مادام أنه دخل بالأم؛ أي : خلال بالأم بعد العقد؛ فإن بنتها لا تحل له إطلاقًا، سواء كانت في حجره أم لم تكن؛ أي : سواء أكانت عنده في البيت أم لم تكن؛ لقول الله عز وجل : { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي في حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
هذا وصف أغلبي؛ لأن الربيبة غالبًا تكون في حجر زوج الأم، وإلا؛ فإنه بمجرد الدخول بالأم لا تحل البنت إطلاقًا له، سواء كانت الأم حية أو ميتة، وسواء ولدت البنت قبل أن يتزوج أمها أو ولدت بعد أن طلق أمها من زوج آخر، المهم أنه بمجرد دخوله بالأم؛ لا تحل له البنت .
364 ـ هل يجوز عقد الزواج بمجرد تسمية مبلغ الصداق فيه دون أن يدفع المتزوج شيئًا منه باتفاق الطرفين ؟ نرجو منك إفادة .
إن الصدق في النكاح واجب، وهو حق للمرأة؛ كما قال تعالى : { وَآتُواْ النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً } [ سورة النساء : آية 4 ] ؛ فالصداق واجب؛ وتسميته في العقد سنة، ولو لم يسم في العقد؛ فالعقد صحيح، وهو حق للمرأة، وفيه من الحكم الإلهية ما فيه، وكونهم يعقدون ويذكرونه في العقد ولكن لم يسلَّم إلا فيما بعد؛ لا حرج فيه؛ إذ يجوز أن يكون الصداق حالاً، ويجوز أن يكون الصداق مؤجلاً؛ حيثما يتفق عليه .
المهم أن يكون هناك صداق يلزمه دفعه إليها، ولا يبخس منه شيئًا، ولا يماطل لدفعه إذا طلبته، وإذا أعطته منه؛ فلا حرج في ذلك، أو أعفته منه أو من بعضه؛ فالحق لها، قال تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } [ سورة النساء : آية 4 ] ؛ فهذا راجع إلى اتفاق الطرفين من حلول أو تأجيل في الصداق .
وليمة العرس(55/10)
365 ـ أنا شاب متمسك بديني والحمد لله، وقد قررت الزواج من فتاة، ولكن أهلها في وقت الخطبة أقاموا حفلاً كبيرًا، وأحضروا فرقًا غنائية، وحدث في هذا الحفل ما يتنافى مع تعاليم ديننا الحنيف، وكان ذلك على غير إرادتي؛ فقد حذرتهم من ذلك، ولم أساهم معهم بشيء من تكاليف ذلك الحفل، ولكي أخشى أن يتكرر ذلك في يوم الزفاف، ولذلك؛ فقد حذرتهم من ذلك، ولو وصل الأمر إلى فسخ النكاح؛ فهل أنا على حق في إصراري هذا حتى ولو أدى إلى الطلاق أو لا ؟ وما هي نصيحتكم إلى مثل هؤلاء من الذين يسرفون في حفلات الزواج، ويخسرون المبالغ الطائلة فيما لا فائدة فيه، بل قد يجنون منه الإثم والغضب من الله ؟
أولاً : نشكر السائل على غيرته لدينه، وعلى إنكاره للمنكر، ونرجو أن يثيبه الله وأن يثبته على إنكار المنكر .
ولا شك أن إقامة هذه الحفلات عند العقد، أو عند الدخول مخالفة لما جاءت به الشريعة من تيسير الزواج، وتخفيف مؤونته، والإعانة عليه بكل الوسائل الممكنة؛ فهذه الحفلات إذا خلت من المنكر؛ فهي إثقال لكاهل الزوج، وإسراف، وتبذير، أما إذا اشتملت على منكر وعلى أغان كما ذكر السائل، أو ربما على اختلاط بين الرجال والنساء ومنكرات؛ فهذه جريمة أخرى ومنكر آخر .
الحاصل أنه لا يجوز إقامة مثل هذه الحفلات؛ لما فيها من الإسراف والتبذير وعرقلة الزواج بالنفقات الباهظة، ولما فيها – وهو أعظم – من المنكرات التي تكتنفها .
فعلى المسلمين أن يتقوا الله سبحانه وتعالى، وأن يتجنبوا مثل هذه الأمور، والاحتفال وقت الدخول إذا خلا من المنكرات وخلا أيضًا من الإسراف والتبذير؛ بأن يجتمع مثلاً النساء على حدة مستورات في مكان، وحصل شيء من الضرب بالدف عند النساء للإعلان عن هذا النكاح، وهذا سنة .(55/11)
أما أن يكون هناك حفل مختلط، أو يكون فيه أصوات مطربين ومطربات، أو يكون هناك شيء من المحرمات؛ فهذا لا يقره الإسلام، هذا إضافة إلى كون هذا من الإسراف والتبذير، وعرقلة أمور الزواج .
فالحاصل أنك على حق أيها السائل في إنكارك لهذا الصنيع، وعليك أن تستمر في الامتناع منه والإنكار عليهم، لعل الله سبحانه وتعالى أن ينفع بك وأن تكون قدوة صالحة لغيرك .
الحقوق الزوجية ( عشرة النساء )
366 ـ تزوجت فتاة حينما كان عمري سبع عشرة سنة وأنا في السودان، ومكثت معها ثلاثة أشهر، ثم سافرة إلى ليبيا بحثًا عن الرزق الحلال، ولي الآن عامان لم أعد إلى بلدي وإلى زوجتي بسبب عدم قدرتي على دفع تكاليف العودة؛ نظرًا لإصابتي بكسر في يدي نتيجة حادث سيارة مما عطلني عن العمل؛ فما هو الحل في مثل هذه الحالة ؟ هل أبعث بورقة الطلاق إلى زوجتي التي قد ابتعدت عنها أكثر من عامين وربما تزيد بسبب هذا الحادث، علمًا أنها تقيم مع والدي وأهلي، ولا ينقصها شيء من الناحية المعيشية ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
ما ذكره السائل من أنه سافر عن زوجته لطلب المعيشة وحل عليه مانع لم يستطع معه العودة إلى زوجته؛ فهل يبعث بطلاقها ؟ الجواب : إنك معذور فيما ذكرت، وإنه لا يلزمك طلاقها مادمت معذورًا؛ لما ذكرت من الإصابة، وعدم استطاعة السفر؛ فهذا تعذر به، ولا يبقى لها حجة عليك؛ إلا إذا قدرت على السفر إليها والاجتماع بها، ولم تفعل هذا مع القدرة؛ فحينئذ يكون لها الخيار : إما أن تصبر وتنتظرك، وإما أن تطالب بحقها وطلاقها منك؛ فأنت تنتظر، والفرج قريب إن شاء الله إذا صلحت نيتك وعزيمتك، لا سيما وأن والدك قائم باللازم نحو زوجتك؛ فلا داعي للقلق ؟
367 ـ ما رأيك بالمرأة التي لا تسمع كلام زوجها، ولا تطيعه، وتخالفه في كثير من الأمور : كأن تخرج بدون أمره، وتخرج أحيانًا خلسة بدون علمه ؟(55/12)
يجب على المرأة أن تطيع زوجها بالمعروف، ويحرم عليها معصيته، ولا يجوز لها الخروج من بيته إلا بإذنه .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا دعا الرجل امرأته على فراشه، فأبت أن تجيء، فبات غضبان عليها؛ لعنتها الملائكة حتى تصبح ) . متفق عليه [ رواه البخاري في صحيحه ( 6/150 ) - بدون ذكر . . . فبات غضبان عليها . . . - ورواه مسلم في صحيحه ( 2/1060 ) بلفظ : . . . فلم تأته . . . بدل فأبت أن تجيء . . ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لأحد؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ) [ رواه أبو داود في سننه ( 2/250 ) ] .
وقال تعالى : { الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ في الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } [ سورة النساء : آية 34 ] .
فبين سبحانه أن الرجل له القوامة على المرأة، وأنه إذا تنكرت له؛ يتخذ معها الإجراء الرادع؛ ممّا يدل على وجوب طاعته بالمعروف وتحريم مخالفتها له بغير حق .
368 ـ أنا امرأة مطيعة لزوجي ومتقيدة بأوامر الله، ولكني لا ألقاه بسرور وبوجه طلق، وذلك لأنه لم يؤد الحقوق الواجبة عليه من حيث الكسوة، ولقد هجرته في فراشه، هل عليَّ إثم في ذلك ؟
الله سبحانه وتعالى أوجب حسن المعاشرة بين الزوجين، وأن يبذل كل منهما ما يجب عليه للآخر، حتى تتم المنفعة والمصلحة الزوجية، وعلى الزوج أو الزوجة أن يصبر كل منهما على ما يلاقي من الآخر من تقصير ومن سوء عشرة، وأن يؤدي هو ما عليه ويسأل الله الحق الذي له، وهذا من أسباب بقاء الأسرة وتعاونها وبقاء الزوجية .(55/13)
فننصح لك أيتها السائلة أن تصبري على ما تلاقي من زوجك من تقصير، وأن تبذلي ما عليك من حق الزوجية؛ فإن العقبة بإذن الله تكون حميدة، وربما يكون قيامها بواجبها نحوه سببًا في أنه هو أيضًا يخجل .
369 ـ رجل هجر زوجته مدة سنتين، لم يطلقها، ولم يرجعها لأولادها، ولم يقم بواجب الإنفاق عليها، وليس لها قريب ولا من ينفق عليها؛ فحالتها صعبة جدًّا؛ فهي منقطعة من كل أحد إلا من الله؛ فما الحكم الشرعي في مثل هذا الزواج الذي ترك زوجته وأم أولاده تصير إلى هذا المصير السيئ المؤلم ؟
لا شك أن للزوجة حقوقًا على زوجها يجب عليه أداؤها .
قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة البقرة : آية 228 ] .
والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إن لنسائكم عليكم حقًا ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/245 ) بلفظ : وإن لزوجك عليك حقًا . . ] .
والله تعالى يقول : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 19 ] .
ويقول : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ سورة البقرة : آية 229 ] .
. . . إلى غير ذلك من الأدلة التي توجب على الزوج أن يتقي الله تعالى في زوجته، ويؤدي إليها حقوقها، ولا يجوز له أن ينقصها شيئًا من حقها؛ إلا بمبرر شرعي؛ كما إذا كانت ناشزًا .
وما ذكره السائل من هجران هذا الزوج لزوجته هذه المدة الطويلة وحرمانها من حقوقها؛ هذا ظلم لا يجوز له إذا صح وكان ذلك بدون مبرر شرعي؛ فإنه ظالم لها؛ فعليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن يؤدي لها حقها، وأن يستسمحها عما سبق من ظلمه لها .
وكذلك لأولاده عليه حقوق؛ فلا يجوز له أن يضيعهم وأن يتهاون ويتساهل في تربيتهم والقيام بمصالحهم؛ فمسؤولية الأولاد مسؤولية عظيمة، حتى ولو كان بينه وبين أمهم سوء تفاهم؛ فإن ذلك لا يسقط حقهم عليه .(55/14)
فعلى كل حال القضية مهمة، ولا يجوز أن يظلمها أو يظلم أولاده، بل عليه أن يتوب إلى الله، وأن يرجع إلى صوابه؛ فإذا لم يحصل ذلك؛ فلابد من رفع شأنه إلى ولي الأمر؛ للأخذ على يده . والله تعالى أعلم .
370 ـ أسافر أحيانًا، فأغيب عن البيت قرابة الأسبوع، وفي تلك الفترة أترك زوجتي في منزل والدي، وبطبيعة الحال فإخواني وأخواتي موجودون في المنزل، وربما غاب والدي عن البيت؛ فهل لابد من وجود محرم لبقاء زوجتي في المنزل ؟ أفتونا عفا الله عنكم ؟
لا بأس بترك زوجتك في بيت والدك، ولو كان فيه إخوانك؛ لأن ذلك ليس من الخلوة المحرمة التي تحتاج إلى وجود محرم مادام في البيت عدة أفراد من العائلة .
371 ـ أنا شاب مقيم في المملكة، وكانت لدي زوجتي، ثم اضطرتني الظروف المادية على إنزالها إلى القاهرة؛ فما هو حكم الشرع في ابتعادي عنها ؟ وكم تكون أطول مدة حتى أكون آثمًا عليها ؟
الحد المقرر شرعًا للغياب عن الزوجة في حدود أربعة أشهر؛ فلا تجوز الزيادة عن هذا الحد؛ إلا برضاها، مع أمن الفتنة عليها وعلى الزوج؛ إلا من أجبرته الضرورة على الغيبة الطويلة؛ فإنه معذور إلى زوالها .
ومهما أمكن الزوج الذهاب إلى زوجته والحفاظ عليها والقيام بحاجتها؛ فإنه يجب عليه ذلك، خصوصًا في مثل هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن والمغريات المفسدة للأخلاق؛ فإنه لا ينبغي للزوج أن يبتعد عن زوجته؛ إلا عند الحاجة والضرورة، مع الحرص التام على السرعة والعودة إليها حسب الإمكان .
372 ـ ما حكم الرجل يمنع زوجته من الذهاب إلى بيت أهلها إذا كانوا يقومون بإثارة المشاكل والتدخل في حياة الزوجين ؟ وما الحد الأدنى المطلوب من الزوجة لصلة رحمها ؟ وهل يكتفى بالرسالة والمكالمة فقط ؟(55/15)
نعم؛ يحق للرجل أن يمنع زوجته من الذهاب إلى أهلها إذا كان يترتب على ذهابها إليهم مفسدة في دينها أو في حق زوجها؛ لأن في منعها من الذهاب في هذه الحالة درءًا للمفسدة، وبإمكان المرأة أن تصل أهلها بغير الذهاب إليهم في هذه الحالة، بل عن طريق المراسلة أو المكالمة الهاتفية إذا لم يترتب عليها محذور؛ لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] . والله أعلم .
وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفسد الزوجة على زوجها، ويخببها عليه؛ فقد جاء في الحديث : ( ملعون من خبب امرأة على زوجها ) [ رواه أبو داود في ( 2/260، 261 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/196 ) بنحوه ] ، ومعناه : أفسد أخلاقها عليه، وتسبب في نشوزها عنه .
والواجب على أهل الزوجة أن يحرصوا على صلاح ما بينها وبين زوجها؛ لأن ذلك من مصلحتها ومصلحتهم .
373 ـ من المعلوم أن هجران المسلم لأخيه فوق ثلاث ليالٍ غير جائز؛ فما حكم ما يحصل ما بين الزوج وزوجته من هجران، سواء هجرها لقصد التربية أو هجرها لسبب غير ذلك ؟
إذا حصل من الزوجة نشوز في حق زوجها، ووعظها، فلم تتراجع عن صنيعها؛ فله أن يهجرها في المضجع؛ بمعنى : أن ينام معها ولا يكلمها ويعرض عنها بوجهه حتى تتوب، ولا يتعارض هذا مع تحريم هجر المسلم أخاه فوق ثلاث؛ لأن هذا هجر مقيد بالمضجع، والممنوع هو الهجر المطلق، أو يقال : الممنوع هو الهجر بغير سبب المعصية، ونشوز المرأة يعتبر معصية تبيح هجرها .
374 ـ هل يجوز للزوج أن يمنع الزوجة من صلة رحمها، وخصوصًا الوالدة والوالد ؟(55/16)
صلة الرحم واجبة، ولا يجوز للزوج أن يمنع زوجته منها؛ لأن قطيعة الرحمن من كبائر الذنوب، ولا يجوز للزوجة أن تطيعه في ذلك؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، بل تصل رحمها من مالها الخاص، وتراسله، وتزوره؛ إلا إذا ترتب على الزيارة مفسدة في حق الزوج؛ بأن يخشى أن قريبها يفسدها عليه؛ فله أن يمنعها من زيارته، لكن تصله بغير الزيارة مما لا مفسدة فيه . والله أعلم .(55/17)
كتاب الطلاق
375 ـ عقد رجل على امرأة، فطلقها قبل أن يدخل بها؛ فهل يحل لابنه أن يتزوج منها ؟
لا يجوز للابن أن يتزوج بالمرأة التي عقد عليها والده وطلقها قبل الدخول؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ } [ سورة النساء : آية 22 ] ، وهذا يصدق على العقد، ولو لم يدخل بها؛ فزوجة أبيك تحرم عليك بمجرد عقده، سواء دخل بها أو لم يدخل؛ لعموم الآية : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً } [ سورة النساء : آية 22 ] .
376 ـ إذا طلق الرجل زوجته طلاقًا بائنًا بالثلاث، وهم في دولة بعيدة من سكن أهل الزوجة، في أمريكا مثلاً؛ ماذا يفعل بها الزوج ؟ هل يسافر بها إلى بلدها أم لا ؟
إذا طلق الرجل زوجته طلاقًا دون الثلاث؛ فهي مطلقة رجعية، له أن يسافر بها، وله أن يبيت معها، وأن يبقيها في بيته؛ لأنها لا تزال زوجة، إلى أن تتم عدتها، فإذا تمت عدتها، ولم يراجعها؛ بانت، أما مادامت في العدة؛ فهي زوجته، له أن يراجعها، ويكون محرمًا لها؛ لقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ } [ سورة البقرة : آية 228 ] ؛ يعني : في العدة .
أما إذا كانت مطلقة طلاقًا بائنًا، ليس له عليه رجعة؛ فإنه لا يكون محرمًا لها، ويجب عليها أن تحتجب منه؛ لأنه أصبح أجنبيًّا، ولا يسافر بها؛ فإذا طلقها وهو في مكان بعيد طلاقًا بائنًا؛ فالحل في هذا أن يطلب حضور وليها ليأخذها إلى بلدها ويسافر بها، ويكون محرمًا بها، ولا يجوز لمطلقها الذي طلقها طلاقًا بائنًا أن يسافر بها؛ لأنها أصبحت أجنبية منه .(56/1)
377 ـ إذا عقد رجل على فتاة، ثم اكتشفت فيه أشياء لا ترضيها، فطلبت منه فسخ العقد، وذلك قبل الدخول بها، وقد استلمت منه المهر وما يسمى بالشبكة ( وهو مجموعة من الأساور والقلائد الذهبية ) ؛ فهل تعيد له كل ذلك ؟
في هذه الحالة يجب عليها أن تعيد عليه كل ما دفع إليها؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها قبل الدخول، فإن سمح لها بشيء منه ؛ فلا بأس . والله أعلم .
378 ـ شاب خطب فتاة من أسرة كريمة، وعقد قرانه عليها بعقد نكاح شرعي، وبعد أن مضى شهر واحدًا على وقوع العقد رفضته الفتاة بدعوى أنها لا تريده، وقد بذلت قصارى جهدي لأعرف السبب، ولكن دون جدوى، ولما تشاورت مع أهلها في الموضوع؛ قالوا لي : نحن لا نقدر أن نجبرها عليك، وسنرد لك مبلغ عشرة آلاف فقط؛ أي : المبلغ المكتوب في عقد النكاح، وتطلقها فورًا، علمًا بأني قد خسرت أكثر من ثلاثين ألف ريال، ولم أدخل عليها بعد؛ فهل يرجع لي جميع ما دفعت وما خسرت أم ليس ذلك لي ؟
مثل هذا السؤال يتعلق بالمحاكم؛ لأن المشكلة إذا كان فيها طرفان؛ فليس من اختصاص البرنامج، وإنما هي من اختصاص القضاء .
وأما من ناحية كراهية هذه المرأة لك بعدما حصل العقد وحصل التراضي؛ فهذا الله أعلم بسببه، ولكن ربما يكون هذا خيرًا لك، قال تعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } [ سورة البقرة : آية 216 ] ، والله يعوضك خيرًا منها؛ فلا يكن عندك شيء من التضجر؛ لأنك لا تدري ما يكون وضعك معها .
أما من ناحية ما دفعت إليها؛ فالذي يظهر لي أنه يرد عليك كله، وليس لها من شيء؛ لأن الفرقة جاءت من قبلها هي . والله أعلم .
379 ـ طلقت زوجتي ثلاث طلقات جميعًا، فسمعت وقرأت في القرآن الكريم أن الطلاق مرتان؛ ما حكم طلاقي في هذا ؟ وما كفارته ؟(56/2)
الله سبحانه وتعالى شرع الطلاق على صفة معينة؛ بأن يطلقها وهي طاهر من الحيض في طهر لم يمسها فيه طلقة واحدة، ويتركها حتى تنقضي عدتها، فإن بدا له أن يراجعها في مدة العدة؛ فله ذلك، أما أن يطلقها بأكثر من طلقة بلفظ واحد؛ فهذا طلاق بدعي؛ يأثم عليه أشدَّ الإثم، وهو تلاعب بكتاب الله عز وجل؛ لأن الله شرع الطلاق متفرقًا في فترات، حتى يكون عند المسلم فرصة فيما لو أراد الرجوع في العدة .
قال تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا } [ سورة البقرة : آية 228 ] .
وقال تعالى : { لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [ سورة الطلاق : آية 1 ] .
فالله جعل للمسلم فسحة وفرصة يراجع فيه زوجته، فإن طلقها طلاقًا ثلاثًا؛ فقد أغلق على نفسه هذا الباب وأحرج نفسه .
وعلى كل حال؛ الفتوى في مثل هذه القضية لا تصلح أن تكون بواسطة المذياع، وإنما أن يتصل بالقاضي الشرعي في بلده، أو يأتي للمفتي شخصيًّا، ويكلمه في ذلك .
380 ـ وقع شجار بيني وبين زوجتي، فغضبت عليها غضبًا شديدًا، وضربتها ضربًا مؤلمًا، وحلفت عليها بالطلاق، ولكن زوجتي أبت أن تفارق البيت، وعاد كل شيء إلى مجراه الطبيعي، واستمرت حياتنا الزوجية، وبعدها أنجبت ثلاثة أطفال، ولهذه اللحظة لم يعلم بما حصل بيني وبينها إلا الله سبحانه وتعالى؛ فما يجب عليَّ أن أعمله الآن ؟
أما ما ذكرت من غضبك على زوجتك وضربك لها؛ فهذا شيء لا تحمد عليه، ولا يجوز منك، يجب عليك إذا غضبت أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن لا تضرب زوجتك وتسيء إليها .
أما ما ذكرت من حلفك بالطلاق؛ فأنت لم توضح ما تلفظت به؛ هل مرادك أنك حلفت عليها بالطلاق لتمنعها من شيء، أو تحثها على فعل شيء، ولم ترد إيقاع الطلاق؛ فعليك كفارة يمين على الراجح .(56/3)
أما إذا كان قصدك من الحلف بالطلاق أنك أوقعت عليها الطلاق منجزًا، طلقتها بدافع ما حصل منك من الغضب والضرب، وغضبك هذا لم يخرجك عن الشعور؛ فالطلاق يقع إذا كان دون الثلاث، وإذا راجعتها؛ تعتبر الرجعة صحيحة .
الحاصل أن هذا لابد فيه من توضيح لما حصل منك في هذا الطلاق، وأرى لك أن تتصل بأحد العلماء المفتين المعتمدين، وتذكر له ما حصل منك، وستجد الإجابة الشافية إن شاء الله تعالى .
381 ـ رجل تزوج بامرأة وأنجب منها أطفالاً، وكان يسكن وزوجته مع والدة زوجته، وحصلت مشكلة بينه وبين والدة زوجته، وعلى أثر هذه المشكلة سافر الزوج بعيدًا عن زوجته ووالدتها في داخل السودان، ومضى على غيابه خمس سنوات، ولم يرجع إلى زوجته، ولقد ذهب إليه بعض أقارب الزوجة؛ لكي يرجع إلى زوجته وأطفاله، فقال لهم : لن أرجع إلا إذا توفيت والدة الزوجة، وبعد هذه المدة الطويلة التي تزيد عن الخمس سنوات ذهبت الزوجة المهجورة إلى القاضي طالبة منه الطلاق، ولقد وافق لها القاضي بالطلاق، وبعد مدة تزوجت برجل وأنجبت منه أطفالاً، وعندما سمع الزوج الأول بزواج زوجته التي هجرها؛ رجع إلى بلدة زوجته، وقال لها : إن زواجك حرام، وأطفالكم غير شرعيين؛ لأنك مازلت في عصمتي .
ما فعله هذا السائل من هجرة لزوجته والابتعاد عنها بسبب أنه تشاجر مع أمها؛ هذا أمر لا يليق به، ولا ينبغي للرجل أن يصل به الغضب إلى هذا الحد، وما ذنب الزوجة ؟ ! وما ذنب الأولاد الذين جنى عليهم وهجرهم وغاب عنهم المدة التي ينتظر فيها أن تموت أم الزوجة التي تشاجر معها ؟ !
أولاً : كان الواجب عليه الإصلاح فيما بينه وبين أم زوجته، وأن يتلافى ما بينه وبينها من خلاف؛ لأن المصلحة في ذلك في أن يعفو وأن يسمح وأن يحلم وأن يستمر مع عائلته ومع زوجته، ويحسن إلى أم زوجته، وهذا هو الذي ينبغي للمسلم .(56/4)
أما إذا حصل ما ذكره السائل من الغيبة عن زوجته وأولاده حتى تضررت بذلك، وحتى جاء وليها إليه في غيبته، وتفاهم معه، واستمر في غضبه ومقاطعته؛ فهذا أمر لا يليق به، ولا يصح منه؛ لأن ولي أمر الزوجة بذل ما يجب عليه من التفاهم ومراجعة الزوج، ولكن الزوج هو الذي أساء في استمراره على المقاطعة .
أما قضية ما حصل من القاضي من النظر في طلب الزوجة، وفسخ نكاحها من زوجها، ثم تزويجها بعد ذلك من زوج آخر؛ فهذه إجراءات قضائية ترجع إلى المحكمة، وليس لنا عليها اعتراض؛ لأننا لا نعرف ملابسات القضية وما فعله القاضي؛ لأن الواجب مراسلة الزوج ومعرفة الظروف التي تحيط به، ثم بعد ذلك ينظر القاضي بحسب المصلحة وإزالة الضرر عن الزوجة .
فكونه فسخها من زوجها الأول وتزوجت بزوج جديد؛ هذه إجراءات قضائية، يرجع فيها إلى المحكمة؛ فإذا كانت متمشية على الوجه المشروع؛ فلا اعتراض عليها، وزواجها من الثاني صحيح، وأولاده منها أولاد شرعيين .
382 ـ ما الحكم لو حلف رجل بالطلاق على عدم تناول طعام ما، ثم أجبرته الظروف على الوقوف في الطلاق؛ كأن أجبره الحاضرون، فاستحيى منهم؛ فهل يقع الطلاق ؟
إذا حلف بالطلاق على أن لا يأكل طعامًا ثم أكله؛ فهذا فيه تفصيل :
إن كان نوى الطلاق؛ فإنه يقع به الطلاق الذي نواه إذا أكل من الطعام؛ لأنه علق الطلاق على شيء، وقد حصل، وإذا حصل المعلق عليه؛ حصل المعلق .
أما إذا كان نوى بذلك اليمين؛ بأن نوى بذلك منع نفسه من أكل الطعام، ولم ينو الطلاق، ثم أكل؛ فإنه يكون عليه كفارة يمين على الصحيح الراجح من قول العلماء، فيكون عليه كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ كما نص على ذلك كتاب الله عز وجل [ انظر سورة المائدة : آية 89 ] .
383 ـ هل الحلف بالطلاق في حالة الغضب وتوتر النفس يقع طلاقًا ؟(56/5)
إذا بلغ الحال بالإنسان من الغضب إلى زوال الشعور وفقد الوعي؛ بأن لا يدري ولا يتصور ماذا يقول؛ فإن هذا لا تعتبر أقواله؛ لا طلاق ولا غيره؛ لأنه فاقد للعقل في هذه الحالة، أما إذا كان الغضب دون ذلك، وكان معه شعوره، ويتصور ما يقول؛ فإنه يؤاخذ بألفاظه وتصرفاته، ومن ذلك الطلاق .
384 ـ كنت متزوجًا، وطلقت زوجتي، وفي نفس شهر الطلاق اتضح أنها حامل؛ ماذا يجب عليَّ ؟
إذا كان طلاقك لها دون الثلاث؛ فإن لك أن تسترجعها قبل أن تضع حملها؛ لأن عدة الحامل تنتهي بوضع حملها، ومادامت في الحمل؛ فإنها في العدة، فإذا كان تطليقك لها أقل من الثلاث، ولم يكن على عوض أخذته منها؛ فإن لك أن تراجعها إذا شئت في مدة العدة؛ لقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ في ذَلِكَ إِنْ أَرَادُواْ إِصْلاَحًا } [ سورة البقرة : آية 228 ] ؛ فإذا أردت الإصلاح في عشرتها وبقائها معك؛ فإن لك أن تراجعها مادامت في العدة .
385 ـ هل الحلف بالطلاق بدون نيَّة الطلاق يوقع طلاقًا ؟
الصحيح أن من حلف بالطلاق وهو لا يريد إيقاع الطلاق؛ إنما يريد ما يُراد باليمين من الحث على فعل شيء، أو المنع منه، أو تصديق خبر، أو تكذيبه؛ فالصحيح أن هذا لا يعتبر طلاقًا، وإنما يعتبر يمينًا تدخلها الكفارة، أما إذا نوى الطلاق؛ فإنه يقع ما نواه . والله أعلم .
386 ـ حدث ذات مرة كلام مع زوجة أخي وهو غائب، وغصبت منها غضبًا شديدًا، فحلفت بالطلاق من زوجتي أنني عندما ألتقي بأخي سوف أرغمه على طلاقها، وفعلاً التقيت بأخي وقد هدأ الغضب، وقررت ألا أخبره بما حدث من زوجته، والآن عازم على السفر إلى أرض الوطن، ولم أفعل كفارة لليمين؛ علمًا بأنني مسافر بعد أيام . . . أفيدوني ماذا أفعل ؟(56/6)
إذا كان قصدك من الطلاق هو إلزام نفسك بأن تطلب من أخيك طلاق زوجته؛ لأنك غضبت عليها، وليس قصدك إيقاع الطلاق على زوجتك، وإنما قصدك حث نفسك على طلب أخيك بأن يطلق زوجته؛ فإن هذا يجري فيه مجرى اليمين على الصحيح، ويكفي فيه كفارة يمين، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم على التخيير، فإذا لم تجد شيئًا من هذه الأمور الثلاثة؛ فصم ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 89 ] .
فالواجب عليك الكفارة على الوجه الذي ذكرناه، وهو الصحيح من قولي العلماء، ولكني أنصح لك أن تتجنب هذا اللفظ، وألا تستعمل الطلاق في مثل هذه الحالات؛ لأن الطلاق أمر خطير؛ فلا تعود لسانك هذا الكلام الذي ليس فيه مصلحة لك، بل هو مضرة عليك؛ لأن الطلاق لا يتلفظ به إلا عند الحاجة إليه في موضعه المشروع، أما أن تجعله على لسانك في كل مناسبة وعند الغضب؛ فهذا منهي عنه .
387 ـ لي أخ في الله، عقد قرانه على فتاة، ولكنه تركها بعد أن قدم لخطيبته شبكة، مع العلم أنه لم يدخل بها، هل يجوز استرداد شبكته والمصاريف التي صرفها عليها ؟
إذا كان قصده أنه تركها؛ أي : أنه طلقها، وكان قد دفع لها شيئًا من المهر، فطلقها قبل الدخول بها؛ فإنه يستحق نصف المهر الذي دفعه إليها؛ لقوله تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } [ سورة البقرة : آية 237 ] .
فالواجب لك في مثل هذه الحالة نصف المهر، أما النصف الآخر؛ فهو حق لها .(56/7)
وأما الشبكة؛ فلا أدري ما المراد بها ؟ فإذا كانت ما يسمى الدبلة، وهي التقليد الفاسد الذي وقع فيه كثير من الناس اليوم في أمور الزواج، من أنه يشتري لها دبلة تلبسها، ويكون هذا سببًا في زعمهم في عقد المحبة في القلب، وتآلف الزوجين؛ فهذا من عقائد الجاهلية، وهذا يكون من الشرك؛ لأن التعلق بالحلقة والخيط والخاتم والدبلة في أنها تجلب المودة أو تذهب العداوة بين الزوجين هذا من الشرك؛ لأن الأمر بيد الله؛ فهو يقول سبحانه وتعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ سورة الروم : آية 21 ] ؛ فالله هو الذي يوجب المودة والرحمة بين الزوجين إذا استقاما على طاعته سبحانه وتعالى، أما هذه الدبلة وهذه التقاليد الفاسدة؛ فيجب اجتنابها .
وعلى كل حال؛ كل ما أعطيته لها بسبب عقد النكاح؛ فهو مهر، يرجع إليك نصفه إذا طلقتها قبل الدخول .
388 ـ شاب عقد على فتاة، ثم طلقها قبل الدخول بها، وكان قد دفع لها مبلغ الصداق، وكتب على نفسه مبلغًا آخر مؤجلاً في نفس العقد؛ ما الحكم في ذلك ؟
إذا عقد على امرأة، ثم طلقها قبل الدخول، وكان قد سمى وحدد لها صداقًا؛ فإنه يكون لها نصف الصداق الذي دفع ونصف الصداق المؤجل الذي لم يدفعه بعد؛ لقوله تعالى : { وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ } [ سورة البقرة : آية 237 ] .
فيتنصف الصداق إذا طلقها قبل الدخول، سواء كانت قبضته أو لم تقبضه، مادام أنه سمي وحدد، وإذا سمح أحدهما بنصيبه للآخر؛ فلا حرج في ذلك .(56/8)
389 ـ كنت أنا زوجتي عند أهلها، وعند خروجنا من الباب كنت غاضبًا، فقلت لها : عليَّ الطلاق؛ فلن آتي بك هنا ثانية . ولم أكن أقصد الطلاق بذاته؛ فما هو حكم الشرع في ذلك ؟ وهل عليَّ كفارة يمين ؟ وهل تحتسب طلقة ؟
أولاً : يجب على المسلم أن يتوفى الغضب ويدفعه بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم .
ثانيًا : عليه أن يتجنب التلفظ بالطلاق؛ لما في ذلك من الحرج والخطر .
وما ذكره السائل من قوله لزوجته : علي الطلاق لن آتي بك مرة ثانية هنا، وهو يقصد منع نفسه من ذلك حسب ما صرح به؛ فالصحيح أن عليه في ذلك كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام ثلاثة أيام؛ لأن الحلف بالطلاق إذا قصد به ما يقصد باليمين جرى مجرى الحلف بالله على القول الصحيح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله . والله أعلم .
390 ـ أنا رجل متزوج، لي أربعة أطفال، لا يوجد أي خلاف بيني وبين زوجتي، ولكن في يوم من الأيام حصل أن قلت في قلبي : كيف الناس يطلقون ؟ ! وقلت في قلبي اسم زوجتي أنت طالق، مع العلم أنها لم تسمعني، ولم يسمع أحد؛ هل يقع الطلاق في مثل هذه الحالة ؟
أولاً : على الإنسان أن يبتعد عن مثل هذه الأمور والتفكير فيها، ويبعدها عن ذهنه؛ لئلا يتسلط عليه الشيطان بالوساوس والهواجس .
ثانيًا : ما ذكرته من أنك قلت في قلبك، أو نويت في قلبك الطلاق، ولم تتلفظ بلسان؛ فهذا لا يكون عليك فيه طلاق، ولا يلزمك فيه شيء ما لم تتلفظ به .
أما إذا تلفظت به، ولو كان بصوت خفي؛ بحيث تسمع نفسك، ويتحرك به لسانك؛ فإن هذا يكون طلاقًا؛ لأنك تلفظت به، حتى ولو لم تسمعه الزوجة، أو لم يسمعه من حولك؛ مادمت تلفظت به بصوت خفي، وتحرك به لسانك، ونطقت به؛ فإنه يكون طلاقًا .
أما مادام مجرد هاجس في النفس، أو خاطر في القلب؛ بدون تلفظ؛ فإن هذا لا يضر؛ لأن الله جل وعلا عفا لهذه الأمة ما حدثت به أنفسها؛ ما لم تتكلم أو تعمل .
الظهار(56/9)
391 ـ ما حكم من قال لزوجته : أنت مثل أمي، وأنت محرمة عليَّ مثل أختي، وذلك في وقت كان فيه في أشد الغضب من تصرفها، مع العلم أنه كان لا يقصد تحريمها، بل لإرهابها وتخويفها، وكذلك كان يجهل حكم كلمة أنت مثل أختي أو أمي؛ فكل اعتقاده أن المرأة تحرم على زوجها بكلمة الطلاق فقط، وأيضًا كان يقصد من وراء قوله ذلك أنه حلف طلاقًا وأصبحت بطلاقه محرمة عليه، وهو لم يحلف طلاقًا أبدًا؛ فالقصد من ذلك تخويفها؛ فماذا عليه الآن لاستمرار حياته مع زوجته ؟
هذه الألفاظ التي ذكرها هي ألفاظ الظهار؛ إذا شبهها بمن تحرم عليه كأمه وأخته؛ فإنه يكون بذلك مظاهرًا، والمظاهر قد بيّن الله سبحانه حكمه في قوله : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } [ سورة المجادلة : آية3، 4 ] .
فالذي يجب على السائل بناء على ما ذكر أن يكفر كفارة الظهار قبل أن يمس زوجته : إما بعتق رقبة؛ إذا كان يستطيع ذلك، فإن لم يستطع؛ فإنه يصوم شهرين متتابعين، فإن لم يستطع الصيام لمرض مزمن أو لغير ذلك من الأعذار التي تحول بينه وبين الصيام؛ فإنه ينتقل إلى الإطعام ( إطعام ستين مسكينًا لكل مسكين نصف صاع من البر أو غيره ) .
ولكن؛ ليعلم أن هذه الأمور الثلاثة على الترتيب، لا يجوز أن ينتقل عن العتق؛ إلا إذا لم يقدر عليه، ولا يجوز أن ينتقل عن الصيام؛ إلا إذا لم يستطعه، وهذه أمانة في ذمته؛ فلا يجوز له أن يمس زوجته حتى يكفِّر هذه الكفارة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى .(56/10)
على أنه يجب على المسلم أن يحفظ لسانه عن ألفاظ الظهار؛ لأنها كما قال سبحانه وتعالى : { مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } [ سورة المجادلة : آية 2 ] ؛ فالظهار منكر وحرام وزور، لا يجوز للإنسان أن يتلفظ به، لكن إذا وقع هذا وتلفظ به؛ فإن الله سبحانه وتعالى أوجب عليه الكفارة على الترتيب الذي ذكرناه .
وكونه يدّعي أنه في حالة غضب، لابدّ من مراجعة المفتي، أو القاضي بنفسه شخصيًّا ليعرف حقيقة الأمر . والله أعلم .
أحكام العدة
392 ـ المرأة المتوفى زوجها وهي في الحداد هل يجوز لها أن تغادر المكان الموجودة فيه للضرورة، ولو لمرة واحدة ؟
يجب على المرأة المتوفى عنها زوجها أن تعتد للوفاة في بيت زوجها الذي توفي وهي فيه، ولا تنتقل عنه إلا لضرورة؛ كأن تخاف على نفسها، أو تحول منه قهرًا، أو يكون مستأجرًا وتنتهي مدة الإجارة، أو غير ذلك من الأعذار الضرورية، ولا يجوز لها الخروج منه للجيران أو للعمل؛ إلا إذا دعت لذلك ضرورة، فتخرج منه نهارًا وتعود إليه ليلاً؛ فقد قال صلى الله عليه وسلم لامرأة متوفى عنها زوجها : ( امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله ) ، رواه الخمسة وصححه الترمذي [ رواه أبو داود في سننه ( 2/300 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 4/195، 196 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 6/199، 200 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/654، 655 ) ، ورواه الدارمي في سننه ( 2/221 ) ، ورواه الإمام مالك في موطأه ( 2/591 ) ] .
أحكام الرضاع
393 ـ امرأة لها أخوة من الرضاع، وزوجها يقول لها : لا تسلمي عليهم ولا تكلميهم إطلاقًا؛ بحجة أنه لا يعترف بالرضاعة؛ فما رأيكم ؟(56/11)
إذا حصلت رضاعة مستوفية للشروط؛ بأن تكون خمس رضعات فأكثر، وكانت في الحولين؛ ثبتت الحرمة، وصار المرتضع محرمًا للمرضعة وبناتها وأمهاتها وأخواتها، وأخو المرأة من الرضاع محرم لها، لا يجوز للزوج أن يمنع هذه المحرمية، ولا يمنع زوجته من السلام على أخيها من الرضاع وتكليمها له؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/149 ) ] ؛ إلا إذا خُشيت فتنة؛ بأن كان هذا الأخ من الرضاع ليس على استقامة في عرضه، ويخشى على أخته من الرضاع منه؛ فإنها تمنع من مقابلته وخلوته بها .
394 ـ أرضعت أخًا لزوجي لمدة تصل إلى شهرين ونصف مع ابني الكبير، ولي أولاد كثيرون، وإخوة زوجي كثيرون أيضًا؛ فهل يصبح أبنائي وأعمامهم إخوة ؟ ولإخوة زوجي بنات؛ فهل يحرمن على أبنائي ؟ علمًا بأن أخا زوجي الذي أرضعته وإخوته الأكبر منه ليسوا من أم واحدة، بل كل واحد منهم له أم ؟
أما أخو زوجك الذي أرضعتيه؛ فإنه يكون ابنًا لك، ويكون أخًا لأولادك كلهم؛ الذكور والإناث، إذا كان الرضا دون الحولين، وبلغ خمس رضعات فأكثر؛ فإنه يكون ابنًا لك، وأخًا لأولادك؛ ذكورهم وإناثهم، من كان قبله ومن كان بعده، ولا يجوز لأبنائه أن يتزوجوا من بنات عمهم الذي هو زوجك .
أما بقية إخوته؛ فلا تعلق لهم بهذا الرضاع، يجوز لهم أن يتزوجوا من بنات عمهم ما شاءوا؛ لأنهم لا علاقة لهم بالرضاع الذي جرى بينكم وبين أحدهم، وإنما يختص هذا بالمرتضع وفروعه . والله تعالى أعلم .
395 ـ لي ابنة عم في سن الزواج، وأريد أن أتزوجها، لكن المشكلة هي ابن عمي الذي هو أخوها؛ فقد رضع من أمي عندما كانت ترضع أختي الأكبر مني؛ فهل رضاعة ابن عمي هذه تبطل زواجي من أخته شرعًا ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .(56/12)
لا مانع من تزويج ابنة عمك، ولو كان أخوها رضع من أمك؛ فهذا لا يؤثر، مادامت هي لم ترضع من أمك، وأنت لم ترضعي من أمها؛ فلا علاقة بينكما، فيجوز لك أن تتزوجها . والله تعالى أعلم .
396 ـ أنا شاب أبلغ من العمر حوالي عشرين سنة، ميسور الحال والحمد لله، وأرغب في الزواج من ابنة خالي أو خالتي، ولكن فوجئت عندما قالت لي جدتي التي هي أم أمي بأنها أرضعتني مرات كثيرة عندما كانت والدتي مريضة؛ فهل يحل لي الزواج من ابنة خالي أو ابنة خالتي ؟ وهل يحرم على إخواني ما يحرم علي وهم لم يرضعوا من جدتهم ؟ مع العلم بأنني لم أرضع مع نفس خالي أو خالتي الذين أرغب الزواج من بناتهم، بل رضعت من شقيقتهم التي بينهم وبينها حوالي ثلاث إخوان، وهم من الأم نفسها؛ أي : أم أمي، والأب نفسه أب أمي ؟
مادام أنك رضعت من جدتك الرضاع المحرم، وهو خمس رضعات في الحولين؛ فإنه لا يجوز لك أن تتزوج بنت خالك أو بنت خالتك؛ لأنك تكون عمًا لها أو خالاً من الرضاع، وأيضًا تحرم عليك كل بنات خالك وبنات خالتك، لأن الحكم ينتشر على الجميع؛ لأن جدتك أصبحت أمًا للجميع؛ أمًا لخالك وخالتك من النسب وأمًّا لك من الرضاع، فتحرم عليك كل فروعها، أما بالنسبة لإخوانك الذين لم يرضعوا؛ فلا مانع أن يتزوجوا من بنات أخوالهم أو بنات خالاتهم، ولا يسري عليهم حكم رضاعك أنت .
397 ـ لي أخت، وقد أرضعت ابنها البكر مع ابن البكر؛ فهل يحرمن البنات اللواتي من بعد هذا الولد على أبنائي الذين من بعد ولدي البكر ؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير .
نعم ابن أختك الذي رضع من زوجتك يكون ابنًا لك من الرضاعة وتحرم عليه بناتك؛ لأنه صار أخًا لهن من الرضاعة، أما إخوته؛ فيجوز أن يتزوجوا من بناتك، وكذلك العكس، أبناؤك يجوز أن يتزوجوا من أخوات المرتضع اللاتي هن بنات أختك؛ لأنهم لا علاقة لهم بهذا الرضاع، إنما يقتصر تحريم الرضاع على المرتضع وعلى فروعه .(56/13)
398 ـ لي خالة هي شقيقة أمي، وقد أرضعت أمي أحد أولاد خالتي وهي في عصمة رجل آخر؛ أي : قبل أن تتزوج أبي، وأنا الآن أريد أن أتزوج أحد بنات خالتي؛ فهي يجوز، أم أني أصبحت خالاً للبنات من الرضاع، مع التأكيد أن أمي عندما أرضعت أحد الأولاد كانت في عصمة رجل قبل أبي، وقد سمعنا من بعض الناس أن الرضاع لا يحرم إلا الأولاد الذي يأتون بعد الرضاع، أما الأولاد الذي ولدوا قبل الرضاع؛ فلا يسري عليهم التحريم؛ فما صحة هذا الكلام ؟
الرضاعة تحرم ما تحرمه الولادة؛ للحديث، ولقوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
فالرضاعة تحرم بدليل الكتاب والسنة وإجماع المسلمين إذا كانت في الحولين وكانت خمس رضعات فأكثر، والمراد بالخمس الرضعات لا كما يفهمه بعض العوام من أن المراد بالرضعة أن يشبع الطفل ثم يرضع مرة ثانية حتى يشبع إلى أن يكمل خمس شبعات . . . لا؛ المراد بالرضعة هنا المصة، فإذا مصَّ الثدي، ثم تركه باختياره، ثم عاد إليه؛ فهذه رضعة ثانية، سواء تركه للتنفس، أو رغبة عنه، أو تركه للانتقال إلى ثدي آخر؛ فالمصة تعتبر رضعة، ثم إذا عاد والتقم الثدي ومصه مرة ثانية تعتبر رضعة ثانية . . . وهكذا إلى أن يكمل خمس رضعات .
وإذا رضع طفل من أمك خمس رضعات في الحولين؛ فإنه يصير ابنًا لها، ويصير أخًا لأولادها كلهم الذين جاءوا قبل الرضاع والذين جاءوا بعده، والذين هم من عدة أزواج؛ فكل ما ولدت هذه المرضعة من قبل الرضاعة أو بعد الرضاعة، سواء من رجل واحد أو من عدة أزواج؛ فإنهم يكونون إخوة لهذا الرضيع .(56/14)
وبالنسبة لسؤال السائل؛ فإن بنت خالته التي رضعت من أمه تعتبر أختًا له وأختًا لجميع أولاد أمه من أبيه ومن غير أبيه؛ فهي أخت لكم؛ لأن أمكم قد أرضعتها، وتكونون أخوالاً لبناتها؛ فلا يجوز لكم أن تتزوجوا من بنات هذه البنت التي رضعت من أمك؛ لأنكم بالنسبة لهن أخوال .
وبالنسبة لبنات خالتك اللاتي لم يرضعن من أمك؛ فلا مانع من الزواج بهن أو ببناتهن؛ لأن الرضاع إنما ينتشر على الرضيع وعلى فروعه فقط، ولا ينتشر على إخوانه وأخواته . والله أعلم .
399 ـ ما حكم رضاع الكبير ؟ وما هو حرمته ؟ وما الراجح في هذه المسألة ؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا .
رضاع الكبير : هو إرضاع من عمره فوق الحولين؛ لقوله تعالى : { وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ } [ سورة البقرة : آية 233 ] ، وحكمه أنه لا يجوز، ولو وقع؛ فإنه لا ينشر الحرمة عند الجمهور .
أما قصة سالم مولى أبي حذيفة (1)">؛ فهي واقعة عين لا عموم لها . والله أعلم .
400 ـ ولد لي طفل، وعند ولادته أرضعته لي إحدى قريباتي وألقمته ثديها، وكان ذلك في الساعة الثانية عشرة مساءً، وفي صبيحة اليوم الثاني؛ ألقمته ثديها مرة أخرى؛ لأنه كان لا يرضى أن يلقم ثدي أمه، وعند ذلك أشارت أمي على زوجتي أن تعطي الطفل ثدييها كي يتعود عليها، ولا أدري كم مرة رضع طفلي من تلك السيدة الأخرى، وبعد سنتين أنجبت السيدة بنتًا، وابن الآن عمره 19 سنة، ويريد الزواج من تلك الفتاة، فقالت الأم : إن الفتاة أخت لولدي من الرضاعة؛ ما رأي فضيلتكم في هذا ؟ مع العلم أني لا أدري عدد الرضعات .(56/15)
الرضاعة ثابتة كما ذكرت، وإنما الشك في عدد الرضعات، فإذا كانت أرضعته خمس رضعات، والخمس معناها خمس مصات؛ بأن يمص الثدي، ثم يتركه، ثم يعود إليه . . . وهكذا، كل مرة تعتبر رضعة، إذا مص الثدي، وتركه لتنفس، أو لانتقال من ثدي لآخر، أو لغير ذلك، ثم عاد إليه مرة ثانية، تعتبر هذه رضعة ثانية، وقد تحصل الخمس رضعات في مجلس واحد، وقد تحصل في مجالس .
فإذا كان رضع خمس رضعات معلومات؛ فإن هذه البنت تحرم عليه؛ لأنها أصبحت أخته من الرضاعة، والله تعالى يقول في جملة المحرمات : { وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } [ سورة النساء : آية 23 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) (2)، وقال صلى الله عليه وسلم : ( تحرم الرضاعة ما تحرم الولادة ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 6/125 ) بلفظ : الرضاعة تُحَرِّم ما تحرم الولادة ] .
أما إذا لم يجزم بعدد الرضعات، مع اليقين بحصول الرضاع؛ فإن الأحوط ألا يتزوجها؛ تجنبًا للشبهة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/19 ) ] ، وقال : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 1/200 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 7/205 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 8/328 ) ] ، والله أعلم .
401 ـ هل يجوز لي الزواج من ابنة خالتي؛ علمًا بأن أخاها الذي هو ابن خالتي رضع أكثر من خمس رضعات من جدتي والدة أمي وخالتي ؟ وهل يعتبر ابن خالتي في هذه الحالة أخًا لنا ؟
نعم؛ يجوز زواجك من ابنة خالتك التي لم ترضع من جدتك وإن كان أخوها رضع من جدتك؛ فلا علاقة لها برضاعة أخيها، إنما يختص هذا بالراضع، فيكون هذا الراضع خالاً لكم من الرضاع وابن خالتك، أما ابنة خالتك التي لم ترضع من جدتها؛ فإنه لا يتناولها التحريم، ولا ينتشر عليها حكم الرضاع؛ فيجوز لك الزواج منها .(56/16)
402 ـ ابنة خالي وأصغر مني بأربع سنوات، أريد الزواج منها، وقد علمت أن والدتي قد أرضعتها لمرض أصاب والدتها، وأريد بذلك إجابة في زواجي منها .
إذا كنت قد تأكدت أن والدتك أرضعتها؛ فلا يجوز لك أن تتزوج منها إذا كان عدد الرضاعة خمس رضعات في الحولين؛ فإنه لا يجوز لك أن تتزوج منها؛ لأنها أصبحت أختك من الرضاع، والله جلّ وعلا ذكر من جملة المحرمات الأخوات من الرضاعة، وقال صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/149 ) ] .
أما إذا لم تتأكد من صفة الرضاعة، ولا من وقتها، ولكن حصل فيه نوع شبهة وتردد؛ فالأحسن أن تتركها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلا ما لا يريبك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 1/200 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 7/205 ) ، ورواه النسائي في سننه ( 8/328 ) ] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من اتقى الشبهات؛ فقد استبرأ لدينه وعرضه . . . ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/19 ) ] .
على كل حال؛ النساء غيرها كثير، وعليك باجتناب الأمور المشتبهة، هذا إذا لم يثبت الرضاعة على الوجه المشروع، أما إذا ثبت وتوفرت فيه الشروط؛ ففي هذه الحال قطعًا لا يجوز لك أن تتزوج بها .
403 ـ امرأة أرضعت شقيقها، ما حكم الشرع في زواج أبنائهما ؟
إذا أرضعت المرأة أخاها الشقيق؛ صار ابنًا لها، وصار أولاده أولادًا لها، وتكون جدة لهم من الرضاعة، ويكون أولادها أخوة للمرتضع وأعمامًا لأولاده؛ فلا يجوز التزاوج بينهما في هذه الحالة؛ لأن أولاد المرضعة يكونون أعمامًا لأبناء الرضيع، وأولاد الرضيع يكونون أحفادًا للمرضع من الرضاعة وبناتها عماتهم .(56/17)
كتاب القصاص والجنايات والكفارات
404 ـ على أثر جدال بيني وبين زوجتي ضربتها فكسرت ضرسها، ولكن لم يُقلع من مكانه؛ هل يجب عليَّ القصاص ؟ وفي حالة اتفاقي مع زوجتي حول دفع تعويض عما سببته لها من الضرر؛ هل لديكم حل ؟ أفيدونا مأجورين .
لا ينبغي أن ينتهي النزاع إلى هذه الحالة؛ بحيث ينتهي إلى الضرب وإلى الجراحة أو الكسر، هذا لا يجوز بين المسلمين، وهو بين الزوجين أشدُّ شناعة؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر بالمعاشرة بالمعروف .
وقضية ما حصل من كسر السن وماذا يجب فيه؛ فالأمر في هذا له حالتان :
الحالة الأولى : أن تصلحا فيما بينكما : إما بأن تسمح وتعفو عنك مجانًا، وهذا أفضل؛ لقوله تعالى : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [ سورة الشورى : آية 40 ] ، وإما بأن تعفو على عوض وعلى ما تدفعه لها . هذا من باب الصلح، والصلح جائز بين المسلمين؛ إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً .
الحالة الثانية : أن يطلب في هذا التقاضي والدية الواجب دفعها لها، وهذا لابد فيه من الانتهاء إلى المحكمة الشرعية؛ لتنظر في القضية، وتقرر ما تستحقه هذه الجناية من مال .
405 ـ امرأة وضعت السم لزوجها في كوب شاي نتيجة مشاكل، فاعتذر الزوج عن شرب اللبن، فشربته ابنتهما التي أحضرت الكوب وهي لا تعلم ما فيه من سم، فماتت البنت؛ فهل تحاسب الزوجة بموت البنت وهي غير مقصودة ؟ وهل يعد هذا قتل خطأ أو عمد ؟ وهل عليها كفارة في الحالتين ؟
هذه جريمة عظيمة والعياذ بالله .
والله سبحانه وتعالى حرم قتل النفس بغير حق؛ قال سبحانه وتعالى : { وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا } [ سورة النساء : آية 93 ] .(57/1)
وعدَّ القتل بغير حق قرينًا للشرك؛ قال تعالى : { وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا، يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا، إِلا مَن تَابَ } [ سورة الفرقان : آية 68-70 ] .
والآيات في هذا كثيرة .
ولا يجوز قتل المسلم إلا بالحق، سواء قتله بسلاح أو قتله بسم أو بأي شيء قاتل؛ فإنه يتناوله هذا الوعيد الشديد وهذا التحريم والعياذ بالله .
وما أقدمت عليه هذه المرأة السائلة من وضع السم لزوجها بقصد قتله جرم عظيم، وهي تذكر أن الزوج امتنع عن شرب اللبن المسموم، وشربته البنت فماتت .
نقول : كان الواجب عليك أن تأخذي هذا اللبن وتبعديه، ولكن كونك تركتي البنت تشربه وأنت تعلمين أن فيه سمًّا؛ هذا معناه إقرار هذا الشيء، ومعناه السماح لهذه البنت بشرب السم، وتركك له تسبب لقتلها؛ فالأمر خطير جدًّا، والواجب عليك التوبة إلى الله سبحانه وتعالى .
406 ـ وقع عليَّ حادث قبل عدة سنوات نتج عنه وفاة شخص، وقد دفعت جزءًا من الدية لورثته، وتنازلوا عن الباقي، ولكن قيل لي : إنه يلزمني كفارة، ويه صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستين مسكينًا، فأما الصيام؛ فلا أستطيعه لكوني موظفًا حكوميًّا، وفي عمل لا أستطيع الجمع بينه وبين الصيام، وفي حاجة إلى مواصلة العمل؛ فهو مصدر رزقي بعد الله، ولكن أسأل : هل أعدل إلى الإطعام ؟ وما هي كيفيته ؟ وما العمل لو كنت عاجزًا حتى عن الإطعام في الوقت الحاضر؛ هل يبقى دينًا في ذمتي إلى وقت قدرتي عليه أم أعفى منه ؟ أفيدوني بارك الله فيكم .
قال الله سبحانه وتعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [ سورة النساء : آية 92 ] .(57/2)
فمن قتل مؤمنًا خطأ أو قتل معاهدًا؛ فإنه يجب عليه الكفارة، وهي كما بينها الله سبحانه وتعالى على الترتيب بين شيئين : الشيء الأول عتق رقبة، فإن وجد الرقبة، وقدر على شرائها؛ وجب عليه أن يعتقها، أو كانت في ملكه؛ فإنه يجب عليه أن يعتقها؛ كفارة عما وجب عليه، وإذا لم يستطع العتق؛ فإنه يصوم شهرين متتابعين، وليس هناك شيء ثالث؛ فالإطعام غير مذكور في كفارة القتل، وإنما جاء في كفارة الظهار وكفارة الجماع في نهار رمضان، أما القتل؛ فليس فيه إلا خصلتان على الترتيب : الأولى العتق، والثانية الصيام .
وإذا كان حالك كما ذكرت، لا تستطيع أن تصوم لمواصلة العمل ولحاجتك طلب الرزق الذي تسد به حاجتك؛ فهذا لا يسقط عنك الصيام، وإنما يبقى في ذمتك، وتتحين الفرص التي يمكن أن تصوم فيها، وتستطيع ذلك مثل الشتاء ووقت البرد الذي تستطيع أن تجمع فيه بين الصيام والعمل، فتؤخر الصيام مثلاً إلى فصل الشتاء، وتصوم، وهذا شيء يجب عليك؛ كما أنك تصوم رمضان وأنت تعمل؛ كذلك يجب عليك أن تصوم صيام الكفارة وأنت تعمل؛ لأن كلا الصومين واجب عليك شرعًا .
407 ـ كان لي أخ صغير يبلغ من العمر سنة، وقد توفي على إثر شربه شيئًا من الجاز كانت أخته قد وضعته أمام الباب دون علم الوالدة، فتناوله الطفل، وشرب منه، ثم توفي، ومن شدة حزن الوالدة عليه شربت من ذلك المشروب لتجرب هل يؤثر عليها كما أثر على ولدها أم لا؛ فهل عليها شيء في شربها، وهل عليها كفارة بسبب وفاة ولدها نتيجة شربه ذلك أم لا ؟
أولاً : نوجه بأن الأطفال ينبغي العناية بهم ورعايتهم وإبعادهم عما يضرهم؛ فلا يتركون أمام شيء أو عند شيء فيه خطر عليهم .
وأما ما ورد في السؤال من أنه وضع إناء فيه جاز، وشرب منه طفل، ومات على إثر ذلك؛ فهل على والدته شيء ؟(57/3)
إن كانت والدته مفرطة بأن تركته عند هذا المشروب الضار وشرب منه؛ فإن عليها عتق رقبة إن أمكن، فإن لم يمكن؛ فإنها تصوم شهرين متتابعين كفارة عن تفريطها في هذا الطفل .
أما إذا لم تكن مفرطة؛ بأن تركت الطفل في مكان بعيد، وجاء هو وشرب من هذا؛ فإنه لا شيء عليها؛ لأنها لم تفرط .
أما ما ورد في السؤال من أن الوالدة شربت من هذا الشراب الذي شرب منه الطفل وقتله لترى هل هو يقتل أو لا؛ فلا يجوز لها ذلك؛ فإنه لا يجوز للإنسان أن يتناول شيئًا ضارًا للتجربة، وأنا أعتقد أنها فعلت ذلك من باب الحنان والعطف على الطفل؛ لما في نفسها من وفاة ولدها بهذا الشراب، فأرادت أن تخفف عن نفسها وترى هل هذا يضر أو لا يضر، ولكن أخطأت في هذا، حيث إنها عرضت نفسها للخطر، والله تعالى يقول : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ سورة البقرة : آية 195 ] ، والقدر نفذ، والحمد لله؛ فعليها أن تصبر وتحتسب، وعليها كما ذكرنا إذا كانت متساهلة أو مفرطة أن تكفر . والله تعالى أعلم .
408 ـ لقد حصل أن صدمت طفلاً عمره سنة، وتوفي في ساعة الحادث، وكنت أسير بسرعة أربعين كيلو مترًا في الساعة، وقدّر المرور عليَّ خمسين بالمئة من الخطأ؛ ماذا يجب عليَّ ؟ هل الصوم أم الإطعام أم الإعتاق ؟ إذا كان علي صوم؛ فإنني لا أستطيع الصوم شهرين متتابعين؛ لأنني مريض، ومرضي في القلب، ولا أستطيع أن أصوم أكثر من عشرة أيام متتابعة؛ فهل أصوم وأفطر حسب مقدرتي ؟
ما ذكره السائل من أنه دهش طفلاً بالسيارة، فقتله، وقرر عليه نسبة 50% من الخطأ؛ فهذا يوجب عليه الكفارة التي ذكرها الله تعالى بقوله : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } إلى قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] .(57/4)
فالدية تجب على عاقلة القاتل، والكفارة تجب عليه، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام شهرين متتابعين، وإذا كان في الوقت الحاضر لا يستطيع التكفير لا بعتق ولا بصيام؛ فإن الكفارة تبقى في ذمته حتى يستطيع . والله أعلم .
409 ـ حصل حادث مروري منذ ما يقارب من تسع سنوات، ونتج عنه وفاة شخصين، وقد قرر المرور على أحد السائقين نسبة 60% ولم يقم السائق بعمل الكفارة خلال الفترة المذكورة، نأمل الإفادة : ماذا يعمل أثابكم الله ؟
من تسبب في قتل شخص معصوم الدم خطأ؛ فإن عليه الكفارة، وهي عتق رقبة، فإن لم يجد؛ صام شهرين متتابعين، سواء انفرد بقتله أو اشترك مع غيره، ولو بنسبة قليلة؛ لقوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ . . . } إلى قوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] ، ولو مضى على القتل مدة طويلة؛ فإن الكفارة واجبة في ذمته، لا يسقطها تقدم السبب . والله أعلم .
410 ـ أنا رجل يتجاوز عمري الآن 47 عامًا، وقبل 15 عامًا تسببت في وفاة شخص بحادث سيارة، ومن المعروف أنه يلزمني عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين، لكنني مصاب بمرض السكر وضعف في النظر، وعند صيامي شهر رمضان أشعر بأن نظري يضعف وجسمي يزداد إرهاقًا، ويصعب عليَّ ممارسة العمل مع ذلك وتوفير لقمة العيش لأولادي، ولا أستطيع عتق رقبة لظروفي المادية . أرجو إرشادي ماذا أعمل وفقكم الله ؟
المتعين عليك أولاً العتق، فإن لم تستطع العتق؛ وجب عليك صيام شهرين متتابعين؛ لقوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } إلى قوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] .(57/5)
وإذا كنت في الوقت الحاضر لا تستطيع التفكير بما ذكر؛ فإن الكفارة تبقى في ذمتك حتى تستطيع، فإن استمر عجزك عن ذلك؛ فلا يكلف الله نفسًا إلا وسعها، لكن مهما أمكنك إبراء ذمتك؛ فافعل . والله يعينك .
411 ـ سائل يقول : إنه كان يرتكب كبيرة من الكبائر التي تستوجب حدًّا شرعيًّا على فاعلها، ولكنه عزم على التوبة الصادقة، وندم على ما مضى، وعزم على الحج؛ فيسأل : هل يُسلِّم نفسه للقضاء الشرعي ليقام عليه الحد، أم تكفي توبته الصادقة، ويستره الله في الدنيا والآخرة ؟ فما رأيكم في هذا حفظكم الله ؟
يجب عليه أن يتوب إلى الله توبة صادقة، وأن يلتزم بدينه، فيؤدي ما أوجب عليه من العبادة والواجبات الشرعية، ويتجنب ما حرم الله تعالى عليه من المحرمات، وأن يصدق في هذه التوبة، والله سبحانه وتعالى يتوب على من تاب، ولا يتعين عليه إذا لم يكن الحد لمخلوق أن يُسلم نفسه إلى السلطة لإقامة الحدِّ عليه، فتكفي توبته إذا صدقت وصلحت واستقام على دين الله وآمن وعمل صالحًا في مستقبل حياته؛ فإنه إن شاء الله يكفيه هذا، ولا يلزمه – بل ولا يستحسن – أن يسلم نفسه أو يذهب إلى السلطة ليعترف بما وقع له من الذنب؛ فليستتر بستر الله عزّ وجلّ، مع التوبة الصادقة والعمل الصالح .
412 ـ بالنسبة للأطباء الذين يجرون العمليات، لو فرضنا وفاة أحد المرضى بين أيديهم وهم يجرون العملية بسبب هذه العملية؛ ألا يلحقهم في ذلك شيء أو يلزمهم كفارة ؟
إذا حصل منهم تفريط نتج عنه وفاة الشخص، أو كان الطبيب لا يحسن إجراء العملية؛ فإنه في هذا يكون عليه مسؤولية، يكون عليه الكفارة والدية أيضًا على عاقلته؛ لأن هذا يعتبر من قتل الخطأ، أما إذا كان الطبيب مثلاً خبيرًا بإجراء العملية، وحالة المريض تتحمل هذا الشيء، ولم يحصل تفريط؛ فإنه لا حرج عليهم في ذلك، وليس عليهم ضمان ولا كفارة .(57/6)
كتاب الحدود والتعزيرات
السرقة
413 ـ أنا أقوم أحيانًا بأخذ بعض المال من غرفة أم زوجي، وأعطيه والدتي وإخوتي لحاجتهم إليه، وآخذ ما يسقط منهم، وبعض أدوات المنزل، مع العلم أن زوجي لا يعلم، وأن والدة زوجي تشك في الأمر ولم تخبر زوجي؛ هل عملي هذا يوجب قطع يدي ويغضب ربي، وإن كان كذلك؛ فكيف أتوب إلى الله ؟ مع العلم أني أصلي وأزكي وأحب الخير .
ملاحظة أرجو الإجابة مع الدليل من الكتاب والسنة .
والمبالغ أخذت في جملتها تقريبًا ( 6000 ريال ) في خلال سنة ونصف .
الواجب عليك رد المال الذي أخذته إلى أصحابه مهما أمكن ذلك، ولو بواسطة أحد، أو رد قيمته، مع طلب السماحة منهم، ومع التوبة الصادقة إلى الله تعالى، وعدم العودة إلى مثل هذا العمل، والمفترض في المسلم والمسلمة الأمانة وعدم الخيانة .
وعلى كل حال؛ فباب التوبة مفتوح، ورد المظالم إلى أهلها واجب مهما أمكن ذلك، مباشرة أو بواسطة :
فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من كانت عنده لأخيه مظلمة؛ فليتحلل منه إليهم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كانت له حسنات؛ أخذ من حسناته وأعطيت للمظلومين، وإن لم يكن له حسنات؛ أخذ من سيئات المظلومين فطرحت عليه فطرح في النار ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/99 ) بنحوه ] .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال، ثم يأتي وقد ظلم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا، فيؤخذ لهذا من حسناته، ولهذا من حسناته، فإذا لم تبق له حسنة؛ أخذ من سيئات المظلومين، فطرحت عليه، فطرح في النار ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 4/1997 ) ] .
414 ـ أخذت نقودًا يوم كنت صغير السن وأجهل بالأحكام؛ فقد أخذتها وتصرفت فيها، والآن أريد أن أبرئ ذمتي منها؛ فماذا أفعل ؟(58/1)
يلزمك إذا كنت تعرف صاحبها أن تردها إليه وأن تستبيح منه ما حصل منك من إساءة، وإذا كان صاحبها ميتًا؛ فإنه يجب عليك ردها إلى وارثه، أما إذا كنت لا تعلم صاحبها؛ فإنه يتعين عليك حينئذ أن تتصدق بها على نية أن الأجر لصاحبها مع التوبة إلى الله سبحانه وتعالى من مثل هذا؛ لأن أموال الناس لا يجوز التعدي عليها، ولا أخذها بدون رضاهم، وهذا ظلم وعدوان؛ فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وترد المال إلى صاحبه أو وارثه، فإن لم تستطع؛ فعليك أن تتصدق به وتبرئ ذمتك منه . والله أعلم .
الأيمان والنذور
415 ـ لقد منَّ الله عليَّ واشتريت قطعة أرض لبناء بيت عليها، وذلك منذ ثلاث سنوات، بمبلغ ألفي جنيه، وبعد شرائها وشعوري بنعمة الله عليّ نذرت أنني عند بنائها سأعلم الطابق الأرضي كله مسجدًا، ويكون البيت في الدور العلوي، وقلت أمام أقاربي وأصدقائي : نذرت أن أعمل هذا العمل، ولكنني وجدت أن إمكاناتي المالية لن تسمح لي بالبناء ؛ نظرًا لتكاليف البناء الكبيرة، وسوف أقوم في الشهور القادمة ببيع هذه الأرض إن شاء الله؛ فأرجو إفادتي ماذا أفعل في هذا النذر ؟ ولو بعت هذه القطعة؛ فهل النذر يسقط عني أم لابدّ من عمل شيء بدلاً عنه ؟ ثانيًا بالنسبة للزكاة عن هذه القيمة؛ هل أخرج قيمة الزكاة عن المبلغ الذي اشتريتها به فقط ومن تاريخ شرائها أم أخرج الزكاة عن المبلغ الذي ستباع به ؟ أفيدوني جزاكم الله كل خير .
الذي يظهر من سؤالك أنك نذرت أن تبني هذه الأرض التي اشتريتها وتجعل الدور الأرضي منها مسجدًا، وأنك نذرت هذا النذر شكرًا لله على أن يسر لك هذه الأرض، ولكنك في الوقت الحاضر لا تستطيع عمارتها، وتسأل : هل يجوز لك بيعها ؟(58/2)
لا؛ لا يجوز لك بيعها؛ لأنك نذرت أن تجعل الدور الأرضي منها مسجدًا، وأن تجعل ما فوقه سكنًا؛ فما دام أنك لا تستطيع بناءها في الوقت الحاضر؛ فإنك تنتظر إلى أن ييسر الله سبحانه وتعالى بناءها، وتنفذ ما نذرت؛ لأنك لم تيأس حتى الآن من عدم القدرة على بنائها وتنفيذ هذا النذر الذي نذرته، فإذا يئست من ذلك، ويئست من القدرة على بنائها وتنفيذ هذا النذر؛ حين ذاك تسأل أهل العلم، أما الآن؛ فالذي أراه أنك تنتظر، ولا زكاة فيها في مدة الانتظار؛ لأنك لم تعدها للتجارة . والله أعلم .
416 ـ نذرت لئن أراد الله ووصلت إلى الديار المقدسة وزرت البيت الحرام أن أصوم ثلاثة أشهر رجب وشعبان ورمضان، وقد أديت فرضي والحمد لله، ولكن نظرًا لظروف عملي؛ فلم أستطع إكمال الصيام؛ فهل يجزئ عن ذلك صيام الاثنين والخميس من كل أسبوع ؟ وإذا لم أستطع؛ فهل يجزئ عني كفارة ؟ وما هي ؟ أفيدوني حفظكم الله .
أولاً : ننبه إلى أن النذر لا ينبغي للإنسان أن ينذر؛ فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وقال : ( إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1261 ) ] فلا ينبغي للإنسان أن ينذر، بل ينبغي له أن يتقرب إلى الله بالطاعات والقربات من غير نذر، ولا يلزم نفسه إلا ما أوجبه الله عليه في أصل الشريعة، أما أن يدخل نفسه في حرج، ويحملها واجبًا ثقيلاً من صيام أو عبادة لا تجب عليه بأصل الشرع، ثم بعد ذلك يحرج ويطلب المخارج؛ فهذا يجب عليه أن يحذر منه من البداية، وأن لا ينذر .
لكن؛ إذا نذر وعقد النذر، وهو نذر طاعة؛ فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يُطيع الله؛ فليطعه ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 7/233 ) ] .
وقال تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [ سورة الإنسان : آية 7 ] .(58/3)
ويقول تعالى : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } [ سورة البقرة : آية 270 ] .
ويقول تعالى : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } [ سورة الحج : آية 29 ] .
فإذا نذر الإنسان نذر طاعة ونذر تبرر؛ وجب عليه أن يؤديه؛ لأنه أوجب على نفسه، فوجب عليه أداؤه .
وما ذكرته السائلة من أنها نذرت أن تصوم ثلاثة أشهر – رجب وشعبان ورمضان - : أما رمضان؛ فهذا واجب عليها بأصل الشرع أن تصومه، وقد نذرته، فيكون واجبًا عليها من ناحيتين : بأصل الشرع، وبالنذر، وهذا لابدّ لها من صيامه . وأما صيام رجب وشعبان؛ فهذين يجب عليها صيامهما بالنذر فقط، فيجب عليها أن تصوم مادامت نذرت صيامهما؛ لأن هذا نذر طاعة .
فإذا كانت عينت سنة معينة؛ قال : من سنة كذا؛ فيجب عليها أن تصوم رجب وشعبان من السنة المعينة . أما إذا كانت نذرت رجب وشعبان غير معينين من سنة؛ فإنها تصوم رجب وشعبان من أي سنة تمر عليها .
الحاصل أنه لابدّ لها من صيام هذا النذر، ولو كان فيه عليها مشقة؛ لأنها هي التي ألزمت نفسها بهذا، فتصوم مادامت تستطيع الصيام، ولا يجزئ عنها أن تصوم يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع كما ذكرت .
417 ـ أنا إنسان عصبي جدًّا، فأكثر من الحلف بالله عندما أغضب، أحيانًا أقسم بأن أفعل شيئًا ثم لا أفعله، وأحيانًا أقسم بأن لا أفعل شيئًا ثم أفعله، ولا أعرف كم عدد المرات التي أقسمت بها، وقد عاهدت الله في صلاتي بأن لا أعود مرة أخرى إلى ذلك الشيء، وأنني لا أقسم عندما أكون غاضبًا جدًّا، وإذا أقسمت وأنا بحالتي هذه أنفذ القسم؛ ما حكم القسم في المرات التي لا أبر بها، علمًا بأنني لا أعرفها ؟ وبماذا تنصحونني جزاكم الله خيرًا ؟
الحلف بالله أمره عظيم، يجب احترامه، ولا يجوز الإكثار من الحلف .
قال الله تعالى : { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } [ سورة المائدة : آية 89 ] ؛ قيل : معناه : لا تحلفوا .(58/4)
وقال تعالى : { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ } [ سورة القلم : آية 10 ] .
فعليك بالتوبة من ذلك، وأن لا تحلف إلا عند الحاجة إلى الحلف، وإذا حلفت؛ فبر بيمينك، وإذا حنثت في اليمين؛ فكفر عنها إذا كانت مما يشرع منه الكفارة، وهي اليمين التي تكون على شيء مستقبل ممكن، كأن تحلف لتفعلن كذا أو لا تفعل كذا، ثم خالفت يمينك، أما اليمين على الماضي وأنت كاذب؛ فهي اليمين الغموس التي ليس فيها كفارة، وإنما فيها التوبة إلى الله، وعدم العودة إليها .
ومادمت لا تعرف نوع الأيمان التي حلفتها سابقًا، وهل هي مما تشرع فيه الكفارة أو لا، ولا تعرف عددها؛ فالواجب عليك التوبة والاستغفار وحفظ اليمين في المستقبل، وليس عليك غير ذلك . والله أعلم .
418 ـ امرأة تقول : ما هي اليمين الغموس ؟ وما هي الكفارة ؟ وإنني مريضة نفسيًّا، وأتعالج عند طبيب نفساني، وأضطر أحيانًا بالحلف بالقرآن الكريم لأمنع نفسي من عمل شيء لا أريده، وأكثر الأحيان أحنث باليمين، وأخشى أن أكون قد وقعت باليمين الغموس . أرجو الإفادة .
إن اليمين بالله عزّ وجلّ أمرها خطير، ولا ينبغي للمسلم أن يتساهل في شأن اليمين ويكثر من الأيمان من غير داع إلى ذلك، بل ينبغي للمؤمن عدم الحلف إلا عند الحاجة، ولا يحلف على صدق وعلى بر، والله جلّ وعلا يقول : { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ } [ سورة القلم : آية 10 ] ؛ يعني : كثير الحلف، وكثرة الحلف من صفات المنافقين، وقد أخبر أنهم يحلفون على الكذب وهم يعلمون؛ فينبغي للمؤمن أن يبتعد عن كثرة الأيمان، وأن لا يعوِّد لسانه ذلك؛ لأنها مسؤولية كبيرة، ولا يحلف إلا عند الحاجة .(58/5)
أما اليمين الغموس التي سألت عنها؛ فهي أن يحلف بالله على أمر ماضٍ كاذبًا متعمدًا، كأن يحلف أنه ما صار كذا وكذا، ولا كان كذا وكذا، أو يحلف على سلعة أنه اشتراها بكذا، وأنها سليمة من العيوب وهي غير سليمة . . . وما أشبه ذلك؛ فهذه هي اليمين الغموس، وهي من كبائر الذنوب، وسميت غموسًا؛ لأنها تغمس صاحبها في الإثم، ثم في النار .
وهذه اليمين أكثر ما تقع من الذين يبيعون ويشترون؛ ليغرروا بها الناس؛ وليصدقوهم، وليروجوا سلعهم بذلك .
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن اليمين منفقة للسلعة ممحقة للبركة ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/12 ) ، بلفظ : الحلف . . ] وذكر الوعيد على الشخص الذي لا يبيع إلا بيمينه ولا يشتري إلا بيمينه؛ فهذه هي اليمين الغموس، وهذه ليس لها كفارة؛ يعني : لم يشرع لها كفارة مالية أو صيام، وإنما كفارتها التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والندم على ما حصل منه، وأن لا يعود إلى الحلف بهذه اليمين .
وأما ما ذكرت السائلة من أنها تحلف بالقرآن، وأنها تكرر منها ذلك، وأنها تخالف يمينها؛ تحلف بالقرآن على أن لا تفعل كذا أو أن تفعل كذا . . .
نقول : الحلف بالقرآن لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله سبحانه وتعالى، وهو صفة من صفاته، والمسلم يحلف بالله أو بصفة من صفاته سبحانه وتعالى؛ ككلامه وسائر صفاته التي وصف بها نفسه أو وصفها بها رسوله صلى الله عليه وسلم، ومن ذلك كلام الله عزّ وجلّ، وهو القرآن .
ولكن كما ذكرنا ينبغي للمسلم أن لا يتسارع إلى الحلق واليمين، وأن يمتنع عن الأمور المحظورة من غير حلف، وأن يفعل الطاعات من غير حلف؛ لأن الحلف مسؤولية عظيمة وخطر كبير .(58/6)
أما ما صار من السائلة من أنها حلفت بالقرآن وخالفت يمينها؛ فإنها يكون عليها الكفارة إذا حلفت على أمر مستقبل ممكن أن تفعله، أو على أمر مستقبل أن لا تفعله، ثم خالفت يمينها؛ فإنها تكفِّر؛ كما قال سبحانه وتعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ في أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ سورة المائدة : آية 89 ] .
فكفارة اليمين تجمع بين أمرين : تخيير وترتيب : أما التخيير؛ فبين خصال ثلاث هي : العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين؛ يخير في هذه الأمور؛ فإذا لم يقدر على واحدة منها؛ فإنه يصوم ثلاثة أيام؛ لقوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ } [ سورة المائدة : آية 89 ] . .
فهذه كفارة اليمين المنعقدة التي قصد الحالف عقدها على أمر ممكن . والله أعلم .
419 ـ في ذات يوم وأنا أعمل مع زميلاتي؛ قلت لهن : إذا نجحت ابنتي؛ فسوف اذبح لكم عجلاً، ولكن حصل أن انتقلت من ذلك البلد إلى بلد آخر بعيدًا عنه، وفعلاً نجحت ابنتي، والحمد لله؛ فماذا أعلم في هذا النذر ؟ هل يجوز أن أذبح العجل وأتصدق بجزء منه على الفقراء أم لابد أن يكون لزميلاتي كما ذكرت وقت النذر ؟ وهل يجوز لي ولأهلي الأكل منه أم لا ؟(58/7)
إذا كنت نذرت ذبح العجل على أن تتصدقي بلحمه على زميلاتك؛ لأنهن فقيرات؛ فهذا نذر طاعة، يجب الوفاء به؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله؛ فليطعه ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 7/233 ) ] ؛ فيجب عليك ذبح العجل وتوزيع لحمه على زميلاتك الفقيرات .
أما إذا كان هذا من باب ما يجري بين الرفقة من الوعد : أنه إذا حصل له كذا؛ يعمل لهم دعوى، ويعمل لهم وليمة أو حفلة؛ فهذا يعتبر من الأمور المباحة، من شاء فعلها، ومن شاء تركها؛ لأنه من المواعيد فقط .(58/8)
كتاب القضاء
420 ـ ماذا يعني اجتهاد القاضي في تعزير العاصي ؟
يُعزِّر هذا العاصي أو هذا المذنب حسبما يراه كافيًا من الزجر والتعنيف والكلام أو من الضرب أو من السجن أو غير ذلك مما يراه القاضي رادعًا عن هذه المعصية .
البينات والدعاوي ( الخصومات )
421 ـ لي أخ شقيق، وهو ميسور الحال، وأنا فقير إلى الله، طلب مني في يوم من الأيام أن أقوم بمسح أرض لنا، على أن نقيم عليها بيتين؛ بيتًا لي وبيتًا له، ولعدم قدرتي على تكاليف البناء؛ وافقت معه، وقد عملت في بيته حتى أوشك على الانتهاء، فطلبت منه أن نبدأ في بناء بيتي حسب الاتفاق، ولكنه رفض وضرب بالاتفاقية التي بيننا عرض الحائط؛ علمًا بأنني شاركت في بناء بيته بجهدي وهو بالمال، والأرض التي أقيم عليها البيت عائدة لوالدنا، وقد ورثها عن والده؛ فهل يحق لي أن أطالبه بنصف البيت أو لا ؟ وله يحق لوالدنا أن يعطيه صكًّا شرعيًّا على الأرض بعد علمه بما حصل بيننا أم أستحلفه على عدم الاتفاق بيننا؛ علمًا بأنه اتفاق شفهي فقط، ولا يوجد ما يثبته كتابة ولا شهودًا ؟
هذه القضية فيها طرفان، أو فيها ثلاثة أطراف : أنت وأخوك والوالد، وفيها نزاع، وهذا مرده إلى القاضي؛ فعليك أن ترجع إلى القاضي يتولى فصل النزاع فيها . والله الموفق ؟
422 ـ ما رأي فضيلة الشيخ من انشغالي بالمحاماة؛ من حيث الترافع أمام المحاكم المدنية للدفاع عن القضايا المدنية والتجارية التي بها شبهة الربا ؟ تفضلوا حفظكم الله بالإجابة .
لاشك أن كون الإنسان ينوب عن غيره في الخصومة لا بأس به، ولكن الشأن في نوعية الخصومة :
فإذا كانت بحق والنائب إنما يدلي بما عنده من حقائق، ليس فيها تزوير ولا كذب ولا احتيال، وهو ينوب عن صاحب القضية لإبداء ما معه من البيِّنة والبراهين على صدق ادعائه أو دافع به؛ فهذا لا بأس به .(59/1)
أما إذا كانت الخصومة في باطل، أو يخاصم النائب أو الوكيل عن مبطل؛ فهذا لا يجوز؛ فالله جلّ وعلا يقول لنبيه صلى الله عليه وسلم : { وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا } [ سورة النساء : آية 105 ] .
وكلنا يعرف أنه إذا كانت القضية قضية حق، ولا يستعمل فيها شيء من الكذب والتزوير؛ فهذا شيء لا بأس به، خصوصًا إذا كان صاحب القضية ضعيف، لا يستطيع الدفاع عن نفسه، أو لا يستطيع إقامة الدعوى لحقه؛ فكونه ينيب من هو أقوى منه جائز في الشرع . والله تعالى يقول : { فَإن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ } [ سورة البقرة : آية 282 ] ؛ فالنيابة عن الضعيف لاستخراج حقه أو دفع الظلم عنه شيء طيب .
أما إذا كان خلاف ذلك؛ بأن كان فيه إعانة لمبطل، أو دفاع عن ظالم، أو بحجج مزيفة ومزورة، والوكيل أو النائب يعلم هذا، أو القضية من أصلها باطلة، وكالنيابة في أمر محرم؛ كالربا؛ فهذا لا يجوز؛ فلا يجوز للمسلم أن يكون نائبًا أو وكيلاً في باطل، ولا محاميًا في المعاملات الربوية؛ لأنه يكون معينًا على أكل الربا، فتشمله اللعنة .
الشهادات
423 ـ في يوم من الأيام ذهبت إلى المملكة لقضاء غرض لي فيها، وبينما أنا جالس؛ طلب مني قاضي المحكمة أن أشهد على طلاق، وقال لي : فلان يريد أن يطلق زوجته، ونريد أن تشهد على هذا الطلاق، وفعلت ذلك، شهدت وأنا لا أعرف شيئًا عن أسباب الطلاق، ولا عن الزوجين، ولا حتى شهادتهم، ولكني شهدت على الطلاق؛ هل عليَّ من حرج ؟
لا حرج عليك في ذلك؛ لأنك تشهد على لفظ الزوج وما صدر منه من الطلاق ولو لم تعرفه ولم تعرف زوجته، مادام أنه عند القاضي وفي المحكمة؛ فإن هذا شيء منضبط، وأنت تشهد على ما سمعت من هذا الشخص عند القاضي؛ فلا حرج عليك في ذلك إن شاء الله .(59/2)
424 ـ طلب مني أحد أصدقائي أن أشهد معه في المحكمة على استخراج حجة استحكام على داره، فذهبت معه للمحكمة، وعندما وصلت إلى القاضي؛ فوجئت أن الشهود الذين شهدوا قبلي قالوا في شهادتهم : إن صاحب المنزل يملكه منذ ستة عشر عامًا، وهو لا يملك المنزل إلا منذ ست سنوات، وكنت وقتها في موقف حرج؛ فلا أحب أن أنفي شهادتهم، فأعقد موضوع الصك، فشهدت على صحة شهادة الشهود الأولين؛ فهل هذه الشهادة تعتبر زورًا ؟ وما هي كفارتها ؟ علمًا بأنه لا يوجد أي معارض في منزل المتقدم للحجة، بل المنزل ملكه، وإنما الاختلاف في المدة فقط، أفيدوني أثابكم الله .
أخطأت في هذا التصرف حيث لم تبين الحق في الشهادة، وقد وافقتهم وأنت تعلم خطأهم، وهذه شهادة زور في زيادة المدة، والواجب عليك أن تبين :
لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ } [ سورة المائدة : آية 8 ] .
ويقول سبحانه وتعالى : { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [ سورة النساء : آية 135 ] .
فالواجب عليك أن تبين الحق في هذا الموقف .
أما وقد حصل ما ذكرت؛ فإن الذي يجب عليك أن تذهب إلى القاضي الذي جرى على يده هذا التوثيق، وتبلغه بالحقيقة؛ ليتلافى القاضي ما حصل بموجب هذه الشهادة .
هذا الذي يجب عليك إن كان يترتب على هذه الزيادة في المدة حق شرعي، وإلا : فالواجب عليك التوبة على الله، وأن لا تعود لمثل هذا العمل .(59/3)
الجامع لأحكام النساء
425 ـ هل من كلمة جامعة توجهها للمرأة المسلمة والتي أصبح شغلها الشاغل الركض وراء الأسواق والتقصير في حقوق كثيرة في سبيل المحافظة على ذلك ؟
الكلمة التي أوجهها نحو المرأة المسلمة : أن تتقي الله في نفسها وفي زوجها وأولادها، فتقوم بأعمال بيتها وتربية أولادها وحقوق زوجها، وأن تتعلم أمور دينها، وأن تحافظ على أداء فرائض الله، وتكثر من النوافل والتصدق بما تستطيع، وأن لا تخرج من بيتها إلا لحاجة، مع التستر الكامل، وترك الطيب والزينة عند الخروج، وأن لا تركب وحدها مع سائق غير محرم، وأن لا تزاحم الرجال وتختلط بهم، وأن لا تدخل على الطبيب وحدها بدون أن يكون معها محرم، وأن لا تسافر بدون محرم، وأن تعالج عند طبيبات من النساء ولا تعالج عند الأطباء الرجال؛ إلا بشرطين : الأول : أن لا تجد طبيبة امرأة، الثاني : أن تكون مضطرة للعلاج، وأن تبتعد عن التشبه بالرجال وعن التشبه بالكافرات في شعرها ولباسها وزيها، وأن تبادر إلى الزواج إذا لم تكن قد تزوجت ولا تبقى بدون زوج، وأن تتنازل عن كثير من مطامعها إذا وجدت الزوج الصالح، ولذلك على المرأة المسلمة أن لا تلتفت إلى الدعايات المغرضة التي تريد أن تسلب المرأة كرامتها وعفتها، فتدعوها إلى الخروج على الآداب الشرعية والتمرد على ولي أمرها الذي ينظر في مصلحتها، وعليها بالبر بوالديها وصلة أرحامها وإكرام جيرانها وكف الأذى عنهم، والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآل وصحبه .(60/1)
426 ـ فضيلة الشيخ صالح الفوزان السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد : نشكر لكم جهودكم في خدمة الإسلام وأهله، راجين من الله تعالى أن يجعله في ميزان حسناتكم، ونحن العوام لابد لنا من الرجوع إلى العلماء في كل ما يشكل علينا؛ فنحن طالبات من الجامعة، نرجو من فضيلتكم الإجابة على بعض الأسئلة الخاصة بالمرأة، خصوصًا في مسائل في قص الشعر وغيره؛ لما في ذلك الموضوع من الأهمية؛ فقد انتشر بين النساء قصات غربية بحتة، وأفكار مستوردة مخالفة للعقيدة ومشابهة للكفار وأفعالهم، ولو كانت المسألة نسبية؛ لكان الأمر أهون، ولكن عمت هذه البلوى وطمت، حتى بين بعض طالبات العلم نسأل الله العافية؛ إلا من رحم الله؛ فنريد أن نقتطع من وقتكم الثمين، ونثقل كاهلكم بهذه الأسئلة؛ راجين أن نجد قبولاً لديكم من أجل المصلحة العامة، ونرجو منكم بعد الانتهاء منها السماح لنا بطباعتها في شكل كتيب صغير وتوزيعها حتى تعم الفائدة .
من هذه الأسئلة
427 ـ ما حكم تحدث المرأة مع صاحب محل الملابس أو الخياط ؟ مع الرجاء توجيه كلمة شاملة إلى النساء .
تحدث المرأة مع صاحب المتجر التحدث الذي بقدر الحاجة وليس فيه فتنة لا بأس به، كانت النساء تكلم الرجال في الحاجات والأمور التي لا فتنة فيها وفي حدود الحاجة .
أما إذا كان مصحوبًا بضحك أو بمباسطة أو بصوت فاتن؛ فهذا محرم لا يجوز .
يقول الله سبحانه وتعالى لأزواج نبيه صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهن : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] ، والقول المعروف ما يعرفه الناس وبقدر الحاجة، أما ما زاد عن ذلك؛ بأن كان على طريق الضحك والمباسطة، أو بصوت فاتن، أو غير ذلك، أو أن تكشف وجهها أمامه، أو تكشف ذراعيها، أو كفيها؛ فهذه كلها محرمات ومنكرات ومن أسباب الفتنة ومن أسباب الوقوع في الفاحشة .(60/2)
فيجب على المرأة المسلمة التي تخاف الله عزّ وجلّ أن تتقي الله، وألا تكلم الرجال الأجانب بكلام يطمعهم فيها ويفتن قلوبهم، تجنب هذا الأمر، وإذا احتاجت إلى الذهاب إلى متجر أو إلى مكان فيه الرجال؛ فلتحتشم ولتتستر وتتأدب بآداب الإسلام، وإذا كلمت الرجال، فلتكلمهم الكلام المعروف الذي لا فتنة فيه ولا ريبة فيه .
428 ـ ما حكم مراسلة الفتيات بالبريد ؟ وما حكمها إذا كانت مفيدة؛ مثل مراسلة أديبة أو شاعرة ؟
مراسلة الفتيات؛ الأصل فيها أنها لا تجوز إذا كانت من رجال غير محارم لهن؛ لما يترتب عليها من الفتنة والمحاذير، ولو كانت الفتاة أديبة أو شاعرة؛ لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وأغلب ما تحصل النتائج الوخيمة بسبب المراسلة بين الشباب والشابات والتعارف المشبوه .
429 ـ هل يجوز للنساء الذهاب للمساجد والمحاضرات ؟
نعم؛ يجوز للنساء الذهاب للمساجد والمحاضرات، لكن مع التستر؛ بأن يكن متأخرات عن الرجال؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أخروهن حيث أخرهن الله ) [ رواه عبد الرزاق الصنعاني في مصنفه ( 3/149 ) ] ، وقال : ( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/326 ) ] .
فإذا ذهبن للمساجد والمحاضرات الدينية وكنَّ منعزلات عن الرجال؛ فهذا شيء طيب .
وينبغي للداعية أن يخص النساء بموعظة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم خص النساء بموعظة، ولما خطب في الرجال خطبة العيد؛ ذهب إلى النساء متوكئًا على بلال، وخطب النساء خطبة خاصة بهن (1)؛ فهذا دليل على أن النساء يحتجن إلى موعظة، وإلى محاضرة .
والمحذور يمكن التغلب عليه بأن يجعل ستارة بين المحاضر وبين النساء ولا يراهن، وإنما يسمعن كلامه وهو يسمع أسئلتهن ويجيب عليها مع وجود الساتر والحائل .(60/3)
430 ـ أخرج أنا وزوجتي للسوق لشراء حاجات خاصة بها أو بالمنزل، وتخرج معي وهي ترتدي الحجاب كاملاً والحمد لله، ولا تخاطب أحدًا من البائعين؛ فهل في خروجها هذا إثم أم لا ؟ أفيدوني أفادكم الله .
خروج المرأة لشراء الحاجات من السوق إذا لم يكن هناك من يقوم بشرائها لا بأس به مع التستر الكامل والبعد عن مخالطة الرجال والكلام معهم كلامًا لا حاجة إليه، وإذا كان معها رجل من محارمها؛ فهذا أتم وأحسن، أما إن كان هناك من يقوم بشراء الحاجات؛ فلا داعي لخروجها؛ لما في الخروج من الفتنة والمخاطر، خصوصًا في هذا الزمان الذي كثرت فيه الفتن وقل الحياء؛ إلا من رحمه الله، وبقاء النساء في البيوت مهما أمكن هو الواجب؛ لقوله تعالى : { وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [ سورة الأحزاب : آية 33 ] .
431 ـ بعض النساء تركب في السيارة هي والسائق ومعها امرأة أخرى؛ بحجة أنها محرم؛ فما رأيكم ؟
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تركب وحدها مع السائق الذي ليس محرمًا لها؛ لأن هذا من الخلوة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم [ انظر : صحيح البخاري ( 6/158، 159 ) ] .
عن جابر رضي الله عنه : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يخلونَّ بامرأة ليس معها ذو محرم منها؛ فإن ثالثهما الشيطان ) ، رواه أحمد [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 3/339 ) ] .
أما إذا كان معها من تزول به الخلوة؛ من امرأة أخرى فأكثر؛ فلا بأس بركوب جماعة النساء مع السائق في البلد إذا كن متسترات محتشمات ملازمات للحياء والعفة، لا لأن المرأة محرم، ولكن لزوال الخلوة المحرمة .
432 ـ هل يجوز للمرأة أن تذهب للمسجد لأداء التراويح مع سائقها الأجنبي ؟ وهل يختلف الحكم إذا كان أكثر من امرأة مع السائق ؟(60/4)
لا يجوز للمرأة أن تركب السيارة وحدها مع سائق غير محرم؛ لا في الذهاب إلى المسجد ولا إلى غيره؛ لما جاء من النهي الشديد عن خلوة الرجل بالمرأة التي لا تحل له .
وإذا كان مع السائق جماعة من النساء؛ فالأمر أخف؛ لزوال الخلوة المحذورة، لكن يجب عليهن التزام الأدب والحياء، وعدم ممازحة السائق والتبسط معه؛ لقوله تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] .
433 ـ الخادمة غير المسلمة؛ هل يجوز إحضارها للمنازل، وذلك من أجل العمل، وتعليمها الدين الإسلامي ؟
لا يجوز استقدام المرأة من الخارج للخدمة في البيت إلا بشروط :
الشرط الأول : أن تكون مسلمة؛ فلا يجوز استقدام الكافرة .
الشرط الثاني : أن يكون معها محرم يرافقها ويصونها .
الشرط الثالث : ألا تحصل خلوة بينها وبين المستقدم لها، أو بينها وبين غيره من أولاده أو إخوانه أو سائر الرجال الذين يعيشون في بيته؛ لما في ذلك من الخطر على الدين والعرض وعقائد الأسرة .
فمن لم تتوفر فيها هذه الشروط؛ فإنها لا يجوز استقدامها .
434 ـ يوجد عندي خادمة منذ سبعة شهور، وقد استقدمتها من غير محرم، والآن وقد انتهى الغرض منها الذي استقدمتها من أجله؛ فهل يجوز لي نقل كفالتها لشخص آخر توفي فيه الشروط النظامية، علمًا بأنها لا تريد الذهاب لحاجتها للعمل ؟(60/5)
لا يجوز استقدام النساء الكافرات، ولا يجوز استقدام النساء المسلمات إلا بشرط مصاحبة محارمهن لهن؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/35، 36 ) ] ؛ فما فعلته من استقدام هذه المرأة بدون محرم لا يجوز لك، وعليك أن تستدعي محرمها إن أمكن ليسافر بها أو يبقى معها إذا أرادت البقاء للعمل عندك أو عند غيرك، وعلى كل حال؛ فإن الواجب عليك إرجاعها إلى بلدها الذي استقدمتها منه بطريقة مأمونة .
وبهذه المناسبة ننبه إلى أن جلب الأجانب إلى بلاد المسلمين فيه خطورة عظيمة، وفتنة كبيرة، خصوصًا إذا كانوا كفارًا، أو أصحاب عقائد فاسدة ومبادئ هدامة، وقد يكونون مجندين لإفساد دين المسلمين وأخلاقهم، وكذا جلب النساء بدون محارم، خصوصًا إذا كن شباب فاتنات أو منحرفات في أخلاقهم؛ فالواجب على المسلمين أن يتقوا الله، ويحذروا من هذه الفتنة .
435 ـ ما رأيكم فيمن يسمح لزوجته بالسفر بالطائرة مع طفلها الصغير ولا يسافر معها هو بحجة أنه مشغول ولا يسمح له عمله بذلك ؟
لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم لا في الطائرة ولا في غيرها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله أن تسافر مسيرة يوم وليلة ( وفي رواية أخرى : مسيرة يومين ) ؛ إلا مع ذي محرم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/35، 36 ) ، وانظر كذلك : ( 2/58 ) من الصحيح ] .
( المحرم ) : هو الرجل البالغ الذي يحرم عليه نكاحها على التأبيد بنسب أو سبب مباح، وغير البالغ والطفل لا يكفي محرمًا .
ولما أراد رجل أن يخرج في الجهاد، وكانت امرأته تريد الحج؛ أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يحجَّ مع امرأته، ولم يرخص له بالخروج في الغزو (2) .
فكيف يتعلل بعض الناس بأن عمله لا يسمح له بالسفر مع امرأته وعمل الجهاد لم يعتبر عذرًا ؟ !(60/6)
والخطر على المرأة في الطائرة أعظم من الخطر في غيرها؛ لأن الطائرة قد يتغير مسارها واتجاهها إلى مطار آخر لسبب من الأسباب؛ فمن يستقبل المرأة ؟ ! وأين تذهب إذا هبطت في غير المطار الذي اتجهت إليه ؟ !
436 ـ هل تدريس الرجل الأعمى للبنات جائز أم لا ؟ وهل يستقيم دليل من استدل بحديث : ( أفعمياوان أنتما ؟ ! ) [ رواه أبو داود في سننه ( 4/62، 63 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 8/19 ) ] على عدم الجواز ؟ أفتوني جزاكم الله خيرًا .
الأولى والأحوط أن يقوم بتدريس النساء نساء؛ لأن هذا أبعد عن الفتنة، ويجوز عند الحاجة أن يدرسهن رجل أعمى، أو رجل مبصر من وراء حائل، أو عن طريق الشاشة المغلقة .
أما حديث : ( أعمياوان أنتما . . . ) [ رواه أبو داود في سننه ( 4/62، 63 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 8/19 ) ] ؛ فلا يدل على عدم جواز تدريس الرجال للنساء مع التحفظ التام؛ لأنه في قضية حكم نظر المرأة إلى الرجل الأعمى، وحول الحديث كلام لأهل العلم من حيث السند ومن حيث الدلالة، يراجع في نيل الأوطار للشوكاني أو غيره من شروح الحديث . والله أعلم .
437 ـ أقضي بعض الأوقات الساعات الطوال في المطبخ، وذلك لإعداد الطعام لزوجي، وحرصًا مني على الاستفادة من وقتي؛ فإنني أستمع إلى القرآن الكريم، سواء كان من الإذاعة، أو من المسجل؛ فهل عملي هذا صحيح أم أنه لا ينبغي لي فعل ذلك؛ لأن الله تعالى يقول : { وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 ] ؟
لا بأس باستماع القرآن الكريم من المذياع أو من المسجل والإنسان يشتغل، ولا يتعارض هذا مع قوله : { فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ } [ سورة الأعراف : آية 204 ] ؛ لأن الإنصاف مطلوب حسب الإمكان، والذي يشتغل ينصت للقرآن حسب استطاعته .
438 ـ ما حكم رقص النساء فيما بينهن في العرس وغيره أفتونا أثابكم الله ؟(60/7)
لا بأس برقص النساء بمناسبة الزواج وضربهن بالدف مع شيء من الغناء النزيه؛ لأن هذا من إعلان الزواج المأمور به شرعًا، لكن بشرط أن يكون ذلك في محيط النساء فقط، وبصوت لا يرتفع ويتجاوز مكانهن، وبشرط التستر الكامل؛ بحيث لا يبدو شيء من عورة المرأة في حالة الرقص؛ كسيقانها وذراعيها وعضديها، وإنما يبدو منها ما جرت عادة المرأة المسلمة بكشفه في حضرة النساء .
439 ـ ما حكم مصافحة النساء الأجنبيات ؟
لا يجوز للرجل أن يصافح المرأة التي لا تحل له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما مست يده يد امرأة قط لا تحل له، ولما بايع النساء؛ بايعهن بالكلام (3) ، ولم يبايعهن بالمصافحة؛ كما كان يفعل ذلك مع الرجال، فدل ذلك على تحريم مصافحة الرجل للمرأة التي لا تحل له، ولما في ذلك أيضًا من أسباب الفتنة والافتتان؛ فإن المرأة فتنة؛ فإذا مست يد الرجل يدها، ولا سيما إذا كانت شابة أو جميلة؛ فإن ذلك يسبب الفتنة .
ودين الإسلام دائمًا يبعد الإنسان عن أسباب الفتنة، ويحرص على سد الطرق الموصلة إلى الشر، وتحريم الوسائل المفضية إلى المحرمات، وهذا منها؛ فلا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية .
440 ـ ما حكم التردد باستمرار على الأسواق لمعرفة الجديد من السلع ؟
مطلوب من المرأة البقاء في بيتها والقيام بأعماله وبتربية أولادها ورعايتهم؛ فإنها راعية في بيت زوجها ومسؤولية عن رعيتها .
قال الله تعالى : { وَقَرْنَ في بُيُوتِكُنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 33 ] ؛ أي : الزمن بيوتكن؛ فلا تخرجن لغير حاجة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( إن المرأة عورة؛ فإذا خرجت؛ استشرفها الشيطان ) ، رواه البزار والترمذي بنحوه [ رواه الترمذي في سننه ( 4/153 ) ] .
وليست معرفة الجديد من السلع حاجة تبرر لها الخروج من بيتها؛ فالخطر عظيم؛ خصوصًا في هذا الزمان الذي كثير فيه الشر .(60/8)
441 ـ هل هناك محذور شرعي في رد السلام على المرأة في الهاتف أو بدونه ؟ أو رد السلام على الرجل في الهاتف ؟
لا بأس برد الرجل السلام على المرأة في الهاتف وغيره، ورد المرأة السلام على الرجل كذلك، مع أمن الفتنة، وذلك لعموم أمره صلى الله عليه وسلم برد السلام، وكذلك لا بأس بالمكالمة الهاتفية بين الرجل والمرأة في حدود الحاجة، أما المكالمة المريبة والمكالمة التي يخشى منها الفتنة؛ فإنها لا تجوز؛ لأنها وسيلة إلى الحرام، والله تعالى يقول : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] .
442 ـ من المعلوم أن صلاة المرأة في بيتها خير لها من صلاتها في المسجد؛ فهل إذا تركت الصلاة في المسجد الحرام، أو المسجد النبوي وصلت في بيتها يكتب لها أجر مضاعفة الصلاة فيهما ؟
أما بالنسبة لمكة؛ فإن المضاعفة تحصل في كل الحرم، فإذا صلت المرأة في بيتها في مكة؛ حصلت لها المضاعفة إن شاء الله، وأما في المدينة؛ فالمضاعفة خاصة بالمسجد النبوي الشريف، ولكن المرأة إذا صلت في بيتها في المدينة امتثالاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم؛ فإنها يرجى لها الخير الكثير، وتثاب على نيتها الصالحة ومحبتها للصلاة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم . والله أعلم .
443 ـ متى تصلي النساء في البيت ؟ أبعد الأذان ؟ أم بعد الإقامة ؟
إذا دخل الوقت؛ فإن النساء اللاتي في البيوت يصلين ولا ينتظرن الإقامة، بل يصلين بعد سماع الأذان إذا كان المؤذن يؤذن عند دخول الوقت، ويجوز لهن التأخير عن أول الوقت . والله أعلم .
444 ـ ما حكم الزغرطة ( التلولش ) ، وهو صوت تطلقه المرأة عند الفرح" ؟ أفيدونا أثابكم الله .(60/9)
لا يجوز للمرأة رفع صوتها بحضرة الرجال؛ لأن في صوتها فتنة؛ لا بالزغرطة، ولا غيرها، ثم إن الزغرطة ليست معروفة عند كثير من المسلمين لا قديمًا ولا حديثًا؛ فهي من العادات السيئة التي ينبغي تركها، ولما تدل عليه أيضًا من قلة الحياء .
445 ـ هل صوت المرأة عورة ؟
نعم؛ المرأة مأمورة بتجنب الفتنة، فإذا كان يترتب على سماع صوتها افتتان الرجال بها؛ فإنها تخفيه :
ولذلك فإنها لا ترفع صوتها بالتلبية، وإنما تلبي سرًّا .
وإذا كانت تصلي خلف الرجال وناب الإمام شيء في الصلوات؛ فإنها تصفق لتنبيهه؛ قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا نابكم شيء في صلاتكم (4) ؛ فلتسبح الرجال، ولتصفق النساء ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/318 ) ، ورواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/330 ) بنحوه، ورواه غيرهما ] .
وهي منهية من باب أولى عن ترخيم صوتها وتحسينه عند مخاطبتها الرجال لحاجة؛ قال تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله : " ومعنى هذا أنها تخاطب الأجانب بكلام ليس فيه ترخيم؛ أي : لا تخاطب المرأة الأجانب كما تخاطب زوجها ) (5).
446 ـ هل على المرأة أو غيرها حرج أن تصلي التراويح بعض الأيام في مسجد وأيامًا أخر في مسجد آخر . . . وهكذا؛ طلبًا لإمام صوته حسن، وتنشطًا لأداء هذه السنة ؟
ينبغي للمرأة أن تصلي التراويح في أقرب مسجد إلى بيتها إذا عملت بالرخصة وخرجت إلى المسجد .(60/10)
وأما تجوالها بين المساجد؛ ففيه من الخطورة ما فيه؛ لتعرضها للفتنة، واحتياجها إلى قطع مسافات كثيرة، مما قد يحوجها إلى سيارة وسائق وخلوة محرمة، وليس هناك غرض صحيح ترتكب من أجله هذه المحاذير؛ إلا التلذُّذ بالأصوات وتذوقها، فتصبح وهمتها ليست من أجل الصلاة، وإنما طلب التلذذ بالأصوات، وحينئذ يكون قد انتفى الغرض الذي من أجله رخص لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى المسجد .
وهذه ظاهرة مع الأسف بدرت عند كثير من الرجال والنساء والشباب : أنهم يقومون بالتجوال بين المساجد؛ لتقفر أصوات القراء وانتجاع المساجد التي يتجمهر فيها الناس .
ولبعض الأئمة هداهم الله دور في حصول هذه الظاهرة غير المرغوب فيها؛ لما يقوم به بعضهم من تكلفة في القراءة ورفع الأصوات فوق المنائر وخارج المساجد، ولو ترتب على هذا أذية المصلين في المساجد المجاورة لهم، وتشويش على المصلين فيها؛ فالذي نراه أن يصلي كل جماعة في مسجدهم، ويعمروه بالطاعة، ويتركوا التكلف .
ونوصي النساء خاصة بأن تصلي كل امرأة في أقرب مسجد إلى بيتها؛ لأن ذلك أحفظ لها، وأبعد عن الفتنة، ونوصي الأئمة بالاعتدال وترك التكلف والإغراب وأن لا يكون قصدهم اجتلاب الناس إلى مساجدهم؛ لأن هذا أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء والسمعة . وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به .
447 ـ أيهما أفضل للمرأة صلاتها التراويح في بيته أم صلاتها مع المسلمين في المسجد ؟
الأفضل للمرأة صلاتها في بيتها، ويجوز لها أن تصلي في المسجد مع الجماعة صلاة الفريضة وصلاة التراويح والكسوف وصلاة الجنازة؛ بشرط أن تكون متسترة بالحجاب الكامل ومتجنبة للزينة في بدنها وفي ثيابها، ومتجنبة للطيب في بدنها وفي ثيابها .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) (6) ، وبيوتهن خير لهن، وليخرجن تَفِلات ) [ رواه أبو داود في سننه ( 1/152 ) ] ؛ أي : غير متزينات ومتطيبات .(60/11)
فالحديث يدل على جواز خروجها للمسجد بالشرط المذكور، وهو أن تكون ملازمة للحياء والستر، تاركة للزينة والطيب، وأن تصف خلف الرجال؛ فمع التزامها بهذه الشرط؛ فصلاتها في بيتها خير لها؛ لما في ذلك من صيانتها وعدم افتتانها والافتتان بها، أما إذا لم تلتزم بهذا الشرط؛ فإن خروجها حرام عليها، تأثم به، ولو كان قصدها الصلاة .
448 ـ إذا كان سيترتب على خروج المرأة لصلاة التراويح تضييع جزء ولو قليل من حقوق البيت؛ فما حكم خروجها ؟
إذا كان يترتب على خروج المرأة لصلاة التراويح تضييع بعض أعمال البيت المطلوب منها القيام بها؛ فإنها لا تخرج، بل تبقى وتقوم بعمل بيتها؛ لأن بإمكانها أن تصلي في بيتها وأيسر لها، ولأن قيامها بعمل البيت واجب على الصحيح، وخروجها إلى المسجد مباح إذا لم يترتب عليه مضرة .
449 ـ ماذا عن ظهور كف المرأة وقدميها أثناء الصلاة ؟
المرأة في الصلاة كلها عورة، فيجب عليها ستر جميع بدنها؛ إلا وجهها إذا لم يكن عندها رجال غير محارم لها، فإذا كانت خالية أو عندها رجال من محارمها؛ فإنها تكشف وجهها في الصلاة، وأما إذا كانت بحضرة رجال غير محارم؛ فإنها تغطي وجهها في الصلاة وفي غيرها؛ لأن الوجه عورة، وأما الكفان والقدمان؛ فيجب سترهما على كل حال في الصلاة، ولو لم يكن عندها رجال؛ لأن المرأة كلها عورة في الصلاة؛ إلا وجهها إذا لم تكن بحضرة رجال غير محارم .
450 ـ هل يجوز مصافحة أم الزوجة والسفر معها ؟(60/12)
نعم؛ لا بأس بذلك؛ لأنها من محارمه؛ لأن الله جل وعلا حرّم أم الزوجة على زوج ابنتها تحريمًا مؤبدًا؛ فهي من محارمك، لا بأس أن تصافحها وأن تسافر بها وتكون محرمًا بها؛ إلا إذا خشيت من الفتنة؛ فإنك لا تصافحها؛ كما إذا خشيت من المصافحة وجود فتنة أو ثوران شهوة؛ فلا تصافحها، أما ما لم يكن هناك محذور؛ فلا بأس بذلك أن تصافحها وأن تسافر بها وتكون محرمًا لها؛ لأنها أصبحت من محارمك بموجب العقد على ابنتها، وقال تعالى في تعداد المحرمات من النساء : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } [ سورة النساء : آية 22 ] ؛ أي : حرمت عليكم أمهات نسائكم .
451 ـ أنا موظف في المملكة العربية السعودية ونظرًا لصلة الرحم؛ فقد كنت أنا وعائلتي نزور أقاربنا في بلدنا، وعند زيارة ابن عم زوجتي؛ قام بتقبيلها على خديها، فغضبت، ونهرت زوجتي وأمرتها بأن لا تفعل هذا مرة أخرى، وإلا فالفراق نصيبها، فكان ردها هو أن ابن عمها هذا كبير في السن، وهي تعتبر مثل أبيها، ولا زالت تصر على رأيها . أفتونا في هذا الأمر، وماذا يجب عليَّ أن أفعل ؟
لا يجوز للمرأة المسلمة أن تكشف وجهها لابن عمها؛ لأنه غير محرم لها، وكذا سائر أقاربها من الرجال لا تكشف لهم وجهها؛ إلا إذا كانوا من محارمها؛ كأبيها وابنها وأخيها وابن أخيها وعمها وخالها من نسب أو رضاعة وأبي زوجها وابن زوجها من امرأة أخرى، وما عدا هؤلاء من أقاربها؛ كابن عمها وابن خالها وأخي زوجها؛ فإنهم أجانب، يجب عليها أن تحتجب منهم، ولا تصافحهم، ومن باب أولى لا يجوز لها أن تقبل أحدًا منهم، وإنما تسلم عليهم بمجرد الكلام، ويجب على زوجها منعها من مصافحة أحد منهم أو تقبيله؛ إذ ذلك حرام شديد التحريم، ولو كان أحدهم كبير السن؛ فإن ذلك من أمور الجاهلية ومن العادات المحرمة المخالفة لشرع الله .
452 ـ متى يجيز الشرع استعمال حبوب منع الحمل للمرأة بغرض الحفاظ على تربية الأبناء الصغار ؟(60/13)
لا يجوز استعمال حبوب منع الحمل؛ إلا في حالة الضرورة، وذلك إذا قرر الأطباء أن الحمل يسبب موت المرأة، أما استعمال حبوب تأخير الحمل؛ فلا بأس به إذا احتاجت المرأة إليه، إذا كانت صحتها لا تتحمل توالي الحمل المتقارب، أو كان الحمل يضر بطفلها الذي ترضعه، وكانت الحبوب لا تقطع الحمل وإنما تؤخره؛ فلا بأس بذلك بقدر الحاجة، ويكون ذلك بعد مراجعة الطبيب المختص .(60/14)
كتاب اللباس والزينة
453 ـ كثير من النساء يذكرن أن عورة المرأة من المرأة هي من السرة إلى الركبة، فبعضهن لا يترددن في ارتداء الملابس الضيقة جدًّا أو المفتوحة لتظهر أجزاء كبيرة من الصدر واليدين؛ فما تعليقكم ؟
مطلوب من المسلمة الاحتشام والحياء، وأن تكون قدوة حسنة لأخواتها من النساء، وأن لا تكشف عند النساء إلا ما جرت عادة المسلمات الملتزمات بكشفه فيما بينهن، هذا هو الأولى والأحوط؛ لأن التساهل في كشف ما لا داعي لكشفه قد يبعث على التساهل ويجر إلى السفور المحرم . والله أعلم .
454 ـ هل لبس الملابس الضيقة للنساء أمام النساء تدخل في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه : ( نساء كاسيات عاريات . . . إلى آخر الحديث ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1680 ) ] ؟
لا شك أن لبس المرأة للشيء الضيق الذي يبين مفتن جسمها لا يجوز، لا يجوز إلا عند زوجها فقط، أما عند غير زوجها؛ فلا يجوز، حتى ولو كان بحضرة نساء؛ لأنها تكون قدوة سيئة لغيرها، إذا رأينها تلبس هذا؛ يقتدين بها، وأيضًا؛ هي مأمورة بستر عورتها بالضافي والساتر عن كل أحد؛ إلا عن زوجها، تستر عورتها عن النساء كما تسترها عن الرجال؛ إلا ما جرت العادة بكشفه عن النساء؛ كالوجه واليدين والقدمين؛ مما تدعو الحاجة إلى كشفه .
455 ـ لدي أربعة أولاد وأنا ألبس أمامهم القصير . . . فما حكم ذلك ؟
لا يجوز للمرأة أن تلبس القصير من الثياب أمام أولادها ومحارمها، ولا تكشف عندهم إلا ما جرت العادة بكشفه مما ليس فيه فتنة، وإنما تلبس القصير عند زوجها فقط .
456 ـ هل يجوز الصلاة بالبنطلون بالنسبة للمرأة وبالنسبة للرجل، وأيضًا إذا لبست المرأة ثوبًا خفيفًا ليس مبينًا لعورتها؛ فما حكم الشرع في ذلك ؟(61/1)
الثياب الضيقة التي تصف أعضاء الجسم وتصف جسم المرأة وعجيزتها وتقاطيع أعضائها لا يجوز لبسها، والثياب الضيقة لا يجوز لبسها للرجال ولا للنساء، ولكن النساء أشدّ؛ لأن الفتنة بهن أشدّ .
أما الصلاة في حد ذاتها؛ إذا صلى الإنسان وعورته مستورة بهذا اللباس؛ فصلاته في حد ذاتها صحيحة؛ لوجود ستر العورة، لكن يأثم من صلى بلباس ضيق؛ لأنه قد يخل بشيء من شرائع الصلاة لضيق اللباس، هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية يكون مدعاة للافتتان وصرف الأنظار إليه، ولا سيما المرأة .
فيجب عليها أن تستتر بثوب وافٍ واسعٍ؛ يسترها، ولا يصف شيئًا من أعضاء جسمها، ولا يلفت الأنظار إليها، ولا يكون ثوبًا خفيفًا أو شفافًا، وإنما يكون ثوبًا ساترًا يستر المرأة سترًا كاملاً؛ لا يرى شيء من جسمها، لا يكون قصيرًا حاسرًا عن ساقيها، أو ذراعيها، وكفيها، ولا تكون أيضًا سافرة بوجهها عند الرجال غير المحارم، وإنما تكون ساترة لجميع جسمها، ولا يكون شفافًا؛ بحيث يرى من ورائه جسمها أو لونها؛ فإن هذا لا يعتبر ثوبًا ساترًا .
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح، فقال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يجدن رائحة الجنة ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 3/1680 ) ] .
فمعنى ( كاسيات ) : أنهن لابسات شيئًا من الملابس، ولكنهن في الحقيقة عاريات؛ لأن هذه الثياب لا تستر؛ فهي ثياب شكلية فقط، لكنها لا تستر ما وراءها : إما لشفافيتها، وإما لقصرها، أو لعدم إضفائها على الجسم .
فيجب على المسلمات أن يتنبهن لذلك .
457 ـ ظهرت موضة لدى النساء بعد ظهورها في الغرب، وهي لبس البناطيل الضيقة، وقد وجدت منهن القبول والترحيب؛ فما حكم ذلك ؟(61/2)
لا يجوز للمرأة أن تلبس ما فيه تشبه بالرجال أو تشبه بالكافرات، وكذلك لا يجوز لها أن تلبس اللباس الضيق الذي يبيِّن تقاطيع بدنها ويسبب الافتتان بها، والبناطيل فيها كل هذه المحاذير؛ فلا يجوز لها لبسها .
458 ـ ما حكم الشرع في نظركم في النقاب؛ فأنا امرأة ملتزمة بالشرع ومحافظة على صلواتي وواجباتي الزوجية؛ إلا أنني عند خروجي من المنزل أخرج عيني فقط من الشيلة للنظر بهما، مع أن باقي جسمي مغطى، ومنه الوجه ببشت أسود فضفاض، وألبس قفازين لليدين، والسبب في ذلك أنني أعاني من ضعف في البصر ؟
لا بأس بستر الوجه بالنقاب أو البرقع الذي فيه فتحتان للعينين فقط؛ لأن هذا كان معروفًا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم (1) ، ومن أجل الحاجة؛ فإذا كان لا يبدو إلا العينان؛ فلا بأس بذلك، خصوصًا إذا كان من عادة المرأة لبسه في مجتمعها .
459 ـ هل الحجاب بالنسبة للمرأة مختص بالكلام، أم مختص بحجب جسمها وبدنها، حيث إن كثيرًا من النساء احتجبن عن الكلام ورد السلام، وما هي حقيقة الحجاب الشرعي ؟
الحجاب الشرعي : أن تستر المرأة جميع جسمها عن الرجال غير المحارم بلباس غير شفاف وغير ضيق .
قال الله تعالى : { فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] .
فإن قال قائل : المراد بهذا نساء النبي صلى الله عليه وسلم . قلنا : إذا أمرت نساء النبي صلى الله عليه وسلم بالحجاب مع طهرهن وورعهن؛ فغيرهن من باب أولى، وأيضًا الله سبحانه علل ذلك بقوله : { مِن وَرَاءِ حِجَابٍ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] ؛ أي : من وراء ساتر من جدار، أو باب أو ثياب تغيب جميع جسم المرأة عن مرأى الرجال حفاظًا عليهم وعليها من الفتنة .
وكذلك قوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] ، والخمار غطاء رأس المرأة، أمر الله أن تضفيه على وجهها ونحرها بعد تغطية جميع رأسها .(61/3)
وكذلك قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] ، والجلباب : هو الثوب الكبير الذي تغطي به المرأة جسمها، أمر الله أن يضفى على الوجه الذي هو أعظم مفاتن المرأة؛ لتسلم من أذى نظر الرجال إليها والافتتان بها .
وأما تكليم المرأة للرجل؛ فلا بأس به إذا أمنت الفتنة وكان للحاجة، ويكون صوتها عاديًّا، ليس فيه ترخيم يفتن السامع؛ كما قال تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : 32 ] ؛ فلا ترفع صوتها وترققه، ولا تتكلم مع الرجل إلا بقدر الحاجة وبصوت عادي لا فتنة فيه . والله أعلم .
460 ـ تقوم بعض النساء بالكشف عن وجهها، وتتستر كليًّا؛ بأن تغطي شعرها ويديها خلاف ذلك، ولا تتزين إطلاقًا؛ فهل يجوز ذلك ؟
يجب على المرأة أن تغطي وجهها في أصح قولي العلماء؛ لأن الوجه أعظم زينة في المرأة، وإليه تتجه الأنظار، وبه كان يتغزل الشعراء، والأدلة على وجوب ستره كثيرة من الكتاب والسنة منها :
قوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] .
أمر الله النساء أن يسدلن الخمر – وهي أغطية الرؤوس – على فتحات الجيوب؛ ليسترن بذلك ما يظهر من نحورهن، ويلزم من ذلك ستر الوجه؛ لأن الخمار إذا أسدل من على الرأس ليستر النحر؛ لزم أن يمر بالوجه ويضفى عليه .
وقال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] .(61/4)
والحجاب يراد به ما يستر المرأة عن الرجل الذي ليس محرمًا لها، سواء كان هذا الساتر جدارًا أو بابًا أو لباسًا، وهذا يدل على ستر الحجاب لجميع بدن المرأة، ومنه الوجه، وعلّله بأنه أطهر لقلوب الرجال والنساء، والطهارة مطلوبة، والفتنة محذورة ومتوقعة إذا ترك الحجاب .
وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] ، والجلباب هو الكساء .
أما الأدلة من السنة : فمنها حديث عائشة رضي الله عنها قالت : كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فكنا إذا مر بنا الرجل، سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزنا، كشفناه [ رواه أبو داود في سننه ( 2/173 ) ، ورواه أيضًا ابن ماجه في سننه ( 2/979 ) ] .
461 ـ هل يجوز أن تكشف المرأة للمدرسين كفيفي البصر ؟
في وجوب احتجاب المرأة من الرجل الكفيف خلاف بين أهل العلم؛ لاختلاف الأحاديث في ذلك؛ ففي حديث أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالاحتجاب منه، وفي حديث آخر ما يدل على عدم وجوب الاحتجاب منه :
ففي حديث أم سلمة : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أزواجه بالاحتجاب من ابن أم مكتوم، فقلن : يا رسول الله ! أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : ( أفعمياوان أنتما ؟ ! ألستما تبصرانه ؟ ! ) [ رواه أبو داود في سننه ( 4/62، 63 ) ، ورواه الترمذي في سننه ( 8/19 ) ] .
فهذا الحديث يدل على وجوب احتجاب المرأة من الرجل الكفيف .
بينما في حديث فاطمة بنت قيس : أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرها أن تعتد في بيت ابن أم مكتوم، وقال : ( إنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ) [ رواه مسلم في صحيحه ( 2/1115 ) ] .
والراجح والله أعلم أنها لا يجب عليها الاحتجاب من الكفيف؛ أي : تغطية وجهها بحضرته، لكن لا يجوز لها النظر إليه .(61/5)
قال الإمام الشوكاني لما ذكر الحديثين : " ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غض البصر منها، ولا ملازمة بين الاجتماع في البيت والنظر " .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : " وقد ذهب كثير من العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب من الرجال بشهوة ولا بغير شهوة أصلاً " انتهى .
وذلك لقوله تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] .
462 ـ هل يجوز للمرأة إذا خرجت لصلاة التراويح أن تتبخَّر فقط بالبخور دون استخدام العطور ؟
لا يجوز للمرأة إذا خرجت إلى السوق أو لصلاة التراويح أو غيرها أن تتطيَّب، لا ببخور، ولا بدهن، ولا بغيرهما .
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : ( أيما امرأة أصابت بخورًا؛ فلا تشهد معنا صلاة العشاء ) [ رواه مسلم ( 1/328 ) ؛ بلفظ : ( . . . العشاء الآخر ) بدل صلاة العشاء ] .
وبهذه المناسبة أود أن أنبّه لأمر يتعلق ببعض النساء اللاتي يحضرن إلى المسجد خلال شهر رمضان؛ يحضرن معهن مبخرة وعودًا، ويتبخرن بها وهن في المسجد، فتعلق الرائحة بهن؛ فإذا خرجن للسوق؛ وجد بهن أثر الطيب، وهذا خلاف المشروع في حقهن .
نعم؛ لا بأس أن تأتي المرأة بمبخرة وتبخر المسجد، فقط دون أن تتبخر النساء بها، وأما أن تتبخر النساء بها؛ فلا .
463 ـ هل يجوز للمرأة إذا أرادت أن تذهب إلى العمل أو للأقارب أن تتطيب وتخرج ؟
لا يجوز للمرأة إذا أرادت الخروج من بيتها للصلاة في المسجد، أو لزيارة أقاربها، أو للعمل المناسب لها والذي يجوز لها أن تزاوله؛ لا يجوز لها أن تخرج متطيبة؛ لأن ذلك مدعاة للفتنة، كما لا يجوز لها أن تخرج بثياب زينة، وإنما تخرج متسترة محتشمة غير متطيبة .
قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات ) ، رواه أحمد وأبو داود [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/475 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 1/152 ) ] .(61/6)
ومعنى ( تفلات ) : غير متطيبات .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( أيما امرأة أصابت بخورًا؛ فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ) ، رواه مسلم وأبو داود والنسائي [ رواه مسلم في صحيحه ( 1/328 ) ] .
464 ـ بعض النساء يذهبن إلى المسجد وهن في كامل زينتهن؛ بحجة أنهن سيزرن بعد انتهاء الصلاة قريباتهن أو صديقاتهن، وبعضهن يخرجن منتعطرات متطيبات، وبعضهن يذهبن بالبخور إلى المسجد؛ فما حكم ذلك ؟
لا يجوز للمرأة أن تخرج من بيتها متزينة أو متطيبة، سواء كان خروجها للصلاة في المسجد أو لزيارة قريباتها؛ لما في ذلك من الفتنة، وإنما تخرج في ثياب ساترة لا زينة فيها ولا طيب .
أما الإتيان بالبخور للمسجد؛ فلا بأس به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أن تنظف المساجد وتطيب (2) ، لكن النساء لا تتطيب بالبخور في المسجد؛ لأنهن منهيات عن التطيب عند خروجهن، وسواء تطيبن في بيوتهن قبل الخروج أو في الطريق أو في المسجد . والله أعلم، لكن لا بأس أن يطيب المكان الذي يصلين فيه من المسجد بالبخور وغيره .
465 ـ ما حكم خروج يدي المرأة في السوق خاصة ؟ وهل يفضل لبس قفاز أسود لليدين أو الأبيض ؟ علمًا بأن البعض قال : لا حرج في ظهورها، وأن لبس القفاز ادعاء للتدين؛ ما رأي فضيلتكم بذلك ؟
يجب على المرأة أن تستر وجهها وكفيها وسائر بدنها عن الرجال الذين هم ليسو محارم لها، فإذا خرجت إلى السوق؛ فإنه يتأكد عليها ذلك، وكذلك أمرت بأن ترخي ثيابها، وأن تزيد فيها؛ لتستر عقبيها، فستر الكفين من باب أولى؛ لأن ظهور الكفين فيه فتنة، ويجب على المرأة أن تسترهما عن الرجال الذين ليسوا محارم لها، وسواء سترتهما في ثوبها أو في عباءتها و في القفازين .
466 ـ بحجة أن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده؛ فإن البعض من النساء ينفقن الأموال الكثيرة على ملابسهن وأمور زينتهن؛ فما تعليقكم ؟(61/7)
من رزقه الله مالاً حلالاً؛ فقد أنعم الله عليه نعمة يجب عليه شكرها، وذلك بالتصدق منها والأكل واللبس من غير سرف ولا مخيلة، وما تفعله بعض النساء من المغالاة في اشتراء الأقمشة والإكثار منها من غير حاجة؛ إلا مجرد المباهاة ومسايرة معارض الأقمشة في دعاياتها؛ كل ذلك من الإسراف والتبذير المنهي عنه وإضاعة المال، والواجب على المسلمة الاعتدال في ذلك، والابتعاد عن التبرج والمبالغة في التجمل، خصوصًا عند الخروج من بيوتهن .
قال تعالى : { وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى } [ سورة الأحزاب : آية 33 ] .
وقال تعالى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا . . . } إلى قوله تعالى : { وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } [ سورة النور آية : 31 ] .
وهذه الأموال سنسأل عنها يوم القيامة : من أين اكتسبناها ؟ وفيم أنفقناها ؟
467 ـ إطالة المرأة لثوبها؛ هل هو على سبيل الاستحباب أم الوجوب ؟ وهل وضع الجوارب على القدمين يكفي مع قصر الثوب؛ بحيث لا يظهر شيء من الساق ؟ وكيف تطيل المرأة ثوبها ذراعًا تحت الكعب أم تحت الركبة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
مطلوب من المرأة المسلمة ستر جميع جسمها عن الرجال، ولذلك رخص لها في إرخاء ثوبها قدر ذراع من أجل ستر قدميها، بينما نهى الرجال عن إسبال الثياب تحت الكعبين، مما يدل على أنه مطلوب من المرأة ستر جسمها سترًا كاملاً، وإذا لبست الشراب؛ كان ذلك من باب زيادة الاحتياط في الستر، وهو أمر مستحسن، ويكون ذلك مع إرخاء الثوب؛ كما ورد في الحديث . والله الموفق .
468 ـ ما حكم لبس العدسات الملونة بحجة الزينة واتباع الموضة؛ علمًا بأن قيمتها لا تقل عن 700 ريال ؟(61/8)
لبس العدسات من أجل الحاجة لا بأس به، أما إذا كان من غير حاجة؛ فإن تركه أحسن، خصوصًا إذا كان غالي الثمن؛ فإنه يعد من الإسراف المحرم؛ علاوة على ما فيه من التدليس والغش؛ لأنه يظهر العين بغير مظهرها الحقيقي من غير حاجة إليه .
469 ـ تظهر بين الحين والآخر تسريحات خاصة بالشعر فيقتدي بها العديد من النساء، حتى يصبح كشعر الرجال، أو صبغة بألوان متعددة، أو جعله منفوشًا منكوشًا يضطرها غالبًا للذهاب للكوافير ودفع مال يتراوح قيمته ( 100-1000 ) ريال وربما تجاوز ذلك ؟
شعر رأس المرأة جمال لها مطلوب منها العناية به وإصلاحه بما يحتاج إليه من رعاية وتجميل في حدود المباح، ومطلوب منها توفيره وستره عن الرجال غير المحارم، وستره أيضًا في الصلاة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة حائض بغير خمار ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 6/218 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 1/215 ) ، ورواه غيرهما ] ، والمراد بالحائض هنا من بلغت سن الحيض، وأما العبث به بالقص، أو بجعله مشابهًا لرأس الرجل، أو بتشويه صورته، أو تغير لونه من غير حاجة؛ فكل ذلك لا يجوز؛ إلا صبغ الشيب بغير السواد؛ فإنه مطلوب، وكذا لا يجوز المغالاة بتكاليف تسريحه، والذهاب إلى الكوافير التي ربما يكون العاملون فيها من الرجال أو النساء الكافرات، وإنما تصلح المرأة شعرها في بيتها؛ لأن ذلك أستر لها وأيسر تكلفة .
470 ـ ما حكم قص الشعر على هيئة مأخوذة من مجلات غربية أو قصات معروفة بأسماء معينة منتشرة بين الناس وهي مستوردة من الغرب أيضًا ؟
471 ـ إذا انتشرت هذه القصات بين نساء المسلمين بشكل كبير؛ هل تعتبر أيضًا تشبهًا أم لا ؟ ( نرجو إيضاح هذا إيضاحًا شافيًا ) ، وما هو الضابط في هذا بارك الله فيكم؛ لأن هذه مشكلة تواجه الجميع ؟(61/9)
نقول : خلق الله سبحانه شعر رأس المرأة جمالاً وزينة لها، وحرم عليها حلقه؛ إلا لضرورة، بل شرع لها في الحج أو العمرة أن تقص من رؤوسه قدر أنملة، في حين إنه شرع للرجل حلقه في هذين النسكين، مما يدل على أنه مطلوب من المرأة توفير شعرها وعدم قصه؛ إلا لحاجة غير الزينة، كأن يكون بها مرض تحتاج معه إلى القص، أو تعجز عن مؤنته لفقرها، فتخفف منه بالقص؛ كما فعل بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته (3) .
أما إذا قصته من باب التشبه بالكافرات والفاسقات؛ فلا شك في تحريم ذلك، ولو كثر ذلك بين نساء المسلمين، مادام أن أصله التشبه؛ فإنه حرام، وكثرته لا تبيحه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من تشبه بقوم؛ فهو منهم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/50 ) ، ورواه أبو داود في سننه ( 4/43 ) ] ، وقوله : ( ليس منا من تشبه بغيرنا ) [ رواه الترمذي في سننه ( 7/335 ) ] .
والضابط في ذلك أن ما كان من عادات الكفار الخاصة بهم؛ فإنه لا يجوز لنا فعله تشبهًا بهم؛ لأن التشبه بهم في الظاهر يدل على محبتهم في الباطن، وقد قال الله تعالى : { وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ } [ سورة المائدة : آية 51 ] ، وتوليهم محبتهم، ومن مظاهر المحبة لهم التشبه بهم .
472 ـ ما حكم تجعيد الشعر ( والتجعيد : هو جعل الشعر مجعدًا مدرجًا، بدل أن يكون سائحًا، إما تجعيده فترة بسيطة، وهناك البعض من النساء تذهب إلى الكوفيرات وتجعلها تضع عليه مواد حتى يصبح مجعدًا لمدة ستة أشهر ) ؟ !(61/10)
يباح للمرأة تجعيد شعرها على وجه ليس فيه تشبه بالكافرات، ولا تظهره للرجال غير المحارم، وتتولى هي تجعيده، أن تتولاه امرأة من نسائها، سواء كان تجعيدًا لفترة يسيرة أو طويلة، وسواء كان بوضع مادة مباحة عليه أو بغير ذلك، ولا تذهب إلى الكوفيرات لفعل ذلك؛ لأن في خروجها من منزلها تعريضًا للفتنة والوقوع في المحذور؛ ولأن القائمات على هذه المحلات إما نساء غير ملتزمات أو رجال يحرم عليها أن تظهر شعرها لهم .
473 ـ ما حكم صبغ الشعر كاملاً بأي لون من الألوان ( أحمر، أصفر، أبيض، ذهبي ) ؟
474 ـ ما حكم تمييش الشعر ( والميش هو موضة أتت من الغرب وتقبلها نساؤنا، وهي صبغ خُصل متفرقة من الشعر بلون مختلف للون الشعر إما أبيض أو أحمر أو ذهبي، حتى يصبح الشعر ملونًا أجزاء طبيعية وأجزاء مصبوغة ) ؟ !
صبغ الشعر فيه تفصيل على النحو التالي :
الشيب يستحب صبغه بغير السواد من الحناء والوسمة والكتم والصفرة، أما صبغه بالسواد؛ فلا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( غيروا هذا الشيب (4) وجنبوه السواد ) (5) ، وهذا عام للرجال والنساء .
أما غير الشيب؛ فيبقى على وضعه وخلقته ولا يغير، إلا إذا كان لونه مشوهًا؛ فإنه يصبغ بما يزيل تشويهه إلى اللون المناسب، أما الشعر الطبيعي الذي ليس فيه تشويه؛ فإنه يترك على طبيعته؛ لأنه لا داعي لتغييره .
وإذا كان صبغه على شكل فيه تشبه بالكافرات والعادات المستوردة؛ فلا شك في تحريمه؛ سواء كان صبغه على شكل واحد أو على أشكال، وهو ما يسمى بالتمييش .
475 ـ ما حكم وضع شرائط في الشعر، أو بكلات، تزيد من حجم الرأس وتكبره، وتزيد في طول الشعر ؟ !
476 ـ ما حكم لبس بكلات أو شرائط فيها صور حيوانات أو آلات موسيقية ؟ !(61/11)
تكبير حجم الرأس بجمع الشعر بشرائط أو بكلات لا يجوز، سواء جمع الشعر أعلى الرأس أو بجانبه؛ بحيث يصبح كأنه رأسان، وقد جاء الوعيد الشديد في حق من يفعلن ذلك حتى تصبح رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة، والبخت نوع من الإبل له سنامان .
أما الشرائط التي لا تكبر حكم الرأس، ويحتاج إليها لإصلاح الشعر؛ فلا بأس بها عند بعض العلماء .
قال في شرح " الزاد " : " ولا بأس بوصله بقرامل " .
أقول : والقرامل هي ما تشده المرأة في شعرها من حرير أو غيره من غير الشعر، وترك ذلك أفضل؛ خروجًا من الخلاف؛ لأن بعض العلماء يمنع من ذلك كله .
وأما إذا كانت الشرائط أو البكلات على صور حيوانات أو آلات موسيقية؛ فإنها لا تجوز؛ لأن الصور يحرم استعمالها في لباس وغيره؛ ما عدا الصور التي تداس وتمتهن في الفرش والبسط، وآلات اللهو يجب إتلافها، وفي استعمال الشرائط والبكلات التي على صور آلات اللهو ترويج لآلات اللهو ودعوة إلى استعمالها وتذكير بها .
477 ـ ما حكم فرق شعر الرأس من الجانب وليس من الوسط ؟ !
لا يجوز للمرأة أن تفرق رأسها من الجانب .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله : " وأما ما يفعله بعض نساء المسلمين في هذا الزمن من فرق شعر الرأس من جانب وجمعه من ناحية القفا، أو جله فوق الرأس كما تفعله نساء الإفرنج؛ فهذا لا يجوز؛ لما فيه من التشبه بنساء الكفار . . . " انتهى من " مجموع فتاوى الشيخ محمد بن إبراهيم " ( 1/47 ) .
478 ـ ما حكم قص الشعر من الخلف بحيث يكون فوق الرقبة وترك جوانب الشعر أطول قليلاً من الخلف ؟ !
479 ـ ما حكم قص شعر الرأس على أسماء منها : قصة ( ديانا ) وهي كافرة معروفة، وقصة ( الأسد ) ، وقصة ( الفأر ) . . . وهكذا، وهي أشكال مختلفة : إما بقص الشعر على شكل رأس الأسد، والأخرى هي الصفة الواردة في السؤال السابق ؟ !(61/12)
لا يجوز للمرأة أن تقص شعر رأسها من الخلف وتترك جوانبه أطول؛ لأن هذا فيه تشويه وعبث بشعرها الذي هو من جمالها، وفيه أيضًا تشبه بالكافرات، وكذا قصه على أشكال مختلفة وبأسماء كافرات أو حيوانات؛ كقصة ( ديانا ) اسم لامرأة كافرة، أو قصة ( الأسد ) ، أو ( الفأر ) ؛ لأنه يحرم التشبه بالكفار والتشبه بالحيوانات، ولما في ذلك من العبث بشعر المرأة الذي هو من جمالها .
480 ـ ما حكم العمل في محلات الكوفيرات والأكل من ثمنه ؟ !
لا يجوز العمل في محلات الكوفيرات، ولا الأكل من كسب تلك المحلات؛ لما في ذلك العمل في الفتنة، ولما فيه من ترويج عادات الكفار، ولما فيه من تدريب النساء على قلة الحياء، وقد يتولى العمل في تلك المحلات رجال يطلعون على عورات النساء، وقد تستخدم تلك المحلات للفساد والقيادة لفعل الفواحش؛ فالواجب على ولاة المسلمين منع فتح تلك المحلات في بلاد المسلمين .
481 ـ ما حكم إزالة شعر الحواجب أو تخفيفه أو إزالة ما بين الحاجبين ؟ !
لا تجوز إزالة شعر الحواجب، وهو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته، وهو من تغيير خلق الله تعالى الذي تعهد الشيطان في إغراء بني آدم به حين قال : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [ سورة النساء : آية 119 ] ، وكذا لا يجوز تخفيف الحواجب؛ لأنه نمص محرم . والله أعلم .
482 ـ ما حكم نتف الشعر ما بين الحاجبين والشعر الذي يوجد في الوجه ؟
أما الشعر من الحاجبين؛ فلا يجوز إزالته بأي وسيلة؛ لا بنتف، ولا بقص، ولا بإزالة؛ بأي وسيلة؛ لأن هذا هو النمص الذي لعن النبي صلى الله عليه وسلم من فعلته؛ فقد لعن صلى الله عليه وسلم النامصة والمتنمصة (6) .
( النامصة ) : التي تقص الشعر من نفسها أو من غيرها .
و ( المتنمصة ) : التي تطلب من غيرها أن يزيله من حاجبها .(61/13)
فهذا من الكبائر؛ لأن المعصية إذا لعن عليها؛ صارت من الكبائر، ولأن هذا من تغيير خلق الله سبحانه وتعالى الذي أخبر الله تعالى أنه من أمر الشيطان : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [ سورة النساء : آية 119 ] .
وأما إزالة الشعر من بقية الوجه؛ فهذا ما يسمى عند العلماء بالحف، فهذا إذا كان مشوّهًا للوجه، لا بأس بإزالته، أما إذا كان عاديًّا لا يلفت النظر؛ فهذا قد اختلف أهل العلم في حكم إزالته؛ فمنهم من منع منه، واعتبره داخلاً في النمص، ومنهم من رخص فيه، والأحوط والأبرأ للذمة أنه إذا لم يكن مشوهًا للوجه؛ فإنه لا يؤخذ، بل يترك؛ لأنه ليس في أخذه فائدة، وليس في بقائه مضرة .
