الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية
( الجزء الأول )
لفضيلة الشيخ
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
حفظه الله
جمعها وأعدها الفقير إلى عفو ربه
إبراهيم بن عبد العزيز الشثري
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
لحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أفضل خلقه أجمعين رسول رب العالمين محمد بن عبد الله وعلى آله وصحبه أجمعين ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فهذه فتاوى شيخنا الشيخ العلامة الدكتور عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين في مجال الطب وكل ما يهم المريض، جمعتها بعد أن أجاز لي الشيخ، جزاه الله خيرا بذلك، رغبة منه في أن ينتفع بها المسلمون .
ويلاحظ أن بعض هذه الفتاوى سبق نشرها في مجلة الدعوة الإسلامية الأسبوعية وأكثرها لم ينشر، وقد جمعتها عن طريق الشيخ مباشرة .
أسأل الله - جل وعلا - أن ينفع بها المفتي والمستفتي، وكل من اطلع عليها، وأن لا يحرم الجميع الأجر والثواب، وأن يجعل العمل خالصا لوجهه الكريم وأن ينفع به يوم الدين، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
جمعها وأعدها الفقير إلى عفو ربه
أبو حامد إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الشثري
الرياض في 16 / 6 / 1417هـ
ص. ب / 58498
الرياض 11594
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين .
وبعد :
فقد أذنت للأخ إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الشثري بجمع الفتاوى الخاصة بي، والمنشورة في مجلة الدعوة أو غيرها الخاصة بموضوع الطب والأسئلة والأجوبة الطبية، وإخراجها في كتاب ليتم الانتفاع به في المستشفيات وغيرها، نسأل الله أن ينفع به كل من اطلع عليه وألا يحرم قارئه وكاتبه وجامعه ثواب ذلك، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
عضو الإفتاء
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
?(1/1)
س: هل الغسل يوم الجمعة واجب على الرجال والنساء؟ وهل يسقط وجوب الغسل على المريض ، ويكتب له أجره؟
o ج: اعلم أن شرعية الغسل للجمعة لأجل نظافة البدن والثوب وإزالة الوسخ والقذر الذي تتأذى منه الملائكة وبنو آدم وفي الصحيحين عن عائشة قالت : (( كان الناس ينتابون الجمعة من منازلهم ومن العوالي فيأتون في العباء فيصيبهم الغبار والعرق فتخرج منهم الريح، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا )) . ففيه دليل على أن الحكمة في شرعية غسل الجمعة حصول النظافة وإزالة الوسخ الذي يؤذي المصلين، فمتى كان المصلي نظيفا حديث عهد باغتسال فلا يلزم الاغتسال مرة أخرى وإن كان الأولى أن يمتثل الأمر فيغتسل للجمعة غسلاً خاصاً، أما المرأة فإنها لا تحضر مجتمع الرجال فلا حاجة إلى أن تغتسل، لكن من باب النظافة يشرع لها ذلك في الجمعة وغيرها، ويقال كذلك في غسل المريض ونحوه. ومن احتسب واغتسل من هؤلاء أو غيرهم لحرمة الجمعة فله أجر الاحتساب. والله أعلم.
? س: رجل لديه ابن معاق يذهب كل يوم إلى المدرسة، هل يلزمه أن يذهب به إلى المسجد كل وقت؟ وعمره فوق العشر سنوات؟
o ج: إذا كان هذا الابن يدري ويفهم الدرس ويستطيع الجلوس والحركة فإن الصلاة مع الجماعة تلزمه إذا بلغ السن المعتبر للوجوب واستطاع الطهارة وعرف كيف يؤدي الصلاة، فعلى والده أن يذهب به معه إلى المسجد، أما قبل سن التكليف فلا تجب عليه الجماعة لكن يلزم تعليمه بالفعل والقول أحكام الصلاة والطهارة وما يقال حول ذلك، فإن شق عليه الحضور إلى المسجد وتكلف في الدخول والخروج واحتاج إلى من يحمله ويقيمه ويجلسه سقطت عنه صلاة الجماعة كالمريض، والله أعلم.
? س: رجل مقطوعة يده إلى العضد كيف يتم غسلها للصلاة . وهل الحكم يختلف إذا كانت المقطوعة رجله إلى الركبة؟(1/2)
o ج: حيث أمر الله بغسل اليدين والرجلين وحدد منتهى الغسل، فقد عرف من ذلك أن الصلاة لا تصح إلا بتمام الطهارة التي منها غسل الأعضاء المذكورة، وأما المقطوع فإن بقي شيء من المفروض كبعض الذراع أو القدم لزم غسل ما بقي وإن لم يبق من المفروض شيء فقد ذكر الفقهاء أن يغسل رأس العضد الموجود، أو رأس الساق الموجود حتى يصدق عليه أنه غسل مسمى اليدين والرجلين.
? س: كيف يصوم من نصحه الأطباء بشرب الماء كل ثلاث ساعات لوجود مرض في الكلى؟ وما كفارة ذلك؟
o ج: إذا كان الأطباء مسلمين ومعروفين بالتخصص في هذه الأمراض وقرروا جميعا أن الصيام يضره وأنه بحاجة إلى الشرب في كل حين يقدرونه، فإن عليه الفدية التي هي إطعام عن كل يوم مسكينا، فإن قوي على الصيام في بعض الزمان كالشتاء لزمه القضاء وإلا سقط عنه حتى يشفى.
? س: مريض منوم على السرير ولا يستطيع الذهاب للوضوء لأداء الصلاة وليس لديه (تربة) لكي يتيمم منها فهل يجوز له أن يضرب بيديه على الحائط (الجدار) أم لا؟
o ج: عليه أن يطلب من أهله إحضار تراب في طست أو كيس حتى يتيمم منه، فإن منع من ذلك أهل المستشفى فله أن يفعل ما يقدر عليه، فإن استطاع النزول إلى البلاط فعل ذلك وتيمم من أرض البلاط، فإن عجز فله التيمم من الحائط أو الفراش الذي هو عليه، ويدخل ذلك في حديث إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم.
? س: هل يجوز للمرأة أن تذهب إلى الطبيب للكشف على أسنانها مع توفر طبيبة، حيث يترتب على الكشف على الأسنان كشف الوجه؟ وما هو توجيهكم للنساء اللاتي يتساهلن في الذهاب للأطباء الرجال مع وجود الطبيبات؟(1/3)
o ج: لا يرخص للمرأة أن تذهب إلى الأطباء الرجال مع توفر النساء اللاتي يقمن بالكشف المطلوب حتى ولو كان معها محرم، لأنه يترتب على الكشف النظر في الجسد والوجه من أجنبي لا يحق له هذا النظر، وليس هناك ضرورة لوجود النساء المتخصصات في الطب المطلوب، ولا يسوغ لها الذهاب حذق الرجل في العمل أو ثقتها به أو شهرته في المعرفة ونحو ذلك، أما إذا لم يوجد نساء يحسن هذا العلاج وكان هناك ضرورة فإن الضرورات تبيح المحظورات فهنالك يباح لها الكشف عند الرجال بقدر الحاجة ومع وجود محرم والله أعلم.
? س: اجتهد الأطباء في إجراء عملية جراحية لأحد المرضى ولكنهم أخطؤوا في هذا الاجتهاد فمات المريض وهم يسألون الآن ماذا يجب عليهم ويلزمهم اتجاه هذا الخطأ وما كفارة ذلك؟
o ج: إذا كان الطبيب حاذقا مجربا بالإصابة ومتخصصا في هذا العلاج وهذه العمليات، فأجراها كالمعتاد ولم يتعد ولم يفرط، ووقع ذلك في الزمن المناسب الذي يعرفه فحصل من آثار ذلك موت أو شلل أو فقد حاسة أو عيب، فإنه لا يضمن وليس عليه كفارة، أما إذا لم يكن متخصصا وجعل هذه العملية كتجربة أو تعدى فوق الحاجة أو فعل ذلك في زمن لا يتناسب مع العملية أو في اشتداد المرض الذي يكون من آثار العملية موت أو عيب فإنه يضمن، وفيه الحديث الذي رواه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمرو مرفوعا: (( من تطبب ولم يعلم منه طب فإنه ضامن )) .
? س: يوصي بعض الزائرين المريض بالإكثار من الحوقلة ( لا حول ولا قوة إلا بالله ) فهل لنا أن نعرف من فضيلتكم أهمية هذه الكلمة وهل ورد فيها شيء من السنة؟(1/4)
o ج: نعم ورد أنه صلى الله عليه وسلم قال لأبي موسى : (( ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة ؟ قلت بلى ، قال : قل : لا حول ولا قوة إلا بالله )) ، متفق عليه . وعن قيس بن سعد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له : (( ألا أدلك على باب من أبواب الجنة ؟ قلت بلى ، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله )) ، رواه الترمذي وأحمد . وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( أكثروا من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنها من كنز الجنة )) قال مكحول : فمن قال : (( لا حول ولا قوة إلا بالله ولا منجا من الله إلا إليه ، كشف الله عنه سبعين باباً من الضر أدناها الفقر )) . رواه الترمذي والحاكم وصححه ، وفي صحيح مسلم في حديث عمر في متابعة المؤذن قال: (( وإذا قال: حي على الصلاة قال: لا حول ولا قوة إلا بالله. وإذا قال: حي على الفلاح، قال: لا حول ولا قوة إلا بالله ... إلى قوله: من قلبه دخل الجنة )) ومعنى هذه الجملة اعتراف الإنسان بعجزه وضعفه إلا أن يقويه ربه، فكأنه يقول: يا رب ليس لي حول ولا تحول من حال إلى حال ولا قدرة لي على مزاولة الأعمال إلا بك، فأنا محتاج إلى تقويتك وإمدادك، ففيها البراءة من الحول والقوة، وإن الرب تعالى هو الذي يملك ذلك، ويمد عباده بما يعينهم على أمر دنياهم ودينهم، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
? س: بعض العمليات الطبية تكون في الأجهزة التناسلية، هل عندما تجري هذه العملية ينتقض وضوء الأطباء أم لا؟(1/5)
o ج: المشهور عند العلماء أن مس أحد الفرجين ينقض الوضوء لحديث بسرة (( من مس ذكره فليتوضأ )) وحديث حفصة (( أيما رجل مس ذكره فليتوضأ، وأيما امرأة مست فرجها فلتتوضأ )) فإذا كان هذا فيمن مس فرج نفسه مع أنه في العادة لا يثير الشهوة، فمس فرج غيره أولى بالنقض؛ لأنه يثير الشهوة غالبا، فأرى أن من باشر العملية في فرج رجل أو امرأة ولمس العورة بدون حائل فعليه الوضوء بعد ذلك، وليس هذا رخصة في أن يمس الرجل فرج امرأة أجنبية إلا لضرورة، ولا أن تمس المرأة عورة رجل إلا لضرورة شديدة، وفي الحالات الحرجة. والله أعلم.
? س: ما هي صفة الرقية الشرعية ؟ وماذا ينبغي أن يكون عليه الراقي والمرقي من أمور؟(1/6)
o ج: المختار جواز العلاج بالرقية الشرعية التي هي القراءة على المريض لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا بأس بالرقى ما لم تكن شركا )) وقال في الرقية: (( من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل )) وأقر رفقة أبي سعيد على الرقية للديغ بالفاتحة وقال: (( وما أدراك أنها رقية؟ )) وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - رقى بعض أصحابه، ورقاه جبريل لما سحره اليهودي فشفاه الله تعالى والرقية الشرعية هي القراءة بالآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين، وسورة الإخلاص، وآية الكرسي، وآخر سورة البقرة، وأول سورة آل عمران، وآيات الشفاء، وآيات التخفيف، وآيات السكينة، وآيات التوحيد ونحو ذلك، ولا شك أن الراقي يكون مؤثرا إذا كان مستقيما مطيعا لله تعالى عاملا بالصالحات، متنزها عن السيئات، مبتعدا عن الحرام والفواحش ونحوها، وكذا لا بد أن المرقي عليه أيضا يكون مؤمنا صحيح الإيمان حسن المعتقد عاملا بالكتاب والسنة، لقوله تعالى: { وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا } وقوله تعالى: { قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى } فمتى اتصف الراقي والمرقي بالصفات الحميدة أثرت الرقية بإذن الله.
? س: ما هي نصيحتكم للأطباء الذين يجرون عمليات للنساء أو العكس الطبيبات اللاتي يجرين عمليات للرجال؟(1/7)
o ج: لا شك أنه يحرم على الرجل النظر إلى جسد المرأة، سيما ما تستره دائما كالبطن والظهر والصدر وما أشبهه، وإن لمس ذلك منها من دوافع الفاحشة أو الإغراء بها، ونصيحتنا للرجل المسلم أن يمتنع من الكشف على المرأة بالأشعة أو العملية أو الجراحة ونحو ذلك مما فيه تكشف المرأة أمامه وهي أجنبية منه، فعليه أن يبتعد عما يخل بعفاف واحتشام المرأة، ولو كان معها محرم لها فإن ذلك ما يجرئ الرجل على النظر إلى عورات النساء، ويصبح ذلك أمرا عاديا لا يتحرج منه، وتعتاده المرأة ويقل حياؤها وتسترها، وعلى هذا لا يجوز للرجل أن يتولى عمليات النساء كالولادة والجراحة ونحوها، إلا عند الضرورة القصوى وخوف الموت أو التضرر، فيجوز بقدر الحاجة، ونصيحتنا للطبيبة المسلمة والطالبة المسلمة أن تمتنع من الكشف على الرجال وعلاجهم بما يستدعي لمس بشرة الرجل ولو في ظاهر جسده كالرأس والسن والعين والأذن، فضلا عن العورة والكشف الباطني، فإن في ذلك ما يدفعها إلى اعتياد النظر إلى الرجال وعدم الاحتشام والحياء منهم، مما يسبب التكشف للأجانب والمخالطة والمخاطبة، والجرأة على المكالمة ونحوها، وذلك من الرعونة ومن دوافع الفواحش والمنكرات كما لا يخفى، فعلى المرأة المسلمة أن تراقب الله تعالى، وتقدم رضاه على قول كل أحد، وأن تمتنع من طاعة رئيس أو مدير في معصية الله، فالواجب أن يختص الرجال بتعلم ما يحتاجه الرجال ويختصوا بعلاجهم، وتختص المرأة بتعلم أمراض النساء والكشف عليهن وعلاجهن، وذلك مما تحصل به الكفاية، والله أعلم.
? س: ماذا ورد في فضل الصبر على المرض ؟ وما هو أجر الصابرين؟(1/8)
o ج: قال الله تعالى: { استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين } إلى قوله: { وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ } الآيات. وثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال : (( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من سيئاته )) وروى الترمذي وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة )) وقال صلى الله عليه وسلم : (( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط )) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا يزال البلاء بالمؤمن حتى يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة )) ، وضرب النبي صلى الله عليه وسلم للمؤمن مثلا بالخامة من الزرع تكفئها الرياح يمينا وشمالا يعنى بذلك كثرة الأمراض والعاهات والمصائب، وقال صلى الله عليه وسلم أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان في دينه صلابة شدد عليه وإلا خفف عنه ، وجاء رجل فقال: إني أحبك ، فقال: إن كنت صادق فأعد للبلاء تجفافا، فإن البلاء أسرع إلى من يحبني من السيل إلى منحدره ، والأحاديث في ذلك كثيرة معلومة .
? س: ما حكم الشرع فيما يفعله بعض الناس من كتابة التهاني والتبريكات بحلول العام الهجري الجديد يهنئ إخوانه وزملائه إذا قابلهم في بداية العام؟(1/9)
o ج: لم يكن هذا مشهورا عن السلف فيما يظهر، ولكن مجرد التهنئة والتبريك للمسلم فيها رخصة وإباحة، حيث أنها دعاء وسؤال لله تعالى أن يبارك له ولإخوانه في أزمنتهم وأوقاتهم حتى يستغلوها في الطاعة ويحفظوها من الضياع، فالظاهر جواز جنس التهاني، لكن لا يتخذ ذلك ديدنا وعادة متبعة، وإنما يفعل ذلك في بعض الأحيان ولبعض الأشخاص.
? س: هل النهي عن الكي للتحريم أو للكراهية ؟
o ج: الصحيح أنه للكراهة، وقد روى البخاري في الطب من صحيحه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( الشفاء في ثلاثة: شربة عسل وشرطة محجم وكية نار، وأنا أنهى أمتي عن الكي )) وفي لفظ: (( وما أحب أن أكتوي )) فالنهي عنه مع كونه مما فيه الشفاء يدل على جوازه مع الكراهة كما في قولهم: آخر الطب الكي. أي: عند الضرورة، وقد روى مسلم عن جابر : (( أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع له عرقا وكواه ، ولما رُمي سعد بن معاذ في أكحله حسمه النبي صلى الله عليه وسلم ، والحسم هو الكي، وفيه أحاديث ذكرها ابن القيم في الطب النبوي تدل على جواز الكي مع كراهته لما فيه من التعذيب بالنار وإنما يباح بقدر الضرورة إذا لم يوجد علاج أنفع منه، والله أعلم.
? س: يطرح أحيانا في بعض وسائل الأعلام المختلفة رأي يقول: إن الفن والموسيقى علاج لبعض الأمراض فما رأي الشرع في ذلك؟(1/10)
o ج: هذا قول خاطئ، ولو اشتهر من يقول به ويؤيده ولو توسع فيه من توسع وادعوا أنه مجرب وصحيح، وذلك أن الأغاني والمعازف وآلات الملاهي قد حرمها الشرع ونهى عنها وتوعد على تعاطيها، فلا يمكن أن يكون فيها شفاء مع تحريمها، فقد ورد في الحديث: إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها فدل على أن كل حرام لا يجوز العلاج به ولا يتوقف الشفاء به، لكن حيث أن هناك نفوسا ضعيفة قد انهمكت في الحرام وغرقت في هذا السماع، وأصبحت مغرمة به، فمتى ابتعدت عنه في وقت من الأوقات أحست بألم وتوتر أعصاب وضعف قوي، فإذا عادت إليه شعرت بنشوة ونشاط وقوة فادعت أنه علاج لها، وإنما تلك النفوس المريضة تلتذ بالحرام وتركن إليه، أما أهل الصلاح والإيمان واليقين والصبر فإنهم يجدون عند سماعه ثقلا ووهنا وقلقا؛ لأنه في الحقيقة يمرض العقول فتتبعها الأبدان، والله أعلم.
? س: يعلم فضيلتكم أن الطب تقدم في هذا العصر فأصبح الأطباء يعرفون نوع الجنين وهو في بطن أمه ذكرا وأنثى، والله سبحانه وتعالى يقول: (( وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ )) نرجو توضيح ذلك؟
o ج: الله سبحانه يعلم ما ظهر وما بطن، ولا شك أن الأجنة في الأرحام خفية باطنة لا يطلع عليها إلا الله وحده، فأما معرفة الأطباء لنوعية الجنين فإنهم لا يعرفون ذلك بمجرد النظر والمقابلة والخبر، وإنما يستعملون الأشعة والكشوفات والتحليلات، وبعد تلك العمليات والتجارب يخبرون بنوعية الجنين، وذلك يحصل عن التحاليل في المختبرات، وقد يخطئون في القول، فليس علمهم عن نظر وتفكير، وإنما هو بمنزلة ما لو شق بطن المرأة واطلع على نوع الجنين، فلا ينافي ما أخبر الله تعالى أنه المنفرد بعلم ما في الأرحام، والله أعلم.
? س: ما هي أسباب كثرة الأمراض وانتشارها في هذا العصر حتى كثر القراء على المرضى، وأصبح بعض الناس يبحث عن العلاج والشفاء حتى ولو كان عند المشعوذين، نرجو توضيح أسباب ذلك، أثابكم الله؟(1/11)
o ج: الأمراض المنتشرة أكثرها أمراض المس والصرف والعطف والإصابة بالعين، فهذه - والله أعلم - أسبابها ضعف الإيمان وقلة التحصن بالذكر والدين والعمل الصالح، حيث إن السحرة والمشعوذين إنما يتسلطون على ضعفاء اليقين وأهل المعاصي والمخالفات دون أهل الإيمان والإحسان، وذلك إنهم يستعينون بالشياطين ومردة الجن التي لا تتسلط إلا على أهل المعاصي والذنوب، كما قال تعالى: (( إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ )) فمتى تحصن العبد بالذكر والدعاء والأوراد والقراءة والحسنات وتنزه عن المحرمات وأبعد عن منزله آلات الملاهي والأغاني والصور والأفلام الخليعة والنجاسات الحسية والمعنوية، فإنه يحفظ بإذن الله عن كيد الشياطين وتسلطهم، ومتى ابتلي بالأغاني والملاهي والفساد واللهو واللعب فقد جعل للشياطين عليه سلطانا، فيؤثر فيه السحر وعمل أهل الصرف والعطف والكهانة ونحوهم، ولا شك أن هذه الأمراض تستعصي على الأطباء والجراحين، وإنما تعالج بالقراءة والأدعية والأوراد المأثورة، فلذلك احتيج إلى القراء المخلصين الصالحين الذين يوجهون المريض إلى إصلاح عمله، وإعادة تدينه واستقامته وتوبته وإقلاعه عن المحرمات وثقته بالله واعتماده عليه في طلب الشفاء منه، كما أن على ولاة الأمور القضاء على السحرة والكهنة الذين نشروا بين المسلمين هذه الأمراض المستعصية وقطع دابرهم، حتى لا تنتشر هذه الأمراض في المجتمعات الإسلامية، والله أعلم.
? س: مريض أمره الطبيب ألا يمس رأسه الماء فهل إذا أراد أن يتوضأ يشير إليه بيده إشارة فقط أم ماذا عليه، مأجورين؟(1/12)
o ج: عليه أن يضع فوقه عمامة أو ساترا كخرقة ونحوها، ثم يمسح فوقها ويجزئه المسح من فوق الحائل، ويعتبر هذا الحائل كالجبيرة التي تكون على الكسر يمسح عليها حتى تنزع، ولا يعتبر كالخف والخمار والعمامة، فإن هذه الحوائل لها توقيت، أي أنها يمسح عليها يوما وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وهاهنا لا يقدر على المسح بعد انتهاء المدة، فجاز له أن يلبس فوقه حائلا كقلنسوة أو عمامة ساترة، فأما الاكتفاء بالإشارة فلا يسمى مسحا، فإن كان في رأسه قروح أو شجاج ولا يقدر على ستره باللباس، فإن هذا الفعل يرجع فيه إلى الأطباء فيجعلون فوقه لصوقا أو دواء يمسح فوقه حتى يبرأ، والله أعلم.
? س: رجل معاق في قدميه، ويلبس طرفًا صناعيًا عليهما، ولا بد من لبس سروال طويل تحتهما، فماذا يفعل إذا أراد الحج أو العمرة حيث لا يستطيع خلع هذا السروال للضرورة المذكورة في السؤال ( والسروال مخيط )، أفيدونا بارك الله فيكم؟
o ج: يعتبر هذا عذرا مبيحا له لباس هذا السراويل المخيط، كذا لبس الطرف الصناعي، ولا حرج عليه في لبس الجوارب فوق الطرف الصناعي، وكذا لبس الخف والجراميق، فقد ورد الإذن في ذلك عند الحاجة، فروى أحمد وغيره عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب في عرفة فقال: (( من لم يجد إزارا فليلبس السراويل، ومن لم يجد النعلين فليلبس الخفين )) فإذا جاز لبسهما للعدم جاز لبسهما للضرورة في الطرف الصناعي، ومع ذلك فالأحوط أن يفدي فدية محظور وهي صيام ثلاثة أيام، أو إطعام ستة مساكين، أو ذبح شاة قياسا على فدية الحلق ونحوه، والله أعلم.
? س: ما الحكمة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم (( لا تديموا النظر إلى المجذومين )) ؟(1/13)
o ج: الجذام مرض خطير ورد الاستعاذة منه في حديث: (( اللهم إني أعوذ بك من البرص والجذام وسيئ الأسقام )) كما ورد هذا الحديث عند الإمام أحمد في المسند وعند ابن ماجه في الطب عن فاطمة بنت الحسين عن ابن عباس مرفوعا: (( لا تديموا النظر إلى المجذومين.... )) إلخ، وقد ورد أيضا أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (( فر من المجذوم فرارك من الأسد )) وذلك أن هذا المرض من أخطر الأمراض وأشدها فتكا، فنهى عن النظر إليه لئلا يصاب المخالط أو الناظر بهذا المرض، وإن كان كل شيء بقضاء وقدر.
? س: نهى الإسلام عن التشاؤم والتطير وقد جاء عنه عليه الصلاة والسلام أنه تزوج بامرأة، فلما أراد الدخول بها وجد بكشحها بياضا، فقال: الحقي بأهلك نرجو توضيح الأمر، وإزالة اللبس والتعارض.
o ج: ليس هذا من التطير وإنما هو عيب ومرض وجده بها، فإن البياض هنا هو البرص، أي الوضح الذي يكون في الجلد وهو يقبح النظر ولو كان لا يؤلم، وقد ورد الاستعاذة منه في حديث أنس الذي رواه أبو داود والنسائي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: (( اللهم إني أعوذ بك من البرص والجنون والجذام، ومن سيئ الأسقام )) فعلى هذا إذا وجد الرجل في المرأة عيبا فله تطليقها والمطالبة بالمهر لمن خدعه، وأما التشاؤم فقد ورد في الحديث : (( إن كان الشؤم في شيء ففي المرأة والدابة والدار )) والمعنى أن أغلب ما يتشاءم الناس في هذه الثلاث، مع أن ذلك بقضاء الله تعالى وقدره، والله أعلم.
? س: هل يصح أن يصلي بالناس من يده ملفوفة بالجبس مع وجود غيره سليم، إذا كانا في التعليم سواء؟(1/14)
o ج: نعم يجوز ذلك إذا كان هو إمام الحي الراتب المستقر، فهو أولى بالإمامة من غيره ولو كان مساويا له في القراءة والعلم، فلا يتقدم أحد في مسجده إلا بإذنه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( ولا يؤم الرجل الرجل في سلطانه... )) إلخ، وأما إذا لم يكونا راتبين بل كل منهما عابر سبيل فلا شك أن الأولى منهما كامل الأعضاء وكامل الطهارة، فإن هذه اللفافة قد تمنعه من كمال الطهارة، فهو يمسح فوق الجبس أو لا يقدر على السجود الكامل، فيكون في إمامته شيء من الخلل، مع إنه لا ميزة له على غيره، والله أعلم.
? س: ما هي الجبيرة وما هي الأحكام المتعلقة بها ؟
o ج: إذا حصل كسر في بعض الأعضاء كالعضد والذراع والفخذ والساق والترقوة والضلع ونحو ذلك من العظام، فإن العادة أن يجبر بأعواد وألواح تمسك العظم حتى يلتحم وينجبر ذلك الكسر، ويزول الألم، ويعود العضو إلى حاله فيعتدل في مشيه وأخذه وعمله، فتلك الألواح التي تجعل على ظاهر العضو هي الجبيرة تشد بخيط أو نحوه وتبقى مدة بقاء الكسر، ولا شك أن الإنسان قد يحتاج إلى الطهارة من الحدث الأصغر والأكبر وإن خلعها يضره، فرخص في المسح عليها حتى تبرأ العظام، والصحيح أنه لا يشترط وضعها على طهارة، فإن الكسر يحدث فجأة فيبادر بوضع الجبيرة في تلك الحال ولو كان محدثا، ثم إنها تفارق المسح على الخفين بأمور: الأول: عدم التوقيت، فيمسح عليها حتى تبرأ ولو أشهرًا. الثاني: أنه يمسح عليها في الحدثين الأكبر والأصغر، بخلاف الخف فيخلع في الأكبر. الثالث: أن يعمها بالمسح بخلاف الخف، فالمسح على أعلاه فقط. والرابع: أنه لا يشترط سترها لمحل الفرض، ولكن يشترط أن لا تجاوز قدر الحاجة، فإن زادت على قدر الحاجة كالجبس الذي يجعل على اليد كلها، أو الرجل إلى الأصابع مع أن الكسر في الساق ونحوه، فالأولى أن يتيمم مع المسح، والله أعلم.(1/15)
? س: بعض الأدوية يكون فيها نسبة من الكحول فما حكم استعمالها ؟ وإذا كان لا بد في تركيبها من هذه الكحول. أفيدونا؟
o ج: أرى أنه يجوز استعمالها عند الحاجة والضرورة، وذلك لأن هذه النسبة قليلة فيها، ثم هي مستهلكة في ذلك الدواء كالنبيذ الذي صب عليه ماء كثير أزال تأثيره، ولأن الأدوية علاج أمراض لا تؤكل ولا تشرب، والوعيد في الخمر ورد على الشرب، ولأنها في هذه الحال لا تتصف بالإسكار، ولو كانت تخدر العضو أو الجسم فهي كالبنج ونحوه، ولأنها لا يتلذذ بها بخلاف المسكرات فإنها تشرب للتلذذ وتهواها النفوس وتطرب لها، ويحصل بها نشوة وارتياح والتذاذ، وليس كذلك هذه الأدوية التي تجعل فيها هذه المادة حتى تحفظ عليها وظيفتها وتمنعها من التعفن والتغير، فإن وجد ما يقوم مقامها غيرها، فلا أرى استعمالها إلا عند الضرورة، والله أعلم.
? س: إذا سافر المريض خارج وطنه للعلاج، فهل يقصر الصلاة ويجمعها هو ومرافقوه ؟ أفيدونا أثابكم الله.
o ج: متى نزل في مستقر كالفندق أو الشقة وعزم على الإقامة فيه أكثر من أربعة أيام، فأرى أنه لا يجمع ولا يقصر، حيث إنه في حكم المقيم، والسفر مظنة المشقة وهو قطعة من العذاب، والمقيم في هذه الحال لا مشقة عليه في التوقيت ولا في إتمام الصلاة، فإنه يتمتع بما يتمتع به المقيم من الفرش والتهوية والإنارة والسرر والأطعمة والمشتهيات، فلا داعي له إلى القصر، أما الجمع فلا أرى الرخصة فيه إلا للمسافر الذي يدخل عليه الوقت وهو في الطريق فيؤخر الأولى حتى ينزل لهما مرة واحدة، أو يقدم الثانية حتى لا يشق عليه النزول مرة أخرى، فأما النازل ولو في برية أو مخيم، فأرى أنه يوقت سواء قصر الرباعية أو أتمها احتياطا للوقت، ولأنه هو المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في نزوله بالأبطح وبمنى حيث يصلي كل صلاة في وقتها، والله أعلم.(1/16)
? س: بعض النساء يعتقدن أنه لا يجب عليهن صلاة طيلة الأربعين يوما مدة النفاس. فما هو الحكم الشرعي في ذلك؟
o ج: هذا اعتقاد خاطئ فإن الصلاة إنما تسقط عن النفساء مدة جريان الدم معها، فمتى طهرت وانقطع الدم لزمها الغسل والصلاة والصيام لزوال السبب الذي هو دم النجاسة وحصول الطهر والنظافة، وذلك أن دم النفاس هو بقية دم الحيض حيث إن الحامل يتوقف خروج دم الحيض معها وينصرف إلى غذاء الجنين في الرحم، وقد يزيد عن تغذية الجنين كثيرا، وقد يزيد قليلا فمتى ولدت خرج هذا الدم المحتبس في الرحم، فتارة يكون قليلا وينقطع بعد عشرة أيام ونحوها وتارة يكون كثيرا فيستمر مدة الأربعين، وربما زاد عليها وإن كان ذلك نادرا، فمتى انقطع فقد طهرت كالحائض إذا انقطع الدم عنها قبل تمام المعتاد لها فإنها تصلي لزوال النجاسة المانعة منها، والله أعلم.
? س: ما الفرق بين الحائض والمستحاضة في الحكم الشرعي ؟
o ج: الحيض هو الدم المعتاد الذي يأتي النساء غالبا كل شهر ستة أيام أو سبعة أيام، وقد يزيد وقد ينقص، وأقله يوم وليلة وأكثره خمسة عشر يوما، وتعرفه النساء بلونه أو بكثرته أو بآلامه أو بغلظه وكذا بوقته المعتاد، وهو الذي تترك له الصلاة والصوم ومس المصحف والقراءة والطواف، ولا يطؤها زوج في الفرج حتى تطهر، أما الاستحاضة فهي دم عرق يخرج من بعض النساء في غير وقت العادة وتطول مدته، وتعرفه النساء بخفته وقلته ورائحته وكونه في غير الوقت المعتاد واستمراره، فعليها أن تجلس أيام عادتها ثم تغتسل وتصلي، فإن لم تكن لها عادة عملت بالتمييز الصحيح إذا كانت تعرف الفرق بين دم الحيض ودم الاستحاضة، وإلا جلست غالب الحيض من كل شهر أو عادة نسائها، أما في أيام الاستحاضة فإنها تستنجي وتتحفظ وتتوضأ لكل صلاة، وتصلي في الوقت فروضا ونوافل، ولا توطأ إلا مع خوف العنت، والله أعلم.(1/17)
? س: ما هو رأي الشرع في بعض الآباء الذين يحزنون إذا بشروا بقدوم مولودة لهم، حيث إنهم يكرهون البنات ويغضبون أشد الغضب، بل يصل الأمر ببعضهم إلى أن يهدد زوجته بالطلاق إذا ولدت له بنتا ؟
o ج: على المسلم الرضا بما قسم الله له من الأولاد ذكورا أو إناثا، فإن الله تعالى هو المعطي المانع كما قال تعالى: (( يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا )) وليس الإنسان هو الذي يخلق ولده ولو كان كذلك لاختار الأولاد الذكور، وإنما الله تعالى هو المتصرف في خلقه، فمن حكمته أن قسم نوع الإنسان إلى ذكور وإناث، كما قال تعالى: (( فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى )) فلا حياة لأحد النوعين بدون الآخر، فإن الإناث هن الأمهات والمربيات، وبهن تتم الراحة والأنس والمودة والرحمة وقضاء الوطر وحصول الأولاد، كما جعل الله ذلك في جميع الدواب والحيوانات من الحشرات والطيور والأنعام والسباع والهوام وغيرها، فكلها تحتوي على ذكور وإناث، فعلى المسلم أن يفرح بما أعطاه الله إذا وهب له مولودا كامل الخلق سليم الأعضاء، وأن يرضى بالإناث كما يرضى بالذكور، وقد أنكر الله على أهل الجاهلية كراهتهم للإناث، كما قال تعالى: (( وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ )) أي: إنه إما أن يمسكها وهو كاره أو يقتلها وهو الوأد للأنثى، فلا يجوز للمسلم أن يتشبه بالكفار، فكم من ذكور صاروا غيظا على آبائهم وأذى وضررا حتى تمنوا موتهم، وكم من إناث صالحات قانتات حفظن حق الآباء وقمن بالبر والصلة والخدمة، فنفعت أبويها أكثر بكثير من نفع الذكور، والله أعلم.(1/18)
? س: هل هناك دعاء تقوله المرأة إذا تعسرت ولادتها أو آيات قرآنية؟ نرجو الإفادة.
o ج: قال ابن القيم في الطب النبوي في حرف الكاف: كتاب لعسر الولادة، قال الخلال حدثني عبد الله بن أحمد قال: رأيت أبي يكتب للمرأة إذا عسر عليها ولادتها في جام أبيض وشيء لطيف: لا إله إلا الله الحليم الكريم، سبحان الله رب العرش العظيم، الحمد لله رب العالمين، (( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ بَلَاغٌ ))، (( كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا )) ... ويذكر عن ابن عباس أن عيسى مر على بقرة قد اعترض ولدها في بطنها فقالت: يا كلمة الله ادع الله أن يخلصني مما أنا فيه، فقال: يا خالق النفس من النفس، ويا مخلص النفس من النفس، ويا مخرج النفس من النفس خلصها، فرمت بولدها فإذا هي قائمة تشمه، وإذا عسر على المرأة ولدها فاكتبه لها. ورخص جماعة من السلف في كتابة بعض القرآن وشربه، وجعل ذلك من الشفاء الذي جعل الله فيه. ويكتب في إناء نظيف : (( إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ )) وتشرب منه الحامل ويرش على بطنها اهـ.
? س: كيف كان هديه صلى الله عليه وسلم في زيارة المريض ؟(1/19)
o ج: كان صلى الله عليه وسلم يحث على عيادة المرضى، ففي المسند وسنن ابن ماجه بسند قوي عنه صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا عاد الرجل أخاه المسلم مشى في خرفة الجنة حتى يجلس، فإذا جلس غمرته الرحمة، فإن كان غدوة صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يمسي، وإن كان مساء صلى عليه سبعون ألف ملك حتى يصبح )) فلذلك كان صلى الله عليه وسلم يعود من مرض من أصحابه حتى أنه عاد غلاما يهوديا كان يخدمه، فعرض عليه الإسلام فأسلم، وعاد عمه أبا طالب ودعاه إلى الشهادة فلم يقبل، وكان صلى الله عليه وسلم يستحب العبادة بحسب الحاجة، فأحيانا يعود المريض يوميا وأحيانا كل أسبوع، وكان يجلس عند رأس المريض ويسأله عن حالته، وقد يقول له: هل تشتهي شيئا فيحضر له ما يشتهيه إن كان لا يضره، وكان يمسح بيده على المريض ويقول: (( اللهم رب الناس أذهب الباس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما )) وقد يدعو له بالشفاء كقوله صلى الله عليه وسلم (( اللهم اشف سعدا )) ويقول: (( لا بأس طهور إن شاء الله )) وقد يقول: (( كفارة وطهور )) ولم يكن يخص يوما من الأيام بالعيادة، بل شرع لأمته العيادة ليلا أو نهارا، وكان يعود من كل مرض أقعد صاحبه كالرمد وغيره، وكان أحيانا يضع يده على جبهة المريض ثم يمسح صدره وبطنه ووجهه ويقول: (( اللهم اشفه )) وكل ذلك دليل على آكدية عيادة المريض الذي حبسه مرضه، فهو يحب أن يعوده إخوانه وأحبابه، وقد جعل ذلك من حقوق المسلمين بعضهم على بعض في قوله صلى الله عليه وسلم (( للمسلم على المسلم ست بالمعروف )) وعد منها: (( ويعوده إذا مرض، ويتبع جنازته إذا مات )) وذلك مما يؤكد محبة المسلم لأخيه. والله أعلم.
? س: رجل يريد أن يفتح مستوصفا طبيا يخدم من خلاله مجتمعه ويعود عليه بالفائدة المالية، فبماذا توجهونه؟(1/20)
o ج: لا شك أن المستشفيات والمستوصفات والعيادات قد أصبحت في هذه الأزمنة من شبه الضروريات، لكن أكثر الذين يتولون تأسيس التجارية يغلب عليهم قصد الدنيا ومتاعها والمصلحة الشخصية من وراء المرضى، فيهمه أن يحصل على الأجرة وإن لم يشف المريض، فننصح أهل هذه المستوصفات أن يخلصوا في عملهم، وأن يبذلوا جهدهم في علاج المرضى بما يكون له الأثر في إزالة الشكوى أو تخفيفها، ويكون ذلك باستجلاب الأطباء الحاذقين العارفين بعلاج كل داء، وأهل التخصص الحاذقين في العمل، وأهل النصح والإخلاص للمسلمين، وأن يقوم المدراء عليهم بالتوجيه والإرشاد والمتابعة والمراقبة، ثم بتشجيع أهل النصيحة والجد والنشاط، ورفع مكانتهم ومنحهم الجوائز التي تناسبهم، وإبعاد أهل الكسل والغش والمقاصد العاجلة، ولا شك أن ذلك مما يجلب له سمعة حسنة وشهرة بين الناس مما يسبب الإقبال عليه والترغيب في العلاج والثقة به، وهو وإن كان مقصدا دنيويا، لكنه يحصل مع قصد الخير ونفع المسلمين، ولقد شوهد الكفرة والنصارى ونحوهم يخلصون في أعمالهم ويصدقون في مواعيدهم، وينجزون ما تقبلوه في أسرع وقت؛ ليجلبوا لهم شهرة وسمعة طيبة، فنحن المسلمون أولى بالإخلاص والصدق والوفاء. والله أعلم.
? س: رجل يعمل ممرضا يساعد الأطباء أثناء عملهم ويرعى شؤون المرضى ويقدم لهم ما يحتاجونه، فبماذا توجهونه؟(1/21)
o ج: ننصحه بالإخلاص في عمله بأن يؤديه كاملا فيحافظ على الوقت ويحضر وقت الحاجة إليه، ويرشد الأطباء إلى النصح في عملهم وإرادة وجه الله ومراقبته، والنظر في مصلحة المرضى والتسوية بينهم، والرفق بالضعفاء والفقراء والحرص على خدمتهم والقيام بالواجب نحوهم، كما ننصحه بأن يذكر المرضى ويرشدهم ويعظهم، ويبين لهم أن الشفاء من الله تعالى فهو الذي أنزل الداء وهو الذي يرفعه متى يشاء، فعلى المريض أن يلهج بذكر ربه ودعائه والتضرع إليه وإخلاص الدين له، وأن يذكرهم بالوصية واستحضار الأجل والاستعداد لما بعد الموت، وبذلك ينفع من فوقه ومن تحته من طبيب ومريض، كما عليه أن يظهر بمظهر الإسلام فيغض بصره عن الحرام ويحافظ على الصلاة، ويذكر بها المرضى ويكثر من ذكر الله تعالى والتذكير به؛ ليكون قدوة لمن أراد الله به خيرا. والله أعلم.
? س: ماذا يقول من فجع بموت قريب أو حبيب ؟ وماذا يقول من عُزي بذلك؟
o ج: يشرع لمن أصيب بموت أحد أقاربه أن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي خيرا وأخلف لي خيرا منها، وعليه أن يظهر الرضا بالقضاء والتسليم لأمر الله، ولا بأس بالبكاء وقول: العين تدمع والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، ويبتعد عن الندب والصياح وشق الثياب ونتف الشعر ونحوه، فهو من النياحة المحرمة، وفي الحديث: (( ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب، ودعا بدعوى الجاهلية )) وأما المعزي فإنه يقول للمصاب: أحسن الله عزاك، وجبر مصابك، وغفر لميتك ورحمه وخلفه في عقبه بخير، ويقول لهم: إن في الله عزاء من كل فائت، وخلفا من كل هالك، فبالله تقوا وإياه فارجوا فإن المصاب من حرم الثواب. ويحثهم على الصبر والرضا، ويعدهم بالأجر الجزيل وثواب المصيبة.
? س: سائلة تقول: أنا امرأة كبيرة السن، وأعجز عن الوقوف في الصلاة ، فهل لي الجلوس إذا تعبت أم أن ذلك ينقص أجري؟(1/22)
o ج: لا بأس بالصلاة جالسة عند العجز عن القيام وذلك متى حصل تعب ومشقة وإرهاق بسبب مرض، أو بسبب كبر السن، بحيث يتضرر من القيام أو يزيد في المرض فإن ذلك مبيح للجلوس، وتكون الصلاة كاملة لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب )) ولقوله تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) .
أما النافلة فتجوز حال الجلوس ولو مع القدرة، لكن ليس له إلا نصف أجر القائم؛ لحديث (( صلاة القاعد على النصف من صلاة القائم )) أي: في النافلة. والله أعلم.
? س: هل صحيح أن الجن يتلبس بالإنس ؟ وهل يجوز لمن تلبس به جن أن يذهب لأحد القراء لكي يقرأ عليه لإخراج الجن؟
o ج: صحيح أن الجن يتلبس بالإنس، لأن الجني مجرد روح بلا جسد، فهذه الروح لخفتها تدخل في جسد الإنسان وتتغلب عليه، بحيث لا يبقى لروح الإنسان إحساس، فلذلك ينطق الجني على لسانه ويتصرف فيه، وإذا ضرب فإنما يقع الألم على الجني، بحيث إذا فارقه لم يتذكر الإنسي ما حصل له، ولا يرى عليه آثار الألم، وبحيث يشاهد حال التلبس يفعل أشياء غريبة، كدخوله في النار وابتلاعه الجمر منها، وحمله الأشياء الثقيلة، وضرب نفسه بالحجر الكبير ونحو ذلك، وإنما يفعل هذا الجن المتمردون العصاة على الله، وهو في دينهم الإسلامي ذنب كبير بحيث يعد مرتكبه مجرما. وطريقة التحفظ منهم والتحصن بكثرة ذكر الله تعالى وقراءة المعوذتين وآية الكرسي وخاتمة سورة البقرة، ونحو ذلك من الآيات وقراءة الأوراد والأدعية التي ورد الأمر بها في الصباح والمساء، وكثرة الاستعاذة بالله من الشياطين وأتباعهم، ومتى ابتلي أحد بالصرع وملابسة الجني فإنه يعالج بالقرآن، فهناك قراء متخصصون لإخراج الجن، ولهم معرفة بكيفية إخراجه ولو بالقتل، وذلك معروف عندهم بطرق متبعة. والله أعلم.(1/23)
? س: هل يلزم الرجل إذا توفيت قريبته الذي هو محرم لها أن يتولى إنزالها في القبر؟ وهل يجوز أن ينزل المرأة ويكشف وجهها من ليس من محارمها؟ أفيدونا مأجورين.
o ج: يتولى إنزالها في القبر محارمها كأولادها وإخوتها والأعمام والأخوال ونحوهم، ولا يتولى ذلك غير المحارم مع وجود محرم وقدرته، فإن عدموا أو عجزوا جاز أن يتولاها غير المحارم من الأقارب ونحوهم، وأما كشف الوجه فالأصل أنه لا يشرع كشف وجه الميت رجلا أو امرأة، بل يبقى الكفن كما هو وتحل العقد، وليس مع من أمر بالكشف مستند صحيح، والله أعلم.
? س: هل يجوز للمعتدة الخروج للمستشفى لإجراء عملية ونحو ذلك؟
o ج: المعتدة من الطلاق الرجعي تلزم بيت زوجها وتبقى معه كزوجة، لقوله تعالى: (( وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ )) إلى قوله تعالى: (( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ )) وذلك أن الرجعية كزوجة، فلزوجها أن ينظر إلى زينتها، ولها أن تتجمل أمامه ليراجعها، ومن مات منهما في العدة ورثه الآخر، أما المطلقة البائن فإنها تعتد حيث شاءت، وليس على زوجها إسكانها لقصة فاطمة بنت قيس حيث خرجت من بيت زوجها، واعتدت في بيت ابن أم مكتوم فأما الخروج لحاجة فإن العدة لا تمنع ذلك، فقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - للمعتدة من طلاق أن تخرج لتجذ نخلها فأما الحادة وهي المتوفى عنها زوجها فإنها تلزم بيت زوجها الذي كانت تسكنه في حياته، فلا تخرج منه إلا لضرورة، ولها أن تخرج نهارا للحاجة، ولها الخروج لإجراء عملية في المستشفى، ونحو ذلك من الضرورات، والله أعلم.
? س: ما حكم قول (إنه على ما يشاء قدير) لله عز وجل؟(1/24)
o ج: هذه عبارة موهمة ويستعملها بعض العلماء كابن كثير في تفسيره، ولكن ذلك عن حسن ظن، والأولى عدم استعمالها، فإنها تقيد قدرة الله على ما يشاؤه فقط، مع أن الله تعالى قادر على كل شيء مما شاءه كونا وقدرا ومما لم يقدره، ويدخل في ذلك جميع الحركات والسكنات وأفعال المخلوقين، وهناك طائفة من المعتزلة القدرية يقال لهم المرشدة يستعملون التعبير بقولهم: إنه على ما يشاء قدير، فيخرجون ما لا يشاء عن قدرته، تعالى الله عن قولهم علوا كبيرا، وقد رد عليهم شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله تعالى- برسالة مستقلة سرد فيها النصوص التي فيها عموم قدرته على كل شيء، وهى في القرآن، تزيد على أربعين موضعا، وكذا في الأحاديث النبوية كثير، ثم لو وجد نص فيه أنه قادر على ما يشاء، فليس فيه دليل على نفي قدرته على ما لا يشاء، بل هو من جملتها، فعبارة على ما يشاء قدير لا تجوز وفيها محذور، فهم يتوصلون بها إلى نفي قدرته على أفعال العباد ونحو ذلك، والله أعلم.
? س: هل كان السلف الصالح يكرهون النوم بعد صلاة الفجر ؛ لأنه وقت مبارك؟
o ج: نعم، قال ابن القيم في الطب النبوي: ونوم النهار رديء يورث الأمراض والرطوبية والنوازل، ويفسد اللون ويرخي العصب ويكسل ويضعف الشهوة إلا في الصيف وقت الهاجرة، وأردؤه نوم أول النهار وأردأ منه النوم بعد العصر، ورأى عبد الله بن عباس ابنا له نائما نومة الصبحة، فقال له: قم، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق؟! إلى أن قال: ونوم الصبحة يمنع الرزق؛ لأن ذلك وقت تطلب فيه الخليقة أرزاقها وهو وقت قسمة الأرزاق، فنومه حرمان إلا لعارض أو ضرورة، وهو مضر جدا بالبدن لإرخائه البدن وإفساده للفضلات التي ينبغي تحليلها بالرياضة، فيحدث تكسرا وعيا وضعفا، وإن كان قبل التبرز والحركة والرياضة وإشغال المعدة بشيء فذلك الداء العضال المولد لأنواع من الأدواء.
? س: هل ورد فضل لنوم القيلولة ؟ ومتى وقتها؟(1/25)
o ج: قال في الآداب الكبرى لابن مفلح قال الخلال تستحب القائلة نصف النهار، قال عبد الله بن أحمد كان أبي - يعني ابن حنبل - ينام نصف النهار شتاء كان أو صيفا لا يدعها ويأخذني بها، ويقول: قال عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قيلوا فإن الشياطين لا تقيل. وروى الخلال عن أنس قال: ثلاث من ضبطهن ضبط الصوم: من قال وتسحر وأكل قبل أن يشرب. وروى أيضا عن جعفر بن محمد وهو الصادق عن أبيه قال: نومة نصف النهار تزيد في العقل، وعن ابن عباس مرفوعا: (( استعينوا بطعام السحر على صيام النهار، والقيلولة على قيام الليل )) رواه ابن ماجه وأبو يعلى والضياء في المختارة وظاهر كلام الأصحاب أن نوم النهار لا يكره شرعا إلا بعد العصر، وأنه تستحب القائلة، والقائلة: النوم في الظهيرة، وظاهره شتاء وصيفا وإن كان الصيف أولى بها، اهـ.
? س: رجل تزوج وله جد من قبل أمه، هل زوجة هذا الرجل تكشف لهذا الجد ويعتبر محرما لها أم لا. مع ذكر الدليل؟
o ج: نعم فإن الجد يعتبر كالأب فيدخل في قوله تعالى: (( أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ )) فإذا أجاز الكشف لوالد الزوج فإن جده كأبيه، ولا شك أن والد أمه له نوع ولادة، حيث أنه أب لأحد والدي الزوج، وكما تكشف له جدته أم أمه فكذلك تكشف البنت لأبي أمها فأصبح كالوالد فدخل في قوله تعالى: (( وَحَلَائِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلَابِكُمْ )) فإن أم هذا الزوج تولدت من صلب هذا الجد، فهو كالأب فتكشف له زوجة ابن ابنه وابن بنته، والله أعلم.
? س: ما هي الأمور التي يجب أن تراعيها المعتدة بوفاة زوجها ؟(1/26)
o ج: الإحداد هو اجتناب الحادة كل زينة وتجمل يلفت الأنظار نحوها ويرغب في النظر إليها، فلا تتخضب بالحناء ونحوه ولا تكتحل للجمال إلا من رمد ونحوه، ولا تتطيب بما له رائحة عطرة أو لون حسن كالمسك والريحان والورد ونحوها، ولا تحسن وجهها بالزينة باسفيداج ونحوه بما يسمى بالمكياج والكوافير، ولا تلبس ثياب الجمال التي ترتديها في الحفلات وعند الأجانب، ولا تتحلى في اليدين ولا العنق ولا الأذن ونحوها بذهب أو نحوه، ولا تلبس ما صبغ للزينة كأحمر وأصفر وأخضر وأزرق صافيين، ولا تغتسل بالصابون الممسك بل بالتايد ونحوه، ولا تدهن بما له رائحة من الأدهان، وتقتصر على دهن الزيتون ونحوه، ولها أن تغتسل كلما شاءت وتغسل رأسها بالسدر والتايد، وتلزم منزلها الذي كانت فيه في حياة زوجها ولا تخرج منه إلا لضرورة، فإن خافت على نفسها جاز لها التحول حيث شاءت، ولها أن تكلم محارمها ونساءها، وأن تجيب الهاتف بقدر الحاجة، وأن تخرج ليلا من منزلها، وأن تنام منه حيث شاءت، وأن تزور أقاربها لمرض أو كبر، لكن المبيت في منزلها، ولها الخروج لحاجتها الضرورية نهارا لا ليلا، ولها مراجعة طبيب أو محكمة أو نحو ذلك بقدر الحاجة، والله أعلم.
? س: رجل متزوج من امرأتين، إحداهن عقيم، وبموافقته وبموافقة المرأتين هل يمكن أخذ بويضة من المرأة السليمة وإعطاءها للمرأة العقيم بغية تلقيحها بمني الزوج؟
o ج: لا أرى ذلك جائزا، لما فيه من كشف العورات ولمسها وتعاطي عمل مستغرب وغير متحقق النجاح، فعليها أن ترضى بما قسم الله وتقنع بخلقه وتقديره سبحانه، فهو الذي يجعل من يشاء عقيما، والله أعلم.
? س: هل الزوج ملزم شرعا بعلاج زوجته وتكاليف هذا العلاج إذا كان في المستشفيات الأهلية، كالعملية الجراحية أو علاج الأسنان وغير ذلك، مع عدم من ينوب عنه في ذلك؟(1/27)
o ج: لا يلزم ذلك شرعا، ولكن من باب المعروف، والمستحسن والمعتاد بين الزوجين أن يقوم بذلك لحسن الصحبة ومكافأة الإحسان والحاجة الماسة، ونيابة عن أولاده الذين تلزمهم نفقة علاج والدتهم فيقوم أبوهم مقامهم.
? س: هل يفطر الدم الخارج من الفم (بين الأسنان) في أثناء الصيام؟
o ج: لا يفطر هذا الدم إذا خرج من الأسنان وقذفه الإنسان ولم يدخله في جوفه، ولم يبتلع منه شيئا عمدا فلا يضره وعليه أن يتم صومه ولا قضاء عليه، كالذي يخرج مع السواك أو بدلك الفم حال المضمضة ونحوه، لكن عليه أن ينظف فمه ويطهره كما يطهره من النجاسة.
? س: بعض النساء العاملات المسلمات يصمن رمضان، ويضطرهن عملهن إما في مستشفى أو مؤسسة عامة أو خاصة إلى الحديث مع الرجال الأجانب من زملاء المهنة، حديثا فيه تلقائية وانبساط، فما توجيهكم لنا في هذا، جزاكم الله خيرا؟
o ج: لا ضرورة إلى هذا الحديث الذي بهذه الصفة، فالمرأة لا تخاطب الرجال الأجانب إلا عند الضرورة فقد نهيت في الصلاة عن التسبيح للإمام، وأمرت بالتصفيق، ونهيت عن رفع الصوت بالتلبية مع أنها ذكر وشعار للمحرم، فبطريق الأولى نهيها عن الحديث مع الرجال بلا حاجة، وقد قال تعالى لنساء النبي صلى الله عليه وسلم (( فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض )) ويتأكد هذا النهي حالة الصيام ولو نفلا فكيف بالفرض؟! فعلى المرأة المسلمة أن تبتعد عن المجتمعات التي يتواجد فيها الرجال الأجانب، ومتى احتاجت لذلك اكتفت بالمكالمة الهاتفية، ويكون الكلام فيها بقدر الضرورة كجواب سؤال أو استفسار، ثم تقطع الكلام حتى لا يجرح صومها ولا يقدح في عفافها، وتحافظ على نفسها عن الظنون والتهم، والله أعلم.(1/28)
? س: شخص صلى وبعد الصلاة وجد على فرجه مذيا وهذا يتكرر عليه كثيرا، فهل يعيد الصلاة؟ وكيف تكون طهارته وصلاته، وما وضع صلاة الجماعة بالنسبة له، حيث أن خروج المذي يتكرر منه باستمرار وبدون شهوة، ويحصل له ذلك أيضا بعد البول؟ فماذا يفعل بملابسه؟
o ج: يعتبر هذا حدثا دائما كسلس البول، فيلزمه الوضوء لكل صلاة؛ لأنه من نواقض الوضوء لكونه خارجا من السبيل، وإذا خرج وهو في الصلاة فلا يعيد ولا يقطع الصلاة؛ لأنه يخرج بدون إرادته، ولا ينجس الملابس وهو في الصلاة، لكن بعد الصلاة عليه أن يتوضأ للوقت الثاني إن وجد منه شيء بعد الأولى، وأن يطهر ملابسه للصلاة بعدها، وأن يحاول التحفظ بلبس وقاية تحفظ التلوث حتى لا يلوث ثيابه، وله أن يصلي مع الجماعة كمأموم ولا يكون إماما وهو بهذه الحال لنقص طهارته، وعليه السعي في علاج نفسه، والله أعلم.
? س: إذا أسقطت امرأة في الشهر الثاني وبعد عملية التنظيف لم يخرج معها دم، هل تصلي وتصوم أم لا ما الحكم؟
o ج: إذا كان عمر الجنين فوق أربعة أشهر فلها حكم النفاس وتغتسل متى انقطع الدم ولو بعد الإسقاط بيوم أو يومين، فإن كان دون الأربعة أشهر فهو دم حيض فلها حكم الحيض فمتى طهرت اغتسلت وصلت وحلت لزوجها، وإلا فبعد أكثر الحيض وهو خمسة عشر يوما.
? س: امرأة في مدة النفاس وتعلم ابنتها القرآن علما أن إخوانها موجودون في البيت وأحدهم غير مشغول ومتواجد في البيت ما الحكم؟
o ج: يفضل أن يعلمها أخوها عند وجوده وفراغه، أما إن انشغل أو غاب فلا بأس أن تعلمها أمها ولو كانت نفاسا، لكن لا تمس المصحف وإنما تقتصر على قراءة الكلمات وبعض الآيات، والله أعلم.
