( المسألة الأولى ) سئل رحمه الله عن قوله تعالى في سورة هود : ! ( من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا يبخسون أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما كانوا يعملون ) ! . فأجاب بقوله : ذكر عن السلف من أهل العلم فيها أنواع ما يفعله الناس اليوم ولا يعرفون معناه ، فمن ذلك : العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه الله من صدقةٍ ، وصلةٍ ، وإحسان إلى الناس ، ونحو ذلك ، وكذلك ترك ظلم أو كلام في عِرْض ، مما يفعله الإنسان ، أو يتركه خالصاً لله ، لكنه لا يريد ثوابه في الآخرة ، وإنما يريد أن يجازى به بحفظ ماله وتنميته ، أو حفظ أهله وعياله ، أو إدامة النعم عليها ، ونحو ذلك . ولا همة لهم في طلب الجنة والهرب من النار ، فهذا يعطى ثواب عمله في الدنيا ، وليس له في الآخرة من نصيب . وهذا النوع ذكره ابن عباس ، وقد غلط فيه بعض مشايخنا بسبب عبارة ذكرها في ' الإقناع ' في أول ' باب النية ' لما قسم الإخلاص إلى مراتب وذكر هذا ، ظن أنه يسمّى إخلاصاً مدحاً له ، وليس كذلك ، وإنما أراد أنه لا يسمى رياءً ، وإلا فهو عمل حابط في الآخرة .
____________________
(1/5)
النوع الثاني : وهو أكبر من الأول وأخوف ، وهو الذي ذكر مجاهد في الآية أن الآية نزلت فيه ، وهو : أن يعمل أعمالاً صالحة ونيّتُه رياء الناس لا طلب ثواب الآخرة . ولما ذكر لمعاوية حديث أبي هريرة في الثلاثة الذين أول من تسعر بهم النار ، وهم : الذي تعلّم العلم ليقال عالم ، وتصدَّق ليقال جواد ، وجاهد ليقال شجاع ؛ فبكى معاوية بكاءً شديداً ، ثم قرأ هذه الآية . النوع الثالث : أن يعمل الأعمال الصالحة ويقصد بها مالاً ، مثل : الحج لمالٍ يأخذه لا لله ، أو يهاجر لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها ، أو يجاهد لأجل المغنم . فقد ذكر أيضاً هذا النوع في تفسير هذه الآية كما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : ' تعس عبد الدينار ، تعس عبد الدرهم ' إلى آخر الحديث . وكان يتعلم الرجل العلم لأجل مدارسة أهله ، أو مكسبهم ، أو رياستهم أو يتعلم القرآن ، أو يواظب على الصلاة لأجل وظيفة المسجد ، كما هو واقع كثير - وهؤلاء أعقل من الذين قبلهم لأنهم عملوا لمصلحة يحصلونها ، والذين قبلهم عملوا لأجل المدح والجلالة في أعين الناس ، ولا يحصل لهم طائل . والنوع الأول أعقل من هؤلاء كلهم لأنهم عملوا لله
____________________
(1/6)
وحده لا شريك له ، لكن لم يطلبوا من الخير الكثير العظيم الدائم وهو : الجنة ، ولم يهربوا من الشر العظيم وهو : النار . النوع الرابع : أن يعمل الإنسان بطاعة الله مخلصاً في ذلك لله وحده لا شريك له ، لكنه على عمل يكفره كفراً يخرجه عن الإسلام ، مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا الله أو تصدقوا أو صاموا ابتغاء وجه الله والدار الآخرة ، ومثل كثير من هذه الأمة الذين فيهم شِرْك أو كُفْرٌ أكبر يخرجهم من الإسلام بالكليّة - إذا أطاعوا الله طاعة خالصة يريدون بها ثواب الله في الدار الآخرة ، لأنهم على أعمال تخرجهم من الإسلام تمنع قبول أعمالهم . فهذا النوع أيضاً قد ذُكِر في الآية عن أنس بن مالك وغيره ، وكان السلف يخافون منها . قال بعضهم . لو أعلم أن الله يقبل مني سجدة واحدة لتمنيت الموت لأن الله يقول : ! ( إنما يتقبل الله من المتقين ) ! . فهذا قصد وجه الله والدار الآخرة ، لكن فيه من حب الدنيا والرياسة والملك والمال ما حمله على ترك كثير من أمر الله ورسوله أو أكثر فصارت الدنيا أكبر قصده ولذلك قيل قصد الدنيا . وذلك القليل كأنه لم يكن كقوله صلى الله عليه وسلم : ' فإنك لم تصل ' . والأول أطاع الله ابتغاء وجه الله ، لكن أراد من الثواب في الدنيا ، وخاف على الحظ والعيال ، مثل ما يقول
____________________
(1/7)
الفسقة فصح أن يقال قصد الدنيا . والثاني والثالث واضح ، لكن بقي أن يقال : إذا عمل الرجل الصلوات الخمس والزكاة والصوم والحج ابتغاء وجه الله طالباً ثواب الآخرة ، ثم بعد ذلك عمل أعمالاً كثيرة أو قليلة قاصداً بها الدنيا مثل : أن يحج بعده لأجل الدنيا كا هو واقع ، فهو لما غلب عليه منهما . وقد قال بعضهم : القرآن كثيراً ما يذكر أهل الجنة الخُلّص وأهل النار الخُلّص ويسكت عن صاحب الشائبتين ، وهو هذا وأمثاله . ولهذا خاف السلف من حبوط الأعمال ، وأما الفرق بين الحبوط والبطلان فلا أعلم بينهما فرقاً . والله أعلم .
____________________
(1/8)
( المسألة الثانية ) سألني الشريف عما نقاتل عليه وعما نكفّر الرجل به ، فأخبرته بالصدق ، وبينت له الكذب الذي يبهت به الأعداء ؛ فسألني أن أكتب له ، فأقول : أركان الإسلام الخمسة أولها : الشهادتان ، ثم الأركان الأربعة . فالأربعة ، إذا أقرَّ بها وتركها تهاوناً ، فنحن - وإن قاتلناه على فعلها - فلا نكفّره بتركها ، والعلماء اختلفوا في كفر التارك لها كسلاً من غير جحود . ولا نقاتل إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان . وأيضاً نكفّره بعد التعريف إذا عرف وأنكر ، فنقول : أعداؤنا معنا على أنواع : النوع الأول : من عرف أن التوحيد دين الله ورسوله الذي أظهرناه للناس ، وأقرّ أيضاً أن هذه الاعتقادات في الحجر والشجر والبشر الذي هو دين غالب الناس - أن الشرك بالله الذي بعث الله رسوله ينهى عنه ويقاتل أهله ليكون الدين كله لله - ومع ذلك لم يلتفت إلى التوحيد ، ولا تعلمه
____________________
(1/9)
ولا دخل فيه ، ولا ترك الشرك ، فهذا كافر نقاتله بكفره ، لأنه عرف دين الرسول فلم يتّبعه ، وعرف دين الشّرك فلم يتركه ، مع أنه لا يبغض دين الرسول ولا من دخل فيه ، ولا يمدح الشرك ولا يزيّنه للناس . النوع الثاني : من عرف ذلك كله ولكنه تبين في سب دين الرسول مع ادِّعائه أنه عامل به ، وتبين في مدح من عَبَد يوسف ولأشقر ومن عَبَد أبا عليَّ والخضر من أهل الكويت ، وفضَّلهم على من وحّد ، وترك الشرك . فهذا أعظم من الأول ، وفيه قوله تعالى : ! ( فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) ! . وهو ممن قال الله فيه : ! ( وإن نكثوا أيمانهم من بعد عهدهم وطعنوا في دينكم فقاتلوا أئمة الكفر إنهم لا أيمان لهم لعلهم ينتهون ) ! . النوع الثالث : من عرف التوحيد وأحبه واتبعه . وعرف الشرك وتركه ، ولكن يكره من دخل في التوحيد ويحبّ من بقي على الشرك . فهذا أيضاً كافر ، وهو ممن ورد فيه قوله تعالى : ! ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) ! . النوع الرابع : من سلم من هذا كله ولكن أهل بلده مصرِّحون بعداوة التوحيد واتباع أهل الشرك وساعون في قتالهم ويتعذر أنَّ تَرْكَهُ وطنه
____________________
(1/10)
يشق عليه ، فيقاتل أهل التوحيد مع أهل بلده ويجاهد بماله ونفسه . فهذا أيضاً كافر : فإنهم لو يأمرونه بترك صوم رمضان ولا يمكنه الصيام إلا بفراقهم فعل ، ولو يأمرونه بتزوّج امرأة أبيه ولا يمكنه ذلك إلا بمخالفتهم فعل . وموافقتهم على الجهاد معهم بنفسه وماله مع أنهم يريدون بذلك قطع دين الله ورسوله أكبر من ذلك بكثير ( كثير ) . فهذا أيضاً كافر ، وهو ممن قال الله فيهم ! ( ستجدون آخرين يريدون أن يأمنوكم ويأمنوا قومهم ) ! إلى قوله : ! ( سلطانا مبينا ) ! . فهذا الذي نقول . وأما الكذب والبهتان ، فمثل قولهم : إنا نكفّر بالعموم ، ونوجب الهجرة إلينا على من قدر على إظهار دينه ، وأنا نكفر من لم يكفر ومن لم يقاتل ، ومثل هذا وأضعاف أضعافه . فكل هذا من الكذب والبهتان الذي يصدون به الناس عن دين الله ورسوله . وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبد القادر ، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي ، وأمثالهما ، لأجل جهلهم وعدم من ينبههم فكيف نكفر من لم يشرك بالله إذا لم يهاجر إلينا ولم يكفر ويقاتل ! ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) ! . بل نكفر تلك الأنواع الأربعة لأجل محادَّتهم لله ورسوله . فرحم الله أمرأ نظر لنفسه وعرف أنه ملاقٍ الله الذي عنده الجنة والنار . وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم .
____________________
(1/11)
( المسألة الثالثة ) سأله الشيخ عيسى بن قاسم وأحمد بن سويلم في أول إسلامهما عن قول الشيخ تقي الدين : من جحد ما جاء به الرسول وقامت به الحجة فهو كافر . فأجاب بقوله : - إلى الأخوين عيسى بن قاسم وأحمد بن سويلم . سلام عليكم ورحمة الله ، وبعد ؛ ما ذكرتموه من قول الشيخ كل من جحد كذا وكذا ، وأنكم شاكُّون في هؤلاء الطواغيت وأتباعهم هل قامت عليهم الحجة أم لا ؟ فهذا من العجب العجاب ، كيف تشكُّون في هذا وقد وضَّحتُه لكم مراراً ؟ فإن الذي لم تقم عليه الحجة هو الذي حديث عهدٍ بالإسلام ، والذي نشأ ببادية ، أو يكون ذلك في مسألة خفيّة ، مثل الصرف والعطف ، فلا يكفر حتى يعرف . وأما أصول الدين التي أوضحها الله في كتابه فإن حجة الله هي القرآن : فمن بلغه فقد بلغته الحجة . ولكن أصل الإشكال أنكم لم تفرِّقوا بين قيام الحجة وفهم الحجة ، فإن أكثر الكفار والمنافقين لم يفهموا حجة الله مع قيامها عليهم ، كما قال تعالى : ( أم تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُم يَسْمَعُون أويَعْقِلُون إنْ هُمْ إلاّ كالأنْعَامِ بَلْ هُمْ أّضَلُّ سبيلاً ) .
____________________
(1/12)
وقيام الحجة وبلوغها نوع ، وفهمهم إياها نوع آخر ، وكفرهم ببلوغها إياهم وإن لم يفهموها نوع آخر . فإن أشكل عليكم ذلك فانظروا قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج : ' أينما لقيتموهم فاقتلوهم ' ، وقوله : ' شرُّ قَتْلَى تحت أديم السماء ' مع كونهم في عصر الصحابة ، ويحقر الإنسان عمل الصحابة معهم . ومع إجماع الناس أن الذي أخرجهم من الدين هو التشدد والغلو والاجتهاد وهم يظنون أنهم مطيعون لله ، وقد بلغتهم الحجة . ولكن لم يفهموها . وكذلك قَتْلُ عليٍّ رضي الله عنه الذين اعتقدوا فيه وتحريقهم بالنار ، مع كونهم تلاميذ الصحابة ومع عبادتهم وصلاحهم وصيامهم ، وهم أيضاً يظنون أنهم على حق . وكذلك إجماع السلف على تكفير ناس من غُلاة القدرية وغيرهم ، مع كثرة علمهم وشدة عبادتهم ، مع كونهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً . ولم يتوقف أحد من السلف في تكفيرهم لأجل أنهم لم يفهموا ، فإن هؤلاء كلهم لم يفهموا . إذا علمتم ذلك فهذا الذي أنتم فيه ، وهو : الشك في كفر أناس يعبدون الطواغيت ، ويعادون دين الإسلام ، ويزعمون أنه ردَّة لأجل أنهم ما فهموا - كل هذا أظهر وأبين مما تقدَّم إلا الذين حرقهم علي فإنه يشابه هذا .
____________________
(1/13)
وأما إرسال كلام الشافعية أو غيرهم فلا يتصور أن يأتيكم أوضح مما أتاكم . فإن كان عليكم بعض الإشكال فارغبوا إلى الله أن يزيله عنكم . وأيضاً ذكر لي محمد بن سلطان أنه جرى عندكم مسألتان ، الأولى : صورة المقاصَّة ، يريد بعض الناس أن يحتال على المَنْهيَّ عنه من بيع الطعام قبل قبضه ، ويقول للخشير إذا جاء بدارهم التمر : بعها عليَّ بتمر قدر الذي في ذمته ؛ ثم يتساقطان ، ويجعل هذه من المقاصة المباحة وكذلك ذكروا إذا اشترى منه سلعة وشرط عليه أن يوفيه بها صح العقد وفسد الشرط أن بعض الناس يريد أن يجعل هذه الحيلة إلى قلب الدين الذي في ذمته ديناً آخر وينسب الصحة إلى ' الإقناع ' و ' المنتهى ' وهما من أشد الناس كلاماً وتحريماً لمثل هذا ، حتى إنهما يحرِّمان صوراً مع كون المتعاقدين لم يقصدا الحيلة لئلا يتخذ ذريعة مثل العينة وغيرها . وأنا ذكرت لكم مراراً : إذا ادَّعى أحد في هذا وأمثاله الجوازَ فاسألوا عن الحيل المحرمة التي هي مخادعة لله : ما معناها وما صورتها . مثال ذلك : أنك لو تسألني عن رجل اشترى منك سلعة بعشرين مشخصاً - وهي تساوي العشرين ثياباً أو طعاماً أو غيرهما - قلت لك : هذا صحيح بالإجماع . فإذا سألتني عن إبرائه من عشرين المشخص بعد ما ثبتت في ذمته ، قلت : هذا من الإحسان بالإجماع . فإذا قلت : إنه لم يشتر مني
____________________
(1/15)
ولم أبرئه إلا لأنه يريد أن يقرضي مائتي مشخص بربح عشرين وقال لي : هذا رباً لا يصح ، ولكن بعني سلعة تساوي عشرين ثم بعد ذلك أبرئني منها . قلت لك : هذا صريح الربا والمخادعة لله بلا شك . وكذلك أشباه هذه الصورة . فالذي يجعل التحيل على بيع الطعام قبل قبضه من المقاصة ، أو يجعل بيع السلعة ليوفيه بها حيلة إلى حل كون رأس مال السلم ديناً مع تصريحهم بتحريمه بلا هذه الحيلة ، اسألوه ما الفرق بين هاتين الصورتين وبين تلك فإنه لا يجد فرقاً إلا بالمكابرة . وهنا فائدة ينبغي التنبه لها ، وهي : أن الحيل على الربا قد نشأتم عليها أنتم ومشايخكم ، ويسمونها : التصحيح ، والأمور التي نشأ الإنسان عليها صعبٌ عليه مفارقتها بالكلية ، والاستجابة لله والرسول ، وترك مذهب الآباء وما عليه المشايخ أمر عظيم لا يوافق عليه أكثر الخلق . فأمر الحيل ومسائله مثل أمر الشرك ، فكما أنكم لم تفهموا الشرك أول مرة ولا ثانية ولا ثالثة ، ولم تفهموه كله إلى الآن ، كذلك الحيل لأجل نشأتكم عليها وتسميتها التصحيح تحتاج منكم إلى نظر وفطنة . فأكثروا التدبر لها والمطالعة والتمثيل في ' إغاثة اللهفان ' وغيرها . والله أعلم .
____________________
(1/15)
( المسألة الرابعة ) سأله محمد بن صالح عن رشوة الحاكم الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي . وذلك أنه وقع بينه وبين سليمان بن سحيم مجادلة في ذلك . سألتم رحمكم الله عن رشوة الحاكم الذي ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لعن الراشي والمرتشي ، وذكر له أن بعض الناس حملها على ما إذا حكم الحاكم بغير الحق ، وأما إذا أخذ رشوة من صاحب الحق وحكم له به فهي حلال ، مستدلاَّ بقوله صلى الله عليه وسلم : ' أحق ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله ' ، وأنكم استدللتم عليه بقوله تعالى : ! ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) ! وأجابكم بأنها نزلت في كعب بن الأشرف ، وبأن الناس فرضوا لأبي بكر لما تولّى الأمر درهمين كل يوم ، وكذلك قوله من قال لا أحكم بينكما إلا بجُعْل . فأقول : أما صورة المسألة فهي أشهر من أن تُذْكر ، بل هي تعلم بالاضطرار فإن حكّام زماننا - لما أخذوا الرشوة - أنكرتْ عليهم العقول والفطر بما جبلها الله عليه من غير أن يعلموا أن الشارع نهى عنها ، ولكن إذا جادل المنافق بالباطل فربما يروج على المؤمن فيحتاج إلى كشف الشبهة ، فنقدم قبل الجواب مقدمة ، وهي :
____________________
(1/16)
أن الله سبحانه لما أظهر شيئاً من نور النبوة في هذا الزمان ، وعرف العامة شيئاً من دين الإسلام - وافق أنه قد ترأس على الناس رجال من أجهل العالمين وأبعدهم من معرفة ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم ، وقد صاروا في الرياسة بالباطل وفي أكل أموال الناس ، ويدَّعون أنهم يعملون بالشرع ، ولا يعرفون شيئاً من الدين إلا شيئاً من كلام بعض الفقهاء في البيع والإجارة والوقف والمواريث ، وكذلك في المياه والصلاة ، ولا يميزون حقه من باطله ، ولا يعرفون مستند قائله . وأما العلم الذي بعث الله به محمداً صلى الله عليه وسلم فلم يعرفوا منه خبراً ، ولم يقفوا منه على عين ولا أثر ، فقد تزاحمت بهم الظنون ( وتَقَطّعوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بمَا لَديْهمْ فَرِحُون ) . ومصداق هذا كله أن الداعي - لما أمرهم بتوحيد الله ونهاهم عن عبادة المخلوقين - أنكروا ذلك ، وأعظموه ، وزعموا أنه جهالة وضلالة ، مع كون هذه المسألة أبْيَنَ في دين محمد صلى الله عليه وسلم من كون العصر أربعاً والمغرب ثلاثاً ؛ بل اليهود والنصارى والمشركون يعلمون أن محمداً صلى الله عليه وسلم دعا الناس إلى ذلك وجادل عليه وقاتل عليه . فهؤلاء الذين يزعمون أنهم علماء اشتدَّ إنكارهم علينا لما تكلمنا بذلك ، وزعموا أنه دين ومذهب خامس ، وأنهم لم يسمعوه من مشائخهم ومن قبلهم .