483 ـ هل يجوز للمرأة مع النساء في صلاة التراويح أن تصلي في ثوب قصير يبدي بعض ساقيها أو لا يستر كامل يديها ؟
لا تصح صلاة المرأة تراويح أو غيرها إلا بثوب ساتر لجميع بدنها ما عدا وجهها، إذا كانت وحدها أبو بحضرة نساء أو رجال من محارمها؛ فإنها تكشفه في الصلاة، وإن كانت بحضرة رجال غير محارم؛ فإنها تغطي وجهها؛ فهذه المرأة التي تصلي في ثوب يبدي بعض ساقيها؛ لا تصح صلاتها، بل لابد أن يكون الثوب ضافيًا يستر قدميها .
484 ـ هل يجوز تقويم الأسنان وتقريب الأسنان من بعضها البعض حتى لا تكون متفرقة ؟
إذا احتيج إلى هذا؛ كأن يكون في الأسنان تشويه، واحتيج إلى إصلاحها؛ فهذا لا بأس به .
أما إذا لم يحتج إلى هذا؛ فهو لا يجوز، بل جاء النهي عن وشر الأسنان وتفليجها للحسن، وجاء الوعيد على ذلك (7)؛ لأن هذا من العبث ومن تغيير خلق الله .
أما إذا كان هذا للعلاج مثلاً أو لإزالة تشويه أو لحاجة لذلك، كأن لا يتمكن الإنسان من الأكل إلا بإصلاح الأسنان وتعديلها؛ فلا بأس بذلك .(61/14)
485 ـ قرأت في أحد الكتب للإمام الغزالي أن تثقيب أذان البنات لأجل تعليق الذهب لا يجوز، وحسبما يقول صاحب الكتاب : " إن هذا الجرح مؤلم، ومثله موجب للقصاص " ، أفيدونا ما حكم الشرع في هذا ؟ وخاصة أن لدينا الكثير من البنات وكثير من الناس يستعملون هذه الطريقة ؟
لا بأس بثقب أذن الجارية لوضع الحلي في أذنها، ومازال هذا العمل يفعله الكثير من الناس، حتى كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النساء كن يلبسن الحلي في آذانهن وغيرها (8) من غير نكير .
وأما كونه يؤلم الجارية؛ فالمقصود بهذا مصلحتها؛ لأنها بحاجة إلى الحلي، وبحاجة إلى التزين؛ فثقب الأذن لهذا الغرض مباح ومرخص فيه لأجل الحاجة، كما أنه يجوز جراحتها للحاجة وكيها للحاجة والتداوي، كذلك يجوز خرق أو ثقب أذنها لوضع الحلي فيه؛ لأنه من حاجتها، مع أنه شيء لا يؤلم كثيرًا، ولا يؤثر عليها كثيرًا . والله أعلم .
486 ـ هناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما معناه : ( إزار المسلم من نصف الساقين إلى الكعبين ) ؛ فإذا كان إزار المسلم إلى الكعبين، ولكنه يغطي الكعبين من الأسفل دون جر؛ فهل يجوز ؟
لا يجوز أن يتجاوز الكعبين؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما كان أسفل الكعبين فهو في النار ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 7/43 ) . بزيادة : من الإزار . . ] ، فإذا تجاوز الكعبين؛ فإنه يكون إسبالاً للثوب أو الإزار أو البشت، والإسبال محرم، وهو من كبائر الذنوب، سواء قصده أو لم يكن قصده، إذا تركه يستمر، أما لو نزل اللباس عن الكعبين من غير قصد، ثم رفعه ولم يستمر؛ فلا إثم عليه في ذلك .(61/15)
487 ـ قال لي المدير بصوت واضح : لابدّ أن تحلق لحيتك وشاربك، وذلك شرط في قبولك في فنقد شهير وبراتب مغر جدًّا، وإنني فقير لا أملك شيئًا ولا أجد ما أعول به نفيس، وإنني أبحث عن عمل منذ مدة طويلة؛ ما رأي فضيلتكم ؟ هل أعمل بالفندق وأحلق لحيتي وشاربي؛ فوالله إنني محتاج جدًّا لهذه الوظيفة ؟
قص الشارب مشروع، ولا يجوز تركه يطول، وأما حلق اللحية؛ فهو حرام؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بإعفاء اللحية وإرخائها وإكرامها وإرسالها (9) ، ونهيه عن التعرض لها بحلق أو قص أو نتف أو إزالة بأي وسيلة، ولما في ذلك من مشابهة المجوس والمشركين والفسقة والمجرمين .
وتحصيل الوظيفة ليس عذرًا في حلق اللحية؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، والواجب الإنكار على من يشترط ذلك في بلاد المسلمين، ورفع أمره إلى ولاة الأمور وهيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لردعه عن ذلك وتأديبه .
وعلى كل حال؛ فالوظائف والأعمال ولله الحمد كثيرة، وطلب الرزق ميسر بدون معصية الله ورسوله، { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ } [ سورة الطلاق : آية 2، 3 ] .(61/16)
كتاب البر والصلة
488 ـ حق الابن على أبيه في إيوائه وإسكانه ينتهي بمجرد بلوغه أم بزواجه ؟
حق الابن على أبيه ينتهي بمجرد استغنائه عنه، إذا كبر واستطاع أن يكتسب لنفسه وأن يستغني بكسبه؛ فإنه ينتهي حقه على والده في الإنفاق، أما مادام أنه صغير أو كبير، ولكنه لم يستغن، ولم يقدر على الاكتساب؛ فإنه يبقى على والده حق الإنفاق عليه، حتى يستغني وذلك بموجب القرابة .
489 ـ لقد حدث خلاف بين زوجي وأهلي على أمر من أمور الدنيا، ولقد أردت أن أقف إلى جانب أهلي؛ لأن طاعة الوالدين والإحسان إليهما فيه امتثال لأمر الله، ولكن منعني من ذلك ما سمعت من أحاديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم لا أعلم عن مدى صحتها؛ فمنها قوله ما معناه : ( لو كنت آمرًا أحدًا أن يسجد لغير الله؛ لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ) [ رواه الترمذي في سننه ( 4/133 ) ] ، وحديث آخر يقول : ( لن يرضى الله عن المرأة حتى يرضى عنها زوجها ) (1) ، وقد حاولت الإصلاح بين الطرفين؛ فلم أفلح بأي شكل، أرجو أن ترشدوني بجانب من أقف؛ فأنا أخاف أن أغضب والدي، وأن أغضب الله، وأن أغضب زوجي، وأن لا أكون الزوجة المؤمنة الموفية بحقِّ الزوج كما يجب؛ كما أرجو أن توجهوا لهم النصيحة لعل الله ينفعهم بها ؟
أما حق الوالد؛ فلا شك أنه واجب، وهو حق متأكد، وطاعته بالمعروف والإحسان إليه قد أمر الله بها في آيات كثيرة، وكذلك حق الزوج حق واجب على زوجته ومتأكد؛ فلوالدك عليك حق، ولزوجك عليك حق، والواجب عليك إعطاء كل ذي حق حقه .
لكن ما ذكرت من وجود النزاع بينهما، ولا تدرين مع أيهما تقفين؛ فالواجب عليك أن تقفي مع الحق؛ فإذا كان زوجك محقًا وأبوك مخطئًا؛ فالواجب أن تقفي مع الزوج وأن تناصحي أباك، وإن كان العكس، وكان أبوك محقًّا وزوجك مخطئًا؛ فالواجب عليك أن تقفي مع أبيك وأن تناصحي زوجك؛ فالواجب أن تقفي مع الحق، وأن تناصحي المخطئ منهما .(62/1)
هذا ما يتعلق في موقفك مع أبيك أو مع زوجك في النزاع الذي بينهما، وحاولي الإصلاح بينهما قدر استطاعتك؛ لتكوني مفتاحًا للخير، ويزول على يدك هذا الشقاق وهذا الفساد، وتؤجري على ذلك؛ فإن الإصلاح بين الناس، ولا سيما الأقارب، من أعظم الطاعات .
قال تعالى : { لاَّ خَيْرَ في كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ } [ سورة النساء : آية 114 ] .
وأما النصيحة التي نوجهها للطرفين؛ فالواجب عليهما تقوى الله عز وجل، والتعامل بالأخوة الإسلامية، وبحق القرابة والصهر الذي بينهما، وأن يتناسوا ما بينهما من النزاع، وأن يسمح كل واحد منهما للآخر؛ فإن هذا هو شأن المسلمين، وأن لا ينساقوا مع الهوى أو مع الشيطان، وأن يستعيذوا بالله من نزغات الشيطان .
490 ـ معلوم أن الزوجة مجبرة على طاعة زوجها كما في الحديث، ومأمورة أيضًا بطاعة والديها في غير معصية الله؛ فما الحكم إذا تعارضت الطاعتان؛ فأيهما تقدم ؟
لا شك أن المرأة مأمورة بطاعة الله سبحانه وتعالى ومأمورة بطاعة زوجها وبطاعة والديها ضمن طاعة الله عز وجل، أما إذا كان في طاعة المخلوق من والد أو زوج معصية للخالق؛ فهذا لا يجوز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الطاعة بالمعروف ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 8/106 ) بلفظ : في المعروف ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا طاعة لمخلوق (2) في معصية للخالق ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/66 ) بلفظ : الله تبارك وتعالى . بدل . . . للخالق، ورواه الخطيب التبريزي في المشكاة ( 2/1092 ) ، ورواه غيرهم ] .
ولا شك أن حق الوالدين مقدم، وهو يأتي بعد حق الله سبحانه وتعالى، قال تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا } [ سورة النساء : آية 36 ] ؛ فحق الوالدين متأكد .(62/2)
فإذا كان الزوج سيحملها على معصية والديها وعلى عقوق والديها؛ فهي لا تطيعه في هذا؛ لأن حق الوالدين أسبق من حق الزوج، فإذا طلب منها أن تعتق والديها؛ فإنها لا تطيعه في ذلك؛ لأن العقوق معصية، ومن أكبر الكبائر بعد الشرك .
491 ـ رجل تزوج امرأة وخلفت له أولادًا، ثم توفيت قبل والدها، وبعد ذلك قام والدها وتصدق بثلث ماله على أولاد ابنته، وبعد أن تمَّ هذا توفي أحد الأولاد المتصدِّق عليهم، فبعض الناس يقولون : إن هذا الولد المتوفى ليس له نصي من صدقة جده؛ علمًا بأن ولده موجود، وكذلك والدته وإخوته؛ فهل يأخذون نصيبه على أنهم من الوارثين له أم لا ؟
هذا بسب نوعية الصدقة التي تصدق بها جدهم عليهم :
إذا كانت من باب التبرع لهم والتمليك لهم؛ فإنها تكون ملكهم ويكون ملك الابن المتوفى لورثته من بعده .
أما إذا كانت هذه الصدقة من باب الوقت على أولاد ابنته؛ فهذه يجري فيها على حسب شرط الواقف بالترتيب وعدم الترتيب بين المستحقين والبطون، وهذا يدخل في نظام الأوقاف، وترتيب البطون وعدم ترتيبها بحسب نص الواقف؛ فلابد فيها من الرجوع إلى المحكمة الشرعية . والله أعلم .
492 ـ هناك امرأة لها أبناء وبنت، وابنتها متزوجة، ولكن هذه الأم تركت العيش مع أبنائها وذهبت إلى زوج ابنتها لتسكن معه، على الرغم من قدرة أبنائها على إعالتها؛ فهل يجوز لها ذلك ؟ وهل على أولادها إثم في تركها تعيش مع زوج أختهم ؟ علمًا بأنها تتقاضى راتبًا من مصلحة الضمان الاجتماعي، وربما كانت تدفع منه شيئًا لزوج ابنتها مقابل مصروفها، أو هي تشتري منه ما يعادل مصاريف الإنفاق عليها، وإن لم يكن؛ فهل على زوج ابنتها مسؤولية الإنفاق عليها أم لا ؟
السكن مع ابنتها لابد له من سبب؛ فإما أن ابنتها بحاجة إلى سكناها معها، أو قد أغضبتموها حتى تركت السكن معكم، أو لستم على حالة مرضية في أخلاقكم وفي دينكم وذهبت من أجل ذلك .(62/3)
الحاصل أنه لابد من سبب لتركها السكن مع أبنائها وذهابها مع ابنتها .
وعلى كل حال؛ ينبغي لكم أو يجب عليكم أن ترضوا والدتكم، وأن تحرصوا على مجيئها إليكم، وسكناها معكم، والبر بها، والإحسان إليها؛ متى أمكنكم ذلك . وإن كانت سكناها عند غيركم بدون سبب فلا إثم عليكم .
أما كونها تنفق من مخصصها من الضمان الاجتماعي على نفسها؛ فهذا شيء لا بأس به .
وأما زوج ابنتها؛ فلا يلزمه أن ينفق عليها، ولكن إذا تبرع بذلك؛ فهذا شيء طيب، أما الوجوب؛ فلا يجب عليه .
ولكن أنتم ذكرتم أنها ليست بحاجة إلى نفقة زوج ابنتها؛ لأن لها مخصصًا من الضمان الاجتماعي، وأنها تدفع ما يقابل نفقتها؛ فهذا إغناء لنفسها، وفيه أيضًا استغناء عن الناس بما أغناها الله .
493 ـ أقمت أنا وزوجتي في بيت مستقل عن بيت أهلي، وذلك لكثرة المشاكل، وعاهدت زوجتي على عدم فراقها، وبعد مدة طلب مني والدي أن أرجع إلى البيت لأعيش معه أنا وزوجتي، ولكن زوجتي رفضت؛ فماذا أفعل ؟ هل أطيع والدي وأنقض العهد الذي بيننا ؟ وهل أدخل تحت قوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [ سورة الإسراء : آية 34 ] ؟
لاشك أن حق الوالد على الولد عظيم، ومادام أن زوجتك لا ترغب في السكن في بيته؛ فإنك لا تلزمها، وبإمكانك أن تقنع والدك في ذلك، وتجعلها في بيت مستقل، مع اتصالك بوالدك وبره وإرضائه والإحسان إليه بما تستطيع .
وأما الطلاق؛ فيباح لك إذا احتجت إليه وتكفر عن يمينك، ولا يخالف قوله تعالى : { وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً } [ سورة الإسراء : آية 34 ] لأن المراد به العهد الذي لا يحرم حلالاً .(62/4)
494 ـ نحن خمسة إخوة ذكور، ولنا أخت واحدة، وقد حصل بين والدنا ووالدتنا خلاف، ثم طلقها أبونا بعد ذلك، فتزوجت من رجل آخر، ولكن لم يكونا متفقين، بل كثيرًا ما تحدث مشكلات بينهما، فتأتي إلينا لتبقى عندنا بضعة أيام، ثم تعود إلى بيت زوجها، فكان أبونا كلما يراها تأتي إلينا؛ يغضب من ذلك، ولا يريد منا إيواءها ولا صلتها، وقد طلقها زوجها الآخر، ومع ذلك لا يريد والدنا أن تعيش معنا، بينما نحن فرحنا بسكناها معنا، لعلنا نقوم بشيء من الإحسان إليها والبر بها؛ امتثالاً لأمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، ولكنه يمانع في ذلك؛ فما الحكم في موقف والدنا هذا ؟ وهل نطيع أمره ونترك والدتنا دون رعاية ودون مساعدة، أم نخالف أمره ونسعى في البر بها والعطف عليها ومكافأتها على ما قدمته لنا في صغرنا، ولو كان في هذا عصيانًا لوالدنا، ولا نأثم في ذلك ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .
نشكر السائل على عنايته بوالدته، وشعوره بحقها وبرها .
أما ما سأل عنه من كون أبيهم لا يرضى بإيواء والدتهم وصلتهم؛ فإن ذلك لا يسوغ ولا يسقط عنكم حق والدتكم، ولا تطيعوه في هذا؛ لأن هذا معصية، ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ فآووا والدتكم، وصلوها، وأنفقوا عليها .
أما في خصوص السكن معكم أو عدم سكنها : فإن كان المسكن للوالد؛ فإنه لا يجوز أن تسكن معكم؛ إلا برضاه وإذنه، مع تسترها وتحفظها منه وابتعادها عنه، فإن لم يرض بذلك؛ فبإمكانكم أن تهيئوا لها مسكنًا آخر غير المسكن الذي يملكه والدكم ويسكنه، أما إذا كان المسكن لكم أنتم، ووالدكم يسكن معكم؛ فإنه لا حق له في منع الوالدة من سكنها في بيتكم وملككم، ولا حق له في منعكم من برها والإحسان إليها، ولا سيما وأنها محتاجة، وهي غير ذات زوج، وأنتم أولادها .
495 ـ سمعت من بعض النساء بأن للأم أن تسبي ابنها سبع سبيات؛ أي : تأخذ من ماله بدون علمه؛ فما مدى صحة هذا القول ؟(62/5)
للوالد أن يأخذ من مال ولده ما لا يضره ولا يحتاجه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أطيب ما أكلتم من كسبكم، وإن أولادكم من كسبكم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/179، 204، 214 ) ، كلها نحو بعضها البعض . ورواه أبو داود في سننه ( 3/287 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/769 ) ] ، وقوله : ( أنت ومالك لأبيك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 2/179، 204، 214 ) ، كلها نحو بعضها البعض . ورواه أبو داود في سننه ( 3/287 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/769 ) ] ، وهذا في حق الأب لا شك فيه، وكذلك في حقّ الأم؛ لأنها كالأب على الصحيح؛ تأخذ من مال ولدها ما تنتفع به، وتسد به حاجتها؛ ما لم يكن بذلك إضرار على الولد، أو أن تتعلق به حاجة الولد . والله تعالى أعلم .
496 ـ لدي أولاد وبنات؛ فهل يجوز لي أن أعطي النبات دون الأولاد، مع أن الأولاد في وظائف، ويعطونني، لكنني أرفض، والبنات متزوجات ؟
النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالعدل في العطية بين الأولاد، قال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/134 ) ] ؛ فلا يجوز للوالد أن يخصص بعض أولاده بعطية ويترك الباقين، بل عليه أن يسوي بينهم في العطية، ويعدل بينهم؛ كما أمر الله تعالى بذلك، ولو كان بعضهم في وظائف وبعضهم ليسوا موظفين؛ فالعدل واجب .
497 ـ إذا كان والد شخص ما مريضًا، وذهب به إلى إحدى المستشفيات، وقرروا إجراء عملية له، ولكن الوالد رفض إجراء هذه العملية؛ خوفًا على حياته، ورغبة من ابنه في شفاء والده من هذا المرض؛ أجبر والده على الموافقة، أو احتال عليه حتى أجريت تلك العملية دون علمه ودون موافقته؛ فهل يعتبر هذا عقوقًا لوالده يأثم عليه؛ علمًا أن الدافع له محبته لوالده وطمعه في شفائه مما يعاني من مرض، ولو فرضنا وحصلت الوفاة نتيجة هذه العملية التي تسبب فيها ابنه؛ فهل يلحقه إثم بذلك أم لا ؟(62/6)
تذكر أيها السائل أن والدك أصيب بمرض، وهو يحتاج إلى عملية جراحية، ولكنه لا يرغب في ذلك، وأنك ألححت عليه أو احتلت عليه حتى أجريت له؛ فهل عليك في ذلك إثم ؟
لا حرج عليك في ذلك إن شاء الله؛ لأنك تريد له المصلحة، ولم ترد به الضرر؛ فأنت محسن، ويرجى لك الأجر إن شاء الله، وحتى لو توفي من أثر هذه العملية، مادامت أنها عملية جارية مجراها الطبي ولم يحصل فيها تفريط، والطبيب من أهل الخبرة، وتوافرت الشروط؛ فلا حرج عليك في ذلك؛ لأنك محسن، والله تعالى يقول : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [ سورة التوبة : آية 91 ] ، والله تعالى أعلم .
498 ـ أنا رجل متزوج من إحدى الدول العربية، ولقد أرسلت زوجتي لوالديها لزيارتها، ولكن والدها يشرب الدخان ويحلق لحيته وكان لا يصلي، ولكنه الآن ولله الحمد يؤدي جميع الفرائض في المسجد، وكذلك أم زوجتي تجلس معنا متبرجة، ولقد نبهناها إلى الصلاة، وهي تصلي الآن؛ فما حكم ذلك ؟
الواجب عليك الاستمرار في مناصحة والد زوجتك في ترك حلق اللحية وشرب الدخان لأنهما محرمان ومعصية لله عز وجل ومنكر ظاهر، لكن عليك في مناصحتك له في تركهما باستعمال الحكمة والموعظة الحسنة، وكذلك والدة زوجتك، عليك بتعليمها الحجاب الشرعي، ونهيها عن السفور، لعل الله يهدي الجميع على يديك، ويكون لك في ذلك الأجر العظيم من الله تعالى .(62/7)
الجامع للأحكام
499 ـ أنا شاب والحمد لله، تبت إلى الله تعالى، وتركت جميع المعاصي التي كنت أرتكبها، وأصبحت شابًّا ملتزمًا، ولكن هناك مشكلة تعذّبني لم أتركها، وقد عجزت عنها، وهي العادة السرية، قد يكون الجواب بأن أتزوج، فأنا فكرت في هذا، ولكن أهلي لا يوافقونني، ورفضوا زواجي، مع أنني أستطيع الصرف على الزواج؛ فما الحل جزاكم الله خيرًا ؟
الحل بأن تتزوج، مادام أنك تستطيع النفقة على الزواج؛ فتزوج، وليس لأهلك الحق بأن يمنعوك من الزواج؛ كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم . . . ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/228، 229 ) ] .
فإذا كان بمقدورك القدوم على الزواج من ناحية المال، وأنت تريد المحافظة على عرضك؛ فالواجب عليك أن تتزوج، ولا يجوز لأحد، لا لوالديك أو غيرهما، أن يمنعوك ويعترضوا عليك على هذا الأمر .
500 ـ أنا شاب أعيش بمفردي، وفي سن يسمح لي بالزواج، ولكن إمكانياتي المادية لا تسمح بالإنفاق على الزواج، وأمارس العادة السرية كثيرًا؛ فما هو حكم الشرع في ذلك ؟
لا تجوز ممارسة العادة السرية؛ لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ، فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } [ سورة المؤمنون : آية 5-7 ] ؛ فلم يبح سبحانه ممارسة هذه الشهوة إلا في الزوجة أو ملك اليمين، وجعل ممارستها في غير ذلك من العدوان، ومن ذلك العادة السرية .
وقد أرشد النبي صلى الله عليه وسلم من يخاف على نفسه من الشهوة وهو لا يستطيع الزواج إلى الصوم .(63/1)
قال صلى الله عليه وسلم : ( يا معشر الشباب ! من استطاع منكم الباءة؛ فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع؛ فعليه بالصوم؛ فإنه له وجاء ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 2/228، 229 ) ] .
هذا هو الحل الوحيد الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ فعليك به أيها السائل، وعليك بالصبر وانتظار الفرج .
قال تعالى : { وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمْ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ } [ سورة النور آية : 33 ] . والله أعلم .
501 ـ كان لي عم ليس له زوجة ولا أولاد، ويملك قطعة أرض زراعية، وكنت أنا الذي أعوله، وأقدم كل ما يحتاجه؛ من مسكن وطعام وشراب وكساء دون أجر، وأعامله معاملة والدي، ووالدي متوفى، وله أخو آخر، فأردت أن أشتري قطعة الأرض التي يملكها عمي؛ حيث إنه عاجز عن العمل، وأردت أيضًا أن أحرم عمي الآخر من قطعة الأرض، الذي هو أخوه، فاشتريتها بموافقة عمي وإرادته، دون إكراه على ذلك، وأشهدت ثلاثة شهود على عقد البيع، ثم أخذت المبلغ منه سلفًا، وتوفي بعده، فقمت بتكاليف الوفاة، ومن ثم اشتريت له بقرة كأضحية له؛ فهل هذه البقرة التي ذبحتها أضحية له تعتبر من ثمن الأرض؛ لأن له وريثًا آخر هو أخوه ؟ وهل المبلغ المتبقي لي حق به أم كله لعمي أم ليس لنا جميعًا حق به ؟ وماذا أفعل به في هذه الحالة ؟
أما مسألة شرائك الأرض من عمك؛ إذا كان القصد من ذلك حرمان الورثة وحيازة الأرض لك؛ فهذا بيع باطل، إذا كان يقصد به الإلجاء أو التلجئة وحرمان الورثة والمحاباة منه لك؛ فهذا بيع باطل، والأرض تكون تركة للميت لورثته .
وأما قضية البقرة التي ذبحتها لعمك بعد وفاته، فإن كان عملك أوصى بذلك؛ فلا حرج في ذلك، تعتبر أضحية إذا كانت في وقت الأضحية أو صدقة، أما إذا لم يكن عمك أوصى بها؛ فإنها تكون من مالك أنت لا من تركته؛ لأنه لا يجوز لك التصرف بعد وفاته في شيء من ماله؛ لأنه أصبح حقًّا للورثة .(63/2)
أما قضية الإرث؛ فلا حق لك فيه مادام عمك موجودًا إذا كان أخًا شقيقًا للميت أو أخًا لأب وإن كان أخًا له من أمه فله السدس ويكون الباقي لك إن لم يخلف غيرك .
502 ـ تجري عادة عند بعض الأشخاص المشتغلين بتربية المواشي، وهي إجراء عملية الخصي للذكور منها؛ رغبة في تسمينها؛ فهل هذا جائز أم لا ؟ كذلك عملية الوسم؛ أي : وضع علامة على أذن الحيوان؛ بكيها بالنار، أو قطعها، ونحو ذلك؛ مما يسبب ألمًا شديدًا له؛ فهل في ذلك إثم على فاعله أم لا ؟
يجب الإحسان بالحيوانات، وعدم إلحاق الضرر بها من غير مصلحة شرعية، ويجب الرفق بها .
أما مسألة خصي الحيوان لأجل تسمينه، أو وسمه لأجل أن يعرف إما بقطع أذنه أو كيه أو ما أشبه ذلك؛ فلا بأس بذلك؛ لأن هذا لمصلحة، لكن يجب أن يستعمل مع الحيوان في إجراء هذه العملية الأسهل، وألا يستعمل في طريقة الخصي أو طريقة الوسم الطريقة المؤلمة التي تؤذي الحيوان بدون فائدة .
على أنه يحرم أن يحصل الوسم في الوجه، فيتجنب وجه الحيوان؛ فلا يؤذيه بكي ولا بقطع ولا بضرب ولا بغير ذلك؛ لأنه منهي عن ضرب الوجه والوسم بالوجه، أما الوسم في الأذن؛ فلا بأس بذلك، سواء كان بقطع طرف منها أو خرقها أو كيها بنار؛ لأنه لمصلحة، لكن عليه أن يستعمل الطريقة المريحة في هذا .
503 ـ أحيانًا وأنا أقود سيارتي بسرعة تتعرض لي بعض القطط أو الكلاب؛ فلا أستطيع السيطرة على السيارة، فأدهسها على الرغم مني؛ فهل عليَّ إثم في هذا أم لا ؟(63/3)
الحيوانات لها حرمة، لا يجوز الاعتداء عليها وقتلها؛ إلا إذا كانت مؤذية؛ كالسباع والحيات والأشياء المؤذية، أما الحيوانات غير المؤذية؛ فهذه لا يجوز قتلها، وإذا كانت عرضت لك في طريق وأنت في السيارة؛ فعليك أن تحافظ على حياتها، وأن تترك لها فرصة المرور، أما إذا لم تتمكن من ذلك، ودهستها من غير قصد، ولم تتمكن من الامتناع عنها؛ فلا حرج عليك من ذلك، إنما تأثم لو تعمدت قتلها بدون مبرر؛ لأنها حيوانات لها حرمة وليست مؤذية .
504 ـ لقد تعددت الأقوال والفتاوى حول لعب الأطفال؛ فما الحكم في العرايس والحيوانات المجسمة ؟ هناك من أجاز اقتنائها شرط إهانتها وعدم الاهتمام بها، وهناك من حرمها كلية؛ فما هو الحكم الصحيح ؟ وما هو حكم استخدام البطاقات التي عليها صور لتعليم الأطفال الحروف والأرقام وكيفية الوضوء والصلاة؛ أخبروني ما حكم الله ؟ !
لا يجوز اقتناء الصور لذوات الأرواح؛ إلا الصور الضرورية؛ كصور حفيظة النفوس، والبطاقة الشخصية، ورخصة القيادة . . . وما عداها من الصور؛ فلا يجوز اقتناؤه للعب الأطفال أو لأجل تعليمهم؛ لعمومات النهي عن التصوير واستعماله .
وهناك لعب للأطفال كثيرة من غير الصور، وهناك وسائل لتعليمهم غير الصور، ومن أجاز اقتناء الصور للعب الأطفال؛ فقوله مرجوح؛ لأنه يعتمد على حديث لعب عائشة رضي الله عنها يوم أن كانت صغيرة (3) ، وحديث عائشة قيل : إنه منسوخ بالأحاديث التي تحرم التصوير، وقيل : إن الصور المذكورة فيه ليست على شكل الصور الموجودة الآن، وإنما كانت من الخرق والعيدان المعروفة في وقتهم، ولا تمثل شكل الحيوان كما تمثله الصور المعروفة الآن، وهذا هو الراجح، والله أعلم، والصورة المعروفة الآن تمثل الحيوان بدقة، بل منها ما هو متحرك كحركة الحيوان .
505 ـ ما حكم الصور والرسوم الموجودة بملابس الأطفال؛ حيث إنه لا يخلو لبس من هذه الملابس من هذه الصور ؟(63/4)
لا يجوز شراء الملابس التي فيها صور ورسوم ذوات الأرواح من الآدميين أو البهائم أو الطيور؛ لأنه يحرم التصوير واستعماله؛ للأحاديث الصحيحة التي تنهى عن ذلك وتتوعد عليه بأشد الوعيد؛ فقد لعن صلى الله عليه وسلم المصورين (4) ، وأخبر أنهم أشد الناس عذابًا يوم القيامة (5) ؛ فلا يجوز لبس الثوب الذي فيه صورة، ولا يجوز إلباسه الصبي الصغير، والواجب شراء الملابس الخالية من الصور، وهي كثيرة ولله الحمد .
506 ـ ما حكم لعبة الشطرنج ولعب الورق من غير دراهم ؟
المسلم يترفع عن الدنايا وعن السفاسف، ويلازم الأمور النافعة والجادة والمفيدة، ويحفظ وقته عما لا فائدة فيه .
أما لعب الشطرنج؛ فإنه حرام بقول جماهير أهل العلم، سواء كان بعوض أو بغير عوض، وقد كان السلف يحذرون منه غاية التحذير، وينهون عنه أشد النهي، وهو قريب من النرد؛ فلا يجوز لعب الشطرنج .
وقد كتب أهل العلم في التحذير منه كتابة واضحة وصريحة بتحريمه؛ مثل شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموعة الفتاوى الكبرى " ، وكذلك الإمام ابن القيم في كتاب " الفروسية " ، وكذلك الإمام الآجري؛ فإن هؤلاء العلماء والأئمة الكبار كتبوا في تحريم الشطرنج كتابات واضحة ومفيدة .
فيجب على المسلم أن يبتعد عنه، ولا خير فيه، وهو لعبة محرمة، سواء أخذ عليه عوضًا أم لم يأخذ، وإذا أخذ عليه العوض؛ فإنه أشد، ويكون من أكل المال بالباطل والعياذ بالله، ومن الكسب الحرام؛ فهو الميسر والقمار المحرم بنص القرآن الكريم، وهو قرين الخمر .
وكذلك لعب الورق – ورق البالوت -؛ هذا أيضًا : إذا كان بعوض؛ فهو الميسر والقمار الذي جعله الله قرينًا للخمر وأخبر أنه رجس من عمل الشيطان وأخبر أنه يوقع العداوة والبغضاء؛ فهو حرام شديد التحريم .(63/5)
أما إذا كان بدون عوض؛ فإنه يحرم أيضًا؛ لأنه يضيع الوقت على الإنسان، وربما يسهر في هذه اللعبة ويترك صلاة الفجر مع الجماعة أو في الوقت، وأيضًا يختلط الإنسان بأشكال من الناس غير مرغوب فيها، ويحصل في أثناء اللعب من الكلام البذيء والشتم وغير ذلك ما لا يخفى .
فعلى المسلم أن يبتعد عن هذه الألعاب الدنيئة التي تضيع عليه وقته في غير فائدة .
507 ـ قرأت في إحدى الصحف عن شيخ قوله : إنه لا يوجد حديث يدل على تحريم الغناء، وإنما التحريم للمعازف، وهي ما تسمى الموسيقى ؟
الأدلة على تحريم الإغاني كثيرة :
منها قوله تعالى : { وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ . . . } [ سورة لقمان : آية 6 ] الآية؛ فقد فسر لهو الحديث بأنه الغناء أكابر الصحابة، ومنهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه (6).
وفي صحيح البخاري عن قوم في آخر الزمان يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف (7) .
ومن أراد المزيد؛ فليراجع كتاب " الكلام على مسألة السماع " للإمام ابن القيم، وكتاب " إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان " له أيضًا، وغيرهما مما كتب في هذا الموضوع .
508 ـ أنا شاب يوسوس لي الشيطان أحيانًا؛ ماذا أعمل لرد وسوسته ؟
وسوسة الشيطان ترد بالاستعاذة بالله من الشطيان، وعدم الالتفات إلى وسوسته، والوسوسة لا تضر ما لم يتكلم الإنسان؛ فعلى المسلم أن يرفضها ويتركها ولا يلتفت إليها، وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم .
509 ـ أنا فتاة في العشرين من العمر، مؤمنة ولله الحمد، أعاني من مشكلة الوساوس، وعلى وشك الجنون من هذا المرض النفسي الذي عانيت منه ثلاث أو أربع سنوات، ولم أفلح أن أدفعه عني، أريد أن أعرف : هل يسلط الله على عباده هذا الشيطان الرجيم امتحانًا لهم أم ماذا ؟ والذي لا يستطيع دفعه؛ ماذا عليه أن يفعل ؟ نرجو النصيحة .(63/6)
في الحقيقة أن الوسوسة مرض خطير، وهي من كيد الشيطان لبني آدم، يريد بذلك مضايقتهم وتضليلهم وإشغالهم عن طاعة ربهم، ولهذا أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يستعيذ من هذه الوسوسة، وأنزل في ذلك سورة كاملة .
قال تعالى : { قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ، مَلِكِ النَّاسِ، إِلَهِ النَّاسِ، مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ، الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ، مِنَ الْجِنَّةِ وَ النَّاسِ } [ سورة الناس : آية 1 إلى آخرها ] .
فهذا الشيطان له وسوسة مع بني آدم، ويشتد ذلك في حق المؤمنين، ولكن يعالج بأمرين :
1ـ أن المؤمن لا يلتفت لهذه الوسوسة، بل يرفضها رفضًا تامًّ؛ لأنها من الشيطان ولا تضره .
2ـ أن يشتغل بذكر الله سبحانه وتعالى؛ لأن المؤمن إذا اشتغل بذكر الله؛ ابتعد عنه الشيطان، ولهذا قال سبحانه وتعالى في حقه : { الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ } [ سورة الناس : آية 4 ] ؛ أي أنه يوسوس للعبد مع غفلته عن ذكر الله، ويخنس – أي : يبتعد – عنه عندما يذكر العبد ربه عزّ وجلّ، ولهذا وصفه أنه وسواس خناس .
والذي أنصح به للسائلة ولأمثالها أن تعمل بهاتين الخصلتين، وهما :
أولاً : عدم الالتفات لهذه الوسوسة، وعدم الاكتراث بها والانفعال معها، ثم تزول بإذن الله؛ لأن الإنسان إذا أعطاها اهتمامًا والتفت إليها؛ زادت وتمكن منه الشيطان .
الثاني : الإكثار من ذكر الله سبحانه وتعالى، وتلاوة القرآن، والاستعاذة بالله من الشيطان، وقراءة آية الكرسي والمعوذتين، وتكرار ذلك، وبهذا يزول بإذن الله .
510 ـ هل يجوز دخول دورات المياه بالكتب الإسلامية والأشرطة النافعة من القرآن والمحاضرات ؟(63/7)
الأصل كما ذكر أهل العلم : لا يجوز دخول الحمام – وهو محل قضاء الحاجة – بشيء فيه ذكر الله عزّ وجلّ، لا المصحف، ولا الأحاديث المكتوبة، ولا شيء فيه اسم الله عز وجل؛ إلا إذا خاف عليه من السرقة أو الضياع؛ فلا بأس أن يدخل به، مع الاحتفاظ به، وجعله في داخل جيبه، أو في مكان مغطى داخل ثيابه .
أما الأشرطة؛ فلم يتبين لي فيها شيء؛ فهي ليس مثل المصحف والكتاب؛ لأنه لا يوجد بها كتاب، وإنما هي عبارة عن صوت مخزون .
511 ـ إذا سلَّم المذيع في الرائي أو الإذاعة أو سلَّم الكاتب في المجلة؛ فهل يجب رد السلام والحالة هذه ؟
يجب رد السلام؛ إذا سمعه الإنسان مباشرة، أو بواسطة كتاب موجه إليه، أو بواسطة وسائل الإعلام الموجهة إلى المستمعين؛ لعموم الأدلة في وجوب رد السلام .
قال تعالى : { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } [ سورة النساء : آية 86 ] .
512 ـ هل يُسنُّ لمن دخل مسجدًا أن يسلم؛ سواء كان فيه أحد أم لا؛ لأننا سمعنا أن من دخل المسجد لابدّ له من السلام على الملائكة ؟
داخل المسجد إذا وجد فيه أحدًا؛ فإنه يستحب له أن يسلم عليه، وإن لم يجد فيه أحدًا؛ فلا يسلم؛ لأنه لا يجد من يرد عليه السلام، ولا يجلس حتى يصلي ركعتين تحية المسجد، هذا هو المشروع في حق من دخل المسجد يريد الجلوس فيه .
513 ـ ما حكم استخدام الوسائل التعليمية من فيديو وسينما وغيرهما في تدريس المواد الشرعية كالفقه والتفسير وغيرها من المواد الشرعية ؟ وهل في ذلك محذور شرعي ؟ أفتونا مأجورين .
الذي أراه أن ذلك لا يجوز؛ لأنه لابدّ أن يكون مصحوبًا بالتصوير، والتصوير حرام، وليس هناك ضرورة تدعو إليه . والله أعلم .(63/8)
514 ـ ما معنى الحديثين : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 1/2 ) ] ، والآخر : ( عفي لأمتي الخطأ والنسيان وما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به ) [ رواه الدارقطني في سننه ( 4/171 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/198 ) كلاهما بنحوه ] ؟
معنى الحديث الأول : أن المعتبر في أعمال العبادات نية صاحبها، لا صورها الظاهرة؛ فمن كان يقصد بعمله وجه الله وثوابه؛ فعبادته صحيحة؛ بشرط أن تكون موافقة لما شرعه الله ورسوله، ويرجى له فيها الثواب، ومن كان يقصد بعمله رثاء الناس ومدحهم له، أو يقصد به طمعًا من مطامع الدنيا؛ فعمله باطل، لا ثواب له عليه .
قال تعالى : { فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ، الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ، الَّذِينَ هُمْ يُرَاؤُونَ، وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ } [ سورة الماعون : آية 4- إلى آخر السورة ] .
وقال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ في الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ سورة هود : آية 15، 16 ] .
وكذلك؛ من أراد نافلة؛ لم تجز عن فريضة . . . إلى غير ذلك . والله أعلم .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( عفي لأمتي الخطأ والنسيان . . . " الحديث؛ فمعناه : أن الله سبحانه لا يؤاخذ المخطئ والناسي؛ لأنهما لا قصد لهما، فمن أكل أو شرب ناسيًا في نهار رمضان وهو صائم؛ فإن ذلك لا يؤثر على صيامه . . . ونحو ذلك .
وكذلك لا يؤاخذ الله من فكر في نفسه بعمل معصية قولية أو فعلية، لكنه لم ينفذ ما فكر فيه، مع تمكنه منه؛ فإنه لا يأثم على مجرد نيته، وهذا من فضل الله على عباده، وحثهم على فعل الطاعات وترك المعاصي والمحرمات .(63/9)
515 ـ والدي وإخواني مدمنون على مشاهدة التلفاز، وقد قمت بإحراقه دون علمهم؛ ليتركوه، ولكنهم اشتروا غيره . . . فماذا تنصحهم وتنصحني ؟
الواجب عليك نهي والدك وإخوانك عن مشاهدة أو استماع ما فيه فتنة مما يعرض في التلفاز أو الفيديو، والواجب عليهم هم أن يقبلوا النصيحة؛ لأن ذلك من مصلحتهم، والحق ضالة المؤمن، والرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل، والواجب عليك الاستمرار في مناصحتهم، لعل الله يهديهم، أو على الأقل تبرأ ذمتك بإقامة الحجة عليهم .
516 ـ ما حكم مشاهدة المسلسلات التي تذاع بالتلفزيون ؟
على المسلم أن يحفظ وقته فيما يفيده وينفعه في دنياه وآخرته؛ لأنه مسؤول عن هذا الوقت الذي يقضيه؛ بماذا استغله ؟
قال تعالى : { أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ } [ سورة فاطر : آية 37 ] .
وفي الحديث : أن المرء يسأل عن عمره فيما أفناه . . . (8).
ومشاهدة المسلسلات ضياع للوقت؛ فلا ينبغي للمسلم الانشغال بها، وإذا كانت المسلسلات تشتمل على منكرات؛ فمشاهدتها حرام، وذلك مثل النساء السافرات والمتبرجات، ومثل الموسيقى والأغاني، ومثل المسلسلات التي تحمل أفكارًا فاسدة تخل بالدين والأخلاق، ومثل المسلسلات التي تشتمل على مشاهد ماجنة تفسد الأخلاق؛ فهذه الأنواع من المسلسلات لا تجوز مشاهدتها .
517 ـ هل في هذه الأسماء محذور شرعي من تزكية النفس ونحوه : إيمان، أبرار، زكية، غفران ؟ !
لا تحرم التسمية بهذه الأسماء، ولكن الأولى ترك التسمية بها؛ لما في ذلك من التزكية، ولأنه قد يقال : هل هنا إيمان ( ونحو ذلك ) ؟ فيقال : لا . فيحدث شيء من الكراهية النفسية؛ كما جاء في الحديث النهي عن مثل هذه التسمية لهذه العلة (9) . والله أعلم .
518 ـ أعمل بشركة تجارية وهي تقوم بين الحين والآخر بإقامة حفلات تشتمل على عرض مبيعاتها وتكريم عملائها، وتطلب مني قراءة القرآن؛ كافتتاح للحفل؛ فهل هذا جائز ؟(63/10)
إذا كانت هذه الشركة تبيع شيئًا من المحرمات؛ كالدخان، وآلات اللهو، أو الصور؛ فلا تجوز قراءة القرآن في الاحتفالات التي تقيمها؛ لأن القرآن العظيم يصان ويعظم عن مثل هذا، أما إذا كانت معروضاتها سلعًا مباحة؛ فلا بأس بقراءة القرآن في احتفالاتها، إذا لم تشتمل هذه الاحتفالات على شيء من هذه المنكرات؛ كالأغاني، والموسيقى، أو اختلاط النساء بالرجال، أو حضور نساء غير محجبات . . . أو غير ذلك من المنكرات .
519 ـ اشتريت مجموعة كبيرة من الأسماك الحية من أطفال بمكة، وبعد مدة من الزمن؛ علمت أن مصدر هذه الأسماك هو منطقة في مكة يوجد فيها الماء الجاري دائمًا، وتعيش هذه الأسماك فيها؛ فهل يلحق بي الإثم في تربية أو أكل ما اشتريت من هذه الأسماك ؟
لا يجوز اصطياد الصيد في الحرم؛ لا السمك ولا غيره .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في " مجموع الفتاوى " ( 26/117 ) : " ولا يصطاد به صيد، وإن كان من الماء؛ كالسمك على الصحيح " . انتهى .
وقال في " الزاد وشرحه " ( 4/26 ) : " ولا يحرم صيد البحر إن لم يكن بالحرم " .
قال ابن قاسم في " الحاشية " : " فإن كان بالحرم؛ حرم صيده، جزم به غير واحد، وصححه في التصحيح وغيره والشارح والشيخ وغيرهما؛ لأن التحريم فيه للمكان " انتهى .
فعليه؛ لا يحل للسائل صيد هذه الأسماك التي تعيش في ماء بالحرم، ولا أكلها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم في الحرم : ( ولا يُنفر صيده ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/94 ) ] . والله أعلم .
520 ـ هل في إلقاء بقايا الأكل من الإدام والخضار في دورات المياه ذنب أو حرمة خاصة، وخاصة بأنه لا يوجد مكان لإلقاء تلك الفضلات ؟
لا يجوز إلقاء شيء من الطعام في المحلات القذرة والمحلات النجسة كالحمامات؛ لأن هذا فيه إهدار وإساءة إلى النعمة وعدم شكر الله .(63/11)
وقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم تمرة في الطريق، وقال : ( لولا إني أخشى أن تكون من الصدقة؛ لأكلتها ) [ رواه البخاري في صحيحه ( 3/5 ) بلفظ : لولا أن تكون صدقة . . ] ، وأمر صلى الله عليه وسلم الآكل بلعق أصابعه قبل أن يغسلها أو يمسحها بالمنديل (10)، وأمر بأخذ اللقمة إذا سقطت وإماطة ما عليها وأكلها (11).
فدل هذا على أنه لا يجوز إلقاء شيء من الطعام أو من التمر أو من المأكولات في المحلات القذرة والنجسة، بل النعم تصان وتحترم ويحتفظ بها؛ لأن ذلك من شكرها؛ ولأن هذه النعم ربما يأتي من يحتاجها ويأكلها، ولو من البهائم؛ فإلقاؤها في المزابل لا يجوز .
وبهذا نعلم خطورة ما يرتكبه بعض المسرفين الذين يعملون الأطعمة الكثيرة التي تزيد عن الحاجة، ثم يلقونها في القمامات، وفي صناديق القمامة، أو في القاذورات . هذا من الاستهانة بنعم الله، ومن الإسراف الذي حرمه الله؛ فيجب على المسلمين أن ينتبهوا لذلك . والله أعلم .
521 ـ هل يحل لنا أكل الأطعمة التي تأتي معلبة من دول غير أهل الكتاب، وبالذات اللحوم التي يكتب أحيانًا عليها ذبح على الشريعة الإسلامية، وغالبًا تكون مكتوبة باللغة الإنجليزية ؟
أما المعلبات من الأطعمة غير اللحوم من الأجبان ومن الخضراوات ومن الأشربة الغازية وغير ذلك؛ فلا حرج في أكلها وشربها؛ لأن الأصل في الأطعمة والأشربة الحل؛ إلا ما دل الدليل على تحريمه؛ كالمسكرات والأشياء المشتملة على مواد محرمة؛ فإن كانت ليس فيها شيء من الكحول، وليس فيها شيء من شحم الخنزير ومشتقاته؛ فإن الأصل فيها الحل .
أما إذا علمنا أن هذه المعلبات تشتمل على شيء محرم من الكحول أو من لحم الخنزير ومشتقاته؛ فإنه يحرم علينا استعماله؛ لأنها أصبحت مخلوطة بمادة محرمة .
أما إذا لم نعلم عنها شيئًا؛ فالأصل الحل .
أما إذا كانت هذه المعلبات من اللحوم؛ فهذا فيه تفصيل :(63/12)
إذا كانت هذه اللحوم مستوردة من دولة غير كتابية؛ فإنها لا تحل؛ كالمستوردة من الشيوعيين والوثنيين وسائر الكفرة؛ لأن ذبائح الكفار غير الكتابيين لا تحل، وهي ميتة .
أما إذا كانت مستوردة من بلاد كتابية، وهي بلاد النصارى أو بلاد اليهود؛ فإن الله سبحانه وتعالى أباح لنا أكل ذبائحهم إذا ذبحوها على الطريقة الشرعية، قال تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] .
522 ـ ما حكم الامتناع عن الطعام لمدة محدودة أو غير محدودة؛ خاصة في السجن؛ حيث إن الامتناع عن الطعام هو الوسيلة الوحيدة أمام السجين للمناداة بحقوقه الإنسانية داخل السجن ؟
الامتناع عن الطعام من أجل الاحتجاج إذا كان يضره أو يتسبب في هلاكه؛ فإنه لا يجوز؛ لقوله تعالى : { وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } [ سورة البقرة : آية 195 ] ، وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ } [ سورة النساء : آية 29 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ضرر ولا ضرار ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ( 5/327 ) ، ورواه الإمام مالك في الموطأ ( 2/745 ) ، ورواه ابن ماجه في سننه ( 2/784 ) ، ورواه الدارقطني في سننه ( 4/227 ) ، ورواه الحاكم في مستدركه ( 2/57، 58 ) ، ورواه غيرهم ] .
أما إذا كان الامتناع عن الطعام لا يضره، وهو يؤدي إلى غرض مباح؛ فلا بأس به؛ إذا كان مظلومًا ويريد أن يتخلص به من الظلم .
523 ـ ما رأي فضيلتكم فيمن يتعلم من المسلمين الطب والمخترعات الحديثة بقصد إغناء المسلمين عن الحاجة إلى الكفار والمشركين ؟
لا بأس في ذلك، ويؤجر عليه، لكن بشرط أن يكون قد تعلم من دينه ما يحتاج إليه؛ فلابد أن يتعلم أولاً أمور الدين الضرورية التي لا يعذر أحد بتركها، ثم يتعلم بعد ذلك أمور الطب وغيرها من العلوم، أما أن يقبل على أمور الطب والعلوم الأخرى؛ وهو يجهل أمر دينه؛ فهذا لا يجوز .(63/13)
524 ـ ما حكم من يأكل على الصحف والجرائد ويجلس عليها ؟
لا يجوز الأكل والجلوس على الصحف والجرائد التي تشتمل على شيء من ذكر الله أو شيء من الآيات أو الأحاديث النبوية أو تتضمن شيئًا من الفتاوى والأحكام الشرعية؛ لأن هذا العمل يعتبر امتهانًا لذكر الله وآياته وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وللأحكام الشرعية، والواجب أن ترفع هذه الصحف والجرائد المتضمنة لشيء مما ذكر، أو يؤخذ الجزء المشتمل منها على شيء مما ذكر ويستعمل الباقي الخالي من ذلك .
أما الصحف والجرائد التي لا تشتمل على شيء من ذكر الله أو شيء من القرآن أو الأحاديث؛ فلا بأس في استعمالها؛ لعدم المحذور في ذلك . والله أعلم .
ويجب على المسؤولين عن إصدار الصحف والمجلات التي تشتمل على ذكر الله أو على شيء من الآيات والأحاديث أن ينبهوا القراء على وجوب احترامها والعناية بها، وذلك بكتابة تنبيه يوضع في أول الصحيفة أو على غلاف المجلة .
525 ـ هناك أيتام يأتيهم مال ونفقة لهم؛ فهل يجوز لوالد أمهم أن يأكل معهم من مالهم؛ سواء زيارة أو دائمًا ؟
إذا كان في زيارة؛ فلا بأس أن يأكل معهم في بعض الأوقات، أما أن يأكل معهم دائمًا، ولا ينفق من ماله؛ فهذا لا يجوز له، لكن يجوز أن يخلط طعامه معه طعامهم ويأكل معهم، أما أن يعتمد على طعامهم دائمًا؛ فهذا لا يجوز؛ لأنه يوفر ماله ويأكل مال الأيتام .
قال تعالى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ } [ سورة البقرة : آية 220 ] ، ومعنى الآية الكريمة : أنه لا بأس أن يخلط طعامه مع طعامهم، ولا يأكل منفردًا؛ لما في ذلك من الحرج .
526 ـ نسمع كثيرًا كلمات لا نعرف مدلولها؛ مثل : ( لا ينبغي ) وكلمة ( مكروه كراهة التنزيه ) . . . إلى غير ذلك من العبارات؛ فما معناها ؟(63/14)
كلمة ( لا ينبغي ) : قد يراد بها التحريم، وقد يراد بها كراهة التنزيه، والقرينة هي التي تعين المراد بها .
وقولهم : ( مكروه كراهة تنزيه ) : المراد به ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله مما جاء النهي عنه نهيًا غير جازم؛ لمجيء ما يصرفه عن التحريم؛ بخلاف المكروه كراهة التحريم؛ فهذا يثاب تاركه ويعاقب فاعله، وهو ما جاء النهي عنه جازمًا، ولم يصرف صارف عن التحريم .
527 ـ ما هو التعزير؛ فكثيرًا ما أسمع هذه الكلمة وأجهل معناها ؟
التعزير : لغة : التأديب، وشرعًا : هو التأديب في كل معصية ليس فيها حد ولا كفارة .(63/15)
المجلد الرابع(/)
كتاب الطهارة
1 ـ إذا أصاب الثوب بول أي أصابته نجاسة فهل يكفي أن نرش على موضع النجاسة ماء حتى يبتل المكان بالماء أم لابد من غسل المكان الذي أصابه البول وليس رشه بالماء فقط ؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله :
إذا أصاب الثوب نجاسة من البول أو دم الحيض أو عذرة أو غير ذلك من النجاسات يجب غسله غسلاً كاملاً، بأن يغسل حتى تزول النجاسة، وحتى يتيقن زوال النجاسة لقوله صلى الله عليه وسلم للحائض لما سألته عن دم الحيض يصيب الثوب قال : ( تحته ثم تقرصه ثم تنضحه بالماء ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص240 من حديث أسماء رضي الله عنها بنحوه ] فأمر بِحَتّه أولاً " أي يحك " ثم تقرصه بالماء " أي تفركه بالماء " حتى يتحلل ما بداخل الثوب من الدم ثم تنضحه بالماء بعد قرصه لأجل أن يزول أثر النجاسة .
ذلك يدل على أنه لابد من المبالغة في غسل النجاسة حتى تزول سواء كانت بولاً أو عذرة أو دماً أو غير ذلك ولا يكفي نضحها إلا ما ورد في مسألتين وهما :
مسألة بول الغلام الذي لم يأكل الطعام فإنه يكفي نضحه بالماء " أي رشه بالماء " لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج1 ص76، 97، 137 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص101 . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص 174، 175 . ورواه الدارقطني في سننه ج1 ص 129 . ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص165، 166 . كلهم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه بنحوه ] . والمسألة الثانية مسألة المذي إذا أصاب الثوب فإنه يكفي نضحه لأن نجاسته مخففة مثل بول الغلام نجاسة مخففة أما النجاسة المغلظة فلا يكفي فيها النضح ولا الرش بل لابد من غسلها ثلاث مرات فأكثر حتى تزول النجاسة .
2 ـ بعد البول يخرج مني سائل لا أدي هل هو مذي أم مني ثم أستنجي وأصلي . هل صلاتي صحيحة ؟(64/1)
إذا استنجيت الاستنجاء المنقي وتوضأت بعده وصليت فصلاتك صحيحة، لأنك فعلت ما يجب عليك . أما إن استنجيت وخرج بعد الاستنجاء شيء فلا بد أن تعيد الاستنجاء حتى يطهر المحل بعد انقطاع الخارج نهائياً . ولابد أن يكون الوضوء بعد الاستنجاء من الخارج . وليس المراد ما يفهم بعض العوام أن الاستنجاء يلزم عند كل وضوء . وإنما يلزم إذا خرج من السبيلين شيء غير الريح .
3 ـ إني أعاني من سلسل دائم متى أتوضأ للصلوات الخمس وكذلك متى أتوضأ ليوم الجمعة ؟
من به سلس بول دائم النزول فإنه يتوضأ عندما يريد الصلاة ويصلي في الحال ولو خرج منه شيء في الصلاة فصلاته صحيحة لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] . وكذلك في يوم الجمعة يتوضأ عند الصلاة ويصلي مع الإمام . لكن يجب عليه أن يضع شيئاً على ذكره يحفظ نزول البول على ثيابه وبدنه ومصلاه والله أعلم .
4 ـ في الوضوء هل إنه لابد أن أغسل السبيلين مع أني لست بحاجة إلى قضاء حاجة ؟
غسل السبيلين وهو ما يسمى بالاستنجاء إنما يجب بعد قضاء الحاجة من أجل إزالة أثر الخارج ويكفي عن الاستنجاء الاستجمار بالحجارة ونحوها مما ينقي المخرج من أثر الخارج وإذا استنجى الإنسان أو استجمر ولم يخرج منه شيء بعد ذلك فإنه لا يعيد الاستنجاء عند كل وضوء إلا إذا خرج منه شيء من البول أو الغائط . فالاستنجاء إزالة نجاسة وليس هو من الوضوء .
5 ـ إني فتاة أضع على وجهي دهانات وصفها لي الطبيب وقال يجب علي ألا يمسها الماء لمدة تقدر بـ12 ساعة على الأقل وإني ولله الحمد مسلمة وعلي أن أتوضأ فأخشى أن يلامس الماء الدهان على وجهي فهل أمسح الأجزاء التي لا يوجد بها دهان أم ماذا ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟(64/2)
إذا كان في الوجه مرض جلدي وقد وصف له الطبيب دهاناً يوضع عليه وقال لا يمسه الماء لعدة ساعات من أجل بقاء الدهان للعلاج ففي هذه الحالة يجنب موضعه الماء في الوضوء ويغسل الباقي مع بقية الأعضاء ويتيمم بدل غسل الوجه إلى أن تنتهي الحاجة إلى وضع الدهان والله أعلم .
سائلة تقول :
6 ـ ذات يوم سقطت على الأرض فأصيبت بكسر في إحدى رجليها مما جعل الأطباء يعملون لها عملية جراحية تم تجبير الرجل على عظام اصطناعية أو قطع حديدية ولهذا فإنه يصعب عليها الوضوء فلذلك فهي تتيمم لكل صلاة ولا تتوضأ فهل فعلها هذا صحيح وإلا فماذا يجب عليها مستقبلاً وعما مضى من الصلوات بالتيمم فقط ؟
يجب عليها أن تغسل الأعضاء الصحيحة وأن تتيمم عن العضو الذي يتعذر غسله وإن كان عليه جبيرة أو شيء تمسح عليه ويكفي المسح عن غسله أما إذا لم يكن عليه حائل ولا تقدر على غسله فإنها تتيمم عنه بعد أن تغسل الأعضاء الصحيحة أما الصلوات التي صلتها بالتيمم إذا كانت تعرف عددها يجب أن تعيدها لأن التيمم لا يجزي وحده لابد من غسل الأعضاء الصحيحة .
7 ـ إذا كانت تمسح عليها مسحاً فقط - فهل هذا يجزي عن التيمم أم لابد من التيمم مع المسح .
يجزئ المسح إذا كان عليها حائل كما ذكرنا .
8 ـ هل يؤثر طلاء الأظافر المستعمل للزينة على صحة الوضوء للصلاة أم لا ؟
الطلاء له حالتان :
الحالة الأولى : أن لا يكون له جرم يتجمد على الظفر يمنع وصول الماء إلى البشرة فلا مانع منه ولا يؤثر على الوضوء . أما إذا كان هذا الطلاء يتجمد وله جرم كما ذكر عن طلاء " المنكير " وغيرها فهذا لا يجوز لأنه يحول بين الماء وبين البشرة ولا يصح معه وضوء ولا اغتسال حتى يزال .
9 ـ هل يجوز للمسلم أن يتوضأ لصلاة العصر مثلاً ويبقى على هذا الوضوء حتى صلاة العشاء أم هذا غير جائز . أفيدونا أفادكم الله ؟(64/3)
إذا توضأ الإنسان وضوءاً كاملاً وتطهر طهارة كاملة فإنه يجوز له أن يبقى على الوضوء وعلى هذه الطهارة ما شاء وأن يصلي بها ما شاء من الفرائض والنوافل مادام لم ينتقض وضوءه . إلا أنه يستحب له تجديد الوضوء لكل صلاة .
10 ـ أنا طالب بكلية الطب وأثناء الدراسة نضطر إلى أن نمسك بعض الجثث ونشرحها بأيدينا وغالباً ما تكون جثث مسلمين وأيضاً نضطر إلى أن نحتفظ بعظام الموتى في بيوتنا فهل تشريح هذه الجثث أو لمس هذه العظام يوجب إعادة الوضوء وما حكم تشريح جثث المسلمين لغرض التعلم الطبي ؟
الإجابة : الله سبحانه وتعالى شرع لبني آدم الدفن بأن تدفن جنائزهم بعد موتهم قال الله تعالى : { ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ } [ سورة عبس : آية 21 ] . وقال تعالى : { أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ كِفَاتًا، أَحْيَاءً وَأَمْوَاتًا } [ سورة المرسلات : الآيتين 25، 26 ] . أي تعيشون على ظهرها وتدفنون بعد موتكم في بطنها قال تعالى : { مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى } [ سورة طه : آية 55 ] . فالذي يشرع نحو الميت أن يدفن في قبره ولا يتصرف في جثته وأعضائه . وأما بالنسبة لتشريح الجثة لقصد التعليم كما ورد في السؤال وكما يقال أنه أصبح الآن ضرورة لتعلم الطب ونفع الأحياء بذلك فهذا إن أمكن الاستغناء عنه فإنه لا يجوز بحال من الأحوال وإذا لم يمكن وتوقف الأمر عليه فإن جثة المسلم لا يجوز أن تشرح أبداً لأجل الطب لقوله صلى الله عليه وسلم : ( حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً ) [ لم أجده بهذا اللفظ ] . فالمسلم لا يجوز أن يتلاعب بجثته ولا أن تشرح بل يجب دفنه واحترامه كما يحترم حياً .(64/4)
أما بالنسبة لجثة الكافر فقد رخص بعض العلماء المعاصرين بتشريح جثته لأجل الطب والله أعلم . أما لمس الجثة ولمس الميت غير فرجه فهذا لا ينقض الوضوء إما الذي ذكره بعض أهل العلم أنه ينقض الوضوء تغسيل الميت وفيه نظر، أما لمس جثته من غير التغسيل فهذا لا ينقض الوضوء .
11 ـ لو شخص احتلم ثم قام ليؤدي الصلاة ولم يكن عنده ماء يكفي للاغتسال ولا يمكن الحصول على ماء قبل أن يخرج الوقت والماء الذي عنده قد يكفيه للوضوء فقط فهل يتوضأ به أم يتيمم عن الاغتسال وعن الوضوء مع وجود الماء الكافي عن الوضوء وما الحكم لو كان المانع من الاغتسال شدة البرودة ؟(64/5)
الجواب : إذا احتلم الإنسان وقام ليصلي وليس عنده ماء إلا ماء قليل فإنه يتيمم بعدما يستعمل هذا الماء القليل يتوضأ به إذا كان يكفي للوضوء وإن كان لا يكفي لكل الوضوء فيتوضأ منه بحسب ما يكفيه لو مثلاً يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ويغسل يديه ثم ينفد الماء فإنه يتيمم عن باقي الوضوء وعن الاغتسال الحاصل أنه يستعمل الماء بقدر ما يتسع من أعضاء الوضوء ثم يتيمم عن الباقي ولو كان الماء يكفي للوضوء كاملاً يتوضأ به وضوءاً كاملاً، ويتيمم عن الحدث الأكبر والتيمم لابد منه إما عن الحدثين أو عن الحدث الأكبر ويصلي لقوله تعالى : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ } [ سورة النساء : آية 43 ] . وهذا لم يجد ماء أو وجد ماء لا يكفيه للطهارة كلها فيستعمله فيما يتسع له ويتيمم عن الباقي أما إذا كان العذر هو شدة البرودة وليس عنده ما يسخن به هذا الماء فإنه يتيمم فشدة البرد التي يخشى منها على نفسه لو اغتسل بأن يخشى على نفسه من المرض أو من الموت فإنه لا يجوز له أن يستعمل ما فيه خطر والدليل على ذلك قصة عمرو بن العاص رضي الله عنه حينما كان في بعض أسفاره في سرية بعثه النبي صلى الله عليه وسلم بها ثم احتلم ولما أراد أن يصلي وإذا الماء بارد شديد البرودة فذكر قوله تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } [ سورة النساء : آية 29 ] . فتيمم فصلى بأصحابه فلما قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له ذلك أقره على هذا (1). فدل على أنه إذا كان الماء بارداً شديد البرودة ويخشى باستعماله ضرراً على نفسه فإنه يتيمم إذا لم يجد ما يسخنه به .(64/6)
12 ـ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . . فضيلة الشيخ هل يجزئ الغسل للجمعة عن الوضوء لصلاة الجمعة، كذلك هل يجزئ الغسل عن الجنابة عن الوضوء لصلاة الفجر إذا اغتسل قبل صلاة الفجر ؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . الأفضل أن الإنسان يتوضأ وضوءاً كاملاً قبل الغسل ما عدا غسل الرجلين فإنه يؤخره إلى بعد نهاية الغسل، هذا هو الأفضل والأكمل .
أما لو نوى دخول الوضوء في الاغتسال فإنه يجزئ هذا لأن الطهارة الصغرى تدخل في الكبرى فإذا نوى الوضوء مع الاغتسال سواء كان هذا الاغتسال مستحباً كغسل الجمعة أو كان واجباً كغسل الجنابة فإنه يجزئه ذلك لأن الطهارة الصغرى تدخل في الطهارة الكبرى ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص2 . من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] . فيجوز أن ينوي دخول الوضوء مع الاغتسال المستحب أو الاغتسال الواجب ولكن الأفضل كما ذكرنا في أول الجواب أن يتوضأ أولاً ثم يغتسل بعد ذلك، هذا هو الأكمل .
13 ـ هل الاستحمام يغني عن الوضوء ؟ أم لابد من الوضوء بعد الاستحمام ؟
إذا نوى الجنب أو الحائض والنفساء دخول الوضوء في الاغتسال وعمم الماء على جسمه ناوياً الطهارة من الحدثين أجزأه ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص2 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] .
سائلة تقول :(64/7)
14 ـ ما حكم قراءة القرآن من المصحف للحائض أو قراءته عن غيب كذلك للحائض وتقول أيضاً بأنني معتادة على قراءة بعض من الآيات دائماً فهل علي ذنب إذا قرأت وأنا كذلك وأحياناً أسهو وأقرأ القرآن وبعد أن أتذكر أقطع الآية . كذلك ما الحكم في قراءته في الامتحان بالنسبة للحائض أو قراءة جزء من الآيات في بعض المواد كالتوحيد والفقه وغيرها إذا تطلب الأمر قراءة آيات للإعراب أو الشرح ونحو ذلك .
الذي عليه حدث أكبر من جنابة أو حيض ممنوع من قراءة القرآن لا عن ظهر قلب ولا من مصحف بل مس المصحف وإن لم يقرأ فيه من المحدث لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم كما في حديث عمرو بن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر ) [ رواه الحاكم في مستدركه ج1 ص397 . ورواه الإمام مالك في الموطأ ج1 ص199 كلاهما من حديث عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده ] . فمس المصحف لمن عليه حدث أصغر أو أكبر لا يجوز لهذا الحديث وذلك باتفاق الأئمة الأربعة . أن المحدث لا يجوز له أن يمس المصحف من غير حائل وأما القراءة عن ظهر قلب فالذي عليه حدث أصغر لا بأس أن يقرأ القرآن وأما الذي عليه حدث أكبر لا يقرأ القرآن لا من المصحف ولا عن ظهر قلب إلا الحائض في حالة الضرورة كحالة الامتحانات إذا خشيت أن يفوت عليها الامتحان فلا بأس أن تقرأ القرآن لأداء الامتحان بقدر الضرورة وكذلك إذا كانت تحفظ من القرآن آيات أو سوراً وتخشى من نسيانها لأن فترة الحيض أو النفاس تطول فإنها تقرأ القرآن لاستذكاره وعدم نسيانه في هاتين الحالتين لا بأس أن تقرأ الحائض والنفساء القرآن للضرورة إما لأجل الامتحان وإما خوف النسيان وأما فيما عدا هذا فالمسألة خلافية والجمهور على المنع والأحوط لها أن تتجنب قراءة القرآن لأنه لا داعي ولا ضرورة لذلك . أما إذا قرأت شيئاً من القرآن لا بقصد التلاوة إنما بقصد الذكر كأنما تقرأ آية أو بعض آية بقصد الذكر فهذا لا بأس به لأنها لم تقصد التلاوة وإنما تقصد(64/8)
الذكر بذلك أو الدعاء وكذلك إعراب النحو إذا أعربت فهذا أيضاً لا يدخل في حكم التلاوة فلا بأس بذلك والله أعلم .
15 ـ ما الحكم إذا أتت المرأة الدورة الشهرية عند دخول وقت صلاة مفروضة فهل عليها قضاء ذلك الفرض بعد انتهاء الدورة ؟
إذا دخل عليها وقت الفريضة ثم طرأ عليها حدوث العادة فإنها إذا انقطعت العادة واغتسلت يجب عليها قضاء هذه الصلاة التي أدركت وقتها لأنها وجبت عليها بدخول وقتها ولم تتمكن من أدائها حين ذاك فإذا زال المانع واغتسلت من الحيض فإنها يجب عليها أن تقضي هذه الصلاة الفائتة على الفور لأن قضاء الصلوات الفائتة يكون على الفور في أي وقت تمكن الإنسان فإنه يقضي الصلاة الفائتة ولا يتقيد هذا بوقت دون وقت .
16 ـ هل تستمر الفتاة في قراءة القرآن وقراءة الأوراد والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم أثناء الدور الشهرية أم تمتنع عن ذلك ؟
قراءة الحائض في أثناء الدورة للأذكار والأحاديث والأدعية لا خلاف بين العلماء في جوازها وأما قراءتها للقرآن فهي موضع خلاف بين العلماء . والراجح أنها لا تجوز إلا عند الضرورة كخوف النسيان أو فوات الامتحان الدراسي ونحو ذلك .
17 ـ هل ختان البنات حرام . . ولماذا ؟
ختان البنات مستحب وليس بواجب - لما فيه من مصلحة البنت وحظوتها عند زوجها .(64/9)
الصلاة
18 ـ أنا رجل أصلي وأصوم ولله الحمد وعندما أتوجه إلى القبلة أقول : وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين فهل قول هذا من السنة أم لا ؟
هذا الذكر لا يقال عند توجهك إلى القبلة وإنما يستحب أن يقال بعد تكبيرة الإحرام لأن هذا من الاستفتاح الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت أنه كان أحياناً إذا كبر تكبيرة الإحرام يقول مستفتحاً ( وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفاً وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا من المسلمين ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص534، 535 . من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه والحديث له تتمة ] . فهذا من جملة الاستفتاحات التي كان يستفتح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته بعد تكبيرة الإحرام فمحل هذا بعد تكبيرة الإحرام لا عند التوجه إلى القبلة وقبل تكبيرة الإحرام .
19 ـ إذا نام الإنسان ثم استيقظ وقت صلاة فريضة فتوضأ وصلى وبعد الصلاة اكتشف آثار احتلام في ملابسه فماذا يفعل وهل عليه إعادة الصلاة تلك أم لا ؟
إذا استيقظ وصلى ثم بعد ذلك أدرك في ثيابه أو على بدنه أثر احتلام أي وجد أثر الخارج بالاحتلام فإنه يجب عليه أن يغتسل وأن يعيد الصلاة لأنه تبين أنه صلى وعليه جنابة ولو طال الزمن فلو فرضنا أنه صلى عدة صلوات وأنه وجد هذا الأثر فأنه يعيد الصلوات التي صلاها بدون اغتسال .
20 ـ ما سبب صلاة الظهر والعصر سراً في القراءة وباقي الصلوات الفجر والمغرب والعشاء جهراً ؟(65/1)
أولاً : الواجب على المسلم أن يعمل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وإن لم يعرف الحكمة لأن الواجب الامتثال سواء عرفنا الحكمة أو لم نعرفها . فمعرفة الحكمة أمر ثانوي وزيادة فائدة وإلا فالواجب الامتثال ومن ذلك الإسرار في صلاة النهار والجهر في صلاة الليل في القراءة . الله أعلم ما الحكمة في ذلك . ولكن ربما يكون من الحكمة والله أعلم أن صلاة الليل يجهر فيها لأن هذا أدعى إلى الخشوع ولأن قراءة صلاة الليل أقرب إلى التدبر لهدوء الأصوات في الليل وانقطاع الشواغل . فإذا جهر بالقراءة كان ذلك أدعى للتدبر والخشوع كما قال تعالى : { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْءًا وَأَقْوَمُ قِيلاً } [ سورة المزمل : آية 6 ] . فالصلاة بالليل لها مزية والجهر فيها بالقرآن له مزية لأنه وقت تنقطع فيه الشواغل ويهدأ فيه البال ويتفرغ الإنسان للتدبر بخلاف النهار . فإنه وقت الاشتغال ووقت الأصوات فيكون الإنسان مشغولاً عن التدبر في الغالب .
21 ـ أنا رجل ساكن في الخلاء ومتزوج ويوجد لدي أولاد وبيني الجار حوالي 50 متراً وأسمع الأذان وعندما أريد أن أذهب إلى المسجد تخاف زوجتي وتريد أن لا أخرج من البيت لخوفها فماذا أفعل . هل تصح الصلاة في البيت ؟(65/2)
لا شك أن من سمع النداء وجب عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع المسلمين صلاة الجماعة لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للأعمى الذي جاء يستأذنه أن يصلي في بيته لما يجد من المشقة في إتيانه للمسجد قال له النبي صلى الله عليه وسلم : (هل تسمع النداء ؟ قال نعم . قال : فأجب فإني لا أجد لك رخصة) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص452 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه ] . وقال عليه الصلاة والسلام لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد ويروى هذا موقوفاً عن علي بن أبي طالب (2) يروى مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم (3) وهو يدل على أن جار المسجد يجب عليه أن يصلي في المسجد . وجار المسجد كما ذكروا من بينه وبين المسجد أربعين بيتاً . يعني الجوار يمتد إلى أربعون بيتاً والضابط في هذا سماع النداء فإذا كنت تسمع النداء بالأذان المعتاد من غير مكبر أي إذا أذن مؤذن من غير مكبر الصوت تسمعه وجب عليك أن تصلي في المسجد وأن تجيب الداعي إلا إذا حال دون ذلك عذر شرعي كالمرض مثلاً . أو ما ذكرت مثلاً من أن زوجتك تستوحش وتخاف في الليل إذا ذهبت للصلاة في المسجد فهذا عذر شرعي يبيح لك الصلاة في البيت لأن زوجتك تستوحش وتخاف وتحتاج إلى بقائك عندها فهذا يعتبر عذرًا شرعيًا .
22 ـ إن جدتي لوالدي تصلي الصلوات الخمس المفروضة عليها كاملة ولكن للأسف إن صلاتها خاطئة من أولها إلى آخرها حيث أنها لا تركع بعض الأحيان ولا تقرأ التحيات وتقرأ الفاتحة بدل التحيات بالإضافة أنها تسلم بعد كل ركعة وهذا شيء مما تفعله ولم نرض بما تفعل حيث قام أخي الكبير بتوضيح أن صلاتها خاطئة وكان رد الفعل أن شتمتنا وفضحتنا وأخذت تبكي وحتى لو علمناها الصلاة الصحيحة لا تستطيع أن تتعلمها لأنها تعودت على صلاتها . فهل عليها إثم في ذلك وهل يجب علينا شيء وماذا نفعل ؟(65/3)
هذه المرأة لا تخلو من إحدى الحالتين : الأولى : أن تكون حالتها العقلية مختلة ولا تفهم ما يقال لها فهذه لا حرج عليها لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] . فلا حرج عليها مادام أنكم بينتم لها الخطأ ولم تستطع أن تفهم فلا حرج عليها إن شاء الله لأن هذا هو منتهى قدرتها أما إذا كانت عقليتها سليمة وإنما فعلت هذا عن جهل فهذه لا عذر لها لأن الجاهل إذا وجد من يفهمه ويعلمه زال عذره ووجب عليه أن يأخذ طريق الصواب فالواجب عليكم أن تكرروا طريق التفهيم وأن تخوفوها بالله وأن هذا لا يبري ذمتها هذا ما يسعكم فإن استقامت فالحمد لله وإلا فقد أديتم الواجب واسألوا الله لها الهداية .
23 ـ هل يجوز الجمع بين الصلوات من غير عذر . وما صحة الحديث القائل [ بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع في الصلاة بدون خوف ولا مرض ] أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم ؟ .
الجمع بين الصلوات من غير عذر لا يجوز ولا تصح به الصلاة لأنه صلاها في غير وقتها من غير عذر شرعي والله تعالى يقول : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء : آية 103 ] . والجمع إنما يباح للعذر الشرعي كالمرض والسفر وكذلك بين العشائين في المطر والوحل، هذه الأعذار التي تبيح الجمع بين الصلاتين أما أن يجمع من غير عذر فهذا لا يجوز ولا تصح صلاته إذا فعل ذلك . أما الحديث فلفظه ورد بروايتين عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه جمع من غير خوف ولا سفر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص489، 490 من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] .(65/4)
وفي رواية (من غير خوف ولا مطر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص491 . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] . وأما اللفظ الذي ذكر السائل فهذا غير وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع من غير خوف ولا مرض لم يرد ذكر المرض في الحديث وإنما ورد (من غير خوف ولا سفر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص489، 490 من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . وفي رواية (من غير خوف ولا مطر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص491 . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] .
وللعلماء عن هذا الحديث عدة أجوبة :
ـ منهم من توقف في معناه وقال إنه لا يظهر له معناه .
ـ ومن العلماء من حمله على الجمع الصوري وهذا الذي أيده الشوكاني في نيل الأوطار (4) والجمع الصوري معناه أن يؤخر الصلاة الأولى إلى آخر وقتها ويقدم الصلاة الثانية في أول وقتها ثم يصليهما جميعًا هذه في آخر وقتها وهذه في أول وقتها هذا جمع صوري .
وهذا معنى صحيح وأيده الشوكاني وأيده غيره في معنى الحديث أن المراد به الجمع الصوري .
ـ ومن العلماء من حمل الحديث وهو قوله (من غير خوف ولا سفر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص489، 490 من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . أو (من غير خوف ولا مطر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص491 . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] . بأن معنى ذلك أنه جمع للمرض لأن الأعذار التي تبيح الجمع أربعة :
ـ إما الخوف وإما المرض وإما السفر وإما المطر .
فإذا كان ذكر أنه (من غير خوف ولا سفر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص489، 490 من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . أو (من غير خوف ولا مطر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص491 . من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] . فلم يبق إذن إلا المرض فيكون صلى الله عليه وسلم جمع من أجل المرض فيباح للمريض أيضًا أن يجمع إذا كان يلحقه بترك الجمع مشقة .(65/5)
24 ـ أصابه مرض نفسي كاد يودي بعقله وقد ذهب إلى طبيب للعلاج متخصص في الأمراض النفيسة وبعد الكشف عليه وصف علاجًا منه حبوب يتناولها ولكنها منومة فبعد تناولها ينام طويلاً وقد تفوته بعض الصلوات في وقتها حتى إذا أفاق من نومه صلاها مع الفرض الحالي فما الحكم في هذه الحالة . وما الحكم في تناول مثل هذا العلاج مع أنه لا يستطيع تركه لشعوره بتحسن في حالته بسببه ؟
من المعلوم أنه يجب على المسلم المحافظة على الصلوات في مواقيتها ومع الجماعة حسب الإمكان لقوله تعالى : { حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى } [ سورة البقرة آية : 238 ] . وقوله تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء آية : 103 ] . وهي عمود الإسلام فلا يجوز التساهل في شأنها وهذا الذي ذكره السائل من أنه مصاب بخلل عقلي يستدعي أن يتناول حبوبًا تهدئ ذلك عنه وأنها تنومه وربما يفوت هذا عليه بعض أوقات الصلاة والجواب أن الله جل وعلا يقول : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن آية : 16 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص975 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه . وهو جزء من حديث أوله : ( أيها الناس : قد فرض الله عليكم الحج فحجوا ) ] . فإذا كان باستطاعته أن يؤجل تناول هذه الحبوب إلى أن يصلي فإنه يؤجلها ولا يأخذها قرب دخول الوقت فإذا صلى فإنه يتناولها . وبين الصلاتين وقت طويل في الغالب بحيث يتمكن من تناول الحبوب فيه فمثلاً بعد صلاة الفجر إلى الظهر وقت طويل ومن بعد العصر إلى الليل وقت طويل وبعد العشاء إلى الفجر وقت طويل فهو يتحين الأوقات التي لا يمر فيها فريضة ويتناول هذه الحبوب .(65/6)
أما إذا لم يكن هناك مناص من أخذها في مواعيد محددة فإنه يأخذها ويصلي على حسب حاله ولو اقتضى الأمر أن يجمع بين الصلاتين جاز له ذلك لأنه مريض . والمريض إذا احتاج إلى الجمع فإنه يجمع .
25 ـ إذا كانت المرأة خارج منزلها من الصباح إلى المساء في عمل تقضيه . فما حكم تأخيرها للصلاة حتى تعود إلى منزلها لعدم توفر المكان المناسب لأدائها الصلاة ؟
أولاً : عمل المرأة يجب أن يكون في حدود المشروع وأن يكون بعيدًا عن الفتنة وبعيدًا عن الاختلاط بالرجال غير المحارم فلا يكون كما عليه النساء الكافرات والمشتبهات بهن من نساء المسلمين فيجب الابتعاد عن هذا العمل الذي يجر إلى الفتنة ويوقع في المحذور .
تعمل المرأة ما يليق بها في غير فتنة ومع التحفظ والاحتشام .
ثانيًا : أما الصلاة فإنها تجب في مواقيتها فيجب على المسلمة أن تصلي الصلاة في وقتها وأن تحسب للصلاة حسابها وذلك بأن يهيئ مكان لصلاة النساء أو تعود إلى بيتها وتصلي ثم تذهب إلى العمل . فالحاصل أنه لابد أن تصلي المسلمة كل صلاة في وقتها ثم تواصل العمل المناسب بها أما أن تقدم العمل على الصلاة فهذا لا يجوز .
26 ـ نحن مجموعة من الفتيات طالبات في جامعة عدن ومواظبات على أداء الصلاة في أوقاتها ولكن أثناء الدراسة وخاصة عندما تكون الدراسة بعد الظهر قد تفوت علينا صلاة العصر والمغرب لأننا لا نستطيع أن نؤديها في الجامعة مهما حاولنا ذلك ولأسباب كثيرة ولهذا نحن نسأل هل يجوز أن نؤدي صلاة العصر مع الظهر جمع تقديم ونؤدي المغرب مع العشاء جمع تأخير وبذلك نسلم من ترك هذين الفرضين كليًّا أو نسلم من تأديتها قضاء كما يفعل بعضنا أحيانًا .(65/7)
أولاً : إذا أمكن أن تؤدينّ الصلاة في وقتها وفي أثناء الدراسة فهذا أمر واجب وذلك بمراجعة المسؤولين في الجامعة لأن يتيحوا لكنّ وقتًا للصلاة تصلينّ فيه وترجعن إلى العمل وهذا أمر سهل لا يكلف شيئًا ولا يأخذ كثيرًا من الوقت وهو أمر ميسور فإذا أمكن أن تحصلن على فرصة لأداء الصلاة في وقتها في أثناء الدراسة فهذا أمر واجب ومتعين . أما إذا لم يمكن هذا وحاولتنّ الحصول عليه ولم يتحقق فهنا إن كانت الدراسة ضرورية وفي تركها ضرر عليكنّ فلا أرى مانعًا من الجمع بين الصلاتين على الصفة التي وردت في السؤال بأن تصلي العصر مع الظهر جمع تقديم وتصلي المغرب مع العشاء جمع تأخير لأن هذا يعتبر من الأعذار المبيحة للجمع لأن الفقهاء ذكروا أن من الأعذار المبيحة للجمع أن يتضرر بترك معيشة يحتاجها فإذا كان ترك الدراسة فيه ضرر عليكن ولم تحصلن على فرصة من المسؤولين لأداء الصلاة في أثناء العمل فالذي أراه جواز الجمع في هذه الحالة أما أن تصلى الصلاة قضاء كما ورد في السؤال فهذا لا يجوز أن تصلى بعد خروج وقتها .
27 ـ لي والد مريض مصاب بشلل في الجهة اليسرى من جسمه حيث أصبحت عاطلة تمامًا عن الحركة فلذلك لا يستطيع المشي ولا الحركة ولا قضاء الحاجة في الأماكن المخصصة لذلك بنفسه وهذا منذ عشر سنوات ولكنه قبل ثلاثة أو أربعة أشهر اشتد عليه هذا المرض أكثر فهل يجوز له ترك الصلاة لهذا السبب الذي به لا يستطيع التطهر للصلاة . أم لا . فإن كان لا يجوز له ذلك فكيف العمل في طهارته وفي صلاته، وماذا يعمل بما تركه من صلوات فيما مضى في فترة مرضه لاعتقاده أنه مادام كذلك فهو معفى من الصلاة ؟(65/8)
المسلم لا تسقط عنه الصلاة مادام عقله ثابتًا ولكنه يصلي على حسب حاله لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية16 ] . ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمريض : ( صلي قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص41 من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ] . فيجب على والدك الذي أصيب بهذا الشلل الذي عطل حركته ولو يستطع مع القيام والذهاب إلى أماكن قضاء الحاجة والوضوء بنفسه فهذا يجب عليه أن يصلي ولا تسقط الصلاة عنه ولكنه يصلي على حسب حاله . فإذا كان يستطيع الوضوء بأن يوضئ نفسه بيده الصحيحة أو يوضئه غيره ممن يعينه على الوضوء فإنه يجب عليه ذلك وإذا كان لا يستطيع الوضوء بالماء فإنه يتيمم بالتراب بأن يضرب على التراب بيده الصحيحة ويمسح وجهه ويمسح على كفيه ولو بيد واحدة ويصلي لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ سورة المائدة : آية 6 ] . وإذا كان لا يستطيع أن يتيمم بنفسه فيُيمّمه غيره بأن يضرب أحد أوليائه أو الحاضرين عنده بيديه على التراب ويمسح بهما وجهه ويديه وينوي هو الطهارة بذلك ويصلي على حسب حاله جالسًا أو على جنبه ويومئ برأسه للركوع والسجود حسب الاستطاعة، فإذا(65/9)
كان لا يستطيع الإيماء برأسه لأجل الشلل الذي فيه فإنه يومئ بطرفه بالركوع والسجود .
وهكذا فالدين يسر ولله الحمد لكن ليس معنى هذا أن يترك الصلاة نهائيًّا وإنما يصليها على حسب حاله كما ذكرنا ويجب عليه أن يقضي الصلوات التي تركها بحسب استطاعته .
28 ـ ما حكم من نسي صلاة العشاء ولم يتذكر إلا وقت صلاة الصبح أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم ؟
أولاً يجب على المسلم الاهتمام بصلاته وأدائها في وقتها مع الجماعة وأن لا يتكاسل عنها أو يتأخر لأن هذا مدعاة لإضاعتها ونسيانها أما إذا حصل أن الإنسان طرأ عليه نسيان أو نوم فلم يؤد الصلاة في وقتها بسبب ذلك فإنه حين يتذكر يجب عليه المبادرة بالصلاة التي نسيها أو نام عنها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص477 . من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بنحوه ] .
وقال الله تعالى : { وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي } [ سورة طه : آية 14 ] . فإذا استيقظ الإنسان أو تذكر فإنه يبادر بأداء الصلاة الفائتة في أي وقت حصل ذلك ففي هذه الصورة يصلي صلاة العشاء أولاً ثم يصلي الصلاة الحاضرة وهي صلاة الفجر ولا يصلي الحاضرة قبل الفائتة لأن الترتيب واجب ولابد منه .
29 ـ هل يجوز للمرأة المسلمة أن تصلي وهي تضع عقدًا في رقبتها أو خاتم أو تصلي وأمامها صورة أو مرآة أفيدونا بارك الله فيكم ؟(65/10)
يجب على المسلم أن يبتعد عن كل ما يشغله عن صلاته ويشوش عليه فلا ينبغي أن يصلي إلى مرآة أو إلى باب مفتوح أو غير ذلك مما يشغله أو يشوش عليه صلاته وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يصلي في مكان فيه صور معلقة أو منصوبة . لأن في هذا تشبهًا بالذين يعبدون الصور هذا من ناحية ومن ناحية ثانية أن هذه الصور إذا كانت أمامه تشوش عليه صلاته وينشغل بالنظر إليها . أما قضية لبس المرأة للحلي وهي في الصلاة فهذا أيضًا من الشواغل التي تشغل المصلية فلا ينبغي أن تعمل في صلاتها عملاً يشغلها عنها بل تؤخر لبس الحلي أو لبس المصاغ إلى أن تفرغ من الصلاة لكن لو فعلت هذا ولبسته ولم يستهلك وقتًا طويلاً ولم يستهلك عملاً كثيرًا فإن صلاتها صحيحة، لأن العمل اليسير لا يؤثر على الصلاة كتعديل الثوب والعمامة ولبس الساعة وما أشبه ذلك .
30 ـ ما هو الحكم الشرعي في بعض الناس الذين لا يحافظون على الصلوات حتى إذا دخل شهر رمضان المبارك حافظوا عليها مع الجماعة في المساجد وبعد ما ينتهي يعودون لما كانوا عليه من قبل من الإهمال فهل صلاتهم في رمضان وصومهم مقبولان أم لا ؟ وما هي نصيحتكم لهؤلاء الناس ؟
هذه ظاهرة سيئة وهي أن بعض الناس يهمل الصلاة في سائر السنة وإذا جاء رمضان فإنه يرتاد المساجد ويكثر من تلاوة القرآن فإذا خرج رمضان عاد إلى حالته الأولى من الإهمال والكسل وإضاعته الصلاة فهذا أمره خطير ولا ينفعه اجتهاده في رمضان لأنه لم يبن على أساس لأن المسلم المؤمن يعرف الله جل وعلا في كل عمره وفي كل شهوره ويطيع الله عز وجل في كل لحظاته ويجتنب ما حرم الله عليه ويؤدي ما فرض الله عليه في كل الشهور فهو دائمًا مع الله سبحانه وتعالى لا يكون مضيعًا في أحد عشر شهرًا من السنة ويتوب ويقبل في شهر واحد فهذه توبة مؤقتة لا تجزئ ولا تنفع لأن التوبة من شروطها الاستمرار على العمل الصالح والإقلاع عن الذنب والعزم على أن لا يعود إليه مرة أخرى .(65/11)
وهذه الشروط منتفية في حق هذا الشخص الذي لا يعرف الله إلا في رمضان فهو لم يندم على ما فات ولم يعزم على الصلاح في المستقبل ولم يقلع عن الذنوب التي هو عليها وإنما تاب توبة مؤقتة تنتهي بشهر ولا ينفعه ولا تفيده فعلى المسلمين أن ينتبهوا لذلك وعلى العصاة والمذنبين أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا وأن يكون رمضان إنما هو مزيد من الطاعة والخير وليس هو محل الطاعة فقط وما عداه يكون محل الإهمال وإنما رمضان زيادة في عمر المسلم يتزود من الخير على ما سبق من أيام عمره . هذه صفة المؤمنين ولهذا كان السلف الصالح إذا جاء رمضان لا يزيد من اجتهادهم وإذا خرج رمضان لا ينقص من اجتهادهم فهم دائمًا في معاملة حسنة مع الله طول أعمارهم لا يزيد رمضان من اجتهادهم شيئًا ولا ينقص خروجه من اجتهادهم شيئًا هذه صفة المؤمنين لأنهم يعبدون الله عز وجل ولا يعبدون رمضان ويعرفون الله عز وجل دائمًا ولا يعرفونه معرفة مؤقتة برمضان وإنما هذه ظاهرة سيئة يجب على المسلم أن يتجنبها وأن يحذر منها ويجب على هؤلاء أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى .
31 ـ هل يجب على المأموم في الصلاة الجهرية أن يقرأ الفاتحة ومتى يقرأها وما مدى صحة هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أنه لما سمع بعض المأمومين خلفه يقرؤون فلما سلم قال لهم معاتبًا ما لي أنازع في القرآن) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص240 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص215، 216 . ورواه الترمذي في سننه ج1 ص419، 420 . ورواه النسائي في سننه ج2 ص 140، 141 . كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ". ثم قال (إمامكم ضمين على صلاتكم ) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فإن كان هذا صحيحًا فهل المراد به قراءة الفاتحة أم ماذا ثم كيف نجمع بين هذا وبين قوله في حديث آخر ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) ؟ [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص184 . من حديث عبادة ابن الصامت ] .(65/12)
اختلف العلماء رحمهم الله في حكم قراءة الفاتحة في حق المأموم فمنهم من يرى أنها واجبة وأنه لا يجوز له تركها ومنهم من يرى أن الإمام يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم ويستحب له قراءتها في سكتات الإمام وفي الصلاة السرية ومنهم من أوجب قراءة الفاتحة على المأموم في الصلاة السرية دون الجهرية لقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 ] .
وهذا القول في نظري أرجح لأنه به تجتمع الأدلة فتحمل الأحاديث التي توجب القراءة على المأموم في حالة " الصلاة السرية " وتحمل الأحاديث التي تسقط وجوب قراءة الفاتحة عن المأموم في حالة الصلاة الجهرية لقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 ] . ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان له إمام فقراءته له قراءة ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص330 ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص277 كلاهما من حديث جابر رضي الله عنه ] . وأحاديث وردت في هذا المعنى على كل حال فإن الذي ينبغي للمأموم أنه إذا تمكن من قراءة الفاتحة في سكتات إمامه فإنه يقرأها وأما درجة حديث (ما لي أنازع القرآن ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص240 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص215، 216 . ورواه الترمذي في سننه ج1 ص419، 420 . ورواه النسائي في سننه ج2 ص 140، 141 . كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فقد رواه أحمد وأهل السنة وحسنه الترمذي وصححه أبو حاتم وأما لفظة ( الإمام ضمين ) فهذه لم ترد في هذا الحديث وإنما وردت في حديث آخر بلفظ ( الإمام ضامن والمؤذن مؤتمن ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص232 . ورواه الترمذي في سننه ج1 ص269 كلاهما حديث أبي هريرة ] .
32 ـ ما هي الأوقات التي تكره الصلاة فيها وما هو أفضل صيام بعد صيام شهر رمضان ؟(65/13)
الأوقات التي تكره الصلاة فيها هي المواقيت التي بينها رسول الله صلى الله عليه وسلم (5) وذلك من طلوع الفجر إلى أن ترتفع الشمس فهنا إذا طلع الفجر لا يصلي نافلة إلا ركعتي الفجر أي الراتبة القبلية التي قبل الفجر تصلي بعد طلوع الفجر ولا يصلى نافلة غيرها إلى أن ترتفع الشمس والوقت الثاني حين تتوسط الشمس على الرؤوس في كبد السماء إلى أن تزول والوقت الثالث من صلاة العصر إلى غروب الشمس هذه ثلاثة مواقيت من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس ومن طلوع الشمس إلى ارتفاعها قيد رمح وحين تتوسط في كبد السماء إلى أن تزول ومن بعد صلاة العصر إلى أن تقرب من الغروب ومن قربها من الغروب إلى أن تغرب وبعضهم يضيف وقتًا سادسًا وهو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الفجر .
والفريضة تقضى فور تمكن الإنسان من ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص477 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بنحوه ] . فالفريضة تقضى في أي وقت وليس لها وقت نهي بخلاف النافلة وكذلك ركعتا الطواف تصليان بعد الفراغ من الطواف في أي وقت لورود الحديث بذلك (6) وفي صلاة الكسوف وتحية المسجد وغيرهما من ذوات الأسباب خلاف بين العلماء في فعلهما في هذه الأوقات .
وأما أفضل الصيام يعني صيام التطوع فقد قال صلى الله عليه وسلم : ( أفضل الصيام صيام داود عليه السلام ) [ رواه الترمذي في سننه ج3 ص114 . ورواه النسائي في سننه ج4 ص209 . كلاهما من حديث عبد الله بن عمرو ] . وكان يصوم يومًا ويفطر يومًا وبعد ذلك أفضل صيام التطوع ما بينه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :(65/14)
( أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله الذي تدعونه المحرم ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص821 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه " بدون ذكر الذي تدعونه . " ] . وكذلك صيام يوم الاثنين والخميس وثلاثة أيام من كل شهر وصيام يوم عرفة ويوم عاشوراء مع صيام يوم قبله أو بعده .
33 ـ هل يجوز للمرأة أن تواظب على صلاة الجماعة في المسجد وهل يحق لزوجها منعها من ذلك ؟
يباح لها الخروج للصلاة في المسجد ولكن صلاتها في بيتها أفضل لها لأن في صلاتها في بيتها سترًا لها وأمانة لها من التعرض للفتنة منها أو بها كما قال صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وبيوتهن خير لهن ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص216 . من حديث ابن عمر رضي الله عنه . بدون ذكر ( وبيوتهن خير لهن ) . ورواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص76 . ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص209 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص152 . كلهم من حديث ابن عمر رضي الله عنه ] . فلا يحق لزوجها منعها إلا إذا ترتب على خروجها ضرر على زوجها أو على أولادها أو لم تلتزم بالآداب الشرعية فإنه لابد من الالتزام بالآداب الشرعية بأن تجتنب الطيب وتجتنب لباس الزينة وتجتنب إظهار الحلي وتجتنب إبداء شيء من جسمها بأن تغطي وجهها وكفيها وقدميها وتستر نفسها عن الرجال وإذا التزمت بهذا فإنها يباح لها الخروج للصلاة في المسجد وأن تكون في المسجد منعزلة عن الرجال فلا تكون في صف الرجال أو تخالط الرجال وإنما تكون متأخرة عن الرجال إن كان معها نساء يصلين جميعًا أو تصف وحدها خلف الرجال .
34 ـ بالنسبة للصلاة فنحن نجهل أوقات الصلاة هنا فكيف نعمل أو نقدر أوقات الصلوات لكي نؤدي فروضنا في أوقاتها وربما يكون حدث منا أن صلينا بعض الصلوات في غير أوقاتها فما الحكم في هذا ؟ (7)(65/15)
الله سبحانه وتعالى حدد مواقيت الصلاة وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله وبفعله وهي حدود واضحة يعرفها العامي والمتعلم والحضري والأعرابي وكل مسلم ذلك بأن وقت صلاة الفجر إذا طلع الفجر ووقت الظهر إذا زالت الشمس عن وسط السماء إلى جهة الغرب ووقت العصر إذا صار ظل الشيء مثله ووقت المغرب بغروب الشمس ووقت العشاء الآخر بمغيب الشفق الأحمر فهي مواقيت واضحة تعرف والواجب على المسلم أن يتقيد بها لقوله تعالى : { أَقِمِ الصَّلاَةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا } [ سورة الإسراء : آية 78 ] . ولقوله تعالى : { فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ } [ سورة الروم : آية 17 ] . إلى قوله تعالى : { وَعَشِيًّا وَحِينَ تُظْهِرُونَ } [ سورة الروم : آية 18 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم بيَّن هذه المواقيت للمسلمين بقوله وبفعله وقال : ( صلوا كما رأيتموني أصلي ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص155 . من حديث مالك بن الحويرث رضي الله عنه ] . فعليكم أن تجتهدوا في معرفة هذه المواقيت بأي وسيلة ممكنة في البلد الذي أنتم فيه وتصلوا حسب ذلك .
35 ـ هل يجب على المعتدة أن تصلي الصلاة بعد الأذان مباشرة أم لا بأس من تأخيرها ؟
المعتدة وغيرها من النساء لا يجب عليها أن تصلي بعد الأذان مباشرة - ولكن كلما بادرت بأداء الصلاة في أول وقتها فهو أفضل ويجوز لها التأخير في الوقت . لكن لا يجوز لها أن تخرج الصلاة عن وقتها لقوله تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء : آية 103 ] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( صل الصلاة لوقتها ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص448 . من حديث أبي ذرٍّ رضي الله عنه ] .(65/16)
36 ـ أنا إمام وأصلي بالجماعة وعندما ركعت دخل رجل وقال إن الله مع الصابرين فماذا أفعل هل أنتظره حتى يركع أم لا ؟
قول الداخل والناس في الركوع : ( إن الله مع الصابرين) . قول لا أصل له ولا يجوز فعله والواجب على الداخل العمل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إذا أقيمت الصلاة فامشوا وعليكم السكينة فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا ) [ رواه الإمام أحمد من مسنده ج2 ص238 . ورواه النسائي في سننه ج2 ص114، 115 كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . - وفي رواية - ( فأتموا ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص156 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . وللإمام أن ينتظر الداخل ما لم يشق على المأمومين لفعله صلى الله عليه وسلم .
37 ـ هل كل الأوقات تجوز فيها إعادة الصلاة لمن فاتته الصلاة في وقتها ؟
من فاتته الصلاة في وقتها فإنه يصليها في أي وقت تمكن من ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص477 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه بنحوه ] . فالصلاة الفائتة تقضى في أي وقت ليس لها وقت نهي ولفظ السائل فيه إجمال يقول إعادة الصلاة والمفروض أن يقول قضاء الصلاة الفائتة . فالقضاء يجب في أي وقت تمكن ويجب عليه المبادرة لقضاء الصلاة .
38 ـ هل يجوز المرور أمام المصلي وما هو الفرق بين التوكل والتواكل ؟(65/17)
المرور بين يدي المصلي لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك : وبين ما فيه من الوعيد لقوله عليه الصلاة والسلام : ( لو يعلم المار بين يدي المصلي لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص 129 . من حديث أبي جهم رضي الله عنه ] . أو كما قال عليه الصلاة والسلام فلا يجوز المرور بين يدي المصلي قريبًا منه إذا لم يكن له سترة أو المرور بينه وبين سترته . أما إذا مرَّ من وراء السترة فلا حرج في ذلك لأنه لو كان أمام المصلي سترة قدر مؤخرة الرجل فلا بأس بالمرور من وراء السترة . وإنما يحرم المرور بين يديه إن لم يكن له سترة ومر قريبًا منه أو إذا مر بينه وبين سترته إلا في حالة الضرورة كما لو كان المكان مزدحمًا وليس هناك طريق يمر منه إلا من أمام المصلي فلا حرج كذلك في مواطن الزحام الشديد كالمسجد الحرام فالإنسان يضطر إلى المرور لأن المصلين كثير ولو توقف الإنسان لتعطل عن حاجته ففي حالة الزحام الشديد وفي حالة الحاجة إلى المرور لا بأس في ذلك والله أعلم .
39 ـ هل تصح الصلاة بدون إقامة ؟
الإقامة للصلاة سنة وليست شرطًا لصحتها فلو صلى بدون إقامة فصلاته صحيحة لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما بين للمسيء في صلاته كيف يصلي لم يأمره بالإقامة (8) فدل على أنها ليست شرطًا وإنما هي مستحبة . والله أعلم .
40 ـ صليت العصر وجلست في المسجد وبعد ذلك جاء رجل وطلب مني أن أصلي معه وأنا قد صليت فهل أصلي معه أم لا وما دليل ذلك ؟(65/18)
لا بأس بذلك إن شاء الله على الصحيح من قول العلماء إن إعادة الجماعة يجوز ولو في وقت النهي لأن هذا من ذوات الأسباب فصلاتك مع الشخص الذي جاء وفاتته الجماعة وتصلي معه لأجل تحصيل الجماعة في حقه وتحصيل الفضيلة ولو كان هذا بعد العصر والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل أحد القوم وقد صلى الناس قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من يتصدق على هذا فيصلي معه ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص64 ورواه أبو داود في سننه ج1 ص154 ورواه الدارمي في سننه ج1 ص367 بنحوه . ورواه الترمذي في سننه ج1 ص288، 289 بلفظ ( أيكم يتجر على هذا . ) كلهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . ورواه غيرهم ] . وبدليل أن الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم في مسجد الخيف وجلسوا في ناحية المسجد ولم يصلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما دعاهم وسألهم فأخبروه أنهم قد صلوا في رحالهم فقال لهم : لا تفعلوا وأمرهم إذا جاءوا والجماعة تقام أن يصلوا مع الناس ولو كانوا قد صلوا في رحالهم (9) مع أن هذا بعدما صلوا الفجر .
41 ـ هل تصح صلاة التطوع في الثلث الأخير من الليل بعد صلاة الوتر ؟
هذا أفضل أن تكون الصلاة في الثلث الأخير من الليل لأن الثلث الأخير من الليل وقت النزول الإلهي كما صح في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول : هل من سائل فأعطيه هل من داع فأستجيب له هل من مستغفر فأغفر له إلى أن يطلع الفجر ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج8 ص197 بدون ذكر ( إلى أن يطلع الفجر ) وعند مسلم ج1 ص522، 523 . بلفظ " حتى يضيء الفجر " و " حتى ينفجر الصبح " و " حتى ينفجر الفجر " . وكلاهما حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .(65/19)
فالصلاة في هذا الوقت من أفضل الأعمال فالأفضل أن يؤخر الصلاة إلى ثلث الليل الآخر وكذلك يؤخر الوتر حتى يكون آخر صلاته عملاً بما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترًا ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص13 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ] . وإذا أوتر أول الليل ثم قام آخر الليل فلا بأس أن يصلي ما تيسر له ويكتفي بالوتر الذي في أول الليل لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع من الوترين في ليلة (10)
42 ـ عندما أصلي الوتر أحيانًا أصلي ركعتين بتسليم واحد ثم أصلي ركعة وترًا بتسليم أيضًا وأحيانًا أصلي الثلاث ركعات بسلام واحد فهل يجوز هذا ؟ .
أما أداء الثلاث ركعات بسلامين فهذا أفضل وأكمل وأما أدائها بسلام واحد بأن تسردها ثم تجلس في آخرها وتسلم فهذا لا بأس به أيضًا ولكن الأول أكمل منه وأفضل .
43 ـ لو أتى بالتشهد الأول كصلاة المغرب هل يجوز هذا ؟
لا ينبغي هذا لأنه نهي عن تشبيهها بالمغرب فلا ينبغي هذا .
44 ـ صلى رجل صلاة الوتر بعد صلاة المغرب ناسيًا ثم ذكر ذلك عندما أراد أن يصلي الوتر في آخر الليل كما هو معتاد فتذكر أنه صلاها بعد المغرب فماذا يعمل ؟
فأجاب فضيلة الشيخ :
وتره بعد المغرب لا محل له ولا يصح لأن الوتر بعد العشاء، إلى طلوع الفجر أما قبل صلاة العشاء فهذا ليس وقتًا للوتر .
45 ـ ما حكم القنوت في ركعة الوتر بعد الرفع من الركوع وكذلك في الركعة الثانية من صلاة الفجر أيضًا بعد الرفع من الركوع وأي الموضعين أفضل من الآخر ؟(65/20)
أما القنوت في الوتر فهو سنة ويراد به الدعاء بعد الركوع ولا ينبغي المداومة عليه بل يفعله أحيانًا ويتركه أحيانًا . وأما القنوت بعد الركوع من صلاة الفجر فهذا عند الجمهور لا يجوز إلا في حال النوازل إذا نزل بالمسلمين نازلة فإنه يشرع لأئمة المساجد أن يقنتوا في الصلوات الخمس بأن يدعوا الله عز وجل أن يرفع عن المسلمين هذه النازلة . وأما في حالة غير النوازل فإنه لا يشرع القنوت في صلاة الفجر عند الجمهور لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يفعل هذا دائمًا ولم يفعله خلفاؤه من بعده رضي الله عنهم والحديث والوارد في أنه كان يقنت في صلاة الفجر حتى فارق الدنيا حديث فيه مقال لا يصلح للاستدلال وراجع كلام الإمام ابن القيم في زاد المعاد في هذه المسألة (11)
46 ـ هل صلاة التراويح سنة أم واجبة . وكيف كان الصحابة يؤدونها أفيدوني بارك الله فيكم ؟(65/21)
صلاة التراويح سنة مؤكدة وليست واجبة فلو تركها الإنسان فلا إثم عليه لكنه إذا فعلها فإنه ينال خيرًا كثيرًا وثوابًا جزيلاً لمن صلحت نيته وخلصت سريرته لله عز وجل لأن صلاة التراويح من أهم الأعمال المشروعة في ليالي رمضان وقد فعلها النبي صلى الله عليه وسلم بأصحابه ليالي في أواخر شهر رمضان ثم تأخر عنهم ولم يخرج إليهم في بقية الليالي وقد اجتمعوا حتى ضاق بهم المسجد ثم إنه صلى الله عليه وسلم بين لهم أنه لم يتخلف عنهم إلا أنه خشي أن تفرض عليهم فلا يستطيعونها وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم استمر الصحابة يصلون صلاة التراويح أوزاعًا في المسجد يصلي الرجل وحده ويصلي الرجل والرجلان ويصلي الرجل ومعه الرهط وهكذا ظلوا على هذه فترة من الزمن بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فلما كان في خلافة عمر رضي الله عنه ورأى أن الصحابة يصلون صلاة التراويح على هذه الهيئة وأنهم ينقسمون إلى جماعات فرأى أن يجمعهم على إمام واحد فجمعهم على أُبي بن كعب رضي الله تعالى عنه (12) ومن ذلك الوقت إلى يومنا هذا وصلاة التراويح تؤدى جماعة واحدة في المسجد ولله الحمد والمنة . فهي سنة مؤكدة وفعلها في المساجد وفعلها جماعة أفضل ولو صلاها في بيته فلا بأس بذلك ولكن فعلها في المسجد ومع الإمام والجماعة في المسجد أفضل وأتم وأحسن . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص51 . ورواه الترمذي في سننه ج3 ص147، 148 ورواه النسائي في سننه ج3 ص83، 84 ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص420 . كلهم من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه بنحوه ] .
47 ـ إذا خرجت المرأة لصلاة التراويح في المسجد وزوجها غير راض عنها ويقول لها صلي في البيت آجر لك . ما صحة هذا أفيدوني بارك الله فيكم .(65/22)
أولاً : يجب أن يعلم أن خروج المرأة إلى المسجد وإلى غيره يجب عليها فيه التستر وعدم الخروج بالزينة والطيب بأن تخرج بثياب ساترة غير ثياب الزينة وأن لا تكون متطيبة وأن تحرص على تجنب ما يفتن الناس أو يفتنها بالناس هذا أدب عام في خروج المرأة للمساجد ولغيرها .
أما خروجها إلى المسجد لأجل الصلاة مع المسلمين فريضة أو صلاة التراويح والتهجد في رمضان أو تخرج للصلاة مع المسلمين صلاة العيد أو الاستسقاء أو الجمعة أو تخرج إلى المسجد لحضور الدروس الدينية لتستفيد منها كل هذا لا بأس به وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله ) [ رواه أبو داود في سننه ج1 ص152 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فليس لزوجها أن يمنعها من ذلك ما دامت أنها ملتزمة بما ذكرنا من الحشمة والتستر وقصدها الخير أما إذا كان منها مخالفة للآداب الشرعية ولاحظ زوجها عليها ذلك فله أن يمنعها كما قالت عائشة رضي الله عنها : ( لو رأى النبي صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن من المساجد كما منعت بنو إسرائيل نساءها ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص210-211 من حديث عائشة رضي الله عنها ] .
وما ذاك إلا لأن المرأة إذا أساءت الأدب الشرعي ولم تلتزم بالستر والاحتشام فإنها تمنع من المساجد وتمنع كذلك من غير المساجد وتلزم بالبقاء بالبيت خشية عليها وصيانة لها وكذلك لو كان في خروجها مضرة على أولادها كأن يكون لها أطفال صغار يحتاجون إلى البقاء معهم ومراقبتهم فهذا أيضًا مما يسوغ للزوج أن يمنعها من أجلهم والله تعالى أعلم .
48 ـ ما هي صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم للتراويح والتهجد والوتر من حيث العدد والكيفية والوقت .(65/23)
الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة (13) وفي رواية على ثلاث عشر ركعة (14) لكنه صلى الله عليه وسلم كان يطيل القيام ويطيل الركوع والسجود ويكثر من الدعاء في الركوع والسجود حتى إنه كما في حديث حذيفة قرأ بالبقرة والنساء وآل عمران وكان يقرأ مترسلاً وكان يدعو عند آيات الرحمة ويستعيذ عند آيات العذاب وإذا مرَّ بآية فيها تسبيح سبح عليه الصلاة والسلام وكان ركوعه نحوًا من قيامه (15) أي قريبًا من قيامه وكان سجوده قريبًا من قيامه هذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم في صلاته في الليل عمومًا والتهجد فالمسلم يصلي ما يتيسر له وإن اقتدى في فعله بالنبي صلى الله عليه وسلم فهذا شيء طيب ووقت التهجد كل الليل ولكن أفضله آخر الليل وقت النزول الإلهي حيث يبقى ثلث الليل الآخر (16) وكيفيتها يصلي ركعتين ركعتين لقوله عليه الصلاة والسلام : ( صلاة الليل مثنى مثنى ) [ رواه البخاري في صحيحه ج2 ص45 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وفيه ( أن رجلاً قال يا رسول الله كيف صلاة الليل قال : مثنى مثنى فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة ) ] . أما الوتر فإنه ذكر أهل العلم أن أقله ركعة وأكثره إحدى عشر ركعة أو ثلاث عشرة وأدنى الكمال ثلاث ركعات بسلامين وينبغي للمسلم أن يصلي مع الإمام حتى ينصرف ويستكمل معه صلاة التراويح بوترها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) [ رواه أبو داود من سننه ج2 ص51 ورواه الترمذي في سننه ج3 ص147 ورواه النسائي في سننه ج3 ص83، 84 ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص420 . كلهم من حديث أبي ذرّ رضي الله عنه بنحو ] . وإذا أراد أن يتزود آخر الليل فإنه يصلي ويتهجد ويكفي الوتر الأول لا يكرر الوتر مرتين بل يكفيه الوتر الذي أوتره مع الإمام ولا يمنع أن يتهجد بعد ذلك من آخر الليلة .(65/24)
49 ـ هل ذكر الخلفاء الراشدين الأربعة في خطبة الجمعة أمر واجب أم لا ؟
الترضي عن الخلفاء الراشدين في خطبة الجمعة من عمل المسلمين ومن عقيدة أهل السنة والجماعة والترضي عن أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ومحبتهم وموالاتهم والخلفاء الأربعة خصوصًا لما لهم من الفضل والسابقة في الإسلام ولأن بهذا مخالفة للرافضة قبحهم الله تعالى الذين يبغضون أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم ولا سيما الخلفاء الراشدين فأهل السنة والجماعة يترضون عنهم في خطبة الجمعة مخالفة للرافضة وعملاً بقوله تعالى : { رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ } [ سورة الحشر : آية 10 ] .
50 ـ في يوم الجمعة نصلي في المزرعة لظروف العمل ولكن بعض الناس ينتظرون إقامة الصلاة في الإذاعة ويركعون ويسجدن من صوت الإمام في الصلاة بالإذاعة ويقولون هذه الصلاة تحسب لنا مع صلاة الجماعة فهل صلاتهم صحيحة أم لا وإن لم تكن صحيحة فهل يلزمهم قضاء الصلوات التي صلوها كذلك ونحن ماذا علينا في صلاتنا في المزرعة ؟
أولاً يجب عليكم الصلاة مع الجماعة وحضور صلاة الجمعة والجماعة مع المسلمين في المساجد القريبة من محل عملكم .
ولا يجوز لكم ترك صلاة الجماعة والصلاة في موطن العمل إلا إذا دعت إلى ذلك حاجة بأن تكون المساجد بعيدة عنكم أو تخافوا على المال الذي أنتم مستحفظون عليه تخشون عليه من التلف أو السرقة فلا بأس أن تصلوا في مكان عملكم ظهرًا أربع ركعات ولا يجوز لكم إقامة صلاة جمعة في هذه الحالة لعدم توفر شروطها .(65/25)
واحرصوا على أن تقيموا صلاة الجماعة بأن تجتمعوا وتصلوا جميعًا ولا تصلوا فرادى . أما من ناحية الذين يصلون خلف المذياع ويقتدون بصوت إمام يسمعونه من المذياع فهذه الصلاة باطلة وهذا الاقتداء لا يصح لما بينهم وبين الإمام من مسافات بعيدة . وعليهم أن يعيدوا الصلوات التي صلوها على هذا النمط لعدم صحتها .
51 ـ صلينا الجمعة في أحد المساجد وبعد ذلك أحضر جنازة للصلاة عليها وبعض الناس يصلي السنة بعد الجمعة أكملها ثم دخل مع الإمام في صلاة الجنازة وقد كبر التكبيرة الأولى ماذا يفعل هل يكبر مرتين مع بعض أم هل ينتظر إذا سلم الإمام يأتي بالفائت منه وقبل ذلك هل يقطع السنة التي بعد الجمعة ويدخل مع الإمام أم ماذا جزاكم الله خيرًا ؟
إذا دخل الإنسان في صلاة نافلة بعد الجمعة أو غيرها ثم كبر الإمام في الصلاة على جنازة فإنه يتم النافلة إن أمكنه بعد الفراغ منها أن يدخل مع الإمام فيما بقي من صلاة الجنازة فإنه يكبر التكبيرات الباقية وإذا سلم الإمام قضى ما فاته من التكبيرات ثم سلم وإن لم يمكنه اللحاق مع الإمام فإنه يصلي على الجنازة وحده أو مع آخرين في المسجد أو في المقبرة إن تيسر له ذلك هذا مستحب وإلا فهو ليس بلازم لأنها قد صلي عليها والحمد لله .
52 ـ الركعتان تحية المسجد هل هي لازمة لكل من دخل المسجد حتى لو أراد أن يصلي الفرض مباشرة يلزمه أن يصلي تحية المسجد قبلُ ؟
قال صلى الله عليه وسلم : ( إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص114 . من حديث أبي قتادة السلمي رضي الله عنه ] . فمن دخل المسجد يريد الجلوس فإنه يصلي الركعتين قبل أن يجلس أما من دخل المسجد مارًا لا يريد الجلوس أو يريد أخذ حاجة وينصرف فهذا ليس عليه أن يصلي وكذلك إذا دخل لصلاة الفريضة ووجد الفريضة قد أقيمت فإنه يصلي الفريضة ويدخل مع الجماعة وتكفي عن تحية المسجد .(65/26)
53 ـ ما صفة سجود الشكر وكيف يؤديه المسلم ؟
سجود الشكر يشرع إذا تجدد له نعمة أو اندفعت نقمة كأن حصل له فرج من شدة أو رزق مولودًا فعندئذ يشرع سجود الشكر بل يستحب وصفته : يكبر ويسجد ثم يقول سبحان ربي الأعلى ويكرر ذلك ثلاثًا أو عشرًا ويدعو بما تيسر له من الأدعية .
54 ـ أيهما أفضل عن يمين الإمام أم عن يساره ؟
الأفضل عن يمين الإمام إلا إذا كان اليسار خاليًا أو فيه فرج فالأفضل تكميله إذا كان خاليًا وسد الفرج ولو كان من يسار الإمام أما إذا كان اليسار مكتملاً فلا شك أن اليمين أفضل لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف ) [ رواه أبو داود في سننه ج1 ص178 . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص321 . كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها ] .
55 ـ ما حكم تعديل الصف في الصلاة أي أن يجعل العدد الذي على يمين الإمام مساويًا للعدد الذي على يساره ؟
هذا هو الأولى، الأولى أن يتساوى الجناحان الذي عن يمين الإمام والذي عن شماله ولا يكون أحد الجناحين أكثر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وسطوا إمامكم ) [ رواه أبو داود في سننه ج1 ص179 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فالأفضل والأكمل أن يكون الإمام في وسط الصف .
56 ـ أرجو توضيح فضل القرب من الإمام في الصف الأول والصلاة خلفه مباشرة .
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم :(65/27)
( لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهموا عليه لاستهموا ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص159 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . معنى ذلك أنه لو لم يمكن الحصول على الصف الأول إلا بالقرعة لفعلوها وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( تقدموا وأتموا بي وليأتم بكم من بعدكم ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص325 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] . فالقرب من الإمام في الصف الأول يكون به قدوة للآخرين لأنهم يأتمون بالإمام مباشرة ويرون الإمام مباشرة فيأتمون به وهذا أفضل ممن يقتدي بمن خلف الإمام من الصفوف، وأيضًا قوله صلى الله عليه وسلم : ( ليليني منكم أولو الأحلام والنهى ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص323 من حديث أبي مسعود رضي الله عنه ] . فهذا يدل على أنه ينبغي أن يتقدم أهل الفضل وأهل العلم ليكونوا قريبين من الإمام فيفتحون عليه إذا احتاج لمن يفتح عليه بالقراءة أو نابه شيء في الصلاة استطاعوا أن يساعدوه وأن يستخلف من يكمل الصلاة لو احتاج إلى الاسختلاف، فالتقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فيه فضائل عظيمة وفيه خيرات وفيه دلالة على مبادرة الإنسان إلى الخير ورغبته فيه وأنه من السابقين إلى فعل الخير، أما التأخر فإنه يدل على الكسل وعدم الرغبة في الخير ولهذا قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج1 ص325 من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ] . ولأن التأخر والتكاسل من صفات المنافقين، قال تعالى : { وَلاَ يَأْتُونَ الصَّلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ } [ سورة التوبة : آية 54 ] . أما التقدم إلى الصف الأول والقرب من الإمام فهذا دليل على الرغبة في الخير والبراءة من النفاق . والله أعلم .(65/28)
الصيام
57 ـ امرأة تقول لقد مرضت في منتصف شهر رمضان فذهبت إلى الطبيب وأمرني بالإفطار لأن حالتي تستوجب الإفطار لذلك أفطرت يومين بعد أن تحسنت حالتي الصحية وأتممت صيام شهر رمضان أي لم أفطر سوى هين اليومين وقررت صيامهما فيما بعد ولكنني لم أصمهما بعد شهر رمضان مباشرة بل إنني صمت ستة أيام من شوال وبعد ذلك أريد صوم يوم عرفة صوم يوم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد كل هذا أصوم اليومين الذين لم أصمهما في رمضان فهل هذا جائز فإذا لم يكن جائز فما هو العمل الواجب علي ؟
أولاً ننبه أنّ صوم يوم هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم ليس له أصل في الشرع فصيامه ابتداع لا يجوز لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصوم ذلك اليوم ولا عن أحد من الصحابة فهو بدعة أما صيام أيام التطوع كستّ من شوال ويوم عرفة فهذا لا يكون إلا بعد أداء القضاء الذي عليك من رمضان فالواجب أن تبدئي بقضاء ما عليك من رمضان ثم بعد ذلك تصومين مما ثبت صيامه تطوعًا ما شئتِ .
58 ـ ما الحكمة من مشروعية الصيام، وكم صام النبي صلى الله عليه وسلم وأيضًا ما معنى أفطر الحاجم والمحجوم (1)[ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] . "[ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] . " حديث ( صوموا تصحوا ) [ انظر المقاصد الحسنة ص381 . وتمييز الخبيث من الطيب ص88 وأسنى المطالب ص167 ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج3 ص179 . وذكره غيرهم ] .(66/1)
الصيام فيه حكم عظيمة منها ما ذكره الله في قوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ سورة البقرة : آية 183 ] . فبيّن سبحانه وتعالى أن الصيام سبب لحصول التقوى، والتقوى مزية عظيمة وهي جماع الخير . فالصائم يكتسب التقوى والصيام يجلب التقوى للعبد لأنه إذا صام فإنه يتربى على العبادة ويتروض على المشقة وعلى ترك المألوف وعلى ترك الشهوات وينتصر على نفسه الأمّارة بالسوء ويبتعد عن الشيطان وبهذا تحصل له التقوى وهي فعل أوامر الله عز وجل وترك نواهيه طلبًا لثوابه وخوفًا من عقابه فهذا من أعظم المزايا أن الصيام يسبب للعبد تقوى الله سبحانه وتعالى والتقوى هي جماع الخير وهي رأس البر وهي التي علَّق الله عليها خيرات كثيرة وكرر الأمر بها في كتابه وأثنى على أهلها ووعد عليها بالخير الكثير وأخبر أنه يحب المتقين . ومن فوائد الصيام أنه يربي الإنسان على ترك مألوفه تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى ولهذا يقول الله جلّ وعلا في الحديث القدسي :
( الصوم لي وأنا أجزي به . إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . فهذا فيه امتحان للصائم في أنه ترك شهوته وملذوذاته ومحبوباته تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى وآثر ما يحبه الله على ما تحبه نفسه وهذا أبلغ أنواع التعبد وهذا من أعظم فوائد الصيام وكذلك الصيام يعوِّد الإنسان على الإحسان وعلى الشفقة على المحاويج والفقراء لأنه إذا ذاق طعم الجوع وطعم العط فإن ذلك يرقق قلبه ويلين شعوره لإخوانه المحتاجين .(66/2)
والصيام فرض في السنة الثانية من الهجرة وصام النبي صلى الله عليه وسلم تسع رمضانات لأنه عاش في المدينة عشر سنوات والصيام فُرض في السنة الثانية منها فيكون عليه الصلاة والسلام قد صام تسع رمضانات وأمّا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 . من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] . فمعناه أنه يفسد صيام الحاجم وهو الذي يسحب الدم بالقرن والمحجوم هو الذي يسحب منه الدم فالإثنان أفطرا أما إفطار المحجوم فلخروج الدم الكثير منه وذلك مما يضعفه عن الصيام وأما إفطار الحاجم فلأنه مظنة أن يتطاير إلى حلقه شيء من الدم والمظنة تنزل منزلة الحقيقة فأفطر من أجل ذلك وسدًا للذريعة وحديث : ( صوموا تصحوا ) [ انظر المقاصد الحسنة ص381، وتمييز الخبيث من الطيب ص88، وأسنى المطالب ص167، ومجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج3 ص179 . وذكره غيرهم ] . يروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بعض كتب السنة وإن لم يكن سنده بالقوي ومعناه صحيح لأن الصيام فيه صحة للبدن لأنه يمنع الأخلاط التي تسبب الأمراض وهذا المعنى يشهد به علماء الطب والتجربة الأكبر برهان .
59 ـ إن أبي قد أفطر في شهر رمضان وكان عمره يناهز السبعين تقريبًا وعليه دين ولم يرد هذا الدين الذي عليه وذلك لمرضه ثم وفاته رحمه الله فما الذي يجب أن نفعله أفيدونا مأجورين ؟(66/3)
أما من ناحية الصيام فإذا كان تركه من أجل المرض ولم يتمكن من قضائه حتى مات فلا شيء عليه لأنه معذور أما إذا كان شفي بعد مرضه واستطاع القضاء ولكنه تكاسل وتركه حتى أتى عليه رمضان آخر ومات فهذا يجب الإطعام عنه عن كل يوم مسكينًا بنصف صاع من طعام البلد لكل مسكين عن كل يوم، وأما مسألة الدين الذي عليه فهذا حق باق عليه لغريمه . فإن كان له تركة فإنه يجب تسديد هذا الدين من تركته وقضاء ما عليه من تركته، وإن لم يكن له تركة فينبغي لقريبه أو وليه أن يسدد عنه هذا الدين لتبرأ ذمته وينفك من رهان الدين، وكذلك لمن علم بحاله من المسلمين ولو لم يكن من أقاربه أن يسدد عنه هذا الدين من باب الإحسان وتخليص المسلم من الدين .
60 ـ ما حكم من شك في طلوع الفجر هل له أن يأكل ويشرب أم يمسك حتى يستيقن طلوعه أم أنه يعمل بالشك . أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم ؟
يقول الله سبحانه وتعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . فإذا تيقن طلوع الفجر حرم عليه الأكل والشرب ووجب عليه الإمساك، وإذا لم يتيقن وبقي في شك هل طلع الفجر أو لم يطلع فالاحتياط له أم يمتنع عن الأكل والشرب من باب الاحتياط والابتعاد عن المشتبهات لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج1 ص200 وروه الترمذي في سننه ج7 ص205 ورواه النسائي في سننه ج8 ص327، 328، كلهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما ] .
وقوله صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص19 من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . فالأحسن أن يمسك وأن يترك الأكل والشرب مادام أنه يخاف أن الفجر قد طلع ولم يكن عنده من العلامات ما به يعرف طلوع الفجر .(66/4)
61 ـ لقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلم يُقَبِّل وهو صائم (2) هل القبلة هنا حكمها عام للشيخ والشاب أم أنها خاصة للشيخ فقط وما المقصود بالحديث بارك الله فيكم .
نعم الحديث ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقبل وهو صائم والمراد بالقبلة معروف والنبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل وهو صائم (3) لأنه كان عليه الصلاة والسلام مالكًا لإربه وعارفًا بأحكام صيامه عليه الصلاة والسلام وما يؤثر عليه وما يفسده أما غيره من الناس فإنهم لا ينبغي لهم الإقدام على القبلة لأن ذلك مدعاة لأن يحصل منهم ما يفسد الصوم مع جهلهم وضعف إيمانهم وعدم ضبطهم لأنفسهم فالأحسن للمسلم أن يتجنب ما يثير شهوته وما يخشى منه إفساد صيامه أما النبي صلى الله عليه وسلم فكان بفعل ذلك لأنه عليه الصلاة والسلام كان ضابطًا لنفسه وكان عليه الصلاة والسلام أتقى الناس لله وأخشاهم لله عليه الصلاة والسلام وهو أدرى بما يحفظ صيامه عليه الصلاة والسلام فغير الرسول صلى الله عليه وسلم ممن لا يأمن نفسه ينبغي له أن يبتعد عن هذه الأمور في أثناء الصيام .
62 ـ تذوق الطعام من قبل المرأة وغيره هل يفسد الصوم وما حكم مضغ العلك للصائم أفيدوني جزاكم الله خيرًا ؟
لا بأس بذوق الطعام بالفم ولا يبتلع شيئًا منه فيذوقه في فمه ويلفظه ولا يبتلع شيئًا من ذلك فإن ابتلع شيئًا من ذلك متعمدًا فسد صيامه والفم له حكم الخارج وليس هو من الجوف ولا يؤثر هذا على صيامه كما أنه يتمضمض للوضوء والطهارة ولا يؤثر هذا على صيامه بشرط أن يمج الماء أي يلفظ الماء من فمه كذلك ذوق الطعام يلفظه ولا يبتلعه والعلك يكره للصائم . وهو على نوعين :
العلك الذي يتحلل ويتفتت في الفم هذا لا يجوز لأنه يتسرب إلى الحلق ويفسد الصيام أما العلك القوي الذي لا يتحلل ولا يتفتت في الفم ولا يذوب فهذا يكره للصائم .
63 ـ ما حكم التسوك في نهار رمضان ؟(66/5)
التسوك في نهار رمضان مستحب لأن السواك من السنن المتأكدة في الصيام وفي غيره فيستحب للصائم أن يستاك في كل اليوم على الصحيح ومن أفضل خصال الصائم السواك كما في الحديث (4) فيستحب للصائم أن يستاك في سائر اليوم . ومن العلماء من يرى أن الرخصة في السواك قبل الزوال أما بعد الزوال فيمتنع من الاستياك ويروى في هذا حديث لكنه لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والثابت أنه يستاك في كل اليوم (5) ولا يؤثر هذا على صيامه لكن لا يبتلع شيئًا من فضلات السواك أو من الفضلات التي يثيرها السواك من لثته وأسنانه، بل يلفظ هذه الأشياء ولا يؤثر ذلك على صيامه .
64 ـ ما هو الراجح من أقوال العلماء في تعيين ليلة القدر، وهل هي أفضل الليالي على الإطلاق أم لا، وما هو رأيكم في من قال بتفضيل ليلة الإسراء على ليلة القدر ؟ أفيدونا بارك الله فيكم .(66/6)
ليلة القدر ليلة عظيمة نوّه الله بشأنها في كتابه الكريم في قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ، فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ } [ سورة الدخان : آية 3، 4 ] . وفي قوله تعالى : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ، لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ، تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ، سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ } [ سورة القدر ] . فهي ليلة شرّفها الله عز وجل على غيرها، وأخبر أن العمل فيها خير من العمل في ألف شهر أي أفضل من العمل في أكثر من ثلاث وثمانين عامًا وزيادة أشهر وهذا فضل عظيم حيث اختصها بإنزال القرآن فيها ووصفها بأنها ليلة مباركة وأنها يُقدَّر فيها ما يجري في العام من الحوادث وهذه مزايا عظمية لهذه الليلة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر الأواخر من رمضان ما لا يجتهد في غيرها طلبًا لليلة القدر وهي أفضل الليالي لأنه لم يرد في ليلة من الليالي ما ورد في فضلها والتنويه بشأنها فهي أفضل الليالي لما تشتمل عليه من هذه المزايا العظيمة وهذا من رحمة الله تعالى بهذه الأمة وإحسانه إليها حيث خصّها بهذه الليلة العظيمة . وأما المفاضلة بينها وبين ليلة الإسراء فبين يدي الآن سؤال وجواب لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حيث سئل رحمه الله عن ليلة القدر وليلة الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم أيهما أفضل فأجاب بأن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم، وليلة القدر أفضل بالنسبة إلى الأمة، فحظ النبي صلى الله عليه وسلم الذي اختصّ به ليلة المعراج منها أكمل من حظه في ليلة القدر وحظ الأمّة من ليلة القدر أكمل من حظهم من ليلة المعراج وإن كان لهم فيها أعظم حظ لكن الفضل والشرف والرتبة العليا إنما حصلت فيها لمن أسري(66/7)
به صلى الله عليه وسلم . هذا ما أجاب به شيخ الإسلام ابن تيمية في هذه المسألة والإمام العلامة ابن القيم كلامه في هذا الموضوع يوافق كلام شيخه في أن ليلة الإسراء أفضل في حق النبي صلى الله عليه وسلم وليلة القدر أفضل في حق الأمة .
ومما يجب التنبيه عليه أن الله سبحانه وتعالى شرع لنا في ليلة القدر من التعبد والتقرب إليه ما لم يشرعه في ليلة الإسراء فليلة الإسراء لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخصها بقيام أو ذكر، وإنما كان يخص ليلة القدر لفضلها ولمكانتها وأيضًا ليلة الإسراء لم تثبت في أي ليلة ولا في أي شهر هي مما يدل على أن العلم بها وتحديدها ليس لنا فيه مصلحة خلاف ليلة القدر فإن الله أخبر أنها في رمضان لأن الله قال : { شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِيَ أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ } [ سورة البقرة : آية 185 ] . وقال : { إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ } [ سورة القدر : آية 1 ] . فدلّ على أنّ ليلة القدر في شهر رمضان وإن كانت لا تتعين في ليلة معينة من رمضان إلا أنه يترجح أنها في العشر الأواخر وفي ليلة سبع وعشرين آكد الليالي عند الإمام أحمد وجماعة من الأئمة وللعلماء في تحريها اجتهادات ومذاهب لكن هي في شهر رمضان قطعًا . فمن صام شهر رمضان وقام لياليه فلا شك أنه قد مرت به ليلة القدر ولا شك أنه شهد ليلة القدر ويكتب له من الأجر بحسب نيته واجتهاده وتوفيق الله له، فليلة القدر لنا فيها ميزة في أن شرع لنا الاجتهاد في العبادة والدعاء والذكر وتحريها بخلاف ليلة الإسراء فهذه لم يطلب منا أن نتحراها ولا أن نخصها بشيء من العبادات وبهذا يظهر أنّ هؤلاء الذين يحتفلون في ليلة الإسراء والمعراج أنهم مبتدعة بما لم يشرعه الله ولم يشرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يحتفل كل سنة بمرور ليلة من الليالي يقول إن هذه ليلة الإسراء وليلة المعراج كما كان يفعله هؤلاء المنحرفون المبتدعة(66/8)
الذين اتخذوا دينهم طقوسًا ومناسبات بدعية وتركوا السنن وتركوا الشرائع الثابتة عن رسول صلى الله عليه وسلم فهذا مما يجب الانتباه له وبيانه للناس وأنّ الله شرع لنا الاجتهاد في ليلة الإسراء والمعراج فلم يشرع لنا فيها أن نتحراها ولا أن نخصها بشيء وأيضًا هي لم تبين لنا في أي شهر أو في أي ليلة بخلاف ليلة القدر فإنها في رمضان بلا شك والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد .
65 ـ إذا نوى شخص الصيام تطوعًا أو واجبًا ولكنه ليلة صيامه لم يستيقظ للسحور إلا والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر فتناول ماء فشربه وعقد الصيام فهل يصح ذلك الصيام وما هي آخر لحظة يمكن أن يأكل أو أن يشرب فيها من يريد الصيام ؟
الإمساك وبداية الصيام ليست مربوطة بأذان المؤذنين وإنما هي مربوطة بطلوع الفجر لقوله تعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . أما أذان المؤذن فإنه يختلف، فبعض المؤذنين يقدم الأذان على طلوع الفجر ليستيقظ الناس ويستعدوا فإذا كان بين الأذان وطلوع الفجر وقت يتمكن فيه من الأكل والشرب فلا بأس بذلك وبعض المؤذنين يؤخر إلى طلوع الفجر فهذا يرجع إلى عادة المؤذن ومن عرف عنه أنه يقدم فيجوز الأكل بعد أذانه إلى أن يطلع الفجر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له أصبحت أصبحت) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص152، 153، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ] . وإذا كان المعروف عن هذا المؤذن أنه يتقيد بطلوع الفجر فإنه لا يجوز الأكل بعد أذانه .(66/9)
66 ـ ما مدى صحة هذا الحديث وما معناه وهل هو صحيح بهذا اللفظ قال صلى الله عليه وسلم : ( لا يجوز لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه)، وإذا استأذنت الزوجة زوجها فلم يأذن لها بالصيام فهل تطيعه وفي الحديث ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق) أم أنه خاص بصيام التطوع وإن لم يأذن لها في صيام التطوع ثم صامته فهل عليها شيء ؟
الحديث الذي أشار السائل إلى معناه حديث صحيح ولفظه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرأة أن تصوم وزوجها شاهد - يعني حاضر - إلا بإذنه ولا تأذن في بيته إلا بإذنه ) رواه البخاري ومسلم [ انظر صحيح الإمام البخاري ج6 ص150 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . وانظر صحيح الإمام مسلم ج2 ص711 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه بنحوه ] . وغيرهما فلزوجها أن يمنعها من صيام النفل وله أن يمنعها من صيام القضاء الموسّع " إذا كان عليها أيام من رمضان والوقت طويل ما بين الرمضانين فله أن يمنعها من صيام القضاء " فإذا ضاق الوقت ولم يبق إلا قدر الأيام التي عليها فليس له أن يمنعها لأن عائشة رضي الله عنها كان يكون عليها القضاء من رمضان فلا تقضيه إلا في شعبان لمكان رسول الله صلى الله عليه وسلم (6)
67 ـ فتاة أتتها العادة الشهرية لأول مرة في شهر رمضان لكنها لم تفطر بل بقيت صائمة وقد مضى على ذلك عامان ولم تقض تلك الأيام . فماذا عليها الآن ؟
يجب عليها التوبة إلى الله سبحانه وتعالى لأن هذا يدل على التساهل ويجب عليها مع التوبة إلى الله عز وجل أمران :
الأمر الأول : أن تقضي هذه الأيام التي صامتها وقت الحيض لأن صيامها في وقت الحيض لا يجوز ولا يجزئ .(66/10)
الأمر الثاني : أن تطعم عن كل يوم مسكينًا عن التأخير الذي أخرته من غير عذر، لأن من كان عليه أيام من رمضان يجب عليه أن يقضيهما قبل رمضان الآخر مع الإمكان فإذا جاء رمضان الآخر ولم يقضه فإنه يقضيها بعده وإذا كان غير معذور في التأخير فعليه إطعام مع القضاء كما ذكرنا ومقدار الإطعام نصف صاع عن كل يوم .
68 ـ إذا أكرهت المرأة من الرجل في الجماع في شهر رمضان هل تجب عليها كفارة أم لا . وما رأيكم فيمن قال أنه لا كفارة على المرأة مطلقًا لا في حالة الاختيار ولا في حالة الإكراه وإنما يلزمه القضاء فقط . أفيدونا بالتفصيل بارك الله فيكم .
من المعلوم أن الجماع من مفسدات الصوم بالإجماع وأنه يجب فيه الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا .
أما إذا أكرهت المرأة على الجماع بأن أكرهها زوجها إكراهًا لا تستطيع التخلص منه وجامعها وهي صائمة فليس عليها كفارة وإنما عليها القضاء فقط، وتكون كفارتها عليه هو فيجب عليه كفارتان . كفارة عنه وكفارة عن زوجته التي أكرهها ويجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى ويجب عليه قضاء ذلك اليوم . فيجب عليه ثلاثة أمور :
أولاً : التوبة إلى الله والندم على ما حصل فيه . . . التوبة المستوفية لشروطها .
ثانيًا : قضاء هذا اليوم الذي جامع فيه .
ثالثًا : الكفارتان عنه وعن زوجته التي أكرهها .
69 ـ وما حكم من جامع عامدًا في نهار رمضان ولم يكفر ثم جامع في يوم آخر منه فهل يكفر مرتين أو تجزؤه كفارة واحدة ؟
يلزمه كفارة عن كل يوم جامع فيه لأن كل يوم عبادة مستقلة، والمسلم يجب عليه أن يحترم شعائر دينه وأن يهتم بصيامه وأن لا تطغى عليه شهوة نفسه ويتغلب عليه الشيطان، لأن صيام رمضان ركن من أركان الإسلام يجب على المسلم أن يؤديه على الوجه المشروع وعلى الوجه الأكمل حسب الإمكان .(66/11)
70 ـ ما الحكم فيمن مات وعليه صيام وكان قد تمكن من صيامه قبل موته . فهل يجوز أن يطعم عنه عن كل يوم من غير صيام عنه . أم لابد أن يصوم وليه عنه وهل يقوم الأجنبي في الصيام عنه مقام القريب الولي . أفيدونا بارك الله فيكم .
إذا تمكن من القضاء وتركه حتى مات بعدما دخل عليه رمضان الآخر وهو تارك للقضاء مع تمكنه منه ثم مات بعد ذلك فهذا يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا . أما إذا ترك القضاء لعدم تمكنه منه حتى مات أو ترك القضاء في الفترة ما بين الرمضانين ومات قبل رمضان الآخر فهذا لا شيء عليه لأن وقت القضاء موسع في حقه ومات في أثناء ذلك .
71 ـ بالنسبة لأصحاب الأعمال المتعبة الذين لا يجدون متسعًا من الرزق غير ما يزاولونه من أعمال هل يخص لهم في الفطر كالشيخ المسن والمرأة العجوز أم لا . أفيدونا مأجورين ؟
العمل لا يبيح الإفطار وإن كان شاقًا لأن المسلمين ما زالوا يعملون في مختلف العصور ولم يكونوا يفطرون من أجل الأعمال ولأن العمل ليس من الأعذار التي نص الله جل وعلا على إباحة الإفطار من أجلها لأن الأعذار التي يباح الإفطار لها محصورة وهي السفر والمرض والحيض والنفاس والهرم والمرض المزمن كذلك الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو على ولديهما هذه الأعذار التي وردت الأدلة في إباحة الإفطار من أجلها، أما العمل في حد ذاته فإنه لا يبيح الإفطار لعدم الدليل على ذلك . ولكن العامل يجب عليه أن يصوم مع المسلمين وإذا قدر أن العمل أرهقه جدًا وخاف على نفسه من الموت، فإنه يتناول ما يبقي على حياته، ويمسك بقية يومه ويقضي هذا اليوم من يوم آخر . وأما أن يفطر ابتداء من أجل العمل فهذا لم يكن عذرًا شرعيًا .
72 ـ هل يلزم المرأة أن تأخذ إذنًا من زوجها أثناء صيام التطوع وما حكم هذا الصيام ؟(66/12)
نعم . لا يجوز للمرأة أن تصوم تطوعًا وزوجها شاهد إلا بإذنه لأن له عليه حق العشرة والاستمتاع فإذا صامت فإنها تمنعه من حقوقه فلا يجوز لها ذلك ولا يصح صومها تنفلاً إلا بإذنه .
73 ـ بم يتحقق السحور وهل الأفضل تقديمه أم تأخيره . وما رأيكم فيمن يترك بعضًا من ليالي رمضان من غير سحور . أفيدونا بارك الله فيكم ؟
السحور هو الطعام الذي يأكله الصائم آخر الليل استعدادًا لاستقبال الصيام وهو مطلوب وهو الغداء المبارك كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (7) لأن الصائم يقصد بذلك التقوى على طاعة الله سبحانه وتعالى فمطلوب للمسلم أن يتسحر مهما أمكنه ذلك ولو يسيرًا حسب إمكانه ليحصل على الفضيلة ولأجل إعانة نفسه على العبادة . فلا ينبغي له أن يترك السحور إذا كان يستطيع الحصول عليه لأن فيه إعانة له على طاعة الله وأيضًا لأجل الأخذ بقول الله عز وجل : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( تسحروا فإن في السحور بركة ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص232 . من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] .
