاةِ عَنْهُ وَعَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ ، فَيَأْكُلُونَ وَيُطْعِمُونَ . صححه الألباني في صحيح الترمذي .
وسئلت اللجنة الدائمة : إذا كانت زوجتي مع والدي في بيت واحد ، فهل يكفي في عيد الضحية ذبيحة واحدة عيداً لي ولوالدي أم لا ؟
فأجابت :
" إذا كان الواقع كما ذكرت من وجود والد وولده في بيت واحد كفى عنك وعن أبيك وزوجتك وزوجة أبيك وأهل بيتكما أضحية واحدة في أداء السُّنَّة " انتهى .
فتاوى اللجنة الدائمة" (11/404) .(146/1)
رقم السؤال:
45623
العنوان:
على من تكون زكاة الأرض المستأجرة للزراعة ؟
السؤال:
رجل يستأجر أرضاً زراعية ، هل الزكاة تستحق على المالك أم على المستأجر ؟ وإذا كانت على المستأجر فهل الزكاة على المحصول بالكامل أم على المتبقي من المحصول بعد دفع الإيجار ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
مالك الأرض إن زرعها بنفسه : فزكاة ما يخرج منها عليه ، وإن منحها وأعارها لغيره ليزرعها : فزكاة ما يخرج منها على الزارع .
واختلف أهل العلم في الأرض المستأجرة هل تكون الزكاة على المالك أم على المستأجر الذي يزرعها ، فذهب الجمهور إلى وجوبها على المزارع ، وذهب الحنفية إلى وجوبها على المالك.
قال ابن حزم :
ولا زكاة في تمر , ولا بر , ولا شعير : حتى يبلغ ما يصيبه المرء الواحد من الصنف الواحد منها خمسة أوسق ; والوسق ستون صاعا ; والصاع أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وسلم . والمد من رطل ونصف إلى رطل وربع على قدر رزانة المد وخفته , وسواء زرعه في أرض له أو في أرض لغيره بغصب أو بمعاملة جائزة , أو غير جائزة , إذا كان النذر غير مغصوب , سواء أرض خراج كانت أو أرض عشر .
وهذا قول جمهور الناس , وبه يقول : مالك , والشافعي , وأحمد , وأبو سليمان .
وقال أبو حنيفة : يزكى ما قل من ذلك وما كثر , فإن كان في أرض خراج فلا زكاة فيما أصيب فيها , فإن كانت الأرض مستأجرة فالزكاة على رب الأرض لا على الزارع .
" المحلى " ( 4 / 47 ) .
وقد ردَّ الأئمة على قول الحنفية وبيَّنوا أن الزكاة حق الزرع وليس حق الأرض كما يقول الحنفية .
قال ابن قدامة المقدسي :
ومن استأجر أرضا فزرعها , فالعشر عليه دون مالك الأرض ، وبهذا قال مالك , والثوري , وشريك , وابن المبارك , والشافعي , وابن المنذر .
وقال أبو حنيفة : هو على مالك الأرض ; لأنه من مؤنتها , فأشبه الخراج .(147/1)
ولنا : أنه واجب في الزرع , فكان على مالكه , كزكاة القيمة فيما إذا أعده للتجارة , وكعشر زرعه في ملكه , ولا يصح قولهم : إنه من مؤنة الأرض ؛ لأنه لو كان من مؤنتها لوجب فيها وإن لم تزرع , كالخراج , ولوجب على الذمي كالخراج , ولتقدر بقدر الأرض لا بقدر الزرع , ولوجب صرفه إلى مصارف الفيء دون مصرف الزكاة .
" المغني " ( 2 / 313 ، 314 ) .
وهو ما رجحه الشيخ ابن عثيمين في " الشرح الممتع " ( 6 / 88 ) .
ثانياً :
وبما أن الزكاة حق الزرع : فعليه أن يخرج زكاة زرعه من كامل المحصول إذا بلغ النصاب ، وهو خمسة أوسق ، والوسَق : ستون صاعاً ، وهو ما يعادل 657 كيلو .
وليس للمزكي أن يخصم أجرة الأرض ولو كان بعد بيع الزرع - جهلاً أو خطأً أو تأولاً - قبل أداء الزكاة .
والصحيح من أقوال أهل العلم هو عدم خصم أية تكاليف ينفقها المزكي على أرضه .
قال ابن حزم :
ولا يجوز أن يعد الذي له الزرع أو التمر ما أنفق في حرث أو حصاد , أو جمع , أو درس , أو تزبيل أو جداد أو حفر أو غير ذلك - : فيسقطه من الزكاة وسواء تداين في ذلك أو لم يتداين , أتت النفقة على جميع قيمة الزرع أو الثمر أو لم تأت , وهذا مكان قد اختلف السلف فيه ... – وذكر الخلاف ثم قال : -
قال أبو محمد : أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم في التمر والبر والشعير : الزكاة جملة إذا بلغ الصنف منها خمسة أوسق فصاعدا ; ولم يسقط الزكاة عن ذلك بنفقة الزارع وصاحب النخل ; فلا يجوز إسقاط حق أوجبه الله تعالى بغير نص قرآن ولا سنة ثابتة ، وهذا قول مالك , والشافعي , وأبي حنيفة , وأصحابنا .
" المحلى " ( 4 / 66 ) .
والله أعلم .(147/2)
رقم السؤال:
45757
العنوان:
الاشتراك في الأضحية
السؤال:
هل يجوز الاشتراك في الأضحية ، وكم عدد المسلمين الذين يشتركون في الأضحية ؟.
الجواب:
الحمد لله
يجوز الاشتراك في الأضحية إذا كانت من الإبل أو البقر ، أما الشاة فلا يجوز الاشتراك فيها .
ويجوز أن يشترك سبعة أشخاص في واحدة من البقر أو الإبل .
وقد ثبت اشتراك الصحابة رضي الله عنه في الهدي ، السبعة في بعير أو بقرة في الحج والعمرة .
روى مسلم (1318) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رضي الله عنهما قَالَ : نَحَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ الْبَدَنَةَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ .
وفي رواية : عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : حَجَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَحَرْنَا الْبَعِيرَ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْبَقَرَةَ عَنْ سَبْعَةٍ .
وروى أبو داود (2808) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْبَقَرَةُ عَنْ سَبْعَةٍ ، وَالْجَزُورُ - أي : البعير - عَنْ سَبْعَةٍ ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
قال النووي في "شرح مسلم" :
" فِي هَذِهِ الأَحَادِيث دَلالَة لِجَوَازِ الِاشْتِرَاك فِي الْهَدْي , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الشَّاة لا يَجُوز الاشْتِرَاك فِيهَا . وَفِي هَذِهِ الأَحَادِيث أَنَّ الْبَدَنَة تُجْزِئ عَنْ سَبْعَة , وَالْبَقَرَة عَنْ سَبْعَة , وَتَقُوم كُلّ وَاحِدَة مَقَام سَبْع شِيَاه , حَتَّى لَوْ كَانَ عَلَى الْمُحْرِم سَبْعَة دِمَاء بِغَيْرِ جَزَاء الصَّيْد , وَذَبَحَ عَنْهَا بَدَنَة أَوْ بَقَرَة أَجْزَأَهُ عَنْ الْجَمِيع " انتهى باختصار .
وسئلت اللجنة الدائمة عن الاشتراك في الأضحية ، فأجابت :(148/1)
" تجزئ البدنة والبقرة عن سبعة ، سواء كانوا من أهل بيت واحد أو من بيوت متفرقين ، وسواء كان بينهم قرابة أو لا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن للصحابة في الاشتراك في البدنة والبقرة كل سبعة في واحدة ، ولم يفصل ذلك " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (11/401) .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "أحكام الأضحية" :
" وتجزئ الواحدة من الغنم عن الشخص الواحد ، ويجزئ سُبْع البعير أو البقرة عما تجزئ عنه الواحدة من الغنم " انتهى .(148/2)
رقم السؤال:
45908
العنوان:
الحيض لا يقطع التتابع في صوم الكفارة
السؤال:
امرأة تكفر عن ّذنب بصيام شهرين متتابعين ، و تسأل عن الأيام التي ستفطر فيها بسبب العادة الشهرية فهل يجب عليها قضاؤها بعد انقضاء الشهرين أم ماذا ?.
الجواب:
الحمد لله
من لزمها صيام شهرين متتابعين ، وجاءها الحيض ، أفطرت ، ثم أكملت صومها ، وقضت أيام حيضها ، إجماعا .
قال ابن قدامة رحمه الله : ( وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعاً , إذا حاضت قبل إتمامه , تقضي إذا طهرت , وتبني، وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس , وفيه تغرير بالصوم ) انتهى من المغني 8/21
والله أعلم .(149/1)
رقم السؤال:
45929
العنوان:
هل يساهم في شركة تضع أموالها في البنوك ويخرج جزء من الأرباح ؟
السؤال:
أباح العلماء المشاركة في الأسهم التي أصلها حلال وموضوعة في بنوك ربوية بشرط إخراج 15 % من أصل الأرباح في الصالح العام . والسؤال : هل يجوز إعطاؤها للأقارب للانتفاع بها مثلا الأم أو الإخوة ؟
الجواب:
أولاً :
المساهمة في الشركات والمؤسسات التجارية تجوز بشرط أن يكون بيعها وشراؤها لمواد مباحة ، وأن لا تتعامل معاملات محرمة , ومن أعظم المحرمات : أكل الربا ، فإذا اختل أحد هذين الشرطين بأن تاجرت الشركة بمواد محرمة أو أنتجت المصانع شيئاً محرماً , أو تعاملت بالربا : كانت المساهمة حراماً ، ووجب ترك ذلك إلى ما يباح ، وإخراج نسبة مئوية من الأرباح لا يجيز تلك المساهمة ، ولا يحل ذلك الربح .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله عن حكم المساهمة في الشركات .
فأجاب :
" وضع الأسهم في الشركات فيه نظر ؛ لأننا سمعنا أنهم يضعون فلوسهم لدى بنوك أجنبية ، أو شبه أجنبية ويأخذون عليها أرباحاً ، وهذا من الربا ، فإن صح ذلك : فإن وضع الأسهم فيها حرام ، ومن كبائر الذنوب ؛ لأن الربا من أعظم الكبائر ، أما إن كانت خالية من هذا فإن وضع الأسهم فيها حلال إذا لم يكن هناك محذور شرعي آخر " انتهى .
" مجموع فتاوى ابن عثيمين " ( 18 / السؤال رقم 119 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
هل يجوز المساهمة بالشركات والمؤسسات المطروحة أسهمها للاكتتاب العام في الوقت الذي نحن يساورنا الشك من أن هذه الشركات أو المؤسسات تتعامل بالربا في معاملاتها ، ولم نتأكد من ذلك ، مع العلم أننا لا نستطيع التأكد من ذلك ، ولكن كما نسمع عنها من حديث الناس .
فأجابوا :
" الشركات والمؤسسات التي لا تتعامل بالربا وشيء من المحرمات : يجوز المساهمة فيها ، وأما التي تتعامل بالربا وشيء من المحرمات : فيحرم المساهمة فيها .(150/1)
وإذا شك في أمر شركة ما : فالأحوط له ألا يساهم عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ عبد الله بن قعود .
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 14 / 310 ، 311 ) .
وسبق في جواب السؤال رقم ( 21127 ) ذكر فتوى اللجنة الدائمة في حكم المساهمة في شركات خاصة بالأعمال الخيرية والزراعية والبنوك وشركات التأمين والبترول .
وفي جواب السؤال رقم ( 8590 ) تجد حكم المتاجرة بالأسهم المباحة والتحذير من المحرمة .
ثانياً :
الأموال التي يأخذها المساهم مساهمة محرمة يجب عليه – بعد سحب مساهمته وإيقافها – التخلص من الأموال الزائدة عن رأس ماله ، وله أن يصرفها في وجوه الخير المختلفة ، دون أن يرجع نفع ذلك لنفسه ، فلا يُسقِط بها واجباً ، ولا يدفع عن نفسه مضرة أو ظلماً , فلا يجوز له أن ينفق منها على نفسه , ولا على أهله الذين يجب عليه أن ينفق عليهم .
وانظر تفصيل هذا في جواب السؤال رقم : ( 292 ) و (81952) .(150/2)
رقم السؤال:
46561
العنوان:
البينونة الصغرى والكبرى وطلاق الثلاث
السؤال:
طلقت زوجتي منذ 20 سنة ، وقبل انتهاء العدة راجعتها ؛ بعد سنين عدة عاودت فطلقتها ثانية وقلت لها : أنت طالق ، طالق ، طالق ، وأقصد به الطلاق الثلاث ، إلا أنني وقبل انتهاء العدة أيضا راجعتها ولم أقم بأي إجراء : لا أركان الزواج ولا شيء آخر ، ما هو إلا أن ذهبت إلى بيت أهلها ورددتها إلى بيتي ، إذ كان في اعتقادي أنه طلاق رجعي أيضاً ، في الشهور الأخيرة عاودت فطلقتها للمرة الثالثة ، ندمتُ كثيراً لاعتبارات لا يسع المجال لها ، استفتيت أحد الشيوخ عندنا وأوضحت له القضية فكان جوابه كما يلي : المراجعة بعد الطلاق الأول صحيحة ، أما المراجعة بعد الطلاق الثاني وقبل انتهاء العدة فهي غير صحيحة لأنه طلاق بائن بينونة صغرى ، وكان يجب عليَّ أن أقوم بأعمال أركان الزواج قبل ردها ، وبما أنني لم أقم بهذه الأعمال فالنكاح غير شرعي وهو ملغي ، وعليه فالطلاق الأخير الثالث لا معنى له لأنه واقع في نكاح غير شرعي ، وأجاز لي مراجعة الزوجة بعد القيام بعمل أركان الزواج ، وبما أن القضية كبيرة ، وأنا حائر ، وألتمس اطمئنان القلب : لجأت إلى فضيلتكم لأن لي فيكم ثقة كبيرة ، فأفتوني مأجورين.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يحل لأحدٍ أن يفتي في دين الله تعالى بغير علم ، ومن فعل هذا فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب ، قال تعالى : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف/ 33 .(151/1)
والذي أفتاك بعدم صحة الرجعة من طلاقك الثاني ، وبعدم وقوع الطلقة الثالثة وأوجب عليك القيام بأركان النكاح لإرجاع زوجتك لم يصب في قوله ، وهو من القول على الله بغير علم ، فيجب على من أفتاك بهذا – إن صحَّ نقلك عنه – أن يتوب إلى الله ويستغفره ، ويجب عليه أن يكف عن الفتوى ، وبخاصة فيما يتعلق بالأعراض والدماء .
ثانياً :
الطلاق الرجعي هو الذي يملك فيه الزوج الرجعة ، وتكون الرجعة من غير عقد ولا مهر ولا رضا الزوجة ، والطلاق الذي يملك فيه الزوج الرجعة هو الطلاق الأول والثاني قبل انتهاء العدة ، فإذا انتهت العدة من طلقتها الأولى أو الثانية صارت بائنة بينونة صغرى ، لا ترجع لزوجها إلا برضاها وبعقدٍ ومهرٍ جديديْن ، وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم ، ودليله قوله تعالى : (الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ...) البقرة/229 ، فإن أوقع الطلقة الثالثة لم تحل له إلا بعد أن تنكح زوجاً آخر نكاح رغبة ثم يطلقها أو يموت عنها بعد الدخول بها – وهذه هي البينونة الكبرى - ودليل ذلك قوله تعالى – في الآية التي بعدها - : (فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) البقرة/230 .
ثالثاً :
ولو أحسنَّا الظن بذاك القائل وقلنا إنه يرى أن طلاق الثلاث يقع ثلاثاً فإنه لا وجه لقوله إنها بينونة صغرى لأن طلاق الثلاث عند القائلين به يقع ثلاثاً ، وتبين به الزوجة بينونة كبرى . فكيف جاز له أن يقول إنها بينونة صغرى ترجع بعقد ومهر جديدين !
والصحيح أن طلاق الثلاث يقع طلقة واحدة ، وقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (96194).(151/2)
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : (كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعهد أبي بكر رضي الله عنه وسنتين من خلافة عمر رضي الله عنه طلاق الثلاث واحدة) .
رواه مسلم ( 1472 ) .
رابعاً :
ما وقع منك من الرجعة بعد الطلقة الأولى والثانية صحيح ، والطلقة الثالثة حرُمت عليك بها زوجتك ، وبانت منك بينونة كبرى ، وهي أجنبية عنك ، ويجب إعطاؤها حقوقها كاملة ، ولا يحل لك تزوجها إلا بعد أن تتزوج هي بآخر نكاح رغبة ويفارقها بموت أو طلاق بعد تحقق الدخول الشرعي بها .
أما نكاح التحليل الذي يفعله بعض الناس فهو نكاح فاسد ، لا تحل به المرأة لزوجها الأول ، وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله .
وانظر جواب السؤال رقم (109245) .
والله أعلم(151/3)
رقم السؤال:
46564
العنوان:
حكم التعامل المسمى بـ "التيسير الأهلي" أو "التورق المصرفي"
السؤال:
ما حكم هذا التعامل المسمى بالتيسير الأهلي من البنك الأهلي ؟ فيما يلي الإجراءات التي يجب مراعاتها عند التعامل بهذا المنتج : 1. يقوم البنك بشراء كمية محددة من سلعة معينة تدخل بذلك في ملكيته دخولاً شرعياً . 2. يقوم البنك بعرض هذه السلع على عملائه . 3. وبما أن هذه السلع تباع عن طريق الوصف لا عن طريق الرؤية غالباً فإن على البنك أن يحدد هذه السلع صنفاً ونوعاً وأن يصفها وصفاً نافياً للجهالة وأن يحدد رقم تخزينها بموجب شهادة التخزين بحيث يكون المبيع معلوماً وموصوفاً وصفاً تنتفي معه الجهالة في البيع . 4. يتقدم العميل بإبداء رغبته في شراء كمية محددة من هذه السلع بثمن مؤجل وبعد موافقة البنك على تلبية هذا الطلب يقوم البنك ببيع تلك الكمية على العميل بما يتفقان عليه من ثمن وأجل . 5. للعميل الحق في أن يتسلم سلعته في مكان تسليمها إذا رغب في ذلك أو أن يوكل البنك في بيعها نيابة عنه . 6. في حال توكيل العميل للبنك ببيع سلعته فإن البنك يقوم ببيعها وكالة على من يرغب شراءها ولا يجوز للبنك أن يبيعها لنفسه حيث إن ذلك من قبيل بيع العينة . بعد أن يقوم البنك ببيع السلعة يودع المبلغ في حساب العميل وبعد ذلك يكون هناك أقساط شهرية من العميل للبنك حسب العقد 4 أو 5 سنوات . ما الواجب فعله فيمن وقع في هذا التعامل المسمى بتيسير الأهلي إذا كان غير جائز ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
التفصيل الذي ذكره السائل يحتوي على ثلاث مسائل وهي : المرابحة ، والتورق ، والتورق المصرفي الحديث .
وقد ذكرنا حكم " المرابحة " و " التورق " في جواب السؤال رقم ( 36410 ) .
أما " المرابحة " : ففي الجواب المحال عليه قلنا :
وشراء السلع ( سيارات أو غيرها ) عن طريق البنوك لا يجوز إلا عند توفر شرطين :(152/1)
الأول : أن يمتلك البنك هذه السلعة قبل أن يبيعها فيشتري البنك السيارة مثلاً من المعرض لنفسه .
الثاني : أن يقبض البنك السيارة بنقلها من المعرض قبل بيعها على العميل.
وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة .
وأما " التورق " : ففي الجواب المحال عليه – أيضاً - ذكرنا فتوى علماء اللجنة الدائمة في تعريفه وإباحته ، وفيه :
"مسألة التورق هي أن تشتري سلعة بثمن مؤجل ، ثم تبيعها بثمن حال على غير من اشتريتها منه بالثمن المؤجل ؛ من أجل أن تنتفع بثمنها ، وهذا العمل لا بأس به عند جمهور العلماء" انتهى .
ثانياً :
أما " التورق المصرفي " فهو معاملة حديثة احتالت فيه البنوك على التورق الشرعي المباح للتوصل إلى الإقراض بالربا ، وقد أصدر " المجمعُ الفقهي الإسلامي " في دورته الخامسة عشرة المنعقدة بمكة المكرمة التي بدأت يوم السبت 11 رجب 1419 هـ الموافق 31 /10 / 1998 م قراراً بجوازِ بيعِ التورقِ ، وفيه :
"وبعد التداول والمناقشة ، والرجوع إلى الأدلة ، والقواعد الشرعية ، وكلام العلماء في هذه المسألة قرر المجلس ما يأتي :
أولاً : أن بيع التورُّق : هو شراء سلعة في حوزة البائع وملكه، بثمن مؤجل ، ثم يبيعها المشتري بنقد لغير البائع ، للحصول على النقد ( الورِق ) .
ثانياً : أن بيع التورق هذا جائز شرعاً ، وبه قال جمهور العلماء ، لأن الأصل في البيوع الإباحة ، لقول الله تعالى : (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) البقرة/275 ، ولم يظهر في هذا البيع رباً لا قصداً ولا صورة ، ولأن الحاجة داعية إلى ذلك لقضاء دين ، أو زواج أو غيرهما .
ثالثاً : جواز هذا البيع مشروط ، بأن لا يبيع المشتري السلعة بثمن أقل مما اشتراها به على بائعها الأول ، لا مباشرة ولا بالواسطة ، فإن فعل فقد وقعا في بيع العينة ، المحرم شرعاً ، لاشتماله على حيلة الربا فصار عقداً محرماً .(152/2)
رابعاً : إن المجلس : - وهو يقرر ذلك - يوصي المسلمين بالعمل بما شرعه الله سبحانه لعباده من القرض الحسن من طيب أموالهم ، طيبة به نفوسهم ، ابتغاء مرضاة الله ، لا يتبعه منّ ولا أذى وهو من أجلِّ أنواع الإنفاق في سبيل الله تعالى ، لما فيه من التعاون والتعاطف ، والتراحم بين المسلمين ، وتفريج كرباتهم ، وسد حاجاتهم ، وإنقاذهم من الإثقال بالديون ، والوقوع في المعاملات المحرمة ، وأن النصوص الشرعية في ثواب الإقراض الحسن ، والحث عليه كثيرة لا تخفى ، كما يتعين على المستقرض التحلي بالوفاء ، وحسن القضاء وعدم المماطلة" انتهى .
ثم صدر قرارٌ جديدٌ من " المجمعِ الفقهي الإسلامي " نفسه في المدة من 19 - 23 / 10 / 1424 هـ الذي يوافقه 13 - 17 / 12 / 2003 م وفيه تحذيرٌ وتنبيهٌ للمصارفِ من استغلالِ هذه المعاملةِ على غيرِ وجهها الشرعي ، ونَصَّ القرارُ على أن التورق المنظم الذي تجريه بعض البنوك محرم ، وقد ذكرنا القرار بكامله في جواب السؤال (98124) .
أما " شهادة التخزين " للسلعة التي ذكرها السائل فهي ليست بضاعة مشتراة حقيقة وداخلة في ملك البنك أو غيره من المؤسسات المالية التي تقوم بهذه المعاملة .
قال الدكتور محمد بن عبد الله الشباني :(152/3)
"أما ما يُطلق عليه " شهادة التخزين " والتي يشار إليها في بعض عقود صيغ التورق بأنها تمثل حصة محجوزة قيمة وكمية خاصة بسلعة لصالح البنك عن طريق السمسار لغرض التصرف فيها مستقبلاً : فهي لا تمثل شهادة من وكيل البنك تثبت فيها وجود سلع تم استلامها من المنتجين وتم تخزينها في مستودعات خاصة بالبنك أو مخازن مؤجرة لصالح البنك تحدد أن هذه السلع خاصة بالبنك ، وما هذه الشهادة إلا شهادة يصدرها المنتجون لهذه السلع لبيوت السمسرة الذين يمارسون عمليات إنشاء وتداول العقود في سوق المعادن العالمي ( البورصة ) ، حيث يحدد فيها مواصفات هذه السلع وكمياتها وتاريخ تسليمها ، ويتم على ضوء هذه الشهادة تداول العقود بيعاً وشراء ، ومن ثم فلا يوجد مجال للتعامل مع السلعة نفسها داخل سوق العقود" .
وقال أيضاً :
"فنصوص عقود البيع التي تجريها هذه البنوك تشير إلى أن هذه السلع لا توجد لدى البنك ، وأن ما يطلق عليه " شهادة التخزين " لا تمثل حيازة للسلعة ولا شهادة تملُّك ، فمن المعروف والمتعارف عليه في سوق البضائع العالمي ( البورصة ) أن التعامل فيه يتم من خلال بيت السمسرة ، والذي يدير عمليات تداول عقود بيع سلع تم شراؤها بسعر متفق عليه مسبقاً مع المنتج ، على أن يتم التسليم في تاريخ لاحق يناسب توقيت الحاجة إلى السلعة ، وعند حلول الأجل يقوم بيت السمسرة بشراء السلعة محل التعاقد من السوق الحاضر وتسليمها للمشتري ، وهذا ما يؤكد أنه لا يوجد مجال للتعامل على السلعة نفسها ، ولكون هذا التداول إنما يتم على أوراق ، وليس حيازة وتملكاً للسلع ، فإن بعض تلك البنوك أشارت في عقودها إلى أن ما يتم يكون على أوراق وليس حيازة وتملكاً للسلع .(152/4)
أما بعض البنوك فقد أشارت إلى أن حيازتها وتملكها للسلع إنما هو بموجب " شهادة التخزين " ، حيث يشار في العقد إلى أن السلعة توجد في بلاد أخرى غير البلد الذي يتم فيه تحرير العقد، ولتجنب الإلزام ومن أجل ترسيخ التحايل : لم يشر إلى الوكالة وضرورة تفويض البنك بالبيع نيابة عنه ، وإنما أشير إلى ذلك في نص الوكالة ، حيث أوضحت الوكالة أن السلع المشتراة من البنك هي سلع يتم تداولها في سوق السلع ( البورصة ) ، بخلاف بنوك أخرى جعلت نماذج التفويض والوكالة جزءاً من العقد ، وهذا الأسلوب هو نوع من التهرب والتضليل ومحاولة إضفاء نوع من صحة البيع ، وأنه لا يوجد فيه شروط فاسدة تفسد البيع ، ولكن هذا الأسلوب من التحايل لا يغيِّر من حقيقة الأمر" انتهى من مقال موسع في " مجلة البيان " .
وقال الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين :
"إذا كانت المصارف الإسلامية لم تستطع حتى الآن تحقيق أهدافها ، وكان ذلك بسبب أن الاتجاه العام الغالب لديها في استخدام الموارد لا يمكنها من ذلك ... فإن النتيجة المنطقية لذلك أنها لن تحقق في المستقبل ما عجزت عنه في الماضي .
والواقع يثبت أن المصارف الإسلامية بهذا الاتجاه ظلت تقترب من البنوك الربوية شيئاً فشيئاً ، وأن أوضح شاهد لذلك ما انتهت إليه المصرفية الإسلامية من اعتماد عمليتي " تيسير الأهلي " ، و " التورق المبارك " .
والظاهر أنه من الناحية العلمية فإنه من المستحيل القول إن الآثار السلبية للربا الاقتصادية والاجتماعية والسيكولوجية التي تتحقق في التمويل بالفائدة لا تتحقق في التمويل بـ " تيسير الأهلي " أو " التورق المبارك " بل إنه من الناحية الفقهية يستحيل على الفقيه دون أن يخادع نفسه أن يدَّعي وجود فارق بين هاتين العمليتين والاحتيال المحرم على الربا .(152/5)
بهذا الاقتراب من البنوك الربوية : فإن المصارف الإسلامية ستفقد هويتها الحقيقية ، ولا يبقى لها إلا الاسم" انتهى من مقال – له - بعنوان " المصارف الإسلامية ما لها وما عليها " .
والخلاصة :
أننا لا نرى التعامل مع البنوك فيما يدعونه شراء وهو في حقيقته ليس كذلك ، وقد يسمون فعلهم هذا " مرابحة " أو " تورقاً " وهذا لا يغيِّر من الحكم شيئاً ، وهذه المعاملات هي احتيال للتوصل إلى إقراض الناس بفوائد ربوية .
وقد ورد عن السلف النهي عن شراء سلعة بالأجل ثم توكيل البائع في بيعها :
أ. عن داود بن أبي عاصم أنه باع من أخته بيعاً إلى أجل ، ثم أمَرَتْه أن يبيعه ، فباعه ، قال : فسألتُ سعيد بن المسيب فقال : أبصِر ألا يكون هو أنت ؟ قلت : أنا هو ، قال : ذلك الربا ، فلا تأخذ منها إلا رأسمالك .
" مصنف ابن أبي شيبة " ( 7 / 275 ، 276 ) .
ب. وقال ابن القاسم : سألتُ مالكاً عن الرجل يبيع السلعة بمائة دينار إلى أجل ، فإذا وجَبَ البيع بينهما قال المبتاع للبائع : بعها لي من رجل بنقد فإني لا أبصر البيع ، فقال مالك : لا خير فيه ، ونهى عنه .
" المدونة " ( 4/125 ) .
والله أعلم(152/6)
ID=24997
Ref=87916
Submitted=2006-02-28 07:42:40
Lang=ara
IP=84.4.133.233
Name=عبد القادر
Email=aghzzaz@hotmail.fr
Gender=0
Age=32
Country=فرنسا
Language=Arabic
Profession=بدون Private=0
Religion=مسلم
Direct=1
Question=
مراجعة
هل يُنكِر على من يقع في البدعة؟
رفع اليدين بالدعاء ، والدعاء جهراً وجماعة بعد الصلوات المكتوبة بدعة.
سؤالي : هل يجب عليَّ أن أنكر على الذين يفعلون تلك البدعة من أفراد المسجد الذي أصلي فيه بما فيهم الإمام ؟ وما هي أفضل طريقة لذلك الإنكار ؟ مع العلم أن بعضهم من ذوي الرؤوس الصعبة - كما يقال - ، ولا حول ولا قوة إلا بالله ، يعني أنهم - كما تعلم - لا يرضون الحق بسهولة ، وقد لا يرضونه أبدا .
الجواب :
الحمد لله
أولاً :
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم شعائر الدين ، وبه تكون حياة الأمة وروحها .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 6 / 248 ) :
"اتّفق الأئمّة على مشروعيّة الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، وحكى الإمام النّوويّ وابن حزمٍ الإجماع على وجوبه ، وتطابقت آيات الكتاب وأحاديث الرّسول صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين على أنّه من النّصيحة الّتي هي الدّين ، قال اللّه تعالى : ( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران/104 ، وقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكراً فليغيّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) .
قال الإمام الغزاليّ : الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أصل الدّين ، وأساس رسالة المرسلين ، ولو طوي بساطه ، وأهمل علمه وعمله ، لتعطّلت النّبوّة واضمحلّت الدّيانة ، وعمّت الفوضى ، وهلك العباد .(153/1)
إلاّ أنّهم اختلفوا بعد ذلك في حكمه ، هل هو فرض عينٍ ، أو فرض كفايةٍ ، أو نافلة ؟ أو يأخذ حكم المأمور به والمنهيّ عنه ، أو يكون تابعاً لقاعدة جلب المصالح ودرء المفاسد .
على أربعة مذاهب" انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
الأمر المعروف والنهي عن المنكر واجب ، ولكنه فرض كفاية ، إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين ، ولكن إذا لم يوجد إلا الشخص المعين : صار الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في حقه واجباً عينيّاً كسائر فروض الكفايات إذا لم يوجد من يقوم بها وجب على الباقين ، وعلى هذا فلو مررتَ بقوم على منكر ولم تجد أحداً ينهاهم عنه : كان نهيك إياهم واجباً يجب عليك أن تنهاهم .
" اللقاء الشهري " ( اللقاء رقم 35 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
ما حكم من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهو يستطيع ذلك ؟ .
فأجاب :
حُكمه أنه عاصٍ لله ولرسوله ، ضعيف الإيمان ، وعليه خطر عظيم من أمراض القلوب وعقوبتها العاجلة والآجلة ، كما قال الله سبحانه : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ) ، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه أوشك أن يعمهم الله بعقابه ) رواه الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، نسأل الله أن يوفق المسلمين جميعا للقيام بهذا الواجب العظيم على الوجه الذي يرضيه.
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 504 ) .
ثانياً :(153/2)
حرص أهل العلم على ضبط هذا الباب بالضوابط والقيود الشرعية تجنبا لأي مفسدة يمكن أن تحصل نتيجة عدم فهم هذا الباب الخطير .
وقد جمع شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله بعض الضوابط والآداب في كلمة جامعة له قال فيها :
ينبغي لمن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر أن يكون فقيهاً فيما يأمر به ، فقيهاً فيما ينهى عنه ، رفيقاً فيما يأمر به ، رفيقاً فيما ينهى عنه ، حليماً فيما يأمر به ، حليماً فيما ينهى عنه ، فالفقه قبل الأمر ليعرف المعروف وينكر المنكر ، والرفق عند الأمر ليسلك أقرب الطرق إلى تحصيل المقصود ، والحلم بعد الأمر ليصبر على أذى المأمور المنهي ؛ فإنه كثيراً ما يحصل له الأذى بذلك ، ولهذا قال تعالى : ( وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ) لقمان/17 .
" مجموع الفتاوى " ( 15 / 167 ) .
كما جاء عن سفيان الثوري رحمه الله قوله :
لا يأمر بالمعروف ولا ينهى عن المنكر إلا من كان فيه ثلاث خصال : رفيق بما يأمر ، رفيق بما ينهى ، عدل بما يأمر ، عدل بما ينهى ، عالم بما يأمر ، عالم بما ينهى .
" جامع العلوم والحكم " ( ص 325 ) .
وهناك من المنكرات ما هو ظاهر كترك الصلاة ، أو شرب الخمر ، أو تبرج النساء ... ونحو ذلك ، فهذه يجب إنكارها على العالم وغيره ، لأن مخالفتها للشرع واضحة .
وهناك من المنكرات ما هو خفي أو قد اختلف اجتهاد العلماء فيه ، أو قَلّد العامي من أفتاه من أهل العلم بجوازها ، فهذه لا يشدد في إنكارها ، وإنما يُنصح من يفعلها بتركها وفعل ما هو أولى وأفضل .
ومن هذا : ما وقع السؤال عنه ، فإن من أهل العلم من يستحب الدعاء بعد كل صلاة ، وجرى العمل – للأسف - في كثير من البلاد على الدعاء الجماعي بعد كل صلاة ، وعلماؤهم يرون ذلك ولا ينكرونه ، بل قد يشاركونهم فيه ، ففي مثل هذه الحال يعذر العامي ، وينبغي التلطف معه والرفق حتى يتعلم السنة ويعمل بها .(153/3)
وقد سبق في موقعنا بيان حكم ما سألت عنه ، ونقل كلام أهل العلم في ذلك في جواب السؤال رقم (11543) و (21976) و (26279) . فيمكنك نقل ذلك إليهم ، فإن استجابوا فالحمد لله ، وإن أصروا على ما هم عليه ، فأمرهم إلى الله تعالى ، وقد فعلت ما وجب عليك .
نسأل الله تعالى أن يفقهنا في دينه .
والله أعلم
الدعوة – الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
موقع الإسلام سؤال وجواب(153/4)
رقم السؤال:
47982
العنوان:
لم تصم ما عليها من قضاء رمضان تسع سنوات
السؤال:
أنا فتاة كنت ضائعة ، والحمد الله اهتديت ، ولكن سؤالي بأني قبل كنت أصوم رمضان ولكن الدَّيْن الذي عليَّ لم أصمه لمدة 9 سنوات أي : حوالي 50 يوماً ، وأنا لا أستطيع أن أصومها كلها ، وأستطيع النصف ، والباقي سأتبرع به بمبلغ ، هل يجوز ؟ وكم يكون المبلغ ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الحمد لله الذي أنعم عليك بالهداية ، والتوفيق لما يحب ويرضى ، وأبشري بمغفرة الله ، فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له ، ومن أقبل على الله أقبل الله عليه .
ثانياً :
من أفطر في رمضان لعذر شرعي كالمسافر والمريض والمرأة الحائض فإنه يجب عليه قضاء ما أفطر من الأيام ، إذا كان قادراً على الصيام ، ولا يجوز له العدول إلى الإطعام وهو يقدر على الصيام ، لقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 . أي : يجب عليه أن يصوم عدد الأيام التي أفطرها .
وعَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ : مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ؟ فَقَالَتْ : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ ، فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ ، وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ . رواه مسلم (335) .
ثالثاً :
ولا يجب عليك أن تصوميها متتابعة ، فلك أن تفرقيها ، فتصومي يوماً وتفطري يوماً ، أو تصومي عدة أيام متتابعة وتفطري عدة أيام وهكذا .. حسب الأيسر والأسهل لك حتى يوفقك الله وتتمي ما عليك من الصيام .
وعليك البداءة بقضاء رمضان من السنة الفائتة أولاً ، حتى لا يدخل رمضان التالي قبل صيامها .
وانظري السؤال رقم (26865) فإنه مهم .
واستعيني بالله تعالى واطلبي منه أن يعينك على عبادته ، وكان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم : ( اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك ) .
وفقك الله لكل خير .(154/1)
رقم السؤال:
48956
العنوان:
هل للرجل أن يمنع زوجته من الاعتكاف؟
السؤال:
هل من حق زوجها منعها من الاعتكاف ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمرأة أن تعتكف إلا بإذن زوجها ، لأن اعتكافها في المسجد يفوت حق الزوج .
فإن أذن لها فله الرجوع في الإذن وإخراجها من الاعتكاف .
قال ابن قدامة (4/485) :
وَلَيْسَ لِلزَّوْجَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ إلا بِإِذْنِ زَوْجِهَا . . . فَإِنْ أَذِنَ الزَّوْجُ لَها , ثُمَّ أَرَادَ إخْرَاجَها مِنْهُ بَعْدَ شُرُوعِها فِيهِ , فَلَه ذَلِكَ فِي التَّطَوُّعِ . وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ . . . فَإِنْ كَانَ مَا أُذِنَ فِيهِ مَنْذُورًا , لَمْ يَكُنْ لَهُ تَحْلِيلُهُا مِنْهُ ; لأَنَّهُ يَتَعَيَّنُ بِالشُّرُوعِ فِيهِ , وَيَجِبُ إتْمَامُهُ , فَيَصِيرُ كَالْحَجِّ إذَا أَحْرَمَت بِهِ اهـ بتصرف .
وقد دلت السنة على جواز منع الرجل امرأته من الاعتكاف إلا بإذنه .
روى البخاري (2033) ومسلم (1173) عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَعْتَكِفَ صَلَّى الْفَجْرَ ثُمَّ دَخَلَ مُعْتَكَفَهُ وَإِنَّهُ أَمَرَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ أَرَادَ الاعْتِكَافَ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ فَأَمَرَتْ زَيْنَبُ بِخِبَائِهَا فَضُرِبَ وَأَمَرَ غَيْرُهَا مِنْ أَزْوَاجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخِبَائِهِ فَضُرِبَ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْفَجْرَ نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَةُ فَقَالَ آلْبِرَّ تُرِدْنَ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ وَتَرَكَ الاعْتِكَافَ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ حَتَّى اعْتَكَفَ فِي الْعَشْرِ الأَوَّلِ مِنْ شَوَّالٍ .(155/1)
وفي رواية للبخاري : ( فَاسْتَأْذَنَتْهُ عَائِشَة فَأَذِنَ لَهَا , وَسَأَلَتْ حَفْصَة عَائِشَة أَنْ تَسْتَأْذِن لَهَا فَفَعَلَتْ ) .
قال النووي :
( نَظَرَ فَإِذَا الأَخْبِيَة فَقَالَ : الْبِرّ يُرِدْنَ ؟ فَأَمَرَ بِخِبَائِهِ فَقُوِّضَ )
( قُوِّضَ ) أَيْ : أُزِيلَ .
( الْبِرّ ) أَيْ : الطَّاعَة .
قَالَ الْقَاضِي : قَالَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الْكَلام إِنْكَارًا لِفِعْلِهِنَّ , وَقَدْ كَانَ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَذِنَ لِبَعْضِهِنَّ فِي ذَلِكَ , كَمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيّ , قَالَ : وَسَبَب إِنْكَاره أَنَّهُ خَافَ أَنْ يَكُنَّ غَيْر مُخْلِصَات فِي الاعْتِكَاف , بَلْ أَرَدْنَ الْقُرْب مِنْهُ ; لِغَيْرَتِهِنَّ عَلَيْهِ , أَوْ لِغَيْرَتِهِ عَلَيْهِنَّ , فَكَرِهَ مُلازَمَتهنَّ الْمَسْجِد مَعَ أَنَّهُ يَجْمَع النَّاس وَيَحْضُرهُ الأَعْرَاب وَالْمُنَافِقُونَ , وَهُنَّ مُحْتَاجَات إِلَى الْخُرُوج وَالدُّخُول لِمَا يَعْرِض لَهُنَّ , فَيَبْتَذِلْنَ بِذَلِكَ , أَوْ لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَآهُنَّ عِنْده فِي الْمَسْجِد وَهُوَ فِي الْمَسْجِد فَصَارَ كَأَنَّهُ فِي مَنْزِله بِحُضُورِهِ مَعَ أَزْوَاجه , وَذَهَبَ الْمُهِمّ مِنْ مَقْصُود الاعْتِكَاف , وَهُوَ التَّخَلِّي عَنْ الأَزْوَاج وَمُتَعَلِّقَات الدُّنْيَا وَشِبْه ذَلِكَ ; أَوْ لأَنَّهُنَّ ضَيَّقْنَ الْمَسْجِد بِأَبْنِيَتِهِنَّ . وَفِي هَذَا الْحَدِيث دَلِيل لِصِحَّةِ اِعْتِكَاف النِّسَاء ; لأَنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ أَذِنَ لَهُنَّ , وَإِنَّمَا مَنَعَهُنَّ بَعْد ذَلِكَ لِعَارِضٍ , وَفِيهِ أَنَّ لِلرَّجُلِ مَنْع زَوْجَته مِنْ الاعْتِكَاف بِغَيْرِ إِذْنه , وَبِهِ قَالَ الْعُلَمَاء كَافَّة , فَلَوْ أَذِنَ لَهَا فَهَلْ لَهُ مَنْعهَا بَعْد ذَلِكَ ؟ فِيهِ خِلاف لِلْعُلَمَاءِ ,(155/2)
فَعِنْد الشَّافِعِيّ وَأَحْمَد وَدَاوُد لَهُ مَنْعها وَإِخْرَاجهمَا مِنْ اِعْتِكَاف التَّطَوُّع اهـ .
وَقَالَ اِبْن الْمُنْذِر وَغَيْرُهُ : فِي الْحَدِيث إِنَّ الْمَرْأَة لا تَعْتَكِف حَتَّى تَسْتَأْذِن زَوْجهَا وَأَنَّهَا إِذَا اِعْتَكَفَتْ بِغَيْرِ إِذْنِهِ كَانَ لَهُ أَنْ يُخْرِجَهَا , وَإِنْ كَانَ بِإِذْنِهِ فَلَهُ أَنَّ يَرْجِعَ فَيَمْنَعَهَا . وَعَنْ أَهْل الرَّأْي إِذَا أَذِنَ لَهَا الزَّوْجُ ثُمَّ مَنَعَهَا أَثِمَ بِذَلِكَ وَامْتَنَعَتْ , وَعَنْ مَالِك لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ , وَهَذَا الْحَدِيث حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ اهـ من "فتح الباري" .(155/3)
رقم السؤال:
48969
العنوان:
متى يبدأ التكبير في عيد الفطر ومتى ينتهي؟
السؤال:
متى يبدأ التكبير في عيد الفطر ومتى ينتهي ؟.
الجواب:
الحمد لله
في ختام شهر رمضان شرع الله لعباده أن يكبروه ، فقال تعالى : ( وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللَّهَ عَلَى? مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ) "تكبروا الله" أي : تعظموه بقلوبكم وألسنتكم ، ويكون ذلك بلفظ التكبير .
فتقول : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
أو تكبر ثلاثاً ، فتقول : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله . والله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد .
كل هذا جائز .
وهذا التكبير سنة عند جمهور أهل العلم ، وهو سنة للرجال والنساء ، في المساجد والبيوت والأسواق .
أما الرجال فيجهرون به ، وأما النساء فيسررن به بدون جهر ؛ لأن المرأة مأمورة بخفض صوتها . ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال ، ولتصفق النساء ) .
فالنساء يخفين التكبير والرجال يهجرون به .
وابتداؤه من غروب الشمس ليلة العيد إذا علم دخول الشهر قبل الغروب كما لو أكمل الناس الشهر ثلاثين يوماً ، أو من ثبوت رؤية هلال شوال ، وينتهي بالصلاة يعني إذا شرع الناس في صلاة العيد انتهى وقت التكبير .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/269-272).
وقال الشافعي في "الأم" :
قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : فِي شَهْرِ رَمَضَانَ ( وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ , وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ ) فَسَمِعْت مَنْ أَرْضَى مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْقُرْآنِ يَقُولَ : لِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ عِدَّةَ صَوْمِ شَهْرِ رَمَضَانَ وَتُكَبِّرُوا اللَّهُ عِنْدَ إكْمَالِهِ عَلَى مَا هَدَاكُمْ , وَإِكْمَالُهُ مَغِيبُ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ شَهْرِ رَمَضَانَ .
ثم قَالَ الشَّافِعِيُّ :(156/1)
فَإِذَا رَأَوْا هِلالَ شَوَّالٍ أَحْبَبْتُ أَنْ يُكَبِّرَ النَّاسُ جَمَاعَةً , وَفُرَادَى فِي الْمَسْجِدِ وَالأَسْوَاقِ , وَالطُّرُقِ , وَالْمَنَازِلِ , وَمُسَافِرِينَ , وَمُقِيمِينَ فِي كُلِّ حَالٍ , وَأَيْنَ كَانُوا , وَأَنْ يُظْهِرُوا التَّكْبِيرَ , وَلا يَزَالُونَ يُكَبِّرُونَ حَتَّى يَغْدُوَا إلَى الْمُصَلَّى , وَبَعْدَ الْغُدُوِّ حَتَّى يَخْرُجَ الإِمَامُ لِلصَّلاةِ ثُمَّ يَدَعُوا التَّكْبِيرَ . .
ثم روى عن سعيد ابْن الْمُسَيِّبِ وَعُرْوَةَ بْن الزُّبَيْرِ وَأَبي سَلَمَةَ وَأَبي بَكْرِ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أنهم كانوا يُكَبِّرُونَ لَيْلَةَ الْفِطْرِ فِي الْمَسْجِدِ يَجْهَرُونَ بِالتَّكْبِيرِ .
وعَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ وَأَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنَّهُمَا كَانَا يَجْهَرَانِ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُوَانِ إلَى الْمُصَلَّى .
وعن نَافِع بْن جُبَيْرٍ أنه كان يَجْهَرُ بِالتَّكْبِيرِ حِينَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ .
وعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَغْدُو إلَى الْمُصَلَّى يَوْمَ الْفِطْرِ إذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَيُكَبِّرُ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُصَلَّى يَوْمَ الْعِيدِ ثُمَّ يُكَبِّرُ بِالْمُصَلَّى حَتَّى إذَا جَلَسَ الإِمَامُ تَرَكَ التَّكْبِيرَ اهـ باختصار.(156/2)
رقم السؤال:
48983
العنوان:
حكم صلاة العيدين
السؤال:
ما حكم صلاة العيدين ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في حكم صلاة العيدين على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
أنها سنة مؤكدة . وهو مذهب الإمامين مالك والشافعي .
والقول الثاني :
أنها فرض على الكفاية ، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
القول الثالث :
أنها واجبة على كل مسلم ، فتجب على كل رجل ، ويأثم من تركها من غير عذر. وهو مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله ورواية عن الإمام أحمد . وممن اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية والشوكاني رحمهما الله .
انظر : المجموع (5/5) ، المغني (3/253) ، الإنصاف (5/316) ، الاختيارات (ص 82) .
واستدل أصحاب القول الثالث بعدة أدلة ، منها :
1- قوله تعالى : (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) الكوثر/2.
قال ابن قدامة في "المغني" : المشهور في التفسير أن المراد بذلك صلاة العيد اهـ .
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد من الآية الصلاة عموماً ، وليس خاصة بصلاة العيد ، فمعنى الآية : الأمر بإفراد الله تعالى بالصلاة والذبح ، فتكون كقوله تعالى : ( قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأنعام/162.
واختار هذا القول في معنى الآية ابن جرير (12/724) ، وابن كثير (8/502) .
فعلى هذا ، لا دليل في الآية على وجوب صلاة العيد .
2- أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر بالخروج إليها ، حتى أمر النساء بالخروج إليها .(157/1)
روى البخاري (324) ومسلم (890) عَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها قَالَتْ : أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نُخْرِجَهُنَّ فِي الْفِطْرِ وَالأَضْحَى الْعَوَاتِقَ وَالْحُيَّضَ وَذَوَاتِ الْخُدُورِ ، فَأَمَّا الْحُيَّضُ فَيَعْتَزِلْنَ الصَّلاةَ وَيَشْهَدْنَ الْخَيْرَ وَدَعْوَةَ الْمُسْلِمِينَ . قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِحْدَانَا لا يَكُونُ لَهَا جِلْبَابٌ . قَالَ : لِتُلْبِسْهَا أُخْتُهَا مِنْ جِلْبَابِهَا .
(الْعَوَاتِق) جَمْع عَاتِق وَهِيَ مَنْ بَلَغَتْ الْحُلُم أَوْ قَارَبَتْ , أَوْ اِسْتَحَقَّتْ التَّزْوِيج .
(وَذَوَات الْخُدُور) هن الأبكار .
والاستدلال بهذا الحديث على وجوب صلاة العيد أقوى من الاستدلال بالآية السابقة .
قال الشيخ ابن عثيمين في "مجموع الفتاوى" (16/214) :
"الذي أرى أن صلاة العيد فرض عين، وأنه لا يجوز للرجال أن يدعوها، بل عليهم حضورها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها بل أمر النساء العواتق وذوات الخدور أن يخرجن إلى صلاة العيد، بل أمر الحيض أن يخرجن إلى صلاة العيد ولكن يعتزلن المصلى، وهذا يدل على تأكدها" اهـ .
وقال أيضاً (16/217) :
"والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين ، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر" اهـ .
وقال الشيخ ابن باز في "مجموع الفتاوى" (13/7) عن القول بأنها فرض عين ، قال :
"وهذا القول أظهر في الأدلة ، وأقرب إلى الصواب" اهـ .(157/2)
رقم السؤال:
48985
العنوان:
هل يصح الاعتكاف في كل مسجد ؟
السؤال:
هل يصح الاعتكاف في كل مسجد ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في صفة المسجد الذي يجوز فيه الاعتكاف فذهب بعضهم إلى صحة الاعتكاف في كل مسجد ولو لم تقم فيه صلاة الجماعة ، عملا بعموم قوله تعالى : ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) البقرة/187 .
وذهب الإمام أحمد إلى أنه يشترط في المسجد أن تقام فيه صلاة الجماعة ، واستدل على ذلك بما يلي :
1- قول عائشة : ( لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ) رواه البيهقي ، وصححه الألباني في رسالة "قيام رمضان" .
2- وقال ابْن عَبَّاسٍ رضي الله عنهما : ( لا اعْتِكَافَ إلا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلاةُ ) . "الموسوعة الفقهية" (5/212)
3- ولأنه إذا اعتكف في مسجد لا تقام فيه صلاة الجماعة فإن ذلك يفضي إلى أحد أمرين :
الأول : إما ترك صلاة الجماعة ، ولا يجوز للرجل أن يترك صلاة الجماعة من غير عذر .
الثاني : وإما كثرة خروجه لأداء الصلاة في مسجد آخر وهذا منافٍ للاعتكاف .
انظر : "المغني" (4/461) .
قال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/312) :
"( ولا يصح –يعني الاعتكاف- إلا في مسجد يُجَمَّع فيه )
هل المراد الذي تقام فيه الجمعة ، أو تقام فيه الجماعة ؟
الجواب : المسجد الذي تقام فيه الجماعة ولا يشترط الذي تقام فيه الجمعة لأن المسجد الذي لا تقام فيه الجماعة لا يصدق عليه كلمة مسجد بالمعني الصحيح مثل أن يكون هذا المسجد قد هجره أهله أو نزحوا عنه اهـ
فلا يشترط أن يكون المسجد تقام فيه صلاة الجمعة ، لأنها لا تتكرر فلا يضر الخروج إليها ، بخلاف الصلوات الخمس فإنها تتكرر كل يوم وليلة .
وهذا الشرط –أي كون المسجد تقام فيه صلاة الجماعة– إنما هو إذا كان المعتكف رجلاً ، أما المرأة فيصح اعتكافها في كل مسجد ولو لم تقم فيه صلاة الجماعة ، لأن صلاة الجماعة غير واجبة عليها .(158/1)
قال ابن قدامة في "المغني" :
وَلِلْمَرْأَةِ أَنْ تَعْتَكِفَ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ . وَلا يُشْتَرَطُ إقَامَةُ الْجَمَاعَةِ فِيهِ ; لأَنَّهَا غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهَا . وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ اهـ .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/313) :
لو اعتكفت المرأة في مسجد لا تقام فيه الجماعة فلا حرج عليها لأنه لا يجب عليها أن تصلي مع الجماعة اهـ .(158/2)
رقم السؤال:
49000
العنوان:
لا يجوز لمن شرع في صوم واجب أن يفطر إلا لعذر
السؤال:
إذا نوى شخص أن يصوم قضاء ودعي للأكل عند زيارة بعض الأقارب فأكل ، فهل عليه إثم أو عليه إعادة ذلك اليوم مادام قد نوى الصيام ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا شرع الإنسان في صوم واجب حرم عليه الإفطار بدون عذر ، فإن أفطر وجب عليه قضاء هذا اليوم.
قال ابن مفلح في "الفروع" :
وَيَحْرُمُ فِطْرُ مَنْ صَوْمُهُ وَاجِبٌ اهـ .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "فتاوى الصيام" (ص 452) :
عن امرأة كانت صائمة قضاء ، ونزل عندها ضيوف ومن باب المجاملة أفطرت فهل هذا جائز ؟
فأجاب :
هذا القضاء إذا كان قضاء عن واجب كقضاء رمضان ، فإنه لا يجوز لأحد أن يفطر إلا لضرورة ، وأما فطره لنزول الضيف به فإنه حرام ، ولا يجوز ، لأن القاعدة الشرعية : "أن كل من شرع في واجب فإنه يجب عليه إتمامه إلا لعذر شرعي" .
وأما إذا كان قضاء نفل فإنه لا يلزمها أن تتمه ، لأنه ليس بواجب اهـ .
وقال أيضاً في "فتاوى الصيام" (ص 451) :
إذا شرع الإنسان في صوم واجب كقضاء رمضان وكفارة اليمين وكفارة فدية الحلق في الحج إذا حلق المحرم قبل أن يحل وما أشبه ذلك من الصيام الواجب فإنه لا يجوز له أن يقطعه إلا لعذر شرعي وهكذا كل من شرع في شيء واجب فإنه يلزمه إتمامه ولا يحل له قطعه إلا بعذر شرعي يبيح قطعه اهـ .(159/1)
رقم السؤال:
49002
العنوان:
أقل زمن للاعتكاف
السؤال:
ما أقل مقدار للاعتكاف ؟ فهل يمكن أن أعتكف وقتا قصيراً أم لا بد من اعتكاف عدة أيام ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف العلماء في أقل زمن للاعتكاف .
فذهب جمهور العلماء إلى أن أقله لحظة ، وهو مذهب أبي حنيفة والشافعي وأحمد .
انظر : الدر المختار (1/445) ، المجموع (6/489) ، الإنصاف (7/566) .
قال النووي في المجموع (6/514) :
وَأَمَّا أَقَلُّ الاعْتِكَافِ فَالصَّحِيحُ الَّذِي قَطَعَ بِهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُشْتَرَطُ لُبْثٌ فِي الْمَسْجِدِ , وَأَنَّهُ يَجُوزُ الْكَثِيرُ مِنْهُ وَالْقَلِيلُ حَتَّى سَاعَةٍ أَوْ لَحْظَةٍ اهـ باختصار .
واستدلوا على هذا بعدة أدلة :
1- أن الاعتكاف في اللغة هو الإقامة ، وهذا يصدق على المدة الطويلة والقصيرة ولم يرد في الشرع ما يحدده بمدة معينة .
قال ابن حزم : "والاعتكاف في لغة العرب الإقامة .. فكل إقامة في مسجد لله تعالى بنية التقرب إليه اعتكاف .. مما قل من الأزمان أو كثر ، إذ لم يخص القرآن والسنة عدداً من عدد ، ووقتاً من وقت" اهـ . المحلى (5/179) .
2- روى ابن أبي شيبة عن يعلى بن أمية رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : إني لأمكث في المسجد الساعة ، وما أمكث إلا لأعتكف . احتج به ابن حزم في المحلى (5/179) وذكره الحافظ في الفتح وسكت عليه . والساعة هي جزء من الزمان وليست الساعة المصطلح عليها الآن وهي ستون دقيقة .
وذهب بعض العلماء إلى أن أقل مدته يوم وهو رواية عن أبي حنيفة وقال به بعض المالكية .
وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/441) :
"الاعتكاف هو المكث في المسجد لطاعة الله تعالى سواء كانت المدة كثيرة أو قليلة ، لأنه لم يرد في ذلك فيما أعلم ما يدل على التحديد لا بيوم ولا بيومين ولا بما هو أكثر من ذلك ، وهو عبادة مشروعة إلا إذا نذره صار واجبا بالنذر وهو في المرأة والرجل سواء" اهـ .(160/1)
رقم السؤال:
49003
العنوان:
ثواب الاعتكاف
السؤال:
ما ثواب الاعتكاف ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الاعتكاف مشروع ، وهو قربة إلى الله جل وعلا . راجع السؤال رقم (48999) .
فإذا ثبت هذا ، فقد جاءت أحاديث كثيرة ترغب في التقرب إلى الله تعالى بنوافل العبادات ، وهذه الأحاديث بعمومها تشمل كل عبادة ومنها الاعتكاف .
فمن هذه الأحاديث : قول الله سبحانه وتعالى في الحديث القدسي : ( وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا ، وَإِنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ ) . رواه البخاري (6502) .
ثانيا :
وردت أحاديث في فضل الاعتكاف وبيان ثوابه إلا أنها كلها ضعيفة أو موضوعة .
قال أبو داود : قلت لأحمد (يعني الإمام أحمد بن حنبل) : تعرف في فضل الاعتكاف شيئا ؟ قال : لا ، إلا شيئا ضعيفا اهـ . مسائل أبي داود (ص96) .
ومن هذه الأحاديث :
1- روى ابن ماجه (1781) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُعْتَكِفِ : ( هُوَ يَعْكِفُ الذُّنُوبَ ، وَيُجْرَى لَهُ مِنْ الْحَسَنَاتِ كَعَامِلِ الْحَسَنَاتِ كُلِّهَا ) . ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه .
( يَعْكِفُ الذُّنُوب ) أي : يَمْنَع الذُّنُوب. قاله السندي .
2- روى الطبراني والحاكم والبيهقي وضعفه عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اعتكف يوما ابتغاء وجه الله جعل الله بينه وبين النار ثلاث خنادق أبعد مما بين الخافقين ) . ضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (5345). والخافقان المشرق والمغرب .(161/1)
3- روى الديلمي عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من اعتكف إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) ضعفه الألباني في ضعيف الجامع (5442) .
4- روى البيهقي وضعفه عن الحسين بن علي رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من اعتكف عشرا في رمضان كان كحجتين وعمرتين ) . ذكره الألباني في "السلسلة الضعيفة" ". (518) وقال : موضوع .(161/2)
رقم السؤال:
49007
العنوان:
الهدف الأساسي من الاعتكاف ، ولماذا ترك المسلمون تلك السنة ؟
السؤال:
لماذا ترك المسلمون الاعتكاف ، مع أنه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟ وما هو الهدف من الاعتكاف ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الاعتكاف من السنن المؤكدة التي واظب عليها الرسول صلى الله عليه وسلم .
وانظر الأدلة على مشروعيته في إجابة السؤال رقم (48999).
وقد اختفت هذه السنة من حياة المسلمين إلا من رحم ربي شأنها في ذلك شأن كثير من السنن التي أماتها المسلمون أو كادوا .
ولذلك أسباب ، منها :
1- ضعف الجانب الإيماني في كثير من النفوس .
2- الإقبال المتزايد على ملذات الحياة الدنيا وشهواتها ، والذي أدى إلى عدم القدرة على الابتعاد عنها ولو لفترة قليلة .
3- هوان الجنة في نفوس كثير من الناس ، وميلهم إلى الراحة والدعة ، فلا يريدون تحمل مشقة الاعتكاف ولو كان ذلك في سبيل رضا الله سبحانه وتعالى .
ومن علم عظم قدر الجنة ونعيمها بذل في الحصول عليها النفس والنفيس ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ ، أَلا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ ) رواه الترمذي وصححه الألباني (2450) .
4- اقتصار محبة الرسول صلى الله عليه وسلم في كثير من النفوس على الجانب اللفظي دون العملي والذي يتمثل في تطبيق جوانب السنة المحمدية المتعددة ومنها الاعتكاف ، قال الله تعالى: ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب/21. قال ابن كثير رحمه الله (3/756) : هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله اهـ .
وقد تعجب بعض السلف من ترك الناس للاعتكاف مع مواظبة النبي صلى الله عليه وسلم عليه .(162/1)
قال اِبْن شِهَاب الزهري : عَجَبًا لِلْمُسْلِمِينَ , تَرَكُوا الاعْتِكَاف , وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْهُ مُنْذُ دَخَلَ الْمَدِينَةَ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ .
ثانياً :
الاعتكاف الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم في آخر حياته اعتكاف العشر الأواخر من رمضان ، وهذه الأيام المعدودة تعتبر –بحق- بمثابة دورة تربوية مكثفة لها نتائجها الإيجابية الفورية في حياة الإنسان في أيام وليالي الاعتكاف ، ولها أثرها الإيجابي على حياة الإنسان فيما يستقبله من أيام خلال حياته التي يحياها إلى رمضان آخر .
فما أحوجنا معاشر المسلمين إلى إحياء هذه السنة وإقامتها على الوجه الصحيح الذي كان عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه .
فيا فوز المتمسكين بالسنة بعد غفلة الناس وفساد الأمة .
ثالثاً :
كان الهدف الأساسي من اعتكافه صلى الله عليه وسلم التماس ليلة القدر .
روى مسلم (1167) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوَّلَ مِنْ رَمَضَانَ ، ثُمَّ اعْتَكَفَ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ فِي قُبَّةٍ تُرْكِيَّةٍ (أي : خيمة صغيرة) عَلَى سُدَّتِهَا (أي : بابها) حَصِيرٌ . قَالَ : فَأَخَذَ الْحَصِيرَ بِيَدِهِ فَنَحَّاهَا فِي نَاحِيَةِ الْقُبَّةِ ، ثُمَّ أَطْلَعَ رَأْسَهُ فَكَلَّمَ النَّاسَ ، فَدَنَوْا مِنْهُ ، فَقَالَ : إِنِّي اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوَّلَ أَلْتَمِسُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ ، ثُمَّ اعْتَكَفْتُ الْعَشْرَ الأَوْسَطَ ، ثُمَّ أُتِيتُ فَقِيلَ لِي : إِنَّهَا فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ ، فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ ، فَاعْتَكَفَ النَّاسُ مَعَهُ .
وفي هذا الحديث من الفوائد :(162/2)
1- أن الهدف الأساسي من اعتكافه صلى الله عليه وسلم إلتماس ليلة القدر ، والاستعداد لقيامها وإحيائها بالعبادة ، وذلك لعظم فضل هذه الليلة ، وقد قال الله تعالى : ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) القدر/3.
2- اجتهاده صلى الله عليه وسلم في تحريها قبل معرفته بوقتها ، فبدأ بالعشر الأول ثم الأوسط ، ثم استمر معتكفاً حتى آخر الشهر حينما أُعلم أنها في العشر الأواخر ، وهي القمة في الاجتهاد طلباً لليلة القدر .
3- متابعة الصحابة رضوان الله عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، إذ إنهم بدأوا الاعتكاف واستمروا معه حتى نهاية الشهر ، وذلك لشدة تأسيهم به صلى الله عليه وسلم .
4- شفقته صلى الله عليه وسلم على أصحابه ورحمته بهم ، فلعلمه بمشقة الاعتكاف خَيَّرهم في الاستمرار معه أو الخروج فقال : ( فَمَنْ أَحَبَّ مِنْكُمْ أَنْ يَعْتَكِفَ فَلْيَعْتَكِفْ ) .
وللاعتكاف مقاصد أخرى ، منها :
1- الانقطاع عن الناس ما أمكن ، حتى يتم أُنسه بالله عز وجل .
2- إصلاح القلب بالإقبال على الله تبارك وتعالى بكليته .
3- الانقطاع التام للعبادة الصرفة من صلاة ودعاء وذكر وقراءة قرآن .
4- حفظ الصيام من كل ما يؤثر عليه من حظوظ النفس والشهوات .
5- التقلل من المباح من الأمور الدنيوية والزهد في كثير منها مع القدرة عليها .
انظر كتاب "الاعتكاف نظرة تربوية" للدكتور عبد اللطيف بالطو .(162/3)
رقم السؤال:
49014
العنوان:
أحكام العيد والسنن التي فيه
السؤال:
أريد أن أعرف بعض السنن والأحكام التي تفعل في العيد .
الجواب:
الحمد لله
جعل الله في العيد أحكاماً متعددة ، منها :
أولاً : استحباب التكبير في ليلة العيد من غروب الشمس آخر يوم من رمضان إلى حضور الإمام للصلاة ، وصيغة التكبير : الله أكبر الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ولله الحمد . أو يكبر ثلاثاً فيقول : الله أكبر ، الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، الله أكبر ، الله أكبر ، ولله الحمد . وكل ذلك جائز .
وينبغي أن يرفع الإنسان صوته بهذا الذكر في الأسواق والمساجد والبيوت ، ولا ترفع النساء أصواتهن بذلك .
ثانياً : يأكل تمرات وتراً قبل الخروج للعيد ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات وتراً ، ويقتصر على وتر كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم .
ثالثاً : يلبس أحسن ثيابه ، وهذا للرجال ، أما النساء فلا تلبس الثياب الجميلة عند خروجها إلى مصلى العيد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (وليخرجن تَفِلات) أي في ثياب عادية ليست ثياب تبرج ، ويحرم عليها أن تخرج متطيبة متبرجة .
رابعاً : استحب بعض العلماء أن يغتسل الإنسان لصلاة العيد ؛ لأن ذلك مروي عن بعض السلف ، والغسل للعيد مستحب ، كما شرع للجمعة لاجتماع الناس ، ولو اغتسل الإنسان لكان ذلك جيداً .
خامساً : صلاة العيد . وقد أجمع المسلمون على مشروعية صلاة العيد ، ومنهم من قال : هي سنة . ومنهم من قال : فرض كفاية . وبعضهم قال : فرض عين ومن تركها أثم ، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر حتى ذوات الخدور والعواتق ومن لا عادة لهن بالخروج أن يحضرن مصلى العيد ، إلا أن الحيض يعتزلن المصلى ، لأن الحائض لا يجوز أن تمكث في المسجد ، وإن كان يجوز أن تمر بالمسجد لكن لا تمكث فيه .(163/1)
والذي يترجح لي من الأدلة أنها فرض عين ، وأنه يجب على كل ذكر أن يحضر صلاة العيد إلا من كان له عذر ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
ويقرأ الإمام في الركعة الأولى (سبح اسم ربك الأعلى) وفي الثانية (هل أتاك حديث الغاشية) أو يقرأ سورة (ق) في الأولى ، وسورة القمر في الثانية ، وكلاهما صح به الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
سادساً : إذا اجتمعت الجمعة والعيد في يوم واحد ، فتقام صلاة العيد ، وتقام كذلك صلاة الجمعة ، كما يدل عليه ظاهر حديث النعمان بن بشير الذي رواه مسلم في صحيحه ، ولكن من حضر مع الإمام صلاة العيد إن شاء فليحضر الجمعة ، وإن شاء فليصل ظهراً .
سابعاً : ومن أحكام صلاة العيد أنه عند كثير من أهل العلم أن الإنسان إذا جاء إلى مصلى العيد قبل حضور الإمام فإنه يجلس ولا يصلي ركعتين ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العيد ركعتين لم يصل قبلهما ولا بعدهما .
وذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا جاء فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ؛ لأن مصلى العيد مسجد ، بدليل منع الحيض منه ، فثبت له حكم المسجد ، فدل على أنه مسجد ، وعلى هذا فيدخل في عموم قوله عليه الصلاة والسلام : ( إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين ) . وأما عدم صلاته صلى الله عليه وسلم قبلها وبعدها فلأنه إذا حضر بدأ بصلاة العيد .
إذن يثبت لمصلى العيد تحية المسجد كما تثبت لسائر المساجد ، ولأننا لو أخذنا من الحديث أن مسجد العيد ليس له تحية لقلنا : ليس لمسجد الجمعة تحية ؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا حضر مسجد الجمعة يخطب ثم يصلي ركعتين ، ثم ينصرف ويصلي راتبة الجمعة في بيته ، فلم يصل قبلها ولا بعدها .(163/2)
والذي يترجح عندي أن مسجد العيد تصلى فيه ركعتان تحية المسجد ، ومع ذلك لا ينكر بعضنا على بعض في هذه المسألة ؛ لأنها مسألة خلافية ، ولا ينبغي الإنكار في مسائل الخلاف إلا إذا كان النص واضحاً كل الوضوح ، فمن صلى لا ننكر عليه ، ومن جلس لا ننكر عليه .
ثامناً : من أحكام يوم العيد ـ عيد الفطر ـ أنه تفرض فيه زكاة الفطر ، فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن تخرج قبل صلاة العيد ، ويجوز إخراجها قبل ذلك بيوم أو يومين لحديث ابن عمر رضي الله عنهما عند البخاري : (وكانوا يعطون قبل الفطر بيوم أو يومين) ، وإذا أخرجها بعد صلاة العيد فلا تجزئه عن صدقة الفطر لحديث ابن عباس : (من أداها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أداها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات) ، فيحرم على الإنسان أن يؤخر زكاة الفطر عن صلاة العيد ، فإن أخرها بلا عذر فهي زكاة غير مقبولة ، وإن كان بعذر كمن في السفر وليس عنده ما يخرجه أو من يخرج إليه ، أو من اعتمد على أهله أن يخرجوها واعتمدوا هم عليه، فذلك يخرجها متى تيسر له ذلك ، وإن كان بعد الصلاة ولا إثم عليه؛ لأنه معذور .
تاسعاً : يهنىء الناس بعضهم بعضاً، ولكن يحدث من المحظورات في ذلك ما يحدث من كثير من الناس ، حيث يدخل الرجال البيوت يصافحون النساء سافرات بدون وجود محارم . وهذه منكرات بعضها فوق بعض .(163/3)
ونجد بعض الناس ينفرون ممن يمتنع عن مصافحة من ليست محرماً له ، وهم الظالمون وليس هو الظالم ، والقطيعة منهم وليست منه ، ولكن يجب عليه أن يبين لهم ويرشدهم إلى سؤال الثقات من أهل العلم للتثبت ، ويرشدهم أن لا يغضبوا لمجرد اتباع عادات الاباء والأجداد ؛ لأنها لا تحرم حلالاً ، ولا تحلل حراماً، ويبين لهم أنهم إذا فعلوا ذلك كانوا كمن حكى الله قولهم : ( وَكَذَلِكَ مَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ فِى قَرْيَةٍ مِّن نَّذِيرٍ إِلاَّ قَالَ مُتْرَفُوهَآ إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى ءَاثَارِهِم مُّقْتَدُونَ ) .
ويعتاد بعض الناس الخروج إلى المقابر يوم العيد يهنئون أصحاب القبور، وليس أصحاب القبور في حاجة لتهنئة ، فهم ما صاموا ولا قاموا .
وزيارة المقبرة لا تختص بيوم العيد ، أو الجمعة ، أو أي يوم ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم زار المقبرة في الليل ، كما في حديث عائشة عند مسلم . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( زوروا القبور فإنها تذكركم الاخرة) .
وزيارة القبور من العبادات ، والعبادات لا تكون مشروعة حتى توافق الشرع . ولم يخصص النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد بزيارة القبور ، فلا ينبغي أن يخصص بها .
عاشراً : ومما يفعل يوم العيد معانقة الرجال بعضهم لبعض ، وهذا لا حرج فيه .
الحادي عشر : ويشرع لمن خرج لصلاة العيد أن يخرج من طريق ويرجع من آخر اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا تسن هذه السنة في غيرها من الصلوات ، لا الجمعة ولا غيرها ، بل تختص بالعيد .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (16/216-223) باختصار .(163/4)
رقم السؤال:
49020
العنوان:
هديه صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين
السؤال:
أريد أن أعرف هدي النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة العيدين .
الجواب:
الحمد لله
كان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يصلي العيدين في المصلى ، ولم يثبت عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه صلى العيد في مسجده .
قَالَ الشَّافِعِيّ فِي الأُمّ : بَلَغَنَا أَنَّ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَخْرُج فِي الْعِيدَيْنِ إِلَى الْمُصَلَّى بِالْمَدِينَةِ وَهَكَذَا مَنْ بَعْده إِلا مِنْ عُذْر مَطَر وَنَحْوه , وَكَذَا عَامَّة أَهْل الْبُلْدَان إِلا أَهْل مَكَّة . اِنْتَهَى .
وكان يلبس للخروج إليهما أجمل ثيابه ، فكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له حُلَّة يلبسها للعيدين والجمعة .
(والحُلَّة ثوبان من جنس واحد) .
وكان يأكل قبل خروجه في عيد الفطر تمرات ، ويأكلهن وترا .
روى البخاري (953) عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يَغْدُو يَوْمَ الْفِطْرِ حَتَّى يَأْكُلَ تَمَرَاتٍ ، وَيَأْكُلُهُنَّ وِتْرًا .
وَقَالَ اِبْنُ قُدَامَةَ : لا نَعْلَمُ فِي اِسْتِحْبَابِ تَعْجِيلِ الأَكْلِ يَوْمَ الْفِطْرِ اِخْتِلافًا . اِنْتَهَى .
والْحِكْمَةُ فِي الأَكْلِ قَبْلَ الصَّلاةِ أَنْ لا يَظُنَّ ظَانٌّ لُزُومَ الصَّوْمِ حَتَّى يُصَلِّيَ الْعِيدَ .
وقيل : مُبَادَرَةً إِلَى اِمْتِثَالِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى بوجوب الفطر بعد وجوب الصوم .
فإن لم يجد المسلم تمراً أفطر على غيره ولو على ماء ، حتى يحصل له أصل السنة . وهي الإفطار قبل صلاة عيد الفطر .
وأما في عيد الأضحى فكان لا يطعم حتى يرجع من المصلى فيأكل من أضحيته .(164/1)
وروي عنه أنه كان يغتسل للعيدين ، قال ابن القيم : فيه حديثان ضعيفان . . ولكن ثبت عن ابن عمر مع شدة اتباعه للسنة أنه كان يغتسل يوم العيد قبل خروجه اهـ .
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخرج إلى صلاة العيد ماشيا ، ويرجع ماشياً .
روى ابن ماجه (1295) عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْرُجُ إِلَى الْعِيدِ ، مَاشِيًا وَيَرْجِعُ مَاشِيًا . حسنه الألباني في صحيح ابن ماجه .
وروى الترمذي (530) عن عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ : مِنْ السُّنَّةِ أَنْ تَخْرُجَ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا . حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
قَالَ الترمذي : وَالْعَمَلُ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ يَسْتَحِبُّونَ أَنْ يَخْرُجَ الرَّجُلُ إِلَى الْعِيدِ مَاشِيًا . . . وَيُسْتَحَبُّ أَنْ لا يَرْكَبَ إِلا مِنْ عُذْرٍ .
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا انتهى إلى المصلى أخذ في الصلاة من غير أذان ولا إقامة ولا قول الصلاة جامعة ، والسنة أنه لا يُفعل شيءٌ من ذلك .
ولم يكن يصلي في المصلى قبل صلاة العيد أو بعدها شيئاً .
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يبدأ بالصلاة قبل الخطبة ، فيصلي ركعتين يكبر في الأولى سبع تكبيرات متوالية بتكبيرة الإحرام أو غيرها ، يسكت بين كل تكبيرتين سكتة يسيرة ولم يحفظ عنه ذكر معين بين التكبيرات ، ولكن ذُكر عن ابن مسعود أنه قال : يحمد الله ، ويثني عليه ، ويصلي على النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وكان ابن عمر مع تحريه لاتباع النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يرفع يديه مع كل تكبيرة .(164/2)
وكان إذا أتم التكبير أخذ في القراءة فقرأ فاتحة الكتاب ثم قرأ بعدها (ق والقرآن المجيد) في إحدى الركعتين ، وفي الأخرى (اقتربت الساعة وانشق القمر) ، وربما قرأ فيهما (سبح اسم ربك الأعلى) و (هل أتاك حديث الغاشية) صح عنه هذا وهذا ، ولم يصح عنه غير ذلك ، فإذا فرغ من القراءة كبر وركع ثم إذا أكمل الركعة وقام من السجود ، وكبر خمسا متوالية ، فإذا أكمل التكبير أخذ في القراءة ، فيكون التكبير أول ما يبدأ به في الركعتين ، والقراءة يليها الركوع .
وقد روى الترمذي من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده أن رسول الله كبر في العيدين في الأولى سبعا قبل القراءة ، وفي الآخرة خمسا قبل القراءة . قال الترمذي : سألت محمدا -يعني : البخاري- عن هذا الحديث فقال : ليس في الباب شيء أصح من هذا ، وبه أقول اهـ .
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذا أكمل الصلاة انصرف ، فقام مقابل الناس ، والناس جلوس على صفوفهم، فيعظهم ويوصيهم ، ويأمرهم وينهاهم ، وإن كان يريد أن يبعث بعثا بعثه ، أو يأمر بشيء أمر به .
ولم يكن هنالك منبر يرقى عليه ، ولم يكن يخرج منبر المدينة ، وإنما كان يخطبهم قائما على الأرض قال جابر : شهدت مع رسول الله الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا إقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحث على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن . متفق عليه .
وقال أبو سعيد الخدري رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : كان النبي يخرج يوم الفطر والأضحى إلى المصلى ، فأول ما يبدأ به الصلاة ، ثم ينصرف فيقوم مقابل الناس والناس جلوس على صفوفهم . . الحديث رواه مسلم .(164/3)
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح خطبه كلها بالحمد لله ، ولم يحفظ عنه في حديث واحد أنه كان يفتتح خطبتي العيدين بالتكبير . وإنما روى ابن ماجه في سننه (1287) عن سَعْدٍ القَرَظ مُؤَذِّنِ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ بَيْنَ أَضْعَافِ الْخُطْبَةِ يُكْثِرُ التَّكْبِيرَ فِي خُطْبَةِ الْعِيدَيْنِ ) . ضعفه الألباني في ضعيف ابن ماجه . ومع ضعف الحديث فإنه لا يدل على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يفتتح خطبة العيد بالتكبير .
وقال في تمام المنة : "ومع أنه لا يدل على مشروعية افتتاح خطبة العيد بالتكبير ، فإن إسناده ضعيف ، فيه رجل ضعيف وآخر مجهول ، فلا يجوز الاحتجاج به على سنية التكبير في أثناء الخطبة" اهـ .
قال ابن القيم :
"وقد اختلف الناس في افتتاح خطبة العيدين والاستسقاء فقيل يفتتحان بالتكبير وقيل تفتتح خطبة الاستسقاء بالاستغفار وقيل يفتتحان بالحمد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : وهو الصواب . . وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفتتح خطبه كلها بالحمد لله اهـ .
ورخص النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن شهد العيد أن يجلس للخطبة ، أو أن يذهب .
روى أبو داود (1155) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ السَّائِبِ قَالَ : شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعِيدَ ، فَلَمَّا قَضَى الصَّلاةَ قَالَ : ( إِنَّا نَخْطُبُ ، فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَجْلِسَ لِلْخُطْبَةِ فَلْيَجْلِسْ ، وَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يَذْهَبَ فَلْيَذْهَبْ ) . صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخالف الطريق يوم العيد ، فيذهب في طريق ويرجع في آخر .(164/4)
روى البخاري (986) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ : كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا كَانَ يَوْمُ عِيدٍ خَالَفَ الطَّرِيقَ .(164/5)
رقم السؤال:
49042
العنوان:
يسأل عن فضل العشر من ذي الحجة
السؤال:
هل للأيام العشر الأوائل من شهر ذي الحجة فضل على غيرها من سائر الأيام ؟ وما هي الأعمال الصالحة التي يستحب الإكثار منها في هذه العشر ؟.
الجواب:
الحمد لله
من مواسم الطّاعة العظيمة العشر الأول من ذي الحجة ، التي فضّلها الله تعالى على سائر أيام العام ؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله منه في هذه الأيام العشر . قالوا ولا الجهاد في سبيل الله !! قال : ولا الجهاد في سبيل الله ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ولم يرجع من ذلك بشيء ) أخرجه البخاري 2/457 .
وعنه أيضا ،ً رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من عمل أزكى عند الله عز وجل ، ولا أعظم أجراً من خير يعمله في عشر الأضحى . قيل : ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال : ولا الجهاد في سبيل الله عز وجل ، إلا رجل خرج بنفسه وماله ، فلم يرجع من ذلك بشيء ) رواه الدارمي 1/357 وإسناده حسن كما في الإرواء 3/398 .
فهذه النصوص وغيرها تدلّ على أنّ هذه العشر أفضل من سائر أيام السنة من غير استثناء شيء منها ، حتى العشر الأواخر من رمضان . ولكنّ ليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة ، لاشتمالها على ليلة القدر ، التي هي خير من ألف شهر . انظر تفسير ابن كثير 5/412
فينبغي على المسلم أن يستفتح هذه العشر بتوبة نصوح إلى الله ، عز وجل ، ثم يستكثر من الأعمال الصالحة ، عموما ، ثم تتأكد عنايته بالأعمال التالية :
1- الصيام
فيسن للمسلم أن يصوم تسع ذي الحجة . لأن النبي صلى الله عليه وسلم حث على العمل الصالح في أيام العشر ، والصيام من أفضل الأعمال . وقد اصطفاه الله تعالى لنفسه كما في الحديث القدسي : " قال الله : كل عمل بني آدم له إلا الصيام فإنه لي وأنا أجزي به " أخرجه البخاري 1805(165/1)
وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة . فعن هنيدة بن خالد عن امرأته عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة ويوم عاشوراء وثلاثة أيام من كل شهر . أول اثنين من الشهر وخميسين " أخرجه النسائي 4/205 وأبو داود وصححه الألباني في صحيح أبي داود 2/462 .
2- الإكثار من التحميد والتهليل والتكبير :
فيسن التكبير والتحميد والتهليل والتسبيح أيام العشر . والجهر بذلك في المساجد والمنازل والطرقات وكل موضع يجوز فيه ذكر الله إظهاراً للعبادة ، وإعلاناً بتعظيم الله تعالى .
ويجهر به الرجال وتخفيه المرأة
قال الله تعالى : ( ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام ) الحج/28 . والجمهور على أن الأيام المعلومات هي أيام العشر لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما : ( الأيام المعلومات : أيام العشر )
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيهن من هذه الأيام العشر فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد ) أخرجه احمد 7/224 وصحّح إسناده أحمد شاكر .
وصفة التكبير : الله أكبر ، الله أكبر لا إله إلا الله ، والله أكبر ولله الحمد ، وهناك صفات أخرى .
والتكبير في هذا الزمان صار من السنن المهجورة ولاسيما في أول العشر فلا تكاد تسمعه إلا من القليل ، فينبغي الجهر به إحياء للسنة وتذكيراً للغافلين ، وقد ثبت أن ابن عمر وأبا هريرة رضي الله عنهما كانا يخرجان إلى السوق أيام العشر يكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ، والمراد أن الناس يتذكرون التكبير فيكبر كل واحد بمفرده وليس المراد التكبير الجماعي بصوت واحد فإن هذا غير مشروع .(165/2)
إن إحياء ما اندثر من السنن أو كاد فيه ثواب عظيم دل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : ( من أحيا سنة من سنتي قد أميتت بعدي فإن له من الأجر مثل من عمل بها من غير أن ينقص من أجورهم شيئاً ) أخرجه الترمذي 7/443 وهو حديث حسن لشواهده .
3- أداء الحج والعمرة : إن من أفضل ما يعمل في هذه العشر حج بيت الله الحرام ، فمن وفقه الله تعالى لحج بيته وقام بأداء نسكه على الوجه المطلوب فله نصيب - إن شاء الله - من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ).
4- الأضحية :
ومن الأعمال الصالحة في هذا العشر التقرب إلى الله تعالى بذبح الأضاحي واستسمانها واستحسانها وبذل المال في سبيل الله تعالى .
فلنبادر باغتنام تلك الأيام الفاضلة ، قبل أن يندم المفرّط على ما فعل ، وقبل أن يسأل الرّجعة فلا يُجاب إلى ما سأل .(165/3)
رقم السؤال:
49632
العنوان:
الفرق بين زكاة المال وزكاة الفطر
السؤال:
هل الزكاة المفروضة علي المسلم التي في الأركان الخمسة غير زكاة رمضان ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام الخمسة غير الزكاة التي تجب بالفطر من رمضان .
فالأولى هي زكاة المال لا تجب إلا في أصناف معينة من المال وهي :
1- بهيمة الأنعام (الإبل والبقر والغنم) .
2- الذهب والفضة . ومثلهما الآن الأوراق النقدية .
3- عروض التجارة .
4- الخارج من الأرض وهذا يشمل شيئين :
الأول : الزروع والثمار . وأجمع العلماء على وجوبها في أربعة أصناف وهي : القمح والشعير والتمر والزبيب . واختلفوا فيما عدا هذه الأصناف الأربعة .
الثاني : الركاز وهو مال الكفار المدفون بالأرض الذي يجده مسلم .
ونقل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى" (25/10) عن ابن المنذر رحمه الله أنه قال :
أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الزَّكَاةَ تَجِبُ فِي تِسْعَةِ أَشْيَاءَ : فِي الإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْبُرِّ (القمح) وَالشَّعِيرِ وَالتَّمْرِ وَالزَّبِيبِ . إذَا بَلَغَ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ مِنْهَا مَا تَجِبُ فِيهِ الزَّكَاةُ اهـ .
واختلفوا فيما عدا هذه الأموال .
وتجب الزكاة في هذه الأموال بشروط معينة ، والواجب إخراج قدر معين من المال حدَّده الشرع .
راجع أسئلة الموقع في قسم الزكاة لزيادة التفصيل .
وهذه الزكاة (زكاة المال) ركن من أركان الإسلام يكفر منكرها ، ومانعها فاسق قطعاً ، وعلى الحاكم المسلم أخذها منه قهراً ، فإن أصر على منعها واحتمى بعشيرته قوتل حتى يؤديها .(166/1)
روى البخاري (8) ومسلم (16) عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّ الإِسْلامَ بُنِيَ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَصِيَامِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ .
وروى البخاري (25) ومسلم (22) عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلا بِحَقِّ الإِسْلامِ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ .(166/2)
وأجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتال مانعي الزكاة ، فقد روى البخاري (1400) ومسلم (20) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ لَمَّا تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَكَفَرَ مَنْ كَفَرَ مِنْ الْعَرَبِ فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَهَا فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ وَاللَّهِ لأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ الْمَالِ وَاللَّهِ لَوْ مَنَعُونِي عَنَاقًا (شاة صغيرة) كَانُوا يُؤَدُّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَقَاتَلْتُهُمْ عَلَى مَنْعِهَا قَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلا أَنْ قَدْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَقُّ.
وأما الزكاة التي تجب في آخر رمضان فهي زكاة الفطر وقد أجمع العلماء على وجوبها ، إلا من شذ .
انظر : "طرح التثريب" (4/46) .
وهي دون زكاة المال في الوجوب والمنزلة ، فزكاة الفطر ليست ركنا من أركان الإسلام ، ولا يكفر منكرها .
وزكاة الفطر قد ورد ذكرها في أحاديث كثيرة ، منها :(166/3)
روى البخاري (1503) ومسلم (984) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ .
وروى أبو داود (1609) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلَاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ . حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وراجع السؤال رقم (12459) زيادة التفصيل .(166/4)
رقم السؤال:
49667
العنوان:
لا تتذكر هل قضت ما عليها من الصيام أم لا
السؤال:
في رمضان الماضي أفطرت بسبب العادة الشهرية ، وأنا الآن لا أتذكر . هل قضيت أم لا؟ ولكن يغلب على ظني أنني قضيت. ماذا أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا يلزمك القضاء ، ويكفيك العمل بغلبة الظن .
والعمل بغلبة الظن في العبادات ورد به الشرع ، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إِذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ ثُمَّ لِيُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ) رواه البخاري (401) ومسلم (572).
قال النووي :
فِيهِ دَلِيل لِأَبِي حَنِيفَة - رَحِمَهُ اللَّه تَعَالَى - وَمُوَافِقِيهِ مِنْ أَهْل الْكُوفَة وَغَيْرهمْ مِنْ أَهْل الرَّأْي عَلَى أَنَّ مَنْ شَكَّ فِي صَلَاته فِي عَدَد رَكَعَات تَحَرَّى وَبَنَى عَلَى غَالِب ظَنّه , وَلَا يَلْزَمُهُ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْأَقَلّ وَالْإِتْيَان بِالزِّيَادَةِ وَظَاهِر هَذَا الْحَدِيث - حُجَّة لَهُمْ اهـ .
وصحح شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (23/5-16) أن المراد بالتحري في هذا الحديث العمل بغلبة الظن ، وضعف ما قاله بعض العلماء من أن المراد العمل باليقين وهو البناء على الأقل ، كما لو شك هل صلى ركعتين أم ثلاثا فيجعلها ركعتين .
وقال الشيخ ابن عثيمين في منظومته في قواعد الفقه وأصوله :
وإن تعذر اليقين فارجعا لغالب الظن تكن متبعاً
والمعنى أن الإنسان إذا لم يمكنه العمل باليقين فإنه يعمل بغلبة الظن .
فإذا كان يغلب على ظنك أنك قضيت فلا شيء عليك ، ولا يلزمك قضاء هذه الأيام مرة أخرى .
أما لو شكت المرأة هل قضت ما عليها أم لا ؟ ولم يغلب على ظنها أحد الأمرين فإنه يلزمها القضاء .(167/1)
سئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص372) إذا أفطرت المرأة أياما من رمضان ولكنها نسيت : هل صامت تلك الأيام أم لا ؟ علما أن كل ما تذكره أنه لم يبق عليها إلا يوم واحد ، فهل تعيد صيام تلك الأيام أم تبني على ما تتيقنه ؟
فأجاب :
إذا كانت لم تتيقن أن عليها إلا يوما واحدا فإنه لا يلزمها إلا صيام يوم واحد ، ولكن إذا كانت تتيقن أن عليها يوما واحدا ، ولكنها لا تدري أصامته أم لا ؟ وجب عليها أن تصومه ، لأن الأصل بقاؤه في ذمتها ، وأنها لم تبرئ ذمتها منه فيجب عليها أن تصومه ، بخلاف ما إذا شكت : هل عليها صوم يوم أو يومين ؟ فإنه لا يلزمها إلا يوم ، وأما من علمت أن عليها صوم يوم أو أكثر ولكنها شكت هل صامته أم لا فإنه يجب عليها أن تصومه ، لأن الأصل بقاؤه اهـ .(167/2)
رقم السؤال:
49698
العنوان:
لا يقبل الصيام مع تضييع الصلاة
السؤال:
هل يجوز الصيام بدون صلاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
تارك الصلاة لا يقبل منه عمل ، لا زكاة ولا صيام ولا حج ولا شيء .
روى البخاري (520) عن بُرَيْدَة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ تَرَكَ صَلاةَ الْعَصْرِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ ) .
ومعنى "حبط عمله" أي : بَطَلَ ولم ينتفع به . فهذا الحديث يدل على أن تارك الصلاة لا يقبل اللهُ منه عملاً ، فلا ينتفعُ تاركُ الصلاةِ من عمله بشيء ، ولا يَصْعَدُ له إلى الله عملٌ .
قال ابن القيم رحمه الله تعالى في معنى هذا الحديث في كتابه الصلاة (ص/65) :
" والذي يظهر في الحديث ؛ أن الترك نوعان : تركٌ كليٌّ لا يصليها أبداً، فهذا يحبط العملُ جميعُه ، وتركٌ معينٌ في يومٍ معينٍ، فهذا يحبط عملُ ذلك اليومِ ، فالحبوطُ العامُّ في مقابلةِ التركِ العامِّ ، والحبوطُ المعينُ في مقابلةِ التركِ المعينِ " اهـ.
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص87) عن حكم صيام تارك الصلاة ؟
فأجاب :
تارك الصلاة صومه ليس بصحيح ولا مقبول منه ؛ لأن تارك الصلاة كافر مرتد ، لقوله تعالى : ( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ ) التوبة/11. ولقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَيْنَ الرَّجُلِ وَبَيْنَ الشِّرْكِ وَالْكُفْرِ تَرْكُ الصَّلاةِ ) رواه مسلم (82). ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( الْعَهْدُ الَّذِي بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ الصَّلاةُ فَمَنْ تَرَكَهَا فَقَدْ كَفَرَ ) رواه الترمذي (2621) . صححه الألباني في صحيح الترمذي .(168/1)
ولأن هذا قول عامة الصحابة إن لم يكن إجماعا منهم ، قال عبد الله بن شقيق رحمه الله وهو من التابعين المشهورين : كان أصحاب النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة ، وعلى هذا فإذا صام الإنسان وهو لا يصلي فصومه مردود غير مقبول ، ولا نافع له عند الله يوم القيامة ، ونحن نقول له : صل ثم صم ، أما أن تصوم ولا تصلي فصومك مردود عليك لأن الكافر لا تقبل منه العبادة اهـ .
وسئلت اللجنة الدائمة (10/140) إذا كان الإنسان حريصا على صيام رمضان والصلاة في رمضان فقط ، ولكن يتخلى عن الصلاة بمجرد انتهاء رمضان فهل له صيام ؟
فأجابت :
الصلاة ركن من أركان الإسلام ، وهي أهم الأركان بعد الشهادتين وهي من فروض الأعيان ، ومن تركها جاحدا لوجوبها أو تركها تهاونا وكسلا فقد كفر ، وأما الذين يصومون رمضان ويصلون في رمضان فقط فهذا مخادعة لله ، فبئس القوم الذين لا يعرفون الله إلا في رمضان ، فلا يصح لهم صيام مع تركهم الصلاة في غير رمضان ، بل هم كفار بذلك كفرا أكبر وإن لم يجحدوا وجوب الصلاة في أصح قولي العلماء اهـ .(168/2)
رقم السؤال:
49721
العنوان:
نزول المني من جماع الليل نهاراً هل يفسد الصيام ؟
السؤال:
بعد الجماع ليلا قد ينزل المنى من الفرج نهاراً ، فهل هذا يبطل الصيام ؟ وهل يجب الاغتسال لأداء الصلاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نزول المني نهاراً بعد جماع الليل لا يبطل الصيام ، وقد أبيح لنا الأكل والشرب والجماع من غروب الشمس إلى طلوع الفجر ، قال تعالى : ( أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ... ) البقرة/187 .
وقد نص العلماء رحمهم الله على أن نزول المني نهارا من جماع الليل لا يفسد الصوم .
قال في "الجوهرة النيرة" (1/138) وهو من كتب الحنفية :
" وَلَوْ خَشِيَ الْمَجَامِعُ طُلُوعَ الْفَجْرِ فَنَزَعَ فَأَمْنَى بَعْدَ الْفَجْرِ لَمْ يُفْطِرْ " انتهى .
وقال في "حاشية الدسوقي" (1/523) وهو من كتب المالكية :
" لَوْ جَامَعَ لَيْلا وَنَزَلَ مَنِيُّهُ بَعْدَ الْفَجْرِ ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ لا شَيْءَ عَلَيْهِ ، كَمَنْ اكْتَحَلَ لَيْلا ثُمَّ هَبَطَ الْكُحْلُ لِحَلْقِهِ نَهَارًا " انتهى . ونحوه في "شرح مختصر خليل" (2/249) .
وقال النووي في "المجموع" (6/348) وهو شافعي المذهب :
" إذَا جَامَعَ قَبْلَ الْفَجْرِ ثُمَّ نَزَعَ مَعَ طُلُوعِهِ أَوْ عَقِبَ طُلُوعِهِ وَأَنْزَلَ لَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ ; لأَنَّهُ تَوَلَّدَ مِنْ مُبَاشَرَةٍ مُبَاحَةٍ فَلَمْ يَجِبْ فِيهِ شَيْءٌ , كَمَا لَوْ قَطَعَ يَدَ رَجُلٍ قِصَاصًا فَمَاتَ مِنْهُ " انتهى .
ثانياً :(169/1)
إذا جامع واغتسل ثم خرج منه مني بعد الاغتسال فإنه لا يجب إعادة الغسل مرة أخرى ، لأن السبب واحد فلا يوجب غُسليْن ، وإنما يجب الغسل إذا نزل بشهوة جديدة .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم ( 44945 ) و ( 12352 ) .
والله أعلم .(169/2)
رقم السؤال:
49752
العنوان:
نزول المذي لا يفسد الصيام
السؤال:
بطبيعة عملي في مركز بيع فإني في نهار رمضان استقبل البنات وأكلمهن من غير شهوة ولكني أحس بشيء نزل من الذكر لا أعرف ما هو هل هو مني أو مذي فهل فسد صومي ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذا السائل متردد بين أن يكون منيا أو مذيا .
و "الفرق بين المني والمذي : أن المني من الرجل ماء غليظ أبيض ، ومن المرأة رقيق أصفر ، وأما المذي فهو ماء رقيق أبيض لزج يخرج عند الملاعبة ، أو تذكر الجماع ، أو إرادته ، أو نظر ، أو غير ذلك ، ويشترك الرجل والمرأة فيه" اهـ .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/418) .
والغالب أن هذا الذي نزل منك مذي وليس منياً لأن المني يخرج بدفق ويشعر به الرجل .
والتسبب في إنزال المني من مفسدات الصيام كما لو جامع أو قَبَّل أو باشر ، أو كرر النظر إلى النساء فأنزل منيا ، فيفسد صومه . راجع السؤال (2571) .
وأما المذي فقد اختلف العلماء في إفساد الصوم به إن تسبب في نزوله .
فمذهب الحنابلة أنه يفطر به إن كان سبب نزوله المباشرة كاللمس باليد أو التقبيل وما أشبه ذلك .
فإن كان سبب نزوله تكرار النظر فإنه لا يفطر به .
وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أن نزول المذي لا يفطر به مطلقا سواء نزل بمباشرة أم بغيرها ، وأن المفسد للصيام هو نزول المني لا المذي .
انظر المغني (4/363) .
قال الشيخ ابن عثيمين في الشرح الممتع (6/236) بعد أن ذكر مذهب الحنابلة في المسألة : " ولا دليل له صحيح ، لأن المذي دون المني لا بالنسبة للشهوة ولا بالنسبة لانحلال البدن ، فلا يمكن أن يلحق به .
والصواب : أنه إذا باشر فأمذى ، أو استمنى فأمذى أنه لا يفسد صومه ، وأن صومه صحيح ، وهذا اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، والحجة فيه عدم الحجة ( أي عدم الحجة على أن نزول المذي مفسد للصيام ) ، لأن هذا الصوم عبادة شرع فيها الإنسان على وجه شرعي فلا يمكن أن نفسد هذه العبادة إلا بدليل اهـ .(170/1)
ومعنى : (استمنى فأمذى) أنه حاول إنزال المني ولكنه لم يُنزل وإنما أنزل مذياً .
وسئل الشيخ ابن باز (15/267) : إذا قبل الإنسان وهو صائم أو شاهد بعض الأفلام الخليعة وخرج منه مذي ، فهل يقضي الصوم ؟
فأجاب :
خروج المذي لا يبطل الصوم في أصح قولي العلماء ؛ سواء كان ذلك بسبب تقبيل الزوجة ، أو مشاهدة بعض الأفلام ، أو غير ذلك مما يثير الشهوة . ولكن لا يجوز لمسلم مشاهدة الأفلام الخليعة ، ولا استماع ما حرم الله من الأغاني وآلات اللهو ، أما خروج المني عن شهوة ، فإنه يبطل الصوم سواء حصل عن مباشرة ، أو قبلة ، أو تكرار النظر ، أو غير ذلك من الأسباب التي تثير الشهوة كالاستمناء ونحوه ، أما الاحتلام والتفكير فلا يبطل الصوم بهما ولو خرج مني بسببهما اهـ .
وسئلت اللجنة الدائمة (10/273) : في أحد أيام رمضان كنت جالسا بجوار زوجتي ونحن صيام ، حوالي نصف ساعة ، وكنا نمزح وبعد أن ابتعدت عنها وجدت على سروالي نقطة مبتلة خارجة من الذكر ، وقد تكررت مرة ثانية أرجو إفادتي هل علي كفارة ؟
فأجابت :
إذا كان الواقع كما ذكرت فليس عليك قضاء ولا كفارة مراعاة للبقاء مع الأصل ، إلا أن يثبت أن ذلك البلل مني فعليك الغسل والقضاء دون الكفارة اهـ .
والحاصل أنه لا يلزمك شيء وصيامك صحيح حتى تتيقن أن هذا الذي خرج منك مني . فإن كان منيا فعليك قضاء ذلك اليوم ولا كفارة عليك .
وعليك بتجنب الكلام مع النساء من غير حاجة ، وإذا احتجت للكلام معهن فعليك بغض البصر امتثالاً لقول الله تعالى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ ) النور/30 .
وروى مسلم (2159) عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَظَرِ الْفُجَاءَةِ فَأَمَرَنِي أَنْ أَصْرِفَ بَصَرِي .
قال النووي :(170/2)
( الْفُجَاءَة ) هِيَ الْبَغْتَة . وَمَعْنَى نَظَر الْفَجْأَة أَنْ يَقَع بَصَره عَلَى الْأَجْنَبِيَّة مِنْ غَيْر قَصْد فَلَا إِثْم عَلَيْهِ فِي أَوَّل ذَلِكَ , وَيَجِب عَلَيْهِ أَنْ يَصْرِف بَصَره فِي الْحَال , فَإِنْ صَرَفَ فِي الْحَال فَلَا إِثْم عَلَيْهِ , وَإِنْ اِسْتَدَامَ النَّظَر أَثِمَ لِهَذَا الْحَدِيث , فَإِنَّهُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَهُ بِأَنْ يَصْرِف بَصَره مَعَ قَوْله تَعَالَى : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ ) اهـ .
وإذا أمكن وجود امرأة تتولى البيع للنساء ومخاطبتهن فإن ذلك أولى وأسلم .
والله تعالى أعلم .(170/3)
رقم السؤال:
49793
العنوان:
مقدار زكاة الفطر ووقت إخراجها
السؤال:
نحن أعضاء جمعية مغاربة نعيش في برشلونة ما الطريقة التي نحسب بها لزكاة الفطر؟.
الجواب:
الحمد لله
" ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه فرض زكاة الفطر على المسلمين صاعا من تمر أو صاعا من شعير ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ، أعني صلاة العيد . وفي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : كُنَّا نُعْطِيهَا فِي زَمَانِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَاعًا مِنْ طَعَامٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ ، أَوْ صَاعًا مِنْ زَبِيبٍ .
وقد فسر جمع من أهل العلم الطعام في هذا الحديث بأنه البر (أي : القمح) ، وفسره آخرون بأن المقصود بالطعام ما يقتاته أهل البلاد أيا كان ، سواء كان برا أو ذرة أو دخنا أو غير ذلك . وهذا هو الصواب ؛ لأن الزكاة مواساة من الأغنياء للفقراء ، ولا يجب على المسلم أن يواسي من غير قوت بلده . ولا شك أن الأرز قوت في بلاد الحرمين وطعام طيب ونفيس ، وهو أفضل من الشعير الذي جاء النص بإجزائه . وبذلك يعلم أنه لا حرج في إخراج الأرز في زكاة الفطر .
والواجب صاع من جميع الأجناس بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو أربع حفنات باليدين المعتدلتين الممتلئتين ، كما في القاموس وغيره ، وهو بالوزن يقارب ثلاثة كيلو غرام . فإذا أخرج المسلم صاعا من الأرز أو غيره من قوت بلده أجزأه ذلك ، وإن كان من غير الأصناف المذكورة في هذا الحديث في أصح قولي العلماء . ولا بأس أن يخرج مقداره بالوزن وهو ثلاثة كيلو تقريبا .
والواجب إخراج زكاة الفطر عن الصغير والكبير والذكر والأنثى والحر والمملوك من المسلمين . أما الحمل فلا يجب إخراجها عنه إجماعا ، ولكن يستحب ؛ لفعل عثمان رضي الله عنه .(171/1)
والواجب أيضا إخراجها قبل صلاة العيد ، ولا يجوز تأخيرها إلى ما بعد صلاة العيد ، ولا مانع من إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين . وبذلك يعلم أن أول وقت لإخراجها في أصح أقوال العلماء هو ليلة ثمان وعشرين ؛ لأن الشهر يكون تسعا وعشرين ويكون ثلاثين ، وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرجونها قبل العيد بيوم أو يومين .
ومصرفها الفقراء والمساكين . وقد ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قَالَ : فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ ، مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ ، وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ . رواه أبو داود وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
ولا يجوز إخراج القيمة عند جمهور أهل العلم وهو أصح دليلا ، بل الواجب إخراجها من الطعام ، كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وبذلك قال جمهور الأمة ، والله المسئول أن يوفقنا والمسلمين جميعا للفقه في دينه والثبات عليه ، وأن يصلح قلوبنا وأعمالنا ، إنه جواد كريم اهـ.
مجموع فتاوى الشيخ ابن باز (14/200) .
فهذا تقدير الشيخ ابن باز رحمه الله لزكاة الفطر بالكيلو ، ثلاثة كيلو جرام تقريباً .
وكذا قدرها علماء اللجنة الدائمة (9/371) .
وقد قدرها الشيخ ابن عثيمين رحمه الله من الأرز فكانت ألفي ومائة جرام (2100) جرام . كما في "فتاوى الزكاة" (ص 274-276) .
وهذا الاختلاف سببه أن الصاع مكيال يقيس الحجم لا الوزن .(171/2)
وإنما قدرها العلماء بالوزن لكونه أسهل وأقرب إلى الضبط ، ومعلوم أن وزن الحبوب يختلف فمنها الخفيف ومنها الثقيل ومنها المتوسط ، بل يختلف وزن الصاع من نفس النوع من الحبوب ، فالمحصول الجديد أكثر وزناً من المحصول القديم ، ولذلك إذا احتاط الإنسان وأخرج زيادة كان أحوط وأحسن .
وانظر "المغني" (4/168) . فقد ذكر نحو هذا في تقدير نصاب زكاة الزروع بالوزن .
والله أعلم .(171/3)
رقم السؤال:
49848
العنوان:
تزعم عدم وجود دليل يوجب على الحائض قضاء الصوم
السؤال:
فتاة بالغة لا تريد قضاء الأيام التي أفطرتها في رمضان بحجة أنه لا يوجد هناك دليل شرعي لا في الكتاب ولا في السنة يوجب قضاء تلك الأيام . أطلب من فضيلتكم موافاتي بدليل من القرآن أو السنة لكي أنصح به تلك الفتاة .
الجواب:
الحمد لله
وجوب قضاء الصوم على الحائض حكم متفق عليه بين المسلمين ، وقد دل عليه السنة الصحيحة والإجماع .
روى البخاري (321) ومسلم (335) واللفظ له عَنْ مُعَاذَةَ قَالَتْ : سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ : مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلا تَقْضِي الصَّلاةَ ؟ فَقَالَتْ : أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ ؟! قُلْتُ : لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ ، وَلَكِنِّي أَسْأَلُ . قَالَتْ : كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاةِ .
قال النووي رحمه الله :
هَذَا الْحُكْم مُتَّفَق عَلَيْهِ أَجْمَع الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ الْحَائِض وَالنُّفَسَاء لا تَجِب عَلَيْهِمَا الصَّلاة وَلا الصَّوْم فِي الْحَال , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لا يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّلاة , وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ يَجِب عَلَيْهِمَا قَضَاء الصَّوْم .
قَالَ الْعُلَمَاء : وَالْفَرْق بَيْنهمَا أَنَّ الصَّلاة كَثِيرَة مُتَكَرِّرَة فَيَشُقّ قَضَاؤُهَا بِخِلَافِ الصَّوْم , فَإِنَّهُ يَجِب فِي السَّنَة مَرَّة وَاحِدَة , وَرُبَّمَا كَانَ الْحَيْض يَوْمًا أَوْ يَوْمَيْنِ اهـ .
قال الحافظ :
( أَحَرُورِيَّة ) الْحَرُورِيّ مَنْسُوب إِلَى حَرُورَاء بَلْدَة عَلَى مِيلَيْنِ مِنْ الْكُوفَة .(172/1)
وَيُقَال لِمَنْ يَعْتَقِد مَذْهَب الْخَوَارِج حَرُورِيّ ; لأَنَّ أَوَّل فِرْقَة مِنْهُمْ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ بِالْبَلْدَةِ الْمَذْكُورَة فَاشْتُهِرُوا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهَا , وَهُمْ فِرَقٌ كَثِيرَة , لَكِنْ مِنْ أُصُولهمْ الْمُتَّفَق عَلَيْهَا بَيْنهمْ الأَخْذُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْقُرْآن وَرَدُّ مَا زَادَ عَلَيْهِ مِنْ الْحَدِيث مُطْلَقًا , وَلِهَذَا اِسْتَفْهَمَتْ عَائِشَة مُعَاذَة اِسْتِفْهَام إِنْكَار اهـ باختصار .
وقال ابن قدامة في المغني (3/39) :
أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ لا يَحِلُّ لَهُمَا الصَّوْمُ , وَأَنَّهُمَا يُفْطِرَانِ رَمَضَانَ , وَيَقْضِيَانِ , وَأَنَّهُمَا إذَا صَامَتَا لَمْ يُجْزِئْهُمَا الصَّوْمُ اهـ .
قال النووي في "المجموع" (2/386) :
وَأَجْمَعَتْ الأُمَّةُ أَيْضًا عَلَى وُجُوبِ قَضَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ عَلَيْهَا , نَقَلَ الإِجْمَاعَ فِيهِ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ جَرِيرٍ وَأَصْحَابُنَا وَغَيْرُهُمْ اهـ .
قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/219) :
ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ وَاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ دَمَ الْحَيْضِ يُنَافِي الصَّوْمَ فَلا تَصُومُ الْحَائِضُ لَكِنْ تَقْضِي الصِّيَامَ اهـ .
فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم ، ثم إجماع العلماء نقله غير واحد من أهل العلم .
فكيف يقال بعد ذلك : ليس هناك دليل على وجوب قضاء الحائض الصوم !(172/2)
فعلى هذه المرأة التي أشارت إليها السائلة أن تتوب إلى الله تعالى من هذا القول المنكر ، الذي فيه جرأة على شرع الله تعالى وأحكامه ، والواجب على من لا يعلم أن يبحث ويسأل أهل العلم ، ولا يجوز له أن يقول في دين الله تعالى بغير علم ، فإن ذلك من المحرمات ، قال الله تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) الأعراف/33.
وليعلم المسلم أنه مسئول عما يصدر عنه من قول ، قال الله تعالى : ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ) ق/18.
نسأل الله تعالى أن يرزقنا البصيرة والفقه في دينه .
والله تعالى أعلم .(172/3)
رقم السؤال:
49884
العنوان:
لا حرج من قضاء رمضان في النصف الثاني من شعبان
السؤال:
كانت عليّ أيام كثيرة من صيام رمضان بسبب الحمل والولادة الذي صادف أيام رمضان المبارك .. وقد قضيتها ولله الحمد باستثناء آخر سبعة أيام . وقد صمت ثلاثة منها بعد نصف شعبان ، وأريد أن أكمل الباقي قبل رمضان .
وقد قرأت على موقعكم أن صيام النصف الثاني لا يجوز إلا للشخص المتعود على الصيام. أفيدوني أفادكم الله حيث إنني أريد أن أعرف هل أتم صيام الأيام التي عليّ أم لا ؟ وإذا كان الجواب لا .. فما حكم الأيام الثلاث التي صمتها هل علي قضاؤها مرة أخرى أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
ثبت عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : ( إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلا تَصُومُوا ) . رواه أبو داود (3237) والترمذي (738) وابن ماجه (1651) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وهذا النهي يستثنى منه :
1- من له عادة بالصيام ، كرجل اعتاد صوم يومي الاثنين والخميس ، فإنه يصومها ولو بعد النصف من شعبان ودليل هذا قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( لا تَقَدَّمُوا رَمَضَانَ بِصَوْمِ يَوْمٍ وَلا يَوْمَيْنِ إِلا رَجُلٌ كَانَ يَصُومُ صَوْمًا فَلْيَصُمْهُ ) رواه البخاري (1914) ومسلم (1082) .
2- من بدأ بالصيام قبل نصف شعبان ، فوصل ما بعد النصف بما قبله ، فهذا لا يشمله النهي أيضا. ودليل هذا قول عائشة رضي الله عنها ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ ، يَصُومُ شَعْبَانَ إِلا قَلِيلا ) . رواه البخاري (1970) ومسلم (1156) واللفظ لمسلم .
قال النووي :
قَوْلهَا : ( كَانَ يَصُوم شَعْبَان كُلّه , كَانَ يَصُومُهُ إِلا قَلِيلا ) الثَّانِي تَفْسِيرٌ لِلأَوَّلِ , وَبَيَان أَنَّ قَوْلهَا "كُلّه" أَيْ غَالِبُهُ اهـ .
فهذا الحديث يدل على جواز الصيام بعد نصف شعبان ، ولكن لمن وصله بما قبل النصف .(173/1)
3- ويستثنى من هذا النهي أيضا من يصوم قضاء رمضان .
قال النووي رحمه الله في المجموع (6/399) :
قَالَ أَصْحَابُنَا : لا يَصِحُّ صَوْمُ يَوْمِ الشَّكِّ عَنْ رَمَضَانَ بِلا خِلافٍ . . . فَإِنْ صَامَهُ عَنْ قَضَاءٍ أَوْ نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَجْزَأَهُ ، لأَنَّهُ إذَا جَازَ أَنْ يَصُومَ فِيهِ تَطَوُّعًا لَهُ سَبَبٌ فَالْفَرْضُ أَوْلَى . . وَلأَنَّهُ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ , فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ ; لأَنَّ وَقْتَ قَضَائِهِ قَدْ ضَاقَ اهـ .
ويوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا حال دون رؤية الهلال ليلة الثلاثين غيم أو غبار أو نحو ذلك ، وسمي يوم الشك ، لأنه مشكوك فيه ، هل هو آخر يوم من شعبان أو أول يوم من رمضان .
وخلاصة الجواب :
لا حرج من قضاء رمضان في النصف الثاني من شعبان ، وهذا لا يشمله نهي النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن الصيام إذا انتصف شعبان .
فصيامك الأيام الثلاثة صحيح ، وعليك بصيام الأيام المتبقية قبل دخول رمضان .
والله تعالى أعلم .(173/2)
رقم السؤال:
50014
العنوان:
حكم زكاة الدَّيْن وهل تُخرج من غير المال ؟
السؤال:
استدان مني أخي خمسة آلآف ريال ، واستدانت مني أختي خمسمائة ريال ، وأنا أخرج الزكاة دائما في رمضان ، فهل أخرج الزكاة عن الدين ؟ وهل يجوز أن أضعها في إفطار صائم أو في مبنى الوقف الخيري لمكتب الدعوة والإرشاد ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
قال علماء اللجنة الدائمة :
إذا كان المَدين معسراً أو كان مليئاً لكنه مماطل ولا يمكن الدائن استخلاص دينه منه ، إما لكونه لايجد لديه من الإثبات ما يستخلص به حقه لدى الحاكم ، أو لديه الإثبات لكن لا يجد مِن ولي الأمر ما يساعده على تخليص حقه ، كما في بعض الدول التي لا نصرة فيها للحقوق : فلا تجب الزكاة على الدائن حتى يقبض دينه ويستقبل به حولا .
وأما إذا كان المدين مليئاً ويمكن استخلاص الدين منه : فالزكاة واجبة على الدائن كلما حال الحول ، وكان الدين نصاباً بنفسه أو بضمه إلى غيره من النقود ونحوها .
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 9 / 191 ) .
ثانياً :
ومن وجبت الزكاة في ماله فلا يجوز له صرفها إلا في مصارفها الشرعية ، وقد سبق بيانها في جواب على السؤال رقم ( 6977 ) ، فلا يجوز وضع زكاة المال في إفطار الصائم ولا في مبنى الوقف الخيري ، لأن ذلك ليس من مصارف الزكاة الثمانية التي حددها الله سبحانه وتعالى .
وقد سبق في عدة أجوبة عدم جواز دفع الزكاة في بناء المساجد والمدارس وكذلك في طباعة المصحف ، فانظرها في ( 13734 ) و ( 21797 ) .
والله أعلم .(174/1)
رقم السؤال:
50024
العنوان:
الاعتكاف مشروع في رمضان وغيره
السؤال:
هل الاعتكاف يكون في أي وقت ؟ أم أنه لا يكون إلا في رمضان ؟.
الجواب:
الحمد لله
الاعتكاف سنة في كل وقت ، في رمضان وغيره ، لكنه في رمضان أفضل ، وآكده في العشر الأخير من رمضان .
ويدل على ذلك عموم أدلة استحباب الاعتكاف ، فإنها تشمل رمضان وغيره . راجع السؤال رقم (48999)
قال النووي في المجموع (6/501) :
" الاعْتِكَافُ سُنَّةٌ بِالإِجْمَاعِ وَلا يَجِبُ إلا بِالنَّذْرِ بِالإِجْمَاعِ , وَيُسْتَحَبُّ الإِكْثَارُ مِنْهُ , وَيُسْتَحَبُّ وَيَتَأَكَّدُ اسْتِحْبَابُهُ فِي الْعَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ" اهـ .
وقال أيضاً (6/514) :
"وَأَفْضَلُهُ مَا كَانَ بصوم , وَأَفْضَلُهُ شَهْرُ رَمَضَانَ, وَأَفْضَلُهُ الْعَشْرُ الأَوَاخِرُ مِنْهُ" اهـ .
قال الألباني في "قيام رمضان" :
"الاعتكاف سنة في رمضان وغيره من أيام السنة ، والأصل في ذلك قوله تعالى: ( وأنتم عاكفون في المساجد ) ، مع توارد الأحاديث الصحيحة في اعتكافه صلى الله عليه وسلم ، وتواتر الآثار عن السلف بذلك . . .
وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتكف عشرا من شوال . متفق عليه . .
وأن عمر قال للنبي صلى الله عليه وسلم: كنت نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ؟ قال: ( فأوف بنذرك) . فاعتكف ليلة . متفق عليه .
وآكده في رمضان لحديث أبي هريرة : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة أيام ، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما ) رواه البخاري . .
وأفضله آخر رمضان ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله عز وجل . متفق عليه اهـ باختصار وتصرف .
وقال الشيخ ابن باز في مجموع الفتاوى (15/437) :
"لا ريب أن الاعتكاف في المسجد قربة من القرب ، وفي رمضان أفضل من غيره .. وهو مشروع في رمضان وغيره" اهـ باختصار .(175/1)
انظر كتاب "فقه الاعتكاف" للدكتور خالد المشيقح. ص 41 .(175/2)
رقم السؤال:
50025
العنوان:
لا يصح اعتكاف الرجل والمرأة إلا في المسجد
السؤال:
هل للمرأة أن تعتكف في بيتها ؟.
الجواب:
الحمد لله
اتفق العلماء على أن الرجل لا يصح اعتكافه إلا في المسجد ، لقول الله تعالى : ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) البقرة/187 . فخص الاعتكاف بأنه في المساجد .
انظر المغني (4/461) .
وأما المرأة فذهب جمهور العلماء إلى أنها كالرجل لا يصح اعتكافها إلا في المسجد للآية السابقة ( وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِد ِ) البقرة/187 .
ولأن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن ، وكُنَّ يعتكفن في المسجد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم .
ولو كان اعتكاف المرأة في بيتها جائزا لأرشدهن النبي صلى الله عليه وسلم إليه لأن استتار المرأة في بيتها أفضل من خروجها إلى المسجد .
وذهب بعض العلماء إلى أن المرأة يصح اعتكافها في مسجد بيتها وهو الموضع الذي جعلته للصلاة في بيتها .
ومنع جمهور العلماء ذلك وقالوا : إن مسجد بيتها لا يسمى مسجدا إلا على سبيل التجوز وليس هو مسجدا على سبيل الحقيقة فلا يأخذ أحكام المسجد ولذلك يجوز دخوله للجنب والحائض .
انظر "المغني" (4/464) .
قال النووي في المجموع (6/505) :
" لا يَصِحُّ الاعْتِكَافُ مِنْ الرَّجُلِ وَلا مِنْ الْمَرْأَةِ إلا فِي الْمَسْجِدِ , وَلا يَصِحُّ فِي مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَرْأَةِ وَلا مَسْجِدِ بَيْتِ الرَّجُلِ وَهُوَ الْمُعْتَزَلُ الْمُهَيَّأُ لِلصَّلاةِ" اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى في مجموع الفتاوى (20/264) :
المرأة إذا أرادت الاعتكاف فأين تعتكف ؟
فأجاب:
المرأة إذا أرادت الاعتكاف فإنما تعتكف في المسجد إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي ، وإن كان في ذلك محذور شرعي فلا تعتكف اهـ .