____________________
(1/17)
وبالجملة فهذا الحق قد خالف أهواءهم من جهات متعددة : الأولى : أنهم لا يعرفونه مع كونهم يظنون أنهم من العلماء . الثانية - أنه خالف عادة نشأوا عليها ، ومخالفة العادات شديدة . الثالثة - أنه مخالف لعلمهم الذي بأيديهم ، وقد أُشْرِبوا حُبّه ، كما أشربت بنو إسرائيل حبَّ العِجْل . الرابعة : أن هذا الدين يريد أن يحول بينهم وبيم مآكلهم الباطلة المحرَّمة الملعونة . إلى غير ذلك من الأمور التي يبتلي الله بها العباد . فلما ظهر هذا الأمر اجتهدوا في عداوته وإطفائه بما أمكنهم ، وجاهدوا في ذلك بأيديهم وألسنتهم ، فلما غلظ الأمر وبهرهم نور النبوة ولم يجيء على عاداتهم الفاسدة ، فتفرَّقوا فيه كما تفرَّق إخوانهم الأولون ، فبعضهم قال : مذهب ابن تيمية ، كما لمزوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بابن أبي كبشة . وبعضهم قال : كتب باطلة ، كقولهم : ! ( أساطير الأولين اكتتبها ) ! وبعضهم قال : هذا يريد الرياسة ، كما قالوا : ! ( أجئتنا لتلفتنا عما وجدنا عليه آباءنا وتكون لكما الكبرياء في الأرض ) ! . وتارة يرمون المؤمنين بالمعاصي ، كما قالوا لنوح فأجابهم
____________________
(1/18)
بقوله : ! ( وما علمي بما كانوا يعملون ) ! . وتارة يرمونهم بالسفاهة ونقص العقل ، كما قالوا : ! ( أنؤمن كما آمن السفهاء ) ! ، فأجابهم الله تعالى : ! ( ألا إنهم هم السفهاء ) ! الآية . وتارة يضحكون من المؤمنين ويستهزئون بأفعالهم التي خالفت العادات ، كقوله تعالى : ! ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون ) ! وتارة يكذبون عليهم الأكاذيب العظيمة ، كقوله : ( فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وزُوراً ) . وتارة يرمون دين الإسلام بما يوجد في بعض المنتسبين إليه من رثاثة الفهم والمسكنة ، كما قالوا : ! ( ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا ) ! وتارة تقَطّعُ قلوبهم من الحسرة والغيط إذا رأوا الله رفع بهذا الدين أقواماً ووضع به آخرين ، كقولهم ! ( أهؤلاء من الله عليهم من بيننا ) ! إلى غير ذلك من الأمور التي يطول ذكرها . وبالجملة فمن شرح الله صدره للإسلام ورزقه نوراً يمشي به في الناس ، بيّنتْ له هذه الأمور التي وقعت في وقتنا هذا كثيراً من معاني القرآن ، وتبين له شيء من حكمة الله في ترداد هذا في كتابه لشدة الحاجة إليه ، فيقال لهؤلاء المردة آكلي أموال الناس بالباطل ومُذْهبي أديانهم مع أموالهم ما قال عمر بن عبد العزيز : ' رويداً يا ابن بُنَاته فلو التقت
____________________
(1/19)
حَلْقتا البِطان ورُدَّ الفيء إلى أهله لأتفرَّغنَّ لك ولأهل بيتك حتى أدعهم على المَحَجّة البيضاء ، فطالما تركتم الحق وأوضعتم في الباطل ' . وأما المسألة والجواب عنها فنقول : قد عُلِمَ بالكتاب والسنة والفِطَر والعقول تحريمُ الرشوة وقبحها . والرشوة هو ما يأخذ الرجل على إبطال حق وإعطاء باطل . وهذه يسلمها لك منازعك . وهي أيضاً ما يؤخذ على إيصال حق إلى مستحقه ، بل يسكت ولا يدخل فيه حتى يعطيه رشوة ، فهذه حرام ، منهيُّ عنها بالإجماع ، ملعون من أخذها ، فمن ادَّعَى حِلّها فقد خالف الإجماع . وقوله : بأي شريعة حكمت بتحريم هذا ؟ فنقول : حكمت به شريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأجمع على ذلك علماء أمته ، وأحل ذلك المرتشون الملعونون . ومن أنواع الرشوة : الهدايا التي تُدفع إلى الحاكم بسبب الحكم ولو لم يكن لصاحبها غرض حاضر ؛ لا أعلم أحداً من العلماء رخّص في مثل هذا . والعجب إذا كان في كتابكم الذي تحكمون فيه : يجب العدل بين الخصمين في لَحْظِهِ ولَفْظِه ومجلسه وكلامه والدخول عليه ؛ فأين هذا من أكل عشرة حمران على أحد الخصمين ، وإن لم يعطه أخذ بدلها من صاحبه وحكم له ؟ سبحان الله أي شريعة حكمت بحلّ هذا أم أي عقل أجازه ؟ ما أجهل من يجادل في مثل هذا ، وأقلَّ حياءه ، وأقوى وجهه ! وأما أدلته التي استدل بها فلا تنس قوله تعالى : ( فأمّا الذين في
____________________
(1/20)
قلوبهم زَيْغٌ ) الآية . ولما جادل النصارى رسول الله صلى الله عليه وسلم في ألوهية عيسى ، واحتجوا عليه بشيء من القرآن ، وكذلك الخوارج يستدلون على باطلهم بمتشابه القرآن ، وكذلك الذين ضربوا الإمام أحمد يستدلُّون عليه بشيء من متشابه القرآن ، وما أنزل الله ( فأما الذين في قلوبهم زيغ ) إلا لما يعلم من حاجة عباده إليها . وأما استدلال هذا الجاهل الظالم بقوله ' أحقُّ ما أخذتم عليه أجراً كتابُ الله ' فجوابه من وجوه : الأول : أن المؤمنين إذا فسّروا شيئاً من القرآن بكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله وأصحابه وكلام المفسرين ليس لهم فيه إلا النقل - اشتد نكيرهم عليهم ويقولون : القرآن لا يحل لكم تفسيره ، ولا يعرفه إلا المجتهدون ؛ وتارة تفتري الكذب وتقول : إن ابن عباس إذا أراد أن يفسره خرج إلى البريّة خوفاً من العذاب ؛ وأمثال هذه الأباطيل والخرافات ومرادهم بذلك سد الباب ، فلا يفتح للناس طريق إلى هذا الخير ، فيكون نقلنا لكلام المفسِّرين مُنْكَراً ، وتفسيرُك كتابَ الله على هواك وتحريفُك الكَلِمَ عن مواضعه حسناً ! هذا من أعجب العجاب ! الوجه الثاني - أن هذا لو كان على ما أوَّلْتَه فهو في الأخذ على كتاب الله ، وأنتم متبرئون من معرفة كتاب الله والحكم به ، وشاهدون على أنفسكم بذلك .
____________________
(1/21)
الوجه الثالث : أن هذا لو كان فيما ذهبت إليه لكان مخصوصاً بتحريم الرشوة التي أجمع الصحابة على تحريمها . الوجه الرابع : أن حمل الحديث على هذا من الفِرية الظاهرة والكذب البحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن معنى ذلك في الإنسان الذي يداوي المريض بالقرآن فيأخذ على الطب والدواء ، لا على الحكم وإيصال الحق إلى مستحقِّه . ويدل عليه اللفظ الآخر . ' كل فتى أكل برُقْية باطل فقد أكل برقية حق ' والقصة شاهدة بذلك توضحه . الوجه الخامس : وهو أن يقال لهذا الجاهل المركب : من استدل قبلك بهذا الحديث على أن الحاكم إذا أراد أن يوصل الحق إلى مستحقه يجوز له أن يشترط لنفسه شرطاً ، فإن حصل له ، وإلا لم يفعل ؟ فإن كان وجده في كتاب الله فليبين مأخذه . وما ظنُّه بأهل العلم الأولين والآخرين الذين أجمعوا على ذلك ؟ لا يجوز أن يظن أن إجماعهم باطل وأنهم لم يفهموا كلام نبيهم حتى فهمه هو . وأمّا استدلاله بأن الناس فرضوا لأبي بكر رضي الله عنه لمّا ولى عليهم كلَّ يوم درهمين ، فهذا من أعجب جهله ، ومثّل هذا مثل من يدَّعي حِلَّ الزِّنا الذي لا شُبْهة فيه ، ويستدل على ذلك بأن الصحابة يطأون زوجاتهم ! وهذا الاستدلال مثل هذا سواء بسواء ! وذلك أن استدلاله بقصة
____________________
(1/22)
أبي بكر رضي الله عنه تدل على شدة جهله بحال السلف الصالح ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطي العُمّال من بيت المال ، وكان الخلفاء الراشدون يأكلون من بيت المال ويفرضون لعُمّالهم : ولا أعلم عاملاً في زمن الخلفاء الراشدين لا يأكل من ذلك ، بل الزكاة التي هي للفقراء جعل الله فيها نصيباً للعُمّال الأغنياء ، ولكن أبا بكر رضي الله عنه لما ولي واشتغل بالخلافة عن الحرفة ، وضع رأس ماله في بيت المال ، واحترف للمسلمين فيه ، فأكل بسبب وضع ماله في بيت المال وبسبب الحرفة ، فأين هذا من أكل الرشوة التي حرمها الله ورسوله ؟ وأين هذا من الحاكم الذي إذا وقعت الخصومة فأكثرهم برطيلاً يغلب صاحبه ؟ ! ( سبحانك هذا بهتان عظيم ) ! . فإن قالوا : لما عدم بيت المال أكلنا من هذا . قلنا : هذا مثل من يقول : أنا أزني لأني أعزب لا زوجة لي . فهو هذا من غير مجازفة . وقولهم : نفعل هذا لأجل مصلحة الناس . فنقول : ما على الناس أضرّ من إبليس ومنكم ، أذهبتم دنياهم وآخرتهم والناس يشهدون عليكم بذلك . هؤلاء أهل شقرا شرطوا لابن إسماعيل كلَّ سنة ثلاثة وثلاثين أحمر ، ويسكت عن الناس ويريحهم من أذاه ، ولا يحكم بين اثنين ، ولا يفتى فلم يفعل واختار حرفته الأولى . وأما جوابه لمن استدل عليه ! ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) ! بقوله نزلت في كعب بن الأشرف . فهذا ترس قد أعدَّه هؤلاء الجهّال الضُّلال لردّ كلام الله - إذا قال لهم أحد : قال الله كذا قالوا : نزلت في اليهود ، ونزلت في النصارى ، نزلت في فلان .
____________________
(1/23)
وجواب هذه الشبهة الجاهلة الظالمة الفاسدة من وجوه : الأول : أن يقال : معلوم أن القرآن نزل بأسباب ، فإن كان لا يُسْتَدَلُّ به إلا في تلك الأسباب بطل استدلاله بالقرآن وهذا خروج من الدين . الثاني : أنك تقول : لا يجوز تفسير القرآن ، فكيف فسّرتَ هذه الآية بأنها خاصة بابن الأشرف ؟ الثالث : من نقلت عنه من العلماء أن الآية إذا نزلت في رجل كافر أنها لا تعمَّ من عمل بها من المسلمين ؟ من قال بهذا القول قبلك ؟ وعمن نقلته ؟ . الرابع : أن هذا خروج من الإجماع ، فما زال العلماء من عصر الصحابة فمن بعدهم يستدلون بالآيات التي نزلت في اليهود وغيرهم على من يعمل بها ، ولكن هذا شأن الجاهلين الظالمين الذين يحاجُّون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم ، وعليه غضب ، ولهم عذاب شديد . فأما الكلام في الطواغيت ، مثل : إدريس وآل شمسان ، فالكلام على هذا طويل . ولكن هؤلاء الذين يخاصمونك لا يعبأون بكلام الله ولا كلام
____________________
(1/24)
رسوله ، ولا عندكم إلا ما في كتابهم ، فقل : إذا كان كتابكم قد صرَّح تصريحاً لا مزيد عليه ، ونقل الإجماع على أن من فعل عشر معشار فِعْلِ هؤلاء الطواغيت أنه كافر حلال الدم والمال ، وقد صرح بأن من شكَّ في كفرهم فهو كافر ، فكيف إذا مَدَحهم وأثنى عليهم ؟ فكيف إذا ضمَّ إلى ذلك مَدحَ طريقتهم مثل ما يفعله ناس من الظالمين في الرياض : يمدحُّون طريقتهم ويمدحونهم ويذمُّون دين الإسلام ويسبونهُ وأهله ويسمونهم السبابة ؛ ومنهم من ينصر مذهب ابن عربي وابن الفارض ويدعَون إليه ، وهؤلاء عند المجادل الذي يدَّعي أنه يعرف ' الإقناع ' ويعمل به من الخواصّ ، ولو يقال لا يُصلى خلفهم ، ولا تُقْبَل شهادتهم ، وأنهم فَسَقة - لأنكر علينا هذا الذي يدَّعي أنه فقيه ، بل هم أحبابه وأصحابه وأنصاره ؛ فكيف لو يقال : إنهم كُفّار مرتدُّون يجب قتلهم إن لم يتوبوا ! فخاصِمْه بكتابه ؛ فإنْ بيّن من العبادات غير ما فهمنا فيذكره بدليله ، وإن زعم أن كتابه باطل فيذكر الدليل على بطلانه ، وإن ذكر جواباً آخر يريد أن يجمع بين كتابه وبين عدم تكفير هؤلاء فهو كمن يريد أن يجمع بين المجوسية والإسلام ، فإن قال : ما رأيناهم فعلوا ؛ قلنا : وأنت أيضاً ما رأيت فرعون ولا هامان كفروا ، ولا رأيت أبا جهل وأبا لهب ، ولا رأيت ظُلْمَ الحجاج ، ولا رأيت الذين ضربوا الإمام أحمد ، وأنت تشهد بهذا كله ! فإن قال : هذا متواتر ؛ قلنا : وكُفْرُ هؤلاء وادِّعاؤهم الربوبية متواتر عند الخاص والعام والرجال والنساء ، وهم الآن يعبدون ويدعون الناس إلى
____________________
(1/25)
ذلك ، ومع هذا كله ! ( من يهد الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ) ! ( ومَنْ يُرِدِ اللهُ فتْنَتَهُ فَلَنْ نَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللهِ شَيْئاً ) ولكن إذا أمر الله بجهاد الكفار والمنافقين فلا بدَّ من ذلك . والله أعلم .
____________________
(1/26)
( المسألة الخامسة ) سئل رحمه الله عن هذه المسائل المفيدة : الأولى : إذا رأينا حديثاً في بعض الكتب مثل ' الآداب ' أو ' شرح الأربعين ' لابن حجر الهيتمي أو ' المنازل ' أو ' المشارق ' أو ' الإقناع ' أو ' المنتهى ' ، ونسبه صاحبه إلى الصحيحين أو بعض المساند - هل يسوغ الأخذ به والعمل به ولو لم نقف على الأصل . الثانية : إذا وجدنا روايتين عن الإمام أحمد مختلفتين ، أو أقوالا لأصحاب مختلفة ، وكل يُدْلي بدليلٍ ؛ هل يجوز العمل بكل منهما ؟ وإذا حكى بعض العلماء مثل صاحب ' الفروع ' أو غيره كلاماً للإمام أحمد أو للأصحاب وأمثالهم في مسألة ، ولم يذكر استدلالهم على ذلك بشيء ، أو ذكر أن فلاناً قال كذا وفلاناً قال كذا بضد القول الأول - ما الحكم في ذلك ؟ إذا قال : الصحيح أو المذهب كذا ، هل يعمل به ؟ الثالثة : إذا فسّر بعض الأصحاب معنى حديث واستدلَّ به على حكم ، وفسّره آخر بضده واستدل به على حكم يقابل الأول ، أو نقل عن الإمام تفسير حديث أو نقل آخر عنه ضده مثل حديث ' الإغلاق ' قال
____________________
(1/27)
ابن القيّم عن الإمام أحمد أنه فسّره بالغضب ، ونقل غيره أنه - أي الإمام أحمد - فسّره بالإكراه . الرابعة - قولهم : لا إنكار في مسائل الاجتهاد ، وعلى من اجتهد أو قلّد مجتهداً حيّاً أو ميتاً ، وإذا ورد حديثان متضادان في الحكم مثل حديث ' القُلّتَين ' و ' بئر بُضاعة ' ذكر العلماء أن حديث ( بئر بضاعة ) مُطْلَق ، وحديث ' القلتين ' مقيّد ، فيحمل المطلق على المقيد ، وذكر غيره أن هذا - أي حديث القلتين - ( بالمفهوم والمطلق منطوق ما يسوغ لمثلنا ) وحديث القلتين استدلوا على صحته وأن غيره يُحْمَل عليه بأنه عليه السلام سئل عن إناء ولغ فيه كلب فأمر بإراقته ، ولم يسأل هل تغيّر أم لا . الخامسة : الثلاث طلقات المجموعة ذكر الشيخ منصور في شرح ' الإقناع ' وقوعها ، يروى عن ابن عباس وعن عمر وعليّ وابن مسعود وابن عمر قال وعن مالك بن الحارث قال : جاء رجل إلى ابن عباس فقال إن عمي طلق امرأته ثلاثاً ، فقال إن عمك عصى الله وأطاع الشيطان فلم يجعل له مخرجاً . وروى النسائي بإسناده عن محمود بن لبيد قال : ' أُخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رجلاً طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعاً ، فغضب ، وقال : أيُلْعَب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ! حتى قام رجل فقال : يا رسول الله أفلا أقتله ' انتهى . وأما ما روى طاووس عن ابن عباس
____________________
(1/28)
قال : كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخلافة أبي بكر ، وصدر من خلافة عمر : ' الثلاث واحدة ' إلى آخره ، فقال الأثرم سألت أبا عبد الله عن حديث ابن عباس : بأي شيء تدفعه ؟ قال : أدفعه برواية الناس عن ابن عباس بوجوه خلافه ، ثم ذكر عن ابن عباس خلافه من وجوه أنها ثلاث . انتهى . السادسة : قول أهل العلم : إن اتفاق الأئمة حجة واختلافهم رحمة ، فما معنى كون اختلافهم رحمة ؟ واحتج بهذه من اتبع بعض المجتهدين . السابعة : الحلف بالطلاق ، ذكر الشيخ منصور في شرح ' الإقناع ' نقلاً عن ' اختيارات ' أبي العباس ، قال : قال أبو العباس : تأملت نصوص أحمد فرأيته يأمر باعتزال الرجل امرأته في كل يمين حلف الرجل عليها . انتهى . فهذا من أبي العباس يدل على أن مذهب الإمام أحمد يدل على صحة الحلف بالطلاق . الثامنة : مسألة الوقف على الأولاد ، ذكر مصنف ' المنتهى ' في شرحه عن ' مسند الحميدي ' : ' أن أبا بكر وسعداً وعمرو بن العاص وحكيم بن حزام تصدقوا على أولادهم بدور المدينة ' . التاسعة : قوله تبارك وتعالى : ( يَظُنُّونَ باللهِ غَيْرِ الحقِّ ظَنَّ
____________________
(1/29)
الجاهِلِيّة ) ! ( وقوله ) ! ( الظّانِّينَ باللهِ ظَنَّ السُّوءِ ) ! ( وقوله ) ! ( وذلِكم ظَنُّكُم الذي ظَنَنْتُمْ بربِّكُمْ أرْداكُمْ ) ، ما معنى سوء الظن بالله ؟ وقوله : ( مَنْ يَعْمَلْ سُوْء يُجْزَ بِهِ ) ما معناه ؟ وما معنى إدخال البخاري إياه في كتاب الطب ؟ وكذلك الحديث الذي أورده ' ما من مسلم يصيبه أذى ' ، فإن فسرتم ' الأذى ' بجميع المكروهات كما هو المشهور من معنى اللفظ الأخير ' ما يصيب المسلم من نَصَبٍ ولا وَصَبٍ ولا همّ ولا حزن ولا أذى ' فَعَطَف ' الأذى ' على ما تقدم ، والعطف يقتضي المغايرة ، هل المراد : المسلم الذي لم يصدر منه شرك بالكلية أم لا ؟ وما معنى قولهم : من الشرك التصنُّع للمخلوق وخوفه ورجاؤه ؟ وهل المراد به : الشرك الأكبر أو الأصغر ؟ وقوله : ' أنا عند ظنِّ عبدي بي إن ظنَّ بي خيراً فله وإن ظنَّ بي شراًّ فله ' ما معناه ؟ والحديث الذي فيه النهي عن قيل وقال وعن كثرة السؤال وإضاعة المال ، وقوله عليه السلام ' الشؤم في ثلاثة في المرأة والدار والفرس ' ما معناه ؟ وترك الخارص الثلث أو الربع هل هو صحيح أم لا ؟ فإن قلتم : لا ، فما معنى الحديث
____________________
(1/30)
الذي استدل به من جوَّزه وهو قوله للعباس : هي عليَّ ومثلها معها ؟ وقوله : ' الماهر بالقرآن مع السّفَرة الكرام البَرَرة والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران ' هل المراد : حفظ حروفه ويحصل الفضل بذلك أم لا ، والحفظ مع فهم المعاني ؟ وما معنى المشقة والتعاهد ؟ وما معنى قوله : ' طعام الواحد يكفي الاثنين وطعام الاثنين يكفي الثلاثة ' افتونا مأجورين . فأجاب رحمه الله : اعلم - أرشدك الله - أن الله سبحانه وتعالى بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى الذي هو العلم النافع ، ودين الحق الذي هو العمل الصالح ، إذا كان من ينتسب إلى الدين : منهم من يتعانى بالعلم والفقه ويقول به كالفقهاء ، ومنهم من يتعانى العبادة وطلب الآخرة كالصوفية ، فبعث الله نبيه بهذا الدين الجامع للنوعين . ومن أعظم ما امتن الله به عليه وعلى أمته أن أعطاه جوامع الكلم ، فيذكر الله تعالى في كتابه كلمة واحدة تكون قاعدة جامعة يدخل تحتها من المسائل ما لا يحصى ؛ وكذلك يتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكلمة الجامعة . ومن فهم هذه المسألة فهماً جيداً فهم قوله تعالى : ! ( اليوم أكملت لكم دينكم ) ! ، وهذه الكلمة أيضاً من جوامع الكلم ، إذ الكامل لا يحتاج إلى زيادة . فعلم منه بطلان كل مُحْدَثٍ بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كما أوصانا بقوله :
____________________
(1/31)
( عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين المَهْدِيِّين من بعدي ، تمسكوا بها وعُضُّوا عليها بالنواجذ ، وإياكم ومُحْدَثات الأمور ، فإن كل مُحْدَثة بِدْعة وكل بدعة ظلالة ) . وفهم أيضاً معنى قوله ( فإن تَنَازَعْتُمْ في شيء فَرُدُّوهُ إلى اللهِ والرَّسولِ ) . فإذا كان الله سبحانه قد أوجب علينا أن نردَّ ما تنازعنا فيه إلى الله أي إلى كتابه : وإلى الرسول أي إلى سنته - علمنا قطعاً أن من ردَّ إلى الكتاب والسنة ما تنازع فيه الناس وجد فيه ما يفصل النزاع . وهذه كلمات يسيرة تحتاج إلى بسط طويل وتشير إلى حظ جليل ، وإنما قدَّمتها لأن من عرفها انجلى عنه إشكالات كثيرة في مسائل لا تحصر ، منها بعض هذه المسائل المسئول عنها ، من ذلك جواب : المسألة الثانية : إذا اختلف كلام أحمد وكلام أصحابه ، فنقول : في محل النزاع الترادّ إلى الله والرسول ، لا إلى كلام أصحابه ، ولا إلى الراجح المرجح من الروايتين والقولين ، خطأ قطعاً ، وقد يكون صواباً . وقولك : إذا استدل كل منهما بدليل ، فالأدلة الصحيحة لا تتناقض ، بل يصدِّق بعضُها بعضاً ، لكن قد يكون أحدهما أخطأ في الدليل : ( لأنه ) إمّا استدل بحديث لم يصحُّ ، وإمّا ( لأنه ) فهم من كلمة صحيحة مفهوماً مخطئاً .