أما أن يصوم من غير تسحر فهذا خلاف السنة .
74 ـ إذا بقي شيء من الطعام بين أسنان الصائم هل يعتبر ذلك من المفطرات إذا ابتلعه الصائم . أفيدوني بارك الله فيكم ؟(66/13)
إذا أصبح الصائم ووجد في أسنانه شيئًا من مخلفات الطعام فعليه أن يلفظ هذه المخلفات ويتخلص منها ولا تؤثر على صيامه إلا إذا ابتلعها متعمدًا فإن هذا يفسد صيامه أما لو ابتلعه جاهلاً أو ناسيًا فهذا لا يؤثر على صيامه وينبغي للمسلم أن يحرص على نظافة فمه بعد الطعام سواء في حالة الصيام أو غيره لأن النظافة مطلوبة من المسلم وأن يعتني بأسنانه وفمه بعد الطعام بالتنظيف حتى لا تبقى فيه مخلفات تصدر عنها روائح كريهة ويتضرر بها وتؤثر على أسنانه أضرارًا صحية .
75 ـ ما هي الأمور النافعة التي يجب أن يقوم بها الصائم أثناء نهاره . بارك الله فيكم ؟(66/14)
الأمور النافعة التي يقوم بها الصائم أثناء نهاره كثيرة . منها تلاوة القرآن العظيم بالتدبر والتفكر، ومنها الإكثار من الصلاة النافلة في غير الأوقات المنهي عن الصلاة فيها ومنها الذهاب إلى المساجد والجلوس فيها لأن هذا يكون من الاعتكاف المطلوب لأن الجلوس في المساجد في نهار رمضان وتلاوة القرآن فيها وانتظار الصلاة فيها وعمارتها بطاعة الله هذا من أفضل أعمال الصائم وغيره . وقد كان السلف إذا صاموا جلسوا في المساجد (8) ويقولون : نحفظ صومنا ولا نغتاب أحدًا، فينبغي للصائم أن يصرف كل ما استطاع من وقته في المسجد لأن ذلك فيه خير كثير وفيه فضل كبير وفيه عمارة لبيوت الله بالطاعة وفيه نوع من الاعتكاف الذي هو من أجل العبادات . وعلى الصائم كذلك أن يكثر من أعمال البر والإحسان للفقراء والمساكين والصدقة فإن الصدقة في هذا الشهر أفضل من الصدقة في غيره قال صلى الله عليه وسلم : ( من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ) [ انظر مشكاة المصابيح ج1 ص612-613 . من حديث سلمان رضي الله عنه ] . لا سيما إذا كان في وقت حاجة ومجاعة فإن الصدقة في هذا الشهر تعين الصائمين على صيامه قال صلى الله عليه وسلم : ( من فطر صائمًا فله مثل أجره من غير أن ينقص ذلك من أجره شيئًا ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج4 ص114، 115 بنحوه . ورواه الترمذي في سننه ج3 ص149 بنحوه . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص555 بنحوه . كلهم من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ] .
76 ـ من سافر أثناء النهار فهل له أن يفطر ؟
إذا ابتدأ الإنسان الصيام اليومي وهو مقيم ثم عرض له سفر في أثناء النهار فهذا على الصحيح من قولي العلماء أنه إذا فارق البنيان وخرج من البلد مسافرًا فإنه يباح له الإفطار لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفطر في أثناء اليوم الذي سافر فيه وفعله كثير من الصحابة رضي الله عنهم ولكن كونه يتم هذا اليوم أحوط وأحسن .(66/15)
77 ـ إذا قدم المسافر أو طهرت الحائض في أثناء النهار فماذا عليهم أن يفعلوا ؟
نعم . إذا كان الإنسان أفطر لعذر من الأعذار كالسفر والمرض أو المرأة أفطرت من أجل الحيض والنفاس ثم زالت هذه الأعذار في أثناء النهار فإن الواجب أن يمسكوا بقية يومهم وأن يقضوا هذا اليوم من يوم آخر فيمسكوا بقية اليوم احترامًا للوقت وعليهم القضاء لأنه مضى وقت من اليوم لم يصوموا فيه . . . وكذلك الصغير لو بلغ في أثناء النهار أيضًا فإنه يمسك بقية اليم ويقضي هذا اليوم من يوم آخر .
78 ـ إذا لم تقم البينة بدخول الشهر إلا في أثناء النهار ماذا على المسلمين أن يفعلوا ؟
إذا لم تقم البينة بدخول الشهر إلا في أثناء النهار فالذي يجب على المسلمين أن يمسكوا بقية يومهم احترامًا للوقت لأنه من رمضان وأن يقضوه بعد رمضان لأنهم كانوا في أوله مفطرين فيلزمهم القضاء من يوم آخر بعد رمضان .
79 ـ ما الذي ينبغي على المسلم أن يستقبل به شهر رمضان ؟(66/16)
شهر رمضان من المواسم العظيمة التي تمر في حياة المسلم، ينبغي للمسلم أن يستقبله بالبشر والسرور لقوله تعالى : { قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ } [ سورة يونس : آية 58 ] . فإدراك المسلم لشهر رمضان غنيمة عظيمة وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبشر أصحابه بقدوم شهر رمضان ويشرح لهم مزاياه [ كما في حديث سلمان الطويل الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في آخر يوم من شعبان فقال : أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك فرض الله عليكم صيامه وسننت لكم قيامه من تطوع فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه . . . إلى آخر الحديث ] (9). الذي يبين فيه النبي صلى الله عليه وسلم مزايا هذا الشهر وأنه ينبغي للمسلم أن يستقبله بالاستعداد لإحياء ليله بالقيام ونهاره بالصيام وتلاوة القرآن والصدقة والبر والإحسان لأن كل دقيقة من هذا الشهر فهي موسم عظيم والمسلم لا يدري مدى بقائه في هذه الحياة وهل يكمل هذا الشهر وإذا أكمله هل يعود عليه سنة أخرى أو لا فهو غنيمة ساقها الله إليه فينبغي له أن يفرح بذلك وأن يستغرق هذا الشهر أو ما تيسر له من أيامه ولياليه بطاعة الله سبحانه وتعالى والإكثار من فعل الخيرات والمبررات لعله أن يكتب له من أجل هذا الشهر ما أعده الله للمسلمين فإنه شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار والمسلم يتعرض لنفحات ربه في هذه الأيام العظيمة .(66/17)
80 ـ أنا أقيم في مدينة " كركوف " في " بولندا " وقد حل علينا شهر رمضان الماضي وقد منَّ الله علينا بصيامه والحمد لله إلا إننا كنا في إمساكنا وإفطارنا نعتمد على توقيت بلدنا " بالعراق " علمًا أن التوقيت هنا في " بولندا " يسبق " بالعراق " فيجب أن نمسك قبلهم وأن نفطر قبلهم وقد صمنا على هذا الوضع أربعة أيام إلى أن تبين لنا الفرق في التوقيت فاعتمدنا توقيت البلد التي نصوم بها فما الحكم في فعلنا الأول وماذا يجب علينا ؟
هو كما ذكر السائل أنهم يجب عليهم العمل بتوقيت البلد الذي هم فيه فيمسكون عند طلوع الفجر ويفطرون عند غروب الشمس في البلد الذي هم فيه لقوله تعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . وهذا منطبق على المسلم في أي مكان يعرف فيه طلوع الفجر وغروب الشمس فالصيام فيما بينهما وأما ما حصل منهم في أول الشهر من أنهم يصومون بتوقيت بلد آخر يختلف عن توقيت البلد الذي هو فيه فهو خطأ . ويجب عليهم أن يقضوا هذه الأيام التي صاموها على هذا النمط لأن هذا الصيام غير صحيح ولا مطابق للشرع كما ذكرنا . وإن كان مضى عليهم رمضان آخر لم يقضوا هذه الأيام فإنه يجب عليهم مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم والله أعلم .
81 ـ كان على والدي صيام شهرين متتابعين كفارة منذ زمن بعيد ولكنه لم يصمهما وقد أجلهما وإلى الآن لم يصم ولكنه الآن عاجز عن الصيام لكبر سنه فكيف العمل في هذه الحالة وهل يجزئ شيء عنهما يفعله وهل نصوم عنه وهل هو يأثم بتأخيرها مع القدرة على ذلك ؟(66/18)
هذا سؤال مجمل لم يبين نوع هذه الكفارة التي وجب فيها صيام شهرين متتابعين هل هي كفارة قتل أو كفارة ظهار أو وطأ في رمضان فإن كانت كفارة قتل فإنه لا يجزئ فيها الإطعام ولابد فيها من العتق أو الصيام عند العجز عن العتق . هذا ما ذكر الله سبحانه وتعالى فيها في قوله تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ } . . . إلى قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] . فليس فيها إلا هذان الأمران . وأما إن كانت كفارة غير القتل بأن كانت كفارة ظهار أو وطأ في نهار رمضان مثلاً فإنه يجزئ فيها شيء ثالث وهو الإطعام لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ، فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا } [ سورة المجادلة : الآيتين 3، 4 ] . فكفارة الظهار مرتبة على هذه الأمور الثلاثة أولاً : عتق الرقبة إذا أمكن .
ثانيًا : إذا لم يمكن عتق الرقبة فإنه يصوم شهرين متتابعين .
ثالثًا : إذا لم يمكن صيام الشهرين فإنه يطعم ستين مسكينًا ومثلها كفارة الوطء في نهار رمضان فهذه الكفارة التي وجبت على والدك لا ندري من أي هذه الأنواع وقد أجبنا على كل الاحتمالات مع أنه يجب على المسلم المبادرة بأداء ما وجب عليه وعدم التأخير لأن ذلك يفضي إلى مثل الحالة التي ذكرتها عن أبيك لكونه أخر الصيام ثم طرأ عليه ما لا يستطيع معه الصيام فبقيت الكفارة في ذمته .
82 ـ من هم الذي يرخص لهم الإفطار في رمضان ؟
الذين يرخص لهم بالإفطار في رمضان هم أهل الأعذار الشرعية وهم :(66/19)
أولاً : المسافر سفرًا يجوز فيه قصر الصلاة بأن يبلغ ثمانين كيلو فأكثر .
ثانيًا : المريض الذي يلحقه مشقة إذا صام أو يسبب تضاعف المرض عليه أو تأخر البرء فهذا يرخص له في الإفطار .
ثالثًا : الحائض والنفساء لا يجوز لهما الصيام في حال الحيض والنفاس ويحرم عليهما الصيام وكذلك الحامل والمرضع إذا خافتا على أنفسهما أو خافتا على ولديهما أبيح لهما الإفطار .
وكذلك المريض مرضًا مزمنًا لا يُرجى له شفاء وكذلك الكبير الهرم .
كل هؤلاء من أهل الأعذار الذين رخص لهم الشارع بالإفطار ومنهم من يؤمر بالقضاء كالمسافر والمريض مرضًا يرجى شفاؤه والحائض والنفساء والحامل والمرضع كل هؤلاء يجب عليهم القضاء لقوله تعالى : { فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] .
أما من لم يستطع القضاء ويعجز عنه عجزًا مستمرًا كالكبير الهرم والمريض المزمن فهذان ليس عليهما قضاء وإنما يطعمان عن كل يوم مسكينًا لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] .
83 ـ ما هو الدعاء المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم عند الإفطار وعند السحور أفيدوني بارك الله فيكم ؟
قد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا أفطر يقول : ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص316 . ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص422 . ورواه الدارقطني ج2 ص185، كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ] . وورد عن بعض الصحابة أنه إذا أفطر قال : اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت (10) فاغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم وأما السحور فلم يرد فيه دعاء مخصوص فيما أعلم .
والذكر الوارد على الطعام في رمضان وفي غيره أن يقول بسم الله في أوله . والحمد لله في آخره .(66/20)
84 ـ إذا دخل رمضان والإنسان عليه قضاء حيث لم يستطيع صيام هذا القضاء لمرض ألمَّ به فما حكم هذا جزاكم الله عنا خير الجزاء ؟
إذا كان على الإنسان قضاء أيام من رمضان سابق فإنه ينبغي له المبادرة بتفريغ ذمته من هذا الواجب وقضاء هذه الأيام فإذا تأخر حتى أدركه رمضان الآخر وهو لم يقضها فهذا إن كان معذورًا في هذه الفترة بين الرمضانين لم يستطع أن يقضيها فإنه يقضيها بعد رمضان الجديد فيصوم رمضان الحاضر وبعده يصوم الأيام التي عليه من رمضان الأول وليس عليه شيء سوى ذلك لأنه أخره لعذر حتى أدركه رمضان جديد أما من أخر القضاء من غير عذر بل هو من باب التكاسل والتساهل فهذا يصوم رمضان الجديد وبعده يقضي الأيام الفائتة من رمضان الماضي ومع القضاء يطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من الطعام المقتات في البلد عن كل يوم كفارة لتخيره القضاء من غير عذر . والله أعلم .
85 ـ أنا عليَّ صيام شهرين متتابعين يعني صيام كفارة وإذا صمت ونقص الشهر في الحساب يومًا فهل علي إكمال ستين يومًا أم لا، أم أصوم شهرين حسب ما يأتي حسابها . أفيدوني بارك الله فيكم ؟
إذا كنت بدأت الصيام من الهلال فإنك تصوم شهرين بالأهلة سواء كانت تامة أو ناقصة أما إذا بدأت الصيام في أثناء الشهر فإنه يجب عليك صيام ستين يومًا لأنك تصوم شهرين بالعدد ستين يومًا .
86 ـ إذا سافر الشخص إلى الدراسة خارج بلاده وكما هو معلوم أن الوقت يختلف عن وقت بلده . فمثلاً إذا زادت الساعات في الصيام أو نقصت لاختلاف الوقت هل يؤثر ذلك على صيام الشخص أم لا . أفيدوني بارك الله فيكم ؟
من سافر إلى بلد غير بلده ويختلف بفارق توقيت عن بلده فإنه يكون حكمه حكم ذلك البلد الذي سافر إليه فيصوم ويفطر تبعًا لذلك البلد يصوم إذا طلع الفجر في ذلك البلد ويفطر إذا غربت الشمس في ذلك البلد ولا ينظر إلى توقيت بلده فكل مكان له حكمه .(66/21)
والله تعالى يقول : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . وهذا عام في كل البلاد .
87 ـ هل يشترط أن تكون نية الصيام قبل الفجر من كل ليلة من رمضان أم تكفي نية واحدة كل الشهر . وما حكم من تلفظ بها في كل ليلة من ليالي شهر رمضان .
النية شرط من شروط صحة العبادة من صيام وغيره لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه البخاري في صحيحه ج1 ص2 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] . فكل عبادة من العبادات لا تصح إلا بنية ومن ذلك الصيام فإنه لا يصح إلا بنية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صيام لمن لم يبيت النية من الليل ) [ رواه الإمام مالك في الموطأ ج1 ص288 من حديث عبد الله بن عمر موقوفًا . ورواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص287 ورواه أبو داود في سننه ج2 ص341، 342 ورواه النسائي في سننه ج4 ص196، 197 ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص542 ورواه الدرامي في سننه ج2 ص12 ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج4 ص202، 203 ورواه ابن خزيمة في صحيحه ج3 ص212 ورواه ابن أبي شيبة عن مصنفه ج2 ص292 ورواه ابن حزم في المحلى ج6 ص162 ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج3 ص92، 93 وذكره الزيلعي في نصب الراية ج2 ص433-435 كلهم من حديث حفصة رضي الله عنها بنحوه ] . فالنية للصيام مشترطة وصيام الفرض لابد أن ينويه من الليل قبل طلوع الفجر ويجب عليه أن ينوي لكل يوم نية جدية لأن كل يوم عبادة مستقلة تحتاج إلى نية متجددة بتجدد الأيام لعموم قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه البخاري في صحيحه ج1 ص2 من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] .(66/22)
فإن قام من نومه وتسحر فهذا هو النية . وإن لم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر وكان ناويًا للصيام قبل نومه فإنه يمسك إذا استيقظ وصيامه صحيح لوجود النية من الليل .
وما أشار إليه السائل من النطق بالنية هل هو مشروع أو ليس بمشروع ؟ فالنطق بالنية غير مشروع والتلفظ بها بدعة لأن النية من أعمال القلوب والمقاصد لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى بدون تلفظ ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتلفظ بالنية ويقول اللهم إني نويت أن أصوم أو نويت أن أصلي أو نويت كذا وكذا إنما ورد هذا عند الإحرام بالحج أو العمرة أن يقول المسلم لبيك عمرة أو لبيك حجًا (11) وكذلك عند ذبح الهدي أو الأضحية ورد أنه يتلفظ عند ذبحها (12) ويقول اللهم هذه عني أو عن فلان فتقبل مني إنك أنت السميع العليم . أما ما عدا ذلك من العبادات فالتلفظ بالنية بدعة سواء كان في الصيام أو في الصلاة أو في غير ذلك لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه تلفظ في شيء من هذه الأحوال بالنية وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج8 ص156 . معلقًا ] . وقال عليه الصلاة والسلام : ( إياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج4 ص126، ورواه أبو داود في سننه ج4 ص200 ورواه الترمذي في سننه ج7 ص319، 320 بنحوه ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص15، 16 بنحوه . ورواه الحاكم في مستدركه ج1 ص97 كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ] . فالتلفظ بالنية أمر محدث فهو بدعة . وقد قال الله سبحانه وتعالى : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ } [ سورة الحجرات : آية 16 ] . فالله جل وعلا أنكر على الذين تلفظوا بنياتهم قال تعالى : { قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا(66/23)
وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا } إلى أن قال تعالى : { قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ } [ سورة الحجرات : آية 14، 15، 16 ] . فالتلفظ بالنية معناه أن الإنسان يخبر ربه عز وجل أنه نوى له كذا وكذا قد نهى الله عن ذلك وأنكر على من فعله .
88 ـ أيهما أفضل للمسافر الفطر أم الصوم . وما الحكم لو نوى المسافر الإقامة في بلد أقل من أربعة أيام . فهل له الفطر والحالة هذه أم لا . أفيدوني بارك الله فيكم ؟
المسافر سفرًا يباح فيه قصر الصلاة وهو ما يسمى بسفر القصر بأن يبلغ ثمانين كيلو فأكثر فهذا الأفضل له أن يفطر عملاً بالرخصة الشرعية وإذا صام وهو مسافر فصومه صحيح ومجزئ لقوله تعالى : { وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] . فالإفطار في السفر أفضل من الصيام وإذا صام فلا حرج عليه إن شاء الله وصيامه مجزئ وصحيح . وأما إذا نوى إقامة أربعة أيام فأقل فإنه له أحكام المسافر يجوز له الإفطار ويجوز له قصر الصلاة لأن إقامته إذا كانت أربعة أيام فأقل فإنها لا تخرجه عن حكم المسافر أما إذا كانت إقامته التي نواها تزيد عن أربعة أيام فهذا يأخذ حكم المقيم وتنقطع في حقه أحكام السفر فيجب عليه إتمام الصلاة والصوم في رمضان .
89 ـ هل التكحل وقطرة العين ووضع الطيب على الثياب يؤثر على الصائم . وما هي الأشياء التي يجب أن يبتعد عنها الصائم حتى لا تؤثر على صيامه ؟ أفيدوني بارك الله فيكم .(66/24)
الذي يوضع في العين من قطور أو ذرور أو كحل إذا وجد طعمه في حلقه فإنه يفطر بذلك لأن العين منفذ فإذا وصل هذا الذي وضعه فيها من سائل أو جامد ووصل طعمه إلى حلقه وأحس بطعمه وكان متعمدًا لوضعه في عينه فإنه حينئذ يكون قد أثر على صيامه لأنه يشبه ما لو أكل شيئًا أو شرب شيئًا ووصل إلى حلقه فلا ينبغي للمسلم أن يتساهل في هذا الأمر وإذا كان معتادًا الاكتحال أو معتادًا لمداواة العين فليجعل ذلك في الليل أما نهار الصيام فإنه يتجنب هذه الأشياء حفاظًا على صيامه من المؤثرات .
يجب أن يبتعد عن أشياء كثيرة منها أشياء تفسد صيامه ومنها أشياء تنقص ثوابه أو تبطل ثوابه ولا تفسد الصيام . أما التي تفسد الصيام ويلزمه القضاء فيها فمثل الأكل والشرب متعمدًا ومثل الجماع وكذلك ما في حكم الأكل والشرب من تعاطي الأدوية والإبر التي تصل إلى جوفه وتسير في عروقه فإن هذا في حكم الأكل والشرب يفسد صيامه كذلك التقيؤ والاستفراغ متعمدًا يفسد الصيام واستخراج الدم الكثير بالحجامة أو الفصد أو سحب الدم للتبرع به أو لإسعاف مريض فهذا أيضًا مما يفسد الصيام ويلزم القضاء لقوله صلى الله عليه وسلم : في الحجامة : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص364 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ورواه الترمذي في سننه ج3 ص118 من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] . فهذه أمور إذا تعاطاها الإنسان فإنها تفسد صيامه ويلزمه قضاء ذلك اليوم الذي أفسده بها . وهناك أشياء محرمة على الصائم وتنقص ثوابه أو تبطل ثوابه لكنه لا يؤمر بالقضاء مثل الغيبة والنميمة وقول الزور والشتم والكذب وغير ذلك من الأمور المحرمة وكذلك النظر المحرم واستماع الأشياء المحرمة كاستماع الملاهي والأغاني المزامير وغير ذلك كل هذا مما يؤثر على الصائم ولكنه لا يؤمر بالقضاء لأن هذه المفطرات معنوية وليست مفطرات حسية .(66/25)
90 ـ في الحديث القدسي : (كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . أريد شرحًا لهذا الحديث . لماذا خص الصوم بهذا التخصيص أفيدوني بارك الله فيكم ؟
هذا حديث عظيم وثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم يرويه عن ربه عز وجل أنه قال : ( كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . فهذا الحديث فيه فضيلة الصيام ومزيته من بين سائر الأعمال وأن الله اختصه لنفسه من بين أعمال العبد . وقد أجاب أهل العلم عن قوله : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . بعدة أجوبة منهم من قال : أن معنى قوله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص226 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . بنحوه ] . إن أعمال ابن آدم قد يجري فيها القصاص بينه وبين المظلومين، فالمظلومين يقتصون منه يوم القيامة بأخذ شيء من أعماله وحسناته كما في الحديث أن الرجل يأتي يوم القيامة بأعمال صالحة أمثال الجبال ويأتي وقد شتم هذا وضرب هذا أو أكل مال هذا فيؤخذ لهذا من حسناته ولهذا من حسناته حتى إذا فنيت حسناته ولم يبق شيء فإنه يؤخذ من سيئات المظلومين وتطرح عليه ويطرح في النار (13) إلا الصيام فإنه لا يؤخذ للغرماء يوم القيامة وإنما يدخره الله عز وجل للعامل يجزيه به ويدل على هذا قوله : ( كل عمل ابن آدم له كفارة إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به ) أي أن أعمال بني آدم يجري فيها القصاص ويأخذها الغرماء يوم القيامة إذا كان ظلمهم إلا الصيام فإن الله يحفظه ولا يتسلط عليه الغرماء ويكون لصاحبه عند الله عز وجل .(66/26)
وقيل أن معنى قوله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) أن الصوم عمل باطني لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى فهو نية قلبية بخلاف سائر الأعمال فإنها تظهر ويراها الناس أما الصيام فإنه عمل سري بين العبد وبين ربه عز وجل ولهذا يقول : ( الصوم لي وأنا أجزي به إنه ترك شهوته وطعامه وشرابه من أجلي ) وكونه ترك شهوته وطعامه من أجل الله هذا عمل باطني ونية خفية لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى بخلاف الصدقة مثلاً والصلاة والحج والأعمال الظاهرة هذه يراها الناس أما الصيام فلا يراه أحد لأنه ليس معنى الصيام ترك الطعام والشراب فقط أو ترك المفطرات لكن مع ذلك لابد أن يكون خالصًا لله عز وجل وهذا لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى .
ويكون قوله : ( إنه ترك . . . إلى آخره ) تفسيرًا لقوله : ( الصم لي وأنا أجزي به ) . ومن العلماء من يقول أن معنى قوله تعالى : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) أن الصوم لا يدخله شرك بخلاف سائر الأعمال فإن المشركين يقدمونها لمعبوداتهم كالذبح والنذر وغير ذلك من أنواع العبادة وكذلك الدعاء والخوف والرجاء فإن كثيرًا من المشركين يتقربون إلى الأصنام ومعبوداتهم بهذه الأشياء بخلاف الصوم فما ذكر أن المشركين كانوا يصومون لأوثانهم ولمعبوداتهم فالصوم إنما هو خاص لله عز وجل فعلى هذا يكون معنى قوله : ( الصوم لي وأنا أجزي به ) أنه لا يدخله شرك لأنه لم يكن المشركون يتقربون به إلى أوثانهم وإنما يتقرب بالصوم إلى الله عز وجل .
91 ـ هل هناك أدعية مخصصة عند دخول شهر رمضان المبارك من السنة وماذا يجب على المسلم أن يدعو به في تلك الليلة أفيدوني بارك الله فيكم ؟(66/27)
لا أعلم دعاءً خاصًا يقال عند دخول شهر رمضان وإنما هو الدعاء العام عن سائر الشهور فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى الهلال في رمضان وفي غيره يقول : ( اللهم أهله علينا باليمن والإيمان والسلامة والإسلام هلال خير ورشد ربي وربك الله " وفي بعض الروايات أنه صلى الله عليه وسلم كان يقول : ( الله أكبر اللهم أهله علينا بالأمن والإيمان والسلامة والإسلام ربي وربك الله ) [ رواه الترمذي في سننه ج9 ص142 من حديث طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه . بنحوه . وانظر مسند الإمام أحمد ج1 ص162 من حديث بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده . وانظر مسند الدارمي ج2 ص7 من حديث ابن عمر رضي الله عنه وانظر كتاب السنة لأبي عاصم ج1 ص165 من حديث بلال بن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن أبيه عن جده . وانظر معجم الطبراني الكبير ج12 ص357 من حديث ابن عمر . وانظر المستدرك للحاكم ج4 ص285 من حديث بلال بن يحيى . . . وانظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج10 ص139 . وانظر تحفة الذاكرين ص176، 177 . وانظر فيض القدير ج5 ص136، 137 . وصحيح الوابل الصيب ص220 ] . هذا الدعاء الوارد عند رؤية الهلال لرمضان ولغيره أما أن يختص رمضان بأدعية تقال عند دخوله فلا أعلم شيئًا في ذلك لكن لو دعا المسلم بأن يعينه الله على صوم الشهر وأن يتقبله منه فلا حرج في ذلك لكن لا يتعين دعاء مخصص .
92 ـ إذا تبرع الإنسان من دمه وهو صائم هل يؤثر ذلك على صيامه وما رأيكم في الحقنة التي ليست للتغذية بالنسبة للصائم هل هي في حقه من مباحات الصيام أم أنها من مبطلاته أفيدونا في ذلك أثابكم الله ؟(66/28)
أما بالنسبة لسحب الدم من الصائم فهذا يفسد الصيام إذا كان كثيرًا فإذا سحب منه دم للتبرع به لبنك الدم مثلاً أو لإسعاف مريض فإن ذلك يؤثر ويبطل صيامه كالحجامة . فالحجامة ثبتت بالنص أنها تفطر الصائم فكذلك مثلها سحب الدم إذا كان بكمية كثيرة أما قضية الحقن التي تحقن في جسم الصائم وهي الإبر فهذه إن كانت من الإبر المغذية فلا شك أنها تفطر الصائم لأنها تقوم مقام الأكل والشرب في تنشيط الجسم وفي تغذيته فهي تأخذ حكم الطعام والشراب وكذلك إذا كانت من الإبر غير المغذية التي تؤخذ للدواء والمعالجة عن طريق العرق ( عن طريق الوريد ) فهذه أيضًا تفطر الصائم لأنها تسير مع الدم وتصل إلى الجوف ويكون لها تأثير على الجسم كتأثير الطعام والشراب كما لو أنه ابتلع الحبوب عن طريق الفم فإنها تبطل صيامه فكذلك إذا أخذ الدواء عن طريق الحقن فإن هذا أيضًا يؤثر على صيامه . أما الحقن التي تؤخذ في العضل فهذه رخص فيها بعض العلماء .
93 ـ سائلة تقول : هي فتاة في العشرين من عمرها وخلال شهر رمضان المبارك في العام الماضي أفطرت خمسة أيام بسبب الحيض وأفطرت أيضًا خمسة أيام أخرى وذلك بسبب الامتحانات في الجامعة حيث أن الجو حار جدًا وصادف أيام الامتحانات فقامت بالإفطار في آخر أيام الامتحانات حتى تستطيع التركيز والمذاكرة وتقوم أنها كانت تتعب من الصوم والمذاكرة والامتحانات معًا لهذا أفطرت وهذه الأيام العشرة التي عليها لم تقضها حيث أنها ضعيفة الجسم تقول وعلى كل حال الحمد لله فأنا أتحسن شيئًا فشيئًا الآن لكنني قمت بتوزيع مبلغ وقدره نصف دينار عن كل يوم للمساكين ومقداره بالريال السعودي خمس ريالات تقريبًا المهم أنني أنهيت العشرة الأيام من التوزيع وسؤالي هل يجب عليَّ القضاء أيضًا بعدما قمت به من إطعام عن كل يوم مسكينًا أم أن الأمر انتهى إلى هذا الحد أفيدوني أفادكم الله ؟(66/29)
أولاً إفطار المرأة في أيام الحيض واجب يحرم عليها الصيام في هذه الحالة فهي تفطر في حال الحيض ويجب عليها القضاء من أيام أخر فإفطارك أيتها السائلة الخمسة الأيام في وقت العادة أمر مشروع ويلزمك القضاء عن هذه الخمسة في أيام أخر . أما إفطارك الخمسة الأخرى من أجل المذاكرة والدراسة فهذا خطأ كبير لأن الدراسة أو المذاكرة ليست عذرًا يبيح الإفطار لأن الإفطار في رمضان إنما يباح للمسافر ويباح للمريض ويباح لكبير السن الذي لا يستطيع الصيام ويباح للحامل والمرضع إذا خافتا على نفسيهما أو على ولديهما وأنت لست من هؤلاء المعذورين فإفطارك لأجل المذاكرة أو لأجل الدراسة أو الامتحانات خطأ كبير فعلى المسلم أن يصوم ولو كان يعمل ويشتغل مادام مقيمًا صحيحًا فإنه يجب عليه الصيام ولو كان يشتغل بأي عمل من الأعمال . لأن الأعمال ليست عذرًا في الإفطار ومازال المسلمون يعملون منذ فرض الله الصيام ويصومون وما كانوا يتركون الصيام من أجل العمل ولكن يجب على ولاة المسلمين والقائمين على التعليم أن يراعوا ظروف الصيام وأن لا يجعلوا الامتحانات في رمضان أو في أيام الصيام وإذا صادفت الامتحانات رمضان فليجعلوها في الليل أو في أول النهار ولا يحرجوا الطلاب في وقت الحر بل عليهم أن يخففوا عنهم وأن يجعلوا الامتحان في وقت مناسب مراعاة للشعائر الدينية لأن الصيام مقدم على غيره لأنه ركن من أركان الإسلام يجب المحافظة عليه وحساب وقته المناسب أما ما ذكرت السائلة من تقديم الصدقة والدراهم لتقوم مقام القضاء فهذا خطأ لأن الإطعام إنما يشرع في حق من لا يستطيع القضاء إما لزمانة مرض وإما لهرم وكبر سن أما الذي ينتظر الشفاء وينتظر الاستطاعة فهذا يؤخر القضاء حتى يستطيع ولا يطعم لأنه لم ييأس من القضاء فما قدمته السائلة من الإطعام أو الصدقة في غير محله ويجب عليك قضاء الخمسة الأيام التي أفطرتِها للحيض وخمسة الأيام التي أفطرتِها خطأ من أجل المذاكرة(66/30)
والامتحان وقد استطعت والحمد لله وذهب عنك المرض فعليك بالمبادرة بالقضاء وعليك مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم بمقدار نصف صاع من الطعام عن تأخير القضاء .
94 ـ سائلة تقول : كان عليّ صيام أيام كفارة يمين فسألت إحدى أخواتي المسلمات والتي أثق بها لأنها على درجة من العلم فسألتها إن كان الصوم متتابعًا أو متفرقًا فقالت لي لا يشترط التتابع فصمتها متفرقة ولكن سمعت من برنامجكم ومن أحد العلماء الكرام إنه يشترط التتابع فرجعت إليها فأخرجت لي في تفسير ابن كثير قول مالك فيه بأنه لا يشترط التتابع فهل عليَّ شيء . وما هو القول الصحيح في هذا ؟
كما ذكرتِ المسألة فيه خلاف بين أهل العلم هل يجب التتابع في صيام كفارة اليمين أو لا يجب ولكن الراجح ما ذهب إليه الإمام أحمد وأبو حنيفة والشافعي في حد قوليه في أنه يجب التتابع لأنه قُرئ قوله تعالى : { فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ } (14) فتكون هذا القراءة نصًا على وجوب التتابع والله أعلم .
95 ـ سائلة تقول : سمعت من برنامجكم الكريم وفي رد على أحد الأسئلة بأن الإطعام يجب أن لا يكون لمسكين واحد بل كل يوم مسكين غير الآخر وفي رد آخر لإحدى السائلات التي كان عليه قضاء صيام أيام قبل سنوات لأنها كانت نفساء وحاملاً . قال أحد العلماء لها بأنها إن لم يكن لها عذر فإنها تقضي وتطعم ولو جمعتها كلها وأعطتها لمسكين واحد فإن لها ذلك وتقول إن عليها قضاء منذ سنوات حيث لم تكن تقضي أيام الحيض . فجمعت مقدار الإطعام وأعطته لمسكين واحد فتقول والله يعلم إن نيتي لم تكن البحث عن حكم الأسهل ولكن لتعذر وجود مساكين فأعطيته لمسكين واحد فهل عليّ شيء في ذلك .(66/31)
لا أعلم في هذه المسألة أنه يجب تعدد المساكين في الإطعام للقضاء عن الصيام إذا تأخر عن وقته والله جل وعلا يقول : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] . ومادام أنها قد أخرجت الإطعام وأعطته لمسكين واحد فإنه يكون مجزئًا إن شاء الله .
96 ـ إذا أفطر شخص عمدًا في نهار رمضان . فماذا عليه ؟
إذا أفطر بأكل أو شرب في نهار رمضان متعمدًا فقد فعل محرمًا شديد التحريم ويجب تأديبه وتجب عليه التوبة الصادقة والإمساك بقية يومه ثم قضاء ذلك اليوم . وإن أفطر بجماع وجب عليه مع ما ذكر الكفارة المغلظة وهي عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين . فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا .
وعلى المسلم أن يحافظ على صيامه، فإن صيام رمضان أحد أركان الإسلام وهو فرض على المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم .
97 ـ ما حكم تقبيل الزوجة بدون شهوة في حال الصوم أو في حال الطهارة وهل ينتقض الوضوء بسبب القبلة ؟
إذا قبل الرجل زوجته بدون شهوة في أثناء الصوم أو بعد الطهارة ولم يخرج منه شيء فإن ذلك لا يخل بصيامه ولا بطهارته فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه وهو صائم ويقبل وهو متوضئ لما كان مالكًا لإربه (15) فدل ذلك على الجواز في هذه الحالة - أما الذي يخشى من ثوران شهوته فإنه لا يقبل في هاتين الحالتين خشية أن يخرج منه شيء يخل بصيامه أو طهارته والله أعلم .
98 ـ إذا نوى الشخص صيامًا لفرض أو نفل، ولكنه استيقظ من النوم والمؤذن يؤذن لصلاة الفجر هل يجوز الأكل أو الشرب أم لا؛ علمًا بأن المؤذن يؤذن حسب التقويم ؟
الله سبحانه وتعالى جعل طلوع الفجر نهاية للأكل والشرب فقال تعالى : { وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] . هذا هو النهاية الشرعية للأكل وبداية الصيام .(66/32)
والأذان والتقويم إنما هي علامات فقط يستدل بها على طلوع الفجر فمن لم يستيقظ إلا والمؤذن يؤذن فهذا يرجع فيه إلى عادة المؤذن إن كان عادة المؤذن أنه يقدم الأذان أي يبكر فلا بأس أن يأكل الإنسان بعد أذان المؤذن لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " وكان ابن أم مكتوم يؤذن إذا قيل أصبحت أصبحت) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص152، 153 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه . بنحوه ] . أما إذا كان عادة المؤذن أنه يتقيد بطلوع الفجر ولا يؤذن إلا عند طلوع الفجر فإنه لا يجوز الأكل عند ذلك لأنه أكل وشرب بعد طلوع الفجر وكذلك التقويم كما ذكرنا هو علامة يستدل بها فلا ينبغي أن يتأخر عن حد التقويم تأخرًا كثيرًا، أما لو تأخر دقيقة أو دقيقتين وما أشبه ذلك فهذا لا بأس به . . . أما التأخر الكثير عن التقويم كخمس دقائق وأكثر هذا لا يجوز .
99 ـ سماحة الشيخ إننا نحبك في الله فادع لنا بالتوفيق والثبات . . .
والسؤال هو : لقد مرض جدي في منتصف رمضان ثم أفطر يومين لمرضه ثم لقي ربه بعدها فهل نصوم عنه أم كيف يكون القضاء عنه . جزاكم الله خير الجزاء . . .
إذا مرض الإنسان في رمضان وترك الصيام فإن الله قد أذن له بذلك قال تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] . فما دام والدكم ترك الصيام من أجل المرض ثم توفاه الله بعد ذلك قبل أن يتمكن من القضاء ولم يأت عليه رمضان آخر فلا شيء عليه ولا تقضون عنه شيئًا أما إذا أخر القضاء وشفي حتى جاء رمضان آخر وترك القضاء متكاسلاً وتوفي قبل أن يقضي، فهذا يُطعم عنه عن كل يوم مسكينًا ولا يصام عنه، يكفي الإطعام إذا كان تمكن من القضاء ولم يقض حتى أدركه رمضان آخر، أما مادام أنه لم يتمكن من القضاء ومات على هذه الحالة فليس عليه شيء والله أعلم .(66/33)
100 ـ علي إطعام عن صوم في رمضان لعذر شرعي . أرجو إفادتي حسب الأفضلية .
1ـ ترتيب المستحق . يعني فقير - مسكين - معسر - موسر إلخ .
2ـ الأغذية المستحق منه مرتبة . بعني أرز - شعير - إقط إلخ . . .
3ـ النقود المستحق منها . يعني ريالاً - درهم إلخ . . .
4ـ معرفة الأصواع كيلاً ووزنًا ومعرفة النقود كم ريالاً ومعرفة الفرد المستحق كم له صاعًا أو كيلو أو ريالاً حتى إني أطعم على بينة .
من أفطر في رمضان لعذر شرعي فإنه يجب عليه القضاء فيما بينه وبين رمضان الآخر . فإن أخر القضاء إلى ما بعد رمضان الآخر من غير عذر فإنه يجب عليه مع القضاء إطعام مسكين عن كل يوم . وإن كان لا يستطيع القضاء لهرم أو لمرض مزمن فإنه يكفي الإطعام بدون قضاء لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] . فقد فسرت الآية بأن المراد بالذين يطيقونه الذين لا يستطيعون الصيام لا أداء ولا قضاء كالشيخ الهرم والمريض المزمن . ومقدار ما يدفع للمسكين عن كل يوم نصف صاع من الطعام ( أي كيلو ونصف ) تقريبًا من البر أو الأرز أو ما يؤكل في البلد . ولا يجزئ دفع النقود بل لابد من الطعام للنص عليه في الآية الكريمة .
101 ـ أنا شاب مسلم يقرب سني من السابعة والعشرين ومنذ صغري والحمد لله وأنا أصوم شهر رمضان وأصوم المفردات فلم أعرف لماذا أصبحت لا أصوم المفردات إلا قليلاً أفيدوني أفادكم الله هل عليّ إثم على هذا مع العلم أنني أصوم شهر رمضان ولم أتهاون فيه وأحافظ على الصلاة وحفظ كتاب الله عز وجل ؟(66/34)
الواجب على المسلم أن يصوم رمضان وهو الركن الرابع من أركان الإسلام وما زاد على صيام شهر رمضان فإنه نافلة لا يلزم الإنسان فعله وإنما هو نافلة . وذلك كصيام يوم الاثنين والخميس من كل أسبوع . وصيام ثلاثة أيام من كل شهر وعشر ذي الحجة ويوم عرفة لغير الحاج وشهر المحرم وآكده يوم عاشوراء ويوم قبله أو بعده وإن كان عند المسلم زيادة رغبة في الصوم فليصم يومًا ويفطر يومًا . أما صيام المفردات فلا أعرفه - إلا إن كان السائل يقصد النوافل فقد بيناها . والله أعلم .
102 ـ في شهر رمضان الماضي حصل أن أفطرت عدة أيام دون عذر مشروع فهل يكفي قضائي لها فقط وماذا يلزمني غير ذلك فإني نادم على ذلك أشد الندم وعازمٌ إن شاء الله ألا أعود لمثل هذا أبدًا ؟ .
الإفطار في رمضان بغير عذر خطأ كبير وجرمٌ عظيم والعياذ بالله والواجب على من فعل ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى توبةً صحيحة ويندم على ما فات ولا يعود لهذا في المستقبل ويحافظ على صيامه ثم عليه مع التوبة أن يقضي الأيام التي تركها بعد توبته إلى الله سبحانه وتعالى لعل الله أن يعفو عنه وإذا أتى عليه رمضان آخر قبل أن يصومها فعليه أن يطعم مع القضاء عن كل يوم مسكينًا إذا أتى عليه رمضان آخر ولم يصم من غير عذر أما إذا كان أخرها لعذر ولم يتمكن فإنما يكفيه القضاء فقط .
103 ـ كم مقدار الإطعام ؟
يعطي كل مسكين نصف صاع هذا هو الأحوط من الطعام المعتاد في البلد .
104 ـ إذا انتظر المسلم خبر رؤية هلال رمضان في المساء ونام قبل أن يعلم بدخول الشهر فلما أصبح الصباح وقبل أن يتناول شيئًا من طعام أو شراب أو بعد أن تناول وجد الناس صائمين بعد أن سمعوا خبر رؤية الهلال فماذا عليه في هذه الحالة وما الحكم بالنسبة للنية في حقه .(66/35)
إذا نام وهو لم يعلم بدخول الشهر ثم استيقظ من النهار ووجد الناس صائمين فإنه يجب عليه الإمساك في هذا اليوم ويجب عليه قضاؤه في فترة أخرى بعد رمضان فيمسك احترمًا للوقت ويقضي هذا اليوم لأنه لم يبدأ من أوله صائمًا لأنه أكل أو شرب في أوله وكذلك تخلفت النية لم تكن النية مصاحبة من أول الوقت فالصيام لا يبدأ من وسط النهار أعني صيام الفريضة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا صيام لمن لم يبيت أو يجمع النية من الليل ) [ رواه الإمام مالك في الموطأ ج1 ص288 من حديث عبد الله موقوفًا . ورواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص287 ورواه أبو داود في سننه ج2 ص341، 342 ورواه النسائي في سننه ج4 ص 196، 197 . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص542 ورواه الدارمي في سننه ج2 ص12 . ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج4 ص202، 203 . ورواه ابن خزيمة في صحيحه ج3 ص212 ورواه ابن شيبة في مصنفه ج2 ص292 . ورواه ابن حزم في المحلى ج6 ص162 ورواه الخطيب البغدادي في تاريخ بغداد ج3 ص92، 93 . وذكره الزيلعي في نصب الراية ج2 ص433-435 كهم من حديث حفصة رضي الله عنها بنحوه ] . أو كما قال صلى الله عليه وسلم . فالصوم الواجب يجب أن ينوي من الليل سواء أكل أو لم يأكل، فالفرض لا يصح بنية من النهار إنما هذا في صيام النفل خاصة .
105 ـ ما هو حكم الوطء في نهار رمضان وإن كان في الليل ولكن أخر الغسل إلى ما بعد الفجر فما الحكم .(66/36)
الوطء في نهار رمضان للصائم محرم وفيه إثم عظيم ويترتب عليه أمور : أولاً أنه يفسد صومه هذا اليوم ثانيًا أنه يأثم لذلك إثمًا عظيمًا ثالثًا يجب عليه قضاء هذا اليوم الذي حصل فيه الجماع رابعًا تجب عليه الكفارة وهي مثل كفارة الظهار وهي عتق رقبة فإن لم يجد صام شهرين متتابعين فإن لم يستطع أطعم ستين مسكينًا هذا الذي يجب عليه أما إذا حصل الوطء في الليل وأخر الاغتسال إلى ما بعد الفجر فصيامه صحيح ويجوز له أن يصوم وعليه جنابة ثم يغتسل ولو بعد طلوع الفجر إلا أنه ينبغي المبادرة في الاغتسال قبل الفجر خروجًا من الخلاف لكن لو ضايقه الوقت أو لم يستيقظ إلا متأخرًا عند طلوع الفجر فإنه ينوي الصيام ويغتسل بعد ذلك ولا حرج عليه فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت تدركه الصلاة وهو جنب من غير احتلام ويصوم ثم يغتسل بعد ذلك عليه الصلاة والسلام (16)
106 ـ هل الكحل في العينين أو الصابون أو القطرات الطبية أثناء الصيام تؤثر على صحته أم لا ؟(66/37)
بالنسبة للصابون ليس هناك مانع لاستعمال الصابون في الغسيل لثيابه أو ليديه أو لجسمه لا مانع من استعمال الصابون للغسيل والتنظيف به ولا يكون في الفم لأنه ربما تسرب إلى حلقه وإن تمضمض به مثلاً تمضمضًا خفيفًا وتحفظ من ذهابه إلى حلقه فلا مانع من ذلك إلا إن وجد طعمه في حلقه فهذا فيه خطورة فالأحسن لا يدخل الصابون في فمه وأن يتنظف به خارج الفم وأما بالنسبة للقطرة والأشياء السائلة فلا يجوز تقطيرها في العين ولا في الأنف ولا في الأذن لأن هذه منافذ تسيل إلى الحلق ويجد طعمها في حلقه فلا يجوز استعمال القطرة للصائم وإنما يستعملها في الليل كذلك الكحل في العين لأن الكحل أيضًا يتسرب طعمه إلى الحلق والصائم لا ينبغي له أن يتهاون بأمر الصيام ويتعاطى أشياء تؤثر على صيامه وقد ذهب جمع من أهل العلم إلى أن الكحل يفطر الصائم وكذلك التقطير في العين والأنف والأذن فالمسألة فيها خطورة فالصائم يجب عليه أن يحافظ على صيامه وأن يبتعد عن المؤثرات والدخول في مشاكل هو في غنى عنها وعند الليل أباح الله تعالى فيه ما يحتاج الإنسان إليه من أكل وشرب وتداو وغير ذلك .
107 ـ كفارة الإطعام عن الصيام لمن لم يستطع صيام الشهر كله هل يجوز أن يدفعها جملة واحدة لثلاثين مسكينًا أول الشهر في يوم واحد أو وسطه أو آخره هل يجوز دفعها لأقل من ثلاثين مسكينًا وهل يجوز جمع ثلاثين مسكينًا في وليمة غداء أو عشاء أو إفطار في رمضان وتكفي .(66/38)
يجوز دفع الصدقة عن الأيام من رمضان أو عن الأيام كلها لمن لا يستطيع الصيام لزمانه أو هرم فإنه يجوز أن يدفع كفارة الأيام مقدمًا في أول الشهر ويجوز أن يؤخرها في آخر الشهر ويجوز في وسط الشهر كما أنه يجوز أن يدفعها جملة واحدة ويجوز أن يدفعها متفرقة، ويجوز أن يدفعها لثلاثين ويجوز أن يدفعها لأقل من ذلك فالعدد ليس مشترطًا أن يكون ثلاثين وإنما يدفعها لجملة مساكين وجملة فقراء أو لفقير أما جمع المساكين على الطعام أن يصنع طعامًا يكفي عن ثلاثين يومًا أو عدد الأيام التي أفطر فيها ويجمع عليها المساكين الجمهور لا يجيزون هذا لأن المطلوب تمليك المسكين هذا الطعام إن شاء بالأكل وإن شاء بالبيع وإن شاء بغيره فإعطاؤه الطعام غير مطبوخ أنفع له بالتصرف أما المطبوخ فلا ينتفع به إلا بالأكل وأجاز بعض العلماء أن يصنع طعامًا عن الكفارة ويجمع المساكين ولكن كما ذكرنا الجمهور على عدم الجواز والتعليل لأنه لا يتمكن المسكين من الانتفاع الكامل بهذا الشيء وإنما ينتفع به في الأكل فهو أضيق انتفاعًا من دفع الطعام غير المطبوخ والإنسان ينبغي له أن يحتاط في أمر دينه وعبادته ولا يجوز دفع النقود عن الإفطار في رمضان ولا يجوز دفع النقود عن صدقة الفطر لأن الله تعالى نص بالإطعام قال تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] . والنبي صلى الله عليه وسلم في صدقة الفطر يقول صاع من بر صاع من شعير صاع من تمر . . . إلخ الحديث (17) وفي بعض الروايات صاع من طعام (18) وإذا نصف الرسول صلى الله عليه وسلم على الإطعام فإنه يجب التقيد به وكانت الدراهم والنقود موجودة وقت التشريع والشارع نص على الطعام فلو كان دفع النقود جائزًا لبينه للناس لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ويجوز أن ينقل الصدقة من بلد إلى بلد قريب أشد حاجة .(66/39)
108 ـ والدي متوفى وكان قبل وفاته مريضًا مرضًا شديدًا منعه من صيام شهر رمضان الماضي فهل يجوز لي أن أصوم قضاءً عنه أم يلزمني شيء آخر وما هو .
إذا ترك والدك الصيام لعذر المرض واستمر به المرض إلى أن توفي فلا شيء عليه لأنه أفطر لعذر ولم يستطع القضاء حتى مات لا شيء عليه وإذا كان شفي من مرضه ومر عليه وقت يستطيع القضاء ولم يقض حتى دخل عليه رمضان آخر والأيام التي أفطرها في ذمته ثم مات بعد رمضان الآخر فإنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا من تركته إذا كان له تركة لأن هذا دين لله سبحانه وتعالى بأن يطعم عن كل يوم مسكين يعني يدفع له عن كل يوم نصف صاع من الطعام المعتاد في البلد أما أن يصوم عنه أحد فالصيام الواجب في أصل الشرع لا يصوم أحد عن أحد وإنما هذا في النذر لو كان عليه صيام نذر فإنه يصوم عنه وليه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صيام نذر صام عنه وليه ) [ لم أجده بهذا اللفظ ] . لأن النذر هو الذي ألزمه نفسه فهو لم يجب في أصل الشرع أما صوم رمضان فهذا ركن من أركان الإسلام وواجب بأصل الشرع ولا يصوم أحد عن أحد كما أنه لا يصلي أحد عن أحد .
109 ـ ماذا يجب على من أفطر عدة أيام من رمضان لعذر شرعي ومضى عليه عامان دون أن تقضى وإن لم يكن عند الشخص قدرة على الإطعام فماذا عليه غير ذلك ؟
من كان عليه قضاء من رمضان فإنه يجب أن يقضيه قبل دخول رمضان الآخر فإذا دخل عليه رمضان الآخر وهو لم يقض من غير عذر منعه من القضاء بل كان هذا بسبب التساهل فإنه يجب عليه أن يطعم عن كل يوم مسكينًا عن التأخير مع القضاء فيجب أن يقضي الأيام التي عليه مهم طاول الزمن فإن القضاء واجب عليه ويجب مع ذلك الإطعام عن كل يوم مسكينًا عن التأخير وهو غير معذور في هذا التأخير وإذا كنت لا تستطيع الإطعام في الوقت الحاضر يبقى بذمتك دينًا لله سبحانه وتعالى فإذا قدرت على الوفاء به فإنك تفي به في أي وقت .
الزكاة(66/40)
110 ـ أملك عقارًا عبارة عن مجمع أراضٍ . . . فهل يجب عليها زكاة ؟ وما هو مقدار الزكاة للمبالغ النقدية . . . ؟
الأراضي المعدة للبيع تجب فيها الزكاة لأنها من عروض التجارة وطريقة إخراج زكاتها : أن تقوم عند تمام الحول بما تساويه حينئذ ويخرج ربع العشر من قيمتها المقدرة . وأما الدراهم فإنها تجب فيها الزكاة إذا تم لها سنة وكانت نصابًا فأكثر فيخرج ربع عشرها .
111 ـ بالنسبة للزكاة نحن ندفعها إلى الفقراء عندنا ولكنهم يرتكبون بعض الأعمال المخالفة للتوحيد فهم يذبحون للأموات ويستغيثون بهم ويسافرون إلى الاحتفالات السنوية ويشتركون فيها بما فيها من البدع والمنكرات فهل هم مع ذلك مستحقون للزكاة أم علينا شيء في دفعنا إليهم ؟
الزكاة إنما تدفع لفقراء المسلمين المستقيمين على التوحيد والعقيدة السليمة أما من كان مرتكبًا لما يخالف العقيدة من الشرك الأكبر كالذي يستعين بالأموات وينذر لهم ويسافر إلى أضرحتهم للتبرك بها وطلب الحاجات منها فهذا ليس بمسلم وهو مشرك الشرك الأكبر الذي يخرجه من الملّة ولا يجوز صرف الزكاة إليه وإنما تدفع الزكاة لفقراء المسلمين المستقيمين على التوحيد نسأل الله الهداية والتوفيق وأن يهدي ضال المسلمين وكذلك الذين يذهبون إلى الاحتفالات البدعية والخرافات فهؤلاء لا خير فيهم . قد تكون هذه الاحتفالات تشتمل على الشرك وعلى دعاء الأموات والغائبين فيكون فيها شرك أكبر وهم يشاركون في ذلك فلا يجوز دفع الزكاة لهم في هذه الحالة .
112 ـ أخذت من رجل مبلغًا وقدره خمسة آلاف ولما أخذتها وقضيت بها حاجتي أدركني هذا الرجل وقال لي عليك الزكاة لابد من تزكيتها فزكاتها عليك فقلت له أنه لا يجوز أن أزكيها فقال لي بل أعدها إليَّ كي أزكيها أنا ولكن لم أجدها في ذلك الوقت فأجبرتني الظروف على تزكيتها بالمبلغ الذي تستحقه فهل في هذه الحالة يلزمني شيء وهل تزكيتها جائزة أم ماذا ؟ أفيدوني جزاكم الله كل خير .(66/41)
ما فعله هذا الرجل محرم من وجهين :
ـ الوجه الأول : أنه طلب زيادة عن القرض والقرض لا يجوز أخذ الزيادة أو المنفعة عليه من المُقرض لأنه عقد إرفاق يقصد به الثواب والأجر فلا يجوز للمقرض أن يأخذ من المُقتَرض زيادة على القرض وأن يفرضها عليه فرضًا أو يشترطها عليه اشتراطًا لأن هذا يكون من الربا بل هو من أعظم الربا قال صلى الله عليه وسلم : ( كل قرض جر نفعًا فهو ربا ) [ انظر أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب، ص240 . والغماز على اللمّاز ص173 وتمييز الطيب من الخبيث، ص124 ] . فهذا الذي فعله هذا الرجل يكون ربا . وعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله وأن يرد هذه الزيادة التي أخذها منك وفرضها عليك .
ـ الوجه الثاني : أن زكاة المال إنما تجب على المالك ولا تجب على غيره فإلزامه إياك بدفع الزكاة لا يبرئ ذمته منها لأن الزكاة واجبة على صاحب الدين ودفعها مطلوب منه .
113 ـ بالنسبة لزكاة الفطر حينما نشتريها من الباعة نجد الكثير من المحتاجين جالسين طالبين لها فنقوم بتوزيعها عليهم ولكن قد لا يأخذ بعضهم صاعًا كاملاً فهل يشترط أن لا يقل إطعام المسكن الواحد عن صاع أم يجوز ولو قل عن ذلك ؟
قد فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة الفطر صاعًا من البر أو نحوه من الطعام (1) فيجوز للمسلم أن يدفع الصاع للشخص الواحد ولعدة أشخاص المهم أن يكون من الدافع صاع كامل أما المدفوع له فلا مانع أن يشترك عدة أشخاص في صدقة شخص واحد .(66/42)
مناسك الحج والعمرة
114 ـ هل يجوز قطع الطواف لفترة قصيرة ثم يستأنف كأن يطوف الإنسان خمسة أشواط ثم يستريح قليلاً ويكمل الباقي أم إنه لابد من الاستمرار فيه والمتابعة في أشواطه ؟
من المعلوم أن من شروط صحة الطواف الموالاة بين الأشواط وكذلك الاستمرار في الشوط الواحد حتى يكمله إلا أنه تجوز للعذر أن يقطع الموالاة كما لو أقيمت الصلاة وهو يطوف فإنه يصلي ثم إذا سلم يأتي ببقية أشواط الطواف ويبني على ما مضى منها وكذلك لو ضعف في أثناء الشوط واستراح قليلاً ثم واصل فلا حرج في ذلك إن شاء الله للحاجة أما إذا قطع الموالاة من غير حاجة لو مثلاً فصل بين الأشواط فصلاً طويلاً فإنه بذلك لابد من استئناف الطواف من أوله لأنه أخل بالموالاة من غير عذر .
115 ـ أنا أعمل سائق سيارة بين المملكة العربية السعودية واليمن وقد أديت العمرة عدة مرات ولكن كنت أحرم من مدينة جدة فهل علي شيء في ذلك أم لا ؟(67/1)
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم المواقيت التي يحرم منها القادم لأداء الحج أو العمرة فحدد لأهل اليمن يلملم وهي المسماة بالسعدية وحدد لأهل نجد قرن المنازل وهو السيل الكبير وحدد لأهل الشام والمغرب الجحفة وهي قريبة من رابغ وحدد لأهل المدينة ذا الحليفة وقالهن : ( هن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن أراد الحج أو العمرة ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص142، 143 من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . أي هذه المواقيت لهذه الجهات ولمن أتى عليها من غير أهل هذه الجهات إذا كان يريد الحج أو العمرة وأما جدة فهي ليست ميقاتًا إلا لأهلها ولمن أنشأ نية النسك فيها فإذا كنت قادمًا من اليمن بنية العمرة فإنه يتعين عليك أن تحرم بالميقات الذي تمر به في طريقك من هذه المواقيت ولا تتعداه إلى جدة فإذا تعدينه وأحرمت من جدة وجب عليك دم لأنك تركت واجبًا هو الإحرام من الميقات الذي مررت به من ترك واجبًا فعليه دم وقدم ذكرت أنك تحرم من جدة في قدومك من اليمن وتتجاوز الميقات في كل مرة من هذه المرات يكون عليك فدية وهي ذبح شاة توزعها على فقراء الحرم ولا تأكل منها شيئًا فيكون ذلك جبرانًا لما نقصته من النسك وعمرتك صحيحة لكن تحتاج إلى هذا الجبران الذي ذكرناه ويعد هذا بتعدد العمر التي أحرمت بها من جدة وتجاوزت الميقات .
116 ـ لو حصل هذا بأنه مثلاً قادم بقصد العمرة وربما لغرض آخر وتعدى الميقات الذي يجب أن يكون قد أحرم منه فعلم بالحكم قبل أن يأخذ العمرة فما العمل في مثل هذه الحالة ؟
إن كان أحرم من دون الميقات بعد ما تجاوزه تقرر عليه الدم ويمضي في نسكه ويؤديه .
117 ـ يعني لا تلزمه العودة إلى الميقات ؟(67/2)
لا داعي للعودة مادام أحرم انتهى الأمر يمضي في نسكه إلا إن تذكر أو ذُكِّر قبل أن يحرم ثم عاد إلى الميقات وأحرم منه فإنه يكون قد أتى بالواجب ولا شيء عليه .
118 ـ مثل هذا الحكم يسري حتى على القادم بوسيلة الجو بالطائرة مثلاً قادم من الرياض ويريد العمرة ومر بمدينة جدة لزيارة بعض الأهل أو الأصدقاء ليوم أو ليومين هل يلزمه أن يحرم مما يحاذي الميقات من الجو ؟
هذا الحكم يشمل القادم من بلده لأداء النسك من بلده الذي هو من وراء الميقات لأداء النسك فإنه يجب عليه أن يحرم من هذا الميقات إذا مر به أو مر محاذيًا له من الأرض أو من الجو فإنه لا يتجاوزه إلا بإحرام فالذي يذهب بالطائرة يتهيأ للإحرام قبل الركوب بما يريد أن يتهيأ به وإذا حاذى الميقات إما أن يسأل الملاحين أو هم يعلنون ذلك للناس أو هو يحتاط ويحرم إذا غلب على ظنه بأنه قرب من الميقات فيحرم من الجو أما أن يتعداه إلى أن ينزل في مطار جدة فهذا خطأ وإذا فعل هذه فيكون عليه دم .
119 ـ حتى لو كان سيبقى في جدة ليوم أو ليومين للزيارة ؟
ولو كان ليبقى في جدة ليوم أو ليومين إن أراد أن يبقى في جدة قبل أداء النسك يبقى في إحرامه وإن نزل إلى مكة وأدى النسك ثم رجع إلى جدة إلى عمله فهذا أحسن لأن المبادرة بأداء النسك أحسن يعني مادام نوى العمرة لا يجوز له أن يتعدى الميقات إلا بإحرام لا شك في هذا ثم هو بعد ذلك هو في خيار إن شاء بقي في جدة بإحرامه وإن شاء نزل إلى مكة وعاد إلى جدة لعمله .
120 ـ لقد اعتمرت ولله الحمد أنا وزوجتي سابقًا لكنه حصل عندما وصلنا إلى الحرم طلبت مني زوجتي أن نسعى قبل أن نطوف لأن الجو كان حارًا والمسعى مظللاً لكن لم نفعل ذلك بل قدمنا الطواف على السعي فما حكم تقديم السعي على الطواف ومن فعل ذلك فماذا عليه أن يفعل ؟ . . .
بسم الله الرحمن الرحيم - الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .(67/3)
لا يجوز تقديم السعي على الطواف لأن النبي صلى الله عليه وسلم بدأ بالطواف أولاً ثم سعى بين الصفا والمروة بعدما صلى ركعتين خلف مقام إبراهيم (2) وقال : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في السنن الكبرى ج5 ص125 . من حديث جابر بن عبد الله . ورواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص943 . بلفظ " لتأخذوا مناسككم . . " ] . وتقديم السعي على الطواف لا يجوز ولو فعله إنسان لا يصح لأنه يشترط لصحة السعي أن يكون بعد طواف مشروع ؟
121 ـ هل يجوز أن يقطع السعي لأداء الصلاة ؟
إذا أقيمت الصلاة وهو في السعي فإنه يصلي ويستأنف الشوط الذي صلى فيه فقط أما ما قبله من الأشواط فيبنى عليه وإذا صادف وقت الصلاة بعد نهاية شوط كامل يصلي ويبدأ الشوط الذي بعده .
122 ـ اعتمرت أكثر من مرة وفي كل مرة أحرم في الطائرة وأقوم بالتلبية قبل الميقات فهل علي شيء ؟
الواجب على من يريد الحج أو العمرة أن يحرم من الميقات إذا مر به أو حاذاه في الجو إذا كان في طائرة وإن أحرم قبله بيسير فلا بأس من أجل الاحتياط لسرعة الطائرة . والله أعلم .
123 ـ أنا موظف في بنك، فهل يجوز لي أن أحج من راتبي ؟
العمل في البنك الذي يتعامل بالربا لا يجوز . لأنه من التعاون على الإثم والعدوان . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه (3) والموظف يصدق عليه أنه متعاون مع البنك - وإن كان يكتب عقود الربا فهو ملعون بنص هذا الحديث - وبناء على ذلك فالراتب الذي يأخذه حرام لا يجوز أن يأكله ولا أن يحج منه . لأن الحج يتطلب النفقة الطيبة المكتسبة من حلال وإن كان حج منه صح حجه مع الإثم .
124 ـ رجل أدى العمرة هو زوجته وتاهوا عن بعض ونسيت المرأة أن تقصر ولم تتذكر إلا بعد ثلاثة أيام . فماذا تفعل ؟(67/4)
من نسي التقصير ثم ذكره فعليه أن يقصر بنية النسك في أي مكان . وإن كان رجلاً فعليه أن يعيد ملابس الإحرام ثم يقصر أو يحلق في أي مكان . وإن كانت أنثى فإنها تزيل ما عليها من برقع أو نقاب على وجهها - إن كان - وما على كفيها من القفازين ثم تقصر من رأسها وإن حصل جماع قبل التقصير في هذه الحالة وجبت الفدية وهي ذبح شاة في مكة يوزعها على مساكين الحرم . فإن لم يجد صام عشرة أيام .
125 ـ هل يجوز أداء حج الفريضة قبل أداء العمرة ؟
نعم يجوز أداء حج الفريضة قبل أداء العمرة والعكس لعدم الدليل على وجوب الترتيب بينهما فليس من شروط صحة الحج أداء العمرة قبله .
126 ـ إذا حج المسلم حجة الفريضة متمتعًا أو قارنًا فهل تكفي عن حج وعمرة أم هو حج فقط ؟
إذا حج المسلم متمتعًا أو قارنًا فإنه يكون قد أدى نسكين : حجًا وعمرة . فليس من شرط صحتهما أن يفرد كل واحد بسفر مستقل أو بإحرام مستقل .
127 ـ هل يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة ؟
يجوز أداء العمرة في أي وقت من السنة، لأنها ليس لها وقت محدد كالحج .
128 ـ توجهت إلى مكة للبحث عن عمل أكسب منه ولكني لم أحرم للقيام بأداء عمرة وقد كان وصولي مكة قبل الحج بشهرين تقريبًا ومكثت إلى أن جاء وقت الحج فأردت أن أحج الفريضة ولكني لا أعلم هل يلزمني أن أحرم من الميقات أم من مكة فسألت عن ذلك فقيل لي مادمت أقمت في مكة فأحرم منها وفعلاً أحرمت من مكة وأديت مناسك الحج ماعدا السعي فإني لم أسع لا في الحج ولا في العمرة التي أديتها بعده فما الحكم فهل هذا الذي ذكرته بدأ بدخولي مكة بدون إحرام علمًا أن هذا حصل منذ عدة سنوات ؟(67/5)
من مرّ على أحد المواقيت التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم للإحرام فإن كان يريد الحج أو العمرة عند مروره به فإنه لا يجوز له أن يتعداه بدون إحرام لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لما حددها قال : ( هن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن ممن يريد الحج أو العمرة ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج2 ص142، 143 . من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . فإن تعداها بدون إحرام ثم ذكر أو علم خطأه فإنه يجب عليه الرجوع والإحرام من الميقات فإن لم يرجع وأحرم من دونه فإحرامه صحيح ولكن يكون عليه دم عن النقص الذي حصل من تجاوز الميقات بدون إحرام . فأنت إذا كنت عند مرورك بالميقات ناويًا للحج ولم تحرم وأحرمت من مكة فإن إحرامك صحيح ولكن عليك الفدية كما ذكرنا وهي ذبح شاة توزعها على مساكين الحرم . أما إذ كنت مررت بالميقات وأنت لم تنو حجًا ولا عمرة وإنما قدمت لمكة لعمل أو لحاجة ولم يكن في نفسك أن تحج أو تعتمر فلا حرج عليك في تجاوز الميقات بدون إحرام في هذه الحالة على الصحيح من قولي العلماء وإذا عزمت على الحج فإنك تحرم من المكان الذي عزمت منه فإذا كنت قد عزمت من مكة كما ذكرت فأنت تحرم من مكة، وإذا عزمت على العمرة وأنت في مكة فإنك لا تحرم من مكة وإنما تخرج إلى الحل وتحرم منه لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخرج عائشة إلى التنعيم وأحرمت بالعمرة من التنعيم (4) وهو أدنى الحل .
وما ذكرت من أنك تركت السعي من الحج وتركت السعي من العمرة التي أديتها بعد الحج فأنت أخطأت في هذا خطأ كبيرًا لأن السعي ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به وكذلك هو ركن من أركان العمرة لا تتم العمرة إلا به فتركك له يجعل حجك ناقصًا ويجعل عمرتك ناقصة فعليك أن ترجع إلى مكة وأن تسعى للحج ثم إذا فرغت من سعي الحج تسعى للعمرة .(67/6)
وإن حصل منك في هذه الفترة جماع فإنه يجب عليك مع السعي أيضًا أن تذبح شاة عن الحج وشاة عن العمرة توزعها على مساكين الحرم لأنه لا يجوز لك وطء زوجتك حتى تكمل الحج والعمرة .
129 ـ أنا ساكن في مكة المكرمة وقد قمت أنا وزوجتي بأداء العمرة في شهر رمضان قبل عامين وقد أكملنا الطواف أما السعي فلم نكمله لشدة الزحام فماذا علينا أن نفعل الآن ؟
الواجب على المسلم أن يؤدي العبادة على الوجه المشروع وأن لا يتساهل فيها ومادمت أحرمت بالعمرة والتزمت بها فإنه يجب عليك إكمالها بأن تطوف وتسعى وتحلق رأسك والمرأة تقصر من رأسها قدر أنملة من كل ظفيرة فهذا الواجب عليكم فما دام أنك أديت الطواف ولم تسع إلى الآن فإنك لا تزال في إحرامك ولا تزال العمرة واجبة عليك بأن تكملها فيجب عليك أن تعيد ملابس الإحرام التي خلعتها وأن تعود محرمًا كما كنت ثم تذهب وتسعى وتقصر من رأسك بعد السعي أو تحلق رأسك والمرأة كذلك إذا كانت لم تسع فإنها تعود إلى حالة الإحرام وتذهب معك وتسعى وتقصر من رأسها وبذلك تكمل العمرة وإذا كان حصل منك وطء في هذه الفترة فإن العمرة تكون قد فسدت ولكن يلزمك إكمالها على الصفة التي ذكرتها لك أنت وزوجتك ثم تعودان إلى المكان الذي أحرمتما منه في الأول وتحرمان بعمرة ثانية قضاء للفاسدة وتؤديانها كاملة وعلى كل واحد منكما ذبح شاة فدية عن الوطء الذي حصل . فالحاصل أنه لابد من التقيد بالأركان والواجبات لكل عبادة وأن لا يتلاعب الإنسان بها ويتساهل فيها والزحام ليس عذرًا في ترك السعي لأنه كان بإمكانك أن تتلافى الزحام وأن تعود مرة ثانية إذا خف الزحام وتسعى . أما أن تتركه تركًا نهائيًا وتتساهل في الأمر ولا تسأل إلا بعد سنتين فهذا يدل على عدم المبالاة .(67/7)
130 ـ إذا كان الشخص وهو يطوف بالبيت لحج أو عمرة يحمل صبيًا على كتفه وأصابه شيء من بول الصبي وكان الزحام حول البيت شديدًا فهل يجب أن يخرج ويقطع الطواف حتى يزيل ما أصابه، أم يجوز له أن يواصل طوافه وإن لم يعلم به إلا بعد أن أكمل الطواف فهل تلزمه إعادته أم لا ؟
هذا السؤال يتكون من نقطتين النقطة الأولى إذا كان يطوف بالصبي وتبول عليه في أثناء الطواف وأصاب ثيابه والنقطة الثانية : إذا طاف به ولم يعلم شيئًا حتى فرغ من الطواف ووجد عليه أثر البول .
أما النقطة الأولى فإنه يلزمه إذا تبول عليه الصبي في أثناء الطواف أن يقطع الطواف ويخرج ويغسل ما أصابه البول لأن الطواف عبادة يشترط لها الطهارة من الحدث ومن النجاسة على الثوب والبدن فإذا تبول الصبي عليه في أثناء الطواف فإنه يكون طوافه قد بطل فيخرج ويغسل النجاسة يستأنف الطواف من جديد لأن من شروط صحة الطواف الطهارة .
أما المسألة الثانية وهي ما إذا طاف وهو لم يعلم واستكمل العبادة وبعد ما فرغ وجد أثر البول فالذي أراه في هذه الحالة أن طوافه صحيح لأن الصحيح من قولي العلماء أن المصلي إذا صلى وانتهى من الصلاة ووجد على ثوبه نجاسة بعد الصلاة فصلاته صحيحة إلا إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة فإنه لا يستمر فيها .
131 ـ هل يُلزم الأطفال إذا أحرموا مع أهلهم لحج أو عمرة بالتقيد بمحظورات الإحرام وواجبات وأركان الحج أو العمرة والطهارة للطواف ؟
نعم . الصغير كالكبير إذا أحرم بنفسه أو نوى له الإحرام وليه فإنه يجب عليه ما يجب على الكبير فيتجنب محظورات الإحرام ( إن كان مميّزًا يتجنبها ) هو بنفسه وإن كان صغيرًا يجنبه إياها وليه .(67/8)
132 ـ في ثاني أيام التشريق وعندما قمت برمي الجمرة الكبرى رميت أكثر من جمرة سويًا وكنت أعلم بأنني يجب أن أرميها واحدة بعد الأخرى، ولكن للزحام وخوفًا من الوقوع تحت الأقدام رميتها مع العلم بأنني دعوت الله الذي يعلم حالي في ذلك الوقت أن يرخص لي في ذلك . وبعدها قمت بالرمي . فأفتوني جزاكم الله خيرًا هل حجي صحيح أم لا ؟
أولاً لا ينبغي للمسلم أن يغامر بنفسه في الزحمات الشديدة لأن هذا فيه تعريض للخطر والتهلكة وأيضًا لا يتمكن الإنسان معه من أداء العبادة على وجهها فعلى المسلم أن يتحين الأوقات التي يخف فيها الزحام في رمي الجمرة وفي غيرها من مناسك الحج فعليه أن يتحين الأوقات التي يخف فيها الزحام . أما ما وقع منك في هذه الحالة بأن رميت حصى الجمرة الكبرى جميعًا دفعة واحدة فهذا لا يجوز لأن صفة الرمي أن ترمي سبع حصيات على كل جمرة متعاقبة كل حصاة وحدها فإذا رميتها جميعًا فإنما تجزئ عن حصاة واحدة ويبقى عليك ست حصيات فإن كنت قد استدركت بعد ذلك كما يظهر من سؤالك وصححت الرمي على الوجه المشروع في وقت الرمي فقد أديت الواجب واستدركت الخطأ، أما إذا لم ترمها بعد ذلك واقتصرت على ما ذكرت فإنه يجب عليك الآن فدية بدل رمي الجمرة وهو ذبح شاة تذبحها في مكة وتوزعها على فقراء الحرم جبرانًا لما تركت من رمي الجمرة والله تعالى أعلم .
133 ـ إذا قدم إنسان إلى هذه البلد للعمل ولم يكن قد أدى فريضة الحج وكُلَّف من قبل الجهة التي يعمل بها أن يسافر إلى المشاعر المقدسة لخدمة الحجيج في مجال عمله أيًا كان فهل يلزمه أن يؤدي الحج أم يجوز له أن يؤجله إلى عام آخر يكون متفرغًا فيه لأدائه . وماذا يجب عليه إن فعل ذلك ولم يحج ؟(67/9)
قال الله سبحانه وتعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران : آية 97 ] . ففرض الله سبحانه وتعالى الحج على المسلم مرة واحدة في العمر بشرط الاستطاعة بأن يجد الزاد والمركوب الذي يبلغه إلى الحج وإذا أجر الإنسان نفسه لآخرين من الحجاج أو قدم إلى مكة لعمل حكومي وحج فلا بأس بذلك فللإنسان أن يؤجر نفسه وأن يحج وحجه صحيح إن شاء الله لقوله تعالى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَبْتَغُواْ فَضْلاً مِّن رَّبِّكُمْ } [ سورة البقرة : آية 198 ] . الآية . هذه الآية نزلت في جواز البيع والشراء في الحج (5) وكذلك يجوز أن يؤجر الإنسان نفسه ويتكسب من المكاسب المباحة أما بالنسبة لما ورد في السؤال من أنه إذا أجّر نفسه وذهب إلى مشاعر الحج فهل يلزمه أن يحج أو لا يلزمه ؟
نقول إذا أمكنه ذلك بأن تمكن من أداء المناسك من غير إضرار بعمله الذي استؤجر من أجله واستحفظ عليه فإنه يلزمه أن يحج حجة الإسلام لأنه تمكن من الحج واستطاع الحج بوصوله إلى المشاعر المقدسة من غير ضرر على مؤجره أو على عمله الرسمي .
أما إذا لم يتمكن أن يوفق بين الحج وأداء العمل الذي قدم من أجله فإنه لا يلزمه الحج في هذه الحالة لأنه معذور لكن يبقى الحج واجبًا في ذمته إلى أن يستطيع بنفسه هذا في حج الفريضة أما حج النافلة فلا يلزمه ولو قدر عليه .(67/10)
البيوع والمعاملات
134 ـ ما حكم الذين يجمعون صدقة الفطر ويقومون ببيعها في جهة أخرى، فهل يجوز إعطاؤها هؤلاء وهل يجوز الشراء منهم إذا تأكدنا أن ما يبيعونه هو ما جمعوه من زكوات الناس .
يجب على الإنسان أن يتأكد من حاجة المدفوع له ويتأكد من حاجة الذي يأخذ الصدقة ويتأكد من استحقاقه لها فإذا ظهر له أن هذا الشخص يحتاج للصدقة فإنه يدفعها له وليس مسؤولاً عن تصرف الشخص الذي يأخذها فالشخص الذي أخذها له أن يبيعها وله أن يهبها وله أن يأكلها وله أن يخرجها عن نفسه صدقة عنه فالدافع غير مسؤول مادام أن الشخص الذي أخذها مستحق لها ويغلب على ظن الدافع ذلك أما إذا علم أنه لا يستحقها وأنه غني فلا يجوز دفعها إليه وتعرض الآخذين في الشارع وسؤالهم لها دليل على حاجتهم ولكن مع هذا ينبغي أن يتأكد وإذا علم أن هناك من هو أشد حاجة منهم فينبغي أن يدفعها إلى من هو أشد حاجة منهم أما شراؤها من بائعها فلا يجوز للمتصدق صدقة الفطر ولا يغرها أن يشتريها لا زكاة المال ولا صدقة الفطر ولا غيرها من الصدقات أما إذا اشترى صدقات الآخرين فلا مانع .
135 ـ لدينا مريض بالكلى وقرر له زراعة كلى وقد طلب شخص مقابل كليته مبلغ 50 ألف ريال، فهل هذا جائز ؟
تجوز زراعة الكلية لمن اضطر إليها إذا تيسرت بطريقة مباحة، ولا يجوز للإنسان أن يبيع كليته أو عضوًا من أعضائه لأنه قد جاء الوعيد في حق من باع حرًا فأكل ثمنه (6) وبيع العضو يدخل في ذلك لأن الإنسان لا يملك جسمه وأعضاءه . ولئلا يكون ذلك وسيلة إلى المتاجرة بالأعضاء - هذا الذي يظهر لي . ولئلا يؤدي ذلك إلى الاعتداء على الضعفة من الناس وسرقة كلاهم طمعًا في المال .
136 ـ ما حكم شراء أسماء الغير من أجل المساهمة في الشركات المساهمة والبنوك ؟(68/1)
شراء أسماء الغير من أجل المساهمة في الشركات المساهمة والبنوك هو من التزوير المحرم فلا يجوز فعله والثمن الذي يأخذه صاحب الاسم حرام عليه والكسب الذي يحصل عليه مشتري الأسماء حرام عليه أيضًا - ثم الشركات المساهمة الغالب عليها أنها تشتغل بالربا فلا تجوز المساهمة فيها وكذلك البنوك هي مؤسسات ربوية فلا تجوز المساهمة فيها .
137 ـ ما حكم البيع والشراء في العقار بالوكالات الشرعية ؟
يجوز للإنسان أن يشتري لغيره عقارات بالوكالة عنه بأن يكون سمسارًا له ويأخذ في مقابل عمله أجرة من الموكل .
138 ـ هل يجوز بيع الماء ومتى ؟
في ذلك تفصيل إذا كان حاز الماء في وعائه أو بركته فإنه يملكه ويجوز له أن يبيعه لأنه حازه واستولى عليه وتعب في تحصيله فصار ملكًا له، أما إذا كان الماء باقيًا في البئر أو في النهر أو في المجرى الذي يجري في ملكه فهذا فيه خلاف بين أهل العلم والصحيح أنه لا يجوز له بيعه بل يكون هو أولى بالانتفاع به من غيره وليس له أن يمنع الآخرين من الانتفاع به انتفاعًا لا يضره هو ولا يضر في ملكه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع فضل الماء (7)
139 ـ أريد أن أتزوج وبقي علي مبلغ من المال فهل يجوز لي أن أشتري سيارة من أحد المعارض بتقسيط مؤجل وأقوم ببيعها بمبلغ نقدي حاضر أقل مما اشتريتها به وأتزوج بهذا المال ؟(68/2)
نعم يجوز أن تشتري سيارة أو غيرها بثمن مؤجل وتبيعها بثمن حال تقضي به حاجتك . وهذه المسألة تسمى مسألة التورق . وقد أجازها جمهور العلماء لقوله تعالى : { وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ } [ سورة البقرة : آية 275 ] . ولأن الأصل في المعاملات الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه - لكن يشترط أن تبيع السلعة على غير من استدنتها منه فإن بعتها على من استدنتها منه كانت مسألة العينة التي هي حيلة إلى أخذ الربا وهي محرمة ولنهيه صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة (8) ونهيه صلى الله عليه وسلم عن بيع العينة (9)
140 ـ سائل يقول : أنه جاءني رجل فقال أنه محتاج إلى مبلغ من المال وطلب مني أن أذهب معه لأي مكان لأشتري له سيارة ثم يبيعها ويأخذ هو ثمنها على أن يسددها إلي على أقساط شهرية فأنا لا أملك معرضًا للسيارات لكن من جاءني يريد مالاً يتزوج به أو يعمر له بيتًا ذهبت معه إلى أي معرض واشتريت له سيارة بمبلغ مثلاً 40 ألف ريال ويبيعها بـ 38 ألف ريال وأسجلها عليه بقيمة 55 ألف ريال أو بـ 60 ألف ريال على أن يدفعها على هيئة أقساط شهرية .(68/3)
الحكم في مثل هذا التعامل إذا لم يكن حصل منك معه عقد قبل شراء السيارة بل حصل وعد مثلاً أو حصل مفاهمة ولم يحصل عقد ثم ذهبت واشتريت السيارة وبعتها عليه بعدما اشتريتها وقبضتها فلا حرج في ذلك أما إذا كان البيع منك له حصل قبل أن تشتري السيارة وذهبت واشتريت السيارة له فهذا لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص402 . ورواه أبو داود في سننه ج3 ص281 ورواه الترمذي في سننه ج4 ص228 ورواه النسائي في سننه ج7 ص289 كلهم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ] . فإذا حصلتها وملكتها وبعتها عليه بثمن غائب أكثر منه حالاً ثم هو ذهب وباعها على غيرك فهذه مسألة التورق المشهورة عند أهل العلم أن يحتاج الإنسان إلى نقد ثم يذهب إلى شخص ويبيع عليه سلعة بثمن مؤجل ليبيعها ويرتفق بثمنها بشرط أن لا يشتريها صاحبها الأول فهذا جائز عند الأكثر وهو الصحيح إن شاء الله للحاجة . لأن الفقير ليس له حيلة إلا أن يعمل هكذا فإذا توفرت هذه الشروط بأن كانت السيارة في ملك البائع قبل أن يعقد مع المستدين ولم يشترها من المستدين البائع وإنما باعها المشتري المستدين على غيره فلا بأس بذلك إن شاء الله ويكون الثمن مؤجلاً سواء كان مقسطًا على فترات أو دفعة واحدة .
141 ـ كنت أعمل في أحد البنوك وعندما خرجت منهم عرفت أن المال الذي اكتسبته كله حرام . إذا كان هذا صحيح ماذا أفعل بهذا المبلغ هل أتصدق به أم لا ؟
من اكتسب مالاً حرامًا من ربا أو غيره ثم تاب منه فإنه يتصدق به ولا يأكله أو يضعه في مشروع خيري من أجل التخلص منه، لا من أجل طلب الأجر لأنه مال حرام والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا ولكن صاحبه يخرجه عن ملكه ويضعه في مشروع خيري أو يدفعه إلى محتاج لأنه كالمال الذي ليس له مالك معروف يوضع في المصالح، وهذا بشرط إنهاء هذا التكسب المحرم بحيث لا يستمر عليه .(68/4)
142 ـ أنا أملك محلاً تجاريًا وبعض السلع لها أسعار محددة من الدولة ولكني أبيعها بأكثر من ذلك . فهل هذا جائز مع أنه قيمة شرائها قد تكون زائدة عليّ لو بعتها بالسعر المحدد ربما خسرت وكذلك المشتري راض بذلك فما الحكم في هذا ؟
إذا كانت السلعة تساوي القيمة التي ذكرتها وبينت للمشتري ذلك ولم تغرر به ولم يخش من الدولة الضرر والعقوبة فلا مانع من ذلك بهذه الشروط : أن لا يكون هناك من قبل الدولة ضرر عليك أو تبين ذلك للمشتري وأن تكون السلعة أيضًا تساوي هذه القيمة ليس فيها غبن للمشتري .
143 ـ هل يجوز بيع وشراء الكلب والهر أم لا . لأنه يوجد ناس يبيعون مثل هذا ويشترون ؟
لا يجوز بيع الكلب وأكل ثمنه لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي (10) فدل أن ثمن الكلب حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه وقرنه بحلوان الكاهن أي أجرة الكاهن ومهر البغي يعني الزانية فهذه المكاسب حرام ومنها ثمن الكلب . كذلك الهر لا يجوز بيعه وإن كان يجوز اقتناؤه في البيت ولكن بيعه لا يجوز .
أما الكلب فإنه لا يجوز اقتناؤه في البيت لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلب .
144 ـ مدرّسة تقول أنها تقوم بأعمال المقصف في المدرسة وفي نهاية العام توزع الأرباح ولكن هذه الأرباح محددة سلفًا بنسبة عشرة في المئة ( 10% ) فهل يعتبر هذا من الربا . أفيدونا وجزاكم الله خيرًا ؟
الربح المضمون لا يجوز إنما الربح قد يحصل وقد لا يحصل فإن حصل ربح يوزع على المساهمين وإن لم يحصل ربح فإنه لا يوزع شيء لأن هذا أمر يتبع حصول الربح أو عدمه قابل للخسارة وقابل للربح وأما الربح المضمون وأنه لابد أن يصرف له عشرة بالمئة ( 10% ) أو يصرف له مئة ريال مبلغ محدد أو ألف ريال مقطوع فهذا لا يجوز .(68/5)
145 ـ عندنا نوع من التعامل اعتاده الناس في بعض أريافنا وقرانا وهو بالذات في موسم الخريف يأتي الضعفاء والفقراء إلى ذوي المقدرة والتجار طالبين منهم بعض الأشياء دينًا مثل النقود أو الذرة أو الفول وما أشبه ذلك إلى وقت الحصار فيقود التاجر بتسليمه مثلاً كيس ذرة بشرط أن يسلمه كيسين ذرة أو ثلاثة أكياس بعد الحصاد أو يسلّمه مثلاً مبلغ عشر جنيهات شرط أن يسلمه هو كيس ذرة وقت الحصاد علمًا بأن قيمة كيس الذرة حاليًا مئة جنيه وخلاصة القول بأن كل دين لا بد أن يكون عائده الضعفين أو الثلاثة أضعاف فما الحكم من هذا التعامل وما الحكم في أمر هؤلاء واستغلالهم لإخوانهم الضعفاء في مثل هذه المعاملة من الناحية الدينية أحلال عملهم هذا أم حرام ؟
أما بالنسبة لما ذكر في أول السؤال من أنه يدفع له كيسًا من الذرة على أن يرد له كيسين من الذرة بعد مدة فهذا لا يجوز لأن هذا ربا يجتمع فيه رب الفضل وربا النسيئة لأنه ربوي بيع بجنسه متفاضلاً ومؤجلاً فيجتمع فيه ربا الفضل وربا النسيئة فلا يجوز بحال من الأحوال وأما بالنسبة لما ورد في آخر السؤال من أنه يدفع إليه نقودًا على أن يدفع له ذرة بعد أجل هذا لا بأس به وهذا ما يسمى بدين السلم وهو تعجيل الثمن وتأجيل المثمن وهو جائز بسنة النبي صلى الله عليه وسلم (11) وأما ما ذكر من أن الغني يضاعف ويكثر الربح على الفقير حيث أنه يدفع له نقودًا قليلة ويسترجع منه عند الحلول طعامًا كثيرًا أكثر مما جرت به العادة فلا ينبغي استغلال حاجة الفقير وإرهاقه بالزيادة بل الدين ينبغي هو أن تكون الزيادة معقولة تنفع الغني ولا تضر الفقير .
146 ـ أخذت من قريب لي مبلغ خمسين ألف ريال على أن أرد ذلك المبلغ بعد شهرين أو ثلاثة بخمسة وخمسون ألف ريال . . وبعد أن سألت أحد الزملاء قال لا يجوز هذا الأمر وأعطه نفس القيمة . . وآخر قال لي المؤمنون على شروطهم فما هو الحل في ذلك .(68/6)
القرض عقد إرفاق وقربة واشتراط الزيادة فيه أو ما يسمى القرض بالفائدة ربا صريح وحتى أي نفع يشترطه المقرض على المقترض فهو ربا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل قرض جر نفعًا فهو ربا ) [ انظر أسنى المطالب في أحاديث مختلفة المراتب ص240، والغمّاز على اللمّاز ص173، وتمييز الطيب من الخبيث ص124 ] . وأجمع العلماء على ذلك - أما الزيادة التي يبذلها المقترض عند الوفاء من غير اشتراط عليه فلا بأس بها لأن هذا من حسن القضاء . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( خيركم أحسنكم قضاء ) لما استسلف بكرًا من الإبل ورد مكانه خيارًا رباعيًّا [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1224 . من حديث أبي رافع رضي الله عنه بلفظ " إن خيار الناس أحسنهم قضاءً " ] . وعليه إن كان المقرض اشترط هذه الزيادة فهي حرام عليه وليس له إلا رأس ماله . وهذا الشرط باطل لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط ) [ رواه البخاري في صحيحه ج3 ص29 . من حديث عائشة رضي الله عنها . بلفظ " ما كان من شرط . . " ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( المسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالاً ) [ رواه الترمذي في سننه ج5 ص30، 31 ورواه الحاكم في مستدركه ج4 ص101 بنحوه . كلاهما من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده ] . وهذا شرط أحل حرامًا وهو الربا فهو باطل باطل .
147 ـ كثر الحديث والفتاوي حول جواز أخذ الفوائد البنكية . ما هو تعليقكم على ذلك ؟
أخذ الفوائد البنكية الربوية حرام بلا شك لأنها ربا صريح والله سبحانه حرم الربا وحرمه رسوله وأجمع المسلمون على تحريم الربا ومن استحله فهو كافر . ومن الربا الفوائد البنكية ومن قال بحلها فلا عبرة بقوله لأنه مخالف للنصوص . ثم ما كل مفت يكون على مستوى الفتوى فغالب المفتين اليوم جهال بالأحكام الشرعية أو متساهلون بشأن الفتوى وخطورتها .(68/7)
148 ـ أعمل في شركة تأخذ تسهيلات بنكية من البنوك الربوية في حدود خمسة بالمائة من أرباح الشركة . فما هو الحكم في مرتبي من هذه الشركة، وهل يجوز لي العمل فيها، مع العلم أن معظم الشركات تتعامل بهذه الطريقة ؟
التعامل بالربا محرم على الشركات وعلى البنوك وعلى الأفراد . ولا يجوز للمسلم أن يتوظف في المحلات التي تتعامل بالربا . ولو كان تعاملها به قليلاً، لأن الموظف عند هذه المؤسسات والمحلات الربوية يكون متعاونًا معهم على الإثم والعدوان - والمتعاون مع المرابين تشمله اللعنة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لعن الله آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1218، 1219 . من حديث جابر رضي الله عنه . بلفظ " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ] . فلعن الموكل والشاهد والكاتب من أجل تعاونهم مع المرابي - فالواجب عليك أيها السائل أن تلتمس عملاً بعيدًا عن ذلك { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : آية 2 ] . ( ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه ) [ انظر مسند الإمام أحمد ج5 ص78 . عن رجل من أهل البادية . وقد ورد بلفظ : ( إنك لن تدع شيئًا اتقاء الله عز وجل إلا أعطاك الله خير منه " ] .
149 ـ لقد اكتسبت من عمل أشك فيه أنه من مال ربا وأنا مستعد لأتنازل عنه رضاء لله ورسوله . . فما حكم ذلك المال هل هو حرام أم ماذا أصنع فيه ؟
لا يكون المال حرامًا إلا إذا تأكدت أن مصدره حرام وما دمت لم تتأكد فالأصل الحل . لكن إن تركته من باب الاحتياط والورع فهذا حسن وطريق التخلص منه أن تتصدق به أو تضعه في مشروع خيري .(68/8)
150 ـ لجدي زوجتان إحداهما أم لأبي وعمي والأخرى وهي الصغرى قد أنجب منها طفلين وقد توفي جدي وكذلك زوجته أم هذين الطفلين وهما صغيران وقد كفلهما والدي وقام على تربيتهما ورعاية شؤونهما وقد ترك جدي أرضًا زراعية فكان والدي مستوليًا عليها ويصرف في شؤون البيت وتجارة المواشي منها إلى أن جاء أخوه الشقيق وطلب منه نصيبه وأعطاه نصيبه فعلاً وبقي أخواه الصغيران اللذان بلغ عمر أحدهما 25 سنة والآخر 16 سنة لم يعطهما نصيبهما بحجة أنهما لا زالا صغيرين دون سن الرشد فما حكم هذا وما حكم ما يصرفه والدي في شؤون البيت والأسرة من دخل الأرض وهل يعتبر هذا من أكل مال اليتيم أم لا .(68/9)
الله سبحانه وتعالى أوصى باليتامى وحفظ أموالهم والعناية بها وتنميتها وتسليمها إليهم موفرة قال تعالى : { وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُواْ لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفًا، وَابْتَلُواْ الْيَتَامَى حَتَّىَ إِذَا بَلَغُواْ النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُواْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَأْكُلُوهَا إِسْرَافًا وَبِدَارًا أَن يَكْبَرُواْ وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ فَإِذَا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ فَأَشْهِدُواْ عَلَيْهِمْ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا } [ سورة النساء : آية 5، 6 ] . إلى أن قال سبحانه وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا } [ سورة النساء : آية 10 ] . وقال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ } [ سورة الأنعام : آية 152 ] . فالواجب المحافظة على مال اليتيم وتعاهده ودفعه إليه إذا بلغ رشده كما أمر الله تعالى بذلك ولا يجوز للإنسان أن يتساهل في ذلك وأن يفرط ويضيع مال اليتيم وأن يأكل شيئًا منه بغير مسوغ شرعي لأن هذا من الكبائر المتوعد عليها بالوعيد الشديد وبالنسبة لما أكله من دخل هذه الأرض فالله سبحانه وتعالى يقول : { وَمَن كَانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ وَمَن كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 6 ] . فيأكل من مال اليتيم بقدر عمله والفقهاء يقولون يأكل الأقل من كفايته أو أجرته أما ما زاد على ذلك فهو لا يجوز .(68/10)
151 ـ والدي له أرض زراعية لكنه لا يستطيع إحياءها بالزراعة فقام بتأجيرها على شخص آخر يقوم بزراعتها مقابل أجر سنوي لكل فدان منها وبينهما عقد اتفاق بذلك فهل يجوز هذا التصرف أم لا ؟
لا بأس أن يؤجر الأرض لمن يزرعها بدراهم أو بجزء مشاع مما يخرج منها كالثلث أو الربع أو العشر أو الخمس . لأن النبي صلى الله عليه وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج منها (12)(68/11)
النكاح والطلاق والحقوق الزوجية
152 ـ هل يجب على الأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى حتى تتزوج الكبرى ؟
لا يجوز للأب أن يمنع تزويج البنت الصغرى إذا خطبت بحجة أنه لا بد من تزويج البنت الكبرى قبلها وإنما هذا من عادات العوام التي لا أصل لها في الشرع لما يتوهمون من أن فيه إضرارًا بالكبرى ولو صح هذا فإن فيه أيضًا إضرارًا بالصغرى ( والضرر لا يزال بالضرر ) .
153 ـ يقوم بعض الناس بطبع كرت دعوة الزواج على كتيب ديني أو شريط إسلامي فما رأيكم بذلك ؟
الذي أعرفه أن كرت دعوة الزواج يكتب عليه كلمات يسيرة فيها طلب حضور المدعو ولا تتحمل كتيبًا ولا شريطًا كما ذكر السائل - فإن كان الواقع ما ذكر فليس هذا بدعوة وإنما هو شيء آخر إما نصيحة أو غيرها وحينئذ فلا بد من معرفة ما فيه حتى نحكم عليه بصحة أو فساد .
154 ـ أخي مصاب بالصرع، ولكن هذا لا يعيقه عن الجماع، وقد كتب على امرأة فهل يجب عليه أن يخبرها بما فيه قبل أن يدخل بها أم لا يجب ؟
نعم يجب على كل من الزوجين أن يبين للآخر ما فيه من العيوب الخَلْقية قبل الزواج لأن هذا من النصح ولأنه أقرب إلى حصول الوئام بينهما وأقطع للنزاع وليدخل كل منهما مع الآخر على بصيرة . ولا يجوز الغش والكتمان .
155 ـ هل يجوز إجراء عقد النكاح أثناء الإحرام وفي أيام التشريق في الحج أم لا ؟
في أثناء الإحرام لا يجوز عقد النكاح لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا ينكح المحرم ولا يُنكح ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص1030 . من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه ] . فلا يجوز للمحرم أن يعقد النكاح لنفسه ولا لغيره بالوكالة أو الولاية وهذا من محظورات الإحرام . أما في أيام التشريق بعدما يتحلل من إحرامه بفعل المناسك الثلاثة التي هي رمي جمرة العقبة وحلق الرأس وطواف الإفاضة والسعي معه فإنه يجوز له ذلك لأنه يباح له أن يستمتع بزوجته فكذلك يجوز أن يعقد النكاح .(69/1)
156 ـ هل الجمع بين الأختين في الزواج محرم حتى لو كانت الأخوة بسبب الرضاع فقط وكل واحدة من عائلة أخرى أم أن التحريم خاص بالأختين من القرابة فقط ؟
يقول الله سبحانه وتعالى في عداد المحرمات من النساء في النكاح { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } [ سورة النساء : آية 23 ] . الآية وهذا عام فلا يجوز للشخص أن يجمع بين الأختين سواء كان ذلك بالنسب أو بالرضاع ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) [ رواه البخاري في صحيحه ج3 ص149 . من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] .
157 ـ هناك امرأة هندية مطلقة ولا وليّ لها وليس لها أقارب سوى خالها وابنها الذي لم يبلغ سنّ الرشد بعد وتقيم في الهند . تقدم لخطبتها رجل هندي يقيم هنا في المملكة وحصل على موافقتها على الزواج منها وقت أن كان هناك في الهند وبعد أن سافر أراد أن يعقد عليها وهي غائبة فاستأذنت هي خالها وابنها الذي يبلغ ثلاث عشرة سنة ( 13 ) في أن توكل خطيبها في الزواج بها وهي غائبة فكتبت ورقة بخط يدها ووقع عليها خالها وابنها تقول فيها على لسان خالها أنا أوكلك أن تزوج نفسك من بنت أختي فلانة . وفعلاً وصلت هذه الورقة مع صورة لها إلى الخاطب ونطق بالقبول أمام شاهدين مسلمين عدلين فهل يصح مثل هذا العقد أم لا ؟
هذا الإجراء لا يصح به العقد لأنه ليس للخال ولاية على ابنة أخته وليس للمرأة أن توكل من يزوجها وليس لها الولاية على نفسها فهذا الإجراء والكتابة التي كتبت ووقعتها وأشهدت عليها لا قيمة لها . وعلى المرأة أن يعقد لها وليها وهو أقرب عصبتها يعني يعقد لها الموجود من عصبتها ولو كان بعيدًا منها فإذا لم يكن لها عصبة فيعقد لها ولي الأمر الموجود في البلد الذي هو أمير البلد أو قاضي البلد الشرعي .(69/2)
158 ـ لي قريب مسلم ومتزوج من امرأة مسيحية وله منها بنت في سن الزواج وعندها قريب لها مسلم يطلب الزواج منها ولكن أمها رافضة وتريد تزويجها من شاب مسيحي فحصل خلاف بينهم فما الحكم في هذه المسألة وما العمل لو حصل وتغلّبت المرأة المسيحية على زوجها وزوجت ابنتها من رجل مسيحي ؟
لا يجوز تزويج المرأة المسلمة من مسيحي، ولا غيره من الكفار بإجماع أهل العلم لقوله تعالى : { فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ } [ سورة الممتحنة : آية 10 ] . الآية وقال تعالى : { وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ } [ سورة البقرة : آية 221 ] . الآية فإن عقدت وتغلبت الأم في ذلك فالعقد باطل لا يصح بل يجب على أبيها أن يتمسك بابنته ويمنع زواجها من الكافر .
159 ـ امرأة تزوجت وهي صغيرة ولم توفق في زواجها فتطلقت ثم توفي والدها وكذلك والدتها ولها عدة إخوة أكبر منها وقد تقدم لخطبتها عدة أشخاص ولكن أخاها الأكبر يرفض تزويجها كلما تقدم خاطب وبعضهم لا يخبرها به ولا يأخذ رأيها فيهم فهل يجوز له ذلك وهل يجوز لها أن تتزوج من شاب بموافقة أحد إخوانها دون الأكبر الذي دائمًا يرفض أو لا يجوز لها ذلك ؟(69/3)
أولاً يجب على ولي المرأة إذا تقدم لها كفء يناسبها ورغبت في الزواج منه فإنه يجب عليه أن يزوجها منه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فأنكحوه إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد ) [ رواه الترمذي في سننه ج4 ص42، 43 . من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه ] . فإذا لم يزوجها بكفئها الذي رضيت به فإنه يكون قد عضلها والعضل محرم وحينئذ تسقط ولايته عليها إلى من بعده من أوليائها على الترتيب وهذه القضية فيها تفصيل إذا كان الأخ الأكبر له وجهة نظر في رفضه لكون هذا الزوج غير كفء لها فهو مصيب في ذلك ولو رغبت هي فإنه لا يزوجها ممن لي بكفء لها ولو رضيت به لأن نظرها قاصر ويجب عليه أن يختار لها الكفء الذي يناسبها أما إذا لم يكن لرفضه سبب صحيح فكما ذكرنا أنه حرام عليه أن يمنعها وأن يعضلها وإذا كان في المسألة أولياء آخرون فالولاية تنتقل إليهم ويرجع إلى القاضي في هذه القضية ليراعي المصلحة وينقل الولاية من هذا إلى من هو بعده في الترتيب لضبط هذه المسألة وضبط الواقع فيها .
160 ـ كانت جدتي والدة أبي على قيد الحياة وكذلك جدي وقد توفاها الله فأراد جدي أن يتزوج بأخرى فتقدم لإحدى بنات القرية وفعلاً تزوجها وبعد مدة من زواجه بها تقدمت أنا لخطبة أختها الصغرى وقد تم زواجي منها فهل يجوز ذلك . وماذا تصبح قرابة أولادي لأولاد جدي من هذه المرأة لكونهم أبناء خالات من ناحية ؟
يجوز للإنسان أن يتزوج أخت زوجة جده وأخت زوجة أبيه لا مانع من ذلك . وبالنسبة لأولادك يكونون أولاد خالة لأعمامك أولاد جدك وليس في هذا كبير إشكال .
161 ـ هل يصح لمكفوف البصر أن يتولى عقد النكاح بنفسه أم لا ؟(69/4)
السؤال فيه إجمال فإن كان السائل يقصد أن المكفوف يتولى عقد النكاح لنفسه أو لموكله أو لموليته بأن يتولى عقد النكاح بالأصالة عن نفسه أو بالوكالة أو بالولاية على غير فلا بأس بذلك كله لأن فقد البصر لا يمنع من أن يتولى المكفوف عقد النكاح لنفسه أو لغيره ممن له العقد لهم شرعًا إذا كان تتوفر فيه الشروط المطلوبة شرعًا في الولي أما إن كان يقصد ما جرت العدالة به من أن أحدًا يتولى قراءة خطبة العقد ويشرف على العقد غير الطرفين فلا بأس كذلك أن المكفوف يتولى الإشراف على العقد بين الزوجين بأن يقرأ الخطبة المستحبة للعقد وأن يتولى الإشراف على العقد وشروطه وجريانه على الوجه المشروع .
162 ـ أنا شاب أبلغ العشرين من عمري وقد تقدمت لخطبة فتاة هي ابنة عمي وبما أن لي أختًا في سن الزواج فقد رفض عمي تزوجي بابنته إلا بعد موافقتي على تزويج ابنه بأختي بطريقة البدل، وقد حاولت كثيرًا بإقناعه بأن ذلك لا يجوز ولكن دون جدوى فهو مصر على ذلك وتحت هذا الإصرار ولرغبتي الشديدة في التزوج من ابنته فقد وافقت أن يتزوج ابنه من أختي وأتزوج ابنته ولكن إلى الآن لم يتم الزواج فما الحكم لو تم بهذه الصورة فإن كان ذلك لا يجوز فماذا علينا أن نفعل لكي يتم عقد الزواج لي ولابنه دون ارتكاب محظور ؟(69/5)
مثل هذا الزواج الذي سألت عنه بأنه رفض وليّ المرأة أن يزوجك بها حتى تزوجه أختك هذا الزواج لا يجوز لأنه شغار ونكاح باطل أي إذا كان تزويج المرأة مشروطًا بتزويج الأخرى فهذا هو نكاح الشغار فإن كان بدون مهر فهو شغار بإجماع أهل العلم وباطل وإن كان معه مهر فالصحيح أنه لا يجوز لأن في ذلك إضرارًا بالمرأتين في صالح الرجال والإضرار بالنساء لا يجوز لأن ولي المرأة يجب عليه أن ينظر في مصلحتها هي لا في مصلحته هو لأنه ولي عليها وراع لمصلحتها فلا يجوز له أن يستغل ضعفها وولايته عليها في صالحه هو ولو أضر ذلك بها فمثل ما سألت عنه لا يجوز الإقدام عليه والذي أراه لك أن تلتمس زوجة أخرى ليس فيها اشتراط أن تزوج وليها بأختك { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : آية 2، 3 ] . والنساء كثير وما جعل الله سبحانه وتعالى في ذلك من ضيق وحرج فعليك أن تلتمس زوجة أخرى بدون أن تضر بأختك .
163 ـ رجل تزوج امرأة وطلقها دون أن تنجب له أطفالاً فتزوجت من رجل آخر وأنجبت من الرجل الثاني بنتًا هل يجوز أن يتزوج الرجل الأول الذي طلقها بنتها من الرجل الثاني ؟
لا يجوز للرجل أن يتزوج بنت زوجته التي دخل بها من زوج قبله أو بعده لقوله تعالى لما ذكر المحرمات في النكاح : { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } [ سورة النساء : آية 23 ] . والربيبة هي بنت زوجته من غيره أو بنات أولادها مهما نزلوا .(69/6)
164 ـ قرأت في كتاب " هذا حلال وهذا حرام " للشيخ عبد القادر أحمد عطا في سياق كلامه عن المحارم قرأت قوله إذا جمع الرجل أربع زوجات فطلق إحداهن أو ماتت وأراد أن يتزوج رابعة بدلها حرم عليه أن يتزوج إلا بعد انتهاء عدة المطلقة وكذلك لو طلق الرجل زوجته وأراد أن يتزوج أختها فلا بد من انتظاره مدة العدة ثم يتزوج بعد انتهائها ويحرم عليه خلالها فهل هذا الذي قرأته صحيح وكيف يكون ذلك ولماذا فكأنها عدة يعتدها الرجل .
من عنده أربع زوجات وطلق واحدة منهن فإنه لا يجوز له أن يتزوج بدلها حتى تخرج هذه المطلقة من عدتها لأنها إن كانت رجعية فهي زوجه ما دامت في العدة ولا يجوز له أن يجمع أكثر من أربع وإن كانت بائنًا فهي أيضًا معتدة بسببه وآثار النكاح عليها باقية فلا يجوز له أن يتزوج امرأة أخرى حتى تخرج من العدة أيضًا وكذلك من طلق امرأة فإنه لا يجوز له أن يتزوج أختها أو عمتها أو خالتها حتى تخرج من العدة لأن الله جل وعلا نهى عن الجمع بين الأختين والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها (13) فلا بد من خروجها من العدة لئلا يحصل الجمع بين الأختين أو بين المرأة وعمتها لأنها ما دامت في العدة فهي إما زوجة رجعية وإما مطلقة متربصة بسبب النكاح الذي طلقها فيه فهي منتظرة بسببه وفي آثاره ولئلا يجتمع ماؤه في رحمين متقاربين .(69/7)
165 ـ سائلة تقول : إنها كانت تعتنق الديانة المسيحية وحين ذاك تقدم إليها شاب مسلم يرغب الزواج منها فرفض والدها الموافقة على هذا الزواج ولاقتناعها بهذا الرجل ورغبتها في الارتباط به هربت من بيت والدها وذهبت إلى هذا الرجل وتزوجته وبتأثير منه دخلت في دين الإسلام وبما أن زوجها هذا كان جنديًا في الجيش فقد قتل في الحرب العراقية الإيرانية وبعد ذلك طلب والد زوجها منها الخروج من بيتهم علمًا أن لها طفلة ويريد منها أن تذهب إلى أهلها مع أن أهلها يرفضون عودتها إليهم إلا بعد أن تعود إلى المسيحية وهذا ما لا تريده ولن تفعله أبدًا وقد أجبروها على أن تستأجر دارًا من راتب زوجها الذي تستلمه شهريًا وتسكن فيه مع ابنتها الصغيرة ولكنها تخشى على نفسها بسبب سكناها وحدها دون رجل لذا هي تسأل أولاً عن حكم زواجهما بالصورة الآنفة الذكر وثانيًا عن موقف والد زوجها معها بعد وفاة زوجها وثالثًا عن حكم سكنها في بيت وحدها دون رجل معها بصفة شرعية ؟(69/8)
أولاً نحمد الله أن هداك للإسلام ونسأله أن يثبتنا وإياك عليه أما بالنسبة لحكم الزواج الذي حصل فهذا لا ندري عن الكيفية التي تم العقد عليها فإذا كان تم بولي شرعي وأخذ الصورة الشرعية فالزواج صحيح وإذا كان خلاف ذلك فهو غير صحيح لكن ما دام أنه مضى وانتهى بالوفاة فهو عقد فاسد والبنت يحلقه نسبها لأنها حصلت من وطء بشبهة . وأما قضية إن والد زوجها حصل منه إساءة إليها فلا ينبغي منه هذا بل ينبغي لوالد زوجها أن يحسن إليها لا سيما وأنها غريبة ومسلمة وأن أهلها كفار ويخشى إذا ذهبت إليهم أن يحولوها عن دين الإسلام فلا يجوز لأبي زوجها أن يضايقها لا سيما وهي أم لبنت ابنه بل يجب عليه أن يحسن إليها وأن يبقيها في بيت حوله وأن يراقبها ويراقب ابنة ابنه التي معها هذا الواجب على أبي زوجها . وأما بالنسبة لبقائها في بيتها وحدها بدون زوج فهذا لا ينبغي لها وننصح لها أن تتزوج ليتم لها الصيانة والحماية والاطمئنان ولتستغني أيضًا عن الذهاب إلى البلد الذي جاءت منه ننصح لها أن تتزوج ويتولى تزويجها الحاكم الشرعي في هذه الحالة لأن أباها ليس له عليها ولاية ما دام أنه كافر وهي مسلمة .
166 ـ سائلة تقول : أن لها بنات في سن الزواج وقد تقدم إليهن الخطاب ولكنها ترفضهم بحجة أن بناتها سوف يكملن تعليمهن إيمانًا منها بضرورة التعليم للفتاة وبعد انتهائهن من التعليم سوف تزوجهن فما حكم عملها هذا وهل هي مصيبة أم مخطئة ؟(69/9)
هي مخطئة في هذا العمل لأن الواجب أن الفتاة إذا بلغت وكانت بحاجة إلى الزواج أن يبادر بتزويجها خشية عليها من الفساد وأيضًا التزويج فيه مصالح منها : أولاً : صيانتها وعفتها وثانيًا : فيه طلب الذرية الصالحة . وثالثًا فيه كفالة الزوج لها وقيامه عليها وصيانتها . وأما التعليم فهو أمر غير ضروري وإنما هو أمر مكمّل لا يفوت به الزواج الذي فيه المصالح العظيمة والمنافع الكثيرة مع أنه يمكن أن تجمع بين الأمرين، بأن تتزوج وأن تواصل دراستها أما إذا تعارض الزواج مع الدراسة فيجب أن تقدم الزواج لأن تفويته فيه أضرار بالغة بخلاف تفويت التعليم فإنه لا يترتب عليه كبير ضرر . هذا إذا كان التعليم محتشمًا وشرعيًا أما إذا كان التعليم كما هو الغالب على الدول اليوم غير الملتزمة أنه تعليم مختلط وتعليم غير محتشم فهذا لا يجوز للمرأة أن تنتظم فيه سواء كانت متزوجة أو غير متزوجة لأن هذا يجرها إلى الحرام .
167 ـ رجل تزوج امرأة كانت متزوجة من رجل آخر بعد أن توفى وخلفت منه ولدًا وأنجبت للزوج الجديد ولدًا أيضًا وكان هذا الرجل لديه بنت من زوجة أخرى فقام بزواجها من ابن الزوج الأول الذي دخل بزوجته بعد وفاته وأنجبت له ولدًا فهل هذا الزواج صحيح أم لا ؟
لا بأس بذلك فيجوز للإنسان أن يتزوج بنت زوج أمه من زوجة أخرى .
168 ـ يحدث في مناسبات الزواج عندنا أن يقوم بعض المشاركين في الفرح بإطلاق النار من الأسلحة أو بالألعاب النارية ونحو ذلك مما فيه تبذير وإهدار للمال في غير وجهه الشرعي فهل يجوز ذلك وبماذا تنصحون هؤلاء الناس الذين يبالغون في الإسراف والتبذير في مناسبات الزواج .(69/10)
لا شك أن هذا لا ينبغي ولا يجوز الإسراف في الحفلات والإسراف في إظهار الفرح وإطلاق النار وما أشبه ذلك كل هذا من المبالغة والإسراف إضافة إلى ما قد يترتب عليه من الخطر لأن إطلاق النار باستعمال السلاح ربما يؤدي إلى الإضرار بالآخرين فالحفلات والفرح بمناسبة الزواج إنما يكون بحدود مشروعة ومعقولة ليس فيها إسراف وليس فيها تبذير والذي ننصح به إخواننا أنهم في مثل هذه المناسبات يتعقلون في أمرهم ويحتفلون احتفالات لا إسراف فيها ولا تبذير ولا غفلة عن ذكر الله عز وجل ولا يحصل فيها محاذير ومنكرات وكل هذا مما لا يجوز والمسلمون منهيون عن الإسراف في الفرح والإسراف في تبذير المال من غير فائدة وكل ما تجاوز حده فإنه ينقلب ضده والله أعلم .
169 ـ ما حكم الطلقة الواحدة وبلفظ واحد محددة بزمن معين كأن يقول الرجل لزوجته : أنت طالق لمدة شهر هل يقع هذا الطلاق وهل عليه إثم إن هو عاشرها قبل انقضاء الشهر مع العلم أنها لم تخرج من بيت زوجها في تلك الفترة ؟
الإجابة : نعم يقع الطلاق ويكون طلقة واحدة رجعية يعني له أن يراجعها ما دامت في العدة والطلاق لا يتحدد بوقت كأن يقول مثلاً : أنت طالق شهر أو إلى سنة الطلاق إذا صدر فإنه لا يتحدد لوقت ينتهي بانتهائه ولكنه إذا كان دون الثلاث ولم يكن بعوض فإنه يجوز له أن يراجعها ما دامت في العدة .
170 ـ كنت أعمل بالعراق منذ سنتين وقد حصلت قضية فحكم علي بالسجن عشر سنوات فهل لزوجتي الحق في طلب الطلاق والحصول عليه ؟
أنت معذور في تأخرك عنها بسبب السجن ولكن هي إذا كان عليها ضرر من هذا الانتظار فإنها تتقدم للقاضي الشرعي وهو ينظر في قضيتها .
171 ـ كان والدي ولا يزال يعاني من فقدان الذاكرة في حين أن له زوجة كانت لا تعتني به ولا تحضر له الأكل ولا تغسل له ملابسه فطلقناها منه بأن أجبرنا والدنا على طلاقه لها فطلقها فهل علينا إثم بذلك وهل يقع الطلاق أم لا ؟(69/11)
إذا كان والدكم يعقل الطلاق ويفهمه وصدر منه في حالة عقله وتصوره وهو مختار غير مكره فإن طلاقه يقع إذا كان يعقل حين تلفظ بالطلاق ولم يكن مكرهًا على ذلك فإن طلاقه يقع أما إذا كان حين تلفظ بالطلاق غائب العقل أو مختل العقل لا يتصور ما يقول أو كان مكرهًا إكراهًا ألجأه إلى الطلاق فإن طلاقه لا يقع في هاتين الحالتين وعليكم في ذلك إثم لأنه لا يجوز أن تحملوا والدكم على طلاق زوجته لأن الطلاق بغيضٌ إلى الله سبحانه وتعالى ولا سيما التفرقة بين والدكم وزوجته وتشتيت الأسرة هذا فيه محاذير فليس لكم أن تفعلوا هذا .
172 ـ ما الحكم الشرعي فيمن حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار ألا تفعل شيئًا ثم سافر عنها ولا يعلم هل خالفت يمينه أم لا ؟ وإن فعلت وهو لا يعلم بذلك فما الحكم ؟
إذا حلف على زوجته بالطلاق أو الظهار يقصد منعها من عمل شيء فهذا يأخذ حكم اليمين يكفر كفارة يمين على الصحيح وينحل أما لو فعلت في غيبته ما نهاها عنه وحلف عليها ألا تفعله فإنه يحنث بذلك ولو لم يعلم لأنه حلف عليها ألا تفعل فخالفت اليمين وإذا خالفت اليمين متعمدة ذاكرة لهذا الحلف فإن الحالف يأثم بذلك وتكون عليه الكفارة سواء علم أو لم يعلم .
173 ـ في هذه الحالة لو كانت مطلقة تبدأ العدة من وقت المخالفة ؟
هي لا تطلق . لو كان قصدهُ من الطلاق منعها من ذلك هذا لا يكون طلاقًا وإنما يكون يمينًا أما إذا قصد الطلاق ولم يقصد منعها من الشيء وفعلته فهي تطلق من حين يقع منها هذا الشيء .
174 ـ وإذا انتهت عدتها ولم يعلم هو منها مخالفته ؟
العدة لا تتعلق بعلمه إنما تتعلق بحصول المعلق عليه إذا فعلت ما نهاها عنه وما عَلِق عليه الطلاق فإنه يبدأ الطلاق من حين فعلها وتنتهي عدتها بمضي وقتها سواء بالحيض أو بالأشهر سواء علم هو أو لم يعلم .
175 ـ يعني لو عاشرها بعد ذلك تكون العشرة محرمة وعليها الإثم لأنها هي المتسببة وهي جاهل بما فعلت ؟(69/12)
هذا يختلف باختلاف الطلاق إذا كان الطلاق رجعيًا وعاشرها في زمن العدة لا بأس بذلك ويعتبر هذا رجعة .
176 ـ لو كان غائبًا وحلف عليها ألا تفعل شيئًا ثم سافر وهي فعلت في غيبته وانتهت العدة وهو لا يعلم إنها فعلت ؟ دون أن تحصل منه مراجعة .
لا يجوز له مراجعتها إذا انتهت العدة فقد بانت منه وتحرم عليه .
177 ـ سائل يقول : حصل مني وأنا في حالة غضب أن حلفت على زوجتي يمينًا بالطلاق ثلاث مرات إذا ذهبت إلى بيت والدها طوال فترة غيابي وحتى الآن لم تذهب .
فهل يجوز لي بعد ذلك وأنا موجود هنا أن أسمح لها بالذهاب لأني شعرت بعد ذلك بأنني سأكون قاطعًا لذوي الأرحام وماذا يترتب على ذلك لو فعلت ؟
إذا كان قصدك من الطلاق منعها من الذهاب ولم ترد إيقاع الطلاق وإنما قصدت منعها فقط فإنه سيكون عليك كفارة يمين بأن تكفر كفارة يمين وتنحل هذا اليمين ويجوز لها بعد ذلك أن تذهب إلى أقاربها .
أما إذا كان قصد طلاقها إنها إذا ذهبت فإنها تطلق فهذه يقع عليها الطلاق لأنك لم تقصد المنع وإنما قصدت تعليق الطلاق على الذهاب وإذا حصل الشرط حصل المشروط .
178 ـ أي لا يكون طلقة واحدة بحكم أنها في مجلس واحد أو في موقف واحد أو كررها بلفظ واحد .
لو كانت الثلاث بلفظ واحد هذا موضع خلاف بين أهل العلم - الجمهور على أنه يقع ثلاثًا - وهذا هو الصحيح وإن فرقه بثلاثة ألفاظ فهذا يقع عند الجميع ثلاث طلقات أما في حالة الغضب وزال معها شعوره حيث لا يتصور ماذا يقول فهذا لا شيء عليه لا يمين ولا طلاق ولا ظهار لأنه زائل الشعور أما إذا كان غضبه أقل من ذلك ويتصور ما يقول ويعقل ما يقول فكما ذكرنا .(69/13)
179 ـ قبل أن أتزوج حصل خلاف بيني وبين والدي فقلت له حرام علي الزوجة التي تدفع مهرها من عندك وبعد مرور سنة تقريبًا وبعد أن زال الخلاف بيننا تقدم والدي إلى أهل إحدى الفتيات خطبها لي ولم أتذكر في ذلك الوقت التحريم الذي حصل مني سالفًا وفعلاً تم الزواج وقد أنجبت الزوجة أربعة أولاد فما الحكم في هذا وهل يؤثر التحريم أو الطلاق الذي يقع من شخص قبل أن يتزوج - هل يؤثر عليه بعد الزواج أم لا ؟ علمًا أنني قد دفعت إلى والدي ما صرفه علي في زواجي ذلك ؟
أولاً لا يجوز ذلك منك أن تغضب على والدك وتتجادل معه ويصل بك الأمر إلى هذه الدرجة لأن الوالد له حق ويجب على الولد أن يتأدب معه وأن يخضع له وأن يوقره ويحترمه أما ما حصل منك فأنت أخطأت فيه وعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وتستغفر وتطلب من والدك المسامحة أما بالنسبة لليمين الذي حلفته ألا يدفع والدك شيئًا فما دام أنك أنت الذي دفعت المهر فلا شيء عليك .
180 ـ أصبح الطلاق قرارًا سهلاً لدى بعض الناس ولأسباب غير كافية . ما هو الحل في نظركم لعلاج هذه الظاهرة الاجتماعية السيئة . ؟
الطلاق من غير حاجة مكروه لما يترتب عليه من الأضرار الكثيرة . ولا ينبغي للمسلم أن يتساهل بشأنه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( أبغض الحلال إلى الله الطلاق ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص261 . ورواه ابن ماجه في سننه ج1 ص650 . ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج7 ص322 . ورواه الحاكم في المستدرك ج2 ص196 بنحوه . كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] . وحتى لو كره الزوج من زوجته بعض الأخلاق التي لا تخل بعفتها فإنه يستحبُّ له الصبر عليها وإمساكها . قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [ سورة النساء : آية 19 ] .(69/14)
181 ـ حدث خلاف بيني وبين زوجتي قلت لها على أثره أنت طالق طالق طالق فهل يعتبر ذلك طلقة واحدة أم يعتبر ثلاث طلقات وفي هذه الحالة تكون محرمة علي علمًا بأنها أخبرت والدها بأني طلقتها فعمل على رد هذا الطلاق ثم عدنا إلى بعضنا وكأن شيئًا لم يكن فما حكم الشرع في ذلك وإن كانت تعتبر ثلاث طلقات وكونها لا تحل لي فهل الذنب يقع علي أم على والدها وهل في هذه الحالة لا تحل لي إلا بعد زواجها من شخص آخر وطلاقها منه أم يمكن كما حدث أن ترجع إلي قبل انقضاء العدة .
أمر الطلاق أمر عظيم وخطر لا ينبغي التساهل في شأنه والاعتماد على قول فلان وفلان وأقوال الجهال . الواجب أن يراجع فيه أهل العلم وأن يسأل أهل العلم حين وقوع المشكل لقوله تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة النحل : آية 43 ] . أما كونك تبقى على هذا المشكل وتعيش مع زوجتك وأنت قد حصل منك هذا التلفظ وترسل بسؤال إلى الإذاعة قد يتأخر لمدة طويلة تتأخر الإجابة عليه أو لا يجاب عليه وتبقى مع زوجتك وأنت لا تدري هل هي تحل لك أو لا تحل فهذا من الإهمال ومن التفريط والإضاعة أما قولك أنتِ طالق، طالق، طالق . فكررته ثلاث مرات إذا كنت قصدت من هذا التكرار مجرد التأكيد ولم تنو إلا طلقة واحدة وكررت اللفظات تأكيدًا فقط فليس عليك إلا طلقة واحدة وأما إذا لم تنو التأكيد فإن هذه تكون ثلاث تطليقات وتبين منك بينونة كبرى لا تحل لك إلا بعد أن يتزوجها زوج آخر زواج رغبة بها ثم بعدما يدخل بها يطؤها ثم يطلقها طلاق رغبة عنها لا بقصد التحليل والتحايل وإنما يتزوجها على أنها زوجة مستمرة ويطلقها إذا طابت نفسه منها وأراد فراقها باختياره لا بقصد أن يحللها لك .(69/15)
182 ـ سائلة تقول أنها عقد قرانها على شاب ووقت العقد كانت في فترة العادة وتم العقد في ذلك الحين لكن لم يدم زواجهما بل طلقها زوجها قبل الدخول بها وكانت أيضًا وقت الطلاق في العادة الشهرية فما حكم العقد في تلك الفترة وكذلك الطلاق علمًا أنها تزوجت من رجل آخر ؟
أما حكم العقد في حالة الحيض فلا بأس به ولا مانع منه فهو عقد صحيح لا حرج فيه وأما حكم الطلاق في حالة الحيض فهو حرام لأن الله سبحانه وتعالى أمر أن تطلق النساء لعدتهن (14) وذلك بأن يكن طاهرات من غير مسيس هذا الوقت الذي تطلق فيه المرأة فالطلاق المذكور محرم وهو طلاق بدعة .
لكنه يقع على قول جماهير أهل العلم وإذا كانت قد تزوجت بآخر فقد انتهى الأمر .
183 ـ إنني قد تزوجت من ابنة عمتي ورزقنا الله بطفلين والحمد لله ومع مرور الزمن حصلت مشكلة وحصل الطلاق على إثرها ولكن أرجعتها وعقدت عليها وأيضًا حصلت مشكلة بعد ذلك فقلت لها أنت طالقة بثلاثة طلقات وعلى هذا الأساس ذهبت لبيت أهلها والآن أريد أن أرجعها مرة أخرى من أجل الأولاد ولنعيش سويًا ولكن العقبة التي أمامي هي قولي لها أنت طالقة بثلاث طلقات وحيث أن الآراء مختلفة مع الناس بعضهم يقول بصحة رجوعها وبعضهم بعدم جواز الرجعة . فأرجو إفادتي بالحكم الشرعي الصحيح . في هذا الموضوع ؟(69/16)
ينبغي للمسلم أن يحفظ لسانه من التلفظ بالطلاق وحتى لو حصلت بينه وبين زوجته مشادة وسوء تفاهم فيجب عليه أن يعالج ذلك بغير الطلاق لأن الطلاق لفظ يترتب عليه ندامة ويترتب عليه حرج ويترتب عليه ضياع أسر وأطفال فهو أمر خطير فيجب على المسلم أن يبعد عن التلفظ بالطلاق إلا في الحالة التي لا بد منها والتي جعل الله الطلاق مخرجًا فيها أما أن يطلق زوجته وأم أولاده ثم يندم بعد ذلك ثم يحاول استرجاعها فيقع هو في حرج ويوقع المفتي في حرج فهذا أمر يجب تلافيه من الأول وأن يعالج مشكلته مع زوجته بغير الطلاق وهناك من أنواع العلاج للمشاكل الشيء الكثير ويجب عليه أن يتحمل ما يواجهه من زوجته لأنه إن كره منها خلقًا فسيرى منها أخلاقًا يحبها كما في الحديث (15) فعليه أن يتحمل لا سيما وأن المرأة لا بد أن يكون فيها شيء من العوج كما قال النبي صلى الله عليه وسلم (16) فعليه أن يصبر على ذلك وأن يواجه الأمور بحكمة . أما من ناحية ما ذكر من أنه طلقها ثلاث طلقات وكان قد طلقها قبل ذلك وأرجعها بعقد جديد . فهذه المسألة تراجع فيها المحكمة الشرعية للنظر فيها .
184 ـ أنا رجل متزوج وقد حصل مني حلف بالطلاق في حالتين : الأولى : أني حلفت بالطلاق أن لا أفعل شيئًا ما بنفسي ولأهمية ذلك العمل لي فلم أجد من يقوم به غيري فعملته . والحالة الثانية هي : إنني كنت مع بعض الزملاء في مسكننا وحصل شجار كرهت الجلوس بعده فقلت عليَّ الطلاق بالثلاث أنني لا أقعد معكم وحاولت الخروج ولكن بعض الأصحاب ألحّ عليّ في البقاء معهم وفعلاً بقيت ولم أخرج فماذا عليّ في هاتين الحالتين وماذا يلزمني فعله لكي أحافظ على زوجتي ؟(69/17)
لا يجوز للمسلم أن يتخذ الطلاق سلاحًا على لسانه دائمًا عند أدنى سبب يتلفظ بالطلاق لأن هذا تلاعب بشرع الله تعالى والطلاق أمر خطير وبغيض إلى الله سبحانه وتعالى فيجب على المسلم أن يحفظ لسانه من التلفظ بالطلاق إلا عند الحاجة التي يشرع فيها الطلاق أما أن يتخذ الطلاق محلاً لليمين ودائمًا يهذو به ويتكلم به فهذا لا يجوز . أما من ناحية ما حصل من السائل في أنه حلف بالطلاق مرتين وفي مناسبتين فهذا إن كان يريد تعليق الطلاق على شيء إذا حصل فإنه يقع عند حصول المعلق عليه أما إذا كان أراد مجرد اليمين ومجرد منع نفسه من شيء وحلف بالطلاق ليمنع نفسه من ذلك فهذا يجري مجرى اليمين على الصحيح من قولي العلماء ويكون فيه كفارة اليمين إذا خالف ما حلف عليه . فيكون على السائل كفارتان كفارة للمرة الأولى وكفارة للمرة الثانية بأن يطعم عن كل مرة عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو يكسو عشرة مساكين لكل مسكين ثوب أو إزار ورداء على حسب عادة البلد أو يعتق رقبة إذا أمكن هذا مخير فيه بين هذه الأمور الثلاثة وإذا لم يقدر على واحدة منها فإنه يصوم ثلاثة أيام والله أعلم .(69/18)
185 ـ والده أرغمه على الزواج من فتاة لا يرغب فيها ولذلك لم تكن عشرتهما حسنة فكثيرًا ما تقع الخلافات بينهما فكان يحلف عليها بالطلاق مرة بعد مرة وكلما حلف عليها ذهب إلى شيخ عندهم ليرجعها إليه وفي المرة الثالثة قال لها أنت طالق وتحرمين عليّ مثل أمي وأختي وكان قصده من هذا أن لا تكون له زوجة ولكنه في تلك الفترة كان يتعاطى شرب الخمر وذهب أيضًا إلى الشيخ ليرد له اليمين هذه فأخذ منه مبلغًا من المال ووزعه على الفقراء وانحلت بذلك يمينه وعادت الحياة بينهما طبيعية، ولأن له طفلين منها ولأنه قد تاب إلى الله مما كان يفعله من المعاصي وأدى فريضة الحج فإنه يسأل عن إمكانية استمرار الحياة شرعًا بينه وبين زوجته تلك وعن جواز إرغام الوالد ابنه على الزواج من فتاة لا يريدها الابن وعن طريقة التكفير التي اعتادها ذلك الشيخ ؟
أولاً قضية إلزام الشخص أن يتزوج امرأة لا يريدها من قبل والده هذا لا يجوز لأن الزواج مبني على الرغبة وعلى المحبة والألفة بين الزوجين فما دام أن الابن لا يرغب في الزواج من هذه الفتاة فليس لوالده أن يكرهه على ذلك أو أن يشدد عليه بل يترك له الاختيار هذا الذي ينبغي أن يوجه إليه الآباء وأما قضية ما حصل منه من الطلاق وتكرار الطلاق ثم الظهار مع الطلاق ثم ما حصل من الفتاوى التي يقولها عن شيخ أن يفتيه في كل مرة هذه قضية تحتاج إلى تثبت وتحتاج إلى معرفة ملابسات الأمور فالذي نراه أن يرجع إلى دار الإفتاء بالرياض إما حضوريًا وإما أن يكتب كتابة واضحة يفصل فيها الأمر تفصيلاً مبنيًا على الصدق وعلى الواقع وسيجد الجواب إن شاء الله في هذا .
186 ـ وقعت مشكلة بين أهلي وزوجتي في اليمن وذهبت إلى المحكمة الشرعية بجدة للطلاق وفي المحكمة طلبوا مني ورقة كتبتها لهم وفيها :(69/19)
أنا المدعو فلان بن فلان قد طلقت فلانة بنت فلان وأنا في كامل وعيي وعلى ذلك أوقع . وأخذوا مني الورقة وأعطوني موعدًا لمقابلة القاضي وإحضار الشهود وحضرت في الموعد ومعي اثنان شهود ولكن القاضي لم يحضر إلى المحكمة في ذلك اليوم وبعد ذلك تراجعت وعدلت عن الطلاق . فهل يكون بهذا وقع الطلاق مني أم لا . وهذا حدث قبل ثلاث سنوات وأنا الآن لي أولاد منها بعد ذلك وإذا كان قد وقع الطلاق فما هو مصير الأولاد وماذا عليّ أن أفعل ؟
الطلاق الذي كتبته ونويته يقع على زوجتك بلا شك وإذا كان دون الثلاث ولم يسبقه طلاق قبله وكانت مراجعتك لها قبل انقضاء العدة فهي مراجعة صحيحة بهذين الشرطين : أن لا يكون الطلاق قد استنفد الثلاث وأن تكون الرجعة في أثناء العدة . فإن كانت العدة قد انتهت والطلاق دون الثلاث فلك أن تتزوجها بعقد جديد .
187 ـ ما حكم الشرع في تحديد النسل ؟(69/20)
طلب الذرية والنسل أمر مشروع وذلك لتكثير عدد الأمة والنبي صلى الله عليه وسلم حث على تزوج الولود وقال (إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص158 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه . ورواه أبو داود في سننه ج2 ص227 ورواه النسائي في سننه ج6 ص65، 66 . من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه بدون ذكر ( يوم القيامة ) ] . فطلب النسل مشروع للمسلمين وينبغي العناية به والتشجيع عليه أما تحديد النسل فهذه دسيسة خبيثة دسها علينا أعداء الإسلام يريدون بذلك إضعاف المسلمين وتقليل عددهم . فتحديد النسل لا يجوز في الإسلام وهو ممنوع لأنه يتنافى مع المقصد الشرعي وهو تكثير أفراد الأمة وتكثير الأعضاء العاملين في المجتمع وتعطيل للطاقة التي خلقها الله سبحانه وتعالى لعمارة هذا الكون فالنسل مطلوب وبه تحصل مصالح للأفراد وللجماعات وللأمة فهذه الفكرة . فكرة تحديد النسل فكرة مدسوسة على المسلمين وربما أنها أثرت على بعض المغفلين أو ضعاف الإيمان فتأثروا بها فالواجب عليهم أن يمحوا هذه الفكرة من أنفسهم وأن يطلبوا النسل ويكثروا منه والأرزاق بيد الله تعالى وكثرة النسل يأتي معها الخير لأن الله لا يخلق نفسًا إلا ويخلق رزقها وييسر ما تقوم به مصالحها والأرزاق بيد الله فالذين يشكون أو يهددون بالأزمات الاقتصادية وأن كثرة السكان يترتب عليها الشح في الأقوات والأرزاق هذا كله من وحي الشيطان وأتباع الشيطان الذين لا يؤمنون بالله وبتقدير الله . أما الذين يؤمنون بالله يعتمدون عليه ويتوكلون عليه ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره . ولما كان المشركون يقتلون أولادهم خشية الفقر نهاهم الله عن ذلك فقال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئًا كَبِيرًا } [ سورة الإسراء : آية 31 ] . وقال تعالى : { وَلاَ تَقْتُلُواْ(69/21)
أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [ سورة الأنعام : آية 151 ] . فدل هذا على أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى وإن كل نفس يقدر الله لها الرزق وبكثرة النسل تكثر الأرزاق والإنتاج ويكثر العاملون .
188 ـ ما الحكم في تحديد النسل مع القدرة على الإنجاب بدون مشقة ومع القدرة على تربية الأولاد وتوفير العيش لهم ؟
تحديد النسل لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثّ على تزوج الولود وقال : ( إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص158 من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه . ورواه أبو داود في سننه ج2 ص227 ورواه النسائي في سننه ج6 ص65، 66 . من حديث معقل بن يسار رضي الله عنه بدون ذكر ( يوم القيامة ) ] . ولأن كثرة النسل يحصل بها قوة للمسلمين وكثرة عدد المسلمين فتكثير النسل مطلوب للمسلمين ولا يجوز تحديد النسل في مثل الحالة التي ذكرت السائلة لأن النبي صلى الله عليه وسلم حثنا على طلب النسل وتكثير عدد المسلمين .
189 ـ ما الواجب على كل من الزوجين نحو الآخر ؟(69/22)
قال الله تعالى : { وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً } [ سورة الروم : آية 21 ] . إن البيت المسلم يتكون أصله من الزوجين الصالحين ثم تكون الأسرة الصالحة وهذا لا يتم إلا إذا تحقق حسن العشرة بين الزوجين . بأن يؤدي كل منهما ما يجب عليه نحو الآخر . فللزوج على زوجته الطاعة بالمعروف وتمكينه مما أباح الله له من الاستمتاع والقرار في البيت وعدم الخروج منه إلا بإذنه ولما لا بد لها من الخروج من أجله، وقيامها بشؤون البيت وتربية ما يقدر الله بينهما من الأولاد . ولها عليه من الحقوق مثل الذي له عليه إلا ما خص الله به الأزواج دون الزوجات قال تعالى : { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ } [ سورة البقرة : آية 228 ] . لها عليه الكسوة والنفقة والسكنى بالمعروف ولها عليها المعاشرة بالمعروف . قال الله تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 19 ] . من المبيت عندها وإعفافها وإعانتها على القيام بواجباتها عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي ) [ رواه الترمذي في سننه ج9 ص399 . من حديث عائشة رضي الله عنها . ورواه الدارمي في سننه ج2 ص212 من حديث عائشة رضي الله عنها بدون ذكر " وأنا خيركم لأهلي " ] . وقوله صلى الله عليه وسلم : ( أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا . وخياركم خياركم لنسائهم خلقًا ) [ رواه الترمذي في سننه ج4 ص135 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . حتى لو كره الرجل من زوجته بعض الأخلاق التي تنقص دينها ولا تخدش عرضها فعليه أن يصبر عليها ويتحملها لما في ذلك من العواقب الحميدة . قال تعالى : { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ(69/23)
خَيْرًا كَثِيرًا } [ سورة النساء : آية 19 ] . وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يَفْرُك مؤمنًا مؤمنة إن كره منها خلقًا رضي منها آخر ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج2 ص1091 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . ومعنى : ( يَفْرُك ) يبغض . ومعنى ذلك أن يتغاضى عما لا يمس الدين أو الخلق مما لا يوافق رغبته نظير الكثير من الأخلاق المرضية فيها . إنها لا تتم السعادة الزوجية إلا بأن يؤدي كل من الزوجين ما يجب عليه نحو الآخر، لكن بعض الأزواج قد يتعسف في استعماله حقه على زوجته فلا يراعي كرامتها وإنسانيتها . فضلاً عن حقلها في الإسلام فتجده يهين المرأة ويظلمها ويماطل في أداء حقها . وإذا تزوج أخرى مال إليها بكليته ولم يلتفت إلى الزوجة السابقة . وقد جاء في الحديث ( من كانت له زوجتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص249 . ورواه النسائي في سننه ج7 ص63 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ورواه الترمذي في سننه ج4 ص108 بنحوه أبي هريرة رضي الله عنه ] . وفي المقابل فإن بعض النساء تترفع على زوجها وتتمنع من أداء قه عليها ولا تخضع لقوامته عليها فتخرج من بيته بغير إذنه . وقد تكون موظفة تقدم عملها الوظيفي على أداء حق زوجها بل ربما تكون معه في البيت كأنها رجل آخر يسكن معه ثم ينطلق كل منهما إلى عمله وتتعطل أعمال البيت وتضيع تربية الأطفال ويصبح هذا البيت أشبه ما يكون ببيت العزاب - إن هذا لا يرتضيه الإسلام ولا تتحقق معه المصالح الزوجية ولا تنشأ عنه في الغالب أسر صالحة فالواجب تعديل هذا الوضع والرجوع إلى التزام العشرة بالمعروف بين الزوجين - والله الموفق - .
190 ـ هل يجوز للزوجة أخذ أجرة من زوجها على ما تهيئه من الطعام لأكلهما ؟(69/24)
المرأة يجب عليها أن تقوم بما جرت عادة النساء في بلدها بعمله في بيتها بدون أجرة لأن المتعارف عليه في البلد كالمشروط . وقد جرت العادة في بلادنا بقيام المرأة بالطبخ ونحوه فهو واجب عليها .
191 ـ هل يجوز للزوجة الامتناع عن خدمة زوجها وبيته لأنه يعاملها معاملة سيئة ؟
لا يجوز للزوج أن يعامل زوجته معاملة سيئة لأن الله تعالى يقول : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 19 ] . ويقول صلى الله عليه وسلم : ( وإن لزوجك عليك حقًا ) [ رواه البخاري في صحيحه ج2 ص245 . من حديث عبد الله بن عمر بن العاص رضي الله عنهما ] . وإذا أساء عشرتها فإنه ينبغي لها أن تقابل ذلك بالصبر وأن تؤدي ما له عليها من حق ليكون لها الأجر في ذلك ولعل الله أن يهديه - قال الله تعالى : { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ } [ سورة فصّلت : آية 34 ] .
192 ـ زوجي يغار عليّ كثيرًا يصل في بعض الأحيان الأمر إلى حد الشك مع العلم أنني امرأة محافظة فماذا أعمل تجاهه ؟
الأصل في المسلمة العدالة والنزاهة فلا يجوز لزوج المسلمة أن يتشكك فيها لمجرد هواجس نفسية شيطانية أو لخبر نمام مفسد - قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ } [ سورة الحجرات : آية 6 ] . وعلى المرأة المسلمة التي يصاب زوجها بهذا المرض النفسي أن تصبر ما دامت تعلم من نفسها الصدق والعفة ولن تضرها خواطر زوجها النفسية لأنها ربما تكون تلك الخواطر ناتجة عن مرض نفسي ويزول بإذن الله .
193 ـ متى يصبح من حق الزوج تأديب زوجته وكيف يكون التأديب ؟(69/25)
يجوز للزوج تأديب زوجته إذا نشزت عنه ولم تقبل الموعظة ويكون التأديب بما شرع الله تعالى في قوله : { وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } [ سورة النساء : آية 34 ] . ويكون الضرب غير مبرح أي غير شديد .
