7 نماذج من دعوات الصالحين المُستَجابَة .
وسوف التزم في هذه الرسالة بالاقتصار على ما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ففي الصحيح غُنية وكفاية ، وسوف أقوم بتخريج الأحاديث تخريجا متوسطا ، وأُقدِّم بين يدي التخريج بالحكم على الحديث صحة أو حُسنا ، وأما ما يكون من أحاديث الصحيحين أو أحدهما فسوف أكتفي فيه بمجرد العزو بالجزء والصفحة ورقم الحديث ما أمكن ، إذ أحاديث الصحيح قد جاوزت القنطرة ، وتلقتها الأمة بالقبول ، واعتنيت بتخريج أحاديث الصحيحين فالمرفوع منها أذكر الكتاب والباب والجزء والصفحة ، إلا أني أغفلت الأبواب في التخريج من صحيح مسلم ؛ لأن التبويب من صنيع الشُّرّاح وليس من صنيع الإمام مسلم – رحمه الله – .
وإذا كان الحديث في الصحيحين أو في أحدهما فإني أكتفي بالعزو إليهما دون غيرهما ، إلا لزيادة فائدة .
كما سيلحظ القارئ الكريم في بعض الصفحات أو من خلال بعض النقاط أني أسرد فيها الآيات والأحاديث دون تعليق أو بيان مُكتفياً بوضع العنوان ، وعذري في ذلك وضوح الفكرة ، مع بيان النصّ بياناً جليّاً لما أردت الاستدلال عليه .
وأتوجّه بجزيل شكري وعرفاني وتقديري لمشايخي وإخواني الذين راجعوا هذه الرسالة ، فأتحفوني بمقترحاتهم ، وأمدّوني بملحوظاتهم ، فالله أسأل أن يُعلي درجتهم ، وأن يرفع ذِكرهم ، وأن يُثقِّل بذلك موازينهم .
وأسأله سبحانه وتعالى " سلوك سبيل الرشاد ، والعِصمة من أحوال أهل الزيغ والعناد ، والدوام على جميع أنواع الخير في ازدياد ، والتوفيق في الأقوال والأفعال للصواب ، والجري على آثار ذوي البصائر والألباب ، وأن يفعل ذلك بوالدينا ومشايخنا وجميع من نُحبّه ويُحبنا ، وسائر المسلمين إنه الواسع الوهاب ، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه مَتاب " 4 .
وهذا جُهد المُقلّ ، فما كان فيه من سداد وتوفيق فهو مِنّة من الله وحده ، وما كان فيه من عيب فذاك مني والله ورسوله مِنه بريئان .(1/342)
وأشكر كل من أهدى إليّ عيوبي .
________________________________________
1 - كما سيأتي في حديث النعمان بن بشير – رضي الله عنه – ( ص 7 ، 8 ) .
2 - حديث صحيح : المسند (1/442) والترمذي (4/563) .
3- روى الخطيب البغدادي في موضح أوهام الجمع والتفريق (1/13) عن أبي عمرو بن العلاء قال : ما نحن فيمن مضى إلا كَبَقْلٍ في أصول نخل طوال . والبقل : النبت الصغير ، ومنه : ( فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الأَرْضُ مِن بَقْلِهَا ) [ البقرة : 61] .
4 - ما بين العلامتين من مقدمة الإمام النووي لكتابه المجموع شرح المهذب (1/29)
أولاً : تعريف الدعاء
الدعاء هو النداء والطلب
ومنه قوله سبحانه : ( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُواْ كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لاَ يَسْمَعُ إِلاَّ دُعَاء وَنِدَاء ) [البقرة : 171]
قال في المصباح المنير : دعوتُ الله أدعوه دعاء . ابتهلت إليه بالسؤال ، ورغبت فيما عنده من الخير ، ودعوت زيداً : ناديته ، وطلبت إقباله 5 .
وقال الزمخشري : دعو : دعوت فلاناً وبِفلان : ناديته وصِحت به 6
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار الى الله والاستكانة له 7 .
ويُفرّق العلماء بين الدعاء والأمر والالتماس .
فالأمر : طلب من الأعلى إلى الأدنى .
والدعاء : - عكسه – طلب من الأدنى إلى الأعلى .
والالتماس : طلب بين مُتساويين 8 .
وإنما أوردت الفروق هنا لأن من الناس من يُشكل عليه قول الداعي – مثلاً – : اللهم أدخلني برحمتك التي وسعت كل شيء . فيظن أن هذا من جنس الأمر ، وليس كذلك .
أنواعه :
باعتبار هيئة الداعي :
أن يرفع يديه حذو منكبيه ، أو يمدّ يديه مَدّاً ، أو يُشير بأصبع واحدة .
قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : المسألة أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما ، والاستغفار أن تشير بأصبع واحدة ، والابتهال أن تمدّ يديك جميعا 9 .(1/343)
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا خَطَب يُشير بأصبعه المسبِّحة .
روى مسلم عن عمارة بن رؤيبة – رضي الله عنه – أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال : قبّح الله هاتين اليدين ! لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا ، وأشار بإصبعه المسبحة 10 .
باعتبار لفظ الدعاء :
توحيد وثناء ، ومسألة عفو ورحمة ، وسؤال عافية ونحوها .
قال ابن منظور – رحمه الله – :
قال الله تعالى : ( وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ) قال أبو إسحاق : يقول : ادعوا من استدعيتم طاعته ورجوتم معونته في الإتيان بسورة مثله ، وقال الفراء : وادعوا شهداءكم من دون الله يقول آلهتكم . يقول استغيثوا بهم ، وهو كقولك للرجل : إذا لقيت العدو خاليا فادع المسلمين ، ومعناه استغث بالمسلمين ، فالدعاء ههنا بمعنى الاستغاثة ، وقد يكون الدعاء عبادة :( إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ ) وقوله بعد ذلك : ( فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ ) يقول ادعوهم في النوازل التي تنزل بكم إن كانوا آلهة كما تقولون يجيبوا دعاءكم ، فإن دعوتموهم فلم يجيبوكم فأنتم كاذبون أنهم آلهة ، وقال أبو إسحاق في قوله عز وجل : ( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) معنى الدعاء على ثلاثة أوجه :
فَضَرْبٌ منها توحيده والثناء عليه كقولك : يا الله لا إله إلا أنت ، وكقولك : ربنا لك الحمد . إذا قلته فقد دعوته بقولك ربنا ثم أتيت بالثناء والتوحيد ومثله قوله عز وجل :( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) فهذا ضرب من الدعاء .
والضرب الثاني مسألة الله العفو والرحمة وما يقرب منه كقولك : اللهم اغفر لنا .(1/344)
والضرب الثالث مسألة الحظ من الدنيا كقولك : اللهم ارزقني مالا وولدا .
وإنما سمي هذا جميعه دعاء لأن الإنسان يصدر في هذه الأشياء بقوله يا الله ، يا رب ، يا رحمن ، فلذلك سمي دعاء 11 . اهـ .
ويُقسّم بعض العلماء الدعاء إلى :
1 - دعاء عبادة .
2 – دعاء مسألة .
فالأول مثاله الصوم والصلاة وسائر العبادات ، فإذا صلى أو صام فقد دعا ربه بلسان حاله أن يغفر له ، وأن يُجيره من عذابه ، وأن يُعطيه من نوالِه .
ومَنْ صَرَف شيئا من هذا النوع لغير الله فقد أشرك بالله ، وشِركه يُعدّ شركاً أكبر .
والثاني منه ما هو عبادة ، وهو موضوع هذا الكتاب ، وهذا لا يجوز صرفه إلا لله ، فَمَن صَرَفه لغير الله فقد أشرك .
ومنه ما هو ليس من جنس العبادة ، ومنه قوله – عليه الصلاة والسلام – : مَنْ دعاكم فأجيبوه 12 . وهذا مما يقدر عليه المخلوق ، وفيما يقدر عليه 13 .
والدعاءُ إنما يكون رغبةً ورهبةً خوفاً ورجاءً .
رغبة بما عند الله – جل جلاله – من الثواب العاجل والنعيم المقيم ، ورهبة مما أعدّه لأعدائِه من العذاب المقيم والنَّكال والجحيم .
وقد أثنى الله على أنبيائه فقال : ( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ ) [ الأنبياء : 90 ] .
وقال – عز وجل – آمِراً عباده المؤمنين بذلك : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ ) [ الأعراف : 55 ، 56 ]
________________________________________
5 - (2/264) .
6 - أساس البلاغة ( ص 232 ) .
7 - سيأتي بتمامه بمشيئة الله . انظر – غير مأمور – ( ص 12 ) من هذا الكتاب .(1/345)
8 - مما قيّدته مِنْ فوائد دروس شيخنا الفاضل الشيخ العلامة عبد الكريم الخضير – حفظه الله – عند قول أبي قتادة – رضي الله عنه – للنبي صلى الله عليه وسلم – في صاحب الدَّين – : صَلِّ عليه . قال : فهذا التماس من أبي قتادة – رضي الله عنه – .
9 - حديث صحيح : رواه أبو داود مرفوعا وموقوفاً (2/79) ح 1489 – 1491 ، ورواه الحافظ الضياء في المختارة موقوفاً . وهو في صحيح الجامع برقم 6694
10 - (2/595) ح 874
11 - لسان العرب (14 / 257) .
12 - رواه البخاري ح
13 - يُنظر لمزيد من البيان : القول المفيد على كتاب التوحيد للشيخ العثيمين
( 1 / 120 ، 121 )
ثانياً : الأمر بالدعاء والحث عليه
أمر الله سبحانه بالدعاء ووعد بالإجابة ، فقال جلّ شأنه : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [ غافر : 60 ]
فسمى اللهُ عز وجل الدعاء : عبادة ، كما في الآية السابقة ، وكذلك سمّاه رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما في حديث النعمان بن بشير قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن الدعاء هو العبادة » ثم قرأ : ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) [ غافر : 60 ] 14 .
قال شيخُ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : الدعاءُ من أعظم الدِّين 15 .
وقال ابن منظور – رحمه الله – :
في أسماء الله : المجيب ، وهو الذي يُقابل الدعاء والسؤال بالعطاء والقبول سبحانه وتعالى 16 .(1/346)
وأمَر الله – عز وجل – بالدعاء والإخلاص فيه ، فقال سبحانه : ( قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ ) [ الأعراف :29 ] إذ الدعاء حال الإخلاص أبلغُ في حصول المقصود ، وأقرب إلى انكسار القلب ، وصدقِ اللجؤ إلى الله سبحانه وتعالى . لذا كانت دعوة المضطر مستجابَة : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) [ النمل :62 ] .
وفي المسند وغيره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : دعوة المظلوم مستجابة ، وإن كان فاجرا ، ففجوره على نفسه 17 .
ألم تر حال المشركين في الجاهلية الأولى كيف يتخلّون عن آلهتهم ويَدْعُون الله مخلصين له الدين وذلك إذا ركبوا في الفلك ، واضطربت بهم الأمواج ، كما في قوله تعالى : ( حَتَّى إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُواْ بِهَا جَاءتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّواْ أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُاْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [يونس : 22 ] .
والمشركون ما كانوا يفزعون لآلهتهم عند الشدائد ، بل كانوا يلجئون إلى الله ، إذ النفوس جُبلت على الالتجاء لله وحده عند حصول المكروه ؛ إلا ما يكون من بعض مشركي زماننا ! فإن ملجأهم ومفزعهم (السيّد) أو (القطب) ، فأبو جهل أفقهُ من هؤلاء !!
تأمّل قول الله تبارك وتعالى : ( وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [ لقمان : 32 ] .(1/347)
قال ابن القيم - رحمه الله - : التوحيد مَفْزَعُ أعدائه وأوليائه ؛ فأما أعداؤه فينجيهم من كُرب الدنيا وشدائدها :( فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ ) [العنكبوت : 65 ] ، وأما أولياؤه فينجيهم به من كربات الدنيا والآخرة وشدائدها ، ولذلك فزع إليه يونس فنجّاه الله من تلك الظلمات ، وفزع إليه أتباع الرسل فَنَجَوا بِهِ 18 مما عُذِّبَ به المشركون في الدنيا ، وما أُعِدّ لهم في الآخرة ، ولما فزع إليه فرعون عند معاينة الهلاك وإدراك الغرق له لم ينفعه ؛ لأن الإيمان عند المعاينة لا يُقبل . هذه سنة الله في عباده . فما دُفِعَتْ شدائد الدنيا بمثل التوحيد 19 .
ولما ذُكِرَ الصيامَ وأحكامه في التنزيل العزيز ناسب المقام أن يُذكر بعده شأن الدعاء ، إذ الصيام يقترن بالقيام فهما صنوان ، والقيام يتضمن الدعاء ، قال ربنا سبحانه : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) [ البقرة : 186] .
وجاء في سبب نزول هذه الآية أن الصحابة رضي الله عنهم قالوا : يا رسول الله أقريب ربنا فنناجيه ، أم بعيد فنناديه ؟ فأنزل الله هذه الآية 20 .(1/348)
وتمعّن في هذه الآية حيث لم تُجعل الإجابة فيها للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فقد ورد قبلها آيات وبعدها آيات سُئل فيها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسئلة جاءته الإجابة مُصدّرة ـ ( قل ) : ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ) [ البقرة :189] (يسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ ) الآية [ البقرة : 215] ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاس وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ِ) الآية [ البقرة : 219] ( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلاَحٌ لَّهُمْ خَيْرٌ ) الآية [ البقرة : 220 ]
وغيرها من الآيات ، أما هذه الآية فصُدِّرت بـ ( فَإِنِّي قَرِيبٌ ) 21 .
وما ذلك إلا لأن الدعاءَ عبادةٌ محضة لا يجوز صرفها لغير الله ، وحتى لا يُتوهّم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم واسطة بين الخلق والخالق في ذات العبادة ، فجاء الجواب بالتأكيد ( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) ولم يقل سبحانه وتعالى : فقل ، أي يا محمد . والله أعلم .
________________________________________
14 - حديث صحيح : رواه أحمد (4/267) وأبو داود (2/76) والترمذي (5/211) وابن ماجه (4/262) والنسائي في الكبرى (6/450) وابن أبي شيبة (6/21) والحاكم (1/667) وقال :صحيح الإسناد ، وابن حبان (3/172) والبخاري في الأدب المفرد ( ص 265 صحيح الأدب ) وصححه الألباني في الموضع السابق من صحيح الأدب المفرد .(1/349)
أما الحديث المشهور : " الدعاء مخ العبادة " فهو حديث ضعيفٌ لا تقوم به حجة ، ومدار إسناده على ( ابن لهيعة ) وقد اختلط بعد احتراق كتبه ، وتُنظر ترجمته في تهذيب التهذيب لابن حجر ( 3/227-230 ) .
15 - مجموع الفتاوى ( 22/475 ) .
16 - لسان العرب (1/283) .
17 - ( 2/367 ) ورواه ابن أبي شيبة ( 6/48 ) وقال المنذري في الترغيب ( 3/130 ) : رواه أحمد بإسناد حسن . وقال الهيثمي في المجمع ( 10/151) : رواه أحمد والبزار بنحوه وإسناده حسن . وقال الحافظ في الفتح ( 3/422 ) : وإسناده حسن .
قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : في إسناده أبو معشر ، وهو نجيح بن عبد الرحمن السندي ، وهو ضعيف . =
= وله شاهد من حديث أنس مرفوعاً : اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً ؛ فإنه ليس دونها حجاب . رواه أحمد (3/153) وابن معين في تاريخه (4/458) وفي إسناده عبد الرحمن بن عيسى أبو عبد الله الأسدي ، وهو مجهول . والحديث أورده الألباني في صحيح الجامع ( برقم 2682) .
18 - أي بالتوحيد .
19 - الفوائد (ص 79 ) .
20 - يُنظر لذلك جامع البيان لابن جرير الطبري ( 2/158 ) .
21 - وبعد كتابة هذه الأسطر رأيت كلاماً لشيخ الإسلام ابن تيمية حول هذا المعنى ، فحمدتُ الله على ما أولى من مِنن .
قال رحمه الله : وقد كان الصحابة رضوان الله عليهم إذا سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الأحكام أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه على وسلم بإجابتهم …فلما سألوه عنه سبحانه وتعالى قال : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) فلم يقل سبحانه ( فقل ) بل قال تعالى:( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) .مجموع الفتاوى (1/336)(1/350)
22 - رواه أحمد (5/280) وابن ماجه (1/35 ، 4/369) والحاكم (1/670) وصححه ، وابن حبان (3/153إحسان ) كلهم من حديث ثوبان . وحسنه العراقي كما في مصباح الزجاجة وهو كما قال . وله شاهد من حديث سلمان رواه الترمذي (4/448) .
ثالثاً : فضل الدعاء
الدعاء فضله عظيم ، وشأنه جسيم
فبالإضافة إلى أنه عبادة مأمور بها ، مُثاب فاعلها إلا أنه :
1 - يُستدفعُ بِهِ البلاء ، ويُردُّ بِهِ القضاء
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لاَ يَرُدّ القَضَاءَ إِلاّ الدّعَاءُ ، وَلاَ يَزِيدُ في العُمُرِ إِلاّ البِرّ 22 .
وقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدعاء ينفع مما نزل ومما لم ينزل ، فعليكم عباد الله بالدعاء 23 .
2 - كَرامة الدعاء على الله دِلالة على فضله
قال – عليه الصلاة والسلام – : لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ على اللّهِ سُبْحَانَهُ مِِنَ الدّعَاءِ 24 .
3 - وبالدعاء تستمطر الرحمات ، وتُستدفع النقمات
ولذا كان الناس إذا قحطوا خرجوا للمصلى ، وسألوا الله جل وعلا ، وتضرعوا إليه فيسألونه بصدق وإخلاص وحسنِ لجاءة إليه ، فيستجيبَ دعائهم ، ( وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِن بَعْدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَحْمَتَهُ وَهُوَ الْوَلِيُّ الْحَمِيدُ ) [ الشورى : 28 ] .(1/351)
وفي الصحيحين من حديث أنسِ بنِ مالكٍ أَنّ رجُلاً دخلَ المسجدَ يومَ جُمعةٍ من بابٍ كان نحوَ بابِ دارِ القضاءِ - ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائمٌ يخطبُ - فاستقبلَ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائماً ، ثم قال : يا رسولَ اللهِ . هلَكَتِ الأموالُ ، وانقطَعَتِ السبلُ ، فادعُ اللهُ يُغيثُنا فرفعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدَيهِ ، ثم قال : اللّهمّ أغثْنا . اللّهمّ أغثْنا اللّهمّ أغثنا . قال أَنسٌ : ولا واللهِ ما نرَى في السماءِ من سحابٍ ولا قَزَعةً ، وما بَينَنا وبينَ سَلعٍ من بيتِ ولا دارٍ . قال : فطلَعَتْ من ورائهِ سحابةٌ مثلُ التّرسِ ، فلمّا توسّطَتِ السماءِ انتَشَرتْ ثم أمطرَتْ ، فلا واللهِ ما رأينا الشمسَ سبتاً 25 ، ثمّ دَخلَ رجلٌ من ذلكَ البابِ في الجُمعةِ المُقبلة – ورسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قائمٌ يَخطب – فاستقبلَهُ قائماً فقال :يا رسولَ اللهِ هَلكَتِ الأموالُ ، وانقطَعتِ السبُلُ ، فادعُ اللهَ يُمسِكها عنا ! قال فرفعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يديهِ ثم قال : اللّهمّ حَوالَينا ولا علينا . اللّهمّ عَلَى الآكامِ والظرابِ وبُطونِ الأوديةِ ومَنابتِ الشجر . قال : فأَقلعَتْ ، وَخرجْنا نمشي في الشمسِ 26 .
3 - وبالدعاء يُستخرج مكنون عبودية الدعاء والتضرع لله سبحانه والذلّ بين يديه
عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : من لم يَدْعُ اللهَ غضب اللهُ عليه 27 .
وما ذلك إلا لأن العبد مفتقر إلى الله في جميع أحواله ، فمن ترك الدعاء فقد استغنى عن الله بلسان حاله ، وهذا موجبٌ لغضب الله عليه .
اللهُ يغضبُ إن تركتَ سؤالَه وبُنيّ آدمَ حينَ يُسألُ يغضبُ
ولذا كانت عائشة – رضي الله عنها – تقول : سلوا الله التيسير في كل شيء ، حتى الشسع في النعل ، فإنه إن لم يُيسره الله لم يتيسر 28 .(1/352)
قال بكر بن عبد الله المزنى : ينزل بالعبد الأمر فيدعو الله فيُصرف عنه ، فيأتيه الشيطان فيضعف شكره يقول : إن الأمر كان أيسر مما تذهب إليه 29 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : قال بعض السلف : يا ابن آدم . لقد بُورِك لك في حاجة أكْثَرْتَ فيها مِنْ قَرْعِ باب سيِّدك .
وقال بعض الشيوخ : إنه ليكون لي إلى الله حاجة فأدعوه ، فيفْتَح لي من لذيذ معرفته وحلاوة مناجاته ما لا أحبّ معه أن يُعجّل قضاء حاجتي خشية أن تنصرف نفسي عن ذلك ؛ لأن النفس لا تريد إلا حظّها فإذا قُضْيَ انْصَرَفَتْ 30 .
قال ابن القيم – رحمه الله – :
فإذا كان كلُّ خيرٍ أصله التوفيق ، وهو بيد الله لا بِيَدِ العبد ، فمفتاحه الدعاء والافتقار وصِدقِ اللجأ والرغبة والرهبة إليه ، فمتى أَعطى العبد هذا المفتاح فقد أراد أن يفتح له … وما أُتي من أُتي ، إلا من قِبل إضاعةِ الشكر وإهمالِ الافتقار والدعاء ، ولا ظَفِرَ من ظَفِر – بمشيئة الله وعونه – إلا بقيامه بالشكر وصدق الافتقار والدعاء 31 .
وقال أيضا :
ليس العجب من مملوك يتذلل لله ويتعبّد له ، ولا يمل من خدمته مع حاجته وفقره إليه ، إنما العجب من مالك يتحبّب إلى مملوكه بصنوف إنعامه ويتودد إليه بأنواع إحسانه ، مع غناه عنه
كفى بك عزّاً أنك له عبد وكفى بك فخراً أنه لك رب 32 .
وقال ابن رجب – رحمه الله – : واعلم أن سؤالَ اللهِ تعالى دون خلقه هو المتعيّن ؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل والمسكنة والحاجة والافتقار ، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على دفع هذا الضرر ، ونيلِ المطلوب ، وجلبِ المنافع ، ودرء المضارّ ، ولا يصلح الذل والافتقار إلا الله وحده ، لأنه حقيقة العبادة 33 .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : الدعاء هو إظهار غاية التذلل والافتقار الى الله والاستكانة له ، وما شُرِعَتْ العبادات الا للخضوع للباري وإظهار الافتقار اليه 34 .(1/353)
4 - ( ومما يدل على فضله ) أن الله يُحب الدعاء ، ويُحب الملحِّين فيه
كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدعو الله كثيرا ، ويُلحّ في الدعاء .
روى ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال - وهو في قُبَّةٍ له يوم بدر - : أنشدك عهدك ووعدك . اللهم إن شئت لم تعبد بعد اليوم أبداً . فأخذ أبو بكر بيده وقال : حسبك يا رسول الله فقد ألححت على ربك 35 .
وعن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ألِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام 36 .
قال ابن الأثير : معنى ألِظوا : إلزموه ، واثبتوا عليه ، وأكثروا من قوله والتلفظ به … وفي حديث رَجْم اليهودي ، فلمَّا رآه النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ألَظَّ به النِّشْدَة . أي ألَحَّ في سُؤاله وألزمَه إيَّاه 37 .
وقد أثنى الله على خليله إبراهيم بأنه أوّاه ( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ ) [التوبة:114] .
قال ابن مسعود – رضي الله عنه – : الأواه : الذي يُكثر الدعاء 38 .
قال ابن رجب : والله سبحانه يحبُّ أن يُسأل ، ويُرغبُ إليه في الحوائج ، ويُلحُّ في سؤاله ودعائه ، ويغضب على من لا يسأله ، ويستدعي من عباده سؤالَه ، وهو قادر على إعطاء خلقه كلهم سؤلهم من غير أن ينقص من ملكه شيء ، والمخلوق بخلاف ذلك ، يكره أن يسأل ويحب أن لا يسأل ؛ لعجزه وفقره وحاجته ، ولهذا قال وهب بن منبه - لرجل كان يأتي الملوك - : ويحك تأتي من يغلق عنك بابَه ، ويظهر لك فَقْرَه ، ويواري عنك غناه ، وتدع من يفتح لك بابه نصف الليل ونصف النهار ، ويظهر لك غناه ، ويقول ادعني أستجب لك . وقال طاووس لعطاء : إياك أن تطلب حوائجك إلى من أغلق بابه دونك ، ويجعل دونها حجّابَه ، وعليك بمن بابُه مفتوح إلى يوم القيامة ، أمرك أن تسألَهُ ، ووعدك أن يجيبَك 39 .
5 - بالدعاء تُفرّجُ الشِّدّائد ، وتُنفّسُ الكُرب(1/354)
فكم سمعنا عمن أُغلقت في وجهه الأبواب ، وضاقت عليه الأرض بما رحبت ، ثم طَرَقَ باب مسبب الأسباب ، وألحّ على الله في الدعاء ، ورفع إليه الشكوى ، وبكى فَفُتِحَتْ له الأبواب ، وانفرج ما به من شِدّة وضيق .
ألم تسمع قصة أولئك الثلاثة الذين دخلوا غاراً فأغْلَقَتْ عليهم الباب صخرةٌ عظيمة ، فما كان منهم إلا أن دعوا الله بصالح أعمالِهم وأخلصِها ، فانفرجت الصخرةُ وخرجوا يمشون 40
6 - وبالدعاء يُستنزلُ النصر من الله العلي القدير
فالمؤيد بالوحي – عليه الصلاة والسلام – كان يجتهد في استنزال النصر بالدعاء .
فعن عَبْد اللّهِ بْن عَبّاسٍ قال : حَدّثَنِي عُمَرُ بْنُ الْخَطّابِ قال : لَمّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ نَظَرَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلَىَ الْمُشْرِكِينَ وَهُمْ أَلْفٌ وَأَصْحَابُهُ ثَلاَثُمِائةٍ وَتِسْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً فَاسْتَقْبَلَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم الْقِبْلَةَ ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ : اللّهُمّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي . اللّهُمّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي . اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هََذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ مَادّاً يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتّىَ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَ هُ فَأَلْقَاهُ عَلَىَ مَنْكِبَيْهِ ، ثُمّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ : يَا نَبِيّ اللّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبّكَ 41 فَإنّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ عَزّ وَجَلّ : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ ) [ الأنفال :9 ] 42
فاستجاب الله دعاء نَبِيِّه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ونصره على أعدائه .(1/355)
وسيأتي مزيد بيان لهذا الحديث في أكثر من موضع ، وسيأتي تخريجه .
وذكر الله في صفات عباد الرحمن أنهم يدعونه بقولهم : ( رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ) [ الفرقان : 74 ] .
وختم السورة بقوله : ( قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلا دُعَاؤُكُمْ ) [ الفرقان : 77 ]
يعني : أيّ عبء يعبأ بكم ، وأيّ مبالاة يُبالي ربي بكم لولا دعاؤكم وعبادتُكم 43 .
7 - والدعاء سلاح المؤمن ، به يُقاتِل ، وبه يُدافع
ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يجتهد في الدعاء قبل الحرب ، كما في حديث ابن عباس ، المتقدم آنفاً .
وكان المسلمون إذا أرادوا القتال يوم الجمعة أخّروا بدء القتال حتى تزول الشمس ، ويصعد الأئمة المنابر ، ويدعون للمجاهدين بالنصر .
قال الإمام البخاري : باب كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا لم يقاتل أول النهار أخّرَ القتال حتى تزول الشمس 44 ثم أورد تحته حديث عبد الله بن أبي أوفى – رضي الله عنه –
قال عبد الله بن أبي أوفي – رضي الله عنهما – : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أيامه التي لقي فيها انتظر حتى مالت الشمس ، ثم قام في الناس خطيبا قال : أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو ، وسلوا الله العافية ، فإذا لقيتموهم فاصبروا ، واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف ، ثم قال : اللهم مُنزِل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم .
وعن النعمان بن مقرن – رضي الله عنه – قال : غزوت مع النبي صلى الله عليه على وسلم ، فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس ، فإذا طلعت قاتل ، فإذا انتصف النهار امسك حتى تزول الشمس ، فإذا زالت الشمس قاتل حتى العصر ، ثم أمسك حتى يُصلي العصر ، ثم يُقاتل . قال : وكان يُقال عند ذلك تهيج رياح النصر ، ويدعو المؤمنون لجيوشهم في صلاتهم 45 .(1/356)
وفي رواية قال : شهدت القتال مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان إذا لم يُقاتل في أول النهار انتظر حتى تهب الأرواح ، وتحضر الصلوات 46
8 - والدعاء سهامُ الليل ، وهي سهامٌ لا تُخطئ
قال الإمام الشافعي – رحمه الله – :
أتهزأُ بالدعاء وتَزْدَرِيه وما تدري بما صنع الدعاء
سهامُ الليل لا تُخطئ ولكن لها أمدٌ وللأمدِ انقضاء
فيمسكها إذا ما شاء ربي ويرسلها إذا نَفَذَ القضاء
قال ابن القيم : والدعاء من أنفع الأدوية ، وهو عدو البلاء ، يُدافعه ويعالجه ، ويمنع نزولَه ، ويرفعه أو يُخَفِّفه إذا نزل ، وهو سلاح المؤمن …
وله - أي الدعاء - مع البلاء ثلاث مقامات :
أحدها : أن يكون أقوى من البلاء فيدفعه .
الثاني : أن يكون أضعف من البلاء فيقوى عليه البلاء ، فيُصاب به العبد ، ولكن قد يخففه ، وإن كان ضعيفا .
الثالث : أن يتقاوما ويمنع كل واحد منهما صاحبه 47 .
9 - والدعاء من أعظم أسباب الهداية
ولذا كان من دعائه – عليه الصلاة والسلام – : اللهم إني أسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى 48 .
وعلّم رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم سبطه الحسن بن عليّ – رضي الله عنهما – أن يدعو بهذا الدعاء في الوتر : اللهم اهدني فيمن هديت 49 .
قال ابن القيم : العجب ممن تعرض له حاجة فيَصرف رغبته وهمَّته فيها إلي الله ليقضيها له ، ولا يتصدّى للسؤال لحياة قلبه من موت الجهل والإعراض ، وشفائه من داء الشهوات والشبهات ، ولكن إذا مات القلب لم يشعر بمعصيته 50 .
وفوائدُ الدُّعاء عظيمة لمن تأملها .
ولكن أين مَنْ يمدّ يديه ؟
________________________________________
23 - رواه من حديث ابن عمر : الترمذي ( 5/552 ) والحاكم ( 1/670 ) وصححه ، وقال الحافظ في الفتح (11/95 ) : وفي سنده لين وقد صححه - مع ذلك - الحاكم . وله شاهد من حديث معاذ : أخرجه أحمد ( 5/234 ) . وله شاهد ثان من حديث عائشة : رواه الحاكم ( 1/669 ) والطبراني في الأوسط ( 3/66 ) .(1/357)
24 - رواه أحمد في المسند ( 2/362 ) والبخاري في الأدب المفرد ( 265 صحيح الأدب ) والترمذي ( 5/425 ) وابن ماجه ( 4/262 ) والحاكم ( 1/666 ) وقال : صحيح الإسناد ، وابن حبان ( 3/151 إحسان ) . وهو حديث حسن .
25 - أي : أسبوعاً كاملاً . وفي رواية للبخاري ( ستّاً ) . وانظر – غير مأمور – فتح الباري ( 2/585 ) .
26 - رواه البخاري في كتاب الاستسقاء . باب الاستسقاء في المسجد الجامع ، وفي باب الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة ( 2/16 ) ومسلم في كتاب الاستسقاء ( 2/612 ) .
27 - رواه (2/443) وفي الترمذي (5/456) وفي الأدب المفرد ( ص 246 صحيح الأدب ) وعند ابن ماجه (4/261) . وهو حديث حسن
28 - رواه أبو يعلى في المسند ( 8/44 ) وابن أبي عاصم في الزهد ( ص 203 ) والبيهقي في شعب الإيمان ( 2/42 ) واللفظ له . وأورده الألباني في الضعيفة (3/540 ح 1363 ) وعزاه لأبي يعلى وقال : وهذا سند موقوف جيد ، رجاله رجال مسلم ..
والشسع هو سير النعل .
29 - نقله عنه ابن القيم – رحمه الله – في عِدة الصابرين ( ص 105 ) .
30 - مجموع الفتاوى (10/333) .
31 - الفوائد ( ص 130) .
32 - الفوائد ( ص 63 ) .
33 - جامع العلوم والحكم (1/481) .
34 - فتح الباري (11/98) .
35 - رواه البخاري . كتاب الجهاد والسير . باب ما قيل في درع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والقميص في الحرب … (3/230) وفي مواضع أُخَر .
36 - سيأتي تخريجه بعون الله وتوفيقه .
37 - النهاية في غريب الحديث (4/252) .