____________________
(1/32)
وبالجملة ، فمتى رأيت الاختلاف فرُدَّه إلى الله والرسول ، فإذا تبين لك الحق فاتّبعه ، فإن لم يتبيّن واحتجت إلى العمل فقلِّد من تثق بعلمه ودينه ، وهل يتخيّر الرجل عند ذلك أو يتحرَّى أو يقلِّد الأعلم أو الأورع ؟ فيه كلام ليس هذا موضعه . فتبين بهذا جواب المسألة الثانية والثالثة والرابعة . وأما المسألة الأولى : فإن كان صاحب الكتاب ثقة مأموناً ، ونسبة إلى الصحيحين وغيرهما جاز العمل بقوله ، ولا أحد منع ذلك . وأما المسألة الخامسة وهي قول من قال : لا إنكار في مسائل الاجتهاد . فجوابُها يُعْلم من القاعدة المتقدمة . فإن أراد القائل مسائل الخلاف كلها فهذا باطل يخالفه إجماع الأمة ، فما زال الصحابة ومن بعدهم ينكرون على من خالف أو أخطأ كائناً من كان ، ولو كان أعلم الناس وأتقاهم . وإذا كان الله قد بعث محمداً صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق وأمرنا باتباعه وترك ما خالفه ، فمن تمام ذلك أن من خالفه من العلماء مخطئاً نُبِّه على خطئه ، وأُنْكِر عليه . وإن أريد بمسائل الاجتهاد ومسائل الخلاف التي لم يتبين فيها الصواب ، فهذا كلام صحيح ، لا يجوز للإنسان أن ينكر الشيء لكونه مخالفاً لمذهبه أو لعادة الناس ، فكما لا يجوز للإنسان أن يأمر إلا بعلم لا يجوز أن ينكر
____________________
(1/33)
إلا بعلم . وهذا كله داخل في قوله تعالى ! ( ولا تقف ما ليس لك به علم ) ! . وأما المسألة السادسة ، وهي قولك : إذا ورد حديثان متضادَّان مثل حديث ' القُلّتَيْن ' وحديث ' بئر بُضَاعَةَ ' الخ . وهذه عبارة لا ينبغي أن تقال ، وحاشا كلام الله وكلام رسوله من التضاد ، بل كله حقٌ يصدِّق بعضُه بعضاً . والواجب على المؤمن في مثل هذا أن يحسن الظن بكلام الله وكلام رسوله ويقول كما أمر الله ! ( آمنا به كل من عند ربنا ) ! فإذا تبين له الحق فليقل به وليعمل به ، وإلا فلْيُمْسِك ولْيَقُل اللهُ ورسولهُ أعلم . فإن الله تعالى ابتلى الناس بالمتشابه كما ابتلاهم بالمحكم ، ليعلم من يقف حيث وقفه الله ، ومن يقول على الله بلا علم . نعم قد يرد حديثان متضادان ، ولكن أحدهما ليس بصحيح ، وقد يكون أحدهما ناسخاً ، لكنه قليل جداً ، ومع ذلك لا يرد المنسوخ إلا وقد يرد ما يبينه . وأما قولك : ما يسوغ لمثلنا ؛ فالذي يسوغ بل يجب ما وصفتُ لك : وهو طلب عِلْمِ ما أنزل الله على رسوله ، وردّ ما تنازع فيه المسلمون إليه فإن علّمه الله شيئاً فليقل به ، وإلا فليُمْسِك ، ويقول : الله أعلم ؛ ويجعله من العلم الذي لا يعرفه . فلو بلغ الإنسان في العلم ما بلغ لكان
____________________
(1/34)
ما علمه قليلاً بالنسبة إلى ما لم يعلمه . وقد قال تعالى : ! ( وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ) ! . وأما المسألة السابعة فكونها مروية عن الصحابة فمسلم ، ويكفي في ذلك ما ورد عن المحدَّث الملهم الذي أُمِرْنا باتّباع سنّته : ثاني الخلفاء عمر بن الخطاب ، ولكن ليس في هذا ما يردُّ القول الآخر ، وأما الحديث : ' أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم ' فهذا يدلُّ على أن جمع الثلاث لا يجوز ، وأما كونه ألزم بها فلم يذكر في الحديث ؛ والذي يقول إنها واحدة لا يقول إن التلفظ بها يجوز بل يقول هو مُنْكَرٌ من القول وزُور ، كما في الحديث . وأما ردُّ الإمام أحمد ، رحمه الله ، ذلك بمخالفة راويه له ، فهذه مبنية على مسألة أصولية وهي : أن الصحابي إذا أفتى بخلاف ما روى : هل يقدَح فيه ؟ والصحيح أنه لا يقدح فيه ، فإن الحجة في روايته لا في رأيه . وبالجملة فالمسألة مسألة طويلة لعل المذاكرة تقع فيها شفاهاً . وأما المسألة الثامنة وهي قول من قال : اتفاق العلماء حجة واختلافهم رحمة ، فليس المراد به الأئمة الأربعة بإجماع الأئمة كلهم ، وهم علماء الأمة . وأما قولهم : اختلافهم رحمة ، فهذا باطل ، بل الرحمة في الجماعة ، والفُرْقة عذاب ، كما قال تعالى : ( ولا يزالُون مختلفينَ إلا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ ) فلما سمع عمر أن ابن مسعود وأُبَيّا اختلفا في صلاة الرجل في الثوب الواحد - صعد المنبر وقال : اثنان من أصحابي رسول الله صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/35)
فعن أيَّ فتياكم يصدر المسلمون ؟ لا أجد اثنين اختلفا بعد مقامي هذا إلا فعلت وفعلت . لكن قد روى عن بعض التابعين أنه قال : ما أحسب اختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا رحمة للناس ، لأنهم - لو لم يختلفوا - لم يكن رخصة . ومراده شيء آخر غير ما نحن فيه ؛ ومع هذا فهو قول مستدرك لأن الصحابة بأنفسهم ذكروا أن اختلافهم عقوبة وفتنة . وأما المسألة التاسعة : وهي مسألة الحلف بالطلاق ، فغاية ما ذكره أنه مذهب أحمد ، ومذهب غيره يخالفه ، ومن كانت الحجة معه فهو المصيب . وأما مسألة الوقف فالكلام فيها طويل يحتاج إلى مذاكرة . وبالجملة فلا ننكر إلا ما خالف أمر الله ورسوله وطريقة الصحابة وأتباعهم . وأما ما فعله الصحابة فعلى الرأس والعين . وأما قوله تعالى : ! ( يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ) ! وقوله : ! ( الظانين بالله ظن السوء ) ! فقد بسط الكلام عليها في الهدى على وقعة أحد ، وقد فسره بأشياء كثيرة نقولها ونعتقدها ولا نظن إلا أنها عقل وصواب ، فتأمل كلامه تأملاً جداً . وأما قوله : ! ( من يعمل سوءا يجز به ) ! وإدخال البخاري لها في كتاب الطب ، فمراد البخاري أن هذه الأمراض التي يكرهها العبد هي مما يكفر الله بها عن المؤمن سيئاته ويطهِّره بها ، لأن قوله : ! ( من يعمل سوءا يجز به ) ! عام في جزاء الدنيا والآخرة .
____________________
(1/36)
وأما إدخاله هذا في كتاب الطب فواضح ، وأهل العلم يذكرون في الباب ما هو أبعد من هذا تعلُّقاً واستطراداً . وأما قوله : ' ما من مسلم يصيبه أذى ' فهو عام . وأما عطف الأذى على الوَصَب والنصب والهمَّ فمن عطف العام على الخاص ، وهو كَثير جدًّا في كلام العرب وفي كلامنا . وأما سؤالكم : هل هذا في المسلم الذي لم يصدر منه شرك بالكلية ، فنقول : أما الشرك الذي يصدر من المؤمن وهو لا يدري مع كونه مجتهداً في اتباع أمر الله ورسوله - فأرجو أن لا يخرجه هذا من الوعد ، وقد صدر من الصحابة أشياء من هذا الباب : كحلفهم بآبائهم ، وحلفهم بالكعبة وقولهم : ما شاء الله وشاء محمد ، وقولهم : اجعل لنا ذات أنواط . ولكن إذا بان لهم الحق اتّبعوه ، ولم يجادلوا فيه حَمِيّة الجاهلية لمذهب الآباء والعادات . وأما الذي يدّعي الإسلام وهو يفعل من الشرك الأمور العظام فإذا تليت عليه آيات الله استكبر عنها - فهذا ليس بالمسلم . وأما الإنسان الذي يفعلها بجهالة ، ولم يتيسر له من ينصحه ، ولم يطلب العلم الذي أنزله الله على رسوله ، بل أخلد إلى الأرض واتبع هواه ، فلا أدري ما حاله . وأما قوله من قال : من الشرك التصنُّعُ للمخلوق ، فلعل مراده : التصنع بطاعة الله الذي يسمّى الرياء ، وهو كثير جداًّ ، فهذا صحيح في أمور
____________________
(1/37)
لا يفطن لها صاحبها . وأما خوف المخلوق فالمراد به : الخوف الذي يحملك أن تترك ما فرض الله عليك وتفعل ما حرم الله عليك ، خوفاً من ذلك المخلوق . وأما الرجاء فلعل المراد : الذي يخرج العبد عن التوكل على الله والثقة بوعده . وكل هذه الأمور كثيرة جداً . ( وأما قولك : ' هل المراد به الشرك الأصغر أو الأكبر ' ، فهذا يختلف باختلاف الأحوال ، وقد يتصنع لمخلوق فيخافه أو يرجوه فيدخل في الشرك الأصغر ، وقد يتزايد ذلك ويتوغل فيه حتى يصل إلى الشرك الأكبر ) . وأما قوله : ' الشؤم في الثلاث ' الخ . فهذا أشكلَ على من قبلنا ، حتى إن عائشة كذَّبته وقالت : هذا كلام أهل الجاهلية ، ولكنه صح ، وقد تكلموا في تفسيره ولم يتبين لي معناه ، والله أعلم بمراد رسوله . وأما ترك الخارص الثلث فقد سمع الجماعة فيها ما تيسر ؛ وبالجملة فأرجح الأقوال فيها عندي قول أكثر أهل العلم إنه غير مقدر بل يترك له قدر ما يأكله ويخرجه رطباً باجتهاد الخارص . وعلى هذا تجتمع الأدلة ويصدِّق بعضها بعضاً . وأما ما ورد من الفضل في حفظ القرآن : هل المراد حفظه مع حفظ المعاني ؟ فلا يحضرني جواب يَفْصِلُ المسألة ، ولكن حفظه مع عدم الفهم
____________________
(1/38)
لا يوجد في زمن النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء إلا شيئاً لا أعلمه وأظنه لو وجد في زمانهم لكان مشهوراً ( كشهرة الرجل ) الذي يسمى عندنا ( حمار ) الفروع ، لما ذكر أنه يحفظ الفروع ولا يفهمه ، وقد قال تعالى : ! ( مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا ) ! . وذكر ابن القيم أن هذه لو نزلت في التوراة فالقرآن كذلك لا فرق بينهما . ولذلك ذمَّ الله الذين يقرءون بلا فهم كقوله : ! ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ! أي تلاوةً بلا فهم ! والمراد من إنزال القرآن فهمُ معانيه والعملُ به لا مجرَّد تلاوته . وأما قوله : ' طعام الواحد يكفي الاثنين ' الخ ، فلا أعلم له معنى غير ظاهره . وأما إغلاق الباب أيام الجِذاذ فلا أتجسر على الجزم بتحريمه ، ولكن أظنه لا يجوز في هذا المعنى ومن الكتاب والسنة وكلام أهل العلم ، من ذلك ما ذكرها الله في سورة : ' ن ' عن أصحاب الجنة ( إذْ أقْسَمُوا
____________________
(1/39)
لَيَصْرِمُنّهَا مُصْبِحِينَ ) وهم لم يغلقوا الباب بل تحيّلوا بالصِّرام في وقت لا يأتي فيه المساكين . وأما تأخير الزكاة فلا يجوز ، ومن استدل بحديث ' هي علي ومثلها معها ' فقد أخطأ خطأ واضحاً ؛ الأول : أن ظني أن الحديث لا يدل على المسألة المسئول عنها . فإن المسألة المسئول عنها ( أن ) صاحب المال هل يحل له تأخير الزكاة عن وقتها لحاجة أو غيرها ، والمسألة التي قال بعض أهل العلم الحديثُ يدل عليها ليست هذه ، بل إذا رأى الإمام أو الساعي أن يؤخر الزكاة لمصلحة ؛ وهذه مسألة غير الأولى ، والدليل على هذا أن أحمد سئل عن تأخير الزكاة فمنعه وشدَّد فيه ، وسئل عن الساعي إذا أراد تأخيرها في سَنَة مجدبة فرخّص له واستدل بفعل عمر . مثال ذلك أن وليَّ اليتيم إذا قيل له إنه يجوز ( له ) بيع عقاره لمصلحةٍ ، هل يحلّ لأحد أن يستدل بهذه المسألة . إذا كان عندهم ليتيم دار أو عقار لا يعلم بها وليُّه فأراد أن يعطي الوليَّ أو اليتيم عنها لمصلحة المعطى هل يقول أحد إن هذا جائز ؟ ولو استدل أحد على جوازه ببيع وليِّه عقارَه لمصلحةٍ لَعَدَّهُ الناس ضُحْكة ! فينبغي لطالب العلم أن يتفطن لصورة المسألة في الدليل الذي يدل عليها ويجيل نظره في ذلك ، فإن كثيراً من الأغاليط وقعت
____________________
(1/40)
في مسألة واضحة جداً ، ويستدلّ بشيء من القرآن أو السنة ، وهو لا يدل على ذلك ، كما فعله الرافضة والقدرية والجهمية وغيرهم ، قال تعالى : ! ( هو الذي أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب ) ! الآية . فنسأل الله تعالى أن يهدينا لما يحبه ويرضاه .
____________________
(1/41)
( المسألة السابعة ) سئل الشيخ رحمه الله عن توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الصفات ، فأجاب : توحيد الربوبية هو الذي أقرَّ به الكفار كما في قوله تعالى : ( قُلْ مَنْ يَرْزقُكُمْ من السّماء والأرضِ أمّنْ يَمْلكُ السّمْعَ والأبصَارَ وَمَنْ يُخْرِج الحيَّ مِنَ المَيِّتَ ويُخْرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحيّ ومَن يُدَبِّرُ الأمْرَ فَسَيَقُولونَ الله فَقُل أفَلا تَتّقون ) . وأمّا توحيد الألوهية فهو : إخلاص العبادة لله وحده عن جميع الخلق ، لأن الإله في كلام العرب هو الذي يُقْصَد للعبادة ؛ وكانوا يقولون : إن الله سبحانه هو إله الآلهة ، لكن يجعلون معه آلهة أخرى ، مثل : الصالحين والملائكة وغيرهم ، يقولون إن الله يرضى هذا ويشفعون لنا عنده . فإذا عرفت هذا معرفة جيدة تبيّن لك غربة الدين ؛ وقد استدل عليهم سبحانه بإقرارهم بتوحيد الربوبية على بطلان مذهبهم ، لأنه - إذا كان هو المدبر وحده وجميع من سواه لا يملكون مثقال ذرَّة - فكيف يدعون معه غيره مع إقرارهم بهذا ؟ وأما توحيد الصفات فلا يستقيم توحيد الربوبية ولا توحيد الألوهية إلا بالإقرار بالصفات ، لكن الكفار أعقل ممن أنكر الصفات . والله أعلم .
____________________
(1/42)
( المسألة الثامنة ) سئل الشيخ رحمه الله : ما قول الشيخ في تسمية المعبودات أرباباً : إذ الرب يطلق على المالك ، والمعبود على الإله ، وكل اسم من أسمائه جل وعلا له معنى يخصه بالتخصيص دون التداخل بالتعميم ! الجواب : الرب والإله في صفة الله تبارك وتعالى متلازمة غير مترادفة ، الرب من الملك والتربية بالنعم ، والإله من التأله وهو القصد لجلب النفع ودفع المضرة بالعبادة . ( ولذلك ) صارت العرب تطلق الرب على الإله ، فسمُّوا معبوداتتهم أرباباً من دون الله لأجل ذلك ، أي لكونهم يسمُّون الله رباً بمعنى إلهاً .
____________________
(1/43)
( المسألة التاسعة ) سئل رحمه الله عن مسائل : الأولى - أحاديث الوعد والوعيد وقول وهب بن منبه : ' مفتاح الجنة : لا إله إلا الله ' الخ . . . الثانية - حديث أنس : ' من صلى صلاتنا ' الخ . . . الثالثة والرابعة - شيء من أحاديث الوعد والوعيد . الخامسة - الحديث الذي فيه ' يخرج من ثقيف كذاب ' الخ . . . السادسة والسابعة - قوله : ' ألا أخبركم بأهل الجنة ' الخ . . . فأجاب : الحمد لله ، الذي يحب العلم به أن كل ما قال الرسول حق يجب الإيمان به ولو لم يعرف الإنسان معناه ، وفي القرآن آيات الوعد والوعيد كذلك ، وأشكل الكل على كثير من الناس من السلف ومَن بعدهم . ومن أحسن ما قيل في ذلك أمرُّوها كما جاءت . معناه : لا تتعرضوا لها بتفسير لا علم لكم به . وبعض الناس تكلم فيها رداًّ لكلام الخوارج والمعتزلة الذين يكفِّرون بالذنوب ويخلِّدون أصحابها في النار ، أنه ينفي الإيمان عن بعض الناس لكونه لم يتمه ، كقوله للأعرابي : ' صلِّ فإنّك لم تُصَلِّ ' . والجواب الأول أصوب وأهون وأوسع وهو الموافق لقوله تعالى : ! ( والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ) ! الآية .
____________________
(1/44)
إذا فهمت تلك فالمسألة الأولى واضحة ، ومراده الرد على من ظن دخول الجنة بالتوحيد وحده بدون أعمال . وأما إذا أتى به وبالأعمال ، وأتى بسيئات ترجح على حسناته أو تحبط عمله - فلم يتعرض وَهْبٌ لذلك بنفي ولا إثبات ، لأن السائل لم يُرِدهُ . وأما الثانية وهي قوله : ' من صلى صلاتنا ' إلى آخره ؛ فهو على ظاهره ، فمعناه لو عرف منه النفاق فما أظهر يحمي دمه وماله ، وإلا فمعلوم أن من صدّق مسيلمة ، أو أنكر البعث ، أو أنكر شيئاً من القرآن ، أو غير ذلك من أنواع الردَّة - أنه لم يدخل في الحديث . وأما الثالثة والرابعة التي فيها أحاديث الوعد والوعيد . فسبق الجواب عنهما . وأما قوله : أما الكذاب فقد عرفناه هو رجل من ثقيف خرج يطلب بدم الحسين وأهل البيت وانتصر وقتل من قتلهم ثم ملك العراق ، وغلظ أمره ، فسيّر إليه ابن الزبير عسكراً فقتلوه ؛ وفتحوا العراق ، لأنه أظهر الزندقة وادعى النبوة وأما المبير وهو الذي يفنى الناس بالقتل فهو الحجّاج المعروف . وأما السادسة : فلا علمت أن الحديث صحيح .
____________________
(1/45)
وأما السابعة : فقوله : ' ضعيف ' فهو ضد القوي ، والمتضعف قيل إنه المتواضع ، والعُتُلّ قيل هو الغليظ الجافي ، والزنيم المعروف بالبشر ، المستكبر معروف ، والذي لا زبر له فسره بقوله لا يبتغون أهلاً ولا مالاً ، والشنظير فسره بالفاحش ، وباقي الأوصاف في الخير والشر معروفة . والله أعلم .
____________________
(1/46)
( المسألة العاشرة ) سئل رحمه الله عن الوعيد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه هل هو صحيح أم غير ذلك . أيضاً ! نبهني عبد الوهاب في خطه للموصلي أنك ما رضيت قوله أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في مشيئته وإرادته ، حتى إني أفكر فيها ولا بان لي فيها شيء أيضاً سوى المذكور عند النوم ' اللهم أني أسلمت نفسي إليك ' الخ ، بين لي معناه جزاك الله خيراً . الجواب : الوعيد فيمن حفظ القرآن ثم نسيه ثابت عند أهل الحديث ، فإن كنت قد حفظت القرآن أو شيئاً منه ثم نسيته ، فودِّي أن تعود إليه . وأما قوله في الخطبة : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك في مشيئته وإرادته ، فعجب كيف يخفى عليك هذا والشهادة للألوهية والمذكور في الخطبة توحيد الربوبية الذي أقرَّ به الكفار . وأما قوله : ' اللهم إني أسلمت نفسي إليك ' إلى آخره فترجع إلى الإخلاص والتوكل ، ولو كان بينهما فروق لطيفة . والله أعلم .
____________________
(1/47)
( المسألة الحادية عشرة ) قال السائل : عفا الله عنك ، خطبت ووقفت على ' يومَ يُبَعْثرُ ما في القبور ، ويُحَصَّلُ ما في الصُّدُرو ' ، ثم قلت : جعلنا الله وإياك من الآمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ، بارك الله لي ولكم ، الخ . . ولا فطنت إلا بعد ما انقضت الصلاة ، وأردت أن آمر المؤذن يؤذن ونعيد الخطبة والصلاة ، ثم تأملت يوم ' يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور ' وإذا كأنها آية تقوم بالمعنى وتجزي ، ثم كثر عليَّ الهمَّ والتردد . وأيضاً عفا الله عنك عندي دبيش ولي عييل وحاير تطمع نفسي لمنزلة الفقراء ولو لم يكن إلا سبقهم إلى الجنة بما ذكر ، ويعارض ذلك أيّ الفقير الصابر والغني الشاكر أفضل ؟ وقوله صلى الله عليه وسلم : ' أن تذر ورثتك ' الخ . أيضاً بيّن لي حد الشكر وحد الصبر . وأيضاً قوله صلى الله عليه وسلم : ' من قال لا إله إلا الله صادقاً ' الحديث ، واللفظ الآخر ' مخلصاً دخل الجنة ' ما معنى الصدق والإخلاص والفرق بينهما . أيضاً حديث البطاقة وما معه من سجلات الذنوب حتى وضعت في كفة والبطاقة في كفة فرجحت بتلك السجلات لما تضمنت من الإخلاص .