وفي "الموسوعة الفقهية" (5/212) :(176/1)
"اخْتَلَفُوا فِي مَكَانِ اعْتِكَافِ الْمَرْأَةِ : فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى أَنَّهَا كَالرَّجُلِ لا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا إلا فِي الْمَسْجِدِ , وَعَلَى هَذَا فَلا يَصِحُّ اعْتِكَافُهَا فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا , لِمَا وَرَدَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ امْرَأَةٍ جَعَلَتْ عَلَيْهَا ( أَيْ نَذَرَتْ ) أَنْ تَعْتَكِفَ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا , فَقَالَ : " بِدْعَةٌ , وَأَبْغَضُ الأَعْمَالِ إلَى اللَّهِ الْبِدَعُ . فَلا اعْتِكَافَ إلا فِي مَسْجِدٍ تُقَامُ فِيهِ الصَّلاةُ . وَلأَنَّ مَسْجِدَ الْبَيْتِ لَيْسَ بِمَسْجِدٍ حَقِيقَةً وَلا حُكْمًا , فَيَجُوزُ تَبْدِيلُهُ , وَنَوْمُ الْجُنُبِ فِيهِ , وَكَذَلِكَ لَوْ جَازَ لَفَعَلَتْهُ أُمَّهَاتُ الْمُؤْمِنِينَ - رضي الله عنهن - وَلَوْ مَرَّةً تَبْيِينًا لِلْجَوَازِ" اهـ .(176/2)
رقم السؤال:
50041
العنوان:
حكم من أفطر ناسياً
السؤال:
حكم الإفطار ناسياً في صيام التطوع ؟
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (6669) ومسلم (1155) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ ) .
وورد أيضاً التصريح بعدم وجوب الكفارة والقضاء .
روى اِبْن خُزَيْمَةَ (1999) عَنْ أَبِي هُرَيْرَة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ أَفْطَرَ فِي شَهْر رَمَضَان نَاسِيًا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ وَلا كَفَّارَة ) حسنه الألباني في صحيح ابن خزيمة .
وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ أَبِي سَعِيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَنْ أَكَلَ فِي شَهْر رَمَضَان نَاسِيًا فَلَا قَضَاء عَلَيْهِ ) .
قال الحافظ :
"وَإِسْنَادُهُ وَإِنْ كَانَ ضَعِيفًا لَكِنَّهُ صَالِحٌ لِلْمُتَابَعَةِ , فَأَقَلُّ دَرَجَاتِ الْحَدِيثِ بِهَذِهِ الزِّيَادَةِ أَنْ يَكُونَ حَسَنًا فَيَصْلُحُ لِلاحْتِجَاجِ بِهِ , وَقَدْ وَقَعَ الِاحْتِجَاج فِي كَثِير مِنْ الْمَسَائِل بِمَا هُوَ دُونه فِي الْقُوَّة , وَيَعْتَضِدُ أَيْضًا بِأَنَّهُ قَدْ أَفْتَى بِهِ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَة مِنْ غَيْر مُخَالَفَةٍ لَهُمْ مِنْهُمْ - كَمَا قَالَهُ اِبْن الْمُنْذِرِ وَابْنُ حَزْمٍ وَغَيْرُهُمَا - عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو هُرَيْرَة وَابْن عُمَر , ثُمَّ هُوَ مُوَافِق لِقَوْلِهِ تَعَالَى ( وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ ) فَالنِّسْيَان لَيْسَ مِنْ كَسْب الْقَلْب , وَمُوَافِقٌ لِلْقِيَاسِ فِي إِبْطَالِ الصَّلاةِ بِعَمْدِ الأَكْلِ لا بِنِسْيَانِهِ فَكَذَلِكَ الصِّيَام .(177/1)
وَفِي الْحَدِيثِ لُطْفُ اللَّهِ بِعِبَادِهِ وَالتَّيْسِير عَلَيْهِمْ وَرَفْعُ الْمَشَقَّةِ وَالْحَرَجِ عَنْهُم اهـ باختصار .
فاستدل جمهور العلماء بهذه الأحاديث على أنه من نسي وهو صائم فأفطر فصومه صحيح ، بل يتم صومه ولا قضاء عليه ولا كفارة ، وعموم الحديث يشمل الصوم الواجب والتطوع ، فلا فرق بينهما .
قال الشافعي في الأم (2/284) :
"وَإِذَا أَكَلَ الصَّائِمُ أَوْ شَرِبَ فِي رَمَضَانَ أَوْ نَذْرٍ أَوْ صَوْمِ كَفَّارَةٍ أَوْ وَاجِبٍ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوهِ أَوْ تَطَوُّعٍ نَاسِيًا , فَصَوْمُهُ تَامٌّ وَلا قَضَاءَ عَلَيْهِ" اهـ .
وقال النووي :
"فِيهِ دَلَالَةٌ لِمَذْهَبِ الأَكْثَرِينَ : أَنَّ الصَّائِم إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ نَاسِيًا لَا يُفْطِرُ , وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَة وَدَاوُد وَآخَرُونَ اهـ .
قال الحافظ :
وَمِنْ الْمُسْتَظْرَفَاتِ مَا رَوَاهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ : أَنَّ إِنْسَانًا جَاءَ إِلَى أَبِي هُرَيْرَة فَقَالَ : أَصْبَحْت صَائِمًا فَنَسِيت فَطَعِمْت , قَالَ لا بَأْسَ . قَالَ : ثُمَّ دَخَلْت عَلَى إِنْسَانٍ فَنَسِيت وَطَعِمْت وَشَرِبْت , قَالَ : لا بَأْسَ اللَّهُ أَطْعَمَك وَسَقَاك . ثُمَّ قَالَ : دَخَلْت عَلَى آخَرَ فَنَسِيت فَطَعِمْت , فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ : أَنْتَ إِنْسَانٌ لَمْ تَتَعَوَّدْ الصِّيَامَ .(177/2)
رقم السؤال:
50063
العنوان:
هل التبرج مبطل للصوم ؟
السؤال:
هل التبرج مبطل للصوم ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
شرع الله تعالى الصيام لحكم عظيمة ، ومن أهم هذه الحكم والمصالح المترتبة على الصيام تحقيق تقوى الله تعالى ، قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) البقرة/183 .
والتقوى هي امتثال ما أمر الله به ، واجتناب ما نهى عنه .
فالصائم مأمور بفعل الطاعات ، منهي عن فعل المحرمات نهيا مؤكدا ، فإن المعاصي قبيحة من كل أحد وهي من الصائم أشد قبحا ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ وَالْجَهْلَ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ) رواه البخاري (6057) . راجع السؤال رقم (37989) ، (37658)
وروى ابن خزيمة وابن حبان والحاكم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( ليس الصيام من الأكل والشرب إنما الصيام من اللغو والرفث ) . وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (1082) .
قال عُمَر بْن الْخَطَّابِ وعَلِيّ بْن أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنهما : لَيْسَ الصِّيَامُ مِنْ الشَّرَابِ وَالطَّعَامِ وَحْدَهُ ; وَلَكِنَّهُ مِنْ الْكَذِبِ , وَالْبَاطِلِ وَاللَّغْوِ .
وقَالَ جَابِرٌ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ : إذَا صُمْت فَلْيَصُمْ سَمْعُكَ , وَبَصَرُكَ , وَلِسَانُكَ عَنْ الْكَذِبِ وَالْمَأْثَمِ , وَدَعْ أَذَى الْخَادِمِ وَلْيَكُنْ عَلَيْكَ وَقَارٌ وَسَكِينَةٌ يَوْمَ صِيَامِكَ , وَلا تَجْعَلْ يَوْمَ فِطْرِكَ وَيَوْمَ صَوْمِكَ سَوَاءً .(178/1)
وعَنْ طَلِيقِ بْنِ قَيْسٍ قَالَ : قَالَ أَبُو ذَرٍّ : إذَا صُمْت فَتَحَفَّظْ مَا اسْتَطَعْت . فَكَانَ طَلِيقٌ إذَا كَانَ يَوْمُ صِيَامِهِ دَخَلَ (يعني بيته) فَلَمْ يَخْرُجْ إلا إلَى صَلاةٍ .
وكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَصْحَابُهُ رضي الله عنهم إذَا صَامُوا جَلَسُوا فِي الْمَسْجِدِ وَقَالُوا : نُطَهِّرُ صِيَامَنَا .
انظر : "المحلى" (4/305)
وقال بعض العلماء :
يَجِبُ عَلَى الصَّائِمِ أَنْ يَصُومَ بِعَيْنَيْهِ فَلا يَنْظُرُ إلَى مَا لا يَحِلُّ ، وَبِسَمْعِهِ فَلا يَسْمَعُ مَا لَا يَحِلُّ ، وَبِلِسَانِهِ فَلا يَنْطِقُ بِفُحْشٍ وَلا يَشْتُمُ وَلا يَكْذِبُ وَلا يَغْتَبْ اهـ .
فينبغي للمؤمن أن ينتهز هذا الشهر الكريم الذي تسلسل فيه الشياطين ، وتفتح فيه أبواب الجنة ، وتغلق فيه أبواب النار ، وينادي مناد يا باغي الخير أقبل ، ويا باغي الشر أقصر ، فينتهز المؤمن هذا الشهر ليكون أقرب إلى الله ، فيتوب توبة نصوحا من كل ذنوبه ومعاصيه ، ويعاهد الله تعالى على الاستقامة على دينه وشرعه .
ثانيا :
والمعاصي ( ومنها تبرج المرأة وإظهارها زينتها ومفاتنها للرجال الأجانب عنها ) تنقص ثواب الصيام فكلما كثرت معاصيه وعظمت نقص ثواب صيامه ، وقد يزول ثوابه بالكلية ، فيكون قد منع نفسه من الطعام والشراب وسائر المفطرات وقد أضاع ثواب ذلك بمعصيته لله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( رُبَّ صَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ صِيَامِهِ إِلا الْجُوعُ ، وَرُبَّ قَائِمٍ لَيْسَ لَهُ مِنْ قِيَامِهِ إِلا السَّهَرُ ) رواه ابن ماجه (1690) . وصححه الألباني في صحيح ابن ماجه .
قال السبكي في فتاويه (1/221-226) :
هَلْ يَنْقُصُ الصَّوْمُ بِمَا قَدْ يَحْصُلُ فِيهِ مِنْ الْمَعَاصِي أَوْ لا ؟ وَاَلَّذِي نَخْتَارُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ يَنْقُصُ وَمَا أَظُنُّ فِي ذَلِكَ خِلافًا . . .(178/2)
وَاعْلَمْ أَنَّ رُتْبَةَ الْكَمَالِ فِي الصَّوْمِ قَدْ تَكُونُ بِاقْتِرَانِ طَاعَاتٍ بِهِ مِنْ قِرَاءَةِ قُرْآنٍ وَاعْتِكَافٍ وَصَلاةٍ وَصَدَقَةٍ وَغَيْرِهَا وَقَدْ تَكُونُ بِاجْتِنَابِ مَنْهِيَّاتٍ . فَكُلُّ ذَلِكَ يَزِيدُهُ كَمَالا وَمَطْلُوبٌ فِيهِ اهـ . باختصار .
ثالثا :
وأما إفساد الصيام بالمعاصي (ومنها تبرج المرأة) فإن الصيام لا يفسد بذلك بل يكون صحيحا مسقطا للفرض عن الصائم ، ولا يؤمر بقضائه ، ولكن ينقص ثواب الصيام بفعل المعصية ، وقد يذهب ثوابه بالكلية كما سبق .
قال النووي في "المجموع" (6/398) :
( يَنْبَغِي لِلصَّائِمِ أَنْ يُنَزِّهَ صَوْمَهُ عَنْ الْغِيبَةِ وَالشَّتْمِ ) مَعْنَاهُ يَتَأَكَّدُ التَّنَزُّهُ عَنْ ذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّائِمِ أَكْثَرُ مِنْ غَيْرِهِ لِلْحَدِيثِ , وَإِلا فَغَيْرُ الصَّائِمِ يَنْبَغِي لَهُ ذَلِكَ أَيْضًا وَيُؤْمَرُ بِهِ فِي كُلِّ حَالٍ , وَالتَّنَزُّهُ التَّبَاعُدُ , فَلَوْ اغْتَابَ فِي صَوْمِهِ عَصَى وَلَمْ يَبْطُلْ صَوْمُهُ عِنْدَنَا , وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَحْمَدُ وَالْعُلَمَاءُ كَافَّةً إلا الأَوْزَاعِيَّ فَقَالَ : يَبْطُلُ الصَّوْمُ بِالْغِيبَةِ وَيَجِبُ قَضَاؤُهُ اهـ .
وسئل الشيخ ابن عثيمين في فتاوى الصيام (ص358) : هل تحدث المرء بكلام حرام في نهار رمضان يفسد صومه ؟
فأجاب :(178/3)
"إذا قرأنا قول الله عز وجل: ( يا أَ يُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) عرفنا ما هي الحكمة من إيجاب الصوم وهي التقوى ، والتقوى هي ترك المحرمات، وهي عند الإطلاق تشمل فعل المأمور به وترك المحظور ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من لم يدع قول الزور ، والعمل به ، والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه) . وعلى هذا يتأكد على الصائم اجتناب المحرمات من الأقوال والأفعال ، فلا يغتاب الناس ، ولا يكذب ، ولا ينم بينهم ، ولا يبيع بيعاً محرماً ، ويجتنب جميع المحرمات . وإذا اجتنب الإنسان ذلك في شهر كامل فإن نفسه سوف تستقيم بقية العام ، ولكن المؤسف أن كثيراً من الصائمين لا يفرقون بين يوم صومهم وفطرهم ، فهم على العادة التي هم عليها من الأقوال المحرمة من كذب وغش وغيره ، ولا تشعر أن عليه وقار الصوم ، وهذه الأفعال لا تبطل الصيام ، ولكن تنقص من أجره ، وربما عند المعادلة تضيع أجر الصوم" اهـ .(178/4)
رقم السؤال:
50067
العنوان:
هل على تارك الصيام من غير عذر قضاء ؟
السؤال:
أنا عمري 28 سنة ولم أصم في حياتي رمضان كاملاً ، وها أنا أنوي إن شاء الله أن أصوم في هذا العام ، فكيف أقضي السنوات التي فاتتني ؟.
الجواب:
الحمد لله
صوم رمضان من أركان الإسلام ، ولا يحل للمكلف بصيامه أن يتركه إلا من عذر ، ومن أفطر بعذر شرعي كالمرض والسفر والحيض وهو يستطيع الصيام فالواجب عليه قضاء ما أفطره ، لقول الله تعالى : ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) البقرة/185 وليس من تعمد الإفطار من غير عذر كالمعذور في هذا .
فمن أخر العبادة عن وقتها من صلاة أو صيام بلا عذر فإنها لا تصح ولا تقبل منه إن فعلها بعد خروج وقتها المحدد شرعاً .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين - رحمه الله تعالى - :
ما حكم المسلم الذي مضى عليه أشهر من رمضان يعني سنوات عديدة بدون صيام مع إقامة بقية الفرائض وهو بدون عائق عن الصوم أيلزمه القضاء إن تاب ؟ .
فأجاب بقوله :
الصحيح : أن القضاء لا يلزمه إن تاب ؛ لأن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا تعمد الإنسان تأخيرها عن وقتها بدون عذر : فإن الله لا يقبلها منه ، وعلى هذا فلا فائدة من قضائه ، ولكن عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ويكثر من العمل الصالح ، ومن تاب تاب الله عليه .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 41 ) .
هذا حكم من أفطر بلا عذر أي أنه لم ينو الصيام ولم يشرع فيه من الأصل .
أما من شرع في الصيام ثم أثناء النهار أفطر ، فإن الواجب عليه قضاء هذا اليوم .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى - :
عن حكم الفطر في نهار رمضان بدون عذر ؟ .
فأجاب بقوله :(179/1)
الفطر في نهار رمضان بدون عذر من أكبر الكبائر ، ويكون به الإنسان فاسقاً ، ويجب عليه أن يتوب إلى الله ، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره ، يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم أفطر بدون عذر فعليه الإثم ، وأن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره ؛ لأنه لما شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض فيلزمه قضاؤه كالنذر ، أما لو ترك الصوم من الأصل متعمداً بلا عذر : فالراجح : أنه لا يلزمه القضاء ؛ لأنه لا يستفيد به شيئاً ، إذ إنه لن يقبل منه ، فإن القاعدة أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين فإنها إذا أخرت عن ذلك الوقت المعين بلا عذر لم تقبل من صاحبها ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : " من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد " ؛ ولأنه مِن تعدي حدود الله عز وجل ، وتعدي حدود الله تعالى ظلم ، والظالم لا يقبل منه ، قال الله تعالى : ( وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) ؛ ولأنه لو قدم هذه العبادة على وقتها - أي : فعلها قبل دخول الوقت - لم تقبل منه ، فكذلك إذا فعلها بعده لم تقبل منه إلا أن يكون معذوراً .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 45 ) .
والله أعلم .(179/2)
رقم السؤال:
50074
العنوان:
هل يجوز له العمل في بيع تحف تتعلق بأعياد الكفار ؟
السؤال:
يوجد مصنع لصنع التحف الزجاجية كحوامل العطور والشمعدانات وتصديرها للخارج ، وعرض عليَّ بأن أكون مسؤولاً عن التصدير ، ولكن المصنع يطلب مني في أعياد النصارى ( الكريسماس ) عمل بعض التحف الزجاجية الخاصة بعيدهم كالصلبان والتماثيل . فهل هذا العمل يجوز حيث إنني أخشى من الله بعد أن منَّ عليَّ ببعض العلم وبحفظ كتابه ؟ .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لأحدٍ من المسلمين أن يشارك في أعياد الكفَّار ، سواء بحضور أو تمكين لهم بإقامته أو ببيع مواد وسلع تتعلق بتلك الأعياد .
كتب الشيخ محمد بن إبراهيم ـ رحمه الله ـ إلى وزير التجارة قائلاً : من محمد إبراهيم إلى معالي وزير التجارة سلمه الله . السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
ذُكر لنا أن بعض التجار في العام الماضي استوردوا هدايا خاصة بمناسبة العيد المسيحي لرأس السنة الميلادية ، من ضمن هذه الهدايا شجرة الميلاد المسيحي ، وأن بعض المواطنين كانوا يشترونها ويقدمونها للأجانب المسيحيين في بلادنا مشاركة منهم في هذا العيد .
وهذا أمر منكر ما كان ينبغي لهم فعله ، ولا نشك في أنكم تعرفون عدم جواز ذلك ، وما ذكره أهل العلم من الاتفاق على حظر مشاركة الكفار من مشركين وأهل كتاب في أعيادهم .
فنأمل منكم ملاحظة منع ما يرد بالبلاد من هذه الهدايا وما في حكمها مما هو خصائص عيدهم.
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 3 / 105 ) .
وسئل الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله - :
بعض المسلمين يشاركون النصارى في أعيادهم ، فما توجيهكم ؟ .
فأجاب :(180/1)
لا يجوز للمسلم ولا المسلمة مشاركة النصارى أو اليهود أو غيرهم من الكفرة في أعيادهم ، بل يجب ترك ذلك ؛ لأن " مَن تشبَّه بقوم فهو منهم " ، والرسول عليه الصلاة والسلام حذرنا من مشابهتهم والتخلق بأخلاقهم ، فعلى المؤمن وعلى المؤمنة الحذر من ذلك ، ولا تجوز لهما المساعدة في ذلك بأي شيء لأنها أعياد مخالفة للشرع ، فلا يجوز الاشتراك فيها ، ولا التعاون مع أهلها ، ولا مساعدتهم بأي شيء لا بالشاي ولا بالقهوة ولا بغير ذلك كالأواني وغيرها ؛ ولأن الله سبحانه يقول : ( وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب ) فالمشاركة مع الكفرة في أعيادهم نوع من التعاون على الإثم والعدوان .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 405 ) .
وفي بيان لعلماء اللجنة الدائمة حول المشاركة باحتفالات الألفية قالوا :
سادساً : لا يجوز لمسلم التعاون مع الكفار بأي وجه من وجوه التعاون في أعيادهم ومن ذلك : إشهار أعيادهم وإعلانها ، ومنها الألفية المذكورة، ولا الدعوة إليها بأية وسيلة سواء كانت الدعوة عن طريق وسائل الإعلام ، أو نصب الساعات واللوحات الرقمية ، أو صناعة الملابس والأغراض التذكارية ، أو طبع البطاقات أو الكراسات المدرسية ، أو عمل التخفيضات التجارية والجوائز المادية من أجلها ، أو الأنشطة الرياضية، أو نشر شعار خاص بها . اهـ .
وعليه : فلا يجوز لك – أخي – المشاركة في صنع شيء يتعلق بأعياد الكفار ، واترك هذه الوظيفة لله تعالى ، وسيبدلك الله خيراً منها إن شاء .
والله أعلم .(180/2)
رقم السؤال:
50273
العنوان:
لا تملك مالا غير الحلي فهل تبيع منه لتؤدي زكاته؟
السؤال:
أملك كمية من الذهب التي يجب أن أدفع زكاتها لكني لا أملك المال لدفع الزكاة . ماذا أفعل ؟ هل عليّ بيع جزء من الذهب لدفع الزكاة ؟.
الجواب:
الحمد لله
من ملكت نصابا من الذهب وهو 85 جراما ، وحال عليه الحول ، وجب عليها زكاته ، بإخراج ربع العشر وهو (2.5%) سواء أخرجت ذلك من نفس الذهب ، أو من قيمته بعد بيعه ، أو من مالها الآخر .
وحيث إنك لا تملكين المال لدفع الزكاة ، فيلزمك إخراج الزكاة من الذهب نفسه ، أو تبيعين بعضه وتخرجين الزكاة . وإن تبرع أحدٌ (الوالد أو الأخ أو الزوج أو غيرهم) بإخراج الزكاة عنك جاز ذلك وكان مأجورا مثابا .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
" والزكاة على مالكة الحلي ، وإذا أداها زوجها أو غيره عنها بإذنها فلا بأس ، ولا يجب إخراج الزكاة منه ، بل يجزئ إخراجها من قيمته ، كلما حال عليها الحول ، حسب قيمة الذهب والفضة في السوق عند تمام الحول " انتهى من "فتاوى إسلامية" (2/85) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : هل في الذهب المعد للزينة زكاة ؟ وإن كانت المرأة لا تجد إلا أن تبيع بعضه لكي تؤدي الزكاة ؟
فأجاب :
" الصحيح من أقوال العلماء والراجح عندي أن الزكاة واجبة في الحلي إذا بلغ النصاب وهو خمسة وثمانون جراماً ، فإذا بلغ هذا وجبت زكاته ، فإن كان لديها مال فأدت منه فلا بأس ، وإن أدى عنها زوجها أو أحد من أقاربها فلا بأس ، فإن لم يكن هذا ولا هذا فإنها تبيع منه بقدر الزكاة وتخرج الزكاة .
قد يقول بعض الناس : لو عملنا بهذا لانتهى حليُّها ولم يبق عندها شيء .
فنقول : هذا غير صحيح ، لأنه إذا نقص عن النصاب ولو شيئاً يسيراً لم تجب الزكاة فيه ، وحينئذ لابد أن يكون عندها شيء تتحلى به " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/138) .
والله أعلم .(181/1)
رقم السؤال:
50320
العنوان:
اغتسل ثم صلى ثم تبين أنه ترك موضعا من جسده لم يصبه الماء
السؤال:
هل الغسل يجب فيه الموالاة أي لو أن شخصا تذكر بعد فترة من الزمن عدم غسله لجزء يسير من جسده هل يغسله فقط أم يجب عليه إعادة الغسل من جديد مع ما به من مشقة. وحالتي هي أنني اغتسلت ويوجد لدي (لصق لجرح في ظهري) فأزلته وأزلت الصمغ الناتج عنه في ظني أني أزلته كاملا لكن بعد فترة تبين لي أنه لم يزل كاملا مع العلم أن الماء قد مر على الموضع فهل علي شيء (أعني صمغ الصق هل يمنع وصول الماء) ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا : نص الفقهاء رحمهم الله على اشتراط إزالة كل ما يمنع وصول الماء إلى أعضاء الطهارة لصحة الغسل أو الوضوء ؛ فإن غسل الأعضاء لا يتحقق بذلك .
قال النووي : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء كثر ذلك أم قل ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه دون عينه أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت صحت طهارته " . انتهى من المجموع (1 /529 )
ثانيا : أما حكم ما صليت وهذا الصمغ عليك فتنظر إن كان الصمغ كثيفا يمنع وصول الماء فتعتبر الصلاة باطلة وعليك الإعادة وإن كان يسيرا لا يحجز الماء عن البشرة فالصلاة صحيحة ، وأنت من يقدر ذلك لأنك تراه ، فإن شككت فالأحوط الإعادة .
ثالثا : اختلف العلماء في حكم الموالاة في الغسل على قولين :
الأول : لا تشترط الموالاة ، وهو قول أكثر أهل العلم كما قال في المغني (1/220 ) واختاره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : في "شرح العدة" (1/208) واستدل له بأدلة كثيرة ـ تجدها في جواب السؤال رقم (99543) وعلى هذا القول ، فمن ترك غسل جزء من بدنه ، ثم تذكر بعد ذلك ، فإنه يكفيه غسل الموضع الذي تركه فقط ، ولا يجب عليه إعادة الغسل .(182/1)
رقم السؤال:
50388
العنوان:
لماذا خص الصوم بقوله تعالى : (الصيام لي وأنا أجزي به)؟
السؤال:
لماذا خص الله جزاء الصوم به سبحانه وتعالى ؟ .
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (1761) ومسلم (1946) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( قَالَ اللَّهُ : كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلا الصِّيَامَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ . . . الحديث ) .
ولما كانت الأعمال كلها لله وهو الذي يجزي بها ، اختلف العلماء في قوله : ( الصيام لي وأنا أجزي به ) لماذا خص الصوم بذلك ؟
وقد ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله من كلام أهل العلم عشرة أوجه في بيان معنى الحديث وسبب اختصاص الصوم بهذا الفضل ، وأهم هذه الأوجه ما يلي :
1- أن الصوم لا يقع فيه الرياء كما يقع في غيره ، قال القرطبي : لما كانت الأعمال يدخلها الرياء ، والصوم لا يطلع عليه بمجرد فعله إلا الله فأضافه الله إلى نفسه ولهذا قال في الحديث : (يدع شهوته من أجلي) . وقال ابن الجوزي : جميع العبادات تظهر بفعلها وقلّ أن يسلم ما يظهر من شوبٍ ( يعني قد يخالطه شيء من الرياء ) بخلاف الصوم .(183/1)
2- أن المراد بقوله : ( وأنا أجزى به ) أني أنفرد بعلم مقدار ثوابه وتضعيف حسناته . قال القرطبي : معناه أن الأعمال قد كشفت مقادير ثوابها للناس وأنها تضاعف من عشرة إلى سبعمائة إلى ما شاء الله إلا الصيام فإن الله يثيب عليه بغير تقدير . ويشهد لهذا رواية مسلم (1151) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ الْحَسَنَةُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعمِائَة ضِعْفٍ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : إِلا الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ ) أي أجازي عليه جزاء كثيرا من غير تعيين لمقداره ، وهذا كقوله تعالى : ( إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب ) .
3- أن معنى قوله : ( الصوم لي ) أي أنه أحب العبادات إلي والمقدم عندي . قال ابن عبد البر : كفى بقوله : ( الصوم لي ) فضلا للصيام على سائر العبادات . وروى النسائي (2220) عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ : قال رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( عَلَيْكَ بِالصَّوْمِ ، فَإِنَّهُ لا مِثْلَ لَهُ ) . صححه الألباني في صحيح النسائي .
4- أن الإضافة إضافة تشريف وتعظيم ، كما يقال : بيت الله ، وإن كانت البيوت كلها لله . قال الزين بن المنير : التخصيص في موضع التعميم في مثل هذا السياق لا يفهم منه إلا التعظيم والتشريف .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" وَهَذَا الحديثُ الجليلُ يدُلُّ على فضيلةِ الصومِ من وجوهٍ عديدةٍ :(183/2)
الوجه الأول : أن الله اختصَّ لنفسه الصوم من بين سائرِ الأعمال ، وذلك لِشرفِهِ عنده ، ومحبَّتهِ له ، وظهور الإِخلاصِ له سبحانه فيه ، لأنه سِرُّ بَيْن العبدِ وربِّه لا يطَّلعُ عليه إلاّ الله . فإِن الصائمَ يكون في الموضِعِ الخالي من الناس مُتمكِّناً منْ تناوُلِ ما حرَّم الله عليه بالصيام ، فلا يتناولُهُ ؛ لأنه يعلم أن له ربّاً يطَّلع عليه في خلوتِه ، وقد حرَّم عَلَيْه ذلك ، فيترُكُه لله خوفاً من عقابه ، ورغبةً في ثوابه ، فمن أجل ذلك شكر اللهُ له هذا الإِخلاصَ ، واختصَّ صيامَه لنفْسِه من بين سَائِرِ أعمالِهِ ولهذا قال : ( يَدعُ شهوتَه وطعامَه من أجْلي ) . وتظهرُ فائدةُ هذا الاختصاص يوم القيامَةِ كما قال سَفيانُ بنُ عُييَنة رحمه الله : إِذَا كانَ يومُ القِيَامَةِ يُحاسِبُ الله عبدَهُ ويؤدي ما عَلَيْه مِن المظالمِ مِن سائِر عمله حَتَّى إِذَا لم يبقَ إلاَّ الصومُ يتحملُ اللهُ عنه ما بقي من المظالِم ويُدخله الجنَّةَ بالصوم .
الوجه الثاني : أن الله قال في الصوم : (وأَنَا أجْزي به) فأضافَ الجزاءَ إلى نفسه الكريمةِ ؛ لأنَّ الأعمالَ الصالحةَ يضاعفُ أجرها بالْعَدد ، الحسنةُ بعَشْرِ أمثالها إلى سَبْعِمائة ضعفٍ إلى أضعاف كثيرةٍ ، أمَّا الصَّوم فإِنَّ اللهَ أضافَ الجزاءَ عليه إلى نفسه من غير اعتبَار عَددٍ ، وهُوَ سبحانه أكرَمُ الأكرمين وأجوَدُ الأجودين ، والعطيَّةُ بقدر مُعْطيها . فيكُونُ أجرُ الصائمِ عظيماً كثيراً بِلاَ حساب . والصيامُ صبْرٌ على طاعةِ الله ، وصبرٌ عن مَحارِم الله ، وصَبْرٌ على أقْدَارِ الله المؤلمة مِنَ الجُوعِ والعَطَشِ وضعفِ البَدَنِ والنَّفْسِ ، فَقَدِ اجْتمعتْ فيه أنْواعُ الصبر الثلاثةُ ، وَتحقَّقَ أن يكون الصائمُ من الصابِرِين . وقَدْ قَالَ الله تَعالى : ( إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ ) الزمر/10 . . . " انتهى .(183/3)
"مجالس شهر رمضان" (ص 13) .
والله أعلم .(183/4)
رقم السؤال:
50632
العنوان:
جامع زوجته وهي تقضي من رمضان فماذا يترتب عليهما ؟
السؤال:
جامعت زوجتي قبل رمضان وكانت تقضي بعض الأيام من شهر رمضان السابق ، ولم تتمكن من قضاء جميع الأيام .
ملاحظة : استأذنتني بالصيام وأذنت لها.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز لمن شرع في صوم واجب كقضاء رمضان أو كفارة يمين أن يفطر إلا من عذر ، كمرض أو سفر .
فإن أفطر - بعذر أو من غير عذر- بقي الصوم في ذمته ، فعليه أن يصوم يوما واحدا مكان اليوم الذي أفسده .
فإن كان فطره من غير عذر وجب عليه – مع الصيام - التوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم .
وليس على زوجتك كفارة ، لأن الكفارة لا تجب إلا بالجماع في نهار رمضان فقط .
وقد سبق بيان هذا في جواب السؤال ( 49985 ) فلينظر .
ثانياً :
وقد أسأت بإفساد صيام زوجتك ، لأن الزوجة إذا صامت قضاء رمضان بإذن زوجها لم يكن له إفساد صيامها .
فعليكما التوبة إلى الله ، والندم على الفعل ، والعزم على عدم العود ، فإن كنت أجبرتها فلا إثم عليها .
والله أعلم .(184/1)
رقم السؤال:
50651
العنوان:
حملت قبل أن تبدأ في القضاء ولا تستطيع الصوم
السؤال:
كان على زوجتي أيام حيض لم تصمها من رمضان الماضي ، وقبل أن تنوى قضاء هذه الأيام قبل رمضان القادم حملت ، والدكتورة المعالجة لها أخبرتها ألا تصوم نهائياً خلال فترة الحمل ، واحتمال فترة الرضاعة أيضاً ، نظراً لضعفها العام وخوفاً على الجنين ، لذلك فهي لن تستطع أن تصوم هذه الأيام ، فماذا تفعل بالنسبة لهذه الأيام ؟ وماذا تفعل إذا لم تستطع قضاء أيام رمضان القادم قبل مجيء شهر رمضان التالي له ؟.
الجواب:
الحمد لله
وسَّع الله تعالى في قضاء رمضان لمن أفطر بعذرٍ شرعي إلى دخول رمضان التالي ، إلا أنه لا ينبغي لمسلم أن يغترَّ بهذا التأخير لتأجيل القضاء ؛ لأنه قد تعرض له الحاجة أو التَّغير فيشق عليه القضاء أو يمتنع ، وبخاصة النساء فإنهن معرَّضات للحمل والحيض والنفاس .
ومن أخر القضاء بغير عذر إلى أن ضاق عليه الوقت فانقضى شعبان ولم يقضِ ما عليه : فهو آثم ، وإن كان معذوراً فلا إثم عليه ، وفي كلا الحالين يجب عليه القضاء بعد رمضان الثاني ، وقد أوجب بعض أهل العلم عليه مع القضاء فدية طعام مسكين عن كل يوم ، فإن تيسر له ذلك وفعله فهو أحوط ، وإلا فالقضاء يكفيه .
انظر السؤال (26865) ، (21710) .
سئل فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله :
ما حكم من أخر القضاء حتى دخل رمضان التالي ؟
فأجاب :(185/1)
تأخير قضاء رمضان إلى رمضان التالي لا يجوز على المشهور عند أهل العلم ؛ لأن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان ) وهذا يدل على أن لا رخصة بعد رمضان الثاني ، فإن فعل بدون عذر فهو آثم ، وعليه أن يبادر بالقضاء بعد رمضان الثاني ، واختلف العلماء هل يلزمه مع ذلك إطعام أو لا يلزمه ؟ والصحيح : أنه لا يلزمه إطعام ؛ لأن الله عز وجل يقول : ( وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) فلم يوجب الله سبحانه وتعالى سوى القضاء .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال 357 ) .
وسئل الشيخ رحمه الله :
امرأة أفطرت أياماً من رمضان العام الماضي ثم قضتها في آخر شعبان ، وجاءتها العادة واستمرت معها حتى دخل رمضان هذا العام ، وقد بقي عليها يوم واحد فماذا يجب عليها ؟
فأجاب بقوله :
يجب عليها أن تقضي هذا اليوم الذي لم تتمكن من قضائه قبل دخول رمضان هذا العام ، فإذا انتهى رمضان هذه السنة قضت ما فاتها من رمضان العام الماضي .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال 358 ) .
وسئل رحمه الله أيضاً :
امرأة أفطرت في رمضان للنفاس ، ولم تستطع القضاء من أجل الرضاع حتى دخل رمضان الثاني ، فماذا يجب عليها ؟
فأجاب بقوله :
الواجب على هذه المرأة أن تصوم بدل الأيام التي أفطرتها ولو بعد رمضان الثاني ؛ لأنها إنما تركت القضاء بين الأول والثاني للعذر ، لكن إن كان لا يشق عليها أن تقضي في زمن الشتاء ولو يوماً بعد يوم : فإنه يلزمها ذلك ، وإن كانت ترضع ، فلتحرص ما استطاعت على أن تقضي رمضان الذي مضى قبل أن يأتي رمضان الثاني ، فإن لم يحصل لها فلا حرج عليها أن تؤخره إلى رمضان الثاني .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال 360 ) .
وخلاصة الجواب : أن هذه الأيام تبقى دَيْناً على زوجتك ، يلزمها قضاؤها متى تمكنت من ذلك .
والله أعلم .(185/2)
رقم السؤال:
50692
العنوان:
أفطرت أياماً كثيرة جاهلة حكمها وعددها
السؤال:
لا أعرف كم أفطرت في السنوات الماضية وأنا مع أهلي ، حيث كنا نعيش في القرية ، ولم يكن أحد يعرف عن أحكام الصوم شيئا ، وقد أفطرت في هذه الأيام ، ولا أعرف كم أفطرت ، فقمت بدفع مبلغ من المال عن هذه الأيام ، وبعد زمن عرفت من إحدى الأخوات أنه يجب أن أقضي هذه الأيام وأنا لا أعرف عدد هذه الأيام فماذا أفعل ؟.
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المسلم تعلُّم الأحكام الشرعيَّة الضروريَّة ، سواء النظريَّة منها مثل ما يتعلق بالعقائد وأصول الدين ، أو العمليَّة كالطهارة والصلاة ، فإذا كان من أصحاب المال فيجب عليه تعلم أحكام الزكاة ، وإذا كان من أصحاب التجارات فيجب عليه تعلم أحكام البيوع ، وهكذا ، فإذا قَرُبَ شهر رمضان فإنه يجب على المسلم المكلَّف أن يتعلم أحكام الصوم حتى لو كان عاجزاً عن الصوم ؛ وذلك ليتعلم ما يجب عليه من بدل عن الصوم .
فالواجب عليكِ وعلى أهلك التوبة والاستغفار من تفريطكم في السؤال وطلب العلم في هذا الباب .
ودفع المال لا يجوز حتى للعاجز عن الصيام كالكبير والمريض مرضاً مزمناً ؛ لأن الواجب على هؤلاء في حال فطرهم في رمضان أن يُطعموا عن كل يومٍ مسكيناً واحداً ، ولا يجزئ دفع المال ـ بدلا عن الإطعام ـ عن الأيام التي يفطرون فيها .
وعليه : فما دُفع منك من مال نرجو أن يكون صدقة لك تجدين أجرها يوم القيامة .
وأما الواجب عليكم فهو قضاء تلك الأيام التي أفطرتيها ، ويمكنكم حسابها بالتروي حتى تصلي إلى عدد يقيني فإن لم تستطيعي فعلى غلبة الظن ، فإن غلب على ظنك أنها 30 يوماً – مثلاً – فالواجب عليكم صيام هذه الأيام ، وهكذا لو كانت أقل أو أكثر و ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا ) البقرة/286(186/1)
ولا يجب عليكم صومها متتابعة ، بل يجوز لكم تفريقها بحسب الوسع والطاقة ، لكن عليكم المبادرة لصيامها وعدم الوقوع في التأخير مرة أخرى .
وعليك البداءة بقضاء رمضان من السنة الفائتة أولاً ؛ حتى لا يدخل رمضان التالي قبل صيامها .
وقد ذكر بعض أهل العلم أنه يجب عليكم مع الصيام إطعام مسكين عن كل يوم مقابل تأخير الصيام ، لكن الراجح أن الواجب عليكم هو الصيام فقط ، وخاصة إن كنتم فقراء ، فإن استطعتم الإطعام مع الصيام فحسن .
وانظري أجوبة الأسئلة : ( 39742 ) و ( 26212 ) و ( 47942 ) و ( 40695 ) .
وهذا كله في حال أنكم أفطرتم بعذر شرعي كالحيض ، أما إن لم تكونوا معذورين في إفطاركم : فلا قضاء عليكم ، بل عليكم التوبة والاستغفار وتعويض هذه الأيام بصيام النوافل وأعمال الخير .
وقد ذكرنا هذه المسألة وفتاوى أهل العلم في جواب السؤال رقم ( 50067 ) فلينظر .
والله أعلم.(186/2)
رقم السؤال:
50801
العنوان:
كيف يزكي المدخرات المتتابعة غير المستقرة؟
السؤال:
المبلغ الذي يضعه الشخص في البنك وهو غير ثابت يعني يمكن أن يزيد أو ينقص خلال السنة الواحدة كيف تكون زكاته ؟ حيث إن هذا المبلغ ليس مخصصا للادخار . هذا المبلغ يتزايد ويتناقص خلال السنة فكيف يتم تحديد المبلغ الذي مضى عليه الحول ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا بلغ هذا المبلغ نصابا وحال عليه الحول ، وجبت زكاته ، سواء أعد للادخار أم لا .
والنصاب هو ما يعادل 85 جراما من الذهب ، أو 595 جراماً من الفضة تقريباً .
والقدر الواجب إخراجه هو 2.5% من المال .
انظر السؤال (2795) .
فإذا نقص المال أثناء الحول عن النصاب ، انقطع الحول ولم تجب فيه الزكاة ، وتبدأ في حساب حول جديد من حين بلوغ المال نصابا مرة أخرى .
وإذا كان المال يزيد شيئا فشيئا ، ففي ذلك تفصيل :
أولا : إن كان المال المستفاد (الجديد) ناتجا عن المال الأول ، كربح المال المدخر- في المصارف الإسلامية- فإن الجميع يزكى عند حولان الحول على الأصل ، وإن لم يمض على حصول الربح إلا أيام . ولهذا قال الفقهاء : حول الربح حول أصله .
ثانيا : إذا لم يكن المال المستفاد ناتجا عن الأول ، بل هو مال مستقل ، كالذي يدخره الإنسان من راتبه ، فالأصل أن يُجعل لكل مال حول مستقل ، ولا يشترط أن يبلغ هذا المال الجديد نصابا ؛ لأن النصاب موجود وحاصل بالمال الأول .
وعليه : فما ادخرته في شهر رمضان ، تزكه في رمضان القادم ، وما ادخرته في شهر شوال ، تزكه في شوال الذي بعده ، وهكذا .
ولا شك أنه يشق على الإنسان أن يجعل حسابا مستقلا لمدخراته كل شهر ، كما يشق عليه أن يزكي كل مدخر ، عند حولان حوله . لهذا كان الأرفق به ، أن يزكي جميع مدخراته خلال العام ، حين يحول الحول على أول نصابٍ ملكه منها .
وحينئذ تكون قد زكيت أموالا لم يمُرَّ عليها الحول بعد ، وهذا لا حرج فيه ، فهو من باب تعجيل الزكاة قبل حولان الحول .(187/1)
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (26113) ، ونقلنا فتوى اللجنة الدائمة في ذلك ، نعيدها بنصها لفائدتها :
" من ملك نصاباً من النقود ثم ملك تباعاً نقوداً أخرى في أوقات مختلفة وكانت غير متولدة من الأولى ولا ناشئة عنها ، بل كانت مستقلة كالذي يوفره الموظف شهرياً من مرتبه ، وكإرث أو هبة أو أجور عقار مثلاً :
فإن كان حريصاً على الاستقصاء في حقه حريصاً على أن لا يدفع من الصدقة لمستحقيها إلا ما وجب لهم في ماله من الزكاة ، فعليه أن يجعل لنفسه جدول حساب لكسبه يخص فيه كل مبلغ من أمثال هذه المبالغ بحول يبدأ من يوم ملكه ويخرج زكاة كل مبلغ لحاله كلما مضى عليه حول من تاريخ امتلاكه إياه .
وإن أراد الراحة وسلك طريق السماحة وطابت نفسه أن يؤثر جانب الفقراء وغيرهم من مصارف الزكاة على جانب نفسه ؛ زكى جميع ما يملكه من النقود حينما يحول الحول على أول نصاب ملكه منها ، وهذا أعظم لأجره وأرفع لدرجته ، وأوفر لراحته وأرعى لحقوق الفقراء والمساكين وسائر مصارف الزكاة ، وما زاد فيما أخرجه عما تم حوله يعتبر زكاة معجلة عما لم يتم حوله " انتهى من فتاوى اللجنة الدائمة (9/280) .
والله أعلم .(187/2)
رقم السؤال:
52801
العنوان:
حكم فتح محل للألعاب (الإلكترونية)
السؤال:
ما حكم امتلاك محل لإدارة الألعاب الإلكترونية للطفل ، أي يجلس الطفل على الكمبيوتر قدر ساعة لقاء أجرة (2ريال سعودي) نعلم أنه قد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن اللعب بالنرد والشطرنج ، فهل هذه الألعاب تشبه ذلك ؟ ولماذا كان النهي عن هذه الألعاب بعينها ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا:
حكم فتح محل لتأجير الألعاب الإلكترونية مبني على حكم هذه الألعاب نفسها ، وقد سبق في جواب السؤال رقم (2898) بيان حكمها ، وتبين في الجواب هناك أن هذه الألعاب إذا خلت من عدة محاذير أصبحت حلالا مشروعا ، وبالتالي لا حرج من تأجيرها على الأطفال إذا لم تحتو على هذه المحرمات ، كصور النساء العاريات ، وألعاب السحر ، والموسيقى ، وغيرها.
فيجب على مالك المحل أن يختار الألعاب الخالية من المحرمات .
ثانيا:
سبق في بيان تحريم لعب حكم الشطرنج والنرد في جواب السؤال رقم (22305) و (14095) .
وأما الحكمة من تحريم هاتين اللعبتين ، فقد قال الشيخ ابن باز رحمه الله :
"حكم اللعب بهذه الأشياء : المنع ؛ لكونها من آلات اللهو الصادة عن ذكر الله وعن الصلاة ، وهذا هو المعروف عند أهل العلم ؛ لأنها تشغل وتلهي وتصد عن الخير ، وفيها مغالبة ، وقد تفضي إلى شر عظيم بين اللاعبين ، وقد تشغلهم عما أوجبه الله عليهم" انتهى .
"فتاوى ابن باز" (8/98)
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى:
"وإذا كان من لعب بالنرد عاصيا لله ورسوله مع خفة مفسدة النرد ، فكيف يسلب اسم المعصية لله ولرسوله عن صاحب الشطرنج مع عظم مفسدتها ، وصدها عما يحب الله ورسوله ، وأخذها بفكر لاعبها ، واشتغال قلبه وجوارحه ، وضياع عمره ، ودعاء قليلها إلى كثيرها ؛ مثل دعاء قليل الخمر إلى كثيرها ، ورغبة النفوس فيها بالعوض فوق رغبتها فيها بلا عوض؟(188/1)
فلو لم يكن في اللعب فيها مفسدة أصلا غير أنها ذريعة قريبة الإيصال إلى أكل المال الحرام بالقمار ؛ لكان تحريمها متعينا في الشريعة ، كيف وفي المفاسد الناشئة من مجرد اللعب بها ما يقتضي تحريمها ؟
وكيف يظن بالشريعة أنها تبيح ما يلهي القلب ، ويشغله أعظم شغل عن مصالح دينه ودنياه ويورث العداوة والبغضاء بين أربابها ، وقليلها يدعو إلى كثيرها ، ويفعل بالعقل والفكر كما يفعل المسكر وأعظم ، ولهذا يصير صاحبها عاكفا عليها كعكوف شارب الخمر على خمره ، أو أشد ؛ فإنه لا يستحيي ولا يخاف كما يستحيي شارب الخمر ، وكلاهما مشبه بالعاكف على الأصنام" انتهى .
"الفروسية" (ص312) .
والله أعلم(188/2)
رقم السؤال:
52923
العنوان:
هل من يصلي الجمعة فقط ليس بكافر؟
السؤال:
هل صحيح من يصلي الجمعة ليس بكافر حيث كنت قرأت للشيخ ابن عثيمين رحمه الله فقال: من يصلي الجمعة ليس كافرا ، لأنه لم يتركها مطلقا ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (الصلاة) وليست (صلاة) فهل ورد عن ابن عثيمين وابن تيمية ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف القائلون بكفر تارك الصلاة، في الحد الذي يوجب تركه الكفر، فذهب أكثرهم إلى أنه يكفر بترك فريضة واحدة، أو فريضتين.
وذهب بعضهم إلى أن تارك الصلاة لا يكفر إلا إذا تركها مطلقا.
والقول الأول حكاه إسحاق بن راهويه رحمه الله عن الصحابة والتابعين. قال الإمام محمد بن نصر المروزي رحمه الله : "سمعت إسحاق يقول: قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر، وكذلك كان رأي أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا ، أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يذهب وقتها كافر.
وذهاب الوقت أن يؤخر الظهر إلى غروب الشمس ، والمغرب إلى طلوع الفجر.
وإنما جعل آخر أوقات الصلوات ما وصفنا لأن النبي صلى الله عليه وسلم جمع بين الصلاتين بعرفة والمزدلفة وفي السفر ، فصلى إحداهما في وقت الأخرى، فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الأولى منهما وقتا للأخرى في حال، والأخرى وقتا للأولى في حال، صار وقتاهما وقتا واحدا في حال العذر، كما أُمرت الحائض إذا طهرت قبل غروب الشمس أن تصلى الظهر والعصر ، وإذا طهرت آخر الليل أن تصلى المغرب والعشاء" انتهى من "تعظيم قدر الصلاة" (2/929) .
ونقل محمد بن نصر رحمه الله عن الإمام أحمد أنه قال : "لا يكفر أحد بذنب إلا تارك الصلاة عمدا. فإن ترك صلاة إلى أن يدخل وقت صلاة أخرى يستتاب ثلاثا" انتهى .
ونقل عن ابن المبارك أنه قال : "من ترك الصلاة متعمدا من غير علة، حتى أدخل وقتا في وقت فهو كافر" انتهى . "تعظيم قدر الصلاة" (2/927) .(189/1)
وقال ابن حزم رحمه الله : "روينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، ومعاذ بن جبل ، وابن مسعود ، وجماعة من الصحابة رضي الله عنهم، وعن ابن المبارك ، وأحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه رحمة الله عليهم ، وعن تمام سبعة عشر رجلا من الصحابة ، رضي الله عنهم ، أن من ترك صلاة فرضٍ عامدا ذاكرا حتى يخرج وقتها ، فإنه كافر ومرتد ، وبهذا يقول عبد الله بن الماجشون صاحب مالك ، وبه يقول عبد الملك بن حبيب الأندلسي وغيره" . انتهى من "الفصل في الملل والأهواء والنحل" (3/128) .
وقال رحمه الله : "وقد جاء عن عمر، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاذ بن جبل، وأبي هريرة، وغيرهم من الصحابة رضي الله عنهم أن من ترك صلاة فرض واحدة متعمدا حتى يخرج وقتها فهو كافر مرتد" انتهى من "المحلى" (2/15 ) .
وبهذا القول أفتى علماء اللجنة الدائمة للإفتاء ، وعلى رأسهم الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (6/40،50) .
وقد استدل بعض أهل العلم لهذا المذهب بقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله) رواه البخاري (528) لأن حبوط العمل لا يكون إلا بالكفر، ولما سبق نقله عن الصحابة الذين رووا هذه الأحاديث.
وأما القول الثاني: وهو عدم تكفير تارك الصلاة إلا إذا تركها مطلقا، فهذا ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، مع حكمه بالكفر على من ترك بعض الصلاة ودعاه الحاكم إلى الصلاة فلم يصل. ويرى كذلك رحمه الله أن هذا الذي يصلي ويترك، إذا عزم في قلبه على الترك بالكلية، كفر باطنا، أي فيما بينه وبين الله تعالى.
ينظر : "مجموع الفتاوى" (22/49) ، (7/615) و"شرح العمدة" (2/94) .(189/2)
وإلى هذا القول ذهب الشيخ ابن عثيمين رحمه الله حيث قال : "والذي يظهر من الأدلة : أنه لا يكفر إلا بترك الصلاة دائما ؛ بمعنى أنه وطن نفسه على ترك الصلاة ؛ فلا يصلي ظهرا ، ولا عصرا ، ولا مغربا ، ولا عشاء ، ولا فجرا ، فهذا هو الذي يكفر. فإن كان يصلي فرضا أو فرضين فإنه لا يكفر ؛ لأن هذا لا يصدق عليه أنه ترك الصلاة ؛ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) ، ولم يقل : (ترك صلاة)" انتهى من "الشرح الممتع" (2/26) .
ولم نقف على كلام مكتوب له رحمه الله فيمن يصلي الجمعة فقط ، لكن كنا سألناه عن ذلك مشافهة ، فأجاب بأن الظاهر أنه يكفر ، لأن صلاة الجمعة صلاة واحدة من خمس وثلاثين صلاة في الأسبوع ، فلا يمتنع إطلاق تارك الصلاة على من يصلي الجمعة فقط ، فيكون كافراً .
والله أعلم.(189/3)
رقم السؤال:
59866
العنوان:
زكاة الحلي المعد للاستعمال
السؤال:
قدم والد زوجتي حلية تزن 560 جراما من الذهب وقت زواجنا عام 1994. ولدينا بعض القطع الذهبية التي حصلنا عليها كهدايا من أقربائنا عندما وضعت زوجتي . كما أني اشتريت بعض المجوهرات لزوجتي في الفترة من 1994 حتى 2004. والآن فإن زوجتي تخبرني بأن علينا دفع زكاة تبلغ 240 جراما من الذهب .
وسؤالي هو : هل علي أنا دفع الزكاة عن كل الأصناف الثلاثة المذكورة آنفا ؟ أرجو التوضيح بالتفصيل والدليل .
الجواب:
الحمد لله
الحلي المعد للبس والزينة ، مما اختلف الفقهاء في وجوب زكاته ، فذهب الحنفية إلى وجوب زكاته ، وذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى عدم الوجوب .
والقول الراجح هو ما ذهبت إليه الحنفية ، وذلك لأدلة كثيرة ، منها :
1- عموم الأدلة الدالة على وجوب زكاة الذهب والفضة دون تفريق بين الحلي المستعمل وغيره .
2- عن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ : دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَأَى فِي يَدَيَّ فَتَخَاتٍ مِنْ وَرِقٍ ، فَقَالَ : مَا هَذَا يَا عَائِشَةُ ؟ فَقُلْتُ : صَنَعْتُهُنَّ أَتَزَيَّنُ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : أَتُؤَدِّينَ زَكَاتَهُنَّ ؟ قُلْتُ : لا . قَالَ : هُوَ حَسْبُكِ مِنْ النَّارِ . رواه أبو داود (155) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
و (الفتخات) خواتيم كبار . و (الوَرِق) الفضة .(190/1)
3- وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ امْرَأَةً أَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهَا ابْنَةٌ لَهَا ، وَفِي يَدِ ابْنَتِهَا مَسَكَتَانِ (إسورتان) غَلِيظَتَانِ مِنْ ذَهَبٍ ، فَقَالَ لَهَا : أَتُعْطِينَ زَكَاةَ هَذَا ؟ قَالَتْ : لا . قَالَ : أَيَسُرُّكِ أَنْ يُسَوِّرَكِ اللَّهُ بِهِمَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ سِوَارَيْنِ مِنْ نَارٍ ؟ قَالَ : فَخَلَعَتْهُمَا ، فَأَلْقَتْهُمَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَالَتْ : هُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ . رواه أبو داود (1563) والنسائي (2479) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود.
ثانيا :
يجب عليكم إخراج الزكاة من حين علمتم بوجوبها ، أما الأعوام التي مضت ولم تعلموا فيها بوجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال فلا يلزمكم إخراج الزكاة عنها .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله عن امرأة كان عندها حلي للزينة وبقي عندها سنوات ، ثم علمت بوجوب الزكاة فيه ، فهل يلزمها إخراج الزكاة عن السنوات الماضية ؟ فأجاب :
" يجب عليك الزكاة من حين علمت وجوبها في الحلي ، وأما ما مضى قبل علمك فليس عليك زكاة ، لأن الأحكام الشرعية إنما تلزم بعد العلم " فتاوى إسلامية (2/84) .
وفي سؤال مماثل قال أيضا (2/85) :
" عليها أن تخرج الزكاة مستقبلا عن حليها كل سنة إذا بلغ النصاب .... وأما السنوات الماضية قبل علمها بوجوب الزكاة في الحلي ، فلا شيء عليها عنها ، لجهلها وللشبهة في ذلك ، لأن بعض أهل العلم لا يرى وجب الزكاة في الحلي التي تلبس أو المعدة لذلك ، ولكن الأرجح وجوب الزكاة فيها إذا بلغت النصاب وحال عليها الحول ، لقيام الدليل من الكتاب والسنة على ذلك " .(190/2)
ثالثا : زكاة الحلي المعد للاستعمال إنما تجب فيه إذا كان من الذهب أو الفضة ، وعلى هذا فالمجوهرات التي اشتريتها إذا كانت من غير الذهب والفضة فلا زكاة فيها .
وانظر السؤال (40210) .
رابعاً :
الزكاة تجب على مالك الحلي ، لا على الزوج .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " والزكاة على مالكة الحلي ، وإذا أداها زوجها أو غيره عنها بإذنها فلا بأس ، ولا يجب إخراج الزكاة منه ، بل يجزئ إخراجها من قيمته ، كلما حال عليها الحول ، حسب قيمة الذهب والفضة في السوق عند تمام الحول " فتاوى إسلامية 2/85 .
لكن . . إن كانت الهدايا المقدمة لكما ، لم تتبرع بنصيبك منها لزوجتك ، فالواجب عليك إخراج زكاة نصيبك ، إن بلغ نصابا ، وهو 85 جراما.
وأما القدر الواجب إخراجه ، فهو ربع العشر (2.5%) ففي 100 جرام : جرامان ونصف.
والله أعلم .(190/3)
رقم السؤال:
59870
العنوان:
شراء السلع من محلات تبيع الخمور
السؤال:
أعيش في أمريكا وأسأل: هل يجوز شراء الطعام وسلع أخرى من محل يبيع الخمر مثل المحلات في محطات الوقود والبقالات ومحلات السوبر ماركت وحتى المطاعم؟ ملاحظة: لا يوجد أي محل أو محطة وقود لا يباع فيها الخمر في هذا البلد. لقد بحثت لكن المحلات الإسلامية لا تبيع كل شيء نحتاجه. أرجو أن تفيد جميع المسلمين بالحكم في المسألة وفقا للكتاب والسنة.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
ينبغي للمسلم اجتناب الأماكن التي يُعصى الله عز وجل فيها ، ما أمكنه ذلك ، ولهذا فالأولى لكم تشجيع المحلات الإسلامية التي لا تبيع ما حرم الله ، ونصح أصحابها بتوفير ما تحتاجون إليه من السلع لما في ذلك من الفائدة العامة للجميع ، لكم ولأصحابها .
ثانيا :
أما شراء ما تحتاجون إليه من تلك المحلات المسئول عنها ، فلا حرج في ذلك إن شاء الله تعالى ، لا سيما عند الحاجة إلى ذلك ، وعدم توفر هذه السلع عند غيرها من المحلات التي لا تبيع المحرمات .
وليكن وجودكم في هذه المحلات مقتصرا على قدر الحاجة ، وكلما أمكنكم اجتناب دخولها فهو أولى .
ثالثا :
ثم ليعلم أن إلزام غير المسلمين بعدم إظهار الخمر أو شعائر دينهم إنما يكون إذا دخلوا بلاد الإسلام أو خضعوا لأحكام الإسلام .
أما إذا كانوا في بلادهم ولم يخضعوا لحكم الإسلام فإنه تجري معاملاتهم حسب ما يعتادونه وما يعتقدونه ، وهم يعتقدون حل الخمر في دينهم .
روى أبو عبيد أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه بلغه أن بعض ولاته كانوا يأخذون الجزية من الخمر والخنازير ثم يتولى بيعها على أهل الذمة . فقال عمر رضي الله عنه : لا تفعلوا ، ولكن ولوهم بيعها ، وخذوا أنتم من الثمن .(191/1)
قال أبو عبيد : يريد أن المسلمين كانوا يأخذون من أهل الذمة الخمر والخنازير بقيمتها ، ثم يتولى المسلمون بيعها ، فهذا الذي نهى عنه عمر ، ثم رخص لهم أن يأخذوا ذلك من أثمانها إذا كان أهلُ الذمة المتولين لبيعها ، لأن الخمر والخنازير مال من أموال أهل الذمة ، ولا يكون مالاً للمسلمين " اهـ باختصار من "أحكام أهل الذمة" لابن القيم (1/184) .
فهذا يدل على أن بيع النصارى للخمر فيما بينهم صحيح ، لأنهم يعتقدون حلها في دينهم .
ولكن لا يجوز لمسلم أن يتولى بيعها ، ولو كان يبيعها على النصارى .
والله أعلم .(191/2)
رقم السؤال:
60003
العنوان:
نبشت قبور مقبرة وبني مكانها مسجد فهل تجوز الصلاة فيه ؟
السؤال:
أحد المساجد في مدينتنا وهو أكبرها ثبت أنه كان قد بني مكان مقبرة بعد نبش القبور وتحويلها إلى مكان آخر . المشكلة أن هناك من يقول إنه لم تتم إزالة جميع القبور أو جميع الرفات حيث جيء بجرافة لتسوية المكان بعد إزالة القبور الظاهرة وكلما وجدوا قبراً أزالوه , فما حكم الصلاة فيه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجب على المسلمين احترام قبور أمواتهم ، ولا يحل نبش قبورهم لغير ضرورة ، فإن كانت هناك ضرورة فيجب عليهم دفن كل ميت في قبر جديد .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
أسكن في قرية على حافة جبل وبجوارنا من الجهة اليمانية جبل مرتفع ومن الجهة الغربية حافة جبل ، ومن الجهة الشرقية كذلك ومدرجات زراعية تحيط بنا ، وعندي قطعة أرض بجوار مقبرة فعزمت على أن أبني لي بيتاً لأن بيت والدي أصبح لا يسعنا ، وبعد أن حفرت في نفس الأرض وطرحنا حجر الأساس للبيت ، وجدنا قبوراً ، فقمنا بإخراج العظم ونقلها إلى محل آخر حيث يوجد عندنا في القرية خندق تحت جبل يوجد فيه رؤوس وأيادي وأرجل وأجزاء من أجسام بني آدم وضعت من قديم الزمان ، ولا ندري هل عملنا هذا مشروع أم لا ؟ أفيدونا أفادكم الله .
فأجاب :
"هذا العمل لا يجوز ، فما دامت الأرض فيها قبور : فالواجب تركها ، فهي تبع المقبرة ما دامت المقبرة بجوار الأرض المذكورة ، فالواجب أن لا يتعرض لها ، ولا ينبش القبور ، وإذا حفر ووجد القبور يتركها ، ولا يجوز للناس أن ينبشوا القبور ، ويضعوا بيوتهم في محل القبور ، فهذا تعد على محل الموتى وظلم للموتى لا يجوز .(192/1)
قد يجوز بعض الأشياء إذا دعت الضرورة إليها مثل إذا دعت الحاجة إلى شارع ينفع المسلمين ، واعترضه شيء من القبور ، ولا حيلة في صرف الشارع ، فقد يجوز أخذ بعض المقبرة ونقل الرفات إلى محل آخر إذا كانت الضرورة دعت إلى توسعة هذا الشارع للمسلمين ، ولا حيلة في صرفه عن المقبرة ، أما أن يأخذ الناس من المقبرة لتوسعة بيوتهم فهذا لا يجوز" انتهى .
" فتاوى نور على الدرب " ( السؤال 119 ) .
ثانياً :
فإن نبشت قبور الكفار – أو تُعدي على قبور المسلمين فنُبشت – جاز بناء المسجد مكان تلك القبور ، فإن بقي من القبور شيء فلا يجوز بناء المسجد عليها ، وقد ثبتت الأحاديث في النهي عن بناء المساجد على القبور في الصحيحين وغيرهما ، وقد بنى النبي صلى الله عليه وسلم مسجده في المدينة بعد أن نبش قبور الكفار .
فإذا بني المسجد فوق قبور المسلمين : لم تجز الصلاة فيه ، ويجب هدم المسجد لأن القبور سابقة عليه ، فإن كانت القبور في زاوية المسجد وبني جدار فاصل بين المسجد وتلك القبور : جاز ذلك الفعل وصحت الصلاة فيه ، وهذه فتاوى العلماء في هذه المسألة :
سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
توجد وسط مدينتنا مقبرة قديمة أزالت البلدية أنقاضها وأقامت مكانها حيّاً سكنيّاً ومباني لذوي الدخل المحدود وبقيت منها مساحة كبيرة أقام عليها أهل البر والإحسان مسجداً ليصلي فيه سكان الحي ، وبعد بناء المسجد وقع خلاف بين أهل البلد حول جواز الصلاة في هذا المسجد أو عدم جوازها وانقسموا بين مؤيد ومعارض ، ما حكم هذا المسجد ؟ وهل يجب هدمه أم الإبقاء عليه ؟ هل الصلاة في هذا المسجد صحيحة أم لا ؟ .
فأجابوا :
"الأرض التي بني عليها مسجد إذا كانت خالية من القبور صحت الصلاة فيها ، وإلا فيجب هدم المسجد الذي بني عليها" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 418 ، 419 ) .(192/2)
وسئل علماء اللجنة الدائمة – أيضاً - :
إن مسجدنا ببلدة " بايانج بمنطقة لاناودل سور " قد تم إنشاؤه بعد زلزال مدمر ضرب المنطقة عام 1955م ، حيث تحطمت جدرانه وأساساته ، وقد قرر المسئولون وزعماء البلدة تعميره واتفقوا على تسوية الأرض الواقعة على الجانب الشرقي من المسجد المذكور علما بأن هذه المساحة من الأرض كانت تستخدم في السابق مقبرة لدفن الموتى ، وعند تسوية هذه الأرض بواسطة الآليات الحديثة (البلدوزرات) فقد تم العثور على عدد كبير من عظام رفات الأموات حيث تمت إعادة دفنها ونقل بعض منها إلى الجزء الغربي من المسجد ولكن بداخل سور نفس المسجد الحالي .
1- فهل من الجائز إقامة صلاة الجمعة والجماعة بداخل هذا المسجد ؟ .
2- إذا كان الجواب بالنفي : فهل من الممكن معالجة الأمر بإقامة حاجز أو حائط فاصل داخل الجانب الغربي لهذا المسجد حيث تم نقل عظام رفات الموتى .
فأجابوا :
"إذا كان المسجد الحالي لم يعمر على أرض فيها قبور : فالواجب نبش القبور التي وضعت في جهته الغربية ونقل رفاتها إلى أرض المقابر ، وإن كانت من المسلمين : فتنتقل إلى قبور المسلمين ، وإن كانت قبور كفار : نقلت إلى مقابر الكفار ، على أن يوضع رفات كل ميت مسلم في حفرة واحدة يسوى ظاهرها كبقية القبور حتى لا يمتهن ، فإن تعذر نقل الرفات من غربي المسجد : فلا مانع من فصلها بجدار يفصلها عن بقية المسجد .
أما إن كانت أصل أرض المسجد فيها قبور : فالواجب التماس أرض أخرى سليمة يقع عليها المسجد ، وتبقى أرض المسجد الأولى مقبرة كأصلها" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 1 / 419 – 421 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :(192/3)
"وإذا كان في المسجد قبر : وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة ؛ لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها ؛ لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور ، كما قد وقع ذلك في أكثر بلاد المسلمين من أزمان طويلة بأسباب الغلو في أصحاب القبور ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ...
فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ...
وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد ، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيرا بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته ؛ لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر ؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك ، ونهى أمته عن مشابهتهم ، وقال لعلي رضي الله عنه : (لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سوَّيته) " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 6 / 337 ، 338 ) .
وعلى هذا فينظر في المكان الذي بني عليه المسجد ، إن كان تحت أرضية المسجد قبور ، فلا تجوز الصلاة فيه ، وإن لم يكن تحته قبور جازت الصلاة فيه .
والله أعلم(192/4)
رقم السؤال:
60459
العنوان:
هل يجوز له الكذب على والديه للخروج لطلب العلم ؟
السؤال:
بعد أن مَنَّ الله علي بالإسلام ، أحببت أن أخرج لطلب العلم ولكن أبواي منعاني ويعارضان ذلك بشدة ، فاضطررت إلي الخروج لطلب العلم في أحد البلاد المجاورة دون إذنهما ، ومن ورائهما وكنت إذا تأخرت في المرواح إلى المنزل ، يسألاني ، فأكذب عليهم، إضافة إلى ذلك أنا أقضي يوماً كاملاً من الأسبوع خارج المنزل على اعتبار أنني أذاكر مع أحد الزملاء، وهكذا أقوم كثيراً بالكذب عليهم ... فسؤالي الأول 1- هل يجوز ذلك (أعني الكذب عليهم) لمعرفتي أن الكذب جريمة بشعة وذنب عظيم ولكنه هو الطريقة الوحيدة للاستمرار في طلب العلم 2- ماذا أفعل إذا عرفا ما كنت أخفيه وواجهاني بالأمر ، بالتأكيد سيمنعاني ، فهل أنزل على رغبتهما أم أستمر في طلب العلم ، علماً بأنهم قد يخرجاني من البيت إذ لم أفعل ، وأنا ما زلت طالباً في كلية الطب ، ولا أتقن أي عمل أشتغل به خارج المنزل طلباً للرزق فماذا أفعل؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
طلب العلم الشرعي قربة من أعظم القربات ، وعنوان على توفيق الله للعبد ومحبته له ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ) رواه البخاري (71) ومسلم (1037) .
وهذا العلم ينقسم إلى فرض عين ؛ وإلى فرض كفاية ، ففرض العين منه ، ما يحتاجه المسلم لتصح عقيدته وعبادته ومعاملته.
وما عدا ذلك فهو نفل في حق الفرد ، فرض كفاية على مجموع الأمة .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل دراسة العلم الشرعي فرض ؟(193/1)
فأجابوا : "العلم الشرعي على قسمين : منه ما هو فرض على كل مسلم ومسلمة ، وهو معرفة ما يصحح به الإنسان عقيدته وعبادته ، وما لا يسعه جهله ، كمعرفة التوحيد وضده الشرك ، ومعرفة أصول الإيمان وأركان الإسلام ، ومعرفة أحكام الصلاة وكيفية الوضوء والطهارة من الجنابة ونحو ذلك ، وعلى هذا المعنى فُسر الحديث المشهور : ( طلب العلم فريضة على كل مسلم ) .
والقسم الآخر : فرض كفاية ، وهو معرفة سائر أبواب العلم والدين ، وتفصيلات المسائل وأدلتها ، فإذا قام به البعض سقط الإثم عن باقي الأمة " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/90) .
ثانيا :
الأصل في الكذب أنه حرام ، ولا يباح إلا في حالات خاصة بينتها الشريعة ، تحقيقا للمصلحة العظيمة أو دفعا للمضرة ، وانظر هذه الحالات في جواب السؤال رقم (47564) .
ثالثا:
الخروج لطلب العلم بغير إذن الوالدين أو مع مخالفتهما ، فيه تفصيل :
1- إن كان العلم فرضا متعينا ، فلا يشترط إذن الوالدين ، وإن منعاه فلا طاعة لهما في ذلك ، إلا أن الكذب عظيم ، وفي المعاريض مندوحة عنه ، قال البخاري رحمه الله في صحيحه : "باب المعاريض مندوحة عن الكذب . وقال إسحاق : سمعت أنسا : مات ابن لأبي طلحة ، فقال : كيف الغلام ؟ قالت أم سليم : هدأ نَفسُه ، وأرجو أن يكون قد استراح . وظن أنها صادقة".
والتعريض : ضد التصريح ، والمراد به التورية ، والمندوحة : الفسحة والسعة .(193/2)
قال الحافظ : " وشاهد الترجمة منه قول أم سليم : هدأ نَفَسُه ، وأرجو أن قد استراح ؛ فإن أبا طلحة فهم من ذلك أن الصبي المريض تعافى ؛ لأن قولها : هدأ ، بمعنى سكن . والنفَس مشعر بالنوم ، والعليل إذا نام أشعر بزوال مرضه أو خفته ، وأرادت هي أنه انقطع بالكلية بالموت ، وذلك قولها : وأرجو أنه استراح . فهم منه أنه استراح من المرض بالعافية ، ومرادها أنه استراح من نكد الدنيا وألم المرض ، فهي صادقة باعتبار مرادها ، وخبرُها بذلك غير مطابق للأمر الذي فهمه أبو طلحة ، فمن ثَمَّ قال الراوي : وظن أنها صادقة ، أي باعتبار ما فهم". انتهى من "فتح الباري" (10/594) .
وقال ابن قتيبة رحمه الله : " فمن المعاريض قول إبراهيم الخليل صلى الله عليه وسلم في امرأته : إنها أختي ، يريد أن المؤمنين إخوة ". انتهى من "تأويل مختلف الحديث" ص 35 .
فلو سئلتَ عن تأخرك مثلا فلك أن تقول : إنك كنت تذاكر أو تدرس مع زميلك ، فيُظن أنك تقصد مذاكرة دروس الطب ، والواقع أنك تقصد الدروس الشرعية ، أو أن تقول : كنت عند زميلي ، وتقصد زميلك في طلب العلم ، أو أنك مررت على زميلك بالفعل بعد رجوعك من درس العلم ، وهذه المعاريض إنما تستعمل عند الحاجة ، وأما الإكثار منها بغير حاجة فلا ؛ لأن ذلك باب إلى الكذب ، وسقوط الهيبة ، وانعدام الثقة فيما يقوله المرء .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل طلب العلم المفروض مشترط فيه إذن الأبوين أم لا ؟
فأجابوا : طلب العلم الذي يتوقف عليه صحة إيمانك وأداء الفرائض ، لا يتوقف على إذن الوالدين ، وما كان من العلوم فرض كفاية فاستأذن فيه الوالدين " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (12/78) .(193/3)
2- وإن كان الوالدان يمنعان من حضور حلقات العلم كراهة في العلم الشرعي ، فلا إذن لهما ولا طاعة في ذلك ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ... وأما إذا علم كراهة الوالدين للعلم الشرعي فهؤلاء لا طاعة لهما ، ولا ينبغي له أن يستأذن منهما إذا خرج ؛ لأن الحامل لهما كراهة العلم الشرعي " وانظر تمام كلامه في جواب السؤال رقم (11558) .
3- وإن كان الخروج لطلب العلم يستلزم السفر والغياب عنهما مع حاجتهما إليك لخدمتهما ونحو ذلك ، فلابد من إذنهما ؛ أما إذا كان طلب العلم في البلد التي أنت بها ، ولا يحتاجان إليك فترة غيابك فلا يشترط إذنهما في ذلك .
روى الخلال عن أحمد رحمه الله : " أن رجلا سأله : إني أطلب العلم ، وإن أمي تمنعني من ذلك ، تريد حتى أشتغل في التجارة ؟ قال لي : دارِها وأَرضها ، ولا تدع الطلب .
وقال ابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/646) : "ذكر صاحب النظم : لا يطيعهما في ترك نفل مؤكدٍ ، كطلب علم لا يضرهما به" انتهى .
رابعا : ينبغي أن تعلم أن طرق تحصيل العلم كثيرة ، لا سيما في هذا الزمن الذي انتشرت فيه الأشرطة والاسطوانات والكتب ، فمن ذلك :
1-الاستفادة من الكتب والأشرطة والشروح الموجود على الإنترنت .
2-الاستفادة مما يعرض في بعض القنوات الفضائية ، كالدروس العلمية النافعة التي تعرضها قناة المجد التعليمية .
3-قراءة الكتب ، مع سؤال أهل العلم ، عن طريق الإنترنت وغيره ، عما أشكل .
وانظر جواب السؤال رقم: (20191) ففيه بيان كيفية طلب العلم .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(193/4)
رقم السؤال:
65722
العنوان:
زكاة الأسهم
السؤال:
أعمل في مجال بيع وشراء الأسهم السعودية ، وطبيعة عملي تتمثل في بيع السهم بمجرد حصول أي ربح على سعر الشراء ، حيث إنني لا أنتظر أرباح الشركات .
وسؤالي هو أنني اشتريت بعض الأسهم في شركة الكهرباء منذ خمسة أشهر بقيمة 172 ريالا للسهم الواحد ، وبعد شرائي له انخفض إلي 147 ولم يصل إلي سعر الشراء بعد ، فهل على هذه الأسهم زكاة ؟ وكيف تتم عملية إخراج الزكاة ؟ هل حسب سعر الشراء أم حسب السعر الحالي الذي هو 147 ؟.
الجواب:
الحمد لله
هذه الأسهم الآن تعتبر من عروض التجارة ، لأن عروض التجارة هي كل ما يعد للبيع والتجارة . ففيها الزكاة .
وزكاة عروض التجارة تكون بحسب قيمتها عند نهاية الحول ، سواء كان أكثر من سعر الشراء أم أقل .
انظر السؤال : (65515) .
وعلى هذا فإذا بلغت هذه الأسهم نصابا ، أو كانت تبلغ النصاب بإضافتها للنقود التي معك فإنك تخرج زكاتها على حسب قيمتها يوم نهاية الحول .
قال الشيخ ابن عثيمين :
" وكيفية زكاة الأسهم في الشركات والمساهمات أن نقول : إن كانت الدولة تحصي ذلك وتأخذ زكاتها فإن الذمة تبرأ بذلك ، وإلا وجبت الزكاة فيها على النحو التالي : بأن يقومها كل عام بما تساوي ، ويخرج ربع العشر إن كان قصد بها الاتجار ، أما إن قصد بها الاستثمار فلا زكاة عليه إلا في مغلها إن كان دراهم وتم عليها الحول " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/196) .
وقد سئلت اللجنة الدائمة : هل على الأسهم والسندات زكاة ؟ وكيف نخرجها ؟
فأجابت :
" تجب الزكاة في الأسهم والستندات إذا كانت تمثل نقوداً أو عروضاً للتجارة ، بشرط أن يكون من في ذمته النقود ليس معسراً ولا مماطلاً " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/354) .
وسئلت اللجنة الدائمة عن الأسهم التي يشترى بها أراضٍ وعقارات .
فأجابت :(194/1)
" الأسهم المذكورة في السؤال من عروض التجارة ، فتجب الزكاة فيها يقومها كل سنة بقيمتها من غير نظر إلى قيمة الشراء ، فإن كان عنده مال أخرج الزكاة منه ، وإلا فإنه يخرج زكاتها عن السنوات الماضية من قيمتها بعد بيعها واستلام ثمنها " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (9/353) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : الزكاة على الأسهم تكون على القيمة الرسمية للسهم أم القيمة السوقية أم ماذا ؟
فأجاب :
" الزكاة على الأسهم وغيرها من عروض التجارة تكون على القيمة السوقية ، فإذا كانت حين الشراء بألف ثم صارت بألفين عند وجوب الزكاة فإنها تقدر بألفين ، لأن العبرة بقيمة الشيء عند وجوب الزكاة لا بشرائه " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/197) .
وينبغي التنبه إلى أن عروض التجارة إذا اشتريت بذهب ، أو فضة ، أو نقود ( ريالات أو دولارات أو غيرها من العملات ) أو عروض أخرى ؛ فإن حول العروض هو حول المال الذي اشتريت به ، وعلى هذا ، فلا يبدأ حولاً جديداً للعروض من حين امتلاكها ، بل يكمل على حول المال الذي اشتريت به .
راجع السؤال (32715) .
والله أعلم .(194/2)
رقم السؤال:
65723
العنوان:
اضطربت دورتها بسبب الحبوب فماذا تفعل؟
السؤال:
أتت الدورة لزوجتي بعد عشرة أيام من الدورة السابقة بسبب نسيانها حبة من حبوب تنظيم الدورة ، وقالت لها الطبيبة أن تأخذ حبوب تنظيم الدورة وسوف تنقطع الدورة ولكن استمرت إلى الآن بدم خفيف لمدة 25 يوماً ، فماذا تفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يمكن ـ عادةً ـ أن تستمر الدورة هذه المدة الطويلة ، فتكون زوجتك في هذه المدة مستحاضة ، فتجلس أيام عادتها التي كانت تأتيها كل شهر ، ويكون هذا هو حيضها ، ثم تغتسل وتصلي وتصوم ويجوز جماعها ، فتكون طاهراً ولو نزل الدم .
وانظر جواب السؤال رقم (49671) .
والله أعلم(195/1)
رقم السؤال:
65736
العنوان:
يريد الزواج في شهر رمضان
السؤال:
إذا كان هناك رجل يحب امرأةً ، وأراد أن يتزوجها في شهر رمضان المبارك ، وهو يريد أن يتحدث إليها ، هل هناك أي قيود في الإسلام تمنع من زواجه بتلك الفتاة ، وتمنع تحدثه إليها في رمضان ؟
الرجل يحب تلك الفتاة كثيراً ، ويريد أن يتزوجها ، فأرجو أن تنصحني في ذلك.
الجواب:
الحمد لله
ليس في الشريعة أي نهي عن الزواج في رمضان لذات رمضان ، ولا في غيره من الأشهر ، بل الزواج جائز في أي يوم من أيام السنة .
لكن الصائم في رمضان يمتنع عن الطعام والشراب والجماع من الفجر إلى غروب الشمس ، فإن كان يملك نفسه , ولا يخشى أن يفعل ما يفسد صيامه , فلا حرج عليه من الزواج في رمضان .
والظاهر أن الذي يريد أن يبدأ حياته الزوجية في رمضان ، - غالباً - لا يستطيع الصبر عن زوجته الجديدة طوال النهار ، فيُخشى عليه من الوقوع في المحظور ، وانتهاك حرمة هذا الشهر الفضيل ، فيقع في الإثم الكبير ، مع وجوب القضاء والكفارة المغلظة ، وهي عتق رقبة ، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا ، وإذا تكرر الجماع في عدة أيام تكررت معه الكفارة بعدد الأيام .
انظر سؤال رقم (1672) (22960) .
فالنصيحة للسائل إذا خشي ألا يملك نفسه أن يؤجل زواجه إلى ما بعد رمضان مباشرة ، وليشغل نفسه في رمضان بالعبادة وتلاوة القرآن وقيام الليل ، ونحو ذلك من العبادات .
أما حكم التحدث مع من يريد الزواج منها في رمضان ، فقد سبق الجواب عليه، انظر الأسئلة (13791) (13918) .
والله أعلم .(196/1)
رقم السؤال:
65739
العنوان:
هل يجوز لزوجة تارك الصلاة إخراج زكاة الفطر عنها وعن أولادها ؟
السؤال:
هل تقبل زكاة الفطر من تارك الصلاة ؟ وهل يجوز لزوجته إخراجها من غير علمه لها ولأولادها ؟
الجواب:
الحمد لله
تارك الصلاة إن كان جاحدا لها فهو كافر باتفاق العلماء . وإن كان مقرا لها ، لكنه يتركها كسلا وتهاونا ، فهو كافر أيضا على الصحيح من قولي العلماء ، لأدلة معلومة مشهورة ، سبق ذكر شيء منها في جواب السؤال رقم (2182) .
وعلى هذا القول ، فلا يصح من تارك الصلاة زكاة ولا صوم ولا حج ، ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تمكنه من نفسها حتى يتوب ويصلي .
وعلى الزوجة أن تخرج زكاة الفطر عن نفسها . وإن أخرجت عن أولادها فحسن .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : "زكاة الفطر واجبة وفريضة ، وهي كغيرها من الواجبات ، يخاطب كل إنسان بنفسه ، فأنت أيها الإنسان مخاطب تخرج الزكاة عن نفسك ، ولو كان لك أب أو أخ ، وكذلك الزوجة مخاطبة أن تخرج الزكاة عن نفسها ، ولو كان لها زوج" انتهى .
"فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (18/261) .
وعلى هذا ، فإنك تخرجين زكاة الفطر عن نفسك ، أما الأولاد ، فإذا كانوا صغاراً ؛ فإنك تخرجين عنهم الزكاة ، ولا حرج أن يكون ذلك بدون علم الأب .
وإن كانوا كباراً بالغين فإنهم يخرجونها عن أنفسهم إن كان لديهم أموال .
والله أعلم .(197/1)
رقم السؤال:
65780
العنوان:
إخراج زكاة الفطر عن الأموات
السؤال:
تسأل جدتي ما إذا كان يجوز تقديم فطرة العيد عن الميت، مثلا والديها ؟.
الجواب:
الحمد لله
زكاة الفطر واجبة على الذكر والأنثى والصغير والكبير من المسلمين ، كما بين النبي صلى الله عليه وسلم .
ولا تجب إلا على الحي الذي أدرك وقت وجوبها .
ووقت وجوب زكاة الفطر غروب الشمس من آخر يوم من رمضان .
لأن النبي صلى الله عليه وسلم سماها صدقة الفطر ، والفطر من رمضان يتحقق بغروب الشمس ليلة العيد ، ولأنها جعلت طهرة للصائم من اللغو والرفث ، والصوم ينقضي بغروب الشمس .
فمن مات قبل أن يدرك وقت الوجوب فلا زكاة عليه . ومن أدرك وقت الوجوب ثم مات قبل أن يخرجها أُخرجت عنه من ماله لأنها استقرت في ذمته وصارت دَيْنًا عليه .
انظر : "المجموع" (6/84) ، "المغني" (2/358) ، "الموسوعة الفقهية" (23/341) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ولو مات الإنسان قبل غروب الشمس ليلة العيد ، لم تجب فطرته أيضا ؛ لأنه مات قبل وجود سبب الوجوب " انتهى .
"فقه العبادات" (ص 211) .
والحاصل : أن الميت المسئول عنه إن كان قد مات بعد أن أدرك وقت الوجوب ، وهو غروب شمس ليلة الفطر ، وجب إخراج الزكاة عنه .
وإن كان مات قبل إدراك وقت الوجوب - وهو الظاهر من السؤال – فلا زكاة عليه .
وإذا أخرجت عنه جدتك صدقة من طعام أو نقود أو غير ذلك فهي صدقة عنه وليست زكاة فطر .
وقد ثبت في أكثر من حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة عن الميت تنفعه ، ويصله ثوابها .
انظر السؤال (42384) .
والله أعلم .(198/1)
رقم السؤال:
65784
العنوان:
اضطربت عادتها بسبب حبوب منع الدورة فكيف تفعل في الصلاة والصيام؟
السؤال:
منذ سنوات مضت وبعد أشهر من بلوغي ، قررت عائلتي الذهاب للحج ، ونزلت العادة قبل أيام من تاريخ السفر المحدد . ولذلك فقد طلبت مني والدتي أن أتناول الحبوب لإيقاف الحيض ؛ وقد فعلت ذلك . ومنذ تلك الحادثة والعادة عندي غير منتظمة . حتى إنها لا تنزل عندي لعدة أشهر ، وفي بعض الأحيان إذا نزلت فإنها لا تنقطع . وقد بدأ الحيض عندي قبل رمضان لهذا العام بعشرة أو 11 يوما . ثم اغتسلت بعد 9 أيام تقريبا . ثم لاحظت نزوله مرة أخرى بعد يومين . فأخبرتني جدتي ألا أصوم في أول رمضان . ولم أصم اليومين الأولين من الشهر ، ثم اغتسلت وصمت الثالث مع أن الدم لم يزل ينزل . وذلك لأني أظن أني قرأت حديثا سمح فيه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة بعد التحفظ بالقطن أو قماش سميك ، لأنه لم يكن دم حيض . وأرجو أن تذكر لي بوضوح كيف أتصرف ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
تعرف طهارة المرأة من الحيض بإحدى علامتين : بنزول القصة البيضاء ، أو بالجفاف وانقطاع الدم تماما . وحينئذ تصلي وتصوم . فإن عاودها الدم ، أخذ حكم الحيض ، ولا تكون مستحاضة إلا إذا استمر عليها الدم دائما ، أو كان لا ينقطع إلا يسيرا . وبهذا أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، كما في "فتاوى المرأة المسلمة" ص 275 .
ثانيا :
بناء على ذلك فإنه يلزمك أن تقضي الأيام التي صمتِ أثناء نزول الدم ، إذا كان الدم لم يستمر عليك بقية الشهر .
ثالثا :
إذا استمر الدم بلا انقطاع ، فأنت مستحاضة ، وعليك في الشهر التالي :
1- أن تجلسي قدر عادتك السابقة ، ثم تغتسلي وتصلي ، فالاستحاضة كما ذكرتِ لا تمنع الصلاة والصوم ، لكن يلزم التحفظ بقطن أو قماش سميك يمنع انتشار الدم وتلويث الثياب أو محل الصلاة .(199/1)
2- فإن لم يكن لها عادة سابقة منضبطة ، فتعلمين بالتمييز بين الدم ، فدم الحيض أسود (غامق) ثخين ، ذو رائحة كريهة ، يصحبه عادة تألم . ودم الاستحاضة فاتح رقيق .
فيكون الحيض هو أيام الدم الأسود الثخين ، وأما الدم الآخر ، فاستحاضة .
3- فإن لم يكن هناك تمييز، فتجلس ستة أيام أو سبعة أيام ، لأن ذلك غالب الحيض عند النساء ثم تغتسل وتصلي .
والمستحاضة : يلزمها أن تتوضأ لكل فريضة بعد دخول وقتها ، وتصلي بهذا الوضوء ما شاءت من النوافل .
ولمزيد الفائدة راجعي جواب السؤال (68818) .
والله أعلم .(199/2)
رقم السؤال:
65943
العنوان:
يصنع بطاقات في الأعياد ويبيعها فهل يجوز له ؟
السؤال:
أقوم بصنع بطاقات أعياد يدوية كهواية ومصدر للدخل ، أود الاستفسار هل القيام بهذا يعد من البدعة ؟ لقد أُخبِرت أن الأصل أن كل شيء حلال ما لم يتعين أنه حرام ، وأنا بحاجة فعلاً لمعرفة هل ما أفعله خطأ أو صواب ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، الأصل في المعاملات الإباحة والحل ، ولا يجوز أن يحرَّم شيء منها إلا بدليل ، والبطاقات التي تصنعها للأعياد يختلف حكمها باختلاف تلك الأعياد ، فإذا كانت البطاقة في تهنئة بعيدٍ للكفار – كعيد الكريسمس - ، أو بعيدِ بدعة – كالمولد النبوي والإسراء والمعراج – ، أو بأعياد فيها مشابهة للكفار - كالأعياد الوطنية وأعياد الميلاد - : فلا يجوز لك عملها ولا بيعها ، ولا يجوز لأحدٍ أن يشتريها منك ؛ لما فيها من الإقرار بتلك الأعياد المخالفة للشرع ؛ ولما فيها من التعاون على الإثم والعدوان .
وإن كانت الأعياد شرعية – وليس ثمة أعياد شرعية إلا عيد الفطر وعيد الأضحى – فيجوز لك عمل بطاقات تهنئة لها ، ويجوز لك بيعها ، على أن تنتقي عبارات شرعية أو مباحة ، مثل " تقبل الله منا ومنكم " أو ما شابهها .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 947 ) تحريم تهنئة الكفار بأعيادهم ، وفي جواب السؤال رقم ( 782 ) تحريم بيع بطاقات أعياد النّصارى في أعيادهم ، وفي جواب السؤال رقم ( 50074 ) بيان علماء اللجنة الدائمة للإفتاء حول المشاركة باحتفالات الألفية ، وفيه عدم جواز التعاون مع الكفار في أعيادهم ، ومن أوجه التعاون التي ذكرها العلماء : " صناعة الملابس والأغراض التذكارية ، أو طبع البطاقات " .
وفي أجوبة الأسئلة : ( 49014 ) و ( 49021 ) و ( 36442 ) تجد جواز التهنئة بالأعياد الشرعية .
والله أعلم .(200/1)
رقم السؤال:
65955
العنوان:
هل في الشرع دعاء يقال عند السحور ؟
السؤال:
ظننت أيام المدرسة أن هناك دعاءً مخصصاً فقط للإفطار وليس للسحور ؛ لأن في السحور النية محلها القلب لكن زوجي أخبرني أن هناك دعاءً مخصصاً للسحور أيضاً .
رجاء التوضيح ، هل هذا صحيح ؟.
الجواب:
الحمد لله
نعم ، هناك أدعية خاصة وردت بها السنة يقوله الصائم عند فطره ، فيقول : " ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله " ، وله أن يدعو بما يشاء ، لا لكون ذلك ورد في السنة تنصيصاً ، بل لأنه محل نهاية عبادة ، ويشرع للمسلم أن يدعو عند ذلك .
سئل الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله :
هل هناك دعاء مأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند وقت الإفطار؟ وما هو وقته ؟ وهل يتابع الصائم المؤذن في الأذان أم يستمر في فطره ؟
فأجاب :
" إن وقت الإفطار موطن إجابة للدعاء ؛ لأنه في آخر العبادة ؛ ولأن الإنسان أشد ما يكون - غالباً - من ضعف النفس عند إفطاره ، وكلما كان الإنسان أضعف نفساً وأرق قلباً كان أقرب إلى الإنابة والإخبات إلى الله عز وجل ، والدعاء المأثور : ( اللهم لك صمت ، وعلى رزقك أفطرت ) ، ومنه أيضاً : قول النبي عليه الصلاة والسلام : ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) ، وهذان الحديثان وإن كان فيهما ضعف لكن بعض أهل العلم حسنهما ، وعلى كل حال فإذا دعوت بذلك أو بغيره عند الإفطار فإنه موطن إجابة " انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " ( 19 / السؤال رقم 341 ) .
وانظر في تخريج حديث " ذهب الظمأ ... " و " اللهم لك صمت " جواب السؤال رقم ( 26879 ) ، وفيه بيان ضعف الأول وحسن الثاني ، وفيه فتوى لشيخ الإسلام ابن تيمية في موضوع الدعاء .
وأما السحور فليس هناك دعاء خاص يقال عنده ، فالمشروع هو أن يسمي الله في أوله ، ويحمده إذا فرغ من الطعام ، كما يفعل ذلك عند كل طعام .(201/1)
لكن من أخَّر سحوره إلى الثلث الأخير من الليل فإنه يدرك بذلك وقت النزول الإلهي فيه ، وهو وقت استجابة الدعاء .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يَقُولُ : مَنْ يَدْعُونِي فَأَسْتَجِيبَ لَهُ ، مَنْ يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ ، مَنْ يَسْتَغْفِرُنِي فَأَغْفِرَ لَهُ ) . رواه البخاري ( 1094 ) ومسلم ( 758 ) . فيدعو في هذا الوقت لكونه وقت إجابة لا من أجل السحور .
وأما النية فمحلها القلب ولا يشرع التلفظ بها باللسان ، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية : " ومن خطر بقلبه أنه صائم غداً فقد نوى " .
وانظر جواب السؤال ( 37643 ) و ( 22909 ) .
والله أعلم .(201/2)
رقم السؤال:
65956
العنوان:
هل يعتكف في العشر الأواخر وحده أم يرجع عند أهله ويتعبد معهم ؟
السؤال:
أسافر كل يوم لمسافة حوالي 122 كيلومتر للذهاب إلى العمل ، لكن أثناء رمضان أبقى في المدينة حيث أعمل ، وذلك من الاثنين إلى الجمعة ، ولا أذهب لرؤية أهلي طوال الأسبوع ، هل يجوز لي الصوم أثناء الرحلة لأنها ليست رحلة شاقة خلال هذه الأيام ؟ هل صومي صحيح ؟ إذا أخذت آخر عشرة أيام من رمضان إجازة من العمل فهل أعتكف في نفس المدينة أم أعتكف مع أسرتي التي لم أتمكن من قضاء وقت كثير معها ؟ وأيضًا لمساعدة زوجتي في أعمال البيت لأنها تتعب جدّاً ولا يمكنها أداء كثير من العبادة ، هل الأفضل لي الاعتكاف أم قضاء الوقت مع أسرتي والتعبد معاً ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجوز للمسافر أن يفطر في رمضان ، لقول الله تعالى : ( فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/185 ، ولا فرق بين أن يكون السفر شاقاً أو سهلاً .
وهل الأفضل له أن يصوم أو يفطر ؟
الجواب :
الأفضل له الصيام إلا إذا وجد مشقة فالأفضل الفطر .
وتجد تفصيل هذا في جواب السؤال رقم ( 65629 ) و ( 20156 ) .
ثانياً :(202/1)
والأفضل لك أيها الأخ أن ترجع لأهل بيتك وتقيم بينهم لمساعدة زوجتك على شئون البيت ؛ ولإعانتها على القيام بالطاعة واستغلال العشر الأواخر ، وبقاؤك بين أهل بيتك لحثهم على الطاعة والعبادة خير من اعتكافك وحدك مع حرمانهم منها بسبب بعدك ، وقد أخبرت عائشة رضي الله عنها عن حال النبي صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر ومنه : " أيقظ أهله " أي : أيقظهم للطاعة والعبادة والصلاة والدعاء ، ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم ليعتكف ويترك أهل بيته دون عناية ورعاية ، وقد ثبت أن صفية رضي الله عنها زارته وهو معتكف ، وثبت أنهن اعتكفن معه ، والاعتكاف عبادة خاصة غير متعدية ، وبقاؤك مع أهلك وحثهم على العبادة وحسن معاشرتهم هو من الأفعال المتعدية في نفعها لغيرك ، ولن تُحرم أجر طاعتهم ، ولن تَحرم نفسك من العبادة ، إذ يمكنك مصاحبة أهل بيتك لقيام الليل في أحد المساجد ، ويمكنك إيقاظهم آخر الليل للدعاء وقراءة القرآن ، وهذا خير يعمك ويعم أهل بيتك ، فننصحك بالرجوع إلى أهلك والبقاء في العشر الأواخر بينهم ، وحثهم على الطاعة والعبادة ، ويمكنك إذا رأيت استقامة حال أهلك ، والتزامهم بالطاعات أن تعتكف بعض الليالي في مسجد حيك ، فتجمع بين أنواع الطاعات ، وتصيب خيراً عظيماً إن شاء الله ، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى ، وأن يتقبل منك ومن أهل بيتك .
والله أعلم(202/2)
رقم السؤال:
66079
العنوان:
حكم استنشاق رائحة الطعام تعمدا
السؤال:
ما حكم من يستنشق رائحة الطعام متعمدا وهو صائم ؟.
الجواب:
الحمد لله
لا حرج على الصائم في شم الروائح الطيبة ، من طعام وطيب وغير ذلك ، إلا أنه لا يستنشق البخور ، ولا الأبخرة المتصاعدة من الطعام ؛ لأن لها جرما (مادة) فقد تنفذ إلى المعدة .
جاء في "حاشية الدسوقي" (1/525) :
" متى وصل دخان البخور أو بخار القِدْر للحلق وجب القضاء . . . إذا وصل باستنشاق ، سواء كان المستنشق صانعه أو غيره , وأما لو وصل واحد منهما للحلق بغير اختياره فلا قضاء لا على الصانع ولا على غيره على المعتمد " انتهى باختصار .
وقد سئل الشيخ ابن باز رحمه الله :
هل يجوز استعمال الطيب كدهن العود والكولونيا والبخور في نهار رمضان ؟
فأجاب :
" نعم ، يجوز استعماله بشرط ألا يستنشق البخور " انتهى . "فتاوى ابن باز" (15/267) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ما حكم استعمال الصائم للروائح العطرية في نهار رمضان ؟
فأجاب : " لا بأس أن يستعملها في نهار رمضان وأن يستنشقها إلا البخور لا يستنشقه ، لأن له جرما يصل إلى المعدة وهو الدخان " انتهى .
"فتاوى رمضان" (ص 499) .
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (10/271) :
" من تطيب بأي نوع من أنواع الطيب في نهار رمضان وهو صائم لم يفسد صومه ، لكنه لا يستنشق البخور والطيب المسحوق كسحوق المسك " انتهى .
والحاصل : أن مجرد شم الطعام لا بأس به في الصيام ، إلا أنه لا يستنشق الأبخرة المتصاعدة منه .
والله أعلم .(203/1)
رقم السؤال:
66084
العنوان:
حكم تشبيه النساء بالملائكة
السؤال:
ما حكم تشبيه النساء بالملائكة ؟ مثل أن يقول قائل "تلك الفتاة ملاك" أو "تشبه الملاك" أو صفاتها ملائكية، أو غير ذلك من التشبيهات، وما الرد على قول البعض تبريرا لأشعاره: إن هذه التشبيهات إنما هي مجازية أو كناية أو غير ذلك من فنون الشعر، ويقصد أنه لا يؤمن بأن الفتاة هي ملاك ولكنه يستعير صفات الملائكة أو اسم "ملاك" لوصف الفتاة.
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز أن يقال عن الفتاة إنها ملاك أو تشبه الملاك ، لما في ذلك من مضاهاة المشركين الذين وصفوا الملائكة بأنهم إناث.
قال الله تعالى عنهم: ( وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون ) الزخرف/19 .
قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد حفظه الله : "أما تسمية النساء بأسماء الملائكة ؛ فظاهر الحرمة ؛ لأن فيها مضاهاة للمشركين في جعلهم الملائكة بنات الله، تعالى الله عن قولهم. وقريب من هذا تسمية البنت: ملاك، مَلَكة، ومَلَك" انتهى . "معجم المناهي اللفظية " (ص 565) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن التسمي بملاك، فمنع من ذلك . "مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين " (3/67) .
واستعمال هذا في الشعر، في وصف الفتاة أمر منكر، لا سيما إذا كان شعرا غزليا محرما، فالملائكة ( عباد مكرمون لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون )، ويجب تنزيههم عن مثل هذه التشبيهات والاستعارات.
والله أعلم.(204/1)
رقم السؤال:
66138
العنوان:
هل تعطي الفدية لأولادها وأبنائهم أو غيرهم كوجبة إفطار؟
السؤال:
والدتي لا تستطيع الصيام في رمضان ، ولهذا أخرج عنها فدية الصيام عن كل شهر رمضان ، هل يجوز أن تكون الفدية على أولادها وأبنائهم كوجبة إفطار ؟
أو هل يجوز أن تكون الفدية لإفطار طلاب أحد الصفوف ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
من لا يستطيع الصوم لكبر أو مرض لا يرجى شفاؤه ، فإنه يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ؛ لقوله تعالى : ( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) البقرة/184 . قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ ، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا ) رواه البخاري (4505) .
والمريض مرضاً لا يُرجى حصول الشفاء منه كالشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام . "المغني" (4/396) .
وبهذا يُعلم أن هذه الفدية إنما تعطى للمساكين ، لا لكل أحد .
فإذا كان الأولاد وأولادهم والطلاب المذكورون في السؤال أغنياءَ ، وليسوا فقراء فلا يجوز إعطاء الكفارة إليهم .
ثانياً :
وأما إعطاء الكفارة للأولاد وأبنائهم ، فقد اعتبر أهل العلم رحمهم الله أن الكفارة في ذلك كالزكاة ، لا يجوز أن يدفعها الإنسان إلى مَنْ تلزمه النفقة عليه .
وممن يجب النفقة عليهم : الأصول والفروع .
والأصول هم : الأب والأم والأجداد والجدات .
والفروع هم : الأبناء والبنات وأولادهم .
قال ابن قدامة في "المغني" (11/374) :
" ويجب الإنفاق على الأجداد والجدات وإن عَلَوا (يعني الأجداد وآباءهم) , وولدِ الولد وإن سَفَلُوا (يعني الأولاد وأولادهم) , وبذلك قال الشافعي والثوري , وأصحاب الرأي " انتهى .
وعلى هذا لا يجوز أن تعطي الكفارة المذكورة للأولاد وأولادهم لأنه يجب على ( أمك ) أن تنفق عليهم .
وقال الشافعي في "الأم" (7/68) :(205/1)
" لا يجزئ أن يطعم في كفارات الأيمان إلا حرا مسلما محتاجا ، فإن أطعم منها ذميا محتاجا , أو حرا مسلما غير محتاج لم يجزه ذلك , وكان حكمه حكم من لم يفعل شيئا ، وعليه أن يعيد ، وهكذا لو أطعم من تلزمه نفقته , ثم علم أعاد " انتهى باختصار .
وقال في أسنى المطالب (3/369) :
" ويعتبر في المسكين والفقير أن يكونا من أهل الزكاة ، فلا يجزئ الدفع إلى كافر . . . ولا إلى من تلزمه نفقته . . . لأن الكفارة حق لله تعالى ، فاعتبروا فيها صفات الزكاة " انتهى .
ولكن .. إذا كانت (أمك) لا تستطيع النفقة عليهم ، لقلة مالها ، فلا يجب عليها أن تنفق عليهم ، لقول الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلا وُسْعَهَا ) البقرة/286 .
وفي هذه الحال يجوز أن تخرج الكفارة إليهم .
وقد ثبت في الصحيحين قوله صلى الله عليه وسلم للرجل الذي جامع امرأته في نهار رمضان لما أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم تمراً ليخرجه كفارة ، ثم أخبر الرجلُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم أنه أفقر أهل بيت في المدينة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم له : ( أَطْعِمْهُ أَهْلَك ) .
قال الحافظ في "الفتح" :
" قَالَ اِبْن دَقِيق الْعِيد : تَبَايَنَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّة الْمَذَاهِب ، فَقِيلَ : إِنَّهُ دَلَّ عَلَى سُقُوط الْكَفَّارَة بِالإِعْسَارِ ، لأَنَّ الْكَفَّارَة لا تُصْرَفُ إِلَى النَّفْس وَلا إِلَى الْعِيَال .
وَقَالَ الْجُمْهُور : لا تَسْقُط الْكَفَّارَة بِالإِعْسَارِ , وَاَلَّذِي أَذِنَ لَهُ فِي التَّصَرُّف فِيهِ لَيْسَ عَلَى سَبِيل الْكَفَّارَة (بل هو صدقة تصدق بها النبي صلى الله عليه وسلم على الرجل وأهله ) .
وَقِيلَ : لَمَّا كَانَ عَاجِزًا عَنْ نَفَقَة أَهْلِهِ جَازَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ الْكَفَّارَةَ لَهُمْ , وَهَذَا هُوَ ظَاهِر الْحَدِيث .(205/2)
قَالَ الشَّيْخ تَقِيُّ الدِّين (وهو شيخ الإسلام ابن تيمية) : وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجْعَلَ الإِعْطَاءُ لا عَلَى جِهَةِ الْكَفَّارَةِ ، بَلْ عَلَى جِهَة التَّصَدُّقِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَهْله بِتِلْك الصَّدَقَة لِمَا ظَهَرَ مِنْ حَاجَتهمْ " انتهى باختصار .
فتَحَصَّلَ من ذلك أنه لا يجوز أن يُعطِي الكفارة لمن تلزمه النفقة عليه ، وأنه إذا كان فقيرا لا يستطيع أن ينفق عليهم فقد ذهب بعض أهل العلم إلى جواز إعطائهم الكفارة .
وقد سبق في جواب السؤال (20278) نقل فتوى للشيخ ابن عثيمين رحمه الله أنه يجوز إخراج الزكاة إلى أقاربه الذين لا يستطيع أن ينفق عليهم بسبب فقره وقلة ماله .
ومما جاء فيها : " إن دفع الزكاة إلى الأقارب الذين هم من أهلها أفضل من دفعها إلى من هم ليسوا من قرابتك ، لأن الصدقة على القريب صدقة وصلة . .
إلا إذا كان هؤلاء الأقارب ممن تلزمك نفقتهم وأعطيتهم من الزكاة ما تحمي به مالك من الإنفاق فإن هذا لا يجوز .
أما إذا كان مالك لا يتسع للإنفاق عليهم فلا حرج عليك أن تعطيهم من زكاتك " انتهى .
والخلاصة : أنه إذا كانت (أمك) غنية تستطيع أن تنفق عليهم فلا يجوز أن تعطيهم الكفارة ، وإذا كانت لا تستطيع أن تنفق عليهم جاز أن تعطيهم الكفارة .
ثالثاً :
وإما إعطاؤها كإفطار صائم ، فلا بأس به ، لإطلاق الآية الكريمة : ( فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) ، ويُرجى أن يكون ذلك أكثر ثواباً لما فيه من تفطير الصائم . ولكن بشرط أن يكون ذلك الصائم مسكيناً كما سبق .(205/3)
رقم السؤال:
66155
العنوان:
أذن المؤذن قبل الوقت بسبع دقائق فأفطروا
السؤال:
أفطرنا عندما أذن مؤذن الحي وبعد مرور 7 دقائق سمعنا مؤذنا آخر ؛ وبعد سؤال مؤذن الحي أفادنا أنه أذن بالغلط معتقدا دخول الوقت فماذا يلزم أهل الحي ؟.
الجواب:
الحمد لله
من أفطر ظانا غروب الشمس ، ثم تبين له أنها لم تغرب ، فعليه القضاء ، في قول جمهور العلماء .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/389) :
" هذا قول أكثر أهل العلم من الفقهاء وغيرهم " انتهى .
وسئلت اللجنة الدائمة : عن رجل أفطر بناء على قول ابنتيه بغروب الشمس ، ثم لما خرج إلى الصلاة سمع المؤذن يؤذن للمغرب .
فأجابت :
" إذا كان فطرك واقعاً بعد غروب الشمس فليس عليك قضاء ، وإن تحققت أو غلب على ظنك أو شككت أن فطرك حاصل قبل غروب الشمس فعليك القضاء أنت ومن أفطر معك ؛ لأن الأصل بقاء النهار ، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بناقل شرعي وهو الغروب هنا " انتهى .
"فتاوى الجنة الدائمة" (10/288) .
وسئل الشيخ ابن باز : عن بعض الناس أفطروا ثم تبين لهم أن الشمس لم تغرب .
فأجاب :
" على من وقع له ذلك أن يمسك حتى تغيب الشمس ، وعليه القضاء عند جمهور أهل العلم ، ولا إثم عليه إذا كان إفطاره عن اجتهاد وتحرٍّ لغروب الشمس ، كما لو أصبح أثناء النهار في يوم الثلاثين من شعبان ، ثم ثبت أنه من رمضان في أثناء النهار فإنه يمسك ويقضي عند جمهور أهل العلم ، ولا إثم عليه ، لأنه حين أكل أو شرب لم يعلم أنه من رمضان ، فالجهل بذلك أسقط عنه الإثم ، أما القضاء فعليه القضاء " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن باز" (15/288) .
وذهب بعض أهل العلم إلى صحة الصوم حينئذ ، وعدم لزوم القضاء ، وهو مروي عن مجاهد والحسن ، وقال به إسحاق وأحمد في رواية ، والمزني وابن خزيمة ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية ، ورجحه الشيخ ابن عثيمين رحمهم الله جميعا .(206/1)
انظر : "فتح الباري" (4/200) ، "مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام" (25/231) ، "الشرح الممتع" (6/402- 408) .
واحتجوا بما رواه البخاري (1959) عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ فَاطِمَةَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ : أَفْطَرْنَا عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ غَيْمٍ ثُمَّ طَلَعَتْ الشَّمْسُ . قِيلَ لِهِشَامٍ : فَأُمِرُوا بِالْقَضَاءِ ؟ قَالَ : لا بُدَّ مِنْ قَضَاءٍ . وَقَالَ مَعْمَرٌ : سَمِعْتُ هِشَامًا يقول : لا أَدْرِي أَقَضَوْا أَمْ لا ؟
وقول هشام : لا بد من القضاء . قاله من عنده تفقهاً ، ولم يقل : إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالقضاء ، ولهذا قال الحافظ :
" وَأَمَّا حَدِيث أَسْمَاء فَلا يُحْفَظُ فِيهِ إِثْبَات الْقِضَاء وَلا نَفْيُهُ " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (6/402) :
" فأفطروا في النهار بناء على أن الشمس قد غربت فهم جاهلون ، لا بالحكم الشرعي ، ولكن بالحال ، لم يظنوا أن الوقت في النهار ، ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقضاء ، ولو كان القضاء واجبا لكان من شريعة الله ، ولكان محفوظا ، فلما لم يحفظ ، ولم ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم فالأصل براءة الذمة ، وعدم القضاء " انتهى .
وقال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى" (25/231) :(206/2)
" وهذا يدل على أنه لا يجب القضاء ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لو أمرهم بالقضاء لشاع ذلك كما نقل فطرهم ، فلما لم ينقل ذلك دل على أنه لم يأمرهم به . فإن قيل : فقد قيل : لهشام بن عروة : أمروا بالقضاء ؟ قال : أو بد من القضاء ؟ قيل : هشام قال ذلك برأيه ، لم يرو ذلك في الحديث ، ويدل على أنه لم يكن عنده بذلك علم : أن معمراً روى عنه قال : سمعت هشاماً قال : لا أدري أقضوا أم لا ؟ ذكر هذا عنه البخاري . وقد نقل هشام عن أبيه عروة أنهم لم يؤمروا بالقضاء ، وعروة أعلم من ابنه " انتهى باختصار وتصرف يسير .
وإذا أخذتم بالاحتياط وقضيتم يوماً مكانه فهو أحسن ، وقضاء يوم أمر سهل والحمد لله ، ولا إثم عليكم فيما حدث .
والله أعلم .(206/3)
رقم السؤال:
66293
العنوان:
مغتربون ولا يعرفون الفقراء جيدا ، فهل يخرجون زكاة الفطر في بلد آخر
السؤال:
نحن السعوديون في أوروبا لا نعرف الفقراء جيدا ووجدنا شخصاً ثقة - إن شاء الله - ولكنه يقول أعطوني المال وسوف أشتري ببعضه أرزاً وأدفعه للفقراء وأعطي بعضه نقداً لهم واحتج بأن عددنا يفوق 500 شخص ويصعب عليه شراء كميات كبيرة لصعوبة حملها ولأن الفقراء قد لا يرغبون إلا في النقد لأنهم يستفيدون منه أكثر من الأرز فهل نعطيه أم نوكل إخواننا في السعودية ليخرجوها عنا ؟.
الجواب:
الحمد لله
ذهب جمهور العلماء (منهم مالك والشافعي وأحمد) إلى أنه لا يجوز دفع زكاة الفطر قيمة ، بل الواجب أن تخرج طعاما كما فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم .
روى البخاري (1504) ومسلم (984) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَضَ زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ عَلَى كُلِّ حُرٍّ أَوْ عَبْدٍ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى مِنْ الْمُسْلِمِينَ .
وسئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى : يقول كثير من الفقراء الا?ن إنهم يفضلون زكاة الفطر نقوداً بدلاً من الطعام ؛ لأنه أنفع لهم ، فهل يجوز دفع زكاة الفطر نقوداً ؟
فأجاب :(207/1)
" الذي نرى أنه لا يجوز أن تدفع زكاة الفطر نقوداً بأي حال من الأحوال ، بل تدفع طعاماً ، والفقير إذا شاء باع هذا الطعام وانتفع بثمنه ، أما المزكي فلابد أن يدفعها من الطعام ، ولا فرق بين أن يكون من الأصناف التي كانت على عهد الرسول عليه الصلاة والسلام ، أو من طعام وجد حديثاً ، فالأرز في وقتنا الحاضر قد يكون أنفع من البر؛ لأن الأرز لا يحتاج إلى تعب وعناء في طحنه وعجنه وما أشبه ذلك ، والمقصود نفع الفقراء ، وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد رضي الله عنه قال: ( كنا نخرجها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام ، وكان طعامنا يومئذ التمر ، والشعير ، والزبيب ، والأقط ) فإذا أخرجها الإنسان من الطعام فينبغي أن يختار الطعام الذي يكون أنفع للفقراء ، وهذا يختلف في كل وقت بحسبه .
وأما إخراجها من النقود أو الثياب ، أو الفرش ، أو الا?ليات فإن ذلك لا يجزىء ، ولا تبرأ به الذمة ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)" انتهى . مجموع فتاوى ابن عثيمين (18 / سؤال 191) .
وعلى هذا فإن كان هذا الشخص ثقة فإنكم تشترطون عليه أن يخرجها كلها طعاما ، فإن لم يقبل فإنكم تخرجون منها ما تستطيعون في فقراء البلد الذي تقيمون فيه ، ثم لا حرج عليكم في نقل باقي الزكاة إلى بلد آخر ، ولا يشترط أن يكون إلى بلدكم الأصلي ، بل كلما نقلت إلى بلد أهله أكثر حاجة وفقراً ، أو إلى أقاربكم كان أولى .
وقد سبق في جواب السؤال (43146) أنه لا بأس بنقل الزكاة إلى بلد آخر للحاجة ، كما لو نقلت إلى بلد فيه أقارب المزكي ، أو بلد أهله أشد حاجة .
سئل الشيخ ابن عثيمين : هل يزكي المغترب عن أهله زكاة الفطر ، علماً بأنهم يزكون عن أنفسهم ؟(207/2)
فأجاب : زكاة الفطر وهي صاع من طعام ، من الرز ، أو البر ، أو التمر ، أو غيرها مما يطعمه الناس يخاطب بها كل إنسان بنفسه ، كغيرها من الواجبات ، لقول ابن عمر رضي الله عنهما : ( فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر على الحر والعبد ، والذكر والأنثى ، والصغير والكبير من المسلمين ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة ) ، فإذا كان أهل البيت يخرجونها عن أنفسهم فإنه لا يلزم الرجل الذي تغرب عن أهله أن يخرجها عنهم ، لكن يخرج عن نفسه فقط في مكان غربته إن كان فيه مستحق للصدقة من المسلمين ، وإن لم يكن فيه مستحق للصدقة وكّل أهله في إخراجها عنه ببلده ، والله الموفق " انتهى . مجموع فتاوى ابن عثيمين (18/سؤال 771)
وسئل أيضاً : ما حكم نقل زكاة الفطر إلى البلدان البعيدة بحجة وجود الفقراء الكثيرين ؟
فأجاب :
" نقل صدقة الفطر إلى بلاد غير بلاد الرجل الذي أخرجها إن كان لحاجة بأن لم يكن عنده أحد من الفقراء فلا بأس به ، وإن كان لغير حاجة بأن وجد في البلد من يتقبلها فإنه لا يجوز " انتهى . مجموع فتاوى ابن عثيمين (18 / سؤال 102)
وهذه فتوى جامعة لعلماء اللجنة الدائمة تجمع هذه المسائل وزيادة :
" مقدار زكاة الفطر صاع من تمر أو شعير أو زبيب أو أقط أو طعام ، ووقتها ليلة عيد الفطر إلى ما قبل صلاة العيد ، ويجوز تقديمها يومين أو ثلاثة ، وتعطى فقراء المسلمين في بلد مخرجها ، ويجوز نقلها إلى فقراء بلد أخرى أهلها أشد حاجة ، ويجوز لإمام المسجد ونحوه من ذوي الأمانة أن يجمعها ويوزعها على الفقراء ؛ على أن تصل إلى مستحقيها قبل صلاة العيد ، وليس قدرها تابعاً للتضخم المالي ، بل حدَّها الشرع بصاع ، ومن ليس لديه إلا قوت يوم العيد لنفسه ومن يجب عليه نفقته : تسقط عنه ، ولا يجوز وضعها في بناء مسجد أو مشاريع خيرية . " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 9 / 369 ، 370 ) .(207/3)
وقد سبق ذكر فتاوى أهل العلم في وجوب زكاة الفطر ، وفي مقدارها ، وفي عدم جواز إخراجها نقوداً ، وفي جواز نقلها لبلدٍ آخر أكثر حاجة في الأجوبة التالية : ( 22888 ) و ( 27016 ) و ( 7175 ) و ( 12938 ) .(207/4)
رقم السؤال:
66998
العنوان:
هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات ؟
السؤال:
هل يجوز للمرأة الاعتكاف عن والديها الأموات ؟ .
الجواب:
الحمد لله
ذهب بعض العلماء إلى جواز فعل أي عبادة وهبة ثوابها للأموات ، وذهب آخرون إلى أنه يقتصر على ما ورد به النص من العبادات .
سئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
ما هي الأشياء التي يَنتفع بها الميت من قبَل الأحياء ؟ وهل هناك فرق بين العبادات البدنية وغير البدنية ؟ نرجو أن توضحوا لنا هذه المسألة وتضعوا لنا فيها قاعدة نرجع إليها كلما أشكل علينا مثل هذه المسائل ، أفتونا بارك الله فيكم .
فأجاب : " ينتفع الميت من الحي بما دل عليه الدليل من الدعاء له والاستغفار له والتصدق عنه والحج عنه والعمرة عنه وقضاء الديون التي عليه وتنفيذ وصاياه الشرعية ، كل ذلك قد دلت الأدلة على مشروعيته .
وقد ألحق بها بعض العلماء كل قربة فعلها مسلم وجعل ثوابها لمسلم حي أو ميت ، والصحيح الاقتصار على ما ورد به الدليل ، ويكون ذلك مخصصًا لقوله تعالى : ( وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنْسَانِ إِلا مَا سَعَى ) النجم /39 ، والله أعلم "
" المنتقى " ( 2 / 161) .
وأما بخصوص الوالدين : فإن الشرع جعل الولد من كسب أبيه .
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ : عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ ، أَوْ بَيْتًا لابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ ) . رواه ابن ماجه ( 242 ) ، وصححه ابن خزيمة ( 4 / 121 ) وحسَّنه المنذري والألباني كما في " صحيح الترغيب " ( 1 / 18 ) .(208/1)
قال السندي – في حاشيته على "سنن ابن ماجه " :
" عَدُّ الولد الصالح من العمل والتعليم حسنٌ ؛ لأن الوالد هو سبب في وجوده ، وسبب لصلاحه بإرشاده إلى الهدى ، كما جُعل نفس العمل في قوله تعالى : ( إِنَه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِح ) " انتهى .
وقال الشيخ الألباني رحمه الله :
" ما يفعله الولد الصالح من الأعمال الصالحة فإن لوالديه مثل أجره ، دون أن ينقص من أجره شيءٌ ؛ لأن الولد من سعيهما وكسبهما ، والله عز وجل يقول : ( وأن ليس للإنسان إلا ما سعى ) النجم /39 ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه ، وإن ولده من كسبه ) - رواه أصحاب السنن الأربعة وصححه الشيخ رحمه الله بشواهده – " انتهى .
"أحكام الجنائز" (ص 126، 217) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
ما هي الأعمال التي تنفع وتفيد الوالدين أحياءً وأمواتًا ؟
فأجاب : " الأعمال هي : برهما في حياتهما ، والإحسان إليهما بالقول والعمل ، والقيام بما يحتاجانه من النفقة والسكن وغير ذلك والأنس بهما ، والكلام الطيب معهما وخدمتهما ؛ لقوله تعالى : ( وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) الإسراء / 23 ، خصوصًا في كبرهما ، أما بعد الممات : فإنه يبقى من برهما أيضًا الدعاء ، والصدقة لهما ، والحج والعمرة عنهما ، وقضاء الديون التي في ذمتهما ، وصلة الرحم المتعلقة بهما ، وكذلك برُّ صديقهما ، وتنفيذ وصاياهما المشروعة " انتهى .
" المنتقى " (2/162) .
ثانيا ً :
وأما بخصوص اعتكاف النساء : فإن الاعتكاف مستحب للرجال والنساء ، ولكن ينبغي تقييده في حق النساء بأن يكون بإذن أهلها أو زوجها ، وأن لا يكون في اعتكافها فتنة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :(208/2)
" فالمرأة تعتكف ما لم يكن في اعتكافها فتنة ، فإن كان في اعتكافها فتنة : فإنها لا تمكن من هذا ؛ لأن المستحب إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع ، كالمباح إذا ترتب عليه الممنوع وجب أن يمنع ، فلو فرضنا أنها إذا اعتكفت في المسجد صار هناك فتنة كما يوجد في المسجد الحرام ، فالمسجد الحرام ليس فيه مكان خاص للنساء ، وإذا اعتكفت المرأة فلا بد أن تنام إما ليلاً وإما نهاراً ، ونومها بين الرجال ذاهبين وراجعين فيه فتنة .