38 - رواه عنه ابن أبي شيبة ( 6/329 ) وابن جرير في التفسير ( 11/47 – 51 ) ، وروى غيره من الأقوال ، ثم قال : وأولى الأقوال في ذلك عندي بالصواب القول الذي قاله عبد الله بن مسعود الذي رواه عنه زِرّ : أنه الدَّعَّاء . وقارن بما في صحيح البخاري (5/212) .
39 - جامع العلوم والحكم (1/481) .(1/358)
40 - انظر - غير مأمور - قصة الثلاثة في صحيح البخاري . كتاب الإجارة . باب من استأجر أجيراً فترك أجره … ( 2/51 ) ومسلم . كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ( 4/2099 ) من حديث ابن عمر – رضي الله عنه – .
41 - وفي رواية لمسلم (كفاك مناشدتك ربك ) ، وهي كذلك في المسند (1/32) وغيره ، ويُنظر شرح النووي على مسلم (12/434 ) .
42 - رواه البخاري . كتاب المغازي .باب قول الله تعالى : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ ) ... الآيات (5/4). ومسلم . كتاب الجهاد والسير (3/1384)
43 - ويُنظر لذلك تفسير القرطبي (13/84) ، وذكر ابن جرير (19/55) أقوالاً أخرى ، فليُراجع .
44 - صحيح البخاري . كتاب الجهاد والسير (4/9) ، وحديث عبد الله بن أبي أوفى الآتي في الموضع نفسه .
45 - رواه – مختَصَراً – أحمد ( 5/444 ) وأبو داود ( 3/49 ) والنسائي في الكبرى ( 5/191 ) دون الجملة الأخيرة منه ، وهو بتمامه في جامع الترمذي (4/ 159 ) وقال الترمذي : وقد روي هذا الحديث عن النعمان بن مقرن بإسناد أوصل من هذا ، وقتادة لم يدرك النعمان بن مقرن ، ومات النعمان بن مقرن في خلافة عمر .
قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : قد رواه من تقدّم ذكرهم من غير طريق قتادة عدا الترمذي ، فإنهم رووه عن معقل بن يسار أن النعمان بن مقرن قال . فَذَكَرَه .
تنبيه : وقع في بلوغ المرام ( ح 1296) عن معقل بن النعمان بن مقرن – رضي الله عنه – .(1/359)
وتعقبه الصنعاني في السبل (7/259) بقوله : فما أظن لفظ معقل إلا سبق قلم ، والشارح وقع له أنه قال : هو معقل بن النعمان بن مقرن المزني ، ولا يخفى أن النعمان هو ابن مقرن ، فإذا كان له أخ فهو معقل بن مقرن لا ابن النعمان . قال ابن الأثير : إن النعمان هاجر ومعه سبعة إخوة له . يُريد أنهم هاجروا كلهم معه ، فراجعت التقريب للمصنف ، فلم أجد فيه صحابيا يُقال له : =
= معقل بن النعمان ، ولا ابن مقرن بل فيه النعمان بن مقرن ، فتعيّن أن لفظ معقل في نسخ بلوغ المرام سبق قلم ، وهو ثابت فيما رأيناه من نسخه . انتهى كلامه .
قلت : السبب في ذلك أنه من رواية معقل بن يسار عن النعمان بن مقرن . فلعله خطأ من النُّسّاخ .
46 - أخرجه البخاري . كتاب الجزية والموادعة . باب الجزية والموادعة مع أهل الذمة والحرب ... (4/63) .
47 - الجواب الكافي ( الداء والدواء ) ص ( 10 ، 11 ) .
48 - رواه مسلم من حديث ابن مسعود . كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ( 4/2087 ) .
49 - حديث صحيح : رواه أحمد (1/199) أبو داود (2/63) والترمذي (2/328) والنسائي (3/275) وابن ماجه (2/49 ، 50 ) وابن خزيمة ( 2/151 ) وابن حبان ( 3/225 إحسان ) والحاكم ( 3/108 ) وصححه على شرط الشيخين .
50 - الفوائد ( ص 147 ) .
رابعاً : كيف يكون الدعاء مستجاباً ؟
ثمّة أمور وآداب وأحوال ليست واجبة كلّها ، فمنها ما هو واجب ، ومنها ما هو مسنون مستحبّ ، ومنها ما هو واجب التّرك .
فإذا تأدّب العبد بآداب الدعاء كان ذلك أحرى وأدعى للإجابة .
ومن آداب الدعاء :
1 - الإخلاص لله تبارك وتعالى .
قال الله – عز وجل – : ( وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [الأعراف:29]
وقال – جل جلاله – :( هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [غافر:65](1/360)
قال الحافظ ابن كثير – رحمه الله – : ( فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) أي موحدين له مُقِرِّين بأنه لا إله إلا هو 51 .
وقال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : وقد دلّت الآية المذكورة أن الإجابة مشترطة بالإخلاص 52 .
والإخلاص في اللغة ترك الرياء في الطاعة .
وعرفاً تخليص القلب من كل شوب يكدر صفاءه ، وكل ما يتصور أن يشوب غيره 53 .
فيستلزم الإخلاص في الدعاء تعلّق القلب بالله والافتقار إليه ، واستشعار أنه لا غنى له طرفة عين عن مولاه .
وسيأتي لاحقا – إن شاء الله – أن الدعاء لا يُستجاب من قلب غافلٍ لاهٍ ، وأن على الداعي أن يعزم المسألة .
قال ابن القيم – رحمه الله – : لا يجتمع الإخلاص في القلب ومحبة المدح والثناء والطمع فيما عند الناس إلا كما يجتمع الماء والنار ، والضب والحوت ، فإذا حدّثتك نفسك بطلب الإخلاص فأقْبِلْ على الطمع أولاً فأذبحه بسكين اليأس ، وأقْبِل على المدح والثناء فازهد فيهما زهد عشاق الدنيا في الآخرة ، فإذا استقام لك ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح سهل عليك الإخلاص ، فإن قلت وما الذي يسهل علي ذبح الطمع والزهد في الثناء والمدح قلت أما ذبح الطمع فيسهله عليك علمك يقينا أنه ليس من شيء يطمع فيه الا وبيد الله وحده خزائنه لا يملكها غيره ولا يؤتى العبد منها شيئا سواه وأما ازهد في الثناء والمدح فيسهله عليك علمك أنه ليس أحد ينفع مدحه ويزين ويضر ذمة ويشين الا الله وحده 54 .
2 - رفع اليدين
روى مسلم من حديث أنس – رضي الله عنه – قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرفعُ يديه في الدعاء ، حتى يُرى بياضُ إبطيه 55 .
وهذا يدلّ على شدة رفع اليدين في الدعاء .
وفي حديث أبي موسى قال : ثم رفعَ يدَيهِ فقال : اللهمّ اغفرْ لعُبَيدٍ أبي عامر ، ورأيتُ بياضَ إبطيْه 56 .(1/361)
وعن مَالِكِ بنِ يَسَارٍ السّكُونِيّ ثُمّ الْعَوْفِيّ أَنّ رَسُولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : إذَا سَأَلْتُمُ اللهَ فَسَلُوهُ ببُطِونِ أكُفِّكُمْ ، وَلاَ تَسْأَلُوهُ بِظُهُورِهَا 57 .
وفي حديث أنس وقصة دخول الأعرابي قال : فرفعَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يدَيهِ ثم قال : اللّهمّ أغثْنا . اللّهمّ أغثْنا . اللهمّ أغثنا 58 .
وفي صحيح مسلم من حديث عن عبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تلا قول الله عز وجل في إبراهيم : ( رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي ومَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) [ إبراهيم : 36 ] ، وقال عيسى عليه السلام : ( إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) [ المائدة : 118 ] ، فرفع يديه وقال : اللهم أمتي أمتي ، وبكى ، فقال الله – عز وجل – : يا جبريل اذهب إلى محمد – وربك أعلم – فَسَلْهُ ما يبكيك ؟ فأتاه جبريل – عليه الصلاة والسلام – فسأله ، فأخبره رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما قال - وهو أعلم - ، فقال الله : يا جبريل اذهب إلى محمد فقل : إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءُك 59 .
قال الإمام النووي – رحمه الله – : هذا الحديث مشتمل على أنواع من الفوائد منها استحباب رفع اليدين في الدعاء ... 60 .
وعن أَبي هُرَيْرَةَ قال : أقْبَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فَدَخَلَ مَكّةَ ، فأَقْبَلَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى الْحَجَرِ فَاسْتَلَمَهُ ثُمّ طَافَ بالْبَيْتِ ، ثُمّ أَتَى الصّفَا فَعَلاَهُ حَيْثُ يَنْظُرُ إلَى الْبَيْتِ فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَذْكُرُ الله – عز وجل – مَا شَاءَ أنْ يَذْكُرَهُ وَيَدْعُوهُ 61 .(1/362)
وتقدّم حديث عمر رضي الله عنه - في صفةِ دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم بدر - وفيه : فَاسْتَقْبَلَ نَبِيُّ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم الْقِبْلَةَ ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ : اللّهُمّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَني ، اللّهُمّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هََذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ ، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ مَادّاً يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ حتى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ 62 .
ولرفع اليدين فائدة عظيمة ، حيث يستحي ربُّك أن يردّهما صفرا . فقد ثبت من حديث سلمان – رضي الله عنه – أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إِنّ رَبّكُمْ تَبَارَكَ وتعَالى حَيِيّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ أَنْ يَرُدّهُما صِفْراً خائبتين 63 .
والأحاديث في رفع اليدين عند الدعاء بلغت حد التواتر المعنوي .
3 ـ الوُضوء لمن أراد الدعاء
الوضوء لمن أراد الدعاء مُستحب ، وهو من آداب الدعاء .(1/363)
فعن أبي موسى – رضي الله عنه – قال : لما فَرَغَ النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم من حُنين بَعثَ أبا عامر على جيشِ إلى أوطاس فلقيَ دُرَيدَ بن الصّمّة ، فقُتِلَ دُرَيدٌ ، وهَزَمَ اللّهُ أصحابه . قال أبو موسى : وَبَعثني 64 مَعَ أبي عامر ، فرُميَ أبو عامرٍ في ركبتِهِ ، رَمَاه جُشَميّ بسهمٍ فأثبَتَهُ في رُكبتِهِ ، فانتهيتُ إليهِ فقلتُ : يا عمّ مَن رماكَ ؟ فأشارَ إلى أبي موسى ، فقال : ذاك قاتلي الذي رماني ، فَقَصَدتُ له فلحِقته ، فلما رآني وَلّى ، فاتّبَعْتُه ، وجعلت أقولُ له : ألا تَستحي ! ألا تثبت فكفّ ، فاختَلفنا ضربتَين بالسيف فقتلتُهُ ، ثم قلتُ لأبي عامر : قَتَل اللّهُ صاحبَك . قال : فانزع هذا السهمَ فنزَعتُه فنزا منهُ الماء 65 قال : يا ابنَ أخي أقرئ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم السلامَ ، وقُلْ له : استغفِرْ لي . واستَخلَفني أبو عامِرٍ على الناس ، فمكثَ يسيراً ثم مات ، فرجَعتُ فدخلت على النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم في بيتِهِ على سريرِ مُرمَلٍ 66 وعليه فِراشٌ قد أثّرَ رِمالُ السريرِ في ظهرِهِ وَجَنبَيه ، فأخبرتُهُ بخبرِنا وخبرِ أبي عامر . وقلت له : قال : قُل له يستغفرْ لي ، فدَعا بماءٍ فتوضّأَ ، ثم رفعَ يدَيهِ ثم قال : اللهمّ اغفرْ لعُبَيدٍ 67 أبي عامر ، ورأيتُ بياضَ إبطيْه 68 ثمّ قال : اللهمّ اجعَلْهُ يومَ القيامةِ فوق كثيرٍ من خلقِكَ من الناس ، فقلتُ : وَلِي فاستغفرْ فقال : اللهمّ اغفر لعبدِ اللّهِ بن قَيس 69 ذَنْبَه وأدخلْه يومَ القيامة مُدخَلاً كريماً .
قال أبو بُردَةَ : إحداهما لأبي عامرٍ ، والأُخرى لأبي موسى 70 .
4 - استقبال القبلة(1/364)
عن جابرِ بنِ عبدِ اللّهِ – رضي الله عنه – في صفة حجة الوداع – قال : ثم ركب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى أتى الموقف فجعل بطن ناقته القصواء إلى الصخرات ، وجعل جبل المشاة بين يديه ، واستقبل القبلة ، فلم يزل واقفا حتى غربت الشمس ... قال : ثُمّ ركبَ 71 القصواء 72 حتّى وقفَ على المَشعرِ الحرامِ واستقبلَ القبلةَ فدعا اللّهَ وكبّرَهُ وهلّلَهُ ووحّدَهُ ، فلم يزل واقفاً حتى أسفر جداً 73 .
وهذا في أعظم مواطن الدعاء ، في عرفة وعند المشعر الحرام .
وعن عبّادِ بنِ تميم عن عمّهِ قال : رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم خَرجَ يَستسقي قال : فحوّلَ إِلى الناسِ ظهرَهُ واستَقبلَ القِبلةَ يدعو 74 .
وفي صفة دعاء النبيِّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم بدر : فَاسْتَقْبَلَ نَبِيّ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم الْقِبْلَةَ ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ 75 .
5 ـ البدء بالثناء على الله ، ثم الصلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وسلم قبل الدعاء
عن عبدِ الله بن مسعود – رضي الله عنه – قال : كُنْتُ أُصَلّي والنبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأبُو بكرٍ وعُمَرُ معه ، فلما جَلَسْتُ بَدَأْتُ بالثناءِ على الله ، ثم الصّلاةِ على النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثم دَعوْتُ لنَفْسِي ، فقال النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : سَلْ تُعْطَهْ . سَلْ تُعْطَهْ 76 .(1/365)
وعن فَضَالَةَ بنَ عُبَيْدٍ صَاحِب رَسُولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : سَمِعَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رَجُلاً يَدْعُو في صَلاَتِهِ لَمْ يُمَجّدِ الله وَلَمْ يُصَلّ عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : عَجِلَ هَذَا . ثُمّ دَعَاهُ فَقَالَ - لَهُ أوْ لِغَيْرِهِ - : إذا صَلّى أَحْدُكُمْ فَلْيبْدَأْ بِتَمْجِيدِ رَبّهِ وَالثّنَاءِ عَلَيْهِ ، ثُمّ يُصَلّي عَلَى النّبيّ صلى الله عليه وسلم ، ثُمّ يَدْعُو بَعْدُ بِمَا شاء 77 .
6 ـ التضرع والإخبات لله جل وعلا ، والانكسار بين يديه
قصّ الله تبارك وتعالى خبر أيوب – عليه الصلاة والسلام – فقال : ( وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ) [الأنبياء:83-84] .
وقد سُئل ابنِ عباسٍ عن استسقاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال : إن رسولَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم خَرَجَ مُتَبَذّلاً مُتَوَاضِعاً مُتَضَرّعاً ، حتى أَتَى المُصَلّى ، فلم يَخْطُبْ خُطْبَتكم هذِهِ ، ولكن لم يزَل في الدعاءِ والتَضَرّعِ والتكبيرِ ، وصلّى ركعَتْينِ كما كانَ يصَلّي في العيدِ 78 .
ومِن هُنا اختلف خروجه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لصلاة الاستستقاء عن خروجه لصلاة العيد ؛ لأن المقام – في الاستسقاء – مقام تذلل لا مقام تجمّل ، ومقام الدعاء في عرفة مقام تخشّع وتذلل ، بينما يوم العيد يوم فرح وتجمّل .
ويدخل في التذلّل : فعل بعض السلف عند خروجهم للاستسقاء ، فقد كان بعضهم يحثو التراب على رأسه ، ويخرج متخشِّعاً .
أو يضع التراب على رأسه عند الدعاء تخشعا وتذللاً .(1/366)
فعن عقبة بن عامر – رضي الله عنه – قال : لما طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر ، فبلغ ذلك عمر ، فَوَضَعَ التراب على رأسه وجعل يقول : ما يعبأ الله بعمر بعد هذا . فنزل جبريل من الغد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الله تعالى يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر 79 .
7 ـ الاعتراف بالذنب :
الاعتراف بالذّنب أقرب إلى العفو ، ومن تأمل كتاب الله وجد إجابة دعوات بعض الأنبياء قُرِنت بالاعتراف بالذنب .
فهذا أبو البشر – عليه الصلاة والسلام – وزوجه يعترفان : ( رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِر لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) [ الأعراف : 23 ]
ويأتي الجواب : ( ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى ) [ طه : 122 ]
وذاك نبي الله داود الذي استغفر ( رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ ) قال الله جل جلاله : ( فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ ) وزيادة ( وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ ) .
وذاك ابنه سليمان الذي تاب وأناب ( قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا لاّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ )
فوهب له ربُّه ملكا عظيما ، وسخّر له الريح ، والجن ، والطير .
وذاك القوي الأمين قال بعد أن قتل نفساً قَال : ( رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [ القصص : 16](1/367)
ودعوة ذي النون إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ تضمنت الإقرار والاعتراف ، قال سبحانه : ( وَذَا النُّونِ إِذ ذَّهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَن لاّ إِلَهَ إِلاّ أَنتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظَّالِمِينَ ) والجواب : ( فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ) وزيادة ( وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ) وهذه عادة الله في أوليائه ( وَكَذَلِكَ نُنجِي الْمُؤْمِنِينَ ) [ الأنبياء 87 ، 88 ]
فنجاه مولاه سبحانه ، وصارت دعوته نبراساً للمؤمنين .
فعن سَعْد بن أبي وقاص – رضي الله عنه – قال : قَال رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : دَعْوَةُ ذِي النّونِ - إذْ دَعَا وَهُوَ في بَطْنِ الحُوتِ - : لا إلَهَ إلاّ أنْتَ سُبْحَانَكَ إنّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ ، فَإِنّهُ لَمْ يَدْعُ بها رَجُلٌ مُسْلِمٌ في شَيْءٍ قَطّ إلاّ اسْتَجَابَ الله لَهُ 80 .
ونادِ إذا سجدتَّ له اعترافاً بما ناداه ذا النون بن متّى
تأمل في مناجاةَ النبيِّ عليه الصلاة والسلام ، وهو يُناجي ربّه في دُجى الليل الساكن .
فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام إذا قام يتهجّد من الليل أن يقول – بعد أن يُثني على الله عز وجلّ بما هو أهلُه – :
اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أسرفت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر . لا إله إلا أنت 81 .
ثم تأملوا هذا الدعاء من أدعيته عليه الصلاة والسلام ، وهو يقول :
اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي 82 .
وكان صلى الله عليه وسلم يقول في سجوده :
اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه ، دِقَّه وجِلَّه ، وأولَه وآخرَه ، وعلانيتَه وسرَّه 83
وفي هذا الدعاء الاعتراف بالذنب ، مع أنه – عليه الصلاة والسلام – قد غُفِر له ما تقدّم مِن ذَنبه وما تأخّر .(1/368)
وقد تقدّم تعليمه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر دعاءً يدعوا به في صلاته ، وفيه هذا المعنى 84 .
قال سبحانه وبحمده : ( وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ) [ آل عمران : 15 - 16]
فهذا توسّلٌ بالعمل الصالح وهو الإيمان بالله ، واعتراف بالذنب ، وختمه بالدعاء بالنجاة من عذاب النار .
وكما قيل : سكب العبرات يُقيل العثرات .
فـ :
يا من عدى ثم اعتدى ثم اقترف ثم ارعوى ثم انتهى ثم اعترف
أبشر بقول الله في آياته : ( إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ )
8 - اليقينِ بالإجابة مع حضور القلبِ
القلب هو ملِك الأعضاء ، ولا بُد من حضوره عند سؤال ملِك الملوك سبحانه وتعالى .
وإذا لم يحضر القلب كان الدعاء نوع من العبث .
فعن أبي هُرَيْرة – رضي الله عنه – قال : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : اُدْعُوا الله وَأَنْتُمْ مُوقِنُونَ بالإجَابَةِ ، وَاعْلَمُوا أَنّ الله لا يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ 85 .
وبذلك يتبين لك عبث بعض الناس الذين يرفعون أيديهم وقلوبهم لاهية ، فيرفع أحدُهم يديه ويلتفت يميناً وشمالاً ، ولا يَعِي ما يقول ، وبعضهم اتخذ رفع يديه بعد النافلة وقبل الفريضة عادة ، حتى يرفع بعضهم يديه ولا يقول شيئاً !
قال ابن مسعود – رضي الله عنه – : لا يسمعُ اللهُ من مسمِّع ، ولا مراءٍ ، ولا لاعِبٍ ، إلا داعٍ دعا يُثبت من قلبه 86 .
أي يسمعُ الله دعاءه .
قال مالك بن الحارث : كان ربيع يأتي علقمة . قال : فأتاه ولم يكن ثمة ، فجاء رجل فقال : ألا تعجبون من الناس وكثرة دعائهم وقلة إجابتهم ؟ فقال ربيع : تدرون لم ذاك ؟ إن الله لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء ، والذي لا إله غيره لا يسمع الله من مُسمِّع ولا مرائي ولا لاعب ولا داع إلا داعٍ دعا بتثبت من قلبه 87 .(1/369)
قال يحيى بن معاذ : من جَمَعَ الله عليه قلبَه في الدعاء لم يردّه .
قال ابن القيم معلّقاً على قوله : إذا اجتمع عليه قلبُه ، وصدقت ضرورتُه وفاقتُه ، وقوي رجاؤه ، فلا يكادُ يُردُّ دعاؤه 88 .
9 ـ ختم الدعاء بما يناسب الحال
وذلك كأن تدعو الله – عز وجل – أن يرزقك رزقاً حسنا فتَخْتِم دعائك بنحو قولك : يا رزاق يا ذا القوة المتين .
وعند طلب المغفرة تختم الدعاء بنحو : يا غافر الذنب ، أو يا غفّار أو يا غفور يا رحيم ، وهكذا
ولذا كان من دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم : اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ، وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني . أنت المقدِّم وأنت المؤخِّر ، وأنت على كل شيء قدير 89 .
ولما سأل أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسولَ اللّه علمني دُعاءً أَدعو به في صلاتي قال : قل : اللهمّ إني ظلمتُ نفسي ظلماً كثيراً ، ولا يَغفرُ الذّنوبَ إلا أنتَ فاغفِرْ لي مغفرةً من عندَك وارحمني إنكَ أنتَ الغفور الرّحيم 90 .
وعلّم رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عائشة – رضي الله عنها – دعاءً تدعو به إن هي وافقت ليلة القدْر أو عَلِمَتْها ، فقال : قُولِي : اللّهُمّ إِنّكَ عَفُوّ كريم تُحِبُ العَفْوَ فاعْفُ عَنّي 91 .
فهذا كله من ختم الدعاء بما يُناسبه من أسماء الله الحسنى .
10 ـ الإكْثارِ من الدّعَاءَ في الرّخَاءِ
مَنْ عَرَف الله في الرخاء عَرَفَه في الشِّدّة .
عن أَبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قال : قال رسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : مَنْ سَرّهُ أَنْ يَسْتَجِيبَ اللهُ لَهُ عِنْدَ الشّدَائِدِ والكُرَبِ ، فَلْيُكْثِرِ الدّعَاءَ في الرّخَاءِ 92 .
قال أبو الدرداء : مَنْ يُكثر الدعاء في الرخاء يُستجاب له عند البلاء ، ومن يُكثر قَرْع الباب يُفتح له 93 .(1/370)
وقال ابن رجب : وفي الجملة ، فَمَنْ عَامَلَ الله بالتقوى والطاعة في حال رخائه ، عَامَلَهُ الله باللطف والإعانة في حال شدّتِه 94 .
أخلِق بذي الصبر أن يظفؤ بحاجته ومُدمن القَرْع للأبواب أن يلِجا
11 ـ تكرار الدعاء والإلحاح على الله
مَن يُكثر قَرْع الباب يُفتح له ، كما قال أبو الدرداء – رضي الله عنه – .
ومَن ألحّ على الله في الدعاء فإن الله لا يَردّ مَن سأله ، ولا يقطع مَن رجاه ، ولا يخيب مَن أمّله .
وجاء في صفة دعائه صلى الله عليه وعلى آله وسلم يوم بدر أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ ، ثُمّ مَدّ يَدَيْهِ ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ : اللّهُمّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي ، اللّهُمّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي اللّهُمّ إنْ تَهْلِكْ هََذِهِ الْعِصَابَةُ مِنْ أَهْلِ الإِسْلاَمِ لاَ تُعْبَدْ فِي الأَرْضِ . فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبّهِ مَادّاً يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ ، حَتّىَ سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءهُ ، فَأَلْقَاهُ عَلَىَ مَنْكِبَيْهِ ، ثُمّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ وَقَالَ : يَا نَبِيّ اللّهِ كَذَاكَ مُنَاشَدَتَكَ رَبّكَ ، فَإنّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ ، فَأَنْزَلَ اللّهُ : ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُم بِأَلْفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُرْدِفِينَ )[الأنفال:9] 95 .
وقد اشتمل هذا الحديث على عدة آداب من آداب الدعاء :
أولها : استقبالُ القبلة .
ثانيها : رفع اليدين [ مادّاً يديه ].
ثالثها : [ التضرّع ] هتافُه بربه .
رابعها : الإلحاح [ فما زال يهتف بربه ] .
خامسها : حضورُ قلبِه صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، حتى عندما سقط رداؤه لم يشعر به ، بل ردّه عليه أبو بكر – رضي الله عنه – .(1/371)
هذا وهو المؤيد بالوحي المأمور بغزو القوم : " أغزهم نُغْزِكَ ، وأنفق فَسَنُنْفق عليك ، وابعث جيشاً نبعث خمسة مثله ، وقاتِل بمن أطاعك من عصاك " 96 .
ومع ذلك لم يعتمد علىذلك ، وإنما ألحّ على الله وكرر الدعاء وهتف بربِّه .
12 ـ عزم المسألة ، وعدم التردد
بمعنى أن يسأل الداعي ربَّه وهو جادٌ في سؤاله ، يسأله مسألة المسكين ، ويبتهل إليه ابتهال المذنب الذليل ؛ ولا يسأله مسألة من يُجرِّب ، وكأنه يمتحن ربّه .
قال البيهقي – في فصول في الدعاء – : ومنها أن يكون دعاؤه سؤالا بالحقيقة لا اختباراً لربه جل ثناؤه … ومنها أن يَعزم المسألة 97 .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أَنّ رَسُولَ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : لا يقولن أحدكم اللهم اغفر لي إن شئت . اللهم ارحمني إن شئت ليعزم في الدعاء ، فإن الله صانعُ ما شاء لا مُكره له 98 .
وفي رواية لمسلم : إِذَا دَعَا أَحَدُكُمْ فَلاَ يَقُلِ : اللّهُمّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ ، وَلََكِنْ لِيَعْزِمِ الْمَسْأَلَةَ ، وَلْيُعَظّمِ الرّغْبَةَ ، فَإنّ اللّهَ لاَ يَتَعَاظَمُهُ شَيْءٌ أَعْطَاهُ .
وعن أنس – رضي الله عنه – مرفوعاً : إذا دعا أحدكم فليعزم في الدعاء ، ولا يقل اللهم إن شئت فأعطني ، فإن الله لا مستكره له .
ويُخطئ بعض الناس عندما يقرِن الدعاءَ بالمشيئة ، فيقول مثلاً : جزاك الله خيراً إن شاء الله ، وما أشبه ذلك ، وهذا خطأ .
وذلك لأن من دعا وقَرَنَ دعائه بالمشيئة فهو بين أمرين :
* إما أن يكون الداعي غير محتاج لما سأل .
* وإما أن يكون المسؤول غير مقتدر على تلبية السؤال ، فيخشى أن يُوقعه في الحرج ، فيقول : أعطني كذا إن شئت .
وكل من الأمرين مُنْتَفٍ في حق الله تبارك وتعالى .
قال علماؤنا : قوله : " فليعزم المسألة " دليل على أنه ينبغي للمؤمن أن يجتهد في الدعاء ، ويكون على رجاء من الإجابة ، ولا يقنط من رحمة الله ؛ لأنه يدعو كريما 99 .(1/372)
13 - الإكْثارِ من ذِكرِ الله تبارك وتعالى
مَنْ ذَكَرَ الله ذَكَره الله ، إذ الجزاء من جنس العمل .
ومَنْ أكثر من ذِكر الله كان قريبا من الله مُحبّاً له ، إذ أن من أحبّ شيئا أكثر مِن ذِكره ، ومَن أحبّه الله أكرمه .
فعن أَبي هُرَيْرة – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ثلاثة لا يَردُّ الله دعاءَ هم : الذاكر الله كثيراً ، والمظلوم ، والإمام المقسط 100 .
وذِكر الله مِن أحب الأعمال إلى الله – عز وجل –
قال – عليه الصلاة والسلام – : ألا أنبئكم بخير أعمالكم ، وأزكاها عند مليككم ، وأرفعها في درجاتكم ، وخير لكم من إنفاق الذهب والورق ، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم ؟ قالوا : بلى . قال : ذكر الله تعالى 101 .
فإذا كان ذكر الله له هذه المنزلة فهو من أفضل النوافل 102 ، وقد قال – عليه الصلاة والسلام – : وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه 103 .
فإذا أحبّ الله عبداً استجاب دعاءه ، وأعطاه مسألته .
14 ـ ختم الدعاء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم
فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كثيرة عظيمة النفع ، وقد قَرَن الله اسم نبيِّه باسمه في مواضع عديدة ، كالشهادتين ، وفي الأذان ، وعلى المنابر ، فلقد رفع الله له ذِكْرَه صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ومن فوائد الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رفع الدعاء إلى السماوات العُلى
فعن علي – رضي الله عنه – قال : كلُّ دعاءٍ محجوبٌ حتى يُصَلَّى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم 104 .
فيفتتح الدعاء بالصلاة عليه صلى الله عليه وسلم ، ويُختتم بالصلاة عليه 105 .(1/373)
وأما صفة الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فإنها كما علمها أصحابه عندما سألوه قائلين : يا رسول الله كيف نُصلِّي عليك ؟ فقال : قولوا اللهم صل على محمد وعلى أزواجه وذريته كما صليت على آل إبراهيم ، وبارك على محمد وعلى أزواجه وذريته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد 106 .
15 - عدم الاعتداء في الدعاء
لأن الاعتداء في الدعاء نوعٌ من العبث لا يليق بالعبادة ، ويتنافى مع آداب الدعاء .
ويدخل تحت الاعتداء :
أ - دعاء اللهِ سبحانه بغير الأسماء الثابتة في الكتاب والسُّنة
قال سبحانه وتعالى : ( وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ) [ الأعراف : 180 ] .
قال الشوكاني : والإلحادُ في أسمائه سبحانه يكون على ثلاثة أوجُه :
1 - إما بالتغيير ؛ كما فعله المشركون ، فإنهم أخذوا اسم اللات من الله ، والعُزّى من العزيز ، ومناة من المنان .
2 - أو بالزيادة عليها ؛ بأن يخترعوا أسماء من عندِهم لم يأذنِ الله بها .
3 - أو بالنقصان منها ؛ بأن يدعوه ببعضها دون بعض 107 .
وعدّ الحافظ في الفتح من الاعتداء :
4 - تسميته بما لم يرد في الكتاب أو السنة الصحيحة 108 .
ب - تكلّف السجع في الدعاء
السَّجْع هو تركيب الكلام بحيث تكون أواخره على نسق واحد .
وإذا قصد الداعي السجع انشغل قلبه بتركيب الكلام وانصرف عن الدعاء .
وقد أنكر النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم على حَمَل بْن النّابِغَةِ الْهُذَلِيّ عندما قال : يَا رَسُولَ اللّهِ كَيْفَ أَغْرَمُ مَنْ لاَ شَرِبَ وَلاَ أَكَلَ وَلاَ نَطَقَ وَلاَ اسْتَهَلّ ؟ فَمِثْلُ ذَلِكَ يُطَلّ ، فَقَالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إِنّمَا هَذَا مِنْ إخْوَانِ الْكُهّانِ . مِنْ أَجْلِ سَجْعِهِ الّذِي سَجَعَ 109 .(1/374)
فإذا كان هذا في كلام عابر فكيف إذا كان في الدعاء الذي هو العبادة ؟
وأخرج البخاري عنِ ابن عباسٍ – رضي الله عنهما – أنه قال : فانظر السجعَ من الدعاء فاجتنِبْه ، فإِني عهدتُ رسولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابَهُ لا يفعلون إلا ذلك . يعني لا يفعلون إلا ذلك الاجتِناب 110 .
أي أنهم يجتنبون السجع في الدعاء .
وأخرج الإمام أحمد عن عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت لابن أبي السائب : واجتنب السجع في الدعاء ، فإني عهدت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه يكرهون ذلك 111
وفي رواية ابن أبي شيبة قالت : اجتنب السجع في الدعاء ، فإني عهدت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه وهم لا يفعلون ذلك .