____________________
(1/48)
وما تقول فيمن خالف شيئاً من واجبات الشريعة : ماذا يقع عليه ، وما معنى : ( كل ذنب عُصِي اللهُ به شِرك ) ، وهل يقع في جزء من الكفر ، والمراد به الكفر بالله أو بآلائه مع صغره ؟ وما معنى قول من قال : كفر دون كفر ؟ وقول من قال : كفر نعمة أي نعمة أيضاً وماذا ترى في الرؤيا التي ذكرت لك . أيضاً تفكرت في الإيمان قوته ، وضعفه وأن محله القلب ، وأن التقوى ثمرته مركبة عليه ، فبقوَّته تقوى ، وبضعفه تضعف . وهذا فهمي ولكن ورد عليَّ شبهة أعرف من خالف دين الإسلام وصدّ عنه تقوى عن بعض التعديات ولا سيما أموال الناس . وإلا العبادة البدنية ( والمالية ) مثل الصلاة والزكاة تكون عادة وفطرة ، أي شيء ترى في ذلك منه ؟ وما ذكرت لك في أول السؤال صحيح أم لا ؟ . الجواب وبالله التوفيق . أما مسألة الخطبة في الجمعة فلا علمت فيها خلافاً وأرجو أنها تامَّة . وأما مسألة الغنى والفقر والشاكر كل منهما من أفضل المؤمنين ، وأفضلُهما أتقاهما ، كما قال تعالى : ! ( إن أكرمكم عند الله أتقاكم ) ! .
____________________
(1/49)
وأما حدُّ الصبر وحد الشكر فلا عندي علم إلا المشهور بين العلماء أنَّ الصبر عدم الجزع ، والشكر أن تطيع الله بنعمته التي أعطاك . وأما قوله من قال : ' لا إله إلا الله صادقاً ' والحديث الآخر ' مخلصاً ' . فمسألة الصدق والإخلاص كبيرة . ولما ذكر الإمام أحمد الصدق والإخلاص قال : بهما ارتفع القوم ، ولكن يقرِّبها إلى الفهم التفكّر في بعض أفراد العبادة مثل الصلاة والإخلاص ، فالإخلاص فيها يرجع إلى أفرادها عما يخالف كثيراً من الرياء والطبع والعادة وغير ذلك ، والصدق يرجع إلى إيقاعها على المشروع ولو أبغضه الناس لذلك . وحديث البطاقة ذكر الشيخ أنه رزق عند الخاتمة قولها على ذلك الوجه ، والأعمال بالخواتيم ، مع أن عليَّ بقية إشكال . والله أعلم . وأما معنى ' كل ذنب عُصِي الله تعالى به شرك أو كفر ' ، فالشرك والكفر نوع ، والكبائر نوع آخر ، والصغائر نوع آخر . ومن أصرح ما فيه حديث أبي ذَرٍّ فيمن لقي الله بالتوحيد قوله ' وإن زنى وإن سرق ' مع أن الأدلة كثيرة . وإذا قيل : من فعل كذا فقد أشرك أو كفر ، فهو فوق الكبائر . وما رأيت ما يخالف مما ذكرت لك فهو بمعنى الذي هو أخفى من دبيب النمل . وقول القائل : ' كفر نعمة ' خطأ ردَّه الإمام أحمد وغيره .
____________________
(1/50)
ومعنى ( كفر دون كفر ) أنه ليس يخرج من الملة مع كبره . والرؤيا أرجو أنها من البشرى ولكن الرؤيا تسرّ المؤمن ولا تضره . وقولك أن الإيمان محله القلب ، فالإيمان بإجماع السلف محله القلب والجوارح جميعاً كما ذكر الله تعالى في سورة الأنفال وغيرها . وأما كون الذي في القلب والذي في الجوارح يزيد وينقص فذاك شيء معلوم ؛ والسلف يخافون على الإنسان إذا كان ضعيف الإيمان النفاق أو سلب الإيمان كله . وأما الشبهة التي وردت عليك إذا كان الرجل مخالفاً دين الإسلام ، ويصدُّ عنه ، ولكن فيه وَرَع عن بعض المحرَّمات - فأنت خابر أن الإنسان يكفر بكلمة واحدة ، فكيف الصدُّ عن سبيل الله ؟ واذكر قوله تعالى : ! ( ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم ) ! فإذا كانت الكراهية تحبط الورع الذي تذكر فكيف الصدّ مع الكراهة ؟ واليهود والنصارى والنصارى فيهم أهل زهد أعظم من الورع . والله أعلم .
____________________
(1/51)
( المسألة الثانية عشرة ) سئل عفا الله عنه عن معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ : ' حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً ' الخ ، إلى أن قال : ' أفلا أبشِّر الناس ؟ قال : لا تبشِّرهم فيتّكِلوا ' . ومعنى لا يدخل أحد الجنة بعمله . أيضاً ما معنى عقد اللحية ، والضرب بالأرض هو الذي نعرف أن بعضهم يخط خطوطاً ثم يعدُّها : إن ظهرت شفعاً فكذا ، وإن ظهرت وتراً فكذا ، أم غير ذلك . وتفسير الحسن ' الجبت ' برنة الشيطان ، ما رنة الشيطان ؟ وحديث : ' من ردته الطيرة فقد أشرك ، وكفارة ذلك هو أن تقول : اللهم لا طير إلا طيرك ' الخ ، أم كيف يزول ذلك الشرك بهذا اللفظ مع أن الطيرة مخامرة باطنة واللفظ وحده لا يفيد ، أو فائدة قليلة ؟ وما معنى الفخر والطعن ؟ وما معنى مكر الله بالعبد ؟ وما الفرق بين الروح والرحمة ؟ وما معنى ' لا يؤمن أحدكم حتى يحب ' ذات أورثتها المتابعة ومعرفة الدين ، أو إيثار معرفة متابعة الأمر والنهي عن ورود الشهوات . وأيضاً كسوة المرأة إذا كانت كسوة عرس هل للمرأة أن تطلب من الزوج كسوة بدن أم هي كسوة بدن حتى يحول عليها الحول ؟
____________________
(1/52)
وأيضاً قيد الكسوة بالحول صواب ؟ وأيضاً إذا كان صواباً فهل هو بكل أحد للعالي والمتوسط والداني أم فيها تفصيل ؟ وأيضاً إذا عريت قبل مضي الحول يجب على الزوج أن يكسوها أم لا ؟ وأيضاً إن مضى بعض الحول ؟ الجواب : أما حديث معاذ فالمعنى عند السلف على ظاهره ، وهو من الأمور التي يقولون : أمِروها كما جاءت ، أعني نصوص الوعد والوعيد ، لا يتعرضون للمُشْكِل منه . وأما قوله : ' لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله ، فتلك مسألة أخرى على ظاهرها ، وهو أن الله لو يستوفي حقّه كما يستوفي السيد من عبده لم يدخل أحد الجنة ، ولكن كما قال الله تعالى ! ( ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ) ! الآية . وعقد اللحية لا أعلمه ، لكن ذُكِر في ' الآداب ' ما يقتضي أنه شيء يفعله بعض الناس في الحرب على وجه التكبر . وأما الضرب بالأرض فهو مشهور جداً حتى إن بعض الناس يخطّ فمن وافق خطه فذاك . والذي يبدو للذهن أنه عام في كل أنواع الخط ،
____________________
(1/53)
وخطُّ ذلك النبيِّ عُدِمَ لا يوجد من يعرفه . ورنة الشيطان لا أعرف مقصود الحسَن ، بل عادة السلف يفسرون اللفظ العام ببعض أفراده ، وقد يكون السامع يعتقد أن ذلك ليس من أفراده ، وهذا كثير في كلامهم جداً ينبغي التفطن له . وقوله في الطِّيَرة ' وكَفَارة ذلك أن تقول ' الخ . فالطِّيَرة تعمَّ أنواعاً ، منها ما لا إثم فيه ، كما قال عبد الله : وما منا إلا ، ولكن الله يذهبه بالتوكل . فإذا وقع في القلب شيء وكرهه ولم يعمل به بل خالفه وقال لم يضرّه ، فإن قال من الحسنات شيئاً فهو أبلغ وأتمُّ في الكفارة ، فلو قدرنا أن تلك الطيرة من الشرك الخفي أو الظاهر ثم تاب وقال هذا الكلام على طريق التوبة فكذلك . وأما الفخر بالأحساب ، فالأحساب : الذي يذكر من مناقب الآباء السالفين التي نسمِّيها بالمراجل . إذا تقرر هذا ففخر الإنسان بعمله مَنْهِيٌ عنه ، فكيف افتخارة بعمل غيره ؟ وأما الطعن في الأنساب ففُسِّر بالموجود في زماننا : ينتسب إنسان إلى قبيلة ويقول بعض الناس : ليس منهم ، من غير بينة ، بل الظاهر أنه منهم . وأما مكر الله فهو أنه إذا عصاه وأغضبه أنعم عليه بأشياء يظن أنها من رضاه عليه . وأما الفرق بين الروح والرحمة فلا أعرفه ، ولعله فرق لطيف ، لأن الروح فُسِّر بالرحمة في مواضع .
____________________
(1/54)
وأما قوله : ' لا يؤمن أحدكم ' الخ ، ففسِّر بأن المراد : اعتقاد ذلك بالقلب ، والعمل بذلك الاعتقاد ، فإذا كان في القلب ضدُّه وكرهه وصار الكلام والعمل بمقتضى الأمر الممدوح فهو ذلك . وأما كسوة العرس وتقييد الكسوة بالحول مطلقاً ومقيّداً فالذي يُفْتي به أن هذه الأمور ترجع إلى عرف الناس ، وهو مذهب الشيخ وابن القيم ، وأظنه المنقول عن السلف ، وأما في العدة فعليه الكسوة والنفقة . والله أعلم .
____________________
(1/55)
( المسألة الثالثة عشرة ) وسئل - عفا الله عنه - عن كون الأذان أوله التكبير وختم بالتكبير ؛ كذلك قول الله عز وجل ( شهد أنه لا إله إلا هو والملائكة ) إلى قوله سبحانه ! ( لا إله إلا هو العزيز الحكيم ) ! ما معنى التكرار ! هل هو تأكيد أم غير ذلك ! وعن الإيمان والإسلام هل هما نوع واحد أو نوعان ! وعن حديث القرض يقال إنه بثمانية عشر ضعفاً صحيح أم لا ! الجواب : ذكروا أن التكبير مناسب في الأذان لأنه مشروع على الأمكنة العالية ، كقوله : ' كنا إذا هبطنا سبّحنا وإذا علونا كبّرنا ' . وأما قوله : ' شهد الله ' إلى آخره فذكروا في تفسيرها أن الكلمة الأولى إعلام بأنه سبحانه شهد بهذا ، كذلك كل عالم يشهد به ، وليس هذا ثناء على نفسه مجرداً بل هو قيام بالقسط . وأما الكلمة الثانية فهي تعليم وإرشاد . وأما الإسلام والإيمان هل هما نوع واحد ؟ فذكر العلماء أن الإسلام إذا ذُكر وحده دخل فيه الإيمان ، كقوله : ! ( فإن أسلموا فقد اهتدوا ) ! وكذلك الإيمان إذا أفْرِد ، كقوله في الجنة ! ( أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ) ! فيدخل فيه الإسلام ، وإذا ذُكِر ذكرا معاً كقوله
____________________
(1/56)
! ( إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات ) ! فالإسلام الأعمال الظاهرة ، والإيمان الأعمال الباطنة ، كما في الحديث ' الإسلام علانية والإيمان في القلب ' . وقوله سبحانه في الحديث ' أخرجوا من النار من في قلبه مثقال ذرة ' إلى آخره يوافق ما ذكرناه ، فإن الإيمان أعلى من الإسلام ، فيخرج الإنسان من الإيمان إلى الإسلام ، ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر ، فيخرج الإنسان من الإيمان إلى الإسلام الذي ينفعه وإن كان ناقصاً كما في آية الحجرات وفيها ! ( وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا ) ! . وحقيقة الأمر أن الإيمان يستلزم الإسلام قطعاً . وأما الإسلام فقد يستلزمه وقد لا يستلزمه . وحديث القرض لا يصححه الحفاظ . والله أعلم .
____________________
(1/57)
( المسألة الرابعة عشرة ) سئل رحمه الله عن مسائل : الأولى - قوله في باب حكم المرتد : أو استهزأ بالله أو كتبه أو رسله كفر ، فما وَصْفُ هذا الإستهزاء المُكَفِّر ؟ الثانية - قول الشيخ : أو كان مبغضاً لما جاء به الرسول اتفاقاً ، فما معنى هذا ؟ وقوله : أو جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويتوكل عليهم ، ما وصف هذه الوسائط والتوكل والدعاء والسؤال ؟ الثالثة - قولهم : أو أتى بقول أو فعل صريح في الاستهزاء بالدين كَفَر ، فما وصف هذا الدين والقول المكفر ؟ الرابعة - قوله : أو نطق بكلمة كفرٍ ولم يعلم معناها فلا يكفر بذلك ، هل المعنى : نَطَق بها ولم يعرف شَرْحَها أو نطق بها ولم يعلم أنها تكفره ؟ الخامسة - قولهم : ومن أطلق الشارع كفره كدعواه إلى غير الله ، إلى آخره ، فللعلماء فيه أقوال أيها أقرب إلى الصواب ؟ السادسة - الذبح للجن ، قال الشيخ : وأما ما يذبحه الآدمي خوفاً من
____________________
(1/58)
الجن فمنهي عنه . ونحن لم نفهم من النهي إلا هذا فإذا قلنا : يكفر من ذبح للجن فما دليلنا على المخالف ؟ السابعة - قولهم : إذا دعاه إمام أو نائبه ، وقولهم : ولا يكفر ولا يقاتل قبل الدعاية ، هل المتغلِّبُ على بلَدٍ حُكْمُهُ حُكْمُ الإمامِ في الدعاية وإقامة الحدود أم لا ؟ يلزمه ذلك شرعاً أم لا ؟ فإن تركه وهو يقدر عليه فما حكمه ؟ الثامنة - المسائل الفروعية من الطهارات والصلاة والزكاة والحج والمعاملات والأنكحة والدعاوى وغيرها ، نحن عندنا أنَّ تعلمها وتعليمها بعد معرفة الله وتوحيده وإفراد العبادة له : أنه هو الفقه المتفق على فضله ، وهو العلم النافع ، وهو الأفضل بعد الجهاد ، وهل الفتوى من كتب الترجيح المسماة عند أهل العلم ، أفردوا فيها الراجح عندهم وأوردوا القول المقابل المقوى عندهم في بعض المسائل ؟ أم الفتوى من المطولات ؟ فربما أطلقوا الأقوال فلم ندر ما نفتي به أو تعمل به من الأقوال إلا من كتب المتأخرين وكتب أهل الترجيح ، ونحن فرضنا التقليد فما نفتي به منه ؟ التاسعة - بعض الناس يحتج علينا أن المرتد لا يُقْتَل إلا بعد الاستتابة وقبلها ثبوت الردة ، فما الجواب ؟ - العاشرة - قولهم في الاستسقاء : لا بأس بالتوسل بالشيوخ والعلماء المتّقين ، وقوله : يجوز أن يُسْتَشْفَع إلى الله برجل صالح ، وقيل :
____________________
(1/59)
يستحب ، قال أحمد : إنه يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعائه ؛ وقال أحمد وغيره في قوله عليه السلام : ' أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق ' الاستعاذة لا تكون بمخلوق ، فما معنى هذا الكلام ؟ وما العمل عليه منهما أم على قوله فما المعنى ؟ وقولهم في الشرح : قال إبراهيم الحربي : الدعاء عند قبر معروف الترياق المجرَّب ، فما معنى هذا الكلام ؟ قال في الفروع : قال شيخنا : قصدُه الدعاءَ عنده رجاءَ الإجابة بدعةٌ لا قربة باتفاق الأئمة ، فما معنى هذا الكلام ؟ الحادية عشرة - قال في ' الإقناع ' في آخر الجنائز : ولا بأس بلمسه - أي القبر - باليد ، وأما التمسح به والصلاة عنده وقصده لأجل الدعاء عنده معتقداً أن الدعاء هناك أفضل من الدعاء في غيره أو النذر له ونحو ذلك - قال الشيخ - فليس هذا من دين المسلمين ، بل هو مما أُحْدِثَ من البدع القبيحة التي هي من شُعَبِ الشِّرْك ، فهل هذا شرك أصغر أم أكبر ؛ مع قوله هناك في باب النذر : قال الشيخ : النذر للقبور وأهل القبور كالنذر لإبراهيم عليه السلام أو الشيخ فلان نذر معصية لا يجوز الوفاء به ، مع قوله في الجنائز قبله في الشرح : يكره البناء على القبور ، إلى أن قال ابن القيم : يجب هدم القباب ، إلى أن قال : ويكره المبيت عنده وتجصيصه وتزويقه إلى آخره ، إلى أن قال : فالظاهر من هذه الكراهة أو التحريم . فهل يترتب على هذا غير الكراهة أو التحريم ؟
____________________
(1/60)
أفدنا جزاك الله خيراً . فأجاب رحمه الله تعالى بقوله : بعد السلام فسرَّني ما ذكرت - ألهمك الله التوفيق - ولا تعتذر من السؤال فإن هذا هو الواجب عليك وعلى غيرك ، كما قالوا : مفتاح العلم السؤال . ولكن اعلم أن المسائل والعلوم المهجورة ( لا ) يفهمها الإنسان إلا بعد المراجعة والمذاكرة ولو كانت واضحة . وهذه المسائل من العلوم المهجورة كما ذكرت فعل الطلبة في باب حكم المرتد ، مع أن معرفة الله ومعرفة حقه أجلّ العلوم وأشرفها ، فلا تَسْتَحِ من المراجعة وكثرة السؤال ما بقي في نفسك شيء من الإشكال . وقولك : إن أهل العلم لم يشرحوها ، فكثير من الكتب لم يوجد عندكم وإلا جميع ما ذكرت قد شرحوه . فأما المسألة الأولى : فالعلماء استدلوا عليها بقوله تعالى في حق بعض المسلمين المهاجرين في غزوة تبوك ! ( ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب ) ! ، فذكر السلف والخلف أن معناها عام إلى يوم القيامة فيمن استهزأ بالله والقرآن أو الرسول . وصفة كلامهم أنهم قالوا : ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً ولا أكذب ألسناً ولا أجبن عند اللقاء . يعنون بذلك رسول الله والعلماء من أصحابه ، فلما نقل الكلام عوف بن مالك أتى القائل يعتذر أنه قاله على وجه اللعب كما يفعل المسافرون
____________________
(1/61)
فنزل الوحي أن هذا كفر بعد الإيمان ولو كان على وجه المزح . والذي يعتذر يظن أن الكفر إذا قاله جادًّا لا لاعباً . إذا فهمت أن هذا هو الاستهزاء فكثير من الناس يتكلم في الله عز وجل بالكلام الفاحش عند وقوع المصائب على وجه الجِدّ ، وأنه لا يستحق هذا ، وأنه ليس بأكبر الناس ذنباً . وكذلك من يدعي العلم والفقه - إذا استدللنا عليه بآيات الله - أظهر الاستهزاء ؛ وهذه المسألة لعلك لا تحررها تحريراً تاماً إلا من الرأس إذا أوقفناك على نصوص أهل العلم ذكروا أشياء لعل كثيراً من الناس لا ينكرها لو سمعها . الثانية - قوله : أو كان مبغضاً لما جاء به الرسول ولم يشرك بالله ، لكن أبغض السؤال عنه ودعوة الناس إليه ، كما هو حال من يدَّعي العلم ويقرِّر أنه دين الله ورسوله ويبغضونه أكثر من بغض دين اليهود والنصارى ، بل يعادون من التفت إليه ، ويُحِلّون دمه وماله ، ويرمونه عند الحكام . وكذلك الرسول أتى بالإنذار عن الشرك ، بل هو أول ما أنذر عنه وأعظم ما أنذر عنه ، ويقرُّون أنه أتى بهذا ، ويقولون : خلق الله ما يتيهون ، وينصرون بالقلب واللسان واليد . والتكفير بالاتفاق فيمن أبغض النهي عنه وأبغض الأمر بمعاداة أهله ولو لم يتكلم ولم ينصر فكيف إذا فعل ما فعل وكذلك من جعل بينه وبين الله وسائط : يدعوهم ويسألهم ويتوكل عليهم إجماعاً ، وذكروا أن هذا بعينه هو الذي يفعله أهل زمانهم عند القبور فكيف بزماننا ؟ يبينه لك قول الشارح لما ذكر هذا وذكر بعده أنواعاً من
____________________
(1/62)
الكفر المخرج عن المِلّة قال : وقد عمّت البلوى بهذه الفِرَق ، وأفسدوا كثيراً من عقائد أهل التوحيد ؛ نسأل الله العفو والعافية . انتهى كلامه في شرح ' الإقناع ' . فإذا كان هذا في زمنه لم يذكره عن عشرة أو مائة بل عمّت به البلوى في مصر والشام في زمن الشارح فأظنك تقطع أن أهل القصيم ليسوا بخير من أهل مصر والشام في زمن الشارح . فتفطّن لهذه المعاني وتدبّرْها جيداً . واعلم أن هذه المسألة أمُّ المسائل ولها ما بعدها ، فمن عرفها معرفة تامة تبيّن له الأمر ؛ خصوصاً إذا عرف ما فعل المويس وأمثاله مع قبة الكواز وأهلها ، وما فعله هو وابن إسماعيل وابن ربيعة وعلماء نجد في مكة سنة الحبس مع أهل قبة أبي طالب ، وإفتائهم بقتل من أنكر ذلك ، وأن قَتْلَهم وأخْذَ أموالهم قربةٌ إلى الله ، وأن الحرم الذي يحرم اليهودي والنصراني لا يحرمهم . ثم تفكر في الأحياء الذين صالوا معهم ، هل تابوا من فعلهم ذلك وأسلموا ، وعرفوا أن عشر معشار ما فعلوا ردة عن الإسلام بإجماع المذاهب كلها ؟ أم هم اليوم على ما كانوا عليه بالأمس ؟ والمويس وابن إسماعيل وأضرابهما إلى اليوم علماء يُعظّمون ويترحّم عليهم ، ومن دعا الناس إلى التوحيد وترك الشرك هم الخوارج الذين خرجوا من الدين اليوم ! ! فا الله الله ! استعن بالله في فهم هذه المسألة ، واحرص على ذلك لعلك أن تخلص من هذه الشبكة . فلو يسافر المسلم
