مجموع فتاوى العلامة الالباني
بين يدي مجموع الفتاوى
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(1/1)
الف فتوى للشيخ الالباني رحمه الله تعالى
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران102]
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء1]
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب 70 ،71].
أما بعد :
فهذه مجموع فتاوى العلامة المحدث الفقيه ، محمد ناصر الدين الألباني ، رحمه الله تعالى ، ذلك العالم الذي عاش حياة زاخرة بالعلم و التعليم و الكتابة و التأليف و الشرح و التصنيف و التحقيق فكانت مؤلفاته رحمه الله تعالى لطلاب العلم كالمصابيح تضي لهم(1/2)
الطريق ،ولعمري لقد كانت وفاة هذا العالم على طالب العلم بلية عظيمة ، ولكنه امر الله عز وجل .
ان المطلع الى مكتبة الشيخ الألباني رحمه الله يجد فيها من الفوائد ما تُسرُّ بها القلوب وتَقَرُّ بها العيونُ ، من علوم بثها بين طلبة العلم على مدار السنين ، إلا انك لا تكاد تجد للشيخ رحمه الله مصنفا مستقلا في موضوعه ، حيث ان الشيخ رحمه الله لم يؤلّف مؤلّفا مستقلاً الا في بعض المواضيع ، وإنما كانَ كلامه في أغلب المواضيع متفرقا مبثوثاً في ثنايا كتبه عند تعليقه أو تحقيقه أو شرحه لبعض الكتب أو شرح لبعض الاحاديث كما في السلسلتين الضعيفة والصحيحة ، أو في أشرطته ، فرأيت انه من المفيد لي و لأخواني جمع كلام الشيخ في مصنف واحد ، لعل المطلع عليها يجد فيها بغيته و ضالته ، لاسيما ومفتيه في هذا المصنف رجل جمع بين علمي الدراية و الرواية فهو بحق محدث فقيه كما وصفه بذلك أخوه في الاجتهاد و شقيقه في العلم فضيلة الشيخ (محمد الصالح العثيمين)رحمه الله تعالى ، و اسأل الله لي و لإخواني التوفيق و السداد ، و الهداية و الثبات .
{طريقة جمع مادة الكتاب}
لقد قمت بتقسيم (مجموع فتاوى العلامة الالباني) الى عدة كتب وكل كتاب الى عدة فصول، وكل فصل الى العديد من الابواب ، ثم بعد هذا التقسيم قمت بوضع كل مادة في الباب الذي يناسبه ، وقد وضعت لهذه المادة سؤالا من عندي بما يناسب تلك المادة، ثم اجبت على هذا السؤال من كلام الشيخ ، اما من كتب الشيخ أو أشرطته.(1/3)
{فكان عملي }
1- قمت بوضع سؤال من عندي بما يناسب المادة المأخوذة من كلام الشيخ رحمه الله ، وقد جعلت هذا السؤال كأنه سُئل للشيخ رحمه الله بحيث كانت إجابة الشيخ متناسبة تماما مع السؤال.
2- وضعت هذه المادة في الباب المناسب لها.
3- ذكرت في نهاية المادة مصدرها.
4- لم اقم بأي اضافة للمادة المأخوذة من كلام الشيخ رحمه الله فيما عدا اضافة بعض الكلمات - كلمة أو كلمتان فقط - في بداية المادة لكي نربط الاجابة بالسؤال ، وهذه الاضافة كانت في البعض القليل جدا ، فجل المواد وضعتها كما هي بدون أي اضافة.
5- قمت بحذف الموضيع الحديثية فلم اكتب تخريجات الاحاديث ، كما قمت بحذف بعض الكلمات التى فيها رد على بعض المؤلفين كالرد على السيد سابق مثلا فى كتاب تمام المنة.
أبو سند فتح الله(1/4)
بين يدي مجموع الفتاوى
باب في حياة الألباني رحمه الله تعالى (1)
اسمُهُ ومولِدُهُ ونشأتُهُ:
هُوَ مُحَمَّد نَاصِر الدِّين بن نُوح بن آدم نجاتي الألباني ، وُلِدَ في مَدينة اشقودرة بِشمالِ ألبانيا سَنةَ 1333هـ الموافِقَ سَنةَ 1914م.
وَكانَت أُسرتُهُ فَقيرَةً بَعيدَةً عَن الغِنى ، مُتديِّنةٍ يَغلِبُ عَليها الطَّابعُ العلميُّ ، فَقد تَخرَّجَ والدُهُ الحاج نُوح بن آدم نَجاتي الألباني في المعاهدِ الشرعيةِ في العاصمةِ العُثمانيةِ - الآستانة - قَديماً والتي تُعرفُ اليومَ باستانبول ، ثُمَّ رَجَعَ إلى بِلادِهِ لِخِدمةِ الدِّينِ وَتَعليمِ الناسِ مَا تَعَلَّمهُ وَتَلَقَّاهُ ، حَتَّى أصبحَ مَرجِعاً تَفِدُ عَليهِ الناسُ وتأخُذُ مِنهُ .
وَيُحدِّثنا الشيخُ الألبانيُّ عن مَراحلِ حَياتِهِ وَسيرتِهِ الذاتيَّةِ مُختصِرا لَها فَيَقولُ :
(( وَكذلك في الحَديثِ بُشرى لَنا : آل الوالِدِ، الذي هَاجَرَ بأهلِهِ مِن بَلدَة (اشقودرة ) عَاصمةِ (ألبانيا) يَومَئذٍ فِراراً بالدِّينِ مِن ثَورةِ (احمد زوغو) أزاغَ الله قَلبَهُ، الذي بَدأ يَسيرُ في المسلمينَ الألبانِ مَسيرةَ سَلَفِهِ (أتاتورك) في الأتراكِ ، فَجَنيتُ -بِفضلِ الله وَرَحمتِهِ - بِسَبَبِ هِجرتِهِ هذهِ إلى ( دمشق الشام ) ما لا أستطيعُ أن أقومَ لربي بِواجِبِ شُكرِهِ ، وَلو عِشتُ عُمُرَ نوحٍ عَليهِ الصلاةُ والسلامُ ، فقد تعلَّمتُ فيها اللغةَ العربيةَ السُّوريةَ أولاً ، ثُم اللغةَ العربيةَ الفُصحى ثانياً ، الأمرُ الذي مَكَّنني أن أعرِفَ التوحيدَ الصَّحيحَ الذي يَجهلُهُ أكثرُ العربِ الذين كانوا مِن حَولي - فَضلاً عن أهلي وَقَومي - ؛ إلا قليلاً مِنهم ، ثمَّ وَفَّقني اللهُ - بِفَضلِهِ وَكرمِهِ دُونَ تَوجيهٍ مِن أحَدٍ مِنهم - إلى دِراسةِ الحديثِ والسُّنةِ أصولاً وفِقهاً ، بَعد أن دَرستُ على والدي وَغيرِهِ مِن المشايخِ شَيئاً مِن الفِقهِ الحنفيِّ وَما يُعرف بِعلمِ الآلةِ ، كَالنحوِ والصَّرفِ والبلاغةِ، بَعدَ التخرُّجِ مِن مَدرسةِ (الإسعافِ الخيريِّ) الإبتدائيةِ ، وَبَدأتُ أدعو مَن حَولي مِن إخوتي وأصحابي إلى تَصحيحِ العقيدةِ ، وَتَرك التعصُّبِ المذهبيِّ ، واُحذِّرُهُم مِن الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ ، وأرغِّبُهُم في إحياءِ السُّننِ الصحيحةِ التي أماتَها حتى الخاصةُ منهم ، وكانَ مِن ذلك إقامةُ صلاةِ العيدينِ في المصلَّى في دمشق ، ثمَّ أحياها إخواننا في حَلب ، ثُم في بِلادٍ أخرى في سوريا ، واستمرَّت هذهِ السُّنَّةُ تَنتَشِرُ حَتى أحياها بَعضُ إخوانِنا
__________
(1) هذا الباب من رسالة الأخ احمد صالح حسين الجبوري والتي بعنوان جهود الشيخ الألباني في بيان عقيدة السلف في الإيمان بالله(1/5)
في (عَمَّان/الأردن) ، كَما حَذَّرتُ النَّاسَ مِن بِناءِ المساجِدِ على القُبُورِ والصَّلاةِ ، والَّفتُ في ذلكَ كِتابي ( تحذيرُ الساجِدِ من اتِّخاذِ القُبورِ مَساجِدَ )، وَفاجأتُ قَومي وَبَنِي وَطَني الجديد بِما لَم يَسمَعوا مِن قَبلُ ، وَتَركتُ الصَّلاةَ في المسجِدِ الأمويِّ ، في الوقتِ الذي كَانَ يَقصِدُهُ بَعضُ أقاربي ؛ لانَّ قَبرَ يَحيى فيهِ كَما يَزعُمونَ، وَلَقيتُ في سَبيلِ ذلك - مِن الأقارِبِ والاباعِدِ - ما يَلقاهُ كُلُّ دَاعيةٍ للحقِّ لا تأخذُهُ في الله لَومَةُ لائِمٍ ، والَّفتُ بَعضَ الرسائلِ في بَعضِ المتعصِّبينَ الجَهلَةِ ، وسُجِنتُ مَرَّتينِ بِسَبَبِ وِشاياتِهِم إلى الحكَّام الوَطَنيين والبَعثيين ، وَبتصريحي لِبَعضِهِم حِينَ سُئِلتُ : لا أؤيد الحُكمَ القائِمَ ؛ لأنَّه مُخالفٌ للإسلامِ ، وَكانَ ذلكَ خَيرا لي وَسَبباً لانتشارِ دَعوَتي.
وَلَقد يَسَّرَ الله لي الخروجَ للدعوةِ إلى التوحيدِ والسُّنة إلى كَثيرٍ من البلادِ السوريَّةِ والعَرَبيةِ ، ثُم إلى بَعضِ البِلادِ الأوربيةِ ، مَعَ التَّركيزِ على انَّهُ لا نَجاةَ للمُسلمينَ مما أصابَهُم من الاستعمارِ والذُّلِّ والهَوانِ ولا فائِدَةَ للتَّكتُّلاتِ الإسلاميةِ ، والأحزابِ السياسيةِ إلا بالتزامِ السُّنةِ الصَّحيحةِ مَنهجِ السَّلفِ الصَّالِحِ - رضي الله عنهم - ؛ وَلَيسَ على ما عَليهِ الخَلَفُ اليومَ - عَقيدةً وَفِقهاً وَسُلوكاً -؛ فَنَفَعَ اللهُ مَا شاءَ وَمَن شاءَ مِن عِبادِهِ الصَّالِحينَ وَظهرَ ذلك جَليَّاً في عَقيدتِهِم وَعِبادَتهِم، وفي بِنائِهِم لِمَساجِدِهِم ، وفي هَيئاتِهِم وَألبستِهِم ، مما يَشهَدُ بِهِ كُلُّ عالمٍ مُنصِف ٍ، ولا يَجحَدُهُ إلا كَلُّ حاقدٍ أو مُخَرِّفٍ ، مِمَّا أرجو أن يَغفِرَ الله لي بِذلكَ ذُنوبي ، وأن يَكتُبَ أجرَ ذَلك لأبي وأمي ، والحَمدُ لله الذي بِنِعمَتِهِ تَتِمُّ الصَّالِحَاتُ )).
بِدايةُ طلبِهِ للعلمِ :
(( بَدأ الغُلامُ المُهاجِرُ مِن البانية دِراسَتَهُ في الشامِ ، وأول ما بَدأ بِدُخُولِ مَدرسةِ الإسعافِ الخيريَّةِ الابتدائيةِ بِدِمشق ، وَكانَ مَقرُّها بِجِوارِ البناءِ الأثريِّ بِقصرِ العظم في حيِّ البزوريَّةِ ، واستمرَّ على ذلكَ حَتَّى أشرفَ على نِهايَةِ المرحَلةِ الابتدائيةِ، وفي هذهِ الأثناءِ هَبَّت أعاصيرُ الثَّورة السُّوريَّةِ بالفَرنسيينَ الغُزاةِ ، وأصابَ المدرَسَةَ حَريقٌ أتى عَلَيها ، فانتقلوا عَنها إلى مَدرَسةٍ أخرى بِسوقِ ساروجه وَهُناكَ أنهى الشيخُ دِراسَتَهُ الأولى .
وَنَظراً لِسُوءِ رأيِ والدِهِ في المدارِسِ النِّظاميَّةِ مِن النَّاحيةِ الدِّينيَّةِ ، فَقَدْ قَرَّرَ عَدمَ إكمالِ دِراستِهِ ، وَوَضَعَ لهُ بَرنامجاً عِلميَّاً مُركزاً قَامَ مِن خِلالِهِ بِتَعليمِهِ القرآنَ والتجويدَ والصرفَ وَفِقهَ مَذهبِهِ الحنفيِّ .
كَما انَّهُ تَلقَّى بَعضَ العُلومِ الدينيَّةِ والعربيَّةِ عَلى بَعضِ الشيوخِ مِن أصدقاءِ والدِهِ مِثل الشيخِ سَعيدِ البُرهانيِّ إذْ قَرأَ عَليهِ كِتابَ (مراقي الفلاح) وَبَعضَ الكُتُبِ الحديثيَّةِ في عُلومِ البَلاغةِ.
أخَذَ الشيخُ إجازةً في الحديثِ مِن الشيخِ راغبِ الطباخِ ، عَلَّامَة حَلب في زَمانِهِ، وَذلك إثرَ مُقابلةٍ لَهُ بِواسطةِ الأستاذِ مُحمَّد المُباركِ الذي ذَكَرَ للشيخِ الطبَّاخِ مَا يعرِفُهُ مِن إقبالِ الفتى عَلى عُلومِ الحديثِ وَتَفوُّقِهِ فِيها ، فَلَمَّا استوثَقَ مِن ذلك خصَّهُ بإجازتِهِ تَقديراً واعترافاً )).(1/6)
تَوجُّههُ إلى علمِ الحديثِ واهتمامُهُ بِهِ :
تَوجَّه الفتى إلى عِلمِ الحديثِ في نَحوِ العشرينَ مِن عُمُرِهِ ، حَيثَ انَّه تأثَّرَ بِمَجلَّة المنارِ التي كَانَ يُصدِرها الشيخُ مُحمَّد رَشيد رضا -رحمه الله- .
وَقد لاحَظَ ذَاتَ يَومٍ وَهُوَ يَتَجوَّلُ في المكتباتِ جُزءا مِن مَجلَّةِ المنارِ فاطَّلعَ فِيهِ على بَحثٍ بِقلمِ السيِّدِ مُحمَّد رَشيد رضا يَصِفُ فِيهِ كِتابَ الإحياءِ للغزاليِّ ، وَيُشيرُ إلى مَحاسِنِهِ وَمآخِذِهِ ، فَدَفَعَهُ ذلك النقدُ العلميُّ إلى مُطالَعَةِ الجزءِ كُلِّهِ ، فَاستهواهُ ذلك التخريجُ الدَّقيقُ حَتى صَمَّمَ على نَسْخِهِ .
وَقَد ذَكرَ الشيخُ المجذوبُ أنَّه اطَّلعَ على ذلك النَّسخِ فإذا هُوَ في أربعةِ أجزاء، في ثَلاثِ مُجلَّداتٍ ، تبلُغ صَفَحاتُها ألفينِ واثنتي عَشرَةَ في نوعينِ مُختلفينِ مِن الخطِّ ، أحدهما عاديٌّ والثاني دَقيقٌ عَلَّقَ بِهِ في الهوامِشِ تَفسيراً واستدراكاً ، مَعَ أن الشَّيخَ في ذلكَ الوقتِ لَم يَكُن قَد تجاوزَ العشرينَ من العُمرِ .
وَمُنذُ ذلك الحينِ والشيخُ مُولَعٌ في عِلمِ الحديثِ ، فَقَد ازداد إقبالا عَلى عِلمِ الحديثِ وَدراسةِ السَّندِ بِشغَفٍ شَديدٍ ، وَكان والِدُهُ -رحمه الله- يُحذِّرُهُ قائلاً : ((عِلمُ الحديثِ صَنعةُ المفاليسِ )) ، وَرغمَ هذا فَقد ازدادَ حُبُّ الفتى لحديثِ رسولِ الله -صلى اله عليه وسلمَ- وتمييزِ صَحيحهِ مِن ضَعيفهِ.
صِفاتُه وأخلاقُه :
ومِنها تَواضُعُهُ وَرُجوعُهُ إلى الحقِّ وَهذه أخلاقُ العُلماءِ العامِلينَ ، وأهلِ الحقِّ المخلِصينَ ، فانَّ الحقَّ غايتُهُم وهُم مَعَهُ حيثُما حَلَّ وارتحلَ ، لا يُبالون بِما قَد يُقالُ عَنهُم إذا رَجَعوا عَن بَعضِ أقوالِهِم وَفتاويهِم إذا تبيَّنَ لَهُم الصوابُ في خِلافِها ، وَقَد كَانَ الشيخُ على جانِبٍ كَبيرٍ مِن ذلكَ ، وَقَد وَقَفْتُ لَهُ على كَلِمَةٍ لو كُتِبَت بِمَاءِ الذهب لما وَفَى ذلكَ حَقَّها وهيَ قَولُهُ :
(( إنَّ العِلمَ لا يَقبَل الجُمودَ ، أُكرِّرُ ذلكَ في مَجَالِسي ومُحاضراتي ، وفي تَضاعِيفِ بَعضِ مؤلَّفاتي ، وَذلكَ مِمَّا يُوجِبُ على المسلمِ أن يَتَراجَعَ عَن خَطئِهِ عِند ظُهورِهِ وان لا يَجمَدَ عَليهِ...مِن أجلِ ذلك فانَّه لا يَصعُبُ عليَّ أن أتراجَعَ عن الخطأ إذا تبيَّنَ لي)).
ومِن الأمثلةِ على رُجُوعِهِ إلى الحقِّ ما ذَكَرَهُ في كِتابِهِ صِفةِ الصلاةِ انَّه رَجَعَ عَن أربَعَةِ مَسائِلَ انتَقَدَهُ عَليها الشيخُ حُمود التويجري، وَهي :
1)- تَفسيرُ المأثمِ والمغرمِ في دُعاءِ التشهُدِ.
2)- قَولُه عن الصَّلاةِ أنَّها أعظَمُ رُكنٍ مِن أركانِ الإسلامِ.
3)- تَفسيرُ جُملَةِ ( والشرُّ لَيسَ إليكَ ) في دُعاء ِالتوجُّهِ.
4)- تَصحيحُ ما جاءَ في نَقلِهِ عَن البدائِعِ تَعليقاً على رَفعِ اليدينِ في السُّجودِ بلفظ: ابن الأثرمِ، والصوابُ: الأثرمُ.
وَقَد وَقَفْتُ عَلى كِتابٍ جَمَعَ فِيهِ مؤلِّفُهُ محمَّد حَسَن الشيخ الأحاديثَ التي رَجَعَ عَنها الألبانيُّ تَصحيحاً وَتضعيفاً وَهو في مُجلَّدينِ.(1/7)
شُيوخُهُ :
تَتَلمذَ الشيخُ الألبانيُّ عَلى شُيوخ عِدَّة وهُم :
1)- والدُهُ : فَقد دَرسَ عَليهِ شيئاً مِن الفِقهِ الحَنفيِّ وما يُعرف بِعلمِ الآلةِ ، كالنحوِ والصَّرفِ والبَلاغةِ.
2)- الشيخ سَعيدُ البُرهاني : قَرأ عليهِ كِتابَ (مَراقي الفلاحِ) وَبَعض الكُتُبِ الحديثَةِ في عُلومِ البلاغَةِ.
3)- راغِبُ الطبَّاخِ : علَّامَةُ حَلب في زَمانِهِ ، وَقد أخَذَ عَنهُ الإجازةَ في الحَديثِ.
تلاميذُهُ :
للشيخِ -رحمهُ الله- تَلاميذُ كُثر، يَصعُبُ حَصرُهُم وَعَدُّهُم ، خاصَّةً وأنَّه دَرَّس في الجامعةِ الإسلاميَّةِ ثَلاثَ سنين ، وَمِنهم على سَبيلِ التَّمثيلِ لا الحَصرِ:
1)- ربيع بن هادي عُمير المدخلي ، حامل لواء الجرحِ والتعديلِ ، صاحبُ المنهجِ الثابت - حفظه الله - .
2)- مُقبل بن هادي الوادعي ، الشيخُ الإمامُ ، محدِّثُ الديارِ اليمنيَّةِ -رحمه الله-.
3)- حمدي عبد المجيد السلفي ، المحقِّق المعروف.
4)- عبد المحسن العَبَّاد ، الشيخُ المعروف ، نزيلُ المدينةِ النبويَّةِ.
5- الشيخ محمَّد عيد العباسي ، لازَمَ الشيخَ في دمشق.
6)- الدكتور عُمر سليمان الأشقر ، أستاذ بكليةِ الشريعةِ -جامعةِ الكويت.
7)- خيرُ الدين وانلي.
8)- محمد إبراهيم شَقْرة ، مقيم في عمان.
9- عبد الرحمن عبد الصمد ، لازمهُ في حلب وحماه .
10)- زهير الشاويش ، صاحبُ المكتبِ الإسلامي .
11)- علي خشَّان ، لازمهُ في دمشق.
12)- محمد جميل زينو ، مدرسٌ بدارِ الحديثِ الخيريةِ بمكة المكرمة.
13)- مصطفى الزربول ، يعملُ في وزارةِ الأوقافِ الكويتية.
14)- إحسان إلهي ظهير ، دَرَسَ عليه في الجامعةِ الإسلامية.
15)- أحمد السيد الخشاب ، دَرَسَ عليهِ في عَمَّان.
16)- محمد مهدي الإستانبولي ، جالسَ الشيخ في دمشق.
17)- عزت خضر ، جالس الشيخ في عمَّان ومن المقربين إليه.
18)- محمد إبراهيم الشيباني ، جالس الشيخَ وسافَرَ معهُ كثيرا.(1/8)
19)- محفوظ الرحمن زين الله .
20)- علي الحلبي ، دَرَسَ على الشيخ في عمَّان.
21)- مشهور حسن سلمان ، دَرَسَ على الشيخ في عمَّان.
22)- محمد موسى آل نصر ، دَرَسَ على الشيخ في عمَّان.
23)- صالح طه ( أبو إسلام ) ، دَرَسَ على الشيخ في عمَّان.
24)- سليمُ الهلالي ، دَرَسَ على الشيخ في عمَّان.
25)- حسين بن عودة العوايشة ، دَرَسَ على الشيخ في عمَّان.
وغيرُهُم كَثيرٌ .
نشاطُهُ في الدعوةِ إلى الله :
لَقَد كَانَ لِحديثِ رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم- الأثرُ الكبيرُ في تَوجيهِ الشَّيخِ الألبانيِّ عِلماً وَعَملاً ، فَتَوجَّهَ نَحوَ المنهجِ الصحيحِ ، وَهو التَّلقي عَن الله ورسولِهِ فَقط، مُستعيناً بِفَهمِ ألائمةِ الأعلامِ مِن السَّلفِ الصالِحِ دُونَ تَعَصُّبٍ لأحدٍ مِنهُم أو عَلَيهِ.
ومِن هذا المنطَلَقِ تَبدأ مَرحَلةُ النَّشاطِ الدَّؤوبِ في عَمَلِ الشيخِ في الدعوةِ إلى الله تعالى ، فَقَد بَدأت المناقشاتُ بَينَ الشيخِ وَغَيرِهِ مِن المشايخِ وأئمةِ المساجِدِ ، ولَقِيَ المُعارَضَةَ الشَّديدةَ مِن كَثيرٍ مِن المشايِخِ المذهبيينَ المتعصبينَ ، وَمشايِخ الصُّوفيَّةِ ، والخُرافيينَ المُبتدعينَ ، ويُشيِّعونَ عليهِ بأنَّهُ (وهَّابيٌّ ضالٌّ) وَيُحذِّرونَ مِنهُ الناسَ، في الوقتِ الذي وافَقَهُ على دَعوتِهِ بَعضُ أفاضلِ العُلماءِ المعروفينَ في دِمشق ، وَحَضُّوهُ على الاستمرارِ قُدُماً ، مِنهُم العلَّامةُ بَهجت البَيطار ، والشيخُ عبدُ الفتَّاح الإمام ، والشيخ حَامِد التَّقيِّ ، والشيخ تَوفيقُ البزرة رحمهمُ الله تعالى وغيرِهم مِن أهلِ الفضلِ.
وَقَد حَمَلَ الشيخُ رايةَ التوحيدِ والسُّنةِ ، وزارَ كثيرينَ مِن مشايِخ دِمشق ، وَجَرَت بَينَهُ وبينَهُم مُناقشاتٌ حَولَ مَسائلِ التوحيدِ والتَّعصُّبِ للمذاهِبِ والبِدَعِ ، وكانَ مِن آثارِ دَعوَتِهِ أن وَضَعَ مَعَ أصحابِهِ بَرنامَجاً لِزِيارَةِ بَعضِ المَناطِقِ في البِلادِ مَا بَينَ حَلب واللاذِقيَّةِ كإدلب وسلمية وحِمص وحماة ثُمَّ الرقّة ، وَقدْ لَقِيَت هذهِ الرحلاتُ نَجاحاً مَلمُوساً ، إذ جَمَعت العَديدَ مِن الرَّاغِبينَ في عُلُومِ الحديثِ على نَدواتٍ شِبهِ دوريَّةٍ ، يَقرأُ فِيها مِن كُتُبِ السُّنةِ ، وتَتَوَارَدُ الأسئلةُ ، ويَثُورَ النِّقاشُ المُفيدُ ، وَقَد خَرَجَ للدَّعوَةِ إلى كثيرٍ مِن البِلادِ العربيةِ والبِلادِ الأجنبيةِ في أورُبَّا وَغَيرِها .
دروسُهُ ومجالسُهُ العلميَّة :
كَانَ للشيخِ الألبانيِّ بَرنامجٌ أُسبوعيٌّ يَعقِدُهُ وَيَحضُرُهُ طَلَبةُ العِلمِ وَبَعض أساتِذَةِ الجامِعاتِ ، وَمِن الكُتُبِ التي كانَ يَدَرِّسُها في هذهِ المجالسِ :
1)- الروضةُ النَّديَّةُ _ لصِدِّيق حسن خان.(1/9)
2)- مِنهاجُ الإسلامِ في الحُكْمِ _ لمحمد أسد.
3)- أصولُ الفِقهِ _ لعبد الوهاب خلاف.
4)- مُصطلحُ التاريخِ _ لأسد رستم.
5)- فِقهُ السُّنةِ _ لسيد سابق.
6)- التَّرغيبُ والترهيبُ _ للمنذريِّ.
7)- فَتحُ المجيدِ شرحُ كتابِ التوحيدِ _ لعبد الرحمن بن حسن.
8)- الباعثُ الحثيثُ _ لأحمد شاكر.
9)- رياضُ الصالحينَ _ للنوويِّ.
10)- الإلمامُ في أحاديثِ الأحكامِ _ لابن دقيق العيد.
11)- الأدبُ المفردُ _ للإمامِ البخاريِّ.
12)- اقتضاءُ الصراطِ المستقيمِ _ لشيخِ الإسلامِ ابن تيميَّة.
وأمَّا طَريقةُ تَدريسِهِ فَقَد قَالَ احدُ تلاميذِهِ وهو الأستاذُ محمد عيد عباسي : وكانَ استاذُنا - يعني الألباني - يَشرَحُ البُحوثَ شَرحاً علميَّاً مُحقَّقاً يكادُ لا يَتركُ مَسألةً صَغيرةً ولا كَبيرةً إلا يُجَلِّيها وَيوضِّحُ غامِضَها ، وَيُعلِّقُ على ما يَقرأ مُوافِقاً أو مُختَلِفاً، وهُوَ في جَميعِ ذلكَ يَستَنِدُ إلى أقوى الحُجَجِ وأثبتِ البَراهينِ .
تدريسُه بالجامعةِ الإسلاميةِ بالمدينةِ النبويَّةِ :
وَبَعدَ أن ذاعَ صِيتُ الشيخِ وانتَشَرت مؤلفاتُهُ النَّافِعةُ في أرجاءِ العالمِ الإسلاميِّ وأقبلََ عَليها أهلُ العلم وَطلابُهُ يَنهَلونَ مِنها وَيَنتفعونَ بِها ، ممَِّا دَفَعَ المشرفينَ على الجامعةِ الإسلاميةِ بالمدينةِ النبويةِ وعلى رأسِهم الشيخُ العلَّامةُ الإمامُ مُحمَّد بن إبراهيم آل الشيخ رئيسُ الجامِعةِ الإسلاميةِ والمفتي العامِّ للمملكةِ العربيةِ السُّعوديةِ آنذاكَ على أن يَقَعَ اختيارُهم على الشيخِ الألبانيِّ ليتولَّى تَدريسَ الحديثِ وعُلومِهِ وفِقهِهِ في الجامعةِ.
وَبَقِيَ فيها ثلاثَ سَنواتٍ أستاذاً للحَدِيثِ وَعُلُومِهِ ، وذلك من عامِ 1381هـ إلى أواخرِ عام 1383هـ ، وَكانت عَلاقَةُ الشيخِ بالطُّلابِ عَلاقةَ الزَّميلِ بالزَّميلِ، والصَّديق بالصَّديقِ ، فَقَد رَفعَ الكُلفةَ بَينَهُ وَبَينهُم، فَحَلَّ مكانَها الثِّقةُ والأخوَّةُ .
وكانَ إذا دَخَلَ الجامِعةَ في الصَّباحِ لا تَكادُ تَرَى السيَّارةَ مِن كَثرَةِ الطُّلابِ المُلتفِّينَ حَولها يُسلِّمونَ على الشيخِ وَيَسألونَهُ وَيَستَفيدونَ مِنهُ.
وَمِن آثارِ الشيخِ على الجامِعةِ الإسلاميةِ وَضعهُ في مَنهجِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِِ الحديثِ الَّذي يُدرَّسُ في الجامعةِ دَرسَ (عِلمِ الإسنادِ) ، فَكانَ الشيخُ يَختارُ مِن صَحيحِ مُسلم حَديثاً للسَنَةِ الثالِثةِ ، وآخرَ للسنةِ الثانِيةِ مِن سُنَنِ أبي داودَ ، فَيُسَجِّلهُ على السُّبُّورةِ بالسَّنَدِ ويأتي إلى كُتُبِ الرِّجالِ كالخُلاصةِ والتَقريبِ ،فَيَعمَل لَهُما دِراسةً حَديثيَّةً(1/10)
عَمليَّةً في كَيفيَّةِ تَخريجِ الحديثِ وَكيفيَّةِ نَقدِهِ مِن رِجالِهِ ، فَكَان يُعطي الطُّلابَ هذه الدُّروسَ العمليَّةَ مِن الكُتُبِ .
صبرُهُ على العِلمِ والتأليفِ وشِدَّةُ تحمُّلِهِ :
يُحدِّثُنا احَدُ تَلاميذِهِ وهو مُحمَّد عِيد العباسي قائلاً :
(( فَقَد كَانَ يُنفِقُ الساعاتِ الطِّوالِ التي تَنُوفُ على العشرِ ساعاتٍ يوميَّاً في مُطالعةِ الكُتُبِ والرسائِلِ المطبوعَةِ والمخطوطَةِ في المكتبةِ الظاهريَّةِ وَغَيرِها ، وَنَسْخِ ما يَحتاجُهُ مِنها ، وكانَ يأتي إلى ظاهريَّةِ دِمشق مُنذُ أن تُفتحُ أبوابُها ، وَيَستمر حَتى نِهايةِ الدوامِ المسائيِّ )) .
وَمِن الأمثلةِ على شدَّةِ صبرِهِ وتحمُّلِهِ قولُهُ - رحمَهُ الله - :
(( لَقد جَوَّعْتُ نَفسي في أواخِرِ سنةِ 1379هـ أربعينَ يَوماً مُتتابِعاً لَم أذُق في أثنائِها طَعاماً قَطُّ ، وَلم يَدخُل في جَوفي إلا الماءَ ، وَذلك طَلَباً للشِّفاءِ مِن بَعضِ الأدواءِ؛ فَعُوفِيتُ مِن بَعضِها دُونَ بَعضٍ )) .
وفاتُهُ :
وفي يومِ السَّبتِ الثاني والعشرينَ من جمادى الآخرةِ سنةَ 1420 هـ الموافقَ للثاني من تشرين الأول سنةَ 1999م، وبعدَ العصرِ انتقَلَ الشيخُ الألبانيُّ إلى جوارِ ربِّهِ ، فهزَّ نبأُ وفاتِهِ العالَمَ الإسلاميَّ بأسرِهِ ، وحَزنَ عليهِ أهلُ العِلمِ وطلَّابُهُ ، فرحِمَهُ الله رحمةً واسِعَةً وجزاهُ عن الإسلامِ والمسلمينَ خيراً .
وصية العلامة الألباني لعموم المسلمين :
"إن الحمد لله نحمده ونستعينه و نستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا و من سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له و من يضلل فلا هادي له، و أشهد أن لا إله إلا الله و أن محمداً عبده و رسوله .. وبعد
فوصيتي لكل مسلم على وجه الأرض و بخاصة إخواننا الذين يشاركوننا في الإنتماء إلى الدعوة المباركة دعوة الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح.
أوصيهم و نفسي بتقوى الله تبارك و تعالى أولاً، ثم بالإستزادة بالعلم النافع، كما قال تعالى ( واتقوا الله و يعلمكم الله ) و أن يعرفوا عملهم الصالح الذي هو عندنا جميعاً لا يخرج عن كونه كتاب و سنة، و على منهج السلف الصالح، و أن يقرنوا مع عملهم هذا و الاستزادة منه ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا العمل بهذا العلم، حتى لا يكون حجة عليهم، وإنما يكون حجة لهم يوم لا ينفع مال و لا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، ثم أحذرهم من مشاركة الكثير ممن خرجوا عن المنهج السلفي بأمور كثيرة.. و كثيرة جداً، يجمعها كلمة "الخروج" على المسلمين و على جماعتهم، و إنما نأمرهم يكونوا كما قال - عليه الصلاة و السلام - في(1/11)
الحديث الصحيح:" وكونوا عباد الله إخواناً كما أمركم الله تبارك و تعالى" و علينا - كما قلت في سابقة وأعيد ذلك مرة أخرى- و في الإعادة إفادة، و علينا أن نترفق دعوتنا المخالفين إليها، و أن تكون من قوله تبارك و تعالى دائما و أبداً: ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن) و أول من يستحق أن نستعمل معه هذه الحكمة هو من كان أشد خصومة لنا في مبدئنا و في عقيدتنا، حتى لا نجمع بين ثقل دعوة الحق التي امتن الله عز و جل بها علينا و بين ثقل أسلوب الدعوة إلى الله عز و جل، فأرجو من إخواننا جميعاً في كل بلاد الإسلام أن يتأدبوا بهذه الآداب الإسلامية، ثم أن يبتغوا من وراء ذلك وجه الله عز و جل، لا يريدون جزاءً و لا شكورا"ً.
آخر وصية للعلامة المحدث :
"أوصي زوجتي و أولادي و أصدقائي وكل محب لي إذا بلغه وفاتي أن يدعو لي بالمغفرة و الرحمة - أولاً- وألا يبكون علي نياحة أو بصوت مرتفع.
وثانياً: أن يعجلوا بدفني، و لا يخبروا من أقاربي و إخواني إلا بقدر ما يحصل بهم واجب تجهيزي، وأن يتولى غسلي (عزت خضر أبو عبد الله) جاري و صديقي المخلص، ومن يختاره - هو- لإعانته على ذلك.
وثالثاً: أختار الدفن في أقرب مكان، لكي لا يضطر من يحمل جنازتي إلى وضعها في السيارة، و بالتالي يركب المشيعون سياراتهم، وأن يكون القبر في مقبره قديمة يغلب على الظن أنها سوف لا تنبش...
و على من كان في البلد الذي أموت فيه ألا يخبروا من كان خارجها من أولادي - فضلاً عن غيرهم- إلا بعد تشييعي، حتى لا تتغلب العواطف، و تعمل عملها، فيكون ذلك سبباً لتأخير جنازتي.
سائلاً المولى أن ألقاه و قد غفر لي ذنوبي ما قدمت و ما أخرت..
وأوصي بمكتبتي- كلها- سواء ما كان منها مطبوعاً، أو تصويراً، أو مخطوطاً- بخطي أو بخط غيري- لمكتبة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة، لأن لي فيها ذكريات حسنة في الدعوة للكتاب و السنة، و على منهج السلف الصالح -يوم كنت مدرساً فيها-.
راجياً من الله تعالى أن ينفع بها روادها، كما نفع بصاحبها يومئذ طلابها، وأن ينفعني بهم و بإخلاصهم و دعواتهم.
رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي و على والدي و أن أعمل صالحاً ترضاه و أصلح لي في ذريتي إني تبت إليك و إني من المسلمين 27 جمادى الأول 1410 هـ "(1/12)
كتبُهُ ومؤلفاتُهُ :
للشيخِ - رحمه الله - العَديدُ مِن المؤلفاتِ والتَّحقيقاتِ والتَّخريجاتِ ، مِنها ما هو مَطبوعٌ مُتداولٌ ، وَمِنها مَا هو مخطوطٌ ، وهي :
1)- آداب الزفاف في السنة المطهرة - مطبوع - تأليف .
2)- الأجوبة النافعة عن أسئلة مسجد الجامعة - مطبوع - تأليف .
3)- الأحاديث الضعيفة والموضوعة التي ضعفها أو أشار إليها ابن تيمية في مجموع الفتاوى - تأليف - مخطوط .
(4- الأحاديث الضعيفة والموضوعة في أمهات الكتب الفقهية - تأليف - مخطوط .
5)- الأحاديث المختارة للضياء المقدسي - تحقيق وتخريج - لم يتمه - مخطوط .
6)- أحاديث الإسراء والمعراج - تأليف - مطبوع .
7)- أحاديث البيوع وآثاره ( خاص بموسوعة الفقه الإسلامي بكلية الشريعة بدمشق ) - تأليف - مخطوط 8)- أحاديث التحري والبناء على اليقين في الصلاة - تأليف - مخطوط .
9)- الاحتجاج بالقدر لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله - تحقيق وتخريج - مطبوع .
10)- الأحكام الصغرى لعبد الحق الإشبيلي - تحقيق وتخريج - مخطوط .
11)- الأحكام الوسطى لعبد الحق الإشبيلي - تحقيق وتخريج - مخطوط .
12)- أحكام الجنائز وبدعها - مطبوع - تأليف .
13)- أحكام الركاز - مخطوط - تأليف .
14)- الأذكار للنووي - تعليق وتخريج - مخطوط .
15)- إرشاد النقاد في تيسير الاجتهاد - للصنعاني - تخريج وتعليق - مخطوط .
16)- إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل - مطبوع - تأليف .
17)- إزالة الدهش والوله ، عن المتحير في صحة حديث " زمزم لما شرب له " - تخريج الشيخ ناصر ، وتحقيق الشيخ زهير - مطبوع .
18)- إزالة الشكوك عن حديث البروك ( في مسألة البروك في السجود ، أجاب فيها عن استدلال ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد) - مخطوط - تأليف .
19)- الأسئلة والأجوبة - تأليف - مخطوط .
20)- أسباب الاختلاف ، للحميدي - تحقيق - مخطوط .
21)- أسماء الكتب المنسوخة من المكتبة الظاهرية - إعداد - مخطوط .(1/13)
22)- إصلاح المساجد عن البدع والعوائد لجمال الدين القاسمي رحمة الله - تحقيق - مطبوع .
23)- أصول السنة واعتقاد الدين - للحميدي - تحقيق - مخطوط .
24)- إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان - لابن القيم - تخريج - مخطوط .
25)- اقتضاء العلم العمل للخطيب البغدادي - تحقيق وتخريج - مطبوع .
26)- الإكمال في أسماء الرجال - التبريزي - تحقيق .
27)- الأمثال النبوية - تأليف - مخطوط .
28)- الآيات البينات في عدم سماع الأموات على مذهب الحنفية السادات لنعمان الآلوسي - تحقيق وتعليق - مطبوع .
29)- الآيات والأحاديث في ذم البدع - تأليف - مخطوط .
30)- الإيمان لشيخ الإسلام ابن تيمية - تحقيق وتخريج - مطبوع
31)- مناظرة مع عبد الله الحبشي بمشاركة الأستاذ عبد الرحمن الباني وزهير الشاويش - مخطوط .
32)- الإيمان لأبي عبيد القاسم بن سلام - تحقيق - مطبوع .
33)- الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث لابن كثير - لأحمد شاكر - تعليق - مطبوع في مجلدين بتحقيق علي الحلبي مع إثبات تعليقات الشيخ .
34)- بداية السول في تفضيل الرسول للعز عبد السلام - تحقيق - مطبوع .
35)- بغية الحازم في فهرسة مستدرك الحاكم - تحت الطبع - تأليف
36)- بين يدي التلاوة - تأليف - مخطوط .
37)- تاريخ دمشق ، لأبي زرعة - رواية أبي ميمون - تحقيق وتعليق - مخطوط .
38)- تأسيس الأحكام شرح بلوغ المرام ، للشيخ أحمد بن يحيى النجمي - تعليق - طبع الجزء الأول .
39)- تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد - مطبوع - تأليف .
40)- تحريم آلات الطرب - تأليف - مطبوع .
41)- تحقيق معنى السنة ، لسليمان الندوي - تخريج .
42)- تخريج أحاديث مشكلة الفقر للقرضاوي - تأليف - مطبوع .
43)- تخريج حديث أبي سعيد الخدري في سجود السهو - تأليف - مخطوط .
44)- ترجمة الصحابي أبي الغادية،ودراسة مرويات قتله عمار بن ياسر - تأليف - مخطوط .
45)- تصحيح حديث إفطار الصائم قبل سفره بعد الفجر - مطبوع - تأليف .
46)- التعقيب المبعوث على رسالة السيوطي الطرثوث - تأليف - مخطوط .(1/14)
47)- التعقيب على كتاب الحجاب للمودودي - مطبوع - تأليف .
48)- التعليق الرغيب على الترغيب والترهيب للحافظ المنذري - مخطوط - تأليف .
49)- التعليق على رسالة كلمة سواء - ... تعليق ورد - مخطوط .
50)- التعليق على سنن ابن ماجه - تخريج - مخطوط .
51)- التعليق على كتاب سبل السلام للصنعاني - الجزء الأول منه - مخطوط .
52)- التعليق الممجد على موطأ الإمام محمد - للكنوي - تعليق وتحقيق - مخطوط .
53)- التعليقات الجياد على زاد المعاد لابن القيم رحمة الله - لم يتم - تأليف .
54)- التعليقات الحسان على الإحسان - تأليف - مخطوط .
55)- التعليقات الرضية على الروضة الندية ضمن في تحقيق علي الحلبي على الندية - تأليف - مطبوع
56)- تلخيص أحكام الجنائز - مطبوع - تأليف .
57)- تلخيص حجاب المرأة المسلمة _ تأليف - مخطوط .
58)- تلخيص صفة النبي صلى الله عليه وسلم - مطبوع - تأليف .
59)- تمام المنة في التعليق على كتاب فقه السنة لسيد سابق - مطبوع - تأليف .
60)- تمام تمام المنة في التعليق على السنة - تأليف .
61)- التمهيد لفرض رمضان - تأليف - مخطوط .
62)- التنكيل بما في تأنيب الكوثري من الأباطيل للعلامة المحقق عبد الرحمن بن المعلمي اليماني - في مجلدين - مطبوع .
63)- تهذيب صحيح الجامع وزيارتة والإستدراك عليه - تأليف - مخطوط .
64)- التوحيد ، محمد أحمد العدوي - تخريج وتعليق - مخطوط .
65)- التوسل : أنواعه وأحكامه - مطبوع - تأليف .
66)- تيسير انتفاع الخلان بترتيب ثقات ابن حيان .
67)- الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب - لم يتم - ولم يطبع - تأليف .
68)- الجمع بين ميزان الاعتدال للذهبي ولسان الميزان لابن حجر - مخطوط .
69)- جواب حول الأذان وسنة الجمعة - تأليف - مخطوط .
70)- حجاب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - مطبوع وطبع بعد ذلك باسم جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة - تأليف .
71)- حجاب المرأة ولباسها في الصلاة لابن تيمية - تحقيق - مطبوع .(1/15)
72)- حجة النبي صلى الله عليه وسلم كما رواها جابر رضي الله عنه - مطبوع - تأليف .
73)- حجة الوداع ( أصل الكتاب السابق ) - مخطوط - تأليف .
74)- الحديث النبوي لمحمد الصباغ - تخريج .
75)- الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام - مطبوع - تأليف .
76)- حقوق النساء في الإسلام لحرم محمد رضا - تخريج - مطبوع .
77)- حقيقة الصيام لشيخ الإسلام ابن تيمية - تحقيق وتخريج - مطبوع .
78)- حكم تارك الصلاة - تأليف .
79)- الحوض المورود في زوائد منتقى ابن الجارود - وهو في زوائده على الصحيحين - مخطوط - تأليف
80)- خطبة الحاجة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه - مطبوع - تأليف .
81)- الدعوة السلفية أهدافها وموقفها من المخالفين لها - تأليف - مخطوط .
82)- دفاع عن الحديث النبوي والسيرة والرد على جهالات الدكتور البوطي في فقه السيرة - مطبوع - تأليف .
83)- ديوان الضعفاء والمتروكين - للذهبي - تحقيق وتعليق - محطوط .
84الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد - مطبوع - تأليف .
85)- رجال الجرح والتعديل لابن أبي حاتم - إعداد - مخطوط .
86)- الرد على ابن حزم في إباحة آلات اللهو والطرب - مطبوع - تأليف.
87)- الرد على أرشد السلفي - تأليف .
88)- الرد على رسالة (إباحة التحلي بالذهب المحلق) للشيخ إسماعيل الأنصاري رحمه الله وهو مطبوع ضمن كتاب(حياة الألباني) للشيباني - تأليف .
89)-الرد على البديع في مسألة القبض بعد الركوع - مخطوط - تأليف .
90)-الرد على رسالة التعقب الحثيث لعبد الله الحبشي - مطبوع - تأليف .
91)- الرد على رسالة العلامة التويجري رحمه الله في بحوث من صفة الصلاة - مخطوط - تأليف .
92)- الرد على السقاف فيما سوده على دفع شبع التشبيه - تأليف - مخطوط .
93)- الرد على عز الدين بليق في منهاجه - تأليف - مخطوط .
94)- الرد على كتاب تحرير المرأة في عصر الرسالة - لمحمد عبد الحليم أبو شقة - تأليف - مخطوط
95)- الرد على كتاب ظاهرة الإرجاء لسفر الحوالي - تأليف - مخطوط (طبع) .
96)- الرد على كتاب المراجعات للمدعو عبد الحسين شرف الدين الشيعي - مخطوط - تأليف .(1/16)
97)- الرد المفحم على من خالف العلماء وتشدد وتعصب ، وألزم المرأة أن تستر وجهها وكفيها وأوجب ، ولم يقنع بقولهم إنه سنة ومستحب - تأليف - مطبوع .
98)- رفع الأستار لإبطال قول القائلين بفناء النار للصنعاني - تحقيق - مطبوع .
99)- رفع الآصار في ترتيب مشكل الآثار للإمام الطحاوي - مخطوط =وضع الآصار رقم (217.(
100)- الروض النضير في ترتيب وتخريج معجم الطبراني الصغير - مخطوط - تأليف .
101)- رياض الصالحين للإمام النووي رحمه الله - تخريج - مطبوع .
102)- زهر الرياض في رد ما شنعه القاضي عياض على من أوجب الصلاة على البشير النذير في التشهد الأخير ، للخيضري - تحقيق وتعليق - مخطوط .
103)- الزوائد على الموارد - تأليف - مخطوط .
104)- سؤال وجواب حول فقه الواقع - فتوى - مطبوع .
105)- سبل السلام للصنعاني - تعليق - مخطوط .
106)- السفر الموجب للقصر - تأليف - مخطوط .
107)- سلسلة الأحاديث الصحيحة وشيء من فقهها وفوائدها - طبع منه ستة مجلدات ، والسابع قيد الطباعة ، وبه ينتهي الكتاب - ويوجد قطعة من الثامن - تأليف .
108)- سلسلة الأحاديث الضعيفة والموضوعة وأثرها السيئ في الأمة - طبع منها (7) مجلدات ، والكتاب أربعة عشر مجلداً - تأليف .
109)- سؤالات أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة شيوخه - تقديم وتحقيق - مخطوط .
110)- شرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز الحنفي رحمه الله - تحقيق جماعة من أهل العلم منهم الشيخ سعيد الطنطاوي والشيخ وهبي الغاوجي ، وتقديم وتخريج الشيخ ناصر - مطبوع .
111)- الشهاب الثاقب في ذم الخليل والصاحب - تحقيق .
112)- صحيح ابن خزيمة بتحقيق الدكتور محمد مصطفى الأعظمي - مراجعة وتعليق - مطبوع في (4) مجلدات
113)- صحيح الأدب المفرد للبخاري - مطبوع - تأليف .
114)- صحيح الإسراء والمعراج - تأليف - مخطوط .
115)- صحيح الترغيب والترهيب للمنذري وهو في (3 (مجلدات - مطبوع - تأليف .
116)- صحيح الجامع الصغير وزيادته - مطبوع ، تأليف ، وقد أعاد الشيخ قبل وفاته النظر فيد واستدراك له ، وقد أتمه ، ولما يطبع بعد - تأليف .(1/17)
117)- صحيح سنن ابن ماجه - مطبوع - تأليف .
118)- صحيح سنن أبي داود - مطبوع - تأليف .
119)- صحيح سنن أبي داود- لم يتم - تأليف .
120)- صحيح سنن الترمذي - مطبوع -تأليف .
121)- صحيح سنن النسائي - مطبوع - تأليف .
122)- صحيح السيرة النبوية - منتقاة من السيرة النبوية لابن كثير - ولم يتمه ، وقد طبع بعد وفاته تأليف .
123)- صحيح كشف الأستار عن زوائد البزار - للهيثمي - مخطوط .
124)- صحيح الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية - مطبوع - تأليف .
125)- صحيح موارد الظمآن - تأليف .
126)- الصراط المستقيم رسالة فيما قرره الثقات الأثبات في ليلة النصف من شعبان لبعض علماء الأزهر - تخريج - مطبوع .
127)- صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من التكبير إلى التسليم كأنك تراها - مطبوع - تأليف
128)- صفة صلاة الكسوف وما ورد فيها من الآيات - مخطوط - تأليف .
129)- صفة الفتوى والمفتي والمستفتي للشيخ ابن حمدان الحنبلي - تحقيق وتعليق وتخريج - مطبوع .
130)- صلاة الاستسقاء - تأليف - مخطوط .
131)- صلاة التراويح - مطبوع - تأليف .
132)- صلاة العيدين في المصلى خارج البلد هي السنة - مطبوع - تأليف .
133)- صوت الطبيعة ينادي بعظمة الله ، لعبد الفتاح الإمام - تخريج .
134)- صوت العرب تسأل ومحمد ناصر الدين يجيب - جريدة صوت العرب 1380هـ.
135)- صيد الخاطر - تخريج .
136)- ضعيف الأدب المفرد للبخاري -مطبوع - تأليف .
137)- ضعيف الترغيب والترهيب للمنذري - مطبوع - تأليف .
138)- ضعيف الجامع الصغير في ثلاثة أجزاء - مطبوع - تأليف .
139ضعيف سنن ابن ماجه - مطبوع - تأليف .
140)- ضعيف سنن أبي داود - مطبوع - تأليف .
141)- ضعيف سنن أبي داود ( الموسع ) - لم يتم - مخطوط - تأليف .(1/18)
142)- ضعيف سنن الترمذي - مطبوع - تأليف .
143)- ضعيف سنن النسائي - مطبوع - تأليف .
144)- ضعيف كشف الأستار عن زوائد البزار ، للهيثمي - مخطوط .
145)- ضعيف موارد الظمآن - تأليف ، مخطوط .
146)- ظلال الجنة في تخريج السنة - تأليف ، مطبوع .
147)- العقيدة الطحاوية شرح وتعليق وتخريج - مطبوع ز
148)- العلم ، لابن أبي خيثمة - تحقيق وتخريج - مطبوع .
149)- عودة إلى السنة وهي سلسلة مقالات نشرت في مجلة (المسلمون) تأليف - مخطوط .
150)- غاية الآمال بتضعيف حديث الأعمال والرد على الغماري بصحيح المقال - تأليف - مخطوط
151)- غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام للقرضاوي - مطبوع - تأليف.
152)- فتنة التفكير - فتوى.
153)- فتوى في حكم تتبع آثار الأنبياء والصالحين.-تأليف.
154)- فضائل الشام ودمشق للحافظ الربعي - تحقيق وتخريج - مطبوع.
155)- فضل الصلاة على النبي ? للقاضي اسماعيل بن إسحاق الجهضمي - تحقيق وتخريج - مطبوع.
156)- فقه السيرة للغزالي - تخريج-مطبوع.
157)- فهرس أحاديث كتاب التاريخ الكبير للبخاري -إعداد - مخطوط.
158)- فهرس أحاديث كتاب الشريعة للآجري - مخطوط - تأليف.
159)- فهرس أسماء الصحابة الذين أسندوا الأحاديث في معجم الطبراني الأوسط - إعداد مخطوط.
160)- فهرس المخطوطات الحديثية في مكتبة الأوقاف الحلبية - تأليف.
161)- فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية وهو (المنخب من مخطوطات الحديث) من مطبوعات مجمع اللغة العربية بدمشق - تأليف .
162)- فهرس لمساند الصحابة لمسند الإمام أحمد - تأليف - طبع في مقدمة المسند.
163)- الفهرس الشامل لأحاديث وآثار كتاب الكامل ، لابن عدي - إعداد - مخطوط.
164)- الفهرس المنتخب من مكتبة خزانة ابن يوسف مراكش - إعداد - مخطوط.
165)- فهرس كتاب الكواكب الدراري لابن عروة الحنبلي - إعداد - مخطوط.
166)- القائد إلى تصحيح العقائد للمعلمي - تحقيق الشيخ زهير وتعليق الشيخ ناصر - مطبوع.
167)- قاموس البدع - تأليف.(1/19)
168)- قاموس الصناعات الشامية ، لمحمد سعيد القاسمي - تخريج ، مشاركة مع الشيخ محمد بهجة البيطار رحمه الله.
169)- قصة نزول عيسى عليه السلام وقتله الدجال - تأليف - مطبوع .
170)- قيام رمضان ومعه بحث قيم عن الاعتكاف - مطبوع - تأليف .
171)- كشف النقاب عما في كلمات أبي غدة من الأباطيل والافتراءات - مطبوع - تأليف.
172)- كلمة الإخلاص وتحقيق معناها لابن رجب الحنبلي - تخريج - مطبوع.
173)- الكلم الطيب لابن تيمة - تحقيق وتخريج - مطبوع.
174)- كيف يجب أن نفسر القرآن - تأليف - مخطوط.
175)- لفتة الكبد إلى نصيحة الولد لابن الجوزي - تحقيق وتخريج مشاركة مع محمود مهدي استانبولي - مطبوع .
176)- اللحية في نظر الدين - مطبوع - تأليف .
177)- ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة القويمة البرهان لمحمود شكري الآلوسي - تحقيق الشيخ زهير وتخريج الشيخ ناصر - مطبوع .
178)- مجموع الفتاوى - وهي الفتاوى التي أجاب عنها في مجالسه العلمية والمسجلة ، وتقوم مكتبة المعارف بالرياض بنشرها .
179)- المحو والإثبات الذي يدعى به في ليلة النصف من شعبان - تأليف - مخطوط .
180)- مختصر تحفة المودود ، لابن القيم - اختصار وتخريج - مخطوط .
181)- مختصر تعليق الشيخ محمد كنعان - مخطوط .
182)- مختصر التوسل - تأليف - مخطوط .
183)- مختصر الشمائل المحمدية - اختصار وتحقيق - مطبوع .
184)- مختصر صحيح البخاري (1- 4)مطبوع - مطبوع - اختصار وتعليق .
185)- مختصر صحيح مسلم في أربعة أجزاء - مخطوط - تأليف .
186)- مختصر صحيح مسلم للمنذري - تحقيق وتعليق - مطبوع .
187)- مختصر كتاب العلو للعلي الغفار للحافظ الذهبي - مطبوع - تأليف .
188)- مذكرات الرحلة إلى مصر - تأليف - مخطوط .
189)- المرأة المسلمة للشيخ حسن البنا رحمه الله - تخريج - مطبوع .
190)- المستدرك على المعجم المفهرس لألفاظ الحديث - تأليف - مخطوط .(1/20)
191)- مسائل غلام الخلال التي خالف فيها الخرقي - تعليق .
192)- مساجلة علمية بين الإمامين ابن عبد السلام وابن الصلاح حول صلاة الغائب المبتدعة بالاشتراك مع محمد زهير الشاويش - تحقيق وتخريج - مطبوع .
193)- مساوئ الأخلاق للخرائطي - تحقيق وتخريج - مخطوط .
194)- المسح على الجوربين والنعلين لجمال الدين القاسمي ، وله ذيل باسم(تمام النصح في أحكام المسح) - تأليف وتذييل - مطبوع .
195)- مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي - تحقيق وتخريج في 3 مجلدات - مطبوع .
196)- المصطلحات الأربعة في القرآن للمودودي - تخريج - مطبوع .
197)- مع الأستاذ الطنطاوي - تأليف .
198)- معالم التنزيل للبغوي - تخريج - مخطوط .
199)- معجم الحديث - وهو مجموعة من المختارات الحديثية جمعها الشيخ من مخطوطات المكتبة الظاهرية وغيرها ويقع في نحو أربعين مجلداً - وهو مخطوط - تأليف .
200)- المغني عن حمل الأسفر في الأسفار ، للحافظ العراقي - تعليق وتخريج - مخطوط .
201)- مناسك الحج والعمرة في الكتاب والسنة وآثار السلف - مطبوع - تأليف .
202)- المناظرات والردود - تأليف - مخطوط .
203)- المناظرة بين الشيخ الألباني والشيخ الزمزمي - نسخها عبد الصمد البقالي - مخطوط
204)- مناظرة كتابية مع طائفة من أتباع الطائفة القاديانية ، وعلى رأسهم رئيسهم يومئذ بدمشق نور أحمد الباكستاني - تأليف .
205)- مناقب الشام وأهله ، لابن تيمية - تخريج .
206)- منتخبات من فهرس المكتبة البريطانية - إعداد - مخطوط .
207)- المنتخب من مخطوطات الحديث في المكتبة الظاهرية - تأليف = فهرس مخطوطات دار الكتب الظاهرية رقم (161 .(
208)- منزلة السنة في الإسلام وبيان أنه لا يستغنى عنها بالقرآن - مطبوع - تأليف .
209)- موارد السيوطي في الجامع الصغير - تأليف - مخطوط .
210)- نزهة النظر في توضيح نخبة الفكر ، لابن حجر - تعليق وتحقيق - لم يتم .
211)- نصب المجانيق في نسف قصة الغرانيق - مطبوع - تأليف .