? س: رجل سافر إلى إحدى المدن من أجل الراحة والاستجمام وقد حدد موعد عودته بعد أسبوع، فمكث سبعة أيام في سفره، فهل يترك السنن الرواتب ويمسح على شرابه ثلاثة أيام أم لا؟ أفيدونا.(1/29)
o ج: ورد في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم (( السفر قطعة من العذاب يمنع أحد طعامه ونومه، فإذا قضى نهمته فليسرع الفيئة )) وهذا يدل على أن شرعية الرخص في السفر لأجل المشقة التي تنال المسافر في ذلك الزمن، حيث رخص له أن يقصر الرباعية إلى ركعتين، وأن يقتصر على الفرائض، وأن يجمع الصلاتين، وأن يفطر في رمضان ويزيد في مدة المسح على الخفين إلى تمام ثلاثة أيام، ولا شك أن السفر الذي لا توجد فيه المشقة، وإنما هو لأجل الراحة والاستجمام لا يسمى سفرا، وإنما هو نزهة وتنقل، فإذا دخل بلدا غير بلده وسكن في فندق أو استأجر منزلا وتمتع بالفرش والسرر والأنوار والمراوح والتكييف الكامل وخدمة أهل المكان، وقربوا له الطعام والشراب والقهوة والشاي وجميع ما تطلبه نفسه، فإني أراه ألذ من كثير من المقيمين في البلد، حيث أراح نفسه من العمل المتواصل والحرفة والانشغال بالتكسب والعمل الوظيفي، وبقي ليس له عمل سوى النوم والجلوس والتقلب في البلد ماشيا أو راكبا لمجرد النظر والترويح عن النفس، فأرى أن مثل هذا أولى بأن يزيد في النوافل والأذكار، ويحافظ على إتمام الفرائض ونحوها، حيث إن هذا لا يعد سفرا، فإن سفر النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه غاية في المشقة والعزوبة والصعوبات، فإنهم لا ينزلون في الدور، وإنما نزلوا في خيام وخدور وقباب في الأبطح في الشمس والحر والبرد، ويلاقون مشقة من قيامهم بإصلاح الطعام واجتلاب الماء، ورعي الإبل وسقيها ونحو ذلك، فأين هذا من سفر هذا الذي سافر إلى إحدى المدن كالقاهرة والكويت ودمشق ونحوها من أجل الراحة والاستجمام فبينهما فرق كبير، والله أعلم.
? س: هل يجوز البول واقفا لمن يؤلمه الجلوس ؟(1/30)
o ج: ثبت في الصحيح عن حذيفة رضي الله عنه: (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائما )) وقد اختلف في سبب ذلك، فقيل: إن ذلك كان لوجع بمأبظه، أي: باطن الركبة، وقيل: فعله استشفاء من وجع الصلب كما كانت العرب تفعله، ذكره الشافعي وقيل فعله تنزها وبعدا عن إصابة البول، فالسباطة هي المزبلة المرتفعة، فلو بال عليها جالسا لارتد عليه بوله، فهو استتر بها، فلم يكن بد من البول قائما، وقد قالت عائشة رضي الله عنها: (( من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا )) رواه أحمد وأهل السنن، وسنده صحيح وروى الترمذي (( أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا عمر لا تبل قائما )) ثم قال: (( فما بلت قائما بعد )) وروى البزار بإسناد صحيح عن بريدة مرفوعا: ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائما... الحديث، والله أعلم.
? س: يواجه بعض المرافقين للمرضى بالمستشفيات من فراغ طويل مدة مرافقتهم لمرضاهم والتي قد تصل إلى عدة أسابيع، فبماذا توجهونهم؟(1/31)
o ج: نوجههم إلى قراءة القرآن وتعلم العلم النافع، والدعوة إلى الله وكثرة الذكر ودعاء الله تعالى لمرضى المسلمين بالشفاء، وبزيارة المرضى وتأنيسهم، فإن في قراءة القرآن وكثرة الذكر ما يزيل الهم والغم ويشغل الوقت مع أنه عمل صالح، وفيه حسنات وأجر كبير، وفي الانشغال بحفظه واستظهار سوره وآياته وتدبره والتفقه في معانيه زيادة معلومات وفوائد ومعرفة بالكتاب المنزل علينا، فنوصي هؤلاء المرافقين بأن يكبوا على القرآن، وينشغلوا بقراءته وحفظه أو حفظ ما تيسر منه، وكذا بالقراءة في كتب التفسير المختصرة وتكرار ذلك حتى تعين على فهم المعاني والاستفادة منها والزيادة في المعلومات، وهكذا نوصيهم بالتعلم للعلم النافع من أفواه العلماء الموجودين لديهم، ومن الرسائل والكتب العلمية المختصرة المفيدة سواء في التوحيد أو في العقائد أو في الأحكام والآداب أو في الفضائل، وهي متوفرة، ومن لم يجدها أو لم يعرفها فعليه بالسؤال عنها لمن يعرفها ويعرف أهميتها، وهكذا نوصيهم بالدعوة إلى الله أفرادًا أو جماعات: (( ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم )) وهكذا نوصي بكثرة الذكر والدعاء والرغبة إلى الله أن يشفي مرضى المسلمين وأن يزيل ما هم به من الهم والغم والكرب الشديد، والله أعلم.
? س: ما حكم الشرع فيما يقوله بعض الناس: لولا الطبيب فلان لمات المريض.
لولا حنكة الطيار فلان لسقطت الطائرة، لولا المدرس فلان لرسب الطلاب؟(1/32)
o ج: لا يجوز هذا الإطلاق، فإن أفعالهم مسبوقة بقدرة الله تعالى وإرادته، والواجب أن يقال: لولا الله ثم فلان، ليكون فعل الطبيب أو المدرس مسبوقا بإرادة الله وقدرته وخلقه ومشيئته، وقد روى ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا )) عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: يقولون لولا فلان أصابني كذا وكذا ولولا فلان لم أصب كذا وكذا، وهذا يتضمن قطع إضافة النعمة عمن لولاه لم تكن، وإضافتها إلى من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولو كان له سبب فالسبب لا يستقل بالإيجاد، فالرب تعالى أنعم عليه وجعله سببا، ولو شاء لسلبه السببية، وشبهه بعض السلف بقول بعضهم: كانت الريح طيبة والملاح حاذقا، مما فيه إسناد السبب إلى المخلوق ونسيان مسبب الأسباب، وذكر ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: (( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا )) عن ابن عباس قال: الأنداد هو الشرك، ثم ذكر منه أن تقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانا هذا، كله به شرك، رواه ابن أبي حاتم فعلى هذا ينصح من يقول: لولا الطبيب مات المريض، بأن يقول لولا الله ثم الطبيب الفلاني، وكذا لولا الله ثم حنكة الطيار، أو لولا الله ثم المدرس فلان، وإن كان الأولى إسناد الجميع إلى الله تعالى.
? س: بعض الناس لا يختن أولاده إلا وهم كبار، ويعمل وليمة يوم الاختتان، فما حكم الشرع في ذلك؟(1/33)
o ج: الأفضل الختان في الصغر ففيه مصلحة وهي أن الجلد بعد التمييز يغلظ ويخشن، فلذلك جوزوا الختان قبل التمييز لرقة الجلدة وسهولة قطعها، ولأنه في الصغر لا حكم لعورته، فيجوز كشفها ولمسها لمصلحة، ثم إن ذلك أيضا أسهل لعلاجه ومداواة الجرح وبرئه سريعا، واختار بعضهم الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين، وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة، ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب، أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف فيجب على من لم يختن أن يبادر إليه بعد البلوغ ما لم يخف على نفسه. أما عمل الوليمة على الختان فلا بأس بها وهي من الولائم القديمة قبل الإسلام وتسمى الإعذار، وإن كان الناس في هذه الأزمنة قد تغافلوا عنها، فليست سنة مؤكدة كالعقيقة، والله أعلم.
? س: رجل أحضر والده من خارج مدينة الرياض للعلاج، واستأجر منزلا بجوار المستشفى الذي يرقد فيه والده من أجل أن يكون قريبا من والده، فهل يعتبر مسافرا وتجري عليه أحكام المسافر حيث سيمكث قريبا من الشهر؟ أفيدونا مأجورين.
o ج: لا يعتبر مسافرا والحال هذه، فإنه مقيم في منزل كمنازل المقيمين، يتمتع بما يتمتعون به من الفرش واللحف والأنوار والتهوية والمراوح والأطعمة والفواكه ونحو ذلك، فلا يسمى مسافرا، فإن السفر قطعة من العذاب، وليس كذلك المقيم في هذه المنازل المسقفة المفروشة المنورة، ثم أيضا هو يسمع المؤذنين بقربه وليس له عذر يمنعه من الصلاة معهم، فتأخره يسبب ترتب الوعيد عليه كمن سمع النداء ولم يجب من غير عذر، ثم أيضا هو قد عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام، وقد ذهب الجمهور إلى أن من عزم على أن يقيم أربعة أيام فأكثر أن عليه الإتمام كما أقر ذلك علماؤنا، والله أعلم.
? س: هل يجوز استخدام دم بعض الحيوانات في تركيب الأدوية ؟(1/34)
o ج: الأصل في الدماء المسفوحة التحريم، والمحرم نجس فلا يجوز استعمال النجس في العلاج، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن النجاسة تطهر بالاستحالة والتغير فلا يحكم بنجاسة رماد الميتة ودخانها ونحوه، فعلى هذا يمكن أن يقال: إن الأدوية المركبة من بعض النجاسات تباح لاستحالة النجاسة وذهاب عينها، والله أعلم.
? س: هل ورد فضل للحجامة ؟ وهل لها فوائد طبية؟
o ج: ورد الحث على الحجامة والعلاج بها وفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولعل ذلك يناسب في بعض الأزمنة والأمكنة ولبعض الأشخاص دون بعض، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجره وقال: (( خير ما تداويتم به الحجامة )) وذكروا من منافعها أنها تنقي سطح البدن وتستخرج الدم من نواحي الجلد، ويؤمر بها في النصف الثاني من الشهر، وقد روى الترمذي عن ابن عباس يرفعه: (( أن خير ما تحتجمون فيه يوم سابع عشرة أو تاسع عشرة أو يوم إحدى وعشرين )) وله عن أنس (( كان رسول الله صلى عليه وسلم يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبعة عشر وتسعة عشر وإحدى وعشرين )) وتكره عندهم الحجامة على الشبع وتكره الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء، ولعل الحال يختلف باختلاف الأزمان والأماكن والأشخاص، فمن الناس من يتضرر حتى يحتجم وتصبح الحجامة عادة له لا يصبر عنها كل عام، ومنهم من لا يحتاج إليها لقلة الدم الزائد معه، والله أعلم.
? س: هل يؤجر الإنسان على تبرعه بالدم ؟ وهل ينطبق عليه قوله تعالى: (( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )) أفيدونا مأجورين؟(1/35)
o ج: لم يكن التبرع بالدم معروفا فيما سبق، فلذلك لم يذكر الأطباء الأولون العلاج بحقن الدم في العروق، إنما هو شيء جاء في الطب الحديث، ولا شك أنه مما ظهر أثره ونفعه وتأثيره في المرضى، فلذلك أصبح العلاج به سائغا ومشهورا، ولا شك أن الذي يتبرع بشيء من دمه الزائد الذي لا يضره أخذه لينقذ به مريضًا مدنفًا، ويكون سببا في زوال مرضه أو تخفيفه هو مما يؤجر عليه احتسابا، ولعله يدخل في الآية الكريمة إذا كان الشفاء يتوقف على هذا التبرع بإذن الله تعالى، مع أن كثيرا من العلماء قد أفتوا بمنع العلاج بالدم، وعللوا بنجاسته وتحريمه، وبحديث: أن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ولكن لما أصبح مجربا ومفيدا وليس فيه مباشرة النجاسة، رخص فيه العلماء المتأخرون، وجعلوه من باب الضرورات أو من العلاج المفيد بما لم يتحقق تحريمه، والله أعلم.
? س: إذا خرج مني دم يسير على أثر جرح وأنا أصلي في المسجد، فهل أقطع الصلاة أم لا؟
o ج: لا شك أن الدم نجس؛ لأنه محرم وكل محرم سائل فهو نجس كالميتة والخمر، ولكن يعفى عن يسيره فلا ينقض الوضوء ولا يجب غسله وإنما يجب من الفاحش، وهو ما يفحش في نفس كل إنسان بحسبه، وقد ذهب بعض أهل الحجاز إلى أن الدم لا ينقض الوضوء واستدلوا بأن عمر صلى وجرحه يثعب دما ولكنه معذور؛ لأن القروح السيالة كسلس البول، وكذا قصة الصحابي الذي رمي وهو يصلي، فاستمر في صلاته، فإن قطعها لا يوقف الدم، فأما اليسير فيعفى عنه، فقد ذكر البخاري أن ابن عمر عصر بثرة فخرج منها الدم ولم يتوضأ لقلته، وبزق ابن أبي أوفى دما فمضى في صلاته، وكل هذا دليل على العفو عن اليسير، لكن قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أحدث أحدكم في صلاته فليمسك بأنفه ولينصرف أي: ليجدد الوضوء، وهذا دليل على أن الرعاف مشهور عندهم أن صاحبه ينصرف من الصلاة؛ لأنه نجس وناقض للوضوء، والله أعلم.(1/36)
? س: ما أثر استعمال المخدرات والإدمان عليها على سلامة أصول الدين ؟
o ج: المخدر هو مأكول أو مشروب يحصل من أثره تخدير للجسم وإضعاف للإحساس، وهو مما ابتلي به كثير من الناس في هذه الأزمنة، وعظمت المصيبة به فأصبح من تعاطاه لا يستطيع الصبر عنه على أي حال، ولو بذل في سبيل تحصيله النفس والنفيس، ولا شك أن أثره إضعاف العقل وظهور الضعف في التصرف فربما سلب المدمن عقله فأصبح كالمخبل الذي لا يميز النافع من الضار، فصار كالمجانين أو شرا منهم، ثم هو مؤثر على الدين والعقيدة، فإن المدمنين عليه يعرفون تحريمه شرعا وعقلا، ولا شك أن من تجرأ على ما يحرمه الشرع وأقدم على فعله قد تعمد المخالفة والعصيان، وذلك قدح في الدين وجرأة على الله، واستحلال لما حرمه، وزيادة على ذلك فعل ما يخل بالشرف وينافي المروءة والكرامة، ولكن أعداء الله من اليهود والمشركين يزينون للمسلمين الانهماك فيها حتى يضعفوا عقولهم وتدبيرهم وتفكيرهم، ويقضوا على معنوياتهم ويستنزفوا أموالهم، وفي ذلك ضعف الإسلام وقوة أعداء المسلمين.
? س: ما شروط التوبة النصوح ؟(1/37)
o ج: التوبة واجبة على العبد في كل حال، وفي الحديث: (( كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون )) ولو لم يكن إلا الغفلة ونسيان الذكر فإنه يعتبر ذنبا، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )) وتتأكد التوبة لمن عمل ذنبا ولو صغيرا، وشروطها ثلاثة: الأول: الإقلاع عن الذنب، والثاني: الندم على ما فات، والثالث: العزم على أن لا يعود، فلا تقبل توبة المتمادي في الفسوق والباقي على عمل الذنب، فمن تاب من ترك الصلاة فليحافظ على أدائها، ومن تاب من شرب الدخان فلا بد أن يتركه ويبتعد عنه، ومن تاب من المسكرات أو المخدرات هجرها وهجر أهلها، ومن أقلع عن الذنب لكن بقي يتمدح بما فعل من المعاصي فيفتخر بأنه فعل بفلانة أو فلان أو أنه قتل ونهب ويعد ذلك شرفا ومنقبة، فمثل هذا لم يتب، وإنما ترك المعاصي عجزا أو استغناء عنها، وهكذا من تركها، ولكن نفسه تتوق إلى الزنا أو المسكر والدخان والمخدر، ويود لو تمكن منها لينال منها شهوته ويشبع رغبته، فهذا لا تقبل توبته لأن نيته وعزيمته الحرص على الذنب وتمني المعصية، فلا بد للتوبة الصادقة من بغض المعاصي ومقت أهلها، والأسف والندم على ما فرط منه فيها حتى يكون صادقا وتقبل توبته.
? س: دور هذه التوبة في تغيير مسار المدمنين إلى الطريق السوي؟(1/38)
o ج: متى صدق في توبته وترك الذنب ومقت أهله وابتعد عنهم وحذر من شرهم، فإن ذلك دليل صدقه وصحة توبته وبرهان استقامته، فإن من أبغض شخصا أو عملا ظهر منه بغضه في المعاملة والمجالسة والمقابلة، ثم كان هذا دليلا على رجوعه إلى الحق ولزومه الطريق السوي ومحبته لأهل الخير والصلاح ومقته للمفسدين وأهل الخمور والمخدرات، فتراه يسبهم ويشنع بأفعالهم ويحذر من مخالطتهم، ويشيع حيلهم ويدل على مخابئهم، وتراه مع ذلك محبا للدين والعلم والعمل الصالح محافظا على الصلوات مبتعدا عن المسكرات والمخدرات، فهو بهذا يعرف صدقه وصحة توبته.
? س: ما هي العقوبة في الدنيا والآخرة للمدمن والمروج ؟
o ج: العقوبة في الدنيا بقدر ما يحصل به الانزجار، وقد شرع في شرب الخمر الجلد أربعين جلدة، ولما لم يردعوا زادها عمر بن الخطاب إلى الثمانين، وورد في الحديث المرفوع: (( إذا شرب فاجلدوه ثم إذا شرب فاجلدوه؟، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن عاد في الرابعة فاقتلوه )) وهو صحيح، مروي من عدة طرق، وأما في الآخرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة )) وأخبر أن من تكرر منه شربها كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال (عصارة أهل النار) وقال: (( لا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن )) ولا شك أن المخدرات والدخان أشد ضررا من الخمر، فهي أشد عقوبة وأكبر إثما، وقد أفتى علماء السنة بأن المروج يستحق القتل، لأنه من المفسدين في الأرض، فضرره على الأديان أعظم من ضرر السم على الأبدان.
? س: كلمة توجيهية.(1/39)
o ج: ننصح كل شاب يريد نجاة نفسه أن يبتعد عن أسباب الردى والهلاك، وأن يهرب من جلساء السوء الذين يوقعون في الشرور والمعاصي، فإن أولئك المفسدين منهم من وقع في تلك الشباك وصعب عليه التخلص منها، فأحب أن يوقع غيره من الجهلة والسفهاء ليكونوا سواء في التردي والإضرار، ولا يهمه محبة الخير للمسلمين، بل يحب أن يهلك غيره كما هلك بنفسه، ومنهم من يجهل العواقب وينخدع بكثرة الهالكين، ويظن أن هؤلاء الجماهير على صواب، فسبيل النجاة أن يرجع العبد إلى ربه ويتوب ويستغفر، ويكثر من ذكر الله ويحافظ على الصلوات والأوراد، ويتطوع بالإكثار من الحسنات، كما نشير على الدعاة ورجال الهيئات أن يأخذوا بأيدي هؤلاء السفهاء ويردوهم عن السفه، ويرشدوهم إلى أسباب النجاة، ويحرصوا على أن يضموهم إلى من يصلحهم ويربيهم تربية صادقة، حتى يسلموا من الهلاك ويسلكوا الطريق السوي، وبعد الرشد والإدراك وتمام العقل والاطلاع على المفاسد ومعرفة المفسدين يحذروهم ويحذروا منهم، وبذلك يصبحون أعضاء في المجتمع صالحين ومصلحين، والله الهادي إلى سبيل الرشاد.
? س: رجل باع سيارة أقساطا في مبلغ قدره أربعون ألفا أو أكثر أو أقل لأقساط شهرية، كيف يزكي هذا المبلغ علما أن الأقساط تستمر لمدة سنتين ونصف، لو زكى هذا المبلغ بعد مرور سنة هل تجمع هذه الزكاة لمدة سنتين ونصف أم لا، أو كيف الطريقة لتصحيحه لزكاته؟ أفتونا مأجورين.
o ج: من باع سلعة بأقساط فإنه يزكي كل قسط إذا قبضه ولا يلزمه الزكاة عن الدين المؤجل لعدم قدرته على قبضه، وله أن يجمع أقساط كل سنة، ويخرج زكاتها جميعا في شهر واحد.
? س: رجل عمي لكبر السن لا يستطيع مزاحمة الناس في الحج نظرا لكثرة الزحام، وامرأة كبيرة السن معتلة الصحة أيضا لا تستطيع مزاحمة الناس، هل يجوز لهما أن يحججا عنهما من مالهما؟(1/40)
o ج: لا يجوز الإنابة عن حج الفرض مع القدرة البدنية والمالية، فإذا وصل إلى حالة يقدر فيها على الحج ببدنه لزمه ذلك، ولو أن يطوف محمولا على السرير، ويسعى على العربة، ويقف في المواقف محمولا على السيارة، ويوكل من يرمي عنه، ويفعل ما يقدر علية كالتلبية ولبس الإحرام والأذكار والأدعية، فإن كان مريضا ملازما للفراش لا يقدر على القيام ولا على الركوب والنزول، فله أن يوكل من يحج عنه من ماله فرضا أو نفلا.
? س: هل يجوز أن يتصدق بالمال الذي يبذل للحج لمن لا يستطيع الحج إلى الفقراء والمساكين، أو المجاهدين لكي يكفي عن الحج إذا كان قد أفرض؟
o ج: إذا كان قد حج فرضه، وأراد أن يحج مرة أخرى ورأى أناسا من الفقراء والمساكين والمعوزين والمجاهدين بحاجة إلى المال، فله أن يتصدق عليهم بنفقة الحج سواء كان هو الحاج أو الحج لأحد أقاربه المتوفين، فالصدقة بهذا المال على أهل الحاجة والفاقة الشديدة أفضل من إعطائه لمن يحج بقصد المال.
? س: إذا أحدث الإمام أو المنفرد أو تذكر بعد تكبيرة الإحرام أنه ليس على وضوء وأكمل صلاته، ثم بعد تسليم الإمام إذا كان منفردا قضى الصلاة، وإذا كان إماما بعد صلاته بالجماعة يقضي الصلاة وحده، هل يجوز ذلك؟
o ج: لا تصح صلاة الإمام المحدث بالجماعة، ومتى صلى بهم وهو عالم بحدثه أو أحدث في نفس الصلاة، أو تذكر حدثه في الصلاة لزمه إخبارهم أن يعيدوا صلاتهم كلهم؛ لأن صلاتهم بطلت حيث صلى بهم وهو يعلم بطلان صلاته، فيعيدون جميعهم تلك الصلاة، فإن لم يتذكر إلا بعد الفراغ من الصلاة أجزأتهم صلاتهم وأعاد وحده. وأما المنفرد والمأموم فيعيد إذا صلى وهو محدث، ولو لم يتذكر إلا بعد الصلاة.
? س: هل تحديد العقيقة بعد أسبوع من ولادة المولود أو أسبوعين أو ثلاث أسابيع فيه حديث صحيح أم لا؟ وما حكمها إذا تأخر عن هذه الأيام المذكورة؟(1/41)
o ج: ورد في حديث صحيح أن العقيقة تذبح يوم سابعة أي بعد أسبوع من ولادته ثم بعد أسبوعين ثم ثلاثة أسابيع، وهذا على الاستحباب، ويجوز تأخيرها ولو سنة أو أكثر ويذبحها متى تيسرت، والله أعلم.
? س: صاحب عمل استورد عمالا ثلاثة أو أكثر أو أقل من بلاد مختلفة أو بلاد واحدة من الخارج، وكان منهم أشخاص يعملون عندنا في المملكة وكل يريد أن يجلب أخاه أو قريبه من بلاده إلى المملكة واشتروا مني هذه الفيز بمبلغ من المال لكي يتيسر جلب أقاربهم للعمل أو غير أقاربهم، لكن لولا هذا الشراء ما تيسر لهم المجيء إلى هنا، ما حكم هذا المبلغ الذي ذكر هل جائز أم لا؟
o ج: له أن يستورد بهذه الفيز من يناسبه من العمال، فإن لم يقدر فله إعطاؤها من يدفع له تكاليف مراجعته وأتعابه ليستوردوا أقاربهم، ولا يكون ذلك بيعا وإنما هو معاوضة عن أتعابه ونفقاته فقط.
? س: رجل استورد عمالا من الخارج واستغنى عن خدماتهم، وأراد تسفيرهم إلى بلادهم، قالوا له: نحن نكد على أولاد عوائل ونحن فقراء في بلادنا، لكن اسمح لنا نشتغل في المملكة في اسمك وتحت كفالتك، وإذا حصلنا على شغل نعطيك بدل ذلك مبلغا يسيرا من المال لا يضرنا وهو ينفعك مقابل ذلك، ما حكم الشرع في هذا المال؟
o ج: إذا استغنى عن العمال فله التنازل عن كفالتهم لغيره أو تسفيرهم فإن رغبوا البقاء في البلد ليحترفوا وهم تحت كفالته جاز له تركهم، لكن لا يلزمهم بدفع ضريبة شهرية تضرهم، فإن سمحوا له بدفع شيء مقابل كفالته ومقابل المسؤولية ونقل الكفالة أو تجديدها ونحو ذلك جاز، وإلا فلا.(1/42)
? س: رجل عنده زوجتان وأثث للأولى أثاثا كاملا وحسب وجهة نظره أنه لا يحتاج إلى تغيير بما في ذلك تجهيز المطبخ، وأثث لزوجته الأخيرة أثاثا كاملا، وأصبحت تطالبه زوجته الأولى أن يبيع بعض الأثاث الأول، ويأخذ لها مثلما أخذ للثانية بدعوى المساواة، وهو يرى بيع بعض الأثاث للبيت الأول فيه نوع من الإسراف نظرا لغلاء الأسعار، ما حكم ذلك من وجهة الشرع؟
o ج: إذا كانت زوجته الأولى قد أكمل لها حقها من الأثاث والحلي والمتاع والأدوات فليس له تغييره إذا تزوج ثانية وأثث لها أثاثا جديدا، فإن بيع أثاث المنزل الأول وهو صالح يعتبر نوعا من الإسراف، فليس للزوجة الأولى حق المطالبة بأثاث جديد، لكن إذا خرب ولم يصلح للاستعمال فلها حق المطالبة ببدله، والله أعلم.
? س: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن بن جبرين حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نسمع كثيرا بما يسمى بـ ( عزيمة العقرب ) وخاصة من بعض العوام، وهي نص يقرأ في قليل من الماء ثم يشرب، وبعد ذلك يقولون عن جميع السوام وبخاصة العقرب والثعبان لا تلدغ صاحب هذه العزيمة إذا شربها بشرط: أن لا يقتل العقرب أو الثعبان ولا يدل عليها، أما النص فهو كالآتي: اللهم إنها عزيمة العقرب مرت على اليهود والنصارى، ومرت على سليمان بن داود وقالت: ما يبكيك يا نبي الله؟ قال: دابة من دواب النار صفراء كالزهر سوداء كالدهر، أم صديد كالدينار، أم ذنيب كالمنشار نزل جبريل على دمها وإسرافيل على سمها، فاسكني بقدر الله وعزته. انتهت.(1/43)
o ج: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: هذه العزيمة لا أعرف لها أصلا، ولم أقف عليها فيما أتذكر، والأولى أن يستعمل الإنسان الرقية الشرعية، ومنها فاتحة الكتاب وغيرها من الآيات، فأما ترك قتل العقرب والثعبان فلا يجوز، بل من قدر على قتلها فلا يجوز له تركها لما فيها من الضرر، فتقتل حتى في الحرم والإحرام وعلى المسلم أن يستعيذ بآيات الله وكلماته التامة من شر ما خلق ومن شرها، فلا يضره شيء بإذن الله، وصلى الله على محمد وعلى وآله وصحبه وسلم.
? س: إمام مسجد يصلي قيام رمضان فيقرأ مما يحفظ وقد يساعده آخر فيقرأ مما يحفظ، فمثلا يقرأ الإمام من سورة الأعراف والمساعد يقرأ من سورة البقرة في نفس الليلة، فما الأفضل في هذا الأمر؟
o ج: إذا صلى الإمام تسليمة طويلة من حفظه أو تسليمتين أو ثلاثا، ثم صلى الآخر تسليمتين أو أكثر قرأ من حفظه إذا لم يكن الإمام حافظا جاز ذلك، فأما أن يقرأ هذا في ركعة ثم الآخر في ركعة من تلك التسليمة فأرى أنه لا يجوز؛ لأن فيه انتقال وتقدم وتأخر، فإن المأموم لا يصح أن يقرأ وهو خلف الإمام ويجهر بصوته والإمام ساكت، فهذا مما يبطل صلاة المأموم، والله أعلم.
? س: امرأة قد ولدت عددا من الأولاد في أوقات متقاربة، واستعملت حبوب منع الحمل فأضرت بها، وأخبرها الطبيب بأن الحمل يضر بها، فهل لها تركيب اللولب ؟
o ج: ننصحها أن تقوم بإرضاع أولادها من ثديها، حيث إن ذلك عادة يوقف الحمل حيث ينقلب الدم لبنا فيتأخر الحمل حتى تفطم أو تقارب الفطام، فإن لم تفعل فينصح زوجها ألا يجامعها إلا في آخر الطهر، أي: بعد نحو أسبوعين أو أكثر من الطهر، وذلك مما يسبب عدم انعقاد الحمل، كما لا ينعقد في اليومين الأولين من الطهر، فإن لم يفعل فلها استعمال اللولب بقدر الحاجة، والله أعلم.(1/44)
? س: فضيلة الشيخ عبد الله الجبرين عضو الإفتاء - سلمه الله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أنا رجل قريب من أربعين سنة من عمري، متزوج ولي أولاد، وكنت بصحة جيدة وقبل ست سنوات شعرت بمرض فقمت بمراجعة المستشفيات المتخصصة، وعملت لي فحوصات طبية عامة، وخرجت منها بتقارير بأنني غير مريض، وذهبت إلى القراء وأخذت منهم الماء المقري فيها والعزايم، ولكن دون جدوى، وذهبت إلى الأطباء النفسانيين المتخصصين في مستشفيات النفسية وقالوا لي بأنك مصاب بوسوسة وصدقتهم وقد آلمني كلامهم هذا، وأصبحت أفكر فيه ولا أنسى هذا الكلام، وأصبحت كثير الجدل مع نفسي، وقد تطورت أعراضه، وأصبحت صحتي تتردى، وفي الأخير فكرت في تكذيب هذا، وأصبحت بين الوهم والحقيقة، أرجو إرشادي وتوجيهي من الناحية الشرعية حيث إنني لا أعرف في الفقه كثيرا ولكنني أحب الدين وأهله ومقيم للصلاة وبار في والدي، جزاكم الله عني خيرا. كما أن التفكير الذي ذكرته يا فضيلة الشيخ وصل إلى حد أتخيل إنني من الأشقياء، وإلى إنني أقول: إني غير مؤمن، كما أن الأطباء يقولون بأنه يوجد تفكير إجباري، ولا أقدر الامتناع عنه حتى لو كان هذا التفكير غير صحيح ويسمونه ( الوسواس القهري )، أفتوني ما صحة كلامهم هذا؟ وإنني كلما انتهيت من مشكلة في هذا الشيء اندرجت إلى تفكير آخر، حيث إن كلام الأطباء كثير. هل هذا من الشيطان أو مرض مثلما قال الأطباء؟ أريد فتوى كاملة، وإن كان هذا مرض من الشيطان، فما علاج الشرع في ذلك؟(1/45)
o ج: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: هذه الوساوس من الشيطان تعرض لكثير من الناس حتى يشك في نفسه، وفي دينه وفي إيمانه، فالشيطان يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس، ولا شك أن العلاج الوحيد هو دفع تلك الوسوسة وإبعادها عن النفس حتى تريح نفسك، وتستحضر أنك مؤمن بالله ومن المؤمنين، ولست من الأشقياء ولم تعمل ما يوقع في هذا الشك والتوقف، وإن الله تعالى لا يعاقب على حديث النفس ولا على الخيالات والتوهمات، وقد وقع مثل هذا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروا بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (( الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة )) وأمر من خطرت له هذه الوساوس أن يستعيذ بالله، وينتهي عن ذكره هذه الأمور، ويشغل نفسه بالعلوم النافعة المفيدة وقراءة القرآن بالتدبر، وبكثرة ذكر الله وشكره ودعائه والاستغفار والتوبة والاستعاذة من الشيطان الرجيم، وعليك بدفع هذه الوساوس كلما خطرت ببالك، واعلم أنها من الشيطان يريد أن يشق عليك حتى تمل من هذه الحياة أو تشك في دينك، وتكفر بربها فلا تطع الشيطان حتى ترجع إليك راحتك وطمأنينتك وحياتك الطيبة، والله أعلم، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
? س: إذا ظن في شخص أنه أصابه بعينه فهل يدخل تحت قوله تعالى: (( إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )) بينما أنه يمكنه في هذه الصورة أن يطلب منه الاغتسال، ويتبرأ مما أصابه؟
o ج: لا بأس بطلب الغسل منه، أو أخذ بعض فضلاته، أو ما اتصل به، أو غسالة ثيابه أو بدنه لعموم حديث: (( وإذا استغسلتم فاغسلوا )) ولا يكون هذا من الإثم، بل من الاحتياط وفعل الأسباب.
? س: (( وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ )) هل يجوز أن تكون الأمة بمعنى أمة الله؟
o ج: في الحديث كلكم عبيد الله وكل نسائكم إماء الله، والأمة هنا المملوكة، والمعنى أن نكاح الأمة المسلمة المؤمنة خير وأفضل من نكاح الحرة المشركة، والله أعلم.(1/46)
? س: إذا كان الميت طفلا صغيرا أو فرطا فما الدعاء الذي تقوله في صلاة الجنازة جزاكم الله خيرا؟
o ج: الفرط في الأصل: هو الذي يتقدم قبل أهل الماشية لإصلاح المورد وتهيئة الماء لسقي الأنعام، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم لأصحابه: (( أنا أفرطكم على الحوض )) وعند العامة أن الفرط من مات وهو صغير، لأنه ورد في الحديث أن الأطفال إذا ماتوا في الصغر، فإنهم يسبقون آبائهم يهيئون لهم المدخل، فالطفل يصلى عليه ويقال في الدعاء له: اللهم اغفر لحينا وميتنا وصغيرنا وكبيرنا وذكرنا وأنثانا إنك تعلم منقلبنا ومثوانا، وأنت على كل شيء قدير، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام ومن توفيته فتوفه على الإيمان، اللهم اجعله ذخرا لوالديه وفرطا وأجرا وشفيعا مجابا، اللهم ثقل به موازينهما وأعظم به أجورهما وألحقه بصالح سلف المؤمنين، واجعله في كفالة إبراهيم، وقه برحمتك عذاب الجحيم.
? س: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد: إحدى الأخوات من الجمهورية اليمنية تسأل في رسالة لها وتقول: هناك نساء تأتيهن الدورة الشهرية لمدة أربعة أيام ثم تنقطع لمدة يومين وترجع بعد ذلك فهل تصوم وتصلي في هذه اليومين أم تترك الصلاة والصيام؟
o ج: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته. إذا انقطع الدم انقطاعا كاملا بحيث عرفت وتحققت أنه لا يعود إلا بعد يومين، فالأصل أن الدم حيض والنقاء طهر، حتى إذا عاد الدم مرة ثانية جلست فيه عن الصلاة والصوم.
? س: امرأة حملت لمدة شهرين ثم أسقطت، فهل يعتبر الدم الذي ينزل من دم النفاس ؟ وما حكم الصلاة والصيام عند نزول هذا الدم إذا كان ضعيفا؟
o ج: هذا الدم هو دم الحيض الذي احتبس مدة الحمل، فعليها أن تجلس عن الصلاة ما دام الدم يجري معها كدم الحيض إلى أقصى مدة الحيض وهو خمسة عشر يوما، فإن انقطع أو خف وقل فإنها تتطهر وتصلي، وإن انقطع ولو بعد يومين تطهرت وصلت.(1/47)
? س: هناك امرأة تزوجت وحملت، وبعدما جلست سبعة أشهر بعد الزواج ولدت، فهناك يتهمونها بالزنى، فما حكم الشرع في ذلك؟
o ج: أقل مدة الحمل ستة أشهر، فالأصل أنه من النكاح إلا أن تضعه قبل خمسة أشهر وثمانية وعشرين يوما، فإنه دليل على أنه من غيره إذا ولد كاملا وعاش، فأما إن أكمل ستة أشهر فإنه ينسب إلى أبيه ويلحق به.
? س: هناك امرأة كانت تتعلم في جمعية للنساء فخرجت وقد أخذت معها بعض الكتب وبعض الصوف ولم تعدهم إلى هذه الجمعية، فهل هي محاسبة على ذلك؟ مع العلم أن هذه من أموال الشعب.
o ج: عليها أن تعيده إلى الجمعية إن كان موجودا، أو تعيد قيمته، فتقدر الكتب والصوف بالدراهم، فإن لم تستطع تصدقت بثمنه، والله أعلم.
? س: ما حكم أن تجلس المرأة مع زوج أختها في وجود أختها وهي كاشفة وجهها؟ أفيدونا مأجورين، وجزاكم الله خيرا ونفع بكم المسلمين.
o ج: لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها عند أخي زوجها أو عند زوج أختها، فإنهما أجانب عنها، وكذا جميع أقاربها غير المحارم كابن العم وابن الخال، فأما جلوسها معهم من غير خلوة وهى متحجبة فلا مانع من ذلك، والله أعلم.
? س: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين يحفظه الله، أنا امرأة كبيرة في السن وأم لأبناء وبنات، وقد زرت جارة لي قبل أربعين سنة وهي والدة مولودا. فألزمتني هي والجالسات عندها بأن أقوم بقطع سر المولود وأنا لا أعرف وأجهل ذلك، وناولوني أداة القطع وقطعت السر لذلك المولود. وبعد ثلاثة أيام مات المولود، ولست أدري أسبب الوفاة قطع السرة بسببي أو بسبب آخر يعلمه الله؟ ولم يطالبني أحد، وأنا خائفة إذا كان علي صيام. أرجو من فضيلتكم الإفادة، وفقكم الله وأطال عمركم.
o ج: لا شيء عليك، فإن قطع السرة شيء عادي معروف ولا يسبب الوفاة غالبا، فموت ذلك المولود بأمر وقدر من الله فلا شيء عليك ولا دية ولا كفارة، فاطمئني وأريحي نفسك، والله أعلم.(1/48)
? س: ما حكم بناء المسجد تحت عمارة سكنية ؟ وما رأي فضيلتكم فيمن يقول: إن المسجد يجب أن يكون أرضا وسماء، أي لا شيء فوقه ولا شيء تحته؟
o ج: يجوز أن يكون المسجد تحت منازل أو فوقها، ولا أذكر من قال: إنه لا يجوز البناء فوق المسجد ولا تحته، حيث يوجد في بعض الدول من يجعل المسجد فوق الأسواق والدكاكين لضيق الأرض عندهم، فيحتاجون إلى استغلال ما تحت المساجد وبنائها للتسويق أو للسكنى ولا حرج في ذلك، وهكذا لو بنوا فوق المسجد مساكن وغرفا ينتفع بها، ولكن الأولى أن يكون المسجد مستقلا ويبعد عن بناء شيء من المساكن فوقه أو تحته حتى يحصل لصاحبه كمال الأجر في تبرعه بالأرض وما بني فوقها، وحتى لا يكون فوق المصلين من ليس منهم من نساء وأطفال.
? س: جدتي لأبي ساحرة وقد سحرت أكبر إخوتي وهو مقيم معها الآن، وأبي لا يعلم شيئا عن ممارستها للسحر، وهو يجبرني على زيارتها، وأنا لا أريد خوفا منها، فهل يجوز لي السلام عليها؟ وإذا كان أعمامي يعلمون بممارستها للسحر ولديهم أدلة على ذلك، فهل يجوز لنا أن نتقدم بشكوى ضدها في المملكة ؟
o ج: لا شك أن السحر كفر وشرك أكبر مخرج من الملة، لأنه تقرب إلى الشياطين، وذبح لهم ودعاء لهم من دون الله وطاعة لهم في فعل المحرمات وأكل النجاسات، فعلى هذا إذا ثبت عن هذه العجوز أنها تتعاطى السحر وجب عليها الحد والعقوبة للساحر، وقد ورد في الحديث حد الساحر ضربة بالسيف، وفعل ذلك ثلاثة من الصحابة، أي: أمروا بقتل الساحر أو قتلوه، إلا أن يتوب توبة نصوحا، فنقول لا يجوز إقرار هذه الساحرة، ولو كانت جدة أو أختا أو عمة أو خالة، ولا يجوز زيارتها ولا برها أو طاعتها أو خدمتها، وعلى من عرف حالها من قريب، أو بعيد أن يرفع بأمرها إلى المسؤولين في المملكة حتى تقتل ويستريح الخلق من شرها، والله أعلم.(1/49)
? س: هل مشكلة الإنجاب مسألة تتعلق بالزمن لإثبات ذلك، أم أنها تتعلق بما قد يصل إليه أهل الطب من تفسير بالقدرة أم لا؟ فهل يجوز للمرأة طلبها الطلاق بدون التأكد من الحالتين؟ وإن طلبت هل يعطيها الشرع الحق في ذلك إذا ما أثبتت التقارير الطبية القدرة بالوسائل الطبية المختلفة؟
o ج: لا شك أن العقم عيب خلقي، فإذا ثبت والمرأة لم تعرف ذلك فلها الحق في طلب الطلاق بعد التأكد من وجود العقم الخلقي. والله أعلم.
? س: لقد سمعنا بإجازة أهل العلم بعلاج العقم عن طريق الأنابيب والتلقيح الخارج من الجسم. فهل لو كانت هذه الإمكانية موجودة فهل يجوز ذلك شرعا، وهل يعتبر هذا عقيما من الناحية الشرعية والقضائية؟ وهل صدر مرسوم أو توجيه بإجازتهم لذلك العلاج؟
o ج: لا يجوز ذلك لما فيه من العمليات الخارجة عن الحد الشرعي، ولما يستدعيه من كشف العورة ومباشرة الفرج والحمل في الأرحام بطرق غريبة، هذا ما ظهر لي، والله أعلم.
? س: بين الفرق ما بين التبرع بالدم في هذه العصور وبين الحجامة في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وذلك لكثرة السؤال عن ذلك من قبل المتبرعين؟
o ج: الحجامة هي إخراج الدم الزائد من البدن والذي يضر بالإنسان ويمسك عنه بعض الأمراض، فإذا كان هذا الدم يستفاد منه للمرضى، جاز الانتفاع به، ويجوز إخراجه للتبرع به، ويقوم ذلك مقام الحجامة التي يحتاج إليها ويستشفى بها، والفرق أن الحجامة إخراج للدم من مواضع معينة كالرأس ونحوه، فأما التبرع فهو سحب له مع أحد العروق ولقدر معين، ولكن قد يستفاد منه صحيا، والله أعلم.
? س: إذا كانت مشكلة الإنجاب ناتجة عن سبب قلة الحيوانات المنوية فهل هذا يعتبر عقما؟ وإذا وجدت الحلول الطبية والعلاجات الشرعية فما نظرة القضاء والشرع بذلك؟ وهل يحق للزوجة طلب الطلاق؟ علما وكما أفدتمونا بأن العقم عيب خلقي، وغير ذلك ممكن علاجه بقدرة الله سبحانه؟(1/50)
o ج: لا شك أن العقم هو عدم الإنجاب، ولم يكن الأولون يذكرون السبب، ولكن بعد وجود التحاليل ظهر أن من أسبابه قلة الحيوانات المنوية في مني الرجل أو عدمها، فهو عقم وعيب إذا لم تعلم به المرأة فلها طلب الفسخ لرغبتها في الذرية، فإن وجدت الحلول الطبية والعلاجات الشرعية التي تعيد إلى الرجل ما نقصه من أسباب الإنجاب، فليس لها طلب الفسخ إلا بعد إجراء العمليات وعدم الإفادة منها، والله أعلم.
? س: صرف لي الطبيب عصار أدهن به يدي كل يوم في الصباح وفي المساء، وإذا دهنت به يدي فلا أستطيع أن أغسلها لكي لا يذهب مفعول الدهان، ولو غسلتها فإن الماء سوف يزول منها لوجود الدهان، فكيف أفعل للوضوء للصلاة؟
o ج: يفضل أن تستعمل هذا الدهان في غير وقت الصلاة كبعد الفجر وبعد العشاء فإنه يبقى مدة طويلة قبل دخول الوقت الثاني، فلا يذهب مفعوله بغسله بعد ست ساعات وأكثر، ومتى غسلتها للوقت الثاني فاستعمل المزيل كالصابون ونحوه حتى يصل الماء إلى البشرة، فإن بقي أثر الدهان فلا يضر، حيث أن الماء يصل إلى البشرة ويزيل ما عليها من وسخ ويحصل ابتلال الجلد بالماء وهو المطلوب، والله أعلم.
? س: يوجد علاج محلول طبي للقضاء على الشعر نهائيا فهل يجوز استعماله في الشعر لإزالة الشعر الذي ورد الأمر بإزالته؟ أفيدونا.(1/51)
o ج: أرى أنه لا يجوز استعماله لإزالة الشعر سواء أمر بإزالته كشعر العانة والإبط، أو ما تجوز إزالته كشعر الرأس، أو ما نهي عن إزالته كشعر الوجه، وذلك لأن هذا الشعر ينبت لحكمة عظيمة يعرفها أهل الاختصاص والطب، ثم هو شعر طبيعي لا بد من نباته، وقد يؤدي منع نباته إلى مرض أو إلى تورم، فالواجب العمل بما ورد به الشرع من الحلق أو النتف والإعفاء لشعر الوجه ونحوه، وقد ذكر العلماء أن من جار على إنسان فأزال جمال لحيته فإن عليه الدية كاملة، فلو رخص في هذا المحلول لأوشك أن يستعمل في إزالة شعر اللحية والرأس وذلك من تقبيح الخلقة وتشويه المنظر، والله أعلم.
? س: عائلة لديها بنت، لديها تخلف عقلي بسيط وقد بلغت 14 سنة، وقد أمروها بالحجاب فلم تقبل وتخرج بدون حجاب، لا تصلي بعض الأوقات رغم أن أهلها يأمروها بذلك، فكيف يكون العمل معها والحالة هذه؟
o ج: عليهم أن يحجبوها ويمنعوها من الخروج سافرة ويغلقوا دونها الأبواب، فإن خروجها بدون حجاب وسيلة إلى الفتنة بها ووقوع الفاحشة، وعليهم أمرها بالصلاة وتعليمها حسب الاستطاعة، ولا حرج عليها فيما تركت من غير عمد لنقص العقل، ولعلها أن ترشد ويتكامل عقلها بعد البلوغ، وتتعلم ما يلزمها من العبادة والآداب .
? س: إذا أصيب المسلم بغيبوبة لمدة شهر ثم بعدها شفاه الله، فكيف يعمل نحو الصلوات التي مضت مدة غيبوبته هل يعيدها؟
o ج: لا شيء عليه ولا يلزمه القضاء لهذه المدة الطويلة لما في ذلك من المشقة والتنفير عن العبادة، بل عليه أن يكثر من نوافل الصلاة والعبادات عوضا عما فاته وقت الغيبوبة، ولأن الإغماء الطويل وغيبوبة الفكر والعقل شبيه بالجنون، والمجنون مرفوع عنه القلم حتى يفيق كما ورد في الحديث.
? س: ما معنى هذا الحديث: (( إذا قال الرجل: هلك الناس، فهو أهلكهم )) رواه مسلم ؟(1/52)
o ج: هذا الحديث رواه مسلم في كتاب البر، وأبو داود في الأدب، ورواه مالك وأحمد وغيرهم قال أبو إسحاق راوي صحيح مسلم لا أدري أهلكهم بالنصب أو أهلكهم بالرفع، قال القاضي عياض في مشارق الأنوار: قيل معناه: إذا قال ذلك استحقارا لهم واستصغارا لا تحزنًا وإشفاقا، فما اكتسب من الذنب بذكرهم وعجبه بنفسه أشد. وقيل: هو أنساهم لله، وقال مالك معناه أفلسهم وأدناهم، وقيل: معناه في أهل البدع والغالين الذين يؤيسون الناس من رحمة الله، ويوجبون لهم الخلود بذنوبهم إذا قال ذلك في أهل الجماعة ومن لم يقل ببدعته. وعلى رواية النصب معناه: أنهم ليسوا كذلك ولا هلكوا إلا من قوله، لا حقيقة من قبل الله اهـ. وقال ابن الأثير في النهاية: يروى بفتح الكاف وضمها، فمن فتحها كان فعلا ماضيا، ومعناه: إن الغالين الذين يؤيسون الناس من رحمة الله يقولون هلك الناس، أي: استوجبوا النار بسوء أعمالهم، فإذا قال الرجل ذلك فهو الذي أوجبه لهم لا الله تعالى، وأما على رواية الضم فمعناه: فهو أهلكهم أي: أكثرهم هلاكا، وهو الرجل يولع بعيب الناس ويذهب بنفسه عجبا ويرى له عليهم فضلا. وقد رواه الإمام أحمد في المسند ولفظه: (( إذا سمعتم رجلا يقول قد هلك الناس فهو أهلكهم يقول الله إنه هالك )) وهذه الرواية ترجح رواية الرفع، ورواه أبو نعيم في الحلية بلفظ: فهو من أهلكهم أي: أشدهم هلاكا، والله أعلم.
? س: ما حكم وضع سن ذهب أو وضع شيء من الذهب في الأنف ؟ وهل تزال بعد الموت؟(1/53)
o ج: ورد في (( حديث عرفجة أنه قُطع أنفه في الجهاد، فاتخذ أنفا من فضة، فأنتن عليه، فرخص له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفا من ذهب )) ومعناه أن يصنع له موضع الأنف المقطوع مثله من الذهب لئلا يقبح منظره بدون أنف وليتم خلقه، وكذا يجوز اتخاذ الأسنان من ذهب، فقد ورد عن بعض الصحابة أنهم ربطوا أسنانهم بأشرطة من ذهب، وذلك عند الحاجة، إذا لم يصلح له السن من ورق أو عظم أو نحوه، ثم بعد الموت يجوز أخذها من الفم والأنف إن لم يشق ذلك، فإن خيف تشوه الخلقة بأن يبقى الفم مفتوحا ونحوه جاز تركه، والله أعلم.
? س: نرجو شرح حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول فيه: (( إذا مرض الرجل أو سافر كتب له ما كان يعمله وهو صحيح )) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
o ج: هذا الحديث رواه البخاري في الجهاد، وأبو داود في الجنائز ولفظه: (( إذا كان العبد يعمل عملا صالحا فشغله عنه مرض أو سفر، كتب له كصالح ما كان يعمل وهو صحيح مقيم )) والحكمة في ذلك - والله أعلم - أن العبد الذي يحب العبادة ويداوم عليها كالصوم والاعتكاف والذكر والقراءة والتهجد وصلاة الجماعة والحج والعمرة والجهاد ونحوها بحيث يفعلها وهو صحيح مقيم، ثم يبتلى بمرض يعوقه عن هذه الأعمال أو سفر يمنعه عنها، فإن الله تعالى يجزيه بنيته ويثيبه على ما يحبه، فيكتب له ثواب العمل الذي كان يعمله في صحته فعاقه المرض أو في إقامته فعاقه السفر، لأنه يتمنى زوال ذلك العذر الذي حال بينه وبين العمل الصالح الذي كان مواظبا عليه، وهذا مثل الرجل الذي آتاه الله علما ومالا فسلطه على هلكته في الحق، وآخر آتاه الله العلم دون المال فهو يتمنى لو آتاه الله مالا لعمل فيه بمثل فلان، فهو بنيته وقصده، وهما في الأجر سواء، فكذلك المريض الذي عاقه مرضه عن قيام الليل وصوم النهار فيكتب الله الأجر الذي كان يعمله، وإن لم يعمل لعجزه وعدم تمكنه من ذلك العمل لعذر المرض أو السفر.(1/54)
? س: كيف يصلي المريض بمرض في عينيه وقد عمل فيهما عملية، ولا يستطيع أن يغسلهما بالماء، وكذلك لا يستطيع السجود، فما هو توجيهكم له، أحسن الله إليكم؟
o ج: قال الله تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) وقال النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) متفق عليه وعلى هذا فالمريض يصلي على حسب حاله، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران : (( صل قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب )) رواه البخاري فمن لم يقدر على غسل عينيه للعملية، فإنه يغسل أسفل وجهه ويمسح على ما لا يقدر على غسله، وإذا منع من السجود فإنه يشير إليه، فإن عجز عن الركوع والسجود أشار إلى الركوع وهو قائم، فيحني ظهره ويرفع رأسه، ثم بعد الرفع منه يجلس ويشير إلى السجود وهو جالس، حتى يتم الشفاء بإذن الله تعالى.
? س: رجل مريض في ظهره، قال له الطبيب: لا بد أن تلزم الفراش بصفة مستمرة لمدة شهر أو تزيد تنام على ظهرك، فكيف يصلي من هذه حاله؟
o ج: متى شق عليه القيام والقعود صلى على جنبه فإن عجز صلى مستلقيا على ظهره، فيصلي بالنية فيكبر ويقرأ وينوي الركوع والسجود والقيام والقعود وهو على فراشه لوجود العذر الذي ألزمه الفراش، والله أعلم.
? س: رجل مريض ومنزله بجوار المسجد ويسمع صلاة الإمام من خلال مكبر الصوت، فهل يجوز له متابعة الإمام وهو في منزله نظرا لمرضه علما أن بيته خلف المسجد مباشرة؟
o ج: أرى أنه لا يجوز له الاقتداء بالإمام مع وجود حوائل وحواجز، وهي الحيطان والغرف والأبواب، مع كونه يصلي منفردا في صف وحده، وقد ورد نهي المنفرد أن يصلي خلف الصف مع قربه من الصفوف، فكيف بالبعيد؟! فعلى هذا يصلي وحده كصلاة المنفرد، وتسقط عنه صلاة الجماعة لعجزه عن الوصول إلى المسجد، فهذا ما ظهر لي، والمسألة جديدة حيث إن المكبر لم يكن معهودا فيما سبق، فلم يتكلم عليه العلماء المتقدمون، والله أعلم.(1/55)
? س: ما حكم وضع الأجراس في أعناق البهائم ؟
o ج: لا يجوز ذلك، فقد روى البخاري في الجهاد، ومسلم في اللباس عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (( لا تصحب الملائكة رفقة فيها كلب ولا جرس )) وروى مسلم عنه مرفوعا (( الجرس مزامير الشيطان )) اهـ، وروى أحمد عن عائشة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالأجراس فقطعت قال النووي وأما الجرس فقيل سبب منافرة الملائكة له إنه شبيه بالنواقيس، أو لأنه من المعاليق المنهي عنها، وقيل سببه كراهة صوتها، وتؤيده رواية مزامير الشيطان، ولعل السبب أن الكثير يتلهون به فهو عندهم من آلات الطرب، ولهذا يعلقونه في رقاب الإبل في الأسفار حتى إذا سارت ظهر له صوت شديد أو خفيف، وذلك مما ينشطون له ويواصلون السير، ولعله يعفى عن الأجراس الكهربائية التي في الدور والساعات والهواتف للحاجة إليها كما هو معلوم.
? س: إذا تعب الإمام وهو يصلي (مرض) والناس خلفه فجلس، هل يلزم من خلفه الجلوس، وإذا لم يستطع السجود فأصبح يومئ إيماء، فهل يفعل من خلفه فعله أم لا؟
o ج: متى كان الإمام مريضا فإنه لا يصلي بالجماعة، بل يوكل غيره حتى يشفى فإن لم يوجد غيره من هو أهل للإمامة صلى بهم جالسا، فإن ابتدأ الصلاة بهم وهو جالس فالأفضل لهم أن يجلسوا خلفه، لقوله صلى الله عليه وسلم : (( وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون )) متفق عليه ويجوز أن يصلوا قياما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم في آخر حياته (( صلى بهم جالسا وهم قيام، يبلغهم أبو بكر صلاته )) رواه البخاري ورجح أنه ناسخ للصلاة قاعدا، وفرق الأكثرون بين من ابتدأ بهم جالسا فلهم الجلوس، ومن ابتدأ بهم قائما ثم اعتل فجلس فيلزمهم الإتمام قائمين، فأما إذا عجز عن السجود واقتصر على الإيماء فإنهم يسجدون ولا يجزئهم الإيماء به.
? س: رجل أصيب بمرض معد وهو يستطيع الذهاب والإياب لقضاء حاجات أهله. هل يعفى من صلاة الجماعة خوفا أن يعدي المصلين ؟(1/56)
o ج: هذا يختلف باختلاف الأمراض، فإن كان مرضا شديدا يؤدي إلى الوفاة وليس له علاج، وقد تحقق انتقاله إلى غيره بالمجالسة والمقاربة فله عذر في الصلاة في بيته أو في طرف المسجد، أما إن كان خفيفا وله علاج أو لم يتحقق انتقاله إلى الأصحاء فلا عذر له في التخلف، والله أعلم.
? س: توفيت امرأة وهي حامل في شهرها الأخير فهل يجوز إخراج الجنين بإجراء عملية أم لا؟
o ج: قال الخرقي في مختصره: والمرأة إذا ماتت وفي بطنها ولد يتحرك فلا يشق بطنها ويسطوا عليه القوابل فيخرجنه. قال في المغني: معنى يسطو القوابل: أن يدخلن أيديهن في فرجها فيخرجن الولد من مخرجه، والمذهب أنه لا يشق بطن الميتة لإخراج ولدها، مسلمة كانت أو ذمية، وتخرجه القوابل إن علمت حياته بحركة، وإن لم يوجد نساء لم يسط الرجال عليه، وتترك أمه حتى يتيقن موته ثم تدفن ... ويحتمل أن يشق بطن الأم إن غلب على الظن أن الجنين يحيا، وهو مذهب الشافعي لأنه إتلاف جزء من الميت لإبقاء حي فجاز، كما لو خرج بعضه حيا ولم يمكن خروج بقيته إلا بشق، ولأنه يشق لإخراج المال منه فلإبقاء الحي أولى ... إلخ، وحيث إن الطب قد تقدم ووجدت آلات حديثة يمكن معرفة حياة الجنين بواسطتها، وأصبح شق البطن معتادا في الحياة ثم إعادته، فإن مذهب الشافعي وهو الاحتمال الثاني أقرب إلى الصواب، فيشق بطنها بقدر الحاجة كالعملية القيصرية، وبعد إخراج الولد يلصق بعضه ببعض، وما لجرح بميت إيلام، والله أعلم.