____________________
(1/63)
إلى أقصى المشرق أو المغرب في تحرير هذه المسألة لم يكن كثيراً . والفكرة فيها في أمرين : أحدهما في صورة المسألة وما قاله الله ورسوله وما قال العلماء . والفكرة الثانية : إذا عرفت التوحيد الذي دعت إليه الرسل ، أولهم نوح عليه السلام وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ، وأقرَّ به من أقرَّ ، كيف فعلوا : هل أحبوه ودخلوا فيه ؟ أم عادوه وصدُّوا الناس عنه ؟ وكذلك لما عرفوا ما جاء به الرسول من إنكار الشرك والوسائط ، وعرفوا قول العلماء إنه الذي عمّت به البلوى في زمانهم ، هل فرحوا بالسلامة منه ، ونهوا الناس عنه ؟ أم زيّنوه للناس ، وزعموا أن أهله السوادُ الأعظم ، وثبّتوه بما قدروا عليه من الأقوال والأعمال ، وجاهدوا في تثبيته كجهاد الصحابة في زواله ؟ فالله ! الله ! بادر ثم بادر ثم بادر ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : ' بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ ' . فأنت تعرف بَدْأه يوم قيل للنبي صلى الله عليه وسلم : من معك على هذا ؟ قال : حر وعبد - ومعه يومئذ أبو بكر وبلال . وقد قال الفضل ابن عياض في زمانه - وهو قبل الإمام أحمد : لا تترك طريق
____________________
(1/64)
الحق لقلة السالكين ، ولا يغرّك الباطل لكثرة الهالكين . ومع هذا وأمثاله من البيان وأضعاف أضعافه ( مَنْ يَهْدِ اللهُ فَهُوَ المُهْتَد ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِد له وليّاً ومُرْشداً ) وما أشكل عليك من هذا فراجع فيه ، فإن كلام العلماء في أنه الشرك الأكبر ، وأنه اشتهر عند كثير من زمانهم أكثر من أن يحصر . وأما الثالثة - فالقول الصريح في الاستهزاء بالدين مثل ما قدَّمتُ لك . وأما الفعل فمثل مدِّ الشّفة وإخراج اللسان أو رمز العين ، مما يفعله كثير من الناس عندما يؤمر بالصلاة والزكاة ، فكيف بالتوحيد . الرابعة - إذا نطق بكلمة الكفر ولم يعلم معناها صريحٌ واضحٌ أنه يكون نطق بما لا يعرف معناه . وأما كونه أنه لا يعرف أنها تكفره فيكفي فيه قوله : ! ( لا تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم ) ! فهم يعتذرون للنبي صلى الله عليه وسلم ظانين أنها لا تكفِّرهم ، والعجب ممن يحملها على هذا وهو يسمع قوله تعالى : ! ( وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ) ! ( إنّهُمْ اتّخَذُوا الشّيَاطِين أَوْلِياءَ مِنْ دونِ الله ويَحْسَبونَ
____________________
(1/65)
أنهمْ مُهْتَدُون ) ( وإنّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السّبِيل وَيَحْسَبونَ أنّهُمْ مُهْتَدُون ) أيظن أن هؤلاء ليسوا كفاراً ؟ ولكن لا تستنكر الجهل الواضح لهذه المسائل لأجل غربتها . ومن أحسن ما يكشف لك الإشكال ما قدَّمتُ لك بإجماع العلماء أن هذا كَثر في زمانهم ، وأيضاً علماء بلدانهم أكثر من علماء بلدانكم . الخامسة - أن من أطلق الشارع كفره بالذنوب ، فالراجح فيها قولان : أحدهما ما عليه الجمهور أنه لا يخرج من الملة . والثاني الوقف كما قال الإمام أحمد : أمِرُّوها كما جاءت ؛ يعني لا يقال يخرج ولا ما يخرج وما سوى هذين القولين غير صحيح . السادسة - قوله : الذبح للجن منهي عنه ، فاعرف قاعدة أهملها أهل زمانك ، وهي : أن لفظ ' التحريم ' و ' الكراهة ' وقوله : ' لا ينبغي ' - ألفاظٌ عامة تستعمل في المكفِّرات ، والمحرّمات التي هي دون الكفر ، وفي كراهة التنزيه التي هي دون الحرام . مثل استعمالها في المكفرات : قولهم لا إله إلا الذي لا تنبغي العبادة إلا له ، وقوله : ( وَمَا يَنْبَغِي للرَّحْمن أنْ يَتّخِذ وَلَداً ) ولفظ التحريم مثل قوله تعالى : ( قُل تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حرَّمَ رَبّكُمْ عَلَيْكُمْ أن لا تشركوا بِهِ شَيْئاً ) . وكلام العلماء
____________________
(1/66)
لا ينحصر في قولهم : ' يحرم كذا ' لما صرحوا في مواضع أُخَر أنه كفر ، وقولهم ' يكره ' كقوله تعالى : ( وقَضَى رَبُّكَ أن لا تَعْبُدُوا إلا إياهُ ) إلى قوله : ! ( كل ذلك كان سيئه عند ربك مكروها ) ! وأما كلام الإمام أحمد في قوله : ' أكره كذا ' فهو عند أصحابه على التحريم . إذا فهمت هذا فهم صرحوا أن الذبح للجن درَّة تخرج ، وقالوا : الذبيحة حرام ولو سُمِّي عليها ؛ قالوا لأنها يجتمع فيها مانعان ، الأول : أنها مما أهِلَّ به لغير الله ، والثاني : أنها ذبيحة مرتدّ والمرتدّ لا تحل ذبيحته وإن ذبحها للأكل وسمّى عليها . وما أشكل عليك في هذا فراجعني وأذكر لك لفظهم بعينه . السابعة - إذا دعاه إمام أو نائبه فالأئمة مجمعون من كل مذهب على أن من تغلب على بلد أو بلدان له حكم الإمام في جميع الأشياء ، ولولا هذا ما استقامت الدنيا ، لأن الناس من زمن طويل قبل الإمام أحمد إلى يومنا هذا ما اجتمعوا على إمام واحد ، ولا يعرف أن أحداً من العلماء ذكر أن شيئاً من الأحكام لا يصح إلا بالإمام الأعظم . وقولك : هل يجب عليك ، فنعم يجب على كل من قدر عليه وإن لم يفعل أثِمَ . ولكن أعداء الله يجعلون هذه الشبهة حجة في ردِّ ما لا يقدرون على جحده ، كما أني لما أمرت برجم الزانية قالوا : لا بد من إذن الإمام ، فإن صح كلامهم لم يصح ولا يتهم القضاء ولا الإمامة ولا غيرها .
____________________
(1/67)
الثامنة - مسائل : الحلال ، والحرام ، والبيوع ، والأنكحة وغيرها من أهم أمور الدين وأفضل الأعمال ، ولكن تفصيل ما ذكرت من الراجح يحتاج إلى تفصيل لا تحتمله الأوراق ، ولعله بالمذاكرة إذا التقينا إن شاء الله . التاسعة : لا يُقتَل المرتد إلا بعد الاستتابة فهذا صحيح ، ولم نفعل ذلك مع أحد قاتلناه إلا بعد اللتيّا والتي من الاستتابة . العاشرة - قولهم في الاستسقاء : لا بأس بالتوسل بالصالحين : وقول أحمد : يتوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم خاصة ، مع قولهم إنه لا يستغاث بمخلوق ، فالفرق ظاهر جداً ، وليس الكلام مما نحن فيه ، فكون بعضٍ يرخِّص بالتوسل بالصالحين وبعضهم يخصُّه بالنبي صلى الله عليه وسلم ، وأكثر العلماء ينهي عن ذلك ويكرهه ، فهذه المسألة من مسائل الفقه ، ولو كان الصواب عندنا قول الجمهور إنه مكروه فلا ننكر على من فعله ، ولا إنكار في مسائل الاجتهاد ، لكن إنكارنا على من دعا لمخلوق أعظم مما يدعو الله تعالى ، ويقصد القبر يتضرع عند ضريح الشيخ عبد القادر أو غيره يطلب فيه تفريج الكربات ، وإغاثة اللهفات ، وإعطاء الرغبات فأين هذا ممن يدعو الله مخلصاً له الدين لا يدعو مع الله أحداً ، ولكن يقول في دعائه : أسألك بنبيك ، أو بالمرسلين ، أو بعبادك الصالحين ، أو يقصد
____________________
(1/68)
قبر معروف أو غيره يدعو عنده ، لكن لا يدعو ( إلا ) الله مخلصاً له الدين ، فأين هذا مما نحن فيه ؟ المسألة الحادية عشرة - في لمس القبر أو قصده للدعاء عنده ، فليس هذا من دين المسلمين ، فهذا هو الصواب بلا ريب . وكون الشارح ذكر كلام الحربي أن قبر معروف الترياق المجرَّب ، فهذا لا ينكر لأن العلماء يذكرون في المسألة القولين أو أكثر ، ويرجِّحون الراجح أو يتوقف بعضهم ، ولكن كلام الشيخ بضد كلام الحربي مخالف له . منكر له ، ولكن ليكن منك على بال ما أخرجاه في الصحيحين ' أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له : إنك تأتي قوماً من أهل الكتاب فليكن أوّل ما تدعوهم إليه أن يوحدوا الله ، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات ' فتدبّر هذا ، وأرْعِهِ سمعك ، وأحضر قلبك ، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم ما أمره أن لا يدعوهم إلى الصلوات الخمس إلا إن استجابوا للتوحيد ، فكيف بمن لا يهمه في دينه إلا بعض مسائل الاجتهاد مع ما يراه من سبِّ الناس للتوحيد ، واستحلالهم دم من دان به وماله . ودعوتهم إلى الشرك الأكبر ، ودعواهم أن أهله السواد الأعظم ، ثم مع هذا إذا أخذهم السيف كرهاً قالوا : ما خالفنا والناس يكذبون علينا وعرفنا الكذب ، وإلا جميع ما جرى منهم لم يقرُّوا به ولم يتوبوا منه ، والرسول صلى الله عليه وسلم هذه وصيته لمعاذ . فالله الله في تدبُّر هذا الحديث ، وتدبُّر ما عليه أعداء الله من العداوة للتوحيد .
____________________
(1/69)
وأما المسائل التي ذكر في الجنائز : من لمس القبر ، والصلاة عنده ، وقصده لأجل الدعاء ، أو كذا وكذا ، فهذا أنواع . أما بناء القباب عليها فيجب هدمها ، ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر ؛ وكذلك الصلاة عنده وقصده لأجل الدعاء فكذاك لا أعلمه يصل إلى ذلك ، ولكن هذه الأمور من أسباب حدوث الشرك ، فيشتد نكير العلماء لذلك ، كما صحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال ' لعنة الله على اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد ' . وذكر العلماء أنه يجب التغليظ في هذه الأمور لأنه يفتح باب الشرك ؛ كما أنه أول ما حدث في الأرض بسبب وَدّ وسُوَاع ويَعُوق ونسْر ، لما عكفوا على قبورهم ، ثم صوَّروا تماثيلهم يتذكرون بها الآخرة ، ثم بعد ذلك بقرونٍ عُبدوا ، فكذلك في هذه الأمة كما قال صلى الله عليه وسلم : ' لتتبعُنَّ سنَن من كان قبلكم حَذْوَ القُذَّة بالقُذَّة حتى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ لدخلتموه ' فأول ما حدث الصلاة عند القبور والبناء عليها من غير شرك ، ثم بعد ذلك بقرونٍ وقع الشرك . وأول ما جرى من هذا أن بني أمية - لما بنوا مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم - وسّعوه واشتروا بيوتاً حوله ، ولم يمكنهم إدخال بيت النبي صلى الله عليه وسلم الذي فيه قبره وقبر صاحبيه ، ولكن أدخلوا البيت في المسجد لأجل توسيع المسجد ولم يقصدوا تعظيم الحجرة بذلك ، لكن قصدوا تعظيم المسجد ، ومع هذا أنكره علماء المدينة حتى قتل خبيب بن عبد الله بن الزبير بسبب إنكاره ذلك . فانظر إلى سد العلماء الذرائع . وأما النذر له ودعاؤه والخضوع له فهو من الشرك الأكبر ، فتأمل ما ذكره البغوي في تفسير سورة نوح في قوله تعالى : ( وقالوا لا تَذَرُنَّ
____________________
(1/70)
آلِهَتَكُمْ ولا تَذَرُنَّ ودًّا ) الآية ، وما ذكر أيضاً في سورة النجم في قوله : ( أَفَرَأَيْتُمُ اللاَّتَ والعُزَّى ) أن اللات قبر رجل صالح . فتأمل الأصنام التي بُعِثَت الرسل بتغييرها كيف تجد فيها قبور الصالحين ؟ . والحمد لله رب العالمين .
____________________
(1/71)
( المسألة الخامسة عشرة ) سئل رحمه الله عن الجد هل يكون بمنزلة الأب في الميراث ! وما حجة من قال بذلك ! وعن قسم المال جزافاً ! وما معنى الاحتساب في نفقة الأهل ! وعن قول إبراهيم عليه السلام ( رب أرني كيف تحي الموتى ) وقوله في كلام البقر والذيب ( آمنت به أنا وأبو بكر ) إلى آخره . فأجاب رحمه الله : أما كون الجَدِّ أباً فرُجح بأمور ؛ الأول : العموم ، واستدل ابن عباس على ذلك بقوله : ( يا بني آدم ) . الثاني : محض القياس ، كما قال ابن عباس : ألا يتقي الله زيد : يجعل ابن الإبن ابناً ، ولا يجعل أبا الأب أباً . الثالث : أنه مذهب أبي بكر الصديق وهْوَ هُوَ . الرابع : أن الذين ورثوا الإخوة معه اختلفوا في كيفية ذلك كما قال البخاري لما ذكر قول الصديق ، ويذكر عن علي وابن مسعود وزيد أقاويل مختلفة . الخامس : أن الذين ورّثوهم لم يجزموا بل معهم شك ، وأقرُّوا أنهم لم يجدوه في النص لا بعموم ولا غيره .
____________________
(1/72)
السادس : وهو أبْيَنُها كلها : أن هذا التوريث وكيفياته لو كان من الله لم يُتَصوَّر أن يهمله النبي صلى الله عليه وسلم بالكلية مع صعوبته والاختلاف فيه . وأما حجة المخالف منهم فمقرون أنه محض رأى لا حجة فيه إلا قياساً فيما زعموا . وأما قَسْمُ المال جزافاً فأرجو أنه لا بأس به ، كما في ثمرة النخل . وأما المساقاة على الزرع كما أردتم ، فلا أدري وأنا أكرهه . وأما معنى الاحتساب في نفقة الأهل فمشكل عليَّ . وأما قوله : ! ( رب أرني كيف تحيي الموتى ) ! فمن أعظم الأدلة على تفاوت الإيمان ومراتبه ، حتى الأنبياء : فهذا طلب الطمأنينة مع كونه مؤمناً ، فإذا كان محتاجاً إلى الأدلة التي توجب له الطمأنينة فكيف بغيره ؟ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح : ' نحن أحق بالشك من إبراهيم ' . وأما قوله في كلام البقرة والذيب ' آمنت به أنا وأبو بكر وعمر ' وليسا في ذلك المكان ، فكان هذا من الإيمان بالغيب المخالف للمشاهدة ، وذلك أن الناس يشاهدون البهائم لا تتكلم فلما أخبر صلى الله عليه وسلم أن هذا جرى فيما مضى تعجبوا من ذلك مع إيمانهم فقال : ' آمنت به أنا وأبو بكر وعمر ' فلما ذكرهما لهذا المقام العظيم الذي طلب إبراهيم في مثله العِيان ليطمئن قلبه مع كونهما ليسا في المجلس محل ذلك ، على أن إيمانهما أعلى من
____________________
(1/73)
إيمان غيرهما خصوصاً لما قرنهما بإيمانه صلى الله عليه وسلم . ومع هذا فأمور الإيمان من الأمور الميتة لكن لعلكم تفقهون منها شيئاً إذا قرأتم في كتاب الإيمان . والله أعلم ، وصلى الله على محمد وآله وسلم .
____________________
(1/74)
( المسألة السادسة عشرة ) سئل رحمه الله تعالى عن قوله تعالى : ! ( قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ) ! الآية . فأجاب رحمه الله : اعلم رحمك الله أن الله سبحانه عالم بكل شيء ، يعلم ما يقع على خلقه وما يقعون فيه ، وما يرد عليه من الواردات إلى يوم القيامة . وأنزل هذا الكتاب المبارك الذي جعله تِبْياناً لكل شيء ، وجعله هدى لأهل القرن الثاني عشر ومَنْ بعدهم ، كما جعله لأهل القرن الأول ومن بعدهم . ومن أعظم البيان الذي فيه بيان الحجج الصحيحة ، والجواب عما يعارضها ، وبيان بطلان الحجج الفاسدة ونفيها . فلا إله إلا الله ماذا حُرِمه المُعْرضون عن كتاب الله من الهدى والعلم ! ولكن لا مُعطِيَ لما منع الله ، وهذه التي سألت عنها فيها بيان بطلان شُبْهَةٍ يحتجُّ بها بعض أهل النفاق والريب في زماننا هذا في قضيتنا هذه . وبيان ذلك : أن هذه في آخر قصَّة آدم وإبليس ، وفيها من العبر والفوائد العظيمة لذريتهما ما يجلّ عن الوصف ؛ فمن ذلك : أن الله أمر إبليس بالسجود لآدم ، ولو فعل كان فيه طاعة لربه وشرف له ، ولكن سوَّلت له نفسه أن ذلك نقص في حقه إذا خضع لواحدٍ دونه في السن ودونه
____________________
(1/75)
في الأصل على زعمه ، فلم يطع الأمر ، واحتجَّ على فضله بحجة وهي : أن الله خلقه من أصل خير من أصل آدم ، ولا ينبغي أن الشريف يخضع لمن دونه ، بل العكس . فعارض النص الصريح بفعل الله الذي هو الخالق ، فكان في هذا عبرة عظيمة لمن ردَّ شيئاً من أمر الله ورسوله واحتج بما لا يجدي . فلما فعل لم يعذره الله بهذا التأويل ، بل طرده ، ورفع آدم ، وأسكنه الجنة . فكان مع عدو الله من الحفظ والفطنة ودقة المعرفة ما يجلّ عن الوصف ، فتحيّل على آدم حتى ترك شيئاً من أمر الله ، وذلك بالأكل من الشجرة ، واحتج لآدم بحجج . فلما أكل لم يعذره الله بتلك الحجج ، بل أهبطه إلى الأرض ، وأجلاه من وطنه ، ثم قال : ! ( اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى ) ! يقول تعالى : لأجْلِيَنّكم عن وطنكم ، فإن بعد هذا الكلام وهو أني أرسل إليكم هدى من عندي لا أكِلُكم إلى رأيكم ولا رأي علمائكم ، بل أنزل عليكم العلم الواضح الذي يبيّن الحق من الباطل ، والصحيح من الفاسد ، والنافع من الضارّ ! ( لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) ! . ومعلوم أن الهدى هو هذا القرآن . فمن زعم على أن القرآن لا يقدر على الهدى منه إلا من بلغ رتبة الاجتهاد فقد كذَّب الله بخبره أنه هُدى ، فإنه على هذا القول الباطل لا يكون في حق الواحد من الآلاف المؤلفة وأما أكثر الناس فليس هدى في حقهم ، بل الهدى في حقهم أن كل فرقة تتبع ما وجدت
____________________
(1/76)
عليه الآباء . فما أبطل هذا من قول ! وكيف يصحُّ لمن يدَّعي الإسلام أن يظن بالله وكتابه هذا الظن ؟ ولما عرف سبحانه أن هذه الأمة سيجري عليها ما جرى على من قبلها من اختلافهم على أكثر من سبعين فرقة ، وأن الفرق كلها تترك هدى الله إلا فرقة واحدة ، وأن كل الفرق يقرُّون أن كتاب الله هو الحق لكن يعتذرون بالعجز ، وأنهم لو يتعلمون كتاب الله ويعملون به لم يفهموا لغموضه قال : ! ( فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى ) ! وهذا تكذيب هؤلاء الذين ظنوا في القرآن ظن السوء . قال ابن عباس : تكفّل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ألا يضلُّ في الدنيا ولا يشقى في الآخرة . وبيان هذا أن هؤلاء الذين يزعمون أنهم لو تركوا طريقة الآباء ، واقتصروا على الوحي ' لم يهتدوا بسبب أنهم لا يفهمون ، كما قالوا : ! ( قلوبنا غلف ) ! ، فردَّ الله عليهم بقوله : ! ( بل لعنهم الله بكفرهم ) ! فضمن لمن اتبع القرآن أنه لا يضلُّ كما ضلَّ من اتّبع الرأي ؛ فتجدهم في المسألة الواحدة يحكون سبعة أقوال أو ستة ليس منها قول صحيح ، والذي ذكره الله في كتابه في تلك المسألة بعينها لا يعرفونه . والحاصل أنهم يقولون : لا نترك القرآن إلا خوفاً من الخطأ ، ولم نقبل على ما نحن فيه إلا للعصمة فعكس الله كلامهم ، وبيّن أن العصمة في اتّباع القرآن إلى يوم القيامة .