194 ـ ورد في كتاب " المبادئ الإسلامية في الحياة الزوجية " حديث : ( من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما دون الأخرى جاء يوم القيامة وأحد شقيه مائل ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص249 . ورواه النسائي في سننه ج7 ص63 من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ورواه الترمذي في سننه ج4 ص108 بنحوه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . ما معنى الحديث السالف وما هو العدل هنا وما المقصود بالشق ؟
الحديث معناه الوعيد في حق من لم يعدل بين زوجاته العدل المستطاع وهو المساواة بينهن في الإنفاق والمسكن والملبس والمبيت - والمراد بالشق هنا نصفه وميلانه عقوبة له على جوره - لأن الجزاء من جنس العمل - فكما مال في معاملته لزوجته أمال الله شقه وجعل جسمه غير معتدل عقوبة له . وقد قال الله تعالى : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ } [ سورة النساء : آية 129 ] .
195 ـ أيهما أفضل للمرأة المسلمة قيامها بواجب بيتها وزوجها أم تفرغها لطلب العلم وأن تجلب خادمة للقيامة بواجبات البيت . أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
نعم الواجب على المسلمة أن تتفقه في دينها بقدر ما تستطيع ولكن القيام بخدمة زوجها وطاعة زوجها وتربية أولادها واجب عظيم . فتجعل للتعلم فرصة يومية ولو كانت قليلة أو جلسة قليلة أو تجعل وقتًا للقراءة من كل يوم والبقية من الوقت تكون لأعمالها اليومية فهي لا تترك التفقه في دينها ولا تترك أعمالها وأولادها وتكلهم إلى الخادمة .
تعتدل في هذا الأمر تجعل للتفقه وقتًا ولو قصيرًا وتجعل للأعمال البيتية وقتًا يكفيها .(69/26)
196 ـ سائلة تقول : إنها امرأة مستقيمة في أمور دينها تعبد الله وتخافه وتخشى عقابه وترجو ثوابه ولها أولاد صالحون والحمد لله ومشكلتها في زوجها فهو لا يقوم بما يحتاجون إليه من مصروفات ضرورية وإذا طلبوا منه شيئًا من ذلك نشأ خلاف كبير واحتدم النقاش وكل ذلك مع قدرته واستطاعته وإلا لكان الأمر هينًا وقد قرأت حديثًا بأن هندًا زوجة أبي سفيان شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بخل زوجها واستأذنته أن تأخذ من ماله دون علمه فسمح لها الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك بأن تأخذ ما تحتاجه من نفقات عن نفسها وعن ولدها (17) وبعد ما قرأت هذا الحديث أصبحت تفعل ذلك فتأخذ من جيبه دون علمه ما يحتاجون إليه وبهذا فقد انتهت المشكلة وأصبحوا يعيشون بسلام ولكن ضميرها غير مطمئن لهذا العمل فهي تخشى أن تكون بذلك ارتكبت إثمًا وتخشى أن لا يكون ذلك الحديث الذي قرأته صحيحًا فما الحكم في عملها ذلك وما مدى صحة ذلك الحديث ؟
الحديث الذي ذكرته عن زوجة أبي سفيان حديث صحيح وأنها استفتت النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك فأفتاها بأن تأخذ ما يكفيها وولدها بالمعروف (18) فإذا كانت حالتك مثل حالة هند زوجة أبي سفيان جاز لك أن تأخذي وذلك بثلاثة شروط كما يفهم من الحديث : أولاً : أن يكون زوجك شحيحًا يبخل عليكِ بالنفقة الضرورية لك ولأولادك .
ثانيًا : أن يكون ما تأخذينه بالمعروف يعني لا يتجاوز قدر الحاجة وهي ما يكفيك وأولادك ولا تأخذي زيادة على ذلك في الكماليات وما أشبه ذلك وإنما تأخذين للأشياء الضرورية .
ثالثًا : أن لا يكون الزوج يبذل النفقة الواجبة عليه . فإذا توافرت هذه الشروط فلا بأس أن تأخذي على ضوء الحديث والله أعلم .
197 ـ هل يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة لأحد أقاربها الأموات دون علم زوجها وما الحكم إذا كانت الصدقة من مال زوجها ؟(69/27)
يجوز للمرأة أن تخرج من مالها الخاص صدقة عن أقاربها الأموات لوجه الله سبحانه وتعالى وليعود ثوابها ونفعها إليهم لأنها تتصرف من مالها وهي حرة في مالها في حدود ما شرعه الله . والصدقة عمل صالح ويصل ثوابها إلى من تصدق عنه إذا تقبلها الله أما أن تتصدق من مال زوجها وهو لا يمنع من ذلك وعرفت من زوجها ذلك فلا مانع . أما إذا كان زوجها يمنع من ذلك فهذا لا يجوز .
198 ـ سائلة تقول : أنها تزوجت رجلاً منذ أربعة عشرة سنة ولم يكن لها علم بأنه تارك لدينه وذاهب وراء ملذاته ورغباته ويومًا بعد يوم ازدادت مشكلتها معه إلى أنها لم تعد تحتمل ذلك الوضع فهي تريد جوابًا مقنعًا وشرعيًا حسب شريعة الله ورسوله فقد أنجبت من هذا الرجل أربع بنات وابنًا وحياتها معه خطأ فهو يمنعها من الحجاب الشرعي وقد حصل منه يمين بالطلاق بالثلاث إن رآها تصلي ليمزق ملابس الصلاة وكلما جاء رمضان يمنعها من الصيام إلى أن تضطر إلى ترك المنزل الزوجي ولا تعود إلا بشروط ولكنه يعود هذا الرجل كما كان وأسوأ فتصلي بالخفية عنه من خوفها لو رآها لضربها ومزّق ثياب صلاتها ومع ذلك لا يجالس إلا الأشرار ويسهر إلى آخر الليل ويأتيها وهو سكران فاقد الوعي ومقصر في واجباته حتى المنزلية ومصروف المنزل وألفاظه سيئة للغاية ومعاملته قاسية وهي تخشى أن تترك المنزل فهي تخشى على بناتها منه رغم أنه والدهن إلا أنه لا يعرف الله فتتوقع منه كل شيء والعياذ بالله فما الحكم في عيشها مع زوج بهذه الحالة ؟
أولاً يجب عند الزواج اختيار الأزواج الصالحين المتمسكين بدينهم الذين يرعون حرمة الزواج وحسن العشرة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاءكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه ) [ رواه الترمذي في سننه ج4 ص42، 43 من حديث أبي حاتم المزني رضي الله عنه بنحوه . بلفظ " وخلقه بدل وأمانته " و " فأنكحوه " بدل " فزوجوه " ] .(69/28)
فدل على أنه يطلب عند الزواج تحري واختيار الزوج المتمسك بدينه وأنه لا يجوز أن يتساهل في هذا الأمر وقد كثر التساهل في زماننا هذا في هذا الأمر الخطير فصار الناس يزوجون بناتهم ومولياتهم برجال لا يخافون الله واليوم الآخر وصرن يشتكين من مثل واقع هذا الزوج الذي ذكرته السائلة من إضاعة دين الله وارتكاب المنكرات والعشرة السيئة ووقعن في حيرة من أمر هؤلاء الأزواج ولو أنهم تحروا قبل الزواج الرجل الصالح ليسر الله سبحانه وتعالى . ولكن هذا في الغالب ينشأ من التساهل وعدم المبالاة بالأزواج الصالحين ورجل السوء لا يصلح أبدًا ولا يجوز التساهل في شأنه لأنه يسيء إلى المرأة وربما يصرفها عن دينها وربما يؤثر على ذريتها .
ثانيًا : والواجب على هذه السائلة أن تفارق هذا الزوج ولا يجوز لها أن تبقى معه لأنه إذا كان لا يصلي فهو كافر والكافر لا يصح أن يتزوج مسلمة .
199 ـ بعض النساء إذا توفي زوجها تبقى مدة العدة في بيتها مغلقًا بابها عليها لا تخرج إلى أي سبب كان وتلتزم بلباس معين لا تبدله فهل هذا العمل موافق للشرع وإذا لم يكن كذلك فماذا إذن على المعتدة وماذا لها فعله ؟
الذي أوجبه الله ورسوله على المعتدة من الوفاة أن تبقى في بيتها ولا تخرج إلا في حاجتها التي لا بد لها منها في النهار دون الليل لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [ سورة البقرة : آية 234 ] .
قال النبي صلى الله عليه وسلم في المتوفى عنها ( امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ) [ ورواه أبو داود في سننه ج2 ص300 ورواه الترمذي في سننه ج4 ص195، 196 . ورواه النسائي في سننه ج6 ص200 بلفظ " في أهلك " بدل " في بيتك " . ورواه الدارمي في سننه ج2 ص221 . كلهم من حديث الفريعة بنت مالك بن سنان ] .(69/29)
ولا يغلق عليها كأنها سجينة ولكن تبقى في البيت ويبقى الباب كعادته للدخول والخروج ويدخل عليها من أقاربها ومن تأنس به من النساء ومن محارمها وغيرهم . وأما قضية اللباس فإنها إنما تجتنب اللباس الذي فيه زينة فقط وما عدا لباس الزينة تلبس ما جرت العادة بلبسه في بلدها من أي لون كان من أسود أو من أحمر أو من أخضر مما كانت تلبسه قبل ذلك ولها أن تبدل ثيابها بغيرها .
وتجتنب الطيب وتجتنب الزينة في جسمها كالخضاب والكحل وغير ذلك ولا بأس أن تداوي عينيها بالدواء الذي ليس فيه زينة وكذلك تجتنب لبس الحلي في يديها أو في رقبتها .
فالمعتدة للوفاة يجب عليها أشياء .
1 ـ المكث في البيت الذي توفي زوجها وهي فيه .
2 ـ تتجنب الزينة في بدنها كالكحل والخضاب والأصباغ .
3 ـ تتجنب الزينة في ثيابها .
4 ـ لا تلبس الحلي بأنواعه .
5 ـ تتجنب الطيب بأنواعه .
200 ـ لي زوجة متمسكة بعادة الحداد على الميت لمدة عام إلى درجة إهمال حقوقي الزوجية بكاملها وعدم العناية بي ويحدث هذا في كل مرة يموت أحد من أقربائها تحد عليه لمدة عام فلا تتزين لي ولا تهتم بشؤوني العامة أو الخاصة وقد حاولت كثيرًا في أن تترك هذه العادة السيئة ولكن دون جدوى فما حكم عملها هذا ؟(69/30)
هذا العمل منها محرم لا يجوز منها فعله فقد روى البخاري ومسلم عن أم سلمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث ليال إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج6 ص185 . من حديث أم حبيبة رضي الله عنها ] . ، فالمرأة إنما يجب عليها الحداد أربعة أشهر وعشرة أيام إذا توفي زوجها أما هذا الذي تعمله زوجتك من أنها تحد على كل ميت من أقاربها مدة عام فهذا معصية وحرام عليها وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كما في الحديث الذي أسمعناك ويجب عليها أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن تترك هذا العمل السيئ وإنما أذن لها بثلاثة أيام .
201 ـ هل يحق للمرأة الأرملة أن تضع زينة على وجهها كالكحل مثلاً أفيدوني بارك الله فيكم ؟
إن كان قصدها بالأرملة المعتدة من الوفاة في مدة التربص التي ذكرها الله بقوله : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [ سورة البقرة : آية 234 ] . وعدة الوفاة يحرم على المرأة فيها التزين سواء بالحلي أو بالأصباغ أو غير ذلك فلا تتزين المرأة ولا تلبس الزينة في هذه الفترة وكذلك لا تتطيب ولا تكتحل الكحل الذي يتخذ للجمال ولها أن تداوي عينيها بالدواء الذي ليس فيه زينة أما الاكتحال والخضاب وأنواع الزينة المستحدثة الآن التي تتجمل بها النساء من المساحيق وغيرها وكذلك الطيب بأنواعه وكذلك الحلي بأنواعه وكذلك ثياب الزينة بأنواعها فالمرأة ممنوعة من هذه الأشياء مدة العدة وهذا ما يسمى بالإحداد . الإحداد مدة العدة هو ترك الزينة بأن تتجنب كل ما يرغب في النظر إليها من أنواع الزينة والطيب .(69/31)
202 ـ سائلة تقول : كان لها صديقة متزوجة ولها أطفال وقد حصل منها وهي حامل في شهرها الثالث أو أكثر أن حاولت إسقاط جنينها لكونها تعمل في وظيفة ولا تريد أن يعوقها الحمل عن ذلك فطلبت منها أن ترافقها إلى دكتور، ولكنه اعتذر عن ذلك واتفقت مع الممرضة على أن تدلها على من يعمل لها عملية الإسقاط مقابل إعطاء الممرضة مبلغًا من المال عبارة عن إكرامية - كما يسمونها - فذهبت بها وفعلاً أجريت لها العملية وأسقط جنينها وبعد عدة أشهر من ذلك توفي زوجها ( زوج السائلة ) فهي أولاً تسأل عن حكم إسقاط الجنين لذلك السبب وفي ذلك الشهر من عمره . وثانيًا : عن حكم مرافقتها لصديقتها ومساعدتها على ذلك . فهي تعتقد وكما يقول من حولها من الناس إن وفاة زوجها كان عقابًا لها لمساعدتها في قتل روح . وثالثًا : هل على تلك الممرضة إثم في ذلك الدور الذي قامت به مقابل ما أخذته من مال ؟
يجب على المرأة أن تحترم الجنين وأن تحافظ عليه وأن ترفق به وأن لا تفر من وجود الحمل ووجود الولد لأنه ربما يكون عبدًا صالحًا ينفعها وينفع الله به الأمة والواجب على الممرضة وعلى الأطباء أن ينصحوا هؤلاء النساء اللاتي يردن إسقاط الحمل والإجهاض . عليهم أن ينصحوا بحكم أن الله ائتمنهم على هذه المهنة ( مهنة الطب ) فعليهم أن ينصحوا الحامل في الرفق بحملها والإبقاء عليه ولا يجوز لهم أن يساعدوا على إسقاطه لأنهم إذا فعلوا ذلك اشتركوا في الإثم والعقوبة نسأل الله العافية ولا يجوز لهم أن يقدموا على إجهاض الحمل في مقابل ما يتقاضونه من الطمع، فعليهم أن يتوبوا إلى الله سبحانه وتعالى وأن يؤدوا مهنة الطب بأمانة وأن ينصحوا للمراجعين .
203 ـ هل هناك أشهر معينة يجوز في حدودها إسقاط الجنين في حال الضرورة مثلاً ؟(69/32)
الفقهاء قالوا إنه يجوز إلقاء النطفة قبل أربعين يومًا بدواء مباح لكن الحمل مطلوب والنسل مطلوب ولو كان فيه مشقة يقول الله عز وجل : { وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا } [ سورة الأحقاف : آية 15 ] . فالحمل فيه مشقة وفيه أمراض وفيه تعب لهذا عَظُم حق الأم على ولدها لأن الرسول أوصى ببرها ثلاث مرات وأوصى ببر الأب مرة واحدة (19) وما ذلك إلا لما تقاسيه في حملها وولادتها ورضاعها من الأخطار والمشاق . فعليها أن تصبر وأن تتحمل وهي على أجر ربما تكون العاقبة حميدة لها ولمجتمع المسلمين من هذا لمولود فالأولاد مطلوب السعي لحصولهم لما يترتب على وجودهم من مصالح العامة والخاصة .
204 ـ لدينا حامل في الشهر السادس واتضح من خلال الكشف على الجنين أنه مشوه خلقيًا . ويرى الدكتور أنه لا بد من أن ينزل، والأم محتارة وتقول هذا أمر حسب رأي الشرع ؟
لا يجوز إجهاض الجنين خصوصًا بعد نفخ الروح فيه . ولو كان مشوهًا بل يترك أمره إلى الله . لأن في إجهاضه جناية على نفس معصومة بالقتل . ولا يدري فربما يزول تشويهه أو يكون تشويهًا لا يخل بحياته، وقد يكون رأي الطبيب خطأ فليس معصومًا . والحاصل أنه لا يجوز الاعتداء على الجنين وإسقاطه بحجة أنه مشوه - والله أعلم - .
205 ـ هل يجوز إسقاط الحمل في أيامه الأولى ؟
إذا كان الغرض من إسقاط الحمل هو كراهية الحمل وعدم إرادته فهذا لا يجوز . أما إذا كان لضرورة بأن يخشى على حياة الحامل لو بقي وكان في طور النطفة أو العلقة فلا بأس بإسقاطه إذا قرر ذلك هيئة طبية موثوقة .
206 ـ ما حكم حلق شعر المولود، وهل يجوز حمل الطفل في الصلاة ؟(69/33)
حلق شعر رأس المولود الذكر يوم سابعه مستحب وكذا يستحب ذبح العقيقة عنه في هذا اليوم ذكرًا كان أم أنثى . ويجوز حمل الطفل في الصلاة . فقد حمل النبي صلى الله عليه وسلم أمامة بنت ابنته زينب رضي الله عنها وهو يصلي (20) وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما يصعدان على ظهره صلى الله عليه وسلم وهو ساجد (21)(69/34)
الرضاع
207 ـ تزوج رجل من فتاة وأنجبت له ابنًا . ولأخيه أيضًا ابن وقد أرضعته زوجته مع ابنه هذا مدة شهر تقريبًا . وقد تزوج زوجة أخرى بعد وفاة زوجته الأولى التي أرضعت ابن أخيه وأنجبت له زوجته الثانية بنتًا وقد حصل بعد أن كبرت ابنته وكبر ابن أخيه أن تزوجا وأنجبا الأولاد فهل هذا الزواج صحيح أم لا . وإن لم يكن صحيحًا فماذا يجب أن يعملوا أو ما هو مصير الأولاد ؟
إذا رضع طفل من امرأة الرضاع المعتبر شرعًا بأن يكون في الحولين وأن يكون خمس رضعات فأكثر فإنه يكون ابنًا للمرضعة وتكون بنات المرضعة كلهن أخوات له وكذلك يكون ابنًا لمن له اللبن وهو زوجها وتكون بنات الزوج كلهن أخوات لهذا المرتضع سواء كن من المرضعة أو من غيرها كما عليه جمهور أهل العلم وهذا ما يسمى بلبن الفحل . فهذا الرجل الذي تزوج بنتًا من بنات أبيه من الرضاع يكون منها غير صحيح عند جمهور أهل العلم لأنه تزوج أخته من الرضاع وأولاده منها يلحقه نسبهم لأنهم من وطء شبهة . وعليه مراجعة المحكمة الشرعية لاتخاذ الإجراءات اللازمة نحو هذا الرضاع .
208 ـ لي أخت من الرضاعة وقد أرضعت بنتًا من جماعتنا مع ابنها أرضعتها أكثر من خمس رضعات هل أنا أصبح محرمًا لتلك البنت التي أرضعتها أختي من الرضاعة وبالتالي أصبح خالاً لها أم لا ؟
النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري صحيحه ج3 ص149 . من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . فهذه البنت التي أرضعتها أختك من الرضاعة أكثر من خمس رضعات كما تقول إذا كان هذا الرضاع في الحولين فإنها تصبح بنتًا لها من الرضاعة وتكون أنت خالاً لها من الرضاعة ومحرمًا لها . والله تعالى أعلم .
209 ـ والدي رضع من امرأة رضاعة محرمة مستوفية للشروط وقد طلقت هذه المرأة من زوجها وتزوجت من زوج آخر وأنجبت منه ابنًا وبنتًا فهل أولادها من الرجل الآخر يعتبرون إخوة لوالدي من الرضاعة ؟(70/1)
نعم إذا أرضعت المرأة طفلاً الرضاع المعتبر شرعًا كما ذكرت بأن يكون خمس رضعات وتكون في الحولين فإنه يصبح ابنًا لها من الرضاعة وتكون بناتها أخوات له من الرضاعة سواء المتقدمات أو المتأخرات من زوج أو من أزواج كل بنات المرضعة يكن أخوات للمرتضع .
210 ـ لنا خالة ولها ولدان وقد أرضعتني أنا وأخي الأكبر مع ولدها الأصغر الذي بعد أن تزوج أنجبت زوجته بنتًا وقد تزوج أخي الأصغر والذي لم يرضع من خالتي وتزوج ابنة أخي من الرضاع الذي هو ابن خالتي فما الحكم في هذه المسألة ؟
لا مانع من ذلك لأنه لا علاقة له بهذا الرضاع فلا مانع من أن يتزوج هذه المرأة .
211 ـ يوم أن كنت طفلة رضيعة أصاب والدتي مرض فتولت إحدى النساء من حولنا إرضاعي مدة شهر أو أكثر وبعد مدة توفيت تلك المرأة التي أرضعتني عن ابن وبنت فتزوج زوجها امرأة أخرى وأنجبت له عددًا من الأولاد فهل أولادها يصبحون إخوة لي بسبب رضاعي من زوجة أبيهم المتوفاة وبالتالي يصبحون أخوالاً لأولادي أم ليس بينهم وبيني حرمة ونعتبر أجانب على بعض ؟
نعم كل أولاد هذا الرجل الذي رضعت من زوجته يعتبرون إخوة لك من الرضاعة وأخوالاً لأولادك سواء كانوا من الزوجة التي رضعت منها أو من غيرها لعموم الأدلة - والله أعلم .
212 ـ لقد رضع أخي الأصغر مني من امرأة أكثر من خمس رضعات وهذه المرأة لها أخت فهل يجوز لي أن أتزوج من أخت هذه المرأة التي رضع منها أخي . أفيدوني بارك الله فيكم ؟
لا مانع من ذلك ما دام أنك لم ترضع من أمها وهي لم ترضع من أمك وإنما أخوك هو الذي رضع من أمها فإن الحكم يتعلق بأخيك فقط ولا يسري إليك فأخوك يحرم عليه أن يتزوج بنت المرضعة . أما أنت فلا حرج عليك في ذلك .
213 ـ أرضعتني امرأة وهي الآن أمي من الرضاع وتزوجت من فتاة ورزقني الله بثلاث أطفال، وبعد ذلك اتضح أن المرأة التي أرضعتني قد أرضعت زوجتي كذلك . فماذا أفعل ؟(70/2)
إذا ثبت الرضاع بينك وبين زوجتك من امرأة وكان رضاعًا محرمًا بأن يكون خمس رضعات فأكثر من الحولين فإنه يجب عليك أن تفارقها لأنها أختك من الرضاعة . وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص149 . من حديث ابن عباس رضي الله عنه ] . وإخوان المرتضع لا يسري عليهم حكم الرضاع فليسوا أبناء لخالكن .
215 ـ رجل يريد أن يتزوج بأم أخيه رضاعًا فهل له ذلك ؟
يجوز للرجل أن يتزوج من أم أخيه من الرضاع إذا لم يكن هو رضع منها فرضاع أخيه منها لا يسري عليه حكمه .
216 ـ سائلة تقول : إنها امرأة متزوجة ولكن لم يشأ الله أن تنجب أطفالاً لذا هل يجوز أن تتبنى طفلاً وتنسبه لها ولزوجها أم لا . وإذا كان جائزًا فما هي صفات الطفل الذي يجوز تبنيه بمعنى أن يكون أبواه معروفين ولكنهما قد ماتا كاليتيم مثلاً أو من لا يعرف أبواه ونحو ذلك ؟
التبني كان موجودًا في الجاهلية فأبطله الإسلام ونهى عنه فالطفل المتبنَّى يكون أجنبيًا من المتبنِّي لأنه إنما ينسب لأبويه الحقيقيين ولا ينسب لمن تبناه يقول الله سبحانه وتعالى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ 4 ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ } [ سورة الأحزاب : الآيتين 4، 5 ] . فالواجب على المسلمين أن يتجنبوا هذا الأمر الخطير الذي أبطله الإسلام ونهى عنه ولا مانع من أن المسلم يحسن إلى اليتيم وإلى الصغير الذي ليس له وليّ يقوم على تربيته فالإحسان إليه فيه فضل عظيم لكن لا يتبناه .(70/3)
الفرائض
217 ـ توفي والدي وترك لنا مالاً كثيرًا عبارة عن نقد وقطيع من الغنم والإبل وله زوجتان وأربعة أبناء وست بنات فكيف نقسم هذا المال بأنواعه على الورثة ؟
هذه المسألة تكون بين زوجتيه وأولاده البنين والبنات تكون المسألة أصلها من ثمانية للزوجتين الثمن واحد وللأبناء والبنات الباقي سبعة ونصيب الزوجتين غير منقسم ونصيب الأولاد غير منقسم وتصح المسألة من مائة واثني عشر للزوجتين منها الثمن أربعة عشر سهمًا لكل واحدة سبعة والباقي ثمانية وتسعون للأولاد للذكر مثل حظ الأنثيين لكل بنت سبعة سهام وللبنين لكل واحد منهم أربعة عشر سهمًا .
أما قضية الإبل والغنم والمواشي هذه يمكن أن تباع وتضم قيمتها إلى النقود وتقسم بينهم على ما ذكرنا أو يمكن أن تقوم وتعادل بالأقيام وتقسم بالمعادلة والله أعلم .
218 ـ خمسة إخوة توفي والدهم وكل منهم أخذ نصيبه من الميراث واثنان منهم من امرأة وثلاثة من امرأة أخرى الاثنان الأشقاء توفي أحدهما ولم يخلّف أولادًا فورثه أخاه في كل ما يملك دون إخوته الثلاثة من أبيه فهل يحق له ذلك وهل لإخوته من أبيه نصيب من ماله أم لا ؟
لا شك أن الأخ الشقيق يحجب الإخوة لأب فإذا كان الأمر كما ذكر فإن المال كله لأخيه الشقيق وليس لإخوته من أبيه شيئًا .
219 ـ هناك خمسة إخوة أيضًا توفي أحدهم وخلّف ابنًا له وعندما توفي والدهم قسّم الميراث بينهم الربعة ولم يعط ابن أخيهم شيئًا من المال بدعوى أنه سقط عن مرتبة أبيه وتوفي أبوه ووالده حيّ فمعنى ذلك أنه لا يحق له من الميراث شيء إلا إذا كان جده أوصى له بأن يكون في مقام أبيه فهل هذا صحيح وإذا كان لا يجوز هذا فما هي القسمة الشرعية وما نصيب كل منهم وما نصيب هذا اليتيم الذي هو ابن أخيهم ؟(71/1)
الأمر كما ذكر السائل ما دام أن هؤلاء الإخوة مات أحدهم قبل موت أبيهم فإن المال يكون للباقين وأما الذي مات قبل أبيه فليس له شيء ولا لأولاده شيء لأنه لا ميراث لابن الابن مع وجود الابن ويجوز للجد أن يوصي لابن ابنه غير الوارث بشيء من ماله في حدود الثلث فأقل .
220 ـ توفي والدي وعنده أرض واسعة تُسقى بماء الأمطار ثم ورثته أنا وأخواي اثنان ذكور ولنا أربع أخوات لم نعطهن شيئًا من الأرض لأن عندنا تقاليد هكذا الورث للذكور فقط ولم يطالب أخواتنا بنصيبهم من الميراث أبدًا وهن على ما أعتقد مقتنعات لأن هذا هو الجاري عندنا من زمن الأجداد فما نفعل . وهل إذا رفض أخواي أن نعطي أخواتنا نصيبهن أترك الأرض وأترك نصيبي أنا أم أطلب نصيبي ثم أقسم لمن أرادت من أخواتي وأعطيها نصيبها ؟
عدم توريث النساء من أعمال الجاهلية التي أبطلها الله سبحانه وتعالى فإنهم كانوا في الجاهلية فهم لا يورثون النساء فشرع الله سبحانه للنساء نصيبًا من الميراث بقوله تعالى : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا } [ سورة النساء : آية 7 ] .(71/2)
وقال الله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } [ سورة النساء : آية 11 ] . إلى آخر الآيات وهذا الذي ذكر في السؤال هو أعمال الجاهلية حيث لم يورثوا أخواتهم من أبيهن من هذه الأرض التي ذكرها السائل فالواجب إعطاء أخواتهم نصيبهن الذي فرضه الله سبحانه وتعالى لهن بأن تقسم الأرض بين الأولاد الذكور والإناث للذكر مثل حظ الأنثيين إذا لم يكن هناك وارث غيرهم ولك أن تأخذ نصيبك لأنه حقّ لك فتأخذ من هذه الأرض مقدار الخمس لأنها تكون الأرض من عشرة أسهم للذكر مثل حظ الأنثيين لك منها سهمان هما مقدار الخمس ولكل بنت سهم واحد . والواجب عليكم جميعًا أن تعطوا النساء نصيبهم من هذه الأرض إلا إذا سمحن به لكم عن طيب نفس .
221 ـ كيف نقسّم تركة رجل توفي عن أب وزوجة وثلاث بنات وأخ شقيق وخمس أخوات شقيقات وكيف يكون التقسيم لو لم يكن الأب موجودًا بل فقط الزوجة وثلاث بنات وأخ شقيق وخمس أخوات شقيقات ؟(71/3)
أما على التقدير الأول وهو وجود الأب فيكون للزوجة الثمن وللبنات الثلثان والباقي فرضًا وتعصيبًا وتكون المسألة أصلها من أربعة وعشرين للزوجة الثمن ثلاثة وللبنات ثلثان ستة عشر وللأب خمسة للأب فرضًا وتعصيبًا ولا شيء للأخ الشقيق والأخوات لأنهم لا ميراث لهم مع وجود الأب وإذا نظرنا نصيب البنات ستة عشر وهنّ ثلاث وجدناه منكسرًا فتصبح المسألة من اثنين وسبعين للزوجة منها تسعة وللأب منها خمسة عشر وللبنات ثمانية وأربعون كل واحدة ستة عشر . وأما على تقدير عدم وجود الأب فإن الزوجة تأخذ الثمن والبنات يأخذن الثلثين والباقي يكون تعصيبًا للأخوة والأخوات الشقائق للذكر مثل حظ الأنثيين فتصح مسألتهم من خمسمائة وأربعة أسهم للزوجة منها ثلاث وستون سهمًا وللبنات ثلاثمائة وستة وثلاثون سهمًا لكل واحدة منهن مائة واثنا عشر سهمًا وللأخ والأخوات الشقائق مائة وخمسة أسهم للشقيق منها ثلاثون سهمًا ولكل أخت خمسة عشر سهمًا .
222 ـ هل يجوز الاحتفاظ بملابس الميت وإن لم يكن ذلك جائزًا فما هو الأفضل أن يفعل بها ؟
يجوز الانتفاع بملابس الميت لمن يلبسها من أسرته أو أن تعطى لمن يلبسها من المحتاجين ولا تهدر وعلى كل حال هي من التركة إذا كانت ذات قيمة فإنها تصبح من التركة تلحق بتركته وتكون للورثة والاحتفاظ بها للذكرى لا يجوز ولا ينبغي وقد يحرم إذا كان القصد منها التبرك بهذه الثياب وما أشبه ذلك ثم أيضًا لهذا إهدار للمال لأن المال ينتفع به ولا يجعل محبوسًا لا ينتفع به .
223 ـ ما الحكم الشرعي فيمن يحرمون الزوجات من الإرث بعد أزواجهن وكذلك البنات بعد أبيهن ؟(71/4)
حرمان الزوجات من ميراث أزواجهن وكذلك حرمان البنات من ميراث آبائهن من فعل الجاهلية لأن أهل الجاهلية هم الذين يحرمون الإناث من الميراث لأنهم يقولون إنما يستحق الإرث من يحمي الذمار ويحمل السلاح فهم يحرمون النساء والصغار من الميراث، والله جل وعلا جعل للزوجات ميراثًا لقوله تعالى : { وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } [ سورة النساء : آية 12 ] . كذلك جعل للبنات نصيبًا من ميراث آبائهن قال تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ } [ سورة النساء : آية 11 ] . هذا هو دين الإسلام الذي أنصف المرأة وأعطاها نصيبها قال تعالى : { لِّلرِّجَالِ نَصيِبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا } [ سورة النساء : آية 7 ] .(71/5)
الهبات والوصايا
224 ـ جدي كان يمتلك أراضي زراعية وكان له من الأولاد والدي وعمي ومجموعة من البنات . أما عمي فقد تشاجر مع والده وترك البيت ولم يعد وتوفي في بلاد أخرى وقد عثرنا على أحفاده مؤخرًا وبقي والدي يعمل مع والده وقد كافح معه في رعاية البنات أي أخوات والدي وبعد وفاة جدي ظلّ والدي قائمًا على رعاية شقيقاته وكان جدي قبل وفاته قد قام بمنح والدي جزءًا كبيرًا من الأراضي الزراعية مكافأة له لكفاحه معه ولأنه توسم فيه أنه سيقوم برعاية شقيقاته والعناية بهم وترك جدي جزءًا بسيطًا من الأرض ليقسم على الورثة وبطبيعة الحال انتقلت هذه الأراضي التي كان جدي خصّ بها والدي كما أسلفنا انتقلت لي الآن بعد وفاة والدي وذرية عماتي وذرية عمي الذي مات . جمعهم موجودون فما حكم استيلائي على هذا الإرث بهذه الطريقة هل هو حرام عليّ وعليّ أن أقتسم هذه الأراضي معهم وفقًا للشرع أم أنه من الممكن أن تطبق عليها قاعدة ( الأمور بمقاصدها ) بمعنى أن جدي لم يقصد الإضرار بالورثة وإنما قصد مكافأة والدي للأسباب التي ذكرتها أعلاه أرجو الإفادة جزاكم الله خيرًا ؟(72/1)
ما قام به أبوك من الإحسان إلى والده وبرّه في حياته والقيام على أخواته بعد موت والده فهذا أمر طيب يشكر عليه ونرجو له الأجر من الله سبحانه وتعالى وهكذا ينبغي أن يكون المسلم مع والده ومع قراباته لا سيما أخواته ومحارمه أما قضية ما فعله جدك من إعطاء والدك شيئًا من الأرض فهذا لا يجوز له أن يخصّ بعض أولاده بالعطية دون بعض لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك وأنكر على من فعله من الصحابة لما جاء يُشهد الرسول صلى الله عليه وسلم على عطية خصّ بها بعض أولاده أنكر عليه وقال : ( أشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ) [ رواه البخاري في صحيحه ج3 ص151 . من حديث النعمان بن بشير بنحوه . وللحديث روايات أخرى ] . فعطية الوالد بعض أولاده دون بعض لا يجوز له حتى ولو كان بعض أولاده أبرّ به من البعض الآخر فإن هذا أداء واجب على الولد لوالده فالأولى لك في هذه الحالة إن ترد هذه العطية وأن تقسم على الميراث الذي شرعه الله سبحانه وتعالى تلافيًا للخطر الذي حصل وأبرأ للذمّة وأنفع للميت وأبعد لك عن الشبه . والله تعالى أعلم .
225 ـ كان لي أخت متزوجة ولها طفلان وقد طلقها زوجها بعد أن مرضت مرضًا شديدًا وفي آخر شهر من عدتها توفيت وعليها ديون كثيرة للأطباء الذين قاموا بعلاجها ولغيرها وليس لها سوى أرض لا تغطي كل ما عليها من ديون فلا تفي إلا بالثلثين منها فقط وقد أوصت قبل موتها بأن يحج عنها وأوصت بأن يصلى عنها لمدة ثلاث سنوات ويصام عنها ثلاث أشهر وبأن يذبح لها بعد موتها ويعمل لها وليمة عزاء علمًا أن لها أربعة أخوة أشقاء وأختين فما الحكم أولاً في سداد ما عليها من دين على من يكون قضاؤه وكذلك ما الحكم في وصيتها تلك وماذا يلزمنا تنفيذه منها وماذا لا يلزمنا أفيدونا عن ذلك جزاكم الله خيرًا .(72/2)
أما قضية الديون التي عليها فإنها يجب تسديدها من تركتها ولا ينفذ لها وصية إلا بعد سداد الديون لأن وفاء الدين مقدم على الوصية . وأما قضية أنها أوصت بوصايا من جملتها العزاء وذبح ذبيحة فيه فهذا لا يجوز الوفاء به حتى ولو كان لها تركة لأن هذا من البدع وعمل العزاء وعمل الولائم بمناسبة العزاء من مال الميت من البدع ولا يجوز فعله وإنما سمح لها الشارع بالوصية في حدود الثلث فأقل وعلى الوجه المشروع وبعد سداد الديون التي عليها . وأمّا قضية الوصية بأن يصلّى عنها أو يصام عنها فهذا أيضًا لا تنفذ الوصية به لأن الصلاة والصيام عملان بدنيان لا تدخلهما النيابة إلا إذا كان عليها صيام نذر فإنه يصام عنها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صوم نذر صام عنه وليه ) [ لم أجده بهذا اللفظ ] . ، فصيام النذر يصام عن الميت بأن يصوم عنه وليه أما ما وجب بأصل الشرع من الصلاة والصيام فهذا لا تدخله النيابة لأنه عمل بدني مطلوب من الإنسان القيام به بنفسه .
226 ـ كان لي عم وله ابن وقد توفي عمي هذا قبل أبيه ( أي قبل جدي ) وقبل وفاة جدي أوصى بثلثي ماله لابن ابنه الآخر أي ابن عمي مع وجود أبي . فهل يجوز تنفيذ هذه الوصية أم لا . وإذا لم تنفذ فهل ابن عمي هذا يرث شيئًا مع أبي من مال جدي الذي خلفه بعد وفاته ؟
الوصية تجوز بشرطين :
ـ الشرط الأول : أن تكون قدر الثلث فأقل . فإن كانت أكثر من الثلث لم تصح إلا بإجازة الورثة لها بعد الموت .(72/3)
ـ الشرط الثاني : أن تكون لغير وارث . لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله قد أعطى كل ذي حقٍّ حقّه فلا وصية لوارث ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج4 ص186، 187 . من حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه ورواه أبو داود في سننه ج3 ص113 . ورواه الترمذي في سننه ج6 ص294، 295 . ورواه ابن ماجه في سننه ج2 ص905 . من حديث أبي أمامة الباهلي ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج6 ص264، 265 من حديث أنس بن مالك . ورواه سعيد بن منصور في سننه ج1 ص125 من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ] . وأجمع أهل العلم على ذلك وما دام ابن عمك الذي ذكرت غير وارث لأنه محجوب بعمه فالوصية له وصية لغير وارث فهي صحيحة في حدود الثلث فأقل .(72/4)
نذور وأيمان وسرقة وأطعمة
227 ـ تعرضت ابنتي إلى حادث انقلاب سيارة وأصيبت بكسور شفيت بعدها والحمد لله وكانت الحادثة قبل خمس سنوات وقد قرّرت أن تذبح ذبيحة كل سنة في نفس الشهر الذي وقعت فيه الحادثة لوجه الله تعالى حيث توزع قسمًا من لحمها على الفقراء فهل هذا العمل جائز أم لا ؟ وهل يعتبر هذا نذرًا أم لا ؟
أولاً إن كان معنى قررت نوت بقلبها ولم تتلفظ فليس عليها شيء أما إذا كانت تلفظت بأن قالت لله علي أن أذبح كذا في كل سنة وأتصدّق به على الفقراء والمساكين فهذا نذر يجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج7 ص233 من حديث عائشة رضي الله عنها ] . ولقصة الرجل الذي نذر أن يذبح إبلاً ببوانة فقال له النبي صلى الله عليه وسلم هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ قالوا : لا، قال هل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قالوا لا قال فأوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله فيما لا يملكه ابن آدم (1) فإذا كانت نذرت أن تذبح كل سنة ذبيحة توزعها على المساكين فهذا نذر طاعة يجب عليها أن تفي به مع أنّ أصل النذر لا ينبغي لأن الإنسان يلزم نفسه بشيء لم يكلفه الله به فيصل بذلك الحرج والمشقة على الإنسان وكان قبل ذلك في عافية وفي سعة لكنه ألزم نفسه بشيء قد يثقل عليه ولهذا يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا تنذروا فإن النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص232، من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما بنحوه ] . لكنها ما دامت أنها نذرت هذا النذر على الصفة المذكورة فإنه نذر طاعة يجب عليها أن تفي به مهما قدرت على ذلك والله أعلم .
228 ـ وهل لها أن يأكل من هذه الذبيحة ؟
حسب النيّة إذا كانت نوت أن تأكل منها فلا بأس أن تأكل منها أما إذا لم تنو أن تأكل منها فإنه يلزما توزيعها على المساكين ولا تأكل منها شيئًا .(73/1)
229 ـ كانت والدتها مريضة عندها وقد توفيت قبل عامين فنذرت إن رزقها الله من واسع فضله أن تتصدق بذبيحة في شهر رمضان من تلك السنة وتهب ثوابها لوالدتها وهي تعمل في إحدى المدارس وتتقاضى راتبًا شهريًا قدره خمسة آلاف ريال ولكنها تعطيه زوجها المحتاج صاحب الأسرة الكبيرة وقليل الدخل وقد بنى لهم منزلاً وتحمل ديونًا كثيرة للناس ولذلك فهي تساعده براتبها الشهري ولم تتمكن تلك السنة من الوفاء بنذرها ولكنها كانت تعطي أختها من الراتب ألف ريال لتتصدق به على الفقراء وأجر هذه الصدقة لوالدتها فهل تكفيها هذه عن النذر أم لا بد أن تتصدق بذبيحة كما حددت هي ولو بعد فوات السنة التي حددتها بذلك ؟(73/2)
ننبه إلى أنه لا ينبغي للمسلم أن ينذر لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إنّ النذر لا يأتِ بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص232 . من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما بنحوه ] . ينبغي للمسلم أن يفعل الخير وأن يتصدّق . وأن يتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى لما يسَّر الله بدون نذر لكنه إذا نذر وألزم نفسه بذلك وجب عليه الوفاء إذا كان نذره نذر طاعة كما قال صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص233 . من حديث عائشة رضي الله عنها ] . وقال تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [ سورة الإنسان : آية 7 ] . وقال تعالى : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } [ سورة البقرة : آية 270 ] . فإذا نذر الإنسان نذر طاعة فإنه يجب الوفاء به والسائلة تذكر أنها نذرت أن تذبح شاة في سنة معينة وتوزعها على الفقراء فهذا نذر طاعة لأن ذبح الشاة فيه قربة إلى الله سبحانه وتعالى والتصدق أيضًا فيه قربى فهو نذر طاعة وقد عينته بوقت محدد كان يجب عليها أن توفي به في وقته وما دام أنها أخرته عن وقته فإنه يجب عليها تنفيذه قضاء فإنه يجب عليها أن تذبح ما نذرته تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى وتتصدق بلحمه ويكون هذا قضاء وعليها بدل التأخير كفارة يمين تحرير رقبة أو إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام وأما أنها تعطي أختها دراهم وتتصدق فهذا لا يكفي عن النذر لأن النذر معين بذبيحة وليس هو صدقة مطلقة فلا يكفي عن النذر لكن فيه أجر وخير إن شاء الله ونرجو أن يصل ثوابه إلى المتوفاة ولكنه لا يكفي عن النذر .(73/3)
230 ـ أنا شاب مسلم كنت أعمل في بلد عربي قبل هذا العام وموطني الأصلي مصر وأعرف ما يعانيه الإخوة المجاهدون الأفغان وفي يوم من الأيام سمعتُ شريطًا مسجلاً عن الجهاد الأفغاني فزادني تأثرًا عن هؤلاء الأخوة فتسرعتُ بعد سماع الشريط وقلت إن أكرمني الله بالسفر إلى المملكة فسوف أعطي نصف مالي للمجاهدين فقالت لي زوجتي وذكرتني أن الذي يتصدق بشيء لا يزيد عن ثلث المال وفعلاً سافرت هذا العام إلى المملكة وأنا الآن أعمل بها فما الحكم في هذا النذر وهل من الممكن أن أتبرع بأي شيء من المال مع أنني إلى الآن لم أحصل على سكن يأويني أنا وزوجتي وابني إلى الآن في مصر فإن كانت الإجابة بأنه يجب عليَّ دفع نصف أو ثلث هذا الراتب فما هي أفضل الطرق لكي أضمن وصوله فعلاً إلى المجاهدين ؟
أولاً النذر لا ينبغي للمسلم أنه يدخل نفسه فيه لأنه يلزم نفسه بشيء لم يلزمه الله به ولهذا جاء النهي عن النذر وقال عليه الصلاة والسلام : ( إن النذر لا يأتي بخير وإنما يستخرج من البخيل ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص232، 233 من حديث عبد الله بن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهما . بنحوه ] .(73/4)
أما إذا نذر المسلم والتزم طاعة لله عزّ وجلّ من صدقة أو صيام أو حج أو غير ذلك من الأعمال فإنه حينئذٍ يلزمه ما التزم لقوله صلى الله عليه وسلم ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه البخاري في صحيحه ج7 ص233 . من حديث عائشة رضي الله عنها ] . وما دمت قد نذرت هذا النذر وهو أن تتصدق بنصف راتبك للمجاهدين مدة بقائك في المملكة العربية السعودية وقد تمكنت من ذلك وحضرت في المملكة وعملت فيها فإنه يلزمك ما نذرته من التصدق بنصف راتبك للمجاهدين هذا إذا كان هذا النصف زائدًا عن نفقتك ونفقة أولادك وسكنك أما إذا كان الراتب لا يكفي لحاجتك الضرورية فإنك تصبح حينئذٍ غير مستطيع والرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا وفاء لنذر في معصية الله ولا فيما لا يملك ابن آدم ) [ رواه أبو داود في سننه ج3 ص235 . من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه ] .
231 ـ قالت لي زوجتي بأني لو أدخلت أخًا لي منزلنا دون علمها فإنها تصبح محرّمة علي وحدث أن دخل هذا الأخ دون أن أخبرها فهل في هذه الحالة تكون محرمة أم ماذا ؟
إذا كان قصدها منع دخول هذا الشخص في المنزل إلا بعد أن تعلم بذلك وتأذن له وأدخلته المنزل بدون علمها وإذنها فقد خالفت ما حلفت عليه وهذا يجري مجرى اليمين فيكون عليها كفارة يمين وهي عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو كسوة عشرة مساكين لكل مسكين ثوب فإن لم تجد شيئًا من هذه الخصال الثلاث فتصوم ثلاثة أيام .
232 ـ ومثل هذا الحكم في كل حالة تحرم الزوجة نفسها على زوجها ؟
نعم . يكون حكمه كفارة اليمين .
هذا هو الصحيح من أقوال العلماء أن المرأة إذا ظاهرت من زوجها أو حرمته على نفسها فالصحيح في هذا أنّ عليها كفارة اليمين .
233 ـ إذا حلف شخص على القرآن الكريم أن يفعل كذا ثم وجد ما هو خير منه فترك العمل بما حلف عليه فهل عليه كفارة يمين في هذه الحالة ؟(73/5)
أولاً : الحلف على القرآن الكريم لا ينبغي بل يحلف بدون أن يكون ذلك على المصحف أو على القرآن، والمؤمن يحترم اليمين ولو لم تكن على المصحف لأن الله جلّ وعلا يقول : { وَاحْفَظُواْ أَيْمَانَكُمْ } [ سورة المائدة : آية 89 ] . فالمؤمن يوقر اليمين بالله ويحترمها ولا يحلف إلا عند الحاجة وإذا حلف فإنه يكون صادقًا أما من ناحية إذا حلف أن لا يفعل شيئًا أو حلف أن يفعله ورأى مخالفة اليمين أحسن فلا بأس بل يستحب له أن يفعل الذي هو أحسن وأن يكفِّر عن يمينه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وإني والله إن شاء الله لا أحلف على يمين وأرى غيرها خيرًا منها إلا كفرت عن يميني وفعلت الذي هو خير ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1268، 1269 . من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه وللحديث قصة ] . والله جل وعلا يقول : { وَلاَ تَجْعَلُواْ اللَّهَ عُرْضَةً لأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّواْ وَتَتَّقُواْ وَتُصْلِحُواْ بَيْنَ النَّاسِ } [ سورة البقرة : آية 224 ] .
فلا تكون اليمين حائلة بينه وبين الفعل الذي هو خير بل عليه أن يفعل الذي هو خير وإن خالف اليمين ويكفّر عنها .
234 ـ ما هو الفرق بين اليمين المكفرة وغير المفكرة ؟
اليمين المكفرة هي التي يقصد عقدها على أمر مستقبل ممكن فإذا صدرت اليمين من غير قصد فهذه لغو لا تنعقد والله جل وعلا يقول : { لاَّ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِيَ أَيْمَانِكُمْ } [ سورة البقرة : آية 225 ] . وهي اليمين التي تجري على لسانه من غير قصد وكذلك إذا عقدها وقصدها على أمر ماض بناء على غالب ظنّه فبان بخلافه فهذا من لغو اليمين . وإن حلفها وهو كاذب في ذلك فهذه الغموس يأثم عليها وهي من كبائر الذنوب (2) وليس فيها كفارة ولكن فيها التوبة إلى الله سبحانه وتعالى بأن يتوب ويستغفر الله ولا يعود لمثل هذا .(73/6)
235 ـ نحن نشتغل في رعي وتربية الأغنام ولدينا مجموعة منها جمعها جدي ولكن قيل لنا أن جدي جمع أكثرها من طريق غير مشروع وهي الغزو والسرقة حتى كون له قطيعًا منها إلا أن والدي يقول أنا لم أره يسرق ولكن قيل لنا من أترابه سنًا أنه كان كذلك في حياته فماذا يجب علينا نحن الأبناء وأبناء الأبناء نحو هذه الأغنام وهل نأثم باستفادتنا منها فيما مضى أم إثمها على من جمعها ؟
إذا كنتم تعلمون أن هذه الأغنام أخذها جدكم ظلمًا وعدوانًا فإنه لا يجوز لكم الانتفاع بها إذا ثبت لديكم هذا وتحققتموه فإنها أموال محرمة ومغتصبة لا يجوز لكم الانتفاع بها فإن كنتم تعلمون أهلها فيجب عليكم أن تردوها إليهم إن كانوا موجودين أو إلى ورثتهم أما إذا لم تعلموا أهلها فعليكم أن تتصدقوا بها على الفقراء والمساكين وتتخلصوا منها وما دام الأمر لم يثبت وهو مجرد إشاعة ولم يتبين لكم أنها مأخوذة بغير حق فالأصل أنها لكم ويجوز لكم الانتفاع بها والله أعلم .(73/7)
236 ـ كنت أستمع إلى إذاعتكم المباركة وفي ذلك اليوم تكلم أحد المشايخ الأفاضل في موضوع اللحوم حلالها وحرامها وتطرق إلى ذبائح أهل الكتاب حيث عرض الأدلة الشرعية من القرآن والسنة وقد كنت قبل مدة في فرنسا أتابع تخصصي الطبي فيها وكنت لا آكل من ذبائح الكتاب استنادًا لآراء معظم الشباب المسلم في فرنسا إذ أنهم قالوا إن طعام أهل الكتاب كان حلالاً لنا عندما كانوا يذبحونه على الطريقة الشرعية أما الآن فإن الذبح على الطريقة الشرعية غير موجود فهم في هذه البلاد يتبعون إحدى طريقتين إحداهما أحدث من الأخرى وهم يقولون إن الهدف منهما هو إضعاف إحساس الحيوان بالألم أثناء الذبح وحضور الموت فطريقة الذبح القديمة منهما ترتكز على حقن الحيوان بمادة مخدرة للأعصاب والجملة العصبية المركزية ثم يمرر الحيوان إلى الآلات القاطعة التي لا ندري هل تبدأ بالعنق أم غيره والطريقة الثانية الأحدث ترتكز على تعريض الحيوان إلى صدمة كهربائية تفقده الإحساس بالألم وتشل دماغه ثم تأتي الآلات القاطعة لتفعل به ما فعلته الأولى ناهيك عن عدم التسمية عليها أو التكبير والمسألة الهامة هنا هي إن البعض يقول أن الحيوان يموت قبل بدء الآلات القاطعة بتقطيعه إذ أن المادة المخدرة المحقونة أو الصدمة الكهربائية كافيتان لإزهاق روح هذا الحيوان ثم إنهم يذكرون نسبة ما يموت بعد الحقن أو الصعق بمقدار تسعين أو خمس وتسعين بالمائة ( 90-95% ) أو حتى مئة بالمئة ( 100% ) ولا أدري والله من أين أتوا بهذه الأرقام هذا من جهة ومن جهة أخرى فإنهم يقولون حتى ولو لم نكن متأكدين من موت الحيوان قبل تقطيعه فإن في أكل ذلك اللحم شبهة ورسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا باتقاء الشبه والأمور المتشابهات ثم إنهم يضيفون أن هناك جزارين مسلمين معظمهم جزائريون وتونسيون وأتراك يذبحون على الطريقة الإسلامية إلا أن هؤلاء موزعون في المدن الكبرى . أما المدن الصغيرة، فتفتقر إلى مثلهم(73/8)
إضافة أن المدن الكبرى تحتوي أمثال هؤلاء في مراكزها دون ضواحيها ثم إن بعض الجماعات الإسلامية تؤكد قائلة أنه لا يجوز شراء اللحم من المسلمين إلا إذا كان هذا اللحم أو الدجاج مدموغًا بخاتم الجمعية الإسلامية في فرنسا وفي الحقيقة إذا أردنا أن نلتزم بهذا الخاتم فإن علينا أن نمتنع عن شراء اللحم من تسعين إلى خمسة وتسعين في المئة ( 90-95% ) من هؤلاء الجزارين المسلمين لأنهم لا يضعون على ذبائحهم مثل هذا الخاتم . وحجة أصحاب الجمعية أن هؤلاء الجزارين يشترون الذبائح من المسالخ الفرنسية ويبيعونها للمسلمين كذبًا وخداعًا وغشًا ثم إن البعض من هؤلاء لا يصلي ويبيع الخمور واللحوم فكيف نصدق شهادتهم فماذا تقولن في هذا ؟
أولاً هذا مما لا شك فيه أنه من مشاكل السفر إلى بلاد الكفار والسكنى في بلادهم ومخاطر السفر إلى بلاد الكفار والسكن فيها كثيرة منها مسألة الأطعمة واللحوم وما يتصل بذلك ولهذا حرّم العلماء السفر إلى بلاد الكفار إلا بشرطين : الشرط الأول أن يكون هذا السفر لحاجة ملحّة والشرط الثاني أن يقدر المسلم على إظهار دينه بأن ينكر ما عليه الكفار وأن يدعو إلى الدين الصحيح وهو دين الإسلام أما ما ذكره السائل من مشكلة اللحوم والذبائح فلا شك أن ذبائح الكفار غير أهل الكتاب محرمة بالإجماع فذبائح الوثنيين والشيوعيين والدهريين والمرتدين من المسلمين ومن كان لا يعتنق دينًا سماويًا فذبيحته حرام مطلقًا . أما بالنسبة لذبائح أهل الكتاب ففيها التفصيل التالي : - أولاً : ما علم أنهم ذبحوها على الطريقة الشرعية فهو حلال بالإجماع لقوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] .(73/9)
والمراد بطعامهم ذبائحهم فأباح الله لنا ذبائح أهل الكتاب اليهود أو النصارى إذا ذبحوه على الطريقة الشرعية بأن يكون في محل الذبح وبقطع ما يجب قطعه في الذكاة، النوع الثاني : ما علم أنهم ذبحوه على غير الطريقة الشرعية كالقتل بالخنق أو الصعق الكهربائي أو الضرب بالرصاص على رأسه أو بالتدويخ حتى يموت ولا يدرك وفيه حياة فهذا حرام بالإجماع لقوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 3 ] . وهذه حيوانات ماتت بغير الذكاة الشرعية ماتت بإصابتها بالخنق أو الصعق أو الضرب بالرصاص أو غير ذلك من وسائل الإماتة ولم تدرك وتذك وفيها حياة مستقرة على الوجه المشروع هذه حرام بإجماع أهل العلم .
النوع الثالث : ما حصل فيه الشك من ذبائح أهل الكتاب هل ذبحوه على الطريقة الشرعية أو على غير الطريقة الشرعية فهذا محل خلاف بين العلماء المعاصرين على قولين القول الأول : حل أكلها لأن الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل حتى يثبت ما يقتضي تحريمها من كونها ذبحت على غير الطريقة الشرعية بأن يعلم أنهم ذبحوها على غير الطريقة الشرعية فإذا لم يعلم فالأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل استنادًا إلى قوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] .(73/10)
القول الثاني : أنها لا تحل في هذه الحالة لأن الأصل في ذبائح أهل الكتاب وغيرهم التحريم حتى يعلم أنها ذبحت على الطريقة الشرعية ولقوّة هذا الخلاف في المسألة فالذي يحسن بالمسلم ترك هذه اللحوم لأنها مشتبهة وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ) [ رواه الإمام أحمد في المسند ج1 ص200 . ورواه الترمذي في سننه ج7 ص205 . ورواه النسائي في سننه ج8 ص327، 328 ورواه الحاكم في مستدركه ج4 ص99 . كلهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما . ورواه الخطيب البغدادي في تاريخه ج2 ص220 من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج1 ص19 . من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . وعلى المسلمين الموجودين في بلاد الكفار من الجاليات أو الطلاب أن يوجدوا حلاً لهذه المشكلة بأنفسهم بأن يتعاونوا على إيجاد مسلخ خاص بهم أو يتفقوا مع مسلخ يلتزم بالذبح على الطريقة الشرعية وبهذا تنحل المشكلة .(73/11)
كفارة القتل
237 ـ علمت أن كفارة القتل الخطأ صيام شهرين متتابعين وأنا صدمت شخصًا بسيارتي منذ حوالي عامين وقد مات هذا الشخص متأثرًا بتلك الصدمة وقد تمّ بيني وبين أهل القتيل الصلح بدفع نصف الدية وقد دفعتها في حينها . السؤال هو : هل علي أن أصوم شهرين بعد أن دفعت الدية أم لا وهل يجوز أن أؤخر صيامها حتى تتاح لي الفرصة خاصة وأنني الآن كثير المشاغل وإذا لم أستطع الصيام فماذا علي أن أفعل ؟
لا شك أن القاتل خطأ تلزمه الكفارة وتلزم الدية في قتله على عاقلة القاتل وتلزم الكفارة في ذمة القاتل . قال تعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } إلى قوله { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } [ سورة النساء : آية 92 ] . فأوجب سبحانه في قتل الخطأ شيئين : الأول الدية وتكون على عاقلة القاتل خطأ، والثانية : الكفارة تكون على القاتل . والكفارة تتكون من خصلتين، الأولى : عتق الرقبة إذا كان يستطيع وإذا وجد رقبة ويستطيع إعتاقها وجب عليه ذلك ولا يجزيه غيرها، فإن لم يجد رقبة أو كانت الرقبة موجودة ولكن لا يستطيع اقتصاديًا إعتاقها فإنه يصوم شهرين متتابعين وليس هناك شيء ثالث في هذه الكفارة . إنما هي الإعتاق فمن لم يستطع الإعتاق فإنه يصوم شهرين فيلزمك صيام شهرين متتابعين إذا لم تستطع الإعتاق وقد استقرّ ذلك في ذمتك ويجب عليك المبادرة بأدائها مهما أمكنك ذلك ومهما واتت الظروف وحتى وأنت في العمل، فالعمل لا يمنع من الصيام لأن تأخير هذا الواجب في ذمّتك يخشى أن يعرض لك عوارض فتبقى هذه الكفارة في ذمتك وتثقل كاهلك والواجب عليك الإسراع بتفريغ ذمتك وإبرائها من هذا الواجب العظيم .(74/1)
238 ـ لي أخ يبلغ من العمر 9 سنوات فأرادت والدتي أن تعالجه في مستشفى بعد أن أصابه مرض وفعلاً ذهبت إلى المدينة لتعالجه وكانت والدتي تمسك يده خوفًا من أن يضيع منها وفجأة ومع دهشة الابن مما يراه في المدينة وهو غريب عليه فقد أفلت من يد والدته وسار وحده في وسط الشارع وحيث كانت سيارة قادمة فصدمته ومات بعد ذلك في المستشفى متأثرًا بتلك الصدمة وقد حزنت كثيرًا عليه ولكن كانت بداية لتوبتها الصادقة وتكريس نفسها للعبادة وهي في حيرة من ناحية الكفارة هل تلزمها كفارة صيام أم ليس عليها شيء .
ظاهر السؤال أنها فعلت هذا بدافع الشفعة عليه وأنها أرادت له الخير وذهبت به لتعالجه تلتمس له المصلحة فهي محسنة في هذا . والله سبحانه وتعالى يقول : { مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ } [ سورة التوبة : آية 91 ] . وأيضًا هي لم تفرط هي كانت ممسكة بيده ومحافظة عليه إلا أنه انفلت منها بغير اختيارها وحصل ما حصل فلا شيء عليها في هذا لأنها لم تفرط .
239 ـ لقد قدر الله حادث سيارة على أحد الأشخاص بسيارتي بينما هو يمشي على قدميه ونقل إلى المستشفى متأثرًا بتلك الإصابة ورقد عشرة أيام ثم توفي وقد تنازل أهله عن ديته وأخذ أولاده القصر مبلغ ثلاثين ألف ريال حيث كان الخطأ مشتركًا فعليه نسبة 40% منه .
وسؤالي هو عن الصيام . هل يجب علي وجوبًا مع أنني طالب في الثانوية وقد لا أستطيع الجمع بين الصيام والدراسة فهل يكفي أن أتصدّق وأطعم أو هل من مخرج لي من الصيام أفيدوني بارك الله فيكم .(74/2)
لا شك أنه يجب عليك الصيام لأنك شاركت في قتل نفسٍ خطأً والكفارة تجب على القاتل خطأ سواء انفرد في القتل أو شارك فيه وأنت تذكر أنك اشتركت في 60% المهم أنه لو شارك في 1% أو أقل عليه كفارة لعموم الآية الكريمة فيثبت في ذمتك صيام شهرين إذا لم تستطع - تذهب إلى البديل وهو الصيام وليس هناك شيء ثالث غير الصيام وتأتي به متى استطعت فإذا كنت في الوقت الحاضر لا تستطيع فإنه يبقى في ذمتك وتصومه إذا استطعت والدراسة ليست تمنع من الصيام فالناس يصومون وهم يدرسون لا سيما في المناطق الباردة . الدراسة ليس عذرًا في ترك الصيام ولو أنك تحينت مثلاً الفصول الباردة مثل فصل الشتاء وصمت فيه فلا بأس به مع البرودة التي تخفف عليك من شدة الصيام المهم أنك لا بد أن تصوم وأنت أدرى بالوقت المناسب لك والصيام يبقى في ذمتك إلى أن تؤديه ليس له بديل، الإطعام ليس له وجود في كفارة القتل - الله تعالى لم يذكر إلى خصلتين العتق أو الصيام فيما ذكر في كفارات أخرى ثلاث أشياء تدل أنّ القتل لا يجزي فيه إلا شيئان العتق أو الصيام .
240 ـ سائل يقول إنه سائق سيارة وقد حصل بينه وبين سائق آخر تصادم ونتج عن الحادث وفاة السائق الآخر وبرفقته ثلاثة أشخاص فقال له القاضي في المحكمة الشرعية عليك كفارة عتق رقبة عن كل واحد منهم أو صوم شهرين عن كل واحد منهم أيضًا وهو يقول أن الصوم يصعب عليّ فهل توجد كفارة غير ذلك أفعلها أفيدوني جزاكم الله خيرًا ؟(74/3)
إذا كنت مدانًا في الحادث فالأمر كما قال لك القاضي من أنه يجب عليك كفارة عن كل واحد من القتلى في هذا الحادث وهي عتق رقبة فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين كما في نص القرآن الكريم وأما كونك لا تستطيع الصيام فربما أنك لا تستطيع في وقت معين لكن في وقت آخر تستطيع فتنتظر إلى أن تستطيع الصيام ويجب عليك الصيام متتابعًا بأن تصوم شهرين عن كل قتيل وليس بلازم أن تصوم الكفارات متتابعة بل بإمكانك أن تصوم شهرين متتابعين عن واحد ثم تنتظر إلى أن تقوى ويتيسر لك ذلك فتصوم الكفارة الثانية وهكذا، الحاصل أنه لا بد من الصيام والصيام متعين عليك وعليك أن تتحين الفرص المناسبة لأدائه والله يعينك على ذلك وليس هناك شيء ثالث في كفارة القتل إنما هما شيئان عق الرقبة فإن لم تستطع فصيام شهرين متتابعين .(74/4)
اللباس والزينة
241 ـ ما حكم لبس الباروكة للرجال والنساء وأيضًا ما حكم التمثيل ؟ بالنسبة للرجال وأيضًا للنساء ؟
لا يجوز لبس الباروكة للرجال والنساء أيضًا، أما النساء لأن فيه غشًا وتدليسًا حيث أن الرائي لها يظن أن هذا من خلقتها ومن شعرها الأصلي وهو ليس كذلك وفي هذا تلبيس وتغرير ربما بزوجها أو بمن يريد خطبتها . أما الرجل فلا يجوز له ذلك بحال من الأحوال قد يجوز للمرأة مثلاً إذا كانت - ليس لها شعر أصلاً كأن لم ينبت لها شعر أن تلبس الباروكة لأنها أصبحت مضطرّة لذلك ومحتاجة لذلك أما الرجل فإنه لا يجوز أن يلبس الباروكة بحال ولا سيما إذا كان ذلك لأجل التمثيل فإنه في لبسه لهذا الشعر يظهر بصورة غير صورته الحقيقية وربما تكون صورة فيها تشبّه بالنساء أو تشبّه بالكفار أو غير ذلك .
242 ـ هل يجوز لبس غير الذهب أو الفضة من أدوات الزينة في الصلاة ؟
لا بأس أن تلبس المرأة حلي الذهب والفضة وتصلي فيه إلا أنها تستره إن كانت بحضرة رجال غير محارم لها . وكذلك لا بأس في لباس الزينة في الصلاة إذا كان مما أباح الله فيشرع للرجال التجمل باللباس والطيب عند الذهاب لصلاة الجمعة والجماعة . أما المرأة إذا أرادت الخروج للصلاة في المسجد فإنها لا تلبس ثياب الزينة وإنما تلبس من الثياب ما يسترها وليس فيه زينة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تمنعوا إماء الله مساجد الله وليخرجن تفلات ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص438 . ورواه أبو داود في سننه ج1 ص152 بزيادة " وهن تفلات " ورواه الدارمي في سننه ج1 ص330 بلفظ " وإذا خرجن فليخرجن " ورواه البيهقي في السنن الكبرى ج3 ص134 بلفظ " وليخرجن إذا خرجن . " كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . يعني غير متزينات ولا متطيبات وكذلك لا تظهر حليها عند خروجها أو وجودها في المسجد .
243 ـ ما حكم صبغ الشعر بحيث تغير المرأة لون شعرها من الأسود إلى الأشقر أو غيره ؟(75/1)
المشروع صبغ الشعر الأبيض ( الشيب ) بلون غير السواد لقوله صلى الله عليه وسلم : ( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1663 من حديث جابر بن عبد الله . ولفظه " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد " ] . والرجل والمرأة في هذا سواء - أما الشعر الأسود فلا داعي لصبغه بلون آخر . لأن لونه جميل .
244 ـ أنا متزوج منذ عشر سنوات وزوجتي تهتم بالمظهر عندما نذهب لأحد أو يأتي لنا أحد، فهل يحق لي أن أكلمها في هذا الموضوع أم ماذا أفعل ؟
لا يجوز للمرأة إذا أرادت الخروج من البيت لحاجة أن تتزين وتتطيب لأن هذا مدعاة إلى الفتنة فقد جاء النهي عن تزين المرأة وتطيبها عند خروجها من بيتها . وأمرت أن تخرج بثياب عادية لا زينة فيها ولا تتطيب . أما أن تتزين في بيتها فلا بأس بذلك لكن مع التستر واللباس المحتشم الذي لا يبدو من جسمها إلا ما جرت عادة الملتزمات من المسلمات بإظهاره وعلى المرأة المسلمة مسؤولية عظيمة نحو نفسها بأن تجنبها المآثم وتلزمها بطاعة الله .
245 ـ هل يجوز صبغ اللحية وشعر الرأس بالسواد ؟
لا يجوز صبغ اللحية وشعر الرأس بالسواد وإنما يصبغ الشيب بغير السواد لقوله صلى الله عليه وسلم : ( غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1663 من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه . ولفظه " غيروا هذا بشيء واجتنبوا السواد " ] . وجاء في الحديث أيضًا (أنّ قومًا يصبغون لحاهم بالسواد في آخر الزمان كحواصل الحمام لا يريحون رائحة الجنة) [ رواه أبو داود في سننه ج4 ص84 ورواه النسائي في سننه ج8 ص138 . كلاهما من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] . والمراد بالسواد الخالص أما السواد غير الخالص وهو الذي يخالطه لون الحمرة فلا بأس به .
246 ـ ما حكم الشرع في تزين المرأة ؟(75/2)
تزين المرأة بما أباح الله لها من الثياب والحلي والكحل والأصباغ والخضاب وقص الأظافر ونتف الإبط والعانة لا بأس به بل هو سنة بشرط أن لا تظهر ثيابها وحليها أمام الرجال الذين هم ليسوا من محارمها . أما تزينها بما حرم الله من النمص وهو أخذ شعر الحاجبين وتفليج الأسنان ووشرهن فهذا لا يجوز كله لأن ذلك تغيير لخلق الله تعالى وقد لعن الرسول صلى الله عليه وسلم من فعلته (3)
247 ـ أنا فتاة وأعاني من تشوّه في أنفي وقد جلب لي بعض المشكلات الاجتماعية والسخرية من قِبَل البعض . وسمعت أنّ هناك عمليات جراحية تعمل لتحسينه - فما هو الرأي الشرعي في ذلك ؟
لا بأس بإجراء العملية الجراحية لإزالة التشويه من الوجه وغيره لأن هذا من العلاج المباح والغرض منه إزالة الأذى . وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتداوي (4)
248 ـ يرى البعض أن تطويل الثياب لما تحت الكعبين لا بأس به في الوقت الحاضر لسببين : الأول : إذا كان القصد ليس الكبر والخيلاء ؟
الثاني : أن الشوارع والمنازل في الوقت الحاضر أصبحت نظيفة وطاهرة . ما رأيكم في ذلك . ؟
لا يجوز للذكر إسبال الثياب تحت الكعبين لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك وتوعده عليه بالنار (5) فهو من الكبائر - وإذا كان الإسبال من أجل الكبر والخيلاء فهو أشدّ إثمًا . وإن خلا من الكبر والخيلاء فهو محرم أيضًا لعموم النهي . وقول القائل إن الشوارع نظيفة فلا مانع من الإسبال هو من الكلام السخيف الذي لا قيمة له وقائله جاهل لا عبرة به وبقوله .
249 ـ ما حكم الوشم على الوجه واليدين . فهذه عادة جارية عندنا وماذا تفعل من عمل بها ذلك في صغرها ؟(75/3)
الوشم محرم وهو كبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن الواشمة والمستوشمة (6) ، فالواشمة هي التي تفعل الوشم بنفسها والمستوشمة هي التي تطلب من غيرها أن يعمل ذلك بها . كلاهما ملعونة على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم فالوشم إذن محرم في الإسلام وهو كبيرة من كبائر الذنوب وهو من تغيير خلق الله سبحانه وتعالى الذي تعهد الشيطان أن يأمر به من استجاب له من بني آدم كما في قوله : { وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ } [ سورة النساء : آية 119 ] .
فهو أمر لا يجوز عمله ولا إقراره ويجب النهي عنه والتحذير منه وبيان أنه كبيرة من كبائر الذنوب ومن فعل بها هذا إن كان ذلك باختيارها ورغبتها فهي آثمة وعليها أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن تزيل هذا الأثر إن كان في مقدورها إزالته أما إن كان فعل بها هذا بدون علمها وبدون رضاها كأن فعل بها وهي صغيرة لا تدرك فالإثم على من فعله ولكن إذا أمكن أن تزيله فإنه يجب عليها ذلك أما إذا لم يمكن فإنها تكون معذورة في هذه الحالة .
250 ـ لي زوج أخت يقول إنني محرم على أخواتك تحريمًا مؤقتًا فيجوز أن يظهرن عليّ من غير نقاب بهذه الصفة فماذا أقول له وما هو القول الفصل في حكم النقاب ؟(75/4)
هذا القول منه خطأ فأخوات زوجته وإن كنّ يحرمن عليه ما دامت أختهن في عصمته تحريمًا مؤقتًا فإنه أجنبي منهن لا يجوز لهنّ أن يكشفن وجوههنّ عنده أو يعتبرنه محرمًا لهنّ لأنه أجنبي منهن فقوله هذا خطأ ووهم لا يجوز إقراره عليه ويجب عليهن الحجاب منه، وأما بالنسبة للنقاب فتغطية الوجه واجبة على الصحيح من قولي العلماء وهو الذي تؤيده الأدلة الصحيحة لقوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] . ولقوله تعالى في نساء النبي صلى الله عليه وسلم : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] . وكون الخطاب ورد في نساء النبي صلى الله عليه وسلم لا يمنع أن يتناول الحكم غيرهن من نساء المسلمين وذلك لأنه علل ذلك بعلة عامة وهي قوله : { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] . فالعلة عامة لنساء النبي صلى الله عليه وسلم رضي الله عنهن ولغيرهن من النساء والطهارة مطلوبة للجميع لقوله تعالى في الآية الأخرى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] .(75/5)
لما نزلت هذه الآية الكريمة بادر نساء الصحابة وخرجن إلى صلاة الفجر كأن على رؤوسهن (7) الغربان من سترهن لوجوههن ورؤوسهن وحديث عائشة صريح في هذا أيضًا وهو قولها ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات وكنّا إذا مرّ بنا الرجال سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه ) [ رواه أبو داود في سننه ج2 ص173 . ورواه ابن ماجه في سننه ج2 ص979 . حديث عائشة رضي الله عنها ] . ، فهذا دليل على أنّ تغطية الوجه من سنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن المرأة لا يجوز لها أن تكشف وجهها عند الرجال والله أعلم .
251 ـ لي زوج أخت أخرى زوجته منتقبة ولكنه يجعلها ترفع النقاب أمام إخوته الرجال وعندما ناقشته في ذلك قال إن إخوتي في منزلتي ولا يمكن أن تختبئ عنهم مع العلم أننا ذكرناه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم : ( عندما سئل عن الحمو فقال الحمو : الموت ) [ رواه البخاري في صحيحه ج6 ص158، 159 . من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه ] . فماذا تفعل زوجته عند أمره لها برفع نقابها . وهل إن لم ترفعه عند إخوته تعتبر عاصية لزوجها وتأثم بذلك ؟(75/6)
يظهر أن هذا الشخص معاند، لأنه يأمر زوجته أن تكشف وجهها لإخوانه رغم أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحمو - وهو قريب الزوج - الموت يعني أن خطره شديد وأنه أشد من غيره ومع هذا أصر على أن تكشف زوجته وجهها لإخوانه وقال إنهم بمنزلته وهذا خطأ ومعارضة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم فالواجب على المرأة أن تحتجب من إخوة زوجها لأنهم أجانب منها وليس لهم علاقة بها لأنها أجنبية منهم وهم أجانب منها فعليها أن تحتجب وأن تغطي وجهها، ومع الأسف كثير من الرجال يلزمون أو يأمرون زوجاتهم بالمعصية مثل أن تكشف وجهها لأقاربهم وأن لا تحتجب أمامهم فالمرأة ضعيفة وقد تنصاع لأمر زوجها والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج5 ص66 بلفظ " في معصية الله " بدل " في معصية الخالق " من حديث الحكم بن عمرو الغفاري رضي الله عنهما . ورواه البغوي في شرح السنة ج10 ص44 من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه . ورواه الخطيب التبريزي مشكاة المصابيح ج2 ص1092 . من حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه ] .
فلا يجوز للمرأة أن تطيع زوجها في هذه المسألة وهي كشف وجهها عند أقاربه لأن هذا معصية لله ولرسوله وطاعة الزوج إنما تكون بالمعروف فالواجب على الأزواج أن يتقوا الله سبحانه وتعالى في نسائهم وأن لا يأمروهن بالمعصية بل الواجب أن يأمروهن بطاعة الله وينهوهن عن معصية الله لأن الله قد استرعاهم عليهن فهذا واجبهم أما أن يلزموا زوجاتهم بالمعصية فهذا حرام عليهم، ولا يلزم زوجاتهم حينئذٍ أن يطعنهم بل يحرم عليهم أن يطعنهم في ذلك .(75/7)
ودائع قروض وقف تأمين ديون شهادات
252 ـ أنا أعمل في التجارة ويأتي إليَّ كثير من الإخوة المغتربين ويودعون عندي أموالاً نقدية لهم وحين يطلبونها أعطيهم إياها كاملة ولكنني خلال فترة بقائها عندي أخلطها مع مالي وأشتغل بها لنفسه فهل يجوز لي هذا التصرف إذا كان بدون إذنهم وهل لهم نصيب من الربح مما ربحته أو مما ربحته ودائعهم أم لا ؟
لا يجوز لك هذا التصرف لأنك مؤتمن وهذه ودائع في يدك الواجب عليك أن تحفظها وأن تحافظ عليها أما إذا استعملتها فقد تعديت في الأمانة ولو تلفت صار عليك ضمانها لأصحابها لأنك قد تعديت فيها ولم تحفظها الحفظ اللازم وأما بالنسبة لما حصل من أرباح فأرباح أموالهم لهم ولك أجرة مثلك إلا إن سمحوا لك بها أو بشيء منها . لأن هذه مضاربة غير صحيحة لأنها لم تكن برضى من الطرفين والمضاربة إذا كانت غير صحيحة فإن ربحها يكون لصاحب المال ويكون للعامل أجرة مثله .
253 ـ أعطى رجل والدي حلية أمانة فأعطاها أبي أمي فلبِسَتها وذهبت بها إلى أهلها فلما رأتها النساء قلن لها بأن هذه الحلية ليست ثمينة . ولكن عندنا هذه الحلية وهي أجود من حليتك فهل لك أن نتبادل هذه الحلية وفعلاً بادلتهن ورضيت بهذا وعندما رجعت إلى البيت سألها والدي عن الحلية فأنكرت خوفًا منه فسترها والدي خوفًا عليها من كلام النساء لأنه يحبها وأعطى أصحاب الحلية ما يعادلها فما حكم عمل والدي هذا وعمل أمي كذلك مع العلم أنها كانت صغيرة في ذلك الحين ووالدي الآن متوفى منذ خمس عشرة سنة وجزاكم الله عني خير الجزاء . .
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله :(76/1)
أما قضية التصرف في الوديعة والأمانة فهذا لا يجوز لأن المفروض والواجب على المسلم أن يحفظ الوديعة ولا يتصرف فيها إلا إذا كان صاحبها قد أذن له بذلك، أذن له بأن يستعملها في اللباس أو ما شابه ذلك فلا بأس أن يستعملها في حدود ما أذن له به أما أن يستعمل الأمانة أو الوديعة التي عنده بدون إذن صاحبها فهذا من الاعتداء وهذا من الخيانة للأمانة فلا يجوز هذا والأشد من ذلك ما فعلته والدتك من أنها باعتها وتصرفت فيها مع الآخرين بمبادلتها بغيرها فالمبادلة تعتبر بيعًا وقد يدخله الربا أيضًا إذا كان هذا الحلي من الذهب أو الفضة وبيع بمثله مع زيادة، الحاصل أن هذا التصرف كله باطل كله سيئ من أصله ولا يجوز لأنه تصرف بأموال الناس بغير حق وبدون إذنهم فما دام الأمر قد حصل وانتهى وأرضى أصحاب الحلي ورد عليهم بدل حليهم فأنت لا يجب عليك شيء والله سبحانه وتعالى يتولى الآخرين بعفوه، لكن ننبه مرة أخرى بأن المسلم لا يجوز له أن يتصرف في الودائع والأمانات التي عنده إلا بإذن أصحابها فيتصرف فيها في حدود الإذن فقط .
254 ـ وكلت أخي في كل ما أملك ويملك زوجي وذلك قبل أن نسافر للخارج وعندما عدنا طالبناه بما وكلناه به، فرفض وقال ليس لكما عندي شيء، إلا أني سامحته ولكن زوجي لم يسامحه وقد سبق أن والدي استأمنه على مال ففرط فيه . وقد أصابه الآن مرض وأصاب أولاده كذلك ولم يستطع الحركة . فهل هذا المرض سببه عدم مسامحة زوجي له . وأنا أريد مصلحة أخي فماذا عليَّ أن أفعل علمًا أنه كان يراسلني وكان يتصل بي وأنا مستمرة في الاتصال به ؟(76/2)
يقول الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [ سورة النساء : آية 58 ] . ويقول تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } [ سورة الأنفال : آية 27 ] . وقال تعالى في مدح المؤمنين : { وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ } [ سورة المؤمنون : آية 8 ] . وقال صلى الله عليه وسلم : ( أدِّ الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك ) [ رواه أبو داود في سننه ج3 ص288 . ورواه الترمذي في سننه ج4 ص263 . كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . وجاء في وصف المنافق أنه إذا ائتمن خان (1) وإن صحّ ما ذكرتيه أيتها السائلة من خيانة أخيك لأماناته فلا يبعد أنّ ما أصابه عقوبة عاجلة له فالواجب عليه أن يتوب وأن يؤدي الأمانات والحقوق إلى أهلها . وأما أنت فقد أحسنت في مسامحته وتجب عليك صلته ولو قاطعك .
255 ـ ما حكم ما يحدث بين الشباب بحيث يدفع كل شخص مبلغًا معينًا وتعطى مجموع المبالغ أو جزءًا منها لأحدهم ثم يدفعها بالتقسيط للصندوق ؟
هذا ما يسمى بالقرض الجماعي وهو محل نظر، لأنه إقراض بشرط القرض، ولأنه قرض جر نفعًا فلا يجوز لهذين الاعتبارين . ومن العلماء من أفتى بجوازه بناء على أنّ النفع لم يختص بطرف واحد وهو المقرض - والراجح في نظري هو الرأي الأول . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( كل قرض جرّ منفعة فهو ربا ) [ انظر أسنى المطالب ص240 والغمّاز على اللمّاز ص173 . وتمييز الخبيث من الطيب ص124 ] . وقد أجمع العلماء على معناه وهذا منه ولأنه قرض مشروط في قرض وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة (2) - والله أعلم .
256 ـ هل يجوز لي أخذ مال من بيت وضع سبيل من قبل آبائي . مع العلم أنني ميسور الحال ويوجد فقراء من عائلتي . وهل يمكن أن تعطى أجرة هذا السبيل لهم ؟(76/3)
البيت الموقوف ينتفع به بحسب شرط الواقف، ولا تجوز مخالفة شرط الواقف إلا إذا كان مخالفًا للشرع - فعليك أن تعرض وثيقة الموقف على أحد العلماء وتأخذ رأيه في الموضوع .
257 ـ بعد أن توفي والدهم ومن ضمن تركته أرض وكانت جميع الأوراق التي تركها الوالد بيد أخيها الأكبر وبعد أن اطلع عليها وجد أن أباهم قد أوقف تلك الأرض على الذكور من أولاده دون الإناث فهل يجوز مثل هذا علمًا أن البنات حتى لو كان لهنّ نصيب في ذلك لربما تنازلن عن حقوقهن إذا طلب إخوتهن ذلك ؟
الجواب : لا يجوز الوقف على الأولاد الذكور دون الإناث لأن هذا من وقف الجنف المحرم ومثل هذا يجب أن يتحقق منه ويرجع فيه إلى القاضي لينظر فيه .
258 ـ هل يجوز التأمين على النفس والمال والسيارة عمومًا لا سيما وأنني أعيش في الغرب وهذه الأمور عندهم إلزامية وعادية ؟
فأجاب فضيلته :
التأمين لا يجوز لأن فيه غررًا ومخاطرة وأكلاً لأموال الناس بالباطل، فلا يجوز التأمين على وجه الاختيار وأنّ الإنسان يدخل فيه مختارًا وطمعًا لما فيه من الفوائد أو ما فيه من الاستثمار هذا لا يجوز للمسلم، أما إذا أكره على هذا واضطر إليه بأن لم يسمحوا له بمزاولة مصالحه التي لا يستغنى عنها كالدراسة وشراء السيارة وما شابه ذلك فإنه يفعل ذلك لا طمعًا في الاستثمار وإنما طمعًا في الحصول على مصلحته الخاصة التي لا يستغنى عنها فلا بأس أن يقدم قسط التأمين ولكن لا يستغل ذلك ولا يستثمر ذلك لأنه إنما فعله من أجل الوصول إلى مصلحته لا طمعًا في استثماره هو .
259 ـ ما هو الحكم الشرعي في التأمين وهو مثلاً أن يدفع الشخص مبلغًا من المال كل شهر أو كل سنة إلى شركة التأمين للتأمين على سيارته لو حصل حادث وتضررت منه فإنهم يقومون بتكلفة إصلاحها وقد يحصل وقد لا يحصل للسيارة شيء طول العام وهو مع ذلك ملزمٌ بدفع هذا الرسم السنوي فهل مثل هذا التعامل جائز أم لا ؟(76/4)
لا يجوز التأمين على السيارة ولا غيرها لأن فيه مغامرة ومخاطرة وفيه أكل للمال بالباطل والواجب على الإنسان أن يتوكل على الله تعالى وإذا حصل عليه شيء من قدر الله سبحانه فإنه يصبر ويقوم بالتكاليف التي تترتب عليه والغرامة التي تترتب عليه من ماله لا من مال شركة التأمين والله سبحانه وتعالى هو يعين على هذه الأمور وغيرها فلا يلجأ إلى شركات التأمين وما فيها من مخاطرة وأكل أموال الآخرين بالباطل علاوة على ذلك فإن أصحاب السيارات إذا أمّنوا على سياراتهم وعرفوا أن الشركة ستتولى دفع الغرامة فإن هذا يبعث على التساهل من قبلهم وعلى التهور في القيادة وربما يترتب على ذلك إضرار بالناس وبممتلكاتهم بخلاف ما إذا علم أنه هو سيتحمل وهو المسؤول فإنه يتحرز أكثر وقلنا إن في التأمين أكلاً للمال بالباطل لأن الغرامة التي تتحملها الشركة قد تكون أكثر مما دفع المساهم بأضعاف أضعاف - فيأكل أموال الناس بالباطل وربما لا يحصل على المساهم غرامة فتأكل الشركة ماله بالباطل .
260 ـ إذا مات الوالد وبذمته دين وقال ابنه لصاحب الدَّيْن إن دَيْنك في ذمتي أمام الله وعباده فهل يخرج هذا الدين من ذمّة الوالد المتوفى أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟(76/5)
وفاء الدين عن الميت إذا لم يكن له تركة من أعظم الإحسان وفعل الخير وهذا من التعاون بين المسلمين ومن نفع الأموات بإبراء ذمتهم أما ذمّة الميت فإنها لا تبرأ بمجرد التحمل بل لا تبرأ إلا بالتسديد فإذا سدد الدين عن الميت برئت ذمته والدليل على ذلك ( أن جنازة قدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليصلي عليها فسأل هل عليها دين فقالوا : نعم عليها ديناران فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم وقال صلّوا على صاحبكم فقال أبو قتادة هي عليّ يا رسول الله أو هما عليّ يا رسول الله فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم وبعدما دفن ولقي أبو قتادة النبي صلى الله عليه وسلم سأله النبي صلى الله عليه وسلم ما فعلت الدينارات فأبو قتادة كأنه رأى أن المدة قريبة يعني لم يمضِ وقت طويل ثم إنه - رضي الله عنه مضى وسددها ثم جاء وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه سددها فقال النبي صلى الله عليه وسلم " : الآن بردت عليه جلدته ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج3 ص330 . من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه وانظر مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج3 ص39 ] .
فدلّ هذا على أنّ تحمل الدين عن الميت لا تبرأ به ذمته حتى يسدد عنه ولكن هذا عمل طيب ويثاب عليه المسلم وإذا تحمله فإنه يجب عليه المبادرة بتسديده لإراحة الميت من ارتهانه بدينه .
261 ـ رجل في الثمانين من عمره ولا يصلي ولا يصوم فتقدم للإدلاء بشهادته في المحكمة في قضية من القضايا وأقسم على القرآن فهل، مثل هذا تُقبل شهادته وهل هناك أشخاص لا تقبل شهادتهم ومن هم ؟(76/6)
الله سبحانه وتعالى قال : { وَأَشْهِدُوا ذَوَىْ عَدْلٍ مِّنكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } فيشترط في الشاهد أن يكون عدلاً بمعنى أنه محافظ على دينه ومستقيم في أخلاقه وسلوكه فإذا لم يكن كذلك بأن لم يكن محافظًا على دينه ولا في أخلاقه وسلوكه فإنها لا تقبل شهادته لأنه حينئذٍ يكون فاسقًا وكذا إذا ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب كشرب الخمر والسرقة وما أشبه ذلك . أما تارك الصلاة فإنه كافر فما ورد في السؤال عن هذا الشخص الذي بلغ الثمانين من عمره وهو لا يصلي فإن هذا يعتبر كافرًا والكافر لا تقبل شهادته من باب أولى إذا كان المؤمن الفاسق لا تقبل شهادته فكيف بالكافر قال الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [ سورة الحجرات : آية 6 ] . وقال تعالى : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ سورة النور : آية 4 ] . وهذا الرجل رجل سوء لا تقبل له شهادة ولا يمين ولا يجوز الحكم بشهادته ولا بيمينه .(76/7)
البر والصلة
262 ـ رجل طلق زوجته وهي حامل منه وبعد أن وضعت رزقها الله بابن فحضنته وقامت على تربيته ورعايته حتى كبر وتزوج دون أن يقدم له والده أي مساعدة أو نفقة فهل يجب عليه الإحسان على والده وبرِّه وإن لم يقم على رعايته ولم يذق منه طعم حنان الأبوّة وشفقتها أم لا ؟
نعم يجب على الولد حق لوالده ولو كان الوالد قصر في تربيته والنفقة عليه لأن لكل من الوالد والولد حقًّا على الآخر فإذا قصر الوالد في حق الولد فإن عليه ما يتحمل ويأثم بذلك ولكنه لا يسقط حقه على الولد فعليه أن يبرَّ به وأن يحسن إليه ومطلوب من المسلم أن يحسن إلى من أساء إليه ولو كان غير والده { وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ سورة فصلت : آية 34 ] . فمن عفا وأصلح فأجره على الله مطلوب على المسلم أن يقابل الإساءة بالإحسان مع الناس فكيف مع والده يكون الأمر آكد في هذا .
263 ـ لقد توفي والدي وهو غير راضٍ عني وأصبح هذا الشعور يؤرقني ليل نهار فما الذي يمكنني أن أعمله الآن لكي أريح ضميري الذي يعذبني كثيرًا ؟
يجب على الولد أن يبرَّ بوالده وأن لا يغضبه ولا يعقه لأن حقّ الوالد عظيم لكن إذا حصل من الإنسان مع والده شيء من الإشاعة فعليه أن يتحمل وأن يستسمح ويطلب منه العفو إذا كان حيًّا أما إذا مات الوالد وهو قد غضب على ولده فلم يبق حينئذٍ إلا أن يتوب هذا الولد إلى الله سبحانه ويستغفره مما حصل وأن يعمل للوالد شيئًا من البر بعد وفاته أي يجب أن يتصدق عنه وأن يدعو له ويستغفر له ويكثر من هذا لعلّ الله يخفف عنه حق والده .(77/1)
264 ـ توفي زوج عن زوجه وأم وابن، وترك ميراثه الشرعي وقسمت وأخذ كل ذي حق حقه . ثم بعد ذلك تنازلت أم المتوفى عن حقها الشرعي لابن الابن الذي هو الابن في المسألة وكانت في كامل قواها العقلية وبدون إكراه وللمتوفى أربعة إخوة أشقاء البعض يوافق الأم في ذلك التنازل والبعض الآخر لا يوافقها . فما رأي الشرع في ذلك ؟
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن إعطاء بعض الأولاد وترك بعضهم فقال صلى الله عليه وسلم لما جاءه الرجل الذي أعطى بعض أولاده عطية وجاء يشهده عليها قال عليه الصلاة والسلام . أكل ولدك أعطيته مثل هذا قال لا . قال : (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص134 . من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . وفي رواية قال : (أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء قال بلى قال فلا إذًا) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1244 من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . وفي رواية : قال (أشهِدْ على هذا غيري فإني لا أشهد على جور) [ رواها الإمام البخاري في صحيحه ج3 ص151 . من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنها بنحوه . بدون ذكر " أشهد على هذا غيري " . وإنما رواها الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1244 من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] . ، فدل هذا الحديث برواياته على أنه لا يجوز تخصيص بعض الأولاد في العطية دون البعض الآخر وإن من أراد أن يعطي بعض أولاده وجب عليه أن يعطي الآخر مثله مثل هذه العطية لابن الابن لا تجوز لأنه من الأولاد .
265 ـ لي أخت في صنعاء تزوجت وطلقت في عدن وعندها عقدة نفسية من مدينة عدن وهي الآن ملتزمة في الدين بشدة وتعيش في صنعاء على ما يعطيها الناس، رغم أن لديها بكالوريوس في الإنجليزي وقعدت في البيت لوحدها تصلي وتصوم وتقرأ القرآن، فهل يجوز لها أن تجلس في صنعاء لوحدها ؟(77/2)
ما ذكرته السائلة من تمسك أختها بالدين وجلوسها في بيتها ومحافظتها على الصلاة وتلاوة القرآن فكل هذه أعمال طيبة وتجب عليها المحافظة على الصلاة لكن التشدد في الدين منهي عنه والواجب الاعتدال والاستقامة . وما أصيبت به من العقدة النفسية مرض نسأل الله أن يشفيها منه . والواجب عليها أن تتزوج إذا تيسر لها الزواج لما فيه من المصالح العظيمة التي منها استغناؤها عن الناس - والله أعلم .
266 ـ أنا شاب هداني الله للإيمان والحمد لله متزوج حديثًا وأتقاضى راتبًا شهريًا وقد استأجرت بيتًا وسكنت فيه مع زوجتي وذلك لصغر بيت أهلي وأعطي أهلي جزءًا من راتبي وبعضه لوالدي الذي يشرب الخمر يوميًا فهو مدمن عليها . لذلك فإن ضميري يؤنبني بأني بذلك أشجعه على شراء الخمر علمًا أنه يتقاضى راتبًا يعطي منه لوالدتي نصفه والباقي يصرفه على شراء الخمر والسجائر ولعب القمار أحيانًا . خصوصًا وأنا بحاجة إلى هذا المبلغ لتكوين نفسي وكذلك فإن أختي الكبيرة تعطيه من راتبها فما حكم إعطائنا له تلك المبالغ أفيدونا أفادكم الله ؟(77/3)
يجب على المسلم أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى من المعاصي ولا سيما الكبائر كشرب الخمر ولعب القمار وغير ذلك مما حرّم الله سبحانه وتعالى فيجب على هذا الوالد وعلى كل عاص أن يتوب إلى الله ويبادر بالتوبة وأن لا يتجارى مع الهوى والشيطان فيهلك نفسه فيقع في غضب الله وسخطه والواجب عليكم أن تناصحوه وأن تكرروا له النصيحة وتغلظوا عليه وإذا كان هناك سلطة إسلامية فيجب عليكم أن ترفعوا شأنه إليها للأخذ على يده وإعانته على نفسه وأما بالنسبة لما تعمله أنت وأنك هداك الله للإسلام فهذه نعمة عظيمة ونسأل الله لنا ولك الثبات ثم ما تعمله من توزيع راتبك على حوائجك وعلى أهلك وعلى والدك فهذا شيء تشكر عليه ونرجو الله أن يتقبل منا ومنك وأما بالنسبة لكون والدك يشرب الخمر ويستعين بما تعطيه على ذلك فإذا تحققت أنّ والدك يستعين بما تدفعه إليه على معصية الله فلا تعطه لأن الله جل وعلا يقول : { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [ سورة المائدة : آية 2 ] .
فإذا تحققت من أنّ والدك يستعين بما تعطيه إياه على معصية الله فإنك تمنع عنه العطاء لعله يتوب إلى الله ويرتدع عمّا هو عليه وعلى كل حال الوالد له حق لكن إذا كان بالحالة التي ذكرتها وأنه يستعين بما تدفعه إليه على شرب الخمر ولعب القمار وغير ذلك فإنك لا تعطيه شيئًا يعينه على المعصية .(77/4)
الجامع للأحكام
267 ـ ما معنى هذا الحديث ( رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصبي حتى يبلغ وعن المجنون حتى يعقل ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج6 ص100، 101 ورواه النسائي في سننه ج6 ص156 كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها . وقد رواه غيرهما بألفاظ مختلفة وروايات متعددة قد جمعها وعزاها الزيلعي في نصب الرابية ج4 ص161-163 ] . أو كما قال صلى الله عليه وسلم وهل هؤلاء الثلاثة لا يؤاخذون دنيا وآخرة مهما عملوا من أعمال حتى لو كان فيها تعد على حقوق الغير وإتلاف لممتلكاتهم ؟
معنى الحديث رفع الإثم عن هؤلاء الثلاثة فلا يؤاخذون ما داموا في هذه الحالة لأنهم غير مكلفين لكن النائم يقضي الصلاة إذا استيقظ كما جاء في الحديث الآخر وكذلك لو ارتكبوا شيئًا فيه اعتداء على الآخرين كإتلاف المال وإتلاف شيء من الأنفس فإنهم يغرمون المال الذي أتلفوه وكذلك لو قتلوا نفسًا في هذه الحالة فإنه يعتبر هذا من قتل الخطأ فتجب عليهم الكفارة والدية على العاقلة لأن حقول الآدميين لا تسقط بذلك لأن مبناها على المشاحة وأما حقوق الله سبحانه وتعالى فمبناها على المسامحة .
268 ـ هل يجوز للمرأة أن تذبح الأضحية عن الرجل إذا لم يكن موجودًا مثلاً ؟
لا بأس بذكاة المرأة سواء الأضحية أو غير الأضحية لكن إذا كانت تذكير الأضحية نيابة عن الغير فلا بد من إذنه وتوكيله لها لأنه لا تجوز النيابة عن الغير في العبادة إلا بإذنه سواء كان النائب رجلاً أو امرأة لأن الأضحية عبادة والعبادة لا بد لها من نية .
269 ـ أنا أعمل في ذبح البهائم فهل يجوز كسر الرقبة بعد الذبح مباشرة وقبل أن تموت البهيمة أم لا . وبعض أصحاب الذبائح يطلب مني أن أسلخ الجلد قبل أن تموت وهي لا زالت حية لاستعجاله فهل يجوز لي ذلك .(78/1)
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة وليحدّ أحدكم شفرته فليرح ذبيحته ) [ رواه الإمام مسلم في صحيحه ج3 ص1548 . من حديث شداد بن أوس رضي الله عنه ] . فيجب الإحسان في تذكية البهيمة بالرفق بها وعدم إيلامها من غير حاجة ومن ذلك أنه لا ينبغي له أن يكسر عنقها قبل أن تموت لأن في هذا مزيد إيلام للبهيمة وكذلك سلخ جلدها قبل أن تموت كل هذا لا ينبغي لأن هذا فيه إساءة إلى البهيمة ومزيد إيلام لها وحتى ولو أمرك صاحبها بهذا فإنك لا تطيعه وذلك بأن تذبحها الذبح الشرعي وتتركها حتى تموت فإذا ماتت شرعت في قطع رقبتها وفصل رأسها إن شئت وسلخ جلدها وغير ذلك هذا من الإحسان في ذبح البهائم .
270 ـ الطيور التي يتم صيدها بواسطة البنادق هل أكلها يعتبر حرامًا لأنها تعتبر ميتة ؟
الطيور التي يتم صيدها بالبنادق - إذا كان الرامي سمّى الله عند إطلاق الرصاص عليها ولم يدركها وفيها حياة فهي حلال، وإن أدركها وفيها حياة مستقرة فإنها لا تحل إلا بذكاة شرعية .
271 ـ ما هي الأرض المغصوبة، وما حكم الصلاة فيها ؟
الأرض المغصوبة هي التي يستولى عليها بغير حق . لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من اقتطع شبرًا من الأرض بغير حق طوقه يوم القيامة إلى سبع أرضين ) [ رواه الإمام أحمد في مسنده ج2 ص432 . من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] . فهذه هي الأرض المغصوبة التي يستولي عليها الظالم بغير حق ويمنع منها صاحبها . والصلاة فيها لا تصح لأن الصلاة فيها انتفاع بها وإشغال لها للعبادة وهي مغصوبة فلا تصح الصلاة فيها وهي من جملة البقاع التي ذكر الفقهاء أنه لا تصح الصلاة فيها .
272 ـ ما المقصود بالمعلوم من الدين بالضرورة فنحن كثيرًا ما نسمع هذا . وهل هو ثابت في كل عصر أم يختلف باختلاف الزمان والمكان ؟(78/2)
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . الثابت من الدين بالضرورة هو ما ثبت بدليل قطعي إما عن طريق التواتر أو عن طريق الإجماع القطعي من الأمة والذي يعد من جحده كافرًا وذلك مثل وجوب الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج وأركان الإسلام وكذلك تحريم الخمر والربا والزنا أو كذلك المباح الذي علمت إباحته بالضرورة من دين الإسلام مثل لحم بهيمة الأنعام المذكاة والخبر وما أشبه ذلك وما ثبت حكمه بالضرورة من دين الإسلام حلاً أو حرمة فإن هذا يعد من أنكره كافرًا بالله عز وجل ومرتدًا عن دين الإسلام وهو مستمر في كل زمان إلى أن تقوم الساعة لأن أحكام الدين باقية وثابتة ومستمرة منذ بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم إلى أن تقوم الساعة لا تتغير ولا تتبدل .
273 ـ ما الفرق بين الحرام وعدم الجواز والمكروه . وهل الإصرار على المكروه يصل إلى الحرام ؟
الحرام ما يعاقب فاعله ويثاب تاركه ولا يجوز فعله . والمكروه : ما يثاب تاركه ولا يعاقب فاعله - فالأولى عدم فعله - والإصرار على فعل المكروه لا يصل إلى التحريم لكن قد يكون وسيلة إلى فعل الحرام فالأولى تجنبه . وإذا تحقق أنه وسيلة إلى الحرام فهو حرام .
274 ـ ما حكم محادثة الفتيات بالهاتف ؟ يقصد بذلك المغازلة ؟
فأجاب فضيلته :(78/3)
هذا حرام فمغازلة الفتيات بالهاتف أو بدون هاتف لا تجوز فلا يجوز للمسلم أن يتكلم مع المرأة كلامًا فيه ريبة وفيه إثارة للغرائز وفيه شبهة لأن هذا يجر إلى شر وإلى فساد وقال الله تعالى لنساء نبيّه صلى الله عليه وسلم : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] . دلّ على أن مكالمة المرأة للرجل كلامًا فيه ما يثير الشهوة ويحرك الغريزة فهو كلام منهي عنه لأنه يطمع أصحاب أمراض القلوب بالشهوات والفساد، والشرع جاء بسد الذرائع التي تفضي إلى الحرام ومغازلة الفتيات بالهاتف أو بغيره من الذرائع التي تقضي إلى الفساد، فحرام عليك أيتها الفتاة المسلمة أن تتخاطبي أو تتكلمي بكلام من هذا النوع الذي هو عبارة عن العشق والغرام وتبادل الكلمات المثيرة فهذا كله من الحرام وحرام عليك أيها الشاب أن تفعل ذلك .
275 ـ وضعت جهازًا لاستقبال المحطات التلفزيونية الخارجية الأخرى وحيث أنني لا أشاهد فيه إلا الأخبار فقط مع العلم أنني أتحكم فيه لوحدي ولا أسمح لأحد آخر أن يشاهد البرامج الأخرى - فما هو الحكم في ذلك الأمر ؟
لا يجوز استعمال الجهاز الذي يستقبل المحطات التلفزيونية الخارجية لما يجلبه من الشر والفساد في العقيدة والأخلاق والأضرار على الأسرة والمجتمع . ولو تحفظ عليه الإنسان في أول الأمر فإن هذا التحفظ لن يستمر . وقد جاء الشرع المطهر بسد الوسائل المفضية إلى الشر . وأيضًا الإنسان بشر لا تؤمن عليه الفتنة . والحصول على الأخبار يمكنك من وسائل الإعلام الأخرى من صحافة وإذاعة ومن التلفاز السعودي . مع أن الأخبار فيها ما فيها من الكذب الكثير وتشويش الفكر والإرجاف .
276 ـ هل يجوز لأخي أن يتبرع بدمه لزوجتي أم لا ؟
لا مانع من ذلك إذا دعت الضرورة إلى إسعاف زوجتك بدم يجوز أن تسعف بدم أخيك وبدم غيره لا مانع من ذلك إن شاء الله .(78/4)
277 ـ أنا طالب مؤمن ابتليت بالعادة السرية فأخذت تتقاذفني الأهواء وأفرطت في ذلك حتى انقطعت عن الصلاة فترات طويلة وأنا الآن أحاول جهدي وأجاهد نفسي لكنني غالبًا ما أُهزم حتى أنني أحيانًا أُوتر في الليل وعندما أنام أفعلها فهل صلاتي مع ذلك مقبولة وهل عليّ قضاء الصلاة وما حكم العادة السرية علمًا أنني أفعلها غالبًا عند مشاهدتي للتلفاز أو الفيديو ؟
فأجاب فضيلته :
استعمال العادة السرية حرام لأنه استمتاع في غير ما أحل الله سبحانه وتعالى والله لم يبح الاستمتاع وإخراج اللذة الجنسية إلا في الزوجة أو ملك اليمين قال تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ، إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ } [ سورة المؤمنون : الآيتين 5، 6 ] . فأي استمتاع بغير الزوجة وملك اليمين فإنه يعتبر من العدوان المحرم والنبي صلى الله عليه وسلم قد أرشد الشباب إلى العلاج الذي يزيل عنهم غليان الشهوة وخطر الشهوة بقوله عليه الصلاة والسلام : ( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء ) [ رواه الإمام البخاري في صحيحه ج6 ص117 من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ] . ، فالرسول صلى الله عليه وسلم أرشد إلى كسر الشهوة والابتعاد عن أخطارها بأحد أمرين إما بالصيام لغير المستطيع أو بالزواج للمستطيع فدل أنه ليس هناك شيء ثالث يسمح للشاب بمزاولته فالعادة السرية محرمة ولا تجوز بحالٍ من الأحوال عند جماهير أهل العلم فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى ولا تعود إلى مثل هذا العمل وأن تبتعد عن الذي يثير عليك الشهوة كما ذكرت من أنك تشاهد التلفاز وتشاهد الفيديو وترى مناظر محركة للشهوة فالواجب عليك أن تبتعد عن هذه المناظر وأن لا تفتح الفيديو أو التلفاز على هذه المناظر التي تحرك الشهوة لأن هذا من أسباب الشر والمسلم يغلق أبواب الشر عن نفسه(78/5)
ويفتح عليها أبواب الخير، وكل شيء يأتيك منه شر وفتنة تبتعد عنه، ومن أعظم وسائل الفتنة والشر هذه الأفلام وهذه المسلسلات التي تظهر فيها النساء الفاتنة وتظهر فيها الأمور المحركة للشهوة، فعليك أن تبتعد عنها وأن تقطع سبيلها إليك، وأما إعادة الوتر وإعادة النوافل فهذا لا يلزمك وهذا لا يبطل الوتر أيضًا إذا كنت أوترت وصليت نافلة أو تهجدًا ثم حصل منك ممارسة العادة السرية، فالعادة في حد ذاتها محرمة تأثم عليها أما العبادة التي أديتها فإنها لا تبطل بذلك، لأن العبادات إذا وقعت على الوجه الشرعي فإنها لا تبطل إلا بالشرك أو الردّة والعياذ بالله، أما الأعمال التي دون الشرك ودون الردّة فإنها لا تبطل الأعمال ولكنها تؤثم الإنسان .(78/6)
المجلد الخامس(/)
1- كتاب الطهارة
1- ما هو المقدار الذي إذا خالط الماء الطهور وهو نجس ينجس به الماء الطهور ؟
المقدار المتفق عليه بين أهل العلم هو أن ما غيَّر صفة الماء، أي ما غير لونه أو طعمه أو ريحه من نجاسة فهو نجس هذا بإجماع أهل العلم، وإن كان أقل من قلتين وخالطته نجاسة ولم يتغير فهذا موضع خلاف، فالأحوط اجتنابه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا بلغ الماء القلتين لم يحمل الخبث ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/12 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/ 16 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/71، 72 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 1/175 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 1/202 ) ، ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ( 1/49 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/134 ) ، كلهم من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عمر عن أبيه رضي الله عنهم . بنحوه إلا الحاكم . ورواه غيرهم . ] فالاحتياط تركه إذا كان ينقص عن القلتين ولم يتغير بالنجاسة خروجًا من الخلاف .
2- هل يجوز للإنسان أن يتبول وهو واقف وما حكم هذا ؟
يكره التبول من الإنسان وهو واقف إلا إذا كان محتاجًا لذلك بأن يكون به مرض ولا يستطيع القعود فلا بأس أن يتبول وهو واقف، أو كان المكان متوسخًا ونجسًا فإذا جلس تلوث به، أو لكونه فيه وطين فيتلوث الإنسان إذا جلس فلا مانع أن يتبول وهو واقف للعذر .
أما من غير عذر فإنه يكره له أن يتبول وهو واقف، لأن ذلك قد يكون سببًا في إصابته بالنجاسة وتطاير البول إليه، والله تعالى أعلم .
3- يوجد لدينا في العمل وعلى حائط داخل دورة المياه ما يسمى ( الحمام المعلق ) يأتي إليه بعض الإخوان الذين يلبسون البنطلونات ويبول الواحد منهم وهو واقف، فكيف يضمن أن البول لا يصيب بنطلونه ؟ وفي يوم من الأيام نصحت شخصًا ما، فقال : إن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن ذلك، أرجو النصح والإرشاد ؟(79/1)
يجوز للشخص البول وهو واقف إذا تحرز من رشاش البول على بدنه وثيابه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بال وهو واقف في بعض المرات (1) لا سيما إذا كان يحتاج إلى ذلك لضيق ملابسه أو لآفة في جسمه، إلا أنه يكره من غير حاجة .
4- ما حكم النية في الوضوء والصلاة ؟
النية لابد منها في الوضوء والاغتسال وفي كل عبادة، ولا تصح أي عبادة من العبادات إلا بالنية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) ، من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه . ] ، والنية في الصلاة تكون قبل تكبيرة الإحرام وقبل دخوله فيها، ينوي في قلبه الصلاة التي يصليها من فرض أو نافلة، ولا يتلفظ بلسانه فلا يقول : اللهم إني نويت أن أصلي كذا وكذا فرضًا أو نافلة وعدد الركعات .
هذا كله من البدع، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه أنهم كانوا يتلفظون بالنية، وإنما هذا حدث بعدهم فهو من البدع، كما أنه لم يثبت عن الإمام الشافعي رحمه الله أنه يرى التلفظ بالنية في الصلاة وإن كان هذا قد نسب إليه (2)، وحتى لو ثبت عنه فإن ما ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم أولى بالاتباع، وأما اجتهاد العالم دون دليل من السنة فلا يجوز الأخذ به .
5- ما صحة القول : إن الذنوب تتساقط عند الوضوء ؟
نعم وردت في فضل الوضوء أحاديث كثيرة في الصحاح وغيرها، ومنها الحديث الذي أشار إليه السائل، وهو ما رواه مالك ومسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : إذا توضأ العبد المسلم أو المؤمن فغسل وجهه خرج من وجهه كل خطيئة نظر إليه بعينه مع الماء أو مع آخر قطر الماء، فإذا غسل رجليه خرجت كل خطيئة مشتها رجلاه مع الماء أو مع آخر قطر الماء حتى يخرج نقيًّا من الذنوب (3).(79/2)
وروى مسلم عن عثمان رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من توضأ فأحسن الوضوء خرجت خطاياه من جسده حتى تخرج من تحت أظفاره . . ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 1/216 ) من حديث عثمان بن عفان رضي الله عنه . ] الحديث .
6- هل غسل أو مسح الرقبة من فروض أو من سنن الوضوء أم لا ؟
ليس مسح الرقبة من سنن الوضوء ولا من فروضه لأن الله عين الأعضاء المغسولة والممسوحة .
قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] .
فالذي يمسح الرأس فقط دون العنق، ولم يثبت في مسح العنق عن الرسول سنة، فمسحه من البدع .
7- ما الفضل الذي يناله المسلم إذا استمر على الوضوء بعد كل حدث ؟
الفضل الذي يناله المسلم إذا استمر على الوضوء بعد كل حدث أنه يبقى طاهرًا، والمحافظة على الطهر والبقاء عليه من الأعمال الصالحة، ولأنه ربما يذكر الله سبحانه وتعالى في أحواله كلها فيكون ذكره لله تعالى على طهر، ولأنه لو حصل له صلاة في مكان ليس فيه ماء يسهل الوضوء منه فيكون مستعدًّا لهذه الصلاة .
المهم أن بقاء الإنسان على طهارة دائمًا فيه فوائد كثيرة .
8- ما حكم اللّعاب الذي يخرج من الشخص أثناء النوم ؟ هل هذا السائل يخرج من الفم أم من المعدة ؟ وإذا حكمنا بأنه نجس فكيف يمكن الحذر منه ؟(79/3)
اللعاب الذي يخرج من النائم أثناء نومه طاهر وليس بنجس، والأصل فيما يخرج من بني آدم الطهارة إلا ما دل الدليل على نجاسته لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن المؤمن لا ينجس ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/74، 75 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( وللحديث قصة ) . ] فاللعاب والعرق ودمع العين وما يخرج من الأنف كل هذه طاهرة، لأن هذا هو الأصل، والبول والغائط وكل ما يخرج من السبيلين نجس .
وهذا اللعاب الذي يخرج من الإنسان حال نومه داخل في الأشياء الطاهرة كالبلغم والنخامة وما أشبه ذلك، وعلى هذا فلا يجب على الإنسان غسله ولا غسل ما أصابه من الثياب والفرش .
9- قطعت قدمي في الجهاد – والحمد لله – ووضعت بدلها طرفًا صناعيًّا فهل يجب عليَّ غسله والمسح عليه إذا كان عليه جورب ؟
إذا كانت الرِّجل قد قطعت من الساق وذهب الكعب والقدم ولبست مكانها قدمًا صناعيًّا فليس عليك غسله وقد سقط عنك غسل هذه الرِّجل المقطوعة ولا تمسح على القدم الصناعي، أما إذا كان قد بقي من الرِّجل شيء من الكعب فما تحته فإنه يجب عليك غسل هذا الباقي، وإذا لبست عليه ساترًا من خف أو جورب فإنك تمسح عليه على ما يحاذيه من الملبوس .(79/4)
10- سائل يقول إنه شاب يبلغ السابعة عشر من عمره ومنذ كان عمره اثني عشر أصيب بشلل نصفي ولازال به إلى الآن، وكما يصف نفسه حريص على دينه : يصوم شهر رمضان ويصوم أيام التطوع غالبًا، ولكنه منذ أصيب بهذا المرض ترك الصلاة رغم حرصه عليها سابقًا، والسبب هو إحساسه بما قد ينزل منه مما ينقض الوضوء إلى درجة أنه ركب له جهاز لتصريف بعض ما قد يخرج منه دون أن يتعرض جسمه لشيء منه، ولا يستطيع الاستغناء عن هذا الجهاز ولو لبضع دقائق مما يجعل عملية الوضوء بالنسبة له أمرًا شبه مستحيل، ولو صلى وهو بتلك الحالة لم يخل من الوساوس والشكوك في عدم قبول صلاته وعدم صحتها وهذا ما جعله يترك الصلاة رغم حرصه عليها وأسفه على تركها حتى إنه أحيانًا يشعر بضيق شديد وتعاسة شديدة تجعله يكره كل شيء، فبماذا تنصحونه نحو هذه الشكوك والوساوس ونحو ما يجب عليه بالنسبة للطهارة للصلاة ؟
إن الله سبحانه وتعالى أوجب الصلاة على المسلم المكلف مادام عقله ثابتًا ومادام إدراكه صحيحًا، ولكنه يصلي على حسب حاله واستطاعته لقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] ، ولقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/975 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، فالمريض يصلي على حسب حاله كما قال صلى الله عليه وسلم : ( يصلي المريض قائمًا إن استطاع، فإن لم يستطع صلى قاعدًا، فإن لم يستطع أومأ وجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن لم يستطع أن يصلي قاعدًا صلى على جنبه الأيمن ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 2/307، 308 ) من حديث الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وانظر " صحيح الإمام البخاري " ( 2/41 ) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه . ] .(79/5)
والمسافر رخص الله له في أن يقصر الصلاة وأن يجمع بين الصلاتين إذا احتاج إلى الجمع، فدل هنا على أن الصلاة لا تسقط بحال من الأحوال، وإذا كان يستطيع المسلم الطهارة بالماء فإنه يجب عليه أن يتطهر بالماء والوضوء والغسل، وإن كان لا يستطيع ذلك أو لا يجد الماء فإنه يتيمم بصعيد طيب، لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] .(79/6)
وهذا السائل الذي أصيب بشلل نصفي وصار في حالة لا يستطيع الإمساك بالبول والغائط ويخرجان منه بواسطة مصرف ركب له، كل هذا لا حرج فيه ولا يمنعه من أن يصلي الصلاة في وقتها على حسب استطاعته، وإذا كان لا يستطيع أن يتوضأ فإنه يتيمم بالتراب ويصلي، وإذا كان الخارج يخرج باستمرار ويخرج من غير شعوره، فإن هذا لا يؤثر على صحة صلاته يصلي ولو خرج منه الخارج في الصلاة، لأن صلاته صحيحه لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] ، هذا يصلي على حسب حاله يتوضأ إن استطاع الوضوء ولو بالإعانة عند دخول الوقت، وإذا كان لا يستطيع الوضوء فإنه يتيمم عند حضور الصلاة ويصلي في الحال على حسب حاله، ولا يؤثر عليه خروج الخارج وهذه الوساوس التي تعرض له من الشيطان فلا يلتفت إليها .
أما تركه للصلاة فيما مضى فإنه خطأ كبير كان الواجب عليه أن يسأل، فالواجب عليه أن يحافظ على الصلاة في المستقبل ويصلي على حسب حاله ويتطهر على حسب حاله كما ذكرنا .
11- زرت أقرباء لي فعندما حان وقت الصلاة توضأت فصليت وبعدها أتت امرأة من أقربائي فسلمت عليها وصافحتها وعندما حان وقت الصلاة الثانية صليت بدون تجديد الوضوء حياء منهم لكي لا أثير شكوكهم نحوي فهل تجوز الصلاة بذلك الوضوء السابق ؟ أفتونا جزاكم الله خير الجزاء .
أولاً : مصافحة المرأة التي ليست من محارمك حرام فلا يجوز للمسلم أن يصافح امرأة من غير محارمه، وهذا الذي فعلت خطأ منك إذا كانت هذه المرأة أجنبية منك فهو خطأ، وعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى من معاودته .(79/7)
أما مسألة الوضوء وانتقاض الوضوء بمس المرأة فهي مسألة خلافية والصحيح أن مس المرأة إذا كان بشهوة فإنه ينقض الوضوء لقوله تعالى : { أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ } [ سورة النساء : آية 43 . ] إذا فسرت الملامسة باللمس، ولأن اللمس مظنة خروج ما ينقض الوضوء، وإذا كان بغير شهوة فإنه لا ينقض الوضوء ولكن يأثم الإنسان إذا مس امرأة لا تحل له كما ذكرنا . والله تعالى أعلم .
12- لمس المرأة للرجل بدون أي قصد كمرورها من مكان مزدحم أو نحوه أو تناولها لشيء من بائع كسلة وهي تناوله ثمنًا ونحو ذلك هل مثل هذا اللمس ينقض وضوءها إذا كانت قبله على وضوء أو مثل ذلك لا يؤثر ؟
أولاً ننصح المرأة لا تزاحم الرجال وأن تبتعد عن الاختلاط ومماسة الرجال وتتجنب مواطن الزحمة التي يخشى معها من الفتنة، فإن المرأة فتنة تفتن بنفسها وتفتن غيرها فيجب عليها أن تبتعد عن مواطن الفتنة .
أما بالنسبة لها لو لمست رجلاً بغير قصد كما ذكرت فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها لا ينتقض وضوءها وإنما ينتقض وضوءها إذا لمسته بشهوة أو لمسها هو بشهوة كما ذكرنا .
13- ما حكم لمس عورة الطفل وأنا على وضوء حيث أغسل له مكان بوله وأغير له ملابسه مما يجعلني ألمس عورته . فهل ينقض هذا الوضوء أم لا ؟
نعم مس فرج الطفل القبل أو الدبر من غير حائل ينقض الوضوء مثل مس فرج الكبير لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من مس ذكره فليتوضأ ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/45 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/88، 89 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 1/100 ) ، ورواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 1/42 ) ، كلهم من حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها . ] .(79/8)
14- بعد الغسيل الذي يعمله لي الطبيب أنزف دمًا من يدي من مكان الإبر فيلف عليها بشاش، فإذا نزعته ينزف الدم ولا ينتهي إلا في الليل ويبقى هذا الشاش ملفوفًا على يدي اليسرى فهل يجوز لي عند الوضوء أن أمسح عليها على الرغم من أن الشاش لا يوضع في وقته على طهارة بل يوضع وهناك دم أحيانًا وكيفية طريقة المسح ؟ أرشدني جزاكم الله خير الجزاء .
لا تنزع الشاشة التي ربطت على الجرح لا سيما إذا كان نزعها يَضُرُّ بك وينزف الدم ولا يجوز لك نزعها في هذه الحالة، لأن في ذلك خطرًا عليك فأبقها على وضعها، وإذا توضأت تغسل الذي ليس عليه رباط من اليد وأما ما عليه رباط فيكفي أن تمسح على ظاهره بأن تبل يدك بالماء وتديرها على ظاهر الشاشة، ويكفيك هذا عن غسل ما تحتها مدة بقائها لحاجة ولو عدة أوقات أو عدة أيام ولا يشترط أن توضع الشاشة على طهارة بل تمسح عليها على الصحيح ولو لم تكن عند وضعها على طهارة ولو كان تحتها دم على موضع الإبرة أو الجرح .
فالحاصل أنه لا حرج عليك في أن تبقي الشاشة بل يتعين أن تبقيها للمصلحة وتمسح على ظاهرها عندما تغسل ما ظهر منها من اليد .
15- إذا توضأ رجل ثم ذهب للصلاة وشك في وضوئه أثناء الصلاة أو بعدها فما العمل ؟
إذا توضأ الإنسان بيقين وأكمل الطهارة ثم حصل له شك بعد ذلك هل انتقض وضوءه أم لا فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك، لأنه متوضئ بيقين، واليقين لا يزول بالشك لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فلا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا ) [ رواه الإمام البخاري ( 1/43 ) من حديث عبَّاد بن تميم عن عمه رضي الله عنهم . ] ، فاليقين لا يزول بالشك في الطهارة وفي غيرها .(79/9)
16- أقيمت الصلاة وأنا في الصف الأول خلف الإمام وصليت ركعة واحدة لكنني تذكرت أن وضوئي قد انتقض، فلم أدرِ ماذا أفعل وأنا في الصف الأول، فأكملت معهم الصلاة فماذا يجب عليَّ حينما ذكرت أن الوضوء قد انتقض، وهل صلاتي صحيحة في تركي تخطي رقاب الناس أو أنها غير صحيحة ؟
صلاتك غير صحيحة على كل حال، لأنك على غير وضوء فلا تصح منك الصلاة لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] الآية .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/15، 16 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/81 ) ، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، وما فعلته من الاستمرار في الصلاة بعد علمك أنك لست على طهارة خطأ كبير، فالواجب عليك أن تنصرف وأن تخرج من المسجد وتتوضأ، وترجع لإدراك ما بقي من الصلاة مع الجماعة .
17- ما حكم الصلاة في ثوب فيه دم أو في حالة خروج الدم من بدن الإنسان أثناء الصلاة ؟
إذا صلى الإنسان في ثوب فيه دم يسير من حيوان طاهر في الحياة فلا بأس في ذلك . أما إذا كان الدم كثيرًا ورآه في أثناء الصلاة فإن صلاته تبطل، لأن هذا الدم نجس فيخرج ويغسل ثوبه ويصلي .
أما إذا لم يعلم به إلا بعد الصلاة فصلاته صحيحة سواء كان الدم من بدنه هو أو من حيوان .
18- ما حكم من يقرأ القرآن وهو على غير وضوء، سواء كانت قراءة عن ظهر غيب أو من المصحف ؟
يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن على غير وضوء إذا كانت القراءة حفظًا عن ظهر قلب؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن يحبسه عن القراءة إلا الجنابة (4) ، كان يقرأ متوضئًا وغير متوضئ .(79/10)
أما المصحف؛ فلا يجوز لمن عليه حدث أن يمسه، لا الحدث الأصغر ولا الحدث الأكبر؛ قال الله تعالى : { لا يَمَسُّهُ إِلا الْمُطَهَّرُونَ } [ سورة الواقعة : آية 79 . ] ؛ أي : المطهرون من الأحداث والأنجاس ومن الشرك، وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم في الكتاب الذي كتبه إلى عامله عمرو بن حزم؛ قال : ( لا يمس القرآن إلا طاهر ) [ رواه الحاكم في " مستدركه " ( ج1 ص397 ) ، ورواه الإمام مالك في " الموطأ " ( ج1 ص199 ) من حديث عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده . ] وهذا باتفاق الأئمة الأربعة أنه لا يجوز للمحدث حدثًا أصغر أو أكبر أن يمس المصحف؛ إلا من وراء حائل، كأن يكون المصحف في صندوق أو كيس، أو يمسه من وراء ثوب أو من وراء كمه .
19- شخص لبس الجوارب ( الشراب ) في الصباح وعلى وضوء وهو ذاهب إلى الدوام، فهل يخلع الشراب في صلاة الظهر ويتوضأ أم يمسح على الشراب أو على الجزمة التي هي أسفل من الكعب بقليل ؟
إذا لبس الشراب على طهارة كاملة من الحدث وكان الشراب ساترًا لما وراءه ضافيًا على الرِّجل -الكعبين وما تحتهما- فإنه يجوز له المسح عليها يومًا وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، لأن هذه الشراب الساترة الضافية تقوم مقام الخفاف في جواز المسح عليها، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم مسح على الجوربين وهذا مذهب الإمام أحمد – رحمه الله- .
20- ما هي الصفة الشرعية للتيمم وما شروطه ؟
الصفة الشرعية للتيمم : أن يضرب بيديه على الأرض مفرجتي الأصابع ضربة واحدة (5) يمسح بباطن أصابعه وجهه، ويمسح كفيه براحتيه . وإن ضرب ضربتين (6) ضربة لوجهه وضربة ليديه فلا بأس بذلك كلتا الصفتين واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان التيمم بضربة واحدة يقسمها بين وجهه ويديه على الصفة التي ذكرنا فهو الأرجح والأحسن .(79/11)
أما شروط التيمم فإنه يشترط لصحة التيمم عدم الماء أو العجز عن استعماله لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } إلى قوله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] فشرط صحة التيمم هو عدم وجود الماء أو العجز عن استعماله لمرض ونحوه أو أن يخاف باستعماله عطشًا أو ضررًا لكون الماء الذي معه لا يكفيه لشرابه وطبخه ووضوئه، وطهارته، كذلك يشترط أن يكون التيمم على صعيد طهور لقوله تعالى : { صَعِيدًا طَيِّبًا } [ سورة المائدة : آية 6 . ] يعني : طهورًا هذا ويشترط أن يعمم بالمسح وجهه وكفيه .
21- هل يجوز جمع تراب من الشارع لكي يتيمم به المريض وهل يجوز أن يتيمم عدة مرات أو يلزمه تغييره دائمًا ؟
يقول الله تعالى : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] ، فالمطلوب هو التيمم بصعيد طيب وهو الغبار الطاهر الذي يعلق باليد سواء كان على تراب أو على حصير، فإذا وجد هذا الغبار الطاهر فإنه يكفي في التيمم، والتراب يجوز أن يتيمم به عدة مرات ولا يكون مستعملاً بالتيمم عليه ولو عدة مرات .
22- إذا صلى الرجل صلاة الفجر متيممًا لعدم وجود الماء وحصل على الماء بعد طلوع الشمس فهل عليه إعادة الصلاة ؟(79/12)
إذا تيمم في الوقت وصلى لأنه لم يكن عنده ماء فصلاته صحيحة، وإذا وجد الماء بعد ذلك ولو قبل خروج الوقت فإنه لا يعيد الصلاة، لأن صلاته التي صلاها تمت بطهارة شرعية قد أمر الله تعالى بها فلا يعيدها قال الله تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم } [ سورة النساء : آية 43 . ] أما لو حضر الماء قبل انقضاء الصلاة فإنها تبطل ويلزمه التطهر بالماء والصلاة بوضوء .
23- ذهبت في وقت ما إلى منطقة بعيدة لا يوجد فيها ماء وحان وقت الصلاة ولم أصلِّ، لأني لا أعرف كيفية التيمم، فأجلت الصلاة إلى أن رجعت إلى البيت فصليتها بعد أن توضأت فهل عليَّ من ذلك إثم ؟(79/13)
لا يجوز تأخير الصلاة عن وقتها، لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] والنبي صلى الله عليه وسلم، يقول : ( جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/86 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . ] ، وفي رواية ( وجعلت لي الأرض طيبة طهورًا ومسجدًا فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان . . ) [ رواها الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/370، 371 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما . ] ، فكان عليك إذا أدركتك الصلاة ولم تجد ماء أن تتيمم بالصعيد الطيب، قال تعالى : { فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] وأنت إذا لم تجد ماء حولك فعليك أن تتيمم . ( والصعيد الطيب طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 5/146، 147 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/89، 90 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 1/142 ) ، ورواه الدارقطني في " سننه " ( 1/186، 187 ) ، كلهم من حديث أبي ذر رضي الله عنه . ] ، كما في الحديث فعليك أن تتيمم وأن تصلي في الوقت وإذا لم تعرف كيفية التيمم فإنك تسأل عنها ولكن ما حصل منك مما ورد في السؤال من تأخير الصلاة عن وقتها إلى أن وجدت الماء هذا خطأ ناشئ عن الجهل، ولا تؤاخذ عليه إن شاء الله لقوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [ سورة الأحزاب : آية 5 . ] وفي المستقبل إن شاء الله تعلم هذا الحكم، وتعمل بما ذكرنا . والله تعالى أعلم .(79/14)
والتيمم كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم، بسنته الفعلية ضرب بيديه الأرض ثم مسح بها وجهه وظهر كفيه، وباطنهما (7) . فالتيمم بضربة واحدة يقسمها بين وجهه وكفيه فيمسح وجهه بباطن أصابعه، ويمسح كفيه براحتيه هذا إذا كان بضربة واحدة، ويجوز أن يكون بضربتين ضربة للوجه يمسحه بها . وضربة ثانية لليدين، وكلاهما وردت به السنة، وإن كان الاقتصار على ضربة واحدة يقسمها بين وجهه وكفيه أصح . والله تعالى أعلم .
24- التراب الذي يضرب عليه اليد هل يشرط فيه شروط ؟
يشترط أن يكون طهورًا ذا غبار يعلق باليد سواء كان على وجه الأرض أو على ظهر جدار أو ظهر حصير أو على ظهر حجر، فالمهم أن يكون هناك غبار يعلق باليد وأن يكون هذا الغبار طاهرًا .
25- نحن نسكن في بلد شديد البرودة فعندما نقوم لصلاة الفجر لا نستطيع الوضوء لبرودة الماء فأحيانًا نتيمم ونصلي، فهل هذا يكفي أم لابد من الوضوء ؟ وإن كان كذلك فهل علينا أن نقضي الصلوات التي صليناها بالتيمم ؟
إذا حان وقت الصلاة والإنسان عنده ماء بارد فإن كانت برودته محتملة يمكن للإنسان أن يتوضأ ولو مع المشقة اليسيرة فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويصلي، لأنه واجد للماء ولا مانع من استعماله .
أما إذا كانت برودة الماء غير محتملة ويخشى من آثارها على صحة الإنسان فهذا إن كان عنده ما يسخن به الماء من النار أو الحطب أو شيء من المسخنات فإنه يجب عليه أن يسخن الماء وأن يتوضأ ويصلي .
أما إذا كان باردًا شديد البرودة ولا يتحمله، وليس هناك ما يسخن به، فإنه يتيمم ويصلي ولا يؤخر الصلاة إلى النهار، لأنه لا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها إلا لمن ينوي الجمع إن جاز الجمع، أما أن يؤخرها لأجل أن يأتي النهار وتنكسر برودة الماء فهذا لا يجوز بل يتيمم ويصلي على حسب حاله إذا كان ليس عنده شيء من وسائل التسخين .
26- يجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالتيمم لكل فرض على حدة . فهل يجوز له ذلك أم لا ؟(79/15)
يجوز للمريض إذا كان يشق عليه الوضوء، أو لا يستطيع الوضوء من أجل المرض فإنه يتيمم؛ لأن الله رخص للمريض أن يتيمم، وإذا تيمم ولم يحصل منه ناقض للوضوء فإنه يصلي بالتيمم الواحد عدة صلوات؛ لأن حكمه على الصحيح مثل حكم الوضوء بالماء .
أما بالنسبة للجمع فيجوز للمريض أن يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر والمغرب والعشاء في وقت إحداهما جمع تقديم أو جمع تأخير حسب الأرفق به إذا كان يحتاج إلى الجمع، أما إذا كان لا يحتاج إلى الجمع، فإنه يجب أن يصلي كل صلاة في وقتها .
27- أحيانًا تفوته صلاة الفجر بسبب عدم استقباله للقبلة في بعض الأحيان، وعدم قدرته على الاستدارة ناحية القبلة وبسبب عدم من يناوله الماء أو يساعده على الوضوء فهل يجوز له تقديمها أو تأخيرها أم لا ؟
لا يجوز تقديم صلاة الفجر عن وقتها ولا يجوز تأخيرها عن وقتها، بل يجب أن تؤدى في الوقت بحسب المقدور والاستطاعة، فالمريض الذي لا يستطيع أن يستقبل القبلة، ولا يستطيع أن يتوضأ يصلي على حسب حاله ولا يخرجها عن وقتها، لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وقوله : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/975 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] .
28- امرأة طاعنة في السن، تتعبها الحركة بسبب الهرم والمرض ولا تقدر على الوضوء إلا بمشقة وتعب شديدين وتستغرق وقتًا طويلاً للوضوء، هل يجوز لها التيمم بدلاً عن الوضوء للمشقة ؟(79/16)
الذي لا يستطيع التطهر بالماء نهائيًّا أو يشق عليه ذلك مشقة شديدة ولا يجد من يساعده لا بأس أن يتيمم بالتراب لقوله تعالى : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ } [ سورة المائدة : آية 6 . ] ، حيث ذكر سبحانه وتعالى من جملة الأعذار المبيحة للتيمم : المرض، قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، والله الموفق .
29- أنا شاب متزوج وقد يبول طفلي في عدة أماكن من الفراش الموجود في المجلس، وأعرف مواقع بعض التبول والبعض الآخر لا أعرف موقعه من الفراش حتى إني أشعر أن جميع الفرش غير طاهرة، فهل يجوز أن أسير على الفراش وأنا متوضئ للصلاة علمًا بأن المواقع التي أعرف موقع البول فيها نغسله بالماء بمقدار كأس من الماء، وأمسحه بعد ذلك ؟ وهل عليَّ إعادة الوضوء مرة أخرى أم ماذا أفعل ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
إذا كان السائل كما ذكر قد مسَّ مواطن النجاسة بكأس من الماء وأزال أثرها فلم يبق حينئذ نجاسة فعليه أن يمشي على الفراش ورجلاه فيها رطوبة من الوضوء لا حرج عليه في ذلك؛ لأنه أزال النجاسة وغسلها .
أما إذا كان بقي أماكن من النجاسة لم يزلها ولا يعلم مكانها، فإنه يتجنب هذا الفراش كله لا يطأ عليه وهو رطب الرجلين لئلا تتأثر بالنجاسة، أما إذا كانت رجلاه يابستين بعد الوضوء فلا مانع أن يمشي على الفراش، لأن اليابس لا يتأثر ولو استخدم النعلين أو المداس ولبسها توقيًا لهذه النجاسة يكون هذا أحوط له وأبعد .(79/17)
فالحاصل أن هذا يختلف باختلاف النجاسة، إن كانت أمكنة النجاسة رطبة ومعروفة يتجنبها، وإذا كانت النجاسة غير رطبة وخفية في هذا المكان وكانت رجلاه يابستين فلا حرج في ذلك أن يمر على الفراش، وإذا كانت النجاسة يابسة ورجلاه مترطبة والنجاسة خفية لا يدري في أي مكان فإنه لا يمشي على هذا الفراش ورجلاه رطبتان إلا بحائل بأن يلبس النعلين وما في حكمهما .
30- هل ختان البنت أمر مندوب إليه أم مباح ؟
ختان البنت مستحب إذا كان على الصفة الشرعية ويسمى بالخفاض، وفائدته تقليل شهوة الأنثى، قال صلى الله عليه وسلم : ( أشمي ولا تنهكي فإنه أبهى للوجه وأحظى عند الزوج ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 4/370 ) من حديث أم عطية الأنصارية رضي الله عنها، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 3/525 ) من حديث الضحاك بن قيس رضي الله عنه . ] ، رواه الحاكم والطبراني وغيرهما، ويكون ذلك في حال صغرها ويتولاه من يعرف الحكم الشرعي ويتقن تطبيقه .
31- امرأة نفساء تطهر يومين أو ثلاثة ثم يعاودها الدم وهي في الأربعين، فهل تجب عليها الصلاة ؟
المرأة النفساء إذا طهرت أثناء الأربعين فإنها تغتسل وتصلي وتصوم، فإن عاودها الدم خلال الأربعين فإنها تجلس، لأنه يعتبر نفاسًا .
والحاصل أنها تغتسل وتصلي في الأيام التي ينقطع عنها الدم فيها، وتترك الصلاة في الأيام التي يعود عليها الدم فيها خلال الأربعين، والله أعلم .
32- هل يلزم المرأة قضاء صلوات الأيام التي لم تصلها أثناء وجود الدورة الشهرية ؟(79/18)
ليس على المرأة قضاء الصلوات التي مرت بها وهي في الدورة الشهرية؛ لأن الصلاة لم تجب عليها في تلك الحال، وقد قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن ذلك : ( كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصيام ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/265 ) من حديث عائشة رضي الله عنها . ] وذلك – والله أعلم – لأن الصيام لما كان لا يتكرر كثيرًا أمرت بقضائه بخلاف الصلاة فإنها تكرر في اليوم والليلة خمس مرات فأعفيت الحائض من قضائها تخفيفًا عنها .
33- ما حكم دخول المرأة الحائض المسجد، وكذلك المسجد الحرام ؟ أرجو الاستدلال على ذلك بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم .
المرأة الحائض لا يجوز لها أن تجلس في المسجد، لا المسجد الحرام ولا غيره من المساجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الحائض عن اللبث في المسجد (8) ، وأمرها باعتزال المصلى في صلاة العيد (9)، لكن يجوز لها المرور من المسجد لأخذ شيء أو وضعه أو سؤال عن شيء .(79/19)
2- كتاب الصلاة
34-سمعت أنه لا تجوز صلاة بدون أذان حيث إنني أعلم لوحدي بالبر وأصلي، والحمد لله، ولكن بدون أذان، فهل صلاتي جائزة أم لا ؟ وإذا كانت غير جائزة فماذا عليَّ أن افعل في الصلوات السابقة ؟
الأذان إعلام بدخول الوقت وشعار للإسلام وفيه فضل عظيم فينبغي المحافظة عليه، والأذان لكل وقت عند دخوله ولو كان الإنسان وحده فإنه يستحب له أن يؤذن ويصلي وفي ذلك فضل عظيم وثواب كبير، أما لو صلى الإنسان من غير أذان فصلاته صحيحة، لكن يفوت عليه أجر الأذان .
35- ما هي السنة الواردة عن المصطفى صلى الله عليه وسلم من الذكر والأحاديث أثناء الذهاب إلى المسجد، حيث البعض من الناس عند ذهابهم إلى بيوت الله ترى عليهم العجب العجاب من تلفظهم بأقوال منها النكت والضحك والهزل ولا يمنعهم من ذلك إلا باب المسجد، نرجو منك النصح وجزاكم الله خيرًا ؟(80/1)
السُّنَّة أنه إذا خرج إلى المسجد للصلاة أو خرج إلى غيره أن يقول : ( بسم الله . اعتصمت بالله . توكلت على الله . ولا حول ولا قوة إلا بالله . اللهم إني أعوذ بك أن أضل أو أُضل . أو أزل أو أُزل . أو أجهل أو يُجهل عليَّ ) [ ورد ذلك في أحاديث بألفاظ . . انظر في ذلك : " سنن أبي داود " ( 4/327 ) ( من حديث أم سلمة وأنس بن مالك ) رضي الله عنهما، و " سنن الترمذي " ( 9/126 ) ( من حديث أنس بن مالك ) رضي الله عنه، و " سنن النسائي " ( 8/268 ) ( من حديث أم سلمة ) رضي الله عنها، و " سنن ابن ماجه " ( 2/1278 ) من حديث ( أم سلمة وأبي هريرة ) رضي الله عنهما . ] ، ( اللهم اجعل في قلبي نورًا . وفي لساني نورًا، واجعل في سمعي نورًا، وفي بصري نورًا، واجعل من خلفي نورًا، ومن أمامي نورًا، واجعل من فوقي نورًا، ومن تحتي نورًا . اللهم أعطني نورًا ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/530 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما . ] ، فإذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى وقال : ( بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله . اللهم اغفر لي ذنوبي وافتح لي أبواب رحمتك ) [ ورد بروايات انظر في ذلك " الأذكار المنتخبة من كلا سيد الأبرار صلى الله عليه وسلم " . للنووي ( ص32، 33 ) . ] .
36- ذات مرة تأخرت عن صلاة المغرب لظروف لم تمكني من الصلاة إلا في وقت متأخر، ولفرط خوفي من ذهاب وقت الصلاة عليَّ نويت بأن قلت : نويت أن أصلي لله تعالى أربع ركعات فرض صلاة المغرب ثم كبرت وبدأت صلاتي . وعندما انتهيت من إتمام الصلاة تذكرت أنني قلت : أربع ركعات وأنا صليت ثلاثًا، ثم تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ] ، فهل عليَّ أن أعيد صلاة المغرب أم ماذا أفعل ؟(80/2)
أولاً : التلفظ بالنية لا يجوز، لأنه من البدع، والنية محلها القلب ولا يتلفظ بها بلسانه، لأنه لم يؤثر عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن صحابته الكرام ولا عن القرون المفضلة أنهم كانوا يتلفظون بالنية في مبدأ العبادة إلا في مسألتين :
المسألة الأولى : عند الإحرام بالنسك يقول : " لبيك عمرة " ، أو " لبيك حجًّ " .
والثانية : عند ذبح ( الهدي ) ، أو الأضحية، أو العقيقة يتلفظ بتسميتها وبيان نوعها إن كانت عقيقة أو كانت أضحية أو كانت نُسكًا وعمن تكون أيضًا فيقول : بسم الله عن فلان بسم الله عني وعن أهل بيتي ويذبحها . وفي هاتين المسألتين ورد التلفظ بالنية وما عدا هاتين المسألتين لا يجوز التلفظ بالنية في عبادة من العبادات لا الصلاة ولا غيرها .
ثانيًا : تذكر أنها قالت : نويت أن أصلي المغرب أربع ركعات فأخطأت خطأين :
الخطأ الأول : أنها تلفظت بالنية وهذا شيء لا أصل له في الشرع .
الخطأ الثاني : أنه سبق على لسانها أن قالت : ( المغرب أربع ركعات ) وهذا لا يضرُّ وصلاتها صحيحة مادامت أنها أدتها على الوجه المشروع إذا صلتها ثلاث ركعات فما سبق على لسانها لا يؤثر على صلاتها ولا على عبادتها لكن تلفظها خطأ .
37- ما حكم الجهر بالنية للصلاة كأن أقول : ( نويت أن أصلي العصر أربع ركعات لله تعالى . . وهكذا ) ؟
النية شرط من شروط صحة الصلاة وكذلك سائر العبادات لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه . ] ، ولكن النية لا يتلفظ بها، لأن محلها القلب وهي من أعمال القلوب والله تعالى يعلم السر وأخفى، ولم يرد دليل على التلفظ بالنية، فالتلفظ بها بدعة .
38- ما حكم ذكر البسملة في الصلاة الجهرية ؟(80/3)
الجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية إن فعله بعض الأحيان فلا بأس بذلك إلا أن المداومة عليه لا تنبغي، لأن الثابت من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أنهم لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم، وأنهم يجهرون بقراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية ويجهرون بالسورة بعد الفاتحة . أما بسم الله الرحمن الرحيم فلم يرد أنهم كانوا يجهرون بها دائمًا، فلا ينبغي المداومة على الجهر لها ولو فعلها بعض الأحيان فلا بأس بذلك .