والدليل على مشروعية الاعتكاف للنساء : اعتكاف زوجات الرسول صلّى الله عليه وسلّم في حياته ، وبعد مماته ، لكن إن خيف فتنة : فإنها تمنع ؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم منع فيما دون ذلك ، فإنه لما أراد أن يعتكف صلّى الله عليه وسلّم خرج ذات يوم ، وإذا خباء لعائشة ، وخباء لفلانة ، وخباء لفلانة ، فقال صلّى الله عليه وسلّم : ( آلبر يرِدْن ؟! ) ثم أمر بنقضها ، ولم يعتكف تلك السنة ، وقضاه في شوال ، وهذا يدل على أن اعتكاف المرأة إذا كان يحصل فيه فتنة : فإنها تمنع من باب أولى " انتهى .
"الشرح الممتع" (6/510، 511) .
والخلاصة : أنه ينبغي للإنسان أن يكثر من الأعمال الصالحة عن نفسه ، قبل انقضاء أجله ، وانقطاع عمله . وسيكون لوالديه نصيب من أجور هذه الأعمال من غير أن تنقص أجور أولادهم ، والاعتكاف من الأعمال الصالحة ، ومن المرأة لا بدَّ أن يكون وفق ضوابط وشروط كما في كلام الشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
والله أعلم .(208/3)
رقم السؤال:
67582
العنوان:
على علاقة بامرأة لا يريد أن يلزمها بالحجاب ولا يريد أن يفارقها
السؤال:
أسلمت منذ 4 سنوات، وكان ذلك هو أفضل ما يمكن أن يحصل لي في حياتي . وأنا لا أزال أتذكر (أني كنت أتمنى) الزواج من محجبة. أنا على علاقة بمسلمة لديها دراية بأمور الإسلام . أعلم أنه يمكنني أن أحكم على نفسي وحدي وأن علي الاهتمام بتصرفاتي وسلوكي، لكني كنت أتمنى أن تكون علاقتي مع امرأة محجبة . أظن أن علي ببساطة أن أتركها ، لكني لا أريد ذلك ، ولا أريد أن أحاول حملها على ارتداء الحجاب ، فالمسألة راجعة لها وحدها . هل عندك أي شيء يمكنني فعله أو قولها لها مما قد يساعدها في ارتداء الحجاب ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نحمد الله تعالى أن وفقك وهداك ، وشرح صدرك للإسلام ، ونهنئك على ذلك ، ونرجو لك مزيدا من الطاعة والاجتهاد في العلم والمعرفة .
ثانيا :
الحجاب واجب ، أوجبه الله تعالى على المرأة ، صيانة لها وللمجتمع من الانحراف والفساد الذي ينشأ عن الاختلاط وكشف العورة وإطلاق البصر . وهو فضيلة عظيمة يدل على حياء المرأة وعفتها وسلامة فطرتها .
وينبغي أن تظل على ما كنت عليه من الرغبة في الزواج بصاحبة الحجاب ، المتدينة العفيفة ، التي تكره مخالطة الرجال ، وتأنف من نظرهم إليها وتأملهم في محاسنها .
وهذه المرأة التي أشرت إليها في سؤالك : إن كانت صاحبة دين وخلق ، تصلي وتصوم ، وتطيع الله تعالى ، إلا أنها مقصرة في أمر الحجاب ، فلا حرج عليك في الزواج منها ، بعد دعوتها إلى الحجاب ، والتزامها به .(209/1)
وليس المطلوب منك الآن أن تحملها على الحجاب ، لكن المطلوب هو دعوتها إليه ، وترغيبها فيه ، أما الزوج فإنه مسئول عن زوجته ، يأمرها بالمعروف وينهاها عن المنكر ، ولا يجوز له أن يدع زوجته تخرج أمام الرجال بلا حجاب ؛ لأن هذا من المنكر الذي يجب عليه إنكاره ، كما قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ ) التحريم/6 .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( كُلُّكُمْ رَاعٍ ، وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ ، وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) رواه البخاري (893) ومسلم (1829) .
ثالثا :
ما ينبغي أن يقال لهذه المرأة : هو تذكيرها بطاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، وأنه لا فلاح ولا سعادة إلا في ظل هذه الطاعة ، التي تعد مقياسا لدرجة محبة الإنسان لربه ، ولنبيه صلى الله عليه وسلم . فعلى قدر هذه المحبة يكون التطبيق والامتثال .
وكيف تسمع المسلمة أمر الله تعالى بالحجاب في قوله : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ) الأحزاب/59 ، وقوله تعالى : (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ ...) النور/31 .(209/2)
كيف تسمع المسلمة هذه الأوامر ، ثم تظل مخالفة لها ، مبتعدة عنها ، تصبح وتمسي وهي تعصي الله تعالى ، وتعصي رسوله صلى الله عليه وسلم ؟
وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من هذه المعاصي وبَيَّن أنها تفسد القلب ، وتغيره ، وتحجب نوره ، فقال : ( إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا ، حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ : (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ )) رواه الترمذي (3334) وابن ماجة (4244) وحسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وبيّن حال المرأة المتبرجة وعذابها ومصيرها فقال : ( صِنْفَانِ مِنْ أَهْلِ النَّارِ لَمْ أَرَهُمَا : قَوْمٌ مَعَهُمْ سِيَاطٌ كَأَذْنَابِ الْبَقَرِ ، يَضْرِبُونَ بِهَا النَّاسَ وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ الْبُخْتِ الْمَائِلَةِ ، لَا يَدْخُلْنَ الْجَنَّةَ ، وَلَا يَجِدْنَ رِيحَهَا ، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِنْ مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا ) رواه مسلم (2128) .
وماذا ستقول هذه المسلمة لربها ، إن قبض روحها الآن ، وهي تعصيه وتخالفه ؟ وما هي الأعذار التي يمكن أن تعتذر بها ؟
أمَا إنه لا يغني عن الإنسان جماله ، ولا ماله ، ولا أصحابه ، ولا ينفعه إلا عمله الصالح .
وما أيسر الحجاب ، لو تأملت المرأة العاقلة ! إنه لا يحتاج إلا لقرار حازم ، تعلن فيه المرأة أنها محبة لله ، راغبة فيما عنده ، مؤثرة له على كل هوى وفتنة ، وستجد بعدها كم هو جميلٌ هذا الحجاب ، وكم هو الفرق بين السترِ والتكشف .
رابعا :(209/3)
لا يجوز للرجل أن يقيم علاقة مع امرأة أجنبية عنه ، ولو كان بنية الزواج منها ، لما تؤدي إليه هذه العلاقات –غالبا- من محرمات ، كالنظر والخلوة واللمس وتعلق القلب وغير ذلك .
وعلى كل مسلم أن يعلم أن الله تعالى مطلع عليه ، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ، وأن الزواج الناجح السعيد لا يبنى على معصية الله . فبادر بقطع علاقتك بهذه المرأة ، ودلها على بعض الصالحات من زوجات أصدقائك وإخوانك ، ليكنّ لها عونا على طاعة الله .
ولعلها بمقاطعتك لها ، تفكّر في أمرها ، وترتدي الحجاب وتستقيم على الطاعة ، فتكون زوجة صالحة لك .
نسأل الله تعالى أن يوفقك لاختيار الزوجة الصالحة المطيعة لله ، وأن يوفق هذه الأخت إلى ارتداء الحجاب ، ولزوم الحق والصواب .
والله أعلم .(209/4)
رقم السؤال:
67782
العنوان:
هل يجوز له أخذ الجنسية الكندية لأجل المضايقات في بلده ؟
السؤال:
شاب مسلم قدمت إلى كندا من حوالي 4 سنوات بقصد الدراسة ، حصلت على الإقامة الدائمة في هذا البلد وأيضا تحصلت على شهادة جامعية. في فترة إقامتي تعلمت الكثير من الأشياء عن الإسلام ومن جملة ما تعلمت عدم جواز الإقامة في بلاد الكفر. قررت عدم البقاء. هنا يشير علي بعض الإخوان وأبي الذي يعيش في بلدنا الأصلي إلى أخذ الجنسية الكندية وذلك لما نلقاه في بلادنا من مضايقات وتنكيل بالملتزمين وأصحاب اللحى وهو بزعمهم أخذ بالأسباب حتى نتقي شر هؤلاء . فهل يجوز لي في هذه الحالة أخد الجنسية ؟ وفي حالة الجواز فهل ينافي هذا التوكل على الله ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا تجوز الإقامة في بلاد الكفر إلا لمن قدر على إظهار دينه ، فإن لم يقدر على إظهار دينه وجبت عليه الهجرة إن قدر على ذلك ، وتطبيق هذا الحكم على الواقع يختلف من شخص لآخر ، ومن بلد لآخر .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (13363) .
ثانيا :
أما الحصول على الجنسية لدولة كافرة ، فلا تجوز إلا في حال الاضطرار ، لما يترتب عليها من مفاسد عظيمة ، كالخضوع لأحكام الكفار ، وغير ذلك .
وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء :
كثير من المسلمين الذين يقدمون إلى هذه الديار ينوون الإقامة وكذلك يحصلون على الجنسية الأمريكية فهل يجوز لهم ذلك ؟ علماً بأنها ديار كفر وشرك وانحلال فكيف يعطون ولاءهم لحكومتها بالتنازل عن جنسية بلادهم الإسلامية وقبول جنسية هذه البلاد . فما حكم الإسلام في ذلك علما بأنهم يبررون ذلك بنشر الإسلام؟
فأجابت: " لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة ، لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم ، والموافقة على ما هم عليه من الباطل .(210/1)
أما الإقامة بدون أخذ الجنسية فالأصل فيها المنع ، لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا. إلا المستضعفين...) النساء/97، 98 .
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : (أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين) ولأحاديث أخرى في ذلك ، ولإجماع المسلمين على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مع الاستطاعة. لكن من أقام من أهل العلم والبصيرة في الدين بين المشركين لإبلاغهم دين الإسلام ودعوتهم إليه ، فلا حرج عليه إذا لم يخش الفتنة في دينه ، وكان يرجو التأثير فيهم وهدايتهم" انتهى .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز .. عبد الرزاق عفيفي .. عبد الله بن قعود.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/69) .
وقال الشيخ ابن جبرين حفظه الله : " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارَد من بلده ولم يجد مأوى ، فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ، ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية ، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه " انتهى .
وينظر جواب السؤال رقم (6247) .
وعليه ؛ فإذا لم تكن مضطهدا في بلدك ، وكان بإمكانك العيش فيها ولو مع نوع من التضييق ، فلا يجوز لك أخذ هذه الجنسية .
ومن اضطر وأخذ الجنسية ، لم يكن هذا قدحا في توكله ؛ لأن ذلك –حينئذ- من جملة الأسباب التي يستعان بها على رفع الضرر .
والله أعلم .(210/2)
رقم السؤال:
67790
العنوان:
هل يحرم القتال إذا كان مقابل كل شخص أكثر من عشرة؟
السؤال:
حينما يكثر عدد المعاندين والكافرين في الجهاد كثرة تزيد عن مائتين مقابل عشرين من المسلمين . لا يجوز أن نشارك في الحرب لأن الله تبارك وتعالي عين عددا في الحرب . هل هذا صحيح أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
لا خلاف بين الفقهاء في وجوب الثبات في الجهاد ، وتحريم الفرار ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ) الأنفال/15، 16 ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) الأنفال/45 .
وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ . وذكر منها : وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ) رواه البخاري (2560) ومسلم (129).
إلا أنه يستثنى من ذلك ثلاثة مواضع :
الأول : أن يكون الفرار تحرُّفا لقتال ، ويأتي بيان التحرّف .
الثاني : أن يكون الفرار تحيزا إلى فئة من المسلمين ، ولو بَعُدَت .
الثالث : أن يزيد عدد الكفار على ضعف المسلمين ، فيجوز الفرار حينئذ . وهذا ما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أهل المذاهب الأربعة ، واستدل الجمهور بقوله تعالى : ( الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ ) الأنفال/66 .(211/1)
فلا يجوز لعشرة أن يفروا من عشرين ، ولا لمائة أن يفروا من مائتين ، فإن زاد الكفار عن الضعف جاز الفرار .
وهذا تخفيف من الله تعالى ، وهو نسخ لوجوب مصابرة العشرين للمائتين ، والمائة للألف ، الوارد في قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ ) الأنفال/65 .
وقول السائل : إنه لا يجوز أن نشارك في الحرب حينئذ ، غير صحيح . ففرق بين قولنا : يجوز الفرار ، وقولنا : يجب الفرار أو يحرم القتال . فلو أن المسلمين ثبتوا مع أضعافهم جاز ذلك ، وهذا ما كان عليه حال المسلمين في أكثر معاركهم ، لا سيما المعارك العظيمة الفاصلة كالقادسية واليرموك .
وينبغي التنبه إلى أنه إن هجم العدو على بلاد المسلمين ، وجب الدفع ، ولو كان الكفار أضعاف المسلمين ، ولا يجوز الفرار حينئذ إلا للتحرف لقتال أو التحيز إلى فئة .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " وقتال الدفع : مثل أن يكون العدو كثيرا لا طاقة للمسلمين به ، لكن يُخاف إن انصرفوا عن عدوهم عطف العدو على من يخلّفون من المسلمين . فههنا قد صرح أصحابنا بأنه يجب أن يبذلوا مهجهم ومهج من يخاف عليهم في الدفع حتى يَسْلَموا . ونظيرها : أن يهجم العدو على بلاد المسلمين وتكون المقاتِلة أقل من النصف ، فإن انصرفوا استولوا على الحريم ، فهذا وأمثاله قتال دفع ، لا قتال طلب ، لا يجوز الانصراف فيه بحال ، ووقعة أحد من هذا الباب " انتهى من "الاختيارات الفقهية" ص 258(211/2)
وإليك كلاما نافعا لابن قدامة رحمه الله ، يبين هذه المسألة ، ويوضح معنى التحرّف والتحيز ، قال رحمه الله : "إذا التقى المسلمون والكفار وجب الثبات ، وحرم الفرار ، بدليل قوله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار ) الآية . وقال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) وذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفرار يوم الزحف ، فعده من الكبائر ...
وإنما يجب الثبات بشرطين : أحدهما : أن يكون الكفار لا يزيدون على ضعف المسلمين ، فإن زادوا عليه جاز الفرار ، لقول الله تعالى : ( الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ) . وهذا إن كان لفظه لفظ الخبر ، فهو أمر ... قال ابن عباس : نزلت : ( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين ) فشق ذلك على المسلمين حين فرض الله عليهم ألا يفر واحد من عشرة ، ثم جاء تخفيف فقال : ( الآن خفف الله عنكم ) إلى قوله : ( يغلبوا مائتين ) فلما خفف الله عنهم من العدد ، نقص من الصبر بقدر ما خفف من العدد . رواه أبو داود .
وقال ابن عباس : من فر من اثنين فقد فر ، ومن فر من ثلاثة فما فر .
الثاني : أن لا يقصد بفراره التحيّز إلى فئة ، ولا التحرف لقتال ، فإن قصد أحد هذين : فهو مباح له ؛ لأن الله تعالى قال : ( إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة ) . ومعنى التحرّف للقتال : أن ينحاز إلى موضع يكون القتال فيه أمكن ، مثل أن ينحاز من مواجهة الشمس أو الريح إلى استدبارهما ، أو من نزلة إلى علو ، أو من معطشة إلى موضع ماء ، أو يفر بين أيديهم لتنتقض صفوفهم ، أو تنفرد خيلهم من رجالتهم ، أو ليجد فيهم فرصة ، أو ليستند إلى جبل ، ونحو ذلك مما جرت به عادة أهل الحرب ...(211/3)
وأما التحيز إلى فئة : فهو أن يصير إلى فئة من المسلمين ليكون معهم ، فيقوى بهم على عدوهم ، وسواء بعدت المسافة أو قربت . قال القاضي : لو كانت الفئة بخراسان والفئة بالحجاز ، جاز التحيز إليها ، ونحوه ذكر الشافعي ، لأن ابن عمر روى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إني فئة لكم ، وكانوا بمكان بعيد منه ، وقال عمر : أنا فئة كل مسلم ، وكان بالمدينة وجيوشه بمصر والشام والعراق وخراسان . رواهما سعيد .
وقال عمر : رحم الله أبا عبيدة لو كان تحيز إلي لكنت له فئة " .
ثم قال ابن قدامة رحمه الله : "وإذا كان العدو أكثر من ضعف المسلمين ، فغلب على ظن المسلمين الظفر ، فالأولى لهم الثبات ؛ لما في ذلك من المصلحة ، وإن انصرفوا جاز ؛ لأنهم لا يأمنون العطب ، والحكم عُلق على مظنته ، وهو كونهم أقل من نصف عددهم ، ولذلك لزمهم الثبات إذا كانوا أكثر من النصف وإن غلب على ظنهم الهلاك فيه .
ويحتمل أن يلزمهم الثبات إن غلب على ظنهم الظفر ؛ لما فيه من المصلحة .
وإن غلب على ظنهم الهلاك في الإقامة ، والنجاة في الانصراف ، فالأولى لهم الانصراف ، وإن ثبتوا جاز ، لأن لهم غرضا في الشهادة ، ويجوز أن يغلبوا أيضا" انتهى من "المغني" (9/254) .
وكلامه الأخير واضح في جواز القتال مع القلّة ، بل ومع غلبة الظن بحصول الهلاك ، خلافا لما ظنه السائل .
والله أعلم .(211/4)
رقم السؤال:
67803
العنوان:
إذا توضأ لقراءة القرآن فلا بأس من الصلاة بهذا الوضوء
السؤال:
سمعت فتوى تقول أنني لو توضأت لقراءة القرآن فلا يصح أن أصلي بنفس الوضوء ، ولو توضأت مثلاً للصلاة فلا يصح أن أقرأ القرآن بهذا الوضوء ، فما صحة هذا الكلام وبماذا أستدل على قائليه ، وإن كان صحيحاً فماذا أنوي عند وضوئي ؟
الجواب:
الحمد لله
هذه الفتوى غير صحيحة ، بل من توضأ لشيء مما يستحب له الوضوء أو يجب فقد صح وضوؤه وارتفع حدثه ، ويجوز له أن يفعل ما توضأ من أجله وغيره ، ما دام لم يحدث .
فمن توضأ لقراءة القرآن جاز له أن يصلي بهذا الوضوء ، ومن توضأ للصلاة ، جاز له أن يقرأ القرآن .
قال أبو إسحاق الشيرازي رحمه الله تعالى : "وإن نوى الطهارة للصلاة أو لأمر لا يستباح إلا بطهارة كمس المصحف ونحوه أجزأه لأنه لا يستباح مع الحدث , فإذا نوى الطهارة لذلك تضمنت نيته رفع الحدث" .
قال النووي في شرحه : "هذا الذي ذكره نص عليه الشافعي رحمه الله واتفق عليه الأصحاب , ثم إذا نوى الطهارة لشيء لا يستباح إلا بالطهارة ارتفع حدثه واستباح الذي نواه وغيره" انتهى.
"المجموع" (1/365) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله إذا توضأ الإنسان لرفع الحدث ولم ينو صلاة فهل يجوز أن يصلي بذلك الوضوء ؟
فأجاب : " إذا توضأ الإنسان بغير نية الصلاة ، وإنما توضأ لرفع الحدث فقط ، فله أن يصلي ما يشاء من فروض ونوافل حتى تنتقض طهارته" انتهى.
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (11/149) .
وأما ماذا ينوي المسلم عند وضوئه ؟
فينوى رفع الحدث الأصغر ، أو ينوي الوضوء من أجل ِفْعل ما يجب أو يستحب له الوضوء.
فمثال ما يجب له الوضوء : الصلاة ومس المصحف .
ومثال ما يستحب له الوضوء : قراءة القرآن وذكر الله ، وعند النوم .
والله أعلم .(212/1)
رقم السؤال:
68842
العنوان:
إذا تغيرت قيمة العملة كيف يؤدي القرض ؟
السؤال:
أقرضت صديقاً لي قرضاً حسناً وسلمته مبلغ القرض بالريال السعودي ، والآن وقت سداد القرض انخفض الجنيه المصري أمام الريال السعودي ، وصديقي هذا يريد رد قرضي بالجنيه المصري على أساس سعر صرف الجنيه مقابل الريال وقت استلامه القرض مما يعنى أن يعود لي أصل مالي ناقصاً عما استلمه ، وأنا رفضت ذلك ، وقلت له : يا أخي سلمتك المال بالريال السعودي بيدك ردَّ عليَّ قرضي بالريال السعودي مثلما استلمته والقروض تكون بالمثل ، ويكفى أنني حرمت نفسي من استثمار مالي مما كان سوف يعود على بفائدة من أي نشاط حلال ، وأعطيتك قرضاً حسناً لوجه الله تعالى أصلحتَ به تجارتَك وتاجرتَ وربحتَ بارك الله لك ، فرفض ذلك ، فما الحكم في الإسلام ، هل يجب عليه رد قرضي بالريال السعودي أم لا ؟ وإذا كانت الإجابة بأنه يجب عليه رد قرضي بالريال السعودي ورفض قبول الفتوى ، فما حكمه عند الله ؟ وهل يكون المقدار الذي نقص من مالي لي في ذمته أطالبه به أمام الله يوم القيامة أم لا ؟ أفتونا في ذلك مأجورين حيث إن سداد القرض متوقف على فتواكم وجزاكم الله خيراً .
الجواب:
الحمد لله
الواجب على من أخذ ديْناً من آخر بعملة أن يردَّها بمثلها دون أن يردَّ قيمتها عند أخذ الدَّيْن ؛ بل ولا يجوز أن يُذكر في العقد أن السداد يكون بعملة أخرى غير العملة المستَلمة ، فلا يجوز - مثلاً - أن يقترض رجل من آخر ريالات سعودية ويحسب قيمتها عند أخذها ويردها جنيهات مصرية ، ويجوز دفع قيمة الفرق بين العملتين عن طيب نفس من غير إلزام وعلى هذا جاءت فتاوى المجامع الفقهية وكثير من علمائنا المحققين .
أ. ففي القرار رقم : 42 ( 4 / 5 ) بشأن تغير قيمة العملة ، قال " مجلس مجمع الفقه الإسلامي " المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت من 1-6 جمادى الأولى 1409هـ الموافق10-15 كانون الأول (ديسمبر) 1988 م :(213/1)
بعد اطلاعه على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع تغير قيمة العملة ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله ، وبعد الاطلاع على قرار " المجمع "
رقم 21 ( 9 / 3 ) في الدورة الثالثة ، بأن العملات الورقية نقود اعتبارية فيها صفة الثمنية كاملة ، ولها الأحكام الشرعية المقررة للذهب والفضة من حيث أحكام الربا والزكاة والسلم وسائر أحكامها :
قرر ما يلي :
العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما : هي بالمثل وليس بالقيمة ؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ، أيا كان مصدرها ، بمستوى الأسعار .
مجلة " المجمع " ( عدد 5 ، ج3 ص 1609 ) .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله :
أقرضني أخي في الله - حسن - ألفي دينار تونسي ، وكتبنا عقدا بذلك ذكرنا فيه قيمة المبلغ بالنقد الألماني ، وبعد مرور مدة القرض - وهي سنة ارتفع ثمن النقد الألماني ، فأصبح إذا سلمته ما هو في العقد أكون أعطيته ثلاثمائة دينار تونسي زيادة على ما اقترضته . فهل يجوز لمقرضي أن يأخذ الزيادة ، أم أنها تعتبر ربا . . ؟ ولا سيما وأنه يرغب السداد بالنقد الألماني ليتمكن من شراء سيارة من ألمانيا .
فأجاب : للمقرض - حسن - سوى المبلغ الذي أقرضك وهو ألفا دينار تونسي ، إلا أن تسمح بالزيادة فلا بأس ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن خيار الناس أحسنهم قضاءً ) رواه مسلم في صحيحه ، وأخرجه البخاري بلفظ : ( إن من خيار الناس أحسنهم قضاء ) .
أما العقد المذكور : فلا عمل عليه ، ولا يلزم به شيء لكونه عقداً غير شرعي ، وقد دلت النصوص الشرعية على أنه لا يجوز بيع القرض إلا بسعر المثل وقت التقاضي إلا أن يسمح من عليه القرض بالزيادة من باب الإحسان والمكافأة للحديث الصحيح المذكور آنفاً " انتهى .
" فتاوى إسلاميَّة " ( 2 / 414 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - في جواب سؤال مشابه لسؤال السائل - :(213/2)
" الواجب أن يرد عليك ما أقرضتَه دولارات ؛ لأن هذا هو القرض الذي حصل منك له ، ولكن مع ذلك إذا اصطلحتما أن يسلم إليك جنيهات مصرية : فلا حرج ، قال ابن عمر رضي الله عنهما : كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ، ونبيع الدنانير فنأخذ عنها الدراهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء ) ، فهذا بيع نقد من غير جنسه ، فهو أشبه ما يكون ببيع الذهب بالفضة ، فإذا اتفقتَ أنت وإياه على أن يُعطيك عوضاً عن هذه الدولارات من الجنيهات المصرية بشرط ألا تأخذ منه جنيهات أكثر مما يساوي وقت اتفاقية التبديل ، فإن هذا لا بأس به ، فمثلاً : إذا كانت 2000 دولار تساوي الآن 2800 جنيه : لا يجوز أن تأخذ منه ثلاثة آلاف جنيه ، ولكن يجوز أن تأخذ 2800 جنيه ، ويجوز أن تأخذ منه 2000 دولار فقط ، يعني أنك تأخذ بسعر اليوم أو بأنزل ، أي : لا تأخذ أكثر ؛ لأنك إذا أخذت أكثر فقد ربحتَ فيما لم يدخل فيما ضمانك ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن ، وأما إذا أخذتَ بأقل : فإن هذا يكون أخذاً ببعض حقك ، وإبراء عن الباقي ، وهذا لا بأس به " انتهى .
" فتاوى إسلاميَّة " ( 2 / 414 ، 415 ) .
وإذا خالف أحد الطرفين هذا الحكم فإنه يكون آخذاً للفرق بين قيمة العملتين بغير حق ، وهو من المحرمات حيث قال الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيماً ) النساء / 29 .
والله أعلم(213/3)
رقم السؤال:
69558
العنوان:
حكم فتح المحلات التجارية في يوم عيدٍ للكفار
السؤال:
هل هناك أي محظور إذا فتح الفرد متجره أيام العيد ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا حرج على المسلم في فتح متجره أيام أعياد المسلمين ( عيدي الفطر والأضحى ) ، بشرط أن لا يبيع ما يستعين به بعض الناس على معصية الله تعالى .
ثانيا :
أما فتح المتجر في الأيام التي يتخذها غير المسلمين أعيادا ، كيوم الكريسمس ، ونحوه من أعياد اليهود أو البوذيين أو الهندوس ، فلا حرج في ذلك أيضا ، بشرط ألا يبيع لهم ما يستعينون به على معاصيهم ، كالأعلام والرايات ، والصور ، وبطاقات التهنئة ، والفوانيس ، والزهور ، والبيض الملوّن ، وكل ما يستعملونه لإقامة العيد .
وكذلك لا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في أعيادهم .
والأصل في ذلك أن المسلم منهي عن فعل المعصية ، وعن الإعانة عليها ؛ لقوله تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ) المائدة/2 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يبيع المسلم ما يستعين به المسلمون على مشابهتهم في العيد ، من الطعام واللباس ونحو ذلك ؛ لأن في ذلك إعانة على المنكر " انتهى من "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/520) .
وقال : " فأما بيع المسلمين لهم [أي للكفار] في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك ، أو إهداء ذلك لهم ، فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم " .(214/1)
ونقل عن ابن حبيب المالكي قوله : " ألا ترى أنه لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئا من مصلحة عيدهم ، لا لحما ، ولا إداما ، ولا ثوبا ، ولا يُعارون دابة ، ولا يعاونون على شيء من عيدهم ؛ لأن ذلك من تعظيم شركهم ، ومن عونهم على كفرهم ، وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك . وهو قول مالك وغيره ، لم أعلمه اختلف فيه " . "اقتضاء الصراط المستقيم" (2/526) ، "الفتاوى الكبرى" (2/489) ، "أحكام أهل الذمة" (3/1250) .
وقال شيخ الإسلام أيضاً : " فإن كان ما يبتاعونه [يشترونه] يفعلون به نفس المحرم ، مثل صليب أو شعانين أو معمودية أو تبخير أو ذبح لغير الله أو صورة ونحو ذلك ، فهذا لا ريب في تحريمه ، كبيعهم العصير ليتخذوه خمرا ، وبناء الكنيسة لهم .
وأما ما ينتفعون به في أعيادهم للأكل والشرب واللباس ، فأصول أحمد وغيره تقتضي كراهته ، لكن : كراهة تحريم كمذهب مالك أو كراهة تنزيه ؟ والأشبه أنه كراهة تحريم ، كسائر النظائر عنده ، فإنه لا يُجوّز بيع الخبز واللحم والرياحين للفساق الذين يشربون عليها الخمر ، ولأن هذه الإعانة تفضي إلى إظهار الدين [الباطل] وكثرة اجتماع الناس لعيدهم وظهوره ، وهذا أعظم من إعانة شخص معين " . "الاقتضاء" (2/2/552) .
وسئل ابن حجر المكي رحمه الله عن بيع المِسك لكافر يعلم منه أنه يشتريه ليطيّب به صنمه ، وبيع حيوان لكافر يعلم منه أنه يقتله بلا ذبحٍ ليأكله ؟
فأجاب بقوله : " يحرم البيع في الصورتين ، كما شمله قولهم ( يعني العلماء ) : كل ما يَعلم البائع أن المشتري يعصي به يحرم عليه بيعه له . وتطييب الصنم وقتل الحيوان المأكول بغير ذبح معصيتان عظيمتان ولو بالنسبة إليهم ، لأن الأصح أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة كالمسلمين ، فلا تجوز الإعانة عليهما ببيع ما يكون سببا لفعلهما . وكالعلم هنا غلبة الظن , والله أعلم " انتهى من "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/270) .(214/2)
والحاصل أنه يجوز للمسلم فتح متجره في أيام أعياد الكفار ، بشرطين :
الأول : ألا يبيع لهم ما يستعملونه في المعصية أو يستعينون به على إقامة عيدهم .
والثاني : ألا يبيع للمسلمين ما يستعينون به على التشبه بالكفار في هذه الأعياد .
ولا شك أن هناك سلعا معلومة ، تتخذ لهذه الأعياد ، كالبطاقات والصور والتماثيل والصلبان وبعض الأشجار ، فهذه لا يجوز بيعها ، ولا إدخالها في المحل أصلا .
وما عدا ذلك مما قد يُستعمل في العيد وغيره ، فيجتهد صاحب المتجر ، فلا يبيعه لمن علم من حاله أو غلب على ظنه أنه يستعمله في الحرام أو يستعين به على إقامة العيد ، كالملابس ، والطيب ، والأطعمة .
والله أعلم .(214/3)
رقم السؤال:
69762
العنوان:
حكم الكفالة المالية وهل تتأثر إذا انتقل الدين إلى دائن آخر؟
السؤال:
رجل أعطى كفالة مالية لشركة استقرضت من بنك تقليدي ، ومع مرور الوقت اندمج البنك مع بنك آخر وانتقلت كل حقوق ومسؤليات البنك الأول إلى البنك الثاني ، فهل يحق للبنك الجديد أن يطالب الكفيل بالمبلغ المكفول ؟ بعبارة أخرى : هل تتأثر الكفالة مع تغير الدائن أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الكفالة المعطاة للشركة إن كانت كفالة قرض ربوي – وهذا هو الظاهر من كلامك ، لأنك ذكرت أن البنك تقليدي ، أي ربوي - فهي كفالة محرمة ، وهي من التعاون على الإثم والعدوان ، وقد نهى الله تعالى عن ذلك بقوله : (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإثْم وَالْعُدْوَانِ) المائدة/2 .
والواجب عليك أن تتوب إلى الله من فعلك ، وأن تعزم أن لا تعود لمثله ، ويجب عليك أن تنصح الشخص الذي كفلته أن يتخلص من قرضه ومعاملته المحرمة ، كما يجب عليك أن تسحب كفالتك إن أمكنك ذلك .
أما إن كانت الكفالة شرعيَّة ، وكانت المعاملة غير محرمة : فكفالتك له جائزة ، بل هي من فعل الخير ، ولك فيها أجر ، وهي من الإحسان إلى الناس .
ثانياً :
المعروف في نظام الشركات – وهو غير مخالف للشرع – أنه في حال بيعها أو اندماجها مع أخرى أنه تنتقل بموجوداتها وذممها إلى الشركة الأخرى ، وكل ما للشركة الأولى على الآخرين يصبح للشركة الثانية ، وما على الأولى ينتقل ليصبح على الثانية .
وعلى هذا فللبنك الجديد أن يطالبك بالمال المكفول .
وفي القرض الربوي ليس له شرعاً أن يطالبك إلا برأس المال فقط ، دون الفوائد الربوية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (رِبَا الْجَاهِلِيَّةِ مَوْضُوعٌ) رواه مسلم (1218) .(215/1)
قال النووي في شرح مسلم : "قَوْله صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الرِّبَا : ( أَنَّهُ مَوْضُوع كُلّه ) مَعْنَاهُ الزَّائِد عَلَى رَأْس الْمَال كَمَا قَالَ اللَّه تَعَالَى : ( وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوس أَمْوَالكُمْ ) وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته إِيضَاح , وَإِلَّا فَالْمَقْصُود مَفْهُوم مِنْ نَفْس لَفْظ الْحَدِيث , لِأَنَّ الرِّبَا هُوَ الزِّيَادَة , فَإِذَا وُضِعَ الرِّبَا فَمَعْنَاهُ وَضْع الزِّيَادَة , وَالْمُرَاد بِالْوَضْعِ الرَّدّ وَالْإِبْطَال" انتهى .
والله أعلم(215/2)
رقم السؤال:
69792
العنوان:
حكم إفرازات رحم المرأة
السؤال:
أنا فتاة غير متزوجة وأبلغ من العمر 24 عاماً ، ومشكلتي هي أنه ينزل مني في بعض الأحيان سائل أصفر أو يميل إلى البياض لكني لا أحتاج لاستخدام الحفائظ النسائية لأنه ينزل بكمية بسيطة ، والدتي تقول إن ذلك سببه ضعف الجسم أو الضغوط ، وتقول : إن خالتي عانت من نفس المشكلة ، وقد قرأت عن الموضوع في عدد من المجلات الطبية وهي أيضا تعزي السبب إلى الضعف ، وسؤالي هو : هل يجوز لي أن أصلي في هذه الحالة ؟ وإذا كان الجواب بنعم : فهل يجب عليَّ تغيير الملابس ؟ وكم المدة التي أستمر فيها على وضوئي دون أن ينتقض ؟ كما أريد إيضاح أن المسألة لا تأتي قبل أو بعد الدورة الشهرية .
الجواب:
الحمد لله
سبق في جواب السؤال رقم ( 50404 ) حكم الإفرازات التي تخرج من رحم المرأة ، وبيّنا فيه أن ما يخرج من رحم المرأة من إفرازات : أنه طاهر ، وما يخرج من مجرى البول فهو نجس ، وكلاهما يوجب الوضوء على المرأة .
وعلى هذا ، فلا حرج عليك من الصلاة بهذه الحالة ، ولا يلزمك تغيير الملابس أو غسلها لأن هذه الإفرازات طاهرة .
والمدة التي يمكنك البقاء فيها على طهارتك هي وقت الصلاة التي توضأت لها ، فيلزمك الوضوء للصلاة بعد دخول وقتها ، ويستمر وضوؤك صحيحا ولو نزل هذا السائل حتى يخرج وقت هذه الصلاة ، فتتوضئي للصلاة الأخرى وهكذا ...
فلا يجوز أن تصلي فريضتين بوضوء واحد ، إلا إذا جمعت بينهما لسبب من أسباب الجمع .
والله أعلم(216/1)
رقم السؤال:
69795
العنوان:
مدرس ينشغل عن حصصه الأصلية بحجة النشاط وأعمال أخرى
السؤال:
ما حكم انشغال المعلم عن دخول حصصه الأصلية في المدرسة بحجة انشغاله بأعمال أخرى مثل الكمبيوتر أو النشاط أو الإرشاد أو أي أمر آخر ؟
الجواب:
الحمد لله
لا شك أن الوظيفة الأساسية للمدرس هي قيامه بالتدريس في الحصص المخصصة له ، لكن الأعمال الأخرى كالنشاط والإشراف وإعداد اللوحات ونحو ذلك ، لا يستهان بها أيضا ؛ لما لها من أثر نافع على الطلاب ، وعلى إقبال الناس على المدرسة . وقد ينتفع الطالب بهذه الأنشطة أكثر من انتفاعه بالدرس المجرد ، فعلى إدارة المدرسة أن تنظم هذه الأعمال ، وتوزع هذه المهام بحيث لا تؤثر على أداء المدرس في فصله .
وإذا كان المدرس قد كُلِّف بهذه الأعمال من قبل الإدارة فلا حرج عليه في ذلك .
وإن كان يفعلها من قبل نفسه ، فهو مشكور على ذلك ، لكن ينبغي أن يسدد ويقارب ، ولا يفوت على الطلاب حقهم من الشرح والتدريس اللازم لهم ، أو أن يطلب تخفيف الحصص عنه ، ليتفرغ لهذه الأنشطة ، فيكون ذلك جمعا بين المصلحتين .
وإن لم يكن للأنشطة التي يقوم بها أهمية ، أو أن غيره قد كفاه أمرها ، أو كان يبالغ في تضييع وقته فيها ، على حساب أدائه في الفصل ، فلا شك أن هذا تفريط في الواجب وتضييع للأمانة ، (وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنْ الْمُصْلِحِ) البقرة/220 ، وعليه أن يتقي الله تعالى ، وألا ينشغل بالمفضول عن الفاضل ، وأحرى ألا ينشغل بالمفضول عن الواجب .(217/1)
وفي بيان أهمية الأنشطة ، وضرورة التعاون لأدائها ، قال الشيح ابن جبرين حفظه الله : " ينبغي التعاون والتساعد على الأمور المهمة التي يحتاج إليها داخل المدرسة ، كإعداد مقالات ، أو بحث مسألة ، أو اشتراك في نشاط مدرسي ، أو كتابة صحف حائطية ، أو إرشادات وتوجيهات مهمة توحي بتقدم المدرسة وأهلها ، وتعطي فكرة قوية لمن زارها بقوة الأنشطة والنصائح والأفكار ، ولا شك أن هذا لا يحصل من فرد أو اثنين ، فلا ينبغي للمدير إهمال هذا الجانب والانفراد في غرفة الإدارة ، والاقتصار على تكليف كل مدرس بإلقاء مادته داخل الفصل ، بل عليه واجب فوق ذلك وهو الحرص على مضاعفة النشاط الطلابي ، وشحذ الهمم على الأعمال النافعة ، وحث الطلاب والمدرسين والموظفين على التعاون فيما بينهم ، وبذل شيء من الجهد والوقت في الكتابات والتوجيهات والفوائد التي تلفت الأنظار وتعجب الزوار ، ويظهر من آثارها الإخلاص والنصح للتلاميذ وغيرهم ، فمتى ترك ذلك مدير المدرسة فعلى المدرسين إبداء اقتراحاتهم وإبداء تعاونهم معه في صالح الجميع . ومتى طلب المدير منهم أو من بعضهم تولي بعض الأعمال ، فعليه المبادرة وتلبية الطلب ، فذلك مما يجب على الجميع ، وهو من التعاون على البر والتقوى . وهكذا لو احتاج ذلك إلى بذل شيء من المال ينفع في هذه الأنشطة ولا يضر باقتصاد من بذله ، فإن حقا على القادر المبادرة إلى ذلك ، وكذا لو طلب المدير من أحدهم شراء حاجة مهمة لصالح المدرسة وهو ممن يعرفها ولا ضرر عليه ، فإن حق الأخوة والصداقة والرفقة تلبية الطلب ، وعدم الاقتصار على إلقاء الدرس داخل الفصل ، فذلك وإن كان هو الواجب الأصلي لكن غيره مما يلحق به ، وقد عرف أن دوام المدرس كغيره من أول الوقت إلى آخر العمل . فمتى كان متفرغا فلا يحتقر أن يعمل مع غيره عملا في صالح الجميع " انتهى من "الأجوبة الفقهية على الأسئلة التعليمية والتربوية" ص 21 .
والله أعلم .(217/2)
رقم السؤال:
69800
العنوان:
هل يتزوج الثانية وله حاجة ملحة وقد يؤدي لطلاق الأولى ؟
السؤال:
عمري 48 عاماً ، متزوج منذ 20 عاماً ولي 3 أولاد ، زوجتي امرأة فاضلة جدّاً ، رزقني الله رزقاً واسعاً من فضله ، أريد أن أتزوج أي أخت مسلمة بحيث يكون هذا الزواج عظيم النفع لها ، مثل الأرملة ذات الأيتام الفقراء ، أو المطلقة لأنها لا تنجب ، أو البكر التي تعدت سن الزواج وهنَّ كثيرات جدّاً ، ويشتكين عدم الزواج ، والمشكلة في اعتراض الزوجة الأولى وتهديدها بالطلاق ، وأنا لا أريد خسارتها لدينها الذي تبذل من أجله ما تستطيع وتحب جميع شرائعه ، إلا موضوع تعدد الزوجات هذا ، فهي مثل أغلب النساء في مصر لا تطيقه ، علما بأني أحتاج هذا الأمر لدفع فتنة النساء فما هو التصرف السليم مع هذه الزوجة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أباح الله عز وجل التعدد للرجل القادر على العدل بين نسائه في النفقة والكسوة والمبيت ، وحرَّم على من لم يقدر على العدل أن يعدد ، قال الله تعالى ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ) النساء / 3 ، ومعنى " تعولوا " أي : تظلموا وتجوروا .
قال الشيخ الفوزان – حفظه الله - :
والآية الكريمة تدل على أن الذي عنده الاستعداد للقيام بحقوق النساء على التمام : فله أن يعدِّد الزوجات إلى أربع ، والذي ليس عنده الاستعداد يقتصر على واحدة ، أو على ملك اليمين .
والعدل هاهنا هو العدل المستطاع ، وهو القَسم والنفقة والسكن ، وأما العدل غير المستطاع فهو المحبة القلبية ، وهذا لا دخل له في منع التعدد .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 252 ) .(218/1)
ويجب أن تعلم المرأة أن كراهيتها لحكمٍ من أحكام الله تعالى قد يكون كفراً أو قد يؤدي بها إلى الكفر المخرج من الملة .
سئل الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
ما حكم من يَكرَه ويُكرِّه الناس من الزواج بأربع زوجات ؟ .
فأجاب :
لا يجوز للمسلم أن يكره ما شرعه الله وينفِّر الناس منه ، وهذا يعتبر ردة عن دين الإسلام ؛ لقوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ } [ محمد / 9 ] ؛ فالأمر خطير ، وسببه التأثر بدعايات الكفار الذين ينفرون من الإسلام ، ويلقون الشبه التي تروج على السذج من المسلمين ، الذين تخفى عليهم حكم التشريع الإسلامي التي من أعظمها تشريع تعدد الزوجات ؛ لما فيه من مصلحة النساء قبل الرجال .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 251 ) .
على أنه ليس من اللازم ، إذا غارت المرأة على زوجها ، أو غضبت من زواجها بأخرى ، أن تكون كارهة لهذه التشريع الإلهي ؛ بل هناك من النساء من تعلم أن ذلك من شرع الله ، وتؤمن بما أنزل الله من شرعه ، وتحب دينه ، إلا أنها تكره أن تزاحم في زوجها ، وتغار من ذلك ، لضعف نفسها ، وغلبة طبعها من غير أن تحرم ما أحل الله ، أو تكره شرعه .
وما ينوي الزوج فعله من التزوج بالأرملة أو المطلقة أو من فاتها الزواج من الأبكار ، أمرٌ يُشكر عليه ، وينبغي تشجيعه عليه من قبَل الناس ، ومن قبَل زوجته ، فهذا من الأخلاق النبيلة ، ويجب على الزوجة أن تحب لغيرها ما تحب لنفسها ، فهي تحب أن يكون لها زوج وأولاد ، فكذلك ينبغي أن تحب لغيرها هذا ، بل لو كانت ابنتها على مثل هذه الحال لتمنت الزوج الذي يستر عليها ويحفظها ولو كان متزوجاً من أكثر من واحدة ، فلتعلم أن هذا هو شعور النساء وأمهاتهن .
ومما لاشك فيه أن تعدد الزوجات هو من الحلول المثلى لمشكلة العنوسة التي تفشت في بلاد المسلمين ، وتسببت في حوادث مميتة وأخلاق ساقطة .(218/2)
قال الشيخ صالح الفوزان – حفظه الله - :
إن من أسباب القضاء على العنوسة تعدد الزوجات ؛ فكون المرأة تتزوج من رجل يقوم بكفالتها ويصونها وتأتيها منه ذرية صالحة ولو كانت رابعة أربع : أحسن من كونها تبقى أيِّمًا محرومة من مصالح الزواج ومعرضة للفتنة ، وهذا من أعظم الحِكَم في مشروعية تعدد الزوجات ، وهو في صالح المرأة أكثر منه في صالح الرجل ، وكون المرأة قد تجد مشقة في معايشة الضرة : يقابله ما تحصل عليه من المصالح الراجحة في الزواج ، والعاقل يقارن بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار ، ويعتبر الراجح منها ، ومصالح الزواج أرجح من المضار المترتبة على التعدد إن وجدت .
" المنتقى من فتاوى الشيخ الفوزان " ( 3 / 168 ) .
قالت إحدى النساء العاقلات :
" بعدما وصلت العنوسة إلى كل البيوت , فلن أقف في طريق زوجي أبدا ، بل أنا التي سأدفعه إلى أن يستعد للزواج بأخرى، فغيرتي على ديني أكبر من غيرتي على زوجي " .
وإذا لم تشترط المرأة ذلك في عقد النكاح : فلا يجوز لها أن تطلب الطلاق ، فإن فعلت فهي آثمة .
عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة سألت زوجها طلاقا في غير ما بأس فحرام عليها رائحة الجنة ) رواه أبو داود ( 2226 ) وابن ماجه ( 2055 ) .
والحديث : صححه الشيخ الألباني في " صحيح ابن ماجه " ( 1685 ) .
وننصح المرأة وكل امرأة تزوج عليها زوجها أن ترضى بحكم الله ، وتسأل الله أن يذهب ما في قلبها من الغيرة وأن تصبر وتبقى عند زوجها .(218/3)
ونقول – أخيراً – للزوج الفاضل : لا تبنِ بيتاً على حساب آخر ، ولا تتزوج أخرى والثمن طلاق الأولى ، فمقصودك من التعدد مقصود طيب ، لكن قد لا يتيسر لك الأمر بسهولة ، فيمكنك التدرج مع زوجتك لإقناعها بالأمر عن طريق تقوية إيمانها ، ودلالتها على نماذج فاضلة ، وعدلٍ متحقق عند إخوة لك معددين ، ولا تتعجل بالأمر قبل نجاحك في هذا الأمر ، وقد قالت امرأة تزوج زوجها من عانس وقد ظلم الأولى في معاملته – تخاطب صحافية - :
" اكتبي لمن يرى في التعدد الحل لمشاكل العوانس والمطلقات : أن الرجال يحلون مشكلة امرأة على أنقاض امرأة أخرى ! ويبنون بيوتاً على هدم بيوت أخرى عندما يعجزهم العدل " .
والله الموفق(218/4)
رقم السؤال:
69806
العنوان:
يعاني من كثرة الاحتلام، ويجد بللاً ولا يذكر احتلاماً
السؤال:
أعاني منذ حوالي خمس سنوات من خروج المني كثيرا وألقى منه عناء ، عند استيقاظي من النوم أجد بللا ولا أذكر أني احتلمت غالبا ، ويحدث في معظم الأحيان أني أغتسل من المرة الأولى لأجد البل في اليوم التالي ؛ هل يجب عليّ أن أغتسل في كل مرة حيث يمكن أن أجد بللا في الأسبوع مرتين ، وما هو الحل ؟
الجواب:
الحمد لله
" إذا استيقظ الإنسان فوجد بللا ، فلا يخلو من ثلاث حالات :
الحال الأولى : أن يتيقن أنه مني ، فيجب عليه حينئذ الاغتسال ، سواء ذكر احتلاما أم لم يذكر .
الحال الثانية : أن يتيقن أنه ليس بمني ، فلا يجب عليه الغسل في هذه الحال ، ولكن يجب عليه أن يغسل ما أصابه ، لأن حكمه حكم البول .
الحال الثالثة : أن يجهل هل هو مني أم لا ؟ ففيه تفصيل :
أولا : إن ذكر أنه احتلم في منامه ، فإنه يجعله منيا ويغتسل ، لحديث أم سلمة رضي الله عنها حين سألت النبي صلى الله عليه وسلم عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل ، هل عليها غسل ؟ قال : ( نعم ، إذا هي رأت الماء ) . فدل هذا على وجوب الغسل على من احتلم ووجد الماء .
ثانيا : إذا لم ير شيئا في منامه ، فإن كان قد سبق نومه تفكير في الجماع جعله مذياً .
وإن لم يسبق نومه تفكير فهذا محل خلاف :
قيل : يجب عليه الغسل احتياطا .
وقيل : لا يجب ، وهو الصحيح ، لأن الأصل براءة الذمة " انتهى من "فتاوى الطهارة" للشيخ بن عثيمين رحمه الله (ص 221) .
وقد ذكر الفقهاء أن رائحة المني الرطب كرائحة العجين أو طلع النخل ، ورائحة المني اليابس كرائحة بياض البيض . "مطالب أولي النهى" (1/162) .
ولا أثر لكون ذلك يقع في الأسبوع مرتين أو أكثر . فكلما احتلمت وجب عليك الغسل .
ولا ينبغي القلق من حدوث هذا الأمر ؛ إذ العامل فيه قد يكون طبيعة البدن ، أو نوع الأطعمة ، ونحو ذلك .
والله أعلم .(219/1)
رقم السؤال:
69810
العنوان:
شباب وفتيات يقومون بأعمال الخير فهل يجوز اللقاء بينهم لتنظيم العمل؟
السؤال:
مجموعة من الشباب من الجنسين يقومون بالأعمال الخيرية مثل زيارة الأيتام والمرضى وإطعام الفقراء .... ويكون التعامل المباشر بينهم في حدود تنظيم العمل الخيري . فهل يجوز اللقاء بينهم في هذه الأعمال ؟
الجواب:
الحمد لله
القيام بالأعمال الخيرية ، من زيارة الأيتام والمرضى وإطعام الفقراء ، أمر عظيم دعت إليه الشريعة ، ورغبت فيه ، ورتبت عليه ثوابا جزيلا ، وأجرا كبيرا ، قال تعالى : ( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا * إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا * فَوَقَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَقَّاهُمْ نَضْرَةً وَسُرُورًا * وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) الإنسان/8- 12.
وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ) رواه البخاري (5304) ومسلم (2983) .
وروى أحمد (7260) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَجُلًا شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَسْوَةَ قَلْبِهِ ، فَقَالَ لَهُ : ( إِنْ أَرَدْتَ تَلْيِينَ قَلْبِكَ فَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ ، وَامْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ ) والحديث حسنه الحافظ في الفتح (11/151) ، والألباني في صحيح الجامع برقم (1410) .(220/1)
وروى مسلم (2568) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ . قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ ؟ قَالَ جَنَاهَا) أي : ثمارها ، قال النووي رحمه الله : "أي يؤول به ذلك إلى الجنة ، واجتناء ثمارها".
وروى الترمذي (969) عن عَلِيٌّ رضي الله عنه قال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : ( مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَعُودُ مُسْلِمًا غُدْوَةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُمْسِيَ ، وَإِنْ عَادَهُ عَشِيَّةً إِلَّا صَلَّى عَلَيْهِ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ حَتَّى يُصْبِحَ ، وَكَانَ لَهُ خَرِيفٌ فِي الْجَنَّةِ ) وصححه الألباني في صحيح الترمذي . والخريف هو البستان .
إلى غير ذلك من النصوص المشهورة في فضل هذه الأعمال .
ولا حرج على المرأة أن تباشر هذه الأعمال ، فتحسن إلى الأيتام ، وتطعم الفقراء ، وتزور المريضات من النساء ، ما دامت متمسكة بما أمر الله تعالى من الحجاب والستر وعدم الاختلاط بالرجال ، بل هذا مستحب مندوب في حقها .
ولا شك أن للمرأة دورا عظيما في هذا المجال ، فإنها تستطيع التعرف على الأسر الفقيرة ، وإيصال المساعدات إليها ، والتعاون مع أخواتها المسلمات وتشجيعهن على البذل والعطاء في هذا المجال ، لكن لا مسوغ ولا مبرر لمقابلتها الرجال الأجانب ، بحجة تنظيم العمل الخيري ، أو مباشرته ، بل يكفيها أن تعمل مع مثيلاتها من النساء ، وأن يعمل الرجل مع الرجال ، سدا للذريعة ، ومنعا لحدوث الفتنة بها أو لها .
وإن لزم الأمر في تعاون الرجال مع النساء في هذا المجال ، فليكن عبر زوجات هؤلاء الرجال أو بعضهن ، فيقمن بالاتصال بالنساء وتنظيم العمل معهن .(220/2)
وإذا كان هؤلاء الشباب غير متزوجين ، فالفتنة هنا أعظم ، والخطر أكبر ، وهو من "خطوات الشيطان" التي حذرنا الله منها ، كما قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) النور/21 ، ولا شك أن لقاء الشاب بالشابة أو الرجل بالمرأة ، ولو بحجة تنظيم العمل الخيري ، هو من خطوات الشيطان ، التي قد تجر إلى ما هو أكبر وأعظم .
وقد حدث بسبب ذلك من القصص والمآسي الكثير والكثير ، والعاقل هو من يعتبر بغيره ، لا من يكون عبرة لغيره .
فعلى هؤلاء أن يتقوا الله تعالى ، وأن لا يخلطوا عملا صالحاً وآخر سيئاً ، وأن يبتعدوا عن أسباب الفتنة والانحراف ، وأن يحذروا من مكر الشيطان وتلبيسه .
نسأل الله أن يعيذنا جميعا من فتنة القول والعمل .
والله أعلم .(220/3)
رقم السؤال:
69811
العنوان:
هل يرد على الكفار إذا هنؤوه بالعام الجديد؟
السؤال:
هل يجوز لي أن أقول لغير المسلمين ( ولكم بالمثل ) عندما يهنئونني بالعام الجديد بعبارة عام سعيد أو أحلى التهاني ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز تهنئة الكفار بعيد الكريسماس (رأس السنة الميلادية) أو غير ذلك من أعيادهم ، كما لا يجوز إجابتهم في حال تهنئتهم لنا بهذه الأعياد ، لأنها ليست أعيادا مشروعة في ديننا ، وفي إجابة التهنئة بها إقرار واعتراف بها ، وعلى المسلم أن يكون معتزا بدينه ، فخورا بأحكامه ، حريصا على دعوة الآخرين وتبليغهم دين الله عز وجل .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن حكم تهنئة الكفار بعيد الكريسماس ؟ وكيف نرد عليهم إذا هنئونا به ؟ وهل يجوز الذهاب إلى أماكن الحفلات التي يقيمونها بهذه المناسبة ؟ وهل يأثم الإنسان إذا فعل شيئا مما ذكر بغير قصد ؟ وإنما فعله إما مجاملة أو حياء أو إحراجا أو غير ذلك من الأسباب ؟ وهل يجوز التشبه بهم في ذلك ؟
فأجاب : " تهنئة الكفار بعيد الكريسماس أو غيره من أعيادهم الدينية حرام بالاتفاق ، كما نقل ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه " أحكام أهل الذمة " ، حيث قال : " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق ، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم ، فيقول : عيد مبارك عليك ، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات ، وهو بمنزلة أن تهنئه بسجوده للصليب ، بل ذلك أعظم إثما عند الله ، وأشد مقتا من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس ، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه . وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ، ولا يدري قبح ما فعل ، فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه " . انتهى كلامه رحمه الله .(221/1)
وإنما كانت تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية حراما وبهذه المثابة التي ذكرها ابن القيم لأن فيها إقرارا لما هم عليه من شعائر الكفر ، ورضا به لهم ، وإن كان هو لا يرضى بهذا الكفر لنفسه ، لكن يحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنئ بها غيره ، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك ، كما قال الله تعالى : (إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ وَإِنْ تَشْكُرُوا يَرْضَهُ لَكُمْ) الزمر/7 . وقال تعالى : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الْإِسْلَامَ دِينًا) المائدة/3 . وتهنئتهم بذلك حرام ، سواء كانوا مشاركين للشخص في العمل أم لا .
وإذا هنئونا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك ؛ لأنها ليست بأعياد لنا ، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى ، لأنها إما مبتدعة في دينهم ، وإما مشروعة ، لكن نسخت بدين الإسلام الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم ، إلى جميع الخلق ، وقال فيه : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) آل عمران/85 .
وإجابة المسلم دعوتهم بهذه المناسبة حرام ، لأن هذا أعظم من تهنئتهم بها ، لما في ذلك من مشاركتهم فيها .
وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة ، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى ، أو أطباق الطعام ، أو تعطيل الأعمال ونحو ذلك ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من تشبه بقوم فهو منهم) . قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه : "اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم" : " مشابهتهم في بعض أعيادهم توجب سرور قلوبهم بما هم عليه من الباطل ، وربما أطمعهم ذلك في انتهاز الفرص واستذلال الضعفاء " . انتهى كلامه رحمه الله .(221/2)
ومن فعل شيئا من ذلك فهو آثم ، سواء فعله مجاملة ، أو توددا ، أو حياء ، أو لغير ذلك من الأسباب ، لأنه من المداهنة في دين الله ، ومن أسباب تقوية نفوس الكفار وفخرهم بدينهم .
والله المسئول أن يعز المسلمين بدينهم ، ويرزقهم الثبات عليه ، وينصرهم على أعدائهم ، إنه قوي عزيز " . انتهى من مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (3/44) .
والله أعلم .(221/3)
رقم السؤال:
69814
العنوان:
كتب لها قائمة بالمفروشات بشرط أن تعيش معه بلا مشاكل مدة سنة
السؤال:
تم كتابة قائمة مفروشات لزوجة مشروطة أن تسلم إليها بعد سنة إذا التزمت بالمعيشة بدون مشاكل مع زوجها ، ولكنها لم تلتزم من أول شهر ، وفي كل مرة تكون هي المدانة ، فما موقف الوسيط الذي تم إيداع القائمة أمانة عنده ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا : قائمة المفروشات لا تخلو من حالين :
الأول : أن تكون ملحقة بالمهر ، كما هو المعمول به في بعض البلدان ، فيكون المهر هو مجموع ما يعطى للزوجة من ذهب أو نقود ، وما يكتب لها كقائمة الأثاث ، وقد يضاف إلى ذلك مبلغٌ مؤخر . فإذا كان الأمر كذلك ، وكانت هذه القائمة ملحقة بالمهر ، فهي زيادة في المهر معلقة على شرط ، وهو التزام الزوجة بالمعيشة بدون مشاكل مع زوجها مدة سنة ، وتعليق الزيادة في المهر على شرط محل خلاف بين الفقهاء ، فمنهم من يمنع ذلك ، ومنهم من يجيزه .
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع" (12/268-270) جواز هذا الشرط إذا كان له غرض صحيح ، ولا شك أن حسن عشرة الزوجة لزوجها غرض صحيح ، فعلى هذا ، يصح هذا الشرط ولا يلزمك إعطاؤها قائمة الأثاث لأنها لم تلتزم بالشرط .
الحال الثاني : أن لا تكون هذه القائمة ملحقة بالمهر ، وإنما هي هبة من الزوج ، علّقها على شرط استقامة الزوجة وعدم إثارتها المشاكل خلال سنة .
والهبة المعلقة على شرط صحيحة ، ولا تلزم إلا بحصول الشرط ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . حكاه عنه في "الإنصاف" (7/133) .
والحاصل : أن الزوجة لا تستحق هذه القائمة ، لعدم التزامها بالشرط ، سواء كانت القائمة ملحقة بالمهر ، أو كانت هبة مشروطة من الزوج .
لكن ...إذا حصل نزاع وادعت الزوجة أنها وفَّت بالشرط ، وأن التقصير أو الاعتداء كان من الزوج ، فهنا يجب عرض الأمر على المحكمة الشرعية ، أو على رجل على علم ليحكم بينهما ويفصل في النزاع .
والله أعلم(222/1)
رقم السؤال:
69827
العنوان:
ما هي صيغة الوصية الشرعية؟
السؤال:
هناك صيغ للوصية توجد في بعض المواقع على الانترنت وأريد أن أعرف مدى مشروعيتها ؟ وهل يوجد لديكم صيغة محددة للوصية ؟
الجواب:
الحمد لله
روى البخاري (2738) ومسلم (1627) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا حَقُّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ لَهُ شَيْءٌ يُوصِي فِيهِ يَبِيتُ لَيْلَتَيْنِ إِلَّا وَوَصِيَّتُهُ مَكْتُوبَةٌ عِنْدَهُ ) .
قال النووي رحمه الله : "فيه الْحَثّ عَلَى الْوَصِيَّة ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْأَمْر بِهَا ، لَكِنَّ مَذْهَبنَا وَمَذْهَب الْجَمَاهِير أَنَّهَا مَنْدُوبَة لَا وَاجِبَة . وَقَالَ دَاوُدُ وَغَيْره مِنْ أَهْل الظَّاهِر : هِيَ وَاجِبَة ؛ لِهَذَا الْحَدِيث ، وَلَا دَلَالَة لَهُمْ فِيهِ ، فَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيح بِإِيجَابِهَا ، لَكِنْ إِنْ كَانَ عَلَى الْإِنْسَان دَيْن أَوْ حَقّ أَوْ عِنْده وَدِيعَة وَنَحْوهَا لَزِمَهُ الْإِيصَاء بِذَلِكَ . قَالَ الشَّافِعِيّ رَحِمَهُ اللَّه : مَعْنَى الْحَدِيث : مَا الْحَزْم وَالِاحْتِيَاط لِلْمُسْلِمِ إِلَّا أَنْ تَكُون وَصِيَّته مَكْتُوبَة عِنْده .
وَيُسْتَحَبّ تَعْجِيلهَا ، وَأَنْ يَكْتُبهَا فِي صِحَّته ، وَيُشْهِد عَلَيْهِ فِيهَا ، وَيَكْتُب فِيهَا مَا يَحْتَاج إِلَيْهِ ، فَإِنْ تَجَدَّدَ لَهُ أَمْر يَحْتَاج إِلَى الْوَصِيَّة بِهِ أَلْحَقَهُ بِهَا . قَالُوا : وَلَا يُكَلَّف أَنْ يَكْتُب كُلّ يَوْم مُحَقَّرَات الْمُعَامَلَات وَجُزْئِيَّات الْأُمُور الْمُتَكَرِّرَة" انتهى .
فالوصية نوعان :
وصية واجبة : وهي الوصية ببيان ما عليه وما له من حقوق ، كدين أو قرض أو أمانات مودعة عنده ، أو حقوق له في ذمم الناس ، فالوصية هنا واجبة لحفظ ماله ، وبراءة ذمته .(223/1)
ووصية مستحبة : وهي التبرع المحض ، كوصية الإنسان بعد موته في ماله بالثلث فأقل ، لقريب غير وارث ، أو لغيره ، أو الوصية في أعمال البر من الصدقة على الفقراء والمساكين أو في وجوه الخير . ينظر : "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/264) .
وللإنسان أن يوصي أهله ببعض الأمور المتعلقة بجنازته ، كمن يغسله ومن يصلي عليه ونحو ذلك ، وأن يوصيهم بترك البدع والمحدثات ، وتجنب النياحة وغير ذلك من المنهيات ، لا سيما إذا كان يعلم من حالهم أنهم ربما فعلوا شيئا من ذلك .
ويدل لذلك ما رواه مسلم (121) أن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال وهو في سياق الموت : (فَإِذَا أَنَا مُتُّ فَلَا تَصْحَبْنِي نَائِحَةٌ وَلَا نَارٌ) .
وروى الترمذي (986) وابن ماجه (1476) عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ رضي الله عنه قَالَ : (إِذَا مِتُّ فَلَا تُؤْذِنُوا بِي ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ نَعْيًا ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَنْهَى عَنْ النَّعْيِ) والحديث حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى أحمد (10141) عَنِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : (إِذَا مُتُّ فَلَا تَضْرِبُوا عَلَيَّ فُسْطَاطًا ، وَلَا تَتْبَعُونِي بِنَارٍ ، وَأَسْرِعُوا بِي إِلَى رَبِّي ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ : إِذَا وُضِعَ الْعَبْدُ أَوْ الرَّجُلُ الصَّالِحُ عَلَى سَرِيرِهِ قَالَ : قَدِّمُونِي قَدِّمُونِي ، وَإِذَا وُضِعَ الرَّجُلُ السَّوْءُ قَالَ : وَيْلَكُمْ أَيْنَ تَذْهَبُونَ بِي) والحديث حسنه شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند .
وروى الحاكم في المستدرك (1409) أن قيس بن عاصم رضي الله عنه أوصاهم عند موته فقال : (إذا أنا مت فلا تنوحوا علي فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينح عليه) قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . وقال الذهبي في التلخيص : صحيح .(223/2)
فهذا وغيره يدل على مشروعية الوصية ببعض الأمور المتعلقة بالجنازة أو بالتحذير من النياحة ونحوها .
لكن ليس للوصية صيغة معينة ، يلتزم بها الإنسان ، بل يوصي بما يناسب حاله وحال أهله ، وما له وما عليه من الحقوق كما سبق .
والمهم ألا يُعتقد أن هناك صيغاً مأثورة ، أو لابد منها . وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء عن الوصية الواردة في كتيب : "هذه وصيتي الشرعية" .
فأجابت: " بقراءة الوصية المذكورة لم يوجد فيها ما يخالف الشرع ، ولكن صياغتها بشكل وصية من كل فرد وتوزيعها على الناس يوهم أنه يستحب لكل شخص أن يوصي بما فيها أو يشتريها ويدفعها لمن يتولى شأنه بعد موته ، مع أنه لا داعي لذلك ؛ لأن أحكام الجنائز المذكورة فيها موجودة في كتب الفقه ، يراجعها من يحتاج إليها بدون إيصاء أو توزيع ، لا سيما وعمل المسلمين في هذه البلاد والحمد لله في أحكام الجنائز يتمشى على السنة " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/289) .
والله أعلم .(223/3)
رقم السؤال:
69859
العنوان:
حكم دراسة الطب والعمل في المستشفيات مع وجود الاختلاط
السؤال:
نحن طلاب العلم في كلية علوم الطب نسأل عن حكم الشرع في نظركم للعمل في مستشفيات مختلطة يعالج فيه الطبيب النساء والرجال على السواء مع إمكانية تجنب الخلوة المحرمة ، وكل المستشفيات في بلدنا تعمل بهذا النظام ، فما يمكن تجنب المسلم العمل كطبيب في مستشفيات أخرى للرجال فقط لعدم وجودها أصلا في بلدنا ، وقد رأى بعضنا أن ترك عمل الطبيب المسلم بسبب هذا النظام السالف الذكر الذي ما يمكن رده فيه تعطيل لمصالح العباد ووقوع مفاسد أعظم من العمل في المستشفيات . وإننا في حرج شديد من أمرنا هذا ولم نجد جوابا مقنعا لهذا السؤال فعسى أن يهدينا الله للصواب على أيديكم .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نشكر لكم اهتمامكم وحرصكم على معرفة الحكم الشرعي في هذه المسألة التي عمت بها البلوى ، ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل .
ثانيا :
لا يجوز للطبيب الرجل أن يعالج المرأة إلا عند تعذر وجود طبيبة مسلمة أو كافرة ، وقد صدر بهذا قرار من مجمع الفقه الإسلامي ونصه :
" الأصل أنه إذا توافرت طبيبة متخصصة يجب أن تقوم بالكشف على المريضة ، وإذا لم يتوافر ذلك فتقوم بذلك طبيبة غير مسلمة ثقة ، فإن لم يتوافر ذلك يقوم به طبيب مسلم ، وإن لم يتوافر طبيب مسلم يمكن أن يقوم مقامه طبيب غير مسلم ، على أن يطّلع من جسم المرأة على قدر الحاجة في تشخيص المرض ومداواته وألا يزيد عن ذلك وأن يغض الطرف قدر استطاعته ، وأن تتم معالجة الطبيب للمرأة هذه بحضور محرم أو زوج أو امرأة ثقة خشية الخلوة.
ويوصي بما يلي :(224/1)
أن تولي السلطات الصحية جُلَّ جهدها لتشجيع النساء على الانخراط في مجال العلوم الطبية والتخصص في كل فروعها ، وخاصة أمراض النساء والتوليد ، نظراً لندرة النساء في هذه التخصصات الطبية ، حتى لا نضطر إلى قاعدة الاستثناء " انتهى نقلا عن "مجلة المجمع" (8/1/49) .
وهذا ما اعتمدناه في الإجابة عن الأسئلة الواردة بهذا الخصوص ، انظر مثلا جواب السؤال رقم (2152) ، ورقم (20460) .
ثالثا :
إذا ابتلي المسلمون في بلد ما ، بكون جميع المستشفيات مختلطة ، فهذا واقع استثنائي مؤلم ، يتعذر معه تطبيق الضوابط السابقة ؛ إذ لابد للنساء أو لجماعة كبيرة منهن من الذهاب إلى هذه المستشفيات ، وعرض أنفسهن على الأطباء الرجال ، ولا شك أن القول بمنع الأطباء الصالحين من العمل في هذه المستشفيات ، يعني أن يخلو المكان لغير الصالحين ، ممن لا يراقب الله تعالى في عمله ولا في نظره ولا في خلوته ، كما يعني حرمان هؤلاء الأطباء من فرص العمل ، أو تفريغ كليات الطب من أهل الدين والاستقامة ، ولاشك أن هذه مفاسد عظيمة ، تزيد على مفسدة اطلاع الرجل على عورة المرأة ، التي يباح كشفها للحاجة والضرورة .
فالذي يظهر لنا ـ والله أعلم ـ أنه لا حرج عليكم في العمل في هذه المستشفيات ، مع السعى الجاد في تغيير هذا الواقع ، بإنشاء العيادات والمستشفيات الخاصة ، غير المختلطة ، وبذل الجهود لإقناع المسئولين والتأثير عليهم لتخصيص بعض المستشفيات للنساء ، والالتزام بالضوابط الشرعية الممكنة من عدم الخلوة ، وقصر النظر على موضع الحاجة ، على ما هو مبين في جواب السؤال رقم (5693).
وجوابنا هذا مبني على أمرين :
الأول : ما هو مقرر عند أهل العلم من أن الشريعة جاءت لتحصيل المصالح وتكميلها ، وتعطيل المفاسد وتقليلها ، وأنه ترتكب أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما .(224/2)
والثاني : - وهو متفرع عن الأول - ما أفتى به بعض أهل العلم من جواز تولي الوظائف الممنوعة ؛ لتخفيف الشر ما أمكن ، ومن ذلك ما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله فيمن يتولى الولايات ، ويُلزم بأخذ المكوس المحرمة من الناس ، لكنه يجتهد في العدل ورفع الظلم بحسب إمكانه ، ويخفف من المكوس ما استطاع ، ولو ترك الولاية لحل محله من يزيد معه الظلم ، فأفتى رحمه الله بأنه يجوز له البقاء في ولايته ، بل بقاؤه على ذلك أفضل من تركه ، إذا لم يشتغل بما هو أفضل منه ، وقال : " وقد يكون ذلك واجبا عليه إذا لم يقم به غيره قادرا عليه . فنشر العدل بحسب الإمكان ، ورفع الظلم بحسب الإمكان فرض على الكفاية ، يقوم كل إنسان بما يقدر عليه من ذلك إذا لم يقم غيره في ذلك مقامه ... " انتهى من "مجموع الفتاوى" (30/356- 360) .
ومعلوم أن أخذ المكوس محرم تحريما شديدا ، وهو من كبائر الذنوب ، لكن لما كان في تولي هذا المسلم الصالح تخفيف للشر ، والتقليل منه بحسب الإمكان ، جاز ذلك .
وقد علق الشيخ ابن عثيمين رحمه على كلام لشيخ الإسلام قريب من هذا بقوله : " والمصالح العامة يجب مراعاتها ، لو مثلا تركنا مسألة الطب ، وصار أهل الخير لا يتعلمون الطب ، قال : كيف أتعلم الطب وإلى جانبنا نساء ممرضات ومتعلمات ومطبقات لمعلومات؟ نقول : هل أنت إذا امتنعت عن هذا هل سيبقى الجو فارغا ؟ سيأتي أناس خبثاء يفسدون في الأرض بعد إصلاحها ، وأنت ربما إذا اجتمعت أنت والثاني والثالث والرابع ، ربما في يوم من الأيام يهدي الله ولاة الأمور ويجعلون النساء على حدة والرجال على حدة " انتهى من "شرح كتاب السياسة الشرعية" ص 149(224/3)
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : نحن مجموعة أطباء نعمل في الرياض ، ويكون علينا مناوبات يكون فيها مرضى ذكور وإناث ، وأحيانا تشتكي المريضة وتكون الشكوى مثلا الصداع أو وجع في البطن ، ويقتضي العمل الطبي حتى يكون تاما أن يتم الفحص : يقتضي أخذ المعلومات عن سبب الصداع ، يقتضي أن يفحص البطن أو الرأس أو غيرها حتى لا يكون عليه مسئولية ، ولو لم يكن من فحص قد لا تتضرر المريضة كثيرا ، يعني هناك مجال للتهرب منها ، لكن حتى يقيم الحالة تقييما تاما يقتضي أن يفحص ...
فأجاب :
"الواجب على إدارة المستشفى أن تلاحظ هذا وأن تجعل المناوبة بين الرجال والنساء حتى إذا احتاج النساء المرضى أن يُعالجن أو يفحصن أُرسل إليهن النساء ، فإذا لم تقم الإدارة بهذا الواجب عليها ولم تبال فأنتم لا حرج أن تفحصوا النساء ، لكن بشرط ألا يكون هناك خلوة أو شهوة ، وأيضا يكون هناك حاجة إلى الفحص ، فإن لم يكن حاجة وأمكن تأخير الفحص الدقيق إلى وقت تحضر فيه النساء فأخروه ، وإذا كان لا يمكن فهذه حاجة ولا بأس بها " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح " (1/206) .
نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا وأحوال المسلمين ، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، إنه سميع قريب مجيب .
والله أعلم .(224/4)
رقم السؤال:
69870
العنوان:
يكتب اسم الله عز وجل على قبعات الموظفين لغرض التذكير بالله
السؤال:
ما صحة ما أقوم به من كتابة أذكار وتسبيح لله على محيط القبعة الحامية للرأس داخل المنشآت الصناعية ، وذلك لغرض التذكير بالله ، خاصة أن هناك من يقول : إن في ذلك تنقيصا من لفظ الجلالة حين يكتب عليها؟
الجواب:
الحمد لله
لا ينبغي كتابة اسم الله عز وجل على هذه القبعات ؛ صيانة لاسمه تعالى من الامتهان ، ورفعا للحرج عن لابسها ؛ إذ قد يحتاج للدخول بها إلى الخلاء ، فيتحرج من نزعها كلما أراد ذلك .
ووجه الامتهان في هذا العمل أن القبعة تُلبس وتنزع وتوضع على الأرض ونحوها ، ويلحقها الأذى من تراب وعرق ، وقد يرتكب فاعلها ما حرم الله تعالى ونهى عنه ، فيشرب الدخان أو يغتاب الناس ، وعلى رأسه قد كتب اسم الله تعالى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في حكم تعليق الآيات القرآنية في المجالس : " وإن قصد بذلك الاتعاظ والتذكير : فإننا لم نجد أن المجلس الذي يكتب فيه شيء من آيات الله تزداد فيه تقوى الناس واتعاظهم وتذكرهم ، بل إننا نرى بعض هذه المجالس يفعل فيها المنكر : يشرب الدخان فيها ، يغتاب فيها الناس ، تؤكل لحومهم ، وكتاب الله فوق رأسه وهو جالس في معصية الله " انتهى من "لقاءات الباب المفتوح" (2/54) .
والله أعلم .(225/1)
رقم السؤال:
69872
العنوان:
هل يعطي مالا للشرطي ليعفيه من مخالفة المرور؟
السؤال:
لدى سيارة أجرة وخالفني المرور لاختراقي الإشارة الحمراء من غير قصد ، علما بأن هذه المخالفة إذا كانت متعمدة قيمتها 500 دينار ، والغير متعمدة 150 دينارا تقريبا ؟ السؤال هو: أن رجل المرور طلب منى أن أحضر له عشاء له مقابل أن يعطيني أوراق السيارة ؟ فهل هذه رشوة أم مساعدة؟
الجواب:
الحمد لله
التقيد بإشارات المرور واجب ؛ لأنها وضعت للمصلحة العامة ، من تنظيم السير ، وحفظ النفوس والأموال ، ولو سار الناس في الطرقات متجاوزين هذه الإشارات ، لحصل لهم فساد كبير ، كما هو مشاهد ومعلوم .
وقد أفتى الشيخ ابن عثيمين رحمه الله بأنه لا يجوز قطع إشارة المرور ، وجعل ذلك من طاعة ولي الأمر الذي تجب طاعته ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ ) النساء/178 . "لقاءات الباب المفتوح" (3/178) سؤال رقم 1265 .
وأما إلزام المخالف بغرامةٍ مقدرةٍ ، فإنه من التعزير بالمال ، وهو جائز عند كثير من العلماء، كأبي يوسف صاحب أبي حنيفة ، وهو قول قديم للشافعي ، وبه قال بعض المالكية ، واختاره ابن تيمية وابن القيم ، رحم الله الجميع .(226/1)
قال ابن القيم : " وأما التعزير بالعقوبات المالية ، فمشروع أيضا في مواضع مخصوصة في مذهب مالك وأحمد وأحد قولي الشافعي . وقد جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه بذلك في مواضع : منها : أمره صلى الله عليه وسلم بكسر دنان الخمر وشق ظروفها . ومثل أمره لعبد الله بن عمر بأن يحرق الثوبين المعصفرين . ومثل أمره صلى الله عليه وسلم - يوم خيبر - بكسر القدور التي طبخ فيها لحم الحمر الإنسية ، ثم استأذنوه في غسلها فأذن لهم . فدل على جواز الأمرين ؛ لأن العقوبة لم تكن واجبة بالكسر . ومثل هدمه مسجد الضرار . ومثل تحريق متاع الغال (وهو الذي سرق من الغنيمة قبل قسمتها) . ومثل أخذه شطر مال مانع الزكاة ، عزمةً من عزمات الرب تبارك وتعالى . ومثل أمره لابس خاتم الذهب بطرحه ، فطرحه ، فلم يعرض له أحد . ومثل قطع نخيل اليهود إغاظة لهم . ومثل تحريق عمر وعلي رضي الله عنهما المكان الذي يباع في الخمر . ومثل تحريق عمر قصر سعد بن أبي وقاص لما احتجب فيه عن الرعيّة . وهذه قضايا صحيحة معروفة ، وليس يسهل دعوى نسخها . ومن قال : إن العقوبات المالية منسوخة ، وأطلق ذلك ، فقد غلط على مذاهب الأئمة نقلا واستدلالا ، فأكثر هذه المسائل سائغ في مذهب أحمد وغيره ، وكثير منها سائغ عند مالك . وفعلُ الخلفاء الراشدين وأكابر الصحابة لها بعد موته صلى الله عليه وسلم مبطل أيضا لدعوى نسخها ، والمدعون للنسخ ليس معهم كتاب ولا سنة ولا إجماع يصحح دعواهم " انتهى باختصار من "الطرق الحكمية" ص 224 .
فعلى القول بجواز التعزير بالمال ، لا يجوز التهرب من دفع هذه الغرامة ، ويكون العشاء المقدم للشرطي رشوة محرمة ، لأنه يدفعها للشرطي ليسقط عن نفسه حقاً واجباً عليه .
وإنما الرشوة الجائزة : التي يضطر الإنسان لبذلها ليدفع عن نفسه ظلماً ، لا يستطيع دفعه إلا بذلك .
وينظر جواب السؤال رقم (25758) .
والله أعلم .(226/2)
رقم السؤال:
69963
العنوان:
كيف يقرأ سورة البقرة في البيت ؟ وهل تجزئ القراءة من المسجل ؟
السؤال:
قراءة سورة البقرة في البيت وطردها للشياطين : هل يلزم قراءتها بصوت مرتفع ؟ وهل استخدام المسجل يؤدي الغرض ؟ وهل يجزئ قراءتها منفصلة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الفضل العظيم لسورة البقرة كاملة ، ولبعض آياتها العظيمة مثل " آية الكرسي " و آخر آيتين منها ، ومما ذكره صلى الله عليه وسلم في فضلها أن الشياطين تفر من البيت الذي تُقرأ فيه هذه السورة ، وأنها نافعة في الوقاية من السحر وفي علاجه .
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تجعلوا بيوتكم مقابر إن الشيطان ينفِر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة ) رواه مسلم ( 780 ) .
قال النووي – رحمه الله - :
هكذا ضبطه الجمهور " ينفِر " ورواه بعض رواة مسلم " يفرُّ " وكلاهما صحيح .
" شرح مسلم " ( 6 / 69 ) .
عن أبي أمامة الباهلي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( اقرءوا سورة البقرة فإن أخذها بركة وتركها حسرة ولا تستطيعها البَطَلة ) رواه مسلم ( 804 ) .
البَطَلة : السحرة .
ولا يشترط قراءتها بصوت مرتفع ، بل يكفي أن تُقرأ وتتلى في البيت ، ولو مع خفض الصوت ، كما لا يشترط أن تُقرأ دفعة واحدة ، بل يمكن أن تُقرأ على مراحل ، ولا يشترط أن يكون القارئ واحداً من أهل البيت ، بل لو وزعت بينهم لجاز ، وإن كان الأفضل في كل ذلك أن تُقرأ دفعة واحدة ومن شخص واحد .
ولا يجوز أن يُعتد بقراءة الصوت الخارج من إذاعة أو شريط ، بل لا بدَّ من مباشرة القراءة من أهل البيت أنفسهم .
سئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله - :
هناك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الإنسان لو قرأ سورة " البقرة " لا يدخل الشيطان في بيته ، لكن لو كانت السورة مسجلة على شريط هل يحصل نفس الأمر ؟
فأجاب :(227/1)
لا ، لا ، صوت الشريط ليس بشيء ، لا يفيد ؛ لأنه لا يقال " قرأ القرآن " ، يقال : " استمع إلى صوت قارئ سابق " ، ولهذا لو سجَّلنا أذان مؤذن فإذا جاء الوقت جعلناه في " الميكرفون " وتركناه يؤذن هل يُجزئ ؟ لا يجزئ ، ولو سجلنا خطبة مثيرة ، فلما جاء يوم الجمعة وضعنا هذا المسجل وفيه الشريط أمام " الميكرفون " فقال المسجل " السلام عليكم ورحمة الله وبركاته " ثم أذَّن المؤذن ، ثم قام فخطب ، هل تُجزئ ؟ لا تُجزئ ، لماذا ؟ لأن هذا تسجيل صوتٍ ماضٍ ، كما لو أنك كتبته في ورقة أو وضعتَ مصحفاً في البيت ، هل يُجزئ عن القراءة ؟ لا يُجزئ .
" أسئلة الباب المفتوح " ( السؤال رقم 986 ) .
لكن إن لم يكن في أهل البيت من يستطيع أن يقرأ سورة البقرة ، ولم يكن هناك من يقرؤها لهم في البيت ، واستخدموا المسجل في قراءتها ، فالأظهر ، إن شاء الله ، أنه يحصل لهم هذه الفضيلة في البيت : فرار الشيطان منه ؛ لاسيما إن كان من أهل البيت من يستمع القراءة من المسجل .
والله أعلم(227/2)
رقم السؤال:
70217
العنوان:
أيهما خلق أولا السماء أم الأرض؟
السؤال:
هل خلق الله السماوات أولا ثم الأرض؟ أسأل عن ذلك لأني حائر بسبب الآيات التالية، قوله تعالى : (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شيء عليم) البقرة/29 ، وقوله : (أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها ، رفع سمكها فسواها ، وأغطش ليلها وأخرج ضحاها ، والأرض بعد ذلك دحاها) النازعات/27-30 .
الجواب:
الحمد لله
دل القرآن العظيم في موضعين منه على أن الأرض مخلوقة قبل السماء ، وذلك في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/29 ، وقوله تعالى : ( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ . وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ . ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فصلت/9-11 .
وهذا لا يتعارض مع قوله تعالى في سورة النازعات : ( أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا . رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا . وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا . وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا . أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا ) النازعات/27- 31
فالأرض خلقت أولا ، غير مدحُوّة ، ثم خلقت السماء ، ثم دُحيت الأرض ، وذلك بإخراج الماء منها والمرعى ، أي الأشجار والزراعات ونحوها .(228/1)
ومعنى قوله تعالى : ( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ) أي : أصل الأرض ، مع تقدير ما سيكون عليها من أرزاق وغير ذلك . فـ (خَلَقَ) هنا بمعنى : قدّر ، وهذا موافق لقوله في سورة فصلت : ( وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا ) .
قال العلامة محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله : " اعلم أولا أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن الجمع بين آية السجدة [أي آية سورة فصلت] وآية النازعات ، فأجاب بأن الله تعالى خلق الأرض أولا قبل السماء غير مدحُوَّة ، ثم استوى إلى السماء فسواهن سبعا في يومين ، ثم دحا الأرض بعد ذلك ، وجعل فيها الرواسي والأنهار وغير ذلك .
فأصل خلق الأرض قبل خلق السماء ، ودحوها بجبالها وأشجارها ونحو ذلك ، بعد خلق السماء .
ويدل لهذا أنه قال : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) ولم يقل : خلقها ، ثم فسر دحوه إياها بقوله : ( أخرج منها ماءها ومرعاها ) وهذا الجمع الذي جمع به ابن عباس بين هاتين الآيتين واضح لا إشكال فيه . مفهوم من ظاهر القرآن العظيم " انتهى .
ثم ذكر آية سورة البقرة ، وبين أن المراد بالخلق فيها : التقدير ، أو خلق أصل الأرض .
وذكر وجها آخر للجمع ، وهو أن قوله : ( والأرض بعد ذلك دحاها ) أي مع ذلك ، فلفظة ( بعد ) بمعنى ( مع ) ، مثل قوله تعالى : ( عتل بعد ذلك زنيم ) . وهذا الجمع يُستأنس له بالقراءة الشاذة ، وبها قرأ مجاهد ( والأرض مع ذلك دحاها ) . فتكون آية النازعات لا ذكر فيها للترتيب بين خلق السموات والأرض ، وحينئذ فلا تعارض بينها وبين آية البقرة وفصلت .
ينظر : "دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب" للعلامة محمد الأمين الشنقيطي ، مطبوع مع تفسيره "أضواء البيان" (10/16- 18) .
والله أعلم .(228/2)
رقم السؤال:
70223
العنوان:
لا يوجد في بلده مدارس غير مختلطة وقد بقي على دراسته أشهر
السؤال:
أنا شاب مسلم وقد نشأت في كندا وأعيش فيها الآن . وأنا أتعلم في مدرسة كافرة مختلطة (في الصف الثالث الثانوي). ومع أني قرأت في موقعكم أن المدارس المختلطة حرام (وأنا لا أشك في ذلك شخصيا) إلا أن المدرسة الإسلامية الوحيدة من منطقتي هي مختلطة أيضا . وأنا لم أكن أعلم بأن المدارس المختلطة حرام في الشريعة الإسلامية . كما أن والدتي ستتأثر كثيرا إن أنا تركت هذه المدرسة الكافرة . وسؤالي هو: هل يجوز لي أن أكمل تعليمي الثانوي في هذه المدرسة حيث علي الاستمرار في الدراسة فيها 5 أشهر إضافية.
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأصل أنه لا يجوز لأحد أن يدرس في المدارس المختلطة ؛ لما ينشأ عن الاختلاط من مفاسد ومحاذير لا تخفى على أحد .
ثانيا :
إذا دعت الضرورة أو الحاجة الماسة إلى الدراسة ، ولم توجد غير المدارس المختلطة ، فلا حرج عليك في مواصلة دراستك ، مع التزام غض البصر ، والبعد عن أسباب الفتنة ، ومراقبة الله تعالى في السر والعلن .
قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله في شأن من ابتلي بهذه الدراسة المختلطة : " وعليهم أن يحرصوا على غضّ البصر ، وعلى تحصين أنفسهم والبعد عن المغريات التي توقع في الحرام ، وإذا لاحظ أن نفسه بدأت تنزلق في محرم امتنع عن الحضور . انتهى من جواب السؤال رقم (6118) .
نسأل الله لك الثبات والتوفيق في القول والعمل .
والله أعلم .(229/1)
رقم السؤال:
70224
العنوان:
هل يكفي التطليق عن طريق المحامي؟
السؤال:
إذا كنت سأطلق زوجتي حسب القانون الكندي ، أي من خلال محامي ، فهل يعتبر ذلك كافيا ، أم علي أيضا أن أطلقها إسلاميا ، أعني أنه يتوجب علي أن أبعث لها ببريد إلكتروني أو ما شابه ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
من أراد أن يطلق زوجته طلاقا سنيا ، فليطلقها طلقة واحدة ، في طهر لم يجامعها فيه ، أو حال كونها حاملا ، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها ، فتبين منه بينونة صغرى ، ولا يملك إرجاعها إلا بعقد جديد ومهر جديد .
قال ابن قدامة رحمه الله : "معنى طلاق السنة : الطلاق الذي وافق أمر الله تعالى وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ... وهو الطلاق في طهر لم يصبها فيه ، ثم يتركها حتى تنقضي عدتها . ولا خلاف في أنه إذا طلقها في طهر لم يصبها فيه ، ثم تركها حتى تنقضي عدتها ، أنه مصيب للسنة ، مطلق للعدة التي أمر الله بها . قاله ابن عبد البر وابن المنذر... قال أحمد : طلاق السنة واحدة ، ثم يتركها حتى تحيض ثلاث حيض . وكذلك قال مالك والأوزاعي والشافعي وأبو عبيد " انتهى من "المغني" (7/278) .
ولا بد في الطلاق من التلفظ به ، أو يكتبه مع استحضار نية الطلاق ، سواء أرسل المكتوب إليها أو لم يرسله ، ولا يكفي في الطلاق نيته من غير تلفظ أو كتابة .
قال ابن قدامة رحمه الله : " ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق ، إلا في موضعين : أحدهما : من لا يقدر على الكلام ، كالأخرس إذا طلق بالإشارة ، طلقت زوجته . وبهذا قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي . ولا نعلم عن غيرهم خلافهم...
الموضع الثاني : إذا كتب الطلاق : فإن نواه طلقت زوجته ، وبهذا قال الشعبي والنخعي والزهري والحكم وأبو حنيفة ومالك وهو المنصوص عن الشافعي ". "المغني" (7/373) .(230/1)
ويجوز التوكيل في الطلاق ، بأن يقول الزوج لغيره : وكلتك في تطليق زوجتي ، أو أن يوكل المرأة في تطليق نفسها ، فإن طلق الوكيل ، أو طلقت الزوجة نفسها ، وقع الطلاق .
لكن ليس للزوج أن يوكل غيره في إيقاع الطلاق بالثلاث ، بل يوكل في طلقة واحدة فقط ؛ لأن الزوج لا يجوز له أن يطلق بالثلاث ، فوكيله من باب أولى .
والمحامي وكيلٌ لك في تطليق زوجتك .
وعليه ؛ فإن كان المحامي سيتلفظ بالطلاق أو يكتبه نيابة عنك ، فلا حرج في ذلك ، ويقع بذلك الطلاق ، ولا تحتاج أنت أن تتلفظ بالطلاق ، أو تكتبه وترسله إلى زوجتك .
والله أعلم .(230/2)
رقم السؤال:
70240
العنوان:
هل له أن يحرم بعمرة فقط ثم ينوي الحج من مكة؟
السؤال:
هل يجوز أن يؤدي المسلم عمرة فقط لأنه سيتجاوز الميقات ويبقى في مكة ثم يؤدي حج الفريضة ؟
الجواب:
الحمد لله
نعم ، يجوز للمسلم أن يحرم من الميقات بعمرة فقط ، فإذا فرغ منها تحلل ، وبقي في مكة حتى يحرم بالحج من موضعه في مكة في اليوم الثامن من شهر ذي الحجة ، ويسمى هذا حج التمتع ، لأنه أتى في سفرته بعمرة وحجة ، وتحلل بينهما من الإحرام .
فالتمتع هو أن يأتي الإنسان بعمرة في أشهر الحج : شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة ، ثم يحج في نفس السنة .
والمتمتع يلزمه ذبح هدي في مكة ، يوزع على الفقراء هناك ؛ فإن لم يجد ثمن الهدي صام ثلاثة أيام أثناء الحج ، وسبعة بعد رجوعه إلى بلده ؛ لقوله تعالى : (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ) البقرة/196 .
ويجوز للإنسان أن يحج حجا مفردا ، بأن ينوي الحج عند الميقات ، ولا ينوي العمرة ، ويستمر على إحرامه حتى اليوم الثامن ، ثم يكمل حجه ، ولا هدي عليه .
كما يجوز أن يحج قارنا ، بأن ينوي الحج والعمرة معا من الميقات ، ثم إذا وصل مكة طاف وسعى ، ولم يتحلل ، بل يستمر على إحرامه حتى يكمل أعمال الحج ، ويلزمه هدي كالمتمتع.
فهذه الأنساك الثلاثة ، كلها جائزة ، ولكن أفضلها هو التمتع .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (31822) و (27090) .
والله أعلم .(231/1)
رقم السؤال:
70242
العنوان:
طلقها قبل الدخول وتفكر في الرجوع إليه
السؤال:
كنت مخطوبة لما يزيد عن العام تقريبا وعملنا عقد النكاح الإسلامي. وقد تم الاتفاق بين جميع الأطراف عند التوقيع على العقد أن العلاقة ستكون خطبة وأننا سنقيم حفل الزواج في نهاية العام بعد أن أكون قد أكملت دراستي. لكن، وخلال فترة الخطوبة، ظهر شيء من سوء الفهم بين خطيبي وعائلتي. والداي عارضا رؤيتي له وشعرا أنه لا يناسبني. وأنا أقر بأنه كان في بعض الأحيان لا يحترم الآخرين وغير ناضج، لكني مع ذلك أحببته وكنت أختلق أعذارا لتصرفاته. المذكور كان يعيش في مدينة غير التي أعيش فيها، ولذلك فقد كانت علاقتنا علاقة عن بعد، وبدأ سوء الفهم في التراكم شيئا فشيئا. فأخذ يطالبني بأن أنتقل لأعيش معه على الفور وإلا فإنه سيطلقني. فأخبرته بأننا اتفقنا أن نقيم احتفال العرس أولا، فقال إنه يمكننا إقامته لاحقا، لكن في الوقت الراهن فإني زوجته وعلي أن أعيش معه. كان الأمر صعبا علي جدا حيث وجدت نفسي مضطرة للاختيار بين عائلتي وخطيبي. أنا لم أكن أراه كزوج حتى ذلك الوقت وكان الأمر مشكلا ومخيبا للآمال. وأخبرته أني لن أضحي بأهلي. ولذلك فقد أنهى علاقتنا وبعث برسالة إلى إمامنا قائلا إنه طلقني. لقد مضى على إنهاء العلاقة خمسة أشهر تقريبا، لكني رأيته مؤخرا وأصبت بالكآبة مدة تزيد على الأسبوع. أنا أشعر جدا بالذنب لأني لم أستمع له وأسأل إن كان ينبغي علينا حسب الشريعة الإسلامية أن نتصالح، وما إن كان علي أن أرجع إليه. أنا أخاف أني لن أتمكن أبدا من أن أحب غيره مرة أخرى، وأنه سيكون دائما في مخيلتي. أعلم أننا قد لا نكون مناسبين لبعضنا، لكننا في الوقت نفسه نعرف بعضنا جيدا، وأخذت علاقتنا تصبح حميمة وقوية. أنا لا أعرف حقا كيف أتصرف. فوالداي يعارضان (علاقتنا) تماما وأعلم أن لموقفهما أسبابا وجيهة، لكني مع ذلك لا أزال أميل إليه وأريد أن أعود إليه مرة أخرى. وإذا لم(232/1)
يكن من المناسب أن نعيد إقامة هذه العلاقة، فهل يمكنني عمل أي شيء فيما يتعلق بما ذكر أعلاه؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا تم عقد النكاح فقد صارت المخطوبة زوجة لخاطبها ، لكن لا يلزمها الانتقال إليه إذا كانت اشترطت تأخير الدخول إلى وقت معين ووافق على ذلك الشرط ؛ لقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْمُسْلِمُونَ عَلَى شُرُوطِهِمْ) رواه الترمذي (1352) وأبو داود (3594) وصححه الألباني في صحيح الترمذي ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ ) رواه البخاري (2721) ومسلم (1418) من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه.
وعليه ؛ فلا إثم عليك في عدم ذهابك إليه ، وقد أخطأ هو بطلبك قبل نهاية السنة التي اتفقتم عليها ، وأخطأ بمحاولته التأثير عليك لتخالفي والديك ، وبتسرعه في الطلاق ، وهذا يدل على عدم نضجه ، فلو كان حريصا عليك لانتظر بقية السنة ، وما أسرع انقضاءها .
ثانيا :
إذا طلق الرجل امرأته قبل الدخول بانت منه بمجرد الطلاق ، فلا رجعة له عليها ، ولا عدة عليها ، ولكن لا حرج عليه أن يتقدم إليها مرة أخرى ويتزوجها إن رضيت هي ووافق وليها ، بعقد جديد ومهر جديد .
ثالثا :
إذا كان أهلك لا يريان فيه الشخص المناسب لك ، فإنه ينبغي لك أن تطيعي أهلك ، خاصة وأنت تقرين بأن لهم أسبابا وجيهة في اتخاذهم هذا الموقف . وأما كونك تعلقت به ، فهذا أمر طبيعي يقع بين المرأة وزوجها ، وإذا أبدلك الله زوجا آخر فستحبينه إن شاء الله . والزواج حياة ممتدة ، لا تُبنى على العاطفة وحدها ، ولهذا كان من حكمة الشريعة أنها اشترطت موافقة ولي المرأة ؛ لأن المرأة ضعيفة تغلبها العاطفة ، فقد تتنازل عن حقوقها ، وقد ترضى بمن أُعجبت به ولو كان غير مناسب لها . فكوني مع رغبة والديك فإنهما أبعد منك نظرا ورأيا ، ولا تضغطي عليهما للموافقة على هذا الرجل في حال تقدمه لك مرة أخرى .(232/2)
رابعا :
لا يخفى عليك أنه يشترط لصحة النكاح موافقة ولي المرأة ، فلن يصح لك الزواج من هذا الرجل مرة أخرى إلا بموافقة والدك ، كما أنك الآن أجنبية عن هذا الرجل تماما ، فلا مجال لإقامة علاقة معه ؛ لأنك لم تعودي زوجة له الآن .
وينبغي أن تنشغلي بما ينفعك ، وأن لا تفكري فيما مضى ، حتى يرزقك الله الزوج الصالح ، وألا تقدمي على الزواج من أحد إلا بعد السؤال عنه ، والاطمئنان على دينه وخلقه ، وأن يكون لك فيما مضى درس وعبرة ، وأن تحمدي الله أن تعرفت على عيوب هذا الزوج قبل الدخول والانتقال إليه .
نسأل الله لك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(232/3)
رقم السؤال:
70290
العنوان:
ما الذي يمتنع عنه من أراد أن يضحي؟
السؤال:
بالنسبة لغير الحاج من المسلمين , ما الذي يجب فعله في الأيام العشرة الأوائل من شهر ذي الحجة ؟ يعني : هل قص الأظافر والشعر لا يجوز ووضع الحناء ولبس الملابس الجديدة لا يجوز إلا بعد ذبح الأضحية ؟.
الجواب:
الحمد لله
إذا ثبت دخول شهر ذي الحجة وأراد أحدٌ أن يضحي فإنه يحرم عليه أخذ شيء من شعر جسمه أو قص أظفاره أو شيء من جلده ، ولا يُمنع من لبس الجديد ووضع الحناء والطيب ، ولا مباشرة زوجته أو جماعها .
وهذا الحكم هو للمضحي وحده دون باقي أهله ، ودون من وكَّله بذبح الأضحية ، فلا يحرم شيء من ذلك على زوجته وأولاده ، ولا على الوكيل .
ولا فرق بين الرجل والمرأة في هذا الحكم ، فلو أرادت امرأة أن تضحي عن نفسها ، سواء كانت متزوجة أم لم تكن فإنها تمتنع عن أخذ شيء من شعر بدنها وقص أظفارها ، لعموم النصوص الواردة في المنع من ذلك .
ولا يسمَّى هذا إحراماً ؛ لأنه لا إحرام إلا لنسك الحج والعمرة ، والمحرم يلبس لباس الإحرام ويمتنع عن الطيب والجماع والصيد وهذا كله جائز لمن أراد أن يضحي بعد دخول شهر ذي الحجة ، ولا يُمنع إلا من أخذ الشعر والأظفار والجلد .
عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا رَأَيْتُمْ هِلَالَ ذِي الْحِجَّةِ وَأَرَادَ أَحَدُكُمْ أَنْ يُضَحِّيَ ، فَلْيُمْسِكْ عَنْ شَعْرِهِ وَأَظْفَارِهِ ) رواه مسلم ( 1977 ) وفي رواية : ( فَلا يَمَسَّ مِنْ شَعَرِهِ وَبَشَرِهِ شَيْئًا ) . والبشرة : ظاهر الجلد الإنسان .
وقال علماء اللجنة الدائمة :(233/1)
" يشرع في حق من أراد أن يضحي إذا أهل هلال ذي الحجة ألا يأخذ من شعره ولا من أظافره ولا بشرته شيئاً حتى يضحي ؛ لما روى الجماعة إلا البخاري رحمهم الله ، عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) ولفظ أبي داود ومسلم والنسائي : ( من كان له ذِبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذنَّ من شعره ومن أظفاره شيئاً حتى يضحي ) سواء تولى ذبحها بنفسه أو أوكل ذبحها إلى غيره ، أما من يضحِّي عنه فلا يشرع ذلك في حقه ؛ لعدم ورود شيء بذلك ، ولا يسمى ذلك إحراماً ، وإنما المحرم هو الذي يحرم بالحج أو العمرة أو بهما " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 397 ، 398 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة :
الحديث : ( من أراد أن يضحي أو يُضحَّى عنه فمن أول شهر ذي الحجة فلا يأخذ من شعره ولا بشرته ولا أظفاره شيئاً حتى يضحي ) هل هذا النهي يعم أهل البيت كلهم ، كبيرهم وصغيرهم أو الكبير دون الصغير ؟
فأجابوا :(233/2)
" لا نعلم أن لفظ الحديث كما ذكره السائل ، واللفظ الذي نعلم أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم هو ما رواه الجماعة إلا البخاري عن أم سلمة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظفاره ) ، ولفظ أبي داود - وهو لمسلم والنسائي أيضاً - : ( من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذ من شعره وأظفاره حتى يضحي ) فهذا الحديث دال على المنع من أخذ الشعر والأظفار بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي ، فالرواية الأولى فيها الأمر والترك ، وأصله أنه يقتضي الوجوب ، ولا نعلم له صارفاً عن هذا الأصل ، والرواية الثانية فيها النهي عن الأخذ ، وأصله أنه يقتضي التحريم ، أي : تحريم الأخذ ، ولا نعلم صارفاً يصرفه عن ذلك ، فتبين بهذا : أن هذا الحديث خاص بمن أراد أن يضحي فقط ، أما المضحى عنه فسواء كان كبيراً أو صغيراً فلا مانع من أن يأخذ من شعره أو بشرته أو أظفاره بناء على الأصل وهو الجواز ، ولا نعلم دليلاً يدل على خلاف الأصل " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 11 / 426 ، 427 ) .
ثانياً :
لا يحرم شيء من هذا على من لم يرد التضحية لعدم قدرته ، ومن أخذ شيئاً من شعره أو أظفاره وكان أراد التضحية فلا يلزمه فدية ، والواجب عليه التوبة والاستغفار .
قال ابن حزم رحمه الله :
من أراد أن يضحي ففرض عليه إذا أهل هلال ذي الحجة أن لا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي , لا بحلق , ولا بقص ولا بغير ذلك , ومن لم يرد أن يضحي لم يلزمه ذلك .
" المحلى " ( 6 / 3 ) .
وقال ابن قدامة رحمه الله :
إذا ثبت هذا , فإنه يترك قطع الشعر وتقليم الأظفار , فإن فعل استغفر الله تعالى ، ولا فدية فيه إجماعا , سواء فعله عمداً أو نسياناً .
" المغني " ( 9 / 346 ) .
فائدة :
قال الشوكاني :(233/3)
والحكمة في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار ، وقيل : للتشبه بالمحرم , حكى هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط ; لأنه لا يعتزل النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم .
" نيل الأوطار " ( 5 / 133 ) .
والله أعلم .(233/4)
رقم السؤال:
70443
العنوان:
قال لزوجته: تحرم العيشة معك .. وحكم القاضي بالطلاق
السؤال:
قلت أمام القاضي لزوجتي العبارة التالية: تحرم العيشة معك ، وأستعيذ بالله منك . لقد اعترضت أمام القاضي وقلت له وأنا بشكل منفعل : بأنني لم أقصد الطلاق ولا نية لي بالطلاق. غير أن القاضي لم يأخذ بكلامي وحكم بأن الطلاق بائن بينونة كبرى. لقد انهارت أعصابي ولم أعِ ماذا أفعل؟ فأرسلت للزوجة وأهل الزوجة من خلال الهاتف المتحرك نصا أقول فيه: مبروك طلاق ابنتكم. فهل صحيح يكون قد وقع الطلاق بشكل بائن بينونة كبرى أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا حرم الرجل زوجته بأن قال : أنت علي حرام ، فهل يكون هذا ظهارا أو طلاقا أو فيه كفارة يمين ؟
اختلف الفقهاء في ذلك اختلافا كثيرا ، وقد حكى القاضي عياض في المسألة أربعة عشر مذهبا، ونقلها النووي رحمه الله في شرح مسلم .
ولعل أرجح الأقوال : أنه إن نوى الطلاق أو الظهار أو اليمين ، فالأمر على ما نواه ، وهذا مذهب الشافعي رحمه الله ، وهو رواية عن أحمد .
وإن لم ينو شيئا لزمه كفارة يمين ، وهذا ما ذهب إليه أبو حنيفة والشافعي .
ويدل على وجوب الكفارة ما ثبت في الصحيحين عن ابْنَ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : (إِذَا حَرَّمَ الرَّجُلُ عَلَيْهِ امْرَأَتَهُ فَهِيَ يَمِينٌ يُكَفِّرُهَا وَقَالَ : لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) البخاري (4911) ومسلم (1473).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم :
" وَقَدْ اِخْتَلَفَ الْعُلَمَاء فِيمَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ : أَنْتِ عَلَيَّ حَرَام . فَمَذْهَب الشَّافِعِيّ أَنَّهُ إِنْ نَوَى طَلَاقهَا كَانَ طَلَاقًا ، وَإِنْ نَوَى الظِّهَار كَانَ ظِهَارًا ، وَإِنْ نَوَى تَحْرِيم عَيْنهَا بِغَيْرِ طَلَاق وَلَا ظِهَار لَزِمَهُ بِنَفْسِ اللَّفْظ كَفَّارَة يَمِين ، وَلَا يَكُون ذَلِكَ يَمِينًا .(234/1)
وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَفِيهِ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ : أَصَحّهمَا : يَلْزَمهُ كَفَّارَة يَمِين ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَغْو لَا شَيْء فِيهِ ، وَلَا يَتَرَتَّب عَلَيْهِ شَيْء مِنْ الْأَحْكَام ، هَذَا مَذْهَبنَا .
وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاض فِي الْمَسْأَلَة أَرْبَعَة عَشَر مَذْهَبًا :
أَحَدهَا : الْمَشْهُور مِنْ مَذْهَب مَالِك أَنَّهُ يَقَع بِهِ ثَلَاث طَلْقَات سَوَاء كَانَتْ مَدْخُولًا بِهَا أَمْ لَا ، لَكِنْ لَوْ نَوَى أَقَلّ مِنْ الثَّلَاث قُبِلَ فِي غَيْر الْمَدْخُول بِهَا خَاصَّة ، قَالَ : وَبِهَذَا الْمَذْهَب قَالَ أَيْضًا عَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَزَيْد وَالْحَسَن وَالْحَكَم ...إلخ" انتهى .
فمذهب المالكية إذاً : أنه يقع بهذا التحريم ثلاث طلقات ، فتقع البينونة الكبرى ، والظاهر أن القاضي حكم بناء على هذا المذهب ، واعتبر قولك لزوجتك : تحرم العيشة معك ، من قبيل التحريم الذي اختلف فيه الفقهاء .
وقد نص المالكية على أن من حرّم العيش أو العيشة ونوى الزوجة في ذلك ، أنها تطلق ثلاثا.
انظر : "حاشية الدسوقي" (2/382) ، و "فتح العلي المالك" (2/34).
وقد قدمنا ما يظهر رجحانه من أقوال الفقهاء في المسألة ، وبقي أن نشير إلى مسألة النية ، والفرق بين نية اليمين ونية الطلاق ونية الظهار ، وفي ذلك يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " إن قال قائل : ما هو الفرق بين هذه الأمور الثلاثة ؟ قلنا : الفرق بينهما :
الحال الأولى : في اليمين هو ما نوى التحريم ، لكن نوى الامتناع إما معلقا وإما منجزا ، مثل أن يقول : إن فعلت كذا فأنت عليّ حرام ، هذا معلق . فهنا ليس قصده أنه يحرم زوجته ، بل قصده أن تمتنع زوجته من ذلك .(234/2)
وكذلك : أنت علي حرام ، قصده أن يمتنع من زوجته ، فنقول : هذا يمين ؛ لقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ ...) إلى أن قال : ( قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ ) وقوله : ( مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ ) "ما" اسم موصول يفيد العموم ، فهو شامل للزوجة وللأمة وللطعام والشراب واللباس ، فحكم هذا حكم اليمين . قال ابن عباس رضي الله عنهما : إذا قال لزوجته : أنت علي حرام فهي يمين يكفرها . والاستدلال على ذلك بالآية ظاهر .
والحالة الثانية : أنه يريد به الطلاق ، فينوي بقوله : أنت علي حرام ، يعني : إنني مفارقك ، وما يريد أن تبقى معه ، يريد أن يفارقها بهذا اللفظ . فهذا طلاق ، لأنه صالح للفراق ، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى).
الحالة الثالثة : أن يريد به الظهار ، ومعنى الظهار : أن يريد أنها محرمة عليه ، فهذا قال بعض أهل العلم : إنه لا يكون ظهارا ، لأنه لم يوجد فيه لفظ الظهار . وقال بعض العلماء : إنه يكون ظهارا ؛ لأن معنى قول المظاهر لزوجته : أنت علي كظهر أمي ، ليس معناه إلا أنت حرام ، لكنه شبهها بأعلى درجات التحريم وهو ظهر أمه ، لأنه أشد ما يكون حراما عليه ، فهذا يكون ظهارا" انتهى من "الشرح الممتع" (5/476).
وإنما ذكرنا حالات النية ، لأن بعض الناس يقول : ما قصدت الطلاق ، والواقع أنه قصد مفارقة زوجته ، وألا تبقى معه ، وهذا قصدُ الطلاق .
هذا ما أمكن ذكره من الناحية الفقهية ، ثم للقضاء كلمته المبنية على الإحاطة بحال السائل ، ولفظه ، والقرائن المحيطة به ، وفي مثل هذه المسائل التي اختلف العلماء في حكمها ، وليس فيها نص من السنة النبوية يقطع النزاع ، يكون الحكم النهائي فيها للقاضي ، ولهذا قال العلماء: "حكم القاضي يقطع النزاع" .(234/3)
فيلزمك العمل بما حكم به القاضي ، ولا يجوز لك مخالفته .
فإن كان لك اعتراض على حكم القاضي فلعلك تراجع المحكمة ، وتلتمس منها النظر في موضوعك .
والله أعلم .(234/4)
رقم السؤال:
70446
العنوان:
الفرق بين القصد والنية وأهمية المقاصد في الفقه
السؤال:
ما الفرق بين القصد والنية ؟ وما موقع المقاصد في الفقه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
القصد في اصطلاح الفقهاء هو : العزم المتجه نحو إنشاء فعل . "معجم المصطلحات والألفاظ الفقهية" (3/96).
والنية هي كما يقول القرافي رحمه الله : " قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله " . "الذخيرة" (1/20) .
وعرفها النووي بأنها " عزم القلب على عمل فرض أو غيره " . "المجموع" (1/310).
ومن تعريف القرافي يتبين أن النية والقصد متقاربان ، ولهذا عرف النية بالقصد ، لكن ذهب ابن القيم رحمه الله إلى أن بينهما فرقا ، قال : " فالنية هي القصد بعينه ولكن بينها وبين القصد فرقان :
أحدهما : أن القصد معلق بفعل الفاعل نفسه وبفعل غيره . والنية لا تتعلق إلا بفعله نفسه ، فلا يتصور أن ينوي الرجل فعل غيره ، ويُتصور أن يقصده ويريده .(235/1)
الفرق الثاني : أن القصد لا يكون إلا بفعلٍ مقدورٍ يقصده الفاعل . وأما النية فينوي الإنسان ما يقدر عليه وما يعجز عنه ، ولهذا في حديث أبي كبشة الأنماري الذي رواه أحمد والترمذي وغيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الدُّنْيَا لِأَرْبَعَةِ نَفَرٍ : عَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَعِلْمًا، فَهُوَ يَتَّقِي فِي مَالِه رَبَّهُ ، وَيَصِلُ فِيهِ رَحِمَهُ ، وَيَعْلَمُ لِلَّهِ فِيهِ حَقًّا ، فَهَذَا بِأَفْضَلِ الْمَنَازِلِ عند الله ، وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ مَالًا ، فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فيه بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، وَأَجْرُهُمَا سَوَاءٌ . وَعَبْدٍ رَزَقَهُ اللَّهُ مَالًا وَلَمْ يَرْزُقْهُ عِلْمًا ، فذلك شَرُّ مَنْزِلَةٍ عِنْدَ الله . ثم قال : وَعَبْدٍ لَمْ يَرْزُقْهُ اللَّهُ مَالًا وَلَا عِلْمًا فَهُوَ يَقُولُ : لَوْ أَنَّ لِي مَالًا لَعَمِلْتُ فِيهِ بِعَمَلِ فُلَانٍ ، فَهُوَ بِنِيَّتِهِ ، وَهُما فِي الوِزْرِ سَوَاءٌ ) فالنية تتعلق بالمقدور عليه والمعجوز عنه ، بخلاف القصد والإرادة فإنهما لا يتعلقان بالمعجوز عنه ، لا من فعله ولا من فعل غيره " انتهى من "بدائع الفوائد" (3/190) ، وانظر : "القواعد الكلية والضوابط الفقهية" للدكتور محمد عثمان شبير ص 93 ، 94 .
ثانيا :
المقاصد لها موقع كبير مهم من الفقه ، وحسبك من ذلك أن من القواعد الكلية الكبرى قاعدة : الأمور بمقاصدها ، المأخوذة من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى ) رواه البخاري (1) ومسلم (1907).(235/2)
قال السيوطي رحمه الله : " اعلم أنه قد تواتر النقل عن الأئمة في تعظيم قدر حديث النية : قال أبو عبيدة : ليس في أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيء أجمع وأغنى وأكثر فائدة منه . واتفق الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل وابن مهدي وابن المديني وأبو داود والدارقطني وغيرهم على أنه ثلث العلم ، ومنهم من قال : ربعه ، ووجه البيهقي كونه ثلث العلم بأن كسب العبد يقع بقلبه ولسانه وجوارحه ، فالنية أحد أقسامها الثلاثة وأرجحها ؛ لأنها قد تكون عبادة مستقلة ، وغيرها يحتاج إليها " إلى أن قال : " وقال الشافعي : يدخل في سبعين بابا " انتهى من "الأشباه والنظائر" ص 9 .
وهذا يدل على أهمية معرفة المقاصد واعتبارها .
والله أعلم .(235/3)
رقم السؤال:
70455
العنوان:
ماذا يفعل المسلم مع اختلاف العلماء في التصحيح والتضعيف ؟
السؤال:
ماذا نفعل إذا اختلف علماء الحديث في تصحيح وتضعيف حديث ما يتعلق بالعبادة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا فرق عند أهل العلم بين اختلاف العلماء في مسائل الحديث تصحيحا وتضعيفاً وبين اختلافهم في مسائل الفقه ؛ وذلك لأن تصحيح الحديث وتضعيفه خاضع للاجتهاد ، وفيه تفاوت بين العلماء في العلم بأحوال الرجال وطرق الحديث ، فما يعرفه بعضهم من حالٍ للراوي قد يخفى على غيره ، وما يقف عليه آخر من شواهد ومتابعات قد لا يتيسر لغيره ، فيختلف حكمهم على الحديث الواحد تبعاً لذلك ، وأحياناً يقف كل واحد منهم على ترجمة الراوي وطرق الحديث ، ويختلف ترجيحهم تصحيحاً وتضعيفاً تبعاً لاجتهادهم في الراجح من حال الرواي ، وفي الراجح من خلو طرق الحديث من الشذوذ والعلة .
قال الإمام الترمذي :
وقد اختلف الأئمة من أهل العلم في تضعيف الرجال كما اختلفوا في سوى ذلك من العلم .
" سنن الترمذي " ( 5 / 756 ) وهو كتاب " العلل " في آخر " السنن " .
وفي بيان أسباب اختلاف العلماء قال شيخ الإسلام ابن تيمية :
السبب الثالث : اعتقاد ضعف الحديث باجتهاد قد خالفه فيه غيره ، مع قطع النظر عن طريق آخر ، سواء كان الصواب معه أو مع غيره ، أو معهما عند من يقول : كل مجتهد مصيب ؛ ولذلك أسباب : منها : أن يكون المحدث بالحديث يعتقده أحدهما ضعيفا ؛ ويعتقده الآخر ثقة ، ومعرفة الرجال علم واسع ؛ ثم قد يكون المصيب من يعتقد ضعفه ؛ لاطلاعه على سبب جارح ، وقد يكون الصواب مع الآخر لمعرفته أن ذلك السبب غير جارح ؛ إما لأن جنسه غير جارح ؛ أو لأنه كان له فيه عذر يمنع الجرح .
وهذا باب واسع وللعلماء بالرجال وأحوالهم في ذلك من الإجماع والاختلاف مثل ما لغيرهم من سائر أهل العلم في علومهم .(236/1)
ومنها : ألا يعتقد أن المحدث سمع الحديث ممن حدث عنه ، وغيره يعتقد أنه سمعه لأسباب توجب ذلك معروفة .
ومنها : أن يكون للمحدث حالان : حال استقامة ، وحال اضطراب ؛ مثل أن يختلط أو تحترق كتبه ، فما حدث به في حال الاستقامة صحيح ، وما حدث به في حال الاضطراب ضعيف ؛ فلا يدري ذلك الحديث من أي النوعين ، وقد علم غيره أنه مما حدث به في حال الاستقامة .
ومنها : أن يكون المحدث قد نسي ذلك الحديث فلم يذكره فيما بعد ، أو أنكر أن يكون حدثه معتقدا أن هذا علة توجب ترك الحديث ، ويرى غيره أن هذا مما يصح الاستدلال به ، والمسألة معروفة ... إلى أسباب أخر غير هذه .
" مجموع الفتاوى " ( 20 / 240 – 242 ) باختصار .
ثانياً :
أما موقف المسلم من هذا الاختلاف الحاصل بين أهل العلم في التصحيح والتضعيف للحديث الواحد : فهو الموقف ذاته من اختلافهم في الفقه ، فإن كان مؤهلاً للترجيح بين أقوالهم رجَّح ما يراه صواباً من أحد الحكمَين ، وإن كان غير مؤهل فواجبه التقليد ، وعليه أن يأخذ بترجيح من يراه أكثر ديناً وعلماً في هذا الباب ، ولا ينبغي أن يغتر بكونه فقيهاً أو أصوليّا أو مفسِّراً ، بل ينبغي أن يكون المقلَّد في التصحيح والتضعيف من أهل هذه الصنعة وهذا الفن ، وهو فن علم الحديث ، ولا حرج عليه فيما يترتب على تقليده ، فإن كان الحديث صحيحاً عنده وقلَّده فيه ، وكان يحوي حكماً فقهيّاً فالواجب عليه العمل به ، ولا حرج عليه إن ترك العمل به إن كان الحديث ضعيفاً .
قال الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله - :
وإذا اختلفت العلماء عليه في الفتيا ، أو فيما يسمع من مواعظهم ونصائحهم مثلاً : فإنه يتبع من يراه إلى الحق أقرب في علمه ودينه .
" لقاء الباب المفتوح " ( اللقاء " 46 " ، سؤال 1136 ) .
ولينظر جواب السؤال رقم ( 22652 ) وفيه بيان الموقف الصحيح من اختلاف العلماء .
والله أعلم(236/2)
رقم السؤال:
70469
العنوان:
هل تقاطع أهلها وهم يحاولون إضلالها ومحاربتها لاستقامتها ؟
السؤال:
أنا متزوجة - والحمد لله - أعيش وزوجي ملتزمين بشرع الله، وأهلي غير ملتزمين بل ويحادوننا ويحاربون فينا التزامنا ( بما في ذلك نقابي وهدينا الظاهر ) ، وتعدى الأمر إلى تدخلهم في تفاصيل حياتي ، يريدون بذلك أن أتبعهم في كل شيء ، وبمجرد رفضي لتوجيهاتهم التي تخالف أوامر الله يزداد عداؤهم ومقاطعتهم لي في كثير من الأحيان خاصة أمي . الحاصل أني لا أرى فيهم إلا معولا يهدم في ديني والتزامي بل وحياتي الزوجية مؤثرين بذلك على زوجي مما أوصلنا في بعض الأحيان إلى حافة الطلاق ، لكن الله سلَّم ، وأنا الآن بعيدة عنهم لا أزورهم ولا أصل رحمهم - فراراً ونجاة بديني وحفاظا على أسرتي - وأمي تدعي بذلك أني قطعت رحمهم ، فهل عليَّ من إثم في ذلك ؟ علما بأن وجودي معهم يضطرني إلى سماع ما لا يرضي الله والذي يصل في بعض الأحيان لسب الله والدين والصحابة وكل مظاهر التدين والالتزام ، مع العلم : أني حاولت مراراً أن أصلح من شأنهم لكن دون جدوى.