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة : وأما من دعا الله مخلصاً له الدين بدعاء جائز سمعه الله وأجاب دعاءه سواء كان معربا أو ملحونا ، والكلام المذكور 112 لا أصل له ، بل ينبغي للداعي إذا لم تكن عادته الأعراب أن لا يتكلف الإِعراب ، قال بعض السلف : إذا جاء الإعراب ذهب الخشوع وهذا كما يَكره تكلف السجع في الدعاء ، فإذا وقع بغير تكلف فلا بأس به ، فإن أصل الدعاء من القلب ، واللسان تابع للقلب ، ومن جعل همّته في الدعاء تقويم لسانه أضعف تَوَجّه قلبه ، ولهذا يدعو المضطر بقلبه دعاء يُفتح عليه لا يَحضره قبل ذلك ، وهذا أمر يجده كل مؤمن في قلبه 113
جـ - رفعُ الصوتِ بالدعاء والمبالغةِ في ذلك
المسلم إذا توجّه في الدعاء فإنه يدعو سميعاً بصيرا قريباً مُجيبا .(1/375)
أخرج الشيخان عن أبي موسى الأشعريّ – رضي الله عنه – قال : كنُا معَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم فكنّا إِذا أشرَفْنا على وادٍ هلّلْنا وكبّرنا ، وارتفعَت أصواتُنا ، فقال النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يا أيّها الناسُ ، ارْبَعوا على أنفُسكم ، فإنكم لا تَدْعونَ أصمَّ ولا غائباً ، إنهُ معكم إنهُ سميعُ قَريب ، تَبارَكَ اسمهُ ، وتَعالى جَدُّه 114 .
وفي رواية لمسلم قال : والذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلة أحدكم .
قال النووي في المنهاج : فيه الندب إلى خفض الصوت بالذكر إذا لم تدع حاجة إلى رفعه ، فإنه إذا خفضه كان أبلغ في توقيره وتعظيمه ، فإن دعت حاجة إلى الرَّفْعِ رَفَع 115 .
وقال ابن حجر في الفتح : اربعوا : أي ارفقوا ، ولا تُجهدوا أنفسكم .قال الطبري : فيه كراهة رفع الصوت بالدعاء والذكر ، وبه قال عامة السلف من الصحابة والتابعين 116 .
وروى ابن أبي شيبة عن مجاهد أنه سمع رجلا يرفع صوته بالدعاء فرماه بالحصى 117 .
وروى أيضا أن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : أيها الناس إنكم لا تَدعُون أصما ولا غائبا يعني في رفع الصوت بالدعاء .
وروى أيضا عن الحسن قال : كانوا يجتهدون في الدعاء ، ولا يُسْمَع إلا همسا .
وعن عبد الله بن نسيب قال : صليت إلى جنب سعيد بن المسيب المغرب ، فلما جلست في الركعة الآخرة رفعت صوتي بالدعاء فانتهرني ، فلما انصرفت قلت له : ما كرهت مني ؟ قال : ظننتَ أن الله ليس بقريب منا ؟ 118 .
وكان السلف يكرهون أن يسمع الرجل جليسه شيئا من الدعاء .(1/376)
قال ابن مفلح : يُكره رفع الصوت بالدعاء مطلقاً . قال المروذي : سمعت أبا عبد الله يقول : ينبغي أن يُسرَّ دعائه لقوله تعالى : ( وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا ) [الإسراء:110] قال في المستوعب : يُكره رفع الصوت بالدعاء ، وينبغي أن يُخفي ذلك لأن الله تعالى قال : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) [الأعراف:55] فَأَمَرَ بذلك 119 .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : والسُّنّة في الدّعاء كلِّه المخافتة ، إلا أن يكون هناك سبب يُشرع له الجهر 120 .
قال الكمال ابن الهمام : ما تعارفه الناس في هذه الأزمان من التمطيط والمبالغة في الصياح والاشتغال بتحريرات النغم إظهاراً للصناعة النغمية لا إقامة للعبودية ، فإنه لا يقتضي الإجابة بل هو من مقتضيات الردّ ، وهذا معلوم إن كان قصده إعجاب الناس به فكأنه قال : أعجبوا من حسن صوتي وتحريري ، ولا أرى أن تحرير النغم في الدعاء - كما يفعله القراء في هذا الزمان - يصدر ممن يفهم معنى الدعاء والسؤال ، وما ذاك إلا نوع لعب ، فإنه لو قدر في الشاهد سائل حاجة من ملك أدّى سؤاله وطلبه بتحرير النغم فيه من الخفض والرفع والتطريب والترجيع كالتغنّي نسب البتة إلى قصد السخرية واللعب ، إذ مقام طلب الحاجة التضرع لا التّغني ، فاستبان أن ذاك من مقتضيات الخيبة والحرمان 121 .
د - ذكر التفاصيل في الدعاء(1/377)
سمع سعد بن أبي وقاص ابناً له يُصلي فكأن يقول في دعائه : اللهم إني أسألك الجنة ، وأسألك من نعيمها ، وبهجتها ، ومن كذا ، ومن كذا ، ومن كذا ومن كذا ، وأعوذ بك من النار وسلاسلها وأغلالها ، ومن كذا ، ومن كذا . قال : فسكت عنه سعد ، فلما صلى قال له سعد : تعوّذت من شر عظيم ، وسألت نعيماً عظيماً – أو قال : طويلاً ، شعبة شك – قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنه سيكون قوم يعتدون في الدعاء ، وقرأ : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ ) [ الأعراف : 55 ] قال شعبة : لا أدري قوله : ( ادْعُواْ رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَة) هذا من قول سعد أو قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم . وقال له سعد : قل : اللهم أسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل ، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل 122 .
وعن عَبْد اللّهِ بْن مُغَفّلٍ أنه سَمِعَ ابْنَهُ يَقُولُ : اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ الْقَصْرَ الأَبْيَضَ عَنْ يَمِينِ الْجَنّةِ إِذَا دَخَلْتُهَا ، فَقَالَ : أَيْ بُنَيّ سَلِ اللّهَ الْجَنّةَ ، وَعُذْ بِهِ مِنَ النّارِ ، فَإِنّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُول : سَيَكُونُ قوْمٌ يَعْتَدُونَ فِي الدّعَاءِ 123 .
وما ذلك إلا لعلم الصحابة رضي الله عنهم بحرص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على جوامع الدعاء ، والبعدِ عن التكلّف . وقد ربّاهم النبيُّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم على ذلك
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : الدعاء ليس كلّه جائزاً ، بل فيه عدوان محرم ، والمشروع لا عدوان فيه ، وأن العدوان يكون تارة في كثرة الألفاظ ، وتارة في المعاني 124 .
وعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قالَتْ : كَانَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَسْتَحِبّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدّعَاءِ ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِك 125 .(1/378)
لأن ما سوى ذلك يدخل في التكلف ، وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أُمِر أن يقول : ( وَمَا أَنَا مِنَ الْمُتَكَلِّفِينَ ) [ ص : 86 ] .
والتعدِّي في الدعاء يُفوّتُ المقصود من جوامع الدعاء . قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أَيّهَا النّاسُ اتّقُوا اللّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطّلَبِ ، فَإِنّ نَفْساً لَنْ تَمُوتَ حَتّى تَسْتَوْفِيَ رِزْقَهَا ، وَإِنْ أَبْطَأَ عَنْهَا ، فَاتّقُوا اللّهَ وَأَجْمِلُوا فِي الطّلَبِ . خُذُوا مَا حَلّ ، وَدَعُوا مَا حَرُمَ 126 .
ومعنى أجمِلوا في الطلب : اعتدلوا ولا تُفرِطوا فيه .
إذا عُلِمت هذه الآداب ، فللدعاء أماكن وأوقات وأحوال هي مظانّ إجابة الدعاء .
16 ـ اختيار الأوقات والأماكن والأحوال التي هي مضانّ الإجابة
ثمة أوقات وأحوال وأماكن يكون الدعاء فيها أقرب وأحرى للإجابة .
أما الأوقات فمنها :
أولاً : بين الأذان والإقامة
عندما يكون العبد في انتظار الصلاة فهو في صلاة ، وهو في قُربة وطاعة .
عن أَنَس – رضي الله عنه – قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا يُرَدّ الدّعَاء بَيْنَ اْلأذَانِ والإِقَامَة 127 .
ولفظه عند الترمذي . قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : الدّعَاءُ لاَ يُرَدّ بَيْنَ الأَذَانِ والإقَامَة . قالُوا فَمَاذَا نَقُولُ يَا رَسُولَ الله ؟ قَالَ : سَلُوا الله العَافِيَةَ في الدّنْيَا وَالآخِرَة 128
قال ابن عمر : كُنّا نُحَدَّث أن أبواب السماء تُفْتَح عند كل أذان .
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُصلِّي قبل الظهر أربعاً ، ويقول : إنها ساعة تفتح فيها أبواب السماء ، فأحب أن يصعد لي فيها عمل صالح 129 .
ثانياً : آخر ساعة من يوم الجمعة(1/379)
عن أبي هريرةَ – رضي الله عنه – قال : قال أبو القاسم صلى الله عليه وعلى آله وسلم : في يوم الجمعة ساعةٌ لا يُوافِقها مسلمٌ ، وهو قائمٌ يُصلي يسألُ اللّهَ خيراً إلاّ أعطاه إيّاه . وقال بيده يقللها يزهدها 130 .
وفي حديث عبد الله بن سلاَم – رضي الله عنه – قال : قلت - ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جالس - : إنا لنَجِدُ في كتاب الله تعالى في يوم الجمعة ساعةٌ لا يوافقها عبد مؤمن يُصلي يسأل الله بها شيئا إلا قضى الله له حاجته . قال عبد الله : فأشار إليّ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أو بعضُ ساعة . فقلت : صدقت ، أو بعض ساعة . قلت : أي ساعة هي ؟ قال : آخر ساعات النهار . قلت : إنها ليست ساعة صلاة . قال : بلى ، إن العبد إذا صلى ، ثم جلس لم يجلسه إلا الصلاة ، فهو في صلاة 131 .
وقد أشكل هذا على أبي هريرة حول هذه الساعة ، وكيف يكون العبد في صلاة ، وهي ساعة نُهي عن الصلاة فيها ؟
فقد حدَّثَ أبو هريرة – رضي الله عنه – أنه لَقي عبد الله بن سلام – رضي الله عنه – فحدّثه عن مجلس جَلَسَه مع كعب الأحبار ، وأنهما تذاكرا فيه ساعة الجمعة ، فقال عبد الله بن سلام : قد علمت أية ساعة هي . قال أبو هريرة : فقلت له : فأخبرني بها . فقال عبد الله بن سلام : هي آخر ساعة من يوم الجمعة . فقلت : كيف هي آخر ساعة من يوم الجمعة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا يصادفها عبد مسلم وهو يُصَلِّي . وتلك الساعة لا يُصَلَّى فيها ؟ فقال عبد الله بن سلام : ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : مَنْ جلس مجلسا ينتظر الصلاة ، فهو في صلاة حتى يُصلي ؟ قال : فقلت : بلى . قال : هو ذاك 132 .
ثالثاً : عند صعود الخطيب المنبر يوم الجمعة حتى تُقضى الصلاة
وقع الخلاف حول ساعة الجمعة ، وما ذلك إلا لخفائها ، وإخفاؤها لأجل الاجتهاد وطلبها والحرص عليها ، كما أُخفيت ليلة القدر .(1/380)
عن أبي بُرْدَةَ بنِ أبي مُوسَى الأشعري قال : قال لِي عَبْدُ الله ابنُ عُمر : أسَمِعْتَ أبَاكَ يُحَدّثُ عن رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شَأْنِ الْجُمُعَةَ – يَعْني السّاعَةَ – ؟ قال : قُلْتُ : نَعَمْ سَمِعْتُهُ يقولُ : سَمِعْتُ رسولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقولُ : هِيَ مَا بَيْنَ أنْ يَجْلِسَ الإمامُ إلَى أنْ تُقْضَى الصّلاَةُ . قالَ أبُو دَاوُدَ : يَعْني عَلى المِنْبَرِ 133 .
وللعلماء كلام حول هذا الحديث ، ولا يمنع أن تكون الساعة قد قُسِمتْ بين هذين الوقتين ، وفضل الله واسع لا حصر له . والله أعلم .
ولكن ينبغي التّنبُّه إلى أنه لا يُشتغل بالدعاء حال الخُطبة ، ولا تُرفعُ الأيدي إلا في الاستسقاء ، أي إذا دعا الإمام يوم الجمعة لطلب سُقيا المطر .
رابعاً : جوف الليل الآخر وأدبار الصلوات المكتوبة
عندما تهدأ العيون ، وتغار النجوم ، ويتلذذ أُناس بالنوم على الفُرُش ، فإن أُناساً من المؤمنين يُناجون من لا تأخذه سِنة ولا نوم ، فيستجيب لهم .
فعن أبي أمامة قال : حدثني عَمْرُو بنُ عَبسَةَ أَنّهُ سَمِعَ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقُولُ : أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الرّبّ مِنَ العَبْدِ في جَوْفِ اللّيْلِ الآخِرِ ، فإِنْ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَكُونَ مِمّنْ يَذْكُرُ الله في تِلْكَ السّاعَةِ فَكُنْ 134 .
وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ينزل ربُّنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقي ثلث الليل الآخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيبَ له ، ومن يسألُني فأعطيَه ، ومن يستغفرني فأغفرَ له 135 .
وفي صحيح مسلم من حديث عن جابر قال : سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : إن في الليل لساعة لا يوافقها رجل مسلم يسأل الله خيراً من أمر الدنيا والآخرة إلا أعطاه إياه ، وذلك كل ليلة 136 .(1/381)
وكَانَ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُولُ إِذَا قَامَ إِلَى الصّلاَةِ مِنْ جَوْفِ اللّيْلِ : اللّهُمّ لَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ نُورُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ومَنْ فيهنّ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ قَيّامُ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ، وَلَكَ الْحَمْدُ أَنْتَ رَبّ السّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَنْ فِيهِنّ ، أَنْتَ الْحَقّ ، وَوَعْدُكَ الْحَقّ ، وَقَوْلُكَ الْحَقّ ، وَلِقَاؤُكَ حَقّ ، وَالْجَنّةُ حَقّ ، وَالنّارُ حَقّ ، والنَّبيُّون حقٌّ ، ومحمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم حقٌّ ، وَالسّاعَةُ حَقّ . اللّهُمّ لَكَ أَسْلَمْتُ ، وَبِكَ آمَنْتُ ، وَعَلَيْكَ تَوَكّلْتُ ، وَإِلَيْكَ أَنَبْتُ ، وَبِكَ خَاصَمْتُ وَإِلَيْكَ حَاكَمْتُ ، فَاغْفِرْ لِي مَا قَدّمْتُ وما أَخّرْتُ ، وما أَسْرَرْتُ وَأَعْلَنْتُ . أَنْتَ المُقَدِّم وأنت المؤخِّر ، لاَ إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ 137 .
فيُثني على الله – عز وجل – بما هو أهله ثم يدعوه .
وذلك لما يَعْلَم – عليه الصلاة والسلام – من فضل الدعاء في جوف الليل ، ولِمَا سيأتي من أن الدعاء عند الاستيقاظ مستجابٌ لمن بات متطهراً .
وخرج المحاملي وغيره من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : قال الله تعالى : من ذا الذي دعاني فلم أجبه ، وسألني فلم أعطه ، واستغفرني فلم أغفر له ، وأنا أرحم الراحمين 138 .
عَن أبي أُمَامَةَ قال : قِيلَ لرَسُولَ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أَيّ الدّعَاءِ أسْمَعُ ؟ قال : جَوْف اللّيْلِ الآخِرُ ، وَدُبُرَ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ 139 .
وَدُبُرَ الصّلَوَاتِ الْمَكْتُوبَاتِ : أي قبل السلام كما ثبتت بذلك الأحاديث .(1/382)
ففي حديث عبد الله بن مسعود - وذكر صفة التشهد - قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ثم ليتخير أحدكم من الدعاء أعجبه إليه فيدعو به . وفي رواية : ثم ليتخيّر من المسألة ما شاء أو ما أحب 140 . أي قبل السلام .
خامساً : يومُ عرفة
في ذلك الموقف العظيم يُباهي رب العزة سبحانه ملائكته بعباده الذين أتوه شُعثاً غُبراً .
قال – عليه الصلاة والسلام – : إن الله عز وجل يُباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة ، فيقول : انظروا إلى عبادي ، أتوني شُعثاً غبراً 141 .
وعَنْ عَمْرِو بنِ شُعْيبٍ عَن أبِيهِ عَن جَدّهِ أنّ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : خَيْرُ الدّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أنا والنّبِيّونَ مِنْ قَبْلِي : لاَ إلَهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَهُ المُلْكُ ، وَلَهُ الْحَمْدُ ، وَهُوَ عَلَى كلّ شَيْءٍ قَديرٌ 142 .
سادساً : ليلة القدر
عَن عَائِشَةَ قالَتْ قُلْتُ : يا رَسُولَ الله أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أيّ لَيْلَةٍ لَيْلَة القَدْرِ مَا أقُولُ فِيهَا ؟ قال : قُولِي : اللّهُمّ إِنّكَ عَفُوّ كريم تُحِبُ العَفْوَ فاعْفُ عَنّي 143 .
فأرشدها إلى الدعاء ، ودلّها عليه في تلك الليلة المباركة .
ولذا قالت عائشة – رضي الله عنها – : لو علمت أي ليلة ليلة القدر ، لكان أكثر دعائي فيها أنْ أسأل العفو والعافية 144 .
سابعاً : عند الصف في سبيل الله ، وعند الأذان
عندما تلتحم الصفوف ، وتبلغ القلوب الحناجر ، ويذكر المحبّ حبيبه ، يذكر المؤمن ربّه ويدعوه ويتضرعّ إليه .(1/383)
قال ابن القيم – رحمه الله – : من أحب شيئا أكثر من ذكره بقلبه ولسانه ، ولهذا أمر الله سبحانه عباده بذكره على جميع الأحوال وأمرهم بذكره أخوف ما يكونون فقال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُونَ )[الأنفال:45] والمُحِبُّون يفتخرون بذكرهم أحبابهم وقت المخاوف وملاقاة الأعداء كما قال قائلهم :
ولقد ذكرتك والرماح كأنها أشطان بئر في لَبان الأدهم
فوددت تقبيل السيوف لأنها بَرَقَتْ كبارق ثغرك المتبسِّم
وفي بعض الآثار الإلهية : إن عبدي كل عبدي الذي يذكرني وهو ملاقٍ قِرنه . فعلامة المحبة الصادقة ذكر المحبوب عند الرغب والرهب 145 .
فإذا كان الأمر كذلك فإن الداعي وقت التحام الصفوف أقرب ما يكون إلى الإجابة .
روى الإمام مالك عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السّاعِدِيّ أَنهُ قَال : سَاعَتَانِ تُفْتَحُ لَهُمَا أَبْوَابُ السّمَاءِ ، وَقَلّ دَاعٍ تُرَدّ عَلَيْهِ دَعْوَتُهُ : حَضْرَةُ النّدَاءِ لِلصّلاةِ 146 ، وَالصّفُّ فِي سَبِيلِ اللّهِ 147 .
وعنه – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ثنتان لا تُردان ، أو قلما تُردّان : الدعاء عند النداء وعند البأس ؛ حين يلحم بعضهم بعضا 148 .
وقد تقدم أن الدعاء عند الأذان لا يُردّ ، وفي الإعادة إفادة .
ثامناً : عند نزول الغيث :
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ثنتان ما تردّان – أو قلّما تردّان – : الدعاء عند النداء ، وتحت المطر 149 .
تاسعاً : أوقات متفرقة(1/384)
عن جابر بن عبد الله أن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم دعا في مسجد الفتح ثلاثاً : يوم الاثنين ويوم الثلاثاء ، ويوم الأربعاء ، فاستجيب له يوم الأربعاء بين الصلاتين ، فعُرف البِشر في وجهه . قال جابر : فلم ينزل بي أمر مهم غليظ إلا توخّيت تلك الساعة ، فأدعو فيها فأعرف الإجابة 150 .
وقد يتهيأ للعبد أكثر من فرصة لإجابة الدعاء ، كأن يكون مسافراً عصر الجمعة ، فيجتمع حال السفر مع ساعة الإجابة آخر النهار ، وقد يدعوا بين الأذان والإقامة وهو ساجد يصلي فيجتمع حال السجود مع هذا الوقت الذي هو مظنة إجابة الدعوة .
وقد تجتمع ثلاثُ فُرص ، كالمسافر عصر الجمعة ويدعوا لأخيه بظهر الغيب وهكذا .
[ وأما الأماكن الفاضلة التي يستجاب فيها الدعاء فمنها ]
الملتَزَم وهو بجوار الحجر الأسود ، وسمي كذلك لأن الناس يلتزمونه بصدورهم وأيديهم ، وهو ما بين الحجر الأسود إلى باب الكعبة .
وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُلزِق صدره ووجهه بالمُلتَزَم 151 .
وقال ابن عباس – رضي الله عنهما – : الملتَزم ما بين الركن والباب 152 .
وعنه – رضي الله عنه – أنه كان يَلْزَمُ ما بين الركن والباب ، وكان يقول : ما بين الركن والباب يدعى المُلْتَزَم ، لا يَلْزَم ما بينهما أحد يسأل الله شيئا إلا أعطاه إياه 153 .
وعن مجاهد أنه قال :كانوا يَلْتَزِمُون ما بين الركن والباب ويَدْعُون 154 .
وقال محمد بن عبد الرحمن العبدي : رأيت عكرمة بن خالد ، وأبا جعفر وعكرمة مولى ابن عباس ، يلتزمون ما بين الركن وباب الكعبة 155 .
وعن معمر أنه قال : رأيت أيوب يُلصق بالبيت صدره ويديه 156 .
وعنه عن هشام بن عروة عن أبيه أنه كان يلصق بالبيت صدره ويده وبطنه 157 .
وأما التعلق بأستار الكعبة من غير تمسح أو طلب تبرّك فلا حرج فيه ، وكان التعلّق معروفاً ، وهو يدلّ على اللجوء والاستعاذة بالله .(1/385)
وقد روى البخاري ومسلم عن أنس – رضي الله عنه – أنه قال : دخل رسول الله صلى الله عليه على آله وسلم عام الفتح وعلى رأسه المغفر ، فلما نزعه جاء رجل فقال : إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة ! فقال : اقتلوه 158 .
وذلك أنه قتل رجلاً من الأنصار ثم ارتد ولحق بالمشركين 159
وقال – عليه الصلاة والسلام – في أربعة نفر : اقتلوهم وأن وجدتموهم متعلقين بأستار الكعبة 160
مما يدلّ على أن التّ‘لّق بأستار الكعبة له أصل ، وكان معروفاً ، ولم يُنكره النبي صلى الله عليه على آله وسلم .
إلا أنه لا يُتعلّق بأستار الكعبة تبركاً .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – : ولما كانت الكعبة بيت الله الذي يُدعى ويُذكر عنده ، فإنه سبحانه يستجار به هناك ، وقد يُستمسك بأستار الكعبة 161 .
ومن الأماكن أيضا :
المسجد الحرام على وجه الخصوص ، ومكة على وجه العموم .
مكة – شرّفها الله وحرسها – هي البلد الأمين ، وفيها بيت الله ، ولذا تُضاعف الحسنات في الحرم 162 ، وتعظم السيئات فيه .
وكانت قريش تُعظِّم البيت والدعاء عنده .(1/386)
ولذا لما صلّى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند البيت ، وأبو جهل وأصحاب له جلوس إذ قال بعضهم لبعض : أيكم يجيء بِسَلَى جزور بني فلان فيضعه على ظهر محمد إذا سجد ؟ فانبعث أشقى القوم 163 فجاء به فنظر حتى إذا سجد النبي صلى الله عليه وسلم وضعه على ظهره بين كتفيه . قال ابن مسعود : وأنا أنظر لا أغني شيئا لو كانت لي مَنَعَة . قال : فجعلوا يضحكون ويحيل 164 بعضهم على بعض ورسول الله صلى الله عليه وسلم ساجد لا يرفع رأسه ، حتى جاءته فاطمة فطرحت عن ظهره فرفع رأسه ثم قال : اللهم عليك بقريش – ثلاث مرات – فشقّ عليهم إذ دعا عليهم . قال : وكانوا يَرون أن الدعوة في ذلك البلد مستجابة 165 . ثم سمّى : اللهم عليك بأبي جهل وعليك بعتبة بن ربيعة وشيبة بن ربيعة والوليد بن عتبة وأمية بن خلف وعقبة بن أبي معيط – وعد السابع فلم نحفظه – قال ابن مسعود : فوالذي نفسي بيده لقد رأيت الذين عد رسول الله صلى الله عليه وسلم صرعى في القليب قليب بدر 166 .
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – : وفي الحديث تعظيم الدعاء بمكة عند الكفار ، وما ازدادت عند المسلمين إلاّ تعظيماً ، وفيه معرفة الكفار بِصِدْقِه صلى الله عليه وسلم لخوفهم من دعائه ، ولكن حملهم الحسد على ترك الانقياد له 167 .
وأما بقية المساجد فللأحاديث الواردة في فضل الدعاء بين الأذان والإقامة ، والغالب في حال المسلم أنه يكون في المسجد في هذا الوقت .
والذي يظهر أن الوقت والمكان اجتمعا في الدعاء بين الأذان والإقامة . والله أعلم .
ومن الأماكن التي يُستجاب فيها الدعاء : الصفا والمروة حال السّعي .
فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لما فرغ من طوافه أتى الصفا فَعَلا عليه حتى نظر إلى البيت ، ورفع يديه فجعل يحمد الله ويدعو بما شاء أن يدعو 168 .(1/387)
وكان عمر – رضي الله عنه – إذا صعد الصفا استقبل البيت ، ثم كبر ثلاثا ، ثم قال : لا إله إلا الله وحده لا شريك له . له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، يرفع بها صوته ، ثم يدعو قليلا ، ثم يفعل ذلك على المروة حتى يفعل ذلك سبع مرات 169 .
قال ابن عبد البر : وفيه - أي حديث جابر- أن الصفا والمروة موضع دعاء تُرجى فيه الإجابة 170 .
بالإضافة إلى عرفة فإنها من المواطن التي يستجاب فيها الدعاء ، فهي جمعت بين الزمان والمكان .
وكذلك عند المشعر الحرام بعد صلاة الفجر ليلة عيد الأضحى لمن كان حاجاً ، كما مرّ في حديث جابرِ بنِ عبدِ اللّهِ – رضي الله عنهما –قال : ثُمّ ركبَ القصواءَ حتّى وقفَ على المَشعرِ الحرامِ ، واستقبلَ القبلةَ ، فدعا اللّهَ ، وكبّرَهُ ، وهلّلَهُ ، ووحّدَهُ ، حتى أسفر جداً 171
وبعد رمي الجمرات عدا جمرة العقبة ، كما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفعله ، فقد كان يقوم بعد الجمرة الصغرى والوسطى قياماً طويلاً فيدعو ، كما حكاه عنه ابن عمر – رضي الله عنهما – 172 .
وأما الأحوال التي يُستجاب فيها الدعاء فمنها :
1 ـ دعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب
عن صفوان بن عبد الله بن صفوان قال : قدمت الشام فأتيت أبا الدرداء في منزله فلم أجده ووجدت أم الدرداء ، فقالت : أتريد الحج العام ؟ فقلت : نعم . قالت : فادع الله لنا بخير ، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يقول : دعوة المرء المسلم لأخيه بظهر الغيب مستجابة ، عند رأسه ملكٌ موكَّل كلما دعا لأخيه بخير ، قال الملك الموكل به : آمين ولك بمثل .قال : فخرجت إلى السوق ، فلقيت أبا الدرداء فقال لي مثل ذلك يرويه عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم 173 .
وهل رأيت أفضل من أن يؤمِّن على دعائك من لم يعص الله طرفة عين – أي الملَك – فأنت المستفيد على كل حال ، يوكّل بك ملك كلما دعوت لأخيك قال : آمين ولك بمثل .(1/388)
وفي هذا الحديث إشارة إلى طلب الدعاء من الآخرين ، وأنه كان معروفاً خلافاً لمن كرهه 174
2 ـ حال السفر
3 ـ دعوة الوالد لولده ، وعلى ولده
4 ـ دعوة المظلوم
وهذه الثلاث جمعها حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاتٍ لاَ شَكّ فِيهنّ : دَعْوَةُ الْوَالِدِ على ولده ، وَدَعْوَةُ المُسَافِرِ وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ 175 .
وفي حديث عقبة بن عامر الجهني – رضي الله عنه – قال : قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ثلاثة تُستجاب دعوتهم : المسافر والوالد والمظلوم 176 .
وعند ابن ماجه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قال : قالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ثَلاَثُ دَعَوَاتٍ يُسْتَجَابُ لَهُنّ لاَ شَكّ فِيهِنّ : دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ ، وَدَعْوَةُ الْمُسَافِرِ ، وَدَعْوَةُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ 177 .
فعُلِم بذلك أن دعوة الوالد مستجابة سواءً كانت على ولده أو لِوَلَدِهِ .
وقد نُهينا أن ندعو على أولادنا خشية أن تُوافِق تلك الدعوة ساعة إجابة ، فيُستجاب دعاء الوالد أو الوالدة على الولد ( الذكر والأنثى ) .
أخرج مسلم في صحيحه عن جَابِرِ بنِ عَبْدِ الله – رضي الله عنه – قال : قال رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلاَدِكُمْ ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ ، لا تُوَافِقُوا مِنَ الله سَاعَةً يُسأل فيها عَطَاءٌ فَيَسْجِيب لَكُمْ 178 .
ولما بَعَثَ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم معاذاً إلى اليمن حذّره دعوة المظلوم فقال : واتّقِ دَعوةَ المظلومِ ، فإِنه ليس بينَهُ وبينَ اللّهِ حِجابٌ 179 .(1/389)
وفي حديث أَبي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قال : قال رسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثَلاَثَةٌ لا تُرَدّ دَعْوَتُهُمْ - وذكر منهم - : وَدَعْوَةُ المَظْلُومِ يَرْفَعُهَا الله فَوْقَ الغَمَام ، وَيَفْتَحُ لَهَا أَبْوَابَ السّمَاءِ ، ويَقُولُ الرّبّ وعِزّتِي لأنُصُرَنّك وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ 180 .
وحذّر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من دعوة المظلوم ، وأخبر عن سرعة صعودها ، مما يُشعر بسرعة استجابتها .
فقال – عليه الصلاة والسلام – : اتقوا دعوة المظلوم ؛ فإنها تصعد إلى السماء كأنها شرار 181
وقال أبو الدرداء – رضي الله عنه – : إعمل لله كأنك تراه ، واعدد نفسك مع الموتى ، وإياك ودعوات المظلوم ؛ فإنهن يصعدن إلى الله عز وجل كأنهن شرارات نار 182
كما حذّر من دعوة المظلوم وإن كان كافراً فقال : اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافراً ؛ فإنه ليس دونها حجاب 183 .
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سافر يتعوذ من : وعثاء السفر ، وكآبة المنقلب ، والحَوْرِ بعد الكون ، ودعوة المظلوم ، وسوء المنظر في الأهل والمال 184 .
ودعوة المظلوم تسري في جوف الليل ، فينام الظالم والمظلوم لم يَنم ، يرفع يديه ويستنزل عقوبة الله على من ظَلَمَه .
قال ابنٌ ليحيى البرمكي - وهم في السجن والقيود - : يا أبتِ بعد الأمر والنهي والنعمة صرنا إلى هذا الحال ؟! فقال : يا بنى دعوة مظلوم سَرَتْ بليل ونحن عنها غافلون ولم يغفل الله عنها ، ثم أنشأ يقول :
رب قوم قد غَدَوا في نعمةٍ زمناً والدهرُ ريانُ غَدَق
سَكَتَ الدهرُ زمانا عنهمُ ثم أبكاهم دما حين نَطَق 185
5 ـ حال الاضطرار
قال سبحانه : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) [ النمل : 62 ](1/390)
وذكر ابن عساكر في تاريخ دمشق قصة رجل له بَغْلٌ يُكريه من دمشق إلى بلد الزبداني ، ويَحمل عليه الناس .قال : فركب معي ذات مرة رجل ، فمررنا على بعض الطريق على طريق مسلوكة ، فقال لي : خذ في هذه فإنها أقرب . فقلت : لا خبرة لي فيها . فقال : بل هي أقرب ، فسلكناها فانتهينا إلى مكان وعر ، وواد عميق ، وفيه قتلى ، فقال لي : أمسك رأس البغل حتى أنزل فنزل وتشمّر وجمع عليه ثيابه وسل سكيناً معه ، وقصدني ، ففرت من بين يديه وتبعني ، فناشدته الله ، وقلت : خذ البغل بما عليه ، فقال : هو لي ، وإنما أريد قتلك ! فخوّفته الله والعقوبة ، فلم يقبل فاستسلمت بين يديه ، وقلت : إن رأيت أن تتركني حتى أصلي ركعتين ، فقال : عجِّل ، فقمت أصلي فارتج عليّ القرآن فلم يحضرني منه حرف واحد ، فبقيت واقفاً متحيراً ، وهو يقول : هيه ! افرغ ، فأجرى الله على لساني قوله تعالى : ( أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ) [ النمل : 62 ]فإذا أنا بفارس قد أقبل من فمِ الوادي وبيده حربة ، فرمى بها الرجل فما أخطأت فؤاده ، فَخَرّ صريعاً ، فتعلقت بالفارس ، وقلت : بالله من أنت ؟ فقال : أنا رسول الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء 186 .
وإنما تحصلُ إجابةُ دعوةِ المضطر لأنه يُخلِص في تلك الحال – حال الاضطرار – ولوكان مشركا 187 .