? س: أنا فتاة ملتزمة بالحجاب الشرعي، وأرى أن أعمل في مجال الطب طبيبة أو مساعدة طبيبة، ولكن أخشى أن يضايقني أحد في الحجاب، أو أضطر إلى الاختلاط بالرجال، بماذا توجهوني؟(1/57)
o ج: يجوز لك العمل كتجربة في العلاج ومساعدة الطبيبات، فإن رأيت ما لا يجوز شرعا من الاختلاط بالرجال والاضطرار إلى مجالستهم أو المضايقة في الحجاب والإلزام بالتكشف، أو نحو ذلك فانتقلي عنهم أو استقيلي من العمل، فإن قدرت على التحفظ والحجاب بالكامل والمكث في موضع بعيد عن الرجال وخاص بالنساء طبيبات أو مراجعات فهو أفضل لما فيه من الالتزام بشعائر الإسلام في هذه الأماكن التي تكشف فيها الكثير من الطبيبات أو الممرضات، والله أعلم.
? س: رجل يقول: الملابس الطبية التي ألبسها طويلة (مسبلة) دون الكعبين، فكيف أصنع، هل يلزمني رفعها أم ماذا؟
o ج: عليك أن تقصرها حتى تكون فوق الكعبين إلى مستدق الساق، فإن لم تتمكن من تقصيرها فلك خياطتها وكفها حتى ترتفع فوق الكعب، فلا بد من رفعها بالخياطة أو القص أو العطف وقت لباسها سواء في الصلاة أو غيرها، والله أعلم.
? س: ما حكم استخدام بعض العبارات التي قد يقولها أحد والدي الطفل المعاق للاحتجاج على هذا القدر؟
o ج: لا مانع من الكلام مع الطفل المعاق بما يخفف عنه الحزن، وكذلك بلا بأس بأن يتكلم أحدهما مع الناس بمثل قوله هذا قدر الله وخلقه ولا راد لما قضى وقدر، رضينا بتدبيره وما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وقدر الله وما شاء فعل فلا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، يخلق ما يشاء كما يشاء، فاوت بين خلقه لتعرف نعمته ويشكره المعافون ويعترفون بفضله عليهم، فأبواه قد يصيبهما الحزن عندما يولد هذا المعوق الناقص في الخلقة، ولكن يجب الرضا بقضاء الله تعالى وقدره، ويحرم الاعتراض على الله في خلقه والتسخط لعطائه، ويصبر ويحتسب ليحصل له الأجر الكبير على تحمله، ما تحمله من الأذى والتعب والمشقة وفي ذلك خير كثير.
? س: ما حكم استخدام الأعمى لـ (كلب) أو غيره كقائد له في سيره؟(1/58)
o ج: لا يجوز استخدام الكلب قائدا ولو جرب نفعه، فإن الكلب بهيمة لا يعقل ما نقول له ولو فهم بالإشارة بعض الأشياء، وقد ورد النهي عن اقتناء الكلب إلا لصيد أو حرث أو ماشية، وإن من اقتناه لغير ذلك نقص من عمله كل يوم قيراط، وعلى هذا فلا يجوز استخدام الكلب كقائد، فربما يذهب به إلى المزابل والجيف وأماكن القذر كعادته. وأما غيره فإن كان من الدواب كشاة وحمار وبعير فلا يصح ذلك، فإن الأعمى إذا سار خلف هذه البهائم فقد يتردى في حفرة أو يعثر بكثيب أو حجر ونحوه. فعليه أن يستأجر من يقوده إن لم يكن له ولد أو قريب في النسب يتولى قيادته إلى الأماكن التي يحتاج إلى زيارتها، أو يلزمه ذلك كالمساجد والمنازل، والله أعلم.
? س: رجل مريض وكبير في السن، ويطاف به حول الكعبة محمولا على الخشب، ويسعى في العربة، ويقول: هل لي من الأجر مثل الذي يطوف بنفسه أم لا؟
o ج: عليه أن يفعل ما يقدر عليه من العمل، حيث إنه يعجز عن الطواف والسعي بنفسه فإن الطواف به محمولا يجزيه وله الأجر بقدر نيته، وعلى قدر نصبه ونفقته، وقد ورد في الحديث: (( إذا مرض العبد أو سافر كتب الله له مثلما كان يعمل صحيحا مقيما )) أي أن المريض قد يعجز عن الصيام والقيام ونحو ذلك، فيكتب الله له ما عجز عنه بسبب المرض، وكذا ما عجز عنه لأجل السفر، والله أعلم.
? س: كيف يتطهر ويصلي من به سلس بول أو كثير خروج الريح منه؟(1/59)
o ج: عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، فيصلي بذلك الوضوء حتى يدخل الوقت الثاني، ولا ينقض وضوءه ما يخرج منه من بول أو ريح ولو خرج في نفس الصلاة، لأنه لا يقدر على إمساكه ولا حيلة له في إيقافه، وقد صلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وجرحه يثعب دما، لأنه قد يستمر خروج الدم طويلا، وقد لا يتوقف البول، وقد روى البخاري (( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المستحاضة أن تتوضأ لوقت كل صلاة )) فيلحق بها كل من حدثه دائم، كالقروح السيالة وسلس البول، وخروج الريح ونحو ذلك.
? س: ما حكم إجراء عملية لتعقيم الأشخاص المصابين بأمراض وراثية خطرة ثبت انتقالها من السلف إلى الخلف، مع العلم بأن إجراء مثل هذه العملية لا تعطلهم عن القيام بأعمالهم اليومية، كما أنها أيضا لا تؤثر على أجسامهم أو عقولهم؟(1/60)
o ج: ينظر في تلك الأمراض الوراثية فإن كانت خطرة بحيث تعوقهم عن العمل للدنيا والعمل للآخرة، أو كانت مؤثرة على الأبدان بمرض شديد يؤثر على البدن ضعفا في الجسم وألما في الأعصاب أو العظام، أو تعطيل شيء من الحواس كحاسة الشم أو الذوق أو البصر ويصعب مع ذلك علاجها، أو لا تزول بالعلاج، وكان خطرها أيضا انتقالها إلى الجليس والمخالط، وثبت أيضا انتقالها إلى الفروع كالذرية انتقالا محققا، ففي هذه الأحوال يجوز أن يعمل لأولئك الأشخاص عملية التعقيم الذي هو قطع النسل حتى لا يتأثر المجتمع بذرية يحملون تلك الأمراض الخطرة التي تعوقهم عن العمل أو تؤثر في أبدانهم أو عقولهم، فيكون عالة وكلا على المجتمع، مع الإيمان بأن قدر الله غالب وأن التعقيم قد ينجح وقد لا ينجح، فكم من عقيم قد ولد له، وقد أذن النبي - صلى الله عليه وسلم - في العزل وقال: (( ما عليكم أن لا تفعلوا، فإنه ما من نفس منفوسة إلا الله خالقها، وإن الله تعالى قد علم عدد من سوف يولد ومن سوف يخلق إلى يوم الدين )) ثم لا بد أن تكون العملية لا تعوقهم عن أعمالهم اليومية، ولا تؤثر على أجسامهم ولا على عقولهم.
? س: ما هو رأيكم فيمن يقول: إن من أسباب الإصابة بالإعاقة الزواج المبكر والولادة المتأخرة للمرأة؟
o ج: هذا غير صحيح، فإن في كثير من الدول والفرق يحصل الزواج المبكر، ففي فرقة الرافضة لا يجاوز الشاب عندهم السابعة عشر غالبا حتى يتزوج، وفي دولة اليمن يزوجونه بعد البلوغ وغالبا قبل العشرين، ولا يوجد هناك في الأولاد معوق إلا نادرا كما يوجد في أولاد غيرهم، وأما المرأة فقد كانت في الزمن الأول تلد وهى عجوز، أي: في الخمسين أو بعدها، ولم يعرف في أولادها المعوق إلا نادرا، وبالجملة فهو قضاء الله وقدره، ولا ننكر أن يكون هناك أسباب معلومة أو غير معلومة يمكن العلاج لها، وقد لا تمكن معرفتها ليعرف العباد عظم نعمة الله تعالى في تمام الخلق وإحسانه.(1/61)
? س: فتاة نومت في المستشفى عدة أيام لإجراء عملية لها، وتقول: دخلت المستشفى وأنا لا أصلي لأنه علي العادة الشهرية، ثم انقطعت وأنا في المستشفى ولا أستطيع الغسل في المستشفى، فكيف أصنع؟ هل يكفي أن أنوي بقلبي الغسل أم ماذا؟ أفيدونا.
o ج: هي معذورة ما دامت تحت العملية، أو على سرير المرض لا تقدر على الاغتسال فيكفيها التيمم بالتراب أو على السرير إن لم تجد ترابا كما تتيمم لرفع الحدث الأصغر، وهو الوضوء إن عجزت عنه، فإن قدرت على دخول الحمام وإغلاقه عليها لزمها الاغتسال لتمكنها من ذلك بدون مشقة، أما إذا لم تستطع الوصول إلى الحمام لأجل العملية ولازمت السرير فإن التيمم يجزئها للمشقة، والله أعلم
? س: ما الحكم إذا خص رب أسرة طفله المعاق بالحنان والرعاية من أفراد الأسرة الآخرين؟
o ج: يجب على الوالد التسوية بين أولاده في العطية والتمليك المالي، ويستحب له التسوية في المحبة والرعاية، لكن إذا كان فيهم من هو معاق أو مريض أو صغير ونحوه، فالعادة أن يكون أولى بالشفقة والرحمة والرقة. وقد سئل بعض العرب: من أحب أولادك إليك؟ فقال: الصغير حتى يكبر، والمريض حتى يبرأ، والغائب حتى يقدم. بمعنى أن الجميع محبوبون ولكن هؤلاء تزداد الشفقة عليهم والرقة نحوهم، فأما إذا استووا في الصحة والحضور والسن فالأصل التسوية بينهم، حتى كان بعض السلف يسوي بينهم في التقبيل، إذا قبل واحدا منهم قبل الآخرين من باب الشفقة والرحمة لهم جميعا.
? س: ما واجب الدولة تجاه المعاق الذي لا يستطيع العمل؟
o ج: على من عرف حاله من المسؤولين أو من أفراد الأمة أن يساعده ويعطيه ما يحتاجه، ويقوم بخدمته إذا علم أنه لا يقوم بها غيره، ولا شك أن الإعاقة تختلف، فالعادة أن الحكومة تهتم بالمعاقين وتجري عليهم مرتبا أو تجعل لهم من يحضنهم ويربيهم، لكن إذا علم أن هناك من هو مهمل لم يكن له من يقوم بشأنه تعين ذلك على من عرف حاله من المسلمين.(1/62)
? س: رجل يضره براد المكيفات؛ لأنه يعاني من مرض الروماتيزم ويقول: هل يجوز لي أن أصلي في سرحة المسجد (الفناء الخارجي) والجماعة يصلون في الداخل، ويتابع المصلين (بالميكرفون) أم لا يجوز ذلك؟
o ج: لا يجوز له ذلك؛ لأنه يصلي وحده ولا صلاة لمنفرد خلف الصف، فكيف بمن هو بعيد عن الصفوف ولو سمع التكبير ولو تابع المصلين، فعلى هذا يلتمس مسجدا ليس فيه تكييف بارد يضره، أو يطلب من المصلين إطفاء المكيف الذي يليه أو تخفيفه إذا كان يتضرر من قوته، ولعلهم أن يتنزلوا على رغبته رفقا به، وتكفيهم المراوح السقفية، والله أعلم.
? س: ما حكم طفل الأنابيب ؟
o ج: قد أفتى العلماء في هذه الرئاسة(1)بمنعه، لما فيه من كشف العورة ولمس الفرج، والعبث بالرحم، ولو كان مني الرجل الذي هو زوج المرأة، فأرى أن على الإنسان الرضا بحكم الله تعالى فهو (( ويجعل من يشاء عقيما )) .
? س: هل ما يفعله الحلاق من تسوية آخر الرأس يعد قزعا ؟
o ج: القزع هو حلق بعض الرأس دون بعض، وهو مكروه كراهة شديدة لحديث: (( احلقوا كله أو اتركوا كله )) وهذا الفعل أيضا مكروه وإن لم يكن حلقا حيث يقصر آخر الرأس، ولا يترك إلا أصول الشعر فهو شبيه بالحلق، فأرى أنه مكروه أيضا لما فيه من التشبه بالفسقة والكفار.
? س: متى تستحق المرأة الصداق كاملا ؟
o ج: إذا سمي لها الصداق عند العقد أو بالاتفاق بين الزوج وولي المرأة ثم عقد عليها ملكت الصداق بمجرد العقد، فإن طلق قبل الدخول رجع له نصفه، فإن دخل بها وخلا بها الخلوة الشرعية فإنها تملك الصداق كله، أما إذا عقد ولم يذكر الصداق، فمتى دخل بها فلها صداق مثلها، تملكه بالدخول.
? س: بعض النساء ينبت لها شعر في الوجه كلحية خفيفة وشعر في القدمين ويؤثر في مظهرها، فهل لها حلقه؟
__________
(1) الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية.(1/63)
o ج: لا بأس بإزالته بالموسي أو بالنورة أو بالمزيل؛ لأنه يشوه المنظر، وإنما أمر الرجال بإعفاء اللحية؛ لأنها فارقة بين الرجل والمرأة، ولأن من طبع المرأة اللين والرجل الخشونة في الوجه ونحوه، فلا أرى مانعا من إزالة المرأة ذلك.
? س: ذكر بعضهم أن معرفة الإجماع لا تحصل حتى تطوف العالم كله، فهل هذا صحيح؟
o ج: روي عن الإمام أحمد قال: من ادعى الإجماع فهو كاذب، ولعله يريد في المسائل الاجتهادية، حيث إن المسائل التي أدلتها قطعية الثبوت قطعية الدلالة لا يخالف في حكمها عاقل يدعي الإسلام ويقبله، ثم إن زماننا هذا تقاربت فيه البلاد فأصبح من السهل معرفة أقوال العلماء وأهل الفتيا في زمن يسير بواسطة الخطابات والمكالمات والإذاعات المسموعة والمرئية، فلا يحتاج إلى طواف العالم الإسلامي في معرفة الإجماع.
? س: إذا رفع من سجدة التلاوة أثناء الصلاة فهل يقول الله أكبر أم يقرأ الآية التي بعد السجدة؟
o ج: ذهب كثير من العلماء إلى أنه يبدأ في الآية التي بعد آية السجدة فإذا سمع ذلك المأمومون رفعوا وقاموا، فلا حاجة إلى التكبير الذي يقصد من رفعه إسماع المأمومين ليتابعوا الإمام، والقول الثاني وهو الصحيح: إنه يكبر ثم يقرأ، لعموم الحديث الذي فيه: (( أنه كان يكبر في كل خفض ورفع )) .
? س: هل يعذر الإنسان بجهله في أمور الشركيات المخرجة عن الملة؟
o ج: لا عذر لأحد في ذلك، فلله الحجة البالغة، فالجاهل لا يجوز له البقاء على جهله، بل عليه أن يسأل عن حكم كل فعل يقدم عليه، فإن الله تعالى وهبه عقلا يميز به الأشياء، فعلى العلماء أن يعلموا الجهلة ويزيلوا الجهل عنهم، وعلى الجهال أن يبحثوا ويتعلموا ويزيلوا الجهل الذي هو نقص وعيب في الدنيا والدين، ويسألوا عن الأحكام وعن الحلال والحرام لقوله تعالى: (( فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ )) فإن كانوا بعيدين لا يقدرون على البحث فلهم حكم أهل الفترة.(1/64)
? س: نومت في المستشفى لأجري عملية غسيل رحم، ومكثت خمسة أيام، فهل في هذه الحالة أصلي أم لا؟ وضحوا لنا الحكم.
o ج: لا تسقط الصلاة إلا زمن الحيض والنفاس فإن كنت في هذه المدة ترين الدم الذي يشبه دم الحيض في لونه أو كثرته أو آلامه أو رائحته فإن الصلاة تسقط ولا قضاء عليك، أما إن لم تري الدم المذكور أو رأيت صفرة أو كدرة، فإن الصلاة لا تسقط، بل تصلين ولو على جنب ولو بالتيمم، فإن كنت لم تصلها فلا بد من القضاء مرتبا.
? س: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين حفظه الله، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: فإنه نظرا لظروف والدتي الصحية، فقد تم رضاعي من امرأة أخرى، وذلك خلال الثلاثة الأيام الأولى كاملة من الولادة، وكان لتلك المرأة طفلة يقل عمرها عن السنة في وقت الرضاع. والسؤال:
أ) ما حكم هذه الرضاعة؟ وما موقع أبناء وبنات هذه المرأة وأقاربها من أخوات وخالات وعمات ونحوه بالنسبة لي؟ وما موقع أبنائي من هؤلاء؟
ب) لزوج هذه المرأة التي قامت بإرضاعي امرأة أخرى، وله منها أبناء وبنات، فما موقعهم بالنسبة لي؟
ج) كما أن المرأة الثانية لهذا الزوج ابن من غيره قبل زواجها به فما موقعه بالنسبة لي؟
وإذا ثبت حكم الرضاع فما الحكم من حيث الخلوة والمحرمية، وما يتبع ذلك من أحكام؟ أفتوني في أمري هذا، والله يرعاكم.
o ج: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أ) هذه المرضعة تكون أمك من الرضاع، وأولادها إخوانك وأخواتك من الرضاعة، وإخوانها أخوالك، وأخواتها خالاتك من الرضاعة، وخالاتها وعماتها خالات وعمات أمك المرضعة، فأنت محرمهن جميعا، وأولادك تكون هي جدتهم، وأولادها أعمام أولادك، وأخوالها أخوال أولادك كما في النسب.(1/65)
ب) زوجها التي أرضعتك وهي في ذمته، هو أبوك من الرضاعة، وأولاده من المرأة الأخرى إخوانك من الرضاع لأبيك، وإخوانه وأخواته أعمامك وعماتك، وعماته وخالاته عمات أبيك وخالاته، فأنت محرم لهم، وهو جد أولادك وبنوه أعمام أولادك كالنسب.
ج) ابن المرأة الثانية أجنبي منك، فلا قرابة بينك وبينه، أما الزوجة فأنت محرمها لكونها زوجة أبيك من الرضاعة والله أعلم. أما آثار هذه القرابة فإنها تكون في المحرمية وتحريم النكاح وجواز السفر بها، دون الإرث ووجوب النفقة ونحو ذلك.
? س: أصبحت إحدى محارمي كثيرة النسيان لا تعرف الأوقات، فربما صلت المغرب قبل الغروب، وصلت العشاء ركعتين، أو انصرفت من الصلاة قبل نهايتها، كما صارت سريعة الغضب لأتفه الأسباب، فتسمعنا الكلمات الجارحة حتى أمام الضيوف، ونحن في حيرة من أمرها، فوجهونا ماذا نفعل وفق شرع الله؟ وماذا يلزمها نحو دينها والحال ما ذكر؟
o ج: يظهر أن ذلك لأجل الكبر والهرم إن كانت كبيرة السن، أي: فوق الثمانين عاما، وإن كانت دونها فيمكن أنه لمرض حصل لها في العقل لأجل مصيبة أو خبال بسبب روعة أو ذعر حصل لها، ويمكن أن يكون بسبب صرف وعمل شيطاني من أعمال السحرة والمشعوذين، ولكم علاجها عند القراء من أهل الصلاح والاستقامة ويكون ذلك بالرقية المباحة التي يتعاطاها أهل التجربة في ذلك. وعلاجها أيضا عند الأطباء المعتبرين العارفين بالأمراض النفسية، وما يعرض للإنسان بسبب النسيان وسرعة الغضب ونحو ذلك، فإن لكل داء دواء يزيله، واحرصوا على تعليمها الأذكار والأدعية والأوراد والأعمال الخيرية. وأما فعلها بالصلاة قبل الوقت أو قصر العشاء أو الانصراف قبل إتمام الصلاة، فإنه مما لا حرج فيه عليها لنقص العقل منها، فيعفى عنها ذلك مع مراعاتها وتذكيرها بما تركت إن كانت تتقبل، والله أعلم.
? س: السؤال عما يفعل عند القبور، وما يفعل المريض وما يفعل له؟(1/66)
o ج: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد، وصلني خطابك للسؤال عن بعض ما يحدث لديكم، فإليك الجواب مع الاختصار:
- فأما الذبح، فلا يجوز الذبح عند القبور فهو تعظيم للميت لقول النبي صلى الله عليه وسلم (( لعن الله من ذبح لغير الله )) ولقوله تعالى: (( فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ )) أي: اجعل صلاتك ونحرك لله وحده، فمن ذبح للأموات فقد أشركهم مع الله. وهكذا العكوف عند هذه القبور والإقامة عندها وإحضار القهوة والشاي، فإن الاعتكاف عبادة لا تصلح إلا في المساجد، لقوله تعالى: (( وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ )) فصرفها لغير الله شرك، ولو كانوا مشايخ أو أولياء أو صالحين، فإنهم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا (( وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى )) وهكذا تحري قراءة الفاتحة عند القبور، أو إهداؤها له في ذلك المكان، ولا يجوز عمل الوليمة عند القبر وإحضار الأكل، وكذا قولهم: شرفونا بالفاتحة. لأن كل ذلك بدع، وكل بدعة ضلالة، ولم يفعله الصحابة ولا الأئمة المقتدى بهم. وهكذا ما يفعل في يوم المولد من الاجتماع والضرب بالطبول طوال الليل، حيث لم يفعله النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا أمر به، بل نهى عنه بقوله: (( من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد )) أي: مردود عليه. وهكذا لا يجوز الدعاء الجماعي والذكر الجماعي بعد كل صلاة بل كل أحد يذكر الله لنفسه ولا يتابع غيره، حيث لم ينقل هذا عن الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
- وهكذا ما يفعل بالمريض من كتابة المشايخ أوراقا يشربونها، وإنما السنة القراءة على المريض كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ على نفسه بعض الآيات وينفث في كفيه ويمسح ما أقبل من جسده، فأما التعاليق فإنها لا تجوز، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( من تعلق شيئا وكل إليه )) .(1/67)
وأخبر أن الرقى والتمائم والتولة شرك، فالتمائم هي التعاليق التي تربط على العنق أو العضد وكذا النساء اللاتي يخططن ويقلن هذا وهكذا، وهو من التكهن، وفي الحديث: ليس منا من تكهن أو تكهن له وهكذا ذبح الإبل من الحول إلى الحول والتلطخ بالدم هو من أمر الجاهلية، وهكذا ترك الاغتسال من الجنابة يبطل الصلاة لقوله تعالى: (( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا )) .
فعليكم نصحهم وقراءة الآيات والأحاديث عليهم، ومحاولة ترك هذه البدع والشركيات، وصلى الله على محمد وسلم.
? س: امرأة توفت بعيدا عن أولادها وهي غير راضية عن أولادها بعض الشيء أو كليا، وأولادها كانوا لا يقصرون معها، لكن كانوا يعصون والدتهم بعض الشيء ويغضبونها، وذلك لظروفهم النفسية والعصبية والمالية، حيث كانوا في ضيق من العيش والنفس والمال والجهل بحقوق الوالدين ... وحيث إنهم محتارين وخائفين من رب العالمين. أفيدونا جزاكم الله خيرا.
o ج: عليهم الترحم عليها وتزويدها بالدعاء والصدقة عنها، وعليهم التوبة والاستغفار من الذنب الذي هو التقصير في حق والدتهم، وكثرة الأعمال الصالحة، ثم هم معذورون لما كانوا فيه من ضيق العيش والجهل ونحوه، والله أعلم.
? س: مسلمان اثنان متمسكان بطاعة الله، واحد منهما يعاني من ضيق في الصدر دائما ومرض نفسي واكتئاب، والثاني صحيح سليم مما يعانيه الأول، هل يستويان في الأجر عند الله وقبول الأعمال الصالحة؟ أم أن المريض النفسي والضيق الصدري أكثر وأعلى في القبول والأجر عند الله، حيث إن الشخص السليم يقوم بالطاعات المختلفة وخصوصا الصيام بسهولة، أما الثاني المريض فيلقى صعوبة في أداء الطاعات والأعمال الصالحة - الله يعينه - وما حكمة الله في ذلك؟(1/68)
o ج: هذا المريض يثاب على المرض إذا صبر واحتسب فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (( ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من سيئاته )) أو كما قال. ولا شك أن المرض النفسي وضيق الصدر والاكتئاب يورث الهم والنصب والألم، وقد قال صلى الله عليه وسلم (( إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط )) رواه الترمذي وغيره ومعناه: أن البلاء كلما كان أعظم كان الجزاء عليه والثواب أعظم عند الله، ولهذا يسلط البلاء والمرض على الأنبياء كما قال صلى الله عليه وسلم (( أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على قدر دينه، فإن كان في دينه صلابة شدد عليه وإلا خفف عنه )) هكذا أخبر صلى الله عليه وسلم وعلى هذا فهذا المريض يثاب على مرضه، وما هو فيه من الألم والشدة ويعظم له الجزاء على تحمله وعلى قيامه بالطاعة والعمل الصالح مع ما هو فيه من المرض، أما الصحيح فيثاب على كثرة أعماله من صيام وصلاة وصدقة، ودعوة إلى الله وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر وجهاد في سبيل الله، ونحو ذلك من الأعمال التي لا يقدر عليها المريض، والله أعلم.
? س: رجل صلى وشك في تكبيرة الإحرام فهل يستأنف الصلاة من جديد أم لا؟ وما حكم صلاته؟
o ج: قال العلماء: الشك في ترك الركن كتركه، فمن شك في ترك الفاتحة ولم يكن بشكه وسوسة فإنه يقرؤها مرة أخرى، ومن شك في ترك ركعة قضى بدلها، وأما التحريمة فإنها الركن الأساس الذي تفتتح به الصلاة، فمن تركها لم تنعقد صلاته، ومن شك في تحريمته فإنه يبدأ الصلاة من أولها، لكن هناك من يكون معه وسوسة وهوس يشك في كل شيء مع أنه يأتي به، فمثل هذا لو فتح له باب الإعادة، لأعاد الصلاة مرارا، فلا يجوز له التمادي مع الأوهام والوساوس، والله أعلم.(1/69)
? س: هل يشترط الترتيب في المسح على الجبيرة والجرح بمعنى أنه إذا جرح رجل في يده مثلا ونسي أن يمسح على الجرح، وبعدما غسل رجله تذكر أنه لم يمسح على الجرح، فهل يكمل الوضوء ويمسح على الجرح، أم يمسح على الجرح ويغسل رجله اليسرى، أم يعيد الوضوء من جديد؟
o ج: في هذه الحال عليه أن يمسح الجبيرة عند غسل يديه، أي: بعد غسل الوجه، ثم بعد مسح الجبيرة يمسح رأسه ويكمل، فإن نسي المسح على الجرح أو الجبيرة وغسل ما بعد ذلك العضو، فالاحتياط أن يمسح الجبيرة، ويعيد غسل ما بعد ذلك العضو، فإن طالت المدة وفاتت الموالاة فلا بد من إعادة الوضوء ومسح الجبيرة في موضع غسل ذلك العضو، أما إن كان الجرح في أعضاء الوضوء ووجب عليه الغسل ولم يمسح الجرح وقت الغسل، فإن له مسحه بعد الغسل، ولو طالت المدة حيث لا يشترط للغسل موالاة ولا ترتيب، والله أعلم.
? س: بعض من يرقون بالرقى الشرعية يطلبون من الجني المتلبس في بدن الممسوس الخروج وفي بعض الأحيان يطلب هذا الجني الخروج من بعض الأعضاء مثل العين أو الأذن فيرفض الراقي ذلك، اعتقادا منه أن ذلك قد يؤذي عين الممسوس، وأحيانا يقول بعض الكلمات مثل: من العظم إلى اللحم إلى الشحم إلى الجلد إلى الهواء. فهل هذه الأقوال والتصرفات فيها محظور شرعي؟
o ج: وبعد فإن الجني يلابس الإنسي ويسيطر على بدنه، ولا نعرف من أين يدخل ولا كيف يخرج، إلا أنه شوهد أنه يخرج من أصابع اليد فينغمس الأصبع في الأرض ويخرج من بدن الممسوس، ويمكن أنه يخرج من الجنب أو الظهر أو البطن كما دخل من أحدها، والظاهر أنه لا يعطل العضو الذي دخل منه أو خرج، فلا يتضرر الأصبع ولا اليد ولا الرجل، فأما العين والأذن فلا نعلم كيف يدخل منها أو كيف يخرج، وإذا قدر في دخوله من العين ونحوها فإنه كذلك يخرج دون أن يحصل تغير في السمع أو البصر، ويراجع في ذلك أهل الرقية والعلاج لهذه الأمور.(1/70)
? س: فيه من يقول: إن صوت المرأة عورة مطلقا، وهناك من يقول: إنه ليس بعورة إلا إذا رققته وخضعت فيه. فما هو قولكم؟
o ج: يترجح أن صوت المرأة عورة عند الأجانب وعند خوف الفتنة، وقد نص العلماء على أنه لا يجوز أن تتولى المرأة الأذان الذي فيه رفع الصوت بالتكبير والتشهد ونحوه، لأنه قد يسمع صوتها الرجال الأجانب ويصبح متميزا معروفا، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (( إذا ناب أحدكم شيء في الصلاة فليسبح الرجال ولتصفق النساء )) ففي هذا نهي المرأة عن التسبيح لتنبيه الإمام على الخطأ، مع أن التسبيح ذكر الله تعالى، ومع أن النساء خلف الرجال والغالب لا تعرف بمجرد قولها سبحان الله، فدل على أن النهي لأن صوتها أمام مجتمع الرجال يسبب شهرتها، وقد ذكر العلماء في كتاب الحج أن المرأة لا ترفع صوتها بالإهلال، بل تخفي التلبية بقدر ما تسمع رفيقتها، مع ورود الأمر برفع الصوت بها في قوله صلى الله عليه وسلم (( أمرني جبريل أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالإهلال )) رواه ابن ماجه وغيره وقد قال كثير من العلماء بجواز سماع كلام المرأة إذا لم يكن فيه خضوع وترقيق، لقوله تعالى: (( فَلَا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ )) ولأن المرأة قد تحتاج إلى مخاطبة الرجال عند المبايعة وأداء الشهادة وإجابة السائل ونحو ذلك، ولأن أمهات المؤمنين قد اشتهر أنهن يحدثن الرجال ولهن تلامذة ورواة كثيرون، فيدل على جواز مخاطبتها عند التعلم والتعليم والرواية والحاجة الضرورية، والله أعلم.
? س: فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين - سلمه الله - السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد: نسأل فضيلتكم عن ظاهرة أخذت في الازدياد داخل المستشفيات، وهي دخيلة على المجتمع المسلم حيث انتقلت إلينا من المجتمعات الغربية الكافرة، ألا وهي إهداء الزهور إلى المرضى وقد تشترى بأثمان باهظة، فما هو رأيكم في هذه العادة؟(1/71)
o ج: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد:
لا شك أن هذه الزهور لا فائدة فيها ولا أهمية لها، فلا هي تشفي المريض ولا تخفف الألم، ولا تجلب صحة ولا تدفع الأمراض، حيث هي مجرد صور مصنوعة على شكل نبات له زهور عملته الأيدي أو الماكينات وبيع بثمن رفيع، ربح فيه الصانعون وخسر فيه المشترون، فليس فيه سوى تقليد الغرب تقليدا أعمى بدون أدنى تفكير، فإن هذه الزهور تشترى برفيع الثمن وتبقى عند المريض ساعة أو ساعتين أو يوما أو يومين ثم يرمى بها مع النفايات بدون استفادة، وكان الأولى الاحتفاظ بثمنها وصرفه في شيء نافع من أمور الدنيا أو الدين، فعلى من رأى أحدا يشتريها أو يبيعها تنبيه من يفعل ذلك رجاء أن يتوب ويترك هذا الشراء الذي هو خسران مبين، والله أعلم وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
? س: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نرجو من سماحتكم أن تدلوني على الطريق الصحيح في هذا السؤال: قبل فترة شكيت في نفسي أن كون مريضا بمرض، وذهبت إلى دكتور وعملت الفحوصات اللازمة، وقبل أن تظهر نتيجة الفحوصات نذرت بيني وبين نفسي، أني إذا كنت سليما من هذا المرض علي لله تعالى أن أقلع عن التدخين، وفعلا ظهرت نتيجة الفحوصات أني والحمد لله سليم من هذا المرض، وأقلعت عن هذا التدخين فترة أكثر من شهر، ثم رجعت أدخن إلى حد الآن، ولم أستطع أن أقلع عنه أبدا، ماذا علي أن أفعل؟ هل أوفي بنذري رغم أنني لم أستطع أم أن علي كفارة يمين؟ وإذا لم أستطع أن أوفي بهذا النذر ماذا علي أن أفعل؟(1/72)
o ج: عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: لقد أخطأت أولا بشرب الدخان، فهو محرم ويضر بالجسم ضررا بينا، وينصح عنه الأطباء وأهل العلم حتى من ينتجه أو يشربه. وأما تركه فليس فيه صعوبة، وكم من إنسان ابتلي به عددا من السنين ثم شفاه الله منه، وأصبح تاركا له بدون كلفة وبدون نذر، ثم إنا ننصحك أن تقلع عنه دفعة واحدة وتفطم نفسك منه كفطام الصغير من ثدي والدته، وبذلك تسلو عنه وتسلم من ضرره. فأما نذرك فإن لم تقدر على الوفاء به فلا بد من كفارة، وهي إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعم أهلك، والله أعلم.
? س: ما حكم استغلال الوالدين للمعونات المقدمة من الدولة لابنهم المعاق بغير الإنفاق عليه؟
o ج: لا بأس بذلك، فإن الأب يملك التصرف في مال ولده، لحديث: (( أنت ومالك لأبيك )) وعلى الوالد أن ينفق على ولده المعوق ويستأجر من يحضنه، ويصرف عليه أجرة العلاج ونحو ذلك، ولا يجوز له أن يأخذ من ماله الخاص ما يضره أو يحتاجه، أو يعطيه ولدا آخر.
? س: هل للأعمى حضانة الطفل الصغير ؟
o ج: يجوز ذلك إذا كان عنده امرأة تقوم بحضانة الطفل وتربيته، ولو كانت ضريرة أو كبيرة، فأما الرجل الأعمى فإنه لا يقدر على الحضانة بنفسه فعليه أن يترك أطفاله عند أقاربه من النساء، والله أعلم.
? س: عندنا أشخاص غير مسلمين يقومون بحفر القبور وذلك لقلة الناس الذين يحفرون القبور من المسلمين، وبعض الأحيان لعدم اهتمام المسلمين بالحفر، بعض الناس يعطوهم أجرة على الحفر، هل يجوز ذلك؟(1/73)
o ج: يجوز ذلك عند الحاجة، وحيث إن تجهيز الموتى والحفر لهم والدفن من أعمال البر التي يحتسب بها المسلم الأجر فإن الأولى أن يتولى ذلك المسلمون ليحظوا بالأجر والثواب على ذلك، كما يحتسبون بالغسيل والحنوط والتكفين والحمل والصلاة عليه فكذلك بالحفر والدفن له، لكن إن عدم المحتسب جاز الاستئجار ودفع الأجرة للمغسل والمكفن والحافر والحامل، وسواء كان الفاعل مسلما أو كافرا فيعطى أجرته، مع أنه لا يجوز تولية غير المسلمين إلا للحاجة الشديدة، وجزيتم خيرا، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
? س: هل يجوز أن يقوم بعملية العلاج الطبيعي لامرأة معاقة جسديا رجل أخصائي في حالة عدم وجود امرأة متخصصة؟
o ج: يجوز ذلك عند الضرورة، ولا يجوز إذا وجد امرأة ولو بأكثر أجرة، أو أمكن التصبر حتى توجد امرأة، وذلك أن الضرورات لها أحكامها، فمتى كان هناك حاجة شديدة إلى العلاج للمرأة عند رجل أو للرجل عند امرأة جاز بقدر الحاجة فقط، ومعلوم أنه يحرم على الرجل أن يمس المرأة الأجنبية، لكن إذا كان هناك ضرورة جاز له أن يعالجها كإنقاذها من الغرق أو الحرق أو الحادث ولو تكشفت.
? س: ما حكم تعويض العامل (ماديا) إذا تعرض لحادثة معينة أثناء تأديته لعمله ، وإصابته بإعاقة مستديمة كالشلل مثلا؟
o ج: إن كان العمل بأجرة محددة، والعامل أجير مشترك، كبناء وحفر ونقل تراب أو لبن أو صعود أو نزول، فحصل أن سقط العامل أو انهدم عليه الحائط أو سقط من شجرة، فلا ضمان على المستأجر، لأن العامل هو الذي أقدم على هذا العمل وخاطر بنفسه، فإن كان المستأجر قد خدعه ولم يوضح له الخطر فلا بد من ضمان ما حصل، بسبب إيهامه وعدم إيضاحه الخطر في ذلك العمل.(1/74)
? س: أنا عندي طفلين الأول عمره ست سنوات، والثانية سنتين ونصف، ونسكن في سكن فوضوي، ليس عندنا سكن، وزوجي لا يريد مني أن أنجب مرة ثالثة، وأنا أريد وهو يمتنع، ويقول حتى يكون عندنا سكن. فهل هذا حرام في الدين أم لا؟ مع العلم أن أبنائي مرضى من السكن والرطوبة التي في البيت؛ لأن سقف البيت غير عادي، وأمام السكن البحر، وخاصة في الشتاء يمرضون كثيرا.
o ج: لا بأس بطاعة الزوج في استعمال مانع الإنجاب لما ذكر من ضيق الحال، مع العلم أن الأولاد ليسوا سببا في الفقر، بل كثيرا ما يحصل الرزق مع وجودهم لقوله تعالى: (( نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ )) وعليكم السعي في تجديد السكن أو استبداله مع تقوى الله ورجائه (( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا )) كما أن عليكم اتقاء المرض والبعد عن أسبابه، فالوقاية خير من العلاج، والله الموفق.
? س: ينهج بعض آباء الأطفال المعاقين نهجا معينا وذلك بإيواء أطفالهم بمراكز المعوقين الداخلية، ما هو موقف الدين الإسلامي من هذا التصرف؟
o ج: لا بأس بذلك، حيث إن الحكومة قد أولت المعاقين عناية كبيرة، وهيأت لهم مراكز لتربيتهم وتغذيتهم وحضانتهم والقيام بشؤونهم وحاجاتهم، فإن على الآباء أن يسجلوا أولادهم المعاقين في المراكز الحكومية، وذلك لراحتهم وإيوائهم ورعايتهم، وحتى لا يتكلفوا بنفقة الحضانة والعلاج ونحو ذلك، ومن اختار منهم أن يؤوي ولده في مراكز أخرى، أو يتولى علاجهم بنفسه فلا حرج عليه في ذلك، والدين الإسلامي لا يمنع من إيواء الطفل في مراكز داخلية أو خارجية
? س: ما حكم إجراء الفحص الطبي للزوجين قبل الزواج ؟(1/75)
o ج: لا بأس بذلك إذا خيف من مرض داخلي مما يؤثر على الصحة، ويمنع من راحة الزوجين واستقرار الحياة والطمأنينة فيها، فربما كان في أحدهما مس أو صرع أو مرض مزمن، ولو سهل كربو أو سكر أو بلهارسيا أو روماتيزم، وهكذا مرض العقم وعدم الإنجاب، لكن إذا كان ظاهر الزوجين السلامة والبيئة والمجتمع الذي هما به لا توجد فيه هذه الأمراض ونحوها، فالأصل أنه لا مرض ولا خوف فلا حاجة إلى فحص طبي لكل من الزوجين، لكن إذا قامت قرائن وخيف من وجود مرض خفي وطلب أحد الزوجين أو الأولياء الكشف لزم ذلك حتى لا يحصل بعد العقد خلاف ونزاع.
? س: ما هو واجب المعلمة تجاه طالباتها في المدرسة ؟(1/76)
o ج: واجبها أن تخلص النية في تعليمها، فتريد أولا أداء ما وجب عليها من البيان والتعليم الذي أخذ الله به الميثاق على كل من حمل علما أن يبينه ولا يكتمه، فبيانه هو إظهاره وتعليمه لمن يجهله، ويجب ثانيا النصح من المعلم لتلاميذه وتلميذاتها، والنصح واجب ديني على كل مسلم لقوله صلى الله عليه وسلم (( الدين النصيحة )) وقال تعالى عن نوح عليه السلام: (( أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنْصَحُ لَكُمْ )) وعن هود (( وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ )) والنصيحة تستدعي محبة الخير للطالبات وإيصال المعلومات إليهن، والحرص على التعليم والتفهيم وإظهار المعاني، وإيصالها إلى أفهام الطالبات. ويجب ثالثا التأكد من المعلومات التي تلقيها على الطالبات والتثبت فيها، والتحقق من صحتها بحيث لا تلقي درسا إلا بعد التحضير والمراجعة ومعرفة الحكم والدليل والحكمة والمصلحة، ويجب عليها رابعا المساواة بينهن وعدم التحيز والميل إلى إحداهن أو بعضهن، فهي بمنزلة المربية للجميع، فلا بد أن تسمع منهن وتجيب على ما أشكل عليهن وتتجاوب مع الصغيرة والكبيرة، وتحرص على إفهامهن وعدم التجاوز للمسألة، بل تمام الفهم من الجميع، ويجب خامسا أن تعاملهن باللطف واللين، وإظهار البشاشة وسهولة الجانب، واستعمال الأخلاق الرفيعة، والبعد عن الحدة والشدة والعتاب والغضب لعدم الفهم أو لتكرار السؤال، فتلك خصال تنفر الطالبات من المعلمة وتنمي بينهن بسمة سيئة، ويجب سادسا أن تكون المعلمة قدوة حسنة بأفعالها وأقوالها، فإن الاقتداء بالأفعال أقوى وقوعا من الاقتداء بالأقوال، فالمعلمة تدرس بالقول والفعل، وإذا كانت الأفعال تخالف الأقوال لم يقبل منها ما تقول، فهذه بعض ما نوصي به المعلم ذكرا وأنثى، والله أعلم.
? س: ما حكم استخدام الصور لتعليم الطلاب الصم أمورهم الدينية مثل تعليمهم الصلاة؟(1/77)
o ج: يجوز ذلك للحاجة الماسة، فإن الصم البكم لا يسمعون ولا ينطقون فيلاقي المعلم صعوبة في إفهامهم وإيصال المعلومات إلى أذهانهم، ففي الصور المرسومة تقريب للمعنى ووسيلة إلى تصور المراد وإدراك المقصود منه، كرسم القيام في الصلاة وقبض اليدين على الصدر، وكتابة اسم (قيام) ورسم الركوع وكتابة كلمة (ركوع)، وهكذا بقية الأعمال إذا توقف الفهم على الرسم واستخدام الصور المرسومة سواء على السبورة، أو على ورقة ونحو ذلك.
? س: الشخص المتخلف عقليا البالغ، هل يجب على النساء أن يتحجبن عنه ؟
o ج: إذا كان التخلف شديدا بحيث لا يعقل ولا يفهم ولا يدرك المعاني، وليس له الشهوة التي تبعثه إلى النظر واللمس ونحو ذلك ولا همة له نحو النساء، بل هو كالطفل أو أقل حالة فلا حاجة إلى التحجب عنه، ويدخل في قوله تعالى: (( أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ )) أما إذا كان يعقل بعض هذه الأشياء وله ميل إلى النساء ويظهر من كلامه أنه يحس بشهوة، فلا يمكن من دخوله على النساء ويلزمهن التحجب عنه، لقصة ذلك المخنث الذي قال لأخي أم مسلمة إذا فتحتم الطائف فإني سأدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (( أرى هذا يعرف هذا لا يدخل عليكن )) رواه البخاري وغيره والله أعلم.
? س: هل ورد فضل للمرأة إذا توفيت أثناء الولادة ؟(1/78)
o ج: نعم ورد ما يدل على أن ذلك شهادة في حديث صفوان بن أمية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الطاعون شهادة والغرق شهادة والغزو شهادة والبطن شهادة والنفساء شهادة )) رواه النسائي والدارمي والإمام أحمد وفي سنده مجهول، ولكن له شواهد يقوي بعضها بعضا، وروى النسائي أيضا عن عقبة بن عامر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد: المقتول في سبيل الله والغرق والمبطون والمطعون والنفساء في سبيل الله شهيد )) وروى أحمد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (( القتل في سبيل الله شهادة، والبطن شهادة، والغرق شهادة والنفساء شهادة، والطاعون شهادة )) وروي عن عبادة بن الصامت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( قتل المسلم شهادة والطاعون شهادة والمرأة يقتلها ولدها جمعا )) وفى رواية له: (( والنفساء شهيد يجرها ولدها بسرره إلى الجنة )) وهذه الأحاديث بمجموعها تدل على أن موت المرأة عند الولادة في حكم الشهادة، أي: لها أجر الشهيد والله أعلم.
? س: هل الأصم مأمور بجميع التكاليف ومسؤول عنها مثل العادي؟(1/79)
o ج: نعم بلا شك، لأنه مكلف بعقله وفهمه وحواسه، والغالب أن فاقد السمع فقط يمكنه السؤال، ويفهم بالإشارة ويشاهد الناس يعملون الأعمال كالعبادات والمعاملات وترك المحرمات، فهو مطالب بمثل ما يعملون، حيث يعلم أن تلك الأعمال لا يستثنى منها أحد من القادرين، أما إن كان قد فقد سمعه في الصغر قبل أن ينطلق لسانه فهذا هو الأبكم، وهو أيضا مكلف، فإن الله تعالى قد من عليه بالعقل الذي هو وسيلة إدراك المعاني وبالبصر الذي به يميز، ويعرف ما ينفعه وما يضره فهو يفهم بالإشارة وفي إمكانه أن يسأل ويبحث عن الأحكام، ويعرف ما هو مطالب به، ويشاهد الناس فيطبق ما يفعلونه في العبادات كالطهارة وشروط الصلاة، وأداء العبادات كالصلاة والصوم والحج ونحوها، ويمتنع من المحرمات التي يشاهد الناس يبتعدون عنها، أو يعاقب من فعلها.
فهو مكلف كغيره، وإن كان قد يعذر في بعض التفاصيل لأسباب ظاهرة كالقراءة والأذكار والأدعية ونحوها.
? س: هل يجب على الشخص الأبكم أن يحرك شفتيه عند قراءة الفاتحة في الصلاة ؟
o ج: عليه أن يتعلم من القراءة ما تصح به صلاته، فإذا كان لا يقدر فإن عليه أن يحاول الذكر والقراءة والدعاء بقلبه، وعليه تحريك شفتيه بقدر ما يستطيع، وإن لم يفهم اكتفى بالنية وحضور القلب الذي يظهر منه خشوعه وإخباته وسكون جوارحه في الصلاة كغيره.
? س: من شروط تولي القضاء أن يكون القاضي سميعا بصيرا، هل البصر يكون لازما؟(1/80)
o ج: ليس لازما أن يكون القاضي بصيرا فقد تولى القضاء كثير من المكفوفين ولم ينقص ذلك في معرفتهم، وقد عرف بالعادة أن الأعمى يكون معه من الذكاء والفطنة والحفظ ومعرفة الأصوات، والتمييز بين الناس ما ليس مع المبصر فيقابل ذلك معرفة المبصرين للوجوه والأشخاص، وأما اشتراط الفقهاء في القاضي أن يكون بصيرا فأرادوا بذلك كمال الصفات وتوفرها عند الوجود، وإلا فلا خلاف أن الكثير من فاقدي البصر قد تولوا القضاء وعرفوا ما يدلي به الخصمان بدون اشتباه واعتبر قضاؤهم نافذا، والله أعلم.
? س: ما هي كيفية اجتهاد الأعمى في تحري القبلة ؟ وإذا لم يعرف الأعمى القبلة، ولم يجد مخبرا عنها فماذا يعمل؟
o ج: عليه أن يعرف ذلك باللمس للحيطان إذا كان صاحب البيت، وإلا فعليه أن يسأل من حضر، فإن لم يكن عنده من يسأله، تحرى وصلى بالاجتهاد الغالب على ظنه، ولا إعادة عليه كالبصير إذا اجتهد في السفر ثم تبين له خطأ اجتهاده فلا إعادة عليه، والله أعلم.(1/81)
الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية
( الجزء الثاني )
لفضيلة الشيخ
عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
حفظه الله
جمعها وأعدها الفقير إلى عفو ربه
إبراهيم بن عبد العزيز الشثري
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.
أما بعد..
فهذا هو الجزء الثاني من كتاب [ الفتاوى الشرعية في المسائل الطبية]، أجاب على أسئلته فضيلة الشيخ العلامة الدكتور/ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين أثابه الله وجعل ذلك في موازين أعماله الصالحة. وهي أسئلة متنوعة تهم كل مسلم لا سيما الأطباء ومن في حكمهم من العاملين معهم، وتهم المرضى ومرافقيهم. وقد يجد القارئ الكريم بعض الأسئلة الخارجة عن هذا الموضوع، فقد وضعتها من باب الفائدة العامة.
أسأل الله - جلّ وعلا - أن ينفع بهذا الكتاب كل من اطّلع عليه، وأن يجعل هذا العمل خالصا لوجه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه تسليما كثيرا.
كتبه
إبراهيم بن عبد العزيز بن عبد الرحمن الشثري
ص ب 151097 الرياض 11777
المملكة العربية السعودية
شعبان عام 1420هـ
س1- ما رأي الشرع في عمليات التجميل كأن يكون في وجه الإنسان تشوه فيجري له عملية إزالة، أو يكون في أنفه طول زائد أو اعوجاج فتجرى له عملية تعديل وما أشبه ذلك، وجهونا؟ وهل يدخل هذا في تغير خلق الله؟
جـ - لا شك أن الجمال مباح أو مستحب، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (( إن الله جميل يحب الجمال )) فمتى كان ممكنا تجميل البدن بلباس أو اكتحال أو ادّهان أو اغتسال وتنظيف فإن ذلك مندوب، كما جاء الشرع بسنية خصال الفطرة كقص الشارب، وتقليم الأظفار، ونتف الإبط، وغسل البراجم، والمضمضة، والاستنشاق.(1/1)
فلعل ما ذكر من هذه العمليات داخل في المباح وإن لم يذكره الفقهاء، فقد تقدم الطب، وعرف الأطباء ما لم يكن معروفا في السابق من إجراء العمليات في الجوف وشق البطن، وزرع بعض الأعضاء: كالكبد والكلية والقلب والعين ونحوها، وتركيب الأسنان، وتحسين الوجه أو الأنف داخل في الجائز إذا لم يترتب عليه ضرر، فلا يدخل في وعيد النامصة والواشمة والواشرة والمتفلجات للحسن؛ لما في هذه الأشياء من الغش وإظهار خلاف الأصل بحيث يُظَنُّ بها الشباب والفتوة، ولأن هذه الأفعال غير ثابتة، بل تتغير دائما، فيحتاج إلى تجديد الوشر والتفلج والنمص بخلاف عملية التحسين للأنف ونحوه، والله أعلم.
س2- ما هي فوائد الزواج الصحية والاجتماعية ؟
جـ - لما ركب الله - تعالى - في الإنسان هذه الشهوة أباح له قضاء وطره بالنكاح الحلال، وجعل له شروطا يتم بها إحلاله، وله فوائد عديدة: منها حفظ النسل ومعرفة النسب والأقارب بخلاف الزنا، الذي تضيع به الأنساب. ومنها تكثير الأمة، الذي رغب فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (( تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم )) .
ومنها غض البصر، فإن العادة أن الأعزب يمتد نظره إلى النساء، ويقع في حرج وألم شديد، وقد قال الشاعر:
كل الحوادث مبداها من النظر ... ومعظم النار من مستصغر الشرر
وفي الحديث إن النظرة سهم مسموم من سهام إبليس ومنها حفظ الفرج عن الوطء الحرام، وقد دل على ذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج )) متفق عليه.(1/2)
ثم فيه إخراج المني الذي خلق في البدن، وبه تشتد الشهوة، فحبسه واحتقانه يضر بالصحة ويوهن البدن، وقد ذكر الأطباء أنه إذا طال احتقانه واحتباسه في البدن أحدث أمراضا رديئة كالجنون والصرع والوسوسة وكثرة الهموم والأحزان، وأن احتباسه يحيله إلى كيفية سمية تسبب أمراضا رديئة، ولولا أن الله قدر إخراجه بالاحتلام لأضر بالبدن ضررا بيِّنًا.
ثم من فوائد النكاح: كف النفس عن التطلع إلى الحرام والتحدث والهم والتفكير في قضاء الوطر بعد حصول ذلك بالوطء الحلال.
ومن فوائده: إعفاف المرأة التي قد ركب فيها شهوة وميل إلى الرجال لقضاء هذا الوطر الجنسي، الذي يدفع كلا من الزوجين إلى التقارب.
وأعظم فوائده: الاتباع والاقتداء بالأنبياء وخاتمهم نبينا - صلى الله عليه وسلم - فقد ثبت عنه أنه قال: (( لكني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني )) .
وفي صحيح مسلم عن ابن عمر مرفوعا: (( خير متاع الدنيا المرأة الصالحة )) وروى ابن ماجه عن ابن عباس رفعه: (( لم يُرَ للمتحابين مثل النكاح )) وفيه فوائد سوى ما ذكرنا، والله أعلم.
س3- ما هي كفارة من أتى زوجته في وقت الحيض ؟
جـ - ورد فيه حديث عن ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (( في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار )) رواه أحمد وأهل السنن قال أبو داود هكذا الرواية الصحيحة، قال: (( دينار أو نصف دينار )) .
وفي الحديث كلام كثير حول رفعه ووقفه واضطرابه، لكن ذلك لا يضره، كما صححه ابن حجر في ( التلخيص الحبير )، والشوكاني في ( النيل )، فعلى هذا تكون الكفارة دينارا أو نصف دينار، أي بالخيار.
وقيل: إذا كان الدم أحمر، فدينار، وإذا كان دما أصفر فنصف دينار. رواه الترمذي وفي رواية لأحمد (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جعل في الحائض تُصاب دينارا، فإن أصابها وقد أدبر الدم عنها ولم تغتسل فنصف دينار )) هكذا في نيل الأوطار.(1/3)
ثم إن الدينار يساوي أربعة أسباع الجنيه السعودي، فيسأل عن صرف الجنيه، ويخرج أربعة أسباعه إن كان في أول الحيض، وسبعيه إن كان الوطء في آخر الحيض، وقد ذهب كثير من العلماء وأكثر الأئمة إلى أن الواجب التوبة والاستغفار، ولعل تركهم العمل بالحديث لما فيه من الاختلاف، ولكن ذلك لا يعلل به، وقد حرم الله – تعالى - وطء الحائض بقوله: (( فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ )) والنهي يفيد التحريم، ومن فعل محرما فعليه كفارة ذلك الذنب، والله أعلم.
س4- إذا استقاء الصائم فخرج كل ما في بطنه فهل يفسد صيامه أم لا؟
جـ - ورد حديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض )) رواه أحمد وأهل السنن وابن حبان والحاكم وصححه وروى مالك مثله عن ابن عمر موقوفا، ففيه أن من خرج منه القيء بدون اختيار فهو معذور ولا قضاء عليه، فليتم صومه. وأما من تعمد إخراجه بإدخال إصبعه في فمه، أو عصر بطنه بيديه، أو شم ما له رائحة كريهة متعمدا فقد فسد صومه، فعليه قضاء ذلك اليوم ولو أكمل صومه. هذا هو موجب الحديث، ويعم ذلك من خرج كل ما في بطنه ومن لم يخرج منه إلا ملء الفم، فإن الجميع يصدق عليه أنه قيء خرج من الفم، وأحس بطعم الطعام في فيه، فيعتبر عمده مفطرا، ويلزمه القضاء، والله أعلم.
س5- لدغة العقرب والحية والنملة هل رقيتهم واحدة، أم لكل واحدة منهم رقية خاصة؟ وما هي؟
جـ - الرقية بالقرآن أو بما تيسر منه مفيدة، وكذا بما ثبت في السنة من الأدعية، كما في حديث أبي سعيد في رقية اللديغ الذي هو سيد حي من العرب، وفيه: فانطلق يتفل عليه، ويقرأ (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) فكأنما نشط من عقال.(1/4)
فإن كلام الله - تعالى - هو الشفاء التام، كما قال تعالى: (( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ )) وفاتحة الكتاب هي أم الكتاب، وفيها أصول أسماء الله - تعالى - ومجامعها وإثبات المعاد والتوحيد وطلب الهداية من الله تعالى.
ومن رقية ذوات السموم سورة ( قل هو الله أحد ) وسورتا المعوذتين، لما في سورة الإخلاص من التوحيد العلمي الاعتقادي، وما في المعوذتين من الاستعاذة من الشرور جملة وتفصيلا.
ومن الرقية أيضا الأدعية العامة الواردة في الأحاديث: مثل حديث أبي سعيد وفيه: (( بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، ومن شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك، بسم الله أرقيك )) رواه مسلم ومنها ما ورد في الحديث أنه يضع يده على موضع الألم ويقول: (( أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر )) وأما النملة فهي قروح تخرج في الجنبين يحس صاحبها كأن نملة تدب عليه وتعضه، وقد ذكر ابن القيم عن الخلال رقية النملة، عن الشفاء بنت عبد الله أنها عرضت رقيتها على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأقرها، فقالت: بسم الله ضلت حتى تعود من أفواهها، ولا تضر أحدا، اللهم اكشف البأس رب الناس. كانت ترقى بها على عود سبع مرات، وتقصد مكانا نظيفا وتدلكه على حجر بخل حاذق، وتطليه على النملة، والله أعلم.