39- بعض الناس يصلي على باب المسجد النبوي أو المسجد الحرام مثلاً فلابد من مرور الناس بين يديه فهل يُؤثّر ذلك في صلاته ؟ وهل عليه منعه أم لا ؟
لا يؤثِّر هذا في صلاته وليس له منعهم أيضًا، لأن الحاجة تدعو إلى المرور لوجود الزحمة وكثرة الناس والمصلين وفي منع الناس من المرور حرج، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في المسجد الحرام والناس يمرون بين يديه ولم يمنعهم (10) ، فالمحلات الضيقة والمتزاحمة مثل الحرمين الشريفين والجوامع الكبار هذه لها خاصية للمشقة، أما فيما عدا ذلك فإنه لا يجوز المرور بين يدي المصلي، وللمصلي أن يمنع المار بين يديه إذا كان ليس أمامه سترة . أما من مرَّ من وراء السترة – إذا كان المصلي يصلي إلى سترة – ومرَّ المار من ورائها فهذا أيضًا لا يؤثِّر عليه إنما يمنع من مرَّ بينه وبين سترته .
40- ما حكم مرور الصبي أو الطفل الذي يبلغ من العمر سنتين من أمام المُصلِّي وهل يلزم دفعه وعدم السماح له بذلك ؟
نعم لا يجوز ترك الطفل يمر بين يدي المصلي والطفل لا يأثم بهذا، لأنه غير مكلف . لكن من جانب المصلي يأثم إذا أمكنه من ذلك وهو يقدر على منعه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر برد المار بين يدي المصلي (11).
41- ما جزاء من يمر من أمام المصلي إذا تعمد ذلك أو لم يتعمد ومنهم الذين يقطعون الصلاة إذا مروا بين يدي المصلي ؟(80/4)
المرور بين يدي المصلي حرام شديد التحريم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيرًا له من أن يمر بين يدي المصلي ) [ انظر " صحيح الإمام البخاري " ( 1/129 ) من حديث أبي الجهم، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما . ] أو كما قال عليه الصلاة والسلام، وأمر النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يمنع المار بين يديه فإن أبى فليقاتله فإن معه القرين (12)، وسترة الإمام سترة لمن خلفه فلا يضر المرور من أمامهم لا سيما للحاجة، وإذا كان أمام المصلي سترة ومر من ورائها فإن هذا لا يضر، وكذلك إذا كان المرور اضطراريًّا كما في المسجد الحرام وأماكن الزحمة التي لا يمكن للمصلين تدارك المرور بين يدي المصلي فهذا لا حرج فيه للمشقة والضرورة .
وأما بالنسبة لمن يقطع مروره الصلاة فالعلماء اختلفوا في ذلك، والصحيح من أقوالهم أنها تبطل بمرور الكلب والحمار والمرأة، والله أعلم .
42- ما هي الأعضاء السبعة التي يجب السجود عليها ؟ وما الحكم لو لم يسجد المصلي عليها جميعًا ؟ بل نقص واحد أو اثنان منها ؟ وما هو الجزء الذي يجب أن يلامس الأرض أولاً من جسم المصلي في السجود، أهو اليدان أم الركبتان ؟ فإني أرى بعض الناس يهوي إلى السجود معتمدًا على يديه أولاً ؟ فما حكم هذا العمل ؟
أما بالنسبة إلى النقطة الأولى من السؤال وهي بيان الأعضاء السبعة التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم : ( أُمرت أن أسجد على سبعة أعظم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/354 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما . ] ، فهي الوجه بما فيه الجبهة والأنف، واليدان والركبتان وأطراف القدمين هذه هي الأعضاء السبعة .(80/5)
أما بالنسبة للنقطة الثانية وهي من سجد ولم يسجد على بعض الأعضاء فهذا فيه تفصيل، فإن كان عدم سجوده على بعض الأعضاء لعذر منعه من ذلك كأن كان لا يستطيع السجود عليه فهذا لا حرج عليه، يسجد على بقية الأعضاء، أما العضو الذي لا يستطيع السجود عليه فإنه معذور فيه، وأما إذا كان لم يسجد على بعض الأعضاء لغير عذر شرعي فإن صلاته لا تصح، لأنه نقص ركن من أركانها وهو السجود على سبعة أعضاء .
وأما بالنسبة للنقطة الثالثة من السؤال وهي أي الأعضاء يقع على الأرض حيث يسجد الإنسان أو يهوي من القيام إلى السجود، فالذي ينبغي أن يكون أول ما يهبط على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم وجهه، أول ما يقع على الأرض ركبتاه ثم يداه ثم وجهه هكذا، وأما العكس وهو أن يكون أول ما يهبط على الأرض يداه ثم ركبتاه فهذا خلاف الأولى إلا إذا كان هذا لعذر، إذا كان هذا لعذر شرعي لا يستطيع أن ينزل ركبتيه أولاً فلا بأس بذلك، أما إذا كان هذا لغير عذر فإن هذا خلاف الأولى وخلاف الأفضل، وقد جاء النهي عن ذلك لأن فيه تشبهًا بالبعير وقد نهينا عن التشبه بأنواع من الحيوانات، لأن البعير أول ما يهبط إلى الأرض يداه ثم ركبتاه، والمسلم حينما يهبط إلى السجود يكون هكذا أول ما ينزل إلى الأرض أسفله وآخر ما ينزل إليها أعلاه وهو وجهه، وإذا أراد القيام من السجود والارتفاع فإنه بالعكس أول ما يرتفع أعلاه، هكذا السنة والأفضل والأكمل للإنسان .
43- في حال القيام كما تفضلتم يبدأ بالوجه ثم اليدان ؟
نعم أول ما يرتفع الرأس ثم اليدان ثم الركبتان، وأما الهوي إلى السجود فبالعكس الأول الركبتان ثم اليدان ثم الوجه .
44- هنالك بعض الناس أيضًا في حال القيام من السجود آخر ما يرفع يديه ويقيم عجزه أولاً فهل مثل هذا لا تعتبر صلاته باطلة، لا يؤثر على صحة الصلاة بهذا العمل ؟
لا، هو كل هذا لا يؤثر، إذا خالف شيئًا من هذه الآداب فإنه لا يؤثر على الصلاة، والصلاة صحيحة .(80/6)
45- يعني حتى لو كان بدون عذر ؟
ولو كان بدون عذر إنما هذا بيان للأفضل والأولى والأحسن والأكمل في هيئة الصلاة، أما لو خالف في ذلك فلا حرج .
46- أيضًا هناك، من في حال السجود يفترش ذراعيه إلى المرفقين كلها في الأرض ؟
هذا منهي عنه، نهى صلى الله عليه وسلم عن افتراش كافتراش الكلب (13) وهذا معناه أنه يفترش ذراعيه .
47- إذن هذا لا يجوز ؟
نعم نهى عن افتراش كافتراش الكلب ونهى عن التفات كالتفات الثعلب (14).
48- سائلة تقول : هل يجوز أداء الصلاة على مكان مرتفع عن الأرض كالسرير أو نحوه إذا شك الإنسان في طهارة الأرض وليس له عذر من مرض أو نحوه ؟
لا بأس أن يصلي الإنسان على شيء مرتفع كالسرير أو نحوه إذا كان طاهرًا وكان ثابتًا لا يحصل منه اهتزاز وخلل على المصلي وتشويش على المصلي .
49- أحفظ بعض سور القرآن الكريم وفي الصلاة لا أرتبها على حسب مواضعها في المصحف عند القراءة، فهل عليَّ حرج إذا قرأتها غير مرتبة ؟
ينبغي ويتأكد ترتيب السور كما هي في المصحف بأن يقرأ في الركعة الأولى سورة ثم يقرأ في الركعة الثانية من السور التي بعدها، ولا يعكس بأن يقرأ سورة في الركعة الأولى ثم يقرأ في الركعة الثانية من السورة التي قبلها في المصحف، هذا خلاف الأولى ولأن المصاحف رتبت هكذا إما بنص من النبي صلى الله عليه وسلم، وإما باجتهاد الصحابة، وفي المخالفة لهذا العمل تفريط كبير، لكن لو فعل هذا فصلاته صحيحة لو قرأ سورة ثم قرأ في الركعة الثانية السورة التي قبلها صلاته صحيحة لكنه يكون قد فعل خلاف الأولى أو خلاف الواجب عند بعض العلماء، والله أعلم .
50- صليت صلاة وبعد فترة تذكرت أنني لم أكن على وضوء فما حكم صلاتي ؟(80/7)
الوضوء شرط من شروط صحة الصلاة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 1/81 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 1/15، 16 ) ، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، ولا يسقط الوضوء بالنسيان ولا بالجهل، فالواجب عليك أيها السائل قضاء الصلاة التي صليتها بدون وضوء، والوضوء يكون بالماء الطهور، فإن عدم أو عجز عن استعماله، فإنه يتيمم بالصعيد الطيب فإن لم يجد ماء ولا صعيدًا صلى على حسب حاله بدون وضوء ولا تيمم لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وقوله : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] .
51- إذا اكتشف الإمام في أثناء صلاته أنه على غير وضوء فما الحكم في ذلك ؟
إذا اكتشف الإمام أو غيره أثناء صلاته أنه على غير وضوء فإنه ينصرف يتوضأ ويبدأ الصلاة من جديد، ولا يجوز له الاستمرار فيها وهو على غير طهارة .
52- هل هناك عدد متفق عليه للحركات التي تبطل الصلاة أم لا ؟ وما هي الحركات التي يباح للمصلي فعلها دون أن تؤثر على صلاته ؟
الحركات اليسيرة للحاجة لا بأس بها مثل تعديل ثوبه أو ما على رأسه من عمامة أو غيرها، أو كانت لضرورة مثل قتل الحية والعقرب في أثناء الصلاة فلا بأس بذلك أو في صلاة الخوف في تقدم أو تأخر كل هذا لا بأس به، وأما العمل المستكثر عادة من غير جنس الصلاة وهو لغير ضرورة فهذا يبطلها إذا توالى .
53- أنا في صلاتي أشعر بالخشوع كلما غمضت عيني، لأنني لا أبصر ما يشغلني عن الصلاة فهل تغميض العينين مباح أم مكروه في الصلاة ؟(80/8)
ذكر الفقهاء أن مما يكره في الصلاة تغميض العينين إلا إذا كان في ذلك غرض صحيح كأن يكون أمامه ما يشغله فإنه لا بأس بإغماض عينيه عن ذلك الشيء الذي يشغله . أما اتخاذ إغماض العينين في الصلاة عادة حتى ولو لم يكن أمامه ما يشغله فإنه يكره .
54- كيف يتقي المسلم الوسواس في العبادات عامة وفي الصلاة خاصة ؟
يتقي المسلم الوساوس في العبادات والصلاة بأمور :
1ـ الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في بداية الصلاة بعد الاستفتاح وقبل قراءة الفاتحة وفي غير الصلاة عندما يحس بالوسوسة . قال تعالى : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ } [ سورة فصلت : آية 36 . ] .
2ـ عدم الانفعال مع الوسوسة بأن يتركها ويرفضها ولا يهتم بها ويمضي في عبادته .
3ـ الإكثار من ذكر الله عز وجل، لأن ذكر الله يطرد الشيطان عن المسلم .
55- هل يجوز لرجل أن يصلي حاملاً سلاحه وإذا كان حاملاً رتبة عسكرية فهل يجب عليه خلعها أم لا ؟
قضية حمل السلاح إذا كان في حال خوف فلا بأس بذلك بل قد أمر الله تعالى به في قوله تعالى : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ } [ سورة النساء : آية 102 . ] فإذا كانت الحالة حالة خوف من هجوم العدو على المسلمين فإنهم يحملون سلاحهم في الصلاة . أما في غير حالة الخوف فإذا كان هذا السلاح خفيفًا وليس فيه نجاسة فلا بأس بحمله . أما إذا لم يكن خفيفًا أو كان فيه نجاسة فإنه لا يجوز حمله، لأنه يشغل عن الصلاة إن كان غير خفيف وإذا كان فيه نجاسة فلا يجوز للمصلي أن يصحب ما فيه نجاسة .
أما الرتبة العسكرية إن كانت صورًا وتماثيل فلا يجوز حملها لا في الصلاة ولا في غيرها وفي الصلاة أشد . أما إذا كانت خالية من الصور أو التماثيل فلا بأس بذلك . والله أعلم .(80/9)
56- ماذا يقال في سجدة السهو، جزاكم الله خيرًا ؟
يقال في سجود السهو ما يقال في سجود الصلاة – سبحان ربي الأعلى- ويدعو فيه كما يدعو في السجود الصلاة لا فرق بينهما لعموم الأدلة ولم يرد لسجود السهو ذكر خاص به، والله أعلم .
57- هل سجود السهو يكون قبل التسليم أم بعده أم أن هناك حالات يكون فيها قبل التسليم وحالات يكون بعده ؟
يجوز سجود السهو قبل التسليم وبعده، ولكن الأفضل أن يكون قبل التسليم إن كان سجود السهو عن نقص في الصلاة كترك التشهد الأول أو ترك واجب من واجبات الصلاة كقول : سبحان ربي العظيم في الركوع أو سبحان ربي الأعلى في السجود . وأما إن كان عن زيادة كأن سلم قبل إتمامها أو قام إلى خامسة في الرباعية أو ثالثة في الثنائية أو رابعة في المغرب ثم تنبه وجلس فإن الفضل أن يكون بعد السلام، وما كان عن زيادة في الصلاة سهوًا فالأفضل أن يكون بعد السلام وإن جعله كله قبل السلام أو كله بعد السلام فلا بأس بذلك إن شاء الله . والرسول صلى الله عليه وسلم ورد عنه هذا وهذا (15) .
58- في بعض الأحيان وبعدما أصلي أكون قلقًا أو يأخذني النعاس أو الملل فلا أصلي السنة الراتبة فهل عليَّ شيء في ذلك ؟
ينبغي المحافظة على السنن الراتبة، لأنها سنة مؤكدة، والإنسان إذا مال مع الكسل فإن الكسل يزيد، وأما النعاس فإذا كان نعاسًا غالبًا بحيث إنه يتغلب عليك في الصلاة ولا تدري ماذا تفعل فحينئذ تنام . وأما إذا كان مجرد نعاس ضعيف فإنه لا ينبغي لك ترك الراتبة مع أن الراتبة لا تأخذ منك وقتًا طويلاً فينبغي لك أن تحافظ عليها متى أمكنك ذلك .
59- هل يجوز لي أداء سنة الضحى في وقت العمل الرسمي علمًا بأن ذلك لا يؤدي إلى تعطيل الأعمال أو تأخيرها ؟(80/10)
صلاة الضحى سنة وفيها فضل وإذا كنت موظفًا ولا يؤثر فعلها على العمل الوظيفي المنوط بك فلا بأس أن تصليها . أما إذا كان فعلها يؤثر على العمل فإنه لا يجوز لك فعلها، لأنه يشغلك عن القيام بالواجب .
60- أرجو إفادتي عن وقت صلاة الضحى تبدأ من أي ساعة وتنتهي إلى أي ساعة، كذلك صلاة الليل وبمعنى آخر متى يبدأ الثلث الأخير من الليل ؟
أما صلاة الضحى : فتبدأ من ارتفاع الشمس قيد رمح إلى قيام الشمس في وسط السماء كل هذا وقت لصلاة الضحى وكلما تأخرت كان أفضل، وأما بالنسبة لصلاة الليل : فإنها تبدأ من صلاة العشاء الآخرة إلى طلوع الفجر كل هذا وقت لصلاة الليل ووقت للتهجد، وكلما تأخرت من الليل فهو أفضل، لا سيما في الثلث الأخير، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى سماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الأخير يقول : من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/47 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] هذا الوقت أفضل ويبدأ ثلث الليل الأخير بحسابه وهذا يختلف باختلاف طول الليل وقصره صيفًا وشتاءً .
فعليك أن تحصي الوقت من غروب الشمس إلى طلوع الفجر بالساعات ثم تقسمه أثلاثًا وبذلك تعلم بداية ثلث الليل الأخير منه . والله أعلم .
61- هل يجوز صلاة ركعتين بنية سنة الوضوء وتحية المسجد وسنة الظهر معًا . وهل تكفي الركعتان لكل هذا ؟
نعم يجوز للإنسان أن يصلي راتبة الظهر وتكفي عما ذكر معها من تحية المسجد وسنة الوضوء، وإن فعل كل واحدة على حدة فهو أفضل، وأكثر أجرًا .
62- هل صلاة التوبة واجبة ؟(80/11)
التوبة واجبة على المسلم من كل الذنوب، وليس للتوبة صلاة خاصة – فيما أعلم – وباب التوبة مفتوح ليلاً ونهارًا، وحقيقة التوبة الرجوع إلى الله تعالى بطاعته وترك معصيته، ولها شروط ثلاثة : الإقلاع عن الذنب، والعزم ألا يعود إليه، والندم على فعله، وإن كانت التوبة من ظلم مخلوق فلابد من شرط رابع وهو طلب المسامحة من ذلك المخلوق ورد مظلمته عليه إن كانت مالاً، وتمكينه من القصاص إن كانت جناية يشرع فيها القصاص، والله أعلم .
63- لقد قرأنا كثيرًا في بعض الكتب عن صلاة التسابيح وعن اختلاف الأئمة في صفتها وعدد ركعاتها، فهل هي واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو هو صلاها ؟ أو صلاها أحد من أصحابه رضي الله عنهم ؟
صلاة التسبيح وردت في حديث لكن رجَّح كثير من الحفاظ عدم ثبوته، بل قال عنه الإمام ابن الجوزي : ( إنه من الموضوعات ) (16) ، وكذلك قال غيره، فالحديث مختلف في ثبوته، وبعض العلماء أخذ بمدلوله فاستحب صلاة التسبيح، وهي عبارة عن عدد من الركعات تقرأ فيها سور مخصوصة وتقال فيها أذكار طويلة وركوعات وصفة غريبة، ولكن الأكثر من المحققين على أن صلاة التسبيح غير مشروعة بل هي بدعة، لأن الحديث الوارد فيها لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والذي أراه لك أيها السائل مادام أن عندك رغبة في الخير وحرصًا على العبادة، أن تأخذ بالصلوات المشروعة الثابتة بأدلة صحيحة كالتهجد في الليل، والوتر والمحافظة على الرواتب مع الفرائض وصلاة الضحى، وأن تكثر من النوافل المشروعة الثابتة بأدلة صحيحة، وألا تعمل صلاة التسبيح نظرًا لعدم ثبوتها عن النبي صلى الله عليه وسلم وفي الثابت الصحيح عنه صلى الله عليه وسلم غنية وكفاية للمؤمن الذي عنده رغبة في الخير، والله أعلم .(80/12)
64- ما رأيكم فيما يفعله بعض الناس الآن، حيث إنهم إذا مر الإمام في الصلاة بآية عذاب؛ استعاذ بالله، مع أنهم في صلاة، وإذا مر بآية رحمة؛ سأل الله، وهكذا؛ فما الحكم في ذلك ؟ جزاكم الله خيرًا .
لا شك في مشروعية ذلك في النافلة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يفعله في النافلة، أما في الفريضة؛ فالذي أراه أن هذا لا يشرع؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يفعله بالفريضة، وإنما كان يفعله بالنافلة (17) .
فينبغي للمأموم أن ينصت للقرآن في الصلاة، ولا يقول شيئًا أبدًا قال تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 . ] ؛ قال الإمام أحمد رضي الله عنه : ( نزلت هذه الآية في الصلاة ) (18) ؛ أي : سبب نزولها كان في الصلاة؛ فالمأموم يستمع إلى قراءة إمامه في الفريضة، ولا يدعو عند آية الرحمة أو يستعيذ عند آية العذاب، وإنما هذا في النافلة .
65- من الأوقات المنهي عن الصلاة فيها من بعد صلاة الفجر إلى طلوع الشمس قيد رمح فما رأيكم فيمن يصلي الصبح في الساعة السادسة أو الساعة السادسة والربع تقريبًا . هل صلاته صحيحة ؟ أم أن وقت الصلاة قد انتهى في هذا الزمن المحدود ؟
صلاة الصبح لا تحدد بالساعات، لأن الساعات تختلف باختلاف الأزمان والأمكنة، تحدد صلات الصبح بالتوقيت الشرعي، فيبدأ وقتها بطلوع الفجر الثاني وينتهي بطلوع الشمس، هذا وقت صلاة الفجر . من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس . فمن صلى الفجر في هذا الوقت ما بين طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فقد أداها في وقتها . والأفضل الإسراع بها في أول وقتها وإذا كان هناك جماعة فإنه يجب على المسلم أن يصلي مع الجماعة .(80/13)
أما بالنسبة للنافلة : فإنه يبدأ وقت النهي عنها من طلوع الفجر الثاني إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح . وفي هذا الوقت لا يجوز التنفل الذي ليس له سبب لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة في هذا الوقت (19) . أما ما له سبب من النوافل كتحية المسجد فهذا مختلف فيه بين أهل العلم هل يؤدى في وقت النهي أو لا ؟ الراجح والله أعلم أن ذوات الأسباب تفعل إذا حصل سببها فمثلاً صلاة الكسوف تصلى وكذلك صلاة الجنازة تصلى، وكذلك تحية المسجد تصلى، لأن هذه منوطة بأسبابها، وإذا وجد السبب فإنه تشرع الصلاة التي علقت به لعموم النصوص التي فيها الأمر بالصلاة عند وجود أسبابها في عموم الأوقات .
66- إذا حان وقت صلاة العشاء ولكنها لم تصلَّ في أول الوقت بل أخرتها إلى أن يتوسط الوقت إلى آخره ولكنها فوجئت بالعادة الشهرية تأتيها فهل فيه قضاء ذلك الفرض الذي أخرتها بعد طهارتها أم لا ؟ وما حكم لو حصل العكس بأن طهرت وهي لا تزال في وقت الفريضة من الفرائض الخمس فهل تصليها أم لا ؟
إذا أدركت المرأة صلاة من الصلوات ولم تؤدها حتى نزل عليها الحيض فإنها يجب عليها إذا ارتفع حيضها وتطهرت أن تقضي الصلاة التي أدركتها، لأنها وجبت عليها بدخول الوقت وكذلك العكس .
وإذا طهرت المرأة من حيضها في آخر الوقت فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي تلك الصلاة وما يجمع إليها قبلها كمن طهرت في آخر وقت العصر فإنها تصلي الظهر والعصر . ومن طهرت في آخر وقت العشاء . فإنها تصلي المغرب والعشاء .(80/14)
67- حديث شريف معناه أن رجلاً أعمى قال : ( يا رسول الله ليس لي قائد لا يلائمني إلى المسجد أو يقودني إلى المسجد فهل أجد رخصة أن أصلي في بيتي فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : هل تسمع النداء بالصلاة ؟ قال : نعم قال : فأجب ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/452 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فبماذا تفسرون هذا الحديث وخاصة في وقتنا الحاضر حيث إنه في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم يستخدموا آلة لتكبير صوت المؤذن . وفي وقتنا الحاضر خلاف ذلك فالمؤذن يستخدم آلات متعددة لتكبير الصوت وبحيث يسمع المؤذن من مسافات طويلة فكيف تفسرون ذلك الحديث لإخوانكم في الإسلام ؟
نعم هو كما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن من سمع النداء وجب عليه أن يجيب الداعي، وأن يذهب إلى المسجد إذا كان قريبًا من المسجد، ويمكنه الذهاب إلى المسجد، وإدراك الجماعة . أما إذا كان بعيدًا عن المسجد بعدًا شاقًّا ولا يستطيع أن يلحق بصلاة الجماعة فإنه لا يجب عليه الحضور إذا سمع المكبر فإنه كما ذكرت يمتد إلى مسافة بعيدة .
68- ما حكم من صلى منفردًا وفي مقدوره أن يصلي مع الجماعة ؟ هل تعتبر صلاته صحيحة أم باطلة ؟(80/15)
صلاة الجماعة واجبة على الرجال لا يجوز للمسلم أن يصلي وحده وهو يقدر على الصلاة مع الجماعة، لأحاديث كثيرة، منها أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة عقوبة لهم (20) وردعًا لهم ولأمثالهم، وما ذاك إلا لأنهم تركوا واجبًا يستحقون العقوبة عليه، ووصف المتخلفين عن الجماعة بالنفاق، فقال صلى الله عليه وسلم : ( أثقل الصلاة على المنافقين العشاء والفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/141 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] . وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ولقد كان الرجل يؤتى بها يُهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/453 ) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه . ] ، وأدلة كثيرة تدل على وجوب صلاة الجماعة، وأنه لا يجوز التخلف عنها إلا لعذر شرعي، فمن تخلف عنها وصلى منفردًا وهو غير معذور، فإن صلاته تصح عند الجمهور ويسقط عنه الفرض، ولكنه يأثم بترك الواجب إثمًا عظيمًا .
وأيضًا مع كونه يأثم إثمًا عظيمًا فإنه يستحق التأديب، وينقص أجره نقصًا عظيمًا فقد صحَّ في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( صلاة الجماعة تفضل على صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/158 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . ] ، فهو يفوته هذا الثواب العظيم وإن صحت صلاته، فإن أجره ينقص نقصًا عظيمًا على أن بعض أئمة العلم يرى أن صلاته غير صحيحة، ولكن الجمهور على أنها صحيحة مع الإثم ونقصان الأجر، والله تعالى أعلم .
69- رجل ثقيل النوم جدًّا ويسبب له ذلك في التأخر عن صلاة الفجر وهو متألم جدًّا لحالته ومتأثر بسبب مداومته على ترك الصلاة في المسجد فهل هذا الشخص يعتبر كافرًا أو منافقًا ؟(80/16)
يجب على المسلم المحافظة على الصلاة مع الجماعة في المسجد . والنوم ليس بعذر دائمًا فالذي يعتاد النوم ويترك الصلاة غير معذور ويجب عليه أن يتخذ الوسائل التي توقظه للصلاة من النوم مبكرًا والعزم على الاستيقاظ للصلاة أو تكليف من يوقظه من أهله أو غيرهم . وإذا نوى القيام للصلاة وعزم عليه أعانه الله على ذلك . مع أنه مشروع للمسلم أكثر من ذلك بأن يستيقظ مبكرًا ويصلي من آخر الليل ويوتر ويكون من المستغفرين بالأسحار ووقت النزول الإلهي إلى سماء الدنيا ووقت إجابة الدعاء والمغفرة، فلا يحرم نفسه من ذلك . أما أنه إذا لم يصلِّ في المسجد فلا يعتبر كافرًا بل يعتبر فاعلاً لمحرم ومتصفًا بالنفاق لقول صلى الله عليه وسلم : ( أثقل صلاة على المنافقين العشاء والفجر ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/141 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] .
70- صلاة الفجر لا أصليها في المسجد غالبًا والسبب هو ثقل النوم وخاصة إذا تغير الوقت من الصيف إلى الشتاء، فماذا عليَّ ؟
تجب المحافظة على الصلاة في الجماعة في الفجر وغيرها والنوم ليس بعذر دائمًا، فالذي يعتاد النوم ويترك الصلاة ليس بمعذور، والواجب عليه أن يعمل الأسباب التي توقظه للصلاة من النوم مبكرًا والعزم على القيام للصلاة وإيصاء من يوقظه من أهله أو جيرانه أو اتخاذ ساعة تنبهه للصلاة : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا } [ سورة الطلاق : آية 2 . ] فالأمر راجع إلى اهتمام العبد وعدم إهماله وقد هم النبي صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الفجر ووصفهم بالنفاق (21) ، ولا يجوز للمسلم أن يتصف بصفات المنافقين، والله أعلم .(80/17)
71- أنا أشتغل مع أحد الإخوة وعندما يحضر وقت الصلاة أريد الذهاب إلى المسجد كي أصلي ولكنه لا يرضى لي ذلك لأني سوف أعطل العمل في وقت الصلاة، علمًا أنه لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد فهل أطيع كلامه أم أذهب إلى المسجد علمًا بأني إذا ذهبت إلى المسجد سوف يفصلني من العمل أفيدوني جزاكم الله خير الجزاء ؟
ما فعلته من الذهاب إلى المسجد لأداء الصلاة مع الجماعة هذا هو الواجب عليك وتشكر عليه . ويجب عليك أن تستمر على هذا، ولا يجوز لصاحب العمل أن يمنع المسلم من أداء الصلاة مع الجماعة، فإن أمر الله سبحانه وتعالى ألزم ولا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وكونه يفصلك من العمل لا يضرك إن شاء الله فالأعمال كثيرة وأبواب الرزق مفتحة ولله الحمد : { وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ } [ سورة الطلاق : الآيتين 2، 3 . ] ولا خير في العمل عند هذا الرجل الذي يشح عليك بوقت الصلاة مع الجماعة . والله أعلم .
72- أنا موظف بإدارة حكومية تبعد عن المسجد حوالي خمسين مترًا تقريبًا، ولكننا نؤدي صلاة الظهر جماعة بهذه الإدارة وكذلك صلاة العصر والمغرب، ولي زملاء آخرون يداومون في فترة مسائية فهل يجوز ذلك بصفتنا بدوام رسمي أو أنه لابد من أداء الصلاة بالمسجد ؟(80/18)
الصلاة في المسجد مطلوبة وواجبة على المسلم الذي يسمع النداء، فيجب عليه أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع المسلمين إلا إذا كان ذهابه من الدائرة الحكومية يقتضي أن الموظفين يتفرقون ولا يصلون وإذا صلوا جميعًا في الدائرة انتظم حضورهم جميعًا وأداؤهم للصلاة جماعة، فنظرًا للمصلحة الشرعية فلا بأس أن تصلي الجماعة في الدائرة إذا كان في هذا ضمان لصلاتهم جميعًا . فعلى كل حال إذا أمكن ذهابهم جميعًا إلى المسجد فهذا أمر واجب ولا يجوز لهم أن يتركوه، وأما إذا ترتب على ذهاب بعضهم إلى المسجد تكاسل الآخرين وتركهم لصلاة الجماعة فإن من الأفضل – أو قد يكون من الواجب – صلاتهم في الدائرة لأجل المصلحة الشرعية وهي ضبطهم لأداء الصلاة جماعة . والله تعالى أعلم .
73- نحن جماعة من الموظفين تعمل في إدارة حكومية تضم نحو 25 موظفًا ونصلي في مصلى الإدارة خلف المسئول، وبعض زملائنا لا يصلون معنا بل يصلون في مسجد يبعد عنا نحو 300م فما الصواب : الصلاة في المصلى أم في المسجد مع الجماعة ؟
الواجب الصلاة في المسجد إذا أمكن، وتجوز الصلاة في الدائرة إذا كان الذهاب إلى المسجد يخل بالعمل أو يترتب عليه تخلف بعض الكسالى أو تركهم الصلاة، فإن ضبطهم وإلزامهم بالصلاة ولو داخل الدائرة أمر واجب، لأن الصلاة تجب لها الجماعة مهما أمكن وفي تفرق الموظفين وترك بعضهم للصلاة أو صلاته منفردًا مفاسد تتلافى بضبطهم بالصلاة في الدائرة، ومن أراد من الموظفين أن يذهب إلى المسجد ولا يصلي مع المصلين في الدائرة فهو أحسن إذا لم يترتب على ذهابه مفسدة .
74- سمعت أن صلاة العشاء كلما تأخرت كان ثوابها أكبر فأخذت به فأصبحت لا أذهب إلى المسجد بل أصليها في وقت متأخر منفردًا حتى أحصل على هذا الثواب فهل فعلي هذا صحيح ؟(80/19)
ما فعلته عين الخطأ لأنك تركت واجبًا من أجل تحصيل سنة بزعمك . فأولاً تأخير صلاة العشاء إلى ثلث الليل سنة إذا لم يترتب عليه محذور وصلاة الجماعة واجبة، فأنت تركت صلاة الجماعة فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تلازم صلاة الجماعة، فإذا صلوها في أول وقتها تصليها معهم، وإذا أخروا صلاة العشاء إلى الوقت الأفضل تؤخر معهم . وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل، فإنه كان إذا رأى أصحابه اجتمعوا عَجَّل، وإذا رآهم تأخروا أخَّر . وكان يرغب أو يرجح أن يصليها متأخرًا، ولكنه مراعاة لأحوال أصحابه ورفقًا بهم كان يصلي بهم صلاة العشاء في أول وقتها (22) .
75- ذهبت إلى المسجد فوجدت صلاة الجماعة قد انتهت ووجدت إنسانًا يصلي بمفرده هل يجوز أن أقف وأصلي بجانبه على أساس هذا الفرد الآخر هو الإمام وأنا المأموم ؟
نعم يجوز على الصحيح من قولي العلماء إذا أدركت إنسانًا يصلي منفردًا وقد فاتتك الصلاة فإنه لا بأس أن تدخل معه وتصليا جماعة، لأن صلاة الجماعة واجبة مهما أمكن، والدليل على ذلك ( أن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي من الليل فجاء ابن عباس رضي الله عنهما ودخل معه في الصلاة فقام عن يساره فأداره النبي صلى الله عليه وسلم عن يمينه، وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة منفردًا ثم انضم إليه ابن عباس فأقره على ذلك ) [ انظر " صحيح الإمام مسلم " ( 1/525، 526 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما . ] وما جاز في النافلة جاز في الفرض إلا بدليل يدل على الفرق .
76- إذا صليت أي صلاة جهرية في أي مسجد فإنني أقرأ خلف الإمام وذلك حرصًا مني على متابعته حتى إذا حصل منه خطأ أقوم بالرد عليه، فهل في ذلك إثم أم لا ؟(80/20)
إذا كان الإمام يجهر بالقراءة فإنه يجب على المأموم الإنصاف لقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 . ] ، فلا يجوز للمأموم أن يقرأ فيما يجهر فيه إمامه إلا في الفاتحة على قول لبعض العلماء، وأما ما عدا الفاتحة فلا يقرأ المأموم بل يستمع لقراءة الإمام . وأما إذا حصل على الإمام شيء من الخطأ في القراءة فإنه يشرع للمأموم أن يفتح عليه إذا كان يعرف الآية التي استغلقت عليه .
77- أرى بعض الناس حينما يقوم لصلاة السنة فإذا أقام المؤذن الصلاة وهو قد صلى ركعة فإذا سمع الإقامة وهو لا يزال واقفًا قطع صلاته دون أن يكمل الركعة . فهل هذا جائز أم لا ؟
إذا أقيمت الصلاة والمسلم في نافلة شرع فيها قبل الإقامة فالأحسن أن يكملها خفيفة ولا يقطعها لقوله تعالى : { وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ } [ سورة محمد : آية 33 . ] .
78- الذي يدرك صلاة الجماعة وقد فاتته إحدى الركعات الجهرية هل يقرأ ما سبقه جهرًا خلف الإمام أثناء قراءته في الركعتين السريتين أو إحداهما أو يسر خلف الإمام ويقرأ الجهر أثناء صلاته منفردًا بعد تسليم الإمام ؟
الصحيح أنّ ما يدركه المسبوق مع الإمام هو أول صلاته فعلى هذا لا يجهر فيما يقضيه بعد الإمام في الصلاة الجهرية لأنه آخر صلاته .
79- يوجد أناس لا يحضرون الصلاة إلا متأخرين، ومن ثم يخترقون الصفوف إلى الصف الأول بزحام وقلة احترام لمن سبقوهم . فهل فعلهم هذا جائز وما نصيحتكم لهم، جزاكم الله خيرًا ؟(80/21)
يتعين على المسلمين العناية بصفوف الصلاة وإكمال الصف الأول فالأول وسد الفرج والخلل بينهما، كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم (23) ، أما ما ذكره السائل من أن أناسًا يتخللون الصفوف إلى الصف الأول فهذا إذا كان في الصف الأول فرج لم تسد فإنه لا حرج على هؤلاء الذين يتخللون إليها لأن من في الصفوف لم يسدوا هذا الخلل وقد أسقطوا حقهم، وتركوا أمرًا يجب عليهم، فهؤلاء الذي اخترقوا إليها وسدوها يكونون مأجورين في ذلك لأنهم مشوا إلى فرجة في الصف لسدها .
أما إذا كان المراد أن هؤلاء يدخلون من بين المصلين وليس هناك فرج وإنما يدخلونها لمضايقة المصلين وإيجاد فرج لم تكن موجودة، فهذا لا يجوز؛ لأن هذا فيه مضايقة للمصلين، وفيه إشغال للمصلين وفيه قد يكون من التخطي لرقاب الناس بدون مبرر .
80- سائل يسأل عن مصافة الصبي خلف الإمام ؟ وما هي الأشياء التي يتحملها الإمام عن مأمومه ؟
في مصافة الصبي خلف الإمام أو خلف الصف – إذا وقف معه وحده – خلاف بين العلماء، والصحيح أنه إذا كان الصبي مميزًا فلا بأس بمصافته؛ لأن ابن عباس رضي الله عنهما وقف مع النبي صلى الله عليه وسلم يصلي معه في التهجد (24) . ولأن أنسًا رضي الله عنه وقف هو يتيم خلف النبي صلى الله عليه وسلم في النافلة (25) – واليتيم من هو دون البلوغ، والأصل أن ما جاز في النافلة جاز في الفريضة إلا بدليل يدل على الفرق .
81- إذا جاء الرجل للصلاة ووجد الإمام راكعًا وركع معه ولم يقرأ الفاتحة فما صحة هذه الصلاة . لأني سمعت بأنه لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ؟(80/22)
من جاء والإمام في الركوع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو واقف ثم يكبر للركوع ويركع مع الإمام ويكون مدركًا للركعة ولا تلزمه قراءة الفاتحة في هذه الحالة، لأنها فات محلها وصلاته صحيحة؛ لأن محل قراءة الفاتحة هو القيام وقد فات، فإذا أدرك الإمام راكعًا وركع معه فإنه يكون مدركًا للركعة وصلاته صحيحة إن شاء الله، والدليل على ذلك أن أبا بكرة رضي الله عنه جاء والنبي صلى الله عليه وسلم في الركوع فدخل معه في الركوع، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء تلك الركعة بل قال : ( زادك الله حرصًا ولا تعد ) لأنه كان لما أقبل إلى الصف أسرع وكبر قبل أن يصل إلى الصف ثم دخل في الصف، فالنبي صلى الله عليه وسلم نهاه عن السرعة .
فإذا جاء والإمام راكع فليأت بطمأنينة وهدوء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/156 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، وفي رواية ( واقض ما سبقك ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/421 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، فالذي أنكره عليه إنما هو السرعة فقط ولم يأمره بإعادة الركعة التي أدركها معه، فدل على أن من أدرك الإمام في الركوع وركع معه فإنه يكون مدركًا للركعة، وهذا الذي سمعته من بعض الناس قول مرجوح لبعض العلماء والصحيح ما ذكرناه والله أعلم .(80/23)
وأيضًا قوله : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/184 ) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله تعالى عنه . ] فهذا للإمام والمنفرد، أما المأموم فينصت لقراءة إمامه إذا جهر لقوله تعالى : { وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 204 . ] فالمأموم يقرأ الفاتحة في سكتات إمامه، أما إذا جهر الإمام فإنه يجب على المأمومين الإنصات والاستماع للقرآن؛ لأن قراءة الإمام قراءة للجميع .
82- شخص نسي صلاة مفروضة وبعد فترة ذكرها فماذا يفعل ؟
من نسي فرضًا من فروض الصلوات فإنه يجب عليه إذا ذكره أن يبادر بقضائه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/477 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه نحوه . ] ولا تعد الصلوات التي صليتها بعد الصلاة المنسية لأنك معذور بالنسيان حين صليتها .
والواجب على المسلم أن يحافظ ويداوم على صلاته ويقيمها كما أمر الله تعالى ولا يتكاسل عن أدائها ولا يؤخرها عن أوقاتها . ومن أعظم ما يعينه على أدائها المحافظة على صلاته مع الجماعة .
83- إذا أدرك المصلي الركعة الأخيرة من صلاة المغرب مع الجماعة فهل يجوز له أن يجهر بصوته في الركعة الأولى من الركعتين اللتين يأتي بهما بعد سلام الإمام ؟
نعم لا بأس أن يجهر بالقراءة في هذه الركعة، لأنها تكون هي الثانية بالنسبة له، ومعلوم أن المصلي للمغرب يجهر في الركعتين الأوليين منهما ويسرُّ في الركعة الثالثة، وإن أسرَّ فلا بأس لأن أصل الجهر سنة ليس بواجب .(80/24)
84- أنا عسكري فإذا حان وقت الصلاة يبتدئ الدوام فلا أستطيع الصلاة، وفي بعض الحالات في بعض الأيام حتى لو سمحت الفرصة خوفًا من العواقب فأنا لا أؤديها في وقتها، وفي بعض الأحيان تمر عليَّ صلاة أو صلاتان لا أصليها بسبب هذه الحال، فما الحكم في هذا ؟ وكيف أؤديها ؟
على الحكومات الإسلامية أن تراعي أحكام الدين في أنظمتها، فتجعل للواجبات الدينية مكانًا لا يزاحمها غيرها فيه، فمثلاً الصلوات تجعل لها فرصة تؤدى فيها في أوقاتها؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقيم الصلاة جماعة حتى في حالة الخوف ومقابلة العدو قال الله تعالى : { وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاَةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مِّنْهُم مَّعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُواْ فَلْيَكُونُواْ مِن وَرَآئِكُمْ وَلْتَأْتِ طَآئِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّواْ فَلْيُصَلُّواْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُواْ حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُم مَّيْلَةً وَاحِدَةً . . . } [ سورة النساء : آية 102 . ] ، وذلك لأن الصلاة أكبر عون على جهاد الأعداء وعلى الحصول على النصر قال الله تعالى : { وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ } [ سورة البقرة : آية45 . ] ، فيجب على الحكومات الإسلامية أن تراعي هذا في أنظمتها .(80/25)
أما ما ورد في السؤال من أن هذا الرجل يشتغل في الجندية وقد يأتي عليه وقت العمل لا يتمكن من أداء الصلاة فيه فماذا يعمل ؟ نقول : أولاً يجب عليك أن تراعي الظروف والأحوال فإذا كان يدخل وقت الصلاة قبل بداية العمل فعليك أن تصلي قبل بداية العمل في أول وقت الصلاة، وإذا كان وقت الصلاة يدخل وأنت في أثناء العمل فحينئذ إذا أمكنك أن تصلي وأنت في عملك فإنه يجب عليك ذلك بأن تصلي وأنت في العمل إن أمكنك ذلك قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وإذا كنت لا تتمكن من أداء الصلاة في أثناء العمل ويخرج وقتها قبل نهاية العمل، وكانت هذه الصلاة مما يصح جمعها مع الأخرى فلك أن تنوي جمع التأخير كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء فتصليها جمع تأخير نظرًا لظروفك وأنك لا تستطيع الصلاة في وقت الأولى، ولعل هذا من الأعذار المبيحة للجمع في حقك لأن هذا العمل لا يسمح بأن تصلي، ولا يمكن الجمع بين العمل والصلاة، فإذن تنوي الجمع .
فالحاصل : عليك أن تهتم بصلاتك وتراعي الرخص التي رخص الله تعالى بها في هذه الأحوال والله تعالى يقول : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] .
85- أنا شاب غير متزوج أؤدي الصلاة لكن بصفة غير مستمرة أي ليس كل وقت بوقته، وأحيانًا تفوتني صلاة يوم كامل وأؤديها كلها سويًّا، فما هو حكم الشرع في ذلك ؟(80/26)
يجب على المسلم المحافظة على أداء الصلاة في أوقاتها مع جماعة المسلمين، ولا يجوز إخراج الصلاة عن وقتها قال تعالى : { إِنَّ الصَّلاَةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } [ سورة النساء : آية 103 . ] أي : مفروضة في أوقات معينة تؤدى فيها . وفي الأثر : ( إن لله عملاً بالليل لا يقبله بالنهار، وعملاً بالنهار لا يقبله بالليل ) (26)، وإخراج الصلاة عن وقتها إضاعة لها . قال تعالى : { فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا . إِلا مَن تَابَ } [ سورة مريم : الآيتين 59، 60 . ] والجمع بين الصلاتين لا يجوز إلا لعذر شرعي في وقت إحداهما كالظهر مع العصر والمغرب مع العشاء . أما جمع الصلوات ليوم كامل فهذا لا يجوز ولا تصح الصلاة بهذه الكيفية .
86- سائل يقول : إنه انقطع عن أداء الصلاة لمدة سنتين ونصف بسبب مرض الشلل النصفي الذي أصابه واستمر معه خلال هذه المدة، وبعدها استطاع الجلوس وبعض الحركة اليسيرة فعاد إلى أداء الصلاة والصيام حسب قدرته ولكنه تألم للسنتين والنصف بسبب تركه للصلاة والصيام خلالها ولا يستطيع القضاء، فما العمل وماذا يجب عليه ؟
المريض يصلي على حسب حالته إما قيامًا إن كان يستطيع أو قعودًا أو على جنبه أو مستلقيًا ورجلاه إلى القبلة ويومئ بالركوع والسجود . فتركك للصلاة في فترة المرض خطأ منك مادام عقلك ثابتًا وتفكيرك موجودًا فإنك تصلي على حسب حالك { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] .
فالحاصل أن المريض لا يترك الصلاة مادام عقله موجودًا وتفكيره سليمًا فإنه يصلي على حسب حاله، فعليك أن تقضي الصلوات التي تركت مع التوبة إلى الله .
87- هل يؤثر على صحة الصلاة كون مكان الإمام مرتفعًا على مكان المأمومين أم لا يؤثر هذا ؟(80/27)
هذا فيه تفصيل إن كان الإمام وحده فإنه يسمح بارتفاعه ارتفاعًا يسيرًا كدرجات المنبر مثلاً، فالنبي صلى الله عليه وسلم صعد المنبر وهو يصلي ونزل (27). فالعلو اليسير إذا كان الإمام وحده لا بأس به .
أما العلو الكثير فلا يجوز للإمام أن ينفرد به عن المأمومين . . .
أما إذا كان مع الإمام غيره من المصلين فلا بأس بالعلو ولو كان كثيرًا، فيجوز مثلاً أن يكون الإمام في الطابق الأعلى وهناك من يصلي خلفه في الدور الثاني الذي تحته .
88- إذا كان إمام المسجد الذي يصلي بالناس وبعض المأمومين أو كلهم ممن يعتقدون في الأموات النفع ودفع الضر ويحلفون بغير الله ويرتكبون الكثير من البدع والخرافات، إذا كانوا بمثل هذه الصفات فهل يجوز لي أن أصلي معهم وخلف هذا الإمام أم أصلي وحدي في بيتي أم أبحث عن مسجد آخر لا يتصف إمامه ولا المصلون بهذه الصفات ؟
يشترط في الإمام الذي يؤم المسلمين في الصلاة أن يكون صالح العقيدة، فإذا كان الإمام الذي ذكرت على هذه الوصف من أنه يفعل شيئًا من الشركيات فهذا لا تصح الصلاة خلفه؛ لأنه إذا كان يعتقد النفع والضر بغير الله من القبور وغيرها فهذا شرك أكبر صاحبه خارج من الملّة لا يصح منه عمل مادام على هذه العقيدة الباطلة فلا تصح الصلاة خلفه .
89- إمام المسجد عندنا في الحارة يرتكب بعض الأخطاء أثناء الصلاة، وهي أخطاء لاصقة به لا يتخلص منها، ومنها أنه لا يقرأ القرآن الكريم جيدًا بمعنى أنه لا يعطي كل حرف حقه، ولا يقف في الوقف بل يقف في المنع، ويزداد هذا أكثر في رمضان أثناء صلاة التراويح، ومن الأخطاء كذلك أنه يعبث بأصابع يده ويحرك قدميه ولا يتركهما ثابتتين على الأرض ! ! وسؤالنا هل نحن على حق عندما هجرنا المسجد ولم نعد نصلي وراء هذا الإمام، أم أن صلاتنا وراءه صحيحة على الرغم من هذه الأخطاء ؟ ولا تنس أنه يكتب التمائم للناس بآيات قرآنية ؟(80/28)
مما لا شك فيه أن ينبغي أن يكون الإمام على صفة لائقة من العلم ومن التقوى، ومن إتقان الصلاة، وأن يكون قدوة حسنة يقتدى به في الخير، لأن الإمام ضامن، كما في الحديث (28) فهو يتولى مسئولية عظيمة، ويتولى أداء فريضة عظيمة، ويقوم بعمل جليل، فينبغي أن يكون على مستوى جيد من العلم والعمل .
كما أن عليه أيضًا أن يهتم بأداء الصلاة على وجهها، ويحذر من العبث في أثناء الصلاة لأن هذا أمر لا يليق بالمصلي عمومًا إمامًا أو مأمومًا، والمصلي مطلوب منه الخشوع في الصلاة والطمأنينة . قال تعالى : { قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ . الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ } [ سورة المؤمنون : الآيتين 1، 2 . ] والسكون في الصلاة وعدم الحركة دليل على الخشوع، والحركة والعبث دليل على عدم الخشوع في الصلاة .
أما من حيث ما ذكر السائلون من أنه لا يجيد القراءة فكذلك ينبغي أن الإمام يكون على مستوى جيد في القراءة، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله عز وجل ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/465 ) من حديث أبي مسعود الأنصاري . ] ، ولكن إذا كان لا يجيد التجويد في القراءة فهذا لا يؤثر على صحة الصلاة وإمامته صحيحة، ومادام أنه نُصِّب من قِبل المسؤولين إمامًا للمسجد فإنه لا ينعزل بذلك، وإنما تبطل صلاته لو لحن لحنًا يحيل المعنى في قراءة الفاتحة، أو ترك منها تشديدة أو حرفًا فإنه بذلك لا تصحُّ إمامته إلا بمن هو مثله، أما بالنسبة للتكميلات في القراءة وتجويد القراءة على المستوى الرفيع فهذا إن حصل فشيء طيب، وإن لم يحصل فإن الصلاة تصح بدونه .
وأما اعتزالكم المسجد فلا أرى له مبررًا إلا إذا كان هذا الإمام يلحن لحنًا بغير المعنى أو كان هذا الإمام فاسقًا يرتكب شيئًا من الكبائر، أما مادامت المسألة التي تلاحظ عليه أنه لا يجيد القراءة الإجادة الراقية فهذا لا يقتضي أن تعتزلوا المسجد .(80/29)
وأما ما ذكرتم من كتابته التمائم فالتمائم فيها تفصيل : فإن كانت هذه التمائم فيها ألفاظ شركية ودعاء لغير الله عز وجل وأسماء مجهولة فهذه لا تجوز كتابتها ولا استعمالها بإجماع أهل العلم لأنها شرك وهذا لا يصلى خلفه، أما إذا كانت هذه التمائم مكتوبة من القرآن الكريم ومن الأدعية المباحة والأدعية الواردة فهذه محل خلاف بين أهل العلم، منهم من أجازها ومنهم من منعها والمنع أحوط لأنه في فتح الباب لكتابتها وتعليقها وسيلة إلى التمائم المحرمة، ولأنه في كتابة القرآن الكريم على صفة تمائم وحروز في ذلك تعريض لإهانته ودخول المواضع التي لا يجوز دخوله بها، لكن لا بأس بالصلاة خلف من يكتبها .
فالحاصل أن كتابة التمائم إن كانت بألفاظ شركية أو بأسماء مجهولة أو بدعاء لغير الله أو استنجاد بالشياطين والمخلوقين والجن، فهذه ألفاظ شركية وكاتبها والذي يستعملها ويعلم ما فيها يكون مشركًا، أما إذا كانت من القرآن الكريم فالأحوط تجنبها وتركها وعدم استعمالها .
90- إنني أحب مشاهدة بعض المسلسلات والأفلام الأجنبية، وجماعة المسجد يعلمون عني ذلك لأنهم يشاهدون ذلك عندما أجتمع معهم . ومع مرور الأيام لاحظت أنهم لا يرغبون في إمامتي لهم ولا أعلم شيئًا أو سببًا . مع العلم أنني لا أعلم دليلاً يحرم مشاهدة المسلسلات والأفلام . أرشدونا جزاكم الله خيرًا ؟
مشاهدة المسلسلات والأفلام الأجنبية فيها خطورة شديدة على العقيدة والأخلاق، لأنها لا تخضع للرقابة، والذين يقومون بإعدادها لا يتقيدون بأحكام الإسلام، ولا شك أنها إذا اشتملت على مواد فاسدة فإنها تؤثر فيمن يشاهدها سواءً، فعليك باجتنابها والحذر منها ولا تدخلها بيتك ومع جماعة مسجدك الحق في كراهتهم لإمامتك مادمت على هذه الحالة لأن الإمام قدوة .
91- والدي يصلي وهو جالس لوجود ألم في ركبته ولا يستطيع الوقوف فهل في ذلك حرج أفيدونا مشكورين ؟(80/30)
لا شك أن القيام في صلاة الفريضة ركن من أركانها لا تصح إلا به مع الاستطاعة لقوله تعالى : { وَقُومُواْ لِلَّهِ قَانِتِينَ } [ سورة البقرة : آية 238 . ] ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا . . ) الحديث [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/41 ) بنحوه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه . ] .
فالواجب على المصلي في الفريضة أن يصلي قائمًا، أما إذا لم يستطع ذلك لمرض فإنه يصلي على حسب حاله قاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يصلي المريض قائمًا، فإن لم يستطع فقاعدًا، فإن لم يستطع فعلى جنب ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/41 ) بنحوه من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه . ] فما فعله والدك من أنه يصلي قاعدًا لألم في ركبته، إذا كان هذا الألم يمنعه من القيام ويشق عليه فإنه لا بأس أن يصلي وهو قاعد، أما إذا لم يكن هذا الألم يمنعه من القيام فإن صلاته لا تصح إلا بالقيام في الفريضة لأنه ركن من أركانها .
92- إذا كان الإنسان مريضًا ويرقد على السرير فهل يجوز أن يصلي على حسب اتجاه سريره حتى لو كان على غير القبلة أم لا ؟(80/31)
استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة قال تعالى : { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } [ سورة البقرة : آية 144 . ] . استقبال القبلة شرط من شروط صحة الصلاة مع الاستطاعة للمريض ولغيره، والمريض إذا كان على السرير فإنه يجب أن يتجه إلى القبلة إما بنفسه إذا كان يستطيع أو بأن يوجهه أحد إلى القبلة، فإذا لم يستطع استقبال القبلة وليس عنده من يعينه على التوجه إلى القبلة، يخشى من خروج وقت الصلاة فإنه يصلي على حسب حاله لقوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 . ] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/975 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] .
93- شخص انتدب في مهمة رسمية مذكور فيها لمدة خمس ليالٍ، وأحيانًا تكون أكثر من خمس ليال في بلد غير بلده الذي يسكن فيه فما الحكم بالنسبة للجمع والقصر هل يقصر كل صلاة لوحده كل المدة أم يجمع ويقصر مع بعض كل الصلوات طيلة المدة ؟
إذا كانت المسافة التي سافر إليها تبلغ ثمانين كيلو مترًا فأكثر فله قصر الصلاة في حالة مسيره في الطريق . وأما في حالة إقامته في البلدة التي سافر إليها، فإن كانت الإقامة لمدة أربعة أيام فأقل، أو كانت غير محددة فإنه يقصر الصلاة فيها إلا إذا صلى مع من يتم الصلاة فإنه يجب عليه الإتمام تبعًا لإمامه، ولا يجوز له أن ينفرد ويصلي معهم ويتم . وإن كانت الإقامة يعلم أنها تزيد على أربعة أيام فإنه يلزمه إتمام الصلاة ولا يجوز له القصر لأنه صار له حكم المقيمين .(80/32)
94- أنا طالبة وأسكن بعيدًا عن أهلي وأسكن في قسم داخلي، وهذا المكان الذي أدرس فيه بعيدًا عن أهلي حوالي مائة وخمسين كيلو مترًا وآتي إليهم في يوم الخميس والجمعة من كل أسبوع فصلاتي هل تكون قصرًا أم تكون تامة في اليومين اللذين أقيمهما عند أهلي وفي الخمسة الأيام التي أقيمها في القسم الداخلي ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
أما في أيام إقامتك في القسم الداخلي خمسة أيام واليومين عند أهلك فإنه يلزمك إتمام الصلاة، وأما الطريق الذي بين بلد الدراسة وبلد أهلك فيجوز لك قصر الرباعية فيه، ويجوز لك الجمع بين الصلاتين في وقت إحداهما تقديمًا أو تأخيرًا ففي الطريق تأخذين حكم المسافر وفي الإقامة تأخذين حكم المقيم .
95- إنني أسافر في كل أسبوع تقريبًا مسافة ثلاثمائة وخمسين كيلو مترًا ويكون وقت السفر عند الظهيرة ولا تقف السيارة على الطريق لأداء الصلاة فهل يجوز أن أجمع صلاة الظهر وصلاة العصر جمع تقديم في البيت قبل مغادرتي ؟
إذا دخل وقت الظهر وأنت لم تبدأ السفر فإنه يجب عليك أن تصلي الظهر في وقتها تمامًا من غير قصر، وأما صلاة العصر فإن كان سفرك ينتهي قبل خروج وقت العصر فإنك تصلي العصر في وقتها إذا وصلت ولو في آخر وقت العصر، أما إذا كان السفر مستمرًا من الظهر إلى بعد غروب الشمس بحيث يخرج وقت العصر وأنت في السير ولا يمكنك النزول لما ذكرت من أن صاحب السيارة لا يوافق على التوقف، إذا كان الأمر كما ذكرت فلا مانع من الجمع في هذه الحالة، لأن هذه حالة عذر تبيح الجمع مع الإتمام إذا صليت العصر مع الظهر جمع تقديم في بيتك وإن كنت تستطيع صلاة العصر في السيارة فصلِّ العصر فيها ولا تجمع .
96- إذا كنت في سفر مسافة قصر وحين عودتي إلى حيث أقيم وقبل وصولي بحوالي عشر أو عشرين كيلو متر حان وقت صلاةٍ رباعية فهل يجوز لي القصر والجمع أم القصر فقط أم لا يجوز شيء منهما ؟(80/33)
أما القصر فيجوز، لأنه لم ينته السفر مادمت لم تدخل في البلد الذي سافرت منه، فإنك لا تزال في سفر حتى تدخل في بلدك سواءً بقي عشرون كيلو أو أكثر أو أقل فلك القصر مادمت خارج البلد ومادمت في طريقك من السفر، أما الجمع فلا داعي له بل تصلي الصلاة الحاضرة وتقصرها والصلاة الآتية تتركها في وقتها إذا وصلت .
97- إذا سافرت خارج بلدي وأقمت واستقررت في إحدى المدن خارج مدينتي والتي تبعد عنها بمسافة قصر ثم أردت زيارة منطقتي الأصلية لمدة قصيرة قد لا تتجاوز أربعة أيام فهل يجوز لي قصر الصلاة خلال إقامتي في بلدي الأصلي هذه المدة القصيرة والتي أنوي السفر بعدها إلى حيث أسكن وأعمل خارجها ؟
إذا انتقلت من بلدك إلى بلد آخر واستوطنت واستقررت فيه استيطانًا دائمًا وتركت بلدك تركًا نهائيًّا ثم قدر أنك سافرت من محل إقامتك واستيطانك إلى بلدك الأصلي لا لأجل الرجوع والاستقرار فيه وإنما لغرض من الأغراض أو مررت به عابرًا في سفرك فهذا فيه تفصيل إن كان فيه زوجة لك مستقرة فإنه يجب عليك الإتمام لأنك حينئذ تكون من أهل هذا البلد بوجود زوجتك المستقرة والساكنة فيه، أما إذا لم يكن لك فيه زوجة وليس لك فيه أهل وإنما مررت به عابرًا ثم ترجع إلى محل إقامتك واستقرارك فإنك تقصر الصلاة لأن لك حكم المسافرين إلا إذا نويت إقامة تزيد على أربعة أيام فإنه يجب عليك الإتمام أيضًا لأنك تأخذ حكم المقيمين، والله أعلم .
98- أنا شاب ملتزم – والحمد لله – وأصلي لله سبحانه وتعالى اثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة التي قال عنها المصطفى صلى الله عليه وسلم : ( من صلى اثنتي عشرة ركعة في يوم وليلة بني له بهن بيت في الجنة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/503 ) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها . ] والسؤال : ولكن إذا سافرت هل أصلي هذه الركعات أم لا ؟ وهل إذا لم أصلها يكتب لي أجرها ؟ أرجو الإفادة وجزاكم الله خيرًا ؟(80/34)
المسافر الذي يقصر الصلاة لا يصلي الرواتب التي مع الفرائض ما عدا راتبة الفجر، بل يقتصر على الفريضة ويحافظ على راتبة الفجر والوتر وله أن يتهجد من الليل ما تيسر . هكذا كانت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في السفر (29). والله أعلم .
99- نحن نقيم على طريق سفر وفي مسجدنا تحدث ظاهرة تعدد الجماعات في وقت واحد، جماعة تصلي المغرب بعد انتهاء جماعة الإمام الراتب، والأخرى تصلي العشاء جمعًا وقصرًا، فما حكم ذلك التعدد في وقت واحد علمًا بأن بعضهم يشوش على الآخر وكيف نتغلب على ذلك ؟ وجزاكم الله خيرًا ؟
الواجب على من دخلوا المسجد لصلاة الفريضة ووجدوا ناسًا يصلون أن يصلوا معهم ولا يجوز لهم أن يقيموا جماعة أخرى إلى جانب الجماعة الأولى، لأن الاجتماع مطلوب والتفرق منهي عنه، ولأنه كلما كثر عدد المصلين جماعة فهو أفضل عند الله .
وحتى لو اختلفت الصلاة كمن يصلي الظهر خلف العصر ثم إذا سلم الإمام قام وصلى العصر فالصحيح جواز مثل ذلك . . والله أعلم .
100- رجل طاعن في السن، وبه عاهة لا تمكنه من السير، ولكن يستطيع قيادة السيارة لمسافات قريبة، ويصلي الفروض الأربعة في المسجد ما عدا صلاة الفجر يصليها بمنزله، وعندما نصحناه طالبنا بفتوى بعدم جواز صلاته تلك . أفتونا جزاكم الله خيرًا ؟
الصلاة مع الجماعة في المساجد واجبة على الرجال مع الاستطاعة أما من لا يستطيع في كل الصلوات أو بعضها لعذر شرعي كالخوف والمرض والإعاقة البدنية فإنه يصلي في بيته ولا حرج عليه . وما كان يستطيع حضوره من الصلوات وجب عليه حضوره وما لا يستطيعه فإنه يصليه في بيته . لقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 . ] ، وقوله تعالى : { وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ } [ سورة الحج : آية 78 . ] .
101- ما هي شروط صحة الجمعة ؟
شروط صحة الجمعة ذكر أهل العلم أنها يشترط لها أربعة شروط :(80/35)
1ـ أن تصلى في الوقت المحدد وهو على الصحيح يبدأ من الزوال إلى خروج وقت الظهر . فلا يجوز أن تصلى قبل الوقت ولا بعده فإن فات وقتها فإنها تصلى ظهرًا ولا تصلي جمعة .
2ـ الاستيطان فلا تصح من أهل البادية الذين يتبعون مواطن القطر والرعي ولا يستقرون في مكان ولا تصح من المسافرين في حالة السفر إلا إذا صلوا الجمعة مع أهل البلد .
3ـ يشترط لصحتها تقدم خطبتين فيهما حمد الله والشهادتان والصلاة والسلام على رسوله والوصية بتقوى الله عز وجل والموعظة بما يحرك القلوب وقراءة شيء من القرآن .
4ـ من العلماء من يشترط عددًا معينًا يحضرون الخطبتين والصلاة كالأربعين مثلاً، ولكن الصحيح أنه لا يشترط لذلك عدد معين، لأنه لم يدل دليل واضح على اشتراطه، فإذا حضر جماعة ولو قليلة كفى ذلك .
102- ما هو العدد الواجب توافره من الناس لإقامة صلاة الجمعة ؟
الصحيح من قولي العلماء أن صلاة الجمعة كغيرها من الصلوات لا يشترط لها عدد معين خاص بها، لأنه لم يثبت في تحديد العدد لصلاة الجمعة خاصة دليل معين فهي كغيرها من الصلوات تنعقد بما تنعقد به الجماعة إذا كانوا مستوطنين في مكان معين بما جرت العادة من المباني السكنية المستديمة هذا هو الصحيح من قولي العلماء . والله أعلم .
103- نعلم أن من شروط الجمعة اكتمال عدد 40 مصليًا وعددنا أكثر من المائة معظمنا لا يأتي للصلاة ولا يزيد عدد من يحضر الجمعة على ثلاثين مصليًا هل يجوز لنا إقامة صلاة الجمعة، أو نصلي صلاة ظهر ؟
إن كان هذا المسجد الذي تصلون فيه قد اعتمد من الجهة المختصة لصلاة الجمعة فإنكم تصلون فيه ولو نقص عددكم عن الأربعين، لأن الصحيح من أقوال أهل العلم أن الجمعة لا تتقيد بعدد الأربعين، لأنه لم يقم دليل صحيح على اشتراط الأربعين .(80/36)
فصلاتكم الجمعة صحيحة، ولكن يجب عليكم المناصحة لهؤلاء وتخويفهم بالله عز وجل ووعظهم وتذكيرهم بالعقوبة، فإن أجدى فيهم ذلك وإلا فعليكم أن ترفعوا بشأنهم ليأخذ على أيديهم ولاة الأمور مهما أمكنكم ذلك فإنكم مسئولون عنهم . والمسلم يجب عليه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويجب عليه النصيحة لإخوانه المسلمين كما قال صلى الله عليه وسلم : ( الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة قلنا : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/74 ) من حديث تميم الداري رضي الله تعالى عنه . ] .
فيجب عليكم مناصحتهم وعلاجهم . أو رفع أمرهم إلى من يلزمهم بأمر الله عز وجل إذا كان هناك من يقوم بهذا العمل ولا تبرأ ذمتكم بدون هذا . ولا يكفي أن تقولوا : نحن نصلي ونتركهم، لأن الله سبحانه وتعالى قد أوجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حسب الاستطاعة والمقدرة .
قال صلى الله عليه وسلم : ( من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/69 ) ، من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . ] .
104- نحن مجموعة أفراد، عددنا قابل للزيادة والنقصان، ونقيم لمدة أسبوع كامل في معسكر عملنا، وخلال أيام أداء العمل في المعسكر الذي لا نستطيع تركه جميعًا يصادفنا يوم جمعة، فنصلي صلاة الجمعة صلاة ظهر بحجة أن عددنا لم يكمل أربعين فردًا، فهل تصح صلاتنا على هذه الحال ؟ وماذا نفعل إذا صادف عملنا يوم عيد . هل نصلي صلاة العيد جماعة أم نتركها ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
ليس المانع من إقامة صلاة الجمعة في حقكم هو نقصان العدد وإنما المانع هو عدم الاستيطان الدائم، وعلى كل حال لا يسمح بإقامة صلاة الجمعة إلا بإذن من جهة دار الإفتاء .(80/37)
105- نحن أكثر من مائة مصري نعمل في العراق وجميعنا نصلي الفروض الخمسة، والحمد لله، ولكن صلاة الجمعة هي المشكلة بالنسبة لنا لأن المسجد الوحيد الذي كنا نصلي فيه صلاة الجمعة قد هدم ولم يبن ونحن الآن بدون مسجد نصلي فيه صلاة الجمعة فهل يجوز أن نصليها في الخلاء أم ماذا نفعل ؟
يلزمكم أن تصلوا مع أهل البلد في أقرب مسجد إليكم تقام فيه صلاة الجمعة مهما أمكنكم ذلك وإن لم يمكن وخصصتم مكانًا مؤقتًا تصلون فيه الجمعة بجانب المسجد الذي هدم إلى أن يبنى فلا بأس .
106- أتيت إلى الجامع لصلاة الجمعة ووجدت الإمام في الخطبة فهل يجوز لي أن أصلي ركعتين تحية المسجد أم أجلس وأستمع إلى الخطبة ؟
إذا دخلت يوم الجمعة والإمام يخطب فإنه يستحب لك أن تصلي ركعتين قبل أن تجلسن لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك . أمر من دخل والإمام يخطب أن يصلي ركعتين ويتجوز فيهما (30) يعني : يخفف الركعتين ثم يجلس يستمع الخطبة هذا هو السنة أما لو جلس قبل أن يصلي ركعتين فإنه يكون مخالفًا للسنة حتى يصليهما ثم يجلس يستمع للخطبة .
107- هل يجوز أداء الركعتين تحية المسجد أثناء أذان خطبة الجمعة أو يجب التوقف حتى نهاية الأذان ؟
نعم ينبغي إذا دخلت للجمعة – والمؤذن يؤذن – أن تبدأ بتحية المسجد لتفرغ لسماع الخطبة ولا ينبغي أن تؤخر الركعتين، لأن ذلك يفوت عليك أول الخطبة والاستماع لها . والذي ينبغي لك أن تتقدم وتبكِّر لصلاة الجمعة عملاً بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم، وترغيبه بالتبكير لصلاة الجمعة والحصول على الثواب الذي أخبر به صلى الله عليه وسلم في حق من بكَّر إلى الجمعة وحضر من أول الوقت وجلس ينتظر الصلاة . وتفرغ لسماع الخطبة وأنصت لها فإنه يحصل على أجر كبير لا ينبغي لك أن تفرط فيه وأن تتأخر إلى دخول الإمام (31).(80/38)
108- لقد جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من مس الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/588 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه إلى قوله : " فقد لغا " . ] أو كما قال، فسؤالي هو إذا سلم عليَّ أحد وأنا في أثناء الاستماع لخطبة الجمعة فهل عليَّ أن أردّ عليه السلام ؟ وكذلك لو عطس بجانبي أحد أشمته أم لا ؟ وإذا كلمني في شيء ضروري هل يجوز لي أن أرد عليه ولو بالإشارة فهل يعتبر ذلك من اللغو وأكون آثمًا عليه مع أنه هو الذي بدأني بالكلام ؟
لا شك أن المسلم مأمور حالة خطبة الجمعة بالاستماع والإنصات وقطع الحركة فهو مأمور بشيئين :
أولاً : السكون والهدوء وعدم الحركة والعبث .
ثانيًا : هو مأمور بالسكوت عن الكلام فيحرم عليه أن يتكلم والإمام يخطب، ويحرم عليه كذلك أن يستعمل الحركة والعبث أو يمسح الحصى ويخطط في الأرض أو ما أشبه ذلك، وما ذكرته من الحديث ( من مس الحصى فقد لغا ) فهو ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومعنى لغا أنه ارتكب خطأ يُسبب إلغاء ثوابه فمعنى لغا ليس معناه أنه تبطل صلاته وأنه يؤمر بالإعادة، وإنما معناه أنه لا ثواب له في تلك الصلاة .
أما ما سألت عنه من أنه هل يرد السلام ؟ أو يشمت العاطس ؟ فالجواب : أنه لا يرد السلام ولا يشمت العاطس ولا يجوز للداخل والإمام يخطب أن يسلم، وإذا سلم فإنه لا يجوز على من سمعه أن يرد عليه، لأن الإنصات للخطبة واجب، والكلام حال الخطبة يحرم، ومن عطس فإنه يحمد الله في نفسه ولا يتكلم بذلك ولو تكلم وسمعه من بجانبه فإنه لا يشمته (32) .
109- هل هناك أذكار مخصوصة تقال بعد صلاة الجمعة، وهل صحيح حديث قراءة المعوذتين وآية الكرسي سبع مرات بعد الجمعة ؟(80/39)
صلاة الجمعة ليس لها أذكار مخصوصة تقال بعدها، وإنما يقال بعدها ما يقال بعد سائر الصلوات من أذكار، بأن يستغفر الله ثلاثًا بعد السلام ثم يقول : اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون، أو غير ذلك مما ورد، ثم يسبح ثلاثًا وثلاثين، ويحمد الله ثلاثًا وثلاثين، ويكبر الله ثلاثًا وثلاثين، ثم يقول تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، ويقول : اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، وإن قرأ سورة الإخلاص والمعوذتين بعد ذلك مرة مرة فحسن، أما تكرارها سبعًا فلا أعلم له أصلاً، وإنما تكرر قراءة هذه السور ثلاثًا ثلاثًا بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب، كما يستحب له أن يقول بعد صلاة الفجر وصلاة المغرب : لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات، ويقول : رب أجرني من النار سبع مرات لورود الأحاديث في ذلك (33). والله أعلم .
110- قرأت حديثًا عن الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول فيه : " من فاته صلاة في عمره ولم يحصها فليقم في آخر جمعة من رمضان ويصلي أربع ركعات بتشهد واحد يقرأ في كل ركعة فاتحة الكتاب وسورة القدر خمس عشرة مرة، وسورة الكوثر كذلك، ويقول في النية : نويت أصلي أربع ركعات كفارة لما فاتني من الصلاة، فما مدى صحة هذا الحديث ؟(80/40)
هذا لا أصل له من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي ثبت عن الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه قال : ( من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/477 ) ، من حديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه بنحوه . ] . فالصلوات التي تركتها فيما سبق إذا كنت تركتها لأجل النوم مثلاً أو إغماء أو لعذر ظننت أنه يجيز لك تأخيرها، فالواجب عليك أن تقضيها، وأن تصليها مرتبة على الفور .
أما إذا كنت تركتها متعمدًا فالصحيح من قولي العلماء أنه يجب عليك التوبة إلى الله، لأن من ترك الصلاة متعمدًا فأمره خطير حتى ولو لم يجحد وجوبها فإن الصحيح أنه يكفر بذلك، فعليك أن تتوب إلى الله إذا كنت تركتها متعمدًا، وأن تحافظ على الصلاة في مستقبلك، والله يتوب على من تاب .
أما إذا كنت تركتها لنوم أو إغماء أو غير ذلك مما حال بينك وبين أدائها في وقتها فإنك تقضيها ولابد . أما أن تصلي هذه الصلاة التي ذكرتها في آخر رمضان على هذه الصفة فهذا لا أصل له من دين الإسلام ولا يكفر عنك الصلوات التي تركتها .
111- كنت أصلي الجمعة كما يصليها الرجال ركعتان سنة وركعتان فرض، ولكني قرأت في كتيب عن الصلاة أنه ليس على المرأة صلاة جمعة، فماذا يجب عليَّ نحو صلواتي الماضية ؟
أخطأتِ فيما مضى . . لأن المرأة لا تصح منها الجمعة، إلا إذا حضرت مع الرجال، فإذا حضرت مع الرجال وصلّت صحت صلاتها تبعًا، أما أن تستقل بنفسها أو تصلي نساء مجتمعات يصلين الجمعة فهذا لا يصح، فما عملتيه فيما مضى كله باطل، وعليك أن تعيدي صلاة الظهر في الفترة الماضية كلها قضاء .(80/41)
112- أنا أعمل في مزرعة وعندما يحين صلاة الجمعة وأتهيأ للصلاة يمنعني صاحب المزرعة من الذهاب وأتركها بناءً على ربغته ولكني أتحسر وأتندم لتركي لها، ولكنه لا يسعني إلا طاعته فهل له الحق في هذا وليس عليَّ إثم بترك الجمع دائمًا، وهو أليس عليه إثم في منعي من صلاتها ؟
يجب على المسلم المحافظة على الصلوات الخمس وعلى الجمعة بأدائها في جماعة في المساجد ولا يصرفه عن ذلك طلب الدنيا قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ } [ سورة الجمعة : آية 9 . ] وقال تعالى : { فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ . رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } [ سورة النور : الآيتين 36، 37 . ] ، فيجب على المسلم أن يؤدي الصلوات في الجماعة في المساجد، وكذلك الجمع يجب حضورها على المسلم، ولا يجوز للإنسان أن يمنع العمال الذين يشتغلون لديه من أداء الصلاة جمعة وجماعة، ولا يجوز للعمال أن يطيعوه في هذا، لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فأداء الصلاة في المسجد مستثنى من مدة الإجارة شرعًا، ليس للمستأجر فيه استحقاق، لأن هذا حق الله سبحانه وتعالى، فالواجب عليكم أن تؤدوا الصلاة ولا تلتفتوا إلى هذا الذي يمنعكم من حضور الجمعة وإذا أبى إلا الامتناع فعليكم أحد أمرين :
1ـ إما أن ترفعوا أمره إلى ولي الأمر عندكم للأخذ على يده .
2ـ وإما أن تذهبوا إلى مسلم آخر لتعملوا عنده ويمكنكم من أداء صلاتكم، إلا من هو يقوم بالحراسة ويخشى على ما هو مستحفظ عليه من الضياع لو ذهب للصلاة مع الجماعة فإنه يصلي في موضع حراسته .(80/42)
113- إذا ترك إنسان حضور الجمعة أربع مرات، فما حكمه، وما الحكم لو تركها بسبب بعده عن المدينة التي فيها المساجد ولو للنزهة كأن يصطحب معه أهله وأولاده ويخرجون إلى خارج المدينة في كل يوم جمعة لكونه وقت فراغه من العمل ؟
يجب على المسلم غير المعذور حضور الجمع والجماعات لأنه قد ورد الوعيد الشديد في حق من تخلف عن الجمعة وعن الجماعة وقد همّ صلى الله عليه وسلم بتحريق بيوت المتخلفين عن صلاة الجماعة ووصفهم بالنفاق (34) وورد الوعيد الشديد في حقهم، والتخلف عن صلاة الجمعة من غير عذر شرعي فيه وعيد شديد فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( من ترك ثلاث جمع تهاونًا طبع الله على قلبه ) [ رواه أبو داود في " سننه" ( 1/276 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 2/131، 132 ) بنحوه، ورواه النسائي في " سننه " ( 3/88 ) ، كلهم من حديث أبي الجعد الضمري رضي الله عنه . ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 2/591 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه . ] ، فلا يجوز للمسلم أن يتخلف عن صلاة الجمعة لغير عذر شرعي، ولا ينبغي للإنسان أن يداوم على الخروج وترك صلاة الجمعة، وأن يخص يوم الجمعة بالخروج للنزه ويترك صلاة الجمعة، لكن إذا خرج بعض الأحيان وكان بعيدًا عن المسجد البعد الذي يشق عليه معه الذهاب لصلاة الجمعة، فهذا يكون معذورًا ولا سيما إذا كان معه من يخاف عليهم من عائلته ومحارمه، فإنه يكون معذورًا بتلك الحال على أن لا يتخذ هذا عادة مستمرة .
114- إذا جاء عيد الفطر في يوم الجمعة فهل يجوز لي أن أصلي العيد ولا أصلي الجمعة أو العكس ؟(80/43)
إذا وافق يوم العيد يوم الجمعة فإنه من صلى العيد مع الإمام سقط عنه وجوب حضور الجمعة، ويبقى في حقه سنة . فإذا لم يحضر الجمعة وجب عليه أن يصلي ظهرًا وهذا في حق غير الإمام، أما الإمام فإنه يجب عليه أن يحضر للجمعة ويقيمها بمن حضر معه من المسلمين، ولا تترك صلاة الجمعة نهائيًّا في هذا اليوم .
115- في يوم العيد سواء الفطر أو الأضحى نجد كثيرًا من الناس يتعانقون في ذلك اليوم أو يتبادلون التباريك بقولهم : مبروك عليك العيد، أو كل عام وأنتم بخير، إلى غير ذلك من العبارات فهل كان هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين من يفعل ذلك ؟ وما هو هدي النبي صلى الله عليه وسلم في العيد سواء الأضحى أو الفطر أثابكم الله ؟
لم يثبت في المعايدة في يوم العيد شيء عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن كان بعض السلف يفعلونه ويقول بعضهم لبعض : تقبل الله منك وما أشبه ذلك، وقال الإمام أحمد : لا أبتدئ به، فإن ابتدأني أحد أجبته (35) والله أعلم .
116- ما هي كيفية صلاة الاستسقاء والمكان الذي تؤدى فيه ؟
صلاة الاستسقاء كيفيتها ككيفية صلاة العيد يصليها الإمام بالمسلمين ركعتين في الصحراء القريبة من البلد، ثم يخطب بعدها خطبة يفتتحها بالتكبير كخطبة العيد وبالثناء على الله سبحانه وتعالى والتضرع والدعاء والاستغفار وطلب الإغاثة، ثم يتوجه إلى القبلة ويحول رداءه ويدعو الله سبحانه وتعالى سرًّا بينه وبين ربه مستقبل القبلة، وكذلك المصلون يحولون ما عليهم من لباس يمكن تحويله كالعباءة والجبة، وغير ذلك من الأمور التي يمكنهم قلب ظهرها إلى بطنها ويمينها إلى شمالها اقتداء بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم، هذه هي صفة صلاة الاستسقاء (36) .(80/44)
أما مكانها فهو الصحراء التي تُصلَّى فيها العيد . ويجوز فعلها في المساجد لكن فعلها في الصحراء أفضل، أما وقتها كوقت صلاة العيد حين ترتفع الشمس قدر رمح إلى أن يحصل قيام الشمس في كبد السماء، فوقتها كوقت صلاة العيد، وإن استغاث الإمام في خطبة الجمعة بأن دعا أن يغيث الله المسلمين فهذا أيضًا وارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيجوز للإمام أن يستغيث في خطبة الجمعة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم (37) أيضًا، ويجوز الاستسقاء بالدعاء من غير صلاة ولا خطبة .
117- إذا نوى أحدنا الاعتكاف في المسجد حيث كان بيته ملاصقًا للمسجد فهل يجوز له أن يدخل في بيته في أوقات تناول الطعام وقضاء الحاجة أيضًا، أو أن قضاء الحاجة محظور عليه فترة اعتكافه وعليه أن يقضي حاجته في حمامات المسجد إذا كان هناك ؟ وهل الاعتكاف جائز في غير العشر الأواخر من رمضان ؟
الاعتكاف سنة مؤكدة وهو لزوم مسجد تؤدى فيه صلاة الجماعة لطاعة الله سبحانه وتعالى والتفرغ للعبادة، وهو مشروع في رمضان وغير رمضان، ولكن في رمضان وفي العشر الأواخر أفضل اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم (38) ، وأما قضية خروج المعتكف من معتكفه فإنما يجوز هذا للحاجة كأن يحضر الطعام إذا كان ليس عنده من يحضر له الطعام، أو الخروج لقضاء حاجته في البيت أو غيره فخروج المعتكف لأجل الحاجة لا بأس به بقدرها، أما أن يخرج ليأكل الطعام في البيت فهذا لا يجوز، وإنما يخرج وليحضر الطعام له في مكانه إذا لم يكن عنده من يحضره له .
118- ما معنى قوله تعالى : { وَلاَ تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ } [ سورة البقرة : آية 187 . ] .(80/45)
الله سبحانه وتعالى نهى عن مباشرة النساء في حال الاعتكاف في المسجد بعدما أباح مباشرة النساء في ليلة الصيام فإنه استثنى المعتكفين في المساجد، فلا يجوز لهم مباشرة النساء بالوطء أو المباشرة وهم معتكفون لا في ليل ولا في نهار ولو لم يكونوا صائمين؛ لأن الاعتكاف معناه ترك أمور كثيرة ومنها مباشرة النساء والتفرغ لعبادة الله تعالى .
وإذا جامع المعتكف زوجته فإنه يبطل اعتكافه، فالجماع مبطل للاعتكاف، وكذلك إذا خرج الإنسان من الاعتكاف لغير حاجة، إلى السوق أو إلى أي مكان من غير حاجة فهذا يؤثر على اعتكافه أو يبطله لأن الاعتكاف معناه لزوم المسجد والمكث فيه بحيث لا يخرج إلا لحاجة الإنسان الضرورية وبقدرها .
وفي هذه الآية أن الاعتكاف لا يكون إلا في المسجد، فلا يعتكف الإنسان في بيته أو في أي مصلى ينفرد فيه أو في مسجد مهجور لا يُصلى فيه كالمسجد الذي ارتحل أهله ولا يوجد له جيران يصلون فيه، هذا لا يعتكف فيه وإن كان في الأصل مسجدًا؛ لأنه يشترط في الاعتكاف أن يكون في مسجد تقام فيه الجماعة لأجل أن يجمع بين الاعتكاف والصلاة مع الجماعة .
أما إذا كان المسجد لا تقام فيه الجماعة لأنه مسجد متروك وقد ارتحل أهله فهذا لا يصح الاعتكاف فيه، لأن المعتكف في هذه الحالة بين أمرين إما أن يبقى على اعتكافه ويترك صلاة الجماعة، وصلاة الجماعة واجبة، وإما أن يخرج لصلاة الجماعة ويكرر ذلك وهذا يتنافى مع الاعتكاف .
فلا بد أن يكون الاعتكاف في مسجد يجمع فيه أن تصلى فيه الجماعة، ولهذا قال تعالى : { فِي الْمَسَاجِدِ } [ سورة البقرة : آية 187 . ] وذكر الله تعالى الاعتكاف في ختام آيات الصيام لأن المعتكف الغالب والأحسن أن يكون صائمًا .
119- هل هناك دعاء معين يقال عند خروج الروح من جسد المحتضر أو عند إدخاله القبر ؟(80/46)
أما عند احتضاره فالوارد أنه يلقن : لا إله إلا الله لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لقنوا موتاكم لا إله إلا الله ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/631 ) من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه . ] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/187 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/351 ) ، كلاهما من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه . ] ، ينبغي ويستحب أن يلقن الميت عند الاحتضار : لا إله إلا الله، وأن يلقن ذلك برفق ولا يكرر عليه، لا يضيق عليه بل يلقنها برفق .
أما عند الدفن قد ورد أنه عند وضع الميت في القبر يقال : ( بسم الله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم ) كما رواه الإمام أحمد وغيره [ رواه الترمذي في " سننه " ( 3/422، 423 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/494، 495 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/211 ) بنحوه، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 4/55 ) بنحوه، كلهم من حديث ابن عمر رضي الله عنهما . ] .
أما أن يقال دعاء عند الاحتضار هذا لم يرد، غير تلقين الميت : لا إله إلا الله .
120- من الذي يحق له غسل الميت ذكرًا كان أو أنثى من الأهل والأقربين من النساء والرجال لأننا نرى بعض الرجال يدخلون لغسل الجنائز من الرجال والنساء وأقارب أو أجانب فهل هذا صحيح ؟
الرجل يغسله الرجل، ويجوز للمرأة أن تغسل زوجها، والمرأة يغسلها النساء ويجوز للرجل أن يغسل زوجته، فالزوجان يجوز لكل منهما أن يغسل الآخر لأن عليًّا رضي الله عنه غسل زوجته فاطمة رضي الله عنها (39) ، وأسماء بنت عميس رضي الله عنها غسلت أبا بكر الصديق رضي الله عنه (40) .(80/47)
أما ما عدا الزوجين فإنه لا يجوز للنساء أن تغسل الرجال، ولا يجوز للرجال أن يغسلوا النساء، بل كل جنس يغسل جنسه ولا يطلع أحدهما على عورة الآخر؛ إلا الطفل الصغير الذي هو دون التمييز فهذا لا بأس أن يغسله الرجال والنساء على حد سواء لأنه لا عورة له . والله أعلم .
121- سائل يقول : من هو أولى بتغسيل المرأة المتوفاة بترتيب ؟ وهل يجوز أن يغسل الكافر المسلمة أم لا ؟ وبالنسبة لإدخال المتوفاة للقبر هل يشترط أن يكون الذي يدخلها من أقربائها أم يجوز لأي شخص أن يتولى هذه المهمة فإن هناك أناسًا يعملون في المقبرة لهذه المهمة، فهل يجوز أن يتولوا إدخال الميتة من النساء للقبور ؟
أولاً : يتولى تغسيل المرأة القريبة فالقريبة من نسائها من كن يحسن ذلك، ويجوز أن يتولاها أي مسلمة تحسن تغسيلها ولو لم تكن من قريباتها، وكذلك زوج المرأة يجوز له أن يغسلها، كما يجوز لها أن تغسل زوجها .
وأما بالنسبة لتغسيل الكافر للمسلم فلا يجوز لأن تغسيل الميت عبادة والعبادة لا تصح من الكافر .
أما بالنسبة للمسألة الثالثة : هي من يدخل المرأة قبرها ؟ فيجوز أن يدخل المرأة قبرها مسلم يحسن ذلك ولو لم يكن محرمًا لها .
122- هل يجوز تشريح الميت بعد موته لاكتشاف سبب الوفاة وهو ما يسمى بالطب الشرعي ؟(80/48)
معلوم حرمة المسلم حيًّا وميتًا فلا يجوز إهانته وعمل شيء في جثته بعد وفاته ولا يعمل إلا ما هو مشروع كتغسيله وتحنيطه وتكفينه والصلاة عليه ودفنه، وأما تشريحه لأجل معرفة سبب الوفاة فإذا دعا إلى هذا ضرورة وغرض صحيح فلا مانع فيه . وأما إذا لم يكن لضرورة ولا لمصلحة شرعية فلا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( حرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًّا ) [ لم أجده بهذا اللفظ وانظر " حاشية الروض المربع " ( 3/39 ) . ] ، أو ما معناه، فإذا كان لمعرفة سبب الوفاة مصلحة شرعية ضرورية كمعرفة ما إذا كان مقتولاً أو غير مقتول إذا كانت وفاته غامضة ليعرف من وراء ذلك وما يترتب عليه من حكم شرعي ومصلحة شرعية، أو معرفة القاتل إذا كان يمكن معرفة آثاره على بدن الميت فلا مانع من ذلك .
123- وما الحكم إذا كان التشريح لمجرد تعليم الذين يدرسون الطب ؟
لا يجوز أن يعمل هذا بجثة المسلم لأن حرمته ميتًا كحرمته حيًّا، أما إذا كان هذا في جثة كافر فلا مانع من ذلك لدى بعض العلماء المعاصرين لأن الكافر لا حرمة له . والله أعلم .
124- ما هي الحالات التي يجب فيها نبش القبر عن الميت ؟
لا يجوز نبش الميت من قبره وإخراجه منه إلا لمبرر شرعي، لأن هذا القبر الذي حل فيه يكون ملكًا له لا يجوز نقله منه إلا لمبرر شرعي، كأن يكون دفن في أرض مغصوبة فإنه حينئذ ينبش، ويخرج من هذه الأرض إلى أرض مباحة، أو يكون بقاؤه فيها ليس أصلح له لفسادها بالماء أو غير ذلك فحينئذ يجوز نبشه وإخراجه إلى مكان آخر . أو يكون هذا الميت دفن فيما لا يجوز الدفن فيه شرعًا كالمسجد، فإذا دفن في مسجد فإنه يجب نبشه وإخراج ودفنه في المقابر لأنه لا يجوز دفن الأموات في المساجد .
125- ما هي الأقوال التي تقال في صلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء، وكما نرجو إرشادنا إلى كتاب نستفيد منه في تعلم هذه الأمور ؟(80/49)
أما الكتاب الذي تتعلمون منه هذه الأمور فكتب الفقه على المذاهب الأربعة – والحمد لله – وهي ميسورة : مطولات ومختصرات، فبإمكانك أن ترجع إليها، وهناك كتب الأذكار التي تقال في صلاة الجنازة والكسوف والاستسقاء مثل كتاب »الأذكار« للنووي .
وأما بالنسبة لما يقال في صلاة الجنازة فهو أن تكبر تكبيرة الإحرام، ثم تقرأ الفاتحة، ثم تكبر بعد قراءة الفاتحة وتصلى على النبي كالصلاة عليه في التشهد الأخير . اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، ثم تكبر المرة الثالثة تدعو بعدها للميت : ( اللهم اغفر له وارحمه، وعافه واعف عنه، وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بالماء والثلج والبرد، ونقه من الذنوب والخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس ) وتتحرى من الأدعية للميت ما ورد [ انظر " صحيح الإمام مسلم " ( 2/662، 663 ) من حديث عوف بن مالك رضي الله عنه . ] .
أما ما يقال في صلاة الكسوف فيكبر تكبيرة الإحرام، ثم يقرأ الفاتحة وسورة طويلة نحوًا من سورة البقرة، ثم يركع ركوعًا طويلاً نحوًا من قيامه، ثم يرفع رأسه ويقول : ( سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ) ، ويقرأ الفاتحة ويقرأ سورة طويلة إلا أنها أقل من الأولى، ثم يركع ركوعًا طويلاً، ثم يرفع ويقول : ( سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد ) ، ثم يعتدل قائمًا، ثم يكبر ويسجد سجدتين، ثم يقوم يصلي الثانية كالأولى بركوعين وسجدتين، ثم يجلس للتشهد الأخير ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسلم .(80/50)
أما بالنسبة لصلاة الاستسقاء فيصلي الإمام ركعتين قبل الخطبة، ويستحب أن يقرأ في الأولى بالفاتحة و { سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى } ، ويقرأ في الثانية الفاتحة و { هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ } . ثم إذا فرغ من الركعتين يخطب الإمام خطبة يفتتحها بالتكبير والثناء على الله عز وجل، والشهادتين والصلاة على الرسول صلى الله عليه وسلم ثم يدعو بما تيسر من الأدعية التي فيها طلب الاستسقاء، ويكثر من الاستغفار والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى، ويذكر الحضور بالتوبة والاستغفار وطب الغيث من الله سبحانه وتعالى، ثم يحول رداءه أو عباءته ويستقبل القبلة ويدعو ويفعل المأمومون مثله ثم ينصرفون .
126- امرأة حامل . . وأجهضت في الأشهر الأولى ( بعد تكوين الجنين ) ، فهل يجب الصلاة عليه وتسميته ؟ وفي أي شهر يجب ذلك شرعًا ؟ وإذا كانت الصلاة تجب عليه، فما الحكم وأنا الآن قد مر وقت على إجهاضي ؟
الحمل إذا سقط من بطن أمه، وقد بلغ أربعة أشهر فأكثر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه؛ لأنه نفخت فيه الروح، وإن كان دون أربعة أشهر فإنه يدفن بدون ما ذكر؛ لأنه لم تنفخ فيه الروح، ولا يأخذ حكم الجنازة في هذه الحالة .
127- إذا توفي أحد أقرباء الشخص أو أصدقائه وهم في بلد غير البلد التي هو فيها، فهل يجوز له أن يسافر إلى البلد التي هم فيه لتأدية العزاء ومواساة أهله في فقيدهم أم أن هذا يعد شد رحل ولا يجوز ؟
إذا كان العزاء يشتمل على بدع وخرافات مثل إقامة المآتم التي في بعض البلاد فلا يجوز أن يشاركهم سواء سافر أو لم يسافر؛ لأن هذا من البدع والمنكرات، أما إذا كان العزاء مجرد مواساة للأحياء، وتطييب لخواطرهم، ودعاء للميت المسلم بالرحمة والمغفرة فلا بأس بذلك، خصوصًا إذا كانوا من أقاربه ففي سفره إليهم وعزائهم ومواساتهم تطمين لخواطرهم وتخفيف من مصابهم، وربما يكونون بحاجة لحضوره .(80/51)
128- يوجد في قريتنا مسجد تقام فيه الجماعة ولكن تحيط به المقابر من ثلاث جهات إحداهن جهة القبلة، فهل تجوز الصلاة في هذا المسجد علمًا أن الكثير من جيرانه هجروا الصلاة فيه وأصبحوا يصلون في منازلهم فهل عليهم شيء في ذلك وبماذا تنصحوننا أن نفعل ؟
إذا كان المسجد مفصولاً عن القبور بجدران وطرق أو أرض فضاء ولم يبن من أجل التبرك بالقبور فلا بأس بالصلاة فيه لعدم المحذور في ذلك، والله أعلم .
129- ما رأي الإسلام في ظاهرة الساعات التي تعلق في المساجد ذات الأجراس وهل في ذلك مشابهة لكنائس النصارى أو المعابد اليهودية ؟
معلوم أنه ينبغي إزالة كل ما يشغل المصلي عن صلاته في المساجد وغيرها، وهذه الساعات التي تعلق في المساجد إذا كانت ذات أجراس فإنها تشغل المصلين، وفيها مع ذلك مشابهة لما في الكنائس ومعابد الكفار وينبغي إزالتها من المساجد واستبدالها بساعات خالية من الأجراس، يعرف بها الوقت وتحديد الزمن ولا يكون فيها ما يشغل المصلين أو يكون فيها مشابهة للكفار . أضف إلى ذلك أنه ربما يكون في بعضها تماثيل طيور أو ما أشبه ذلك وهذا محذور آخر، فعلى كل حال لا ينبغي أن يدخل في المساجد من الساعات إلا ما كان خاليًا من الأجراس وخاليًا من الصور، والله تعالى أعلم .
130- هل على التي تدخل المسجد الحرام أو النبوي وهي حائض شيء مثل كفارة وهي كانت في وقت ضرورة ؟
لا يجوز للمرأة الحائض أن تدخل المسجد الحرام ولا غيره من المساجد، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى الحائض أن تدخل المسجد للجلوس فيه (41).(80/52)
أما مجرد الدخول من غير جلوس كأن تمر به أو أن تأخذ حاجة منه فليس عليها في ذلك حرج، فمرور الحائض والجنب في المسجد أو دخولهم لأخذ حاجة منه في غير جلوس فيه لا حرج فيه، إنما الممنوع هو جلوس من عليه حدث أكبر من حيض أو جنابة في المسجد، وما فعلته إن كنت دخلت في المسجد الحرام أو المسجد النبوي وبقيت فيه وجلست فيه فقد فعلت محرمًا؛ لكن عليك أن تتوبي إلى الله سبحانه وتعالى وتستغفريه ولا تعودي لمثل هذا وليس عليك كفارة في هذا إنما عليك التوبة والاستغفار . والله أعلم .
131- أعمل في محل تجاري قريب من المسجد وقد طلب مني إمام المسجد أن أصلي بالناس إمامًا بدلاً عنه مقابل 700 ريال شهريًّا مع أنه يستلم من الأوقاف أكثر من هذا المبلغ، وقد سمعت من بعض الناس أنه لا يجوز أرجو إفتائي ولكم الشكر ؟
يجب على من تولى عملاً من أعمال المسلمين أن يقوم به على الوجه المطلوب سواء كان إمامة مسجد أو غيرها . وإمام المسجد أولى بالقيام بواجبه لأنه قدوة وإذا كان لا يستطيع القيام بإمامة المسجد فلا يجوز له أن يتولاها بل يجب عليه أن يتركها لغيره ممن يقوم بها . لكن لو قدر أن شخصًا يؤم في مسجد وعرض له عارض من عذر اقتضى أن ينيب غيره مقامه إلى أن يزول ذلك العذر ثم يباشر عمله فلا بأس .
أما المشارطة في هذا فهي لا تجوز كما لا يجوز للإنسان أن يتولى إمامة المسجد ويأخذ الراتب وهو لا يصلي بالناس، وإنما يأتي بشخص يتفق معه على أن ينوب عنه ببعض الراتب، ويكون هذا بصفة دائمة كما يفعل بعض أئمة المساجد الذين لا يبالون . فإن هذا حرام وأكل للمال بالباطل واحتيال محرم .
132- ما حكم الصلاة على السجادة المعروفة الآن، فبعضهم قال : إنها لا تجوز لأنها تشغل المصلي والبعض الآخر أجاز ذلك ؟(80/53)
تجوز الصلاة على السجادة إذا كانت طاهرة، ومن قال : إنها لا تجوز فلا وجه لقوله؛ لأن الأصل الإباحة، ومن حرم شيئًا فلا بد من الدليل وهي لا تشغل المصلي كما يقول . والله أعلم .
133- هناك إمام في أحد مساجد الرياض (42)، له صوت جميل وحسن في القرآن، وصار الناس يتوافدون عليه بكثرة من أماكن بعيدة، وتركوا مساجدهم المجاورة لهم في الصلاة الجهرية، خصوصًا في ليالي رمضان في التراويح؛ فهل هذا جائز ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
نعم؛ هذه ظاهرة موجودة، وهو أن الناس يتكاثرون في بعض المساجد ويأتون من مكان بعيد إليها، وهذا غير مرغَّبٍ فيه، وأنا لا أستحسن ذلك؛ لأن الأفضل أن تصلي في المسجد المجاور لبيتك وتعمره، ولأن هذا لا تكلف فيه وأبعد عن الرياء، ولما قد يحصل عند إمام المسجد المتروك من التأثر النفسي والفرقة بينه وبين جماعة مسجده الذين لا يصلون معه .
وإذا ترك الناس مساجدهم وذهبوا إلى مساجد معينة؛ تعطلت المساجد الأخرى؛ فأنا لا أستحسن ذلك، والأفضل أن كل أهل حي من الأحياء يصلون في مسجدهم .
الشيء الثاني : أن الناس إذا تكاثروا في مسجد، ربما يصلون في الشوارع، والصلاة في الشارع لا تجوز إلا عند الضرورة؛ مثل يوم العيد أو يوم الجمعة؛ فإن المسجد يضيق في هذه المناسبات، فتجوز الصلاة في الشارع في مثل هذه الحالات إذا ضاق المسجد؛ لأنها لا تفعل في غيره، فإذا ترتب على الاجتماع في مسجد من المساجد أنهم يصلون في الشارع في غير صلاة الجمعة؛ فهذا لا يجوز؛ لأن الصلاة في الشارع تجوز في حالة الضرورة، وهذه ليست حالة ضرورة .(80/54)
3- كتاب الزكاة
134- عندي أرض حصلت عليها منحة وتقع في منطقة بعيدة عن العمران والخدمات، ولا أفكر في بنائها حاليًا، ولم أعرضها للبيع لانخفاض قيمتها ولكن ربما لو ارتفع ثمنها أبيعها، والسؤال : هل تجب فيها الزكاة ؟
تقول عندك أرض جاءتك منحة وتريد بيعها إذا ارتفع السعر فهل عليها زكاة، والجواب : إذا بعتها وحال الحول على قيمتها بعد البيع وجبت فيها الزكاة، وإن أردت الاحتياط فقومتها كل سنة بما تساوي وأخرجت ربع العشر من قيمتها المقدرة، فهذا أحسن خروجًا من الخلاف . . والله أعلم .
135- اشترينا 3 قطع أراضي إحداهما بنية البناء عليها عاجلاً، والقطعتان الأخريان بنية الاستفادة منها مستقبلاً ببيعها أو عمارتها، وقد مضى عليها ست سنوات ولم نخرج زكاتها جميعًا، فهل علينا شيء في ذلك ؟ وكم يجب أن نخرج ؟
الأراضي التي يشتريها الإنسان لا تخرج عن أحد ثلاثة أنواع :
النوع الأول : ما قصده منها السكنى بأن يزرعها أو يغرسها، فهذه لا زكاة فيها؛ لأنها ليست تجارية .
والنوع الثاني : أن يشتري الأراضي بقصد التجارة وطلب الربح بثمنها، فهذه عروض تجارة إذا حال عليها الحول فإنه ينظر كم تساوي عند تمام الحول ويخرج ربع العشر من قيمتها التي تساويها في وقت تمام الحول .
والنوع الثالث : أن يريد الأرض التي اشتراها للاستثمار بأن يعمرها دكاكين أو عمارات سكنية لتأجيرها، فهذه لا زكاة في أصلها، وإنما الزكاة في غلتها، فإذا قبض من أجرتها ما يبلغ النصاب، وحال عليه الحول من حين عقد الإجارة فإنه يزكيه .
136- هل زكاة الذهب تخرج مالاً أم عينًا كقماش أو طعام أو نحوه ؟
الأصل أن الزكاة تؤخذ من جنس المال المزكى، لأنها مواساة فيؤخذ من الدراهم دراهم، ومن الحبوب حبوب، ومن المواشي مواشٍ من جنسها، ويجوز على الصحيح أن يدفع بدل الدراهم عروضًا من قماش ونحوه إذا كان هذا أنفع للفقير وأرفق بالمحتاج . . . والله أعلم .(81/1)
137- يقول السائل : بالنسبة لذهب المرأة الذي يتم شراؤه بقصد الزينة والاستخدام فهل تجب الزكاة عليه ؟ وفي حالة وجوبها هل تدفع مرة واحدة أم تدفع كل سنة بنسبة ربع العشر ؟
العلماء مختلفون في وجوب الزكاة في الحلي المعد للاستعمال على قولين :
القول الأول- وهو قول الأكثر وفيهم جماعة من الصحابة- : أنه لا زكاة فيه؛ لأنه أصبح مثل اللباس ومثل المسكن ونحوهما من الحوائج التي يستعملها الإنسان .
والقول الثاني : أن فيه الزكاة نظرًا لأنه من النقدين الذهب أو الفضة، والعمومات تدل على وجوب الزكاة فيهما مع حديث ورد بخصوص الزكاة في الحلي أو أحاديث، ولكن الأحاديث التي وردت بخصوص إيجاب الزكاة في الحلي قال عنها أهل القول الأول : إنها ضعيفة، وعلى كل حال من أراد أن يزكيه من باب الاحتياط وخروجًا من الخلاف، فهذا شيء طيب .
138- أنا أملك من الذهب ما قيمته ألف دينار أو ألفا دينار تقريبًا وأبيع فيه وأشتري فهل عليه زكاة ؟ وما مقدارها ؟ وهل أزكيه ذهبًا من جنسه أم أزكيه نقدًا ؟
إذا ملك المسلم نصابًا من الذهب فأكثر ومقدار النصاب من الذهب عشرون مثقالاً، وهي تعادل أحد عشر جنيهًا ونصف الجنيه من الجنيه السعودي، فإذا ملك المسلم هذا المقدار فأكثر فإنه يجب عليه فيه الزكاة بأن يخرج منه ربع العشر سواءً أخرجها من نفس الذهب أو أخرجها صرفًا من نقود أخرى بأن يخرج ما يقابلها من النقود الأخرى في صرفها، والله أعلم .
139- كم مقدار نصاب الذهب ؟ وكم أخرج منه ؟ فإني أملك بعض القطع الذهبية من الحلي، وقد مرت عليها سنة دون أن أخرج زكاتها علمًا بأنها ليست معي هنا في المملكة فهل أخرج عن السنة الماضية والحاضرة أم عن الحاضرة فقط ؟ وهل أخرجها الآن أم أنتظر حتى أصل إلى بلدي الذي هي فيه ؟(81/2)
نصاب الذهب عشرون مثقالاً، حليًّا كان أو غيره، وهي بالجنيه السعودي أحد عشر جنيهًا ونصف جنيه تقريبًا، وأما ما يجب في الذهب فهو ربع العشر، وتحرير عشرين المثقال بالغرام المعروف الآن اثنان وتسعون غرامًا ( 92 ) غرامًا، ويجب أن تخرج زكاته عن كل سنة مرت عليها، ويجوز أن تخرجها في بلدك أو في غيره وتدفعها للمستحقين .
140- سائل يسأل عن الزكاة في الأرض التي كانت تزرع بُرًّا وشعيرًا أو ذرة أصبحت الآن لا تزرع إلا من الخضراوات كالطماطم والفاصوليا والباميا وغيرها من أنواع الخضراوات فهل عليها زكاة ؟ وكذلك الحيوانات إذا بلغت نصابًا مثل الإبل والأغنام والبقر وأخذنا واحدة على النصاب وأعطيناها أحد المستحقين أو ذبحناها وفرقنا لحمها للفقراء أو أكلنا نحن منها أو نبيعها ونتصدق بقيمتها، فما حكم هذا العمل ؟
أولاً : أما الزكاة في الخضراوات مما ذكرت، فالصحيح من قولي العلماء أن الخضراوات ليس فيها زكاة في ذاتها، وإنما تكون الزكاة في قيمتها بعدما يحول عليها الحول عندكم، أما ما ذكرت من الإبل والبقر هذه تجب فيها الزكاة بشروط :
أولاً : أن تكون نصابًا فأكثر .
ثانيًا : أن يحول عليها الحول .
ثالثًا : أن تكون قد اتخذت للدر والنسل لا للعمل عليها .
رابعًا : أن تكون راعية الحول أو أكثره من الكلأ المباح، فإذا توافرت فيها هذه الشروط وجبت فيها الزكاة، وتخرج زكاتها إلى الفقراء والمساكين، ولا يجوز ذبحها وتوزيع لحمها، وإذا كان ولي الأمر أرسل جباة للزكاة فإنها تسلم إليهم فإن لم يكن هناك جباة، فالمسلم يخرجها ويصرفها للفقراء والمساكين ولا يذبحها ويوزع لحمها، وإن كانت هذه الإبل أو البقر لم تُعَدَّ للدّرّ والنّسل وإنما أعدت للتجارة، فإنه عند تمام الحول عليها يقومها بما تساوي عند تمام الحول ويخرج ربع عشر قيمتها المقدرة، وما باع منها، فإنه يزكي قيمته .(81/3)
141- بهيمة الأنعام في المزارع هل فيها زكاة ؟ وما نصاب الأوراق النقدية ( الريال السعودي ) ؟
بهيمة الأنعام التي ترعى كل السنة أو غالبها من الكلأ المباح وهي تراد للدر والنسل تجب فيها الزكاة كل سنة إذا بلغت النصاب المعتبر شرعًا، أما التي تعلف أكثر السنة فليس فيها زكاة إلا إذا كان القصد منها تسمينها للبيع للربح والتجارة فإنها تصبح عروض تجارة تجب الزكاة في قيمتها كسائر السلع التجارية بأن تُقَوَّم عند الحول بما تساوي ويدفع ربع العشر من قيمتها المقدرة .
ومقدار نصاب الأوراق النقدية السعودية هو ما يعادل صرف ستة وخمسين ريالاً سعوديًا من الفضة، والله أعلم .
142- اشتريت لي ولإخوتي عددًا من الإبل ومنذ شرائها وهي في حظيرة خاصة بها لا تخرج منها نحضر لها ما تأكل من شعير ونحوه، ومنذ مضي الحول الأول عليها أخرجنا زكاتها، وفي الحول الثاني قيل لنا : إنه ليس علينا زكاة مادامت تعطى طعامها عندها ولا ترعى بنفسها، فهل هذا صحيح ؟ وماذا يجب علينا مستقبلاً ؟
هذا مجمل فإن كان قصدكم من اقتناء هذه الإبل التجارة وتسمينها وبيعها طلبًا للربح فهذه فيها زكاة، أما إذا كان الغرض لاقتنائكم منها استنتاج هذه الإبل وطلب نسلها وشرب لبنها فهذه لا زكاة فيها ما دمتم تعلفونها أكثر الحول، إذا كانت تعلف أكثر الحول فلا زكاة فيها، وإذا كانت ترعى أكثر الحول فتكون فيها زكاة .
143- هناك مشروع لتربية الأبقار ذات الحليب التي تأكل العلف الذي يحضر لها ولا ترعى نفسها بالفلاة، فهل عليها زكاة أم أن الزكاة فقط فيما يحصل من الأرباح السنوية . . . وإذا كان عليها زكاة، فكم عددها ؟
الأبقار التي تتأكد في الإنتاج وينفق عليها وتعلف، ليس عليها زكاة في نفسها، إنما الزكاة تجب في السائمة وهي التي ترعى الحول أو أكثره من المباح .(81/4)
أما التي تعلف أكثر الحول فهذه لا زكاة في أصلها، ولكن إذا حصل من غلتها على مال يبلغ النصاب فأكثر فإنه يزكى لإخراج ربع العشر من غلتها . . أو إذا باعها وحال الحول على ثمنها فإنه يزكى لإخراج ربع العشر .
144- أنا سوداني أعمل في دولة قطر ولي بعض الأغنام في السودان، وقد مضى على وجودي بقطر أكثر من سنة فهل يجوز تأجيل الزكاة منها على ما بعد رجوعي إلى السودان، علمًا بأنني لم أزكها في السنة الماضية، وأنا موجود هنا في قطر وبعد رجوعي إلى السودان هل أنتظر حتى يحول عليها الحول الثاني وأزكي عن الحولين معًا أو أن أعجل الزكاة عن العام المنصرم ؟ أرشدونا جزاكم الله خيرًا ؟
لا شك أن الزكاة أحد أركان الإسلام يجب إخراجها عند تمام الحول مع التمكن من ذلك وإذا مثلاً تغيبت عن مالك كما ذكرت من أن مالك في السودان وأنت في قطر، فإنه ينبغي لك أن توكل من يقوم مقامك في إخراج الزكاة في وقتها، لأن في ذلك مبادرة في أداء الواجب، وضمانًا لأداء الحق الذي عليك خشية أن يعرض لك عارض من موت أو نسيان أو غير ذلك فيتأخر إخراج الواجب ويتعذر، أما ما ذكرت من أنك إذا ذهبت للسودان هل تؤخر إخراج العام الماضي إلى أن يأتي العام القادم وتخرجها جميعًا أو تعجل، فالمتعين أن تبادر بإخراج الزكاة عن العام الماضي ويجوز أن تعمل زكاة العام الذي لم يتم فتخرجها مع زكاة الحول الذي تم، والله تعالى أعلم .
145- سمعت من بعض الناس بأن الزكاة لا تجب على الغنم التي تشتري لها علفًا فهل الكلام صحيح ؟(81/5)
نعم إذا أعلفتها أكثر السنة فهذه ليس فيها زكاة؛ لأن الزكاة إنما تكون في السائمة، وهي التي ترعى من الكلأ، وهو العشب الحول أو أكثر الحول . أما التي تعلفها أكثر السنة أو كل السنة فليس فيها زكاة إلا إذا كانت عروض تجارة بأن تبيع وتشتري في الغنم أو تعلفها وتبيعها، فالزكاة تجب في قيمتها، وهي ربع العشر كسائر عروض التجارة إذا حال عليها الحول أو حال الحول على رأس مالها الذي اشتريت به . والله تعالى أعلم .
146- لديَّ مجموع من الأخوة والأخوات الأشقاء وكل واحد منهم لديه أسرة كبيرة، ولا يملك شيئًا يذكر لتغطية نفقات دراسة أولاده وأنا أحسن حالاً، والحمد لله، فهل يجوز لي أن أوزع زكاة مالي عليهم بشرط أن لا أخبرهم بأن هذا المال هو زكاة مالي دفعًا للحرج، وخوفًا أن يعلموا ذلك فلا يقبلوها ؟
دفع الزكاة لمثل هؤلاء جائز؛ لأنهم في حاجة إلى ذلك مادام أن دخلهم لا يكفيهم لحاجاتهم الضرورية، وأما من ناحية الإخبار عنها أنها زكاة أو غير زكاة هذا يتبع المصلحة فإذا كانت المصلحة بعدم إخبارهم فلا تخبرهم وإذا كانت المصلحة في إخبارهم فأخبرهم .
147- هل يجوز أن تصرف الزكاة في بناء المسجد أو المدارس أو المستشفيات للمسلمين مع وجود الفقراء أو عدمهم ؟
لا يجوز صرف الزكاة في المشاريع الخيرية؛ لأن الله سبحانه وتعالى ذكر مصارفها وحصرها فيها، قال سبحانه : { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [ سورة التوبة : آية 60 ] ، فلا يجوز صرف الزكاة في غير هذه المصارف الثمانية لا في القناطر ولا في المشاريع العامة ولا في المدارس ولا في المساجد ولا في غيرها من المشاريع الخيرية؛ لأن هذه المشاريع تمول من التبرعات ومن الأوقاف المخصصة لها .(81/6)
أما الزكاة فإنها تصرف في مصارفها الشرعية التي حددها الله سبحانه وتعالى، والمراد بقوله : { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } [ سورة التوبة : آية 60 ] المجاهدون الذين ليس لهم مرتبات من بيت المال فيعطون من الزكاة وليس المراد من سبيل الله عموم المشاريع؛ لأنه لو كان كذلك لم يكن لعطفه على بقية الأصناف فائدة إذ كل الأصناف تكون في سبيل الله، فالحاصل أنه لابد من صرفها في مصارفها المحددة، فمن صرفها في غير أحد هذه الثمانية فإنها لا تجزيه .
148- لي على أحد الأصدقاء دين وأنا بحاجة ماسة لهذا المبلغ، ولكن صديقي معسر . . فهل على هذا المبلغ زكاة ؟ ولو طالت هذه المدة لسنين، وهل أخرجها في كل سنة أم أجمعها مؤجلة إلى أن أقبضه منه ؟
الصحيح من أقوال أهل العلم في الدين إذا كان على مفلس . . أنه يزكيه إذا قبضه لسنة واحدة، أما السنوات الماضية وهو في ذمة المفلس ليس عليه زكاة، لأنه عرضة لعدم الحصول ولأن يذهب، فإذا قبضه وجب عليه أن يزكيه لعام واحد .
149- إذا كان لي على أناس دين هل يجوز أن أخرج زكاة هذا المال الذي لي لدى الآخرين ؟
إذا كان الدين على مليء وحال عليه الحول وهو يبلغ النصاب بنفسه أو بضمه إلى ما عندك فإنه تجب فيه الزكاة، وإن كان على مفلس ولا تضمن الحصول عليه فإنك تزكيه إذا قبضته عنه سنة واحدة فقط على الصحيح .
150- لدي مبلغ من المال وقدره أربعة آلاف دينار عراقي وقد مضى عليه سنة، فهل يجوز لي دفع الزكاة منه إلى طفل يتيم عندي أم أتصدق به على غيره من الفقراء ؟ وكم هو المبلغ الذي يجب عليَّ دفعه مقابل هذا المبلغ الذي هو أربعة آلاف دينار ؟
لا يجوز دفعك الزكاة إلى هذا اليتيم الذي عندك؛ لأنك قد قمت بكفالته وما يلزم له، فقد استغنى بذلك عن الزكاة، فعليك أن تدفعها إلى فقير آخر يحتاج إليها، أما قدر المبلغ الذي تدفعه زكاة عن هذا المال فهو ربع العشر، أي اثنان ونصف في المائة، والله أعلم .(81/7)
151- كيف يمكن إخراج زكاة المال عن مال مرّ عليه سنة وأنا أجمعه ولا أعرف ما أكمل السنة منه وما لم يكمل السنة ؟ وهل أخرج الزكاة أيًّا كان نوعها في بلدي أم في المملكة علمًا أنني أعمل في المملكة ولست منها ؟
هذا السؤال له شقان :
الشق الأول : يقول : عنده مال متجمع، وليس على حد سواء في وصوله إليه، ولا تعلم ما حال عليه الحول منه وما لم يحل عليه الحول، والجواب عن هذا أن نقول : إن كان عنده نصاب حال عليه الحول، وهذا النصاب أنتج أرباحًا في خلال السنة، فإن الربح يتبع الأصل ولو لم يحل عليه الحول فيزكي الجميع الأصل ( رأس المال ) ، والربح الذي در منه ولو لم يكن الربح قد حال عليه الحول؛ لأنه تبع لأصله، أما إذا كان هذا الوافد الجديد ليس ربحًا للمال التليد عندك كالموظف والعامل الذي يصل إليه من راتبه كل شهر ويتوفر لديه مجموعة وبعضها يكون حال عليه الحول وبعضها لا يكون حال عليه الحول فهذا في اعتبار الحول في كل نوع مما عنده مشقة فلو جعل شهرًا من السنة كشهر رمضان مثلاً موعدًا يخرج فيه زكاة ما تجمع عنده مما حال عليه الحول ومما لم يحل عليه الحول، فما حال عليه الحول فلا إشكال فيه، وما لم يحل عليه الحول فتعجيل الزكاة يجوز لغرض صحيح، فإنه بذلك يحل إشكاله وتبرأ ذمته إن شاء الله تعالى .(81/8)
أما الشق الثاني من السؤال : وهو محل إخراج الزكاة فإن الفقهاء نصوا على أن محل إخراج الزكاة هو البلد الذي فيه المال لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فترد على فقرائهم ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/108 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، فالبلد الذي فيه مالك تخرج زكاته في فقرائه ( في فقراء ذلك البلد ) ، ويجوز نقل الزكاة لغرض صحيح إلى بلد آخر قريب منه كما إذا لم يكن في البلد الذي فيه المال فقراء فيجوز نقلها إلى مكان آخر فيه فقراء، فأنت تراعي هذا إن كان البلد الذي فيه المال فيه فقراء ومستحقون فأخرج زكاة المال في بلد المال، وإن كان ليس في بلد المال فقراء ومستحقون فانقلها إلى أقرب البلاد إليه، والله تعالى أعلم .
152- توفي والدي في عام 1406هـ وكان له دين عند بعض الناس وقد حضر منه مبلغ وقدره 25 ألف ريال سعودي وهي طبعًا لنا – الورثة – ولكن هذه المبالغ لم تزك وإلى هذا التاريخ، لذا نرجو إفتاءنا كيف نزكيها عن هذه المدة التي لا تقل عن سبع سنوات وعلى من يكون الإثم في هذا التأخير ؟ هذا والله يحفظكم ويرعاكم .
إذا خلف الميت دراهم فإنه يجب على كل وارث له أن يزكي نصيبه منها إذا بلغ النصاب فأكثر وحال عليه الحول من حيث وفاته سواء قسمت أو لم تقسم وإذا مر عليها عدة سنوات وهي لم تزك فإنه يجب على كل وارث أن يخرج زكاة نصيبه عن تلك السنوات إذا كان نصيبه يبلغ النصاب فأكثر، والنصاب ما يعادل صرف ستة وخمسين ريالاً سعوديًا من الفضة، والله أعلم .
153- إذا كان بعض أو أحد أقاربي تاركين للصلاة وشاربين للخمر فهل يجوز لي أن أدفع إليهم الزكاة نظرًا لفقرهم وحاجتهم ؟(81/9)
الزكاة إنما تدفع لفقراء المسلمين ولا تدفع للكفار إلا إذا كانوا من المؤلفة قلوبهم والتارك للصلاة ليس بمسلم؛ لأنه إن تركها متعمدًا فكفره لا خلاف فيه، وإن كان تركها متهاونًا فهو أيضًا كافر على أصح قولي العلماء، فلا يصح دفع الزكاة إليه مادام تاركًا للصلاة متعمدًا؛ لأنه ليس بمسلم، والله تعالى أعلم .
154- إذا كان الرجل محتاجًا إلى الصدقة وهو لا يصلي فهل يجوز التصدق عليه ؟
الصدقة الواجبة من الزكاة وغيرها من الواجبات المالية كالكفارات والنذور، وصدقة الفطر لا تدفع إلى كافر إلا إذا كان من المؤلفة قلوبهم، أما صدقة التطوع والتبرعات فيجوز دفعها إلى غير مسلم إذا كان يترتب على هذا مصلحة ككونه قريبًا من الأقرباء أو غير ذلك لقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر : ( صلي أمك ) [ رواه الإمام البخاري ( 7/71 ) من حديث أسماء رضي الله عنها ] ، وكانت كافرة .
أما الزكاة والصدقات الواجبة فلا يجوز دفعها إلى الكافر إلا في حالة المؤلفة قلوبهم، لقوله صلى الله عليه وسلم في الزكاة : ( تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/108 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] يعني المسلمين .
155- هل يجوز دفع الزكاة لتارك الصلاة أو الفاسق ؟ ولو كان عنده زوجة صالحة ولها أطفال فما الحكم ؟
تارك الصلاة متعمدًا كافر لا تدفع إليه الزكاة؛ لأنه كافر إن تركها جاحدًا لوجوبها فهو كافر بإجماع المسلمين، وإن كان تركها مع إقراره بوجوبها لكن تركها تكاسلاً وتساهلاً وعدم اهتمام بشأنها فهذا كافر على الصحيح من قولي العلماء، فعلى كل حال مثل هذا لا تدفع إليه الزكاة .(81/10)
أما بالنسبة للفاسق وهو الذي يرتكب كبيرة من كبائر الذنوب دون الشرك ودون ترك الصلاة فهذا تدفع له الزكاة إذا كان فقيرًا مع مناصحته والأخذ على يده لعله بذلك يتعظ ويؤلف على التوبة وترك المعصية، خصوصًا إذا كان عنده عائلة وهو بحاجة إلى الإنفاق عليهم أو ينقصه شيء من الإنفاق عليهم .
156- قرأت في إحدى الصحف أن هناك أناسًا مستحقين للزكاة وذهبت بنفسي للتأكد ووجدت ذلك صحيحًا، فهل يحق لي إعطاؤهم الزكاة أم تعتبر صدقة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟
من المستحقين للزكاة : الفقراء وهم من لا يجدون شيئًا أو يجدون بعض الكفاية وهؤلاء يُعطون من الزكاة ما يكفيهم لسنتهم، وكذا المساكين وهم الذين يجدون غالب الكفاية وهؤلاء يُعطون من الزكاة ما يتمم كفايتهم لسنتهم، ويكون المعطى زكاة إذا نويته زكاة، فإن لم تنوه زكاة صار صدقة تطوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] ، والله أعلم .
157- هل يجوز إخراج الزكاة في البلد الذي أنا مقيم فيه مع وجود مساكين في بلدتي ؟
الأصل أن الزكاة تخرج في البلد الذي فيه المال، فإذا لم يكن في البلد الذي فيه المال فقراء مسلمون، فإنه ينقلها إلى أقرب البلاد إليها التي فيها فقراء من المسلمين هذا هو الأصل، والله أعلم .
158- أنا رجل أعمل في التجارة، وكل سنة في شهر رمضان المبارك أزكي ما عندي من مال، وعندي عمال يعملون معي براتب شهري، فهل يجوز لي أن أعطيهم زكاة مالي الذي أخرجه في كل سنة ؟ أم أسلمه إلى جباة الزكاة التابعين للحكومة وهم بدورهم يصرفونه في وجوهه ؟ علمًا بأن هؤلاء العمال من الناس المتدينين حسبما يتضح لي منهم، ومن المحتاجين إلى الزكاة، فهل يجوز أن أدفعها إليهم ؟ أو إذا بعثتها بواسطة شيك على أحد المصارف في بلادهم إلى أهلهم هل يصح ذلك أم لابد من إخراجها نقدًا ؟(81/11)
الزكاة أمرها عظيم وهي قرينة الصلاة في كتاب الله عز وجل، وهي الركن الثالث من أركان الإسلام، والله تعالى بيَّن مصارفها بنفسه وحددها، وذلك مما يدل على أهميتها ومكانتها في الإسلام .
أما ما سألت عنه من حكم دفعها إلى العمال الذين يعملون لديك وهم أهل طاعة كما ذكرت وأهل استقامة وهم فقراء أيضًا، فالجواب : أن الزكاة لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب، فما دام أن هؤلاء العمال عندهم قدرة على الاكتساب وكسبهم يكفيهم فلا يجوز دفع الزكاة إليهم؛ لأن قدرتهم على الاكتساب وتحصيلهم ما يكفيهم باكتسابهم يسد حاجتهم إلى الزكاة، فلا حظ في الزكاة لغني ولا لقوي مكتسب، أما إذا كان اكتسابهم لا يكفيهم بل تلحقهم حاجة فلا بأس بدفع الزكاة إليهم .
أما ما أشرت إليه من قطع شيك بمبلغ الزكاة إلى أحد المصارف ليسلمها للمستحق فلا مانع من ذلك .
ولكن لا يجوز أن تجعل ما تعطيهم من الزكاة في مقابل حق يجب لهم عليك أو في مقابل عمل يؤدونه لك .
159- أنا أعمل مديرًا لمحلات أحد التجار وعادته في إخراج الزكاة أن يكون في شهر رمضان، ولكنه كثيرًا ما يكون غائبًا عن البلد فيترك الزكاة عندي مع كشف أسماء من يريد دفع الزكاة إليهم، ويقول لي : إن جاءك أحد من هؤلاء المسجلة أسماؤهم فادفع إليه ما خصصته له، وإن لم يأت فلا تعط أحدًا غيرهم، والذي يحدث أن بعض أولئك لا يحضرون مما جعل كثيرًا من النقود المخصصة للزكاة تبقى مكنوزة، فما الحكم في هذا العمل ؟ وهل يجوز أن يحدد الإنسان أشخاصًا سيدفع إليهم الزكاة، أم يتركها لمستحقيها بدون تعيين أسماء ؟
أنت مؤتمن يجب عليك أن تنفذ ما قاله لك صاحب الزكاة، فتبقي الزكاة عندك، وإذا جاءك مستحقها الذي عين في الكشف الموجود لديك فادفع إليه حقه، ومن لم يأت فإنك تحتفظ بحقه وتسلمه لصاحب المال، وهو الذي يتصرف فيه إن شاء انتظر به صاحبه المستحق، وإن شاء صرفه إلى غيره من المستحقين .(81/12)
160- أنا شاب متزوج وليس لي أي دخل مادي سوى ما أتقاضاه من الجامعة التي أدرس فيها حيث لا تكفي إلا لسد حاجاتي الضرورية ولا يبقى منها شيء، لكن لدي بعض الذهب والمجوهرات الخاصة بزوجتي فهل تجب عليَّ الزكاة سواء على مالي أو مجوهرات زوجتي ؟
لا تجب عليك الزكاة إلا إذا كان عندك دراهم تبلغ النصاب فأكثر وحال عليها الحول فإنك تخرج منها ربع العشر زكاة، وأما حلي زوجتك فإذا كانت أعدته للاستعمال ففي وجوب الزكاة فيه خلاف بين العلماء، والذين يرون فيه الزكاة يقولون : تجب على مالكة الحلي وهي الزوجة، أما زوجها فلا يجب عليه شيء، وإن دفع الزكاة عنها من باب التبرع فلا بأس بعد إذنها بذلك .
161- أنا مقيم في هذا البلد للعمل، فهل يجوز لي إخراج زكاة الفطر هنا أم في بلدي الذي قدمت منه ؟
يشرع إخراج صدقة الفطر في البلد الذي ينتهي شهر رمضان وأنت فيه؛ لأنها تابعة للبلد فحيث وجد المسلم في بلد وحان انتهاء شهر رمضان فإنه يخرج زكاة الفطر عن نفسه في فقراء ذلك البلد . . وإن وَكَّل من يخرجها عنه في بلده أجزأه ذلك، لكنه خلاف الأولى – والله أعلم – وإذا كنت في بلد ليس فيه مسلمون، أو فيه مسلمون لكنهم لا يستحقون صدقة الفطر لأنهم أغنياء، فإنها تخرج في أقرب بلد فيه فقراء من المسلمين .
162- ما الحكم في إخراج الزكاة أو قيمتها مع أنني لا أجد ولا أعرف مستحقًّا لها ؟
إذا كان عندك مال تجب فيه الزكاة ولا تعرف مستحقًّا لكونك في بلد من غربة ولا تعرف المستحقين فعليك أن توكل من إخوانك من أهل البلد من تثق به من يخرجها على المستحقين، وإذا كنت لا تعرف أحدًا ولا تستطيع أن توكل فتنقلها من البلد الذي لا تعرف فيه مستحقًّا إلى بلد آخر تعرف فيه من يستحق الزكاة وتدفعها إليه؛ لأن هذا منتهى استطاعتك .
163- كثر الجدل مؤخرًا بين علماء بعض الدول الأخرى حول المشروع في زكاة الفطر، وإمكانية إخراج القيمة، فما رأي فضيلتكم ؟(81/13)
المشروع في زكاة الفطر أن تؤدى على الوجه المشروع الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، بأن يدفع المسلم صاعًا من قوت البلد وتُعطى للفقير في وقتها، أما إخراج القيمة فإنه لا يجزئ في زكاة الفطر؛ لأنه خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم وما عمل به صحابته الكرام من إخراج الطعام، ولم يكونوا يخرجون القيمة وهم أعلم منا بما يجوز وما لا يجوز، والعلماء الذين قالوا بإخراج القيمة قالوا ذلك عن اجتهاد، والاجتهاد إذا خالف النص فلا اعتبار به .
قيل للإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله- : قوم يقولون : عمر بن عبد العزيز كان يأخذ القيمة في الفطرة ؟ قال : يَدَعون قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقولون : قال فلان، وقد قال ابن عمر : فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر صاعًا . . . (1) انتهى .
164- يقول بعض الدعاة : إن التصدق للبوسنة أفضل من الاعتمار في رمضان، ما رأي فضيلتكم ؟
نعم الصدقة في وقت الحاجة وشدة المجاعة أفضل من عمرة التطوع، لأن نفع العمرة قاصر على صاحبها، والصدقة على المحاويج والجياع يتعدى نفعها، وما كان نفعه متعدّيًا أفضل مما كان نفعه قاصرًا، وهذا عام في فقراء المسلمين في البوسنة وغيرها، ولكن الفقراء الذين في البلد أحق من الذين في الخارج . والله أعلم .(81/14)
4- كتاب الصيام
165- أصوم أحيانًا بدون عقد النية عند بدء الصيام فهل النية شرط في الصيام كل يوم ؟ أو يكفي في أول الشهر ؟
الصيام وغيره من الأعمال لابد أن تكون عن نية، قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/2 ) من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ] ، وفي رواية : ( لا عمل إلا بالنية ) (2) .
فصوم رمضان تجب له النية من الليل بأن ينوي قبل طلوع الفجر صيام ذلك اليوم، وقيام المسلم من النوم آخر الليل وتسحره يدل على وجود النية فليس المطلوب أن يتلفظ الإنسان ويقول : نويت الصوم، فهذا بدعة لا تجوز، والنية في رمضان كل يوم بمفرده؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة تحتاج إلى نية فينوي الصيام بقلبه لكل يوم من الليل، ولو كان قد نوى من الليل ثم نام ولم يستيقظ إلا بعد طلوع الفجر فصيامه صحيح لوجود النية من الليل .
166- شخص في أول ليلة من رمضان نام قبل أن يعلم أن غدًا هو أول الصيام، فلما قام لصلاة الفجر سأل أحد المصلين، فإذا هو الآخر ليس لديه علم، فواصل ذلك ولم يأكل شيئًا، ولما ذهب إلى العمل وجد الناس صائمين، وعلم بعد ذلك بالصيام وعلى ذلك واصل صيامه حتى المساء، فهل صيامه صحيح في ذلك اليوم أم أن عليه قضاء ؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا ؟(82/1)
من لم يعلم بدخول شهر رمضان إلا في أثناء النهار فإنه يجب عليه الإمساك في بقية اليوم ويقضي هذا اليوم؛ لأنه لم ينو الصيام من الليل، وقد جاء في الأحاديث أنه (لا صيام لمن لم يجمع النية من الليل) [ رواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 1/288 ) من حديث عبد الله بن عمر موقوفًا، ورواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 6/287 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 2/341، 342 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 4/196، 197 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/542 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/12 ) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 4/202، 203 ) ، ورواه ابن خزيمة في " صحيحه " ( 3/212 ) ، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 2/292 ) ، ورواه ابن حزم في " المحلى " ( 6/162 ) ، ورواه الخطيب البغدادي ( 3/92، 93 ) ، وذكره الزيلعي في " نصب الراية " ( 2/433-435 ) ، كلهم من حديث حفصة رضي الله عنها بنحوه ] أي : في صيام الفرض . وهذا فاته جزء من النهار لم ينو فيه الصوم .
167- البعض يقول : إن على المسلم أن يتحول إلى زاهد في رمضان فيجتنب كل الملذات من الأكل والشرب والجماع وغيرها حتى يخرج رمضان فهل هذا العمل مشروع ؟(82/2)
يقول الله تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] ، ففي هذه الآية الكريمة أباح الله للصائم في ليل الصيام كل ما يمنع منه في النهار من الطعام والشراب وسائر المباحات والاستعانة بذلك على طاعة الله سبحانه وتعالى .
وترك المباح وحرمان النفس منه تعبدًا يعتبر من الغلو سواء في رمضان أو في غيره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إنني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، ومن يرغب عن ملتي فليس مني ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/116 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] ، وهذا هديه صلى الله عليه وسلم في رمضان وغيره، وليس الزهد هو ترك ما أباح الله .
168- هناك من ينهى عن كثرة النوم في رمضان، ويقول : إن على المسلم أن يكون في عمل ويقظة ولا ينبغي له كثرة النوم، ما رأي فضيلتكم ؟
نعم ينهى عن الإكثار من النوم في هذا الشهر أعني النوم في النهار، لأنه يكسل عن الطاعة، وربما يفوت صلاة الجماعة أو يسبب إخراج الصلاة عن وقتها، والمطلوب من المسلم النشاط في الطاعة، ويكون النوم بالليل، ولا سيما من أوله لينشط في النهار على أداء العلم والمشاركة في الطاعات .
169- البعض يقيم ولائم وعزائم في رمضان ويجعله شهر مناسبات، والبعض الآخر يذبح ذبائح ويوزعها صدقات وغير ذلك من الاهتمامات بالأكل، ما حكم ذلك ؟(82/3)
نعم لإطعام الطعام في شهر رمضان مزيد من الفضيلة نظرًا لشرف الزمان، ولحاجة الصوام إلى الطعام، وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( من فطر صائمًا فله مثل أجره ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/114 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/149 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/555 ) ، كلهم من حديث زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه ] فإعداد الطعام في هذا الشهر للمحتاجين من أفضل الأعمال لأن الصدقة فيه مضاعفة أكثر من غيره .
170- أثناء قيادة بعض الناس لسياراتهم وهم صائمون في رمضان، ومع اشتداد الازدحام يتلفظون بألفاظ نابية تصل إلى حد السباب والشتيمة لغيرهم، فما حكم صيام هؤلاء ؟
أما الصيام فهو صحيح، وذلك لأن الأقوال المحرمة والأفعال المحرَّمة لا تبطل الصوم ولكنها لا شك تنقصه وتضيع فائدته وثمرته، فإن المقصود من الصوم تقوى الله عز وجل كما قال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ } [ سورة البقرة : آية 183 ] ، فبيَّن الله الحكمة من فرض الصيام علينا وهي حصول تقوى الله عز وجل، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعام وشرابه ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/228 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، بل أمر النبي صلى الله عليه وسلم الصائم إذا شاتمه أحد أو قاتله أن يقول : ( إني امرؤ صائم ) حتى يرتدع الساب والشاتم، وحتى يعلم أن هذا الصائم لم يترك الرد عليه عجزًا عنه ولكن ورعًا وتقوى لله عز وجل لأنه صائم، والواجب على الصائم وغيره الصبر والتحمُّل وألا تثيره الأمور المخالفة لما تشتهيه نفسه .(82/4)
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ( أن رجلاً قال : يا رسول الله أوصني، قال : " لا تغضب " ، فردد مرارًا قال : " لا تغضب " ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 7/99، 100 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وما أكثر من يندم على ما يصدر منه عند الغضب ويتمنى أنه لم يكن قال أو فعل شيئًا كان بسبب غضبه، ولكن الشيء بعد نفوذه لا يمكن استرداده .
171- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ما زالت أمتي بخير ما عجلوا الفطور وأخروا السحور ) [ عند البخاري في " صحيحه " ( 2/241 ) بلفظ : " لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر " ، من حديث سهل بن سعد رضي الله عنه ] الحديث . وأنا أفطر على أول مؤذن في حَيِّنَا، وأمسك عن الأكل والشرب على آخر مؤذن يؤذن في حَيِّنَا . فهل أنا محق في ذلك وعلى صواب . أفيدوني وجزاكم الله خيرًا ؟
تعجيل الإفطار إذا تحقق غروب الشمس، وتأخير السحور إلى ما قبل أن يتحقق طلوع الفجر سنة، وأذان المؤذن لا يعتمد عليه في ذلك إلا إذا تقيد بالتوقيت الصحيح لغروب الشمس وطلوع الفجر، وإلا فإن الاعتماد عليهما لقوله صلى الله عليه وسلم : ( إن بلالاً يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/153 ) ، من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] وكان رجلاً أعمى لا يؤذن حتى يقال له : أصبحت أصبحت .
172- لقد سمعت من بعض الزملاء في المكتب أنهم يتسحرون عند الساعة الواحدة بعد منتصف الليل ثم ينامون بنية الصيام حتى الساعة التاسعة صباحًا، ثم يصلون الفجر عند هذا الوقت ثم ينطلقون إلى أعمالهم . ما حكم هذا العمل ؟
هذا العمل غير جائز من عدة وجوه :
أولاً : أن فيه مخالفة للسنة في تقديم السحور على وقته، لأن تأخير السحور إلى قبيل طلوع الفجر هو السنة .(82/5)
ثانيًا : أن فيه النوم عن صلاة الفجر في وقتها ومع الجماعة ففيه ترك واجبين عظيمين : تأخير الصلاة عن وقتها وهو إضاعة لها وعليه وعيد شديد، وترك صلاة الجماعة وهو محرم وإثم، فالواجب التوبة إلى الله من هذا الفعل وتأخير السحور إلى وقته وأداء الصلاة في وقتها ومع جماعة المسلمين . والله الموفق .
والواجب الاهتمام بالصلاة أولاً لأنها هي عمود الإسلام، والركن الثاني من أركان الإسلام فهي آكد من الصيام، بل لا يصح الصيام ولا غيره من الأعمال إلا بعد أداء الصلاة على الوجه المشروع .
173- كثير من الإخوة يسألون هذا السؤال ألا وهو تناول إبر الدواء في الوريد أو العضل أو سحب الدم هل هذا يفطر أم لا ؟
يجب على المسلم أن يحافظ على صيامه وأن يبتعد عن الأشياء المشتبهة، وإذا احتاج إلى علاج أو تعاطي شيء من الإبر فليكن هذا في الليل فإذا اضطر إلى العلاج في النهار بأن كان مريضًا ويحتاج إلى العلاج وترك العلاج يضاعف عليه المرض أو يؤخر البرء أو تشتد عليه وطأة المرض فهذا يتعالج ويقضي هذا اليوم سواء تعالج بحبوب أو بإبرة في الوريد أو بغيرها، فالإبرة إذا كانت مغذية فإنها تفسد الصيام لأنها تقوم مقام الطعام، وإذا كانت الإبرة غير مغذية ولكنها تحقن بالوريد فهذه أيضًا مفطرة على الراجح لأنها تختلط بالدم وتسير في البدن ويحصل للبدن منها تأثر وتنشيط وتنفذ إلى الجوف، وقد نص الفقهاء على أن الصائم إذا تعمد إدخال شيء إلى جوفه يفطر، أما إذا كانت الإبرة في العضل وليست في الوريد فهذه لعلها لا تفطر وعلى المسلم أن يحتاط لدينه فالإبر إذن على ثلاثة أصناف :
الصنف الأول : إبر مغذية وهذه تفطر لأنها تقوم مقام الطعام والشراب من غير إشكال .
الصنف الثاني : إبر ليست مغذية تؤخذ عن طريق الوريد، الذي أعتقده أنها تفطر لأنها تختلط بالدم وتسير في البدن وتدخل في العروق .(82/6)
والصنف الثالث : إبر غير مغذية ولا تؤخذ عن طريق الوريد وإنما تؤخذ عن طريق العضل فهذه الأحوط للإنسان أن يتركها إلى الليل وإن أخذها فلا أرى أنه يفسد صومه .
أما بالنسبة لسحب الدم فإذا كان الدم يسيرًا كالذي يؤخذ للتحليل فهذا لا يؤثر على صيامه . أما إذا كان الدم كثيرًا بأن سحب منه دم كثير لإسعاف مريض مثلاً أو لبنك الدم أو التبرع به فهذا يفطر ويفسد الصوم لأنه كالحجامة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/364 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ( وفي مواضع أخرى عن جمع من الصحابة رضي الله عنهم ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/118 ) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] لما رأى رجلاً يحتجم وهو صائم فالحجامة تفطر على الصحيح من قولي العلماء بنص الحديث، ومثلها سحب الدم إذا كان كثيرًا لأنه بمعنى الحجامة، والله أعلم .
174- تطيبت قبل صلاة الظهر في رمضان فلما حضرت إلى المسجد متعطرًا نهرني الإمام وقال : إنه فسد صيامك وأنك قد تفسد صيام كل من يشم هذه الرائحة لأنها نفاذة – أي قوية جدًا – ما مدى صحة هذا الكلام ؟
لا بأس بالتطيب في حالة الصيام ولا يؤثر على الصيام إلا إذا كان الطيب بخورًا وشمه متعمدًا، لأن دخان البخور يدخل في الأنف وينشط الدماغ فيؤثر على الصيام، أما العطورات فلا بأس على الصائم في استعمالها، ولا يجوز لهذا الإمام أن يفتي بغير علم .
175- هناك بعض الأطياب ذات رائحة أيضًا قد تصل إلى أعماق الأنف مثلاً أو على الحلق هل يفطر الصائم ؟
الطيب السائل لا يؤثر على الصيام فيجوز للصائم أن يتطيب في بدنه وفي ثوبه، أما الطيب المسحوق الذي يتطاير إلى الأنف كالمسك أو البخور ( العود ) فهذا لا يتعمد شمه بل عليه أن يبعده عن أنفه وعن حلقه فإن تعمد شمه وطار إلى أنفه ودماغه فقد عدَّه كثير من العلماء من المفطرات .(82/7)
176- ما الحكم بالنسبة للقطرات التي تستخدم في العين أو في الأذن ويشعر مستعملها أنها تصل إلى حلقه ؟
نص الفقهاء رحمهم الله على أنه إذا دخل إلى جوفه شيء عن طريق الأنف أو عن أي طريق وصل إلى جوفه غير إحليله أو إلى حلقه أنه يفطر بذلك والقطرة في العين والسعوط في الأنف والبخاخ الذي يؤخذ في الحلق أو في الأنف هذه أيضًا تصل إلى الحلق وتذهب إلى المعدة فيحصل بها الإفطار على ما ذكره الفقهاء، وعلى المسلم الاحتياط لدينه وترك ما فيه ريبة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( دع ما يريبك إلى ما لا يُريبُك ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 1/200 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/205 ) كلاهما من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما، ورواه النسائي في " سننه " ( 8/ 230، 231 ) بنحوه من حديث عبد الله رضي الله عنه ] .