6 ـ الصّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ
حين يُفطر الصائم يفرح بإكمال صيام يوم ، وبتمام طاعته لِربِّه .
قال عَبْد اللّهِ بْن أَبِي مُلَيْكَةَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إِنّ لِلصّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدّ 188 .
قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ : سَمِعْتُ عَبْدَ اللّهِ بْنَ عَمْرٍو يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ : اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الّتِي وَسِعَتْ كُلّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي 189(1/391)
وفي حديث أَبي هُرَيْرَةَ - المتقدِّم - قالَ : قالَ رَسُولُ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : ثَلاَثَةٌ لا تُرَدّ دَعْوَتُهُمْ : - وذكر منهم - الصّائِمُ حِينَ يُفْطِرُ 190
قال نافع : قال ابن عمر : كان يُقال إن لكل مؤمن دعوة مستجابة عند إفطاره ، إما أن يُعجل له في دنياه ، أو يُدّخر له في آخرته . قال : فكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يقول عند إفطاره : يا واسع المغفرة اغفر لي 191 .
7 ـ حال السجود
عندما يخرّ المصلِّي ساجداً فإنه يضع أشرف مكان فيه وأعلاه على الأرض ، خاضعاً ذليلاً بين يدي مولاه ، فيكون أقرب ما يكون إلى ربِّه تبارك وتعالى .
قال رسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أَلاَ وَإِنّي نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعاً أَوْ سَاجِداً ، وأمّا الرّكُوعُ فَعَظّمُوا فِيهِ الرّبّ عَزّ وَجَلّ ، وأمّا السّجُودُ فَاجْتَهِدُوا فِي الدّعَاءِ ، فَقَمِنٌ أَنْ يُسْتَجَابَ لَكُمْ 192 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنّ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : أَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبّهِ وَهُوَ سَاجِدٌ فَأَكْثِرُوا الدّعَاءَ 193 .
ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول في سجوده : اللهم اغفر لي ذنبي كلَّه ، دِقَّهُ وجِلَّهُ ، وأولَه وآخرَه ، وعلانيتَه وسرَّه 194 .
قال مسروق : ما من حال أحرى أن يستجاب لعبدٍ فيه إلا أن يكون في سبيل الله ، من أن يكون عافراً وجهه ساجدا ً 195 .
8 ـ حال البيتوتة على طهارة
لا يُحافظ على الوضوء إلا مؤمن ، ومَن بات طاهراً فقد اقتدى بسيد الأنام عليه الصلاة والسلام .(1/392)
عن عُبادةُ بنُ الصامِتِ – رضي الله عنه – عنِ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : مَن تَعارّ منَ الليلِ فقال : لا إلهَ إلا اللّهُ وحدَهُ لا شريكَ له ، له المُلكُ ، وله الحمدُ ، وهوَ على كلّ شيءٍ قدير . الحمدُ للّهِ ، وسبحان الله ، ولا إلهَ إلا اللّهُ واللّهُ أكبرُ ، ولا حولَ ولا قوّةَ إلاّ باللّهِ ثم قال : اللهمّ اغفِرْ لي ، أو دَعا استُجيبَ له فإِنْ توضّأَ قبلَتْ صلاتُه 196 .
وعَن أَبي أُمَامَةَ البَاهلِيّ – رضي الله عنه – قال : سَمِعْتُ رسولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقُولُ : مَنْ أَوَى إِلى فِرَاشِهِ طَاهراً يَذْكُرُ الله حَتّى يُدْرِكَهُ النّعَاسُ ، لَمْ يَنْقَلِبْ سَاعَةً مِنَ اللّيْلِ يَسْألُ الله شَيْئاً مِنْ خَيْرِ الدّنْيَا والآخِرَةِ إلاّ أَعْطاهُ الله إيّاهُ 197 .
وفي هذا الحديث قيدٌ مهم ، وهو البيات على طهارة تامة من الحدث الأصغر والأكبر .
وعن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَبيتُ عَلَى ذِكْرٍ طَاهِراً فَيَتَعَارّ مِنَ الّليْلِ ، فَيَسْأَلُ الله خَيْراً مِنَ الدّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاّ أَعْطَاهُ إِيّاهُ 198 .
قال ثَابِتٌ الْبُنَانِيّ: قدِمَ عَلَيْنَا أَبُو ظَبِيةَ ، فحدّثَنَا بِهَذَا الْحَدِيثِ عن مُعَاذِ بنِ جَبَلٍ عن النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم . قال ثَابِتٌ : قال فلاَنٌ : لقَدْ جَهَدْتُ أَنْ أَقُولَهَا حِينَ أَنْبَعِثُ ، فَمَا قَدَرْتُ عَلَيْهَا 199 .
فاسْألِ الله العونَ والتوفيق في كلِّ أمورِك .
9 ـ عند ختم القرآن :
لكلّ عامل أُجرة عند خِتام عمله ، وقارئ القرآن له أُجرة مُعجّلة في الدنيا ، وهي دعوة مستجابة عند ختم القرآن ، مع ما يدّخر الله له يوم القيامة .
ولذا كان أنس إذا ختم القرآن جمع ولده وأهل بيته فدعا لهم 200 .(1/393)
وجاء عنه أنه إذا أشفى على ختم القرآن بالليل بقى منه شيئا حتى يصبح ، فيجمع أهله فيختمه معهم 201 .
قال قتادة :كان رجل يقرأ في مسجد المدينة وكان ابن عباس قد وضع عليه الرَّصَد فإذا كان يوم ختمه قام فتحول إليه .
وكان عبدالله بن المبارك يعجبه إذا ختم القرآن أن يكون دعاؤه في السجود .
وكان إذا ختم القرآن أكثر دعاءه للمؤمنين والمؤمنات 202
والاجتماع من أجل الدعاء عند ختم القرآن كان معروفاً عند السلف ، فقد جاء عن الحكم قال :كان مجاهد وعبدة بن أبي لبابة وناس يعرضون المصاحف ، فلما كان اليوم الذي أرادوا أن يختموا أرسلوا إليّ وإلى سلمة بن كهيل فقالوا : إنا كُنّا نعرض المصاحف فأردنا أن نختم اليوم ، فأحببنا أن تشهدونا . إنه كان يقال : إذا خُتم القرآن نزلت الرحمة عند خاتمته 203 .
وروى الحكم عن مجاهد قال : بَعَثَ إليّ قال : إنما دعوناك إنا أردنا أن نختم القرآن ، وإنه بلغنا أن الدعاء يستجاب عند ختم القرآن . قال : فدعوا بدعوات 204
قال القرطبي : ويستحب له إذا ختم القرآن أن يجمع أهله 205
________________________________________
51 - تفسير القرآن العظيم (4/88)
52 - فتح الباري (11/98)
53 - يُنظر لذلك النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (2/61) ولسان العرب لبن منظور(7/26) والتعريفات للجرجاني (1/28) والتوقيف على مهمات التعاريف للمناوي (1/43)
54 - الفوائد (187 ، 188)
55 - كتاب صلاة الاستسقاء ( 2/612 ) .
ورواه البخاري . كتاب الاستسقاء . باب رفع الإمام يده في الاستسقاء ، ولفظه عنده : لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء ، وإنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه .
وسيأتي في حديث أبي موسى خلاف ذلك ، فيُقال في ذلك : إن أنساً – رضي الله عنه – حدّث بما علِم ، وأبو موسى – رضي الله عنه – حدّث بما علِم .(1/394)
قال الحافظ ابن حجر – بعد أن أشار إلى بعض الأحاديث الواردة في رفع اليدين – : فيتعين حينئذ تأويل حديث أنس أنه أراد الرفع البليغ بدليل قوله : "حتى يُرى بياض إبطيه " (التلخيص الحبير1/251) .
56 - سيأتي بتمامه ويأتي تخرجه أيضا .
57 - حديث حسن : رواه أبو داود ( 2/78 )والطبراني في مسند الشاميين (2/432)وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (4/410) وأما حديث " اذا سألتم الله فسألوه ببطون أكفكم ولا تسألوه بظهورها ، وامسحوا بها وجوهكم " فقد فقال فيه أبو داود بعد أن رواه (2/78) : روي هذا الحديث من غير وجه عن محمد بن كعب كلها واهية وهذا الطريق أمثلها وهو ضعيف أيضا ، وأشار البيهقي في السنن الكبرى (2/212) إلى ضعفه بعد أن نقل قول أبي داود ، وقال ابن أبي حاتم في العلل (2/351) : هذا حديث منكر .
58 - تقدم بتمامه ص 10
59 - كتاب الإيمان ( 1/191 ) وهذا لفظه عند مسلم دون سقط . قال الإمام النووي – رحمه الله – : وقال عيسى صلى الله عليه وسلم :( إن تعذبهم فانهم عبادك ) هكذا هو في الأصول " وقال عيسى " قال القاضي عياض : قال بعضهم قوله : قال ، هو اسم للقول ، لا فعل . يُقال : قال ، وقيلا ، كأنه يقال : وتلا قول عيسى . هذا كلام القاضي عياض . المنهاج في شرح صحيح مسلم ابن الحجاج (3/438)
60 - المنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج (3/438)
61 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 2/538 ) وأبو داود ( 2/175 ) وابن خزيمة ( 4/230 ) .
62 - تقدم الحديث بتمامه وتخريجه ص 14
63 - حديث حسن : رواه الإمام أحمد ( 5/438 ) والترمذي ( 5/556 ) وحسّنه ، وأبو داود ( 2/78 ) وابن ماجه (4/282) وابن حبان ( 3/160 ) ، وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/143) : سنده جيد .
64 - أي رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
65- أي جرى ولم ينقطع .
66 - أي منسوج ومسفوف .(1/395)
67 - هو عبيد بن سليم بن حضار الأشعري ، وهو عم أبي موسى – رضي الله عنهما – أفاده ابن حجر . ( فتح الباري 8/42)
68 - وهذا يدل على شدة رفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يديه ، وانظر – غير مأمور – ( ص 27 ) من هذا الكتاب .
69 - هذا اسم أبي موسى الأشعري ، وهو – رضي الله عنه – قد اشتهر بلقبه :(أبي موسى الأشعري) ، وأبو بردة ابنه الراوي عنه
70 - رواه البخاري . كتاب المغازي. باب غزاة أوطاس ( 5/101 ) ومسلم .كتاب فضائل الصحابة ( 4/1943 ) .
وقول أبي بردة : إحداهما لأبي عامرٍ ، والأُخرى لأبي موسى . يعني إحدى الدعوتين لأبي عامر ، وهي " اللهمّ اجعَلْهُ يومَ القيامةِ فوق كثيرٍ من خلقِكَ من الناس " ، والأخرى لأبيه أبي موسى ، وهي " اللهمّ اغفر لعبدِ اللّهِ بن قَيس ذَنْبَه ، وأدخلْه يومَ القيامة مُدخَلاً كريماً " .
71 - أي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
72 - هذا اسم ناقة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، وهي غير العضباء ، فقد ثبت في صحيح البخاري من حديث أنَس – رضي الله عنه – قال : كانت ناقةُ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُقالُ لها العَضْباءُ .
73 - رواه مسلم . كتاب الحج ( 2/891 ) .
74 - رواه البخاري .كتاب الاستسقاء . باب كيف حوّل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ظهره إلى الناس ( 2/20 ) ومسلم كتاب صلاة الاستسقاء ( 2/611 ) .
وعباد بن تميم يروي عن عمه ، وعمه هو : عبد الله بن زيد بن عاصم المازني – رضي الله عنه – .
75 - تقدم الحديث بتمامه وتخريجه ( ص 15 ) .
76 - حديث حسن : رواه الترمذي ( 2/488 ) وقال : حسنٌ صحيحٌ والحافظ الضياء في المختارة (1/93) ، وأخرجه بنحوه : الإمام أحمد (1/386) وابن خزيمة (2/186) وابن حبان (5/303 إحسان ) والحاكم (2/246) والنسائي في الكبرى (5/71)(1/396)
77 - حديث صحيح : رواه أحمد (6/18 ) وأبو داود ( 2/77 ) والترمذي ( 5/517 ) وابن خزيمة ( 1/351 ) والحاكم ( 1/354 ) وصححه على شرط مسلم ، ورواه ابن حبان ( 5/290 إحسان ) .
78 - حديث حسن : رواه أحمد (1/355 ) وأبو داود (1/302 ) والترمذي (2/445 ) وقال :حسنٌ صحيحٌ .والنسائي (3/156)
79 - رواه بهذا اللفظ : أبو نُعيم في الحلية (2/51) ورجاله ثقات غير موسى بن عُلَيّ بن رباح فهو صدوق ، وجعفر بن أحمد الخولاني لم أقف له على ترجمة ، وأما قصة تطليقه صلى الله عليه وعلى آله وسلم لِحفصة – رضي الله عنها – ومُراجعته إياها ، فهي ثابتة ، كما عند أبي داود (2/285) والنسائي (6/213) وابن ماجه (1/650) عن عمر – رضي الله عنه – .
80 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 1/170 ) والترمذي ( 5/529 ) والنسائي في الكبرى ( 6/168 ) والحاكم ( 1/684 ) وصححه ، والضياء في المختارة ( 3/234 ) وصححه . وقال الهيثمي في المجمع ( 7/68 ) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير إبراهيم بن محمد بن سعد بن أبي وقاص وهو ثقة . وفي الحديث قصة ، فلتُنظر في المسند والمختارة – في الموضعين السابقين – .
81 - متفق عليه ، وسيأتي تخريجه ( ص 26 ) .
82 - هذا اللفظ هو أول حديث أبي موسى – رضي الله عنه – والحديث متفق عليه ، وسيأتي تخريجه ( ص 26 ) .
83 - رواه مسلم . كتاب الصلاة (1/350) .
84 - انظر – غير مأمور – ( ص 26 ) من هذا الكتاب .
85 - حديث حسن : رواه والترمذي ( 5/517 ) والطبراني في الأوسط ( 5/211 ) والحاكم ( 1/670 ) وقال : مستقيم الإسناد .
وله شاهد من حديث عبد الله بن عمرو : رواه أحمد ( 2/177 ) ، وقال الهيثمي ( 10/148 ) : رواه أحمد ، وإسناده حسن .
قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : وفي إسناد أحمد ابن لهيعة ، والحديث حسن بمجموع طرقه .
86 - حديث صحيح موقوف رواه البخاري في الأدب المفرد ، وقال الألباني : صحيح الإسناد . صحيح الأدب المفرد ( ص 227 ).(1/397)
87 - رواه ابن أبي شيبة (6/34) ، وهي رواية البخاري في الأدب المفرد ، حيث جاء فيها : مالك بن الحارث عن عبد الرحمن بن يزيد قال :كان الربيع ياتى علقمة يوم الجمعة فإذا لم أكن ثمة أرسلوا إليّ ، فجاء مرة ولست ثمة ، فلقينى علقمة وقال لي : ألم تر ما جاء به الربيع ؟ قال : ألم تر أكثر ما يدعو الناس وما أقل إجابتهم ؟ وذلك أن الله عز وجل لا يقبل إلا الناخلة من الدعاء . قلت : أو ليس قال ذلك عبد الله ؟ ( يعني ابن مسعود ) قال : وما قال ؟ قال : قال عبد الله : لا يسمع الله من مسمع ولا من مراء ولا لاعب إلا داع دعا يثبت من قلبه . قال : فذكر علقمة . قال : نعم .
فالذي يظهر أن الربيع وهو ابن خثيم تلقّاه عن ابن مسعود – رضي الله عنه – إذ هو من أخص تلاميذه .
88 - الفوائد . ص ( 72 ) .
89 - رو اه البخاري من حديث ابن عباس ( 2/41، 42 ) ، ( 7/148 ) وأبي موسى الأشعري ( 7/165 ) . ورواه مسلم من حديث ابن عباس ( 1/532 ) وأبي موسى الأشعري ( 4/2087 ) ومن حديث علي بن أبي طالب ( 1/535 ) .
رواه البخاري . كتاب التهجد . باب التهجد بالليل ( 2/41 ، 42 ) واللفظ له ، ومسلم .كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/532 ، 533) .
90 - رواه البخاري ( 1/203 ) ومسلم ( 4/2078 ) .
91 - سيأتي تخريجه . انظر – غير مأمور – ( ص 34 ) من هذا الكتاب .
92 - حديث حسن : رواه الترمذي ( 5/462 ) وأبو يعلى ( 11/283 ) والحاكم ( 1/729 ) .
93 - رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 7/203 ) .
94 - جامع العلوم والحكم ( 1/474 ) .
95 - تقدّم تخريجه ( ص 14 )
96 - مسلم . كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها (4/2197) . ومعنى : نُغْزِك : أي نُعينك .
97 - شعب الإيمان ( 2/43- 45 ) .
98 - رواه البخاري .كتاب الدعوات . باب ليعزم المسألة فإنه لا مكره له (7/153) . ورواه مسلم كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ( 4/2063 ) والرواية الثانية في الموضع نفسه .(1/398)
وحديث أنس – الآتي بعده – في الموضعين نفسيهما .
99 - من كلام القرطبي في التفسير (1/127) .
100 - حديث حسن : رواه البيهقي في شعب الإيمان (1/419 ، 6/11) وحسّنه الألباني في صحيح الجامع ( برقم 3064 ) .
101 - حديثٌ صحيح : رواه أحمد (5/195) والترمذي (5/459) وابن ماجه (2/1245) .
102 - لتفصيل هذه المسألة وفضل الذِّكر والذّاكر . يُراجع الوابل الصيب لابن القيم ( ص 58 ) .
103 - رواه البخاري . كتاب الرقاق . باب التواضع (7/190) .
104 - حديث حسن : رواه الطبراني في الأوسط (1/220) والبيهقي في شعب الإيمان (2/216) وقال : هكذا وجدته موقوفاً .
قال الهيثمي في المجمع (10/160) : رواه الطبراني في الأوسط ، ورجاله ثقات .
وقال الشيخ الألباني ( الصحيحة مج 5 / 54 – 58 ) : وخلاصة القول أن الحديث بمجموع هذه الطرق والشواهد لا ينزل عن مرتبة الحسن – إن شاء الله تعالى – على أقل الأحوال .
قال عبد الرحمن - عفا الله عنه - : وقول أبي الحسن – رضي الله عنه – لا يُقال من قبيل الرأي ، فله حكم المرفوع .
105 - وقد تقدم ( ص 24 ) البدء بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد الثناء على الله – عز وجل – .
106 - رواه البخاري . كتاب الدعوات . باب هل يُصلي على غير النبي صلى الله عليه وسلم ... (7/157) وفي مواضع أُخر . ورواه مسلم . كتاب الصلاة (1/306) .
107 - فتح القدير ( 2/305 ) .
108 - فتح الباري ( 11/224 ) .
109 - رواه البخاري . كتاب الطب . باب الكهانة ( 7/27 ) ومسلم . كتاب القسامة ( 3/1309) . ومعنى ( يُطَلّ ) أي يُهدر . وفي بعض الروايات ( بَطَل )
110 - كتاب الدعوات . باب ما يُكره من السجع في الدعاء ( 7/153 ) .
111 - رواه أحمد ( 6/217 ) وابن حبان في ( 3/258 إحسان ) ، ورواية ابن أبي شيبة الآتية في ( 6/21 ) ، وقال الهيثمي ( 1/191 ) : رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح .(1/399)
112 - يقصد ما ورد في السؤال ، حيث سُئل عن رجل دعا دعاء ملحونا ، فقال له رجل : ما يقبل الله دعاء ملحونا .
113 - مجموع الفتاوى (22/488 ، 489 ) .
114 - رواه البخاري . كتاب الجهاد والسير . باب ما يكره من رفع الصوت في التكبير (4/16) ومسلم . كتاب الذِّكر والدعاء والتوبة و الاستغفار (4/2076) ، والرواية الآتية له في الموضع نفسه .
115 - (17/25) ، والمنهاج في شرح صحيح مسلم بن الحجاج هو المشهور بشرح النووي على صحيح مسلم .
116 - (11/188) .
117 - (2/232) .
118 - هذه الآثار رواها ابن أبي شيبة في المصنف ( 6/85 ) .
119 - انظر الآداب الشرعية والمِنح المرعية ( 2/187 ) . وأبو عبد الله هو إمام أهل السنة ، الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله .
120 - مجموع الفتاوى ( 22/468 )
121 - نقلاً عن فيض القدير للمناوي ( 1/229 ) .
122 - رواه أحمد ( 1/172 ) وأبو داود ( 2/77 ) وابن ماجه (4/281 ) وفي إسناده زياد بن مخراق ، وهو ثقة . قال الأثرم : سألت أحمد عنه ، فقال : ما أدري . قال : وقلتُ له : روى حديث سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يكون بعدي قوم يعتدون في الدعاء . فقال : نعم . لم يُقِم إسناده . والحديث حسّنه الألباني في صحيح الجامع (برقم 3671)
123 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 5/55 ) وأبو داود ( 1/24 ) وابن ماجه ( 4/281 ) والحاكم ( 1/724 ) وقال :صحيح الإسناد ، وابن حبان ( 15/166 إحسان ) .
124 - مجموع الفتاوى ( 22/ 474 ) .
125 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 6/189 ) وأبو داود ( 2/77 ) والحاكم ( 1/723 ) وصححه .
126 - حديث صحيح : رواه من حديث جابر بن عبد الله : الطبراني في الأوسط ( 3/268 ) والبيهقي في الكبرى ( 5/265 ) وابن عبد البر في التمهيد ( 24/435 ) . ورواه من حديث ابن مسعود : هناد في الزهد ( 1/281 ) ابن أبي شيبة ( 7/79 ) .(1/400)
127 - حديثٌ صحيح : رواه أحمد ( 3/119 ) وأبو داود ( 1/144 ) والنسائي في الكبرى ( 6/22 ) وابن خزيمة ( 1/221 ) وابن حبان ( 4/594 إحسان ) وزادا : " فادعوا " ، وهي عند أحمد أيضا ( 3/155 ) .
128 - ( 5/576 ) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . =
= قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : ومدار إسناده عنده على زيد العمي ، وهو ضعيف ، إلا أن بريد بن أبي مريم تابعه على الشطر الأول منه ، كما في المسند ( 3/155 ) وعند النسائي في الكبرى ( 6/22 ) وابن أبي شيبة في المصنف ( 6/31 ) وابن حبان ( 4/594 إحسان ) والضياء في المختارة ( 4/392 ) .
129 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 3/411 ) والترمذي ( 2/342 ) والضياء في المختارة ( 9/394 ) والطبراني في الأوسط (4/353) من حديث عبد الله بن السائب – رضي الله عنه – .
وله شاهد من حديث أبي أيوب – رضي الله عنه – : رواه عبد الرزاق ( 3/65 ) وأحمد ( 5/418 ) وأبو داود ( 2/23 ) وابن ماجه ( 2/40 ) والبيهي في الشعب (3/123) .
وله شاهد ثالث من حديث عبد الله بن سفيان – رضي الله عنه – : رواه ابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (5/211) .
130 - رواه البخاري .كتاب الدعوات. باب قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت ( 7/165 ، 166) ومسلم . كتاب الجمعة ( 2/584 ) .
131 - حديث صحيح : رواه الإمام أحمد ( 5/451 ) وابن ماجه ( 2/32 ) وقال البوصيري : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات على شرط الصحيح . ورواه الضياء في المختارة ( 9/444 ) . وقوله : ( إنا لنَجِدُ في كتاب الله تعالى ) يعني : التوراة . وعبد الله بن سلام كان يهودياً فأسلم فرضي الله عنه وأرضاه .(1/401)
132 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 5/451 ) وأبو داود ( 1/274 ) ومالك في الموطأ ( 1/109 ) والترمذي ( 2/362 ) والنسائي ( 3/128 ) وابن حبان ( 7/7 ) والحاكم ( 1/413 ) ، وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه . ورواه البيهقي في الكبرى ( 3/250 ) والضياء في المختارة ( 9/426 ) .
وقد أشكل هذا على الشيخ أحمد شاكر في شرحه لجامع الترمذي ( 2/363 ) فظنّ أن قول عبد الله بن سلام " في انتظار الصلاة " إنما هو استنباط استنبطه ، ولم يزعمه سماعاً من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ولذلك تأوّل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه ينتظر الصلاة .
قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : ليس الأمر كما ذهب إليه – رحمه الله – فقد سبق آنفاً إيراد ما رواه ابن ماجه عنه صريحاً من قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم : إن العبد إذا صلى ، ثم جلس لم يجلسه إلا الصلاة ، فهو في صلاة . وكان ذلك أشكل على عبد الله بن سلام أولاً ثم سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فبيّن له . والله أعلم .
133 - رواه مسلم . كتاب الجمعة ( 2/584 ) وأبو داود ( 1/276 ) ، وانظر – غير مأمور – صحيح الترغيب والترهيب للألباني ( 1/369 ) حاشية (1) .
134 - حديث صحيح : رواه الترمذي ( 5/569 ) والنسائي في الكبرى ( 1/482 ) وابن خزيمة ( 2/182 ) والحاكم ( 1/453 ) والطبراني في مسند الشاميين ( 1/349 ) وابن عبد البر في التمهيد ( 4/23 ) ، وقال : وهو حديث صحيح ، وطرقه كثيرة حسان شامية .
135 - رواه البخاري . كتاب التهجد . باب الدعاء والصلاة من آخر الليل …( 2/47 ) ومسلم .كتاب صلاة المسافرين وقصرها ( 1/521 ، 522 ) .
136 - كتاب صلاة المسافرين وقصرها (1/521 ، 522) .
137 - متفق عليه : وفي رواية لهما : ( قيّمُ ) بدل ( قيام ) . وتقدم تخريجه ( ص 26 ) .
138 - ذَكَرَه ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/480) ، ومعناه صحيح .(1/402)
139 - حديث صحيح : رواه الترمذي ( 5/526 ) و قال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ . وهو كما قال . ورواه النسائي في الكبرى ( 6/32 ) وعبد الرزاق في المصنف (2/424 ) . وله شاهد من حديث عمرو بن عَبَسَة – رضي الله عنه – وسيأتي الحديث وتخريجه .
140 - الرواية الأولى رواها البخاري . كتاب الأذان . باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس بواجب ( 1/203 ) ، والثانية رواها مسلم . كتاب الصلاة ( 1/302 ) .
141 - حديث صحيح : رواه الإمام أحمد من حديث عبد الله عمرو بن العاص (2/224) ، ومن حديث أبي هريرة (2/305) .
142 - حديث حسن بمجموع طُرقه : رواه الترمذي ( 5/572 ) .
وله شاهد عن عبد الله بن كريز مرسلا . رواه مالك في الموطأ ( 1/ 214 ، 422 ) ومن طريقه البيهقي في الكبرى ( 4/284 ) ، ( 5/117) وقال : هذا مرسل ، وقد روي عن مالك بإسناد آخر موصولا ، ووصله ضعيف .
ورواه موصولاً من حديث أبي هريرة في شعب الإيمان ( 3/462 ) .
قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : وهو حديث حسن بمجموع طُرقه .
143 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 6/258 ) والترمذي ( 5/534 ) وقال : هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صحيحٌ ، والنسائي في الكبرى ( 4/407 ) وابن ماجه ( 4/273 ) والحاكم ( 1/712 ) وقال : صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
144 - رواه النسائي في الكبرى (6/218) .
145 - روضة المحبين (272) باختصار يسير .
146 - يعني الأذان للصلاة .
147 - ( 1/70 ) ومن طريقه عبد الرزاق ( 1/495 ) وابن أبي شيبة ( 6/30 ) البخاري في الأدب المفرد ( ص 246 صحيح الأدب ) والبيهقي في الكبرى ( 1/411 ) ، ورواه مرفوعاً ابن حبان ( 5/5 إحسان ) . ويشهد له ما بعده .
148 - حديث صحيح : رواه أبو داود (3/21) والدارمي (1/293) وابن خزيمة (1/219) وابن الجارود في المنتقى (ص 267) والحاكم (1/313)(1/403)
149 - حديث حسن : رواه الحاكم (2/124) ، وقال : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه . ومن طريقه أخرجه البيهقي في الكبرى (3/360) وحسّنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع برقم ( 3079 ) .
150 - حديث حسن : رواه أحمد ( 3/332 ) والبخاري في الأدب المفرد ( ص 262 صحيح الأدب ) وهو حديث حسن كما قال الألباني .
151 - رواه الدارقطني ( 2/289 ) والبيهقي في شعب الإيمان ( 3/457 ) ، وفي الكبرى ( 5/164 ) إلا أنه وقع عنده عمرو بن شعيب عن عكرمة عن جده . وحسّنه الألباني في صحيح الجامع برقم ( 5012 ) .
وقد قوّى الزيلعي في نصب الراية بعض طرق أحاديث الدعاء عند الملتزم .
وانظر – غير مأمور – نصب الراية للزيلعي ( 3/91 ) والدراية ( 2/30 ، 31 ) والتلخيص الحبير ( 2/288 ) كلاهما لابن حجر
152 - رواه عبد الرزاق ( 5/76 ) و ابن أبي شيبة ( 3/236 ) ، ورواه مالك في الموطأ ( 1/424 ) بلاغاً .
153- رواه البيهقي في الكبرى ( 5/164 )
154- رواه ابن أبي شيبة ( 3/236 ) .
155- رواه ابن أبي شيبة ( 3/236 ) .
156- رواه عبد الرزاق ( 5/74 ) .
157 - رواه عبد الرزاق ( 5/76 ) .
158 - البخاري .كتاب الجهاد والسير. باب قتل الأسير وقتل الصبر (4/28) وفي مواضع أُخر ، ومسلم .كتاب الحج (2/989)
159 - يُنظر لذلك التمهيد لابن عبد البر (6/167) .
160 - رواه النسائي (7/105) والضياء في المختارة (3/248) والحاكم (2/62) وابن أبي شيبة (7/404) والدراقطني (3/59) وابن عبد البر (6/176)
161 - مجموع الفتاوى (15/227) .
162 - وأقصد بـ " الحَرَم " هنا ما كان داخل حدود الحرم ، فهو الذي تُضاعف الصلاة فيه ، وقد بسط الأدلة فيها وناقشها فضيلة الشيخ د . إبراهيم الصبيحي – حفظه الله – في كتابه " المسائل المُشكِلة من مناسك الحج والعمرة " ص 100 وما بعدها .
163 - هو عقبة بن أبي مُعيط - لعنه الله - .(1/404)
164 - قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/417) : " ويُحيل بعضهم " كذا هنا بالمهملة من الإحالة ، والمراد أن بعضهم ينسب فعل ذلك إلى بعض بالإشارة تهكما ، ويحتمل أن يكون من حال يَحيل بالفتح إذا وثب على ظهر دابته ، أي يثب بعضهم على بعض من المرح والبطر ، ولمسلم من رواية زكريا " ويَميل " بالميم ، أي من كثرة الضحك ، وكذا للمصنف من رواية إسرائيل .
165 - قال الحافظ ابن حجر في الفتح (1/418) : ويمكن أن يكون ذلك مما بقي عندهم من شريعة إبراهيم عليه السلام .
166 - رواه البخاري . كتاب الوضوء . باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته ... (1/65) .
167 - فتح الباري (1/419)
168 - رواه مسلم . كتاب الجهاد والسير ( 3/1406 ) .
169 - رواه ابن أبي شيبة ( 6/82 ) .
170 - التمهيد ( 2/91 ) .
171 - تقدم تخريج الحديث ( ص 21 ) .
172 - رواه البخاري في كتاب الحج . باب من رمى جمرة العقبة ، ولم يقف ... ( 2/623 ) .
173 - رواه مسلم . كتاب الذِّكر والدعاء والتوبة والاستغفار ( 4/2094 ) .
174 - وقد تقدّم هذا المعنى في طلب أبي عامر وأبي موسى – رضي الله عنهما – من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدعاء . وأما حديث : لا تنسنا يا أُخيّ من دعائك . فهو ضعيف . انظر ضعيف الجامع الصغير (برقم 6278)
175 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 2/517 ) وأبو داود ( 2/89 ) والترمذي ( 4/314 ) وابن حبان ( 6/416 إحسان ) .
176 - حديث حسن : رواه أحمد ( 4/154 ) وابن خزيمة ( 4/113 ) .
177 - ( 4/281 ) ورواه أبو داود الطيالسي ( 4/251 ) وإسناده ضعيف كما بينه الدكتور محمد التركي – حفظه الله – في تحقيقه لمسند أبي داود الطيالسي – الموضع السابق – وتشهد له الأحاديث السابقة واللاحقة .
178 - كتاب الزهد والرقائق ( 4/2304 ) .(1/405)
179 - رواه البخاري .كتاب الزكاة . باب أخذ الصدقة من الأغنياء وترد في الفقراء حيث كانوا (2/136) ومسلم .كتاب الإيمان (1/50 ) .
180 - حديث صحيح لغيره : رواه أحمد ( 2/445 ) والترمذي ( 4/672) . وابن ماجه ( 2/349 ) وابن خزيمة ( 3/199 ) وابن حبان ( 3/158 إحسان ) .
181 - رواه الحاكم (1/83) وقال الألباني : صحيح على شرط مسلم ( الصحيحة (2/528) ح 871
182 - رواه البيهقي في شعب الإيمان (7/382) .
183 - تقدّم تخرجه ( ص 8 ) من هذا البحث .