س6- كنت في زيارة لأحد أقاربي بالمستشفى، فطلبوا مني التبرع بالدم، وذلك في نهار رمضان فتحرجت هل أفعل أم لا، وأخيرا تبرعت، فهل هذا يفطر الصائم؟(1/5)
جـ - وردت أحاديث كثيرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (( أفطر الحاجم والمحجوم )) ونظرا لكثرتها وتعدد رواتها وطرقها ذهب إلى القول بها الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وخالفه الأئمة الثلاثة، وحيث إن الأدلة، واضحة الدلالة وما خالفها لا يقوى على معارضتها لعدم صراحته، فأرى أن إخراج الدم الكثير عمدا يفسد الصوم. فالتبرع بالدم عادة يكون كثيرا، حيث إن القصد منه إسعاف المريض الضعيف، فيلحق بالحجامة كما يلحق بها الفصد والشرط وتعمد إخراج الرعاف الكثير، وإلحاقا بخروج الدم من الحائض والنفساء، فإنه مفطر بالإجماع، والله أعلم.
س7- رجل منوم في المستشفى، وقد جاء وقت إخراج الفطرة بعد صيام رمضان ولا يستطيع الخروج من المستشفى لتوزيع الفطرة، فهل يوكل أحد أقاربه يخرجها من بيته، وإذا أخرجها قريبه من بيته هو فهل تجزئ؟
جـ - هذا الإخراج مما تدخله النيابة، فحيث إنه معذور لعجزه عن إخراج هذه الصدقة بنفسه، فإن له أن يوكل أخاه أو صديقه، ليخرجها عنه وعن أهل بيته، بل يجوز التوكيل حتى للقادر القوي، فإن تفرقة الزكاة عمل زائد على إخراجها من المال، فمتى وكل المالك من يقبض الزكاة ثم يعطيها لمستحقها جاز له ذلك، وهكذا لو دفع إليه ثمن الفطرة ليشتريها ثم يتصدق بها على الضعفاء والمعوزين، أو أمره أن يأخذ من بيته بإذن أهله مقدارها طعاما ويعطيه للفقراء، فكل ذلك لا بأس به، والله أعلم.
س8- امرأة عليها نذر أن تصوم أيام البيض من كل شهر واستمرت على ذلك، ولكن في أحد الشهور دخلت المستشفى، وجلست فيها أسبوعا وصادف ذلك أيام البيض، ولا تستطيع صيامها في المستشفى، فهل يسقط عنها أم تصومها مع الشهر الثاني؟(1/6)
جـ - عليها أن تقضيها، أي تصوم ثلاثة أيام بعد خروجها من المستشفى من غير البيض، وهكذا يفعل من فاته فعل قد ألزم به نفسه، فإنه يقضيه بعد فواته، ويجزئه: كمن نذر صلاة ليلة ففاتت عليه بنوم أو مرض أو شغل فإنه يصلي ذلك في النهار، لقوله تعالى: (( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً )) وفي الصحيح عن عائشة (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا لم يصلِّ تهجده بالليل صلى من النهار اثنتي عشرة ركعة )) فهو دليل على قضاء النفل ولو لم يكن منذورا فقضاء النذر أولى بالجواز.
س9- هل يجوز للمرأة أن تطوف وهي حاملة طفلها حيث إنه قد يكون فيه نجاسة؟
جـ - عليها قبل البدء في الطواف أن تطهره وتغسل ثيابه، وتحفظه بما يمنع تعدي النجاسة إن خرجت، ثم تطوف به محمولا إن لم تجد من يمسكه مدة الطواف، وخشيت عليه التأثر وكثرة البكاء، فقد ثبت في الصحيح (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالجماعة وهو حامل أمامة بنت ابنته زينب )) مع احتمال خروج النجاسة منها أثناء حمله لها، فإذا جاز الحمل في الصلاة ففي الطواف أولى للعذر في الحمل خشية الضياع ونحوه، والله أعلم.
س10- ذهب جماعة للحج، وفي يوم عرفة أصيب أحدهم بمرض فلم يستطع إكمال أعمال الحج الباقية فماذا يلزمه؟(1/7)
جـ - يعمل عمل المحصر، فقد قال تعالى: (( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )) أي يذبح عنه شاة، أي واحدة من الغنم، ويتحلل. فإن كان قد وقف بعرفة نهارا أو ليلا زمن الوقوف، فما بقي عليه إلا الطواف والسعي، فله أن يؤخره حتى يشفى، ويتم حجه، ويفدي عن واجبات الحج التي تركها: كالانصراف من عرفه نهارا، وترك المبيت بمزدلفة وبمنى ويوكل من يرمي عنه، ثم يحلق وينحر هديه، فإن لم يكن وقف بعرفة فهو كالمحصر يذبح هديا ويتحلل أو يتحلل بعمرة كمن فاته الوقوف، فإن كان اشترط عند إحرامه بقوله: (( فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني )) تحلل ولا شيء عليه، والله أعلم.
س11- كنت في الصحراء مع غنمي، وجاء كلب فعضني عضة قوية، وكنت على طهارة، فهل ينتقض الوضوء بعد العضة وهل يلزمني أن أغسل المكان سبع مرات، أفيدونا؟
جـ - لا ينتقض الوضوء بهذه العضة، حيث لم يذكروا ذلك مع نواقض الوضوء الثمانية، وكذا لا يلزمه غسل موضع فم الكلب، فإن الغسل إنما ورد للإناء الذي ولغ فيه الكلب، أي غسل أثر لعابه، الذي التصق بالإناء. فأما العض فلا يسمى شربا ولا ولوغا. ويكفي غسل أثر العض مرة أو نحوها، كما يفعل ذلك بالصيد الذي يمسكه بفمه، وقد يجرحه بأنيابه، حيث يكتفي بغسله مرة واحدة لإزالة ذلك الأثر، ويؤكل الصيد، والله أعلم.
س12- امرأة تسأل وتقول: هل للمرأة أن تطلب الطلاق إذا ثبت أن زوجها عقيم أم ليس لها ذلك؟(1/8)
جـ - إذا كانت لا تعلم حالة الزوج قبل النكاح، ولم يخبرها بأنه عقيم، ثم ثبت العقم له، وعلمت أنه لا بأس بها، وأن عدم الإنجاب إنما هو من الزوج، فإن لها الحق في طلب الفراق إن رغبت في الأولاد لنفعهم في الحياة الدنيا وبعد الموت، فقد حكى الله - تعالى - عن زكريا قوله: (( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً )) وقوله: (( رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا )) وقوله: (( رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا )) وعن إبراهيم - عليه السلام - قوله: (( رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ )) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له )) رواه مسلم وهذا دليل على ما فطر الله الإنسان عليه من محبة الولد الصالح، والله أعلم.
س13- يطلق البعض من الناس على النساء الممرضات كلمة (ملائكة الرحمة)، فهل هذا يجوز أم لا؟
جـ - لا يجوز هذا الإطلاق، ولا مناسبة له، فإن هؤلاء الممرضات قد يكن نصرانيات، كما هو مشاهد، أو بوذيات، والغالب عليهن التكشف وإبداء الزينة، وأنهن لا يعرفن التحجب ولا التستر عن الرجال الأجانب، ولا شك أن ملائكة الرحمة هم الذين ينزلون لقبض روح المؤمن، وينزلون ومعهم أكفان من الجنة وحنوط من الجنة وياسمين من الجنة.(1/9)
وفي الصحيحين في حديث الذي قتل مائة نفس ثم تاب وهاجر فمات، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، الحديث. وهو يدل على أن ملائكة الرحمة من عباد الله المسخرين للنزول بالرحمة، وعلى هذا لا ينبغي تسمية النساء الممرضات بهذا الاسم، الذي هو خاص بالملائكة المقربين، ولو كان في قلوبهن رحمة، ولو عملن بالمرضى عملا حسنا، بل يلتمس لهن اسم مناسب لعملهن، والله أعلم.
س14- كثيرا ما نسمع عن القضاء والقدر، فهل هما كلمتان مختلفتان أم هما بمعنى واحد؟
جـ - هاتان اللفظتان متقاربتان غير مترادفتين؛ فالقدر يفسر بالقضاء والحكم وبما قدَّره الله وقضاه، وحكم به في الأزل، وهو تقدير الله - تعالى - للأعمار والآجال والحوادث وجميع ما هو كائن إلى يوم القيامة. فالحديث ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( كتب الله مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة )) رواه مسلم فهو أن الله - سبحانه - علم ما الخلق عاملون بعلمه القديم الذي هو موصوف به أزلا، وعلم ما يحدث في الكون، وقدر لكل حادث وقتا وزمانا، لا يتجاوزه ولا يختلف عنه.
وأما القضاء فيطلق على الحكم، ومنه أحكام القضاة، وهي الفصل بين المتنازعين، ويطلق على الفراغ، كقوله تعالى: (( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ )) أي خلقهن. فالقضاء والقدر أمران متلازمان فالقدر هو التقدير والتحديد. والقضاء هو الخلق والإيجاد، لما هو مقدر مكتوب معلوم للرب - تعالى - وقد يدخل أحدهما في الآخر عند ذكره مفردا فيعم الأمرين، والله أعلم.
س15- نرجو من فضيلتكم شرح هذا الحديث داووا مرضاكم بالصدقة .(1/10)
جـ - هذا الحديث رواه أبو نعيم في الحلية في ترجمة الأسود النخعي ثم رواه في ترجمة إبراهيم النخعي عن موسى بن عمير عن الحكم عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حصنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء الدعاء ثم قال: غريب من حديث إبراهيم والحكم تفرد به موسى .
ورواه الخطيب في تأريخه في ترجمة إسحاق بن كعب مولى بنى هاشم بإسناده عنه عن موسى بن عمير وقال: تفرد به موسى عن الحكم بن عتيبة ورواه الطبراني في الكبير برقم 10196 من طريق موسى بن عمير بلفظه وإسناده، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3\ 64 وعزاه أيضا للطبراني في الأوسط قال: وفيه موسى بن عمير وهو متروك.
لكن ذكره السيوطي أيضا في الجامع الصغير بلفظ داووا مرضاكم بالصدقة وعزاه لأبي الشيخ في الثواب عن أبي أمامة - رضي الله عنه - ثم ذكره أيضا بزيادة في آخره، وعزاه للديلمي في مسند الفردوس ورمز له بالضعف. وقد رواه أبو داود في المراسيل قبيل كتاب الزكاة عن الحسن مرسلا مرفوعا بنحوه، وذكر إسناده المزي في تحفة الأشراف برقم 18527 ومن هذه الطرق والمتابعات يعلم أنه حديث له أصل، ومعناه أن الصدقة علاج نافع مفيد يشفي الأمراض ويخفف الأسقام، ويؤيده قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار )) فلعل بعض الأمراض تحدث عقوبة على ذنب أصابه المريض ، فمتى تصدق عنه أهله زالت الخطيئة، فزال سبب المرض ، أو أن الصدقة تكتب له حسنات، فينشط قلبه بها ويخف مع ذلك ألم المرض، والله أعلم.
س16- هل هذا حديث صحيح أن التجارة فيها تسعة أعشار الرزق كما نسمع ذلك كثيرا؟(1/11)
جـ - لم أجده في كتب الحديث مثل (جامع الأصول) و(مجمع الزوائد) و(الترغيب والترهيب) ونحوها، وقد ذكره أبو عبد الله محمد بن عبد الرحمن الوصابي في كتابه (البركة في السعي والحركة) ص 193 وجزم برفعه، لكنه يذكر أحاديث ضعيفة ولا يعزوها إلى مخرجيها، وحيث لم يروه أهل الصحاح والسنن والمسانيد المشهورة، فالظاهر أنه ضعيف، ويمكن أنه موقوف أو مقطوع أو حكمة من الحكم، قالها بعضهم لما شاهده من أرباح وثروات تحصل بالتجارة.
وقد ورد في التجارة جملة كثيرة من الأحاديث في فضلها وفي آدابها مذكورة في (الترغيب والترهيب) للمنذري وغيره، ومنها أحاديث صحيحة كقوله - صلى الله عليه وسلم - (( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما )) متفق عليه وحديث: (( أطيب الكسب عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور )) رواه أحمد والبزار والطبراني وغيرهم عن ابن عمر ورافع بن خديج وأبي بردة بن نيار وغيرهم، والله أعلم.
س17- كثيرا ما نسمع هذه الكلمة انتقل إلى جوار ربه لمن مات، فهل هذا جائز؟
جـ - أرى أنه لا بأس بذلك، وكذا قولهم: قدم على ربه، وانتقل إلى رحمة الله ونحو ذلك، وهو من باب التفاؤل للمسلم وإحسان الظن به، فإنه يستحب حسن الظن بالمسلم بعد موته، والدعاء له، وذكر محاسنه، والكف عن أخطائه، رجاء أن يزوده إخوانه بدعوات صالحة، يقبلها الله فيغفر له، فيكون مرادهم: بجوار ربه: أن روحه انتقلت ورفعت إلى السماء، كما ورد أن الملائكة يصعدون بأرواح المؤمنين، وتفتح لها أبواب السماء، فتكون بجوار ربها كما يشاء، والله أعلم.
س18- امرأة لديها طفل لم يتجاوز السنة الأولى من عمره، كانت ترضعه، ثم نامت، ولما أصبحت وجدت أن ابنها قد مات وفارق الحياة، وهي تعتقد أنه مات بسببها، حيث إنها كثيرة الحركة في أثناء النوم. فماذا يلزمها شرعا؟(1/12)
جـ - يترجح أنه مات بسبب ضغطها وضمها له، مع أن العادة أنه إذا كان الطفل قد قارب السنة من عمره، فإنه عند ضمها له يضطرب وتكثر حركته ويحاول التخلص قبل موته، وتلك الحركة تكون سببا لانتباهها وشعورها بأنها قد تحاملت عليه، لكن إذا كانت ثقيلة النوم وكثيرة الحركة سيما من عمرها دون الثلاثين، فإنها قد لا تشعر بحركته، وبالجملة أرى أن عليها الدية والكفارة. فأما الدية فهي لأبيه، ويمكن أن يعفو عنها. وأما الكفارة: فهي تحرير رقبة مؤمنة، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، كما هو معروف في كفارة قتل الخطأ والله أعلم.
س19- هل يجوز سقيا النخيل والأشجار المثمرة بمياه المجاري أم لا؟ أفيدونا مأجورين.
جـ - هذه المياه تحمل النجاسة الظاهرة، وتختلط بالأبوال والأقذار، ويظهر ذلك في لونها وفي رائحتها، فعلى هذا أرى أنه لا يجوز استعمالها في سقي النخيل والأعناب والتين والرمان ونحوها، مما له ثمرة مأكولة، فإن هذه النجاسات يظهر أثرها في تلك الثمار، وتؤثر صحيا على من تغذى بها، لكن يمكن أن تصفى وتبستر ويعمل فيها ما يزيل أثر النجاسات، فتصبح صالحة لسقي الأشجار والبهائم أو يضاف إليها ما يزيل أثر النجاسات من طهور كثير ونحوه. فقد قال في زاد المستقنع: فإن أضيف إلى النجس طهور كثير غير تراب ونحوه أو نزح منه فبقي كثير غير متغير أو زال تغير النجس الكثير بنفسه طهر، والله أعلم.
س20- ما هو علاج الهم والحزن في الشريعة الإسلامية ؟(1/13)
جـ - العلاج المفيد هو دعاء الله - تعالى - بما ورد في السنة النبوية، فمن ذلك حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما أصاب أحدا قط هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك بن عبدك بن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض في حكمك، عدل فيَّ قضاؤُك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا )) رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم والبزار وأبو يعلى وغيرهم وصححه بعضهم.
وفي الصحيحين عن أنس كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن والعجز والكسل والجبن والبخل وضلع الدين وغلبة الرجال )) وغير ذلك من الأدعية، ومن العلاج للهم والحزن كثرة ذكر الله - تعالى - في كل الأحوال، فله أثر في تخفيف آلام القلب كما قال تعالى (( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ )) وقال الشاعر:-
بذكر الله ترتاح القلوب ... ودنيانا بذكراه تطيب
ومن العلاج للهم والحزن تحقيق الإيمان بالله - تعالى - والإكثار من الأعمال الصالحة، حيث إن المؤمن بربه يرضى بالقضاء والقدر، ويعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، ويعلم أن في هذا الابتلاء والامتحان خيرا كثيرا وأجرا كبيرا. وأن المصائب والنكبات يخفف الله بها من الخطايا، فيستحضر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( ما أصاب العبد المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه )) متفق عليه .(1/14)
ثم إن المؤمن المحتسب واثق بوعد الله - تعالى - بقوله - عز وجل - (( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً )) فالحياة الطيبة يزول معها الهم والحزن. ولعل السبب في ذلك أن المؤمنين بالله الإيمان الحقيقي الذي من ثمرته وتمامه العمل الصالح معهم أصول وأسس يتلقون فيها جميع ما يرد عليهم من المحبات والمسرات بقبول وشكر لله عليها، كما يتلقون المكاره والهم والغم بالمقاومة لما يمكنهم مقاومته، والصبر الجميل لما لا بد من وقوعه.
كما أن من العلاج للهم والحزن الاشتغال بالأعمال والحرف وتعلم العلوم النافعة، ففي ذلك انشغال عن أسباب الهموم والأحزان ونسيان لها، فإن كان عمله عبادة أو علما مفيدا فله أجر على ذلك مع الاحتساب، وإن كان عمله دنيويا أفاده أجرا مع النية الصالحة، وحصل فيه سلامة من تلك الأسباب التي تشغل القلب فعليه أن يُقبِل على أعماله اليومية وما يرتبه في كل وقت وأن يغفل عما مضى.
ومن أسباب الراحة وطمأنينة القلب السعي في إزالة الأسباب التي جلبت الهم والحزن إذا كانت معلومة، وذلك بعلاجها والنظر في منشأ كل منها، والنظر في تخفيفه مع استشارة أهل الرأي والفكر من إخوانه وأحبابه، فبزوالها أو تخفيفها يسعد في حياته، وما وقع ولم يمكن تداركه تسلى عنه ورضي بقضاء الله وقدره، وأكثر من سؤال ربه أن يحميه في مستقبل حياته، وأن يصلح له دينه ودنياه وآخرته، وأن يعينه على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن لا يَكِله إلى نفسه ولا إلى أحد من خلقه، فلعله بذلك يسلم من كل ما يكدر عليه صفو حياته، والله أعلم.
س21- ما هي الآداب القولية والفعلية التي ينبغي أن يكون عليها المسلم عندما يزور المرضى؟ أفيدونا أثابكم الله.(1/15)
جـ - عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في مخرفة الجنة حتى يرجع )) رواه مسلم .
ومن الآداب الفعلية أن يزوره كل ثلاث ليال، حتى لا يثقل عليه، إذا علم أن كثرة العيادة تكلفه. أما إن علم أن المريض يفرحه التردد عليه ويسيء الظن بأخيه المسلم إذا تأخر عنه فله أن يعوده كل يوم أو يومين. ومن الآداب الفعلية أن لا يثقل عليه ولا يطيل الجلوس إذا خاف أنه يحرجه؛ وذلك لأن بعض المرضى يتبرم من كثرة الزائرين وطول مكثهم عنده، حيث قد يكلفه الجلوس والتجلد أمامهم.
ومن الآداب القولية أن يعتذر الزائر عن التأخر إن رأى ذلك، وأن يدعو للمريض بالشفاء والعافية، وأن ينفس له في أجله، ويبشره بالأجر الكبير، على الصبر والاحتساب، ويحثه على الوصية، وأنها لا تقرب الأجل، وأن عليه الصبر والرضى بما قدره الله عليه، وبذلك يؤدي حق أخيه في قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( حق المسلم على المسلم خمس: رد السلام، وعيادة المريض )) الحديث، والله أعلم.
س22- هل يؤجر الإنسان على تبرعه بالدم ؟ وهل ينطبق عليه قوله تعالى: (( وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا )) أفيدونا مأجورين.(1/16)
جـ - لم يكن التبرع بالدم معروفا فيما سبق، فلذلك لم يذكر الأطباء الأولون العلاج بحقن الدم في العروق، وإنما هو شيء جاء في الطب الحديث، ولا شك أنه مما ظهر أثره ونفعه وتأثيره في المرضى، فلذلك أصبح العلاج به سائغا ومشهورا، ولا شك أن الذي يتبرع بشيء من دمه الزائد الذي لا يضره أخذه لينقذ به مريضا مدنفًا، ويكون سببا في زوال مرضه أو تخفيفه، هو مما يؤجر عليه احتسابا، ولعله يدخل في الآية الكريمة، إذا كان الشفاء يتوقف على هذا التبرع بإذن الله تعالى، مع أن كثيرا من العلماء قد أفتوا بمنع العلاج بالدم، وعللوا بنجاسته وتحريمه، وبحديث إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها ولكن لما أصبح مجربا ومفيدا، وليس فيه مباشرة النجاسة، حض فيه العلماء المتأخرون، وجعلوه من باب الضرورات، أو من العلاج المفيد بما لم يتحقق تحريمه، والله أعلم.
س23- إذا مد الكافر يده إليَّ مصافحا فهل يجوز لي أن أمد يدي له، وأنا أعلم أنه غير مسلم؟
جـ - ورد الحديث الصحيح بلفظ: (( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه )) فهذا في لفظ السلام، ففي المصافحة أولى بأخذ الحذر، ولكن قد يجوز مصافحته، إذا رجي إسلامه، ويكون ذلك من باب المداراة والدعوة إلى الله وحسن المعاملة، حتى يأخذ عن الإسلام وأهله فكرة حسنة مما يكون دافعا له إلى اعتناقه، وإلى ذكر المسلمين بين غيرهم بما يقتضي السمعة الحسنة وخصال الخير وحسن الملاطفة ولين الجانب، لكن متى عرف من الكافر الحقد والبغض للإسلام وأهله وإضمار الحقد والكراهية والعناد، فإن معاملته تكون بالشدة والغلظة؛ لقوله تعالى: (( جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ )) والله أعلم.
س24- هل كان الخلفاء الراشدون لديهم أكثر من زوجة ؟(1/17)
جـ - نعم تزوج أبو بكر قتيلة بنت عبد العزى فولدت له عبد الله وأسماء ثم تزوج أم رومان وهي أم عائشة وعبد الرحمن ثم تزوج أسماء بنت عميس بعد جعفر بن أبي طالب فولدت له محمد بن أبي بكر وتزوج حبيبة بنت خارجة وهي أم ابنته أم كلثوم بنت أبي بكر - رضي الله عنه.
أما عمر فتزوج زينب بنت مظعون وهي أم عبد الله وعبد الرحمن وحفصة وتزوج أم كلثوم بنت علي بن أبي طالب وهي أم زيد ورقية وتزوج أم كلثوم بنت جرول وهي أم زيد الأصغر وعبيد الله وتزوج جميلة بنت ثابت وهي أم عاصم وتزوج أم حكيم بنت الحارث فولدت له فاطمة وتزوج عاتكة بنت ابن عمه زيد بن عمرو وهي أم عياض بن عمر.
أما عثمان فتزوج رقية بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فماتت في غزوة بدر ثم تزوج أختها أم كلثوم فماتت في حياة النبي - صلى الله عليه وسلم - وتزوج فاطمة بنت غزوان وله منها أولاد، وتزوج أم عمر بنت جندب وفاطمة بنت الوليد وأم البنين بنت عيينة بن حصن ورملة بنت شيبة ونائلة بنت الفرافصة وكلهن لهن أولاد.
أما علي فتزوج فاطمة ثم خولة بنت جعفر الحنفية وليلى بنت مسعود وأم البنين بنت حزام وأسماء بنت عميس والصهباء بنت ربيعة وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع وأم سعيد بنت عروة بن مسعود ومحياة بنت امرئ القيس عدي وله منهن أولاد، ولهم أولاد من الإماء كثير.
س25- أريد صلة أرحامي، ولكن عندما أزورهم أشاهد بعض المنكرات مثل: اجتماع النساء مع الرجال، والتدخين من بعضهم أمام الآخرين، فكيف أصلهم والحال ما ذكر؟(1/18)
جـ - عليك بنصحهم وإرشادهم وتحذيرهم من العقوبة على هذه المنكرات، وتحذير النساء من التكشف أمام الرجال ولو كانوا من الأقارب، فإن ذلك من ذرائع الفواحش، فقد قال تعالى: (( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ )) الآية، فمن الزينة الوجه واليدان والقدمان ونحو ذلك، فلا تبديه إلا لمحارمها، وهكذا نصحهم عن تعاطي الدخان، وهو الذي ينكره كل ذي عقل سليم من مسلم وكافر، ويعرف ضرره كل عاقل، ويحذره الناصح الأمين، ومتى تكرر نصحك لهم فلم يقبلوا أو سخروا منك وأصروا على غيهم وفسادهم، فقللْ من زيارتهم، وتَحَرَّ الأوقات التي لا يحصل فيها تعاطي المنكرات، فمتى لاموك واستنكروا هجرانك فاعتذر إليهم بما تخشاه من إقرار المنكر، أو خشية الوقوع فيه، فلعل ذلك يدعوهم للانتباه، والله المستعان.
س26- هل الأعياد والجُمع تسقط عن المسافر أم لا؟
جـ - المسافر غالبا يلقى مشقة وصعوبة في السفر من الحل والترحال، ومواصلة السير في النهار كله وفي جزء من الليل، ولا شك أن المشقة تجلب التيسير، فلذلك يقصر الصلاة الرباعية تخفيفا عنه، ويجمع بين الصلاتين، ويفطر في رمضان، فعلى هذا لا يكلف في السفر بصلاة الجمعة والعيد، وهذا كان في الأسفار القديمة، التي تحصل فيها الصعوبات والمشقات، فأما في هذه الأزمنة فقد خفت المؤنة، وتقاربت الأسفار، وسهلت تلك الصعوبات، وأصبح المسافر لا يتكلف ما كان يلقاه سابقا، فلا مشقة عليه إذا مر بقرية في طريقه وفيها صلاة جمعة أو عيد أن يقف ساعة أو نحوها، ويؤدي معهم الصلاة.(1/19)
وهكذا إذا كان في البرية نازلا وبينه وبين المسجد الجامع نحو ساعة أو ساعتين بسير السيارة، فالمستحب المؤكد أن يصلي الجمعة في أقرب مسجد إليه، وبطريق الأولى إذا كان مقيما في البلد في فندق أو بيت، ومرت به جمعة، فلا يحق له أن يترك الجمعة، وهو يسمع المؤذن والخطيب بقرية، ولا عذر له في تركها، فيحضرها وتنعقد به ويصح أن يتولى الخطابة والإمامة في الجمعة والعيد، ولو كان مسافرا والله أعلم.
س 27- هل يجوز للمسلم أن يقسم أمواله كلها على ورثته وهو حي (حسب التقسيم الشرعي)؟
جـ - يكره له ذلك إذا اتهم بقصد حرمان الزوجة أو الأم ونحوهما، ويجوز أن يعطي أولاده الذكور والإناث من ماله، ويعدل بينهم حسب القسمة الشرعية، بقدر إرثهم للذكر مثل حظ الأنثيين، ولا يستحب له أن يمكنهم من أمواله كلها في حياته، ويبقى لا مال له سيما إذا كان فيهم من هو سفيه أو مبذر، لقوله تعالى: (( وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا )) ولا يجوز له تفضيل بعضهم على بعض، لحديث: (( اتقوا الله، واعدلوا بين أولادكم )) فالعدل هو التسوية الشرعية حسب كتاب الله تعالى، والله أعلم.
س28- هل كل ما فعله الخلفاء الراشدون يعتبر سنة ينبغي لنا أن نفعله؟ أفيدونا مأجورين.
جـ - ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها، وعضوا عليها بالنواجذ )) رواه أحمد وأهل السنن والمراد بالخلفاء هنا هم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، وألحق بهم عمر بن عبد العزيز ؛ لأنه سار على نهجهم، ولا شك أن الخلفاء الأربعة هم من قدماء الصحابة، ومن الذين لازموا النبي - عليه السلام - من حين بعث حتى توفي - صلى الله عليه وسلم - فهم من أعلم الناس بسيرته وسنته وما قاله وما أمر به.(1/20)
وكذلك هم من أحرص الخلق على الاقتداء به واقتفاء أثره، فلذلك يحتج العلماء بأقوالهم وأفعالهم، ويعدونها من المرفوع حكما، فهم أورع من أن يقولوا على الله وعلى رسوله بلا علم، وقد كثر من العلماء الاستدلال بما ينقل عنهم، وتقديمه على القياس والرأي، مع العلم أنهم غير معصومين، وأنه يوجد الخطأ من بعضهم، ويحصل بينهم اختلاف في الآراء والمسائل الاجتهادية. والأمثلة على ذلك كثيرة، ولكن إذا وجد لأحدهم قول ولم يعرف له مخالف فهو إجماع، فإن خالفهم غيرهم من الصحابة فالمقدم هو قول الخلفاء، أو قول أكابر الصحابة على من بعدهم، والله أعلم.
س29- إذا خرج مني دم يسير على أثر جرح، وأنا أصلي في المسجد، فهل أقطع الصلاة أم لا؟
جـ - لا شك أن الدم نجس، لأنه محرم، وكل محرم سائل فهو نجس: كالميتة والخمر، ولكن يُعفَى عن يسيره، فلا ينقض الوضوء، ولا يجب غسله. وإنما يجب من الفاحش، وهو ما يفحش في نفس كل إنسان بحسبه. وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أن الدم لا ينقض الوضوء واستدلوا بأن عمر صلى وجرحه يثعب دما، ولكنه معذور؛ لأن القروح السيالة كسلس البول، وكذا قصة الصحابي الذي رمي وهو يصلي، فاستمر في صلاته فإن قطعها لا يوقف الدم. فأما اليسير فيعفى عنه، فقد ذكر البخاري أن ابن عمر عصر بثرة فخرج منها الدم، ولم يتوضأ لقلته، وبزق ابن أبي أوفى دما فمضى في صلاته، وكل هذا دليل على العفو عن اليسير، لكن قد ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: إذا أحدث أحدكم في صلاته فليمسك بأنفه ولينصرف أي ليجدد الوضوء، وهذا دليل على أن الرعاف مشهور عندهم أن صاحبه ينصرف من الصلاة، لأنه نجس وناقض للوضوء، والله أعلم.
س30- ما الفرق بين صلاة الاستخارة وصلاة الحاجة ؟(1/21)
جـ - ليس في صلاة الحاجة حديث صحيح، لكن روى الإمام أحمد وأهل السنن وغيرهم عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ما من رجل يذنب فيتوضأ، ثم يصلي ركعتين، فيستغفر الله - عز وجل - إلا غفر له )) وهو حديث حسن، ولكن هذه صلاة التوبة.
أما صلاة الاستخارة فهي ما رواه جابر بن عبد الله - رضي الله عنهما - قال: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعلمنا الاستخارة في الأمور، كما يعلمنا السورة من القرآن، يقول: إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة، ثم ليقل: اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ولا أقدر وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال عاجل أمري وآجله، فاقدره لي، ويسره لي، ثم بارك لي فيه. وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو قال في عاجل أمري وآجله، فاصرفه عني، واصرفني عنه، واقدر لي الخير حيث كان، ثم أرضني به، قال ويسمي حاجته )) رواه البخاري وغيره.
وهو صريح في الأمر الذي يتردد في مناسبته أو عدمها، فيصلي ثم بعد الصلاة يدعو، لتكون الصلاة كوسيلة لقبول هذا الدعاء، والله أعلم.
س31- ما صحة هذا الحديث: (( من صلى الضحى اثنتي عشرة ركعة بنى الله -تعالى- له قصرا في الجنة من ذهب )) .
جـ - الحديث رواه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء في صلاة الضحى. وكذا رواه ابن ماجه في إقامة الصلاة، باب ما جاء في صلاة الضحى من حديث موسى بن عبد الله بن المثنى بن أنس بن مالك عن ثمامة بن أنس عن أنس بن مالك وقال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وذكر الحافظ أن موسى بن عبد الله مجهول، فالحديث ضعيف، لكن تساهلوا فيه؛ لأنه في فضائل الأعمال. وفي الباب عدة أحاديث في الترغيب في صلاة الضحى. ذكر أكثرها ابن القيم في زاد المعاد، والله أعلم.(1/22)
س32- هل يجوز البول واقفا لمن يؤلمه الجلوس ؟
جـ - ثبت في الصحيح عن حذيفة - رضي الله عنه - (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى سباطة قوم فبال قائما )) وقد اختلف في سبب ذلك، فقيل: إن ذلك كان لوجع بمأبضه أي باطن الركبة، وقيل: فعله استشفاء من وجع الصلب، كما كانت العرب تفعله، ذكره الشافعي وقيل: فعله تنزها وبعدا عن إصابة البول. فالسباطة هي المزبلة المرتفعة. فلو بال عليها جالسا لارتد عليه بوله، فهو استتر بها فلم يكن بد من البول قائما، وقد قالت عائشة - رضي الله عنها - (( من حدثكم أنه كان يبول قائما فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعدا )) رواه أحمد وأهل السنن وسنده صحيح.
وروى الترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( يا عمر لا تَبُلْ قائما قال: فما بلت قائما بعد )) وروى البزار بإسناد صحيح عن بريدة مرفوعا: ثلاث من الجفاء: أن يبول الرجل قائما الحديث، والله أعلم.
س33- يواجه بعض المرافقين للمرضى بالمستشفيات من فراغ طويل مدة مرافقتهم لمرضاهم، والتي قد تصل إلى عدة أسابيع، فبماذا توجهونهم؟
جـ - نوجههم إلى قراءة القرآن، وتعلم العلم النافع، والدعوة إلى الله وكثرة الذكر، ودعاء الله - تعالى - لمرضى المسلمين بالشفاء وبزيارة المرضى وتأنيسهم، فإن في قراءة القرآن وكثرة الذكر ما يزيل الهم والغم ويشغل الوقت مع أنه عمل صالح، وفيه حسنات وأجر كبير، وفي الانشغال بحفظه واستظهار سوره وآياته وتدبره والتفقه في معانيه زيادة معلومات وفوائد ومعرفة بالكتاب المنزل علينا، فنوصي هؤلاء المرافقين بأن يكبوا على القرآن وينشغلوا بقراءته وحفظه أو حفظ ما تيسر منه.(1/23)
وكذا بالقراءة في كتب التفسير المختصرة، وتكرار ذلك حتى يعين على فهم المعاني والاستفادة منها والزيادة في المعلومات، وهكذا نوصيهم بالتعلم للعلم النافع من أفواه العلماء الموجودين لديهم، ومن الرسائل والكتب العلمية المختصرة، المفيدة سواء في التوحيد أو في العقائد أو في الأحكام والآداب أو في الفضائل، وإن لم يجدها من يطلبها أو لم يعرفها فعليه بالسؤال عنها لمن يعرفها ويعرف أهميتها، وهكذا نوصيهم بالدعوة إلى الله أفرادا وجماعات، ولأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من حمر النعم. وهكذا نوصي بكثرة الذكر والدعاء والرغبة إلى الله أن يشفي مرضى المسلمين، وأن يزيل ما هم به من الهم والغم والكرب الشديد، والله أعلم.
س34- ما حكم الشرع فيما يقوله بعض الناس: لولا الطبيب فلان لمات المريض - لولا حنكة الطيار فلان لسقطت الطائرة - لولا المدرس فلان لرسب الطلاب؟
جـ - لا يجوز هذا الإطلاق، فإن أفعالهم مسبوقة بقدرة الله - تعالى - وإرادته والواجب أن يقال: لولا الله ثم فلان ليكون فعل الطبيب أو المدرس مسبوقا بإرادة الله وقدرته وخلقه ومشيئته. وقد روى ابن جرير في تفسير قوله تعالى: (( يَعْرِفُونَ نِعْمَةَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا )) عن عون بن عبد الله بن عتبة قال: يقولون لولا فلان أصابني كذا وكذا، ولولا فلان لم أصب كذا وكذا. وهذا يتضمن قطع إضافة النعمة عمن لولاه لم تكن وإضافتها إلى من لا يملك لنفسه ضرا ولا نفعا، ولو كان له سبب فالسبب لا يستقل بالإيجاد.
فالرب - تعالى - أنعم عليه وجعله سببا ولو شاء لسلبه السببية، وشبهه بعض السلف بقول بعضهم : كانت الريح طيبة والملاح حاذقا بما فيه إسناد السبب إلى المخلوق ونسيان مسبب الأسباب.(1/24)
وذكر ابن كثير عند تفسير قوله تعالى: (( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا )) عن ابن عباس قال: الأنداد هو الشرك. ثم ذكر منه أن تقول: لولا كليبة هذا لأتانا اللصوص. ولولا البط في الدار لأتى اللصوص. وقول الرجل: لولا الله وفلان. لا تجعل فيها فلانا، هذا كله به شرك، رواه ابن أبي حاتم فعلى هذا ينصح من يقول: لولا الطبيب لمات المريض، بأن يقول: لولا الله ثم الطبيب الفلاني: وكذا لولا الله ثم حنكة الطيار. أو لولا الله ثم المدرس فلان. وإن كان الأولى إسناد الجميع إلى الله تعالى.
س35- هل كل ما في البحر من الحيوانات يجوز أكله ؟
جـ - قال الله تعالى: (( أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ )) فصيده ما يصاد فيه، وطعامه ما لَفَظَهُ ميتا فكله مباح بدون ذكاة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في البحر: (( هو الطهور ماؤه الحل ميتته )) وظاهره أن كل دواب البحر صيد حلال حيا وميتا. واستثنى بعضهم الضفادع ففي السنن والمسند (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن قتل الضفدع )) وذهب بعضهم إلى أن ما حرم شبيهه في البر حرم في البحر: ككلب الماء وحيَّاته. وإن كان الأصل عموم الإباحة لصيد البحر إلا ما يعيش في البر، والله أعلم.
س36- بعض الناس لا يختن أولاده إلا وهم كبار، ويعمل وليمة يوم الاختتان، فما حكم الشرع في ذلك؟
جـ - الأفضل الختان في الصغر ففيه مصلحة، وهي أن الجلد بعد التمييز يغلظ ويخشن، فلذلك استحبوا الختان قبل التمييز لرقة الجلدة وسهولة قطعها، ولأنه في الصغر لا حكم لعورته، فيجوز كشفها ولمسها لمصلحة، ثم إن ذلك أيضا أسهل لعلاجه، ومداواة الجرح، وبرئه سريعا.(1/25)
واختار بعضهم الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين، وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة، ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب. أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف. فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه. أما عمل الوليمة على الختان فلا بأس بها، وهي من الولائم القديمة قبل الإسلام، وتسمى الإعذار وإن كان الناس في هذه الأزمنة قد تغافلوا عنها، فليست سنة مؤكدة كالعقيقة، والله أعلم.
س37- رجل أحضر والده من خارج مدينة الرياض للعلاج، واستأجر منزلا بجوار المستشفى الذي يرقد فيه والده من أجل أن يكون قريبا من والده، فهل يعتبر مسافرا، وتجري عليه أحكام المسافر حيث سيمكث قريبا من الشهر؟ أفيدونا مأجورين.
جـ - لا يعتبر مسافرا والحال هذه، فإنه مقيم في منزل كمنازل المقيمين يتمتع بما يتمتعون به من الفرش واللحف والأنوار والتهوية والمراوح والأطعمة والفواكه ونحو ذلك، فلا يسمى مسافرا، فإن السفر قطعة من العذاب، وليس كذلك المقيم في هذه المنازل المسقفة المفروشة المنورة، ثم أيضا هو يسمع المؤذنين بقربه، وليس له عذر يمنعه من الصلاة معهم، فتأخره يسبب ترتب الوعيد عليه كمن سمع النداء، ولم يجب من غير عذر. ثم أيضا هو قد عزم على الإقامة أكثر من أربعة أيام، وقد ذهب الجمهور إلى أن من عزم على أن يقيم أربعة أيام فأكثر أن عليه الإتمام كما أقر ذلك علماؤنا، والله أعلم.
س38- هل يجوز استخدام دم بعض الحيوانات في تركيب الأدوية ؟(1/26)
جـ - الأصل في الدماء المسفوحة التحريم، والمحرم نجس، فلا يجوز استعمال النجس في العلاج. وقد ذهب بعض العلماء إلى أن النجاسة تطهر بالاستحالة والتغير، فلا يحكم بنجاسة رماد الميتة ودخانها ونحوه، فعلى هذا يمكن أن يقال أن الأدوية المركبة من بعض النجاسات تباح لاستحالة النجاسة وذهاب عينها، والله أعلم.
س39- هل ورد فضل للحجامة وهل لها فوائد طبية؟
جـ - ورد الحث على الحجامة والعلاج بها، وفعلها النبي - صلى الله عليه وسلم - ولعل ذلك يناسب في بعض الأزمنة والأمكنة ولبعض الأشخاص دون بعض، وقد ثبت (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم وأعطى الحجام أجره، وقال: خير ما تداويتم به الحجامة )) وذكروا من منافعها أنها تنقي سطح البدن، وتستخرج الدم من نواحي الجلد، ويؤمر بها في النصف الثاني من الشهر، وقد روى الترمذي عن ابن عباس يرفعه: (( أن خير ما تحتجمون به في يوم سابع عشر، أو يوم تاسع عشر، أو يوم إحدى وعشرين )) وله عن أنس (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يحتجم في الأخدعين والكاهل، وكان يحتجم لسبعة عشر وتسعة عشر وإحدى وعشرين )) وتكره عندهم الحجامة على الشبع، وتكره الحجامة يوم السبت ويوم الأربعاء.
ولعل الحال يختلف باختلاف الأزمان والأماكن والأشخاص، فمن الناس من يتضرر حتى يحتجم، وتصبح الحجامة عادة له لا يصبر عنها كل عام، ومنهم من لا يحتاج إليها لقلة الدم الزائد معه، والله أعلم.
س40- يلاحظ في الآونة الأخيرة قيام بعض الأزواج بأخذ زوجاتهم وأخواتهم إلى المساجد التي تكثر فيها الجنائز من أجل الصلاة عليها ونيل الثواب، فهل هذا مشروع وما توجيهكم؟(1/27)
جـ - لا مانع من ذلك، إذا كان هناك مُصَلى خاص للنساء، لا يراهن الرجال فيه؛ وذلك لأن الأجر المترتب على الصلاة على الجنازة يعم الرجال والنساء فيحصل للمرأة قيراط من الأجر بصلاتها على المسلم الميت قريبا كان أو بعيدا، ويحمل حديث (( وبيوتهن خير لهن )) على ما إذا كانت تبرز للرجال وتقرب صفوف النساء من صفوف الرجال، ومما يدل على صلاة المرأة على الجنازة ما رواه مسلم (( أن عائشة - رضي الله عنها - أمرت أن يمر بجنازة سعد بن أبي وقاص في المسجد، فتصلي عليه، فأنكر الناس عليها فقالت: ما أسرع ما نسي الناس؟ ما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على سهيل بن البيضاء إلا في المسجد )) .
وفي رواية: (( لما توفي سعد بن أبي وقاص أرسل أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يمروا بجنازته في المسجد، فيصلين عليه، ففعلوا، فوقف به على حجرهن يصلين عليه ثم أخرج به من باب الجنائز الذي كان إلى المقاعد .. )) وهو دليل على أن أمهات المؤمنين حرصن على الصلاة على سعد كغيرهن، وحيث إن الجنائز في هذه الأزمنة يُصلى عليها في المساجد، وأن أغلب المساجد فيها مصلى يختص بالنساء محجوب بحيطان منيعة، فعليه يجوز أن يأتي النساء ويشاركن في الصلاة على الأموات طلبا للأجر، والله أعلم.
س41- أنا امرأة معلمة، وعندما أريد الذهاب إلى عملي في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا أؤدي صلاة الفجر، وذلك كل يوم، فهل علي إثم؟(1/28)
جـ - لا يجوز ذلك، فإن هذا تفريط وإهمال وإضاعة للوقت، يدخل في قول الله تعالى: (( الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ )) توعدهم بالويل، وهو شدة العذاب، وفسر السهو بالتأخير عن وقتها، وكذلك قال تعالى: (( فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ )) وإضاعتها التفريط فيها حتى يخرج الوقت، حيث إن وقت صلاة الفجر في هذه الأيام يبدأ في الرياض الساعة الرابعة والربع، وتشرق الشمس الساعة الخامسة والنصف وخمس دقائق، فمعنى ذلك أن هذه المرأة تؤخر الصلاة بعد خروج الوقت ساعة أو قريبا منها، وهي مع ذلك تهتم بالعمل الذي تحصل منه على مال دنيوي فتحافظ عليه، وتهمل الصلاة المكتوبة، وقد يعتبر هذا العمل إذا تعمده الإنسان كفرا أو فسوقا، حيث يهتم الإنسان بأموره الدنيوية، ويفرط في أمر العبادة، ويتساهل في أدائها، وذلك عين الإهمال وعدم الاهتمام بأمر العبادة، نعوذ بالله من الخذلان، والله أعلم.
س42- حافظ الإسلام على الأسرة المسلمة وحماها من الشرور والمخاطر، فهل لنا أن نعرف شيئا من ذلك؟(1/29)
جـ - الأسرة هي الجماعة التي يضمها موضع واحد، وتنتمي إلى أصل واحد يكون لها كرئيس مسئول عن أسباب فسادها وانحرافها، ويكون حريصا على استقامتها، وسلامتها من الفساد والكساد، وقد جاء الإسلام بتوصية الولي والراعي على الاهتمام برعيته والقيام بما يصلحها ويحفظها، وذلك بحسن التربية والتعليم، فيلقن الأطفال في الصغر معرفة الإسلام وما خلقوا له ومعرفة ربهم ونبيهم حتى ينشئوا على العقيدة السليمة، وهكذا يعلمهم ما يلزمهم من العبادات والطاعات، وكيف يكون فعلها، وما يحرم فعله، ويجب الابتعاد عنه، ويلقنهم الترغيب في الحصول على الأجر والثواب العاجل والآجل، والتحذير من العقوبات الدنيوية والأخروية وأسبابها، ثم إن الإسلام حرم كل ما يضر في الدين والبدن، ورتب على ذلك العقوبات والزواجر، لتكون رادعة لذوي النفوس الضعيفة عن الانهماك في الشرور والمخاطر، التي تندفع إليها بعض النفوس بحجة أنها تسلية أو ترفيه أو تنشيط رياضي، مع أنها في الحقيقة هلاك ودمار للأسرة والمجتمع.
وقد جرت العادة أن الله يسلط الأشرار على الأخيار ويعيبونهم عند التزامهم بتعاليم الشرع، ويرمونهم بالتزمت والتشدد والغلو وتحريم المباح وفطم النفس عن ملذاتها، ونحو ذلك مما ينخدع به الجم الغفير، الذين وقعوا في أسباب الهلاك، فتراهم يجلبون إلى منازلهم آلات اللهو واللعب والأغاني الماجنة والأفلام الخليعة والصور الفاتنة، سواء عبر القنوات الفضائية أو أجهزة الاستقبال وضمن أشرطة أو أفلام مرئية أو مسموعة، مما حرمه الله، ونهى عنه، حفاظا على الفطرة، وحفظا للكرامة، التي قد تنتهك بسبب تلك الأصوات والنغمات المحرمة، وهكذا يدعو دعاة السوء إلى سلب المرأة المسلمة كرامتها وعفتها.(1/30)
وقد جاء الإسلام بالمحافظة على نساء المؤمنين وأمرهن بالحجاب والستر والقرار في البيوت إلا لحاجة، ونهى عن التبرج والسفور والاختلاط، ونحو ذلك من الشرور والمخاطر التي تفتك بالأمة، وتوقعها في الرذيلة، فمتى طبق المسلمون هذه التعاليم وتمشوا على هذه الإرشادات فإنهم يسلمون من الشرور والمخاطر ومن أعرض عنها فلا يلومن إلا نفسه، والله أعلم.
س43- في بعض البلاد تكون المساجد على شكل أدوار، ثلاثة أدوار أو أربعة، فإذا صلت النساء مثلا في الدور الثاني وصلى الرجال فوقهم - أي في الدور الثالث - فما حكم صلاتهم، وجهونا أثابكم الله.
جـ - لا بأس بذلك لوجود الفاصل والحاجز المانع من الاختلاط، وإنما يتأخر النساء عن الرجال إذا كانوا في موضع واحد بحيث يرى بعضهم بعضا، فقول النبي - صلى الله عليه وسلم – (( خير صفوف الرجال أولها وشرها آخرها وخير صفوف النساء آخرها وشرها أولها )) رواه مسلم يدل على أن الجميع في مستوى واحد، فكره للنساء التقدم مخافة القرب من الرجال.
وفي الصحيحين عن سهل بن سعد قال: (( كان رجال يصلون مع النبي - صلى الله عليه وسلم - عاقدي أزرهم على أعناقهم كهيئة الصبيان. ويقال للنساء: لا ترفعن رءوسكن حتى يستوي الرجال جلوسا )) وذلك دليل على أن الجميع في موضع واحد. أما إذا صلين فوق الرجال أو تحتهم وكُنَّ خلف الإمام فلا حرج أن يحاذين الرجال، حيث يؤمن النظر والاختلاط، والله أعلم.
س44- ما هو رأي فضيلتكم في مسألة زكاة الذهب المستعمل هل ترون فيه زكاة أم لا؟(1/31)
جـ - فيه خلاف قوي ولا شك أن قوة الخلاف بسبب تكافؤ الأدلة، فقد ورد حديثان في زكاة الحلي مطلقا، ولا بأس بإسناديهما، وورد حديث عن جابر في عدم الزكاة أورده الزركشي في شرح مختصر الخرقي وتكلمنا على إسناده، والصحيح أنه موقوف، وروي ترك الزكاة عن عائشة وغيرها، وعلل من قال: لا زكاة فيه. بأنه مستعمل، وأنه لا يتنامى، ولا يزيد كما في النقود، التي يمكن الاتِّجار بها، وألحقوه بالأواني والأكسية ونحوها، ومع ذلك فالاحتياط إخراج زكاته إذا بلغ النصاب خروجا من الخلاف، والله أعلم.
س45- إذا كان الرجل يصلي في منزله صلاة التطوع، ثم مرت أمامه زوجته أو بنته البالغة فهل تقطع صلاته وعليه إعادتها أم لا؟
جـ - وردت أحاديث كثيرة أن المرأة تقطع الصلاة وظاهرها الإبطال، وقد أنكرت ذلك عائشة لكن لصحة الأحاديث يعمل بها، وقد حمل بعضهم القطع على النقص، واستدلوا بحديث: (( لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم )) والاحتياط إعادة الصلاة أو استئنافها إذا مرت المرأة المكلفة بينه وبين موضع سجوده، والله أعلم.
س46- كيف يحمي الأب أبناءه من جلساء السوء وهم يختلطون بهم في كثير من المواقع كالشارع والمدرسة وجلسات الأقارب... إلخ؟
جـ - نوصي الأب وولي الأمر أن يتعاهد أولاده بالنصح والتوجيه والتعليم النافع، فيلقنهم التوحيد والعبادة والذكر والدعاء وتعظيم الرب - تعالى - وما له من الحقوق على العباد، ويربيهم على القيام بالواجبات: كالطهارة والصلاة والصوم وحب الله - تعالى - ورسوله والإخلاص له، كما يحذرهم من المعاصي والمحرمات، ويبين لهم خطر المسكرات والمخدرات والدخان والأغاني والملاهي والصور والصحف الماجنة والمجلات الفاسدة وسماع الإذاعات التي تبث الشرور، وتدعو إلى العهر والفساد، سواء كانت مرئية أو مسموعة، وهكذا يحذرهم من جلساء السوء ودعاة الشر والفساد، ويحثهم على الجلساء الصالحين، فإن المرء على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل.(1/32)
ولا شك أن جلساء السوء هم المفسدون، وأنهم يدعون إلى ما هم واقعون فيه، فيخذلون عن الصلاة مطلقا أو عن الجماعة، ويزينون شرب الدخان وأكل المخدرات والحشيش ونحوها، ويحثون على ذلك بكل ما يقدرون عليه، ويعيبون من خالفهم بأنه متزمت ومتشدد، وأن الدين يسر، وأن لا بأس بحلق اللحى والإسبال والاختلاط، وأن المرأة لها الحرية في نفسها، ونحو ذلك من الحيل الفاسدة.
فالواجب على ولي الأمر أن يتعاهد رعيته وأهل بيته بالنصح، وأن يخوفهم من أهل الشر والفساد، وأن يبعد عنهم كل الوسائل المفسدة للأديان والأخلاق، حتى يكون ذلك سببا في سلامتهم، والله الموفق.
س47- إذا أصاب الفتاة مرض فتساقط شعر رأسها، فهل يجوز لأهلها أن يصلوا شعرها الباقي بشعر آخر، لا سيما إذا كبرت وبلغت سن الزواج من أجل أن يَقبَلها الخطاب (الأزواج)؟.
جـ - ورد في الحديث الصحيح عن عائشة - رضي الله عنها - (( أن جارية من الأنصار تزوجت، وأنها مرضت فتمعط شعرها، فأرادوا أن يصلوها، فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: لعن الله الواصلة والمستوصلة )) وفي الصحيح أيضا عن أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنهما - (( أن امرأة جاءت إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الله عليه وسلم فقالت: إني أنكحت ابنتي، ثم أصابها شكوى فتمزق رأسها، وزوجها يستحثني بها، أفأصل رأسها؟ فسب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الواصلة والمستوصلة )) .
وفي الصحيح أيضا عن ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لعن الله الواصلة والمستوصلة )) ومثله عن أبي هريرة وغيره.(1/33)
وفي هذه الأحاديث ونحوها النهي الشديد عن وصل الشعر بشعر أو ما يشبه الشعر مما يسمى بالباروكة أو الشعر الصناعي أو نحو ذلك، ولو استحسن ذلك الزوج ففي رواية لمسلم (( وزوجها يستحسنها )) أي يستحسن الوصل، ولا شك أن الوعيد باللعن، والنهي يدل على التحريم، وأنه من الكبائر لأنه غش وتدليس، وذلك أن شعر الرأس يعتبر من الزينة والجمال، الذي أنبته الله في الإنسان، فمتى سقط وتمعط كله أو بعضه فإن ذلك بقدر الله وقضائه، فيلزمه الرضا والتسليم، ومع ذلك يشرع علاجه بأدوية مباحة أو ادّهان ونحوها، فلعله أن يعود كما كان، فيتم الجمال المطلوب، والله أعلم.
س48- ادعى طبيب أن الخمر علاج بعض الأمراض، وقد كنت مريضا فصدقته (جهلا مني) فشربت قليلا من الخمر، والآن أنا تائب، فهل علي كفارة؟
جـ - عليك صدق التوبة وكثرة الاستغفار، فذلك كفارة ما فعلت، ويسقط الحد بعذر الجهل، ولا يجوز تصديق من ادَّعى أن في الخمر دواء أو علاجا فقد ورد في الحديث عند مسلم وغيره (( أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الخمر فنهاه أو كره أن يصنعها، فقال: إنما أصنعها للدواء فقال: إنه ليس بدواء ولكنه داء )) قال النووي في شرحه: هذا دليل لتحريم اتخاذ الخمر وتخليلها وفيه التصريح بأنها ليست بدواء فيحرم التداوي بها.. إلخ، والله أعلم.
س49- رجل أصيب بمرض يوم عرفة ونقل إلى المستشفى، ومكث فيه إلى يوم العيد (اليوم العاشر من ذي الحجة) فما حكم حجه وهل يحوله إلى عمرة؟(1/34)
جـ - إذا كان قد وقف بعرفة وهو محرم ولو نهارا فإن حجه قد انعقد، وكملت أركانه فعليه بعد أن يطوف بالبيت ويسعى بين الصفا والمروة يوم العيد أو بعده، ويكمل الواجبات بالمبيت بمنى ليالي منى ورمي الجمار والحلق والنحر إن كان متمتعا، وعليه دم عن ترك المبيت بمزدلفة لأنه من الواجبات، ودم عن انصرافه من عرفة قبل الغروب في اليوم التاسع، وليس له تحويل إحرامه إلى عمرة والحال هذه. أما إن كان قد أصابه المرض قبل الوقوف بعرفة ففاته الوقوف فإنه يتحلل بعمرة وتبقى عليه حجة الإسلام إن لم يكن قد حج فرضه، والله أعلم.
س50- ما معنى (( كل غلام مرتهن بعقيقته )) ؟
جـ - الحديث رواه الإمام أحمد وأهل السنن عن الحسن البصري عن سمرة - رضي الله عنه -. قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح، والعمل على هذا عند أهل العلم، يستحبون أن يذبح عن الغلام العقيقة يوم السابع فإن لم يتهيأ يوم السابع فيوم الرابع عشر، فإن لم يتهيأ عق عنه يوم إحدى وعشرين.
وقال الخطابي في معالم السنن: اختلف الناس في هذا، وأجود ما قيل فيه ما ذهب إليه أحمد بن حنبل قال: هذا في الشفاعة يريد أنه إذا لم يعق عنه فمات طفلا لم يشفع في أبويه.
وقيل: معناه أن العقيقة لازمة لا بد منها، فشبه المولود في لزومها وعدم الانفكاك منها بالرهن في يد المرتهن، وهذا يقوي قول من قال بالوجوب، وقيل: المعنى أنه مرهون بأذى شعره، ولذلك قال فأميطوا عنه الأذى. وأخرج ابن حزم عن بريدة الأسلمي قال: إن الناس يعرضون يوم القيامة على العقيقة. كما يعرضون على الصلوات الخمسة. وهذا لو ثبت لكان قولا آخر يتمسك به من قال بالوجوب، والله أعلم.
س51- رجل ليس في رأسه شعر (خلقة) يعني أنه أصلع، فهل يسقط عنه الحلق أو التقصير في الحج أو العمرة؟(1/35)
جـ - الحلق أو التقصير عبادة ونسك في الحج والعمرة ذكره الله – تعالى - بقوله: (( مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ )) والنسك لا يتم الحج والعمرة إلا به، ولهذا من تركه فعليه دم جبران، لقول ابن عباس من ترك نسكا فعليه دم. ثم إن العلماء ذكروا أن من لا شعر في رأسه فعليه أن يمر الموسى على رأسه أي علي منابت الشعر، وكذا من حلق رأسه ثم أحرم بعمرة أخرى وتحلل قبل نبات شعره، فإنه يمر الموسى على رأسه، فبذلك يحصل التحلل فإن لم يفعل فعليه دم جبران. والله أعلم.