212)- نقد كتاب التاج الجامع للأصول- الجزء الأول - للشيخ منصور ناصيف - مخطوط - تأليف(1/21)
213)- النصيحة بالتحذير من تخريب ابن المنان لكتب الأئمة الرجيحة وتضعيفه لمئات الأحاديث الصحيحة - تأليف - مطبوع - دار ابن عفان للنشر والتوزيع .
214)- نقد نصوص حديثية في الثقافة العامة للشيخ محمد المنتصر الكتاني - مطبوع - تأليف .
215)- هداية الرواة إلى تخريج أحاديث المصابيح والمشكاة ، لابن حجر- تخريج .
216)- وجوب الأخذ بحديث الآحاد في العقيدة - مطبوع - تأليف .
217)- وصف الرحلة الأولى للحجاز والرياض مرشداً للجيش السعودي أثناء عودته للمملكة بعد حرب فلسطين عام 1948 - مخطوط - تأليف .
218)- وضع الآصار في ترتيب أحاديث مشكل الآثار - إعداد - مخطوط = رفع الآصار رقم (99 . (
219)- أحاديث المزارعة والمؤاجرة والرد على المفتري على الصحابة والتابعين والعلماء ، رسالة طبعت ضمن مجموعة (البرهان في رد البهتان والعدوان . (
220)- أداء ما وجب من بيان وضع الوضاعين في رجب لعمر بن حسن بن دحية- تحقيق الشيخ زهير ، وتخريج الألباني - مطبوع .(1/22)
باب في تزكيات العلماء للشيخ الالباني رحمه الله
فتاوى اللجنة الدائمة :
قد كثر الكلام فى أيامنا هذه من أحد العلماء العاملين لنصرة هذا الدين , ألا وهو : محمد ناصر الدين الألباني ، ويتهمونه بأنه إنسان لا علم له ، ظهر لكي يحدث البلبلة في أوساط الناس ، وإن هناك من قال:إنني بدأت أبغضه في الله . فهل ترى أن هذا العمل الذى يقوم به هذا الأستاذالفاضل الكريم - ولست متعصبا له ؛ لأن احترامى له لا يستلزم أنني متعصباً لشخص من الأشخاص على غير لائق ، أعني أنه لايخدم الإسلام والمسلمين ، وماذا نقول للناس الذين يقولون :إن الناس تموت فى سوريا وفى أفغانستان وهو لايزال يهتم بالصحيح والضعيف. كلمتكم الأخيرة عن هذا الأستاذ؟
الجواب :
الرجل معروف لدينا بالعلم والفضل وتعظيم السنة وخدمتها ، وتأييد مذهب أهل السنة والجماعة فى التحذيرمن التعصب والتقليد الأعمى ، وكتبه مفيدة ، ولكنه كغيره من العلماء ليس بمعصوم ؛يخطئ ويصيب، ونرجو له فى إصابته أجرين وفي خطأه أجر الإجتهاد ، كماثبت عن النبي صلىالله عليه وسلم أنه قال:((إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإذا حكم واجتهد فأخطأ فله أجر واحد )) . ونسأل الله أن يوفقنا وإياكم وإياه للثبات على الحق والعافية من مضلات الفتن. وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم. الفتاوي .(12/244)(1/23)
فتاوى و كلمات الشيخ ابن باز رحمه الله في أخيه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله :
قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله تعالى : ما رأيت تحت أديم السماء عالماً بالحديث في العصر الحديث مثل العلامة محمد ناصر الدين الألباني، وسئل سماحته عن حديث رسول الله - صلى الله عليه و سلم-: "ان الله يبعث لهذه الأمه على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها" فسئل من مجدد هذا القرن، فقال -رحمه الله-: الشيخ محمد ناصر الدين الألباني هو مجدد هذا العصر في ظني والله أعلم. من موقع الشيخ الالباني رحمه الله.
سئل الشيخ ابن باز ـ رحمه الله ـ لدينا شيخ رزقه الله علماً، لكنه يسب المشايخ الذين يخالفونه القول، ويخص بالذكر الشيخ ناصر الدين الألباني، حيث يحذر منه كل ليلة تقريباً في أحاديثه، في شهر رمضان، ويدعي بأن هذا رأي كل الأفاضل في الألباني، وأنه مجرد تاجر كتب، فما جوابكم ورأيكم يا سماحة الشيخ في الألباني لنطلعه عليه؟ ونطلع عليه رواد الدرس الكثر؟
فأجاب : بسم الله والحمد لله الشيخ ناصر الدين الألباني من خواص إخواننا الثقات المعروفين بالعلم والفضل والعناية بالحديث الشريف تصحيحاً وتضعيفاً، وليس معصوماً بل قد يخطئ في بعض التصحيح والتضعيف، ولكن لا يجوز سبه ولا ذمه ولا غيبته، بل المشروع الدعاء له بالمزيد من التوفيق وصلاح النية والعمل، ومن وجد له غلطاً واضحاً بالدليل فعليه أن يناصحه ويكتب له في ذلك؛ عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الدين النصيحة)) الحديث رواه مسلم، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه)) الحديث، وقول جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه: ((بايعت النبي صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة والنصح لكل مسلم)) متفق على صحتهما.
ومعلوم أن المؤمنين والمؤمنات بعضهم أولياء بعض ولاسيما أهل العلم؛ لقول الله سبحانه: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) فالواجب على الجميع التناصح والتواصي بالحق، وتنبيه المخطئ إلى خطئه، وإرشاده إلى الصواب حسب الأدلة الشرعية، وفق الله الجميع. من موقع الشيخ ابن باز رحمه الله.(1/24)
العلامة محمد بن إبراهيم رحمه الله :
يصف العلامةَ الألباني رحمه الله بقوله:
صاحب سنة، و نصرة للحق، و مصادمة لأهل الباطل .الفتاوى( 4/92).
العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله :
يَقُولُ البَعْضُ : إِنَّ الشَّيْخَ الأَلْبَانِيَّ -رَحِمَهُ اللهُ- (قَوْلُهُ فِي مَسَائِلِ الإِيْمَانِ قَوْلُ المُرْجِئَةِ) ، فَمَا قَوْلُ فَضِيلَتِكُمْ فِي هذَا؟!
فَكَانَ جَوَابُ فَضِيلَةِ الشَّيْخِ ابْنِ عُثَيْمِينَ مَا نَصُّهُ :
أَقُولُ كَمَا قَالَ الأَوَّلُ :
أَقِلُّوا عَلَيْهِمْ لاَ أَبَا لأَبِيكُمُ مِنَ اللَّوْمِ أَوْسُدُّوا المَكَانَ الَّذِي سَدُّوا الأَلْبَانِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- عَالِمٌ ، مُحَدِّثٌ ، فَقِيهٌ - وَإِنْ كَانَ مُحَدِّثاً أَقْوَى مِنْهُ فَقِيهاً ، وَلاَ أَعْلَمُ لَهُ كَلاَماً يَدُلُّ عَلَى الإِرْجَاءِ - أَبَداً - َلكِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يُكَفِّرُوا النَّاسَ يَقُولُونَ عَنْهُ ، وَعَنْ أَمْثَالِهِ : إِنَّهُمْ مُرْجِئَةٌ ! فَهُوَ مِنْ بَابِ التَّلْقِيبِ بِأَلْقَابِ السُّوءِ ، وَأَنَا أَشْهَدُ لِلشَّيْخِ الأَلْبَانِيِّ -رَحِمَهُ اللهُ- بِالاسْتِقَامَةِ ، وَسَلاَمَةِ المُعْتَقَدِ ، وَحُسْنِ المَقْصِدِ،وَلَكِنْ مَعَ ذلِكَ ؛ لاَ نَقُولُ : إِنَّهُ لاَ يُخْطِئُ ؛ لأَنَّهُ لاَ أَحَدَ مَعْصُومٌ إِلاَّ الرَّسُولُ - عَلَيْهِ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ . مِنْ لِقَاءِ إِدَارَةِ الدَّعْوَةِ بِوَزَارَةِ الأَوْقَافِ وَالشُّؤونِالإِسْلاَمِيَّةِ فِي دَوْلَةِ قَطَر مَعَ فَضِيلَتِهِ ، بِتَارِيخِ :7/5/2000م
وَقَالَ -أَيْضاً رَدًّا عَلَى مَنْ وَصَفَ الشَّيْخَ بِأَنَّهُ (مُرْجِئ)
" مَنْ رَمَى الشَّيْخَ الأَلْبَانِيَّ بِالإِرْجَاءِ فَقَدْ أَخْطأَ ، إِمَّا أَنَّهُ لاَيَعْرِفُ الأَلْبَانِيَّ ؛ وَإِمَّا أَنَّهُ لاَ يَعْرِفُ الإِرْجَاء ،َ الأَلْبَانِيُّ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ -رَحِمَهُ اللهُ- مُدَافِعٌ عَنْهَا ، إِمَامٌ فِي الحَدِيثِ ، لاَنَعْلَمُ أَنَّ أَحَداً يُبَارِيهِ فِي عَصْرِنَا ، لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ -نَسْأَلُ اللهَ العَافِيَةَ- يَكُونُ فِي قَلْبِهِ حِقْدٌ ؛ إِذَا رَأَى قَبُولَ الشَّخْصِ ذَهَبَ يَلْمِزُهُ بِشَيءٍ ؛ كَفِعْلِ المُنَافِقِينَ الَّذَينَ يَلْمِزُونَ المُطَّوِّعِينَ مِنَ المُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ ، وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ؛ يَلْمِزُونَ المُتَصَدِّقَ المُكْثِرَ مِنَ الصَّدَقَةِ ، وَالمُتَصَدِّقَ الفَقِيرَ!
الرَّجُلُ -رَحِمَهُ اللهُ- نَعْرِفُهُ مِنْ كُتُبِهِ ، وَأَعْرِفُهُ -بِمُجَالَسَتِهِ -أَحْيَاناً- : سَلَفِيُّ العَقِيدَةِ ، سَلِيمُ المَنْهَجِ؛ لَكِنَّ بَعْضَ النَّاسِ يُرِيدُ أَنْ يُكَفِّرَ عِبَادَ اللهِ بِمَا لَمْ يُكَفِّرْهُمُ اللهُ بِهِ ، ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّ مَنْ خَالَفَهُ فِي هذَاالتَّكْفِيرِ فَهُوَ مُرْجِئٌ -كَذِباً وَزُوراً وَبُهْتَاناً- ؛ لِذلِكَ لاَتَسْمَعُوا لِهذَا القَوْلِ مِنْ أَيِّ إِنْسَانٍ صَدَرَ ". شَرِيطِ " مُكَالَمَات هَاتِفِيَّة مَعَ مَشَايخِ الدَّعْوَةِ السَّلَفِيَّة " رَقَم : 4- إصْدَار : مَجَالِس الهُدَى لِلإِنْتَاجِ وَالتَّوْزِيعِ - الجَزَائِرِ ، وَكَانَ ذلِكَ بِتَارِيخِ : 12/ 6/ 200م(1/25)
العلامة المفسر محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله :
يقول الشيخ عبد العزيز الهده:
ان العلامة الشنقيطي يجل الشيخ الألباني إجلالاً غريباً، حتى إذا رآه ماراً وهو في درسه في الحرم المدني يقطع درسه قائماً ومسلماً عليه إجلالاً له" من موقع الشيخ الالباني رحمه الله.
العلامة حمود بن عبد الله التويجري رحمه الله :
قال : الألباني - الآن - علم على السنة ، الطعن فيه إعانة على الطعن في السنة.
وقال مرة بمناسبة صدور جائزة الملك فيصل العالمية : إن الشيخ ناصر من أحق من يُعطاها لخدمته السنة. من موقع الشيخ الالباني رحمه الله.
العلامة محقق العقيدة السلفية الشيخ محمد أمان بن على الجامي رحمه الله تعالى :
قال : الشيخ ناصر الألباني حبيب ".
وقال: "فضيلة الشيخ ناصر الألباني محدث معروف نحبه في الله".
وقال: "معرفتي للشيخ ناصر ليس كمعرفة كثير منكم بالسماع ومن كتبه! ولكن معرفة شخصية تزاملنا في العمل [في الجامعة الاسلامية] وعرفنا علمه وفضله وأحببناه في الله".
وقال: "إن أكثركم لا تعرفون الشيخ - الألباني - كمعرفتي لست أدري هل تحبونه كمحبتي وتقدرونه كتقديري؟".
وقال - رحمه الله -: "وقد قلت وقررت لستم بأعلم بالشيخ ناصر أكثر مني وقد تزاملنا في العمل في المدينة المنورة وفيما أعتقد لا تحبونه أكثر مني!".
وقال - رحمه الله -: "أُشْهِدُ الله وملائكته والحُضور على أني أحب الألباني في الله".أقوال الشيخ محمد أمان من شريط تصحيح المفاهيم ومناقشة الأراء
العلامة الشيخ زيد بن فياض رحمه الله:
قال :فإن الشيخ محمد ناصر الدين الألباني من الأعلام البارزين في هذا العصر، وقد عني بالحديث وطرقه ورجاله ودرجته من الصحة أو عدمها، وهذا عمل جليل من خير ما أنفقت فيه الساعات وبذلت فيه المجهودات، وهو كغيره من العلماء الذين يصيبون ويخطئون، ولكن انصرافه إلى هذا العلم العظيم مما ينبغي أن يعرف له به الفضل، وأن يشكر على اهتمامه به.(1/26)
العلامة الشيخ أحمد النجمي رحمه الله :
أحسن الله إليكم هذا سائل يقول بعض من تربى على كتب السرورية والحزبية ، يتهم الأئمةالثلاثة ابن باز وابن العثيمين والألباني رحمهم الله يتهمهم بالإرجاء لأنهم لا يكفرون الحكام فما تعليقكم؟
الجواب : هذا جهل وضلال وهؤلاء المبتدعة كل يوم يظهرون علينا بوجه آخر ، إذا كان الألباني وابن بازوابن عثيمين علماء الأمة وقادتها وأحبارها وكبارها ، ورجال العلم فيها ينبزون بأنهم مرجئة فمن بقي؟ من هو الذي بقي ؟ ... بقي أحد ؟ ما بقي أحد ، إنالله وإنا إليه راجعون... هذه مصيبة ..هذه آفة .. وإن هؤلاء رأيي فيهم أنه من ظهر عليه هذا القول وثبت عليه أن يحبس ويأدب ويضرب فإن لم يتراجع فإنه... يعني .. ربما أنه يحتاج إلى تأديب أكثر. من شريط تبرئة كبار العلماء للألباني من تهمة الإرجاء
العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله :
قال : فإنه لايقدح في الشيخ ناصر الدين وفي عِلمه إلا مبتدع من ذوي الأهواء ، فهم الذين يبغضون أهل السنة ويُنفرون عنهم ... وهذا و إني أنصح كل طالب علم بالحرص على اقتناء كتب الشيخ ناصر الدين الألباني ، ويعلم الله أني ما أعلم بكتاب له يخرج إلا وبادرت إلى اقتنائه ... ويعلم اننا لا نزال نزداد علما بسبب كتب الشيخ إقامة البرهان ص6-7 .
فضيلة الشيخ عبد المحسن العباد حفظه الله :
ما نصيحتكم فيمن ينال من الشيخ الألباني رحمه الله ويحذر منه ، وما موقفنا من ذلك ؟
أقول هذا من أعجب العجائب ، كون الشيخ الألباني يحذر منه ! يحذر من إنسان خدم السنة ! وأفنى حياته في الاطلاع على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والبحث فيها ، وبيان ما يصح وما لا يصح ،الذي ينبغي للانسان أن يدعو له وأن يثني عليه وأن يستفيد من علمه والحقيقة الناس في هذا الزمان ، هناك شخصان ما يستغني المشتغل بالحديث عن الرجوع إليهما ، الحافظ ابن حجر والشيخ الألباني ، الاستفادة من الحافظ ابن حجر فيمايتعلق بالحديث عظيمة كالاستفادة من الالشيخ الألباني فيما يتعلق(1/27)
بالحديث عظيمة . ولهذا الذي يحذر من الألباني ، معناه : يحذر من معرفة الحق والوصول إلى السنة لأن الشيء الذي حصل من الألباني فيما يتعلق بالحديث هو خدمة فائقة وعناية تامة بالسنة ، في تيسير الوصول إليها وتقريبها إلى طلاب العلم ، فهو حقيق بأن يثنى عليه وأن يدعا له . شرح سنن أبي داود - الشريط رقم ( 297 ) د 61
الشيخ عبد الله العبيلان حفظه الله :
أعزي نفسي و إخواني المسلمين في جميع أقطار الأرض بوفاة الإمام العلامة المحقق الزاهد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني، و في الحقيقة الكلمات تعجز أن تتحدث عن الرجل، ولو لم يكن من مناقبه إلا أنه نشأ في بيئة لا تعد بيئة سلفية، و مع ذلك صار من أكبر الدعاة إلى الدعوة السلفية و العمل بالسنة و التحذير من البدع لكان كافياً، حتى أن شيخنا عبد الله الدويش و الذي يعد من الحفاظ النادرين في هذا العصر و قد توفي في سن مبكرة، يقول رحمه الله : منذ قرون ما رأينا مثل الشيخ ناصر كثرة إنتاج وجودة في التحقيق، ومن بعد السيوطي إلى وقتنا هذا لم يأت من حقق علم الحديث بهذه الكثرة و الدقة مثل الشيخ ناصر. من موقع الشيخ الالباني رحمه الله.
وزير الشؤون الإسلامية و الأوقاف السعودية الشيخ صالح بن عبد العزيز بن محمد آل الشيخ حفظه الله :
«لا شك أن فقْد العلامة الشيخ محمد ناصر الدين الألباني مصيبة، لأنه عَلمٌ من أعلام الأمة و محدث من محدثيهم و بهم حفظ الله جل و علا هذا الدين و نشر بهم السنة» (الأصالة العدد 23/ ص65) .
فضيلة العلامة صالح بن محمد اللحيدان :
انتشرت - في الآونة الأخيرة - من البعض : الطعن في الشيخ المحدث الألباني ، ووصفه بـ (الإرجاء) ، ورميه بعقيدة (الجهمية) ، وأخذ بعضهم يمتحن أهل العلم بذلك ! فما نصيحتكم - جزاكم الله خيرًا-؟
الجواب : نصيحتي لمن يخوض في هذا الأمر : أن يتقي الله - جل وعلا - ، ويكف عنه .
أولاً : أن الرجل مات - رحمة الله عليه - ، أفضى إلى ما قدم ، ونحن الأحياء ينبغي أن نفكر فيما سنقدم وما سوف نقدم عليه من الأعمال ، وأن نتقي الله - أما إثارة مثل هذه المواضيع - الرجل بدون شك كان(1/28)
ناصرًا للحديث ، وله آثارٌ تُشكر ، وجاء واشتغل في المدينة في " الجامعة الإسلامية " أيام تولي أمرها من قبل - الشيخ - شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز - رحمة الله عليه - ، وما وصفه الشيخ عبد العزيز بـ (الإرجاء ) ! ولا وصفه بـ ( التجهم ) ! ولا عابه من عرفه من طلبة العلم في المدينة ! لا أعرف أن أحدًا عابه.
بالنسبة لي : لم يكن بيني وبينه مجالسات ؛ إنما لقاء خاطف ، لكن قرأت له كثيرًا من كتبه - على سبيل المثال - : قرأت له كتاب : " تحذير الساجد " ، و" صلاة التراويح " ، و" حجة النبي [ صلى الله عليه وسلم ] كما رواها جابر " ، و" آداب الزفاف " ، قرأتها وأنا طالب في الكلية قبل عام ( 77 ) ، وقرأت ما كان ينشره في مجلة " التمدن " - الدمشقية - عن الحديث ، ثم قرأت أغلب كتابه : " إرواء الغليل " لما طبعه . والناس يثنون عليه في الحديث ، وفي بحوثه الحديثية ، ولا شك أنه لا أحد معصوم .
أصلاً من لقيت - في رأيي أنا - أمثال : الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ، والشيخ عبد العزيز بن باز ، والشيخ عبد الله بن حميد ، والشيخ عبد الرزاق عفيفي ، والشيخ محمد الأمين الشنقيطي ، وغيرهم من هذه الطبقة ، لا أحد من هؤلاء يمكن أن يقول عن نفسه : إنه معصوم ! ولا أن يقول محبوه : إنه معصوم ! لكنهم لهم المكانة العالية .
فنصيحتي لكل أحد من طلبة العلم ؛ أن يكف عن الوقيعة في عرض الشيخ ناصر الدين الألباني . خدم الحديث في " إرواء الغليل " - وهو المتقدم - ، ثم علق على " مشكاة المصابيح " ، ثم أصدر كتبه : " صحيح السنة " ، " سلسلة الأحاديث الضعيفة " ، و " سلسلة الأحاديث الصحيحة " ، ومما لاشك فيه أن له فيها أخطاء ؛ وجميع البشر لا يكون عملهم صوابًا من جميع الوجوه .
ومما يحزن ويؤسف ، أن بعض الشباب : إذا وجد كلمة محل انتقاصٍ لأحد ؛ ظنَّ أنها جريمة ! كالذي تتبع النووي في كتابه : " شرح مسلم " ؛ وأخرج كتابًا صغيرًا يقول : " مخالفات النووي " ! لا أحب أن أدعو على هذا المؤلف في الشر ؛ وإنما أدعو له بالهداية ، فقد أساء . هو صدق فيما نقل !
وكذلك الذين تتبعوا الحافظ ابن حجر ، كل الناس يتعمدون إلى علماء خدموا العلم والسنة ثم يبحثون لعلهم يجدون عيوبًا ليحذروا الناس منها ! هل يريدون أن يصرفوا الناس عن أهل العلم وكتبهم !؟ هذا لا شك أنه من الضلال المبين ! والله المستعان .(1/29)
مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله :
قال "الشيخ ناصر الدين الألباني من خواص إخواننا الثقات المعروفين بالعلم والفضل والعناية بالحديث الشريف تصحيحا وتضعيفا"
وقال : " أحد العلماء في هذا العصر وهو ممن اشتهروا بالكتابة في السنة وتدريسها "
وقال : "رجل صاحب سنة ومحب للسنة ومدافع عنها " [مجلة الأصالة، العدد 23 ص 65]
العلامة عبدالعزيز الراجحي حفظه الله :
أحسن الله إليك ، ما النصيحة لهؤلاء السفهاء وأنصاف المتعلمين الذين يرمون هؤلاء الأئمة بأنهم مرجئة؟
النصيحة لهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل وأن يتعلموا العلم قبل أن يتكلموا، وعليهم أن يتعلموا العلم قبل أن يتكلموا وعليهم أن يتوبوا إلى الله عز وجل مما فرط منهم من الكلام وأن يصونواألسنتهم عن الكلام بغير علم فالقول بغير علم والقول على الله بغير علم من أكبرالكبائر جعله الله فوق الشرك بالله قال سبحانه: ( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) أي يشمل الشرك يشمل غيره ، جعلها من إرادة الشيطان)يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُواْ مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلاَلاً طَيِّباً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ {168} إِنَّمَا يَأْمُرُكُمْ بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءوَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ(.
اما صاحب الجمع والترتيب أبو سند فتح الله فيقول
سبحان من جعل طعن المبتدعة والجهلة في المحدث العلامة سببا في زيادة الاجر والفضل
(فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)(1/30)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب العقيدة والمنهاج
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(2/1)
كتاب العقيدة
س)- ما مفهوم العقيدة عند العلماء؟
المقصود من العقيدة في اصطلاح العلماء هو كل خبر جاء عن الله أو رسوله، يتضمن خبراً غائباً عنا وعن عقولنا باعتبارنا بشراً لا نعلم الغيب، وليس معه حكمٌ شرعي عملي، أما إذا كان الخبر المشار إليه كتاباً أو سنة فيه حكم عملي، فهذا لا يَصُفّونَه في صَفّ العقائد، وإنما يحشرونه في صف الأحكام الشرعية، هذا هو الاصطلاح. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم هذا الاصطلاح؟
لا بأس من ذلك التفريق الاصطلاحي، أن نسمي الخبر إذا كان فيه خبر غيبي وليس فيه حكم شرعي بأنه عقيدة، وأن نسمي خبراً آخر الذي يتضمن حكماً شرعياً عملياً بأنه حكم شرعي وليس بعقيدة، هذا الاصطلاح لا بأس به، ولكن بشرط ألا يؤدي إلى مخالفة الشرع، وقد تحققت المخالفة، وإليكم البيان: كل حكم شرعي لا يقترن معه عقيدة فلا قيمة له؛ لأن أي حكم سواء كان يتضمن -مثلاً- الفرض أو الوجوب والمعنى واحد، إذا لم تقم بهذا الواجب بنية واعتقاد أنه فرض لم يفدك هذا الحكم شيئاً، وهكذا قُرِّر في كل الأحكام أو بقية الأحكام الخمسة، فأنت إذا أتيت بعبادة غير الفريضة كسنة مؤكدة أو مستحبة، إذا جئت بها باعتقاد أنها فرض أثمت ولم تؤجر؛ ذلك لأنك خالفت العقيدة الإسلامية في هذا الحكم الشرعي، يكفي الآن على سبيل التمثيل والتوضيح هذان المثالان اللذان يبينان لك بوضوح أن كل حكم شرعي مقرون معه عقيدة، لكن نعكس؛ فليس كل عقيدة مقرون معها حكم وعمل شرعي، مثلاً: نعتقد بخروج الدجال الأكبر في آخر الزمان .. نعتقد بنزول النبي عيسى عليه الصلاة والسلام وقتله للدجال الأكبر .. نعتقد بخروج المهدي محمد بن عبد الله في آخر الزمان .. نعتقد بعذاب القبر ... إلى آخر ما هنالك من عقائد ثابتة في الكتاب والسنة، هذه كلها مجرد عقيدة لا يقترن معها عمل، فاقترح العلماء للتفريق بين هذا النوع من العقيدة وذاك النوع من العقيدة، بأن هذه عقيدة وهذه أحكام. ولكن إذا ألزمني هذا التفريق فلسفة عارضة طارئة دخيلة على الإسلام؛ حينذاك لا يجوز أن نصطلح هذا الاصطلاح، وإنما نقول: كل ذلك أحكام شرعية، وإنما الواقع أن هذا حكم ليس معه عمل، وذاك حكم معه عمل، مهما كانت نيته أنه عمل .. هذا(2/2)
حكم من الله تعتقد بكذا وكذا، وهذا حكم من الله تعتقد بكذا وكذا، لكن هذا النوع الثاني اقترن به القيام بعمل من نوع معين. التفريق هذا هو كما قلت: اصطلاح، ولا بأس باستعمال هذا الاصطلاح باشتراط الشرط السابق، أقول: اصطلاح؛ لأن السلف الصالح لا يعرفون هذا إطلاقاً، لا يعرفون التفريق بين خبر غيبي مجرد وخبر فيه حكم عملي ولابد من اعتقاد حكمه، فإذا ما وقفنا عند هذا الاصطلاح ولم نتعدَ إلى مخالفة أحكام شرعية أخرى، فلا بأس به. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل سبب هذا الاصطلاح عقيدة محدثة لا يعرفها السلف الصالح ؟
في الواقع أننا قد تورطنا من هذا الاصطلاح فجئنا بعقيدة باطلة مخالفة للشريعة الإسلامية، وهذه العقيدة بالتالي لا يعرفها السلف الصالح، ولا يعرفها الأئمة الأربعة الذين نحن ننتمي إليهم في اتباعهم في مذاهبهم، سواء ما كان منها مذهباً اعتقادياً بهذا الاصطلاح، أو كان مذهباً حكمياً شرعياً. أريد من هذا التذكير بما ابتلي به المسلمون اليوم من رأي اعتزاليّ قديم، قام بعض الناس بتبنيه وإشاعته بين الناس، فكان مثار فتنة ومثار بلاء أصيب به كثير من الناس؛ بسبب جهلهم بالسنة أولاً، وبالأولى بسبب جهلهم بما كان عليه سلفنا الصالح من تقبلهم الأخبار الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم على إطلاقها دون فلسفة .. عقيدة، وحكم، هكذا كان موقف السلف الصالح بالنسبة لأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم أن يتقبلوها على إطلاقها، سواءً كانت بالاصطلاح السابق الذكر (عقيدة)، أو كان (حكماً شرعياً)، لا يفرقون بين هذا وبين هذا، وإنما يكون موقفهم تجاه كل حديث يبلغهم عمن يثقون بخبره أن يسلموا تسليماً؛ لأن الله تبارك وتعالى حينما قال في مطلع هذه الآية: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [النساء:65] هذه الآية نص عام، اختلفنا -مثلاً- في قبول خبر الآحاد في الأحكام الشرعية، ماذا نفعل؟ نُحكم الرسول عليه الصلاة والسلام في ذلك .. هل أُمرنا باتباع الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يأتينا به من أخبار فيها أحكام شرعية؟ الجواب: نعم، وهذا موضع اتفاق، ولكن اختلفنا اختلافاً من نوعية أخرى، ألا وهو: هل نأخذ بحديث الآحاد في الأخبار التي ليس فيها أحكام شرعية وإنما فيها محض عقيدة؟ قيل وقيل، إذاً لمن نرجع؟ إلى الحَكَم الذي ذكره الله تعالى في قوله: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ...) [النساء:65] إلى آخر الآية، فنحن حينذاك مادام أننا اختلفنا يجب أن نتحاكم إلى الله وإلى الرسول، وأن نسلم بعد ذلك إلى ما جاءنا عن الله والرسول ونسلم تسليماً، فهل تجدون في كتاب الله أو في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا التفريق الذي ابتلي به قديماً بعض الفرق الإسلامية وحديثاً بعض الشباب المسلم؟ هل تجدون هذا التفريق في كتاب الله أو في حديث رسول الله، أم تجدون هناك النصوص عامة مطلقة مثل: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ(2/3)
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) [الحشر:7] فهذا من حيث أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم مصدر الخبر المصدر الأول؟ ثم هل تجدون هناك في الكتاب أو في السنة تفريقاً من حيث وصول الخبر من بعد الرسول صلى الله عليه وسلم أنه يجب أن يؤخذ بالأحكام ولو كان الناقل للخبر عن الرسول عليه الصلاة والسلام فرداً، أما في العقائد -بالاصطلاح السابق- فلا يؤخذ إلا أن يكونوا جماعةً هم جماعة التواتر؟ هل تجدون شيئاً من هذا في الكتاب والسنة؟ أما نحن فلم نجد ولن نجد، ويستحيل أن نجد مثل هذا التفريق بين حديث الآحاد في العقيدة والأحكام، بحيث أنه في العقيدة لا يؤخذ به والراوي نفسه ثقة، هذا الراوي الذي إذا روى خبراً في الأحكام احتج به، وإذا روى خبراً في العقيدة ليس فيه حكم لا يحتج به، هذا التفريق قلت: لا نجده ولن نجده، ولكننا نجد العكس، وهذا أقوى لنا، نجد النصوص من الكتاب والسنة -أيضاً- أنها تأتي نصوصاً عامةً، كما جاءت فيما يتعلق بالرسول عليه الصلاة والسلام، وأنه كالمصدر الأول لا فرق؛ سواءً جاءنا عن الله بخبر فيه غيب فيجب أن نسلم له تسليماً، أو جاء بخبر فيه حكم فيجب أن نسلم تسليماً، النصوص العامة تدل على هذا وأنه لا فرق، كذلك جاءت النصوص عامة فيما يتعلق بالواسطة الذي ينقل لنا الخبر عن الرسول عليه الصلاة والسلام، لا فرق أيضاً بين أن تكون هذه الواسطة هي الصحابي أو من بعد الصحابي. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/4)
فصل في الإيمان بالله
باب في تعريف الإيمان
س)- ما حكم قول القائل ان الايمان قول واعتقاد؟
هذا مذهب الحنفية والماتريدية خلافا للسلف وجماهير الأئمة كمالك والشافعي وأحمد والأوزاعي وغيرهم فإن هؤلاء زادوا على الإقرار والتصديق : العمل بالأركان . انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- هل الخلاف بين مذهب الحنفية والماتريدية وبين مذهب السلف خلاف صوري كما قال شارح العقيدة الطحاوية؟
ليس الخلاف بين المذهبين اختلافا صوريا كما ذهب إليه الشارح رحمه الله تعالى بحجة أنهم جميعا اتفقوا على أن مرتكب الكبيرة لا يخرج عن الإيمان وأنه في مشيئة الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه . فإن هذا الاتفاق وإن كان صحيحا فإن الحنفية لو كانوا غير مخالفين للجماهير مخالفة حقيقية في إنكارهم أن العمل من الإيمان لاتفقوا معهم على أن الإيمان يزيد وينقص وأن زيادته ونقصه بالمعصية مع تضافر أدلة الكتاب والسنة والآثار السلفية على ذلك وقد ذكر الشارح طائفة طيبة منها (ص 384-387) [342-344] ولكن الحنفية أصروا على القول بخلاف تلك الأدلة الصريحة في الزيادة والنقصان وتكلفوا في تأويلها تكلفا ظاهرا بل باطلا ذكر الشارح (ص 385) [342] نموذجا منها بل حكى عن أبي المعين النسفي أنه طعن في صحة الحديث " الإيمان بضع وسبعون شعبة . . . " مع احتجاج كل أئمة الحديث به ومنهم البخاري ومسلم في (صحيحيهما) وهو مخرج في " الصحيحة " (1769) وما ذلك إلا لأنه صريح في مخالفة مذهبهم.
ثم كيف يصح أن يكون الخلاف المذكور صوريا . وهم يجيزون لأفجر واحد منهم أن يقول : إيماني كإيمان أبي بكر الصديق بل كإيمان الأنبياء والمرسلين وجبريل وميكائيل عليهم الصلاة والسلام كيف وهم بناء على مذهبهم هذا لا يجيزون لأحدهم - مهما كان فاسقا فاجرا - أن يقول : أنا مؤمن إن شاء الله تعالى بل يقول : أنا مؤمن حقا والله عز وجل يقول : ( إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا وعلى ربهم يتوكلون . الذين يقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون . أولئك هم المؤمنون حقا ) [ سورة الأنفال : 2 - 4 ] (ومن أصدق من الله قيلا) [سورة النساء : 22] وبناء على ذلك كله اشتطوا في(2/5)
تعصبهم فذكروا أن من استثنى في إيمانه فقد كفر وفرعوا عليه أنه لا يجوز للحنفي أن يتزوج بالمرأة الشافعية وتسامح بعضهم - زعموا - فأجاز ذلك دون العكس وعلل ذلك بقوله : تنزيلا لها منزلة أهل الكتاب وأعرف شخصا من شيوخ الحنفية خطب ابنته رجل من شيوخ الشافعية فأبى قائلا : . . . لو لا أنك شافعي فهل بعد هذا مجال للشك في أن الخلاف حقيقي ؟ ومن شاء التوسع في هذه المسألة فليرجع إلى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية : " الإيمان " فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع . انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- ما قولكم في كتاب " ظاهرة الإرجاء" لسفر الحوالي ؟
قد بدا لي من مطالعتي للكتاب المذكور أنه ذو فائدة كبيرة جداً في الرد على علماء الكلام الذين يخالفون أهل الحديث في قولهم: (الإيمان يزيد وينقص، وأن الأعمال الصالحة من الإيمان)، مع غلو ظاهر في بعض عباراته؛ حتى ليخال إليَّ أنه يميل إلى مذهب الخوارج، مع أنه يرد عليهم، وغمزني بالإرجاء أكثر من مرة؛ تارة تصريحاً وأخرى تلويحاً، مع إظهاره الاحترام والتبجيل -خلافاً لبعض الغلاة ولا أقول: الأتباع-، وهو يعلم أنني أنصر مذهب الحديث، متعذراً بأنني لا أكفر تارك الصلاة كسلاً؛ ما لم يدل على أن تركه عن عقيدة وجحود، كالذي يقال له: (إن لم تصل، وإلا؛قتلناك)، فيأبى فيقتل؛ فهذا كافر مرتد -كما كنت نقلته في رسالتي «حكم تارك الصلاة»،عن ابن القيم وشيخه ابن تيمية - وعلى مثله حمل ابن تيمية الآثار التي استفاضت عن الصحابة في كفر تارك الصلاة، وقوله -صلى الله عليه وسلم-: «ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة» . انظر كلاهما في الرسالة المذكورة (ص38-46). ومع هذا رمانا المؤلف بالإرجاء.. سامحه الله، وهدانا الله وإياه لما اختلف فيه مِن الحق؛ إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
ومجال مناقشته واسع جداً فيما نَبا قلمه عن الصواب، وما فيه من الأخطاء والتناقضات، وبخاصة في تأويله للأحاديث والنصوص وليُّه إياها إلى ما يتفق مع ما ذهب إليه مع محاولته التشكيك في صحة الحديث المتفق على صحته؛ إذ شعر أن تأويله غير مقنع -كما فعل بحديث الجهنميين الذين يخرجهم الله مِن النار بغير عمل عملوه-. بل وإعراضه أحياناً عن ذكر ما هو عليه منها.
أقول: هذا باب واسع جداً يتطلب التفرع له وقتاً مديداً، مما لا أجده الآن.والله المستعان سلسلة الأحاديث الضعيفة (14/ 949)(2/6)
س)- كتاب ظاهرة الإرجاء في الفكر الإسلامي لسفر الحوالي هل رأيته؟
رأيته .
س)- الحواشي - يا شيخنا - خاصة الموجودة في المجلد الثاني ؟!
كان عندي - أنا - رأي صدر مني يوماً ما منذ نحو أكثر من ثلاثين سنة حينما كنت في الجامعة [الإسلامية] وسئلت في مجلس حافل عن رأيي في جماعة التبليغ ؟
فقلت يومئذ : "صوفية عصرية" و الآن خطر في بالي أن أقول بالنسبة لهؤلاء الجماعة الذين خرجوا في العصر الحاضر وخالفوا السلف - وأقول هنا تجاوباً مع كلمة الحافظ الذهبي - خالفوا السلف في كثير من مناهجهم.
فبدا لي أن اسميهم : خارجية عصرية ، فهذا يشبه الخروج الآن حين نقرأ من كلامهم - لأنهم في الواقع - كلامهم ينحو منحى الخوارج في تكفير مرتكب الكبائر. لكنهم - ولعل هذا ما أدري أن أقول ! - غفلة منهم أو مكر منهم .
وهذا أقوله أيضا من باب قوله تعالى: ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) ما أدري لايصرحون بأن كل كبيرة هي مكفرة لكنهم يدندنون حول بعض الكبائر ويسكتون - أو يمرون - على الكبائر الأخرى ، ولذلك أنا لا أرى أن نطلق القول ونقول فيهم أنهم خوارج إلا من بعض الجوانب وهذا من العدل الذي أمرنا به .الشريط 855
س)- ما هو ردكم على كتاب الدكتور سفر (ظاهرة الإرجاء)؟
مجال الرد عليه واسع جداً، ولا أدري متى تسنح لي الفرصة للرد عليه، وبيان ما يؤخذ عليها فقهاً وحديثاً ؟ وإن كنت أشكر له أدبه ولطفه وتبجيله لكاتب هذه الأحرف، ودفاعه عن عقيدة أهل الحديث في أن الإيمان يزيد وينقص؛ وإن كان قد اقترن به أحياناً شيء من الغلو والمخالفة؛ والاتهام بالإرجاء؛ مع أنه يعلم أنني أخالفهم مخالفة جذرية ؛ فأقول : الإيمان يزيد وينقص ؛ وإن الأعمال الصالحة من الإيمان، وإنه يجوز الاستثناء فيه؛ خلافاً للمرجئة، ومع ذلك رماني أكثر من مرة بالإرجاء! فقلب بذلك وصية النبي - صلى الله عليه وسلم - : " وأتبع السيئة الحسنة تمحها.. " ! فقلت: ما أشبه اليوم بالبارحة !
فقد قال رجل لابن المبارك: " ما تقول فيمن يزني ويشرب الخمر؛ أمؤمن هو؟ قال: لا أخرجه من الإيمان. فقال الرجل: على كبر السن صرت مرجئاً ! فقال له ابن المبارك: إن المرجئة لا تقبلني! أنا أقول: الإيمان يزيد وينقص. والمرجئة لا تقول ذلك. والمرجئة تقول: حسناتنا متقبلة. وأنا لا أعلم تُقبلت مني حسنة؟ وما(2/7)
أحوجك إلى أن تأخذ سبورة فتجالس العلماء ". رواه ابن راهويه في "مسند ه " (3/670- 671).
قلت : ووجه المشابهة بين الاتهامين الظالمين هو الإشراك بالقول مع المرجئة في بعض مايقوله المرجئة؛ أنا بقولي بعدم تكفير تارك الصلاة كسلاً؛ وابن المبارك في عدم تكفير مرتكب الكبيرة ولو أردت أن أقابله بالمثل لرميته بالخروج؛لأن الخوارج يكفرون تارك الصلاة وبقية الأركان الأربعة ! و(أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3054.
س)- ما تقول المرجئة في الصلاة ؟ وهل تقولون بقولهم ؟
يقولون: الصلاة ليست من الإيمان، ونحن نقول بخلافه . الردّ على كتاب ظاهرة الإرجاء لسفر الحوالي.
س)- جاء عن النبي- صلى الله عليه وسلم انه قال (كانَ رجلٌ ممَّن كان قبلكم لم يعمل خيراً قطُّ ؛ إلا التوحيد، فلما احتُضر قال لأهله : انظروا: إذا أنا متُّ أن يحرِّقوه حتى يدعوه حمماً، ثم اطحنوه، ثم اذروه في يوم ريح، [ثم اذروا نصفه في البر، ونصفه في البحر، فوالله؛ لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين]، فلما مات فعلوا ذلك به،[ فأمر الله البر فجمع ما فيه،وأمر البحر فجمع ما فيه]، فإذا هو[ قائم] في قبضة الله،فقال الله عز وجل: يا ابن آدم! ما حملك على ما فعلت؟ قال: أي ربِّ! من مخافتك (وفي طريق آخر: من خشيتك وأنت أعلم)، قال: فغفر له بها، ولم يعمل خيراً قطُّ إلا التوحيد) فهل :
1- زيادة "إلا التوحيد" صحيحة غير شاذة.
2- وهل هذا الرجل كان مؤمنا؟
3- و ما هو تفسير قول الرجل في الحديث : "لئن قدر الله علي" وهل تطعن في ايمانه.(2/8)
4- وهل يعذر هذا الرجل بجهله في عدم معرفة ان الله قادرا على ان يبعثه وانه على كل شيء قدير.
اعلم أن قوله : "إلا التوحيد" في الحديث مع كونها صحيحة الإسناد، فقد شكك فيها الحافظ ابن عبدالبر من حيث الرواية، وإن كان قد جزم بصحتها من حيث الدراية، فكأنه لم يقف على إسنادها، لأنه علقها على أبي رافع عن أبي هريرة، فقال رحمه الله (18/40): "وهذه اللفظة- إن صحت- رفعت الإشكال في إيمان هذا الرجل، وإن لم تصح من جهة النقل؛ فهي صحيحة من جهة المعنى، والأصول كلها تعضدها، والنظر يوجبها، لأنه محال غير جائز أن يغفر للذين يموتون وهم كفار؛ لأن الله عز وجل قد أخبر أنه( لا يغفر أن يشرك به) لمن مات كافراً، وهذا ما لا مدفع له، ولا خلاف فيه بين أهل القبلة.
واما الدليل على أن الرجل كان مؤمناً قوله حين قيل له " لم فعلت هذا ؟ " فقال : " من خشيتك يارب ! ". والخشية لاتكون إلا لمؤمن مصدق ؛ بل ما تكاد تكون إلا لمؤمن عالم؛ كما قال الله عز وجل: (إنما يخشى الله من عباده العلماء)، قالوا: كل من خاف الله فقد آمن به وعرفه، ومستحيل أن يخافه من لا يؤمن به. وهذا واضح لمن فهم وألهم رشده.
وأما قوله: "لئن قدر الله علي "؛ فقد اختلف العلماء في معناه؛ فقال منهم قائلون: هذا رجل جهل بعض صفات الله عز وجل، وهي القدرة، فلم يعلم أن الله على كل ما يشاء قدير، قالوا: ومن جهل صفة من صفات الله عزوجل، وآمن بسائر صفاته وعرفها؛ لم يكن بجهله بعض صفات الله كافراً. قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق لا من جهله. وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين.
وقال آخرون: أراد بقوله: "لئن قدر الله علي " من القدر الذي هو القضاء، وليس من باب القدرة والاستطاعة في شيء. قالوا: وهو مثل قول الله عز وجل في ذي النون: (إذ ذهب مغاضباً فظن أن لن نقدر عليه ) .
وللعلماء في تأويل هذه اللفظة قولان:
أحدهما: أنها من التقدير والقضاء.
والآخر: أنها من التقتير والتضييق.
وكل ما قاله العلماء في تأويل هذه الآية فهو جائز في تأويل هذا الحديث في قوله: "لئن قدر الله علي "، فأحد الوجهين تقديره: كأن الرجل قال: لئن كان سبق في قدر الله وقضائه أن يعذب كل ذي جرم على جرمه؛ ليعذبني الله على إجرامي وذنوبي عذاباً لا يعذبه أحداً من العالمين غيري.
والوجه الآخر: تقديره: والله! لئن ضيق الله علي وبالغ في محاسبتي وجزائي على ذنوبي ليكونن ذلك. ثم أمر بأن يحرق بعد موته من إفراط خوفه.(2/9)
وأما جهل هذا الرجل بصفة من صفات الله في علمه وقدره؛ فليس ذلك بمخرجه من الإيمان، ألا ترى أن عمر بن الخطاب وعمران بن حصين وجماعة من الصحابة سألوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القدر. ومعلوم أنهم إنما سألوه عن ذلك وهم جاهلون به، وغير جائز عند أحد من المسلمين أن يكونوا بسؤالهم عن ذلك كافرين، أو يكونوا حين سؤالهم عنه غير مؤمنين.
وروى الليث عن أبي قبيل عن شُفَيٍّ الأصبحي عن عبدالله بن عمرو بن العاص- فذكر حديثاً في القدر، وفيه: فقال أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : فأي شيء نعمل إن كان الأمر قد فرغ منه؟ ، فهؤلاء أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم - - وهم العلماء الفضلاء- سألوا عن القدر سؤال متعلم جاهل؛ لا سؤال متعنت معاند، فعلمهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما جهلوا من ذلك، ولم يضرهم جهلهم به قبل أن يعلموه، ولو كان لا يسعهم جهله وقتاً من الأوقات؟ لعلمهم ذلك مع الشهادة بالإيمان، وأخذ ذلك عليهم في حين إسلامهم، ولجعله عموداً سادساً للإسلام، فتدبر واستعن بالله.
فهذا الذي حضرني على ما فهمته من الأصول ووعيته، وقد أديت اجتهادي في تأويل حديث هذا الباب كله ولم آلُ ، وما أبرئ نفسي، وفوق كل ذي علم عليم. وبالله التوفيق ".
هذا كله كلام الحافظ ابن عبدالبر، وهو كلام قوي متين يدل على أنه كان إماماً في العلم والمعرفة بأصول الشريعة وفروعها، جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً.
وخلاصته؛ أن الرجل النباش كان مؤمناً موحداً، وأن أمره أولاده بحرقه إنما كان إما لجهله بقدرة الله تعالى على إعادته- وهذا ما أستبعده أنا- أو لفرط خوفه من عذاب ربه، فغطى الخوف على فهمه؛ كما قال ابن الملقن فيما ذكره الحافظ (11/314)، وهو الذي يترجح عندي من مجموع روايات قصته، والله سبحانه وتعالى أعلم.
وسواء كان هذا أو ذاك؛ فمن المقطوع به أن الرجل لم يصدر منه ما ينافي توحيده، ويخرج به من الإيمان إلى الكفر؛لأنه لو كان شيء من ذلك لما غفر الله له؛ كما تقدم تحقيقه من ابن عبدالبر.
ومن ذلك يتبين بوضوح أنه ليس كل من وقع في الكفر من المؤمنين وقع الكفر عليه وأحاط به. ومن الأمثلة على ذلك: الرجل الذي كان قد ضلت راحلته، وعليها طعامه وشرابه، فلما وجدها قال من شدة فرحه:
"اللهم ! أنت عبدي وأنا ربك " !وفي ذلك كله رد قوي جداً على فئتين من الشباب المغرورين بما عندهم من علم ضحل :
الفئة الأولى : الذين يطلقون القول بأن الجهل ليس بعذر مطلقا ؛ حتى ألف بعض المعاصرين منهم رسالة في ذلك ! والصواب الذي تقتضيه الأصول والنصوص التفصيل؛ فمن كان من المسلمين يعيش في جو إسلامي علمي مصفى، وجهل من الأحكام ما كان منها معلوماً من الدين بالضرورة- كما يقول الفقهاء- فهذا لا يكون(2/10)
معذوراً؛ لأنه بلغته الدعوة وأقيمت الحجة. وأما من كان في مجتمع كافر لم تبلغه الدعوة، أو بلغته وأسلم؛ ولكن خفي عليه بعض تلك الأحكام لحداثة عهده بالإسلام، أو لعدم وجود من يبلغه ذلك من أهل العلم بالكتاب والسنة؛ فمثل هذا يكون معذوراً. ومثله- عندي- أولئك الذين يعيشون في بعض البلاد الإسلامية التي انتشر فيها الشرك والبدعة والخرافة، وغلب عليها الجهل، ولم يوجد فيهم عالم يبين لهم ما هم فيه من الضلال، أو وجد ولكن بعضهم لم يسمع بدعوته وإنذاره؛ فهؤلاء أيضاً معذورون بجامع اشتراكهم مع الأولين في عدم بلوغ دعوة الحق إليهم؛ لقوله تعالى:( لأنذركم به و من بلغ) وقوله: ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً) ، ونحو ذلك من الأدلة التي تفرع منها تبني العلماء عدم مؤاخذة أهل الفترة؛ سواء كانوا أفراداً أو قبائل أو شعوباً؛ لاشتراكهم في العلة؛ كما هو ظاهر لا يخفى على أهل العلم والنُّهى .
ومن هنا يتجلى لكل مسلم غيور على الإسلام والمسلمين عظم المسؤولية الملقاة على أكتاف الأحزاب والجماعات الإسلامية الذين نصبوا أنفسهم للدعوة للإسلام، ثم هم مع ذلك يدعون المسلمين على جهلهم وغفلتهم عن الفهم الصحيح للإسلام، ولسان حالهم يقول- كما قال لي بعض الجهلة بهذه المناسبة-: "دعوا الناس في غفلاتهم "! بل وزعم أنه حديث شريف!! أو يقولون- كما تقول العوام في بعض البلاد-: "كل مين على دينه، الله يعينه "! وهذا خطأ جسيم لو كانوا يعلمون، ولكن صدق من قال: "فاقد الشيء لا يعطيه
والفئة الثانية: نابتة نبتت في هذا العصر؛ لم يؤتوا من العلم الشرعي إلا نزراً يسيراً، وبخاصة ما كان منه متعلقاً بالأصول الفقهية، والقواعد العلمية المستقاة من الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح، ومع ذلك؛ اغتروا بعلمهم فانطلقوا يبدِّعون كبار العلماء والفقهاء، وربما كفروهم لسوء فهم أو زلة وقعت منهم، لا يرقبون فيهم (إلاً ولا ذمة) ، فلم يشفع عندهم ما عرفوا به عند كافة العلماء من الإيمان والصلاح والعلم، وما ذلك إلا لجهلهم بحقيقة الكفر الذي يخرج به صاحبه من الإيمان؛ ألا وهو الجحد والإنكار لما بلغه من الحجة والعلم؛ كما قال تعالى في قوم فرعون: (فلما جاءتهم آياتنا مبصرة قالوا هذا سحر مبين . وجحدوا بها و استيقنتها أنفسهم ) [ النمل /13-14]. وقال في الذين كفروا بالقرآن:( ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاءً بما كانوا بآياتنا يجحدون) [ فصلت/28] ولذلك قال شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض فتاويه (16/ 434- مجموع الفتاوى):" لا يجوز تكفير كل من خالف السنة؛ فليس كل مخطئ كافراً لا سيما في المسائل التي كثر فيها نزاع الأمة " . يشير إلى مثل مسألة كلام الله وأنه غير مخلوق، ورؤية الله في الآخرة، واستواء الله على عرشه، وعلوه على خلقه؛ فإن الإيمان بذلك واجب، وجحدها كفر، ولكن لا يجوز تكفير من تأولها من المعتزلة والخوارج والأشاعرة بشبهة وقعت لهم؛ إلا من أقيمت عليه الحجة وعاند. وهذا هو المثال بين أيدينا: الرجل النباش؟ فإنه مع شكه في قدرة الله على بعثه غفر الله له؛(2/11)
لأنه لم يكن جاحداً معانداً؛ بل كان مؤمناً بالله وبالبعث على الجملة دون تفصيل لجهله. قال شيخ الإسلام بعد أن ساق الحديث برواية" الصحيح " وذكر أنه حديث متواتر (12/491) : " وهنا أصلان عظيمان :
أحدهما: متعلق بالله تعالى؛ وهو الإيمان بأنه على كل شيء قدير.
والثاني: متعلق باليوم الآخر؛ وهو الإيمان بأن الله يعيد هذا الميت، ويجزيه على أعماله. ومع هذا فلما كان مؤمناً بالله في الجملة، ومؤمناً باليوم الآخر في الجملة، وهو أن الله يثيب ويعاقب بعد الموت، وقد عمل عملاً صالحاً- وهو خوفه من الله أن يعاقبه على ذنوبه-؛ غفر الله له بما كان منه من الإيمان بالله واليوم الآخر والعمل الصالح " .
ولهذا؛ فإني أنصح أولئك الشباب أن يتورعوا عن تبديع العلماء وتكفيرهم، وأن يستمروا في طلب العلم حتى ينبغوا فيه، وأن لا يغتروا بأنفسهم، ويعرفوا حق العلماء وأسبقيتهم فيه، وبخاصة من كان منهم على منهج السلف الصالح كشيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية، وأَلْفِتُ نظرهم إلى " مجموع الفتاوى " فإنه " كُنَيْف مُلِىءَ علماً "، وبخاصة إلى فصول خاصة في هذه المسألة الهامة (التكفير)، حيث فرق بين التكفير المطلق وتكفير المعين، وقال في أمثال أولئك الشباب: "ولم يتدبروا أن التكفير له شروط وموانع قد تنتفي في حق المعين، وأن تكفير المطلق لا يستلزم تكفير المعين؛ إلا إذا وجدت الشروط وانتفت الموانع. يبين هذا أن الإمام أحمد وعامة الأئمة الذين أطلقوا هذه العمومات لم يكفروا أكثر من تكلم بهذا الكلام بعينه ".
يعني الذين كانوا يقولون: القرآن مخلوق. ومن قال: إن الله لا يرى في الآخرة ؛ وأمثالهم .
فأقول: وملاحظة هذا الفرق هو الفيصل في هذا الموضوع الهام، ولذلك فإني أحث الشباب على قراءته وتفهمه من "المجموع " (12/464- 501) الذي ختمه بقوله: "وإذا عُرف هذا؛ فتكفير (المعين) من هؤلاء الجهال وأمثالهم- بحيث يحكم عليه أنه من الكفار- لا يجوز الإقدام عليه؛ إلا بعد أن تقوم على أحدهم الحجة الرسالية التي يتبين بها أنهم مخالفون للرسل، وإن كانت مقالتهم لا ريب أنها كفر. (يعني: الدعاة إلى البدعة).
وهكذا الكلام في تكفير جميع (المعينين)؛ مع أن بعض هذه البدع أشد من بعض، وبعض المبتدعة يكون فيه من الإيمان ما ليس في بعض. فليس لأحد أن يكفر أحدآ من المسلمين- وإن أخطأ وغلط- حتى تقام عليه الحجة، وتبين له المحجة، ومن ثبت إيمانه بيقين لم يزل ذلك عنه بالشك؛ بل لا يزول إلا بعد إقامة الحجة وإزالة الشبهة ".
هذا؛ وفي الحديث دلالة قوية على أن الموحد لا يخلد في النار؛ مهما كان فعله مخالفاً لما يستلزمه الإيمان ويوجبه من الأعمال؛ كالصلاة ونحوها من الأركان العملية، وإن مما يؤكد ذلك ما تواتر في أحاديث(2/12)
الشفاعة؛ أن الله يأمر الشافعين بأن يخرجوا من النار من كان في قلبه ذرة من الإيمان. ويؤكد ذلك حديث أبي سعيد الخدري أن الله تبارك وتعالى يخرج من النار ناساً لم يعملوا خيراً قط. ويأتي تخريجه وبيان دلالته على ذلك، وأنه من الأدلة الصريحة الصحيحة على أن تارك الصلاة المؤمن بوجوبها يخرج من النار أيضاً ولا يخلد فيها، فانظره بالرقم (3054). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3048.
باب في زيادة الإيمان و نقصانه
س)- ما هو قول الحنفية والماتريدية في الايمان وهل هو مخالف للسلف وجماهير الأئمة؟ وما قولكم فيمن يقول ان منهجكم موافق لمنهجهم ؟
من المعلوم أنهم لا يقولون بما جاء في الكتاب والسنة وآثار الصحابة من التصريح بأن الإيمان يزيد وينقص وأن الأعمال من الإيمان ، وعليه جماهير العلماء سلفاً وخلفاً ما عدا الحنفية ؛ فإنهم لا يزالون يصرون على المخالفة ؛ بل إنهم ليصرحون بإنكار ذلك عليهم ، حتى إن منهم من صرح بأن ذلك ردة وكفر - والعياذ بالله تعالى - فقد جاء في (باب الكراهية) من "البحر الرائق " -لابن نجيم الحنفي - ما نصه (8/205) :" والإيمان لا يزيد ولا ينقص ؛ لأن الإيمان عندنا ليس من الأعمال " ........ وهذا يخالف - صراحة - حديث أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلَّم سئل : أي العمل أفضل ؟ قال :" إيمان بالله ورسوله .. " - الحديث - أخرجه البخاري -وغيره- ، وفي معناه أحاديث أخرى ترى بعضها في "الترغيب" (2/107) . وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية وجه كون الإيمان من الأعمال ، وأنه يزيد وينقص - بما لا مزيد عليه- في كتابه "الإيمان" ، فليراجعه من شاء البسط .
أقول : هذا ما كنت كتبته من أكثر من عشرين عاماً ؛ مقرراً مذهب السلف ، وعقيدة أهل السنة - ولله الحمد - في مسائل الإيمان ، ثم يأتي اليوم بعض الجهلة الأغمار ، والناشئة الصغار : فيرموننا بالإرجاء !! فإلى الله المشتكى من سوء ما هم عليه من جهالة وضلالة وغثاء. كتاب الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد ص 32- 33 .(2/13)
س)- ما هي الكتب المشتملة على الاحاديث والاثار التي تدل على زيادة الايمان ونقصانه؟
مَن شَاءَ الإطِّلاعَ على الأحاديثِ الواردةِ في زيادةِ الإيمان وَنُقصانهِ ، وَكذا الآثار عَنِ الصحابةِ والتابعينَ ، فَليَرجِع إلى ( كتاب الإيمانِ ) لأبي بكرِ بن أبي شيبةَ الذي قُمنا بِتَحقيقِهِ وَطَبعِهِ مَعَ رَسائِلَ أُخرى انتهى كلام الالباني من كتاب التنكيل 2/372 .