184 - رواه مسلم من حديث عبد اله بن سرجس . كتاب الحج ( 2/979 ) . و " الحور بعد الكون " ضُبِطَتْ أيضا : الحَور بعد الكَور . وانظر – غير مامور – تعليق محمد فؤاد عبد الباقي علي الحديث ( صحيح مسلم – الموضع السابق )
185- المنتظم لابن الجوزي ( 9/192 ) والبداية والنهاية لابن كثير ( 13/679 )
186 - (68/251) وروى اللالكائي في كرامات الأولياء ( مج 5 جـ 9/166 ) في كرامات أبي معلق – رضي الله عنه – قصة شبيهة بهذه القصة مع اختلاف في الدعاء ، وذكره ابن حجر في الإصابة ( 7/313 ) في ترجمة أبي معلق ، ونسب القصة إلى ابن أبي الدنيا في مجابي الدعوة .
187 - انظر – غير مأمور – ( ص 7 ، 8 ، 46) من هذا البحث .
188 - حديث حسن : رواه ابن ماجه (2/350) .
وقال البوصيري – في الزوائد – : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات . ورواه الحاكم (1/583) وقال : إسحاق هذا إن كان ابن عبد الله مولى زائدة ، فقد خرّج عنه مسلم ، وإن كان بن أبي فروة فإنهما لم يخرجاه . =
= قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : ليس هذا ولا ذاك ، فقد ورد اسم ابيه مُصغّراً في رواية ابن ماجه ، ورجّح ابن حجر في التقريب ( ص 130 ) أن الذي أخرج له ابن ماجه هو : إسحاق بن عبيد الله بن أبي المهاجر ، وهو مقبول . وساق ابن حجر في التهذيب ( 1/216 ) هذا الحديث في ترجمته ، والحديث رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 3/407 ) .(1/406)
وللحديث شاهد من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 3/408 ) .
189 - سنن ابن ماجه (2/350) .
190 - سَبَقَ تخريجه ( ص 46 ) حاشية ( 172 )
191 - رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 3/407 ) .
192 - رواه مسلم . كتاب الصلاة ( 1/348 ) . ومعنى قمن : أي حريٌ وجدير وقريب .
193 - رواه مسلم . الموضع السابق ( 1/3508 ) .
194 - رواه مسلم . الموضع السابق نفسه .
195 - رواه ابن أبي شيبة ( 2/159 ) .
196 - رواه البخاري . كتاب التهجد . باب فضل من تعار من الليل فَصَلّى ( 2/49 ) . ومعنى تعار : أي استيقظ وتقلب .
197 - رواه الترمذي ( 5/540 ) وقال : حسن غريب ، وقد روي هذا أيضا عن شهر بن حوشب عن أبي ظبية عن عمرو بن عبسة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم .
ورواه الطبراني في الكبير ( 8/125 ) من طريق شهر عن أبي أمامة مرفوعاً . =
= قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : الطريق التي أشار إليها الترمذي – حديث عمرو بن عبسة – رواها الطبراني في الكبير (8/12) والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 1/87 ) ومدار إسنادها على أبي ظبية ، وهو مقبول ، وشهر بن حوشب فيه مقال ، وله شاهد من حديث معاذ – وهو الآتي بعده – .
198 - رواه أحمد ( 5/234 ) أبو داود ( 4/310 ) والنسائي في الكبرى ( 6/201 ) وفي عمل اليوم والليلة ( 1/469 ) وابن ماجه ( 4/290 ) وعبد بن حميد ( ص 73 ) والبزار ( 7/120 ) كلهم رووه عن شهر عن أبي ظبية عن معاذ به . وهو الحديث الآتي بعد هذا الحديث . ورواه أحمد ( 5/241 ) عن عفان عن حماد بن سلمة قال : كنت أنا وعاصم بن بهدلة وثابت ، فحدّث عاصم عن شهر بن حوشب عن أبي ظبية عن معاذ بن جبل – فَذَكَرَه – فقال ثابت : قدم علينا فحدثنا هذا الحديث ، ولا أعلمه إلا يعنى أبا ظبية . قلت لحماد : عن معاذ ؟ قال : عن معاذ .
وهذه متابعة قوية ، فقد تابَعَ ثابت البناني شهر بن حوشب عليه ، فيكون ثابت رواه عن أبي ظبية عن معاذ .(1/407)
ورواه ابن أبي شيبة ( 1/111 ) عن شهر عن أبي أمامة موقوفاً . فلعل الحديث يرتقي إلى رتبة الحسن لغيره – إن شاء الله – .
ويشهد لبعضهه حديث ابن عمر مرفوعاً : من بات طاهراً بات في شعاره ملك ، فلم يستيقظ إلا قال الملك : اللهم اغفر لعبدك فلان فإنه بات طاهراً . رواه ابن حبان (3/328 إحسان ) وابن المبارك في الزهد ( ص 441 ) والبيهقي في شعب الإيمان ( 3/28 ) وهو في صحيح الترغيب والترهيب برقم ( 594 ) .
199 - رواه أبو داود ( 4/310 ) .
200 - رواه عنه الدارمي ( 2/560 ) وابن أبي شيبة ( 6/128 ) وسعيد بن منصور ( 1/140 ) والطبراني في الكبير ( 1/242 ) والبيهقي في شعب الإيمان ( 2/368 ) وقال : هذا هو الصحيح موقوف ، وقد روي من وجه آخر عن قتادة عن أنس مرفوعا وليس بشيء .
ورواه من طريق ثانية ، وفي إسناده أبو عصمة نوح الجامع ، وقد كذّبوه ، ورواه القرطبي في التفسير ( 1/30 ) موقوفاً على أنس
وللشيخ الفاضل بكر أبو زيد رسالة بعنوان ( مرويات دعاء القنوت ) وبحثت عنه فلم أجده ، وأذكر أنه جمع ما في المسألة من أحاديث ورجّح صحة الموقوف .
قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : وقد رواه الطبراني في الكبير ( 18/259 ) من حديث العرباض بن سارية مرفوعاً بلفظ : من صلى صلاة فريضة فله دعوة مستجابة ، ومن ختم القرآن فله دعوة مستجابة .
قال الهيثمي في المجمع ( 7/172 ) : رواه الطبراني وفيه عبدالحميد بن سليمان وهو ضعيف .
قال عبد الرحمن – عفا الله عنه – : وهو كما قال .
وخلاصة القول أن الحديث صحّ وقْفه على أنس ، ولم يصحّ رفعه، والعمل على هذا عند السلف . والله أعلم .
201 - رواه الدارمي ، والأثر الآتي بعده عن ابن عباس عنده في الموضع نفسه .
202 - رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 2/374، 411 ) وكذا الأثر الذي قبله عن ابن المبارك – رحمه الله – .
203 - رواه ابن أبي شيبة (6/128) والبيهقي في شعب الإيمان (2/374) .(1/408)
204 - رواه الدارمي (2/561) والبيهقي في شعب الإيمان (2/374) .
205 - التفسير (1/30)
خامساً : أدعية مأثورة ، ودعوات مستجابة
عن أَنَسٍ – رضي الله عنه – أَنّهُ كَانَ مع رَسُولِ الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جَالساً وَرَجُلٌ يُصَلّي ، ثُمّ دَعَا : اللّهُمّ إِنّي أَسْأَلُكَ بِأَنّ لَكَ الْحَمْدُ لا إِلَهَ إِلاّ أَنْتَ المنّانُ بَدِيعُ السّمَاواتِ وَاْلأَرْضِ يَاذَا الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ يَاحَيُّ يَاقَيّومُ . فَقَالَ النّبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لَقَدْ دَعَا اللهَ باسْمِهِ العَظِيمِ الّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى 206 .
وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم سمع رجلاً يقول : اللهم إني أسألك بأني أشهد أنك أنت الله لا إله إلا أنت الواحد الأحد الصمد . فقال : لقد سألت الله باسمه الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب ، وإذا سُئل به أعطى 207 .
وعن أبي أمامة مرفوعا : اسم الله الأعظم الذي إذا دعي به أجاب في سور ثلاث : البقرة ، وآل عمران ، وطه 208 .
قال القاسم بن عبد الرحمن : فالتمستها فإذا هي : ( الْحَيُّ الْقَيُّومُ )
وقرأ رجل عند عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – البقرة وآل عمران ، فقال : قرأتَ سورتين فيهما اسم الله الأعظم الذي إذا دُعِيَ به أجاب ، وإذا سئل به أعطى 209
وفي حديث أسماء بنت يزيد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : اسم الله الأعظم في هاتين الآيتين : ( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ) وفاتحة آل عمران : ( اللّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) 210 .
وعن أبي الدرداء وابن عباس أنهما كانا يقولان : اسم الله الأكبر : رب رب 211 .
وقال ابن وهب سُئل مالك عن الداعي يقول : يا سيدي ؟ فقال : يُعجبني دعاء الأنبياء : ربنا ربنا 212 .(1/409)
وصحّ عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال : ألِظُّوا بيا ذا الجلال والإكرام 213
قال ابن الأثير : معنى ألِظوا : إلزموه ، واثبتوا عليه ، وأكثروا من قوله والتلفظ به .
وعن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال : قلما كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقوم من مجلس حتى يدعو بهؤلاء الدعوات لأصحابه : اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك ، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك ، ومن اليقين ما تُهون به علينا مصيبات الدنيا ، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا وأجعله الوارث مِنّا ، واجعل ثأرنا على من ظلمنا ، وانصرنا على من عادانا ، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا ، ولا تجعل الدنيا أكبر همّنا ، ولا مبلغ علمنا ، ولا تسلط علينا من لا يرحمنا 214 .
________________________________________
206 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 3/120 ) وأبو داود ( 2/79 ) والترمذي ( 5/550 ) والنسائي ( 3/52 ) وابن ماجه ( 2/277 ) والحاكم (1/683 ) وابن حبان ( 3/175 إحسان ) .
207 - حديث صحيح : رواه أحمد ( 5/360 ) أبو داود ( 2/79 ) والترمذي ( 5/515 ) والنسائي في الكبرى ( 4/394 ) وابن ماجه ( 2/276 ) والحاكم ( 1/683 ) ، وقال : صحيح على شرط الشيخين ، وابن حبان ( 3/174 إحسان ) .
208 - حديث حسن : رواه ابن ماجه ( 4/276 ) والحاكم ( 1/684 -686 ) والطبراني في الأوسط (8/192) وفي الكبير (8/237) وفي مسند الشاميين (1/441) .
والقاسم بن عبد الرحمن هو صاحب أبي أمامة – رضي الله عنه – وهو الراوي عنه .
209 - رواه الدارمي (2/543) .
210 - رواه أحمد (6/461) وأبو داود (2/80) والترمذي (5/517) وقال : هذا حديث حسن صحيح ، وابن ماجه (2/1267) والدارمي (2/542) وفي إسناده شهر بن حوشب وفيه كلام ، لكن يشهد له حديث أبي أمامة المتقدّم .
211 - رواه ابن أبي شيبة ( 6/47 ، 7/233 ) والحاكم ( 1/684 ) .
212 - سير أعلام النبلاء ( 8/97 ) .(1/410)
213 - حديث صحيح : رواه من حديث ربيعة بن عامر : أحمد (4/177) والنسائي في الكبرى (4/409) والحاكم (1/676) وقال : صحيح الإسناد ، ولم يخرجاه .
ومن حديث أنس : الترمذي ( 5/539 ) والضياء في المختارة ( 6/81 ) وحسّن إسناده .
وقال الألباني : صحيح . يُنظر صحيح الجامع الصغير ( برقم 1250) .
وأما قول ابن الأثير فقد تقدم . وانظر – غير مأمور – ( ص 13 ) من هذا البحث .
214 - حديث حسن : رواه الترمذي (5/528) والنسائي في الكبرى (6/106) والحاكم (1/709) .
وقع في رواية الترمذي : اللهم اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك . " يَحُول " بالياء .
وفي رواية النسائي : اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول بيننا وبين معاصيك . " تَحُول " بالتاء .
سادساً : موانع إجابة الدعاء
إذا أتى الداعي بآداب الدعاء ، وتحرّى مواطن الإجابة حالاً وزماناً ومكاناً ، فعليه التخلّص والابتعاد عما يمنع إجابة الدعاء .
وأما موانع الدعاء فـ :
أولاً : أكلُ الحرام - أجارك الله -
فقد أخرج الإمام مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قَال : قَالَ رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أَيّهَا النّاسُ إِنّ اللّهَ طَيّبٌ لاَ يَقْبَلُ إِلاّ طَيّباً ، وَإِنّ اللّهَ أَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا أَمَرَ بِهِ الْمُرْسَلِينَ ، فَقَال : ( يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ) [ المؤمنون : 51] ، وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) [ البقرة : 172 ] ثُمّ ذَكَرَ الرّجُل يُطِيلُ السّفَرَ أَشْعَثَ أَغْبَرَ ، يَمُدّ يَدَيْهِ إِلَى السّمَاءِ ، يَا رَبّ يَا رَبّ وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ ، وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ ، وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ فَأَنّى يُسْتَجَابُ لِذَلِك ؟ 215(1/411)
فكم جمع هذا المثال من آداب وأحوال يُستجاب معها الدعاء ؟
فهو يُطِيلُ السّفَرَ ، أَشْعَثَ أَغْبَرَ .
يمدّ يَدَيْهِ إِلَى السّمَاءِ .
يَا رَبّ يَا رَبّ [ تكرار الدعاء ]
ومع ذلك بعيدٌ كل البعد أن يستجاب له ، أو يُسمع دعاؤه .
والسبب : الحرام فـ
1 - مَطْعَمُهُ حَرَامٌ
2 - وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ
3 - وَمَلْبَسُهُ حَرَامٌ
4 - وَغُذِيَ بِالْحَرَامِ
فكيف يُستجاب لمن جمع تلك البليّات ؟!
وكان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يستعيذ بالله من دعوةٍ لا يُستجابُ لها 216
ثانياً : استعجال الإجابة وترك الدعاء
أخبر الله – عز وجل – عن طبيعة الإنسان فقال : (خُلِقَ الإِنسَانُ مِنْ عَجَلٍ )[ الأنبياء : 37 ]
وقال – جل جلاله – : ( وَيَدْعُ الإِنسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الإِنسَانُ عَجُولاً ) [ الإسراء : 11 ] .
والدّاعي قد تغلبه هذه الطبيعة البشرية فيترك الدعاء .
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لاَ يَزَالُ يُسْتَجَابُ لِلْعَبْدِ مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ ، مَا لَمْ يَسْتَعْجِلْ . قِيل : يَا رَسُولَ اللّهِ مَا الاسْتِعْجَالُ ؟ قَال : يَقُولُ : قَدْ دَعَوْتُ ، وَقَدْ دَعَوْتُ ، فَلَمْ أَرَ يَسْتَجِيبُ لِي ، فَيَسْتَحْسِرُ عِنْدَ ذَلِكَ وَيَدَعُ الدّعَاءَ 217 .
وقد جمع هذا الحديث بين مانعين من موانع الدعاء :
الأول : الدعاء بالإثم .
والثاني : الاستعجال .
وأخرج البخاري ومسلم عن أَبَي هُرَيْرَةَ – رضي الله عنه – قال : قال رَسُولُ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم : يُسْتَجَابُ لأَحَدِكُمْ مَا لَمْ يَعْجَلْ ، فَيَقُولُ : قَدْ دَعَوْتُ رَبّي فَلَمْ يَسْتَجِبْ لِي 218 .(1/412)
وفي خبر موسى صلى الله عليه وسلم 219 أنه دعا ربَّه فقال : ( رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ ) [يونس: 88]
فكان الجواب من ربّ الأرباب : ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلاَ تَتَّبِعَآنِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لاَ يَعْلَمُونَ )[يونس:89] .
روي عن أبي جعفر محمد بن علي وعن الضحاك أنهما قالا – في قوله تعالى : ( قَدْ أُجِيبَت دَّعْوَتُكُمَا) [يونس:89] - : كان بينهما أربعون سنة . وقال ابن جريج : يُقال إن فرعون ملك بعد هذه الآية أربعين سنة . قال مرزوق العجلي : دعوت ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضها لي ، ولم أيأس منها 220 .
أي أن دعاء موسى صلى الله عليه وسلم لم يُستجب إلا بعد أربعين سنة .
ولا بد أن يُعلم أن من وُفِّق للدعاء فقد وُفِّق لخير كثير ، وليست الإجابة الفورية من شرط الدعاء ، لأن من دعا فهو أمام أحدِ ثلاثةِ أمور :
1 - إما أن تُجاب دعوته مباشرة .
2 - وإما أن يُصرف عنه من البلاء مثلما سأل .
3 - وإما أن تُدّخر له في الآخرة أحوج ما يكون إلى الحسنات .
لحديث أبي سعيدٍ الخدري أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثمٌ ولا قطيعةُ رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث : إما أن تعجل له دعوته ، وإما أن يدّخرها له في الآخرة ، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها . قالوا : إذاً نكثر ؟ قال : الله أكثر 221 .
وكان عمرُ – رضي الله عنه – يقول : إنّي لا أحمل همَّ الإجابة ولكن همَّ الدعاء ، فإذا أُلهمتُ الدعاء فإن الإجابة معه .
قال ابن الجوزي – رحمه الله – :(1/413)
إذا وقعتَ في محنة يصعب الخلاص منها ، فليس لك إلا الدعاء واللجأ إلى الله بعد أن تُقدّم التوبة من الذنوب ، فإن الزلل يُوجب العقوبة ، فإذا زال الزلل بالتوبة من الذنوب ارتفع السبب ، فإذا تُبتَ ودعوتَ ، ولم ترَ للإجابة أثراً فتفقّد أمرك ، فربما كانت التوبة ما صحّت فصححها ، ثم ادعُ ، ولا تملَّ من الدعاء ، فربما كانت المصلحة في تأخير الإجابة ، وربما لم تكن المصلحة في الإجابة ، فأنت تُثاب وتُجاب إلى منافعك ، ومن منافعك أن لا تُعطى ما طلبت بل تُعوّض غيره ، فإذا جاء إبليس فقال : كم تدعوه ولا ترى إجابة ، فقل : أنا أتعبّد بالدعاء ، وأنا موقن أن الجواب حاصل ، غير أنه ربما كان تأخيره لبعض المصالح فهو يجيء في وقت مناسب ، ولو لم يحصل حصل التعبد والتذلل 222 .
وقال – رحمه الله – : من العَجَب إلحاحك في طلب أغراضك ، وكلما زاد تعويقها زاد إلحاحك ، وتنسى أنها قد تُمنع لأحد أمرين :
إما لمصلحتك ، فربما مُعجَّلٌ أذى .
وإما لذنوبك ، فإن صاحب الذّنوب بعيد من الإجابة .
فَنَظِّف طُرق الإجابة من أوساخ المعاصي ، وانظر فيما تطلبه هل هو لإصلاح دينك ، أو لمجرّد هواك ؟ فإن كان للهوى المجرّد ، فاعلم أن من اللطف بك ، والرحمة لك تعويقه ، وأنت في إلحاحك بمثابة الطفل يطلب ما يؤذيه فيُمنع رفقاً به ، وإن كان لصلاح دينك فربما كانت المصلحة تأخيره ، أو كان صلاح الدين بِعَدَمِه . وفي الجملة فتدبير الحق – عز وجل – لك خيرٌ من تدبيرك ، وقد يمنعك ما تهوى ابتلاء ليبلوا صبرك ، فَأَرِهِ الصبر الجميل ترى عن قربٍ ما يَسُرّ 223 .(1/414)
وقال ابن رجب : فإن المؤمن إذا استبطأ الفَرَج ، وأيس منه بعد كثرة دعائه وتضرعه ولم يظهر عليه أثر الإجابة ، رجع إلى نفسه باللائمة ، وقال لها : إنما أتيت من قبلك ، ولو كان فيك خير لأُجِبتِ ، وهذا اللوم أحب إلى الله من كثير من الطاعات ، فإنه يوجب انكسار العبد لمولاه ، واعترافه له بأنه أهل لما نزل من البلاء ، وأنه ليس أهلا لإجابة الدعاء ، فلذلك تسرع إليه حينئذ إجابة الدعاء ، وتفريج الكرب ، فإنه تعالى عند المنكسرة قلوبهم من أجله . قال وهب : تعبد رجل زمانا ثم بَدَتْ له إلى الله حاجة ، فقام سبعين سبتا يأكل في كل سبت إحدى عشرة تمرة ، ثم سأل الله حاجته فلم يُعطها ، فرجع إلى نفسه ، فقال : منك أتيت ، لو كان فيك خيراً أُعطيت حاجتك ، فنزل إليه عند ذلك ملك ، فقال له : يا ابن آدم ساعتك هذه خير من عبادتك التي مضت ، وقد قضى الله حاجتك . خرجه ابن أبي الدنيا 224 .
ثالثاً : ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر صمام أمان للفرد والجماعة ، ومِن ذلك أن تركه سبب لعدم إجابة الدعاء .
فعن حُذَيْفَةَ بنِ الْيَمانِ – رضي الله عنهما – عن النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنّ بالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنّ عَنِ المُنْكَرِ ، أو لَيُوشِكَنّ الله أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَاباً مِنْهُ ثُمَ تَدْعُونَهُ فَلا يَسْتَجِيبُ لَكُمْ 225 .
وعن عائشة رضي الله عنها قالت : سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول : مروا بالمعروف وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يُستجاب لكم 226 .
وينبغي أن يُعلم إلى أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يُسوّغ ترك الدعاء .
كما أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا يكون إلا بترك الإنكار بمراتبه الثلاث ؛ الإنكار باليد واللسان والقلب .
ومَن أنكر بالقلب فإنه لم يترك الإنكار .(1/415)
ومَن ترك الدعاء بترك الإنكار فقد جمع إلى الخطأ خطأ آخر ،وإلى الذنب ذنباً آخر .
رابعاً : ارتكاب الذنوب والمعاصي
الذّنوب تسدّ طُرق الإجابة ، وتُبعد عن علاّم الغيوب .
قال سبحانه موبِّخاً الكفار : ( وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِّنَ الْعَذَابِ * قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ ) [ غافر : 49 ، 50 ] .
إن المعاصي والذنوب مما يُقسّي القلوب ، وإن أبعدَ شيءٍ من الله القلب القاسي .
قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله ، فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب ، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي 227 .
ولذلك بوّب البخاري – رحمه الله – في أوائل كتاب الدعوات من الصحيح باب استغفار النبي صلى الله عليه وسلم في اليوم ولليلة ، باب التوبة ...
قال الحافظ ابن حجر : أشار المصنف بإيراد هذين البابين - وهما الاستغفار ثم التوبة - في أوائل كتاب الدعاء إلى أن الإجابة تُسرع إلى من لم يكن متلبساً بالمعصية ، فإذا قدّم التوبة والاستغفار قَبْلَ الدعاء كان أمكن لإجابته 228
قال يحيى بن معاذ الرازي : لا تستبطئن الإجابة إذا دعوت ، وقد سَدَدْتَ طرقها بالذنوب 229
قال ابن القيم : يا مُستَفْتِحاً باب المعاش بغير إقليد التقوى ، كيف توسع طريقَ الخطايا وتشكو ضيقَ الرزق ، ولو وَقَفْتَ عند مرادِ التقوى لم يَفُتْكَ مُراد 230 .
خامساً : الاعتداء في الدعاء
وقد تقدّم معنا أن الاعتداء في الدعاء نوع عبثٍ لا يليق بالقُربات ، وقد ينصرف القلب عن الدعاء واستحضار المطلوب إلى تلك الاعتداءات التي تضر ولا تنفع .
فمن أراد إجابة دعائه فليجتنب الاعتداء في الدعاء 231 .
سادساً : غفلةُ القلب(1/416)
سبق إيراد قوله صلى الله عليه وسلم : إن الله لا يستجيب دعاءً من قلبٍ غافلٍ لاهٍ 232 .
قال ابن القيم – بعد كلام عن الرُّقية ونفعها – : وكذلك الدعاء ، فإنه من أقوى الأسباب في دفع المكروه وحصول المطلوب ، ولكن قد يتخلف عنه أثره ، إما لضعفه في نفسه بأن يكون دعاء لا يحبه الله لما فيه من العدوان ، وإما لضعف القلب وعدم إقباله على الله وجمعيّتِه عليه وقت الدعاء ، فيكون بمنزلة القوس الرَّخْوِ جداً ، فإن السهم يخرج منه خروجا ضعيفا ، وإما لحصول المانع من الإجابة ؛ من أكل الحرام ، والظلم ، ورَيْنِ الذنوب على القلوب ، واستيلاء الغفلة والسهو واللهو وغَلَبَتِها عليها 233 .
سابعاً : ثلاثة أصناف لا يُستجاب لهم
عن أبي موسى الأشعري – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ثلاثة يَدْعُون الله فلا يستجاب لهم : رجل كانت تحته امرأةٌ سيئة الخلق فلم يطلقها ، ورجل كان له على رجل مال فلم يُشهد عليه ، ورجل آتى سفيها ماله ، وقد قال الله – عز وجل – : ( وَلاَ تُؤْتُواْ السُّفَهَاء أَمْوَالَكُمُ ) [ النساء : 5 ] 234 .
وعدم استجابة دعاء هؤلاء إنما هو في خصومهم المذكورين في الحديث .
قال المُناوي : رجل كانت تحته امرأةٌ سيئة الخلق فلم يطلقها ، فإذا دعا عليها لا يستجيب له ؛ لأنه المعذب نفسه بمعاشرتها ، وهو في سعة من فراقها ، ورجل كان له على رجل مال فلم يشهد عليه فأنكره ، فإذا دعا لا يُستجاب له ؛ لأنه المفرط المقصِّر بعدم امتثال قوله تعالى : ( وَاسْتَشْهِدُواْ شَهِيدَيْنِ من رِّجَالِكُمْ ) [البقرة:282] ، ورجل آتى سفيهاً - أي محجوراً عليه بِسَفَهٍ - ماله ، أي شيئا من ماله ، مع علمه بالحجر عليه ، فإذا دعا عليه لا يستجاب له ؛ لأنه المضيع لِمالِه فلا عُذر له 235 .
________________________________________
215 - كتاب الزكاة (2/703) .(1/417)
216 - رواه مسلم . كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ( 4/2088 ) .
217 - رواه مسلم . كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ( 4/2096 ) .
218 - رواه البخاري . كتاب الدعوات . باب يستجاب للعبد ما لم يعجل ( 7/153 ) ومسلم . كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار ( 4/2095 ) .
219 - إذا ذُكِر الأنبياء فتُشرع الصلاة عليهم دون الاقتصار على السلام فحسب ، لقوله – عليه الصلاة والسلام – : صلوا على أنبياء الله ورسله ، فإن الله بعثهم كما بعثني . رواه البيهقي في شعب الإيمان ، وأورده الألباني في صحيح الجامع ( برقم 3781) ويشهد له ما ثبت في الصلاة الإبراهيمية .
220 - التمهيد لابن عبد البر ( 10/301 ) . وانظر – غير مأمور – تفسير الجلالين ( ص 280 ) .
221 - حديث صحيح : رواه الإمام أحمد (3/18) والبخاري في الأدب المفرد ( ص 264 صحيح الأدب) وعبد بن حميد (292) وابن أبي شيبة ( 6/22 ) والحاكم ( 1/670 ) وصححه ، ووافقه الذهبي . ورواه أبو نعيم في الحلية ( 6/311 )
222 - انظر – غير مأمور – صيد الخاطر ( ص 305 ) .
223 - المرجع السابق ( ص 179 ) .
224 - جامع العلوم والحكم (1/480) .
ومما ينبغي أن يُعلم أن المسلم ليس مُتعبّد بأكل إحدى عشرة تمرة كل سَبْت ، بل الذي جاءت به السنة أن يتصبّح كل يوم بسبع تمرات إما مِن عجوة المدينة ، وإما مما بين لابتيها .
225 - حديث حسن : رواه أحمد ( 5/388 ) والترمذي ( 4/468 ) وقال : حديث حسن ، وابن أبي شيبة ( 7/460 ) .
226 - حديث حسن : رواه أحمد ( 6/159 ) وابن ماجه ( 4/359 ) وابن حبان ( 1/526 إحسان ) .
227 - حديث حسن : رواه الترمذي ( 4/607 ) والبيهقي في شعب الإيمان ( 4/245 )(1/418)
ورواه الإمام مالك ( 2/986 ) بلاغاً أن عيسى ابن مريم كان يقول : - فَذَكَرَه - ، ومن طريقه رواه ابن المبارك في الزهد (44) ، ورواه ابن أبي شيبة ( 6/340 ) عن محمد بن يعقوب قال : قال عيسى ابن مريم - فَذَكَرَه - ومن طريقه رواه أحمد في الزهد (40)
228 - فتح الباري بشرح صحيح البخاري ( 11/104 – 106 ) .
229 - رواه البيهقي في شعب الإيمان ( 2/54 ) .
230 - الفوائد ( ص 77 ) . ومعنى ( إقليد ) أي مفتاح .
231 - انظر – غير مأمور – ( ص 29 - 33 ) من هذا البحث
232 - تقدم تخريجه ( ص 24 ) .
233 - الجواب الكافي ( الداء والدواء ) ص ( 9 ) .
234 - رواه الحاكم ( 2/331 ) وقال : هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ، ولم يخرجاه لتوقيف أصحاب شعبة هذا الحديث على أبي موسى ورواه البيهقي ( 10/146 ) وابن أبي شيبة ( 3/559 ) موقوفاً على أبي موسى ، وأورده الألباني في السلسة الصحيحة برقم ( 1805 ) وفاته طريق ابن أبي شيبة وطريق البيهقي .
235 - فيض القدير (3/336 )
سابعاً : نماذج من دعوات الصالحين
لم أقصد حصر الدعوات المُستجابة ، وإنما أردت حفز الهِمم إلى الدعاء ، خاصة إذا علموا أن من عباد الله الصالحين قد أُجيبت دعواتهم ، وهم ليسوا بأنبياء ولا معصومين ، ولا بالوحي مؤيدين.
وفي الكتاب العزيز والقرآن المجيد نماذج من دعوات الأنبياء والمرسلين ، وقد تقدّم غير أنموذج من دعوات نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ودعوة ذي النون ، ودعوة نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم .
وإليك بعض النماذج والأمثلة لدعوات الصالحين :
دعوةُ سعيدِ بنِ زيد - أحد العشرة المبشرين بالجنة - على أروى بنت أويس(1/419)
عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنّ أَرْوَىَ بِنْتَ أُوَيْسٍ ادّعَتْ عَلَىَ سَعِيدِ بْنِ زَيْدٍ أَنّهُ أَخَذَ شَيْئاً مِنْ أَرْضِهَا ، فَخَاصَمَتْهُ إِلَىَ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ ، فَقَال سَعِيدٌ : أَنَا كُنْتُ آخُذُ مِنْ أَرْضِهَا شَيْئاً بَعْدَ الّذِي سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ قال : وما سَمِعْتَ مِنْ رَسُولِ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ؟ قَال : سَمِعْتُ رَسُولَ اللّهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم يَقُولُ : مَنْ أَخَذَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ ظُلْماً طَوّقَهُ إِلَىَ سَبْعِ أَرضِينَ . فَقَال لَهُ مَرْوَانُ : لاَ أَسْأَلُكَ بَيّنَةً بَعْدَ هَذَا ، فَقَال : اللّهُمّ إِنْ كَانَتْ كَاذِبَةً فَعَمّ بَصَرَهَا ، وَاقْتُلْهَا فِي أَرْضِهَا . قَال : فَمَا مَاتَتْ حَتّىَ ذَهَبَ بَصَرُهَا ثُمّ بَيْنَا هِيَ تَمْشِي فِي أَرْضِهَا إِذْ وَقَعَتْ فِي حُفْرَةٍ فَمَاتَتْ .
وفي رواية : قال : فرأيتها عمياء تلتمس الجدر ، تقول : أصابتني دعوة سعيد بن زيد فبينما هي تمشي في الدار مرّت على بئر في الدار ، فوقعت فيها فكانت قبرها 236 .
دعوةُ سعد بن أبي وقاص - أحد العشرة المبشرين بالجنة - على أسامة بن قتادة :(1/420)
عن عبدُ الملكِ بنُ عُميرٍ عن جابرِ بنِ سَمُرةَ قال : شَكا أهلُ الكوفةِ سَعدَ بن أبي وقاص إِلى عمرَ – رضي الله عنه – فعزَلَهُ واستعملَ عليهم عَمّاراً ، فشَكَوا حتى ذَكروا أَنّهُ لا يُحسِنُ يُصلّي ، فأَرسلَ إِليه فقال : يا أبا إسحاق ! إنّ هَؤلاء يَزعُمونَ أَنّكَ لا تُحسِنُ تُصلّي ! قال أبو إِسحاقَ : أمّا أنا واللهِ فإني كنتُ أُصلي بهم صلاةَ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما أخرِمُ عنها ، أُصلّي صلاةَ العِشاءِ فأَركُدُ في الأُولَيَيْنِ وَأُخِفّ في الأُخرَيَينِ . قال : ذاكَ الظنّ بكَ يا أبا إِسحاقَ ، فأَرسلَ معه رجُلاً – أو رجالاً – إلى الكوفةِ فسألَ عنه أهلَ الكوفةِ ، ولم يَدَعْ مسجداً إِلاّ سألَ عنه ، وَيُثنونَ مَعروفاً ، حتى دخلَ مسجداً لِبني عبسٍ ، فقامَ رجلٌ منهم يُقالُ له : أُسامةُ بنُ قَتادةَ ، يُكْنىَ أَبا سَعدةَ قال : أمّا إِذ نَشَدْتَنا فإِنّ سَعداً كان لا يَسيرُ بالسرِيّةِ ، ولا يَقسِمُ بالسّوِيّة ، ولا يَعدِلُ في القَضيّة .