س52- رجل طاف أربعة أشواط ثم أصابه تعب ومشقة فذهب للشقة التي يسكن فيها، ثم بعد وقت في نفس اليوم رجع وكمل باقي الأشواط. ثم أكمل عمرته فما حكم فعله هذا وماذا عليه؟
جـ - الطواف بالبيت عبادة مستقلة، وهي ركن في الحج أو في العمرة، وواجب للوداع، وسنة في غير ذلك. ولها شروط وأركان معروفة، ومنها الموالاة، وهي أن يوالي الأشواط، فلا يفصل بينها بفاصل طويل، فإن فعل لزمه أن يستأنف الطواف من أوله، أما الفاصل اليسير، فكما لو انتقض وضوءه فذهب فتوضأ في وقت قصير كربع ساعة ونحوه، وكذا إذا أقيمت الصلاة فتأخر وصلى ثم رجع، فإنه يواصل فنقول: هذا الذي ذهب إلى الشقة قبل إكمال الطواف، إن أطال البقاء فيها كساعة أو نحوها فعليه أن يستأنف، وإن لم يطل الفصل أجزاه الإتمام، وحيث إنه فعل ما فعل عن جهل أو تقليد فلعله يعذر بالجهل ولا تكلفة باستئناف العمرة للمشقة، وعليه الانتباه في المستقبل. والله أعلم.
س53- مرض رجل مرضا شديدا، وهو لم يحج، فخشي على نفسه، فأناب عنه من يحج عنه حجة الإسلام ( الفريضة )، ثم بعد ذلك عوفي وشفي من مرضه، فهل يجب عليه أن يحج فرضه أم سقطت عنه الفريضة؟(1/36)
جـ - لا تصح الإنابة إلا عن المعضوب الذي لا يرجى برؤه بمرض يلزمه الفراش، ويقرر الأطباء المعتبرون أنه لا علاج له أو بإعاقة كالمقعد والمشلول، فله أن ينيب من يحج ويعتمر عنه من حيث وجبا. أما إذا برئ من المرض فإنه دليل على أنه يرجى برؤه، فعليه أن يؤدي الفريضة حجا أو عمرة بنفسه على المختار، فإن الحج عبادة بدنية أكثر منها عبادة مالية، فإحرامه وطوافه وسعيه ووقوفه ومبيته ورميه وتلبيته ودعاؤه وذكره يكسبه ذلا وتعبدا ورقا وخشوعا لربه، ولا يحصل له ذلك بدفع المال لمن يحج عنه، والله أعلم.
س54- هل يجوز الإحرام بالثياب والبدل العسكرية وماذا يلزم من فعل ذلك؟
جـ - من أحرم وعلى بدنه ثوب مخيط أو بدلة عسكرية صح إحرامه، وعليه فدية عن لبس المخيط، وفدية عن تغطية الرأس. فإن لم يغط رأسه فليس عليه إلا فدية اللباس، وهي صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين من مساكين الحرم، أو ذبح شاة لمساكين الحرم، فله الخيار بين الثلاثة، وإحرامه صحيح، وذلك أن الإحرام هو نية الدخول في النسك، وليس من شرطه التجرد عن اللباس المعتاد، ولكنه من محظورات الإحرام التي تجب بفعلها الفدية: كفدية حلق الرأس، فمتى أحرم بقلبه، واشتغل بالتلبية، وتجنب الطيب، والحلق والتقليم، والصيد والنكاح، ومقدماته صح إحرامه وعليه إكمال المناسك بالطواف وما بعده ويفدي لما فعله من المحظورات.
س55- هل الكحل سنة في حق الرجال والنساء ؟ وهل له فوائد؟
جـ - الاكتحال قد يفعل كعلاج للعين في حق الرجال والنساء من الرمد ووجع العين برمد ونحوه. وقد ورد الحث على الاكتحال بالإثمد وهو من أنفع العلاج للعين وحفظ البصر وتقويته.(1/37)
قال ابن القيم في الطب النبوي في حرف الهمزة لمَّا ذكر الإثمد قال: هو حجر الكحل الأسود يؤتى به من أصبهان وهو أفضله، ويؤتى به من جهة المغرب أيضا، وأجوده السريع التفتت، الذي لفتاته بصيص، وداخله أملس، ليس فيه شيء من الأوساخ، ومزاجه بارد يابس، ينفع العين ويقويها، ويشد أعصابها، ويحفظ صحتها، ويذهب اللحم الزائد ويدملها، وينقي أوساخها ويجلوها، ويذهب الصداع إذا اكتحل به مع العسل المائي الرقيق اهـ.
وقد ذكر الفقهاء في سنن الفطرة أنه يستحب أن يكتحل قبل النوم بالإثمد في كل عين ثلاثا، وذكر ابن القيم أنه أجود الأكحال للعين لا سيما للمشايخ، والذين قد ضعفت أبصارهم إذا جعل معه شيء من المسك، فأما الكحل الأسود الذي تتخذه النساء للزينة فهو غير الإثمد، ولا يتخذ علاجا وهو خاص بالنساء، وأرى أن فعل الرجال له واستعمالهم له ظاهرا يلفت الأنظار، ويكون تشبها بالنساء، والله أعلم.
س56- ما هو الدعاء الذي يقال أثناء دفن الميت والذي يقال بعد الدفن؟
جـ - ذكر العلماء أنه يقال عند إدخال الميت في قبره: بسم الله وعلى ملة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وهكذا يقال عند الدفن، ذكر ذلك في (الروض المربع) و(الروض الندي) و(كشاف القناع) وغيرها. فأما بعد الدفن فقد روى أبو داود في باب الاستغفار عند القبر للميت بإسناد حسن عن عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت، فإنه الآن يسأل )) وعن علي - رضي الله عنه - أنه كان يقول بعدما يفرغ من دفن الميت: اللهم هذا عبدك نزل بك، وأنت خير منزول به، فاغفر له ووسع مدخله ذكره رزين(1/38)
وروى أبو داود والترمذي في الجنائز عن ابن عمر (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أدخل الميت القبر قال: باسم الله وبالله، وعلى ملة رسول الله )) وقال مرة : (( باسم الله، وبالله، وعلى سنة رسول الله )) وصححه الحاكم والذهبي فيستحب بعد الدفن أن يقول: اللهم ثبته بالقول الثابت في الدنيا والآخرة، اللهم ثبته على الصراط، اللهم لقنه حجته، اللهم ثبته عند اللقاء، ونحو ذلك، والله أعلم.
س57- ما معنى الدعاء الذي يقال للميت: اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده؟
جـ - قد ورد أن من صلى عليه فله قيراط من الأجر، ومن تبعه حتى يدفن فله قيراط. فمن احتسب هذا الأجر لم يحرمه الله من ذلك، فنحن ندعو أن لا يحرمنا ربنا أجره، أي أجر الصلاة عليه وأجر الدعاء له وأجر تشييعه وتجهيزه وحمله ودفنه ونحو ذلك، ونقول: ولا تفتنا بعده أو لا تضلنا بعده، أي لا تسلط علينا فتنة أو شبهة نضل بها عن الحق بعد هذا الميت، والله أعلم.
س58- ما معنى قول أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - هذه جبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يلبسها، فنحن نغسلها للمرضى يُستشفى بها: وهل يجوز الاستشفاء بثياب الصالحين ؟
جـ - لا يجوز التبرك بالصالحين مطلقا، أي بلباسهم ولا بعرقهم ولا بشعرهم، ونحو ذلك. فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فهو مخصوص بأن الله - تعالى - قد جعل فيه البركة فيما مسه، فقد كان إذا غمس يده الشريفة في الماء نبع الماء من بين أصابعه كالعيون، ولما تفل في العجين والبرمة عند جابر - رضي الله عنه - بارك الله في اللحم والعجين، حتى أكل منه أهل الخندق كلهم فعلى هذا يجوز الاستشفاء والتبرك بما مسه، كما في هذه الجبة التي كانت عند أسماء - رضي الله عنها - حيث كانوا يغسلونها للمرضى.(1/39)
وفي حديث صلح الحديبية أن الصحابة كانوا إذا انتخم نخامة تقع على يد أحدهم، فيمسح بها جلده وجسده، وإذا توضأ كادوا أن يقتتلوا على وضوئه يلتقفون ما يتقاطر من أعضائه، فمن ناضح ونائل. ولما حلق شعره في الحج أعطاه أبا طلحة وفرقه بين الناس، ثم إنهم لم يفعلوا ذلك مع أبي بكر ولا مع عمر ولا مع فاطمة بنت محمد ولا مع عائشة ولا مع على - رضي الله عنهم - ولا مع علماء الصالحين من الصحابة أو من بعدهم؛ وذلك لأن التبرك بهم فيه اعتقاد أن لهم خصوصية بركة أو قربة أو نحو ذلك.
وقد يؤدي إلى تعظيمهم وعبادتهم من دون الله، وهو من الشرك الذي لا يغفره الله تعالى، كما لا يجوز التبرك بالمنبر النبوي ولا بجدران الحجرة النبوية فكل ذلك محدث بعده - صلى الله عليه وسلم - كما لا يجوز التمسح بمقام إبراهيم وهو الزجاج المعمول حوله، ولا بجدار حجر إسماعيل ولا بكسوة البيت، وإنما يشرع تقبيل الحجر الأسود عند القدرة عليه مع اعتقاد أنه حجر لا يضر ولا ينفع، وإنما يستلم من باب الاتباع لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - والله أعلم.
س59- بعض النساء يستمر معها ألم الطلق يوما أو أكثر مع إحساس برطوبة، فكيف تفعل بالصلاة؟
جـ - إذا خرج منها الدم الذي هو كدم النفاس قبل الولادة بيوم أو بيومين فلها حكم النفساء في ترك الصلاة والصوم ونحوهما مما يحرم على النفساء ، فأما إن كان الخارج سائلا أبيض أو صفرة أو كدرة أو ماء أو مجرد رطوبة تحس بها، فالأصل وجوب الصلاة، فتصلي مع ذلك، وتتطهر لوقت كل صلاة، وتصلي ولو خرج منها السائل المائي في نفس الصلاة لاعتباره كالحدث الدائم الناقض للوضوء، والله أعلم.
س60- عندما يصاب الإنسان بمرض البرص (البهاق) في يديه ووجهه ويذهب للعلاج هل عليه إثم ويعتبر ذلك من تغيير خلق الله، أفيدونا مأجورين؟(1/40)
جـ - لا شك أن البرص من المرض الذي يحدث لبعض الناس في بعض جسده فيبيض ظاهر جسده، ويبيض شعره الذي فيه لو كان في الوجه أو الرأس في الشباب وغيره، فيعتبر من الأمراض التي تحدث بإذن الله تعالى، ولا شك أن له أعقابا خفية لا يعلمها إلا الله، فعلى هذا لا مانع من علاجه إن وجد له علاج، وإن كان المعتاد المعروف أنه لا علاج له، وقد قال - تعالى - عن عيسى - عليه السلام - (( وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ )) وقال – تعالى - مخاطبا عيسى (( وَتُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ بِإِذْنِي )) فجعل ذلك من المعجزات التي خص بها عيسى عليه السلام. لكن إن وجد له علاج يبرئه جاز استعماله، ولا يدخل في تغيير خلق الله حيث إنه مرض عارض، وليس مثل الشيب الذي هو عام لكل من طعن في السن، فإن تغييره إلى السواد يعتبر تغييرًا لخلق الله، وكذا فعل الوشم والنمص والتفلج ونحوها، والله أعلم.
س61- ورد في الحديث (( من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان )) هل هذا الحديث خاص بالمبصرين فقط، ويعفى من تغيير المنكر الأعمى، وجهونا أثابكم الله؟(1/41)
جـ - هذا الحديث رواه مسلم وغيره عن أبي سعيد - رضي الله عنه - وأطال النووي في شرحه في كتاب الإيمان من صحيح مسلم ولا شك أنه خطاب للصحابة في ذلك العهد، ثم لمن بعدهم من أفراد الأمة بما فيهم من ذهب بصره إذا كان قادرا على الإنكار، ويكون التعبير بالرؤية بناء على الأغلب، أي أن الكثير يبصرون ويرون المنكر بأعينهم، فيدخل الأعمى بالتبع ويعمه الأمر، ويمكن أن المراد بالرؤية العلم والتحقق، فمتى علم المسلم بوجود منكر في موضع خفي وجب عليه إنكاره، حيث إن الكثير من العصاة قد يخفون منكراتهم كشارب الخمر وعامله والمدخن والمختفي وقت الصلاة، وكذا لو علمت أن في هذا البيت اجتماع على فساد كلواط وزنا ومخدرات ومعازف وأغاني، فإن الواجب الإنكار بقدر ما تستطيع، فالأعمى إذا بلغه وجود منكر وجب عليه الإنكار بيده، فإن لم يقدر فبلسانه، فكثيرا ما يكون أعلم من غيره وأقدر على الإقناع وبيان الصواب ورد الشبهات لأهل المنكرات.
س62- رجل مريض لا يستطيع النزول من السرير إلا بمشقة بالغة، وجامع زوجته، فكيف يغتسل من الجنابة، وهل يكتفي بالتيمم فقط؟
جـ - أرى أنه لا يسقط عنه الاغتسال لوجود الجماع منه، فهو دليل على أن عنده قدرة على الحركة، وأن معه شهوة دفعته إلى الجماع، فإن المرض الشديد يشغل عن الميل إلى النساء، ويضعف شهوة الجماع، فعلى هذا المريض أن يغتسل ولو مع المشقة البالغة ويتحمل هذه المشقة، فإن هذا العمل عادة لا يتكرر بخلاف الطهارة بالوضوء والاستنجاء، التي تكرر فإنها مع المشقة وتكررها قد تسقط عنه، ويعدل إلى التيمم، إذا لم يستطع النزول إلى بيت الماء وغسل الأعضاء إلا بضرر وصعوبة وصار يقضي حاجته وهو على سريره ففي هذه الحال يكتفي بالاستجمار والتيمم، والله أعلم.
س63- رجل يشتكي من مرض الإسهال وجريان بطنه بسرعة، فهل له إذا توضأ أن يجمع الصلاتين في وقت واحد أم ليس له ذلك؟(1/42)
جـ - هذا المرض لا يستدعي له الجمع بين الصلاتين لسهولة الطهارة بالماء والاستنجاء عليه، لكن إن خرج منه شيء في الصلاة أو كان مستمرا لا يستطيع إمساكه ألحق بمن حدثه دائم كالسلس والقروح السيالة، فعليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة، ولا ينتقض وضوءه بالخارج في الوقت إذا كان لا يتحكم فيه، وحيث إن الإسهال في الغالب يتوقف كثيرا عند فراغ المعدة من الطعام ونحوه، وكذا يتوقف بعد خروجه وقتا كافيا للصلاتين، فلا مشقة عليه أن يصلي كل صلاة في وقتها بطهارة خاصة، فإن بين كل وقتين زمنا طويلا، والله أعلم.
س64- متى يرخص للرجل المسلم في استعمال الذهب والفضة؟ وهل الألماس له حكم الذهب والفضة؟
جـ - الأصل تحريم التحلي بالذهب على الرجال كلبسهم الحرير. وقد روى أبو داود وغيره عن علي - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال في الذهب والحرير: (( إن هذين حرام على ذكور أمتي )) وللترمذي وصححه عن أبي موسى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أحل الذهب والحرير على إناث أمتي وحرم على ذكورها )) أو كما قال، وإنما يباح ما دعت إليه الحاجة، فقد روى أهل السنن (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص لعرفجة بن أسعد لما قطع أنفه يوم الكلاب، أن يتخذ أنفا من ذهب )) وذكر الفقهاء أن جماعة من الصحابة ربطوا أسنانهم بأشرطة الذهب لخشية سقوطها، لأن ذلك في معنى أنف الذهب.(1/43)
قال أبو الخطاب ولا بأس بقبيعة السيف من الذهب؛ لأن سيف عمر - رضي الله عنه - كانت فيه سبائك من ذهب، ذكره الإمام أحمد وروى الترمذي وقال: غريب عن مزيدة العصري (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة )) فيقتصر على ما ورد. فأما الألماس فليس بحرام في الظاهر؛ لأن النص ورد في الذهب دون غيره، لكن يكره للرجال التحلي بالألماس الثمين والعقيان واللؤلؤ والجواهر النفيسة كالبليتين ونحوه، لأنه إسراف وتبذير لا داعي إليه، ولأن فيه كسر قلوب الفقراء، كما علل بذلك العلماء، والله أعلم.
س65- هل يجوز للطبيب أن يجمع الصلاة إذا كان سوف يدخل غرفة العمليات لإجراء عمليات شاقة تستغرق وقتا طويلا؟ أفيدونا أثابكم الله.
جـ - إذا دخل الوقت كالظهر مثلا قبل بدء العملية وعلم الأطباء وأعوانهم أن العملية تستمر عادة إلى الليل، وأنهم لا يستطيعون أن يتركوها وقت العصر للصلاة خوفا على المريض، الذي يغلب على الظن موته مع تركه، ولا يستطيعون المناوبة بحيث يشتغل بعضهم ويصلي البعض لخطر العملية، أو كون الطبيب الحاذق هو الذي لا بد من حضوره حتى نهاية العملية، فأرى في هذه الحالة جواز تقديم العصر مع الظهر قبيل بدء العملية، فإن هذا عذر أو هو مسوغ للجمع كالمطر والسفر والخوف أو أشد، أما إن علم أن العملية تنتهي قبل الليل فإنهم يؤخرون العصر حتى تنتهي ولو كان فراغهم قبيل الغروب، فإنهم يدركون الوقت في آخره، والله أعلم.(1/44)
س66- أنا شاب مسلم من أسرة غنية خارج هذه البلاد، والدي يرتكب كثيرا من المنكرات: كشرب الخمر والزنا، وليس هذا فحسب، بل ويحبب إخواني في ذلك، ويطلب من أخواتي نزع الحجاب والتبرج، فنصحته مرارا ومرارا فلم يستجب، حتى بدأ إخواني وأخواتي في الانحراف مثله، فقمت بتحذيرهم من والدي وعدم التشبه به، فقالت لي والدتي: لا تذهب بهيبة والدك من قلوبهم، واترك الحال كما هو إلى أن يأتي الله بالفرج من عنده. فما هو رأى فضيلتكم؟
جـ - عليك الاستمرار في نصحه ولو من بعيد، والكتابة إليه واطلاعه على كتب العلم التي تحذر من تلك المعاصي، وتبين أنها من كبائر الذنوب، وأن فيها العقوبة والإثم الكبير، لعله أن يرعوي ويتوب إن كان مسلما يخاف عقوبة ربه، ويرجو ثوابه. فإن استمر على الإصرار فعليك تحذير إخوانك من التشبه به وطاعته في المنكرات ومتابعته في فعل المحرمات، وأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق وإخبارهم بأن أباهم ليس قدوة في الشر واقتراف الفواحش، وحذر أخواتك الإناث من طاعته بنزع الحجاب وتبرج الجاهلية وخلع جلباب الحياء؛ فان ذلك وسيلة إلى الوقوع في الفاحشة وذهاب كرامة المرأة وحشمتها وهيبتها، ولا حرج لو عصيت أمك في ما تقوله من ترك الحال كما هو؛ فإن هذا إقرار للمنكر، وتمكين لهم في فعل المحرمات، فمن رضي بذلك فهو شريك في الإثم، والله أعلم.(1/45)
س67- نحن جماعة من الموظفين في إحدى الشركات جرت عادة عندنا أنه كلما انتهى عقد أحد المتعاقدين عندنا مسلما كان أو كافرا (نصارى وغيرهم) يقوم كل منا بالتبرع بمبلغ من المال فيجمع ليخصص جزء منه في شراء هدية، والجزء الآخر في إقامة حفلة عشاء في إحدى الفنادق لذلك المتعاقد، غير أن بعضنا يمتنع عن التبرع بأي مبلغ إذا كان ذلك المتعاقد كافرا، واحتج عليهم البعض الآخر بأنه من باب الدعوة إلى الإسلام رغم أنهم خلال مدة وجوده لم يبذلوا أي مجهود دعوي تجاهه. وسؤالي يا فضيلة الشيخ: ما حكم عملنا هذا؟ وهل نقوم بالتبرع للكافر عند إنهاء عقودهم وقبل مغادرتهم البلاد أم لا؟
جـ - المعروف من نصارى العرب تمسكهم بدينهم الباطل وصبرهم عليه، ولو كان مجرد التسمي بدون عمل أو تحقيق لما يتسمى به، فعلى هذا متى تقاعد هذا النصراني أو ألغي عقده وهو باقٍ على كفره فلا يجوز إكرامه ولا احترامه، ولا الاحتفال بتوديعه أو إتحافه بهدية ولو كانت رخيصة؛ فإن ذلك من تعظيم الكفار ورفع شأنهم والاعتراف بفضلهم ومكانتهم، وقد نهى الله - تعالى - عن موالاتهم، كما في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )) أي من أكرمهم واحترمهم وخدمهم وقربهم فقد تولاهم وأحبهم، فيكون مثلهم، وكما في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمَانِ )) فإذا كان هذا النهي عن تولي الآباء والإخوة الكفار فكيف بمن تولى وخدم النصارى الذين هم من أبعد الناس عنه نسبا ووطنا ودينا.(1/46)
وثبت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - قال: لا ترفعوهم وقد وضعهم الله، ولا تقربوهم وقد أبعدهم الله، ولا تكرموهم وقد أهانهم الله، ولا تعزوهم وقد أذلهم الله. يعني أن الله – تعالى - أمر بإذلالهم وإهانتهم وتصغير شأنهم، ونص العلماء على أنه لا يجوز تصديرهم في المجالس ولا القيام لهم. وقال النبي - صلى الله عليه وسلم – (( لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام، وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقه )) فإذا كانت هذه معاملتهم الواجبة فكيف يجوز توقيرهم وإكرامهم عند الوداع، فإن ذلك يزيدهم كفرا واحتقارا للمسلمين وادعاء أنهم أهل المنة علينا فقد يحتجون بإكرامكم لهم على أنكم أهل حاجة إليهم وأنكم تعترفون بفضلهم وترفعهم عليكم.
فأما من قال إنه من باب الدعوة إلى الإسلام فغير صحيح؛ حيث إنهم بقوا معكم مدة طويلة وهم يسمعون عن الإسلام، ويخالطون أهله، ويقرءون عنه، ويسمعون القرآن والسنة، ولم يُقبلوا ولم يدخلوا في الإسلام، فدل على عنادهم وإصرارهم على كفرهم، فلا يجوز الإهداء إليهم ولا كرامة، والله أعلم.
س68- هل يجوز عقد النكاح على الفتاة وهي في أيام حيضها أم لا بد من طهارتها؟
جـ - يجوز ذلك، فالطهارة من الحيض ليست شرطا لصحة العقد، وإنما نهى عن الطلاق زمن الحيض لأنه وقت كراهة الزوج لها، فيخاف أسفه عليها بعد الطلاق، وكذا نهي عن الوطء في الحيض لأنه أذى، كما ذكر في القرآن. فأما العقد فلا محذور في إيقاعه وقت الحيض، والله أعلم.
س69- فضيلة الشيخ، أنا شاب في قرية أغلب أهلها يجهلون أحكام الشرع، ومن ذلك طريقة غسل الميت وتكفينه وإدخاله قبره، ولدي الرغبة في أن أتولى ذلك، فأرجو أن تبين الطريقة لغسل الميت وتكفينه وإدخاله قبره وماذا نقول بعد ذلك، وهل من نصيحة لي في ذلك؟ أثابكم الله.(1/47)
جـ - قد كتب الفقهاء في الجنائز كل ما يتعلق بالتغسيل والتكفين والصلاة والحمل والدفن، ومن ذلك ما في كتب فقهاء الحنابلة: كالهداية والمحرر والعمدة والمقنع والهادي والكافي والمنتهى والكشاف والزاد والروض وغيرها. فالأولى أن تقرأ أحدها على بعض العلماء حتى يشرح لك الطريقة بالفعل، وهناك كتاب للشيخ عبد الرحمن بن غيث اسمه (الوجازة في تجهيز الجنازة). قد زوده بالصور ووضح فيه الكيفية إلى آخرها، ولعلك أن تتعلم بالفعل مع أحد المغسلين في مغاسل الموتى بالرياض مرتين أو ثلاثا؛ حتى تعرف كيف تطبيق التغسيل والتكفين وما وراءه، ولا أرى مناسبة لذكر الكيفية في هذا الجواب مع وجود ذلك في الكتب المشار إليها، فنحن لا نعرف زيادة على ما ذكروه، وهو موجود، وفي متناول الأيدي، فمن طلبه وجده، والله الموفق.
س70- هل صحيح أن نقل الدم بين شاب وفتاة يحرم الزواج بينهما ؟
جـ - ليس بصحيح، حيث لم يرد التحريم إلا بالرضاع في الصغر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم – (( لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء وكان قبل الفطام )) وحديث: (( لا يحرم إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم )) وليس نقل الدم في معنى الرضاع ؛ لأنه لا يسمى غذاء ولا يدفع الجوع، وقد ورد في الحديث (( إنما الرضاعة من المجاعة )) فالدم إنما تحصل به قوة في الجسم أو شفاء من ضعف، والغالب أنه يحصل في الكبر، فلا يقاس بالرضاع، والله أعلم.
س71- أصبت بنوبة قيء، وكنت أتهيأ للصلاة، فهل يجب إعادة الوضوء؟(1/48)
جـ - القيء الكثير النجس ينقض الوضوء فقد روى أبو الدرداء (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قاء فتوضأ . قال ثوبان - رضي الله عنه - صدق، أنا صببت له وضوءه )) رواه أحمد والترمذي وقال: هو أصح شيء في هذا الباب. قال ابن منده إسناده صحيح متصل. قال البيهقي هذا حديث مختلف في إسناده، فإن صح فهو محمول على القيء عامدا. وقد ذهب إلى النقض به أبو حنيفة والإمام أحمد وقدره في رواية بملء الفم. وقيل: ما يفحش في نفس الإنسان. فعلى هذا يلزم إعادة الوضوء من القيء إذا كان ملء الفم أو أكثر، فانه خارج نجس من الجسد، والله أعلم.
س72- ما هو الخلع وهل يحتسب من الطلقات الثلاث؟
جـ - الخلع هو افتداء المرأة نفسها من زوجها بمال أو نحوه، لتتخلص منه، والأصل فيه قوله تعالى: (( وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ )) وفي الصحيح قصة (( امرأة ثابت بن قيس أنها قالت: ما أعيب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام. فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - أتردين عليه حديقته؟ قالت: نعم. فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اقبل الحديقة وطلقها تطليقة )) وفي رواية: (( فجعل عدتها حيضة )) .(1/49)
وهذا الحديث أصل في الباب، حيث حصلت النفرة الشديدة لدمامة وجهه، فأمره بطلاقها أمر إرشاد. وقيل للوجوب متى ساءت الحال بين الزوجين بحيث يتضرران، فمتى بذلت ما أعطاها وجب عليه القبول وتخليتها على هذا القول، وشرط بعضهم خشية أن لا تقوم بواجب الزوجية، فإذا كرهت المرأة أخلاق زوجها وخلقته أو نقص دينه، أو خافت بالمقام معه أن لا تقوم بحقه، فلها طلب المخالعة، ويكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها، وتعتد بحيضة واحدة، ولا تحسب هذه المخالعة من الطلقات، فإنها فسخ لا ينقص به ما يملك من الطلاق، ولا يقدر على رجعتها، وإن تراضيا بعد ذلك فلا بد من تجديد العقد والمهر كغيره من الأزواج، وإذا كرهها الزوج فلا يجوز له أن يضارها ويضيق عليها ويطلب منها الافتداء؛ بل يخلي سبيلها بدون افتداء لقوله تعالى: (( فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا )) والله أعلم.
س73- هل كان نبي الله عيسى - عليه السلام - نبيا طبيبا لقومه ؛ يعالج مرضاهم؟(1/50)
جـ - لا يسمى عيسى - عليه السلام - طبيبا، وإنما هو رسول الله، كما قال تعالى: (( وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ )) الآيات، فجعل الله من معجزاته أنه يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيها فتكون طائرا يطير أمام الناظرين، فإذا جاوزهم سقط ميتا. ومن معجزاته أنه يبرئ الأكمه الذي يولد أعمى، فيرد إليه بصره بإذن الله. ومن معجزاته أنه يبرئ البرص، وهو البهق الأبيض، الذي يكون في ظاهر الجلد في بعض الناس، ومن معجزاته أنه يحيي الموتى بإذن الله، وأنه ينبئهم بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم. وهذه آيات بينات خارجة عن قدرة البشر، وليست من جنس علاج الأطباء للأمراض الباطنية ونحوها، ولم يذكر أن عيسى كان يعالج المرضى بالأدوية المعتادة، والله أعلم.
س74- ما هو علاج الوسواس في الطهارة والصلاة ؟
جـ - هذه الوسوسة تحدث للكثير من الرجال والنساء، بحيث يخيل إلى أحدهم أنه أحدث وهو يتوضأ، فيعيد الوضوء مرارا. وكذا يخيل إليه أنه لم يغسل أعضاءه أو بعضها، فتراه يعيدها ويكرر غسل العضو، ظنا منه أنه ما تبلغ بالماء، فربما مكث في الوضوء ساعة أو ساعات، وهكذا في الاغتسال، ولا شك أن هذا من وسوسة الشيطان، الذي هو عدو للإنسان، وقصده أن يثقل العبادة على الإنسان، حتى يكره الصلاة أو ينفر منها لما يلاقي فيها أو قبلها من التعب والمشقة، وقد ينتهي به الأمر إلى ترك الصلاة وهو يحبها، ويبكي على عدم فعلها، ولكن لا حيلة له في أدائها، وهذا ما يطلبه الشيطان من العبد، وهكذا يخيل إلى بعضهم في الصلاة أنه ما نوى أو ما كبر أو غلط في التكبير أو القراءة أو نحو ذلك، فتراه يقف طويلا مع الإمام لا يقدر على التكبير، أو يتردد في النية أو يقطع الصلاة مرارا.(1/51)
وعلاج ذلك أن يكثر الاستعاذة من الشيطان، وأن يستحضر عداوته وقصده من إفساد الصلاة أو الطهارة أو تثقيلها على المرء أو تكريه العبادة إلى الإنسان، وعليه أن يستحضر يسر الإسلام وسهولته وعدم الحرج في العبادات، وأنه ما جاء بشيء فيه كلفة ولا مشقة، ثم عليه أن ينظر فيمن حوله من المصلين والمتطهرين الذين قد أراحوا أنفسهم، وأدوا جميع العبادات بدون تكلفة أو صعوبة فيلحق نفسه بهم، ويطرح كل ما يلقيه الشيطان من الوسوسة في الطهارة وأن الأصل بقاؤها، فلا ينصرف إلى ما يخطر بباله من انتقاض الحدث حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا كما جاء في الحديث، وأن الأصل وجود النية والنطق الصحيح بالتكبير والقراءة، ويعتبر أن تلك الوساوس لا تعرض له إلا في وقت الصلاة، فيعرف سببها حتى يريح نفسه، ويؤدي العبادة، كما ينبغي، والله أعلم.
س75- هل قراءة القرآن يصل ثوابها إلى الميت وخاصة الوالدين ؟
جـ - لا خلاف أن الصدقة والدعاء يصل ثوابها إلى الميت: كالوالدين وغيرهما بالنية، وكذا إهداء الحج والعمرة لأحد أبويه أو غيرهما، واختلف في إهداء ثواب الصلاة والاعتكاف والذكر والقراءة ونحوها، فأكثر العلماء على وصول ثوابها إلى الميت، فقد ذكروا في كتب الفقهاء: أن كل قربه فعلها وجعل ثوابها لحي أو ميت من المسلمين فإنه ينتفع بذلك، هكذا ذكر في المقنع وشروحه وغيرها من كتب الحنابلة، وإن كان الأفضل الاقتصار على ما لا خلاف فيه، كالصدقة والدعاء والمناسك ونحوها، والله أعلم.
س76- ما معنى الحديث (( اقرءوا على موتاكم يس )) .
جـ - الحديث رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي عن معقل بن يسار به مرفوعا.(1/52)
وعند أحمد زيادة في أوله، وقد اختلف في رفعه ووقفه، ورجح الحاكم الرفع؛ لأنه زيادة ثقة، وأعله بعضهم بالاضطراب، ونقله ابن كثير في تفسير سورة (يس) ونقل عن بعض العلماء قوله: من خصائص هذه السورة أنها لا تقرأ عند أمر عسير إلا يسره الله - تعالى - قال: وكأن قراءتها عند الميت لتنزل الرحمة والبركة وليسهل عليه خروج الروح، والله - تعالى - أعلم، ومنه يعلم أنها تقرأ عند المحتضر، ولا تقرأ بعد الموت ولا عند القبر، والله أعلم.
س77- ما هو الواجب على من يشهد ويحضر عند المحتضر ؟
جـ - المحتضر هو الذي حضره الموت وظهرت علامات الوفاة على وجهه ولسانه، فيسن لمن حضره أن يقرأ عنده سورة (يس)، فقد ذكر أنها تسبب سهولة خروج الروح، وقيل: تنزل معها البركة والرحمة. وقيل: لما فيها من البشارة بالجنة لأهل الإيمان، ويسن أن يلقنه الشهادتين برفق، لحديث (( من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة )) وإن تكلم بعدها أعاد تلقينه برفق حتى لا يضجره فيملها، ويسن تذكيره الوصية، وإيضاح ما عنده من الحقوق، وتذكيره بالتوبة الصحيحة من كل الذنوب، فإن الله - تعالى - يقبل توبة العبد ما لم يغرغر، ويسن توجيهه إلى القبلة بوضعه على جنبه الأيمن ووجهه مستقبل القبلة، وكذا يكون وضعه في القبر، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الكعبة: (( قبلتكم أحياء وأمواتا )) ويسن بلُّ شفتيه بماء وفمه حتى يسهل عليه الكلام، فإذا مات يسن تغميض عينيه، وتسجيته بثوب، ووضع حديدة على بطنه، حتى لا يربو، ووضعه على سرير، وتليين مفاصله، حتى يسهل تغسيله، والله أعلم.
س78- هل يجوز للطبيب أن يخلو بالممرضة في غرفة واحدة إذا كان معهما طفل يعالجانه وهو دون سن التمييز؟(1/53)
جـ - ورد في الحديث عنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم )) وذكر أن ثالثهما الشيطان، وهذا يعم جميع النساء من مسلمة وكافرة، وطبيبة وممرضة وخادمة، ونحوهن من الأجنبيات، لكن تزول الخلوة بوجود ثالث معهما من رجل أو امرأة أخرى، ولا تزول بالطفل الذي دون سن التمييز، لكن إذا كان هناك ضرورة شديدة كحالة إسعاف ومرض خطير، وتعذر وجود من تزول به الخلوة، جاز ذلك بقدر الضرورة، والله أعلم.
س79- هل تارك الزكاة - مع قدرته على دفعها - يعتبر مرتدا عن الإسلام ويجب قتاله أم لا؟
جـ - إذا كان مانع الزكاة جاحدا لوجوبها منكرا لفرضيتها، فإن هذا يعتبر مرتدا يحكم بكفره ويقتل؛ لأنه أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة، ولهذا قاتل الصحابة مانعي الزكاة وسموهم مرتدين، واستدلوا بقوله تعالى: (( فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ )) وقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأني رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة )) إلخ، وأما من منعها بُخلا وشحا من غير جحود لها، فإنه يقاتل على منعها، ويعزر بما يردعه، وقد ورد في الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا )) رواه أحمد وأهل السنن وصححه الحاكم واعتبر العلماء أخذ شطر ماله من التعزير، الذي يجتهد فيه الحاكم بحسب ما يراه، والله أعلم.
س80- ما معنى كلمة: طهور لا بأس عليك إن شاء الله حيث نسمعها من زوار المرضى يقولونها للمريض؟ وما هو الدعاء الذي يستحب أن يقوله الزائر للمريض؟(1/54)
جـ - روى البخاري في المرضى من صحيحه عن ابن عباس (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أعرابي يعوده، قال: وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا دخل على مريض يعوده قال له: لا بأس طهور إن شاء الله )) إلخ.
قال الحافظ في شرحه: لا بأس أي أن المرض يكفر الخطايا، فإن حصلت العافية فقد حصلت الفائدتان وإلا حصل ربح التكفير، وقوله: طهور خبر مبتدأ محذوف، أي: هو طهور لك من ذنوبك، أي: مطهرة، ويستفاد منه أن لفظ الطهور ليس بمعنى الطاهر فقط، وقوله: إن شاء الله يدل على أن قوله: طهور دعاء لا خبر. وفيه أنه لا نقص على العالم في عيادة الجاهل ليعلمه ويذكره بما ينفعه، ويأمره بالصبر؛ لئلا يتسخط قدر الله فيسخط عليه، ويسليه عن ألمه، بل يغبطه بسقمه إلى غير ذلك من جبر خاطره وخاطر أهله، والله أعلم.
س81- أبي رجل طاعن في السن (كبير)، ويحصل منه أحيانا هذيان، وقد يتبول على نفسه، ويطلب مني أن أذهب به إلى المسجد وأنا متحرج من الذهاب به إلى المسجد خشية أن يقع شيء من بوله في المسجد، فبماذا توجهونني - حفظكم الله؟
جـ - عليك الرفق به، وإظهار طاعته حسب القدرة إذا لم يترتب على ذلك مفسدة، وحيث إنه قد يتبول على نفسه فأرى أن لا تذهب به إلى المسجد إلا إذا تحقق أنه لا يحصل منه نجاسة متعدية، فإن كان التبول لا يحصل إلا في بعض الأحيان، وعرف أنه يتأخر، أو تحفظ بخرقة أو شاشة، بحيث يؤمن عليه أن لا ينجس المسجد أو الفرش فلا بأس بإحضاره، وإلا فاعتذر له وأقنعه بأنه معذور، وأن لا حرج عليه في الصلاة وحده في المنزل، والله أعلم.
س82- هل يكره للمرأة أن تتعطر بالطيب الذي له رائحة حيث إن هذا العطر هو السائد في هذا الزمان؟(1/55)
جـ - لا يجوز للمرأة أن تمس الطيب الذي له رائحة عطرة بحيث يشمه الرجال الأجانب، فقد روى أهل السنن عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( كل عين زانية، وإن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس أو فمرت على القوم ليجدوا ريحها فهي زانية )) وهو حديث حسن، وذلك لما يسببه من الفتنة وامتداد الأنظار نحوها، وقد روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه، وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه )) رواه الترمذي والنسائي وهو حديث صحيح. وللترمذي عن عمران بن حصين نحوه وحسنه.
فطيب النساء ما له لون كزعفران وورس وعصفر وكركم ونحوها مما تصفر به خديها وساعديها، وطيب الرجال المسك والريحان والورد وغيره مما له رائحة ولا يغير اللون، والله أعلم.
س83- بعض المرضى يُخرِّجون منهم البول والبراز عن طريق البطن بواسطة ليات، فهل إذا خرج البول بهذه الطريقة ينتقض الوضوء أو لا بد أن يكون الخروج من السبيلين وما عداه ليس ناقضا للوضوء، أفتونا مأجورين؟
جـ - خروج البول أو البراز ناقض للوضوء قليله وكثيره، وسواء خرج من السبيلين أو من غيرهما، فمتى خرج شيء منه فإنه يعيد الوضوء إلا إذا كان حدثا دائما لا يتوقف، كالذي يستخرج بواسطة اللي مع الجنب، ولا يتحكم المريض فيه، فإنه معذور يعمل كصاحب السلس حيث يتوضأ بعد دخول الوقت، ولا يضره ما خرج في الصلاة، حيث لا يستطيع إمساكه، والله أعلم.
س84- بعض المرضى يؤخرون الصلاة عن وقتها بسبب عجزهم عن الطهارة أو إزالة النجاسة، فما حكم ذلك؟(1/56)
جـ - لا بأس بذلك، فقد ذكر الله المرض في آية الطهارة، وجعله عذرا في إباحة التيمم للعجز عن استعمال الماء أو مشقة الطهارة. وقد نص العلماء على أنه لا بأس أن يجمع المريض بين الظهرين أو بين العشائين في وقت إحداهما لمشقة الطهارة كل وقت أو تكلفة إزالة النجاسة في كل من الوقتين، وللمريض أن يفعل الأرفق به من التقديم في وقت الأولى أو التأخير إلى وقت الثانية مع الحرص على أدائها في وقتها، ولا يجوز تأخيرها حتى يخرج الوقت مع القدرة على أدائها في وقتها، فإن غلبه الوجع والألم الشديد حتى خرج الوقت كله فعليه قضاؤها بعد الوقت، كما لو أغمي عليه يوما أو يومين فإنه يقضي بعد الإفاقة، كما روي أن عمارا أغمي عليه ثلاثة أيام فقضاها، فإن طالت مدة الإغماء سقط القضاء لإلحاقه بمن رفع عنه القلم، والله أعلم.
س85- ما هي الشروط التي ينبغي توفرها في التراب الذي يتيمم به ؟ وهل يجوز أن يصلي المسلم بالتيمم أكثر من صلاة فريضة أو نافلة؟
جـ - اشترط كثير من العلماء أن يكون التيمم بتراب له غبار يعلق باليد، ومنعوا التيمم بالرمل ونحوه مما لا غبار له، وألزموا المسافر أن يحمل معه التراب إذا سافر في أرض رملية، ولعل الصحيح جواز التيمم بالرمل، لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - (( جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا )) متفق عليه ويشترط طهارة الأرض لكون النجاسة خبيثة، وقد قال تعالى: (( فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا )) والصعيد وجه الأرض، ولا بد أن يكون من أصل الأرض بخلاف الرماد والأسمدة ونحوها. واشترط أكثر العلماء تجديد التيمم لكل صلاة في وقتها، وأبطلوا التيمم بخروج الوقت وبمبطلات الوضوء وبوجود الماء ولو في الصلاة لا بعدها. وقيل: إن له أن يصلي بالتيمم ما لم يخرج الوقت فرائض ونوافل، فإذا خرج الوقت استحب له التيمم للثانية، فإن صلاها بالتيمم الأول جاز على القول الثاني، والله أعلم.(1/57)
س86- ما معنى قول عائشة - رضي الله عنها - (( مرن أزواجكن أن يستطيبوا بالماء، فإني أستحييهم، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يفعله )) قال الترمذي هذا حديث صحيح.
جـ - الاستطابة هي الاستنجاء أي غسل المخرجين بالماء بعد البول أو الغائط، لإزالة أثر النجاسة وتنظيف المحل، وحدُّه أن يغسله حتى يعود المحل إلى خشونته، وحدده بعضهم بسبع غسلات، والأول أصح، وقد أنكر الاستنجاء بعض الصحابة منهم ابن عمر، لكنه رجع وقال: إنا جربناه فوجدناه صالحا. والأفضل أن يبدأ بالاستجمار، وهو مسح المحل بالأحجار ونحوها، ثم بالاستنجاء بالماء، فإن اقتصر على أحدهما فالماء أولى، والأحجار مجزئة، والله أعلم.
س87- هل دين اليهود والنصارى واحد أو مختلف ؟
جـ - بل مختلف، فكل من الطائفتين تضلل الأخرى، كما قال تعالى: (( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ )) ومعلوم أن عيسى - عليه السلام - قد أنزل الله عليه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدقا لما بين يديه من التوراة، ولكن قد جاء بشريعة وأحكام زائدة أو مغايرة لما في التوراة كما قال - تعالى - عنه: (( وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ )) ثم إن دين اليهود محرف، وقد زيد فيه وغُيِّر عن أصله، وكذا دين النصارى فقد زادوا في الأناجيل ونقصوا وغيروا، فلكل من الطائفتين شريعة ودين تغاير ما عليه الأخرى، ولذلك جاء الإسلام بنسخ كل من الشريعتين وغيرهما، والله أعلم.
س88- هل من السنة الأذان والإقامة في أذن الطفل ؟ وما فائدة ذلك؟
جـ - ورد في ذلك حديث عن أبي رافع قال: (( رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أذَّن في أذن الحسن حين ولدته فاطمة بالصلاة )) وفي لفظ: الحسين رواه أحمد وأهل السنن وفي سنده ضعف.(1/58)
وروى ابن السني عن الحسن بن علي مرفوعا من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى، وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان وأم الصبيان هي التابعة من الجن، أورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه، وفيه استحباب التأذين في أذن الصبي عند ولادته، وحكي الإقامة في اليسرى عن عمر بن عبد العزيز حيث حكى عنه ابن المنذر أنه كان إذا ولد له مولود أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ولعل من الحكمة في ذلك أن يكون أول ما يقرع سمعه ذكر الله - تعالى - وتكبيره وكلمة التوحيد، أو ليكون حافظا له من الجن والشياطين، والله أعلم.
س89- هل من حق الأب أو الولي أن يأخذ مهر ابنته أو موليته ويتصرف فيه كيفما شاء؟
جـ - يجوز للوالد أن يأخذ من مال ولده ما لا يضر الولد ولا تتعلق به حاجته بشرط أن لا يعطيه ولدا آخر، ولا يكون ذلك في مرض موت أحدهما، ويدخل في المال مهر ابنته، فإن له أن يتملكه إذا كان زائدا عن حاجتها الضرورية كالكسوة والمطعم والحلي والأدوات التي تحتاجها، ولا يجوز له أن يضرها ويضيق عليها، فإن عليه نفقتها عند الحاجة.
فأما غير الأبوين فليس لأحد منهم أن يتمول من مال الآخر إلا برضاه، فليس للأخ أو العم أو الخال أو بنيهم أن يتملك شيئا من مهر المرأة ما لم تطب نفسها به، لعموم حديث: (( لا يحل مال امرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه )) ويستثنى من ذلك الوالد، لحديث: (( أنت ومالك لأبيك )) والله أعلم.
س90- ما هي صلاة الأوابين وكم عدد ركعاتها ووقتها؟(1/59)
جـ - روى أحمد ومسلم عن زيد بن أرقم قال: (( خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أهل قباء وهم يصلون الضحى، فقال: صلاة الأوابين إذا رمضت الفصال من الضحى )) ورواه الترمذي بلفظ: (( صلاة الأوابين حين ترمض الفصال )) والأواب الرجَّاع إلى الله - تعالى - بالتوبة والاستغفار، والفصيل ولد الناقة. والمعنى أن أفضل صلاة الضحى إذا اشتد الضحى، ورمضت الفصال: أي احترقت خفافها من الرمضاء، التي هي الأرض الحارة من شدة وقع الشمس عليها، وذلك أن أغلب الناس في أعمالهم وحرفهم، فمن تحرى الصلاة ذلك الوقت فقد تميز عن غيره بذكر الله والصلاة له وقت غفلة أكثر الناس، والله أعلم.
س91- هل تحليل الدم يفطر الصائم أم لا ؟
جـ - التحليل هو أن يؤخذ من الإنسان شيء من الدم، ليعمل منه التحليل في المختبرات، والغالب أن الدم المأخوذ يكون قليلا على رأس الإبرة التي تعرف بالبرواز، فمثل هذا لا يفطر به الصائم، وذلك لقلته، فلا يلحق بالحجامة التي هي إخراج الدم الكثير، الذي يحصل به الإفطار. فإن كان الدم المأخوذ كثيرا كالذي يؤخذ تبرعا لمريض، فإنه يفطر لإلحاقه بالحجامة.
س92- رجل كبير في السن بلغ مرحلة التخريف والهذيان، هل يلزمه الصوم والصلاة في الأوقات التي يصحو فيها أحيانا، وهل تسقط الزكاة عنه في أمواله؟(1/60)
جـ - إذا عقل وفهم في بعض الأوقات، فإنه يذكر بالصلاة، ويؤمر بها، ويساعد بالطهارة بالماء أو بالتراب حتى يؤديها. فأما إن فقد العقل والإحساس ولم يشعر بمن حوله، فإنه يسقط عنه التكليف ، ولا يؤمر بصلاة ولا صوم، فإنه يلحق بمن رفع عنهم القلم: كالمجنون الذي هو فاقد العقل، فإن كان كبير السن عاجزا عن الصوم، فإنه يطعم عنه عن كل يوم طعام مسكين، وعليه ينطبق قول الله تعالى: (( وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ )) أي يطيقونه بكلفة ومشقة، فأما الزكاة فلا تسقط بحال، لأنها تتعلق بنفس المال بقطع النظر عن مالكه، ولهذا تجب في أموال اليتامى والمجانين ونحوهم، فيخرجها من يتولى ماله، ويحفظه ويصرفها لمن يستحقها، والله أعلم.
س93- الدم الخارج من جسم الإنسان مثل الناسور أو الباسور أو من الأنف هل يؤثر على الصيام؟
جـ - دم الجرح لا يؤثر على الصوم فإن الناسور أو الباسور مرض يكون في الدبر، وقد يستمر خروج الدم منه لكنه قليل، فيلحق بالقروح السيالة وسلس البول ومن حدثه دائم، فيلزم الوضوء لكل صلاة بعد دخول الوقت، ولا يلزم تجديد الوضوء بمجرد هذا الخارج، ولا يبطل به الصوم لقلته ولعدم التحكم فيه، فأما الرعاف الذي يخرج من الأنف فإنه لا يؤثر على الصوم إذا لم يكن متعمدا إخراجه، وتحفظ عن دخوله إلى جوفه وكذا لو قلع ضرسه ولم يبتلع من الدم شيئا فإن صومه صحيح.
س94- بعض المرضى لا يستطيع الذهاب إلى مكان قضاء الحاجة (الحمام)، فيوضع له كيس ويربط بِلَيٍّ في مكان خروج البول من جسده، ويظل هذا الكيس مربوطا فيه، ويسأل عن كيفية الطهارة والصلاة، فما رأي فضيلتكم - أثابكم الله - ؟(1/61)
جـ - هو معذور في عدم القدرة على إمساكه، وله حكم صاحب سلس البول ومَنْ حدثه دائم، فعليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها، ولا يبطل وضوءه بخروج البول في نفس الصلاة وله البقاء على هذه الطهارة حتى يدخل وقت الصلاة الثانية. أما إن عجز عن الوضوء لشدة المرض، ولم يكن هناك من يوضئه فإنه يعدل إلى التيمم، ويكرره لكل صلاة، والله أعلم.
س95- رجل له قريب مريض منذ عدة سنوات في مستشفى النقاهة حيث لا يستطيع الحركة، فهل عليه شيء من الأوامر الشرعية، وهل يجوز لنا القيام بها عنه، أفيدونا مأجورين؟
جـ - إذا كان عقله معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه، وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية.
فأما الصلاة فإنه يصلي ولو بحركة رأسه وكفيه، فإن عجز اقتصر على الإشارة بعينيه مع استحضار الصلاة التي يؤديها. أما الصوم فإن قدر عليه فإنه يصوم بترك المفطرات مع النية، فإن شق عليه أطعم عنه عن كل يوم مسكينا، فإن فقد عقله سقطت عنه التكاليف لا يقوم بواحدة من العبادات عنه غيره، والله أعلم.
س96- رجل في رجله كسر، وقد ألبسها الطبيب جبسا من الفخذ إلى قرب أصابع الرجل، ولا يستطيع الذهاب إلى دورة المياه إلا بعناء ومشقة، وقد أصابته جنابة فهل يتيمم وما صفة التيمم ؟(1/62)
جـ - عليه أن يفعل ما يقدر عليه من الطهارة، فإذا كان يصل إلى الْمُسْتَحَمِّ لقضاء الحاجة، فإنه يتوضأ ويغسل ما يقدر عليه من جسده عن الجنابة، كرأسه وعنقه وظهره وبطنه ونحو ذلك مما هو ظاهر يصل إليه الماء، ثم يمسح على الجبيرة، وهي الجبس الذي على رجله، ويقوم المسح مقام الغسل إلى فك الجبس، فإن الجبيرة يمسح عليها في الحدث الأكبر كالأصغر، فإن شق ذلك وصعب عليه فإنه يعدل إلى التيمم، فيضرب التراب بيديه ويمسح وجهه وكفيه فقط، كالعاجز عن استعمال الماء لشدة البرد أو غيره، والله أعلم.
س97- امرأة صامت، ولكنها شعرت أثناء النهار بتعب شديد يصعب معه الاستمرار في الصوم، فهل يجوز لها أن تفطر، وإذا أفطرت ماذا يجب عليها؟
جـ - هذا التعب الشديد يلحق بالمرض، وقد رخص الله - تعالى - للمريض أن يفطر ويقضي الأيام التي أفطرها فقال تعالى: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )) ولا يجوز تعمد الأعمال الشاقة التي يحصل معها إرهاق وإضعاف للقوة، لكن لو حصل التعب والمشقة لأمر عارض فإنه يرخص في تلك الحال في الإفطار، فهو أولى من مطلق المرض، ثم لا يلزم معه سوى قضاء ذلك اليوم أو تلك الأيام التي أفطرتها بسبب التعب أو المرض، والله أعلم.
س98- رجل أصم لا يسمع، قام في آخر الليل يتسحر، وكان في البيت وحده، فأخذ يأكل حتى شاهد ضوء الصبح، وحيث إنه لا يسمع فربما أذن وهو لا يعلم، فما حكم صومه؟(1/63)
جـ - كان عليه تعلم الوقت بالنظر في الساعة ومعرفة وقت الإمساك ووقت الإفطار، كما هي عادة الناس ولو كان لا يسمع الأذان، فإن الساعات الزمنية موجودة في كل بيت غالبا، ويعرف الزمن بها الأصم والسميع، وحتى الأعمى يستعملها ويعرف بها وقت الصلاة ووقت الصوم. أما إذا لم يشعر بالنهار واستمر في الأكل يعتقده في الليل حتى ظهر ضوء الصبح فإنه معذور على الصحيح، لجهله بوقت الإمساك، فلا قضاء عليه على القول المختار، لكنه مفرط، فعليه الانتباه بعد ذلك.
س99- رجل أسلم وهو مريض في المستشفى، فهل يطالب بتعلم شعائر الإسلام أم تؤخر حتى يخرج من المستشفى؟
جـ - يلزمه تعلم ما يقدر عليه في حال مرضه، فيلقن الشهادتين، ويشرح له معناهما، ويبين له تحريم الشرك والتحذير منه قولا أو اعتقادا، ويبين له فضل الإسلام ومحاسنه، وما يهدف إليه وآثاره على من اعتنقه، وما يحصل للمسلم في الحال والمال من النصر والتمكين والطمأنينة وسعة الرزق والحياة الطيبة في الدنيا والآخرة؛ فيشرح له من ذلك حسب ما يتحمله في حال مرضه دون مشقة أو صعوبة.
وهكذا يتعلم الصلاة والطهارة حسب قدرته، ويؤمر بما يستطيعه من ذلك، ويتعلم ذكر الله ودعاءه، ويؤمر بالإكثار من ذلك، ويبين له فوائد الذكر ومزاياه في تلك الحال، ويتعلم ما يقدر عليه من القرآن، الذي يلزم في الصلاة كالفاتحة والمعوذتين وسورتي الإخلاص وأذكار الصلاة وأدعيتها حسب القدرة. فأما بقية شرائع الإسلام من الواجبات والمحرمات، فيتعلمها بعد خروجه من المستشفى وحاجته إلى العمل كالزكاة والصوم والحج والعمرة وتحريم الزنا والخمر والقتل ونحو ذلك.
س100- يقول البعض أن سم الثعابين علاج لبعض الأمراض فهل يجوز العلاج بهذا السم أم أنه محرم، وهل السم طاهر أم نجس؟(1/64)
جـ - المعروف أن جميع السموم ضارة أو قاتلة، فيحرم تناولها، لضررها الحسي، الذي يفتك بالأبدان، ويودي بالحياة، كما هو مشاهد، لكن إذا جرب أن منها ما هو علاج لبعض القروح أو الجراح أو الأمراض الجلدية، وعلم بذلك أهل الخبرة والتخصص في طب الأبدان، فلا مانع من استعمال ذلك مع الالتزام بإرشاد الطبيب المعتبر المعترف بتجربته، وسواء في ذلك سم الثعابين أو غيره من السموم، وإلا فالأصل المنع من تناولها، فأما الطهارة فلا يظهر في السموم المعروفة ما يدل على نجاستها الحسية من الخبث والنتن والقذر، فيصح حملها في الصلاة ونحوها، والله أعلم.
س101- إذا مرض من نوى الحج أو العمرة قبل أو بعد الدخول في النسك فماذا عليه؟
جـ - إذا دخل المسلم في النسك حَجًّا أو عمرة، فتارة يشترط بأن يقول: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. وتارة لا يشترط، فإن اشترط فمرض أو أصيب بحادث أو ضياع أو ذهاب نفقة، فله أن يتحلل في موضعه، ولا شيء عليه، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبنت عمه ضباعة بنت الزبير (( حجي واشترطي أن محلي حيث تحبسني، فإن لك على الله ما استثنيت )) وذلك لأنها قالت: إني أريد الحج وأجدني مريضة، فأمرها بالاشتراط. فيستحب الاشتراط لمن خاف عدم التمكن من إتمام النسك.(1/65)
فأما إذا لم يشترط بل أحرم بالحج أو العمرة وأطلق فحصل له ما يمنعه من إتمام نسكه وهو الإحصار فإن عليه ما استيسر من الهدي، لقوله تعالى: (( وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )) وذلك بأن يذبح شاة أو سبع بدنة أو سبع بقرة لمساكين الحرم، ثم يتحلل، فان لم يجد صام عشرة أيام ثم تحلل. أما من مرض قبل الدخول في النسك أو منعه مانع من الدخول فيه، فإنه يترك الإحرام، ويرجع أو يدخل مكة بلا إحرام، ولا شيء عليه، وذلك كالمرأة إذا خافت أن تحيض ولا ينتظرها أهلها لإتمام النسك فلها دخول مكة بلا إحرام، والله أعلم.