س)- ما تعليقكم على قَولِ الإمامِ الطحاويِّ – رحمه الله - في عَقيدَتِهِ : ((والإيمانُ واحِدٌ وأهلهُ في أصلهِ سَواءٌ ، والتفاضُلُ بينَهُم بالخَشيَةِ والتُّقى ومُخالَفَةِ الهوى وَمُلازَمَةِ الأَوْلى))
هذا على ما تَقَدَّمَ مِن قَولِهِ في الإيمانِ : أنَّه إقرارٌ وَتَصديقٌ فَقط ، وَقَد عَرَفتَ أنَّ الصوابَ فيه أنَّهُ مُتفاوِتٌ في أصلِهِ ، وأنَّ إيمانَ الصَّالحِ لَيسَ كإيمانِ الفاجِر انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- هل يوجد من العلماء من يكفر من ترك احد اركان الاسلام الاربعة الصلاة والصيام والزكاة والحج غير مستحل؟
لا أعتقدُ أنَّ أحداً من العُلماءِ المُعتَبَرينَ يُكَفِّر من تَرَكَ صَومَ رمضانَ مَثَلاً غيرَ مُستَحِلٍّ لهُ، خِلافاً لما يُفيدُهُ ظاهرُ الحديثِ الضعيف " عرى الإسلام و قواعد الدين ثلاثة , عليهن أسس الإسلام , من ترك واحدة منهن فهو بها كافر حلال الدم : شهادة أن لا إله إلا الله , و الصلاة المكتوبة , و صوم رمضان " والله أعلم ، وممّا لا شَكَّ فيهِ أنَّ التساهلَ في أداءِ رُكنٍ واحدٍ من هذهِ الأركانِ الأربعةِ العمليَّة مما يُعرِّضُ فاعلَ ذلكَ للوقوعِ في الكفرِ ، كما أشارَ إلى ذلكَ قولُه -صلى الله عليه وسلم- : (بينَ الرَّجُلِ وبين الكُفرِ والشِّركِ تَركُ الصَّلاةِ) فيُخشى على من تَهاونَ بالصَّلاةِ أن يَموتَ على الكُفرِ والعياذُ بالله تعالى. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة 1/212.(2/14)
باب جَوازُ الاستثناءِ في الإيمان
س)- هل يفهم من قوله صلى الله عليه وسلم (إذا سُئِلَ أحدُكُم : أمؤمنٌ أنتَ ؟ فلا يشكّ ) . عدم جواز الاستثناء في الايمان؟
اولا هذا الحديث ضعيف وهناكَ شئٌ آخر ؛ وهوَ أنَّهُ مُخالِفٌ للآثارِ السلفيَّةِ المُجمِعَةِ على أنَّ الإيمانَ يَزيدُ وَيَنقُصُ ، وأن زيادتهُ بالطَّاعَةِ، وقد تفرَّعَ مِنه جَوازُ الاستثناءِ فيما إذا سُئلَ المؤمنُ - كما في الآثارِ - هل أنتَ مؤمنٌ؟ أن يَقولَ أنا مؤمنٌ إن شاءَ الله ، خِلافاً لمِا في حَديثِ ابنِ بديل ، وذلكَ مَشروحٌ في كُتُبِ السُّنَّةِ والعَقيدَةِ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة6/152.
باب الفرق بين الإيمان والإسلام
س)- هل مسمى الإسلام غير الإيمان؟
لقد اختلف العلماء في ذلك اختلافاً كثيراً , والحق ما ذهب إليه جمهور السلف من التفريق بينهما , لدلالة الكتاب والسنة على ذلك فقال تعالى : (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ)الحجرات14, وحديث جبريل في التفريق بين الإسلام والإيمان معروف مشهور.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في كتاب الإيمان : (والرد إلى الله ورسوله في مسألة الإسلام والإيمان يوجب أن كلاً من الاسمين , وإن كان مسماه واجباً , ولا يستحق أحد الجنة إلا بأن يكون مؤمناً مسلماً , فالحق في ذلك ما بينه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حديث جبريل , فجعل الدين وأهله ثلاث طبقات : أولها الإسلام , وأوسطها الإيمان , وأعلاها الإحسان , ومن وصل إلى العليا فقد وصل إلى التي تليها , فالمحسن مؤمن , والمؤمن مسلم , وأما المسلم , فلا يجب أن يكون مؤمناً).
ومن شاء بسط الكلام على هذه المسألة مع التحقيق الدقيق , فليرجع إلى الكتاب المذكور , فإنه خير ما ألف في هذا الموضوع. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم155.(2/15)
باب في ما يتضمنه الإيمان
س)- هل الاعمال الصالحة داخلة في الايمان؟
إنَّ الإيمانَ قولٌ وعَمَلٌ ، والأعمالُ الصَّالحةُ مِن حَقيقةِ الإيمانِ . انتهى كلام الالباني من الذب الأحمد عن مسند الإمام احمد للألباني 32/33.
س)- هل ينفع الايمان بدون عمل صالح؟
الايمان بدون عمل لا يفيد ، فالله عز وجل حينما يذكر الايمان يذكره مقرونا بالعمل الصالح لا ننا لا نتصور ايمانا بدون عمل صالح الا ان كان نتخيله خيالا ، آمن من هنا قال أشهد ان لا اله الا الله ، ومحمد رسول الله ومات من هنا ، هذا نستطيع ان نتصوره ، لكن انسان يقول أشهد ان لا اله الا الله ، ومحمد رسول الله ويعيش دهرا مما شاء الله ولا يعمل صالحا ، فعدم عمله الصالح دليل انه يقولها بلسانه ولم يدخل الايمان الى قلبه .شرح الادب المفرد - الشريط السادس - الوجه الاولى .
س)-هل هناك تلازم بين الظاهر والباطن؟
أنا لا أزالُ أقولُ : إنَّ هناكَ ارتباطاً وَثيقاً جِداً بينَ قَلبِ المؤمنِ وَجَسدهِ ... كما أنَّ صَلاحَ القَلبِ من النَّاحيةِ الماديَّةِ لهُ ارتباطٌ بِصلاحِ البدنِ ، فإنني لا أستطيعُ أن أتصوَّرَ رَجُلاً مَريضَ القلبِ وَيَكون صَحيحَ البدنِ !! لا أستطيعُ أن أتصوَّر هذا ، كذلكَ الأمرُ تَماماً فيما يَتعلَّق بالناحيةِ الإيمانيةِ ، لا أستطيعُ أن أتصوَّر مُؤمناً وَقد كَانَ كافراً ثم آمنَ باللهِ وَرَسولِهِ حَقَّاً ، مُستحيلٌ أن أتَصوَّر أنَّهُ سَيَبقى كَما كانَ ، والسَّببُ أنَّ الإيمانَ -كما قُلنا- يَزيدُ وَيَنقُصُ انتهى كلام الالباني من دلائل البرهان 19.
س)-هل علامة فساد الظاهر دليل على فساد الباطن؟
في قوله صلى الله عليه وسلم (أقيموا صُفوفَكُم - ثلاثاً - ، والله لَتُقيمُنَّ صُفوفَكُم أو لَيُخالَِفَنَّ بَين قُلوبِكُم ) دَليلٌ واضِحٌ على أمرٍ لا يَعلَمُه كَثيرٌ من النَّاسِ ، و إن كانَ صَارَ مَعروفاً في عِلمِ النَّفسِ ، وَهو أنَّ فَسادَ الظَّاهرِ يؤثِّرُ في فَسادِ الباطنِ ، و العكسُ بالعكسِ ، و في هذا المعنى أحاديثُ كَثيرةٌ ، لَعلَّنا نَتَعرَّضُ لجمعِها و تخريجِها في مُناسبةٍ أخرى إن شاءَ الله تعالى انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 1/31(2/16)
س)- جاء في مسند الطبراني عن أبي هريرةَ رضي اللهُ عنهُ ان النبي صلى الله عليه وسلم قال : (إنَّ الله لا يَنظُرُ إلى أجسامِكُم ولا إلى أحسابكم ولكن يَنظُر إلى قُلوبِكُم، فمن كانَ له قلبٌ صالحٌ تَحنَّنَ الله عَليهِ فإنما أنتُم بنو آدم وأحَبَّكُم إلي أتقاكُم ) هل يدل هذا الحديث على عدم دخول الاعمال في نظر الله عز وجل؟
لقد زادَ مُسلمُ وغيرُهُ – في روايةٍ - : (وأعمالِكُم) وهذهِ الزِّيادةُ هامَّةٌ جِداً ؛ لأنَّ كثيراً من الناسِ يَفهَمونَ الحديثَ بِدونِها فَهماً خاطِئاً ؛ فإذا أنتَ أمرتَهم بما أمرهُم به الشَّرعُ الحكيمُ مِن مِثلِ إِعفاءِ اللِّحيَةِ ، وَتَركِ التشبُّهِ بالكفَّارِ ، وَنحوِ ذلك من التكاليفِ الشرعيَّةِ ، أجابوكَ : بأنَّ العُمدةَ على ما في القلبِ ، واحتجُّوا على زَعمِهم بِهذا الحديثِ ، دونَ أن يَعلَموا بِهذهِ الزّيادةِ الصحيحةِ الدَّالَّةِ على أنَّ الله – تبارك وتعالى – يَنظُر أيضاً إلى أعمالهم ، فإن كانت صالحةً قَبِلَها وإلا رَدَّها عليهِم ، كما تَدلُّ على ذلك عَديدٌ من النُّصوصِ ؛ كَقولهِ -صلى الله عليه وسلم- : ( من أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليسَ مِنه فهُوَ ردٌّ).
والحقيقةُ أنَّه لا يُمكنُ تَصوُّرُ صَلاحِ القُلوبِ إلا بِصلاحِ الأعمال ، ولا صَلاحُ الأعمالِ إلا بِصلاحِ القُلوبِ .
وقد بيَّن ذلك رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- أجملَ بيانٍ في حديثِ : (.... ألا وإنَّ في الجسدِ مُضغةًَ ؛ إذا صَلَحت صَلَح الجسدُ كُلُّهُ ؛ وإذا فَسَدت فَسَد الجسدُ كُلُّهُ ، ألا وهيَ القَلبُ ) ، وَحَديثُهُ الآخر : ( لَتُسَوُّنَّ صُفوفَكُم أو لَيُخَالِفَنَّ اللهُ بينَ وُجُوهِكُم ) ، أي : قُلوبِكُم. انتهى كلام الالباني من رياض الصالحين 14-15 .
س)- هل إصلاح الظاهر يساعد على إصلاح الباطن ، وما حكم قول القائل الذي لا يقوم ببعض الفرائض مثل الصلاة او غيرها "العبرة بما في القلوب"؟
من المقرر شرعاً أن إصلاح الظاهر يساعد على إصلاح الباطن، وهذا صريح في قوله عليه الصلاة والسلام المعروف: (ألا وإن في الجسد مضغة، إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب). ونحن نقول بمثل هذه المناسبة: كما أن صلاح الجسم من الناحية المادية والصحة البدنية يتعلق بصلاح القلب وصحته، فإذا كان القلب في جسد صاحبه سليماً، فلا يمكن أن يكون الجسد إلا سليماً، والعكس بالعكس؛ إذا فسد القلب مرض الجسد، هكذا يقول نبينا صلوات الله وسلامه عليه، مذكراً لنا بوجوب الاهتمام في إصلاح الظاهر؛ لأن هذا الإصلاح يكون -أولاً- دليلاً على صلاح الباطن، ثم يكون هناك(2/17)
تعاون بين الظاهر والباطن، وكما أقول دائماً وأبداً: هذا الحديث يعطينا عن خاطرة أو فكرة سبقت في أذهان بعض الفلاسفة قديماً، ولم يستطيعوا حتى اليوم أن يحققوها فعلاً، وهي ما يسمونها بالحركة الدائمة، مثلاً: مجرد أن تضغط زر التيار يستمر مرور التيار إلى ما شاء الله بدون أن ينقطع إلا إذا أحببت، أو سيارة -مثلاً- إذا حركتها تستمر بدون أي قوة! حركة دائمة منها من ذاتها، هذا خيال! لكنه حقيقة فيما يتعلق بصلاح الباطن والظاهر، فصلاح الباطن يؤثر في صلاح الظاهر، وصلاح الظاهر يؤثر في صلاح الباطن، والدليل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في الاجتماع في حلقات الذكر -كما قلنا آنفاً- في قوله عليه السلام: (ما لي أراكم عزين) وفي قوله الآخر: (إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان) وأكثر من ذلك قوله عليه السلام حينما كانت تقام الصلاة فلا يكبر حتى يأمر بتسوية الصفوف، ويقول لهم: (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم) إذاًَ: الاختلاف في الصفوف يؤدي إلى الاختلاف في القلوب، والاستواء في الصفوف يؤدي إلى استواء القلوب وتحببها وتجمعها ونحو ذلك، لهذا كان عليه الصلاة والسلام يهتم بإصلاح الظاهر وإصلاح البدن، وقديماً قالوا: صلاح الأبدان كصلاح الأديان، فكل منهما مرتبط مع الآخر. أنتم تعلمون أن النبي صلى الله عليه وسلم يأمر المسلم الذي أصابه مرض ما أن يتداوى، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (تداووا عباد الله، فإن الله لم ينزل داءً إلا وأنزل له دواء) زاد في حديث آخر: (علمه من علمه وجهله من جهله) فإذاًَ: يجب العناية بالأمرين معاً، وليس كما يزعم بعض الجهلة: يا أخي! العبرة بما في القلوب، إذا قيل له: لماذا لا تصلي؟ لماذا لا تقوم بواجبك الشرعي؟ يقول لك: العبرة بما في القلوب، أنا والحمد لله لا أضر أحداً، ولا أغش أحداً، ولا، ولا .. إلخ، وهذا كذاب، الشيطان دلس عليه، هو يقول: لا يغش أحداً، وأول من غش هو نفسه؛ لأنه عصى ربه، فكيف يمكن أن يكون سليم القلب وهو لا يطيع الله عز وجل على الأقل فيما فرضه الله عليه. هذه كلمة بين يدي التضام في حلقات العلم، لابد منها أن تكون على بال منكم، حتى تأتمروا أولاً بأوامر الرسول صلى الله عليه وسلم، وحتى تتذكروا هذه الحقيقة: أن صلاح الباطن لا يغني عن صلاح الظاهر، صلاح الأبدان لا يغني عن صلاح الأديان، وصلاح الأديان -إذا صح الجمع- لا يغني عن صلاح الأبدان. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)-ما تعليقكم على قَولِ الإمامِ الطَّحاويِّ :(( ولا نَقولُ لا يَضرُّ معَ الإيمانِ ذَنبٌ لِمَن عَمِلَهُ ))
ذلكَ قَولِ المرجِئةِ المؤدِّي إلى التكذيبِ بآياتِ الوعيدِ وأحادِيثهِ الوارِدَةِ في حَقِّ العُصاةِ من هذه الأمَّةِ، وأنَّ طَوائِفَ مِنهم يَدخُلونَ النَّارَ ثم يَخرُجونَ مِنها بالشَّفاعةِ أو بِغَيرِها . انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.(2/18)
فصل في الإيمان بالملائكة
س)- هل صح لملك الموت اسم آخر غير هذا الاسم؟
هذا هو اسمه في القرآن ، وأما تسميته بـ(عزرائيل) كما هو شايع بين الناس فلا أصل له وانما هو من الاسرائيليات. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
فصل في الإيمان بالرسل
س)- ما حكم قول القائل أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى؟ وان كان هذا القول غير صحيح فما هو أول مخلوق ؟ وهل يصح ان يقال ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بمخلوق قبله؟ وان الحوادث لا أول لها؟
في الحديث (إن أول شيء خلقه الله تعالى القلم ، وأمره أن يكتب كل شيء يكون) ، إشارة إلى رد ما يتناقله الناس , حتى صار ذلك عقيدة راسخة في قلوب كثير منهم , وهو أن النور المحمدي هو أول ما خلق الله تبارك وتعالى , وليس لذلك أساس من الصحة , وحديث عبدالرزاق غير معروف إسناده , ولعلنا نفرده بالكلام في الأحاديث الضعيفة إن شاء الله تعالى.
وفيه رد على من يقول بأن العرش هو أول مخلوق , ولا نص في ذلك عن الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإنما يقول به من قال كابن تيمية وغيره استنباطاً واجتهاداً , فالأخذ بهذا الحديث - وفي معناه أحاديث أخرى - أولى , لأنه نص في المسألة , ولا اجتهاد في مورد النص كما هو معلوم.
وتأويله بأن القلم مخلوق بعد العرش باطل , لأنه يصح مثل هذا التأويل لو كان هناك نص قاطع على أن العرش أول المخلوقات كلها , ومنها القلم , أما ومثل هذا النص مفقود , فلا يجوز هذا التأويل.
وفيه رد أيضاً على من يقول بحوادث لا أول لها , وأنه ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بمخلوق قبله , وهكذا إلى ما لا بداية له , بحيث لا يمكن أن يقال : هذا أول مخلوق , فالحديث يبطل هذا القول , ويعين أن القلم أول مخلوق , فليس قبله قطعاً أي مخلوق.
ولقد أطال ابن تيمية رحمه الله في الكلام في رده على الفلاسفة محاولاً إثبات حوادث لا أول لها , وجاء في أثناء ذلك بما تحار فيه العقول , ولا تقبله أكثر القلوب , حتى اتهمه خصومه بأنه يقول بأن المخلوقات قديمة لا أول لها ,(2/19)
مع أنه يقول ويصرح بأن ما من مخلوق إلا وهو مسبوق بالعدم , ولكنه مع ذلك يقول بتسلسل الحوادث إلى ما لا بداية له , كما يقول هو وغيره بتسلسل الحوادث إلى ما لا نهاية , فذلك القول منه غير مقبول , بل هو مرفوض بهذا الحديث , وكم كنا نود أن لا يلج ابن تيمية رحمه الله هذا المولج , لأن الكلام فيه شبيه بالفلسفة وعلم الكلام الذي تعلمنا منه التحذير والتنفير منه , ولكن صدق الإمام مالك رحمه الله حين قال : (ما منا من أحد إلا رد عليه إلا صاحب هذا القبر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 133.
س)- ما حكم من لم يؤمن بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
إن من سمع بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وما أرسل به , بلغه ذلك على الوجه الذي أنزله الله عليه , ثم لم يؤمن به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أن مصيره إلى النار , لا فرق في ذلك بين يهودي أو نصراني أو مجوسي أو لا ديني.
واعتقادي أن كثيراً من الكفار لو اتيح لهم الاطلاع على الأصول والعقائد والعبادات التي جاء بها الإسلام , لسارعوا إلى الدخول فيه أفواجاً , كما وقع ذلك في أول الأمر , فليت أن بعض الدول الإسلامية ترسل إلى بلاد الغرب من يدعو إلى الإسلام ممن هو علىعلم به على حقيقته , وعلى معرفة بما ألصق به من الخرافات والبدع والافتراءات , ليحسن عرضه على المدعوين إليه , وذلك يستدعي أن يكون على علم بالكتاب والسنة الصحيحة , ومعرفة ببعض اللغات الأجنبية الرائجة , وهذا شئ عزيز يكاد يكون مفقوداً , فالقضية تتطلب استعدادات هامة , فلعلهم يفعلون. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 157.
س)- نرجو البيان بالتفصيل في حكم استعمال كلمة (سيد) مثلاً: (سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم)، مع أنه ورد حديث: (السيد الله) ؟
(السيد الله) هو حديث صحيح بلا شك، وكذلك هناك أحاديث صحيحة أطلق فيها الرسول عليه الصلاة والسلام السيادة لنفسه بحق، وهو قوله في صحيح مسلم: (أنا سيد الناس يوم القيامة، أتدرون مما ذاك...) ثم ذكر حديث الشفاعة، وهو حديث طويل جداً، كذلك قال عليه الصلاة والسلام: (أنا سيد الناس يوم القيامة ولا فخر، آدم فما دونه تحت لوائي يوم القيامة). فالسيادة سيادتان: سيادة لا تليق إلا لله عز وجل، فهي التي عناها الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الأول حينما قال: (السيد الله) وهي السيادة المطلقة، والمناسبة التي ذكر هذا الحديث فيها تؤيد ذلك، فقد جاء ناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا له: (أنت سيدنا وابن سيدنا وأنت كذا وكذا...) -وذكروا ألفاظاً أخرى، فقال في الحديث هذا: (السيد الله) وفي حديث آخر قال لهم: (قولوا بقولكم، أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان)، أيضاً نفهم من(2/20)
مجموع الروايتين أن قوله عليه الصلاة والسلام: (السيد الله) هو تنبيه إلى أن السيادة الحقيقة إنما هي لله عز وجل، فخشي عليه الصلاة والسلام من مبالغتهم في وصفه، أن يؤدي بهم ذلك الوصف إلى الإشراك بالرسول صلى الله عليه وسلم مع الله ولو في اللفظ؛ لأنه من الفقه في التوحيد الذي يخفى على كثير من أهل العلم فضلاً عن غيرهم، أن الشرك له أقسام كثيرة، والذي يهمنا الآن هو التفصيل الآتي: شرك اعتقادي، وشرك لفظي، فحينما نهى الرسول عليه الصلاة والسلام أولئك وقال لهم: (السيد الله) خشي عليهم أن يقعوا في الشرك اللفظي، أي: أن يقولوا لفظاً يمكن أن يطلق على الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن المعنى الحقيقي له إنما هو لله تبارك وتعالى، فبياناً لهذه الحقيقة قال: (السيد الله) وبياناً للسيادة اللائقة به عليه الصلاة والسلام، التي هي دون ودون ودون -أكرر ملايين (دون)- سيادة الله الحقيقية، هي هذه السيادة التي قال: (أنا سيد الناس يوم القيامة، أنا سيد ولد آدم) فبناء على هذا التفصيل: إذا قال المسلم في بعض الأحيان: سيدنا رسول الله، وهو إنما يعني السيادة اللائقة به، وهو نبي مصطفىً مخلوق، فهذا جائز بلا شك؛ لأنه سيد حقاً، لكن إذا قال: سيدنا، وضمن هذه اللفظة معنىً فوق مستوى البشر، فحين ذلك يقال له: السيد الله، السيادة الحقيقية هي لله عز وجل. ونجد أن الصحابة رضي الله عنهم نادراً ما كانوا يستعملون لفظة السيادة هذه؛ لأن الغالب عليهم أنهم يقولون: قال رسول الله، وإنما جاء في حديث موقوف في سنن ابن ماجة على ابن مسعود، أنه ذكر الرسول عليه الصلاة والسلام لفظ: سيد المرسلين، ومع ذلك ففي السند ضعف، فإذا قال المسلم أحياناً: قال سيدنا رسول الله، من باب بيان أن للرسول عليه الصلاة والسلام هذه السيادة على جميع البشر، كما سمعتم آنفاً؛ فهذا حق، لكن الغالب أن يقول: قال رسول الله، قال عليه الصلاة والسلام.. كما جرى عليه السلف الصالح، إلا في العبادات في الأوراد والأذكار التي جاءتنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم تعليماً منه لنا، فلا يجوز أن ندخل لفظة سيد في ورد من تلك الأوراد؛ وذلك لأن التعليم النبوي للمسلمين ليس فيه نقص حتى يأتي أحدنا فيستدرك هذا النقص عليه، فالله عز وجل حينما أنزل قوله: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) [الأحزاب:56] قالوا: (يا رسول الله! هذا السلام عليك قد عرفناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال عليه الصلاة والسلام: قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم ... إلخ) لم يقل لهم: قولوا: اللهم صلِّ على سيدنا. وهنا أذكر وهماً شائعاً للتنبيه على خطئه، يقول بعضهم، ومع الأسف أنه من أهل العلم: كيف يأمر الرسول الناس أن يقولوا: سيدنا، وهو رسول الله وهو متواضع، ولا يليق بتواضعه أن يأمر الناس أن يسودوه، وأن يقولوا: اللهم صلِّ على سيدنا؟ هذه غفلة تشبه غفلة المستبيحين للتصوير الفوتوغرافي، بحجة أن الرسول لا يعرف ما يصير فيما بعد، ونسوا أن هذا الكلام: (كل مصور في النار) ليس من عنده، وإنما هو من الله، ونسوا أيضاً أن قول الرسول: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد) ليس من عنده، إنما هو من وحي السماء، فالله(2/21)
هو الذي أمر سيد الناس أن يأمر الصحابة أصالة وسائر الناس تبعاً بأن يقولوا: اللهم صلِّ على محمد، فلو أن الله عز وجل أراد أن يشرع للناس تسويد الرسول بالصلاة الإبراهيمية، لكان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول للناس: قولوا: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، ويُقَرِّب هذا المعنى ما يأتي: تُرَى لما علمنا الرسول عليه الصلاة والسلام التحيات، وقال: (إذا جلس أحدكم في التشهد فليقل: التحيات لله) هل هذا تعظيم لنفسه أم تعظيم لربه؟ لا شك أنه تعظيم لربه، فهل يجوز لنا أن نقول: التحيات لله تعالى، التحيات لله عز وجل؟ هذا كله تعظيم لله عز وجل؟ ومع ذلك لا يجوز بهذه الصيغة؟ لأن هذا التعليم كامل أولاً، ثم هو من الله الذي أمرنا أن نعظمه ونبجله في صلاتنا بهذه الألفاظ: التحيات لله والصلوات والطيبات، فلو أراد الله زيادة التبجيل له لزاد هذه الألفاظ وعلمنا الرسول عليه السلام، وهذا كهذا، كما أنه لا يجوز للمصلي أن يقول: التحيات لله تبارك وتعالى، والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته وتحياته وسلامه ...إلخ، كذلك لا يجوز أن يقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد.. إلخ. والسر في هذا أن الأذكار توقيفية، أي: التعليم من الله للرسول والرسول بدوره للأمة، لذلك لا يجوز أن نقول: إن الرسول تواضعاً منه لم يقل: قولوا: اللهم صلِّ على سيدنا، وإنما نقول: إن كان الله أوحى إليه بلفظة (سيدنا) فما كان لرسول الله أن يكتم وحي السماء بحجة التواضع، وإن كان الله لم يوحِ إليه بذلك؛ فأحرى وأحرى ألا يجوز لنا أن نزيد شيئاً لم يوحَ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم من السماء. فهذا جواب زيادة سيادة الرسول عليه الصلاة والسلام له سيادته اللائقة التي فضل بها على الناس جميعاً، ولكن نقول أحياناً: سيدنا رسول الله، تخصيصاً لهذه السيادة، ولكن لا نزيد هذه اللفظة في الأوراد التي علمناها الرسول عليه الصلاة والسلام.دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- كيف يمكن الجمع بين قولي الرسول صلى الله عليه وسلم: (ما بعث الله من نبي إلا كان في أمته قوم يهتدون بهديه ويستنون بسنته) والحديث الآخر (رأيت النبي ومعه الرهط، والنبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد)؟
الذي يبدو لي -والله أعلم- أن الحديث: (ما بعث الله من نبي إلا كان في قومه من يهتدي بهديه) هذا من النصوص العامة التي تخصص بالحديث الآخر، الذي عرض فيه على الرسول صلى الله عليه وسلم: النبي وليس معه أحد أي: أن الغالب -وهذا أمر مقطوع به نظراً وبصراً- الغالب أن الله عز وجل حين بعث الأنبياء، فلا بد أن يكون هناك من يستجيب لدعوتهم؛ ولكن ما بين أن يكون المستجيب قليلاً أو كثيراً؛(2/22)
ولكن هذا لا ينفي أن يكون هناك بعض الأفراد من الأنبياء لم يستجب لهم أحد، فالحديث الأول يحمل على الغالب من شأن الدعاة مع المدعوين، أي: شأن الأنبياء مع المدعوين، فعلى الغالب أن يستجيب المدعوون لدعوة الأنبياء؛ لأنها دعوة حق، مع الاختلاف -كما قلنا- في الكثرة والقلة، ولكن أحياناً لا يستجيب للرسول أحد إطلاقاً، وهذا من جملة الامتحان والاختبار من الله عز وجل. فإذاً: التوفيق بين الحديثين بقاعدة: حمل العام على الخاص، وبذلك يزول الإشكال، وهذا لا يشكل على طلاب العلم؛ لأنه مثل قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) [المائدة:3] فهذا يشبه تماماً لو سأل سائل: كيف التوفيق بين الآية، وبين قوله عليه الصلاة والسلام: (أحلت لنا ميتتان ودمان: الحوت والجراد، والكبد والطحال)؟ الجواب: حرمت عليكم الميتة إلا كذا كذلك الدم إلا كذا، فهذا النص القرآني نص عام، خصص منه ما ذكر في الحديث، كذلك المبدأ العام أن كل نبي بعثه الله عز وجل استجاب له من استجاب إلا..، فنأخذ الاستثناء من الحديث الثاني (فرأيت النبي وليس معه أحد)، إذاً: عام وخاص، فهكذا يكون الجمع. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم من يقول ببقاء النبوة واستمرارها بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
ورد في الحديث ان النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا انصرف من صلاة الغداة يقول : هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا ؟ ويقول: ليس يبقى بعدي من النبوة إلا الرؤيا الصالحة) نص في أنه لا نبوة ولا وحي بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا المبشرات : الرؤيا الصالحة , وهي جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة.
ولقد ضلت طائفة زعمت بقاء النبوة واستمرارها بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وتأولوا - بل عطلوا - معنى هذا الحديث ونحوه مما في الباب , وكذلك حرفوا قول الله تعالى : (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ)الأحزاب40 , بمثل قولهم : أي زينة النبيين , وتارة يقولون : هو آخر الأنبياء المشرعين , ويقولون ببقاء النبوة غير التشريعية. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 473.
س)- هل يعتري الرسول صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النسيان ؟
حديث (أما إني لا أنسى , ولكن أنسى لأشرع) حديث باطل لا أصل له وظاهره أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا ينسى بباعث البشرية , وإنما ينسيه الله ليشرع , وعلى هذا فهو مخالف لما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما من حديث ابن مسعود مرفوعاً : (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون , فإذا نسيت فذكروني).(2/23)
ولا ينافي هذا أن يترتب على نسيانه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حكم وفوائد من البيان والتعليم , والقصد أنه لا يجوز نفى النسيان الذي هو طبيعة البشر عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لهذا الحديث الباطل , لمعارضته لهذا الحديث الصحيح. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 101.
س)- ما التوجيه الصحيح في ملامة موسى لأدم فى حديث محاججة موسى لأدم؟
جاء في الحديث (إن موسى قال: يارب أرني آدم الذي أخرجنا ونفسه من الجنة، فأراه الله آدم، فقال: أنت أبونا آدم؟ فقال: له آدم نعم، فقال: أنت الذي نفخ الله فيك من روحه، وعلمك الأسماء كلها، وأمر الملائكة فسجدوا لك، قال: نعم، قال: فما حملك على أن أخرجتنا ونفسك من الجنة، فقال: آدم ومن أنت؟ قال أنا موسى، قال: أنت نبي بني إسرائيل الذي كلمك الله من وراء حجاب، ولم يجعل بينك وبينه رسولا من خلقه؟ قال: نعم، قال: أفما وجدت أن ذلك كان في كتاب الله قبل أن أخلق؟ قال: نعم، قال: فما تلومني في شيء سبق من الله تعالى فيه القضاء قبلي؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك: فحج آدم موسى، فحج آدم موسى).
واعلم أن العلماء قد اختلفوا في توجيه ذلك، وأحسن ما وقفت عليه ما أفادة شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى؛ إنما هو موسى لامه على ما فعل لأجل ما حصل لذريته من المصيبة بسبب أكله من الشجرة، لا لأجل حق الله في الذنب، فإن آدم كان قد تاب من الذنب، وموسى عليه السلام يعلم أن بعد التوبة والمغفرة لا يبقى ملام على الذنب، ولهذا قال: ((فما حملك على أن أخْرجتنا ونفسك من الجنة؟))، لم يقل: لماذا خالفت الأمر؟ والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بأفعال الناس أو بغير أفعالهم بالتسليم للقدر وشهود الربوبية...فراجع كلامه في ذلك فإنه مهم جداً في الرسالة المذكورة، وفي((كتاب القدر)) من ((الفتاوى))المجلد الثامن، وكلام غيره في((مرقاة المفاتيح))(1/123-124). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 1702.
س)- هل ثبت في السنة خصوصيات للنبي صلى الله عليه وسلم تخالف باقي البشر؟
إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يسمع ما لا يسمع الناس , وهذا من خصوصياته عليه الصلاة والسلام , كما أنه كان يرى جبريل ويكلمه ، والناس لا يرونه ولا يسمعون كلامه , فقد ثبت في البخاري وغيره أنه صَلَّى اللَّهُ(2/24)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال يوماً لعائشة رضي الله عنها : (هذا جبريل يقرئك السلام , فقالت : وعليه السلام يارسول الله ترى ما لا نرى).
ولكن خصوصياته عليه السلام إنما تثبت بالنص الصحيح , فلا تثبت بالنص الضعيف ولا بالقياس والأهواء , والناس في هذه المسألة على طرفي نقيض , فمنهم من ينكر كثيراً من خصوصياته الثابتة بالإسانيد الصحيحة , إما لأنها غير متواترة بزعمه , وإما لأنها غير معقولة لديه , ومنهم من يثبت له عليه السلام ما لم يثبت , مثل قولهم : إنه أول المخلوقات , وإنه كان لا ظل له في الأرض , وإنه إذا سار في الرمل , لا تؤثر قدمه فيه , بينما إذا داس على الصخر علم عليه , وغير ذلك من الأباطيل.
والقول الوسط في ذلك أن يقال : إن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بشر بنص القرآن والسنة وإجماع الأمة , فلا يجوز أن يعطى له من الصفات والخصوصيات إلا ما صح به النص في الكتاب والسنة , فإذا ثبت ذلك , وجب التسليم له , ولم يجز رده بفلسفة خاصة علمية أو عقلية زعموا.
ومن المؤسف أنه قد انتشر في العصر الحاضر انتشاراً مخيفاً رد الأحاديث الصحيحة لأدنى شبهة ترد من بعض الناس , حتى لايكاد يقوم في النفس أنهم يعاملون أحاديثه عليه السلام معاملة أحاديث غيره من البشر الذين ليسوا معصومين , فهم يأخذون منها ما شاؤوا , ويدعون ما شاؤوا , ومن أولئك طائفة ينتمون إلى العلم وبعضهم يتولى مناصب شرعية كبيرة , فإنا لله وإنا إليه راجعون , ونسأله تعالى أن يحفظنا من شر الفريقين المبطلين والغالين. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم159.
س)- هل النوم لا ينقض وضوءه صلى الله عليه وسلم؟
إن النوم لا ينقض وضوءه صلى الله عليه وسلم , و أن ذلك من خصوصياته . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2925.
س)- رؤية الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام هل تحدث حقيقة؟ وما الدليل على ذلك؟
إن كان الرائي رأى الرسول عليه السلام حقيقة فهي رؤية حقيقة، أي: إنه رأى الرسول عليه السلام بأوصافه الثابتة في كتب السنة فقد رآه حقاً؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام يقول: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي). أما إن رأى صورة وقيل له: إن هذا رسول الله، كأن رآه مثلاً شيخاً فانياً، لحيته بيضاء كالقطن، فهذه ليست صفة الرسول عليه السلام، ونحو ذلك من الصفات، فمن رأى(2/25)
الرسول بأوصافه المطابقة للشمائل النبوية؛ فقد رآه حقاً وإلا فلا. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- من رأى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في المنام هل يكون رآه على حقيقته؟ وما يدريه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يدريه أنه هو حيث لم يره في حياته؟
إنه بعد أن يثبت أنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام لا يكون هو في منامه متوهماً، وإنما هو على بصيرة بما يقول، فلا شك أنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام. وسؤال السائل: ما يدريه وهو ما رأى الرسول في حياته؟ الجواب: إنه ليس كل من ادعى أنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام يقال: إنه رأى الرسول في المنام حقاً، وإنما إذا كانت الأوصاف التي رآها في المنام على الشخص الذي يدعي أنه رأى الرسول مطابقة لما ورد في كتب الحديث من شمائل الرسول؛ حينئذٍ نقول: رؤياه حق، أما إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأوصاف وشمائل تخالف الشمائل النبوية، فحينئذ يكون لم يرَ الرسول عليه الصلاة والسلام، فأظن أن السائل مستشكل أنه يسمع كل من رأى الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام فقد رآه حقاً. لا، إنما فيها تفصيل، من رآه مطابقاً لأوصافه وشمائله فقد رآه، وإلا فلا، وعلى هذا التفصيل يجب أن نفهم قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (من رآني في المنام فقد رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي) بعد ذلك تسأل الرائي وتقول له: من فضلك، صف لنا الرسول عليه الصلاة والسلام؟ مثلاً كيف كانت لحيته؟ سيقول لك: بيضاء مثل القطن، فهذا ما رأى الرسول عليه السلام؛ لأن الرسول ما شاب. وجاء في صحيح البخاري وغيره: (أنه كان في لحيته عشر شعرات أو إحدى عشرة شعرة بيضاء فقط) فإذا قال الرائي: أنا رأيت لحيته بيضاء بالمرة، نعرف يقيناً أنه ما رأى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ وإلا فما فائدة قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (فإن الشيطان لا يتمثل بي) هل هذا الشيطان الذي أوهم الرائي في المنام أنه الرسول وأنه شايب؟ والرسول غير شايب، إذاً: ما تشبه بالرسول عليه السلام. كذلك نسأله مثلاً: كيف رأيته، قاعداً أم ماشياً أم جالساً؟ فيجيب: رأيته ماشياً. ونسأله: كيف مشيته؟ يقول: مشي رافعاً عنقه. فهذا ليس هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، لماذا؟ لأن من شمائله وأوصافه أنه كان إذا مشى فكأنما ينصب من صبب عليه الصلاة والسلام، كان قوياً، وكان يسبق أقوى الرجال ...إلخ، فإذا كان الرائي يصف أوصاف الرسول عليه السلام التي رآها في شخصه في المنام، فطابقت أوصاف الرسول عليه الصلاة والسلام التي رواها أصحابه الكرام، فتكون الرؤيا حق، وإلا فلا. ونستحضر بعض حالات للرائي: كل من ادعى(2/26)
بأنه رأى الرسول عليه الصلاة والسلام؛ فإما أن يستطيع أن يصفه وأن يكون في ذهنه أوصاف الرسول عليه الصلاة والسلام، أو في ذهنه أنه هو فعلاً رأى الرسول عليه الصلاة والسلام، ويستطيع أن يصف أوصافه، أو ليس في ذهنه، كثير من الناس -وأنا منهم- يرى رؤيا، أي رؤيا، وفي الصباح تتبخر من ذهنه وكأنه ما رأى شيئاً، فأنا رأيت، لكن كيف؟ لا أدري، القضية ضائعة عليّ تماماً. فإذاً: الرائي للرسول عليه السلام هو بين حالة من حالتين: الحالة الأولى: وفيها حالتان: إما أن يستطيع أن يصف، أو لا يستطيع أن يصف، إما بنسيان، أو ما رأى في الحقيقة الصورة واضحة، مثلاً: قيل له في المنام: هذا الشخص الماشي أمامك هو الرسول عليه السلام، أو الواقف أمامك، ولم يرَ وجهه -مثلاً- فإذا كان لا يستطيع أن يصف فلا نقدر أن نقول له: أصبت أو أخطأت، الله أعلم، هذه الحالة الأولى. الحالة الثانية: يستطيع أن يصف؛ لأنه رآه فعلاً كما تقدم في التفصيل السابق، فإذا وصفه أوصافاً مطابقة لأوصافه عليه السلام، وما هو معروف في كتب الحديث والسنة؛ فهي رؤيا حق (.. فإنه رآني حقاً، فإن الشيطان لا يتمثل بي) وإذا جاءت الأوصاف مخالفة فهي -كما علمتم- ليست الرؤيا التي عناها الرسول عليه السلام. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل محمد صلى الله عليه وسلم حبيب الله ام خليل الله؟
بل هو خليل رب العالمين فإن الخلة أعلى مرتبة من المحبة وأكمل ولذلك قال صلى الله عليه وسلم : " إن الله اتخذني خليلا كما اتخذ إبراهيم خليلا " ولذلك لم يثبت في حديث أنه صلى الله عليه وسلم حبيب الله فتنبه. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (أنا أول الأنبياء في الخلق، وآخرهم في البعث، وقد بعثت آخر الزمان لئلا تطلع الأمم على فضائح أمتي) أو كما قال، فنريد منكم شيخنا الحكم على هذا الحديث؟
الشطر الأول من الحديث: (أنا أول الأنبياء في الخلق، وآخرهم في البعث) حديث معروف، وهو من أحاديث الجامع الصغير، ومن معروفه أنه حديث ضعيف الإسناد لا تقوم الحجة به، ولا يجوز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم لعدم ثبوته، هذا من حيث إسناده. وأما من حيث متنه، فلا يتصور أن يقول الرسول عليه السلام: إنه أول الأنبياء في الخلق، فأول الأنبياء كما نعلم آدم عليه الصلاة والسلام، وهو أبو البشر مطلقاً، فكيف يتصور أن يكون حفيده بعد مئات الأجيال محمد بن عبد الله قد خلق قبل جده الأول(2/27)
آدم عليه الصلاة والسلام؟! وقد يتأول بعض الناس مثل هذا الحديث بأن المقصود بالخلق الخلق المعنوي. فنقول: بهذا المعنى يخرج الحديث عن النكارة الظاهرة، ولكن هذا أيضاً يحتاج إلى إثبات، كون الرسول عليه السلام خلق من حيث المعنى قبل الأنبياء جميعاً، فهذا أمر غيبي يحتاج إلى إثبات، وليس هناك ما يدل عليه، اللهم إلا قوله عليه الصلاة والسلام الثابت عنه: (كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد) وفي رواية: (كتبت نبياً) فهذا معنىً صحيح، أي: إن الله عز وجل كتب نبوة الرسول عليه الصلاة والسلام.. قبل تمام خلق آدم عليه الصلاة والسلام، (كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد) هذا هو لفظ الحديث الصحيح المروي في مسند الإمام أحمد وغيره من كتب السنة المعروفة. وقد اشتهر الحديث عند الصوفية بمعنى: (كنت نبياً لا آدم ولا ماء ولا طين) الحديث بهذا اللفظ من الأحاديث الموضوعة المعروف وضعها عند العلماء. فإذاً حديث: (كنت نبياً -وفي اللفظ الآخر:- كتبت نبياً وآدم بين الروح والجسد) هذا صحيح، أما أنه كان أول الأنبياء في الخلق وآخرهم في البعث، فهذا حديث ضعيف. أما تمام الحديث وهو: (وقد بعثت آخر الزمان لئلا تطلع الأمم على فضائح أمتي) فهذا لا أعرفه حديثاً، وأظنه تعليلاً من بعض الشراح أو المعلقين على الحديث الضعيف. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل صحيح أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أول ما خلق الله من البشر؟
ليس صحيحاً أن الرسول عليه الصلاة والسلام هو أول ما خلق الله من البشر؛ لأن هذا من الأمور الغيبية التي لا يجوز للمسلم أن يتحدث فيها بالظن؛ لأن الله عز وجل يقول في كتابه: (إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) [يونس:36] . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث) فإذا قال إنسان ما: إن الله عز وجل أول ما خلق -لا نقول: شخص محمد، وإنما كما يزعمون خلق- نور محمد صلى الله عليه وسلم، فنحن نقول: قال الله تبارك وتعالى: (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً )[الكهف:51]. فمن أين علم هذا الزاعم الراجم بالغيب أن أول ما خلق الله خلق نور محمد عليه الصلاة والسلام، فسيقول في الحديث المعروف: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر !) فنقول: هذا حديث ليس له أصل في كتب الأمهات الست المشهورة، ولا السنن المعروفة عند أهل الحديث، ولا غيرها مما يبلغ المئات من الكتب، فهذا الحديث ليس له أصل إلا في أذهان الجهال، من الذين اتخذوا مديح النبي صلى الله عليه وسلم بالحق وبالباطل مهنة يعيشون من ورائها، فلا يجوز عند كثير من العلماء إثبات عقيدة بحديث صحيح، وإنما يشترطون في إثبات العقيدة بأن يكون الحديث متواتراً، ولا يكفي أن يكون صحيحاً فقط، ولو كان له طريقان أو ثلاثة، لا بد أن يكون جاء من عشرين طريقاً، أي: عن(2/28)
عشرين صحابياً؛ حتى تثبت العقيدة بذلك الحديث، ونحن وإن كنا لا نتبنى هذا الرأي؛ لأننا لا نفرق بين ما جاءنا عن الرسول صلى الله عليه وسلم من عقيدة وما جاءنا عنه من حكم، فكل ذلك يجب اتباعه والاستسلام له، ولكننا نذكر بأن كثيراً من العلماء لما اشترطوا التواتر في الحديث الذي يراد إثبات العقيدة به، ما اشترطوا ذلك إلا حرصاً على ألا يعتقد المسلم ما قد يكون وَهِم فيه بعض الرواة، فمع الأسف نجد جماهير الناس اليوم يعتقدون عقائد قامت على أحاديث ضعيفة، بل وأحاديث موضوعة، كهذا الحديث: (أول ما خلق الله نور نبيك يا جابر!) لذلك فلا يجوز للمسلم أن يعتقد مثل هذه العقيدة، لعدم ورودها في شيء من الأحاديث الصحيحة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل صحيح ما يقال في الرسول صلى الله عليه وسلم: لو أبصر الشيطان طلعة نوره في وجه آدم كان أول من سجد ، هذا سمعته من بعض المنشدين، فما حكم الإنشاد والمديح هذا؟
البيت المذكور لا شك أنه ضلال، لا يجوز إنشاده، فضلاً عن مدح الرسول به؛ لأن مدحك للرجل بالباطل هو طعن في الواقع فيه، سواء شاء هذا المنشد أو أبى؛ لأنك إذا مدحت إنساناً بما ليس فيه، فكأنك تعني أن هذا ليس فيه من الممادح الحقيقية القائمة فيه حتى نمدحه بها؛ لذلك نحن نختلق من عند أنفسنا أشياء نمدحه بها، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ليس كذلك، فقد اصطفاه الله عز وجل لنبوته ورسالته، وخلَّقه بالأخلاق الكاملة، فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) [القلم:4] . فليس هو عليه الصلاة والسلام بحاجة إلى أن يمدح بمثل هذه الأباطيل، لا سيما وفي السنة الصحيحة -قسم منها متواتر، وقسم دون ذلك، وكله صحيح- ما يمكن للمسلم أن يمدح الرسول عليه الصلاة والسلام به، أما أن يأتي إلى مثل هذا المديح الباطل، فهذا غلو في الدين، والله عز وجل قد حذرنا بتحذيره أهل الكتاب من الغلو في الدين فقال: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ )[النساء:171] . وقال عليه الصلاة والسلام موجهاً نفس هذا المعنى إلينا نحن معشر المسلمين مباشرة، وذلك حينما كان قريباً من منى، وأمر عبد الله بن عباس أن يلتقط له حصيات، وأشار إلى أن تكون الحصيات صغيرة بقدر حصى الخذف، وقال: (مثل هذه، وإياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من قبلكم غلوهم في دينهم). فالغلو في الدين لا يجوز مطلقاً، وبخاصة ما كان منه متعلقاً بالعقيدة مثل الأمور الغيبية، فمثل هذا الزعم الذي زعمه هذا المنشد:
لو أبصر الشيطان طلعة نوره في وجه آدم كان أول من سجد ، هذا من كلام الشعراء الذين يتبعهم الغاوون. إذاً: مثل هذا الإنشاد لا يجوز قطعاً؛ والكلام والنطق والتلفظ به لا يجوز؛ لأنه باطل، ولذلك حذر الرسول(2/29)
عليه الصلاة والسلام المسلمين من أن ينصاعوا في مدحه ولو في حدود الواقع، خشية أن يجرهم ذلك إلى مثل هذا الكلام الباطل، فقال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) (لا تطروني) أي: لا تمدحوني، وبهذه المناسبة يجب التذكير بأنه ليس معنى هذا الحديث كما يذكر بعض الشراح: (لا تطروني) أي: لا تبالغوا في مدحي، لا. وإنما لا تمدحوني مطلقاً؛ لأنه ليس بحاجة إلى أن يمدح، وذلك لأن اليهود و النصارى إنما ضلوا ووصلوا إلى جعل عيسى ابن الله بسبب أنهم فتحوا لأنفسهم باب مدح عيسى عليه الصلاة والسلام. وكلنا يعلم أن معظم النار من مستصغر الشرر، فالشيطان من كيده لبني الإنسان، لا يفزعه بالموبقات وبالعظائم من الأمور المحرمة؛ لأن ذلك مما ينبه عدوه الإنسان فلا يتورط معه، وإنما يأتيه خطوة خطوة، فسداً للذريعة قال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني) أي: لا تمدحوني مطلقاً (إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله) ومن الدليل على هذا الذي قلته: أن هذا الحديث أورده علماء الحديث ومنهم الإمام الترمذي في كتابه الشمائل النبوية، أورده تحت باب: تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان الإمام الترمذي يفهم هذا الحديث: (لا تطروني) أي: لا تبالغوا في مدحي، لم يتصل هذا المعنى بالباب، أو لم يكن الحديث مترجماً للباب؛ لأن هذا لا يدل على التواضع، وهو واجب على أي إنسان أن يقول للناس: لا تمدحوني بالباطل، هذا ليس تواضعاً، لكن التواضع هو إذا فهم الحديث على ظاهره، لا تمدحوني مطلقاً، هذا هو التواضع.. لماذا يا رسول الله وأنت أهل لأن تمدح؟ لأن فتح هذا الباب قد يؤدي بكم إلى الوقوع في مثل ما وقع فيه النصارى من الإسراف، وهذا في الواقع مشاهد اليوم بين المسلمين، وهذا بيت شعر أمامكم من أبيات كثيرة وكثيرة من قصيدة البوصيري وغيره:
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم هذا مدح؛ لكنه كفر؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام سمع الجارية في زمنه وهي تقول:
وفينا نبي الله يعلم ما في غد فقال: (لا يعلم الغيب إلا الله، دعي هذا)، فكيف لو سمع الرسول عليه الصلاة والسلام قول البوصيري :
ومن علومك علم اللوح والقلم؟! لاشك أن هذا ضلال لا يرضاه الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه يخالف الكتاب والسنة وإجماع الأمة. إذاً: فقطع دابر هذه المبالغات هو ألا يفتح المسلم باب المديح خاصة بالأناشيد هذه، ويكتفي بقراءة ما ثبت في السيرة من أخلاق الرسول عليه الصلاة والسلام ومن معجزاته وآدابه التي فتح بها هذه القلوب التي كانت عمياً. وإليك بعض الأمثلة الموضحة لهذا المعنى: عن عبد الله بن الشخير قال: (انطلقت في وفد بني عامر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: أنت سيدنا، فقال عليه الصلاة والسلام: السيد الله تبارك وتعالى، قلنا: وأفضلنا فضلاً، وأعظمنا طولاً، فقال: قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان) رواه أبو داود بسند جيد. ماذا يقصد الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:(2/30)
(قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان)؟ أي: لما قالوا للرسول عليه السلام: أنت سيدنا، قال لهم عليه الصلاة والسلام: (السيد الله) أي: السيد الحقيقي هو الله، ولما قالوا له: (وأفضلنا فضلاً وأعظمنا طولاً) قال لهم عليه الصلاة والسلام: (قولوا بقولكم أو ببعض قولكم، ولا يستجرينكم الشيطان) أي: لا تفتحوا على أنفسكم باب الانحراف عن الصراط المستقيم، بالغلو في مدح الرسول صلى الله عليه وسلم وتعظيمه، فيجركم الشيطان إلى الطرق المنحرفة عن الصراط المستقيم، كما قال عليه الصلاة والسلام: (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم، إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله). كذلك يشير الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (ولا يستجرينكم الشيطان) إلى الحديث الذي رواه عبد الله بن مسعود قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم، فخط على الأرض خطاً مستقيماً، ثم خط من حوله خطوطاً قصيرة، ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يمد أصبعه على الخط المستقيم: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) [الأنعام:153] ). فالمبالغة في مدح الأنبياء والصالحين هي من الطرق التي يجر الشيطان المبالغين في المدح إلى طرق قصيرة، ويخرجهم بها عن الصراط المستقيم الذي هو طريق واحد لا ثانيَ له، هذا هو المقصود بقوله عليه السلام: (ولا يستجرينكم الشيطان) وبعبارة أصولية: إن الرسول عليه الصلاة والسلام بقوله: (لا يستجرينكم الشيطان) وضع باب سد الذريعة، فهو ينهى عن المبالغة في المدح؛ خشية أن يؤدي إلى ما لا يجوز من الكلام كما فعل النصارى. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/31)
فصل في الإيمان باليوم الآخر
باب في الإيمان بعلامات القيامة الصغرى والكبرى
س)- هل ثبتت فتنة الدجال؟
إن فتنة الدجال فتنة عظيمة , ولذلك أمر بالاستعاذة من شرها كما في حديث " تعوذوا بالله من فتنة الدجال ، قالوا : نعوذ بالله من فتنة الدجال " وفي أحاديث أخرى , حتى أمر بذلك في الصلاة قبل السلام , كما ثبت في البخاري وغيره , وأحاديث الدجال كثيرة جداً , بل هي متواترة عند أهل العلم بالسنة.
ولذلك جاء في كتب العقائد وجوب الإيمان بخروجه في آخر الزمان , كما جاء فيها وجوب الإيمان بعذاب القبر وسؤال الملكين. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم159.
س)- هل الدجال من البشر؟
قال عليه الصلاة والسلام (الدجال أعور، هجان أزهر (( وفي رواية: أقمر )) كأن رأسه أصلة، أشبه الناس بعبد العزى بن قطن، فإما هلك الهلك، فإن ربكم تعال ليس بأعور) ، والحديث صريح في أن الدجال الأكبر من البشر، له صفات البشر، لا سيما وقد شبه به عبد العزى بن قطن، وكان من الصحابة. فالحديث من الأدلة الكثيرة على بطلان تأويل بعضهم الدجال بأنه ليس بشخص، وإنما هو رمز للحضارة الأوروبية وزخارفها وفتنتها! فالدجال من البشر، وفتنه أكبر من ذلك، كما تضافرت على ذلك الأحاديث الصحيحة، نعوذ بالله منه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1193.
س)- ما حكم من انكر خروج المهدي , و نزول عيسى عليه السلام؟
حديث (من أنكر خروج المهدي فقد كفر بما أنزل على محمد , و من أنكر نزول عيسى بن مريم فقد كفر , و من أنكر خروج الدجال فقد كفر , و من لم يؤمن بالقدر خيره و شره فقد كفر , فإن جبريل عليه السلام أخبرني بأن الله تعالى يقول : من لم يؤمن بالقدر خيره و شره فليتخذ ربا غيري) حديث باطل .
واعلم أن الإيمان بكل ما ذكر في هذا الحديث من خروج المهدي , و نزول عيسى , و بالقدر خيره و شره , كل ذلك واجب الإيمان به , لثبوته في الكتاب و السنة , و لكن ليس هناك نص في أن "من أنكر ذلك فقد كفر" , و(2/32)
من أجل هذا أوردت الحديث و بينت وضعه , و هو ظاهر الوضع , و كأنه من وضع بعض المحدثين أو غيره من الجهلة , وضعه ليقيم به الحجة على منكري ذلك من ذوي الأهواء و المعتزلة , و لن تقوم الحجة على أحد بالكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم و الافتراء على الله تعالى , فقاتل الله الوضاعين ما أجرأهم على الله عز وجل .
و التكفير ليس بالأمر السهل , نعم من أنكر ما ثبت من الدين بالضرورة بعدما قامت الحجة عليه , فهو الكافر الذي يتحقق فيه حقيقة معنى كفر , و أما من أنكر شيئا لعدم ثبوته عنده , أو لشبهة من حيث المعنى , فهو ضال , و ليس بكافر مرتد عن الدين شأنه في ذلك شأن من ينكر أي حديث صحيح عند أهل العلم , والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 1082.
س)- أرجو بيان حكم الإسلام فيما نسمعه عن مسخ بعض الناس على صور حيوانات؟
في السؤال غموض؛ لأنه إن كان يعني (ببعض الناس) ما أخبر الله عز وجل في القرآن الكريم، أن الله تبارك وتعالى قال لليهود الذين عصوا أنبياءهم: (كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) [البقرة:65] فلا مجال للسؤال عن هذا ما دام أنه جاء في النص القرآني. أما إن كان يعني بذلك أنه سمع أن بعض الناس مسخوا، فأنا لا أعلم بشيء من هذا أنه وقع، وما نعلم أن أحداً مسخ إلا بخبر القرآن، ونعلم أنه سيقع مسخ في آخر الزمان، لكن متى يكون ذلك؟ الله أعلم. كذلك إذا كان السؤال الأول يربطه بالإسلام، فالإسلام أخبر بأن المسخ وقع، وأخبر بأنه سيقع بالنسبة لبعض العصاة والفساق والفجار، ولعل السائل يشكل عليه ما قد يقرؤه في بعض التفاسير الحديثة، التي لا تجري في تفسيرها للآيات مجرى مذهب السلف الصالح، فهم يحكمون عقولهم في بعض النصوص القرآنية، التي يثقل عليهم تبني معانيها الظاهرة، مثل ما نحن فيه الآن من القول بالمسخ لليهود، فمع تصريح القرآن بذلك فهم تأولوا هذا المسخ بأنه مسخ خُلُقي وليس مسخاً بدنياً، أي: صارت أخلاقهم كأخلاق القردة!! ما الداعي إلى هذا التضييق للمسخ؟! فالذين يمسخون مسخاً حقيقياً قردة أو خنازير، بطبيعة الحال تصبح أخلاقهم أخلاق القردة والخنازير، فلماذا القول مسخوا من جهة ولم يمسخوا من جهة أخرى؟! والآيات التي جاءت في هذا الصدد مطلقة، فلا شيء يحملهم على تضييق دائرة المسخ إلا استبعادهم أن يستحق هؤلاء الكفار من اليهود قتلة الأنبياء ذلك المسخ. فأقول: سبحان الله! هل هؤلاء هم الذين يحكمون على الله، ويضعون لهم منهاجاً لنسبة التعذيب، فلا يجوز لله أن يمسخ الذين يقتلون الأنبياء بغير حق قردة وخنازير! من الذي يحكم على الله بذلك؟!! فهذا تفسير أقل ما يقال فيه أنه تفسير مبتدع، وحديث لا يعرفه السلف الصالح فضلاً عن بعده عن اللغة العربية: (فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً(2/33)
خَاسِئِينَ) [البقرة:65] لا سيما والسنة -كما تعلمون- دائماً وأبداً تأتي لتوضح القرآن الكريم، ولترد على أهل البدع والأهواء، فقد جاء في صحيح مسلم : (إن الله عز وجل لم يمسخ قوماً فجعل لهم نسلاً، وإنما كانت القردة والخنازير قبل ذلك) وفي هذا رد على بعض القصص التي قد توجد في بعض كتب الرقائق والمواعظ ولا سند لها، من أن القرود الموجودة اليوم هي من سلالة اليهود الممسوخين قردة، وهذا لا أصل له؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا الحديث يعطينا فائدتين: الفائدة الأولى: يؤكد فيها المعنى الظاهر من الآية الكريمة، من أن المسخ مسخ حقيقي. والفائدة الأخرى: أن الله عز وجل إذا مسخ قوماً أهلكهم، ولا يبقيهم يتناسلون، وهذا هو الذي يجب أن ندين الله به فيما يتعلق بقضية المسخ، كما أن المسخ كان وسيكون؛ لأنه جاء في ذلك بعض الأحاديث الصحيحة، ومن أشهرها حديث البخاري : (ليكونن في أمتي أقوام يستحلون الحر، والحرير، والخمر، والمعازف، يمسون في لهو ولعب، ويصبحون وقد مسخوا قردة وخنازير). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
باب في ما جاء في فتنة القبر
س)- هل ثبت في السنة عذب القبر؟
الأحاديث في ذلك متواترة , فلا مجال للشك فيه بزعم أنها آحاد , ولو سلمنا أنها آحاد , فيجب الأخذ بها لأن القرآن يشهد لها , قال تعالى (وَحَاقَ بِآَلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آَلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ)غافر45-46 ، ولو سلمنا أنه لا يوجد في القرآن ما يشهد لها , فهي وحدها كافية لإثبات هذه العقيدة , والزعم بأن العقيدة لا تثبت بما صح من أحاديث الآحاد زعم باطل دخيل في الإسلام , لم يقل به أحد من الأئمة الأعلام - كالأربعة وغيرهم- بل هو مما جاء به بعض علماء الكلام بدون برهان من الله ولا سلطان , وقد كتبنا فصلاً خاصاً في هذا الموضوع الخطير في كتاب لنا , أرجو أن أوفق لتبييضه ونشره على الناس. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم159.