____________________
(1/77)
وأما قوله : ! ( ولا يشقى ) ! فهم يزعمون أن الله يرضى بفعلهم ويثيبهم عليه في الآخرة ، ولو تركوه واتبعوا القرآن لغلطوا وعوقبوا . فذكر الله أن من اتبع القرآن أمِنَ من المحذور الذي هو الخطأ عن الطريق ، وهو الضلال ، وأمن من عاقبته وهو الشقاء في الآخرة . ثم ذكر الفريق الآخر الذي أعرض عن القرآن فقال : ! ( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ) ! وذِكْرُ الله هو القرآن الذي بيّن اللهُ لخلقه فيه ما يحبُّ ويكره ، قال الله تعالى : ! ( ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين ) ! الآيتين . فذكر الله لمن أعرض عن القرآن وأراد الفقه من غيره عقوبتين ؛ إحداهما : المعيشة الضنْك ، وفسّرها السلف بنوعين ، أحدهما : ضنك الدنيا ، وهو أنه - إن كان غنياً - سلط عليه خوف الفقر وتعب القلب والبدن في جميع الدنيا حتى يأتيه الموت ، ولم يَتَهَنَّ بعيش . الثاني : الضنك في البرزخ وهو عذاب القبر . وفسر الضنك في الدنيا أيضاً بالجهل ، فإن الشك والحيرة لهما من القلق وضيق الصدر ما لهما ، فصار في هذا مصداق قوله في الحديث عن القرآن : ' من ابتغى الهدى من غيره أضله الله ' . فبان لك أن الله عاقبهم بضدِّ قصدهم ، فإنهم قصدوا معرفة الفقه فجازاهم بأن أضلهم وكدَّر عليهم معيشتهم بعذاب قلوبهم لخوف الفقر
____________________
(1/78)
وقلة غنى أنفسهم ، وعذاب أبدانهم بأن سلّط عليهم الظلم والفقر ، وأغرى بينهم العداوة والبغضاء . فإن أعظم الناس تعادياً هؤلاء الذين ينتسبون إلى المعرفة ، ثم قال تعالى : ! ( ونحشره يوم القيامة أعمى ) ! والعمى نوعان : عمى القلب ، وعمى البصر . فهذا المُعْرِض عن القرآن - لمّا عَمِيَت بصيرته في الدنيا عن القرآن - جازاه الله أن حشره يوم القيامة أعمى . قال بعض السلف : أعمى عن الحجة لا يقدر على المجادلة بالباطل كما كان يصنع في الدنيا ! ( قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا ) ! . فذكر الله أنه يقال له : هذا بسبب إعراضك عن القرآن في الدنيا وطلبك العلم من غيره . قال ابن كثير في الآية ! ( ومن أعرض عن ذكري ) ! أي : خالف أمري وما أنزلته على رسولي . أعرض عنه وتناساه وأخذ من غيره هُدَاه ! ( فإن له معيشة ضنكا ) ! أي : في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح ولا تنعُم . وظاهره أن قوماً أعرضوا عن الحق وكانوا في سعة من الدنيا فكانت معيشتهم ضنكاً ؛ وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخالفاً لهم معاشهم من سوء ظنهم بالله . ثم ذكر كلاماً طويلاً ، وذكر ما ذكرته من أنواع الضنك . والله سبحانه وتعالى أعلم .
____________________
(1/79)
( المسألة السابعة عشرة ) سئل رحمه الله عن رجل خاشر خشراء وطلبوا ضمان أخيه ، وقال له أخوه : لا أضمن عليك إلا أن ترهني رهانة . وأرهنه نصف نخله في هذا الدين الذي ضمن ، والنصف الآخر مرهون عند غيره ، وعليه دين غير هذا كثير ؛ وذكر لنا عنك أن الرهن لا يصح ، وأن ديانيه مشتركون فيما عنده . وهذه كثيرة الوقوع وغالب من يدينونه الديانون فقير ، فإن لم يصح له رهن ولا وفاء إلا من الجميع ، ولم يحجر عليه - فاذكر لنا صورة المسألة . وأنا طالعتها ولا رأيت الاختلاف إلا في التبرعات المالية : كالعتق والصدقة . وذكروا أن مذهب الإمام أحمد وغيره نفوذ تصرفه ولو استغرق ماله ، وخالف الشيخ ابن تيمية في ذلك ، وقال : لا ينفذ لأن عليه واجباً . وأما غير التبرعات فلا وجدنا شيئاً . فأنت اذكر لنا عن مأخذ المسألة . والذي ظهر لنا في هذا أن هذه المسألة إن قيل بها ما احتيج لحجر الحاكم أو من يستغرق الدين ما له لم ينفذ تصرفه ، ويلزم على هذا لوازم كثيرة . فأنت اذكر لنا شيئاً نعتمد عليه ، فإن الخطب كبير . أفتنا مأجوراً . فأجاب رحمه الله . صورة المسألة أولا : أن الراجح الذي عليه كثير من العلماء أو أكثرهم أن الرهن لا يلزم إلا بالقبض ، وقبض كل شيء هو المتعارف وقبض الدار والعقار هو تسلم المرتهن له ورفع يد الراهن عنه . هذا هو القبض بالإجماع ، ومن زعم أن قوله ' مقبوض ' يصيره مقبوضاً خارق الإجماع مع كونه زوراً مخالفاً للحس . إذا ثبت هذا فنحن ما أفتينا بلزوم هذا الرهن
____________________
(1/80)
إلا لضرورة وحاجة ، فإذا أراد صاحبها أن يأكل أموال الناس ويخون في أمانته لمسألة مختلف فيها فالرجوع إلى الفتوى بقول الجمهور في هذه المسألة . فإن رجعنا إلى كتاب الله وسنة رسوله في إيجاب العدل وتحريم الخيانة فهذا هو الأقرب قطعاً ، وإن رجعنا إلى كلام غالب العلماء فهم لا يلزمون ذلك إلا برفع يد الراهن وكونه في يد المرتهن . وأما قولك : لم أجد الخلاف إلا في الصدقة والهبة ؛ فهذا هو العجب . أتراهم يبطلون العتق الذي هو من أحب الأشياء إلى الله ، ويسري في ملك الغير ، ويردون الصدقة بعد ما يأخذها الفقير لأجل العدل ووفاء الدين ، ويمنعونه في الرهن ولو كان صحيحاً ؟ وأما قولك : إن صحَّ هذا لم يحتج إلى الحجر ، فيقال : إن الحجر يمنع تصرفه مطلقاً ولو كان فيه إصلاح لنفسه أو للغرماء . وأما هذه المسألة فتصرفه صحيح كله إلا ما عصى الله فيه ورسوله وخان أمانته وظلم الناس ، فهذا هو المطابق للعقل والنقل ، ولكن هذا أوحشته الغربة كما استُوْحِش من إنكار الشرك . والله أعلم .
____________________
(1/81)
( المسألة الثامنة عشرة ) سئل رحمه الله عن هذه المسألة وهي : قلب الدين في ذمة المدين بثمر أو غيره . فأجابه بقوله : من محمد بن عبد الوهاب إلى محمد بن عبد الله بن إسماعيل . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد ؛ فقد وصلنا كتابك تسأل عن المسألة التي يفعلها كثير إذا ورد له على رجل دراهم وأراد أن يقلبها بزاد وأخرج من بيته دراهم ، وصحح بها وأوفاه بها ، وأنا قد ذكرت لك أنها من الحيل الباطلة التي ينكرها الإمام أحمد وغيره من الأئمة ، وأغلظوا القول في أهلها . وذلك أن عندهم لا بد من كون رأس مال السّلَم مقبوضاً في مجلس العقد ، وعندهم أن كونه ديناً أعني رأس مال السلم ربا وهذه بعينها مسألتكم ؛ إلا أنه لما اعترف بكونه رباً أحضر من بيته عدة الدين المقلوب وعقد بها ، والعارف والشهود ومن حضرهم يعلمون أن المكتوب هو الدين الحالّ والتاجر يقول له : أوفني أو اكتبها ؛ والمشتري يقول : ورد له دراهم وكتبتها منه . ويفهمون أن الدراهم الحاضرة غير مقصودة ، ويسمون هذا العقد التصحيح . وهذا لا ينكره إلا مكابر معاند ، وحينئذ فعباراتهم والحيل التي تُحِلُّ حراماً أو تحرِّم حلالاً لا تجوز في شيء من الدين ، وهي أن يظهرا عقداً صحيحاً ومرادهما التوصل به إلى عقد غير صحيح . هذا معنى عبارة ' الإقناع ' و ' شرحه ' .
____________________
(1/82)
فإن جادلكم أحد في أن هذه الصورة غير داخلة في ذلك ، فقل له : مثل صورة الحيل المحرمة ، فإنه لا يذكر شيئاً من الصور إلا ومسألتكم مثلها أو أشد بطلاناً . وأعجب من هذا أن ابن القيم ذكر في ' إعلام الموقِّعين ' في صورة أحسن من هذه وأقرب إلى الحل ما صورته : لو أراد أن يجعل رأس مال السلم ديناً يوفيه إياه في وقت آخر بأن يكون معه نصف دينار ، ويريد أن يسلم إليه ديناراً غير معين في كونه حنطة ، فالحيلة أن يسلم إليه ديناراً غير معين ، ثم يوفيه نصف الدينار ، ثم يعود فيستقرضه منه ، ثم يوفيه إياه ، فيفترقان وقد بقي له في ذمته نصف دينار . وهذه الحيلة من أقبح الحيل فإنهما لا يخرجان بها عن تأخير رأس مال السلم ، ولكن توصلا إلى ذلك بالقرض الذي جعلا صورته مبيحة لصريح الربا ولتأخير رأس مال السلم وهذا غير القرض الذي جاءت به الشريعة وإنما اتخذه المتعاقدان تلاعباً بحدود الله . انتهى كلامه . فإذا كان هذا كلامه فيمن أراد أن يسلم إلى رجل محمدية من بيته . باطناً وظاهراً ولكن لم يحضر في المجلس إلا خمسين ، وكتبها عليه ، ثم استقرضها وكتبها أخرى ، إلى أن يخرج بالخمسين في آخر النهار أو غد ، فكيف بكلامه في التحيل على قلب الدين وجعله رأس مال السلم ؟ وإذا كان هذا كلامه في ' إعلام الموقعين ' وهو الذي ينسبون عنه إذا أراد أن يشتري دابة بخمسين وجاء رجل وربحه في الخمسين خمساً أو أكثر أو
____________________
(1/83)
أقل وقال : أنا موكلك تشتر بها ، ثم تبيعها على نفسك . وهذه الحيلة الملعونة التي هي مغلظ الربا ، واستباح بها إلى الآن أكثر المطاوعة الربا الصريح ، وينسبونها إلى ' إعلام الموقعين ' وحاشاه منها ، بل هذا صفة كلامه في رأس مال السلم الحاضر إذا تأخر قبض بعضه إلى آخر النهار فضلاً عن هذه وأمثالها . ومع هذا فالله سبحانه لا مردَّ لحكمه يَهْدي مَنْ يشاءُ ويضلُّ مَنْ يشاء ! ( إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية ) ! . والسلام .
____________________
(1/84)
( المسألة التاسعة عشرة ) قال رحمه الله : سألني رجل عن وقف نخل تعطل ، وبيع نصفه لإصلاح النصف الآخر بمائة أحمر ، واستأجروا بمائة الأحمر من يسقي النصف الآخر عشر سنين . فمات الذي استأجره لما مضى بعض المدة وهي سنتان ، وأراد ورثته أن يُتِمُوا باقي مدته ، وأراد المؤجر الفسخ . فأجبت : إن الإجارة صحيحة ثابتة لا تنفسخ بموت المستأجر ، فإذا تمم الورثة ما على ميتهم استحقوا ما استحقه وليس للمؤجر الفسخ . ودليل هذا أن القول بانفساخ الإجارة أو المساقاة قول ضعيف ردَّه أهل العلم بالنص الثابت . من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ساقى أهل خيبر لم يجدد الخلفاء بعده عقداً ، فإذا ثبت هذا فقد أمر الله بالوفاء بالعقود بقوله : ! ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) ! وهذا اللفظ عام من جوامع الكلم . فمن ادَّعى في صورة من العقود أنه لا يجوز ، ولا يجوز الوفاء به لأجل موت فعليه الدليل ! ( والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ) ! .
____________________
(1/85)
( المسألة العشرين ) قال رحمه الله : الذي يعلم به الأخ مقرن بن عبد الله - بعد إبلاغ السلام - أن ابن صالح سألني عن التذكير ، فقلت : إنه بدعة . فذكر أن عندنا من لا يعرف الجمعة إلا به ، وذكرت له أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم منّا بمصالح أمته ، وهو سنَّ الآذان ونهى عن الزيادة ، فلما فتح الله لكم باباً في اتباع نبيكم صلى الله عليه وسلم فلا تتثقلوا من قطع العادات في طاعة الله ورسوله ، والسلام .
____________________
(1/86)
( المسألة الحادية والعشرون ) قال رحمه الله : إلى الأخ سليمان ' سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ' وبعد : مسألة الخمس ، فاعلم أن الأمر أمران : أمر تأمر به ، وأمر يفعله الغير وتحتاج إلى الإنكار فيه . . والثاني نتوسع فيه إلا أن نرى منكراً صريحاً . إذا ثبت هذا فمسألة الخمس لا أكره فعلهم إذا أخذوه باسم الخمس . وأما سهم النبي صلى الله عليه وسلم وذوي القربى ففيه كلام طويل . وقد ذكر أن أبا بكر وعمر لم يعطيا بني هاشم ، فالذي أرى أن يجري في المصالح حتى يتبين فيه حكم . وأما مصرف المصالح عندكم فهذا الذي تذكر أنهم يفعلونه ما علمت فيه خلافاً لكن لا يقتصر عليه بل من المصالح ما هو أهم منه . وأما عقوبة من تخلّف وعصى الأمر يأخذ شيء من ماله ، فقد ذكر ابن القيم أن بعض السلف أفتى به ، وظاهر كلامه أنه مقرر له . والسلام .
____________________
(1/87)
( المسألة الثانية والعشرون ) سأله الشيخ أحمد بن مانع عن مسائل ، فأجاب بقوله : من محمد بن عبد الوهاب إلى أخيه أحمد بن مانع حفظه الله تعالى : سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، وبعد ؛ نحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو ، بخير وعافية تمها الله علينا وعليكم في الدنيا والآخرة ، وكل من تسأل عنه طيب ، والأمور على ما تحب ، والإسلام يزداد ظهوراً ، والشرك يزداد وهناً . نسأل الله تمام نعمته . وسرّ الخاطر ما ذكرت من جهة جماعتكم عسى الله أن يهدينا وإياكم الصراط المستقيم ، صراط الذين أنعم عليهم ، فإنه عليه سهل هيّن مع كونه سفت عليه السوافي حتى وارته . وصاحب الورقة الذي اسمه عثمان بن عقيل إن كنت تظن أنه صادق ما هو بمنافق فلا يخلى بلا كشف الشبهة التي أوردها . وأما المسائل التي ذكرت فاعلم أولاً أن الحق إذا لاح واتضح لم يضره كثرة المخالف ولا قلة الموافق . وقد عرفت بعض غربة التوحيد الذي هو
____________________
(1/88)
أوضح من الصلاة والصوم ، ولم يضره ذلك . فإذا فهمت قول الله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمر منكم فإنْ تنازعتم في شيء فَرُدُّوهُ إلى الله والرسول إنْ كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ) وتحققت أن هذا حتم على المؤمنين كلهم فاعلم أن مسألة الأوقاف فيها النزاع معروف في كتب المختصرات وذكر في شرح ' الإقناع ' في أول ' الوقف ' أنهم اتفقوا على صحة وقف المساجد والقناطر يعني بقعهما لا الوقف عليهما ، واختلفوا فيما سوى ذلك . إذا تبين هذا فأنت تعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ' من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رَد ' ، وفي لفظ الصحيح ' من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رَد ' ويقطع أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يأمرنا بهذا ولو يأمر به لكان الصحابة أسبق الناس إليه وأحرصهم عليه . وتقطع أيضاً أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتى بسد الذرائع ، وهو من أعظم الأشياء ذريعة إلى تغيير حدود الله ، هذا على تقدير أن العالم المنسوب إليه هذا يصحِّح مثل أوقافنا ، وأنى ذلك وحاشا وكلا ! بل هم يبطلون الوقف الذي يقصد به وجه الله على أمر مباح ، ويقولون لا بد منه على
____________________
(1/89)
أمر قربة . وأما كونه جعل ماله بعد الورثة على بر لم يرد إلا بعد انقراضهم ، وعاداتنا نفتي ببطلان مثل هذا ولا نلتفت إلى هذا المصرف الثاني وذكر بطلان مثل هذا الشرح الكبير وغيره . ( وأما ) المسألة الثانية وهي : وقف المرأة على ولدها وليس لها زوج . . . الخ ، فكذلك تعرف أن الوقف على الورثة ليس من دين الرسول صلى الله عليه وسلم ، ولو شرعه لكان أصحابه أسرع الناس إليه سواء شرط على قسم الله أم لا ، وهذا في الحقيقة يريد أمرين : الأول : تحريم ما أحلَّ الله لهم من بيعه وهبته والتصرف فيه . والثاني : يحرم زوجات الذكور وأزواج الإناث فيشابه مشابهة جيدة ما ذكر الله عن المشركين في سورة الأنعام . ولكن كون الرسول صلوات الله وسلامه عليه لم يأمر به كاف في فساده ، صلحت نية صاحبه أم فسدت . وأما المسألة الثالثة : إذا لم يعرف هل هذا وقف على من يرث أم لا ولكن الإفاضة على أنه ممن يرث ؛ فأنا لا أدري عن هذه المسألة لكن أرى لك التوقف عنها ولا ينزع من يد من يأكله إلا ببينة . وأما المسألة الرابعة وهي : الوقف على المحتاج من ذريته ، فهو صحيح ذكره البخاري عن ابن عمر أنه وقف نصيبه من دار عمر على المحتاج من آل عبد الله .
____________________
(1/90)
وأما المسألة الخامسة وهي : مسألة الجمعة فهي باطلة لكونها وقفاً على الورثة ' وأيضاً يحرم بعضهم ' وأيضاً لم يشرع . وأما بيع الإنسان نصيبه من هذه الصبرة على صاحب العقار أو غيره فلا يجوز بل الصبرة باطلة من أصلها . فإن كان هذا الجواب أزال عنك الإشكال ، وإلا فلو ذكرت لي طولت لك وذكرت العبارات والأدلة . والسلام . ' انتهى ما كان مصدره تاريخ ابن غنام ' .
____________________
(1/91)
بسم الله الرحمن الرحيم ( هذه مسائل أجاب عنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ) ( المسئلة الأولى ) ما حكم ما يأخذ الأعراب ونحوهم ممن هو مثلهم أو من أهل القرى ؟ أما ما يأخذونه ممن هو مثلهم في ترك ما فرضه الله عليهم والتهاون بما حرمه الله تعالى مما يكفر أهل العلم فاعله فلا إشكال في حله كما أفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره من أهل العلم وهو ظاهر لظهور دليله . وأما إذا كان المأخوذ من أهل القرى ونحوهم ممن يلتزم أركان الإسلام ولا يظهر منه ما ينافيه فحكم ما أخذ منهم حكم الغصب وتفصيله لا يجهل . وأن اشتبه الحال على من وقع في يده شيء لا يعرف مالكه فله التصدق بثمنه . وأما ( المسئلة الثانية ) وهي ما يتعامل به أهل نجد من الجدد حين رخصت وصارت الفضة فيها أكثر من المقابل فهي صورة مسئلة ' مدعجوة ' لا بد فيها من أن يكون المنفرد أكثر من الذي معه غيره على الرواية القائلة بالجواز وهي اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية فعلى هذا إذا كان الذي في الجدد من الفضة أكثر من فضة الريال فلا يجوز بيعها على كلا الروايتين . وأما ( المسئلة الثالثة ) وهي أخذ العروض عن النقود وبالعكس فإن كان المراد أخذ العروض عن النقود التي في الذمة عن ثمن ربوي كما إذا باع تمراً
____________________
(1/92)
أو نحوه بأحد النقدين إلى أجل ثم أخذ عما في الذمة من جنس المبيع أو ما لا يجوز بيعه به نسيئة فهذا لا يصح على المعتمد وإن كان غير ذلك كقيمة متلف أو أجرة ونحو ذلك فيجوز أن يأخذ عما في الذمة عن النقد عرضاً وبالعكس بل يجوز أخذ أحد النقدين عن الآخر بسعر يومه كما في حديث ابن عمر . وأما أخذ الثمار في السلم فرصاً فالذي يتوجه عندنا الجواز إذا كان الثمر المأخوذ دون ما في الذمة بيقين ؛ لحديث جابر المخرج في الصحيح فيكون من باب أخذ الحق والإبراء عما بقي والله سبحانه وتعالى أعلم .
____________________
(1/93)
بسم الله الرحمن الرحيم من عبد العزيز الحصين إلى الشيخ المكرم محمد بن عبد الوهاب . سلام عليكم ورحمة الله وبركاته . وبعد أفتنا عفا الله عنك هل يجزيء إخراج الجدد في الزكاة أم لا ؟ لأنها مغشوشة بنحاس ؟ وهل تصح المضاربة بها لأجل الغش ، وهل كذلك العروض كالإبل والهدم وغير ذلك من سائر العروض هل تصح المضاربة بها فرأيت في شرح العمدة للموفق أن الزكاة لا تصح أنها تخرج على الذهب الذي أخذ من معدته إلا بعد ما يصفى لأن الزكاة ما تجوز عن المغشوش وقال ( باب إجراء أمراء الأمصار ) وذكر فيه تفصيلا كالبيع والإجارة والمكيال والميزان إلى غير ذلك هل كلام البخاري في هذا يفيد أم لا ؟ أفتنا جزاك الله خيراً والسلام . ( الجواب ) بسم الله الرحمن الرحيم ( هذه المسائل التي في السؤال ) ( المسئلة الأولى ) العروض هل تجزيء في الزكاة إذا أخرجت بقيمتها ؟ ( الثانية ) هل تصح المضاربة بها أم لا ؟ . ( الثالثة ) أن الجدد هل تخرج بها أم لا ؛ لأجل الغش .