س102- إذا خرج من المحرم بحج أو عمرة دم في رأسه أو أي جزء من جسده فماذا عليه؟
جـ - خروج الدم أو القيء من المحرم لا يؤثر في إحرامه ولا يلزمه بذلك فدية ولا هدي، كما لو رعف أو جرح في بدنه أو شج في رأسه ولم يحلق شيئا من شعره، فإنه يتم نسكه، ولا شيء عليه، ولا يضره لو عولج جرحه بدواء معتاد، ولو كان له رائحة محسوسة ما لم يتعمد حلق شيء من الشعر أو الأظفار أو مس شيء من الطيب، فإن فعل فعليه فدية المحظور، وهي صوم ثلاثة أيام أو إطعام ستة مساكين أو ذبح شاة ولا يلزمه شيء إذا جرح أو شج فستر جرحه بخرقة أو شاشة ونحو ذلك، والله أعلم.
س103- ما علاج الغضب في الشريعة الإسلامية؟
جـ - روى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - (( أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أوصني. قال: لا تغضب. فردد مرارا قال: لا تغضب )) قال ابن رجب يحتمل أمرين:
أحدهما: أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء، والحلم والحياء، والتواضع والاحتمال وكف الأذى، والصفح والعفو وكظم الغيظ، والطلاقة والبشر؛ فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه.(1/66)
والثاني: أن يكون المراد لا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، بل جاهد نفسك على ترك تنفيذه إلخ، وقد مدح الله تعالى الذين آمنوا بقوله - عز وجل - (( وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ )) وبقوله تعالى: (( وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ )) وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمر من غضب بتعاطي أسباب تدفع عنه الغضب وتسكنه، فأمر الرجل الذي غضب واحمر وجهه عند السباب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم.
وأخبر بأن الغضب جمره في قلب ابن آدم، فمن أحس بشيء من ذلك فليلزق بالأرض، وقال: (( إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع )) وأخبر أيضا أن الغضب من الشيطان، والشيطان خلق من النار، وإنما تُطفَأ النار بالماء فإذا غضب أحدكم فليتوضأ وقال - صلى الله عليه وسلم - (( ليس الشديد بالصرعة؛ إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب )) وهناك أحاديث كثيرة في هذا المعنى ذكرها ابن رجب في شرح الحديث السادس عشر من الأربعين النووية، فعلى هذا ننصح المسلم أن يبتعد عن الجدال والخصومات التي تثير الغضب، فمتى غضب فارق المنزل والمجلس حتى يذهب عنه الغضب أو فعل الأسباب التي أرشد إليها النبي - صلى الله عليه وسلم - في الأحاديث المذكورة ونحوها.
س104- هل تشرع صلاة الغائب لمن صلي عليه في أحد مساجد المسلمين ؟ مع العلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وأبا بكر وعمر وغيرهم من الصحابة لما ماتوا لم ينقل إلينا أنهم صُلي عليهم صلاة الغائب؟(1/67)
جـ - ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى على النجاشي ملك الحبشة لما توفي، وقد استدل بذلك على جواز الصلاة على الغائب. قال الحافظ في الفتح: وبذلك قال الشافعي وأحمد وجمهور السلف، حتى قال ابن حزم لم يأت عن أحد من الصحابة منعه. قال الشافعي الصلاة على الميت دعاء له، وهو إذا كان ملففا يصلى عليه، فكيف لا يدعى له وهو غائب أو في القبر بذلك الوجه، الذي يدعى له به، وهو ملفف. وذكر أن المالكية والحنفية قالوا: لا تشرع الصلاة على الغائب وقد تكلفوا في الجواب عن قصة النجاشي فقيل: إنه من خصائص النجاشي ولا دليل على الخصوصية.
وقيل: لأنه لم يصل عليه في بلده وهو بعيد، فإنه ملك في دولة كبيرة يستبعد أن لا يكون له أتباع على دينه وهو الإسلام، ويستغرب أن لا يعرفوا حكم الصلاة على الميت، فعلى هذا الصحيح إنه يشرع الصلاة على الميت إذا كان ممن له مكانة وشهرة وفضل في الإسلام ولو كان غائبا، وسواء كان في قبلة المصلين أم لا، وكونه لم ينقل عدم الصلاة على الغائبين كالخلفاء ونحوهم لا يدل على عدم الوقوع، والله أعلم.
س105- ما هو علاج الوسواس ليس في الصلاة فقط، بل في كل الأحوال؟
جـ - أولا: كثرة الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فهو عدو الإنسان الذي يُلقي في قلبه الشكوك والأوهام والتخيلات، ليضله بالبهتان ويوقعه في الحيرة والحسرة وعدم الراحة والاطمئنان.
وثانيا: كثرة قراءة سورتي المعوذتين وتكرار سورة الناس، ففيها الاستعاذة من شر الوسواس الخناس، وهو الشيطان، فمتى استعاذ المسلم برب الناس، ملك الناس، إله الناس، ولجأ إلى ربه، وعرف أنه - سبحانه - هو الذي سلط عليه هذا العدو الرجيم، وهو القادر على رده وقمعه. وصدق في هذه القراءة، فإن ربه – تعالى - يجيب دعوته ويحميه ويحفظه ويعصمه، فيرد عنه وسوسة الشيطان الذي يريد إهلاكه وإضراره.(1/68)
وثالثا: ننصحه بقطع تلك الوساوس والإعراض عنها، وإبعادها عن النفس، والانشغال بما يهم الإنسان في حياته، فإن ذلك يقطع الوسوسة، سواء كانت في الطهارة، بحيث يخيل إلى المرء أنه لم يطهر أعضاءه، أو أنه قد انتقض وضوءه بأدنى حركة ونحو ذلك، أو كانت في الصلاة، كالشك في القراءة، أو توهم وقوع خطأ أو نقص في قراءة الفاتحة، أو نقص في الواجبات أو الأذكار، أو شك في النية في أول الصلاة، أو توهم قطع النية، أو كان الشك والوسوسة في العقيدة وفي الأسماء والصفات، أو في البعث والنشور، أو في الرسالة والشريعة ونحو ذلك، فإن الإنسان متى تتابع مع هذه الوسوسة وتمادى فيها مرض قلبه وبدنه وقلق في حياته، وتحسر وعجز عن الصبر في هذه الحياة. فإذا قطع هذه التوهمات وأبعدها عن قلبه، وانشغل بالعبادات والأذكار والقراءة والعلم النافع والعمل الصالح وأمور دنياه التي تهمه، أراح نفسه وسلم من الوسوسة جميعها، والله أعلم.
س106- ما هي أصح الأقوال لديكم في مسألة أبناء الكفار الذين يموتون قبل البلوغ والتكليف، أو الذين لم تبلغهم رسالة الإسلام، كالذين يعيشون في الأدغال والغابات في دول العالم؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.
جـ - ذكر ابن القيم في طريق الهجرتين فيهم ثمانية أقوال، لكن أرجحها أنهم يمتحنون في الآخرة، كما وردت في ذلك أحاديث، ذكر أكثرها ابن كثير - رحمه الله تعالى - عند تفسير قوله تعالى: (( وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا )) منها ما رواه الإمام أحمد عن الأسود بن سريع أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( أربعة يحتجون يوم القيامة: رجل أصم، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة )) إلى قوله: (( فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم أن ادخلوا النار، فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما، ومن لم يدخلها يسحب إليها )) ورواه البيهقي في كتاب الاعتقاد وقال: إسناده صحيح.(1/69)
وروى حماد بن سلمة نحوه عن أبي هريرة وروى الحافظ أبو يعلى عن أنس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤتي بأربعة يوم القيامة: بالمولود، والمعتوه، ومن مات في الفترة، والشيخ الفاني، كلهم يتكلم بحجته، فيقول الرب - تبارك وتعالى - لعنق من النار: ابرز، ويقول لهم: إني كنت أبعث إلى عبادي رسلا من أنفسهم، وإني رسول نفسي إليكم، ادخلوا هذه، قال: فيقول من كتب عليه الشقاء: يا رب أَنَّى ندخلها ومنها كنا نفر! قال: ومن كتب عليه السعادة يمضي فيقتحم فيها مسرعا، فيقول الله: أنتم لرسلي أشد تكذيبا ومعصية، فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار وكذا رواه البزار وذكر عدة أحاديث، واختار هذا القول وناقش ما ورد عليه من الاعتراضات، فهو القول الذي تؤيده الأحاديث، كما هو أقرب الأقوال من حيث المعنى، والله أعلم.
س107- ما هو واجب صاحب المال في ماله تجاه الدعوة إلى الله وتجاه إخوانه المسلمين؟(1/70)
جـ - إن ربنا - سبحانه - هو الذي يرزق من يشاء، ويسهل له أسباب الرزق، فينمو ماله، وتتضاعف تجارته بتيسير من الله وإعانة فعلى هذا يجب عليه الاعتراف بأن ما في يده هو مال الله الذي أعطاه وفضله به، كما قال الله تعالى: (( وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ )) وقال تعالى: (( وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ )) ومع ذلك فإن من أنفق ماله في سبيل الله وفي ما يحبه ربه ضاعف له الأجر وأثابه على ذلك كثير الثواب، كما قال تعالى: (( مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ )) فسماه قرضا مع أن الله - سبحانه - هو الذي أعطاه ويسر له أسباب الرزق، فواجب على أصحاب الأموال أن يعترفوا بأنها فضل الله ومحض عطائه، ليست بحولهم ولا طولهم، فقد أنكر الله على قارون قوله (( إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي )) وعليهم أيضا العلم بأنه ابتلاء وامتحان، وليس كثرة المال دليل الكرامة والفضيلة، فإن الله يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولا يعطي الدين إلا من أحب.
وفي الحديث: (( الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر )) وعليهم أيضا أن يلتمسوا رضا الله - تعالى - في صرف هذه الأموال في وجوه الخير، ومن ذلك وسائل الدعوة إلى الله تعالى كالمكاتب التعاونية للدعوة والإرشاد، والنفقة على الفقراء والمستضعفين والغارمين وأسر المساجين وذوي الحاجات في داخل المملكة وخارجها، فإن هناك الكثير يعانون من الجوع والعري والمسكنة ما الله به عليم، فعلى أهل الثروات أن يمدوا لهم يد العون بواسطة مكاتب التعاون والجمعيات الخيرية ونحوها رجاء أن يكتب لهم الأجر الكبير، والله أعلم.
س108- ماذا ورد في فضل الاستغفار ؟(1/71)
جـ - فيه حديث عن ابن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجا، ومن كل هم فرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب )) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وصححه أحمد شاكر في تحقيق المسند، وعن زيد مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه. غفر له وإن كان فرّ من الزحف )) رواه أبو داود والترمذي وجوَّد إسناده المنذري في الترغيب.
وعن أبي بكر الصديق - رضى الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( ما من رجل يذنب ذنبا، ثم يقوم فيتطهر ويصلي، ثم يستغفر الله إلا غفر له. ثم قرأ (( وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ )) )) رواه أهل السنن وإسناده حسن.
وروى البخاري وغيره عن شداد بن أوس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( سيد الاستغفار أن يقول العبد: اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك، وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت، أعوذ بك من شر ما صنعت، أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي، فاغفر لي ذنوبي، إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، من قالها من النهار موقنا بها، فمات من يومه قبل أن يمسي، فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن بها، فمات قبل أن يصبح، فهو من أهل الجنة )) .(1/72)
وفي السنن عن أبي بكر الصديق أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (( ما أصر من استغفر، وإن عاد في اليوم سبعين مرة )) وعن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( والله إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة )) رواه البخاري ومعنى الاستغفار طلب غفران الذنوب، أي محوها وإزالة أثرها، وذلك أن العبد يعترف لربه بالذنوب وكثرة الخطايا، ثم يطلب من ربه أن يغفرها له، ويستر ذنوبه، ولا يؤاخذه بها، والله غفور رحيم.
س109- بماذا وكيف يحصن المسلم بيته وذريته من شرور الجن والإنس ؟
جـ - ذكر ابن القيم في آخر الجزء الثاني من بدائع الفوائد عشرة أسباب مما يعتصم به العبد من الشيطان، وأنا أذكر ملخصها، قال:
أحدها: الاستعاذة بالله من الشيطان. ثم ذكر الأدلة على ذلك، ولا شك أن الاستعاذة بالله - تعالى - من أفضل القربات، وهي تفيد الالتجاء والاعتصام والتحرز، وحقيقتها الهرب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه، ولهذا يسمى المستعاذ به معاذا وملجأ ووزرا. فالعائذ بالله قد هرب مما يؤذيه أو يهلكه إلى ربه ومالكه، وفر إليه، وألقى نفسه بين يديه، واعتصم به، واستجار به، والتجأ إليه.
وهذا تمثيل وتفهيم وإلا فما يقوم بالقلب من الالتجاء إلى الله والاعتصام به والاطِّراح بين يدي الرب والافتقار إليه والتذلل بين يديه، أمر لا تحيط به العبارة، فمتى شعر الإنسان أن الشيطان يحاربه ويكيد له، ويحاول إهلاكه، وعرف أن ربه - سبحانه - هو الذي سلطها وهو الذي يملك قهرها وردها وإذلالها، فلجأ إلى ربه، وشعر بعجزه عن مقاومتها واستجار بالله - تعالى - عن صدق وإخلاص، فإن ربه يحميه ويرد عنه كيد كل كائد.(1/73)
الحرز الثاني: قراءة سورتي المعوذتين، فإن لهما تأثيرا عجيبا، في حماية العبد المخلص من شر الشيطان وكيده. وفي الحديث (( ما تعوذ المتعوذون بمثلهما )) ففيهما الاستعاذة بالله من جميع الشرور، وقد رجح ابن القيم أن الوسواس يكون من الجن والإنس.
الحرز الثالث: قراءة آية الكرسي، ودليله حديث أبي هريرة عند البخاري وفيه (( إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسي، فإنه لن يزال عليك من الله حافظ، ولا يقربك شيطان حتى تصبح )) وقد ورد في فضلها أدلة كثيرة من السنة النبوية.
الحرز الرابع: قراءة سورة البقرة لحديث أبي هريرة وفيه (( إن البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة لا يدخله الشيطان )) .
الحرز الخامس: خاتمة سورة البقرة، ففي الحديث الصحيح المرفوع (( من قرأ الآيتين من آخر سورة البقرة في ليلة كفتاه )) وفي حديث آخر (( فلا يقرأن في دار ثلاث ليال فيقربها شيطان )) .
الحرز السادس: قراءة أول سورة حم غافر إلى قوله: (( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ )) مع آية الكرسي، فقد روى الترمذي عن أبي هريرة مرفوعا: (( من قرأ حم المؤمن إلى إليه المصير وآية الكرسي حين يصبح حفظ بهما حتى يمسي، ومن قرأهما حين يمسي حفظ بهما حتى يصبح )) .
الحرز السابع: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير مائة مرة؛ لحديث أبي هريرة وفيه: (( وكانت حرزا له من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي )) .
الحرز الثامن: كثرة ذكر الله - عز وجل - وقد وردت أحاديث كثيرة في ذلك، وقد صح أن الشيطان يهرب إذا سمع الأذان، وكذا سائر الذكر.
الحرز التاسع: الوضوء والصلاة، وهو من أعظم ما يتحرز به، ولا سيما عند الغضب والشهوة، فإنها نار، والوضوء والصلاة تطفئها.
الحرز العاشر: إمساك فضول النظر والكلام والطعام ومخالطة الناس، فإن الشيطان يدخل مع هذه الفصول، فإن النظرة سهم من سهام إبليس. وقد أطال ابن القيم في شرح هذه الفصول، والله أعلم.(1/74)
س110- هل يجوز للمرأة أن تستخدم حبوب منع الحمل منعا نهائيا بعد أربعة أو خمسة من الأولاد؟ وجهونا أثابكم الله.
جـ - لا يجوز ذلك، فإن هذا تسخط لعطاء الله - تعالى - ويشبه ما يفعله المشركون من القتل، الذي نهى الله - تعالى - عنه بقوله - عز وجل - (( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ )) فقد تكفل الله - تعالى - برزق الآباء والأولاد، وقد يكون وجودهم سببا في رغد العيش وكثرة الخير، فكم شاهدنا من أفراد كانوا في أشد الفقر والفاقة، فبعد أن وجد لهم أولاد وسع الله عليهم، وأَدَرَّ عليهم الرزق، فحقق الله - تعالى - قوله: (( وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ )) فأما إن كان سبب تعاطي حبوب منع الحمل هو مرض الأم أو عجزها البدني أو كانت لا تلد إلا بعملية قيصرية، وذلك مما يخاف عليها الضرر والهلاك، فإنه يجوز لها تعاطي ما يمنع الحمل مؤقتا أو خوف الضرر بعد تقرير الأطباء المعتبرين للضرر ولعدم التأثر باستعمال الحبوب أو اللولب ونحو ذلك.
وقد رخص بعض العلماء في منع الحمل إذا تضرر الأولاد لتتابعهم وضعف بنيتهم، وتضرر الأم من كثرتهم بالمشقة في التربية والحضانة ونحوها، وذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأزمنة، ولا يتخذ قاعدة مطردة.
س111- هل كان أحد من الأنبياء عقيمًا ومن هو؟(1/75)
جـ - قال الله تعالى: (( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً )) وهو دليل على أن الله - تعالى - أرسل رسلا قبل النبي - صلى الله عليه وسلم - وجعل لهم أزواجا وذرية، كما أن نبينا - صلى الله عليه وسلم - كان له زوجات وذرية، وذلك كمال لهم ورفعة ولا نقص في ذلك. وقد فسر بعض العلماء من السلف قوله تعالى: (( أَنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا )) أن الحصور هو الذي لا يأتي النساء، ونقل ذلك ابن جرير عن جماعة من المفسرين، ولكن ابن كثير - رحمه الله تعالى - أنكر ذلك واستنبط من قوله تعالى (( رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً )) أن زكريا طلب ذرية، أي: جمعا، فوهب الله له يحيى فيمكن أن ليحيى ذرية طيبة حتى تتم إجابة زكريا لما طلب، والله أعلم.
س112 - إذا كان الحمل يضر المرأة فهل يلزم الزوج أن يعزل عند الجماع أم لا؟ وما هي الطريقة لمنع الحمل المتكرر كل عام؟
جـ - الضرر يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فليس كل من تدعي الضرر متضررة، فلا بد أن يقرر الأطباء المعتبرون تحديد الضرر ونوعه. ثم إن العزل مختلف في حكمه، وقد أطال في الكلام عليه الحافظ ابن حجر في باب العزل من كتاب النكاح في فتح الباري، وذكر المذاهب في ذلك، وما ورد فيه من الأحاديث، والراجح من حيث العموم أنه لا يجوز عن الحرة إلا بإذنها، فإن كانت زوجته مملوكة لغيره فاشترط بعضهم إذن سيدها، ثم إن العلة في فعل العزل ورد أنها خوف الضرر على المرضع لأنها قد تحمل ويتضرر الرضيع أو خوف الضرر على المرأة من كثرة الحبل كل عام مما ينهك قواها أو خوف كثرة العيال مما يعوز المرأة إلى خادمة تعينها على التربية، وقد لا تقدر على ذلك، وحيث أجاز العلماء العزل عن المرأة الحرة بإذنها فله ذلك عند وجود سببه، فان لم ترضَ لم يجز العزل.(1/76)
ثم إن هناك طرقا أخرى قد تمنع الحمل، حيث ذكر بعض العلماء منها الامتناع من الوطء بعد الطهر بثلاثة أيام إلى أواخر الطهر، فقد جرب أن الوطء في أول الطهر لا يسبب الحمل وكذا في آخره، ومنها استعمال ما يسمى باللولب، فإنه قد يمنع الحمل وإن كان يسبب اضطرابا في الدورة الشهرية، ومنها إرضاع المرأة لطفلها من صدرها، فالغالب أن المرضع لا تحمل في السنة الأولى، وقد يتوقف الحمل إلى الفطام، حيث ينقلب دم الحيض لبنا، فيتوقف الحمل. ومنها استعمال حبوب المنع، لكن لا بد من تقرير الأطباء عدم إضرارها على الصحة، والله أعلم.
س113- بعض الآباء يشكون من انصراف الشباب الصالحين عن الزواج ببناتهم لأنهن يعملن في التمريض، وربما يسهرن بعض الليالي، فهل من كلمة لهم؟
جـ - على الشاب الملتزم أن يلتمس المرأة الصالحة التي رغب فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: (( فاظفر بذات الدين تربت يداك )) وعن ابن عباس رفعه: (( ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء: المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته )) رواه أبو داود والحاكم
وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمر مرفوعا: (( الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة )) وفي بعض الحديث مسكين، رجل ليس له امرأة وإن كان كثير المال ذكره في جامع الأصول، فعلى هذا لا يمنع من نكاحها كونها تعمل في وظيفة رسمية: كالتمريض والتدريس، إذا كانت عفيفة محصنة، تلتزم بالتستر والاحتجاب، وتبتعد عن مخالطة الرجال وعن الخلوة بالأجانب، ولا يرده كونها قد تعمل في الليل أحيانا، فإن ذلك من واجبها، ثم ترجع وتقوم بحق زوجها، حيث إن عملها خدمة للمجتمع يستفاد منها ما هو من ضروريات الحياة من علاج ومداواة ونفع لأفراد الأمة، فننصح الشباب الصالح أن يتقدموا لكل فتاة صالحة مستقيمة، ولو كانت تعمل في وظيفة مفيدة لها وللمسلمين.(1/77)
س114- دخلت المسجد بعد أن فاتتني الصلاة جماعة، فوجدت رجلا يصلي وهو قاعد، فهل أصلي معه حيث إنه في بداية الصلاة، أم أصلي وحدي؟
جـ - يفضل أن تشير عليه يقلب صلاته نافلة، حتى تصلي به كإمام، وربما يأتي آخرون، فيصفون خلفك، وتكونون جماعة، لكم أجر صلاة الجماعة، ويجوز أن تصلي خلفه إن لم تجد غيره. والأفضل صلاتك معه جالسا لحديث: (( وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون )) متفق عليه فإن صليت خلفه قائما جاز ذلك، كما اختاره البخاري واستدل بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - في آخر حياته جالسا، يبلغ عنه أبو بكر قائما، والمصلون خلف أبي بكر قيام، وقد جمع بين الحديثين بعض العلماء بأنه إذا ابتدأ الصلاة جالسا صلوا خلفه جلوسا استحبابا، وإن ابتدأ قائما وجب قيامهم خلفه، والله أعلم.
س115- امرأة طفلها مريض، ولا يسكت عن الصياح إلا إذا ألقمته ثديها، فهل يجوز لها أن تحمله وترضعه وهي تصلي؟ وهل يجوز لها في هذه الحالة أن تصلي قاعدة.
جـ - أرى أنه لا يجوز ذلك، حيث إن الصلاة يلزم فيها السكون والطمأنينة، ولا يجوز فيها العبث والعمل الذي ينافي أفعال الصلاة، وقد صرح العلماء بأن العمل المستكثر من غير جنس الصلاة يبطلها عمده وسهوه، كما في ( زاد المستقنع ) وغيره، فعلى هذا متى حملته وهي تصلي، وأمسكته بيديها، وأخرجت له الثدي يمتص منه مدة القيام، فإن هذا عمل مستكثر عادة، فتبطل به الصلاة، وكذا لو فعلت ذلك حالة الركوع أو السجود أو التشهد، لأنه يشغلها عن الطمأنينة والإقبال على الصلاة والإتيان بالأذكار والأدعية، حيث يلهيها عملها المذكور عن القراءة أو التدبر أو الدعاء المشروع.(1/78)
كما لا يجوز لها الصلاة وهي قاعدة، لقدرتها على القيام، وهو ركن في الصلاة، لا يسقط إلا بالعجز لمرض وكبر ونحوهما، وإذا علم ذلك فلهذه المرأة أن توكل من يحمله حتى تفرغ من صلاتها، أو ترضعه لبنا صناعيًّا وقت الصلاة، ولا يضره بكاؤه اليسير، فقد ذكر الأطباء أن البكاء للأطفال فيه منفعة لهم صحيًّا، والله أعلم.
س116- هل الخنثى المشكل يجوز له أن يصلي بالناس ويكون إماما لهم أم لا؟
جـ - لا يجوز له ذلك العمل في حالته لاحتمال كونه امرأة فيتقدم بالرجال، وذلك لا يجوز، لكن إن صلى بنساء ليس معهن رجال جاز ذلك كصلاتهن خلف الرجل، وعليه أن يتقدم بهن، وقد صرح الفقهاء بذلك، قال في المطالب: ولا تصح إمامة خنثى مشكل برجال لاحتمال أن يكون امرأة، ولا تصح إمامة خنثى بخناثى لاحتمال أن يكون امرأة وهم رجال مطلقا، أي في فرض أو نفل، وعلم منه صحة إمامة المرأة والخنثى بالنساء؛ لأن غايته أن يكون امرأة وإمامتها بالنساء صحيحة، لكن تقف المرأة خلف الخنثى.
س117- هل كل من مات بمرض البطن يعتبر شهيدا ؟
جـ - مرض البطن هو إسهال شديد عن تخمة أو فساد مزاج، بسبب الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها، فإن للمعدة خملا كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء الواصل إليها، قاله في فتح الباري: باب دواء المبطون. وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( المبطون شهيد والمطعون شهيد )) إلخ. والمراد له أجر شهيد، لكنه لا يعامل معاملة الشهيد في الدنيا، فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه بخلاف شهيد المعركة، فإنه يدفن بثيابه ولا يغسل ولا يصلى عليه، على المشهور عند العلماء، والله أعلم.
س118- أنا رجل معاق، ولدي سائق غير مسلم، يذهب بي إلى المسجد، ويضع لي الكرسي لكي أصلي عليه في الصف الأول، فهل علي إثم لدخوله المسجد وهو كافر؟(1/79)
جـ - عليك إثم في استجلاب هذا الكافر، فإن هذا العمل يسير سهل، فستجد من المسلمين من يقوم به بأجرة كأجرة هذا الكافر أو أقل، وقد ورد النهي عن استخدام الكافر قال شيخ الإسلام في اقتضاء الصراط المستقيم في كلامه على قوله تعالى: (( لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا )) قال: ولهذا كان السلف يستدلون بهذه الآية على ترك الاستعانة بهم في الولايات، فروى الإمام أحمد بإسناد صحيح عن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: قلت لعمر - رضي الله عنه - إن لي كاتبا نصرانيا. قال: ما لك قاتلك الله! أما سمعت الله يقول: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ )) ألا اتخذت حنيفيًّا. قال قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه. قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله اهـ.
فننصحك أن تلتمس مسلما من أي الجنسيات تيسر، وستجدهم كثيرا يقومون بخدمتك، فإن استخدامك لهذا الكافر ذنب كبير، حيث لا ضرورة إليه مع وجود من يقوم مقامه من المسلمين. ثم في إدخاله المسجد خطأ ظاهر؛ حيث إنه ليس من أهل الصلاة، وقد قال تعالى: (( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ )) وقال تعالى: (( مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ )) فلهذا لا يجوز إدخالهم المساجد لغير ضرورة، والله أعلم.
س119- ما هو علاج من أصيب بمرض عرق النَّسا ؟(1/80)
جـ - قال ابن القيم في زاد المعاد: عرق النسا وجع يبتدئ من مفصل الورك وينزل من خلف على الفخذ، وربما على الكعب، وكلما طالت مدته زاد نزوله، وتهزل معه الرجل والفخذ. اهـ. وذكر حديث أنس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( دواء عرق النسا ألية شاة أعرابية تذاب، ثم تجزأ ثلاثة أجزاء، ثم يشرب على الريق كل يوم جزء )) رواه ابن ماجه وذكر أن النساء هو المرض الحال بالعرق. قيل: سمي بذلك لأن ألمه ينسي ما سواه.
وذكر أن هذا الحديث خطاب للعرب وأهل الحجاز لا سيما أعراب البوادي، فإن هذا من أنفع العلاج لهم، فإن هذا المرض يحدث من يبس، وقد يحدث من مادة غليظة لزجة، فعلاجها بالإسهال والألية فيها الخاصيتان: الإنضاج والتليين، وهذا المرض يحتاج علاجه إلى هذين الأمرين، وفي تعيين الشاة الأعرابية لقلة فضولها، وصغر مقدارها، ولطف جوهرها، وخاصية مرعاها.. إلخ، ويفهم من كلامه أن هذا العلاج خاص بأهل البلاد الحارة وبالأعراب كأهل الحجاز ونحوهم، فعلى هذا يعالج أهل كل بلد بما يناسبهم من الأدهان والعقاقير والأدوية المركبة، وكذا بالرقية والقراءة المأثورة، والله الشافي.
س120- ما معنى هذا الحديث: (( إن التلبينة تجم فؤاد المريض وتذهب ببعض الحزن )) أخرجه البخاري
جـ - هذا الحديث في صحيح البخاري كتاب الأطعمة عن عائشة (( أنها كانت إذا مات الميت من أهلها، واجتمع لذلك النساء ثم تفرقن، أمرت ببرمة من تلبينة فطبخت، وصنعت ثريدا، ثم صبت التلبينة عليه، ثم قالت: كلوا منها؛ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: التلبينة مجمة لفؤاد المريض )) إلخ.
قال ابن القيم في الطب النبوي: التلبينة هو الحساء الرقيق الذي هو في قوام اللبن، ومنه اشتق اسمه. قال الهروي سميت تلبينة لشبهها باللبن في بياضها ورقتها، قال ابن القيم وهذا الغذاء هو النافع للعليل، وهو الرقيق النضيج لا الغليظ النيئ. فإنها حساء متخذ من دقيق الشعير بنخالته.(1/81)
والمقصود أن ماء الشعير مطبوخا صحاحا ينفذ سريعا ويجلو جلاء ظاهرا ويغذي غذاء لطيفا، وقوله: (( مجمة لفؤاد المريض )) معناه أنها مريحة له، أي: تريحه وتسكنه، من الإجمام وهو الراحة، وقوله: (( وتذهب ببعض الحزن )) هذا - والله أعلم - لأن الغم والحزن يبردان المزاج ويضعفان الحرارة الغريزية. وقيل: إنها تذهب ببعض الحزن بخاصية فيها من جنس خواص الأغذية المفرحة. والله أعلم.
س121- هل يجوز للحادة أن تشرب قهوة أو شايا وفيهما زعفران أم لا؟
جـ - لا أرى بأسا بذلك؛ حيث إن الحادة إنما منعت من لبس الحلي والطيب بما فيه لون أو ريح، ولم تؤمر بترك المأكولات أو المشروبات اللذيذة والنباتات طيبة الريح كالقرنفل والخزامي، ويدخل في ذلك الزعفران، وإنما لا يجوز لها التطيب به بأن تمسح خديها أو ذراعيها بورس أو زعفران، أو عصفر أو كركم أو نحوها؛ لأن ذلك هو طيب النساء، وهو ما ظهر لونه، وخفي ريحه، والله أعلم.
س122- رجل يرغب أن يحضر مبكرا لصلاة الجمعة، ويصلي في الصف الأول، لكنه كثير خروج الريح والبول، فيحتاج إلى دورة المياه كل نصف ساعة تقريبا، ويجد حرجا في قطع الصفوف كلما أراد أن يجدد الوضوء فبماذا توجهونه؟ وهل عليه إثم في قطع الصفوف؟
جـ - ينصح بأن يكون في آخر الصفوف، ويشتغل بالذكر والقراءة، ويجدد الوضوء كما يشاء بدون أن يتخطى رقاب الناس، وله أن يحجز له مكانا في الصف الأول، فإذا تطهر للمرة الأخيرة جلس فيه، ويعفى عن تخطية الرقاب مرة واحدة للعذر، والله أعلم.
س123- يحصل أحيانا في بعض المستشفيات أن يصلي موظفو كل دور في دورهم فهل هذا جائز أم لا بد أن يصلوا جماعة في مُصَلّى واحدٍ؟ وهل الأسياب التي يصلون فيها لها حكم المساجد من حيث تحية المسجد وعدم مكوث الحائض فيه؟(1/82)
جـ - ننصحهم أن يصلوا في المساجد القائمة إذا كانت قريبة عندهم ولا مشقة ولا محذور في الخروج إليها، لأنهم يسمعون النداء، ولأن المساجد بنيت للصلوات الخمس، يجتمع فيها المصلون من جميع جهات المسجد، لأداء الصلاة جماعة خلف إمام واحد. أما إن كان هناك عذر مسوغ للصلاة في المستشفى، أو كانت المستشفيات بعيدة عن المساجد ويخافون الانقطاع عن العمل، وتعطيل المرضى الذين هم بحاجة إلى المراقبة، أو شق على المرضى الذهاب إلى المساجد لعلة المرض فلا بأس بالصلاة في المستشفى، ويفضل أن يجتمعوا في مكان يعمهم، يؤذن فيه، ويتقدمهم إمام خاص مستقر معهم.
وإذا خصصوا موضعا للصلاة حجزوه بحواجز وفرشوه وجعلوا له محرابا وجهة معروفة، وزودوه بالمصاحف. فيكون له حكم المسجد، فمن أراد الجلوس فيه صلى تحية المسجد، ولا يلبث فيه الجنب ولا الحائض. أما إن لم يحجز ولم يخصص له مكان، بل يصلون في الطريق وممر الناس أينما توجهوا، فإن هذه الأماكن لا يكون لها حرمة المسجد لعدم تخصيصها للصلاة فيتأكد عليهم تخصيص موضع معين للصلاة، والله أعلم.
س124- من زال عقله بالبنج لمدة يوم أو يومين فهل عليه أن يصلي الصلوات التي فاتته إذا صحا من البنج؟(1/83)
جـ - يلزمه القضاء مرتبا فور إفاقته، فقد روي عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه أغمي عليه ثلاثة أيام فقضاها؛ وذلك أن الإغماء ومثله زوال العقل بالبنج لا تطول مدته، فلا يسقط به التكليف لإمكان القضاء بلا مشقة، خلاف الجنون المطبق والإغماء الطويل، فإنه قد يبقى أشهرا أو سنوات، فيشق عليه قضاء ما فاته من الصلاة والصوم، فرفع عنه التكليف لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( رفع القلم عن ثلاثة: النائم حتى يستيقظ، والمجنون حتى يفيق، والصغير حتى يبلغ )) ومعلوم أن النائم يقضي ما فاته من الصلوات بعد انتهاء نومه، وذلك لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك. وقرأ قول الله تعالى: (( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي )) )) والله أعلم.
س125- إذا لمس الطبيب امرأة مباشرة بدون حائل وكان على وضوء فهل هذا اللمس ينقض الوضوء؟
جـ - ذهب الشافعية إلى أن مجرد لمس المرأة مباشرة ينقض الوضوء، واحتجوا بقراءة من قرأ قول الله تعالى: (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) فإن اللمس يصدق على التصاق البشرتين بدون حائل، وذهب الإمام أحمد إلى أنه ينقض إذا كان اللمس لشهوة، بأن يجد لذة عند اللمس، فإن كان اللمس عاديا كالمصافح فلا ينقض. وقد ذهب بعض المحققين كشيخ الإسلام ابن تيمية إلى أنه لا ينقض مطلقا، وإنما يستحب الوضوء بدون وجوب، واحتج بحديث عائشة (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قَبّل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ )) والاحتياط الوضوء إذا وجد للمس شهوة ولذة، لقوله تعالى: (( أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ )) والله أعلم.
س126- رجل يصلي وهو مكشوف العورة حيث إنه مريض في الفخذ، وقال له الأطباء: لا تغط فخذك بشيء. فما حكم صلاته حينئذ؟(1/84)
جـ - هو معذور لذلك إذا تضرر بستر فخذه. مع أن الفخذ من العورة، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( لا تبرز فخذك ولا تنظر إلى فخذ حي ولا ميت )) ولحديث جرهد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال له: (( غَطِّ فخذك، فإن الفخذ عورة )) فهذا في غير الصلاة، ففي الصلاة الستر أوجب، لكن إذا تضرر بتغطيته بتقرير طبيب عارف جاز له كشفه، وصحت صلاته للعذر، والله أعلم.
س127- البول عندي لا ينزل بسرعة، بل أمكث في الحمام وقتا طويلا، قد يصل أحيانا إلى نصف الساعة أو أكثر، مما يسبب لي فوات الصلاة مع الجماعة، فكيف أعمل؟ وهل أعفى من صلاة الجماعة، ويكتب لي أجرها، أفيدوني؟
جـ - أرى أن هذا من الوسوسة، وأنصحك أن لا تتمادى في متابعة الوسوسة، فإن البول مثل اللبن في الضرع إن حلب دَرّ، وإن ترك قَرّ ، فمتى خرج منك البول المعتاد فلا تعصر ذكرك ولا تجره ولا تمسحه، فإن ذلك مما يسبب السلس أو الابتلاء بالوسوسة بل بمجرد انتهاء خروج البول الأول عليك أن تستنجي بالماء، أو تغسل فرجك الغسل المعتاد، ولك أن تَبُلَّ سراويلك وثوبك الذي حول الفرج حتى لا تتخيل أن الرطوبة من البول، ثم لا تلتفت إلى ما تتوهم أنه بول يخرج بعد ذلك، بل اقطع توهمك ونحوه، فإن كان صحيحا فأنت معذور كصاحب السلس، وإن كان خيالا وتوهما فطهارتك باقية، وتبقى على هذا أياما، فبعده تنقطع هذه الوساوس، وتستريح، ولا يجوز لك التثاقل حتى تفوتك صلاة الجماعة بهذا العذر، الذي لا يسوغ لك التخلف، والله أعلم.
س128- رجل مريض وهو مسجون في قضية، وقد حكم عليه أن يجلد فهل ينفذ الحكم وهو مريض الجسم، أو يؤجل الحكم أو يعفى عنه لمرضه؟ وما هو حكم الشرع في ذلك؟(1/85)
جـ - إن كان المرض يُرجى زواله قريبا، فإنه ينتظر حتى يُشفى ثم يجلد للحد أو التعزير، وإن عرف استمرار المرض أو طول مدته عادة، فإنه يجلد ولا يشدد عليه إن خيف تلفه، ويمكن أن يجلد بالأيدي والنعال أو بعثكال على ما ورد في حديث سعيد بن سعد بن عبادة - رضي الله عنهما - قال: (( كان في أبياتنا رويجل ضعيف، فخبث بأمة من إمائهم، فذكر ذلك سعد لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: اضربوه حده. فقالوا: يا رسول الله، إنه أضعف من ذلك. فقال: خذوا عثكالا فيه مائة شِمْراخ ثم اضربوه به ضربة واحدة )) رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وإسناده حسن. والعثكال هو عذق النخل بعد أخذ التمر منه، جعل الجلد به قائما مقام مائة جلدة، والله أعلم.
س129- جاء في الحديث (( كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته )) فهل الراعي في البيت الرجل أم المرأة أو كلاهما، وما هي مسئولياتهما؟
جـ - الحديث رواه البخاري في كتاب الجمعة وغيره عن ابن عمر قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( كلكم راعٍ، وكلكم مسئول عن رعيته، الإمام راعٍ ومسئول عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسئول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها )) الحديث.
قال الحافظ في شرح الحديث في أول كتاب الأحكام: رعاية الرجل أهله سياسته لهم وإيصالهم حقوقهم، ورعاية المرأة تدبير أمر البيت والأولاد والخدم، والنصيحة للزوج في كل ذلك، إلخ، وقد أخرج الطبراني وابن عدي مثل حديث ابن عمر وفي آخره قال: فأعدوا للمسألة جوابا. قال: وما جوابها؟ قال: أعمال البر وسنده حسن .
وللطبراني من حديث أبي هريرة (( ما من راع إلا ويسأل يوم القيامة أقام أمر الله أو أضاعه )) .(1/86)
ولابن عدي عن أنس إن الله سائل كل راع عما استرعاه حفظ ذلك أو ضيعه وسنده صحيح قاله الحافظ وقوله في الحديث: (( فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته )) يدخل فيه المنفرد الذي لا زوجة له ولا خادم ولا ولد، فإنه راعٍ على جوارحه حتى يعمل المأمورات ويجتنب المنهيات فعلا ونطقا واعتقادا، فجوارحه وقواه وحواسه رعيته، ولا يلزم من كونه راعيا أن لا يكون مرعيا باعتبار آخر، والله أعلم.
س130- يوجد لدينا في منطقة...... ظاهرة، وهي أن هناك من يقوم بصيد الأسد (السبع) ثم يستخرج نفسه ويجففها في الشمس أربعين يوما، ثم يقوم ببيعها قطعة قطعة بمبالغ باهظة بقصد الاستشفاء لبعض الأمراض، علما أني شاهدت عدة حالات يشفى المريض منها بعد تناوله هذه القطعة؟ فهل هذا جائز شرعا؟
جـ - النفس هي الروح، ومعلوم أنها عرض ليس لها جرم، ولا يمكن إمساكها ولا تجفيفها، ولعل مراد السائل بالنفس هي الرئة أو أحد أعضاء الجوف الداخلة، وعلى هذا فإن الأسد من ذوات الناب المحرمة لقوله في الحديث: (( نهى عن كل ذي ناب من السباع )) أي حرم أكلها، وإذا كان محرما فإنه لا يجوز التداوي به ولا بأعضائه، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرّم عليكم رواه ابن حبان ولما سئل عن الخمر تتخذ دواء قال: (( إنها داء وليست دواء )) رواه مسلم بمعناه فعلى هذا أرى أنه لا يصح عمل هذا الإنسان في تجفيف هذا العضو، ثم بيعه قطعة قطعة، وإن حصول الشفاء الذي يشاهد من آثار هذا العلاج ليس صحيحا، وإنما حصل بالمصادفة أو بعلاج آخر، أو حصل ابتلاء وامتحانا، فلا يغتر بمثل ذلك، والله أعلم.
س131- يصف بعض الناس حليب الحمير بأنه مفيد لبعض الأمراض كالكحة الشديدة، فهل هذا صحيح؟ وما حكم ذلك في الدين؟(1/87)
جـ - الحمر الأهلية كانت مباحة في أول الإسلام، وإنما ظهر تحريم أكلها سنة سبع من الهجرة في غزوة خيبر حيث وردت أحاديث كثيرة في النهي عنها، حيث (( أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ينادي في خيبر إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية، فإنها رجس )) .
وحيث قال لما رأى القدور تغلي بلحمها (( أهريقوها واكسروها. فقيل: أوَ نهرقها ونغسلها؟ فقال: أو ذاك )) وقد ذهب الجمهور إلى تحريمها تحريما مؤبدا. وذهب ابن عباس إلى إباحة أكلها؛ وذلك لأنها من جملة الأنعام المسخرة للإنسان، فتدخل في عموم قوله تعالى: (( أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ )) وقوله تعالى: (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ )) .
وذكر أن تحريمها خوف إتلافها، لأنها كانت حمولة الناس، وقد أنكر على ابن عباس بعض الصحابة، فقال علي - رضي الله عنه - (( إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية عام خيبر )) .
وروي مثله عن عمر وابن عمرو وجابر وأنس والبراء وغيرهم بأسانيد صحيحة، وعلى تحريم أكلها أكثر العلماء. قال ابن عبد البر لا خلاف بين علماء المسلمين اليوم في تحريمها. فأما ما روى عن ابن عباس فهو اجتهاد منه، وقد رُوي رجوعه عنه، وعلى هذا لا يجوز شرب حليبها لعلاج السعال ولا لغيره؛ لأن ما حرم أكله حرم العلاج به، ولا يحل إلا للضرورة التي تحل بها الميتة للمضطر، والله أعلم.
س132- نسمع عن حبة البركة، فهل لها فوائد ؟ وهل جاء في الدين حث عليها؟ أفيدونا أثابكم الله.(1/88)
جـ - لعلها الحبة السوداء، والتي يصغرها العامة فيسمونها السويداء أو الخضيراء، وفي لغة الفرس تسمى الشونيز، وهي معروفة تبذر وتنبت كثيرا مع الحلبة أو حب الرشاد. وقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( عليكم بهذه الحبة السوداء، فإن فيها شفاء من كل داء إلا السام )) والسام الموت.
قال ابن القيم في الطب النبوي: والشونيز حار يابس في الثالثة، مذهب للنفخ، مخرج لحب القرع، نافع من البرص وحمى الربع والبلغمية، مفتح للسدد، ومحلل للرياح، مجفف لبلة المعدة ورطوبتها. وإن دق وعجن بالعسل وشرب بالماء الحار أذاب الحصاة التي تكون في الكليتين والمثانة، ويدر البول والحيض واللبن إذا أديم شربه أياما. وإن سخن بالخل وطلي على البطن قتل حب القرع، فإن عجن بماء الحنظل الرطب أو المطبوخ كان فعله في إخراج الدود أقوى، ويجلو ويقطع ويحلل ويشفي من الزكام البارد إذا دق وصُيِّر في خرقة واشتم دائما أذهبه إلى آخر كلامه، وقد أطال في منافعها، والله أعلم.
س133- فضيلة الشيخ، قرأت عن فوائد الثوم وأنه علاج لارتفاع ضغط الدم، وكذلك نقص نسبة الكوليسترول وبدأت أستعمله، لكن المشكلة في رائحته القوية، لا سيما في المسجد أثناء أداء الصلاة، حيث أخشى أن أؤذي أحدا من المصلين، فما توجيهكم لي - بارك الله فيكم - ؟
جـ - الثوم من النباتات المشهورة، وقد ثبت النهي عن أكله وأكل البصل عند الذهاب إلى المسجد وأمر من أكلهما أن يميتهما طبخا؛ لأن الطبخ يقلل من الرائحة، وحيث إن في الثوم منفعة فانه يجوز التداوي به، ويؤكل في الأوقات الطويلة كبعد الفجر وبعد العشاء، حيث يخف ريحهما قبل حضور الصلاة الثانية.(1/89)
وقد ذكر ابن القيم في الطب النبوي أنه نافع للمبرودين، ولمن مزاجه بلغمي، ولمن أشرف على الوقوع في الفالج، وأنه محلل للرياح الغليظة، هاضم للطعام، قاطع للعطش، ويقطع البلغم ويحلل النفخ، ويصفي الحلق، ويحفظ صحة أكثر الأبدان، وينفع من تغير المياه والسعال المزمن، ومن وجع الصدر. قال: ويذهب رائحته أن يمضغ عليه ورق السذاب. اهـ.
والسذاب: بقل معروف كما في كتب اللغة، والله أعلم.وفي إمكان من يحتاج إلى أكله علاجا أن يأكله بعد العشاء مباشرة رجاء أن يذهب ريحه قبل الصبح أو يميته طبخا.
س134- فضيلة الشيخ، هل يجوز لرجل أن يتخصص في دراسة أمراض النساء والولادة ويصبح طبيبا في هذا المجال أم لا يجوز؟ وجهونا أثابكم الله
جـ - الأصل أن طب النساء كطب الرجال في أغلب الأمراض كالرأس والأسنان والبطن والأعضاء الظاهرة والخفية، فمن تعلم طب الباطنية ونحوه عرف العلاج للرجال والنساء، لكن هناك أمراض تختص بالنساء كأمراض الرحم والحيض والحمل والثديين ونحوها، والواجب فيها أن يتعلمها النساء حتى يعالج بعضهن بعضا، ولا يعوزهن ذلك إلى التطبب عند الرجال مما يستلزم التكشف ونظر الرجل الأجنبي إلى عورات النساء وزينتهن، ومع ذلك فالواقع أن هناك الكثير من الرجال تخصصوا في أمراض النساء والولادة مخافة أن تطرأ حالة لا يوجد فيها من النساء من يتولى ذلك أو من يحسنه، وهكذا يجوز لبعض النساء أن يتخصصن في أمراض الرجال الخاصة بهم مخافة وجود حالات ضرورية طارئة لا يوجد من يتولاها من الرجال، ولكن الأصل اختصاص كل جنس بما يخصه، والله أعلم.
س135- البعض من الناس يحث أبناءه الصغار على الصيام، ويشجعهم على ذلك، ويقول: إن في الصيام فوائد تربوية شرعية وطبية تعود عليهم بالنفع والفائدة، فهل هذا صحيح؟(1/90)
جـ - لا شك أن الصيام عبادة بدنية، فرض الله جنسها كصوم رمضان، فلذلك ورد فضله والحث عليه وكثرة الثواب على التقرب به، ولذلك كان الصالحون يتعبدون بالصيام ويسردونه. وقد روي عن الكثير صوم الدهر إلا ما ندر. وقد تكلم العلماء على الحكم والمصالح والفوائد التي تترتب على الصيام وتوضح أنه ما شرع إلا لحكم عظيمة وفوائد دينية وبدنية واجتماعية، كما ذكر بعض ذلك ابن رجب الحنبلي - رحمه الله تعالى - في وظائف رمضان، ولا شك أن تعويد الأطفال على الصيام وتشجيعهم عليه في الصغر يحببه إليهم ويعتادونه، ويتدربون على الصبر وتحمل الجوع والمشاق، ويألفون هذه العبادة، وتسهل عليهم عند البلوغ والتكليف. وقد ثبت أنه لما فرض صوم عاشوراء كان الصحابة يصومون أطفالهم، فإذا طلبوا الطعام أعطوهم العهنة ونحوها يتلهون بها، حتى تغرب الشمس، ويستحب تدريب الأطفال على الصوم في رمضان ولو كانوا غير مكلفين، ففيه فوائد ومصالح تعود إليهم وإلى أهليهم، والله أعلم.
س136- ما هو دعاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - لفك الكرب وطلب الشفاء ؟
جـ - في الصحيحين عن ابن عباس (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند الكرب: لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله رب السماوات السبع ورب الأرض رب العرش الكريم )) .
وعن أنس (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا حزبه أمر قال: يا حي يا قيوم، برحمتك أستغيث )) رواه الترمذي
وعن أبي هريرة (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا أهمه الأمر رفع طرفه إلى السماء فقال: سبحان الله العظيم، وإذا اجتهد في الدعاء قال: يا حي يا قيوم )) رواه الترمذي
وعن أبي بكرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( دعوات المكروب: اللهم رحمتك أرجو، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، وأصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت )) رواه أبو داود(1/91)
وعن أسماء بنت عميس - رضي الله عنها - قالت: قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (( ألا أعلمك كلمات تقوليهن عند الكرب أو في الكرب: الله ربي لا أشرك به شيئا )) وفي رواية أنها تقال سبع مرات، رواه أبو داود وابن ماجه بسند حسن.
وعن ابن مسعود - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما أصاب عبدا هم ولا حزن فقال: اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك ماض في حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وحزنه وأبدله مكانه فرحا )) رواه أحمد وابن حبان بسند صحيح.
وعن سعد بن أبي وقاص قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (( دعوة ذي النون إذ دعا بها وهو في بطن الحوت (( لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ )) لم يدع بها رجل مسلم في شيء قط إلا استجيب له )) رواه أحمد والترمذي وصححه الحاكم
وعن أبي سعيد الخدري (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لرجل من الأنصار: ألا أعلمك كلاما إذا قلته أذهب الله همك وقضى دينك، قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال. قال: ففعلت ذلك فأذهب الله همي وقضى ديني )) رواه أبو داود
وله عن ابن عباس قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – (( من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجا، ومن كل ضيق مخرجا، ورزقه من حيث لا يحتسب )) .
وفي المسند (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة )) ويذكر عن ابن عباس مرفوعا من كثرت همومه وغمومه فليكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله .(1/92)
فهذه الأدعية والأذكار ونحوها مما أورده ابن القيم في (زاد المَعَاد) وفي (الوابل الصيب) مما جربت وشوهد أثرها، فمن لم يتأثر بها فقد أصيب بداء مستحكم لا علاج له إلا الاستفراغ، والله أعلم.
س137- هل الرؤيا الصالحة من علامات رضا الله على العبد؟
جـ - ثبت في الصحيح أحاديث تدل على أن الرؤيا الصالحة بشرى للمؤمن كقوله - صلى الله عليه وسلم - (( الرؤيا الحسنة من الرجل الصالح جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة )) رواه البخاري عن أنس
وروي عن أبي قتادة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الرؤيا الصادقة من الله، والحلم من الشيطان )) وله عن أبي سعيد أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( إذا رأى أحدكم رؤيا يحبها فإنما هي من الله، فليحمد الله عليها وليحدث بها، وإذا رأى غير ذلك مما يكره، فإنما هي من الشيطان فليستعذ من شرها ولا يذكرها لأحد فإنها لا تضره )) .
وله في حديث أبي قتادة (( فإذا حلم أحدكم فليتعوذ منه وليبصق عن شماله فإنها لا تضره )) وروي أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: (( لم يبقَ من النبوة إلا المبشرات. قالوا: وما المبشرات؟ قال: الرؤيا الصالحة )) .
وقد تكلم العلماء على الرؤيا ومتى تكون صحيحة صادقة، فالمؤمن المستقيم في أحواله تصدق رؤياه وتقع كما هي، فإن رأى ما يكره فالأولى أن لا يعبرها، فقد روى أهل السنن عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( الرؤيا على رجل طائر حتى تعبّر فإذا عبرت وقعت )) وصححه الترمذي والحاكم والله أعلم.
س138- كم عدة الأرملة التي توفي عنها زوجها ؟ وما هي الزينة التي يسمح لها أن تستخدمها؟(1/93)
جـ - المتوفى عنها زوجها تتربص أربعة أشهر وعشرة أيام إذا لم تكن حاملا، والحامل تعتد مدة الحمل، لقوله تعالى: (( وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ )) وعلى المتوفى عنها زوجها الإحداد عليه مدة التربص، قال صاحب التوضيح: وهو اجتناب زينة وتحسين، ولبس حلي ولو خاتمًا، وملون من ثياب كأحمر وأصفر وأخضر وأزرق صاف وحناء وخضاب وأسفيداج وتحمير وجه ونحوه، وتجتنب الطيب في دهن، وما صبغ غزله ثم نسج كمصبوغ بعد نسجه، وكحلا أسود ما لم تكن حاجة، ولا يحرم نقاب، وعند الخرقي وغيره يحرم، فمع حاجة تسدل كمحرمة، وتجب عدة وفاة في مسكنها لا غيره، فإن دعت الحاجة إلى خروجها بأن حولها مالكه أو تخشى على نفسها أو لا تجد ما تكتري به جاز لها الانتقال حيث شاءت، ولا تخرج ليلا ولو لحاجة، ولها الخروج نهارا لحاجة. اهـ.
وفي الصحيحين عن أم عطية قالت: (( كنا نُنْهَى أن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا، ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب )) وفي رواية (( ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت - أي من الحيض - نبذة من قسط أو أظفار )) وفي حديث أم سلمة مرفوعا: (( المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل )) رواه أحمد وغيره وقد ورد في حديثها الرخصة في الكحل للضرورة بلفظ: (( اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار )) رواه مالك وغيره ويُرجَع إلى شرح هذه الجمل في فتح الباري ونيل الأوطار، والله أعلم.
س139- ما معنى حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي يقول فيه: (( فر من المجذوم فرارك من الأسد )) وما هي الأحكام والفوائد المستخرجة من الحديث؟(1/94)
جـ - الحديث رواه البخاري في باب الجذام من كتاب الطب في صحيحه عن أبي هريرة بلفظه معلقا، وذكر الحافظ مَن رواه موصولا وفي أوله قوله: (( لا عدوى ولا طيرة )) إلخ فردت طائفة من العلماء حديث: لا عدوى ولا طيرة لأن الأخبار الدالة على اجتناب المرض أكثر، وهذا القول خطأ، فقد تكاثرت الأحاديث في قوله: لا عدوى ورجح آخرون حديث: لا عدوى وردوا أحاديث الفرار من المجذوم، لأنه شاذ، ولأن عائشة أنكرته، لكن الأحاديث في الاجتناب كثيرة ثابتة، وقال آخرون حديث: لا عدوى لمن قَوِيَ يقينه، وصح توكله، بحيث يستطيع أن يدفع عن نفسه اعتقاد العدوى، وأما الفرار من المجذوم ففي حق ضعيف الإيمان والتوكل، مخافة أن يقع في نفسه شيء، فهو لحسم المادة وسد الذريعة، لئلا يحدث للمخالط شيء فيظن أنه بسبب المخالطة فيعتقد صحة العدوى، وقيل إن حديث: لا عدوى نفي لما كان أهل الجاهلية يعتقدونه من إضافة الفعل إلى غير الله، وأن الأمراض تعدي بطبعها، وإلا فقد يجعل الله بمشيئته مخالطة الصحيح مَن به شيء من هذه الأمراض سببا للحدوث، ولهذا قال: (( لا يورد ممرض على مصح )) ونهى عن القدوم على البلد الذي فيه الطاعون، وكل ذلك بتقدير الله تعالى، ولكنه جعل للأمراض أسبابا، فعلى المسلم أن يبتعد عن أسباب الهلاك، والله أعلم.
س140- هل يجوز للمرأة المعتدة (المتوفى عنها زوجها وهي لا تزال بالعدة) أن تخرج لسوق أو للبر مع أهلها وأبنائها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرا.(1/95)
جـ - الأصل أن المعتدة المتوفى عنها زوجها تمكث في بيتها حتى يبلغ الكتاب أجله، وتفرغ من العدة، ولكن يجوز لها الخروج نهارا للحاجة ثم ترجع إلى بيتها للمبيت فيه، فقد ثبت أن زوجات الصحابة الذين قتلوا في غزوة أحد يجتمعن في النهار أو كثير منهن، ثم يرجعن في الليل إلى منازلهن؛ وذلك للاستئناس وإزالة الوحدة والوحشة، وعلى هذا فلها الخروج إلى أدنى السوق لشراء حاجة ضرورية، وكذا لزيارة مريض من أقاربها أو أحد أبويها، وكذا للنزهة في أدنى البرية بشرط كون المبيت في منزلها، ولها أن تتحول عنه لضرورة، كما لو أخرجها صاحبه أو زاد في الأجرة وهي لا تتحمل ذلك، أو خافت على نفسها من لصوص أو فَسَقَة، أو خافت سقوط البيت ونحوه، فلها أن تنتقل في البلد حيث شاءت، والله أعلم.