الجواب:
الحمد لله
إنا لله و إنا إليه راجعون ، والله إنه مما يملأ القلب حسرة وأسى أن يكون في أسر المسلمين مثل هذه المعاناة الشديدة من أجل أن يحافظ المرء على دينه واستقامته ، فقد سمعنا كثيراً عن رجال ونساء مسلمين عانوا من أهاليهم النصارى أو الوثنيين ، أما أن تعاني المسلمة من أهلها الذين يزعمون أنهم مسلمون وتفر بدينها من بين أسرة تدعي الإسلام وتنتسب إليه فهذا والله مؤسف أشد الأسف .
أختنا :
نسأل الله لك ولزوجك الثبات على الدين والهداية والتوفيق ، وأن يقويكما على الحق وأن يرزقكما الصلاح ، وأن يرزقكما الذرية الصالحة .(237/1)
قد روى مسلم في صحيحه ( 145 ) عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بدأ الإسلام غريبا ، وسيعود كما بدأ غريباً ، فطوبى للغرباء ) ، فإذا استغربك الناس من أجل دينك والتزامك فطوبى لك ، وإذا رأى المسلم أنه غريب بإسلامه حتى بين أهله فهذه بشرى له يزفها إليه الرسول صلى الله عليه وسلم ( طوبى للغرباء ) .
ومما لا شك فيه : أن سب الرب والدين الواقع من أمك ومن غيرها من أهلك كفر أكبر مخرج من الملة ، يوجب الخلود في جهنم إن مات صاحبه عليه ولم يرجع إلى الإسلام .
لذا فإنه يجب عليك تجاه من وقع منه هذا من أهلك : دعوتهم بالحسنى إلى الكف عن هذا الكفر ، ووجوب الرجوع إلى الإسلام ، ويجب أن يعلموا حالهم وحكمهم في الشرع من كونهم مرتدين ، وقد حبطت أعمالهم .
واعلمي أن وقوع والدتك في الكفر لا يعني أنه تتوقف علاقتك بها ، بل يجب أن يزداد حرصك عليها خشية أن تموت على هذه الحال .
ويجب عليكِ برُّها والإحسان إليها ليس فقط وهي كافرة بل لو دعتك إلى الكفر وجاهدت نفسها في سبيل ذلك ، كما قال ربنا تبارك وتعالى : ( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا وَإِنْ جَاهَدَاكَ لِتُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا ) العنكبوت / 8 ، وقال : ( وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا ) لقمان / 15 .
وعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ رضي الله عنهما قَالَتْ : قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي وَهِيَ مُشْرِكَةٌ ، فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي ، وَهِيَ رَاغِبَةٌ ، أَفَأَصِلُ أُمِّي ؟ قَالَ : ( نَعَمْ ، صِلِي أُمَّكِ ) رواه البخاري ( 2620 ) ومسلم ( 1003 ) .
ومعنى راغبة : أي : تطلب بر ابنتها لها .(237/2)
لكن هذا البر والإحسان لا يلزم منه مخالطتهم في مسكنهم ومشاركتهم في حياتهم حيث تكون المعاصي والموبقات وسب الله ورسوله ودينه ، إلا أن يكون في حضوركم توقف عن هذا الكفر وتلك المعاصي ، أما مع استمرارها واحتمال تأثركم بما تسمعون : فيحرم عليكم البقاء في تلك المجلس عندهم ، فإن تكرر ذلك منهم في كل زيارة فلا حرج عليك في عدم زيارتهم ، وليس في هذا عقوق ، بل هو واجب شرعي ، قال تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آَيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ ) النساء/140 .
ولا تلتفتي لتخذيل أهلك لك ولزوجك بسبب التزامكما بأحكام الشرع في اللباس وغيره ؛ لأن هذا من كيد الشيطان .
قال علماء اللجنة الدائمة – حول مسألة قريبة من هذه - :
"طاعة الوالدين واجبة في المعروف ، وأما إذا أمرا بمعصية فلا طاعة لهما ؛ لما ثبت من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة في المعروف ) ، فالتزمي بالحجاب وحاولي إقناعهما وتبيين الحكم لهما ، ولا تلقي بالاً لتهديداتهما ، واستعيني بالله سبحانه على ذلك ، ثم بالطيبين من أقاربك ينصحوهم ، لعل الله أن ينفعهما بذلك " انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء " ( 1 / 541 ) .
والغريب أن والدتك يقع منها الكفر والفسوق والعصيان ، ثم نراها مهتمة بالعقوق ، واتهامك به ، وهذا تناقض يدل على جهل بالشرع واستهانة بأحكامه .
وبالجملة : فإنه يجب على المسلمة أن تحسن إلى أهلها ووالديها ، وأن تبذل وسعها في نصيحتهم بالمعروف والحكمة والموعظة الحسنة ، وأن تعتبر فترة انقطاعها عنهم - فراراً بدينها - فترة علاج مؤقتة ، فإن أحست من أهلها شيئاً من التغيير نحو الخير فلتبادر إلى وصلهم ، ولتأخذ بأيديهم إلى الخير .(237/3)
ولا تنسي الدعاء لأمك وأهلك أن يهديهم الله ، ويرجعوا إلى دينهم الحق قبل فوات الأوان .
والله أعلم(237/4)
رقم السؤال:
70473
العنوان:
هل يجوز أن يشترك في شركة هواتف ويستقبل المكالمات فقط دون أن يتصل؟
السؤال:
اشتريت خط هاتف نقال ( مسبق الدفع ) ، وأعطاني البائع رقم الهاتف دون أن أضطر للاتصال بالمجيب الآلي للخدمة ، وبالتالي لم يبدأ العداد بالحساب بالنسبة للخط ، وأعطيت رقم الهاتف لأصدقائي ليتصلوا بي ، وأنا لا أتصل بأحد ، وبذلك لست مضطراً لتعبئة رصيدي ، ثم قال لي بعض الإخوة : إن هذا يعتبر غشّاً للشركة ، إذ إنها تبيع الخط على أساس أنك تدفع كل شهر مبلغاً معيناً سواء استعملت ما في رصيدك بعد التعبئة أو تركته إلى أجل آخر ، وأقول أنا : إن الشركة لم تشترط أي شيء ، وهي تستطيع في نفس الوقت أن تجعل ما أفعله أمراً غير ممكن ، كما هو الحال في شركات أخرى ، وقد دفعت مقابل الخط نفسه مالاً ، وفي مقابل أني لا أعبأ فأنا أيضا لا أتصل . فما رأيكم في هذا ؟
الجواب:
الحمد لله
إن كانت الشركة تشغِّل خط الهاتف مقابل رسوم محددة - للتأسيس - تستوفيها ، وتقدِّم خدمة استقبال المكالمات دون مقابل ، ولا تستوفي رسوماً أخرى إلا ثمن المكالمات الصادرة : فلا حرج عليك فيما فعلته ، ولا يلزمك الاتصال بالآخرين ليكون عملك جائزاً ؛ لأن الشركة رضيت بهذا ، وهي قد أخذت حقها برسوم التأسيس ، وقد أخذت ثمن المكالمات الصادرة إلى جهازك من الطرف المتصل .
وأما إن كانت الشركة توجب على صاحب الجهاز رسوماً شهرية مقابل تشغيل خطه للصادر والوارد – بغض النظر عن استعماله لهذين الأمرين – فإن لها الحق في استيفاء هذه الرسوم ولو لم يتصل صاحب الهاتف ، بل ولو لم يستقبل ؛ لأن هذه الرسوم هي مقابل منفعة موجودة ، وهو الذي لم يستفد منها ، أشبه ما يكون بسيارة أو شقة مستأجرتيْن ولم ينتفع المستأجر بهما حتى انتهت مدة العقد .
وتطبيق الجواب على الواقع إنما يكون عندك في بلدك بحسب تعليمات ونظام الشركة المشغلة للهواتف .
والله أعلم(238/1)
رقم السؤال:
70475
العنوان:
جامع أجنبية في دبرها وتابا فهل يجوز له تزوجها؟
السؤال:
لقد تبنا وندمنا من علاقة جنسية حدث فيها إيلاج من الدبر ، ونحن نحب بعضنا حبّاً شديداً لا نستطيع الفراق ، ونريد أن نتزوج ونعيش حياةً سعيدةً ، هل يجوز لي الزواج منها ؟ علما بأن مذهبنا الإباضية يحرم زواج الزاني بمزنيته وإن تابا ، بدليل أن عمر بن الخطاب فصل بين رجل تزوج امرأة أثناء عدتها ثم قال : (لا يجتمعان أبداً) ، ودليل آخر ثبت عن علي وعائشة والبراء بن عازب بأنه (إذا تزوج اثنان زانيان فهما زانيان أبداً) ، ذلك بأن الطمأنينة ستكون معدومة بين اثنين اختبر كل منهما الآخر قبل الزواج ، فما رأي سماحتكم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اعلم أن البحث عن الصواب في المسائل الفقهية العملية أمرٌ حسن ، وهو يدل على أن صاحبه ينشد الحق الذي حكم الله تعالى به ، وأحسن من هذا هو أن يبحث المسلم عن الاعتقاد الصحيح الذي ينجيه من فرق الضلال التي أخبر عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهي اثنتان وسبعون فرقة ، وقد قال عنها : (كلها في النار) ومعناه : أنها ضالة تستحق الوعيد بالنار ؛ لأنها تنكبت طريق الحق ، وطريق الحق الذي ينجو صاحبه إذا عليه هو طريق الفرقة الناجية ، والتي حكم لها النبي صلى الله عليه وسلم بالنجاة في قوله : (كلها في النار إلا واحدة ، قالوا : من هي ؟ قال : هي من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) .
واعلم أنه لا يسع المسلم أن يعتقد ما يشاء ، بل لا بدَّ له حتى ينجو من الإثم والوزر أن يعتقد اعتقاد أهل السنة والجماعة في الإيمان والصفات والقرآن وغيرها من مسائل العقيدة والتوحيد .
ولا نريد إحراجك ، لكننا لا نريد ترك نصحك ، ونكون غاشين لك إن دللناك على الحق في مسألة فقهية ، وتركنا أمر اعتقادك يمر هنا دون نصح وتوجيه .(239/1)
لذا فإننا ندعوك – قبل الإجابة عن استفسارك – أن تنظر وتتأمل في جواب السؤال رقم (11529 ) راجين لك التوفيق والهداية .
ثانياً :
جماع الزوجة في دبرها من المحرمات ومن كبائر الذنوب ، فكيف يكون حكم جماع الأجنبية في دبرها ؟ لا شك أن إثم هذا الفعل أعظم بكثير من جماع الزوجة في دبرها .
ثالثاً :
قد أحسنتما بالتوبة من هذه المعصية الكبيرة ، والندم عليها ، ونسأل الله تعالى أن يتقبل توبتكما ، وعليكما الاجتهاد في العمل الصالح ، فإن ذلك من تمام التوبة وكمالها ، قال الله تعالى : (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى) طه/82 .
وأما بالنسبة لزواجكما : فلا حرج من ذلك ما دمتما قد تبتما إلى الله ، وانظر جواب السؤال رقم ( 14381 ) و ( 11195 ) .
فإذا ندمتما على فعلكما وتبتما توبة صادقة : جاز لكما الزواج ، ولا يوجد ما يمنع منه .
وأما ما ذكرتَه عن عمر بن الخطاب من منعه من تزوج امرأة في عدتها أن يتزوجها أبداً : فالظاهر – إن صح هذا عنه – أنه من باب التعزير والعقاب لمن فعل معصية ، وليس بياناً لحكم شرعي بأن هذا محرم .
وما نقلته عن بعض الصحابة من حكمهم على زانٍ تزوج زانية أنهما زانيان أبداً : فهو محمول على كونهما لم يتوبا .
قال ابن حزم رحمه الله :
"عن ابن مسعود في الذي يتزوج المرأة بعد أن زنى بها قال ابن مسعود : لا يزالان زانيين .
ثم روى عن سالم بن عبد الله بن عمر أنه سُئل عن الرجل يزني بالمرأة ثم ينكحها ؟ فقال سالم : سئل عن ذلك ابن مسعود فقال : (وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ) الشورى/25.
قال ابن حزم :
القولان منه متفقان ؛ لأنه إنما أباح نكاحها بعد التوبة" انتهى .
" المحلى " ( 9 / 63 ) .
والله أعلم(239/2)
رقم السؤال:
70477
العنوان:
دفع ثمن أرض ولم تتم المعاملة فهل يستوفي ما دفعه أم قيمتها حاليّاً؟
السؤال:
اشترى خالي قطعة أرض من شخص اسمه حسين ، حدث هذا منذ تسع سنوات ، ثم تبين فيما بعد أن حسين قد باع قطعة أرض ملك لأبناء أخيه ، لا نعرف إن كان حقا فعل ذلك عن طريق الخطأ أم متعمداً ، المهم : أن خالي يريد أن يسترد ماله لأن حسين لم يعد بوسعه التعويض العيني ، حسين يقول له إنه مستعد أن يرد له ماله ، لكن المبلغ نفسه الذي دفعه رغم القيمة العينية تتعدى بكثير المبلغ بسبب التضخم المالي فما كان قيمته ثلاثة آلاف يساوي الآن تقريبا عشرة آلاف دينار ، والأرض في حد ذاتها تضاعفت قيمتها. فما حكم الإسلام في هذا الأمر هل يرد له المبلغ نفسه ، أم يرد له قيمة الأرض ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز لأحدٍ من الناس أن يبيع ما لا يملك ، فإن فعل فبيعه باطل ، وما حصل من بائع الأرض من بيعه ما يملكه أبناء أخيه هو من هذا الباب ، والواجب عليه التوبة والاستغفار .
ولخالك – المشتري – في ذمة هذا البائع المبلغ الذي دفعه ، بغض النظر عن تغير العملة واختلاف قوتها الشرائية ، وبغض النظر عن ارتفاع قيمة الأرض ؛ لأن المبلغ الذي دفعه خالك صارَ ديْناً في ذمة ذلك البائع ، والواجب رد المبلغ نفسه .
وفي القرار رقم : 42 ( 4 / 5 ) بشأن تغير قيمة العملة ، قال "مجلس مجمع الفقه الإسلامي":
"العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما : هي بالمثل وليس بالقيمة ؛ لأن الديون تُقضى بأمثالها ، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة ، أيا كان مصدرها ، بمستوى الأسعار" انتهى.
مجلة " المجمع " ( عدد 5 ، ج3 ص 1609 ) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
"يجب على المقترض أن يدفع الجنيهات التي اقترضها وقت طلب صاحبها ، ولا أثر لاختلاف القيمة الشرائية ، زادت أو نقصت" انتهى.
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 14 / 146 ) .
والله أعلم(240/1)
رقم السؤال:
70479
العنوان:
قال إن كان غدا من رمضان فأنا صائم
السؤال:
إذا لم يُعلن عن بداية رمضان ، ونام الإنسان مبكرا وقال : إن كان غدا أول رمضان فأنا صائم ، فهل تكفيه هذه النية ويصح صومه ؟.
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين ، بناء على اختلافهم في مسألة تعيين النية ، وهي هل يجب أن ينوي الصوم عن رمضان جزما ، أم يكفيه نية الصوم ، سواء نوى فرضا أو نفلا .
والجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة على أنه يشترط تعيين نية صوم رمضان .
والحنفية على أنه لا يشترط تعيين النية ، وهي رواية عن أحمد .
وعلى هذا القول يصح صوم من قال : إن كان غدا من رمضان فهو فرضي .
قال في الفروع (3/40) : " ويجب تعيين النية في كل صوم واجب وفاقا لمالك والشافعي وهو أن يعتقد أنه يصوم من رمضان أو من قضائه أو نذره أو كفارته , لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإنما لكل امرئ ما نوى ) .
وعن الإمام أحمد رواية أخرى : لا يجب تعيين النية لرمضان وفاقا لأبي حنيفة لأن التعيين يراد للتمييز , وهذا الزمان متعين ، فعليها يصح بنية مطلقة ، ونية فرض تردد فيه ...
وقولهم : نية فرض تردد فيه بأن نوى ليلة الشك : إن كان غدا من رمضان فهو فرضي , وإن لم يكن فهو نفل , لا يجزئه على الرواية الأولى حتى يجزم بأنه صائم غدا من رمضان وعلى الثانية يجزئه " انتهى .
وقال في الإنصاف (3/295) : " وإن نوى : إن كان غدا من رمضان : فهو فرضي , وإلا فهو نفل , لم يجزه , وهذا المذهب , وعليه أكثر الأصحاب , وهو مبني على أنه يشترط تعيين النية .
وعن الإمام أحمد : يجزئه , وهي مبنية على رواية : أنه لا يجب تعيين النية لرمضان , واختار هذه الرواية الشيخ تقي الدين . قال في الفائق : نصره صاحب المحرر وشيخنا . وهو المختار " انتهى .(241/1)
وينظر : "البحر الرائق" (2/280) ، "مجمع الأنهار" (1/233) ، "مغني المحتاج" (2/150) ، "المغني" (3/9) ، "الموسوعة الفقهية" (5/165)، (28/22 ).
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرح قول صاحب الزاد : " ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي : لم يجزه " :
" هذه مسألة مهمة ترد كثيرا . مثال ذلك : رجل نام في الليل مبكرا ليلة الثلاثين من شعبان ، وفيه احتمال أن تكون هذه الليلة هي أول رمضان ، فقال : إن كان غدا من رمضان فهو فرضي ، أو قال : إن كان غدا من رمضان فأنا صائم ، أو قال : إن كان غدا من رمضان فهو فرض ، وإلا فهو عن كفارة واجبة أو ما أشبه ذلك من أنواع التعليق ، فالمذهب لا يصح ؛ لأن قوله : إن كان فهو فرضي ، وقع على وجه التردد ، والنية لابد فيها من الجزم ، فلو لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر ثم تبين أنه من رمضان ، فعليه قضاء هذا اليوم ، على ما مشى عليه المؤلف .
والرواية الثانية عن الإمام أحمد : أن الصوم صحيح إذا تبين أنه من رمضان ، واختار ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، ولعل هذا يدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم لضباعة بنت الزبير : ( حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ، فإن لك على ربك ما استثنيت ) . فهذا الرجل علقه لأنه لا يعلم أن غدا من رمضان ، فتردده مبني على التردد في ثبوت الشهر ، لا على التردد في النية وهل يصوم أو لا يصوم ؟
ولهذا لو قال ليلة الواحد من رمضان : أنا غدا يمكن أن أصوم ، ويمكن لا أصوم ، قلنا : هذا لا يصح ، لأنه متردد ... وعلى هذا فينبغي لنا إذا نمنا قبل أن يأتي الخبر ليلة الثلاثين من شعبان أن ننوي أنه إن كان غدا من رمضان فنحن صائمون " انتهى من" الشرح الممتع" (6/375).
والله أعلم .(241/2)
رقم السؤال:
70497
العنوان:
حكم تصوير المناظر الطبيعية وما فيه روح
السؤال:
ما حكم تصوير المناظر الطبيعية بالكاميرات الرقمية لحفظها على الكمبيوتر حيث إنها لا تحوي صور ذوات أرواح ؟ وما الحكم إذا كانت مشتملة على طيور أو حيوانات ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
تصوير المناظر الطبيعية كالأشجار والبحار والجبال جائز ولو كان رسماً باليد ، ولا يُعلم خلاف بين العلماء في جوازه إلا ما روي عن مجاهد بن جبر في المنع من تصوير الأشجار المثمرة دون غير المثمرة ، وقد قال القاضي عياض : هذا لم يقله أحد غير مجاهد .
وقد استدل الجمهور على الجواز بأدلة ومنها :
أ. عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (مَن صوَّر صورة في الدنيا كُلِّف أن ينفخ فيها الروح , وليس بنافخ) . رواه البخاري ( 5618 ) ومسلم ( 2110 ) .
وظاهر الحديث أن هذا فيما له روح .
ب. عن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أنه أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ : يَا أَبَا عَبَّاسٍ إِنِّي إِنْسَانٌ إِنَّمَا مَعِيشَتِي مِنْ صَنْعَةِ يَدِي ، وَإِنِّي أَصْنَعُ هَذِهِ التَّصَاوِيرَ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا أُحَدِّثُكَ إِلَّا مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، سَمِعْتُهُ يَقُولُ : (مَنْ صَوَّرَ صُورَةً فَإِنَّ اللَّهَ مُعَذِّبُهُ حَتَّى يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ ، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ فِيهَا أَبَدًا) فَرَبَا الرَّجُلُ رَبْوَةً شَدِيدَةً ، وَاصْفَرَّ وَجْهُهُ ، فَقَالَ : وَيْحَكَ إِنْ أَبَيْتَ إِلَّا أَنْ تَصْنَعَ فَعَلَيْكَ بِهَذَا الشَّجَرِ ، كُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ فِيهِ رُوحٌ . رواه البخاري ( 2225) ومسلم ( 2110 ) .
ومعنى (ربا الرجل) أي خاف خوفاً شديداً .(242/1)
ج. عن أبي هريرة رضي الله عنها أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم : (مُرْ برأس التمثال فليقطع حتى يكون كهيئة الشجرة) رواه الترمذي (2806) وأبو داود (4158) وصححه الشيخ الألباني في " صحيح الترغيب " ( 3060 ) .
فهذا تنبيه على أن الشجرة يجوز تصويرها .
وإذا كان هذا الجواز لرسم اليد فأولى بالجواز ما كان نقلاً على الورق أو أجهزة الحاسوب بواسطة الكاميرات .
وأما التصوير بالكاميرا الرقمية لذوات الأرواح لحفظها على الكمبيوتر ، فقد بينا ذلك في جواب السؤال رقم (95322) .
والله أعلم(242/2)
رقم السؤال:
70504
العنوان:
هل في القرآن ألفاظ غير عربية ؟
السؤال:
يقول تعالى عن القرآن إنه " بلسان عربي مبين " والكلمات : ( عليون ، سجين ، مرقوم ، أرائك ، تسنيم ) مأخوذة من العبرية كما في " الإتقان " للسيوطي ( 1 / 141 و 171 ) وهنالك العديد من ألفاظ الفارسية !! فكيف نفهم أنه بلسان عربي مبين وبه العديد من الألفاظ الأعجمية ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أجمع العلماء على أنه ليس في القرآن " كلام مركب من ألفاظ أعجمية " يعطي معنى من هذا التركيب .
وأجمعوا على أن في القرآن " أسماء أعلام أعجمية " مثل : نوح ، ولوط ، وإسرائيل ، وجبريل .
قال القرطبي - رحمه الله - في " مقدمة تفسيره " :
لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على أساليب غير العرب ، وأن في القرآن أسماء أعلاماً لمن لسانه غير لسان العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط .
" تفسير القرطبي " ( 1 / 68 ) .
واختلفوا : هل فيه " ألفاظ أعجمية مفردة " ؟ .
فذهب الجمهور إلى عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن ، وذهب آخرون إلى وجودها ، وتوسط طرف ثالث فتأول وجودها على أنها مشتركة بين العرب وغيرهم ، وعلى أن العرب استعملوها وعرَّبوها فصارت تنسب إليهم ، لا باعتبار أصلها ، بل باعتبار استعمالها وتعريبها.
وممن نصر القول الأول ، وهو عدم وجود ألفاظ أعجمية في القرآن : الإمامان الجليلان : الشافعي والطبري ، ووافقهما : أبو عبيدة ، وابن فارس ، وأكثر أهل اللغة ، وهو الذي نصره وأيده : بدر الدين الزركشي في كتابه " البرهان في علوم القرآن " .
ومن أدلتهم :
1. قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ . نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ . عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ . بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ } [ الشعراء / 192 – 195 ] .
2. وقال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَنْزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً } [ الرعد / 37 ] .(243/1)
3. وقال تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيّاً } [ الشورى / 7 ] .
4. وقال تعالى : { إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } [ الزخرف / 3 ] .
5. وقال تعالى : { قُرْآَنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ } [ الزمر / 28 ] .
قال الإمام الشافعي – بعد أن ساق الآيات السابقة - :
" فأقام حجته بأن كتابه عربي في كل آية ذكرناها ، ثم أكد ذلك بأن نفى عنه جل ثناؤه كل لسان غير لسان العرب في آيتين من كتابه ، فقال تبارك وتعالى : { ولقد نعلم انهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه اعجمي وهذا لسان عربي مبين } [ النحل / 103 ] ، وقال : { ولو جعلناه أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءاعجمي وعربي } [ فصلت / 44 ] .
" الرسالة " ( ص 46 ، 47 ) .
وذهب الإمام المفسر ابن عطية إلى القول الثاني : أن في القرآن بعض ألفاظ أعجمية ، ووافقه بعض الفقهاء ، وهو الذي نصره وأيده : جلال الدين السيوطي في كتابه " الإتقان في علوم القرآن " .
ومن أدلتهم : ما وجد من ألفاظ أعجمية كإستبرق ، وسندس ، وقالوا : إن النبي صلى الله عليه وسلم بُعث للناس كافة ، فلا يمتنع وجود أكثر من لغة في القرآن ، بل هو أبلغ في الإعجاز .
وردَّ الشافعي – وغيره – على هذا بالقول أن بعض الألفاظ قد تكون عند العرب ، ويخفى هذا على المفسر ، فيظنها أعجمية ، وهذا لأن اللغة العربية أوسع اللغات لساناً وألفاظاً ، وقال – رحمه الله - عبارته المشهورة " ولا نعلمه يحيط بجميع علمه إنسان غير نبي " .
وردوا – كذلك – بأنه لا يمتنع أن تكون هذه الألفاظ مشتركة بين العرب وغيرهم ، وهو أمر غير منكر قديما وحديثاً .
قال الطبري :(243/2)
" ولم نستنكر أن يكون من الكلام ما يتفق فيه ألفاظ جميع أجناس الأمم المختلفة الألسن بمعنى واحد ، فكيف بجنسين منها ، كما قد وجدنا اتفاق كثير منهم فيما قد علمناه من الألسن المختلفة ، وذلك كالدرهم والدينار والدواة والقلم والقرطاس " . انتهى
والمذهب الثالث هو لبعض الباحثين ، وهو يجمع بين القولين ، فهو يقول : إن وجود بعض الألفاظ الأعجمية لا يُخرجه عن كونه عربيّاً ؛ لأنها قليلة ، والعبرة للأكثر ، كما أن من يعرف كتابة اسمه فقط لا يُخرجه عن كونه أمِّيّاً ، وأن هذه الألفاظ هي أعجمية في الأصل ، عربية بالاستعمال والتعريب .
وبعد هذا العرض للأقوال يتبين أنه لا مجال للطعن في كتاب الله تعالى بمثل هذه الشبهة ، وأنه لو كانت مجالاً للطعن في القرآن لما تركها أسلاف هؤلاء من مشركي مكة ومن بعدهم ، وهم أهل لغة ، ولم يتركوا مجالاً لأحدٍ للطعن في النبي صلى الله عليه وسلم وكتاب ربه إلا قالوه ، وهو أنهم وجدوا هذه الشبهة قائمة لقالوها .
وللتوسع : ينظر " تفسير القرطبي " ( 1 / 68 ، 69 ) ، وكتاب " الإتقان " للسيوطي " و " البرهان " للزركشي " .
والله أعلم(243/3)
رقم السؤال:
70509
العنوان:
حكم التبليغ على من يقوم بالسرقة
السؤال:
أعمل في شركه خاصة ويحدث أمامي سرقات من قبل العمال وإني أكتم هذا الشيء . السؤال : هل أحمل إثماً على هذا الشيء ؟
الجواب:
الحمد لله
ثبت في صحيح مسلم ( 49 ) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَن رأى منكم منكراً فليغيِّره بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ) .
قال النووي رحمه الله :
"وأما قوله صلى الله عليه وسلم : " فليغيره " فهو أمر إيجاب بإجماع الأمة ، وقد تطابق على وجوب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الكتاب والسنة وإجماع الأمة ، وهو أيضا من النصيحة التي هي الدين " انتهى .
" شرح صحيح مسلم " ( 2 / 22 ) .
وقد كان بنو إسرائيل يرون المنكر ويسكتون عن إنكاره ، فسبَّب ذلك السكوت لهم اللعنة ، كما قال سبحانه : ( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) المائدة/78-79 .
وبناء عليه : لا يجوز لمن رأى منكراً أن يسكت عنه مع قدرته على إنكاره وتغييره ، فيبدأ بالتغيير باليد إن كان يستطيع ذلك ، كأن يكون مسئولا عن فاعل المنكر وله سلطة عليه ، فإن لم يقدر على التغيير باليد : فلينكر باللسان ، بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة بالتي هي أحسن ، ومن الإنكار باللسان : إبلاغ من يستطيع أن يمنع هذا المنكر ، وعليه أن يبذل جهده في ذلك ، فإن عجز عنه فيجزؤه ويرفع عنه الإثم أن ينكره بقلبه ، فإن قصر في إنكار المنكر بحسب استطاعته فهو شريك للعاصي في معصيته وعليه إثم المعصية .(244/1)
فإن بذل جهده وأدى واجبه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولم يستجب له العاصي فلا شيء عليه ، لأن الله تعالى قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) المائدة/105.
قال الشيخ الشنقيطي رحمه الله :
"ومَن أنكر بحسب طاقته : فقد سلِم من هذه المعصية ، ومن رضي بها وتابع عليها : فهو عاص كفاعلها " انتهى .
" أضواء البيان " ( 1 / 467 ) .
فعليك أن تنصح هؤلاء – أولاً – أن يتقوا الله تعالى ، وأن يكفوا عن سرقة مال غيرهم ، وعليهم أن يرجعوا ما أخذوه سابقاً ، فإن كفوا أيديهم فقد أحسنت إليهم وإلى صاحب المال ، وإن أصروا على فعلهم فيجب عليك إبلاغ من يكفهم عن فعلهم هذا ، ولو بإبلاغ صاحب المال نفسه ، ولا يُشترط أن تظهر نفسك أنك المبلِّغ عنهم ، بل يكفي أن ترسل رسالة - مثلاً – لصاحب المال وتخبره فيها بحقيقة الأمر ، ويفضَّل أن يكون معها وثائق تُثبت صحة كلامك ليؤخذ الأمر بعين الاعتبار والاهتمام ، وبذلك تكون قد برَّأت ذمتك وأنقذت نفسك من الإثم .(244/2)
رقم السؤال:
70516
العنوان:
هل يعطي للموظف مالاً لينهي معاملته؟
السؤال:
أنا موظف في شركة خاصة ، وعملي هو تدوير المعاملات الخاصة بهذه الشركة ، الموظفون في بلدنا حين تأتيهم المعاملة يقولون ارجع غداً وبعد غد ، ولا يحتاج الأمر لأكثر من توقيعهم ، فألجأ لإعطائهم شيئاً من المال ليقوموا بتوقيعها فوراً ، وإلا سوف تتأخر كل معاملة أسبوعاً أو أكثر ، وهذا يضر بمصالح شركتي التي أعمل فيها ، علماً أن معاملاتي كلها ضمن النظام ولا مخالفة فيها ، سألت عن ذلك فقيل لي : هذا ليس برشوة ؛ لأنك تأخذ ما هو حق لك وتدفع عن نفسك الظلم ، ولا تبطل حقّاً ولا تحق باطلاً ، فما رأيكم ؟ مع العلم أنني سأطرد من الشركة في حال رفضت الدفع لهؤلاء وتعطلت مصالح الشركة .
الجواب:
الحمد لله
يجب على الموظفين أن يتقوا الله تعالى في وظائفهم ، وأن يؤدوها على الوجه المطلوب منهم دون تأخير أو تقصير ، ولا يحل لهم قبول الهدايا من المراجعين ومن أصحاب المعاملات ، وحرام عليهم تأخير المعاملات وعدم إنجازها إلا مقابل مالٍ يأخذونه ، وليعلموا أن هذا المال سحت يأكلونه ويطعمونه أولادهم ، وهي الرشوة التي لعن النبي صلى الله عليه وسلم آخذها .
فعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : (لعن النبي صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي) . رواه الترمذي ( 1337 ) وصححه ، وأبو داود ( 3580 ) وابن ماجه ( 2313 ) وصححه الألباني في سنن أبو داود .
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :(245/1)
"لا يحل لأحد موظف في دائرة من دوائر الحكومة أن يقبل الهدية في معاملة تتعلق بهذه الدائرة ، ولأننا لو فتحنا هذا الباب وقلنا : يجوز للموظف قبول هذه الهدية لكنا قد فتحنا باب الرشوة ، والرشوة خطيرة جدّاً ، وهي من كبائر الذنوب ، فالواجب على الموظفين إذا أُهدي لهم هدية فيما يتعلق بعملهم أن يردوا هذه الهدية ، ولا يحل لهم أن يقبلوها ، سواء جاءتهم باسم هدية ، أو باسم الصدقة ، أو باسم الزكاة ، ولا سيما إذا كانوا أغنياء ، فإن الزكاة لا تحل لهم كما هو معلوم" انتهى.
" فتاوى ابن عثيمين " ( 18 / 359 ، 360 ) .
وكما يحرم على الموظف قبول الرشوة وأخذها فإنه حرام - كذلك – على دافعها إلا أن يكون مضطراً بسبب حصول تأخير أو تعطيل في معاملته يؤدي إلى خسارة أو ضرر ، ويكون الإثم على الآخذ دون الدافع ، بشرط أن يكون صاحب المعاملة إنما يتوصل بذلك إلى حقه .
قال ابن الأثير رحمه الله :
"فأمّا ما يُعطى توصلاً إلى أخذ حق أو دفع ظلم فغير داخل فيه [أي في تحريم الرشوة]" انتهى.
" النهاية " ( 2 / 226 ) .
وقال الخطابي رحمه الله :
"إذا أَعطى ليتوصل به إلى حقه أو يدفع عن نفسه ظلماً فإنه غير داخل في هذا الوعيد " انتهى.
" معالم السنن " ( 5 / 207 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"ويجوز للمُهدي أن يبذل في ذلك ما يتوصل به إلى أخذ حقه أو دفع الظلم عنه ، هذا هو المنقول عن السلف والأئمة الكبار" انتهى.
" مجموع الفتاوى " ( 31 / 287 ) .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (72268) .
والله أعلم(245/2)
رقم السؤال:
70517
العنوان:
تعمل في مدرسة خاصة وتقدم اللحم للأطفال ولا تعرف ما هو الحكم
السؤال:
أعمل في مطعم في مدرسة للصغار في فرنسا ، وفي بعض الأحيان أكون مجبرة على تقديم اللحم للأطفال مع أني لا أعلم إذا كان حلالاً أم لا ، فهل يجوز لي ذلك أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كنت تشكين في هذا اللحم أنه قد يكون لحم خنزير فلا يجوز لك تقديمه للأطفال .
أما إذا كنت تعلمين أنه من اللحم الحلال كالبقر والغنم ، ولكن تشكين هل ذبح على الشريعة الإسلامية أم لا ؟
فهو حلال ، وهذا الشك لا يلتفت إليه ، ما دام الذي ذبحها ممن يصح ذبحه ، وهو المسلم والنصراني واليهودي .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
"إذا جاء هذا اللحم ممن تحل ذبيحته فهو حلال، وليس علينا أن نسأل كيف ذبح؟ ولا أن نسأل هل سمى الله عليه أم لا؟ ليس علينا هذا ، بل وليس لنا ذلك أيضاً؛ لأن السؤال عن هذا من باب التعمق في الدين، ولهذا لما جاء أناس يستفتون النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقولون: (إن قوماً يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ قال: سموا أنتم وكلوا) لم يقل : اسألوهم.. قال: (سموا أنتم وكلوا) . قالت عائشة راوية الحديث رضي الله عنها: (وكانوا حديثي عهد بكفر) وحديث العهد بالكفر قد يخفى عليه وجوب التسمية عند الذبح.
على كل حال: إذا جاءك اللحم ممن تحل ذبيحته، والذي تحل ذبيحته هو ثلاثة أصناف من الناس: المسلم واليهودي والنصراني، لا تسأل..
وكان اليهود يهدون إلى الرسول عليه الصلاة والسلام اللحم ويأكل دون أن يسأل، وكان يدعوه اليهودي إلى خبز شعير وإهالة سنخة لا يسأل عن هذه الإهالة كيف ذبحت، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم" انتهى باختصار .
"لقاء الباب المفتوح" .
وانظري جواب السؤال رقم (10339) .
والله أعلم(246/1)
رقم السؤال:
70531
العنوان:
هل يحل لوالد الفتاة منع زوجها من الجلوس معها بعد العقد ؟
السؤال:
تم عقد قراني على فتاة ، وتم الاتفاق على أن يكون موعد الزفاف بعد سنة بسبب الوضع المادي ، ولكنَّ أباها يرفض رفضا كليّاً أن أختلي بها ، ولو لفترة وجيزة للحديث ، أو مجرد الجلوس ، فهل يحل له منعي من الجلوس والاختلاء بها بداعي العادات والعرف ؟ وماذا عليَّ أن أفعل ؟ .
الجواب:
الحمد لله
عقد الزواج له ثلاثة أركان : الإيجاب والقبول وموافقة ولي الزوجة ، فالإيجاب هو : ما صدر من أحد العاقدَين أولاً ، دالاًّ على ما يريده من إنشاء العقد ، وسمي إيجاباً لأنه أوجد الالتزام ، والقبول هو : ما صدر ثانياً من الطرف الآخر دليلا على موافقته على ما أوجبه الأول ، وسمي قبولاً لأن فيه رضاً بما في الأول من التزام .
فإذا كان هذا بحضور ولي الزوجة ورضاه : فقد تمَّ عقد النكاح ، وصارت المرأة زوجة له ، وصار زوجاً لها ، ويترتب على هذا العقد آثاره الشرعية ، وهي :
1. حل استمتاع كل من الزوجين بالآخر .
2. وجوب المهر المسمى في العقد ، إن دخل بها ، أو اختلى بها خلوة شرعية يتمكن فيها من جماعها ، أو إذا مات قبل الدخول أو الخلوة ، ويجب لها نصف المسمى بمجرد العقد إن طلقها قبل الدخول أو الخلوة ، فإن لم يكن قد سمَّى لها مهراً : فإنه يجب لها عند الدخول أو الموت أو الخلوة الشرعية مهر مثيلاتها كأخواتها وبنات عمها .
3. وجوب النفقة للزوجة على زوجها من طعام وكسوة ومسكن ، وهذا لا يجب على الزوج إلا بعد الدخول بها ؛ لأن هذه الواجبات تكون مقابل الاستمتاع وكونها تحت قوامته .
4. ثبوت نسب الأولاد من الزوج في حال الدخول أو الخلوة الشرعية .
5. ثبوت حق التوارث بين الزوجين إذا مات أحدهما في حال قيام الزوجة سواء دخل الزوج بزوجته أو لم يدخل .(247/1)
6. ثبوت حرمة المصاهرة ، وهي حرمة أصول الزوج وفروعه على الزوجة ، وحرمة أصول الوجه وفروعها على الزوج ، على تفصيل معروف .
وما ذكرناه فيما يترتب على النكاح يُعلم به جواب السؤال ، وهو أنه يجوز لكلا الزوجين أن يستمتع بالآخر بمجرد العقد من لمس وتقبيل ومباشرة .
وفي جواب الأسئلة : (74321) و (13886) بيان هذه المباحات لمن عقد على امرأة حتى لو لم يدخل بها .
لكن يجوز للولي أن يُشدِّد في الخلوة الشرعية – وهي إغلاق الأبواب وإرخاء الستور - والجماع – من باب أولى - لما يترتب عليه من مفاسد قبل إعلان الدخول ؛ فقد تحصل وفاة أو يحدث طلاق فتترتب آثار سيئة على المرأة في حال كونها حاملاً أو قد فضَّت بكارتها .
وفي جواب السؤال ( 3215 ) بيان هذه المسألة فنرجو النظر فيه .
فإذا انضم إلى هذه المفاسد التي كثيرا ما تحدث من جراء التساهل في ذلك قبل البناء ، والانتقال إلى بيت الزوجية ، نظرة الناس ، وعرفهم الذي لا يقبل مثل هذه العلاقة إلا بعد البناء بالزوجة ، في المسكن المعد لذلك ، كان هذا أمرا معتبرا في صيانة الأعراض والأنساب ، ويجب على الزوج أن يقدِّر هذا الأمر وأن يفكِّر بعقله لا بعاطفته ، وليعلم آثار هذا الأمر لو حصلت وفاة أو حصل طلاق ، وأنه – يقيناً – لا يرضى هذا لابنته ، فكذلك الناس لا يرضونه لبناتهم ، ونرى أن هذا هو الحل الأمثل والوسط بين التشدد والتساهل في هذا الأمر .
والله أعلم(247/2)
رقم السؤال:
70557
العنوان:
هل يجوز مشاهدة أفلام أو مقاطع فيها نساء للعظة والعبرة؟
السؤال:
في الآونة الأخيرة ظهر مقطع فيديو لامرأة تموت وهي تزني ، وطبعا المقطع كله مظلل ومغطى لا يظهر منه شيء سوى وجهها وهي تخرج منه الروح ، فهل يجوز مشاهدة ذلك للعظة والعبرة ونشره - مع العلم أنه منتشر في أغلب المنتديات - ؟ وما حكم مشاهدة ما يشبهها مثل حوادث السيارات للعظة والعبرة وما يعرض في التلفاز من مآسي وزلازل وسقوط أناس من أعلى الجبل وموتهم أو وقوع سور الإستاد أو سقوط الطائرات وتفجرها أو خروج الأرواح من سوء الخاتمة كحوادث السيارات المباشرة في وقتها أو المعروضة على شريط فيديو ومسجلة ؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز إظهار المرأة على مقاطع فيديو ونشرها على الناس بحجة أنها مؤثرة ، ومن المعلوم أن المرأة عورة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ) رواه الترمذي (1173) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
فلا يجوز النظر إليها – عياناً أو على صورة - ، ولم تستثن الشريعة إلا ما كان لحاجة أو ضرورة كالنظر إلى المخطوبة ، وعند الشهادة والعلاج ، ونحو ذلك .
وهذه المقاطع المؤثرة وخاصة تلك التي تكون في أوضاع سيئة كالمقطع الوارد في السؤال ، أو ما نشر من خسف صالة فيها رقص نساء ورجال وشرب خمور ، كل ذلك لا يبيح نشره ولا النظر إليه ، ومن أبى إلا هذا الفعل فليطمس صورة المرأة كاملة .
وأما ما ينشر من حوادث الطرق أو التفجيرات أو الزلازل وما يشبهه فيجوز للعبرة والعظة على أن لا يشتمل على صور نساء أو كشف عورات .
ونرى أن يحرص المسلم على التذكير والتخويف بالقرآن والسنة الصحيحة ، ولا مانع من استعمال القصة في الموعظة على أن يتجنب القصص المكذوبة ، أو تلك التي قد تكون سببا لإثارة الشهوات .
والله أعلم(248/1)
رقم السؤال:
70558
العنوان:
هل يقلد الصوفية للتمويه بسبب الضغوط الأمنية ؟
السؤال:
نحن في بلدنا للأسف يلاحَق السلفيون أمنيّاً ، فهل يجوز لي أن أقلد الصوفية في بعض البدع غير المكفرة للتورية ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
نسأل الله تعالى أن يفرّج كربكم ، ويزيل همكم ، وأن يعلي راية السنة .
ثانياً :
لا بدَّ من التفريق بين حال توقع حصول الضرر بالوهم ، وحال غلبة الظن بحصوله ، أو اليقين ، أما الأوهام فغير معتبرة للوقوع في المحذور من أجلها ؛ وأما الضرر اليقيني فهو مبيح للأخذ بالرخصة في فعل المحذور ، وأما ما كان بغلبة الظن فهو متردد بين الحكمين ، وهو إلى الأخذ بالرخصة أقرب .
ثالثاً :
حد الضرر المبيح للوقوع في المحرم ليس هو الضرر اليسير كالتحقيق والاعتقال لأيام قليلة أو الطرد من الوظيفة ، بل هو ما كان غير محتمل من الأذى والعقوبة المتعلقة بالدين والبدن والعقل والعرض ، ولا بدَّ أن يكون المهدِّد بالضرر قادراً على تنفيذ قوله ، وكذا أن يكون المكرَه عاجزاً عن دفعه .
قال ابن قدامة المقدسي – رحمه الله - :
ومن شرط الإكراه ثلاثة أمور أحدها : أن يكون من قادر بسلطان ، أو تغلب كاللص ونحوه ، وحكي عن الشعبي : إن أكرهه اللص : لم يقع طلاقه ، وإن أكرهه السلطان وقع ، قال ابن عيينة : لأن اللص يقتله والسلطان لا يقتله " انظر : [ مصنف عبد الرزاق : 11422] .
وعموم ما ذكرناه في دليل الإكراه يتناول الجميع ، والذين أكرهوا عماراً لم يكونوا لصوصا ً , وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم – لعمار : " إن عادوا فعُد " ؛ ولأنه إكراه ، فمنع وقوع الطلاق ، كإكراه اللصوص .
الثاني : أن يغلب على ظنه نزول الوعيد به إن لم يجبه إلى ما طلبه .
الثالث : أن يكون مما يستضر به ضرراً كثيرا ً , كالقتل والضرب الشديد ، والقيد , والحبس الطويل ، فأما الشتم والسب فليس بإكراه رواية واحدة ، وكذلك أخذ المال اليسير .(249/1)
فأما الضرر اليسير : فإن كان في حق من لا يبالي به : فليس بإكراه ، وإن كان في بعض ذوي المروءات ، على وجه يكون إخراقاً بصاحبه ، وغضّاً له ، وشهرة في حقه ، فهو كالضرب الكثير في حق غيره .
وإن توعد بتعذيب ولده , فقد قيل : ليس بإكراه لأن الضرر لا حق بغيره ، والأولى أن يكون إكراها ، لأن ذلك عنده أعظم من أخذ ماله ؛ والوعيد بذلك إكراه , فكذلك هذا .
" المغني " ( 7 / 292 ) .
رابعاً :
قد كان المسلمون الأوائل في مكة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يخفون إسلامهم ، ولم يكن يقتضي هذا منهم إظهار شعائر الكفر ، فالذي نراه في حالتكم : أنكم لا تتسببون في لفت الأنظار إليكم بالمناقشات والتحرشات بالمخالفين من أهل البدعة ، وإذا اضطررتم لدفع الضر عنكم بمجالسة أهل البدعة فليكن ذلك حيث لا يكونون متلبسين ببدعتهم ، فيمكنك حضور دروس لهم – مثلاً – فقهية أو لغوية ، مع ضرورة التنبه أنه لم تعُد مثل هذه التصرفات بخافية على أهل البدع والضلالة ، فنوصيكم بالصبر على الدعوة ، وتوقع حصول الأذى ، ولا يجوز لكم التحرش بهم لجلب الضرر لكم ولدعوتكم ، فعليكم التحلي بالأخلاق الفاضلة حين دعوة الناس وحين الإنكار عليهم ، واسألوا الله تعالى أن يخفف وطأة أهل البدع ومن ينصرهم عليكم .
والله أعلم(249/2)
رقم السؤال:
71183
العنوان:
خطورة أمر الدَّيْن
السؤال:
أنا أعمل لأساعد زوجي في تكاليف المعيشة ، فمُرَتَّبُه لا يكفي لسد احتياجاتنا الأساسية وتعليم أبنائنا، وكنت قد اقترضت مبلغا من المال من بعض الناس لسداد بعض الديون ، والحمد لله ، يمكنني أن أقول إن الله يختبر إيماننا فيما يتعلق " بالمال ". وفي يوم من الأيام كنت أستمع لمحاضرة حول العقوبة الشديدة على المسلم الذي لم يسدد ديونه ، كما ذكر أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يصلي على الميت الذي لم يسدد ديونه ، وقد أورد المحاضر دعاءً لكني لم أتمكن من كتابته . أرجو أن تخبرني ما هي العقوبات ؟ وتزودني بالدعاء لمساعدتي في تسديد ديوني ؟
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
يعرف الفقهاء الدَّين بأنه " لزوم حق في الذمة " كما في "الموسوعة الفقهية" (21/102) ، ومعاني الدَّينِ اللغوية تدور حول الانقياد والذل ، وبين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي رابط ظاهر ، فإن المَدين أَسيرٌ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم ( إِنَّ صَاحِبَكُمْ مَأْسُورٌ بِدَيْنِهِ ) رواه أبو داود (3341) وحسنه الألباني في صحيح أبي داود .
ثانيا :
قد جاءت الشريعة الإسلامية بالتشديد في أمر الدين ، والتحذير منه ، والترغيب في احتراز المسلم منه ، ما أمكنه ذلك :
فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة :
( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْمَأْثَمِ وَالْمَغْرَمِ . فَقَالَ لَهُ قَائِلٌ : مَا أَكْثَرَ مَا تَسْتَعِيذُ مِنَ الْمَغْرَمِ ؟! فَقَالَ : إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَرِمَ [أي : استدان] حَدَّثَ فَكَذَبَ ، وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ ) رواه البخاري (832) ومسلم (589)
وروى النسائي (4605) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَحْشٍ رضي الله عنه قَالَ :(250/1)
( كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ وَضَعَ رَاحَتَهُ عَلَى جَبْهَتِهِ ثُمَّ قَالَ : سُبْحَانَ اللَّهِ ! مَاذَا نُزِّلَ مِنَ التَّشْدِيدِ ؟ فَسَكَتْنَا وَفَزِعْنَا ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ سَأَلْتُهُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَا هَذَا التَّشْدِيدُ الَّذِي نُزِّلَ ؟ فَقَالَ : وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ! لَوْ أَنَّ رَجُلا قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ أُحْيِيَ ، ثُمَّ قُتِلَ ، ثُمَّ أُحْيِيَ ، ثُمَّ قُتِلَ ، وَعَلَيْهِ دَيْنٌ مَا دَخَلَ الْجَنَّةَ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُهُ ) حسنه الألباني في صحيح النسائي (4367)
وقد ترك النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة على من مات وعليه ديناران ، حتى تكفل بسدادهما أبو قتادة رضي الله عنه ، فلما رآه من الغد وقال له قد قضيتها ، قال صلى الله عليه وسلم : ( الْآنَ بَرَدَتْ عَلَيْهِ جِلْدُهُ ) مسند أحمد (3/629) وحسنه النووي في "الخلاصة" (2/931) وابن مفلح في "الآداب الشرعية" (1/104) وحسنه محققو مسند أحمد .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (4/547) :
" وفي هذا الحديث إشعار بصعوبة أمر الدين وأنه لا ينبغي تحمله إلا من ضرورة " انتهى .
وعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مَنْ مَاتَ وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْ ثَلَاثٍ : الْكِبْرِ وَالْغُلُولِ وَالدَّيْنِ ، دَخَلَ الْجَنَّةَ )
رواه الترمذي (1572) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ ) رواه الترمذي (1078)
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (4/164) :(250/2)
" قوله : ( نفس المؤمن معلقة ) قال السيوطي : أي محبوسة عن مقامها الكريم . وقال العراقي : أي أمرها موقوف لا حكم لها بنجاة ولا هلاك حتى ينظر هل يقضى ما عليها من الدين أم لا " انتهى .
وقد جاء عن كثير من السلف التحذير من الدين أيضا :
فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال :
( َإِيَّاكُمْ وَالدَّيْنَ فَإِنَّ أَوَّلَهُ هَمٌّ وَآخِرَهُ حَرْبٌ ) رواه مالك في الموطأ (2/770)
وفي "مصنف عبد الرزاق" (3/57) :
قال ابن عمر رضي الله عنهما :
( يا حمران ! اتق الله ولا تمت وعليك دين ، فيؤخذ من حسناتك ، لا دينار ثَمَّ ولا درهم )
ثالثا :
لم يأت كل هذا التشديد في أمر الدين إلا لما فيه من المفاسد على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع .
أما على مستوى الفرد فيقول القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (3/417) :
" قال علماؤنا : وإنما كان شينا ومذلة لما فيه من شغل القلب والبال ، والهم اللازم في قضائه ، والتذلل للغريم عند لقائه ، وتحمل منته بالتأخير إلى حين أوانه ، وربما يعد من نفسه القضاء فيخلف ، أو يحدث الغريم بسببه فيكذب ، أو يحلف له فيحنث ، إلى غير ذلك ، وأيضا فربما قد مات ولم يقض الدين فيرتهن به ، كما قال عليه السلام : ( نسمة المؤمن مرتهنة في قبره بدينه حتى يقضى عنه ) رواه الترمذي 1078 وكل هذه الأسباب مشائن في الدين تذهب جماله وتنقص كماله " انتهى .
وأما على مستوى المجتمع ، فيذكر المتخصصون من المفاسد ما هو خطير على وضع الاقتصاد الأمثل :
1- نمو النزعة إلى تفضيل العاجل أو التلهف الزمني .
2- ضعف روح المسؤولية والاعتماد على الذات .
3- سوء توزيع الثروة .
وللتوسع في فهم هذه المفاسد ينظر دراسة فضيلة الشيخ سامي السويلم بعنوان "موقف الشريعة الإسلامية من الدين" (6-11)
رابعا :
وانطلاقا مما سبق اشترط العلماء لجواز الدين شروطا ثلاثة :
1- أن يكون المستدين عازما على الوفاء .
2- أن يعلم أو يغلب على ظنه قدرته على الوفاء .(250/3)
3- أن يكون في أمر مشروع .
يقول ابن عبد البر في "التمهيد" (23/238) :
" والدين الذي يُحبَسُ به صاحبُه عن الجنة ، والله أعلم ، هو الذي قد تَرك له وفاءً ولم يوص به ، أو قدر على الأداء فلم يؤد ، أو ادَّانه في غير حق ، أو في سرف ومات ولم يؤده .
وأما من ادَّان في حق واجب لفاقةٍ وعشرةٍ ، ومات ولم يترك وفاء ، فإن الله لا يحبسه به عن الجنة إن شاء الله " انتهى .
خامسا :
وما دمت - أختي السائلة الكريمة – قد ابتليت بالدين لقيامك بواجب مساعدة الزوج والأسرة على النهوض بأعباء الحياة ، فلك الأجر عند الله سبحانه وتعالى على هذه العشرة الحسنة ، فأسأل الله أن يجزل لك الأجر والمثوبة ، واعلمي أنه سبحانه سيعينك على سداد هذا الدين ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ ) رواه البخاري (2387) .
واستعيني على ذلك بالحرص والسعي الجاد لسداد الدين ، وبالتوكل على الله تعالى ، وبدعائه سبحانه أن ييسر لك ما تقضين به دينك .
وفي السنة النبوية مجموعة من الأدعية التي جاءت بخصوص الاستعانة بالله على قضاء الدين ، وهي :
1- عَنْ سُهَيْلٍ قَالَ : كَانَ أَبُو صَالِحٍ يَأْمُرُنَا إِذَا أَرَادَ أَحَدُنَا أَنْ يَنَامَ أَنْ يَضْطَجِعَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ ثُمَّ يَقُولُ :(250/4)
( اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ وَرَبَّ الْأَرْضِ وَرَبَّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ رَبَّنَا وَرَبَّ كُلِّ شَيْءٍ فَالِقَ الْحَبِّ وَالنَّوَى وَمُنْزِلَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْفُرْقَانِ أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ كُلِّ شَيْءٍ أَنْتَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهِ اللَّهُمَّ أَنْتَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الظَّاهِرُ فَلَيْسَ فَوْقَكَ شَيْءٌ وَأَنْتَ الْبَاطِنُ فَلَيْسَ دُونَكَ شَيْءٌ اقْضِ عَنَّا الدَّيْنَ وَأَغْنِنَا مِنْ الْفَقْرِ )
وَكَانَ يَرْوِي ذَلِكَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . رواه مسلم (2713)
2- وعَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مُكَاتَبًا جَاءَهُ فَقَالَ : إِنِّي قَدْ عَجَزْتُ عَنْ كِتَابَتِي فَأَعِنِّي .
قَالَ : أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ عَلَّمَنِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، لَوْ كَانَ عَلَيْكَ مِثْلُ جَبَلِ صِيرٍ دَيْنًا أَدَّاهُ اللَّهُ عَنْكَ ؟! قَالَ : قُلْ :
( اللَّهُمَّ اكْفِنِي بِحَلَالِكَ عَنْ حَرَامِكَ ، وَأَغْنِنِي بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ )
رواه الترمذي (2563) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ . وحسنه الألباني في صحيح الترمذي
الكتابة : المال الذي كاتب به السيد عبده ، جبل صِير : هو جبل لطيء ، ويروى صبير .
3- وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه قَالَ :(250/5)
دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ الْمَسْجِدَ فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو أُمَامَةَ ، فَقَالَ يَا أَبَا أُمَامَةَ ! مَا لِي أَرَاكَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ ؟! قَالَ : هُمُومٌ لَزِمَتْنِي وَدُيُونٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ : أَفَلَا أُعَلِّمُكَ كَلَامًا إِذَا أَنْتَ قُلْتَهُ أَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمَّكَ ، وَقَضَى عَنْكَ دَيْنَكَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ! قَالَ :
( قُلْ إِذَا أَصْبَحْتَ وَإِذَا أَمْسَيْتَ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ الْجُبْنِ وَالْبُخْلِ ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ غَلَبَةِ الدَّيْنِ وَقَهْرِ الرِّجَالِ )
قَالَ : فَفَعَلْتُ ذَلِكَ ، فَأَذْهَبَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَمِّي ، وَقَضَى عَنِّي دَيْنِي .
رواه أبو داود (1555) وفيه غسان بن عوف قال الذهبي : غير حجة. لذلك ضعف الشيخ الألباني الحديث في ضعيف أبي داود . ولكن الدعاء المذكور ، وهو قوله : اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن.. ثابت في الصحيحين من غير قصة أبي أمامة هذه ، والله أعلم .
والله أعلم .(250/6)
رقم السؤال:
71184
العنوان:
نعم ، كان خلقه صلى الله عليه وسلم القرآن
السؤال:
أرجو أن تؤكد ما إذا كانت عائشة رضي الله عنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يلي : ( كان خلقه القرآن ) . لقد أمضيت ساعات وأنا أبحث عن الدليل لكن دون جدوى .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نعم ، ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت ذلك في وصف النبي صلى الله عليه وسلم .
فقد جاء في حديث طويل في قصة سعد بن هشام بن عامر حين قدم المدينة ، وأتى عائشة رضي الله عنها يسألها عن بعض المسائل ، فقال :
( فَقُلتُ : يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ ! أَنبئِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ؟
قَالَت : أَلَستَ تَقرَأُ القُرآنَ ؟
قُلتُ : بَلَى .
قَالَت : فَإِنَّ خُلُقَ نَبِيِّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَانَ القُرآنَ .
قَالَ : فَهَمَمْتُ أَن أَقُومَ وَلَا أَسأَلَ أَحَدًا عَن شَيْءٍ حَتَّى أَمُوتَ ...الخ ) رواه مسلم (746)
وفي رواية أخرى :
( قُلتُ : يَا أُمَّ المُؤمِنِينَ ! حَدِّثِينِي عَن خُلُقِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ .
قَالَت : يَا بُنَيَّ أَمَا تَقرَأُ القُرآنَ ؟ قَالَ اللَّهُ : ( وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ) خُلُقُ مُحَمَّدٍ القُرآنُ )
أخرجها أبو يعلى (8/275) بإسناد صحيح .
قال النووي رحمه الله تعالى في "شرح مسلم" (3/268) :
" معناه : العمل به ، والوقوف عند حدوده ، والتأدب بآدابه ، والاعتبار بأمثاله وقصصه ، وتدبره ، وحسن تلاوته " انتهى .
وقال ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/148) :
" يعني أنه كان يتأدب بآدابه ويتخلق بأخلاقه ، فما مدحه القرآن كان فيه رضاه ، وما ذمه القرآن كان فيه سخطه ، وجاء في رواية عنها قالت : ( كَانَ خُلُقُهُ القُرآنُ ، يَرضَى لِرِضَاه ، وَيَسخَطُ لِسَخَطِهِ ) " انتهى .
وقال المُناوي في "فيض القدير" (5/170) :(251/1)
" أي ما دل عليه القرآن من أوامره ونواهيه ووعده ووعيده إلى غير ذلك .
وقال القاضي : أي خلقه كان جميع ما حصل في القرآن ، فإنَّ كُلَّ ما استحسنه وأثنى عليه ودعا إليه فقد تحَلَّى به ، وكل ما استهجنه ونهى عنه تَجَنَّبَه وتَخَلَّى عنه ، فكان القرآن بيان خلقه ... " انتهى .
ثانيا :
ومن حق النبي صلى الله عليه وسلم علينا – خاصة في هذه الأيام التي يتعرض فيها شخصه الكريم لحملة الكذب والتشويه – أن نَذكُرَ شيئا من شمائله الكريمة ، وصفاته الحميدة ، ليعلم العالَم أن في شخصه الكريم صلى الله عليه وسلم أطهر شخص وأعظم نفس وأكرم قلب .
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/430-442) :
" بيان جملة من محاسن أخلاقه التي جمعها بعض العلماء والتقطها من الأخبار ، فقال :(251/2)
كان أحلم الناس ، وأشجع الناس ، وأعدل الناس ، وأعف الناس ، لم تمسَّ يده قط يد امرأة لا يملك رقها أو عصمة نكاحها أو تكون ذات محرم منه ، وكان أسخى الناس ، لا يبيت عنده دينار ولا درهم ، وإن فضل شيء ولم يجد من يعطيه وفَجَأَهُ الليلُ لم يأو إلى منزله حتى يتبرَّأَ منه إلى من يحتاج إليه ، لا يأخذ مما آتاه الله إلا قوت عامه فقط من أيسر ما يجد من التمر والشعير ، ويضع سائر ذلك في سبيل الله ، لا يُسأَلُ شيئا إلا أعطاه ، ثم يعود على قوت عامه فيؤثِرُ منه حتى إنه ربما احتاج قبل انقضاء العام إن لم يأته شيء ، وكان يخصف النعل ، ويرقع الثوب ، ويخدم في مهنة أهله ، ويقطع اللحم معهن ، وكان أشد الناس حياء ، لا يثبت بصره في وجه أحد ، ويجيب دعوة العبد والحر ، ويقبل الهدية ولو أنها جرعة لبن ويكافئ عليها ، ولا يأكل الصدقة ، ولا يستكبر عن إجابة الأمة والمسكين ، يغضب لربه ولا يغضب لنفسه ، وينفذ الحق وإن عاد ذلك عليه بالضرر أو على أصحابه ، وَجَدَ مِن فُضَلاء أصحابه وخيارهم قتيلا بين اليهود فلم يَحِفْ عليهم ولا زاد على مُرِّ الحق ، بل وداه بمائة ناقة وإنَّ بأصحابه لحاجة إلى بعير واحد يتقوون به ، وكان يعصب الحجر على بطنه من الجوع ، ولا يتورع عن مطعم حلال ، لا يأكل متكئا ولا على خِوان ، لم يشبع من خبزٍ ثلاثةَ أيام متوالية حتى لقي الله تعالى ، إيثارا على نفسه لا فقرا ولا بخلا ، يجيب الوليمة ، ويعود المرضى ، ويشهد الجنائز ، ويمشي وحده بين أعدائه بلا حارس ، أشد الناس تواضعا ، وأسكنهم في غير كبر ، وأبلغهم من غير تطويل ، وأحسنهم بِشْرًا ، لا يهوله شيء من أمور الدنيا ، ويلبس ما وجد ، يردف خلفه عبده أو غيره ، يركب ما أمكنه ، مرة فرسا ، ومرة بعيرا ، ومرة بغلة ، ومرة حمارا ، ومرة يمشي حافيا بلا رداء ولا عمامة ولا قلنسوة ، يعود المرضى في أقصى المدينة ، يحب الطيب ، ويكرة الرائحة الرديئة ، يجالس الفقراء ، ويؤاكل(251/3)
المساكين ، ويكرم أهل الفضل في أخلاقهم ، ويتألف أهل الشرف بالبر لهم ، يصل ذوي رحمه من غير أن يؤثرهم على من هو أفضل منهم ، لا يجفو على أحد ، يقبل معذرة من اعتذر إليه ، يمزح ولا يقول إلا حقا ، يضحك من غير قهقهة ، يرى اللعب المباح فلا ينكره ، يسابق أهله ، وترفع الأصوات عليه فيصبر ، وكان له عبيد وإماء لا يرتفع عليهم في مأكل ولا ملبس ، ولا يمضي له وقت في غير عمل لله تعالى أو فيما لا بد منه من صلاح نفسه ، لا يحتقر مسكينا لفقره وزمانته [ الزمانة : المرض المزمن ] ، ولا يهاب ملكا لملكه ، يدعو هذا وهذا إلى الله دعاء مستويا .
ومما رواه أبو البختري قال : ما شتم رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا من المؤمنين بشتيمة إلا جعل لها كفارة ورحمة ، وقال : ( إنما بعثت رحمة ولم أبعث لعانا ) ، وكان إذا سئل أن يدعو على أحد ، مسلم أو كافر ، عدل عن الدعاء عليه إلى الدعاء له ، وما ضرب بيده أحدا قط ، وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما إلا أن يكون فيه إثم أو قطيعة رحم ، وقد وصفه الله تعالى في التوراة قبل أن يبعثه ، فقال : محمد رسول الله ، عبدي المختار ، لا فظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، وكان من خلقة أن يبدأ من لقيه بالسلام ، ومن قاومه لحاجة صابره حتى يكون هو المنصرف ، وما أخذ أحد بيده فيرسل يده حتى يرسلها الآخر ، ولم يكن يُعرَف مجلسه من مجلس أصحابه ، قال الله تعالى : ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) آل عمران/159(251/4)
قد جمع الله له السيرة الفاضلة والسياسة التامة وهو أمي لا يقرأ ولا يكتب ، نشأ في بلاد الجهل والصحارى في فقره وفي رعاية الغنم ، يتيما لا أب له ولا أم ، فعلمه الله تعالى جميع محاسن الأخلاق ، والطرق الحميدة وأخبار الأولين والآخرين ، وما فيه النجاة والفوز في الآخرة والغبطة والخلاص في الدنيا ، ولزوم الواجب وترك الفضول ، وفقنا الله لطاعته في أمره والتأسي به في فعله آمين يا رب العالمين " انتهى بشيء من الاختصار .
ولا يحسبن أحد أن ما سبق من قبيل الكلام الإنشائي الخطابي ، بل كل جملة فيه جاء في المسانيد والصحاح والسنن عشرات الأحاديث الصحيحة المسندة مما يدل عليه ويشهد له ، ولكن آثرت عدم ذكرها اختصارا ، ومن أراد الاطلاع عليها فليرجع إلى كتاب ( الشمائل المحمدية ) للإمام الترمذي .
رابعا :
وفي النهاية أنصحك أخي السائل أن تستعين في بحثك بجهاز الحاسوب والبرامج الحديثية الميسرة ، وهي كثيرة بحمد الله ، فإنها تختصر عليك الوقت والجهد ، كما أنك تستطيع من خلالها الوصول إلى الحديث الذي تريد ومعرفة حكمه ، وأنصحك بشراء بعض الكتب الشاملة ،مما تجمع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وترتبها على المواضيع ، ومن أعظمها وأوسعها وأيسرها كتاب ( رياض الصالحين ) للإمام النووي ، وكذلك ( الترغيب والترهيب ) للإمام المنذري ، فقد رتب أحاديثه على الموضوعات ، وجمع من جميع كتب السنة ما يتعلق بالموضوع الذي يتحدث عنه ، وقد خدمه أهل العلم بالتحقيق وبيان الصحيح من الضعيف ، منهم الشيخ الألباني رحمه الله تعالى .
أسأل الله تعالى لك الأجر على جهدك وبحثك ، وأسأله سبحانه أن يوفقنا وإياك لما فيه الخير .
والله تعالى أعلم .(251/5)
رقم السؤال:
71220
العنوان:
إباحة التزوج بأكثر من امرأة يشمل جميع الرجال
السؤال:
سؤالي هو هل ممكن الحصول على دليل نصي على أن القائد في الإسلام ، أو صاحب الرتبة العالية له أنه يتزوج أكثر من زوجة واحدة ، أو أن الذي يتزوج زوجتان أو أكثر يجب أن يكون قائدا ؟ الرجاء الإدلاء بالحكم والمصدر لهذا الحكم
الجواب:
الحمد لله
فقد قال الله تعالى : ( فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُوا) النساء/3.
وهذه الآية عامة في إباحة التزوج بأكثر من امرأة لجميع الرجال دون تخصيص أحد من المكلفين بهذا الحكم دون غيره ، وذلك ما لم يوجد مانع معتبر شرعا يمنع من التعدد .
ويمكن مراجعة تفاصيل أخرى حول تعدد الزوجات ، وحكمه في إجابة الأسئلة (14022) ، (49044) ، (36486) .
وقد أجمع أهل العمل على مشروعية ذلك ، من حيث الجملة ، وأنه لا يجوز لأحد من الأمة أن يجمع بين أكثر من أربع .(252/1)
قال ابن قدامة رحمه الله : " قَالَ [ يعني : الخرقي ] : ( وَلَيْسَ لِلْحُرِّ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَ أَكْثَرِ مِنْ أَرْبَعِ زَوْجَاتٍ ) أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى هَذَا , وَلَا نَعْلَمُ أَحَدًا خَالَفَهُ مِنْهُمْ , إلَّا شَيْئًا يُحْكَى عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ إبْرَاهِيمَ , أَنَّهُ أَبَاحَ تِسْعًا ; لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : { فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنْ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } . وَالْوَاوُ لِلْجَمْعِ ; وَلِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَاتَ عَنْ تِسْعٍ . وَهَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّهُ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ , وَتَرْكٌ لِلسُّنَّةِ , فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم { قَالَ لِغَيْلَانَ بْنِ سَلَمَةَ , حِينَ أَسْلَمَ وَتَحْتَهُ عَشْرُ نِسْوَةٍ : أَمْسِكْ أَرْبَعًا , وَفَارِقْ سَائِرَهُنَّ . } وَقَالَ نَوْفَلُ بْنُ مُعَاوِيَةَ : { أَسْلَمْت وَتَحْتِي خَمْسُ نِسْوَةٍ , فَقَالَ لِي النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم : فَارِقْ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ . } رَوَاهُمَا الشَّافِعِيُّ , فِي " مُسْنَدِهِ " . وَإِذَا مُنِعَ مِنْ اسْتِدَامَةِ زِيَادَةٍ عَنْ أَرْبَعٍ , فَالِابْتِدَاءُ أَوْلَى , فَالْآيَةُ أُرِيدَ بِهَا التَّخْيِيرُ بَيْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ , كَمَا قَالَ : { أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ } . وَلَمْ يُرِدْ أَنَّ لِكُلِّ مَلَكٍ تِسْعَةَ أَجْنِحَةٍ , وَلَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَقَالَ : تِسْعَةً . وَلَمْ يَكُنْ لِلتَّطْوِيلِ مَعْنًى , وَمَنْ قَالَ غَيْرَ هَذَا فَقَدْ جَهِلَ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ . وَأَمَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَمَخْصُوصٌ بِذَلِكَ , أَلَا تَرَى أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ .
" انتهى من المغني (7/65) .(252/2)
وأما ما ذكرت من التخصيص بجواز ذلك للقائد دون غيره فليس له دليل في كتاب الله أو سنة رسوله ، ولا نعلم أحدا من المنتسبين إلى العلم قال به .
والله أعلم .(252/3)
رقم السؤال:
71225
العنوان:
من هي التي تختارها زوجة لك ؟
السؤال:
ما هي مواصفات الزوجة الصالحة ، ولماذا نتزوج هذه الزوجة ؟
الجواب:
الحمد للَّه
لما كانت الدنيا مرحلةً إلى الآخرة ، يُبتلى المرء فيها لتُنظرَ أعمالُه فيجازَى عليها يوم القيامة ، كان لزاما على المسلم العاقل أن يتحرَّى في دنياه كلَّ ما يعينه على تحصيل السعادة في أخراه ، وأهم معين وأولى نصير هو الصاحب الصالح ، والذي يبدأ بالمجتمع المسلم الذي يعيش فيه ، ثم باختيار الصديق التقي كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم : ( لَا تُصَاحِبْ إِلَّا مُؤْمِنًا ) رواه أبو داود (4832) وحسنه الألباني في صحيح الجامع .
ثم ينتهي باختيار الزوجة الصالحة التي يتوسم فيها أن تكون خير معين ورفيق إلى السعادة الأبدية في الجنة عند الله سبحانه وتعالى .
وتَوَسُّمُ صلاحِ الزوجة لا بد أن يتمثل في جميع جوانب الحياة :
فهي التي يظن فيها أن تحفظ نفسها وعرضها في حضوره ومغيبه ، وفي الصغير والكبير .
يقول سبحانه وتعالى : ( فالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ ) النساء/34
وهي التي تتحلى بالخلق الحسن ، والأدب الرفيع ، فلا يُعرف منها بذاءة لسان ولا خبث جنان ولا سوء عشرة ، بل تتحلى بالطيب والنقاء والصفاء ، وتتزين بحسن الخطاب ولطف المعاملة ، وأهم من ذلك كله أن تتقبل النصيحة وتستمع إليها بقلبها وعقلها ، ولا تكون من اللواتي اعتدن الجدال والمراء والكبرياء .
قال الأصمعيّ : أخبرنا شيخٌ من بني العنبر قال : كان يقال : النساء ثلاث : فهينّةٌ ليّنةٌ عفيفة مسلمة ، تعين أهلَها على العيش ولا تعينُ العيشَ على أهلِها ، وأخرى وعاءٌ للولد ، وأخرى غُلٌ قمٍِلٌ ، يضعه اللّه في عنق من يشاء ، ويفكّه عمن يشاء .
وقال بعضهم : خير النساء التي إذا أُعطيت شكرت ، وإذا حُرمت صبرت ، تسرك إذا نظرت ، وتطيعك إذا أمرت .(253/1)
وهي التي تحافظ على صلتها بربها ، وتسعى دوما في رفع رصيدها من الإيمان والتقوى ، فلا تترك فرضا ، وتحرص على شيء من النفل ، وتقدم رضى الله سبحانه على كل ما سواه.
وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ ) رواه البخاري (4802) ومسلم (1466) .
والمرأة الصالحة هي التي ترى فيها مربية صادقةً لأبنائك ، تعلمهم الإسلام والخلق والقرآن ، وتغرس فيهم حب الله وحب رسوله وحب الخير للناس ، ولا يكون همُّها من دنياهم فقط أن يبلغوا مراتب الجاه والمال والشهادات ، بل مراتب التقوى والديانة والخلق والعلم .
وبجانب ذلك كله ، ينبغي أن يختار المسلم الزوجة التي تسكُنُ نفسه برؤيتها ، ويرضى قلبه بحضورها ، فتملأُ عليه منزله ودنياه سعة وفرحا وسرورا .
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! أَيُّ النِّسَاءِ خَيرٌ ؟ قال : التِي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ إِليهَا ، وَتُطِيعُهُ إِذَا أَمَر ، وَلا تُخَالِفُهُ فِي نَفسِهَا وَلا فِي مَالِهِ بِمَا يَكرَهُ )
رواه أحمد (2/251) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (1838)
قيل لعائشة رضي الله عنها : أي النساء أفضل ؟ فقالت : التي لا تعرف عيب المقال ، ولا تهتدي لمكر الرجال ، فارغة القلب إلا من الزينة لبعلها ، والإبقاء في الصيانة على أهلها .
انظر "محاضرات الأدباء" الراغب الأصفهاني (1/410) وعيون الأخبار لابن قتيبة (1/375)
ويمكنك الاستفادة من سؤال رقم (6585) ، (8391) ، (26744) ، (83777)
والله أعلم .(253/2)
رقم السؤال:
71237
العنوان:
هل يجوز للمرأة ركوب المصعد مع رجل أجنبي وحدها؟
السؤال:
هل يجوز ركوب المصعد مع رجل أجنبي ( كلانا فقط ) ؟ وهل هناك فرق في الحكم بين المصعد المفتوح؟ العادي المغلق؟
الجواب:
الحمد لله
حرم الله تعالى خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ) رواه الترمذي (1171) وصححه الألباني في صحيح الترمذي .
وروى البخاري (1862) ومسلم (1341) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا وَمَعَهَا ذُو مَحْرَمٍ) .
ونقل النووي رحمه الله في شرح مسلم (14/153) إجماع العلماء على تحريم خلوة الرجل بالمرأة الأجنبية عنه. وكذا نقله الحافظ في الفتح (4/77) .
والخلوة هي الانفراد ، فمعنى خلوة الرجل بالمرأة : أي : اجتماعهما في مكان منفردين ليس معهما أحد .
وهذا المعنى ينطبق على ركوب المرأة مع رجل أجنبي عنها ، وليس معها أحد ، سواء كان مفتوحاً أم مغلقاً .
وعلى هذا ، فلا يجوز ركوب المرأة وحدها مع رجل أجنبي عنها في المصعد ، فإن كان معها امرأة أخرى أو أكثر فلا حرج من الركوب ، لانتفاء الخلوة حينئذ .
فإن كان معها رجال ونساء ، فلا حرج أيضاً من الركوب إذا كان المصعد واسعاً ، لا تضطر فيه إلى ملامسة الرجال والاحتكاك بهم ، فالأسلم للمرأة المسلمة في هذه الحالة أن تصعد على السلم العادي على أرجلها ، وتحتسب المشقة التي تجدها في ذلك ، وأنها إنما تفعل ذلك بعداً عما حرمه الله ، وعن الفتنة وأسبابها .
والله أعلم(254/1)
رقم السؤال:
71296
العنوان:
هل يجوز أن يسمِّي ابنته " تبارك "؟
السؤال:
ما حكم التسمية بتبارك ؟
الجواب:
الحمد لله
الذي يظهر هو عدم جواز إطلاق اسم " تبارك " على أحدٍ من المخلوقين ؛ لأنها صفة مختصة بالله تعالى .
قال ابن القيم رحمه الله :
" وأما صفته " تبارك " : فمختصة به تعالى كما أطلقها على نفسه " انتهى .
" بدائع الفوائد " ( 2 / 185 ) .
وقال الشيخ محمد الأمين الشنقيطي – بعد نقل الأقوال في معاني " تبارك " - :
" الأظهر في معنى ( تَبَارَكَ ) بحسب اللغة التي نزل بها القرآن : أنه تفاعل من البركة ، كما جزم به ابن جرير الطبري ، وعليه : فمعنى ( تَبَارَكَ ) : تكاثرت البركات والخيرات من قِبَله ، وذلك يستلزم عظمته وتقدّسه عن كل ما لا يليق بكماله وجلاله ؛ لأن من تأتي من قبله البركات والخيرات ويدرّ الأرزاق على الناس هو وحده المتفرّد بالعظمة ، واستحقاق إخلاص العبادة له ، والذي لا تأتي من قبله بركة ولا خير ، ولا رزق كالأصنام ، وسائر المعبودات من دون اللَّه لا يصحّ أن يعبد ، وعبادته كفر مخلّد في نار جهنّم ، ...
اعلم أن قوله : ( تَبَارَكَ ) فعل جامد لا يتصرف ، فلا يأتي منه مضارع ، ولا مصدر ، ولا اسم فاعل ، ولا غير ذلك ، وهو مما يختصّ به اللَّه تعالى ، فلا يقال لغيره " تبارك " خلافًا لما تقدّم عن الأصمعي ... وإطلاق العرب ( تَبَارَكَ ) مسنداً إلى اللَّه تعالى معروف في كلامهم " انتهى .
" أضواء البيان " ( 6 / 262 ، 263 ) .
وقال الشيخ عبد العزيز السلمان رحمه الله :(255/1)
" ( البركة ) : هي صفته تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة ، والفعل منها " تبارك " ، ولهذا لا يقال لغيره كذلك ، ولا يصلح إلا له عَزَّ وجَلَّ ؛ فهو سبحانه المبارِك ، وعبده ورسوله المبارَك ؛ كما قال المسيح : ( وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً ) ، فمن بارك الله فيه : فهو المبارَك ، وأما صفته : فمختصة به ؛ كما أطلق على نفسه بقوله تعالى : ( تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ العَالَمِينَ ) " انتهى .
" الكواشف الجلية شرح العقيدة الواسطية " ( ص 283 ) .
وعليه : فلا يجوز إطلاق هذا الصفة على أحدٍ إلا الله تعالى ، لأن مختصة به سبحانه وتعالى .
والله أعلم(255/2)
رقم السؤال:
72202
العنوان:
يريد تغيير اسمه واسم أبيه ويسأل عما يترتب على هذا من أحكام؟
السؤال:
غيرت اسمي واسم والدي في جواز السفر ، نتيجة لبعض التعقيدات القانونية ، وأن الجميع سيعرفني بشخصيتي الجديدة ، أي أنني سأكون بشخصية مختلفة ما بقي من أيام عمري ، وأنا خاطب لفتاة على دراية كاملة بكل شيء ، وأتساءل هل يجوز أن أتزوج بها بشخصيتي الأخيرة ؟ وهل عليَّ أن أتزوج بها ( أجري النكاح ) مرتين كل مرة بشخصية مغايرة ؟ أم يمكنني أن أتزوجها بشخصيتي الجديدة التي تغيَّر فيها اسم والدي ؟ . أريد أن أعرف قول الشريعة في هذا الخصوص ، وأذكر أيضا أنه لا يمكنني استخدام هويتي القديمة بعد الآن .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
تغيير الرجل اسمه إلى اسم آخر : لا حرج فيه ، وبخاصة إذا كان التغيير بسبب قبح الاسم الأول ، أو مخالفته للشرع .
وأما تغيير اسم الأب والانتساب لغيره : فهو من كبائر الذنوب ، ولا يجوز هذا إلا لضرورة ملجئة ، كمن يكون مهدداً بالقتل ، أو أراد النجاة بنفسه ودينه وعرضه من ظلمة ، على أن يكون ذلك على الأوراق وللضرورة فقط ، فإذا انتهت الضرورة فعليه أن يُرجع الأمور إلى ما كانت عليه .
فعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ليس من رجل ادَّعى لغير أبيه وهو يعلمه إلا كفر ، ومن ادعى قوماً ليس له فيهم [نسب] فليتبوأ مقعده من النار) . رواه البخاري ( 3317 ) ومسلم ( 61 ) .
فإن كنت ولا بد مغيِّراً اسمك واسم أبيك ، للتعقيدات القانونية – كما ذكرت - فلا بد من تنبيهك إلى أمر مهم حتى لا تقع في المحظور الذي حرمه الله عليك من حقوق غيرك ، وهذا الأمر هو :
أن تغيير الاسم لا يؤدي إلى ضياع حقوق الناس عليك ، كما لو كانت بينك وبين الناس عقود بالاسم الأول فهي باقية عليك كما هي .
ثانياً :(/1)
أما فيما يتعلق بزواجك : فلا يلزمك شرعاً أن تتزوج أو تعقد عقد الزواج مرتين بالاسم القديم ثم بالجديد ، وإنما يلزمك أن تكتب عقد زواجك بالاسم الذي تثبت به الحقوق والواجبات وهو الاسم الثاني الذي ارتبط بك في الدوائر الرسمية والمحاكم الشرعية التي يُرجع إليها عند التنازع في إثبات الحقوق المترتبة عليك شرعاً .
وبالنسبة لأبنائك وبناتك مستقبلا . يجب عليك أن تكتب لهم شجرة العائلة قبل تغيير اسمك مما يعينهم على معرفة محارمهم حتى لا يقع أحدهم في محظور بسبب جهله بمحارمه من أقارب أبيه ، وكذلك من أجل صلة الرحم التي لا يمكن القيام بها إلا بمعرفة النسب ، كما قال عليه الصلاة والسلام : (تعلَّموا مِن أنسابكم ما تصلون به أرحامكم) رواه الترمذي ( 1979 ) وصححه الألباني في " صحيح الترمذي " .
ويجب التوكيد على أن تغيير اسمك جائز ولو كان من باب الكمال ، أما تغيير اسم أبيك فهو حرام في الأصل ، ولا يجوز إلا لضرورة ملجئة ، فإن زالت الضرورة وجب عليك إرجاع الاسم إلى سابق عهده .
وفقك الله للعلم النافع والعمل الصالح .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
72208
العنوان:
هل من الكفار من يحب المسلمين ويريد لهم الخير؟
السؤال:
هناك من يدعي أن بعض الكفار يحبون المسلمين وأن بعضهم يريد لنا الخير ، وقد يتحجج بعلاقات واقعية مع بعضهم حيث لم ير منهم إلا الخير ( وهذا شيء مشاهد)، آمل من فضيلتكم تفنيد هذه الشبهة، وهل يختلف في ذلك عامة الكفار عن علمائهم؟
الجواب:
الحمد لله
قد بين الله تعالى في كتابه أن الكفار يضمرون لنا العداوة ، ولا يقصّرون في إلحاق الضرر بنا ، ويودّون لنا العنت والمشقة ، وأنهم لن يرضوا عنا حتى نتبع ملتهم ، قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ . هَا أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ ) آل عمران/118- 120 .
وقال تعالى : ( وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) البقرة/120 .(/1)
قال ابن كثير رحمه الله : " وقوله تعالى : ( لا تتخذوا بطانة من دونكم ) أي من غيركم من أهل الأديان ، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخلة أمره " ثم أورد ما رواه ابن أبي حاتم بسنده عن ابن أبي الدهقانة ، قال : قيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن ههنا غلاماً من أهل الحيرة حافظ كاتب ، فلو اتخذته كاتباً ، فقال : قد اتخذت إذاً بطانة من دون المؤمنين . قال ابن كثير : " ففي هذا الأثر مع هذه الآية دليل على أن أهل الذمة لا يجوز استعمالهم في الكتابة التي فيها استطالة على المسلمين وإطلاع على دواخل أمورهم التي يخشى أن يفشوها إلى الأعداء من أهل الحرب ، ولهذا قال تعالى : ( لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم ) " انتهى من تفسير ابن كثير (1/528).
وقال القرطبي رحمه الله : " نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء ، يفاوضونهم في الآراء ، ويسندون إليهم أمورهم ... ثم بين تعالى المعنى الذي لأجله نهى عن المواصلة فقال : ( لا يألونكم خبالاً ) يقول: فساداً ، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم ، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر فإنهم لا يتركون الجهد في المكر والخديعة ".
ثم قال رحمه الله : " قوله تعالى : ( ها أنتم أولاء تحبونهم ) يعني المنافقين ، دليله قوله تعالى : ( وإذا لقوكم قالوا آمنا ) قاله أبو العالية ومقاتل . والمحبة هنا بمعنى المصافاة ، أي أنتم أيها المسلمون تصافونهم ولا يصافونكم لنفاقهم . وقيل : المعنى تريدون لهم الإسلام وهم يريدون لكم الكفر . وقيل : المراد اليهود ، قاله الأكثر . والكتاب اسم جنس ، قال ابن عباس : يعني : بالكتب . واليهود يؤمنون بالبعض ، كما قال تعالى : ( وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه ) البقرة/91 .(/2)
( وإذا لقوكم قالوا آمنا ) أي بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأنه رسول الله صلى الله عليه وسلم . وإذا خلوا فيما بينهم عضوا عليكم الأنامل يعني أطراف الأصابع من الغيظ والحنق عليكم ، فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون إلى هؤلاء ظهروا وكثروا " انتهى من تفسير القرطبي (4/177) .
وقال الطبري رحمه الله : " يعني بقوله جل ثناؤه : ( ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ) : وليست اليهود يا محمد ، ولا النصارى براضية عنك أبدًا ، فدع طلب ما يرضيهم ويوافقهم ، وأقبل على طلب رضا الله في دعائهم إلى ما بعثك الله به من الحق " انتهى من "تفسير الطبري" (1/565) .
وبين ربنا سبحانه وتعالى أن كثيرا من أهل الكتاب يودون لنا الكفر ، حسدا وبغيا منهم ، فقال : ( وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) البقرة/109 .
قال ابن كثير رحمه الله : " يحذر تعالى عباده المؤمنين عن سلوك طريق الكفار من أهل الكتاب ، ويعلمهم بعداوتهم لهم في الباطن والظاهر ، وما هم مشتملون عليه من الحسد للمؤمنين ، مع علمهم بفضلهم وفضل نبيهم " انتهى .
وقال تعالى في شأن أهل الكفر : ( كَيْفَ وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً يُرْضُونَكُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَأْبَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ ) التوبة/8 .
فهذا هو حالهم ، يرضون المسلمين بأفواههم ، وأما قلوبهم فإنها تضمر العداوة والشر .
والحاصل أنه إن وجد من الكفار من يظهر المحبة لأهل الإيمان ، فذلك لا يخرج عن ثلاثة أمور :(/3)
الأول : أن يكون ذلك تصنّعا وتظاهرا بما لا حقيقة له ، كما أخبرنا ربنا سبحانه وتعالى ، وهو الأعلم بنياتهم وقلوبهم .
الثاني : أن يكون ذلك مع من انسلخ من الإسلام ، ووقع في موالاة الكفار ومودتهم ، فصار منهم ، كما قال الله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ) المائدة/51 ، ولهذا رضوا عنه وأحبوه .
الثالث : أن يندرج ذلك تحت النادر والقليل ، والنادر لا حكم له ، وقد يكون مرجعه إلى عدم تمسك الكافر بكفره ، أو عدم مبالاته بالأديان ، كما هو حال جماعات منهم اليوم .
والذي يجب على كل مسلم أن يحذره ، هو ما حذر منه الله تعالى ، من موالاة الكافرين ومودتهم ، واتخاذهم بطانة والركون إليهم ، سواء أظهر الكافر المحبة أو العداوة ، وسواء كان صادقا في محبته أو مخادعا ، فهذا هو الأمر المحكم الذي لا نقاش فيه .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
72314
العنوان:
هل يجوز العمل في مطابع النقود ؟
السؤال:
نعلم بأن العمل في البنوك حرام ، فهل حكم العمل في دار السكة - مطبعة النقود - التي هي جهاز تابع لبنك الدولة حرام أيضاً ؟
الجواب:
الحمد لله
لا حرج من العمل في مطبعة النقود ، ولا علاقة لهذا العمل بمعاملات البنوك الربوية ، وحاجة الناس لهذه العملة غير خافية على أحد ، بل إنها أصبحت قوام حياتهم ، وإصدار هذه العملات تابع لقوة اقتصاد البلد وضعفه ، والعلاقة بين المطبعة والبنك المركزي ليست علاقة معاملات بل هي إصدار أمر بطباعة كمية محددة بحسب قوة الاحتياطي والاقتصاد .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
72355
العنوان:
اكتشف أن زوجته على علاقة برجل ثم تابت فهل يطلقها ؟
السؤال:
أنا إنسان نشأت في عائلة محافظة ومنَّ الله عليَّ وتزوجت من امرأة صالحة من بيت دين حيث إن والد زوجتي من الدعاة والمصلحين الاجتماعيين ، وكان جميع أولاده وبناته من حفظة القرآن أو أجزاء منه . المشكلة : أن زوجتي في الفترة الأخيرة قد تغيرت كثيراً ، وقد اكتشفت أن لها علاقة مع أحد الأشخاص ، كانت في البداية عن طريق الهاتف ، وبعدها تمت المقابلة بينهما عدداً من المرات ، ومنذ اكتشاف هذه العلاقة وهي طريحة الفراش ، وأصابها حالة نفسية من شدة الندم ، ومن خلال حديثي معها أقسمت بالله - وهي داخل الحرم - بأنها لم ترتكب معه الزنا ولم تتعدَّ المقابلة حدود الكلام فقط ، وأخبرتني بأنها كانت تنوي الابتعاد عنه ، ولكنه استخدم معها التهديد ، وهي الآن نادمة أشد الندم ، والأسباب التي أثرت عليها كانت كالتالي : 1. أنا إنسان مقل في الكلام مع زوجتي وإشباع العاطفة لها من حيث المديح لها وغيره .
2. في الآونة الأخيرة انشغلتُ بتوفير المسكن للعائلة وانشغلت بهذا الأمر عنهم .
3. سمحت لها بزيارات قريبتها باستمرار ولم أعرف أن هذا البيت به بنات فاسدات أثروا عليها وهم من سحبها إلى هذا المستنقع .
4. أنني عملت بعض الذنوب من الكبائر قبل الزواج وبعده ، أعتقد بان الله قد أدبني بهذا الذنب ( الذنوب التي عملتها كالزنا وذنوب أشد منه وأشد منه ) .
5. زوجتي في الآونة الأخيرة لم تكن طبيعية في معظم الأوقات وتأتيها حالات نفسية لم تكن تأتيها من قبل ، أما الآن فأشهد الله أنني قد تبت من هذه الذنوب ، أما زوجتي فهي نادمة باكية ، ولا تصدق أن هذا الأمر قد حصل علماً بأن لدي منها أولاداً. السؤال : ماذا أفعل الآن :
1. هل أطلقها مع تأكدي من توبتها ؟ وهل لها توبة ؟ .
2. إبقاءها مع أطفالها ( سر عذابي ) وهجرها واستبدلها بزوجة أخرى .(/1)
3. أغفر لها هذا الذنب والدعاء بشفاء صدري مما فيه من الهم والحزن ؟ .
4. وهل إذا فعلت ذلك أكون ممن وصفه الرسول صلى الله عليه وسلم بالديوث ؟. البيت ينهار ، وكل ذلك من فعل الذنوب ، ولكن أشهد الله بأنني تبت ، وهي كذلك .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
هنيئاً لكم توبتكما من الذنوب والمعاصي التي اقترفتماها ، وهذا من فضل الله عليكما ، وقد دعا الله تعالى عبادَه المؤمنين جميعاً إلى التوبة فقال : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) (النور/31) .
واعلما أن الله تعالى يفرح بتوبة عبده ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لله أشد فرحاً بتوبة عبده حين يتوب إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها فأتى شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته فبينا هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي ، وأنا ربك ! أخطأ من شدة الفرح ) رواه البخاري ( 5950 ) ومسلم ( 2747 ) .
واعلما أن الله تعالى قد وعد بتبديل السيئات حسنات ، قال تعالى : ( إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً ) الفرقان/70 .
ولكن هذا مشروط بأن تكون التوبة صحيحة ، وشروطها :
1. الإقلاع عن الذنب .
2. الندم على فعله .
3. العزم على عدم العود إليه .
ثانياً :
لا شك أن ما وقع من زوجتك أمرٌ منكر ، لكن والحال أنها تابت منه فنرجو أن توبتها ستسهم في رجوعها إلى حالها الأول وأحسن منه .
ولا نستطيع الجزم بأن مصلحتك في البقاء معها ، لكننا نقول لك :(/2)
إن كنتَ ترى أن توبتها توبة صادقة ، وأنها ندمت أشد الندم على ما بدر منها ، وأن حالها تغيَّر للأحسن ، وأن معصيتها لن تؤثر عليكَ سلباً من حيث الشك والبغض : فالذي نراه لك أن تمسكها ، حفاظاً على توبتها ، وعلى أبنائك من الضياع والشتات .
ونرجو أن يكون حالها كذلك، وأن تمسكها بمعروف ، وأن لا يؤثر عليك ما بدر منها ، وخاصة بعدما ذكرتَ أنه وقع منك معاصٍ وفواحش قبل أن يمن الله عليك بالتوبة .
ولا شك أن تقصيركَ في حقها له دور كبير في نفور زوجتك ، ووقوعها في المعصية ، وهو إن كان غير مسوِّغ لها ، لكن يجب عليك الانتباه لنفسك ، ويجب أن تؤدي الحق الذي أوجبه الله عليك تجاه زوجتك وأبنائك .
ومن حقها عليك أن تعينها على التوبة الصادقة ، وأن تدلها على الخير ، وتحذرها من الشر ، ولا يجوز لك السماح لها بزيارة من يساهم في إفسادها وإضلالها ، ولو كانوا أقرب الناس منك ، فأنت راعٍ ورب البيت ، وسيسألك الله تعالى عن رعيتك فرَّطتَ فيها أم أديت الحق الذي أوجبه الله عليك .
فالذي نراه : أن تستر عليها معصيتها ، وأن تشكر لها توبتها ، وأن تبقى معها ، وليس من الدياثة إبقاؤها وإمساكها بعد توبتها ، وإنما الدياثة إمساكها في حال عدم توبتها وإصرارها على ما تفعل من العلاقات المحرمة ، وهو ما نرجو أن تكون قد تابت منه توبة نصوحا .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
72390
العنوان:
هل تعتبر صلاة المرأة بالمكياج جائزة ؟
السؤال:
هل تعتبر صلاة المرأة جائزة بعد أن توضأت ووضعت المكياج على وجهها ؟ .
الجواب:
الحمد لله
إذا توضأت المرأة ثم وضعت المكياج على وجهها ، أو لمسته بيدها ، فلا يضرها ذلك ، ولا يؤثر على وضوئها ولا صلاتها ، ما لم يكن نجسا ؛ فإن طهارة الثوب والبدن شرط لصحة الصلاة .
وينبغي أن يُعلم أنه لا يجوز للمرأة أن تضع المكياج أمام الرجال الأجانب عنها ؛ لأنها مأمورة بستر وجهها عنهم ، ولما في وضع المكياج من الزينة والفتنة . فإن فعلت ذلك ثم صلّت به ، فلها أجر صلاتها ، وعليها إثم تبرجها .
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (17/129) : " لا مانع من تزين المرأة بوضع المكياج على وجهها ، والكحل ، وإصلاح شعر رأسها على وجهٍ لا تشبه فيه بالكافرات ، ويشترط أيضا أن تستر وجهها عن الرجال الذين ليسوا محارم لها " انتهى .
وجاء فيها أيضا (17/128) : " استعمال الكحل مشروع ، لكن لا يجوز للمرأة أن تبدي شيئا من زينتها ، سواء الكحل أو غيره لغير زوجها ومحارمها ؛ لقوله تعالى : ( ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن ) " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
72470
العنوان:
هل كان قبل آدم عليه السلام على الأرض أحد ؟
السؤال:
هل كان يوجد قوم قبل آدم عليه السلام اسمهم جن وقوم اسمهم حن ؟
الجواب:
الحمد لله
لم يأت في الكتاب والسنة شيء يدل على أن قوما كانوا يسكنون الأرض قبل آدم عليه السلام ، وإنما الذي جاء في ذلك هو من أقوال بعض المفسرين من الصحابة والتابعين ، ومن ذلك :
القول الأول :
أن الأرض كان يسكنها الجن ( بالجيم المعجمة ) ، وهم الذين خلقهم الله تعالى من النار ، وهذا القول مروي عن أكثر أهل التفسير .
روى الطبري في تفسيره (1/232) عن ابن عباس رضي الله عنه قال :
( أول من سكن الأرض الجن ، فأفسدوا فيها ، وسفكوا فيها الدماء ، وقتل بعضهم بعضا )
وروى بسنده عن الربيع بن أنس قال :
( إن الله خلق الملائكة يوم الأربعاء ، وخلق الجن يوم الخميس ، وخلق آدم يوم الجمعة ، فكفر قوم من الجن ، فكانت الملائكة تهبط إليهم في الأرض فتقاتلهم ، فكانت الدماء ، وكان الفساد في الأرض )
القول الثاني :
لم يكن على الأرض قبل آدم عليه السلام أحد لا من الجن ولا من غيرهم .
وهذا القول رواه الطبري في تفسيره (1/232) عن عبد الرحمن بن زيد قال :
( قال الله تعالى ذكره للملائكة : إني أريد أن أخلق في الأرض خلقا ، وأجعل فيها خليفة ، وليس لله يومئذ خلق إلا الملائكة ، والأرض ليس فيها خلق )
يقول العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/228) :
" تعقيبُ ذكرِ خلق الأرض ثم السماوات ، بذكر إرادته تعالى جعل الخليفة ، دليلٌ على أن جعل الخليفة كان أول الأحوال على الأرض بعد خلقها ، فالخليفة هنا الذي يخلف صاحب الشيء في التصرف في مملوكاته ، ولا يلزم أن يكون المخلوف مستقرا في المكان من قبل ، فالخليفة آدم ، وخَلَفِيَّتُه قيامه بتنفيذ مراد الله تعالى من تعمير الأرض بالإلهام أو بالوحي ، وتلقين ذريته مراد الله تعالى من هذا العالم الأرضي " انتهى .(/1)
أما ما يذكره بعض المفسرين أو المؤرخين ، أن قوما اسمهم الحن ( بالحاء المهملة ) كانوا يسكنون الأرض ، فجاء الجن ( بالجيم المعجمة ) فقتلوهم وسكنوا مكانهم ، فيبدو أنها من القصص التي لا تستند إلى أي سند صحيح .
يقول ابن كثير في "البداية والنهاية" (1/55) :
" قال كثير من علماء التفسير : خلقت الجن قبل آدم عليه السلام ، وكان قبلهم في الأرض ( الحِنُّ والبِنُّ ) ، فسلط الله الجن عليهم فقتلوهم وأجلوهم عنها وأبادوهم منها وسكنوها بعدهم " انتهى .
قال العلامة الطاهر ابن عاشور في "التحرير والتنوير" (1/228) :
" إذا صح أن الأرض كانت معمورة من قبل بطائفة من المخلوقات يسمون ( الحِنُّ والبِنُّ ) بحاء مهملة مكسورة ونون في الأول ، وبموحدة مكسورة ونون في الثاني ، وقيل : اسمهم ( الطَّمُّ والرَّمُّ ) بفتح أولهما ، وأحسبه من المزاعم ، وأن وضع هذين الاسمين من باب قول الناس ( هيّان بن بيّان ) إشارة إلى غير موجود أو غير معروف ، ولعل هذا انجَرَّ لأهل القصص من خرافات الفرس أو اليونان ، فإن الفرس زعموا أنه كان قبل الإنسان في الأرض جنس اسمه الطم والرم ، وكان اليونان يعتقدون أن الأرض كانت معمورة بمخلوقات تدعى ( التيتان ) وأن ( زفس ) وهو ( المشتري ) كبير الأرباب في اعتقادهم جلاهم من الأرض لفسادهم " انتهى .(/2)
رقم السؤال:
72841
العنوان:
يعطي أهله ليشتروا كماليات ويقترض من زوجته
السؤال:
ما رأي الشرع في الزوج الذي يعطي من أمواله لأهله ليشتروا أشياء غير أساسية وهو عليه ديون ويقترض من زوجته ليسدد ديونه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يتكرر كثيراً في أسئلة الناس قول " رأي الشرع " و " رأي الدين " ، وهذه الألفاظ غير صحيحة المعنى ، فالأولى للمسلم اجتنابها .
قال الشيخ بكر أبو زيد حفظه الله :
"ومن المصطلحات المولدة الفاسدة :
"رأي الدين" : الرأي في أساسه مبني على التدبر والتفكر ، ومنها قولهم : " رأي الدين " ، " رأي الإسلام " ، " رأي الشرع " ، وهي من الألفاظ الشائعة في أُخريات القرن الرابع عشر الهجري ، وهو إطلاق مرفوض شرعاً ؛ لأن الرأي يتردد بين الخطأ والصواب فصار من الواضح منع إطلاقها على ما قضى الله به في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فهذا يقال فيه : " دين الإسلام " ، ( إِنَّ الدِّينَ عنْدَ الله الإِسلام ) والله سبحانه يقول : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) الأحزاب/36.
فتشريع الله لعباده يقال فيه : حكم الله ، وأمره ، ونهيه وقضاؤه ، وهكذا ، وما كان كذلك فلا يقال فيه " رأي " ، والرأي مدرجة الظن والخطأ والصواب .
أما إذا كان بحكمٍ صادر عن اجتهاد فلا يقال فيه : " رأي الدين " ، ولكن يقال : " رأي المجتهد " أو " العالم " ؛ لأن المختلف فيه بحق يكون الحق فيه في أحد القولين أو الأقوال .
وانظر بحثاً مهماً في كتاب " تنوير الأفهام لبعض مفاهيم الإسلام " للشيخ محمد بن إبراهيم شقرة ص / 61 – 73" انتهى باختصار يسير .
" معجم المناهي اللفظية " ( ص 223 ، 224 ) الطبعة الأولى .
ثانياً :
يجب على الأولاد أن ينفقوا على والديهم ، وهذا الوجوب ثابت بالكتاب والسنة والإجماع ، وانظر جواب السؤال رقم (111892) .(/1)
وهذه النفقة الواجبة للوالدين لها شروط ، منها : أن يكون الولد قادراً على الإنفاق ، والوالد محتاجاً لعجزه أو فقره أو عدم استطاعته للكسب .
وليعلم هذا الزوج أن أجره عند الله تعالى عظيم إن كان ينفق على والديه المحتاجين للنفقة الضرورية ، حتى لو أدى ذلك لاستلافه للمال ، أما إن كان والداه غير محتاجين للنفقة الضرورية ، وهو ينفق عليهم من أجل شراء سلع كمالية : فالواجب عليه أن ينتبه لنفسه ، ولا ينبغي له أن يحمل نفسه ديونا من غير ضرورة أو حاجة ملحة ؛ لأن شأن الدين عند الله عظيم ، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أن الشهيد يغفر له كل شيء إلا الدَّين ) فكيف بمن لقي الله تعالى غير مقتول في سبيله ؟!
نعم ، لو كان عنده فضل مال وأراد أن يوسع على والديه بالنفقة لشراء حاجات مباحة غير ضرورية لكان محسناً لهما غير مسيء لنفسه ، أما أن يفعل ذلك بأموال غيره – زوجته أو غيرها – فإنه يكون مسيئاً لنفسه لأنه حمَّلها ما لا طاقة لها به .
وعليه أن يعتذر لهما بألطف عبارة أنه غير قادر على إعطائهم ما يريدون ، ويعدهم أنه إن تيسر له مال فائض عن حاجة أبنائه وزوجته الضرورية أنه سيعطيهم .
قال الله تعالى : ( وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغَاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوهَا فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً ) الإسراء/28 .
قال ابن كثير رحمه الله :
"أي : إذا سألك أقاربك ومَن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة (فقل لهم قولاً ميسوراً) أي : عِدْهم وعداً بسهولة ولين إذا جاء رزق الله : فسنصلكم إن شاء الله" انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 52 ) .(/2)
رقم السؤال:
72860
العنوان:
استخرج وثيقة طلاق وهو لا يريد الطلاق
السؤال:
استخرج والدي وثيقة طلاق لأمي ـ بعلمها وحضورها ـ حتى أحصل على إعفاء من الجيش : وقّعا على الوثيقة ، ولم يتلفظ والدي بالطلاق ، ولم يكتب هو لفظ الطلاق ، حيث أفهمهما المأذون قبل تحرير وثيقة الطلاق أن هذا الطلاق على الورق فقط ـ للمصلحة ـ وليس شرعيا ً . 1ـ ما حكم ما فعله والدي ؟ 2ـ هل يعد ذلك طلاقا ً ؟ علما ً بأن والدي سبق له أن طلق والدتي مرتين قبل هذه الواقعة ، والمرة الثالثة ( محل السؤال ) : كانت في طهر لم يجامعها فيه ، لكنه جامعها بعد إصدار وثيقة الطلاق بفترة . فما الذي يلزم والدي تجاه والدتي من حقوق لتبرأ ذمته ؟ وإذا لم يقع طلاق ؛ كيف يضمن لها حقها في الميراث ؟ حيث إنها في نظر القانون مطلقة . علما ًبأنها مقيمة معنا في المنزل ، ويعطيها والدي نفقاتها وما يلزمها . أما والدي فهو متزوج بأخرى ومقيم في منزل آخر ، ويأتي كثيرا ً لرعاية شؤوننا ومصالحنا ، وهو يريد أن يعرف الحكم الشرعي الصحيح لتبرأ ذمته . وهل تجوز الرجعة في نفس مجلس الطلاق وبدون وثيقة رجعة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا كتب الرجل بيده صريح الطلاق ، فإنه لا يقع إلا إذا نواه ، عند جمهور العلماء ؛ لأن الكتابة محتملة .
قال ابن قدامة رحمه الله : (7/373) : " ولا يقع الطلاق بغير لفظ الطلاق , إلا في موضعين ; أحدهما : من لا يقدر على الكلام , كالأخرس إذا طلق بالإشارة , طلقت زوجته . وبهذا قال مالك , والشافعي , وأصحاب الرأي . ولا نعلم عن غيرهم خلافهم ...
الموضع الثاني : إذا كتب الطلاق , فإن نواه طلقت زوجته ، وبهذا قال الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم , وأبو حنيفة , ومالك وهو المنصوص عن الشافعي ...
فأما إن كان كتب ذلك من غير نية , فذهب بعض العلماء إلى أنه يقع وهو قول الشعبي , والنخعي , والزهري , والحكم ; لما ذكرنا .(/1)
والقول الثاني : أنه لا يقع إلا بنية ، وهو قول أبي حنيفة , ومالك , ومنصوص الشافعي ; لأن الكتابة محتملة , فإنه يقصد بها تجربة القلم , وتجويد الخط , وغم الأهل , من غير نية " انتهى بتصرف .
وحيث إن والدك لم يتلفظ بالطلاق ، ولم يكتبه ، وإنما كتبه غيره ، ووقع هو من غير أن ينوي الطلاق ، فإن الطلاق لا يقع .
ثانيا :
هذا العمل الذي أقدم عليه والدك فيه مفاسد ظاهرة ، منها مسألة الميراث ، إذا كان يقسم عن طريق الدولة ، فإنه لا توارث بين أبيك وأمك في هذه الحالة ، وأما إذا كان الميراث لا يوزع عن طريق الدولة ، فإن المخرج أن يُشهد والدك شاهدين عدلين على استمرار الزوجية بينه وبين والدتك ، مع شيوع ذلك بين الناس ، فإن مات أحدهما ورثه الآخر .
ومن المفاسد : ما لو رزقه الله ولدا من أمك ، فإنه يتعذر عليه تسجيله ، إضافة إلى ما في عمله من الكذب والتزوير .
ثالثا :
حيث إن الطلاق المسئول عنه لم يقع - كما سبق - فإنه لا يحتاج إلى رجعة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
72861
العنوان:
حكم عمل المرأة في محل للبيع والشراء
السؤال:
ما حكم عمل البنات في (البازارات) في بيع كل من : أوراق البردي - خرطوشة تعلق في سلسلة أو ميدالية - تماثيل فرعونية - شماغ ـ جلاليب ـ فضيات بعضها مكتوب عليه آيات قرآنية ، وبعضها مرسوم عليه فراعنة . خصوصاً إذا تجنبت بيع التماثيل أو المرسوم عليه فراعنة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز للمرأة أن تبيع وتشتري وتقرض وتساهم وتجري ما يجريه الرجل من المعاملات المباحة ، هذا هو الأصل ؛ لقوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) البقرة/ 275 ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ ) النساء/29 ، وقوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً فَاكْتُبُوهُ ) البقرة/282 ، فهذا عام في الرجال والنساء ، وقد كانت النساء في الصدر الأول يبعن ويشترين من غير نكير .
ثانيا :
يجب على المرأة أن تلتزم بالحجاب الشرعي ، حيث وجد الرجال الأجانب عنها (غير المحارم) ، كما يحرم عليها أن تظهر زينتها ، أو تخرج متعطرة بحيث يُشمُّ ريحها ، أو تختلط بالرجال اختلاطا يدعو للفساد والمنكر ، أو أن تسافر بغير محرم ، ولا فرق في ذلك بين من تريد التجارة ، ومن لا تريدها ، فهذه أحكام عامة تخاطب بها كل مؤمنة بالله ورسوله .
وراجع جواب السؤال رقم : (6991) ، (1200) .
ثالثا :(/1)
يحرم بيع التماثيل ، والدخان ، والملابس التي عليها صور ، وما فيه تعظيم للكفار كصورهم وأعلامهم وشعاراتهم ، أو ما فيه إعانة لهم أو للفساق على منكرهم وباطلهم ، كملابس التبرج مثلا ، وهذا عام في الرجال والنساء ، ليس لواحد منهما أن يبيع ذلك . قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "شرح العمدة" ( 4/386) : " وكل لباس يغلب على الظن أنه يستعان به على معصية ، فلا يجوز بيعه وخياطته لمن يستعين به على المعصية والظلم " انتهى .
وانظر جواب السؤال : (32730) .
رابعا :
تكره كتابة الآيات القرآنية على الأواني والأدوات والهدايا ، خشية تعريضها للامتهان ، ومس الحائض والجنب ، وعليه فيكره بيعها أيضا .
قال في "الفروع" (4/172) : " وقال أبو المعالي : يكره كتابة القرآن على الدراهم عند الضرب" . [أي صناعتها من الفضة] .
خامسا :
إذا تقرر هذا ؛ فلا حرج على المرأة أن تعمل في مجال البيع والشراء ، إذا التزمت بالحجاب الشرعي ، وتجنبت التبرج والسفور والاختلاط وبيع المحرمات ، ولم يكن في وقوفها في المحل فتنة لها أو بها .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما حكم المرأة أن تكون تاجرة سواء كانت مسافرة أو مقيمة ؟
فأجابوا : "الأصل إباحة الاكتساب والاتجار للرجال والنساء معا في السفر والحضر ؛ لعموم قوله سبحانه : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا ) وقوله صلى الله عليه وسلم لما سئل أي الكسب أطيب ؟ قال : (عمل الرجل بيده ، وكل بيع مبرور) ولما هو ثابت أن النساء في صدر الإسلام كن يبعن ويشترين باحتشام وتحفظ من إبداء زينتهن ، لكن إذا كان اتجار المرأة يعرضها لكشف زينتها التي نهاها الله عن كشفها ، كالوجه ، أو لسفرها بدون محرم ، أو لاختلاطها بالرجال الأجانب منها على وجه تخشى فيه فتنة ، فلا يجوز لها تعاطي ذلك ، بل الواجب منعها ؛ لتعاطيها محرما في سبيل تحصيل مباح " انتهى .
فتاوى اللجنة الدائمة (13/16) .(/2)
وسئلوا أيضاً (13/17) : عندي زوجة وترغب أنها تزاول البيع والشراء يوم الخميس في سوق يجمع الرجال والنساء ، وهي محتشمة فهل يجوز لي ذلك ؟
فأجابوا : " يجوز لها أن تذهب إلى السوق لتبيع وتشتري إذا كانت في حاجة إلى ذلك ، وكانت ساترة لجميع بدنها بملابس لا تحدد أعضاءها ولم تختلط بالرجال اختلاط ريبة . وإن لم تكن في حاجة إلى ذلك البيع والشراء فالخير لها أن تترك ذلك " انتهى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
72870
العنوان:
الطيب من أسماء الله تعالى
السؤال:
هل اسم الطيب من أسماء الله تعالى أم من باب الأوصاف والأخبار؟ وما هو الضابط في تمييز الأسماء من الأوصاف والأخبار ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الطيب من أسماء الله تعالى ؛ لما روى مسلم (1015) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ اللَّهَ طَيِّبٌ لَا يَقْبَلُ إِلَّا طَيِّبًا وَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ فَقَالَ يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ وَقَالَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ثُمَّ ذَكَرَ الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إِلَى السَّمَاءِ يَا رَبِّ يَا رَبِّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ).
وقد عدّ الشيخ ابن عثيمين رحمه الله اسم "الطيب" من أسماء الله تعالى الثابتة بالسنة الصحيحة. انظر : "القواعد المثلى" ضمن مجموع فتاوى ورسائل الشيخ ابن عثيمين (3/278).
ثانيا :
الفرق بين الاسم والصفة :
جاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (3/16) سؤال عن الفرق بين الاسم والصفة ، فأجابت :
" أسماء الله كل ما دل على ذات الله مع صفات الكمال القائمة به ؛ مثل : القادر ، العليم ، الحكيم ، السميع ، البصير ؛ فإن هذه الأسماء دلَّت على ذات الله ، وعلى ما قام بها من العلم والحكمة والسمع والبصر ، أما الصفات ؛ فهي نعوت الكمال القائمة بالذات ؛ كالعلم والحكمة والسمع والبصر ؛ فالاسم دل على أمرين ، والصفة دلت على أمر واحد ، ويقال : الاسم متضمن للصفة ، والصفة مستلزمة للاسم " انتهى .
وانظر السؤال رقم (22642)(/1)
وقال الشيخ علوي بن عبد القادر السقاف : " ولمعرفة ما يُميِّز الاسم عن الصفة ، والصفة عن الاسم أمور ، منها :
أولاً : أن الأسماء يشتق منها صفات ، أما الصفات ؛ فلا يشتق منها أسماء ، فنشتق من أسماء الله الرحيم والقادر والعظيم ، صفات الرحمة والقدرة والعظمة ، لكن لا نشتق من صفات الإرادة والمجيء والمكر اسم المريد والجائي والماكر.
فأسماؤه سبحانه وتعالى أوصاف ؛ كما قال ابن القيم في النونية
أسماؤُهُ أوْصافُ مَدْحٍ كُلُّها *** مُشْتَقَّةٌ قَدْ حُمِّلَتْ لِمَعان ِ
ثانياً : " أن الاسم لا يُشتق من أفعال الله ؛ فلا نشتق من كونه يحب ويكره ويغضب اسم المحب والكاره والغاضب ، أما صفاته ؛ فتشتق من أفعاله فنثبت له صفة المحبة والكره والغضب ونحوها من تلك الأفعال ، لذلك قيل : باب الصفات أوسع من باب الأسماء "
[مدارج السالكين 3/415].
ثالثاً : أن أسماء الله عَزَّ وجَلَّ وصفاته تشترك في الاستعاذة بها والحلف بها ، لكن تختلف في التعبد والدعاء ، فيتعبد الله بأسمائه ، فنقول : عبد الكريم ، وعبد الرحمن ، وعبد العزيز ، لكن لا يُتعبد بصفاته ؛ فلا نقول : عبد الكرم ، وعبد الرحمة ، وعبد العزة ؛ كما أنه يُدعى اللهُ بأسمائه، فنقول : يا رحيم ! ارحمنا ، ويا كريم! أكرمنا ، ويا لطيف! الطف بنا ، لكن لا ندعو صفاته فنقول : يا رحمة الله! ارحمينا ، أو : يا كرم الله ! أو :يا لطف الله ! ذلك أن الصفة ليست هي الموصوف ؛ فالرحمة ليست هي الله ، بل هي صفةٌ لله ، وكذلك العزة ، وغيرها ؛ فهذه صفات لله ، وليست هي الله ، ولا يجوز التعبد إلا لله ، ولا يجوز دعاء إلا الله ؛ لقوله تعالى : ( يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ) النور : 55 ، وقوله تعالى : ( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ )غافر :60 ، وغيرها من الآيات " انتهى من "صفات الله عز وجل الواردة في الكتاب والسنة" ص 17
وأما الفرق بين باب الأسماء والصفات ، وباب الأخبار فمن وجهين :(/2)
الأول : أن الأسماء والصفات توقيفية ، فلا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم . وفي الإخبار يجوز أن يخبر عن الله تعالى بما لم يرد في الكتب والسنة مما يصح معناه ، كقولهم : قديم الإحسان ، واسع الجود .
والثاني : أن أسماءه سبحانه حسنى ، وصفاته علا ، كما قال : ( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) الأعراف/180 ، وقال : ( وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) النحل/60
والحسنى : تأنيث الأحسن ، أي أسماؤه بالغة في الحسن غايته . والمثل الأعلى : الوصف الأعلى ، قال الشوكاني في "فتح القدير" (4/314) : " قال الخليل : المثل الصفة : أي وله الوصف الأعلى في السموات والأرض " انتهى .
أما الأخبار : فيجوز أن يخبر عن الله تعالى بما لا نقص فيه ، وإن لم يتضمن أعلى الكمال ، كالإخبار عن الله بأنه قديم وموجود وشيء ، قال تعالى : ( قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ ) الأنعام/19
قال ابن القيم رحمه الله : " ويجب أن تعلم هنا أموراً :
أحدها : أن ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته ، كالشيء والموجود والقائم بنفسه ، فإنه يخبر به عنه ولا يدخل في أسمائه الحسنى وصفاته العليا .
الثاني : أن الصفة إذا كانت منقسمة إلى كمال ونقص لم تدخل بمطلقها في أسمائه ، بل يطلق عليه منها كمالها ، وهذا كالمريد والفاعل والصانع ، فإن هذه الألفاظ لا تدخل في أسمائه ، ولهذا غلط من سماه بالصانع عند الإطلاق ، بل هو الفعال لما يريد ، فإن الإرادة والفعل والصنع منقسمة ، ولهذا إنما أطلق على نفسه من ذلك أكمله فعلا وخبرا .(/3)
الثالث : أنه لا يلزم من الإخبار عنه بالفعل مقيدا أن يشتق له منه اسم مطلق ، كما غلط فيه بعض المتأخرين ، فجعل من أسمائه الحسنى المضل الفاتن الماكر ، تعالى الله عن قوله ؛ فإن هذه الأسماء لم يطلق عليه سبحانه منها إلا أفعال مخصوصة معينة فلا يجوز أن يسمى بأسمائها ...
السابع : أن ما يطلق عليه في باب الأسماء والصفات توقيفي ، وما يطلق عليه من الأخبار لا يجب أن يكون توقيفا ، كالقديم والشيء والموجود والقائم بنفسه .
فهذا فصل الخطاب في مسألة أسمائه هل هي توقيفية أو يجوز أن يطلق عليه منها بعض ما لم يرد به السمع .
الثامن : أن الاسم إذا أطلق عليه جاز أن يشتق منه المصدر والفعل ، فيخبر به عنه فعلا ومصدرا ، نحو السميع البصير القدير يطلق عليه منه السمع والبصر والقدرة ، ويخبر عنه بالأفعال من ذلك نحو: ( قد سمع الله ) ( فقدرنا فنعم القادرون ) هذا إن كان الفعل متعديا ، فإن كان لازما لم يخبر عنه به نحو : الحي ، بل يطلق عليه الاسم والمصدر دون الفعل ..." انتهى من "بدائع الفوائد" (1/170).