س)- هل عذاب القبر متواصل أم منقطع؟
ربنا قال في القرآن الكريم في حق فرعون وجماعته (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا) (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) ، هذا بالنسبة لاهل أكفر الناس فرعون وجماعته ، الذين اتخذوه إلهاً من دون الله ، أما الآخرين لا شك يعني من الفساق من المسلمين يكون عذابهم دون ذلك، أما تفصيل بين كم وكم فهذا ليس له ذكر في السنة. انتهى كلام الالباني من الفتوى الحادية عشر المستخرجة من الشريط التاسع من سلسلة الهدى و النور.(2/34)
س)- هل سؤال الملكين في القبر ثابت؟
إن سؤال الملكين في القبر حق ثابت , فيجب اعتقاده , والأحاديث فيه متواترة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم159.
س)- قلت في مسألة: إن الموتى لا يسمعون، وقد جاء في أحاديث إثبات السماع للموتى مثل: (إن الميت يسمع قرع نعال المشيعين عند انصرافهم عنه) فهل يصح هذا الحديث؟ وكيف نوفق بينه وبين ما سبق أن قلت في هذا الخصوص؟
أولاً: هذا الحديث صحيح؛ لأنه مخرج في صحيح البخاري : (إذا وضع الميت في قبره وانصرف الناس عنه إنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون) هذا الحديث صحيح، لكن هذا كذاك، أي: هذا مستثنى من القاعدة العامة؛ لأنه يقول: (حين) فهو ليس في كل حين يسمع، فنفس الحديث يعطيك تخصيصاً ولا يعطيك العموم: (يسمع قرع نعالهم حين...) فما معنى (حين)؟ أي: وقت، (حين يولون عنه مدبرين) لكن هل يعني الحديث: أن الموتى كلما مر مار من المقابر فهم مشغولون بسماع قرع نعالهم؟ الجواب: لا.
السائل: ألا يحمل المعنى على وجه البلاغة كما في بعض الإعلانات؟
ما هو الذي يحمل يا أخي! حدد كلامك؟
السائل: في قوله: (يسمع قرع نعالهم) مثلاً: في إعلان عن شقة، نقول: شقة ترى البحر، فهي لا ترى البحر ولكنها في موضع يسمح لمن فيها برؤية البحر، فهنا المعنى يحمل على أن الصوت يصل إليهم، فلو أن حياً في مكانهم لسمع قرع النعال.
أتعني أنهم لا يسمعون؟
السائل: نعم.
في النهاية أنك تعني: أنهم لا يسمعون قرع نعالهم؟
السائل: أنا أتصور والله أعلم.(2/35)
أنا أسألك حتى أفهم منك، أتعني أنهم لا يسمعون قرع النعال؟
السائل: قد يحمل المعنى على ذلك، والله أعلم.
وقد لا يحمل، فما الذي تستفيده من القدقدة؟! ثم أنا أذكر السائل وسائر الحاضرين بقاعدة لغوية مهمة جداً: إذا دار الأمر بين التقدير وعدمه؛ فالأصل عدم التقدير. بعبارة أخرى: إذا أمكننا أن نفسر العبارة أو الجملة العربية من كلام الله، أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو أي جملة عربية إذا أمكننا أن نفسرها على الحقيقة؛ فلا يجوز تفسيرها على المجاز، إلا إذا قامت القرينة الشرعية أو العقلية، فحينئذٍ يقال: وجدت القرينة التي تضطرنا إلى تفسير الآية أو الحديث، أو الجملة العربية على المجاز وليس على الحقيقة. لكن إذا دار الأمر بدون وجود قرينة بين تفسير الجملة على الحقيقة أو على المجاز؛ فالأصل الحقيقة وليس المجاز، وإلا فسدت اللغة، وفسد استعمالها بين الناس، فإذا قال قائل: جاء الأمير، فهل يجوز للسامع أن يفهم جاء خادم الأمير؟ على الرغم من أن هذا التعبير عربي معروف، وهو بتقدير مضاف محذوف، لكن لا يجوز؛ لأنه ليس هناك ما يضطر السامع أن يتأول قول القائل: جاء الأمير. بمعنى: ليس الأمير، وإنما جاء خادمه، أو نائبه .. إلخ، ولو فتح هذا الباب لفسد التفاهم بين الناس باللغة العربية، ومن هنا كان من رد العلماء والفقهاء على غلاة الصوفية الذين يقولون -بما يعرف عند العلماء- بوحدة الوجود، والذين يتكلمون بعبارات صريحة في الكفر وفي وحدة الوجود، فيأتي المدافعون بالباطل عن أولئك الصوفية فيتأولون كلامهم تأويلاً يتفق في نهاية المطاف مع الشريعة، فنحن نقول لهؤلاء: بهذه الطريقة لا يمكن أن نقول: إن هذا الكلام كفر، وقد قلت مرة لبعضهم: ائتني بأي جملة فيها كفر في ظاهر العبارة، وأنا -على طريقتكم- أجعلها توحيداً خالصاً؛ وهذه الطريقة هي تأويل النصوص، مثلاًَ: لما قال قائلهم المغرق في الضلال:
وما الكلب والخنزير إلا إلهنا وما الله إلا راهب في كنيسته
فيتكلفون في تأويل: (وما الكلب والخنزير إلا إلهنا). أي: إلا إلى هنا، (إلى) حرف جر بعده (هنا)، ما هذا التأويل؟! لذلك مثل هذا التأويل يمكن إجراؤه على أي عبارة، مثلاً: أنا أقول لو قال قائل: القسيس خلق السموات والأرض، ما رأيكم في هذا الكلام يجوز أو لا يجوز؟ بالإجماع لا يجوز، لكن أنا أجعله توحيداً بطريقة الصوفية، وهو رب القسيس، وهذا معروف في اللغة، وهو تقدير مضاف محذوف، على حد قوله تعالى: (وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) [يوسف:82] اسأل ماذا؟ حيطانها؟! شجرها؟! لا. إنما أهلها، كذلك العير، لكن هذا المضاف المحذوف، الأسلوب العربي نفسه يوحي به إلى السامع، فهنا لا يتساءل أحد: يا ترى هل المقصود هنا فعلاً القرية؟ الجواب: لا. ولذلك تسمية هذا التعبير في اللغة العربية بالمجاز مما يدفعه ابن تيمية رحمه الله في رسالته الخاصة بالحقيقة(2/36)
والمجاز، يقول: إن تسمية هذه العبارة بأنها مجاز من باب حذف المضاف، فهذا اصطلاح طارئ، وإلا فالعرب ما كانوا يفهمون من هذه العبارة إلا معنى واحداً هو الذي يسمونه بالمجاز بحذف المضاف، كذلك -مثلاً- في الأسلوب العربي: سال الميزاب، على طريقة المتأخرين في تقسيم الكلام إلى حقيقة ومجاز، حقيقة هذه العبارة سال الميزاب، أي: الميزاب من شدة الحرارة ذاب وصار سائلاً؛ لكن مَن من العرب إذا سمع هذه العبارة يتبادر إلى ذهنه المعنى الذي يسمونه حقيقة؟ فيقولون: هنا المقصود المجاز، هذا المعنى الذي يسمونه مجازاً في هذا المثال هو المعنى الحقيقي المراد منه، سال الميزاب، أي: سال ماء الميزاب، مثل: واسأل القرية تماماً، وهكذا أمثلة كثيرة يذكرها ابن تيمية، منها مثلاً: جرى النهر، النهر: هو الأخدود الذي يجري فيه الماء، فعندما يقول العربي: جرى النهر، فلا هو يعني: جرى الأخدود نفسه بدون ماء، ولا السامع منهم من العرب يفهم إلا الذي أراده، أي: جرى ماء النهر. إذاً: تسمية هذه التعابير بأنها مجاز يقول ابن تيمية : هذا خطأ، المجاز: هو الذي يخرج المعنى الظاهر من العبارة إلى معنى آخر لوجود قرينة، لكن هنا لا معنى آخر إلا معنى واحد محدد وهو: اسأل القرية، أي: أهلها.. سال الميزاب، أي: ماؤه.. جرى النهر أي: ماؤه، من هنا يصل ابن تيمية إلى الرد على المتأخرين الذين يتأولون آيات وأحاديث الصفات، بأن يلجئوا إلى ارتكاب طريق التأويل وهو سلوك طريق المجاز، لكن ما الذي يضطرهم إلى ترك فهم المعاني من هذه الآيات وتلك الأحاديث المتعلقة كلها بالصفات على حقائقها، لا سيما وهم يقولون -المتقدمون منهم والمتأخرون- الأصل في كل عبارة أن تفسر على حقيقتها، فمثلاً قوله تبارك وتعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) [الفجر:22] أي: بذاته، فيقولون: لا يجوز هذا الفهم، ويتأولونه (جاء رحمة ربك)، فأيّ مضاف محذوف يقدمونه؟ وعلى ذلك فقس، ونحن نقول: الحق كما نطق الحق في كتابه (وجاء ربك) لكن كيف يجيء؟ لا ندري، وهذا البحث طرقه العلماء قديماً وحديثاً، ونحن في مناسبة قريبة تعرضنا لمثله أيضاً.
الخلاصة: أن الكلام العربي أول ما ينبغي أن يفسر به هو على الحقيقة، فقوله عليه الصلاة والسلام: (إذا وضع الميت في قبره فإنه ليسمع قرع نعالهم وهم عنه مدبرون) فهو يسمع قرع النعال على الحقيقة، بل أنا أقول خلاف ما قلت أنت، فلا يمكن أن نتصور أنه يسمع كل شيء؛ لأنه هو بكل شيء سميع وهذا أمر مستحيل! لكن ما دام أن الأصل أن الموتى لا يسمعون كما شرحنا لكم آنفاً، فإذا جاء نص ما يعطي لميت ما أو موتى سماعاً ما نستثنيه من القاعدة، نقول: إن المشركين في القليب سمعوا قول الرسول صلى الله عليه وسلم، لكن ما كان يجري حولهم من أحاديث الصحابة، وحينما قال عمر : يا رسول الله! إنك لتنادي أجساداً لا أرواح فيها. لا نقول إنهم سمعوا قول عمر ؛ لأن سماعهم لقول الرسول معجزة للرسول فيوقف عندها. كذلك في هذا الحديث: يسمع الميت قرع نعالهم وحسب، وما نزيد على ذلك، لسببين اثنين: أولاً: أنه(2/37)
خلاف الأصل، وهو: أن الموتى لا يسمعون. ثانياً وأخيراً: أن الأمور الغيبية -وهذا من الغيب في البرزخ- لا يتوسع فيها أبداً، والحق الوقوف عند النص، وعدم الزيادة عليه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
باب ما جاء في يوم القيامة
س)- ما صحة حديث (يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا من الله عز وجل عليهم) ؟
حديث (يدعى الناس يوم القيامة بأمهاتهم سترا من الله عز وجل عليهم) حديث موضوع ، وقد ثبت ما يخالف هذا الحديث , ففي سنن أبي داود بإسناد جيد , كما قال النووي في الأذكار من حديث أبي الدرداء مرفوعا (إنكم تدعون يوم القيامة بأسمائكم وأسماء آبائكم) ، وفي الصحيح من حديث عمر مرفوعا (إذا جمع الله الأولين والآخرين يوم القيامة , يرفع لكل غادر لواء , فيقال هذا غدرة فلان بن فلان). والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 433.
س)- هل ثبتت رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة؟
اعلم أن الأحاديث الواردة في إثبات رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة كثيرة جدا حتى بلغت حد التواتر كما جزم به جمع من الأئمة.
قد روى أحاديث الرؤية نحو ثلاثين صحابيا ، ومن أحاط بها معرفة يقطع بأن الرسول قالها.انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- هل يمكن للمؤمن ان يرى ربه في الدنيا ؟ وهل راءه الرسول صلى الله عليه وسلم؟
اما رؤيته تعالى في الدنيا فقد أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح أن أحدا منا لا يراه حتى يموت . رواه مسلم .(2/38)
واما هو نفسه عليه الصلاة والسلام فلم يرد في إثباتها له ما تقوم به الحجة بل قد صح عنه الإشارة إلى نفيها حين سئل عنها بقوله : " نور أنى أراه " ومع ذلك جزمت السيدة عائشة بنفيها كما في الصحيحين وهذا هو الأصل فينبغي التمسك به. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- هل تحشر البهائم كما يحشر الآدميين يوم القيامة؟
عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يقتص الخلق بعضهم من بعض، حتى الجماء من القرناء، وحتى الذرة من الذرة).
قال النووي في ((شرح مسلم)) تحت هذا الحديث :((هذا تصريح بحشر البهائم يوم القيامة، إعادتها يوم القيامة كما يعاد أهل التكليف من الآدميين، وكما يعاد الأطفال والمجانين، ومن لم تبلغه دعوة. وعلى هذا تظاهرت دلائل القرآن والسنة، قال الله تعالى: (وإذا الوحوش حشرت)، وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع، وجب حمله على ظاهره.
قال العلماء: وليس من شرط الحشر والإعادة في القيامة المجازة والعقاب والثواب. وأما القصاص من القرناء للجلحاء فليس هو من قصاص التكليف، إذ لا تكليف عليها، بل هو قصاص مقابلة، و(الجلحاء) بالمد هي الجماء التي لا قرن لها. والله أعلم)).
وذكر نحوه ابن الملك في((مبارق الأزهار))(2/293) مختصراً. ونقل عنه العلامة الشيخ علي القاريء في((المرقاة))(4/761) أنه قال:
((فإن قيل: الشاة غير مكلفة، فكيف يقتص منها؟ قلنا: إن الله تعالى فعال لما يريد، ولا يسأل عما يفعل، والغرض منه إعلام العباد أن الحقوق لا تضيع، بل يقتص حق المظلوم من الظالم)). قال القاريء:
((وهو وجه حسن، وتوجيه مستحسن، إلا أن التعبير عن الحكمة بـ(الغرض) وقع في غير موضعه. وجملة الأمر أن القضية دالة بطريق المبالغة على كمال العدالة بين كافة المكلفين، فإنه إذا كان هذا حال الحيوانات الخارجة عن التكليف، فكيف بذوي العقول من الوضيع والشريف، والقوى والضعيف؟ )).
قلت: ومن المؤسف أن ترد كل هذه الأحاديث من بعض علماء الكلام بمجرد الرأي، وأعجب منه أن يجنح إليه الألوسي! فقال بعد أن ساق الحديث عن أبي هريرة من رواية مسلم ومن رواية أحمد بلفظ الترجمة عند تفسيره آية (وإذا الوحوش حشرت) في تفسيره ((روح المعاني))(9/306):
((ومال حجة الإسلام الغزالي وجماعة إلى أنه لا يحشر غير الثقلين؛ لعدم كونه مكلفاً ولا أهلاً لكرامة بوجه، وليس في هذا الباب نص كتاب أو سنة معول عليها يدل على حشر غيرهما من الوحوش، وخبر مسلم والترمذي وإن كان صحيحاً، لكنه لم يخرج مخرج التفسير للآية ، ويجوز أن يكون كناية عن العدل(2/39)
التام. وإلى هذا القول أميل، ولا أجزم بخطاء القائلين بالأول، لأن لهم ما يصلح مستنداً في الجملة. والله تعالى أعلم)).
قلت: كذا قال- عفا الله عنا وعنه-وهو منه غريب جداً لأنه على خلاف ما نعرفه عنه في كتابه المذكور، من سلوك الجادة في تفسير آيات الكتاب على نهج السلف، دون تأويل أو تعطيل، فما الذي حمله هنا على أن يفسر الحديث على خلاف ما يدل عليه ظاهره، وأن يحمله على أنه كناية عن العدل التام، أليس هذا تكذيباً للحديث المصرح بأنه يقاد للشاة الجماء من الشاة القرناء، فيقول هو تبعاً لعلماء الكلام: إنه كناية ! ... أي لا يقاد للشاة الجماء. وهذا كله يقال لو وقفنا بالنظر عند رواية مسلم المذكور، أما إذا انتقلنا به إلى الروايات الأخرى كحديث الترجمة، وحديث أبي ذر وغيره قاطعة في أن القصاص المذكور هو حقيقة وليس كناية، ورحم الله الإمام النووي، فقد أشار بقول السابق: ((وإذا ورد لفظ الشرع ولم يمنع من إجرائه على ظاهره عقل ولا شرع وجب حمله على ظاهره)).
قلت: أشار بهذا إلى رد التأويل المذكور، وبمثل هذا التأويل أنكر الفلاسفة، وكثير من علماء الكلام كالمعتزلة وغيرهم رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة، وعلوه على عرشه، ونزوله إلى السماء الدنيا كل ليلة، ومجيئه تعالى يوم القيامة. وغير ذلك من آيات الصفات وأحاديثها.
وبالجملة، فالقول بحشر البهائم والاقتصاص لبعضها من بعض هو الصواب الذي لا يجوز غيره، فلا جرم أن ذهب إليه الجمهور كما ذكر الألوسي نفسه في مكان آخر من((تفسيره))(9/281)، وبه جزم الشوكاني في تفسير آية ((التكوير)) من تفسيره((فتح القدير))، فقال((/377):
((الوحوش ما توحش من دواب البر، ومعنى(حشرت) بعثت، حتى يقتص بعضها من بعض، فيقتص للجماء من القرناء)).
وقد اغتر بكلمة الألوسي المتقدمة، النافية لحشر الوحوش؛ محرر((باب الفتاوى)) في مجلة الوعي الإسلامي السنة الثانية، العدد89ص107، فنقلها عنه، مرتضياً لها معتمداً عليها، وذلك من شؤم التقليد، وقلة التحقيق. والله المستعان، وهو ولي التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1967.(2/40)
باب في الإيمان بحوض النبي صلى الله عليه وسلم
س)- هل ثبت ذكر حوض النبي صلى الله عليه وسلم؟
الأحاديث التي جاء ذكر الحوض فيها كثيرة جدا بلغت مبلغ التواتر كما صرح بذلك جمع من الأئمة ورواها من الصحابة بضع وثلاثون صحابيا وقد استقصى طرقها الحافظ ابن كثير في " النهاية " في آخر تاريخه وعقد لها الحافظ ابن أبي عاصم في " كتاب السنة " سبعة أبواب (رقم 155-161) ورقم الأحاديث (734-776- بتحقيقي) أشار في آخرها إلى تواترها بقوله "والأخبار التي ذكرناها في حوض النبي صلى الله عليه وسلم توجب العلم". انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
باب في الإيمان بالميزان
س)- هل للميزان الذي توزن به الاعمال يوم القيامة كفتان؟
في حديث البطاقة دليل على أن ميزان الأعمال له كفتان مشاهدتان , وأن الأعمال وإن كانت أعراضاً فإنها توزن , والله على كل شئ قدير , وذلك من عقائد أهل السنة , والأحاديث في ذلك متضافرة إن لم تكن متواترة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم135.
باب ما جاء في الجنة والنار
س)- هل هناك دليل صريح صحيح يدل على فناء نار الكافرين؟
النار في الآخرة ناران ، نار تفنى ونار تبقى أبدا لا تفنى ، فالأولى هي نار العصاة المذنبين من المسلمين ، والأخرى نار الكفار والمشركين ، هذا خلاصة ما حرره ابن القيم في " الوابل الصيب " وهو الحق الذي لا ريب فيه وبه تجتمع الأدلة ، فلا تغتر بما ذكره شارح الطحاوية وابن القيم في "شفاء العليل" و"حادي الأرواح" مما قد ينافي هذا الذي لخصته فإنهما لم يتبنيا ذلك وليس فيه أي دليل صريح صحيح يدل على فناء الكافرين والله تعالى كما قال في أهل الجنة : (لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين )الحجر48 ، قال مثله في الكافرين : (وما هم بخارجين من النار)البقرة 167 ، وما روي عن عمر وغيره لا يصح إسناده كما(2/41)
بينته في تعليقي على "شرح الطحاوية"فتنبه ثم في "الأحاديث الضعيفة". انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- ما حكم القول بفناء النار؟
قال صلى الله عليه وسلم (أما أهل النار الذين هم أهلها (وفي رواية: الذين لا يريد الله عز وجل إخراجهم) فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم (يريد الله عز وجل إخراجهم) فأماتهم إماتة، حتى إذا كانوا فحما أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر، فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل) ، وفي الحديث دليل صريح على خلود الكفار في النار، وعدم فنائها بمن فيها، خلافاً لقول بعضهم،لأنه لو فنيت بمن فيها لماتوا واستراحوا، وهذا خلاف الحديث، ولم ينتبه لهذا ولا غيره من نصوص الكتاب والسنة المؤيدة له؛ من ذهب من أفاضل علمائنا إلى القول بفنائها، وقد رده الإمام الصنعاني رداً علمياً متيناً في كتابه(رفع الأستار لإبطال أدلة القائلين بفناء النار)، وقد حققته وخرجت أحاديثه وقدمت له بمقدمة ضافية نافعة، وهو تحت الطبع، وسيكون في أيدي القراء قريباً إن شاء الله تعالى. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1551.
س)- كيف رأى النبي أهل الجنة وأهل النار قبل أن تقوم الساعة، حيث إن الجنة والنار لما يدخلها أحد؟
هذا كما يقول الصوفية -تماماً-: كشف، لكن هذا كشف صحيح وخاص بالأنبياء والرسل، أما مثل هذا الكشف فلا يناله غير الرسول عليه الصلاة والسلام من بعده، هذا تمثيل يُمثَّل للرسول عليه السلام ما سيكون عليه أهل الجنة وأهل النار، وقد رأى ذلك في مناسبات شتى، منها في قصة كسوف الشمس، حين صلى الرسول صلى الله عليه وسلم صلاة الكسوف رأوه يتقدم كأنه يريد أن يقبض شيئاً، ثم رؤي يتقهقر، حتى تقهقرت الصفوف من خلفه فتداخلت الصفوف بعضها في بعض، ثم بعد الصلاة سألوه، فقال عليه الصلاة والسلام: (عرضت عليّ الجنة في جدار مسجدكم هذا، فرأيت نعيمها، ورأيت عنبها، فهممت أن أقتطف منها)، ثم تذكر -فيما يبدو، وهذا ليس في الحديث- أنها محرمة إلا لمن دخلها، ثم عرضت النار فرأى لهيبها وأحس بحرارتها، فتقهقر عليه الصلاة والسلام فهذا تمثيل من رب العالمين القدير القادر على كل شيء للرسول عليه السلام ما سيكون عليه أهل الجنة في نعيمهم وأهل النار في جحيمهم. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/42)
س)- ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث: (لن تمسهما النار إلا تحلة القسم)؟
هذا الحديث يشير إلى قوله تبارك وتعالى في الآية الكريمة: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً) [مريم:71] (وَإِنْ مِنْكُمْ) قسم من الله، (إِلَّا وَارِدُهَا) اختلف العلماء قديماً وحديثاً في معنى الورود المقصود في هذا الحديث على ثلاثة أقوال: القول الأول: الورود بطرف النار، كما يقال: أورد الإبل الحوض. والقول الثاني: المرور على الصراط من فوق النار. والقول الثالث وهو لا ينافي الثاني: الدخول في النار؛ لأن المرور على الصراط هو دخول في النار. فقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) [مريم:71] أي: داخلها، لا فرق بين مؤمن وكافر، كلهم من الإنس والجن لا بد لهم من هذا الدخول، لكن بعد أن يتحقق هذا القسم الإلهي من الدخول هناك، بعد ذلك سرعان ما يتميز الصالح من الطالح، فالصالح يدخل الجنة، والطالح يدخل النار. ويفسر هذا الكلام حديث أذكره لما فيه من بيان وتفصيل، لكن لا بد لي من أن أقرن بذلك أن هذا الحديث لم يصح من حيث إسناده؛ لأنه على شهرته ينبغي أن نذكره تنبيهاً على ضعفه، لكن معناه مقبول في حدود ما جاء من الأدلة. ذلك الحديث يرويه بعض التابعين من المجهولين -وهو العلة- عن جابر بن عبد الله الأنصاري أنه لقيه في طريقه فقال: (كنا في مجلس ذكرت فيه هذه الآية: (( وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ))[مريم:71] قال: فاختلفنا -وذكر الأقوال الثلاثة- فما كان من جابر -كما تقول الرواية على ضعفها- إلا أن وضع إصبعيه في أذنيه وقال: صُمَّتا صُمَّتا إن لم أكن سمعت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: لا يبقى بر ولا فاجر إلا ويدخلها، ثم تكون برداً وسلاماً على المؤمنين، كما كانت على إبراهيم). إذاً: هذا الدخول المذكور في هذه الآية، والمفسر أيضاً في حديث أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا يدخل النار أحد من أهل بدر وأصحاب الشجرة، قالت: كيف هذا يا رسول الله! والله عز وجل يقول: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا )[مريم:71]؟ ) وهنا ملاحظة مهمة من حيث أنها تساعد طالب العلم على فهم النصوص الشرعية: نجد هنا السيدة حفصة رضي الله عنها كأنها تريد أن تقول: إن الذي تقوله يا رسول الله! خلاف ما أفهم من الآية، فالآية: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا) [مريم:71] ولفظة (منكم) تشمل بلا شك أهل بدر وأصحاب الشجرة، فكيف التوفيق بين هذه الآية حسب فهمي، -أي: حفصة - وبين ما تقوله يا رسول الله؟! فقال لها بكل هدوء ولطف كما هو شأنه عليه السلام وديدنه: (فاقرئي ما بعدها: (ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً) [مريم:72] ) ما هي الفائدة؟ الفائدة: أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا سمع قولاً ولم ينكره؛ كان ذلك دليلاً على صحته في نفسه، ولكن يمكن أن يدخل فيه(2/43)
تخصيص وتقييد لا يخطر على بال المتكلم بتلك الكلمة. وهذه فائدة مهمة جداً قد يغفل عنها بعض أهل العلم، ولا بأس من أن أضرب لكم مثلاً وقع في عدم الانتباه لهذه النكتة الفقهية الدقيقة.. فالإمام أبو محمد بن حزم صاحب الكتاب العظيم كتاب المحلى، وكتاب الإحكام في أصول الأحكام، وغيره من الكتب، قد ألف رسالة في إباحة الملاهي عامة من الآلات الموسيقية، والأغاني، وما شابه ذلك، وكان مما استدل به على ما ذهب إليه في تلك الرسالة، الحديث الصحيح الذي أخرجه البخاري، ومسلم في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليَّ يوم عيد وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، وتضربان عليه بدف، ولما دخل أبو بكر قال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟! -وهذا استفهام استنكاري- فقال صلى الله عليه وسلم: دعهما، فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا). الشاهد: أن الإمام ابن حزم احتج بهذا الحديث على جواز الضرب بالدف والغناء به؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام أقر الجاريتين على ذلك، ولكن فاته ما أردت التنبيه عليه، من أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر أبا بكر الصديق على قوله السالف الذكر: (أمزمار الشيطان في بيت رسول الله؟!) فقد سمى أبو بكر الضرب على الدف والغناء به، سماه مزمار الشيطان، ولم ينكر الرسول عليه الصلاة والسلام عليه، بل أقره، كما أقر حفصة على قولها في الآية هكذا، وكما أن النبي صلى الله عليه وسلم أدخل على استدلال حفصة قيداً كانت غافلة عنه، كذلك تماماً فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مع صاحبه في الغار أبي بكر الصديق، فلفت نظره كأنه يقول له: إن الأمر كما تقول أنت يا أبا بكر! لكن هنا استثناء قد فاتك: (دعهما يا أبا بكر فإن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا). فإذا نحن جمعنا بين إقرار الرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأبي بكر على قوله: (أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!)، وبين قوله له: (دعهما، فإن لكل قوم عيداً، وهذا عيدنا) فإننا نخرج بنتيجة: أن مزامير الشيطان لا تجوز، ويكفي في النهي عنها النسبة إلى الشيطان. لكن هذا الحكم يستثنى منه الضرب بالدف في يوم العيد، وممن؟ من الجاريتين، فجمعنا بين إقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي بكر ؛ وبين قوله له، وخرجنا بنتيجة معاكسة تماماً للنتيجة التي ذهب إليها أبو محمد بن حزم رحمه الله، حيث أخذ قول الرسول عليه السلام ولم يتنبه لإقرار الرسول صلى الله عليه وسلم لقول أبي بكر : (أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟!). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/44)
فصل في الإيمان بالقضاء والقدر
س)- قال تعالى: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً) [الإسراء:46] يشم البعض منها رائحة الجبر، فما رأيكم؟
الجعل هو جعل كوني، ولفهم هذا لا بد من شرح الإرادة الإلهية، فإن الإرادة الإلهية تنقسم إلى قسمين: - إرادة شرعية. - وإرادة كونية. الإرادة الشرعية هي: كل ما شرعه الله عز وجل لعباده، وحضهم على القيام به، من طاعات وعبادات، على اختلاف أحكامها من فرائض إلى مندوبات، وهذه الطاعات والعبادات يريدها الله تبارك وتعالى ويحبها. أما الإرادة الكونية فهي: قد تكون تارة مما شرع الله وأحبها لعباده، وقد تكون تارة مما لم يشرعها ولكنه قدرها، وهذه الإرادة إنما سميت بالإرادة الكونية اشتقاقاً من قوله تبارك وتعالى: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82] فشيئاً: اسم نكرة يشمل كل شيء؛ سواءً كان طاعة أو كان معصية، إنما يكون ذلك بقوله تعالى: (كن). أي: بمشيئته وبقضائه وقدره، فإذا عرفنا هذه الإرادة الكونية، وهي أنها تشمل كل شيء؛ سواء كان طاعة أو كان معصية، حين ذلك لا بد من الرجوع بنا إلى موضوع القضاء والقدر؛ لأن قوله عز وجل: (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [يس:82] معنى ذلك أن هذا الذي قال له (كن) جعله أمراً مقدراً كائناً لا بد منه. حينئذٍ طرقنا بحث القضاء والقدر مراراً وتكراراً، وقلنا: إن كل شيء عند الله عز وجل بقدر، أيضاً هذا يشمل الخير ويشمل الشر، ولكن ما يتعلق منه بنا نحن الثقلين الإنس والجن المكلفين المأمورين من الله عز وجل، فما يتعلق بنا نحن يجب أن ننظر إلى ما نقوم به نحن، حيث إنه: إما أن يكون بمحض إرادتنا واختيارنا، وإما أن يكون رغماً عنا، وهذا القسم الثاني لا يتعلق به طاعة ولا معصية، ولا يكون عاقبة ذلك جنة ولا نار، وإنما القسم الأول عليه تدور الأحكام الشرعية، وعلى ذلك يكون جزاء الإنسان الجنة أو النار. أي: ما يفعله الإنسان بإرادته ويسعى إليه بكسبه واختياره، فهو الذي يحاسب عليه الإنسان إن خيراً فخير أو شراً فشر، هذه حقيقة! أي: كون الإنسان مختاراً في قسم كبير من أعماله؛ فهذه حقيقة لا يمكن المجادلة فيها لا شرعاً ولا عقلاً، أما الشرع فنصوص الكتاب والسنة متواترة يأمر الإنسان في أن يفعل ما أمر به، وفي أن يترك ما نهي عنه، وهي أكثر من أن تذكر، وأما عقلاً فواضح لكل إنسان متجرد عن الهوى والغرض بأنه حينما يتكلم .. حينما يمشي .. حينما يأكل .. حينما يشرب .. حينما يفعل أي شيء مما يدخل في اختياره؛ فهو مختار في ذلك وغير مضطر إطلاقاً. هأنذا أتكلم معكم الآن، لا أحد يجبرني بطبيعة الحال، ولكنه مقدر، فمعنى كلامي هذا مع كونه مقدراً، أي: أنه مقدر مع اختياري لهذا الذي أقوله وأتكلم به، أنا الآن أتابع الحديث(2/45)
ولا أسكت، ولكن باستطاعتي أن أصمت لأبين لمن كان في شك مما أقول أني مختار في هذا الكلام، هأنا أصمت الآن ولو للحظات؛ لأنني مختار. إذاً فاختيار الإنسان من حيث الواقع أمر لا يحتاج المناقشة والمجادلة، وإلا يكون الذي يجادل في مثل هذا إنما هو يسفسط ويشكك في البديهيات، وإذا وصل الإنسان إلى هذه المرحلة انقطع معه الكلام. إذاً: أعمال الإنسان تنقسم إلى قسمين: اختيارية، واضطرارية. فالاضطرارية ليس لنا فيها كلام، لا من الناحية الشرعية ولا من الناحية الواقعية، إنما الشرع يتعلق بالأمور الاختيارية، فهذه الحقيقة إذا ما ركزناها في ذهننا؛ استطعنا أن نفهم الآية السابقة: (وَجَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً) [الإسراء:46] فهذا الجعل كوني، ويجب أن تتفكروا في الآية السابقة (إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئاً) [يس:82] كوني، ولكن ليس رغماً عن هذا الذي جعل الله على قلبه أكنة، هذا مثاله من الناحية المادية: الإنسان حينما يخلق، يخلق ولحمه غض طري، ثم إذا ما كبر، وكبر، وكبر، يغلظ لحمه ويشتد عظمه، ولكن الناس ليسوا كلهم في ذلك سواء، ففرق كبير جداً بين إنسان منكب على نوع من الدراسة والعلم، فهذا ماذا يقوى فيه؟ يقوى عقله، ويقوى دماغه في الناحية التي هو ينشغل بها، وينصب في كل جهوده عليها، لكن من الناحية البدنية جسده لا يقوى، وعضلاته لا تنمو. والعكس بالعكس تماماً؛ بالنسبة لشخص منصب على الناحية المادية، فهو كل يوم يتعاطى تمارين رياضية، فهذا تشتد عضلاته، ويقوى جسده، ويصبح له صورة، كما نرى ذلك أحياناً في الواقع وأحياناً في الصور، فهؤلاء الأبطال -مثلاً- تصبح أجسادهم كلها عضلات، فهل هو خلق هكذا، أم هو اكتسب هذه البنية القوية ذات العضلات الكثيرة؟ هذا شيء وصل إليه هو بكسبه وباختياره. ذلك هو مثل الإنسان الذي يظل في ضلاله، وفي عناده، وفي كفره وجحوده، فيصل إلى الران .. إلى هذه الأكنة التي يجعلها الله عز وجل على قلوبهم، لا بفرض من الله واضطرار من الله لهم؛ وإنما بسبب كسبهم واختيارهم، فهذا هو الجعل الكوني الذي يكتسبه هؤلاء الناس الكفار، فيصلون إلى هذه النقطة التي يتوهم الجهال أنها فرضت عليهم، والحقيقة أن ذلك لم يفرض عليهم، وإنما ذلك بما كسبت أيديهم، وأن الله ليس بظلام للعبيد. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما رأيكم في مسألة الأضحية أواجبة هي أم سنة؟ فإن كانت سنة فكيف نصنع بحديث أم سلمة في صحيح مسلم ولفظه: (إذا دخل عشر ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي) علماً بأن الصنعاني نقل عن الشافعي قوله: وتفويض الأمر إلى الإرادة مشعر بعدم الوجوب؟(2/46)
الواقع أن هذه شبهة ليس لها قيمة من ناحية النصوص الشرعية.. (وأراد أحدكم أن يضحي) نحن نقول: نسبة الأمر إلى إرادة الإنسان له علاقة كبيرة جداً بموضوعنا السابق، أي: إن الإنسان مكلف بالعبادة وبالطاعة، فهو عليه أن يريدها، وأن يعملها وينهض بها، فإذا لم يردها فليس الله عز وجل بالذي يفرض ذلك عليه فرضاً، ويقصره على ذلك قصراً، لا. فالنكتة هنا في أنه نسب حكم من أراد أن يضحي إلى إرادة الإنسان من هذه الناحية، وهذا واضح جداً في نفس القرآن الكريم (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير:28] إذاً: الاستقامة على هذا الفهم -مع الأسف أن هذا الفهم نسب إلى بعض الأئمة- ينتج قياساً على هذا الفهم أن الاستقامة غير واجبة، لماذا؟ لأن الله عز وجل نسبها إلى مشيئتنا، فكل شيء أمرنا به فلا بد للقيام به من مشيئتنا وإرادتنا في ذلك، ولذلك قلنا قبل أن نعرف ما ادخر لنا وما خبئ لنا من مثل هذا السؤال، قلنا: إن الإرادة قسمان: إرادة كونية، وإرادة شرعية، فالبحث ليس في الإرادة الكونية، وإنما في الإرادة الشرعية، فالمفهوم هنا: يجب أن تفعل، وإن لم تفعل انتقل الأمر من الإرادة الشرعية إلى الإرادة الكونية؛ لأنه لا يقع شيء في هذا الكون رغماً عن الله عز وجل، فهنا لما قال الله عز وجل: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) [التكوير:28] لماذا نسب الاستقامة إلى المشيئة؟ الجواب: لأن بها ربطت التكاليف الشرعية كلها. ومثال على هذا الذي نقوله، وإن كانت الآية كافية في ذلك وشافية، ولكن على سبيل التفريع، قال عليه الصلاة والسلام: (من أراد الحج فليعجل) أيضاً نسب الإرادة هنا للإنسان في الحج الذي هو من أركان الإسلام الخمسة، فهل معنى ذلك أن الحج غير واجب؟ الجواب: لا. لكن كل واجب لا بد له من إرادة تصدر من هذا الإنسان ليصبح مكلفاً، وإلا إذا كان لا إرادة له فلا تكليف عليه، ولذلك -كما تعلمون في الحديث الصحيح- (رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يبلغ). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل الزواج من الأمور المقدرة على الإنسان جبراً؟
هذا سؤال قديم لكنه حديث في التعبير، هذا كمن يقول: هل السعادة والشقاوة مقدرة للعبد أم لا؟ أما الجواب العقلي والشرعي في آن واحد، فهو أن كل شيء بقدر، والزواج إما أن يكون زواجاً شرعياً أو أن يكون زواجاً بدعياً، فإن كان زواجاً شرعياً فهو خير، وإن كان زواجاً بدعياً فهو شرٌ، فهل الخير والشر مقدر على الإنسان؟ الجواب: نعم. كل شيء بقدر، كما جاء في الحديث الصحيح: (كل شيء بقدر، حتى العجز والكيس) ولكن إذا كان كل شيء بقدر حتى السعادة والشقاوة فلم العمل؟ لقد ذكروا للرسول هذا السؤال حينما أخبرهم بأن كل شيء مستطر، كل شيء مسجل، قالوا له: ففيم العمل؟ فأجابهم عليه الصلاة والسلام، وهذا هو الجواب الحكم الفصل الذي لا جواب بعده ولكن لمن فهمه، قال عليه الصلاة والسلام:(2/47)
(اعملوا فكل ميسر لما خلق له، فمن كان من أهل الجنة فسيعمل بعمل أهل الجنة، ومن كان من أهل النار فسيعمل بعمل أهل النار، ثم قرأ قوله تبارك وتعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) [الليل:5-10] ) إذاً كل ميسر لما خلق له. بالنسبة للسؤال السابق: من كان يريد الخير فيسعى إليه ويتزوج الزواج المشروع، ومن كان يريد الشر يسعى -أيضاً- إليه ويتزوج بزواج غير مشروع، كلٌ ميسر لما خلق له، لذلك لا يقولن أحدكم: إذا كانت السعادة مكتوبة لي فإذاً لماذا أنا أتعب نفسي وأصلي وأصوم وأنا سعيد؟ أو إذا كنت كتبت شقياً -لا سمح الله- لماذا -أيضاً- لا أتمتع بملاذ الحياة كلها ولا أتعب نفسي بصلاة وعبادة وصيام... إلخ؟ الجواب: إن كنت صادقاً مع نفسك فقل كل شيء مثل السعادة والشقاوة، وسابقاً ذكرنا أن الرزق سيأتي، فلماذا تسعى وراء الرزق؟! والرزق -أيضاً- مما سجل كالسعادة والشقاوة، كل شيء مسطر، فلماذا تسعى وراء الرزق؟! لأنك تعلم أنك إن لم تسع لم يأتك، فهنا أنت معتزلي، أي: تؤمن بالأسباب، أما هناك فأنت جبري فيما يتعلق بالسعادة؛ لأنك لا تعمل؛ لأنه إن كان مكتوباً سعيد فأنت سعيد، وإن كان مكتوباً شقي فأنت شقي، وإن كان مكتوباً فقير فأنت فقير، فلماذا تسعى؟ لا بد من السعي، قال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُوماً مَدْحُوراً * وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً) [الإسراء:18-19] لذلك لا بد من السعي وراء الخير، ولا بد من الابتعاد عن الشر، والله عز وجل بحكمته قدر أن يعطي لكل إنسان ما يسعى إليه، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا) [العنكبوت:69] . دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/48)
فصل في التوحيد
باب في أنواع التوحيد
س)- ما هي انواع التوحيد ؟
احفظوا هذا وتفقَّهوا فيهِ : التوحيد ثَلاثَةُ أقسامٍ :
تَوحيدُ الربوبيَّةِ : وهذا لا بُدَّ مِنهُ ، لكنَّ المشركينَ لَمَّا امنوا بِهِ ، ما أفادهُم شئ ، لا يَتِمُّ التوحيدُ إلا بالثَّاني والثالثِ :
الثاني : توحيدُ العبادَةِ : أن لا تَعبُدوا غيرَ الله إطلاقاً بأيِّ شئ ، ولو بالحَلِفِ بغيرِ الله ، وما أكثَرَ ما يَقَعُ الحَلِفُ بغيرِ الله .
التوحيدُ الثالثُ : هو أن توحِّدوا الله في أسمائِهِ وفي صِفاتِهِ ، فلا تَصِفونَ بَشَراً من البَشَرِ بِصِفةٍ من صِفاتِ الله ، مِنها : أن لا تظنُّوا أنَّ أحداً من المُصْطَفَيْنَ الأخيارِ يَعلَمُ الغيبَ ، لا يَعلمُ الغَيبَ إلا الله. المنهج السلفي عند الشيخ ناصر الدين الألباني لعمرو عبد المنعم سليم.
س)-هل ينفع الاقراربتوحيد الربوبية من دون توحيد الالهية؟
المشركونَ كانوا يُؤمِنونَ بأنَّ لهذا الكونِ خالقًا لا شَريكَ لهُ ، ولكنَّهم كانوا يَجعَلونَ مع الله أندادًا وشركاءَ في عِبادتِهِ ، فَهُم يؤمِنونَ بأنَّ الربَّ واحدٌ ولكن يَعتقِدونَ بأنَّ المعبوداتِ كثيرةٌ ، ولذلك ردَّ الله تعالى - هذا الاعتقادَ - الذي سمَّاه عِبادةً لِغيرِه مِن دونِهِ بِقولِهِ تعالى(أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر: 3]) التوحيد أولا يا دعاة الإسلام للألباني .(2/49)
باب في توحيد الأسماء والصفات
س)-هناك من يقول بتأويل الصفات ، فما موقف السلف من التأويل؟
من المنهجِ الذي سَلَكَهُ هؤلاءِ الخَلَفُ خِلافاً لِمَنهَجِ السَّلَفِ هو : تأويلُ الآياتِ وَعَدَمُ اتِّباعِها كما جاءت دُونَ تأويلٍ وَدُونَ تعطيلٍ ، فالسَّلفُ رضي الله عنهم وَمِنهم ألائمةُ الأربعةُ قَد ذَهَبوا في مَوقِفِهِم من آياتِ الصِّفاتِ وأحاديثِ الصِّفاتِ إلى الأيمانِ بِحَقائِقِ مَعانِيها ، دُونَ تَشبيهٍ وَدُونَ تَعطيلٍ.
التَّشبيهُ مِن مَذهبِ المُشبِّهةِ ، والتَّعطيلُ مِن مَذهَبِ المؤوِّلَةِ ، أما السَّلَفُ فَقَد جَمَعوا إثباتَ مَعاني الصِّفاتِ على حَقائِقِها ، مَعَ تَنزيهِ الله تبارك وتعالى عَن مُشابَهَتِهِ الحوادِثِ، والنَّصُّ القُرآنيُّ في ذلكَ صَريحٌ كَما تَعلَمونَ ، ألا وَهوَ قولُهُ عزَّ وجلَّ :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )[الشورى: 11]، لَيسَ كَمِثلِهِ شئٌ: تَنزيهٌ فَوقَعَوا في التَّعطيلِ ، وَهو إنكارُ صِفاتِ الله عزَّ وجلَّ إلى عِبادِهِ حينَما وَصَفَ نَفسَهُ ببعضِ الآياتِ ، وَفي بعضِ الأحاديثِ ، فَعَطَّلَ الخَلَفُ مَعانيَ هذِهِ الآياتِ ، لإخراجِها عَن مَعانيها الظاهِرَةِ.
زَعَموا أنَّهم فَعلوا ذلكَ مِن بابِ التَّنزيهِ ، فَخَالَفوا الآياتِ ، وَخالَفوا السَّلَفَ الصالِحَ الذين كانوا يُمِرُّونَها على مَعانِيها الظاهرةِ المعروفةِ في اللَّغةِ العَرَبيَّةِ ، مَعَ تَنزيهِ الله تبارك وَتَعالى عَن مُشابَهَتِهِ للمَخلوقاتِ....فإذاً مَذهَبُ السَّلَفِ : الإيمانُ بآياتِ الصِّفاتِ على المعنى اللُّغويِّ ، دُونَ تأويلٍ لأنَّهُ تَعطيلٌ ، وَدُونَ تَشبيهٍ لأنَّهُ يُنافي التنزيهَ المصرَّحَ بِهِ في قَولِهِ تَعالى : :( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى: 11]. انتهى كلام الالباني من التعليقات السنية : 53-61.
س)- هل معنى توحيد الله في اسمائه وصفاته أنَّ الله تعالى لَيسَ كَمِثلِهِ شيءٌ لا في ذاتِهِ ولا في صِفاتِهِ ولا في أفعالِهِ؟
هذا أصلٌ مِن أصولِ التَّوحيدِ وهو أنَّ الله تعالى لَيسَ كَمِثلِهِ شيءٌ لا في ذاتِهِ ولا في صِفاتِهِ ولا في أفعالِهِ ولكن المُبتَدِعةَ والمتأوِّلَةَ قَد اتَّخذوهُ أصلاً لإنكارِ كَثيرٍ مِن صِفاتِ الله تباركَ وَتَعالى فَكُلَّما ضَاقت قُلُوبُهُم عن الإيمانِ بِصِفَةٍ مِن صِفاتِهِ عَزَّ وجلَّ سلَّطوا عَلَيها مَعاوِلَ التأويلِ والهَدمِ فأنكروها واستَدَلُّوا على ذلكَ بِقولِهِ تَعالى :(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) مُتَجاهِلينَ تَمَامَ الآيةِ : (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى: 11] ، فَهيَ قَد جَمَعت بَينَ التنزيهِ والإثباتِ فمن أرادَ السلامةَ في عَقيدتِهِ فَعَلَيهِ أن يُنزِّه الله تعالى عَن مُشابَهَتِهِ للحَوادِثِ دون تأويلٍ أو تَعطيلٍ وأن يُثبِتَ لَهُ عزَّ وجلَّ مِن الصِّفاتِ كُلَّ ما أثبَتَهُ لِنَفسِهِ في كِتابِهِ أو حَديثِ نَبيِّهِ دُونَ تَمثيلٍ وهذا هو(2/50)
مَذهَبُ السَّلَفِ وَعَليه المصنِّفُ رحمه الله تَبَعاً لأبي حَنيفةَ وسائرِ الأئمةِ كما تَراهُ مُفَصَّلا في الشَّرحِ (فبهداهم اقتده) [ الأنعام: 90] انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية10.
س)- هل يجوز وصف الرب سبحانه وتعالى بأن له عينين كما نُقل عن بعض السلف؟
النصوص واضحة في ذلك بعد القرآن الكريم(فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)الطور48 وحكاية الرسول عليه السلام قصة الدجال وخروجه في آخر الزمان، وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من نبي إلا وقد حذر أمته الدجال، وإني محذركموه؛ إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور) وأشار عليه السلام في بعض الروايات إلى عينه، وكون الرسول يصف الدجال بهذا العيب وهو العور يستلزم أن الله عز وجل الذي نزهه عن العور أن له عينين ، ومن هنا وأمثاله قال من قال من السلف : بأن له عينين، والآية التي ذكرناها آنفاً (فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا)الطور48 ، هي بلا شك، وإن كان ليس المقصود في أعيننا كما يظن بعض المعطلة و المؤولة ، وإنما أنت تحت مرآنا وتحت بصرنا وتحت عنايتنا، وإن كان هذا المعنى هو المقصود، لكن ذلك يستلزم إثبات هذه الصفة لله عز وجل، فأنا أعتقد بما جاء به بعض السلف كما ذكرت. انتهى كلام الالباني من شريط الأجوبة الألبانية على الأسئلة الكويتية.
س)- هل آياتُ الصِّفاتِ من المتشابِهاتِ أم من المُحكَماتِ ؟
هي مِن جِهةٍ من المتشابِهاتِ ، وذلكَ فيما يَتَعلَّقُ بالكيفيَّاتِ ، وَلَيسَت مِن جِهةٍ أخرى من المتشابِهاتِ مِن حَيثُ أنَّ لها مَعنى ظاهراً ، أي أنَّ لَها مَعانيَ مَعروفَةً باللغةِ العربيَّةِ.
فهي إذن باعتبارِ الكيفيَّةِ مُتَشابِهَةٌ ، لأنَّهُ لا يُمكِنُ أن نَعرِفَ كيفيَّةَ ذاتِ الله ، فبالتالي لا يُمكِنُ أن نَعرِفَ كَيفيَّةِ صِفاتِهِ عزَّ وجلَّ .
ولهذا قال بعضُ أئمَّةِ الحديثِ – وهو أبو بكر الخطيب - :
(يُقالُ في الصِّفاتِ ما يُقالُ في الذَّاتِ ) ؛ سَلباً وإيجاباً ، فَكما أنَّنا نُثبِتُ الذَّات ولا نَنفيها ، فان هذا النَّفيَ هو الجَحدُ المُطلَقُ ، كذلك نَقولُ في الصِّفاتِ: نُثبِتُها ولا نَنفيها ، ولكنَّنا كما لا نُكيِّفُ الذَّات ، لا نُكيِّف الصِفات. السؤال السابع عشر من الفتاوى الامارتية 119.(2/51)
س)- ما تعليقكم على من يقول نَحنُ نُفوِّضُ المعاني التي جاءَت في آياتِ الصِّفاتِ وفي أحاديثِ الصِّفاتِ؟
يَجِبُ أن تَنتَبِهوا إلى أنَّ كَثيراً مِن الدُّعاةِ الإسلاميينَ اليومَ مِمَّن لَم يؤتَوا حَظَّاً مِن العِلم بالكتابِ والسنةِ ، يَتَحاشَونَ الخَوضَ في اتِّباعِ السَّلفِ...وهو اتِّباعُهُم في إيمانِهِم بآياتِ وأحاديثِ الصِّفاتِ على المفهومِ العربيِّ مَع التَّنزيهِ ، إنَّهم لا يُريدُونَ أن يكونوا سَلَفيِّينَ ، ولا يُريدونَ أن يَكونوا مِن المعتزِلةِ ، فَيَقولونَ : نَحنُ نُفوِّضُ هذه المعاني التي جاءَت في آياتِ الصِّفاتِ وفي أحاديثِ الصِّفاتِ ، فَسُمُّوا بـ((المفوِّضَةِ))، وَمَعنى المفوِّضَةِ هنا : هو الجَهلُ بِعَشَراتِ الآياتِ والأحاديثِ التي جاءت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ، والتي كَما قُلنا آنِفاً تَعَرَّفَ بِها إلى عِبادِهِ ، عَرَّفَهُم بِبَعضِ صِفاتِِ غَيب الغُيوبِ إن صَحَّ التَّعبيرُ ، وهو الله تبارك وتعالى ، فَجِهِلوا هذهِ المعاني كُلِّها ، قالوا : الله اعلَمُ بِمُرادِهِ . المنهج السلفي عند الشيخ الالباني عمرو عبدالمنعم سليم 124-125.
س)- يوجد بعض المنتسبين الى العلم مثل الكوثري ينسبون الى السلف مذهب التفويض. فما تعليقكم على هذا القول؟
إنَّ عَجَبي لا يَكادُ يَنتَهي من الكوثريِّ وأمثالِهِ الذينَ يَنسِبونَ السَّلفَ الصالحَ في آياتِ الصِّفاتِ إلى التَّفويضِ وَعَدَمِ البحثِ عن المرادِ مِنها كما سَبَقَ النَّقلُ الصَّريحُ بِذلكَ عَنهُ، فإنَّه إن لَم يَجِد في قَلبِهِ من التَّعظيمِ للسَّلفِ وَعِلمِهِم ما يَزَعُهُ عَن التَّلَفُّظِ بِها بِما يَمَسُّ مَقامَهُم في المعرفةِ بالله تعالى وَصِفاتِهِ، أفَلَم يَقِف على ما نَقَلَهُ العُلماءُ عَنهم من العباراتِ المختلفةِ لَفظاً والمتَّحِدَةِ مَعنىً، وكلُّها تَلتَقي حَولَ شيءٍ واحِدٍ وهو إثباتُ الصِّفاتِ مَعَ الرَّدِّ على المُعطِّلةِ النَّافينَ لها والمُمَثِّلَةِ المشبِّهينَ لَها بِصِفاتِ الخَلقِ، وإليك بَعضَ النُّصوصِ في ذلكَ مما سَتَراهُ في الكتابِ في تَراجُمِهِم إن شاءَ الله تعالى. مختصر العلو للعلي الغفار للذهبي اختصار الألباني36.
س)- ما رأيكم في كتابِ "العلو للعلي الغفار" للذهبي؟
اعلم أيها القارئُ الكريمُ أنَّ هذا الكِتابَ قَد عَالَجَ مسألةً هي من أخطرِ المسائِلِ الإعتقاديةِ التي تَفَرَّقَ المسلمونَ حَولَها مُنذُ أن وُجِدَت المعتزِلَةُ حتى يومِنا هذا ألا وهيَ مَسألةُ عُلوِّ الله عزَّ وجلَّ على خَلقِهِ الثابتةِ بالكتابِ والسنةِ المتواترةِ ، المدَعَّمِ بِشاهِدِ الفِطرةِ السَّليمةِ، وما كانَ لِمُسلِمٍ أن يُنكِر مِثلَها في الثُّبوتِ لولا أنَّ بعضَ الفِرَقِ المنحرِفَةِ عن السُّنَّةِ فَتَحوا على أنفُسِهِم وعلى الناسِ مِن بَعدِهِم بابَ التأويلِ، فَلَقَد كَادَ الشيطانُ بِهِ لِعَدوِّهِ الإنسانِ كَيداً عَظيماً وَمَنَعَهُم بِهِ أن يَسلُكوا صِراطاً مُستقيماً، كَيفَ لا وهُم قد اتَّفقوا على أنَّ الأصلَ في(2/52)
الكلامِ أن يُحمَلَ على الحقيقةِ وأنَّهُ لا يَجوزُ الخُروجُ عنها إلى المجازِ إلا عِندَ تَعَذُّرِ الحقيقةِ أو لِقَرينَةٍ عَقليَّةٍ أو عُرفيَّةٍ أو لَفظيَّةٍ، كما هو مُفصَّلٌ في مَحلِّهِ، وَمَعَ ذلكَ فإنكَ تَراهُم يُخالِفونَ هذا الأصلَ الذي أصَّلُوهُ لأتفهِ الأسبابِ وأبعَدِ الأمورِ عَن مَنطِقِ الإنسانِ المؤمنِِ بِكَلامِ الله وَحَدِيثِ نَبيِّهِ حَقا. مختصر العلو للعلي الغفار ً22.
س)- ما قولكم في قَولِهِ تعالى:(اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) البقرة: 15]، وَقَولُُُهُ : (سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ ) التوبة: 79 ] وأمثالِها مِن الآياتِ المتشابِهَةِ؟
السَّلَفُ كانوا يَقُولونَ في مِثلِ هذهِ الآيةِ وأشباهِها : أمِرُّوها كَما جاءَت ، وَهُم لا يَعنُونَ أمِرُّوها بلا فَهمٍ ، ولكن أمرُّوها كما جاءَت بِفَهمٍ صَحيحٍ ، وَبِدون تَشبيهٍ وَتَكييفٍ ، أو تأويلٍ وَتَعطيلٍ .
قال الله تعالى: ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ) [الشورى: 11]، فَفي هذه الآيةِ تَنزيهٌ ، وَفيها إثباتٌ لِصِفَتي السمعِ والبصرِ ، فَمَعنى التنزيهِ : أنَّنا نُثبِتُ الصِّفَةَ التي وَصَفَ الله بِها نَفسَهُ ، أو وَصَفَهُ بِها رَسُولُهُ ، كَما يَليقُ بِعَظَمَتِهِ سُبحانَهُ وَتَعالى ، ولا نُكيِّفُ ذلك فَنَقولُ : سَمعُهُ كَسَمعِنا ، وَبَصَرُهُ كَبَصَرِنا ، كَما أنَّنا لا نَتأوَّلُ ذلكَ كَما فَعَلَ بَعضُ غُلاةِ المعتزلةِ ؛ حَيث أوَّلوا السمعَ والبَصَرَ بالعِلمِ ، معَ أنَّ الله قَد وَصَفَ نَفسَهُ في غَيرِ ما آيةٍ في القرآنِ الكريمِ بالعِلمِ ، فَتأويلُ أولئكَ للسَّمعِ والبصرِ بالعلمِ تَعطيلٌ ، الذي قالَ عَنهُ العُلماءُ : المعطِّلُ يَعبُدُ عَدَمَاً ، والمُجَسِّمُ يَعبُدُ صَنَماً.