____________________
(1/94)
( فأما المسئلة الأولى ) ففيها روايتان عن أحمد إحداهما المنع لقوله : ' في كل أربعين شاة شاة وفي مئتي درهم خمسة دراهم ' وأشباهه . ( والثانية ) يجوز قال أبو داود سئل أحمد عن رجل باع ثمر نخله فقال عشره على الذي باعه قيل يخرج تمراً أو ثمنه قال إن شاء أخرج تمر وإن شاء أخرج من الثمن . إذا ثبت هذا فقد قال بكل من الروايتين جماعة وصار نزاع فيها فوجب ردها إلى الله والرسول قال البخاري في صحيحه في أبواب الزكاة ( باب العرض في الزكاة ) وقال طاوس قال معاذ لأهل اليمن ائتوني بعرض ثياب خبيص أو لبيس في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم وخير لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وقال صلى الله عليه وسلم : ' وأما خالد فقد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله ' ثم ذكر في الباب أدلة غير هذا فصار الصحيح أنه يجوز واستدلال من منعه بقوله في كل أربعين شاة شاة وأمثاله لا يدل على ما أرادوا ؛ لأن المراد هو المقصود وقد حصل . كما أنه صلى الله عليه وسلم لما أمر المستجمر بثلاثة أحجار بل نهى أن ينقص عن ثلاثة أحجار لم يجمدوا على مجرد اللفظ بل قالوا إذا استجمر بحجر واحد له ثلاث شعب أجزأه ولهذا نظائر أنه يؤمر بالشيء فإذا جاء مثله أو أبلغ منه أجزأ . ( وأما المسئلة الثانية ) فعن أحمد أن المضاربة لا تصح بالعروض واختاره جماعة ولم يذكروا على ذلك حجة شرعية نعلمها ، وعن أحمد أنه يجوز
____________________
(1/95)
وتجعل قيمة العروض وقت العقد رأس المال . قال الأثرم سمعت أبا عبد الله يسئل عن المضاربة بالمتاع فقال جائز واختاره جماعة وهو الصحيح لأن القاعدة في المعاملات أن لا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله لقوله : ' وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها ' . ( وأما المسئلة الثالثة ) وهي إخراج الجدد في الزكاة هل يجوز أم لا ؟ فهذه المسئلة أنواع أما إخراجها عن جدد مثلها فقد صرحوا بجوازه فقالوا إذا زادت القيمة بالغش أخرج ربع العشر مما قيمته كقيمته وأما إخراج المغشوش عن الخالص مع تساوي القيمة كما ذكر في السؤال فهذه هي التي ذكر بعض المتأخرين المنع منها وبعضهم يجيز ذلك وهو الصحيح بدليل ما تقدم في إخراج القيمة أنه يجزيء ، فإن إخراج المغشوش يجيزه من لا يجيز القيمة بل قال الشيخ تقي الدين نصاب الأثمان هو المتعارف في كل زمن من خالص ومغشوش وصغير وكبير وأما إخراج المغشوش عن الجيد مع نقصه مثل الجنازرة التي تسوى على ثمان لأجل الغش بالفضة عن جنازرة تسوى أكثر لقلة الغش فهذا لا يجوز . ( وأما المسئلة الرابعة ) وهي المضاربة بالمغشوش فقد تقدم أن الصحيح جوازها بالعروض وهي أبلغ من المغشوش وقد أطلق الموفق في المقنع الوجهين ولم يرجح واحداً منهما ولكن الصحيح جواز ذلك لما تقدم وما ذكر في السؤال من غش ذهب المعدن فهذا غش لا قيمة له فأين هذا من غش قيمته أبلغ من قيمة الفضة الخالصة أو مثلها . ( وأما كلام البخاري الذي في
____________________
(1/96)
السؤال فقد أورده لمسائل غير هذه وأما كونه يدل على ما ذكرتم فلا أدري ) . تتمة في اتباع النصوص مع احترام العلماء : إذا فهمتم ذلك فقد تبين لكم في غير موضع أن دين الإسلام حق بين باطلين ، وهدى بين ضلالتين وهذه المسائل وأشباهها مما يقع الخلاف فيه بين السلف والخلف من غير نكير من بعضهم على بعض فإذا رأيتم من يعمل ببعض هذه الأقوال المذكورة بالمنع مع كونه قد اتقى الله ما استطاع لم يحل لأحد الإنكار عليه اللهم إلا أن يتبين الحق فلا يحل لأحد أن يتركه لقول أحد من الناس ، وقد كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلفون في بعض المسائل من غير نكير ما لم يتبين النص . فينبغي للمؤمن أن يجعل همه ومقصده معرفة أمر الله ورسوله في مسائل الخلاف والعمل بذلك ويحترم أهل العلم ويوقرهم ولو أخطأوا ، لكن لا يتخذهم أرباباً من دون الله . هذا طريق المنعم عليهم . أما اطراح كلامهم وعدم توقيرهم فهو طريق المغضوب عليهم . وأما اتخاذهم أرباباً من دون الله ، إذا قيل قال الله قال رسوله قيل هم أعلم منا - فهذا هو طريق الضالين . ومن أهم ما على العبد وأنفع ما يكون له معرفة قواعد الدين عند التفصيل فإن أكثر الناس يفهم القواعد ويقرَّ بها على الإجمال ويدعها عند التفصيل والله أعلم .
____________________
(1/97)
هذه مسائل سئل عنها الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى فأجاب والسائل عامي . بسم الله الرحمن الرحيم أما المفقود فلا يحكم بموته إلا بعد أربع سنين ، وإذا أخذ الكفار مال مسلم وتملكه مسلم آخر بشراء أو هبة لم يكن لصاحبه الأول عليه طريق لانتقال ملك الأول عنها ، لأن الكفار يملكون أموال المسلمين بالقهر والاستيلاء كما هو مذهب أحمد في إحدى الروايتين وهي المذهب ، ومذهب مالك وأبي حنيفة ، لكن يكون صاحبه أحق به بالثمن بعد قسمه أو شرائه . والنخلة : ما تصير وفقاً إلى بشهادة رجلين مقبولين . والوالد : إذا أعطى بعض بنيه عطية وحازها المعطي ولم يعط الآخرين لم يرجعوا عليه ، والبيع يصح إذا انقطع الخيار ولو كان بدون القيمة . والبعير : إذا غدت عينه وهو مثل فاطر ذبحت ، ولا علم القصاب أنها غادية إلا بعد ما ذبحها فلا له طلابه . ورد الدين على المعسر ما يجوز لا ثمن زاد ولا غيره ، وإذا أوفاه بالعقد الفاسد مثل الرد على المعسر ماله إلا رأس ماله ، ويصح قسم الدين في الذمة : وإذا استغرق دين من عليه الدين لم يصح الرهن إلا بأمر الديانين . وإذا اختلف المقرض والمقترض ، فقال المقترض أقرضتك ، وقال الآخر أرهنتني فالقول
____________________
(1/98)
قول المقرض مع يمينه ، وإذا تلفت الصبرة والمشتري متمكن من القبض ولم يقبض فهي من ضمان المشتري ، وإذا اشترى ثوباً فصبغه أو نسجه أو اختاطه وهو معيب عند البائع فهو يرده المشتري لإمساكه مع الأرش وله قدر صبغة أو نسجه أو خياطته وقت الرد ويلحق البائع قدر استعماله له . وإذا استأجر أجيراً إلى مكان يأتي له منه بشيء فحصل له مانع لزمته الأجرة . والصبي أبو خمسة عشر سنة أنا راجي أن مثله ما يضمن ومثله . ومال اليتامى ما فيه زكاة حتى يصيب كل واحد منهم نصاب . وإذا قال الزوج لامرأته اطلعي من داري فليست بقرينة ويحلف أنه ما أراد الطلاق . والمهر إذا كان عادة الناس أنه ما يطلب إلا إذا طلقت المرأة أو مات الزوج فلا يطلب إلا إذا طلق أو مات . وصاحب الدين المؤجل إذا قال لست بمزكية إلا بعد قبضه فوافقوه ، وبعد ماجد يوم يشتري النخل فيعطي زكاة ثمنه ، والذي يشتري صبر التمر في الحصاد فلا يبيعها مشتريها حتى يشيلها وما ذكرت من قبل الذي يسرق من الثمرة فهو على المشتري . والهبة تلزم بمجرد العقد ، وإذا وهبه وقال أوهبتك عمرك أو عشر سنين فهذا جائز ، ولا يجوز للوالد تنفيل بعض أولاده في العطية على بعض ، والمرأة التي حلفت بالظهار فليس عليها إلا كفارة يمين . والضرر المانع من القسمة هو إذا نقص قيمته مفرداً فهو يمنع . والنخل الذي بين الشركاء
____________________
(1/99)
واحد يشتهي القسمة وواحد ما يشتهي ، فإن كان على بعضهم مضرة لم يقسم ، وأما إذا كان في ذمة رجل لآخر دراهم واشترى من رجل شيئاً بشرط أنه يقبل الثمن من ذمة فلان فلا أرى فيه بأساً . وأما الذين يبيعون الثمرة وقت الجذاذ فبيعهم صحيح ولو ما نقد المشتري الثمن وقبض الثمرة فإنه يلزم إذا خلى بينه وبينها ويكون قبضاً لأن قبض هذا بالتخلية ، وإذا أوصى بوصية وعلقها على الموت ثم بعد ذلك أوصى بثلث ماله فالوصية من الثلث إلا إن كان منجزها . ومسئلة الصغير الذي ورث عصبة له فإن كان الأمير يقول بيعها أصلح له فلا تعارضه ، وإن كان الأمير والجماعة يقولون غادية أصلح فالذي أرى أن البيع ما يتم ، ومسئلة الرهن إذا ظهر مستحقاً فالتالي يرجع على الثاني والثاني يرجع على الأول . ( انتهى والله أعلم ) .
____________________
(1/100)
( كتاب الطهارة ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن البناء على القبور فأجاب : أما بناء القباب عليها فيجب هدمها ولا علمت أنه يصل إلى الشرك الأكبر . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن حديث هند ، وحديث : ' لا تخن من خانك ' فأجاب : هذه تسمى مسألة الظفر فمن الناس من منع مطلقاً واستدل بقوله : ' ولا تخن من خانك ' ومنهم من أباح مطلقاً واستدل بحديث هند ومنهم من فصل وقال : حديث هند له موضع والآخر له موضع ، فإن كان سبب الحق ظاهر لا يحتاج لبينة كالنكاح والقرابة وحق الضيف جاز الأخذ بالمعروف كما أذن لهند وأذن للضيف إذا منع أن يعقبهم بقدر قراه ، وإن كان سبب الحق خفياً وينسب الآخذ إلى خيانة أمانته لم يكن له الأخذ وتعريض نفسه للتهمة والخيانة ولعل هذا أرجح الأقوال وبه تجتمع الأدلة ، وأما إذا قدر على استيفاء حقه من مال الغاصب من غير أمانته ولا يمكن رفعه إلى الحاكم فلا أعلم في هذا بأساً ، وقد أفتى به ابن سيرين وقرأ قوله تعالى : ! ( وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ) ! . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن المرأة إذا بلغت سن الإياس وما قدر سن الأياس والدم يأتيها على عادتها هل تصوم وتصلي وتقضي الصوم
____________________
(1/101)
أو لا بد من انقطاع الدم عنها ؟ فأجاب : الأياس لا يقدر بشيء إلا إذا تغير الدم أو انقطع صامت ولا تقض . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عمن ذكر حدثه في الصلاة هل يستخلف ؟ فأجاب إذا ذكر حدثه في الصلاة فلا يستخلف . ( باب صلاة الكسوف ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى هل صلاة الكسوف واجبة أو لا ؟ فأجاب : وأما صلاة الكسوف فالمشهور عند العلماء أنها غير واجبة وبعضهم يوجبها وهم الأقل . ( باب صلاة الإستسقاء ) قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى ذكر في السيرة أن أهل مكة طلبوا آيات وأن الله منع إجابتهم رحمة ، والفائدة كون الإنسان يعرف أنه حرى أن يمنع شيئاً من دعائه رحمة به ولو يعطى ما طلبه كان عذاباً عليه كثعلبة .
____________________
(1/102)
( كتاب الزكاة ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب : هل تجب الزكاة في مال الأيتام ألخ . . فأجاب مال الأيتام ما فيه زكاة حتى يتم لكل واحد منهم نصاب . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عمن عليه دين ينقص النصاب . وحال عليه الحول قبل أن يقضيه . فأجاب : التجارة إن كان صاحبها أوفى قبل الحول فلا زكاة عليه وإن كان ما أوفى فعليه الزكاة ولو كان مديوناً . قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى الذي عنده خمس سوان ما هن للبيع إن رعت أكثر من نصف السنة ففيها شاة ، والذي عنده ناقتان أو أكثر أو أقل وهو فلاح وله تجارة وهن للبيع يحسبن مع تجارته . ويئل عمن له ثلاثون ريالا وإبل وغنم إلخ فأجاب : الذي له ثلاثون ريالا وله مع البدو إبل وغنم ولا ينصب كل واحد منهما فإن كانت للتجارة قومت بعد الحول وأضيفت إلى ثلاثين الريال وزكى الجميع ربع العشر ، وإن كانت الإبل والغنم ليست للتجارة زكيت زكاة خلطة إن كان معها تمام النصاب بعد الحول . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عما سقى بمؤنة بعض الوقت وبعضه بغيرها فأجاب : الأصل فيه قول النبي صلى الله عليه وسلم : ' فيما سقت السماء والعيون
____________________
(1/103)
أو كان عثرياً العشر ، وفيما سقى بالنضح نصف العشر ' رواه البخاري ، وأمّا إذا سقى النصف بكلفة والنصف بغير كلفة فذكر الفقهاء فيه ثلاثة أرباع العشر قالوا : وهذا قول مالك والشافعي وأصحاب الرأي ولا نعلم فيه مخالفاً وأنت فاهم أن الإجماع حجة ؛ وذكروا أيضاً أنه إذا جهل أي الكلفة أكثر أنه يجب العشر احتياطاً نص عليه . وأجاب أيضاً الذي ثمرته على السقي وعلى السيل يسأل أهل المعرفة فإن كان نفع السيل أكثر فعليه العشر تاماً وإن كان السقي أكثر نفعاً فعليه نصف العشر وإن استويا فثلاثة أرباع العشر . وسئل متى تجب ؟ فأجاب : المشهور عند أهل العلم أن الزكاة تجب إذا اشتد الحب ولا يستقر الوجوب إلا إذا جعل في البيدر فإن تلف بعضه سقطت الزكاة فيما تلف ، وزكى الباقي ، ولا أعلم أحد من العلماء قال بوجوبها فيما تلف قبل الحصاد بل الذي عليه أكثر العلماء أو كلهم بل أظنه إجماعاً أن الزرع إذا هلك بآفة سماوية قبل حصاده والثمرة إذا هلكت قبل الجذاذ فالزكاة تسقط فيما تلف ، وأما إذا جذت الثمرة ووضعت في الجرين أو حصد الزرع وجعل في البيدر ثم أصابته آفة سماوية كالريح والنار التي تأكله قبل التمكن من إخراج الزكاة فهذه المسألة هي محل الخلاف فبعضهم يقول بوجوب الزكاة ، وبعضهم يقول بسقوطها ويقول شرط الوجوب التمكن من الإخراج وهو لم يحصل . وسئل عمن يدفع زكاة البر سنبلا فأجاب : ظاهر كلامهم عدم الجواز لأنهم نصوا على أنه لا يخرج الحب إلا مصفى ولا التمر إلا جافاً .
____________________
(1/104)
وسئل عمن اشترى عيشاً وزكى به فأجاب : أما شراء الإنسان زكاة ماله من عيش غيره فلا علمت فيه خلافاً والذي فيه المنع إذا شراها من الفقير بعد ما يدفعها إليه ، وأما كونه يخرج عيشه للديانين ويشتري مثله ويعطيه أهل الزكاة فلا أرى به بأساً . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عما يدعه الخارص ألخ فأجاب : وأما ترك الخارص الثلث أو الربع فأرجح الأقوال عندي قول أكثر أهل العلم أنه غير مقدر بل يترك له قدر ما يأكله ويخرجه رطباً باجتهاد الخارص ، وعلى هذا وردت الأدلة ويصدق بعضها بعضا . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن إغلاق الباب وقت الحصاد فأجاب . وأما إغلاق الباب وقت الحصاد فلا أتجرأ على الجزم بتحريمه ولكن أظنه لا يجوز لما ورد في هذا المعنى من الكتاب والسنة وكلام أهل العلم ؛ من ذلك ما ذكر الله في سورة ' ن ' عن أصحاب الجنة ! ( إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ) ! وهم لم يغلقوا الباب ولكن تحيلوا بالصرام وقتا لا يأتي فيه المساكين . وأجاب بعضهم : وأما قوله : ! ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ! قال ابن جرير قال بعضهم في الزكاة المفروضة ثم رواه عن أنس بن مالك وكذا قال ابن المسيب ، وقال العوفي عن ابن عباس وذلك أن الرجل إذا زرع فكان يوم حصاده لم يخرج منه شيئاً فقال الله ! ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ! . وقال الحسن هي الصدقة من الحب والثمار وقاله قتادة وغير واحد ، وقال آخرون : هي شيء آخر سوى الزكاة قال أشعث عن ابن سيرين ونافع عن ابن عمر في
____________________
(1/105)
الآية كانوا يعطون شيئاً سوى الزكاة ؛ وعن عطاء من حضر يومئذ مما تيسر وليست الزكاة ؛ وقال ابن المبارك عن سالم عن سعيد بن جبير ! ( وآتوا حقه يوم حصاده ) ! قال هذا قبل الزكاة للمساكين القبضة والضغث لعلف الدابة ؛ وفي حديث ابن لهيعة عن دراج للديانين ويشتري مثله ويعطيه أهل الزكاة فلا أرى به بأساً . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن رجل له بعيران وله تجارة وهما للبيع إلخ فأجاب : الذي عنده ناقتان أو أكثر أو أقل وهو كداد وله تجارة وهن للبيع يحسبن مع تجارته والذي عنده عيش أو تمر للبيع إذا طال عليه الحول يزكيه مع التجارة ، وما فضل من قوت الرجل وهو ناويه للتجارة فيحسبه مع تجارته إلا أن كان ناويه قوتاً وفضل شيء فلا زكاة فيه حتى ينويه للبيع ويحول عليه الحول .
____________________
(1/106)
( باب صدقة الفطر ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عمن ليس عندها إلا حلي أو ليس له إلا عوامل يستعملها إلخ . . . فأجاب : الفطرة لا تجب إلا على من يقدر عليها والتي عندها حلي فتجب عليها ولو باعت منه ، والذي ليس عنده إلا عوامل يستعملها ما عليه شيء ، والذي له ثمرة تجب عليه ولو كانت مرهونة ، والذي ليس له إلا ذمته لا يستدين إلا أن أراد ، والتمر يؤخذ ولو كان فيه رطوبة إذا طلع عن اسم الرطب وتفريقها قبل صلاة العيد . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عمن منع بعض زكاته هل يثاب على ما أخرج إلخ ؟ . . . فأجاب : وأما المانع لبعض الزكاة فذكر الشيخ أنه يثاب على ما فعل ويعاقب على ما ترك إلا إن كان له تطوع يجبر نقص الفريضة مستدلا بالحديث : ' أول ما ينظر فيه من عمل العبد صلاته فإن أكملها وإلا قيل انظروا فهل له من تطوع ثم يفعل بسائر الأعمال كذلك ' . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن نقلها فأجاب الذي نفهم أن الذي نقل إلى النبي صلى الله عليه وسلم من الزكاة زكاة البادية وأما زكاة القرى فيذكرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ما نقلها هو ولا أصحابه إلا إذا لم يجدوا في أهل البلد من يستحق لكن في وقتنا نقلها للمصلحة ، وأظن أن الشيخ تقي الدين اختار جواز ذلك للمصلحة .
____________________
(1/107)
( كتاب الصوم ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن جماعة أفطروا في يوم غيم قبل غروب الشمس فأجاب : الأحوط القضاء وهو الذي نحب . ( كتاب الحج ) وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب وابنه عبد الله عمن توفي ووجد بعده ثمانية حمران الخ . . فأجابا : الرجل الذي مات عندكم وهو فقير ساقط عنه الحج في حياته وعند موته حصل له ثمانية حمران من ناس علمهم القرآن وقال اجعلوها في حجة وله ورثة فتكون الحمران بين الورثة . وسئل : إذا مات الرجل وهو غني ولم يحج ولم يوص بحجة هل تؤخذ من المال ويحج عنه أم تسقط ؟ فأجاب : يؤخذ قدرها من ماله وينظر في قرابته من يحج لوجه الله ويعطي الدراهم يستعين بها . ( باب الأضاحي ) وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله أيما الصدقة عن الميت أو الأضحية ؟
____________________
(1/108)
قال : الأضحية . وأجاب في موضع آخر : واستحسن الصدقة عن الميت على الأضحية . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن الذبح في اليوم الثالث من أيام التشريق فأجاب : وأما الذبح في اليوم الثالث من أيام التشريق ففيه خلاف والراجح أنه يجوز . ( فصل في العقيقة ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب : هل يعق عن الكبير الخ . . . فأجاب : العقيقة عن الكبير ما علمت لها أصلا .
____________________
(1/109)
( كتاب البيع ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عمن باع ما لم يره ألخ . . فأجاب : ومن باع ما لم يره ثبت له خيار الرؤية إذا كان ما استوفى صفات البيع . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن البيع بما ينقطع به السعر الخ . . فأجاب : الرجل الذي باع على ما ينقطع به سعر فلان فالشيخ يصححه وغالب العلماء ما يصححونه . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عمن اشترى عضواً من الذبيحة قبل الذبح فأجاب : العضو إذا اشترى من الذبيحة فهو غرر هذا إذا كان قبل الذبح . ( باب الشروط في البيع ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عمن كان له في ذمة رجل دراهم واشترى من آخر شيئاً بشرط أن يقبل الثمن من ذمة غريمه فأجاب : وأما إذا كان في ذمة رجل لرجل دراهم واشترى من آخر شيئاً بشرط شرط له يقبل الثمن من ذمة فلان فلا أرى فيه بأساً . ( باب الخيار ) وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن البيع إذا انقطع الخيار وصار بدون القيمة هل يصح ؟ فأجاب والبيع يصح إذا انقطع الخيار ولو كان بدون القيمة .