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
72872
العنوان:
لبس الجورب ووصل الماء إلى قدمه فهل له المسح عليه
السؤال:
كنت ألبس الجوارب على طهارة , ولامس جواربي ماء في أرض الحمام وأحببت أن أسكب عليها ماءً من الصنبور ، لأنه أحياناً أجد نجاسة في أرض الحمام كبول من غير المسلمين ، فأسكب على جواربي الماء من الصنبور حتى أتيقن أنه زالت قطرات النجاسة من عليه , فهل لي أن أمسح على جواربي كالخفين وأنا قد لبستهم على طهارة ، وكما تعلمون أنه بعد سكب الماء وصل الماء الطاهر للبشرة , فهل يجوز المسح على الجوربين أم لا ؟ وإذا كان لا فماذا أفعل في صلواتي السابقة ؟ علما أني فعلت ذلك عدة مرات .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأصل في الجورب وفي المياه أنها طاهرة ، ولا يحكم بنجاستها بمجرد الشك ، فما لم تتيقن من وصول النجاسة إلى جواربك فلا تهتم بالتفتيش عنها والتفكير في إزالتها .
ثانيا :
وصول الماء إلى بشرة قدمك أثناء تطهير الجورب ، لا يضرك ، فلك أن تمسح على جوربيك ، ما دمت قد لبستهما بعد طهارة كاملة .
وقد اختلف الفقهاء هل يشترط في الخف أن يمنع وصول الماء إلى القدم ، أولا ؟ فذهب بعضهم إلى أنه لا يشترط ، وهذا مذهب الحنابلة ، قال في مطالب أولي النهى" (1/131) : "الشرط السابع : إمكان مشي عرفا بممسوح ، لا كونه يمنع نفوذ الماء , لأنه ساتر لمحل الفرض , ويمكن متابعة المشي فيه " انتهى بتصرف .
وذهب آخرون إلى اشتراط ذلك ، كما هو مذهب الشافعية ، قال النووي رحمه الله في "المجموع" (1/531) : " هل يشترط كون الخف صفيقا يمنع نفوذ الماء ؟ فيه وجهان حكاهما إمام الحرمين وغيره : أحدهما : يشترط ، فإن كان منسوجا بحيث لو صب عليه الماء نفذ لم يجز المسح .
والثاني : لا يشترط ، بل يجوز المسح وإن نفذ الماء , واختاره إمام الحرمين والغزالي لوجود الستر . والمذهب الأول ، والله أعلم" انتهى باختصار .(/1)
والقول الأول هو الراجح ، لأنه لم يرد دليل صحيح يدل على اشتراط عدم نفوذ الماء إلى الجورب ، فما دام يسمى جورباً ، ويلبسه الناس عادة صح المسح عليه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
72878
العنوان:
أحكام اللباس من حيث لونه
السؤال:
ما المقصود بالثوب ( المعصفر ) في الحديث ؟ وهل يجوز لبس الثوب النباتي أو السكري ؟ أم هناك دليل بكراهيته ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأصل في اللباس الإباحة ، وذلك لأن الله تعالى يقول :
( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ) البقرة/29
وقد امتن علينا بأن جعل لنا ما نلبسه فقال :
( يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ) الأعراف/26
فمن زعم تحريم نوع أو لون معين من اللباس فهو المطالب بالدليل الظاهر على ذلك .
ثانيا :
اختلف أهل العلم في حكم لبس الرجل ثلاثةً من الألوان :
1- اللون الأحمر الخالص الذي لم يخالطه غيره من الألوان ، أما الأحمر الذي خالطه غيره فقد اتفقوا على جوازه وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (8341)
2- المصبوغ بالعصفر : ( والعصفر : نبات معروف يصبغ لونا أحمر ) ، وأما المصبوغ بالحمرة من غير العصفر فهي المسألة السابقة .
3- المصبوغ بالزعفران : ( وهو نبات يعطي لونا أصفر ) ، وأما المصبوغ بالأصفر من غير الزعفران فقد اتفق أهل العلم على جوازه .
فأما حكم لبس الثياب المعصفرة ، فقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال :
القول الأول : التحريم ، وهو مذهب الظاهرية واختيار ابن القيم .
ودليلهم ما رواه مسلم (2077) عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال :
( رَأَى رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – عَلَيَّ ثَوبَينِ مُعَصفَرَينِ فَقَالَ :
إِنَّ هَذِهِ مِن ثِيَابِ الكُفَّارِ فَلا تَلبَسهَا )
وفي رواية : ( أَأُمُّكَ أَمَرَتكَ بِهَذَا ؟ قُلتُ : أَغسِلُهُمَا ؟ قَالَ : بَل احرِقهُما )(/1)
وما رواه مسلم (2078) عن علي - رضي الله عنه - : ( أَنَّ رَسُولَ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – نَهَى عَن لُبسِ المُعَصفَرِ )
القول الثاني : الكراهة ، وإليه ذهب الحنفية والمالكية ، وهي الرواية المعتمدة عند الحنابلة .
قالوا : والنهي السابق محمول على الكراهة ؛ لما ثبت عن البراء بن عازب – رضي الله عنه - قال : ( رَأَيتُ النَّبِيَّ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – فِي حُلَّةٍ حَمرَاءَ )
رواه البخاري (3551) ومسلم (2337)
القول الثالث : الجواز ، وهو مذهب الشافعية .
( المجموع 4/450 ، المغني 2/299 ، المحلى 4/69 ، تهذيب سنن أبي داود 11/117 ، حاشية ابن عابدين 5/228 )
والذي يترجح - والله أعلم - القول بالتحريم ، وذلك لأن الأصل في النهي أنه للتحريم ، وأما لبس النبي – صلى الله عليه وسلم – الأحمر فذلك لا يعني أن حمرته كانت بسبب العصفر ، بل كانت مصبوغة بالحمرة من غير العصفر .
( انظر "معالم السنن" (4/179))
وأما الثياب المزعفرة ، فقد اختلف فيها أهل العلم على ثلاثة أقوال أيضا ، أصحها ما ذهب إليه الشافعية ورواية عند الحنابلة أنه يحرم على الرجل لبس الثياب المزعفرة ، والدليل على ذلك ما جاء عن أنس – رضي الله عنه – قال :
( نَهَى رَسُولُ اللهِ – صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ – أَن يَتَزَعفَرَ الرَّجُلُ )
رواه البخاري (5846) ومسلم (2101) .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" القول الصحيح أن لبس المعصفر حرام على الرجل ، والمزعفر مثله " انتهى . "الشرح الممتع" (2/218)
(انظر التمهيد 2/180، الإنصاف 1/481، المحلى 4/76 ، المجموع 4/449 ، حاشية ابن عابدين 5/228، المغني 2/299)
ثالثا :
ما تبقى من غير هذه الألوان من الألبسة لم يختلف أهل العلم في جوازها ، بل نقلوا الاتفاق عليها فمن ذلك :
قال النووي "المجموع" (4/337) :(/2)
" يجوز لبس الثوب الأبيض والأحمر والأصفر والأخضر والمخطط وغيرها من ألوان الثياب ، ولا خلاف في هذا ، ولا كراهة في شيء منه " انتهى .
وجاء في الموسوعة الفقهية (6/132-136) :
" اتّفق الفقهاء على استحباب لبس ما كان أبيض اللّون من الثّياب ...
اتّفق الفقهاء على جواز لبس الأصفر ما لم يكن معصفراً أو مزعفراً " انتهى .
كما أن للمرأة ـ أيضا ـ أن تلبس ما تشاء من الألوان – ما لم تكن متبرجة بذلك للأجانب – والذين تكلموا على تحريم المعصفر والمزعفر وغيره إنما قيدوا ذلك بالرجال .
يقول ابن عبد البر "التمهيد" (16/123) :
" وأما النساء فإن العلماء لا يختلفون في جواز لباسهن المعصفر المُفَدَّمَ والمُوَرَّدَ والمُمَشَّقَ... المُفَدَّم : المُشبع حُمرةً ، والمُورَّد : دونه في الحمرة ، وأما الممشق فطين أحمر يصبغ به " انتهى .
الخلاصة : أن اللون النباتي والسكري من الألوان الجائزة ، ولم يرد في تحريمها شيء ، إلا إذا كان لونها ذلك بسبب صبغ العصفر أو الزعفران ، فعند ذلك يصبح محرما لبسه على الرجل فقط ، وذلك على الراجح من أقوال أهل العلم .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
72915
العنوان:
حكم رسم ذوات الأرواح بدون إظهار ملامح للوجه
السؤال:
هل يجوز رسم وجه إنسان بغير ملامح ؟ وإذا كان جائزاً فهل يجوز رسم وجه إنسان من جميع الجهات كما في بعض البرامج لكن بدون ملامح؟
الجواب:
الحمد لله
أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الذي يصور الصور - رسماً أو نحتاً - أنهم يعذبون يوم القيامة ، وهذه الصور المحرمة هي صور ذوات الأرواح ، كالإنسان والحيوان والطير ، بدليل أن في الحديث قوله ( أحيوا ما خلقتم ) .
فعَنْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (إِنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ هَذِهِ الصُّوَرَ يُعَذَّبُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، يُقَالُ لَهُمْ : أَحْيُوا مَا خَلَقْتُمْ) . رواه البخاري (5607) ومسلم (2108) .
والذي يظهر أن الصور غير الكاملة الملامح والتي ليس فيها أنف ولا عيون : ليست داخلة في الصور المحرمة ، ولا أصحابها داخلين في الوعيد ؛ لأنه لا يصدق عليها أنها صورة ؛ وليس في هذه الصور مضاهاة لخلق الله .
فعن عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالت : قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَشَدُّ النَّاسِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ الَّذِينَ يُضَاهُونَ بِخَلْقِ اللَّهِ ) . رواه البخاري ( 5610 ) ومسلم ( 2107 ) .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
"أما مسألة القطن والذي ما تتبين له صورة رغم ما هنالك من أعضاء ورأس ورقبة ولكن ليس فيه عيون وأنف فما فيه بأس ؛ لأن هذا لا يضاهي خلق الله" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ( 2 / السؤال رقم 330 ) .
وقال الشيخ أيضاً :(/1)
"كل من صنع شيئاً يضاهي خلق الله : فهو داخل في الحديث ، وهو : ( لعن النبي صلى الله عليه وسلم المصورين . . . ) ، وقوله : ( أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) ، لكن كما قلت : إنه إذا لم تكن الصورة واضحة ، أي : ليس فيها عين ولا أنف ولا فم ولا أصابع : فهذه ليست صورة كاملة ، ولا مضاهية لخلق الله عز وجل" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" ( 2 / السؤال رقم 331 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
72955
العنوان:
هل تجوز له الهجرة إلى أوربا إذا لم يستطع إظهار دينه في بلده ؟
السؤال:
في بلدنا تمنع السلفية ويمنع التمسك بالأحكام الشرعية كاللحية وتقصير الثياب والصلاة في المسجد وخاصة الفجر والكلام بما يخالف المذهب المعمول به هنا وغير ذلك أريد أن أسأل عن الهجرة شروطها ومتى تجب ؟ وما هي الأماكن التي يهاجر إليها والتي لا يهاجر إليها ؟ وهل تجوز الهجرة إلى أوروبا وأمريكا ؟ كما أن البلدان العربية والإسلامية لا تسمح بالهجرة إليها .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ذكر أهل العلم أن من أقسام الهجرة المشروعة : الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام ، ومن دار البدعة إلى دار السنة ، ومن الأرض التي يغلب عليها الحرام ، والهجرة فرارا من الأذى في البدن أو المال أو الأهل .
قال ابن العربي المالكي رحمه الله : " الهجرة وهي تنقسم إلى ستة أقسام :
الأول : الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام ، وكانت فرضا في أيام النبي صلى الله عليه وسلم مع غيرها من أنواعها ، وهذه الهجرة باقية مفروضة إلى يوم القيامة ، والتي انقطعت بالفتح هي القصد إلى النبي صلى الله عليه وسلم حيث كان .
الثاني : الخروج من أرض البدعة ، قال ابن القاسم : سمعت مالكا يقول : لا يحل لأحد أن يقيم ببلد يسب فيها السلف .
وهذا صحيح ، فإن المنكر إذا لم يقدر على تغييره نزل عنه ، قال الله تعالى : ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ) الأنعام/68 .(/1)
وقد كنت قلت لشيخنا الإمام الزاهد أبي بكر الفهري : ارحل عن أرض مصر إلى بلادك فيقول : لا أحب أن أدخل بلادا غلب عليها كثرة الجهل وقلة العقل ، فأقول له : فارتحل إلى مكة أقم في جوار الله وجوار رسوله ، فقد علمت أن الخروج عن هذه الأرض فرض لما فيها من البدعة والحرام ، فيقول : وعلى يدي فيها هُدَى كثير وإرشاد للخلق وتوحيد وصد عن العقائد السيئة ودعاء إلى الله عز وجل .
الثالث : الخروج عن أرض غلب عليها الحرام ؛ فإن طلب الحلال فرض على كل مسلم .
الرابع : الفرار من الإذاية في البدن ، وذلك فضل من الله عز وجل أرخص فيه ، فإذا خشي المرء على نفسه في موضع فقد أذن الله سبحانه له في الخروج عنه والفرار بنفسه ليخلصها من ذلك المحذور ، وأول من حفظناه فيه الخليل إبراهيم عليه السلام لما خاف من قومه قال : ( إني مهاجر إلى ربي ) العنكبوت/26 ، وقال : ( إني ذاهب إلى ربي سيهدين ) الصافات/99 وموسى قال الله سبحانه فيه : ( فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين ) القصص/21 .
الخامس : خوف المرض في البلاد الوخمة والخروج منها إلى الأرض النزهة ، وقد أذن النبي صلى الله عليه وسلم للرعاء حين استوخموا المدينة أن يتنزهوا إلى المسرح فيكونوا فيه حتى يصحوا ، وقد استثني من ذلك الخروج من الطاعون فمنع الله سبحانه منه بالحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم .
السادس : الفرار خوف الأذية في المال ، فإن حرمة مال المسلم كحرمة دمه ، والأهل مثله أو آكد " انتهى من "أحكام القرآن" (1/611) باختصار . ولا شك أن هذه المقاصد متفاوتة في الحكم بحسب حال الشخص ، فقد تجب وقد تستحب .
والمتحصل من كلام أهل العلم أن الهجرة تجب على من عجز عن إظهار دينه ، واستطاع الهجرة . وأما من قدر على إظهار دينه ، فلا تجب عليه الهجرة ، وكذلك من عجز عن إظهار دينه وعجز عن الهجرة ، فقد عذره الله تعالى .(/2)
قال ابن قدامة رحمه الله مبينا أصناف الناس في حكم الهجرة : " فالناس في الهجرة على ثلاثة أضرب :
أحدها: من تجب عليه , وهو من يقدر عليها , ولا يمكنه إظهار دينه , ولا تمكنه إقامة واجبات دينه مع المقام بين الكفار , فهذا تجب عليه الهجرة ; لقول الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيراً ) . وهذا وعيد شديد يدل على الوجوب . ولأن القيام بواجب دينه واجب على من قدر عليه , والهجرة من ضرورة الواجب وتتمته , وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب .
الثاني: من لا هجرة عليه . وهو من يعجز عنها , إما لمرض , أو إكراه على الإقامة , أو ضعف ; من النساء والولدان وشبههم , فهذا لا هجرة عليه ; لقول الله تعالى : ( إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) . ولا توصف باستحباب ; لأنها غير مقدور عليها .
والثالث : من تستحب له , ولا تجب عليه . وهو من يقدر عليها , لكنه يتمكن من إظهار دينه , وإقامته في دار الكفر , فتستحب له , ليتمكن من جهادهم , وتكثير المسلمين , ومعونتهم , ويتخلص من تكثير الكفار , ومخالطتهم , ورؤية المنكر بينهم . ولا تجب عليه ; لإمكان إقامة واجب دينه بدون الهجرة . وقد كان العباس عم النبي صلى الله عليه وسلم مقيما بمكة مع إسلامه " . انتهى من "المغني" (9/236).
ثانيا :(/3)
علم مما تقدم أنه إذا لم يستطع المسلم إظهار دينه ، فإنه تجب عليه الهجرة عند القدرة ، فإن لم يستطع لعجزه أو مرضه أو عدم وجود جهة تسمح بانتقاله إليها ، فهو معذور ، وفرضه أن يتقي الله ما استطاع ، ويجتهد في أداء ما يستطيعه من أمور دينه ؛ قال الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) البقرة/286، وقال : ( لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) الأنعام/152.
وإذا لم توجد بلد يمكن فيها إظهار الدين كاملا – ممن تسمح بالهجرة إليها - ، فإنه يُبحث عن الأمثل فالأمثل ، وهذا من تقوى الله تعالى ، وامتثالِ أوامره ، وفعلِ الممكن المستطاع .
ثالثا :
إذا لم توجد دولة إسلامية يمكن الانتقال إليها ، وكان العيش في أوروبا أو أمريكا ، مما يمكّن المسلم من إظهار دينه ، أو ينجو فيه من الأذى المتوقع على بدنه أو أهله أو ماله ، بحيث يكون العيش فيها آمن من العيش في بلده الأصلي ، فلا حرج في ذلك ، على أن يقتصر على الإقامة دون أخذ الجنسية ، لما يترتب على أخذها من محظورات كبار ، وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء سؤالا نصه:
كثير من المسلمين الذين يقدمون إلى هذه الديار ينوون الإقامة وكذلك يحصلون على الجنسية الأمريكية فهل يجوز لهم ذلك علما بأنها ديار كفر وشرك وانحلال فكيف يعطون ولاءهم لحكومتها بالتنازل عن جنسية بلادهم الإسلامية وقبول جنسية هذه البلاد فما حكم الإسلام في ذلك علما بأنهم يبررون ذلك بنشر الإسلام؟
فأجابت: "لا يجوز لمسلم أن يتجنس بجنسية بلاد حكومتها كافرة ، لأن ذلك وسيلة إلى موالاتهم والموافقة على ما هم عليه من الباطل.(/4)
أما الإقامة بدون أخذ الجنسية فالأصل فيها المنع لقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرا. إلا المستضعفين...) النساء/97، 98.
ولقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين ) ولأحاديث أخرى في ذلك، ولإجماع المسلمين على وجوب الهجرة من بلاد الشرك إلى بلاد الإسلام مع الاستطاعة. لكن من أقام من أهل العلم والبصيرة في الدين بين المشركين لإبلاغهم دين الإسلام ودعوتهم إليه، فلا حرج عليه إذا لم يخش الفتنة في دينه، وكان يرجو التأثير فيهم وهدايتهم "انتهى" .
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ... عبد الرزاق عفيفي..... عبد الله بن قعود
"فتاوى اللجنة الدائمة" (2/69).
وجوَّزَ بعض أهل العلم أخذ الجنسية في حالة الاضطرار ، كالمطارد الذي لا يجد مأوى إلا في هذه البلاد ، قال الشيخ ابن جبرين حفظه الله : " من اضطر إلى طلب جنسية دولة كافرة كمطارد من بلده ولم يجد مأوى فيجوز له ذلك بشرط أن يظهر دينه ويكون متمكنا من أداء الشعائر الدينية ، وأما الحصول على الجنسية من أجل مصلحة دنيوية محضة فلا أرى جوازه.
والله أعلم" وللأهمية يراجع جواب السؤال رقم ( 13363)
نسأل الله تعالى أن يظهر دينه ، ويعلي كلمته ، ويحفظنا وإياكم والمسلمين بحفظه .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
72966
العنوان:
هل يجوز عمل وليمة طعام بعد انتهاء عدة وفاة الزوج؟
السؤال:
توفي قريب وبعد انتهاء عدة زوجته مباشرةً ( اليوم التالي لانتهاء العدة ) قام أبناؤها بدعوة جميع أقارب زوجة المتوفى لوليمة عشاء ، فما الحكم الشرعي لما قام به أبناؤها ؟ وما الحكم فيمن حضر هذه الوليمة ؟
الجواب:
الحمد لله
انتهاء عدة المرأة ليس من المناسبات السعيدة التي يستحب فيها دعوة الناس إلى الطعام كوليمة النكاح والعقيقة ، بل هذا يشبه ما يفعله كثير من الناس من تجديد مجالس العزاء بعد أربعين يوماً من الوفاة ، أو ما يسمونه بـ "الذكرى السنوية" .
وقد توفي في زمان النبي صلى الله عليه وسلم أزواج كثيرون ، ومكثت نساؤهم فترة العدة ، ولم ينقل – على حد علمنا – أنه صَنع أهل الزوج أو أبناء الزوجة طعاماً ودعوا إليه أقارب الزوجة بعد انتهاء عدتها .
وعلى هذا ؛ فلا يجوز صنع "وليمة" ودعوة الناس إليها بسبب انقضاء عدة المرأة المتوفى عنها زوجها .
وقد سئل الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : ما حكم العادات في العزاء ، من الولائم ، وقراءة القرآن ، والأربعينيات ، والسنوات ، وما شاكل ذلك ؟
فأجاب :(/1)
"هذه العادات لا أصل لها في الشرع المطهر ، ولا أساس لها ، بل هي من البدع ، ومن أمر الجاهلية ، فإقامة وليمة إذا مات الميت يدعو إليها الجيران والأقارب وغيرهم لأجل العزاء بدعة لا تجوز ، وهكذا إقامة هذه الأمور كل أسبوع أو على رأس السنة كلها من البدع الجاهلية ، وإنما المشروع لأهل الميت الصبر والاحتساب ، والقول كما قال الصابرون : "إنا لله وإنا إليه راجعون" ، وقد وعدهم الله خيرا كثيرا فقال سبحانه : ( أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) ولا حرج عليهم أن يصنعوا لأنفسهم الطعام العادي لأكلهم وحاجاتهم ، وهكذا إذا نزل بهم ضيف لا حرج عليهم أن يصنعوا له طعاما يناسبه لعموم الأدلة في ذلك ، ويشرع لأقاربهم وجيرانهم أن يصنعوا لهم طعاماً ، يرسلونه إليهم ، لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما أتى نعي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه حين قتل في مؤتة في الشام أنه قال لأهله : ( اصنعوا لآل جعفر طعاما ، فقد أتاهم ما يشغلهم ) فدل ذلك على مشروعية إرسال الطعام إلى أهل الميت من أقاربهم أو غيرهم أيام المصيبة" انتهى .
" مجموع فتاوى الشيخ ابن باز " ( 9 / 318 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
73017
العنوان:
لا يجوز التنازل عن حد القذف مقابل تعويض مادي
السؤال:
هل يلزمني إحضار شهود إذا قذفني شخص ما وأردت أن أشتكي عليه ؟ . وهل لي أن أتنازل عن حد القذف مقابل تعويض مالي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
جاء الشرع بحماية الضرورات الخمس وهي : الدين ، والعقل ، والعِرْض ، والنسب ، والمال.
والقذف : هو تعرضٌ للعرض برميه بزنى أو لواط ، وقد كُلِّفَ القاذف أن يأتي بما يثبت قوله بأربعة شهداء ، فإن لم يفعل أقيم عليه حد القذف ، وهو ثمانون جلدة ، ولا تُقبل له شهادة ، وهو من الفاسقين إلا أن يتوب أو يقام عليه الحد فإنه يرتفع عنه لقب " الفسق " وتقبل شهادته ، ولا فرق بين أن يكون القاذف أو المقذوف رجلا أو امرأة .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
"وقد انعقد الإجماع على أن حكم قذف المحصن من الرجال حكم قذف المحصنة من النساء" انتهى .
" فتح الباري " ( 12 / 188 ) .
وأما إذا قذفه بغير الزنا ، كما لو اتهمه بأنه سارق أو آكل للحرام ... فلا يُحد حد القذف ، وإنما يعزره الحاكم بما يردعه عن هذا العدوان .
وقذف الأعراض محرَّم في الكتاب والسنة والإجماع ، وهو من كبائر الذنوب ، وقد أوجب الله على القاذف عقوبات مغلظة في الدنيا والآخرة :
1. قال الله تعالى: ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ ) النور/4 .
قال ابن كثير رحمه الله :
فأوجب على القاذف إذا لم يقم البينة على صحة ما قال ثلاثة أحكام : أحدها : أن يُجلد ثمانين جلدة ، الثاني : أنه ترد شهادته أبداً ، الثالث : أن يكون فاسقاً ليس بعدل لا عند الله ، ولا عند الناس .
" تفسير القرآن العظيم " ( 3 / 292 ) .(/1)
2. وقال الله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) النور/23 .
3. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (اجتنبوا السبع الموبقات ، قالوا : يا رسول الله ، وما هنَّ ؟ قال : الشرك بالله ، والسحر ، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وأكل الربا ، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف ، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات) رواه البخاري ( 2615 ) ومسلم ( 89 ) .
ولا يثبت حد القذف على القاذف ، إلا بإقراره بالقذف ، أو شهادة رجلين عدلين بأنه قاذف ، وأما مجرد الدعوى فلا يثبت بها القذف أو غيره ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (البينة على المدعي) رواه الترمذي (1341) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1938) .
وانظر : "المغني" (14/126) .
ثانياً :
أما التنازل عن حد القذف مقابل مبلغ مالي : فهو غير جائز ؛ لأن العِرْض لا تجوز المعاوضة عليه بالمال .
قال الحطاب المالكي رحمه الله :
"ومن صالح من قذفٍ على مال : لم يجز ، ورُدَّ ، بلغ الإمام أو لا ... لأنه من باب الأخذ على العرض مالاً" انتهى بتصرف .
" مواهب الجليل " ( 6 / 305 ) .
وقال ابن قدامة الحنبلي رحمه الله :
"وإن صالحه عن حد القذف : لم يصح الصلح ؛ لأنه إن كان لله تعالى : لم يكن له أن يأخذ عوضه لكونه ليس بحق له ، فأشبه حد الزنا والسرقة ، وإن كان حقّاً له : لم يجز الاعتياض عنه ؛ لكونه حقّاً ليس بمالي ، ولهذا لا يسقط إلى بدل ، بخلاف القصاص ؛ ولأنه شرع لتنزيه العرض فلا يجوز أن يعتاض عن عرضه بمال" انتهى .
" المغني " ( 5 / 33 ) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :(/2)
ما حكم تقويم عقوبة ثابتة بنصوص القرآن والسنَّة بقيمة ( مبلغ ) معينة ، كأن يُقوَّم قطع يد السارق ، فبدلاً من أن تُقطع يده يطالِب هو بقيمة ( مبلغ ) ، وكأن يقوَّم الرجم أو الجلد ، فلا يُرجم أو يُجلد الزاني ، بل يطالِب هو بدفع قيمة معينة ( مبلغ معين ) ؟ .
فأجابوا :
"لا يجوز تقويم عقوبات الحدود بمبالغ نقدية ؛ لأن الحدود توقيفية ، ولا يجوز تغييرها عما حدَّه الشارع" انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد الرزاق عفيفي ، الشيخ عبد الله بن غديان
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 22 / 17 ) .
كما لا يجوز بعد إقامة الحد على القاذف أن يطالب المقذوف بتعويض مالي ؛ إذ عامة العلماء على عدم جواز أخذ تعويض مالي مقابل ضرر معنوي – ويسمى كذلك " الضرر الأدبي " .
وقد جاء في قرار " مجمع الفقه الإسلامي " رقم 109 ( 3 / 12 ) بشأن موضوع " الشرط الجزائي " ما نصه :
"الضرر الذي يجوز التعويض عنه يشمل الضرر المالي الفعلي ... ولا يشمل الضرر الأدبي أو المعنوي" انتهى .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 13 / 40 ) تحت عنوان " التعويض عن الأضرار المعنوية:
"لم نجد أحداً من الفقهاء عبَّر بهذا ، وإنما هو تعبير حادث ، ولم نجد في الكتب الفقهية أن أحداً من الفقهاء تكلم عن التعويض المالي في شيء من الأضرار المعنوية" انتهى .
فتبين بهذا أنه لا يجوز استبدال حد القذف بمال ، ولا يجوز المطالبة بتعويض بعد إقامة الحد على القاذف ، ولك أن تعفو عمن قذفك ولا تطالب بإقامة الحد عليه .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
73427
العنوان:
الخروج إلى زوجته الثانية التي تسكن مع أمه في غير يومها
السؤال:
إذا كانت إحدى الزوجتين تسكن مع حماتها المريضة التي تحتاج للرعاية ، هل يجوز للزوج الذهاب لأمه لتفقد حالها قليلا من الوقت ثم الذهاب إلى صاحبة النوبة ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز للزوج أن يذهب إلى زوجته الثانية نهاراً إذا كان ذلك لحاجة ، كالاطمئنان عليها ، أو تسليمها نفقة أو أخذ شيء من البيت ونحو ذلك .
وله أن يستمتع بها بما شاء إلا الجماع ، ولكن ليس له أن يطيل المقام عندها .
أما إذا كان ذلك ليلاً ، فلا يجوز ذهابه إليها إلا لضرورة كاشتداد مرضها ، أو حصول حريق ونحو ذلك .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (106513).
ولكن الذي يظهر أن خروجك لزيارة والدتك المريضة والسؤال عنها يجوز ليلاً ونهاراً ، ما دمت قاصداً زيارة والدتك ، ولم تقصد زيارة زوجتك .
وعليك في هذه الحال أن تكون زيارتك بقدر الحاجة ، فإذا حصل المقصود من الاطمئنان على والدتك ورعايتها ومساعدتها فيما تحتاج إليه وإيناسها فإنك تنصرف إلى زوجتك الأخرى ، ولا تطيل الجلوس عند والدتك من غير حاجة داعية إلى ذلك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
74989
العنوان:
زكاة أسهم الشركات العقارية
السؤال:
هل تجب الزكاة في الأسهم في الشركات العقارية ؟.
الجواب:
الحمد لله
سبق في جواب السؤال (69912) تفصيل القول في زكاة الأسهم ، ومتى تجب ومتى لا تجب ؟
والأسهم في الشركات العقارية لا تخلو من حالين :
الأولى :
أن تكون هذه الشركات تشتري الأراضي لبنائها واستغلال ما عليها من مبانٍ بالتأجير مثلاً ، فلا زكاة في هذه الأسهم ، وإنما الزكاة في أرباحها فقط إن بلغت نصاباً وحال عليها الحول , لأن هذه الأراضي والعقارات لا زكاة فيها ، وإنما الزكاة على عائدها إن بلغ نصاباً وحال عليه الحول .
مع التنبه إلى أن هذه الشركات لا تخلو خزائنها من مبالغ نقدية وأرصدة في البنوك ، وهذه المبالغ تجب فيها الزكاة ، فيجب معرفة ما يقابل السهم من هذه النقود وإخراج زكاتها كل عام .
الثانية :
أما إن كانت الشركة تشتري العقارات من أراضٍ ومبانٍ بقصد التجارة ، فهذه الأسهم تعتبر عروض تجارة ، فتجب فيها الزكاة هي وأرباحها ، فتخرج زكاتها حسب قيمتها كل عام مضافاً إليها الأرباح .
وهذا النشاط هو الغالب على الشركات العقارية .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمن رحمه الله : عن رجل ساهم في أرض تابعة لمؤسسة عقارية ومضى عليها سنين كثيرة فكيف يجري زكاتها ؟
فأجاب :(/1)
" هذه المساهمة عروض تجارة فيما يظهر ؛ لأن الذين يساهمون في الأراضي يريدون التجارة والتكسب ، ولهذا يجب عليهم أن يزكوها كل سنة بحيث يقومونها بما تساوي ، ثم يؤدون الزكاة ، فإذا كان قد ساهم بثلاثين ألفاً وكان عند تمام الحول تساوي هذه السهام ستين ألفاً ، وجب عليه أن يزكي ستين ألفاً ، وإذا كانت عند تمام الحول الثلاثون ألفاً لا تساوي إلا عشرة آلاف لم يجب عليه إلا زكاة عشرة آلاف ، وعلى هذا تقاس السنوات التي ذكر السائل أنها قد بقيت ، فيخرج لكل سنة مقدار زكاتها ، ولكن إذا كانت هذه الأسهم لم تبع حتى الا?ن فإنها إذا بيعت يخرج زكاتها ، ولكن لا ينبغي للإنسان أن يتهاون ، بل يبيعها بما قدر الله ثم يخرج زكاتها " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/226) .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : عن رجل ساهم في أرض ثم بيعت بعد خمس سنوات ، كيف يدفع زكاتها ؟
فأجابوا :
" يزكي عن كل سنة من السنوات الأربع الماضية ، على حسب قيمتها كل سنة ، سواء ربحت أم لم تربح ، ويزكي الربح مع الأصل للسنة الأخيرة " انتهى .
فتاوى اللجنة الدائمة" (9/350) .
وسواء كانت الشركة تبيع الأراضي كما هي أو تبنيها ثم تبيعها .
فقد سئل الشيخ ابن عثيمين : عن رجل يشترى الأرض وينوي حال الشراء أن يبيعها حال الانتهاء من بنائها ، وبعد الانتهاء من بنائها يعرضها للبيع ، وبعد استلامه لثمنها يقوم ويشتري أرضاً أخرى وهكذا ، هل تجب عليه زكاة في هذه الحالة ؟
فأجاب :
" "الزكاة واجبة في هذه الأرض زكاة عروض ، لأنه اشتراها ليربح فيها ، ولا فرق بين أن ينوي بيعها قبل تعميرها أو بعده ، كمن اشترى قماشاً ليربح فيه بعد خياطته ثياباً " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/227) .(/2)
رقم السؤال:
75674
العنوان:
أخذ القروض بفوائد من أجل الزواج
السؤال:
أنا شاب مقبل على الزواج وقد أتم الله نعمتة علي بأني أتممت عقد القران منذ فترة قليلة والآن لدي بعض الديون القليلة وبعض الأقساط المتأخرة ، هل يجوز أن أحصل على قرض من البنك الذي أتعامل معه حتى أسدد هذه الديون والأقساط المتأخرة على أن أسدد هذا القرض على أقساط وبفوائد ؟ أنا مدرك تماما أن هذا القرض ربوي ولكن أنا مقبل على التزامات أكثر في الفترة القادمة فلدي تشطيب شقتي وطبعا لن أقدر على سداد جميع الديون والأقساط مع تشطيب الشقة فهذا عبء رهيب لا تساعدني إمكانياتي المادية عليه فهل هذا القرض حرام أم حلال ؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله أن ييسر لك أمر الزواج وأن يعينك عليه، وأما أخذ القروض بالفوائد الربوية فهو من المحرمات العظيمة والكبائر الجسيمة التي لا يجوز الإقدام عليها في مثل هذه الحال، والله تعالى يقول : ( ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ) ونوصيك بالاستعانة بالله والالتجاء إليه في تيسير أمورك مع حسن التخطيط والاقتصاد والصبر حتى يكتب الله لك الفرج القريب، وللاستزادة حول حكم القروض الربوية والتفصيل في أحكامها ننصحك بمراجعة الأسئلة التالية في الموقع (45910) ، (22905) ، (21914)(/1)
رقم السؤال:
75727
العنوان:
سنن الفطرة في فترة الحيض
السؤال:
هل يجوز القيام بسنن الفطرة للنساء أثناء فترة الحيض ؟
الجواب:
الحمد لله
لا تمنع الحائض من القيام بسنن الفطرة ، والتنظف والتجمل والتزين ، بل الحائض في ذلك كغيرها من النساء .
وإنما تمنع الحائض من الصلاة والصيام والطواف بالكعبة ، ومس المصحف ، ودخول المسجد والجماع .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يجوز أن أضع الحِنّا في يدي وشعري أثناء الدورة الشهرية ؟
فأجابوا :
" يجوز لك ذلك ؛ لأن الأصل في ذلك الجواز ، ولم يثبت ما يمنع شرعا " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/403) .
ثانياً :
القيام بسنن الفطرة معلق بالحاجة إلى ذلك ، فمن طال عليه شعره أو ظفره فيشرع له المبادرة إلى تقصيره
قال النووي رحمه الله "المجموع" (1/340) :
" وأما التوقيت في تقليم الأظفار فهو معتبر بطولها ، فمتى طالت قلمها ، ويختلف ذلك باختلاف الأشخاص والأحوال ، وكذا الضابط في قص الشارب ونتف الإبط وحلق العانة" انتهى .
ومعلوم أن فترة الحيض قد تتجاوز أسبوعا ، والنفاس قد يصل إلى الأربعين ، فكيف تؤمر بالجلوس كل هذه الفترة دون أن تقوم بهذه السنن !
ثالثاً :
يعتقد بعض الناس أن من عليه الحدث الأكبر لا يأخذ شيئا من شعره وأظفاره ؛ وهذا اعتقاد باطل لا أصل له في شريعة الإسلام .
سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن الرجل اذا كان جنبا وقص ظفره أو شاربه أو مشط رأسه ، هل عليه شيء في ذلك ، فقد أشار بعضهم إلى هذا وقال : إذا قص الجنب شعره أو ظفره فإنه تعود إليه أجزاؤه في الآخرة ، فيقوم يوم القيامة وعليه قسط من الجنابة بحسب ما نقص من ذلك ، وعلى كل شعرة قسط من الجنابة ، فهل ذلك كذلك أم لا ؟
فأجاب رحمه الله :(/1)
" قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث حذيفة ومن حديث أبي هريرة رضي الله عنهما أنه لما ذكر له الجنب قال : (إن المؤمن لا ينجس) وفي صحيح الحاكم : (حيا ولا ميتا) وما أعلم على كراهية إزالة شعر الجنب وظفره دليلا شرعيا ، بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم للذي أسلم : (ألق عنك شعر الكفر واختتن) فأمر الذي أسلم أن يغتسل ، ولم يأمره بتأخير الاختتان وإزالة الشعر عن الاغتسال ، فإطلاق كلامه يقتضي جواز الأمرين ، وكذلك تؤمر الحائض بالامتشاط في غسلها ، مع أن الامتشاط يذهب ببعض الشعر . والله أعلم" انتهى.
"مجموع الفتاوى" (21/120-121) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
75844
العنوان:
هل يرخص لحديث الزواج بترك صلاة الجماعة؟
السؤال:
هل صحيح أن السنة ترخص للمتزوج حديثا أن يصلي في بيته خلال الأسبوع الأول من زواجه ولا يشارك الجماعة وما هو الدليل ؟
الجواب:
الحمد لله
فقد دلت الأدلة الكثيرة على وجوب صلاة الجماعة على الرجال كما تجده مفصلا في السؤال رقم (120) ، ولا نعلم دليلاً يدل على أن حديث العهد بالزواج يحق له ترك صلاة الجماعة ، إلا أن بعض الفقهاء قد نص على أنه : " يعذر بترك الجماعة من ينتظر زف المرأة إليه " وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن رأيه في هذه العبارة فقال : " رأينا : أن أقوال العلماء يكون فيها الخطأ ويكون فيها الصواب ، والواجب الرجوع إلي الكتاب والسنة .
ثانيا : أن الذين قالوا هذا من العلماء إنما يتحدثون عن أمر كانوا عليه ، وهو أن الرجل هو الذي يستقبل الزوجة وليست الزوجة هي التي تستقبل الرجل ، فيكون الرجل في بيته وتزف إليه امرأته ، وهذا يعذر بترك الجماعة ، لأنه لو ذهب وصلى الجماعة لكان قلبه مشغولا ، وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا صلاة بحضرة طعام ) وكان ابن عمر رضي الله عنهما يسمع الإمام يقرأ وهو يتعشى لا يقوم للصلاة حتى يكمل ، فإذا كان الرجل يعذر بترك الجماعة في هذه الحال فالذي ينتظر زف الزوجة إليه أشد شغلا والعذر واضح ، لكن عادة الناس اليوم على خلاف ذلك عندنا ، فالزوج يأتي إلي الزوجة في مكانها ، والأمر بيده فلا يعذر بترك الجماعة" انتهى من أسئلة اللقاء الشهري ( 29 )
وأما كون الزفاف عذرا لترك صلاة الجماعة مطلقاً فهذا وإن ذكره بعض الفقهاء، لكن لم يدل عليه دليل صحيح ، وقد سئل فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عمن يترك صلاة الفجر في صبيحة زواجه ؟ فكان من جوابه : " الواجب أن يصلي الزوج صلاة الفجر مع الجماعة لا أن يدع صلاة الجماعة بدون عذر شرعي " انتهى من أسئلة اللقاء الشهري ( 29 )
ثالثاً :(/1)
ما سأل عنه السائل من ترك المتزوج صلاة الجماعة أسبوعاً يظنه بعض الناس من السنة ، ولعلهم فهموا ذلك من قول أنس رضي الله عنه : ( من السنة أن يُقيم عند البِكْر سبعاً) متفق عليه واللفظ لمسلم (1461)
ولكن ليس معناه كما يفهم هؤلاء أنه يقيم عندها أسبوعاً ولا يخرج من البيت ، ولا يصلي جماعة في المسجد !!
وإنما معناه : إذا تزوج بكراً وكان عنده زوجة غيرها ، فإنه يقسم للبكر سبع ليال ، خالصة لها ثم بعد ذلك يقسم لكل واحدة من زوجاته ليلة ليلة .
وقد جاء بيان ذلك عن أنس رضي الله عنه في حديثه المتقدم عند البخاري (5214) ومسلم (1461) بلفظ : ( مِنْ السُّنَّةِ إِذَا تَزَوَّجَ الرَّجُلُ الْبِكْرَ عَلَى الثَّيِّبِ أَقَامَ عِنْدَهَا سَبْعًا وَقَسَمَ وَإِذَا تَزَوَّجَ الثَّيِّبَ عَلَى الْبِكْرِ أَقَامَ عِنْدَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ قَسَمَ ) ، فواضح من هذا اللفظ : أن قصد أنس بأنه يقيم عند البكر سبعاً ، أنه يقسم لها سبع ليال بمفردها ، ثم يقسم لسائر زوجاته .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
75879
العنوان:
شهود الجماعة في مسجد تتكشف فيه النساء في الوضوء
السؤال:
في بلدنا المسلم وبمعظم المساجد عندنا ، عندما أخرج للصلاة بالمسجد أرى بعض النساء بالمسجد يدخلن معي ويقمن بخلع أحذيتهن أمام الرجال وكذلك عند الوضوء يقمن بتشمير أرجلهن وأيديهن ويقفن بجوار الرجال للوضوء ، ماذا أفعل ؟ أأصلي بالبيت أم أترك المسجد ؟ وخاصة أننا نحن الشباب نعاني من الشهوة بشدة .
الجواب:
الحمد لله :
شهود الجماعة مع المسلمين واجب ، كما بينا في إجابات عديدة ؛ فانظر رقم (8918 ، و 120 ) ، فلتحرص ـ أخي الكريم ـ على الجماعة في المسجد الذي يؤذن لها فيه .
ولتحرص على الوضوء في منزلك أو مكان عملك ، وإن اضطررت للوضوء في المسجد فعليك بغض بصرك وتحري البعد عن أماكن تواجد النساء، فإن الله تعالى يقول : ( قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ) النور/30. كما نوصي المرأة المؤمنة أن تتقي الله في قدومها للمسجد ، وأن تعلم أنها أتت لبقعة هي من أشرف بقاع الأرض لتؤدي عبادة من أعظم العبادات؛ فلا يليق بها أن تعصي ربها بكشف ما أمرها بتغطيته ، كما لا يصلح لها مزاحمة الرجال في أماكن وضوئهم ، وإذا لم تجد مكانا تتوضأ فيه فلتصل في منزلها فهو خير لها وأعظم لأجرها ، كما في سنن أبي داود (570) وغيره ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
( صَلَاةُ الْمَرْأَةِ فِي بَيْتِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي حُجْرَتِهَا وَصَلَاتُهَا فِي مَخْدَعِهَا أَفْضَلُ مِنْ صَلَاتِهَا فِي بَيْتِهَا ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .(/1)
قال في عون المعبود : ( صَلَاة الْمَرْأَة فِي بَيْتهَا ) : أَيْ الدَّاخِلَانِيّ لِكَمَالِ سِتْرهَا ( أَفْضَل مِنْ صَلَاتهَا فِي حُجْرَتهَا ) : أَيْ صَحْن الدَّار . قَالَ اِبْن الْمَلَك : أَرَادَ بِالْحُجْرَةِ مَا تَكُون أَبْوَاب الْبُيُوت إِلَيْهَا وَهِيَ أَدْنَى حَالًا مِنْ الْبَيْت ( وَصَلَاتهَا فِي مَخْدَعهَا ) : هُوَ الْبَيْت الصَّغِير الَّذِي يَكُون دَاخِل الْبَيْت الْكَبِير يُحْفَظ فِيهِ الْأَمْتِعَة النَّفِيسَة , مِنْ الْخَدْع وَهُوَ إِخْفَاء الشَّيْء أَيْ فِي خِزَانَتهَا ( أَفْضَل مِنْ صَلَاتهَا فِي بَيْتهَا ) لِأَنَّ مَبْنَى أَمْرهَا عَلَى التَّسَتُّر .
وفي سنن الترمذي (1173) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الْمَرْأَةُ عَوْرَةٌ فَإِذَا خَرَجَتْ اسْتَشْرَفَهَا الشَّيْطَانُ ) .
زاد ابن خزيمة (1686) والطبراني (9481) : ( وإنها لا تكون إلى وجه الله أقرب منها في قعر بيتها ) ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (2688)
ولا يجوز للمرأة المسلمة أن تؤذي المسلمين بكشف ما أوجب الله عليها ستره من اليدين والرجلين ، والله تعالى يقول : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) الأحزاب/59
وليس لها أن تزاحم الرجال في أماكنهم ، ولا أن تؤذيهم بمخالطتهم على وجه لا يجوز ، أو يوقعهم في الحرج .(/2)
روى أبو داود (5272) عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ وَهُوَ خَارِجٌ مِنْ الْمَسْجِدِ ، فَاخْتَلَطَ الرِّجَالُ مَعَ النِّسَاءِ فِي الطَّرِيقِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلنِّسَاءِ :
( اسْتَأْخِرْنَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لَكُنَّ أَنْ تَحْقُقْنَ الطَّرِيقَ [ يعني : أن يمشين في وسطه ] ؛ عَلَيْكُنَّ بِحَافَّاتِ الطَّرِيقِ .
فَكَانَتْ الْمَرْأَةُ تَلْتَصِقُ بِالْجِدَارِ حَتَّى إِنَّ ثَوْبَهَا لَيَتَعَلَّقُ بِالْجِدَارِ مِنْ لُصُوقِهَا بِهِ ) حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وإذا كان هذا في حال المشي في الطريق ، الذي تكون المرأة فيه كاملة الحجاب ، شادَّة عليها ثيابها ، فكيف بحال الوضوء ، والتشمير عن السوق والأذرع ؟!!
والخلاصة : أنه ينبغي عليك أن تتجنب مواطن الفتنة والاختلاط ، ما استطعت إلى ذلك سبيلا ، واختر لنفسك أبعد المساجد عن أن تطرقها النساء ، أو تكشف فيها عن شيء من عوراتهن ، واجتهد في أن تتوضأ في بيتك ، بعداً عن أماكن الفتنة .
والله تعالى أعلم(/3)
رقم السؤال:
75891
العنوان:
حكم أكل الدجاج المذبوح بالآلات
السؤال:
عند ذبح الدجاج في المذابح الآلية يضعون ألف دجاجة تحت آلة واحدة ويقولون بسم الله مرة واحدة على ثم يذبحون الألف دجاجة في وقت واحد ويغسلون الألف دجاجة في إناء واحد أو برميل دون تغيير الماء في هذا الإناء فكلما غسلوا فيه دجاجة تلوث الماء وأصبح خبيثا فما حكم أكل هذه الدواجن من ناحتين : إذا حصلنا على هذه الدواجن وهي غير مطبوخة حيث يمكن غسلها ؟ أو إذا قدمت لنا مطهوة في مطعم مثلا دون غسلها ، لأنهم يعتمدون على غسل المذبح ؟
الجواب:
الحمد لله
" لا بأس بذبح الدجاج بالمذابح الآلية والآلات الحديثة بشرط كونها حادة وأن تقطع الحلقوم والمريء، وإذا كانت الآلة تذبح عدداً من الدجاج في وقت واحد فتجزئ التسمية مرة واحدة ممن يحرك الآلة حين تحريكه إياها بنية الذبح بشرط كون الذابح المحرك مسلما أو كتابياً"
"فتاوى اللجنة الدائمة" (22/463)
وأما ما ذكرت من طريقة غسلها ، فإن كان غسلها بهذه الطريقة يذهب عنها الدم وتخرج نظيفة فهي طاهرة ، أما إن بقي عليها أثر الدم فيجب غسله قبل أكلها .
مع التنبه أن الدم النجس هو المسفوح وهو الذي يسيل من الدجاجة عند ذبحها ، أما الدم الباقي في عروقها بعد الذبح ويخرج عند تنظيفها وتقطيعها ، فهذا الدم طاهر ولا حرج في أكله لأنه ليس دماً مسفوحاً .
وقد قال الله تعالى : ( قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) الأنعام/145 .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
75894
العنوان:
فضل سورة ( يس )
السؤال:
هل هناك أحاديث صحيحة في فضل قراءة سورة ( يس ) ؟ البعض يقول : إنها لِمَا قُرِأت له ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سورة ( يس ) من سور القرآن المكية العظيمة ، عدد آياتها ثلاث وثمانون آية ، فواصلها القصيرة لها وقع قوي في النفوس المؤمنة ، موضوعاتها الرئيسية هي موضوعات السور المكية ، تحدثت عن توحيد الألوهية والربوبية وعاقبة المكذبين بهما ، والقضية التي يشتد عليها التركيز في السورة هي قضية البعث والنشور .
ثانياً :
قد وردت عدة أحاديث في فضائل هذه السورة ، أكثرها مكذوبة موضوعة ، وبعضها ضعيف ضعفا يسيرا ، ولم نقف على حديث صحيح مخصوص في فضل سورة ( يس ) .
فمما ورد من فضائلها ويضعفه أهل العلم بالحديث – وإنما نسوقه هنا للتنبيه عليه - :
( إن لكل شيء قلبا ، وقلب القرآن ( يس ) ، من قرأها فكأنما قرأ القرآن عشر مرات )
( من قرأ سورة ( يس ) في ليلة أصبح مغفورا له )
( من داوم على قراءتها كل ليلة ثم مات مات شهيدا )
( من دخل المقابر فقرأ سورة ( يس ) ، خفف عنهم يومئذ ، وكان له بعدد من فيها حسنات )
انظر "الموضوعات" لابن الجوزي (2/313) ، "الفوائد المجموعة" للشوكاني (942،979) ، وانظر للأهمية رسالة : " حديث قلب القرآن يس في الميزان ، وجملة مما روي في فضائلها " لفضيلة الشيخ محمد عمرو عبد اللطيف ، حفظه الله .
ويراجع في موقعنا سؤال رقم (654) (6460)
ثالثا :
ومما يرويه الناس حديث ( يس لما قرئت له ) ، ويعنون به أن قراءة سورة ( يس ) يحصل معها قضاء الحوائج وتسهيل الأمور التي ينويها القارئ بقراءته .
والواجب التنبيه على بطلان نسبة هذا الكلام إلى السنة النبوية ، أو إلى أهل العلم من الصحابة والتابعين والأئمة ، فلم يأت عن أحد منهم مثل هذا التقرير ، بل ينبهون على بطلان ذلك .
يقول السخاوي رحمه الله عن هذا الحديث :(/1)
" لا أصل له بهذا اللفظ " انتهى . "المقاصد الحسنة" (741) ، وقال القاضي زكريا في حاشية البيضاوي : موضوع . كما في "كشف الخفاء" (2/2215)
ومثله في كتاب "الشذرة في الأحاديث المشتهرة" لابن طولون الصالحي (2/1158) وفي "الأسرار المرفوعة" للقاري (619) وغيرها . وانظر رسالة الشيخ محمد عمرو المشار إليها : " حديث قلب القرآن يس .. " ص 80 هـ 1 .
ولا يجوز لأحد أن ينسب هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا أن يتحدث به في مجالس الناس ، ومن يزعم أن التجربة تدل على صحة هذا الحديث ، يقال له : والتجربة وقعت من كثير ممن قرأ ( يس ) لقضاء حاجته فلم يقضها الله له ، فلماذا نأخذ بتجربتك ولا نأخذ بتجربة غيرك !؟
وما ينقله الإمام ابن كثير في "تفسير القرآن العظيم" (3/742) عن بعض أهل العلم : " أنَّ مِن خصائص هذه السورة أنها لا تُقرَأ عند أمر عسير إلا يسره الله تعالى " انتهى .
فهو اجتهاد منهم ليس عليه دليل من الكتاب أو السنة أو أقوال الصحابة والتابعين ، ومثل هذا الاجتهاد لا يجوز نسبته إلى الله تعالى ورسوله ، إنما ينسب مثل هذا إلى قائله ؛ بحيث يكون صوابه له وخطؤه عليه ، ولا يجوز أن ينسب إلى كتاب الله تعالى أو سنة رسوله ما نتيقن أنه منه . قال الله تعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ }
على أننا ننبه هنا إلى أن كثيرا ممن تقضى له الحاجات عند دعائه ، أو قراءته لمثل ذلك ، إنما تقضى له لأجل ما قام بقلبه من الاضطرار والفقر إلى ربه ، وصدق اللجوء إليه ، لا لأجل ما قرأه من دعاء ، أو دعا عنده من قبر أو نحو ذلك .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :(/2)
" ثم سبب قضاء حاجة بعض هؤلاء الداعين الأدعية المحرمة أن الرجل منهم قد يكون مضطرا اضطرارا لو دعا الله بها مشرك عند وثن لاستجيب له ، لصدق توجهه إلى الله ، وإن كان تحري الدعاء عند الوثن شركا ، ولو استجيب له على يد المتوسل به ، صاحب القبر أو غيره لاستغاثته ، فإنه يعاقب على ذلك ويهوي في النار ، إذا لم يعف الله عنه ..."
ثم يقول : " ومن هنا يغلط كثير من الناس ؛ فإنهم يبلغهم أن بعض الأعيان من الصالحين عبدوا عبادة أو دعوا دعاء ، ووجدوا أثر تلك العبادة وذلك الدعاء ، فيجعلون ذلك دليلا على استحسان تلك العبادة والدعاء ، ويجعلون ذلك العمل سُنّة ، كأنه قد فعله نبي ؛ وهذا غلط لما ذكرناه ، خصوصا إذا كان ذلك العمل إنما كان أثره بصدق قام بقلب فاعله حين الفعل ، ثم تفعله الأتباع صورة لا صدقا ، فيُضَرون به ؛ لأنه ليس العمل مشروعا فيكونَ لهم ثواب المتبعين ، ولا قام بهم صدق ذلك الفاعل ، الذي لعله بصدق الطلب وصحة القصد يكفر عن الفاعل " .
انتهى من اقتضاء الصراط المستقيم (2/698، 700)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
75977
العنوان:
متى يَشرَعُ المأموم بالتسليم عن اليمين؟
السؤال:
عند التسليم من الصلاة ، هل يسلم المأموم بعد الأولى من الإمام ، ثم الثانية بعد الثانية ، أم ينتظر ولا يسلم حتى ينتهي الإمام من التسليمة الثانية ؟
الجواب:
الحمد لله
الأفضل للمأموم أن لا يسلم من الصلاة حتى يفرغ الإمام من التسليمة الثانية .
قال النووي رحمه الله "المجموع" (3/463) :
" قال البغوي : يستحب ألا يبتدئ السلام حتى يفرغ الإمام من التسليمتين ، وهو ظاهر نص الشافعي في البويطي كما نقله البغوي ، فإنه قال : ( ومن كان خلف إمام ، فإذا فرغ الإمام من سلامه سلم عن يمينه وشماله ) " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (4/267) :
"قال العلماء : يكره أن تسلم مع إمامك التسليمة الأولى والثانية ، وأما إذا سلمت التسليمة الأولى بعد التسليمة الأولى ، والتسليمة الثانية بعد التسليمة الثانية فإن هذا لا بأس به ، لكن الأفضل أن لا تسلم إلا بعد التسليمتين " انتهى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
76010
العنوان:
حول طلب العلم
السؤال:
سؤالي يا شيخ يتكون من عدة نقاط ، لكنها متصلة ببعضها البعض ، وهى تدور حول طلب العلم ، وأرجو من فضيلتكم عند الإجابة على الأسئلة أن تضع أمام عينيك أني أريد أن أكون يوماً ما كالشيخ ابن باز أو الشيخ ابن عثيمين ، قد تتهمني بالجنون أو السفه ، ولكن يعلم الله أن هذين العالمين الربانيين هما قدوتي في طلب العلم . 1- الزواج : هل يتعارض الزواج مع طلب العلم ، خاصةً أنى فى بداية الطلب ، وقد تأخرت كثيراً فى الطلب ، فعمري الآن 25 عاما ، ولكني عندي رصيد معقول من المسائل ، ولكن بدون تأصيل علمي ، ولكن هناك أمر ، وهو أني شاب أنعم الله علي بقوة البنية وحسن الهيئة ، وأخاف على نفسي في زمن الفتن الذي نعيشه ، كما أن الفتاة التي أنوي الزواج منها لا يمكن تعويضها بسهولة ؛ لأنها من بيت ملتزم جداً ، وأن أحب والدها وإخوانها الذكور ، وأتمنى أن يكون بيننا مصاهرة . 2- ساعات التحصيل : كم ساعة يجب علي أن ألتزم بها في تحصيل العلم ، بخلاف الوقت المخصص للقرآن ، فأنا أجعل له وقتاً خاصاً به تلاوةً وحفظاً . 3- الإنترنت والفضائيات : أنا أقضي حوالي ساعة ونصف يومياً في تصفح المواقع الدينية عبر الإنترنت ، كموقعكم وموقع المسلم ( د/ ناصر العمر) وموقع الشبكة الإسلامية ، وكذلك أقضي حوالي ساعة يومياً في متابعة قناة الجزيرة الإخبارية ، أو أي برنامج يناقش قضية مهمة على أي قناة أخرى ، وذلك بهدف التثقيف في مختلف جوانب الحياة ، فهل أستمر على ذلك ، أم أستفيد من ذلك الوقت في طلب العلم وكذلك العبادة ؟
الجواب:
الحمد لله
أبارك لك أخي السائل هذه الهمة العالية ، وأبارك لك ما أنعم الله عليك من حرصٍ وسعيٍ لتحصيل العلم ، فإن العلم الشرعي أشرف ما يقطع به الإنسان عمره ، ويُفني له شبابه .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم :(/1)
( الدُّنيَا مَلعُونَةٌ ، مَلعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلَّا ذِكرُ اللَّهِ ، وَمَا وَالَاهُ ، وَعَالِمٌ أَوَ مُتَعَلِّمٌ )
رواه الترمذي (2322) وقال : حسن غريب ، وحسنه ابن القيم في عدة الصابرين (260) والألباني في الصحيحة (2797)
ومسيرة العلم أخي مسيرة طويلة ، فهي مشروع عمر ، وهي فكرة حياة كاملة ، ولا يزال طالب العلم في طلبه حتى يلقى الله على ذلك .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لَن يَشبَعَ المُؤمِنُ مِن خَيرٍ يَسمَعُهُ حَتَّى يَكُونَ مُنتَهَاهُ الجَنَّةُ )
رواه الترمذي (2686) وقال : حسن غريب ، وصححه الحاكم (4/129) ووافقه الذهبي ، وقد ضعفه الشيخ الألباني في ضعيف الترمذي .
وهذه نصائح فيها إجابة على ما سألت عنه :
أولا :
أنفع ما يكون طلب العلم في سن الشباب ، حيث يكون الذهن متوقدًا ، والهمةُ حَيَّةً كبيرةً ، ولا يضر المرء أن فاتت سنون صغره وطفولته دون حفظ العلوم أو دراستها ، فإن الطالب في شبابه قادر على تعويض ما فاته ، بالحرص والجد والمتابعة .
أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه (5/284) عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوله :
" تفقهوا قبل أن تُسَوَّدُوا "
قال أبو عبيد في "غريب الحديث" (3/369) :
" يقول : تعلموا العلم ما دمتم صغارا قبل أن تصيروا سادة " انتهى .
ولما ذكر البخاري في صحيحه (ص/39) قول عمر معلقا ، أتبعه بقوله :
" وبعد أن تُسَوَّدُوا ، وقد تعلم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في كبر سنهم " انتهى .
يريد البخاري رحمه الله ، بيان أن كبر السن والسيادة لا تمنع من العلم ، فقد أسلم كثير من الصحابة في كبر سنهم ، مثل أبي بكر رضي الله عنه ، ثم صاروا أئمة علم ونور وهداية .
كما أبشرك أخي السائل بأن سن العشرين هو أفضل سنين الطلب ، فهو سن القوة والشباب ، وقد اختاره أهل العلم لتعلم العلوم الصعبة ، وما فات قبله إنما هو لحفظ القرآن وبعض المتون.(/2)
جاء في تدريب الراوي (1/414) :
" قال جماعة من العلماء : يُستَحَبُّ أن يبتدئ بسماع الحديث بعد ثلاثين سنة ، وعليه أهل الشام ، وقيل بعد عشرين سنة وعليه أهل الكوفة ، وقال سفيان الثوري : كان الرجل إذا أراد أن يطلب الحديث تعبَّدَ قبل ذلك عشرين سنة ، وقال أبو عبد الله الزبيري من الشافعية : يستحب كَتْبُ الحديث في العشرين ؛ لأنها مجتمع العقل ، قال : وأحب أن يشتغل دونها بحفظ القرآن والفرائض ، أي : الفقه " انتهى .
فأنت الآن في بداية الطلب ، ولم يفتك شيء إن شاء الله ، فاحرص على أن تكون بداية صحيحة قوية ، ولا تضيع من عمرك شيئا ، فإن ما يفوت لا يرجع أبدا .
ثانيا :
لما كان طلب العلم مشروع عُمْر ، لا يتوقف إلا بانخرام هذا العمر بالموت ، كان لا بد أن يعوِّد الطالب نفسه على التوفيق بين حاجات الدنيا وبين تكليفات الطلب ، ومن ذلك أمر الزواج ، فالزواج لا يكون أبدا عائقا عن طلب العلم ، فإذا كان الطالب يرى العلم في همه وفكره أعظم عبادة يستغرق بها سنين عمره ، فلن يكون الزواج أو العمل أو القيام بتكاليف الدنيا كلها إلا خادما لمشروع العمر الكبير ، ألا وهو عبادة الله بالتعلم .
وهكذا كان الصحابة والتابعون والعلماء السالفون ، منهم التاجر ومنهم الوالي ومنهم المتزوج بالواحدة ومنهم المتزوج بالأربع ، ومنهم صاحب العيال ، فلم يشغلهم ذلك عن العلم والتعلم .
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله "إحياء علوم الدين" (2/44) :
" فإن انتفت في حقه الآفات واجتمعت الفوائد ، بأن كان له مال حلال وخلق حسن ، وجِدٌّ في الدِّينِ تَامٌّ ، لا يشغله النكاح عن الله ، وهو مع ذلك شاب محتاج إلى تسكين الشهوة ، ومنفرد يحتاج إلى تدبير المنزل والتحصن بالعشيرة ، فلا يُمارَى في أن النكاح أفضل له " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (3/56) :(/3)
هناك طالب علم شرعي يريد أن يتزوج ، ولكنه يخشى إن تزوج أن يتعطل وينشغل عن طلب العلم ، فما نصيحتكم له ؟
فكان جواب الشيخ رحمه الله :
" الزواج لا يَعُوقُ عن طلب العلم ، بل ربما يعين على طلب العلم ، قد يوفق الإنسان لامرأة تقرأ وتكتب وتساعده ، فإن لم تكن ، فأقل ما يكون أن تذهب عنه الوساوس والتفكير في الزواج ، فالزواج يعين على طلب العلم ، لأنه يهيء للإنسان الجو المناسب لطلب العلم ، من حيث الهدوء والراحة ، وكذلك فإن الزوجة توفر على زوجها كثيرا من الوقت الذي كان يضيع منه في قضاء حاجاته في البيت ، فنصيحتي لهذا الشاب أن يقدم على الزواج ، فإن فيه خيرا كثيرا ، وامتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، واتباعا لسنته وسنة إخوانه المرسلين " انتهى .
ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله "فتاوى علماء البلد الحرام" (277) :
" نصيحتي لجميع الشباب والفتيات البدار بالزواج والمسارعة إليه إذا تيسرت أسبابه ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج ، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ، ومن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وِجاء ) ولما في ذلك من المصالح الكثيرة التي نبه عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، من غض البصر وحفظ الفرج وتكثير الأمة والسلامة من فساد كبير وعواقب وخيمة " انتهى .
ثالثا :
أما الكلام على ساعات التحصيل ، فذاك فصل تنافس فيه المتنافسون ، لا يملك أحد أن يحدَّه بحدٍّ أو يقدِّرَه بوقت ، وأنا أسوق لك هنا بعض الأمثلة ، ثم أترك لك التقدير بعد ذلك :
قال ابن العطار تلميذ النووي :(/4)
" ذكر لي شيخنا رحمه الله أنه كان لا يضيِّع له وقتا ، لا في ليل ولا في نهار ، إلا في الاشتغال بالعلم ، حتى في الطريق يكرر أو يطالع ، وأنه دام على هذا ست سنين ، ثم أخذ في التصنيف ، وكان لا يأكل في اليوم والليلة إلا أكلة بعد عشاء الآخرة ، ويشرب شربة واحدة عند السحر ، ويقول أخاف أن يرطب جسمي ويجلب لي النوم " انتهى .
ويقول ابن عقيل الحنبلي :
" إني لا يحل لي أن أضيع ساعة من عمري ، حتى إذا تعطل لساني عن مذاكرة أو مناظرة ، وبصري عن مطالعة ، أعملت فكري في حال راحتي وأنا منطرح ، فلا أنهض إلا وقد خطر لي ما أسطِّرُه ، وأنا أُقَصِّر بغاية جهدي أوقات أكلي ، حتى أختار سف الكعك وتحسِّيَه بالماء على الخبز ، لأجل ما بينهما من تفاوت المضغ ، توفرا على مطالعة ، أو تسطير فائدة لم أدركها فيه ، وإن أجلُّ تحصيل عند العقلاء هو الوقت ، فهو غنيمة تنتهز فيها الفرص ، فالتكاليف كثيرة والأوقات خاطفة " انتهى . انظر "صلاح الأمة" (4/169 – 175)
رابعا :
لا ينبغي لطالب العلم الشرعي أن يهمل أو يُغفل الاطلاع الجيد على أحداث عصره ، وظروف مجتمعه ، فذلك من ضرورات العلم والفقه ، والفقيه هو الذي يحسن فهم النصوص ، وفهم الواقع الذي ينزلها عليه .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "لقاء الباب المفتوح" (1/330) :(/5)
" من المعلوم أن واقع الناس لا بد أن يكون معلوما لدى الإنسان ، حتى يعرف ماذا يعيش فيه ، وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا المعنى في قوله حين بعث معاذ بن جبل إلى اليمن : ( إِنَّكَ تَأتِي قَومًا أَهلَ كِتَابٍ ) فأخبره عن واقعهم وحالهم ، لكن لا يجوز بحالٍ من الأحوال أن يطغى على الفقه في الدين ، وأن لا يكون للشاب أو لغير الشاب هَمٌّ إلا أن يبحث ما حصل ، وماذا حصل ، في أمر لا يمكنه إصلاحه ، أيضا لو أراد الإصلاح فالفقه في الدين هو الأصل ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ( مَن يُرِدِ اللَّهُ بِهِ خَيرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ) والفقه في الواقع نحتاج إليه لنطبق الفقه في الدين على أحوال الناس ، لكن لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يطغى فقه الواقع على الفقه في الدين ، بحيث لا يكون للإنسان هَمٌّ إلا مطالعة الجرائد والمجلات ، وما أشبه ذلك ، ويعرض بذلك عن مطالعة الكتاب والسنة " انتهى .
ولكنك تعلم أخي السائل أن كثيرا مما يعرض على القنوات الفضائية مما لا يجوز للمسلم مشاهدته أو متابعته ، وذلك بسبب ظهور النساء المتبرجات فيه ، ومصاحبة الموسيقى له ، وقد أغنانا الله سبحانه وتعالى عن ذلك – والحمد لله - ، إذ يمكنك متابعة ما تحتاجه في قناة بعيدة عن المخالفات الشرعية ، أو موقع إخباري إسلامي موثوق بالقائمين عليه ؛ لا سيما إذا فهمنا أن المطلوب ، في مثل حالك ، هو الإلمام الجملي بالأحداث وأحوال الناس ، ثم الاهتمام بما يتعلق بحياتك العلمية والدعوية ، لا سيما إذا كان منكرا يمكنك المشاركة في تغييره ، أو معروفا تستطيع الأمر به أو المشاركة في قيامه .(/6)
وأما أن تكون همتك ـ أخي الكريم ـ تدعوك لأن تبلغ في العلم ما بلغ الأئمة الكبار ، فذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وما ذلك على الله بعزيز ، لكن لكل قول حقيقة ، فلتكن حقيقة قولك أن تجد وتجتهد في تحصيل العلم ، وصرف النفس والنفيس في العناية به ، والعمل به ، ثم الافتقار إلى الله تعالى في أن يبلغك مرتبة الإمامة في العلم والدين ؛ فذلك مما أثنى الله تعالى به على عباده ؛ فقال سبحانه في صفات عباد الرحمن :
( وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً) (الفرقان:74)
غير أنا نحذرك من المبالغة في أحلام اليقظة ، التي يكون مؤداها أن تغرق صاحبها في الخدر ساعات أو أياما ، ثم لا يلبث أن يرى نفسه يراواح بين قدميه ، وهو ـ بعد ـ في مكانه ؛ وسرعان ما يصيبه اليأس والإحباط .
وإنما نوصيك بقول الله تعالى :
( وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:100) ونذكرك بقول النبي صلى الله عليه وسلم للسالكين في طريقهم إلى الله تعالى :
( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَاغْدُوا وَرُوحُوا وَشَيْءٌ مِنْ الدُّلْجَةِ وَالْقَصْدَ الْقَصْدَ تَبْلُغُوا )
رواه البخاري (6463) ومسلم (2818) .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
76115
العنوان:
هل ينتقض الوضوء بلمس المرأة؟
السؤال:
هل مس المرأة الأجنبية ينقض الوضوء ؟ مع ذكر اختلاف العلماء في ذلك .
الجواب:
الحمد لله
اختلف أهل العلم في نقض الوضوء بمس المرأة على ثلاثة أقوال :
القول الأول :
أن لمس المرأة ينقض الوضوء بكل حال ، سواء كان اللمس بشهوة أم لا ، وسواء قصد ذلك أم حصل سهواً أو اتفاقاً . وهذا مذهب الإمام الشافعي رحمه الله .
واستدل بقوله تعالى : ( أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ) النساء/43 .
والأصل في معنى اللمس أنه اللمس باليد .
وقد جاء في الأحاديث استعمال اللمس بمعنى لمس اليد ، كما في قول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لماعز رضي الله عنه : ( لَعَلَّكَ قَبَّلْتَ أَوْ لَمَسْتَ ) رواه أحمد في المسند (2130) .
وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( وَالْيَدُ زِنَاهَا اللَّمْسُ ) رواه أحمد (8392) وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (8204) .
ولكن هذه الأحاديث تدل على أن المس أو اللمس يطلق ويراد به ما دون الجماع ، وهذا لا نزاع فيه ، وإنما النزاع هل الملامسة في الآية يراد بها الجماع أو ما دونه ؟ وهذه الأحاديث لا تدل على شيء من هذا .
وهذا القول هو أضعف الأقوال في هذه المسألة ، قال شيخ الإسلام رحمه الله كما في الاختيارات (ص18) : " إذا مس المرأة لغير شهوة فهذا مما علم بالضرورة أن الشارع لم يوجب منه وضوءاً ولا يستحب الوضوء منه " انتهى .
القول الثاني :
أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أم بغير شهوة . وهذا مذهب الإمام أبي حنيفة رحمه الله .
وقد دل على هذا القول عدة أدلة :
1- أن الأصل بقاء الطهارة وعدم نقضها حتى يأتي دليل صحيح يدل على أن هذا الشيء ناقض للوضوء ، ولا يوجد هذا الدليل هنا ، وأما الآية فسيأتي أن المراد بها الجماع ، وليس مطلق الملامسة .(/1)
2- عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كُنْتُ أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْتُ رِجْلَيَّ فَإِذَا قَامَ بَسَطْتُهُمَا ) رواه البخاري (382) وفي رواية للنسائي (166) بإسناد صحيح : (حَتَّى إِذَا أَرَادَ أَنْ يُوتِرَ مَسَّنِي بِرِجْلِهِ ) صححه الألباني في سنن النسائي .
3- وعنها رضي الله عنها قالت : ( فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةً مِنْ الْفِرَاشِ فَالْتَمَسْتُهُ فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ : اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ ) رواه مسلم (486) ، وفي رواية للبيهقي بإسناد صحيح : ( فَجَعَلْتُ أَطْلُبُهُ بِيَدِي فَوَقَعَتْ يَدِي عَلَى قَدَمَيْهِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ سَاجِدٌ ..) وهي عند النسائي أيضاً (169) .
وظاهر هذه الأحاديث بلا شك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مس عائشة رضي الله عنها وهو يصلي ، ولو كان مس المرأة ناقضاً للوضوء لبطل الوضوء والصلاة .
وأجاب الشافعية عن هذه الأحاديث جواباً ضعيفاً ، فقالوا : لعله كان من فوق حائل !!
قال الشوكاني : وهذا التأويل فيه تكلُّف ومخالفة للظاهر .
4- وعنها رضي الله عنها ( أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبَّلَ امْرَأَةً مِنْ نِسَائِهِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الصَّلَاةِ وَلَمْ يَتَوَضَّأْ ) رواه أبو داود (179) وصححه ابن جرير وابن عبد البر والزيلعي ، والألباني في صحيح أبي داود .
وضعفه كثيرون : منهم سفيان الثوري ويحيى بن سعيد القطان ، وأحمد بن حنبل والدارقطني والبيهقي والنووي .(/2)
فإن صح هذا الحديث فهو ظاهر جداً في الدلالة على هذا القول ، وإن لم يصح فإنه يغني عنه الأحاديث الصحيحة السابقة ، مع التمسك بالأصل وهو صحة الطهارة ، وعدم الدليل على نقض الوضوء بمس المرأة .
القول الثالث : التفصيل :
إن كان المسّ بشهوة نَقض ، وإن كان بغير شهوة لم ينقض . وهذا مذهب المالكية والحنابلة . وهؤلاء حاولوا الجمع بين النصوص ، الآية : ( أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ) وهي دالة على نقض الوضوء بمس المرأة عندهم ، والأحاديث التي استدل بها من رأى عدم النقض .
وهذا المسلك صحيح لو كانت الآية دالة على نقض الوضوء بمطلق المس - كما ذهبوا إليه - ولكن الصحيح في معنى الآية : أن المراد بها الجماع ، كذا فسرها عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ، واختاره ابن جرير ، وتفسيره رضي الله عنه مقدم على تفسيره غيره ، لدعاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له : ( اللهم فقّهه في الدين وعلمّه التأويل ) رواه أحمد وأصله في البخاري ، وصححه الألباني في تحقيق الطحاوية .
وانظر : "محاسن التأويل" للقاسمي (5/172) .
وقد ورد في القرآن الكريم التعبير عن الجماع بالمس في غير ما آية :
قال تعالى : ( لاَّ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاء مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً ) البقرة/236 .
وقال تعالى : ( وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ ) البقرة/237 .
وقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ) الأحزاب/49 .
ثم الآية عند التأمل تدل على هذا القول ( أن المراد بالملامسة فيها الجماع ) ، وبيان ذلك :(/3)
" أن الله تعالى قال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ ) المائدة/6 ، فهذه طهارة بالماء أصليّة صغرى. ثم قال : ( وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا) فقوله : ( فَتَيَمَّمُواْ ) هذا البدل ، وقوله : (أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ ) هذا بيان سبب الصغرى ، قوله : ( أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ) هذا بيان سبب الكبرى .
ولو حملناه على المس الذي هو الجسُّ باليد ، كانت الآية الكريمة ذكر الله فيها سببين للطهارة الصغرى ، وسكت الله عن سبب الطهارة الكبرى ، مع أنه قال : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ ) وهذا خلاف البلاغة القرآنية .
وعليه ، فتكون الآية دالة على أن المراد بقوله : ( أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء ) أي : " جامعتم " ليكون الله تعالى ذكر السببين الموجبين للطهارة " انتهى من الشرح الممتع " (1/240) .
وانظر : "بدائع الصنائع" (1/132) "الفقه المالكي" (1/89) "المجموع" (2/21) .
وأرجح هذه الأقوال هو القول الثاني ، أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقاً سواء كان بشهوة أم بدون شهوة .
وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية (12/222) واختاره من المعاصرين الشيخ ابن باز (10/134) والشيخ ابن عثيمين (1/286) وعلماء اللجنة الدائمة (5/266) .(/4)
رقم السؤال:
77041
العنوان:
ماذا يقول من تذكر التسمية بعد الفراغ من الأكل
السؤال:
بعد أن أنهيت أكل وجبتي وهممت أن أحمد الله بعد الانتهاء من الأكل ، تذكرت أني لم أقل بسم الله ، فهل أقول بسم الله أوله وآخره ، الحمد لله ؟ أم أقول الحمد لله وحدها ؟ أم ماذا ؟ أفيدونا مشكورين .
الجواب:
الحمد لله
المشروع لمن نسي التسمية في أول الطعام أن يقول حين يذكرها ( بسم الله أَوَّلَه وآخرَه ) أو يقول ( بسم الله في أوَّلِه وآخرِه )
عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُم فَليَذكُرِ اسمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ ، فَإِن نَسِيَ أَن يَذكُرَ اسمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَليَقُل : بِسمِ اللَّهِ فِي أَوَّلَهُ وَآخِرَه ) رواه الترمذي (1857) وقال : حسن صحيح .
وقوله : ( فإن نسي أن يذكر الله في أوله ، فليقل.. ) شامل لمن تذكر التسمية أثناء الطعام ، أو آخره ، أو بعد الفراغ منه بالزمن اليسير ، لعموم مفهوم الحديث .
قال في كشاف القناع (5/173) : " وظاهره ولو بعد فراغه من الأكل " .
وجاء في مغني المحتاج (4/411) :
" فإن تركها ( أي التسمية ) في أوله أتى بها في أثنائه ، فإن تركها في أثنائه أتى بها في آخره " انتهى .
وقال في نهاية المحتاج (1/184) :
" لا يأتي بها ( أي التسمية ) بعد فراغ وضوئه ، بخلاف الأكل فإنه يأتي بها بعده " انتهى .
قال في الحاشية على نهاية المحتاج :
" محله إذا قَصُرَ الفصل ، بحيث يُنسَبُ إليه عُرفًا " انتهى .
وقد دل الحديث أيضا على أن قول ( بسم الله في أوله وآخره ) يقوم مقام التسمية في البداية ، ويكتب للمسلم أجر الاستعانة بالله في أول الطعام ، تكرما وتفضلا منه سبحانه وتعالى .
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/296) :
" لا يقال كيف تَصدُقُ الاستعانة ببسم الله في الأول ، وقد خلا الأول عنها ؟!(/1)
لأنَّا نقول : الشرع جعله إنشاء استعانةٍ في أوله ، وليس هذا إخبارا حتى يُكَذَّبَ ، وبه يصير المتكلم مستعينا في أوله ، ويترتَّبُ عليه ما يترتب على الاستعانة في أوله " انتهى .
كما أن السنة لمن فرغ من طعامه أن يحمد الله تعالى عليه بأنواع من الحمد ، منها :
عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رفع مائدته قال :
( الحَمْدُ لِلَّهِ حَمدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ ، غَيرَ مَكْفِيٍّ وَلَا مُوَدَّعٍ وَلَا مُستَغْنًى عَنْهُ رَبَُّنَا )
رواه البخاري (5458)
فمن نسي التسمية في أول الطعام ، ثم ذكرها حين فرغ منه ، فيستحب له أن يقول ( بسم الله في أوله وآخره ) ثم يحمد الله تعالى ، ويكون بذلك قد عمل بالحديثين ، وامتثل ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا تعارض في الجمع بين الذكرين بعد الفراغ من الطعام ، كما يظهر أنه لو قدم الحمد على قوله ( بسم الله في أوله وآخره ) فلا حرج عليه إن شاء الله ؛ لأن المقصود هو تحقيق الذِّكرَين : التسمية والحمد ، فلا يضره بأيهما بدأ .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
77208
العنوان:
هل هناك أدعية خاصة لحفظ المنزل الجديد ؟
السؤال:
اشتريت منزلا جديد ولله الحمد والمنة ، فهل هناك أدعية خاصة بالمنزل الجديد ؟ وهل ما يتداوله بعض الإخوة من قراءة سورة البقرة ، أو تشغيل أشرطة القرآن الكريم ، هل له أصل في الدين ؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله أن يبارك لك هذا المنزل الجديد ، ويجعله مأوى صلاح وخير وبركة .
وأرشدك أخي السائل لما يشرع لك أن تقوله وتفعله :
أولا :
شكر نعمة الله تعالى ، فإن الشكر من أعلى المنازل .
يقول ابن القيم "مدارج السالكين" (2/242) :
" الإيمان نصفان : نصف شكر ونصف صبر " انتهى .
وإذا شكر العبد ربه حفظ له نعمته ، وأتمها عليه ، وزاده منها ومن غيرها .
قال تعالى : ( وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ) إبراهيم/7
ثانيا :
صنع طعام ودعوة الناس له ، وذلك من تمام شكر الله تعالى .
جاء في الموسوعة الفقهية (8/206) :
" الوليمة للبناء مستحبة كبقية الولائم التي تقام لحدوث سرور أو اندفاع شر ، وتسمى :
( وَكِيرَة ) ، ولا تتأكد تأكد وليمة النكاح ، وقد ذكر بعض الشافعية قولان بوجوبها ؛ لأن الشافعي قال بعد ذكر الولائم : ومنها الوكيرة .. ولا أرخص في تركها " انتهى .
ثالثا :
يقول ابن القيم رحمه الله "الوابل الصيب" (155-156) :
" قال الله سبحانه وتعالى في قصة الرجلين : ( وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاء اللَّهُ لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ إِن تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ) الكهف/39
فينبغي لمن دخل بستانه أو داره أو رأى في ماله وأهله ما يعجبه ، أن يبادر إلى هذه الكلمة ، فإنه لا يرى فيه سوءا .
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(/1)
( مَا أَنعَمَ اللهُ عَلَى عَبدٍ نِعمَةً فِي أَهلٍ وَمَالٍ وَوَلَدٍ فَقَالَ : ( مَا شَاءَ اللهُ لَا قُوَّةَ إِلا بِاللهِ ) ، فَيَرَى فِيهَا آفَةً دُونَ المَوتِ )
رواه الطبراني في الأوسط (6/126) وصححه ابن القيم في شفاء العليل (1/182) وضعفه الألباني في "السلسلة الضعيفة" (2012).
وعنه صلى الله عليه وسلم :
( أَنَّهُ كَانَ إِذَا رَأَى مَا يَسُرُّهُ قَالَ : الحَمدُ لِلَّهِ الذِي بِنِعمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ )
رواه ابن ماجه (3803) وقال النووي : إسناده جيد "الأذكار" (399) " انتهى .
رابعا :
من الأذكار التي جاءت في خصوص دخول المنزل :
عن جابر بن عبد الله أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
( إِذَا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيتَهٌ فَذَكَرَ اللهَ عِندَ دُخُولِهِ وَعِندَ طَعَامِهِ ، قَالَ الشََّيطَانُ : لَا مَبِيتَ لَكُم وَلَا عَشَاءَ ، وَإِذَا دَخَلَ فَلَم يَذكُرِ اللهَ عِندَ دُخُولِهِ ، قَالَ الشَّيطَانُ : أَدرَكتُمُ المَبِيتَ ، وَإِذَا لَم يَذكُرِ اللهَ عِندَ طَعَامِهِ قَالَ : أَدرَكتُمُ المَبِيتَ وَالعَشَاءَ )
رواه مسلم (2018)
وهذا الذكر لا يخص المنزل الجديد ، بل يشمل كل منزل ، وعند كل دخول ، فأحرى بك أن تستفتح منزلك الجديد بذكر الله سبحانه .
ومما يشرع لك أن تعوذ به منزلك الجديد من العين والحسد أن تقول :
( أُعِيذُكَ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّةِ مِن كُلِّ شَيطَانٍ وَهَامَّة ، وَمِن كُلِّ عَينٍ لَامَّةٍ )
رواه البخاري (3371)
خامسا :
جاء في السنة المشرفة الحث على قراءة سورة البقرة ، خاصة في المنزل .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( لَا تَجعَلُوا بُيُوتَكُم مَقَابِرَ ، إِنَّ الشَّيطَانَ يَنفِرُ مِنَ البَيتِ الذِي تُقرَأُ فِيهِ سُورَةُ البَقَرَةِ )
رواه مسلم (780)
يقول الشيخ ابن باز رحمه الله "مجموع الفتاوى" (24/413) :(/2)
" الأظهر والله تعالى أعلم أنه يحصل بقراءة سورة البقرة كلها من المذياع أو من صاحب البيت ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من فرار الشيطان من ذلك البيت " انتهى .
هذا ولم نقف على شيء مخصوص من الأذكار والأدعية عند دخول المنزل الجديد .
والله تعالى أعلم .(/3)
رقم السؤال:
77225
العنوان:
حديث ( كل التجار يدخلون النار إلا المتقين )
السؤال:
هل هذا الحديث صحيح ( كل التجار يدخلون النار إلا المتقين ) ؟
الجواب:
الحمد لله
لم نقف على هذا الحديث ، وبهذا اللفظ ، في شيء من كتب السنة ، ولكن قد ورد في السنة الصحيحة ما يشبهه ، فمن ذلك :
عن رفاعة بن رافع رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ التُجَّارَ يُبعَثُونَ يَومَ القِيَامَةِ فُجَّارًا ، إِلَّا مَن اتَّقَى اللَّهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ )
أخرجه الترمذي (1210) والدارمي (2/247) وابن ماجه (2146) وابن حبان (11/276)
قال الترمذي : حسن صحيح . وقال الحاكم : صحيح الإسناد . ووافقه الذهبي .
وصححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (994)
قال المباركفوري في "تحفة الأحوذي" (4/336) :
" ( إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللَّهَ ) بأن لم يرتكب كبيرة ولا صغيرة ، مِن غِشٍّ وخيانة ، أي : أَحسَنَ إلى الناس في تجارته ، أو قام بطاعة الله وعبادته ، ( وَصَدَقَ ) أي : في يمينه وسائر كلامه .
قال القاضي : لمَّا كان من دَيدَنِ التجار التدليس في المعاملات ، والتهالُكُ على ترويج السلع بما تيسر لهم من الأيمان الكاذبة ونحوها ، حكم عليهم بالفجور ، واستثنى منهم من اتقى المحارم ، وبرَّ في يمينه ، وصدق في حديثه .
وإلى هذا ذهب الشارحون ، وحملوا الفجور على اللغو والحلف ، كذا في المرقاة " انتهى .
كما جاء في السنة الصحيحة ما يدل على سبب وصف التجار بالفجور ، وهو ما يتلبَّسُونَ به من الحلف الكاذب وإخلاف الوعد .
عن عبد الرحمن بن شبل رضي الله عنه ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( إِنَّ التُجَّارَ هُمُ الفُجَّارَ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ أَوَ لَيسَ قَد أَحَلَّ اللَّهُ البَيعَ ؟ قَالَ : بَلَى ، وَلِكِنَّهُم يُحَدِّثُونَ فَيَكذِبُونَ ، وَيَحلِفُونَ فَيَأثَمُونَ )(/1)
رواه أحمد (3/428) والحاكم (2/8) وقال صحيح الإسناد ، وصححه محققو المسند . والألباني في "السلسلة الصحيحة" (366)
وإلا فإن التجارة من أفضل أنواع المكاسب لمن بَرَّ وصدق ، فإن التاجر الصدوق الأمين له من الأجر الشيء العظيم .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ )
رواه الترمذي (1209) وقال : هذا حديث حسن لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وقال ابن تيمية كما في "المستدرك على مجموع الفتاوى" (1/163) : إسناده جيد .
يقول أبو حامد الغزالي رحمه الله في "إحياء علوم الدين" (2/79) :
" وجه الجمع بين هذه الأخبار تفصيل الأحوال : فنقول :
لسنا نقول التجارةُ أفضل مطلقا من كل شيء ، ولكنّ التجارة إما أن تُطلَبَ بها الكفاية أو الزيادة على الكفاية .
فإن طَلب منها الزيادة على الكفاية ، لاستكثار المال وادخاره ، لا ليُصرَف إلى الخيرات والصدقات ، فهي مذمومة ؛ لأنه إقبال على الدنيا التي حبها رأس كل خطيئة ، فإن كان مع ذلك ظالما خائنا فهو ظلم وفسق .
فأما إذا طلب بها الكفاية لنفسه وأولاده ، فالتجارة تعففا عن السؤال أفضل " انتهى .
وانظر سؤال رقم (21575)(/2)
رقم السؤال:
77236
العنوان:
لقاء المخطوبة في شأن إجراءات الزواج
السؤال:
تقدمت لخطبة فتاة وقد قبلت وقبل وليها ، هل يجوز لي لقاؤها في بيتها بحضرة أمها وأخواتها دون وجود محرم ؟ لمناقشة بعض الأمور المتعلقة بعقد القِران ، وكذا تحديد المهر ؟
الجواب:
الحمد لله
أجازت شريعتنا السمحة للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته ويتحدث معها فيما يحتاج إليه من أمور الزواج ، بل حثَّت على نظر الخاطب إلى مخطوبته عند همه بأمر الخطبة ، فإن ذلك يقارب بين القلوب ، ويجلب المودة والرحمة المقصودة من الزواج .
عن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم :
( انظُرْ إِلَيْهَا ، فَإِنَّهُ أَحرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا )
رواه الترمذي (1087) وقال : " هذا حديث حسن
والمعنى : أن ذلك أَجْدَرُ وَأَوْلَى وَأَنْسَبُ بِأَنْ يُؤَلِّفَ وَيُوَفِّقَ بَيْنَكُمَا , يَعْنِي يَكُونُ بَيْنَكُمَا الْأُلْفَةُ وَالْمَحَبَّةُ ; لِأَنَّ تَزَوُّجَهَا إِذَا كَانَ بَعْدَ مَعْرِفَةٍ فَلَا يَكُونُ بَعْدَهَا غَالِبًا نَدَامَةٌ .
[ انظر : تحفة الأحوذي ]
فلا حرج عليك أن تجلس مع مخطوبتك للتفاهم في بعض أمور الزواج ، لكن من غير خلوة ، فليجلس معكما أحد محارمها أو أمها ، ولا بأس بذلك إن شاء الله تعالى .
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله السؤال التالي "مجموع الفتاوى" (20/429) :
" أحببت فتاة حبًّا شديدا ، وكذلك هي أحبتني وتعلقت بي كثيرا ، رأيتها مرة واحدة فقط ، وأصبح حديثي معها عن طريق سماعة الهاتف في حدود المعقول ، واتفقنا معًا على الزواج ، وكان معظم حديثي معها عن الحياة الزوجية ، وما تتطلبه الحياة الزوجية من تفاهم بين الزوجين ، وطريقة معاملة الزوجة لزوجها ، وحفظها لبيتها ، وأمور أخرى كهذه .. هل يجوز لي أن أرد على مكالمتها إن اتصلت بي وأن أتحدث معها ، أو لا يجوز ذلك ؟
فأجاب رحمه الله :(/1)
" يجوز للرجل إذا أراد خطبة المرأة أن يتحدث معها ، وأن ينظر إليها من دون خلوة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يستشيره ( أَنَظَرتَ إِلَيهَا ؟ ) قال : لا ، قال : ( اذهب فانظر إليها ) ، وقال : ( إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُم امرَأَةً ، فَإِنِ استَطَاعَ أَن يَنظُرَ مِنهَا إِلَى مَا يَدعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَليَفعَل ) أبو داود (1783)
والنظر أشد من الكلام ، فإذا كان الكلام معها فيما يتعلق بالزواج والمسكن وسيرتها ، حتى تعلم هل تعرف كذا ، فلا بأس بذلك إذا كان يريد خطبتها ، أما إذا كان لا يريد خطبتها فليس له ذلك ، فما دام يريد خطبتها فلا بأس أن يبحث معها فيما يتعلق بالخطبة ، والرغبة في تزوجه بها ، وهي كذلك ، من دون خلوة ، بل من بعيد ، أو بحضرة أبيها أو أخيها أو أمها ونحو ذلك " انتهى .
انظر سؤال رقم (36807)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
77243
العنوان:
السنة النبوية الصحيحة وحي من الله
السؤال:
أولا : أعتذر عن إثارة مثل هذا السؤال ، ولكي لا أترك مجالا للشك في نيتي ، أقول : إنني أشهد أن لا اله الا الله وأن محمدا رسول الله ، وإنني راض تمام الرضى بالله عز وجل ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولا . أسأل عن السنة ، لأنه توجد روايات كثيرة لحديث واحد ، فمثلا نجد في صحيح البخاري حديثا ما بأسلوب مخالف لما هو عليه في صحيح مسلم ، فلماذا لا تكون السنة مثل القرآن العظيم ؟ ما الفرق بين السنة المطهرة والقرآن العظيم ؟ هل السنة النبوية الشريفة هي من الوحي الذي يتنزل على الرسول صلى الله عليه وسلم ، أم هي من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم ؟ هل هي من خصائص النبوة أم ماذا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا بد أن يستقر في عقل وقلب كل مسلم أن السنة - وهي ما أضيف إلى النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير - هي أحد قسمي الوحي الإلهي الذي أُنزِل على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والقسم الآخر من الوحي هو القرآن الكريم .
قال تعالى ( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى ، إِن هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىْ ) النجم/3-4
وعن المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
( أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ القُرآنَ وَمِثلَهُ مَعَهُ ، أَلَا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبعَان عَلَى أَرِيكَتِهِ يَقُولُ : عَلَيكُم بِهَذَا القُرآنِ ، فَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ ، وَمَا وَجَدتُم فِيهِ مِن حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ، أَلَا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ كَمَا حَرَّمَ اللَّهُ )
رواه الترمذي (2664) وقال : حسن غريب من هذا الوجه ، وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (2870)
وهذا ما فهمه السلف الصالح رضوان الله عليهم من ديننا الحنيف :
يقول حسان بن عطية "الكفاية" للخطيب (12) :(/1)
" كان جبريل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن " انتهى .
رواه الدامي في سننه (588) والخطيب في الكفاية (12) ، وعزاه الحافظ في الفتح (13/291) إلى البيهقي ، قال : " بسند صحيح " .
وأهمية السنة في كونها مبيِّنةً لكتاب الله وشارحةً له أوَّلًا ، ثم من كونها تزيد على ما في كتاب الله بعض الأحكام .
يقول الله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ) النحل/44
يقول ابن عبد البر في "جامع بيان العلم وفضله" (2/190) :
" البيان منه صلى الله عليه وسلم على ضربين :
الأول : بيان المجمل في الكتاب العزيز ، كالصلوات الخمس في مواقيتها وسجودها وركوعها وسائر الأحكام .
الثاني : زيادة حكم على حكم الكتاب ، كتحريم نكاح المرأة على عمتها وخالتها " انتهى .
ثانيا :
لما كانت السنة القسمَ الثانيَ من أقسام الوحي ، كان لا بد من حفظ الله تعالى لها ، ليحفظَ بها الدين من التحريف أو النقص أو الضياع .
يقول ابن حزم رحمه الله "الإحكام" (1/95) :
" قال تعالى ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9
وقال تعالى : ( قُلْ إِنَّمَا أُنذِرُكُم بِالْوَحْيِ وَلَا يَسْمَعُ الصُّمُّ الدُّعَاء إِذَا مَا يُنذَرُونَ ) الأنبياء/45
فأخبر تعالى أن كلام نبيه صلى الله عليه وسلم كله وحي ، والوحي بلا خلاف ذِكْرٌ ، والذكر محفوظ بنصِّ القرآن ، فصح بذلك أن كلامه صلى الله عليه وسلم كله محفوظ بحفظ الله عز وجل ، مضمون لنا أنه لا يضيع منه شيء ، إذ ما حَفِظَ الله تعالى فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء ، فهو منقول إلينا كله ، فلله الحجة علينا أبدا " انتهى .
ثالثا :(/2)
وإذا ثبت أن السنة من الوحي الإلهي ، لا بد من التنبه إلى أن الفرق بينها وبين القرآن يكمن في أمر واحد فقط ، وهو أن القرآن كلام الله تعالى ، نزل بلفظه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، أما السنة فقد لا تكون من كلامه تعالى ، بل من وحيه فقط ، ثم لا يلزم أن تأتي بلفظها ، بل بالمعنى والمضمون .
ومِن فَهْمِ هذا الفرق ، يظهر أن العبرة في نقل السنة هو المعنى والمضمون ، وليس ذات الألفاظ التي نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم ، والشريعة الإسلامية إنما حُفظت بحفظ الله تعالى للقرآن الكريم كاملا ، وبحفظه سبحانه للسنة النبوية في مُجمَلِها ، ومعناها ، وما بيَّنَتهُ من كتاب الله ، وليس في ألفاظها وحروفها .
ومع ذلك فإن علماء هذه الأمة على مدى القرون السالفة ، قد قاموا بحفظ الشريعة والسنة ، ونقلوا لنا ألفاظ النبي صلى الله عليه وسلم كما قالها ، وميزوا ما فيها من الصواب والخطأ ، والحق والباطل .
وما يراه السائل الكريم من تعدد الروايات للحديث الواحد لا يعني أبدا التقصير في حفظ السنة ونقلها ، وإنما اختلفت الروايات لأسباب عديدة ، إذا تبينت ظهر الجواب واضحا ، فيقال :
رابعا :
أسباب تعدد الروايات :
1- تعدد الحادثة :
يقول ابن حزم رحمه الله في "الإحكام" (1/134) :
" وليس اختلاف الروايات عيبا في الحديث إذا كان المعنى واحدا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صحَّ عنه أنه إذا كان يُحَدِّث بحديثٍ كَرَّرَه ثلاث مرات ، فينقل كل إنسان بحسب ما سمع ، فليس هذا الاختلاف في الروايات مما يوهن الحديث إذا كان المعنى واحدا " انتهى .
2- الرواية بالمعنى :
وهو أكثر ما يسبب تعدد الروايات للحديث الواحد ، فإن المهم في نقل الحديث أداء مضمونه ومحتواه ، أما ألفاظه فليست تعبديةً كالقرآن .(/3)
مثاله : حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) : فقد روي بلفظ ( العمل بالنية ) ولفظ ( إنما الأعمال بالنية ) وآخر ( الأعمال بالنية ) ، وهذا التعدد سببه الرواية بالمعنى ، فإن مخرج الحديث واحد ، وهو يحيى بن سعيد عن محمد بن إبراهيم التيمي عن علقمة عن عمر رضي الله عنه ، والملاحظ أن المعنى الذي يفهم من هذه الجمل واحد ، فأي ضرر في تعدد الروايات حينئذ ؟!
ولكي يطمئن العلماء أكثر إلى أن الراوي نقل المعنى الصحيح للحديث ، كانوا لا يقبلون الرواية بالمعنى إلا من عالم باللغة العربية ، ثم يقارنون رواية الراوي برواية غيره من الثقات ، فيتبين لهم الخطأ في النقل إن وقع ، والأمثلة على ذلك كثيرة ، ليس هذا محلها .
3- اختصار الراوي للحديث :
أي أن يكون الراوي حافظا للحديث كله ، ولكن يكتفي بذكر جزء منه في حال ، ويذكره كاملا في حال أخرى .
مثاله : روايات حديث أبي هريرة في قصة نسيان النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين من صلاة الظهر ، فكلها جاءت عن أبي هريرة ، وهي قصة واحدة ، وذلك يدل على أن اختلاف الروايات سببه اختصار بعض الرواة . انظر صحيح البخاري (714) (715) (1229)
4- الخطأ :
فقد يقع من أحد الرواة الخطأ ، فيروي الحديث على غير وجهه الذي يرويه الآخرون ، ويمكن معرفة الخطأ بمقارنة الروايات بعضها ببعض ، وهو ما قام به أهل العلم في كتب السنة والتخريج .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "الجواب الصحيح" (3/39) :(/4)
" ولكن هذه الأمة حفظ الله تعالى لها ما أنزله ، قال تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 ، فما في تفسير القرآن أو نقل الحديث أو تفسيره من غلط ، فإن الله يقيم له من الأمة من يبيِّنُه ، ويذكر الدليل على غلط الغالط وكذب الكاذب ، فإن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة ، ولا يزال فيها طائفة ظاهرة على الحق حتى تقوم الساعة ، إذ كانوا آخر الأمم ، فلا نبي بعد نبيهم ، ولا كتاب بعد كتابهم ، وكانت الأمم قبلهم إذا بدَّلوا وغيَّروا بعث الله نبيا يبين لهم ويأمرهم وينهاهم ، ولم يكن بعد محمد صلى الله عليه وسلم نبي ، وقد ضمن الله أن يحفظ ما أنزله من الذكر " انتهى .
والسنة ، على الوجه الذي ذكرناه أولا ، من كونها وحيا من عند الله تعالى : يبين للناس ما نُزِّل إليهم في كتاب الله تعالى ، ويعلمهم من الأحكام ما يحتاجونه في دينهم ، ولو يأت تفصيله ، أو أصله في كتاب الله تعالى ، نقول : السنة على هذا الوجه هي من خصائص النبوة ؛ فهذه الوظيفة هي من أجل وظائف النبوة ، وما زال الناس يرون السنة على هذا الوجه ، بما تحمله الكتب ، أو الروايات الشفهية من اختلاف في بعض الألفاظ ، أو تعدد لسياقات الحديث ، ولم يكن في ذلك ما يدعو للتشكك في منزلتها ، أو القلق من حفظها ، أو التردد والخلاف في حجيتها وحاجة الناس إليها ، على كثرة ما اختلف الناس وتنازعوا في المسائل العلمية والعملية.
يقول العلامة الشيخ عبد الغني عبد الخالق ـ رحمه الله ـ :
" لا نجد في كتب الغزالي والآمدي والبزدوي ، وجميع من اتبع طرقهم في التأليف من الأصوليين ، تصريحا ولا تلويحا بأن في هذه المسألة خلافا ، وهم الذين استقصوا كتب السابقين ومذاهبهم ، وتتبعوا الاختلافات ، حتى الشاذة منها ، واعتنوا بالرد عليها أشد الاعتناء"(/5)
ثم نقل عن صاحب المُسَلَّم ، وشارحه : " أن حجية الكتاب والسنة والإجماع والقياس : من علم الكلام ، لكن تعرض الأصولي لحجية الإجماع والقياس ، لأنهما كثر التشغيب فيهما من الحمقى ، من الخوارج والروافض ( خذلهم الله تعالى ) ، وأما حجية الكتاب والسنة : فمتفق عليها عند الأمة ، ممن يدعي التدين كافة ، فلا حاجة إلى الذكر " انتهى .
انظر : حجية السنة ( 248-249) .
وانظر : إجابة السؤال (93111)(/6)
رقم السؤال:
77514
العنوان:
الوطء في الدبر محرم ولو بحائل
السؤال:
ما حكم من وطئ امرأته في دبرها وهو يرتدي الواقي الذكري ، فلا يصل لامرأته شيء من مائه ؟
الجواب:
الحمد لله
الوطء في الدبر من الكبائر التي جاءت الشريعة بتحريمها والتغليظ فيها .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (1103) .
والوطء المحرم هو تغييب حشفة الذكر (رأس الذكر) في الدبر بحائل أو بغير حائل ، ولو لم ينزل ، فإن الحكم معلق بالإدخال والتغييب ، وليس بالإنزال أو المباشرة .
قال السيوطي رحمه الله "الأشباه والنظائر" (458) :
" لا فرق في الإيلاج بين أن يكون بخرقة أو لا " انتهى .
وقد نص الفقهاء رحمهم الله على حرمة إتيان الحائض ولو كان بحائل .
جاء في "أسنى المطالب" (1/100) ومثله في "تحفة المحتاج" (1/390) من كتب الشافعية :
" وكذا يحرم وطؤه في فرجها ( أي : الحائض ) ، ولو بحائل " انتهى .
ولم نقف بعد البحث على خلاف بين أهل العلم في هذا الحكم ، فإن نصوصهم في تحريم إتيان الدبر مطلقةٌ ، شاملةٌ ما إذا كان بحائلٍ أو بغير حائلٍ .
فلا يجوز إتيان الدبر مطلقا ، سواء كان بحائل أم بغير حائل ، ومن فعله فعليه التوبة والاستغفار ، والعزم على عدم العود لمثل ذلك ، ولا يجوز للزوجة أن تستجيب لزوجها إن طلب منها ذلك ، فإن أصر عليه فلها حق طلب الطلاق عند القاضي ، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق .
قال شيخ الإسلام : "وَمَتَى وَطِئَهَا فِي الدُّبُرِ وَطَاوَعَتْهُ عُزِّرَا جَمْعِيًّا ; فَإِنْ لَمْ يَنْتَهِيَا وَإِلَّا فُرِّقَ بَيْنَهُمَا ; كَمَا يُفَرَّقُ بَيْنَ الرَّجُلِ الْفَاجِرِ وَمَنْ يَفْجُرُ بِهِ " انتهى .
"مجموع فتاوى ابن تيمية" (32/267) .(/1)
رقم السؤال:
77579
العنوان:
لا تترك دعوة غير المسلم خشيةَ شتمه الدين
السؤال:
أنا أقوم بالدعوة إلى الإسلام عن طريق غرف الدردشة والبالتوك والماسنجر ، أدعو المسلمين وغير المسلمين ، سؤالي هو : أحيانا أريد أن أدعو شخصا غير مسلم ، فأخاف إذا دعوته أن يسب الدين ، فهل أترك دعوته ؟ وإذا وجب عليّ ذلك ، إذًا علي أن لا أدعو أحدا من غير المسلمين ؛ لأنني أخاف من معظمهم ، حيث إني لا أعرفهم ، بماذا تنصحونني ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
نسأل الله تعالى أن يُعلِيَ همَّتَك ، ويسدِّدَ خطاك ، ويجزيَك خير الجزاء على اهتمامك بالدعوة إلى دين الله وشرعه ، فلا أحد أحسن قولا ولا مسلكا ممن يدل الناس على الحق والنور .
يقول تعالى : ( وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) فصلت/33
ولكني أحذرك أخي السائل ، فإن باب المحادثات والغرف الخاصة باب فتنة ومنبع شرور ، بسبب من يدخل فيها من النساء وأصحاب الأهواء ، فيبدأ الداعية بالخوض مع الجميع ، والشيطان ينصب له حبائل الشهوات والشبهات ، حتى إذا علقت في قلبه فتنة من شبه أهل الباطل ، أو تمكن في قلبه التعلق بالشهوات المحرمة ، أمكن منه القياد ، ولعب به كما يلعب الصبيان بالكرة . قال الله تعالى : ( وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (الأنفال:48)(/1)
وقد سبق في موقعنا نصيحة من يمارس الدعوة عبر الشبكة ، كي لا يوقع الشيطان به من حيث لا يدري ، وبيان أن الدعوة العامة ، أو تنظيم العمل الدعوي في هذا المجال عن طريق هيئة ، أو منظمة جماعية ، تقوم على ذلك لا بد وأن تكون أنفع وأسلم من العمل الفردي ، فإن الشيطان من الفرد أقرب .
انظر سؤال رقم (32693)
ثانيا :
ينبغي أن يتسلح من يتصدى للدعوة إلى الله تعالى بالعلم الشرعي الذي يريد توصيله للناس ، وأن يكون عنده الخبرة الكافية التي تمكنه من حسن محاورة الآخرين ، ومعرفة ما عندهم من أمراض الشبهات والشهوات ، وكيف يتأتى له علاجها ؛ وأما أن يكون كل ما عند المرء عاطفة صادقة ، ومعلومات متناثرة من هنا وهناك ؛ فإن ذلك لا يجدي شيئا ، ولا ينفع المدعو في شيء !! وأخشى ما نخشاه على من يتصدى لذلك الأمر قبل أوانه ، وقبل أن تكون عنده الأهلية الكافية ، أن يكون حاله كحال من أخذته الشفقة بأناس أصيبوا بعدوى قاتلة ، فأسرع إلى علاجهم من غير خبرة له بالطب ، فلا هو نفع المريض ولا هو حمى نفسه ، ومن كلام الناس : ( راح يصطاد اصطادوه ) !! فاحذر يا عبد الله ، وليكن همك الأول أن تنجو بنفسك :
( بَلِ الإنسان عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ) (القيامة:14-15) .
ثالثا :
من كانت عنده الأهلية للدعوة إلى الله تعالى ، أيا كان المجال الذي ينشغل فيه بهذه الدعوة ؛ فإنه لا يجوز له ترك الدعوة بحجة الخوف من رفض المدعو وشتمه لدعوته أو دينه ، وإلا لتعطلت الدعوة وترك البيان للناس ، وذلك ما لا يرضاه رب العالمين ، ولكنه سبحانه أمرنا بالتزام الحكمة والموعظة الحسنة ، فقال سبحانه :
( ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) النحل/125(/2)
وحثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرفق واللين والتبشير والتيسير ، وذلك حرصا على تقبل المدعو للحق الذي يعرض عليه .
قال صلى الله عليه وسلم لمعاذ وأبي موسى حين بعثهما إلى أهل الكتاب في اليمن :
( يَسِّرَا وَلَا تُعَسِّرَا وَبَشِّرَا وَلَا تُنَفِّرَا ) رواه البخاري (3038) ومسلم (1733)
فمن التزم بهذا المنهج الشرعي في الدعوة لا يضره ما كان بعد ذلك من المدعو : من شتم أو رفض أو استكبار وإباء .
وقد كان سيد الدعاة ، النبي صلى الله عليه وسلم ، مستمرا في الدعوة والنصح الحكيم ، مع أن كثيرا من المشركين واجهوه بالشتم والضرب والاستهزاء .
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال :
( لَمَّا نَزَلَت هَذِه الآيَةُ ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) الشعراء/214 وَرَهطَكَ مِنهُمُ المُخلَصِينَ ، خَرَجَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا ، فَهَتَفَ : يَا صَبَاحَاهُ ، فَقَالُوا : مَن هَذَا الذِي يَهتِفُ ؟ قَالُوا : مُحَمَّدٌ ، فَاجتَمَعُوا إِلَيهِ ، فَقَالَ : يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي فُلَان يَا بَنِي عَبدِ مَنَاف يَا بَنِي عَبدِ المُطَّلِب ، فَاجتَمَعُوا إِلَيهِ ، فَقَالَ : أَرَأَيتَكُم لَو أَخبَرتُكُم أَنَّ خَيلًا تَخرُجُ بِسَفحِ هَذَا الجَبَلِ أَكُنتُم مُصَدِّقِي ؟
قَالُوا : مَا جَرَّبنَا عَلَيكَ كَذِبًا .
قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُم بَينَ يَدَي عَذَابٍ شَدِيدٍ .
فَقَالَ أَبُو لَهَبٍ : تَبًّا لَكَ ، أَمَا جَمَعتَنَا إِلَّا لِهَذَا ، ثُمَّ قَامَ .
فَنَزَلَت هَذِهِ السُّورَةُ ( تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ ) المسد/1
رواه البخاري (1394) ومسلم (208)
والمحظورُ في ذلك هو بَداءةُ المشركين والكفار بالشتم والتسفيه ، خوفا من تَعَدِّيهم ومقابلتهم بالسب والتنقيص ، فذلك هو الذي نهى عنه الله تعالى في القرآن .(/3)
قال تعالى : ( وَلاَ تَسُبُّواْ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّواْ اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ ) الأنعام/108
فلا تتحرج أخي الكريم من الحق ، ولا تترك تبيلغ هذا الدين بالعلم والبصيرة ، واحرص على اختيار الكلمة المناسبة ، والمدخل الحسن الطيب ، وتجنب الشتم والاستهزاء ، بل عامة الظلم والعدوان ؛ ثم لا يضرك بعد ذلك ما صدر عن المدعو ، فوزره عليه ، يحمله يوم القيامة ، وأنت ترجع بالأجر العظيم إن شاء الله .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
78375
العنوان:
المراسلة بين الجنسين وأثرها على الصيام
السؤال:
ما حكم إذا أنا راسلت صديقتي على النت في رمضان طالما في حدود الاحترام وهي تفتح الكاميرا وأنا أراها ؟.
الجواب:
الحمد لله
أولاً : من المقاصد الضرورية في الشريعة الإسلامية : حفظ النسل والأعراض ؛ من أجل ذلك حرّم الله الزنا ، وحرم وسائله التي قد تفضي إليه ، من خلوة رجل بامرأة أجنبية منه ، ونظرة آثمة ، وسفر بلا محرم ، وخروج المرأة من بيتها معطرة متبرجة كاسية عارية .
ومن ذلك : حديث الرجل الخادع مع المرأة ، وخضوعها له بالقول إغراء له وتغريراً به ، وإثارة لشهوته ، وليقع في حبالها ، سواء كان ذلك عند لقاء في طريق ، أو في محادثة هاتفية ، أو مراسلة كتابية ، أو غير ذلك .
وقد حرم الله على نساء رسوله صلى الله عليه وسلم - وهن الطاهرات - أن يتبرجن تبرج الجاهلية الأولى ، وأن يخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض ، وأمرهن أن يقلن قولاً معروفاً ، قال الله تعالى : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً ) الأحزاب/32 . راجع سؤال رقم (10221) .
والمحادثات والمراسلات بين الرجل والمرأة ، عن طريق النت هي باب من أبواب الفتنة والشر ، وذلك لما يترتب على هذه المحادثات من تساهل في الحديث يدعو إلى الإعجاب والافتتان غالبا ، ولهذا فإن الواجب هو الحزم والابتعاد عن ذلك ، ابتغاء مرضاة الله ، وحذرا من عقابه .
وكم جَرَّت هذه المحادثات على أهلها من شر وبلاء ، حتى أوقعتهم في عشق وهيام ، وقادت بعضهم إلى ما هو أعظم من ذلك . راجع سؤال رقم (34841) .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين : ما حكم المراسلة بين الشبان والشابات علما بأن هذه المراسلة خالية من الفسق والعشق والغرام ؟
فأجاب :(/1)
" لا يجوز لأي إنسان أن يراسل امرأة أجنبية عنه ؛ لما في ذلك من فتنة ، وقد يظن المراسل أنه ليست هناك فتنة ، ولكن لا يزال به الشيطان حتى يغريه بها ، ويغريها به . وقد أمر صلى الله عليه وسلم من سمع بالدجال أن يبتعد عنه ، وأخبر أن الرجل قد يأتيه وهو مؤمن ولكن لا يزال به الدجال حتى يفتنه .
ففي مراسلة الشبان للشابات فتنة عظيمة وخطر كبير يجب الابتعاد عنها وإن كان السائل يقول : إنه ليس فيها عشق ولا غرام " انتهى .
"فتاوى المرأة" جمع محمد المسند (ص 96) .
ثانياً :
الصائم مأمور بتقوى الله تعالى ، وفعل ما أمر ، واجتناب ما نهى عنه .
فليس المقصود من الصيام مجرد الامتناع عن الطعام والشراب ، وإنما المقصود تحقيق تقوى الله تعالى ( لعلكم تتقون ) ، وتهذيب النفس ، والتخلي عن رذائل الأعمال ، وسفاسف الأخلاق ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ليس الصيام من الأكل والشرب ، إنما الصيام من اللغو والرفث ) رواه الحاكم ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (5376) .
وقد سبق في جواب السؤال رقم (50063) بيان أثر المعاصي على الصوم وأنها قد تذهب ثوابه بالكلية .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
78396
العنوان:
رأت الدم بعد طهرها وجماع زوجها لها فماذا يترتب عليهما؟
السؤال:
رجل تطهرت زوجته من الدورة الشهرية ثم جامعها ، وبعد ذلك في نفس اليوم وقبل أن تغتسل هي من الجنابة أتاها بعض الدم ، وهذا يحدث لها نادراً أن تزيد دورتها عن الأيام المعتادة يوما ، فهل يعتبر أتاها في حيض ؟ وماذا عليهما ؟ وهل يلزم الزوجة الاغتسال من الجنابة أم لها أن تؤجل ذلك إلى نهاية اليوم لتغتسل من الحيض والجنابة معا ؟ وهل عليهما إثم؟ علما بأنها كانت متأكدة من طهرها حيث رأت الطهر واغتسلت وصلت .
الجواب:
الحمد لله
إذا كنت تيقنت رؤية الطهر إما بالجفاف التام ، وإما بنزول السائل الأبيض الذي تعرف النساء انتهاء الحيض بنزوله ، فما نزل بعد ذلك من دم لا يعتبر حيضاً ، فلا يمنع من الصلاة والصيام والجماع .
أما إذا كنت لم تتيقني الطهر ، وإنما بنيت على انتهاء حيضك المعتاد ، فهذا الدم النازل حيض ، لأن الحيض قد يزيد وقد ينقص عن أيامه المعتادة .
وقد سئل الشيخ ابن جبرين حفظه الله :
ما حكم الدم الذي يخرج في غير أيام الدورة الشهرية . فأنا عادتي في كل شهر 9 أيام ولكن في بعض الأشهر يأتي الدم خارج أيام الدورة ولكن بنسبة أقل جداً وتستمر معي هذه الحالة لمدة يوم أو يومين فهل تجب علي الصلاة والصيام أثناء ذلك أم القضاء ؟
فأجاب : "هذا الدم الزائد عن العادة هو دم عرق لا يحسب من العادة ، فالمرأة التي تعرف عادتها تبقى زمن العادة لا تصلي ولا تصوم ولا تمس المصحف ولا يأتيها زوجها في الفرج، فإذا طهرت وانقضت أيام عادتها واغتسلت فهي في حكم الطاهرات ، ولو رأت شيئاً من دم أو صفرة أو كدرة فذلك استحاضة ، لا تردها على الصلاة ونحوها" انتهى .
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/277) .
وأما ما حصل من جماع فلا حرج عليكما فيه ، لأنكما كنتما تعتقدان أن الحيض قد انتهى .(/1)
ولا حرج على المرأة في تأخير غسل الجنابة ، حتى تغتسل من الحيض والجنابة جميعاً ، وإن كان الأولى أن تغتسل للجنابة ، فإنها تستفيد بذلك جواز قراءة القرآن ، فإن الجنب ممنوع من قراءة القرآن ، بينما الحائض تقرأ القرآن .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (2564) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
78438
العنوان:
ابتلاع بقايا الطعام في فمه أثناء النهار
السؤال:
عندما يستيقظ الشخص في الصباح وهو صائم وكانت في فمه بقايا من سحوره فما الحكم إذا ابتلعه ؟.
الجواب:
الحمد لله
لاشك أن الأكل من مفسدات الصيام ، قال تعالى : ( وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ) البقرة/187.
ومعلوم عند المسلمين أن الصيام هو الإمساك عن الأكل والشرب والجماع ، وسائر المفطرات . "مجموع فتاوى شيخ الإسلام" (25/219) .
والأكل هو إيصال جامد إلى المعدة عن طريق الفم .
انظر : "حاشية ابن قاسم على الروض المربع" (3/389) .
ولا يشترط في هذا الأكل أن يكون نافعاً أو كثيراً ، بل لو ابتلع شيئا لا ينتفع به ( خرزة مثلا ) أو ابتلع شيئا قليلا ، فإنه يكون قد أفطر وأفسد صيامه .
وابتلاع بقايا الطعام التي تكون بين الأسنان يعتبر أكلا فيكون مفسدا للصيام .
وهذا إذا ابتلعها الصائم مختاراً .
بحيث تمكن من إخراجها ولكنه ابتلعها عمدا ، أما إذا سبقت إلى حلقه وابتلعها ولم يتمكن من إخراجها فلا حرج عليه وصيامه صحيح ، لأنه يشترط في جميع مفسدات الصيام أن يفعلها الصائم مختاراً ، فإن فعلها مكرهاً بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22981) .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (3/260) :
" ومن أصبح بين أسنانه طعام ; لم يخل من حالين :
أحدهما : أن يكون يسيرا لا يمكنه لفظه , فازدرده (أي ابتلعه) , فإنه لا يفطر به ; لأنه لا يمكن التحرز منه , فأشبه الريق , قال ابن المنذر : أجمع على ذلك أهل العلم .
الثاني : أن يكون كثيرا يمكن لفظه , فإن لفظه فلا شيء عليه , وإن ازدرده عامدا , فسد صومه في قول أكثر أهل العلم ، لأنه بلع طعاما يمكنه لفظه باختياره , ذاكرا لصومه , فأفطر به , كما لو ابتدأ الأكل " انتهى بتصرف يسير .
وخلاصة الجواب :(/1)
أنه إذا تمكن من إخراجها ولكنه لم يفعل وابتلعها فقد أفسد صيامه ، وإذا ابتلعها بغير اختياره فصومه صحيح ولا شيء عليه .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
78963
العنوان:
استعمال الأيقونات والصور التعبيرية في الإنترت
السؤال:
ما حكم استخدام الصور التعبيرية والرسومات التي في المنتديات [ كالأيقونات ] أو بعض الصور الحقيقية للتوضيح ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأصل في تصوير ذوات الأرواح أنه محرم ، سواء كانت الصورة مجسمة ، أو مرسومة باليد ، على ورق أو قماش أو جدار أو غيره ، وهذا ما ذهب إليه جمهور أهل العلم . وراجع السؤال رقم (34839) ، (10668) ، (39806) .
قال النووي رحمه الله في "رياض الصالحين" : " باب تحريم تصوير الحيوان في بساط أو حجر أو ثوب أو درهم أو دينار أو مخدة أو وسادة وغير ذلك ، وتحريم اتخاذ الصورة في حائط وسقف وستر وعمامة وثوب ونحوها ، والأمر بإتلاف الصورة " انتهى .
إلا أن أهل العلم المعاصرين اختلفوا في ما يسمى بالتصوير الفوتوغرافي بين مانع ومجوّز ، والراجح هو المنع إلا لضرورة أو حاجة ، وانظر جواب السؤال رقم (22660) ، (8954) .
ثانيا :
الصور التعبيرية التي توجد في المنتديات ، كوجه ضاحك أو حزين ، لا تأخذ حكم الصور فيما يظهر ؛ لأمرين :
الأول : أنها غير واضحة المعالم ، وإنما هي أشبه بالرمز ، بل ذهب بعض أهل العلم إلى أن الصورة " لو كانت صغيرة بحيث لا تبدو للناظر إلا بتأمل : لا يُكْره " اهـ الفتاوى الهندية (1/108).