وعلى هذا نَقولُ في الآيتينِ السابِقَتَينِ الوارِدَتَينِ في السؤالِ : مِن استِهزاءِ الله عزَّ وجلَّ وَسُخريَتِهِ ، انَّه استهزاءٌ وَسُخرِيَةٌ يَليقُ بالله عزَّ وجلَّ. السؤال الحادي عشر من الفتاوى الامارتية : 122-123.
س)- (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] فما معنى استوى؟
معنى استوى بدون تأويل: استعلى، وهذا هو تفسير السلف، ومنهم أبو العالية، كما رواه البخاري في صحيحه. أما الخلف فيؤولون الآية، أي: يخرجون معناها عن ظاهرها إلى معنى آخر يبدو لهم، فيقولون -مثلاً-: استوى أي: استولى، فهذا المعنى الذي فيه خروج عن ظاهر الآية هو التأويل، والأمثلة على ذلك كثيرة: فمثل قوله تبارك وتعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً) [الفجر:22] فتفسير هذه الآية (وجاء ربك) كما قال بعض السلف: تفسيرها قراءتها، أي: أمر ظاهر (جاء ربك والملك). أما تأويلها، بمعنى إخراج النص عن ظاهره (جاء ربك) أي: بعض آيات ربك، أو بعض ملائكة ربك، فهذا هو التأويل. فإذاً: التأويل في الاصطلاح هو: الإتيان بمعنى للنص، سواء كان قرآناً أو سنة، لا يجري عليه ظاهر النص، وإنما(2/53)
يشار إليه بطريق المجاز أو الكناية أو نحو ذلك. ومثل هذا التأويل لا يشرع عند علماء السلف، ولا يجوز المصير إليه إلا حينما تتعذر الحقيقة، أي: يتعذر ولا يمكن تفسير النص بدون تأويل؛ حينئذٍ يذهبون إلى التأويل، ومن هنا جاء الخلاف بين السلف والخلف.. الخلف يتوسعون كثيراً في تأويل الآيات، ويخرجونها عن دلالاتها الظاهرة لمجرد إبعادهم المعنى الظاهر من الآية، وكثيراً ما يكون الاستبعاد الذي قام في أذهانهم، سببه في الحقيقة قياسهم الغائب على الشاهد، وإذا كانت الآية التي يتأولونها تتعلق بالله عز وجل وبصفاته، فهذا أبعد ما يكون عن الصواب حينما تؤول الآية تأويلاً يصرف نص الآية عن ظاهر دلالتها. فها هنا -مثلاً- (وَجَاءَ رَبُّكَ) [الفجر:22] ما تركوا الآية على ظاهرها كما هو واضح، وإنما قالوا: جاء بعض آيات ربك، لماذا؟ قالوا: لأن الله لا يوصف بأنه يجيء، واستلزموا من المجيء الحركة، فقالوا: الله لا يوصف بأنه يتحرك، وهذا الكلام معناه: أن هؤلاء المتأولين نظروا إلى رب العالمين نظرتهم إلى خلقه، فكما أن الإنسان يوصف بالحركة قالوا: إنه من الضروري ألا نصف الله بما يوصف به الإنسان، فالحركة للإنسان هذه صفته، فلا يجوز أن نصف الله ببعض الصفات التي هي من صفات البشر، فهذا الذي اضطرهم إلى التأويل: (وَجَاءَ رَبُّكَ) [الفجر:22] كمثال.. ولا شك عند العاقل أنه إذا نظر إلى هذا السبب الذي حملهم إلى التأويل؛ لتبين له بأنه سبب من أضعف الأسباب، بل هو سبب باطل؛ ذلك لأن لازم هذا السبب وقصاراه ما دام أن البشر يتحرك فلا يجوز أن نصِف الله بأنه يتحرك، وما دام أن البشر يجيء فلا يجوز أن نصِف الله بأنه يجيء -وهو باطل بلا شك في الأصل- ما دام أن البشر يبصر ويرى فلا يجوز أن نصف الله بأنه يبصر ويرى .. ما دام أن البشر يسمع فلا يجوز أن نصف الله بأنه يسمع، بينما نصوص الكتاب والسنة متضافرة متتابعة متواترة على وصف الله عز وجل بأنه يسمع ويرى، قال تعالى لموسى وهارون: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى )[طه:46] كذلك قال ربنا تبارك وتعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] فهل هناك ضرورة لتأويل هذه النصوص التي تثبت لله عز وجل صفة السمع والبصر بمجرد اشتراك الإنسان مع الله اشتراكاً لفظياً في السمع والبصر؟ لو أنهم فعلوا ذلك لوقعوا في مثل ما وقع المعتزلة من قبلهم؛ فإن المعتزلة اشتطوا في التأويل، فأنكروا السمع والبصر أيضاً، بينما الأشاعرة -مثلاً- الذين تأولوا المجيء فنسبوا المجيء إلى غير الله، والله عز وجل يقول: (وَجَاءَ رَبُّكَ) [الفجر:22] فهؤلاء الذين تأولوا من الأشاعرة هذه الآية لم يتأولوا: (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) [طه:46] فما أنكروا السمع والبصر، لكن المعتزلة غلوا فأنكروا السمع والبصر. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/54)
س)- حدثنا عن المناظرة التي كانت مع عالم من علماء الأزهر حول مسألة المكان؟
جاءنا رجل من علماء الأزهر، فجرى حديث طويل بيني وبينه في هذه القضية، من جملتها قلنا له: أليس الله كان ولا شيء معه؟ قال: نعم، قلنا: هذه نقطة تلاق، لا خلاف بيننا والحمد لله. قلنا له: إذ كان الله لا شيء معه، هل كان في مكان؟ قال: لا. قلت: وهذا هو اعتقادنا، فالله عز وجل لما خلق الخلق بعد أن كان عدماً هل دخل فيه وامتزج فيه امتزاج الماء في الثلج، أو السمن والزبدة في الحليب، أم بقي مستغنياً عن خلقه؟ قال: بقي مستغنياً عن خلقه. قلنا له: إذ بقي مستغنياً عن خلقه، هل هو لا يزال ليس في مكان كما اتفقنا آنفاً؟ قال: نعم. ليس في مكان. إذاً: الله ليس في مكان قبل الخلق وبعد الخلق. ثم قلت له: المكان شيء وجودي أم عدمي؟ أي: يتخيله في الذهن أم هو له وجود حقيقي؟ قال: له وجود حقيقي، مكان يجلس فيه الإنسان يتمتع به ... إلخ. هذه كانت الخطوة الأولى في التلاقي معه، وسلسلنا الأسئلة واتفقنا. قلنا: فلما خلق الله الخلق، هل ظل كما كان مستغنياً عن الخلق وليس في مكان؟ قال: نعم. قلنا: لما خلق الله الخلق -العقل الآن يحكم بشيء من شيئين، والشرع هو المرجح- فإن العقل يقول: إما أن يكون الله عز وجل حينما خلق الخلق وهو فوق خلقه، وإما أن يكون خلق خلقه فوق ذاته، هل يمكن هذا؟ لم يبق إلا الأمر الأول وهو أن يكون الله عز وجل فوق المخلوقات، هذه الفوقية التي يحكم بها العقل ضرورة، هي التي أخبر الله بها في كتابه وفي حديث نبيه، أما الكتاب فخذوا ما شئتم، أشهر هذه الآيات (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] أي: استعلى، ومنها آية نقرؤها ونمر عليها مر الكرام، ولا نتنتبه إلى أن الله عز وجل يصف فيها شيئين: الشيء الأول: ذاته تبارك وتعالى، نصفه بصفة الفوقية. الشيء الثاني: يصف المؤمنين بأنهم يؤمنون بهذه الصفة، فيقول تبارك وتعالى: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل:50] أي: أن المؤمن حينما يخشى الله إما دائماً وأبداً، وهذه من صفات الأنبياء والرسل، وإما أحياناً، فهو يلاحظ حين يخشاه ويخافه أنه يخاف رباً على العرش استوى، فإذاً: هذه الآية من جملة الآيات التي تثبت فوقية الله على عرشه وعلى خلقه جميعاً. قلت للشيخ: ما رأيك.. هل أنت تؤمن معي بهذا الكلام؟ قال: نعم. قلت: فأين المكان الذي تتهمونا؟ المكان هو طبيعة المخلوق، فالله عز وجل فوق المخلوقات، أي: حيث لا مكان ولا زمان؛ لأن الله الآن من هذه الحيثية كما كان، وسلسلنا الموضوع معه.. كان الله ولا شيء معه، هل كان في مكان؟ قال: لا. فلما تسلسلنا معه في البحث وصلنا إلى نقاط تلاقينا فيها، لكن لا هو شعر أننا أثبتنا لله مكاناً، ولا أنا أيضاً شاعر بأنني أثبت لله مكاناً، فقلت له: إذاً: لماذا تتهمون السلفيين الذين يثبتون ما وصف الله به نفسه، ومنها صفة الفوقية وصفة العلو، أنهم حصروه في مكان؟ لكن الحقيقة (اعكس تصب) الذين أنكروا صفة الله(2/55)
هذه، وأنه فوق مخلوقاته كلها، هم الذين حصروه في مكان، والدليل على هذا الذي أقول: ألسنة الناس اليوم ما بين عالم وجاهل لا فرق في ذلك بينهم، هم الذين يقولون: الله موجود في كل مكان، معناها: إنكار ما جاء في كتاب الله وفي حديث رسول الله.. معناها: أن الله ليس فوق المخلوقات؛ لأنه لا يوجد فوق المخلوقات مكان كما شرحنا لكم؛ لأنه عدم، كان الله ولا شيء معه إطلاقاً، فلما خلق المخلوقات، بخلق المخلوقات وجد الزمان المكان، فهو سبحانه ما حل في هذا المكان ولا حل في هذا الزمان، فإذاً: الله مستغن عن المخلوقات بما فيه الزمان وبما فيه المكان، فالله ليس في مكان. هذه عقيدة أهل السنة أو السلفيين بالعبارة الصريحة. أما جماهير الناس اليوم فهم يقولون عبارتين كلتاهما تؤديان إلى ضلال معتقدها، يقولون: الله موجود في مكان، أو الله موجود في كل الوجود. الله موجود في كل مكان: هذا مكان.. المطبخ مكان، وغير المطبخ أيضاً مكان، فالله في كل هذه الأمكنة؟! هذا معنى كلام الناس، الله موجود في كل مكان.. في الحمام.. في الأسواق.. في السينمائيات .. في.. إلخ، المكان اسم جنس يشمل كل مكان طاهر أو قذر، فلما يقول القائل: الله موجود في كل مكان، معناه: هو في كل هذه الأمكنة، الأماكن الطاهرة والقذرة، مع أنه لا يجوز لمسلم أن يقول: إن الله موجود في الأمكنة الطاهرة! لا يجوز أن يقول هذا؛ لأننا إذا قلنا: الله موجود في الأمكنة فقد حصرناه، وهو مستغن عن خلقه جميعاً، وهو فوق السماوات كلها. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما شرح حديث الجارية في إثبات علو الله تعالى؟
حديث الحكم السلمي وفيه قال :قال: يا رسول الله! إن عندي جارية ترعى لي غنماً في أحد، فسطا الذئب يوماً على غنمي، فلما أخبرتني وأنا بشر أغضب كما يغضب البشر فصككتها صكة -هو نادم على ما فعل- يقول: وعلي عتق رقبة) -كأنه يسأل الرسول: هل يجزيني أن أعتق هذه الجارية كفارة الظلم لها، بسبب ثورتي عليها وضربي لها تلك اللطمة؟ قال عليه السلام: (ائت بها، فلما جاءت سألها الرسول عليه السلام، أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال لسيدها: أعتقها فإنها مؤمنة). هذا حديث في صحيح مسلم، فاعتبروا يا أولي الأبصار! ومع كونه في صحيح مسلم فكثير من المشايخ اليوم ينكرون صحة هذا الحديث من حيث الإسناد، وإسناده من أصح الأسانيد، وبعضهم لا يستطيعون أن ينكروا؛ لأن السند صحيح، فماذا يقولون؟ يقولون: الرسول راعى ثقافة الجارية؛ لأنها بدوية، أي: سايرها في مفاهيمها؛ هي تعني أن الله في السماء أي: الأصنام الموجودة في الأرض ليست هي التي خلقت المخلوقات، إنما غير الأصنام -أي الله- يقولون: إن الرسول عليه السلام لما قالت: في السماء، لا تعني فوق، وإنما تعني مجرد إثبات أن لهذا الكون خالقاً، وليست الأصنام التي تعبدها أهل الجاهلية.(2/56)
نقول لهم: أولاً: رسول الله لا يقر على باطل، ولو كانت جارية، ولو كانت بدوية! واجب الرسول عليه السلام أن يعلم المتعلم أم يعلم الجاهل؟ فإذا افترضتم أن هذه الجارية جاهلة، وتتكلم بالباطل -في ظنكم أنتم الذين لا تثبتون أن الله في السماء- فعندما ينظرون هذا الجواب من الجارية، يقولون: الجارية مخطئة في هذا. كيف أقرها الرسول؟ قالوا: أقرها لأنها عنت معنىً مطلقاً مجرداً عن إثبات أن الله له صفة العلو، فنقول لهم: الجارية في الحقيقة يبدو لي من وراء هذه القرون الطويلة أنها أفقه من هؤلاء العلماء لسببين اثنين: لأنها أولاً: أثبتت ما أثبت الله في كتابه حيث قال: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) [الملك:16-17] فإذاً: الجارية مثقفة بثقافة القرآن، فهي أثبتت وشهدت بما شهد به القرآن، فكيف تقولون إنها كانت مخطئة في قولها: الله في السماء؟ ثانياً: هل تعتقدون أن الرسول عليه السلام يقر الباطل؟ سيقولون: لا. فكيف أقر هذه الجارية على هذا القول الذي تنكرونه؟ الجارية تقول: إن الله في السماء، وأنتم تقولون: الله ليس في السماء، فكيف وقف الرسول عليه السلام تجاه هذه الجارية موقف المقر للباطل الذي أنتم تعتقدون أنه باطل، أهذا هو إيمانكم برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) [لنجم:3-4]؟ هذا الحديث في صحيح مسلم، لكن الناس اليوم الذين ينكرون علو الله فوق خلقه ما بين منكر له مع صحته، وما بين مقر بأن الجارية مخطئة والرسول سايرها في كلامها؛ لأنها قصدت فقط إثبات أن الله هو الخالق. هذا من شؤم التأويل! الحقيقة أن الذي يدرس موضوع التأويل يجد له أخطاراً لا تكاد تنتهي؛ من إنكار آيات، ومن إنكار أحاديث صحيحة، فإن كان النص آية فبالتأويل، وإن كان النص حديثاً إما بطريقة الإنكار كما هو الشأن في هذا الحديث، أو بطريق التأويل كما يفعل البعض. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل أنكروا الآيات المثبتة لهاتين الصفتين، أي: صفة السمع والبصر؟
لا. ولكنهم أنكروا حقائق معانيها، فقالوا: سميع، بصير، عليم، يساوي عليم شيء، وبصير شيء، وسميع شيء آخر! هذا الذي يسميه علماء السلف بالتعطيل، أي: أنهم عطلوا دلالة الآية على أن الله سميع وبصير بطريق التأويل، فقالوا: وصف الله عز وجل لذاته بأنه سميع بصير كناية عن أنه عليم. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/57)
س)- ما هي الضرورة التي اضطرت هؤلاء إلى تأويل هذا النص تأويلاً يؤدي إلى إنكار هاتين الصفتين؟
قالوا: لأنه إذا قلنا: إن الله سميع حقيقة، معناه: شبهناه بالبشر الذي يوصف بأنه سميع وبصير، فالله وصف آدم فقال: (فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً) [الإنسان:2] هذه هي الشبهة التي إليها استند المؤولة الذين يؤولون الآيات ويخرجونها عن دلالتها الظاهرة، وهذه الشبهة تتلخص بأنهم ينظرون إلى أن الله عز وجل إذا وصفناه بما وصف به نفسه فقد شبهناه بخلقه، ونحن لا يجوز لنا أن نشبهه بخلقه. والرد عليها باختصار وبسهولة بالغة أن يقال: إن الله عز وجل لما أثبت لنفسه السمع والبصر قدم بين يدي ذلك قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11] فالله عز وجل في مطلع هذه الآية نزه نفسه أن يشابه أحداً من خلقه في شيءٍ من صفاته .. (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ )[الشورى:11] فبعد أن نزه ونفى أن أحداً من خلقه يشبهه تبارك وتعالى في شيء من صفاته؛ أثبت لنفسه تبارك وتعالى صفة السمع والبصر فقال: ( وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11]، فطريقة الرد على هؤلاء المؤولة أن يقال لهم: إذا قلنا: إن الله سميع، نقول: ليس كمثل سمعه شيء، وإذا قلنا: بصير؛ ليس كمثل بصره شيء، كذلك حينما نقرأ: (وَجَاءَ رَبُّكَ) [الفجر:22] نقول: مجيئه لا يشبه مجيء البشر؛ (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11] . دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- إذا اضطرد المؤولة في تأويل آيات الصفات؛ أدى بهم التأويل إلى إنكار وجود ذات الله، كيف ذلك؟
السبب في هذا أننا نقول ببساطة لهؤلاء المؤولة : الله موجود وجوداً حقيقياً أم هو عدم؟ لا شك أنهم سيقولون: هو موجود. فيقال لهم: الخلق الذي خلقه الله؛ كبشر، وحيوان، وشجر، وحجر، موجود أم عدم؟ فيضطرون أن يقولوا: موجود. إذاً: هنا وجودان: وجود خالق المخلوقات كلها، ووجود المخلوقات نفسها، فهل إذا قلنا: إن المخلوقات موجودة والله موجود معنى ذلك: أننا شبهنا الله بمخلوقاته، أو شبهنا مخلوقات الله به نفسه؟ الجواب: لا؛ لأننا سنقول: الله موجود منذ الأزل؛ أول بلا بداية، وآخر بلا نهاية، والإنسان ليس كذلك. إذاً: عندما أثبتنا لله وجوداً أثبتنا له وجوداً ينافي وجود البشر؛ كذلك إذا أثبتنا لله سمعاً، وبصراً، ومجيئاً، واستواءً، ونزولاً، ويداً إلى آخر ما هنالك من صفات كثيرة منصوص عليها في الكتاب والسنة، فإنما نثبت له صفات لا تشبه صفات المخلوقات.(2/58)
باختصار: لله صفة الوجود وللمخلوق صفة الوجود، فهذا الإثبات للوجودين ليس معناه إثبات وجود مشابه لوجود، فوجود الله يليق بأزليته وبخالقيته، ووجود الإنسان يليق بضعفه وعجزه، وكونه كان عدماً فأوجده الله تبارك وتعالى. إذاً: إثبات كون أن هناك مباينة في الصفة الإلهية عن صفة المخلوقات، هذه المباينة هي التي تنفي المشابهة، وهي التي تجعلنا نؤمن بالصفات كما جاءت في الكتاب والسنة، دون تشبيه بالمخلوقات؛ لأن الله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11] ودون تعطيل، أي: إنكار للصفات؛ لأن الله أثبت لنفسه الصفات منها: (وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] . دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ماذا يعني ابن القيم رحمه الله بقوله : "المعطل يعبد عدماً، والمجسم يعبد صنماً"؟
لأن الله تعالى يقول (وَجَاءَ رَبُّكَ) [الفجر:22] وهو يقول لك: ما جاء.. ينزل من السماء الدنيا في آخر كل ليلة فيقول: (ألا هل من داعٍ...) وهو يقول: ما ينزل.. استوى على العرش، وهو يقول: ما استوى على العرش.. له يد، وهو يقول: ليس له يد. هذا هو الإنكار! لماذا تقول: ما استوى وما يجيء؟ يقول: لأن فيه مشابهة لمن يجيء من مخلوقاته. وكذلك سميع بصير فيه مشابهة، إذاً: ليس سميعاً وليس بصيراً. إذاً: هو موجود؟ إن قال: موجود، أقول: أنا أيضاً موجود، وهنا مشابهة! فالخلاص من هذا أن نقول: إن وجوده ليس كوجودنا، وبصره ليس كبصرنا وكل صفات الله ليست كصفات المخلوقات، فالمؤولة وفي مقدمتهم المعتزلة ثم من يليهم من بعدهم الأشاعرة، يصل بهم الأمر أنهم إذا قالوا: نحن نعبد الله، فإنما يعبدون عدماً؛ لأنه: ما هي صفات هذا الإله؟ لا نعرف الله إلا بما وصف به نفسه، فإذا جئنا إلى الصفات التي يصف بها نفسه فأولناها، أي: أخرجناها عن معانيها الواضحة بحجة أنّا إذا قلنا: جاء، فالإنسان يجيء، إذا قلنا: سميع، الإنسان سميع، قال علماء السلف: هذا هو التعطيل! الله أيضاً له ذات، ولكل منا له ذات! إذاً.. نقول: لا ذات لله عز وجل، رجع إيمانهم بالله إلى العدم، لذلك قال ابن القيم : المعطل يعبد عدماً؛ لأنه لا يثبت لله صفة، حتى صفة السمع والبصر تأولها إلى صفة العلم، لكن هو سيضطر إلى تأويل العلم أيضاً؛ لأننا نقول: الله عالم، وكذلك فلان عالم، والله تعالى قال في القرآن الكريم: (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الزمر:9] .. (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) [المجادلة:11]. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/59)
س)- ما هي صفات هذا الموجود الأزلي؟
كل المسلمين يشتركون على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم أن الله عز وجل حقيقة، وليس معناً قائماً في الذهن، يعني: هو له وجود خارج الكون وجود حقيقي، وليس هو معنى يتخيله الإنسان.. فكل موجود له صفات ولا شك وإلا فهذا يكون خيالاً، فالله عز وجل وجوده حقيقي وأزلي. ما هي صفات هذا الموجود الأزلي؟ العقل قد يدرك شيئاً منها، ولكن لا يستطيع أن يستقصي الصفات كلها إلا بطريق النقل الذي هو عبارة عن الكتاب والسنة، فإذا جئنا إلى هذه النصوص التي وردت في الكتاب والسنة تصف هذا الموجود الحقيقي، وهو واجب الوجود سبحانه وتعالى بصفات، فكأن موقفنا تجاه تلك الصفات تأويلها وتعطيل معانيها، بقي وجود الله عز وجل وجود خيالي لا حقيقي؛ لأننا قلنا: إن الوجود الحقيقي له صفاته المناسبة له، فإذا جئنا إلى كل صفة فتأولناها بغير ما يدل عليه النص؛ حينئذٍ كأننا آمنا بوجود خيالي لا حقيقة له. فكما قلنا آنفاً وأكرر وأقول: الله عز وجل وصف نفسه بصفات كثيرة، فهو يقول: يجيء، ويسمع، ويرى.. إلخ، فإذا قلنا: لا يسمع، لا يرى ..إلخ، معناها أننا ما وصفنا هذا الوجود الحقيقي الغائب عنا، وإن لم نصفه ما حكمنا بوجوده إلا حكماً ذهنياً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما هو العرش ؟ وهل يصح القول بأنه عبارة عن الملك وسعة السلطان؟
اعلم أن العرش خلق عظيم جدا كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ولذلك أضافه تعالى إلى نفسه في قوله (ذو العرش) وفيه آيات أخر ، وهو لغة سرير الملك ، ومن أوصافه في القرآن : (ويحمل عرش ربك فوقهم يومئذ ثمانية)الحاقة17 ، وأنه على الماء وفي السنة أن أحد حملة العرش ما بين شحمة إذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام وأن له قوائم وأنه سقف جنة الفردوس . جاء ذلك في أحاديث صحيحة ، وذلك كله مما يبطل تأويل العرش بأنه عبارة عن الملك وسعة السلطان. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- هل يصح وصف الكرسي بأنه موضع القدمين ، و أنه يحمله أربعة أملاك , لكل ملك أربعة وجوه؟
أعلم أنه لا يصح في صفة الكرسي غير حديث (ما السماوات السبع في الكرسي إلا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ، وفضل العرش على الكرسي كفضل تلك الفلاة على تلك الحلقة) الحديث ,أما بعض الروايات وفيها أنه موضع القدمين , وأن له أطيطاً كأطيط الرحل الجديد , وأنه يحمله أربعة أملاك , لكل ملك أربعة وجوه , وأقدامهم في الصخرة التي تحت الأرض السابعة .... إلخ , فهذا كله لا يصح مرفوعاً عن النبي صَلَّى اللَّهُ(2/60)
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وبعضه أشد ضعفاً من بعض , وقد خرجت بعضها فيما علقناه على كتاب (ما دل عليه القرآن مما يعضد الهيئة الجديدة القويمة البرهان) ملحقاً بآخره طبع المكتب الإسلامي. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم109.
س)- ما حكم قول العامة وكثير من الخاصة "الله موجود في كل مكان"؟
قول العامة وكثير من الخاصة الله موجود في كل مكان، أو في كل الوجود، ويعنون بذاته، فهو ضلال بل هو مأخوذ من القول بوحدة الوجود، الذي يقول به غلاة الصوفية الذين لا يفرقون بين الخالق والمخلوق ويقول كبيرهم كل ما تراه بعينك فهو الله ، تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1046.
س)- ما حقيقة الاشتراك بين صفات الله وبين صفات المخلوقين؟
الله عالم، والإنسان عالم، نقول: إن الله ليس بعالم؛ لأنه صار هناك اشتراك -بزعمهم- بين الإنسان العالم وبين الرب العالم، وهذا على طريقتهم ليس لهم جواب إطلاقاً! أما على طريقة السلف فنقول: الله عالم علماً ليس كعلم البشر، ومن الواضح أن علم الله ذاتي، أما علم الإنسان فهو اكتسابي، أي: أن الإنسان كان جاهلاً فتعلم، أما الله عز وجل -إن صح التعبير- ففي طبيعة ذاته تبارك وتعالى هو عالم، فلم يكتسب العلم بعد أن كان جاهلاً، كما هو الإنسان. فإذاً: الاشتراك بالاسم لا يضره، أي: إذا قلنا: إن الله سميع، وقلنا: إن الإنسان سميع، فهذا ليس تشبيهاً؛ لأنه مجرد اشتراك في الاسم. نحن نقول -مثلاً: الإنسان موجود والحيوان موجود، إذاً: إما أننا رفعنا الحيوان إلى صف الإنسان، أو أننا نزلنا الإنسان من مرتبته التي وضعه الله فيها إلى مرتبة الحيوان، لمجرد الاشتراك في الوجود، والأمر ليس كذلك. وإنما نقول: وجود الإنسان يتناسب مع إنسانيته، ووجود الحيوان يتناسب مع حيوانيته، كذلك يقال: الجماد موجود فعلاً، فهل وجود الجماد كوجود الحيوان الصامت أو الناطق؟ الجواب: لا. إذاً: هذا يسميه العلماء: اشتراك لفظي، فوجود الجماد والإنسان والحيوان وخالق الموجودات كلها، هذا كله اشتراك لفظي، أما الحقيقة فلا اشتراك فيها أبداً، فوجود الجماد غير وجود الحيوان حقيقة، ووجود الحيوان الأعجم الذي لا ينطق غير وجود الإنسان الناطق حقيقة، ووجود هذا الإنسان غير وجود الملائكة، ووجود الجن، ووجود هذه المخلوقات كلها غير وجود واجد الوجود سبحانه وتعالى. كذلك يقال تماماً عن كل الصفات التي يأتي ذكرها في الكتاب والسنة. فالله يجيء قطعاً؛ لأن النص صريح: (وَجَاءَ رَبُّكَ) [الفجر:22] لكن ليس ضرورياً أن نتصور نحن أنه يأتي على رجليه، أو يأتي على السيارة أو الطيارة... إلخ مما هو من طبيعة الإنسان، هنا(2/61)
نقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) [الشورى:11] . فالمذهب السلفي هو الجمع بين التنزيه وبين الإثبات، نثبت وننزه، أما مذهب المعتزلة ومن تأثر بمذهبهم من الأشاعرة وغيرهم، فهو لما ضاقت عقولهم عن أن يعقلوا أن هناك وجوداً لله عز وجل حقيقياً ينافي وجود المخلوقات، فهم اضطروا أن يقولوا: لا يجيء.. ما استوى على العرش، ولا ينزل، وليس له يد، ولا يتكلم، وهذه مشكلة أكبر وأكبر بكثير جداً! دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل أول النبي صلي الله عليه وسلم الاستواء على العرش بالاستيلاء؟
أخرج الطيالسي في "مسنده" (رقم 1093) : حدثا حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن وكيع بن حدس عن أبي رزين قال : كان النبي صلي الله عليه وسلم يكره أن يسأل ، فإذا سأله أبو رزين أعجبه ، قال : قلت : يا رسول الله ! أين كان ربنا قبل أن يخلق السماوات والأرض ؟ فقال : ( كان في عماء ، فوقه هواء ، وما تحته هواء ، ثم خلق العرش على الماء ).
قلت : ومن طريق الطيالسي : أخرجه البيهقي في "الأسماء والصفات" (ص 376) .
وتابعه جمع عن حماد به .
أخرجه الترمذي (3108) ، وابن ماجه (1/ 77-78) ، وأحمد في "المسند" (4/ 11 و12) وابنه في "السنة" (ص 46) ، والبيهقي أيضاً (ص 406) كلهم عن حماد به إلا أن البيهقي قال :"ثم خلق العرش ، ثم استوى عليه" .
وأورد الحافظ الذهبي هذا الحديث في كتابه "العلو" (ص 98 - طبع الهند ، وص 11 - طبعة المنار) بإسناده إلى حماد بن سلمة ؛ وزاد :"ثم استوى عليه" .
إلا أنه تحرف لفظه في طبعة المنار ؛ فوقع فيه :"استولى عليه" !!
وما في الهندية هو الصواب ؛ لأنه موافق لمخطوطة الظاهرية (ق 7/ 1) ، ولأنه مفسر في "العلو" نفسه من رواية إسحاق بن راهويه بلفظ :"ثم كان العرش ، فارتفع عليه" .
وقد استغل هذا التحريف - جهلاً أو تجاهلاً - أحد جهمية الأزهريين من السوريين في كتاب له - زعم - "هذه عقيدة السلف والخلف في ذات الله تعالى ..." ؛ عقد فيه فصلاً (ص 78) بعنوان :"التأويل والرسول عليه الصلاة والسلام ..." ؛ ذهب فيه إلى أن النبي صلي الله عليه وسلم أول الاستواء على العرش بالاستيلاء (!) وأنه أشار بذلك إلى أمته باقتفاء أثره بتأويل كل ما يوهم ظاهره التجسيم ، وقال :
"والسؤال هنا : هل يوجد دليل على ما قلته ؟ نعم ؛ ها هو الدليل ، جاء في كتاب "العلو" للذهبي ..." ثم ساق الحديث بنصه المحرف ؛ ثم قال :"فأنت ترى أن النبي صلي الله عليه وسلم قد أول قوله تعالى : (....(2/62)
استوى) بقوله : (استولى عليه)" ! قال :"وبهذا يكون المؤولون قد اقتفوا أثر الرسول عليه الصلاة والسلام بصرف كل لفظ عن ظاهره - يفهم منه التجسيم - إلى لفظ آخر ينفي عنه ذلك" !!!
قلت : وبذلك أعطى سلاحاً للمعتزلة الذي ينكرون كثيراً من صفات الله تعالى - كالسمع والبصر ، وكرؤيته تعالى - بالتأويل الذي يؤدي إلى التعطيل ، قال المؤلف نفسه عنهم (ص 123) :"بادعاء أن رؤية الله مستحيلة ، فهي تقتضي الجسمية ، والجسمية والجهة عندهم كفر" .
قلت : وهذا ما يصرح به هذا المؤلف الأنوك ! في كثير من المواضع ، فإذن المعتزلة على حق عنده ، بل هو منهم ؛ ولو تظاهر بأنه من أهل السنة والجماعة ! فهو ينكر علو الله على خلقه ، وأن القرآن كلام الله حقيقة ؛ بحجة أن ذلك تجسيم وتشبيه !! ويتظاهر بأنه يؤمن برؤية الله في الآخرة تبعاً للأشاعرة ، ويتجاهل أن ذلك يستلزم التجسيم على مذهبه ؛ وكذا الجهة .
ولكن ذاك السلاح غير ماض ؛ لأنه قائم على حديث لا وجود له إلا في ذهنه ضعيف السند ، فيبادر إلى الإجابة عن ذلك بقوله :"وسواء أكان الحديث صحيحاً أو ضعيفاً ؛ فلا أقل من أن يحمل على التفسير" !!
ما هذا الكلام أيها الأنوك الأحمق ؟!! فما هو الذي يقابل التفسير الذي ينبغي أن يحمل الحديث عليه إذا صح ؟!
وبعبارة أخرى : فالحديث صحيح أو ضعيف ، فإذا كان صحيحاً ، فماذا ؟ وإذا كان ضعيفاً ؛ فماذا ؟!
أليس في كل من الحالين يحمل الحديث على التفسير ؟! ولكن في حالة كونه ضعيفاً ؛ ما قيمة هذا التفسير الذي لم يثبت عنه صلي الله عليه وسلم ؟!
وجملة القول : أن هذا الكلام ركيك جداً ، يدل على عجمة هذا الجهمي ، وليس ذلك في لسانه فقط ، بل وفي تفكيره أيضاً ؛ لأنه في الوقت الذي يقطع بأن هناك دليلاً على أن الرسول أول كما تقدم ، ويكرر ذلك في مواضع أخر ؛ فيقول (ص 80) :
"فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام قد فسر الاستواء بالاستيلاء ؛ فهذا هو التأويل بعينه" ! إذ إنه يقول هذا الكلام الذي لا يشعر أنه به يهدم ما بنى ؛ لجهله بكون الحديث صحيحاً أو ضعيفاً ، فكيف وقد صرح جازماً بضعفه في مكان ثالث ، فقال (ص 103) :"وقدمت لك أن الرسول عليه الصلاة والسلام فسر الاستواء بالاستيلاء ؛ حتى وإن كان أثراً ضعيفاً ؛ فيستأنس به في التأويل" !!
إذن ؛ هو ليس بدليل ؛ لأن الدليل لا يستأنس به فقط ، بل ويحتج به ، فكيف جاز له أن يتقول على رسول الله صلي الله عليه وسلم فيقول : "إنه فسر الاستواء بالاستيلاء" ؟! فليتبوأ - إذن - مقعده من النار !
ثم ما فائدة هذا التأويل الذي ذهب إليه الأشاعرة وغيرهم من الجهمية والمعطلة - مع بطلانه في نفسه عندنا - ما داموا هم أنفسهم لا يأخذون به إلا مع تأويله أيضاً ؟! ، ذلك لأنهم قد أورد عليهم أهل السنة حقاً أن(2/63)
تأويل الاستواء بالاستيلاء ؛ معناه : أنه لم يكن مستولياً عليه من قبل ، لا سيما بملاحظة الآية التي فيها : (ثم استوى على العرش) ؛ فإن (ثم) تفيد التراخي كما هو معلوم ، وهذا التأويل مما لا يقول به مسلم ؛ لأنه صريح في أن الله لم يكن مستولياً عليه سابقاً ؛ بل كان مغلوباً على أمره ، ثم استولى عليه ! لا سيما وهم يستشهدون بذاك الشعر :
قد استوى بشر على العراق
بغير سيف ولا دم مهراق !
تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً !
فلما أورد هذا عليهم ؛ انفكوا عنه ؛ فقال بعض متأخريهم - كما نقله هذا الأزهري (ص 25) - :"ولكن لا يخفى عليك الفرق بين استيلاء المخلوق واستيلاء الخالق" !
وقال الكوثري في تعليقه على "الأسماء" (ص 406،410) :"ومن حمله على معنى الاستيلاء ؛ حمله عليه بتجريده من معنى المغالبة" !
فأقول : إذا جردتم "الاستيلاء" من معنى المغالبة ؛ فقد أبطلتم تأويلكم من أصله ؛ لأن الاستيلاء يلازمه المغالبة عادة كما يدل عليه البيت المشار إليه ، فإذا كان لا بد من التجريد تمسكاً بالتنزيه ؛ فهلا قلتم كما قال السلف : "استوى : استعلى" ؛ ثم جردتم الاستعلاء من كل ما لا يليق بالله تعالى ؛ كالمكان ، والاستقرار ، ونحو ذلك ، لا سيما وذلك غير لازم من الاستعلاء حتى في المخلوق ؛ فالسماء فوق الأرض ومستعلية عليها ، ومع ذلك فهي غير مستقرة عليها ، ولا هي بحاجة إليها ، فالله تعالى أولى بأن لا يلزم من استعلائه على المخلوقات كلها استقراره عليها ، أو حاجته إليها سبحانه ، وهو الغني عن العالمين .
ومن مثل هذا ؛ يتبين للقارىء اللبيب أن مذهب السلف أسلم وأعلم وأحكم ، وليس العكس ؛ خلافاً لما اشتهر عند المتأخرين من علماء الكلام . انتهى كلام الألباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم5320.
س)- قال ابن عباس : إن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى الله، فما صحة هذا الاثر؟
هذا الحديث عن ابن عباس فيه عدة روايات، ولذلك حكم علماء الحديث عليه بالاضطراب، في الرواية الأولى قال: رأى ربه، والثانية: رآه بقلبه، والثالثة: رآه بعينه، والرابعة: رآه.. فهذا الاضطراب هو الذي يمنع أن نحتج به وندخله في صلب أنه لا يقال بمجرد الرأي، أما المسألة المعروفة في الخلاف بين ابن عباس من جهة وبين السيدة عائشة من جهة أخرى، فقد صح عنها في حديث أخرجه البخاري و مسلم في صحيحيهما من حديث مسروق.. أنه جاء إلى السيدة عائشة فقال لها: (يا أم المؤمنين! هل رأى محمدٌ ربه؟ قالت: لقد(2/64)
قف شعري لما قلته، قال: يا أم المؤمنين! أليس يقول الله عز وجل: (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) [النجم:13]؟ قالت: أنا أعلم الناس بذلك، سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: رأيت جبريل في صورته التي خلق فيها مرتين وله ستمائة جناح، ثم قالت -وهذا الشاهد-: ثلاث من حدثكموهن فقد أعظم على الله الفرية: من حدثكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد أعظم على الله فرية، ثم تلت قول الله تبارك وتعالى : (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً) [الشورى:51] ومن حدثكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يعلم ما في غد فقد أعظم على الله الفرية، ثم تلت قول الله تبارك وتعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) [النمل:65] ومن حدثكم أن محمداً صلى الله عليه وسلم كتم شيئاً أمر بتبليغه فقد أعظم على الله فرية، ثم تلت قول الله عز وجل : (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) [المائدة:67] ) فإذاً: قول ابن عباس لا ينطبق في الحالة السابقة عليه من ناحيتين:-
أولاً: أن المسألة سياسية بينه وبين السيدة عائشة، وهي كما قلنا من أعرف الناس فيما يتعلق بشخصية الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنها زوجته.
ثانياً: أن ابن عباس اضطربت الرواية عنه، ففي بعضها كما سمعتم أنه رآه بقلبه، وهذا ليس موضع اختلاف. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل كل من أثبت الفوقية لله عز وجل يكون مشبه؟
لَقد اشتُهر عند الخلفِ نِسبةُ كُلِّ مَن يُثبِتُ الفوقيَّةَ لله تعالى إلى أنَّهُ مُشَبِّهٌ أو مُجَسِّمٌ أو إلى أنَّه يَنسِبُ لله الجهةَ والمكانَ ؛ فَهذهِ ثلاثةُ أمورٍ لا بُدَّ مِن إزالةِ الشُبَهِ عَنها. مختصرُ العلوِّ للعليِّ الغفارِ.
س)- هل القرآن الكريم كلام الله حقيقة ام مجاز؟
مِن أكبَرِ الفِتنِ التي أصابت بَعضَ الفِرقِ الإسلاميةِ بِسَبَبِ عِلمِ الكلامِ أنَّهُ انحرَفَ بِهِم عن الإيمانِ بأن القرآنَ الكريمَ هُوَ كَلامُ رَبِّ العالمينَ حَقيقَةً لا مَجازاً، أما المعتزلةُ الذينَ يَقولونَ بأنَّهُ مَخلوقٌ فأمْرُهُم في ذلكَ واضِحٌ مَفضُوحٌ ، لكنَّ هناكَ طائفةً تَنتَمي إلى السُّنةِ وَتَرُدُّ على المعتزِلَةِ هذا القَولَ وَغَيرَهُ مما انحرَفَ فيهِ عن الإسلامِ ألا وهم الأشاعِرةُ والماتُريدِيَّةُ فإنَّهم في الحَقيقَةِ مُوافِقونَ للمعتزِلَةِ في قَولِهِم بِخَلقِ القرآنِ وأنَّهُ لَيسَ مِن قَولِ رَبِّ العالمينَ، إلا أنَّهم لا يُفصِحون بذلكَ وَيَتَستَّرونَ وَراءَ تَفسيرِهِم للكلامِ الإلهيِّ بأنَّهُ نَفسيٌّ قَديمٌ غَير مَسموعٍ مِن أحدٍ من الملائكةِ والمرسلينَ وأنَّهُ تَعالى لا يَتَكلَّمُ إذا شاءَ وأنَّهُ مُتكَلِّمٌ مُنذُ الأزَلِ. شرحُ العقيدةِ الطحاويَّةِ.(2/65)
س)- هل يجوز الحلف بصفات الله تعالى ؟
في قوله صلى الله عليه وسلم (يؤتى بأشد الناس كان بلاء في الدنيا من أهل الجنة، فيقول اصبغوه صبغة في الجنة، فيصبغونه فيها صبغة، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم هل رأيت بؤسا قط أو شيئا تكرهه؟ فيقول لا وعزتك ما رأيت شيئا أكرهه قط....الحديث) جواز الحلف بصفة من صفات الله تعالى، ومن أبواب البيهقي في(السنن الكبرى) (باب ما جاء في حلف بصفات الله تعالى كالعزة، والقدرة، والجلال، والكبرياء، والعظمة، والكلام، والسمع، ونحو ذلك) ، ثم ساق تحته أحاديث، وأشار إلي هذا الحديث، واستشهد ببعض الآثار عن ابن مسعود وغيره، وقال:( فيه دليل على أن الحلف بالقرآن يكون يميناً...).انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1167.
س)- هل من اسماء الله تعالى اسم القديم؟
ليس من أسماء الله تعالى (القديم) وإنما هو من استعمال المتكلمين فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القرآن - هو المتقدم على غيره فيقال : هذا قديم للعتيق وهذا جديد للحديث ولم يستعملوا هذا الاسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى : (حتى عاد كالعرجون القديم)يس 39 ، والعرجون القديم الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني فإذا وجد الجديد قيل للأول قديم وإن كان مسبوقا بغيره كما حققه شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" ، قال شارح الطحاوية "لكن أفاد الشيخ ابن مانع فيما نقله عن ابن القيم في "البدائع" أنه يجوز وصفه سبحانه بالقدم بمعنى أنه يخبر عنه بذلك وباب الأخبار أوسع من باب الصفات التوقيفية".
قلت : ولعل هذا هو وجه استعمال شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الوصف في بعض الأحيان. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- ما معنى خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ المذكورة في الحديث (إِذَا ضَرَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ فَإِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ عَلَى صُورَتِهِ)؟
يرجع الضمير في قوله (على صورته) إلي آدم عليه السلام؛ لأنه أقرب مذكور؛ ولأنه مصرح به في رواية اخرى للبخاري عن أبي هريرة مرفوعاً بلفظ (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعاً) ، أما حديث(....على صورة الرحمن)؛ فهو منكر. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 862.(2/66)
س)- هل يرى المؤمنين ربهم يوم القيامة؟
أخرج الآجري في "الشريعة" (ص 263- 264): حدثنا أبو بكر بن أبي داود قال: حدثنا الحسن بن يحيى بن كثير العنبري قال: حدثني أبي يحيى بن كثير قال: حدثنا المعتمر بن سليمان عن أبيه عن أسلم العجلي عن أبي بردة عن أبي موسى الأشعري- عن النبي - صلى الله عليه وسلم قال:بينما هو يعلمهم من أمر دينهم إذْ شَخَصَتْ أبصارهم، فقال (ما أَشْخَصَ أبصاركم عني ؟ قالوا: نَظرْنا إلى القمرِ ، قال : فكيف بكم إذا رأيتم الله جَهْرَةً؟!).
ففي هذا الحديث رد على المعتزلة والإباضية المنكرين لهذه النعمة العظيمة: رؤية المؤمنين لربهم يوم القيامة ، وعلى المثبتين لها الذين تأولوها بمعنى العلم . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3056.
س)- هل ثبت لفظ الصوت الإلهي في حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم ؟
أخرج البخاري (5/ 241)، ومسلم (1/ 139)، وأحمد (3/ 32- 33) من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعاً (يقولُ الله عزّ وجلّ يوم القيامةِ: يا آدمُ! فيقولُ: لبيك ربَّنا! وسعدَيك، فيُنادى بصوتٍ: إنّ الله يأمُرك أن تُخرجَ من ذرِّيتكَ بعثاً إلى النّارِ. قال: يا ربِّ! وما بعثُ النّارِ؟ قال: من كلِّ ألفٍ- أراه قال-:تِسع مِئةٍ وتسعةً وتسعين، فحينئذٍ تضعُ الحاملُ حملها، ويشيبُ الوليدُ، (وترى الناس سُكارى وما هُم بِسُكارى ولكنَّ عذاب الله شديدٌ). فشقَّ ذلك على الناسِ حتَى تغيَّرت وجوهُهُم، فقال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم -: من يأجوج تسع مئةٍ وتسعةً وتسعين، ومنكم واحدٌ. ثم أنتُم في الناسِ كالشعرةِ السوداءِ في جنَّبِ الثورِ الأبيضِ،أو كالشعرة البيضاء في جنبِ الثور الأسودِ، وإنِّي لأرجُو أن تكونُوا رُبُع أهلِ الجنّةِ؛ فكبَّرنا،
ثمّ قال: ثُلُث أهلِ الجنة؛ فكبَّرنا، ثمَّ قال: شطرَ أهل الجنّة ؛ فكبَّرنا).
وفي ذلك رد على البيهقي في قوله: "ولم يثبت لفظ الصوت في حديث صحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم"!
ثم تأول الحديث بأن الصوت راجع إلى مَلكٍ أو غيره كما بينه الحافظ عنه،ثم أشار إلى رده بقوله:
"وهذا حاصل كلام من ينفي الصوت من الأئمة، ويلزم منه أن الله لم يُسمع أحداً من ملائكته ورسله كلامه، بل ألهمهم إياه ".(2/67)
قلت: وهذا باطل مخالف لنصوص كثيرة، وحسبك منها قول الله تبارك وتعالى في مكالمته لموسى: (فاستمع لِما يُوحى) [طه: 13].
ثم قال:"وحاصل الاحتجاج للنفي الرجوع إلى القياس على أصوات المخلوقين، لأنها
التي عُهد أنها ذات مخارج. ولا يخفى ما فيه؛ إذ الصوت قد يكون من غير مخرج كما أن الرؤية قد تكون من غير اتصال أشعة كما سبق. سلمنا؛ لكن نمنع القياس المذكور، وصفات الخالق لا تقاس على صفة المخلوق، وإذا ثبت ذكر الصوت بهذه الأحاديث الصحيحة، وجب الإيمان به، ثم إما التفويض، وإما التأويل. وبا لله التوفيق ".
قلت: بل الإيمان كما نؤمن بسائر صفاته، مع تفويض معرفة حقائقها إلى المتصف بها سبحانه وتعالى كما قال:(ليس كمثله شيء وهو السميع البصير)[الشورى: 11]. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3250.
س)- صح في الحديث (إن الله عز وجل قبض قبضة ، فقال: في الجنة برحمتي ، وقبض قبضة ، وقال: في النار ولا أبالي).
قد يفهم البعض من هذا الحديث أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية , ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق بالجنة أو النار؟
إن كثيراً من الناس يتوهمون أن هذا الحديث – ونحوه أحاديث كثيرة – تفيد أن الإنسان مجبور على أعماله الاختيارية , ما دام أنه حكم عليه منذ القديم وقبل أن يخلق : بالجنة أو النار.
وقد يتوهم آخرون أن الأمر فوضى أو حظ , فمن وقع في القبضة اليمنى , كان من أهل السعادة , ومن كان من القبضة الأخرى , كان من أهل الشقاوة.
فيجب أن يعلم هؤلاء جميعاً أن الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) الشورى 11 , لا في ذاته , ولا في صفاته , فإذا قبض قبضة , فهي بعلمه وعدله وحكمته , فهو تعالى قبض باليمنى على من علم أنه سيطيعه حين يؤمر بطاعته , وقبض بالأخرى على من سبق في علمه تعالى أنه سيعصيه حين يؤمر بطاعته , ويستحيل على عدل الله تعالى أن يقبض باليمنى على من هو مستحق أن يكون من أهل القبضة الأخرى , والعكس بالعكس , كيف والله عز وجل يقول (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ) القلم 35-36 .
ثم إن كلاً من القبضتين ليس فيها إجبار لأصحابهما أن يكونوا من أهل الجنة أو من أهل النار , بل هو حكم من الله تبارك وتعالى عليهم بما سيصدر منهم , من إيمان يستلزم الجنة , أو كفر يقتضي النار والعياذ بالله(2/68)
تعالى منها , وكل من الإيمان أو الكفر أمران اختياريان , لا يكره الله تبارك وتعالى أحداً من خلقه على واحد منهما (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ) الكهف 29 , وهذا مشاهد معلوم بالضرورة , ولولا ذلك , لكان الثواب والعقاب عبثاً , والله منزه عن ذلك.
ومن المؤسف حقاً أن نسمع من كثير من الناس – حتى من بعض المشايخ – التصريح بأن الإنسان مجبور لا إرادة له , وبذلك يلزمون أنفسهم القول بأن الله يجوز له أن يظلم الناس , مع تصريحه تعالى بأنه لا يظلمهم مثقال ذرة , وإعلانه بأنه قادر على الظلم , ولكنه نزه نفسه عنه , كما في الحديث القدسي المشهور (يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي ..) , وإذا جوبهوا بهذه الحقيقة , بادروا إلى الاحتجاج بقوله تعالى (لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ) الأنبياء 23 , مصرين بذلك على أن الله تعالى قد يظلم , ولكنه لا يسأل عن ذلك تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.
وفاتهم أن الآية حجة عليهم ,لأن المراد بها – كما حققه العلامة ابن القيم في (شفاء العليل) وغيره- أن الله تعالى لحكمته وعدله في حكمه ليس لأحد أن يسأله عما يفعل , لأن كل أحكامه تعالى عدل واضح , فلا داعي للسؤال.
وللشيخ يوسف الدجوي رسالة مفيدة في تفسير هذه الآية , لعله أخذ مادتها من كتاب ابن القيم المشار إليه آنفاً , فليراجع.
هذه كلمة سريعة حول الأحاديث المتقدمة , حاولنا فيها إزالة شبهة بعض الناس حولها , فإن وفقت لذلك , فبها ونعمت , وإلا أحيل القارئ إلى المطولات في هذا البحث الخطير , مثل كتاب ابن القيم السابق , وكتب شيخه ابن تيمية الشاملة لمواضيع هامة هذا أحدها. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم47.
س)- ما وجبنا نحو أحاديث الصفات؟
أعلم أن أحاديث الصفات يجب أمرارها على ظاهرها دون تعطيل، أو تشبيه، كما هو مذهب السلف، وليس مذهبهم التفويض كما يزعم الكوثري وأمثاله من المعطلة، كما شرحه ابن تيمية في رسالته(التدمرية)وغيرها والتفويض بزعمهم إمرار النصوص بدون فهم مع الإيمان بألفاظها ولازم ذلك نسبة الجهل إلي السلف بأعز شئ لديهم وأقدسه عندهم وهو أسماء الله وصفاته.
ومن عرف هذا علم خطورة ما ينسبونه إليهم. والله المستعان و راجع لهذا مقدمتي لكتابي "مختصر العلو للذهبي" ، يسر الله طبعه .. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم756.(2/69)
س)- ما هو ضرر التأويل؟
إنَّ ضرَرَ التأويلِ على أهلِهِ وَحَملِهِ إياهُم على الانحِرافِ عن الشَّرعِ مما لا حُدُودَ لَهُ في نَظَري، فَلَولاهُ لَم يَكُن للقائلينَ بوحدَةِ الوجودِ اليومَ وُجودٌ، ولا لإخوانِهِم القَرامِطَةِ الباطنيَّةِ مِن قَبلُ الذينَ أنكَروا الشَّريعَةَ وَكُلَّ ما فيها مِن حَقائِقَ كالجنةِ والنارِ والصلاةِ والزكاةِ والصيامِ والحجِّ وَيَتأوَّلونَها بتآويلَ مَعروفَة...وَنَحوهم طائفةُ القاديانيَّة اليوم الذينَ أنكروا بِطَريقِ التأويلِ كَثيراً مِن الحقائِقِ الشرعيَّةِ المُجمَعِ عَليها بَينَ الأمَّةِ كَقولِهِم بِبَقاءِ النبوَّةِ بَعدَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- مُتأسِّينَ في ذلكَ بِنَبيِّهِم ميرزا غُلام أحمد وَمِن قَبلِهِ ابنِ عَربي في ( الفتوحاتِ المكيَّةِ ) وتأوَّلوا قَولهُ تعالى: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [ الأحزاب: 40] بأنَّ المعنى زينَةَ النبيينَ، وليس آخرُهم، وَقولُهُ -صلى الله عليه وسلم- : ( لا نبيَّ بعدي ) بِقولِهِم : أي مَعي، وأنكروا وُجُودَ الجنِّ مع تَردُّدِ ذِكرِهِم في القرآنِ الكريمِ فَضلاً عَن السُّنةِ وَتَنَوُّعِ صِفاتِهِم فِيهِما، وَزَعَموا أنَّهُم طائِفَةٌ من البَشَرِ، على غيرِ ذلكَ مِن ضَلالاتِهِم، وَكُلُّها مِن بَرَكاتِ التأويلِ الذي أخَذَ بِهِ الخلفُ في آيةِ الاستواءِ وَغَيرِها مِن آياتِ الصِّفاتِ. انتهى كلام الالباني من مختصر العلو32.
س)-ما حقيقة صفة الدنو لله عز وجل عند السلف؟
ما عَليهِ السلفُ أنَّ الدنوَّ صِفَةٌ حَقيقيةٌ لله تعالى كالنزولِ ، فَهو يَنزِلُ كَما يَشاءُ ، وَيَدنو مِن خَلقِهِ كَما يَشاءُ ، لا يُشبِهُ نزولُهُ وَدُنوَّهُ نُزولَ المخلوقاتِ وَدُنوَّهُم. صحيح الترغيب والترهيب للألباني 2/34.