قال سعدٌ : أَما وَاللهِ لأدْعوَنّ بثَلاثٍ : اللّهمّ إِن كان عبدُكَ هذا كاذباً قامَ رِياءً وَسُمعةً ، فأَطِلْ عمرَهُ ، وَأَطِلْ فَقرَهُ ، وَعَرّضْهُ بالفِتَنِ ، وكان بَعدُ إِذا سُئلَ يقول: شَيخٌ كبيرٌ مَفتون أصابَتْني دَعوةُ سعد . قال عبدُ الملكِ - أي ابن عمير- : فأنا رأيتُه بعدُ قد سَقطَ حاجِباهُ عَلَى عَينيهِ منَ الكِبَرِ ، وإِنه ليَتعرّضُ للجواري في الطّرقِ يغمزهُنّ 237 .
وفي رواية : فما مات حتى عميَ ، فكان يلتمس الجدران ، وافتقر حتى سأل ، وأدرك فتنة المختار فقُتِلَ فيها .
دعوةُ سعد بن أبي وقاص أيضا على من كان يسُبّ الصحابة :(1/421)
عن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال : أقبل سعدٌ من أرضٍ له ، فإذا الناس عكوفٌ على رجل ، فاطّلع فإذا هو يسبُّ طلحة والزبير وعلياً ، فنهاه ، فكأنما زاده إغراءً ، فقال : فقال : ويلك ! تريدُ أن تسبَّ أقواماً هم خيرٌ منك ؟ لتنتهينّ أو لأدعونّ عليك . فقال :كأنما تخوفُني نبيّ من الأنبياء ! فانطلق فدخل داراً فتوضأ ، ودخل المسجد ثم قال : اللهم إن كان هذا سبّ أقواماً قد سبقت لهم منك حسنى ، أسخطك سبُه إياهم ، فأرني اليوم آيةً تكونُ للمؤمنين آيةً . قال : وتخرج بُختيةٌ من دار بني فلان لا يردُها شيء حتى تنتهي إليه ، ويتفرّقَ الناسُ ، وتجعلَه بين قوائمها وتطأه حتى طفي ، قال : فأنا رأيت سعداً يتبعه الناس يقولون : استجاب الله لك يا أبا إسحاق [ مرتين ] 238 .
قال الذهبي : في هذا كرامة مشتركة بين الداعي ، والذين نِيلَ منهم 239 .
دعوته – رضي الله عنه – يوم القادسية على من عرّض به :
عن قَبيصة بن جابر قال : قال ابن عمّ لنا يوم القادسية :
ألم تر أن الله أنزل نصره وسعدٌ بباب القادسية معصَمُ
فأُبنا وقد آمت نساءٌ كثيرةٌ ونسوةُ سعد ليس فيهن أيّمُ
فلما بلغ سعداً . قال : اللهم اقطع عنّي لسانه ويده ، فجاءت نُشّابَةٌ أصابت فاه فخرس ، ثم قُطعت يدُه في القتال ، وكان في جسد سعد قروح فأخبر الناس بعذره عن شهود القتال ، فعذروه ، وكان سعد لا يجبن ، وقال : إنما فعلت هذا لما بلغني من قولكم 240 .
دعوةُ المحاميد :(1/422)
روى الخطيب البغدادي عن أبي العباس البكري قال : جمعت الرحلة 241 بين محمد بن جرير ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة ، ومحمد بن نصر المروزي ، ومحمد بن هارون الروياني بمصر ، فأرملوا ولم يبق عندهم ما يقوتهم ، وأضرّ بهم الجوع ، فاجتمعوا ليلة في منزل كانوا يأوون إليه ، فاتفق رأيهم على أن يستهموا ويضربوا القرعة ، فمن خرجت عليه القرعة سأل لأصحابه الطعام ، فخرجت القرعة على محمد بن إسحاق بن خزيمة ، فقال لأصحابه : أمهلوني حتى أتوضأ ، وأصلي صلاة الخِيَرَة ، قال فاندفع في الصلاة ، فإذا هم بالشموع ، وخصيٌ من قبل والي مصر يدق الباب ، ففتحوا الباب فنزل عن دابته ، فقال : أيكم محمد بن نصر ؟ فقيل : هو هذا . فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ، ثم قال : أيكم محمد بن جرير ؟ فقالوا : هو ذا . فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ، ثم قال : أيكم محمد بن هارون ؟ فقالوا : هو ذا . فأخرج صرة فيها خمسون دينارا فدفعها إليه ، ثم قال : أيكم محمد بن إسحاق بن خزيمة ؟ فقال : هو ذا يُصلي ، فلما فرغ دفع إليه الصرة ، وفيها خمسون دينارا ، ثم قال : إن الأمير كان قائلا بالأمس ، فرأى في المنام خيالاً قال : إن المحامد طووا كشحهم جياعا ، فأنفَذَ إليكم هذه الصِّرار ، وأقسم عليكم إذا نفدت فابعثوا إلي أمدُّكم 242 .
فهذه نماذج لدعوات من صدقوا مع الله فصدقهم الله .
أخيراً :
بعد هذا المشوار مع الدعاء وآدابه وموانعه والدعاء المستجاب ، هلاّ ساءلت نفسك :كم مرة انطرحت بين يدي الله ؟
وكم مرة أحسستَ فيها بصدق المناجاة ؟
أليس لك حاجة بل حاجات إلى رب الأرض والسماوات ؟
ألم يقل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم : أعجز الناس من عجز عن الدعاء 243 .
أعجَزتَ أن تنفع نفسك بدعوة صالحة ؟ علّ الله أن ينفعك بها .
مُناجاة 244
مالي وقد فرّطتُ في أمري سوى ربٍّ إلى نفحاته أتعرّضُ
ما كان من عذرٍ لتقصيري سوى نفسٍ تُقادُ إلى الجنان فتُعرِضُ(1/423)
مالي سواك إذ الخطوب تفاقمت أمري إليك على الدوامِ مُفَوَّضُ
يا خيرَ من أعطى وأكرمَ من عفا وإذا دعاه مذنبٌ لا يُعرِضُ
عبدٌ بضاعته الكلامُ ، جهادُه صحفٌ تُسطّرُ أو قريض يُقرض
يدعو الورى للصالحات وسِفْره في صالح الأعمال خِلْوٌ أبيض
ويُحبُّ درب الصالحين وإن أكن قصّرتُ فيما طوّلوه وعرّضوا
لكن له قلبٌ يُحبُّك كلُّه وقلوبُ أهلِ الحب لا تتبعّضُ
أنت الذي أكرمتني منذ الصبا ورعيتني والخير منك مُقيَّضُ
وارزقني الإخلاص حتى لا أُرى إلا وكلّي في رضاك مُمَحَّضُ
وأعيشُ يا ربي لدينك داعياً ما دام بي نَفَسٌ وعرقٌ ينبِضُ
وسبحانك اللهم وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، استغفرك ، وأتوب إليك . ربنا تقبّل منا إنك أنت السميع العليم ، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم .
________________________________________
236 - رواه البخاري – مختَصَراً – كتاب المظالم . باب إثم من ظلم شيئا من الأرض (3/100) ، ورواه مسلم بطوله . كتاب المساقاة (4/1231)
237 - رواه البخاري . كتاب الأذان . باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها في الحضر والسفر وما يجهر فيها وما يخافت ( 1/183 ، 184 ) ورواه مسلم – مختصرا دون ذِكرِ القصة – (1/334 ، 335) والرواية التي تليها رواها اللالكائي في كرامات الأولياء ( مج 5/ جـ 9/ 137 ) .
238 - رواه الطبراني في الكبير (1/140) وقال الهيثمي في المجمع (9/154) : رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ، ورواه ابن أبي شيبة (6/375) مختصراً .
239 - سير أعلام النبلاء (1/117) .
240 - رواه الطبراني في الكبير ( 1/141 ) ، وقال الهيثمي (9/154 ) : رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما ثقات .
241 - يعني الرحلة في طلب الحديث . فانظر – رحمك الله – إلى معاناة السلف وتكبدهم المشاق والجوع والفقر والفاقة في سبيل تحصيل العلم . من أجل ذلك رفع الله ذِكرهم في العالمين ، وبقيت علومهم يُنتفع بها على مرّ السنين .(1/424)
242 - تاريخ بغداد ( 2/165 ) . وهؤلاء العلماء الفضلاء هم : محمد بن جرير الطبري صاحب التفسير والتاريخ ، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة صاحب الصحيح ، ومحمد بن نصر المروزي صاحب كتاب تعظيم قدر الصلاة ، وكتاب قيام الليل ، ومحمد بن هارون الروياني صاحب المسند .
243 - حديث حسن : رواه الطبراني في الأوسط (5/371) مرفوعاً . ورواه ابن حبان (10/350) والبيهقي في شعب الإيمان ( 6/429) موقوفاً على أبي هريرة – رضي الله عنه – .
244 - من ديوان نفحات ولفحات للدكتور يوسف القرضاوي ( ص 120 – 124 )(1/425)
1-لا تَقُل : السلام على من اتَّبع الهدى
السؤال :
أحيانا أجد البعض يُسلِّم في المنتديات فيقول : السلام على من اتَّبع الهدى .
فما حُكم هذا السلام ؟
الجواب :
هذه التحية (سلام على من اتبع الهدى) أو (السَّلام على من اتَّبَع الْهُدى) كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعملها مع غير المسلمين في مكاتباته ، فقد كَتَب عليه الصلاة والسلام لِهِرَقل ، فقال : مِن محمد عبد الله ورسوله إلى هِرقل عَظيم الرُّوم ، سَلام على مَن اتَّبع الهدى . رواه البخاري ومسلم .
وفي رواية للبخاري : السَّلام على من اتَّبَع الْهُدى .
وهذه الصِّيغَة قد أمَر اللهُ موسى أن يبدأ بها كلامه لِفرعون ، فقال الله تعالى : (فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآَيَةٍ مِنْ رَبِّكَ وَالسَّلامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى) .
وبناء عليه فلا تُقَال هذه الصِّيغَة للمُسْلِم .
أخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال : التَّسْلِيم على أهل الكتاب إذا دَخَلْتَ عليهم بُيُوتَهم " السلام على مَن اتَّبع الْهُدى "
وكان بعض السَّلف يَقول : إذا سَلَّمْتَ على الْمُشْرِكِين فَقُل : السَّلام عَلينا وعلى عباد الله الصَّالحين ، فَيَحْسبُون أنك سَلَّمْتَ عليهم ، وقد صَرَفْتَ السَّلام عنهم .
فَلَفْظ : السلام عليكم . لا يُبدأ به الكافر ، لقوله عليه الصلاة والسلام : لا تَبْدَءوا اليهود ولا النصارى بالسَّلام ، فإذا لَقِيتم أحَدهم في طريق فاضطَرُّوه إلى أضيقه . رواه مسلم .
ولفظ ( السَّلام على من اتَّبَع الْهُدَى ) لا يُقَال لْمُسْلِم ؛ لأنه يتضمّن صَرْف السَّلام ، كما لو كان يَهوديا أو نصرانيا ، ثم إنَّ فيه اسْتِبْدَال السلام الشَّرْعِي الذي هو أكمَل وأتَمّ ، وهو قول : السَّلام عليكم .. أو الزيادة عليه .. " ورحمة الله وبركاته " .(1/1)
كمَا أنَّ هذا السّلام هو الذي رُتِّب عليه الأجْر في الأحاديث دُون بقيّة التَّحايا .
فمن اسْتَبْدَل هذا السَلام بِغيره مِن الصِّيَغ فقد اسْتَبْدَل الذي هو أدنى بالذي هو خَيْر !
وحَرَم نَفْسَه الأجْر الْمُرَتَِّب على السَّلام .
والله تعالى أعلم .
2-حُكم قول : ( في مستقر رحمته )
يقول بعض الناس عن الميت : وجمعنا به في مستقر رحمته .
وهذا القول لا يخلو من ملحظ .
روى البخاري في الأدب المفرد عن أبي الحارث الكرماني قال : سمعت رجلا قال لأبي رجاء : أقرأ عليك السلام وأسأل الله أن يجمع بيني وبينك في مستقر رحمته . قال : وهل يستطيع أحد ذلك ؟ قال : فما مستقر رحمته ؟ قال : الجنة . قال : لم تُصِب . قال : فما مستقر رحمته ؟ قال : رب العالمين .
وصحح إسناده الشيخ الألباني - رحمه الله - في صحيح الأدب المفرد ( ص 286 ) وقال في الحاشية : وهذا الأثر عنه - أي عن أبي رجاء العطاردي - يدل على فضله وعلمه ، ودقة ملاحظته ، فإن الجنة لا يمكن أن تكون مستقر رحمته تعالى ؛ لأنها صفة من صفاته ، بخلاف الجنة فإنها خلق من خلق الله ، وإن كان استقرار المؤمنين فيها إنما هو برحمته تعالى ، كما في قوله تعالى : ( وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ فَفِي رَحْمَةِ اللّهِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) يعني الجنة . انتهى كلامه - رحمه الله - .
أحببت التنبيه على هذه الكلمة لأنها تكثر على بعض الألسنة .
والأولى أن يُقال - مثلاً - جمعنا الله به في دار كرامته ، ونحوها .
3-الفعل الذي يَسْتَقْبِحه الحيوان البهيم؟
ما هذا الفعل الذي يَسْتَقْبِحه الحيوان البهيم ؟
ما أشنع الفاحشة التي أجمعت الأمم على قُبحها، ما أقبح الفاحشة التي استقبحها وأبغضها حتى الحيوان البهيم، وإننا عندما نريد تحقير اليهود نقول : إخوان القردة !
فماذا كان من خبر القِردَة ؟(1/2)
قال عمرو بن ميمون الأودي : رأيت في الجاهلية قِردةً اجتمع عليهما قِرَدة ، قد زَنَت فرجموها ، فرجمتهما معهم . رواه البخاري .
وفي رواية : قال عمرو بن ميمون : كنت في اليمن في غنم لأهلي وأنا على شرف ، فجاء قرد مع قردة ، فتوسد يدها فجاء قرد أصغر منه فغمزها ، فسلّت يدها من تحت رأس القرد الأول سلاًّ رقيقا وتبعته ، فوقع عليها وأنا انظر ، ثم رجعت فجعلت تدخل يدها تحت خد الأول برفق ، فاستيقظ فزعا فشمها فصاح ، فاجتمعت القرود ، فجعل يصيح ويومىء إليها بيده فذهب القرود يمنة ويسرة فجاءوا بذلك القرد اعرفه فحفروا لهما حفرة فرجموهما فلقد رأيت الرجم في غير بني آدم .
إن قبح الزنا على مر الأجيال ، وعلى طول تاريخ الأمم هو المتعيّن .ويدل على ذلك أن مريم عليها السلام لما جاءت بابنها تحمله ، ولم تكن ذات زوج أنكروا ذلك عليها بقولهم ( يا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا)
فلما كانت من بيت عُرِف بالطهر والعفاف أنكروا عليها ما جاءت به . ولو كانت أمها تعرف بالفعل المشين أو كان أبوها رجل سوء لما استكثروا ذلك عليها . فلا أبوها امرأ سوء ، وما كانت أمها بغيا .
أما هذه الفاحشة فقد جمعت المساوئ ، ولذا اتفقت الأم على قبحها، وأما مساوئ هذه الفاحشة ، فمنها :
الأول : أن الزنا دَين مردود على صاحبه.
قال الإمام الشافعي - رحمه الله - :
عفوا تعف نساءكم في المحْرَمِ = وتجنبوا مالا يليق بمسلمِ
إن الزنا دين إذا أقرضته = كان الوفا من أهل بيتك فاعلم
من يزنِ في قوم بألفي درهم = في أهله يزنى بربع الدرهم
من يزنِ يُزنَ به ولو بجداره = إن كنت يا هذا لبيب فافهم
ياهاتكا حُرَمَ الرجال وتابعا = طرق الفساد عشت غيرَ مكرم
لو كنت حُراً من سلالة ماجدٍ = ما كنت هتاكاً لحرمة مسلمِ(1/3)
ويُروى أن رجلا أوصى ابنه عندما أراد الابن السفر ، فقال له : احفظ اختك ، فاستغرب الابن من هذه الوصية وهو يريد أن يسافر ويبتعد عن أخته ، فمضت الأيام ، فرأى الأب ساقي الماء يقبل ابنته ، فلما عاد الابن قال له أبوه : ألم أقل لك احفظ اختك . قال وماذاك ؟ قل له : دقة بدقّة ، ولو زدتّ لزاد السقا .
الثاني : عِظم عقوبة الزنا
ليتأمل الشاب هذه الفاحشة قبل أن يسافر ، وما رتّب الله عليها من عقوبة .فقد سمّى الله الزنا فاحشة ، فقال : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )
قال ابن القيم : جعل الله سبحانه وتعالى سبيلَ الزنا شرَّ سبيل ، فقال تعالى : ( وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً )
فأما سبيل الزنا فأسوأ سبيل ، ومقيل أهلها في الجحيم شرّ مقيل ، ومستقر أرواحهم في البرزخ في تنور من نار يأتيهم لهبها من تحتهم ، فإذا أتاهم اللهب ضجوا وارتفعوا ، ثم يعودون إلى موضعهم فهم هكذا إلى يوم القيامة ، كما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم في منامه ورؤيا الأنبياء وحيٌ لا شك فيها .
وقال أيضا : مفسدة الزنا من أعظم المفاسد ، وهى منافية لمصلحة نظام العالم في حفظ الأنساب وحماية الفروج ،وصيانة الحرمات ، وتوقِّي ما يُوقع أعظم العداوة والبغضاء بين الناس . وقال : ثم أخبر عن غايته بأنه ساء سبيلا ، فإنه سبيلُ هلكة وبوار وافتقار في الدنيا ، وسبيل عذاب في الآخرة وخزي ونكال . اهـ .
وإن من أعظم ما يردع النفوس عن التمادي في غيّها ، وعن التهاون في أمر هذه الفاحشة التي عمّت أن يتذكر المسلم والمسلمة عقوبة الزناة والزواني .(1/4)
فقد روى البخاري من حديث سمرةَ بنِ جندب قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه فقال : من رأى منكم الليلة رؤيا . قال : فإن رأى أحد قصها ، فيقول ما شاء الله فسألَنَا يوما ، فقال : هل رأى أحد منكم رؤيا ؟ قلنا : لا . قال : لكني رأيت الليلة رجلين أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة - فَذَكَرَ أشياء - ثم قال : فانطلقنا إلى ثقب مثل التنور أعلاه ضيق وأسفله واسع يَتوقّد تحته نارا ، فإذا اقترب ارتفعوا حتى كاد أن يخرجوا ، فإذا خمدت رجعوا فيها ، وفيها رجال ونساء عراة .
وفي رواية قال : فأتينا على مثل التنور ، فإذا فيه لغط وأصوات . قال : فاطّلعنا فيه فإذا فيه رجال ونساء عراة ، وإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا . قال قلت لهما : ما هؤلاء قال : قالا لي : هؤلاء الزناة والزواني .
الثالث : أن الزنا - أجارك الله - من أقبح الذنوب .
قال ابن القيم : ويكفي في قبح الزنا أن الله سبحانه وتعالى مع كمال رحمته شَرَعَ فيه أفحش القتلات وأصعبها وأفضحها ، وأمر أن يَشهد عباده المؤمنون تعذيب فاعله ، ومِنْ قُبْحِه أن الله سبحانه فَطَرَ على بغضه بعض الحيوان البهيم الذي لا عقل له ، كما ذكر البخاري في صحيحه عن عمرو بن ميمون الأودي قال : رأيت في الجاهلية قردا زَنَا بقردة فاجتمع عليهما القرود فرجموهما حتى ماتا ، وكنت فيمن رجمهما . اهـ .
الرابع : أن الزنا قبيح من الشاب الذي له صبوةٌ وشهوة تغلبه ، فكيف به من الشيخ الكبير ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب أليم : شيخ زان ، وملك كذاب ، وعائل مستكبر . رواه مسلم . وماذلك إلا لأن دواعي هذه الأشياء غير موجودة لدى هؤلاء .
وقد ميّز الله الإنسان عن البهائم العُجم بالعقل السليم الذي يدرك به الخير من الشر فمن غلبته شهوته حتى غلَبَت عقله فهو كالبهيمة .(1/5)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : البهائم لها أهواء وشهوات بحسب احساسها وشعورها ، ولم تؤت تمييزا وفرقانا بين ما ينفعها ويضرها ، والإنسان قد أوتيَ ذلك ، ولهذا يُقال : الملائكة لهم عقول بلا شهوات ، والبهائم لها شهوات بلا عقول ، والإنسان له شهوات وعقل ، فمن غلب عقلُه شهوته فهو أفضل من الملائكة أو مثل الملائكة ، ومن غلبت شهوتُه عقله فالبهائم خير منه . انتهى كلامه - رحمه الله - .
وقال : وليس المراد بالشرع التمييز بين الضار والنافع بالحس ، فإن ذلك يحصل للحيوانات العُجم ، فإن الحمار والجمل يميّز بين الشعير والتراب ، بل التمييز بين الأفعال التي تضر فاعلها في معاشه ومعاده … ولولا الرسالة لم يهتد العقل إلى تفاصيل النافع والضار في المعاش والمعاد ، فمن أعظم نعم الله على عباده وأشرف مِنّة عليهم أن أرسل إليهم رسله ، وأنزل عليهم كتبه ، وبيّن لهم الصراط المستقيم ولولا ذلك لكانوا بمنزلة الأنعام والبهائم بل أشر حالاً منها ، فَمَنْ قَبِلَ رسالة الله واستقام عليها فهو من خير البرية ، ومن ردّها وخرج عنها فهو من شر البرية ، وأسوأ حالا من الكلب والخنزير والحيوان البهيم .
الخامس : أن الزنا من الفواحش التي كثرت وعمّت ، وفشت بسببه الأمراض والأوجاع .
مثّل لنفسك موقف ذلك الشاب الذي عاشر بغيّاً في بعض دول الكفر ، فلما أصبح بحث عن تلك البغي في كل مكان ، فلم يجدها كما لم يجد لها أثرا سوى أنها كتبت على المرآة عبارة ( مرحبا بك عضوا جديدا في نادي الإيدز ) فانهارت قوى ذلك الشاب .
ويدّعي بعض الشباب أن تلك الدول تحرص على سلامة البغايا ! فأقول : إن هذا لشيء عجاب ! وهل يريد أن يقولوا إن البغايا لديهم مصابات بأمراض خطيرة فتاكة ، فيُعرض عنهم طلاب الفاحشة ؟(1/6)
هم لا يهمهم سوى ما يحمله الشاب من مال ، وما عداه من صحة أو جمال أو مكانة فلا تهمهم . ومن ابتُلي بالأسفار المحرمة فعليه أن يقرأ في الكتب والأبحاث التي تناولت أضرار ذلك الفعل المُحرّم
فكم هي الأمراض التي خلّفها ويُخلّفها الزنا وارتكاب الفواحش ؟
ألم يقُل النبي صلى الله عليه على آله وسلم : يا معشر المهاجرين خمس إذا ابتليتم بهِن وأعوذ بالله أن تدركوهن : لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا . ذم ذكر بقية الخصال . رواه ابن ماجه وغيره ، وحسّنه الألباني .
وقد نشرت صحيفة الوطن في العدد 165 الصادر في 18 من شهر ذي الحجة من عام 1421 هـ تقريرا نقلته عن منظمة الصحة العالمية عن طاعون العصر عن ( الإيدز ) - حماكم الله - وقد جاء فيه ما يُذهل القارئ والسامع ، وما فيه رادع لكل من تسوّل له نفسه العبث .
فمن ذلك : أن المملكة هي أقل الدول انتشارا للمرض في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ومع ذلك ذكرت الصحيفة أن في المملكة 1100 مصاب ، ولا حول ولا قوة إلا بالله .
وأن في العالم إصابة في كل ستّ ثوان ، ووفاة كل أحد عشر ثانية . وأن حالات الإصابة تكثر في الصيف أو في نهاية الصيف . وقُدِّر أن عدد المعايشين للإيدز في العالم والعدوى بالفيروس وصل إلى 34.3 مليون شخص خلال العام ما قبل الماضي - حسبما ذكرت الصحيفة - .
وفي نفس العام قُدِّر أن 5.4 ملايين حالة حديثة قد وقعت . ومع نهاية العام نفسه - كما تقول الصحيفة - بلغ عدد الوفيات الناجمة عن مرض الإيدز منذ ظهور الوباء بلغ 18.8 مليون وفاة . ويُقدّر عدد حالات الوفاة للعام المنصرم بثلاثة ملايين حالة وفاة بسبب المرض المذكور .(1/7)
وبلغ عدد اليتامى بسبب الوفاة حتى نهاية العام الماضي 13.2 مليون . وأجرت الصحيفة عددا من اللقاءات مع بعض المرضى فكانوا لا يظهرون أسمائهم فضلا عن أن يسمحوا بظهور صورهم ، فهذا - عياذا بالله عبرةً لا شماتة - جزء من الخزي الذي تبعهم في الدنيا قبل الآخرة ، إلا أن يتوبوا .
كما أجرت الصحيفة لقاءات مع بعض النساء ممن ابتلين بهذا المرض نتيجة الزواج بأشخاص لهم ماض عريق في الأسفار المحرمة !
وللحديث صلة وبقية بإذن رب البرية
أخي الشاب :
إذا راودتك نفسك أو حدثتك بارتكاب ما حرّم الله فخوّفها بالله، فإن لم ترتدع فخوّفها بالخوف من أن يكون القضاء من أهلك ومحارمك، فإن لم ترتدع فخوّفها بالأوجاع والأمراض التي تفتك بالناس
وعليك بالدعاء واللجوء إلى الله والتضرّع والانطراح بين يديه، فقد كان نبيّك صلى الله عليه على آله وسلم يُكثر أن يقول : يا حيّ يا قيّوم برحمتك أستغيث .
وكان يقول : دعوات المكروب : اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين ، وأصلح لي شأني كله . لا إله إلا أنت .
ولتعلم أنك إن وُكِلتَ إلى نفسك وُكِلت إلى ضعف وعجز وعورة، فتبرأ من حولك وقوتك ، إلى حول الله وقوّته . وهذا من معاني لا حول ولا قوة إلا بالله .
وتذكر ألف مرّة قبل أن تواقع المعصية أن الله مُطّلع عليك، وتذكّر أنك بعين الله لا تخفى عليه، وأنك بنِعمه تعصيه، وأنك لا تُعجزه
وهذا موضوع بعنوان وأين مكوكبها ؟هنا عن مراقبة الله واطّلاعه عليك، اطّلع عليه قبل أن تواقع المعصية
والله يحفظنا وإياك، والله أسأل أن يحفظك بحفظه ، وأن يُجنِّبنا وإياك الفواحش ما ظهر منها وما بطن . والله أعلم .
4-الْخَلاص في الإخلاص
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد :.(1/8)
فإن الله تبارك وتعالى امتدح الإخلاص وأثنى على أهله ، فقال : (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ)
وقال سبحانه : (قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )
وقال جلّ ذِكره لِنَبِيِّه صلى الله عليه وسلم : (إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (2) أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ)
وأمر المؤمنين بما أمر به المرسلين ، فقال في شأن رسوله صلى الله عليه وسلم : () قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي) وقال في شأن عباده المؤمنين : (قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ)
وتتبيّن أهمية الإخلاص في النقاط التالية :
1 - كون الإخلاص ركنٌ من أركان قبول العمل الصالح ، ذلك أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصاً لوجهه ، لكونه أغنى الشركاء عن الشرك .
فعَنْ أَبِي هُريرةَ رضي الله عنه قال : قال رسولُ اللّهِ صلى الله عليه وسلم قال اللّهُ تبارك وتعالى : أَنَا أَغْنَىَ الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْكِ . مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ . رواه مسلم .وقال عليه الصلاة والسلام : إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابْتُغِيَ به وجهه . رواه الإمام أحمد وغيره .(1/9)
وفي قوله تعالى : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا) قال الفضيل بن عياض : هو أخلص العمل وأصوبه ، قالوا : يا أبا علي ما أخلصه وأصوبه ؟ قال : إن العمل إذا كان خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل ، وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا وصوابا ، فالخالص ان يكون لله ، والصواب أن يكون على السنة .
قال الله تبارك وتعالى : (لْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) .
2 - أن إخلاص العمل أمان من سوء الخاتمة ، فقد روى البخاري ومسلم عن سهل بن سعد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم التقى هو والمشركون فاقتتلوا ، فلما مال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى عسكره ، ومال الآخرون إلى عسكرهم وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل لا يَدع لهم شاذّة إلا اتبعها يضربها بسيفه ، فقالوا : ما أجزأ منا اليوم أحد كما أجزأ فلان ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
أما إنه من أهل النار ، فقال رجل من القوم : أنا صاحبه أبدا ، فخرج معه كلما وقف وقف معه ، وإذا أسرع أسرع معه قال فجرح الرجل جرحا شديدا ، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه ، فخرج الرجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : أشهد أنك رسول الله . قال : وما ذاك؟ قال : الرجل الذي ذكرت آنفا أنه من أهل النار ، فأعظم الناس ذلك فقلت : أنا لكم به ، فخرجتُ في طلبه حتى جرح جرحا شديداً ، فاستعجل الموت فوضع نصل سيفه وضوء وذبابه بين ثدييه ، ثم تحامل عليه ، فقتل نفسه ،(1/10)
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك : إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار ، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة . متفق عليه
أن العبد إذا فَقَدَ الإخلاص كان حظُّه من العمل الصالح هو التعب والنصب ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش ، ورب قائم حظه من قيامه السهر . والحديث في المسند من حديث أبي هريرة .
فربما عَمِلَ الإنسان العمل الصالح وهو يظنّ أنه على خير ، فإذا فاته شرط من شروط قبول العمل الصالح لم يكن له منه إلا المشقّة ، كما لو صلى مائة ركعة في وقت النهي ، أو صام في أيام النهي كذلك ، ونحوها ، فلو كان العمل خالصاً لكنه لم يكن على السُّنّة لم يُقبل ، ولو كان على السنة ولكنه غيرُ خالصٍ لم يُقبل .
وهذا ما فهمه السلف الصالح ، فقد رأى سعيد بن المسيب رجلا يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يكثر فيها الركوع والسجود نهاه ، فقال : يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة ؟ قال : لا ولكن يعذبك على خلاف السنة . رواه عبد الرزاق .
قال ابن القيم : لو نفع العلم بلا عمل لما ذم الله سبحانه أحبار أهل الكتاب ، ولو نفع العمل بلا إخلاص لما ذم المنافقين . ولذا كانت مرتبة الإحسان أعلى من مرتبة الإيمان ، لما فيها من عبادة الله ومراقبته دون الالتفات إلى الخلق .
وقال صلى الله عليه وسلم : من غزا في سبيل الله وهو لا ينوي الا عقالاً فَلَهُ ما نوى . أخرجه النسائي . فربما قاتل المقاتل فذهبت النفس والمال وليس له إلا مانوى من غزوه وقتاله .
3 - أن إخلاص العمل ينفع أحوج ما يكون إليه صاحبه ، قال صلى الله عليه وسلم : من استطاع منكم أن يكون له خبيئة من عمل صالح فليفعل . رواه الحافظ الضياء في المختارة ، وهو في صحيح الجامع .(1/11)
وفي قصة الثلاثة الذين آواهم المبيت إلى غار فانطبقت صخرة فأغلقت عليهم فم العار فقالوا : إنه لا يُنجيكم إلا أن تدعوا الله بخالص أعمالكم . وفي رواية : فقال بعضهم لبعض انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها لعل الله يفرجها عنكم . متفق عليه .
خطورة الرياء :
أولاً : أنه يُحبط العمل ، لقوله عليه الصلاة والسلام فيما يريوه عن ربِّه : أَنَا أَغْنى الشّرَكَاءِ عَنِ الشّرْك ، مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي ، تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ . رواه مسلم .
وقال صلى الله عليه وسلم : إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر ، قالوا : يا رسول الله وما الشرك الأصغر ؟ قال : الرياء ، يُقال لمن يفعل ذلك إذا جاء الناس بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون فاطلبوا ذلك عندهم .
وقال الفضيل بن عياض :كانوا يقولون ترك العمل للناس رياء ، والعمل لهم شرك . عافانا الله وإياك .
ثانياً : أن الإخلاص مما ينفي الغلّ عن قلب المسلم ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : ثلاث لا يَغِلّ عليهن قلب مسلم : إخلاص العمل لله ، ومناصحة ولاة الأمر ولزوم الجماعة ؛ فإن دعوتهم تحيط من ورائهم . رواه أحمد وأهل السنن .
قال ابن عبد البر : معناه لا يكون القلب عليهن ومعهن غليلا أبداً ، يعني لا يقوى فيه مرض ولا نفاق إذا أخلص العمل لله ، ولزم الجماعة وناصح أولي الأمر . وقال ابن رجب : هذه الثلاث الخصال تَنْفِي الغِلّ عن قلب المسلم . فعدمُ الإخلاص يُورِث القلبَ الأضغان والأحقاد .