والثاني : أنه قد قُطع منها ما لا تبقى معه الحياة ، فلا صدر ولا بطن ، بل ولا رأس في الحقيقة ، فإنها لا تعدو أن تكون دوائر للوجوه خالية من شعر أو أنف أو أذن .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (الصورة الرأس ، فإذا قطع الرأس فلا صورة) رواه الإسماعيلي في معجمه من حديث ابن عباس ، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة (1921).(/1)
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الصورة إذا قطع منها ما لا تبقى معه الحياة أنها لا تأخذ حكم الصورة ، قال ابن قدامة رحمه الله : "فإن قطع رأس الصورة , ذهبت الكراهة . قال ابن عباس : الصورة الرأس , فإذا قطع الرأس فليس بصورة . وحكي ذلك عن عكرمة . وقد روي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أتاني جبريل , فقال : أتيتك البارحة , فلم يمنعني أن أكون دخلت إلا أنه كان على الباب تماثيل , وكان في البيت ستر فيه تماثيل , وكان في البيت كلب , فمر برأس التمثال الذي على الباب فيقطع , فيصير كهيئة الشجر , ومر بالستر فلتقطع منه وسادتان منبوذتان يوطآن , ومر بالكلب فليخرج . ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وإن قطع منه ما لا يبقى الحيوان بعد ذهابه , كصدره أو بطنه , أو جعل له رأس منفصل عن بدنه , لم يدخل تحت النهي , لأن الصورة لا تبقي بعد ذهابه , فهو كقطع الرأس .
وإن كان الذاهب يبقي الحيوان بعده , كالعين واليد والرجل , فهو صورة داخلة تحت النهي .
وكذلك إذا كان في ابتداء التصوير صورة بدن بلا رأس , أو رأس بلا بدن , أو جعل له رأس وسائر بدنه صورة غير حيوان , لم يدخل في النهي ; لأن ذلك ليس بصورة حيوان ". انتهى من "المغني" (7/216).
وينظر تفصيل هذه المسألة وأقوال المذاهب الأخرى في : "أحكام التصوير في الفقه الإسلامي" ص 234-240.
ثالثا :
ينبغي تجنب وضع الصورة الحقيقية في المنتديات ، ولو كانت مجرد صورة للوجه ، فإن ذلك أسلم وأبرأ ، لاسيما وظاهر حديث الصورة الرأس، أن الرأس هو المعتبر في حكم الصورة سواء كان متصلاً بالجسد أو منفصلاً عنه.
وإلى هذا ذهب بعض فقهاء الشافعية [ انظر : أحكام التصوير (235)](/2)
قال الشيخ محمد بن إبراهيم التصوير النصفي لا إشكال عندي في أَنه محرم، وان كان ذهب نزر قليل إلى القول بعدم التحريم، وربما يكون أَخف من الكامل لأَجل هذا القول، وأَما أَنا فلا إشكال عندي فيه، لأَن الوجه هو المقصود " اهـ .
فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم (1/165) .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ويستدل بالحديث المذكور أيضا على أن قطع غير الرأس من الصورة كقطع نصفها الأسفل ونحوه لا يكفي ولا يبيح استعمالها ، ولا يزول به المانع من دخول الملائكة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بهتك الصور ومحوها وأخبر أنها تمنع من دخول الملائكة إلا ما امتهن منها أو قطع رأسه ، فمن ادعى مسوغا لبقاء الصورة في البيت غير هذين الأمرين فعليه الدليل من كتاب الله أو سنة رسوله عليه الصلاة والسلام . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن الصورة إذا قطع رأسها كان باقيها كهيئة الشجرة ، وذلك يدل على أن المسوغ لبقائها خروجها عن شكل ذوات الأرواح ومشابهتها للجمادات ، والصورة إذا قطع أسفلها وبقي رأسها لم تكن بهذه المثابة لبقاء الوجه ، ولأن في الوجه من بديع الخلقة والتصوير ما ليس في بقية البدن ، فلا يجوز قياس غيره عليه عند من عقل عن الله ورسوله مراده . وبذلك يتبين لطالب الحق أن تصوير الرأس وما يليه من الحيوان داخل في التحريم والمنع؛ لأن الأحاديث الصحيحة المتقدمة تعمه "
فتاوى الشيخ ابن باز (4/212) .
، وقد تستغل هذه الصورة الحقيقية استغلالا سيئا ، مع التنبه إلى أن المحرّم هو رسم الصورة أو التقاطها ، وأما مجرد الضغط عليها ، أو النظر إليها ، فلا ، إلا أن تكون صور نساء ، أو صورا تدعو للفحشاء والمنكر .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
78994
العنوان:
هل يعطي زكاة الفطر لإخوته غير الأشقاء؟
السؤال:
لي إخوة غير أشقاء من أم أخرى والوالد متوفى وهم في حاجة للمال هل يجوز أن أعطيهم زكاة الفطر ؟
الجواب:
الحمد لله
زكاة الفطر تعطى الفقراء والمساكين .
لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : (فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَكَاةَ الْفِطْرِ ، طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ ، وَطُعْمَةً لِلْمَسَاكِينِ) رواه أبو داود (1609) وابن ماجه (1827) ، وحسنه الألباني في " صحيح الترغيب " ( 1085 ) .
قال ابن القيم رحمه الله :
"وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة" انتهى .
" زاد المعاد " ( 2 / 21 ) .
وإذا تقرر هذا : فاعلم أن القريب الفقير أولَى بالزكاة من غيره .
ولكن لا يجوز لأحد أن يعطي زكاته إلى من يلزمه أن ينفق عليه .
ويجب عليك أن تنفق عليهم إذا كنت ترث منهم ، فإن كنت ترث منهم فلا يجوز أن تعطيهم من الزكاة ، وإن كنت لا ترث منهم فلا حرج عليك من إعطائهم الزكاة .
وإن كنت ترث من بعضهم ولا ترث من بعضهم الآخر ، أعطيت الزكاة لمن لا ترث منه .
ولا يجب عليك أن تنفق عليهم إلا إذا كان عندك من الأموال ما يزيد عن حاجتك وحاجة أهلك ، فإن لم تكن أموالك كذلك فلا يجب عليك أن تنفق عليهم ، لأنك غير مستطيع ، ولك في هذه الحالة أن تعطيهم زكاتك ، ولو كنت وارثاً لهم .
وانظر جواب السؤال (106540) .
والله أعلم.(/1)
رقم السؤال:
79067
العنوان:
الحكم في من سب دين رجل مسلم
السؤال:
هل تجب الكفارة على من سب مسلما .كالقول لمسلم : لعن دين أمك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
سب الدين أو الملة أو الإسلام كفر أكبر ، بإجماع أهل العلم ، يُستتاب صاحبه فإن تاب وإلا قتل ، عياذا بالله من ذلك . وانظر السؤال رقم (42505) ، (65551)
وأما سب دينِ شخصٍ مسلمٍ معين ، كقوله : يلعن دينك ، أو دين أمك – والحال أن أمّه مسلمة - فظاهره سب الدين أيضا ، وهو كفر كما سبق ، وأبدى بعض أهل العلم احتمالا ، وهو أن يكون مراده حالة الشخص وتدينه ، وهذا قد يؤخذ من القرائن المحيطة ، فحينئذ يعزر ويؤدب ، وبكل حال فإنه يستتاب ويراجع .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (24/139) : " اتفق الفقهاء على أن من سب ملة الإسلام أو دين المسلمين يكون كافرا , أما من شتم دين مسلم ، فقد قال الحنفية كما جاء في جامع الفصولين : ينبغي أن يكفر من شتم دين مسلم , ولكن يمكن التأويل بأن المراد أخلاقه الرديئة ومعاملته القبيحة لا حقيقة دين الإسلام فينبغي أن لا يكفر حينئذ " انتهى .
وقال الشيخ عليش المالكي : " وفيه أيضا [أي البرزلي] نزلت مسألة وهي أن رجلا كان يزدري الصلاة وربما ازدرى المصلين وشهد عليه ملأ كثير من الناس منهم من زكي ومنهم من لم يزك ، فمن حمله على الازدراء بالمصلين لقلة اعتقاده فيهم فهو من سباب المسلم فيلزمه الأدب على قدر اجتهاد الحاكم ، ومن يحمله على ازدراء العبادة فالأصوب أنه ردة لإظهاره إياه وشهرته به كهذه المسألة المذكورة ، لا زندقة ويجرى على أحكام المرتد ا هـ .(/1)
قلت : يؤخذ من هذا الحكم فيمن سب الدين أو الملة أو المذهب وهو يقع كثيرا من بعض سفلة العوام كالحمّارة والجمّالة والخدامين وربما وقع من غيرهم وذلك أنه إن قصد الشريعة المطهرة والأحكام التي شرعها الله تعالى لعباده على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم فهو كافر قطعا ، ثم إن أظهر ذلك فهو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، وإن لم يظهره فهو زنديق يقتل ولو تاب .
وإن قصد حالة شخص وتديّنه فهو سب المسلم ففيه الأدب باجتهاد الحاكم ، ويفرق بين القصدين بالإقرار والقرائن ، وبعضهم يجعل القصد الثاني كالأول في الحكم ، ففي البدر عن بهرام في مبحث الردة : إذا قال تارك الصلاة لمن قال له صل : إذا دخلت الجنة فأغلق الباب خلفك ، فإن أراد أن الصلاة لا تأثير لها في الدين فقد ارتد اتفاقا ، وإن أراد أن صلاة القائل لا تأثير لها لكونها لم تنهه عن الفحشاء والمنكر ففي ردته قولان ا هـ . ومن المعلوم أن من الدين والملة القرآن العزيز ، وسبه كفر كما ذكره البرزلي في مواضع " انتهى من "فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك" (2/346).
والاحتمال الذي ذكره ، ربما وقع نادرا ، وإلا فالأصل أن لعن دين الشخص هو لعن للإسلام ، ولا يقدم على هذا إلا متهور مجترئ على حدود الله ، مقتحم لهذه المهلكة العظيمة ، ولندرة هذا الاحتمال فإن الشيخ عليش رحمه الله لم يذكره في موضع آخر ، حيث سئل ما نصه : " ( ما قولكم ) في رجل لعن دين آخر ، وفي آخر لعن مذهبه ، وفي آخر قال له : يلعن مذهبك مذهب القطط ، هل يرتدون أفيدوا الجواب .(/2)
فأجبت بما نصه : الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله ، نعم قد ارتدوا بذلك ، واستحقوا القتل إن لم يتوبوا اتفاقا ؛ لأن سب الدين أو المذهب لا يقع إلا من كافر ، ولأنه أشد من الاستخفاف به الموجب للكفر ، ولأنه داخل في القسم الثاني المتقدم عن ابن عبد السلام والقرافي وابن رشد وغيرهم ، والله سبحانه وتعالى أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم ". انتهى من "فتح العلي المالك" (2/355).
ثانيا :
كفارة السب ، سواء كان سبا للدين أو للشخص ، هي التوبة النصوح ، فمن تاب تاب الله عليه ، إلا أن الساب يستحق التعزير والتأديب . سئل النووي رحمه الله : " ماذا يجب على من يقول للمسلم : يا كلب ، أو يا خنزير ، ونحوه من الألفاظ القبيحة هل يأثم ؟.
فأجاب : الحمد لله ، يأثم ويعزر ، وعليه التوبة . والله أعلم ". انتهى من "فتاوى النووي" ص 224
وانظر السؤال رقم (42505) ففيه تفصيل الكلام في توبة من سب الدين .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
79136
العنوان:
صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح أو الوتر
السؤال:
فاتتني صلاة العشاء ، وأدركت الإمام في ركعة الوتر .. فصليت معه ودعا ، فلما سلم قمت فصليت ثلاث ركعات .. فهل فعلي صحيح ؟ وهل الركعة التي صليتها تكون بمثابة صلاة الوتر ؟ أم أنها جزء من العشاء ؟ أم ماذا ؟ وما الصحيح في مثل هذه الحالة؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
صلاتك العشاء خلف من يصلي التراويح أو الوتر ، صحيحة على الراجح من قولي العلماء ، والمسألة معروفة عند الفقهاء بصلاة المفترض خلف المتنفّل ، قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (2/30) : " وفي صلاة المفترض خلف المتنفل روايتان : إحداهما : لا تصح ، واختارها أكثر أصحابنا ، وهذا قول الزهري , ومالك , وأصحاب الرأي ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به , فلا تختلفوا عليه ) متفق عليه .
والثانية : يجوز . وهذا قول الشافعي , وابن المنذر , وهي أصح ; لما روى جابر بن عبد الله أن معاذا كان يصلي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يرجع فيصلي بقومه تلك الصلاة . متفق عليه . وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بطائفة من أصحابه في الخوف ركعتين , ثم سلم , ثم صلى بالطائفة الأخرى ركعتين , ثم سلم . رواه أبو داود , والثانية منهما تقع نافلة , وقد أَمَّ بها مفترضين .
فأما حديثهم فالمراد به : لا تختلفوا عليه في الأفعال , بدليل قوله : (فإذا ركع فاركعوا , وإذا رفع فارفعوا , وإذا سجد فاسجدوا , وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون)" انتهى باختصار.
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : ما هو العمل عندما يأتي الفرد بعد صلاة العشاء وقد انتهت ، وقام الإمام يصلي التراويح ، فهل يأتم بالإمام وينوي العشاء ؟ أم يقيم ويصلي منفردا أو مع جماعة إن وجدت ؟(/1)
فأجابوا: "يجوز أن يصلي العشاء جماعة مع من يصلي التروايح ، فإذا سلم الإمام من ركعتين قام من يصلي العشاء وراءه وصلى ركعتين ، إتماما لصلاة العشاء" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/402) .
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله : إذا جاء المسلم إلى المسجد ووجد الجماعة يصلون التراويح وهو لم يصل العشاء فهل يصلي معهم بنية العشاء ؟
فأجاب : "لا حرج أن يصلي معهم بنية العشاء في أصح قولي العلماء ، وإذا سلم الإمام قام فأكمل صلاته" انتهى من "مجموع فتاوى الشيخ ابن باز" (12/181).
ثانيا :
الركعة التي صليتها مع الإمام لا تكون بمثابة الوتر ؛ لأمرين :
الأول : أنك دخلت بنية العشاء ، فتكون ركعة معتدًّا بها من صلاة العشاء ، وعليك أن تكمل بقية الصلاة بعد سلام الإمام .
الثاني : أن الوتر لا يصح إلا بعد الفراغ من صلاة العشاء ؛ لما روى الإمام أحمد (23339) عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً ، وَهِيَ الْوِتْرُ ، فَصَلُّوهَا فِيمَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْر) صححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (108) .
والحاصل : أن ما فعلته صحيح ، ونسأل الله تعالى أن يتقبل منك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
79251
العنوان:
يمتلك دنانير عراقية، فهل عليها زكاة؟
السؤال:
عندي مليون دينار عراقي وليس لها سعر صرف في مؤسسة النقد ، أي : أن سعر الصرف هو صفر ، فكيف أزكي هذا المبلغ من المال ؟ .
الجواب:
الحمد لله
هذه الأوراق النقدية لها حكم " عروض التجارة " ؛ لأن لها قيمة في واقع الأمر في الأسواق ، وإن لم يكن لها قيمة في مؤسسة النقد .
فعلى من يملك هذه الأوراق النقدية أن يحسب قيمتها التي تساويها في نهاية حول الزكاة ، ويخرج زكاتها 2.5 بالمائة ، وهذا إذا بلغت قيمتها نصاباً بنفسها ، أو كان عنده من الأوراق النقدية الأخرى ما يكمل به النصاب .
والنصاب ما يعادل قيمة 595 جراماً من الفضة وانظر جواب السؤال (2795) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
79337
العنوان:
إخراج الزكاة عروضا بدلا عن النقود
السؤال:
في السنوات الماضية جعل شهر رمضان بداية لإخراج الزكاة فكانت تخرج تموين للفقراء وأغراض ضرورية لهم .. هذا العام علمنا أن زكاة الأموال لا بد أن تكون نقدا توزع على مصارفها .. سؤالي من شقين : 1-ما حكم إخراج الزكاة في الأعوام السابقة بشراء تموين وضروريات للفقراء ولم تكن نقداً؟ وهل نأثم بالجهل في ذلك ؟ وماذا علينا حالياً ؟ 2- بعض بيوت الفقراء إذا سلمنا الزكاة نقدا فإن عائلها يأخذها ويحرم منها أهل البيت في شراء دخان أو دش أو سفريات فنضطر لشراء احتياجات البيت ولا تسلم نقدا.. حتى نضمن استفادة هذه الأسرة وسد حاجتها ...فما الحكم في ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الأصل أن تخرج الزكاة من جنس المال المزكَّى ، فزكاة النقود تخرج نقودا ، وزكاة بهيمة الأنعام تُخرج منها ، وزكاة الزروع تخرج زرعا ، إلا زكاة التجارة فإنها تخرج من القيمة ، ويجوز إخراجها من عروض التجارة ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (22449).
وقد اختلف العلماء في جواز إخراج الزكاة من غير جنس المال المزكَّى ، وهو ما يعرف عند العلماء بإخراج القيمة من الزكاة ، والراجح أنه لا يجوز إخراجها قيمة .
ولكن .. نظراً لقوة الخلاف في المسألة ، فنرجو ألا يكون عليك حرج في إخراج القيمة في الأعوام الماضية ، وعليك إخراجها من جنس المال المزكَّى في الأعوام القادمة .
ثانياً :
إذا كان الفقير سفيهاً لا يحسن التصرف في المال ، فقد أجاز بعض العلماء إعطاءه الزكاة سلعاً عينيةً بدلاً من النقود ، مراعاة لمصلحة الفقير ، وسدّاً لحاجته .(/1)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كما في "مجموع الفتاوى" ( 25/82 ) : " وأما إخراج القيمة في الزكاة والكفارة ونحو ذلك ، فالمعروف من مذهب مالك والشافعي أنه لا يجوز ، وعند أبي حنيفة يجوز ، وأحمد رحمه الله قد منع القيمة في مواضع ، وجوزها في مواضع ، فمن أصحابه من أقر النص ، ومنهم من جعلها على روايتين . والأظهر في هذا : أن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع منه . . . إلى أن قال رحمه الله :
" وأما إخراج القيمة للحاجة ، أو المصلحة ، أو العدل فلا بأس به ، مثل أن يبيع ثمر بستانه أو زرعه بدراهم فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ولا يكلف أن يشتري ثمرا أو حنطة إذ كان قد ساوى الفقراء بنفسه ، وقد نص أحمد على جواز ذلك... ومثل أن يكون المستحقون للزكاة طلبوا منه إعطاء القيمة لكونها أنفع فيعطيهم إياها " انتهى.
وقال الشيخ ابن باز رحمه الله : " ويجوز أيضا أن يخرج عن النقود عروضا من الأقمشة والأطعمة وغيرها ، إذا رأى المصلحة لأهل الزكاة في ذلك مع اعتبار القيمة ، مثل أن يكون الفقير مجنونا أو ضعيف العقل أو سفيها أو قاصرا ، فيخشى أن يتلاعب بالنقود ، وتكون المصلحة له في إعطائه طعاما أو لباسا ينتفع به من زكاة النقود بقدر القيمة الواجبة ، وهذا كله في أصح أقوال أهل العلم ". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/253).
وسئل رحمه الله عن شراء مواد غذائية منوعة وعينية كالبطانيات والملابس وصرفها للجهات الإسلامية الفقيرة من الزكاة ، خاصة في الحالات التي لا تتوفر فيها المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان .
فأجاب : " لا مانع من ذلك بعد التأكد من صرفها في المسلمين ". انتهى من "مجموع فتاوى ومقالات الشيخ ابن باز" (14/246) .(/2)
وسئلت الجنة الدائمة للإفتاء : نحب أن نستوضح من سماحتكم عن موضوع صرف مبالغ من الزكاة لشراء مواد غذائية منوعة وعينية كالبطانيات والملابس وصرفها لبعض الجهات الإسلامية الفقيرة مثل السودان وأفريقيا والمجاهدين الأفغان ، خاصة في الحالات التي لا تتوفر المواد الغذائية بأسعار معقولة في تلك البلدان ، أو تكاد تكون معدومة فيها كلية ، وإن توفرت فيها فهي بأسعار مضاعفة عن الأسعار التي تصلهم بها لو أرسلت عيناً.. نرجو إفادتنا جزاكم الله خيراً بما ترونه حيال ذلك .
فأجابت: " إذا كان الأمر كما ذكر فإنه لا حرج في ذلك ؛ مراعاة لمصلحة مستحقيها ". انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (9/433).
نسأل الله لنا ولكم التوفيق والسداد في القول والعمل .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
79344
العنوان:
هل تثبت للمرأة ولاية في مال الصغير؟
السؤال:
رجلٌ تزوج بامرأتين أنجبت له الأولى عدداً من الأبناء الذكور ، وأنجبت له المرأة الثانية عددا من الإناث إلا واحدا لم يبلغ الحلم بعد . الحاصل أن الزوج قد طلق امرأته الأولى ثم توفي ، وبعد فترة وجيزة توفيت زوجته الثانية ، ونشب صراع وخلاف شديد بين الذكور والإناث حول تقسيم التركة حيث ادعى الذكور ولا بينة لهم أن المورث قد وهب لهم عددا من العقارات والأطيان الأخرى ، واشتد النزاع حول من يكون وليا ووصياً على الطفل القاصر حيث احتج الإخوة لأب الذكور بأنهم أحق بالولاية والوصاية على الطفل القاصر لكونهم من العصبة ، واحتجت الأخت الشقيقة للقاصر بأنها أولى وأقدر لكونها مؤتمنة على الطفل القاصر والقائمة بأمره ودفعت طلب الإخوة لأب في استحقاق الولاية والوصاية بأنهم خصماء للقاصر ويوجد بينهم وبينه وبين عائلته وشقيقاته البنات من الخلافات العائلية التي يخشى معها على مصلحة ذلك الطفل . السؤال هل يجوز للمرأة أن تكون وليا ووصيا على القاصر لتحفظ ماله وتقوم بشئونه وتمثله أمام العام والخاص في وجود الإخوة لأب أو العصبة ؟ وهل يجوز لها شرعا القيام بذلك ، خاصة وأن الإخوة لأب دفعوا طلب الأخت الشقيقة في تولي مهام الوصاية ، بحديث : (لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) وبالحديث الذي معناه : (أن النساء ناقصات عقل ودين) .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ليس للإخوة ولا للأخوات ولاية على مال أخيهم في قول جماهير أهل العلم ، وإنما الولاية للأب ثم لوصيه [وهو من أوصى له الأب أن يكون ولياً على أولاده بعد موت الأب] ثم للحاكم ، واختُلف في الجد ، كما اختلف في الأم .(/1)
قال في "بدائع الصنائع" (حنفي) (5/155) : " وأما ترتيب الولاية فأولى الأولياء : الأب ثم وصيه ثم وصي وصيه ، ثم الجد ثم وصيه ثم وصي وصيه ، ثم القاضي ثم من نصبه القاضي وهو وصي القاضي وإنما تثبت الولاية على هذا الترتيب ; لأن الولاية على الصغار باعتبار النظر لهم لعجزهم عن التصرف بأنفسهم , والنظر على هذا الترتيب ، وليس لمن سوى هؤلاء من الأم والأخ والعم وغيرهم ولاية التصرف على الصغير في ماله ; لأن الأخ والعم قاصرا الشفقة ، وفي التصرفات تجري جنايات لا يهتم لها إلا ذو الشفقة الوافرة , والأم وإن كانت لها وفور الشفقة لكن ليس لها كمال الرأي لقصور عقل النساء عادة ، فلا تثبت لهن ولاية التصرف في المال" انتهى بتصرف.
وقال الدرير في "الشرح الكبير مع الدسوقي" (مالكي) (3/299) : " والولي على الصغير : الأب الرشيد لا الجد والأخ والعم إلا بإيصاء من الأب ثم يلي الأب وصيه فوصي الوصي ثم يلي الوصي حاكم أو من يقيمه " انتهى بتصرف.
وقال في "نهاية المحتاج" (شافعي) (4/375) : "ولا تلي الأم في الأصح قياسا على النكاح . والثاني [أي القول الثاني] : تلي بعد الأب والجد وتقدم على وصيهما لكمال شفقتها , ومثلها في عدم الولاية سائر العصبة كأخ وعم . نعم ، لهم الإنفاق من مال الطفل في تأديبه وتعليمه وإن لم يكن لهم عليه ولاية ; لأنه قليل فسومح به , ومحله عند غيبة وليه , وإلا فلا بد من مراجعته فيما يظهر" انتهى.
وقال في "كشاف القناع" (3/446) (حنبلي) : " وتثبت الولاية على صغير ومجنون ذكر أو أنثى لأب ثم بعد الأب لوصيه العدل ثم إن لم يكن أب ولا وصيه أو كان الأب موجودا وفقد شيئاً من الصفات المعتبرة فيه ثبتت الولاية عليهما للحاكم لأن الولاية انقطعت من جهة الأب فتكون للحاكم ، لأنه ولي من لا ولي له ، فيقم الحاكم أمينا في النظر لليتيم والمجنون ، والجد والأخ والأم وسائر العصبات لا ولاية لهم" انتهى بتصرف.(/2)
فتبين أن المذاهب الأربعة على أن الإخوة لا يكونون أولياء في المال على أخيهم الصغير ، وكذلك : الأخت الشقيقة ليس لها ولاية أيضاً .
وعلى هذا ، فينبغي رفع الأمر إلى القاضي الشرعي ليعين الأصلح للطفل ويكون هو الولي عليه .
وأما الاستدلال بحديث : ( لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ) فهذا محمول عند أهل العلم على الولاية العامة كالرئاسة والإمارة والقضاء ونحوه ، لا الولاية على ابنها أو أخيها الصغير ، التي هي من أرحم الناس به ، وأحرصهم عليه .
وكذلك حديث : ( ناقصات عقل ودين ) فإنه لا يمنع من أن تتصرف في مالها وتكون والية عليه اتفاقا ، فكذلك تصرفها في مال ولدها أو أخيها إذا جعلها الحاكم ولية عليه.
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
79347
العنوان:
أحرمت بالعمرة من مكة ونسيت شوطا أو شوطين من السعي
السؤال:
في السنة الماضية أخذت عمرة ، ولكن بعد ثلاثة أو أربعة أيام من قدومي إلى مكة ، وهناك قال لي البعض : إن الإحرام يكون من مكة وأنا زائرة ؟ ثم أخذت العمرة بعد الإحرام من مكة ، ولكن أظن أنني نسيت شوطين من السعي ، وذلك بعد مراجعة نفسي ، أو ربما شوطاً ؟ وأنا أريد أن أذهب يوم الثلاثاء القادم إلى العمرة فماذا علي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا أحرمت بالعمرة من داخل مكة ، ولم تخرجي إلى موضعٍ من الحِلِّ ، كالتنعيم أو ما يسمى بمسجد عائشة رضي الله عنها ، فقد فاتك واجب من واجبات العمرة ، وهو الإحرام من الميقات ، وميقات العمرة لأهل مكة ومن كان بها هو الحِلُّ ، فيلزم من كان بها وأراد العمرة أن يخرج إلى أي مكان في الحِلِّ ليحرم منه ، فإن لم يفعل لزمه دم ، شاة تذبح وتوزع على فقراء الحرم ، وراجعي السؤال رقم (48955) .
ثانيا :
ما ذكرتيه من نقص أشواط السعي إن كان مجرد شك أو ظن حصل بعد فراغك من السعي ، فلا عبرة به ؛ لأن الشك بعد الفراغ من العبادة لا يؤثر .
قال ابن قاسم العبادي في حاشيته على "تحفة المحتاج" (4/81) : " ولو شك في العدد قبل تمامه أخذ بالأقل إجماعا , وإن ظن خلافه أو شك في ذلك بعده أي بعد فراغه لم يؤثر " انتهى.
وإن تيقنت أنك سعيت ستة أشواط أو خمسة ، فإن سعيك لم يكتمل ، وتحللك من عمرتك لا يصح ، لبقاء ركن من أركان العمرة وهو السعي ، فلا تزالين على إحرامك ، ويلزمك ثلاثة أمور :
الأول : أن تجتنبي جميع محظورات الإحرام ؛ لأنك لازلت على إحرامك .
الثاني : أن تعودي إلى مكة فتأتي بالسعي من أوله .
الثالث : أن تتحللي بالأخذ من شعرك قدر أنملة ؛ لأن تحللك الأول وقع قبل تمام النسك ، فلم يُعتدّ به .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : عن رجل أدى عمرة ولكن سعيه ناقص شوطاً فماذا يلزمه ؟(/1)
فأجاب : "هذا الرجل لا يزال على إحرامه ، يجب أن يخلع ثيابه ويتجنب محظورات الإحرام، ويلبس ثياب الإحرام من بلده الذي هو فيها فوراً ، ويذهب إلى مكة ويسعى من جديد ، لأنه إلى الآن في عمرته" انتهى .
"مجموع فتاوى الشيخ ابن عثيمين" (22/435) .
وما ارتكبتيه من محظورات الإحرام خلال هذه المدة ، إن كان عن جهل بالحكم ، فلا شيء عليك فيه ، وإن كان مع علمك بأنك لا تزالين محرمة ، فتلزمك الفدية عنه .
وراجعي السؤال رقم (36522) .
ثالثا :
لا يشرع لك الإحرام بالعمرة من الميقات في سفرك القريب المذكور ( يوم الثلاثاء ) ؛ لأنك لا زلت على إحرامك بالعمرة الأولى كما سبق ، لكن إذا وصلت مكة ، وأتممت عمرتك الأولى وتحللتِ منها ، ثم أردت الاعتمار ثانيا ، فإنك تخرجين إلى التنعيم أو أي موضعٍ من الحل ، وتحرمين بالعمرة .
نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ومنك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
79593
العنوان:
صلاة التراويح للمسافر
السؤال:
لما كان لشعائر شهر رمضان خصوصية لكل مسلم والنشاط في العبادات من السمات الظاهرة عليه , أريد أن أسأل عن أداء صلاة التراويح لمن هو في حكم المسافر ؟
الجواب:
الحمد لله
صلاة التراويح في رمضان هي من قيام الليل ، الذي مدح الله أهله بقوله : ( كَانُوا قَلِيلًا مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ ) الذاريات/17 ، وقد قام النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره ، ولم يترك قيام الليل حضرا ولا سفرا .
قال ابن القيم رحمه الله : "ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضرا ولا سفرا ، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة" انتهى من "زاد المعاد" (1/311) .
وقد روى البخاري (945) عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ : (كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ يُومِئُ إِيمَاءً ، صَلَاةَ اللَّيْلِ ، إِلَّا الْفَرَائِضَ ، وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ) .
وروى البخاري (1034) عن سَالِم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال : كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا يُصَلِّي عَلَى دَابَّتِهِ مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُسَافِرٌ ، مَا يُبَالِي حَيْثُ مَا كَانَ وَجْهُهُ . قَالَ ابْنُ عُمَرَ : (وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُسَبِّحُ عَلَى الرَّاحِلَةِ قِبَلَ أَيِّ وَجْهٍ تَوَجَّهَ ، وَيُوتِرُ عَلَيْهَا ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي عَلَيْهَا الْمَكْتُوبَةَ) .
والذي يتركه المسافر من النوافل إنما هو : راتبة الظهر القبلية والبعدية وراتبة المغرب وراتبة العشاء فقط ، أما ما عدا ذلك من الرواتب وسائر النوافل فهي مشروعة للمسافر والمقيم .(/1)
روى مسلم في صحيحه (1112) عن حَفْصِ بْنِ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قَالَ : صَحِبْتُ ابْنَ عُمَرَ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ ، فَصَلَّى لَنَا الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ ، ثُمَّ أَقْبَلَ وَأَقْبَلْنَا مَعَهُ حَتَّى جَاءَ رَحْلَهُ ، وَجَلَسَ وَجَلَسْنَا مَعَهُ فَحَانَتْ مِنْهُ الْتِفَاتَةٌ نَحْوَ حَيْثُ صَلَّى ، فَرَأَى نَاسًا قِيَامًا ، فَقَالَ مَا يَصْنَعُ هَؤُلَاءِ ؟ قُلْتُ : يُسَبِّحُونَ (أي : يصلون الراتبة) قَالَ : لَوْ كُنْتُ مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْتُ صَلَاتِي ، يَا ابْنَ أَخِي ، إِنِّي صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السَّفَرِ ، فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَصَحِبْتُ أَبَا بَكْرٍ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَصَحِبْتُ عُمَرَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، ثُمَّ صَحِبْتُ عُثْمَانَ فَلَمْ يَزِدْ عَلَى رَكْعَتَيْنِ حَتَّى قَبَضَهُ اللَّهُ ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ) .
وَقَوْله : ( وَلَوْ كُنْت مُسَبِّحًا لَأَتْمَمْت ) مَعْنَاهُ : لَوْ اِخْتَرْت التَّنَفُّل لَكَانَ إِتْمَام فَرِيضَتِي أَرْبَعًا أَحَبّ إِلَيَّ , وَلَكِنِّي لَا أَرَى وَاحِدًا مِنْهُمَا , بَلْ السُّنَّة الْقَصْر وَتَرْك السنة الراتبة .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
ما رأيكم في المسافرين هل الأفضل لهم أن يصلوا التراويح في رمضان أم لا ؟ (وهم يقصرون الصلاة) .(/2)
فأجابوا : "قيام رمضان سنة ، سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولهذا أخذها عنه الصحابة رضوان الله عليهم وعملوا بها ، واستمرت إلى يومنا هذا ، وقد ثبت في الصحيحين من حديث عائشة أنه صلى الله عليه وسلم صلاها ليالي فصلوها معه ، ثم تأخر وصلى في بيته باقي الشهر ، وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها) ، وفي البخاري أن عمر جمع الناس على أبي بن كعب فصلى بهم التراويح ، وثبت في الصحيحين من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن أنه سأل عائشة رضي الله عنها : كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟
قالت: (ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة) وكان صلى الله عليه وسلم يسافر في رمضان، ومن ذلك سفره صلى الله عليه وسلم لفتح مكة، فقد خرج صلى الله عليه وسلم لعشر مضين من رمضان في سنة ثمان من الهجرة، قال ابن القيم: (ولم يكن صلى الله عليه وسلم يدع قيام الليل حضراً ولا سفراً، وكان إذا غلبه نوم أو وجع صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة) وبذلك يتبين أنهم إذا صلوها في سفر فقد أصابوا السنة" انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/206) .
والحاصل : أن صلاة التراويح تستحب للمسافر كما تستحب للمقيم ؛ لمواظبته صلى الله عليه وسلم على قيام الليل في السفر والحضر .
نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياك لطاعته ومرضاته .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
79667
العنوان:
كيف يصلي من فاتته صلاة الجمعة؟
السؤال:
صلاة الجمعة إذا لم تدرك في المسجد , هل تصلى ظهرا أم تبقى على الأصل صلاة الجمعة ؟ سواء كانت بحق الرجل أم المرأة أم العبد أم المسافر وكلام الشيخ ناصر الألباني رحمه الله حول هذه المسألة .
الجواب:
الحمد لله
من لم يحضر صلاة الجمعة مع المسلمين لعذر شرعي من مرض أو غيره أو لأسباب أخرى صلى ظهراً ، وهكذا المرأة تصلي ظهراً ، وهكذا المسافر وسكان البادية يصلون ظهراً كما دلت على ذلك السنة ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما وقف بعرفة يوم الجمعة صلى بالناس ظهراً ولم يصل بهم جمعة، ولأنه صلى الله عليه وسلم لم يأمر سكان البادية بالجمعة .
وهذا هو قول عامة أهل العلم ولا عبرة بمن شذ عنهم، وهكذا من تركها عمداً يتوب إلى الله – سبحانه – ويصليها ظهراً .
انظر مجموع فتاوى ومقالات متنوعة لسماحة الشيخ ابن باز رحمه الله ، (12/332) .
وأما كلام الشيخ ناصر الألباني رحمه الله فهو موافق لقول جماهير العلماء في هذا فقد ذكر في رسالته الأجوبة النافعة (ص 47) قول صديق حسن خان : " الجمعة فريضة من الله عز وجل فرضها على عباده ، فإذا فاتت لعذر فلابد من دليل على وجوب صلاة الظهر ، وفي حديث ابن مسعود ( ومن فاتته الركعتان فليصل أربعاً ) فهذا يدل على أن من فاتته الجمعة صلى ظهراً.(/1)
ثم عقب الألباني عليه موافقاً له ومصححا حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، وكان مما قاله ـ رحمه الله ـ " ولعل استدلال المؤلف بحديث ابن مسعود مع أنه موقوف إنما هو بسبب أنه لا يعرف له مخالف من الصحابة ، وهو مؤيد بمفهوم حديث أبي هريرة: ( من أدرك ركعة من الجمعة فقد أدرك الجمعة ) ويشهد له ما في "المصنف" (1/206/1) بسند صحيح عن عبد الرحمن بن أبي ذؤيب قال : خرجت مع الزبير مخرجاً يوم الجمعة فصلى الجمعة أربعاً . وعبد الرحمن هذا هو ابن عبد الله بن أبي ذؤيب ذكره ابن حبان في "الثقات" (6/122/1) وقال : "كان يتيماً في حجر الزبير بن العوام" .
وفي حديث ابن مسعود إشارة إلى أن الظهر هي الأصل ، وأنها هي الواجبة على من لم يصل الجمعة . ويؤيد ذلك أمور :
الأول : ما هو معلوم يقيناً أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانوا يصلون يوم الجمعة الظهر إذا كانوا في سفر، ولكنهم يصلونها قصراً.
فلو كان الأصل يوم الجمعة صلاة الجمعة لصلوها جمعة .
الثاني : قال عبد الله بن معدان عن جدته قالت : قال لنا عبد الله بن مسعود : ( إذا صليتن يوم الجمعة مع الإمام فصلين بصلاته ، وإذا صليتن في بيوتكن فصلين أربعاً ) .أخرجه ابن أبي شيبة (1/207/2) ، وإسناده صحيح إلى جدة ابن معدان ، وأما هي فلم أعرفها . والظاهر أنها تابعية ، وليست صحابية ، لكن يشهد له ، قول الحسن في المرأة تحضر المسجد يوم الجمعة أنها تصلي بصلاة الإمام ، ويجزيها ذلك .. وإسناده صحيح وفي رواية من طريق أشعث عن الحسن قال : ( كن نساء المهاجرين يصلين الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يحتسبن بها من الظهر ) .(/2)
قلت : فمن زعم أن الأصل يوم الجمعة إنما هو صلاة الجمعة ، وأن من فاتته ، أو لم تجب عليه ، كالمسافر والمرأة إنما يصلون ركعتين جمعة ، فقد خالف هذه النصوص بدون حجة . ثم رأيت الصنعاني ذكر (2/74) نحو هذا وأن الجمعة إذا فاتت وجب الظهر إجماعاً فهي البدل عنه . انتهى باختصار
وكذلك بالنسبة للمرأة فقد اتفق أهل العلم على أن صلاة الجمعة لا تجب على النساء ، وأنهن يصلين في بيوتهن الظهر أربعا يوم الجمعة .
قال ابن المنذر رحمه الله في "الإجماع" رقم (52) : " وأجمعوا على أن لا جمعة على النساء " انتهى .
والدليل على ذلك حديث طارق بن شهاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( الجُمُعَةُ حَقٌّ وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُسلِمٍ فِي جَمَاعَةٍ إِلاَّ أَربَعَة : عَبدٌ مَملُوكٌ ، أَو امرَأَةٌ ، أَو صَبِيٌّ ، أَو مَرِيضٌ ) رواه أبو داود (1067) وقال النووي في "المجموع" (4/483) : إسناده صحيح على شرط الشيخين ، وقال ابن رجب في "فتح الباري" (5/327) : إسناده صحيح ، وقال ابن كثير في "إرشاد الفقيه" (1/190) : إسناده جيد ، وصححه الألباني في صحيح الجامع (3111) .
وللاستزادة حول هذا الموضوع يمكنك مراجعة السؤال رقم (73339)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
81122
العنوان:
لا يجوز دفع الزكاة لمن تجب عليه نفقته
السؤال:
أنا امرأة أسكن في بلاد المهجر ، ومتزوجة ولدي 7 أولاد ، وفي كل عام أرسل زكاة الفطرة لوالدتي التي تسكن في المغرب ، للعلم أنا من يتكلف بمصاريفها .
فهل تجوز فيها هذه الزكاة أم لا ؟.
الجواب:
الحمد لله
اتفق العلماء على أنه لا يجوز دفع الزكاة المفروضة - ومنها صدقة الفطر - إلى من تلزم نفقته ، كالوالدَين والأولاد.
جاء في "المدونة" (1/344) :
" أرأيت زكاة مالي ؟ من لا ينبغي لي أن أعطيها إياه في قول مالك ؟
قال : قال مالك : لا تعطيها أحدا من أقاربك ممن تلزمك نفقته " انتهى .
وقال الشافعي في "الأم" (2/87) :
" ولا يعطي ( يعني من زكاة ماله ) أبا ولا أما ولا جدا ولا جدة " انتهى .
وقال ابن قدامة في "المغني" (2/509) :
" ولا يعطي من الصدقة المفروضة للوالدين وإن علوا (يعني الأجداد والجدات) ، ولا للولد وإن سفل (يعني الأحفاد) .
قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها الى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم ؛ ولأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ، ويعود نفعها إليه ، فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز ، كما لو قضى بها دينه " انتهى .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم دفع زكاة الفطر للأقارب الفقراء .
فأجاب:(/1)
" يجوز أن تدفع زكاة الفطر وزكاة المال إلى الأقارب الفقراء ، بل إنَّ دفعَها إلى الأقارب أولى من دفعها إلى الأباعد ؛ لأن دفعَها إلى الأقارب صدقةٌ وصلةٌ ، لكن بشرط ألا يكون في دفعها حمايةُ ماله ، وذلك فيما إذا كان هذا الفقير تجب عليه نفقته أي على الغني ، فإنه في هذه الحال لا يجوز له أن يدفع حاجته بشيء من زكاته ، لأنه إذا فعل ذلك فقد وفر ماله بما دفعه من الزكاة ، وهذا لا يجوز ولا يحل ، أما إذا كان لا تجب عليه نفقته ، فإن له أن يدفع إليه زكاته ، بل إنَّ دفعَ الزكاة إليه أفضل من دفعها للبعيد ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صدقتك على القريب صدقة وصلة ) " انتهى .
وعلى هذا فلا يجوز لك ـ أيتها السائلة ـ أن تدفعي زكاة الفطر لأمك ، بل عليك أن تنفقي عليها من غير الزكاة ، ونسأل الله تعالى أن يوسع عليك ويرزقك رزقا حسنا .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
81134
العنوان:
حول حديث : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )
السؤال:
قال الإمام الألباني في رسالته " قيام رمضان " في جزء الاعتكاف ما نصه : " ثم وقفت على حديث صحيح صريح يخصص هذه المساجد ، وهو : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) وأشار إلى أنه من حديث حذيفة عند الطحاوى والبيهقى والإسماعيلي ، ومن ثَمَّ هو في السلسلة الصحيحة ، فما حكم هذا الحديث ؟ وماذا يستفاد منه في بابه ؟ أي : النفي نفي تحريم أم نفي كمال ؟ وإن كان فما القرينة ؟
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
دل الكتاب والسنة والإجماع على استحباب الاعتكاف في المساجد .
قال تعالى : ( وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) البقرة/125
وقال تعالى : ( وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) البقرة/187
ونقل الإجماع غير واحد من أهل العلم على ذلك ، انظر : "الإجماع" لابن المنذر (47) ، "المغني" (3/122)
والعلماء وإن اختلفوا في صفة المسجد الذي يشرع فيه الاعتكاف ، إلا أن كل مسجد تقام فيه الجمعة والجماعة لا يكاد يختلف الفقهاء في جواز الاعتكاف فيه ، ولم تنقل المخالفة إلا عن بعض التابعين في ذلك .
وقد سبق تقرير المسألة في موقعنا جواب السؤال رقم (49006) ، (48985)
ثانيا :(/1)
أما الحديث المذكور في السؤال ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) فهو من حديث الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان ، جاء عنه من طريق سفيان بن عيينة عن جامع بن أبي راشد عن أبي وائل : ( قَالَ حُذَيْفَةُ لِعَبْدِ اللَّهِ يَعْنِى ابْنَ مَسْعُودٍ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهُ : عَكُوفًا بَيْنَ دَارِكَ وَدَارِ أَبِى مُوسَى وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : لاَ اعْتِكَافَ فِى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَوْ قَالَ فِى الْمَسَاجِدِ الثَّلاَثَةِ . فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ : لَعَلَّكَ نَسِيتَ وَحَفِظُوا وَأَخْطَأْتَ وَأَصَابُوا )
إلا أن أصحاب سفيان بن عيينة اختلفوا عليه :
فمنهم من رواه عنه من قول النبي صلى الله عليه وسلم ، وهم :
محمد بن الفرج عند الإسماعيلي في "معجم شيوخه" (2/112) . ومحمود بن آدم المروزي عند البيهقي في "السنن" (4/316) ، وهشام بن عمار عند الطحاوي في "بيان مشكل الآثار" (7/40) ، وسعيد بن منصور ، كما في "التحقيق في أحاديث الخلاف" لابن الجوزي (2/127)
ومنهم من رواه عنه وجعله من قول حذيفة موقوفا عليه ، وهم :
عبد الرزاق في "المصنف" (4/348) ، وسعيد بن عبد الرحمن ومحمد بن أبي عمر عند الفاكهي في "أخبار مكة" (2/149) .
والراجح – والله تعالى أعلم – هي الرواية الموقوفة على حذيفة ، يعني أنه قال هذا الكلام من رأيه واجتهاده ، ولم يسمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وذلك لما يلي :(/2)
1- ورود هذا النص من قول حذيفة رضي الله عنه من طريق أخرى ، فقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (2/337) وعبد الرزاق أيضا (4/347) من طريق سفيان الثوري عن واصل الأحدب عن إبراهيم النخعي قال : جاء حذيفة إلى عبد الله فقال : ألا أعجبك من قومك عكوف بين دارك ودار الأشعري يعني المسجد ؟! قال عبد الله : ولعلهم أصابوا وأخطأت ؟! فقال حذيفة : أما علمت أنه لا اعتكاف إلا في ثلاثة مساجد : المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، وما أبالي أعتكف فيه أو في سوقكم هذه .
ورواية إبراهيم النخعي عن عبد الله بن مسعود رواية مقبولة لدى أهل العلم . انظر : "جامع التحصيل" (141) ، "شرح العلل" (1/294)
2- اختلاف الروايات على حذيفة رضي الله عنه ، فقد جاء عنه من طرق أخرى أنه قال : لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة . ولم يحصره في المساجد الثلاثة فقط .
يقول ابن حزم رحمه الله "المحلى" (5/195) بعد أن ذكر هذا الاختلاف :
" قلنا : هذا شك من حذيفة أو ممن دونه ، ولا يقطع على رسول الله صلى الله عليه وسلم بشك ، ولو أنه عليه السلام قال : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) لحفظه الله تعالى ولم يدخل فيه شك ، فصح يقينا أنه عليه السلام لم يقله قط " انتهى .
3- أن أكابر الصحابة على خلافه ، فقد أفتى علي بن أبي طالب وعائشة وابن عباس بالاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة ، ولم يثبت عن أحد من الصحابة مخالفة في ذلك ، بل كان هذا العمل مشهوراً بينهم في كل الأمصار دون نكير ، إلا ما جاء عن حذيفة رضي الله عنه والله أعلم . قاله الشيخ سليمان العلوان .(/3)
فالخلاصة أنه لا يصح رفع هذا الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه من قول حذيفة واجتهاده ورأيه الذي خالف فيه باقي الصحابة رضوان الله عليهم ، كما خالف فيه ظاهر القرآن الكريم الذي جاء بإطلاق محل الاعتكاف فقال : ( وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) البقرة/187، ولا ينبغي مخالفة ظاهر القرآن وعمل أكثر الصحابة برواية موقوفة فيها بعض الاضطراب ، لم يروها أهل الصحاح ولا السنن ، ولم يفت بها أحد من الفقهاء المتقدمين ، وإن ذهب إليها بعض العلماء المتأخرين ، فقد أخطأ اجتهادُهم الصوابَ في هذه المسألة .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" (6/504) :
" فكل مساجد الدنيا يُسن فيها الاعتكاف ، وليس خاصا بالمساجد الثلاث ، كما روي ذلك عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) فإن هذا الحديث ضعيف .
ويدل على ضعفه أن ابن مسعود رضي الله عنه وهَّنَه فقال : ( لعلهم أصابوا فأخطأت ، وذكروا فنسيت ) فأوهن هذا حكما ورواية .
أما حكما ففي قوله : ( أصابوا فأخطأت ) وأما رواية : ( فذكروا ونسيت ) والإنسان معرَّض للنسيان .
وإن صح هذا الحديث فالمراد به : لا اعتكاف تام ، أي أن المساجد الأخرى الاعتكاف فيها دون المساجد الثلاث ، كما أن الصلاة في المساجد فيها دون الصلاة في المساجد الثلاثة .
ويدل على أنه عام في كل مسجد قوله تعالى : ( وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ ) ثم كيف يكون هذا الحكم في كتاب الله للأمة من مشارق الأرض ومغاربها ثم نقول : لا يصح إلا في المساجد الثلاثة ، فهذا بعيد أن يكون حكم مذكور على سبيل العموم للأمة الإسلامية ثم نقول إن هذه العبادة لا تصح إلا في المساجد الثلاثة " انتهى .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
81146
العنوان:
صلى بزوجته وأولاده قيام الليل في البيت سرّاً
السؤال:
نويت أن أحيى ليلة القدر فى المسجد ، ولكن لم أستطع ، فصليت التراويح فى بيتي أنا وزوجتي وأولادي . فهل تصح صلاتي هذه أم لا ؟ سؤالي الثاني : لقد صليت ثنتي عشرة ركعة أنا وأسرتي ، وكنت أنا الإمام ، ولكن صليت بهم سرا وليس جهرا . أفيدونى أفادكم الله ؟
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
صلاة التراويح في البيت جائزة لا حرج فيها ، إلا أن صلاتها جماعة في المسجد أفضل .
وقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
عندما يمر شهر رمضان وحان وقت صلاة التراويح ، هل أذهب إلى المسجد أم أصلي في بيتي ، وأنا لست إماما ولكن مأموم ، وأحب أن أقرأ القرآن ، وأفضل قراءتي عن استماعي ، وإذا صليت في بيتي هل فيه ذنب علي ، نقصد صلاة التراويح فقط ؟
فأجابوا :
"لا حرج عليك في صلاتها في البيت لكونها نافلة ، لكن صلاتها مع الإمام في المسجد أفضل ، تأسِّياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه لما صلى بهم التراويح في بعض الليالي إلى ثلث الليل وقال له بعضهم : لو نَفَّلتَنا بقيةَ ليلتنا : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب الله له قيام ليلته ) رواه أحمد (5/159) وأصحاب السنن بإسناد حسن من حديث أبي ذر رضي الله عنه " انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (7/201-202) .
ثانيا :
الأصل في صلاة التراويح أنها من الصلوات الجهرية لما ثبت عن الصحابة رضوان الله عليهم في صلاتها زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، حيث كان أبي بن كعب وغيره يقومون بالناس فيطيلون القراءة .
ولكن الجهر في الصلاة الجهرية ، والإسرار في الصلاة السرية بالنسبة للإمام هو من مندوبات الصلاة ، وليس من واجباتها ، كما هو مذهب جمهور أهل العلم من المالكية والشافعية والحنابلة .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (16/188) :(/1)
" يرى جمهور الفقهاء أنّ الجهر فيما يجهر به والإخفات فيما يخافت فيه سنّة من سنن الصّلاة ، وذهب الحنفيّة إلى أنّه يجب الجهر فيما يجهر به والمخافتة فيما يخافت فيه " انتهى .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "نور على الدرب" (الصلاة/218):
" الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب ، بل هو على سبيل الأفضلية ، فلو أن الإنسان قرأ سرّاً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن ) ولم يقيد هذه القراءة بكونها جهراً أو سراً ، فإذا قرأ الإنسان ما تجب قراءته سرّاً أو جهراً فقد أتى بالواجب ، لكن الأفضل فيما يسن فيه الجهر كالركعتين الأوليين من صلاتي المغرب والعشاء وكصلاة الفجر وصلاة الجمعة وصلاة العيد وصلاة الاستسقاء وصلاة التراويح وما أشبه ذلك مما هو معروف ، ولو تعمد الإنسان وهو إمام أن لا يجهر فصلاته صحيحة ، لكنها ناقصة ، أما المنفرد إذا صلى صلاة جهرية فإنه يخير بين الجهر والإسرار ، وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقوم به " انتهى
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة للإفتاء" (6/392) :
"ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بالقراءة في ركعتي الصبح ، وفي الأوليين من صلاة المغرب وصلاة العشاء ، فكان الجهر في ذلك سنة ، والمشروع في حق أمته أن تقتدي به لقوله تعالى : ( لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً ) الأحزاب/21 ، ولما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صَلُّوا كَمَا رَأَيتُمُونِي أُصَلِّي ) .
وإن أسر في موضع الجهر كان تاركا للسنة ، ولا تبطل صلاته بذلك " انتهى .
والخلاصة : أن صلاتك صحيحة ولا شيء عليك .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
81199
العنوان:
يسأل عن بنك الجزيرة
السؤال:
هل بنك الجزيرة في المملكة العربية السعودية ربوي أم إسلامي؟
الجواب:
الحمد لله
سئل الدكتور محمد بن سعود العصيمي حفظه الله : ما حكم الوظيفة في بنك الجزيرة ؟ وهل إذا لقيت وظيفة أخرى أترك الوظيفة في بنك الجزيرة ؟
فأجاب : "الأصل جواز التوظف في بنك الجزيرة ، لأنه فيما يظهر ساعٍ في أسلمة عملياته كاملة . ولكن ، ومن باب النصح ، أرى أن تشترط لنفسك أن تعمل وفق قرارات الهيئة الشرعية , وإن ألزمت بعد العمل بما لا يوافق القرارات ، فلا تترك العمل مباشرة ، بل بلغ الهيئة الشرعية أولا ، وخذ التوجيه منهم . ونحن وغيرنا على أحر من الجمر في انتظار انتهاء أسلمة البنك كاملا ، ووفق الله القائمين عليه إلى كل خير , والله أعلم " انتهى .
http://www.halal2.com/ftawaDetail.asp?id=335
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
81279
العنوان:
هل يأتي فيمن بعد الصحابة من هو أكثر منهم أجرا ؟
السؤال:
كيف يمكن الموازنة بين الحديثين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لا تسبوا أصحابي ، فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) والحديث الذي يقول فيه : إن لنا خمسين مثلا من الأجر الذي لهم ، لأننا لم نره ولكننا صدقنا به بالغيب والأحاديث ووجود الأجيال المتتابعة ؟
الجواب:
الحمد للّه
أولا :
أما الحديث الأول فهو حديث متفق على صحته بين أهل العلم ، رواه البخاري (3673) ومسلم (2541) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، لَا تَسُبُّوا أَصْحَابِي ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدْرَكَ مُدَّ أَحَدِهِمْ وَلَا نَصِيفَهُ )
وأما الحديث الثاني فقد جاء بسياقات متقاربة عن ثمانية من الصحابة ، هم أبو ثعلبة الخشني وعبد الله بن مسعود وأبو أمامة وعتبة بن غزوان وأنس بن مالك وعبد الله بن عمر ومعاذ بن جبل ، ومحل الشاهد الذي ذكره السائل هو قدر مشترك بين هذه السياقات ، ولفظه من حديث أبي ثعلبة عند الترمذي (3058) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( َإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامًا الصَّبْرُ فِيهِنَّ مِثْلُ الْقَبْضِ عَلَى الْجَمْرِ ، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ مِثْلَ عَمَلِكُمْ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ وَزَادَنِي غَيْرُ عُتْبَةَ : قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنَّا أَوْ مِنْهُمْ ؟! قَالَ بَلْ أَجْرُ خَمْسِينَ مِنْكُمْ )(/1)
وقد تبين بعد البحث أن في جميع طرق الحديث وشواهده ما يضعفه عن الاحتجاج به ، ولا يسلم منها طريق من مطعن ، إلا أن بعض أهل العلم ذهب إلى تحسين الحديث لكثرة طرقه وشواهده ، فقد قال الترمذي في حديث أبي ثعلبة هذا : حديث حسن غريب . وصححه أيضا بمجموع طرقه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (494)
ثانيا :
على القول بتصحيح الحديث الثاني يبدو أن فيه معارضة للحديث الأول ، فإن مقتضى الأول أن الأجر الذي يكتبه الله لعمل الصحابة السابقين أعظم من أجر العمل نفسه إذا قام به مَن بعدهم ، والحديث الثاني فيه أن أجر مَن بعد الصحابة في زمن الفتنة والشدة أكثر من أجر الصحابة ؟
وقد سلك أهل العلم في التوفيق بين هذين الحديثين وحل هذا التعارض الظاهري مسلكين اثنين:
الأول : قالوا بأن جميع أعمال السابقين من الصحابة أكثر أجورا وأعظم ثوابا إلا عملا واحدا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، فإن المتأخرين من المسلمين من الذين يعيشون زمان الغربة لهم عليه من الأجور ما يفوق أجر الصحابة عليه ، لأنهم لا يجدون على الحق أعوانا .
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام :
" الإنفاق في أول الإسلام أفضل لقوله عليه السلام لخالد بن الوليد رضي الله عنه : ( لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهبا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه ) أي مد الحنطة .
والسبب فيه أن تلك النفقة أثمرت في فتح الإسلام وإعلاء كلمة الله ما لا يثمر غيرها .
وكذلك الجهاد بالنفوس ، لا يصل المتأخرون فيه إلى فضل المتقدمين ، لقلة عدد المتقدمين ، وقلة أنصارهم ، فكان جهادهم أفضل ، ولأن بذل النفس مع النصرة ورجاء الحياة ليس كبذلها مع عدمها ، ولذلك قال عليه السلام : ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) جعله أفضل الجهاد ليأسه من حياته .(/2)
وأما النهي عن المنكر بين ظهور المسلمين وإظهار شعائر الإسلام فإن ذلك شاق على المتأخرين لعدم المعين ، وكثرة المنكر فيهم ، كالمنكر على السلطان الجائر ، ولذلك قال عليه السلام : ( يكون القابض كالقابض على الجمر ) لا يستطيع دوام ذلك لمزيد المشقة ، فكذلك المتأخر في حفظ دينه ، وأما المتقدمون فليسوا كذلك لكثرة المعين وعدم المنكر ، فعلى هذا يُنَزَّل الحديث " انتهى . نقلا عن "عون المعبود" (11/333)
فهذا المسلك يخصص نوع العمل ، فيجعل جميع أعمال الصحابة فاضلة في أجورها على من بعدهم إلا عملا واحدا وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
المسلك الثاني : أن أعمال الصحابة أجرها أعظم وثوابها أكبر من أعمال من بعدهم ، إلا في أيام الفتنة وغربة الدين ، فإن أعمال من بعدهم أفضل من أعمال الصحابة في زمن الطمأنينة وانتشار الإسلام ، فالتخصيص هنا في زمان العمل وليس في أنواع العمل .
يقول الشوكاني في "نيل الأوطار" (89/368) :
" أعمال الصحابة فاضلة مطلقا من غير تقييد لحالة مخصوصة ، كما يدل عليه : ( لو أنفق أحدكم مثل أحد ) الحديث . إلا أن هذه المزية للسابقين منهم .
وأما أعمال من بعد الصحابة فلم يَرِد ما يدل على كونها أفضل على الإطلاق ، إنما ورد ذلك مقيدا بأيام الفتنة وغربة الدِّين ، حتى كان أجر الواحد يعدل أجر خمسين رجلا من الصحابة ، فيكون هذا مخصصا لعموم ما ورد في أعمال الصحابة ، فأعمال الصحابة فاضلة ، وأعمال من بعدهم مفضولة ، إلا في مثل تلك الحالة " انتهى .
ثالثا :(/3)
وعلى جميع الأحوال فإن أحدا من أهل العلم لم يقل بأن مِن المتأخرين مِن المسلمين مَن يفوق السابقين مِن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل بدر وأحد وبيعة الرضوان ، وليس في الحديث ما يدل على ذلك ، بل غاية ما فيه – إن سلَّمنا بصحته – أنَّ أجورَ بعض الأعمال في زمن الفتنة والغربة تضاعف لهم على أجور من لم يدرك غربة الإسلام الأولى من الصحابة رضي الله عنهم .
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (7/7) :
" على أن حديث ( للعامل منهم أجر خمسين منكم ) لا يدل على أفضلية غير الصحابة على الصحابة ؛ لأن مجرد زيادة الأجر لا يستلزم ثبوت الأفضلية المطلقة ، وأيضا فالأجر إنما يقع تفاضله بالنسبة إلى ما يماثله في ذلك العمل ، فأما ما فاز به من شاهد النبي صلى الله عليه وسلم من زيادة فضيلة المشاهدة فلا يعدله فيها أحد " انتهى .
فالفضل والقدر والمنزلة الأعلى ثابتة لصحابة النبي صلى الله عليه وسلم ، فقد أكرمهم الله بمشاهدة ومصاحبة خير البشر محمد صلى الله عليه وسلم ، وهذا الفضل لن يدركه بحال أحد ممن جاء بعدهم ، وزيادة أجور مَن بعدهم في بعض الأعمال أو الأحوال لا يلزم منه أبدا التقدم عليهم في الفضل والمنزلة ، خاصة وأن أجور مَن بعد الصحابة تؤول في محصَّلها إلى موازين حسنات الصحابة الذين نقلوا لنا الدين والشريعة ، وحملوا لنا هذا الفضل العظيم ، فبلغوا الأمانة على وجهها ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ أَجْرِ فَاعِلِهِ ) رواه مسلم (1893)
وقد سبق تفصيل ذلك في موقعنا في جواب السؤال رقم (3374)
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
81283
العنوان:
قول من قال : لئن حاسبني ربي على بخلي لأحاسبنه على كرمه
السؤال:
ما صحة القصة التي تردد في كثير من المواقع والكتب عن الأعرابي الذي لقي الرسول صلى الله عليه وسلم وقال له : لئن حاسبني ربي على بخلي حاسبته على كرمه..ولئن حاسبني على ذنوبي حاسبته على عفوه..ولئن حاسبني على خطاياي حاسبته على رحمته... وإن كانت غير صحيحة هل يجوز أن نردد مثل هذه العبارات ؟
الجواب:
الحمد للّه
المنهج العام الذي ينبغي أن يسلكه كل مسلم فيما يسمع أو يقرأ هو : التحري والتثبت من صحة ذلك ، قبل أن يبني عليه شيئا من علم أو عمل ؛ وبهذا أمر الله سبحانه وتعالى في كتابه فقال :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا ) الحجرات/6
كما حذر النبي صلى الله عليه وسلم من التسليم بكل ما ينشر ويعلن ويذاع ، فإن النقل والرواية أمانة ينبغي أداؤها على وجهها ، ولا يكون ذلك إلا بالتحري والتثبت .
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( كَفَى بِالمَرْءِ كَذِباً أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ ) رواه مسلم (5)
وهذه القصة لم يخرجها أحد من أهل العلم بالحديث ، ولا يُعرف لها سند ضعيفٌ ، فضلا عن السند الصحيح ، كما أن النكارة في متنها ظاهرة ، فإن الأعراب وإن كان لا يستبعد أن يصدر عن أحدهم مثل هذا الكلام في حق الله تعالى – وذلك بحكم جهلهم وجفائهم – إلا أنه لا يمكن أن يسمع النبي صلى الله عليه وسلم هذا الكلام الذي يحمل أدب السوء مع الله تعالى ثم يقره ويسكت عنه ، فضلا عن أن يبكي إقرارا له كما ينقلون في الرواية .
والله سبحانه وتعالى يحب الخضوع في سؤاله والتواضع في اللجوء إليه ، وصدق التذلل والتعبد إليه ، والاعتراف بالضعف والعجز والذنب والتقصير .
فهذا آدم عليه السلام يقول في دعائه :(/1)
( قَالاَ رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الأعراف/23
وهذا نوح عليه السلام يقول : ( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلاَّ تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) هود/47
وقد علَّمَنا نبينا صلى الله عليه وسلم لغة التذلل والخضوع ، والاعتراف بالذنب في الدعاء .
عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ :
( أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سَيِّدِ الِاسْتِغْفَارِ : اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَعْتَرِفُ بِذُنُوبِي ، فَاغْفِرْ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ، لَا يَقُولُهَا أَحَدُكُمْ حِينَ يُمْسِي فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ وَلَا يَقُولُهَا حِينَ يُصْبِحُ فَيَأْتِي عَلَيْهِ قَدَرٌ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ إِلَّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ) البخاري (6306) .
هذا هو أدب الدعاء الذي يحبه الله سبحانه وتعالى ، وهو أدب الأنبياء والمرسلين ، وليس أن يجفو العبد في خطابه ليتطاول على جناب الخالق سبحانه في ألفاظه فيقول ( لئن حاسبني لأحاسبنه ) ؟!!
فإن المقام بين يدي الله عظيم ، والعبد ذليل فقير إلى الله تعالى ، لا يليق بعبوديته أن يتطاول على سيده بألفاظه ، وإن كانت مقاصدُه صحيحةً ، فإنَّ فرضَ العبد التأدبُ باللفظ والمعنى .(/2)
فالحاصل أن هذا حديث مكذوب موضوع ، لا تجوز روايته ولا نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، كما لا يجوز أن يخاطب العبد ربه بمثل هذا الخطاب الذي يذكر عن الأعرابي ، بل يستعمل المسلم خطاب العبودية التي هي مقامه ومنزلته الحقيقية .
يقول الشيخ حاتم الشريف :
" إن الحديث المذكور يصلح مثالاً للأحاديث التي تظهر فيها علامات الوضع والكذب ، وفيه من ركاكة اللفظ ، وضعف التركيب ، وسمج الأوصاف ، ولا يَشُكُّ من له معرفة بالسنة النبوية وما لها من الجلالة والجزالة أنه لا يمكن أن يكون حديثاً صحيحاً ثابتاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم أجده بهذا اللفظ ، وليت أن السائل يخبرنا بالمصدر الذي وجد فيه هذا الحديث ليتسنى لنا تحذير الناس منه . على أن أبا حامد الغزالي على عادته رحمه الله قد أورد حديثاً باطلاً في "إحياء علوم الدين" (4/130) قريباً من مضمونه من الحديث المسؤول عنه ، وفيه أن أعرابياً قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله ! من يلي حساب الخلق يوم القيامة ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : الله تبارك وتعالى ، قال : هو بنفسه ؟ قال : نعم ، فتبسم الأعرابي ، فقال صلى الله عليه وسلم : ممَّ ضحكت يا أعرابي ؟ قال : إن الكريم إذا قدر عفا ، وإذا حاسب سامح.. إلى آخر الحديث .
وقد قال العراقي عن هذا الحديث :" لم أجد له أصلاً " وذكره السبكي ضمن الأحاديث التي لم يجد لها إسناداً ( تخريج أحاديث الإحياء: رقم 3466 ، وطبقات الشافعية الكبرى : 6/364) ، ومع ذلك فالنصوص الدالة على سعة رحمة الله تعالى وعظيم عفوه عز وجل وقبوله لتوبة التائبين واستجابته لاستغفار المستغفرين كثيرة في الكتاب وصحيح السنة .
قال تعالى : ( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِّمَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى ) طه/82(/3)
وقال تعالى : ( وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ) الشورى/25
وقال تعالى : ( ورحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ ) الأعراف/156
وفي الصحيحين البخاري (7554) ومسلم (2751) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله كتب كتاباً قبل أن يخلق الخلق إن رحمتي سبقت غضبي) والله أعلم " انتهى .
رابط المصدر :
http://saaid.net/Doat/Zugail/321.htm
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
81421
العنوان:
صلاة وصوم المسجون الذي لا يعلم شيئا عن الوقت
السؤال:
كيف يصلي المسجون في غرفة مظلمة تحت الأرض ، وهو مقيد ، ولا يعلم شيئا عن أوقات الصلاة ، ولا عن وقت دخول شهر رمضان ؟
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
نسأل الله تعالى أن يمن على جميع أسرى المسلمين بفرجه القريب ، وأن يهبهم من فضله الصبر والسلوان ، ويملأ قلوبهم بالطمأنينة واليقين ، وأن ييسر للمسلمين سبيل رشد يُعزُّ فيه أولياؤُه ، ويُذل فيه أعداؤه .
ثانيا :
قرر أهل العلم أن الصلاة والصيام لا يسقطان عن الأسير والمسجون ، وأن الواجب عليه أن يتحرى الوقت ويجتهد في ذلك ، فإذا غلب ظنه دخول وقت الصلاة ، صَلَّى ، وإذا غلب على ظنه دخول شهر رمضان ، صام ، ويمكنه الاستدلال على الوقت بملاحظة أوقات الطعام ، أو سؤال أهل السجن ونحو ذلك .
وإذا اجتهد وتحرى الوقت الصحيح للصلاة أو للصيام فإن عبادته تقع صحيحة مجزئة ، سواء تبين له بعد ذلك أنها وقعت في الوقت ، أو بعده ، أو لم يتبين له شيء ، لقول الله تعالى : ( لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا ) البقرة/286 ، وقوله سبحانه وتعالى : ( لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا مَا آتَاهَا ) الطلاق/7 .
وإذا علم أنه صام أيام العيد وجب عليه قضاؤها ، لأن صيام يوم العيد لا يصح .
أما إذا علم بعد ذلك أنه صلى أو صام قبل الوقت ، وجب عليه إعادة الصيام والصلاة .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (28/84-85) :
" ذهب جمهور الفقهاء إلى أنّ من اشتبهت عليه الشّهور لا يسقط عنه صوم رمضان ، بل يجب لبقاء التّكليف وتوجّه الخطاب .
وإن اجتهد وصام فلا يخلو الأمر من خمسة أحوال :
الحال الأولى : استمرار الإشكال وعدم انكشافه له ، بحيث لا يعلم أنّ صومه صادف رمضان أو تقدّم أو تأخّر ، فهذا يجزئه صومه ولا إعادة عليه لأنّه بذل وسعه ، ولا يكلّف بغير ذلك .
الحال الثّانية : أن يوافق صوم المحبوس شهر رمضان ، فيجزيه ذلك .(/1)
الحال الثّالثة : إذا وافق صوم المحبوس ما بعد رمضان فيجزيه عند جماهير الفقهاء .
الحال الرّابعة : وهي وجهان :
الوجه الأوّل : إذا وافق صومه ما قبل رمضان ، وتبيّن له ذلك قبل مجيء رمضان ، لزمه صومه إذا جاء بلا خلاف ، لتمكّنه منه في وقته .
الوجه الثّاني : إذا وافق صومه ما قبل رمضان ، ولم يتبيّن له ذلك إلاّ بعد انقضائه ، ففي إجزائه قولان :
القول الأوّل : لا يجزيه عن رمضان بل يجب عليه قضاؤه ، وهذا مذهب المالكيّة والحنابلة ، والمعتمد عند الشّافعيّة .
القول الثّاني : يجزئه عن رمضان ، كما لو اشتبه على الحجّاج يوم عرفة فوقفوا قبله ، وهو قول بعض الشّافعيّة .
الحال الخامسة : أن يوافق صوم المحبوس بعض رمضان دون بعض ، فما وافق رمضان أو بعده أجزأه ، وما وافق قبله لم يجزئه" انتهى .
وانظر "المجموع" (3/72-73) ، "المغني" (3/96)
والله تعالى أعلم .(/2)
رقم السؤال:
81586
العنوان:
ظنت أنها نفساء فتركت الصوم والصلاة
السؤال:
مرت أربعون يوما تقريبا على نزول جنين من بطني ولم يتعدَّ الشهرين والنصف ووافق ذلك شهر رمضان ثم تركت الصلاة والصوم ولم يكن لي علم بالأمور الشرعية ، وعلمت بعدها أنني لا أعتبر نفساء ، فهل أقضي ما فاتني من الصلاة والصوم ؟ وأنا الآن حائرة ولا أدري ما أفعل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا أسقطت المرأة فلا يعتبر الدم النازل منها دم نفاس إلا إذا أسقطت ما تبين فيه خلق الإنسان ، من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك .
والتخليق لا يبدأ في الحمل قبل ثمانين يوماً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، ثُمَّ يَكُونُ عَلَقَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَكُونُ مُضْغَةً مِثْلَ ذَلِكَ ، ثُمَّ يَبْعَثُ اللَّهُ مَلَكًا فَيُؤْمَرُ بِأَرْبَعِ كَلِمَاتٍ وَيُقَالُ لَهُ : اكْتُبْ عَمَلَهُ وَرِزْقَهُ وَأَجَلَهُ وَشَقِيٌّ أَوْ سَعِيدٌ ، ثُمَّ يُنْفَخُ فِيهِ الرُّوح) رواه البخاري (3208) .
فدل هذا الحديث على أن الإنسان يمر بعدة مراحل في الحمل :
أربعين يوماً نطفة ، ثم أربعين أخرى علقة ، ثم أربعين ثالثة مضغة . ثم ينفخ فيه الروح بعد تمام مائة وعشرين يوماً.
والتخليق يكون في مرحلة المضغة ، ولا يكون قبل ذلك ، لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنْ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ) الحج/5 . فعُلم من هذه الآية : أن المضغة قد تكون مخلقة وقد تكون غير مخلقة .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله : "إذا رأت المرأة الدم بعد وضع شيء يتبين فيه خلق الإنسان , فهو نفاس . نص عليه [أي : الإمام أحمد] وإن رأته بعد إلقاء نطفة أو علقة , فليس بنفاس" انتهى من "المغني" (1/211) .
وقال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله : "إذا أسقطت المرأة ما تبين فيه خلق الإنسان من رأس أو يد أو رجل أو غير ذلك فهي نفساء ، لها أحكام النفاس ، فلا تصلي ولا تصوم ولا يحل لزوجها جماعها حتى تطهر أو تكمل أربعين يوما . . .
أما إذا كان الخارج من المرأة لم يتبين فيه خلق الإنسان بأن كان لحمة ولا تخطيط فيه أو كان دما : فإنها بذلك تكون لها حكم المستحاضة لا حكم النفاس، لا حكم الحائض , وعليها أن تصلي وتصوم في رمضان وتحل لزوجها ... لأنها في حكم المستحاضة عند أهل العلم" انتهى من "فتاوى إسلامية " ( 1 / 243 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين:
"قال أهل العلم : إن خرج وقد تبيَّن فيه خلق إنسان : فإن دمها بعد خروجه يُعدُّ نفاساً ، تترك فيه الصلاة والصوم ويتجنبها زوجها حتى تطهر ، وإن خرج وهو غير مخلَّق : فإنه لا يعتبر دم نفاس بل هو دم فساد لا يمنعها من الصلاة ولا من الصيام ولا من غيرهما.
قال أهل العلم : وأقل زمن يتبين فيه التخطيط واحد وثمانون يوما" .
"فتاوى المرأة المسلمة" (1/304، 305) .
وعلى هذا ؛ فالدم الذي نزل عليك ليس دم نفاس ؛ لأن الجنين نزل قبل تمام ثمانين يوما ، وكان عليك أن تصلي وتصومي في تلك الفترة ؛ إلا إن جاءك الحيض .
ثانيا :
يجب عليك قضاء الصيام ، وهذا لا إشكال فيه ، سواء قلنا إنك كنت طاهرة ، أو كنت نفساء ، لأن من ترك الصيام لعذر (كمرض أو حيض أو سفر) فالواجب عليه القضاء ، وأنت تركتيه لعذر ، وهو ظنك أنك نفساء .
أما قضاء الصلاة ، فالظاهر أنه لا يلزمك القضاء ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر المستحاضة التي تركت الصلاة أثناء نزول الدم بالقضاء ، وإنما أرشدها إلى ما تصنع في المستقبل .(/2)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : "المستحاضة إذا مكثت مدة لا تصلي لاعتقادها عدم وجوب الصلاة عليها ، ففي وجوب القضاء عليها قولان ، أحدهما : لا إعادة عليها - كما نقل عن مالك وغيره – ؛ لأن المستحاضة التي قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : (إني حضت حيضةً شديدةً كبيرةً منكرةً منعتني الصلاة والصيام) أمرها بما يجب في المستقبل ، ولم يأمرها بقضاء صلاة الماضي " انتهى من "مجموع الفتاوى" (22/102) وينظر جواب السؤال رقم (45648) .
والحاصل : أنه يلزمك قضاء الصوم ، وأما الصلاة فإن سهل عليك قضاؤها فافعلي ، وإلا فنرجو أن يعفو الله عنك ، ونوصيك بالحرص على طلب العلم والتفقه الدين .
نسأل الله لنا ولك التوفيق والسداد .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
81614
العنوان:
حكم شراء برامج الحاسوب المنسوخة
السؤال:
عندنا في الجزائر البرامج التي تستعمل في جهاز الكمبيوتر نشتريها من الباعة ، ونعلم أن هذه النسخ التي نشتريها ليست أصلية ، ونعلم أن بيعها أو شراءها غير جائز ؛ لأنها محفوظة الحقوق ، وللعلم لا تصلنا النسخ الأصلية حتى نشتريها ، وغير متوفرة ، فهل عدم توفرها يجيز لنا شراء النسخ غير الأصلية ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
هذه المسألة هي جزء من مسألة كبيرة تسمى بـ " الملكية الفكرية " ، وهي من المسائل التي طال الحديث حولها شرعيّاً ، بل وحتى دوليّاً ؛ نظراً للأهمية التي تترتب عليها ، فهي تشمل الملكية الصناعية التي تحفظ حقوق براءات الاختراع والاكتشافات والأسماء الصناعية ، كما تشمل الملكية الأدبية والفنية التي تشمل حقوق التأليف والتصنيف .
والحقيقة أن مثل هذه المسائل النوازل تحتاج إلى دراسة شاملة لجميع الجوانب المتعلقة بها ، سواء كانت تشريعية أو تأصيلية أو اقتصادية أو غير ذلك ، فالأمر تتجاذبه أطراف مختلفة مؤثرة في الحكم ، فكان لا بد من الوقوف على هذه المؤثرات .
ونحن ننقل هنا فتاوى بعض الهيئات الشرعية المتخصصة في بحث هذه الأمور النوازل :
1. قرار المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة .
" الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبيَّ بعده ، سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ، أمَّا بعد :(/1)
فإنَّ مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته التاسعة ، المنعقدة بمبنى " رابطة العالم الإسلامي " في مكة المكرمة في الفترة من يوم السبت 12 رجب 1406هـ إلى يوم السبت 19 رجب 1406هـ ، قد نظر في موضوع حقوق التأليف لمؤلفي الكتب والبحوث والرسائل العلمية : هل هي حقوق ثابتة مملوكة لأصحابها ، وهل يجوز شرعاً الاعتياض عنها ، والتعاقد مع الناشرين عليها ، وهل يجوز لأحدٍ غير المؤلف أن ينشر كتبه وبحوثه ويبيعها دون إذنه ، على أنَّها مباحة لكلِّ أحدٍ ، أو لا يجوز ؟
وعرض على المجلس التقارير والدراسات التي هيأها في هذا الشأن بعض أعضاء المجلس ، وناقش المجلس أيضاً رأي بعض الباحثين المعاصرين ، من أنَّ المؤلِّف ليس له حقٌّ مالي مشروع فيما يؤلِّفه أو ينشره من كتب علمية ، بحجَّة أنَّ العلم لا يجوز شرعاً حجره عن الناس ، بل يجب على العلماء بذله ، ومن كتم علماً ألْجَمَهُ الله تعالى يوم القيامة بلجام من نارٍ ، فلكلِّ من وصل إلى يده بطريق مشروع نسخة من كتابٍ لأحد المؤلفين ، أن ينسخه كتابةً ، وأن ينشره ويتاجر بتمويل نشره ، وبيع نسخه كما يشاء ، وليس للمؤلف حقُّ منعه .
ونظر المجلس في الرأي المقابل ، وما نشر فيه عن حقوق الابتكار ، وما يسمى الملكية الأدبية والملكية الصناعية ، من أنَّ كل مؤلِّف لكتاب أو بحث أو عمل فنيٍّ أو مخترعٍ لآلة نافعة له الحق وحده في استثمار مؤلَّفه أو اختراعه ، نشراً وإنتاجاً وبيعاً ، وأن يتنازل عنه لمن شاء بعوض أو غيره ، وبالشروط التي يوافق عليها ، وليس لأحدٍ أن ينشر الكتاب المؤلَّف أو البحث المكتوب بدون إذن صاحبه ، ولا أن يُقَلِّد الاختراع ويتاجر به دون رضى مخترعه .
وانتهى المجلس بعد المناقشة المستفيضة إلى القرار التالي :(/2)
أولاً : إنَّ الكتب والبحوث قبل ابتكار طرق النشر بالمطابع التي تخرج منه الآلاف المؤلَّفة من النسخ ، حين لم يكن في الماضي وسيلة لنشر الكتاب إلاَّ الاستنساخ باليد ، وقد يقضي الناسخ سنوات في استنساخ كتابٍ كبير ليخرج منه نسخة واحدة ، كان الناسخ إذ ذاك يخدم العالم المؤلِّف حينما ينسخ بقلمه نسخة أو عدَّة نسخ لولاها لبقي الكتاب على نسخة المؤلِّف الأصلية معرَّضاً للضياع الأبدي إذا تلفت النسخة الأصلية ، فلم يكن نسخ الكتاب عدواناً على المؤلِّف ، واستثماراً من الناسخ لجهود غيره وعلمه ، بل بالعكس ، كان خدمة له ، وشهرة لعلمه ، وجهوده .
ثانياً : أمَّا بعد ظهور المطابع فقد أصبح الأمر معكوساً تماماً ، فقد يقضي المؤلِّف معظم عمره في تأليف كتاب نافعٍ ، وينشره ليبيعه ، فيأخذ شخصٌ آخر نسخة منه فينشرها بالوسائل الحديثة طبعاً وتصويراً ، ويبيعه مزاحماً مؤلِّفَهُ ومنافساً له ، أو يوزِّعه مجاناً ليكسب بتوزيعه شهرة ، فيضيع تعب المؤلِّف وجهوده ، ومثل ذلك يقال في المخترع .
وهذا مما يثبط همم ذوي العلم والذكاء في التأليف والاختراع ، حيث يرون أنَّ جهودهم سينهبها سواهم متى ظهرت ونزلت الميدان ، ويتاجر بها منافساً لهم من لم يبذل شيئاً مما بذلوه هم في التأليف أو الابتكار .
فقد تغيَّر الوضع بتغيُّر الزمن وظهور المستجدات فيه ، مما له التأثير الأساسي بين ما كان وما صار ، مما يوجب نظراً جديداً يحفظ لكل ذي جهد جهده وحقَّه .
فيجب أن يعتبر للمؤلِّف والمُخْتَرِعِ حقٌّ فيما ألَّف أو ابتكر ، وهذا الحقُّ هو ملك له شرعاً ، لا يجوز لأحدٍ أن يسطو عليه دون إذنه ، وذلك بشرط أن يكون الكتاب أو البحث ليس فيه دعوة إلى منكر شرعاً ، أو بدعة أو أيِّ ضلالة تنافي شريعة الإسلام ، وإلاَّ فإنَّه حينئذٍ يجب إتلافه ، ولا يجوز نشره .(/3)
وكذلك ليس للناشر الذي يتَّفق معه المؤلِّف ولا لغيره تعديل شيءٍ في مضمون الكتاب ، أو تغيير شيءٍ دون موافقة المؤلِّف ، وهذا الحقُّ يورَث عن صاحبه ، ويتقيَّد بما تقيِّده به المعاهدات الدولية والنظم والأعراف التي لا تخالف الشريعة ، والتي تنظِّم هذا الحق وتحدِّده بعد وفاة صاحبه تنظيماً وجمعاً بين حقِّه الخاصِّ والحقِّ العامِّ ؛ لأنَّ كل مؤلِّف أو مخترعٍ يستعين بأفكار ونتاج من سبقوه ، ولو في المعلومات العامة ، والوسائل القائمة قبله .
أمَّا المؤلِّف أو المخترع الذي يكون مستأجراً من إحدى دور النشر ليؤلِّف لها كتاباً ، أو من إحدى المؤسسات ليخترع لها شيئاً لغاية ما : فإنَّ ما ينتجه يكون من حقِّ الجهة المستأجرة له ، ويتبع في حقِّه الشروط المتَّفق عليها بينهما ، مما تقبله قواعد التعاقد .
والله ولي التوفيق ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه " انتهى .
نقلا عن " فقه النوازل " للدكتور محمد بن حسين الجيزاني ( 3 / 127 – 129 ) .
2. قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة ، التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي .
جاء في " قرارات وتوصيات مجمع الفقه الإسلامي " ( 94 ) ما يلي :
إنَّ مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الخامس بالكويت ، من 1 إلى 6 جمادى الأولى 1409هـ ( الموافق 10 إلى 15 كانون الأول (ديسمبر) 1988م ، بعد اطلاعه على البحوث المقدَّمة من الأعضاء والخبراء في موضوع ( الحقوق المعنوية ) ، واستماعه للمناقشات التي دارت حوله ، قرَّر ما يلي :
أولاً : الاسم التجاري ، والعنوان التجاري ، والعلامة التجارية ، والتأليف والاختراع أو الابتكار هي حقوق خاصَّةٌ لأصحابها ، أصبح لها في العرف المعاصر قيمة مالية معتبرة لتموُّل الناس لها ، وهذه الحقوق يعتدُّ بها شرعاً ، فلا يجوز الاعتداء عليها .(/4)
ثانياً : يجوز التصرُّف في الاسم التجاري أو العنوان التجاري أو العلامة التجارية ، ونقل أيٍّ منها بعوض ماليٍّ إذا انتفى الغرر والتدليس والغش ، باعتبار أنَّ ذلك أصبح حقَّاً ماليّاً .
ثالثاً : حقوق التأليف والاختراع أو الابتكار مصونة شرعاً ، ولأصحابها حقُّ التصرُّف فيها ، ولا يجوز الاعتداء عليها ، والله أعلم " انتهى .
3. قرار اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في المملكة العربية السعودية .
سئل علماء " اللجنة الدائمة " ( 13 / 188 ) ما يلي :
أعمل في مجال الحاسب الآلي ، ومنذ أن بدأت العمل في هذا المجال أقوم بنسخ البرامج للعمل عليها ، ويتم ذلك دون أن أشتري النسخ الأصلية لهذه البرامج ، علمًا بأنه توجد على هذه البرامج عبارات تحذيرية من النسخ ، مؤداها : أن حقوق النسخ محفوظة ، تشبه عبارة ( حقوق الطبع محفوظة ) الموجودة على بعض الكتب ، وقد يكون صاحب البرنامج مسلمًا أو كافرًا ، وسؤالي هو : هل يجوز النسخ بهذه الطريقة أم لا ؟ .
فأجابوا :
" لا يجوز نسخ البرامج التي يمنع أصحابها نسخها ، إلا بإذنهم ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على شروطهم ) ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) ؛ وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من سبق إلى مباح فهو أحق به ) ، سواء كان صاحب هذه البرامج مسلماً أو كافراً غير حربي ؛ لأن حق الكافر غير الحربي محترم كحق المسلم ، وبالله التوفيق " انتهى .
وبناء على ما سبق فلا يجوز لأحد أن ينسخ شيئاً مما حُفظت حقوق نسخه لأصحابه ، كما لا يجوز شراء شيء مما نُسخ من هذه البرامج من غير إذن أصحابها ، ومع سهولة وسائل الاتصال اليوم لم يعد هناك ما يصعب تحصيله وشراؤه ، فالبرامج الأصلية موجودة ولا بد في الوكالات الرسمية لأصحاب تلك الشركات ، كما أنها موجودة في مواقع الشركات نفسها على الإنترنت ، ويمكن بكل سهولة شراؤها وتحصيلها من تلك الأماكن .
ثانياً :(/5)
يرى بعض علمائنا المحققين حرمة هذا الأمر إذا كان بقصد التجارة ، وأما من اقتنى نسخة لنفسه : فالأمر جائز ، وهو قول وسط بين المانعين بالكلية ، والمبيحين بالكلية .
وقد سبق في جواب السؤال رقم ( 21927 ) إجابة مختصرة لهذه المسألة عن الشيخ سعد الحميِّد ، فيها التفصيل التالي :
" نسخ كتاب أو قرص بغرض المتاجرة ومضارّة صاحبه الأصلي : لا يجوز ، أما إذا نسخ الإنسان نسخة واحدة لنفسه : فنرجو ألا يكون بذلك بأس ، وتركه أولى وأحسن " انتهى .
وهذه فتوى للشيخ ابن عثيمين موافقه لها :
السؤال : فضيلة الشيخ ! هل يجوز نسخ برامج الحاسب الآلي مع أن الشركات تمنع ذلك والنظام ؟ وهل يعتبر ذلك احتكاراً وهي تباع بأسعار غالية ، وإذا نسخت تباع بأسعار رخيصة ؟ .
فأجاب :
القرآن ؟ .
السائل : برامج الحاسب الآلي عموماً .
الشيخ : القرآن ؟ .
السائل : القرآن ، وغير القرآن ، والحديث ، وبرامج أخرى كثيرة .
الشيخ : يعني : ما سجل فيه ؟ .
السائل : ما سجل في الأقراص .
الشيخ : أما إذا كانت الدولة مانعة : فهذا لا يجوز ؛ لأن الله أمر بطاعة ولاة الأمور ، إلا في معصية الله ، والامتناع من تسجيلها ليس من معصية الله ، وأما من جهة الشركات : فالذي أرى أن الإنسان إذا نسخها لنفسه فقط : فلا بأس ، وأما إذا نسخها للتجارة : فهذا لا يجوز ؛ لأن فيه ضرراً على الآخرين ، يشبه البيع على بيع المسلم ؛ لأنهم إذا صاروا يبيعونه بمائة ونسختَه أنت وبعته بخمسين : هذا بيع على بيع أخيك .
السائل : وهل يجوز أن أشتريها بخمسين من أصحاب المحلات وهو منسوخ .
الشيخ : لا يجوز ، إلا إذا قدم لك أنه مأذون له ، وأما إذا لم يقدم : فهذا تشجيع على الإثم والعدوان .
السائل : إذا لم يؤذن له هو - جزاك الله خيراً - ؟ .
الشيخ : وإذا كنت أيضاً لا تدري ، أحياناً الإنسان لا يدري يقف على هذا المعرض ويشتري وهو لا يدري ، هذا لا بأس به ، الذي لا يدري ليس عليه شيء .(/6)
" لقاءات الباب المفتوح " ( 178 / السؤال رقم 6 ) .
ولمزيد من الفائدة راجع جواب السؤال رقم (52903) .
والله أعلم(/7)
رقم السؤال:
81685
العنوان:
الوضوء مع وجود طلاء الشفاه
السؤال:
هل يعتبر طلاء الشفاه حائلا للوضوء ؟ والطلاء عموما إذا توضأنا يخف لكن لا يزول ؟ وهل تعاد الصلوات السابقة ؟
الجواب:
الحمد لله
يشترط لصحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة ، من طلاء وغيره ، لكن إن بقي لونه أو أثره بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها ، دون أن يثبت ، صح الوضوء .
قال النووي في "المجموع" (1/492) : " إذا كان على بعض أعضائه شمع أو عجين أو حناء وأشباه ذلك فمنع وصول الماء إلى شيء من العضو لم تصح طهارته سواء أكثر ذلك أم قل .
ولو بقي على اليد وغيرها أثر الحناء ولونه ، دون عينه ، أو أثر دهن مائع بحيث يمس الماء بشرة العضو ويجري عليها لكن لا يثبت : صحت طهارته " انتهى .
وعليه فينبغي أن تزيلي طلاء الشفاه قبل الوضوء ، بحيث لا يبقى جرمه الذي يمنع وصول الماء ، أما بقاء اللون والأثر الدهني فلا يضر .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
81702
العنوان:
هل يجوز أن يطلب من الشركة سكناً إذا كانت ستبنيه بقرض ربوي؟
السؤال:
هل يجوز طلب توفير مسكن من الشركة التي أعمل بها إذا علم أن الشركة ستقوم ببناء العمارات السكنية لموظفيها من خلال قرض من مصرف ربوي ، ثم تقوم بتثمينها وبيعها لموظفيها على أقساط تخصم من مرتباتهم ، وغالبا سيكون ثمن السكن باهظا بحيث يغطي كلفة البناء ومقدار القرض ومكسب إضافي للشركة ؟ وقد رأينا بعض إخواننا الملتزمين - نحسبهم كذلك - تقدموا بالطلب معتبرين أن هذا بمنزلة البيع والشراء .
الجواب:
الحمد لله
هناك مسألتان متعلقتان بموضوع الربا يجب التفريق بينهما :
المسألة الأولى :
التسبب في وقوع الربا : كأن يطلب أحدهم من آخر أن يستقرض له قرضاً ربويّاً ، أو يقوم بعضهم بكفالة من يتقدم للحصول على القرض الربوي من البنك ونحو ذلك مما يكون عوناً وسبباً للوقوع في هذه الكبيرة .
وهذه الصورة لا شك في حرمتها ؛ لأن المتسبب في وقوع الحرام له نصيب من الإثم ، وذلك لقوله سبحانه وتعالى : ( ولاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) المائدة/2 .
وقد جاء التشديد في خصوص المعاونة والتسبب في الربا من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال : ( لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ آكِلَ الرِّبَا وَمُؤْكِلَهُ وَكَاتِبَهُ وَشَاهِدَيْهِ ، وَقَالَ : هُمْ سَوَاءٌ ) رواه مسلم ( 1598 ) .
قال النووي رحمه الله :
فيه تحريم الإعانة على الباطل .
" شرح مسلم " ( 11 / 26 ) .
ولما لعن النبي صلى الله عليه وسلم الخمر ، لعن معها مَنْ أعان على شربها ، فقال صلى الله عليه وسلم : ( لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ ) رواه أبو داود ( 3674 ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود" .(/1)
معتصرها : من يطلب عصرها لنفسه أو لغيره .
انظر : "تحفة الأحوذي" ( 4 / 430 ) .
وكذلك الحكم في كل من يطلب الربا لنفسه أو لغيره ويتسبب في وقوعه .
وقد سبق في موقعنا العديد من الإجابات التي فيها صور من تحريم الإعانة على أكل الربا ، انظر منها جواب السؤال رقم ( 33709 ) .
المسألة الثانية :
أن الربا من الكسب المحرم بوصفه وليس بذاته ، وما حرم لكسبه فإن إثمه على كاسبه فقط ، وليس على من تعامل مع كاسبه بالبيع والشراء أو الإهداء أو الضيافة إثم ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعامل اليهود في المدينة بالبيع والشراء وكان يؤاكلهم ، وهم الذين وصفهم الله تعالى بأكل الربا وأخذهم أموال الناس بالباطل .
وقد سبق تقرير ذلك بالتفصيل في موقعنا في العديد من الإجابات ، انظر منها :
( 39661 ) و ( 85419 ) .
وبناء على ذلك ، فلا حرج من شراء المسكن من الشركة ، وإن كانت قد بنته بقرض ربوي ، لأن إثم ذلك يقع على من اتفق مع البنك على القرض الربوي أو أعان على ذلك أو رضي به، أما الموظف الذي سيشتري المسكن من الشركة فلا إثم عليه ، فهذا شبيه بتعامل النبي صلى الله عليه وسلم مع اليهود ، وهم أكلة الربا ، كما سبق .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
81726
العنوان:
لا يقع الطلاق بمجرد العزم عليه دون التلفظ به
السؤال:
رجل نشزت عنه زوجته بعد شجارات وعدم توافق وتفاهم في حياة زوجية لم تمتد أكثر من أربعة أشهر ، وقد وَلدت عند أهلها بنتاً منه ، وباءت محاولات الصلح وإرجاع المرأة لبيتها بالفشل ، ثم إن الرجل رفع دعوى بالمحكمة بإلزامها بالرجوع ، وحكمت له ، فقامت باستئناف الحكم ، وقدمت شكوى ضده لدى الشرطة والنيابة على أن الزوج اعتدى عليها بالضرب ، وبعدها قدمت دعوى بالمحكمة - بناء على هذه التهمة - ترغب فيها التطليق من زوجها للضرر الذي لحق بها بزعمها ، وطلبت مع هذا الطلب التعويض المادي والمعنوي وإلزام الزوج بكافة حقوق المطلقة ، ومنذ عامين لا تزال الدعوى منظورة ولم يتم الفصل فيها ، وقد عزم الزوج بعد إظهار الشر من زوجته وأصهاره ومحاولة الإساءة إليه بشتى الأنواع ألا ترجع إليه أبداً ولا تكون زوجته ، إلا أنه لا يريد أن يطلق إلا بعد الفصل بحكم التطليق من المحكمة لعل أن يكون الحكم منصفاً له ولصالحه وتسقط جميع حقوق الزوجة ، فهو يرى أنه هو المتضرر منها وليس كما ادعت هي أمام المحكمة . السؤال : هل يتحقق الطلاق بمجرد العزم عليه بالقلب وانتظار حكم المحكمة طول هذه الفترة؟ وهل يأثم في شيء من ذلك - مع العلم أنه محافظ على دفع النفقة الشهرية المقررة عليه - ؟ وهل من واجبات أخرى يلزمه بها الشرع اتجاه زوجته في هذه الفترة ، واتجاه طفلته التي بلغت الثانية من عمرها ؟
الجواب:
الحمد لله
نسأل الله أن يجزيك خيراً لحرصك على أداء الحقوق كاملة تامة ، ونسأله سبحانه أن تنتهي الأمور بينك وبين زوجتك على ما يكون فيه الخير لكما في الدنيا والآخرة .
وأما وقوع الطلاق فلا يقع بمجرد العزم عليه ، بل يشترط التلفظ به والنطق به .
قال الحافظ بدر الدين العيني رحمه الله :(/1)
"وليس لأحدٍ خلاف أنه إذا نوى الطلاق بقلبه ولم يتلفظ به : أنه لا شيء عليه ، إلا ما حكاه الخطابي عن الزهري ومالك أنه يقع بالعزم ، وهذا في غاية البُعد ، ونقضه الخطابي على قائله بالظهار وغيره ، فإنهم أجمعوا على أنه لو عزم على الظهار لم يلزمه حتى يتلفظ به ، ولو حدَّث نفسه بالقذف لم يكن قاذفاً ، ولو حدَّث نفسه في الصلاة لم يكن عليه إعادة ، وقد حرَّم الله الكلام في الصلاة ، فلو كان حديث النفس في معنى الكلام لكانت صلاته تبطل .
وممن قال إن طلاق النفس لا يؤثر : عطاء بن أبي رباح وابن سيرين والحسن وسعيد بن جبير والشعبي وجابر بن زيد وقتادة والثوري وأبو حنيفة وأصحابه الشافعي وأحمد وإسحاق" انتهى .
" عمدة القاري شرح البخاري " ( 20 / 256 ) .
وجاء في " الموسوعة الفقهية " ( 29 / 23 ) :
" فإذا نوى التّلفّظ بالطّلاق ثمّ لم يتلفّظ به : لم يقع بالاتّفاق ؛ لانعدام اللّفظ أصلاً ، وخالف الزّهريّ ، وقال بوقوع طلاق النّاوي له من غير تلفّظ .
ودليل الجمهور قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم : ( إنّ اللّه تجاوز لأمّتي عمّا حدّثت به أنفسها ، ما لم تعمل أو تكلّم به ) " انتهى .
وجاء في " فتاوى اللجنة الدائمة " ( 20 / 27 ) :
" إذا لم يصدر منك كلام إلا قولك لأخيك : ( نريد أن نطلق ) فليس في هذا الكلام إنشاء طلاق ، وإنما هو وعد بالطلاق" انتهى .
وفي " فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 11 / 70 ) :
"الطلاق لا يقع إلا بلفظ أو ما يقوم مقامه ، سواء كان اللفظ صريحاً أو كناية" انتهى .
وقد سبق في موقعنا تقرير هذه المسألة في جوابي السؤالين : ( 20660 ) و ( 34164 ) .
أما ما يجب عليك الآن نحو زوجتك وولدك : فما دمت تنفق عليهم النفقة الشهرية فأنت في مأمن من الإثم والظلم إن شاء الله ، حتى يفصل القضاء الشرعي بينكما فيلزمك تنفيذ ما يأمرك به حينئذ .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
81778
العنوان:
هل يعمل في بقالة تبيع اليانصيب أم في محل يبيع الخمر والخنزير !؟
السؤال:
أنا شاب أعيش في أمريكا ، منذ شهرين وأنا أبحث عن عملٍ حلالٍ شرعاً ، ولكن العرب الذين يعيشون في نفس المدينة إما يبيعون الخنزير أو الخمر ، وفي نفس الوقت لا يمكنني الانتقال إلى مدينة أخرى لأن زوجتي طالبة في الجامعة ، هل العمل في المطاعم التي تبيع الخنزير في هذه الحالة حرام ؟ وقد وجدت عملاً في مدينة أخرى تبعد 20 ميلاً يتمثل في بقالة تبيع أيضاً أوراق اليانصيب ، وأضطر إلى الرجوع إلى المنزل بعد منتصف الليل تاركاً زوجتي وابنتي وحدهما ، وبحلول فصل الشتاء هذه الأيام تنزل درجة الحرارة إلى تحت الصفر ، ويتكون الجليد والضباب مما يجعل الطريق خطرة ، فهل العمل في محلات البقالة التي تبيع أوراق اليانصيب حرام ؟ وأيهما أفضل في هذه الحالة : هل أعمل في المطاعم التي تبيع الخنزير المتواجدة في نفس المدينة التي أعيش فيها أم في محل البقالة الذي يبيع اليانصيب في المدينة الأخرى ؟
الجواب:
الحمد لله
لا أظنك – أخي السائل – تريد منّا أن نفاضل لك بين إثمين كبيرين عظيمين ، إثم القمار والميسر في ( اليانصيب ) الذي نهى عنه الله سبحانه وتعالى في آيات تتلى إلى يوم القيامة حيث يقول : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ ) المائدة/90-91 ، وبين إثم بيع لحم الخنزير أو الخمر التي حرمهما الله سبحانه وتعالى أيضا.(/1)
أهذا هو ما يرضى به المسلم أن يؤول به الحال إلى التخيير بين كبائر الذنوب ؟! وهل هذه هي الحياة التي يسعى في تحصيلها والتنعم بها ؟! .
لا أظنك – أخي السائل – وأنت المسلم الكريم العزيز بإسلامه ، القوي بإيمانه ، ترضى أن تبيع المنكر العظيم الذي أفسد الأرض وملأها ظلما ومنكرا وفسادا ، فالخمر أم الخبائث ، والميسر أكل لأموال الناس بالباطل ، والخنزير حرمه الله تحريما قطعيا ، بل إن تحريم هذه الأمور من أبرز معالم شريعة الإسلام ، فلا ينبغي لمسلم أن يتنازل حتى يبيع ما يغضب الرب سبحانه وتعالى .
نعم ، لا يجوز في أي حال من الأحوال أن يبيع المسلم المنكرات على الناس ، ولو على غير المسلمين ؛ لأنه بذلك يكون مشاركا في نشر الإثم ، ومعاونا في معصية الله تعالى ومخالفة أمره .
وفي موقعنا الكثير من الفتاوى التي تبين هذه المسألة ، وتقرر تحريم مشاركة المسلم في بيع المحرمات ، ولو على غير المسلمين ، فانظر أجوبة الأسئلة : ( 1830 ) و ( 40651 ).
ويمكنك الاتفاق – إن كنت لا بدَّ مقيماً في تلك البلاد – مع صاحب البقالة على عدم بيعك لليانصيب ، وتكتفي ببيع ما فيها من مواد مباحة .
وما هذه الحال التي وصلت إليها – أخي الفاضل – من التفكير في هذه الأعمال المحرمة ، وكذلك حال كثير من المسلمين في تلك البلاد إلا نتيجة طبيعية للإقامة بين الكفار ، وفي دول الكفر ، بعيدا عن بلاد المسلمين ؛ فإن المجتمع الكافر لا تضبطه حدود ، ولا يراعي لله أمراً ولا نهياً ، أما مجتمعات المسلمين فهي محافِظة إلى قدرٍ كبير – بحمد الله – على حدود الله سبحانه وتعالى ، ولذلك ننصحك بمراجعة الفتاوى المنشورة في موقعنا حول حكم الإقامة في بلاد الكفار ، فانظر أجوبة الأسئلة : ( 13363 ) و ( 27211 ).(/2)
وتذكر - أخي السائل - أن تقوى الله سبحانه هي خير خلف على المرء في دنياه وآخرته ، فهي في الدنيا مصدر رزق للعبد كما قال تعالى : ( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ) الأعراف/96 ،
وقال تعالى : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً ، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2-3 ، وهي في الآخرة كفارة للذنوب ، ووقاية من عذاب الله تعالى ، يقول عز وجل : ( وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْراً ) الطلاق/5 .
والدنيا أيامها معدودة ، والأجل آت قريب ، ولا يدري المرء أفي يومه تقبضه الملائكة أم في غده ، فكيف سيكون حال من قبضت روحه وهو مشتغل في بيع المحرمات ، ولم يسمع نصحا ولم يلتفت إلى تذكير ؟!
ولا نظنك أخي السائل إلا ممن يخاف عذاب الله وعقوبته ، ولا ترضى أن يكون هذا حالك ، والصبر مفتاح الفرج ، فاجتهد في البحث عن عمل حلال طيب ، وراجع نفسك في أمر إقامتك في تلك البلاد ، ونسأل الله سبحانه لك الهداية والتوفيق للحق والخير .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
81916
العنوان:
يخاف أن يفصل من عمله ولديه مال فهل يجب الحج منه؟
السؤال:
بمشيئة الله تعالى خلال العام القادم سيتوفر معي مبلغ من المال يكفى لقيامي بالحج بمفردي دون زوجتي، وهذا المبلغ سوف يكون سنداً لي لأية ظروف ، وخاصة أني أعمل بالقطاع الخاص ، ربما يفصلوني من العمل في أي وقت فهل يجب عليّ الحج أم لا؟ مع العلم أنني الآن معي مبلغ آخر ولكنه يلزمني لإتمام البناء (أنا عاقد قران) .
الجواب:
الحمد لله
يشترط لوجوب الحج على المكلف : الاستطاعة المالية والبدنية ؛ لقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلا ) آل عمران / 97 .
وقد فسر الفقهاء الاستطاعة المالية بأنها ملك الزاد والراحلة ، أي النفقة التي توصله إلى بيت الله الحرام ذاهبا وإيابا ، إذا كانت هذه النفقة فاضلة عن حاجاته الأصلية ، ونفقاته الشرعية ، وقضاء ديونه .
والمعتبر في النفقة أن يكون عنده ما يكفيه وأهله إلى أن يعود ، وأن يكون له بعد عودته ما يقوم بكفايته وكفاية من ينفق عليهم كأجرة عقار أو راتب أو تجارة ونحو ذلك ، ولذلك لا يلزمه أن يحج برأس مال تجارته الذي ينفق على نفسه وأهله من ربحها ، إذا كان سيترتب على نقص رأس المال نقصُ الأرباح بحيث لا تكفيه وأهله . وانظر بيان ذلك في جواب السؤال رقم (11534) .
فإذا كان لديك المال الذي يكفي لحجك ، وهو زائد عن حاجتك ، فإنه يلزمك الحج ، إلا إذا كان الخوف من ترك العمل خوفاً حقيقياً له قرائن تقوِّيه ، فلا يجب عليك الحج حينئذ ، أما إذا كان هذا الخوف مجرد أوهام وظنون لا أساس لها ، فإنه يلزمك الحج .
وأما المال الذي رصدته للنكاح ، فلا يلزمك الحج منه إذا خشيت على نفسك العَنَََت والمشقة بتأخير النكاح ، بل تقدم النكاح ، فإن بقي مال آخر حججت منه ، وإلا فالحج غير واجب عليك لعدم استطاعتك .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإن احتاج إلى النكاح , وخاف على نفسه العنت , قدم التزويج (يعني على الحج) ؛ لأنه واجب عليه , ولا غنى به عنه , فهو كنفقته .
وإن لم يخف , قدم الحج ; لأن النكاح تطوع , فلا يقدم على الحج الواجب " انتهى من "المغني" (3/88) .
وانظر جواب السؤال رقم (27120) .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
81967
العنوان:
بيع المرابحة للآمر بالشراء
السؤال:
يوجد عندنا مؤسسة مهمتها تنمية أموال الأيتام مسؤول عنها قاضي القضاة والمحاكم الشرعية وهي تعنى بأموال الأيتام وتنميتها عن طريق تشغيلها بالمشاريع والإقراض ، طريقة هذه المؤسسة تقوم على التالي :- أن يقوم الشخص الراغب بشراء أي سلعة ( شقة ، سيارة ، أثاث ، أرض ) باختيار هذه السلعة ، ثم يذهب إلى هذه المؤسسة التي تنتدب أحد موظفيها لمعاينة هذه السلعة ، ثمّ تقوم المؤسسة بشراء هذه السلعة ، ثم تقوم ببيعها للشخص الذي يرغب بشرائها بطريقة التقسيط والمرابحة ( نسبة ربح معينة 5% ) . هل هناك أي شك بالربا في هذه الطريقة في البيع ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
رعاية الأيتام ، واستثمار أموالهم وتنميتها بما يعود بالنفع عليهم ، عمل صالح نافع ، نسأل الله أن يجزي القائمين عليه خير الجزاء ، وهو داخل في كفالة اليتيم التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : " ( أَنَا وَكَافِلُ الْيَتِيمِ فِي الْجَنَّةِ هَكَذَا ، وَأَشَارَ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفَرَّجَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا ) رواه البخاري (5304) ومسلم (2983).
قال النووي رحمه الله في شرح مسلم : " ( كَافِل الْيَتِيم ) الْقَائِم بِأُمُورِهِ مِنْ نَفَقَة وَكِسْوَة وَتَأْدِيب وَتَرْبِيَة وَغَيْر ذَلِكَ , وَهَذِهِ الْفَضِيلَة تَحْصُل لِمَنْ كَفَلَهُ مِنْ مَال نَفْسه , أَوْ مِنْ مَال الْيَتِيم بِوِلَايَةٍ شَرْعِيَّة " انتهى .
وقد ورد في الاتجار في مال اليتيم ما جاء عن عمر رضي الله : (ابتغوا بأموال اليتامى لا تأكلها الصدقة) أخرجه الدارقطني والبيهقي وقال : " هذا إسناد صحيح ، وله شواهد عن عمر رضى الله عنه " . ويروى مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، وضعف الألباني رحمه الله الحديث مرفوعا وموقوفا .
انظر : "إرواء الغليل" (3/258) .
ثانيا :(/1)
الصورة المسئول عنها يسميها العلماء : بيع المرابحة للآمر بالشراء ، وحاصلها : أن الإنسان قد يرغب في سلعة ما ، فيذهب إلى شخص أو مؤسسة أو مصرف ، فيحدد له السلعة المطلوبة ، ومواصفاتها ، ويعده أن يشتريها منه بعد شراء المؤسسة أو المصرف لها ، بربح يتفقان عليه ، وهذه المعاملة لا تجوز إلا عند توفر شرطين :
الأول : أن تمتلك المؤسسة هذه السلعة قبل أن تبيعها ، فتشتري الشقة أو السيارة لنفسها شراء حقيقيا ، قبل أن تبيعها على الراغب والطالب لها .
الثاني : أن تقبض المؤسسة السلعة قبل بيعها على العميل . وقبضُ كل شيء بحسبه ، فقبض السيارة مثلا يكون بنقلها من محلها ، وقبض الدار بتخليتها واستلام مفاتيحها ، وهكذا .
وإذا خلت المعاملة من هذين الشرطين أو أحدهما كانت معاملة محرمة ، وبيان ذلك :
أن المصرف أو المؤسسة إذا لم تشتر السلعة لنفسها شراء حقيقيا ، وإنما اكتفت ، بدفع شيك بالمبلغ عن العميل ، كان هذا قرضا ربويا ؛ إذ حقيقته أنها أقرضت العميل ثمن السلعة (مائة ألف مثلا) على أن تسترده مائة وسبعة آلاف .
وإذا اشترت السلعة لكن باعتها قبل قبضها ، كان ذلك مخالفاً ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : (إذا اشتريت مبيعاً فلا تبعه حتى تقبضه) رواه أحمد (15399) والنسائي ( 4613) وصححه الألباني في صحيح الجامع (342 ) .
وأخرج الدارقطني وأبو داود (3499) عن زيد بن ثابت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم : ( نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم ) والحديث حسنه الألباني في صحيح أبي داود .
وفي الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه ) رواه البخاري (2132) ، ومسلم (1525) ، وزاد : قال ابن عباس : وأحسب كل شيء مثله . أي : لا فرق بين الطعام وغيره في ذلك .(/2)
وقبض كل شيء بحسبه كما سبق ، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " وما ينقل : مثل الثياب والحيوان والسيارات وما أشبه ذلك يحصل قبضها بنقلها ؛ لأن هذا هو العرف " انتهى من "الشرح الممتع" ( 8/381) .
وجاء في فتاوى اللجنة الدائمة (13/153) : " إذا طلب إنسان من آخر أن يشتري سيارة معينة أو موصوفة بوصف يضبطها، ووعده أن يشتريها منه ، فاشتراها من ، طُلبت منه ، وقبضها ، جاز لمن طلبها أن يشتريها منه بعد ذلك نقدا أو أقساطا مؤجلة ، بربح معلوم ، وليس هذا من بيع الإنسان ما ليس عنده ؛ لأن من طُلبت منه السلعة إنما باعها على طالبها بعد أن اشتراها وقبضها ، وليس له أن يبيعها على صديقه مثلا قبل أن يشتريها أو بعد شرائه إياها وقبل قبضها ؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " انتهى .
وقد صدر عن مجمع الفقه الإسلامي قرار يفيد جواز بيع المرابحة بهذه الصورة .
ومما جاء فيه : "بيع المرابحة للآمر بالشراء إذا وقع على سلعة بعد دخولها في ملك المأمور ، وحصول القبض المطلوب شرعاً ، هو بيع جائز ، طالما كانت تقع على المأمور مسؤولية التلف قبل التسليم ، وتبعة الرد بالعيب الخفي ونحوه من موجبات الرد بعد التسليم ، وتوافرت شروط البيع وانتفت موانعه " انتهى من مجلة المجمع (5/2/753، 965) .
وعلى هذا ، فإذا كانت المؤسسة المسئول عنها ، تشتري السلعة شراءً حقيقياً ، وليس صورياً على الأوراق فقط ، وتنقلها من مكانها ثم تبيعها ، فالبيع صحيح ، وهذه المعاملة جائزة .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
81968
العنوان:
يلاحظ تغيراً في حال خطيبته ويطلب النصح
السؤال:
أتابع موقعكم منذ فترة ، أنا خاطب بنتاً في أمريكا منذ 3 سنوات ، وهي 18 سنة الآن ، وقد تواصلنا عن بعد لفترة وتفاهمنا في كثير من الأمور ، ولكن الآن بدأت تظهر بعض المشاكل بسبب تصرفاتها الشخصية ، فمثلا هي ارتدت الحجاب ( مع أني أعلم أن هذا أمر ديني جيد ) لكن كنت أحب أن تقول لي مسبقا لأشاركها هذا الأمر ، وهى متقلبة المزاج ، ولم أشعر أني قريب منها ، ولم أجرحها . البارحة قالت لي إن أحد أصدقائها القدامى بدء يلاحظها ، وأن قلبها يخفق إذا نظر إليها ! وتقول إن هذا ليس بالأمر الجديد ، وأنها اختارتني أنا لأكون زوجا لها من عمق قلبها ( نحن على وشك الزواج ) وأنها تدعو الله ليريها الطريق ، أنا أصدقها ، ولكني محتار لماذا يحدث هذا الآن ، مع أنها كانت أعقل من هذا عندما كانت في فترة طفولتها ( 15 سنة وأنا كنت 24 عند الخطوبة ) الشيطان لم يؤثر عليها بهذا الشكل من قبل ؟ لماذا الآن ؟ كان من الممكن أن أرسل هذه الرسالة لجهات استشارية أخرى لكني أريد استشارة الإسلام ؟
الجواب:
الحمد لله
لا بد أن ندرك –أولاً- حقيقة مهمة لعلها من أهم أسرار نجاح المسلم في حياته وعلاقاته المتنوعة ؛ لأنها حقيقة تتعلق بالنفس البشرية التي يجب أن نحسن فهمها والتعامل معها ، وسيساعد ذلك – إن شاء الله – على تجاوز كثير من المشاكل .
يجب أن نعلم جميعا أن النفس البشرية خلقها الله تعالى وشأنُها التقلب والتغير ، فهي في أصل تكوينها تقلبت في مراحل الخلق من التراب إلى الطين ثم الصلصال ، وكذا في رحم الأم من النطفة إلى العلقة ثم المضغة وهكذا ، كما أن الله سبحانه وتعالى أودع فيها من أسرار الخلق والروح ما هيأها لتتنازعها نوازع الخير والشر ، ونوازع السعادة والشقاء .(/1)
عَنْ أَنَسٍ بن مالك رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ ، فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ ، فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لَا يَتَمَالَكُ ) رواه مسلم ( 2611 ) .
يقول المناوي - في شرح هذا الحديث - :
"أي : لا يملك دفع الوسوسة عنه ، أو لا يتقوى بعضه ببعض ، ولا يكون له قوة وثبات ، بل يكون متزلزل الأمر ، متغير الحال ، مضطرب القال ، معرضا للآفات ، والتمالُك : التماسُك" انتهى .
"فيض القدير" ( 5 / 379 ) .
والعاقل هو الذي يسعى جهده في التزام الخير والسعادة والنجاح ، والامتناع – قدر المستطاع – عن الميل مع تقلبات النفس المختلفة .
وفي هذا السياق أيضا ينبغي أن تفهم طبيعة العلاقات بين البشر .
فإن كل صديق أو زوج أو قريب يحرص غاية الحرص على إنجاح علاقته مع قرينه ، ويسعى دائماً في تحسينها والبلوغ بها الغاية المرجوة ، إلا أن كثيراً من الناس لا يتنبه للطبيعة المتقلبة للنفس البشرية ، وأنها لا تملك أن تدفع عن نفسها التغير الذي يصيبها بالفتور أحياناً ، والتقصير أحياناً أخرى ، فتجد الزوج أو الصديق أو القريب يغفل عن السؤال - أحياناً - عن حال زوجه وصديقه ، أو يفتر عن إبداء مستوى الاهتمام المطلوب تجاه قرينه ، فينعكس ذلك على الطرف الآخر بالسلب والشك والاتهام ، والحقيقة أن ذلك إنما هو في السياق الطبيعي المتوقع من كل نفس وكل قلب .
وإذا كانت النفس تتقلب في علاقتها بالله تعالى ما بين إقبال وشيء من الإدبار ، فكيف نريد أن يكون شأنها في علاقتها بالبشر ؟!(/2)
نعم ، النفوس العظيمة ، والقلوب الكبيرة هي التي تحافظ على سويتها في علاقتها بالناس جميعاً ، فلا تكاد تقع لها هفوة ولا زلة ولا تقصير ، وتجدها تلبي جميع الحاجات العاطفية التي يطالبها به من حوله من الأهل والأصدقاء والأقرباء ، ولكن ليس من الواقعية أن ننتظر من جميع الناس هذا المستوى الراقي في التعامل ، كما أنه لا يتخلق أحد بذلك إلا بعد مجاهدة عظيمة للنفس يسعى من خلالها في تعليمها وتقويمها لتصل إلى ذلك المستوى .
فلا بد أن يتنبه كل زوج وكل صديق وقريب ، فلا يظنن إن هو رأى إدباراً من زوجه أو صديقه أن يأخذ ذلك على أنه تحول في العلاقة ، أو تغير يقتضي منه اتخاذ موقف معين ، ولا بد أن يحاول حفظ مشاعره من التأثر بسبب ذلك ، ولا يأخذه إلا في إطار العفو الذي أمرنا الله سبحانه وتعالى به .
بل لا يجوز للعاقل أن يطالب الناس – زوجة أو صديقا أو قريبا – كي يكونوا له كما يحب ويشتهي في جميع الأحوال والظروف ، فإنه نفسه لا يملك أن يكون لهم كذلك ، فكيف يطالبهم بما يدرك صعوبته ، ومن لم يدرك هذه الحقيقة فشل في علاقاته ، وأخفق في حياته الاجتماعية ، وناقض الفطرة البشرية التي خلق الله الناس عليها .
قال أبو الدرداء رضي الله عنه : ( إذا تغير أخوك وحال عما كان عليه فلا تدعه لأجل ذلك ، فإن أخاك يعوج مرة ويستقيم أخرى ) .
وكما قيل في الحكمة : ينبغي أن تستنبط لزلة أخيك سبعين عذراً ، فإن لم يقبله قلبك فرد اللوم على نفسك ، فتقول لقلبك : ما أقساك ! يعتذر إليك أخوك سبعين عذراً فلا تقبله ، فأنت المعيب لا أخوك .(/3)
والحقيقة أن ما ذكرته – أخي السائل - في شأن مخطوبتك إنما هو رصيد في صالحها ، فلبسها الحجاب – ولو بغير مشورتك – يدل على أنها تقدِّم طاعة الله تعالى على طاعة كل إنسان ، وهذا أول ما يجب أن تحمدها عليه ، إذ قد اختارت الالتزام بأمر الله والمبادرة إلى ذلك قبل مشورة أي إنسان ، ولم يخطر في بالها فور استقرار قلبها على هذه الطاعة إلا أن تبادر إلى الامتثال ، فلا يجوز لك أن تجد في نفسك عليها ، بل يجب أن تشجعها وتشكرها على هذه المبادئ العظيمة التي تحملها .
كما أن مصارحتها لك بما تجده في نفسها عند رؤية صديق قديم لها دليل آخر على أمانتها وصدقها وخوفها من الله تعالى ، حيث اختارت أن تصارحك بما تخفيه الفتيات عادة كي تبرئ ذمتها أمام الله ، وكي تأخذ بيدها للتخلص من تلك المشاعر القديمة التي لا تملك الآن دفعها ، ولكنها – ولا شك – تملك السير في علاجها وتجاوزها .