____________________
(1/110)
وسئل عن ضمان المبيع في مدة الخيار فأجاب : وضمان المبيع في مدة الخيار للمشتري ونماؤه له وأجاب أيضاً : والنماء المتصل للبائع إذا فسخ المشتري . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : هل يبطل خيار الشرط بالموت ؟ فأجاب : وأما خيار الشرط فلا يبطل بموت أحدهما ويرثه ورثته . سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله : إذا كان في المبيع عيب وتلف الخ . . فأجاب : إذا كان في المبيع عيب ولا علم به المشتري وتلف المبيع بسببه مثل الإباق في العبد أو الشرادة في الدابة فإن كان البائع علمه وكتمه فهم يذكرن أنه يضمن البائع لأنه غرَّه . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن النماء في مدة خيار العيب فأجاب : النماء المتصل للبائع في خيار العيب وكذا لو اشترى ناقة أو غيرها فهزلت عنده أو طالت مدة الثواب رده ورد نقصه . وأجاب أيضاً : والنماء المتصل للبائع في خيار العيب ولا يقبل إقرار الوكيل على موكله في العيب لكنه يصير شاهداً . وأجاب أيضاً : وأما إذا اشترى ثوباً فصبغه أو نسجه أو خاطه وهو معيب وثبت أنه معيب عند البائع فهو يرده وله قدر صبغه أو نسجه أو خياطته وقت الرد وللبائع قدر استعماله .
____________________
(1/111)
وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عمن اشترى ثوباً فصبغه ثم بان معيباً الخ فأجاب : وأما إذا اشترى ثوباً فصبغه أو نسجه أو خاطه وهو معيب عند البائع فهو يرده وله قدر صبغه أو نسجه أو خياطته وقت الرد ويدفع إلى البائع بقدر استعماله له . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عمن اشترى شيئين صفقة واحدة فوجد بأحدهما عيباً فأجاب : أما من اشترى شيئين صفقة واحدة فإذا ثبت العيب أنه عند البائع فله الرد ، هذا إذا تلف الصحيح وإن لم يتلف ، فالأرش ، ومثله عيب بعض المبيع عند المشتري إذا كان فيه عيب هل يمتنع الرد أم لا ؟ . ( فصل ) وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هل يلزم البيع بالعقد فأجاب : يلزم البيع بالعقد . وأجاب أيضاً ، وأما الذين يبيعون الثمرة وقت الجذاذ فبيعهم صحيح ولو ما نقد المشتري الثمن وقبض الثمرة فإنه يلزم إذا خلا بينه وبينها ويكون قبضاً لأن قبض هذا بالتخلية . سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن ضمان المكيل والموزون إذا لم يقبضه فأجاب : فأما الشيء المشتري إذا لم يقبض إذا كان مكيلاً أو موزوناً فضمانه على البائع .
____________________
(1/112)
وأجاب أيضاً : وإذا تلفت المواشي قبل التمكن من القبض فمن ضمان البائع وإن تلفت بعد التمكن فمن ضمان المشتري ؛ وأما الصبرة إذا كان المشتري متمكناً من القبض فإنها تصير من ضمان المشتري . ( باب الربا ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن الربا يختص في المطعومات ؟ فأجاب : مذهب الشيخ وابن القيم أن الربا يختص في المكيل والموزون بالمطعوم والذي قال : أنا أعطيك عن ثلاثين هذه الحمر التي في ذمة هذا الرجل الغائب عشرون زراً فهذا عين الربا كيف يشكل هذا عليك وقد اجتمع فيه ربا النسيئة وربا الفضل جميعاً . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن بيع التين متفاضلا فأجاب : بيع التين متفاضلا لا يجوزه الشيخ وابن القيم . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن بيع الحديد بالنحاس واللحم بالتمر نسيئة ، فأجاب : ومسألة الحديد بالنحاس واللحم بالتمر نسيئة ما ندري عنها والورع تركه . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن بيع البعير بالبعيرين نسأ فأجاب : والبعير بالبعيرين إلى أجل فيه اختلاف الأصح أنه يجوز للحاجة .
____________________
(1/113)
( فصل ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن الوفاء في العقد الفاسد الخ . . . فأجاب : وإذا أوفاه بالعقد الفاسد مثل الرد على المعسر فليس له إلا رأس ماله . ( باب بيع الأصول والثمار ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن بيع الثمر قبل الجذاذ هل يلزم ولو لم ينقد الثمن ؟ فأجاب : أما الذين يبيعون الثمر وقت الجذاذ يصح البيع ولو لم ينقد الثمن ولم يقبض المشتري الثمر فهو لازم ولو ما نقد لأنه إذا خلى بينه وبينه فهذا قبض . ( باب السلم ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن السلم في التمر الخ . . . فأجاب . ما ذكرت من جهة السلم في التمر وقولك أرجو صحته في التمر والعيش كأن عليك فيه إشكالا فالذي نفتي به قلة التفريق بين التمر والعيش والسلم في الكل صحيح إن شاء الله إذا كان وزناً معلوماً وكيلا معلوماً إلى أجل معلوم ، وأما الشروط فليس إلا العرف إذا صار أن العيش يوفي الديان عن ديانه فلا للديان إلا هو ، وكذا شرط الوفاء من هذا النخل قال صلى الله عليه وسلم
____________________
(1/114)
للذي أراد تعيين وفائه من نخل بني فلان : ' أما من نخل بني فلان فلا ولكن وزناً معلوماً أو كيلاً معلوماً ' وأما إذا أسلم في ذمته وأوثقه ثمرة نخله أو وعده الذي يأتيه من هذا الرجل أو من هذا المغل فلا بأس لأنه يعطيه إن جاء منه ، وأكثر الواقع أنه يدين الإنسان في ذمته ولا يعين النخل ويوثقه الثمرة ويعرف أنه إن أغل أخذ ثمرته وإن لم يغل فمن غيره فيبين عدم التعيين والفرق بين الذمة ونخل بني فلان . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عما إذا وعده أن يوفيه قبل الأجل الخ فأجاب : وأما السلعة التي تباع بعشرة ويعده الوفاء قبل الأجل فلا علمت به بأساً . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن رجل له تمر معلوم المقدار على رجل آخر فلما حضرت ثمرته أخذه خرصاً بلا وزن بتراض منهما ورجل له آصع معلومة كيلا فاستوفى منها سنبلا وزناً دق منه زنبيلا وكالوه فلما عرفوا قدره كيلا أخذ باقيه وزناً بقدره فأجاب : الاستيفاء أوسع من غيره فلم ير به بأساً . وأجاب أيضاً : وأما أخذ الثمار في السلم خرصاً فالذي يتوجه عندنا الجواز إذا كان الثمر المأخوذ دون ما في الذمة بيقين ؛ لحديث جابر المخرج في الصحيح فيكون من باب أخذ الحق والإبراء عما بقي . سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذا اختلف المقرض والمقترض الخ فأجاب :
____________________
(1/115)
وإذا اختلفا فقال المقرض أقرضتك وقال الآخر وهبتني ، فالقول قول المقرض مع يمينه . ( باب الرهن ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن رهن ما في ذمة الغير فأجاب : الرهن على ما في ذمة الغير من أجرة وما أشبهها فغير صحيح . ( باب الضمان ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن الضمين إذا أخذ للمضمون عنه فأجاب : الضمين إذا أخذ للمضمون عنه فهو على الضامن إلا أن يذكر وقت العقد أنه لفلان بحضور البينة أو المشتري . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عمن عليه دينان بضمين وغير ضمين ووفى أحدهما فادعى صاحب الدين أن المقبوض غير المضمون فأجاب : وأما الرجل الذي عليه دين شيء بضمين وشيء ما عليه ضمين ودفع إليه بعض الدين وادعى صاحب الدين أنه ليس من الدين المضمون فالقول قول المضمون عنه مع يمينه . ( باب الحجر ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن رهن المفلس الخ . . . فأجاب :
____________________
(1/116)
والذي مستغرق ديناً لا يصح له رهن إلا بإذن الديانين . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عمن وجد عين ماله الخ . . . فأجاب : والرجل إذا وجد عين ماله وقد زادت قيمته أو نقصت لم يكن له الرجوع . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن تقديم الأجير الخ . . فأجاب : والأجير يقدم على الغرماء . ( باب الوكالة ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذا اختلف الوكيل والموكل من القول قوله ؟ فأجاب : إذا اختلف الوكيل والموكل فالقول قول الوكيل . وأجاب أيضاً والدلال لا يضمن إلا إذا فرط ويقبل قوله في دعوى التلف بيمينه . ( باب الشركة ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب هل يصح قسم الدين في الذمم ؟ فأجاب : يصح قسم الدين في الذمم .
____________________
(1/117)
( باب المساقاة ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إذا اختلف الفلاح وصاحب النخل في النقص فأجاب : وأما اختلاف صاحب النخل والفلاح فالقول قول مدعي النقص مع يمينه . ( فصل ) وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هل على اليتيم مال شيء من النوائب ؟ فأجاب : وأما الأبناء فلا يحملون مع أهل البلد في الذي يذكر إلا أن كان في ترك الجهاد على أهل البلاد خطر . ( باب الإجارة ) سئل السيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن استئجار الدابة لأجل لبنها فأجاب : استئجار الدابة لأخذ لبنها جائز . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عمن آجر أجيراً فحصل له مانع الخ فأجاب : إذا آجر أجيراً إلى مكان يجيء منه بشيء فحصل له مانع لزمته الأجرة .
____________________
(1/118)
( باب الغضب ) وسئل عمن عرف متاعه وهو إما ضائع أو مسروق ولم يعرف المشتري من اشترى منه هل يؤخذ بلا ثمنه أو يعطى ما اشترى به فأجاب إذا قامت البينة أنه ضائع أو مسروق أخذ بلا عوض ويرجع على من اشترى منه ولو لم يعرفه . وأجاب أيضاً ومسألة الذي يجد عين ماله عند رجل يدعي أنه اشتراه ممن لا يعرفه أو من حربي أو بدوي فليس له إلا يمينه ، وإذا ثبت أن المال مسروق أو وجده عند رجل أخذه صاحبه ولو ادعى أنه اشتراه ممن لا يعرفه . وأجاب أيضاً : وإذا اشترى سلعة وعرفها صاحبها فإذا أقام البينة أنها يوم تتلف وتضيع وهي في ملكه فيأخذها صاحبها ويرجع المشتري على من غره ، وإذا أخذ الكفار مال مسلم وتملكه مسلم منهم بشراء أو هبة ما صار لصاحبه الأول عليه سبيل . ( فصل ) سئل الشيخ محمد رحمه الله عمن في يده شيء لا يعرف مالكه فأجاب : وإن اشتبه الحال على من وقع في يده شيء لا يعرف مالكه فله التصدق بثمنه . ( باب الشفعة ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن رجل باع سهماً له بسبعة وعشرين في الباطن واشهد بأنه باثنين وعشرين فأجاب :
____________________
(1/119)
إن ثبت بالبينة أنه سبعة وعشرون ثبت بها الثمن وإن لم يكن له بينة فليس له إلا ما شهدت عليه البينة ، فإذا صار البائع مقراً أنه سبعة وعشرون ولا يتهم أن له شيئاً من الملاحظ ثبت أن الثمن سبعة وعشرون فإن اتهمه الشفيع احلفه أن هذا هو الثمن . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هل تثبت الشفعة بالشركة في الطريق والبئر والشركة في السيل ، فأجاب : تثبت للجار إذا كان شريكاً في الطريق والبئر ولا تثبت الشفعة بالشركة في الجدار ولا بالشركة في السيل . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هل الأحق بالشفعة شريك البئر أو النخل فأجاب : ومسألة الشريك في البئر ليس له شفعة بل الشفعة للشريك في النخل . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب هل الشفعة على الفور ، فأجاب هي على الفور إذا لم يطالب بها من حين يخبر بالبيع فليس له شفعة . ( باب اللقطة ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن ضالة الكافر فأجاب : والضالة التي توجد حول البلد وهي من مال الكافر لمن وجدها . وأما لقطة النثار فإذا لم تعرف بصفة تعرف بها لم يجب تعريفها . ( فصل ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إذا كان ولد المسبل فقيراً الخ . . . فأجاب : إذا كان ولد المسبل فقيراً فهو أولى بالسبالة .
____________________
(1/120)
( باب الهبة والعطية ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن الهبة هل تلزم بمجرد العقد ؟ فأجاب : الهبة تلزم بمجرد العقد . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب هل يجوز للوالد أن يفضل أحداً من أولاده في العطية ؟ فأجاب : لا يجوز أن يفضل أحداً من أولاده على أحد منهم في العطية . وأجاب أيضاً الوالد إذا أعطى بعض بنيه عطية وحازها لم يرجعوا عليه . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله إذا قال وهبتك عمرك أو عشر سنين ألخ فأجاب : إذا وهبه وقال وهبتك عمرك أو عشر سنين فمثل هذا يجوز .
____________________
(1/121)
( كتاب الوصايا ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عمن أوصى بوصية ثم أوصى بعد بثلث ماله فأجاب : أما إذا أوصى بوصية وعلقها على الموت ثم وصى بعد ذلك بثلث ماله فإن الوصية تكون من الثلث إلا أن كان منجزها . سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن حديث سبق الفقراء الخ . . . فأجاب : أما حديث : ' سبق الفقراء بخمسمائة عام ' وفي حديث ' بأربعين عاماً ' فهذا أثبت ولكن لا يدل على فضلهم ، بل بعض الأغنياء الذين يدخلون بعدهم يكونون أرفع درجة منهم ؛ وهذا له شواهد كثيرة أن الفضيلة الخاصة لا تدل على الفضيلة العامة والفقر والغنى موكول إلى العرف . وقوله : إنك إن تذر ورثتك أغنياء الخ لا إشكال فيه أن الرجل إذا أراد أن يتصدق بماله كله قيل له : إنك إن تذر ورثتك أغنياء ما فيه إشكال .
____________________
(1/122)
( كتاب الفرائض ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن العصبة إذا كانوا من رجلين وهم في درجة واحدة من الميت وأبناء واحد أكثر من واحد هل كل في منزلة أبيه أم كلهم في الميراث سواء الخ ؟ فأجاب : العصبة سواء ولو كان أبناء واحد أكثر من واحد وأما الأخ للأم فلا يعصب . وسئل عن ذوي الأرحام مع عدم العصبة أحق بالإرث أم بيت المال فأجاب : ذوي الأرحام أولى بالميراث من بيت المال . سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عمن أخذ الحمل في بطنها سنة وقد صلح قبل وفاة مورثه أخيه من أُمه بثلاثة أشهر فأجاب : المسألة ما ظهر لي فيها أشكال بل هي واضحة لأن الحمل متحقق قبل موت مورثه فعلى هذا يرث الحمل ويوقف له سدس فإن ولد حياً ورث وإن خرج ميتاً لم يرث . ( باب وليمة العرس ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى هل يجوز الغناء على رؤوس النخل وبين السواني الخ . . . فأجاب . . . رفع الصوت بالغناء من الباطل ولا يجوز ، وأما الأدب عليه فلا يؤدب
____________________
(1/123)
عليه إلا أن كان معه منكر كاجتماع النساء والرجال والرقص ونحوهما لترتيب المفاسد فأدبو عليه بما يردع صاحبه . ( فصل ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عن قوله : من نظر في كتاب غيره بغير إذنه الخ . . . فأجاب : أظن الذي أورده إنما عنى الرسالة لأن هذا يكون من جنس استماع سر قوم وهم له كارهون ، هذا بإذنه وذاك بعينه ، ومما يدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن في زمنه كتاب مكتوب مستقل بل ولا من الخلفاء حتى المصحف لم يكتب إلا بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر وأما الحديث : فأول من أمر بكتابته عمر بن عبد العزيز لما خشي اندراس العلم بموت العلماء واشتغال الناس بالدنيا .
____________________
(1/124)
( كتاب الطلاق ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى عمن قيل له امرأتك معك ؟ فقال : لا ، فأجاب الرجل الذي سأله أخوه عن امرأته وهي غائبة في بلاد قائلا : امرأتك معك فقال : لا ويدعي أن مراده أنها ليست بهذا فالذي أفهم أن هذا كناية أن أراد به الطلاق طلقت وإن لم يرد الطلاق ولا أراد إلا أنها ليست عنده بهذه البلاد لم تطلق وعبارة مختصر الشرح ولو قيل أطلقت امرأتك ؟ فقال : نعم وأراد الكذب لم تطلق لأنه كناية يحتاج إلى نية ، وإن نوى به الطلاق طلقت وبه قال مالك والشافعي فتأمل هذه العبارة تجد المسألة المسئول عنها قريبة من المسألة الأخيرة . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن الكنايات هل يقع بها طلاق الخ . . . فأجاب وأما استعمال كنايات الطلاق فالذي عليه أكثر العلماء أن الكنايات لا يقع بها الطلاق إلا مع النية فإذا تكلم الزوج بالكناية وقال لم أرد الطلاق ولم أنوه ولم يتكلم بذلك في حال الغضب أو سؤالها الطلاق فهذا يقبل قوله ولا يقع به طلاق وأما إن تكلم بذلك في حال الغضب فهذا مما اختلف الفقهاء فيه فقال بعضهم يقبل قوله أنه لم يرد الطلاق ولم ينوه وقال بعضهم لا يقبل قوله في ظاهرالحكم لأجل القرينة الدالة على إرادة الطلاق وبعض أهل العلم يفرق بين الكنايات ويقول الكنايات التي يكثر استعمالها في الطلاق ويعرف أن من تلفظ بها إنما يريد الطلاق فهذا لا يقبل قوله : وأما الكنايات التي تستعمل في عرف أهل البلد في الطلاق وفي غيره فهذا
____________________
(1/125)
يقبل قوله أنه ما أراد الطلاق بل لو تلفظ بذلك وقال لم أرد الطلاق ولا غيره لم تطلق إلا بالنية إذا كان اللفظ يستعمل في الطلاق وفي غيره . وسئل عن رجل غضب على زوجته وسألته الطلاق وقال لها اخرجي عن بيتي لست معي ، فأجاب : هذه المسألة قد ذكر الفقهاء فيها أن الزوج إذا تلفظ بكنايات الطلاق في حال الغضب أو سؤالها الطلاق ثم قال لم أرد بذلك الطلاق أنه لا يقبل في الحكم بل تحسب عليه من الطلاق هذا في الظاهر وأما بينه وبين الله فإن علم من نفسه أنه لم يرد الطلاق لم يقع عليه طلاق فيما بينه وبين الله . سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن الكنايات هل منها ما يقع ثلاثاً فأجاب : الكنايات ليس منها شيء يعد ثلاثاً . ( كتاب الظهار ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب هل تكفر المرأة ؟ الخ فأجاب : والمرأة إذا حلفت بالظهار فليس عليها إلا كفارة يمين . ( كتاب العدد ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عمن توفى زوجها وفي بطنها جنين ميت فأجاب : المرأة التي توفي عنها زوجها وفي بطنها جنين ميت ويأتيها الدم تارة وتارة
____________________
(1/126)
ينقطع عنها فالذي أفهم أنها تصير في عدة حتى تضع الحمل مع أني لم أقف على كلام لأهل العلم في هذه المسألة . . . سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن عدة التي تحيض فأجاب : تعتد بثلاث حيض . وأجاب ابنه الشيخ عبد الله : أما عدة التي تحيض فثلاث حيض سواء كان ذلك طلاقاً أو فسخاً هذا الذي عليه جمهور العلماء . وسئل عن قولهم : أقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يوماً ولحظة فأجاب : التي ذكروها في العدد أن أقل ما تنقضي به العدة تسعة وعشرون يوماً ولحظة مبني على أن أقل الحيض يوم وليلة وأقل الطهر بين الحيضتين ثلاثة عشر فإذا طلقها في آخر الطهر وقد بقي من الطهر لحظه ثم حاضت يوماً وليلة ثم طهرت ثلاثة عشر يوماً ثم حاضت يوماً وليلة ثم طهرت فقد انقضت عدتها ، ومجموع ذلك تسعة وعشرون يوماً ولحظة ، وهذا هو أقل ما تنقضي به العدة فإذا ادعت أنها حاضت في شهر ثلاث حيض وأقامت البينة على ذلك صدقت ولا تقبل دعواها إلا ببينة ؛ لأن هذا لا يقع إلا نادراً . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن الراجح عنده في عدة المرضع الخ ؟ فأجاب : المعمول عليه عندهم إلى أن يزول الرضاع ، وعند الشيخ تقي الدين إذا قامت سنة ولو كانت ترضع ولا أعلم دليلا يعارض كلامه . وسئل عن قولهم : ولا تدري ما رفعه أي الحيض تعتد بسنة أو علمت قال : لا أعلم للفرق وجهاً ولا دليلا .
____________________
(1/127)
( كتاب الرضاع ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب عن الرضاع بعد الحولين فأجاب والرضاع بعد الحولين لا يجوزه الشيخ وابن القيم . ( كتاب الديات ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن رجلين تكامخا الخ فأجاب : وأما مسألة الرجلين الذين تكامخا فالدية أو يصالحون على دون منها . وأما مسألة الصبي ابن خمس عشرة سنة فأرجو أن مثله ما يضمن . وسئل عمودي النسب يعقلون فأجاب : وعمودي النسب ما يلزمهم عقل . ( باب الدعاوي والبينات ) سئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب إذا تداعيا والكل معه بينة ؟ فأجاب إذا تداعيا عيناً والكل معه بينة قدمت بينة الداخل لقول أهل المدينة .
____________________
(1/128)
( كتاب الشهادات ) وسئل أيضاً العدل والمرأة هل يقبل في الوصية والوقف ؟ فأجاب : لا يقبل في الوصية والوقف إلا شاهد وامرأتان ولو كان بعضهم من الورثة . وسئل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله عن شهادة النساء فيما يتعاملن فيه فأجاب : أما معاملة النساء بينهن بشهادة النساء فيما يمكن حضور الرجال فيه فلا تصح شهادتين إلا فيما لا يطلع عليه الرجال غالباً ومعاملتهن مما يطلع عليه الرجال فافهم ذلك . انتهى ما وجدناه من فتاوى ومسائل الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله والحمد لله أولا وآخرا . 11
____________________
(1/129)