177- إذا اكتحل الصائم أو تعطر أو اغتسل بصابون له رائحة فهل يؤثر هذا على صومه ؟ ويعتبر مفطرًا ؟ وإن كان صيامه ذلك في واجب فهل عليه القضاء لهذا السبب علمًا أنه فعل ذلك جاهلاً ؟
قضية التطيب للصائم أو الاغتسال بالصابون المطيب لا حرج عليه في ذلك، يباح للصائم أن يتطيب وأن يغتسل بالصابون المطيب لأن الصائم ليس ممنوعًا من الطيب وإنما هذا في حق المحرم، أما الصائم فليس ممنوعًا من التطيب إلا أنه لا يتعمد شم البخور والدخان، أما الطيب السائل فهذا لا بأس أن يتطيب الإنسان به وهو صائم، أما قضية الاكتحال للعينين للصائم فلا ينبغي لأن طائفة من أهل العلم يعدونه من المفطرات، إذا وصل الكحل أو طعم الكحل إلى حلقه فلا ينبغي للصائم أن يكتحل وهو صائم وليؤجل هذا لليل احتياطًا لصيامه .
178- الاغتسال بالصابون أو المضمضة به ؟(82/8)
كل هذا قلنا لا بأس أن يغتسل الإنسان بالصابون، وأما المضمضة به فلا ينبغي، لأنه ربما يتسرب إلى حلقه شيء من الصابون أو طعم الصابون المتحلل مع الماء فلا ينبغي أن يدخل الصابون إلى فمه وهو صائم، أما استعمال الصابون في بقية جسمه في رأسه وفي بقية جسمه والتنظف به هذا لا حرج فيه للصائم .
179- وهل يقال لمن فعل مثل هذا : عليه القضاء ؟
على كل حال هذا ليس عليه القضاء .
180- بعد صلاة الفجر في رمضان يحصل له ما يشبه التقيؤ بخروج بعض الماء أو الطعام إلى فمه فيقوم باسترجاعه إلى بطنه فيقول : هل هذا يؤثر في الصيام أم لا ؟
التقيؤ فيه تفصيل : إذا كان التقيؤ يخرج بدون اختيار الإنسان وبدون إرادته يقذف ويخرج من معدته عن طريق الفم فهذا لا يؤثر على صيامه لأنه بغير اختياره، أما إذا كان استدعاه هو وتسبب في خروجه حتى قاء فإنه يفطر بذلك، وما ورد في السؤال من أن السائل يغلبه القيء ويخرج إلى فمه ولكنه يسترجعه ويبتلعه فهذا لا يجوز له، بل يجب عليه أن يقذفه ويخرجه من فمه وإذا ابتلعه متعمدًا فإنه يفسد صومه، لأن الفم في حكم الظاهر فإذا وصل إليه شيء ثم استرجعه وبلعه فإنه بذلك كمن أكل أو شرب، فيكون قد أفطر بهذا الصنيع ويجب عليه قضاء ذلك اليوم .
181- لقد ارتكبت إثمًا في نهار رمضان وهو العادة السرية وذلك خوفًا من الوقوع في ذنب أكبر منه، فماذا عليَّ أن أفعل أفيدونا أفادكم الله ؟(82/9)
يجب على المسلم أن يحفظ صومه مما يفسده، لأن صوم شهر رمضان هو أحد أركان الإسلام وقد قال الله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ } [ سورة البقرة : آية 185 ] وقد أباح الله مباشرة الزوجة والأكل والشرب في ليل الصيام إلى طلوع الفجر الثاني قال تعالى : { أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَآئِكُمْ } ، إلى قوله تعالى : { فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُواْ مَا كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَكُلُواْ وَاشْرَبُواْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّواْ الصِّيَامَ إِلَى الَّليْلِ } [ سورة البقرة : آية 187 ] .
والاستمناء باليد المسمى بالعادة السرية لا يجوز مطلقًا لا في وقت الصيام ولا في وقت الإفطار لأنه استمتاع بغير ما أباح الله الاستمتاع به من الزوجة وملك اليمين، قال الله تعالى : { وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ . فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ } [ سورة المؤمنون : الآيات 5-7 ] ، والاستمناء باليد مما وراء ذلك فهو عدوان محرم، ومن فعله وهو صائم في رمضان فإنه مع كونه فعل محرمًا وأثِمَ فإنه مع ذلك يفسد صومه، فيجب عليه التوبة من ذلك والاستغفار مما فعل وعليه قضاء ذلك اليوم الذي مارس فيه تلك العادة السيئة، وإن كان هذا الفعل وقع في رمضان سابق قبل رمضان تلك السنة فعليه مع القضاء إطعام مسكين نصف صاع من الطعام كفارة عن تأخير القضاء .
وقول السائل : إنه فعل ذلك خوفًا من الوقوع في ذنب أكبر من ذلك هو اعتراف منه بأن الاستمناء باليد ( العادة السرية ) ذنب ومحرم فهو ليس جاهلاً بالحكم، وخوفه لا يبرر له ذلك، ولكن عليه أن يتجنب الذنوب كلها، ويحافظ على صيامه .(82/10)
182- إذا بلغت الفتاة قبل حلول شهر رمضان ولكنها لم تصم رمضان في تلك السنة التي بلغت فيها لجهلها بوجوب الصيام عليها، فماذا عليها أن تفعل ؟ وهل حكمها في هذا حكم من أفطر عامدًا متعمدًا دون عذر ؟
عليها أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وأن تقضي الصيام الذي تركته بعدد الأيام وأن تطعم عن كل يوم مسكينًا إذا كان أتى عليها رمضان آخر ولم تصم تلك الأيام فيلزمها ثلاثة أشياء :
أولاً : التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، والندم على هذا الشيء والعزم على أن لا تعود إليه، والإقلاع عن هذا الذنب .
والشيء الثاني : تقضي هذه الأيام التي تركتها .
والشيء الثالث : إذا كان أتى عليها رمضان آخر فأكثر وهي لم تقض فإنها تطعم عن كل يوم مسكينًا مع القضاء عن التأخير، ومقدار الإطعام أن تدفع عن كل يوم نصف الصاع وهو كيلو ونصف من الطعام للفقراء .
183- إذا كانت المرأة حائضًا في رمضان أو في آخر فترة نفاس وطهرت من ذلك بعد الفجر من أحد أيام رمضان فهل عليها أن تكمل صيام ذلك اليوم أم لا ؟ وماذا عليها أن تفعل لو اغتسلت وبدأت في الصيام ثم ظهر شيء من ذلك بعد انتهاء المدة المعتادة لكل من الحيض والنفاس هل تقطع صيامها أم لا يؤثر ذلك عليه ؟
أما بالنسبة للنقطة الأولى من السؤال وهي ما إذا طهرت الحائض في أثناء النهار أو النفساء طهرت في أثناء النهار فإنها تغتسل وتصلي وتصوم بقية يومها، ثم تقضي هذا اليوم في فترة أخرى هذا الذي يلزمها .
وأما النقطة الثانية وهي إذا انقطع دمها من الحيض ثم اغتسلت ثم رأت بعد ذلك شيئًا فإنها لا تلتفت إليه لقول أم عطية رضي الله عنها : ( كنا لا نعد الكدرة والصفرة بعد الطهر شيئًا ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/81 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 1/186، 187 ) بدون ذكر ( بعد الطهر ) . عند النسائي، كلاهما من حديث أم عطية رضي الله عنها ] ، فلا تلتفت إلى ذلك .(82/11)
أما بالنسبة للنفساء فإذا كانت انقطع دمها قبل الأربعين ثم اغتسلت ثم عاد إليها شيء فإنها تعتبر نفساء، وهذا الذي عاد يعتبر من النفاس لا يصح معه صوم ولا صلاة مادام موجودًا؛ لأنه عاد في فترة النفاس، أما إذا كانت تكاملت الأربعين واغتسلت ثم عاد إليها شيء بعد الأربعين فإنها لا تلتفت إليه إلا إذا صادف أيام عادتها قبل النفاس فإنه يكون حيضًا .
الحاصل أن هذا لابد فيه من تفصيل إذا أكملت عادة الحائض واغتسلت ثم رأت شيئًا بعد ذلك لا تلتفت إليه، وإذا كانت عادتها لم تكمل رأت طهرًا في أثناء العادة واغتسلت ثم عاد إليها الدم فإنها تعتبر حيضًا؛ لأنه جاءها في أثناء العادة، وكذلك النفساء إذا كان عاد إليها في فترة الأربعين فإنه يعتبر نفاسًا، وإن كان عاد إليها بعد تمام الأربعين فإنها لا تعتبره شيئًا إلا إذا صادف أيام حيضها قبل النفاس وقبل الحمل .
184- لي والدة أنجبت طفلة قبل رمضان بسبعة أشهر ولم تصم رمضان، ليس خوفًا على طفلها بل كان بها مرض وخافت على نفسها، وصامت الأعوام التي بعد هذا الشهر إلى أن بلغت سبعة أعوام، وبعد ذلك صامت هذا الشهر فهل قضاؤها هذا صحيح وهل عليها شيء غير القضاء ؟
نعم قضاؤها صحيح ولكن لتأخيرها هذه الأيام إلى أن جاء رمضانات وقضت بعدها فإنه يجب عليها أن تطعم عن كل يوم مسكينًا إضافة إلى القضاء كفارة للتأخير الذي أخرته من غير عذر، أما إذا كانت أخرت إلى هذه المدة لعذر فإنه يكفيها القضاء لأنها معذورة في التأخير .
185- ما تفسير هذه الآية قال تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ؟(82/12)
لما أوجب الله عز وجل الصيام بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ . أَيَّامًا مَّعْدُودَاتٍ } [ سورة البقرة : آية 183، 184 ] ، قال : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ، معنى الآية الكريمة : أن الله رخص للمسافر والمريض أن يفطرا في حالة السفر وفي حالة المرض وأن يقضيا ما أفطراه من أيام أخر، وهذا من تيسير الله سبحانه وتعالى على عباده؛ لأن السفر والمرض مظنة المشقة، والله جل وعلا يريد اليسر بعباده، ولهذا قال تعالى : { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] .
186- رسالة من امرأة مرضت مع دخول شهر رمضان ولم تتمكن من صيامه وبقيت تتناول أدوية وعلاجات ضرورية إلى أن جاء رمضان آخر، فماذا تفعل مقابل صيام رمضان الأول هل تقضيه بعد صيامها لرمضان الحالي أو تكفر عنه ؟
هذه التي استمر بها المرض والتداوي حتى دخل عليها رمضان وعليها أيام من رمضان الذي قبله، ليس عليها إلا أن تقضي الأيام التي أفطرتها بعد أن ينتهي صيام رمضان الحاضر، وليس عليها إطعام لأنها معذورة بتأخير القضاء إلى ما بعد رمضان آخر حيث لم يأت عليها فترة تستطيع في خلالها أن تقضي ما عليها من الأيام .
187- وماذا لو حل رمضان القادم ولم تقدر أيضًا على صيامه يكون عليها شهران ؟
إذا حل عليها رمضان آخر والعذر مستمر فإنها تستمر في الإفطار، فإذا زال عنها المرض واستطاعت أن تصوم فإنها تقضي ما عليها من رمضان السابق ثم بعده ما عليها من رمضان اللاحق بالترتيب، وليس عليها غير القضاء مادامت أنها لم تؤخر وهي تستطيع قضاء الصيام .(82/13)
188- مرضت زوجتي في رمضان الماضي بعد أن صامت اثنين وعشرين يومًا وبقي عليها ثمانية أيام، وقد اشتد عليها المرض ولم تستطع إكمالها وتوفيت بعد رمضان بأيام قليلة أفيدونا ماذا نعمل في الأيام المتبقية عليها، ولكم جزيل الشكر ؟
هذه المرأة التي مرضت في شهر رمضان وتركت الصيام لأجل المرض واستمر بها المرض على أن توفيت ليس عليها شيء فيما تركت من صيام لأنها لم تفرط ولم تترك القضاء تفريطًا، وإنما المرض حال بينها وبين الصيام والقضاء فلا شيء عليها في ذلك لقوله تعالى : { لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا } [ سورة البقرة : آية 286 ] .
189- التي تصوم قضاء وتتصدق عن كل يوم إطعام مسكين فهل معنى هذا أنها كل يوم تصوم فيه تتصدق أم يمكن لها أن تجمع الصدقة مرة واحدة وتعطيها مسكينًا واحدًا ؟
إذا وجب الإطعام على من عليه أيام من رمضان فإنه يجوز له أن يخرج عن كل يوم بيومه، ويجوز له أن يجمعها ويدفعها إلى المساكين دفعة واحدة لا حرج في ذلك، وله أن يدفعها إلى عدة مساكين أو إلى مسكين واحد إذا كان يحتاجها .
190- توفيت أخت لي تبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة وقد أفطرت في رمضان بعذر ثم صامت ولكنها لم تكمل صيام الأيام التي أفطرتها حيث وافتها المنية قبل إتمامها، وقد صمت عنها ثلاثة أيام مع العلم أنني لم أعلم عدد الأيام التي أفطرتها وكم الأيام التي صامتها، فما رأيكم لو نقصت هذه الأيام التي صمتها عنها أو زادت، ولو نقصت فكيف أفعل وهل صيامي عنها صحيح أخبرونا جزاكم الله خيرًا ؟(82/14)
إذا كانت أختك أفطرت أيامًا من رمضان بعذر المرض ولم تتمكن من قضائها حتى ماتت فلا شيء عليها، أما إذا كانت قد تمكنت من القضاء وتساهلت فيه حتى جاء رمضان الآخر وماتت قبل قضائها فهذه يكون عليها القضاء واجبًا في ذمتها، وإذا صمت عنها فإن ذلك يبرئ ذمتها عند بعض العلماء، والبعض الآخر يرى أن الواجب الإطعام عن كل يوم مسكينًا، فمن العلماء من يرى أنه لا يصام عن الميت إلا النذر، ومنهم من يرى أنه يصام عنه الواجب عليه بأصل الشرع أيضًا، وعلى كل حال مادمت قد صمت عنها فإنه يرجى إن شاء الله أن ينفعها الله بذلك .
وإذا كنت لا تعرف العدد فإنك تقدره وتحتاط .
191- أفطرت عدة أيام في رمضان وحينما أردت قضاءها صمت يومين ثم جاء اليوم الثالث بأول شهر رجب وقد كنت نويت أن أصوم الأول من رجب فهل أستطيع اعتبار هذا اليوم صيام نافلة عن نيتي لصيام أول رجب وقضاء في الوقت نفسه ليوم رمضان ؟
أولاً : صوم أول يوم من رجب بدعة ليس من الشريعة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في خصوص رجب صيام، فصيام أول يوم من رجب واعتقاد أنه سنة هذا خطأ وبدعة .
ثانيًا : كونها صامَتْه وهي مترددة بين كونه لسنة رجب التي زعمتها أو عن فرض رمضان فهذا لا يجزيها لابد أن تقضي يومًا عن اليوم الذي أفطرته من رمضان؛ لأن هذا اليوم الذي صامته من أول رجب ترددت فيه هل تجعله سنة رجب كما تزعم أو عن القضاء، لابد لها أن تصوم بنية عن اليوم الذي أفطرته من رمضان .
192- والدتي سيدة كبيرة في السن ومريضة يتعسر عليها الصيام، وإذا صامت زاد عليها المرض وهي من مدة سنتين لا تصوم، وأنا ابنتها أقوم برعايتها وأعطي كفارة إفطارها عن كل يوم عشرة ريالات ولكن مجتمعة كل عدة أيام أخرجه على فقراء وأعطي أحدهم عشرة ريالات عن يوم، وأحدهم عشرين عن يومين وأحدهم خمسين عن خمسة أيام وهكذا .(82/15)
فسؤالها يقول : هل قيمة الكفارة عن اليوم الواحد عشرة ريالات تكفي وأنا من صاحبات الدخل المتوسط ؟ وهل طريقة إخراج الكفارة عن كل عدة أيام مجتمعة صحيحة أو عن كل يوم بيومه ؟ وهل توزيعها على الفقراء بالصورة التي وصفتها صحيحة، أي : أنني أدفع للفقير الواحد كفارة عدة أيام أحيانًا أو أدفع دفعة واحدة عن الشهر كافة لشخص واحد من الفقراء ؟ أخبروني جزاكم الله خير الجزاء ؟
إذا كانت والدتك عجزت عن الصيام عجزًا مستمرًا لكونها هرمة أو مريضة مرضًا لا يرجى برؤها من ذلك المرض بأن كان مرضًا مزمنًا فحينئذ يجب عليها الإطعام عن كل يوم مسكينًا، أما إذا كان هذا المرض يرجى زواله ويرجى الشفاء منه فإن الصوم يتأخر إلى أن يزول هذا المرض فتقضي والدتك الأيام بدون إطعام فالمريض له حالتان :
الحالة الأولى : أن يكون مرضه مزمنًا لا يرجى بُرؤه فهذا يتعين عليه الإطعام ولا قضاء عليه .
الحالة الثانية : أن يكون مرضًا غير مزمن يرجى شفاؤه وزواله فهذا يؤخر القضاء حتى يشفى ويقضي ولا شيء عليه غير القضاء .
أما ما ذكرت أنك أخرجت دراهم تريدين بها الإطعام عن الأيام التي أفطرتها والدتك فهذا تصرف غير سليم؛ لأن الواجب الإطعام بأن تشتري طعامًا وتخرجيه عن الأيام كل يوم إطعام مسكين نصف صاع من قوت البلد المعتاد، فالواجب الإطعام لا إخراج الدراهم لقوله تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ، فأوجب الطعام والطعام غير النقود فإخراج القيمة عن كفارة الصيام لا يجزئ، بل الواجب الطعام ويجوز أن تخرجي عن كل يوم بيومه مفرقًا، ويجوز أن تجمعي عدد الأيام وتخرجيه دفعة واحدة يجوز أن تدفع هذه الكفارة لجماعة ويجوز أن تدفع لشخص واحد مجتمعة ومتفرقة .(82/16)
193- يسأل من مات من المسلمين ذكرًا كان أو أنثى وعليه قضاء من رمضان قبل وفاته هل يصام عنه أو يطعم عنه ؟ وإذا كان الصيام عن نذر أيضًا وليس عن رمضان فما الحكم في الحالتين ؟
أما صيام رمضان إذا مات إنسان وعليه أيام من رمضان لم يصمها بسبب المرض فهذا لا يخلو من إحدى الحالتين :
الحالة الأولى : أن يكون اتصل به المرض ولم يستطع الصيام حتى توفي، فهذا لا شيء عليه ولا يقضى عنه ولا يطعم عنه لأنه معذور بذلك .
الحالة الثانية : إذا كان شفي من هذا المرض الذي أفطر بسببه وأتى عليه رمضان آخر ولم يصم ومات بعد رمضان آخر فإنه يجب أن يطعم عنه عن كل يوم مسكينًا؛ لأنه مفرط في تأخير القضاء حتى دخل عليه رمضان آخر حتى مات، وفي إجزاء الصوم عنه خلاف بين العلماء .
أما بالنسبة لصوم النذر فإنه يصام عنه لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من مات وعليه صوم -وفي رواية : صوم نذر- صام عنه وليه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/240 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] .
194- سائلة تقول أجريت لها عملية جراحية في الحلق فمنعها الدكتور من صيام شهر رمضان فهل يجب عليها الكفارة أم القضاء ؟
يجب عليها قضاء الأيام التي أفطرتها، قال تعالى : { وَمَن كَانَ مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] ، وهذا مرض أفطرت من أجله فتقضي الأيام التي أفطرتها .
195- الدكتور الذي يأمر بالإفطار هل يسمع أي دكتور كان أو يشترط فيه أن يكون مسلمًا ؟
إذا كان الطبيب متخصصًا في المهنة وصادقًا فيها، وقال للمريض إن الصوم يضرك، فإنه يفطر ولو كان الطبيب غير مسلم إذا لم يوجد غيره وخصوصًا إذا كان المريض بحاجة إلى الفطر .
196- قبل سنتين وفي شهر رمضان كنت مريضة ولم أستطع الصوم سبعة أيام، وبعدها قمت وأطعمت عن كل يوم مسكينًا، هل أكتفي بذلك وهل عليَّ قضاء عن تلك الأيام أفيدونا مأجورين ؟(82/17)
نعم يجب عليك القضاء، ولا يجزئ عنك الإطعام، قال الله تعالى : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ، والإطعام إنما يجزئ عمن عجز عن القضاء عجزًا دائمًا قال تعالى : { وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ } [ سورة البقرة : آية 184 ] .
197- سائل يقول : والدي كان قد أصيب بشلل كلي قبل دخول شهر رمضان الماضي – أعاذنا الله وإياكم من هذا المرض ومن غيره – وقد دخل عليه ذلك الشهر وهو يعاني من مرضه ولم يستطع صيامه لشديد المرض الذي ألَمَّ به إلى أن توفي، فهل تجب على والدي كفارة لإفطاره هذا الشهر ؟ وما مقدارها ؟ وأما يجوز أن أصوم عنه أنا أفيدوني وفقكم الله لما يحبه ويرضاه ؟
المريض إذا ترك الصيام من أجل المرض واستمر عليه المرض حتى مات لا شيء عليه؛ لأنه معذور في ذلك ولم يتمكن من القضاء حتى مات فلا شيء على والدك .
198- لدينا رجل مصاب بمرض شديد منذ أربع سنوات ولا يصلي ولا يستطيع الصوم طوال هذه الفترة، فماذا عليه مقابل الصلاة والصيام ؟(82/18)
أولاً : الصلاة بالنسبة للمريض لا تسقط بحال مادام عقله موجودًا لكنه يصلي على حسب حاله لقوله صلى الله عليه وسلم للمريض : ( صل قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب ) [ انظر " صحيح الإمام البخاري " ( 2/41 ) من حديث عمران بن حصين رضي الله عنه ] ، فالمريض يصلي على حسب حاله، وإذا كان يستطيع الطهارة بالماء فإنه يتطهر بالماء، وإذا كان لا يستطيع ذلك للمرض فإنه يتيمم بالتراب لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ } ، إلى قوله : { وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُواْ مَاءً فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا } [ سورة المائدة : آية 6 ] ، فذكر الله أن المرض من جملة الأعذار في ترك الطهارة بالماء والتطهر بدله بالتراب تخفيفًا من الله سبحانه وتعالى، فدل على أن المريض لا تسقط عنه الصلاة بحال مادام عاقلاً، فتركه للصلاة في الفترة التي ذكر خطأ وعليه أن يقضيها .
أما قضية الصيام : فالله رخص للمريض أن يفطر وأن يصوم من أيام أخر، فإذا كان هذا المرض الذي أفطر من أجله يرجى زواله فإنه يقضي متى زال عنه ذلك ولو تأخر لعدة سنين، فمتى شفي، فإنه يقضي ما أفطره من الأيام من رمضان أو من عدة رمضانات، أما إذا كان هذا المرض مرضًا مزمنًا لا يرجى زواله فإنه حينئذ يطعم عن كل يوم مسكينًا، وليس عليه قضاء لأنه لا يستطيعه .
199- نصحني طبيب بعدم الصيام لأنه يضر بصحتي وبعد أن أفطرت 15 يومًا اتضح لي أن الطبيب غير مسلم، فماذا أفعل ؟(82/19)
يجب عليك قضاء الأيام التي أفطرتها، وقد أخطأت في اعتمادك على قول الطبيب الكافر؛ لأنه لا يوثق بخبره، والواجب استشارة الطبيب المسلم الحاذق في هذا وفي غيره من الأمور الشرعية . وعليك اعتبار ذلك في المستقبل، والأطباء المسلمون كثيرون، والحمد لله . والله الموفق .
200- أصبت في شهر رمضان الماضي ببعض الآلام ولم أستطع الصيام فأفطرت وأجبرت زوجتي التي كانت مرافقة لي في فترة العلاج أجبرتها على الإفطار أيضًا والآن أود أن أطعم لعدم استطاعتي الصيام فهل يجوز لي ما قمت به اتجاه زوجتي وهل يجزئ عني الإطعام وهل يجوز لي أن أطعم عن زوجتي لأنها مرضعة في الوقت الحاضر ؟
إفطارك أنت لأجل المرض مرخص به فالله تعالى يقول : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 184 ] ، وأما إجبارك لزوجتك على الإفطار فهذا لا أرى له وجهًا، لأنها ليست مريضة وليست مسافرة فليست من أهل الأعذار ولكن مادام حصل الأمر في هذا فأنت أخطأت وعليها أن تقضي هذه الأيام التي أفطرتها وإذا كان أتى عليها رمضان آخر قبل قضائها من غير عذر فإنها مع القضاء تطعم عن كل يوم مسكينًا، وإذا كانت لا تستطيع القضاء في الوقت الحاضر من أجل الإرضاع فإنها تقضي متى تمكنت .
201- قبل حوالي ثمانية أعوام تقريبًا أفطرت يومين في رمضان متعمدًا وبدون عذر وحتى الآن لم أقض هذين اليومين ولم أكفر عنهما فماذا عليَّ أن أفعل الآن ؟
لقد أخطأت في إفطارك في نهار رمضان من غير عذر شرعي، والمسلم الذي يؤمن بالله واليوم الآخر لا يجوز له أن يفطر في نهار رمضان من غير عذر شرعي، لأن صيام رمضان أحد أركان الإسلام والتساهل فيه أو الإفطار من غير عذر شرعي هذا دليل على ضعف الإيمان، فعليك أن تتوب إلى الله سبحانه وتعالى وعليك في هذه القضية ثلاثة أمور :
الأمر الأول : التوبة الصادقة إلى الله سبحانه وتعالى من هذه المعصية .(82/20)
الأمر الثاني : أن تقضي هذين اليومين وتبادر بقضائهما وتفريغ ذمتك من هذا الواجب العظيم الذي تساهلت فيه .
الأمر الثالث : مادام أنه أتى عليك رمضان آخر أو أكثر من رمضان ولم تصم ولم تقض هذين اليومين فإنه يجب عليك إطعام مسكين عن كل يوم، فعليك ثلاثة أشياء :
أولاً : التوبة إلى الله سبحانه وتعالى .
ثانيًا : تقضي ما تركت من الأيام .
ثالثًا : إطعام مسكين عن كل يوم من هذه الأيام، والسبب أنك أخرته إلى أن جاء رمضان من غير عذر شرعي . والله أعلم .
202- الأيام التي دفع فيها نقودًا هل عليه أن يعيد إخراج إطعام بدلاً عنها ؟
إذا كان أفتاه أحد من أهل العلم بذلك وقنع من فتواه فلا يلزمه أن يعيد، أما إذا كان عمل هذا من نفسه أو لم يقنع بالفتوى التي أُفتي بها فعليه أن يعيد ويخرج طعامًا .
203- ماذا تقولون في هذه الإجابة التي وردت في إحدى المجلات العربية عن سؤال عمن يصوم شهر رمضان وهو يترك الصلاة، أجاب أحد الأساتذة في جامعة الأزهر بقوله : يقول الله تعالى : { فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ . وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } [ سورة الزلزلة : الآيتين 7، 8 ] ومعنى ذلك أن من صام رمضان فله ثواب صيامه، وإن ترك في الوقت نفسه الصلاة فعليه إثم تركها، فكونه قد قصر في أداء فريضة لا يمنع من قبول الفريضة الثانية منه ؟
هذه الإجابة فيها إجمال؛ لأن تارك الصلاة إن كان جاحدًا لوجوبها فهذا كافر بإجماع المسلمين ولا تنفعه صلاة ولا عبادة، لأن الكفر لا ينفع معه عمل، لا صيام ولا غيره .(82/21)
لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا } [ سورة الفرقان : آية 23 ] ، ويقول تعالى : { الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ } [ سورة إبراهيم : آية 18 ] والآيات في هذا كثيرة . أما إذا كان يترك الصلاة تكاسلاً وتهاونًا بها مع إقراره بوجوبها فهذا فيه خلاف بين أهل العلم منهم من يرى أنه يكفر الكفر الأكبر المخرج من الملّة كالأول . وعلى هذا القول فلا تصح منه صلاة ولا صيام ولا عبادة ولا أي عمل يعمله من الخير فإنه لا يقبل منه لأنه لم يبن على أساس صحيح، والدليل على كفره ما جاء في الحديث : ( العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 5/355 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/283 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/342 ) ، كلهم من حديث عبد الله بن بريدة عن أبيه رضي الله عنهم ] ، والحديث الآخر : ( بين الرجل وبين الشرك أو الكفر ترك الصلاة ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/88 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ] ، والآيات من القرآن كثيرة تدل على ذلك، منها قوله تعالى : { فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ } [ سورة التوبة : آية 11 ] ، فدل على أن الذي لا يقيم الصلاة ليس من إخواننا في الدين ومعنى هذا أنه كافر، وأهل النار يوم القيامة إذا سئلوا : { مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ } [ سورة المدثر : آية 42 ] ، يكون جوابهم : { لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ . وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ . وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ . وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ } [ سورة المدثر : الآيات 43-46 ] ، والتكذيب بيوم الدين لا شك أنه كفر فقرن ترك الصلاة معه دليل على أن ذلك كفر(82/22)
أيضًا .
والأدلة في هذا كثيرة وصريحة في أن من ترك الصلاة تهاونًا وتكاسلاً متعمدًا أنه يكفر ولو كان مقرًّا بوجوبها، وهذا هو القول الصحيح الراجح للأدلة الكثيرة، والقول الثاني لبعض أهل العلم : أنه لا يكفر الكفر الأكبر، ولكن يكون كفره كفرًا أصغر لا يخرج من الملة، ولكنه يؤخذ بالعقاب والعذاب حتى يؤدي الصلاة، فلعل المجيب قصد هذا القول، ولكن هذا قول مرجوح، والأدلة الصحيحة على خلافه، ولكن عليه أن يبين للناس ولا يلبس هذا التلبيس، ويجيب بهذه الإجابة المجملة، والله أعلم .
204- أنا رجل أعمل مزارعًا وفي رمضان أسافر من بلدي إلى مدينة جدة والتي تبعد عن بلدي حوالي 350 كيلو مترًا وإذا سافرت أواصل صيامي ولا أفطر فهل يجوز لي في مثل هذه المسافة الإفطار وما أقصر مسافة يجوز فيها الإفطار ؟
إن الله سبحانه وتعالى رخص للمسافر في شهر رمضان أن يفطر قال الله تعالى : { فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] ، فالمسافر من أهل الرخص في الإفطار في هذا الشهر وما ورد في السؤال من أن بين بلد السائل والبلد الذي يسافر غليه ( 350 كيلو مترًا ) فهل يجوز له أن يفطر في هذه المسافة ؟ نقول : له أن يفطر؛ لأن هذه المسافة تعتبر أكثر من مسافة قصر فأقل مسافة للقصر هي ( 80 كيلو مترًا ) سواء قطعت بالسيارة أو بالأقدام، فإذا كان السفر يبلغ هذه المسافة فأكثر فإنه يستحب للمسافر أن يفطر فيها .
205- ماذا على المسلم الذي أدرك من صلاة التراويح ست ركعات وصلى الوتر مع الإمام ؟(82/23)
ينبغي للمسلم أن يحضر صلاة التراويح من أولها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/51 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/147، 148 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 3/83، 84 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/420، 421 ) ، كلهم من حديث أبي ذر رضي الله عنه ] ، لكن من فاته أول صلاة التراويح صلى مع الإمام ما أدرك منها، ويكون له من الأجر بقدر ما أدرك، والله أعلم .
206- قبل أيام وقف أحد الأشخاص في المسجد وقال : إن صلاة التراويح بهذا الشكل الجماعي غير ثابتة، وأن صلاة الرجل في بيته أفضل، ما حكم هذا الكلام ؟
صلاة التراويح في المسجد هي سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين وصحابته الأكرمين، وعليه عمل المسلمين سلفًا وخلفًا، وهو أفضل من فعلها في البيت؛ لأن صلاة التطوع التي تشرع لها الجماعة كصلاة التراويح وصلاة الكسوف فعلها في المسجد أفضل اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، وإظهارًا لهذه السنة، والذي ينكر ذلك مخطئ في إنكاره يجب مناصحته وبيان خطئه، ويجب عليه أن يتعلم قبل أن يتكلم .
207- هل على المرأة أو غيرها حرج أن تُصلي التراويح بعض الأيام في مسجد وأيامًا أخرى في مسجد آخر، وهكذا طلبًا لإمام صوته حسن وتنشيطًا لأداء هذه السُّنَّة ؟(82/24)
ينبغي للمرأة أن تصلي التراويح في أقرب مسجد إلى بيتها – إذا عملت بالرخصة وخرجت إلى المسجد – وأما تجوالها بين المساجد ففيه من الخطورة ما فيه لتعرضها للفتنة، واحتياجها إلى قطع مسافات كثيرة مما قد يحوجها إلى سيارة وسائق وخلوة محرمة، وليس هناك غرض صحيح ترتكب من أجله هذه المحاذير إلا التلذذ بالأصوات، وتذوقها فتصبح مهمتها ليست من أجل الصلاة، وإنما طلب التلذذ بالأصوات وحينئذ يكون قد انتفى الغرض الذي من أجله رخص لها الرسول صلى الله عليه وسلم بالخروج إلى المسجد، وهذه ظاهرة مع الأسف بدرت عند كثير من الرجال والنساء والشباب، أنهم يقومون بالتجوال بين المساجد لتقفر أصوات القراء وانتجاع المساجد التي يتجمهر فيها الناس، ولبعض الأئمة – هداهم الله – دور في حصول هذه الظاهرة غير المرغوب فيها لما يقوم به بعضهم من تكلفه في القراءة، ورفع الأصوات فوق المنائر وخارج المساجد، ولو ترتب على هذا أذية للمصلين في المساجد المجاورة لهم وتشويش على المصلين فيها، فالذي نراه أن يصلي كل جماعة في مسجدهم ويعمروه بالطاعة ويتركوا التكلف، ونوصي النساء خاصة بأن تصلي كل امرأة في أقرب مسجد إلى بيتها؛ لأن ذلك أحفظ لها وأبعد عن الفتنة، ونوصي الأئمة بالاعتدال وترك التكلف والإغراب، وأن لا يكون قصدهم اجتلاب الناس إلى مساجدهم، لأن هذا أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء والسمعة، وفق الله الجميع لمعرفة الحق والعمل به .
208- ما حكم صلاة المرأة للتراويح في المسجد ؟ وما الشروط التي يجب التقيد بها في حالة خروجها إلى المسجد ؟
خروج المرأة لصلاة التراويح في المسجد جائز بشرط الالتزام بالستر الكامل وعدم التطيب، وترك لباس الزينة، ولبس الحلي، وبشرط غض البصر، والتزام الحياء والحشمة .
209- هناك بعض الخلافات حول دعاء القنوت وحجم أهميته، فما المشروع في ذلك ؟(82/25)
دعاء القنوت مستحب في الوتر، وهو وارد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فلا مجال للتشكيك في شرعيته، وهو مهم لحاجة المسلم وحاجة الأمة إليه، لأنه دعاء، والدعاء هو العبادة كما في الحديث، وقد أمر الله بدعائه ووعد بالاستجابة، قال تعالى : { وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ } [ سورة غافر : آية 60 ] ، وقال : { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ } [ سورة البقرة : آية 186 ] ، ويقول فيه ما ورد في حديث الحسن : ( اللهم اهدنا فيمن هديت . . . ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 1/199 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 2/64 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 2/109 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 3/248، 249 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/372، 373 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 1/451، 452 ) ، كلهم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما ] إلخ، ويزيد عليه، لكن لا يطيل بحيث يشق على المأمومين .
210- بعض الأئمة أثناء القراءة في صلاة التراويح يكرر بعض الآيات التي فيها وعيد أو ذكر الجنة والنار ويتباكى عندها، فهل هذا العمل مشروع ؟
هذا العمل إذا كان متكلفًا، أو كان يشق على المأمومين ويتضجر منه بعضهم فإن الأولى تركه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يردد الآية أحيانًا في صلاة الليل كما رُوي أنه ردد قوله تعالى : { إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } [ سورة المائدة : آية 118 ] إلى الصباح، فهذه المسألة تعود إلى رعاية الإمام لمن خلفه، لأنه قد يجوز للإنسان في حالة انفراده ما لا يجوز له في حالة كونه إمامًا، ثم إن الشيء المتكلف قد يبدو عليه أثر التكلف فيكون في هذا إساءة ظن بالإمام، وربما يقع الناس في عرضه فيأثمون بذلك .
211- كيف تجعل المرأة رمضان شاهدًا لها لا عليها ؟(82/26)
يكون رمضان شاهدًا للمسلم لا عليه إذا استغله بالطاعات، وعرف حرمته، واستغل وقته فيما شرع فيه من الطاعات والحسنات، وتجنب ما حرم الله من الأقوال والأفعال .
212- كيف تقضي المرأة المسلمة شهر رمضان المعظم تأسيًا بنساء المسلمين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
تقضي المرأة المسلمة شهر رمضان كأي مسلمة تؤمن بالله وتغتنم مواسم الخيرات في طاعة الله والتقرب إليه، وتعتبر شهر رمضان فرصة العمر، فتشغله بما يليق به من تعظيم واحترام وصلاة وصيام وذكر لله مقتدية بنساء الصحابة وما يفعلنه في هذا الشهر من خلال قراءتها لسيرتهن رضي الله عنهن .
213- ما الضوابط التي يجب أن تلتزم بها نساء المسلمين في هذا الشهر الكريم ؟
الضوابط التي يجب أن تلتزم بها النساء المسلمات في هذا الشهر الكريم هي :
1- أداء الصيام فيه على الوجه الأكمل باعتباره أحد أركان الإسلام، وإذا طرأ عليها ما يمنع الصيام من حيض أو نفاس، أو ما يشق عليها معه الصيام من مرض أو سفر أو حمل أو رضاع، فإنها تفطر مع وجود أحد هذه الأعذار مع عزمها على قضائها من أيام أخر .
2- ملازمة ذكر الله من تلاوة قرآن وتسبيح وتهليل وتحميد وتكبير وأداء الصلوات المفروضة في أوقاتها، والإكثار من صلوات النوافل في غير أوقات النهي .
3- حفظ اللسان عن الكلام المحرم من غيبة ونميمة وقول زور وشتم وسب، وغض البصر عن النظر المحرم فيما يعرض من الأفلام الخليعة والصور الماجنة والنظر إلى الرجال بشهوة .(82/27)
4- البقاء في البيوت وعدم الخروج منها إلا لحاجة مع التستر والحشمة والحياء، وعدم مخالطة الرجال والكلام المريب معهم مباشرة أو بواسطة الهاتف، قال تعالى : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلًا مَّعْرُوفًا } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] ، فإن بعض النساء أو كثيرًا منهن يخالفن الآداب الشرعية في رمضان وغيره، حيث يخرجن إلى الأسواق التجارية بكامل زينتهن متطيبات وغير متسترات كما ينبغي، فيمازحن أصحاب المحلات، ويكشفن عن وجوههن أو يضعن عليها غطاء غير ساتر، ويكشفن عن أذرعهن، وهذا محرم ومدعاة للفتنة وإثمه في رمضان أشد لحرمة الشهر .
214- المرأة المسلمة الآن تقضي رمضان ما بين السهر أمام التلفاز أو الفيديو أو »الدش« وما بين الأسواق والنوم، بماذا تنصح هذه المسلمة ؟
المشروع للمسلم رجلاً كان أو امرأة احترام شهر رمضان، وشغله بالطاعات، وتجنب المعاصي والسيئات في كل وقت وفي رمضان آكد لحرمة الزمان، والسهر لمشاهدة الأفلام والمسلسلات التي تعرض في التلفاز أو الفيديو أو بواسطة الدش أو استماع الملاهي والأغاني كل ذلك محرم ومعصية في رمضان وفي غيره، لكنه في رمضان أشد إثمًا .
وإذا انضاف إلى هذا السهر المحرم إضاعة الواجبات والنوم في النهار عن أداء الصلوات فهذه معاصٍ أخر، وهكذا المعاصي يجر بعضها بعضًا ويدعو بعضها إلى بعض، نسأل الله العافية .
وخروج النساء إلى الأسواق محرم إلا إذا دعت حاجة إلى الخروج، فإنها تخرج بقدر الحاجة بشرط أن تكون متسترة ومحتشمة ومتجنبة للاختلاط بالرجال أو التحدث معهم إلا بقدر الحاجة ومن غير فتنة، وبشرط ألا يطول وقت خروجها بالليل فيسبب لها النوم عن الصلاة في وقتها، أو تضيع بسببه حقًّا من حقوق زوجها أو أولادها .
215- ما أهم الوسائل التي تعين المرأة على الطاعات في شهر رمضان ؟
الوسائل التي تعين المسلم رجلاً كان أو امرأة على الطاعات في رمضان هي :(82/28)
1- مخافة الله سبحانه وتعالى، واعتقاد أنه مطلع على العبد في جميع أفعاله وأقواله ونياته، وأنه سيحاسبه على ذلك، فإذا شعر المسلم بهذا الشعور اشتغل بالطاعات وترك السيئات، وبادر بالتوبة من المعاصي .
2- الإكثار من ذكر الله وتلاوة القرآن، لأن ذلك يلين القلب، قال تعالى : { الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } [ سورة الرعد : آية 28 ] ، وقال تعالى : { الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ } [ سورة الأنفال : آية 2 ] .
3- تجنب الصوارف التي تقسي القلب وتبعده عن الله، وهي جميع المعاصي، ومخالطة الأشرار وأكل الحرام، والغفلة عن ذكر الله عز وجل، ومشاهدة الأفلام الفاسدة .
4- بقاء المرأة في بيتها، وعدم خروجها منه إلا لحاجة مع سرعة الرجوع إليه إذا انقضت الحاجة .
5- النوم بالليل، لأنه يعين على القيام مبكرًا من آخر الليل، ويخفف النوم بالنهار حتى يتمكن من أداء الصلوات في مواقيته، ويستغل وقته بالطاعات .
6- حفظ اللسان من الغيبة والنميمة وقول الزور والكلام المحرم، وشغله بالذكر .
216- نشاهد الأسواق والمحلات التجارية تفتح أبوابها إلى ساعة متأخرة من الليل في شهر رمضان تستقبل بعض المسلمين والمسلمات مما يضطرهم لنوم نهار رمضان كله، ما حكم ذلك ؟(82/29)
أصحاب المحلات التجارية يجب عليهم المحافظة على طاعة الله ومشاركة المسلمين في مواسم الخيرات في رمضان وغيره وألا يضيعوا كل الوقت بالبيع والشراء وفتح محلاتهم، يقول الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ } [ سورة المنافقون : آية 9 ] ، ويقول تعالى : { لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ } [ سورة النور : آية 37 ] ، ثم في فتحهم محلاتهم معظم الوقت إغراء للآخرين على السهر والتجوال وتعريض للفتنة بين الرجال والنساء، فيكون عليهم إثم في ذلك، لأنهم السبب، والواجب على ولاة الأمور – وفقهم الله – تحديد الوقت المناسب لفتح المحلات الذي لا يتعارض مع أداء الطاعات، ولا يكون سببًا يعرض الناس للفتن، وإضاعة الأوقات الثمينة .
217- ما المطلوب من المسلم في العشر الأواخر ؟ وكيف يستقبلها ؟
المطلوب من المسلم في العشر الأواخر زيادة الاجتهاد في العبادة اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم، فقد صح عنه أنه كان يخص العشر الأواخر : بمزيد اجتهاد في التهجد والاعتكاف (3) ، لأنها ختام الشهر وترجى فيها ليلة القدر، فينبغي للمسلم أن يغتنم هذه العشر المباركة ويخصها بمزيد اجتهاد يختم به اجتهاده في العشرين الأول ليعظم أجره، ولأن هذه العشر هي ليالي الإعتاق من النار، لعله يحظى بذلك، والله الموفق .(82/30)
5- كتاب الحج والعمرة
218- ما معنى قوله تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [ سورة البقرة : آية 197 ] ؟ والآية الثانية : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } [ سورة الحج : آية 28 ] ؟ وما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/203 ) بنحوه، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/248، 249 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 5/264 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1003 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/82 ) ، كلهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه ] ؟ أفتونا مأجورين ؟(83/1)
يقول الله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ . . . } الآية [ سورة البقرة : آية 197 ] يبين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة الميقات الزماني للحج، وهو شهر شوال وشهر ذي القعدة وعشرة أيام من ذي الحجة، فمن أحرم في هذه الفترة فقد أحرم في أشهر الحج، وينعقد إحرامه بالحج بإجماع المسلمين، ويجب عليه أن يتجنب الرفث – وهو الجماع – ودواعيه؛ لأن ذلك محرم على المحرم، والفسوق وهو المعاصي، وإن كانت المعاصي محرمة على المؤمن دائمًا إلا أنها يشتد تحريمها وإثمها في حالة الإحرام، والجدال وهو المخاصمة؛ لأن المخاصمة تفضي إلى أمور محذورة من الأقوال والأفعال، وتوغر الصدر، وتشغل عن طاعة لله سبحانه وتعالى، فلهذا نهى عنها، إذا كان الجدال لأجل إحقاق حق وإبطال باطل، فإن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ سورة النحل : آية 125 ] ، ويقول : { وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ سورة العنكبوت : آية 46 ] أما إذا كان الجدال لغير بيان الحق ودحض الباطل فإن المسلم منهي عنه في كل أحواله، ولا سيما في حالة الإحرام، هذا ملخص معنى الآية الكريمة .
وأما قوله تعالى : { لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ } [ سورة الحج : آية 28 ] ، فإنه يبين سبحانه وتعالى الحكمة في مشروعية الحج أي ليحضروا هذه المنافع في الحج، وهي منافع دينية ومنافع دنيوية، ولم يحددها الله سبحانه وتعالى، لأنها كثيرة، وهذا دليل على أن الحج فيه خيرات كثيرة ومنافع عظيمة للمؤمن في دينه ودنياه .(83/2)
أما قوله صلى الله عليه وسلم : ( الحج عرفة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/203 ) بنحوه، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/248، 249 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 5/264 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1003 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/82 ) ، كلهم من حديث عبد الرحمن بن يعمر الديلي رضي الله عنه ] فمعناه أن الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم من أركان الحج مثل قوله صلى الله عليه وسلم : ( الدعاء هو العبادة ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/77 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 8/163 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1258 ) ، كلهم من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ] ، لأن الدعاء من أعظم أنواع العبادة، وليس معنى ذلك أن الوقوف بعرفة هو الحج كله، بل هناك أعمال أخرى للحج أركان وواجبات له وسنن، ولكن هذا من باب بيان أهمية الوقوف بعرفة، وأنه هو الركن الأعظم من أركان الحج، والله أعلم .
219- ما معنى قول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/125 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ : " لتأخذوا مناسككم . . " من حديث جابر رضي الله عنه ] ؟ وما هي صفة حجة الوداع للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ؟(83/3)
فمعناه وجوب اقتداء الحاج بالنبي صلى الله عليه وسلم في أعمال الحج بأن يتعلم أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم التي فعلها في الحج وأقواله، ويقتدي به في ذلك، يعني تعلموا مني أحكام حجكم وعمرتكم فافعلوا مثل ما أفعل، وهذا خطاب لمن كان معه، ولمن يأتي بعده إلى يوم القيامة، فيجب على كل حاج أو معتمر أن يقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم في أداء المناسك، من كان معه من الصحابة فإنهم يشاهدونه ويرونه عليه الصلاة والسلام ويتابعونه، ومن يأتي بعده فإنه يعمل بالأحاديث الصحيحة الواردة في حجة النبي صلى الله عليه وسلم يتعلمها ويعمل على موجبها، وإن كان لا يستطيع ذلك فإنه يسأل أهل العلم بسنة النبي صلى الله عليه وسلم ليخبروه وليبينوا له، هذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/125 ) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ : " لتأخذوا مناسككم . . " من حديث جابر رضي الله عنه ] ، فهذا دليل على أن أعمال الحج توقيفية كسائر أنواع العبادة، فإنها توقيفية لا يقدم على شيء منها إلا إذا ثبت في الكتاب والسنة أنه مشروع، وأنه عبادة .
أما صفة حجة الوداع فوصفها يطول، ولكن على القارئ أن يراجع الأحاديث التي وردت في صفة حج النبي صلى الله عليه وسلم، ومن أعظمها حديث جابر الحديث المشهور الطويل الذي وصف فيه حجة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها (4) .
220- ما هي علامات الحج المقبول ؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله كل خير ؟
يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/198 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والحج المبرور هو الحج الذي تقبله الله سبحانه وتعالى، وعلاماته كثيرة منها :(83/4)
أن يكون نفقة الحج من كسب حلال؛ لأن النفقة عليها مدار عظيم في حياة المسلم، ولا سيما في الحج، بل ورد أن الإنسان إذا حج من مال طيب أنه ينادي مناد : ( زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور ) وعلى من كان حج من مال خبيث فإنه ينادى : ( لا لبيك ولا سعديك، زادك حرام، ونفقتك حرام، وحجك مأزور غير مأجور ) (5)، أو ما هذا معناه .
فمن علامات الحج المبرور أن يكون من نفقة طيبة وكسب حلال، ومن علامات الحج المبرور أن يوفق الإنسان فيه لأداء مناسكه على الوجه المشروع وعلى المطلوب من غير تقصير فيها، وأن يتجنب ما نهاه الله عنه في أعمال الحج، ومن علامات الحج المبرور أن يرجع صاحبه أحسن حالاً في دينه مما كان قبل ذلك، بأن يرجع تائبًا إلى الله سبحانه وتعالى، مستقيمًا على طاعته، ويستمر على هذه الحالة، فيكون الحج منطلقًا له إلى الخير منبهًا له إلى تصحيح مساره في حياته .
221- ما المراد بالحج المبرور ؟ وما الأيام المعلومات ؟ ومال المراد بالرفث والفسوق والجدال ؟
الحج جهاد في سبيل الله، ينفق فيه المال ويتعب فيه البدن، ويترك من أجله الأولاد والبلاد إجابة لداعي الله وتلبية لندائه على لسان خليله إبراهيم عليه الصلاة والسلام حين قال الله له : { وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ . لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ . ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ سورة الحج : الآيات 27-29 ] .(83/5)
ونحن الآن في أشهر الحج التي جعلها الله ميقاتًا للإحرام به والتلبس بنسكه، قال تعالى : { الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] .
يخبر تعالى أن الحج يقع في أشهر معلومات وهي شوال، وذو القعدة، وعشرة أيام من ذي الحجة، وقال تعالى : { مَّعْلُومَاتٌ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] ، لأن الناس يعرفونها من عهد إبراهيم وإسماعيل عليهما الصلاة والسلام، فالحج وقته معروف لا يحتاج إلى بيان كما احتاج الصيام والصلاة إلى بيان مواقيتهما .
وقوله تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] معناه : من أحرم بالحج في هذه الأشهر سواء في أولها أو في وسطها أو في آخرها، فإن الحج الذي يحرم به يصير فرضًا عليه يجب أداؤه بفعل مناسكه ولو كان نفلاً قبل الإحرام .
فإن الإحرام به يصيره فرضًا عليه لا يجوز له رفضه، وقوله تعالى : { فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] بيان لآداب المحرم وما يجب عليه أن يتجنبه حال الإحرام بالحج وتصونه عن كل ما يفسده أو ينقصه . . من ( الرفث ) : وهو الجماع ومقدماته الفعلية والقولية .
والفسوق : وهو جميع المعاصي، ومنها محظورات الإحرام .
والجدال : وهو المحاورات والمنازعة والمخاصمة، لأن الجدال يثير الشر ويوقع العداوة ويشغل عن ذكر الله، والمقصود من الحج الذل والانكسار بين يدي الله وعند بيته العتيق ومشاعره المقدسة، والتقرب إلى الله بالطاعات وترك المعاصي والمحرمات ليكون الحج مبرورًا .(83/6)
فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ( الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) ، ولما كان التقرب إلى الله تعالى لا يتحقق إلا بترك المعاصي وفعل الطاعات فإنه سبحانه بعد أن نهى عن المعاصي في الحج أمر بعمل الطاعات، فقال تعالى : { وَمَا تَفْعَلُواْ مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ } [ سورة البقرة : الآية 197 ] ، وهذا يتضمن الحث على أفعال الخير، خصوصًا في أيام الحج، وفي تلك البقاع الشريفة والمشاعر المقدسة وفي المسجد الحرام، فإن الحسنات تضاعف فيها أكثر من غيرها، كما ثبت أن الصلاة الواحدة في المسجد الحرام أفضل من الصلاة فيما سواه من المساجد .
222- هناك من يرتكب بعض البدع والشركيات في الحج ؟ هل يؤثر ذلك على حجه ؟(83/7)
الشرك الأكبر يبطل الحج وغيره من الأعمال ويخرج صاحبه من الملة، كالذي يدعو الأموات من الأولياء والصالحين ويستغيث بهم ويذبح لهم، فهذا حجه باطل حتى يتوب إلى الله ويخلص العبادة له، قال تعالى : { وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ } [ سورة البينة : آية 5 ] ، وقال تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [ سورة البقرة : آية 196 ] يعني : خالصين لوجهه ليس فيهما شرك ولا دعوة لغيره، والحاج حينما يلبي يقول : ( لبيك لا شريك لك ) ، فهو يعلن التوحيد، ويتبرأ من الشرك، فيجب عليه أن يحقق القول بالعمل، وأما البدع فإنها ضلالة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/126 ) بنحوه، ورواه أبو داود في " سننه " ( 4/200 ) ورواه الترمذي في " سننه " ( 7/319، 320 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/15، 16 ) ، ورواه الحاكم في " مستدركه " ( 1/97 ) ، كلهم من حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه ] ، وعمل المبتدع مردود عليه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 8/156 ) ] أي : مردود عليه لا يقبل منه شيء وهو آثم فيه غير مأجور .
223- ما الحكم إذا قضى الإنسان فريضة الحج بالدين فهل تقبل حجته ؟ علمًا بأنه يسدد الدين مباشرة بعد قضائه الفريضة ؟ أفيدونا وفقكم الله .(83/8)
قال الله سبحانه وتعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران : آية 97 ] ، والسبيل هو الزاد والراحلة، يعني : أن يتوافر له النفقة الكافية في حجه، والنفقة الكافية أيضًا لأولاده ومن يعوله إلى أن يرجع، ولا يجب على من ليس له القدرة المالية حج، ولا يستدين لأجل ذلك؛ لأنه لم يوجب عليه الله سبحانه وتعالى شيئًا وهو مثقل نفسه بالدين ويتكلف لشيء لم يلزمه، والله سبحانه وتعالى يقول : { يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ } [ سورة البقرة : آية 185 ] ، فليس من الشرع أن يستدين الإنسان ليحج، ولكن مادام أنه فعل هذا واستدان وحج، فإن حجته صحيحة ويجب عليه سداد الدين، والله سبحانه وتعالى يوفق الجميع لما فيه الخير والصلاح .
224- هل يصح الحج لمن عليه دين وكذلك العمرة ؟ وهل تصح العمرة قبل الحج أو الحج أولاً، أفيدونا بذلك مأجورين ؟
أما من عليه دين فهذا يختلف باختلاف أحوال الناس، فإذا كان من عليه دين ليس عنده ما يكفي للحج ولسداد الدين فإنه يقدم سداد الدين ولا يجوز له أن يحج إلا إذا أذن له صاحب الدين بذلك، وفي هذه الحالة لا يجب عليه الحج، لأن الحج إنما يجب على المستطيع وهذا غير مستطيع، أما إذا كان في ماله سعة يتسع للدين وللحج، فلا بأس أن يحج لكن بشرط أن يوثق للدين ما يسدده ويؤمن له من المال ما يسدده، والله تعالى أعلم، ولا مانع من أداء العمرة قبل الحج فيعتمر قبل الحج إما عمرة يتمتع بها إلى الحج في أشهره أو عمرة يؤديها في أي وقت من السنة لا مانع من ذلك أن تكون العمرة قبل الحج .
225- ماذا يجب على إنسان يريد الحج لأول مرة ؟ وبما تنصحونه ؟(83/9)
يجب على الإنسان الذي يريد الحج لأول مرة أن يؤدي الحج على الوجه المشروع، وأن يصحب أناسًا من أهل الخير يعينونه على طاعة الله ويبصرونه بمناسك الحج إذا كان يجهلها، لأن الذي يحج لأول مرة يخفى عليه بعض أعمال الحج أو غالبها، فهو بحاجة إلى من يبين له، فيختار من الرفقة من يكون صالحًا لذلك .
226- إذا ارتدى الحاج ملابس الإحرام ونوى الحج والعمرة ما هي الأعمال التي يجب عليه القيام بها ؟
إذا نوى الدخول في الحج والعمرة معًا من بداية الإحرام أو نوى العمرة أولاً، ثم نوى الحج وأدخله عليهما فإنه يكون بذلك قارنًا بين الحج والعمرة، بمعنى أنه أحرم بنسكين معًا، أو أنه أحرم بنسك العمرة وأدخل عليه نسك الحج، فصار قارنًا، والذي يلزمه من العمل هو أن يبقى على إحرامه، فإذا قدم مكة فإنه يطوف طواف القدوم وهو سنة، ثم إن سعى بعده سعي الحج والعمرة مقدمًا فلا بأس بذلك، ثم يبقى على إحرامه إلى أن يأتي يوم عرفة ويخرج لعرفة ويقف بها ويؤدي مناسك الحج بوقوف عرفة والمبيت بمزدلفة، ورمي جمرة العقبة، وحلق رأسه أو تقصيره، ثم طواف الإفاضة والسعي بعده إذا لم يكن قد سعى بعد طواف القدوم، ويلزمه ذبح هدي التمتع؛ لأنه جمع بين نسكين .
227- إذا نويت الحج فقط فماذا يجب عليَّ ؟(83/10)
إذا نوى الحج فقط فإنه يعتبر مفردًا ويبقى على إحرامه حتى يؤدي مناسك الحج، لكن المفرد ليس عليه هدي، لأنه لم يجمع بين نسكين، وإنما نوى نسكًا واحدًا فقط، فليس عليه هدي واجب، والأحسن للقارن والمفرد أن يفسخ نية الإفراد ونية القران إلى نية التمتع، فإذا وصل إلى مكة فإنه يُحوَّل إحرامه إلى عمرة بأن يطوف ويسعى، ويقصر من رأسه ويحلل من إحرامه، فإذا كان يوم التروية، وهو اليوم الثامن أحرم بالحج وأدى مناسك الحج فيكون أدى العمرة أولاً، ثم بعد ذلك أدى الحج بعدها، ويكون عليه فدية، هذا هو الأفضل والأكمل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين أحرموا معه ولم يسوقوا الهدي، أمرهم أن يحلوا من إحرامهم ويجعلوها عمرة (6)، فدل ذلك على استحباب فسخ نية الحج إلى العمرة، هذا هو الأفضل والأكمل .
228- ذهبت إلى مكة المكرمة لأول مرة ولم أعمل عمرة ولم يكن عندي علم بأن ذلك حرام أو حلال، وكان ذهابي إلى مكة المكرمة عبارة عن زيارة لأحد أقاربي هناك، الرجاء أفيدوني ماذا أفعل جزاكم الله خيرًا ؟
الحج والعمرة واجبان على المسلم المستطيع في العمر مرة واحدة، وما زاد عن ذلك فهو تطوع، وليس على المسلم شيء في دخوله إلى مكة بدون إحرام إذا لم يكن قاصدًا الحج أو العمرة، لكن من لم يسبق له أن حج أو اعتمر وجاء إلى مكة فإنه قد سنحت له الفرصة لأداء نسكه فيجب عليه المبادرة بذلك، وإذا لم يفعل فإنه يأثم ويبقى الواجب في ذمته .
229- توجهت إلى مكة المكرمة بنية أداء العمرة وكان طريقي على ميقات أهل اليمن وحينما أردت الإحرام من الميقات لم أجد ماء أتوضأ أو أغتسل به، فتعديت الميقات وأحرمت من بعده بعد أن وجدت الماء، فهل عليَّ شيء في هذا ؟ وهل يشترط التطهر للإحرام سواء بالوضوء أو بالاغتسال ؟(83/11)
إن التطهر للإحرام لا يشترط، وإنما يُستحب الاغتسال قبل الإحرام لإزالة العرق والأوساخ والروائح الكريهة إذا أمكن، أما إذا لم يمكن أو لم تجد ماء أو حتى لو وجدت ماء فليس هذا بواجب، ولا يجوز لإنسان أن يتجاوز الميقات بدون إحرام بحُجة أنه لم يجد ماء كحالتك التي ذكرت، فإنك أخطأت في هذا؛ فالواجب على من مر بالميقات وهو يريد الحج أو العمرة أن يحرم من الميقات ولا يتجاوزه بدون إحرام، وعدم وجود الماء ليس بعذر كما ذكرنا، وما فعلته بأنك تجاوزت الميقات وأحرمت بعده، فهذا خطأ، وقد تركت واجبًا من واجبات النسك فعليك فدية، فدية جبران، بأن تذبح شاة توزعها على فقراء الحرم، وإحرامك صحيح .
230- يقول السائل : أتمنى في هذه السنة أن أؤدي فريضة الحج إن شاء الله، وحيال هذا الأمر كان لابد أن أقرأ عن فريضة الحج فبخصوص ميقات أهل العراق قرأت في كتاب أنه على الحاج المسافر إلى السعودية بالطائرة يجوز له أن يحرم من مدينة جدة ولما كنت أنوي زيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فنويت الزيارة أولاً وأيضًا أحرم من ميقات أبيار علي، ولكن لو وصلت إلى جدة يوم الثامن والعشرين من ذي القعدة ولم أتمكن من الزيارة قبل الحج، فبهذا لا يصبح أمامي سوى الإحرام من جدة ومررت على ميقات الحديبية ولبَّيْتُ عندها وأنا متجه من جدة إلى مكة المكرمة فأعود مرة أخرى بشأن الكلام الذي قرأته في هذا الكتاب وهو أنه على من أراد الحج بالطائرة فعليه أن لا يتجاوز الميقات وهو أمام إحدى ثلاث : إما أن يحرم من بيته أو يحرم من المطار ( مطار بلد الحاج ) ، أو يحرم بالطائرة في الميقات أو موازيًا للميقات إن كان الأمر غير صعب .
وسؤالي هل لو أحرمت من الحديبية بعدما وصلت إلى مطار جدة أكون بذلك قد تجاوزت ميقات الإحرام ؟ وماذا عليَّ فعله بعد ذلك ؟ وإذا كان ذلك تجاوزًا للميقات فما هي الكفارة وما هي كيفية القضاء ؟(83/12)
من قدم في الطائرة يريد الحج فإنه يحرم إذا حاذى الميقات الذي يمر به في الجو في طريقه ولا مانع أن يتهيأ للإحرام قبل ركوب الطائرة ويعمل السنن التي تفعل قبل الإحرام من الاغتسال والتنظف والتطيب وإعداد الإنسان نفسه للإحرام، ثم إذا قارب الميقات فإنه يحرم من حذائه أو قبله بقليل احتياطًا ويتلبس بالنسك الذي يريد ولا يؤخر الإحرام إلى مطار جدة كما يتوهمه بعض الناس، فإن جدة ليست ميقاتًا إلا لأهلها ولمن نوى النسك منها، ولم يسبق له نيته قبل وصوله إليها .(83/13)
وبمناسبة ما ذكرت من أنك تريد زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، قبل الحج وتحرم من ميقات أهل المدينة إذا رجعت فهذا عمل جائز، فمن قدم إلى جدة وهو يريد الذهاب إلى المدينة فإنه يحرم من ميقات المدينة إذا رجع منها، ولكنك تذكر أن الزيارة تعذرت في هذا الوقت، وأنك لم يبق أمامك إلا الإحرام للحج، فالواجب في هذه الحالة عليك أن تحرم من المكان الذي عزمت على الذهاب إلى مكة منه، وهو جدة، أما تأخير الإحرام إلى الحديبية فهذا خطأ، لأن الواجب أن تحرم من المكان الذي عزمت على الذهاب إلى مكة منه ولا تؤخره إلى مكان آخر قريب من مكة فبتأخيرك للإحرام إلى الحديبية تكون قد أحرمت بعد الميقات بالنسبة لك، فعليك فدية وهي ذبح شاة توزعها على مساكين الحرم سواءً ذبحتها بنفسك أو وكلت من يذبحها عنك، وإذا كنت لا تستطيع الذبح ماليًّا فإنك تصوم عشرة أيام، لأنك تركت الإحرام من المكان الذي يجب عليك الإحرام منه وأخرته إلى مكان دونه مما يلي مكة، والزيارة التي يشرع السفر لها هي زيارة مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم لا زيارة قبره، فلا يجوز السفر بنية زيارة القبور لا قبره صلى الله عليه وسلم، ولا قبر غيره، فقولك : " كنت أنوي زيارة قبر الرسول صلى الله عليه وسلم " قول غير صحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/56 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، فالزيارة التي يسافر لها إنما تكون لأحد المساجد الثلاثة، أما القبور فإنها لا يسافر لأجل زيارتها لا قبور الأنبياء ولا غيرهم، وإنما تكون زيارة القبور بدون سفر، والقصد منها السلام على الميت والدعاء له والاستغفار له والاعتبار بأحوال الموتى هذا القصد من الزيارة الشرعية للقبور، وهذا حكمها أما أن يسافر لأجل قصد زيارة قبر من القبور سواء كان قبر نبي أو ولي أو غير ذلك،(83/14)
فهذا حرام؛ لأنه من وسائل الشرك، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الوسائل التي تؤدي إلى الشرك وخص السفر لزيارة المساجد الثلاثة، وإذا زار مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وصلى فيه فإنه يزور قبره تبعًا لذلك .
231- يقول السائل : أنا أعمل بمدينة الرياض منذ ثلاث سنوات وفي موسم الحج السابق سافرت بطريق البر أنا وزوجتي إلى جدة والتي كانت حاملاً في ذلك الوقت، والحمل بالنسبة لها كان أمرًا متعبًا، وكانت النية إذا وصلنا إلى جدة بالسلامة وكانت صحة زوجتي تتحمل مشاق وأتعاب الحج أن ننوي من جدة، وبعد أن وصلنا وسألتها : هل تستطيع أن تؤدي الفريضة ؟ فأجابت بالإيجاب، مع العلم أنني أديت فريضتي بعون الله في وقت سابق، فخرجنا للحج من جدة، وأحرمنا مع أهل جدة، ولم نحرم من ميقات أهل الرياض، مع العلم أننا مكثنا يومين في جدة قبل الحج عند أقاربنا، أفيدونا هل بفعلنا هذا هل ارتكبنا مخالفة بالنسبة للإحرام ؟ وفي حالة ارتكابنا مخالفة فماذا يجب علينا فعله ؟(83/15)
إذا كان هؤلاء كما ذكر أنهم لم يعزموا على الحج، بل هم مترددون فيه، وقد أوقفوا الأمر على معرفة حال المرأة عند وصولها إلى جدة فإن كانت تستطيع الحج حجوا هذا العام، وإن لم تستطع لم يحجوا فإنه يكون ميقاتهم من المكان الذي عزموا على الحج منه، فما دام أنهم لم يعزموا على الحج إلا في جدة فيكون محل إحرامهم في جدة، أما إذا كانوا قدموا من الرياض إلى جدة يريدون الحج هذا العام فحينئذ لا يجوز لهم تجاوز الميقات بدون إحرام، وإنما يحرمون من الميقات إذا مروا به بالسيارة أو مروا به من الجو يحرمون من محاذاته، ولا مانع أن يذهبوا إلى جدة وهم محرمون، ثم ينزلوا إلى مكة، المهم أن لا يتجاوزوا الميقات بدون إحرام إذا كانوا أنشئوا السفر من الرياض بقصد الحج، ويكون في هذه الحالة على كل واحد منهم دم لتجاوزهم الميقات بدون إحرام، والذبح : ذبح شاة تجزي في الأضحية يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم، ومن لم يستطع ذبح هذه الفدية فإنه يصوم عشرة أيام .
232- لقد قدمت إلى مكة المكرمة لأول مرة ولم أحرم من الميقات لأخذ عمرة لعدم قدرتي المادية على شراء الإحرام، فدخلت مكة في ثيابي العادية، وبعد مضي عشرة أيام وأنا في مكة تمكنت من أداء العمرة من مكة، فهل عليَّ شيء في هذا أم لا ؟(83/16)
الواجب على المسلم أن يسأل عندما يحصل له إشكال ولا يعمد إلى رأيه وما يمليه عليه جهله، فلو أنك سألت قبل أن تقدم على هذا الشيء لكان هو الواجب عليك، فالمسلم إذا جاء يريد الحج أو العمرة لا يجوز له أن يتجاوز الميقات بدون إحرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حدد هذه المواقيت قال : ( هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهِنَّ ممن أراد الحج والعمرة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/142 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، وأما أنك لا تقدر على شراء ملابس الإحرام، فالإحرام ليس ملابس الإحرام، وإنما هو نية الدخول لنسك، فلو أنك نويت الدخول في النسك ولبيت بالعمرة من الميقات فإنك تكون بذلك أحرمت ولو لم تخلع ملابسك العادية، وإذا كان ليس معك ما تشتري به ملابس الإحرام فالنبي صلى الله عليه وسلم رخص لمن لم يجد الإزار أن يلبس السراويل، فلو أبقيت السراويل عليك وخلعت ما عليك من بقية الثياب وجعلت على أعلا جسدك شيئًا تلفه به لكفى هذا إلى أن تجد ما تشتري به إزارًا ورداءً، أما وقد أخطأت وتجاوزت الميقات بدون إحرام، ثم أحرمت من مكة، فإن إحرامك صحيح أيضًا، إلا أنه ناقص، لأنك تركت واجبًا وهو الإحرام من الميقات فيكون عليك فدية أن تذبح شاة، أو تأخذ سبع بدنة أو سبع بقرة وتوزعه على فقراء الحرم فإن لم تجد فإنك تصوم عشرة أيام، والله أعلم .
233- أنا رجل مقيم في مدينة الرياض ولي أقارب في مدينة جدة وأنوي أداء العمرة مرورًا بأقاربي في جدة لزيارتهم، فهل عليَّ أن أحرم من جدة أم أن أحرم من الميقات وأبقى على إحرامي في جدة حتى لو مكثت بها عدة أيام ؟(83/17)
إذا سافرت تريد العمرة من الرياض، وكان لك أقارب في جدة تريد المرور بهم وزيارتهم، فالواجب عليك أن تحرم من الميقات بأن تحرم من السيل ( قرن المنازل ) ، أو ما يوازيه، ولا بأس أن تمر بأقاربك وأن تزورهم وأنت محرم وتبقى في إحرامك، ثم إذا انتهت زيارة أقاربك فإنك تذهب إلى مكة تؤدي مناسك العمرة، وإن ذهبت إلى مكة من أول وهلة، وأديت العمرة وحللت من إحرامك، ثم ذهبت إلى أقاربك فلا بأس، بل تكون المبادرة بالعمرة أحسن، فالمهم ألا تتعدى الميقات إلا وأنت محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم في هذه المواقيت : ( . . هن لهن، ولمن أتى عليهن من غيرهن ممن أراد الحج والعمرة . . ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/142 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] .
234- ما هي الأشياء المحرمة على المحرم بحج أو عمرة ؟(83/18)
الأشياء المحرمة على المحرم بحج أو عمرة أنه يجب على الذكر أن يتجنب لبس المخيط حالة إحرامه، ويقتصر على لبس الإزار والرداء، ويخلع جميع أنواع المخيطات عن جسمه، ويحرم على الذكر أيضًا تغطية رأسه بملاصق من عمامة أو غيرها من الملابس التي توضع على الرأس، بل يكون رأسه مكشوفًا طيلة إحرامه، ويحرم على المرأة تغطية وجهها في البرقع أو النقاب، ويحرم عليها تغطية يديها بالقفازين، ويجب عليها أن تغطي وجهها عن الرجال الأجانب بغير البرقع وبغير النقاب، بل تغطيه بثوبها أو خمارها، وكذلك تغطي كفيها بثيابها لا بالقفازين – وهما الجوارب المنسوجة أو المخيطة على قدر الكفين – ويحرم على الذكر والأنثى في حالة الإحرام التطيب بجميع أنواع الطيب في حالة الإحرام، وكذلك يحرم عليهما إزالة الشعر من الرأس أو من جميع أجزاء الجسم في حالة الإحرام، ويحرم عليهما تقليم الأظافر، ويحرم على الذكر والأنثى في حالة الإحرام الصيد لقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ } [ سورة المائدة : آية 95 ] ، فلا يجوز له الاصطياد وهو محرم أو الإعانة على الاصطياد بقول أو فعل، ويحرم على المحرم ذكرًا أو أنثى الجماع ودواعيه، ويحرم على المحرم ذكرًا أو أنثى عقد النكاح، كل هذه تحرم على المحرم وهي ما تسمى بمحظورات الإحرام .
235- ما الحكم فيمن ارتكب محظورًا من محظورات الإحرام ناسيًا أو جاهلاً هل يلزمه فدية أم لا ؟
إذا كان هذا المحظور لا إتلاف فيه مثل الطيب وتغطية الرأس ولبس المخيط فهذا إذا فعله ناسيًا أو جاهلاً وذكر إذا كان ناسيًا أو علم إذا كان جاهلاً، فإنه يتجنب المحظور من حينه ولا شيء عليه .
أما ما كان فيه إتلاف كقص الشعر، وتقليم الأظافر، وقتل الصيد، فهذا على قولين لأهل العلم :(83/19)
القول الأول : أنه لا يعذر بالجهل والنسيان، بل يجب عليه به فدية ذلك المحظور، لأنه إتلاف، وإتلاف يستوي فيه عندهم العامد وغير العامد فيها كقتل الخطأ وإتلاف المال يضمنان، ولو كان القاتل والمتلف غير متعمد .
القول الثاني : أنه إذا كان جاهلاً أو ناسيًا فلا حرج عليه في ذلك، أخذ من عموم قوله تعالى : { وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ } [ سورة الأحزاب : آية 5 ] ، ومن قوله تعالى في الصيد : { وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ } [ سورة المائدة : آية 95 ] مفهومه أن غير المتعمد لا شيء عليه، ولعل هذا الرأي هو الصحيح إن شاء الله .
236- رجل قام بعمرة عن والده في شهر شوال، ثم يريد أن يحج مفردًا عن نفسه، فهل عليه هدي ؟ وإذا كان عليه هدي فما الحكم إذا رمى جمرة العقبة وقصر وتحلل قبل ذبح الهدي ؟
إذا كان أدى العمرة في شوال وانتظر الحج حتى أحرم به في عامه فإنه يكون متمتعًا، ويجوز في التمتع أن تكون العمرة عن شخص والحج عن شخص آخر، ويجب أن يهدي المتمتع في حق غير المكي، وإذا رمى الحاج الحجر يوم العيد وحلق رأسه أو قصر ولو لم يذبح هديه فإنه يكون قد تحلل التحلل الأول الذي يبيح له ما حرم عليه بالإحرام إلا الاستمتاع بزوجته حتى يطوف طواف الإفاضة، فذبح الهدي لا دخل له في التحلل .
237- هل يشترط في وجوب دم المتمتع ألا يخرج من مكة بعد العمرة ؟(83/20)
الخروج من مكة إذا كان قريبًا فإنه لا يؤثر على وجوب دم المتمتع إذا كان دون مسافرة قصر، أما إذا كان مسافة قصر فأكثر فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، والصحيح أنه لا يؤثر على وجوب دم المتمتع إلا إذا رجع إلى بلده، ثم سار من بلده وأحرم بالحج في هذا العام، فهذا لا يعتبر متمتعًا، لأن سفره إلى بلده فصل بين الحج والعمرة في أن تكون العمرة بسفر مستقل والحج بسفر مستقل، فلا يكون عليه هدي في هذه الحالة .
238- لو وكل رجل عنه رجلاً مكيًّا ليحج عنه فهل يجب على هذا الوكيل المكي الإحرام من ميقات أهل اليمن أم يحرم من مكة ؟
الأكمل – وخروجًا من الخلاف – أنه إذا كان الحج فريضة وعجز عن مباشرته بنفسه أن يوكل من يحج عنه من بلده هذا هو الأفضل، وخروجًا من خلاف من أوجب ذلك عليه، وقالوا : إن المنوب عنه يجب عليه الحج من بلده، وكذلك النائب عنه .
239- هل يجوز لمسلم أن يحج أو يعتمر عن والديه وهما على قيد الحياة ؟
في المسألة تفصيل : أما الحج الواجب والعمرة الواجبة كحجة الإسلام وعمرة الإسلام فهذا لا يجوز أن يُناب عن الحي فيهما إلا إذا كان عاجزًا عجزًا لا يستطيع أداء الحج أو العمرة بصفة دائمة، فهذا الحج عنه كالمريض مرضًا مزمنًا لا يستطيع معه الركوب للحج وأداء أعمال الحج، أو الكبير الهرم بدليل الحديث أن امرأة سألت النبي صلى الله عليه وسلم أن والدها أدركته فريضة الله في الحج وهو لا يستطيع الثبات على الراحلة، أفأحج عنه ؟ قال لها النبي صلى الله عليه وسلم : ( حجي عن أبيك ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/167 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/241-243 ) من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ] .
أما حج النافلة فالأمر فيه واسع، فلا بأس أن يفعل عنه الحج وإن كان مستطيعًا عند جماعة من العلماء .(83/21)
240- نويت أداء العمرة لأخي الأكبر حيث إنه متوفى، فأريد أن أعرف هل هذا العمل من الأعمال الدينية التي تصل للميت ؟
نعم، لأن هذا شيء طيب، أداؤك العمرة عن أخيك المتوفى سواء كانت واجبة أو مستحبة، فهذا عمل جليل، ولكن بشرط أن تكون أديت عمرة الإسلام عن نفسك أولاً، والله أعلم .
241- هل يجوز لي أن أؤدي العمرة عن زوجتي وهي على قيد الحياة ؟
النيابة في العمرة أو في الحج عمن هو على قيد الحياة فيها تفصيل، إن كان الحج فريضة أو العمرة فريضة فإنه لا تجوز النيابة فيهما إلا عند عجز المنوب عنه مباشرتهما بنفسه، إما لهرم وكبر، وإما لمرض مزمن لا يستطيع معه القيام بالحج أو العمرة ولا ينتظر منه ذلك، حينئذ يوكل من يؤدي عنه حجة الإسلام وعمرة الإسلام، لأنه تعذر أداؤه لهما، فينيب من يحج عنه أو يعتمر، أما مادام ينتظر منه أن يباشر ذلك بنفسه فإنه لا يجوز له أن يوكل في حجة الإسلام وعمرة الإسلام، أما النافلة في الحج والعمرة حج النافلة أو عمرة النافلة فالأمر فيهما واسع إذا وكل فيهما فلا حرج في ذلك، وإن كان الأولى بل الواجب عند بعض العلماء أن يباشر الحج والعمرة لنفسه إذا كان قادرًا ولو كان ذلك نافلة، والله أعلم .
242- والدي شيخ كبير في السن وكفيف البصر هل يجوز لي أن أحج عنه ؟ أرشدوني وفقكم الله إلى سواء السبيل ؟
إذا كان والدك كبيرًا وهو لا يستطيع الذهاب إلى الحج للكبر فإنه لا بأس أن تحج عنه بشرط أن تكون قد أديت فريضة الإسلام عن نفسك أولاً، أما إذا كان والدك لا يمنعه الكبر من الذهاب إلى الحج بأن كان عنده بقية من القوة يستطيع بها أن يذهب إلى الحج بنفسه فإنه يجب عليه أن يحج بنفسه إذا كانت عنده الاستطاعة المالية أو أنت تريد أن تساعده بالمال للقيام بالحج أو العمرة .(83/22)
243- لي والدة تبلغ من العمر أربعين عامًا ولم تؤد فريضة الحج، وذلك لعدم استطاعتها على القيام من ألم في قدميها منذ طفولتها، هل يجوز لي أن أحج عنها ؟ وهل عليها إثم بتأخيرها الحج إلى هذا الوقت ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا .
إذا كانت والدتك لا تستطيع القيام لمرض في قدميها من الصغر وهي مقعدة لا تستطيع المشي والقيام، فإن كان يمكن أن تحج معكم ويطاف بها محمولة، ويسعى بها محمولة، وترموا عنها الجمار، وتقف معكم في عرفات وفي مزدلفة ومنى، فإنه يتعين ذلك، أما إذا كانت لا تستطيع أن تحمل في الطريق إلى الحج فحينئذ يعتبر هذا مرضًا مزمنًا فيجوز لها أن توكل من يحج عنها بشرط أن يكون الوكيل قد أدى حجة الإسلام عن نفسه أولاً .
244- والدتي متوفاة، وأنا الآن متوجه لأداء فريضة الحج عنها، فما الحكم ؟ وهل يجوز أن أحج بعد هذه المرة أم لا ؟
لا بأس بذلك بشرط أن تكون قد حججت عن نفسك حجة الإسلام، فإن لم تكن حججت عن نفسك فابدأ بنفسك أولاً، ثم إذا كان في العام القادم أو ما بعده فإنك تحج عنها إن أمكنك ذلك، وذلك من برها والإحسان إليها، وإن أنبت غيرك ممن قد حج عن نفسه وهو تقي ثقة فلا بأس .
245- هل يجوز تغيير النية للمفرد بعد الطواف والسعي ليصبح متمتعًا ؟
لا مانع من ذلك، بل الأحسن أن يتحول من كونه مفردًا إلى كونه متمتعًا، فإذا طاف وسعى يقصر من رأسه ويتحلل ويعتبرها عمرة، ثم يحرم بالحج بعد ذلك ويكون متمتعًا، وهذا يسمى فسخ الحج إلى العمرة، وقد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بعدما طافوا وسعوا أن يقصروا ويجعلوها عمرة يحرمون بعدها بالحج ليكون متمتعين إلا من كان ساق الهدي، فإنه يبقى على إحرامه (7).
246- هناك بعض الأخطاء التي تقع في الطواف، ما هي هذه الأخطاء ؟
1- كثير من الحجاج يلتزم أدعية خاصة في الطواف يقرؤها من مناسك، وقد يكون مجموعات منهم يتلقونها من قارئ يلقنهم إياها ويرددونها بصوت جماعي، وهذا خطأ من ناحيتين :(83/23)
الأولى : أنه التزام دعاء لم يرد التزامه في هذا الموطن، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في الطواف دعاء خاص .
الثاني : أن الدعاء الجماعي بدعة وفيه تشويش على الطائفتين، والمشروع أن يدعو كل شخص لنفسه وبدون رفع صوته .
2- بعض الحجاج يقبل الركن اليماني، وهذا خطأ، لأن الركن اليماني يستلم باليد فقط ولا يقبل، وإنما يقبل الحجر الأسود، فالحجر الأسود يستلم ويقبل إن أمكن أو يشار إليه مع الزحمة إليه، والركن اليماني يستلم ولا يقبل ولا يشار إليه عند الزحمة، وبقية الأركان لا تستلم ولا تقبل .
3- بعض الناس يزاحم لاستلام الحجر الأسود وتقبيله، وهذا غير مشروع، لأن الزحام فيه مشقة شديدة وخطر على الإنسان وعلى غيره، وفي فتنة بمزاحمة الرجال للنساء، والمشروع تقبيل الحجر واستلامه مع الإمكان، وإذا لم يتمكن أشار إليه بدون مزاحمة ومخاطرة وافتتان، والعبادات مبناها على اليسر والسهولة، ولا سيما أن استلام الحجر وتقبيله مستحب مع الإمكان، ومع عدم الإمكان تكفي الإشارة إليها، والمزاحمة قد يكون فيها ارتكاب محرمات فكيف ترتكب محرمًا لتحصيل سنة ؟ ! .
247- هل يجوز الطواف بدون وضوء رغم أنني بدأت الطواف على طهارة وفي أثناء الطواف انتقض وضوئي فلم أستطع التيمم ولا الخروج لإعادة الوضوء ؟ إذا كان لا يصح فماذا أفعل الآن ؟(83/24)
من شروط صحة الطواف الطهارة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم منع الحائض من الطواف، فقال : ( افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/171 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، فالطهارة شرط من شروط الطواف، ولا يكفي التيمم كما يقول السائل، بل لابد من الوضوء، لأن الماء متوفر، إلا في حالة العجز عن استعمال الماء لمرض فإنه يتيمم، وإذا بدأ الطواف بطهارة وانتقض أثناء الطواف عليه أن يخرج ويتوضأ ويطوف من جديد، وإذا كان هذا الطواف الذي طافه طواف حج أو عمرة، فعليه أن يرجع إلى مكة ويعيد الطواف وما بعده من سعي وطواف وداع، وعليه أيضًا أن يتجنب جماع زوجته إلى أن يطوف ويسعى، وإن كان قد جامع فإنه يكون عليه فدية يذبحها في مكة ويوزعها على فقراء الحرم .
248- ما حكم من طاف ستة أشواط حول الكعبة والسابع من داخل حجر إسماعيل، ثم سعى سبعة أشواط وتحلل بعد ذلك ؟ فما يجب عليه حتى تكمل حجته أو عمرته ؟
هذا يعتبر لم يكمل السبعة الأشواط، لأن الشوط الذي جاء به من داخل الحجر لم يكن مستوفيًا للكعبة فهو لم يكمل الطواف بالبيت، وإذا لم يتم طوافه لم يصبح سعيه كاملاً، لأن السعي يشترط أن يكون بعد طواف صحيح، فيجب عليه أن يعيد الطواف والسعي .
249- امرأة مريضة سعت بعد طواف القدوم، ولكنها لم تستطع إتمام السعي لمرضها، فما الحكم في هذه الحالة ؟
المريض إذا شرع في السعي أو في الطواف ولم يستطع إكماله فإنه يكمل به محمولاً، بأن يحمل ويطاف به، وإذا لم يتيسر حمله في هذه الحالة وقطع الطواف أو السعي فإنه يستأنف الطواف والسعي من جديد إن صح في جسمه وقوي على الطواف أو السعي بنفسه أو يطاف ويسعى به محمولاً من جديد، ولا يبني على الأشواط السابقة إذا طال الفصل أو انتقض وضوءه في حالة الطواف .(83/25)
250- أنا من إحدى قرى جيزان، وقد ذهبت إلى مكة المكرمة للبحث عن عمل، وفعلاً عملت هناك، واستقررت بها وأخذت أهلي معي، وفي البداية لم تكن والدتي معنا، وقد حضرت إلينا لزيارتنا، وأخذت عمرة ولكنها أثناء العمرة وفي السعي تعثرت في المشي فوقعت على الأرض وأصيبت، فنقلناها إلى المستشفى، ولكنها توفيت على أثر ذلك، وقد أكملت عمرتها تلك نيابة عنها، فهل ما فعلته صحيح أم لا ؟ كذلك حججت عنها وقد أديت جميع أركان الحج وواجباته إلا السعي بعد طواف الإفاضة لم أستطع أداءه لعجزي البدني، فأنا أسير على قدمي الواحدة وبدل الأخرى عصا أتكئ عليها، ولم يكن معي من المال ما يكفي لأستأجر عربة، فماذا عليَّ في ذلك ؟
أما بالنسبة للشق الأول من السؤال وهو أن والدتك ماتت قبل إكمال مناسك العمرة، فإنها تكون باقية في إحرامها ولا يكمل عنها النسك الذي أحرمت به، لأن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة الرجل الذي وقصته راحلته ومات في عرفة وهو محرم أمر بدفنه بثيابه ونهى عن تغطية رأسه، ونهى عن أن يمس الطيب، وقال عليه الصلاة والسلام : ( إنه يُبعث يوم القيامة ملبيًا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 2/75 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، فدل أن المحرم إذا مات في أثناء إحرامه قبل استكمال مناسك الحج والعمرة فإنه يبقى في إحرامه إلى أن يبعث، وأنه لا يكمل عنه النسك، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمر الصحابة بأن يكملوا عنه بقية النسك .(83/26)
أما بالنسبة للشق الثاني من السؤال وهو أنك حججت عنها بعد وفاتها من باب البر بها والإحسان إليها، فهذا شيء تشكر عليه ونرجو من الله عز وجل أن يتقبله منك، وأما بالنسبة لترك السعي، فهذا غلط، لأنه يجب عليك إتمام المناسك، والسعي ركن من أركان الحج لا يتم الحج إلا به، فإن كنت قد أحرمت مفردًا بالحج أو قارنًا بين الحج والعمرة وسعيت بعد طواف القدوم فإنه ليس عليك سعي آخر بعد طواف الإفاضة، أما إن كنت متمتعًا أو كنت قارنًا أو مفردًا ولم تسع بعد طواف القدوم فإن السعي باق عليك، فيجب عليك أن تذهب وأن تسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط بنية سعي الحج، وإذا كان حصل منك مواقعة لزوجتك في هذه المدة فإنك تذبح شاة دم جبران توزعه على فقراء مكة وإذا أردت العودة إلى بلدك فإنك تطوف للوداع .
251- ما هي أقصر مدة للإقامة في منى لمن يريد التعجيل بالسفر ؟
أقصر مدة للإقامة بمنى في أيام الحج هي اليوم الحادي عشر والثاني عشر؛ يومان بعد العيد، وهذا هو التعجل، والأكمل أن يبقى اليوم الثالث عشر وهذا هو التأخر، قال تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى } [ سورة البقرة : آية 203 ] ، فالتعجل معناه أن يخرج وينفر من منى بعد رمي الجمرات في اليوم الثاني عشر بعد الزوال من قبل غروب الشمس؛ هذا التعجل، وإذا أدركه الغروب ولم يرحل من منى فإنه يتعين عليه المبيت فيها ليلة الثالث عشر والرمي في اليوم الثالث عشر بعد الظهر، والله أعلم .
252- لو كان لي عمل يلزمني حضوره مثلاً في جدة أثناء أيام الحج التي يلزم فيها المبيت بمنى، فهل يجوز لي أن أذهب لقضاء عملي ذلك ثم أعود إلى منى للمبيت فقط ؟ وما هو الوقت الذي يشمله المبيت من الليل ؟(83/27)
نعم يجوز لك أن تذهب إلى قضاء حاجتك في جدة أو غيرها، لأنها تعتبر قريبة في النهار أيام منى، ثم ترجع بالليل وتبيت بمنى، وإن كان البقاء في منى ليلاً ونهارًا في هذه الأيام أفضل، ولكن المتعين والواجب هو المبيت بها، أما النهار فيجوز لك أن تذهب لحاجتك وترجع لتبيت فيها، أما الوقت الكافي من المبيت لمن كان بمنى من أول الليل إلى نصف الليل فإذا بتَّ في منى إلى منتصف الليل، ثم خرجت بعد منتصف الليل منها فلا مانع من ذلك .
253- بعد رجوعي من عرفة قدمت إلى منى، ولكني لم أجد مكانًا بها، ثم ذهبت إلى مزدلفة، فما الحكم ؟
يقول الله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] ، فإذا حاولت أن تجد مكانًا تنزل فيه بمنى ولم تجد وتعذر عليك هذا، فإنك تنزل في أقرب مكان إليها من مزدلفة أو غيرها متصلاً بمنازل الحجاج، وهذا منتهى استطاعتك ولا شيء عليك – إن شاء الله – لكن ما يفعله بعض الحجاج من التساهل في طلب النزول بمنى والبحث عن مكان ويذهبون وينزلون في شقق في العزيزية أو في مكة من أجل الرفاهية فهذا عمل لا تبرأ به ذممهم .
254- لاحظنا أن بعض الحجاج الذين لا يتمكنون من الصلاة في مسجد نمرة يصلون في أماكنهم ويقوم أحدهم بإلقاء الخطبة والصلاة بهم كما في المسجد، فهل يجوز عقد خطبتين أو أكثر في عرفة ؟
الخطبة في يوم عرفة خطبة واحدة يقوم بها إمام المسلمين أو نائبه في مكان واحد وهو نمرة، وليست مشروعة على كل مجموعة من الحجاج وإنما بقية الحجاج الذين لا يحضرون مع الإمام في مكان الخطبة يصلون الظهر والعصر جمعًا وقصرًا، جمع تقديم، بدون خطبة وما فعله هؤلاء الذين ذكرهم السائل تعتبر بدعة لا يجوز فعله ويجب تركه والنهي عنه وبالإمكان سماع الخطبة من المسجد بواسطة المذياع .
255- هناك أخطاء تقع من الحجاج في الوقوف بعرفة، ما هي ؟(83/28)
1- بعض الحجاج لا يتأكد من مكان الوقوف ولا ينظر إلى اللوحات الإرشادية المكتوب عليها بيان حدود عرفة فينزل خارج عرفة وهذا إن استمر في مكانه ولم يدخل عرفة أبدًا وقت الوقوف لم يصح حجه، فيجب على الحاج الاهتمام بهذا الأمر والتأكد من حدود عرفة ليكون داخلها وقت الوقوف .
2- يعتقد بعض الحجاج أنه لابد في الوقوف بعرفة من رؤية جبل الرحمة أو الذهاب إليه والصعود عليه، فيكلفون أنفسهم عنتًا ومشقة شديدة، ويتعرضون لأخطار عظيمة من أجل الحصول على ذلك، وهذا كله غير مطلوب منهم، وإنما المطلوب حصولهم في عرفة في أي مكان منها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( وعرفة كلها موقف وارفعوا عن بطن عرنة ) [ رواه الإمام مالك في " الموطأ " ( 1/388 ) بلاغًا، ورواه الإمام أحمد ( 4/82 ) من حديث جبير بن مطعم، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/115 ) من حديث محمد بن المنكدر، وعند مسلم ( 2/893 ) من حديث جابر رضي الله عنه بدون ذكر : " وارفعوا عن بطن عرنة " ] سواء رأوا الجبل أو لم يروه، ومنهم من يستقبل الجبل في الدعاء والمشروع استقبال الكعبة .
3- بعض الحجاج ينصرفون ويخرجون من عرفة قبل غروب الشمس وهذا لا يجوز لهم، لأن وقت الانصراف محدد بغروب الشمس، فمن خرج من عرفة قبله ولم يرجع إليها فقد ترك واجبًا من واجبات الحج ويلزمه به دم مع التوبة إلى الله، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم مازال واقفًا بعرفة حتى غروب الشمس (8) ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 5/25 ) من حديث جابر بن عبد الله، ورواه مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ : " لتأخذوا مناسككم " ، من حديث جابر رضي الله عنه ] .
256- أحد أصحابنا ذهب للحج ولكنه عندما ذهب إلى عرفة في اليوم التاسع وجد الزحام شديدًا قبل الوصول إليها فقرر الرجوع إلى عمله، فماذا يجب عليه الآن ؟(83/29)
إذا أحرم الإنسان بالحج أو العمرة وجب عليه المضي فيهما إلى أن يكمل مناسكهما ولا يجوز له رفض الإحرام ولا يعفيه ذلك من إتمام نسكه، قال تعالى : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [ سورة البقرة : آية 196 ] ، وقال تعالى : { فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ } [ سورة البقرة : آية 197 ] الآية – ومعنى فرض : أحرم – فإذا أحرم الإنسان بالنسك صار فرضًا عليه إكماله كما ورد في السؤال، فإنه يعتبر الآن قد فاته الحج فعليه أن يعيد ملابس الإحرام ويتحلل بعمرة، ثم في العام القادم يقضي هذا الحج الذي رفضه ويذبح فدية .
257- حججت هذا العام ولم أتمكن من شدة زحام السيارات من المبيت بمزدلفة وإنما مررت عليها صبيحة اليوم العاشر، فماذا يجب عليَّ ؟
المبيت بمزدلفة واجب من واجبات الحج لا يجوز تركه مع الاستطاعة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم بات بها هو وأصحابه وقال : ( خذوا عني مناسككم ) [ رواه البيهقي " السنن الكبرى " ( 5/125 ) من حديث جابر بن عبد الله، ورواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/943 ) بلفظ : " لتأخذوا مناسككم . . " من حديث جابر رضي الله عنه ] ، لكن من كان متجهًا بسيارته إلى مزدلفة يقصد المبيت بها، ثم حبسه سير السيارات ولم يتمكن من الوصول إليها حتى طلع الفجر فهذا ليس عليه شيء، لأنه معذور، والله أعلم .
258- وما الأخطاء التي تقع من بعض الحجاج في مزدلفة ؟(83/30)
المطلوب من الحاج إذا وصل إلى مزدلفة أن يصلي المغرب والعشاء جمعًا، ويبيت فيها فيصلي بها الفجر، ويدعو إلى قبيل طلوع الشمس، ثم ينصرف إلى منى، ويجوز لأهل الأعذار خاصة النساء وكبار السن والأطفال ومن يقوم بتولي شؤونهم الانصراف بعد منتصف الليل، ولكن يحصل من بعض الحجاج أخطاء في هذا النسك، فبعضهم لا يتأكد من حدود مزدلفة ويبيت خارجها، وبعضهم يخرج منها قبل منتصف الليل ولا يبيت فيها، ومن لم يبت بمزدلفة من غير عذر فقد ترك واجبًا من واجبات الحج يلزمه به دم جبران مع التوبة والاستغفار .
259- هل هناك مكان معين للإقامة فيه أو حوله في مزدلفة أم أن أي مكان فيها يصلح أن يقيم فيه الحاج ومتى يتجه إلى منى ؟
مزدلفة كلها موضع للمبيت لا يختص جانب منها عن الجانب الآخر، بل كل عرصاتها مشعر وموضع للمبيت لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( جمع كلها موقف ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/200 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/240-243 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1100 ) بنحوه، كلهم من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه ] ، فالمسلم إذا وصل إلى مزدلفة، فإنه ينزل في أي مكان تيسر له النزول فيه ويصلي بها المغرب والعشاء جمعًا عند وصوله ويذكر الله سبحانه وتعالى ويدعو، أما وقت الدفع من مزدلفة إلى منى فهو قبيل طلوع الشمس إذا أسفر جدًّا، ويجوز للضعفة الدفع من مزدلفة إلى منى بعد منتصف الليل من ليلة النحر .
260- هل يجوز التقاط حصيات لرمي الجمرات من حولها مما قد رمى به سابقًا لمن فقد شيئًا من الحصى التي أتى بها لغرض الرمي، أو وقعت من يده ؟ وهل لابد من إصابة رأس الجمرة أو لا مانع حتى لو لم تصب إلا أسفلها ؟
لا مانع من أخذ الحصى مما قرب من الجمرات إلا أنه لا يأخذ من حصى ( حوض الجمرة ) ، أما إذا أخذ من الحصى المتناثر في الطريق إليها أو حولها فلا مانع من ذلك .(83/31)
وأما موضع الرمي فهو الحوض فيشترط أن تسقط الحصاة في حوض الجمرة سواء استقرت فيه بعد ذلك أو تدحرجت وسقطت، أما رمي الشاخص أو العمود فهو غير مشروع، فإذا فعل ذلك ولم تقع الحصاة في الحوض فإنها لا تجزيه فإذا ضرب العمود وطارت ولم تقع في الحوض فإنها لا تجزيه، لأنه ليس المقصود رمي العمود إنما المقصود رمي الحوض والعمود، إنما جعل علامة على الرمي فقط، وليس هو المقصود بالرمي، وإذا لم يتأكد وقوعها في الحوض فإنه يرمي بدلها، لأنه الواجب ولا يسقط إلا بيقين .
261- ما حكم رمي الجمار قرب منتصف الليل هل يجوز أم لا ؟
رمي الجمار الثلاث بَيَّنَه صلى الله عليه وسلم (9) بأنه يبدأ بزوال الشمس فإذا زالت الشمس في اليوم الحادي عشر وما بعده فإنه يكون قد دخل وقت الرمي، وأما الرمي بالليل فمحل إشكال وخلاف وفي الوقت متسع للرمي بالنهار، ولله الحمد، لأنه يبدأ من زوال الشمس إلى غروب الشمس، فهذا وقت واسع يتحين الإنسان الأخف والأرفق به ويرمي به ولا يعرض نسكه للخطر والخلاف، ويجوز أن يؤخر رمي يوم إلى يوم بعده من أيام التشريق ويبدأ به مرتبًا قبل رمي اليوم الحاضر .
262- في صباح اليوم العاشر من ذي الحجة يوم العيد بدأت برمي جمرة العقبة في الصباح، ثم عقبتها برمي بقية الجمرات في الصباح أيضًا فهل فعلي هذا صحيح أم عليَّ شيء في ذلك ؟
يوم العيد ليس فيه رمي إلا جمرة العقبة فقط، أما ما حصل منك من أنك رميت بقية الجمرات في هذا اليوم فهذا خطأ ولا حكم له وجوده كعدمه، وإنما ترمي الجمرات الثلاث الصغرى، ثم الوسطى، ثم الكبرى في اليوم الحادي عشر وما بعده من أيام التشريق .
263- ما حكم من رمى حصاتين في وقت واحد عند الجمرتين الوسطى أو أي جمرة ؟ وماذا يجب عليه فعله الآن لو حصل منه ذلك ؟(83/32)
الذي يرمي حصاتين جميعًا لا تجزيانه إلا عن واحدة، والواجب أن ترمى الحصيات السبع متتابعة كل واحدة بعد الأخرى، فإذا تبين له أنه أخل في الرمي في وقت الرمي في أيام التشريق فإنه يعيد الرمي مرتبًا على الصفة المشروعة، أما إذا لم يتبين له الخطأ إلا بعد فوات أيام التشريق فإنه حينئذ يكون عليه فدية وهي ذبح شاة في مكة يوزعها على فقراء الحرم .
264- هل يشترط إصابة الجمرات في الرمي ؟
يشترط أن يقع الحصى في المرمى وهو الحوض سواء استقر فيه أو سقط بعد مروره على الحوض والتي لا تقع في الحوض لا تحسب، وكثير من الحجاج يظنون أن الذي يُرمى هو العمود الشاخص فيصوبون إليه حصاهم فيتطاير هنا وهناك ولا يقع في الحوض، وهذا خطأ كبير .
265- قمت بفريضة الحج أثناء الموسم المنصرف ومن جملة المناسك التي قمت بها أنني رميت جمرة العقبة وتحللت التحلل الأول بحلق بعض الشعر وجئت من الغد لأرمي الجمرات الثلاث فتبينت أني رميت من خلف النصب وأصبت ظهرها فأعدت رمي جمرة العقبة يوم الثاني عشر من ذي الحجة، فهل يعتبر عملي هذا صحيحًا أم ماذا يجب عليَّ أن أفعله حتى يكون عملي صحيحًا ؟
أولاً : الواجب في الحلق أو التقصير تعميم الرأس ولا يكفي أن يأخذ بعض الشعرات .
وثانياً : إعادته لرمي جمرة العقبة في اليوم الثاني بأن تبين له بأنه في اليوم الأول رماها في غير محل الرمي، وأن الحصى لم يصل إلى حوض الجمرة، فعمله هذا صحيح وهذا هو المتعين عليه، فمن لم يرم الجمرة في اليوم الأول لعذر من الأعذار أو تبين له أن رميه غير صحيح فعليه إعادته في اليوم الثاني لكن يبدأ أولاً بالرمي الماضي – رمي اليوم الأول – ثم يرمي جمرات اليوم الحاضر .
266- بعد أن أديت فريضة الحج هذا العام وبعدما رميت جمرة العقبة في أول وثاني أيام العيد ذهبت من منى قبل غروب الشمس ووكلت صديقًا لي يرمي الجمرات في اليوم الثالث نظرًا لظروف عملي، فهل عليَّ دم ؟(83/33)
الواجب على الحاج أن يباشر أعمال الحج بنفسه من رمي وغيره إلا إذا احتاج للتوكيل بأن لا يقدر على رمي الجمرات لضعفه أو لمرضه أو امرأة تخشى من الزحام، تخشى من الفتنة، أو الطفل الصغير الذي لا يطيق الرمي بنفسه في هذه الحالة يجوز التوكيل أو إنسان أو مثل ما ذكر السائل ظروف العمل تحول بينه وبين الرمي في وقته فليوكل، لكن ليس معنى هذا أنه يوكل على الرمي أو على بقية الرمي ويسافر، لأن الحج لم ينته والسفر إنما يكون بعد نهاية أعمال الحج التي آخرها طواف الوداع، فهو يوكل لعذر من الأعذار الشرعية من يرمي عنه، فإنه لا ينفر ولا يسافر إلا بعد أن تنتهي أعمال الحج ويطوف بعد ذلك، وفي ختام أعمال الحج يطوف للوداع، أما لو سافر قبل نهاية أعمال الحج فإنه يكون قد سافر قبل جواز السفر له شرعًا، ويكون قد أدى طواف الوداع في غير وقته، فيكون عليه دم، لأن طواف الوداع قبل نهاية أعمال الحج لا تجزي صاحبه فيكون في حكم التارك له، ومن ترك واجبًا من واجبات الحج فإنه يكون عليه دم يذبح شاة في مكة ويوزعها على مساكين الحرم جبرانًا لما ترك من طواف الوداع في وقته، وعليه دم آخر لترك المبيت بمنى، والله أعلم .
267- هناك أخطاء في رمي الجمرات ما هي ؟
رمي الجمرات واجب من واجبات الحج، وذلك بأن يرمي الحاج جمرة العقبة يوم العيد، ويجوز بعد منتصف الليل من ليلة العيد، ويرمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق بعد زوال الشمس، لكن يحصل من بعض الحجاج في هذا النسك أخطاء، وبيانها كما يلي :
1ـ فمنهم من يرمي في غير وقت الرمي، بأن يرمي جمرة العقبة قبل منتصف الليل في ليلة العيد، أو يرمي الجمرات الثلاث في أيام التشريق قبل زوال الشمس، وهذا الرمي لا يجزئ، لأنه في غير وقته المحدد له، فهو كما لو صلى قبل دخول وقت الصلاة المحدد لها .
2ـ ومنهم من يخل بترتيب الجمرات الثلاث، فيبدأ من الوسطى، ثم الكبرى وهي الأخيرة .(83/34)
3ـ ومنهم من يرمي في غير محل الرمي وهو حوض الجمرة، وذلك بأن يرمي الحصى من بُعد فلا تقع في الحوض، أو أن يضرب بها العمود فتطير ولا تقع في الحوض، وهذا رمي لا يجزئ، لأنه لم يقع في الحوض، والسبب في ذلك الجهل أو العجلة أو عدم المبالاة .
4ـ ومنهم من يقدم رمي الأيام الأخيرة مع رمي اليوم الأول من أيام التشريق، ثم يسافر قبل تمام الحج، وبعضهم إذا رمى لليوم الأول يوكل من يرمي عنه البقية ويسافر إلى وطنه، وهذا تلاعب بأعمال الحج وغرور من الشيطان، فهذا الإنسان تحمل المشاق، وبذل الأموال لأداء الحج، فلما بقي عليه القليل من أعماله تلاعب به الشيطان فأخل به وترك عدة واجبات من واجبات الحج، وهي رمي الجمرات الباقية، وترك المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، وطوافه للوداع في غير وقته، لأن وقته بعد نهاية أيام الحج وأعماله .
فهذا لو لم يحج أصلاً وسلم من التعب وإضاعة المال لكان أحسن، لأن الله تعالى يقول : { وَأَتِمُّواْ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ } [ سورة البقرة : آية 196 ] ، ومعنى إتمام الحج والعمرة إكمال أعمالهما لمن أحرم بهما على الوجه المشروع، وأن يكون القصد خالصًا لوجه الله تعالى .
5ـ من الحجاج من يفهم خطأ في معنى التعجل الذي قال الله تعالى : { فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } [ سورة البقرة : آية 203 ] ، فيظن أن المراد باليومين يوم العيد ويوم بعده، وهو اليوم الحادي عشر فينصرف في اليوم الحادي عشر ويقول : أنا متعجل، وهذا خطأ سببه الجهل، لأن المراد يومان بعد يوم العيد، هما اليوم الحادي عشر والثاني عشر، من تعجل فيهما فنفر بعد أن يرمي الجمار بعد زوال الشمس من اليوم الثاني عشر وقبل غروب الشمس فلا إثم عليه، ومن تأخر إلى اليوم الثالث عشر فرمى الجمار بعد زوال الشمس فيه، ثم نفر فهذا أفضل وأكمل .(83/35)
268- نساء مستطيعات لرمي الجمار ولكن منعهن زحام فهل يتعين عليهن الرمي بأنفسهن أم يجوز لهن التوكيل ؟
إذا كان فيه زحمة شديدة ولا يستطعن المزاحمة أو يخشى من الفتنة، لأن مزاحمة المرأة للرجال فيها تعرض لفتنة الرجال بالنساء والنساء بالرجال، ففي هذه الحالة توكل من يرمي عنها، وكذا إذا وجد في الرمي زحمة شديدة وكانت المرأة لا تتحمل من ناحية صحتها، أن تتأخر أو تأخر بها وليها إلى وقت آخر وتحين فرصة أخرى يكون الرمي فيها أخف، فهذا أسن وأحوط .
269- تعلمون شدة الزحام عند الجمرات، فهل يجب على النساء رمي الجمار بأنفسهن أم يجوز لهن التوكيل خوفًا من الزحام وتلافيًا للفتنة ؟
يجب على المرأة الحاجة أن ترمي الجمار بنفسها إذا تمكنت من ذلك، أما إذا لم تتمكن من الرمي لمرضها أو كبر سنها أو لشدة الزحام التي لا تطيقها أو تخشى من الفتنة عليها وعلى غيرها في المزاحمة، فلا بأس في هذه الحالات أو تُوكل من يرمي عنها، لكن بالإمكان أن تتحين الأوقات التي ليس فيها زحمة شديدة، ثم ترمي وتتجنب أوقات الزحمة، والله أعلم .
270- هل يجوز التوكيل في رمي جمرة العقبة عمن لا يقدر على تحمل متاعب الزحام حولها ؟
يجوز التوكيل عند العجز لرمي جمرة العقبة وغيرها، ويجوز له عند الرمي أن يوكل من يرمي عنه .
271- إذا أخرت الحلق أو التقصير ناسيًا إلى اليوم الحادي عشر، فقمت بالتقصير، فهل يجوز ذلك أم عليَّ شيء في هذا ؟(83/36)
تأخير الحلق أو التقصير إلى اليوم الحادي عشر أو الثاني عشر لا حرج فيه – إن شاء الله – وإن كان الأفضل المبادرة، وأن يفعله يوم العيد بعد ذبح الهدي إذا كان عليه هدي، وهو الأفضل، لكن لو أخره فلا مانع من ذلك، لكن لا يتم تحلله من الإحرام إلا بفعل هذه الثلاثة : رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، ثم طواف الإفاضة، والسعي بعده لمن عليه سعي، فإن فعل اثنين من هذه الثلاثة تحلل التحلل الأول الذي يبيح له كل شيء حرم عليه بالإحرام إلا النساء .
272- ما هو الوقت الأفضل لأداء طواف الإفاضة فيه ؟
الأفضل أن يطوف طواف الإفاضة يوم العيد إذا أمكن، ويجوز تأخيره عن يوم العيد ويجوز أن يطوف في الليل ليلة الحادي عشر أو ما بعدها، كما أنه يجوز لأهل الأعذار ومن في حكمهم أن يطوفوا بعد منتصف الليل من ليلة النحر، فوقت طواف الإفاضة يبدأ من بعد منتصف ليلة النحر ولا حد لنهايته، والأفضل أن يؤدى في يوم العيد .
273- هل يجوز تأخير طواف الإفاضة في الليل إذا لم أتمكن من أدائه في النهار ؟
نعم يجوز فعل طواف الإفاضة ليلاً ونهارًا في أيام التشريق وبعدها إلا أنه من الأفضل والأحسن أن يأتي به يوم العيد إذا أمكن، وإذا لم يتمكن من ذلك، فالأمر واسع، والحمد لله .
274- هل يجوز للمتمتع تقديم سعي الحج في اليوم الثامن مقدمًا على طواف الإفاضة ؟
المتمتع لا يجوز له أن يقدم السعي على طواف الإفاضة، لأن السعي في حق المتمتع إنما يكون بعد طواف الإفاضة، فتقديمه قبل طواف الإفاضة جاء في غير محله فلا يجزئ .
275- ماذا عن الأخطاء التي تقع في الحلق أو التقصير ؟(83/37)
بعض الحجاج يكتفي بقص شعرات من رأسه وهذا لا يكفي ولا يحصل به أداء النسك؛ لأن المطلوب التقصير من جميع الرأس، لأن التقصير يقوم مقام الحلق، والحلق لجميع الرأس، قال تعالى : { مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ } [ سورة الفتح : آية 27 ] ، والذي يقصر بعض رأسه لا يقال : إنه قصر رأسه، وإنما يقال : قصر بعضه .
276- إذا حلقت شعري بماكينة حلاقة، وقد لا تأخذ الشعر من أصله، فهل أعتبر مقصرًا أو حالقًا ؟
إذا كانت الماكينة تقص الشعر من أعلاه وتبقي منه شيئًا كثيرًا فهذا يعتبر تقصيرًا، أما إذا كانت الماكينة تأخذ الشعر من أسفله ولا تبقي إلا أصوله فهذا يعتبر حلقًا أو قريبًا من الحلق، والأولى أن يحلق بالموسى عملاً بالسنة، والله أعلم .
277- يقول السائل : أدى والدي وخالي حجة الإسلام – بحمد الله – في العام الماضي، وفي اليوم العاشر من ذي الحجة، وبعد رمي جمرة العقبة طلبت منهما أن يحلقا، فكنت أظن أن الحلق سنة عملاً بالحديث الشريف : ( اللهم ارحم المحلقين ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/188 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] ، وكنت مصرًّا على أن يحلقا، وذلك لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كرر عبارة : ( رحم الله المحلقين ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/188 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] ثلاث مرات، ولكنهما أجاباني بأنهما سوف يحلقان بعد أن يؤديا العمرة، وبعد أداء العمرة كان الوقت ضيقًا فلم يتمكنا من الحلق، وهكذا افترقنا، فعدت إلى مقر عملي وتركتهما يتأهبان للعودة إلى الوطن، علمًا بأن كلاً منهما أخذ شيئًا يسيرًا من شاربه ولحيته، وعند عودتي علمت أن الحلق محظور، يجبر بالدم، ماذا أفعل الآن إذا كانت الإجابة هي أن ذلك يجبر بالدم في شهور الحج ؟ وما هي كيفية التلبية التي يجب أن يتلفظ بها الإنسان ؟(83/38)
أما قضية حلق الشعر لنسك الحج أو العمرة فهو الأفضل كما ذكر السائل، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا للمحلقين ثلاثًا، وللمقصرين مرة واحدة، والله تعالى يقول : { مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لا تَخَافُونَ } [ سورة الفتح : آية 27 ] ، فقدم الحلق على التقصير، مما يدل على أن الحلق أفضل، وما ذكره من حال أصحابه الذين أمرهم بالحلق ولم يحلقوا فإن كانوا قصروا فالتقصير يكفي للنسك، وإن كان الحلق أفضل منه، وأما إذا كانوا لم يقصروا ولم يحلقوا فحينئذ يكون قد بقي عليهم نسك من مناسك الحج، فيجب عليهم إذا علموا أن يبادروا بالحلق أو التقصير بنية النسك، وإذا كان حصل منهم جماع لزوجاتهم في هذه الفترة فيكون عليهم فدية ذبح شاة يوزعونها على المساكين في الحرم، وإذا كان القصد بأنهم أخذوا من شواربهم أو من اللحية مع أن الأخذ من اللحية أمر لا يجوز، فإذا كانوا فعلوا هذا بعد رمي جمرة العقبة، والحلق أو التقصير، فليس عليهم شيء في ذلك إلا الإثم في الأخذ من اللحية، لأن من فعل شيئين من ثلاثة جاز له ما منع منه بالإحرام سوى مقاربة النساء، أما إذا كانوا أخذوا من شواربهم ولحاهم قبل فعل اثنين من الثلاثة فيكون عليهم فدية وهي ذبح شاة أو إطعام ستة مساكين في الحرم أو صيام ثلاثة أيام .
أما التلبية المشروعة أن يقول : لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك لبيك، وإن زاد عليها بعض الألفاظ الواردة فلا مانع من ذلك، هذه التلبية المشروعة ويرفع بها صوته .
278- من نسي أن يطوف طواف الوداع ولم يذكر إلا بعد وصوله إلى بلده البعيد عن مكة أو كان جاهلاً ولم يعلم إلا بعد وصوله فماذا عليه أن يفعل في تلك الحالتين ؟(83/39)
إذا ترك طواف الوداع وسافر ولم يفطن إلا بعد وصوله إلى بلده أو بعد بلوغه مسافة القصر ثمانين كيلو مترًا فأكثر، فهذا يتقرر في حقه الفدية ( الدم ) ، وهو ذبح شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة يذبحها في مكة ويوزعها على مساكين الحرم .
279- هل على من يقيم بمكة طواف وداع أو لا ؟
الحاج الذي يقيم في مكة بعد الحج ليس عليه طواف وداع، إنما الوداع عند المغادرة إذا أنهى أعماله وأراد أن يسافر إلى بلده، فإنه يطوف طواف الوداع سواء كان سفره بعد الحج مباشرة، أو تأخر عن الحج فإنه يطوف طواف الوداع، لأنه واجب من واجبات الحج .
280- من يقيم في جدة مثلاً هل يجوز له تأجيل طواف الوداع إلى ما بعد أيام الحج، أي بعد أن يخف الزحام حول البيت وفي هذه الأثناء يتوجه إلى جدة، ثم يعود لتأدية طواف الوداع ؟
إذا فرغ من أعمل الحج فإنه لا يغادر مكة حتى يطوف طواف الوداع، وإذا كان في زحام فإنه ينتظر ويتحين الفرصة، ثم يطوف طواف الوداع ويخرج إلى جدة أو إلى غيرها .
281- وهذا الحكم حتى في العمرة ؟
العمرة ليس لها وداع على الصحيح إنما الوداع من واجبات الحج، أما العمرة إن حصل وتيسر أن طاف عند خروجه فحسن، وإن لم يحصل فإنه غير متعين، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمر بطواف الوداع في حق المعتمرين، وإنما أمر به الحجاج (10).
282- طواف الوداع للحج، من يريد تأدية عمرة بعده هل يكون قبل العمرة أو بعدها قبل السفر أو يصح في الحالتين ؟(83/40)
طواف الوداع يكون آخر شيء عندما يريد مغادرة مكة إذا أنهى أشغاله كلها وأموره، وإذا كان يريد عمرة بعد الحج فإنه يأتي بها، فإذا أراد أن يخرج فإنه عند الركوب يطوف طواف الوداع، أما لو أنه طاف طواف الوداع، ثم راح وجاء بعمرة بعد طواف الوداع فإن تأخر في مكة بعد العمرة فعليه أن يعيده، لأنه لم يكن حينئذ الوداع آخر عهده بالبيت، والحديث ينص على أنه أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت (11) ، وإن سافر بعد العمرة مباشرة، فإن طوافها يكفي عن الوداع، لأنه لم يرد أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر عائشة رضي الله عنها بطواف الوداع لما أدت العمرة من التنعيم بعد الحج .
283- نويت الحج وأحرمت من الميقات ودخلت مكة، ثم البيت الحرام وسعيت ووقفت في عرفة، وبعد عودتي من عرفات مكثت في منى طوال أيام التشريق ورميت الجمار، ولكني أخرت طواف الإفاضة حتى آخر أيام التشريق، ثم طفت طواف الإفاضة وسعيت، ثم طفت للوداع وانصرفت ولم أذبح لا في منى ولا في غيرها، لأنني وكلت عني من يذبح لي أضحية بمنزلي في بلدي، مع العلم بأنني نويت الحج مفردًا، فأرجو إفادتي هل حجي صحيح أم عليَّ إعادته مرة أخرى ؟
المفرد ليس عليه فدية، فإذا كنت نويت الحج مفردًا فإنه حينئذ لا فدية عليك .
284- ذهبت للحج وقيل لي : إن الحاج المفرد لا يذبح وإني إنسان لست بالغني، فنويت الحج مفردًا وبقيت إلى أن رميت الجمرات، فهل هذا الحج صحيح ؟ أم أنها ناقصة ؟ إن كان كذلك فما عليَّ الآن ؟
ما ذكرته من أنك حججت مفردًا وبقيت في إحرامك حتى أديت الحج، فهذا عمل صحيح ولا تجب عليك الفدية، لأن الفدية إنما تجب على المتمتع والقارن، أما المفرد فليس عليه فدية، ولكن إذا لم تكن اعتمرت فإن العمرة باقية في ذمتك تؤديها إن شاء الله في أي وقت تتمكن فيه .(83/41)
285- أنا حججت وأديت فريضة الحج كاملة، ولكن أنا مصري وعدت إلى أرض العراق وعليَّ فداء، هل يجوز ذبح الفداء في العراق أم في مصر، علمًا أنني لم أنزل مصرًا إلا بعد عيد الأضحى المبارك، أفيدونا مأجورين ؟
لا يجوز ذبح الفدية إلا في مكة، لأن مكة هي محل ذبح الهدي لقوله تعالى في الهدي : { لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ } [ سورة الحج : آية 33 ] ، وقوله تعالى : { وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ } [ سورة الفتح : آية 25 ] ، فمحل ذبح الهدي هو الحرم الشريف ويوزع على مساكين الحرم إذا كان دم جبران كفارة لخلل واقع في الحج، وإن كان دم متعة أو قران يذبحه في الحرم ويأكل منه ويتصدق ولا بأس أن يحمل منه إلى بلده، وعليه فالهدي باق في ذمتك ولابد من ذبحه في مكة ويكون قضاء .
286- إذا أحرمت لأداء العمرة لنفسها، ثم بعد الانتهاء منها أرادت أن تؤدي عمرة لأبيها، وأخرى لعمها، فهل يكفي أن تطوف وتسعى فقط لكل واحد منهما وذلك بإحرامها الأول الذي عقدته في الميقات أم لابد من العودة للميقات والإحرام من جديد لكل واحد منهما ؟
أولاً : تكرار العمرة في وقت متقارب فيه ما فيه من التوقف، فإن تكرار العمرة في وقت متقارب أنكره بعض العلماء، ولو أن المسلم إذا أدى العمرة يدعو لوالديه وأقاربه في طوافه وفي سعيه وفي غير ذلك في المسجد الحرام، فهذا يكفي إن شاء الله ونرجو أن يصلهم نفعه وبره، لكن لو فعلت ما ذكرت من تكرار العمرة لوالدها، ثم لعمها وهكذا، فلا بأس بذلك ولو كان خلاف الأولى، لكن لو فعلته لابد من إحرام مستقل لكل عمرة بأن تخرج إلى الحل ( إلى التنعيم أو عرفات أو الجعرانة ) ، وتحرم بالعمرة من هناك ولا تحرم بها من مكة ولا ترجع إلى الميقات .(83/42)
287- منذ سنتين ذهبت للحج وأديت فريضة الحج ولم أنوِ فيها الحج ولم أفدِ – ربما كانت تقصد أنها لم تلبِّ – علمًا أنني لا أعرف ماذا يقول الحاج عندما ينوي الحج، وعندما رجعت للمنزل صمت خمسة أيام، علمًا أن زوجي متوفى وليس لي أي محرم أحج معه، بل ذهبت مع جماعة من المعارف وحججت معهم، أفيدوني هل يصح حجي هذا أم لا ؟ وأيضًا ذهبت للحج في السنة الأخرى وأديت فريضة الحج وكما سبق وقلت ليس لدي محرم ونويت الحج وقلت : إني قارنة ولم أفدِ أيضًا وصمت بعد رجوعي للمنزل خمسة أيام، وبالنسبة للرجم وكلت السائق أن يرجم عني، فهل يصح هذا الحج بهذه الصورة أم يلزمني إعادته ؟(83/43)
أولاً : سفرها للحج في المرتين دون محرم حرام عليها ومعصية، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة ) [ رواه الإمام البخاري ( 2/35 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والحج وغيره في هذا سواء لعموم الحديث، والمرأة لا يجب عليها الحج إلا إذا وجدت المحرم، فيشترط لوجوبه على المرأة زيادة على الشروط المعتبرة في حق الرجل وجود المحرم، فإذا كانت تقدر بمالها وبدنها على الحج، ولكنها لا تجد المحرم فإنها تؤخره حتى تجد المحرم، لأن سفرها بدون محرم قد نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم، فهذه المرأة قد أخطأت في فعلها، ولكن حجها صحيح في حد ذاته مع الإثم، أما أنها لم تفد في المرة الأولى والمرة الثانية، ففي المرة الثانية وضحت أنها قارنة بين الحج والعمرة، ولكن في المرة الأولى لم توضح هل هي مفردة أو قارنة، وعلى كل حال إذا كانت قارنة أو متمتعة ولم تفد، فإن كانت لا تستطيع الفدية ماديًّا فإنها يجب عليها صيام عشرة أيام لقوله تعالى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } [ سورة البقرة : آية 196 ] ، فالواجب الصيام بدل فدية التمتع والقران، وقد ذكرت أنها صامت خمسة أيام، فعليها خمسة أيام أخر تصومها لكي تتكامل العشرة .
288- ما الحكم فيمن أخر الحج وذلك للسفر إلى الخارج من أجل النزهة ؟(83/44)
السفر إلى بلاد الكفار من أجل النزهة حرام في حق من حج ومن لم يحج، لما فيه من الخطر على الدين والعقيدة والأخلاق، ومن لم يكن أدى فريضة الحج وهو قادر على ذلك وجب عليه الحج على الفور، ولا يجوز له تأخيره لا من أجل سفر إلى الخارج ولا لغيره، ولكن إذا أجَّله من أجل السفر إلى الخارج لمجرد النزهة فهو آثم زيادة على إثم تأخير الحج عن الفورية خصوصًا إذا كان هذا السفر إلى بلاد الكفار لمجرد النزهة، فإنه يكون قدَّم سفرًا محرمًا على سفر واجب وقدم معصية على طاعة .
289- ما حكم صيام اليوم الثالث عشر من ذي الحجة ؟
الذي يصادف أيام التشريق من أيام البيض هو اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، لأن أيام البيض تبدأ من اليوم الثالث عشر من الشهر وتنتهي باليوم الخامس عشر، فلا يجوز صوم اليوم الثالث عشر من ذي الحجة، لأنه من أيام التشريق، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن صيامها عن غير دم متعة أو قران (12) ، والمستحب صيام ثلاثة أيام من كل شهر، ولا يتعين أن تكون أيام البيض، وإنما جعلها في أيام البيض أفضل إذا لم يصادف نهيًا، كهذه الحالة .
290- نويت الحج هذا العام أنا وزوجتي، وحاولت والدتي الذهاب معنا، ولكني رفضت لأني لا أقدر على مساعدة أمي وزوجتي معًا، هل أنا آثم برفض طلب أمي ؟
ينبغي أن تحج بأمك وتؤجل الحج بزوجتك، لأن البر بوالدتك واجب عليك إلا إذا سمحت لك والدتك بأن تتركها وتحج بزوجتك، فلا بأس بذلك، والله الموفق .
291- بعض العوام يقول : سأحج ولو أني هرم وكبير في السن لعلي أموت حاجًّا فأبعث يوم القيامة ملبيًا، ما رأي فضيلتكم ؟(83/45)
قال الله تعالى : { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً } [ سورة آل عمران : آي 97 ] ، فاشترط لوجوب الحج على المسلم أن يكون مستطيعًا وهو القادر بماله وبدنه، فالذي لا يستطيع الحج بماله لا يجب عليه، والذي يستطيعه بماله دون بدنه بسبب عجز مستمر معه، فإنه يوكل من يحج عنه فريضة الإسلام ويقوم بتكالفيه المالية، أما حج النافلة فإذا كان عاجزًا عنه ببدنه أو يشق عليه مشقة شديدة فإنه لا يكلف نفسه، خصوصًا في وقتنا الحاضر، وما يحصل في الحج من زحام شديد وأخطار، ومجالات فعل الخير كثيرة غير الحج مثل المشاريع التي تنفع المسلمين، والله الموفق .
292- الكتيبات والنشرات التي مع الحاج حول الأمور الشرعية بعضها متعارض، لأن الفقهاء يختلفون في المذاهب والاجتهادات، بماذا تنصح الحاج ؟
أنصح الحاج وغيره بأن يعمل بما يوافق الدليل من النشرات والكتيبات، فما قام عليه الدليل من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عمل به، وما خالف الدليل لا يعمل به، وأحسن كتاب مختصر في هذا الموضوع – حسب علمنا – هو منسك شيخ الإسلام ابن تيمية، ومنسك سماحة الشيخ عبد العزيز ابن باز، فينبغي للحاج أن يقرأ هذين المنسكين ويستفيد منهما .
293- نصراني نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه ويؤدي الصلاة، ولكن لم تسجل أوراقه رسميًّا أنه مسلم، هل يحج وهو مقتدر على ذلك ؟
نسأل الله لهذا الرجل الذي أسلم أن يثبته الله على الإسلام، وإذا استطاع الحج وجب عليه المبادرة إليه، لأنه ركن من أركان الإسلام، وعليه أن يعمل الإجراءات اللازمة نظاميًّا لأجل أداء الحج، والله الموفق .
394- تتنافس حملات الحج في تقديم تسهيلات وراحة ورفاهية للحاج، ما حكم هذا العمل ؟ وهل الأفضل الحج مع هؤلاء أو الحج بجهود ذاتية مع المشقة ؟(83/46)
لا بأس بالحج مع إحدى الحملات التي تقوم بخدمته وتسهيل إجراءات الحج ومتطلباته، وإذا حج منفردًا بجهوده الذاتية فلا بأس، وخصوصًا إذا كان لا يستطيع التكاليف التي تطلبها الحملة، فالأمر راجع إليه وإلى استعداده، والله الموفق .
295- بعض الخادمات تحج عن طريق حملات الحج بدون محرم، ما حكم هذا الحج ؟ وماذا تقولون لهؤلاء ؟
لا يجوز للمرأة المسلمة خادمة أو غيرها أن تسافر للحج أو غيره بدون محرم لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/35 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] .
واستقدامها بدون محرم لا يجوز لما في ذلك من الخطر على دينها وعرضها والخطر منها على غيرها، وهذه مسألة غفل عنها الكثير من المسلمين، فلا حول ولا قوة إلا بالله .(83/47)
6- أحكام الأضحية والعقيقة
296- هل يجوز طبخ ثلث الأضحية الخاص بالفقير ودعوة المسلمين إليه في أيام العيد ؟
لا بأس بطبخ لحم الأضحية ودعوة المحتاجين إليها، لأن هذا يدخل في مسمى الصدقة، وإن دفع اللحم للفقير يتصرف فيه فلا بأس، بل قد يكون أحسن من أجل أن يتصرف فيه الفقير على حسب مصلحته .
297- الطالب الأعزب الذي ينفق على أسرته ( والده ووالدته وإخوانه ) ، هل يكفي أن يضحوا عنه في بلادهم ؟ وكذلك الطالب المتزوج ولكن أهله ليسوا معه، هل يضحي هنا أم يضحي عن أهله في بلادهم ؟
الأضحية تذبح في بلد المضحي وفي بيته يأكل منها هو وأهل بيته ويهدي منها على جيرانه وأصدقائه ويتصدق منها على الفقراء، وإذا كان أهله في بلد آخر فإن الأضحية تذبح عنه وعنهم في بيته وفي بلده، وإن كان هو في بلد آخر .
298- هنا – في أمريكا – أعداد كبيرة من الطلبة المبتعثين وهم على أبواب عيد الأضحى المبارك، ويسألون عن الأضاحي، وخصوصًا أن الضأن في أمريكا تقطع أليتها وهي صغيرة حتى يكون الدهن في ظهورها، فهل يجزئ أن نضحي من هذه الأنواع من الضأن، مع العلم أنه توجد الأبقار، ولكن البعض لا يحب أكل لحمها ؟
لا بأس بذبح الأضحية من الأغنام المذكورة، وإن كانت مقطوعة الألية، لأن قطعها من أجل تطييب لحمها، فهو مثل خصاء الذكور لأجل تطييب لحمها، وقد ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بالخصي من الغنم (1) .
299- يقوم بعض الجيران في عيد الأضحى بالذبح وإعطاء الجيران من هذه الذبيحة كهدية، ونعلم فيهم الشرك وعدم الالتزام بالدين، فهل يجوز لنا قبول هذه الذبيحة وأكلها ؟ وما هي شروط الذبيحة على الطريقة الإسلامية ؟(84/1)
إذا كانوا يُعرفون أنهم مشركون بالله فإن ذبيحتهم لا تجوز إلا إذا كانوا من أهل الكتاب من اليهود والنصارى وذبحوا على الطريقة الشرعية، فإن ذبيحة أهل الكتاب حلال، قال تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] ، والمراد بطعامهم هو ذبائحهم، وهذا بإجماع علماء المسلمين، فذبائح أهل الكتاب حلال لنا لهذه الآية الكريمة وللإجماع على ذلك، ولكن إذا توفرت فيها شروط الذكاة الشرعية .
أما المشركون غير أهل الكتاب وسائر الكفار على اختلاف مللهم ومذاهبهم فإن ذبائحهم لا تحل للمسلمين وهي ميتة، لأن الله لم يستثن من ذبائح الكفار إلا ذبيحة أهل الكتاب، وهذا لا اختلاف فيه بين أهل العلم .
أما الطريقة الشرعية للذبح فهي أن تتوفر شروط الذكاة بأن يكون الذبائح مسلمًا أو كتابيًّا يعني أن يكون ذا دين سماوي، وأن يكون عاقلاً تتأتى منه النية والقصد، ولو كان مميزًا، إذا كان يتأتى منه النية وقصد الذكاة سواء كان ذكرًا أو أنثى .
كما يشترط أن تكون الآلة صالحة للذبح بأن تقطع بحدها لا بثقلها، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/110 ) من حديث عباية بن رفاعة بن رافع عن خديج عن جده، رضي الله عنهم ] ، وأن لا تكون الآلة سنًّا أو ظفرًا، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه، فكلوا ليس السن والظفر ) ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/110 ) من حديث عباية بن رفاعة بن رافع بن خديج عن جده، رضي الله عنهم ] .(84/2)
ويشترط أن يكون الذبح في محل الذكاة وهو الحلق من غير الإبل أو اللبة من الإبل، وأن يقطع من الرقبة المريء والحلقوم وأحد الودجين؛ والمريء وهو مجرى الطعام والشراب، والحلقوم وهو مجرى النفس، وأحد الودجين وهما عرقان في جانبي العنق يجري فيهما الدم، فإذا قطع ثلاثة من هذه الأربعة فقد حصلت الذكاة الشرعية على الصحيح ولو قطع الودجين مع الحلقوم والمريء فهذا أكمل وتحصل به الذكاة إجماعًا .
ويشترط أن يذكر اسم الله عليه بأن يقول عند الذبح : باسم الله، وكذلك لا يحل ما ذبح للقبور أو للجن أو الشياطين .
وعليه إذا توفرت شروط الذكاة التي ذكرناها وهي :
1ـ أن يكون الذابح من أهل الذكاة وهو المسلم أو الكتابي الذي يميز ويقصد الذكاة .
2ـ أن تكون الآلة صالحة للذبح .
3ـ أن يذكر اسم الله عليها عند تحريم يده للذبح .
4ـ قطع ما يجب قطعه في الذكاة وهي : المريء، والحلقوم، والودجين، أو ثلاثة من هذه الأربعة .
فهذه الذبيحة حلال، أما إذا اختل شرط من هذه الشروط فإن الذبيحة لا تحل .
300- رزقني الله بثلاث بنات، ثم توفين وهن صغار، ولكن لم أعق عنهن، وقد سمعت أن شفاعة الأطفال مقرونة بالعقيقة، فهل يصح أن أعق عنهن بعد وفاتهن ؟ وهل أجمع العقيقة في ذبيحة واحدة أم لكل واحدة ذبيحة منفردة ؟(84/3)
العقيقة عن المولود سنة مؤكدة، والقول بها قول جمهور أهل العلم، ومشروعيتها في حق الأولاد الأحياء لا إشكال فيها، لأنها سنة ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما العقيقة عن الأولاد الأموات فلا يظهر لي أنها مشروعة، لأن العقيقة إنما تذبح فدية للمولود وتفاؤلاً بسلامته ولطرد الشيطان عن المولود، كما قرر ذلك العلامة ابن القيم في " تحفة الودود في أحكام المولود " ، وهذه المعاني مفقودة في الأولاد الأموات، وأما ما أشار إليه السائل من أن العقيقة تدخل في الشفاعة ( شفاعة المولود ) لأبيه إذا عق عنه، فهذا المعنى غير صحيح، وقد ضعفه ابن القيم يرحمه الله، وذكر أن السر في العقيقة هو :
أولاً : أن فيها إحياء لسنة إبراهيم عليه السلام حينما فدى إسماعيل .
ثانيًا : أن فيها طردًا للشيطان عن هذا المولود، وأن معنى الحديث : ( كل غلام رهينة بعقيقته ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/105 ) من حديث سمرة رضي الله عنه، وانظر " صحيح الإمام البخاري " ( 6/216، 217 ) من حديث سلمان بن عامر الضبي رضي الله عنه ] أنه مرهون فكاكه من الشيطان، فهذا معنى ما قرره ابن القيم (2).
على كل حال إن أراد السائل أن يعق عن بناته الميتات واستحسن هذا الشيء فله ذلك، لكنني أنا يترجح عندي عدم المشروعية .
301- بالنسبة للعقيقة في حق الحي ما هو أفضل وقت لتأديتها ؟
الأفضل يوم سابعه، هذا هو الأفضل المنصوص عليه، فإن تأخرت عن ذلك فلا بأس بذلك ولا حد لآخر وقتها إلا أن بعض أهل العلم يقول : إذا كبر المولود يفوت وقتها، فلا يرى العقيقة عن الكبير، والجمهور على أنه لا مانع من ذلك حتى ولو كبر .(84/4)
302- إذا كنت في بلدي ورزقني الله بمولود أو مولودة ولن أرجع إلى زوجي في البلد الآخر الذي يقيم فيه إلا بعد مرور شهر أو أكثر، فهل يلزمني عمل العقيقة في اليوم السابع أو الرابع عشر أو الحادي والعشرين كما ورد في حديث عائشة رضي الله عنها أم يجوز لي تأخيرها لحين العودة إلى زوجي وأعملها وأنا عنده ؟
لا مانع من تأخير ذبح العقيقة إلى وقت يكون أنسب وأيسر في حق الوالدين أو أحدهما وإنما ذبحها في اليوم السابع أو الحادي والعشرين إنما يكون فضيلة إذا أمكن ذلك وتيسر، أما إذا لم يتيسر فلا بأس بتأخيرها إلى وقت آخر حسب الإمكان، مع العلم أن ذبح العقيقة يقوم به والد الطفل فهو من حقوق الولد على والده .
303- لي ولد ولم أذبح عنه العقيقة وهو صغير إلا بعد أن بلغ من العمر ثلاثة عشر سنة ولم أذبح عنه أيضًا العقيقة الثانية فقد سمعت من بعض الناس أنهم يقولون : الولد له عقيقتان ؟ أفيدونا أفادكم الله هل هذا صحيح ؟
نعم، الذكر : الأولى أن تذبح عنه شاتان وعن الأنثى شاة واحدة هذا هو الأفضل والأكمل، ولو ذبح واحدة اليوم والثانية ذبحها بعد أيام أو بعد ويم فلا مانع وليس اللازم أن تكون الشاتان مجتمعتين في وقت واحد .
304- ما حكم العقيقة التي تذبح عن الكبير الذي لم يذبحها له والده في الصغر ؟
حكم العقيقة سُنَّة وهي ذبح شاتين عن المولود الذكر، وشاة عن المولودة الأنثى في اليوم السابع من ولادته أو فيما بعده من الأيام وهي سنة في حق والد الطفل شكرًا لله تعالى وتقربًا إليه وفكاكًا له من الشيطان ورجاء سلامة المولود وحلول البركة عليه، يأكل منها ويهدي ويتصدق كالأضحية، وما يجزئ في الأضحية سنًّا ونوعًا وسلامة من العيوب، وإذا لم يفعلها الوالد فقد ترك سنة، وإذا لم يعق عنه والده وعق عن نفسه فلا بأس بذلك فيما أرى، والله أعلم .(84/5)
7- أحكام الجهاد
305- من أحكام الجهاد في سبيل الله أنه إذا هجم العدو على بلد من بلاد الإسلام أصبح الجهاد فرض عين على كل مسلم، وإن الروس قد هاجموا إخواننا المسلمين الأفغان وإن عندي والدايَ وهما لا يريداني أن أذهب للجهاد معهم فهل لي أن أذهب بدون إذنهما ؟
ما ذكرته من رغبتك في الجهاد وإعانة إخوانك المسلمين في صد عدوان الكفار على بلادهم هذا شيء طيب تؤجر عليه – إن شاء الله – أما بالنظر لظروفك التي ذكرت وأن لك والدين لا يسمحان بذهابك، فالواجب عليك طاعة والديك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما جاءه رجل يستأذنه في الجهاد قال : ( أحي والداك ؟ ، قال : نعم، قال : ففيهما فجاهد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 4/18 ) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما ] ، فحق الوالدين مقدم ويجب عليك طاعتهما والبقاء معهما خصوصًا إذا كانا يحتاجان إليك وإلى حضورك بجانبهم لخدمتهم والقيام بمصالحهم، وأنت تؤجر على نيتك الصالحة ورغبتك في الجهاد، نرجو لك في ذلك الأجر والثواب إن شاء الله، وتؤجر على برك بوالديك وبقائك معهما عملاً بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وكون الجهاد فرض إذا حاصر العدو بلاد المسلمين إنما ذلك في حق أهل البلد المحاصر أنفسهم ومن كان فيه من المسلمين .(85/1)
8- أحكام البيوع
306- هل هناك نسبة معينة ومحددة شرعًا للربح بالتجارة أم لا حدود فيه مشروعة حتى لو بلغ الضعف أو ضعفين ؟
لا حدود للربح في التجارة، لأن الله أباح التجارة والبيع والشراء من غير تقيد بربح معين، قال تعالى : { إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ } [ سورة النساء : آية 29 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ } [ سورة البقرة : آية 282 ] ، ولم يحدد الربح إذا كان هذا الربح يجري على الوجه الصحيح وعلى الوجه المشروع، أما إذا كان على غير الوجه المشروع كأن يكون ربحًا ربويًّا أو فائدة ربوية أو كان فيه استغلال لحاجة الفقير والمضطر فإنه يكره أن يستغل الإنسان حاجة المضطر ويزيد عليه زيادات باهظة، لأنه محتاج ومضطر، فإنه يكره له هذا، أما إذا كان الربح مما جرت به العادة أو كان بسبب ارتفاع السعر فلا بأس .
307- وحتى لو وصل الربح إلى الضعف مثلاً من القيمة أو ضعفين ؟
لا تحديد وخصوصًا إذا كان كثرة الربح لارتفاع الثمن وغلاء الأسعار فلا شيء في هذا، إنما كما ذكرنا ينبغي للمسلم أن يتسامح مع أخيه المسلم وأن لا يثقله بالدين والثمن، خصوصًا إذا كان مضطرًّا ومحتاجًا .
308- هل البيع بالمزاد العلني ( الحراج ) هل يعتبر من قبيل شراء الرجل على شراء أخيه المنهي عنه أم لا ؟
السوم على السوم فيه تفصيل إن كان المزاد لم يزل مفتوحًا والسلعة ينادى عليها ويطلب المزيد، فلا بأس أن يزيد الإنسان على سوم آخر، لأن الزيادة مطلوبة والزيادة مفتوح بابها، والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( مَن يزيد ؟ ) في بعض البيعات التي تولاها [ كما في " سنن الترمذي " ( 4/214 ) ، و " سنن النسائي " ( 7/259 ) ، و " سنن ابن ماجه " ( 2/740، 741 ) ، كلهم من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] .(86/1)
وأما إذا كان السوم قد انتهى وأراد صاحب السلعة أو وكيله أن يبعه على شخص وقطع السوم وانتهى فحينئذ لا يجوز لأحد أن يتقدم ويسوم على سوم أخيه لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( ولا يسم على سوم أخيه ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/24 ) من حديث ابن عمر وأبي هريرة رضي الله عنهم ] .