رابعاً : أن الرياء في العمل يكون وبالاً وعذاباً وحسرةً على صاحبه يوم القيامة ، يوم يُشَهّر بصاحبه على رؤوس الأشهاد ، وعندها تزداد حسرته وندامته .(1/12)
ويَدلّ على ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : مَن سَمَّعَ سَمَّعَ الله به ، ومن راءى راءى الله به . رواه البخاري ومسلم . قال العز بن عبد السلام : الرياء أن يَعْمَلَ لِغير الله ، والسُّمْعَة أن يُخْفِي عَمَلَه لله ، ثم يُحَدِّث به الناس .
ومما يدلّ على خطورة الرياء وشدة حسرة وندم المرائين ، ما رواه مسلم عن أبي هريرة من قوله صلى الله عليه وسلم : إن أول الناس يُقْضَى يوم القيامة عليه رجل استُشْهِدَ ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَها ، قال : فما عَمِلْتَ فيها ؟ قال : قاتَلْتُ فيك حتى استُشْهِدتُ . قال : كَذَبْتَ ، ولكنك قاتَلْتَ لأن يُقال جَريء ، فقد قِيل ، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه حتى أُلْقِي في النار ، ورَجُلٌ تَعَلَّمَ العِلْم وعَلَّمَه ، وقرأ القرآن ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَها ، قال : فما عَمِلْتَ فيها ؟
قال : تَعَلَّمْتُ العِلْمَ وعَلَّمْتُه ، وقرأتُ فيك القرآن . قال : كَذَبْتَ ، ولكنك تَعَلَّمْتَ العِلم ليُقال : عَالِم ، وقرأت القرآن ليُقال : هو قارئ ، فقد قيل ، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه حتى أُلْقِي في النار ، ورَجُلٌ وَسَّع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله ، فَأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَها ، قال : فما عَمِلْتَ فيها ؟ قال : ما تركت من سبيل تُحِبّ أن يُنْفَق فيها إلا أنْفَقْتُ فيها لك ، قال : كَذَبْتَ ، ولكنك فَعَلْتَ ليُقال هو جواد ، فقد قِيل ، ثم أُمِرَ به فَسُحِبَ على وجهه ، ثم أُلْقِي في النار .
ولما قالت عائشة يا رسول الله : إن ابن جُدعان كان في الجاهلية يَصِل الرَّحِم ، ويُطْعِم المسكين ، فهل ذاك نافعه ؟ قال : لا يَنْفَعُه ، إنه لم يَقُلْ يوماً رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين . رواه مسلم .
وهذا يعني أنه لم يعمل العمل يوماً وهو يُريد الدار الآخرة ، ويرجو رحمة ربه .
العمل والرياء :(1/13)
ينقسم العمل الذي يُخالطه أو يُصاحبه الرياء بالنسبة لقبول العمل من عَدَمِه إلى أقسام :
1 - أن يُصاحبه الرياء من أصل العمل فيحبط العمل بالكليّة .
2 - أن يطرأ عليه الرياء خلال العمل دافعه فإنه لا يضرّه ، وإن لم يُدافع الرياء فَلَهُ حالات :
3 - إن كان العمل مما يتجزأ ، كالصدقة ونحوها ، فما دَخَلَه الرياء حابِط ، وما لم يدخل الرياء لم يحبط .
وإن كان مما لا يتجزأ كالصلاة ونحوها فإنها تحبط ، لعدم مُدافعته للرياء .
ولذا قال عليه الصلاة والسلام : إنما الأعمال كالوِعاء إذا طَابَ أسفله طاب أعلاه ، وإذا فَسَدَ أسفله فَسَدَ أعلاه . رواه ابن ماجه ، وصححه الألباني في صحيح الجامع . والمُراد بذلك النيّة ، فإنها هي أصل الْعَمَل ، فإذا صلُحَتْ صلح العَمَل ، وإذا فَسَدتْ فَسَد العمل .
وإخفاء العمل مطلبٌ شرعي ، وهو الأصل إلا أن تدعو الحاجة إلى إظهاره . ففي حديث أبي هريرة المتّفقِ عليه - في ذِكرِ السّبعة الذين يُظلّهم اله بِظِلِّه – قال صلى الله عليه وسلم : ورجل تصدّق بِصَدَقَةٍ فأخفاها حتى لا تَعْلَمَ شماله ما تُنْفِقُ يمينه ، ورجل ذكر الله خاليا ففاضَتْ عيناه .
وقال عليه الصلاة والسلام : الجاهرُ بالقرآن كالجاهرِ بالصَّدَقة ، والمُسِرّ بالقرآن كالمُسِرّ بالصدقة . رواه أحمد وأبو داود والترمذي والنسائي .
وكلما كان العمل أبعد عن أعين الناس كلما كان أدعى وأحرى إلى الإخلاص ، ولذا كانت صلاةُ النافلةِ أفضل إلا في البيت ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : فصلوا أيها الناس في بيوتكم ، فإن أفضل الصلاة صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة . متفق عليه من حديث زيد بن ثابت ، ورواه أبو داود بلفظ : صلاة المرء في بيته أفضل من صلاته في مسجدي هذا إلا المكتوبة .(1/14)
فصلاة الرجل النافلة حيث لا يَراه أحد أفضل من صلاته في مسجدِ النبيّ صلى الله عليه وسلم ، مع كون الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم خير من ألفِ صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام ، كما في الصحيحين .
ولذا كان الصالحون يجتهدون في إخفاء العمل الصالح .
رأى ابن عمر رجلاً يُصلي ويُتابع قال له : ما هذا ؟ قال : إني لم أصل البارحة ، فقال ابن عمر : أتريد أن تخبرني الآن ! إنما هما ركعتان . ولما قال سعيد بن جبير لأصحابه : أيكم رأى الكوكب الذي انقض البارحة ؟ قال حصين بن عبد الرحمن : قلت : أنا ، ثم قلت : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت . فَذَكَرَ الحديث . رواه مسلم .
فقوله – رحمه الله – : أما إني لم أكن في صلاة ولكني لدغت ، لينفي عن نفسه حبّ السمعة والشهرة ، وليعلم جليسه أنه لم يكن في صلاة .
وما ذلك إلا لحرصهم على الإخلاص .
وقد كان عمل الربيع بن خثيم كله سِرّاً ؛ إن كان ليجئ الرجل وقد نَشَرَ المصحف ، فيغطيه بثوبه . قال الأعمش : كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقرأ في المصحف ، فاستأذن عليه رجل فغطّى المصحف ، وقال : لا يراني هذا أني أقرأ فيه كل ساعة .
قال عبدة بن سليمان : كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم فصادفنا العدو ، فلما إلتقى الصفان خرج رجل من العدو فدعا إلى البِراز فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ، ثم آخر فقتله ثم دعا إلى البِراز ، فخرج إليه رجل فطارده ساعة فطعنه فقتله ، فازدحم عليه الناس وكنت فيمن ازدحم عليه فإذا هو مُلَثّمٌ وجهه بكمه ، فأخذت بطرف كمه فمددته ، فإذا هو عبد الله بن المبارك فقال : و أنت يا أبا عمرو ! ممن يشنع علينا .(1/15)
قال محمد بن القاسم : صحبت محمد بن أسلم أكثر من عشرين سنة لم أره يصلي - حيث أَرَاهُ - ركعتين من التطوع إلا يوم الجمعة ، وسمعته كذا وكذا مرة يحلف لو قدرت أن أتطوع حيث لا يراني مَلَكَاي لَفَعَلْتُ خوفاً من الرياء ، وكان يدخل بيتا له ويُغلق بابه ، ولم أدْرِ ما يصنع حتى سمعت ابناً له صغيرا يَحْكِي بُكاءه ، فَنَهَتْهُ أمُّه ، فقلت لها : ما هذا ؟ قالت : إن أبا الحسن يَدْخُل هذا البيت فيقرأ ويبكي ، فيسمعه الصبي فَيَحْكِيه ! وكان إذا أراد أن يَخْرُج غَسَلَ وَجْهَه واكتحل فلا يُرى عليه أثر البكاء .
وكان أيوب السختياني في مجلس فجاءته عَبْرَة ، فجعل يتمخّط ويقول : ما أشدّ الزكام !
قال ابن المبارك : رب عمل صغير تعظمه النية ، ورب عمل كبير تصغره النية . وصدق - رحمه الله - فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك ، فدنا من المدينة قال : إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم ، قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة ؟ قال : وهم بالمدينة حبسهم العذر . رواه البخاري من حديث أنس ، ورواه مسلم من حديث جابر وفيه : إلا شركوكم في الأجر .
فهؤلاء لما صلحت نيّاتهم وخلُصت لله كُتِبَ لهم مثل أجر الغزاة الذين غزو في سبيل الله . فبإخلاص العمل تعظم الأعمال الصالحة ، وإن كانت مما يتقالّه الناس ..
فقد غَفَرَ الله لرجلٍ بسبب غصن شوك أخّره عن الطريق . كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً، وغَفَر لامرأة بغيّ سقت كلباً يلهث من العطش . كما في الصحيحين من حديث أبي هريرة مرفوعاً .
وبما أن الأمر كذلك فإن المسلم يعمل الأعمال الصالحة ويجتهد فيها ، فإنه لا يدري ما هو العمل الذي يُغفر له بسببه .
5-النمص ( حكمه - خطورته - أضراره - فتاوى فيه )
قال راجي عفو ربّه :(1/16)
لما رأيت هذا الأمر قد انتشر ، وهذه الظاهرة قد سَرَتْ في أوساط النساء ، وكثُر السؤال عنها ، أحببت بيان الحُكم الشرعي لتلك الظاهرة ، وما لها وما عليها .
تلكم الظاهرة التي أعنيها هي ظاهرة النمص وترقيق الحواجب بقصد التّجمّل .وقد ورد فيها وعلى مَن فعلتها الوعيد الشديد ، مما يدلّ على أنها كبيرة من كبائر الذنوب .
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بنِ مسعود رضي الله عنه أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله قال : فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك ؛ أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟ فقال : عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في كتاب الله ، فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل : ( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) .
فقالت المرأة : فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن ! قال : اذهبي فانظري . قال : فَدَخَلَتْ على امرأة عبد الله فلم تر شيئا ، فجاءت إليه فقالت : ما رأيت شيئا ، فقال : أما لو كان ذلك ما جامعتنا . أي ما ساكَنَتْنا .
وتفسير تلك الأصناف الملعونة :الواشمات هي التي تفعل الوشم ، وهو ما يُرسم تحت الجلد سواء في الوجه أو في غيره، والمستوشمات اللواتي يَطلبن مَنْ يفعل بهن الوشم .
والنامصات اللواتي ينمصن النساء ، والنّمص هو نتف شعر الوجه ، وشعر الحاجبين على وجه الخصوص ، والمتنمصات مَنْ يطلبن من غيرهن أن يفعلن بهن ذلك .
والمتفلِّجات : اللواتي يتفلّجن ، والمقصود مَن يُباعدن بين أسنانهن .(1/17)
قال الحافظ ابن حجر : والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه وهو مختص عادة بالثنايا والرباعيات ويستحسن من المرأة فربما صنعته المرأة التي تكون أسنانها متلاصقة لتصير متفلجة وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة لأن الصغيرة غالبا تكون مفلجة جديدة السن ويذهب ذلك في الكبر وتحديد الأسنان يسمى الوشر بالراء وقد ثبت النهي عنه أيضا . اهـ .
والنمص أعمّ من أن يكون في الحاجبين فقط ، وإن كان أكثره وأظهره في الحاجبين
قال ابن الأثير : النَّامِصة التي تَنتِف الشَّعرَ من وجهِها .
وقال ابن منظور في لسان العرب :
والنَّمْصُ : نَتْفُ الشعر . و نَمَصَ شعرَه و يَنْمِصُه نَمْصاً : نَتَفَه ... وفي الحديث : لُعِنَت النامصةُ و المُتَنَمّصة . قال الفراء : النامِصةُ التي تنتف الشعر من الوجه ، ومنه قيل للمِنْقاش مِنْماص لأَنه ينتفه به ، والمُتَنَمِّصةُ : هي التي تفعل ذلك بنفسها ... وامرأَة نَمْصاء تَنْتَمِصُ أَي تأمرُ نامِصةً فتَنْمِص شعرَ وجهها نَمْصاً أَي تأْخذه عنه بخيط . انتهى .
فهو أعم من أن يكون في الحواجب فحسب .
فأنتِ – رعاك الله – ترين أنه حتى في اللغة يقول أئمة اللغة أن النمص نتف أو أخذ شيء من شعر الوجه ، ولم يخصوه بالحاجبين .
وسواء كان بالنتف واللقط أو بالحفّ أو بالحلق أو بأي وسيلة حديثة فهو نمص . والحكم يدور مع علّتِه وجودا وعدما - كما هو مُقرر في علم أصول الفقه – أي متى ما وجدت علّة التحريم وُجِد الْحُكم .
والعِلّة – عِلّة التحريم – هنا منصوص عليها وهي : تغيير خلق الله .والتغيير يحصل بأي وسيلة كانت ، ولذا أفتى العلماء بأن التّشقير داخل تحت معنى وحُكم النّمص .
وقد أفتى فضيلة الشيخ عبد الله بن جبرين بأن التّشقير يلحق بالنمص .
فقد سُئل فضيلته – حفظه الله – :ما حُكم حفّ الحواجب ؟ أو صبغها بألوان أخرى ؟(1/18)
فأجاب – وفقه الله – بقوله :بالنسبة للحواجب الأصل إعفاؤها وعدم نتفها ؛ لأنها زينة ، وشعرها هكذا جاء ونبَتْ في حال الصغر ، ونَتْفُها مُحرّم " لعن الله النامصات والمتنمصات " سواء أكان النمص بالنتف أو الحلق أو بِقصِّ شيء منها ، كل ذلك داخل في هذا الوعيد ، والواجب على المرأة أن تعتبر هذا شيئاً خلقه الله ولا تُغيّر من خلق الله شيئاً ؛ لأنها إذا نتفتْ أو قصّت أو حلقت فإن الشعر يعود بعد حين ويرجع إلى ما كان عليه مما يستدعي قصّه مرة ثانية وثالثة .. وهكذا .
فالواجب أن تتوب إلى الله وتبتعد عما يستوجب اللعن والوعيد الشديد .
وهكذا التّشقير الذي هو صبغ شعر الحاجبين بشيء مُلوّن ، وهذا أيضا مُحرّم داخل في قول الله تعالى : ( وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ ) ، والحديث الذي فيه لعن المُغيِّرات خلق الله ، فلا يجوز لها ذلك . انتهى كلامه – حفظه الله – .
ولِلّجنة الدائمة في المملكة فتوى بهذا الخصوص .
فتوى اللجنة الدائمة في حُكم تشقير الحواجب
واستثنى العلماء من النمص ما إذا ظهر للمرأة شعر في موضع الشارب أو موضع اللحية فإن لها أن تزيله .
قال الإمام النووي - رحمه الله - : وأما النامصة فهي التي تزيل الشعر من الوجه ، والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها ... النهى إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه .
والمتفلجات للحسن مَنْ يُباعدن بين أسنانهن سواء كان ذلك بعملية أو بغيرها إذا تحقق فيها تغيير خلق الله ، وذلك من وحي الشيطان ، لقوله تعالى حكاية عن إبليس : ( وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا ) [النساء:119](1/19)
ويدخل في هذا الحديث الوشر ، وهو تحديد الأسنان وبردِها ، لتكون في مستوى واحد .ولا يدخل في هذا عمليات تقويم الأسنان ، إذ غاية ما فيها إعادة الأسنان إلى وضعها الطبيعي .
وقد تتساءل بعض النساء عن نمص الحاجب إذا كان عريضا ، أو عن برد الأسنان إذا كانت كباراً ، أو إذا كانت تتزيّن بذلك لزوجها ..
والجواب أن ذلك لا يُغيِّر الْحُكم .. والحرام هنا لا يصير حلالاً ..
فقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته ، فقالت : يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمعّط ، وفي رواية ( فتمزّق ) شعرها ، وإني زوجتها أفأصل فيه ؟ فقال : لعن الله الواصلة والموصولة . رواه البخاري ومسلم .
فإذا كان هذا فيمن تساقط شعرها ، وتُريد أن تُزيِّنَها لزوجها فلم يُرخّص لها ، فكيف بمن تتخذه للزينة ، فتلبس ما يُسمّى « الباروكة » بقصد التجمّل ؟
ومثله نتف الحواجب أو شعر الوجه أو تفليج الأسنان أو وصل الشعر بشعر آخر فكلّ ذلك داخل تحت اللعن ، فليس هناك عذر لفعل شيء من تلك المحرمات .
ولما حجّ معاوية بن أبي سفيان قال وهو على المنبر – وتناول قَصّةً من شعر كانت بيد حرسي – : أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ، ويقول : إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم . رواه البخاري .
وقد ثبت طبيّاً ضرر النمص(1/20)
قال الدكتور وهبة أحمد حسن : إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة ، ثم استخدام أقلام الحواجب وغيرها من مكياجات الجلد لها تأثيرها الضار ، فهي مصنوعة من مركبات معادن ثقيلة مثل الرصاص والزئبق ، تُذاب في مركبات دهنية مثل زيت الكاكاو ، كما أن كل المواد الملونة تدخل فيها بعض المشتقات البترولية ، وكلها أكسيدات مختلفة تضر بالجلد ، وإن امتصاص المسام الجلدية لهذه المواد يُحدث التهابا وحساسية ، وأما لو استمر استخدام هذه المكياجات فإن له تأثيراً ضاراً على الأنسجة المكوِّنة للدم والكبد والكلى ، فهذه المواد الداخلة في تركيب المكياجات لها خاصية الترسب المتكامل ، فلا يتخلص منها الجسم بسرعة ... إن إزالة شعر الحواجب بالوسائل المختلفة يُنشّط الحلمات الجلدية ، فتتكاثر خلايا الجلد ، وفي حالة توقف الإزالة ينمو شعر الحواجب بكثافة ملحوظة ، وإن كنّا نلاحظ أن الحواجب الطبيعية تُلائم الشعر والجبهة واستدارة الوجه .
[ انتهى كلام الدكتور نقلا من مطوية : " تذكير الأخوات بحكم النمص" للشيخ محمد الهبدان ]
كما ثبت طبيّاً أن شعيرات الحاجبين متصلة بخلايا في الدماغ , وأنه كلما نُزعت شعرة من هذه الشعيرات ماتت الخلية المتصلة بهذه الشعيرة .
وهذا الأمر خطر على الإنسان لأن الدماغ مليء بالخلايا , وكلما نزعت شعرة ماتت خلية .
[ هذا المقطع منقول عن أحد الأخوة في أحد المنتديات ]
وهنا يَرِد سؤال وهو :هل تجوز طاعة الزوج إذا أمر زوجته بالنمص أو الوصل أو نحوه ؟
الصحيح أنه لا تجوز طاعة الزوج فيما حرّم الله عز وجلّ . قال صلى الله عليه وسلم : على المرء والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة . رواه مسلم
وقال صلى الله عليه وسلم : لا طاعة في معصية الله ، إنما الطاعة في المعروف . رواه البخاري ومسلم .
وأمْر الله مُقدَّم على أمْر كلِّ أحَد ..وتعظيم حدود الله أوجب من تعظيم حق الزوج ..(1/21)
ولو تأمَّلَتِ الفتاة - والمرأة عموما - وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لَعَلِمَتْ أن الخير في اتِّباع شرع الله .
قال صلى الله عليه وسلم : اتّقِ المحارم تكن أعبد الناس ، وارْضَ بما قَسَمَ الله لك تكن أغنى الناس .. الحديث . رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث حسن .
ولتعلم الفتاة أن التحريم أو التحليل ليس مجرد أمْرٌ أو نهي . فإن الشريعة لم تأمر بشيءٍ إلا ومصلحته متحققة أو راجحة .
ولم تَنْهَ عن شيء إلا ومفسدته متحققة أو راجحة .والله أعلم .وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
6-محاضرة ( أحكام تخص المرأة )
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له .
وأشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا )
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا )
أما بعد :.
فإن المرأة تُخاطَبُ بما يُخاطب به الرجل - غالباً - وفي هذا ردٌّ على مَنْ زعموا أن الإسلام هضم المرأة حقوقها ، ولا أدلّ على ذلك مِن قوله صلى الله عليه وسلم : إنما النساء شقائق الرجال رواه الإمام أحمد وغيره ، وهو حديث حسن .(1/22)
وقد جاء الخطاب كثيراً في القرآن الكريم للرجال والنساء ، كقوله تعالى : (وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [التوبة:72] .
وقال سبحانه : (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا) [النساء:124].
وقال عز وجل : (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97] .
حياةٌ طيبةٌ في الدنيا للمؤمنين والمؤمنات ، وأجرٌ بأحسنِ ما عمِلوا في الآخرة .
والآيات في هذا الصّدد كثيرة ، بل إن الخطاب القرآني بعامة - وإن جاء بصيغة المذكَّر - فإنه عام للرجال والنساء ، إلا ما اختصّ به الرجال .
قال ابن القيم : قد استقر في عرف الشارع أن الأحكام المذكورة بصيغة المذكَّرين إذا أُطْلِقت ولم تَقْتَرِن بالمؤنث فإنها تتناول الرجال والنساء ؛ لأنه يُغلّب المذكَّر عند الاجتماع ، كقوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ) [البقرة:183] اهـ.
ولكن ثمة أحكام اختصّت بها المرأة ، كما اختصّ الرجل بأحكام أخرى .
أولاً : أحكام الحجاب .
فيجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الحجاب ، وما يتعلق به من شروط الحجاب واللباس ونحوها .
شروط حجاب المرأة ولباسها :(1/23)
1 - أن يكون ساتراً لجميع البَدَن ، لقوله تبارك وتعالى : (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) [الأحزاب:59]
فقد كان من المعلوم عندهم أن الحرّة ليست كالأَمَة ، في الْحُكم واللباس ، ولذا قال : (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) أي يُعرفن أنهن حرائر ، ولذا كان عُمر رضي الله عنه يضرب الإماء إذا تشبّهن بالحرائر .
فالأمَة في الحدود على النصف من حدِّ الْحُرّة ، وهي كذلك في اللباس إلا أن تُخشى الفتنة .
قال ابن عباس - في تفسير الآية - : أمر الله نساء المؤمنين إذا خَرَجْن من بيوتهن في حاجة أن يُغطِّين وجوههن من فوق رؤوسهن بالجلابيب ويبدين عيناً واحدة .
وقال ابن سيرين : سألت عَبيدة السَّلماني ، فقال بثوبه فغطّى رأسه ووجهه وأبرز ثوبه عن إحدى عينيه .
فهذا يدلُّ على أن غطاء الوجه كان معروفاً عندهم ، بخلاف مَنْ يُفتي بجواز كشف الوجه ناسياً أو مُتناسياً أنه مجمع المحاسن .
ثم إن المرأة إذا تستّرت لم يكن لأهل الريب والفساد والغَزل سبيل إليها ، فالمرأة المحتَشمة تصون عرضها ، وتحمي نفسها ، فلا يجرؤ أحدٌ أن يُكلّمها أو يلتفت إليها .
وقال صلى الله عليه وسلم : المرأة عورة ، فإذا خرجت استشرفها الشيطان . رواه الترمذي
قال القرطبي : أجمع المسلمون على أن السوءتين عورة من الرجل والمرأة ، وأن المرأة كلها عورة إلا وجهها ويديها ، فإنهم اختلفوا فيهما (1) .
وفي هذا ردٌ على منْ قال : إن عورة المرأة مع المرأة مثل عورة الرجل مع الرجل .(1/24)
والصحيح أن عورة المرأة مع المرأة ليست كذلك ، فلا يجوز أن تَرى المرأة من المرأة - أعني الحُرّة من الحُرّة - إلا مواضع الزينة ومواضع الوضوء ، وهو ما يظهر عادة للمحارم ، لقوله تعالى : (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31] .
أما حديث أسماء بنت أبي بكر أنها دَخَلَتْ على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب شامية رِقاق فأعرض عنها ، ثم قال : ما هذا يا أسماء ؟! إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يَصلح أن يُرى منها إلا هذا وهذا ، وأشار إلى وجهه وكفيه .
فهذا حديث ضعيف فيه سبع علل لا يجوز الاحتجاج به .
ومن أحكام اللباس
أن يكون ساتراً لجميع البدن بما في ذلك اليدين والرجلين :
ولذا لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه قالت أم سلمة : يا رسول الله فكيف تصنع النساء بذيولهن ؟ قال : يُرخينه شبرا . قالت : إذا تنكشف أقدامهن . قال : يُرخينه ذراعا لا يَزدن عليه . رواه الإمام أحمد وغيره .(1/25)
وهذا يدلّ على شدّة حرص أمهات المؤمنين والصحابيات على ستر أقدامهن ، مع أن القدم ليس موضع زينة ، بخلاف الساق فهو موضع زينة في السابق ، حيث كانت تُلبس فيه الخلاخيل ، ولذا قال الله : (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) [النور:31] .
وفي هذا الوقت حلّت الأحذية محلّ الخلاخيل ، فتُعرف مِشيَة المرأة مِن مِشية الرجل ، بل أصبح صوت مشية بعض النساء مُلفتاً للنظر ، وإذا كانت المرأة نُهِيَتْ عن إظهار صوت ما لا يَظهر للرجال من خلخال ونحوه ، فإن إخفاء صوت ما ظهر من الحذاء آكد .
2 - أن يكون صفيقاً متيناً لا يَشِفّ ، فلا تلبس المسلمة الثياب الشفافة حتى أمام النساء . وفيه قول عمر رضي الله عنه ، وقصة المنذر بن الزبير مع أسماء رضي الله عنها.
وهذا سبق التفصيل فيه هنا :
http://saaid.net/Doat/assuhaim/85.htm
3 - أن لا يكون ضيقاً يُبدي حجم العورة ، فإن كذلك حرُمَ عليها لُبسُه .
أن لا يكون زينة في نفسه ، وقد قال الله تبارك وتعالى في شأن القواعد من النساء : (وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [النور:60].
4 - أن لا يُشبه لباس الرجال ؛ لأن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم لَعَنَ المتشبهات من النساء بالرجال ، والمتشبهين من الرجال بالنساء . رواه البخاري عن ابن عباس
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجل يلبس لبسة المرأة ، والمرأة تلبس لبسة الرجل .
ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم الرجلة من النساء . رواه أبو داود .
5 - أن لا يُشبه لباس الكافرات .(1/26)
فالمرأة المسلمة لها شخصية مستقلة لا تتشبّه بنساء الغرب ، بل تعتزّ بدينها ، وتَفْخَر أنها مسلمة شرّفها الله بالإسلام ، في حين أن غيرها تَشْقَى بدفع ضريبة الحياة المدنية والحضارة المادية .
قال صلى الله عليه وسلم : مَنْ تَشبَّه بقوم فهو منهم .
6 - أن لا يكون لباس المسلمة لباس شُهرة ، بمعنى أن لا يكون ملفتاً للنظر ، تشتهر به بين الناس ، بل تلبس ما تلبس نساء بلدها مِن غير إسراف ولا مَخيلة .
لقوله صلى الله عليه وسلم : مَن لَبِس ثوب شهرة في الدنيا ألبسه الله ثوب مذلة يوم القيامة .
ثانياً : - مما تختصّ به المرأة - أحكام الحيض والنفاس .
فيجب على المسلمة أن تتعلم أحكام الدماء الطبيعية ، وهناك رسالة صغيرة للشيخ العثيمين عن هذا الموضوع .
ثالثاً : أحكام الرضاعة ، وما يتعلق بها .
فتتعلّم ما يتعلّق بالرضاع ، وأنه لا يُحرّم من الرّضاع إلا ما كان خمس رضعات فأكثر ، وأنه يَحرُم من الرّضاع ما يَحرُم من النّسب ، فيجوز للمرأة أن تكشف وجهها لوالدها من الرضاعة ولأخيها من الرضاعة ، وأنه لا يجوز لها أن تتزوّج بإخوانها من الرضاعة ، ولا بآبائها من الرضاعة .
ثالثاً : أحكام الزينة .
قال سبحانه وتعالى : (أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[الزخرف:18] .
وقد رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم حريرا بيمينه وذهبا بشماله فقال : أُحِلَّ لإناث أمتي وحُرِّمَ على ذكورها . رواه أحمد وغيره .
فللمرأة أن تجمّل بالذهب والفضة والحرير ، من غير إسراف ولا مَخيلة ولا طلباً للشهرة .
وتتجنّب المسلمة في الزينة ما حُرِّمَ عليها من التّفلّج ، ونتف الحاجب أو قصِّه أو حلقِه ، وهو ما يُعرف بالنّمص ، ويلحق به شعر الوجه ، وتتجنّب كذلك الوشم سواء كان في الوجه أو في اليد أو في سائر الجسد .
لأن هذه الأفعال سبب في اللعن ، وهو الطرد والإبعاد من رحمة الله .(1/27)
ولأن هذه الأفعال من تغيير خلق الله ، وفيها طاعة للشيطان ، قال الله تبارك وتعالى حكاية عن إبليس : (وَلآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا) [النساء:119] .
روى البخاري ومسلم عن عبد الله بنِ مسعود رضي الله عنه أنه قال : لعن الله الواشمات والمستوشمات ، والنامصات والمتنمصات ، والمتفلجات للحسن ، المغيرات خلق الله . قال : فَبَلَغَ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب ، وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك ؛ أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ؟ فقال : عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، وهو في كتاب الله ، فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ، فقال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل : (وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا)[الحشر:7] ، فقالت المرأة : فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن ! قال : اذهبي فانظري . قال : فَدَخَلَتْ على امرأة عبد الله فلم تَرَ شيئا ، فجاءت إليه فقالت : ما رأيت شيئا ، فقال : أما لو كان ذلك ما جامعتنا .
أي ما ساكَنَتْنا .
وقد جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسألته ، فقالت : يا رسول الله إن ابنتي أصابتها الحصبة فتمعّط ( فتمزّق ) شعرها ، وإني زوجتها أفأصل فيه ؟ فقال : لعن الله الواصلة والموصولة . رواه البخاري ومسلم .
فإذا كان هذا فيمن تساقط شعرها فلم يُرخّص لها ، فكيف بمن تتخذه للزينة فتلبس ما يُسمّى " الباروكة " بقصد التجمّل ؟(1/28)
ولما حجّ معاوية بن أبي سفيان قال وهو على المنبر -وتناول قصة من شعر كانت بِيَدِ حَرَسِيّ- : أين علماؤكم ؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن مثل هذه ، ويقول : إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم . رواه البخاري .
وروى عن سعيد بن المسيب قال : قدم معاوية بن أبي سفيان المدينة آخر قَدمَة قدمها فخطبنا فأخرج كُبة من شعر ، فقال : ما كنت أرى أحدا يفعل هذا غير اليهود ، وإن النبي صلى الله عليه وسلم سماه الزور ، يعني الوصال في الشعر .
ومما يحرم على المرأة وتتساهل فيه كثير من النساء الخلوة بالسائق الأجنبي .
وإذا كانت المرأة لا تؤدّي فريضة الله - أعني الحج - إذا لم يوجد لها مَحرَم فما بالها بما هو دون ذلك ؟
قال ابن عباس : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يخطب يقول : لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم ، ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ، فقام رجل فقال : يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجّة ، وأني اكتُتِبْتُ في غزوة كذا وكذا . قال: انطلق فحج مع امرأتك . رواه البخاري ومسلم .
فهذا الرجل لم يؤذن له أن يخرج إلى الجهاد في سبيل الله ويترك امرأته تُسافر إلى الحج ، علماً أنه يُريد الخروج إلى عملٍ هو ذروة سنام الدِّين ، ولا يشفع للمرأة أن تقول : إنها تُسافر مع رُفقة صالحة ، أو أنها تثق بنفسها ، أو بسائقها .
وبعض النساء إذا وافق الأمر هواها بحثت عن الفتاوى التي تُبيح هذا الشيء ، وهذا قد سمّاه الله عبادة الهوى ، كما في قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلا تَذَكَّرُونَ) [الجاثية:23] .(1/29)
فلتحذر المسلمة أن تجعل هواها إلهاً من دون الله ، فما وافق هواها أخذت به واتّبعته ، وما لم يُوافق هواها ضربت به عرض الحائط ، وبحثت في الفتاوى ما يُوافق هواها .
ومما تتساهل به بعض النساء مصافحة الرجال الأجانب من غير المحارم ، والمقصود بالمحارم مَنْ يَحرُم عليها على التأبيد . يعني مَنْ لا يجوز للمرأة أن تتزوّج بأحد منهم .
وقد كان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يُصافح النساء ، سواء كان مباشرة أو مِن وراء حائل ، كما تفعل بعض النساء ، إذا مدّت يدها وضعت طرف عباءتها وما شابه ذلك .
وورد الوعيد الشديد في ذلك ، فقال صلى الله عليه وسلم :« لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن تمسه امرأة لا تحل له ».
فيَدُلُّ ذلك على أن هذا الأمر شديد ، وإذا كان كذلك فلا يجوز للمرأة مصافحة الرجال الأجانب ، وقد تقول المرأة : إن هذا مُخاطب به الرجال ، فأقول : إن الحديث دلّ على تحريم مسّ المرأة الأجنبية ، وعليه فلا يجوز للمرأة أن تُمكِّن الرجل مِنْ معصية الله ، يعني أن لا تكون هي سبب للمعصية .