س141- امرأة لم تعلم بوفاة زوجها إلا بعد مضي شهر، فكيف تحسب عدتها؟ هل من ابتداء موت زوجها أو من علمها بموته؟ أفيدونا أثابكم الله
جـ - اعلم أن مدة الإحداد على الزوج تبدأ من وقت الوفاة الحقيقي وليس الإحداد شرطا في انتهاء العدة، فإذا مضى بعض العدة قبل علمها بالوفاة فإنها تحد عليه بقية الزمن المحدد، ولا تقضي ما فات قبل علمها، ولو لم تعلم بوفاته إلا بعد أربعة أشهر وعشرة أيام سقطت العدة والإحداد، وجاز لها أن تتزوج وقت علمها لوجود التربص المشترط عليها، والله أعلم.
س142- هل أكل هذه الحيوانات جائز شرعا: الغراب، الثعلب، الصقر، الغزال ؟
جـ - أما الغراب فلا يجوز أكله، فإنه من الفواسق، التي تقتل في الحل والإحرام، وهو يأكل الجيف والنجاسات، لكن هناك غراب الزرع، وهو الذي لا يأكل إلا الحب والطاهر فهو حلال، وهو أصغر من الغراب الأسود المشهور.
وأما الثعلب فهو ذو ناب، ويفترس ويأكل النجاسات، فهو حرام. ومن قال: إنه مكروه أراه كراهة التحريم.(1/96)
وأما الصقر فهو من ذوات المخالب، وقد (( نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن كل ذي مخلب من الطير )) وهو كل ما يحمل طعامه بمخالبه، أو يصيد بها، كالصقر والباشق والشاهين والعقرب والنسر ونحوها، ولأنها تأكل الجيف وتتغذى بالنجاسات، فحرم أكلها.
وأما الغزال فحلال بالإجماع، وهي الظبي؛ لأنها من الصيد المتوحش، وقد جعل الصحابة فيها فدية على من قتلها في الحرم أو الإحرام، فدل على إباحتها، والله أعلم.
س143- تزوجت بامرأة عقيم لا تلد، ولديها عاطفة قوية نحو الأبناء، فهل يجوز لنا أن نتبنى طفلا ونربيه عندنا، لكي نعوض أنفسنا ما فقدناه؟ أفيدونا.(1/97)
جـ - يكره للرجل نكاح المرأة العاقر فقد روى النسائي عن معقل بن يسار قال: (( جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد أفأتزوجها؟ فنهاه، ثم أتاه الثانية فنهاه، ثم أتاه الثالثة فقال: تزوجوا الودود الولود، فإني مُكاثر بكم )) وكذا رواه أبو داود وروى سعيد عن أنس قال: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا، ويقول: تزوجوا الودود الولود، فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة )) وكذا رواه أحمد وابن حبان وصححه، وروى الإمام أحمد عن عبد الله بن عمرو أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( انكحوا أمهات الأولاد، فإني أباهي بكم يوم القيامة )) فأما التبني فلا يجوز انتساب الولد لغير أبويه ؛ لقوله تعالى: (( ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ )) لكن يجوز تربية الطفل الصغير وتنشئته وحضانته والنفقة عليه، وسواء كان لقيطا أو معروف الأب، كما ربَّى النبي - صلى الله عليه وسلم - عليا في صغره، ولكن هذه التربية لا تؤثر محرمية لهذا الطفل؛ لأن المحرمية إنما تكون بولادة أو رضاع، فمتى بلغ هذا الطفل الذكر فعلى المرأة الاحتجاب عنه، وتحتجب الأنثى عن صاحب البيت، لأنه أجنبي عنها، والله أعلم.
س144- ما رأي الشرع في نظركم في نقل الأعضاء من إنسان ميت إلى إنسان حي لكنه مريض وسوف يستفيد من هذه الأعضاء؟ أفيدونا أثابكم الله.(1/98)
جـ - أرى - والله أعلم - عدم الجواز في حق المسلم، فإن حرمته ميتا كحرمته حيا، وقد ثبت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( كسر عظم الميت ككسره حيا )) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه وغيرهم عن عائشة وزاد في رواية عن أم سلمة (( ككسر عظم الحي )) يعني في الإثم، فعلى هذا نقول: إن العبث في أعضائه بقطع شيء منها يدخل في هذا الحديث، ويمكن أن يُستثنى من ذلك إذا كان حيا عاقلا، وتبرع بشيء من أعضائه التي لا يضره فقدها: كالكُلية، ولا يدخل في ذلك الكافر، فإنه لا حرمة له في حياته، وهكذا بعد موته. وإن كان قد ورد النهي عن التمثيل بالقتلى في الحرب، فإن رخص في الأخذ من المريض أحد يعتبر قوله، فالعهدة عليه، والله أعلم.
س145- هل يجوز دفع الزكاة للقائمين على مشروع تفطير الصوام أم لا؟ وجهونا.
جـ - ذلك إذا كان الصوام الذين يأكلون طعام الإفطار من أهل الزكاة، أي من الفقراء والمساكين، كما هو الغالب في هذه الأزمنة، حيث إن الذين يتوافدون إلى أماكن الإفطار من العمالة الوافدين المسلمين، وهم فقراء ضعفاء لقلة دخلهم، ولما هم فيه من الحاجة التي حملتهم على فراق أهليهم وبلادهم لطلب لقمة العيش لهم ولعوائلهم، وكذا يجوز دفع الزكاة للمشاريع الخيرية في الإفطار خارج المملكة إذا تولى ذلك جماعة من أهل الثقة والأمانة، فأرسلوها إلى البلاد الإسلامية، وأشرف عليها من هو محل لمعرفة أهل الاستحقاق. فأما الإفطار العام في المنازل والمجتمعات، فالغالب أنهم من أهل الثروة والغني، فلا تحل لهم الزكاة، والله أعلم.
س146- نويت العمرة، وأنا في طريقي إلى مكة أصبت بمرض فماذا يلزمني؟(1/99)
جـ - إذا أصابك المرض قبل الإحرام فلك الرجوع ولا شيء عليك، فأما إن مرضت بعد الإحرام فإن كنت اشترطت عند الإحرام بقولك: فإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني. فلك التحلل وترك العمرة، وليس عليك شيء. أما إن لم تشترط ومرضت بعد عقد النية فإنك تبقى على الإحرام حتى تُنهَى عمرتُك، ولو أن تطوف محمولا، فإن لم تستطع فعليك ما استيسر من الهدي، فتذبح شاة أي واحدة من الغنم وتحلل، لقوله تعالى: (( فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ )) والله أعلم.
س147- لدينا مؤذن في مسجد حينا أصبح يؤذن لبعض الأوقات وهو جالس نظرا لكبر سنه وعجزه عن القيام، فما حكم عمله هذا؟
جـ - الأصل أن المؤذن يكون قائما، ويلتفت في الحيعلتين، ليكون ذلك أندى لصوته، لكن في هذه الأزمنة، وبعد وجود أجهزة التكبير الكهربائية، صار المؤذن يقابل اللاقطة في الجهاز، ويذهب صوته إلى السماعات التي تدفعه إلى الخارج، فعلى هذا يجوز الأذان عند العجز قاعدا مقابلا للاقطة حيث توجد أمام القاعد وأمام القائم، فإن تيسر الأذان والإقامة حال القيام فهو أكمل، وهو المعتاد، وإلا جاز قاعدا، والله أعلم.
س148- كيف تعرف المرأة حكم الرطوبات التي تخرج منها من حيث الطهارة أو النجاسة ؟(1/100)
جـ - الخارج من الرحم إن كان دما أحمر أو أسود كثيرا فهو الحيض أو النفاس، فإن كان في غير زمن العادة، واستمر أكثر من الزمن، فهو الاستحاضة التي لا تمنع من الصلاة والصوم. أما إن كان صفرة أو كدرة، وكان بعد الطهر، فهو نجاسة تنقض الوضوء، ولا يعطى حكم الحيض، وتعمل معه كالمستحاضة حيث تتوضأ لكل صلاة، فإن لم يوجد بين الصلاتين شيء كفاها الوضوء الأول. أما إن كانت الرطوبة مجرد مياه وسوائل غير متغيرة، فإنها تعطى حكم البول في النجاسة ونقض الوضوء، فإن كانت قليلة وغير محسوسة ولا تقدر على إمساكها أعطيت حكم من به سلس البول، وقد يوجد بعض الرطوبات القليلة التي لا تقدر المرأة على إمساكها فيعفى عنها لمشقة التحفظ، والله أعلم.
س149- ما هي السنة في زيارة المقابر ؟(1/101)
جـ - ثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (( كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها فإنها تذكر الآخرة )) رواه مسلم وذكر العلماء استحباب زيارة المقابر كلما أحس الإنسان بقسوة أو ضعف في العمل، فإنه إذا رأى المقابر تذكَّر أن أهلها كانوا في الدنيا مع أهلها ينافسونهم في الأعمال والمكاسب، فانتقلوا إلى هذه القبور التي هي مقدمة الآخرة، فيبعثه ذلك على الاستعداد لما نزل بهم ويهتم للآخرة، وهكذا أيضا يدعو للموتى ويترحم عليهم ويزور أقاربه، ويخصهم بدعوات صالحة، أو يعتبر بما هم فيه، ويستثنى من الجواز أو الشرعية النساء. ففي السنن وصححه الترمذي وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لعن الله زوَّارات القبور )) وفي حديث آخر (( لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد )) ولما رأى بعض النساء تبعن جنازة قال لهن: (( ارجعن مأزورات غير مأجورات )) وقال لفاطمة ابنته: (( لو بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك )) ولعل ذلك لما ورد في بعض الروايات من قوله: فإنكن تفتن الأحياء وتؤذين الموتى أي لقلة صبرهن، ويسن للزائر قوله: (( السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم )) أو نحو ذلك.
س150- هل يجوز للمرأة أن تغسل أحد أبنائها بعد موته؟ وتكفنه؟ أفيدونا أثابكم الله
جـ - يجوز للمرأة أن تغسل الطفل الذي له دون سبع سنين وتكفنه ؛ لأن إبراهيم ابن النبي - صلى الله عليه وسلم - غسلته النساء، ولأنه ليس له عورة محترمة، والعادة أن الأم ونحوها تغسل فرجه في الحياة بعد التغوط وتنظفه، فكذا بعد الوفاة، وهكذا يجوز للرجل أن يغسل الطفلة التي لها أقل من سبع سنين، حيث إنه لا عورة لها، وإن كان الأولى بها النساء كغيرها، والله أعلم.(1/102)
س151- ما هي السبع المثاني المذكورة في القرآن في سورة الحجر ؟
جـ - قد اختلف العلماء في المراد بها، فقيل: هي السبع الطول في أول القرآن، أي البقرة وآل عمران والنساء والمائدة والأنعام والأعراف، والسابعة قيل: يونس. وقيل: التوبة. واختار هذا القول ابن مسعود وابن عمر وابن عباس وسعيد بن جبير ومجاهد والضحاك كما روى ذلك ابن جرير بأسانيده عنهم عند تفسير قوله تعالى: (( وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي )) في سورة الحجر، وسميت مثاني لأنها تثنى فيها القصص والأمثال والأحكام والأخبار والمواعظ.(1/103)
وقيل: إن السبع المثاني هي آيات سورة الفاتحة فإنها سبع آيات، وذلك إن عدت البسملة آية منها، فإن لم تعد فالسابعة قوله: (( غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ )) إلخ، وهذا قول عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وأبي بن كعب وأبي العالية والحسن وعطاء وقتادة وغيرهم، ويروى أيضا عن ابن مسعود وابن عباس واختاره ابن جرير وذلك لأنه روي مرفوعا عند ابن جرير وغيره من عدة طرق عن أبي هريرة (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي بن كعب إني أحب أن أعلمك سورة لم ينزل في التوراة ولا في الإنجيل ولا في الزبور ولا في الفرقان مثلها. ثم قال: ما تقرأ في الصلاة؟ فقرأت عليه أم القرآن. فقال: إنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته )) ثم رواه من طرق عن أبي هريرة ثم روى عن أبي سعيد بن المعلى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاه ثم قال: (( لأعلمنك أعظم سورة في القرآن.. قال الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته )) والحديثان رواهما البخاري وغيره وسميت مثاني، لأنها تثنى في كل ركعة أي تكرر، ولأن الآية مكية أي نزلت قبل نزول أكثر السبع الطول، ولكن يمكن أن الفاتحة هي السبع المثاني، وأن السبع الطول أيضا هي السبع المثاني، فإن الله - تعالى - وصف القرآن كله بالمثاني في قوله في سورة الزمر: (( اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ )) أي تثنى فيه القصص والحدود والأحكام. والله أعلم.
س152- رجل أتاه مولود، ثم بعد شهر توفاه الله ولم يعق عنه، فهل يعق عنه بعد موته؟ وهل العقيقة متعلقة بالشفاعة أم لا؟ وماذا ورد في فضلها؟(1/104)
جـ - العقيقة سنة مؤكدة وآكد ما ورد فيها حديث سمرة بن جندب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم السابع، ويحلق رأسه ويسمى )) رواه أحمد وأهل السنن وصححه الترمذي قال الإمام أحمد معناه أنه محبوس عن الشفاعة في أبويه، وظاهر الحديث أنه رهينة في نفسه ممنوع محبوس عن خير يراد به. قال ابن القيم في زاد المعاد: ولا يلزم من ذلك أن يعاقب في الآخرة، وإن حبس بترك أبويه العقيقة عما يناله من عق عنه أبواه وقد يفوت الولد خير بسبب تفريط الأبوين، وإن لم يكن من كسبه، اهـ. وقد استدل بهذا الحديث من يرى وجوب العقيقة كالليث ابن سعد والحسن البصري وأهل الظاهر، واستدل الجمهور على استحبابها بما رواه أحمد وأهل السنن وعبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو قال: (( سئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن العقيقة فقال: لا أحب العقوق. وكأنه كره الاسم. قالوا: يا رسول الله، ينسك أحدنا عن ولده، فقال: من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل، عن الغلام شاتان، وعن الجارية شاة )) وظاهر الأحاديث أنه يعق عنه في اليوم السابع، وأنه لو مات قبل العق عنه لم تسقط لكونه مرتهنا عن الشفاعة، كما قاله الإمام أحمد وقد روي عن أحمد في الرجل لا يجد ثمنها قال: أرجو أنه يقترض، لأنه أحيا سنة، والله أعلم.
س153- هل تحنيك الأطفال من السنة وبماذا يكون التحنيك؟(1/105)
جـ - ثبت في الصحيح عن عائشة قالت: (( أُتِيَ النبي - صلى الله عليه وسلم - بصبي يحنكه فبال عليه فأتبعه الماء )) وعن أبي موسى - رضي الله عنه - قال: (( ولد لي غلام فأتيت به النبي - صلى الله عليه وسلم - فحنكه بتمرة ودعا له بالبركة )) وذكرت أسماء بنت أبي بكر - رضي الله عنها - (( أنها لما ولدت ابنها عبد الله بن الزبير أتت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فوضعه في حجره، ثم دعا بتمرة فمضغها، ثم تفل في فيه، ثم حنكه بالتمرة، ثم دعا له فبرك عليه )) وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة. وفيها دليل على مشروعية التحنيك، وهو مضغ الشيء ووضعه في فم الصبي، ودلك حنكه به ليتمرن على الأكل. وأولى ما يحنك به التمر فالرطب وعسل النحل أولى من غيره، ويفعل ذلك أحد العباد الصالحين من طلبة العلم، رجاء إجابة دعوته، والله أعلم.
س154- ما هو المسجد الذي أسس على التقوى ؟ ومن الذي بناه؟
جـ - المشهور أنه مسجد قباء الذي في أعلى المدينة فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة أولا نزل هناك، وأمر بتأسيسه، وكان جبريل هو الذي عين له القبلة، وقد ورد في الحديث الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( صلاة في مسجد قباء كعمرة )) .
وثبت (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يزور مسجد قباء كل سبت راكبا وماشيا، ولما نزلت الآية الكريمة: (( فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا )) سألهم النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن الله قد أحسن عليكم الثناء في الطهور في قصة مسجدكم، فما هذا الطهور الذي تطهرون به؟ فأخبروه أنهم كانوا يغسلون أدبارهم من الغائط بالماء، فقال: هو هذا )) .(1/106)
وقد ورد حديث مرفوع من عدة طرق أن مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو الذي أسس على التقوى. قال ابن كثير - رحمه الله تعالى - ولا منافاة بين الآية وبين هذا، لأنه إذا كان مسجد قباء قد أسس على التقوى من أول يوم، فمسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بطريق الأولى، والأحرى أنه أسس على التقوى، فكلاهما قد أسس على التقوى، والله أعلم.
س155- رجل عمل له الأطباء نزع بعض عصب الأسنان، واستمر خروج الدم من أسنانه يومين - دم خفيف - فكيف يعمل من أجل الوضوء والصلاة ؟ وهل يجوز له الجمع؟
جـ - عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها إذا كان خروج الدم ظاهرا في كل وقت، كما يفعل من به سلس البول أو القروح السيالة، فإن توقف الدم بين الصلاتين. أي مثلا لم يخرج منه شيء بين المغرب والعشاء، أو خرج دم قليل لا ينقض مثله الوضوء ، اكتفى بوضوئه للمغرب إن لم ينتقض وضوءه بغير الخارج، وليس له الجمع بين الصلاتين؛ لأجل هذا الدم، فإن في إمكانه أن يتوضأ لكل صلاة بلا مشقة.
س156- كيف عالج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نفسه وأصحابه من آثار السم الذي وضع له في الأكل؟
جـ - روى عبد الرزاق عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك (( أن يهودية أهدت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - شاة مَصْلِيَّة بخيبر فأكل النبي - صلى الله عليه وسلم - وبعض أصحابه ثم قال: امسكوا. ثم قال للمرأة: هل سممت هذه الشاة؟ قالت: من أخبرك؟ قال: هذا العظم. قالت: نعم. أردت إن كنت كاذبا أن يستريح الناس منك، وإن كنت نبيا لم يضرك. فاحتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - على الكاهل، واحتجم أصحابه فمات بعضهم )) وفي طريق أخرى: (( واحتجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على كاهله من أجل الذي أكل من الشاة )) .(1/107)
قال ابن القيم في (زاد المعاد): معالجة السم تكون بالاستفراغات وبالأدوية التي تعارض فعل السم وتبطله: إما بكيفياتها وإما بخواصها. فمن عدم الدواء فليبادر إلى الاستفراغ الكلي، وأنفعه الحجامة، ولا سيما إذا كان البلد حارا والزمان حارا. فإن القوة السمية تسري إلى الدم، فتنبعث في العروق والمجاري حتى تصل إلى القلب، فيكون الهلاك، فالدم هو المنفذ الموصل للسم إلى القلب والأعضاء، فإذا بادر المسموم فأخرج الدم خرجت معه تلك الكيفية التي خالطته، فإن كان استفراغا تاما لم يضره السم. بل إما أن يذهب وإما أن يضعف، فتقوى عليه الطبيعة، فتبطل فعله أو تضعفه. اهـ.
س157- هل هذا حديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وما معناه إذا رأيتم الحريق فكبروا فإن التكبير يطفئه ؟
جـ - روى ابن السني في (عمل اليوم والليلة) برقم 289- 292 عن عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا رأيتم الحريق فكبروا؛ فإن التكبير يطفئه وفي سنده ضعف. قال ابن القيم في (زاد المعاد): لما كان الحريق سببه النار، وهي مادة الشيطان التي خلق منها، وكان فيه من الفساد العام ما يناسب الشيطان بمادته وفعله، كان للشيطان إعانة عليه وتنفيذ له؛ فالنار والشيطان كل منهما يريد العلو في الأرض والفساد، وكبرياء الرب - عز وجل - تقمع الشيطان وفعله، ولهذا كان تكبير الله - عز وجل - له أثر في إطفاء الحريق، فإن كبرياء الله - عز وجل - لا يقوم لها شيء، فإذا كبر المسلم ربه أثر تكبيره في خمود النار وخمود الشيطان، التي هي مادته، فيطفئ الحريق، وقد جربنا نحن وغيرنا هذا فوجدناه كذلك، والله أعلم. ا هـ.
س158- قال الله تعالى: (( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ )) ما الرابط بين التقوى والعلم ؟(1/108)
جـ - التقوى هي توقي غضب الله وعذابه، وذلك بفعل ما أمر، وترك ما نهى عنه وزجر، خوفا من العقاب وطلبا للثواب. وفسرها بعض السلف بقوله: أن تعمل بطاعة الله على نور من الله، ترجو ثواب الله. وأن تترك معصية الله على نور من الله، تخشى عقاب الله. وفسرت بأنها ترك الذنوب الصغائر كلها والكبائر خوفا من آثارها، ولا شك أن من عمل بالتقوى فإن الله - تعالى - يفتح عليه المعارف ويفهمه ويلهمه أنواع العلوم، وذلك أن من اتقى الله - تعالى - حق تقاته فلا بد أن يطهر قلبه من الفساد، ويعمره بالطاعة والعبادة، ويمتلئ القلب بمحبة ربه وتعظيمه، ويتفرغ للعبادة، ويتنزه عن محبة الدنيا وشهواتها وعن حب المعاصي وأهلها. فهناك يتقبل ما يسمعه وما يقرؤه من العلوم النافعة والفوائد العظيمة بحيث لا يزاحمها في قلبه ما يشغله عن تفهمها وتعقلها، والله أعلم.
س159- هل ورد شيء من السنة في فضل الحناء ؟ وهل له فوائد؟
جـ - روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث أم رافع مولاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالت: (( كان لا يصيب النبي - صلى الله عليه وسلم - قرحة ولا شوكة إلا وضع عليها الحناء )) .
وروى البزار عن أبي هريرة قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا نزل عليه الوحي صدع فيغلف رأسه بالحناء .
وروى أبو داود والبخاري في تاريخه (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شكا إليه أحد وجعا في رجليه إلا قال له: اختضب بالحناء )) .(1/109)
وقد ذكر ابن القيم أن للصداع عشرين نوعا، وأن الحناء علاج نوع من أنواعه، وهو ما كان من حرارة ملهبة، ولم يكن من مادة يجب استفراغها، فإن الحناء ينفع فيه نفعا ظاهرا. وإذا دق وضمدت به الجبهة مع الخل سكن الصداع، وفيه قوة موافقة للعصب إذا ضمد به سكن أوجاعه. وهذا لا يختص بوجع الرأس، بل يعم الأعضاء، وفيه قبض تشد به الأعضاء، وإذا ضمد به موضع الورم الحار والملتهب سكنه. وفيه فوائد أخرى ذكرها ابن القيم في زاد المعاد وغيره.
س160- فضيلة الشيخ، ما هي خصائص ماء زمزم وهل ينفع المريض، حيث نسمع بعض الناس ينصحون المريض بشربه؟
جـ - ماء زمزم هو سيد المياه وأشرفها، وأجلها قدرا، وأحبها إلى النفوس، وأغلاها ثمنا، وأنفعها عند الناس. وفي الصحيح عن ابن عباس (( أن أم إسماعيل لما نفد ما عندها من الماء وعطشت وعطش ابنها، أتاها الملك، فبحث بعقبه فنبع الماء، فأخذت تحويه وتحوطه فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لو لم تفعل لكانت زمزم عينا معينا )) .
وورد في قصة إسلام أبي ذر - رضي الله عنه - أنه أقام بمكة ثلاثين بين ليلة ويوم، وما كان له طعام إلا ماء زمزم قال: فسمنت حتى تكسرت عكن بطني، وما أجد على كبدي سخفة جوع. فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إنها مباركة إنها طعام طعم )) رواه مسلم وزاد فيه الطيالسى والبزار والبيهقي وشفاء سقم وإسناده صحيح.
وروى ابن ماجه عن جابر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ماء زمزم لما شرب له )) وهو حديث حسن.
قال ابن القيم في (الجواب الكافي) وفي (زاد المعاد): وقد جربت أنا وغيري من الاستشفاء بماء زمزم أمورا عجيبة، واستشفيت به من عدة أمراض، فبرأت بإذن الله، وشاهدت من يتغذى به الأيام ذوات العدد قريبا من نصف الشهر أو أكثر، ولا يجد جوعا، ويطوف مع الناس كأحدهم، وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يوما، وكان له قوة يجامع أهله بها ويصوم ويطوف مرارا، اهـ.(1/110)
س161- امرأة تزوجت من رجل ثم طلقها، فتزوجت رجلا آخر وأنجبت منه بنتا، ثم هذه البنت كبرت، فهل يجوز لها أن تكشف للزوج الأول ؟ مع ذكر الدليل مأجورين؟
جـ - الذي ذكره العلماء أنه يكون محرما لجميع بنات زوجاته وبنات أبنائهن، سواء ولدتهن امرأته قبله أو بعده، لدخولهن في مسمى بنت الزوجة، ويعمه أنه زوج الأم، لكن بشرط الدخول بالأم. فأما التقييد بقوله تعالى: (( اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ )) فقالوا: إنه وصف أغلبي، فلا يكون شرطا وإنما ذكر للتعريف؛ لأن الغالب أنها تكون في حجر الزوج بعد موت أبيها أو بعد طلاقه لأمها، ومثله قوله تعالى: (( وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا )) فإن الإكراه ممنوع، سواء أردن تحصنا أو لم يردنه. وأما قول من قال باشتراط كون الربيبة في الحجر، كما حكي عن الظاهرية وبعض السلف، فهو اجتهاد مخالف لقول الجمهور، ولما يقتضيه التعليل، وقد توسع في ذلك القرطبي في التفسير والرازي في تفسيره الكبير وغيرهما، والله أعلم.
س162- بِمَ تدرك الركعة في صلاة الكسوف والخسوف أهو بإدراك الركوع الأول أم الثاني من الركعة الأولى، مع ذكر الدليل - أثابكم الله - ؟
جـ - لقد رفع إلينا الشاب طارق الخويطر أسئلة تتعلق بالكسوف، فأجبنا عليها، وطبعت في مؤسسة آسام للنشر بعد الإذن مني بتاريخ 18\ 12\ 1415 هـ ومن جملتها مثل هذا السؤال، فأجبنا عنه بما يلي: معلوم أن الركوع ركن في كل صلاة، وحيث إن صلاة الكسوف يكرر فيها الركوع، فالصحيح أن الركن هو الركوع الأول، فما بعده يكون عبادة مضافة مؤكدة للأول، وعلى هذا فمن فاته الركوع الأول من الركعة الأولى قضى ركعة كاملة بركوعيها أو بركوعاتها إن زادت على اثنين، ومن فاته الركوع الأولى من الركعة الثانية قضى الصلاة كلها، ولا يعتد بما أدركه بعد الركوع الأول، ولو كان قياما وركوعا وسجودا، حيث فاته الركن الموجود في كل الصلوات، والله أعلم. اهـ.(1/111)
فعلى هذا نقول لمن وجد الجماعة في القيام الثاني: ادخل معهم، سواء في الركوع أو القيام من الركعة الأولى أو الثانية، واحتسب أن لك أجر إدراك الجماعة وفضل الصلاة، ولا يجوز انتظارهم حتى يقوموا من السجدتين للركعة الثانية، فإن ما يصليه معهم عمل صالح فيه قراءة ودعاء وذكر وعبادة وخشوع، يحصل له به أجر من الله - تعالى - حسب نيته وقصده، والله أعلم.
س163- نحن الأطباء نكون في الصلاة ثم نسمع صوت نداء عبر مكبر الصوت الموجود داخل المستشفى، فهل نقطع الصلاة أم نتمها خفيفة؟ وجهونا أثابكم الله.
جـ - لا يجوز قطع الصلاة المكتوبة إلا لخطر كبير، أو عدو مقاتل، أو حريق أو غرق أو حية أو نحوها، ثم إن ما ينادى به للأطباء بأسمائهم شيء معتاد، ولا شك أنهم عرفوا ذلك بحكم العمل المتكرر، والغالب أنه أمر غير ضروري لا يستدعي قطع الصلاة، فعليهم أن يستمروا في صلاتهم، ولهم أن يخففوها تخفيفا لا يبطلها حتى يسارعوا إلى إجابة ما دعوا إليه من علاج مريض أو إجراء عملية أو نحو ذلك، والله أعلم.
س164- أحيانا نكذب على المريض خوفا على صحته فهل هذا الكذب جائز؟
جـ - يجوز التعريض في الكلام بما يفهم منه خلاف المراد، ففي المعاريض مندوحة عن الكذب، فإن لم يتمكن من المعاريض، وخيف على المريض أن يتأثر ويشتد ألمه إذا أخبر بنوع المرض الخطير جاز التنفيس له في الأجل ووعده بالشفاء، وببذل الجهد في العلاج، فإن التنفيس له لا يرد قدرا، فإن احتيج إلى كذب صريح جاز للمصلحة، فإنه رخص في الكذب للإصلاح بين الناس، والله أعلم.
س165- عندما يفيق المريض من البنج فهل يلزمه أن يصلي الصلوات التي فاتته أم لا؟ وكيف يؤديها مرتبة أم لا؟ وجهونا نفع الله بعلمكم.(1/112)
جـ - لا يخفى أن العقل سبب التكليف، فبزواله تسقط الواجبات، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (( رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصغير حتى يبلغ )) ومعلوم أن النائم إذا استيقظ بادر بالصلاة الفائتة وقضاها لقوله - صلى الله عليه وسلم - (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )) وقرأ قوله تعالى: (( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي )) فأما الإغماء بواسطة البنج أو نحوه فإنه عادة لا تطول مدته، فهو ملحق بالنوم، فيلزمه إذا أفاق قضاء ما فاته من الصلوات.
وقد روى عن عمار بن ياسر - رضي الله عنه - أنه أغمي عليه ثلاثة أيام، فلما أفاق قضاها كلها، فأخذ العلماء أن ثلاثة الأيام مدتها قليلة فيقضي المغمى عليه ما فاته فيها من الصلوات. فأما الإغماء الطويل فلا يلزم فيه القضاء، فإن بعض المصابين في حوادث المرور بالسيارات، قد يبقى في الإغماء أشهرا وسنوات، ثم يفيق فلا يكلف بقضاء المدة الطويلة، والله أعلم.
س166- لنا زملاء يعملون معنا في المستشفى من غير المسلمين، فما هي حدود التعاون معهم وفق الشرع المطهر؟(1/113)
جـ - عليكم دعوتهم إلى الإسلام، وشرح تعاليم الإسلام لهم، وضرب الأمثلة بمن دخل الإسلام من أهل العلم والمعرفة والذكاء بعد اقتناعهم من أنه الدين الصحيح الناسخ لدين اليهودية والنصرانية والوثنية وغيرها، فمتى أصروا واستكبروا وعاندوا فعليكم إظهار المقت لهم وإذلالهم وإهانتهم، فقد ذكر العلماء في معاملة الذميين أنه لا يجوز تصديرهم في المجالس، ولا القيام لهم، ولا بداءتهم بالسلام، أو بكيف أصبحت أو كيف أمسيت أو كيف حالك؟ وإذا لقوا في الطريق يضطرون إلى أضيقه، كما ورد ذلك في الحديث، وكذا يمنعون من إحداث كنائس ومعابد في بلاد الإسلام، ويمنعون من رفع منازلهم فوق المسلمين ويمتهنون عند بذل الجزية ويطال وقوفهم وتجر أيديهم فعلى ما ذكر عليكم أن تظهروا احتقارهم وإهانتهم وبغضهم ومقتهم، حتى يشعروا بالذل والهوان، وتصغر عندهم أنفسهم، فإن الإسلام يعلو ولا يُعلَى، والله أعلم.
س167- إذا كان الإنسان على وضوء متوضئنا للصلاة، ثم عمل له غسيل كُلَى فهل ينتقض وضوءه أم لا؟
جـ - نعم، فإن العادة أنهم يخرجون الدم ثم يصفونه ثم يردونهن وقد رجح العلماء أن خروج الدم الكثير ينقض الوضوء فقد ورد أمر من أحدث في الصلاة أن يمسك بأنفه فيخرج من الصلاة، ليوهم أنه مرعوف، فهو دليل مع أن الرعاف ينقض الوضوء، ثم إن كان الغسيل يستلزم التنويم بالبنج أو نحوه، فإن التنويم ناقض أيضا، وإذا كان لا يحتاج إلى تنويم وشعر المريض بنفسه حال العملية ولم يخرج منه دم إلى خارج بدنه، فإنه لا ينتقض وضوءه في الظاهر، والله أعلم.
س168- رجل في رأسه جروح ولا يستطيع أن يمسح رأسه في أثناء الوضوء للصلاة فكيف يعمل؟(1/114)
جـ - يفعل ما يستطيعه من المسح، فإما أن يضع على الجرح دواء أو لصوقا فيمسح فوقه إن لم يتضرر بذلك، وإما أن يمسح جوانب الرأس ووسطه الذي لا جروح فيه، ويترك ما يتألم منه وإما أن يمسحه مسحا خفيفا، بحيث يمر بيده على رأسه إمرارا خفيفا على الجروح مع شيء من البلل، بحيث لا يؤثر على الجرح؛ لقوله تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) وفي الحديث: (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) .
س169- توفي إمام مسجد في أثناء الصلاة فكيف يعمل من خلفه من المصلين؟ وما حكم صلاتهم في هذه الحالة؟
جـ - لا شك أن وفاته وهو يصلي بهم يعتبرونه حدثا غريبا يكبر عليهم، فالعادة أنهم يقطعون الصلاة، وينشغلون بأمره، ويرفعونه إلى العلاج أو البحث عن سبب الوفاة، وقد يكون الموت بسبب قاتل تسلط عليه كما حدث لعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما طعن وهو في الصلاة، حيث انشغلوا بذلك القاتل حتى قتل نفسه، ثم تقدم عبد الرحمن بن عوف فصلى بهم صلاة خفيفة، فعلى هذا متى حدثت وفاة إمام القوم في الصلاة ، فإنهم يقدمون أحدهم ليكمل بهم بقية الصلاة، فإن تكلموا ومشوا وتحركوا عن أماكنهم لحادث الموت والفزع لهذا الأمر، فإنهم يستأنفون الصلاة من أولها، والله أعلم.
س170- قال الله تعالى : (( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ )) هل إذا قُرِئَ القرآن على إنسان مريض وهو غير مسلم لا ينفعه القرآن؟ أفيدونا حول هذه المسألة.(1/115)
جـ - هذا هو الظاهر، لقوله - تعالى - في هذه الآية: (( مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا )) فخص الشفاء بالقرآن والرحمة بالمؤمنين، وأخبر أن الظالمين لا ينتفعون به، بل يزيدهم خسرانا مبينا وكذا قوله تعالى: (( قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى )) حيث جعله هدى وشفاء للمؤمنين بالله وبالإسلام. أما غير المؤمنين فهو عليهم عمى ووقر في آذانهم.
وقد قال بعض العلماء: إنه يمكن استشفاء الكافر به، واستدل بقصة الصحابي الذي رقي ذلك اللديغ، فقام كأنما نشط من عقال، لكن لم يذكر أن أولئك الحي كانوا كفارا. فالظاهر أنهم مسلمون ولهذا أنكروا عليهم أنهم لم يقروهم، ثم إن القرآن كما في هذه الآيات شفاء للأمراض الحسية التي تعتري الأبدان من الحمى والصداع والرمد وغير ذلك من أمراض الجسد، وذلك حسب صلاح العبد واستقامته، وكذا حسب إيمان الراقي ومعرفته ويقينه، ولذلك يتفاوت القراء في التأثير برقيتهم، كما أن القرآن شفاء لأمراض القلوب من الشك والريب والشرك والنفاق والحسد والكيد والبغضاء، بشرط تأمل القرآن وتدبره وعلاج أمراض القلوب بآياته ودلالاته، والله أعلم.
س171- مريض بسلس البول، ويخشى أن يلوث ملابسه ( ملابس الإحرام )، فكيف يصنع؟
جـ - صاحب السلس معذور فيما خرج منه من البول، فهو طاهر على صاحبه، نجس على غيره، فله أن يصلي ولو تقاطر منه البول في الصلاة: كالمستحاضة تصلي ولو قطر الدم على الحصير، لكن يمكن صاحب السلس أن يتحفظ بأن يجعل ذكره في كيس يمسك البول كالباغة والجلد، فقد كان بعض الصحابة أصيب بالسلس، ففعل ذلك، والله أعلم.
س172- ورد في الحديث: (( لروحة في سبيل الله أو غدوة خير من الدنيا وما فيها )) ما المقصود بسبيل الله ؟ هل هو الخروج للدعوة أو غير ذلك؟(1/116)
جـ - أكثر ما يطلق سبيل الله على الجهاد الذي هو القتال لإعلاء كلمة الله تعالى، وذلك وسيلة إلى ظهور الإسلام، وقمع الشرك، وإذلال الكفار. فالمعنى أن من سار غازيا في سبيل الله لقتال الكفار، فإن غدوته أو روحته خير من أن تحصل له الدنيا وما فيها، والغدوة السير أول النهار إلى الزوال والروحة مسير آخر النهار بعد الزوال إلى الغروب. وقد يطلق سبيل الله - تعالى - على كل ما يقرب من رضا الله، كالسفر لطلب العلم، أو للدعوة إلى الله، أو لنشر العلم الصحيح وتعليم الجهال وما أشبه ذلك، فإنه كله من سبيل الله، أي مما يوصل إلى رضا الله وثوابه، والله أعلم.
س173- هل دية المرأة المسلمة مثل دية الرجل المسلم أو نصفه؟
جـ - دية المرأة نصف دية الرجل، فقد روى عمرو بن حزم أن في الكتاب الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم - معه لأهل نجران قال: ودية المرأة على النصف من دية الرجل رواه مالك والنسائي وغيرهما وعلى ذلك جمهور العلماء والأئمة، لكن جراح المرأة مثل جراح الرجل، حتى تبلغ ثلث الدية، ثم تكون على النصف، ففي الإصبع عشر من الإبل، وفي ثلاثة أصابع ثلاثون من الإبل، كما في أصابع الرجل، وفي أربع أصابع منها عشرون من الإبل أي نصف ما في أصابع الرجل، وهكذا في الشجاج النصف إذا بلغت الثلث كالمأمومة والكل فيما دونها.
س174- ما هو تعريف المستحاضة التعريف الشرعي ؟ وما هي الأحكام المتعلقة بها؟(1/117)
جـ - المستحاضة هي التي يجري معها دم زائد على دم العادة، وقد روى البخاري ومسلم في حديث فاطمة بنت أبي حبيش قالت: (( يا رسول الله، إني امرأة استحاض فلا أطهر، أفأدع الصلاة قال: لا، إنما ذلك عرق، وليس بالحيضة، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي )) وهذا العرق يقال له: العاذل. وقد جاء في حديث فاطمة المذكور أنها ترجع إلى عادتها قبل حدوث الاستحاضة، فإن إقبال الحيضة هو مجيء وقتها الذي تعرفه من عدة سنوات في كل شهر، وتسمى المعتادة كأن تكون عادتها ستة أيام تبدأ من اليوم الخامس إلى العاشر، فإدبارها هو انتهاء مدتها.
وفي رواية فإذا ذهب قدرها أي من الشهر. وفي حديث أم حبيبة قال لها: (( امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك، ثم اغتسلي )) أما من كانت عادتها تختلف بالزيادة والنقص والتقدم والتأخر، فإنها تعمل بالتمييز. وفي حديث فاطمة المذكور عند أبي داود والنسائي قال: (( إذا كان دم الحيضة فإنه أسود يعرف )) أي تعرفه النساء بكونه أسود أو غليظا أو كثيرا، أو له رائحة معروفة، أو تحس معه بآلام لا تحس بها مع دم العرق، ففي هذه الحالة تجلس عن الصلاة أيام الدم المعروف، وما زاد عنه تصلي فيه وتتوضأ لوقت كل صلاة، كمن حدثه دائم وقبل الوضوء، تغسل فرجها وتعصبه، وتتحفظ عن خروجه في الصلاة، ويكره وطؤها إلا مع خوف العنت، ويجوز لها استعمال دواء أو حبوب توقف الدم، إن لم يكن فيها ضرر على الرحم أو على البدن، والله أعلم.
س175- ما هي الرضعات المحرمات باتفاق العلماء؟ وماذا يترتب عليها من أمور؟(1/118)
جـ - قال الله - تعالى - في سياق المحرمات في النكاح: (( وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ )) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب )) وثبت أنه - صلى الله عليه وسلم - قال: (( لا تحرم المصة والمصتان ولا الإملاجة والإملاجتان )) وقد اختلف العلماء في عدد الرضعات المحرمة فذهب المالكية إلى أن قليل الرضاعة وكثيره يحرم ولو مصة واحدة، واستدلوا بإطلاق الآية وتكلفوا في الجواب عن الحديث المذكور.
وذهبت الحنفية إلى أن التحريم لا يكون إلا بعشر رضعات. وقالوا: إن أقل من ذلك لا يحصل به التغذية. واستدلوا بحديث: (( لا يحرم من الرضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم )) وذهب الحنابلة إلى أن عدد الرضعات المحرمة خمس رضعات، لقول عائشة كان مما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس رضعات. ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر سهلة امرأة أبي حذيفة أن ترضع سالما خمس رضعات، ثم تكشف له ثم إن الرضعة فيها خلاف فقيل: الرضعة المصة الواحدة. وقيل الرضعة هي الشبع كالغدوة والعشوة، والمشهور أن الرضعة هي إمساكه الثدي والامتصاص ثم إطلاقه ولو عدة مرات في جلسة واحدة، ثم يترتب على الرضاع تحريم نكاح المرضعة، وهي أمه، وبناتها أخواته، وأولاد أولادها أولاد إخوته، أو أولاد أخواته، ذكورا أو إناثا، وأخواتها خالاته، وزوجها أبوه من الرضاعة، وأولاده من غيرها إخوته من أبيه. وهكذا، وهذه الرضاعة تفيد المحرمية والسفر معه وجواز النظر إليها، ولا تفيد الإرث ولا العقل ولا وجوب النفقة، ونحو ذلك.
س176- نحن الممرضات يحصل أحيانا أن نغير ملابس المرضى - دون البلوغ - وقد تكون مبتلة بالنجاسات، ونحن على طهارة، فهل هذا العمل منا ينقض الوضوء؟ وجهونا مأجورين.(1/119)
جـ - لا ينقض الوضوء لعدم وجود ناقض، وإنما يغسل ما مسته النجاسة، فإذا مس الثوب النجس بيديه غسلهما، لإزالة النجاسة، لا لرفع الحدث، وإذا تقاطر شيء من النجاسة على ثوب الممرضة أو على شيء من جسدها غسلت ما تلوث بالنجاسة من الجسد أو الثوب، وهكذا حكم من مس نجاسة بيديه، سواء البول أو الروث النجس أو الدم أو الخمر أو نحوها، فإنه يكفيه غسل ما مس النجاسة من بدنه ولا ينتقض وضوءه.
س177- أعمل طبيبا في إحدى القرى، وكثيرا ما يرسلني عملي للقيام بزيارات إلى القرى والهجر المجاورة، لعلاج أهلها، لعدم وجود طبيب عندهم، وأجلس هناك بضعة أيام، والمسافة تختلف ما بين 40- 90 كم، فهل أنا في هذه الحالة أعتبر مسافرا ولي أحكام السفر من ناحية قصر الصلاة والمسح على الخفين والصيام.. إلخ أم لا؟ علما أني لست أقيم في قرية أو هجرة واحدة، بل اليوم هنا وغدا هناك؟
جـ - اعلم أن السفر الذي فيه الرخص هو ما لا يقطع إلا بمشقة، كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( السفر قطعة من العذاب، يمنع أحدكم طعامه وشرابه ونومه، فإذا قضى نهمته فليعجل إلى أهله )) متفق عليه ثم إن الرخصة فيه لأجل المشقة التي يلاقيها المسافر، كما ذكر في هذا الحديث، ولقوله تعالى في آية الصيام: (( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ )) فجعل السبب في الرخصة لهم في الإفطار هو اليسر ودفع العسر الذي يلاقونه في أسفارهم تلك القرون، فقد كانوا يسيرون في الشمس الحارة، سواء كانوا ركبانا أو مشاة، فإذا نزلوا احتاجوا إلى حط الرحال، وسقي الدواب من أعماق الآبار، وإصلاح الظل، وجمع الحطب، وإيقاد النار، وإصلاح الطعام ونحو ذلك من الصعوبات التي لأجلها رخص لهم عدة رخص رفقا بهم.(1/120)
ثم إن الفقهاء قد اختلفوا في مسافة القصر، أي التي إذا سار إليها قصر وترخص، فقال بعضهم: إنها أربعة برد، أي: ستة عشر فرسخا، وكانت تقطع بسير الأثقال في يومين قاصدين وحددها بعضهم بيوم وليلة فأكثر. وقيل: ما يحتاج فيه إلى زاد ومزاد، أي: حمل طعام وشراب، وقدره بعضهم بثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ. واختار شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - أنها تقدر بالزمان لا بالمسافة، حيث قال ما معناه: إن من قطع مسافة قصيرة في زمن طويل فهو مسافر، ومن قطع مسافة طويلة في زمن قصير فليس بمسافر.
فلو ركب رجل فرسا سابقا وقطع مسافة طويلة ثم رجع في يومه فلا يسمى مسافرا، ولا يفتقده الجيران، ولا يقصد للسلام عليه، لقلة غيبته، فعلى هذا القول وبعد وجود السيارات والطائرات يقل الترخص بالقصر والفطر والجمع، فإنه قد يخرج من الرياض إلى القصيم أو إلى الأحساء وربما إلى العراق أو إلى الشام ويرجع في يومه أو في ليلته، فلا يسمى مسافرا على هذا القول، وهو وجيه لقصر الزمان ولقلة المشقة، وقد يخرج عن بلده مسيرة ثلاثة فراسخ، ويقيم خارج البلد في برية أو في خيمة مدة ثلاثة أيام أو أربعة، فله القصر، ولو مع قِصَر المسافة مع أن العلة في الترخص هو التخفيف واليسر، وهذا المسافر عادة يلاقي صعوبة ومشقة، ولأنه غائب عن أهله عدة أيام فله حكم السفر.(1/121)
وقد وردت الأحاديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه كانوا يقصرون في السفر منذ خروجهم إلى رجوعهم، لكن السفر في تلك الأزمنة لا يخلو من مشقة، وقد ذهب بعض العلماء إلى أن القصر في السفر جائز غير واجب، لقوله تعالى: (( فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا )) فجعل من أسباب القصر خوفكم من الكفار ونفى الحرج عمن قصر، وهو دليل على أن القصر رخصة، وكذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث عمر (( صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته )) فدل على أن القصر رخصة وتيسير على العباد.
فأما الإقامة فإن أكثر الفقهاء حددوها بأربعة أيام، فله القصر فيها إذا عزم على الإقامة، فمن أقام أكثر منها فإنه يتم الرباعية؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أقام بالأبطح أربعة أيام يقصر وبمنى أربعة أيام يقصر.
وأما إقامته زمن الفتح أكثر وإقامته بتبوك عشرين يوما فاعتذروا بأنه لم يعزم على الإقامة، بل ينتظر وقت ما يؤذن له في الرحيل، ولعل الصواب أنه في حكم المسافر، فإنه نزل خارج البلد هو ومن معه ليسوا في قصور ولا منازل معتادة، ظلهم الشجر والكهوف وقباب من أدم صغيرة أو خيام صغيرة، يلاقون حر الشمس وبرد الشتاء، يلاقون مشقة السفر، فترخصوا، فنحن نقول: من كان مثلهم سكن خارج البلد في خيمة أو غار أو في ظل سيارته يأكل خارج البلد وينام هناك، فله حكم السفر ولو بقي أشهرا، أما من استقر في داخل البلد وسكن في منازل المقيمين وتمتع بما يتمتعون به من الظل والتكييف والتهوية والفرش والسرر والأنوار والخدمة التامة وإصلاح الطعام وإحضار ما يشتهيه، فلا أرى له الترخص، لا سيما وهو يسمع صوت المؤذن والمساجد بقربه، فلا حق له أن يصلي وحده ويترك الجماعة ويتعلل بأنه مسافر مع أنه لا فرق بينه وبين المقيمين، والله أعلم.(1/122)
س178- يوجد لدينا في المستشفى عدد من العاملين من غير المسلمين ودياناتهم مختلفة، فمنهم النصراني والبوذي والهندوسي واللاديني، ولدينا من المسلمين من يجيد لغة هؤلاء الكفار، فبماذا نبدأ معهم لدعوتهم للإسلام؟
جـ - عليكم أولا بذكر محاسن دين الإسلام وأهدافه وآدابه وأخلاقه، وقد كتب فيها الشيخ عبد العزيز بن سلمان رسالة بعنوان (من محاسن الدين الإسلامي) بلغت 95 صفحة وقد ترجمت أيضا باللغة الإنجليزية، ولعلها أن تترجم إلى عدة لغات، وعليكم أن تذكروا ظهور الإسلام وقوته وانتصار المسلمين على الكفار، وأن ذلك نصر من الله - تعالى - ودليل أنهم على الصواب، وأن دينهم ناسخ لكل الأديان، وعليكم أن تشرحوا لهم تعاليم الإسلام من العقائد والعبادات والمعاملات والحدود والمحرمات، وما فيها من المصالح والفوائد والحكم والمحاسن.
ثم عليكم أن تذكروا ما دخل في الإسلام مما ليس منه من البدع والمحدثات والفرق الضالة، وأنهم ليسوا من الإسلام في شيء، ولا يجوز أن تنسب أعمال العصاة والمبتدعة إلى الإسلام، ولا يلحق الإسلام عيب ببعض البدع في المنتسبين إليه. ثم عليكم أن تبينوا نسخ الديانات الأخرى، ولو كانت سماوية، كالتوراة والإنجيل، وتبينوا ما وقع فيها من الزيادة والنقص والتحريف والتغيير والتبديل، وما سلط الله على أهلها من الذلة والمسكنة والضعف والهوان، وأنه بسبب كفرهم بالدين الصحيح وتمسكهم بأديان محرفة أو منسوخة، ثم عليكم أن تحثوا من رغب في الإسلام على التمسك به واتباعه والصبر على ما يناله من الأذى والابتلاء والفقر والشدة، وتبشروه بالعاقبة الحسنة والنصر والرفعة، وذلك ما وعد الله بأن العاقبة للمتقين، والله أعلم.
س179- نرجو التكرم بشرح هذا الحديث (( بسم الله، تربة أرضنا، بريقة بعضنا، يُشفَى سقيمنا بإذن ربنا )) رواه البخاري ومسلم ؟(1/123)
جـ - هذا الحديث في الصحيحين عن عائشة قالت: (( كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا اشتكى الإنسان أو كانت به قرحة أو جرح قال بإصبعه هكذا - أي بَلَّها بريقه - ثم غمسها في الأرض - وهي السبابة - ثم مسح بها على الجروح ونحوها، ثم قال: بسم الله .. )) إلى آخره. فهذه معالجة لطيفة للقروح الرطبة عند عدم الأدوية وذلك أن طبيعة التراب باردة يابسة مجففة لرطوبات القروح والجراحات، فتقابل برودة التراب حرارة المرض.
ومعنى الحديث: أنه - صلى الله عليه وسلم - يأخذ من ريق نفسه على إصبعه السبابة، ثم يغمسها في الأرض، فيعلق بها شيء من التراب، فيمسح به على الجرح، ويقول هذا الكلام لما فيه من ذكر اسم الله وتفويض الأمر إليه والتوكل عليه، فينضم أحد العلاجين إلى الآخر فيقوى التأثير، ولا ريب أن بعض الأتربة ينفع من أمراض كثيرة ويشفي أسقاما رديئة بإذن الله، وإذا كان هذا في جنس التراب، فما الظن بأطيب تربة على وجه الأرض، وهي تربة المدينة النبوية وقد خالطت ريق النبي - صلى الله عليه وسلم - وقارنت رقيته باسم ربه وتفويض الأمر إليه. ذكره ابن القيم بمعناه، والله أعلم.
س180- أنا شاب غير متزوج، وإذا جئت لقضاء الحاجة فإنه يخرج مِنِّي مَنِيٌّ بدفق من غير شهوة، وهو متجمد، ففي كل مرة يحدث لي ذلك، ولا أعلم هل هذا علامة مرض أم لا، وهل في هذه الحالة يجب علي غسل من الجنابة أم لا؟ حيث يحدث ذلك مرة أو مرتين في اليوم. أفيدونا مأجورين(1/124)
جـ - هذا الخارج يسمى الودي، وهو مني زائد عن مني الشهوة يخرج بعد التبول نقطة أو نقط، ويخرج دفقا، لكن لا تصحبه شهوة، ويخرج عادة من الأعزب، وقد يخرج من المتزوج، وهو دليل قوة الشهوة، فيكون منيا قد نزل من الصلب ولم يكن نزوله بشهوة، فيختلط بالبول، ويخرج عقبه، ولونه لون المني، والصحيح أن له حكم البول في نجاسته، ووجوب غسله إن أصاب الثوب، وأنه لا يوجب الاغتسال لخروجه بلا شهوة، فيكفي فيه غسل الذكر والوضوء، أما من ابتلي بخروجه مستمرا، بحيث يحس برطوبة في ذكره مستمرة لا تنقطع إلا أحيانا، ولا يتحكم فيه، فإنه - والحال هذه - يعطى حكم صاحب السلس الذي يتوضأ بعد في دخول الوقت لكل صلاة، ويصلي في الوقت فروضا ونوافل ولو أحس بخروجه للعذر والمشقة، والله أعلم.
س181- يحصل أحيانا أن نقوم - نحن الأطباء - بإجراء عملية جراحية لأحد المرضى وقت صلاة الجمعة فهل في هذه الحالة نصليها جمعة أم ظهرا، علما أن الفريق الطبي يكون عدده حوالي أربعة أو ثمانية؟ وجهونا.
جـ - إذا كانت هذه العملية مما يمكن تأخيرها إلى الفراغ من صلاة الجمعة، ولا يلحق المريض ضرر ولا خطر عليه في التأخير، وجبت عليكم الصلاة ثم تجرون العملية بعدها. فأما الحالات الطارئة التي لا يمكن تأخيرها فإن أخرت خيف على المريض الموت أو الشلل أو العيب، وتعين للعملية وقت صلاة الجمعة، واستغرقت العملية الوقت كله، فأرى أن لكم عذرا في التأخير كأهل الحرائق وإنقاذ الغرقى ونحوهم، فعلى هذا متى فرغتم من العملية فإنكم تصلونها ظهرا، أي أربع ركعات، ولو كان عددكم ثمانية أو أكثر؛ وذلك أن الجمعة لا تتكرر في المسجد الواحد أو في مسجدين متقاربين وفي وقتين مختلفين، فمن فاتته الجمعة ولو كانوا جماعة يبلغون العشرة أو أكثر يصلونها ظهرا إذا كان قد دخل وقت الظهر، والله أعلم.
س182- ما هي الضوابط التي ينبغي أن يتحلى بها قارئ القرآن على المرضى من النساء ؟(1/125)
جـ - لا شك أن الرقية الشرعية لها تأثيرها وفائدتها للمريض عموما، ولبعض الأمراض التي يصعب علاجها بالأدوية، ولكنها يقل تأثيرها بصفات في الراقي أو في المريض، فنوصي الراقي - أولا - أن يخلص عمله لله، ويبتغي به وجه الله، ولا يقصد المصالح الدنيوية، فإن ذلك من أسباب ضعف التأثير لقراءته، وعليه - ثانيا - أن يحافظ على تعاليم الدين، وأداء العبادات الشرعية، والتقرب إلى الله - تعالى - بالنوافل بعد الفرائض، ويبتعد عن المحرمات والمكروهات في المأكل والمشرب والملبس، لحديث أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة وعليه - ثالثا - أن يستعمل الرقية بالرقى الشرعية من الكتاب والسنة، وهي موجودة في كتب الرقى والتعوذات، وعليه - رابعا - إذا كان المريض امرأة أن لا يخلو بها إلا مع ذي محرم، لقوله - صلى الله عليه وسلم - (( لا يخلو رجل بامرأة إلا مع ذي محرم )) وعليه أن يأمرها بالتستر وتغطية جميع بدنها، وتكون رقيته فوق اللباس ونفثه فوقه، وهو يفيد بإذن الله تعالى، وليس له أن يمس شيئا من بشرتها، فإن ذلك محرم، ودعوة إلى الفتنة، مهما كانت حالة الراقي والمرقي، والله أعلم.
س183- ما درجة صحة هذا الحديث وما معناه (( عليكم بهذا العود الهندي، فإن فيه سبعة أشفية: منها ذات الجنب ))؟
جـ - هذا الحديث رواه البخاري في الطب من صحيحه في باب اللدود، وفي باب العذرة عن أم قيس بنت محصن وهي أخت عكاشة قالت: (( دخلت على رسول - صلى الله عليه وسلم - بابن لي، وقد أعلقت عنه من العذرة، فقال: علام تدغرن أولادكن بهذا العلاق؟! عليكن بهذا العود الهندي؛ فإن فيه سبعة أشفية منها ذات الجنب، يسعط به من العذرة، ويُلَدُّ من ذات الجنب )) ورواه أيضا مسلم وأحمد وأهل السنن(1/126)
قال الحافظ في الفتح: وقد ذكر الأطباء من منافع القسط الذي هو العود الهندي أنه يدر الطمث والبول، ويقتل ديدان الأمعاء، ويدفع السم وحمى الربع والورد، ويسخن المعدة، ويحرك شهوة الجماع، ويذهب الكلف طلاء. وذكر ابن القيم نحو ذلك في القسط وهو العود الهندي. انظر حرف القاف من الطب النبوي، والله أعلم.
س184- قال - صلى الله عليه وسلم - (( رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا )) فهل إذا صلى المسلم بعد صلاة الظهر أربع ركعات يدخل في هذا الأجر وينال هذا الفضل أم لا؟
جـ - هذا الحديث ورد في سنة العصر وذلك إنما يكون بالصلاة بعد دخول وقتها أو بعد ما يؤذن لها، حتى يصح إضافة هذه الصلاة إلى العصر، فتكون سنة قبلية. فأما الصلاة بعد الظهر فإنها تابعة لها، ولا صلة لها بالعصر، وكذا لو صلى بين الوقتين، فإنه تطوع مطلق، وهذا الحديث قد حسنه الترمذي من حديث ابن عمر صححه ابن حبان وابن خزيمة واستغربه بعضهم حيث إن ابن عمر كان يقول: (( حفظت من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشر ركعات في اليوم والليلة )) فلم يذكر هذه الصلاة، وأجيب بأنه إنما أخبر. بما حفظه من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم -. وهذا الحديث من قوله أو لعله أراد ما داوم عليه وصار راتبا له، وهذه الصلاة إنما رغب في فعلها فعلى هذا يندب فعلها متى تيسر، ويجوز الاقتصار على ركعتين كتحية للمسجد، والله أعلم.