س)-حديث الجارية: (... أين الله؟ قالت: في السماء). هل هو جواب عن فرضية مكان أو فرضية مكانة؟
ليس هذا ولا هذا، أي: إن الجواب ليس عن سؤال مكانة ولا عن مكان. أما أنه ليس سؤالاً عن المكانة؛ فلأن مكانة الله المعنوية معروفة لدى كل المسلمين بل حتى الكافرين. وأما أنه ليس سؤالاً عن المكان فذلك؛ لأن الله عز وجل ليس له مكان. وفي الواقع أنا أشعر أن هذا السؤال من أخ مسلم يعتبر محاضرة، والسبب أنكم لا تسمعون هذه المحاضرات، وإنما تسمعون محاضرات في السياسة والاقتصاد، لدرجة أن كثيراً منكم ملَّ من تكرارها، أما محاضرات في صميم التوحيد، كالمحاضرة التي ستسمعونها الآن، مع أني مضطر إلى أن أختصر في الكلام؛ لأنه حان وقت الانصراف، لكن لابد مما لابد منه، فهذا السؤال يحتاج إلى محاضرة، لكن نقول: إن الله منزه عن المكان باتفاق جميع علماء الإسلام، لماذا؟ لأن الله كان ولا شيء معه، وهذا معروف في الحديث الذي في صحيح البخاري عن عمران بن حصين : (كان الله ولا شيء معه)، ولا شك أن المكان هو(2/70)
شيء، أي: هو شيء وجد بعد أن لم يكن، وإذا قال الرسول: (كان الله ولا شيء معه) معناه: كان ولا مكان له؛ لأنه هو الغني عن العالمين، هذه الحقيقة متفق عليها. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- أجابة سؤال أين الله يختلف فيها جماهير المسلمين في كل بلاد الإسلام فما سبب ذلك؟
مع الأسف الشديد، من جملة الانحرافات التي أصابت المسلمين، بسبب بُعدهم عن هدي الكتاب والسنة في العقيدة في ذات الله عز وجل، لو سألت اليوم جماهير المسلمين في كل بلاد الإسلام، علماءً وطلاب علم وعامة، إذا سألتهم هذا السؤال النبوي: أين الله؟ ستجد أن المسلمين مختلفون أشد الاختلاف في الجواب عن هذا السؤال، منهم من يكاد يتفتق غيظاً وغضباً بمجرد أن طرق سمعه هذا السؤال، ويقول: أعوذ بالله ما هذا السؤال؟! نقول له: رويداً يا أخي! هذا السؤال هل تعلم أول من قاله؟ يقول: لا ما سمعنا به إلا الآن، فنفتح له صحيح مسلم ونقول له: هذا صحيح مسلم، الكتاب الثاني بعد صحيح البخاري، والثالث بعد القرآن؛ لأن أصح كتاب هو القرآن، ثم صحيح البخاري، ثم صحيح مسلم، وهو الذي روى هذا الحديث أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال للجارية يمتحنها: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال لها: من أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال لسيدها: أعتقها فإنها مؤمنة)، يسمع الحديث وكأنه ليس عايشاً في بلاد الإسلام، بل ليس عايشاً في بلاد العلم، أو يمكن لم يمسك صحيح مسلم في زمانه مطلقاً، هذا قسم من الناس، بل من أهل العلم من لم يسمع هذا السؤال قط! أي: ما طرق سمعه هذا الحديث، ولسان حاله يقول: أيعقل أن هناك أناساً يقولون: أين الله؟! ما هذا السؤال؟! هل يجوز لأحد أن يسأل أين الله؟! لا أعرف!! ما رأيك؟! ويأخذ البحث مجراه فتقول له: أنت تؤمن بوجود الله؟ سوف يقول: نعم، نقول له: أكيد أن الله موجود؟! فيجيب: نعم, إذاً أين هو؟ فيفكر ولا يستطيع الجواب!!! إن أقدس المقدسات هو الله، فإذا سألته: أين هو؟ فلا يعرف، وهو مسلم، ما معنى مسلم إذاً؟ نعم هو مسلم، وهذا أمر جميل، لكن هل هو حقيقة أم لا؟ (وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) [الأعراف:187] صدق الله العظيم ، لا يعلم هذا أن الله يقول: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ * أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ)[الملك:16-17] كأنه ما قرأ هذه الآية أبداً، ويمكن أنه قرأها أكثر مني، لماذا؟ لأن هناك أناساً متعبدين، ربما يختم أحدهم القرآن في كل ليلة، أو في كل ليلتين على خلاف السنة، أما نحن فالواحد منا قد يختم ختمة واحدة في السنة؛ لأن الله فتح له باباً في العلم، أما ذاك المخالف للسنة فهو يقرأ كثيراً، لكن هل فهم ما قرأ؟ لا، إذاً: ربنا عندما يقول له في القرآن: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)(2/71)
[محمد:24] معنى ذلك أنه من القسم الثاني (أم على قلوبٍ أقفالها). ثم إنَّا نذكره بحديث فنقول له: يا أخي! هذا الحديث تعرفونه جميعاً لا ننفرد وحدنا بمعرفته، هذا الحديث يقول: (الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) هذا حديث بالتعبير العصري: حديث شعبي، أي: كل الناس يعرفون هذا الحديث. إذاً (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) من هو الذي في السماء؟ هل المقصود به غير الله؟ لا، إذاً لماذا تستنكر السؤال: أين الله؟ وأنت تقر بهذا الحديث، أنا سألتك: هل الله موجود؟ فقلت: نعم، إذاً أين هو؟ أجبت أنك لا تعرف، لماذا لا تعرف؟ لا تقرأ القرآن ولا تسمع الحديث؟ .. إلخ. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما المعنى الصحيح للفظة (في السماء) المذكورة في حديث الجارية؟
السماء لها معانٍ في اللغة لا نتفلسف كثيراً بذكرها، لكن من هذه المعاني: السماء الدنيا الأولى، والثانية، و... إلخ، ومن هذه المعاني: العلو المطلق، كل ما علاك فهو سماء، فالسماء الأولى والثانية هذه أجرام مخلوقة، فإذا قلنا: الله في السماء، معناه حصرناه في مكان، وقد قلنا: إنه منزه عن المكان، إذاً: كيف نفهم؟ الجواب من الناحية العلمية: (في) في اللغة ظرفية، فإذا أبقيناها على بابها وقلنا: الله في السماء، وجب تفسير السماء بالعلو المطلق، أي: الله فوق المخلوقات كلها حيث لا مكان، بهذه الطريقة آمنا بما وصف الله عز وجل به نفسه بدون تشبيه وبدون تعطيل. فإن التشبيه أن أقول: كما أنا في هذا المكان، وحاشاه! والتعطيل أن نقول كما تقول المعطلة : الله ليس في السماء، وإذا كان ربك يقول: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) [الملك:16] وأنت تقول: ليس في السماء، هذا هو الكفر. هذا معنى الآية فيما إذا تركنا (في) على بابها. أحياناً في اللغة العربية تقوم أحرف الجر بعضها مكان بعض، فـ (في) هنا ممكن أن تكون بمعنى (على)، فحينئذً: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) [الملك:16] أي: من على السماء، فتكون السماء في الآية بمعنى الأجرام التي خلقها ربنا تعالى، فهو عليها وفوقها، وليس في شيء منها؛ لأنه منزه عن المكان، هذه هي عقيدة السلف، ومن أجل ذلك نحن ندعو المسلمين إلى أن يرجعوا إلى عقيدة السلف وإلى منهج السلف حتى يستقيموا على الجادة، وحتى يصدق فيهم أنهم رجعوا إلى الوصفة الطبية النبوية، التي جعلها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم وصفة لخلاص المسلمين من الذل الذي ران ونزل عليهم (... حتى ترجعوا إلى دينكم)، فالرجوع الرجوع معشر المسلمين جميعاً إلى الله وإلى كتابه وإلى حديث نبيه وعلى منهج السلف الصالح! والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/72)
س)- (يَقولُ الله تَعَالَى أنا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وأنا معه إذا ذَكَرَنِي فَإِنْ ذَكَرَنِي في نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ في نَفْسِي وَإِنْ ذَكَرَنِي في ملأ ذَكَرْتُهُ في ملأ خَيْرٍ منهم وَإِنْ تَقَرَّبَ إلي شبرا تَقَرَّبْتُ إليه ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إلي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إليه بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً) ، ما حقيقة الصيفات المذكورة في هذا الحديث عند السلف؟
اشتَهَرَ عِندَ المتأخِّرينَ من عُلماءِ الكلامِ –خِلافاً للسلفِ- تأويلُ هذهِ الصفاتِ المذكورةِ في الحَديثِ ؛ مِن (النَّفسِ) و (التَقَرُّبِ) و...وما ذلكَ إلا لِضيقِ عَطَنِهِم وَكَثرةِ تأثُّرِهِم بِشُبُهاتِ المعتزِلةِ وأمثالِهِم من أهلِ الأهواءِ والبِدعِ ، فَلا يَكادُ احدُهُم يَطرُقُ سمعهُ هذهِ الصفات إلا كانَ السابِقَ إلى قُلُوبِهِم أنَّها كصِفاتِ المخلوقاتِ ، فَيقَعونَ في التَّشبيهِ ، ثُمَّ يَفرُّونَ مِنهُ إلى التأويلِ ابتغاءَ التنزيهِ بِزَعمِهِم ، ولو أنَّهُم تَلَقَّوها حِينَ سَماعِها مُستَحضِرينَ قَولَهُ تعالى : (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) الشورى: 11] ،لَما رَكنوا إلى التأويلِ ، ولآمنوا بِحِقائِقِها على ما يَليقُ بِهِ تعالى ، شأنُهُم في ذلكَ شأنُهُم في إيمانِهِم بِصِفَتي السمعِ والبصرِ وَغَيرِهِما من صِفاتِهِ عزَّ وجلَّ ، مَعَ تَنزيهِهِ عَن مُشابَهَتِهِ للحوادِثِ ، لَو فَعلوا ذلكَ هُنا لاستَراحوا وأراحوا، وَلَنَجَوا مِن تَناقُضِهِم في إيمانِهِم بِرَبِّهِم وَصِفاتِهِ ، فاللهمَّ هُداكَ. صحيح الترغيب الترهيب : 2/202.
س)-ما حقيقة صفة نُزولَ الرَّبِّ سُبحانَهُ وتعالى إلى السماءِ الدنيا عند السلف؟
اعلم أنَّ نُزولَ الرَّبِّ سُبحانَهُ وتعالى إلى السماءِ الدنيا كُلَّ لَيلةٍ هو صِفَةٌ مِن صِفاتِ أفعالِهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ كاستوائِهِ على عَرشِهِ وَمَجيئِهِ يَوم القيامةِ ، الثابِتَينِ في نُصوصِ القرآنِ الكريمِ ، يَجِبُ الإيمانُ والإذعانُ لَهُ على ما يَليقُ بِذاتِهِ تعالى دونَ تَعطيلٍ أو تَشبيهٍ ؛ إذ الصِّفَةُ يُقالُ فيها ما يُقالُ في ذاتِهِ تعالى ؛ فكما إنَّنا نؤمِنُ بِذاتِهِ دونَ أن نُكيِّفَها ، فَكَذلكَ نؤمِنُ بِصِفاتِهِ كُلِّها – وَمِنها النزولُ وَغَيرُه – دونَ أن نُكيِّفَها ، فَمَن نَفى نُزولَهُ تَعالى حَقيقةً على ما يَليقُ بِهِ بِطَريقِ التأويلِ ؛ لَزِمَهُ أن يَنفيَ وُجودَ ذاتِ الله تعالى بِنَفسِ الطَّريقِ ، وإلا ؛ فَهوَ متناقِضٌ...وإذا عَرَفتَ هذا ؛ فَعَلَيكَ بِطَريقَةِ السَّلفِ فإنَّها اعلمُ واحكمُ واسلمُ ، وَدَعْ طَريقةَ التأويلِ التي عليها الخلفُ الذينَ زَعَموا: (( إنَّ طريقةَ السَّلفِ أسلمُ ، وطريقةُ الخلَفِ أعلَمُ وأحكمُ )) ؛ فانَّهُ باطِلٌ مِن القَولِ ، وَفيهِ ما لا يَخفَى مِن نِسبَةِ الجهلِ إلى السَّلفِ ، والعِلمِ إلى الخَلَفِ!! وسبحانَ الله كَيفَ يَصدُرُ مِثلُ هذا القولِ مِمَّن يؤمِنُ بِفَضائِلِ السَّلفِ التي لا تَخفى عَلى أحدٍ. السلسلة الضعيفة 8/362-364.(2/73)
س)- ما معنى قولِ إسحاقَ رحمهُ الله تعالى : (يَقدِرُ أن يَنزِلَ مِن غيرِ أن يَخلوَ مِنهُ العرشُ) ؟
قولِ إسحاقَ رحمهُ الله تعالى : (يَقدِرُ أن يَنزِلَ مِن غيرِ أن يَخلوَ مِنهُ العرشُ) إشارةٌ مِنهُ إلى تَحقيقِ أنَّ نُزولَهُ تعالى لَيسَ كَنُزولِ المخلوقِ ، وانَّهُ يَنزِِلُ إلى السماءِ الدنيا دونَ أن يخلوَ منهُ العرشُ وَيَصيرُ العَرشُ فَوقَهُ ، وهذا مُستَحيلٌ بالنسبةِ لِنزولِ المخلوقِ الذي يَستَلزِمُ تَفريغَ مَكانٍ وَشُغل آخر، وهذا الذي أشارَ إليهِ إسحاقُ هو المأثورُ عَن سَلفِ الأمةِ وأئِمَّتِها ؛ أنَّه تعالى لا يَزالُ فَوقَ العرشِ ، وَلا يَخلو مِنهُ العَرشُ ، مَعَ دُنوِّهِ وَنُزولِهِ إلى السَّماءِ. سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ.
س)- هل يلزم من اثبات الساق لله عز وجل تشبيهه بالمخلوقات ؟
لا يَلزَمُ مِن إثباتِ ما أثبَتَهُ الله لِنَفسِِهِ مِن الصِّفاتِ شيءٌ مِن التَّشبيهِ أصلاً ، كما لا يَلزمُ من إثباتِ ذاتِهِ تعالى التَّشبيهَ ، فكما أنَّ ذاتَهُ تعالى لا تُشبِهُ الذَّواتِ ، وهي حقٌّ ثابِتٌ ، فَكذلكَ صفاتُهُ تعالى لا تُشبِهُ الصِّفاتِ وهي أيضاً حَقائِقُ ثابتَةٌ تَتَناسَبُ مع جَلالِ الله وَعَظَمَتِِهِ وَتَنزيهِهِ ، فَلا مَحذُورَ مِن نِسبةِ السَّاقِ إلى الله تعالى إذا ثَبَتَ ذَلكَ في الشَّرعِ ،وأنا وإن كُنتُ أرى أنَّ مِن حَيث الرواية أنَّ لفظَّ ((ساق)) اصحُّ مِن لَفظِ ((ساقِهِ)) فانَّهُ لا فَرقَ بَينَهُما عِندي مِن حَيثُ الدِّراية ، لأنَّ سياقَ الحديثِ يَدُلُّ على أنَّ المعنى هوَ سَاقُ الله تَباركَ وتعالى ، وأصرَحُ الرواياتِ في ذلكَ روايةُ هِشام عِندَ الحاكِمِ بِلَفظ : ( هَل بينَكُم وبينَ الله من آيةٍ تَعرِفونَها ؟ فَيَقولونَ : نَعَم السَّاقُ ، فَيَكشِفُ عَن ساقٍ...).
قُلتُ : فهذا صَريحٌ أو كالصَّريحِ بأنَّ المعنى إنما هو ساقُ ذي الجلالةِ تَبَارَكَ وَتَعالى. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/74)
فصل في الإسلام
باب في معنى الشهادتين
س)- إنَّ كثيرا من المسلمينَ - اليومَ - يَقولونَ هذه الكلمةَ ( لا اله إلا الله ) وهُم لا يَفقَهونَ مَعناها ، بل قَد يَفهمونَها على غَيرِ وجهِها الصَّحيحِ- فما توجيهكم لهم؟
غالبُ المسلمينَ اليومَ الذين يَشهدونَ بأنَّ ( لا إله إلا الله ) فََهُم لا يَفقَهونَ مَعناها جَيدًا ، بَل لَعلَّهُم يَفهَمونَ معناها فَهمًا مَعكوسًا وَمَقلوبًا تَمَامًا ؛ أضرِبُ لذلكَ مَثلاً : بعضُهُم أَلَّفَ رسالةً في معنى ( لا إله إلا الله ) ففسَّرَها : ( لا ربَّ إلا الله)!! وهذا المعنى هو الذي كَانَ المشركونَ يؤمنونَ بِهِ وكانوا عليهِ ، وَمَع ذلكَ لم ينفَعهُم إيمانُهُم هذا ، قالَ تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ) [ لقمان: 25]. انتهى كلام الالباني من التوحيد اولا.
س)-هل فهم المسلمون اليوم معنى الشهادة؟
إني أقولُ كلمةً - وهي نادِرَة الصُّدورِ مني - وهيَ : إنَّ واقِع كَثيرٍ من المسلمينَ اليومَ شرٌ مِمَّا كانَ عَليهِ عامَّةُ العربِ في الجاهليَّةِ الأولى مِن حيثُ سوءُ الفَهمِ لمعنى هذهِ الكلمةِ الطَّيِّبَةِ ؛ لأن المشركين العرَبَ كانوا يَفهَمونَ ، ولكنَّهم لا يؤمِنون ، أمَّا غالِبُ المسلمينَ اليومَ ، فإنَّهم يَقولونَ ما لا يَعتقِدونَ ، يَقولونَ : لا إله إلا الله ، ولا يؤمنونَ -حقًّا - بِمَعناها. انتهى كلام الالباني من التوحيد اولا
س)-ما واجب الدُّعاةِ في عصرنا الحاضر؟
يوجِبُ عَلينا جميعًا - بصِفََتِنا دُعاةً إلى الإسلامِ : الدعوةَ إلى التوحيدِ وإقامَةَ الحُجَّةِ على مَن جَهِلَ معنى ( لا إله إلا الله ) وهو واقِعٌ في خِلافِها إنَّ أوَّلَ واجِبٍ على الدُّعاةِ المسلمينَ - حقًّا - هو أن يُدندِنوا حَولَ هذه الكَلِمَةِ وَحَولَ بيانِ معناها بِتَلخيصٍ ، ثُمَّ بِتَفصيلِ لوازِمِ هذِهِ الكلمةِ الطَّيِّبَةِ بالإخلاصِ لله عزَّ وجلَّ في العباداتِ بِكُلِّ أنواعِها؛ لأنَّ الله عزَّ وجلَّ لما حَكى عن المشركينَ قَولَهُ :( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا(2/75)
مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ) [الزمر: 3] ، جَعلَ كُلَّ عبادةٍ تُوَجَّهُ لغيرِ الله كفرًا بالكلمةِ الطَّيِّبَةِ : لا إله إلا الله ؛ لهذا ؛ أنا أقولُ اليوم ََََ: لا فائِدَةَ مُطلقًا من تَكتيلِ المسلمينَ ومن تَجميعِهِم ، ثم تَركِهِم في ضَلالِهِم دونَ فَهمِ هذه الكلمَةِ الطَّيِّبَةِ ، وهذا لا يُفيدُهُم في الدنيا قَبلَ الآخِرةِ . انتهى كلام الالباني من التوحيد اولا .
س)-كيفَ العِلاجُ للواقِعِ المؤلِمِ الذي تَعيشُهُ الأمَّةُ اليومَ مِن حَيثُ الجهلُ بالعقيدةِ ، ومسائلِ الاعتقادِ ؟
بالإضافَةِ لما وَرَدَ في السؤالِ - السَّابِقِ ذكرُهُ آنفًا - من سوءِ واقِعِ المسلمينَ ، نقولُ : إنَّ هذا الواقِعَ الأليم ليسَ شرًّا مما كانَ عليهِ واقِعُ العربِ في الجاهليَّةِ حينَما بُعِثَ إليهم نبيُّنا محمد -صلى الله عليه وسلم- ؛ لوُجودِ الرِّسالَةِ بينَنَا ، وكمالها ، ووجودِ الطائِفَةِ الظاهِرَةِ على الحقِّ ، والتي تَهدي بِهِ ، وَتَدعو النَّاسَ للإسلامِ الصَّحيحِ:عَقيدةً، وَعِبادةً ، وَسُلوكاً ، وَمَنهجاً ، ولا شكَّ بأنَّ واقِعَ أولئكَ العربِ في عَصرِ الجاهليَّةِ مُمَاثِلٌ لِما عَليهِ كَثيرٌ مِن طَوائِفِ المسلمينَ اليومَ .
بِناءً على ذَلكَ نَقولُ : العلاجُ هو ذاكَ العِلاجُ ، والدَّواءُ هَو ذاكَ الدَّواءُ ، فَبِمثلِ ما عَالَجَ النبي -صلى الله عليه وسلم- تِلكَ الجاهليَّةِ الأولى ، فَعَلى الدُّعاةِ الإسلاميينَ اليومَ - جميعهم - أن يُعالِجوا سُوءَ الفهمِ لمعنى ( لا إله إلا الله ) ، ويُعالِجوا واقِعهُم الأليم بِذاكَ العلاجِ والدواءِ نَفسِهِ ، وَمَعنى هذا واضِحٌ جداً ؛ إذا تَدبَّرنا قولَ الله عزَّ وجلَّ (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا) الأحزاب: 21. انتهى كلام الالباني من التوحيد اولا .
س)- ما تأويل قوله صلى الله عليه وسلم : (أبشروا و بشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة) ؟
أخرج أحمد (4/411) حدثنا بهز حدثنا حماد بن سلمة حدثنا أبو عمران الجوني عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
(أبشروا و بشروا الناس من قال لا إله إلا الله صادقا بها دخل الجنة ) . فخرجوا يبشرون الناس , فلقيهم عمر رضي الله عنه فبشروه , فردهم . فقال : رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من ردكم ? " . قالوا : عمر قال : لم رددتهم يا عمر ? " قال : إذا يتكل الناس يا رسول الله !.(2/76)
قد اختلفوا في تأويل هذا الحديث و ما في معناه من تحريم النار على من قال لا إله إلا الله على أقوال كثيرة ذكر بعضها المنذري في " الترغيب " ( 2 / 238 ) و ترى سائرها في " الفتح " . و الذي تطمئن إليه النفس و ينشرح له الصدر و به تجتمع الأدلة و لا تتعارض , أن تحمل على أحوال ثلاثة :
الأولى : من قام بلوازم الشهادتين من التزام الفرائض و الابتعاد عن الحرمات , فالحديث حينئذ على ظاهره , فهو يدخل الجنة و تحرم عليه النار مطلقا .
الثانية : أن يموت عليها , و قد قام بالأركان الخمسة و لكنه ربما تهاون ببعض الواجبات و ارتكب بعض المحرمات , فهذا ممن يدخل في مشيئة الله و يغفر له كما في الحديث الآتي بعد هذا و غيره من الأحاديث المكفرات المعروفة .
الثالثة : كالذي قبله و لكنه لم يقم بحقها و لم تحجزه عن محارم الله كما في حديث أبي ذر المتفق عليه : " و إن زنى و إن سرق . . . " الحديث , ثم هو إلى ذلك لم يعمل من الأعمال ما يستحق به مغفرة الله , فهذا إنما تحرم عليه النار التي وجبت على الكفار , فهو و إن دخلها , فلا يخلد معهم فيها بل يخرج منها بالشفاعة أو غيرها ثم يدخل الجنة و لابد , و هذا صريح في قوله صلى الله عليه وسلم : " من قال لا إله إلا الله نفعته يوما من دهره , يصيبه قبل ذلك ما أصابه " . و هو حديث صحيح كما سيأتي في تحقيقه إن شاء الله برقم ( 1932 ) . و الله سبحانه و تعالى أعلم . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 3/299-300 .(2/77)
فصل في الشرك
س)- من هو المشرك؟
المشرِكُ : كُلُّ مَن أشركَ مَعَ الله شيئاً في ذاتِهِ تعالى ، أو في صِفاتِهِ ، أو في عِبادتِهِ. انتهى كلام الالباني من سلسلة الأحاديث الصحيحة 4/ 87.
س)- ما رأيكم في من يعتقد بأن فعل بعض الاعمال الشركية كالذبح والاستغاثة بغير الله من القربات الصالحة؟
إنَّ المسلمَ لا يَستَحِقُّ مَغفِرَةَ الله إلا إذا لَقِيَ الله عزَّ وجلَّ ولم يُشرِك بِهِ شيئاً ، ذلك لانَّ الشِركَ اكبرُ الكبائِرِ كَما هُو مَعروفٌ في الأحاديثِ الصحيحةِ، وَمِن هُنا يَظهَرُ لَنا ضَلالُ أولئكَ الذينَ يَعيشونَ مَعَنا وَيُصلُّون صَلاتنا ...ولكنَّهم يُواقِعونَ أنواعاً من الشِّركياتِ والوَثَنياتِ ، كالاستغاثةِ بالموتى مِن الأولياءِ والصالحينَ وَدُعاؤهُم في الشَّدائِدِ مِن دُونِ الله ، والذَّبحِ لَهُم والنَّذرِ لَهُم...ولا يَصُدَّنَّهم عَن ذلكَ بَعضُ مَن يُوحي إليهم مِن الموسوِسينَ بأنَّ هذِهِ الشِّركياتِ إنَّما هي قُرُباتٌ وَتَوَسُّلاتٌ. انتهى كلام الالباني من سلسلة الأحاديث الصحيحة : 3/301-302.
س)- هل هناك فرق بين الشرك والكفر؟
لا فرق بينهما شرعا فكل كفر شرك وكل شرك كفر . كما يدل عليه محاورة المؤمن صاحب الجنتين المذكورة في سورة (الكهف) . فتنبه لهذا فإنه به يزول عنك كثير من الاشكالات والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- كيف يتم نفي الشرك عن الله تبارك وتعالى؟
نفي الشريك عن الله تعالى لا يتم إلا بنفي ثلاثة أنواع من الشرك : الأول : الشرك في الربوبية وذلك بأن يعتقد أن مع الله خالقا آخر - سبحانه وتعالى - كما هو اعتقاد المجوس القائلين بأن للشر خالقا غير الله سبحانه . وهذا النوع في هذه الأمة قليل والحمد لله وإن كان قريبا منه قول المعتزلة : إن الشر إنما هو من خلق الإنسان وإلى ذلك الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم :" القدرية مجوس هذه الأمة . . . " الحديث وهو مخرج في مصادر عدة عندي أشرت إليها في "صحيح الجامع الصغير وزيادته".(2/78)
الثاني : الشرك في الألوهية أو العبودية وهو أن يعبد مع الله غيره من الأنبياء والصالحين كالاستغاثة بهم وندائهم عند الشدائد ونحو ذلك . وهذا مع الأسف في هذه الأمة كثير ويحمل وزره الأكبر أولئك المشايخ الذين يؤيدون هذا النوع من الشرك باسم التوسل " يسمونها بغير اسمها " .
الثالث : الشرك في الصفات وذلك بأن يصف بعض خلقه تعالى ببعض الصفات الخاصة به عز وجل كعلم الغيب مثلا وهذا النوع منتشر في كثير من الصوفية .
هذه الأنواع الثلاثة من الشرك من نفاها عن الله في توحيده إياه فوحده في ذاته وفي عبادته وفي صفاته فهو الموحد الذي تشمله كل الفضائل الخاصة بالموحدين ومن أخل بشيء منه فهو الذي يتوجه إليه مثل قوله تعالى (لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)الزمر65 ، فاحفظ هذا فإنه أهم شيء في العقيدة. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- متى يكفر من وقع في ذنب دون الكفر او الشرك؟
اذا استحل استحلالا قلبيا اعتقاديا ، وإلا فكل مذنب مستحل لذنبه عمليا أي مرتكب له ولذلك فلا بد من التفريق بين المستحل اعتقادا فهو كافر إجماعا وبين المستحل عملا لا اعتقادا فهو مذنب يستحق العذاب اللائق به إلا أن يغفر الله له ثم ينجيه إيمانه خلافا للخوارج والمعتزلة الذين يحكمون عليه بالخلود في النار وإن اختلفوا في تسميته كافرا أو منافقا. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- هل تقبل توبة من أشرك بعد اسلامه؟
أخرج أحمد (4/446و5/2و3) من طريق أبي قزعة الباهلي عن حكيم بن معاوية عن أبيه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله تبارك و تعالى لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه).
قلت : و هذا إسناد صحيح , رجاله كلهم ثقات , و اسم أبي قزعة سويد بن حجير . و في لفظ له :" لا يقبل الله عز وجل من أحد توبة أشرك بعد إسلامه" . و تابعه عليه بهز بن حكيم عن أبيه به , إلا أنه قال : "عملا" مكان : "توبة" . أخرجه أحمد (5/5).
قلت : و بهز ثقة حجة , لاسيما في روايته عن أبيه , و فيها ما يفسر رواية أبي قزعة , و يزيل الإشكال الوارد على ظاهرها , فهي في ذلك كقوله تعالى : (إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفرا لن تقبل توبتهم )آل عمران 90 و لذلك أشكلت على كثير من المفسرين , لأنها بظاهرها مخالفة لما هو معلوم من الدين بالضرورة من قبول توبة الكافر , و من الأدلة على ذلك قوله تعالى قبل الآية المذكورة : (كيف يهدي الله قوما كفروا بعد إيمانهم) إلى قوله : (أولئك جزاؤهم أن عليهم لعنة الله و الملائكة و الناس أجمعين .(2/79)
خالدين فيها ...) إلى قوله : (إلا الذين تابوا من بعد ذلك و أصلحوا فإن الله غفور رحيم )آل عمران 86-89 فاضطربت أقوال المفسرين في التوفيق بين الآيتين , و إزالة الإشكال على أقوال كثيرة لا مجال لذكرها الآن , و إنما أذكر منها ما تأيد برواية بهز هذه , فإنها كما فسرت رواية أبي قزعة فهي أيضا تفسر الآية و تزيل الإشكال عنها . فكما أن معنى قوله في الحديث : " لا يقبل توبة عبد كفر بعد إسلامه " , أي توبته من ذنب في أثناء كفره , لأن التوبة من الذنب عمل , و الشرك يحبطه كما قال تعالى : (لئن أشركت ليحبطن عملك)الزمر65 فكذلك قوله تعالى في الآية : (لن تقبل توبتهم) , أي من ذنوبهم , و ليس من كفرهم . و بهذا فسرها بعض السلف , فجاء في " تفسير روح المعاني "للعلامة الآلوسي (1/624) ما نصه بعد أن ذكر بعض الأقوال المشار إليها : "و قيل : إن هذه التوبة لم تكن عن الكفر , و إنما هي عن ذنوب كانوا يفعلونها معه , فتابوا عنها مع إصرارهم على الكفر , فردت عليهم لذلك , و يؤيده ما أخرجه ابن جرير عن أبي العالية قال : هؤلاء اليهود و النصارى كفروا بعد إيمانهم , ثم ازدادوا كفرا بذنوب أذنبوها , ثم ذهبوا يتوبون من تلك الذنوب في كفرهم , فلم تقبل توبتهم , ولو كانوا على الهدى قبلت , و لكنهم على ضلالة".
قلت : و هذا هو الذي اختاره إمام المفسرين ابن جرير رحمه الله تعالى , فليراجع كلامه من أراد زيادة تبصر و بيان. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2545 .
س)- ما حكم قول القائل لغيره (ما شاء الله وشئت) ، وقول (مالي غير الله وأنت) و(توكلنا على الله وعليك) ، و(باسم الله والوطن) , أو (باسم الله والشعب)؟
أن قول الرجل لغيره (ما شاء الله وشئت) : يعد شركاً في الشريعة , وهو من شرك الألفاظ , لأنه يوهم أن مشيئة العبد في درجة مشيئة الرب سبحانه وتعالى , وسببه القرن بين المشيئتين , ومثل ذلك قول بعض العامة وأشباههم ممن يدعي العلم (مالي غير الله وأنت) و(وتوكلنا على الله وعليك) , ومثله قول بعض المحاضرين : (باسم الله والوطن) , أو (باسم الله والشعب) , ونحو ذلك من الألفاظ الشركية التي يجب الانتهاء عنها والتوبة منها , أدباً مع الله تبارك وتعالى. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم139.(2/80)
س)- هل أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته عليه الصلاة والسلام معذبون بشركهم وكفرهم؟
إن أهل الجاهلية الذين ماتوا قبل بعثته عليه الصلاة والسلام معذبون بشركهم وكفرهم , وذلك يدل على أنهم ليسوا من أهل الفترة الذين لم تبلغهم دعوة نبي , خلافاً لما يظنه بعض المتأخرين إذ لو كانوا كذلك , لم يستحقوا العذاب لقوله سبحانه وتعالى : (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا)الإسراء 15.
وقد قال النووي في شرح حديث مسلم : (إن رجلاً قال : يارسول الله , أين أبي ؟ قال في النار ...) الحديث , قال النووي: فيه أن من مات على الكفر فهو في النار , ولا تنفعه قرابة المقربين , وفيه أن من مات علي الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان فهو من أهل النار , وليس هذا مؤاخذة قبل بلوغ الدعوة , فإن هؤلاء كانت قد بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الأنبياء صلوات الله تعالى وسلامه عليهم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم159.
س)- ما حكم التمسح بالقبور؟
لقد أنكر المحققون من العلماء كالنووي وغيره التمسح بالقبور , وقالوا : إنه من عمل النصارى . وقد ذكرت بعض النقول في ذلك في (تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد) , وهي الرسالة الخامسة من رسائل كتابنا : ((تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين والصحابة)) , وهي مطبوعة والحمد لله. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 373.
س)- تناول الداعية "سيد قطب" - رحمه الله - مصطلحاً متداولاً بكثرة في إحدى المدارس الإسلامية التي يمثلها ، ألا وهو مصطلح "جاهلية القرن العشرين" فما مدى الدقة والصواب في هذه العبارة ؟ وما مدى التقائها مع الجاهلية القديمة وفقاً لتصوركم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه ومن والاه وبعد : الذي أراه أن هذه الكلمة "جاهلية القرن العشرين" لا تخلو من مبالغة في وصف القرن الحالي - القرن العشرين - فوجود الدِّين الإسلامي في هذا القرن وإن كان قد دخل فيه ما ليس منه : يمنعنا من القول بأن هذا القرن يمثل جاهليةً كالجاهلية الأُولى ، فنحن نعلم أن الجاهلية الأولى إن كان المعني بها العرب فقط : فهم كانوا وثنيين ، وكانوا في ضلال(2/81)
مبين ، وإن كان المعني بها ما كان حول العرب من أديان كاليهودية والنصرانية : فهي أديان محرفة ، فلم يبق في ذلك الزمان دين خالص منزه عن التغيير والتبديل ، فلا شك في أن وصف الجاهلية على ذلك العهد وصف صحيح ، وليس الأمر كذلك في قرننا هذا ، ما دام أن الله تبارك وتعالى قد منَّ على العرب أولاً ، ثم على سائر الناس ثانياً ، بأن أرسل إليهم محمداً صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين ، وأنزل عليه دين الإسلام ، وهو خاتم الأديان ، وتعهد الله عز وجل بحفظ شريعته هذه بقوله عز وجل : (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) ونبيه صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن الأُمة الإسلامية وإن كان سيصيبها شيء من الانحراف الذي أصاب الأُمم من قبلهم في مثل قوله صلى الله عليه وسلم : (لتتبعن سَنَن من قبلكم شبراً بشبر ، وذراعاً بذراع ، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا : من هم يا رسول الله؟ اليهود والنصارى؟ فقال عليه الصلاة والسلام فمنِ الناس؟!) أقول : وإن كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر بهذا الخبر المفيد أن المسلمين سينحرفون إلى حد كبير ويقلدون اليهود والنصارى في ذلك الانحراف ، لكن عليه الصلاة والسلام في الوقت نفسه قد بشَّر أتباعه بأنهم سيبقون على خطه الذي رسمه لهم ، فقال عليه الصلاة والسلام في حديث التفرقة : (وستفترق أُمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة) ، قال عليه الصلاة والسلام : (كلها في النار إلا واحدة ) ، قالوا : ما هي يا رسول الله ؟ قال : (هي الجماعة) وفي رواية قال : (هي التي تكون على ما أنا عليه وأصحابي) ، وأكد ذلك عليه الصلاة والسلام في قوله في الحديث المتفق عليه بين الشيخين (لا تزال طائفة من أُمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) .
فإذن لا تزال في هذه الأُمة جماعة مباركة طيبة قائمة على هدي الكتاب والسنة ، فهي أبعد ما تكون عن الجاهلية القديمة أو الحديثة ؛ ولذلك فإن الذي أراه : أن إطلاق " الجاهلية " على القرن العشرين فيه تسامح ، قد يُوهم الناس بأن الإسلام كله قد انحرف عن التوحيد وعن الإخلاص في عبادة الله عز وجل انحرافاً كليّاً ، فصار هذا القرن - القرن العشرون - كقرن الجاهلية الذي بُعِثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إخراجه من الظلمات إلى النور ، حينئذ : هذا الاستعمال ، أو هذا الإطلاق يحسن تقييده في الكفَّار أولاً ، الذين كما قال تعالى في شأنهم : (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) .
وصْف القرن العشرين بـ " الجاهلية " إنما ينطبق على غير المسلمين الذين لم يتبعوا الكتاب والسنَّة ، ففي هذا الإطلاق إيهام بأنه لم يبق في المسلمين خير ، وهذا خلاف ما سبق بيانه من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام المبشرة ببقاء طائفة من الأُمة على الحق ، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام : (إن الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً فطوبي للغرباء ...) قالوا : من هم يا رسول الله ؟ جاء الحديث على روايات عدة في بعضها يقول الرسول صلى الله عليه وسلم - واصفاً الغرباء - : (هم الذين يُصلحون ما أفسد الناس من سنَّتي(2/82)
من بعدي) ، وفي رواية أُخرى قال عليه الصلاة والسلام : (هم أُناس قليلون صالحون بين أُناس كثيرين من يعصيهم أكثر ممن يطيعهم) فلذلك لا يجوز هذا الإطلاق في العصر الحاضر على القرن كله ؛ لأنَّ فيه - والحمد لله - بقية طيبة لا تزال على هدي النبي صلى الله عليه وسلم ، وعلى سنته ، وستظل كذلك حتى تقوم الساعة ، ثم إن في كلام سيد قطب - رحمه الله - وفي بعض تصانيفه ما يشعر الباحث أنه كان قد أصابه شيء من التحمس الزائد للإسلام في سبيل توضيحه للناس ، ولعل عذره في ذلك أنه كان يكتب بلغة أدبية ؛ ففي بعض المسائل الفقهية كحديثه عن حق العمال في كتابه : "العدالة الاجتماعية" أخذ يكتب بالتوحيد ، وبعبارات كلها قوية تحيي في نفوس المؤمنين الثقة بدينهم وإيمانهم ، فهو من هذه الخلفية في الواقع قد جدّد دعوة الإسلام في قلوب الشباب ، وإن كنَّا نلمس أحياناً أن له بعض الكلمات تدل على أنه لم يساعده وقته على أن يحرر فكره من بعض المسائل التي كان يكتب حولها أو يتحدث فيها ، فخلاصة القول أن إطلاق هذه الكلمة في العصر الحاضر لا يخلو من شيء من المبالغة التي تدعو إلى هضم حق الطائفة المنصورة ، وهذا ما عنَّ في البال فذكرته.من كتاب حياة الألباني.
س)- الكافر اذا أسلم هل ينفعه عمله الصالح الذى فعله حين كفره؟
إذا أسلم , فإن الله تبارك وتعالى يكتب له كل حسناته التي عمل بها في كفره , ويجازيه بها في الآخرة , وفي ذلك أحاديث كثيرة , كقوله صلى الله عليه وسلم (إِذَا أَسْلَمَ الْعَبْدُ فَحَسُنَ إِسْلَامُهُ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ كُلَّ حَسَنَةٍ كَانَ أَزْلَفَهَا) الحديث. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم53.
س)- هل يجوز إطلاق لفظة(المشرك)على أهل الكتاب ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم) ، وفيه دلالة على جواز إطلاق لفظة ((المشرك)) على أهل الكتاب، فإنهم هم المعنيون بهذا الحديث. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 1133.
س)- ما حكم قول القائل في أهل الذمة : (لهم ما لنا , وعليهم ما علينا)؟
في حديث (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنْ يَسْتَقْبِلُوا قِبْلَتَنَا وَيَأْكُلُوا ذَبِيحَتَنَا وَأَنْ يُصَلُّوا صَلَاتَنَا فَإِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ [فقد] حُرِّمَتْ عَلَيْنَا دِمَاؤُهُمْ وَأَمْوَالُهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا لَهُمْ مَا لِلْمُسْلِمِينَ وَعَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ) ، دليل على بطلان الحديث الشائع اليوم على ألسنة الخطباء والكتاب : أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال في أهل الذمة : (لهم ما لنا , وعليهم ما علينا) ، وهذا مما لا(2/83)
أصل له عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , بل هذا الحديث الصحيح يبطله , لأنه صريح في أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنما قال فيمن أسلم من المشركين وأهل الكتاب , وعمدة أولئك الخطباء على بعض الفقهاء الذين لا علم عندهم بالحديث الشريف , كما بينته في الأحاديث الضعيفة والموضوعة , فراجعه , فإنه من المهمات. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم303.
س)- ما المقصود بالشرك المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم (كل يمين يحلف بها دون الله شرك)؟
قال أبو جعفر الطحاوي : " لم يرد به الشرك الذي يخرج من الإسلام حتى يكون به صاحبه خارجا عن الإسلام , و لكنه أراد أنه لا ينبغي أن يحلف بغير الله تعالى لأن من حلف بغير الله تعالى , فقد جعل ما حلف به محلوفا به كما جعل الله تعالى محلوفا به , و بذلك جعل من حلف به أو ما حلف به شريكا فيما يحلف به و ذلك أعظم , فجعله مشركا بذلك شركا غير الشرك الذي يكون به كافرا بالله تعالى خارجا عن الإسلام ".
يعني - و الله أعلم - أنه شرك لفظي , و ليس شركا اعتقاديا , و الأول تحريمه من باب سد الذرائع , و الآخر محرم لذاته . و هو كلام وجيه متين , و لكن ينبغي أن يستثني منه من يحلف بولي لأن الحالف يخشى إذا حنث في حلفه به أن يصاب بمصيبة , و لا يخشى مثل ذلك إذا حلف بالله كاذبا , فإن بعض الجهلة الذين لم يعرفوا حقيقة التوحيد بعد إذا أنكر حقا لرجل عليه و طلب أن يحلف بالله فعل , و هو يعلم أنه كاذب في يمينه , فإذا طلب منه أن يحلف بالولي الفلاني امتنع و اعترف بالذي عليه , و صدق الله العظيم : (و ما يؤمن أكثرهم بالله إلا و هم مشركون). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 2042.(2/84)
فصل في الكفر
س)- ما هي أقسام الكفر ؟
الكُفرَ قِسمانِ : اعتقاديٌّ وَعَمَليٌّ...وَالعَمَليُّ مَحلُّهُ الجوارِحُ... وعلى هذا النَّوعِ تُحمَلُ الأحاديثُ التي فيها إطلاقُ الكُفرِ عَلى مَن فَعَلَ شيئاً مِن المعاصي مِن المسلمينَ ، ولا بأسَ من ذِكرِ بَعضِِها :
1- ( اثنتانِ في النَّاسِ هما بهم كفرٌ : الطعنُ في الأنسابِ والنياحةُ على الميِّتِ ).
2- ( الجدالُ في القرآنِ كفرٌ ).
3- ( سبابُ المسلمِ فسوقٌ وقتالُهُ كفرٌ ) .
4- ( كفرٌ بالله تبرؤٌ من نسبٍ وان دَقَّ ) .
5- ( التحدُّثُ بنعمةِ الله شكرٌ وتركُها كفرٌ ) .
6- ( لا تَرجِعوا بَعدي كُفَّاراً يَضرِبُ بَعضُكُم رِقابَ بَعضٍ ) .
فَمَن قَامَ مِن المسلمينَ بِشئٍ مِن هذه المعاصي فَكُفرُهُ كُفرٌ عَمَليٌّ )). سلسلةُ الأحاديثِ الصحيحةِ وشيءٌ من فِقهِها وفوائِدِها6/112-113.
س)- هل هناك من الأعمال ما يكون صاحبها كافر كفر أكبر ؟
من الأعمال أعمال قد يكفر بها صاحبها كفراً اعتقادياً ، لأنها تدل على كفره دلالة قطعية يقينية ، بحيث يقوم فعله هذا منه مقام إعرابه بلسانه عن كفره ، كمثل من يدوس المصحف مع علمه به ، وقصده له حاشية. التحذير من فتنة التكفير ص 72 .
س)- ما حكم الاستهزاء بالدين؟
لا شك هذا كفر اعتقادي ، بل كفر له قرنان ، لأن الاستهزاء بآيات الله عز وجل لا يمكن أن يصدر من مؤمن مهما كان ضعيف الإيمان . وهذا النوع من الكفر هو الذي يدخل في كلامنا السابق حينما كنا نقول : لا يجوز تكفير مسلم إلا إذا ظهر من لسانه شيء يدلنا عما وقر في قلبه ، فهنا استهزاؤه بآيات الله عز وجل ... هذا أكبر إقرار منه على أنه لا يؤمن بما استهزأ به فهو إذاً كافر كفراً اعتقادياً - ثم قال - نحن نقول: لا ينفع مع الشرك حسنة ، لكن نقول : يضر مع الإيمان المعصية . والإيمان كما تعلمون جميعاً يقبل الزيادة والنقصان ، وزيادته بالطاعة ونقصانه بالمعصية . شريط رقم (672) .(2/85)
س)- هل يكفر المسلم بفعله للكبائر؟
عن أبي إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني أن عبادة ابن الصامت - من الذين شهدوا بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم و من أصحابه ليلة العقبة - أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال - و حوله عصابة من أصحابه : (تعالوا بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا , و لا تسرقوا , و لا تزنوا , و لا تقتلوا أولادكم , و لا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم و أرجلكم , و لا تعصوني في معروف , فمن وفى منكم فأجره على الله , و من أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له , و من أصاب من ذلك شيئا فستره الله فأمره إلى الله , إن شاء عاقبه , و إن شاء عفا عنه).
و في الحديث رد كما قال العلماء على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب , و على المعتزلة الذين يوجبون تعذيب الفاسق إذا مات بلا توبة , لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأنه تحت المشيئة , و لم يقل لابد أن يعذبه .
قلت : و مثله قوله تعالى : *( إن الله لا يغفر أن يشرك به , و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء )* . فقد فرق تعالى بين الشرك و بين غيره من الذنوب , فأخبر أن الشرك لا يغفره , و أن غيره تحت مشيئته , فإن شاء عذبه و إن شاء غفر له , و لابد من حمل الآية و الحديث على من لم يتب , و إلا فالتائب من الشرك مغفور له , فغيره أولى , و الآية قد فرقت بينهما , و بهذا احتججت على نابتة نبتت في العصر الحاضر , يرون تكفير المسلمين بالكبائر تارة , و تارة يجزمون بأنها ليست تحت مشيئة الله تعالى و أنها لا تغفر إلا بالتوبة , فسووا بينها و بين الشرك فخالفوا الكتاب و السنة , و لما أقمت عليهم الحجة بذلك في ساعات , بل جلسات عديدة , رجع بعضهم إلى الصواب , و صاروا من خيار الشباب السلفيين , هدى الله الباقين .
قوله: ( و لا يعضه ) : أي لا يرميه بـ ( العضيهة ) , و هي البهتان و الكذب . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2999.
س)- هل الكفر يُفسر بالجحود فقط من الناحية الاصطلاحية ؟ أم أن هناك صور أخرى للكفر يُفسر بها كالإعراض والاستكبار والإباء وغيرها ؟
أن الكفر قد يكون كفرا عملياً وليس كفراً اعتقادياً , فإذن ليس الكفر فقط يعني : الجحود ، وإنما يعني أيضاً معنى آخر ، من ذلك : ما جاء في سؤال السائل ، فقد يكون كفر نعمة ، مثلاً : يكفر بالنعمة ، أو يكفرن العشير ، كما جاء في حديث البخاري عن النساء ، فإذن ، الكفر له عدة معاني حقيقةً , لكن فيما كان يتعلق ببحثنا السابق ، كالكفر فيما يتعلق بتارك الصلاة وغير الصلاة ، إما أنْ يكون كفراً بمعنى الجحد فهو مرتد عن دينه ، وإما أنْ يكون كفراً بمعنى : أنه يعمل عمل كفار فلا يصلي ، فهذا لا يكفر به ، وإنما يفسق. شبكة المنهاج الإسلامية.(2/86)
فصل في النشرة والتمائم و الاكتواء والرقى
س)- ما هي النشرة وما حكم الشرع فيها؟
أخرج أحمد في " المسند " ( 3 / 294 ) و عنه أبو داود في " السنن " ( 3868 ) و من طريقه البيهقي (9/ 351 ) : حدثنا عبد الرزاق حدثنا عقيل بن معقل قال : سمعت وهب بن منبه يحدث عن جابر بن عبد الله قال : سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النشرة ? فقال : " هو من عمل الشيطان " .
و " النشرة " : الرقية . قال الخطابي :" النشرة : ضرب من الرقية و العلاج , يعالج به من كان يظن به مس الجن " .
قلت : يعني الرقى غير المشروعة, و هي ما ليس من القرآن و السنة الصحيحة و هي التي جاء إطلاق لفظ الشرك عليها في غير ما حديث , و قد يكون الشرك مضمرا في بعض الكلمات المجهولة المعنى , أو مرموزا له بأحرف مقطعة , كما يرى في بعض الحجب الصادرة من بعض الدجاجلة , و على الرقى المشروعة يحمل ما علقه البخاري عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب : رجل به طب ( أي سحر ) أو يؤخذ عن امرأته , أيحل عنه أو ينشر ? قال : لا بأس به , إنما يريدون به الإصلاح , فأما ما ينفع فلم ينه عنه .
و وصله الحافظ في " الفتح " ( 10 / 233 ) من رواية الأثرم و غيره من طرق عن قتادة عنه . و رواية قتادة أخرجها ابن أبي شيبة ( 8 / 28 ) بسند صحيح عنه مختصرا .
هذا و لا خلاف عندي بين الأثرين , فأثر الحسن يحمل على الاستعانة بالجن و الشياطين و الوسائل المرضية لهم كالذبح لهم و نحوه , وهو المراد بالحديث , و أثر سعيد على الاستعانة بالرقى و التعاويذ المشروعة بالكتاب و السنة . و إلى هذا مال البيهقي في " السنن " , و هو المراد بما ذكره الحافظ عن الإمام أحمد أنه سئل عمن يطلق السحر عن المسحور ? فقال : " لا بأس به" . و أما قول الحافظ : " و يختلف الحكم بالقصد , فمن قصد بها خيرا , و إلا فهو شر " .
قلت : هذا لا يكفي في التفريق , لأنه قد يجتمع قصد الخير مع كون الوسيلة إليه شر , كما قيل في المرأة الفاجرة : ... ... ... ... ... ليتها لم تزن و لم تتصدق .انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2760.(2/87)
س)- ما هي الرقى والتمائم و التولة ، وهل تعليق نعل الفرس على باب الدار من الرقى؟ وهل يدخل في - التمائم - الحجب التي يعلقها بعض الناس على أولادهم؟
الرقى : هي كل ما فيه الاستعاذة بالجن أو لا يفهم معناها مثل كتابة بعض المشايخ من العجم على كتابهم لفظة (يا كبيكج) لحفظ الكتب من الأرضة زعموا.
والتمائم : جمع تميمة , وأصلها خرزات تعلقها العرب على رأس الولد لدفع العين , ثم توسعوا فيها , فسموا بها كل عوذة.
ومن ذلك تعليق بعضهم نعل الفرس على باب الدار , أو في صدر المكان , وتعليق بعض السائقين نعلاً في مقدمة السيارة أو مؤخرتها , أو الخرز الأزرق على مرآة السيارة التي تكون أمام السائق من الداخل , كل ذلك من أجل العين زعموا.
وهل يدخل في - التمائم - الحجب التي يعلقها بعض الناس على أولادهم أو على أنفسهم إذا كانت من القرآن أو الأدعية الثابتة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ للسلف في ذلك قولان , أرجحهما عندي المنع , كما بينته فيما علقته على الكلم الطيب لشيخ الإسلام ابن تيمية.
والتولة : بكسر التاء وفتح الواو , ما يحبب المرأة إلى زوجها من السحر وغيره , قال ابن الأثير : (جعله من الشرك لاعتقادهم أن ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله تعالى). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم331.
س)- ما حكم رقية المسلم لأخيه المسلم؟ وهل هناك فرق بين طلب المسترقي وبين ان يقوم بها الراقي من غير طلب المسترقي؟
عَنْ جَابِرٍ قَالَ كَانَ لِي خَالٌ يَرْقِي مِنْ الْعَقْرَبِ فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الرُّقَى قَالَ فَأَتَاهُ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ قد نَهَيْتَ عَنْ الرُّقَى وَأَنَا أَرْقِي مِنْ الْعَقْرَبِ فَقَالَ (مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يَنْفَعَ أَخَاهُ فَلْيَفْعَلْ) ، وفي الحديث استحباب رقية المسلم لأخيه المسلم بما لا بأس به من الرقى , وذلك ما كان معناه مفهوماً مشروعاً , وأما الرقى بما لا يعقل معناه من الألفاظ , فغير جائز , قال المناوي : "وقد تمسك ناس بهذا العموم , فأجازوا كل رقية جربت منفعتها , وإن لم يعقل معناها , لكن دل حديث عوف الماضي أن ما يؤدي إلى شرك يمنع , وما لا يعرف معناه لا يؤمن أن يؤدي إليه , فيمنع احتياطاً".(2/88)
قلت : ويؤيد ذلك أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يسمح لآل عمرو بن حزم بأن يرقي إلا بعد أن اطلع على صفة الرقية , ورآها مما لا باس به , بل إن الحديث بروايته الثانية من طريق أبي سفيان نص في المنع مما لا يعرف من الرقى , لأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نهى نهياً عاماً أول الأمر ثم رخص فيما تبين أنه لا باس به من الرقى , وما لا يعقل معناه منها لا سبيل إلى الحكم عليها بأنه لا بأس بها , فتبقى في عموم المنع , فتأمل.
وأما الاسترقاء - وهو طلب الرقية من الغير - فهو وإن كان جائزاً , فهو مكروه , كما يدل عليه حديث : (هم الذين لا يسترقون .... ولا يكتوون ولا يتطيرون , وعلى ربهم يتوكلون) متفق عليه.
وأما ما وقع من الزيادة في رواية لمسلم : (هم الذين [لا يرقون و] يسترقون ...) , فهي زيادة شاذة , ولا مجال لتفصيل القول في ذلك الآن من الناحية الحديثية , وحسبك أنها تنافي ما دل عليه هذا الحديث من استحباب الترقية , وبالله التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 472.
س)- ما حكم الاكتواء والاسترقاء؟
في حديث (مَنِ اكْتَوَى أَوِ اسْتَرْقَى فَقَدْ بَرِئَ مِنَ التَّوَكُّلِ) ، كراهة الاكتواء والاسترقاء : أما الأول , فلما فيه من التعذيب بالنار , وأما الآخر , فلما فيه من الاحتياج إلى الغير فيما الفائدة فيه مظنونة غير راجحة , ولذلك كان من صفات الذين يدخلون الجنة بغير حساب أنهم لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون , كما في حديث ابن عباس عند الشيخين , وزاد مسلم في روايته فقال : لا يرقون ولا يسترقون , وهي زيادة شاذة كما بينته فيما علقته على كتابي مختصر صحيح مسلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم244.
س)- عَن عائِشةَ رضي الله عَنها قَالَت : (كانَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يَتعوَّذُ بِهذِهِ الكلماتِ: أذهِبِ البأسَ ربَّ الناسِ واشفِ وأنتَ الشافي لا شِفاءَ إلا شفاؤكَ شفاءً لا يغادِرُ سَقَماً، قالت: فلمَّا ثقُلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في مرضِهِ الذي ماتَ فيهِ ، أخذتُ بيدِهِ فجعلتُ أمسحُها وأقولُها، قالت :(2/89)
فنَزَعَ يدهُ من يدي وقالَ : اللهم اغفِر لي وألحِقني بالرفيقِ الأعلى ، قالت: فكانَ هذا آخرُ ما سمعتُ مِن كلامِهِ) هل في هذا الحديث مشروعية الرقية ؟
في الحديثِ مَشروعيَّةُ الترقِيَةِ بِكتابِ الله تعالى ، وَنَحوه مِمَّا ثَبتَ عن النبي صلى الله عليه وسلم من الرُّقى وأما غَيرُ ذلكَ مِن الرُّقى فلا تُشرَع ، لا سيَّما ما كانَ مِنها مكتوباً بالحروفِ المقطَّعةِ ، والرُّموزِ المغلَقَةِ ، التي لَيسَ لها مَعنى سَليمٌ ظاهرٌ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 4/566 .
س)- ما هي انواع الرقى الغير مشروعة؟
الرُّقى غير المشروعَةِ : وهي ما ليسَ من القرآنِ والسُّنةِ الصحيحةِ ، وهي التي جاءَ إطلاقُ لَفظِ الشِّركِ عَليها في غَيرِ ما حَديث ٍوَقَد يَكونُ الشِّركُ مُضمَراً في بَعضِ الكَلِماتِ المَجهُولَةِ المعنى ، أو مَرمُوزاً لَهُ بأحرُفٍ مُقَطَّعَةٍِ ، كما يُرى في بَعضِ الحُجُبِ الصادِرةِ مِن بَعضِ الدَجاجِلةِ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 6/613.
س)- هناك نوعاً أخر مِن الرُّقى وهو ما يُسمُّونَهُ في الوقتِ الحاضِرِ بـ(الطبِّ الرَّوحاني) أو (التنويم المغناطيسي) فهل هو جائز ام لا؟
مُعالَجةُ بَعضِ المتظاهرينَ بالصلاحِ للناسِ بِما يُسمُّونهُ بـ(الطبِّ الروحاني) ، سواء كانَ ذلكَ على الطَّريقةِ القَديمةِ من اتِّصالِهِ بِقَرينِهِ من الجنِّ ، كما كانوا عَلَيهِ في الجاهليَّةِ ، أو بِطَريقَةِ ما يُسمَّى اليومَ باستحضارِ الأرواحِ ، وَنَحوه عندي التنويمُ المغناطيسيُّ ، فإنَّ ذلكَ كُلَّه من الوسائِلِ التي لا تُشرَعُ ؛ لأن مَرجِعَها إلى الاستعانَةِ بالجنِّ التي كانَت سَبَباً مِن أسبابِ ضَلالِ المشركينَ،كما جاءَ في القرآنِ الكريمِ: وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا [الجن: 6]، أي خَوفاً وإثماً. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 6/614 .
س)-هل هناك خلاف بين أثرُ الحسنِ عِندما سألَهُ رجلٌ عن النُّشرةِ؟ فَذَكرَ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قالَ : ( هي مِن عملِ الشيطانِ) ، وَأثرُ سعيدِ بن المسيّبِ عِندَما سَألَه قَتادَةُ : رَجُلٌ بِهِ طِبٌّ أو يُؤَخَّذُ عن امْرَأَتِهِ أَيُحَلُّ(2/90)
عنه أو يُنَشَّرُ ؟ قال : (لا بَأْسَ بِهِ ، إنما يُرِيدُونَ بِهِ الْإِصْلَاحَ ، فَأَمَّا ما يَنْفَعُ الناس فلم يُنْهَ عنه)؟
لا خِلافَ عِندي بَين الأثرينِ ، فأثرُ الحسَنِ يُحمَلُ على الاستعانةِ بالجنِّ والشياطينِ والوسائِلِ المرضيَّةِ لهم كالذبحِ لهم وَنَحوِهِ ، وهو المرادُ بالحديثِ ، وأثرُ سَعيد على الاستعانةِ بالرُّقى والتعاويذِ المشروعةِ بالكتابِ والسُّنةِ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 6/614 .
س)-ما هي التمائم؟
التمائمُ جَمعُ تَميمةٍ ، وأصلُها خَرَزات تُعلِّقُها العربُ على رَأسِ الوَلَدِ لِدَفعِ العينِ ، ثُمَّ توسَّعوا فيها، فَسمَّوا بِها كُلَّ عَوْذَةٍ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 1/650 .
س)-البعض يعلق بعض الاشياء بحجة انها تدفع العين .فما حكم ذلك؟
تَعليقُ بعضِهم نَعلَ الفرسِ على بابِ الدارِ ، أو في صَدرِ المكانِ ، وَتَعليق بَعضِ السائقينَ نَعلاً في مُقدِّمَةِ السيارةِ أو مؤخِّرتِها ، أو الخَرَزِ الأزرقِ على مِرآةِ السيارةِ ، التي تَكونُ أمامَ السائِقِ من الداخِلِ ، كُلُّ ذلك مِن أجلِ العَينِ زَعموا. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 1/650 .
س)-البعض يعد ان تعليق التمائم مجرد مخالفة أي انها تدخل في باب المعاصي. فما هو ردكم؟
َلَم يَقِفِ الأمرُ بِبعضِهِم عِند مُجرَّدِ المخالَفَةِ ، بَل تَعدَّاهُ إلى التقرُّبِ بِها إلى الله تعالى ، فهذا الشيخُ الجزولي صاحِبُ ( دَلائلِ الخيراتِ ) يَقولُ (( اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمدٍ ، ما سَجَعت الحمائمُ ، وَحمَّت الحوائِمُ ، وَسَرَحت البهائِمُ ، وَنَفَعت التمائمُ )) ، وتأويلُ الشارحِ لـ ( الدلائلِ ) بأنَّ : (( التمائمَ جَمعُ تَميمةٍ ، وهي الوَرَقةُ التي يُكتبُ فيها شئٌ من الأسماءِ أو الآياتِ ، وَتُعلَّقُ على الرأسِ مثلاً للتبرُّكِ )) فَمِمَّا لا يَصِحُّ ؛ لأن التمائمَ عند الإطلاقِ إنما هي الخرزاتُ...على أنَّه لو سُلِّم بِهذا التأويلِ ؛ فلا دَليلَ في الشَّرعِ على أن التميمةَ بِهذا المعنى تَنفَعُ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 1/890-891 .(2/91)
فصل في البدعة وأنواعها
باب في التحذير من البدع
س )- ما رأيكم فيمن يقول ان التحذير من بعض البدع يفرق بين المسلمين؟
أخرج الطبراني في " مسند الشاميين " ( ص 136 ) من طريقين , و في " المعجم الكبير " ( 18 / 248 / 623 ) من أحدهما عن أرطاة بن المنذر عن المهاصر بن حبيب عن العرباض بن سارية قال :
وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد صلاة الغداة موعظة بليغة ذرفت منها العيون , و وجلت منها القلوب , فقال رجل من أصحابه : يا رسول الله ! كأنها موعظة مودع , فقال : (أوصيكم بتقوى الله و السمع و الطاعة و إن كان عبدا حبشيا , فإنه من يعش منكم بعدي يرى اختلافا كثيرا , فعليكم بسنتي و سنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي , عضوا عليها بالنواجذ [و إياكم و محدثات الأمور , فإن كل محدثة بدعة و كل بدعة ضلالة] ").