309- ما حكم بيع الكلب وأكل ثمنه ؟
بيع الكلب حرام وأكل ثمنه حرام لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ثمن الكلب وحلوان الكاهن ومهر البغي (3) . فهذه الأمور حرام ومنها ثمن الكلب .
310- أنا أقيم هنا في المملكة بحثًا عن الرزق ولي أملاك في اليمن بيني وبين أخي الذي لا يزال هناك، بعضها مقسم وبعضها لا يزال مشاعًا بيننا إلا أن أخي هذا قام ببيع بعض الممتلكات المشتركة بيننا دون أن يأخذ إذنًا مني أو موافقة وقد باع حتى بعض أملاكي الخاصة مستغلاً غيابي، فهل يجوز له ذلك وهل هذا البيع صحيح وإن كنت غير راغب في بيع ما يخصني، فهل لي الحق في استرجاعه من المشتري أم لا ؟
يجب على المسلم أن يكون أمينًا ولا سيما القريب مع قريبه فلا يعتدي على شيء من ماله بدون إذنه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 5/72، 73 ) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 6/100 ) ، كلاهما من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه ] ، فهذا الذي فعله أخوك على ظاهر ما ذكرت لا يحل له، والواجب عليه أن يحترم مال أخيه وأن لا ينقصه بشيء، وتصرفه هذا لا يصح مادام أنك لم تأذن له بالبيع وهذا التصرف، فإنه تصرف باطل ولا يصح ولكن إذا كان بينكما نزاع في هذا الموضوع أو خصام فلا يحل هذا إلا المحكمة الشرعية .(86/2)
311- يقوم أحد الأشخاص الذين يعملون في التجارة عندنا إذا أحس أن هناك نوعًا من البضائع بدأ سعره يتحسن في السوق يقوم بشراء كل ما في السوق من تلك البضاعة ويتحكم في سعرها بالزيادة أكثر، فما حكم هذا العمل ؟ وهل ما يكسبه بهذه الطريقة حلال أم حرام ؟
لا شك أن الذي يضايق المسلمين فيما يحتاجون إليه من السلع الضرورية ويشتريها كلها من السوق ويضطر الناس إلى أن يشتروها منه بثمن مرتفع يتحكم فيهم لا شك أن هذا لا يجوز وهو احتكار منهي عنه، ويجب الأخذ على يده ومنعه من ذلك، إذا كان الأمر كما ذكر السائل أنه ليس هناك في السوق غير هذه السلعة التي يحتاج إليها الناس وهو يشتريها ويحضرها عنده ليتحكم فيها فهذا أمر لا يجوز ويجب على ولاة الأمور منعه من ذلك، أما إذا كانت هذه السل من الكماليات والناس ليسوا في حاجة إليها أو كان هناك سوق آخر وسلع أخرى والناس يجدون غيرها في مكان آخر من غير مشقة عليهم فإن هذا لا يحرم، ولكن لا ينبغي للمسلم أن يضايق الناس .
312- نعمل في تربية المواشي والمتاجرة فيها ويحدث أحيانًا أن تصاب بعض الأغنام أو الإبل ببعض الأمراض فنبيعها في الأسواق وهي مصابة بذلك المرض، فهل علينا شيء في ذلك ؟
البيع والشراء مما أباحه الله سبحانه وتعالى لعباده وهو من قوام مصالحهم ومنافعهم، ولكن يجب أن يكون البيع والشراء قائمًا على الصدق والأمانة والنصيحة، قال صلى الله عليه وسلم : ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبيَّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/10 ) من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ] .(86/3)
ونهى صلى الله عليه وسلم عن الغش فقال : ( ومن غشنا فليس منا ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 1/99 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وقال : ( ولا تناجشوا، ولا يبع الرجل على بيع أخيه، ولا يخطب على خطبة أخيه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/24 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والأحاديث في هذا كثيرة، فإذا بعت سلعة وفيها عيب من العيوب وجب عليك أن تبينه للمشتري ولا تكتمه وتدلسه عليه، فهذه الأغنام التي تبيعونها وفيها مرض يجب عليكم أن تبينوا ما فيها من المرض وأن تبيعوها على أنها معيبة وتطلعوا المشتري على ما فيها حتى يكون بيعكم قائمًا على الصدق وعدم الكتمان، والله أعلم .
313- أنا رجل أعمل لدى إحدى الصيدليات ويوجد على الأدوية أسعار مختلفة فمثلاً إذا أتى إليَّ من يشتري علاجًا وقيمته ( 12 . 60 ) اثنا عشر ريالاً وستون هللة أقول : إنه بسعر ( 13 ) ثلاثة عشر ريالاً وأعتذر للمشتري بقولي : ليس لديَّ هلل، فيترك ذلك رغمًا عنه، والبعض لا يعلم فيأخذ العلاج ويذهب، فهل الذي يبقى دون علم المشتري حلال عليَّ مع العلم أن الذي يبقى لا آخذ منه شيئًا سوى ما آخذه من صاحب الصيدلية ؟ وماذا عليَّ أن أعمله نحو صاحب الصيدلية ؟
لا يجوز أن تأخذ من مشتري الدواء غير القيمة المكتوبة على العلبة إلا إذا أخبرته وسمح لك بالزيادة، وكونك لا تأخذ الزيادة ذلك لا يعفيك من المسؤولية ولو كانت الزيادة يسيرة لقوله تعالى : { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } [ سورة البقرة : آية 188 ] ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 5/72، 73 ) ، وروه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 6/100 ) ، كلاهما من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه ] ، والقليل إذا اجتمع صار كثيرًا .(86/4)
314- أنا وقعت في ضائقة مادية واضطررت بعدها لشراء سيارة بثمن مؤجل لأبيعها وأنتفع بقيمتها، فذهبت إلى إحدى الأماكن المخصصة لبيع السيارات، فاشتريت سيارة من صاحب المعرف بسعر عشرين ألف ريال منها خمسة آلاف نقدًا والبقية في نهاية العام، أي عند نهاية شهر ذي الحجة، وبعد أن تم الاتفاق على ذلك قمت ببيعها على شخص وأنا في مقعدي لم أقم منه وفي نفس المكتب الذي تم فيه البيع والشراء الأول بخمسة عشر ألف ريال نقدًا، سددت منها الخمسة آلاف التي عليَّ لصاحب السيارة الأصلي، وقبضت عشرة آلاف علمًا أنني لم أتبايع مع هذا الشخص الذي اشتراها مني ولكني أفهمت أن شخصًا سيشتريها كذلك، أنا لم أر السيارة في الأساس وأشك أن تكون هناك سيارة أصلاً، والذي أعطاني المبلغ هو نفسه الذي أخذ مني الخمسة آلاف التي دفعت مقدمًا حسب الاتفاق، أي أنها أعيدت في نفس الخزينة التي أخرجت منها، ويعلم الله أنني مضطر لذلك أشد الاضطرار فأسألكم عن حكم ذلك البيع والشراء وهل يلحقني إثم وما الذي يجب علي فعله ؟
ما جاء في مطلع السؤال من كون المحتاج يذهب إلى صاحب معرض أو صاحب بضائع ويشتري منه بضاعة ليبيعها على غيره ويرتفق بثمنها بمعنى أن يشتريها من صاحب المحل بثمن مؤجل، ثم يقبضها قبضًا صحيحًا ويبيعها على آخر غير الذي باعها عليه بثمن حال ويقبضه وينتفع به هذا عمل لا بأس به عند جمهور أهل العلم وهو المسمى بمسألة التورق، وذلك بدفع حاجة المحتاج لأنه إذا لم يجد من يقرضه القرض الحسن الذي ليس فيه ربًا فليس أمامه وسيلة إلا هذه المعاملة، فإذا روعيت فيها الضوابط الصحيحة التي ذكرناها فلا حرج فيها إن شاء الله .(86/5)
أما ما ذكرته في قضيتك من أنك لم تستلم السيارة، وبعتها وأنت في مجلسك لم ترها ولم تقبضها فهذا بيع غير صحيح، لأنك اشتريت سيارة، بثمن مؤجل فلابد أن تقبضها، ولابد أيضًا أن تكون السيارة في ملك البائع حين العقد، فلا يجوز له أن يبيعها عليك وليس مالكًا لها ليذهب ويشتريها من السوق، لابد أن تكون السيارة وغيرها من البضائع تكون في ملك البائع حين العقد في مثل هذه الصورة، فأنت ذكرت الآن مانعين من موانع الصحة في هذه الصورة :
أولاً : أن السيارة مشكوك في وجودها وما كان كذلك فإنه لا يصح؛ لأنها ليست في ملك البائع والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/281 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 4/228 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 7/289 ) ، كلهم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ] .
القضية الثانية : أنك بعتها وأنت لم تقبضها، فهذا التعامل الذي ذكرته غير صحيح .
315- رجل يريد شراء أرض لبناء سكن عليها له، وذهب إلى شركة تقسيط فقالت له : اذهب وانظر إلى الأرض وسوف نشتريها لك ونقسطها عليك على أن تدفع نسبة 20% من القيمة كل شهر، فهل هذا جائز ؟ جزاكم الله خيرًا ؟(86/6)
لا يجوز للإنسان أن يبيع شيئًا معينًا لا أرضًا ولا غيرها إلا إذا كان في ملكه وتحت تصرفه لقوله صلى الله عليه وسلم لحكيم بن حزام رضي الله عنه : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه أبو داود في " سننهط ( 3/281 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 4/228 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 7/289 ) ، كلهم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ] ، وذلك أنه ذكر للنبي صلى الله عليه وسلم أنه يأتيه الرجل يسأله البيع وليس هو عنده فيذهب ويشتريه من السوق فقال : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/281 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 4/228 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 7/289 ) ، كلهم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ] .
316- أردت شراء عملة أجنبية أو ذهب وحسبت القيمة بالدولار ودفعت السعر بالريال السعودي ثم أعطاني البنك مقابل العملة شيكًا بالعملة التي اتفقت على شرائها مع البنك، هل هذا جائز أم لا ؟
بيع العملة بالعملة يسمى صرفًا، إن اتحد الجنس بين العملتين اشترط الحلول والتقابض في المجلس والتساوي في المقدار، وإن اختلف الجنس بين العملتين جاز التفاضل ووجب التقابض في المجلس بأن يسلم العملة ويستلم العملة لا بديلة عنها في المجلس والشيك لا يعتبر قبضًا وإنما هو سند فقط، لو ضاع أو تلف رجع على من أعطاه إياه يطالب بحقه ولو كان قبضًا ما ساغ له الرجوع لأنه قبض حقه، والحل الصحيح أن يقبضه العملة البديلة ويحولها إلى البلد الذي يريد .
317- اقترضت من أحد الأصدقاء مبلغ مائة جنيه على أن أوفيه بعد سنة مائة وخمسين، وحينما حان وقت الوفاء حاولت إعطاءه مائة فقط ولكنه أصر على أخذ زيادةٍ قدرها خمسون جنيهًا مقابل التأجيل، فما الحكم في هذه الزيادة ؟ وإن كان هذا من قبيل الربا فهل علي أنا إثم وكيف أتخلص من ذلك علمًا أن تلك النقود التي اقترضتها منه قد اختلطت مع مالي فماذا عليَّ أن أفعل ؟(86/7)
الله سبحانه وتعالى حرم الربا وشدد الوعيد فيه، قال سبحانه وتعالى : { الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لاَ يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ } [ سورة البقرة : آية 275 ] ، إلى أن قال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } [ سورة البقرة : الآيتين 278، 279 ] .
والربا له صور وأنواع ومن أنواعه هذا الذي ذكرته في السؤال وهو القرض بالفائدة؛ لأن القرض الشرعي هو القرض الحسن الذي تقرض به أخاك لينتفع بالقرض ثم يرد عليك بدله من غير زيادة مشترطة ولا نقص هذا هو القرض الحسن، أما القرض الذي يجر نفعًا أو القرض الذي يقصد من وراءه الزيادة الربوية فهذا حرام بإجماع المسلمين حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين وعلى فاعله الوعيد الشديد، فالواجب هو رد مثل المبلغ الذي اقترضه أما الزيادة التي اشترطها عليك وأخذها منك فهي حرام وربًا، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه وكاتبه (4) فلعن صلى الله عليه وسلم من أكل الربا ومن أعانه على أكله من هؤلاء، فهذا الذي فعلتموه حرام وكبيرة من كبائر الذنوب وعليكم التوبة إلى الله سبحانه وتعالى، وعليه هو أن يرد عليك هذه الزيادة التي أخذها منك لأنها لا تحل له، وأنت فعلت محرمًا بإعطائه الزيادة، وكان الواجب عليك أن تمتنع من إعطائه الزيادة، وإذا أصر أن ترفع أمره إلى الحاكم المسلم ليردعه عن جريمته، فهذا الذي أقدمتما عليه هو صريح الربا، فعليكما جميعًا التوبة إلى الله سبحانه وتعالى وعدم الرجوع إلى هذا التعامل، وعلى الآخر أن يرد الزيادة التي أخذها، والله أعلم .(86/8)
318- تقول السائلة : لقد كان معي قطع من الذهب، فذهبت إلى أحد الصاغة وقد قمت بتبديل ذلك الذهب القديم بجديد ودفعت الزيادة ثمنًا نقدًا وقد سمعت في برنامجكم أن هذا قد يعد ربًا فماذا عليَّ الآن أن أعمل إذا كان ذلك غير صحيح ؟
النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( الذهب بالذهب وزنًا بوزن مثلاً بمثل ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1212 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] فأمر صلى الله عليه وسلم بأن يباع الذهب بالذهب متساويًا بالوزن ولا يزاد أحد العوضين على الآخر، وإذا احتاجت المرأة إلى أن تبيع المصاغ الذي معها وتشتري أجود منه فإنها لا تبيعه بذهب أكثر منه وزنًا، وإنما في هذا الحال تبيع مصاغها بدراهم وتشتري بالدراهم مصاغًا آخر أكثر منه وزنًا أو أحسن منه صنعة .
319- لدي كثير من المال – والحمد لله – وعندي معرض لبيع السيارات، وأحيانًا يأتيني بعض الناس يطلب مني شراء سيارة على رأس السنة ثم أبيعها عليه بمبلغ خمسة وعشرين ألف ريال، مع العلم أن قيمتها بالنقد أقل من ستة عشر ألف ريال فهل يعتبر هذا من الربا أم جائز ؟ أفتوني أثابكم الله .(86/9)
لا بأس ببيع السلعة كالسيارة وغيرها بثمن مؤجل أكثر من ثمنها الحال، لأن الأجل والتأخير في مقابل الزيادة في القيمة، ولا شك أن بيع الأجل يختلف عن بيع الحاضر إلا أنه ينبغي مراعاة حال المحتاج فلا يزاد عليه زيادة باهظة تثقله وتجحف به، فينبغي للبائع مراعاة حال المشتري المحتاج والمضطر فيزيد عليه زيادة معقولة، ولكن لابد أن تكون السلعة التي تبيعها موجودة فبل البيع، لأن بعض الناس قد لا تكون عنده السلعة وقت العقد وإنما يشتريها للمستدين بعد نهاية عقد الدَّيْن وهذا لا يصح لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تبع ما ليس عندك ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/281 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 4/228 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 7/289 ) ، كلهم من حديث حكيم بن حزام رضي الله عنه ] .
320- المصارف الإسلامية تعطي ما يسمى بالربح المتغير وهو يعني إعطاء ربح غير ثابت شهريًّا يتراوح بين 12%، 17% فهل هذا التعامل مع هذا النوع من الأرباح حلال ؟ وجزاكم الله خيرًا .
الربح غير المحدد بنسبة معلومة ثابتة لا بأس به، وهو الذي يقدر بجزء مشاع معلوم كالنصف والربع . . . إلخ، ويزيد وينقص ويرتفع وينخفض بسبب الأسعار والمحاصيل، وتارة لا يكون هناك ربح هذا هو الذي لا بأس به . والله أعلم .(86/10)
9- أبواب في : الشفعة، الشركات، الإجارة، السبق، اللقطة، الوقف، الهبة والعطية
321- اقتسم هو وأخوه عقارًا بينهما وعرف كل منهما نصيبه وأخذ يعمل فيه وينميه إلى أن مات أحدهما، والآخر أراد أن يبيع نصيبه لأجنبي عنهم رغم رغبة أبناء أخيه في نصيبه، فهل لهم حق الشفعة في ذلك أم لا ؟
الشفعة إنما تثبت في العقار الذي لم يقسم، فإذا كان العقار مشاعًا لم يقسم، وباع أحد الشركاء نصيبه، فلبقية شركائه الشفعة عليه، أما إذا اقتسم العقار وحددت الحدود وقامت الطرق وباع أحد الجيران نصيبه فإنه لا شفعة لجاره عليه؛ لأنه انفصل عنه، وصار جارًا له وليس شريكًا له، إلا إذا كان بين الملكين شيء مشترك من المرافق كالمسيل والممر وغير ذلك، فالصحيح من أقوال أهل العلم أن الشفعة تثبت في مثل هذا الوجود للاشتراك بين الملكين في أحد المرافق، أما إذا كانت القسمة فارزة للنصيبين ولم يبق بينهما اشتراك في شيء فإنه لا شفعة للجار .
322- لي مبلغ من المال وقد تركته عند صديق لي ليتاجر فيه ولم نتفق على نسبة معينة من الربح علمًا بأنني راضٍ بأي قدر من الربح يدفع إليَّ أو حتى الخسارة فهل في مثل هذا النوع من الشركة شيء شرعًا ومن يدفع الزكاة هو أم أنا وهل أزكي عن رأس المال فقط أم حتى عن الربح ؟
هذا النوع الذي ذكرته من أنك دفعت دراهم إلى شخص ليتاجر بها بجزء من الربح هذا النوع من شركة المضاربة وهو تعامل مباح في الإسلام ولكن من شروط صحة شركة المضاربة تعيين نصيب العامل من الربح بأن يكون له جزء مشاع من الربح كالثلث أو الربع أو الخمس يزيد بزيادة الربح وينقص بنقصه ويعدم إذا لم يكن هناك ربح، هذه هي المضاربة الصحيحة .(87/1)
أما إذا لم يعين نصيب العامل من الربح فإن الشركة لا تصح لفقد الشرط ويكون الربح كله لصاحب المال ويكون للعامل أجرة مثله؛ وأما قضية الزكاة فأنت تزكي نصيبك من الربح، إذا بلغ نصابًا، وأما صاحب رأس المال فإنه يزكيه ويزكي نصيبه من الربح ولو كان قليلاً لأنه يتبع رأس المال .
323- في منطقتنا عمل يطلق عليه ( شرجة عظم ) مثلاً رجل يشتري مائة رأس من الغنم بسعر السوق ويعطيها لرجل آخر حيث يقوم بتربية هذه الأغنام ويبيع من صوفها وحليبها وذكور صغارها ويعطي هذه النقود صاحب الغنم المشتري إلى أن يوفيه جميع نقوده، وأخيرًا يأخذ المشتري نصف الغنم من المربي ويترك له النصف الآخر فما الحكم في ذلك ؟
لا بأس إذا اشترى غنمًا ودفعها لآخر يقوم عليها ويرعاها ويقوم بمصالحها مدة معينة إذا تمت هذه المدة يكون له قسم منها لا بأس بذلك، لأن هذا من باب الإجارة حسب الشرط الذي بينهما، إذا كانت مهمة الأجير رعيها وحفظها ونفقتها على مالكها، أما إذا كانت مهمته الإنفاق عليها هذه المدة فهذا لا يصح فيما يظهر لي . والله أعلم .
324- جرت العادة في بلدنا أن يقوم الشخص بتلقيح النخل على أن تكون أجرته من الثمرة بأن يعطى ثمره عرجون من كل نخلة، فهل هذا جائز، وما الحكم إذا تلفت الثمرة قبل استلامها منه ؟
إذا أجره على تلقيح النخل بأن تكون أجرته من نفس الثمرة مثلاً الربع أو العشر وما أشبه ذلك بأن يكون جزءًا مشاعًا في الثمرة فهذا عقد صحيح .
أما إذا أجره بثمرة نخلة معينة أو جزء من ثمرة نخلة معينة فهذا غير صحيح؛ لأنه كما أشار السائل ربما تلفت ثمرة هذه النخلة المعينة أو الجزء المعين منها فيضيع تعبه هدرًا .
325- من العادات عندنا أيضًا أن يعطي صاحب الأرض الزراعية أرضه إلى شخص يقوم بزراعتها مقابل جزء من المحصول وكذلك يعطي صاحب الماكينة الذي يسقي الزرع بواسطتها جزءًا من المحصول، فهل هذا جائز شرعًا ؟(87/2)
نعم هذا جائز شرعًا إذا كان هذا الجزء مشاعًا في المحصول كالربع والخمس والعشر، إنما الممنوع أن يعين ثمرة شجرة معينة أو زرع ناحية معينة فهذا ممنوع .
326- إنني رئيس في إحدى الدوائر ولدي موظفون وسائقون وفي بعض الأحيان أستخدم أحدهم في أعمال خاصة بي، فهل في هذا شيء عليّ ؟
لا يجوز لك أن تستخدم الموظفين والسائقين الذين هم تبع للدائرة الحكومية في مصالحك الخاصة، لأن هذا الاستخدام خارج عما خصصوا له من ناحية، واستغلال لموظفي الدولة لمصالحك الخاصة، وإذا كان عندك عمل خاص فاستأجر له على حسابك الخاص .
327- شخص انتدب في مهمة ولمدة معينة وقضى أكثرها في هذه المهمة الموكلة له مع بقية زملائه وبقي يوم أو يومان، وقال المسئول عن هذه المهمة للمنتدبين : هذا اليوم تنتهي المهمة وغدًا الذي يرغب المغادرة إلى أهله بإمكانه أن يرجع، فهل يصح أن يأخذ قيمة انتداب هذا اليوم أو اليومين اللذين لم يجلس فيهما للمهمة ؟
لا يجوز أن يأخذ من قيمة الانتداب إلا بمقدار الأيام التي كان يعمل فيها، أما الأيام التي تركها ورجع إلى أهله فلا يجوز له أن يأخذ عنها شيئًا، لأنه في غير مقابل، وإذن المسئول له بالرجوع إلى أهله لا يسوغ له الأخذ عن الأيام التي تركها، لأنه لما رجع انقطع انتدابه، نعم يعتبر يوم الذهاب ويوم الرجوع إذا كان المكان بعيدًا .
328- الأعذار التي يقدمها الموظف لرئيسه قد تكون في أكثر الأحيان كذبًا؛ ما رأي فضيلتكم ؟
الواجب على المسلم أن يتقي الله ويترك الكذب والحيل التي يتذرع بها إلى ترك العمل الوظيفي الذي وكل إليه في مقابل راتب يتقاضاه، وعلى المسئولين عن دوام الموظفين من رؤساء الدوائر أن يتقوا الله ويدققوا في الإجازات التي يمنحونها لموظفيهم بأن تكون جارية على المنهج الصحيح والنظام الوظيفي وأن يسدوا الطريق على المحتالين والمتلاعبين لأن هذه أمانة في أعناق الجميع، يسألون عنها أمام الله سبحانه وتعالى .(87/3)
329- رجل من قراء القرآن الكريم استأجره شخص آخر ليقرأ القرآن الكريم كاملاً ويهدي ثواب ذلك لأمواته مقابل إكرامية شهرية يعطيها له، أخذ هذا القارئ يقرأ سورة الإخلاص ثلاث مرات فقط ويتظاهر للذي استأجره بأنه قد ختم القرآن فيعطيه الإكرامية المتفق عليها من المال ويفعل ذلك كل شهر واستمر القارئ على ذلك فترة من الزمن بل سنين فما حكم ذلك وماذا يجب في هذه الحالة ؟
أولاً : استئجار المقرئين لقراءة القرآن للأموات من البدع التي ما أنزل الله بها من سلطان ومن أكل أموال الناس بالباطل، لأن القارئ إذا قرأ القرآن بقصد أخذ الأجرة فإن عمله باطل، لأنه أراد بعمله المال وأراد بعمله الحياة الدنيا والله تعالى يقول : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ سورة هود : الآيتين 15، 16 ] فأمور العبادة ومنها تلاوة القرآن لا تفعل لأجل طمع الدنيا وأخذ المال وإنما تفعل تقربًا إلى الله سبحانه وتعالى .(87/4)
فالقارئ إذا قرأ لأجل الأجرة فإنه لا ثواب له، ولا يصل إلى الميت من ذلك شيء، وإنما هذا مال ضائع، فلو تصدق به على الميت بدلاً من استئجار القارئ كان هذا هو المشروع الذي ينتفع به الميت؛ والواجب على هؤلاء المقرئين أن يردوا هذه الأموال التي سلبوها من الناس أجرة على تلاوة القرآن للأموات، فإن هذا من أكل أموال الناس بالباطل، عليهم أن يتقوا الله سبحانه وتعالى ويطلبوا الرزق بغير هذه الطريقة المحرمة، وعلى المسلم أن لا يأكل أموال الناس بمثل هذه الطرق غير المشروعة، صحيح أن تلاوة القرآن من أفضل الأعمال ومن قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها، ولكن ذلك لمن صحت نيته،وأراد بذلك وجه الله ولم يرد بذلك طمع الدنيا .
فاستئجار المقرئين للقراءة للأموات هذه أولاً : أنه بدعة؛ لأنه لم يكن السلف الصالح يعملون هذا الشيء، والأمر الثاني : أن هذا أكل للمال بالباطل، لأن أعمال القرب والطاعات لا يؤخذ عليها أجرة، والله تعالى الموفق، وقراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات لا تكفي عن قراءة القرآن كله .
330- لدي مبلغ من النقود وصلت إليَّ في شهر رمضان المبارك من أناس كان بعضهم يأتي إليَّ واتفقت أنا وهو على أن أقرأ القرآن كاملاً بمبلغ ستمائة ريال ( 600 ) وأنوي بما قرأت إلى روح الأموات مثل أبيه وأمه وبعضهم يعطيني المبلغ ويقول : اقرأ لي القرآن وانو لي بثوابه وبعضهم يقول لي : أنا نذرت على نفسي إن شفاني الله أن أدفع مبلغًا لمن يتلو القرآن فأقوم أنا بأخذ المبلغ وأقرأ القرآن كاملاً لكل واحد منهم، وأنوي بثواب ما قرأته على نية كل منهم فهل يحل لي هذا المال وأن أذهب به لأداء فريضة الحج بما جمعت من قراءة القرآن مع أنه لا يوجد لديَّ نقود إلا ما أخذته مقابل قراءة القرآن ؟(87/5)
تلاوة القرآن من أفضل الأعمال قال صلى الله عليه وسلم : ( من قرأ حرفًا من كتاب الله فله حسنة والحسنة بعشر أمثالها لا أقول الم حرف ولكن ألف حرف ولام حرف وميم حرف ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 8/115، 116 ) من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ] ، وقال الله سبحانه وتعالى : { إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ } [ سورة فاطر : آية 29 ] .
فتلاوة القرآن عمل صالح وعبادة عظيمة مع التدبر والتفكر بآياته والعمل بما فيه من الأحكام، وأخذ الأجرة على تلاوة القرآن لا تجوز، لأن تلاوة القرآن قربة وعبادة، وأخذ الأجرة على القرب والعبادات لا يجوز، وقراءة القرآن على أرواح الأموات بدعة لا دليل عليها، فلا يجوز أن تتخذ قراءة القرآن حرفة يتكسب بها؛ لأنه إذا قرأ القرآن لأجل الأجرة فإنه ليس له أجر عند الله سبحانه وتعالى، قال تعالى : { مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ . أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } [ سورة هود : الآيتين 15، 16 ] ؛ والذي يريد عمل الدنيا بعمل الآخرة، ويريد الدنيا بالعبادة عليه وعيد عظيم وعمله باطل، فلا يجوز للسائل الاستمرار على مثل هذا ويجب عليه التوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما حصل، ولا يجوز له أن يحج من هذا المال الذي جمعه من هذا الكسب .
ومع الأسف قد اتخذت تلاوة القرآن حرفة ليتكسب بها كثير من المقرئين في عصرنا الحاضر يقرءونه في المآتم ويقرءونه على القبور ويقرءونه على الأموات نظير أجور يتقاضونها أو مطامع يحصلون عليها وهذا عمل باطل ومكسب لا يحل، فقراءة القرآن للأموات في مقابل أجرة .(87/6)
أولاً : لا دليل عليها حتى ولو كان بدون أجرة .
وثانيًا : أخذ الأجرة على ذلك أخذ لا يجوز وأكل للمال بالبطل والذي ننصح به إخواننا المسلمين وحملة القرآن أن يبتعدوا عن مثل هذه الأمور وأن يطلبوا الرزق من الوجوه المباحة والمكاسب الطيبة، وأن يتخذوا كتاب الله دليلاً لهم ويتلونه بنية خالصة لله سبحانه وتعالى لا يريدون من ذلك طمعًا من مطامع الدنيا . والله الموفق .
331- يتبرع بعض التجار بتقديم هدايا لنادي الفروسية عبارة عن سيارات أو أشياء عينية أخرى وربما مالية تعطى للفائزين في السباق ما حكم هذا العمل ؟
أخذ الجائزة على المسابقة على الخيول جائز شرعًا لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا سبق إلا في نصل أو خف أو حافر ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/29 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 6/23 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 6/226، 227 ) ، كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] والمراد بالنصل السباق بالرمي والمراد بالخف السباق على الإبل والمراد بالحافر السباق على الخيل، وذلك لما في السباق بهذه الأنواع من التدريب على الجهاد، فإذا سبق أحد الخيول استحق صاحبه الجائزة شرعًا، وبالله التوفيق .
332- سلمت إلى أحد أقربائي أمانة لكي يحفظها لي إلى وقت طلبها وحاجتي إليها وهي عبارة عن صك شرعي وقد بقيت عنده وأردت استعادتها منه ولكنه رفض إلا أن أعطيه مبلغ خمسة آلاف ريال مقابل حفظه لها، وحاولت إعطاءه ألف ريال شكرًا وتقديرًا على أمانته ولكنه رفض إلا الخمسة آلاف، وإلا هددني بإحراق الصك وإنكاره .
ولم يكن عندي شهود يوم أن سلمته إليه فهل لو لبيت طلبه وأعطيته الـ5 آلاف فهل هذا حلال له أم حرام عليه ؟ وهل يجوز أخذ مال مقابل حفظ الوديعة أم لا ؟(87/7)
إذا كان بينك وبينه اتفاق على أن يحفظها لك بالأجر فإنه يجب عليك أن تعطيه ما التزمته له، أما إذا لم يكن هناك اتفاق بينكما دفعت إليه الأمانة ليحفظها بدون أن يكون بينكما اتفاق على جرة، فإنه يحرم عليه أن يطلب منك شيئًا، لأن هذه أمانة، والله تعالى يقول : { إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا } [ سورة النساء : آية 58 ] ويقول سبحانه : { فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ } [ سورة البقرة : آية 283 ] ، فحفظ الأمانة هذا من الإحسان ومن التعاون على البر والتقوى، ويحرم عليه أن يطلب منك شيئًا، ولكن إذا أبى أن يعطيك ما أودعته عنده، فإنه لا مانع من أن تعطيه، تفادي لحقك واستنقاذ الحق منه، وهو يحرم عليه ذلك الشيء فما تدفعه إليه في هذه الحالة من قِبلك فهو جائز، ومن قِبله هو فهو محرم .
333- كنت ذات يوم سائرًا في طريق عام فعثرت على قطع من المفروشات الثمينة وبعض الأغراض وقد سألت لمن تكون ولم أعثر على صاحبها فهل يجوز لي الانتفاع بها أم لا وما الحكم لو ظهر صاحبها بعد تلفها ؟
الحكم في الأشياء التي يجدها الإنسان من الأموال الضائعة وهي ذات قيمة معتبرة أن يأخذها إذا أمن على نفسه وقام بحقها التي أمر بها النبي صلى الله عليه وسلم (5) وهو أن يعرف العلامات المميزة لهذا المال الضائع وأن ينادي عليه مدة حول كامل في مجامع الناس حتى يتسنى لصاحبه أن يأتي ليأخذه ممن وجده فهذه الفرش التي ذكرت أنها ثمينة فإذا كنت قد قمت بالواجب نحوها وناديت عليها لمدة سنة ولم يأت صاحبها فإنها تكون لك تنتفع بها وإذا جاء صاحبها بعد ذلك فإن كانت موجودة تدفعها إليه وإن كانت مستهلكة تدفع قيمتها .(87/8)
334- عندنا رجل أوقف أرضًا لمسجد جامع وعند كتابة ورقة الوقف لعن من يبيع شيئًا من هذا الوقف وكان أحد أولاده قائمًا على هذا الوقف فقط دون بقية إخوانه من ذكور وإناث وقد قام أحد إخوته بمنازعته في هذا الوقف إلى أن حصل منه على الثلث، ولأن الباقين لم ينازعوا فلم يحصلوا على شيء ولهذا فقد أصبح هذا الوقت تحت يد الاثنين فقط يستفيدان منه رغم حاجة المسجد لإصلاحات وتجديدات، فقد أصبح خربًا، فما حكم استفادة هذين الأخوين دون بقية إخوانهما وأخواتهما ومع حاجة المسجد إليه ؟
إذا كان وقفًا على المسجد فإنه يصرف ريعه وغلته لصالح المسجد ولا يجوز لأحد أن يستثمره لنفسه فيجب صرفها لما أوقفت عليه وما ذكرت من تصرف هؤلاء واستغلالهم للوقف لصالحهم وحرمان المسجد هذا شيء لا يجوز وهذا منكر يجب عليك أن ترفع بشأنه إلى القاضي أو إلى المحكمة التي بجهتكم للتفاهم مع هؤلاء أو قيِّم المسجد إذا كان للمسجد قيِّم أو إمام فإنه هو أيضًا يطالب بهذا الشيء للمسجد .
الحاصل أنه لا يجوز أن يتصرف في غلة الوقت لصالح أقارب الواقف، وهو قد نص على أنها للمسجد، فلابد من مراجعة المحكمة في هذا الأمر لمعرفة الحكم الصحيح والتصرف الصحيح منه إذا كان فيه إثبات أو وثيقة أو شهادة شهود يعتمد عليها .
335- ما حكم من بنى له بيتًا في مقبرة المسلمين، وهو لم يجد له من الأرض قيد شبر ولم يكن له مال يشتري به مكسن بيت له ؟(87/9)
لا يجوز للمسلم أن يبني في المقبرة، لأنه بذلك يضايق الأموات في قبورهم التي هي منازلهم من هذه الأرض، هذا من ناحية فهو يؤذي القبور ويؤذي الموتى وحرمة المسلم ميتًا كحرمته حيًّا؛ والأمر الثاني : أن هذه المقبرة أصبحت وقفًا عامًّا ( لأموات المسلمين ) ، ولا يجوز أن يأخذ من هذا الوقف ويقتطع منه شيئًا حتى لو كان على جانب منها ليس فيه قبور لا يجوز له، لأن هذه البقعة أو هذه المساحة كلها صارت مقبرة وتابعة للمقبرة، وصارت وقفًا للمسلمين، ويجب على المسلمين أن يساعدوا هذا الفقير في الحصول على مسكن له .
336- أنا رجل عندي عدة أولاد من بين الأولاد بنت فقدت بصرها فوهبت لها قطعة من الأرض وذلك رحمة وشفقة عليها وقلت : لعلها تستعين بها حيث دعت الحاجة فهل عليَّ شيء في تخصيصي هذه الهبة لها دون البقية ؟(87/10)
لا يجوز أن تخص بعض أولادك بالعطية دون الآخرين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/151 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما بنحوه، وللحديث روايات أخرى ] ، ولمَّا جاء أحد الصحابة يريد أن يشهد على عطية أعطاها لبعض أولاده، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( أكُلُّ ولدك أعطيته مثل هذا ؟ ، قال : لا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : استشهد على هذا غيري فإني لا أشهد على جور ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/151 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما بنحوه، وللحديث روايات أخرى ] ، وفي رواية أنه قال : ( أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ ، قال : نعم، قال : فلا إذن ) (6) ، هذا إذا كان التخصيص لغير معنى يختص بالمعطى، أما إذا كان التخصيص لمعنى يختص بالمعطى كما لو كانت البنت عمياء كما في السؤال أو الابن فيه عاهة فهذا محل خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال : لا يجوز تخصيصه دون إخوته بالعطية، والله سبحانه وتعالى أرحم به والأرزاق بيد الله عز وجل، فتوكل على الله عز وجل، ومنهم من أجاز ذلك واختار ذلك الموفق في " المغني " ، والذي يقتضيه عموم الدليل هو المنع، والله أعلم .
337- والدي متزوج من اثنتين، الأولى لها ولدان وأربع بنات، والثانية لها ولدان وابنتان، فحين أراد الذهاب لقضاء فريضة الحج أوصى للأولى بقطعة أرض مما يملك زاعمًا أنه أكل من مالها وأراد أن تسامحه، ومنذ عدة سنوات توفيت قبل أن نقتسم الميراث، ومنذ عام بالتحديد أراد والدي أن يقسم بيننا الأرض، فأبقى ما أوصى به للزوجة خارج الميراث وأضافه لأبنائها مما أثارنا نحن أولاد الزوجة الثانية، واحتججنا على ذلك، فهل يحق لوالدي أن يعطي زوجته الأولى على الرغم أنها توفيت قبل أن يقسم الميراث ؟ وهل يحق لولديها فقط أن يأخذوا نصيبها دون أخواتهما ؟(87/11)
إذا كان على الصفة التي ذكرتها من أن أباكم أعطى قطعة هذه الأرض لزوجته في مقابل أنه أكل شيئًا من مالها فهذا يكون من باب المعاوضة وتكون الأرض ملكًا لها، لأنه دفعها إليها في مقابل ما تمول من مالها، فهذه الأرض التي أُعطيت لها عوضًا عن مالها تكون ملكًا لها، وإذا ماتت تكون لورثتها من بعدها وليس لكم فيها أي استحقاق .
أما بالنسبة لقسم والدكم بقية الأراضي وهو على قيد الحياة فهذا لا يسمى ميراثًا، وإنما يسمى هذا من باب العطية، فإذا كان سوَّى بينكم في العطية ولم يخصص بعضكم دون بعض فهذا لا بأس به، أما إذا كان فيه تفضيل لبعض الأولاد على بعض فهذا حرام ولا تنفذ هذه العطية .
338- هل يجوز لزوجة الأب أن تأخذ شيئًا من مهر بنات زوجها من امرأة غيرها إذا قامت هي بتربيتهن ورعايتهن برضاهن ورضا والدهن ؟ أم ليس لها الحق في أخذ شيء منه ؟
لا بأس بأن تأخذ شيئًا سمح به بنات زوجها، لأن المهر ملك لهن، فإذا سمحن بشيء منه لزوجة أبيهن أو غيرها فلا بأس بذلك لقوله تعالى : { فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا } [ سورة النساء : آية 4 ] .
339- بعد أن توفي والدي ولم تتزوج والدتي بعده، بل كانت تعيش معي وقد مرضت مرضًا شديدًا فكنت أقوم بمصاريف علاجها إلى أن شفاها الله وهي تملك نصف فدان زراعي، فقالت : سأكتب لك نصف الفدان مقابل عنايتك بي وما صرفته في سبيل علاجي، ولكني رفضت أن أقبله لوحدي دون أخواتي الخمس، فهل يجوز لأمي أن تخصني بذلك دون أخواتي أم لا ؟(87/12)
أنت قمت بعلاجها احتسابًا لوجه الله سبحانه وتعالى وبرًّا بها، فجزاك الله خيرًا على هذا، وهذا تحمد عليه، ولا يُجَوِّز ذلك أن تأخذ في مقابله شيئًا منها، لأنك عملته لوجه الله سبحانه وتعالى متبرعًا به وبرًّا بوالدتك، فلا يجوز لك أن تأخذ في مقابله شيئًا هذا من ناحيتك أنت، أما من ناحيتها هي فلا يجوز لها أن تخصك بشيء دون أخواتك، لأنه يجب العدل بين الأولاد في العطية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) [ روه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/134 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنه ] .
340- ما الحكم الشرعي في رجل جمع أمواله النقدية وقدرها حوالي أربعة وعشرين ألف دينار ووزعها بين أبنائه الثلاثة وزوجته الجديدة التي ليس لها أولاد وحرم بناته الثلاث قائلاً إذا نوقش : هذه أموالي وأنا حر بها وأعطي من أشاء وأحرم من أشاء، فهل هذا الفعل يجوز في دين الله ؟ ولا أعلم ماذا قد فعل أيضًا بأمواله المنقولة وغير المنقولة فهو يحب أبناءه الذكور ويحرم بناته من أبسط الحقوق حتى في معاملته في أشياء أخرى في غير الأمور المادية يفرق بين الأولاد والبنات ؟(87/13)
هذا التصرف من هذا الوالد حرام، فإن تخصيص بعض الأولاد دون بعض، أو تخصيص الذكور دون الإناث بالعطية هذا محرم في دين الله عز وجل، والواجب على الوالد أن يعدل بين أولاده بالعطية فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين اقتداء بقسم الله سبحانه وتعالى، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أنكر على بشير حينما وهب النعمان ابنه عطية فأبت أمه إلا أن يشهد عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذهب ليشهده فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألك ولد سواه ؟ قال : نعم قال : فأراه قال : لا تشهدني على جور ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/151 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما . وللحديث روايات أخرى ] ، ثم قال صلى الله عليه وسلم : ( أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء ؟ قال : نعم قال : فلا إذن ) [ رواه الإمام مسلم ( 3/1244 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ] ، وفي رواية أنه قال صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/134 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ] فعطية بعض الأولاد دون بعض أو عطية الذكور منهم دون الإناث هذا من الجور والحرام الذي لا يجوز .
والواجب على هذا الوالد أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يعدل في عطية أولاده ولا يحرم الإناث من العطية، وقوله : وإنما هذا مالي وأنا حر فيه هذا ليس بصحيح بل التصرف في المال يكون حسب المشروع، فالإنسان ليس حرًّا يتصرف في ماله التصرف المحرم وإنما هو حر بأن يتصرف فيه حسب الوجه المشروع الذي أباحه الله ورسوله، أما أن يتصرف فيه تصرفًا محرمًا فهذا ممنوع وليس حرًّا فيه .(87/14)
341- لي ستة من الإخوة وأنا سابعهم ووالدنا يملك قدرًا من الأموال لا بأس به وقد زوجهم جميعًا وأعطى كل واحد منهم جزءًا من المال كنصيب له سوى أنا لم يزوجني إلى الآن ورفض أن يعطيني كما أعطاهم وقد بلغت من العمر 24 عامًا فهل لي الحق في مطالبته بهذا ؟ وهل يلزمه أن يعاملني مثل ما عامل إخوتي وما الحكم لو لم يحصل لي ذلك ؟
أما التزويج فإنه من النفقة فمن احتاج إلى التزويج من أولاده فإنه يزوجه ومن لم يحتج إلى ذلك فلا يلزمه، والتزويج يتبع الحاجة مثل النفقة تمامًا ولا يلزمه أن يزوج الجميع وإنما يزوج من احتاج إلى الزواج فقط، لأن هذا من النفقة ومن استغنى منهم وكان عنده مال يستطيع أن يتزوج من ماله، فإنه لا يلزم الوالد أن يزوجه مثل الإنفاق إذا كان عند الابن ما ينفق به على نفسه ويستغني به فإنه لا يلزم الوالد أن ينفق عليه .
أما قضية العطية فهذا يجب على الوالد أن يسوي بين أولاده فيه لقوله صلى الله عليه وسلم : ( اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ) [ رواه البخاري في " صحيحه " ( 3/134 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ] ، ولما جاءه بعض الصحابة يشهده على بعض عطية أعطاها لأولاده أنكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم وقال : ( أكل ولدك أعطيته هذا ؟ قال : لا، قال : أليس تريد منهم البر مثل ما تريد من ذاك ؟ قال : بلى، قال : فإني لها أشهد على جور ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1244 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما، وللحديث روايات أخرى ] . وسماه صلى الله عليه وسلم جورًا، وامتنع عن الشهادة عليه وأمر بالعدل بين الأولاد في العطية، فما دام أن والدك أعطى إخوتك شيئًا من الأموال تمليكًا لهم فإنه يجب عليه أن يعطيك مثلهم أو أن يسحب عطيته للآخرين . أما أن يعطي البعض ويحرم البعض الآخر فهذا جور وحرام عليه . والله أعلم .(87/15)
342- سمعت حديثًا عن المصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : ( أنت ومالك لأبيك ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/204 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/287 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/769 ) ، كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم ] وقد سمعت أن في هذا الحديث ضعف . ما صحة هذا يا فضيلة الشيخ ؟
هذا الحديث ليس بضعيف لشواهده، ومعنى ذلك أن الإنسان إذا كان له مال فإن لأبيه أن يتبسط بهذا المال وأن يأخذ من هذا المال ما يشاء لكن بشروط :
الشرط الأول : ألا يكون في أخذه ضرر على الابن، فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه فإن ذلك لا يجوز للأب .
الشرط الثاني : أن لا تتعلق به حاجة للابن، فلو كان عند الابن أمة يتسراها فإنه لا يجوز للأب أن يأخذها لتعلق حاجة الابن بها . وكذلك لو كان للابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها فليس له أن يأخذها بأي حال .
الشرط الثالث : أن لا يأخذ المال من أحد أبنائه ليعطيه لابن آخر لأن في ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء ولأن فيه تفضيلاً لبعض الأبناء على بعض إذا لم يكن الثاني محتاجًا، فإن كان محتاجًا فإن إعطاء الأب أحد الأبناء لحاجة دون إخوته الذين لا يحتاجون ليس فيه تفضيل بل هو واجب عليه .
على كل حال هذا الحديث حجة أخذ به العلماء واحتجوا به ولكنه مشروط بما ذكرنا، فإن الأب ليس له أن يأخذ من مالك ابنه ما يضره، وليس له أن يأخذ من مال ولده ما يحتاجه الابن، وليس له أن يأخذ من مال ولده ليعطي ولدًا آخر . والله أعلم .(87/16)
10- كتاب المواريث
343- أوصت والدة زوجتي إن توفاها الله أن أتولى عدد أربع رؤوس من الغنم كانت تملكها في حياتها بأن أجعل منها أضحية لوجه الله على رأس كل سنة يستمر ذلك مادام نتاج هذه الغنم مستمرًا، وقد وافها الأجل وتوفيت منذ أربع سنوات وبعد وفاتها وفي حالة غيابي عن البلد أخذ زوجها تلك الغنم عنده ولم أتمكن مما أوصتني به فهل يلحقني أو يلحقها إثم في ذلك ؟ وما العمل الآن أرشدونا بارك الله فيكم ؟
الوصية إنما تصح بالثلث فأقل مما تركه الميت فتصح هذه الوصية بثلث الغنم وما ذكرته من تصرف الزوج وعدم تمكنك من تنفيذ ما أوصتك به فإذا كان عندك إثبات على هذه الوصية إما بوثيقة مكتوبة أو بشهادة شاهدين على هذه الوصية وصدورها من الميتة في حال حياتها فإنك تتقدم بها إلى القاضي الذي في جهتكم وهو يقوم بالنظر فيها والأمر بما يلزم إن شاء الله، والله الموفق .(88/1)
344- سائلة تقول : توفي والدي منذ حوالي 26 سنة وله أولاد من زوجة أخرى في دولة أخرى وقد أوصى أمام كاتب عدل من المحكمة بوجود 6 أشخاص أوصى بما هذا نصه : إنني حينما سافرت من وطني تركت فيها أولادًا : فلانًا وفلانًا، وتركت جميع أموالي هناك من أثاث ومنقولات وعقارات وبيوت وأراضي وبساتين وحجج العقارات لديهم فلذلك جميع أموالي هناك لهم وخاصة بهم، وأموالي هنا في المملكة من أثاث ومنقول وغيره بعد سداد ديوني يقسم بين ورثتي بالمملكة هنا ولا يحق لأحد معارضتهم فيها مهما كانت صفته، ولا يحق لأحد من ورثتي تغيير هذا، ومضت هذه الأعوام الطويلة وقال لنا البعض : إن هذه الوصية غير جائزة وأنه يجب أن يشاركونا بما ورثنا ونحن نشاركهم بما ورثوه هناك في الدولة الأخرى، فما رأيكم في هذا ؟ وكيف يمكن حساب ما لنا وما علينا خلال هذه الأعوام الطويلة فنحن قد بعنا المنزل الذي ورثناه واشترينا آخر واستفدنا منه، وقد توظف بعضنا والبعض الآخر ليس له دخل ؟ كما أن معظم الأملاك لإخوتنا هناك يقال : إنها أخذت عليهم اغتصابًا وهم الآن يعيشون في حاجة شديدة والبعض منهم قد توفي فما هو الحل في هذه الحالة ؟(88/2)
هذه الوصية باطلة ومال الميت من بعده يكون لورثته جميعًا ولا تجوز الوصية لوارث ولا يجوز للإنسان أن يقسم ماله بهذه الصفة المخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فتركة الميت ولو كانت متفرقة في بلاد متباعدة فإنها شيء واحد يضم بعضها إلى بعض، وأول شيء يجب في تركة الميت مؤنة تجهيزه من غسله وتكفينه ودفنه على الوجه الشرعي، أما الأمور البدعية والمنكرات التي تعمل مع بعض الجنائز فهذه مخالفة للشرع ولا ينفق عليها من تركة الميت، لأنها نفقة في محرم، إنما النفقة في تجهيز الميت توافق الشرع : الغسل والتكفين والدفن ومؤنة الحفر ثم تقضى ديونه سواء كانت لله كالزكاة والكفارات والنذور، أو كانت للآدميين بقضاء ديون الميت وبعد ذلك، الوصية التي أوصى بها في حدود الثلث فأقل لغير وارث ثم بعد ذلك يأتي دور الميراث فيما بقي بعد هذه الأمور فما بقي يكون للورثة على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فما وقع من والدكم وحصل منكم أنتم فيه بين أمرين : إما أن تصطلحوا ويسامح بعضكم البعض فيما حصل، وإما أن ترجعوا للمحاكم الشرعية للنظر في قضيتكم .
345- إذا عقد نكاح رجل على فتاة ولم يدخل بها ومات أحدهما عن الآخر فهل يرث أحدهما الآخر أم لا ؟ وما الحكم من ناحية العدة لو مات الرجل قبل الدخول بالزوجة فهل عليها عدة أم لا ؟(88/3)
إذا تم عقد الزواج مستوفيًا لشروطه وأركانه ثم مات أحد الزوجين قبل الدخول فإن عقد الزواج يكون باقيًا، ويقع به التوارث بين الزوجين لعموم قوله تعالى : { وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ } [ سورة النساء : آية 12 ] .
الآية عامة فيمن توفي عنها أو عامة في الوفاة قبل الدخول أو بعد الدخول فإذا تم عقد الزواج ومات أحد الزوجين قبل الدخول فإن الزوجية باقية، والتوارث بينهما مشروع لعموم الآية الكريمة، وأما من ناحية العدة فكذلك تلزمها عدة الوفاة لو توفي زوجها الذي عقد عليها قبل الدخول فإنها تلزمها عدة الوفاة لعموم قوله تعالى : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [ سورة البقرة : آية 234 ] هذه تعم من توفي عنها قبل الدخول أو بعد الدخول ولها الميراث كما ذكرنا .
346- امرأة لها زوج وبنت من غير الزوج الحالي بل من زوج آخر قبله ولها بنات أخ متوفى . . فمن يرثها من هؤلاء وما نصيب كل منهم ؟
يكون للزوج منها الربع وللبنت النصف والباقي للعصبة الأولى رجل ذكر، فإذا لم يكن هناك من العصبة أحد يرد ذلك على البنت، وبنات أخيها ليس لهن شيء؛ لأنهن من ذوي الأرحام .
347- كيف تقسم تركة أخي المتوفى عن زوجته وأمه وإخوته الذين هم : أخ ذكر وخمس أخوات ؟(88/4)
للزوجة الربع وللأم السدس والباقي للإخوة والأخوات إذا كانوا أشقاء أو لأب كلهم للذكر مثل حظ الأنثيين، فتكون المسألة من اثنى عشر : لزوجته الربع ( 3 ) ولأمه السدس ( 2 ) والباقي سبعة لأخيه منها اثنان ولأخواته على واحد، أما إذا كان الإخوة كلهم لأم فلهم الثلث أربعة والباقي ثلاثة للعاصب، وتصح من ستة وثلاثين للزوجة تسعة، وللأم ستة، وللإخوة لأم اثنا عشر لكل واحد اثنان ويبقي تسعة للعاصب .
348- جدي لأبي توفي وله أرض زراعية وخلف ورثة سبع بنات وابن واحد، وبعد أن تزوج الجميع بقي ابنه مستوليًا على هذه الأرض وقد كلفته ما يقارب قيمتها في تعميرها وتصليحها وإيصال الماء إليها . فهل للبنات نصيب أم لا ؟
نعم للبنات نصيب من أصل الأرض، أما كلف التعمير التي أنفقها أخوكم إذا اصطلحتم فيما بينكم على أن تدفعوا له شيئًا من الكلف فلا بأس، وإن اختلفتم فلابد من الرجوع إلى القاضي وهو ينظر في القضية، والله أعلم .
349- توفي والدي وترك بنتًا عمرها ثلاث سنين، وابنًا عمره أربع سنين، وقد تزوجت أمهما وتركت ليس مسئولية تربيتهما، وقد أخذت ما يخصهما من الإرث بعد والدي، والآن تزوج الولد والبنت، وأصبحا يطالبانني فيما اكتسبته بعد وفاة والدي، علمًا بأنني الوحيد الذي شاركته الاكتساب في حياته فهل لهم الحق في المطالبة فيما اكتسبته بعد وفاته ؟ أم أنه يخصني وحدي فقط ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟(88/5)
أما ما كان لوالدك فهذا يعتبر لإخوتك الصغار نصيب فيه، لأنه من تركة ميتهم فكان الواجب عليك أن تحصره، وأن تحصيه، وأن تحفظه لهما حتى يكبرا وتنفق عليهما منه، وإذا بقي شيء بعد النفقة عليهما تدفعه إليهما إذا كبرا . أما ما كسبته بعد وفاة والدك، فهذا إن كان رأس المال هو الذي كان مع والدك قبل وفاته فلهم نصيب أيضًا من ربحه؛ لأنه يعتبر كالمضاربة، وإن كان من مالك الخاص وتصرفت في مالك الخاص بعد وفاة والدك، فإنه لا علاقة لهم به، لأنه يعتبر كسبك ومالك، وعلى كل حال القضية فيها طرفان، وإذا رجعتما إلى المحكمة الشرعية، فهي – إن شاء الله – ستدرس ملابسات القضية وتبين لكل ذي حق حقه . والله أعلم .
350- عندنا في بلدنا عادة حينما يتوفى الرجل ويترك خلقه بنات وأبناء ولهم إرث منه، العادة هي أن يطلب من البنات التنازل عن إرثهن لإخوانهن، وغالبًا ما يتنازلن مجاملة وحياء فما حكم هذه العادة فقد جرت معي ومع إخوتي الاثنين فقد تنازلت أختانا عن نصيبهما وأخذناه نحن الذكور فقط فهل علينا في ذلك إثم ؟(88/6)
لا يجوز الإلحاح على البنات حتى يتركن إرثهن لإخوانهن وهذه عادة سيئة لاسيما وأنك ذكرت أنهن يتركنه حياء ومجاملة فيكون هذه قريبًا من الإكراه فلا يجوز مثل هذا العمل، بل الله سبحانه وتعالى أعطى البنات حقهن كما قال سبحانه وتعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ } [ سورة النساء : آية 11 ] ، كما أعطى الأخوات وغيرهن من النساء حقهن من الميراث، فالله جل وعلا جعل للبنات نصيبًا من الميراث وجعل للأولاد نصيبًا من الميراث، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ) [ رواه الإمام أحمد ( 4/187 ) من حديث عمرو بن خارجة رضي الله عنه، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/113 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 6/294، 295 ) ، ورواه ابن ماجة في " سننه " ( 2/905 ) من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 6/264، 265 ) من حديث أنس بن مالك، ورواه سعيد بن منصور في " سننه " ( 1/125 ) ، من حديث أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه ] ، والأنثى قد تكون أحوج إلى الميراث من الذكر لضعفها وعجزها عن الاكتساب، بخلاف الذكر فإنه يقوى على الاكتساب وعلى السفر لطلب الرزق، فعلى كل حال هذا التصرف لا يجوز ولا يصح استضعاف النساء والتغلب عليهن وأخذ نصيبهن ولو كان هذا بصورة التبرع منهن، ولأنهن لا يتبرعن بهذا عن طيب نفس وإنما يتبرعن به كما ذكرت عن حياء ومجاملة .
351- توفي رجل وخلف تركة ورثه فيها ابنه ولكن أكثر هذه التركة مغتصبة فهل ينتفع منها هذا الولد وإثمها على أبيه أم يعيدها إلى أهلها . وتبرأ ذمة أبيه منها أم كيف يتصرف بها ؟(88/7)
التركة إذا كانت مغتصبة ويعرف أصحابها فإنه يجب عليه أن يردها إليهم لأنها مظالم لا يجوز إبقاؤها والاستيلاء عليها بل يجب أن ترد إلى أهلها ويتخلص من شرها وإن كان أهلها غير موجودين فإنهم يتصدقون بها ويكون أجرها لأصحابها .(88/8)
11- كتاب النكاح
352- ما حكم الدين في أن يرى الخطيب خطيبته بدون حجابها بتدبير منه ومن أهلها، وإن كان بتدبيره هو أو تدبير أهلها خفية، فهل هناك فرق في الحكم ؟
ستر النساء عن الرجال وعدم رؤية الرجل لشيء من بدن المرأة التي لا تحل له أو التي ليست من محارمه أمر واجب، ولكن عندما يخطب امرأة ويغلب على ظنه أنه يجاب إلى خطبته فقد رخص له النبي صلى الله عليه وسلم في أن ينظر منها ما جرت العادة بكشفه كوجهها وكفيها (7) ، والأحسن أن يكون ذلك بغير علمها بأن يترصد لها مثلاً في مكان لا تعلم به حتى يتمكن من رؤيتها من غير تصنع منها، أما لو علمت ربما تتصنع وربما يحصل شيء من الخداع وتظهر بالمظهر غير الحقيقي . وقد تخفي عيوبًا، فالرخصة جاءت بحدود، وهي أن يرى منها ما جرت العادة بكشفه مما يرغب في تزوجها، ويجوز أن يكون نظره إليها عن اتفاق وبحضور أهلها من غير خلوة بها، أما ما وقع فيه كثير من المتساهلين من خلوة الخطيب مع خطيبته أو سفرها معه هذا لا يقره الإسلام ولا يجيزه الدين، لأنها لم تكن زوجة له ولا هو محرم لها فلا يجوز أن يخلو بها ولا أن يسافر معها، وإنما يكون ذلك في حدود الرخصة الشرعية التي ذكرها أهل العلم وبينوا حكمها .
والأمر – ولله الحمد – واضح ليس فيه إشكال ولا تستغل السنن أو الرخص استغلالاً سيئًا كما يفعله بعض الناس من التوسع في هذا، وخلوة الخطيب بخطيبته وسفرها معه أو ما أشبه ذلك من تبادل الكلام الكثير والكلام المثير أو غير ذلك من أسباب الفتنة فلا يجوز .(89/1)
353- تقدم شاب متدين صفاته حميدة لخطبتها، ولكن والدها رفض قبوله بحجة عدم كفاءته حسبًا ونسبًا، فهو يريد لها شابًّا من العوائل العريقة ذات المال والجاه، بينما هي راضية به ولا تريد سواه . وتقول : هل يجوز لها أن تنكح نفسها منه بدون ولي أمرها، فقد قرأت في »فقه السنة« لأبي حنيفة أنه يجوز ذلك، ثم إن الله ولي أمور العباد كلها ومنها الزواج، فإذا كان والدها سيحرمها من الزواج بمن هو مناسب لها وحريص على كرامتها وصيانة عرضها ومتمسك بدينه، ثم يزوجها ممن لا يتصف بهذه الصفات، أفليس لها الحق في عدم استئذانه في زواجها بشخص صالح وتقوم هي بتزويج نفسها عند القاضي أو تستأذن أحد أقربائها الآخرين المقتنعين بوجهة نظرها ؟
أولاً : لا يجوز للمرأة أن تزوج نفسها، فإن زوجت نفسها فنكاحها باطل عند جمهور أهل العلم سلفًا وخلفًا، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى خاطب بالتزويج أولياء أمور النساء قال : { وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ } [ سورة النور : آية 32 ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( إذا أتاكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه ) [ رواه الترمذي في " سننه " ( 4/41، 42 ) ، ورواه ابن ماجة في " سننه " ( 1/632، 633 ) ، كلاهما من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وقال صلى الله عليه وسلم : ( لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل ) [ رواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 10/148 ) من حديث عائشة رضي الله عنها، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " ( 3/454-456 ) ] .(89/2)
أما ما ذكرت السائلة من أنها قرأت في بعض كتب الفقه أن المرأة تزوج نفسها فهذا قول مرجوح والصحيح الذي يقوم عليه الدليل خلافه . وأما ما ذكرت من واقعتها وأن لها رأيًا يخالف رأي أبيها لأن أباها يريد لها زوجًا حسبًا ونسبًا يكافئها، وهي لا ترى ذلك، وإنما تميل إلى أن تتزوج شخصًا ترى أنه ذو دين وإن لم يكن ذا حسب ونسب، فالحق مع أبيها في هذا وأبوها أبعد منها نظرًا فقد يخيل إليها أن هذا الشخص يصلح لها في حين أنه لا يصلح، فليس لها أن تخالف أباها مادام أنه ينظر في مصلحتها، وإذا تحقق أن شخصًا غيره يصلح لها ويكافئها في مقامه وحسبه ودينه وأبى أبوها أن يزوجها به فإنه حينئذ يكون عاضلاً وتنتقل الولاية إلى من بعده من بقية الأولياء، ولكن هنا لابد فيه من مراجعة القاضي لينقل الولاية من الأب العاضل إلى من بعده من بقية الأولياء، وليس لها هي أن تتصرف أو يتصرف أحد أوليائها بدون رضا أبيها، لابد من الرجوع إلى القاضي الشرعي وهو ينظر في الموضوع وملابسات الواقعة، وإذا رأى نقل الولاية إلى آخر نقلها حسب المصلحة، فلابد من ضبط الأمور في الزواج، ولابد من القيام على النساء، لأن النساء نظرهن قاصر، وأولياء أمورهن من الرجال عندهم من الحرص على صيانتهن والغيرة عليهن ما ليس عندهن فينبغي مراعاة هذا، والله أعلم .
354- هل للوالد إجبار ابنته على الزواج ؟
ليس له أن يجبرها، ولكن ينبغي لها ألا تعصي والدها مادام أنه نظر في مصلحتها واختار لها كفؤًا دينًا، فلا ينبغي لها أن تخالف والدها، أما مسألة الإجبار فليس له أن يجبرها إذا كانت ثيبًا بالاتفاق أو كانت بكرًا على الصحيح، والله تعالى أعلم .(89/3)
355- ما رأيكم في إجبار الفتاة على الزواج من شاب يقبله والدها حيث إن فتيات هذا اليوم لو استأذنتها للزواج من الشاب الذي تقدم لخطبتها تجدها ترفضه، خاصة إذا كان ابن عمها وأنه يوجد لها فتى أحلام تريده وإذا وقفت وراء حقيقة أحلامها تجده من ذلك النوع الذي ليس له عمل سوى اللعب بعواطف الفتيات المراهقات متسترين وراء شيء اسمه الحب ؟ أفيدونا رعاكم الله .
أولاً : يجب على الأب وولي المرأة أن ينظر في مصلحتها في الزواج، وأن يختار لها الكفء الذي تبرأ به الذمة ويصونها ويكرمها ويحفظها مما لا ينبغي، ويجب على المرأة أن تطيع وليها بالمعروف إذا اختار لها كفؤًا صالحًا فتوافقه فيما رأى، لأن المصلحة ظاهرة في هذا . وهذا يترتب عليه مصالح في المستقبل، فكل من الولي والمرأة مأمور بأن ينظر في المصلحة الدينية والدنيوية في نفسه، ولمن ولي عليه .
أما ما ورد في السؤال من أن ولي المرأة يختار لها كفؤًا يصلح لها، وهي تمتنع وتريد شخصًا آخر لا يصلح، وهو ممن لا يرغب فيهم من الناحية الدينية والخلقية فهذا لا يجوز للمرأة أن تفعله، ولا يجوز للبنت أن تذهب إليه، ولا يجوز للولي أن يمكنها من ذلك؛ لأنه ينظر في مصلحتها وهو مسؤول عنها، وهو الرقيب عليها في هذا الشأن وفي غيره، فلا يجوز للولي أن يمكنها من أن تتزوج من شخص لا يليق بها دينًا وخلقًا .
وقضية علاقة الحب هذه نشأت عن اختلاط النساء بالرجال، وعن خلع الحجاب، وعن النظر في الصور الفاتنة، وعن سفر الفتاة وحدها بدون محرم، وعن استماع الأغاني وغير ذلك من أسباب الفتنة التي تزخر بها دنيا العالم اليوم .
356- وهل يجوز له أن يجبرها على الزواج بمن لا تريده ؟(89/4)
لا يملك الإجبار في هذا وإنما يمتنع من أن يزوجها من لا يصلح، وأما مسألة الإجبار فلا يجوز إلا ما ذكر من أن الأب له أن يجبر البكر ولكن الصحيح خلاف هذا، وأنه ليس للأب ولا لغيره أن يجبر موليته على الزواج بمن لا تريده، ولكن يعرض عليه ويكرر عليه وينصحها في هذا إلى أن تقتنع، فلابد أن تستشار ولا بد أن يؤخذ رأيها في هذا . لأن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى من زُوِّجَتْهُ بغير رضاها حق الفسخ (8) .
357- هل للوالد أن يجبر ابنته على الزواج ؟
ليس له أن يجبرها، ولكن ينبغي لها ألا تعصي والدها مادام أنه نظر إلى مصلحتها واختار لها كفؤًا دينًا، فالواجب عليها ألا تخالف والدها، أما مسألة الإجبار : فليس له أن يجبرها إذا كانت ثيبًا بالاتفاق أو كانت بكرًا على الصحيح، والله تعالى أعلم .
358- تزوجت من فتاة عمرها ثلاثة عشر عامًا، وعند الكتابة على هذه الفتاة رفض المأذون أن يكتب لي عليها نظرًا لصغر سنها وكتب لي على اسم شقيقتها المتوفاة لأنها أكبر منها سنًّا فما حكم هذا الزواج ؟
هذا يحتاج أن يرجع فيه إلى القاضي ليحضرهم ويحقق في القضية، أما مجرد سؤال في الإذاعة عن عقد حصل فيه ارتباك فهذا لا يناسب الجواب عليه في الإذاعة بل لابد أن يكون الحكم عليه عند القاضي وعند حضور الطرفين في القضية . والله أعلم .
359- تقدم شاب لخطبة أختي وسبق أن سمعت أنه يختلس أحيانًا، واستشارني أهلي بذلك فأخبرتهم بما سمعت عنه ونصحتهم ألا يستجيبوا لذلك، والآن تم الزواج مع العلم أنه كان في وسعي أن أوقف هذا الزواج ؟ فماذا أفعل لأكفر ما حدث ؟
ما دمت قد أديت النصيحة وبيَّنت ما في هذا الشخص ولكن أهلك لم يقبلوا النصيحة وأقدموا على تزويجه، فقد أديت الواجب ولا يلزمك أكثر من هذا، إلا أنه يلزمك أن تواصل النصيحة للشخص نفسه، وأن تحذره من هذا الأمر، وأن تخوفه بالله عز وجل، هذا الذي يسعك، والله تعالى أعلم .(89/5)
360- ماذا يجب فعله على من تزوج امرأة أبيه علمًا أن لها منه أولادًا ؟
الله تعالى حرم زواج امرأة الأب :
قال الله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً } [ سورة النساء : الآية 22 ] .
فمن استحل هذا كفر وارتد عن دين الإسلام . أما إذا فعله عن جهل ولم يستحله فهذا مخطئ خطأ كبيرًا، والنكاح هذا باطل ويجب التفريق بينهما على الفور، ويجب أن يغلظ عليه في هذا الشأن .
والأولاد إذا كان لزوجها عن جهل ولم يتعمد هذا الشيء يكونون شرعيين لأن هذا بشبهة .
361- قال تعالى في سورة النساء : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلاً } [ إلى قوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا } [ سورة النساء : الآيتين 22، 23 ] ما معنى ذلك ؟
في هذه الآية الكريمة بيَّن الله عز وجل المحرمات في النكاح، وأسباب التحريم يعود في هذه الآيات إلى ثلاثة أشياء :
1ـ النسب . 2ـ الرضاع . 3ـ المصاهرة .
فقوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ } [ سورة النساء : آية 22 ] تفيد أنه لا يجوز للإنسان أن يتزوج من تزوجها أبوه أو جده وإن علا سواء كان الجد من قِبل الأم أو من قِبل الأب وسواء دخل بالمرأة أم لم يدخل بها .
فإذا عقد الرجل على امرأة عقدًا صحيحًا حرمت على أبنائه وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا .(89/6)
وفي قوله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ } [ سورة النساء : آية 23 ] ، هذا بيان ما يحرم بالنسب وهن سبع : الأمهات وإن علون من الجدات من قِبل الأب أو من قِبل الأم، والبنات وإن نزلن من بنات الابن، وبنات البنات وإن نزلن، والأخوات سواء كن شقيقات أم لأب أم لأم، والعمات وهن أخوات الآباء والأجداد وإن علوا سواء كن عمات شقيقات أو عمات لأب أو عمات لأم .
فالعمات الشقيقات أخوات أبيك من أمه وأبيه، والعمات لأب أخواته من أبيه، والعمات لأم أخواته من أمه .
والخالات هن أخوات الأم والجدة وإن علت سواء كن شقيقات أم لأب أم لأم . فالخالات الشقيقات أخوات أمك من أمها وأبيها، والخالات لأب أخواتها من أبيها، والخالات لأم أخواتها من أمها .
واعلم أن كل خالة لشخص أو عمة لشخص فهي خالة له ولمن تفرع منه، وعمة له ولمن تفرع منه فعمة أبيك عمة لك، وخالة أبيك خالة لك، وكذلك عمة أمك عمة لك وخالة أمك خالة لك . وكذلك عمات أجدادك أو جداتك عمات لك، وخالات أجدادك أو جداتك خالات لك .
وبنات الأخ وإن نزلن سواء كان الأخ شقيقًا أو لأب أو لأم، فبنت أخيك الشقيق أو لأب أو لأم محرمة عليك، وبنت بنتها حرام عليك وبنت ابنها حرام عليك وإن نزلن وكذلك نقول في بنات الأخت .
هؤلاء سبع من النسب، { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ } [ سورة النساء : آية 23 ] ، وإن شئت حصرها فقل يحرم على الإنسان من النساء الأصول وإن علون والفروع وإن نزلن . وفرع الأب والأم وإن نزلن وفروع الجد والجدة لصلبهم خاصة .(89/7)
وفي قوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ } [ سورة النساء : آية 23 ] إشارة إلى ما يحرم بالرضاعة وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/149 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] فما يحرم من النسب يحرم نظيرهن من الرضاع وهن الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت . فنظير هؤلاء من الرضاع محرم لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/149 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] .
وقوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } [ سورة النساء : آية 23 ] فهؤلاء الثلاث محرمات بالصهر فقوله : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ } يعني أنه يحرم على الرجل أم زوجته وجدتها وإن علت سواء من قبل الأب أم من قبل الأم وتحرم عليه بمجرد العقد .(89/8)
فإذا عقد الرجل على امرأة حرمت عليه أمها وصار من محارمها وإن لم يدخل بها يعني وإن لم يدخل بالبنت، فلو قدر أن البنت ماتت أو طلقها فإنه يكون محرمًا لأمها . ولو قدر أنه تأخر دخوله على المرأة التي تزوجها فإنه يكون محرمًا لأمها تكشف وجهها عنده ويسافر بها ويخلو بها ولا حرج عليها، لأن أم الزوجة وجداتها يحرمن لمجرد العقد لعموم قوله تعالى : { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } [ سورة النساء : آية 23 ] المراد بذلك بنات الزوجة وبنات أولادها وإن نزلوا . فمتى تزوج الإنسان امرأة فإن بناتها من غيره حرام عليه ومن محارمه، وكذلك بنات أولادها من ذكور وإناث فبنت ابنها وبنت بنتها كبنتها، ولكن الله عز وجل اشترط هنا شرطين : { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
فاشترط في تحريم الربيبة أن تكون في حجر الإنسان .
واشترط شرطًا آخر أن يكون دخل بأمها أي جامعها .
أما الشرط الأول : فهو عند جمهور أهل العلم شرط أغلبي لا مفهوم له ولهذا قالوا : إن بنت الزوجة المدخول بها حرام على زوجها الذي دخل بها وإن لم تكن في حجره .
وأما الشرط الثاني : وهو قوله تعالى : { اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } [ سورة النساء : آية 23 ] فهو شرط مقصود ولهذا ذكر الله تعالى مفهومه ولم يذكر مفهوم قوله : { اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } [ سورة النساء : آية 23 ] فدل هذا على أن قوله : { اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } [ سورة النساء : آية 23 ] لا يعتبر مفهومه .
أما قوله : { اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } [ سورة النساء : آية 23 ] فقد اعتبر الله مفهومه فقال : { فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } [ سورة النساء : آية 23 ] .(89/9)
أما قوله : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } [ سورة النساء : آية 23 ] فالمراد بذلك زوجة الابن وإن نزل حرام على أبيه بمجرد العقد وزوجة ابن الابن حرام على جده بمجرد العقد، ولهذا لو عقد شخص على امرأة عقدًا صحيحًا ثم طلقها في الحال كانت محرمة على أبيه وجده وإن علا لعموم قوله تعالى : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } [ سورة النساء : آية 23 ] والمرأة تكون حليلة لزوجها لمجرد العقد .
فهذه ثلاثة أسباب توجب التحريم، النسب، والرضاع، والمصاهرة . والمحرمات بالنسب سبع والمحرمات بالرضاع نظير المحرمات بالنسب لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ) والمحرمات بالصهر أربع في قوله تعالى : { وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاءِ } [ سورة النساء : آية 22 ] ، وقوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
والرابعة قوله تعالى : { وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
وأما قوله تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } [ سورة النساء : آية 23 ] فهذا التحريم ليس تحريمًا مؤبدًا، لأن التحريم هو الجمع فليست أخت الزوجة محرمة على الزوج لكن محرم عليه أن يجمع بينها وبين أختها . ولهذا قال تعالى : { وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ } [ سورة النساء : آية 23 ] ولم يقل : وأخوات نسائكم .(89/10)
فإذا فارق الرجل امرأته فرقة بائنة بأن تمت العدة فله أن يتزوج أختها . لأن المحرم الجمع، وكما يحرم الجمع بين الأختين فإنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، كما ثبت ذلك في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم (9). فاللاتي يحرم الجمع بينهن ثلاث : الأختان، والمرأة وعمتها، والمرأة وخالتها . وأما بنات العم وبنات الخال يعني أن تكون امرأة بنت عم لأخرى أو بنت خال لأخرى فإنه يجوز الجمع بينهما .
362- ما هي العلة الشرعية في تحريم نكاح المتعة وما الحكم في شخص كان يجهل هذا الحكم وقد تزوج امرأة زواج متعة وطلقها بعد أن حملت بمولود . وما الحكم في هذا المولود أهو شرعي وينسب إليَّ ويرث ويورث منه ؟
نكاح المتعة باطل محرم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عنه عام الفتح (10) نهيًا صريحًا وناسخًا لما سبق من الإذن بالمتعة، وأجمع على ذلك علماء المسلمين لم يخالف منهم أحد إلا من شذ من الفرق الضالة ولا عبرة بخلافهم . فالمتعة حرام ونكاح باطل بإجماع العلماء والخلاف الذي فيها خلاف شاذ لا عبرة به ولا ينقض الإجماع مع النصوص الصريحة الصحيحة في تحريم المتعة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد تواتر بذلك وتضافرت ودلت على بطلان نكاح المتعة، والحكمة في ذلك – والله أعلم – أن المطلوب في النكاح أن يكون لرغبة واستدامة بين الزوجين، والنكاح المؤقت – وهو نكاح المتعة – لا يحصل به المطلوب، وإنما هو لفترة معينة ثم يزول، ولا يكون بذلك عشرة ولا يكون بذلك بقاء للتزاوج والتوالد، والإسلام حريص على الزواج وحريص على إنجاب الذرية، وحريص على بقاء الزوجية، فالمتعة تخالف هذا كله، لأنها عبارة عن رغبة مؤقتة ونكاح مؤقت لا تحصل به المصالح الزوجية فلذلك أبطله الإسلام .(89/11)
أما حكم من فعل ذلك وجاءه ولد بهذا النكاح . هل يلحق به أو لا فهذا إن كان فعله مع معرفته بالحكم وأن نكاح المتعة بطل، فإن هذا الولد لا يلحق به، لأن النكاح في حقه يكون سفاحًا أما إذا كان فعل هذا عن جهل وتقليد لمن يقول بذلك ظنًّا منه أن هذا صحيح فهذا يعتبر شبهة ويلحق به الولد .
363- عندما يزوج الرجل ابنته لرجل آخر على أن يزوجه أخته فهل يسمى هذا شغارًا ؟ وهل هو محرم ؟ وهل ورد حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بشأنه ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟
إذا زوج الرجل موليته لرجل آخر على أن يزوجه الآخر موليته ولم يكن بينهما مهر فهو نكاح الشغار حيث جعلت أنثى في مقابل أنثى، وقد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (11) وهو نكاح باطل يجب أن يفرق بينهما . أما إذا زوج كل واحد منهما الآخر موليته من غير اشتراط وإنما تم عن طريق التراضي ورغبة كل من المرأتين في زوجها، وكان هناك صداق تام فليس هذا من الشغار لانتفاء الضرر .
364- لديَّ أخت وأنا رجل أعزب ويوجد من جماعتي رجل متزوج ولديه أخت ويرغب في أن يتزوج أختي وأنا أتزوج أخته، وذلك بناء على رغبة البنات أيضًا بهذا العمل، وكلنا سوف يدفع مهر خطيبته كاملاً دون أن يكون ملزمًا بمهر الأخرى، بل كلٌّ على حدة، أفيدونا هل هذا حلال أم حرام ؟ وما الحكم الشرعي في عمل هكذا ؟(89/12)
ما ذكر من اتفاق رجلين على أن يزوج أحدهما الآخر موليته ومع تمام المهر لكل منهما ورضاها التام فهنا إذا كان زواج كل واحدة ليس مشروطًا في زواج الأخرى، وليس متوقفًا على زواج الأخرى، وبذل لها كما يبذل لأمثالها في هذه الحالة لا بأس؛ لانتفاء الضرر وهو أن يكون زواج إحداهما مشروطًا بزواج الأخرى ومتوقفًا عليه كأن يقول : لا أزوجك أختي إلا على أن تزوجني أختك، فهذا لا يجوز ويدخل في الشغار الذي نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم (12)، وكذلك إذا كان بغير رضا المرأة في الزوج الذي يراد أن تزوج به هذا أيضًا لا يجوز، لأنه لابد من رضاها وإذنها، وكذلك لا يكون مهر كل منهما ناقصًا عن أمثالها فإذا انتفت هذه المحاذير الثلاثة فلا بأس بالزواج .
365- أراد أخي الزواج من إحدى الفتيات من قريتنا فاشترط أخوها أن يزوجه أخي أخته، واتفقا على ذلك، وبعد ذلك وبعد مدة وقبل العقد لأي منهما سمعنا أن مثل هذا النكاح محرم وأنه شغار، فأخبرناهم بذلك فقال أخو الفتاة التي خطبها أخي : مادام الأمر كذلك فتزوجني أختك وبعد سنة أزوجك أختي، فوافق أخي على أن يعطيه أخته مقابل مهر قدره ستون ألف ريال على أن يتزوج أخت صهره بعد سنة بمثل ذلك المهر أو أكثر أو أقل، فهل هذا النكاح على مثل هذه الصورة جائز أم لا ؟(89/13)
إن الأمر كما سمعتم مثل هذا التصرف من المذكورين هو نكاح شغار، وذلك بأن يزوجه موليته بشرط أن يزوجه الآخر موليته، وهذا إذا كان بدون مهر بأن جعلت إحدى المرأتين في مقابل الأخرى وهذا شغار بلا إشكال، وهو محرم، والنكاح باطل وكذلك على الصحيح يكون شغارًا حتى ولو سمي لكل واحدة منهما مهر، لأن الضرر واقع على المرأتين بكل حال، ولعموم الأحاديث التي تنهى عن نكاح الشغار وهو كما ذكرنا أن يكون زواج إحدى المرأتين مشروطًا بزواج الأخرى ولا يفيد ما ذكرتم من تأخير زواج إحداهما عن زواج الأخرى إلى سنة، فإن هذا من التحايل وهذا لا يرفع الحرمة ولا يفيد بجواز مثل هذا التصرف، فعليكم بالابتعاد عن هذا وكلٌّ يزوج موليته زواجًا صحيحًا لها فيه منفعة ولها فيه اختيار ولها فيه مهر المثل بدون أن يربط زواجها بزواج امرأة أخرى تقابلها .
366- إذًا على هذا لا عبرة لجعل مهر لكل منهما مادام في الأمر اتفاق أو شرط ؟
على الصحيح أنه ولو كان لكل واحدة منهما مهر لا يخرجه عن الشغار .
367- حتى ولو اختلف المهر يعني إحداهما أكثر من الأخرى ؟
سواءً اختلف أو تساوى، فهذا لا يؤثر أو عقد لهما جميعًا أو تأخر عقد إحداهما عن الأخرى الحكم واحد مثل هذا التصرف لا يجوز .
368- يعني مثل هذه الصورة يعتبر هذا شغارًا ؟
نعم في مثل هذه الصورة يعتبر هذا شغارًا .
369- إذًا لو فرضنا أنه قد حصل زواجًا للأولى فماذا نقول لهم ؟
يراجعون القاضي في جهتهم أو مفتي يخبرونه بحقيقة الحال لينظر في ملابسات الأمور ويجري العقد الصحيح إن شاء الله .
370- رجل تزوج من فتاة وقد دفع لها مهرًا من مال جمعه بطريقة غير مشروعة، وقد أنجبت منه زوجته الآن، فما الحكم في هذا الزواج، وفي الذرية ؟(89/14)
يجب على المسلم أن يقتصر في الكسب على ما أحل الله من الرزق الحلال الذي يستعين به على طاعة الله وعلى مصالحه الدنيوية والأخروية، فإن الكسب الحلال كسب مبارك وآثاره حميدة على المسلم إن تصدق منه وإن أنفق منه على نفسه، وعلى أقاربه، وإن تزوج منه وإن ورثه لمن خلفه، فله في ذلك أجر عظيم، وأن يبتعد عن الكسب المحرم الكسب الخبيث : { قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ } [ سورة المائدة : آية 100 ] .
الكسب المحرم آثاره سيئة على الإنسان، وهو آثام على كاسبه في الدنيا والآخرة، والسائل يذكر أنه اكتسب كسبًا محرمًا وتزوج منه، لا شك أنه يأثم في ذلك وأنه فعل محرمًا، ولكنه إذا تاب إلى الله وندم على ما حصل، وعزم على أن لا يعود إلى مثل هذا، وتاب توبة صحيحة، فإن الله يقبل التوبة عن عباده، وزواجه صحيح، ولكنه يأثم على ما بذل فيه من المال المحرم، فإن كان هذا المال المحرم مغصوبًا أو مأخوذًا بغير حق من أهله فيجب عليه أن يرد عليهم بدله، مع التوبة إلى الله، وهذا من شروط التوبة ردُّ المظالم إلى أهلها .
371- يقول الله تعالى في سورة النساء : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِن مِّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُم مِّن فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَانكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلاَ مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ } [ سورة النساء : آية 25 ] ، ما معنى هذه الآية ؟ وما المقصود بقوله : { أُجُورَهُنَّ } أهو المهر ؟ أم أجرة مقدرة على قدر الاستمتاع بها ؟
هذه الآية وردت في حكم تزوج الحر بالأمة، فأباحته بثلاثة شروط :(89/15)
أولاً : أن لا يقدر على الطول وهو المهر للحرة وذلك في قوله : { وَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ مِنكُمْ طَوْلاً أَن يَنكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ } [ سورة النساء : آية 25 ] ، وذلك إذا كان لا يستطيع على مهر الحرة لغلائه أو لفقر الرجل .
والشرط الثاني : أن يخاف على نفسه من عنت العزوبة بأن يخاف إذا لم يتزوج أن يقع في الحرام .
والشرط الثالث : أن تكون الأمة التي يتزوجها مؤمنة عفيفة عن الحرام وعن الفواحش .
فإذا توافرت هذه الشروط جاز للحر أن يتزوج أمة، وأما قوله تعالى : { وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 25 ] ، فالمراد بالأجور هنا المهور، فالمهور تسمى أجورًا، لأنها في مقابل الاستمتاع .
372- ما رأيكم في الذين يقولون : إن زواج الفتاة من ابن عمها أو قريبها يسبب إنجاب أطفال مشوهين وهذه البادرة تثير الفزع في نفوس الفتيات وتجعلهن يرفضن الزواج من أقاربهن مما يتسبب في إثارة المشكلات بين الأقارب، فما مدى صحة هذا الادعاء ؟ وما رأي الإسلام فيه ؟
هذه الشائعة غير صحيحة، فليس زواج المرأة من ابن العم أو ممن هو قبيلتها يسبب ولادة أطفال مشوهين أو متخلفين عقليًّا أو مصابين بغير ذلك من الأمراض، وهذا اعتقاد فاسد وشائعة باطلة، نعم يرى بعض العلماء أنه ينبغي أن يتزوج بامرأة من غير أقاربه، قالوا : لأن ذلك أنجب للولد، فهذا شيء ذكر، وقال به بعض أهل العلم، ولكن ليس معنى هذا أن يولد مشوهًا، هذا لم يقله أحد منهم فيما أعلم ولا أصل له، وقد زوج النبي صلى الله عليه وسلم ابنته فاطمة رضي الله عنها من ابن عمها علي بن أبي طالب رضي الله عنه وتزوج الصحابة من قريباتهم .
373- إذا كانت الفتاة لا تريد الزواج من رجل سمعت من أهلها أنه ذو دين وأخلاق حسنة، ولكنها لا تريده ليس بغضًا فيه بل في أهله الذين رأتهم هي، وتعرف أنهم يغتابون الناس وفيهم النميمة فهل لها الحق أن ترفضه ؟(89/16)
إذا كان أهلها يعرفون هذا الشخص بدينه وأمانته واختاروه زوجًا لها، فإنه ينبغي لها أن تجيب إلى ذلك، أما حالة أهله وكونهم يغتابون الناس فهذا شيء يتعلق بهم ويحرم عليهم، ولكن هي لا تفوت الزواج بالرجل الكفء الصالح لها من أجل حالة أهله، فإن استصلاح الخلل في أهله ممكن بمناصحتهم وتخويفهم بالله عز وجل، أو أن تعتزل مجلسهم الذي تدور فيه الغيبة والنميمة وتجلس في مكان آخر، وليست ملزمة أن تجلس معهم إذا كانوا في حالة يغتابون فيها الناس ولا تفوت فرصة الزواج بالرجل الكفء الذي يختاره لها أهلها من أجل ذلك، لأنه بإمكانها تدارك المحذور كما ذكرنا، وأن تأخذ بالصالح لها وهو الزواج بهذا الرجل الكفء الصالح لها، والله أعلم .
374- رجل تزوج بامرأة ولها بنت عند زواجه منها ورزق منها بأولاد، فهل يحل لابن الرجل من غيرها أن يتزوج بنت هذه المرأة التي تزوجها أبوه ؟
لا بأس بذلك، لأنه لا علاقة بينه وبينها من ناحية القرابة فهي أجنبية منه، وهو أجنبي منها، فيجوز للشخص أن يتزوج بنت زوجة أبيه من رجل آخر، لقوله تعالى لما ذكر المحرمات في النكاح : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } الآية [ سورة النساء : آية 24 ] .
375- لي أخت من الأب ولها أخت من الأم فهل يجوز لي أن أتزوج من أخت أختي لأمها ؟
إذا كان لك أخت من الأب فإنه يجوز لك أن تتزوج بأختها من الأم، لأنه ليس بينك وبين أختها من الأم علاقة فلا مانع من ذلك لقوله تعالى : { وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ } [ سورة النساء : آية 24 ] .(89/17)
376- هي امرأة مسلمة وقد قرأت في كتاب " فقه العبادات " أن تارك الصلاة كافر ومشكلتها أنها هي وزوجها لم يكونا يصليان قبل الزواج تساهلاً منهما، وحتى بعد الزواج وبعد إنجاب بعض الأطفال لكنهما اكتشفا خطورة إهمالهما وعادا إلى الله وتابا وندما وأصبحا يقيمان الصلاة بمواظبة وفي أوقاتها، فما الحكم في زواجهما وهما تاركان للصلاة ؟ هل هو صحيح أم يلزمهما تجديد العقد أم ماذا ؟
نعم ترك الصلاة كفر والعياذ بالله، لأن الصلاة هي الركن الثاني من أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين ومن تركها فقد كفر، والحمد لله أنهما اكتشفا هذا الخطأ الذي وقع منهما، وأنهما تابا إلى الله سبحانه وتعالى وندما على ما حصل، وأنهما يحافظان على الصلاة، هذا شيء نرجو الله لهما القبول والإثابة عليه والمداومة عليه والتوبة تجب ما قبلها ويغفر الله بها ما سبق من الذنوب ولو كانت عظيمة، فالتائب يغفر الله له إذا صحت توبته ما كان له من الذنوب مهما كثرت، قال تعالى : { قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا } [ سورة الزمر : آية 53 ] .
377- في قريتنا رجل كان متزوجًا من امرأة ولها بنت من رجل قبله، وبعد مدة توفيت زوجته، وبعد وفاتها بفترة تزوج ابنتها، فهل يجوز له ذلك ؟ وما معنى قوله تعالى في عرض بيان من يحرم التزوج بهن : { وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } الآية [ سورة النساء : آية 23 ] ؟(89/18)
الربيبة من جملة المحرمات كما ذكر الله سبحانه وتعالى في الآية التي ذكرتها، والربيبة هي بنت الزوجة أو بنت أولادها مهما نزلت بنتها لصلبها أو بنت أولادها مهما نزلت فهي ربيبة لزوج الأم لا يجوز له أن يتزوجها، وهذا الذي ذكرت إن كان واقعًا فالعقد باطل على قول جماهير أهل العلم وقوله تعالى : { اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم } [ سورة النساء : آية 23 ] ، وصف لا مفهوم له، وإنما هو لبيان الواقع، وإلا فإن بنت الزوجة التي دخل بأمها أو بنت ولدها تحرم على زوج الأم، ولو لم تكن في حجره حرمة أبدية، ولو لم تكن في بيته، ولو جاءت من زوج آخر بعد أن طلقها فإنها لا تحل له مادام أنه دخل بأمها، هذا قول جماهير أهل العلم ولم يقل بمفهوم هذا الوصف إلا قلة وهو قول شاذ لا يعمل به، والله أعلم .
378- لدي أربعة أولاد ونحن في غربة عن بلدنا والسفر بهم قطعة من العذاب والدخل محدود، فما حكم تنظيم الأسرة بالنسبة لي وذلك لأجل معين حتى نستقر ؟
تحديد النسل خوفًا من ضيق الرزق لا يجوز، لأن الرزق بيد الله عز وجل، فهو الذي قدر الآجال والأرزاق وما من مولود يولد إلا وقد قدر له رزقه كما قدر له أجله، والله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ } [ سورة الأنعام : آية 151 ] ، فهذا فيه شبه من فعل الجاهلية الذين يقتلون أولادهم خشية الفقر، إلا أن هذا يعتبر منعًا لحصول الأولاد خشية الفقر والجاهلية يقتلون الأولاد الموجودين خشية الفقر .(89/19)
وعلى كلٍّ فالعلة واحدة ولا يجوز مثل هذا، والأرزاق بيد الله عز وجل، وتحديد النسل خوفًا من الفقر فيه إساءة ظن بالله عز وجل، فعليك أن تتوكل على الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى يرزق من يشاء بغير حساب، فأحسن الظن بربك ولا تتطرق إليك هذه الهواجس، فأنت لا تدري الخير والمصلحة، يقول الله سبحانه وتعالى : { وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة البقرة : آية 216 ] ، وإذا كان هذا التنظيم أو تأخير الحمل لداعٍ صحي بالمرأة ككون المرأة مثلاً لا تطيق الحمل والولادة في حالة خاصة أو ظرف خاص لمرضها فإنه لا مانع من أن تعطي ما يمنع الحمل مؤقتًا حتى تزول هذه الحالة التي يشق عليها فيها الحمل والولادة، فهذا يكون من باب الوقاية والعلاج لا من باب تحديد النسل أو تأخير النسل خشية الفقر .
379- امرأة متزوجة من رجل فرض عليها بالقوة، وقد عاشت معه إلى أن انجبت منه الأبناء والبنات، وقد أصيب بمرض في إحدى رجليه، فقامت على رعايته والمراجعة به بالمستشفيات، ولكنه يتنكر لها ولمعروفها ويعاملها أسوأ معاملة ويتهمها بأمور هي منها بريئة، زيادة على إهماله في أمور دينه وارتكابه الكثير من المحرمات حتى المال الذي جمعه أكثره من طرق محرمة، فعندما تطالب بشيء من حقوقها أو مصروفها أو مصروف أولادها يمنعها ويهددها بالطلاق وهي لا تريد الطلاق حفاظًا على أولادها من الضياع، فما الحكم في هذا الشيخ ؟ وما هي نصيحتكم له ولأمثاله ؟(89/20)
الذي ننصح به هذا الشخص أن يتقي الله سبحانه وتعالى في معاشرة زوجته، قال تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ } [ سورة النساء : آية 19 ] ، وقال تعالى : { فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } [ سورة البقرة : آية 229 ] ، فالواجب عليه أن يعاشر زوجته بالمعروف، وألا يسيء إليها لا سيما إذا كان لها معه مواقف جيدة كما ذكرت في حالة مرضه ومصاحبتها له وحسن صبرها معه في حالة المرض، فإنه يجب عليه أن يكافئها بالمعروف، وأن يعاشر زوجته، والأمر الثاني أنها أحسنت إليه في حالة حاجته ومرضه فليحسن إليها ولا يحرجها ويضايقها ويعكر صفوها، لا سيما وأنها أم أولاده فهو يضر نفسه ويضر أولاده ويعرض نفسه للعقوبة، كما نوصيه أن يتوب إلى الله مما نسبت إليه من ارتكاب لبعض المعاصي أو اكتسابه لبعض المحرمات في المال نوصيه بتقوى الله، وأن يتوب إلى الله من ذلك، وأن يطيب كسبه وأن يحسن عمله إن كان مسلمًا حقًّا .
380- كان متزوجًا من امرأة وقد أصيب بمرض أفقده بعض قواه العقلية ثم سافر من بلده إلى هنا في المملكة للعلاج وقد مكث اثني عشر عامًا متواصلة، وبعد شفائه عاد إلى بلده فوجد زوجته مازالت في بيته ولم يكن يسأل عنها مدة غيابه ولا ينفق عليها بسبب مرضه العقلي، وبعد عودته طلقها وتزوج بأخرى، ويسأل هل عليه شيء من ناحية النفقة عليها في مدة غيابه ( اثنا عشر عامًا ) ، أم لا ؟ فإن كان يجب عليه فكم يقدرها وكم يعطيها ؟
أما النفقة في مدة غيابه وبقائها في عصمته فإن لها عليه النفقة ولا تسقط بمضي المدة فهي دين في ذمته لها يجب عليه أداؤها لها إلا إذا سمحت بها وأسقطتها عنه، وأما كيف يقدرها فهذا يرجع فيه إلى العرف المتعارف عليه في البلد وما يليق بمثلها وحالتها، ومرجع هذا إلى القاضي .
381- ما هي المدة التي يمكن أن يبتعد فيها الرجل عن زوجته في السفر بحثًا عن لقمة العيش ؟(89/21)
المدة التي يمكن أن يبتعد فيها الرجل عن زوجته بحثًا عن لقمة العيش أو للجهاد في سبيل الله أو غير ذلك أربعة أشهر، وهي المدة التي ضربها الله للمؤلي في قوله تعالى : { لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ } [ سورة البقرة : آية 226 ] ، وقد أخذ بهذا عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه حينما حدَّد للأجناد الذين يخرجون للجهاد والرباط في سبيل الله حدد لغيابهم أربعة أشهر استنباطًا من الآية الكريمة (13) مع زيادة شهرين للمسافة ذهابًا وإيابًا، فإذا كان الإنسان يستطيع أن يأتي إلى أهله خلال أربعة أشهر فإنه يجب عليه ذلك إلا إذا سمحوا له ووافقوا على غيابه أكثر من ذلك فالحق لهم، أو كان هو لا يستطيع الحضور لمانع يمنعه من ذلك فهو معذور حتى يزول هذا المانع، ولو زاد الغياب على أربعة أشهر .
382- امرأة متزوجة من رجل ويقيمون في نفس المدينة التي فيها أهلها ولكن زوجها يمنعها من صلة أهلها أو زيارتهم إلا في الشهر مرة واحدة بالنسبة لأهلها، أما غيرهم من أقاربها من أخواتها وأعمامها وأجدادها لا يسمح لها بزيارتهم، فهل يلزمها طاعته في قطع صلتها بأقاربها ؟ وهل يجوز لها أن تطلب الطلاق لهذا السبب فقط ؟ فقد ضاقت ذرعًا بهذه الحال حتى إنه يرفض أن يزورها أحد في بيته حتى حكم بالعزلة عن الناس فهل يجوز له هذا التصرف أم لا ؟
صلة الأرحام واجبة لزيارتهم والإحسان إليهم، فإن لهم حقًّا من جملة الحقوق التي أوجبها الله سبحانه وتعالى، ولا سيما حق الوالدين، وطاعة الزوج أيضًا واجبة على الزوجة ولا يجوز لها أن تخرج من بيته إلا بإذنه سواء في زيارة قريب أو غير ذلك، فيجب عليها أن تطيع زوجها وألا تخرج إلا بإذنه، لكن لا يجوز للزوج أن يتعسف في حقه وأن يمنعها من زيارة والديها وأقاربها إلا إذا ترتبت على هذا مفسدة، فإن كان يترتب على زيارتهم مفسدة فإن له أن يمنعها من زيارتهم .(89/22)
383- أنا مريض بمرض الكلى وقد نزعت مني الكليتان وأقيم حاليًا في الرياض وأعمل غسيل دم في المستشفى بصفة مستمرة، ولي زوجة في الجمهورية العربية اليمنية ولا أستطيع السفر إليها بسبب هذا المرض لأني لو سافرت وانقطعت عن الغسيل فقد يؤدي ذلك إلى الوفاة، ولي غائب عنها مدة سنة وستة أشهر تقريبًا، ولي منها بنت ولكني لا أرسل لها مصاريفها، ولي عم يعمل في مدينة جدة وهو متزوج أختها الكبيرة وهما ساكنتان معًا ويصرف عليهما معًا وقد طلبت منها الحضور إليَّ فلم ترض فهل عليَّ إثم بأن أبقيها على ذمتي بالرغم من أنها لم تطلب مني الفراق ؟
على كل حال مادام أنك لا تستطيع السفر إليها لمانع المرض الذي ذكرت فإنه لا بأس عليك في ذلك نظرًا للعذر الذي ليس لك فيه اختيار، وأما الإنفاق فإذا كان عندك مال فإنه يجب عليك أن تنفق عليها .
أما إذا لم يكن عندك مال ولا تستطيع الإنفاق عليها ورضيت هي بالبقاء معك بدون نفقة فالحق لها في ذلك ولا إثم عليك في إبقائها مادامت راضية بالبقاء معك على هذه الحالة، وما يفعله عمك من الإنفاق عليها، فهذا هو البر والإحسان ومن صلة الرحم وإعانة الفقير جزاه الله خيرًا، ويشكر على هذا .
وأما مسألة هل تأثم ببقائها معك، فالحق لها كما ذكرنا مادامت راضية بهذا الواقع، وقد عذرتك فلا إثم عليك في ذلك، ولعل الله سبحانه وتعالى أن يزيل عنك هذا المرض وتستطيع بعد ذلك القيام بحقوق الزوجية .
أما مسألة امتناعها من الحضور إليك في الرياض فهذا ينظر إلى المانع الذي امتنعت من أجله، إن كان لها عذر شرعي، فلا بأس عليها بهذا الامتناع، أما إذا لم يكن لها عذر شرعي فلا يجوز لها أن تمتنع من الحضور إلى زوجها مادام أنه لا يستطيع السفر إليها وهي ليس عندها مانع من الحضور إليه، والله أعلم .
384- لي زوجتان إحداهما أنجبت ثلاثة أطفال والأخرى لم تنجب حتى الآن، فهل أقسم بينهما بالتساوي أم ماذا ؟(89/23)
القسم اللازم هو المبيت، نعم يجب عليك أن تقسم بينهما وكذلك النفقة يجب عليك التسوية بينهما في النفقة والإسكان والكسوة، هذه الأمور لابد من العدل فيها بإعطاء الكفاية لما يكفي لكل واحدة منهما من المسكن ومن المأكل والمشرب ومن الكسوة، وكذلك المبيت يجب عليك القسم بين الزوجات، هذا هو العدل الواجب الذي قال الله تعالى فيه : { فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } [ سورة النساء : آية 3 ] ، هذا هو العدل المشترط لتعدد الزوجات .
ولا يجوز للسائل أن يحيف مع أم الأولاد ويزيدها على التي لم تنجب بمعنى أنه يقصر في نفقة التي لم تنجب ويتمم نفقة التي أنجبت، فهذا حرام عليه وهذا هو الميل الذي حرمه الله سبحانه وتعالى، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن من كان له امرأتان فمال إلى إحداهما جاء يوم القيامة وشقه مائل (14)، والله أعلم .
385- زوجي تزوج بأخرى ولم يعد يعاملني مثل ما يعامل زوجته الثانية وهي غنية عنه بمالها من أبيها، لكن هذا الزوج هجرني فهل له حق عليَّ ؟
يجب على الزوج أن يعدل بين زوجاته في الإنفاق والمسكن والكسوة والقسم في المبيت كل هذا مما يجب عليه العدل بين الزوجات، ولا فرق بين غنية وفقيرة، لأن الكل زوجات له واجب عليه أن يعدل بينهما، والله أعلم .
386- هناك بعض الفقهاء يحلون تعاطي حبوب منع الحمل للسيدات وأيضًا بعض الأطباء هل هم على حق أرجو الإيضاح في ذلك ؟
لا أظن أن أحدًا من الفقهاء يحل تعاطي حبوب منع الحمل، إلا لسبب شرعي كأن تكون المرأة لا تتحمل الحمل، وكان في ذلك خطر على حياتها وخطر على بقائها، ففي هذه الحالة تأخذ حبوب منع الحمل، لأنها أصبحت غير صالحة للحمل، ولأن الحمل يقضي على حياتها، ففي هذه الحالة لا بأس بها للضرورة .(89/24)
وكذلك تعاطي حبوب منع الحمل أو تأخير الحمل بالأصح لفترة بسبب عارض كأن تكون المرأة في حالة مرض أو تكاثر عليها الولادة ولا تستطيع تغذية الأطفال فتأخذ حبوبًا تؤخر عليها الحمل، بحيث تتفرغ لاستقبال الحمل الجديد بعد أن تنتهي من الحمل الأول، في هذه الحالة لا بأس في ذلك .
أما أن تأخذ حبوب منع الحمل من غير سبب شرعي فهذا لا يجوز، لأن الحمل مطلوب في الإسلام، والذرية مطلوبة في الإسلام، فإذا كان أخذ الحبوب فرارًا من الذرية ولأجل تحديد النسل، كما يقوله أعداء الإسلام، فهذا حرام، ولا أحد يقول به من الفقهاء المعتبرين، وأما أهل الطب فقد يقولون هذا لأنهم جُهَّال بأحكام الشريعة .(89/25)
12- كتاب الطلاق
387- سافر أحد أفراد قريتنا وطالت غربته في السفر، فكتب إلى كبير قريتنا رسالة يقول فيها : أخبر زوجتي إن كانت تريد الخلع أن تفعل، ولكن كبير القرية لم يخبر أحدًا بهذه الرسالة، وبعد مضي خمسة وأربعين شهرًا عاد ذلك الرجل إلى أهله وبيته، فهل يقع عليه شيء بسبب ما كتبه أم لا ؟
إذا كان الحال على ما ذكرت أن كبير القرية لم يُبَلِّغ المرأة بتخيير الزوج لها إذا أرادت الفسخ ولم تعلم بذلك ولم يجد منها فسخ فإنها باقية على عقد الزوجية وهي زوجته، لأنه لم يحصل ما يرفع عقد الزوجية، والله أعلم .
388- منذ مدة طويلة وكنت يومها غائبًا عن أهلي، حضرت إلى البيت فوجدت الأخ الأصغر مني يسيل الدم من رأسه، ووالدي وإخواني حوله يعالجون جرحًا في رأسه، فسألت عن الذي جرحه ؟ فقالوا : إن ابن عمه ضربه على رأسه فشجه نتيجة مشاجرة وقعت بينهما، وقد غضبت كثيرًا يومها، وقلت : عليَّ الحرام لأجرحه مثل ما جرح أخي، وبعد مدة قليلة قام شخص بالصلح وصالحهما .
السؤال : ما حكم قولي : ( عليَّ الحرام ) ، والعرف عندنا الذي يقول : عليَّ الحرام كأنما يقول : عليَّ الطلاق، ما حكم هذه اليمين ؟ وهل عليَّ كفارة ؟(90/1)
الذي ينبغي للمسلم في هذه المواقف الصبر والتحمل والحلم وعدم العجلة وعدم التسرع، فما فعلته من هذا التسرع وهذا الغضب لا يليق بك، وأما ما تلفظت به من الحرام على أن تنتقم من الجاني، فهذا يرجع إلى نيتك إذا كنت نويت بالحرام طلاقًا فإنه يكون طلاقًا على ما نويت، وإذا نويت به الزوجة، أي : أن زوجتك عليك حرام، فإنه يكون ظهارًا، فيلزمك كفارة الظهار وهي العتق أولاً، إذا قدرت على إعتاق الرقبة، وإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم تستطع الصيام لعذر شرعي فإنك تطعم ستين مسكينًا، هذه كفارة الظهار، أما إذا كنت نويت به يمينًا فقط، لم تنو به طلاقًا ولم تنو به ظهارًا، فإنها تكون يمينًا مكفرة، يلزمك كفارة يمين وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين على التخيير، أيها قدرت عليه أجزأك، أو كسوة عشرة مساكين لكل مسكين ثوب أو إزار ورداء حسب عادة البلد، فإذا لم تستطع شيئًا من هذه الأمور الثلاثة فإنك تصوم ثلاثة أيام لقوله تعالى : { وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 89 ] .
389- ما حكم الإسلام في رجل يحلف على زوجته بالطلاق في كل صغيرة وكبيرة، ومع ذلك لا يفي بيمينه ؟ وربما حلف في يوم واحد أكثر من عشر مرات ؟(90/2)
لا يجوز للرجل أن يتخذ الطلاق على لسانه دائمًا ويحلف به، لأن الطلاق لفظ خطير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أبغض الحلال عند الله الطلاق ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 2/261 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/650 ) ، ورواه البيهقي في " السنن الكبرى " ( 7/322 ) ، ورواه الحاكم في " المستدرك " ( 2/196 ) بنحوه، كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] ، فالتلاعب به والتساهل في شأنه والحلف به والإكثار من ذلك كل هذا لا يجوز، فعلى المسلم أن يتقي الله سبحانه وتعالى، وإذا حلف بالطلاق وخالف ما حلف عليه فهذا لا يخلو من أحد أمرين :
الأول : أن يكون قاصدًا للطلاق، وأنه يقصد أن امرأته تطلق إذا حصل هذا أو لم يحصل الذي حلف عليه، فإنها تطلق عند حصوله أو عدم حصوله حسب ما يحلف على النفي أو على الإثبات .
أما إذا كان قصده ما يقصد باليمين وهو المنع من الشيء أو الحث عليه أو التصديق أو التكذيب، فهذا على الصحيح أن فيه كفارة اليمين، يكفر كفارة اليمين بإطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين أو عتق رقبة إن أمكن، يعني أنه مخير بين هذه الأمور الثلاثة : العتق، أو الإطعام، أو الكسوة، فإذا لم يجد شيئًا من هذه الثلاثة ولم يستطع فإنه يصوم ثلاثة أيام ويكون هذا كفارة ليمينه، والله تعالى أعلم .
390- لو كان يقصد الطلاق ووقع الطلاق فعلاً فما الحكم في التكرار ؟
يتكرر الطلاق، فإذا بلغ ثلاث مرات تبين بينونة كبرى، إذا بلغ ثلاثة مرات وهو يقصد الطلاق في كل مرة، ثم يحنث باليمين، فإنها تطلق وتبين منه بيونة كبرى، أما إذا كان لم يبلغ الثلاث فإنها تكون رجعية له أن يراجعها ما دامت في العدة .
391- تشاجر رجل مع زوجته فشتمته وتكلمت عليه فقال لها : أنت طالق، ثم أعادت عليه تشتمه، فقال مرة أخرى : أنت طالق، فأعاد هو وأعادت هي عدة مرات تزيد على ثلاث مرات، فما الحكم في هذه الحالة ؟(90/3)
الحكم في هذه الحالة أن زوجته قد بانت منه، لأنه طلقها ثلاث طلقات متفرقات هي تطلق بذلك طلاقًا بائنًا لا تحل له إلا بعقد جديد بعد أن يتزوجها زوج آخر زواج رغبة لا زواج تحليل، قال الله تعالى : { فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ } [ سورة البقرة : آية 230 ] .
392- أنا أعمل في الجمهورية اليمنية وأسكن مع زميلين لي في مسكن من ثلاث غرف، وحدث مرة نزاع مع أحد الزميلين حول أحد المواضيع، وثار غضبي، وقلت : عليَّ الطلاق بالثلاث حتى هذه الغرفة لا أقعد معك فيها، وكنت آنذاك في حالة غضب، فلا أدري هل أنا قلت بالثلاث أم لا، ولكن بعض الزملاء الحاضرين يقولون : إني لم أقل بالثلاث، فندمت بعد ذلك كثيرًا وفعلاً نقلت فراشي ولم أجلس معه في تلك الغرفة، بل انتقلت إلى غرفة أخرى في نفس المسكن، ولكني أحيانًا اضطر إلى الدخول إلى تلك الغرفة للحاجة فهل يقع عليَّ الطلاق في هذا ؟ علمًا أني عقدت النكاح على فتاة فقط ولم أدخل بها ؟
أولاً : لا ينبغي للإنسان أن يجعل الطلاق قريبًا من لسانه يتلفظ به في كل مناسبة، لأن الطلاق لفظ ثقيل يترتب عليه محاذير وأضرار، فيجب على المسلم أن يبعد الطلاق من لسانه ولا يتخذه سلاحًا يتلفظ به عند كل مناسبة، أما بالنسبة لما صدر منك أيها السائل من أنك تشاجرت مع زميلك أو مع زملائك فتلفظت بالطلاق أن لن تدخل غرفة فيها الذي تنازعت معه فهذه فيها تفصيل : إن كنت أردت منع نفسك من الدخول فقط واستعملته استعمال اليمين وهو أنك منعت نفسك من الدخول ولم تقصد تطليق زوجتك فهذا يجري مجرى اليمين على الصحيح، وتكفر كفارة اليمين وهو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو تكسوهم لكل مسكين ثوب يجزيه في صلاته وبذلك تحل يمينك وتدخل الغرفة وتسكن مع زميلك .(90/4)
أما إذا كنت قصدت الطلاق ولم تقصد اليمين وعلقته على دخولك الغرفة فهذا إذا حصل الدخول وقع الطلاق، وبما أنك لم تدخل بهذا الزوجة فإنها تبين منك ولا رجعة لك عليها، فإذا كان الطلاق أقل من ثلاث فلك أن تعقد عليها عقدًا جديدًا برضاها، أما إذا كان لطلاق ثلاثًا فإنها تكون بانت بينونة كبرى لا تحل لك إلا بعد أن تنكح زوجًا آخر نكاح رغبة لا نكاح تحليل ويطلقها بعد وطئها .
393- أنا رجل متزوج وقد حصلت بيني وبين زوجتي مشاجرة فغضبت جدًّا وقلت لها : طالقة على جميع المذاهب، وهي أيضًا حرمتني على نفسها وقالت بأنك أخي بعد اليوم ولم يطل بيننا الخصام فقد رجعنا إلى بعض بعد أن هدأت أعصابنا، فهل في رجوعنا هذا شيء مخالف بعد أن حدث ما حدث مني من طلاق ومنها من تحريم، أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟
أولاً كلاكما مخطئ في هذا التصرف، لأن الواجب على المؤمن إذا مسه شيء من الغضب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم، وأن يملك لسانه من النطق الفاحش والكلام السيئ؛ لأن الشيطان يتسلط على الإنسان عند الغضب لأن الغضب من الشيطان، فالواجب علاجه بالاستعاذة بالله من شر الشيطان كما قال تعالى : { وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ . إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [ سورة الأعراف : الآيتين : 200، 201 ] ، هذا هو الواجب على المسلم عندما يصيبه شيء من الغضب .(90/5)
أما بالنسبة لما حصل منكما من أنك تلفظت بالطلاق وهي تلفظت بتحريمك عليها كحرمة أخيها فهذه ألفاظ بذيئة وألفاظ محرمة وبما أنك قد راجعتها فإذا كانت الرجعة صادفتها في العدة ولم يكن الطلاق متكاملاً ثلاث تطليقات، فإن الرجعة صحيحة أما إذا كان هذا الطلاق يكمل طلاقًا سبق قبله إلى ثلاث تطليقات فإنه لا رجعة لك عليها، أو كانت الطلقات دون الثلاث ولكنها قد خرجت من العدة فإنك أيضًا لا رجعة لك عليها إلا بعقد جديد وإذا كانت تكاملت الثلاث فليس لك عليها رجعة إلا بعد أن تتزوج بزوج آخر زواج رغبة ثم يطلقها باختياره ورغبته عنها .
أما بالنسبة لما صدر منها من التلفظ بتحريمك عليها كحرمة أخيها فهذا على الصحيح من أقوال أهل العلم يجري مجرى اليمين فعليها كفارة يمين بأن تعتق رقبة أو تطعم عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو تكسو عشرة مساكين لكل مسكين منهم ثوب يجزيه في صلاته، فإذا لم تجد واحدة من هذه الأمور الثلاثة فإنها تصوم ثلاثة أيام، والذي أنصح لكما به هو أن تتجنبا مثل هذه الألفاظ وأن لا يحملكم الغضب على الوقوع في مثل هذا، لأن هذا من الشيطان وربما يوقعكما في حرج لا تستيطعان الخلاص منه .
394- كانت زوجتي تريد القيام بعمل ما وكنت في ذلك الوقت غاضبًا فقلت لها : إن قمت بهذا العمل فأنت طالق، ولأنه لم يحن وقت أدائها ذلك العمل وبعد مضي زمن قليل وبعد أن هدأ غضبي أذنت لها بالقيام في ذلك العمل وحينما حان وقت أدائها ذلك العمل عملت فهل وقع طلاقي الأول أم أن سماحي لها بعده يلغيه أفيدوني جزاكم الله خيرًا ؟(90/6)
سماحك لها لا يلغي الطلاق الذي حلفت به عليها أو علقت طلاقها بهذا الشرط الذي ذكرت، فالرجوع عن ذلك لا يفيدك شيئًا، والطلاق باقٍ بحاله إذا فعلت ما أردت منعها منه فإنه إن كان قصدك بالطلاق منعها فقط ولم تقصد تعليق طلاقها عليه، فإنه يكون عليك كفارة يمين، لأن هذا يجري مجرى اليمين أما إذا كان قصدك مما ذكرت تعليق الطلاق على فعلها هذا الشيء فإنه يقع عليك الطلاق إذا فعلت ما علقته عليه .
395- لكن لو كان وقت أن حلف عليها أن لا تفعل لو كان في قرارة نفسه أو حقيقتها ينوي ذلك الوقت ولم يقصد المستقبل المستمر ؟
إذا كان ينوي وقتًا محددًا أنها لا تفعل هذا الشيء في وقت محدد ثم مضى فإنها تنحل اليمين بمضيه إلى مضي الوقت، أما إذا كان لم يحدد وقتًا وإنما أراد منعها من هذا الفعل في أي وقت من الأوقات فإن الحكم يتعلق به متى فعلته وذكرنا أنه إذا كان قصده تعليق الطلاق فإنه يقع فإن لم يسبقه طلاق يكمل به ثلاثًا فإنه يكون طلاقًا رجعيًّا له أن يراجعها مادامت في العدة أما إذا تكمل فيما سبقه ثلاث طلقات فإنه تبين منها بينونة كبرى فلا تحل له إلا بعد زوج آخر .
396- قد سمعنا من العلماء أن كل رجل طلق امرأته طلقة واحدة ترجع له بدون عقد، والذي يطلقها مرتين ترجع له بعقد ومهر جديدين، والثالث ترجع له بمحلل يعقد عليها رجل ويطلقها ؟ أرجو الإفادة عن الحقيقة في هذا الموضوع جزاكم الله خيرًا ؟
إذا طلق امرأته طلقة أو طلقتين ولم يسبقهما طلاق ولم يأخذ على هذا الطلاق عوضًا فإن له أن يراجعها ما دامت في العدة؛ لأن هذا يسمى بالطلاق الرجعي، أما إذا كان سبق على الطلقة أو الطلقتين طلاق بحيث يكون المجموع ثلاث طلقات فإنها تكون بائنًا بينونة كبرى لا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره نكاح رغبة ثم يطلقها، وكذلك إذا كان الطلاق دون الثلاث وانتهت العدة قبل الرجعة فإنه ينتهي وقت الرجعة ولا تحل له إلا بعقد جديد .(90/7)
أما إذا طلقها ثلاث طلقات فإنها حينئذ تبين منه بيونة كبرى، ولا تحل له إلا بعد أن يتزوجها زوج آخر زواج رغبة لا زواج تحليل ثم يطلقها بعد أن دخل بها، أما إذا تزوجها زوج آخر لا رغبة له فيها، وإنما يريد بذلك أن يحللها للأول فهذا نكاح باطل، وملعون من فعله، وهذا هو التيس المستعار الذي ذمه النبي صلى الله عليه وسلم (15)، ومثل هذا النكاح لا يبيحها للزوج الأول لأنه نكاح حيلة لا نكاح رغبة؛ والله تعالى أعلم، قال الله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُواْ مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَن يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ . فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [ سورة البقرة : الآيتين 229، 230 ] .
397- حلفت على زوجتي بالطلاق على الامتناع عن أخذ بعض أمتعتها حين سفرها فأبت وأخذتها، وأنا لا أستطيع عمل شيء منعًا للمشكلات التي قد تترتب على المشاجرة معها، وخصوصًا أنني غريب عن وطني وقد سبق لي أن حلفت عليها سابقًا وذهبت إلى أحد العلماء ورد لي اليمين فهل هي طالق في هذه الحالة ؟ وإذا كانت كذلك فما هو الواجب عليَّ تجاه الطفلين اللذين معها ؟(90/8)
إذا حلفت على امرأتك بالطلاق تقصد منعها من فعل شيء كأخذ متاع أو غير ذلك فإن كنت تريد تعليق الطلاق على فعل هذا الشيء، ونويت أنه إذا حصل هذا الشيء فإنه يقع الطلاق فهذا يعتبر طلاقًا يلزمك، أما إذا كان قصدك مجرد المنع ولم تقصد الطلاق، وإنما قصدت منعها من ذلك الشيء فهذا يعتبر يمينًا على الراجح فيه عليك كفارة يمين إذا خالفت زوجتك ما أردته منها، وهي عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام، أو كسوتهم لكل مسكين ثوب، فإذا لم تستطع شيئًا من هذه الثلاث لا العتق ولا الإطعام ولا الكسوة فإنك تصوم ثلاثة أيام، ويكون ذلك كفارة لحلفك بالطلاق، وهو الصحيح من قولي العلماء لقوله تعالى : { قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ } [ سورة التحريم : آية 2 ] ، وهذا يعم يمين الطلاق، والله أعلم .
398- رجل متزوج وقد حصل بينه وبين أم زوجته شجار فقال لها : ابنتك عليَّ أمٌّ بعد اليوم، فما الحكم في هذا القول، وهل يجوز أن يعيش مع زوجته بعد هذا القول ؟
إذا قال : ابنتك عليَّ أم، فمعناه أنه ظاهر منها كأنه يقول : هي عليَّ كأمي، أو هي عليَّ كظهر أمي، وهذا حرام كما قال سبحانه : { الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنكُم مِّن نِّسَائِهِم مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلا اللائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَرًا مِّنَ الْقَوْلِ وَزُورًا } [ سورة المجادلة : آية 2 ] ، فهي ليست أمه، وإنما هي زوجته يحرم عليه أن يتلفظ بهذا الكلام، ولكن لما حصل منه هذا الشيء فإنه لا يجوز له أن يمسها حتى يكفر كفارة الظهار وهي عتق رقبة، فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا على الترتيب :
أولاً : العتق إذا قدر عليه .
ثانيًا : إذا لم يقدر على العتق وجب عليه الصيام .
ثالثًا : إذا لم يستطع الصيام فعليه إطعام ستين مسكينًا ولا يمس زوجته حتى يكفر هذه الكفارة .(90/9)
399- كثيرًا ما يقول الزوج لزوجته عند الاختلاف أو الغضب : إذا لم يعجبك هذا لأمر فإن بيت أبيك مفتوح، فهل يعد هذا القول طلاقًا رجعيًّا، أو يحمل على أن الزوج ملَّك زوجته حرية الطلاق ؟
هذا يرجع إلى نيته إذا كان نوي بهذا الطلاق فإنه يكون طلاقًا؛ لأنه من الكناية، والكنايات من ألفاظ الطلاق غير الصريحة فلا يقع عليها الطلاق إلا بالنية، فإذا كان نوى بقوله : ( بيت أبيك مفتوح ) الطلاق صار طلاقًا، وإذا لم ينو به الطلاق فإنه لا يقع به شيء .
400- قبل حوالي عام قلت لزوجتي وأنا غاضب هذه العبارة : ( خليتك إلى يوم القيامة ) لأنها عصتني في أمر ما طلبته منها، فهل تعتبر هذه طلقة مع العلم بأني منذ ذلك الوقت وأنا هاجرها خوفًا من أن أكون قد طلقتها بذلك القول ؟
إذا قلت : ( خليتك إلى يوم القيامة ) فهذا كناية عن الطلاق وهي كناية تفتقر إلى النية ( نية الطلاق ) فإن نويت بذلك الطلاق فإنها تعتبر طالقًا، لك أن تراجعها مادامت في العدة، فإن تمت العدة ولم تراجعها بانت منك، ولا تحل لك إلا بعقد جديد إذا لم تكن قد استوفيت الطلاق الثلاث، فإن كنت استوفيته فإنها لا تحل لك إلا بعد أن يتزوجها زوج آخر زواج رغبة لا زواج تحليل ثم يطلقها لقوله تعالى : { وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ } [ سورة البقرة : آية 228 ] ، ولقوله تعالى : { الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ } ، إلى قوله تعالى : { فَإِن طَلَّقَهَا } ، يعني الثلاثة، { فَلاَ تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىَ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا } يعني الزوج الثاني { فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا } [ سورة البقرة : الآيتين 229، 230 ] .(90/10)
401- تزوجت منذ أربع سنوات وقد مَنَّ الله علينا بابنة واستمر زواجنا على ما يرام وبدون أن يكدره شيء، وفي يوم من الأيام حدث سوء تفاهم أدى إلى نزاع بيننا فذهبت إلى المركز وكنت متوتر الأعصاب وفي حالة نفسية سيئة، واستخرجت صك طلاق من المركز بهذا المعنى بثلاث طلقات متفرقات دون أن أنطق بها، علمًا لم يسبق لي أن طلقتها، فهل هذا الصك يعتبر ثلاث طلقات متفرقات دون رجعة أم طلقة واحدة ؟ فإذا كان طلقة واحدة فماذا أفعل لكي أعيد الصك ؟
مادام أنه صدر من المحكمة صك بثلاث طلقات متفرقات على يد القاضي لا تملك رجعتها، وإن كان عندك إشكال فيما صدر منك فأنت تراجع القاضي الذي أصدر الصك .
402- رجل طلق زوجته ثلاثًا، وبعد ذلك أعادها أبوها إليه وعاشا معًا وأنجبت له ولدين، فهل يجوز له ذلك أم لا ؟
هذا السؤال فيه إجمال، إن كان الطلاق ثلاثًا متفرقة، فقد بانت بينونة كبرى، ولا تحل له إلا بعد أن تنكح زوجًا غيره نكاح رغبة ويطلقها الزوج الثاني، فيتزوجه الزوج الأول بعقد جديد، أما إذا كان لطلاق ثلاثًا بكلمة واحدة فهذا موضع خلاف بين أهل العلم، يراجع المفتي في بلده فيها .
403- حصل بيني وبين زوجتي نقاش حاد ونحن في بلدنا، فتكلمت كلامًا أغضبني جدًّا فحلفت عليها يمينًا إن ذهبت إلى أي دولة خارجية ألا تكون على ذمتي أو حليلتي، والآن قد خرجت من بلدي إلى هنا في المملكة منذ مدة شهرين فهل زوجتي لازالت على ذمتي أم يكون حلفي عليها واقعًا وبالتالي ماذا عليَّ أن أعمل لكي أسترجعها ؟
إذا كان قصدك من هذا الحلق بالطلاق منع نفسك من السفر إلى دولة أخرى، ولم تقصد تعليق الطلاق على هذا الخروج، فإن هذا يجري مجرى اليمين، فإذا سافرت إلى دولة أخرى فإنك تكفر كفارة يمين، وكفارة اليمين كما هي منصوصة في القرآن الكريم : عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوة عشرة مساكين تخير بين هذه الأمور الثلاثة، فإذا لم تجد واحدة منها فإنك تصوم ثلاثة أيام .(90/11)
أما إن كان قصدك تعليق الطلاق على السفر بأنك إذا سافرت تكون زوجتك طالقًا فقد علقت الطلاق على هذا السفر فإنها تطلق، فإن كان سبق هذا طلاق قبله وتكامل ثلاث طلقات، فإنها تكون قد بانت منك بينونة كبرى لا تحل لك إلا بعد زوج آخر، وإن لم يسبقها طلاق فإنه يكون طلاقًا رجعيًّا يجوز لك أن تراجعها مادامت في العدة، فإن خرجت من العدة قبل أن تراجعها فلابد أن تعقد عليها عقدًا جديدًا لأن العقد الأول انتهى بخروجها من العدة .
404- زوجتي كثيرة الشجار مع والدتي ووالدتي تريد مني أن أطلقها، وأنا حائر بين الوالدة وبين أطفالي ومصيرهم بعد الطلاق علمًا بأني شاب متدين – والحمد لله – ولا أريد أن أغضب الله بالطلاق، أو أغضب والدتي التي أمر الله بطاعتها، وقد قرأت حديثًا عن عبد الله بن عمر ما معناه أن له امرأة كان يحبها وكانت أمه تريد منه أن يطلقها، فذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فأمره بطلاقها، فنرجو الرد أثابكم الله ؟
أولاً : قضية ابن عمر ليست مع أمه وإنما هي مع أبيه عمر بن الخطاب رضي الله عنه (16) ، وأما قضية ما ذكرت من حالة زوجتك مع أمك وأنها تشاجرها، وأن أمك تطلب منك طلاقها فهذا واضح من سؤالك أن هذه المرأة تؤذي أمك، ولا يجوز لك أن تقرها على ذلك، فإذا كان بإمكانك أن تأخذ على يدها، وأن تمنعها من هذه المشاجرة وبإمكانك الإصلاح بين أمك وزوجتك فإنه يتعين عليك ذلك ولا تذهب إلى الطلاق، أو إذا كان بإمكانك أن تجعل زوجتك في مسكن وأمك في مسكن آخر وتستطيع القيام بذلك، فهذا أيضًا حل آخر، أما إذا لم تستطع شيئًا من ذلك، وبقيت زوجتك تشاجر أمك وتغضبها فحينئذ لا مناص من الطلاق طاعة لوالدتك وإزالة للضرر عنها، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه، وعلى كل حال عالج الأمور بما تستطيع ولعل الله سبحانه وتعالى أن يصلح من أمرك، ولا تجعل الطلاق إلا آخر الحلو إذا لم تستطع حلاً غيره .(90/12)
405- لي أخت متزوجة من رجل يتعاطى شرب الخمر، وذات مرة دخل عليها وعندها ابنها وابنتها منه وأخذ يضربها ويهددها مدعيًا أنها تؤوي رجلاً غريبًا عندها وقال لها : أنت طالق، ثلاث مرات وتحرمين عليَّ مثل أمي، فهل هي بهذا تصبح طالقًا أم لا سواء كان كلامه تحت وطأة السكر أو في حال وعيه وتمام عقله ؟
قضية شرب المسلم للخمر شنيعة وكبيرة من كبائر الذنوب لأن الله جل وعلا حرم الخمر وقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ . وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } [ سورة المائدة : الآيات 90-92 ] ، والنبي صلى الله عليه وسلم لعن الخمر ولعن شارب الخمر وعاصرها ومعتصرها، لعن فيها عشرة وسماها أم الخبائث (17)، فلا يجوز لمؤمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يشرب هذا الشراب الخبيث المفسد للعقل والدين، ورتب الإسلام الحد على شارب الخمر ردعًا له وعقوبة له، وشارب الخمر فاسق لا تقبل له شهادة، وأي مسلم يرضى بمثل هذا لنفسه ؟ ! وقد قال صلى الله عليه وسلم : ( ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/341 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] والأحاديث والوعيد في حق شرب الخمر وشاربه كثيرة جدًّا، فيجب على المسلم أن يحفظ نفسه من هذا الخطر العظيم المؤثر على عقله وعلى أهل بيته وعلى ذريته، أما قضية ما حصل منه من الطلاق وهو في حالة السكر فالذي أراه أن يتصل بالمحكمة الشرعية القريبة(90/13)
أو إلى الإفتاء كتابة أو حضوريًّا لينظروا في موضوعه، لأن الأمر مهم جدًّا، لأنه محل خلاف بين أهل العلم وحكم القاضي يرفع الخلاف .
406- قال الله تعالى في سورة الطلاق : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] الآية، ما معنى هذه الآية ؟ وهل المقصود بقوله : { مِن بُيُوتِهِنَّ } إذا كانت ملكًا لهن أم ماذا ؟
هذا خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولأمته، وخاطب النبي صلى الله عليه وسلم تشريفًا له ثم وجه الخطاب له ولأمته فقال : { إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، وقد ورد تفسير ذلك بأن يطلقها طلقة واحدة في طهر لم يجامعها فيه ثم يتركها حتى تنتهي عدتها وله أن يراجعها مادامت في العدة، ومفهوم ذلك النهي ن طلاقها في غير هذه الحالة كأن يطلقها وهي حائض، أو يطلقها في طهر جامعها فيه ولم يتبين حملها، أما إذا استبان حملها فإنه يطلقها ولو في الطهر الذي جامعها فيه، وهذا هو طلاق السنة، وهو الذي أمر الله أن تطلق له .
وقوله تعالى : { وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، أي تقيدوا بها بأن لا تزيدوا عليها ولا تنقصوا منها، والعدة كما بينها الله سبحانه وتعالى في آيات أخرى في سورة البقرة أن الحائض تعتد بثلاثة قروء، وفي هذه السورة أن الحامل تعتد بوضع الحمل قال تعالى : { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] ، وغير الحامل والتي لا تحيض لصغر أو إياس عدتها ثلاثة أشهر .(90/14)
وقوله تعالى : { فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] هذا أمر من الله سبحانه وتعالى بتقواه بالتزام هذه الأحكام التي بينها لأنها من مصالح العباد، وتقوى الله هي عبادة الله سبحانه وتعالى بالتزام أمره واجتناب نهيه .
{ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، هذا فيه نهي من الله سبحانه وتعالى أن تُخرج المطلقة الرجعية من بيت الزوجية قبل نهاية عدتها، ففي مشروعية اعتداد المطلقة الرجعية في بيت الزوجية وأن لا تخرج منه، لأنها زوجة لها حكم الزوجات ولعل مطلقها أن يراجعها وتكون الفرصة مهيأة للرجعة التي يرغب فيها الشارع فيها مصلحة .
أما إن كانت المطلقة بائنًا فهذا محل خلاف بين أهل العلم هل تجب لها السكنى أو لا تجب ؟ أما الرجعية فلا خلاف أنها تجب لها السكنى والنفقة مادامت في العدة .
{ وَلا يَخْرُجْنَ إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، يعني أنتم لا تخرجوهن أيها الأزواج وهن لا يخرجن بأنفسهم بعدما نهى الأزواج عن إخراجهن نهاهن عن الخروج بأنفسهن برغبتهن { إِلا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، الفاحشة المبينة قيل : هي الزنا، وقيل : هي البذاءة باللسن بأن يحصل منها بذاءة على الزوج أو على أهل الزوج من سب أو شتم أو غير ذلك فإنها حينئذ يسوغ إخراجها من بيت الزوجية .
والآية عامة للفاحشة المبينة سواء كانت زنًا أو بذاءة أو غير ذلك { وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، أي : أحكامه التي حددها وبيَّنها لعباده فالتزموها ولا تتعدوها، { وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ } [ سورة الطلاق : آية 1 ] حيث إنه عصى الله سبحانه وتعالى وعرض نفسه للعقوبة .(90/15)
{ لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا } [ سورة الطلاق : آية 1 ] ، لا ندري لعل الله يحدث رغبة للزوج في الرجعة بعد الطلاق فيكون هذا مما أحدثه الله سبحانه وتعالى بعدما حصل من الطلاق والنفرة عادت المودة، فدلت هذه الآية على تحريم الطلاق البدعي، وهي الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي جامعها فيه ولم يتبين حملها، وكذلك دلت على تحريم طلاق الثلاث بلفظ واحد لأنه بدعة، وشرعت للمسلم أن يطلق في حالة يباح لها فيها الطلاق شرعًا، وهو الطهر الذي لم يجامعها فيه، أو جامعها في الطهر ولكن تبين حملها فحينئذ يجوز له طلاقها، ودلت على سكنى المعتدة الرجعية في بيت الزوجية حتى تكمل عدتها، ودلت على تحريم إخراجها أو خروجها من بيت الزوجية قبل تمام العدة، ودلت على وجوب التقيد بالعدة فلا يزاد فيها ولا ينقص منها .
407- ما معنى قوله تعالى : { وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] ؟
ذكر الله في هذه الآية ثلاثة أنواع من المعتدات :
النوع الأول : { وَاللائِي يَئِسْنَ } يعني : يئسن من الحيض " والآيسة هي التي بلغت سن الإياس " بأن بلغت خمسين سنة فهذه تعتد بالأشهر { فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] . كل شهر بدل حيضة؛ لأن الحائض تعتد بثلاث حيض كما في قوله تعالى في سورة البقرة : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } [ سورة البقرة : آية 228 ] يعني : ثلاث حيض فالتي لا تحيض تكون عدتها ثلاثة أشهر بدل ثلاث حيض .(90/16)
والثانية : { وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] ، وهن الصغار اللاتي لم يبلغن سن الحيض إذا طلقن في هذه الحالة فهن مثل الآيسات يعتددن بثلاثة أشهر لأنهن لا حيض لهن .
والثالثة : المطلقة الحامل فهذه عدتها بوضع الحمل ولو بعد الطلاق بلحظة، فإذا وضعت حملها بعد الطلاق فإنها تخرج بذلك من العدة لقوله تعالى : { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] .
408- خرجت من بيت زوجي إلى بيت والدي غاضبة من تصرفات زوجي تجاهي وتجاه دينه ومكثت سنة وثمانية شهور في بيت والدي، وبعد شكوى تقدم بها والدي إلى المحكمة قرر القاضي طلاقي منه وجاءني الخبر بطلاقي واحتساب نفقة الأطفال؛ السؤال : ما حكم الشرع في المدة التي قضيتها عند أهلي بعيدًا عنه وهي سنة وثمانية أشهر لا متزوجة ولا مطلقة بل معلقة فهل عليَّ عدة علمًا بأن الطلاق كان طلقة واحدة ؟ وكم مدة العدة ؟ ثم كيف تكون العدة ؟
أما مسألة المدة التي قضيتها عند والدك وهل لها في هذه المدة نفقة فهذا يرجع إلى القاضي الذي حكم في القضية؛ أما مسألة العدة فإنها تبدأ من صدور الطلاق، أما قبل ذلك فهي في عصمة زوجها لم يصدر عليها طلاق ولو طالت المدة، والعدة إنما تبدأ من صدور الطلاق، ومدتها إن كانت ممن يحضن ثلاث حيض فإذا أتى عليها ثلاث حيض بعد الطلاق فإنها بانتهاء الحيضة الأخيرة وانقطاع الدم يتم بذلك عدتها، وإن كانت ممن لا يأتيها الحيض إما لصغر أو بلوغ سن الإياس خمسين سنة فعدتها ثلاث أشهر، وإن كانت حاملاً فعدتها بوضع الحمل، إذن فلها ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن تكون من ذوات الحيض فعدتها أن تأتي عليها ثلاث حيض من حيث طلقها زوجها لقوله تعالى : { وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلاَثَةَ قُرُوَءٍ } [ سورة البقرة : آية 228 ] .(90/17)
الحالة الثانية : أن لا تكون من ذوات الحيض بسبب صغر أو إياس فعدتها ثلاثة أشهر لقوله تعالى : { وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِن نِّسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللائِي لَمْ يَحِضْنَ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] .
الحالة الثالثة : أن تكون حاملاً فعدتها بوضع الحمل لقوله تعالى : { وَأُوْلاتُ الأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ } [ سورة الطلاق : آية 4 ] ، ويلزمها أثناء العدة أن تصون نفسها ولا تتزين ولا تتعرض للناس أو تظهر بمظهر الزينة بل تلتزم بآداب العدة وأحكامها، والله تعالى أعلم .
409- إنني عابدة ومؤمنة أصوم وأصلي وأقرأ بعض الكتب الدينية؛ وبعد ثلاث سنوات استشهد زوجي وهو ضابط ورضيت بما قدره الله لي في هذا المصاب، وبدأت أقرأ في بعض الكتب الدينية فوجدت أن هناك مدة للحزن على الزوج وهي أربعة أشهر وعشرة أيام مع أن مدة استشهاد زوجي حاليًا ثلاثة أشهر؛ فما هي المدة الصحيحة للحداد على الزوجة التي توفي عنها ؟
أما ما ذكرت من أنك امرأة صالحة وأن زوجك رجل صالح واستشهد فهذا ما نرجوه إن شاء الله للجميع أن يثبت الله الحي على الدين، وأن يغفر للميت المسلم، وما سألت عنه من إحداد المرأة المتوفى عنها زوجها كم مدته ؟ فالله سبحانه وتعالى يقول : { وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا } [ سورة البقرة : آية 234 ] ، فعليك أن تتعدي بأربعة أشهر وعشرة أيام عدة الوفاة .(90/18)
وفي أثناء العدة يجب عليك الحداد وهو اجتناب الزينة والطيب والتحسين والزينة في البدن والزينة في الثياب والزينة بالحلي، فالمعتدة من الوفاة لا تتزين لا في بدنها بالخضاب والكحل وما أشبه ذلك، ولا تتزين في ثيابها باللباس ( لباس الزينة ) وإنما تلبس لباسًا عاديًّا، ولا تتزين بلبس الحلي في يديها أو في حلقها ونحرها وما أشبه ذلك مما جرت به العادة؛ كذلك لا تتطيب في أثناء العدة ( عدة الوفاة ) فتجتنب كل ما يُرغِّب في النظر إليها أو يجلب الناس إليها لأنها معتدة؛ وهذه العدة فيها حِكَم عظيمة منها : أولاً معرفة براءة الرحم من الحمل، ومنها : الوفاء بحق الزوج المفارق، ومنها إظهار الأسف عليه في حدود الشرع لا في الجزع والسخط، وإنما في حدود الندم والحزن المشروع، هذا ما يجب عليك في عدة الوفاة عن زوجك المتوفى .
كذلك من أحكام عدة المتوفى عنها زوجها : يجب عليها البقاء في بيت زوجها الذي توفي وهي فيه، ولا تخرج منه إلا لحاجة ضرورية، ويكون ذلك في النهار لا في الليل، وأما في الليل فيلزمها المبيت فيه، وإذا اضطرت إلى الخروج في أثناء النهار تخرج مع تجنب الزينة وتجنب الطيب، والحرص على الابتعاد عن الأشياء المحذورة، وما فات من المدة وأنت لم تحدِّي فيه لأنك لم تعلمي الحكم فلا حرج عليك فيه، لكن الزمي الإحداد في بقية العدة .
410- هل يلزم الحداد على المتوفى المتزوج لغير زوجته كبناته وأخواته مثلاً وبعض قريباته أم لا يختص إلا بزوجته فإن العادة عندنا أن يلتزم كل أقرباء الميت الرجل بالحداد ولبس السواد وعدم التزين؛ فهل يجوز لهم ذلك ؟(90/19)
أولاً : الإحداد إنما هو في حق النساء فقط لا في حق الرجال، فالرجال لا يجوز لهم أن يحدوا على ميت، وإنما الإحداد من خصائص النساء، ومعناه أن تترك الزينة وما يرغب فيها من الطيب والتحسين مدة معينة، وحكمه أنه يباح لغير الزوجة من قريبات الميت ونحوهن ثلاثة أيام فقط، وأما زوجة الميت فإنها يجب عليها الإحداد مدة العدة لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرًا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/185 ) من حديث أم حبيبة رضي الله عنها ] ، إذن فالزوجة يجب عليها الإحداد في مدة عدة الوفاة، وأما غير الزوجة من بقية النساء فإنه يباح لهن الإحداد على الميت ثلاث أيام فقط، أما الرجال فإنهم لا يحدون بحال من الأحوال، وأما لبس السواد فهذا لا يجوز ولا يقره الإسلام لا للرجال ولا للنساء، لأنه عبارة عن إظهار الحزن والجزع وليس هذا من هدي الإسلام، فالمرأة المُحِدّة لا تلبس السواد وإنما تلبس الثياب العادية التي ليس فيها زينة وليس فيها ما يلفت النظر، ولا يختص ذلك بلون معين لا أسود ولا أخضر ولا أحمد تلبس ما جرت العادة به ومما لا زينة فيه .
411- امرأة توفي زوجها قبل موسم الحج وحينما جاء وقت الحج سافرت لأدائه وهي لا تزال في العدة؛ فهل عليها شيء في ذلك ؟(90/20)
نعم أخطأت في هذا، لأن الواجب عليها أن لا تسافر للحج، وأن تبقى في بيت الزوجية حتى يبلغ الكتاب أجله، أي : حتى تنتهي عدة الوفاة، لأن المتوفى عنها يجب عليها أن تمكث في بيت زوجها الذي توفي وهي فيه مع إمكان ذلك، تبقى فيه إلى تمام العدة ولا تسافر للحج ولا لغيره، لأن السفر للحج في هذه الحالة لا يجب عليها، وإنما تحج بعد ذلك إذا انتهت العدة وجاء موسم الحج من عام آخر فإنها تحج إذا تيسر لها ذلك مع وجود المحرم، أما بالنسبة لما وقع منها وأنها حجت، وهي معتدة للوفاة، فحجها صحيح في حد ذاته، ولكنها تأثم على سفرها أثناء العدة وتركها المكث في البيت .(90/21)
13- أبواب في الرضاع والحضانة
412- لو تزوج رجل امرأة وأنجب منها أطفالاً، ثم توفي هذا الرجل واتضح يقينًا بعد وفاته أن هذه المرأة من المحرَّمات عليه بالرضاع، فهل يأثم هذا الرجل يوم القيامة ؟ علمًا أنه لم يكن يعلم بأن هذه المرأة تحرم عليه؛ أفتونا مأجورين ؟
من تزوج امرأة تحرم عليه بالرضاع فإنه لا يأثم بذلك لجهله، ولكن إذا علم وجب عليه مفارقتها، ويكون ذلك بمراجعة القاضي، وأولاده منها له لأنه وطئها بشبهة فيلحق به أولاده .