فهل ترى من الصواب – أخي السائل – أن تأخذ هذه الأخلاق الحميدة مأخذ الشك والتردد ؟
ألا ترى معي أن خصلة الصدق التي تتحلى بها هي من أهم العوامل لنجاح الحياة الزوجية ؟
ثم لا بد أن تراعي هذا الطول الذي استغرقته فترة الخطوبة – ثلاث سنوات حتى الآن – فكيف لا تريد أن يتخللها المد والجزر في مدى التفاهم والتوافق ، زيادة على أنها ما زالت في عمر صغير ، والفتاة في مثل سنها تتعرض لكثير من التغيرات بسبب عوامل نفسية وأخرى جسمية وأيضا اجتماعية ، وهذه كلها أسباب تفسر لك ما تجده اليوم منها .
فالنصيحة لك أن تتخذ الحكمة في تعاملك ، ولا ترخ الحبل لنفسك فيسيطر الشك والتردد عليها ، فالأمر أهون من ذلك ، ولتسعَ أنت إلى التأثير عليها بخلقك ولطفك وعلو تفكيرك عن الخوض في مضائق ليس لها نهاية ، ولا تفرِّط في خطيبتك إذ تبدو عليها أمارات الأمانة والديانة إن شاء الله تعالى ، واسْعَ في تعجيل الزواج ، ففي ذلك حلٌّ – إن شاء الله – لكل هذه الخواطر التي ذكرت .(/4)
وأود التنبيه أخيراً إلى أننا في موقعنا نشير وننصح بما نراه أقرب إلى الحق والعدل إن شاء الله تعالى ، وهو ما يؤدي إليه اجتهادنا في فهم أحكام الإسلام وتعاليمه ، وفهم السؤال الذي يُعرض علينا ، فإن أصبنا فذلك بتوفيق من الله تعالى ، وإن أخطأنا فنسأله سبحانه العفو والمغفرة ، والإسلام بريء من هذا الخطأ .
فنسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة في الدنيا والآخرة .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
81977
العنوان:
لا يجوز تهنئة الكفار بأعيادهم بأي صيغة كانت
السؤال:
ما هو حكم تناول الطعام ( رز أو لحم أو دجاج أو كيك ) الذي يهدى إلينا من صديق نصراني والذي صنعه من أجل عيد ميلاده الشخصي أو عيد الميلاد ( كريسماس ) أو عيد رأس السنة الميلادية؟ وما رأي فضيلتكم في تهنئته بكلام مثل إن شاء الله تستمر في النجاح في هذه السنة لتفادي قول كل عام وأنت بخير أو عام سعيد .
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز للمسلم أن يأكل ما يصنعه اليهود والنصارى في أعيادهم ، أو ما يهدونه إليه من أجل عيدهم ، لأن ذلك من التعاون والمشاركة معهم في هذا المنكر كما هو مبين في السؤال رقم (12666)
كما لا يجوز له أن يهنئهم بعيدهم ، بأي صيغة من صيغ التهنئة ؛ لما في ذلك من الإقرار بعيدهم وعدم الإنكار عليهم ، ومعاونتهم في إظهار شعائرهم وترويج بدعهم ومشاركتهم السرور في أعيادهم ، وهي أعياد مبتدعة ، تتصل بعقائد فاسدة لا يقرها الإسلام ، وانظر السؤال رقم (47322)
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
81978
العنوان:
ما يجوز فعله من النوافل في وقت الكراهة
السؤال:
ما هو وقت الكراهة للصلاة ؟ وهل يجوز أن يصلي المرء صلاة السنة في وقت الكراهة ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
أوقات النهي عن الصلاة ثلاثة على سبيل الاختصار، وخمسة على سبيل البسط ، وهي :
من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس .
ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها مقدار رمح ، ويقدر هذا الوقت باثنتي عشرة دقيقة ، والاحتياط جعله ربع ساعة .
وعند قيام الشمس في الظهيرة حتى تزول عن كبد السماء .
ومن بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس .
وعند شروع الشمس في الغروب إلى أن يتم ذلك .
وأما على سبيل الاختصار فهي :
من الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح .
وحين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول .
ومن صلاة العصر حتى يتم غروب الشمس .
وانظر أدلة ذلك في جواب السؤال رقم (48998) .
ثانيا :
هذه الأوقات ينهى فيها عن صلاة التطوع ، وأما فعل الفريضة ، أو قضاؤها ، فلا يتعلق به النهي .
"والأصل أن صلاة التطوع مشروعة دائما ؛ لعموم قول الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون ) الحج/ 77 ، وعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي قضى له حاجة ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (سل . قال : أسألك مرافقتك في الجنة ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أو غير ذلك ؟ قال : هو ذاك - يعني : لا أسألك غيره - قال : فأعني على نفسك بكثرة السجود) .
وعلى هذا ؛ فالأصل في صلاة التطوع أنها مشروعة كل وقت للحاضر والمسافر ، لكن هناك أوقاتاً نهى الشارع عن الصلاة فيها ، وهذه الأوقات خمسة ... " انتهى من "الشرح الممتع" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله .
ثالثا :
استثنى جماعة من الفقهاء أنواعاً من النفل يجوز فعلها في وقت النهي ، وهي :(/1)
1- ركعتا الطواف ؛ وذلك لما روى الترمذي (868) والنسائي (2924) وأبو داود (1894) وابن ماجه (1254) عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، لَا تَمْنَعُوا أَحَدًا طَافَ بِهَذَا الْبَيْتِ وَصَلَّى أَيَّةَ سَاعَةٍ شَاءَ ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ) والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي .
2- إعادة الجماعة ، فمن صلى الفريضة ثم أتى مسجد جماعة فوجدهم يصلون ، فإنه يصلي معهم ، ولو كان في وقت نهي ، وصلاته معهم نافلة ، وذلك لما روى الترمذي (219) والنسائي (858) عن يَزِيدَ بْنِ الْأَسْوَدِ الْعَامِرِيُّ رضي الله عنه أن النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال لرجلين لم يصليا معه ، لأنهما كانا صليا في رحالهما : (إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ فَصَلِّيَا مَعَهُمْ ، فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ) . والحديث صححه الألباني في صحيح الترمذي.
3- السنة الراتبة إذا شغل عنها حتى دخل وقت النهي ، وكذلك سنة الظهر البعدية في حال جمع الظهر مع العصر ، فيجوز فعلها بعد صلاة العصر . وقد شُغل النبي صلى الله عليه وسلم عن سنة الظهر البعدية ، فصلاها بعد العصر ، رواه البخاري (1233) ومسلم (834) .
4- من دخل يوم الجمعة والإمام يخطب ؛ فإنه يصلي ركعتين خفيفتين ، وذلك لما روى البخاري (931) ومسلم (875) عن جابر رضي الله عنه قَالَ : دَخَلَ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَخْطُبُ ، فَقَالَ : (أَصَلَّيْتَ ؟ قَالَ : لَا . قَالَ : قُمْ فَصَلِّ رَكْعَتَيْنِ) .
5- صلاة الجنازة تفعل في أوقات النهي الطويلة ، إجماعا ، أي بعد طلوع الصبح حتى تطلع الشمس ، وبعد صلاة العصر إلى غروبها .(/2)
قال ابن قدامة رحمه الله : "أما الصلاة على الجنازة بعد الصبح حتى تطلع الشمس , وبعد العصر حتى تميل للغروب , فلا خلاف فيه , قال ابن المنذر : إجماع المسلمين في الصلاة على الجنازة بعد العصر والصبح .
وأما الصلاة عليها في الأوقات الثلاثة التي في حديث عقبة بن عامر فلا يجوز .
(ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن , وأن نقبر فيهن موتانا) . وذكره للصلاة مقرونا بالدفن دليل على إرادة صلاة الجنازة . قال الأثرم : سألت أبا عبد الله [يعني : الإمام أحمد] عن الصلاة على الجنازة إذا طلعت الشمس ؟ قال : أما حين تطلع فما يعجبني . ثم ذكر حديث عقبة بن عامر . وقد روي عن جابر , وابن عمر نحو هذا القول , وذكره مالك في " الموطأ " عن ابن عمر . وقال الخطابي : هذا قول أكثر أهل العلم .
وإنما أبيحت بعد الصبح والعصر لأن مدتهما تطول , فالانتظار يخاف منه عليها , وهذه مدتها تقصر" انتهى من "المغني" (1/425) باختصار وتصرف .
رابعا :
اختلف الفقهاء في بعض النوافل ، هل يشرع فعلها في أوقات النهي أم لا ، ومن ذلك اختلافهم في ذوات الأسباب كتحية المسجد وسنة الوضوء ، فمنهم من جوز فعلها في وقت النهي ، وهو مذهب الشافعي رحمه الله واختاره جمع من العلماء ، وهو الراجح ، ومنهم من منع ذلك ، ولم يفرق بين النفل المطلق ، والنفل الذي يفعل لسبب خاص . وانظر جواب السؤال رقم (306).
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
81996
العنوان:
تعلق طالبة جامعية بأستاذ لا يدرِّسها !
السؤال:
أنا طالبة جامعية ، الحمد لله أصلي وأخاف الله ، ولكن حصل معي في نهاية السنة الماضية أني أعجبت بشخص ، مشرف مختبرات ، مثل ما يقولون " من بعيد لبعيد " ، ومع أني لا أحادثه ، إلا أني أصبحت متعلقةً به كثيراً ، عندما أراه أفرح ، وعندما لا أراه أحزن ، أخاف أن يأتي يوم ولا أراه فيه ، لدرجة أني أصبحت أكره تخرجي من الجامعة لكي لا يأتي يوم ولا أراه !! بالنسبة لمشاعره هو تجاهي لست متأكدة لأني طبعاً لا أتحدث معه !! لا أعرف ماذا أفعل ، لا أحب سيرة الخطَّاب ، وأخاف أن يأتي الخطَّاب إلى بيتنا لكي لا أتزوج إلا هو ، أنا أدعو الله كثيراً أن يجمعني به ، هل عندما يظل الإنسان يدعو ممكن أن يجعل الله هذا الشخص من نصيبه ؟
الجواب:
الحمد لله
ليست المشكلة – أختي السائلة – في أن دعاء الله تعالى يمكن أن ييسر أمر الزواج من شخص معين أم لا ، فالدعاء بابه مفتوح ، وخزائن الله ملأى ، وكرم الله سبحانه وتعالى واسع ، ورحمته وسعت كل شيء ، وهو يجيب من دعا ويعطي من سأل ، ولا حرج على المسلم أن يسأل الله تعالى ما يشاء وما يرغب ، صغيراً كان أو كبيراً ، وقد وعدنا الله تعالى بالإجابة فقال سبحانه : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) غافر/60 .
وانظري في موقعنا جوابي السؤالين : ( 6585 ) و ( 14549 ) .
ولكن الأمر الأهم هو في سبب هذا التعلق المتسرع بذلك الشخص ، حيث بدا من سؤالك أنك لم تختلطي به أبداً ، ولم تعرفيه عن قرب ، ولم تعرفي خُلُقَه أو تدينه ، ومع ذلك أقمت في نفسك كل هذه المحبة والمودة ، ولم يكن شيء منها على أساس معقول .
أختنا الكريمة :(/1)
لا ينبغي للمسلم العاقل أن يسير وراء الأوهام التي تصوِّرُها له نفسه وهواه ، فالنفس لا تزال تتمنى وتشتهي ، ولا تفتأ تخوض في عالم الأحلام والآمال ، ثم تبني قصوراً من الأفراح على أساس تلك الأحلام ، ثم لا يلبث كل شيء أن ينهدم لأنه لم يكن مبنيّاً حقيقة ، وحينئذ تقع الكارثة النفسية .
قد يُعذر الشاب أو الفتاة في وقوع الإعجاب بينهما في نفوسهما ، ثم التفكير الجاد للارتباط الشرعي بعد ذلك ، إلا أن ما لا يعذر فيه هو أن يُحَوِّلَ ذلك الإعجابَ إلى هاجس يلاحقه ويلازم تفكيره ، ويغذيه بالتخيلات والأحلام ، والأدهى من ذلك حين يتخذ مواقف عمليةً ينطلق فيها من تلك الأحلام !!
وذلك ما وقعتِ فيه يا أختنا :
كيف تسمحين لنفسك أن ترفضي فكرة الزواج من أي شاب صالح آخر لتنتظري حلما متوهما قد لا يتحقق ؟! .
وأنت بذلك تخالفين أمر النبي صلى الله عليه وسلم حين يقول : ( إِذَا جَاءَكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَأَنْكِحُوهُ ) رواه الترمذي ( 1085 ) ، وحسَّنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
وهذا الحديث وإن كان خطاباً للأولياء : فهو بالضرورة يكون لصاحب العلاقة أصالة ، وهو المرأة .
أتظنين أن الله تعالى حبس الخُلُقَ الكريم وصفاتَ الصلاحِ التي تتمناها كل فتاة في زوجها في ذلك الأستاذ الذي تعلقتِ به ؟! .
أو تظنين أن أحداً لا يمكن أن يحقق لك السعادة والطمأنينة إلا ذلك الأستاذ ؟! .
إن كنت تعتقدين ذلك : فأنت واهمة ، فالصالحون والأخيار كثيرون والحمد لله ، والله سبحانه لا يقصر سعادة إنسان على آخر ، وليس ثمة بشر لا يمكن أن يستغني عن بشر ، بل كلٌّ منا يمكنه أن يعيش سعيداً مع غير من كان يحبهم ويبادلهم المودة ؛ لأن الله تعالى خلق النفس البشرية بهذا التكوين والشعور ، خلقها تُقبل على السعادة أينما وجدت ، وتحاول نسيان الآلام مهما كبرت .(/2)
ثم كيف تحكمين على نفسك بالبقاء على العزوبة في انتظار شاب لا تدرين هل هو يلتفت إليك أصلا أو لا يشعر بك ؟! .
كيف تَقبلين أن تحبي من لا يبادلك الشعورَ نفسه ، وقد يكون مرتبطا بغيرك من الفتيات ؟!
والمسلمُ لا يرضى أن يحب أحداً إلى ذلك الحد الذي تشعرين به ، كي لا تَذِلَّ نفسه ولا يهين كرامته حين يعتقد الخلاص في شخص معين ، والله سبحانه وتعالى يأمره أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه ، وقديما قالوا : " لا يكن حبك كلفا ، ولا بغضك تلفا " .
أختنا :
أرجو أن يكون عقلك هو الحكم على جميع تصرفاتك ومواقفك ، ولا تسمحي للعاطفة أن تحدد مصير حياتك ، فإن العاطفة ربما قادت صاحبها إلى الهلاك والتلف ، كما قال تعالى : ( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ) ص/26 .
وأنت لم تطَّلعي الغيب ، ولم تُكشف لك الأمور ، فما أدراك ؟ لعل الله سبحانه وتعالى كتب لك زوجا صالحا طيبا يفوق ما تتوهمينه في ذلك الأستاذ مرات ومرات .
بل لعل شقاءك وتعاستك ستكون مع ذلك الأستاذ الذي تعلقت به من غير سبب ، والله سبحانه وتعالى يريد أن يصرف عنك ذلك السوء .
والتسليم بذلك هو من فوائد الإيمان بالقدر وبالحكمة التي يريدها الله من خلقه وأمره ، فلنسلم الأمر لله تعالى ، ولندَعهُ سبحانه يحكم فينا بحكمته وكرمه وجوده وإحسانه ، فهو ربنا ، ونحن عبيده .(/3)
فالواجب عليك – أختي السائلة – أن تصرفي الخاطر عن الاشتغال بذلك الشاب ، فلا تسمحي لنفسك بالخوض والتفكير فيه ، واقطعي كل ما يمكن أن يذكرك به ، وابتعدي عن كل مكان يمكن أن يوجد فيه ، وتحملي ذلك لبعض الأيام والشهور ، بعدها ستجدين أن قلبك قد تحرر من تلك الوساوس ، وأن الله قد خلصه من أوهامٍ كادت تتحكم في مصيره ، ونوصيك بالاشتغال بالطاعة والعبادة والصحبة الصالحة ، واسألي الله تعالى دوما أن ييسر لك الزوج الصالح الذي يسعدك ويتقي الله فيك ، واستعيذي بالله من وساوس الشيطان وهوى النفس ، والله سبحانه وتعالى خير حافظا وهو أرحم الراحمين .
ويمكنكِ الاستفادة لهذا الأمر من جواب السؤال رقم ( 10254 ) .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
82010
العنوان:
فرق بين الحب وبين العلاقة المحرمة
السؤال:
أنا آنسة 24 سنة ، بصراحة أنا أحببت حبّاً طاهراً خالٍ من اللقاءات والمواعيد , حبّاً طاهراً لإنسان طاهر ملتزم ، واعدني الزواج ، وطلب مني أن أنتظره لأن ظروفه صعبة ، أنا لا أنكر أنه اتصل بي أكثر من مرة ، لكنني طلبت منه أن لا يتصل بي ؛ لأني غير راضية عن ذلك ، مع أني أحبه ، لكنى شعرت أن الحب بدء يسير في الطريق الخطأ , فوافقني الرأي ، واحترم رأيي , هو يراسلني بين حين وآخر برسائل على الإنترنت حتى أعرف أخباره , أنا وهو على علاقة منذ سنة ، ولكن هو ظروفه صعبة جدّاً , على فكرة هذا الشخص أنا أعرفه عائليّاً وأعرف عائلته وعائلتي على علاقة متينة ، أشهد أني أحبه في الله ، وواثقة من أنه يبادلني ذات الشعور ، ولكن المشكلة أن بابي بدء يُطرق حتى وصل عدد العرسان المتقدمين لي 8 ، ولكني أرفض في كل مرة لأني وعدته أن أنتظره ، أنا الآن حائرة هل ما أفعله حلال أو حرام ؟ علما بأني أصلي الفروض والسنن والنوافل والحمد لله , وأقيم الليل فأخاف أن تضيع حسناتي بما أفعل ؟ هل الحب الطاهر العفيف حرام ؟ وهل حبي حلال أم أنه حرام ؟ .
الجواب:
الحمد لله
بداية أسأل الله تعالى لك التوفيق والسعادة ، وأسأله سبحانه أن يكثر من أمثالك من الفتيات اللاتي يحرصن على العفاف والطهارة ، ويلتزمن حدود الله في جميع شؤونهن ، ومن أهم ذلك العلاقات العاطفية التي تساهل فيها كثير من الناس ، فضيعوا حدود الله ، وانتهكوا محارمه ، فابتلاهم الله بالمشاكل التي نقرؤها ونسمعها مما فيه العبرة لكل مسلم ، بل وكل عاقل .(/1)
ثم اعلمي أن المراسلات والاتصالات بين الجنسين باب من أبواب الفتنة ، والشريعة مليئة بما يدل على وجوب الحذر من الوقوع في حبائل الشيطان في هذا الباب ، حتى إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى شابا ينظر إلى فتاة نظراً مجرَّداً لوى عنقه كي يصرف بصره عنها ، ثم قال : ( رَأَيْتُ شَابًّا وَشَابَّةً فَلَمْ آمَنْ الشَّيْطَانَ عَلَيْهِمَا ) رواه الترمذي ( 885 ) وحسنه الألباني في " صحيح الترمذي " .
لذلك فقد أحسنتِ حين قطعتِ الاتصال بهذا الشاب ، ونرجو أن تنقطع المراسلة أيضاً ؛ لأن المراسلة من أعظم أبواب الفساد التي فتحت على الناس في هذه الأزمان ، وقد سبق بيان ذلك في العديد من الإجابات ، وانظري إجابات الأسئلة : ( 34841 ) و ( 45668 ) .
ولا يعني هذا حرمة ميل الرجل أو المرأة نحو شخص معين يختاره كي يكون زوجا له ، يشعر بالمحبة والمودة نحوه ، ويعقد العزم على الارتباط به إذا ما تيسر الأمر ، فإن المحبة أمر قلبي ، تُقذف في قلب المرء بأسباب معلومة أو غير معلومة ، إلا أنها إذا كانت بسبب الاختلاط أو النظر أو المحادثة المحرمة أصبحت هي أيضا محرمة ، وأما إذا كانت بسبب معرفة سابقة أو قرابة أو سماع عن ذلك الشخص ولم يملك الإنسان دفعها : فلا حرج حينئذٍ من هذه المحبة ، بشرط أن تُلتزم فيها حدود الله .
قال ابن القيم رحمه الله :
"إذا حصل العشق بسبب غير محظور : لم يُلَم عليه صاحبه ، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له : فهذا لا يلام على ذلك ، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره ، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى.
" روضة المحبين " ( ص 147 ) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :(/2)
"قد يسمع إنسان عن امرأة بأنها ذات خلق فاضل وذات علم فيرغب أن يتزوجها ، وكذلك هي تسمع عن هذا الرجل بأنه ذو خلق فاضل وعلم ودين فترغبه ، لكن التواصل بين المتحابين على غير وجه شرعي هذا هو البلاء ، وهو قطع الأعناق والظهور ، فلا يحل في هذه الحال أن يتصل الرجل بالمرأة ، والمرأة بالرجل ، ويقول إنه يرغب في زواجها ، بل ينبغي أن يخبر وليها أنه يريد زواجها ، أو تخير هي وليها أنها تريد الزواج منه ، كما فعل عمر رضي الله عنه حينما عرض ابنته حفصة على أبي بكر وعثمان رضي الله عنهما ، وأما أن تقوم المرأة مباشرة بالاتصال بالرجل : فهذا محل فتنة " انتهى .
" لقاءات الباب المفتوح " ( 26 / السؤال رقم 13 ) .
والنصيحة لك بضرورة الانقطاع عن مراسلة هذا الشاب ، وإخباره بأن عليه التقدم لخطبتك من ولي أمرك إن كان يريد الزواج فعلا ، ولا يتخذ الظروف المادية أو غيرها عائقاً ومانعاً ، فالأمر يسير إن شاء الله ، ومن يرضى بالقليل يغنه الله من فضله وسعته ، وليكن تقدمه إليك لإقامة العقد الشرعي على الأقل ، وإن تأخر الدخول فلا بأس ، أما أن يبقى الأمر معلقا على نية المواعدة على الزواج ، ثم تستمر المراسلة بينكما على ذلك ، فهذا – بحكم الشرع والواقع والتجربة المتواترة – طريق خاطئ وباب إثم وفساد ، وتأكدي أنك لن تنالي السعادة إلا بطاعة الله سبحانه ، والتقيد بحدود شرعه ، وأن في الطرق المباحة غنية وكفاية عن الوسائل المحرمة ، ولكننا نضيق على أنفسنا فيضيق الشيطان علينا .
وتأخرك في الزواج فيه ضرر بالغ عليكِ ، وقد يتأخر بك السن ولا تتحسن ظروف ذلك الشاب ، فلا تتزوجينه ولا تتزوجي غيره ، فاحذري من التأخر فليس فيه إلا الضرر ، واعلمي أنه قد يكون في أحد من المتقدمين إليك من الدين والاستقامة أكثر من ذلك الشاب ، وقد يصير بينكما من الحب والمودة أضعاف ما بينك وبين ذلك الشاب .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
82014
العنوان:
الاختلاط في بعثات التعليم
السؤال:
ما حكم الذهاب لمأمورِيَّة علمية مع زملاء من الجنسين إلى دول إسلامية وغير إسلامية ؟
الجواب:
الحمد لله
الواجب على المسلم شكر نعمة الله تعالى عليه بالطاعة ، والالتزام بأحكام الشرع ، والابتعاد عن كل ما يوجب غضب الرب سبحانه وسخطه ، والله سبحانه وتعالى لا يرضى لعباده المؤمنين أن ينتهكوا حرماته ، والاختلاط المحرَّم واحد من هذه الحرمات .
ماذا سيجني العبد من الاختلاط بالنساء ، والسفر معهن ، ومحادثتهن ، ومعاملتهن ، ومشاهدتهن ، سوى مرض القلب وفتنة الدين ، وكل نفس تعلم في فطرتها أن الجنس الآخر يمثل هدفا وحاجة من حاجاتها ، ولكن بعض الناس يسعى إلى حاجته بالحلال ، وآخرون يسلكون الحرام .
وقد سبق في موقعنا – والحمد لله – العديد من الأجوبة التي بيَّنَّا فيها حرمة الاختلاط بين الجنسين من حيث العموم ، وأن الشريعة جاءت بسد الذرائع ، والاختلاط المستهتر هو من أعظم ذرائع الفاحشة .
انظر (1200) (8827) (45883) (47554) (72448)
ولكن يبدو أن الأخ السائل ظَنَّ أن مأمورية التعليم – أو بعثة التعليم – تمثل عذرا شرعيا للاختلاط ، ولكن الصواب هو العكس ، فإن السفر في مهمة علمية مع زملاء وزميلات يمثل أكبر خطر على دين المرء ، وذلك أن السفر خلوة واحتجاب عن أنظار كل من يمكن أن ينكر عليك ، والنفس تطمع حينئذ ، والشيطان يملي ويُسَوِّل .
كما أن السفر في شأن علمي يستلزم مجالسات طويلة وإعدادات كثيرة ، ومناقشات ومداولات في الشأن العلمي الذي خرجتم لأجله ، وقد يستغرق النهار كله مع زميلةٍ أو زميل ! كما قد يستلزم المؤاكلة والمساكنة ونحو ذلك ، وكلما زاد الاختلاط والمماسة بين الجنسين فإن الفتنة والمعصية تكون أعظم وأقرب ، ولا أظن عاقلا يجادل في مثل ذلك .
ولعل السائل الكريم يظن في نفسه الخير ويقول : أنا لا يخطر في بالي شيء مما تذكرون !(/1)
فنقول له : وكثيرون أيضا ، بل أكثر من يقع في حبائل الشيطان ، إنما كانت بدايتهم كهذه : تهاون في الاختلاط ، والكلام والسلام ، ثم ... :
نَظرَةٌ فَاِبتِسامَةٌ فَسَلامٌ فَكَلامٌ فَمَوعِدٌ فَلِقاءُ
وإن كنت قد تضمن نفسك وقلبك – وفي ذلك مكابرة للحس والعقل – فهل تضمن من معك من الرجال والنساء ؟! وخاصة أن النساء فيهن من الضعف ما قد لا ينتبه له الرجال ، وإذا خَرَجَت في سفر بعيد – وفي دول تستبيح المعاصي ، سواء إسلامية أو غير إسلامية – فذلك ولا شك باب من أعظم أبواب الفساد ، ويفتح على القلب من الشر والإثم الأمر العظيم .
وأنت في غِنًى تام عن مثل هذه المأموريات أو البعثات ، إذ تستطيع الاعتذار عنها من الجهة التي كلفتك بها ، وتكتفي بالحال التي أنت عليها حتى ييسر الله لك بعثة تخلو من الاختلاط ، وإن قلت سأخسر منصبا أو درجة علمية ! فأقول لك : ولكنك ربحت دينك وقلبك ، وشتان بين التجارتين .
وقد تكلم العلماء في حكم السفر إلى بلاد غير المسلمين للدراسة ، فكيف لو صاحب ذلك اختلاط فاحش بين المبعوثين من كلا الجنسين ؟!
سئل الشيخ ابن باز رحمه الله كما في "مجموع فتاوى ومقالات متنوعة" (24/44) :
ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للدراسة ؟
فأجاب :(/2)
" الوصية الحذر من ذلك ، إلا إذا كان المسافر عنده علم وبصيرة ، يدعو إلى الله ، ويعلم الناس ، ولا يخشى على دينه ؛ لأنه صاحب علم وبصيرة ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( أنا برئ من كل مسلم يقيم بين المشركين ) رواه الترمذي (1530) ، والله جل وعلا قال في كتابه الكريم عن المسلمين المقيمين بين المشركين وهم لا يستطيعون إظهار دينهم : ( إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلآئِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالْوَاْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيراً إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً ) النساء/97-98
وفي الحديث الصحيح : ( لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعدما أسلم عملا أو يفارق المشركين إلى المسلمين ) رواه النسائي (2521) والمعنى حتى يفارق المشركين .
فالوصية مني لجميع المسلمين الحذر من الذهاب إلى بلاد المشركين والجلوس بينهم ، لا للتجارة ، ولا للدراسة ، إلا من كان عنده علم وهدى وبصيرة ، ليدعو إلى الله ، وتعلم أشياء أخرى تحتاجها بلاده ، ويظهر دينه ، فهذا لا بأس به ، كما فعل جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن معه من الصحابة لما هاجروا إلى الحبشة من مكة المكرمة بسبب ظلم المشركين لهم ، وعجزهم عن إظهار دينهم بمكة حين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة " انتهى .
وننصحك ـ أخي السائل ـ بقراءة الرسالة النافعة : " تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية ، والاختلاط المستهتر " لفضيلة الشيخ محمد بن لطفي الصباغ .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
82026
العنوان:
إذا أجرى الطبيب عملية الإجهاض هل تلزمه الدية والكفارة
السؤال:
نحن نعيش في دوله أجنبية وعندنا جارتنا حملت وكانت تقريبا في الشهر الخامس والأطباء أخبروهم بأن الطفل مشوه وإذا عاش سوف يكون معاقا فعملوا لها عملية وأنزلوا الطفل ودفنوه في غابة غير المقابر ، لأن هنا القبر غالي جداً فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
لا يجوز إسقاط الجنين الذي تم له أربعة أشهر ولو كان مشوها ، وانظر جواب السؤال رقم(12118) .
ثانياً :
إذا أسقطت الحامل جنينها بشرب دواء أو نحوه ، بعد أن تم له أربعة أشهر ، ففيه الدية باتفاق العلماء ، والكفارة عند بعضهم .
والدية هنا : غُرّة ، عبد أو أمة ، فإن لم توجد ، فديته خمس من الإبل ، لأن دية الجنين عشر دية أمه ، ومعلوم أن دية الحرة المسلمة خمسون من الإبل ، فتكون دية الجنين خمساً من الإبل.
وهذه الدية تلزم كل مَنْ باشر إسقاط الجنين ، فيشترك فيها الطبيب والمرأة إذا أخذت دواء يساعد على الإسقاط ، وتدفع الدية إلى ورثة الجنين ؛ ولا يأخذ قاتله منها شيئاً .
ودليل ذلك ما رواه البخاري (6910) ومسلم (1681) عن أَبي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : (اقْتَتَلَتْ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ ، فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى بِحَجَرٍ ، فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا ، فَاخْتَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَضَى أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ : عَبْدٌ أَوْ وَلِيدَةٌ).
وأما الكفارة ، فقد ذهب إلى وجوبها الشافعية والحنابلة ، واستحبها الحنفية والمالكية .
وكفارة القتل : عتق رقبة ، فإن لم توجد فصيام شهرين متتابعين .(/1)
قال ابن قدامة رحمه الله : " وإذا شربت الحامل دواء , فألقت به جنينا , فعليها غرة , لا ترث منها شيئا , وتعتق رقبة ، ليس في هذه الجملة اختلاف بين أهل العلم نعلمه , إلا ما كان من قول من لم يوجب عتق الرقبة , وذلك لأنها أسقطت الجنين بفعلها وجنايتها , فلزمها ضمانه بالغرة , كما لو جنى عليه غيرها , ولا ترث من الغرة شيئا ; لأن القاتل لا يرث المقتول , وتكون الغرة لسائر ورثته , وعليها عتق رقبة " انتهى من "المغني" (8/327).
وقال أيضاً : " وإن اشترك جماعة في ضرب امرأة , فألقت جنيناً , فديته أو الغرة عليهم بالحصص (أي : تقسم عليهم) , وعلى كل واحد منهم كفارة , كما إذا قتل جماعة رجلا واحدا. وإن ألقت أجنة , فدياتهم عليهم بالحصص , وعلى كل واحد في كل جنين كفارة , فلو ضرب ثلاثة بطن امرأة , فألقت ثلاثة أجنة , فعليهم تسع كفارات , على كل واحد ثلاثة " انتهى من "المغني" (8/326).
وقال : " الغرة قيمتها نصف عشر الدية , وهي خمس من الإبل . روي ذلك عن عمر وزيد رضي الله عنهما ، وبه قال مالك والشافعي وأصحاب الرأي " انتهى باختصار .
ثالثاً:
إذا اجتمع آمر بالإجهاض (كالأم) ومباشر له (كالطبيب) فلا شك أنهما شريكان في إثم هذه الجريمة ، لكن اختلف العلماء على أيهما يكون الضمان (الدية والكفارة) ؟
والصواب أنه على المباشر ، لأنه هو القاتل حقيقة ، وهو مذهب الإمام أحمد رحمه الله . وانظر "مطالب أولى النهى" (6/50) .
وذهب بعض العلماء كالشافعية إلى أن الضمان على الأم . وانظر : "أسنى المطالب" (4/39).
وقد اختار الشيخ ابن عثيمين رحمه الله القول الأول ورجحه .
رابعاً :
ولا حرج من دفنه في الغابة إذا لم تستطيعوا شراء قبر له ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال :( 98064)(/2)
رقم السؤال:
82066
العنوان:
إذا خالع زوجته الحامل فمن يتحمل مصاريف الولادة؟
السؤال:
إذا انفصل الزوجان بخلع وكانت الزوجة حاملا، فهل يتحمل الزوج مصاريف الولادة ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا خالع الرجل زوجته أو طلقها طلاقاً بائناً وهي حامل فإنه يلزمه نفقتها ونفقة الحمل بإجماع العلماء ، ويدخل في ذلك مصاريف الولادة .
قال ابن قدامة رحمه الله : "إذا طلق الرجل امرأته طلاقا بائنا , فإما أن يكون ثلاثا , أو بخلع , أو بانت بفسخ , وكانت حاملا فلها النفقة والسكنى , بإجماع أهل العلم ; لقول الله تعالى : ( أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن ) ، وفي بعض أخبار فاطمة بنت قيس : ( لا نفقة لك إلا أن تكوني حاملا ) ، ولأن الحمل ولده , فيلزمه الإنفاق عليه , ولا يمكنه النفقة عليه , إلا بالإنفاق عليها , فوجب , كما وجبت أجرة الرضاع " انتهى من "المغني" (8/185).
فحيث كانت الزوجة حاملا ، فلها النفقة ، إلا أن تبرئ زوجها من النفقة ، كأن تخالعه على أن تتحمل هي النفقة على نفسها أثناء الحمل ، أو النفقة على الحمل حتى يولد ، أو حتى يفطم . قال ابن قدامة : "وإذا خالعت المرأة زوجها , وأبرأته من حملها , لم يكن لها نفقة , ولا للولد , حتى تفطمه ، أما إذا خالعته ولم تبرئه من حملها , فلها النفقة , كما لو طلقها ثلاثا ، وهي حامل ; لأن الحمل ولده , فعليه نفقته" انتهى من "المغني" (8/188).(/1)
رقم السؤال:
82079
العنوان:
يخرج منه سائل شفاف بعد التبول بربع ساعة
السؤال:
يخرج مني سائل شفاف لزج .. بعد التبول بربع ساعة .. وأحيانا أتوضأ وأصلي فأشعر بإحساس أن هذا السائل يخرج ومرات أجد آثارا على العضو وأحيانا لا أجد فما حكم الصلاة هنا؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
ما يخرج بعد البول عادة ، هو الودي ، ولمعرفة الفرق بين الودي والمذي والمني ، وما يترتب على كل منها انظر جواب السؤال رقم (47693) .
ثانيا :
إذا استمر خروج البول أو الودي أو المذي ، بحيث كان لا يتوقف في وقت معين ، فهذا هو السَّلَس ، وصاحبه يعامل معاملة خاصة في باب الطهارة ، من جهتين :
الأولى : أنه يتوضأ بعد دخول وقت الصلاة ، ويصلي ما شاء من الفرض والنوافل ، ولا يضره خروج الخارج ، ولو خرج أثناء الصلاة ، فإذا دخل وقت الفريضة التالية وأراد الصلاة توضأ مرة أخرى ، وهكذا .
والثانية : أنه يلزمه التحفظ من انتشار النجاسة بوضع قطن ونحوه ، ثم غسل ما أصابه من النجاسة في بدنه أو ثوبه ، فإن شق عليه الغسل أو تبديل الثوب المتنجس صلى على حاله .
قال الشيخ ابن باز رحمه الله : " المريض المصاب بسلس البول ولم يبرأ بمعالجته عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها ، ويغسل ما يصيب بدنه ، ويجعل للصلاة ثوبا طاهرا إن لم يشق عليه ذلك ، وإلا عفي عنه ، لقول الله تعالى : ( وما جعل عليكم في الدين من حرج) وقوله : (يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر) وقوله صلى الله عليه وسلم : (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ويحتاط لنفسه احتياطا يمنع انتشار البول في ثوبه أو جسمه أو مكان صلاته " انتهى نقلا عن "فتاوى إسلامية" (1/192).(/1)
هذا فيما إذا استمر الخارج ولم يُعهد وقت لانقطاعه ، أما إذا علمت أنه يتوقف بعد ربع ساعة مثلا فإنه يلزمك تأخير الوضوء والصلاة إلى انقطاعه وتوقفه ، ولو أدى ذلك إلى ترك الجماعة في المسجد ، فإن مصلحة أداء الصلاة مع الطهارة المتيقنة آكد من مصلحة أدائها مع الجماعة .
قال في مطالب أولي النهى (1/266): "وإن اعتيد انقطاع حدثٍ دائمٍ زمنا يتسع للصلاة والطهارة لها تعيّن فعل المفروضة فيه ...؛ لأنه قد أمكنه الإتيان بها على وجه لا عذر معه ولا ضرورة، فتعيّن كمن لا عذر له" انتهى بتصرف .
وسئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :
رجل مصاب بسلس في البول، يطهر بعد التبول لفترة. لو انتظر انتهاء السلس لانتهت الجماعة ماذا يكون الحكم ؟
فأجابوا : "إذا عرف أن السلس ينتهي فلا يجوز له أن يصلي وهو معه طلبا لفضل الجماعة. وإنما عليه أن ينتظر حتى ينتهي ويستنجي بعده ويتوضأ ويصلي صلاته ولو فاتته الجماعة.
وعليه أن يبادر بالاستنجاء والوضوء بعد دخول الوقت ، رجاء أن يتمكن من صلاة الجماعة " انتهى.
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/408) .
ثالثا :(/2)
إذا لم يكن الخارج مستمرا ، وتوضأت وصليت بعد توقفه ، فينبغي الحذر من الوسوسة ، والتعلق بالوهم والظن ، فربما خيل إليك الشيطان أن شيئا يخرج منك أثناء الصلاة ، فلا تلتفت لذلك ما لم تتحقق خروجه ، ولا يلزمك التفتيش في ثيابك بعد كل صلاة ، فإن الشيطان حريص على إدخال الهم والحزن على المسلم ، وتشكيكه في عبادته ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ فِي الصَّلَاةِ جَاءَهُ الشَّيْطَانُ فَأَبَسَ بِهِ ، كَمَا يَأْبِسُ الرَّجُلُ بِدَابَّتِهِ ، فَإِذَا سَكَنَ لَهُ أَضْرَطَ بَيْنَ أَلْيَتَيْهِ لِيَفْتِنَهُ عَنْ صَلَاتِهِ ، فَإِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا لَا يُشَكُّ فِيهِ ) رواه أحمد (8351) وإسناده قوي كما قال شعيب الأرنؤوط في تحقيق المسند . ومعنى ( فأبَسَ منه ) : ضربه ، كما يضرب الرجل دابته ليزجرها .
وينبغي استشارة الطبيب في هذا الخارج ، والبحث عن دواء له إن كان ناشئا عن مرض ، فإن الله تعالى أنزل لكل داء دواءً ، عافانا الله وإياك .(/3)
رقم السؤال:
82103
العنوان:
صبغ الشعر بغير السواد
السؤال:
هل يجوز صبغ الشعر بالألوان مثل الأزرق والأحمر؟ وهل هذا تشبه؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز للمرأة أن تصبغ شعرها بغير السواد ، ما لم يكن في ذلك تشبه بالكافرات ، كأن تختص كافرة أو جماعة من الكافرات بطريقة معينة لصبغ الشعر أو قصه ، فلا يجوز التشبه بهن حينئذ .
وقد سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : هل يجوز صبغ أجزاء من الشعر كأطرافه مثلا أو أعلاه فقط ؟
فأجاب : "صبغ الشعر إن كان بالسواد فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه حيث أمر بتغيير الشيب وتجنيبه السواد قال : ( غيِّروا هذا الشيب وجنِّبوه السواد ) صحيح مسلم (5476) ، وورد في ذلك أيضاً وعيد على من فعل هذا [ وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام ، لا يريحون رائحة الجنة ) رواه أبو داود ( 4212 ) والنسائي ( 8/138 ) وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 8153 ) ] وهو يدل على تحريم تغيير الشعر بالسواد ، أما بغيره مِن الألوان : فالأصل الجواز إلا أن يكون على شكل نساء الكافرات أو الفاجرات ، فيحرم من هذه الناحية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم ( من تشبه بقوم فهو منهم ) [ رواه أبو داود ( 4031 ) وصححه الألباني في إرواء الغليل 5/109] " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/120).
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
82106
العنوان:
إذا طهرت الحائض قبل الفجر صلت المغرب والعشاء
السؤال:
عند الطهور من الحيض وأغتسل مثلا بالليل كيف أصلي ؟ هل أصلي العشاء فقط أم العشاء والمغرب أم اليوم كاملا ؟ مع العلم أني لا أرى القصة البيضاء بل أترك يوما لمعرفة أن الدم توقف عني ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
إذا طهرت الحائض بعد دخول وقت العشاء فإنه يلزمها أن تصلي العشاء لأنها أدركت وقتها ، وكذلك يلزمها أن تصلي المغرب ؛ لأنها تُجمع مع العشاء عند وجود العذر .
وكذلك إذا طهرت بعد دخول وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر ، هذا ما أفتى به بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ، وبه قال جمهور العلماء .
وأما إذا طهرت بعد الصبح أو بعد الظهر أو بعد المغرب فإنه لا تصلي إلا صلاة واحدة ، وهي الصلاة التي طهرت في وقتها : (الصبح أو الظهر أو المغرب) ؛ لأن هذه الصلوات لا تُجمع إلى شيء قبلها .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (1/238) : "إذا طهرت الحائض قبل أن تغيب الشمس صلت الظهر فالعصر .
وإذا طهرت قبل أن يطلع الفجر صلت المغرب وعشاء الآخرة ، روي هذا القول عن عبد الرحمن بن عوف وابن عباس وطاوس ومجاهد والنخعي والزهري وربيعة ومالك والليث والشافعي وإسحاق وأبي ثور . قال الإمام أحمد : عامة التابعين يقولون بهذا القول إلا الحسن وحده قال : لا تجب إلا الصلاة التي طهرت في وقتها وحدها . وهو قول الثوري , وأصحاب الرأي ; لأن وقت الأولى خرج في حال عذرها , فلم تجب كما لو لم يدرك من وقت الثانية شيئا .
وحكي عن مالك أنه إذا أدرك قدر خمس ركعات من وقت الثانية , وجبت الأولى ; لأن قدر الركعة الأولى من الخمس وقت للصلاة الأولى في حال العذر , فوجبت بإدراكه , كما لو أدرك ذلك من وقتها المختار , بخلاف ما لو أدرك دون ذلك .(/1)
ولنا ما روى الأثرم , وابن المنذر , وغيرهما , بإسنادهم عن عبد الرحمن بن عوف , وعبد الله بن عباس , أنهما قالا في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة : تصلي المغرب والعشاء , فإذا طهرت قبل أن تغرب الشمس , صلت الظهر والعصر جميعا ؛ ولأن وقت الثانية وقت للأولى حال العذر , فإذا أدركه المعذور لزمه فرضها , كما يلزمه فرض الثانية" انتهى بتصرف .
وقال في متن زاد المستقنع : " ومن صار أهلا لوجوبها قبل خروج وقتها : لزمته وما يجمع إليها قبلها " انتهى .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "الشرح الممتع" : " مثال ذلك : إذا أدرك من وقت صلاة العصر قدر ركعة أو قدر التحريمة لزمته صلاة العصر ، ولزمته صلاة الظهر أيضا ، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة العشاء لزمته صلاة العشاء وصلاة المغرب أيضا ، وإن أدرك ذلك من وقت صلاة الفجر لا يلزمه إلا الفجر ؛ لأنها لا تجمع إلى ما قبلها .
فإن قيل : ما وجه وجوب صلاة الظهر في المثال الأول ؛ وصلاة المغرب في المثال الثاني؟
فالجواب : الأثر ، والنظر .
أما الأثر : فإنه روي ذلك عن ابن عباس وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهم .
وأما النظر : فلأن وقت الصلاة الثانية وقت للأولى عند العذر الذي يبيح الجمع ، فلما كان وقتا لها عند العذر صار إدراك جزء منه كإدراك جزء من الوقتين جميعا ، وهذا هو المشهور من المذهب .
وقال بعض أهل العلم : إنه لا يلزمه إلا الصلاة التي أدرك وقتها فقط ، فأما ما قبلها فلا يلزمه " انتهى ، ورجح الشيخ رحمه الله هذا القول الأخير .
والأحوط هو العمل بقول جمهور العلماء ، فتصلي الصلاتين معاً ، ولا يلزمها أن تصلي صلوات اليوم كاملاً ، وإن اقتصرت على الصلاة التي أدركت وقتها فقط ، فنرجو ألا يكون عليها حرج .
ثانيا :(/2)
تطهر المرأة من حيضها بإحدى علامتين : القصة البيضاء ، أو حصول الجفاف التام ، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ليس عليها أثر من حمرة أو صفرة ، على ما بيناه في جواب السؤال رقم 5595 .
فكونك تجلسين يوما دون صلاة ، لعدم رؤيتك للقصة البيضاء ، عمل لا يصح ؛ لاحتمال أن تكوني قد طهرت بالجفوف ، فالواجب عليك مراعاة هذه العلامة في الطهر .
قال النووي رحمه الله : " علامة انقطاع الحيض ووجود الطهر : أن ينقطع خروج الدم وخروج الصفرة والكدرة , فإذا انقطع طهرت سواء خرجت بعده رطوبة بيضاء أم لا " انتهى من "المجموع" (2/562) .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
82111
العنوان:
العمل في الضرائب وأخذ مستحقات مالية على ذلك
السؤال:
أنا كنت أعمل بمصلحة الضرائب ظانا أن العمل بها حلال لا شك فيه لمدة تسع سنوات ثم أخبرني بعض الإخوة أن هذا العمل حرام فاستفتيت أحد طلاب العلم عندنا فأفادني أن العمل بنية التخفيف على الناس يجوز وتؤجر ، المهم عملت بعد هذه الفتوى قليلا ثم لم أطمئن فقررت ترك العمل ، ثم إني بعد ترك العمل يكون لي على الدولة مستحقات مالية مثل أموال كانت تستقطع باسم التأمين الاجتماعي واستحقاقات أخرى هل يجوز لي أخذها والاستفادة منها ؟ وما حكم ما كنت أتقاضاه قبل علمي بحرمة العمل ؟ وهل يجوز لي أن أرجع لهذا العمل وأسعى للتخفيف علي الناس ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
العمل في مصلحة الضرائب حرام ، لما فيه من المشاركة في أخذ أموال الناس ظلماً ، إلا إذا قصد العامل فيها التخفيف عن الناس ، ورفع الظلم عنهم قدر استطاعته ، فلا حرج عليه في هذا العمل بل يكون بذلك من المحسنين .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (39461) .
وعلى هذا فلا حرج عليك من الرجوع إلى هذا العمل بنية التخفيف عن الناس ، ونسأل الله تعالى أن يوفقك لكل خير .
ثانياً :
الراتب الذي كنت تتقاضاه قبل علمك بالتحريم ، لا حرج فيه إن شاء الله تعالى ، وقد قال الله تعالى في الربا وهو من أكبر الكبائر : (فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ) البقرة/275 .
فأباح الله تعالى لهم ما أخذوه من الربا قبل علمهم بالتحريم .
وكذلك أيضا مستحقاتك عند الدولة عن فترة عملك لا يظهر لنا ـ والله أعلم ـ مانع من أخذها .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
82116
العنوان:
حكم وضع بهارات بنكهة طعم الخنزير
السؤال:
أحضرت إحدى صديقات والدتي (غير مسلمة) خلطة بهارات بطعم لحم الخنزير وتقول إن المكونات صناعية وحين قرأت المكونات كتب فيها : فول الصويا , وبهارات ونكهة (ولكن ليس مكتوب من أي شيء هذه النكهة). والدتي تقول إنه لا مانع في استخدامها لعدم احتوائها مكونات من لحم الخنزير ولكني لا أوافقها . فما حكم ذلك ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت هذه النكهة مصنوعة من أجزاء من الخنزير فلا شك أنها حرام ، لقول الله تعالى : (قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ) الأنعام/145 ، فحرم الله تعالى لحم الخنزير لخبثه ونجاسته .
أما إذا كانت مصنوعة من مكونات صناعية ، وليست من لحم خنزير ، فأقل أحوالها الكراهة ، لأنها تشبه ما حرمه الله تعالى ، والذي ينبغي للمؤمن أن يبتعد عن المحرمات ، وينفر منها ، لا أن يتلذذ بها ، ويأتي بما يشبهها في الطعم .
ثم إن ذلك قد يكون ذريعة لاعتياد طعم لحم الخنزير ، مما يسهل تناوله بعد ذلك .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
82120
العنوان:
السبب في تفضيل اليد اليمنى على اليد اليسرى
السؤال:
لماذا فضلت اليد اليمنى على اليد اليسرى في السلام وفي الأكل وخلافه ؟ وما العيب في استخدام اليسرى لهذه الأغراض ؟
الجواب:
الحمد لله
من تمام نعمة الله علينا ، وكمال هذا الدين العظيم أنه نظم كل شيء في حياتنا ، فما من خير إلا دلنا عليه ، وما من شر إلا حذرنا منه ، ومن ذلك: بعد العقائد والعبادات والمعاملات والأخلاق ، تصرفاتنا الخاصة والتي وجهنا فيها إلى مستوى يليق بشرف الإنسان وتكريم الله تعالى له ، ومن ذلك : كيفية تناول الإنسان المسلم لطعامه وشرابه ونحو ذلك .
و "هَذِهِ قَاعِدَة مُسْتَمِرَّة فِي الشَّرْع : أنَّ مَا كَانَ مِنْ بَاب التَّكْرِيم وَالتَّشْرِيف كَلُبْسِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَدُخُول الْمَسْجِد وَالسِّوَاك وَالِاكْتِحَال , وَتَقْلِيم الْأَظْفَار , وَقَصّ الشَّارِب , وَتَرْجِيل الشَّعْر (وهو تسريحه), وَنَتْف الْإِبِط , وَحَلْق الرَّأْس , وَالسَّلَام مِنْ الصَّلَاة , وَغَسْل أَعْضَاء الطَّهَارَة , وَالْخُرُوج مِنْ الْخَلَاء , وَالْأَكْل وَالشُّرْب , وَالْمُصَافَحَة , وَاسْتِلَام الْحَجَر الْأَسْوَد , وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي مَعْنَاهُ يُسْتَحَبّ التَّيَامُن فِيهِ . وَأَمَّا مَا كَانَ بِضِدِّهِ كَدُخُولِ الْخَلَاء وَالْخُرُوج مِنْ الْمَسْجِد وَالِامْتِخَاط وَالِاسْتِنْجَاء وَخَلْعِ الثَّوْب وَالسَّرَاوِيل وَالْخُفّ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ , فَيُسْتَحَبّ التَّيَاسُر فِيهِ , وَذَلِكَ كُلّه لِكَرَامَةِ الْيَمِين وَشَرَفهَا " قاله النووي في شرح صحيح مسلم .
وقد دل على هذه القاعدة أدلة كثيرة ، منها :(/1)
في الصحيحين عن عمر بن سلمة رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( يَا غُلَامُ ، سَمِّ اللَّهَ ، وَكُلْ بِيَمِينِكَ ، وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ ) رواه البخاري (5376) ومسلم (2022)
وفي صحيح مسلم (2021) : ( أَنَّ رَجُلًا أَكَلَ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِشِمَالِهِ ، فَقَالَ : (كُلْ بِيَمِينِكَ ) قَالَ : لَا أَسْتَطِيعُ ، قَالَ : لَا اسْتَطَعْتَ ، مَا مَنَعَهُ إِلَّا الْكِبْرُ ، قَالَ : فَمَا رَفَعَهَا إِلَى فِيهِ ) .
دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتحقق ما ادعاه من عدم الاستطاعة التي اعتذر بها، لأنه تكبر على الحق ولم يلتزم الأدب مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وكذب في اعتذاره ، والكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ليس كالكذب على أحد .
وفي سنن أبي داود (33) عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَتْ يَدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيُمْنَى لِطُهُورِهِ وَطَعَامِهِ ، وَكَانَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِخَلَائِهِ وَمَا كَانَ مِنْ أَذًى ) وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وروى مسلم (262) من حديث سلمان رضي الله عنه قال : ( نَهَانَا ـ يعني النبي صلى الله عليه وسلم ـ أَنْ يَسْتَنْجِيَ أَحَدُنَا بِيَمِينِهِ ) .
وروى مسلم (2020) عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ ، وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ ، وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ ) .
وقد حذر الله تعالى من مخالفة أوامر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) النور/63 .(/2)
وهذا عند القدرة على الأكل باليمين ، أما عند العجز فلا حرج في ذلك ، قال النووي في "شرح مسلم " (13/191) : " وكراهتهما - أي الأكل والشرب بالشمال ـ وهذا إذا لم يكن عذر ، فإن كان عذر يمنع الأكل والشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة " اهـ .
قال الغزالي في "الإحياء" (4/93) : " ثم أحوجك من أعطاك اليدين إلى أعمال بعضها شريف ، كأخذ المصحف ، وبعضها خسيس كإزالة النجاسة ، فإذا أخذت المصحف باليسار ، وأزلت النجاسة باليمين ، فقد خصصت الشريف بما هو خسيس ، فغضضت من حقه ، وظلمته ، وعدلت عن العدل " انتهى .
وحاصل ما ذكره العلماء من الحكمة من التيامن في الأشياء التي هي من باب الإكرام :
1- أن في هذا مخالفة للشيطان ، كما في الأكل والشرب .
2- أن فيه إكراماً لليد اليمنى على اليسرى .
3- أن فيه استعمال الأدب مع الناس ، حيث لا يصافحهم ولا يأخذ منهم ، ولا يعطيهم بيده التي يزيل بها النجاسة .
4- أن في هذا تفاؤلاً أن يجعلنا الله من أهل اليمين .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
82161
العنوان:
هل تجزئ نية العقيقة عن الأضحية والعكس؟
السؤال:
هل تجزئ نيتا العقيقة والأضحية معا في عيد الأضحى ؟ وهل تصح العقيقة أم لا ؟ ساعدني ببيان ترجيح أعمال أقرب من السنة ؟
الجواب:
الحمد لله
اختلف الفقهاء في هذه المسألة على قولين :
القول الأول : تجزئ الأضحية عن العقيقة ، وبه قال الحسن البصري ومحمد بن سيرين وقتادة ، وهو قول الحنفية ، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد .
وقد جعلوا هذه المسألة مثل مسألة اجتماع الجمعة والعيد ، وأنه يجزئ القيام بإحدى الصلاتين عن الأخرى ، فقد اشتركا في العدد والخطبة والجهر فكان الفعل واحداً ، وكذا هنا فإن الذبح واحد .
وقالوا – أيضاً - : كما لو صلى المسلم ركعتين ينوي بهما تحية المسجد وسنة المكتوبة .
القول الثاني : أنه لا تجزئ الأضحية عن العقيقة ، وهو قول المالكية ، والشافعية ، والرواية الأخرى عن الإمام أحمد .
وقال هؤلاء : إن الأضحية والعقيقة ذبيحتان لسببين مختلفين ، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى ، كما لو اجتمع دم التمتع ودم الفدية فإنه لا يجزئ أحدهما عن الآخر .
وقالوا – أيضاً - : إن المقصود في الأضحية والعقيقة إراقة الدم في كل منهما ؛ لأنهما شعيرتان يُقصد منهما إراقة الدماء ، فلا تجزئ إحداهما عن الأخرى .
وقد سئل ابن حجر المكي الشافعي رحمه الله : عن ذبح شاة أيام الأضحية بنيتها ونية العقيقة ، فهل يحصلان أو لا ؟
فأجاب :(/1)
"الذي دل عليه كلام الأصحاب وجرينا عليه منذ سنين : أنه لا تداخل في ذلك ؛ لأن كلاًّ من الأضحية والعقيقة سنَّةٌ مقصودةٌ لذاتها ، ولها سبب يخالف سبب الأخرى ، والمقصود منها غير المقصود من الأخرى ، إذ الأضحيةُ فداءٌ عن النفس ، والعقيقةُ فداءٌ عن الولد ، إذ بها نُمُّوهُ وصلاحهُ ، ورجاءُ بِرِّهِ وشفاعته ، وبالقول بالتداخل يبطل المقصود من كلٍ منهما ، فلم يمكن القول به ، نظير ما قالوه في سنة غسل الجمعة وغسل العيد ، وسنة الظهر وسنة العصر ، وأما تحية المسجد ونحوها فهي ليست مقصودة لذاتها بل لعدم هتك حرمة المسجد ، وذلك حاصلٌ بصلاة غيرها ، وكذا صوم نحو الاثنين ؛ لأن القصد منه إحياء هذا اليوم بعبادة الصوم المخصوصة ، وذلك حاصلٌ بأي صومٍ وقع فيه ، وأما الأضحية والعقيقة ، فليستا كذلك كما ظهر مما قررته وهو واضح ..." انتهى .
" الفتاوى الفقهية " ( 4 / 256 ) .
والذي يظهر ـ والله أعلم ـ أنه تجزئ ذبيحة واحدة بنية العقيقة والأضحية ، وقد اختار هذا القول فضيلة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله ، وذكرنا قوله ونقولاً أخرى في جواز ذلك في جواب السؤال رقم (106630) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
82196
العنوان:
حكم مشاركة المرأة في المنتديات ومناقشة الرجال
السؤال:
ماحكم مشاركة المرأة في المنتديات؟ وردها على الرجال ومناقشتها مواضيع معهم؟ وهل المزح مع الرجال في المنتديات يعتبر حراما؟ وما حكم استخدام الأيقونات التعبيرية مثل الابتسامات ؟ وهل استخدام الرسائل الخاصة بين المرأة والرجل للاستفسار عن أمر أو طلب مساعدة يجوز؟ وهل يجوز للمرأة أن تكتب كلمة هههههه؟ جزاكم الله خيرا جوابي على أسئلتي بدقه حتى أطمئن .
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز للمرأة أن تشارك في المنتديات العامة ، إذا تقيدت بالضوابط التالية :
1- أن تكون مشاركتها على قدر الحاجة ، فتطرح سؤالها أو موضوعها ، وتنصرف ، ولا تعلّق إلا على ما لابد منه ؛ لأن الأصل هو صيانتها عن الكلام مع الرجال ، والاختلاط بهم .
2- ألا يكون في كلامها ما يثير الفتنة ، كالمزاح ولين الكلام ، والضحك كأن تكتب :
( هههههه) كما في السؤال ، أو تستخدم الأيقونات المعبرة عن الابتسامات ؛ لأن ذلك يؤدي إلى طمع من في قلبه مرض ، كما قال سبحانه : ( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا ) الأحزاب/32
3- تجنب إعطاء البريد ، أو المراسلة الخاصة مع أحد من الرجال ، ولو كان ذلك لطلب مساعدة ؛ لما تؤدي إليه هذه المراسلة من تعلق القلب وحدوث الفتنة غالبا . وراجعي السؤال رقم (34841) ورقم (82460) .
4- والأولى والأفضل ألا تشارك المرأة إلا في المنتديات النسائية ، فهذا أسلم لها ، وقد كثرت هذه المنتديات ، وفيها خير وغنى . وإن احتاجت للمشاركة في منتديات عامة فالأولى أن تختار اسما لا يدل على أنها أنثى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
82222
العنوان:
علمت أن زوجها كان متزوجاً قبلها فطالبته بالطلاق والتعويض
السؤال:
السؤال : كنت متزوجا بنصرانية, ثم طلقتها وتزوجت مسلمة دون أن أخبرها بزواجي الأول وهي لم تسألني قبل الدخول هل كنت متزوجا أم لا ؟ بعد الدخول بمدة طرحت علي هذا السؤال فأجبتها بما كان, فثارت وقالت : إنني خدعتها وطلبت الطلاق وألحت فقبلت رغم كرهي لذلك. وهي الآن تطالبني بتعويضات مالية, فهل لها في شرع الله المطهر من حق وما هو ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يلزم الزوج إخبار من يريد الزواج منها بكونه تزوج قبلها أو لا ، إلا في حال سؤالها ورغبتها في معرفة ذلك .
ثانيا :
لا يجوز للمرأة أن تطلب الطلاق إلا عند وجود ما يدعو إليه من سوء عشرةٍ ، وحصول ضررٍ ونحو ذلك ؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وكون زوجها قد تزوج قبلها وأخفى ذلك ، لا يعد مسوغا لطلب الطلاق ، وعليه فالواجب عليها أن تتقي الله تعالى ، وأن تتوب إليه ، وأن تعدل عن هذه المطالبة .
وينبغي أن تنصح لها ، وأن تختار من أهلك أو أهلها من يسعى لإقناعها .
ثالثا :
إذا حصل الطلاق ، فإن حق الزوجة هو أخذ المهر المؤجل ، إن كان ، والنفقة عليها فترة العدة إن كان الطلاق رجعياً ، ولا شيء لها فوق ذلك .
وليس هناك ما يسمى بالتعويض مقابل ما تظنه خداعا لها .
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
82267
العنوان:
هل عمل مندوب المبيعات من البيع على بيع غيره ؟
السؤال:
أعمل مندوب مبيعات لإحدى الشركات ، وأقوم بتسويق وعرض بضاعة قد تكون متوفرة في معظم المحلات التي أزورها ، وبعض هذه المحلات قد تعاقد مسبقاً مع مورِّدين لبضاعة مشابهة ، فهل تقديمي عرض أسعار منافساً لسعر المورِّد المتعاقَد معه يعتبر بيعاً على بيع أخي ؟ مع الإشارة إلى أن هذا هو حقيقة عمل مندوب المبيعات في كل شركات الدنيا .
الجواب:(/1)
رقم السؤال:
82307
العنوان:
أحاديث فضل قيام ليالي الأسبوع مكذوبة
السؤال:
أتتني رسالة تحتوى على أحاديت فى فضل صلاة الليل عن الرسول عليه الصلاة والسلام ، وهذه الأحاديث لأول مرة أسمعها في حياتي ، أرجو من حضراتكم أن توضحوا لي إذا كانت هذه الأحاديث صحيحة أو لا : عن أنس بن مالك رضى الله عنه قال : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( من صلى ليلة الجمعة ركعتين ، وقرأ فى كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة الزلزلة 15 مرة ، فاذا فرغ من صلاته يقول : يا حي يا قيوم ، ياذا الجلال والاكرام ( 100 مرة ) آمنه الله من عذاب القبر وظلمته وضيقته ، وأهوال يوم القيامة ، ولا يقوم من مقامه لا جائعا ولا ظمآنا ، ويكسى حلة من نور ، ولا يخرج من الدنيا حتى يرى مقعده فى الجنة ) . الحديث التاني : عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال رسول الله عليه الصلاة والسلام : ( من صلى ليلة السبت 16 ركعة ، وقرأ فى كل ركعة الفاتحة وسورة الاخلاص ( 31 مرة ) أخرج المكر والوسواس والعجب والرياء من قلبه ، ويجمع الله فى قلبه النور والرحمة والرأفة ، ويلبسه يوم القيامة المغفرة ، ويبقى وجهه كالقمر ليلة البدر ، ويبنى له بكل ركعة قصر فى الجنة ) ...إلى العديد ممَّا هو مكتوب من الأحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم . أرجوكم أفيدوني ، هل أصلي هذه الصلوات ، وهل هى صحيحة أم ضعيفة ؟
الجواب:
الحمد لله
لم يرد حديث صحيح في فضل تخصيص يوم من أيام الأسبوع أو لياليه بقيام أو صلاة نافلة ، وكل ما ورد في ذلك فهو منكر مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا تجوز روايته فضلا عن العمل به ، ومن عمل بمثل هذه الأحاديث المكذوبة فإنما يبتدع في الدين ما ليس منه ، فليحذر عقوبة الله وغضبه .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (23/134) :(/1)
" والصلاة يوم الأحد والاثنين وغير هذا من أيام الأسبوع - وإن كان قد ذكرها طائفة من المصنفين فى الرقائق - فلا نزاع بين أهل المعرفة بالحديث أن أحاديثه كلها موضوعة ، ولم يستحبها أحد من أئمة الدين ، وفى صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لَا تَخُصُّوا لَيلَةَ الجُمعَةِ بِقِيَامٍ ، وَلَا يَومَ الجُمعَةِ بِصِيَامٍ ) والله أعلم " انتهى .
ويقول ابن القيم في "المنار المنيف" (95) :
" أحاديث صلوات الأيام والليالي ، كصلاة يوم الأحد وليلة الأحد ويوم الاثنين وليلة الاثنين إلى آخر الأسبوع ، كل أحاديثها كذب " انتهى .
ويقول العراقي رحمه الله في "تخريج الإحياء" (1/259) :
" ليس يصح في أيام الأسبوع ولياليه شيء ، وكلها ضعيفة منكرة " انتهى .
وقال الشوكاني في "الفوائد المجموعة" (46) :
" قال في المختصر : لا يصح في صلاة الأسبوع شيء " انتهى .
وقد جاء في فضل قيام الليل مطلقا آيات كريمة وأحاديث صحيحة سبق بيانها في جواب السؤال رقم (50070)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
82344
العنوان:
صفة الاغتسال من الحدث الأكبر
السؤال:
كيفية الوضوء الأكبر ؟ هناك اختلافات في عدة مذاهب ، فمن يجب عليَّ اتباعه ؟ وكيف كان يتوضأ الرسول صلى الله عليه وسلم ، الوضوء الأصغر ؟ والوضوء الأكبر ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجب عليك اتباع مذهب معين ، إنما يجب عليك أن تسأل من تَثِق به من أهل العلم ، ممن اشتهر في الناس علمه وفضله ، ثم تأخذ بما يُبَيِّنُه لك من أحكام الدين ، ولا يضرك إن كان هناك خلاف بين أهل العلم في مسائل الدين ، فهو شيء أراده الله لحكمته ، والمسلم الذي لا يمكنه الاجتهاد لمعرفة الحق ، إنما يجب عليه سؤال أهل العلم ، وليس عليه أكثر من ذلك .
ثانيا :
سبق في جواب السؤال رقم (11497) بيان صفة الوضوء من الحدث الأصغر بالتفصيل ، فليرجع إليه .
ثالثا :
أما عن صفة الاغتسال من الحدث الأكبر ، فالجواب :
الغسل له صفتان :
صفةٌ مجزئة : بمعنى أنه من اكتفى بالغسل على هذه الصفة صح غسله ، وتطهَّر من الحدث الأكبر ، ومَن أَخَلَّ بهذه الصفة لم يصحَّ غسله .
صفة كاملة مستحبة : وهي الصفة التي يستحب الإتيان بها ولا يجب .
أما الصفة الواجبة المجزئة فهي :
1- أن ينوي الطهارة من حدثه : جنابة أو حيضا أو نفاسا .
2- ثم يَعُمَّ بدنَه بالغسل مرة ، يتفقَّد فيها أصول شعره ، والمواضع التي لا يصل إليها الماء بسهولة كالإبطين وباطن الركبتين ، مع المضمضة والاستنشاق على الصحيح من أقوال أهل العلم .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "الشرح الممتع" (1/423) :
"والدليل على أن هذا الغسل مجزئٌ : قوله تعالى : ( وَإِن كُنتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُواْ ) المائدة/6 ، ولم يذكر الله شيئا سوى ذلك ، ومن عَمَّ بدنه بالغسل مرة واحدة صدق عليه أنه قد اطَّهَّرَ" انتهى .
أما الصفة الكاملة فهي :
1- أن ينوي بقلبه الطهارة من الحدث الأكبر : جنابة أو حيض أو نفاس .(/1)
2- ثم يسمي الله تعالى ، ويغسل يديه ثلاثا ، ويغسل فرجه من الأذى .
3- ثم يتوضأ وضوءه للصلاة كاملا .
4- ثم يصب الماء على رأسه ثلاث مرات ، ويدلك شعره حتى يصل الماء إلى أصول الشعر.
5- ثم يعم بدنه بالماء والغسل ، يبدأ بشق بدنه الأيمن ، ثم الأيسر ، يدلكه بيديه ليصل الماء إلى جميع الجسم .
والدليل على هذه الصفة المستحبة :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ غَسَلَ يَدَيهِ وَتَوَضَّأَ وُضُوءَهُ لِلصَّلَاةِ ، ثُمَّ اغتَسَلَ ، ثُمَّ يُخَلِّلُ بِيَدِهِ شَعرَهُ ، حَتَّى إِذَا ظَنَّ أَنَّه قَد أَروَى بَشرَتَهُ ، أَفَاضَ عَلَيهِ المَاءَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، ثُمَّ غَسَلَ سَائِرَ جَسَدِهِ ) رواه البخاري (248) ومسلم (316) .
وعنها رضي الله عنها قالت : ( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ ، إِذَا اغتَسَلَ مِنَ الجَنَابَةِ، دَعَا بِشَيْءٍ نَحوَ الحِلَابِ ، فَأَخَذَ بِكَفّهِ ، بَدَأَ بِشقِّ رَأسِهِ الأَيمَنِ ، ثُمَّ الأَيسَرِ ، ثُمَّ أَخَذَ بِكَفَّيهِ ، فَقَالَ بِهِمَا عَلَى رَأسِهِ ) أخرجه البخاري (258) ومسلم (318) .
الحلاب : الإناء الذي يُحلب فيه .
وانظر جواب السؤال رقم (10790) .
ومن الأحكام المهمة في هذا الباب :
أن الغسل من الحدث الأكبر يجزئ عن الوضوء ، فمن اغتسل الغسل الكامل أو المجزئ ، لا يجب عليه أن يعيد الوضوء ، إلا إن جاء بأحد نواقض الطهارة أثناء غسله ، وانظر جواب السؤال (68854).(/2)
رقم السؤال:
82349
العنوان:
كيف نرد على من يقول إن الطواف عبادة تشبه عبادة الأوثان؟
السؤال:
كيف نرد على من يقول إن الطواف عبادة تشبه عبادة الأوثان؟
الجواب:
الحمد لله
لا بد أن نحدِّد أولا ما هو الجوهر الذي جاءت الشريعة الإسلامية تدعو الناس إليه ، وبه افترقت عن الوثنية الجاهلية ، ثم سندرك بعد ذلك إن كان الطواف بالكعبة من مظاهر الوثنية أو من مظاهر التوحيد والإسلام .
وإذا رجعنا إلى كتاب الله تعالى وجدنا أن جوهر دين الإسلام هو الانقيادُ والاستسلام لأوامر الله ، واتخاذُهُ سبحانه ربا ومعبودا فرداً صمداً ، والكفرُ بما دونه من المعبودات الباطلة .
يقول الله سبحانه وتعالى : ( فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيماً ) النساء/65 .
وقال تعالى : ( وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ ) لقمان/22 .
وقال عز وجل : ( وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ ) الزمر/54 .
وأما الوثنية الجاهلية فهي تعني الاستسلام لغير الله ، والإقبالَ على أي شيء دون الله من حجر أو وثن أو ولي ، إقبال العابد الراغب الراهب الضعيف الذليل ، وهذه الأمور – في الإسلام - لا تنبغي إلا لله سبحانه وتعالى .
يقول عز وجل : ( اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) التوبة/31 .(/1)
وقال تعالى : ( ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ ) غافر/12 .
ويقول سبحانه : ( مَا لَهُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَداً ) الكهف/26 .
فإذا تقرر هذا استطعنا أن نفرِّق بين حال المسلم الموحِّد ، وبين حال المشرك الوثني في المسائل التي تتشابه في ظاهرها ، فمثلا :
المسلم الموحِّدُ يحبُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويعظمه ويبجله ويفديه بروحه ونفسه وماله ويطيع أوامره ، كل ذلك امتثالا لأمر الله تعالى في قوله : ( فالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف/157 .
أما المشرك الوثني فتراه يُقبل على قبر الرسول صلى الله عليه وسلم ، يسأله قضاء حوائجه ، ويستغيث به لتفريج همومه ، ويدعوه دعاء المذلة والعبودية ، فيقيمه مقام الألوهية ، وقد يعتقد أن بيده خزائن السماوات والأرض ، وأن اللوح المحفوظ من علمه ، إلى غير ذلك قاله أو اعتقده بعض الجهلة ، والمشرك في ذلك لم يمتثل أمر الله ، ولا أسلم وجهه له سبحانه ، بل أسلم نفسه لغير الله ، وأطاع الشيطان في ذلك .
ومثال آخر :
المسلم الموحِّد يطيع أوامر الله منقاداً فيها لعظمته سبحانه وتعالى ، فإذا أمره بالسجود لبشر ، أو بتعظيم بشر ، أو حجر : فإنه يمتثل ذلك عبادة لله تعالى ، واستسلاماً لأمره وحكمه ، كما فعلت الملائكة حين أمرهم الله بالسجود لآدم عليه السلام فسجدوا .(/2)
أما المشرك الوثني فهو يسجد للبشر أو للحجر تعظيماً لذات البشر والحجر ، وانقياداً لما يتوهمه فيهم من نفع أو ضر ، وإقبالا عليهم بالرغبة والرهبة والخشوع والتذلل ، وهو في ذلك لم يراع أمراً لله تعالى ، ولم يستجب لحكمه سبحانه ، إنما توجه لمخلوق دون الله بالانقياد والعبادة بمحض هواه وإرادته .
ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"أما الخضوع والقنوت بالقلوب والاعتراف بالربوبية والعبودية : فهذا لا يكون على الإطلاق إلا لله سبحانه وتعالى وحده ، وهو لغيره ممتنع باطل ، وأما السجود فشريعة من الشرائع إذ أمرنا الله تعالى أن نسجد له ، ولو أمرنا أن نسجد لأحدٍ من خلقه غيره : لسجدنا لذلك الغير ؛ طاعة لله عز وجل إذ أحب أن نعظِّم من سجدنا له ، ولو لم يفرض علينا السجود : لم يجب البتة فعله ، فسجود الملائكة لآدم عبادة لله وطاعة له وقربة يتقربون بها إليه ، وهو لآدم تشريف وتكريم وتعظيم ، وسجود إخوة يوسف له تحية وسلام" انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 4 / 360 ، 361 ) .
وبذلك نفرق بين أحوال كثيرة قد يتشابه فيها الفعلان في الظاهر ، إلا أن حقيقة أحدهما أنه من الإسلام والتوحيد والإيمان ، والثاني إنما هو شرك وكفر ووثنية .
ومن ذلك الطواف بالكعبة :
فالمسلم الموحد يمتثل أمر الله تعالى له في كل صغير وكبير ، وهو حين يسمع قوله تعالى : ( وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ ) الحج/29 : لا يملك إلا أن يمتثل ذلك ، فيطوف بالكعبة المشرفة حبّاً لله ، وطاعة له ، ورغبة إليه سبحانه ، يرجو رحمة من الله ، ويخشى من عذابه ، ولا يتعدى ما أُمر به من الطواف ، فلا يتمسح بأحجار هذا البيت ، ولا يعتقد فيها النفع أو الضر .(/3)
أما المشرك الوثني : فهو الذي يطوف بالأحجار أو القباب أو المقامات تعظيماً لها لذاتها ، يرجو منها تفريج الكربات ، وإجابة الدعوات ، يبكي خوفاً منها ، ويتضرع رغبة في عطائها ، ويتقرب إليها بأنواع العبادات من السجود أو الذبح أو الطواف أو الدعاء ، وهو في ذلك لا يمتثل أمراً لله ، ولا شريعة لنبيه صلى الله عليه وسلم ، بل يستجيب للهوى والشيطان .
إذن فالفرق كبير وظاهر بين أعمال أهل التوحيد والإسلام ، وبين مظاهر الوثنية والشرك ، ومن لم يتنبه لهذا الفرق اختلطت عليه الأمور ، وما عاد يفرق بين الكفر والإيمان .
ونرجو أن يكون الفرق بين الحالين قد اتضح .
والله أعلم(/4)
رقم السؤال:
82360
العنوان:
رأي المسلمين في المسيحيين ، وهل الجهاد الذي كان يتحدثون عنه في الماضي لا زال موجودا ؟
السؤال:
ما هو رأي المسلمين في المسيحيين ؟ ولماذا يوجد كل هذه البلبلة ؟ أبسبب الحملات الصليبية ؟ وهل الجهاد الذي كانوا يتحدثون عنه في الماضي لا زال موجودا ؟ ألا يمكن للثقافتين القبول بأن الرب والله هما نفس الخالق ؟ حيث إن كليهما يوصفان بطريقة مشابهة كثيرا ، وأنا أتساءل : إن قبلت الثقافتين بأن الرب والله يعودان للخالق نفسه ألا يساهم ذلك في حل العديد من المشاكل ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
المسلمون يرون المسيحيين على طائفتين :
الأولى : من كان مؤمنا بعيسى عليه السلام في زمن عيسى ، أو بعده ، قبل بعثة محمد صلى الله عليه وسلم ، فهؤلاء مؤمنون صالحون موحدون ، يؤمنون بأن عيسى رسول عظيم مرسل من الله تعالى ، ويؤمنون بغيره من الرسل كإبراهيم وموسى .
وأما من كان مؤمنا بعيسى عليه السلام ، ثم آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ، فهذا شأنه أعظم ، وله أجران كما أخبر نبينا صلى الله عليه وسلم .
والطائفة الثانية : من انحرف عن التوحيد واعتقد في عيسى أنه الله أو ابن الله أو قدم له شيئا من العبادة كالصلاة والدعاء ، فهذا مخالف لعيسى ولغيره من الرسل ، متبع للتحريفات التي أدخلها القساوسة والرهبان على الدين الحق الذي أتى به عيسى عليه السلام من عند الله تعالى .
وكذلك من سمع برسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، لكنه لم يؤمن به ولم يتبعه ، فهذا مخالف للمسلمين ، ولعيسى عليه السلام الذي بشر بأخيه محمد صلى الله عليه وسلم .(/1)
وهذا الموقف العقدي موقف ثابت ، ليس ناتجا عن الحروب الصليبية أو ظلم المستعمرين وطمعهم في بلاد الإسلام . فلو أن أحداً أنكر رسالة عيسى عليه السلام أو رسالة موسى عليه السلام أو رسالة محمد صلى الله عليه وسلم كان كافرا . ولو أن أحداً أنكر إنزال هذا القرآن من عند الله ، أو سخر منه لكان كافرا ، لأن القرآن منزل من عند الله تعالى .
وأما الجهاد فإنه باق إلى يوم القيامة ، وهدفه : إيصال دعوة الحق إلى جميع الناس , وتحرير الإنسان من القوى الظالمة التي تحجب عنه النور ، وتمنعه من التفكير في الحق ، وتخضعه لأحكام مخالفة لأحكام الله تعالى . وليس هدف الجهاد أن يكره أحدا على الدخول في الإسلام ، فإن الله تعالى يقول : ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ) البقرة/256 .
ثانياً :
ما ذكرته عن الرب والله والخالق ، دليل على استقامة فطرتك ، وصحة عقلك ، وهذا ما يعتقده المسلمون ، فالرب هو الله وهو الخالق الذي لا خالق غيره ، ولا رب سواه . ولا يستحق أن يُعبد غيره . فالخالق الرازق المدبر ، هو الله ، الذي لا إله غيره ، ولا يجوز أن نعبد سواه . وهذا الإله لا يمكن أن يكون مثل البشر له ولد أو زوجة ، تعالى الله عن ذلك .
وأيضا هذا الإله لا يمكن أن يحل في بشر ، فيأكل ويشرب ويجوع ويعطش ، ويضرب ويصلب .(/2)
فعقيدة الإسلام عقيدة سهلة موافقة للعقل والمنطق : هناك خالق ومخلوق . الخالق هو الله تعالى ، والمخلوق كل ما سواه ، من سماوات وأرض وشمس وقمر وإنس وجن . والله تعالى من رحمته أن أرسل رسلا إلى الناس ، يدعونهم إلى الله ، ويدلونهم على الخير ، ومن هؤلاء الرسل : نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله وسلم عليهم جميعا . وقد أيد الله هؤلاء الرسل بالآيات ، وهي أمور خارقة لا يستطيع الناس أن يأتوا بمثلها ، وتكون مناسبة للعصر والبيئة التي بعث فيها الرسول : فمنهم من ألقي في النار فلم تؤذه كإبراهيم ، ومنهم من كان يحيي الموتى ويشفي المرضى بإذن الله كعيسى ، ومنهم من أوتي القرآن ، وتحدى جميع العرب الفصحاء أن يأتوا بسورة من مثله فلم يستطيعوا ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، وأنطق الله له الجماد والحيوان ، فسبح الحصى في كفه ، وشكى إليه الجمل ما يلاقيه من كثرة العمل ، إلى غير ذلك من المعجزات الكثيرة .
ولو تأمل العاقل : ما الذي يمنع المسيحيين من الاعتقاد بأن عيسى عليه السلام رسول من عند الله ، شأنه شأن إبراهيم وزكريا ويحيى عليهم السلام ؟
وبهذا تنتهي المشكلة ، ويتفق العقل مع الفطرة والوحي . وأن عيسى عليه السلام دعا إلى الله ، وبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم ، وأن أعداءه حاولوا قتله ، فنجاه الله تعالى ، فما صلب ولا قتل ، بل وقع الشبه على أحد أصحابه ، كما قال القرآن : ( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ) النساء/157 .
وبهذا يؤمن الجميع بالله الرب الخالق ، المعبود وحده ، ويؤمنون برسله الكرام كإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم جميعا ، ثم يتبعون شريعة آخرهم وخاتمهم ، محمد صلى الله عليه وسلم .
وليس هذا مجال المقارنة بين سهولة هذه العقيدة وموافقتها للفطرة ، في مقابل الاضطراب والتناقض الموجود في العقيدة النصرانية ، لكن لنضرب مثالا واحدا ، وهو موضوع الصلب والفداء :(/3)
فإن النصارى يكررون دائما بأن الله أرسل ابنه الوحيد ليرفع الخطيئة عن البشر ، ويرون ذلك مثالا للرحمة والعدل ، ونحن نسأل : أي عدل وأي رحمة في أن يعذب الله ابنه الوحيد - بزعمهم - على خطيئة لم يقترفها ؟!
وأي عدل في أن تنتقل خطيئة آدم إلى بنيه ، ثم يحتاجون إلى تكفيرها ؟!
وأي عدل ورحمة في أن يتأخر تكفير هذه الخطيئة آلاف السنين ، ما بين آدم إلى زمن عيسى عليه السلام ؟!
وأي عدل ورحمة في أن يتوقف تكفير الخطايا على صلبٍ وألم ومحنة ، وقد كان يتم تكفيرها - لدى اليهود بالتوبة والقربان ؟!
لكن النصارى لما آمنوا بالصلب ، أرادوا أن يرفعوا عن المسيح تلك السبّة الشنيعة التي تلحقه بالصلب وهي اللعن ، فادعوا أن الصلب هو الشرف الحقيقي والهدف الأسمى من رسالة المسيح !
انظر : سفر التثنية (21/22) وفيه : ( لأن المعلق - المصلوب - ملعون من الله ) .
ولا شك أن الإيمان بعقيدة النصارى في الصلب والفداء تلزم منه لوازم باطلة منها :
1- أن يكون الأنبياء السابقون وعباد الله الصالحون كلهم هالكين ؛ إذ لم تكفر عنهم تلك الخطيئة قبل موتهم .
2- أن يكون اليهود هم أعظم الناس منة وفضلا على النصارى والعالم ، لأنهم هم الذين تحقق على أيديهم هذا الهدف الأسمى وهو صلب المسيح !
3- أن يرتع الناس في الشر والإثم ، آمنين من عقاب الله ، لأن الخطيئة الكبرى قد كفرت عنهم ، ولأن الله سيغفر لهم كل خطيئة كما يدعون .
4- ولو كان المسيح مصلوبا باختياره كما يقولون ، لما صرخ بعد الصلب وقال : ( إيلي إيلي لم شبقتني ؟ أي إلهي إلهي لماذا تركتني ؟! ) "مرقس" (15/34) .
وأخيرا .. نسأل الله تعالى أن يوفقك في بحثك عن الإسلام ، وأن يهديك ويشرح صدرك لمعرفة الحق واتباعه أينما كان . ونرجو أن يكون ما ذكرناه فيه إجابة على أسئلتك ، وإن كانت المواضيع التي أثرتها تحتاج إلى تفصيل أكثر من هذا ، لكن نحن نسعد بالتواصل معك والإجابة على استفساراتك دائما .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
82365
العنوان:
منهج المحدثين منهج العدل والإنصاف
السؤال:
كتب أبو الأعلى المودودي في كتابه (تفاهمات) ما يلي : " قد يكون لدى المحدثين أيضًا ضعف بشري أو أخطاء ، فقد كانوا من البشر ، وربما كانت هناك عداوة بينهم وبين الراوي ، ولذلك فربما يقول المحدث إن راوي الحديث ضعيف لأنه يكرهه " وذكر مولانا في كتابه بعض الأمثلة على محدثين ذائعي الصيت وعداوتهم ، معذرة ، لا أجد كلمة أخرى أعبر بها بدلا من كلمة عداوة . فمن فضلكم ساعدوني في إزالة هذا الإشكال . لا يمكن أن تتخيلوا كم أربكني وحيرني هذا القول ؟ بل لدرجة أني غالبًا أجد الشك في الامتثال لحديث صحيح . رجاء الجواب بأسرع وقت ممكن .
الجواب:
الحمد للَّه
أولا :
علم الحديث والإسناد هو من خصائص هذه الأمة ؛ فلا يوجد عند أمة من الأمم مثل ما عندنا من العناية بالإسناد في نقل كتبهم ودينهم ، ولذلك دخلها التحريف والتأليف ، واستحال وصولهم إلى الدين النقي ، أو الوقوف على أحوال أنبيائهم ، على ما كانت عليه ، من وجه صحيح يوثق به .
ولعلماء الحديث في ذلك اليد الطولى ، والمقام المنيف الذي حباهم الله تعالى به ؛ إذ شرفهم الله بالعمل على حفظ دينه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .(/1)
قال محمد بن حاتم بن المظفر رحمه الله : " إن الله أكرم هذه الأمة وشرفها وفضلها بالإسناد ، وليس لأحد من الأمم كلها ، قديمهم وحديثهم إسناد ، وإنما هي صحف في أيديهم ، وقد خلطوا بكتبهم أخبارهم ، وليس عندهم تمييز بين ما نزل من التوراة والإنجيل مما جاءهم به أنبياؤهم ، وتمييز بين ما ألحقوه بكتبهم من الأخبار التي أخذوا عن غير الثقات . وهذه الأمة إنما تنص الحديث من الثقة المعروف في زمانه ، المشهور بالصدق والأمانة عن مثله حتى تتناهى أخبارهم ، ثم يبحثون أشد البحث حتى يعرفوا الأحفظ فالأحفظ ، والأضبط فالأضبط ، والأطول مجالسة لمن فوقه ممن كان أقل مجالسة ، ثم يكتبون الحديث من عشرين وجها وأكثر حتى يهذبوه من الغلط والزلل ، ويضبطوا حروفه ويعدوه عدا ؛ فهذا من أعظم نعم الله تعالى على هذه الأمة . نستوزع الله شكر هذه النعمة ، ونسأله التثبيت والتوفيق لما يقرب منه ويزلف لديه ، ويمسكنا بطاعته ، إنه ولي حميد " اهـ شرف أصحاب الحديث (40) .
ثانيا :
وهم أولى من يتحرى الأمانة في الحكم والنقل ، وأوثق من يتحرز من الحيف والجور ، حتى ضربوا بذلك أعظم الأمثلة في الإنصاف وتجنب المحاباة في دين الله :
فهذا علي بن المديني يطلق الحكم بضعف أبيه ، وهو يدرك أن حكمه هذا على والده سيكون كفيلا بالقضاء على مكانته العلمية ، فلم يمنعه ذلك من إطلاق رأيه فيه .
قال الخطيب البغدادي رحمه الله :
" فليس أحد من أهل الحديث يحابي في الحديث أباه ، ولا أخاه ، ولا ولده . وهذا علي بن عبد الله المديني ، وهو إمام الحديث في عصره ، لا يروى عنه حرف في تقوية أبيه بل يروى عنه ضد ذلك " اهـ شرف أصحاب الحديث (41) .
وقال ابن حبان في "المجروحين" (2/15) :
" سئل علي بن المديني عن أبيه ؟ فقال : " اسألوا غيري " فقالوا : سألناك ، فأطرق ، ثم رفع رأسه وقال : " هذا الدين ، أبي ضعيف " انتهى .(/2)
وهذا يحيى بن معين يتكلم في صاحب له ممن كان يحبه ، فنقل عنه الحسين بن حبان قوله في ( محمد بن سليم القاضي ) : " هو والله صاحبنا ، وهو لنا محب ، ولكن ليس فيه حيلة البتة ، وما رأيت أحداً قط يشير بالكتاب عنه ولا يرشد إليه " وقال : " قد والله سمع سماعاً كثيراً ، وهو معروف ، ولكنه لا يقتصر على ما سمع ، يتناول ما لم يسمع " ، قلت له : يكتب عنه ؟ قال : " لا " انتهى . انظر "تاريخ بغداد" (5/325)
وهذا جرير بن عبد الحميد يقول عن أخيه أنس : " لا يكتب عنه ؛ فإنه يكذب في كلام الناس " "الجرح والتعديل" (2/289)
والإمام البخاري يروي في صحيحه كثيرا عن شيخه محمد بن يحيى الذهلي رغم ما تعرض له من الأذى بسبب كلامه فيه وهجره له ، إلا أن العداء لم يمنعه من قبول حديثه وروايته .
وقد كانوا يقبلون حديث من يخالفهم في الرأي والمعتقد – إذا ثبت صدقه وتحريه -، ولم يكن ابتداع الراوي بمانع لهم أن يحكموا فيه بالعدل والإنصاف ، وهم يسمعون قول الله تعالى :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) المائدة/8
سئل يحيى بن معين عن سعيد بن خثيم الكوفي فقال : كوفي ليس به بأس ، ثقة ، فقيل ليحيى : شيعي ؟ فقال : وشيعي ثقة ، وقدري ثقة . "تهذيب الكمال" (10/414)
وكان عباد بن يعقوب الرواجني الكوفي شيعياً جلداً ، ومع ذلك فقد كان ابن خزيمة يقول في صحيحه (2/376) : حدثنا الثقة في روايته المتهم في دينه عباد بن يعقوب.
ثالثا :(/3)
كما كانوا يدركون خطورة التطاول على أعراض الناس بغير حق ، وعظم شأن الخوض في أحوال الرواة لما ينبني عليه من قبول حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أو رده ، حتى قال مُحَمَّد بْن سِيرِينَ : " إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ دِينٌ فَانْظُرُوا عَمَّنْ تَأْخُذُونَ دِينَكُمْ "
رواه مسلم في مقدمة صحيحه .
وقال ابن دقيق العيد :
" أعراض المسلمين حفرة من النار ، وقف على شفيرها طائفتان من الناس : المحدثون والحكام " انتهى . انظر "تدريب الراوي" (2/369)
ومثل هذا التدين العظيم ، والورع البالغ لا بد وأن يكون له أكبر الأثر في الإنصاف وتحري الصواب حين الحكم على الرواة ، وهذا ما يشترطه أهل العلم في كل من يشتغل بالنقد .
قال الذهبي في "الموقظة" (82) :
" الكلام في الرواة يحتاج إلى ورع تام ، وبراءة من الهوى والميل ، وخبرة كاملة بالحديث وعلله ورجاله " انتهى .
ويقول المعلمي رحمه الله في "التنكيل" (1/54) :
" أئمة الحديث عارفون متيقظون يتحرزون من الخطأ جهدهم ، لكنهم متفاوتون في ذلك " انتهى .
رابعا :
نعم ، ليس الواحد من هؤلاء معصوما ، ومن الممكن أن يقع في كلام بعضهم شيء من الخطأ ، ومن الممكن أيضا أن يكون الحامل على بعض هذه الأخطاء حب أو سخط ، وقد وقع شيء من ذلك فعلا ، وذلك ما لا يخلو عنه البشر ، إلا أن ذلك لا ينبغي أن يكون باعثا على التشكك في جميع أحكام النقاد ، وذلك لما يلي :
1- لأنها أخطاء يسيرة في جنب التراث العظيم الذي خلفه أئمة الحديث والجرح والتعديل ، وهو في غالبه العظيم على جادة الأمانة والإنصاف ، فلا يجوز أن يهدر ذلك بسبب النادر من الأخطاء .
2- ولأن المحققين من النقاد بينوا تلك الأخطاء وميزوها في كلامهم ونقدهم ، فما كان الباعث عليه عداء أو حسد أو اختلاف مذهب ردوا الحكم الجائر ، وأنصفوا فيه الراوي .(/4)
ولهذا لم يقبل العلماء قول الإمام مالك في محمد بن إسحاق صاحب "المغازي" أنه دجال من الدجاجلة ؛ لما علم أنه صدر من منافرة باهرة ، بل حققوا أنه حسن الحديث ، واحتجت به أئمة الحديث ، ولم يقبل قول النسائي في أحمد بن صالح المصري ، ولا قول ربيعة في أبي الزناد عبد الله بن ذكوان . انظر "الرفع والتكميل" (409-432) .
قال أبو حاتم الرازي رحمه الله : " لم يكن في أمة من الأمم منذ خلق الله آدم أمناء يحفظون آثار الرسل إلا في هذه الأمة » فقال : له رجل : يا أبا حاتم ربما رووا حديثا لا أصل له ولا يصح ؟ فقال : « علماؤهم يعرفون الصحيح من السقيم (1) ، فروايتهم ذلك للمعرفة ليتبين لمن بعدهم أنهم ميزوا الآثار وحفظوها ، ثم قال : » رحم الله أبا زرعة ، كان والله مجتهدا في حفظ آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم " شرف أصحاب الحديث ( 43) .
ولتعلم ـ أيها السائل الكريم ـ
فقد حفظ الله هذا الدين بمنه وفضله ، وأن السنة المشرفة محفوظة بحفظ الله تعالى لدينه [ راجع السؤال رقم (77243) ] ، فلا يمكن أن يجتمع العلماء على توثيق راو ضعيف ، أو جرح راو صدوق ، بل لا بد أن تجد الحق والإنصاف باديا ظاهرا في أقوال جمهور أهل العلم وفي معظم مسائل الدين .
يقول الإمام الذهبي رحمه الله "الموقظة" (84) :
" وقد يكون نفس الإمام فيما وافق مذهبه أو في حال شيخه ألطف منه فيما كان بخلاف ذلك ، والعصمة للأنبياء والصديقين وحكام القسط .
ولكن هذا الدين مؤيد محفوظ من الله تعالى ، لم يجتمع علماؤه على ضلالة ، لا عمدا ولا خطأ ، فلا يجتمع اثنان على توثيق ضعيف ، ولا على تضعيف ثقة ، وإنما يقع اختلافهم في مراتب القوة أو مراتب الضعف ، والحاكم منهم يتكلم بحسب اجتهاده وقوة معارفه ، فإن قدر خطؤه في نقده فله أجر واحد ، والله الموفق " انتهى .
يقول ابن كثير في "الباعث الحثيث" (1/11) :(/5)
" أما كلام هؤلاء الأئمة المنتصبين لهذا الشأن ، فينبغي أن يؤخذ مسلماً من غير ذكر أسباب ، وذلك للعلم بمعرفته ، واطلاعهم واضطلاعهم في هذا الشأن ، واتصافهم بالإنصاف والديانة والخبرة والنصح ، لا سيما إذا أطبقوا على تضعيف الرجل ، أو كونه متروكاً ، أو كذاباً أو نحو ذلك ، فالمحدث الماهر لا يتخالجه في مثل هذا وقفة في موافقتهم ، لصدقهم وأمانتهم ونصحهم ، ولهذا يقول الشافعي في كثير من كلامه على الأحاديث : " لا يثبته أهل العلم بالحديث " ، ويرده ، ولا يحتج به بمجرد ذلك " انتهى .
وبخصوص ما أشرت إليه ـ أخانا الكريم ـ من كلام الشيخ المودودي ـ عفا الله عنه ـ في كتابه المذكور ، فالشيخ المودودي وإن كان له من الفضل والسابقة في الدعوة في شبه القارة الهندية ، والتصدي لكثير من الأفكار التغريبية المنحرفة ، وجهوده الكبيرة في الدعوة والتأليف ، إلا أنه ـ شأن غيره من البشر ليس معصوما عن الخطأ ، خاصة إذا تكلم في غير ما يحسن ، وفي غير تخصصه ، كما هو الحال في موضع السؤال ، وقد كانت للشيخ رحمه الله هفوات ، بل أخطاء عديدة في موقفه من السنة النبوية ، ومنهج علماء الحديث في نقدها وتمييزها ، ولا يتسع المجال هنا إلى ذكرها أو الإشارة إليها ، وقد نبه إلى ذلك عدد من العلماء والمختصين ؛ ومن هؤلاء : العلامة الباكستاني " محمد إسماعيل السلفي " رحمه الله ( ت 1387) ، فله دراسة هامة حول " موقف الجماعة الإسلامية من الحديث النبوي " ، وانظر أيضا ـ بالعربية ـ : " زوابع في وجه السنة " تأليف صلاح الدين مقبول أحمد ، ص (117) وما بعدها .(/6)
وأخيرا ، فلتقر عينك أخي الكريم بنعمة الله تعالى على الأمة بذلك العلم الشريف ، ولا تسترسل في التشكك في الأحاديث الصحيحة ، فالعقل يقضي بعدم رد جهود آلاف العلماء الأمناء عبر آلاف السنين بأخطاء وقعت هنا وهناك ، وما أرى الذي يقع في نفسك إلا من وسواس الشيطان ، فاستعذ بالله منه ، ولا تلتفت إليه ، واحرص على القراءة في كتب علوم الحديث ، وأنا واثق أنه سيهولك تلك الجهود الجبارة التي تبذل في سبيل التحقق من صحة الحديث الواحد ، وذلك ما آمن به كل من طالع كتب الحديث وعلومه ورجاله ، حتى قال المستشرق مرجليوث : " ليفخر المسلمون بعلم حديثهم " .
والله أعلم .(/7)
رقم السؤال:
82398
العنوان:
اتجاه القبلة لمن يقيم في كندا
السؤال:
المسلمون هنا في كندا يصلون جماعة إلى الشمال الشرقي والتي تبدو أنها خاطئة لأننا من مكة شمال غربها ولكنهم سألوا متخصصين غير مسلمين عن مكان الكعبة فأخبروهم. بعض الإخوة وهم قليل جزموا على الصلاة إلى الجنوب الشرقي وهم مستمرون على ذلك ومخالفون لجماعة المسلمين فما الحكم فيهم؟ علما بأن بعض الإخوة هداهم الله عازمون على طردهم من المسجد، فما رأيكم بارك الله فيكم؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
الوصية لإخواننا المسلمين في كندا وغيرها أن يراعوا الأخوة الإيمانية التي عقدها الله تعالى بين المؤمنين ، قال الله تعالى : ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) الحجرات/ 10 ، وقال الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ ) رواه البخاري (6951) ومسلم (2564)
فإذا كان هناك شيء من الاختلاف في مسألة ما فالواجب هو التباحث فيها ، وسؤال أهل العلم بهدف الوصول إلى الحق واتباعه ، فإن الحكمة ضالة المؤمن ، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل ، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه .
وعليهم أن يراعوا أنهم يقيمون بين أناس ينظرون إليهم على أنهم التطبيق العملي للإسلام فلا يكونون سبباً في تشويه صورة الإسلام النقيّة ، أو يصدُّون عن سبيل الله بسوء أعمالهم وهم لا يشعرون .
ثانياً :
أجمع المسلمون على أن استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة ، لقول الله تعالى : ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ ) البقرة/144 .
وقد سبق بيان ذلك تفصيلاً في جواب السؤال (65853) .
ثالثاً :(/1)
أما جهة القبلة لمن كان في كندا ، فإذا نظرنا إلى خريطة العالم على ورقة مستوية ، فإن القبلة تظهر وكأنها في الجهة الجنوبية الشرقية ، ولكن بعد مراجعة الأمر وسؤال أهل الخبرة والتخصص ، وجد أن الصواب مع الإخوة الذي يستقبلون الشمال الشرقي ، وسبب ذلك وقوع كندا في شمال الكرة الأرضية ، مما يجعل جهة شروق الشمس بالنسبة لها مائلة كثيرا عن الشرق الجغرافي إلى جهة الجنوب ، بحيث تكون مكة في الشمال الشرقي لكندا ، وهذا الأمر يكون أكثر وضوحاً إذا ما نظرنا إلى خريطة العلم مرسومة على كرة مجسمة ، وليست على ورقة مستوية .
بل يمكن تحديد ذلك على الخريطة المستوية بسهولة :
وذلك بتحديد جهة الشمال المغناطيسي (والشمال المغناطيسي هو الجهة التي تشير إليها البوصلة ، وهي جهة القطب الشمال ، وخطوط الطول الموجودة على الخريطة تشير إلى هذه الجهة ) فلو جعلنا خطاً متعامداً على خط الطول فإن هذا الخط يحدد جهة المشرق لمن في هذه المنطقة ، وإذا فعلنا ذلك على كندا ، فسنجد أن مكة تقع في الشمال الشرقي لكندا ، باستثناء المناطق التي تقع في الشمال الشرقي أو في أقصى الشرق من كندا ، فإن قبلتها تقترب كثيراً من جهة الشرق ، بل بعضها يميل قليلاً إلى جهة الجنوب .
فعليكم بمناصحة إخوانكم وبيان اتجاه القبلة الصحيح لهم .
ونسأل الله تعالى أن يؤلف بين قلوبكم ، ويوفقكم لكل خير .
رابعاً :
سبق في جواب السؤال رقم (95241) بيان كيفية تحديد القبلة بواسطة الشمس ، فنأمل منكم مراجعته والعمل بما فيه من أجل التحقق من جهة القبلة .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
82453
العنوان:
والدته تتهم زوجته زورا
السؤال:
أرجو أن تشرح لي مسألة إغضاب الوالدين ، حيث يحرم أن أقول لهما مجرد كلمة أف ، السبب في سؤالي هذا هو أنني متزوج منذ عدة سنوات ولدي طفلان ، ولكن والدتي تشكو دائما من زوجتي ، ولا يوجد بينهما تفاهم ، وهي تتصل بي وتخبرني أن زوجتي شريرة ، وتقول إن زوجتي لا تحترمها ، في حين أن زوجتي ليست كذلك ، وتقول أيضا إن زوجتي تفعل كذا وتقول كذا وهو ما تنكره زوجتي ، وهي لم تعد تقيم معنا ، ومع ذلك ما زالت تقول إن زوجتي لا تحترمها ، ولا أعتقد أن زوجتي قد أخطأت في شيء في الحقيقة ، ولكني متكدر جدا لأنهما لا تستطيعان التفاهم معا ، وزوجتي تبتعد عن عائلتي لأنها تخشى أن يتهموها بشيء لم تفعله ، وهذا يزيد من غضب أمي ؛ لأنها تقول إن زوجتي لا تهتم بها ، فماذا أفعل في هذا الموقف بحيث لا أغضب والديّ ، ولكن في نفس الوقت لم ترتكب زوجتي شيئا ، وتقول لي إنه حرام علي أن لا أقول شيئا عندما يتهمونها بشيء لم تفعله ، فهل هذا صحيح ؟ أرجو نصحي ، ماذا أفعل في هذا الموقف ؟ وهل حرام على أمي أن تخبرني بأن أختار بينهما ؟
الجواب:
الحمد للَّه
مشكلتك أيها الأخ الكريم ، هي إحدى المعضلات في الحياة الزوجية ، وهي مشكلة قديمة معقدة ، حتى صارت عند العرب مضرب المثل لمن بينهم من المعاملة والأخذ والإعطاء ما لا غنى بهم عنه ، ثم لا تزال المشارة والعداوة بينهم ؛ فيقولون : ( إن الحماة أولعت بالكَنَّة ، وأولعت كنتها بالظِّنة ) ؛ فالحماة أخت الزوج وأمه، والكنة امرأة الرجل . والمعنى : أن الكنة إذا سمعت أدنى كلمة قالت: هذا عمل حماتي !! [ انظر : المستقصى في الأمثال ، للزمخشري 1/77 ] ؛ فهناك ، في واقع الأمر ، تربص متبادل من الطرفين ، كل بالآخر !!
وفي مثل هذه العلاقات تشتبك كثير من العوامل والمؤثرات التي ينبغي مراعاتها وتفهمها ، ثم التدرب على كيفية التعاطي معها للخروج بأفضل النتائج .(/1)
ولعلك تدرك أخي الكريم أن الغيرة – التي فطر الله سبحانه وتعالى البشر عليها - هي من أهم تلك العوامل ، وخاصة بين الأم والزوجة ، فإن الأم التي صحبتك تلك السنوات الطوال ، تحفظك وترعاك وتعتني بك ، سوف تشعر بأنك لم تعد ملكا خالصا لها ، بل سوف تشعر أيضا أن نصيبها منك لم يعد وافيا بحقها عليك ، وأن القسمة بينها وبين زوجتك لم تكن عادلة ؛ فللزوجة الحب والحنان والتدليل والرعاية ، وللأم الصبر على متاعبها على مضض ، وإعطاؤها ما تحتاجه ، على كره وتأفف ، هذا إن كان سيعطيها ، فكيف إذا كان عاقا ، ومنعها حقوقها ؟!! وحينئذ تخلق المشاكل .
والغيرة نار تعمي وتصم ، لا تلبث أن تأكل كل سعادة واطمئنان تعيشها الأسرة ، وهي أقوى ما تكون إذا أسأنا التعامل معها ، ولم نحاول تهذيبها وتخفيف لهيبها .
أقول ذلك ابتداء كي تتفهم معي أمرين اثنين مهمين :
الأمر الأول : كي تدرك حقيقة السبب الذي يدفع والدتك لمثل هذه التصرفات تجاه زوجتك ، وتدرك حقيقة عذرها في ذلك ، وأنها قد لا تكون تملك من أمرها شيئا ، فالمرأة ضعيفة جدا أمام هذا الشعور ، ولا تستطيع إخفاءه رغم سعيها الشديد للظهور بمظهر الرضا والقبول ، فإذا أدْرَكتَ حقيقة عذر الوالدة ، اطمأن قلبك نحوها ، وسكنت مشاعرك تجاهها ، وأيقنت أن برها وطاعتها وحبها فرض لازم في حقك نحوها ، لا ينبغي أن تشك في ذلك لحظة واحدة ، مهما بلغ حد المشاكل التي تجرها عليكم نار الغيرة .
أما الأمر الثاني : فهو أن تعلم أنك بالحب وحده يمكنك تغيير الحال الذي بين والدتك وزوجتك ، فالوالدة بحاجة إلى اطمئنان زائد بمحبة ابنها لها ، وأنه على ما عَهِدَتهُ فيه من مودةٍ واحترام وبر وإحسان ، بل ينبغي عليك السعي إلى مضاعفة تلك المشاعر ، بتكرار الزيارات والهدايا والحرص على إسعادها بالكلمة وتلبية الرغبات ، وحينئذ ستبدأ نفسها بالسكون ، وغيرتها بالهدوء ، وتختفي تدريجيا تلك المشاكل التي كانت تصنعها .(/2)
وإذا كانت الوالدة ، من خلال ما يبدو لنا من رسالتك ، سريعة في التجني على زوجتك وأم أولادك ، فإننا سوف نحاول أن نبدأ العلاج منك ومن زوجتك ؛ لأن هذا في واقع الأمر هو الطرف الأسهل والأقرب في المعادلة ، ونقول للزوجة الكريمة ، قال الله تعالى : ( وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) (فصلت:34) .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ وَمَا زَادَ اللَّهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إِلَّا عِزًّا وَمَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ لِلَّهِ إِلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ ) رواه مسلم (2588) .
وفي حديث آخر : ( وَلَا ظُلِمَ عَبْدٌ مَظْلَمَةً فَصَبَرَ عَلَيْهَا إِلَّا زَادَهُ اللَّهُ عِزًّا )
رواه الترمذي (2325) وصححه الألباني .
فكم من المشاكل ستزول حين تجاهد الزوجة الكريمة نفسها على ذلك الأدب ، ابتغاء مرضاة ، وإصلاحا لحال زوجها ، ومحافظة على عيشه وبيته !!
ولتحاول أن تنزل أم زوجها مكان أمها ، في احتمال غضبها ، وغفران إساءتها ، لا سيما والمسكن منفصل ، وهذا يقلل إلى حد كبير من حدوث المشاكل والمصادمات .
وكم ستخف تلك المشكلات ، إلى أن تنتهي بإذن الله ، إذا استطاعت الزوجة الكريمة أن تتحين الفرص المناسبة لهدية لطيفة تهديها لأمك ، حتى وإن كان في النفوس ما فيها . قال صلى الله عليه وسلم : ( تهادوا تحابوا ) رواه أبو يعلى ، وحسنه الألباني .(/3)
وأما أنت ، أيها الأخ الكريم ، فيجب أن يتسع قلبك لبر الوالدة وحبها الكبير ، مع حب الزوجة والسكون إليها ، ونجاحك في ذلك بداية العلاج ، وفشلك فيه يعني استمرار المعاناة أو زيادتها ، والأمر يحتاج منك إلى شيء من التصبر والتعلم ، فإن الإنسان قابل لتعلم بذل مشاعر الود والمحبة كما يتعلم أي صناعة في هذه الدنيا .
وأنت خلال ذلك كله لا بد أن تقف عند الخطوط التي رسمتها لك الشريعة الإسلامية ، وذلك في قوله سبحانه وتعالى :
( وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً ) الإسراء/23
وقوله سبحانه :
( وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) لقمان/15
فتأمل كيف أن شرك الوالدين أو كفرهما – وهي أعظم الذنوب – لا ينبغي أن تحجب الابن عن صحبة والديه بالمعروف ، فكيف ببعض المشاكل مع الزوجة ؟
وأهم هذه الخطوط التي رسمتها الشريعة أيضا ، حفظ حق الزوجة ، واحترام مشاعرها ورغباتها ، وعدم الجور عليها أو ظلمها لإيفاء حق الوالدة ، فلا ينبغي لك أن تطيع والدتك إذا أمرتك بفراق زوجتك ، ولا يجوز أن تصدقها فيما تتهم به زوجتك زورا وبهتانا ، خاصة إذا كانت الزوجة ذات خلق ودين ، فهي أمانة مستودعة في ذمتك ، فيجب عليك أن تحفظ هذه الأمانة .
وإذا كان لنا من همسة في أذن الوالدة الكريمة ، فنقول لها :(/4)
أيتها الأم الكريمة التي حملت ووضعت ، وربت وتعبت ، وآثرت على نفسها وبذلت ، لا تكدري إحسانك لابنك بتنغيص عيشه ، وأنزلي هذه الزوجة التي اختارها ابنك لنفسه ، وجعل الله له منها الولد ، أنزليها منزلة ابنتك ، وانظري : كيف تحبين أن تعيش ابنتك مع زوجها وأهلها ، فعامليها به ، وجاهدي نفسك على الإحسان ، كما أمرنا الرب الجليل : ( وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) البقرة/195 .
فإذا عجزت عن الإحسان فاعدلي . قال الله تعالى : ( وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ) الحجرات/9 .
وحذار ، أيتها الوالدة ، من الظلم ؛ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الظُّلْمُ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) متفق عليه .
وقد سبق تفصيل بعض الأحكام المتعلقة بذلك في جواب السؤال رقم (7653) ، (44932) ، (47040) .
نسأل الله أن يصلح بالكم ، وأن يصلح ذات بينكم ، وأن يرزقنا وإياكم الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
82461
العنوان:
اقبل الهدية ولو كانت متواضعة
السؤال:
إذا أهدى إلي شخص هدية ولم تعجبني ، فهل يجوز أن أردها له وأقول إنها لم تعجبني ، وإنها من نوعية أرخص مما نهديه عادة له ؟ علماً بأنه موسر ، ويمكنه أن يشتري هدية أغلى كثيرا من الهدية التي أهداها .
الجواب:
الحمد للَّه
التواضع من أحسن الخلال ، وأكرم الخصال ، وهو خلق الأنبياء والمرسلين ، وشيمة الأولياء والصالحين ، وذلك بلين الجانب للناس ، وخفض الجناح لهم ، والنزول عند حاجاتهم ورغباتهم .
عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
( أَكمَلُ المُؤمِنِينَ إِيمَانًا أَحَاسِنُهُم أَخْلاَقًا ، المُوَطَّؤُونَ أَكنَافًا ، الذِينَ يَألَفُونَ وَيُؤلَفُونَ ، وَلاَ خَيرَ فِي مَن لاَ يَألَفُ وَلاَ يُؤلَفُ )
أخرجه الطبراني في "الأوسط" (2/268) وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (751)
ومن أعظم سمات المتواضعين قبول الهدية مهما كان قدرها ، وعدم النظر إلى قيمتها وقدرة من أهدى على شراء أفضل منها ، بل ينبغي النظر إليها بعين الرضا والامتنان ، واستشعار أن الهدية الحقيقية هي المحبة الباعثة عليها وليست في قيمتها .
وهذا سيد البشر ، وخاتم الأنبياء والمرسلين ، حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ، على عظم قدره ، وجلالة شأنه ، كان يقبل الهدية ولو كانت كراعا أو شربة لبن .
عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( لَو دُعِيتُ إِلَى كُرَاعٍ لَأَجَبتُ ، وَلَو أُهْدِيَ إِلَيَّ كُرَاعٌ لَقَبِلْتُ ) رواه البخاري (5178)
يقول الحافظ ابن حجر رحمه الله في "فتح الباري" (9/245-246) :
" الكراع : هو مستدق الساق من الرِّجْلِ ، ومن حد الرسغ من اليد ، وهو من البقر والغنم بمنزلة الوظيف من الفرس والبعير ، وقيل الكراع ما دون الكعب من الدواب ، وقال ابن فارس : كراع كل شيء طرفه ...(/1)
وفي الحديث دليل على حسن خلقه صلى الله عليه وسلم ، وتواضعه ، وجبره لقلوب الناس ، وعلى قبول الهدية ، وإجابة من يدعو الرجل إلى منزله ، ولو علم أن الذي يدعوه إليه شيء قليل ، وفيه الحض على المواصلة والتحاب والتآلف وإجابة الدعوة لما قل أو كثر ، وقبول الهدية كذلك " انتهى .
وقال العيني رحمه الله "عمدة القاري" ( 13 / 128 ) :
" وقال ابن بطال : أشار النبي صلى الله عليه وسلم بالكراع والفرسن إلى الحض على قبول الهدية ولو قلَّت ؛ لئلا يمتنع الباعث من المهاداة لاحتقار المهدى إليه " انتهى .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت :
( كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ يَقبَلُ الهَدِيَّةَ وَيُثِيبُ عَلَيهَا ) رواه البخاري (2585)
بل كان قبول الهدية إحدى علامات نبوته لدى أهل الكتب السابقة ، حتى عرفه بها سلمان الفارسي رضي الله عنه في قصة إسلامه ، كما في "مسند" الإمام أحمد (5/441) ، وسبق ذكر القصة في موقعنا في جواب السؤال رقم (88651)
وقد أهدت أم الفضل للنبي صلى الله عليه وسلم شربة لبن فقبلها . كما في البخاري (1658) ومسلم (1123) ، وأهدى له أبو طلحة ورك أرنب فقبله . رواه البخاري (2572) ومسلم (1953) ، ولا تكاد تحصى المواقف التي قبل النبي صلى الله عليه وسلم فيها هدايا الناس ولو صغرت .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ :
( يَا نِسَاءَ الْمُسْلِمَاتِ ! لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ ) رواه البخاري (2566) ومسلم (1030)
فرسن الشاة : حافرها.
قال ابن حجر العسقلاني في "فتح الباري" (10/445) :
" وقال الكرماني : يحتمل أن يكون النهي للمعطية ، ويحتمل أن يكون للمُهدَى إليها .(/2)
قلت ( أي ابن حجر ) : ولا يتم حمله على المهدى إليها إلا بجعل اللام في قوله ( لجارتها ) بمعنى مِن ، ولا يمتنع حمله على المعنيين " انتهى .
بل جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن رد الهدية :
فقد روى عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
( أَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَلا تَرُدُّوا الْهَدِيَّةَ، وَلا تَضْرِبُوا الْمُسْلِمِينَ )
رواه أحمد في "المسند" (1/404) وحسنه محققو المسند ، وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (6/59)
يقول ابن حبان في "روضة العقلاء" (242) :
" زجر النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الخبر عن ترك قبول الهدايا بين المسلمين ، فالواجب على المرء إذا أهديت إليه هدية أن يقبلها ولا يردها ، ثم يثيب عليها إذا قدر ، ويشكر عنها " انتهى .
فعليك أخي السائل الكريم أن تقبل الهدية ، ولا تنظر إلى قيمتها وقدرة المهدي على شراء أفضل منها ، فقد يكون غفل عن شراء أفضل منها أو ضاق عليه الوقت أو لم يوفق في الاختيار أو غير ذلك من الأعذار التي هي من شأنه ، وليس من شأنك أن تبحث عنها ، واقتد في ذلك بنبيك الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، وذلك من محاسن الأخلاق ومكارم الشيم .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
82463
العنوان:
دعاء يحفظ من هوام الأرض
السؤال:
هل يوجد دعاء يمكن للمرء أن يقوله لطرد الحشرات والهوام من المنزل ، مثل الفئران والجرذان وغيرها ؟
الجواب:
الحمد للَّه
حفظ المنزل من هوام الأرض يكون أوَّلاً باتخاذ الأسباب المناسبة ، من استعمال الأدوية التي تقتلها أو تطردها ، وإحكام إغلاق بعض المنافذ ، وإبعاد كل ما يجلبها عن المنزل ، ونحو ذلك مما يتخذه الناس لحفظ بيوتهم ومنازلهم .
وشريعتنا الحكيمة لا تقوم على الخوارق والكرامات ، بل تأمر ببذل الأسباب والاجتهاد فيها ، مع حسن التوكل على الله سبحانه وتعالى ، فلا ينبغي للمسلم أن يتواكل ويقعد عن اتخاذ الأسباب التي سنها الله في هذا الكون ، ويبحث كلما عرض له عارض ، أو عن له أمر ، عن الأدعية أو الأذكار التي يظن أن فيها قضاء حاجته ، من غير أن يأخذ بالأسباب المشروعة التي توصله إلى مراده .
وفي شأن حفظ المنزل من هوام الأرض جاءت بعض الأدعية التي علمنا إياها النبي صلى الله عليه وسلم ، فمن ذلك :
1- عن خَوْلَةَ بِنْتَ حَكِيمٍ السُّلَمِيَّةَ قالت : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ ) رواه مسلم (2708)
يقول النووي في "شرح مسلم" (17/31) :
" قيل : معناه الكاملات التى لا يدخل فيها نقص ولاعيب ، وقيل النافعة الشافية ، وقيل المراد بالكلمات هنا القرآن " انتهى .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ :(/1)
( جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مَا لَقِيتُ مِنْ عَقْرَبٍ لَدَغَتْنِي الْبَارِحَةَ ! قَالَ : أَمَا لَوْ قُلْتَ حِينَ أَمْسَيْتَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ ، لَمْ تَضُرَّكَ ) رواه مسلم (2709)
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/446) :
" إذا قال ذاك مع قوة يقين وكمال إذعان لما أخبر به الشارع ( لا يضره شيء ) من الهوام والمخلوقات ( حتى يرتحل عنه ) أي عن ذلك المنزل .
قال القرطبي : خبرٌ صحيحٌ وقولٌ صادقٌ ، فإني منذ سمعته عملت به فلم يضرني شيء ، فتركته ليلة فلدغنتي عقرب " انتهى .
2- عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ :
( كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَوِّذُ الْحَسَنَ وَالْحُسَيْنَ ، وَيَقُولُ : إِنَّ أَبَاكُمَا كَانَ يُعَوِّذُ بِهَا إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ ، مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ ، وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لَامَّةٍ )
رواه البخاري (3371)
قال ابن حجر في "فتح الباري" (6/410) :
" هامة : بالتشديد واحدة الهوام ذوات السموم " انتهى .
يقول النووي في "شرح مسلم" (14/170) :
" قال كثيرون أو الأكثرون : يجوز الاسترقاء للصحيح لما يخاف أن يغشاه من المكروهات والهوام ، ودليله أحاديث : ومنها حديث عائشة فى صحيح البخارى : ( كان النبى صلى الله عليه وسلم اذا أوى إلى فراشه تفل فى كفه ، ويقرأ قل هو الله أحد والمعوذتين ، ثم يمسح بها وجهه وما بلغت يده من جسده ) والله أعلم " انتهى .
3- عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرٍ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَافَرَ فَأَقْبَلَ اللَّيْلُ قَالَ :(/2)
( يَا أَرْضُ رَبِّي وَرَبُّكِ اللَّهُ ، أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شَرِّكِ ، وَشَرِّ مَا فِيكِ ، وَشَرِّ مَا خُلِقَ فِيكِ ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَدِبُّ عَلَيْكِ ، وَأَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ أَسَدٍ وَأَسْوَدَ ، وَمِنْ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ ، وَمِنْ سَاكِنِ الْبَلَدِ ، وَمِنْ وَالِدٍ وَمَا وَلَدَ )
رواه أبو داود (2603) وسكت عنه ، والنسائي في "السنن الكبرى" (6/144) ، من طريقين عن صفوان بن عمرو عن شريح بن عبيد عن الزبير بن الوليد عن ابن عمر به .
قلت : وهذا سند يحتمل التحسين في باب الأذكار ، فإن رجاله ثقات ، غير الزبير بن الوليد ، فهو من التابعين ولم يرد توثيق له ، إلا ذكر ابن حبان له في الثقات (4/261) ، وسكت عنه البخاري في "التاريخ الكبير" (3/410) ، وقال الذهبي في "الكاشف" (1/402) : ثقة .
لذا صححه الحاكم في "المستدرك" (1/615) ، وابن خزيمة (4/152) ، وحسنه الحافظ ابن حجر كما في "الفتوحات الربانية" (5/164) ، وإن كان ضعفه به الألباني في "السلسلة الضعيفة" (4837) .
قال في "عون المعبود" (7/189) :
" الأَسوَد : الحية العظيمة ، ( ومن ساكني البلد ) : قيل : الساكن هو الإنس ، سماهم لأنهم يسكنون البلاد غالبا ، وقيل : هو الجن ، ( ومن والد وما ولد ) قال الخطابي : ويحتمل أن يكون أراد بالوالد إبليس وما ولد الشياطين " انتهى .