ومما انتشر بين النساء حتى أصبح ظاهرة ملفتة للنظر توسّع النساء في النقاب والبرقع ، والنقاب كان معروفاً عند نساء الصحابة لكنه لم يكن كنقاب النساء اليوم فنقاب اليوم نقاب زينة وفتنة ، لا نقاب ستر وحشمة .
وقد كان الشعراء يتغزّلون بالعيون وحسنهنّ وجمالهنّ ، فهنّ موضع الفتنة ، كما قال جرير :
إن العيون التي في طرفها حَوَرٌ قتلننا ثم لم يُحيين قتلانا
وقد وُصِفَتْ العيون بأنها تنطق بما في نفس صاحبها ، كما قيل :
والنفس تعرِفُ من عينيّ محدِّثها إن كان مِنْ حِزبها أو مِنْ أعاديها
فإذا كانت المرأة منتقبة ونظرت إلى الرجال نَطَقَتْ أو كادت تنطق عيناها بما في نفسها من الإعجاب ونحوه ، بخلاف ما إذا كانت مستترة فإنه لا يُدرى ما وراءها .(1/30)
والأصل أن المرأة تؤمر بغضِّ بصرها كما يؤمر الرجل ، قال سبحانه : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ)
ثم قال بعدها مباشرة : ( وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ ) [النور : 31]
فَدَلَّ على أن غضَّ البصر سبيل لحفظ الفرج .
ومما ينتشر بين الطالبات على وجه الخصوص الإعجاب بعضهن ببعض ، وهذا يكفي أنه حبٌّ في غير ذات الله ، أي أنه ليس لله .
وقد قال الله في شأن صحبة غير المتّقين ، وفي شأن المحبة التي لغير الله : (الأَخِلاَّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ) [الزخرف:67].
فتتحوّل العلاقة والمحبّة التي كانت لغير الله إلى عداوة يندم عليها صاحبُها يوم لا ينفع الندم
قال سبحانه وتعالى : (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا (27) يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا (28) لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنْسَانِ خَذُولا) [الفرقان:27-29] .
والخُلّة درجة أعلى من المحبّة ، وغالباً ينشأ التعلق والإعجاب من الإفراط في المحبّة وهذا الإعجاب مُحرّمٌ لما يترتّب عليه من تعلّق الفتاة بفتاة مثلها ، ومما يُصاحبُه من محظورات .
ثم إن له من المفاسد الشيء الكثير ، وهو يجرُّ إلى محظورات تعرفها الطالبات
وما كان وسيلة إلى محرم فهو محرم .
فلتحذر الفتاة المسلمة من هذه العلاقة المحرمة شرعاً ، وقد صدرت فتوى لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين بهذا الخصوص .
ثم إن من هذا الإعجاب ما يجرّ إلى إعجاب آخر ، وهو إعجاب الفتاة بأخِ صديقتها ومن ثمّ يجر هذا إلى مفاسد ومحذورات لا تُحمد عُقباها .(1/31)
وللخلاص من هذا الداء ، وهو داء العشق والتعلق بالفتيات أو الفتيان ، أن تتذكّر عيوب مَنْ أعجبها من شاب أو شابّة ، وبالتالي يقلّ الإعجاب ، أو تخفّ حدّته .
وقد ألف ابن القيم - رحمه الله - كتاباً حول هذا الموضوع ، كان تأليفه نتيجة سؤال
عن هذا الداء العضال الذي يصرف القلب عن العبودية لله ، فإن القلب لا يحتمل أكثر من عبودية ، ولذا سمّى النبيُّ صلى الله عليه وسلم التعلق بشيء من متاع الدنيا عبادة كما في قوله صلى الله عليه وسلم :« تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة ؛ إن أعطي رضي ، وإن لم يعط سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش » رواه البخاري
فالتعلّق بغير الله تعلقاً يصرف القلب عن الله هو في حقيقته عبودية لغير الله .
وإذا قدّم العاشق رضا محبوبه على رضا ربِّه تبارك وتعالى ، وقدّم حقّه على حق مولاه سبحانه ، وآثر رضاه على رضا ربِّه عز وجل ؛ فإن هذا يُعدُّ عند العلماء من الشرك .
قال ابن القيم - رحمه الله - العشق هو الإفراط في المحبة ، بحيث يستولي المعشوق على القلب من العاشق ، حتى لا يخلو من تخيُّلِه وذكره والفكر فيه ، بحيث لا يغيب عن خاطره وذهنه ، فعند ذلك تشتغل النفس بالخواطر النفسانية فتتعطل تلك القوى ، فيحدث بتعطيلها من الآفات على البدن والروح ما يَعُزُّ دواؤه ويتعذر، فتتغيّر أفعاله وصفاته ومقاصده ، ويختلُّ جميع ذلك فتعجز البشر عن صلاحه ، كما قيل :
الحبُّ أولُ ما يكون لجاجةً تأتي بها وتسوقه الأقدار
حتى إذا خاض الفتى لُججَ الهوى جاءت أمور لا تُطاق كبار
والعشق مبادئه سهلةٌ حلوةٌ ، وأوسطه همٌّ وشغل قلب وسقم ، وآخره عَطَبٌ وقتلٌ ، إن لم تتداركه عنايةٌ من الله ، كما قيل :
وعش خاليا فالحب أوله عنى وأوسطه سقم وآخره قتل
وقال آخر :
تولهَ بالعشق حتى عشق فلما استقل به لم يطق
رأى لجة ظنها موجةً فلما تمكن منها غرق(1/32)
والذنب له ، فهو الجاني على نفسه ، وقد قعد تحت المثل السائر : يداك أوكتا وفوك نفخ . اهـ
-------------------
[1] وهذا الخلاف ضعيف ، ثم إنهم لم يختلفوا في وجوب تغطية الوجه زمن الفتنة ، بل نصّ شيخ الإسلام ابن تيمية على أن الأمة إذا كان يُخشى منها الفتنة فإنها تؤمر بالتّحجّب .
7-محاضرة ( الصلاة - فضلها - حكمها - عقوبة تاركها )
الحمد لله حمداً كثيراً كما يُحبُّ ربُّنا ويرضى ، وأُصلي وأُسلّم على النبي المصطفى والرسول المجتبى صلى الله عليه وسلم .
أما بعد :.
فإن فرض فرائض فلا تُضيعوها ، وحدّ حدوداً فلا تعتدوها .
وإن أعظم فرائض الإٍسلام بعد الشهادتين فريضة الصلاة .
فهي الركن الثاني من أركان الإسلام لقوله صلى الله عليه وسلم : بُني الإسلام على خمس : شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصيام رمضان ، والحج . متفق عليه .
وعليها قاتَلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ، فكان إذا أراد أن يُغير على قومٍ انتظر فإذا سمع الأذان وإلا أغار .
والصلاة هي عمود الدِّين ، لقوله صلى الله عليه وسلم : رأس الأمرِ الإسلام ، وعموده الصلاة ، وذروة سنامه الجهاد . رواه أحمد وغيره .
والصلاة صِلةٌ بين العبد وبين ربِّه .
ولْيُعلم إن الصلاة مِن حقِّ لا إله إلا الله .
قيل لوهب بن منبّه : أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة ؟ قال : بلى ، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان ؛ فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك ، وإلا لم يفتح لك .
والمنافقون كانوا يقولون لا إله إلا الله ولم تنفعهم شهادة التوحيد ، فلا بد من تحقيق هذه الكلمة بشروطها .
قال الشيخ حافظ حكمي عن كلمة التوحيد :
مَن قالها معتقداً معناها وكان عاملا بمقتضاها
في القول والفعل ومات مؤمنا يُبعث يوم الحشر ناج آمنا
فإن معناها الذي عليهِ دَلّتْ يقينا وهَدَتْ إليهِ
أن ليس بالحق إلهٌ يعبدُ إلا الإلهُ الواحدُ المنفردُ(1/33)
بالخلق والرزق وبالتدبيرِ جلّ عن الشريك والنظيرِ
وبشروط سبعةٍ قد قُيِّدَتْ وفي نصوص الوحي حقاً وردت
فإنه لم ينتفع قائلُها بالنطق إلا حيث يستكملها
العلم واليقين والقبولُ والانقيادُ فادْرِ ما أقولُ
والصدق والإخلاص والمحبَّهْ وفقك الله لما أحبّه
ومما يدلّ على فضل الصلاة قوله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [ البقرة:153] .
قال ابن كثير : إن الصلاة من أكبر العون على الثبات في الأمر .
فدلّ على أن الصلاة مما يَستعين به العبد على أعباء هذه الحياة ، ولذا كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبَه أمرٌ فزع إلى الصلاة . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
وفي الصلاة راحة وطُمأنينة
فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لبلال : أرحنا بها يا بلال . رواه الإمام أحمد وأبو داود .
فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجِد راحة نفسه في الصلاة .
ولا عجب حينئذٍ أن تكون الصلاة قُرّة عينه ، فترتاح نفسه ، وتَقَرّ عينه في الصلاة ، ولذا قال عليه الصلاة والسلام : حُبِّبَ إليّ من الدنيا النساء والطيب ، وجُعِلَت قرة عيني في الصلاة . رواه الإمام أحمد والنسائي .
والصلاة سبب للسعادة والفلاح ، حين تنهى الصلاة عن الفحشاء والمنكر .
قال سبحانه : (وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) [العنكبوت:45].
والصلاة نور في وجه صاحبها ، ونور له في قبره ، ونور له يوم القيامة .
وقال صلى الله عليه وسلم : الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان وسبحان الله والحمد لله تملآن أو تملأ ما بين السماوات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك . كل الناس يغدو فبايع نفسه فمعتقها أو موبقها . رواه مسلم
والصلاة على وقتها أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله .(1/34)
قال ابن مسعود سألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم : أي العمل أحب إلى الله ؟ قال : الصلاة على وقتها . قال : ثم أي ؟ قال : بر الوالدين . قال : ثم أي ؟ قال : الجهاد في سبيل الله رواه البخاري ومسلم .
وفي حديث أمِّ فروة رضي الله عنها قالت : سُئل النبيُّ صلى الله عليه وسلم : أي الأعمال أفضل ؟ قال : الصلاةُ لأول وقتِها .
ويُستثنى من ذلك صلاة العشاء فتأخيرها أفضل ، إلا أن يُخشى فوات وقتها أو نسيانها أو النوم عنها ، وصلاة الظهر في شدّة الحرّ .
وشبّه رسولُُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاة بالنهر الجاري الذي يُغتَسَل منه في كل يومٍ خمس مرات ، فيكون ذلك سببٌ في مغفرة الذنوب والخطايا ، فقال صلى الله عليه وسلم : أرأيتم لو أن نهراً بِبَابِ أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات ، هل يبقى من دَرِنِه شيء ؟ قالوا : لا يبقي من درنه شيئا . قال : فذلك مثل الصلوات الخمس ، يمحو الله بها الخطايا . رواه البخاري ومسلم .
ولكن ذلك مشروطٌ باجتناب الكبائر ، فقد روى مسلم عن عثمان رضي الله عنه أنه قال : سمعت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول : ما من امرئ مسلم تحضره صلاةٌ مكتوبة ، فيُحسن وضوءها وخشوعها وركوعها ، إلا كانت كفارة لما قبلها من الذنوب ما لم تُؤتَ كبيرة ، وذلك الدهر كله .
وتكون الصلاة نوراً وبرهاناً ونجاةً يومَ القيامة لمن حافَظَ عليها .
أما مَنْ لم يُحافظ عليها فلا تكون له كذلك ، وكان يومُ القيامة مع الأشقياء .
لما رواه الإمام أحمد وغيره عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذَكَر الصلاة يوما فقال : من حافظ عليها كانت له نورا وبرهانا ونجاةً يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم يكن له نور ولا برهان ولا نجاة ، وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأبي بن خلف .(1/35)
ومِنْ فضل الصلوات أن المحافظة عليها سببٌ لدخول الجنة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة : من حافظ على الصلوات الخمس على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن وصام رمضان ، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلا ، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه ، وأدى الأمانة . قالوا : يا أبا الدرداء وما أداء الأمانة ؟ قال : الغسل من الجنابة ؛ فإن الله لم يأمن بن آدم على شئ من دينه غيرها . رواه أبو داود وغيره .
والمحافظةُ على الصلوات عامة ، وصلاة الفجر والعصر خاصة ، فإن مَنْ صلّى الفجر في فهو في حفظ الله ورعايته ، لما رواه مسلمٌ من حديث جُندب رضي الله عنه أنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : من صلى الصبح فهو في ذمة الله ، فلا يطلبنكم الله من ذمّته بشيء ، فإنه مَنْ يطلبُه من ذمّته بشيءٍ يُدركْه ، ثم يُكبّه في نار جهنم .
وسرُّ تخصيص صلاة : إن أثقل- صلى الله عليه وسلم -الصبح – وهي الفجر – لثِقَلِ هذه الصلاة على المنافقين ، كما في قوله صلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا . متفق عليه .
وكان ابن عمر يقول : كنا إذا فقدنا الإنسان في صلاة الصبح والعشاء أسأنا به الظن . يعني ظننا به النفاق .
وكان الحجّاج إذا أراد أن يأخذ رجلاً ليقتُلَه أو يوقع به عقوبة سألَه : هل صلّى الصبح في جماعة فإن كان كذلك تركه وأجّله .
ومَنْ حافَظَ على صلاة قبل طلوع الشمس ، وصلاة قبل غروبها كان من أهل الفوز برؤية وجه الله يوم القيامة ، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم - وقد نظر إلى القمر ليلة البدر - فقال : أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر ، لا تضامون في رؤيته ، فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاةٍ قبل طلوع الشمس ، وقبل غروبها فافعلوا . يعني العصر والفجر . رواه البخاري ومسلم .(1/36)
وصلاة العصر من الأهمية بمكان ، لكونها – غالباً – بعد شِبَعٍ ونوم ، فجاء الحثّ على أدائها ، والترهيب من التفريط فيها ، فقال صلى الله عليه وسلم : الذي تفوته صلاة العصر ، كأنما وُتِرَ أهله وماله . رواه البخاري ومسلم .
أي كأنما أُصيبَ في أهلِه ومالِه ، فبقيَ بلا أهلٍ ولا مال .
والمحافظة على الفجر والعصر من أسباب دخول الجنة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من صلى البَردين دخل الجنة . رواه البخاري ومسلم .
والبَرْدان هما الفجر والعصر . وإنما خصّهما لأنهما يقعان غالباً بعد نوم فيتمحّص - في القيام لهما وأدائِهما - الإيمان بالله ، وإيثار طاعته على هوى النفس ورغباتها .
ومَن حافظَ عليهما مع غَلَبَةِ النوم والكسل فهو لما سواهما أحفظ .
وقد أمر الله بالمحافظة على الصلاة الوسطى ، وهي صلاة العصر ، فقال : (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ)[ البقرة:238] .
وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب : شغلونا عن الصلاةِ الوسطى صلاةِ العصر .
وقد كان المشركون يُدرِكون قَدْر الصلاة عند الصحابة ، فقد روى مسلمٌ من حديث جابر قال : غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم قوما من جهينة ، فقاتلونا قتالا شديداً ، فلما صلّينا الظهر قال المشركون : لو ملنا عليهم ميلة لاقتطعناهم ، فأَخْبَر جبريل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ، فَذَكَر ذلك لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : وقالوا : إنه ستأتيهم صلاة هي أحبّ إليهم من الأولاد ! فلما حضرت العصر قال : صفّنا صفِّين ، والمشركون بيننا وبين القبلة ، قال : فكبّر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكبرنا ، وركع فركعنا .
والمحافظة على صلاة الجماعة سبب في عِظم الأجر .
قال صلى الله عليه وسلم : من صلى العشاء في جماعة فكأنما قام نصف الليل ، ومن صلى الصبح في جماعة فكأنما صلى الليل كله . رواه مسلم .(1/37)
والمرأة إذا صلّت في بيتها محتَسِبَةً أجر الجماعة ، وأنها ما تركت الجماعة إلا لقوله صلى الله عليه وسلم : صلاة المرأة في بيتها أفضل من صلاتها في حجرتها ، وصلاتها في مخدعها أفضل من صلاتها في بيتها . رواه أبو داود وغيره .
فإنها إذا احتسبت ذلك كان لها أجر الجماعة ، بل أفضل من ذلك .
فقد جاءت امرأةٌ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله إني أحب الصلاة معك . قال : قد علمت أنك تحبين الصلاة معي ، وصلاتُكِ في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك ، وصلاتك في حجرتك خير من صلاتك في دارك ، وصلاتك في دارك خير من صلاتك في مسجد قومك ، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك قي مسجدي . قال : فأمَرَتْ فَبُنِيَ لها مسجداً في أقصى شيء من بيتها وأظلمِه ، فكانت تصلي فيه حتى لقيت الله عز وجل . رواه الإمام أحمد وابن خزيمة وغيرهما ، وهو حديث حسن .
والصلاة بِعَامّة فرضُها ونفلُها سببٌ لدخول الجنة ، ورفعة الدرجات فيها ، فقد سأل ثوبانُ رضي الله عنه رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فقال : أخبرني بعمل أعمله يدخلني الله به الجنة ، أو قال : بأحب الأعمال إلى الله ؟ قال : فَسَكَت ، ثم سألته ، فَسَكَت ، ثم سألته الثالثة ، فقال : عليك بكثرة السجود لله ؛ فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة ، وحطّ عنك بها خطيئة . رواه مسلم .
وقال ربيعة بن كعب الأسلمي : كنت أبيتُ مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتيتُه بوَضوئه وحاجته ، فقال لي : سل ، فقلت : أسألُك مرافقتك في الجنة . قال : أوْ غيرَ ذلك ؟ قلت : هو ذاك . قال : فأعنِّي على نفسك بكثرة السجود . رواه مسلم .
ومن فَضْلِ الصلاة أن المصلي إذا جَلَسَ في مُصلاّه استغفرت له الملائكة ما دام في مُصلاّه ، ما لم يَقُم مِن مكانه أو يُحدِث .(1/38)
لقوله صلى الله عليه وسلم : لا يزال العبد في صلاة ما كان في مصلاه ينتظر الصلاة ، وتقول الملائكة : اللهم اغفر له . اللهم ارحمه ، حتى ينصرف أو يحدث . رواه البخاري ومسلم .
وهذا لا شك أنه فضلٌ كبير ، وأجر عظيم لمن جَلَسَ في مُصلاّه ، فإنه بمجرّد الجلوس تستغفر له الملائكة وتدعوا له ، ما لم يَقُمْ أو يُحدِث فينتقض وضوءه .
ومِن فضل الله ورحمته أن جَعَلَ لفروض الطاعات ما يَسُدّ الخلل مِنْ النوافل ، لأنه ما منّا إلا وفي أعماله خلل ونقص ، ولكن مِن رحمة الله أن شرع ما يُكمِل النقص ، كما في قوله صلى الله عليه وسلم : يقول ربنا جل وعز لملائكته - وهو أعلم - : انظروا في صلاة عبدي أتمها أم نقصها ؛ فإن كانت تامة كُتِبَتْ له تامة ، وإن كان انتقص منها شيئا قال : انظروا هل لعبدي من تطوع ؟ فإن كان له تطوع قال : أتموا لعبدي فريضته من تطوعه ، ثم تؤخذ الأعمال على ذلك . رواه أحمد وأهل السنن .
فاحرص – رحمك الله - على تمام صلاتِك ، وكمالِها ، فإنه ليس لكِ مِن صلاتك إلا ما عَقَلْتِ منها ، كما قال ابن عباس رضي الله عنهما .
وقد أخبر النبيُّ صلى الله عليه وسلم أن المصلي ربما ينصرف من صلاته لم يُكتب له إلا عُشرُها
وبعض النساء إذا دَخَلَتْ في الصلاة أخذَتْ تُفصِّل وتخيط وتلبس ! وتستحضر ( الموديلات ) بدل استحضار النيّة ! وربما تشتري حاجاتها أثناء صلاتِها ، فليس لها مِن صلاتها إلا ما عَقَلَتْ وَوَعَتْ .
وربما يُصلّي الْمُصلِّي وإلى جواره آخر وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض ، فهذا أحضَرَ قلبه وقالبه ، والآخر حضرَ جِسمُه .
وربما نَقَرَ صلاتَه نقر الغُراب ، والتَفت اِلتفات الثعلب ، فلا يُتم ركوعَها ولا سجودها ، وأنتُم على ذِكرٍ من قصة المسيء صلاتَه ، وردّده النبيُّ صلى الله عليه وسلم قائلا له في كل مرة : ارجع فَصَلِّ ، فإنك لم تُصَلِّ . رواه البخاري ومسلم .(1/39)
والأمر في غاية الخطورة فالذي يُقال له : ارجع فَصَلِّ ، فإنك لم تُصَلِّ ، ثلاث مرّات يدلّ على أن صلاته لا تصحّ ولا تُقبل وإن أعادها مرّات ومرّات .
وقد دخل رجل ورسولُ الله صلى الله عليه وسلم جالسٌ ، فقام يصلي ويَنْقُر في سجوده ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو مات هذا على حاله هذه ، مات على غير ملة محمد صلى الله عليه وسلم ينقر صلاته كما ينقر الغراب ! رواه أحمد وابن خزيمة .
وقد ثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : إن الرجل ليصلي ستين سنة وما تُقبَلُ له صلاة ، لعله يُتم الركوع ولا يتم السجود ، ويتم السجود ولا يتم الركوع .
وقال صلى الله عليه وسلم : لا صلاةَ لمن لا يُقيمُ صُلبَه في الركوع .
وعن أبي وائل أن حذيفة رأى رجلا لا يتمّ ركوعه ولا سجوده ، فلما قضى صلاته قال له حذيفة : ما صليت ، قال : وأحسبه قال : لو متّ مُتّ على غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم . رواه البخاري .
فهذه الفريضة ربما تكون هي عملُك الصالح ، فاجتهد في إصلاحها وإقامتها .
فإن الله يُحبُّ إذا عمِلَ أحدكم عملاً أن يُتقِنَه ، كما قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم .
وانظر كم تُمضي لطاعة ربِّكِ مِن الوقت ، ربما لا يَصِل الوقت المبذول لطاعة الله إلى نصف ساعة في كلِّ يوم ، وفلاحُ الإنسان مُقيّدٌ بالعمل الصالح بعد الإيمان بالله ، فإن الله تبارك وتعالى قال
(وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) ) [العصر:1-3] .
ولذا قال الإمام الشافعي- رحمه الله - : لو تدبّر الناس هذه السورة لوسِعَتْهم .(1/40)
ومَدَارُ صلاح الأعمال يوم القيامة مُرتهنٌ بصلاح الصلاة ، فالصلاة أولُ ما يُحاسب به العبدُ يومَ القيامة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : أولُ ما يُحاسَبُ به العبدُ يومَ القيامة الصلاة ، فإن صَلَحَتْ صَلَحَ سائرُ عمله ، وإن فَسَدَتْ فَسَدَ سائرُ عمله .
فاحرص رحمك الله على صلاح صلاتِك فَبِها يصلُح سائرُ عملِك .
حكمها :
فرض عين لا تسقط عن المُحارِب المصافّ للعدو ، رغم الخوف الشديد . ولم تَسْقُط عن المريض وهو على فراش المرض ، ولم تَسْقُط عن المسافر رغْم المشقّة ، إلا أنه خُفِّفَ عن الحائض والنفساء .
فالمصافّ للعدو قال الله فيه : (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) [النساء:102] .
والمريض لقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [ التغابن:16] .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : صل قائما ، فإن لم تستطع فقاعدا ، فإن لم تستطع فعلى جنب . رواه البخاري .
ولا تسقط عن النائم ، فيجب عليه القيامُ لأداء الصلاة ، أما مَن غَلَبَه النوم فتجبُ عليه الصلاة إذا قام ، ولا تسقط عن الناسي ، فمتى ذَكَرَها صلاّها ، لقوله صلى الله عليه وسلم : من نسي صلاة ، فليصلها إذا ذكرها . رواه مسلم .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : من نام عن صلاة أو نسيها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها .
عقوبةُ تارِكها :(1/41)
ترك الصلاة كفرٌ وردّةٌ عن دين الإسلام ، فقد قاتَلَ أبو بكر رضي الله عنه مَن مَنَعَ الزكاة ، وإن كان مُقِرّاً بوجوبها ، فلما عَزَمَ على ذلك قال له عمر رضي الله عنه : كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا : لا إله إلا الله ؛ فمن قال : لا إله إلا الله ، فقد عَصَمَ مِنِّي ماله ونفسه إلا بحقه ، وحسابه على الله ؟ فقال أبو بكر : والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة ، فإن الزكاة حق المال ، والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعه ، فقال عمر : فوالله ما هو إلا أن رأيت الله عز وجل قد شرح صدر أبي بكر للقتال ، فعرفت أنه الحق . رواه البخاري ومسلم .
وقد جعل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ حدّاً فاصلاً بين الإسلام والكفر ، فقال صلى الله عليه وسلم : بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة . رواه مسلم .
وهي العلامة التي يُعرف بها المسلم مِن غيرِه ، فقال صلى الله عليه وسلم : العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر . رواه أحمد وغيره .
فعلّق رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الْحُكم بالكفر على مجرّد الترك ، فَمَنْ تَرَكَ الصلاة بغير عذر حتى يخرج وقتها ويدخل وقت الأخرى فقد كَفَر .
وقد جَعَلَ الله إقامةَ الصلاةِ علامةً على قبولِ توبة المشركين ، فقال : (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة:5] .
وقال سبحانه : (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [التوبة:11](1/42)
وقد اتّفق أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم على أن تَرْكَ الصلاة كُفْرٌ .
كما قال شقيق بن عبد الله : ما كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يَرَون شيئاً من الأعمال تَركه كفرٌ غير الصلاة . رواه الترمذي وابن أبي شيبة .
وصحّ عن عمر رضي الله عنه أنه قال على المنبر : لا إسلام لمن لم يُصَلِّ . وكان ذلك بمرأى من الصحابة ولم يُنكروا عليه ولم يُخالِفوه .
وقال ابن مسعود رضي الله عنه : من تَرَكَ الصلاة فلا دِين له .
وقال أبو الدرداء رضي الله عنه : لا إيمان لمن لا صلاة له ، ولا صلاة لمن لا وضوء له .
وقال أيوب السختياني : تركُ الصلاةِ كفرٌ لا يُختلف فيه .
وفي وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : لا تشرك بالله شيئا وإن قطعت أو حرقت ولا تتركن الصلاة المكتوبة متعمدا ، ومن تركها متعمدا برئت منه الذمة ، ولا تشربن الخمر فإنها مفتاحُ كل شر .
قال إسماعيل بن سعيد : سألت أحمد بن حنبل عن من ترك الصلاة متعمداً . قال : لا يَكفر أحدٌ بذنبٍ إلا تارك الصلاة عمدا ، فإن تَرَكَ صلاةً إلى أن يدخل وقت صلاةٍ أخرى يستتاب ثلاثا .
وقال أبو أيوب سليمان بن داود الهاشمى : يُستتاب إذا تركها متعمداً حتى يذهب وقتها فإن تاب وإلا قُتِل ، وبه قال أبو خيثمة .
وقال وكيع بن الجراح عن أبيه في الرجل يحضره وقت صلاة ، فيُقال له : صَلِّ ؛ فلا يُصلِّى ؟ قال : يُؤمر بالصلاة ، ويُستتاب ثلاث صلوات ؛ فإن صلى وإلا قُتل .
يعني يُقتل ردّةً – عياذاً بالله – ومَنْ استحقّ أن يُقتلَ ردّةً سواءً قُتِلَ أو لم يُقتل فلا يجوز تزويجه أو قبوله زوجاً ، كما لا يجوز التّرحم عليه ، ولا دفنه في مقابر المسلمين ، ولا يَرِثُ ولا يُورث ؛ لأنه مات على غير مِلّةِ الإسلام ، فليس ترك الصلاة بالأمر الهيِّن .(1/43)
وقال محمد بن نصر المروزي : سمعت إسحاق يقول : قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تارك الصلاة كافر ، وكذلك كان رأى أهل العلم من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا : أن تارك الصلاة عمدا من غير عذر حتى يَذهب وقتُها كافر .
وقال أيضا : أفلا ترى أن تارك الصلاة ليس من أهل ملة الإسلام الذين يُرجى لهم الخروج من النار ، ودخول الجنة بشفاعة الشافعين ، كما قال صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة الذي رواه أبو هريرة وأبو سعيد جميعا - رضى الله عنهما - أنهم يَخرجون من النار يُعرفون بآثار السجود ، فقد بين لك أن المستحقين للخروج من النار بالشفاعة هم المصلون ، أو لا ترى أن الله تعالى مَيّزَ بين أهل الإيمان وأهل النفاق بالسجود ، فقال تعالى : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) وقال الله تعالى : (وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)
أفلا تراه جَعَل علامةَ ما بين ملة الكفر والإسلام وبين أهل النفاق والإيمان في الدنيا والآخرةِ الصلاة . اهـ
وتركُ الصلاةِ سبب لعذاب الله وسَخَطِه ودخولِ النار ، قال الله جل جلاله حاكياً تخاصم أهلِ النار : (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (42) قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ (43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (44) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (45) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (46) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ (47) فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ)
وتوعّد الله المُضيّعين لصلواتهم ، فقال الله جل جلاله : (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) [ الماعون:4-5] .(1/44)
واعلم أنه لا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة ، كما قال أميرُ المؤمنين عمرُ بن الخطاب رضي الله عنه . فقد روى الإمام مالك في الموطأ أن المسوَر بن مخرمة دخل على عمر بن الخطاب من الليلة التي طُعِنَ فيها فأيقظ عمرَ لصلاة الصبح ، فقال عمر : نعم . ولا حظّ في الإسلام لمن ترك الصلاة فصلى عمر وجرحه يثعب دما .
فما عُذرُ مَنْ يَتْركَ الصلاة وهو أنشطُ ما يكون ؟ وعمرُ يُصلّي وجُرحه يثعبُ دماً ، حتى إنه سُقيَ اللبنُ فخرج من جُرحه .
ولولا أهمية الصلاة لما كانت وصية رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عند حلول ونُزول السَّكرات ، ولَما أكّد عليها ، فكان آخرُ كلامه صلى الله عليه وسلم : الصلاةَ الصلاة ، وما ملكت أيمانكم . رواه أحمد
وبعض النساء تؤخِّر الصلاة حتى يخرج وقتها ، وإذا كان هذا بغير عذرٍ شرعي فإنها تُردّ على صاحبتها ، لقوله تبارك وتعالى : (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) [النساء:103] .
روى البخاري عن أمِّ سلَمة قالت : استيقظ النبي صلى الله عليه وسلم من الليل وهو يقول : لا إله إلا الله ماذا أُنزِل الليلة من الفتنة ! ماذا أُنزِل من الخزائن ! من يُوقِظ صواحب الحجرات ؟ كم من كاسية في الدنيا عَارِية يوم القيامة .
إذا كان هذا في النوم عن صلاة الليل ، فكيف بمَنْ تؤخّر الصلاة حتى يخرج وقتها ؟
وبعض النساء تؤخّر الاغتسال بعد الطُّهر يوم أو يومين وأحياناً ثلاثة ، فتجلس هذه الأيام لا تُصلي وهي قد طهُرت ، فما عذرها أمام الله ؟(1/45)
والواجب عليها المبادرة إلى الاغتسال بعد الطهر ثم تصلي الصلاة التي عليها ، ولو كان الأمر في شيء يتعلّق بالمرأة كَحَقٍّ من حقوقها لما رَضِيَتْ بتأخيره أو نقصه أو بخسه ، فهي لا ترضى أن يُخصم عليها شيء من راتبها إذا كانت مُعلّمة ، ولا يُنقص شيء مِنْ درجاتها إن كانت طالبة ، ولا يُقصّر في شيء من حقوقها إن كانت زوجة ، بينما هي تٌقصِّر في حقّ ربِّها ، وفي فريضة من أعظم الفرائض ، بل هي أعظم الفرائض بعد الشهادتين .
فاحرصي أُخيّة على أداء الصلوات في أوقاتها من غير نُقصان ، ولا عَجَلَة .
واحرصي على التزام أوامر الله ، فليس لك خيارٌ فأنت أمةُ الله وفي قبضته ، (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُبِينًا) [الأحزاب:36] .
وفقكِ الله لطاعته ومرضاته ، وجنَّبَكِ أسباب سخطِه وغضبه مَقْتِه .
وتذكّر أن من ترك الصلاة فقد ترك دين ربِّه ، وقد اتفق العلماء على أن تارك الفرائض كافر ، ولو أقرّ بها ، إذ الإقرار الصادق يقتضي العمل ، فإنك لو أُخبِرت بوجود عدوٍّ أو ضرر في مكان لما ذهبت إليه ، إلا إن كنت لم تُصدّق القائل ، فإن كنت صدّقت خبرَ اللهِ ورسولِه صلى الله عليه وسلم وجوب الصلاة ووجود النار لمن تركها ، إذا صدّقت بذلك وجبَ عليكِ الفِرار من النار والهروب منها ، وطلب جنةٍ عرضها السماوات والأرض .
والله تعالى أعلم .(1/46)