413- إحدى أخواتي رضعت من زوجة والدي وابني رضع من زوجة والدي مع إخوتي فهل يجوز لزوجة والدي أن تكشف لزوجي ؟
لا يجوز لزوجة والدك الكشف لزوجك لأنه أجنبي منها، وكون أخيك وابنك رضعا من زوجته لا يبرر ذلك لأنه لا علاقة لهذه الرضاعة بالمسألة المذكورة؛ لأن الحكم يختص بالراضعين فقط، والله أعلم .
414- طفل نشأ في بيت عمه ورضع من زوجة عمه وبعد مدة تزوج عمه بامرأة ثانية ورزق منها بينت فهل يحل له الزواج من إحدى بنات الزوجة الثانية مع العلم أنه رضع من الزوجة الأولى فقط ؟ أفيدونا وفقكم الله .
ما ذكره السائل من أنه رضع من زوجة رجل وأن لهذا الرجل زوجة أخرى لها بنت فهل يجوز له أن يتزوج من بنات الزوجة التي لم يرضع منها ؟
لا ليس له أن يتزوج ببنات الزوجة الثانية التي هي ضرة للتي أرضعته، هذه المسألة مسألة لبن الفحل، والصحيح أنه يحرم، فتكون هذه البنات أخوات له من الأب من الرضاعة لأن اللبن ثابت عن وطئه فتنتشر الحرمة عليه فيكون أبًا للبنت من النسب وأبًا للرضيع من الرضاعة .
415- أبلغ من العمر ثلاثة وعشرين عامًا ولي شقيقة قد أرضعت ابن خالي ثم توفي فهل يجوز لي أن أتزوج من أخواته اللواتي ولدن من بعده ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟(91/1)
نعم يجوز لك أن تتزوج من أخوات ابن خالك الذي رضع من أختك اللاتي ولدن من بعده واللاتي ولدن من قبله مادام لم يرضعن من أختك الشقيقة فلا مانع إن تزوجت بإحداهن لأنه ليس بينك وبينهن ما يمنع؛ لأن الحكم يقتصر على المرتضع وفروعه ولا يسري إلى أصوله وحواشيه .
416- رضعت من امرأة وهذه المرأة لها حفيدات فهل يجوز لي أن أتزوج من حفيداتها يعني بنات بناتها ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟
إذا رضعت من امرأة رضاعة تامَّة خمس رضعات في الحولين فإنك تكون ابنًا لها من الرضاعة وتكون بنات أخوات لك من الرضاعة وبنات بناتها بنات لأخواتك من الرضاعة فتكون خالاً لهن من الرضاعة، فلا يجوز لك أن تتزوج من حفيداتها أي من بنات بناتها لأنهن بنات أخواتك من الرضاعة وأنت خالهن قال صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/149 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] وبنت الأخت من النسب محرمة بنصِّ القرآن الكريم قال تعالى : { وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ } [ سورة النساء : آية 23 ] .
417- رجل رضع من امرأة متزوج أختها يعني أخت المرأة التي رضع منها لكن أختها من أبيها مع العلم أن له منها ثلاث بنات فما هو الحل في ذلك ؟(91/2)
ورد في السؤال أن هذا الرجل رضع من امرأة، وتزوج أختها من الأب فنقول : إذا كان هذا الرضاع متأكد الوقوع وكان خمس رضعات، وكان في الحولين فإنه ينشر الحرمة، وتكون أختها خالة للمرتضع من الرضاعة حتى ولو كانت أختًا لها من أبيها على الصحيح، فإذا ضبط هذا الرضاع بما ذكرنا بأن كان في الحولين وكان خمس رضعات، فإن هذه المرأة التي تزوجتها أيها السائل تكون خالة لك من الرضاعة فيجب عليك مفارقتها حتى ولو كان لك منها أولاد؛ أما مادام الأمر غير منضبط لا تدري كم عدد الرضعات فإن الأصل بقاء النكاح وصحته، فلا تحرم عليك في أمر مشكوك فيه وعليك بمراجعة المحكمة الشرعية للتأكد من هذا الأمر والنظر فيه .
418- هناك امرأة تبَنَّتْ ولدًا وربّته مع أولادها، ولكنها لم ترضعه فهل يجوز لها أن تزوجه من إحدى بناتها ؟ وإذا أرضعته فهل يأخذ لقب أبيهم ويرث ويورث ؟(91/3)
أما مجرد أنها غذت هذا الولد من الصغر وربته من صغره فهذا لا يثبته نسبًا ولا قرابة بينه وبينها وهو أجنبي عنها وعن بناتها فيجب عليها أن تحتجب منه، ويجب على بناتها أن يحتجبن منه؛ لأنه أجنبي عنهن مادام أنه لم يحصل رضاعة، وإنما الحاصل مجرد أنها ربته وغذته من الصغر، وكلمة التبني الواردة في السؤال خطأ؛ لأن التبني منهي عنه في الإسلام، وليس هناك تبنٍ إلا للأولاد من النسب أو الأولاد من الرضاعة، أما مجرد التربية والتغذية للصغير فهي لا تثبت قرابة ولا نسبًا ولا يسمى تبنيًا، أما لو جرى بينه وبينها رضاعة بأن أرضعته رضاعًا كافيًا بأن يكون خمس رضعات فأكثر، وأن يكون ذلك في الحولين، فإنه يكون ابنًا لها من الرضاعة وتكون بناتها أخوات له ومحارمها يكونون محارم له لقوله صلى الله عليه وسلم : ( يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/149 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] ، وفي حديث آخر : ( الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/125 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، فهو يكون ابنًا لها في المحرمية فقط ولا ترث منه عند الجمهور بمجرد الالتقاط، ولا توارث بالرضاع إجماعًا؛ لأن الرضاعة لا تثبت ميراثًا وإنما تثبت المحرمية، وما لم يكن هناك رضاعة بين الطفل الملتقط وبينها أو بينه وبين أحد من محارمها فإنه لا بأس بأنه يتزوج من بناتها لأنه أجنبي منها .
419- هل يشترط في الرضاع المحرم أن يكون من ثدي المرضعة مباشرة أم لا يشترط ذلك، فهو يحرم حتى لو كان شربه من إناء أفرغت فيه إحدى المرضعات لبنها ؟(91/4)
لا فرق في تأثير الرضاع من أن يرضع الطفل من الثدي أو يشرب ذلك من إناء أو يوضع اللبن في فمه ويسقى إياه أو يكون من طريق الأنف كالسعوط والوجور وغير ذلك، المهم إذا وصل اللبن إلى جوفه فإنه يقال : إنه قد رضع وتغذي بلبن المرأة لا فرق بين أن يمتصه من الثدي أو يمتصه من الإناء أو يسقى إياه من غير إرادة، كل هذا حكمه واحد .
420- إنني أريد الزواج من ابنة خالتي وعلمت أن خالتي قد رضعت من والدتي معي ونحن أطفال؛ هل يجوز الزواج في مثل هذه الحالة أم لا ؟
ما ذكرته من أن خالتك رضعت من أمك وأن لها بنتًا فهل يصح لك أن تتزوج منها ؟ الجواب أنه إذا كان الرضاع الذي ذكرته خمس رضعات فأكثر وكان في الحولين، فإنه لا يصح لك أن تتزوج من هذه البنت لأنك خال لها من الرضاعة؛ لأن أمها رضعت من أمك فصارت أمها أختًا لك من الرضاعة، وبنتها تكون بنت أختك من الرضاعة، فلا تحل لك، والله تعالى أعلم .
421- متى أبدأ بأطفال بتعليم الدين ؟
يبدأ تعليم الأولاد عندما يبلغون سن التمييز فيبدأ تعليمهم التربية الدينية لقوله صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/130 ) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم ] فإذا بلغ الطفل سن التمييز فإنه حينئذ يؤمر والده بأن يعلمه وأن يربيه على الخير بأن يعلمه القرآن، وما تيسر من الأحاديث، ويعلمه الأحكام الشرعية التي تناسب سن هذا الطفل بأن يعلمه كيف يتوضأ وكيف يصلي، ويعلمه الأذكار عند النوم وعند الاستيقاظ وعند الأكل والشرب؛ لأنه إذا بلغ سن التمييز فإنه يعقل ما يؤمر به وما ينهى عنه، وكذلك ينهاه عن الأمور غير المناسبة ويبين له أن هذه الأمور لا يجوز له فعلها كالكذب والنميمة وغير ذلك، حتى يتربى على الخير وعلى ترك الشر من الصغر، وهذا أمر مهم جدًّا غفل عنه بعض الناس مع أولادهم .(91/5)
إن كثيرًا من الناس لا يهتمون بأمور أولادهم ولا يوجهونهم الوجهة السليمة، ويتركونهم مهملين لا يؤمرون بالصلاة ولا يوجهون إلى خير؛ بل ينشئون على جهل وعلى أفعال غير حسنة، ويخالطون الأشرار ويهيمون في الشوارع ويهملون دروسهم؛ إلى غير ذلك من المضار التي ينشأ عليها كثير من شباب المسلمين بسبب إهمال آبائهم، وهم مسئولون عنهم لأن الله حملهم مسئولية أولادهم، قال صلى الله عليه وسلم : ( مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/130 ) من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم ] ، وهذا أمر وتكليف للآباء، فالذي لا يأمر أبناءه بالصلاة يكون قد عصى النبي صلى الله عليه وسلم وفعل محرمًا، وترك واجبًا عليه ألزمه به رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 8/104 ) من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] بعض الآباء – وللأسف – مشغول بأمور دنياه، ولا يلتفت لأولاده، ولا يفرغ لهم شيئًا من وقته، وإنما جميع وقته مخصص لأمور الدنيا، وهذا خطر عظيم كثر في بلاد المسلمين ساءت بسببه تربية أولادهم، فأصبحوا لا يصلحون لدين ولا لدنيا، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
422- لزوجة خالي ابنة من زوج سابق وقد تزوجتها وأنجبت لي طفلة ثم صار بيني وبينها خلاف طلقتها على إثره فرجعت إلى أمها في بيت خالي معها ابنتي البالغة من العمر خمس سنوات مما جعلني أدفع نفقة لبنتي مقابل مأكلها ومشربها وملبسها، وساءني ما هي عليه من سوء الملبس والمنظر حينما أزورها فهل يحق لي المطالبة بأن تعيش ابنتي معي أو أتركها مع والدتها على هذه الحالة السيئة ؟(91/6)
البنت إذا كانت صغيرة أو الطفل ذكرًا أو أنثى قبل سبع سنوات وطلقت أمه يكون تبعها، يكون حق الحضانة لها ويكون عندها إلا إذا تزوجت؛ إذا تزوجت أجنبيًّا من المحرم فإن الطفل يرجع إلى أبيه .(91/7)
14- كتاب القصاص والجنايات
423- يقول الله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [ سورة الشورى : آية 40 ] هل معنى هذا أنه يجوز للإنسان المعتدى عليه أن يقابل ذلك بالمثل فيثأر لنفسه ويقتص لها، وإذا كانت البلد التي حصلت فيه الخطيئة لا يحكم بشرع الله فهل يجوز لولي المقتول أن يقتص من القاتل بنفسه إذا لم يحكم له بالقصاص سواء كان ذلك موافقًا للقانون المحكوم به أو لسبب تغيير الحكم برشوة ونحوها إلى صالح المجرم ؟
قوله تعالى : { وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ سورة الشورى : آية 40 ] . هذا معناه القصاص في المظالم وأنه يجوز للمظلوم أن يقتص من الظالم بمثل ظلامته، مع أن الله سبحانه رغب في العفو فقال : { فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ } [ سورة الشورى : آية 40 ] فأباح القصاص، ورغب في العفو، ومقابلة الإساءة بالإحسان، أما قضية أنه يحكم لنفسه بالقصاص، ورغب في العفو، ومقابلة الإساءة بالإحسان، أما قضية أنه يحكم لنفسه بالقصاص، ويأخذ حقه بنفسه، فهذا لا يجوز لأن هذا معناه إشاعة الفوضى في المجتمع، ولكن يرجع في هذا إلى الحاكم الشرعي، ولابد من إثبات المظلمة عند القاضي والحاكم بالقصاص فيها، والذي ينفذ القصاص ولي الأمر، فلا بد من هذه الأمر لأن القصاص له شروط وجوب وشروط استيفاء فلا بد من توفر شروط ثبوت القصاص وشروط الاستيفاء .
424- أنا إنسانة مريضة يضيق النفس وقد أجهضت اثنين من الأطفال حسب أمر الطبيب؛ لأنه نصحني معللاً ذلك بأن الأطفال لا يخرجون إلا بعملية، بحكم الأدوية وقوتها على الجنين وبموافقة زوجي أجهضت مرتين هل هذا حرام أو يجب فيه كفارة . أفيدونا مأجورين ؟(92/1)
أولاً : إجهاض الحمل لا يجوز، فإذا وجد الحمل فإنه يجب المحافظة عليه، ويحرم على الأم أن تضر بهذا الحمل، وأن تضايقه بأي شيء؛ لأنه أمانة أودعها الله في رحمها وله حق فلا يجوز الإساءة إليه أو الإضرار به أو إتلافه، ولا يعتمد في هذا على قول طبيب لأن هذا حكم شرعي، ولا يرجع فيه إلى قول طبيب، والأدلة الشرعية تدل على تحريم الإجهاض وإسقاط الحمل . وأما كونها لا تلد إلا بعملية ليس هذا مسوغًا للإجهاض، فكثير من النساء لا تلد إلا بعملية فهذا ليس عذرًا لإسقاط الحمل، والطبيب بشر يخطئ ويصيب، لا يجوز الاعتماد عليه .
وأما ثانيًا : وهو سؤالها عن الكفارة فإذا كان هذا الحمل قد نفخت فيه الروح وتحرم ثم أجهضته بعد ذلك ومات فإنها تعتبر قد قتلت نفسًا فعليها الكفارة وهي عتق رقبة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله، وذلك إذا مضت له أربعة أشهر، فإنه حينئذ يكون قد نفخت فيه الروح، فإذا أجهضته بعد ذلك وجبت عليها الكفارة كما ذكرنا، فالأمر عظيم لا يجوز التساهل فيه وإذا كانت لا تتحمل الحمل لحالة مرضية فعليها أن تتعاطى من الأدوية ما يمنع الحمل قبل وجوده، كأن تأخذ الحبوب التي تؤخر الحمل عنها فترة حتى تعود إليها صحتها وقوتها .(92/2)
425- امرأة تقول سقط طفل في خزان بيتنا حيث كان الخزان مفتوحًا من قبل إخواني الصغار الذين ينظرون ويتسلون بالنظر إلى الأسماك الموجودة فيه، وقد فقدنا الطفل عندما كنا على العشاء حينما ذهبنا للبحث عنه في مداخل البيت وفي الشارع فلم نعثر عليه، ولفت نظري الخزان وهو مفتوح فذهبت إلى إغلاقه خوفًا من أن يسقط فيه أحد الصغار أثناء بحثنا عن الطفل المفقود، وبعد بحث استمر وقتًا من الزمن قال لنا أحد الجيران بأن نبحث في الخزان وفعلاً وجدنا الطفل بداخله وقد فارقت روحه الحياة فهل عليَّ من ذنب لأنني أغلقت عليه الخزان مع العلم بأن المدة التي قضاها الطفل في الخزان كان يمكن أن تكون كافية لإنقاذه بمشيئة الله لو أنني تركت الخزان مفتوحًا، فنحن نمر به عدة مرات أثناء بحثنا، ومع العلم أيضًا أنني لا أعرف أنه فيه مطلقًا فلا يعقل أن أكون أعرف وأغلقه عليه فهو ابن خالتي، هذا من جهة ومن جهة أخرى هل على والدتي من إثم، فالناس يقولون : لابد من أن تصوم ثلاث أشهر لإهمالها وانشغالها بالأكل عن ابنها فهل هذا صحيح ؟
أولاً : ما ذكرت من موت الطفل في الخزان يحتمل أنه مات بسبب تغطية الخزان كما ذكرت، ويحتمل أنه مات بسبب الغرق فما دام الاحتمال موجودًا فإنه لا شيء في ذلك، لأنه لم يتعين أنه مات بسبب إغلاق الخزان عليه .(92/3)
أما إذا تحدد وعرف أنه مات بسبب تغطية الخزان أي أنك وضعت عليه الغطاء وبسبب ذلك مات الطفل فإنه تكون عليك الكفارة، لأنك حينئذ تكونين قد تسببت في قتله وهذا يكون من قبيل القتل الخطأ وقد قال الله سبحانه وتعالى : { وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ } إلى قوله : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ } [ سورة النساء : آية 92 ] فإذا تحدد أو غلب على الظن أنه مات بسبب وضعك الغطاء فإن عليك الكفارة وهي عتق رقبة إن أمكن فإن لم يمكن فتصومين شهرين متتابعين .
ثانيًا : أما الناحية الثانية وهي ماذا على أم الطفل فإذا كانت أم الطفل وضعته عند فم الخزان وهو مفتوح فإنه يلزمه حينئذ كفارة، لأن هذا من التسبب في قتله ويكون التسبب في قتله مشتركًا بينك وبين أمه أنت عليك كفارة وأمه عليه كفارة، أما إذا كانت أمه لم تضعه عند فتحة الخزان وإنما هو دب إليها من بعيد وجاء إليها من بعيد فليس على أمه شيء والله أعلم .(92/4)
15- كتاب الحدود والتعزيرات
426- ما هو القذف وما حكمه ؟
القذف هو الرمي بفاحشة الزنا واللواط هذا هو القذف، وحكمه هو محرم وكبيرة من كبائر الذنوب ورمي الإنسان بالزنا أو اللواط كبيرة من كبائر الذنوب فالله يقول : { إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ . يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ . يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ } [ سورة النور : الآيات 23، 25 ] هذا جزاؤه في الآخرة، أما جزاؤه في الدنيا فهو عدة أمور :
الأول : يقام عليه الحد بأن يجلد ثمانين جلدة إذا لم يأت بأربعة شهود يشهدون على ما نطق به لقوله تعالى : { وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً } [ سورة النور : آية 4 ] .
الثاني : سقوط عدالته لقوله تعالى : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا } [ سورة النور : آية 4 ] .
الثالث : وصفه بالفسق لقوله تعالى : { وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ . إِلا الَّذِينَ تَابُوا مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } [ سورة النور : الآيتين 4، 5 ] .
والحاصل أن القذف بجريمة الزنا أو اللواط كبيرة من كبائر الذنوب يجب على المسلم أن يطهر لسانه منه وأن يحترم أعراض المسلمين ولا يخوض فيها .
427- ما معنى قوله تعالى : { لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا } [ سورة النساء : آية 148 ] ؟(93/1)
قيل : معنى الآية أنه لا يجوز لأحد أن يدعو على أحد إلا إذا كان المدعو عليه ظالمًا له فيجوز للإنسان أن يدعو على من ظلمه، وقيل في معنى الآية : أن من سبّك يجوز لك أن تسبّه من باب القصاص، أما السباب من غير قصاص فإنه لا يجوز فمن سابك أو شتمك جاز لك أن تقتص منه وأن ترد عليه بالمثل .
428- إذا سرق رجل مالاً من غير المسلمين ثم حج بهذا المال وربما بنى منه منزلاً للإيجار فهل حجه صحيح ؟ وهل يجوز له أخذ الإيجار مما بناه من ذلك المال أو لم يحل له أصلاً فماذا يعمل بما حصل منه ؟
لا يجوز للمسلم أن يسرق المال وأن يستعمله في حج أو بناء بيت أو غير ذلك؛ لأن الله سبحانه وتعالى يقول : { وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ } [ سورة البقرة : آية 188 ] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبًا ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/703 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] وما أخذته فإنه يجب عليك أن ترده على صاحبه وأن تتحلل منه وإذا كنت تعرف صاحبه وجب عليك رده عليه ولو بنيت به أو حججت منه فإنه يجب عليك أن ترد بدل المبلغ الذي أخذته منه إلا إذا سمح لك به . أما إذا كنت لا تعرف صاحبه فإنه حينئذ يجب عليك أن تتصدق به على المحتاجين ولو جاء بعد ذلك وطالبك بالمبلغ وجب عليك دفعه إليه وحجك صحيح لكن مع الإثم لأن نفقته حرام لكن إذا فعلت ما ذكرنا مع التوبة الصادقة فلعل الله يتوب عليك .
429- ما الحكم فيمن ارتد عن الإسلام ثم عاد إليه هل يعيد ما فاته من أعمال من أركان الإسلام كالحج والصوم والصلاة أم تكفي توبته وعودته إلى الإسلام ؟(93/2)
الصحيح من قولي العلماء : أن المرتد إذا عاد إلى الإسلام ودخل في الإسلام مرة أخرى تائبًا منيبًا لله تعالى فإنه لا يعيد الأعمال التي أداها قبل الردة لأن الله سبحانه وتعالى اشترط لحبوط الأعمال بالردة أن يموت الإنسان عليها، قال تعالى : { وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ } [ سورة البقرة : آية 217 ] فشرط لحبوط الأعمال استمرار الإنسان عن الردة حتى يموت الإنسان عليها، فدلت الآية بمفهومها على أن الإنسان لو تاب فإن أعماله التي أداها قبل الردة تكون صحيحة ومجزية إن شاء الله تعالى .(93/3)
16- كتاب الأطعمة
430- أرجو منكم تفسير قول الله تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } [ سورة المائدة : آية 3 ] ، ثم عن المتردية والنطيحة هل يحرم أكلهما عندما تموت مباشرة بسبب ذلك أو يحرم أكلهما ولو بقيتا مدة طويلة، ثم ذبحتهما بعد ذلك ؟(94/1)
يقول الله سبحانه وتعالى مخاطبًا عباده المؤمنين الذين ناداهم في مطلع هذه السورة العظيمة بقوله : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ } [ سورة المائدة : آية 1 ] ، يقول تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ } [ سورة المائدة : آية 3 ] أي : حرم الله سبحانه وتعالى عليكم أكل الميتة، والميتة هي التي ماتت بغير ذكاة شرعية، وقد خص منها الدليل ميتة السمك والجراد، كما قال صلى الله عليه وسلم : ( أُحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/97 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1101، 1102 ) ، ورواه الدارقطني في " سننه " ( 4/271، 272 ) ، كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ] ، فالسمك والجراد أحل الله ميتتهما، وما عدا ذلك فإنه حرام، وقوله تعالى : { وَالْدَّمُ } [ سورة المائدة : آية 3 ] هنا مطلق، ولكن قيدته الآية الثانية في السفوح كما قال تعالى : { قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَّسْفُوحًا } [ سورة الأنعام : آية 145 ] ، والمراد به الذي يخرج من الذبيحة وقت ذبحها ويشخب من أوداجها، أما الدم المتبقي في العروق واللحم فهذا معفو عنه لا بأس بأكله مع اللحم، واستثني من الدم الدمان اللذان مرَّ ذكرهما في الحديث : ( أحلت لن ميتتان ودمان . . . . . وأما الدمان فالكبد والطحال ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 2/97 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/1101، 1102 ) ، ورواه الدارقطني في »سننه« ( 4/271، 272 ) ، كلهم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنه الله عنهما ] ، وقوله تعالى : { وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ } [ سورة المائدة : آية 3 ] هو الحيوان المعروف بالقذارة والدناءة حرم الله أكله لما فيه من الأضرار البالغة، وما يورثه من الأمراض الخطيرة كما قرر ذلك(94/2)
أهل الطب، فإن الخنزير فيه جراثيم وأمراض خطيرة اكتشفت ولا تزال تكتشف، والله جل وعلا لا يحرم على عباده إلا ما فيه مضرة عليهم .
وقوله تعالى : { وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ } [ سورة المائدة : آية 3 ] المراد به ما ذبح للأصنام تقربًا إليها وما ذبح لسائر المعبودات، وكذلك ما ذبح وسمي عليه غير اسم الله عز وجل كما لو ذبح اللحم وذكر عليه اسم المسيح أو ذكر عليه اسم غيره، ( وما أهل لغير الله به ) يشمل النوعين : ما تقرب به لغير الله ولو ذكر عليه اسم الله، ويشمل ما ذبح لغير التقرب، وإنما ذبح للحم، لكن سمي عليه غير اسم الله سبحانه وتعالى عند الذبح، والمراد بالإهلال رفع الصوت هذا في الأصل، والمراد هنا ما ذكرنا .
وقوله تعالى : { وَالْمُنْخَنِقَةُ } [ سورة المائدة : آية 3 ] قالوا : إن هذا تفصيل للميتة التي ذكرها الله في أول الآية، والمنخنقة هي التي حبس نفسها بحبل أو بغيره حتى ماتت بسبب الخنق، { وَالْمَوْقُوذَةُ } [ سورة المائدة : آية 3 ] هي التي ضربت بشيء مثقل وماتت بالضربة ولو خرج منها دم، لأن المثقل لا يجرحها، وإنما يقتلها بثقله ويرضها فتموت بسبب ثقله، { وَالْمُتَرَدِّيَةُ } [ سورة المائدة : آية 3 ] فهي الساقطة من شيء مرتفع كالسطح أو الجبل أو الجدار أو في حفرة، أو في بئر وماتت بسبب السقطة، هذه هي المتردية، { وَالنَّطِيحَةُ } : هي التي تناطحت مع أخرى كتناطح الغنم بعضها مع بعض، والبقر بعضها مع بعض، فإذا ماتت بسبب المناطحة فهي النطيحة ولا تؤكل، وقوله تعالى : { وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ } [ سورة المائدة : آية 3 ] ، السبع هو الذي يفرس بنابه من الذئاب والأسود وغيرها من السباع المفترسة التي تفرس بأنيابها أو بمخالبها كسبع الطير أو سبع الحيوان، فإذا أصاب الحيوان ومات بسبب إصابته، فإنه يكون ميتة لا يؤكل .(94/3)
وقوله تعالى : { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 3 ] هذا استثناء مما سبق أي إلا ما أدركتموه حيًّا من هذه الأشياء : المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إذا أدركتموه بعد إصابته بشيء من هذه الأمور، وفيه حياة مستقرة وذكيتموه، فإنه حلال، لأنه توفرت فيه شروط الإباحة وهي الذكاة الشرعية، أما ما أدركتموه وقد مات بسبب الإصابة أو أدركتموه حيًّا في الرمق الأخير وحياته غير مستقرة كحياة المذبوح فهذا أيضًا لا يحل، وقال بعض أهل العلم : إن ما أدرك وفيه حياة – أو بقية حياة – وذكي فإنه يحل، ولكن الجمهور على أن ما كانت حياته غير مستقرة كحركة المذبوح فهذا لا يحل بتذكيته، لأنه في حكم الميت .
وقوله تعالى : { وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } [ سورة المائدة : آية 3 ] المراد بالنصب : الأحجار التي كان أهل الجاهلية يعظمونها ويلطخونها بدم الذبائح تعظيمًا لها وتقربًا إليها، وقيل : إنه الذي يذبحونه على نفس الحجارة تعظيمًا لها فهذه ذبائح شركية ذبحت تعظيمًا لهذه النصب فهي مما لا يحل أكله، وهذا بيان لما كان يفعل في الجاهلية .
431- ما معنى هذه الآيات من سورة المائدة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ . قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِّن قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُواْ بِهَا كَافِرِينَ . مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ } [ سورة المائدة : الآيات 101، 103 ] ، وما معنى بحيرة وسائبة ووصيلة وحام ؟(94/4)
الله سبحانه وتعالى ينهى عن السؤال الذي لا حاجة إليه، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كثرة السؤال، وقال : ( ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 2/975 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وهو جزء من حديث أوله : " أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجوا . . " ] ، وفي هذه الآيات الكريمة ينهى الله المؤمنين عن أن يسألوا عن أشياء لا حاجة بهم إليها ولا هي مما يعنيهم في أمور دينهم ودنياهم، ولو ظهرت لهم هذه الأشياء وكلفوا بها لشقت عليهم وساءتهم، وهذا نهي من الله من كثرة سؤالهم للرسول صلى الله عليه وسلم في أمور لا تعنيهم ولا يحتاجون إليها ويكون في السؤال عنها والإجابة عليها مشقة عليهم وعلى غيرهم، فإنها إذا وقع السؤال عنها في حال وجود الرسول صلى الله عليه وسلم ونزول الوحي عليه حصلت الإجابة عليها، فكان ذلك سببًا للتكاليف الشاقة، وفي ترك السؤال عنها سلامة من ذلك، لأنها مما عفا الله عنه أي تركه ولم يذكره لشيء فلا تبحثوا عنه .
ثم إنه سبحانه بيَّن أن السؤال عن هذه الأشياء التي لا ينبغي السؤال عنها وقعت فيها الأمم السابقة فكانت عاقبة ذلك سيئة في حقهم حيث لم يعملوا بها لما بينت لهم فعوقبوا بسببها والمراد بالآيتين عمومًا النهي عن السؤال الذي لا تدعو الحاجة إليه، أما ما دعت الحاجة إليه من أمور الدين والدنيا فقد شرع الله السؤال عنه بقوله : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة النحل : آية 43 ] ، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( ألا سألوا إذ لم يعلموا، فإن شفاء العي السؤال ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 1/91 ) من حديث جابر رضي الله عنه، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/189 ) من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بنحوه ] .(94/5)
وأما المراد بقوله تعالى : { مَا جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ } [ سورة المائدة : آية 103 ] الآية، فهذا الكلام مبتدأ يتضمن الرد على أهل الجاهلية فيما ابتدعوه في بهيمة الأنعام من شريعة الجاهلية حيث جعلوا منها البحيرة وهي التي تشق أذنها ويمنعون من ركوبها وحلبها وأكل لحمها، والسائبة هي التي تترك، فلا تمنع مرعى ولا ماءً ولا تركب ولا تحلب ولا يجز وبرها، والوصيلة هي الناقة أو الشاة إذا نتجت عددًا معينًا من الولد متواصلاً، فإنهم يجعلونها للأصنام، والحام : الجمل الفحل إذا حمى ظهره من أن يركب كانوا إذا أنتج الفحل عددًا معينًا قالوا : حمى ظهره فلم يركبوه، وهذه من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها، والله عز وجل قال في مطلع هذه السورة : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ } [ سورة المائدة : آية 1 ] ، فالله جل وعلا أحل المشروع إلا ما كان منها ميتة، كما قال تعالى : { حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ } [ سورة المائدة : آية 3 ] .
432- ما معنى قوله تعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } [ سورة البقرة : آية 219 ] ؟(94/6)
الله سبحانه وتعالى حرم الخمر على التدريج لما كان الناس في أول الإسلام مغرقين في شرب الخمر، ولا يستطيعون تركه دفعة واحدة إلا بالتدريج شيئًا فشيئًا، فالله جل وعلا من حكمته حرمه على التدريج، في الأول قال سبحانه وتعالى : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا } [ سورة البقرة : آية 219 ] ، فبين سبحانه وتعالى أن ضرر الخمر أكثر من نفعه، والعاقل إذا عرف أن ضرر الشيء أكثر من نفعه فإنه يبتعد عنه، لأن الإنسان لا يريد لنفسه أن يأخذ شيئًا أو يتناول شيئًا ضرره أكثر من نفعه، فالعاقل من حين يسمع هذه الآية فإنه يترك الخمر والميسر، لأن العقل يأمره بذلك، لأن مفسدته راجحة، والعاقل لا يقدم على شيء مفسدته راجحة، ثم في المرحلة الثانية حرمه عليهم في بعض الأوقات، وهي الآية التي في سورة النساء وهي قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ } [ سورة النساء : آية 43 ] ، فحرمه عليهم في وقت وهو وقت الصلوات، وإذا كان محرم على المسلم أن يشرب الخمر في وقت الصلاة مع أن الصلوات الخمس تتكرر في اليوم والليلة خمس مرات، فهذا يأخذ عليه وقتًا طويلاً يحرم عليه شرب الخمر في اليوم والليلة فيكون قد خفت عليه وطأت الخمر، لأنه يتركه في فترات خمس من اليوم والليلة، فحينئذ تخف وطأته عليه، ثم إنه جل وعلا بعد ذلك حرمه تحريمًا قاطعًا في قوله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ . إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ(94/7)
اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ . وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ } [ سورة المائدة : الآيات 90-92 ] .
فحرم الخمر تحريمًا قاطعًا في جميع الأوقات وفي جميع عمر الإنسان ولم يبق لها وقت من حياة الإنسان، بل هي حرام على المسلم طول عمره، وكانت هذه هي نهاية الخمر، وهي أن الله أراح المسلمين منه، وحرمه عليهم تحريمًا قاطعًا، وأمرهم باجتنابه، وقال : { فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } [ سورة المائدة : آية 90 ] .
433- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 3/321، 399 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 2/195 ) بنحوه، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/409 ) بنحوه، ورواه الخطيب التبريزي في " مشكاة المصابيح " ( 2/845 ) ، كلهم من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، عدا الخطيب التبريزي فهو من حديث جابر رضي الله عنه ] ، ما معنى شرح هذا الحديث يا فضيلة الشيخ ؟(94/8)
أولاً : الحديث ضعيف هو مروي عن أبي بكر رضي الله عنه، وله روايتان : الرواية الأولى : ( لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 3/321، 399 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 2/195 ) بنحوه، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/409 ) بنحوه، ورواه الخطيب التبريزي في " مشكاة المصابيح " ( 2/845 ) ، كلهم من حديث كعب بن عجرة رضي الله عنه، عدا الخطيب التبريزي فهو من حديث جابر رضي الله عنه ] والرواية الثانية : ( لا يدخل الجنة جسد غُذي بالحرام ) [ رواه الخطيب التبريزي في " مشكاة المصابيح " ( 2/848 ) من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه ] ، والسحت هو الحرام، ومعنى الحديث : أن كل جسم ولحم تغذى بالحرام فإنه يكون يوم القيامة في النار عقوبة له، لأن الله سبحانه وتعالى حرم الخبائث والمكاسب المحرمة، وأمر بالأكل من الطيبات وما أباح الله سبحانه وتعالى لعباده، لأن المحرم يغذي تغذية خبيثة، وأما الطيب فإنه يغذي تغذية طيبة، وله آثار حميدة على جسم الإنسان وعلى تصرفاته وأخلاقه، وأما الخبيث فإنه يغذي الجسم تغذية خبيثة، وينعكس ذلك على تصرفات الشخص وأعماله، فإنها تكون خبيثة بتأثير طعامه الخبيث، فدل هذا على ما للمطعم من أثر على الإنسان، وأنه يتأثر به خيرًا إذا كان مطعمًا طيبًا، ويتأثر به شرًّا إذا كان مطعمًا خبيثًا، قد قال الله سبحانه وتعالى : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا } [ سورة المؤمنون : آية 51 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ } [ سورة البقرة : آية 172 ] ، وقال تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّبًا } [ سورة البقرة : آية 168 ] ، فأمر الناس عمومًا بالأكل من الحلال الطيب، وأمر(94/9)
المؤمنين خصوصًا بالأكل من طيبات ما رزقهم الله عز وجل، وأن يشكروا الله على نعمته، هذا يدل على الاهتمام بالمطعم، وأن الإنسان يهتم بما يغذي به جسمه ويتجنب الحرام، وقد صح في الحديث أن أكل الحرام يمنع من قبول الدعاء، كما في حديث المسافر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يقول : يا رب يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي في الحرام فأنى يستجاب لذلك ؟ ! وهذا أمر مهم جدًّا .
434- نستورد من الدول الأجنبية لحمًا خاليًا من العظام وغير مطبوخ وقد كثر استخدامه لبخس ثمنه، فهل يجوز لنا أكله بحالته تلك ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟
اللحوم المستوردة من غير بلاد المسلمين لها حالتان :
الحالة الأولى : أن تكون من بلاد كتابية يعني أهلها يدينون بدين أهل الكتاب : اليهود أو النصارى، ويتولى ذبحها كتابي على الطريقة الشرعية، فهذا النوع حلال بإجماع المسلمين لقوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] ، وطعامهم : ذبائحهم بإجماع أهل العلم، لأن غير الذبائح حلال من أهل الكتاب وغيرهم كالحبوب والثمار مما لا يحتاج إلى ذكاة وكالفواكه وغيرها .
الحالة الثانية : ما كان مستوردًا من بلاد كافرة غير كتابية كالبلاد الشيوعية والوثنية فهذا لا يجوز أكله ما لم يتول ذبحه مسلم أو كتابي، وما شُكَّ في ديانة ذابحه، أو شُكَّ في طريقة ذبحه : هل كان على الطريقة الشرعية أو غير الطريقة الشرعية ؟ فالمسلم مأمور بالاحتياط وترك المتشابه وفيما لا شبهة فيه غنية عن المشتبه، فالأطعمة لها خطورة عظيمة إذا كانت أطعمة خبيثة، لأنها تغذي تغذية خبيثة، والذبائح بالذات لها حساسية عظيمة، فيشترط فيها أن تكون الذبائح من أهل الذكاة وهو المسلم أو الكتابي، وأن تكون التذكية على الطريقة الشرعية، وإذا لم يتوفر هذا الشرطان فهي ميتة والميتة حرام .(94/10)
وعلى كل حال هذه اللحوم التي ذكرت إذا كانت لحومًا مستوردة من بلاد كتابية ومذبوحة على الطريقة الشرعية فهي مباحة، وإذا ذكيت على الطريقة غير الشرعية كالصعق بالكهرباء أو ما أشبه ذلك فهذا حرام، وإذا اشتبه عليك أمرها فاتركها إلى ما لا شبهة فيه، والله أعلم .
435- نحن من السودان ونعمل في العراق وهناك من يطبخون الطعام لنا علمًا بأنهم لا يدينون بالدين الإسلامي، ما رأي الشرع في نظركم في هذا الطعام الذي نتناوله عندما يطبخونه لنا ؟
لا شك أن المسلم ينبغي له أن يتجنب الكفار ومخالطتهم والأكل معهم واستعمالهم في أعماله الخاصة، لأنهم أعداء لله ولرسوله، وفي مخالطتهم شر، والله جل وعلا يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ } [ سورة آل عمران : آية 118 ] ، فهم أعداء الله، وأعداء رسوله، وأعداء المؤمنين، لا يجوز للمسلم أن يثق بهم، وأن يوليهم شئونه الخاصة، وأن يؤاكلهم ويجالسهم مطمئنًا إليهم ومنشرحًا صدره إليهم ومستأنسًا بهم لا يجوز للمسلم هذا، بل يجب عليه أن يفارقهم وأن يبعدهم عن أموره الخاصة لا في الطبخ ولا في غيره، أما أكل الطعام الذي طبخوه فلا بأس به إلا إذا وضعوا فيه موادًّا محرمة، كلحم خنزير ومشتقاته أو شيء من ذبائحهم إذا كانوا غير كتابيين فذبائح غير أهل الكتاب محرمة وهي ميتة، فإذا وضعوا في الطعام شيئًا من ذبائحهم المحرمة أو من لحم الخنزير ومشتقاته فإنه يحرم على المسلم أن يأكل منه، أما إذا خلا من هذه المحاذير فلا بأس أن يأكل المسلم من طعامهم وما طبخوه، ولكن كما ذكرنا يحرص على الابتعاد عنهم وتوليتهم شئونه الخاصة، لأنهم غير مأمونين .(94/11)
436- نحن جماعة في قرية في الصعيد ويوجد في هذه القرية الكثير من الجزارين وهم يدينون بالديانة المسيحية ونحن نأكل من هذا اللحم الذي يبيعونه لنا، هل هذا حرام يا فضيلة الشيخ ؟ أفيدونا بذلك ؟
هذا ليس بحرام، لأن ذبائح أهل الكتاب مباحة بدليل قوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] ، والمراد بطعامهم هنا ذبائحهم، فالله أباح لنا أن نأكل من ذبائح أهل الكتاب، لكن بشرط أن يكونوا ذبحوها على الطريقة الشرعية، أما إذا ذبحوها بغير الطريقة الشرعية كالصعق الكهربائي والخنق أو الوقذ أو ما أشبه ذلك فإنها لا تؤكل ذبائحهم، كما لا تؤكل ذبيحة المسلم إذا فعل هذه الأشياء، فالمسلم إذا ذكى على غير الطريقة الشرعية لا تؤكل ذبيحته، كذلك الكتابي من باب أولى إذا ذكى على غير الطريقة الشرعية فإنها لا تؤكل ذبيحته .
437- أنا مهندس زراعي متخصص في الإنتاج الحيواني وأعمل في مزارع الدجاج، وقد وقع خلاف بيني وبين خطيبتي حول هذا العمل، فهي تقول : إن فيه شبهة ويجب تركه، لأن علف الدواجن في الغالب عبارة عن دم مجفف ومخلفات المجازر وأسماك ميتة مجففة، فهل هذا العمل فعلاً يجب تركه رغم أن هذا تخصصي وهو العمل الوحيد الذي أعيش منه ؟
إذا كان علف الدواجن مكونًا من النجاسات فإنه لا يجوز أكلها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الجلالة (1) ، وهي التي تأكل النجاسات من الدوام حتى تحبس وتطعم الطاهر، وبالتالي لا يجوز للإنسان أن يقوم بعمل تربية الدواجن من هذه المادة النجسة ويبيعها على الناس من أجل أكلها، لأن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه، والواجب على المسلم أن يلتمس عملاً آخر غير هذا العمل لطلب الرزق، وبإمكانه أن يستبدل العلف النجس بعلف طاهر ويستمر في عمله في إنتاج الدواجن .(94/12)
438- في حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حيث قال : ( الحلال بيِّن والحرام بيِّن وبينهما أمور مشتبهات ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 1/19 ) من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما ] ، ما المعني بالأمور المشتبهات ؟ وهل يمكن أن تكون السيجارة من الأمور المشتبهات ؟
الأمور المشتبهات المطلوب اجتنابها هي التي اختلف فيها أهل العلم هل هي حلال أم حرام نظرًا لاختلاف الأدلة فيها، ولم يترجح فيها قول على قول، فتركها من باب الاحتياط أسلم لدين المرء وعرضه، وأما السيجارة ( الدخان ) فهي حرام بلا شك، وذلك لضرر الدخان البالغ، وليس فيه شيء من المنافع، ولا حجة مع من يرى عدم تحريمه حتى يُقال : إنه من المختلف فيه، بل الحجة الواضحة مع من يرى تحريمه فليس هو من المشتبهات وإنما هو من المحرمات فيجب على المسلم تركه، وليس كل خلاف ينظر إليه، وإنما ينظر إلى الخلاف الذي له وجه في الشرع، والله أعلم .
439- نقوم بشراء اللحمة من الجزارين ولا نعلم هل يصلون أم لا، ويغلب على ظننا أنهم لا يصلون، لأننا لا نراهم في المساجد المجاورة لهم مع العلم أننا سألناهم عن الذي يقوم بعملية الذبح، فقالوا : نحن الذين نذبح، فهل يجوز الشراء منهم بعد الظن بعدم صلاتهم ؟ أفتونا وجزاكم الله خير الجزاء ؟(94/13)
اللحم الذي يباع في أسواق المسلمين من حيوانات مذبوحة في بلاد الإسلام، الأصل فيه الحل – والحمد لله – ولا ينبغي السؤال عنه ما لم يتبين ويتحقق أنه من غير ذكاة شرعية، وقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم عن قوم حديثي عهد بالإسلام يجلبون اللحوم في أسواق المسلمين، ولا يدري أذكروا اسم الله أم لا، فقال عليه الصلاة والسلام للسائلين : ( سموا الله أنتم وكلوا ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/226 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] يعني التسمية التي تكون على الأكل، فلم يكن للشك الذي دار في أذهان السائلين مجال في تحريم اللحم – والله أعلم – وكون هؤلاء المسئول عنهم يتساهلون في صلاة الجماعة لا يقتضي تحريم ذبائحهم، لأن ترك صلاة الجماعة وإن كان محرمًا إلا أنه لا يخرج من الملة ولا يعتبر به الإنسان كافرًا .
440- هل يجوز للمرأة أن تقوم بعملية الذبح للبهائم أم أن هذا الفعل خاص بالرجال ؟
لا حرج في ذبح المرأة ولا فرق بينها وبين الرجل، وهما في الأمر سواء، فإن امرأة كانت ترعى غنمًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم اعتدى الذئب على واحدة منها فأدركت الشاة وهي حية فذكتها فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن أكلها فأذن في ذلك (2) مما يدل على أن ذبح المرأة لا حرج فيه وأنه مثل ذبح الرجل، والله تعالى يقول : { إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 3 ] ، وهذا يشمل المسلم سواء كان ذكرًا أو أنثى أو كتابيًّا أو كتابية من أهل الكتاب لقوله تعالى : { وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ } [ سورة المائدة : آية 5 ] . سواء ذكاها رجل منهم أو امرأة، وكذلك من المسلمين، والله أعلم .
441- عندي كلاب صيد، ودائمًا وهي عندي في البيت حتى في وقت النوم تنام معي في غرفة واحدة، فهل عليَّ شيء من الإثم بسبب إدخال الكلاب في محلي ؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا ؟(94/14)
النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن اقتناء الكلاب إلا لثلاثة أغراض : إما لصيد، وإما لماشية، وإما لحراسة (3)، فاتخاذ الكلاب لأحد هذه الأغراض الثلاثة لا بأس به، ولكن كونها تكون معك في داخل البيت وفي غرفة النوم نرى أنه لا داعي إليها، فاجعل لها مكانًا آخر، لأن هذا فيه مضار صحية ولا داعي إليه، والرسول صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلب ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/64 ) ، من حديث أبي طلحة رضي الله عنه ] ، ولم يستثن بينما استثنى في قضية الاقتناء كلب الصيد والماشية والحراسة، وهذا لا يفهم منه أن تكون في البيوت .
442- أسأل عن قتل الصيد مثل الطيور والأرانب ونحوها بالسلاح أو بكلاب الصيد ورميها في السيارة وهي لم تمت بعد، وبعد ذلك تموت، فهل يحل أكلها بهذه الطريقة أم لا ؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ؟
ما رميته بالبندق من الصيد طيورًا كان أو غير طيور أو أرسلت عليه الكلب المعلم فصاده فإن مات على إثر صيد الجارحة له أو إصابة رصاص البندق له، فإنه يحل بشرط أن تكن ذكرت اسم الله تعالى عند إرسال الكلب أو إطلاق النار من البندق، قال سبحانه وتعالى : { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } [ سورة المائدة : آية 4 ] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليها فكل ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/220 ) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ] ، فما أدركته ميتًا من إثر إصابة الرصاص أو الجارحة له، وقد ذكرت اسم الله عند إرسالها فإنه يحل، وهذه هي ذكاته الشرعية، وأما ما أدركته وفيه حياة مستقرة فهذا لابد أن تذكيه فلا يحل إلا إذا ذكيته، وإن أدركته وفيه حياة غير مستقرة، بل حياة على سبيل الزوال أو حركات الموت، ولم يتسع الوقت لتذكيته، ثم مات فهذا أيضًا حلال، لأنه في حكم ما مات بالإصابة، فالحالات ثلاث :(94/15)
الأولى : ما أدركته ميتًا بالاصطياد فهو حلال بشرط ذكر اسم الله عند الإرسال .
والثانية : ما أدركته حيًّا حياة غير مستقرة، ثم مات في الحال فهو حلال بشرط ذكر اسم الله عند الإرسال .
والثالثة : ما أدركته حيًّا حياة مستقرة فلا يحل إلا بتذكيته مع ذكر اسم الله عليه عند الذكاة .
443- ما الحكم في مكان العضة الذي يمسكه كلب الصيد بفمه من الذي يصيده هل يجب غسله سبع مرات إحداهن بالتراب أم لا ينطبق هذا الحكم إلا على الآنية التي يأكل ويشرب فيها الكلب فقط ؟
كلب الصيد يعفى عن أثر عضته في الصيد، لأن الله تعالى قال : { فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ } [ سورة المائدة : آية 4 ] ، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله عليه فكل ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 6/220 ) من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه ] ، ولم يأمر بالغسل، إنما الغسل سبع مرات إحداهن بالتراب يختص بالإناء إذا أكل منه سواء كان كلب صيد أو غيره .
444- لقد انتقلنا إلى بيت جديد ونريد أن نعد وليمة بقصد التعريف بالمنزل وجمع الجيران والأقارب والأصدقاء، فما حكم ذلك ؟
لا بأس بعمل الوليمة بمناسبة النزول في بيت جديد لجمع الأصدقاء والأقارب إذا كان هذا من باب الفرح والسرور، أما إن صاحب ذلك اعتقاد أن هذه الوليمة تدفع شر الجن، فهذا العمل لا يجوز، لأنه شرك واعتقاد فاسد، أما إذا كان من باب العادات فلا بأس به .(94/16)
17- كتاب اللباس والزينة
445- يوجد في بلادنا ألبسة مستعملة من قبل في بلاد أجنبية غير إسلامية، فما حكم هذا اللباس في الصلاة، هل يؤثر على صحتها بالرغم من أننا نغسلها كالعادة قبل أن نلبسها ؟ أم أنه لا يجوز للمصلي أن يصلي برداء رجل غير مصلٍّ ؟
الأصل في الألبسة الطهارة، ولو كانت ثياب كفار، أو من منسوجات الكفار، فالأصل فيها الطهارة، ويجوز لنا أن نستعملها وأن نصلي فيها بدون غسل إلا إذا علمنا نجاستها، فحينئذ نغسل النجاسة إذا تيقناها وعلمناها، أما إذا لم نعلم عنها شيئًا فالأصل فيها الطهارة، ولا يجب علينا غسلها قبل استعمالها، وهذا عمل المسلمين من عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا، والله أعلم .
446- سائلة تقول : كثر الحديث حول النقاب ومدى حله أو حرمته، بماذا تنصحني فضيلة الشيخ حول هذا الموضوع ؟
الواجب على المرأة المسلمة التزام الحجاب الساتر على وجهها وسائر بدنها درءًا للفتنة عنها وعن غيرها .
والنقاب الذي تعمله كثير من النساء اليوم نوع من السفور، بل هو تدرج إلى ترك الحجاج، فالواجب على المرأة المسلمة أن تبقى على حجابها الشرعي الساتر، وتترك هذا العبث الذي تفعله بعض السفيهات من النساء اللاتي تضايقن من الحجاب الشرعي، فأخذن يتحيلن على التخلص منه .(95/1)
447- ما حكم الحجاب في حق المرأة المسلمة فكثيرًا ما تتعرض المرأة المحجبة عندنا للسخرية من الغير، فهل هو واجب في جميع المذاهب الأربعة ؟ وما تفسير الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ } الآية [ سورة النور آية : 31 ] ، وهل معنى قوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور آية : 31 ] أي يغطين رؤوسهن وصدورهن مع العنق وهل يدخل الوجه في ذلك إذا كان كذلك فما معنى قوله تعالى : { إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [ سورة النور آية : 31 ] ؟(95/2)
الحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، قال تعالى : { وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] ، والضمير وإن كان لزوجات النبي صلى الله عليه وسلم فهو عام لجميع نساء الأمة لقوله : { ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 53 ] ، فهذا تعليل يشمل الجميع؛ لأن طهارة القلوب مطلوبة لكل الأمة، وقال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] ، فهذا عام لجميع النساء من أمهات المؤمنين وبنات الرسول صلى الله عليه وسلم وغيرهن من نساء المؤمنين، فالحجاب في الجملة واجب بإجماع المسلمين، والسفور حرام، وأما المراد بقوله تعالى : { إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [ سورة النور : آية 31 ] ، فالصحيح من قولي المفسرين أن المراد بما ظهر منها : زينة الثياب والحلي، فالمراد بذلك الزينة التي تلبسها المرأة لا زينة الجسم، وإنما المراد بالزينة الظاهرة الزينة التي تلبسها المرأة إذا ظهر منها شيء بغير قصد، فإنها لا تؤاخذ على ذلك، أما إذا تعمدت وأظهرته فإنها تأثم بذلك ويحرم عليها، فقوله : { إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [ سورة النور : آية 31 ] أي : ظهر من غير قصد، فإذا ظهر شيء من زينة ثياب المرأة أو من حليها من غير قصد فإنها لا تأثم بذلك، ولكن إذا علمت بذلك وتركته أو تعمدت إخراجه وإظهاره فإنها تأثم لما في ذلك من الفتنة للرجال .(95/3)
وأما قضية إسدال الخمار المأمور به في قوله : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] ، فالمراد بالخمار غطاء الرأس، والمعنى : أنها تغطي بخمارها وجهها ونحرها، فتدلي الخمار من رأسها على وجهها وعلى نحرها خلافًا لما كان عليه الأمر في الجاهلية، فإن نساء الجاهلية كن يكشفن نحورهن وصدورهن ويسدلن الخمار من ورائهن كما جاء في كتب التفسير، والله جل جلاله أمر نساء المسلمين أن يضربن بخمرهن على جيوبهن، والمراد بالجيب فتحة الثوب من أعلاه من الأمام، فهذا يستلزم أن تغطي المرأة وجهها ونحرها ولا يظهر شيء من جسمها، لأن الوجه أعظم زينة في جسم المرأة، وهو محل الأنظار، وهو محل الفتنة، وهو مركز الحسن والجمال، فهذا هو الصحيح في تفسير الآية الكريمة أن الوجه يجب ستره، وإن كان بعض العلماء يرى جواز كشفه وكشف الكفين، ولكن كلٌّ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا القول لا يتناسب مع سياق الآية وما فسرها به أئمة السلف من الصحابة والتابعين حتى إن ابن عباس رضي الله عنهما لما سأله عبيدة السلماني عن معنى قوله تعالى : { يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] أدنى عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الغطاء على وجهه وأبدى عينًا واحدة (4) ، فهذا تفسير منه للآية، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يفسر قوله تعالى : { إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا } [ سورة النور : آية 31 ] بأن المراد زينة الثياب (5) كما ذكرنا، وليس زينة الوجه كما قاله، من قاله فيكون ابن عباس إذًا رجع إلى قول ابن مسعود في آخر الأمرين كما ذكر ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : أنه كان في أول الأمر يجوز للمرأة أن تبدي وجهها، ولكن بعدما نزلت آية الحجاب نسخ ذلك، وصارت يجب عليها تغطية وجهها (6) .(95/4)
448- إطالة المرأة لثوبها هل هو على سبيل الاستحباب أم الوجوب ؟ وهل وضع الشراب على القدمين يكفي مع قصر الثوب بحيث لا يظهر شيء من الساق ؟ وكيف تطيل المرأة ثوبها ذراعًا أتحت الكعب أم تحت الركبة ؟
مطلوب من المرأة المسلمة ستر جميع أجزاء جسمها عن الرجال، ولذلك رخص لها في إرخاء ثوبها قدر ذراع من اجل ستر قدميها، بينما نهي الرجال عن إسبال الثياب تحت الكعبين، مما يدل على أنه مطلوب من المرأة ستر جسمها كاملاً، وإذا لبست الشراب كان ذلك من باب زيادة الاحتياط في الستر، وهو أمر مستحسن، ويكون ذلك مع إرخاء الثوب كما ورد في الحديث (7)، والله الموفق .
449- ما حكم خياطة الرجال لملابس النساء ؟ وما الحكم إذا كانت المرأة لا تذهب إلى الخياط بل ترسل ثوبًا قديمًا ليخيط على مقاسه ؟
لا بأس بذلك بشرط أن يكون هذا الثوب على التفصيل المشروع الذي يستر المرأة ويضفي على جسمها، ولا يكون من الثياب القصيرة أو الثياب الضيقة، أما مسألة من يتولى خياطته من رجل أو امرأة فالأمر في هذا واسع، وإذا كانت هي لا تخرج، وإنما ترسله مع مندوب، فالمحذور منتف، إنما المحذور في الخروج والتعرض للفتنة، والله أعلم .
450- ما حكم لبس الخاتم للرجال وخصوصًا إذا كان من الذهب ؟(95/5)
لبس الخاتم للرجال من الذهب حرام، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الذهب والحرير : ( أحل الذهب والحرير لإناث أمتي، وحرم على ذكورها ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 4/392، 393 ) بنحوه، ورواه النسائي في " سننه " ( 8/161 ) كلاهما من حديث أبي موسى رضي الله عنه ] ، ورأى رجلاً في يده خاتم من ذهب فنزعه فطرحه، وقال : ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1655 ) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ] ، فالخاتم من الذهب يحرم على الرجل لبسه، أما الخاتم من الفضة أو غيرها من المعادن وإن كان ثمينًا فإنه لا بأس به للرجل إنما الذي يحرم، ولا يلبسه الرجل السلسلة من الذهب وغيره، ولبس النظارات التي فيها ذهب، ولا يتخذ القلم الذي فيه ذهب، ولا يلبس الساعة التي فيها ذهب، فالرجل لا يجوز له التحلي بالذهب مطلقًا، ويباح له ربط الأسنان بالذهب للحاجة واتخاذ أنف منه إذا قطع أنفه، والله أعلم .
451- ما حكم لبس الخاتم أو الدبلة إذا كانت من الفضة أو الذهب أو أي معدن ثمين آخر ؟(95/6)
أما لبس الذهب للرجل خاتمًا أو غيره فلا يجوز بحال من الأحوال، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم الذهب على ذكور هذه الأمة (8)، ورأى رجلاً في يده خاتم من ذهب فنزعه – عليه الصلاة والسلام – من يده، وقال : ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1655 ) من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما ] ، فلا يجوز للذكر المسلم أن يلبس خاتم الذهب، وأما الخاتم من غير الذهب من الفضة أو غيرها من أنواع المعادن فيجوز للرجل أن يلبسه ولو كان من المعادن الثمينة، وأما الدبلة فهذه ليست من عوائد المسلمين وهي التي تلبس لمناسبة الزواج، وإذا كان يعتقد فيها أنها تسبب المحبة بين الزوجين، وأن خلعها وعدم لبسها يؤثر على العلاقة الزوجية فهذا يعتبر من الشرك، وهذا يدخل في الاعتقاد الجاهلي فلا يجوز لبس الدبلة بحال :
أولاً : لأنها تقليد لمن لا خير فيهم، وهي عادة وافدة على المسلمين، وليست من عادات المسلمين .
وثانيًا : أنها إذا كان يصحبها اعتقاد أنها تؤثر على العلاقة الزوجية فهذا يدخل في الشرك ولا حول ولا قوة إلا بالله .
452- هل يجوز الصلاة على فراش عليه صور لبشر أو حيوان ؟
الصور إذا كانت في فراش يمتهن ويجلس عليه ويوطأ، فإن الصور لا حكم لها هنا، لأنها مهانة بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أنكر على عائشة تعليق القرام الذي فيه التصاوير، ولما حولته بعد ذلك، وجعلت منه وسادة أو وسادتين ليتكئ عليهما رسول الله صلى الله عليه وسلم أقر ذلك (9) ، فدل على أن الصور إذا كانت في شيء يمتهن كالبساط أو الفراش فلا بأس .
أما قضية الصلاة إذا كان يصلي والصورة أمامه مستقبلها فهذا يكره، لأنه تشبه بِعُبَّاد الأصنام، ولأن الصورة تشغله أيضًا عن صلاته .
453- ما حكم استعمال البطانيات أو الأغطية أو الفرش من الحرير ؟
لا يجوز للرجل استعمال الأغطية والفرش من الحرير، لأن الله حرمه على الرجال .(95/7)
454- الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعد :
إلى صاحب الفضيلة الشيخ صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان – حفظه الله تعالى – لقد حدث خلاف بين بعض الإخوة في مسألتين مما دعت الحاجة إلى الكتابة إليكم لإعطائنا الحق فيها، وحيث أن كلاً من الأخوين يدعي أن معه أدلة تؤيد ما ذهب إليه، لذا نأمل من فضيلتكم أن تستدلوا لنا على ما تقولون وتبينوا لنا وجه الاستدلال فإن الأفهام تتفاوت في ذلك، وفقكم الله .
المسألة الأولى : ما حكم اقتناء أو استعمال القلم أو الساعة أو الكبك المموه ( المطلب ) بالذهب اليسير، وهل مَنْ استعمل تلك يكون آثمًا ؟
المسألة الثانية : ما حكم نقش الحناء أو رسمها بأشكال متعددة على يد النساء أو أرجلهن ؟
لا يجوز للرجل أن يلبس الساعة أو الكبك المموهين بالذهب، ولو كان ذلك يسيرًا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم على الرجل التختم بالذهب (10) ، والساعة المموهة بالذهب والكبك المموه به يشبهان الساعة، ولأن في لبسهما وسيلة إلى لبس الخاتم، وكذلك لا يجوز للرجل من باب أولى اقتناء القلم المموه بالذهب، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن استعمال آنية الذهب، والقلم يشبهها من حيث الإسراف والخيلاء .
ولا بأس بعمل الخضاب للنساء في أرجلهن وأيديهن على أي وجه نقشًا كان أو غيره، لأنهن مطلوب منهن التزين لأزواجهن .
455- ما الحكم في إجراء عمليات التجميل ؟
التجميل المستعمل في الطب ينقسم إلى قسمين : أحدهما تجميل بإزالة العيب الحاصل على الإنسان من حادث أو غيره، فهذا لا بأس به، ولا حرج فيه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لرجل قطع أنفه في الحرب أن يتخذ أنفًا من ذهب (11).(95/8)
18- كتاب الأيمان والنذور
456- كثرة الحلف بالله العظيم في أكثر الأحيان، وبعض الأحيان يأتي الحلف عفويًّا ويكون غير صادق، وبعض الأحيان يكون الشخص صادقًا في حلفه، فهل عليه كفارة في كلتا الحالتين ؟
يجب احترام اليمين بالله وتوقيرها، وألا يحلف المسلم إلا وهو صادق، ولا يحلف إلا عند الحاجة، وكثرة الحلف تدل على التهاون باليمين، قال تعالى : { وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ } [ سورة القلم : آية 10 ] ، واليمين التي تجب بها الكفارة هي التي قصد عقدها على أمر مستقبل ممكن، قال تعالى : { وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ } الآية [ سورة المائدة : آية 89 ] .
457- إذا أقسم إنسان على ألا يفعل شيئًا، ثم فعله، ثم أقسم ألا يفعله ثانية، ثم فعله وربما ثالثة، فما الحكم هل يلزمه كفارة واحدة أم عدة كفارات ؟
إذا كرر الأيمان بالله عز وجل على شيء واحد قبل أن يكفِّر فإنه يلزمه كفارة واحدة للجميع، أما إذا حلف وكَفَّر، ثم حلف مرة ثانية على نفس الشيء فإنه يلزمه كفارة ثانية .
458- ما حكم من يحلف يمينًا في حدوث شيء على أنه حدث ولكنه لا يعلم بحدوثه فقد حصل أن عملنا عملاً يسيء إلى أحد الناس، وسأل والدنا هل عملنا نحن ذلك العمل، ولكن والدنا أنكر وحلف يمينًا أننا أبرياء من ذلك مع أننا قد فعلنا ذلك، ووالدنا لا يعلم فهل يجوز أن نُكفّر وهو لا يعلم أم نخبره وهو يكفّر بنفسه أم ليس في ذلك إثم ؟(96/1)
أولاً : يجب على المسلم أن يحافظ على يمينه ولا يتسرع إلى اليمين إلا عند الحاجة وكان متأكدًا مما يحلف عليه، أما بالنسبة إذا حلف الإنسان على عمل أنه حصل أو لم يحصل بناءً على غالب ظنه فيتبين خلاف ذلك فإنه لا إثم عليه، لأنه حلف على غالب ظنه فلا إثم عليه، ويكون هذا من اللغو في اليمين، أما إذا حلف كاذبًا متعمدًا فإنه يأثم بذلك، وليس عليه كفارة، ولكن عليه الإثم، ويستغفر الله ويتوب إليه، والله يتوب على من تاب، أما الكفارة فإنها لا تجب إلا في اليمين التي قصد عقدها على أمر مستقبل ممكن .
459- حصلت بيني وبين زوجتي مشاجرة فحلفت عليها بالله العظيم أن لا تدخل عليَّ الغرفة التي أنا فيها، وفعلاً تركتْ منزلي وذهبت إلى بيت أبيها، ولكن عمي حاول في إرجاعها إليَّ رغم رفض وأدخلها إلى بيتي وتراضينا وعادت الحياة بيننا طبيعية، فما الحكم في هذا ؟ وماذا يجب عليَّ مقابل تلك اليمين ؟ وهل تعتبر طلاقًا أم لا ؟(96/2)
لا ينبغي للزوج أن يحتد على زوجته، وأن يغضب عليها الغضب الذي يحمله على أن يحلف عليها ألا تدخل عليه، لأن هذا معناه فساد العشرة وقطع العشرة بين الزوجين، والله سبحانه وتعالى يقول : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا } [ سورة النساء : آية 19 ] ، فيجب أن تكون العشرة بين الزوجين قائمة على المحبة والمودة والتعاون على البر والتقوى، ولا ينبغي أن يتعاطى أحد الزوجين ما يعكر العشرة ولا يجوز له ذلك، وبالنسبة لما قام به عمك من الإصلاح بينكما وإعادة الزوجة إليك، فقد أحسن في هذا، وجزاه الله خيرًا، وهكذا الذي ينبغي للمسلم أن يكون مصلحًا بين المتخاصمين لا سيما الزوجين، وأما بالنسبة لليمين التي حلفتها بالله عز وجل فهي يمين مكفرة، قال الله تعالى : { لاَ يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } [ سورة المائدة : آية 89 ] ، فالواجب عليك أن تكفر عن يمينك، وأن تعاشر زوجتك وأن تتركها تدخل عليك، والكفارة هي كما ذكرها الله تعالى إطعام عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو كسوة عشرة مساكين لكل مسكين ثوب يجزيه في صلاته، أو عتق رقبة إذا تيسر ذلك، فإذا لم تستطع واحدة منها فإنك تنتقل إلى الصيام بأن تصوم ثلاثة أيام بديلاً عن الخصال الثلاث التي لم تستطع واحدة منها، هذا هو الذي يجب عليك ولا تعتبر هذه اليمين طلاقًا .(96/3)
460- جدتي حرمت اللحم على إثر مرض مرضته بعد أكلها للحم، فحرمته من ذلك الوقت، وقالت : يكون مثل لحم أمي وأبي فما تفعل بعد ذلك ؟
الحلال لا يحرم بتحريم الإنسان، وعليها أن تكفر كفارة يمين، وأن تأكل اللحم الذي حرمته على نفسها، وكفارة اليمين بأن تعتق رقبة إن أمكن، أو تطعم عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو تكسو عشرة مساكين، فهي مخيرة بين الأمور الثلاثة : العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين، أية واحدة من هذه الخصال فعلتها أجزأت، فإذا لم تقدر على واحدة من هذه الأمور الثلاثة لا الإطعام، ولا الكسوة، ولا العتق، فإنها تصوم ثلاثة أيام لقوله سبحانه وتعالى : { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ } [ سورة المائدة : الآية 89 ] .
461- أنا مسلم سوداني أعمل حفارًا في الصحراء، كنت نذرت للرحمن صومًا ثلاثة أيام من كل شهر هجري، وكنت مواظبًا على هذا الصيام إلى أن التحقت بالعمل في الصحراء حيث إن طبيعة العمل شاقة، وصمت أيام شوال ووجدت فيها مشقة ولم أصم الأشهر الثلاثة أو الأربعة التي تلتها، فأرجو أن تدلوني عن كفارة ما هي أو البديل للصوم تحت هذه الظروف، وسبب النذر أنني قد طلبت من الله القدير أن يوفقني في مهنتي – والحمد لله – بمشيئته وفقت فصمت على الوفاء بالنذر ؟(96/4)
قال صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/233 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، وأنت نذرت أن تصوم إذا حصلت على مطلوبك، وقد تحصل المطلوب فوجب عليك الوفاء بالنذر، وقد ذكرت أنك بدأت بالوفاء وصمت عدة مرات، ولكن في أثناء عملك بالصحراء كان يشق عليك الصيام، نقول : يجب عليك أن تصوم ولو كنت في الصحراء ولو صار معه مشقة متحملة، فيجب عليك أن تواصل كل شهر، وتصوم منه ثلاثة أيام عملاً بالنذر، أما إذا بلغ الأمر إلى الخطورة بحيث لو صام لحصل عليه خطر من الهلاك فحينئذ يفطر ويقضي الأيام التي ترك صومها للعذر إذا استطاع قضاءها، والله أعلم .
462- بعد مرض زوجي نذرت أن أصوم سنة لوجه الله تعالى بعد شفائه من هذا المرض، والحمد لله فقد تحقق أملي بقدرة الله عز وجل، فشفي زوجي من مرضه، وأنا الآن مريضة، وقد منعني الطبيب من الصيام وحاولت أن أصوم مرات عديدة على الرغم من قول الطبيب، وأنا الآن لا أستطيع الصيام، فأرجو أن تقولوا لي هل يلزمني دفع مبلغ من النقود وكفارة عن هذا الصوم ؟ وهل أستطيع أن أدفعها لأحد من أقاربي المحتاجين وهل يمكن أن أصوم يومين في الأسبوع على قدر استطاعتي ؟ أفيدوني وفقكم الله ؟(96/5)
قال صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/233 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، وأنت نذرت إذا شفى الله زوجك أن تصومي سنة، وان الطبيب نهاك عن الصيام، فإن كانت السنة غير معينة فالصيام يبقى في ذمتك حتى تستطيعي، فإذا استطعت وزال عنك المانع فإنك تؤدين الصيام الذي نذرته، لأنه دين في ذمتك، فانتظري حتى يزول المانع وتصومي إن شاء الله، لأنك لم تعيني سنة معينة بعينها، بل سنة مطلقة فأي سنة تصومينها فإنها تجزئ مع الإطلاق ولا يجزئ أن تصومي يومين من كل أسبوع، لأنك نذرت سنة والسنة اثنا عشر شهرًا متتابعة، وإن كنت نذرت سنة معينة فلم تستطيعي صيامها فإنك تقضينها إذا استطعت، والله أعلم، وينبغي أن يعلم أن النذر كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ( لا يأتي بخير وإنما يستخرج به من البخيل ) [ رواه الإمام مسلم في " صحيحه " ( 3/1261 ) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما ] ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر (12) ، فالدخول في النذر مكروه، لأنه يلزم عليه الحرج، وأن الإنسان يكلف نفسه شيئًا لا يستطيع الوفاء به أو يشق عليه، فالإنسان قبل النذر لا ينبغي له أن ينذر، ولكن بعدما ينذر فإنه يتعين عليه الوفاء إذا كان نذره نذر طاعة، والله تعالى أثنى على الذين يوفون بالنذر فقال : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا } [ سورة الإنسان : آية 7 ] ، وقال : { وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ } [ سورة البقرة : آية 270 ] ، وقال تعالى : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } [ سورة الحج : آية 29 ] ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/233 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] .(96/6)
463- إنها قد أنجبت عدة بنات ولم تنجب ذكرًا فنذرت إن رزقها الله بمولود ذكر أن تزور قبر العباس كل عام، وبالفعل فقد رزقها الله بالمولود فهل يجوز الوفاء بنذرها ؟ أم ماذا يجب عليها نحوه ؟
هذا النذر لا يجوز الوفاء به، لأنه نذر معصية، لأن المرأة يحرم أن تزور القبور، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لعن الله زوارات القبور ) [ رواه الإمام أحمد في " المسند " ( 2/337 ) ، ورواه الترمذي في " سننه " ( 4/12 ) كلاهما بلفظ : " إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن . . " ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 1/502 ) ، بلفظ : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم " ، كلهم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وفي لفظ : ( لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج ) [ رواها الإمام أحمد في " المسند " ( 1/229 ) ، ورواها أبو داود في " سننه " ( 3/216 ) ، ورواها الترمذي في " سننه " ( 2/4 ) ، كلهم بلفظ : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلهم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ] زيارة القبور إنما هي مشروعة في حق الرجال فقط دون النساء فإذا نذرت المرأة أن تزور القبور أن تزور قبرًا معينًا فإنها لا يجوز لها الوفاء بهذا النذر، لأنه نذر معصية، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/233 ) ] .(96/7)
علاوة على أن زيارة قبور الأولياء والصحابة مثل العباس رضي الله عنه، يغلب أن مقصود الزائرين فيها الزيارة الشركية التي هي طلب المدد والعون من الموتى والتبرك بأضرحتهم هذه زيارة شركية والعياذ بالله، إنما الزيارة الشرعية هي التي يقصد منها الدعاء لأموات المسلمين والاعتبار بحال الموتى وتذكر الآخرة، قال صلى الله عليه وسلم : ( . . فزوروا القبور فإنها تذكر الموت ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 2/671 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وكان صلى الله عليه وسلم يعلمهم إذا خرجوا إلى المقابر فكان قائلهم يقول : ( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم للاحقون، أسأل الله لنا ولكم العافية ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 2/671 ) من حديث سليمان بن بريدة رضي الله عنه ] .
هذا هو القصد من زيارة القبور، أما أن يقصد منها التبرك بالأموات وطلب المدد وقضاء الحوائج منهم فهذه زيارة شركية، من فعلها فإنه قد أشرك الشرك الأكبر، وكذلك يشترط لزيارة القبور الزيارة الشرعية أن تكون بدون سفر لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى ) [ رواه الإمام البخاري في »صحيحه« ( 2/56 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، فلا يسافر الإنسان لبقعة من بقاع الأرض بقصد التبرك بها أو العبادة فيها، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وإنما شرع السفر للمساجد الثلاثة للصلاة فيها وعبادة الله فيها، لأنها مساجد الأنبياء، أما القبور فإنها لا يسافر لها لا قبور الأنبياء ولا قبور الأولياء ولا قبور الصالحين لا يسافر لها، وإنما يزورها الرجال خاصة بدون سفر، ويزورونها لما ذكرنا لما ذكرنا من الدعاء للأموات ( المسلمين ) ، والتراحم عليهم، والاعتبار بأحوالهم .(96/8)
464- كذلك ألا يجب أن تكون الزيارة بمعنى كلمة زيارة لا يكون فيها جلوس حول المقابر أو الصلاة حولها أو الأكل والشرب كما يُفعل ؟
كذلك الزيارة لابد أن تكون زيارة شرعية المقصود منها ما ذكرنا : الدعاء لأموات المسلمين والاعتبار بحالة الموتى وبدون سفر، وتكون للرجال خاصة، وأما ما يفعل زيادة على ذلك فهو إما من الشرك وإما من البدع، فالجلوس في المقابر وعمل الأطعمة فيها أو جلب الأطعمة إليها كل هذا من البدع ومن وسائل الشرك، والصلاة عندها هذا مما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم فقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم الذين يتخذون المساجد في القبور قال : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/90، 91 ) بنحوه، وانظر " صحيح الإمام مسلم " ( 1/377 ) ، كلاهما من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، ومعنى اتخاذها مساجد أن يصلى عندها سواء بني عليه مسجد أو لم يبن عليها مسجد، فالصلاة عند القبور ممنوعة، وإن كان المصلي لا يقصد بصلاته إلا الله عز وجل، لكن صلاته عند القبور هذا وسيلة إلى الشرك لأنه يزيد له الأمر إلى أن يعتقد في الموتى النفع والضر فيؤول هذا إلى الشرك والعياذ بالله، والنبي صلى الله عليه وسلم جاء بسد الطرق والوسائل المفضية إلى الشرك، وحَمَى حِمَى التوحيد .
465- ما هو المخرج من هذا النذر بالنسبة لها ؟
قلنا إنما يحرم عليها الوفاء بهذا النذر؛ لأن زيارة النساء للقبور محرمة، ولكن لو كفرت كفارة يمين يكون هذا أحوط لها، وكفارة اليمين : عتق رقبة، أو إطعام عشرة مساكين لكل منهم نصف صاع المعتاد، أو كسوتهم بأن تعطي كل مسكين ثوبًا يجزئه في صلاته على عدد العشرة، فإن لم تجد لا العتق ولا الطعام ولا الكسوة فإنها تصوم ثلاثة أيام .(96/9)
466- أحيانًا أقرر مثلاً أنني سوف أذكر الله سبحانه وتعالى كذا وكذا وأشكره كذا، وأحمده كذا، ولكن تأتي مشاغل تمنعني من فعل ذلك، فلا أستطيع أن أقوم بذلك، فهل يعتبر هذا من باب النذر ؟ وهل في عدم فعل ذلك إثم أم لا ؟ أفيدونا جزاكم الله كل خير .
قولك : ( أقرر ) إذا كان قصدك أنك تنوي أن تذكر الله سبحانه وتعالى وأن تعمل شيئًا من الطاعة مجرد نية وعزم فهذا لا يجب عليك شيء إلا أنه ينبغي إذا نويت فعل الخير أن تعمله، أما إذا كان قصد بقولك : ( أقرر ) أنك لفظت بذلك وقلت : لله عليَّ مثلاً أن أذكر الله أو أسبح الله وأن تصلي أو تستغفر كذا وكذا فهذا نذر طاعة يجب الوفاء به لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/233 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، وقوله تعالى : { يُوفُونَ بِالنَّذْرِ } [ سورة الإنسان : آية 7 ] ، وقوله تعالى : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } [ سورة الحج : آية 29 ] .
467- نذرت نذرًا أنني لو نجحت في إتمام الدراسة فسأعمل وليمة لزميلاتي، ولكن حصل لي ظروف أشغلتني عن عمل تلك الوليمة وتناسيتها أيضًا، وإلى حد الآن لم أعملها مع العلم أنني دائمًا أنذر أو أنوي ولا آتي بذلك، فما الحكم ؟
ما ذكرت السائلة من أنها نذرت إذا حصل لها مقصودها أن تعمل وليمة لزميلاتها، ولكنها لم تعملها إذا كان القصد منها عمل شيء مباح من الطعام والاجتماع للنساء، وليس فيها شيء من المنكرات، فهذا نذر عمل مباح تخير بين فعله أو كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإذا لم تقدر على واحدة من هذه الثلاثة فإنها تصوم ثلاثة أيام، أما إذا كان هذا الحفل يشتمل على محرم أو على منكرات فإنه لا يجوز الوفاء به، وعليها كفارة يمين كما ذكرنا، لأنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية وعلى الناذر له كفارة يمين عند بعض العلماء .(96/10)
468- كانت لسيدة بنت تتمتع بصحة تامة، وفجأة مرضت هذه البنت مرضًا شديدًا، فنذرت أمها إن كتب الله لبنتها الحياة أن تصلي ركعتين لوجه الله تعالى بعد كل فريضة من فروض الصلوات الخمسة مدى الحياة، وكان أن كتب الله لابنتها الشفاء والحياة، ووفت الأم بنذرها، ثم مرضت البنت مرة أخرى وانتقلت إلى رحمة الله، والسؤال هل تستمر الأم في الوفاء بنذرها ؟ أم أن النذر انتهى بموت البنت علمًا بأن الأم ما زالت تواصل الوفاء بنذرها باعتباره تطوعًا وصدقة لروح ابنتها المتوفاة ؟
الظاهر لي أن قصدها من النذر بقاء ابنتها على قيد الحياة، ولما شفيت من المرض الأول لزمها أن توفي بنذرها مدة حياة بنتها، لأنها نذرت أن تطيع الله عز وجل، ومن نذر أن يطيع الله فليطعه، إلا في وقت النهي فلا تصلي، أما لما مرضت وماتت فالذي يظهر لي أنها لا تستمر في النذر، لأنها قصدت بنذرها بقاء بنتها على قيد الحياة ولم تبق، فانتهى أمد النذر فيما أرى، إلا إذا كانت قصدت أنها تواصل الصلاة المنذورة ولو ماتت بمرض آخر فإنه يجب عليها المواصلة إذا كانت قصدت هذا .
469- نذرت جدتي أن تصوم شهر رجب مدى الحياة نذرًا خالصًا لله إن تحققت أمانيها، وبعد أن تحققت صامت كما نذرت إلى أن بلغت سنًّا يصعب معها الصيام ويشق عليها للمرض والكبر، فما الحكم في هذه الحالة ؟ وهل يلزمها الاستمرار أم تكفر وتعفى من هذا النذر ؟
يكره إفراد رجب بالصيام، فهذه المرأة التي نذرت أن تصوم شهر رجب نذرت نذرًا مكروهًا، وإذا نذر الإنسان شيئًا مكروهًا فالأولى أن لا يفعله، وأن يكفر كفارة يمين، بأن تعتق رقبة، أو تطعم عشرة مساكين، أو تكسو عشرة مساكين لكل مسكين نصف صاع من الطعام أو ثوب يجزيه في صلاته، فإن لم تقدر على واحدة من الثلاثة الخصال المذكورة فإنها تصوم ثلاثة أيام، هذا هو الأحسن لها من فعل النذر المكروه .(96/11)
470- أثناء الامتحانات نذرت إن نجحت أن أصوم سبعة أيام متتالية، وبعد أن وفقني الله ونجحت بدأت أصوم النذر، ولكنني لم أستطع مواصلة الأيام السبعة فصمتها متفرقة، فهل فعلي هذا صحيح أم يجب عليَّ إعادتها متتابعة ؟ وما العمل لو كنت لا أستطيع صيامها ؟
إذا نذر الإنسان صيام أيام متتابعة وجب عليه الوفاء بنذره، وأن يصوم هذه الأيام متتابعة لا يجوز له تفريقها لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/233 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، وهذا نذر طاعة، وما ذكرت السائلة من أنها صامت الأيام ولم تستطع المتابعة فيها، فهي إذا كان قطعها للتتابع لعذر كما ذكرت فلا حرج عليها .
471- لقد نذرت نذرًا أن أصوم خمسة أيام كلما أقوم بشرب سيجارة من الدخان، وكان ذلك من باب العزم على الامتناع عنه ورغبة مني في تركه إلى أن مرت الأيام والسنوات، ثم عدت إليه وشربته مرة أخرى، فتذكرت النذر وقمت وأديت الكفارة وصمت الخمسة الأيام التي نذرتها، فهل هذه الكفارة التي أديتها تكفي وتلغي النذر كالحلف ثلاثًا يقع مرة واحدة إذا كان عليَّ أمر واحد، أم أنه يلزمني أن أصوم عن كل سيجارة واجدة خمسة أيام كما نصصت في نذري، فإني شربت الآن الكثير، فإذا كان يلزمني عن كل سيجارة صيام خمسة أيام فمعناه أنني سأصوم أكثر من ألف يوم تقريبًا، وكيف أستطيع ذلك ؟ فما هو الحل ؟ وهل من مخرج من هذه الكفارة بالصدقة أو نحوها ؟(96/12)
ننصح السائل وغيره ممن ابتلوا بتناول الدخان أن يتوبوا إلى الله تعالى وأن يتركوا هذا الخبيث الذي يضرهم في دينهم ودنياهم وفي صحتهم وأبدانهم، لأنه ضرر محض لا فائدة فيه بوجه من الوجوه , وهو خبيث من الخبائث، والله تعالى يقول في وصفه نبيه : { وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ } [ سورة الأعراف : آية 157 ] ، ولا أحد في العالم حتى من الذين يتعاطون هذا الشيء يثبت أن فيه فائدة واحدة، بينما فيه أضرار كثيرة وأخطار عظيمة، والواجب على المسلم أن يكون عنده عزم وقوة على ترك ما حرم الله عليه، حتى وإن كان من أغلى الأشياء عليه، كيف وهو شيء تافه، وخبيث فإنه يجب على المسلم أن يتوب إلى الله منه، وأن يتركه حفاظًا على صحته وعلى ماله وعلى دينه، فإنه لا يأتي بخير، أما من ناحية النذر الذي نذرت أن تتركه وإذا شربته أن تصوم فأنت نذرت ترك محرم، وهذا واجب عليك، فالإنسان إذا نذر أن يترك المحرم فإنه يجب عليه الوفاء بنذره، لأنه إذا نذر الإنسان فعل واجب أو نذر ترك المحرم فقد تأكد عليه الوجوب، وأنت يجب عليك أن تتركه ولو لم تنذر فكيف وقد نذرت ؟ إذن يتعين عليك تركه نصيحة لنفسك ووفاء بنذرك، ومن يتق الله يجعل له مخرجًا، ويرزقه من حيث لا يحتسب، هذا الذي ننصحك به ولا نرى لك غيره أبدًا لا نرى لك أن تنقض اليمين، وأن تتعاطى هذا الدخان؛ لأنه جريمة وضرر، فعليك أن تتوب إلى الله، وأن تتركه وأن تمضي في عزيمتك، وأن تخلص نفسك من أضراره، ومن ترك شيئًا لله عوضه الله خيرًا منه؛ وما وقع منك من شربه بعدما نذرت تركه يوجب عليك كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو تحرير رقبة فإن لم تستطع فصم ثلاثة أيام، مع التوبة إلى الله من شربه ووجوب تركه .(96/13)
472- نذرت أن أحج عن أجدادي وجداتي وهم أربعة وقد حججت العام الماضي عن أحدهم وبقي عليَّ أن أحج عن الثلاثة الباقين، ونظرًا لظروفي المالية أجد نفسي غير قادر على أداء الحج عن الباقين الثلاثة فماذا يجب عليَّ في هذه الحالة ؟
نذر الحج نذر طاعة فيجب الوفاء به سواء نذره الإنسان لنفسه أو نذره لغيره من أقاربه أو إخوانه المسلمين، فإن النيابة في الحج لا سيما النيابة عن الوالدين والإخوة والأقارب نيابة صحيحة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/233 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، فيثبت في ذمتك هذا النذر حتى تستطيع أن تؤديه .
473- أخبرتني إحدى صديقاتي أن النذر حرام إذا كان الإنسان دعا الله أن يأتيه بالفرج من مشكلة يشكو منها كأن يقول المرء على سبيل المثال : اللهم إني نذرت صوم عشر يومًا إذا نجحت في مادة الرياضيات مثلاً ما صحة هذا الكلام ؟(96/14)
نعم الدخول في النذر لا ينبغي، فلا ينبغي للإنسان أن يلزم نفسه بشيء لم يلزمه الله به، لأنه بذلك يثقل على نفسه ويحرجها وقد جعله الله في سعة فلا ينبغي أن ينذر ولكن عليه أن يفعل الخير مهما استطاع بدون نذر، أما إذا نذر وألزم نفسه بشيء، وكان هذا الشيء طاعة لله سبحانه وتعالى من صيام أو صدقة أو حج أو عمرة أو غير ذلك من الأمور المشروعة، فإنه حينئذ يجب عليه الوفاء به، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 7/233 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( أوف بنذرك فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله ولا فيما لا يملكه ابن آدم ) [ رواه أبو داود في " سننه " ( 3/135 ) من حديث ثابت بن الضحاك رضي الله عنه ] ، لقوله تعالى : { وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ } [ سورة الحج : آية 29 ] ، فالوفاء بالنذر إذا كان نذر طاعة واجب على المسلم، لأنه التزم به وأوجبه على نفسه وقد أمره الله بالوفاء به وأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك .
فيجب عليك إذا نذرت الصيام معلقًا على حصول النجاح في الامتحان ثم نجحت أن تصومي ما نذرت من الأيام .(96/15)
19- كتاب الفتيا والقضاء والاجتهاد وبعض مسائل الأصول
474- ما الفرق بين القضاء والإفتاء ؟
إن القضاء هو بيان الحكم الشرعي مع الإلزام به، أما الإفتاء فهو بيان الحكم الشرعي دون الإلزام به .
وهذا يعني أن الطرفين يشتركان في بيان الحكم الشرعي، ويتميز القضاء بالإلزام والإفتاء بعدمه؛ ويقال : إن الإفتاء أخطر من القضاء، لأن الفتوى لا تقتصر على المستفتي بل يعمل بها غيره، وتصبح حينئذ منهجًا يؤخذ به، بخلاف القضاء الذي يقصر حكمه على المقضي عليه، ولا يسري على غيره .
وقيل : إنها أخطر من وجه آخر وهو أن الفتوى قد لا يكون لدى صاحبها الوقت لكي يتأمل قبل أن يفتي، الأمر الذي يؤدي إلى الإفتاء بالحال نظرًا للضرورة الملحة في طلب الجواب في حين يكون لدى القاضي وقت للتأمل؛ لأنه لا يطالب بالحكم لحظة ورود الخصومة إليه إضافة إلى أن بإمكانه تأجيل الحكم إلى وقت آخر ليمحص ويدرس قبل أن يصدر الحكم إلى وقت آخر، وهذا بخلاف الفتوى .
والبعض يقول : إن القضاء أخطر من الفتوى لأن به إلزامًا مع أنه قد يكون غير صواب، في حين أن الفتوى ليس بها إلزام، فالمستفتي يحق له أن يأخذ أو لا يأخذ بأن يلتمس من تطمئن إليه نفسه، ولكن ليس عن شهوة أو هوى، وإنما للتأكد من صحة الفتوى ومطابقتها لحكم الله، لذا قيل : إن القضاء أخطر من الفتوى .
475- ما هي أقسام المفتين ؟ وما حاجة المجتمع إلى الفتوى ؟
إذا رجعنا إلى كتب الأصول وجدنا أنهم يطلقون كلمة " المفتي " على " المجتهد المطلق " الذي يشترطون فيه شروطًا ثقيلة، وبلا شك رأس المفتين بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بدءًا من الصحابة رضوان الله عليهم إلى من جاء بعدهم ممن أفاء الله عليهم من نوره، ومَنَّ على قلوبهم بالحكمة .(97/1)
القسم الأول : المفتي بمعنى المجتهد المطلق الذي يستنبط الأحكام من أصولها استدلالاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا القسم توفرت عنده أدوات الاجتهاد مثل حفظ النصوص – نصوص الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم- ومعرفة لغة العرب التي بها أنزل القرآن الكريم . ومعرفة اجتهاد صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم والتابعين لهم .
ولا يعني هذا أن المجتهد المطلق لا يقلد غيره مطلقًا، بل قد يقلد في بعض المسائل كما ذكر الإمام الشافعي، وذلك إذا لم يجد الحكم في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فيأخذ بفتاوى الصحابة رضوان الله عليهم أو التابعين وينسب الفتوى لصاحبها ممن سبقه، ولكن السمة الغالبة على فتاوى هؤلاء الاستقلال في اجتهادهم .
القسم الثاني : هو المفتي على قواعد منهج معين، كأحد المذاهب الأربعة حيث يقوم أحد الأئمة بالإفتاء على ضوئها ويخرج عليها ما جدَّ عليه من مسائل، وهذا يسمى " مجتهد مذهب " لكنه لا يتقيد بأقوال صاحب المذهب كل التقيد، وإنما يستعمل قواعد مذهبه، ويستفيد منها في تخريج المسائل الجديدة ويفتي فيها .
القسم الثالث : مجتهد في أقوال إمام معين، لا حسب قواعد، وإنما يأخذ أقوال هذا الإمام ويجتهد في الترجيح بينها، ويأخذ منها ما ترجح لديه .
والفرق بين هذا والذي قبله أن الأول يأخذ القواعد ولا يلتزم بأقوال الإمام، وإنما يأخذ بقواعده فقط . والثاني يأخذ بأقوال الإمام ثم يقوم بعرضها على الأدلة، للتعرف على مأخذها وما يرجح منها، وإذا رجح لديه قول أفتى به .
القسم الرابع : مفت مهمته حفظ أقوال المذهب دون ترجيح، بل يحفظ أقوال إمامه وما قيل في المذهب دون مجهود أو مزية بترجيح قول على قول بل يفتي حسب أقوال إمامه واعتقاده أن القول مطابق للقضية المعروضة، مع أنه قد لا يكون كذلك؛ لأنه لم يستعمل ما استعمله الذي قبله من عرض الأقوال على أصولها ومعرفة الراجح منها .(97/2)
476- هل يجوز للإنسان أن يفتي وهو يجهل حتى اللغة العربية، والعام والخاص، والمطلق والمبين ؟
هذا لا يجوز أبدًا، هذا بلاء عم العالم الإسلامي حيث ظهر أناس عاميون يجعلون لأنفسهم مكتبات في بيوتهم يقرؤون فيها، ويخرجون على الناس بآراء وفتاوى لا يعرفون مصدرها ولا آثارها، لأن مثل هؤلاء قد يقرؤون الحروف ولا يفهمونها مثل العربي الذي يقرأ الحروف الأعجمية أو الأعجمي الذي يقرأ الحروف العربية، فكلاهما لا يفهم معانيها، وهذا ا>ى إلى تناولهم للأحاديث الشريفة ورواتها بالجرح والتصحيح وهم يجهلون ما يقولون، ومثل هؤلاء كالمجنون الذي جعل في يده سيفًا أو بندقية، وأخذ يهدد الناس أو مثل الذي يقود سيارة، وهو لا يتقن القيادة فيدخل بها إلى وسط الناس فهذا خطر شديد .
فالفقه شيء عظيم يجعله المولى عز وجل في قلوب من يشاء من عباده، وهو يحتاج إلى دراسة واعية ومثابرة، واجتياز مراحل دراسية حتى يصل الإنسان إلى هذا المنصب .
477- هل صحيح أن باب الاجتهاد قد أغلق منذ قرون، وأننا نعيش على اجتهادات عصور ماضية وكل ما نفعله هو أننا نعلق عليه أو نشرحه أو نفسر حواشيه ؟(97/3)
نعم لا شك أن الاجتهاد المطلق قد توقف منذ أمد بعيد بسبب عدم وجود المؤهلين له، وباب الاجتهاد لم يغلق بل هو مفتوح، ولكن أين الذين يدخلونه ؟ ! خاصة وأن الاجتهاد ليس بالأمر السهل حيث له شروطه ومقوماته وخواصه، ولابد له من مؤهلات تؤهل الإنسان أن يجتهد في استنباط الأحكام الشرعية، ومن لم تتوفر لديه المقدرة فإنه يقلد الأئمة السابقين، ويأخذ من رصيدهم ما ترجح بالدليل لقوله تعالى : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة النحل : آية 43 ] ، فالتقليد يكون في بعض الأحيان واجبًا إذا كان لا يستطيع الاجتهاد بنفسه، وليس عنده المؤهلات، فإنه يأخذ من أقوال الأئمة الذين يثق فيهم ليستفيد منهم، ويسير على ضوئهم، والله تعالى يقول : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] ، أما إذا كان الإنسان لا يملك شروط الاجتهاد ولا يأخذ بما قاله الأئمة والعلماء فهذا هو الضياع والفوضى .
478- ما مدى انطباق شروط وآداب الفتوى على المفتين ؟
قلنا : إن المفتي يجب أن يكون عالمًا بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وبقواعد الاستنباط ومدارك الأحكام وبراجح الأقوال ومرجوحها حسب عرضها على الأدلة .
أما الشروط التي ذكرها أهل العلم : أن يكون حافظًا أو عالمًا لأدلة الأحكام ومواقع الإجماع والاختلاف، ومعاني اللغة العربية التي نزل بها الشرع المطهر، والناسخ والمنسوخ والمطلق والمقيد إلى غير ذلك من الشروط فهي تطلب من المفتي " المجتهد المطلق " . ويجب توافر نفس الشروط في مجتهد المذهب أو مجتهد الأقوال الذي يأخذ بالقول الراجح .
كما يجب أن يكون ذات نية حسنة تقيًّا لا يحب الظهور أو الطمع في الدنيا، ولا يكون همه الاقتباس من أقوال العلماء ما يناسب هواه أو هوى الناس المستفتين أو من نصبه لفتوى، وغير ذلك من النزاعات الباطلة .(97/4)
بل يجب أن يكون قصده الوصول إلى الحق والنصيحة للخلق لإبراء ذمته أمام الله سبحانه وتعالى، لأنه إذا أفتى بيَّن حكم الله، لذلك يسمى بالموقع عن رب العالمين، وقد جاء في كتاب ابن القيم رحمه الله " إعلام الموقعين عن رب العالمين " أن المفتي إنما يقول : هذا حلال وهذا حرام، وينسب قوله إلى شرع الله عز وجل : { إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ } [ سورة النحل : آية 116 ] ، ويقول سبحانه وتعالى : { قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة الأعراف : آية 33 ] ، فجعل القول على الله بلا علم من أشد المحرمات .
كما أخبر المولى عز وجل أن القول على الله بغير علم يجعل المرء ممن يتبع الشيطان قال تعالى : { وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ . إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة البقرة : الآيتين 168، 169 ] .
فالمسألة عظيمة، والمنصب كبير، ولا بد للناس من مفت، وللمجتمعات من مرجع يرجعون إليه عند الحاجة، لأن الفتوى من ضرورات المجتمع المسلم، لكن على الإنسان الذي لا يجد في نفسه القدرة العلمية والكفاءة الدينية للقيام بأعباء هذا المنصب سواء كان رسميًّا أو اجتماعيًّا التنصل من هذا العمل العظيم .
479- ما صحة الحديث الذي يقول : " أجرؤكم على الفُتيا أجرؤكم على النار " (13) رواه الدارمي في سننه ( 1/69 ) من حديث عبد الله بن أبي جعفر، وهو تابعي . "؟ وما رأيكم في الفتوى في مجالس العوام ؟(97/5)
هذا القول لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هو قول كثير من السلف، حيث روي عن الصحابة رضوان الله عليهم أن الجرأة على الفتيا دلالة على عدم العلم وقلة الورع .
أما بالنسبة إلى الفتوى في المجالس العامة فلا يجوز لطالب العلم أن يخوض في المسائل الدقيقة عند العامة، وإنما يحدثهم بما تتحمله عقولهم، وتقبله أذهانهم حتى لا يدفعهم بمقالاته إلى أمور لا يصح عملها .
480- قلتم : إن بعض المجتهدين اتبع غيره، فما رأيكم في اتباع الإمام الشافعي رحمه الله ؟ وهل هذه المتابع تعتبر تقليدًا ؟
نعم هذا تقليد جزئي، ليس تقليدًا تامًّا، بل هو تقليد جزئي في بعض المسائل التي يستفرغ فيها المفتي جهده ولا يجد فيها حكمًا .
فالعالم إذا بذل جهده للوصول إلى الحكم من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فلم يتبين له، ووجد فتوى لمن يثق في علمه وتقواه، فلا بأس أن يأخذ بها .
فقد روي هذا عن الإمام الشافعي، وذكره ابن القيم عنه في " إعلام الموقعين " ، وهذا تقليد جزئي عند الضرورة .
481- هل يجوز لطلاب العلوم الشرعية أن يفتوا من استفتاهم ؟ وما التقليد المباح والمذموم ؟ وهل يجوز الخروج في بعض المسائل من المذهب الحنبلي إلى المالكي ؟ وكيف ؟
إذا كان في البلد من العلماء من يمكن الرجوع إليهم فليس من حق الطالب أن يفتي حتى ولو كان قد قطع مرحلة من التعليم، لأنه لم ينضج بعد .
أما في حالة الضرورة بحيث لا يكون في البلد من يفتيه، والمسألة تتطلب السرعة فعليه أن يفتيه بما يعلم من أقوال أهل العلم، قال تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } [ سورة التغابن : آية 16 ] .
أما التقليد المباح يكون للعامي، لأنه لو لم يقلد أهل العلم لضل الطريق، والمولى عز وجل يقول : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ } [ سورة النحل : آية 43 ] .
والتقليد لا يكون لأي شخص بل لمن يتصف بالعلم والورع ويعرفه الناس بذلك .(97/6)
وأما التقليد المذموم فهو لمن يستطيع معرفة الحكم، عليه أن يطلب الحق بدليله، لأنه قادر على ذلك، والله تعالى يقول : { إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة النحل : آية 43 ] ، فالذي يعلم لا يجوز له التقليد بل عليه أن يطلب حكم الله حسب اجتهاده ومقدرته لا يقلد في ذلك أحدًا .
وإن المذهب الحنبلي وغيره لا يلزم الإنسان بأخذ كل ما فيه من خطأ وصواب، بل عليه أن يأخذ كل ما قام عليه الدليل سواء كان من مذهب الإمام أحمد أو مالك، والذي يعرف الدليل والترجيح فلا يسعه الاقتصار على أقوال إمام معين بل يجب عليه أن يتحرى ما يقوم عليه الدليل، ولا تبرأ ذمته إلا بذلك .
أما الإنسان الذي لا يستطيع – وهذه حالة الضرورة – فيعمل حسب علمه ومعرفته، وإذا وجد من يستفتيه من أهل العلم والورع سأله حتى لا يبقى على علمه القليل .
482- هل مطالبة الأساتذة لطلابهم بالتدليل والتعليل والترجيح يعد من الاجتهاد ؟
للأساتذة الحق في مطالبة تلاميذهم في حدود ما أعطوهم، لأن من الحكمة التدرج في المنهج، وعدم تعديه إلا إذا دعت الضرورة إلى شيء من البيان أو التدليل أو الترجيح الخفيف، على الأستاذ أن يخفف المنهج في المرحلة الأولى ثم يوسع في الثانية ويوسع في الثالثة وهكذا .
أما أن يحملهم الفقه مرة واحدة فهذا لا يجوز، وللأسف هذه الظاهرة موجودة في بعض المدرسين اليوم، حيث يريد بعضهم أن يجعل الطلاب مجتهدين وهم لا يزالون في مرحلة طلب العلم، لذا عليه أن يعرف قدر نفسه، وأن يتدرج مع طلابه حسب المقرر، الذي يجب أن يوضع عن خبرة وممارسة بحيث تكون كل مرحلة أوسع مما قبلها وهكذا .
483- متى يلام الشخص الذي يقبل فتوى من شخص آخر ؟(97/7)
إذا كان الشخص المفتي ليس على المستوى العلمي، وليس على المستوى الديني، فالذي يأخذ فتواه يلام على هذا لأنه لا يصلح للفتوى، وهناك شروط يجب أن تجتمع في المفتي أهمها : العلم الذي يستطيع به الحكم على الأشياء، وتوافر تقوى الله سبحانه وتعالى بحيث لا يحابي أحدًا ولا يجامل أحدًا، فالمستفتي يجب عليه أن يختار أحسن من يجده علمًا ومخافة الله، وإذا عدل عن هذا إلى غيره ممن هو ليس أهلاً للفتوى فقد أخطأ، مثلاً إذا أخذ من الإنسان المتساهل في دينه، أو قليل البضاعة في العلم واستفتاه من أجل أن يحصل منه على فتوى تناسبه في الوقت الذي لم يذهب فيه إلى الشخص الذي توفرت فيه أصول الفتوى، فهذا يلام لأنه قصر، ولم يطلب الحق من مصدره الصحيح .
484- هل يجوز لمن كن يلتزم مذهبًا معينًا في عباداته أن يعدل عنه ويتمسك بمذهب آخر متى شاء ؟ أم أنه يلزم المسلم أن يتمسك بمذهب واحد حتى الممات ؟ وهل بين المذاهب الأربعة فرق في كيفية أداء الصلوات أم لا ؟ وما هي كيفية الصلاة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم ؟(97/8)
قضية التمذهب بمذهب هذه فيها تفصيل : الإنسان الذي عنده الاستطاعة لمعرفة الحكم من الأدلة واستنباط الحكم من الأدلة هذا لا يجوز له التمذهب بمذهب بل عليه أن يأخذ الحكم من الدليل إذا كان عنده الاستطاعة والمقدرة على ذلك، ولكن هذا نادر في الناس لأن هذا منصب المجتهدين من أهل العلم الذين بلغوا رتبة الاجتهاد، أما من لم يكن كذلك لا يستطيع أخذ الأحكام من الأدلة، وهذا هو الكثير والغالب على أحوال الناس لا سيما في هذه الأزمان المتأخرة، فإن هذا لا حرج عليه أن يتمذهب بأحد المذاهب الأربعة، وأن يقلد أحد المذاهب الأربعة، لكن ليس تقليدًا أعمى بأن يأخذ كل ما في المذهب من خطأ وصواب، بل عليه أن يأخذ من المذهب ما لم يتضح أنه مخالف للدليل، أما إذا اتضح أن هذا القول في المذهب مخالف للدليل فلا يجوز للمسلم أن يأخذ به، بل عليه أن يأخذ ما قام عليه الدليل ولو من مذهب آخر، فترك المذهب إلى مذهب آخر هذا إن كان طلبًا للدليل لمن يحسن ذلك، فهذا أمر طيب، بل هذا الواجب؛ لأن اتباع الدليل هو الواجب .
أما إذا كان الأخذ بمذهب في بعض الأحيان وبمذهب آخر في الحين الآخر، وهكذا ينتقل الإنسان من باب التشهي ومن باب طلب الرخص، فهذا لا يجوز يعني ما وافق هواه من أقوال أهل العلم أخذ به ولو كان خلاف الدليل، وما خالف هواه تركه ولو كان هو الذي يدل عليه الدليل هذا متبع لهواه، والعياذ بالله، فالتنقل من مذهب إلى مذهب بدافع التشهي وطلب الأسهل والرخص هذا لا يجوز، أما الانتقال من مذهب إلى مذهب طلبًا للدليل وفرارًا من القول الذي لا دليل عليه أو القول الخاطئ فهذا أمر مرغوب ومطلوب من المسلم، والله تعالى أعلم .(97/9)
وأما قضية الخلاف بين المذاهب الأربعة في الصلاة، فالمذاهب الأربعة – والحمد لله – متفقة على كثير من أحكام الصلاة في الجملة، وإنما الخلاف في بعض الجزئيات في الصلاة، فالخلاف إنما هو في جزئيات من الصلاة، منهم من يراها مثلاً مشروعة ومنهم من لا يراها مشروعة، ومنهم من يراها واجبة ومنهم من يراها مستحبة وهكذا، فالخلاف إنما هو في جزئيات في الصلاة أما أحكام الصلاة في الجملة فهذه لا خلاف فيها، والحمد لله .
وأما صفة الصلاة التي صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذه معلومة من سنته عليه الصلاة والسلام، وهي محفوظة ومشروحة في كتب السنة فعلى السائل وغيره من المسلمين أن يراجعوا ذلك، لا سيما الرجوع إلى كتاب " زاد المعاد " لابن القيم فإنه تحرى بيان الصفة التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها وشرحها من أول الصلاة إلى آخرها، وكذلك في رسالته المسماة »الصلاة« فإنه عقد بابًا لبيان صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من أولها إلى آخرها حتى كأنك تشاهده عليه الصلاة والسلام، فعلى المسلم أن يرجع إلى هذه الكتب .
485- هل يجوز التعصب المذهبي الذي يقتدي به الإنسان في أي حكم من أحكام الشريعة حتى لو كان في هذا مخالفة للصواب ؟ أم يجوز تركه والاقتداء بالمذهب الصحيح في بعض الحالات ؟ وما حكما لزوم مذهب واحد فقط ؟(97/10)
الذي عنده القدرة على الاجتهاد المطلق لا يجوز له التقليد، والذي لا يقدر يقلد من هو أعلم منه، والتمذهب بمذهب واحد من المذاهب الأربعة المعروفة التي بقيت وحفظت وحررت بين المسلمين والانتساب إلى مذهب منها لا مانع منه فيقال : فلان شافعي، وفلان حنبلي، وفلان حنفي، وفلان مالكي، ولا زال هذا اللقب موجودًا من قديم بين العلماء حتى كبار العلماء يقال مثلاً : ابن تيمية الحنبلي وابن القيم الحنبلي وما أشبه ذلك ولا حرج في ذلك، ومجرد الانتماء إلى المذهب لا مانع منه لكن بشرط أن لا يتقيد بهذا المذهب فيأخذ كل ما به سواء كان صوابًا أو خطأ، بل يأخذ منه ما كان صوابًا، وما علم أنه خطأ لا يجوز له العمل به، وإذا ظهر له القول الراجح فإنه يجب عليه أن يأخذ به سواء كان في مذهبه الذي ينتسب إليه أو في مذهب آخر؛ لأن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد، القدوة هو رسول الله صلى الله عليه وسلم فنحن نأخذ بالمذهب ما لم يخالف قول الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا خالفه يجب علينا أن نتركه وأن نأخذ بالسنة، ونأخذ بالقول الراجح المطابق للسنة من أي مذهب كان من مذاهب المجتهدين، أما الذي يأخذ بقول الإمام مطلقًا سواء كان خطأ أو صوابًا يعتبر تقليدًا أعمى، وإذا كان يرى أنه يجب تقليد إنسان معين غير الرسول صلى الله عليه وسلم فهذا ردةٌ عن الإسلام، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : من قال : إنه يجب تقليد شخص بعينه غير رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه لا أحد يجب اتباعه إلا محمدًا صلى الله عليه وسلم، أما ما عداه من الأئمة المجتهدين رحمهم الله فنحن نأخذ بأقوالهم الموافقة للسنة، أما إذا أخطأ المجتهد في اجتهاده فإنه يحرم علينا أن نأخذ بالخطأ .(97/11)
486- هل لا بد للإنسان أن ينهج في عبادته منهجًا واحدًا في كل شيء ؟ أم ليس عليه شيء إن أخذ من كل المذاهب أو بعضها فيما يراه أكثر أجرًا أو أيسر لدينه ودنياه ؟
هذا يختلف باختلاف الناس فالعامي والمبتدئ في التعلم، هؤلاء لا يسعهم إلا أن يقلدوا أحد المذاهب الأربعة التي هي مذاهب أهل السنة .
وأما بالنسبة للمتعلم الذي عنده المقدرة على معرفة الراجح من المرجوح من أقوال أهل العلم فهذا يجب عليه أن يأخذ ما قام عليه الدليل من أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم، إذا كان عنده المقدرة على معرفة الراجح من المرجوح ومعرفة الدليل الذي ينبني عليه القول فهذا يجب عليه أن يعمل بالدليل؛ لأن عنده المقدرة على ذلك، فالناس يختلفون في هذا ليسوا على وتيرة واحدة، فالتقليد لا يحرم مطلقًا ولا يجب مطلقًا بل كلٌّ على حسب حاله، والله عزَّ وجل يقول : { فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ } [ سورة النحل : آية 43 ] ، على أنه لا يجوز للإنسان أن يأخذ من أقوال العلماء ما وافق هواه أو رغبة نفسه فيتتبع الرخص ويتتبع الأقوال السهلة التي ليس عليها دليل لأنها تلائم هواه ورغبته، هذا لا يجوز، وإنما يختار ما قام عليه الدليل ولو خالف هواه ورغبته .
487- ما الذي يبين أو يثبت أن هذا الشيء خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم ؟
الأصل أن ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم عام له وللأمة؛ إلا ما دل الدليل على اختصاصه به صلى الله عليه وسلم، فالخصوصية لا بد لها من دليل، والله أعلم، لقوله تعالى : { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [ سورة الأحزاب : آية 21 ] .
488- هل شريعة مَنْ قبلنا تعتبر شريعة لنا أم لا ؟(97/12)
هذه مسألة أصولية، الصحيح فيها أن شريعة من قبلنا شريعة لنا، ما لم يرد شرعنا بخلافها . فما ذكره الله سبحانه وتعالى في الشرائع السابقة ولم يرد في شرعنا ما ينسخه فإنه شرع لنا، هذا هو الصحيح في المسألة . والله أعلم .
489- هل العقد على البنات يحرم الأمهات، والدخول بالأمهات يحرم البنات ؟ نرجو إفادتنا عن صحة هذه القاعدة أفادكم الله ؟
هذه القاعدة صحيحة ومأخوذة من قوله تعالى : { وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ } [ سورة النساء : آية 23 ] ، فالآية الكريمة أفادت أن أم الزوجة تحرم بمجرد العقد على بنتها، وأن بنت الزوجة لا تحرم إلا بشرط الدخول بأمها .
490- ما تفسير قول الله تعالى : { وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ } [ سورة الشورى : آية 38 ] ؟ وهل يمكن تطبيق هذه الآية في عصرنا الحاضر ؟ وكيف يكون ذلك ؟ أفتونا وفقكم الله .
الآية الكريمة فيها ثناء من الله سبحانه على المؤمنين المتصفين بصفاتٍ منها : أنهم يتشاورون بينهم في الأمور المهمة، التي يخفى فيها وجه الصواب، وذلك من أجل التعاون على الوصول إلى ما فيه الخير العام والخاص، ولما في ذلك من تآلف القلوب واجتماع الكلمة، ولما في ذلك من التواضع ولين الجانب للمؤمنين .
قال الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ } [ سورة آل عمران : آية 159 ] .
والعلم بالشورى مشروع للمسلمين في كل وقت في هذا العصر وفي غيره، ولكن تكون الشورى في الأمور المهمة التي يخفى فيها وجه الصواب، ويكون المستشار من أهل الرأي والمعرفة .(97/13)
491- إذا وقعت خصومة بين اثنين وطلب أحدهما بإحضار بينة فهل هناك شروط معينة يجب توفرها فيمن يؤدي الشهادة لصالح أحد أو ضده ؟
نعم يجب في الشاهد أن يكون عدلاً فلا تصح شهادة الفاسق؛ لأن الله تعالى يقول : { وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } [ سورة النور : آية 4 ] ويقول جل وعلا : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } [ سورة الحجرات : آية 6 ] فالفاسق لا تقبل شهادته ويشترط أن يكون الشاهد عالمًا بما يشهد به قال تعالى : { إِلا مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } [ سورة الزخرف : آية 86 ] وقال تعالى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ سورة الإسراء : آية 36 ] فإذا كان الإنسان عنده علم مما يشهد به ويقين فليشهد .
أما مجرد الشكوك فلا يجوز أن يشهد بها الإنسان . ومن باب أولى تعمد الكذب في الشهادة فهو شهادة زور وهي من كبائر الذنوب وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله، قال : الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وجلس وكان متكئًا فقال : ألا وقول الزور فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/152 ) من حديث عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه رضي الله عنه ] والله تعالى يقول : { فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ } [ سورة الحج : آية 30 ] فقرن قول الزور مع الشرك بالله عز وجل .
492- ما حكم من أعطى إنسانًا شهد له بحق أو ساعده في قضية صحيحة فأعطاه مبلغًا من المال، علمًا بأن الشاهد أو الذي ساعده على الحق لم يشترط أي شيء ؟(97/14)
أما الشهادة فلا يجوز أخذ العوض عنها؛ لأن أداء الشهادة يجب على من هي عنده لله سبحانه وتعالى لأجل بيان الحق وإزالة الظلم قال تعالى : { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ } [ سورة النساء : آية 135 ] ، وقال تعالى : { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [ سورة الطلاق : آية 2 ] لا لأجل مطمع دنيوي، وقال تعالى : { وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ } [ سورة البقرة : آية 283 ] فالذي عنده شهادة بحق يجب عليه أداؤها إذا احتيج إليها وطلبت منه بدون مقابل وبدون أخذ عوض لأن هذا عبادة أمر الله تعالى بها في قوله : { وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ } [ سورة الطلاق : آية 2 ] وقوله : { كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ } [ سورة النساء : آية 135 ] .
وأما من أعانك في خصومة أو في قضية فهذا إذا كان أعانك بمعنى أنه خاصم عنك وتولى الخصومة وكيلاً عنك ونائبًا عنك فلا مانع أن تعطيه شيئًا من المال مقابل تعبه ومن ذلك ما يتقاضاه المحامون في القضايا الذين ينوبون عن المدعين ويخاصمون عنهم ويذهبون ويجيئون فيأخذون مقابل أتعابهم، لأنهم وكلاء لمن له قضية .
493- بعض الناس حينما يريد استخراج حفيظة نفوس أو بطاقة الأحوال يكتب في مهنته بأنه متسبب وهو موظف حكومي ويأتي بشهود يشهدون على ذلك مع علمهم بأن صاحبهم موظف وليس متسببًا، فهل هذا العمل جائز وهل تعتبر الشهادة من شهادة الزور ؟
إذا كان هناك فرق في استخراج الحفيظة بين المتسبب والموظف بموجب النظام فإنه لا يجوز التمويه بل يجب بيان الحقيقة ولا يجوز للشهور أن يشهدوا بخلاف الواقع، لأن هذا من شهادة الزور ومن الاحتيال الباطل .(97/15)
والواجب على المسلم الصدق وقول الحق في حق الصاحب والعدو . قال الله تعالى : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقَيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا } [ سورة النساء : آية 135 ] وتجب طاعة ولي الأمر في النظام الذي لا يخالف الشريعة ولا يجوز الاحتيال عليه ومخالفته .(97/16)
20- كتاب الجامع للأحكام
494- ما مدى صحة هذا الحديث وما معناه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم : ( من سره أن يبسط له رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 3/8 ) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ] ؟ وكيف يكون الجمع بين هذا وبين الحديث الذي يفيد أن الإنسان منذ أن يتم خلقه في بطن أمه يكتب له رزقه وأجله وشقي أم سعيد ؟
الحديث الذي سألت عنه حديث صحيح، ومعناه أن الله سبحانه وتعالى وعد من يصل رحمه أن يثيبه وأن يجزيه بأن يطيل في عمره، وأن يوسع له في رزقه جزاءً له على إحسانه، وهذا من فضله سبحانه وتعالى أنه يجازي المحسن بإحسانه : { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ } [ سورة الرحمن : آية 60 ] .
ولا تعارض بين هذا الحديث وبين الحديث الذي فيه أن كل إنسان قد قدر أجله ورزقه وهو في بطن أمه، لأن هناك أسبابًا جعلها الله أسبابًا لطول العمر وأسبابًا للرزق، فهذا الحديث يدل على أن الإحسان وصلة الرحم سبب لطول الأجل وسبب لسعة الرزق، والله جل وعلا هو مقدر المقادير ومسبب الأسباب، هناك أشياء قدرها الله سبحانه وتعالى على أسباب ربطها بها ورتبها عليها إذا حصلت مستوفية لشروطها خالية من موانعها ترتبت عليها مسبباتها قضاءً وقدرًا وجزاءً من الله سبحانه وتعالى، فلا تعارض – والحمد لله – بين هذين الحديثين، وهكذا كل كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يتعارض ولا ينقض بعضه بعضًا أبدًا .
495- ما صحة الحديث القائل : " الولد وماله لأبيه " ؟ وإذا كان مهرًا لابنته فهل ينطبق هذا الحديث عليه كذلك ؟(98/1)
نعم الحديث صحيح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أنت ومالك لأبيك ) [ رواه الإمام أحمد في " المسند " ( 2/204 ) ، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/287 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/769 ) ، كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ] ، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وإن ولده من كسبه ) [ رواه الإمام أحمد في " مسنده " ( 6/31 ) ، ورواه النسائي في " سننه " ( 7/240، 241 ) ، ورواه ابن ماجه في " سننه " ( 2/723 ) ، ورواه الدارمي في " سننه " ( 2/321 ) بنحوه، ورواه أبو داود في " سننه " ( 3/287 ) ، كلهم من حديث عائشة رضي الله عنها إلا أبا داود فهو من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رضي الله عنهم ] ، فيجوز للوالد أن يمتلك ويأخذ من مال ولده ما لا يضر الولد ولا يحتاجه الولد، ومن ذلك أن يأخذ الأب من مهر ابنته، لأنه داخل في العموم، فللوالد أن يأخذ من مهر ابنته ما لا يضرها أو تحتاج إليه، فإن تعلقت به حاجتها أو كان أخذه لشيء منه أو أخذه كله يضر بها فلا يجوز للأب حينئذ، والله تعالى أعلم .
496- شخص قاطع للرحم ويدعو الله دائمًا أن يجعله واصلاً مع العمل على الوصل والمحاولة الشديدة، وخاصة أن هذا التقاطع في نفس البيت فهل يجوز له الدعاء مع المحاولة أو ينطبق عليه قول الله تعالى : { إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } [ سورة الرعد : آية 11 ] .
صلة الرحم لا يكفي فيها الدعاء بأن يدعو الإنسان الله أن يوفقه لصلة رحمه، بل لا بد من الصلة بالفعل، فالإنسان يصل رحمه فعلاً مع الاستطاعة ويدعو الله أن يعينه على ذلك وأن يثبته على ذلك في المستقبل .(98/2)
أما إذا كان قاطعًا لرحمه، وهو يدعو الله أن يهديه لصلة الرحم، فهذا لا يكفي ولا يبرئ ذمته، لأن قطيعة الرحم كبيرة من كبائر الذنوب والعياذ بالله، وعليها وعيد شديد، وعلى الإنسان أن يصل رحمه ولو أساءت إليه أو قطعته، فإن حقها لا يسقط عنه لقوله تعالى : { وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ } [ سورة الإسراء : آية 26 ] ، والله جعل للقرابة حقًّا من جملة الحقوق العشرة في قوله تعالى : { وَاعْبُدُواْ اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى } [ سورة النساء : آية 36 ] .
فالواجب على المسلم أن يصل رحمه بما يستطيع بالمال والسلام والزيارة وغيرها من أنواع الصلة التي تطيب خواطرهم والتي فيها نفع لهم ودفع لحاجتهم عند الحاجة إليه .
497- يسكن بجوارنا أناس منذ مدة طويلة وأنا أعتبرهم كأهلي لطول معاشرتهم لنا فهل يجوز لي مصافحة نسائهم ؟(98/3)
المجالسة مع أفراد الجيران لا تصيرهم إخوة من حيث إباحة النظر والمحرمية، لأنهم أجانب ولا تبيح الاختلاط بين الرجال والنساء الأجانب وترك الحجاب وإن كانوا جيرانًا طيبين، ولا تبيح أن يصافح الرجل النساء اللاتي ليس من محارمهن، ويجب عزل النساء عن الرجال الذين ليسوا من محارمهن ويجب على النساء الحجاب الكامل منهم، قال تعالى : { قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ . وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ } [ سورة النور : الآيتين 30، 31 ] .
498- بعض الناس إذا قدم على جماعة فلا يسلم عليهم بتحية الإسلام بل يسلم بكلام عامي قد يكون ثابتًا عندهم، فما حكم الشرع في ذلك ؟
هذا من الجهل أو التهاون، والذي يحمل بعض الناس على هذا إما جهل منهم بالأمر المشروع، وإما تهاون وعدم مبالاة، وكلاهما مذموم لكن الجهل أهون من التهاون، لأن الجاهل إذا عُلِّم يسير على الطريق الصحيح، لكن البلاء بالتهاون .
ولهذا ننصح إخواننا الذين اعتادوا على هذا أن يدعوه وأن يبدءوا بالتحية المشروعة أولاً، ثم يحيوا ثانيًا فيقول إذا دخل على الناس أو أقبل عليهم : السلام عليكم، ثم يحييهم بما يناسب من التحيات الغير ممنوعة .(98/4)
وكذلك أيضًا إذا دخل أحد على شخص وسلم عليه السلام المشروع فإنه لا يكتفي بقوله : أهلاً ومرحبًا أو حياك الله، أو ما أشبه هذا، فإن ذلك لا يجزئه، بل هو آثم به إذا اقتصر عليه، يعني إذا قال قائل : السلام عليكم، فالواجب أن ترد عليه بقولك : عليك السلام أو وعليك السلام أو عليكم السلام بالجمع أو وعليكم، أما إن اقتصرت على قولك : أهلاً ومرحبًا وما أشبه ذلك فإنك لم تأت بالواجب عليك من رد السلام لقوله تعالى : { وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا } [ سورة النساء : آية 86 ] .
والذي يجيب المسلِّم القائل : السلام عليكم بقوله : أهلاً ومرحبًا حياك الله لم يكن حيا بأحسن مما حيي به ولا رد، ووجه ذلك أن قول المسلِّم : السلام عليكم : دعاء بأن يسلمك الله من جميع الآفات : آفات الدنيا، وآفات الآخرة، وهو أيضًا سلام وأمن فهو سلام وإخبار بالسلام والأمن .
وأنت إذا قلت حياك الله أو أهلاً ومرحبًا لم تأت بمثله من الدعاء، وغاية ما هنالك أنك حييته بهذه التحية وهو قد حياك ودعا لك وأمنك، ففي قوله : السلام عليكم تحية ودعاء وتأمين، وفي قولك : مرحبًا وأهلاً مجرد تحية فقط، لهذا يجب التنبه لهذه المسألة وأن يرد الإنسان السلام بمثله أولاً، ثم بالتحية المباحة ثانيًا .
499- هل هناك مانع شرعي في رد السلام على المرأة في الهاتف أو بدونه ؟ أو رد المرأة السلام على الرجل في الهاتف ؟(98/5)
لا بأس برد الرجل السلام على المرأة في الهاتف وغيره، ورد المرأة السلام على الرجل كذلك مع أمن الفتنة، وذلك لعموم أمره صلى الله عليه وسلم برد السلام (14)، وكذلك لا بأس بالمكالمة الهاتفية بين الرجل والمرأة في حدود الحاجة، أما المكالمة المريبة والمكالمة التي يخشى منها الفتنة، فإنها لا تجوز، لأنها وسيلة إلى الحرام، والله تعالى يقول : { فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ } [ سورة الأحزاب : آية 32 ] .
500- نحن أربعة أيتام ولنا ثلاثة أعمام جميعهم أحياء يرزقون، ومنهم اثنان غير موجودين في الوطن، وأكبرهم سنًّا موجود وقد أخذ واستولى على جميع ممتلكات أخويه الاثنين الغائبين من الأطيان وغيرها ولا يعطينا منها شيئًا ونحن أولاد أخيه الأصغر أربعة أيتام، وقد بلغنا رشدنا، وقد رفض أن يعطينا شيئًا من ممتلكات أعمامنا بحجة أنه أخوهم فهل لنا شرعًا مطالبته بإعطائنا جزءًا من أراضي أعمامنا أم لا ؟ وهل له هو حق التصرف فيها ؟
أعمامكم الغائبين ماداموا على قيد الحياة فالأملاك لهم لم تنتقل عن ملكيتهم، ولا لعمكم استحقاق فيها وليس لكم أنتم أيضًا فيها استحقاق، لأنها ملك لأصحابها؛ إلا إذا كانوا وهبوها لأخيهم أو أذنوا له أن ينتفع بها فلا بأس بذلك، وتكون هبة إذا كانوا وهبوبها له أو ينتفع بغلتها إذا كانوا أباحوا له ذلك، ولا يلزمه أن يعطيكم إلا إذا كان أصحاب الأراضي وهبوا لكم شيئًا منها أو من غلتها، أما إذا لم يهبوا لكم شيئًا منها ولا من غلتها فليس لكم فيها استحقاق .
الحاصل أن الأملاك باقية على ملك أصحابها ولو كانوا غائبين وليس للحاضر من إخوتهم أن يتملكها إلا بإذنهم، وكذلك ليس له أن يستغلها إلا بإذنهم فما سمحوا به له جاز وما لم يسمحوا به فهو على ملكهم .(98/6)
501- ما مدى صحة الحديث القائل : ( المؤمن القوي خيرٌ وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف ) [ رواه مسلم في " صحيحه " ( 4/2052 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ؟ وإن كان صحيحًا فما معناه ؟ وفي أي شيء تكون القوة ؟
الحديث صحيح رواه الإمام مسلم في " صحيحه " (15)، ومعناه : أن المؤمن القوي في إيمانه، والقوي في بدنه وعمله خيرٌ من المؤمن الضعيف في إيمانه أو الضعيف في بدنه وعمله، لأن المؤمن القوي ينتج ويعمل للمسلمين وينتفع المسلمون بقوته البدنية وبقوته الإيمانية وبقوته العملية ينتفعون من ذلك نفعًا عظيمًا في الجهاد في سبيل الله، وفي تحقيق مصالح المسلمين، وفي الدفاع عن الإسلام والمسلمين، وإذلال الأعداء والوقوف في وجوههم، وهذا ما لا يملكه المؤمن الضعيف، فمن هذا الوجه كان المؤمن القوي خيرًا من المؤمن الضعيف، وفي كلٍّ خير كما يقول النبي صلى الله عليه وسلم، فالإيمان كله خير المؤمن الضعيف فيه خير، ولكن المؤمن القوي أكثر خيرًا منه لنفسه ولدينه ولإخوانه المسلمين، فهذا فيه الحث على القوة، ودين الإسلام هو دين القوة ودين العزة ودين الرفعة دائمًا وأبدًا يطلب من المسلمين القوة، قال الله سبحانه وتعالى : { وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } [ سورة الأنفال : آية 60 ] ، وقال تعالى : { ولِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ } [ سورة المنافقون : آية 8 ] ، وقال تعالى : { وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } [ سورة آل عمران : آية 139 ] ، فالقوة مطلوبة في الإسلام : القوة في الإيمان والعقيدة، والقوة في العمل، والقوة في الأبدان، لأن هذا ينتج خيرًا للمسلمين .
502- ما هي الحجامة ؟ وما حكمها ؟ وهل فعلها ينقض الوضوء ويفطر الصائم أم لا ؟(98/7)
الحجامة نوع من العلاج، وهي استخراج الدم بواسطة المحجم، وهي تفطر الصائم على الصحيح من أقوال العلماء، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) [ رواه الإمام أحمد في " المسند " ( 2/364 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، ورواه الترمذي في " سننه " ( 3/118 ) من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه ] ، فالحجامة تفطر الصائم على الصحيح لهذا الحديث، وكذلك هي تنقض الوضوء إذا خرج بها دم كثير .
503- نحن عشرة إخوة تتدرج أعمارنا إلى تسع عشرة سنة، ونعيش مع والدنا ووالدتنا في مسكن واحد، ونحن – والحمد لله – متمسكون بالدين الحنيف، فنصلي فروضًا ونوافل، ونصوم فرضًا وتطوعًا، ولكن مشكلتنا والدنا الذي يسيء معاملتنا في البيت، فهي أشبه بمعاملة البهائم إن لم تكن أسوأ، بالرغم من أننا نوقره كل التوقير ونحترمه جل الاحترام، ونهيئ له كل وسائل الراحة والهدوء، ولكنه مع ذلك يعاملنا ووالدتنا أسوأ معاملة، فلا ينادينا إلا بأسوأ الحيوانات، ودائمًا يدعو علينا وينتقدنا في كثرة تمسكنا بالدين، وإلى جانب ذلك كثيرًا ما يغتاب الناس ويسعى بالنميمة بينهم، ويفعل هذه الأفعال مع صلاته وصيامه، فهو محافظ على الصلوات المفروضة في المساجد، ولكنه لم يقلع عن هذه العادة السيئة حتى سبب لنا ولوالدتنا الضجر والضيق، فقد سئمنا صبرًا وأصبحنا لا نطيق العيش معه على هذه الحالة، فما هي نصيحتكم له ؟ ونحن ماذا يجب علينا نحوه جزاكم الله خيرًا ؟
أولاً : يجب على الوالد أن يحسن إلى أولاده ويستعمل معهم اللين في وقته، والشدة في وقتها، فلا يكون شديدًا دائمًا، ولا يكون لينًا دائمًا، بل يستعمل لكل وقت ما يناسبه، لأنه مُربٍّ ووالد، فيجب عليه أن يستعمل مع أولاده الأصلح، دائمًا وأبدًا، إذا رأى منهم الإحسان لا يشتد عليهم، وإذا رأى منهم الإساءة يشتد عليهم بنسبة تردعهم عن هذه الإساءة، ويكون حكيمًا مع أولاده .(98/8)
هذا هو الواجب عليه، فلا يقسو عليهم بما ينفرهم، ولا يشتد عليهم من غير موجب ومن غير مبرر، بل يحسن أخلاقه معهم، لأنهم أولى الناس بإحسانه وعطفه، وحتى ينشئوا على الدين والخلق والعادات السليمة .
أما إذا نفرهم بقسوته وغلظته المستمرة فإن ذلك مدعاة لأن ينفروا منه وأن ينشئوا نشأة سيئة، فالواجب على الأب أن يلاحظ هذا مع أولاده، لأنهم أمانة عنده وهو مسئول عنهم، وكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته .
أما واجبكم نحوه : الإحسان والصبر على ما يصدر عنه، هو والدكم وله الحق الكبير عليكم وأنتم أولاده، الواجب أن تحسنوا إليه، وأن تصبروا على ما يصدر منه من قسوة فإن ذلك مدعاة لأن يتراجع، وأن يعرف خطأه، والله تعالى أعلم .
504- هل يجوز قيادة المرأة للسيارة عند حاجتها وعدم وجود محرم لها لتلبية طلباتها الضرورية بدلاً من الركوب مع السائق الأجنبي ؟ جزاكم الله خيرًا ؟
قيادة المرأة للسيارة لا تجوز، لأنها تحتاج معها إلى كشف الوجه أو كشف بعضه، ولأنها تحتاج في قيادة السيارة إلى مخالطة الرجال فيما لو تعطلت سيارتها أثناء السير أو حصل عليها حادث أو مخالفة مرورية، ولأن قيادتها للسيارة تمكنها من الذهاب إلى مكان بعيد عن بيتها وعن الرقيب عليها من محارمها، والمرأة ضعيفة تتحكم فيها العواطف والرغبات غير الحميدة، وفي تمكينها من القيادة إفلات لها من المسئولية والرقابة والقوامة عليها من رجالها، ولأن قيادتها للسيارة تحوجها إلى طلب رخصة قيادة وهذا يحوجها إلى التصوير، وتصوير النساء حتى في هذه الحالة يحرم لما فيه من الفتنة والمحاذير العظيمة .(98/9)
505- كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن المستوصفات والأسواق النسائية الخاصة، وقد شمل هذا الحديث نجاحها وفشلها، ولماذا لم تصل إلى درجة التعميم في كل مكان ؟ ولا شك أن هذه الأفكار تحتاج إلى دعم من طلبة العلم لمساندة هذه المشاريع الخيرية التي يحتاجها كل مجتمع مسلم، نريد من فضيلتكم التعليق على المستوصفات النسائية الخاصة ؟ ومعالجة المرأة عند الطبيب الرجل ؟ وما واجب كل مسلم تجاه هذه الأعمال ؟
لا ينبغي لمن فتح مستوصفات نسائية أن يصعب من تكاليف الفحص والعلاج، فبأسعار معقولة نشجع المواطنات على اللجوء إلى هذه المستوصفات، أما رفع الأسعار فهو يسبب صدود النساء المسلمات عن اللجوء لهذه المستوصفات رغم حاجتهن الماسة للعلاج، ورغبتهن في التعامل مع مستوصفات نسائية، علينا تشجيع المرأة المسلمة على ارتياد المستوصفات النسائية بوضع لوائح مالية ميسرة تشجعهن على ذلك .
إننا لا نمانع في علاج المسلمة عند طبيب، خاصة لو كان أستاذًا متمكنًا مشهودًا له بالصلاح والأخلاق والمهارة أيضًا، فنحن نثق في أطبائنا، لكن بشرط ألا تكون هناك طبيبة في نفس مستواه العلمي، أو بسبب خطورة حالة المريضة التي يخشى عليها من الهلاك، أو تفاقم المرض أو الضرر العظيم لو تركت بدون علاج، في هذه الحالة يجوز أن يعالجها طبيب بشرط ألا يكشف من جسمها إلا بقدر حاجة الفحص، ونشترط أيضًا أن يكون الطبيب المعالج مسلمًا مشهودًا له بالتقوى، وفي كل الحالات التي تضطر المسلمة لعيادة طبيب لا يصح الفحص والعلاج إلا بوجود أحد محارمها، والمستوصفات النسائية ظاهرة إسلامية جديرة بالرعاية .
506- لوحظ في الفترة الأخيرة عدم وجود كلمة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في بطاقات الدعوة للأفراح والمناسبات، ونعلم أن الشيء ما لم يذكر فيه اسم الله فهو أبتر، فما رأي فضيلتكم في ذلك ؟(98/10)
لا يلزم أن تكتب ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في بطاقات الدعوة والإعلانات، بل ربما يكون عدم كتابتها فيها أنسب، لأنها تطرح وتمتهن، وإنما تشرع كتابة ( بسم الله الرحمن الرحيم ) في الأشياء التي تحترم ولا تمتهن .
507- لدي قطيع من الأغنام، وفي يوم من الأيام رجعت هذه الأغنام إلى حظيرتها وإذا بينها عدد لا نعرف لمن هي، وقد مضى على هذه الحادثة أكثر من خمس سنوات وهذا العدد قد تزايد وتوالدت فهل لي ملك التصرف بها ؟ علمًا أننا في أول الأمر لم نعرف لمن وسألنا ولم نعثر على صاحبها ؟
الغالب في الأغنام أن يكون صاحبها قريبًا ومعروفًا والأغنام يكون عليها وسم، والواجب أن تعلن عنه حتى يعلم صاحبها أين هي، فإن كنت قد ناديت عليها وأعلنت عنها لمدة خمس سنوات ولم يأت صاحبها فلو أنك بعتها وتصدقت بثمنها على نية أنها لصاحبها، وإذا جاء صاحبها تغرم له قيمتها إذا فعلت هذا، فلا بأس، لكن يجب الاحتياط وهذا ليس بالشيء السهل يغفل عنه، فالواجب أن تحتاج وأن تنادي عليها، والأمر في هذا ليس بالأمر السهل والسكوت على هذا .
508- ما حكم الجلوس مع زوج الأخت بحضرة الأهل وبحشمة حيث لا يظهر إلا الوجه واليدان ؟(98/11)
أما الجلوس مع زوج الأخت والأهل إذا لم يكن هناك خلوة فلا بأس بذلك أن تجلس المرأة مع زوج أختها وغيره بحضرة أهلها وتكون متحشمة، لكن ما ذكرت من أنها كاشفة للوجه واليدين هذا لا يجوز، لأنها يجب عليها أن تستر وجهها وكفيها عن الرجل الأجنبي ولو كان زوج أختها، لأن الوجه والكفين عورة فيجب سترهما عن الرجال لقوله تعالى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ } [ سورة النور : آية 31 ] ، وهذا يلزم منه ستر الوجه، وقوله تعالى : { يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ } [ سورة الأحزاب : آية 59 ] ، وقد فسر ذلك ابن عباس رضي الله عنهما بأن تغطي وجهها إلا عينًا واحدة تبصر بها الطريق كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره من المفسرين (16)، وقالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : ( كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم محرمات، فإذا مر بنا الركبان سدلت إحدانا خمارها من على رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه ) [ رواه أبو داود في »سننه« ( 2/173 ) من حديث عائشة رضي الله عنها ] ، إلى غير ذلك من أدلة وجوب الحجاب .
509- رجل يعمل في خارج البلاد وسافر من بلده وحده، ثم طلب من أهل زوجته أن يرسلوا زوجته إليه في البلاد التي يعمل فيها، فهل يجوز لهم إرسالها له بدون محرم، علمًا بأن السفر بالطائرة والرحلة بدون توقف ؟(98/12)
لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ليس معها حرمة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/35، 36 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، والمراد باليومين بالنسبة للسير على الأقدام والدواب وتقدر المسافة هذا المقدار فأكثر، حرم على المرأة السفر إلا مع ذي محرم مهما كانت وسيلة السفر سريعة أو بطيئة لعموم الحديث، وللخوف على المرأة وحاجتها إلى من يصونها ويحميها بأن يكون معها أحد محارمها، والطائرة أشد خطرًا من غيرها، لأنها قد يعتريها ما يغير اتجاه سيرها إلى بلد ليس فيه من يستقبلها فيه، فتضيع وتتعرض لخطر .
وقول السائل : إن الرحلة بدون توقف قول تخميني لا يبنى عليه حكم، وأيضًا الأحاديث عامة في اشتراط المحرم لسفر المرأة، حتى الذي أراد أن يخرج للغزو وامرأته تريد أن تحج، أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يترك الغزو ويحج مع امرأته (17) ، مما يدل على آكدية هذا الأمر الذي تساهل فيه كثير من الناس اليوم .
510- هل يجوز للمرأة السفر بالطائرة أو السيارة داخل المملكة بدون محرم ؟(98/13)
لا يجوز للمرأة أن تسافر بدون محرم بأي وسيلة من وسائل السفر في الطائرة، ولا في السيارة، لقوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة ) [ رواه الإمام البخاري في " صحيحه " ( 2/35، 36 ) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه ] ، وفي رواية : ( مسيرة يوم إلا مع ذي محرم ) [ رواها الإمام ابن خزيمة في " صحيحه " ] ، فالسفر لا يجوز إلا مع محرمها حتى ولو كان السفر بوسيلة سريعة لعموم الحديث، ولأن المرأة يعتريها ما يعتريها في الطائرة وفي السيارة فتحتاج إلى المحرم، قد يتأخر موعد الطائرة، قد تتعطل السيارة، قد تتعطل الطائرة، قد تغير اتجاهها إلى بلد آخر لظروف طارئة، أو يحدث لها ما يحدث فهي بحاجة إلى المحرم الذي يصونها ويأخذ بيدها في المخاطر، والله أعلم .
511- كنت موظفًا في المنطقة المحايدة، وكان لدينا تاجر وكنا نأخذ ما نحتاج منه ونسدده، وذات مرة أخذت منه بعض الأشياء بمبلغ أربعمائة ريال، ثم انتقلت إلى الخفجي والمبلغ المذكور مازال دينًا في ذمتي، وقد أرسلت إلى صاحب المحل الذي هو التاجر أناسًا من الجماعة ولم يأتِ أي خبر عنه، فتصدقت بالمبلغ الذي له عليَّ بنية أنه له هو، فهل هذا جائز أم لا ؟
أولاً : يجب عليك البحث عن صاحب الحق لإيصال حقه إليه بأن تبحث عنه وتسأل عنه من تظن أن عنده خبرًا عنه، فإذا أعياك البحث وبذلت المجهود ولم تحصل على خبر ولا تدري أين ذهب فتصدق بالمبلغ على نية الأجر له، وإذا جاء وطالب بحقه فإنك تدفعه له وتكون الصدقة لك، وإن كنت تعرف من أقاربه ومن حوله من يوصل حقه إليه فادفع الحق إلى من يوصله إليه من أقاربه ومعارفه، وإن علمت أنه ميت فادفع المال إلى ورثته، أما إذا لم يكن هذا ولا ذاك ولا تعلم عنه شيئًا فكما ذكرنا تتصدق عنه بالمبلغ على نية أن الأجر له ولو جاء بعد ذلك وجب عليك أن تدفع له حقه وتكون الصدقة لك .(98/14)
512- أنا أعمل بمؤسسة وقد قدمت من مصر على أنني أعمل بالإنتاج، وعندما حضرت إلى عنيزة أخذ الكفيل صاحب المؤسسة العقد مني وقال لي : اشتغل بالنسبة، فيأخذ الثلث، فهل هذا حرام على الطرفين، فليس هذا ما اتفقنا عليه سلفًا، وأيضًا هو مخالف لنظام الحكومة ولو لم أوافق على ذلك فإنه يهددني بالسفر إلى بلدي وأنا في حاجة ماسة إلى العمل لاكتساب الحلال ؟
لا يجوز مثل هذا التعامل لما ذكرت أولاً، من أنه ليس باختيارك وإنما ألزمك به وهددك إذا لم توافق بأن يسفرك إلى بلدك، وأيضًا هو مخالف لنظام الحكومة الذي جعل لمصلحة المجتمع وكل من الأمرين يقضي ببطلان مثل هذا التعامل، فهذا تعامل حرام ولا يجوز للمستقدم أن يستغل حاجته وفقره ويسخره في العمل لمصلحته خلافًا لما اتفق عليه وخلافًا لما تقتضيه الأنظمة الحكومية التي جعلت لضمان مصلحة المجتمع ومصلحة الطرفين بالخصوص، فعلى كل حال هذا تعامل حرام ويجب على صاحب العمل أن يكف عنه وأن يرجع إلى أصل العقد الذي اتفقتما عليه حين استقدامك من بلدك، والله أعلم .
513- كان لشخص مزرعة وعندما توفي ولم يكن له ورثة زرعتها أنا حوالي عشرين سنة، كلما هطل المطر أزرعها وقد استخرجت عليها حجة شرعية، والآن تبين أن له ابن عم وأنا أريد أن أبيع هذه المزرعة فما الحكم هل لهذا الشخص الذي هو ابن عم صاحب المزرعة شيء فيها أم أستحقها أنا بموجب إحيائي لها وبموجب حجة الاستحكام التي حصلت عليها ؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء ؟(98/15)
الأرض لورثة الميت ويعتبر عملك فيها من باب الاعتداء على حقوق الآخرين، فيلزمك أن تسلمها لوارثه الشرعي، وأن تزيل ما أحدثته فيها إذا طلب منك إزالته وتسليمها سليمة كما كانت عند وفاة مالكها، ومن العجب أن تقول : استخرجت عليها حجة شرعية، فكيف يتم هذا من قِبل المحكمة دون تثبت ؟ وعلى كل حال فالأرض باقية على ملك صاحبها، وقد انتقلت بعده إلى ورثته الذين مات وهم على قيد الحياة كابن عمه الذي ذكرته، وإن كان معه مشاركون فالأرض للورثة وليس لك فيها أي استحقاق، وما عملته فيها يعتبر من التعدي ( وليس لعرقِ ظالم حق ) [ انظر " موطأ الإمام مالك " ( 2/743 ) من حديث هشام بن عروة عن أبيه، و " سنن أبي داود " ( 3/175 ) من حديث سعيد بن زيد رضي الله عنه، وانظر " سنن الترمذي " ( 5/67 ) من حديث هشام بن عروة عن أبيه ] ، فلو طالبك الورثة بإخلائها وإزالة ما أحدثته فيها لزمك ذلك شرعًا، والله تعالى أعلم .(98/16)