س185- ما حكم صلاة التسابيح ؟
جـ - ذكرت صلاة التسبيح في حديث رواه أبو داود والترمذي وقال: هذا غريب من حديث أبي رافع ثم قال: قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - غير حديث في صلاة التسبيح، ولا يصح منه كبير شيء. ا هـ.(1/127)
وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات، وأعله بموسى بن عبيدة الربذي لكن الحديث - وإن كان ضعيفا - لم ينته إلى درجة الوضع، والحق أن طرقه كلها ضعيفة، وإن كان حديث ابن عباس عند أبي داود يقرب من شرط الحسن إلا أنه شاذ لشدة الفردية وعدم المتابع والشاهد من وجه معتبر ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات، وقد ضعفها شيخ الإسلام ابن تيمية والمزي والنووي في المجموع وغيرهم، وانخدع آخرون بكثرة طرقه وشواهده، فصححوه، لكن لا يخلو طريق من أحد الضعفاء أو جماعة منهم، وعادة الضعيف أن يسرق الحديث الذي رواه غيره، ثم يركب له إسنادا جديدا فيوهم أنه شاهد أو متابع، وقد كثرت السرقة للأحاديث في المتأخرين، ولذلك رواها أبو داود من عدة طرق، وكذا الترمذي ومع ذلك ضعفها، ولهذا لم يذكرها الإمام مالك ولم ينقل عنه فيها كلام ولو كانت صحيحة لم تخف عليه، وكذا لم يذكرها الشافعي رغم توسعه في أحكام التطوع، ولم تذكر في كتب تلامذة أبي حنيفة ولم يروِ الإمام أحمد شيئا من هذه الأحاديث رغم توسعه في الرواية وإنما اشتهرت عند المتأخرين الذين اشتهرت فيهم سرقة الحديث وتوسيع طرقه، فلا عبرة بها، وباب التطوع مفتوح في كل وقت. وذكر الله - تعالى - وتسبيحه مشروع في الركوع والسجود دون تحديد بعدد، والله أعلم.
س186- ما حكم الشرع في تعلم علم (الفلسفة) ؟(1/128)
جـ - لا شك أن الفلسفة علم غريب على الإسلام، فهو مأخوذ عن علوم النصارى ونحوهم، وقد اشتهر به من المتقدمين الفيلسوف أرسطو وهو عندهم المعلم الأول، ويسمى تلامذته الفلاسفة الإلهيون ثم فشا عند الكثير من المسلمين، واشتهر بالبحث فيه ابن سينا والفارابي وهو عندهم المعلم الثاني. ومن عقيدة الفلاسفة إنكار بدء الخلق وإعادته، فهذا العالم عندهم ليس له أول بل لم يزل نوع الإنسان هكذا، فلم يسبق بعدم، ولا يمكن أن ينعدم من الوجود، وليس عندهم عقيدة اليوم الآخر وحشر الأجساد. وقولهم في صفات الإله - تعالى - أشد من قول المعطلة، ولكن قد رخص بعض العلماء في مبادئ علم الفلسفة لمجرد الاطلاع دون التوغل فيه، مخافة انتحال العقائد الباطلة، والله أعلم.
س187- ما صحة هذا الحديث (( الجنة تحت أقدام الأمهات )) ؟
جـ - حديث: (( الجنة تحت أقدام الأمهات )) رواه الثعلبي في تفسيره والدولابي في الكنى في ترجمة أبي النضر عن أنس وكذا رواه القضاعي في مسند الشهاب والخطيب في الجامع. وأبو النضر لا يعرف، وكذا الراوي عنه، فالحديث ضعيف، وقد روى الإمام أحمد والنسائي في الجهاد من سننه والحاكم وصححه عن معاوية بن جاهمة (( أن جاهمة جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك. فقال: هل لك من أم؟ قال: نعم. قال: فالزمها فإن الجنة عند رجلها )) ففي هذا الحديث عظم حق الأم وتقديمه على الجهاد في سبيل الله، والله أعلم.
س188- ما صحة هذا الحديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر وما المقصود بالجهاد الأكبر ؟(1/129)
جـ - حديث رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر ذكر الحافظ ابن حجر في تسديد القوس أنه من كلام إبراهيم ابن عُلَيَّة وذكره الغزالي في الإحياء، وعزاه العراقي إلى البيهقي بسند ضعيف، وقد رواه الخطيب البغدادي في تأريخه في آخر الجزء الثالث عشر ولفظه: قدمتم خير مقدم، وقدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر. قالوا: وما الجهاد الأكبر؟ قال: مجاهدة العبد هواه وسنده ضعيف. وقد ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية كما في مجموع الفتاوى 11\ 197 قال: وأما الحديث الذي يرويه بعضهم أنه قال في غزوة تبوك رجعنا.. فلا أصل له، ولم يروه أحد ممن له معرفة بأقوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأفعاله ا هـ
وبهذا يعرف أن الحديث لا يصح، والمراد بالجهاد الأكبر فيه جهاد النفس والهوى والشيطان، والله أعلم.
س189- ما هي الضوابط التي ينبغي أن يلتزم بها الشاعر المسلم لكي يخرج من قوله تعالى (( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ )) ؟
جـ - يغلب على الشعراء المبالغة في المدح أو الذم، حتى يخرج أحدهم إلى الإطراء أو الظلم فيقع في الكذب ومدح الإنسان بما لا يستحقه وهجاؤه بما ليس فيه، فلذلك حكم الله على الشعراء عموما بقوله تعالى (( وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ )) الآيات، ونزه رسوله عن قوله والتحلي به، فقال تعالى: (( وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنْبَغِي لَهُ )) وورد في الحديث الصحيح قوله - صلى الله عليه وسلم - (( لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خير من أن يمتلئ شعرا )) .(1/130)
وقد استثنى الله - تعالى - من الشعراء قوله: (( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانْتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا )) فمتى كان الشاعر يصون لسانه عن الهجو والسباب، وعن الكذب والبهتان، والقذف والعيب والثلب وتتبع العثرات، ويقتصر في شعره على نصر الحق وبيانه، ونظم العلوم المفيدة، والانتصار لأهل الدين على من هجاهم وكذب عليهم، والرد على المبطلين، وتفنيد الشبهات التي تورد على الإسلام وأهله، وعلى الدين الصحيح والعقيدة السليمة، فإنه داخل فيمن استثنى الله تعالى، ولهذا يقال: الشعر كلام، فحسنه حسن وقبيحه قبيح. أي فكما أن في الكلام النثر سباب وقدح وكذب وزور وغيبة ونميمة، فكذا في الشعر مثل ذلك وأبلغ، حيث إن الشعر يبقى غالبا ويرصد ويحفظ بلفظه، فلذلك نحث من يقول الشعر أن يجعل شعره في نظم الكلام الحسن والفوائد الحسنة والعلوم الصحيحة، ونحو ذلك، والله أعلم.
س190- رجل كان يرد الخطاب عن ابنته حتى كبرت، ولم يتقدم الآن أحد لخطبتها، وهو متألم لذلك، ويقول: ما هو المخرج من هذه المشكلة؟ وهل علي إثم؟
جـ - لا شك أن عليه إثما في تأخير تزويج ابنته ورد الخطاب الأكفَاء عنها، حيث ورد في ذلك الوعيد بقوله - صلى الله عليه وسلم - (( إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض )) رواه الترمذي عن أبي هريرة وعن أبي حاتم المزني وحسنه، وحيث قد فات الأوان وتأخر الخطاب بعد أن طعنت في السن، فأرى أن عليه أن يعرضها على أهل الخير، ويرغبهم في زواجها، ولو كان أحدهم معه زوجة أو زوجتان، فإن ذلك أولى من حرمانها وبقائها إلى سن الإياس.
س191- متى يجوز بيع المصحف ومتى لا يجوز بيعه؟(1/131)
جـ - ذهب بعض العلماء إلى منع بيع المصاحف، فنقل في الشرح الكبير عن أحمد - رحمه الله - أنه قال: لا أعلم في بيع المصاحف رخصة. ورخص في شرائها، وقال ابن عمر وددت أن الأيدي تقطع في بيعها. وأجازه بعض الفقهاء مع الكراهة، لأنه منتفع به كسائر كتب العلم، ولأن البيع يقع على الأوراق والغلاف وهي مباحة، ولأن الكتابة تحتاج إلى تعب ونفقة وأجرة، ولأن في بيعه وشرائه تسبب في وجوده حيث إن من علم أنه لا يحصل له ثمن لم يشرع في كتابته ولا في طبعه، ولأن الناس بحاجة إلى اقتنائه والقراءة فيه، فجاز استئجار من ينسخه ويطبعه ويجلده، فما دفع فيه من المال فإنه قليل لحصول اقتنائه والاستفادة منه، ولهذا يغالي الكثير في المصاحف القلمية، ويبذلون فيها نفيس الأموال ذلك دليل احترامها لا إهانتها.
س192- هل يجوز استعمال (جلود وفراء) الحيوانات المحرم أكلها في الملبوسات التي يستعملها المسلم ويصلي فيها؟
جـ - روى أحمد وغيره عن أبي المليح عن أبيه (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن جلود السباع )) .
وعن معاوية (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن جلود النمور أن يركب عليها )) .
وقيل: إن النهي للكراهة؛ لأنها من مراكب أهل السرف والخيلاء. وقيل: لأنه غالبا يبقى فيها شعر، والدباغ لا يؤثر فيه. وقيل: إن النهي عن استعمالها قبل الدبغ، وقد رجح بعض العلماء جواز الانتفاع بها بعد الدبغ، واختاره الشوكاني وذلك لورود الحديث الصحيح بلفظ (( أيما إهاب دبغ فقد طهر )) فلفظه عام في المأكول وغيره، وذهب أكثر العلماء إلى أن الدباغ إنما يؤثر في جلد مأكول اللحم، لحديث (( دباغها ذكاتها )) فالذكاة لا تبيح غير المأكول، وهذا هو المشهور، ومع ذلك فالواقع أن جلود السباع أصبحت تباع بأغلى الأثمان، ويغالي الكثيرون في اقتنائها واستعمالها، ولا يخرجها ذلك عن الكراهة، والله أعلم.(1/132)
الحاجة بثينة امرأة في الخمسينات، أدت فريضة الحج في العام الماضي، تعالج بغسيل للفشل الكلوي في إحدى المستشفيات بصفة دورية، فوجئت أسرتها بالمستشفى يخبرهم بأنه تم بطريق الخطأ نقل الإيدز لها أثناء علاجها فجأة انقلبت علاقتها الطيبة بالجيران والأقارب إلى قطيعة، الجميع أغلق بابه ومنع أطفاله من الاختلاط بأبنائها، اعتزلت هي في حجرتها، ومنعت زوجها من دخول الحجرة خوفا عليه. وامتنعت عن الجلوس مع بناتها خوفا عليهن.
الرجاء الإجابة عن الأسئلة التالية:
س193- هل يعتبر هذا الإهمال قتلا على أساس أن الإيدز مرض قاتل لا شفاء منه حتى الآن؟ وماذا على المتسببين في نقل هذا المرض إليها؟
جـ - عليكم السلام ورحمة الله وبركاته، وبعد: فقد ورد في الحديث أن كل داء له شفاء إلا داء السام أي: الموت، فلعلها أن تسعى في العلاج لهذا المرض بأي وسيلة حتى يحصل الشفاء بإذن الله، ويعتقد المسلمون أن لا عدوى ولا طيرة ولا هامة، ولا صفر ولا نوء ولا غول، ولكن يحذر المسلم العاقل أماكن الشر، لحديث (( فر من المجذوم فرارك من الأسد )) وحديث: (( لا يورد ممرض على مصح )) فعلى هذا إذا ابتعدت هذه المرأة عن أهلها وأولادها بعد أن عرف أن المرض ينتقل بإذن الله إلى السليم، فلها عذر في الابتعاد، ولا يكون ذلك من العقوق ولا من قطيعة الرحم، ولأهلها الابتعاد عنها، واعتزال مجالستها، عملا بحديث الأمر بالفرار من المجذوم ونحوه ، والله أعلم.(1/133)
س194- لا يزال الجدل وعدم الاطمئنان يسودان الأوساط الاجتماعية والدينية وحتى الطبية فيما يتعلق بموضوع بنوك الأجنة حيث ظهرت بعض التجاوزات أو الجرائم في حق بعض الأزواج الذين راحوا ضحية خلط الأجنة بأجنة أخرى، إما عن قصد، أو عن طريق الخطأ الوارد في طبيعة العمل البشري، وقد ثبت أن بعض المستشفيات المتخصصة في هذا الشأن ثبتت فيها حالات تلاعب بالأجنة المجمدة التي ربما نسيها أصحابها أو صرفوا النظر عنها، ليستعان بها لأشخاص آخرين.
هل يكفي الضمير الطبي وحده في هذه القضية؟
كيف يتم اختيار القائمين على هذه البنوك؟
ما الحكم إذا اكتشف الزوجان أنه تم استعمال حيوانات الآخرين لهم؟ .
وما حكم من يولد في حالة يشوبها الشك، أو من إحدى حالات التلاعب هذه؟
جـ - قد تكلم العلماء على التلقيح المشهور، واستظهروا عدم جوازه، لما فيه من كشف العورة ومس المرأة الأجنبية، ولأنه لا يتحقق نجاحه، فكثيرا ما يحصل الإسقاط أو تشوه الخلق، لأنه دخلته صناعة الآدمي، ولو قدر حصول الحمل وتمامه، فإن ذلك لا يعتبر مسوغا للفتوى بالجواز مطلقا، حيث إن الغالب عدم النجاح، والحكم على الغالب، ثم لما فيه من التلاعب بالمني والحيوانات المنوية ونحو ذلك.
ثم إن الواجب عند الولادة في المستشفيات التحفظ من أهل الجنين ومعرفة أماكنهم، وعناوين مساكنهم وأرقام هواتفهم ومقر أعمالهم، ثم كتابة ذلك في ملف مع الجنين، ومعرفة كل مولود باسم أمه وأبيه، حتى لا يحصل اختلاط ولا اشتباه. ثم إن الأطباء مؤتمنون على هؤلاء الأجنة، وعليهم الصدق، وأداء الأمانة، فيقبل قول الطبيب المؤتمن إن عرف بالصدق، ولم يجرب عليه كذب. وعلى إدارة المستشفيات اختيار أهل الأمانة والثقة والصدق ليتولوا هؤلاء الأجنة، وليحفظوا اسم كل جنين ونسبه وقبيلته، فمتى كانوا أهل ثقة ومحل صدق اقتنع الأبوان بقولهم.(1/134)
وإذا اكتشف الزوجان أنه استعمل لهما حيوانات لآخرين، فإن العبرة لمن حصل منها الحمل والولادة، فيلحق الولد بزوجها، لأن الولد للفراش، أي لصاحبه، وهو الزوج. وأقول لا يلتفت إلى الشك العارض في أن هذا المولود ليس من الزوج، بناء على الأصل، الذي هو حل الاستمتاع وتبعية الولد للزوجين إلا إذا تحقق بيقين أنه من غير الزوج، فله أن ينفيه، كما في قصة المتلاعنين، والله أعلم.
س195- ما حكم إمامة الناس في الصلاة من قبل شخص مقعد ؟ إذا كان أعلمهم وأحفظهم لكتاب الله؟ وما هي الكيفية؟
جـ - لا يجوز ذلك؛ لأن القيام من شروط الصلاة، فهذا المقعد قد ترك ركنا لازما في صلاته وصلاة من خلفه. والأصل أن المأموم يتبع الإمام في القعود، لحديث (( وإذا صلى جالسا فصلوا جلوسا أجمعون )) وحيث إن المأمومين قادرون على القيام، فلا تجوز لهم الصلاة خلف القاعد، ولو كان أقرأهم، بل يقدمون غيره ولو كان دونه في الحفظ، والله أعلم.
س196- ما حكم قول الناس عبارة عيوب خِلْقية ؟
جـ - لا بأس بذلك، فالمراد العيوب الظاهرة، كعور وعرج وشلل، وفقد سن أو إصبع وزيادتهما، وحدب وخرس ونحو ذلك، والمعنى أنها من خلق الله، موجودة فيه من أصل الخلقة، ويقابلها العيوب الخُلُقية أي التي هي أخلاق وجبليات: كالغضب والحقد والحمق والكذب والظلم والعدوان ونحوها، فهذه لا يعذر فيها العبد، لأنه يقدر على حفظ نفسه.
س197- ما هي صفة صلاة العاجز عن القيام ؟
جـ - قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( صلِّ قائما، فإن لم تستطع فقاعدا، فإن لم تستطع فعلى جنب )) فالمريض أو المعضوب أو المقعد إن قدر على القيام ولو متكئا على عصا أو عمود لزمه القيام في الفرض. أما إن عجز وكلفه القيام وقدر على الجلوس صلى جالسا، والأفضل أن يكون متربعا، فإن صلى مفترشا جاز ذلك، فإن عجز عن الجلوس صلى مضطجعا على الجنب الأيمن أو الأيسر، ووجهه إلى القبلة، ولا تسقط الصلاة عنه ما دام قادرا على الصلاة وعقله معه.(1/135)
س198- أنا عقدت على بنتي لرجل، ثم طلقها من قبل أن يدخل عليها، هل عليها عدة؟ جزاكم الله خير الجزاء
جـ - ليس عليها عدة إذا طلقها قبل الدخول وقبل الخلوة فلها أن تتزوج متى شاءت، والله أعلم.
س199- السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
أتقدم بسؤالي هذا حيث إن خالي متزوج اثنتين وأنا رضعت من الكبيرة يقولون ثلاث رضعات، ثم يقولون واحدة. ولقد تزوجت ابنة خالي من زوجته الصغيرة راجيا إفتائي في حكم زواجي؟ والله يرعاكم
جـ - الرضاع المحرم خمس رضعات أو أكثر والرضعة هي إمساك الثدي والامتصاص، فإذا تركه فهي رضعة، فإن كان الرضاع أقل من الخمس فلا يحرم، فعلى هذا لك الزواج من بنت خالك، ولا حرج في ذلك، والله أعلم.
س200- من الناس من يأكل الكبد أو الكرش دون أن تمسها النار هل في ذلك شيء؟
جـ - لا بأس بذلك شرعا، وإنما ينهى عن ذلك للضرر الصحي، فإن النيئ من اللحم ونحوه مضر بالصحة، فالنار تزيل ضرره إذا طبخ أو شوي، سهل على المعدة هضمه والانتفاع به. وإنما الدواب والسباع تأكله نيئا ولا يضرها لما في أمعائها من القوة على الهضم وإزالة الضرر، ثم إن الكبد أسهل من غيرها، فالكثيرون يأكلونها قبل الطبخ لا تضرهم، والله أعلم.
س201- هل إذا استلم الإمام أو المؤذن بيتا تابعا للمسجد وهو ليس في حاجة إليه هل يجوز له أن يؤجره؟
جـ - يجوز له ذلك؛ لأنه وقف على هذا الإمام أو المؤذن، يملك منافعه فإن شاء سكنه، وإن شاء أسكن فيه أحد أهله أو أقاربه، فإن أجره وانتفع بأجرته فله ذلك، فهو صاحب النظر على هذا الوقف، وله التصرف فيه بما يراه، كما أن عليه مراقبته وإصلاح ما وهي منه وتجديده إذا سقط أو خيف سقوطه، والله أعلم.
س202- يقول بعض الناس: إن قول: يا مسلم. لشخص إذا وجده مع مجموعة لا يجوز لأنه خصه بالإسلام من بين هؤلاء؟(1/136)
جـ - هذا غير صحيح، بل هو مسلم، فيجوز خطابه ونداؤه بالإسلام، وتذكيره عند العتاب بأنه يدين بالإسلام، وليس في تخصيصه ما يدل على نفي الإسلام عن غيره، كما لو دعاه بالرجولة لا يدل على أن غيره ليسوا رجالا. وهكذا بقية الصفات، وإنما يقصد وعظه وتخويفه، حيث إن المسلم يتذكر أن عليه واجبات لإخوانه المسلمين فينزجر ويرتدع، والله أعلم.
س203- رجل يشتكي من أنفه، وعند الوضوء يقول: إن الماء يؤلمه في أنفه. ماذا يفعل؟
جـ - يكفيه أن يغمس أنفه ومنخريه في الماء مع محاولة اجتذاب الماء بنفسه بقدر ما يستطيع، فإن شق عليه وآلمه فله الاقتصار على ما يقدر عليه، لقوله تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) والله أعلم.
س204- إن بعضا من جماعة المسجد يخرج من إبطيه رائحة كريهة مزعجة ونفاثة، فيتضرر منها من يصلي بجانبه، بل من يبعد عنه، وهو يعلم ذلك عن نفسه، فما توجيهكم لمثل هذا الشخص، وهل يعذر من هذه الحالة بالصلاة في بيته ليمنع أذاه عن المصلين؟(1/137)
جـ - ننصح أحد هؤلاء أولا أن ينظف إبطيه، ويتعاهد نتف الشعر فيهما وغسلهما بالصابون والشامبو، فبذلك تزول الرائحة، كما هو في سائر الناس، وذلك أن هذه الرائحة سببها طول العهد بعدم إزالة الشعر مع تراكم الأوساخ والعرق، فينتج ما يسمى بالصنان الذي له رائحة كريهة. أما إن كان هناك مرض في الإبط يسبب هذه الرائحة، وليس من أجل الوسخ والشعر والعرق، فلا بد من علاجه عند الأطباء، فكل داء له دواء، إلا داء السام. فإن أعياه العلاج ولم يذهب وحصل الضرر منه على المصلين، فله أن يصلي في طرف الصف بحيث لا يؤذي من حوله ولا بد من اتصاله بالصف الذي يليه فإن نفر منه الناس وكانت الرائحة شديدة ولا تطاق ولا علاج لها جاز له الصلاة وحده في المسجد أو في منزله حتى يزول هذا المرض، فقد ورد النهي عن أكل البصل والثوم والكراث عند الذهاب إلى المسجد، لأن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم. ولما علم الصحابة بذلك تركوا أكل هذه البقول، حتى لا تمنعهم من المسجد، فكذا كل من رائحته تؤذي المصلين، والله أعلم.
س205- أنا من مرضى مستشفى النقاهة، ولا أستطيع الكلام نظرا لإصابة حصلت في رأسي، وعقلي سليم ولله الحمد، ولكن إذا صليت تأخذني الوساوس فلا أستطيع أن أصلي وحدي، وإن صليت مع أحد فتفوتني بعض الأركان والواجبات لعدم استطاعتي النطق، ولا أستطيع أن أصلي السنن الرواتب، فهل تجدون لي رخصة في حمل ورقة مكتوب فيها ما يتعلق بالصلاة من قراءة وأذكار وتكبيرات؟(1/138)
جـ - قال الله تعالى: (( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ )) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) فعليك أن تبذل الجهد فيما تقدر عليه، فاحرص على إحضار قلبك لما تقول وما تفعل، وليس في الاستحضار صعوبة. أما الكلام فيسقط عنك ما تعجز عنه من الكلمات وعليك النطق بما تقدر عليه من الحروف ولو تغير بعضها أما كتابة الأذكار ثم تقرؤها من الورقة وأنت في نفس الصلاة فأرى أنه مكروه إلا عند الحاجة، فيجوز إذا لم تتذكر الأدعية وأذكار الصلاة والقراءة فيها، واحتجت إلى كتابتها وقراءتها من الورقة، فلا بأس بذلك: كالقراءة من المصحف لمن لا يحفظ منه شيئا، والله أعلم.
س206- من هم أولو الأرحام الأهم فالأهم الذين تجب صلتهم وتحرم قطيعتهم؟
جـ - هم الأقارب بالنسب من جهة الأب أو من جهة الأم، وأقربهم الأصول والفروع: كالأجداد والجدات، أي والد الأب وأبوه وإن علا، وأبو الأم وأبوه، وأم الأب وأمها وأبوها، وأم أبي الأب، وأم الأم وأبواها وإن علوا، ويدخل في الفروع الأولاد ذكورا وإناثا، وأولاد البنين وإن نزلوا، ذكورا وإناثا، وأولاد البنات وأولادهم وإن نزلوا، ثم أولاد الأب، وهم الأخوة ذكورا وإناثا ثم أولادهم وإن نزلوا ثم أولاد الجد، وهم الأعمام والعمات، ثم أولادهم وأولاد أولادهم وإن نزلوا، ذكورا وإناثا، ثم أولاد أبي الجد، أي أعمام الأب وعماته، ثم من تفرع عنهم وإن نزلوا.(1/139)
وقد اصطلح الفقهاء في توريث ذوي الأرحام على أنهم الأقارب الذين لا يرثون بفرض ولا بتعصيب، مثل ولد البنات أو بنات الابن، وولد الأخوات وبنات الإخوة، وبنات العم، وأولاد الإخوة من الأم، ذكورا وإناثا، والعم من الأم، أو عم الأم أو الجد من الأم، والعمات من الأبوين أو أحدهما، وعمات الأب، وعمات الجد، والأخوال والخالات، والجد أبو الأم، وكل جدة أدلت بأب بين أمين كأم أبي الأم، ومن أدلى بهم كعمة العم وخالة الخالة ونحوهم، ولا شك أن صلتهم تتفاوت بحسب القرب والبعد والكبر والصغر، وتكون الصلة بالزيارة والاستزارة، وإجابة الدعوة والهدية وقبولها، والنفقة والصدقة، والمودة ورد السلام والاجتماع بهم، ونحو ذلك، وتكون القطيعة بالهجران ورد الدعوة، وترك الزيارة، وعدم رد السلام، وطول المقاطعة، وترك الواجب على المرء من الصلة والنفقة والهدية، ونحو ذلك، والله أعلم.
س207- ما هي الحالات التي يجوز فيها الجمع بين الوضوء والتيمم ؟
جـ - إذا وجد ماء قليلا يكفي بعض أعضائه استعمله ثم تيمم لبقية أعضائه، كما لو بقيت رجله أو إحدى يديه، وكذا من به جرح لا يستطيع غسله ولا مسحه؛ فإنه يغسل أعضاءه الصحيحة، ويتيمم للجرح. واختلف في الترتيب هنا، فقيل يتيمم أثناء الوضوء كما لو كان الجرح في رأسه فإنه يغسل يديه بعد غسل وجهه، ثم يتيمم عن مسح الرأس، ثم يغسل قدميه. وقيل: يتيمم بعد الانتهاء من الوضوء، وبعد يبس أعضائه لمشقة التيمم حال الوضوء لرطوبة يديه، وهذا هو الأقرب، ثم يعيد التيمم كل وقت ولو لم ينتقض الوضوء على القول: بأنه يبطل بخروج الوقت. ولعل الصواب بأنه لا يعيده حتى ينتقض وضوءه، والله أعلم.
س208- ما رأي الشرع في الدعاء بعد النافلة بصفة مستمرة ورفع اليدين كما هو مشاهد من كثير من الناس اليوم؟(1/140)
جـ - أرى أنه جائز، لكن لا يتخذ عادة يداوم عليه، لعدم نقل ذلك قولا مع أنا أدركنا كبار مشايخنا يفعلونه بعد النوافل عادة، وذلك أن جنس الصلاة من وسائل إجابة الدعاء، لأنها قربة وطاعة، فتكون من أسباب إجابة الدعاء، كما أمر الله - تعالى - بالدعاء بأسمائه في قوله تعالى:- (( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا )) أي توسلوا بأسمائه مع الدعاء، وقد ورد أن من أسباب الإجابة الدعاء بعد الفرائض، فعن أبي أمامة الباهلي - رضي الله عنه - قال: (( قيل: يا رسول الله، أي الدعاء أسمع؟ قال: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبات )) رواه الترمذي وحسنه
وقال أبو السعادات دبر كل شيء وراءه وعقبه، والمراد به الفراغ من الصلوات، وقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم أصحابه الاستخارة بأن يصلي أحدهم ركعتين ثم يدعو، وكذلك لما طلب منه أبو موسى أن يستغفر لأخيه أبي عامر بعد موته صلى ركعتين ثم دعا له.
وروى الإمام أحمد وأهل السنن عن أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( ما من رجل يذنب ذنبا فيتوضأ فيحسن الوضوء، ثم يصلي ركعتين، فيستغفر الله إلا غفر له )) ورواه ابن خزيمة وقال: هذا الحديث جيد الإسناد، والله أعلم.
س209- في أحد المساجد أقيمت الصلاة ولم يتقدم بهم أحد، فلما رأى ذلك أحد كبار السن - وكان يجلس على كرسي - تقدم بهم وكبر وهو جالس على الكرسي يومئ إيماء للركوع والسجود، فما حكم صلاتهم - أي صلاة من خلفه - وهل في هذه الحالة يصلون قياما أو قعودا؟ وهل على هذا الرجل الذي تقدم بهم إثم؟ علما أنه لم يتقدم إلا بعد أن اعتذر الجميع.(1/141)
جـ - كان الأولى أن يتقدم غيره من القادرين على القيام، ولو كانوا دونه في القراءة، ثم في هذه الحالة صلاتهم صحيحة وهم قيام وإمامهم جالس على الكرسي، فقد ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى بالمسلمين في آخر حياته إلى جانب أبي بكر - رضي الله عنه - وهو جالس، وهم قيام وإن كان قد اختلف في ذلك هل هو إمام أو مأموم؟ لكن ظاهر اللفظ أنه إمام؛ لقول الراوي يصلي أبو بكر بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - ويصلي الناس بصلاة أبي بكر أي يبلغهم التكبير.
وقد اعتبر البخاري - رحمه الله تعالى - ذلك ناسخا للأحاديث التي فيها الأمر بالجلوس، واختار الفقهاء أنه إذا ابتدأ بهم الصلاة إمام الحي وهو جالس صلوا خلفه جلوسا استحبابا، ويجوز القيام فإن ابتدأهم وهو قائم ثم اعتل فجلس صلوا خلفه وهم قيام وجوبا. أي جمعا بين الأحاديث، والله أعلم.
س210- مجموعة مرضى يستطيعون التجوال داخل المستشفى، وعددهم يزيد على الثلاثين، ويطلبون أن تقام عندهم صلاة الجمعة، فما رأي الشرع في ذلك؟ علما أنه لا يوجد بقربهم مساجد جمعة، ولا يؤذن لهم في الخروج خارج المستشفى
جـ - لا يقيمون الجمعة - والحال هذه - إلا بعد الإذن من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، حيث إن من شروط إقامة الجمعة الاستيطان دائما وقد يقال: إن هؤلاء إقامتهم مؤقتة، فبعد شفائهم يفارقون المستشفى إلى أهليهم. وكذا من شروط إقامة الجمعة حضور أربعين رجلا من أهل وجوبها على القول المشهور عند الفقهاء، فعلى هذا يطلب المسئول في المستشفى الإذن من الرئاسة رئاسة البحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية. وهي تبعث من ينظر في حالهم وصحة الصلاة لهم أو عدمها، كما أذن لأهل السجن الدائمين أن يصلوا الجمعة لكثرتهم، وتحقق طول إقامتهم، والله أعلم.
س211- رجل صلى وعليه ثوب فيه حرير فما حكم صلاته؟ وهل عليه إعادتها؟(1/142)
جـ - تصح صلاته ولا تلزمه الإعادة على القول الصحيح، كما لو توضأ من إناء ذهب أو فضة أو صلى في أرض مغصوبة، فإن الصلاة إنما تبطل بما نهي عنه فيها، ولباس الحرير محرم مطلقا، ويأثم من لبسه من الرجال، سواء صلى به أو لم يصلِّ به، ولكن الإثم الحاصل بلباسه لا يمنع من صحة الصلاة به، كما أن الغاصب لا يلزمه من إثمه الذي يحصل بغصب الأرض بطلان صلاته فيها، وكذا الحج بمال حرام يصح مع حصول إثم أكل الحرام، والله أعلم.
س212- بعض الفرش يكون فيها حرير فما حكم الجلوس عليها؟ وهل يختلف الحكم في حق النساء؟
جـ - لا يجوز افتراش الحرير مطلقا، لكن يعفى عن الفرش التي فيها شيء من حرير أو ديباج أو ما أشبهه، ولا فرق في الافتراش بين كونه للرجال أو للنساء، وإنما رخص للنساء في لباس الحرير للحاجة إلى التجمل، وهو غير مقصود من الفراش، وإن كان فيه شيء من التنعم والتلذذ، وهو يورث شيئا من الفخر والترفع، فلذلك نهي عنه كما نهي عن الإسراف مطلقا.
س213- هل يجوز لكل إنسان أن يعبر الرؤى أو لا بد من مختصين من أهل العلم الشرعي؟ وجهونا مأجورين.
جـ - تعبير الرؤيا يرجع فيه إلى معرفة أشياء تختص بالرائي وما يتصل به، وكذا معرفة القرائن والأحوال وسيما الشخص، ومعرفة معاني الكلمات وما يتصل بها لغة وشرعا، وما يعبر بها عنه. وهذه الأمور ونحوها يختص بها بعض الناس لانشغالهم بمعرفتها وما يدور حولها، فعلى هذا لا يجوز لكل أحد أن يعبر الأحلام، فقد يفهم فهما بعيدا. وقد يأخذ التعبير من اللفظ لا من المعنى، فيخطئ في ذلك. وقد كره بعض العلماء عرض الأحلام على كل أحد، وورد في الحديث (( أن الرؤيا على جناح طائر حتى تعبر، فإذا عبرت وقعت )) .
س214- هل يجوز تصوير مدائن صالح وزيارتها ؟(1/143)
جـ - لا بأس بذلك للاعتبار، وتذكر أحوالهم، والنظر في قوتهم وجبروتهم. وأن ذلك ما أغنى عنهم من عذاب الله شيئا. وقد أمر الله بالسير في الأرض للاعتبار. وقال عن قوم صالح (( فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ )) وقال تعالى: (( وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلًا )) وقال عن قوم لوط (( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ )) وكل ذلك أمر بالاعتبار والتذكر عند رؤية قوتهم وأعمالهم، كيف نحتوا تلك الصخور، وفصلوا فيها المساكن والمنازل، ثم انقضت أعمارهم ولم يكن لهم من يخلفهم، ففي تصويرها والنظر إليها عبرة للمعتبرين، والله أعلم.
س215- هل هؤلاء الأشخاص مطالبون بالعبادة كالأصحاء: مقطوع اللسان - الأصم - مقطوع اليدين - الخنثى المشكل ؟
جـ - نعم إذا وجد سبب التكليف، وهو العقل والفهم والإدراك، فيطالبون بالطهارة حسب القدرة، وبالصلاة، والصوم، والحج مع الاستطاعة، ويمنعون من المحرمات: كالزنا والمسكرات والسرقة والربا وشهادة الزور. وكذا الشرك والكفر والقتل ونحو ذلك، لكن مقطوع اللسان يقرأ بما يقدر عليه وينطق بالشهادة حسب استطاعته، والأصم يخاطب بالإشارة، ويفعل العبادات التي يفهم المراد بها بالإشارة والرؤية. أما الأقطع فيغسل من يديه ما بقي وإن عجز سقط عنه غسلهما. وأما الخنثى فهو مكلف بما يلزم الإنسان من العبادات والمعاملات، لكن لا يصلح كونه إماما في الصلاة للرجال ولا نكاحه قبل تبين أمره، والله أعلم.(1/144)
س216- أنا فتاة أبلغ من العمر سبعة عشر عاما، وأتمنى أن أحفظ القرآن، وأعمل به، ولقد حاولت ومحاولتي باءت بالفشل، ولم أستطع، فأرجو منكم أن توردوا بعضا من الأسباب المؤدية إلى حفظ القرآن. لأنني مضى من عمري الكثير، ولم أحفظ إلا جزءا يسيرا ثم أنساه سريعا؟ أفيدوني مأجورين.
جـ - حفظ القرآن سهل يسير على من يسره الله عليه، كما قال تعالى: (( وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ )) ولكنه يحتاج إلى تكرار وتعاهد، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - (( تعاهدوا القرآن فإنه أشد تفصيا من صدور الرجال من النعم من عقلها. بئسما لأحدهم أن يقول نسيت آية كيت وكيت بل هو نُسي )) رواه أحمد وغيره، فنشير على الأخت أولا بالتفرغ والإقبال على الحفظ، وثانيا بالتكرار والترديد، وهو التعاهد المذكور في الحديث، فمع التكرار يثبت الحفظ ويرسخ في الذاكرة، وهكذا مع التفرغ وترك الانشغال مع الأهل والجلساء، وهكذا مع الانقطاع عن العلوم الجديدة، التي تشغل القلب، وتجلب الهموم والغموم، وهكذا مما يعين على الحفظ الحرص على معرفة المعاني ومدلول الكلمات وما تتضمنه من الحكم والأحكام والمواعظ والوقائع حيث إن الكلام غير المفهوم لا يستقر في القلب، والله أعلم.
س217- لقد سمعت حديثا صحيحا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حينما قال من كان في بيته صورة أو كلب، لم تدخله الملائكة وأنا لدي مجلة يوجد بها الكثير من الفوائد أستفيد منها في الدنيا والآخرة، وتحتوي على الأمور الدينية والدنيوية وثقافية وعلمية، ويوجد بها فتاوى، وهي مجلة الأسرة، ولكن بها بعض من الصور مثل صور الحيوانات والإنسان والأطفال فقط، فهل يجوز اقتناؤها أم ماذا؟ وجزيتم خيرا.(1/145)
جـ - نعم ورد الحديث: (( إن الملائكة لا تدخل البيت الذي فيه صورة ولا كلب )) رواه البخاري وغيره وحمل بعضهم الصورة على المجسدة، وهي التي لها ظل، وإن كان ظاهر الحديث العموم، لكن قد يعفى عن بعضها إذا كانت ممتهنة، فقد روى البخاري في باب ما وطئ من التصاوير عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: (( قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هتكه. قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين )) .
وحيث إن الصور التي في الأوراق أو المجلات فيها خلاف، حيث أنكر بعض المتأخرين تحريمها، وعلل بأنها ليست الصور المنهي عنها، لأنه لا يقصد منها مضاهاة خلق الله تعالى، وإنما هي رسوم أو حبس للصور التي هي خلق الله، فقد أباح بعضهم اقتناءها لهذه الشبهة، لكن الصحيح أنها صور ينطبق عليها ما ورد من الوعيد أو من التحريم، ومع ذلك نشير على من اقتناها أن يطمس صورة الوجه ونحوه أو أن يخفيها، ولا تكون بارزة للعيان إلا عند الحاجة إلى القراءة فيها، وأن لا يجتلب إلا ما فيه فائدة من الصحف والمجلات، والله أعلم.
س218- هل الأموات يشعرون ويحسون بنا نحن الأحياء في هذه الدنيا، أم أنهم في البرزخ لا يعلمون شيئا، وأخص الشهداء كالغريق مثلا ؟
جـ - لا شك أن الأموات قد فارقوا الحياة الدنيا، وخرجت أرواحهم من أجسادهم، لكن الأرواح في عالم الغيب، وهي موجودة لم تعدم، ولا نعلم ماهيتها، وقد وصفت في الأدلة بأنها تسمع وتبصر وتصعد وتنزل وتحس بالألم أو النعيم، وورد أن أرواح الشهداء جعلت في أجواف طير خضر، تعلق في شجر الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة في الجنة، حتى يأذن الله في إعادتها إلى أجسادها وقد علم أن الأجساد تفنى وتصير ترابا، ولكن الأحكام في البرزخ على الأرواح ولا يستبعد أن تحس الأجساد بشيء من العذاب أو النعيم ولو كانت ترابا أو رمادا فالله على كل شيء قدير، والله أعلم.(1/146)
س219- ما حكم الدين في خلع الأسنان الزائدة أو الإصبع الزائد ؟
جـ - لا بأس بتسوية الأسنان إذا كان في إحداها زيادة تشوه المنظر، كسن زائدة وناتئة أو طويلة ونحو ذلك متى أمكن خلعها أو تسويتها ببرد ونحوه.
وإنما منع النساء من التصنع بالتفلج والوشر، فقد ثبت في الصحيح عن ابن مسعود قال: (( لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله )) وروى أحمد والنسائي عن ابن مسعود قال: (( سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ينهي عن النامصة والواشرة.. )) إلخ.
قال الحافظ في الفتح في كتاب اللباس باب المتفلجات للحسن قال: والفلج انفراج ما بين الثنيتين والتفلج أن يفرج بين المتلاصقين بالمبرد ونحوه، وهو مختص عادة بالثنايا والرباعيات ويستحسن من المرأة فربما صنعته المرأة التي تكون أسنانها متلاصقة لتصير متفلجة، وقد تفعله الكبيرة توهم أنها صغيرة، لأن الصغيرة غالبا ما تكون مفلجة جديدة السن ويذهب ذلك في الكبر وتحديد الأسنان يسمى الوشر بالراء، وقد ثبت النهي عنه في بعض طرق حديث ابن مسعود وغيره. اهـ. وأما الأصبع الزائد فلا بأس بإزالته بالعملية الجديدة إذا أمن الضرر والعيب، فإنه في الغالب يشوه الخلقة، ولا يستعمل في اليد، والله أعلم.
س220- هل الجماع لصاحب الزوجتين يعتبر شرطا لتحقيق العدل أم لا؟
جـ - العدل بين الزوجات هو في المبيت والنفقة والسكن والعشرة الطيبة والمحادثة والمؤانسة، فأما الجماع فليس واجبا عليه العدل فيه؛ لأنه يتبع الشهوة وميل النفس، فقد تكون إحدى الزوجات أكمل جمالا وأصغر سنا وألين جانبا وأرق قولا، ونحو ذلك مما يستميل النفس ويقوي المحبة، ولهذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم بين نسائه ويعدل في المبيت ثم يقول: (( اللهم هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك )) .
س221- هل يجوز الصلاة أمام لوحة مليئة بالصور ؟(1/147)
جـ - ثبت في الصحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعائشة (( أميطي عني قرامك هذا؛ فإنه لا تزال تصاويره تعرض لي في صلاتي )) وفي الصحيح عن عائشة قالت: (( لم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا هتكه، وصلى مرة في ثوب فيه أعلام فنزعه، وأخبر بأن تماثيله عرضت له في صلاته )) وقال في رواية: (( إني كلما نظرت إليه ذكرت الدنيا )) فكل هذه الروايات تنص على البعد عن استقبال التصاليب والصور والكتابات التي تشغل عن الإقبال على الصلاة وحفظها والاستفادة من القراءة والذكر ونحو ذلك.
س222- أنا مؤذن في قرية وأنا الآن في الرياض للدراسة ولا يوجد أحد يؤذن لأن أبي أبكم وأصم، وقد تعلم إخوتي الصغار الأذان - ولله الحمد - وعمر أحدهم ثماني سنوات والآخر سبع سنوات، فهل أوكل أخي ليقوم بالأذان، فعائلتي في حاجة ماسة؟
جـ - إذا كان أخوك ابن ثماني سنين يقوم بالأذان كما ينبغي، ويؤديه كاملا ويؤذن ويقيم لكل وقت بحيث يسمع المصلين خارج المسجد وداخله، وكان عاقلا فاهما، فإنه يصح أذانه وإقامته، فعلى هذا متى حضرت أنت أو أخوك هناك فإنك تقوم بالأذان والإقامة، فإذا غبت وقام به أخوك المميز صح ذلك، وجاز لك أخذ رزق الأذان من بيت المال للحاجة الماسة بأبيك وأخوتك، والله أعلم.
س223- كنت في أحد الأيام في شهر رمضان، وبعد صلاة الفجر أحسست بغازات في معدتي، وقد تجشأت حتى وصل إلى فمي شيء يسير مما في المعدة وبلعته جاهلا بالحكم. هل صيام ذلك اليوم صحيح أم علي إعادته؟(1/148)
جـ - إذا خرج القيء قهرا فلفظه الصائم فلا شيء عليه، وصومه صحيح. ومن تعمد إخراج القيء بطل صومه، ومتى وصل القيء إلى فمه ثم ابتلعه فإنه يعيد صومه، لأنه أكل ما له جرم وطعم، وقد يعفى عنه إذا كان يسيرا أو لم يصل إلى اللسان، وإنما أحس به في حلقه، سيما إذا كان جاهلا بالحكم، أو لم يتمكن من إخراجه، وإلا فالأصل لمن ابتلع القلس والقيء بعد خروجه أنه يقضي صومه، والله أعلم.
س224- متي يجوز إسقاط الحمل ؟
جـ - يجوز إسقاط النطفة قبل الأربعين يوما بدواء مباح، ولا يجوز بعد ذلك، لأنه بدأ في طور التخليق من النطفة إلى العلقة، لكن إن ظهر بالكشف الطبي الحديث أنه مشوه الخلق أو تحقق أنه لا يعيش، فإنه يجوز الإجهاض والحالة هذه، وكذا إن تضررت الأم وتحقق تأثرها بمرض أو إعياء أو ضعف بدني بحيث لا تتحمل بقاءه ثم ولادته إلا بضرر وألم شديد، فيجوز الإجهاض قبل نفخ الروح فيه، ويعرف ذلك بالكشف على الجنين أو بالتحاليل للأم أو لحملها، فإذا رجي تحملها وصبرها ولو مع شيء من الألم لزمها الصبر وعدم الإسقاط.
س225- امرأة لديها موعد في نهار رمضان لخلع سنها، هل يفسد صيامها ذلك اليوم؟
جـ - خلع الضرس في الصيام جائز عند الحاجة كاشتداد ألمه واستمرار وجعه، وهل يقضي، صيام ذلك اليوم أم لا؟ نقول: إن خرج منه دم سائل فابتلعه في جوفه فإنه يفسد الصوم، لأنه يمكن التحرز منه، فإن لم يبتلعه فلا شيء عليه. والغالب في هذه الأزمنة أنه لا يخرج منه إلا دم يسير، فعليه أن يسد موضع الضرس بقطنة حتى لا يختلط الدم بالريق.
س226- امرأة لها صداق عند زوجها منذ أكثر من خمس سنوات، فهل تجب فيه الزكاة ومن الذي يخرجها؟(1/149)
جـ - لا زكاة عليها فيه إذا لم يكن في حوزتها، فقد يبقى الصداق في ذمة الزوج عشرات السنين، فلو أخرجت زكاته لفني أو زادت عليه زكاته، بينما قد يكون عاجزا عن دفعه كما هو حال الأكثرين، فإن كان الزوج يتصرف فيه ويتجر فيه بجزء من ربحه كالمضاربة أخرج زكاته من أرباحه، وإن كان قد اقترضه واستهلكه فهو دين على معسر تخرج زكاته عند قبضه عن سنة واحدة، والله أعلم.
س227- هل يجوز القراءة على عدة أشخاص مرضى بواسطة مكبر الصوت ( الميكرفون ) والنفث عليهم حيث يصعب علي القراءة والنفث على كل واحد على حدة، لا سيما والناس يزدادون في الفترتين الصباحية والمسائية. حيث أنكر على بعض الأخوان؟ وجهوني أثابكم الله.
جـ - الأصل أن الرقية المعتبرة من الراقي على المريض مباشرة بحيث ينفث عليه ويقرأ الآيات كما فعل الصحابي مع ذلك اللديغ في حديث أبي سعيد فإنه جعل ينفث أو يتفل عليه ويقرأ (( الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ )) إلخ، وهكذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - عند النوم يجمع يديه وينفث فيهما، ويقرأ المعوذتين وسورتي الإخلاص، ويمسح بهما ما أقبل من جسده كما في حديث عائشة فأما الرقية بواسطة مكبر الصوت فلا تعتبر رقية شرعية، وإن كان يحصل بها نفع لما في سماع القرآن من الأثر والفائدة للسامعين، فعلى هذا نقول للراقي: عليك أن تقرأ على كل فرد وحده، ولا تكلف نفسك فوق طاقتها، واعتذر عن الباقين، فالقراء كثير، وفيهم البركة، وعليك أن لا تقصد بالرقية نفعا دنيويا، بل عليك أن تجعل القصد الأول هو نفع المسلمين وإزالة الضر والبأساء عن المستضعفين، وبذلك يحصل الشفاء والنفع بتلك الرقية مع الإخلاص واختيار الآيات والأدعية المأثورة النافعة، والله أعلم.(1/150)
س228- امرأة تعاني من صعوبة في إخراج الفضلات نظرا لوجود جفاف في بطنها، وعند قضاء الحاجة تقوم بوضع طرف الخرطوم في فتحة الشرج وتقوم بفتح الماء حتى تتعبأ الأمعاء، وبعدها تقوم بإخراج الماء وتنزل معه الفضلات ( الغائط ) - أكرمكم الله - وكان ذلك العمل في شهر رمضان عدة أيام، هل عليها قضاء تلك الأيام التي عملت فيها هذه الفعلة؟ أفتونا مأجورين.
جـ - ذكر العلماء أن من أدخل شيئا من الطعام أو الشراب ونحوه إلى جوفه من أي موضع كان غير الإحليل فقد أفطر ولا شك أن إدخال الماء مع الدبر إلى الأمعاء ينطبق عليه أنه وصل إلى الجوف، فعلى هذا يلزمها قضاء تلك الأيام التي عملت فيها هذا العمل ولو كان القصد تسهيل خروج الرجيع، فإن في الإمكان تأخير ذلك إلى الليل أو الصبر على الصعوبة، مع أن في الإمكان علاج هذا الجفاف بما يخففه، والله أعلم.
س229- كثيرا ما يحصل خلاف في المجالس بشأن أيهم يبدأ الأول في تقديم القهوة والشاي هل على اليمين أم كبير السن، وهل اليمين يعتبر بيمين الذي يقوم بتقديم القهوة أم بيمين المجلس؟ أفيدونا مأجورين.(1/151)
جـ - الوارد في الحديث تقديم الأكبر والأفضل، حيث ورد في حديث أنس أنه قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أنه كان في الوسط، وعن يمينه أعرابي، وعن يساره أبو بكر وأمامه عمر - رضى الله عنهم - وفي حديث سهل ذكر أن الغلام عن يمينه والأشياخ عن يساره، ولعل السبب في البداءة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - شرفه وفضله وما خصه الله به من النبوة والرسالة، ويمكن أنه هو الذي استسقى، أي: طلب السقيا، فبدءوا به، وعلى هذا يبدأ بمن طلب الشراب ولو كان صغيرا أو وضيعا، أما بقية من في المجلس فيستوون في الفضل فيقدم الأيمن بالنسبة إلى الذي شرب أولا، كما هو الواقع في حديث أنس في تقديم الأعرابي، وفي حديث سهل في تقديم الغلام لتميزه باليمن، أما إذا استووا في الفضل والسن فالأولى أن يبدأ الساقي بوالده لعظم حقه عليه، فإن لم يكن فيهم أبوه بدأ بالأيمن بالنسبة إلى الساقي، ثم من يليه عن يمينه، أي بدفعه الشراب إلى من يليه عن اليمين، وإن دفعه إلى الساقي فله أن يدفعه إلى الأيمن بالنسبة إلى الساقي، فإن طلب السقيا أحدهم بُدِئَ به ثم أعطاه من يليه عن اليمين، ويستوي في ذلك الشراب والقهوة والطيب ونحو ذلك، والله أعلم.
س230- المرأة في فترة الحيض والنفاس هل يجوز لها قراءة القرآن أم لا؟ أفيدونا مأجورين.(1/152)
جـ - ورد حديث بلفظ: لا تقرأ الحائض ولا النفساء شيئا من القرآن رواه الدارقطني والبيهقي عن جابر موقوفا، وفي إسناده ضعف، ورواه الدارقطني والبيهقي عن ابن عمر مرفوعا بلفظ: (( لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن )) ولا تخلو أسانيده من مقال، ونظرا لضعف الأدلة على المنع لم يجزم أكثر العلماء بالتحريم، وقد صرح بالتحريم صاحب التوضيح والشرح الكبير وغيرهم، وحيث أن مدة الحيض والنفاس قد تطول فيخشى نسيان ما حفظته من القرآن، ولأنها غير ممنوعة من الذكر والدعاء والأوراد، ولأن في قراءة القرآن أجر وثواب كبير، فنرى أنه يجوز لها قراءة القرآن حفظا بدون مس المصحف، وهكذا كون المدرسة حائضا فإن هذا شيء ضروري، فيجوز أن تقوم بالتدريس حفظا وتفتح على الطالبات ولا تمس المصحف، والله أعلم.
س231- ما حكم أكل الطيور التي يتم صيدها بالنبال والبنادق وإن كان الرامي قد نسي التسمية أحيانا؟
جـ - يجوز أكلها إذا ماتت بسبب السهم أو الرصاص الذي يخرق اللحم، وقد روى البخاري وغيره عن عدي بن حاتم أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - فإني أرمي بالمعراض فأصيب الصيد، فقال: (( إذا رميت بالمعراض فخرق فكُلْه، وإن أصابه بعرضه فإنه وقيذ فلا تأكله )) .(1/153)
وفي السنن عن أبي ثعلبة قال: يا رسول الله، أفتني في قوسي. قال: (( كُلْ ما ردت عليك قوسك. وإن تغيب عنك ما لم يضل أو تجد فيه أثر غير سهمك )) وعلى هذا يحل ما رماه بالنبال والبنادق وقتله بالسهم لكن عليه أن يذكر اسم الله عند الرمي لقول الله تعالى: (( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ )) وفي الحديث (( إذا رميت بسهمك وذكرت اسم الله فكل )) لكن إن غفل عن التسمية أو نسيها فهو معذور على الصحيح كمن نسي التسمية عند ذبح بهيمة الأنعام، وقد فصل ابن كثير حكم نسيان التسمية عند الذبح في تفسير قول الله تعالى: (( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ )) والله أعلم.
س232- هل يجوز وضع لوحة على القبر فيها اسم الميت وتاريخ الوفاة؟
جـ - لا تجوز الكتابة على القبر فقد روى الترمذي وصححه عن جابر (( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى أن تجصص القبور وأن يكتب عليها وأن يبنى عليها وأن توطأ )) ورواه النسائي بلفظ (( نهى أن يبنى على القبر أو يزاد عليه أو يجصص أو يكتب عليه )) ورواه الحاكم وقال: الكتابة وإن لم يذكرها مسلم فهي على شرطه.
قال الشوكاني في النيل: فيه تحريم الكتابة على القبور وظاهره عدم الفرق بين كتابة اسم الميت على القبر وغيرها، وهذا صريح في التحريم، سواء كانت الكتابة على نصب القبر أو في لوحة توضع على القبر.
وأما وضع علامة على القبر يعرف بها فلا بأس بذلك، فقد روى أبو داود وغيره عن المطلب بن عبد الله (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما مات عثمان بن مظعون وضع النبي - صلى الله عليه وسلم - عند رأسه حجرا كبيرا وقال: أعلم بها قبر أخي وأدفن إليه من مات من أهلي )) قال الحافظ إسناده حسن.(1/154)
وروى ابن ماجه عن أنس (( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - علم قبر عثمان بن مظعون بصخرة )) قال الشوكاني وفيه دليل على جواز جعل علامة على قبر الميت، كنصب حجر ونحوها، والله أعلم.
س233- يقول الله تعالى: (( سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ )) ما تفسير هذه الآية؟ وهل المقصود بالسيماء حسية أو معنوية؟
جـ - هذه الآية في مدح الصحابة - رضي الله عنهم - فذهب البعض إلى أن المراد أثر السجود الذي يظهر في الجبهة فهو علامة على كثرة الصلاة والتهجد والتنفل، وإطالة السجود، ومباشرة التراب والحجارة بالوجه، حتى يرى أثر ذلك في الجبين بحيث يعرف بكثرة سجوده وتنفله، فهذا هو المتبادر من الآية، ولكن أكثر المفسرين على أن السيماء معنوية، ففسرت السيماء بالسمت الحسن والخشوع والتواضع، أو بحسن الوجه وبياضه والضياء فيه من آثار الصلاة.
كما قال بعض السلف: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار.
وكما قال بعض السلف: أن للحسنة ضياء في الوجه، ونورا في القلب، وسعة في الرزق، وقوة في الجسم، ومحبة في قلوب الناس، وأن للسيئة ظلمة في الوجه، وسوادا في القلب، ووهنا في الجسم، وضنكا في المعيشة، وبغضا في قلوب الناس.
وروي عن عثمان - رضى الله عنه - قال: ما أسر أحد سريرة إلا أبداها الله - تعالى - على صفحات وجهه وفلتات لسانه.
وقال عمر - رضى الله عنه - من أصلح سريرته أصلح الله - تعالى - علانيته.
ولا شك أن الصحابة - رضي الله عنهم - قد صدقوا الله ورسوله واجتهدوا في العمل بطاعته وأخلصوا دينهم لله - تعالى - فظهر أثر ذلك على وجوههم، فكل من رآهم أحبهم وعرف فضلهم، والله أعلم.
س234- بعض الناس يشتري الدولارات ثم يبيعها عند ارتفاع سعرها فما حكم الشرع في ذلك؟(1/155)
جـ - بيع النقد بالنقد يسمى صرفا، ويشترط فيه التقابض قبل التفرق، ولا يشترط التماثل إذا اختلف الجنس أو النوع، وقد علم أن الدولار الأمريكي عملة ونقد مشهور متداول بين الدول الإسلامية وغيرها، فيصح جعله رأس مال سلم إذا قبض في مجلس العقد، ويصح بيعه بالريال السعودي أو القطري أو اليمني بشرط قبض العوضين في المجلس، وكذا بيعه بالجنيه السعودي الذهبي أو الجنيه المصري أو السوداني الورقي، أو بالدرهم المغربي أو بالدينار الكويتي أو الأردني أو بالليرة السورية أو التركية أو بالربية الباكستانية أو نحو هذه العملات النقدية الورقية بشرط التقابض في المجلس ويصح الاحتفاظ به حتى يرتفع سعره ثم يصرف بنقد آخر بعد غلائه أو رخصه كما يصح شراء السلع به دينا كرأس مال في المبايعات من العروض التجارية، والله أعلم.(1/156)