غير أننا ننبه إلى أن هذه الأذكار والأدعية التي أوردناها إنما هي في الحفظ من شر هذه الهوام والدواب ؛ ولا يلزم من ذلك أن تطرد هذا الهوام ، فقد تكون موجودة حوله أو في بيته ، غير أنها لا تضره .
نسأل الله العظيم أن يحفظنا وإياكم من كل مكروه وسوء .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
82465
العنوان:
من الأدب ترك سؤال الناس عن أمورهم الخاصة
السؤال:
الجميع يسألونني وزوجتي عن حملها ؟ وهل لدينا أي مشاريع ؟ وهل من جديد ؟ ومتى موعد الولادة ؟ ولا يتوقفون عن التخمين وتوجيه أسئلة من هذا النوع ، وأحيانا علناً وبصوت مرتفع ، مما يسبب لنا إحراجاً شديدا ، حيث إنني وزوجتي شديدا الخجل . ونود أن نسأل : هل يجوز للناس السؤال عن أشياء شديدة الخصوصية مثل هذه ، وهل مطلوب منا أن نعلن الحمل ، هل هذه مسألة عامة ؟ نحن نعتقد أنها مسألة خاصة ونريد أن نحتفظ بخصوصيتها إلى النهاية ، وإذا رزقنا الله بطفل فسوف نعلن عن ولادته . ونعتقد أن ذلك يتعارض مع الحياء والخصوصية ، وقد تكون له نتائج كثيرة . أحد الإخوة تكدر كثيرا عندما طلبت منه أن لا يسأل ، هل يتعين علي أن أخبره أن زوجتي حامل الآن وتنتظر طفلا . أرجو النصيحة مع ذكر المراجع وشكرا .
الجواب:
الحمد للَّه
يتجاوز كثير من الناس الأدب في حديثهم مع الآخرين ، ولا يراعون في ذلك خلقا ولا حياء ، وسببه الجهل وقلة الاهتمام بالتحلي بمكارم الأخلاق ومحاسن الشيم ، ومن ذلك ما يقع فيه الكثيرون من التدخل فيما لا يعنيهم ، والسؤال عن أمور الناس الخاصة .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ ) رواه الترمذي (2318) وصححه الألباني .
يقول ابن رجب في "جامع العلوم والحكم" (1/114-116) :
" وهذا الحديث أصل عظيم من أصول الأدب ، وقد حكى الإمام أبو عمرو بن الصلاح عن أبي محمد بن أبي زيد إمام المالكية في زمانه أنه قال : جماع آداب الخير وأزِمَّتُه تتفرع من أربعة أحاديث :
قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت وقوله صلى الله عليه وسلم : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )(/1)
وقوله صلى الله عليه وسلم للذي اختصر له في الوصية : ( لا تغضب )
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه )
ومعنى هذا الحديث : أن مَنْ حسُنَ إسلامه تَركَ ما لا يعنيه من قول وفعل ، واقتصر على ما يعنيه من الأقوال والأفعال ، ومعنى يعنيه أن تتعلق عنايته به ، وأكثر ما يراد بترك ما لا يعني حفظ اللسان من لغو الكلام .
وفي المسند [ 1/201 ] من حديث الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن من حسن إسلام المرء قلة الكلام فيما لا يعنيه ) [ قال الأرناؤوط : حسن لشواهده ] ...
قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله : " من عد كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه " ، وهو كما قال ، فإن كثيرا من الناس لا يعد كلامه من عمله فيجازف فيه ولا يتحرى . وقد نفى الله الخير عن كثير مما يتناجى به الناس بينهم ، فقال : ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ ) النساء/114
وخرج الترمذي وابن ماجه من حديث أم حبيبة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
(كل كلام ابن آدم عليه لا له : إلا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وذكر الله عز وجل ) [ ضعفه الألباني في ضعيف الترمذي ] .
وقد تعجب قوم من هذا الحديث عند سفيان الثوري فقال سفيان : وما يعجبكم من هذا ؟! أليس قد قال الله تعالى : ( لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ )
وخرج الترمذي من حديث أنس رضي الله عنه قال :
توفى رجل من أصحابه يعني النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رجل : أبشر بالجنة .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو لا تدري !؟ فلعله تكلم بما لا يعنيه ، أو بخل بما لا يغنيه ) صححه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (3103)(/2)
وقد روي معنى هذا الحديث من وجوه متعددة عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي بعضها أنه قتل شهيدا " انتهى باختصار .
ويقول المناوي في "فيض القدير" (7/3) :
" يحتمل أن المراد كثرة سؤال الإنسان عن حاله وتفاصيل أمره ، فيدخل ذلك في سؤاله عما لا يعنيه ، ويتضمن ذلك حصول الحرج في حق المسئول ، فإنه قد لا يؤثر إخباره بأحواله ، فإن أخبره شق عليه ، وإن كذبه في الإخبار أو تكلف التعريض لحقته المشقة ، وإن أهمل جوابه ارتكب سوء الأدب " انتهى .
وجاء من الآثار عن بعض السلف ما يدل على هذا الأدب :
قال عمرو بن قيس الملائي :
( مر رجل بلقمان والناس عنده فقال له : ألست عبد بني فلان ؟ قال : بلى . قال : الذي كنت ترعى عند جبل كذا وكذا ؟ قال : بلى . فقال : فما بلغ بك ما أرى ؟ قال : صدق الحديث ، وطول السكوت عما لا يعنيني )
وقال مُوَرِّق العِجْلي :
أمرٌ أنا في طلبه منذ كذا وكذا سنة ، لم أقدر عليه ، ولست بتارك طلبه أبدا ، قالوا : وما هو ؟ قال : الكف عما لا يعنيني .
رواهما ابن أبي الدنيا
وروى أبو عبيدة عن الحسن البصري قال : من علامة إعراض الله تعالى عن العبد أن يجعل شغله فيما لا يعنيه ، خذلانا من الله عز وجل .
وفيما سبق دعوة للناس كي يتخلقوا بهذا الأدب العظيم ، والخلق الرفيع ، ويتعاملوا بينهم بما كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وهدي سادات الأولياء والصالحين .
وللمزيد حول هذا الأدب الرفيع الضائع بين كثير من الناس ، يمكن مراجعة شرح الحديث الثاني عشر من جامع العلوم ، لابن رجب الحنبلي رحمه الله ، وهناك بحث نفيس بعنوان " معلم في تربية النفس : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعينه " تأليف : عبد الطيف بن محمد الحسن ، من سلسلة كتاب البيان ، الصادر عن المنتدى الإسلامي في لندن .
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
82467
العنوان:
هل تترجم لوالدتها ما يُعرض على التلفزيون؟
السؤال:
أنا أعيش مع أمي وجدتي ، وأمي تحب قراءة القرآن ، وجدتي تحب مشاهدة التلفاز كثيرا ، وهي لا تفهم ما يقال ، ولذلك تطلب من أمي أن تترجم لها . فهل يقع على أمي أي إثم إذا فعلت ذلك ؟
الجواب:
الحمد للَّه
ليست المشكلة في حكم ترجمة والدتك لأمها ما يعرض على شاشة التلفزيون ، ولكنها في الحقيقة تكمن في انشغال الجدة بمشاهدة تلك البرامج ، والأحرى بها – وهي في سنها المتقدمة – أن تنشغل بعبادة الله وطاعته ، وتجتهد في تحصيل الزاد ليوم الرحيل ، وتستكثر من أسباب الفوز والنجاة عند الله سبحانه وتعالى .
قال الإمام مالك رحمه الله كما نقل القرطبي في "تفسيره" (7/276) :
" أدركت أهل العلم ببلدنا وهم يطلبون الدنيا ويخالطون الناس حتى يأتي لأحدهم أربعون سنة ، فإذا أتت عليهم اعتزلوا الناس " انتهى .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( أَعْذَرَ اللَّهُ إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أَجَلَهُ حَتَّى بَلَّغَهُ سِتِّينَ سَنَةً ) رواه البخاري (6419)
يقول الحافظ ابن حجر في "فتح الباري" (11/240) :
" يقال ( أعذر إليه ) إذا بلغه أقصى الغاية في العذر ومَكَّنَه منه ، وإذا لم يكن له عذر في ترك الطاعة مع تمكنه منها بالعمر الذي حصل له ، فلا ينبغي له حينئذ إلا الاستغفار والطاعة والإقبال على الآخرة بالكلية ، والمعنى أن الله لم يترك للعبد سببا في الاعتذار يتمسك به ، قال ابن بطال : إنما كانت الستون حدا لهذا لأنها قريبة من المعترك ، وهي سن الإنابة والخشوع وترقب المنية ، فينبغي له الإقبال على الآخرة بالكلية ؛ لاستحالة أن يرجع إلى الحالة الأولى من النشاط والقوة " انتهى بتصرف .(/1)
فالنصيحة لك ولوالدتك أن تكثروا من نصح الجدة بالانشغال بالصلاة والأذكار وقراءة القرآن والدعاء الصالح ، وتعينوها على ذلك بكل وسيلة ممكنة ، وستجد بذلك الشغل عن متابعة ما يعرض على الفضائيات مما يغضب الله تعالى ، ولا يبني دنيا ، ولا ينفع في دين .
وعلى كل حال ، فلا يجوز للوالدة أن تترجم لوالدتها إلا المباح مما يعرض في التليفزيون ، أما الأشياء المحرمة من مسلسلات ساقطة ، ومقابلات هابطة ، فلا يجوز لها أن تعينها على متابعتها ، بل الواجب نهيها عنها ، ولا حرج عليها في مشاهدة البرامج النافعة .
نسأل الله لكم الخير والسعادة في الدنيا والآخرة .
وانظر في حكم مشاهدة ( التلفزيون ) جواب السؤال رقم (3633)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
82500
العنوان:
والداها يرفضان الفرح الإسلامي فماذا تفعل ؟
السؤال:
ما حكم الفرح الإسلامي إذا لم يوافق الوالدان فهل لي الحق أن أعارضهم أم أرضى بما يقولون وأتنازل عنه ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
المقصود بالفرح الإسلامي : الحفل المنضبط بأحكام الشرع ، بحيث يخلو من منكرات الاختلاط وتبرج النساء أمام الرجال ، واستعمال الموسيقى والغناء الماجن ، ونحو ذلك مما حرم الله تعالى ، وهذه المحرمات –للأسف- منتشرة في أفراح كثير من المسلمين اليوم إلا من رحم الله تعالى . فالمشروع في العرس إدخال الفرح والسرور على العروسين وعلى أهلهما والمهنئين لهما ، بما لا يغضب الله عز وجل ، كاستعمال الدف بين النساء ، وغناء بعضهن لبعض بالكلام النافع الخالي من الإثم ، فقد روى البخاري (5163) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا زَفَّتْ امْرَأَةً إِلَى رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا عَائِشَةُ ، مَا كَانَ مَعَكُمْ لَهْوٌ ؟ فَإِنَّ الْأَنْصَارَ يُعْجِبُهُمْ اللَّهْوُ ).
وروى ابن ماجه (1900) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : أَنْكَحَتْ عَائِشَةُ ذَاتَ قَرَابَةٍ لَهَا مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : أَهْدَيْتُمْ الْفَتَاةَ ؟ قَالُوا : نَعَمْ . قَالَ: أَرْسَلْتُمْ مَعَهَا مَنْ يُغَنِّي ؟ قَالَتْ : لَا . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الْأَنْصَارَ قَوْمٌ فِيهِمْ غَزَلٌ ، فَلَوْ بَعَثْتُمْ مَعَهَا مَنْ يَقُولُ : أَتَيْنَاكُمْ أَتَيْنَاكُمْ فَحَيَّانَا وَحَيَّاكُمْ ). والحديث حسنه الألباني في "إرواء الغليل" (1995) .(/1)
وروى النسائي (3369) وابن ماجه (1896) عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَاطِبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فَصْلُ مَا بَيْنَ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ الدُّفُّ وَالصَّوْتُ فِي النِّكَاحِ ) حسنه الألباني في صحيح الترمذي .
فحفلات الزواج في الإسلام : حفلات تجمع بين إدخال الفرح والسرور على الحاضرين ، والتزام العفة والصيانة والبعد عن المحرمات.
فالنساء يحتفلن بالزواج بمعزل عن الرجال ، يفعلن كل ما من شأنه أن يدخل السرور على الزوجة ومَنْ حولها ، من لهو ومرح وغناء مصحوب بالدف ، وأكل وشرب وغير ذلك مما يختلف باختلاف العادات والأعراف ، إذا كان داخلا في دائرة المباح.
وكذلك الرجال ، يجتمعون في مكان خاص بهم ، يتبادلون التهنئة ، ويدعون للزوجين بالبركة ، ويسن أن يصنع الزوج وليمة يأكل منها الحاضرون ، من غير إسراف ولا تبذير.
فالغرض من حفلة الزواج إعلانه وإظهاره ، وتمييزه عن السفاح المحرم ، وإدخال السرور على الزوجين وأهاليهما وأصدقائهما ، مع تحقيق العبودية لله تعالى في ذلك كله .
ثانيا :(/2)
إذا رفض الوالدان التقيد بأحكام الشرع في حفلة الزواج ، وأصرا على إدخال شيء من المنكرات فيها ، كالسماح بالاختلاط أو التبرج ، أو جلب مغنية أو راقصة تفعل ذلك أمام الرجال ، فعليك أن تنصحي لهما ، وأن تبيني حكم الشرع في هذه المنكرات ، وأن تذكريهما بأن الزواج نعمة من الله تعالى ، ينبغي أن تشكر ، وشكرها بالطاعة لا بالمعصية ، وأن الزواج الذي يبدأ بالمعصية حري ألا يوفق أهله ، فإن استجابا فالحمد لله ، وإن أصرا على موقفهما ، فاعتزلي موضع المنكر ، وأعلني كراهتك له ، وبراءتك منه ، قال الله تعالى : ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً ) النساء/140 .
قال القرطبي رحمه الله : " دل بهذا على وجوب اجتناب أصحاب المعاصي إذا ظهر منهم منكر ؛ لأن من لم يجتنبهم فقد رضي فعلهم . قال الله عز وجل : ( إنكم إذا مثلهم ) فكل من جلس في مجلس معصية ، ولم ينكر عليهم يكون معهم في الوزر سواء.
وينبغي أن ينكر عليهم إذا تكلموا بالمعصية وعملوا بها ، فإن لم يقدر على النكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية" انتهى باختصار.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ ، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ) رواه مسلم (49).
ولمزيد الفائدة راجعي جواب الأسئلة : (11446) و (7577).
وليس لك أن ترضي بالمنكر ، ولا أن تتنازلي عن موقفك من التمسك والالتزام بأحكام الشرع في العرس وغيره ، لتكوني من الفائزين السعداء في الدنيا والآخرة .(/3)
نسأل الله لك التوفيق والسداد والرشاد .
والله أعلم .(/4)
رقم السؤال:
82501
العنوان:
قال لزوجته : إذا لمست الجوال فاذهبي لحالك إلى أهلك
السؤال:
حدث شجار بيني وبين زوجي حول هاتفه النقال بحيث أتصل منه كثيرا لعائلتي فقال لي وبالضبط :إذا لمسته اذهبي لحالك إلى منزلكم ، إذا لمسته اذهبي لحالك إلى منزلكم ، وفي نفس الوقت وفي كلا اللفظتين كان يشير بيده أثناء نطقه بهما ، وسألته عن نيته ، قال : إنه نوى تخويفي من أجل أن يمنعني حتى لا أتصل منه مرة أخرى ، فهل يقع بهذا الطلاق إذا حدث الشرط الذي علق عليه كلامه ؟ وهل هذا اللفظ صريح أم من الكنايات ؟
الجواب:
الحمد لله
ألفاظ الطلاق على نوعين : صريح وكناية .
والألفاظ الصريحة هي التي لا تحتمل إلا الطلاق في الغالب ، مثل طلقتك وأنت طالق ، ونحو ذلك ، وهذه الألفاظ يقع بها الطلاق ، وإن لم ينوه الزوج .
وأما الكنايات فهي الألفاظ التي تحتمل الطلاق وغيره ، كاللفظ الذي تكلم به زوجك (اذهبي لحالك إلى أهلك) فهذا يحتمل أنه أراد الطلاق ، ويحتمل غير ذلك ، وحكم هذه الألفاظ : أنها لا يقع بها الطلاق إلا إذا نواه الزوج .
فإذا كان زوجك نوى بهذا اللفظ الطلاق ، وقع الطلاق إذا حصل الشرط المعلق عليه ، وهو لمسك الجوال .
وإذا كان لم ينو الطلاق ، فلا يقع شيء .
وكونه أراد بهذا تخويفك لا يمنع أن يكون أراد مع ذلك الطلاق ، فإن الرجل يخوف امرأته بالطلاق حتى تطيعه ولا تعصيه .
وعلى الزوج أن يحذر من استعمال ألفاظ الطلاق الصريحة وغيرها ، وأن يجتهد في حل المشاكل في جو من الود والتفاهم .
وعلى الزوجة أن تطيع زوجها ، وتسعى في مرضاته ، وليس لها أن تعصيه أو تغضبه أو تأخذ من ماله بغير رضاه .
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
82507
العنوان:
تغسل من الحيض ثم ترى الكدرة
السؤال:
أنا فتاة لدي إفرازات مستمرة وهي ذات لون أصفر. وأنا من الفتيات اللاتي لا يوجد عندهن علامة طهر ولا أعرف كيف تكون علامة طهري في هذه الحالة . فدورتي تكون 7 أيام أي ( الدم الصريح يكون 7 أيام ) وما بعده ينزل من كدرة وصفرة فسؤالي هنا عندما تختفي الكدرة وتبقي الصفرة هل هذه الصفرة تابعة للدورة أم هي تابعة للإفرازات الصفراء المستمرة فأحيانا الكدرة تختفي يوما وتبقي الإفرازات الصفراء فأغتسل وأصلي وبعدها تنزل الكدرة من جديد ولو مرة في اليوم فأبقى في حيرة كبيرة من أمري هل أعيد الغسل أم لا ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
الإفرازات المستمرة التي تخرج من المرأة ، طاهرة على الراجح من قولي العلماء ، لكنها تنقض الوضوء ، وتعامل صاحبتها معاملة من به سلس بول ، فتتوضأ لكل صلاة ، وتصلي ما شاءت من الفرض والنفل . وتفصيل ذلك تجدينه في جواب السؤال رقم (50404)
ثانيا :
تعرف المرأة الطهر بإحدى علامتين :
الأولى : نزول القصة البيضاء .
والثانية : حصول الجفاف التام ، بحيث لو احتشت بقطنة خرجت نظيفة ، ليس عليها أثر من دم أو صفرة أو كدرة .
وقال الباجي في "المنتقى" : " وَالْمُعْتَادُ فِي الطُّهْرِ أَمْرَانِ : الْقَصَّةُ الْبَيْضَاءُ ، وَهِيَ مَاءٌ أَبْيَضُ .
وَالْأَمْرُ الثَّانِي : الْجُفُوفُ ، وَهُوَ أَنْ تُدْخِلَ الْمَرْأَةُ الْقُطْنَ أَوْ الْخِرْقَةَ فِي قُبُلِهَا فَيَخْرُجَ ذَلِكَ جَافًّا لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ دَمٍ ، وَعَادَةُ النِّسَاءِ تَخْتَلِفُ فِي ذَلِكَ ، فَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ ، وَمِنْهُنَّ مَنْ عَادَتُهَا أَنْ تَرَى الْجَفَافَ " انتهى باختصار .
ثالثا :
الصفرة أو الكدرة إذا اتصلت بالحيض فهي من الحيض ، وإذا جاءت بعد تحقق الطهر ، فلا يلتفت لها .(/1)
قال البخاري رحمه الله في صحيحه : " بَاب إِقْبَالِ الْمَحِيضِ وَإِدْبَارِهِ وَكُنَّ نِسَاءٌ يَبْعَثْنَ إِلَى عَائِشَةَ بِالدُّرَجَةِ فِيهَا الْكُرْسُفُ فِيهِ الصُّفْرَةُ فَتَقُولُ لَا تَعْجَلْنَ حَتَّى تَرَيْنَ الْقَصَّةَ الْبَيْضَاءَ تُرِيدُ بِذَلِكَ الطُّهْرَ مِنْ الْحَيْضَةِ ".
والدُّرْجة : هو الوعاء التي تضع المرأة طيبها ومتاعها ، والكرسف : القطن ، والصفرة : الماء الأصفر .
ودم الحيض غالبا ما يتغير لونه في آخر مدة الحيض ، فيخف لونه ، وقد تتبعه صفرة أو كدرة . وأثر عائشة رضي الله عنها يشير إلى هذا ، ويدل على أن الصفرة المتصلة بالحيض تعد حيضا .
والأصل أن تعتبري هذه الصفرة من الحيض ، لا من الإفرازات ، ما دمت لم تتحققي من علامة الطهر ، لا سيما وأنت ترين الكدرة بعد اغتسالك ، فهذا مما يرجح أنها من الحيض .
وأما إذا تحقق الطهر بنزول القصة البيضاء أو بالنقاء التام ، فإنه لا يلتفت إلى الصفرة والكدرة حينئذ ، وهذا ما دل عليه قول أم عطية رضي الله عنها: ( كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئا ) رواه البخاري (320) وأبو داود (307) واللفظ له .
وانظري السؤال رقم (5595) ورقم (50059)
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
82521
العنوان:
إذا مس فرجه أثناء الغسل هل يلزمه الوضوء؟
السؤال:
سؤالي عن الطهارة وبالخصوص غسل الجنابة بعد غسل اليدين والفرج ثم الوضوء هل يجوز غسل الفرج مرة أخرى حينما نعم الماء على سائر البدن أم أنه سيبطل الوضوء إذا كنت أنوي الصلاة بعد الانتهاء من الغسل ؟
الجواب:
الحمد لله
السنة أن يغسل الإنسان فرجه قبل الشروع في الغسل ، كما دل عليه ما رواه البخاري (276) ومسلم (317) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما قَالَ : قَالَتْ مَيْمُونَةُ : (وَضَعْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُسْلًا فَسَتَرْتُهُ بِثَوْبٍ ، وَصَبَّ عَلَى يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ، ثُمَّ صَبَّ بِيَمِينِهِ عَلَى شِمَالِهِ فَغَسَلَ فَرْجَهُ ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ الْأَرْضَ فَمَسَحَهَا ، ثُمَّ غَسَلَهَا ، فَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَغَسَلَ وَجْهَهُ وَذِرَاعَيْهِ ، ثُمَّ صَبَّ عَلَى رَأْسِهِ وَأَفَاضَ عَلَى جَسَدِهِ ، ثُمَّ تَنَحَّى فَغَسَلَ قَدَمَيْهِ) .
فإن مس فرجه بعد ذلك أو غسله مرة أخرى فالأحوط أن يتوضأ بعد انتهاء الغسل ، لما ذهب إليه أكثر العلماء من أن مس الفرج ناقض للوضوء ، وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال رقم (82759) .
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
82568
العنوان:
هل للمستأجر أن يؤجر البيت الذي استأجره ؟
السؤال:
أقيم في الولايات المتحدة الأمريكية وأشار علي أحد الإخوة أن أقوم بتأجير غرفة والصالة بعد فرشها وذلك للمساعدة في الإيجار وعمل هامش ربح لي بعد سداد الإيجار الأصلي ، هل هذا يجوز لي ؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
يجوز لمن استأجر داراً أو غيرها أن يؤجرها أو جزءا منها لغيره ، بنفس الأجرة التي استأجرها أو أزيد أو أقل ؛ لأنه باستئجاره الدار قد ملك منفعتها ، وله أن يتصرف فيها بالهبة أو التأجير أو غيره ، بشرط أن يكون المستأجر الثاني مثله في استعمال البيت أو أقل منه ، فلو استأجرها للسكنى فليس له أن يؤجرها لمن يتخذها مصنعا ونحوه .
وإلى هذا ذهب جمهور الفقهاء .
قال ابن قدامة رحمه الله : "ويجوز للمستأجر أن يُؤْجر العين المستأجرة إذا قبضها . نص عليه أحمد . وهو قول الشافعي وأصحاب الرأي .
ولا تجوز إجارته إلا لمن يقوم مقامه , أو دونه في الضرر" .
إلى أن قال : "ويجوز للمستأجر إجارة العين , بمثل الأجر وزيادة . نص عليه أحمد . وبه قال الشافعي" انتهى من "المغني" (8/54- 56) .
وقال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : "إذا استأجر إنسانٌ بيتاً ، أو شقةً ، أو معرضاً – مثلاً – مدة ، وبقي له منها زمن : جاز له أن يؤجرها لمثله بقية تلك المدة بقليل ، أو كثير ، دون غبن " انتهى .
الشيخ عبد العزيز بن باز ، الشيخ عبد العزيز آل الشيخ ، الشيخ عبد الله بن غديان ، الشيخ صالح الفوزان ، الشيخ بكر أبو زيد .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 15 / 92 ) .
وقال الشيخ صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله : "إذا استأجر الإنسان محلاً مدة معلومة : فله أن يسْكُنه تلك المدة ، وأن يؤجِّره لغيره ممن هو مثله في الاستعمال ، أو أقل منه ؛ أي : أن له أن يستغل منفعة المحل بنفسه ، وبوكيله " انتهى .
" المنتقى من فتاوى الفوزان " ( 3 / 221 السؤال رقم 336 ) .(/1)
لكن . . إذا كان المالك قد اشترط عليك أنك لا تؤجرها وجب عليك الوفاء بهذا الشرط ، لقول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) المائدة/1 .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
82593
العنوان:
يعمل في تسويق برنامج لتداول الأسهم
السؤال:
أنا شاب أعمل في شركة تسوق برنامجا للتداول بالأسهم عبر الإنترنت ، تمكِّن المستخدم من رؤية أسعار الأسهم والارتفاع والانخفاض للأسعار كافة ، واتخاذ القرار على أساسها ، ويقوم البرنامج بعرض جميع أسهم الشركات والبنوك سواء كانت ربوية أو غير ربوية ، وعليه : أود معرفة إذا كان عملي في الشركة حلالاً أم حراماً ؟
الجواب:
11517) ذكرنا جواب الشيخ العثيمين رحمه الله حول حكم عمل برنامج كمبيوتر لشركة تستعمله في الحلال والحرام ، فأجاب الشيخ :
" إذا كان الغالب على عمل الشركة الحرام : فلا يجوز له أن يفعل ، وإذا كان الغالب عليها المباح : فيجوز أن يفعل ، وإذا تساوى : لا يفعل ؛ تغليباً لجانب الحظر " 75007 )
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
82609
العنوان:
تحديد ساعة الاستجابة يوم الجمعة
السؤال:
سمعت أن الدعاء في خطبة الجمعة مجاب لأنه هناك ساعة إجابة معينه قد تصادف هذا الدعاء...ولكن يجب علينا أيضا الإنصات للخطيب والتركيز في الخطبة ؟ فكيف نفعل ذالك؟؟ الرجاء الإجابة ؟ أسال الله أن يقويكم
الجواب:
الحمد لله
أولا :
دلت السنة الصحيحة على أن في الجمعة ساعة إجابة ، لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه ، كما في الحديث الذي رواه البخاري (5295) ومسلم (852) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةٌ لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ قَائِمٌ يُصَلِّي فَسَأَلَ اللَّهَ خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ ) .
وقد اختلف في تحديد وقت هذه الساعة ، على أقوال كثيرة ، أصحها قولان .
قال ابن القيم رحمه الله : " وأرجح هذه الأقوال : قولان تضمنتهما الأحاديث الثابتة ، وأحدهما أرجح من الآخر :
الأول : أنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ، وحجة هذا القول ما روى مسلم في صحيحه (853) عَنْ أَبِي بُرْدَةَ بْنِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : قَالَ لِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَسَمِعْتَ أَبَاكَ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ سَاعَةِ الْجُمُعَةِ ؟
قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ؛ سَمِعْتُهُ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
( هِيَ مَا بَيْنَ أَنْ يَجْلِسَ الْإِمَامُ إِلَى أَنْ تُقْضَى الصَّلَاةُ ) .(/1)
وروى الترمذي (490) وابن ماجة (1138) من حديث كَثِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ الْمُزَنِيُّ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ الْعَبْدُ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهُ ) !!
قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيَّةُ سَاعَةٍ هِيَ ؟
قَالَ : ( حِينَ تُقَامُ الصَّلَاةُ إِلَى الِانْصِرَافِ مِنْهَا ) [ قال الشيخ الألباني : ضعيف جدا ]
والقول الثانى : أنها بعد العصر ، وهذا أرجح القولين ، وهو قول عبد الله بن سلام ، وأبي هريرة ، والإمام أحمد ، وخلقٌ .
وحجة هذا القول ما رواه أحمد في مسنده (7631) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( إِنَّ فِي الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِيهَا خَيْرًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَهِيَ بَعْدَ الْعَصْرِ ) [ في تحقيق المسند : حديث صحيح بشواهده ، وهذا إسناد ضعيف ]
وروى أبو داود (1048) والنسائي (1389) عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً ، لَا يُوجَدُ فِيهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ شَيْئًا إِلَّا آتَاهُ إِيَّاهُ فَالْتَمِسُوهَا آخِرَ سَاعَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ ) [ صححه الألباني ] .
وروى سعيد بن منصور في سننه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم اجتمعوا ، فتذاكروا الساعة التي في يوم الجمعة ، فتفرقوا ولم يختلفوا أنها آخر ساعة من يوم الجمعة . [ صحح الحافظ إسناده في الفتح 2/489] .(/2)
وفي سنن ابن ماجه (1139) عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ قَالَ قُلْتُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ : ( إِنَّا لَنَجِدُ فِي كِتَابِ اللَّهِ فِي يَوْمِ الْجُمُعَةِ سَاعَةً لَا يُوَافِقُهَا عَبْدٌ مُؤْمِنٌ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا قَضَى لَهُ حَاجَتَهُ ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَأَشَارَ إِلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ ، فَقُلْتُ : صَدَقْتَ ، أَوْ بَعْضُ سَاعَةٍ .
قُلْتُ : أَيُّ سَاعَةٍ هِيَ ؟ قَالَ : هِيَ آخِرُ سَاعَاتِ النَّهَارِ . قُلْتُ : إِنَّهَا لَيْسَتْ سَاعَةَ صَلَاةٍ ؟! قَالَ : بَلَى ، إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا صَلَّى ثُمَّ جَلَسَ لَا يَحْبِسُهُ إِلَّا الصَّلَاةُ ، فَهُوَ فِي الصَّلَاةِ ) صححه الألباني ....(/3)
وفي سنن أبي داود (1046) والترمذي (491) والنسائي (1430) من حديث أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ فِيهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ فِيهِ خُلِقَ آدَمُ وَفِيهِ أُهْبِطَ وَفِيهِ تِيبَ عَلَيْهِ وَفِيهِ مَاتَ وَفِيهِ تَقُومُ السَّاعَةُ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا وَهِيَ مُسِيخَةٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ حِينَ تُصْبِحُ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ شَفَقًا مِنْ السَّاعَةِ إِلَّا الْجِنَّ وَالْإِنْسَ وَفِيهِ سَاعَةٌ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي يَسْأَلُ اللَّهَ حَاجَةً إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهَا قَالَ كَعْبٌ ذَلِكَ فِي كُلِّ سَنَةٍ يَوْمٌ فَقُلْتُ بَلْ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ قَالَ فَقَرَأَ كَعْبٌ التَّوْرَاةَ فَقَالَ صَدَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ ثُمَّ لَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ فَحَدَّثْتُهُ بِمَجْلِسِي مَعَ كَعْبٍ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَدْ عَلِمْتُ أَيَّةَ سَاعَةٍ هِيَ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ لَهُ فَأَخْبِرْنِي بِهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَقُلْتُ كَيْفَ هِيَ آخِرُ سَاعَةٍ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يُصَادِفُهَا عَبْدٌ مُسْلِمٌ وَهُوَ يُصَلِّي وَتِلْكَ السَّاعَةُ لَا يُصَلِّي فِيهَا فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ أَلَمْ يَقُلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ جَلَسَ مَجْلِسًا يَنْتَظِرُ الصَّلَاةَ فَهُوَ فِي صَلَاةٍ حَتَّى يُصَلِّيَ قَالَ فَقُلْتُ بَلَى قَالَ هُوَ ذَاكَ . قال الترمذي : حديث حسن صحيح . وفي الصحيحين بعضه [ صححه(/4)
الألباني ] " انتهى من "زاد المعاد" (1/376).
ثانيا :
على القول بأنها من جلوس الإمام إلى انقضاء الصلاة ، لا يعني ذلك أن المأموم ينشغل بالدعاء ويعرض عن سماع الخطبة ، بل يستمع للخطبة ، ويؤمن على دعاء إمامه فيها ، ويدعو في صلاته ، في سجوده ، وقبل سلامه .
ويكون بذلك قد أتى بالدعاء في هذه الساعة العظيمة ، وإن أضاف إلى ذلك الدعاء في آخر ساعة بعد العصر ، فهو أولى وأحسن .
والله أعلم .(/5)
رقم السؤال:
82612
العنوان:
التورق المصرفي المنظم
السؤال:
ما رأي الشرع في القروض التي يقدمها البنك السعودي البريطاني تحت مسمى التورق؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
التورق هو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجل ، ثم يبيعها – لغير من اشتراها منه - بثمن حالٍّ أقل ، وسميت المعاملة بذلك نسبة إلى الورِق وهي الفضة ، لأن المشتري لا غرض له في السلعة وإنما يريد النقود .
وهذه المعاملة جائزة عند جمهور العلماء .
جاء في "الموسوعة الفقهية" (14/147) : " والتورق في الاصطلاح أن يشتري سلعة نسيئة , ثم يبيعها نقدا - لغير البائع - بأقل مما اشتراها به ; ليحصل بذلك على النقد . ولم ترد التسمية بهذا المصطلح إلا عند فقهاء الحنابلة , أما غيرهم فقد تكلموا عنها في مسائل ( بيع العينة ) ... حكم التورق : جمهور العلماء على إباحته سواء من سماه تورقا وهم الحنابلة ، أو من لم يسمه بهذا الاسم وهم من عدا الحنابلة . لعموم قوله تعالى : ( وأحل الله البيع ) ولقوله صلى الله عليه وسلم - لعامله على خيبر : ( بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا ) [ و"الجمع" و "الجنيب" نوعان من أنواع التمر] . ولأنه لم يظهر فيه قصد الربا ولا صورته . وكرهه عمر بن عبد العزيز ومحمد بن الحسن الشيباني . وقال ابن الهمام : هو خلاف الأولى , واختار تحريمه ابن تيمية وابن القيم لأنه بيع المضطر والمذهب عند الحنابلة إباحته " انتهى.
وأما إذا باع السلعة لمن اشتراها منه ، فهذا هو بيع العينة كما سبق ، وهو محرم . وراجع جواب السؤال رقم ( 45042 ) .
ثانيا :
التورق الذي يتم عن طريق البنوك له ثلاث صور :
الأولى : أن يشتري البنك السلعة شراء حقيقيا ، ثم يبيعها على العميل بالأقساط . وإذا ملكها العميل وقبضها باعها – لغير البنك - بثمن حال أقل ، وهذه المعاملة جائزة .(/1)
الصورة الثانية : ألا يشتري البنك السلعة ، وإنما يدفع ثمنها عن العميل ، مقابل أخذ ثمن أعلى مقسط ، ثم يتولى العميل بيع السلعة أو يوكل البنك في بيعها . وهذه المعاملة محرمة ؛ لأنها حيلة على ارتكاب الربا ، لأن حقيقة المعاملة أن البنك أقرض العميل ثمن السلعة ، وأخذه مع زيادة . وراجع جواب السؤال رقم ( 36408 ) .
الصورة الثالثة : وتسمى التورق المصرفي المنظم : أن يشتري البنك السلعة ، ثم يبيعها على العميل بالأقساط ، دون أن يقبض البنك السلعة قبل بيعها ، ويقوم العميل بتوكيل البنك في بيعها بثمن أقل ، والعميل لم يقبض السلعة أيضا ، ولم يرها ، وهو غير مهتم بها غالبا ، وإنما غرضه النقود ، وهذه الصورة محرمة كالتي قبلها ، وقد شاع وجودها في هذه الأيام ، وتعاملت بها بعض البنوك على أنها صورة مشروعة من التورق ، وقد أفتى عدد من أهل العلم بتحريمها ، كما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي قرار بالتحريم ، وقد ذكرنا نص القرار في جواب السؤال رقم ( 98124 ) .
وانظر للتعرف على حقيقة هذا التورق والأسباب الداعية إلى تحريمه :
http://69.20.50.243/shubily/qa/ans.php?qno=46#_ftn2
http://www.almoslim.net/articles/show_article_main.cfm?id=974
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
82617
العنوان:
تعمل في شركة يملك بنكان ربويان جزءً منها فهل عملها حرام؟
السؤال:
أنا آنسة أعمل في شركة رأسمالها تملكه 5 جهات مختلفة ( منهم بنكان ربويان ) وهم : بنك مصر ( 22.5 % من رأس المال ) ، وبنك الاستثمار القومي ( 22.5 % من رأس المال ) ، بالإضافة إلى شركة أجنبية ( صينية ) ( 10 % من رأس المال ) ، وشركة مقاولات مصرية (22.5 % من رأس المال ) ، وهيئة قناة السويس ( 22.5 % من رأس المال ) . هذه الشركة التي أسستها الأطراف السابقة تملك قطعة أرض ، ونشاطها : تقوم بإدخال المرافق لها من صرف وكهرباء ومياه ، وتقوم بتقسيمها ، وبيعها للمستثمرين ، عملية البيع إما فوري ، أو بالتقسيط ، مع حساب فوائد سنوية ثابتة تبلغ 7 % سنويّاً ، علماً بأن عملية البيع قد تتوقف أحيانا ، وعملي في هذه الشركة في قسم السكرتارية ( عمل إداري ) ، ولقد كنت أقوم بالإنفاق والادخار من مرتبي خلال مدة عملي في الشركة والتي بلغت 5 سنوات دون علم مني بأن هذه الأموال قد تكون بها شبهة ، وهذه المدخرات في بنك إسلامي ، فهل عملي في هذه الشركة ذات المال المختلط حلال أم حرام ؟ وما حكم ما قمت بادخاره - وهو مبلغ كبير - ؟ وكيف أتصرف فيه ؟ أفيدوني وأنقذوني مما أنا فيه من حيرة وعذاب .
الجواب:
الحمد لله
الذي يظهر جواز العمل في هذه الشركة ما دام العمل الذي تقوم به حلالاً ، فالعمل في شركات مباحة الأعمال يختلف حكمه عن العمل في البنك وما يشبهه من مؤسسات الربا ، ففي البنوك يتعرض الموظف للإثم سواء كان كاتبا أو شاهداً أو حتى حارساً ؛ لأن العمل حرام ابتداء ، بخلاف أن يكون البنك مشاركاً بجزء من رأس مال الشركة مباحة الأعمال ؛ فإن النظر يكون هنا لطبيعة عمل الشركة ، فمشاركة اليهودي والنصراني والمرابي جائزة مع الكراهة .
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله :(/1)
"قال أحمد : يشارك اليهودي والنصراني ، ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه ، ويكون هو الذي يليه ؛ لأنه يعمل بالربا ، وبهذا قال الحسن والثوري .
وكره الشافعي مشاركتهم مطلقاً" انتهى .
" المغني " ( 5 / 109 ) .
وقال ابن القيم رحمه الله :
"قال إياس بن معاوية : إذا شارك المسلمُ اليهوديَّ أو النصرانيَّ وكانت الدراهم مع المسلم وهو الذي يتصرف بها في الشراء والبيع : فلا بأس ، ولا يدفعها إلى اليهودي والنصراني يعملان فيها ؛ لأنهما يُربيان" انتهى .
" أحكام أهل الذمة " ( 1 / 93 ) .
وتجدين تفصيل هذه المسألة في جواب السؤال رقم ( 48005 ) وقد قلنا في أول الجواب :
"الذي يكتسب المال من وجوه محرمة كالربا والرشوة والسرقة والغش .. ونحو ذلك : إذا كان ماله مختلطاً فيه الحلال والحرام : صحّت معاملته بيعاً وشراءً ومشاركةً مع الكراهة ، وإن عُلم أن المال الذي يريد الاتجار فيه من عين الحرام ، لم تجز مشاركته ولا العمل معه فيه" انتهى .
وعلى هذا ؛ فالمال الذي تأخذينه من هذه الشركة (الراتب) حلال إن شاء الله تعالى ، ولا حرج عليك فيما أنفقت منه أو فيما ادخرتيه .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
82631
العنوان:
حكم شراء أسهم نقية عن طريق البنوك الربويَّة
السؤال:
ما حكم شراء الأسهم في شركات غير محرمة ، ولكنها تشترط لشراء أسهمها أن يتم عن طريق البنوك فقط ؟
الجواب:
الحمد لله
يجوز شراء أسهم الشركات المباحة عن طريق البنوك ، وما تستوفيه البنوك الربوية من أموال من المشتري أو من الشركة إنما هو مقابل خدمة الوساطة ، وهي أجرة مباحة لهم لأنها مقابل عمل مباح .
قال الشيخ العثيمين رحمه الله :
"معاملة البنوك على وجه مباح : لا بأس بها ، فمثلاً : لي أن أشتري منهم ، أو أصرف منهم، أو أحوِّل عن طريقهم ، فلا بأس بهذا ؛ لكن المحظور هو الربا ، فإذا لم يكن رباً : فلا بأس ، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه اشترى من اليهود ، وقبِل الهدية منهم ، وهم يأكلون السحت ، ويأخذون الربا ، وقد مات عليه الصلاة والسلام ودرعُه مرهونة عند يهودي".
" لقاءات الباب المفتوح " ( 70 / السؤال رقم 7 ) .
والله أعلم(/1)
رقم السؤال:
82645
العنوان:
زوجان يتشاجران كثيراً وتضربه فهل يطلقها ؟
السؤال:
أنا وزوجتي نتشاجر كثيراً ، وتضربني هي بكل قوتها ، أحيانًا أكون أنا الغلطان وأحياناً هي ، ماذا نفعل حيال هذا ؟ الحمد لله أنا أقوى فهي لا تؤذيني ، ونحن زوجان سعيدان والحمد لله ، آخر مرة ضربتني ، وهممت أن أضربها لكني الحمد لله لم أفعل ، وأنا لم أضربها منذ تزوجنا والحمد لله .
الجواب:
الحمد لله
لا ندري ما هي السعادة التي تعنيها أخي السائل ؟ ولا ندري كيف تلتقي سعادتكما مع كثرة التشاجر وضرب الزوجة لكِ ؟! .
ومما لا شك فيه أن ضرب المرأة لزوجها يدل على خراب هذا البيت وعدم صلاحيته لتربية الأولاد ؛ إذا كيف سيربي الوالد أولاده وهم يرونه يُضرب من قبَل أمهم ؟! .
وعلى كل حال : إذا أردتَ صلاح بيتك ، وصلاح حال زوجتك : فلا بدَّ أن تعرف سبب لجوء زوجتك للعنف ، ولا بد من علاجها .
وقد ذكر المختصون أسباباً لعنف الزوجة ، ومنها :
1. أن يكون عنفها بسبب رد فعل منها تجاه عنف زوجها ، وهذا السبب غير موجود – حسب الحال في سؤالك – في حياتك ، فأنت تقول أنك لا تضربها .
2. وقد يكون عنف زوجتك بسبب طفولتها السيئة ، والتي قد تكون تعرضت فيها لعنف من والديها أو أحدهما أو من أحد إخوتها .
3. وقد يكون عنف الزوجة بسبب ضعف شخصية الزوج ، وهذا له أسباب كثيرة ؛ فقد يكون زوجها لا يعمل ، وتكون هي العاملة والمتحملة لمسئولية البيت ، فتدفعها شخصيتها المتحكمة للطغيان على شخصيته الضعيفة .
وقد تكون الزوجة جميلة ؛ فتدل عليه بجمالها ، وهي تعلم شدة تعلقه بها ، وقلة صبره عنها ، فستغل ذلك لبسط سلطانها عليه وعلى بيته .
وقد تكون صاحبة جاه : من نسب وشرف ، أو قوة أسرة ، أو ما شابه ذلك ، ولا يكون هو كذلك ، فتستقوي عليه , وتستعلي عليه بما عندها ، لا سيما إذا واكب ذلك ضعف طبيعي في شخصية الرجل وقوامته في بيته .(/1)
4. وقد يكون عنف المرأة بسبب تأثيرات ما تقرؤه أو تشاهده أو تتعاطاه ، فقد تكون متأثرة بالنساء القويات ، أو أنها تقرأ حكاياتهن ، أو يوسوس لها شيطانات الإنس بأن هذه الطريقة المناسبة لوقف الزوج عند حدِّه ، أو أنها قد تكون تتعاطى المخدرات والمسكرات .
وفي ظننا أن السبب الثاني والثالث هما المحتملان بقوة لعنف امرأتك ، فإذا عرفتَ السبب فلا بدَّ من معالجته بالحكمة واللطف ، وتذكيرها بعظيم حقك عليها ، وواجبها تجاهك ، وتذكرها بعقوبة التعدي عليك باللسان واليد ، وتنبيهها على أن فعلها سيسهم في فشل تربيتكم لأولادكم ، وقد تنعكس شخصيتها على بعض بناتها .
فإن لم تجدِ هذه الطريقة : فيجوز لك استعمال الشدة معها ، فإذا جرأها عليك حلمك عليها ، ولينك معها ، فلعل شدة عليها ، وإغلاظك لها ، يردعها عن ذلك .
وأيا ما كانت هذه الشدة ، بالقول ، أو بالهجر ، أو بالضرب غير المبرح ، فهي كلها وسائل متاحة لك لتقويم عوج زوجك ، وإظهار القوامة بمعناها الكامل ، والقِوامة تعني ظهور شخصيتك في البيت والإنفاق على البيت ، ولا حرج عليك من ضربها إن تعدَّت حدودها ، وأطالت لسانها ، أو مدت يدها لضربك .
وعليك أخي السائل أن تبتعد عن إثارتها واستفزازها ، فقد تؤذيها ببعض كلامك ، وليس عندها من الدين والعقل ما يمنعها من إطالة لسانها أو يدها عليك ، واعلم أن مرضها هذا يحتاج منك لصبر وحكمة في التعامل معها .
والواقع أن استعلاء المرأة على زوجها ، وتخطيها لحق القوامة الواجب له ، هو من الشذوذ الذي يصيب بعض النساء ، وقبول الرجل لذلك هو ـ أيضا ـ نوع من الشذوذ الذي يصيب بعض الرجال ، فيتنازل عن جزء لا يتجزأ من رجولته وقوامته ، وهو وضع يجب تعديله وإصلاحه ، ولا يجوز الاستمرار عليه ، لا سيما إذا كان هناك أولاد يرون ذلك .(/2)
إن ما أشرت إليه ـ أيها السائل ـ من أنك تتشاجر أنت وامرأتك كثيرا ، هو مربط الفرس ـ كما يقولون ـ في مشكلتكم ؛ فإن الزواج هو عقد بداية للمحبة والمودة والسكن ، والمشاجرات هي سعي ـ ولو ببطء ـ لفض تلك الشركة ، وإنهاء السكن والمحبة :
فَإِنّي وَجَدتُ الحُبَّ في الصَدرِ وَالأَذى إِذا اِجتَمَعا لَم يَلبث الحُبُّ يَذهَبُ
وانظر جواب السؤال رقم ( 41199 ) لتقف على تفاصيل حكم ضرب الزوجة .
ونسأل الله تعالى أن يهديها ويصلح بالها ، وأن يعينك على الصبر على أذاها ، وأن يوفقك لإصلاحها .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
82671
العنوان:
لا يجوز صبغ الشعر بالسواد ولو كان تزينا الزوج
السؤال:
أخت تسأل: سمعت بأن اللون الأسود لصبغ الشعر منهي عنه كما جاء في حديث ، وسمعت أيضا بأن اللعن يخص الذين ابيض شعرهم وكبروا ويريدون صبغه بالسود، أي لا يشمل الحديث مسألة تجميل المرأة لزوجها، فهل صحيح يجوز تلوين الشعر بالأسود للتزين للزوج؟
الجواب:
الحمد لله
أولا :
لا يجوز صبغ الشعر بالسواد مطلقا ، للرجال والنساء ، فعلته المرأة لزوجها أو لغير ذلك ؛ لعموم الأدلة الناهية عن الصبغ بالسواد .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " صبغ الشعر إن كان بالسواد فإن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه حيث أمر بتغيير الشيب وتجنيبه السواد قال : (غيِّروا هذا الشيب وجنِّبوه السواد) . [صحيح مسلم 5476] وورد في ذلك أيضاً وعيد على من فعل هذا وهو قوله صلى الله عليه وسلم : ( يكون قوم يخضبون في آخر الزمان بالسواد كحواصل الحمام ، لا يريحون رائحة الجنة ) [رواه أبو داود ( 4212 ) وصححه الألباني في صحيح الجامع ( 8153 )] ، وهو يدل على تحريم تغيير الشعر بالسواد ، أما بغيره مِن الألوان : فالأصل الجواز إلا أن يكون على شكل نساء الكافرات أو الفاجرات ، فيحرم من هذه الناحية ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (من تشبه بقوم فهو منهم) [رواه أبو داود ( 4031 ) وصححه الألباني في إرواء الغليل (5/109)] " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/120).
وقال : " وإذا كان هذا حكم الصبغ الأسود ، فإن في الحلال غنى عنه ، وذلك بأن يصبغ بالحناء والكَتَم ، أو بصبغ يكون بين الأسود والأحمر ، فيحصل المقصود بتغيير الشيب إلى صبغ حلال . وما أغلق باب يضر الناس إلا فتح لهم من الخير أبواب ولله الحمد " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل ابن عثيمين" (11/123).
ثانيا :(/1)
لا فرق في هذه المسألة بين الشباب والشيوخ ، فلا يقتصر التحريم على من ابيضت شعورهم لكبر سنهم ، بل يمنع الشاب أيضا من الصبغ بالسواد الخالص .
فقد سئل علماء اللجنة الدائمة للإفتاء : رأيت بعض الناس يستعملون مواد تغير لون الشعر سواء تجعله أسود أو أحمر، ورأيتهم يستعملون مواد أخرى تجعل الشعر المجعد ناعما ، فهل يجوز من ذلك شئ ؟ وهل الشباب مثل الشيوخ في الحكم؟
فأجابوا : "تغيير الشعر بغير السواد لا حرج فيه ، وكذلك استعمال مواد لتنعيم الشعر المجعد ، والحكم للشباب والشيوخ في ذلك سواء ، إذا انتفت المضرة وكانت المادة طاهرة مباحة. أما التغيير بالسواد الخالص فلا يجوز للرجال والنساء ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (غيروا هذا الشيب ، واجتنبوا السواد)". انتهى .
"فتاوى اللجنة الدائمة" (5/168) .
تنبيه : قول السائلة : بأن اللعن يخص الذين ابيضت شعورهم .
لم يرد اللعن ـ فيما نعلم ـ فيمن صنع شعره بالأسود ، وإنما جاء النهي عنه كما في الأحاديث السابقة .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
82673
العنوان:
صدقة التطوع يجوز إعطاؤها للأغنياء
السؤال:
هناك عائلة يتيمة بدون أب مع العلم بأن لديهم أولادا بالغين ويعملون وحالتهم المادية جيدة ولديهم أطفال غير بالغين أيضا، فهل هم مستحقون التصدق عليهم أم لا؟
الجواب:
الحمد لله أولا : يجوز إعطاء صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف بين العلماء ، ويثاب معطيها ، ولكن الأفضل أن يعطيها لمن هو محتاج إليها . قال النووي رحمه الله : " تحل صدقة التطوع للأغنياء بلا خلاف ، فيجوز دفعها إليهم ويثاب دافعها عليها , ولكن المحتاج أفضل . قال أصحابنا : ويستحب للغني التنزه عنها , ويكره التعرض لأخذها ...ولا يحل للغني أخذ صدقة التطوع مظهرا للفاقة "." انتهى من "المجموع" (6/236). وقال ابن قدامة رحمه الله : " وكل من حرم صدقة الفرض من الأغنياء وقرابة المتصدق والكافر وغيرهم , يجوز دفع صدقة التطوع إليهم , ولهم أخذها " " انتهى من "المغني" (2/276). ثانيا : تستحب صدقة التطوع على اليتيم ، ولو كان غنياً مواساة له على فقده أباه ، أما زكاة المال المفروضة فلا يجوز إعطاؤها لليتيم إلا إذا كان من أهل الزكاة المذكورين في قول الله تعالى : ( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ) التوبة/60 ولبيان هذه الأصناف يراجع جواب السؤال رقم (46209) فالأطفال المسئول عنهم إن لم يكن لديهم ما يكفيهم ، من أموالهم أو من نفقة إخوانهم ، فإنه يجوز دفع الزكاة إليهم . قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " ولكن هنا تنبيه : وهو أن بعض الناس يظن أن اليتيم له حق من الزكاة على كل حال ، وليس كذلك ، فإن اليتيم ليس من جهات استحقاق أخذ الزكاة ، ولا حق لليتيم في الزكاة إلا أن يكون من أصناف الزكاة الثمانية .(/1)
أما مجرد أنه يتيم فقد يكون غنيًّا لا يحتاج إلى زكاة " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثمين" (18/353). وقال أيضاً : " يجب أن نعلم أن الزكاة ليست للأيتام ، الزكاة للفقراء والمساكين وبقية الأصناف ، واليتيم قد يكون غنيًّا ، قد يترك له أبوه مالاً يغنيه ، وقد يكون له راتب من الضمان الاجتماعي أو غيره يستغني به . ولهذا نقول : يجب على ولي اليتيم ألا يقبل الزكاة إذا كان عند اليتيم ما يغنيه . أما الصدقة فإنها مستحبة على اليتامى وإن كانوا أغنياء " انتهى من "مجموع فتاوى ابن عثيمين" (18/307). والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
82700
العنوان:
ليس هذا من أسماء الرسول صلى الله عليه وسلم
السؤال:
رزقنا ببنت وسميناها مهين (MAHIN ). البعض يقولون إن هذا اسم محمد صلى الله عليه وسلم ، والآخرون يقولون إن له معنى آخر . ما معنى هذا الاسم ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اجتهد العلماء في جمع أسماء النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في الكتاب والسنة والآثار ، واختلفت اجتهاداتهم ، في ذلك .
قال ابن كثير - رحمه الله - :
وردت أحاديث كثيرة في ذلك - ( يعني : في أسمائه صلى الله عليه وسلم ) - اعتنى بجمعها الحافظان الكبيران أبو بكر البيهقي ، وأبو القاسم ابن عساكر ، وأفرد الناس في ذلك مؤلفات ، حتى رام بعضهم أن يجمع له عليه الصلاة والسلام ألف اسم ، وأما الفقيه الكبير أبو بكر بن العربي المالكي شارح الترمذي بكتابه الذي سماه "الأحوذي" فإنه ذكر من ذلك أربعة وستين اسماً .
" البداية والنهاية " ( 2 / 252 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله - :
وأسماؤه صلى الله عليه وسلم نوعان :
أحدهما : خاص لا يشاركه فيه غيره من الرسل ، كمحمد وأحمد والعاقب والحاشر والمقفي ونبي الملحمة .
والثاني : ما يشاركه في معناه غيره من الرسل ، ولكن له منه كمالُهُ ، فهو مختص بكمالِهِ دون أصله ، كرسول الله ونبيه وعبده والشاهد والمبشر والنذير ونبي الرحمة ونبي التوبة .
وأما إن جُعل له من كل وصف من أوصافه اسم تجاوزت أسماؤه المائتين ، كالصادق والمصدوق والرؤوف الرحيم إلى أمثال ذلك ، وفي هذا قال من قال من الناس : إن لله ألف اسم ، وللنبي صلى الله عليه وسلم ألف اسم ، قاله أبو الخطاب ابن دحية ، ومقصوده الأوصاف .
" زاد المعاد " ( 1 / 86 )
ثانياً :
وبعد البحث في هذه الأسماء التي جمعها أهل العلم ، لم نجد فيها ما ذكره السائل من اسم : ( مهين ) ، بل لا يجوز أن يكون هذا الاسم من أسمائه صلى الله عليه وسلم ؛ لأن معناه لا يليق بمقام النبوة والرسالة .(/1)
قال ابن فارس – رحمه الله - :
( مَهِينٌ ) أي : حقير ، والمَهانة : الحَقَارَة .
" معجم مقاييس اللغة " ( 5 / 227 ) .
ثالثا :
لعل السائل تحرف عليه اسم ( المُهَيمِن ) إلى ( المهين ) ، فقد ذكر بعض العلماء الاسمَ الأَوَّلَ في أسمائه صلى الله عليه وسلم ، وقد تصحف في بعض الكتب إلى ( المهين ) ، وهو تصحيف فاحش .
وقد استدل من ذكر اسم ( المهيمن ) في أسماء النبي صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى : ( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) المائدة/48 .
لكن جمهور المفسرين على أن ( مهيمناً ) في الآية الكريمة صفة للكتاب وهو القرآن ، وليست صفة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم .
وقد ذكر ابن كثير - رحمه الله - في تفسير ( وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) أقوالا ثلاثة للسلف : الأمين ، والشاهد ، والحاكم ، ثم قال :
" وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى ، فإن اسم ( المهيمن ) يتضمن هذا كله ، فهو أمين ، وشاهد ، وحاكم على كل كتاب قبله ... .
فأما ما حكاه ابن أبي حاتم عن عكرمة وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني وابن أبي نجيح عن مجاهد أنهم قالوا في قوله : ( وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ) يعني : محمَّداً صلى الله عليه وسلم ، أمين على القرآن : فإنه صحيح في المعنى ، ولكن في تفسير هذا بهذا نظر ، وفي تنزيله عليه من حيث العربية أيضا نظر . وبالجملة فالصحيح : الأول .
وقال أبو جعفر بن جرير بعد حكايته له عن مجاهد : وهذا التأويل بعيد من المفهوم في كلام العرب ، بل هو خطأ ، وذلك أن المهيمن عطف على المصدق ، فلا يكون إلا صفة لما كان المصدق صفة له ، قال : ولو كان الأمر كما قال مجاهد لقال : " وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب مهيمنا عليه " من غير عطف " انتهى.
" تفسير ابن كثير " ( 3 / 128 ) .
رابعاً :
النصيحة لك أخي الكريم أن تترك كلا الاسمين :(/2)
( المهيمن ) لأنه من أسماء الله تعالى ، ولا يجوز التسمي بما يختص به سبحانه من الأسماء .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
" ومما يُمنع تسمية الإنسان به : أسماء الرب تبارك وتعالى " انتهى .
" تحفة المودود " ( 120 ) .
وكذا ( المهين ) ، لما يحمله من معاني الذل والضعة والهوان ، والمسلم عزيز بإسلامه ، شريف بإيمانه ، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اختيار الاسم الحسن ، تفاؤلا أن يحمل صاحبه ما فيه من معاني المروءة والشرف .
قال ابن القيم - رحمه الله - :
" فقلَّ أن ترى اسماً قبيحاً إلا وهو على مسمًّى قبيح ، والله سبحانه بحكمته في قضائه وقدره يلهم النفوس أن تضع الأسماء على حسب مسمياتها .........
وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أسلم : سالمها الله ، وغِفار : غفر الله لها ، وعصية : عصت الله ورسوله ) متفق عليه . ( فهذه قبائل من قبائل العرب ، وافقت أسماؤها مسمياتها )
وبالجملة فالأخلاق والأعمال والأفعال القبيحة تستدعي أسماء تناسبها ، وكما أن ذلك ثابت في أسماء الأوصاف ، فهو كذلك في أسماء الأعلام ، وما سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم محمدا وأحمد إلا لكثرة خصال الحمد فيه ، ولهذا كان لواء الحمد بيده ، وأمته الحمادون ، وهو أعظم الخلق حمدا لربه تعالى ، ولهذا أمر رسول الله عليه الصلاة والسلام بتحسين الأسماء ، فقال : ( حسِّنوا أسماءكم ) – رواه أبو داود وإسناده ضعيف - فإن صاحب الاسم الحسن ، قد يستحي من اسمه ، وقد يحمله اسمه على فعل ما يناسبه وترك ما يضاده ، ولهذا ترى أكثر السفل أسماؤهم تناسبهم ، وأكثر العلية أسماؤهم تناسبهم ، وبالله التوفيق " انتهى .
" تحفة المودود " ( 135 ) .
وانظر جواب السؤالين رقم ( 7180 ) و ( 1692 ) .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
82731
العنوان:
حكم رسم الشخصيات الكرتونية
السؤال:
هل يجوز رسم الشخصيات الكرتونية؟
الجواب:
الحمد لله
لا يجوز رسم وتصوير ذوات الأرواح ، سواء كان ذلك نحتا أو على ورق أو قماش أو غيره ، وسواء كان صورة حقيقية أو متخيلة ؛ لما روى مسلم (2107) عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ سَفَرٍ وَقَدْ سَتَّرْتُ عَلَى بَابِي دُرْنُوكًا فِيهِ الْخَيْلُ ذَوَاتُ الأَجْنِحَةِ ، فَأَمَرَنِي فَنَزَعْتُهُ .
والدُّرْنوك : نوع من الستائر .
فدل الحديث على المنع من تصوير ذوات الأرواح ، ولو كان ذلك بصور خيالية غير موجودة في الواقع ، لأنه لا يوجد في الواقع خيل لها أجنحة .
قال في "الإنصاف" (6/248) : "ومن أتلف مزمارا , أو طنبورا , أو صليبا , أو كسر إناء فضة , أو ذهب , أو إناء خمر : لم يضمنه. وكذا : العود , والطبل , والنرد , وآلة السحر , والتنجيم , وصور خيال , والأوثان والأصنام , وكتب المبتدعة المضلة , وكتب الكفر ونحو ذلك . وهذا المذهب في ذلك كله " انتهى بتصرف.
وجاء في "فتاوى اللجنة الدائمة" (1/479) : " مدار التحريم في التصوير كونه تصويرا لذوات الأرواح ، سواء كان نحتا أم تلوينا في جدار أو قماش أو ورق ، أم كان نسيجا ، وسواء كان بريشة أم قلم أم بجهاز ، وسواء كان الشيء على طبيعته أم دخله الخيال فصُغِّر أو كُبِّر أو جُمِّل أو شُوِّه أو جعل خطوطا تمثل الهيكل العظمي . فمناط التحريم كون ما صور من ذوات الأرواح ولو كالصور الخيالية التي تجعل لمن يمثل القدامى من الفراعنة وقادة الحروب الصليبية وجنودها ، وكصورة عيسى ومريم المقامتين في الكنائس . . إلخ، وذلك لعموم النصوص ، ولما فيها من المضاهاة ، ولكونها ذريعة إلى الشرك " انتهى .(/1)
وقال الأستاذ محمد بن أحمد علي واصل في "أحكام التصوير في الفقه الإسلامي" (ص363) : "وحكم صناعة ما يسمى أفلام الكرتون كحكم صناعة الصور المنقوشة باليد ، متى كانت لذوات الأرواح ، سواء كانت منقوشة باليد كما هو معروف الآن ، أو كانت صناعة بالآلات الحديثة ".
واستدل لذلك بعموم الأحاديث الواردة بتحريم صور ذوات الأرواح ، وبأنه لا توجد ضرورة تبيح هذا المحظور ، إلى أن قال : " فإن قيل : إن هذه الصورة من قسم المباح لكونها مشوهة الخلقة ، أو لكونها لا نظير لها في الواقع ، والتشويه فيه إهانة للصورة ، وخصوصا إذا كانت مما لا نظير له .
فالجواب : أن تشويه الصورة لا يكون فيه إهانة لها ، وإهانتها لا تكون إلا بوطئها المُشْعِر بعدم تكريمها ومحبتها . وأما كونها لا نظير لها ، فقد تقدم أن هذه علة لا أثر لها في الحكم ، فمتى كانت الصورة تحمل ملامح ذوات الروح كانت محرمة ، سواء كان لها نظير أو لا " انتهى .
والله أعلم .(/2)
رقم السؤال:
82751
العنوان:
حكم قصر الصلاة في السفر
السؤال:
هل يجوز للمرء أن يصلي أحيانا كالمقيم ، فيصلي كما لو كان في بيته لا يجمع ولا يقصر وأحيانا يجمع ويقصر الصلاة أم عليه أن يلزم رأيا واحد؟
الجواب:
الحمد لله
أما قصر الصلاة للمسافر فهو سنة مؤكدة ، لا ينبغي له تركها ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قصر الصلاة في جميع أسفاره ، ولم يثبت عنه أنه أتم في السفر .
وقد سبق بيان ذلك في جواب السؤال (111894) .
لكن .. صلاة الجماعة واجبة على المسافر كما هي واجبة على المقيم ، فليس له أن يترك الجماعة من أجل أن يصلي قصراً ، بل يصلي مع الجماعة ، فإن كان الإمام مقيماً يتم الصلاة أتم خلفه .
ثانياً :
أما الجمع بين الصلاتين للمسافر ، فهو جائز ، والأفضل أن لا يجمع إلا إذا كان في فعل كل صلاة في وقتها مشقة .
وعلى هذا ؛ فليس حكم القصر والجمع للمسافر واحداً ، فالقصر سنة مؤكدة لكل مسافر ، أما الجمع فهو جائز وليس سنة ، ويكون سنة مستحبة إذا كان في تركه مشقة .
ويدل لذلك من السنة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر في جميع أسفاره ، مما يدل على أن السنة للمسافر القصر ، وأما الجمع ، فثبت عنه صلى الله عليه وسلم الجمع في السفر ، وثبت عنه عدم الجمع أيضاً ، مما يدل على أن الجمع ليس سنة مستحبة لكل مسافر .
وخلاصة الجواب :
أن المسافر ليس مخيراً في القصر وعدمه ، بل يتأكد له قصر الصلاة ، إلا إذا صلى خلف إمام يتم الصلاة فإنه يتم خلفه .
وأما الجمع ، فالمسافر مخير فيه ، إما أن يجمع ، وإما أن لا يجمع ، أو يجمع أحياناً ولا يجمع أحياناً ، وهو جائزٌ غير مستحب ، ويكون الجمع في حق المسافر مستحباً إذا احتاج إليه.
والله أعلم .(/1)
رقم السؤال:
82759
العنوان:
مس الذكر هل ينقض الوضوء؟
السؤال:
أعلم أن الغسل من الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء توضأ الجنب قبل الغسل أم لم يتوضأ ولكن ماذا عن مس الذكر والإليتين أثناء الغسل ؟ فهل هذا يوجب الوضوء بعد انتهاء الغسل ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا اغتسل الجنب ومس ذكره أثناء الاغتسال ، هل يجب عليه الوضوء أم لا ؟
ينبني هذا على اختلاف العلماء في نقض الوضوء بمس الذكر ، فمن رأى أنه ناقض أوجب عليه الوضوء ، ومن رأى أنه غير ناقض فلا يوجب عليه الوضوء .
قال في "الشرح الممتع" : " واختلف العلماء رحمهم الله في مس الذكر والقبل هل ينقض الوضوء أم لا ؟ على أقوال :
القول الأول : وهو المذهب ( أي : مذهب الإمام أحمد) أنه ينقض الوضوء ، واستدلوا بما يلي :
1- حديث بسرة بنت صفوان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من مس ذكره فليتوضأ) .
2-حديث أبي هريرة رضي الله عنه : (إذا أفضى أحدكم بيده إلى ذكره ؛ ليس دونها ستر فقد وجب عليه الوضوء) ، وفي رواية : (إلى فرجه) .
3-أن الإنسان قد يحصل منه تحرك شهوة عند مس الذكر ، أو القبل فيخرج منه شيء وهو لا يشعر ، فما كان مظنة الحدث علق الحكم به كالنوم .
القول الثاني : أن مس الذكر لا ينقض الوضوء ، واستدلوا بما يلي :
1 حديث طلق بن علي أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يمس ذكره في الصلاة : أعليه وضوء ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا ، إنما هو بضعة منك) .
2 أن الأصل بقاء الطهارة ، وعدم النقض ، فلا نخرج عن هذا الأصل إلا بدليل متيقن . وحديث بسرة وأبي هريرة ضعيفان ، وإذا كان فيه احتمال ؛ فالأصل بقاء الوضوء . قال صلى الله عليه وسلم : (لا ينصرف حتى يسمع صوتا ، أو يجد ريحا) فإذا كان هذا في السبب الموجب حسا ، فكذلك السبب الموجب شرعا ، فلا يمكن أن نلتفت إليه حتى يكون معلوما بيقين .(/1)
القول الثالث : أنه إن مسه بشهوة انتقض الوضوء وإلا فلا ، وبهذا يحصل الجمع بين حديث بسرة ، وحديث طلق بن علي ، وإذا أمكن الجمع وجب المصير إليه قبل الترجيح والنسخ ؛ لأن الجمع فيه إعمال الدليلين ، وترجيح أحدهما إلغاء للآخر .
ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (إنما هو بضعة منك) لأنك إذا مسست ذكرك بدون تحرك شهوة صار كأنما تمس سائر أعضائك ، وحينئذ لا ينتقض الوضوء ، وإذا مسسته لشهوة فإنه ينتقض ؛ لأن العلة موجودة ، وهي احتمال خروج شيء ناقض من غير شعور منك ، فإذا مسه لشهوة وجب الوضوء ، ولغير شهوة لا يجب الوضوء ؛ ولأن مسه على هذا الوجه يخالف مس بقية الأعضاء .
وجمع بعض العلماء بينها بأن الأمر بالوضوء في حديث بسرة للاستحباب ، والنفي في حديث طلق لنفي الوجوب ؛ بدليل أنه سأل عن الوجوب فقال : (أعليه) وكلمة : (على) ظاهرة في الوجوب .
القول الرابع : وهو اختيار شيخ الإسلام أن الوضوء من مس الذكر مستحب مطلقا ، ولو بشهوة .
وإذا قلنا : إنه مستحب ، فمعناه أنه مشروع وفيه أجر ، واحتياط ، وأما دعوى أن حديث طلق بن علي منسوخ ، لأنه قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يبني مسجده أول الهجرة ، ولم يعد إليه بعد . فهذا غير صحيح لما يلي :
1- أنه لا يصار إلى النسخ إلا إذا تعذر الجمع ، والجمع هنا ممكن .
2 - أن في حديث طلق علة لا يمكن أن تزول ، وإذا ربط الحكم بعلة لا يمكن أن تزول فإن الحكم لا يمكن أن يزول ؛ لأن الحكم يدور مع علته ، والعلة هي قوله : (إنما هو بضعة منك) ولا يمكن في يوم من الأيام أن يكون ذكر الإنسان ليس بضعة منه ، فلا يمكن النسخ .
3 - أن أهل العلم قالوا : إن التاريخ لا يعلم بتقدم إسلام الراوي ، أو تقدم أخذه ؛ لجواز أن يكون الراوي حدث به عن غيره .(/2)
بمعنى : أنه إذا روى صحابيان حديثين ظاهرهما التعارض ، وكان أحدهما متأخرا عن الآخر في الإسلام ، فلا نقول : إن الذي تأخر إسلامه حديثه يكون ناسخا لمن تقدم إسلامه ، لجواز أن يكون رواه عن غيره من الصحابة ، أو أن النبي صلى الله عليه وسلم حدث به بعد ذلك .
والخلاصة : أن الإنسان إذا مس ذكره استحب له الوضوء مطلقا ، سواء بشهوة أم بغير شهوة ، وإذا مسه لشهوة فالقول بالوجوب قوي جدا ، لكني لا أجزم به ، والاحتياط أن يتوضأ" انتهى .
ثم جزم الشيخ رحمه الله في شرح "بلوغ المرام" (1/259) أن مس الذكر بشهوة ناقض للوضوء ، ومسه بدون شهوة غير ناقض .
وعلى هذا القول ؛ فمن مس ذكره بشهوة أثناء الاغتسال من الجنابة وجب عليه الوضوء بعد انتهاء الغسل ، وإذا كان مسه بلا شهوة فلا يلزمه الوضوء .
ثانياً :
مس الأليتين لا ينقض الوضوء ، والخلاف إنما هو في مس حلقة الدبر ، لأنه قد ورد حديث بسرة بنت صفوان بلفظ : (من مس فرجه فليتوضأ) رواه النسائي (444) وابن ماجه (481) وصححه الألباني في صحيح النسائي .
فالخلاف في مس حلقة الدبر كالخلاف في مس الذكر .
وأما ما جاور ذلك فمسه لا ينقض الوضوء ، كمس الخصيتين والصفحتين .
قال الإمام الشافعي رحمه الله في "الأم" (1/34) : " فإن مس أنثييه أو أليتيه أو ركبتيه ولم يمس ذكره لم يجب عليه الوضوء " انتهى .
وقال النووي رحمه الله في "المجموع" (2/42) : " قال أصحابنا : والمراد بالدبر ملتقى المنفذ , أما ما وراء ذلك من باطن الأليين فلا ينقض بلا خلاف " انتهى .
وقال ابن قدامة رحمه الله : " ولا ينتقض الوضوء بمس ما عدا الفرجين من سائر البدن , كالرُّفغ والأنثيين والإبط , في قول عامة أهل العلم ; لأنه لا نص في هذا ولا هو في معنى المنصوص عليه فلا يثبت الحكم فيه " انتهى باختصار من "المغني" (1/119) . والرُّفْغ : ما حول الفرج ، أو أصول الفخذين من باطن . "مختار الصحاح".
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
82762
العنوان:
التكبير من سورة الضحى إلى سورة الناس
السؤال:
هل يجوز التهليل والتكبير من بعد سورة الضحى إلى سورة الناس ؟ وهل ثبت ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين ؟
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
اختلف العلماء في حكم التكبير بعد كل سورة ، من سورة الضحى إلى الناس ، فاستحبه الإمام أحمد ، وخالفه باقي الأئمة ؛ وعن الإمام أحمد رواية أخرى توافق قول الجمهور ، والصحيح أنه لا يشرع التكبير ، ولم يثبت هذا في حديث مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم ، كما لم يصح التكبير عن أحدٍ من الصحابة رضي الله عنهم، وإنما ثبت ذلك عن بعض قراء أهل مكة.
عن عكرمة بن سليمان قال : قرأت على إسماعيل بن عبد الله بن قسطنطين فلما بلغت ( وَالضُّحَى ) قال لي : كبِّر كبِّر عند خاتمة كل سورة حتى تختم ، وأخبره عبد الله بن كثير أنه قرأ على مجاهد فأمره بذلك ، وأخبره مجاهد أن ابن عباس أمره بذلك ، وأخبره ابن عباس أن أبي بن كعب أمره بذلك ، وأخبره أبي بن كعب أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بذلك .
رواه الحاكم في " المستدرك " ( 3 / 304 ) .
والحديث ضعيف ، في إسناده أحمد بن محمد بن عبد الله بن أبي بزة المقرئ ، قال أبو حاتم : ضعيف الحديث ، لا أُحَدِّث عنه ، وقال العقيلي : منكر الحديث ، وقال الذهبي : هذا حديث غريب ، وهو مما أنكر على البزي ، قال أبو حاتم : هذا منكر ، وقال : وصحح له الحاكم حديث التكبير ، وهو منكر .
انظر : " الضعفاء " للعقيلي ( 1 / 127 ) ، و" ميزان الاعتدال " ( 1 / 144 ، 145 ) و " سير أعلام النبلاء" ( 12 / 51 ) كلاهما للإمام الذهبي .
قال ابن مفلح الحنبلي – رحمه الله - :(/1)
" واستحب أحمد التكبير من أول سورة الضحى إلى أن يختم ، ذكره ابن تميم وغيره ، وهو قراءة أهل مكة ، أخذها البزي عن ابن كثير ، وأخذها ابن كثير عن مجاهد ، وأخذها مجاهد عن ابن عباس ، وأخذها ابن عباس عن أبيّ بن كعب ، وأخذها أبيّ عن النبي صلى الله عليه وسلم ، روى ذلك جماعة منهم : البغوي في تفسيره ، والسبب في ذلك انقطاع الوحي .
وهذا حديث غريب ، رواية أحمد بن محمد بن عبد الله البزي ، وهو ثبت في القراءة ، ضعيف في الحديث .
وقال أبو حاتم الرازي : هذا حديث منكر ... .
وعنه – أي : عن الإمام أحمد - أيضاً : لا تكبير ، كما هو قول سائر القراء " انتهى .
" الآداب الشرعية " ( 2 / 295 ، 296 ) .
وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :
عن جماعة اجتمعوا في ختمة وهم يقرؤون لعاصم وأبى عمرو فإذا وصلوا إلى سورة الضحى لم يهللوا ولم يكبروا إلى آخر الختمة ، ففعلهم ذلك هو الأفضل أم لا ؟ وهل الحديث الذي ورد في التهليل والتكبير صحيح بالتواتر أم لا ؟
فأجاب :
" الحمد لله ، نعم ، إذا قرؤوا بغير حرف ابن كثير كان تركهم لذلك هو الأفضل ، بل المشروع المسنون ؛ فإن هؤلاء الأئمة من القراء لم يكونوا يكبرون لا في أوائل السور ، ولا في أواخرها ، فإن جاز لقائل أن يقول إن ابن كثير نقل التكبير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم : جاز لغيره أن يقول إن هؤلاء نقلوا تركه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ إذ من الممتنع أن تكون قراءة الجمهور التي نقلها أكثر من قراءة ابن كثير قد أضاعوا فيها ما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن أهل التواتر لا يجوز عليهم كتمان ما تتوفر الهمم والدواعي إلى نقله ، فمن جوَّز على جماهير القراء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرأهم بتكبير زائد فعصوا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وتركوا ما أمرهم به : استحق العقوبة البليغة التي تردعه وأمثاله عن مثل ذلك ... .(/2)
وأما التكبير : فمن قال إنه من القرآن : فإنه ضال باتفاق الأئمة ، والواجب أن يستتاب فإن تاب وإلا قتل ، فكيف مع هذا ينكر على من تركه ؟! ومن جعل تارك التكبير مبتدعاً أو مخالفاً للسنَّة أو عاصياً : فإنه إلى الكفر أقرب منه إلى الإسلام ، والواجب عقوبته ؛ بل إن أصرَّ على ذلك بعد وضوح الحجة وجب قتله .
ولو قدِّر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالتكبير لبعض من أقرأه : كان غاية ذلك يدل على جوازه ، أو استحبابه ، فإنه لو كان واجباً : لما أهمله جمهور القراء ، ولم يتفق أئمة المسلمين على عدم وجوبه ، ولم ينقل أحد من أئمة الدين أن التكبير واجب ، وإنما غاية من يقرأ بحرف ابن كثير أن يقول : إنه مستحب ، وهذا خلاف البسملة ، فإن قراءتها واجبة عند من يجعلها من القرآن ، ومع هذا فالقراء يسوغون ترك قراءتها لمن لم ير الفصل بها ، فكيف لا يسوغ ترك التكبير لمن ليس داخلا في قراءته ؟ " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 13/ 417 - 419 ) .
وقال – رحمه الله - :
" والتكبير المأثور عن ابن كثير ليس هو مسنداً عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولم يسنده أحد إلى النبي صلى الله عليه وسلم إلا البزي ، وخالف بذلك سائر من نقله ، فإنهم إنما نقلوه اختياراً ممن هو دون النبي صلى الله عليه وسلم ، وانفرد هو برفعه ، وضعَّفه نقلة أهل العلم بالحديث والرجال من علماء القراءة وعلماء الحديث ، كما ذكر ذلك غير واحد من العلماء " انتهى .
" مجموع الفتاوى " ( 17 / 130 ) .
وسئل الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
بعض قراء القرآن يفصلون بين السورة والأخرى بقول " الله أكبر " دون بسملة ، هل يجوز ذلك ، وهل له دليل ؟
فأجاب :
هذا خلاف ما فعل الصحابة رضي الله عنهم من فصلهم بين كل سورة وأخرى بـ " بسم الله الرحمن الرحيم " ، وخلاف ما كان عليه أهل العلم من أنه لا يفصل بالتكبير في جميع سور القرآن .(/3)
غاية ما هناك أن بعض القراء استحب أن يكبر الإنسان عند ختم كل سورة من الضحى إلى آخر القرآن مع البسملة بين كل سورتين ، والصواب : أنه ليس بسنة ؛ لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى هذا فالمشروع أن تفصل بين كل سورة وأخرى بالبسملة " بسم الله الرحمن الرحيم " إلا في سورة " براءة " فإنه ليس بينها وبين الأنفال بسملة " انتهى .
" فتاوى إسلامية " ( 4 / 48 ) .
وقد ذكر الشيخ بكر أبو زيد – حفظه الله - في كتابه " بدع القراء " ( ص 27 ) سبعة أمور تتعلق بختم القرآن نذكر منها :
التكبير في آخر سورة الضحى إلى آخر سورة الناس داخل الصلاة أو خارجها .
ثم قال :
" فهذه الأمور السبعة : لا يصح فيها شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا عن صحابته رضي الله عنهم ، وعامة ما يُروى في بعضها مما لا تقوم به الحجة ، فالصحيح عدم شرعية شيء منها " انتهى .
وألَّف شيخ المقرئين في المدينة النبوية الشيخ إبراهيم الأخضر رسالة بعنوان " تكبير الختم بين القراء والمحدثين " ، وقد ذكر في خاتمة هذه الرسالة ما نصه :
" ومن خلال ما تقدم من بحث أحوال الروايات ، وتحقيق سندها ، وتراجم رجالها : لم نجد غير رواية البزي - كما ذكر العلماء - ، وهي رواية تسلسلت بالضعفاء والمجروحين ، ولم تعضدها رواية أخرى من غير طريق البزي ، وذلك كما صرح كثير من علماء الروايات ، على أن بعضاً من مشاهير القراء كابن مجاهد في كتابه " السبعة " لم يورد التكبير ، وكذلك أبو القاسم الهذلي في كتابه " الكامل " لم يورد التكبير أيضاً ، وهذا مما يدل على عدم ثبوت الرواية عندهما ، والله أعلم ... .
وبهذا فلا نثبت سنَّة بخبر كهذا ، بل الأفضل والأولى تركه سواء في رواية البزي أو رواية غيره من القراء ، وذلك صوناً لكتاب الله ، وتجريداً له عن كل ما ليس منه ممن يظن أنه سنَّة وهو ليس بسنَّة ، والحمد لله رب العالمين " انتهى .
ثانياً :(/4)
وقد ذُكر في سبب التكبير أسباب عديدة ، أشهرها أنه صلى الله عليه وسلم كان قد انقطع عنه الوحي مدة ، فلما عاد بعد انقطاع نزل عليه بسورة الضحى ، وفيها ( مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى ) فكبَّر فرحاً بهذا ، وهذا لو صحَّ فإنه لا يدل على استحباب التكبير الذي قال به بعض القراء ، وذلك من وجوه :
1. أنه ليس فيه تكبير من بعد كل قراءة للسورة .
2. وليس فيه أنه كبَّر إلى سورة الناس .
3. وأنه كان التكبير مرة واحدة ولسبب مجيء الوحي بعد انقطاعه .
4. وأنه ليس في كل السور الأخرى ما في سورة الضحى من معاني .
على أن هذه الرواية لم يأتِ لها سند صحيح بل ولا ضعيف .
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله - :
" وذكر القرَّاء في مناسبة التكبير من بعد سورة الضحى : أنه لما تأخر الوحي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وفتر تلك المدة ثم جاءه الملَك فأوحى إليه : ( وَالضُّحَى . وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى ) السورة بتمامها : كبَّر فرَحاً ، وسروراً .
ولم يُروَ ذلك بإسناد يُحكم عليه بصحة أو ضعف ، فالله أعلم " انتهى .
" تفسير ابن كثير " ( 8 / 423 ) .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
82831
العنوان:
هل يحل له أخذ باقي المواد المصروفة له في العمل ؟
السؤال:
ما هو الحكم في شخص يعمل في أحد فروع شركة أمريكية ، وقد خصصت له مكاناً يعمل به ومعه موظف يساعده في العمل ، وهذا المكان تخصص له الشركة مخصصاً تموينيّاً من الشاي والسكر وغيرها من المشروبات الساخنة في صورة جافة ، وما يحدث أن يفيض من هذا المخصص كميات معينة كل شهر ، ولا يمكن إعادتها ، فهل يجوز لهذا الشخص استعمالها في منزله مع أسرته ؟
الجواب:
الحمد لله
إذا كانت هذه المواد المصروفة من قبَل الشركة للموظفين على سبيل التمليك لهم : فلا حرج عليهم في أخذ ما زاد منها إلى بيوتهم ، وخاصة إذا كانت هذه المواد لا يمكن إعادتها ، فيتعين – هنا – أخذها حتى لا يكون ذلك من تضييع المال بغير وجه حق .
أما إذا كانت الشركةتصرف هذه الأشياء لاستعمالها في الشركة فقط ، ولا تسمح لأحد أن يأخذ منها شيئا ، فلا يجوز لأحد من الموظفين أن يأخذ منها لبيته .
وحينئذ لابد من سؤال المسئولين في الشركة لمعرفة حقيقة الأمر .(/1)
رقم السؤال:
82836
العنوان:
حكم حضور الاجتماعات في مبنى تابع للكنيسة
السؤال:
كنا نذهب إلى المسجد لإعطاء درس أو موعظة للأخوات ، ولكن من مدة انقطعنا من الجلسة لأسباب كثيرة يصعب ذكرها ، من ضمنها عدم التزام الأخوات بالمواعيد والحضور إلى المسجد . في هذه الفترة سمعنا أنه يوجد لقاء أخوات مسلمات وغير مسلمات كل يوم اثنين لمبنى تابع للكنيسة ، والمكان خاص للنساء فقط ، فقلنا احتمال نلاقي ترحيباً أو استجابة منهم كي ندعوهم إلى الله ، ولكن يوجد من يقول لا يجوز أن نذهب إلى هذا المكان ، والسبب هو أنه تابع للكنيسة ، فهل نكون آثمين لو ذهبنا إليهم بنية الدعوة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
بداية نسأل الله تعالى أن يجزيكم خيراً على جهودكم الطيبة ، وعلى حرصكم على إقامة حِلَق العلم في بلاد يقل فيها الخير ويكثر فيها الشر ، ونسأله سبحانه أن يوفقكم ويسدد خطاكم .
يبدو لنا أن هناك عدة محاذير تترتب على ذهابكم إلى اجتماعات المبنى التابع للكنيسة ، ومن ذلك :
1. أن فيه إحياءً لهذه الأماكن التي يُشرك فيها بالله ، ويعلَّمُ فيها الشرك من تثليث ، وادعاء الولد لله ، وادعاء الألوهية لغيره .
2. كما أن فيه تغريراً بعامة الناس وجهالهم ، وذلك حين يرون أهل الخير والصلاح محافظين على الذهاب لتلك الجلسات والتجمعات في الكنائس ومبانيها ، فيظنون أنها يُقال فيها الحق ، والخير ، والهدى ، وسيكون في حضورهم مطمع عظيم للمنصرين الذين سيتلقفونهم بكل ترحيب وإكرام .(/1)
3. في اعتياد الذهاب إلى الكنيسة خطر على قلوب المرتادين – ولو كانوا من أهل الخير والعلم – فإنهم سيتأثرون – ولو بعد فترة – بحسن معاملة القائمين على هذه الأماكن ، وحسن عرضهم لما يؤمنون به ، وقد لا يتيسر للمسلم الوقت الكافي لبحث كل ما يطرحونه من فكر واعتقاد ، فيبدأ قلبه يتشرب رويداً رويداً دين النصرانية ، حتى يغدو في حيرة من أمره ، وأقل ما قد يبلغ به الحال أن لا يرى تلك الديانة على بطلان ظاهر ، وهذه بداية الضلال .
4. ولا شك – أيضاً - أن الالتزام بحضور تلك الجلسات والتجمعات فيه هجر لبيوت الله وحلَق العلم التي ينبغي أن تملأ حياة المسلمين ومجتمعاتهم ، وتأملي كم سيكون نجاح القائمين على الكنائس حين تهدمون منائر الحق والهدى والنور ، ثم تنتقلون إلى أماكن الشرك ودعوة الباطل ، فهم أسعد الناس حين يرون اختفاء حلَق العلم والقرآن ، وظهور اجتماعاتهم ولقاءاتهم لتكون منابر لهم في بث أفكارهم وسمومهم .
5. ثم ماذا سيقال في هذه الندوات ؟
إنهم لن يهدوكم إلى حق ، وقد ضلوا عنه .
فبالنظر إلى هذه المحاذير يظهر - والله تعالى أعلم - حرمة ذهابكم إلى تلك الأماكن ، ووجوب المحافظة على دروس الخير في بيوت الله تعالى مهما كانت الظروف ، وبالمصابرة تنجح حلقات العلم الشرعي ، وكم من دروس توقفت بسبب قلة الحضور ثم جعل الله فيها البركة بعد ذلك .
وإن كانت لديك القدرة لتوجيه دعوة الحق لحملة الديانة النصرانية ، فلا حرج عليك أن تذهبي إليهم لدعوتهم إلى الله ، على أن يكون هذا الذهاب خاصاً بك وبمن يستطيع القيام بهذه المهمة ، ولا يذهب من هو قليل العلم حتى لا يتأثر بما يراه ويسمعه في هذه الجلسات .
قال علماء اللجنة الدائمة للإفتاء :(/2)
"يجوز أن نجتمع بالكافرين في مجامع عامة أسستها الدولة وقامت بتنظيمها للمناظرات والندوات العلمية وإلقاء المحاضرات في الشؤون الدينية ، على أن يقوم من حضر من علماء المسلمين ببيان عقائد الإسلام وأركانه وآدابه ، ويدفع ما يثيره من حضر من أهل الأديان الأخرى من شبهات حول الإسلام ، ويفند مقالاتهم التي يشوهون بها الإسلام ... إلى غير ذلك مما فيه نصر للحق ودفاع عنه .
أما من يُخشى عليه من الفتنة في دينه لجهله أو ضعف استعداده وتفكيره أو لقلة معلوماته عن دينه من المسلمين : فلا يجوز له الحضور في هذه المجامع وأمثالها ؛ حفظًا له من الفتن ، وخوفًا عليه أن تداخله الريب والشكوك" انتهى .
" فتاوى اللجنة الدائمة " ( 2 / 100 ) .(/3)
رقم السؤال:
82856
العنوان:
التكرار في القرآن الكريم أنواعه وفوائده
السؤال:
أبحث في موضوع وهو: مظاهر التكرار في القرآن الكريم
الجواب:
الحمد لله
هذه بعض المباحث اليسيرة في " التكرار في القرآن " ، وهي تتناسب مع طبيعة الموقع ، ويمكنك التوسع في الموضوع فيما نحيل عليه من مراجع ، ومن كتب علوم القرآن عموماً .
أولاً : تعريف التكرار لغة واصطلاحاً .
قال ابن منظور :
الكَرُّ : الرجوع ، يقال : كَرَّه وكَرَّ بنفسه ، يتعدّى ولا يتعدّى ، والكَرُّ مصدر كَرَّ عليه يَكُرُّ كرًّا ... والكَرُّ : الرجوع على الشيء ، ومنه التَّكْرارُ ... ( قال ) الجوهري : كَرَّرْتُ الشيء تَكْرِيراً وتَكْراراً .
" لسان العرب " ( 5 / 135 ) .
التكرار في الاصطلاح : تكرار كلمة أو جملة أكثر من مرة لمعاني متعددة كالتوكيد ، والتهويل ، والتعظيم ، وغيرها .
ثانياً :التكرار من الفصاحة .
اعترض بعض من لا يفقه لغة العرب فراح يطعن بالتكرار الوارد في القرآن ، وظن هؤلاء أن هذا ليس من أساليب الفصاحة ، وهذا من جهلهم ، فالتكرار الوارد في القرآن ليس من التكرار المذموم الذي لا قيمة له – كما سيأتي تفصيله – والذي يرد في كلام من لا يحسن اللغة أو لا يحسن التعبير .
قال السيوطي – رحمه الله - :
التكرير وهو أبلغ من التأكيد ، وهو من محاسن الفصاحة خلافاً لبعض من غلط .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 280 ) طبعة مؤسسة النداء .
ثالثاً :أنواع التكرار .
قسَّم العلماء التكرار الوارد في القرآن إلى نوعين :
أحدهما : تكرار اللفظ والمعنى .
وهو ما تكرر فيه اللفظ دون اختلاف في المعنى ، وقد جاء على وجهين : موصول ، ومفصول .(/1)
أما الموصول : فقد جاء على وجوه متعددة : إما تكرار كلمات في سياق الآية ، مثل قوله تعالى (هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ ) المؤمنون/36 ، وإما في آخر الآية وأول التي بعدها ، مثل قوله تعالى ( وَيُطَافُ عَلَيْهِم بِآنِيَةٍ مِّن فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا . قَوَارِيرَ مِن فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيراً ) الإنسان/15 ، 16 ، وإما في أواخرها ، مثل قوله تعالى ( كَلَّا إِذَا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكّاً دَكّاً ) الفجر/21 ، وإما تكرر الآية بعد الآية مباشرة ، مثل قوله تعالى ( فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً . إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً ) الشرح/5 ، 6 .
وأما المفصول : فيأتي على صورتين : إما تكرار في السورة نفسها ، وإما تكرار في القرآن كله .
مثال التكرار في السورة نفسها : تكرر قوله تعالى ( وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ ) في سورة " الشعراء " 8 مرات ، وتكرر قوله تعالى ( وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُكَذِّبِينَ ) في سورة " المرسلات " 10 مرات ، وتكرر قوله تعالى ( فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ ) في سورة " الرحمن " 31 مرة .
ومثال التكرار في القرآن كله : تكرر قوله تعالى ( وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) 6 مرات : في " يونس " ( 48 ) و "الأنبياء" ( 38 ) و " النمل " ( 71 ) و "سبأ" ( 29 ) و " يس " ( 48 ) و " الملك " ( 25 ) ، وتكرر قوله تعالى : ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ) مرتين : في " التوبة " ( 73 ) و " التحريم " ( 9 ) .
والثاني : التكرار في المعنى دون اللفظ .
وذلك مثل قصص الأنبياء مع أقوامهم ، وذِكر الجنة ونعيمها ، والنار وجحيمها .
رابعاً : فوائد التكرار
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله - :(/2)
وليس في القرآن تكرار محض ، بل لابد من فوائد في كل خطاب .
" مجموع الفتاوى " ( 14 / 408 ) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – في التعليق على تكرار قصة موسى مع قومه - :
وقد ذكر الله هذه القصة في عدة مواضع من القرآن ، يبين في كل موضع منها من الاعتبار والاستدلال نوعاً غير النوع الآخر ، كما يسمَّى اللهُ ورسولُه وكتابُه بأسماء متعددة ، كل اسم يدل على معنى لم يدل عليه الاسم الآخر ، وليس في هذا تكرار ، بل فيه تنويع الآيات مثل أسماء النبي صلى الله عليه وسلم إذا قيل : محمد ، وأحمد ، والحاشر ، والعاقب ، والمقفى ، ونبي الرحمة ، ونبي التوبة ، ونبي الملحمة ، في كل اسم دلالة على معنى ليس في الاسم الآخر ، وإن كانت الذات واحدة فالصفات متنوعة .
وكذلك القرآن إذا قيل فيه : قرآن ، وفرقان ، وبيان ، وهدى ، وبصائر ، وشفاء ، ونور ، ورحمة ، وروح : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الآخر .
وكذلك أسماء الرب تعالى إذا قيل : الملك ، القدوس ، السلام ، المؤمن ، المهيمن ، العزيز ، الجبار ، المتكبر ، الخالق ، البارئ ، المصور : فكل اسم يدل على معنى ليس هو المعنى الذي في الاسم الآخر ، فالذات واحدة ، والصفات متعددة ، فهذا في الأسماء المفردة .
وكذلك في الجمل التامة ، يعبَّر عن القصة بجُمَل تدل على معانٍ فيها ، ثم يعبر عنها بجُمَل أخرى تدل على معانٍ أُخَر ، وإن كانت القصة المذكورة ذاتها واحدة فصفاتها متعددة ، ففي كل جملة من الجُمَل معنًى ليس في الجُمَل الأُخَر .
" مجموع الفتاوى " ( 19 / 167 ، 168 ) .
وقال السيوطي – رحمه الله - :
وله – أي : التكرار - فوائد :
منها : التقرير ، وقد قيل " الكلام إذا تكرَّر تقرَّر " ، وقد نبه تعالى على السبب الذي لأجله كرر الأقاصيص والإنذار في القرآن بقوله ( وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا ) .
ومنها : التأكيد .(/3)
ومنها : زيادة التنبيه على ما ينفي التهمة ليكمل تلقي الكلام بالقبول ، ومنه ( وَقَالَ الَّذِي آَمَنَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ . يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ ) ، فإنه كرر فيه النداء لذلك .
ومنها : إذا طال الكلام وخشي تناسي الأول أعيد ثانيها تطرية له وتجديداً لعهده ، ومنه (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) ، (ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا ) ، ( وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ) إلى قوله ( فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، ( لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلَا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ ) ، (إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ ) .
ومنها : التعظيم والتهويل نحو ( الْحَاقَّةُ . مَا الْحَاقَّةُ ) ، ( الْقَارِعَةُ . مَا الْقَارِعَةُ ) ، (وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ ) .
" الإتقان في علوم القرآن " ( 3 / 281 ، 282 ) طبعة مؤسسة النداء .
خامساً : فوائد تكرار بعض القصص والآيات
1. قال أبو الفرج ابن الجوزي – رحمه الله - :
فإن قيل : ما الفائدة في تكرار قوله : ( فبأيِّ آلاء ربِّكما تُكذِّبانِ ) ؟ .(/4)
الجواب : أن ذلك التكرير لتقرير النِّعم وتأكيد التذكير بها ، قال ابن قتيبة : من مذاهب العرب التكرار للتوكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز ؛ لأن افتنان المتكلِّم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فنٍّ واحدٍ ، يقول القائل منهم : واللهِ لا أفعله ، ثم واللهِ لا أفعله ، إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع مِنْ أنْ يفعله ، كما يقول : واللهِ أفعلُه ، بإضمار " لا " إذا أراد الاختصار ، ويقول القائل المستعجِل : اعْجَل اعْجَل ، وللرامي : ارمِ ارمِ ، ... .
قال ابن قتيبة : فلمّا عَدَّد اللهُ تعالى في هذه السورة نعماءَه ، وأذكَرَ عِبَادَه آلاءَه ، ونبَّههم على قُدرته ، جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نِعمتين ، ليُفَهِّمهم النِّعم ويُقَرِّرهم بها ، كقولك للرجل : أَلم أُبَوِّئْكَ مَنْزِلاً وكنتَ طريداً ؟ أفتُنْكِرُ هذا ؟ ألم أحُجَّ بك وأنت صَرُورَةٌ [ هو من لم يحج قط ] ؟ أفَتُنْكِرُ هذا ؟ . " زاد المسير " ( 5 / 461 ) .
2. قال القرطبي – رحمه الله - :
وأما وجه التكرار – أي : { قل يا أيها الكافرون } - فقد قيل إنه للتأكيد في قطع أطماعهم ، كما تقول : والله لا أفعل كذا ، ثم والله لا أفعله .
قال أكثر أهل المعاني : نزل القرآن بلسان العرب ، ومن مذاهبهم التكرار إرادة التأكيد والإفهام ، كما أن من مذاهبهم الاختصار إرادة التخفيف والإيجاز ؛ لأن خروج الخطيب والمتكلم من شيء إلى شيء أولى من اقتصاره في المقام على شيء واحد ، قال الله تعالى : ( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) ، ( ويل يومئذ للمكذبين ) ، ( كلا سيعلمون . ثم كلا سيعلمون ) ،
و ( فإن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ) : كل هذا على التأكيد .
" تفسير القرطبي " ( 20 / 226 ) .
والله أعلم(/5)
رقم السؤال:
82857
العنوان:
هل النطق بالشهادتين كافٍ لدخول الجنة ؟
السؤال:
هل صحيح أنه إذا كانت عائلة الشخص تؤمن أنه " لا إله إلا الله وأن محمداً صلى الله عليه وسلم رسوله " فإن ذلك يكون كافياً لدخول المذكور الجنة ؟ .
الجواب:
الحمد لله
ليس الإسلام هو النطق بالشهادتين فقط ، بل لا بدَّ من تحقيق شروطٍ في هاتين الشهادتين حتى يكون الناطق بهما مسلماً حقّاً ، وأركان الإسلام : الاعتقاد والنطق والعمل .
عن عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَابْنُ أَمَتِهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَأَنَّ النَّارَ حَقٌّ أَدْخَلَهُ اللَّهُ مِنْ أَيِّ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةِ شَاءَ ) . رواه البخاري ( 3252 ) ومسلم ( 28 ) .
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله - :
قوله ( من شهد أن لا إله إلا الله ) أي : من تكلم بها عارفاً لمعناها عاملاً بمقتضاها باطناً وظاهراً ، فلابدَّ في الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها كما قال الله تعالى : ( فَاعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلهَ إلاَّ الله ) .
وقوله ( إِلاَّ من شهد بالحق وهم يعلمون ) أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه : من البراءة من الشرك وإخلاص القول والعمل : قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح : فغير نافع بالإجماع .(/1)
قال القرطبي في " المفهم على صحيح مسلم " : " باب لا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين ، بل لابدَّ من استيقان القلب " هذه الترجمة تنبيه على فساد مذهب غلاة المرجئة القائلين بأن التلفظ بالشهادتين كافٍ في الإيمان ، وأحاديث هذا الباب تدل على فساده ، بل هو مذهب معلوم الفساد من الشريعة لمن وقف عليها ؛ ولأنه يلزم منه تسويغ النفاق ، والحكم للمنافق بالإيمان الصحيح ، وهو باطل قطعاً ا.هـ
وفي هذا الحديث ما يدل على هذا وهو قوله : ( من شهد ) فإن الشهادة لا تصح إلا إذا كانت عن علم ويقين وإخلاص وصدق .
" فتح المجيد " ( ص 36 )
وشروط " شهادة أن لا إله إلا الله " سبعة شروط ، لا تنفع قائلها إلا باجتماعها ؛ وهي على سبيل الإجمال :
الأول : العلم المنافي للجهل ، الثاني : اليقين المنافي للشك ، الثالث : القبول المنافي للرد ، الرابع : الانقيادُ المنافي للترك ، الخامس : الإخلاص المنافي للشرك ، السادس : الصدق المنافي للكذب ، السابع : المحبة المنافية لضدها ، وهو البغضاء .
وشروط " شهادة أن محمَّداً رسول الله " هي نفسها شروط " شهادة أن لا إله إلا الله " ، وهي مذكورة بأدلتها في جواب السؤالين ( 9104 ) و ( 12295 ) .
والله أعلم(/2)
رقم السؤال:
82860
العنوان:
أُهدي لهم طعام في "الكريسماس" فكيف يتصرفون ؟
السؤال:
كيف نتصرف إذا كان جارنا يقدم لنا طعام الكريسمس في 25 من ديسمبر ؟ هل نتخلص من الطعام ، أم نرفضه ، حتى ولو كان رفضنا قد يؤدي لشيء من إساءة فهمهم لنا ؟ . وجزاكم الله خيرا .
الجواب:
الحمد لله
أولاً :
يجوز للإنسان المسلم أن يقبل الهدايا من الكفار أو يعطيهم الهدايا ، وخاصة إذا كانوا من الأقرباء ، والدليل على ذلك :
أ. عن أبي حميد الساعدي قال : غزونا مع النبي صلى الله عليه وسلم تبوك وأهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وكساه بُرداً وكتب له ببحرهم . رواه البخاري ( 2990 ) .
ب. عن كثير بن عباس بن عبد المطلب قال : قال عباس شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نُفاثة الجذامي . رواه مسلم ( 1775 ) .
وقد ثبت هذا عن الصحابة بإذن النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهده ، فقد زارت أم أسماء بنت أبي بكر – وهي مشركة - ابنتها وأذِن النبي صلى الله عليه وسلم لأسماء رضي الله عنها أن تصِلها ، وقد ثبت أن عمر بن الخطاب أهدى حلة لأخيه وكان مشركاً ، وكلا الحديثين في الصحيحين .
والخلاصة : أنه يجوز للمسلم أن يهدي الكافر وأن يقبل الهدية منه .
ثانياً :
أما بالنسبة لهدايا أعيادهم فلا يجوز بذلها لهم ولا قبولها منهم ؛ لأن في ذلك تعظيماً لأعيادهم ، وإقراراً لهم عليها ، وعوناً لهم على كفرهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - :(/1)
ومَن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد : لم تُقبل هديته ، خصوصاً إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم ، مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد ، أو إهداء البيض ، واللبن ، والغنم في " الخميس الصغير " الذي في آخر صومهم .
وكذلك أيضاً لا يُهدى لأحدٍ من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد ، لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم كما ذكرناه .
ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد ، من الطعام ، واللباس ، ونحو ذلك ؛ لأن في ذلك إعانة على المنكرات .
" اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 227 ) .
وقال – رحمه الله - :
فأما بيع المسلم لهم في أعيادهم ما يستعينون به على عيدهم من الطعام واللباس والريحان ونحو ذلك أو إهداء ذلك لهم : فهذا فيه نوع إعانة على إقامة عيدهم المحرم ، وهو مبني على أصل وهو أنه لا يجوز أن يبيع الكفار عنباً أو عصيراً يتخذونه خمراً ، وكذلك لا يجوز بيعهم سلاحاً يقاتلون به مسلماً .
" اقتضاء الصراط المستقيم " ( ص 229 ) .
وقال ابن القيم - رحمه الله – بخصوص أعياد أهل الكتاب - :
وكما أنهم لا يجوز لهم إظهاره ، فلا يجوز للمسلمين ممالأتهم عليه ، ولا مساعدتهم ، ولا الحضور معهم باتفاق أهل العلم الذين هم أهله ، وقد صرح به الفقهاء من أتباع الأئمة الأربعة في كتبهم .
- ثم ساق – رحمه الله – كلام أئمة المذاهب وأعلامها في المنع من ذلك - .
" أحكام أهل الذمة " ( 3 / 1245 – 1250 ) .
وينظر جواب السؤال رقم ( 12666 ) .
ثالثاً :
ولا يجوز للمسلم أن يتهاون في أمر دينه ، ويجب عليه أن يكون مظهراً لأحكامه ، وها هم قد أعلنوا دينهم وأظهروا شعائرهم بمثل هذه الأعياد ، ونحن علينا أن نظهر ونعلن رفضنا لهداياهم ، والمنع من مشاركتهم وإعانتهم عليها ، وهذا من شعائر ديننا .(/2)
ونسأل الله تعالى أن يبصرنا بأحكام دينه ، وأن يرزقنا العمل بها والثبات عليها .
والله أعلم(/3)
رقم السؤال:
82941
العنوان:
الحب والعشق
السؤال:
هل اذا أحبت فتاةٌ فتًى من بعيد قد تكون ارتكبت إثما ؟
الجواب:
جاءت الشريعة بالنهي عن أبواب الشر والإثم ، وحرصت على سد كل ذريعة إلى فساد القلوب والعقول ، والعشق والحب والتعلق بين الجنسين من أعظم الأدواء وأخطر الآفات .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/129) :
" والعشق مرض نفسانى ، وإذا قوي أثَّر فى البدن ، فصار مرضا فى الجسم : إما من أمراض الدماغ ، ولهذا قيل فيه هو مرض وسواسي ، وإما من أمراض البدن كالضعف والنحول ونحو ذلك " انتهى .
ويقول رحمه الله "مجموع الفتاوى " (10/132) :
" عشق الأجنبية فيه من الفساد ما لا يحصيه إلا رب العباد ، وهو من الأمراض التي تفسد دين صاحبها ، ثم قد تفسد عقله ثم جسمه " انتهى .
ويكفي أن نعلم أن من مضار الحب والعشق للجنس الآخر ، أسر القلب وعبوديته لمحبوبه ، فالحب باب ذل ومسكنة ونصب ، وكفى بذلك مُنَفِّرًا من هذا المرض .
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/185) :
" الرجل اذا تعلق قلبه بامرأة ، ولو كانت مباحة له ، يبقى قلبه أسيرا لها ، تحكم فيه وتتصرف بما تريد ، وهو فى الظاهر سيدها ، لأنه زوجها ، وفي الحقيقة هو أسيرها ومملوكها ، لا سيما إذا دَرَت بفقره إليها ، وعشقه لها ، فإنها حينئذ تحكم فيه بحكم السيد القاهر الظالم في عبده المقهور الذي لا يستطيع الخلاص منه ، بل أعظم ، فإن أسر القلب أعظم من أسر البدن ، واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن " انتهى .
والتعلق بالجنس الآخر لا يصيب قلبا ملأه حب الله تعالى ، إنما يصيب قلبا فارغا ضعيفا مستسلما فيتمكن منه ، فإذا قوي واشتد فقد يغلب على حب الله ويخرج بصاحبه إلى الشرك .
ولهذا قيل : إن الهوى حركة قلب فارغ .
فالقلب إذا فرغ من محبة الرحمن عز وجل وذكره ، والتنعم بمناجاته وكلامه سبحانه ، امتلأ بمحبة النساء ، والتعلق بالصور ، وسماع الغناء .(/1)
يقول شيخ الإٍسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/135) :
" إذا كان القلب محبا لله وحده مخلصا له الدين ، لم يبتل بحب غيره أصلا ، فضلا أن يبتلى بالعشق ، وحيث ابتُلي بالعشق ، فلنقص محبته لله وحده ؛ ولهذا لما كان يوسف محبا لله مخلصا له الدين ، لم يبتل بذلك ، بل قال تعالى : ( كَذَلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السُّوءَ وَالفَحشَاءَ ، إِنَّهُ مِن عِبَادِنَا المُخلَصِينَ ) ، وأما امرأة العزيز فكانت مشركة هي وقومها ، فلهذا ابتليت بالعشق " انتهى .
فالواجب على المسلم أن ينجو بنفسه من هذه المهلكة ، ولا يقصر في حمايتها والخلاص بها ، فإن قصَّرَ في ذلك ، وسلك سبل التعشق ، بمداومة النظر المحرم ، وسماع المحرم ، والتساهل في مخاطبة الجنس الآخر ونحو ذلك ، فأصابه الحب أو العشق ، فهو آثم معاقب على فعله .
وكم من الناس ممن تساهل في مبادئ ذلك الداء ، وظن أنه قادر على أن يخلص نفسه متى أراد ، أو أن يقف عند حد لا يتعداه ، حتى إذا استحكم به الداء ، لم يفلح معه طبيب ولا دواء ، كما قال القائل :
تولع بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجة فلما تمكن منها غرق
يقول ابن القيم رحمه الله في "روضة المحبين" (147) :
" فمتى كان السبب واقعا باختياره لم يكن معذورا فيما تولد عنه بغير اختياره ، فمتى كان السبب محظورا لم يكن السكران معذورا ، ولا ريب أن متابعة النظر واستدامة الفكر بمنزلة شرب المسكر ، فهو يلام على السبب " انتهى .
فإن حرص على الابتعاد عن أبواب هذا المرض الخطير ، فَغض بَصَرَه عن مشاهدة المحرمات ، وأغلق سمعَه عن سماعها ، وصرف خواطر قلبه التي يقذفها الشيطان فيه ، ثم بعد ذلك أصابه شيء من شرر هذا المرض ، بسبب نظرة عابرة ، أو معاملة كانت في الأصل جائزة ، فتعلق قلبه بامرأة ، فليس عليه إثم في ذلك إن شاء الله ، لقوله تعالى :
( لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفسًا إِلاَّ وُسعَهَا )(/2)
يقول ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (11/10) :
" فإذا كان لم يصدر منه تفريط ولا عدوان ، لم يكن فيه ذنب فيما أصابه " انتهى .
ويقول ابن القيم رحمه الله "روضة المحبين" (147) :
" إذا حصل العشق بسبب غير محظور لم يُلَم عليه صاحبه ، كمن كان يعشق امرأته أو جاريته ثم فارقها وبقي عشقها غير مفارق له ، فهذا لا يلام على ذلك ، وكذلك إذا نظر نظرة فجاءة ثم صرف بصره وقد تمكن العشق من قلبه بغير اختياره ، على أن عليه مدافعته وصرفه " انتهى .
ولكن عليه أن يعالج قلبه بالانقطاع عن أثر ذلك المحبوب ، وبملء القلب بحب الله سبحانه والاستغناء به ، ولا يستحي أن يستشير أهل الفطانة والأمانة من الناصحين ، أو يراجع بعض الأطباء والمستشارين النفسانيين ، فقد يجد عندهم شيئا من العلاج ، وهو في ذلك صابر محتسب يعف ويكتم ، والله سبحانه وتعالى يكتب له الأجر إن شاء الله .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "مجموع الفتاوى" (10/133) :
" فأما إذا ابتُلى بالعشق وعف وصبر ، فإنه يثاب على تقواه لله ، فمن المعلوم بأدلة الشرع أنه إذا عف عن المحرمات نظرا وقولا وعملا ، وكتم ذلك فلم يتكلم به ، حتى لا يكون في ذلك كلام محرم ، إما شكوى إلى المخلوق ، وإما إظهار فاحشة ، وإما نوع طلب للمعشوق ، وَصَبر على طاعة الله وعن معصيته ، وعلى ما فى قلبه من ألم العشق ، كما يصبر المصاب عن ألم المصيبة ، فان هذا يكون ممن اتقى الله وصبر ، ( إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ ) انتهى .
ويراجع سؤال رقم (20949) (33702)
والله أعلم .(/3)
رقم السؤال:
82972
العنوان:
حديث موضوع في فضل التقاط الطعام الملقى على الأرض
السؤال:
هناك حديث ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، يقول : "من التقط لقمة وقعت منه على الأرض أثناء الطعام فسوف يهبه الله أطفالاً رائعين جدًا " . فهل هذا الحديث صحيح ومن الكتب المحققة ؟ وإن كان صحيحًا فما التفسير العلمي لهذا الحديث ( أقصد ما العلاقة بين التقاط الطعام والأطفال الرائعين ؟ )
الجواب:
أولا :
جاءت الشريعة المطهرة باحترام النعم ، وشكر المنن ، وتقدير الخير الذي يسخره سبحانه وتعالى للناس .
والطعام من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان ، جعل فيه حياته وقوته ، كما جعل فيه لذته ، ولذلك أمر بالحمد بعد تناوله ، والشكر على إحسانه به .
يقول الله عز وجل :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) البقرة/172
وقال سبحانه :
( فَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللّهُ حَلالاً طَيِّباً وَاشْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) النحل/114
وقال سبحانه :
(لِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلَا يَشْكُرُونَ ) يس/35
ولا شك أن من شكر نعمة الطعام احترامها وعدم إلقائها ، ورفعها عن مواضع الإهانة والقذارة ، وحفظها عن ما يفسدها .
يقول المناوي في "فيض القدير" (1/191) :
" حسن الجوار لنعم الله من تعظيمها ، وتعظيمها من شكرها ، والرمي بها من الاستخفاف بها ، وذلك من الكفران ، والكَفور ممقوت مسلوب ، ولهذا قالوا : الشكر قيد للنعمة الموجودة ، وصيد للنعمة المفقودة . وقالوا : كفران النعم بوار ، فاستدع شاردها بالشكر ، واستدم هاربها بكرم الجوار .(/1)
فارتباط النعم بشكرها ، وزوالها في كفرها ، فمن عظَّمَها فقد شكرها ، ومن استخف بها فقد حقرها وعرضها للزوال ، ولهذا قالوا : لا زوال للنعمة إذا شكرت ، ولا بقاء لها إذا كفرت .
قال ابن الحاج : كان العارف المرجاني إذا جاءه القمح لم يترك أحدا من فقراء الزاوية ذلك اليوم يعمل عملا حتى يلتقطوا جميع ما سقط من الحب على الباب أو بالطريق .
قال : فينبغي للإنسان إذا وجد خبزا أو غيره مما له حرمة ، مما يؤكل ، أن يرفعه من موضع المهنة إلى محل طاهر يصونه فيه ، لكن لا يُقَبِّلُهُ ولا يرفعه فوق رأسه كما تفعله العامة ؛ فإنه بدعة .
قال : وهذا الباب مجرَّب ، فمن عظَّم الله بتعظيم نعمه لطف به وأكرمه ، وإن وقع بالناس شدة جعل له فرجا ومخرجا " انتهى .
وقد جاءت النصوص تأمر برفع الطعام الساقط على الأرض :
فعَنْ جَابِرٍ بن عبد الله رضي الله عنه قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
( إِنَّ الشَّيْطَانَ يَحْضُرُ أَحَدَكُمْ عِنْدَ كُلِّ شَيْءٍ مِنْ شَأْنِهِ ، حَتَّى يَحْضُرَهُ عِنْدَ طَعَامِهِ ، فَإِذَا سَقَطَتْ مِنْ أَحَدِكُمْ اللُّقْمَةُ فَلْيُمِطْ مَا كَانَ بِهَا مِنْ أَذًى ، ثُمَّ ليَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ، فَإِذَا فَرَغَ فَلْيَلْعَقْ أَصَابِعَهُ ؛ فَإِنَّهُ لَا يَدْرِي فِي أَيِّ طَعَامِهِ تَكُونُ الْبَرَكَةُ ) رواه مسلم (2033)
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه : ( أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا لَعِقَ أَصَابِعَهُ الثَّلَاثَ ، قَالَ وَقَالَ : إِذَا سَقَطَتْ لُقْمَةُ أَحَدِكُمْ فَلْيُمِطْ عَنْهَا الْأَذَى وَلْيَأْكُلْهَا وَلَا يَدَعْهَا لِلشَّيْطَانِ ، وَأَمَرَنَا أَنْ نَسْلُتَ الْقَصْعَةَ ، قَالَ : فَإِنَّكُمْ لَا تَدْرُونَ فِي أَيِّ طَعَامِكُمْ الْبَرَكَةُ ) رواه مسلم (2034)
يقول النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/206) :(/2)
" معناه والله أعلم : أن الطعام الذى يحضره الإنسان فيه بركة ، ولا يُدرى أن تلك البركة فيما أكله ، أو فيما بقي على أصابعه ، أو في ما بقي في أسفل القصعة ، أو فى اللقمة الساقطة ، فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة ، وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به ، والمراد هنا والله أعلم : ما يحصل به التغذية ، وتسلم عاقبته من أذى ، ويُقَوِّي على طاعة الله تعالى وغير ذلك " انتهى .
وقد نص الفقهاء في كتبهم على هذا الأدب العظيم ، حتى قال ابن حزم في "المحلى" (6/117) بوجوبه ، وانظر : المبسوط (30/268) ، حاشية تحفة المحتاج (7/438) ، الإنصاف (8/327) ، الموسوعة الفقهية (6/121) .
كما ذكروا لهذا الأدب حكما عديدة ، وفوائد كثيرة ، منها :
1- امتثال أمر النبي صلى الله عليه وسلم وسنته .
2- التواضع وعدم التكبر .
3- احترام نعم الله تعالى وتعظيمها وشكرها وعدم الاستخفاف بها .
4- تحصيل البركة التي قد تكون في اللقمة الساقطة .
5- حرمان الشيطان من ذلك الطعام ، حتى قال النووي رحمه الله في "شرح مسلم" (13/204) :
" فان وقعت على موضع نجس فلا بد من غسلها إن أمكن ، فإن تعذر أطعمها حيوانا ولايتركها للشيطان " انتهى .
6- الاقتصاد وعدم الإسراف .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله "شرح رياض الصالحين" (1/459) :
" من آداب الأكل أن الإنسان إذا سقطت لقمة على الأرض فإنه لا يدعها ؛ لأن الشيطان يحضر الإنسان في جميع شئونه ...
والإنسان إذا فعل هذا امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وتواضعا لله عز وجل ، وحرمانا للشيطان من أكلها ، حصل على هذه الفوائد الثلاثة : الامتثال لأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، والتواضع ، وحرمان الشيطان من أكلها " انتهى .(/3)
ويغفل كثير من الناس عن هذا الأدب أثناء تناول الطعام على السفر ، فيظنون أنه أدب خاص بما إذا سقط الطعام على الأرض ، ولكنه أدب ينبغي الامتثال به حتى على السفر ، فإذا سقطت اللقمة من الصحن على السفرة فعليه أن يرفعها .
سئل الشيخ ابن عثيمين في "لقاءات الباب المفتوح" (31/سؤال رقم 25) :
" الطعام الذي يسقط على السفرة هل يدخل في حديث إماطة الأذى ؟
فأجاب :
نعم . الطعام الذي يسقط على السفرة داخل في قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا سقطت لقمة أحدكم ، فليأخذها وليمط ما بها من أذى ، ولا يدعها للشيطان ) " انتهى .
ثانيا :
ما يتناقله بعض الناس من مبالغات في هذا الموضوع هو من الأخبار الكاذبة ، فقد روى بعض الوضاعين فضائل لمن يرفع اللقمة الساقطة على الأرض ، ونسبوا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم وهو بريء منه .
يقول الإمام السخاوي رحمه الله في "المقاصد الحسنة" (627) :
" حديث ( من أكل ما يسقط من الخِوان والقَصعةِ أمِن من الفقر والبرص والجذام ، وصُرِفَ عن ولده الحُمقُ ) أبو الشيخ في الثواب عن جابر به مرفوعا .
وعن الحجَّاجِ بن علاط مرفوعا أيضا بلفظ :
( أُعطِيَ سعةً من الرزق ، ووُقِيَ الحمقَ في ولده ، وَوَلَدِ ولده )
والديلمي من طريق الرشيد عن آبائه عن ابن عباس رفعه :
( من أكل ما يسقط من المائدة خرج ولده صباح الوجوه ، ونفى عنه الفقر )
وأخرجه الخطيب في ترجمة عبد الصمد الهاشمي ثم ضعفه .
وأورده الغزالي في الإحياء بلفظ : ( عاش في سعة ، وعوفي في ولده )
وفي الباب عن أنس أورده الخطيب في ترجمة يونس من المؤتلف ، وفيه قصة لهدبة بن خالد مع المأمون ، وعن أبي هريرة .
وكلها مناكير " انتهى .
ومن الأحاديث المكذوبة في هذا الموضوع :
( أكرموا الخبز ، فإنه من بركات السماء والأرض ، من أكل ما يسقط من السفرة غُفر له )
وانظر "الموضوعات" (2/289- 292) ، "تنزيه الشريعة" (322) ، "كشف الخفاء" (2/230)(/4)