و الحديث من الأحاديث الهامة التي تحض المسلمين على التمسك بالسنة و سنة الخلفاء الراشدين الأربعة و من سار سيرتهم , و النهي عن كل بدعة , و أنها ضلالة , و إن رآها الناس حسنة , كما صح عن ابن عمر رضي الله عنه . و الأحاديث في النهي عن ذلك كثيرة معروفة , و مع ذلك فقد انصرف عنها جماهير المسلمين اليوم , لا فرق في ذلك بين العامة و الخاصة , اللهم إلا القليل منهم , بل إن الكثيرين منهم ليعدون البحث في ذلك من توافه الأمور , و أن الخوض في تمييز السنة عن البدعة , يثير الفتنة , و يفرق الكلمة , و ينصحون بترك ذلك كله , و ترك المناصحة في كل ما هو مختلف فيه ناسين أو متناسين أن من المختلف فيه بين أهل السنة و أهل البدعة كلمة التوحيد , فهم لا يفهمون منها وجوب توحيد الله في العبادة , و أنه لا يجوز التوجه إلى غيره تعالى بشيء منها , كالاستغاثة و الاستعانة بالموتى من الأولياء و الصالحين *( و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )* . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2735.
س)- ما المقصود بمَبدأُ (التصفِيَةِ والتربِيَةِ) الذي دائما ما تدعو إليه وَتدندن حوله في كثير من كتبك ومجالسك؟
أرَدتُ بالأوَّلِ مِنهُما أموراً :(2/92)
الأولُ : تَصفيةُ العَقيدةِ الإسلاميَّةِ مِمَّا هو غَريبٌ عَنها، كالشِركِ ، وَجَحدِ الصِّفاتِ الإلهيَّةِ وتأويلِها ، وَرَدِّ الأحاديثِ الصَّحيحةِ لِتَعلُّقِها بالعَقيدَةِ وَنَحوِها .
الثاني : تَصفيةُ الفِقهِ الإسلاميِّ من الإجتهاداتِ الخاطِئةِ المخالِفةِ للكِتابِ والسُّنةِ .
الثالث : تَصفيةُ كُتُبِ التَّفسيرِ والفِقهِ والرَّقائِقِ من الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ .
وأمَّا الواجِبُ الآخَرُ ؛ فأُريدَ بِهِ تربيَةُ الجيلِ الناشيء على هذا الإسلامِ المُصفَّى مِن كُلِّ ما ذَكرنا تَربيةً إسلاميةً صَحيحةً مُنذُ نُعومَةِ أظفارِهِ دونَ أيِّ تأثُّرٍ بالتربيَةِ الغربيَّةِ الكافِرةِ) انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة المقدمة.
س)- هل يوجد في الشرع تصنيف للبدعة بأنها واجبة أو حسنة؟
لطالما سمعتم ممن يذهبون إلى تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام، أن هناك بدعة واجبة، ويضربون على ذلك مثلاً بجمع القرآن الذي جمعه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب، يقولون: هذه بدعة في الإسلام، ولكنها واجبة، نحن نقول: تسمية هذا الأمر العظيم بالبدعة، التي إنما أطلقت للذم، كما ذكرنا في الحديث السابق (كل بدعة ضلالة) أعتقد أنه من أسوأ الاستعمالات التي دخلت في أذهان بعض العلماء. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم ما يسمى (الموازنة) في نقد الرجال؟
ما يطرح اليوم في ساحة المناقشات بين كثير من الأفراد حول ما يسمى أو حول هذه البدعة الجديدة المسماة (الموازنة) في نقد الرجال.
أنا أقول : النقد إما أن يكون في ترجمة الشخص المنتقد ترجمة تاريخية فهنا لا بد من ذكر ما يحسن وما يقبح بما يتعلق بالمترجم من خيره ومن شره ، أما إذا كان المقصود بترجمة الرجل هو تحذير المسلمين وبخاصة عامتهم الذين لا علم عندهم بأحوال الرجال ومناقب الرجال ومثالب الرجال ؛ بل قد يكون له سمعة حسنة وجيدة ومقبولة عند العامة ، ولكن هو ينطوي على عقيدة سيئة أو على خلق سيئ ، هؤلاء العامة لا يعرفون شيئاً من ذلك عن هذا الرجل .. حين ذاك لا تأتي هذه البدعة التي سميت اليوم بـ (الموازنة) ، ذلك لأن المقصود حين ذاك النصيحة وليس هو الترجمة الوافية الكاملة ، ومن درس السنة والسيرة النبوية لا يشك ببطلان إطلاق هذا المبدأ المحدث اليوم وهو (الموازنة) لأننا نجد في عشرات النصوص من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام يذكر السيئة المتعلقة بالشخص للمناسبة التي تستلزم(2/93)
النصيحة ولا تستلزم تقديم ترجمة كاملة للشخص الذي يراد نصح الناس منه ، والأحاديث في ذلك أكثر من أن تستحضر في هذه العجالة. انتهى كلام الالباني من شريط "من حامل راية الجرح والتعديل في العصر الحاضر.
س)- ما معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، دون أن ينقص من أجورهم شيء)إلى آخر الحديث؟
ان جماهير العلماء اليوم وقبل اليوم ببضع قرون، يفسرون هذا الحديث تفسيراً على خلاف ما يدل عليه سبب وروده، فيقولون: معنى الحديث: (من سن في الإسلام سنة حسنة) أي: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، وعلى ذلك يضطرون إلى أن يخصصوا عموم قوله عليه السلام في الحديث: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وكذلك يفعلون بالحديث الذي هو أوضح في الدلالة على عموم وشمول الذم لكل بدعة، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). فحينما وقعوا في تأويل الحديث السابق: (من سن في الإسلام سنة حسنة) بمن ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، اضطروا توفيقاً بين ذاك الحديث وهذا المفهوم للحديث، ولا أقول بين ذاك الحديث وهذا الحديث؛ لأنه في الحقيقة لا تنافر ولا تنافي بينهما، وإنما جاء التنافر والتنافي بين ذلك الحديث العام الذي لا إشكال فيه: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، وبين الفهم الخاص لقوله: (من سن في الإسلام سنة حسنة)، أي: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة، فقالوا: إذاً قوله كل بدعة ضلالة من العام المخصوص، وحينئذٍ يكون معنى الحديث: ليس كل بدعة ضلالة. فما هو معنى الحديث الذي تأولوه بالبدعة؟ الحقيقة أننا نستطيع أن نفهم الحديث فهماً لا يتنافى مع العموم المذكور (كل بدعة ضلالة) من نفس المتن أولاً، ثم نبتغي دعماً لهذا الفهم من سبب وروده ثانياً. ذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حينما قال في الحديث: (من سن في الإسلام سنة) وصفها في الطرف الأول من الحديث بحسنة، وفي الطرف الثاني الذي استغنيت عن ذكره لشهرته بقوله: (سنة سيئة) فإذاً هذا الحديث يدلنا على أن في الإسلام سنة حسنة، وفي الإسلام سنة سيئة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما هو سبيل معرفة السنة الحسنة والسنة السيئة؟ أهو العقل والرأي المحض أم هو الشرع؟(2/94)
ما أظن أن قائلاً يقول: هو العقل والرأي، وإلا ألحق نفسه -ولا أقول نلحقه- بالمعتزلة الذين يقولون بالتحسين والتقبيح العقليين! هؤلاء المعتزلة هم الذين عرفوا منذ أن ذروا قرنهم وأشاعوا فتنتهم بقولهم: إن العقل هو الحكم، فما استحسنه العقل فهو الحسن، وما استقبحه العقل فهو القبيح. أما رد أهل السنة والجماعة بحق فإنما هو على النقيض من ذلك، فالحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع. إذاً حينما قال عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة) أي: شرعاً، (ومن سن في الإسلام سنة سيئة) أي: شرعاً، فالشرع هو الحكم في أن نعرف أن هذه سنة حسنة، وهذه سنة سيئة، إذا كان الأمر كذلك حينئذٍ لم يبق مجال للقول بأن معنى الحديث: من سن في الإسلام سنة حسنة، أن المعنى: بدعة حسنة، فنقول: هذه بدعة لكنها حسنة، ما يدريك أنها حسنة؟ إن جئت بالدليل الشرعي، فعلى الرأس والعين، والتحسين ليس منك وإنما من الشرع، كذلك إن جئت بالدليل الشرعي على سوء تلك البدعة؛ فالشرع هو الذي حكم بأنها سيئة وليس هو الرأي. فهذا الحديث إذاً من نفس كلمة (حسنة وسيئة) نأخذ أنه لا يجوز تفسير الحديث بالبدعة الحسنة، والبدعة السيئة، التي مرجعها الرأي والعقل، ثم ينعدم هذا الفهم الصحيح لهذا المتن الصحيح، بالعودة إلى سبب ورود الحديث، وهنا الشاهد. الحديث جاء في صحيح مسلم، ومسند الإمام أحمد وغيرهما من دواوين السنة، من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله تعالى عنه قال: (كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فجاءه أعراب مجتابي النمار متقلدي السيوف، عامتهم من مضر بل كلهم من مضر، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم تمعر وجهه -أي تغيرت ملامح وجهه عليه الصلاة والسلام، حزناً وأسفاً على فقرهم الذي دل عليه ظاهر أمرهم- فخطب في الصحابة وذكر قوله تعالى: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) [المنافقون:10] ثم قال عليه الصلاة والسلام: تصدق رجل بدرهمه.. بديناره.. بصاع بره.. بصاع شعيره) (تصدق): هو فعل ماض، لكن هذا من بلاغة اللغة العربية، أي: ليتصدق، فأقام الفعل الماضي مقام فعل الأمر، إشارة إلى أنه ينبغي أن يقع ويصبح ماضياً. ليتصدق أحدكم بدرهمه.. بديناره.. بصاع بره.. بصاع شعيره، وبعد أن انتهى عليه الصلاة والسلام من خطبته قام رجلٌ ليعود وقد حمل بطرف ثوبه ما تيسر له من الصدقة، من طعام، أو دراهم، أو دنانير، ووضعها بين يدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلما رأى أصحابه الآخرون ما فعل صاحبهم، قام كل منهم ليعودوا أيضاًَ بما تيسر لهم من الصدقة، قال جرير : (فاجتمع أمام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من الصدقة كأمثال الجبال، فلما رأى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم تنور وجهه كأنه مذهبة) قالوا في تفسير هذا التشبيه، (كأنه مذهبة): أي: كالفضة المطلية بالذهب. في أول الأمر لما رآهم عليه الصلاة والسلام قال: تمعر وجهه أسفاً وحزناً لكن لما استجاب أصحابه لموعظته عليه الصلاة والسلام تنور وجهه(2/95)
كأنه مذهبة، وقال: (من سن في الإسلام سنة حسنة...) إلى آخر الحديث. الآن نقول: لا يصح بوجه من الوجوه أن يفسر الحديث بالتفسير الأول: من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؛ لأننا سنقول: أين البدعة التي وقعت في هذه الحادثة، وقال عليه الصلاة والسلام بمناسبتها من ابتدع في الإسلام بدعة حسنة؟ لا نرى هناك شيئاً من هذا القبيل إطلاقاً، بل نجد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خطبهم آمراً لهم بالصدقة، مذكراً لهم بآية في القرآن الكريم، كانت نزلت عليه مسبقاً، وهي: (وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ) [المنافقون:10] وأكد ذلك ببعض حديث: (تصدق رجل بدرهمه.. بديناره.. بصاع بره.. بصاع شعيره) إذاً ليس هناك إلا الصدقة، والصدقة عبادة، تارة تكون فريضة، وتارة تكون نافلة. فإذاً: لا يجوز أن نقول: معنى الحديث من ابتدع؛ لأنه لم يقع هنا بدعة، ولكن لو رجعنا إلى لفظة (سنَّ) في اللغة العربية، للمسنا منها شيئاً جديداً في هذه الحادثة، لكن ليست هي البدعة، الشيء الجديد هو قيام هذا الرجل أول كل شيء وانطلاقه إلى داره ليعود بما تيسر له من صدقة، فأصحابه الآخرون فعلوا مثل فعله، فسن لهم سنة حسنة، لكن هو ما سن بدعة، سن لهم صدقة، والصدقة كانت مأمور بها من قبل، كما ذكرت آنفاً. قد أكون أطلت قليلاً أو كثيراً، ولكن أرى أن هذا البيان لا بد منه لكل طالب علم؛ ليفهم النصوص الشرعية فهماً صحيحاً حتى لا يضرب بعضها ببعض. فقوله عليه الصلاة والسلام الذي أخذ بظاهره بعض العلماء فأباحوا أخذ الأجر على القرآن مطلقاً، لا يصح فهمه على هذا الإطلاق، بل ينبغي أن نربطه بالسبب وهو: الرقية، فلا يكون في ذلك أخذ الأجر المنصوص في الحديث لمجرد تلاوة قرآن أو تعليمه، بل للرقية بالقرآن الكريم، ويؤكد هذا أخيراً -ولعلي أكتفي بهذا الذي سأذكره- أن رجلاً علَّم صاحباً له في عهد النبي صلى الله عليه وسلم القرآن، فأهدى إليه قوساً ولكنه توقف حتى يسأل النبي. عوداً إلى حديث أبي سعيد، لماذا توقف أبو سعيد من الاستفادة من الأجر الذي أخذه من أمير القبيلة، وهذا الرجل الثاني لما أهديت له القوس توقف حتى سأل الرسول عليه السلام، لماذا توقف هذا وذاك؟ لأنهم كانوا فقهاء حقاً، وكانوا يفهمون مثل الآية السابقة: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة:5] فأبو سعيد قرأ القرآن ولو أنها مقرونة بالرقية، وهذا الآخر علم صاحبه القرآن، فخشي أن يكون ذلك منافياً للإخلاص في عبادة الله عز وجل. فكان من ذلك أن أبا سعيد تورع عن الانتفاع بالأجر الذي أخذه مقابل الرقية، حتى قال له عليه السلام ما سمعتم، أما هذا الرجل الثاني الذي علم صاحبه القرآن، لما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وذكر له بأنه علمه فأهدى إليه قوساً، قال: (إن أخذتها طوقت بها ناراً يوم القيامة) فإذاً أخذ الأجرة على تعليم القرآن بهذا الحديث والحديث الآخر: (يتعجلونه ولا يتأجلونه) لا يجوز إطلاقاً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/96)
س)- هل يوجد في الإسلام بدعة حسنة أم لا؟
لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله جملة جامعة لأصل الإسلام، وهذه الجملة مستنبطة أصالة من الشهادة التي هي الركن الأول من أركان الإسلام، حيث قال ابن تيمية رحمه الله: (الإسلام أن نعبد الله وحده لا نشرك به شيئاً) هذا قسم، والقسم الثاني: (ألا نعبده إلا بما شرع لنا). فالإسلام اجتمع في هاتين الكلمتين: أن نعبده تبارك وتعالى وحده لا شريك له، وألا نعبده إلا بما شرع، وهذا من تمام التوحيد، وهو اصطلاح علمي دقيق لشيخ الإسلام ابن تيمية، فإن المشهور: أن التوحيد إنما هو ذو أقسام ثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية أو العبادة، وتوحيد الصفات، فجاء ابن تيمية بهذا التعبير الوجيز: ألا نعبد إلا الله، ولا نعبده إلا بما شرع. ألا نعبد الله إلا بما شرع.. وهذا ينطوي تحته بحث علمي خطير جداً، طالما اختلف فيه المتأخرون، ولم ينجُ من الاختلاف الممقوت منهم إلا الأقلون، أعني بذلك: اختلافهم في أنه هل يوجد في الإسلام بدعة حسنة أم لا؟ فجماهير المتأخرين -مع الأسف الشديد- يذهبون قولاً، وأصلاً، واعتقاداً، إلى أن هناك في الإسلام بدعة حسنة، ويقابلهم من أشرنا إليهم، ألا وهم الأقلون، الذين يقولون بما قال به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الأحاديث الكثيرة، والتي منها ما سمعتموه في مطلع كلمتنا هذه الليلة، وهي التي تتردد دائماً في خطبة الحاجة، التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمها أصحابه، ونفتتح عادة خطبنا وكلماتنا بها، ثم نتبعها بما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتبع خطبة الحاجة في خطب الجمعة، حيث كان عليه الصلاة والسلام يقول في خطبة الجمعة: (أما بعد: فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) فقد كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه يكرر هذه الجملة الجامعة: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار)؛ لكي تتركز في الأذهان. فالأقلون قد اهتدوا بهدي الله تبارك وتعالى، وتمسكوا بكلام الرسول عليه الصلاة والسلام على عمومه وشموله، وقالوا كما قال هو عليه الصلاة والسلام: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). لكن الشيء المهم الذي ينبغي أن نلاحظه، هو: أنه يوجد في هؤلاء الأقلين -على سبيل الحكاية- من يقع في الابتداع في الدين؛ وما ذاك إلا لأنه لم يضبط قاعدة البدعة، فهو يقول في نفسه: كل بدعة ضلالة، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأنه من الفريق القليل الذين اهتدوا بأحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، التي أطلقت الضلالة على كل بدعة، ولكن لكيلا يقع هؤلاء الأقلون في البدعة التي يفرون منها بتبنيهم القاعدة العامة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، يجب أن يتقنوا بحث البدعة؛ ليميزوا بين ما يدخل في عموم النص، فلا يعملون به؛ لأن قوله: (كل بدعة ضلالة) شمله، وإن كان هذا الذي دخل في هذا النص العام له أصل في الشريعة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/97)
س)- ماالفرق بين المشروع والمحدث غير المشروع؟
يشتبه الأمر على كثير من الناس حينما يرون بعض النصوص الحاضَّة على بعض الأعمال الصالحة، فيأخذون بعمومها، ولا يلاحظون أن بعض هذا العموم يشمله ذلك النص العام: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار). فالتفريق بين هذا الشمول، وهو قوله عليه السلام: (كل بدعة ضلالة) وبين الشمول في نصوص أخرى، حيث تأمر ببعض العبادات، أو تحض على بعض العبادات حضاً عاماً، هنا يقع كثير من الخلط واللبس على بعض الناس. وأنا قبل أن أذكر ما عندي في هذا الصدد، أريد أن أنصحكم بصفتكم -مثلي- طلاباً للعلم، أن تقرءوا لتفهموا هذه المسألة فهماً صحيحاً، ولتكونوا على ما كان عليه السلف الصالح، من الابتعاد عن الابتداع في الدين، ولو كان هذا الابتداع في الدين مستنداً إلى نص عام من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام -لكي لا تقعوا في الابتداع في الدين، أنصح بأن تقرءوا كتاباً هو أعظم كتاب عرفته في هذا الباب، ألا وهو كتاب الاعتصام للإمام الشاطبي رحمه الله، فهذا الكتاب مختص في هذا الموضوع لا مثيل له فيما علمته، وكل من جاء بعده إنما هو عالة عليه، وإنما هو يستقي منه، كما أن هناك فصلاً خاصاً يجب -أيضاً- أن تقرءوه لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه العظيم اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم، ففي هذا الكتاب طرق شيخ الإسلام ابن تيمية هذا الموضوع الهام الخطير، فانتهى -من حيث الجملة- إلى ما يدل عليه الحديث السابق وما في معناه: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) ولكنه نظر إلى المسألة من زاوية أخرى، وهي: أنه قد تحدث بعض الأمور، ويرى أهل العلم أنها أمور مشروعة، ومع ذلك فهي لم تكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فكيف لم يطبق عليها القاعدة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار؟ بينما حدثت محدثات كثيرة وكثيرة جداً، اعتبرها أهل العلم والتحقيق كالشاطبي وابن تيمية وغيرهما من المحدثات، فما هو الحكم الفصل بين ما يحدث ويكون مشروعاً، وبين ما يحدث ولا يكون مشروعاً؟ هذا ما فصل القول فيه الإمام الشاطبي في الكتاب السابق (الاعتصام )، وجمعه وأوجز الكلام فيه شيخ الإسلام في الكتاب المذكور آنفاً، فأنا أوجز لكم القول. لا أريد -بطبيعة الحال- أن أذكركم بالنصوص التي تؤكد هذه القاعدة الإسلامية العظيمة: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، لأنني أعتقد أنكم على علم بذلك -كما أظن وأرجو- ولكن أريد في الواقع أن أبين لكم أمرين اثنين؛ لتتحققوا من معنى هذا الحديث الصحيح: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) فلا تقعون في إفراط ولا تفريط. لأن بعض الناس لجهلهم بما سيأتي ذكره عن الشيخين يحدثون محدثات ويتمسكون بها؛ لأنها دخلت في نصوص عامة، وأناس آخرون ينكرون أموراً حدثت بحجة أنها حدثت، وهي ليست بالمحدثات من الأمور، هذا التفصيل الدقيق نحن جميعاً بحاجة إليه .(2/98)
يقول شيخ الإسلام رحمه الله: إن ما يحدث بعد وفاة الرسول عليه الصلاة والسلام ينظر إليه، فإن كان ما حدث ليس له علاقة بالدين فهو من الأمور المباحة، التي يجوز للمسلم أن يعمل بها بشرط واحد: ألا تخالف نصاً من كتاب أو سنة. لأن شيخ الإسلام كجماهير العلماء الأعلام يذهبون إلى القاعدة المعروفة ألا وهي: الأصل في الأشياء الإباحة. فكل ما يحدث من المحدثات مما ليس له علاقة بالدين -أي: بالعبادة- أي: لا يفعله المسلم ويقصد به زيادة التقرب إلى الله، هو من الأمور المباحة، إلا إذا خالف نصاً من كتاب أو سنة.
إذا كان هذا الذي حدث بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم له علاقة بالدين، فينظر؛ فإن كان المقتضي للعمل بهذا المحدث قائماً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ثم هو لم يعمل به، ولاحض الناس عليه؛ فيكون العمل بهذا الأمر الحادث بدعة ضلالة، أي: إذا كان المقتضي لتشريع هذا الذي حدث بفعله عليه السلام، أو بقوله، ثم لم يشرع ذلك لا بفعله ولا بقوله، فالأخذ بهذا الأمر الحادث هو البدعة الضلالة، وهو الذي تنصب عليه الأحاديث التي تنهى عن الابتداع في الدين. مثال ذلك: الأذان لصلاة العيد، والقول: بـ(الصلاة جامعة) بالنسبة لغير صلاة العيد، كصلاة الاستسقاء، ونحو ذلك، فالأذان لصلاة العيدين باتفاق علماء المسلمين لم يكن في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فلو زين لعالم ما أن يعلن عن وقت صلاة العيد بالأذان، فهذا ما حكمه في الإسلام؟ على الرغم من أن الأذان ذكر لله عز وجل، وشعيرة من شعائر الإسلام؟ يقول شيخ الإسلام : الأذان لصلاة العيد يكون بدعة وضلالة؛ لأن كل بدعة ضلالة، ولأن هذا الأذان ذكر، وله صلة بصلاة العيد، وهي من أكبر العبادات، فإحداث هذا الأذان يكون بدعة ضلالة لا يجوز لمسلم أن يتقرب بها إلى الله عز وجل -السبب- قال: لأن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي العيدين، والمقتضي لإعلام الناس بهذا الأذان كان موجوداً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام؛ لأن الناس بحاجة إلى هذا الإعلام، فما دام أننا عرفنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام مع وجود المقتضي لتبني هذا الأذان لم يتبنه ولم يأمر به، كان الأصل إحداثه، والأخذ به بدعة ضلالة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/99)
باب في بدع الذكر
س)- ما حكم الذكر على الصورة التي يفعلها بعض أهل الطرق من التحلق والصياح في الذكر؟
حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِمَجْلِسَيْنِ فِي مَسْجِدِهِ فَقَالَ كِلَاهُمَا عَلَى خَيْرٍ وَأَحَدُهُمَا أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبِهِ أَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَدْعُونَ اللَّهَ وَيَرْغَبُونَ إِلَيْهِ فَإِنْ شَاءَ أَعْطَاهُمْ وَإِنْ شَاءَ مَنَعَهُمْ وَأَمَّا هَؤُلَاءِ فَيَتَعَلَّمُونَ الْفِقْهَ أَوْ الْعِلْمَ وَيُعَلِّمُونَ الْجَاهِلَ فَهُمْ أَفْضَلُ وَإِنَّمَا بُعِثْتُ مُعَلِّمًا) ، قد اشتهر الاحتجاج بهذا الحديث على مشروعية الذكر على الصورة التي يفعلها بعض أهل الطرق من التحلق والصياح في الذكر , والتمايل يمنة ويسرة , وأماماً وخلفاً مما هو غير مشروع باتفاق الفقهاء المتقدمين , ومع أن الحديث لا يصح , فليس فيه هذا الذي زعموه , بل غاية ما فيه جواز الاجتماع على ذكر الله تعالى , وهذا فيه أحاديث صحيحة في مسلم وغيره تغني عن هذا الحديث , وهي لا تفيد أيضاً إلا مطلق الاجتماع , أما ما يضاف إليه من التحلق , وما قرن معه من الرقص , فكله بدع وضلالات تتنزه الشرع عنها. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم11.
س)- ما حكم رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من الصلاة المكتوبة؟
أخرج الطبراني في " الدعاء " (2/1107/681) : حدثنا عبدالرحمن بن سلم (الأصل: مسلم!) الرازي :ثنا سهل بن عثمان : ثنا جُُنادة بن سلم عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن محمد بن مسلم أبي الزبير قال : سمعت عبد الله ابن الزبير يقول (كانَ يقولُ في دُبُرِ الصَّلاةِ إذا سلَّم قبْلَ أنْ يقومَ، يرفعُ بذلكَ صوتَه:
لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ لَهُ، لَهُ الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٌ ، ولا حولَ ولا قوةَ إلا بالله، لا إلهَ إلا اللهُ ، [و] لا نعبدُ إلا إيَّاهُ ، له النعمةُ، وله الفضلُ، وله الثناءُ الحسنُ، لا إله إلا اللهُ مخلصينَ لَهُ الدِّينَ، ولو كَرِهَ الكافِرُونَ ).
والحديث أخرجه مسلم، وأبو عوانة في "صحيحيهما" وغيرهما من طرق عن أبي الزبير به، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (1350 و 1351)، وزادوا:"وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يهلل بهنَّ دُبُرَ كل صلاة".وأخرجه كذلك ابن حبان في "صحيحه " (3/228- 229/2005- 2007).وأخرجه الشافعي في "الأم " (1/ 110)، ومن طريقه: البغوي في "شرح السنة" (3/226/716) من طريق موسى بن عقبة عن أبي الزبير به؛ وزاد الشافعي: "يقول بصوته الأعلى : لا إله إلا الله... " إلخ.وهي بمعنى زيادة مسلم(2/100)
وغيره: "يهلل.. "؛ أي : يرفع صوته.ورواه المحاملي في "الأمالي " (211/197) من طريق أخرى عن عبد الله بن الزبير بلفظ: "يصيح بذلك صياحاً عالياً "؛ وسنده ضعيف.
ويشهد لرفع الصوت- بهذا الذكر أو بغيره مما ثبت عنه - صلى الله عليه وسلم -- قول ابن عباس: إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته. رواه الشيخان وأبو عوانة وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح سنن أبي داود" (920- 921). وفي رواية لهم: "كنت أعرف انقضاء صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتكبير"
قلت: ورواية التكبير هذه لعلها رواية بالمعنى، والمحفوظ الرواية التي قبلها: " الذكر"، فإن الأ ذكار الواردة في " الصحيحين " وغيرهما من " السنن "، و"المسانيد"، و"المعاجم "، وغيرها على كثرتها، وقد استوعب الحافظ الطبراني جَمعاً غفيراً منها في "جامع أبواب القول في أدبار الصلوات " من كتابه "الدعاء" (2/1086- 1136)، وليس في شيءٍ منها أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكبِّربعد المكتوبة، حتى ولا في الأذكار التي حض أمته على أن يقولوها دبر الصلوات، اللهم إلا حديثاً واحداً في قراءة آية : ( الحمد لله الذي لم يتخذ ولداً ) الآية ، إلى قوله تعالى : ( وكبِّره تكبيراً) [ الإسراء : 111].
تفرد به الطبراني، وهو حديث منكر كما بينته في "الضعيفة" (6317).
ثم إن الأصل في الأذكار خفض الصوت فيها، كما هو المنصوص عليه في الكتاب والسنة إلا ما استثني، وبخاصة إذا كان في الرفع تشويش على مصلٍّ أو ذاكر، ولا سيما إذا كان بصوت جماعي كما يفعلون في التهليلات العشر في بعض البلاد العربية، غير مبالين بقوله - صلى الله عليه وسلم - :
"يا أيها الناس! كلكم يناجي ربَّه، فلا يجهر بعضكم على بعض بالقراءة؛ فتؤذوا المؤمنين ".
وهو حديث صحيح: رواه مالك، وأبو داود، وابن خزيمة وغيرهم، وهو مخرج في "صحيح سنن أبي داود" (1203)، وبوب له ابن خزيمة بقوله (2/190): "باب الزجر عن الجهر بالقراءة في الصلاة إذا تأذى بالجهر بعض المصلين غير الجاهر بها".ولهذا؛ قال الإمام الشافعي في "الأم " (1/ 110)- عقب حديث ابن عباس المذكور-:"وأختارُ للإمام والمأموم أن يذكر الله بعد الانصراف من الصلاة؛ ويخفيان الذكر إلا أن يكون إماماً يحب أن يُتعلَّم منه، فيجهر حتى يرى أنه قد تُعلِّم منه ثم يُسِرُّ ؛ فإن الله عز وجل يقول : ( ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها ) [ الإسراء: 110] يعني- والله تعالى أعلم-: الدعاء، (ولا تجهر): ترفع، (ولا تخافت) : حتى لا تسمع نفسك، وأحسب أن ما روى ابن الزبير من تهليل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما روى ابن عباس من تكبيره.. إنما جهر قليلاً ليتعلم الناس منه ، وذلك؛ لأن عامة الروايات التي كتبناها- مع هذا وغيرها- ليس يُذكر فيها بعد التسليم تهليل ولا تكبير، وقد يذكر أنه ذكر(2/101)
بعد الصلاة بما وصفت، ويذكر انصرافه بلا ذكر، وذكرت أم سلمة مكثه ولم يذكر جهراً، وأحسبه لم يكن إلا ليذكر ذكراً غير جهر".
قلت : وهذا غاية في التحقيق والفقه من هذا الإمام جزاه الله خيراً.
وأقول: وإذا كان من الثابت في السنة أن يجهر الإمام في الصلاة السرية أحياناً للتعليم كما في "الصحيحين " وغيرهما: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسمعهم الآية في صلاة الظهر والعصر- وهو مخرج في "صحيح أبي داود" (763)-، وكما صح عن عمر- رضي الله عنه- أنه كان يسمعهم دعاء الاستفتاح: "سبحانك اللهم... " ، قال الأسود بن يزيد : "يسمعنا ذلك ويعلمنا " - وهو مخرج في " الإرواء " (2/ 48- 49)-.
أقول: فإذا كان هذا جائزاً ؛ فبالأولى أن يَجُوزَ رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة للغاية نفسها: التعليم. وهذا ظاهر والحمد لله . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3160.
س)- هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه يدعو في صلاة؟ وهل ثبت عنه أنه كان يرفع يديه بعد الصلاة إذا دعا؟ وما حكم دعاء الإمام وتأمين المصلين عليه بعد الصلاة؟
لقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع يديه يدعو في صلاة الكسوف من حديث عبد الرحمن بن سمرة عند مسلم وغيره ، وهو مخرج عندي في " جزء صلاة الكسوف " .
وثبت أنه رفع يديه أيضا في دعائه على الذين قتلوا القراء فى صلاة الفجر بعد الركوع ، عند أحمد وغيره من حديث أنس ، وهو مخرج في " الروض النضير " .
ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه بعد الصلاة - إذا دعا .
وأما دعاء الإمام وتأمين المصلين عليه بعد الصلاة - كما هو المعتاد اليوم في كثير من البلاد الإسلامية - فبدعة لا أصل لها كما شرح ذلك الإمام الشاطبي في " الاعتصام " شرحا مفيدا جدا لا أعرف له نظيرا ، فليراجع من شاء البسط والتفصيل . انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم2544.
س)- ما حكم الحلقات التي تسمى بحلقات الذكر ؟
أخرج الدارمي (1/68-69) , و بحشل في "تاريخ واسط" (ص198- تحقيق عواد) من طريقين عن عمر بن يحيى بن عمرو بن سلمة الهمداني قال : حدثني أبي قال : حدثني أبي قال : " كنا نجلس على باب عبد(2/102)
الله بن مسعود قبل صلاة الغداة , فإذا خرج مشينا معه إلى المسجد , فجاءنا أبو موسى الأشعري , فقال : أخرج إليكم أبو عبد الرحمن بعد؟ قلنا : لا , فجلس معنا حتى خرج , فلما خرج قمنا إليه جميعا , فقال له أبو موسى : يا أبا عبد الرحمن ! إنى رأيت في المسجد آنفا أمرا أنكرته , و لم أر و الحمد لله إلا خيرا , قال : فما هو؟ فقال : إن عشت فستراه , قال : رأيت في المسجد قوما حلقا جلوسا , ينتظرون الصلاة , في كل حلقة رجل , و في أيديهم حصى , فيقول : كبروا مائة , فيكبرون مائة , فيقول هللوا مائة , فيهللون مائة , و يقول سبحوا مائة , فيسبحون مائة , قال : فماذا قلت لهم ؟ قال : ما قلت لهم شيئا انتظار رأيك , قال : أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم , و ضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم شيء؟ ثم مضى و مضينا معه , حتى أتى حلقة من تلك الحلق , فوقف عليهم , فقال : ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا : يا أبا عبد الرحمن ! حصى نعد به التكبير و التهليل و التسبيح , قال : فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء , و يحكم يا أمة محمد ! ما أسرع هلكتكم ! هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون , و هذه ثيابه لم تبل , و آنيته لم تكسر , والذي نفسي بيده إنكم لعلى ملة هي أهدى من ملة محمد , أو مفتتحوا باب ضلالة؟ ! قالوا والله : يا أبا عبد الرحمن ! ما أردنا إلا الخير , قال : و كم من مريد للخير لن يصيبه , إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا : (إن قوما يقرءون القرآن , لا يجاوز تراقيهم , يمرقون من الإسلام كما يمرق السهم من الرمية) , وايم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم ! ثم تولى عنهم , فقال عمرو بن سلمة : فرأينا عامة أولئك الحلق يطاعنونا يوم النهروان مع الخوارج "
في هذا الحديث عبرة لأصحاب الطرق و حلقات الذكر على خلاف السنة , فإن هؤلاء إذا أنكر عليهم منكر ما هم فيه اتهموه بإنكار الذكر من أصله ! و هذا كفر لا يقع فيه مسلم في الدنيا , و إنما المنكر ما ألصق به من الهيئات و التجمعات التي لم تكون مشروعة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم , و إلا فما الذي أنكره ابن مسعود رضي الله عنه على أصحاب تلك الحلقات؟ ليس هو إلا هذا التجمع في يوم معين , و الذكر بعدد لم يرد , و إنما يحصره الشيخ صاحب الحلقة , و يأمرهم به من عند نفسه , و كأنه مشرع عن الله تعالى ! (أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله). زد على ذلك أن السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وسلم فعلا و قولا إنما هي التسبيح بالأنامل , كما هو مبين في "الرد على الحبشي" , و في غيره. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2005.(2/103)
س )- هل في حديث (نعم المذكّر السبحة) دليل على استحباب التسبيح بالسبحة؟
حديث "نعم المذكّر السبحة" حديث موضوع : ثم إن الحديث من حيث معناه باطل عندي لأمور :
الأول: أن السبحة بدعة لم تكن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إنما حدثت بعده صلى الله عليه وسلم فكيف يعقل أن يحض صلى الله عليه وسلم أصحابه على أمر لا يعرفونه ؟ والدليل على ما ذكرت ما روى ابن وضاح في " البدع والنهي عنها عن الصلت بن بهرام قال : مر ابن مسعود بامرأة معها تسبيح تسبح به فقطعه وألقاه ، ثم مر برجل يسبح بحصا فضربه برجله ثم قال : لقد سَبقتم ، ركبتم بدعة ظلما ، ولقد غلبتم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم علما ، وسنده صحيح إلى الصلت ، وهو ثقة من اتباع التابعين .
الثاني : أنه مخالف لهديه صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن عمرو: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه. وقال الألباني أيضا (1/117) : ولو لم يكن في السبحة إلا سيئة واحدة وهي أنها قضت على سنة العد بالأصابع أو كادت مع اتفاقهم على أنها أفضل لكفى فإني قلما أرى شيخا يعقد التسبيح بالأنامل!
ثم إن الناس قد تفننوا في الابتداع بهذه البدعة ، فترى بعض المنتمين لإحدى الطرق يطوق عنقه بالسبحة ! وبعضهم يعدُّ بها وهو يحدثك أو يستمع لحديثك ! وآخِر ما وقعت عيني عليه من ذلك منذ أيام أنني رأيت رجلا على دراجة عادية يسير بها في بعض الطرق المزدحمة بالناس وفي إحدى يديه سبحة ! يتظاهرون للناس بأنهم لا يغفلون عن ذكر الله طرفة عين وكثيرا ما تكون هذه البدعة سببا لإضاعة ما هو واجب فقد اتفق لي مرارا - وكذا لغيري - أنني سلمت على أحدهم فرد عليّ السلام بالتلويح دون أن يتلفظ بالسلام ومفاسد هذه البدعة لا تحصى فما أحسن ما قال الشاعر:وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم (1/110(.(2/104)
باب في بدع تلاوت القرآن
س)- هل تثليث قراءة (قل هو الله أحد) تعدل قراءة القرآن ؟
جاء عن أحمد بن الحارث الغساني قال : حدثتنا ساكنة بنت الجعد قالت : سمعت رجاء الغنوي يقول : قال رسول الله صلي الله عليه وسلم : (من قرأ "قل هو الله أحد" ثلاث مرات ؛ فكأنما قرأ القرآن أجمع ) ضعيف جدا.
وعن محمد بن علي بن الوليد السلمي : حدثنا محمد بن عبد الأعلى : حدثنا معتمر بن سليمان عن داود بن أبي هند عن الشعبي عن ابن عمر مرفوعاً بلفظ :"من قرأ (قل هو الله أحد) ؛ فكأنما قرأ ثلث القرآن ، ومن قرأ (قل هو الله أحد) مرتين ؛ فكأنما قرأ ثلثي القرآن ، ومن قرأ (قل هو الله أحد) ثلاث مرات ؛ فكأنما قرأ جميع ما أنزل الله عز وجل" .
قلت : وهذا إسناد ضعيف جداً ؛ آفته السلمي هذا ؛ قال الإسماعيلي :"بصري منكر الحديث" .
وساق له البيهقي حديث الضب بإسناد نظيف ، ثم قال : "الحمل فيه على السلمي هذا" . قال الذهبي :
"صدق - والله - البيهقي ؛ فإنه خبر باطل" .
وعن أحمد بن القاسم الأكفاني : حدثنا إبراهيم ابن إسحاق عن عمرو بن ثابت عن سماك بن حرب الضبي عن النعمان بن بشير مرفوعاً مثله ؛ إلا أنه قال : "فكأنما قرأ القرآن ارتجالاً" .
قلت : وهذا ضعيف أيضاً .
وعن عبيس بن ميمون : أخبرنا يزيد الرقاشي عن أنس مرفوعاً بلفظ : "أما يستطيع أحدكم أن يقرأ في الليلة (قل هو الله أحد) ؟! فإنها تعدل القرآن كله" .ويزيد الرقاشي ضعيف ، وعبيس بن ميمون مثله في الضعف أو أشد ؛ فقد قال أحمد والبخاري :"منكر الحديث" . وقال الفلاس :"متروك" . وقال ابن حبان : "يروي عن الثقات الموضوعات توهماً" .
وعن سعيد بن أبي عروبة عن يزيد الرقاشي به ؛ إلا أنه قال : " ... (قل هو الله أحد) ثلاث مرات في ليلة ؛ فإنها تعدل ثلث القرآن" .قلت : هكذا وقع هنا : " ... سعيد بن أبي عروبة عن يزيد الرقاشي" !
وقد ذكره الهيثمي في "المجمع" (7/ 147) من رواية أبي يعلى باللفظين المذكورين ، وقال في كل منهما :"وفيه عبيس بن ميمون ، وهو متروك" .
فلعله سقط ذكره من إسناد اللفظ الثاني من نسختنا من "أبي يعلى" ؛ فإنها نسخة سيئة .(2/105)
ثم إن الرقاشي - أو الراوي عنه - قد اضطرب في متنه كما ترى ؛ ففي اللفظ الأول جعل قراءة (قل هو الله أحد) مرة تعدل القرآن كله . وعكس ذلك في اللفظ الآخر ، فجعل قراءتها ثلاثاً تعدل ثلث القرآن !!
قد عرفت مما سبق أن طرق الحديث ضعيفة كلها ، بل هي شديدة الضعف ؛ بحيث لا يمكن أن يقال : إن بعضها يقوي بعضاً ، لا سيما والمحفوظ في الأحاديث الصحيحة : "(قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن" ؛ دون تثليث قراءتها ، فلا أدري كيف جزم شيخ الإسلام ابن تيمية بأنه لفظ من ألفاظ الحديث - يعني : الصحيح - ؟! انظر كتابه : "جواب أهل الإيمان في أن (قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن" ، وهو مطبوع في مصر والشام وغيرها ، وهو في أول المجلد السابع عشر من "مجموعة الفتاوى" . انتهى كلام الألباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم4634.
س)- هل صح في فضل قراءة سورة الاخلاص ألف مرة حديث صحيح ؟
روا ابن عساكر (5/149/1) عن محمد بن مروان عن أبان بنأبي عياش عن أنس بن مالك مرفوعا (من قرأ : (قل هو الله أحد) مرة بورك عليه ، فإن قرأها مرتين بورك عليه وعلى أهله ، فإن قرأها ثلاثا بورك عليه وعلى أهله وعلى جيرانه ، وإن قرأها اثنتي عشرة مرة بنى الله له بها اثني عشر قصرا في الجنة وتقول الحفظة : انطلقوا بنا ننظر إلى قصور أخينا ، فإن قرأها مئة مرة كفر عنه ذنوب خمس وعشرين سنة ؛ ما خلا الدماء والأموال ، فإن قرأها مئتي مرة كفر عنه ذنوب خمسين سنة ؛ ما خلا الدماء والأموال ، وإن قرأها ثلاث مئة مرة كتب له أجر اربع مئة شهيد كل قد عقر جواده وأهريق دمه ، وأن قرأها ألف مرة لم يمت حتى يرى مكانه من الجنة أو يرى له). هو حديث موضوع ولا أعلم في فضل قراءة (قل هو أحد) ألف مرة حديثا ثابتا ، بل كل ما روي فيه واه جدا ، وقد وجدت في جزء " فضائل سورة الإخلاص " للحافظ أبي محمد الخلال حديثين لا بأس بذكرهما :
"من قرأ (قل هو الله أحد) ألف مرة كان أحب إلى الله عز وجل من ألف فرس ملجمة مسرجة في سيبل الله".
أخرجه الخلال (ق 195/2) : حدثنا أبو محمد عبد الله بن عثمان الصفار : حدثنا أحمد بن محمد المكي : حدثنا محمد بن يوسف بن أخي حجاج بن الشاعر : حدثنا يزيد بن هارون عن حميد عن أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فذكره .
قلت : وهذا إسناد مظلم ؛ أحمد بن محمد المكي لم أعرفه ، وكذا محمد بن يوسف ، فأحدهما آفته ، فإن من فوقهما من رجال الشيخين ، والصفار ثقة كما قال الخطيب (10/40).
والحديث الآخر بلفظ :(2/106)
" من قرا : (قل هو الله أحد) إحدى وعشرين ألف مرة ، فقد اشترى نفسه من الله عز وجل ، وهو من خاصة الله عز وجل".
أخرجه الخلال (199/2) عن دينار قال : سمهت مولاي أنس بن مالك يقول : فذكره مرفوعا.
ودينار هذا تالف متهم ؛ قال ابن حبان :"يروي عن أنس أشياء موضوعة". وقد أورده السيوطي في " الجامع "من رواية الخياري في "فوائده" عن حذيفة مرفوعا به دون قوله : "وهو من خاصة الله عز وجل" وقال : "ألف مرة" . ولم يتكلم عليه المناوي بشيء . انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم2812.
س)- ما معنى التعرب المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم: (اجتنبوا الكبائر السبع ......... و التعرب بعد الهجرة).؟
(التعرب بعد الهجرة) , قال ابن الأثير في "النهاية" : " هو أن يعود إلى البادية , و يقيم مع الأعراب بعد أن كان مهاجرا . و كان من رجع بعد الهجرة إلى موضعه من غير عذر يعدونه كالمرتد " .
قلت : و نحوه : (التغرب) : السفر إلى بلاد الغرب و الكفر , من البلاد الإسلامية إلا لضرورة و قد سمى بعضهم بـ(الهجرة) ! و هو من القلب للحقائق الشرعية الذي ابتلينا به في هذا العصر , فإن (الهجرة) إنما تكون من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام . و الله هو المستعان. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2244.
س)- حكم استعمال مكبر الصوت دون حاجة؟
ولا يجوز استعمال مكبر الصوت حينما لا يكون هناك حاجة له، كالمؤذن الذي يستعمل مكبر الصوت في القرية الصغيرة التي يكون سكانها -مثلاً- عشرة بيوت أو نحو ذلك؛ لأن الصوت الطبيعي يسمعهم، ولكن إذا كان الجمع غفيراً خاصة في مواسم الحج ونحو ذلك، فاستعمال هذه الآلة حينئذ أمر واجب؛ لأنه ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وليس من محدثات الأمور؛ لأن هذا الذي حدث نحن لا نريد أن نتقرب بذاته إلى الله، وإنما نريد أن نحقق هدفاً لا يمكننا أن نحققه بالأمور الطبيعية التي مكننا الله عز وجل منها، منذ خلق البشر. فاستعمال مكبر الصوت من الأمور المحدثات، ولكن لا يشملها: (وإياكم ومحدثات الأمور) لماذا؟ أولاً: لأنه لا يقصد به زيادة التقرب إلى الله. ثانياً: لأن هذا السبب الذي حدث ليس بسبب تقصيرنا نحن، كما ضربنا مثلاً بتقصير الإمام في تبليغ صوته للمقتدين، ويعتمد في ذلك على مبلغ الصوت، أو مكبر الصوت. هذه أمثلة حساسة ودقيقة تحفظ المسلم من أن يميل يميناً أو يساراً، وتحفظه من أن ينكر وسيلة حدثت ليس لها علاقة بزيادة التقرب إلى الله عز وجل أولاً، ثم إن حدوثها ليس هو بسبب تقصيرنا(2/107)
نحن في القيام بما شرع الله عز وجل لنا. لكن في كثير من الأحيان لاستعمال هذا المكبر، ولتحقيق الغرض الشرعي وهو التسميع، كثيراً ما نضيع أموراً مشروعة، ففي هذه الحالة لا يجوز اتخاذ هذه الوسيلة، وهذا مما حدث اليوم وعم وطم جميع المساجد إلا ما شاء الله. من المتفق عليه -في علمي- عند العلماء أن الأذان في داخل المسجد -أيضاً- من البدع غير المشروعة؛ لأن الأذان في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن -حتى يوم الجمعة- إلا على ظهر المسجد، وفوق باب المسجد؛ ذلك لأن الله عز وجل فارق بين الغاية من الأذان والغاية من الإقامة، فالمقصود بالأذان تبليغ الناس الذين هم خارج المسجد، والمقصود بالإقامة تبليغ من كان في المسجد ليقوم إلى الصلاة، ويصطف مع إخوانه المسلمين، فحينما نؤذن في المسجد تكون قد عكسنا السنة، وعكسنا في الوقت نفسه الغاية من الأذان، فالمقصود من الأذان هو: تبليغ من كان خارج المسجد. قد يقول قائل: هذا المقصود حصل الآن بمكبر الصوت.. وهذا هو السبب حتى تتابع المسلمون في استعمال مكبر الصوت، وترك الشعيرة الإسلامية وهو الأذان على ظهر المسجد، أو ما يشبه ذلك من منارة متواضعة؛ لأنهم ظنوا أن الغرض فقط من الأذان هو التبليغ، وهذا التبليغ حصل بمكبر الصوت بصورة أوسع بكثير، لكننا نقول: إن الأذان عبادة وشعيرة إسلامية عظيمة، فلا بد على المؤذن من أمرين: أولاً: يجب أن يظهر بشخصه. وثانياً: أن يتعاطى السنن المتعلقة بالأذان، كالالتفات عند قول: حي على الصلاة، وحي على الفلاح. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يعتبرجمع أبي بكر للقرآن الكريم بدعة حسنة؟
جمع القرآن واجب وليس بدعة، وإن قالوا: إنها بدعة، فيجب أن يستعملوا هذا اللفظ بالمعنى اللغوي، ولا يقولون: البدعة في الشرع تنقسم إلى أقسام خمسة: منها البدعة الواجبة الفريضة. فجمع القرآن كان من الصحابة لأسباب: منها ظاهر لكثير من الناس، ومنها ما يظهر لبعض المتدبرين للقرآن.. الأمر الأول الظاهر هو القاعدة المتفق عليها بين العلماء: (ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب). وأنتم تعرفون السبب الذي حمل الصحابة يومئذٍ على جمع القرآن؛ وهو مجيء من يخبرهم بأنه قد قتل في يوم واحد سبعون قارئاً من قراء الصحابة، فخشوا من أن يستحر القتل ويشتد في القرَّاء؛ فيذهب القرآن الذي كان محفوظاً في صدورهم بذهابهم وموتهم. لذلك بادر أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر إلى جمع القرآن، وهذا يؤكد هذه القاعدة المعروفة عند علماء الأصول: (ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب). فالمحافظة على القرآن أمر واجب، فإذا لم يبادروا إلى جمعه -كما فعلوا- يكونون عندها قد ساعدوا على إضاعة الواجب؛ فيكونون مسئولين، وهذا هو الأمر الظاهر، ولكن هناك أمر يظهر لبعض المتأملين في بعض نصوص القرآن الكريم، من ذلك قول رب العالمين في أول سورة البقرة: (الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى(2/108)
لِلْمُتَّقِينَ) [البقرة:1-2] (ذلك الكتاب) فالله عز وجل أشار في هذه الآية إلى أن هذا القرآن كتاب، وهو حينما كان مبعثراً في الصحف، والرقاع، والعظام، ونحو ذلك؛ لا يطلق عليه حين ذاك أنه كتاب، فهو أشار إلى أنه ينبغي أن يكون هذا القرآن محفوظاً ومسجلاً في كتاب، وهذا ما فعله الصحابة الكرام، فلا يصح أن يطلق على جمع القرآن أنه بدعة، وأنه أول بدعة ظهرت في الإسلام، فهذا خطأ فاحش وكبير جداً، وأنا أقرب لكم هذا بمثال لعله أوضح من هذا، أي: إنه أمر حدث بعد الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن لا يصح أن نسميه بدعة إطلاقاً؛ لأن حدوثه كان بإذن من الشارع الحكيم. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- إخراج عمر رضي الله عنه لليهود من خيبر بعد وفاة الرسول صلى لله عليه وسلم هل يعتبر بدعة محدثة من عمر؟
تعلمون أنه جاء في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح خيبر عنوة أعطاها لليهود على أن يعملوا فيها، فيكون لهم النصف وللرسول صلى الله عليه وسلم النصف، واتفق هو وإياهم على أنه أقرهم فيها، قال: (نقركم فيها ما نشاء) هذا كان من شروط الاتفاق على أن يبقى اليهود في خيبر يعملون في نخيلها، وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم واليهود في خيبر، وجاء أبو بكر وتوفي واليهود في خيبر، وجاءت خلافة عمر، ومضى ما شاء الله من خلافته وهم في خيبر، ثم بدا لعمر أن يخرجهم فأخرجهم طرداً، وأذن لهم أن يأخذوا ما خف من حوائجهم، هذا الإخراج -كما ترون- وقع بعد الرسول صلى الله عليه وسلم وبعد أبي بكر، فهل هذه بدعة في الدين؟ الجواب: لا. لم؟ لسببين اثنين: ذكرت الأول منهما: وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (نقركم فيها ما نشاء)، فهذه المشيئة انتهت حينما رأى الخليفة الراشد عمر بن الخطاب أن يخرجهم. والأمر الثاني: قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب )، فإذاً عمر عندما أخرج اليهود من خيبر، إنما نفذ طرفاً من هذا الأمر النبوي: (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب )، فالذي نفذ طرفاً من أمر الرسول أيكون قد أحدث في الدين؟ حاشا لله رب العالمين! ليس هناك إحداث، وإنما هو في الواقع شيء جديد، ما كان في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم؛ ولكن هذا الذي جد له دليله من السنة، كما رأيتم في الحديث في صحيح البخاري، وفي الحديث الآخر: (أخرجوا اليهود من جزيرة العرب ) وكان هذا مما وصى به الرسول صلى الله عليه وسلم أمته وهو في مرض موته. إذاً: فإخراج عمر لليهود من جزيرة العرب لا يصح أن يقال: إنه بدعة، حتى ولو بعبارة بدعة حسنة، عند من يقول بتقسيم البدعة إلى خمسة أقسام؛ لأنه نفذ أمراً نبوياً، وهذا واجب وليس بدعة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/109)
س)- ما حكم جمع الناس لصلاة التراويح في خلافة عمر؟
من هذا القبيل ما يكثر إيراده من القائلين بالتقسيم للبدعة إلى حسنة وسيئة: صلاة عمر بن الخطاب، أو أمر عمر بن الخطاب أُبي بن كعب أن يصلي بالناس إماماً في صلاة التراويح، وقول عمر بن الخطاب في هذه المناسبة: [نعمت البدعة هذه] يحتجون -أيضاً- بهذه الحادثة على أن هناك في الإسلام بدعة حسنة، والجواب هو عين الجواب عن إخراج عمر لليهود من جزيرة العرب، فعمر لم يبتدع شيئاً في الإسلام إطلاقاً، وإنما نفذ أمراً قديماً. كذلك لما صلى، أو أمر أُبي بن كعب أن يصلي بالناس إماماً، لم يأت بشيء جديد؛ لأن هذه الإمامة شرعها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه في الليالي الثلاث التي قرأتموها في صحيح البخاري، ثم ترك ذلك عليه الصلاة والسلام لعلة: (إني خشيت أن تكتب عليكم)، ثم زالت هذه العلة بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، حيث أتم الله عز وجل الدين، فلم يبق هناك مجال لتشريع أحكام جديدة، ومن أجل زوال العلة رجع عمر بن الخطاب فأحيا تلك السنة، لا سيما وهناك حديث من قوله عليه الصلاة والسلام، وهو رد على بعض الناس الذين يرون -على الرغم من زوال تلك العلة- أن صلاة التراويح في البيوت أفضل من صلاتها في المساجد، فهو خطأ وغفلة من هؤلاء عن شيئين اثنين: الشيء الأول: أن العلة زالت؛ ولذلك رجع عمر إلى إحياء هذه السنة. والشيء الآخر: هو أنه جاء في سنن أبي داود حديث بإسناد صحيح، أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (من صلى العشاء في رمضان وراء الإمام، ثم صلى خلفه صلاة القيام، كتب له قيام ليلة)، فهذا تشريع من الرسول من قوله يحض المسلمين على أن يصلوا صلاة التراويح مع الإمام، فما الذي فعله عمر بن الخطاب؟ أحيا سنة فعليه، وسنة قولية، كل منهما يؤيد الأخرى، إذاً ما أحدث عمر بن الخطاب شيئاً في الدين، وإنما أحيا سنة من سنن سيد المرسلين. لكن يرد السؤال التقليدي: إذاً لم قال عمر بن الخطاب: [نعمت البدعة هذه]؟ نقول: عمر أطلق البدعة على هذا التجميع باعتبار ما كان الأمر عليه، ما بين ترك الرسول عليه الصلاة والسلام لصلاة الجماعة في التراويح، وإحيائه هو إياها، فكانت هذه السنة متروكة، فهو سماها بدعة؛ لأنها حدثت بعد أن لم تكن في هذا الزمن المحصور؛ بهذا الاعتبار قال: [نعمت البدعة هذه]. خلاصة القول: لا يجوز أن ننسب إلى الدين ما ليس منه إلا بدليل شرعي -كما سمعتم- بالنسبة لإخراج اليهود، وبالنسبة لتجميع عمر الناس على صلاة التراويح، ولا يجوز إنكار بعض المحدثات ما دام ليس سبب إحداثها هو تقصير منا، وفي الوقت نفسه هذا الذي حدث يؤيد حكماً شرعياً منصوصاً عليه، كمكبر الصوت. إذا عرفنا هذين الأمرين نجونا من الإفراط والتفريط، الإفراط: هو إضاعة مثل هذه الوسيلة بحجة أنها محدثة، وهي ليست محدثة في الدين، ولا تعارض الدين، بل تؤيد غرضاً من أغراض الدين، وحكمة من حكم التشريع، ولا يجوز أن ندخل في الدين أشياء بقصد زيادة التقرب إلى الله، فهذه الزيادة ممنوعة؛ للأحاديث الكثيرة التي تعرفونها في الذم عن(2/110)
الابتداع في الدين، ومن أخطرها قول الرسول عليه الصلاة والسلام: (أبى الله عز وجل أن يقبل من صاحب بدعة توبة). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما دام أن العلة انتفت بموت الرسول، فلم لم تحي هذه السنة في خلافة أبي بكر، أو في صدر خلافة عمر؟
أقول لك: أولاً: هذا السؤال إيراده ليس له علاقة بالموضوع من حيث فهمه هل هو صواب أو خطأ، والجواب عليه كذلك لا علاقة له بالموضوع، لم؟ لأن الأهم من ذلك أن تعلم هل الذي صنعه عمر هو بدعة في الدين، أم إحياء لسنة من سنن الرسول عليه الصلاة والسلام؟ فإذا عرفنا بالأدلة السابقة وغيرها أنه لم يبتدع في الدين -وحاشاه- وإنما أحيا سنة من سنن الرسول عليه السلام، فما الذي يهمنا في أن نعرف السبب الذي من أجله لم يحي أبو بكر الصديق هذه السنة، والسبب الذي من أجله لم يحي عمر هذه السنة في أول خلافته، ما الذي يضرنا؟ كثير من العلم يكون الجهل به مثل العلم به -أي: من نافلة القول- ومع ذلك فأهل العلم يجيبون أن الذي منعهم هو اشتغال أبي بكر بحروب الردة، وأنه كان في ذهنه يحمل هماً كبيراً وخطيراً جداً، إذ كان يخشى أن يقضى على الإسلام من هؤلاء المرتدين، فهذا أمر خطير وخطير جداً أخذ كل تفكيره وكل اهتمامه فصرفه إلى رد هذه الضلالة الكبرى التي حدثت، ولم يعد عنده مجال ليفكر في أن يحيي هذه السنة. بخلاف عمر بن الخطاب الذي بدأت الأمور تهدأ في خلافته، فأحيا هذه السنة، ومن هنا يظهر لك أنه ليس من المهم أن نعرف السبب -على أن هذا السبب ممكن أن يكون كذلك- المهم أن نعرف هل الذي فعله مشروع، أم ليس بمشروع؟ السائل: لم لم يفعل ذلك ثلاثة أيام كما فعل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ الشيخ: هذا القول لا يصح؛ لأن الرسول فعل ثلاثة أيام لعلة، ونحن ذكرناها، فهناك -يا أخي!- فقه وقواعد أصولية، يقول أهل العلم: الحكم يدور مع العلة وجوداً وعدماً. ما معنى هذا؟ مثال يفهمه كل الناس: ما علة تحريم الخمر؟ الإسكار، فإذا ذهب الإسكار من الخمر لسبب ما كالتخلل مثلاً، تغير الحكم، كان خمراً محرماً؛ لأنه مسكر، فلما انقلب خلاً خرج عن كونه خمراً مسكراً فصار شيئاً آخر، والخل مباح كما هو معلوم لدينا جميعاً. كيف اختلف هذا عن هذا؟ بوجود العلة، وزوال العلة، ما دامت العلة موجودة في الخمر وهي الإسكار؛ فهو حرام، وإذا زالت هذه العلة؛ خرجت من كونها حراماً وصارت حلالاً. الدابة الميتة، إذا مرت عليها عوامل من العوامل التي خلقها الله في كونه، ومنها الشمس، والأمطار، والرياح، فانقلبت بهذه العوامل الإلهية- هذه الدابة الميتة- ملحاً، يصبح هذا الحيوان الذي كان أكله محرماً حلالاً، بعد أن انقلب إلى شيء آخر؛ إلى ملح. ولذلك تقول بعض المذاهب: إن التحول من جملة الأشياء المطهرة، كالأرض -مثلاً- التي يقع فيها نجاسة إذا تبخر ما فيها من نجاسة وذهب طهرت(2/111)
الأرض. كثير من المسائل من هذا القبيل تقوم على هذه الملاحظة، وهي وجود العلة أو زوالها، فالرسول صلى الله عليه وسلم لما وحصبوا بابه وخرج مغضباً قال: (عمداً تركته، إنه لم يخف عليَّ مكانكم هذا، إني خشيت أن تكتب عليكم) إذاً هذه الخشية زالت بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم، ولم يبق هناك مجال للإتيان بأحكام جديدة، هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى: جئتك بالحديث القولي: (من صلى العشاء مع الإمام، ثم صلى قيام رمضان معه كتب له قيام ليلة) ما قال: في ثلاث ليالٍ، بل جعله شرعاً أبدياً إلى يوم القيامة، ولذلك ما دام أن العلة السابقة زالت، وما دام أن هذا الحديث موجود وهو صحيح كما قلت، فلا يجوز لنا أن نقول: إن عمر ابتدع في الدين، وشرع للناس، وأصبحت هذه الشريعة مستمرة إلى يوم القيامة، هذا من أفحش الأخطاء التي قد يبتلى بها بعض الناس؛ لأنه أولاً: يلزم تعطيل قول الرسول: (إني خشيت أن تكتب عليكم)، بينما هذا تحته توجيه كريم: أنه إذا زالت الخشية بوفاتي فلا مانع أن ترجعوا إلى هذه الصلاة، بدليل: أن قصة إحياء عمر لهذه السنة قد جاء فيها: أن عمر بن الخطاب حسب عادته كان يطوف في المسجد، فيجد الناس يصلونها زرافات وأفراداً، جماعة هنا.. وجماعة هنا، إذاً هم يصلون جماعة، لكن جماعات متفرقة، وما صلوا في البيوت؛ لأنهم علموا أن أمر الرسول عليه الصلاة والسلام بالصلاة في البيوت هو لهذه الخشية، فما دام أن الرسول عليه الصلاة والسلام توفي، فقد زالت الخشية؛ لذلك كانوا يصلون في المسجد، ولكن ليس وراء إمام واحد، فلما جمعهم عمر بن الخطاب وراء إمام واحد؛ فهو إنما أحيا السنة التي بدأها الرسول صلى الله عليه وسلم في تلك الليالي الثلاث، ولكن علل الترك بهذه الخشية، فلما زالت الخشية زال حكم الترك، وأكد ذلك بالحض على الصلاة وراء الإمام صلاة القيام، حتى يكتب لهذا الذي قام وراء الإمام كأنه قام الليل كله، فإذاً عمر لم يبتدع في الدين، وحاشاه أن يفعل ذلك، ثم هل هو يبتدع ولا أحد ينكر عليه، والناس يتابعونه حتى يومنا هذا؟ هذا أبعد ما يكون عن الصواب. إذاً: لا يجوز أن نقول بأن تجميع عمر بن الخطاب المسلمين من الصحابة الكرام والتابعين على أبي بن كعب إحداث في الدين، ثم يسكت الصحابة، وأبي بن كعب معهم، ويأتمر بأمره، ويعتقد -كما قد يقال- أنه بدعة، ولا أحد يقول له أو يلفت نظره، هذا أمر مستحيل! لذلك الصواب القول: بأن التجميع في رمضان سنة تركها الرسول لعلة، والعلة زالت، وبزوال العلة يزول المعلول وهو حكم الترك، زال هذا بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم. والقول: بأن السنة فقط ثلاثة أيام، هذا لا يقوله عالم في الدنيا إطلاقاً، بمعنى أنه في كل رمضان يقوم الواحد ويصلي ثلاثة أيام في المسجد فقط، وبعد ذلك يصلي في البيت، هذا لا أحد يقوله. السائل: لماذا -بارك الله فيك- عمر لم يصلِّ بالقوم، ولا صلى وراءهم، ولكنه استمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى مع الإمام صلاة العشاء، ثم أقام معه وصلى خلف الإمام صلاة القيام كتب له قيام ليلة)، فعمر رضي الله عنه أقام مع أبي بن كعب، ولا صلى بهم هو، وما جمع القوم إلا لما رآهم مختلفين، كما رأى رسول الله صلى الله(2/112)
عليه وسلم الناس يجتمعون فخشي أن تفرض عليهم، فعمر رضي الله تعالى عنه لما رأى القوم قد اختلفوا في الصلاة فأناس يصلون هنا، وأناس يصلون هنا؛ جمعهم لهذه العلة ولكن لم يصل معهم، ولم يصل بهم، ما أتى أمر الرسول فصلى مع الإمام حتى يكتب له الأجر، ولم يصل بالقوم. الشيخ: عمر لم يصلِّ؛ لأنه يتحسس أحوال المسلمين، ويفتش عن أمورهم، فما هو فيه أفضل من أن يشارك الناس في هذه الصلاة، المهم أن هذه الصلاة التي أحياها عمر ليست بدعة، ولا يجوز لمسلم أن يسميها بدعة، حتى لو أطلق عليها أنها بدعة حسنة، فكيف نقول بأن هذه بدعة ضلالة؟! وعمر بن الخطاب أمر بها والصحابة استجابوا لها، وعمل المسلمون بها حتى يومنا هذا، (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيراً) [النساء:115] . دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- في هذه الأيام زادت الركعات التي تصلى عن صلاة الرسول التي صلاها وهي إحدى عشرة ركعة، ثم بعد ذلك لم يحسنون الصلاة فيها، فما حكم ذلك؟
هذا خلاف السنة، فما لنا ولهذا؟ الرسول صلى الله عليه وسلم ما زاد في رمضان عن إحدى عشرة ركعة، وعمر بن الخطاب أمر أبي بن كعب أن يصلي بالناس إحدى عشرة ركعة، هذا ليس فيه كلام، فالسنة لا نحيد عنها، أما أن نقول: إن عمر ابتدع، وهذه بدعة ضلالة، بل أن نقول: ابتدع وهذه بدعة حسنة، هذا خطأ، ولكن (حنانيك بعض الشر أهون من بعض) الذي يقول: هذه بدعة حسنة، شره أقل ممن يقول: هذه بدعة ضلالة ابتدعها عمر بن الخطاب -حاشاه من هذا ومن هذا- وإنما هو أحيا سنة، فينطبق عليه قوله عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، دون أن ينقص من أجورهم شيء) هذا ينطبق تماماً على ما فعله عمر بن الخطاب، وهو الذي أردت أن ألفت النظر إليه؛ حتى لا نقع -كما قلنا- في الإفراط والتفريط. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما الفرق بين البدعة في الدين، والبدعة في أمور الدنيا؟
أن بعض الناس ينكرون -ممن لم يعتادوا- الأكل بالملعقة؛ فهذه ليس لها علاقة بالدين، لماذا تنكر؟ رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكل بالملعقة صحيح، ورسول الله ما ركب السيارة، ولا الطيارة .. إلخ، فهل يقول الإنسان: إن هذه بدعة؟ البدعة تكون في الدين، أما أن تأكل بالملعقة، أو تركب الطيارة ولا تركب الدابة،(2/113)
وما شابه ذلك، فهذه كلها من أمور الدنيا، وقد تساعدنا أيضاً -كما قلنا- مثل هذه الوسيلة على القيام ببعض الواجبات التي ربما لا نستطيع أن نقوم بها في هذا الزمان بدونها. المهم يجب أن نفرق بين البدعة في الدين، والبدعة في الدنيا .. ونلخص هذا الموضوع الطويل بالآتي: البدعة تنقسم -أي: الشيء الذي حدث- إلى قسمين: إما أن يكون لها علاقة بالدين، أو يكون لها علاقة بالدنيا. فإذا كان لها علاقة بالدين ويقصد بها زيادة التقرب إلى الله؛ فهذه بدعة ضلالة قولاً واحداً، وإذا كان لا يقصد بها زيادة التقرب إلى الله، وإنما تستعمل كوسيلة لتحقيق حكمة أو علة شرعها الله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام، فحينئذٍ ننظر: إن كان السبب المقتضي للأخذ بهذا الأمر الذي حدث كان قائماً في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، فالأخذ بهذا الأمر الذي حدث لا يجوز؛ لأنه لو كان جائزاً لأخذ به الرسول عليه الصلاة والسلام، ومثاله الأذان لصلاة العيدين، فيقال: يا أخي! سنؤذن من أجل الإعلام، فيقول: هذا كان موجوداً في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، فلماذا لم يستعمل هذه الوسيلة للإعلام؟ إذاً نحن نتبعه، ولا نحدث في الدين شيئاً، أما إذا كان المقتضي حدث -ولسنا نحن مسئولين عنه- وكان يساعد على تحقيق غرض شرعي، كهذا المكبر للصوت، فنحن لا نسميه بدعة شرعية، وإنما هو أمر جديد حدث، فما دام يحقق غرضاً شرعياً فهو مشروع، وقد يمكن أن يكون أكثر من مشروع، فالمسجلات هذه -مثلاً- إذا سجل فيها درس أو موعظة أو حديث أو تلاوة قرآن، فهي مشروعة؛ لأنها وسيلة، أما إذا سجل فيها أغاني أو ملاهي أو آلات طرب؛ فهي غير مشروعة؛ هذا لأنه من الأمور التي حدثت في الدنيا لا في الدين، هذا التفصيل يجب أن نتذكره دائماً؛ حتى لا نقع في إفراط ولا تفريط. الإفراط أن نقول: هذه لم تكن في عهد الرسول فلا نفعل بها.. يا أخي! ليس لها علاقة بالدين، مثل السيارة، والطيارة. والتفريط: أن تأتي وتحدث في الدين أشياء تريد أن تتقرب بها إلى الله عز وجل، فتنسب النقص وضعف الهمة في العبادة للسلف الصالح، الذين لم يحدثوا هذه المحدثات من الأمور الدينية. وفي هذا القدر الكفاية والحمد لله رب العالمين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/114)
فصل في المعاصي وأنواعها
س)- هل يُقتل المسلم بالكافر؟
روي عن عبد الرحمن بن البيلماني أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذمة فأمر به فضرب عنقه و قال (أنا أولى من وفى بذمته) منكر ، ويزيد الحديث ضعفا أنه معارض للحديث الصحيح , وهو قوله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر)البخاري.
وبه أخذ جمهور الأئمة , وأما الحنفية , فأخذوا بالأول على ضعفه ومعارضته للحديث الصحيح , وقد أنصف بعضهم , فرجع إلى الحديث الصحيح , فروى البيهقي , والخطيب في الفقيه عن عبدالواحد بن زياد قال (لقيت زفر , فقلت له :صرتم حديثا في الناس وضحكة , قال : وما ذلك؟ قال: قلت : تقولون في الأشياء كلها : ادرؤوا الحدود بالشبهات . وجئتم إلى أعظم الحدود , فقلتم :تقام بالشبهات قال : وما ذلك؟ قلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا يقتل مسلم بكافر) فقلتم يقتل به قال : فإني أشهدك الساعة أني قد رجعت عنه). انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم460
س)- ما حكم سب الدهر؟
(قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَقُولُ يَا خَيْبَةَ الدَّهْر [وفي رواية : يَسُبُّ الدَّهْرَ] فَلَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُمْ يَا خَيْبَةَ الدَّهْرِ فَإِنِّي أَنَا الدَّهْرُ أُقَلِّبُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ فَإِذَا شِئْتُ قَبَضْتُهُمَا).
قال المنذري : (ومعنى الحديث : أن العرب كانت إذا نزلت بأحدهم نازلة وأصابته مصيبة أو مكروه , يسب الدهر اعتقاداً منهم أن الذي أصابه فعل الدهر , كما كانت العرب تيتمطر بالأنواء وتقول : مطرنا بنوء كذا , اعتقاداً أن ذلك فعل الأنواء , فكان هذا كاللاعن للفاعل , ولا فاعل لكل شيء إلا الله تعالى خالق كل شيء وفاعله , فنهاهم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن ذلك.
وكان [محمد] بن داود ينكر رواية أهل الحديث : " وأنا الدهر " بضم الراء ويقول : لو كان كذلك كان الدهر اسماً من أسماء الله عز وجل , وكان يرويه : " وأنا الدهر أقلب الليل والنهار " بفتح راء الدهر , على النظر في معناه : أنا طول الدهر والزمان أقلب الليل والنهار , ورجح هذا بعضهم ورواية من قال : "فإن الله هو الدهر " يرد هذا , والجمهور على ضم الراء , والله أعلم".
وللحديث طريق أخرى بلفظ وهو: (لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ أَنَا الدَّهْرُ الْأَيَّامُ وَاللَّيَالِي لِي أُجَدِّدُهَا وَأُبْلِيهَا وَآتِي بِمُلُوكٍ بَعْدَ مُلُوكٍ). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم531.(2/115)
س)- ما حكم المعالجة بالطب الروحاني؟
ان معالجة بعض المتظاهرين بالصلاح للناس بما يسمونه بـ(الطب الروحاني) سواء كان ذلك على الطريقة القديمة من اتصاله بقرينه من الجن كما كانوا عليه في الجاهلية , أو بطريقة ما يسمى اليوم باستحضار الأرواح , و نحوه عندي التنويم المغناطيسي , فإن ذلك كله من الوسائل التي لا تشرع لأن مرجعها إلى الاستعانة بالجن التي كانت من أسباب ضلال المشركين كما جاء في القرآن الكريم : (و أنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا) أي خوفا و إثما .
و ادعاء بعض المبتلين بالاستعانة بهم أنهم إنما يستعينون بالصالحين منهم , دعوى كاذبة لأنهم مما لا يمكن - عادة - مخالطتهم و معاشرتهم , التي تكشف عن صلاحهم أو طلاحهم , و نحن نعلم بالتجربة أن كثيرا ممن تصاحبهم أشد المصاحبة من الإنس , يتبين لك أنهم لا يصلحون , قال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم و أولادكم عدوا لكم فاحذروهم)* هذا في الإنس الظاهر , فما بالك بالجن الذين قال الله تعالى فيهم : (إنه يراكم هو و قبيله من حيث لا ترونهم). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2760.
س)- ماذا يفعل من وسوس إليه الشيطان بقوله من خلق الله؟
لقد دلت الأحاديث الصحيحة على أنه يجب على من وسوس إليه الشيطان بقوله من خلق الله ؟ أن ينصرف عن مجادلته إلى إجابته بما جاء في الأحاديث , وخلاصتها أن يقول : (آمَنْتُ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ , الله أحد ، الله الصمد ، لم يلد ولم يولد ، ولم يكن له كفوا أحد، ثم يتفل عن يساره ثلاثا ، ويستعيذ بالله من الشيطان , ثم ينتهي عن الانسياق مع الوسوسة).
وأعتقد أن من فعل ذلك , طاعة لله ورسوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , مخلصاً في ذلك , أنه لا بد أن تذهب الوسوسة عنه , ويندحر شيطانه , لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (فَإِنَّ ذَلِكَ يُذْهِبُ عَنْهُ).
وهذا التعليم النبوي الكريم أنفع وأقطع للوسوسة من المجادلة العقلية في هذه القضية , فإن المجادلة قلما تنفع في مثلها , ومن المؤسف أن أكثر الناس في غفلة عن هذا التعليم النبوي الكريم , فتنبهوا أيها المسلمون , وتعرفوا إلى سنة نبيكم , واعملوا بها , فإن فيها شفاءكم وعزكم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم118.(2/116)
س)- هل تنفع النية الطيبة صاحبها اذا عمل العمل السيئ؟
أن النية الطيبة لا تجعل العمل السيئ صالحاً , وأن معنى الحديث المذكور إنما الأعمال الصالحة بالنيات الخالصة , لا أن الأعمال المخالفة للشريعة تنقلب إلى أعمال صالحة مشروعة بسبب اقتران النية الصالحة بها , ذلك ما لا يقوله إلا جاهل أو مغرض , ألا ترى أن رجلاً لو صلى تجاه القبر , لكان ذلك منكراً من العمل , لمخالفته للأحاديث والآثار الواردة في النهي عن استقبال القبر بالصلاة , فهل يقول عاقل : إن الذي يعود إلى الاستقبال – بعد علمه بنهي الشرع عنه – إن نيته طيبة وعمله مشروع ؟ كلا ثم كلا , فكذلك هؤلاء الذي يستغيثون بغير الله تعالى , وينسونه تعالى في حالة هم أحوج ما يكونون فيها إلى عونه ومدده , لا يعقل أن تكون نياتهم طيبة , فضلاً عن أن يكون عملهم صالحاً , وهم يصرون على هذا المنكر وهم يعلمون. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم139.
س)- ما حكم النذر؟
حديث (لَا يَأْتِي النَّذْرُ عَلَى ابْنِ آدَمَ بِشَيْءٍ لَمْ أُقَدِّرْهُ عَلَيْهِ وَلَكِنَّهُ شَيْءٌ أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ يُؤْتِينِي عَلَيْهِ مَا لَا يُؤْتِينِي عَلَى الْبُخْلِ) دل بمجموع ألفاظه أن النذر لا يشرع عقده , بل هو مكروه , وظاهر النهي في بعض طرقه أنه حرام , وقد قال به قوم , إلا أن قوله تعالى : (أَسْتَخْرِجُ بِهِ مِنْ الْبَخِيلِ) : يشعر أن الكراهة أو الحرمة خاص بنذر المجازاة أو المعاوضة , دون نذر الابتداء والتبرر , فهو قربة محضة , لأن للناذر فيه غرضاً صحيحاً , وهو أن يثاب عليه ثواب الواجب , وهو فوق ثواب التطوع , وهذا النذر هو المراد – والله أعلم – بقوله تعالى (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)الإنسان7 , دون الأول.
قال الحافظ في الفتح : (وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن قتادة في قوله تعالى (يوفون بالنذر) قال كانوا ينذرون طاعة الله من الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة ومما افترض عليهم فسماهم الله أبرارا , وهذا صريح في أن الثناء وقع في غير نذر المجازاة).
وقال قبل ذلك : (وجزم القرطبي في " المفهم " بحمل ما ورد في الأحاديث من النهي على نذر المجازاة فقال : هذا النهي محله أن يقول مثلا إن شفى الله مريضي فعلي صدقة كذا , ووجه الكراهة أنه لما وقف فعل القربة المذكور على حصول الغرض المذكور ظهر أنه لم يتمحض له نية التقرب إلى الله تعالى لما صدر منه بل سلك فيها مسلك المعاوضة , ويوضحه أنه لو لم يشف مريضه لم يتصدق بما علقه على شفائه , وهذه حالة البخيل فإنه لا يخرج من ماله شيئا إلا بعوض عاجل يزيد على ما أخرج غالبا . وهذا المعنى هو المشار إليه في الحديث بقوله " و إنما يستخرج به من البخيل ما لم يكن البخيل يخرجه " وقد ينضم إلى هذا اعتقاد جاهل يظن أن النذر يوجب حصول ذلك الغرض , أو أن الله يفعل معه ذلك الغرض لأجل ذلك النذر , وإليهما(2/117)
الإشارة بقوله في الحديث أيضا " فإن النذر لا يرد من قدر الله شيئا " والحالة الأولى تقارب الكفر والثانية خطأ صريح).
قال الحافظ : (قلت : بل تقرب من الكفر أيضا . ثم نقل القرطبي عن العلماء حمل النهي الوارد في الخبر على الكراهة وقال : الذي يظهر لي أنه على التحريم في حق من يخاف عليه ذلك الاعتقاد الفاسد فيكون إقدامه على ذلك محرما والكراهة في حق من لم يعتقد ذلك ا هـ . وهو تفصيل حسن , ويؤيده قصة ابن عمر راوي الحديث في النهي عن النذر فإنها في نذر المجازاة).
قلت : يريد بالقصة ما أخرجه الحاكم من طريق فليح بن سليمان عن سعيد بن الحارث أنه سمع عبدالله بن عمر وسأله رجل من بني كعب يقال له مسعود بن عمرو , يا أبى عبد الرحمن إن ابني كان بأرض فارس فيمن كان عند عمر بن عبيد الله , وإنه وقع بالبصرة طاعون شديد , فلما بلغني ذلك , نذرت : إن الله جاء بابني أن أمشي إلى الكعبة , فجاء مريضاً فمات , فما ترى ؟ فقال ابن عمر : أولم تنهوا عن النذر ؟ إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : ( النذر لا يقدم شيئاً ولا يؤخره , فإنما يستخرج به من البخيل) , أوف بنذرك.
وبلجملة ففي الحديث تحذير للمسلم أن يقدم على نذر المجازاة , فعلى الناس أن يعرفوا ذلك حتى لا يقعوا في النهي وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم478.
س)- ما حكم الوفاء بالنذر؟
النذر إذا كان طاعة لله , وجب الوفاء به , وأن ذلك كفارته , وقد صح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال : (مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلَا يَعْصِهِ)متفق عليه.
وأن من نذر نذراً فيه عصيان للرحمن , وإطاعة للشيطان , فلا يجوز الوفاء به , وعليه الكفارة كفارة اليمين , وإذا كان النذر مكروهاً أو مباحاً , فعليه الكفارة من باب أولى , ولعموم قوله عليه الصلاة والسلام : (كفارة النذر كفارة اليمين)أخرجه مسلم وغيره من حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه , وهو مخرج في "الإرواء".
وما ذكرنا من الأمر الأول والثاني متفق عليه بين العلماء , إلا في وجوب الكفارة في المعصية ونحوها , فالقول به مذهب الإمام أحمد وإسحاق , كما قال الترمذي , وهو مذهب الحنفية أيضاً , وهو الصواب. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 479.(2/118)
س)- هل قتل المؤمن متعمدا ، من الذنوب التي لا يغفرها الله عز وجل؟
قوله صلى الله عليه وسلم (كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَغْفِرَهُ إِلَّا مَنْ مَاتَ مُشْرِكًا أَوْ مُؤْمِنٌ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا) في ظاهره مخالف لقوله تعالى (إِنّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَآءُ) , لأن القتل دون الشرك قطعاً , فكيف لا يغفره الله ؟ وقد وفق المناوي تبعاً لغيره بحمل الحديث على ما إذا استحل , وإلا فهو تهويل وتغليظ , وخير منه قول السندي في حاشيته على النسائي : (وكأن المراد كل ذنب ترجى مغفرته ابتداء إلا قتل المؤمن فإنه لا يغفر بلا سبق عقوبة وإلا الكفر فإنه لا يغفر أصلا ولو حمل على القتل مستحلا لا يبقى المقابلة بينه وبين الكفر [يعني : لأن الاستحلال كفر , ولا فرق بين استحلال القتل أو غيره من الذنوب , إذ كل ذلك كفر] . ثم لابد من حمله على ما إذا لم يتب وإلا فالتائب من الذنب كمن لا ذنب له كيف وقد يدخل القاتل والمقتول الجنة معا كما إذا قتله وهو كافر ثم آمن وقتل). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 511.
س)- ما يجوز من الظن؟
أخرج البخاري (6067و 6068) من طريق سعيد بن عُفير- والسياق له- ويحيى بن بكير- والزيادة له- قالا: ثنا الليث عن عقيل عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة قالت (ما أظنُّ فلاناً وفلاناً يَعْرِفانِ من دِينِنا [الذي نحن عليه] شيئاً )، زاد ابن عفير:"قال الليث: كانا رجلين منافقين " .
وترجم له البخاري بقوله :
"باب ما يجوز من الظن ".
قلت: والحديث مطابق لمفهوم قوله تعالى: (إن بعض الظن إثم ) [ الحجرات/12]؛ أي: ليس كل الظن إثماً. ولهذا؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في "مجموع الفتاوى" (15/ 331):
"فهذا الحديث يقتضي جواز بعض الظن؛ كما احتج البخاري على ذلك؛ لكن مع العلم بما عليه المرء المسلم من الإيمان الوازع له عن فعل الفاحشة يجب أن يُظن به الخير دون الشر".وقد استشكل بعضهم ترجمة البخاري للحديث بما سبق؛ فقال :
"الحديث لا يطابق الترجمة؛ لأن في الترجمة إثبات الظن، وفي الحديث نفي الظن ".حكاه الحافظ في "الفتح " (10/485)، ثم رده بقوله:
"والجواب أن النفي في الحديث لظن النفي؛ لا لنفي الظن، فلا تنافي بينه وبين الترجمة. وحاصل الترجمة؛ أن مثل هذا الذي وقع في الحديث ليس من الظن المنهي عنه؛ لأنه في مقام التحذير من مثل من كان حاله كحال الرجلين، والنهي إنما هو عن الظن السوء بالمسلم المسالم في دينه وعرضه. وقد قال ابن عمر: إنا كنا إذا فقدنا الرجل في عشاء الآخرة أسأنا به الظن. ومعناه: أنه لا يغيب إلا لأمر سيئ ؛ إما في بدنه، وإما في دينه ".(2/119)
قلت: وأثر ابن عمر: أخرجه البزار (1/228/462 و463) بإسنادين عن نافع عنه ، وإسناده الثاني عنه صحيح.
ورواه الطبراني (13085) بسند واه، ويشهد له قول ابن مسعود في "صحيح مسلم " (2/124):
"..ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق ".يعني: صلاة الجماعة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3077.
س)- ما حكم الحلف بِالْأَمَانَةِ؟
قال الخطابي في (معالم السنن) تعليقاً على حديث (مَنْ حَلَفَ بِالْأَمَانَةِ فَلَيْسَ مِنَّا) : (هذا يشبه أن تكون الكراهة فيها من أجل أنه إنما أمر أن يحلف بالله وصفاته , وليست الأمانة من صفاته , وإنما هي أمر من أمره وفرض من فروضه , فنهوا عنه , لما في ذلك من التسوية بينها وبين أسماء الله عز وجل وصفاته). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 94.
س)- ما حكم السفر الى بعض الاماكن الفاضلة بقصد التبرك بها؟
لا يسافر إلي موضع من المواضع الفاضلة التي تقصد لذاتها ابتغاء بركتها وفضل العبادة إلا إلي ثلاثة مساجد. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 997.
س)- ما حكم الهجرة من بلاد الاسلام الى بلاد الكفر؟
أخرج البيهقي ( 6 / 303 و 9 / 13 ) و أحمد ( 5 / 78 ) و الخطابي في " غريب الحديث " ( 4 / 236 ) من طريق مرة بن خالد : حدثنا يزيد بن عبد الله بن الخير قال : بينا نحن بالمربد إذ أتى علينا أعرابي شعث الرأس , معه قطعة أديم أو قطعة جراب , فقلنا : كأن هذا ليس من أهل البلد , فقال : أجل , هذا كتاب كتبه لي رسول الله عليه وسلم , فقال القوم : هات , فأخذته فقرأته فإذا فيه :
بسم الله الرحمن الرحيم : هذا كتاب من محمد النبي رسول الله لبني زهير بن أقيش - قال أبو العلاء : و هم حي من عكل - : إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله و أقمتم الصلاة و آتيتم الزكاة و فارقتم المشركين و أعطيتم من الغنائم الخمس و سهم النبي صلى الله عليه وسلم , و الصفي - و ربما قال : و صفيه - فأنتم آمنون بأمان الله و أمان رسوله).
(الصفي) : ما كان صلى الله عليه وسلم يصطفيه و يختاره من عرض المغنم من فرس أو غلام أو سيف , أو ما أحب من شيء , و ذلك من رأس المغنم قبل أن يخمس , كان صلى الله عليه وسلم مخصوصا بهذه الثلاث(2/120)
(يعني المذكورة في الحديث : الخمس و السهم و الصفي ) عقبة و عوضا عن الصدقة التي حرمت عليه . قاله الخطابي .
قلت : في هذا الحديث بعض الأحكام التي تتعلق بدعوة الكفار إلى الإسلام , من ذلك : أن لهم الأمان إذا قاموا بما فرض الله عليهم , و منها : أن يفارقوا المشركين و يهاجروا إلى بلاد المسلمين . و في هذا أحاديث كثيرة , يلتقي كلها على حض من أسلم على المفارقة , كقوله صلى الله عليه وسلم : " أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين , لا تتراءى نارهما " , و في بعضها أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترط على بعضهم في البيعة أن يفارق المشرك . و في بعضها قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يقبل الله عز وجل من مشرك بعد ما أسلم عملا , أو يفارق المشركين إلى المسلمين".
إلى غير ذلك من الأحاديث , و قد خرجت بعضها في "الإرواء" (5/29-33) و فيما تقدم برقم(636).
و إن مما يؤسف له أشد الأسف أن الذين يسلمون في العصر الحاضر - مع كثرتهم و الحمد لله - لا يتجاوبون مع هذا الحكم من المفارقة , و هجرتهم إلى بلاد الإسلام , إلا القليل منهم , و أنا أعزو ذلك إلى أمرين اثنين :
الأول : تكالبهم على الدنيا , و تيسر وسائل العيش و الرفاهية في بلادهم بحكم كونهم يعيشون حياة مادية ممتعة , لا روح فيها , كما هو معلوم , فيصعب عليهم عادة أن ينتقلوا إلى بلد إسلامي قد لا تتوفر لهم فيه وسائل الحياة الكريمة في وجهة نظرهم .
و الآخر - و هو الأهم - : جهلهم بهذا الحكم , و هم في ذلك معذورون , لأنهم لم يسمعوا به من أحد من الدعاة الذين تذاع كلماتهم مترجمة ببعض اللغات الأجنبية , أو من الذين يذهبون إليهم باسم الدعوة لأن أكثرهم ليسوا فقهاء و بخاصة منهم جماعة التبليغ , بل إنهم ليزدادون لصوقا ببلادهم , حينما يرون كثيرا من المسلمين قد عكسوا الحكم بتركهم لبلادهم إلى بلاد الكفار ! فمن أين لأولئك الذين هداهم الله إلى الإسلام أن يعرفوا مثل هذا الحكم و المسلمون أنفسهم مخالفون له ؟!
ألا فليعلم هؤلاء و هؤلاء أن الهجرة ماضيه كالجهاد , فقد قال صلى الله عليه وسلم : " لا تنقطع الهجرة ما دام العدو يقاتل " , و في حديث آخر : " لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة , و لا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها " و هو مخرج في " الإرواء " ( 1208 ) .
و مما ينبغي أن يعلم أن الهجرة أنواع و لأسباب عدة , و لبيانها مجال آخر , و المهم هنا الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام مهما كان الحكام فيها منحرفين عن الإسلام , أو مقصرين في تطبيق أحكامه , فهي على كل حال خير بما لا يوصف من بلاد الكفر أخلاقا و تدينا و سلوكا , و ليس الأمر - بداهة - كما زعم أحد الجهلة الحمقى الهوج من الخطباء : " والله لو خيرت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود و بين(2/121)
أن أعيش في أي عاصمة عربية لاخترت أن أعيش في القدس تحت احتلال اليهود " ! و زاد على ذلك فقال ما نصه : " ما أرى إلا أن الهجرة واجبة من الجزائر إلى ( تل أبيب ) " !!.
كذا قال فض فوه , فإن بطلانه لا يخفى على مسلم مهما كان غبيا ! و لتقريب ما ذكرت من الخيرية إلى أذهان القراء المحبين للحق الحريصين على معرفته و اتباعه , الذين لا يهولهم جعجعة الصائحين , و صراخ الممثلين , و اضطراب الموتورين من الحاسدين و الحاقدين من الخطباء و الكاتبين : أقول لأولئك المحبين : تذكروا على الأقل حديثين اثنين لرسول الله صلى الله عليه وسلم :
أحدهما : " إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى حجرها " . أخرجه البخاري و مسلم و غيرهما.
و الآخر : " لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق حتى يأتيهم أمر الله و هم ظاهرون " , و هو حديث صحيح متواتر رواه جماعة من الصحابة , و تقدم تخريجه عن جمع منهم برقم ( 270 و 1108 و 1955 و 1956 ) , و " صحيح أبي داود " ( 1245 ) , و في بعضها أنهم " أهل المغرب " أي الشام , و جاء ذلك مفسرا عند البخاري و غيره عن معاذ , و عند الترمذي و غيره مرفوعا بلفظ : " إذا فسد أهل الشام فلا خير فيكم , و لا تزال طائفة من أمتي .. " الحديث .
و في هذه الأحاديث إشارة قوية إلى أن العبرة في البلاد إنما هي بالسكان و ليس بالحيطان . و قد أفصح عن هذه الحقيقة سلمان الفارسي رضي الله عنه حين كتب أبو الدرداء إليه : أن هلم إلى الأرض المقدسة , فكتب إليه سلمان : إن الأرض المقدسة لا تقدس أحدا , و إنما يقدس الإنسان عمله . ( موطأ مالك 2 / 235 ) .
و لذلك فمن الجهل المميت و الحماقة المتناهية - إن لم أقل و قلة الدين - أن يختار خطيب أخرق الإقامة تحت الاحتلال اليهودي , و يوجب على الجزائريين المضطهدين أن يهاجروا إلى ( تل أبيب ) , دون بلده المسلم (عمان) مثلا , بل و دون مكة و المدينة , متجاهلا ما نشره اليهود في فلسطين بعامة , و ( تل أبيب ) و ( حيفا ) و (يافا) بخاصة من الفسق و الفجور و الخلاعة حتى سرى ذلك بين كثير من المسلمين و المسلمات بحكم المجاورة و العدوى , مما لا يخفى على من ساكنهم ثم نجاه الله منهم , أو يتردد على أهله هناك لزيارتهم في بعض الأحيان .
و ليس بخاف على أحد أوتي شيئا من العلم ما في ذاك الاختيار من المخالفة لصريح قوله تعالى *( إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا : فيم كنتم ? قالوا : كنا مستضعفين في الأرض , قالوا : ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟! فأولئك مأواهم جهنم و ساءت مصيرا . إلا المستضعفين من الرجال و النساء و الولدان لا يستطيعون حيلة و لا يهتدون سبيلا . فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم و كان الله عفوا غفورا , و من(2/122)
يهاجر في سبيل الله يجد في الأرض مراغما ( أي تحولا ) كثيرا و سعة , و من يخرج من بيته مهاجرا إلى الله و رسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله و كان الله غفورا رحيما )* ( النساء 97 - 100 ) .
قال الحافظ ابن كثير في " تفسيره " ( 1 / 542 ) : " نزلت هذه الآية الكريمة عامة في كل من أقام بين ظهراني المشركين , و هو قادر على الهجرة , و ليس متمكنا من إقامة الدين , فهو ظالم لنفسه , مرتكب حراما بالإجماع , و بنص هذه الآية " .
و إن مما لا يشك فيه العالم الفقيه أن الآية بعمومها تدل على أكثر من الهجرة من بلاد الكفر , و قد صرح بذلك الإمام القرطبي , فقال في " تفسيره " ( 5 / 346 ) : " و في هذه الآية دليل على هجران الأرض التي يعمل فيها بالمعاصي , و قال سعيد ابن جبير : إذا عمل بالمعاصي في أرض فاخرج منها , و تلا : *( ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ? )* ".
و هذا الأثر رواه ابن أبي حاتم في " تفسيره " ( 2 / 174 / 1 ) بسند صحيح عن سعيد . و أشار إليه الحافظ في " الفتح " فقال ( 8 / 263 ) : " و استنبط سعيد بن جبير من هذه الآية وجوب الهجرة من الأرض التي يعمل فيها بالمعصية " .
و قد يظن بعض الجهلة من الخطباء و الدكاترة و الأساتذة , أن قوله صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح " ناسخ للهجرة مطلقا , و هو جهل فاضح بالكتاب و السنة و أقوال الأئمة , و قد سمعت ذلك من بعض مدعي العلم من الأساتذة في مناقشة جرت بيني و بينه بمناسبة الفتنة التي أثارها علي ذلك الخطيب المشار إليه آنفا , فلما ذكرته بالحديث الصريح في عدم انقطاع التوبة المتقدم بلفظ : " لا تنقطع الهجرة .. " إلخ .. لم يحر جوابا !
و بهذه المناسبة أنقل إلى القراء الكرام ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في الحديثين المذكورين , و أنه لا تعارض بينهما , فقال في " مجموع الفتاوى " ( 18 / 281 ) : " و كلاهما حق, فالأول أراد به الهجرة المعهودة في زمانه , و هي الهجرة إلى المدينة من مكة و غيرها من أرض العرب , فإن هذه الهجرة كانت مشروعة لما كانت مكة و غيرها دار كفر و حرب , و كان الإيمان بالمدينة , فكانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإسلام واجبة لمن قدر عليها , فلما فتحت مكة و صارت دار الإسلام و دخلت العرب في الإسلام صارت هذه الأرض كلها دار الإسلام , فقال : " لا هجرة بعد الفتح " , و كون الأرض دار كفر و دار إيمان , أو دار فاسقين ليست صفة لازمة لها : بل هي صفة عارضة بحسب سكانها , فكل أرض سكانها المؤمنون المتقون هي دار أولياء الله في ذلك الوقت , و كل أرض سكانها الكفار فهي دار كفر في ذلك الوقت , و كل أرض سكانها الفساق فهي دار فسوق في ذلك الوقت , فإن سكنها غير ما ذكرنا و تبدلت بغيرهم فهي دارهم و كذلك المسجد إذا تبدل بخمارة أو صار دار فسق أو دار ظلم أو كنيسة يشرك فيها بالله كان بحسب سكانه , و(2/123)
كذلك دار الخمر و الفسوق و نحوها إذا جعلت مسجدا يعبد الله فيه جل وعز كان بحسب ذلك , و كذلك الرجل الصالح يصير فاسقا و الكافر يصير مؤمنا أو المؤمن يصير كافرا أو نحو ذلك , كل بحسب انتقال الأحوال من حال إلى حال و قد قال تعالى : *( و ضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة )* الآية نزلت في مكة لما كانت دار كفر و هي ما زالت في نفسها خير أرض الله , و أحب أرض الله إليه , و إنما أراد سكانها . فقد روى الترمذي مرفوعا أنه قال لمكة و هو واقف بالحزورة : " والله إنك لخير أرض الله , و أحب أرض الله إلى الله , و لولا ان قومي أخرجوني منك لما خرجت , و في رواية : " خير أرض الله و أحب أرض الله إلي " , فبين أنها أحب أرض الله إلى الله و رسوله , و كان مقامه بالمدينة و مقام من معه من المؤمنين أفضل من مقامهم بمكة لأجل أنها دار هجرتهم , و لهذا كان الرباط بالثغور أفضل من مجاورة مكة و المدينة , كما ثبت في الصحيح : " رباط يوم و ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر و قيامه , و من مات مرابطا مات مجاهدا , و جرى عليه عمله , و أجرى رزقه من الجنة , و أمن الفتان " .
و في السنن عن عثمان عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال : " رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوما فيما سواه من المنازل " . و قال أبو هريرة : لأن أرابط ليلة في سبيل الله أحب إلي من أن أقوم ليلة القدر عند الحجر الأسود . و لهذا كان أفضل الأرض في حق كل إنسان أرض يكون فيها أطوع لله و رسوله , و هذا يختلف باختلاف الأحوال , و لا تتعين أرض يكون مقام الإنسان فيها أفضل , و إنما يكون الأفضل في حق كل إنسان بحسب التقوى و الطاعة و الخشوع و الخضوع و الحضور , و قد كتب أبو الدرداء إلى سلمان : هلم إلى الأرض المقدسة ! فكتب إليه سلمان : إن الأرض لا تقدس أحدا و إنما يقدس العبد عمله . و كان النبي صلى الله عليه وسلم قد آخى بين سلمان و أبي الدرداء . و كان سلمان أفقه من أبي الدرداء في أشياء من جملتها هذا .
و قد قال الله تعالى لموسى عليه السلام : *( سأريكم دار الفاسقين )* و هي الدار التي كان بها أولئك العمالقة , ثم صارت بعد هذا دار المؤمنين , و هي الدار التي دل عليها القرآن من الأرض المقدسة , و أرض مصر التي أورثها الله بني إسرائيل , فأحوال البلاد كأحوال العباد فيكون الرجل تارة مسلما و تارة كافرا , و تارة مؤمنا و تارة منافقا , و تارة برا تقيا و تارة فاسقا , و تارة فاجرا شقيا .
و هكذا المساكن بحسب سكانها , فهجرة الإنسان من مكان الكفر والمعاصي إلى مكان الإيمان و الطاعة كتوبته و انتقاله من الكفر و المعصية إلى الإيمان و الطاعة , و هذا أمر باق إلى يوم القيامة , و الله تعالى قال : *( والذين آمنوا [ من بعد ] و هاجروا و جاهدوا معكم فأولئك منكم )* [الأنفال: 75] . قالت طائفة من السلف : هذا يدخل فيه من آمن و هاجر و جاهد إلى يوم القيامة , و هكذا قوله تعالى : *( ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جاهدوا و صبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم )* [ النحل : 110 ] يدخل(2/124)
في معناها كل من فتنه الشيطان عن دينه أو أوقعه في معصية ثم هجر السيئات و جاهد نفسه و غيرها من العدو , و جاهد المنافقين بالأمر بالمعروف و النهي عن المنكر , و غير ذلك , و صبر على ما أصابه من قول أو فعل . و الله سبحانه و تعالى أعلم " .
فأقول : هذه الحقائق و الدرر الفرائد من علم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله , يجهلها جهلا تاما أولئك الخطباء و الكتاب و الدكاترة المنكرون لشرع الله *( و هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا )* , فأمروا الفلسطينيين بالبقاء في أرضهم و حرموا عليهم الهجرة منها , و هم يعلمون أن في ذلك فساد دينهم و دنياهم , و هلاك رجالهم و فضيحة نسائهم , و انحراف فتيانهم و فتياتهم , كما تواترت الأخبار بذلك عنهم بسبب تجبر اليهود عليهم , و كبسهم لدورهم و النساء في فروشهن , إلى غير ذلك من المآسي و المخازي التي يعرفونها , ثم يتجاهلونها تجاهل النعامة الحمقاء للصياد ! فيا أسفي عليهم إنهم يجهلون , و يجهلون أنهم يجهلون , كيف لا و هم في القرآن يقرؤون : *( و لو أنا كتبنا عليهم أن اقتلوا أنفسكم أو اخرجوا من دياركم ما فعلوه إلا قليل منهم )* !
و ليت شعري ماذا يقولون في الفلسطينيين الذين كانوا خرجوا من بلادهم تارة باسم لاجئين , و تارة باسم نازحين , أيقولون فيهم : إنهم كانوا من الآثمين , بزعم أنهم فرغوا أرضهم لليهود ؟! بلى . و ماذا يقولون في ملايين الأفغانيين الذين هاجروا من بلدهم إلى ( بشاور) مع أن أرضهم لم تكن محتلة من الروس احتلال اليهود لفلسطين؟!
و أخيرا .. ماذا يقولون في البوسنيين الذين لجأوا في هذه الأيام إلى بعض البلاد الإسلامية و منها الأردن , هل يحرمون عليهم أيضا خروجهم , و يقول فيهم أيضا رأس الفتنة : " يأتون إلينا ؟ شو بساووا هون ؟! ".
إنه يجهل أيضا قوله تعالى : *( و الذين تبوءوا الدار و الإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم , و لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا و يؤثرون على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة )* , أم هم كما قال تعالى في بعضهم : *( يحلونه عاما و يحرمونه عاما )* ؟!
ستبدي لك الأيام ما كنت جاهلا و يأتيك بالأنباء من لم تزود . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2857.(2/125)
س)- أفتى بعض المعاصرين في أستراليا أن المال المتجمع من الربا حرام على صاحبه حلال لغير صاحبه . فما رأيكم ؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من اتبعه بهداه.
أما بعد: فكنت أود أن يقال لهذا المفتي إن لم يُقَلْ له، هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين، ذلك لأن هذه الفتوى تتعارض مع بعض النصوص العامة التي تعتبر من الأصول والقواعد الإسلامية فضلا عن بعض النصوص الخاصة، التي تعتبر فروعا مُفَصِّلة لتلك القاعدة، أما القاعدة فأصلها قول ربنا تبارك وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [المائدة/2] ، أما النصوص الخاصة والتي على مثلها قامت تلك القاعدة، فمن المعلوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم الذي يتعلق بهذا السؤال نفسه: « لعن الله آكل الربا وموكله، وكاتبه، وشاهديه » ، ومن ذلك قوله عليه السلام في الخمر : « لعن الله في الخمرة عشرة »، ابتدأ بساقيها ثم تم الرقم بالذين يتعاونون مع الساقي بتحضير هذا الشراب المحرم له بمثل العصر والبيع والشراء والحمل، ونحو ذلك ...، مما هو منصوص عليه في الحديث، فإذا قيل بذلك القول الذي سمعته لأول مرة آنفا أن الربا والذي يسمونه اليوم بغير اسمه فائدة هي حرام على صاحب المال وحلال على أو لغيره، فنقول: ما بني على فاسد فهو فاسد، لأن القول بهذا الرأي الهزيل يعني: أنه يجوز للمسلم أن يودع ماله في البنك، وبالتالي أن يأخذ الربا ويطعمها غيره، وحينئذ انصبت اللعنة عليه من الناحيتين؛ من الناحية الأولى: أنه أطعم البنك، ومن الناحية الأخرى: استفاد الربا وأطعمها غيره، فهو إذا صح التعبير ألعن مما لو أكله بنفسه، لأن الحديث حينذاك ينصب على الآكل، والموكل، الموكل لمن ؟؛ للبنك أو أهل البنك أما هنا فصار الإيكال إذا صح التعبير له شعبتان، وله جانبان.
فلذلك الواقع الذي نشعر به مع الأسف في كثير من الفتاوى التي تصدر في العصر الحاضر، إنما هي فتاوى إما أن تكون صادرة بحسن نية ولكنها صدرت مِن مَن ليس من أهل العلم، من أولئك الذين أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمثالهم حينما قال عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص من رواية الشيخين البخاري ومسلم رضي الله عنهما قال : قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم : « إن الله لا ينتزع العلم انتزاعا من صدور العلماء وإنما يقبض العلم بقبض العلماء، حتى إذا لم يُبقي عالما اتخذ الناس رؤوسا جهالا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا »، هذا إذا كان بحسن قصد.
ولكن من الممكن أن يكون هناك أناس يُفتون بقصد التضليل وإخراج المسلمين عن الصراط المستقيم، الذي خطه لهم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بما جاء من البيان والشرح لنصوص الكتاب السنة، فالآية التي أشرنا إليها آنفا كقاعدة من قواعد التعامل مع الآخرين وهي قوله عزوجل : { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا(2/126)
تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة/2] ، يدل على أن هذا الذي أفتى بهذه الفتوى لا يعبأ بالأحاديث التي تفصل مثل هذه الآية وتُفَرِعُ عنها فروعا، المسلمون أحوج ما يكونون إليها في كل زمان وفي كل مكان وبخاصة في زمان الغربة الذي نحن نعيشه في هذه الأيام، فلذلك القول بإباحة الربا لغير صاحب المال كما جاء في السؤال هذا يتنافى مع الأصول والفروع معا.
الذي نراه - والعلم عند الله تبارك وتعالى- هو أن الذي ابْتُلي بأن يتعامل مع بعض البنوك ثم تاب إلى الله عزوجل وأناب في هذه الحالة هو بين أمرين اثنين:
1- إما أن يدع الربا لأهل الربا لأصحاب البنك.
2- وإما أن يأخذه دون أن ينتفع هو به، ثم دون أن ينتفع به شخص بعينه.
هنا يبدأ الجواب الفقهي خلافا لذلك القول بناء على ما بينا من أدلة، ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كما في حديث مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: « إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال : { يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا} [المؤمنون/51]»، لذلك فهذا الذي رابى ثم تاب إلى الله تبارك وتعالى وأعطي له مع رأس ماله الربا، فلا يجوز له أن يستفيد بالربا، لصريح قوله تبارك وتعالى :{ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ } [البقرة/279]، فهذه الآية صريحة كل الصراحة، بأن المرابي إذا تاب إلى الله عزوجل فإنما يحل له أن يسترجع رأس ماله دون ما ترتب عليه من ربا يسمونه فوائد : { وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ }.
إذا كان الأمر كذلك فقلنا: إما أن يستلم من البنك رأس المال ورباه، وإما أن يدع الربا للبنك، في كل من الأمرين محظور إن تركه للبنك استفاد منه البنك وإن أخذه هو معنى ذلك أنه أخذ الربا، ولكن إذا قلنا بأنه لا يجوز أن يستفيد هو بذات نفسه لما سبق أن ذكرنا من الأدلة يبقى الأمر، إما أن يفيد غيره بهذا المال كما جاء بالنسبة لذلك المفتي، وإما أن يفيد مشروعا لا تعود فائدته إلى شخص بعينه.
لا بد من أحد أمرين: إما أن يفيد بهذا الربا شخصا بذاته، وإما أن يصرفه فيما يسمى بلغة الفقهاء بالمرافق العامة، المرافق العامة: معروف لدى أهل العلم أنها تعني كل مشروع يعود فائدته إلى مجموعة المسلمين وليس إلى فرد من أفرادهم مثل مثلا : جلب ماء كسبيل في مكان ليس فيه ماء، أو تعبيد طريق، أو اتخاذ جسر على نهر، أو ما شابه ذلك...
لولا أن الأمر الأول وهو ترك الربا لأهل البنك كان قوة لهم لكان الأوْلى أن يأخذ رأس ماله كما قال الله عزوجل، ولكن هناك قاعدة فقهية مهمة يجب على كل طالب علم أن يكون دائما على ذكر منها ألا وهي: إذا وقع المسلم بين مفسدتين فلا بد له من إحداهما، هو في هذه الحالة يختار المفسدة الصغرى على المفسدة(2/127)
الكبرى؛ من باب دفع الشر الأكبر بالشر الأصغر، الشر الأكبر هنا: أن يترك الربا لأهل الربا للبنك؛ الشر الأصغر: أن يصرف هذا المال في المرافق العامة حيث لا يستفيد منه شخص بعينه كما قال ذلك المشار إليه في السؤال.
بهذا يمكن الرد على إبطال قول ذلك المفتي، ويبقى معالجة هذا الربا بأحد الطريقين: إما أن يترك للبنك وإما أن يصرف في المرافق العامة؛ وهذا شره أقل من شر الأمر الأول، أما أن يضع المسلم ماله في البنك، ثم يزعم أن هذا الربا في الوقت الذي يحرم عليه يفيد به غيره من المسلمين فهذا نقض للآية السابقة ولِما تفرع منها من أحاديث ذكرنا آنفا بعضها، { وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } [المائدة/2] ، لأن هذا المرابي إذا أودع ماله في البنك وأخذ الربا وأطعمه لفقير فإنما هو طعام خبيث وقد سمعتم آنفا قوله عليه السلام : « إن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا إلى آخره.. » انتهى كلام الالباني من شريط الأجوبة الألبانية على الأسئلة الأسترالية.
س)- ما رأيكم في قول يوسف القرضاوي في الربا ( إن صرفه على نفسه فهو حرام ، وإن تركه للبنك فهو حرام ، وإن حرقه فهو حرام ، فلم يبق إلا إطعامه للفقراء، والمساكين، أو المساجد، أو لطباعة المصحف ؟.
الله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، في ظني أن من يفتي بأخذ الربا وإعطائه لفقير من فقراء المسلمين يجيز إيداع المال في البنك، لأنه لو قال: كما ينبغي أن يقول به كل فقيه مسلم حقا، إن هذا الذي ابتلي شطراً من حياته بأن يودع ماله في البنك الربوي ثم تاب وأناب إلى الله عزوجل فأخذ رأس المال ورباه، فأعطى هذا الربا لفقير أو لفقراء كان الأمر أيسر، وأقل ضررا، لكن استشم من هذه الفتوى الإبقاء على التعامل مع البنك في سبيل نفع الفقراء بهذا الربا الذي يحصل من ذلك المال، حينئذ هذا يتناقض مع كل النصوص السابقة، والآن لا بد لي من أذكر حديثا، وهو قوله عليه الصلاة والسلام :« درهم ربا يأكله الرجل أشد عند الله من ست وثلاثين زنية »، من ست وثلاثين زنية!!، فكيف يجوز لمسلم يؤمن بالله ورسوله حقاً أن يقر التعامل مع الربا لكن على طريقة اللف والدوران، أنا رجل طيب..أنا لا آكل حراما..لكني أُطعم الحرام !، هذا ما يقوله مسلم أبدا، ولذلك فيجب استئصال شأفة الشر جذرياً وذلك بأن يقال لكل مسلم لا تتعامل مع البنوك الربوية، وقولي الربوية ليست صفة كاشفة وإنما هي لبيان الواقع، أقول هذا خشية أن يتبادر إلى بعض الأذهان أن هناك بنوك غير ربوية، لا ...كلها ربوية ، ولكن قد يكون من باب حَنَنَيْكَ بعض الشر أهون من بعض، واحد مثلا من البنوك بياخذ في المية خمسة، آخر بياخذ في المية عشرة، وقد يكون الأول لا يضع(2/128)
اللافتة الإسلامية، أن يأخذ الربا أقل من الآخر ، والآخر قد وضع اللافتة الإسلامية لكنه يأكل الربا أكثر من غيره!!.
خلاصة القول: لا يجوز الانتفاع لشخص بعينه بهذا الربا إذا تاب صاحبه، أما إذا لم يتب فلا يجوز إطلاقا، وليس من المرافق العامة التي يصح صرف المال النجس وهو المال الرَبوي في المساجد، لأنه مما شك ولا ريب فيه أن كل مسجد بُني على مال اكتسب بطريق محرم.
وقولي الربوية ليست صفة كاشفة ولكن هي لبيان الواقع، أقول هذا خشية أن يتبادر إلى بعض الأذهان أن هناك بنوك غير ربوية، لا ..كلها ربوية ..ولكن يكون من باب حَنَنَيْكَ بعض الشر أهون من بعض، واحد مثلا من البنوك بياخذ في المية خمسة، آخر بياخذ في المية عشرة، وقد يكون الأول لا يضع اللافتة الإسلامية، أن ياخذ الربا أقل من الآخر ، والآخر قد وضع اللافتة الإسلامية لكنه يأكل الربا أكثر من غيره!!.
خلاصة القول: لا يجوز الإنتفاع لشخص بعينه بهذا الربا إذا تاب صاحبه، أما إذا لم يتب فلا يجوز إطلاقا، وليس من المرافق العامة التي يصح صرف المال النجس وهو المال الربوي في المساجد، لأنه مما شك ولا ريب فيه أن كل مسجد بُني على مال اكتسب بطريق محرم أنه لا يصدق عليه أنه مسجد بني على أساس من التقوى، وإذا كان ولا بد من صرف المال الربوي بعد أن تاب صاحبه فيما يتعلق بالمسجد فيمكن أن يقال يصرف في المراحيض.انتهى كلام الالباني من شريط الأجوبة الألبانية على الأسئلة الأسترالية.(2/129)
فصل في الفرق والمذاهب
س)- من هم المرجئة ؟
هم فرقة من الفرق الضالّة تقول: لا يضرّ مع الإيمان معصية . كتابه مختصر صحيح الإمام البخاري (1/35) الحاشية رقم (19)
س)- من هم القاديانية؟
هم الذين ادعوا نبوة ميراز غلام أحمد القادياني الهندي، الذي ادعى في عهد استعمار البريطانيين للهند أنه المهدي المنتظر، ثم أنه عيسى عليه السلام، ثم ادعى أخيراًً النبوة، واتبعه كثير ممن لا علم عنده بالكتاب والسنة، وقد التقيت مع بعض مبشريهم من الهنود والسوريين، وجرت بيني وبينهم مناظرات كثيرة كانت إحداها تحريرية، دعوتهم فيها إلى مناظرتهم في اعتقادهم أنه يأتي بعد النبي صلى الله عليه وسلم أنبياء كثيرون ! منهم ميراز أحمد القادياني. فبدأوا بالمراوغة في أول جوابهم، يريدون بذلك صرف النظر عن المناظرة في اعتقادهم المذكور، فأبيت وأصررت على ذلك، فانهزموا شر هزيمة، وعلم الذين حضروها أنهم قوم مبطلون.
ولهم عقائد أخرى كثيرة باطلة، خالفوا فيها إجماع الأمة يقيناً، منها نفيهم البعث الجسماني، وأن النعيم والجحيم للروح دون الجسد، وأن العذاب بالنسبة للكفار منقطع. وينكرون وجود الجن، ويزعمون أن الجن المذكورين في القرآن هم طائفة من البشر ! ويتأولون نصوص القرآن المعارضة لعقائدهم تأويلاً منكراً على نمط تأويل الباطنية والقرامطة، ولذلك كان الإنكليز يؤيدونه ويساعدونه على المسلمين، وكان هو يقول: حرام على المسلمين أن يحاربوا الإنكليز ! إلى غير ذلك من إفكه وأضاليله. وقد ألفت كتب كثيرة في الرد عليه، وبيان خروجه عن جماعة المسلمين، فليراجعها من شاء الوقوف على حقيقة أمرهم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1683.
س)- مامعنى كلمة (حرورية) المذكورة في حديث معاذه قَالَتْ (سَأَلْتُ عَائِشَةَ فَقُلْتُ مَا بَالُ الْحَائِضِ تَقْضِي الصَّوْمَ وَلَا تَقْضِي الصَّلَاةَ فَقَالَتْ أَحَرُورِيَّةٌ أَنْتِ قُلْتُ(2/130)
لَسْتُ بِحَرُورِيَّةٍ وَلَكِنِّي أَسْأَلُ قَالَتْ كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلَا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلَاة)متفق عليه
حرورية " مؤنث " حروري " نسبة إلى حروراء بلدة على ميلين من الكوفة . ويقال لمن يعتقد مذهب الخوارج (حروري) لأن أول فرقة منهم خرجوا على علي رضي الله عنه بالبلدة المذكورة ، فاشتهروا بالنسبة إليها ، وهم فرق كثيرة ، ومن أصولهم المتفق عليها بينهم الأخذ بما دل عليه القرآن ورد ما زاد عليه من الحديث مطلقا ، ولهذا استفهمت عائشة معاذة استفهام إنكار . كذا في " فتح الباري " .
وأقول : وإنكار عائشة عليها إما لعلمها أنهم كانوا يوجبون القضاء على الحائض . فقد حكى ابن عبد البر القول بذلك عن طائفة من الخوارج ، وإما لعلمها بأن أصولهم تقتضي ذلك . وقد يقلدهم في هذه الضلالة بعض المعاصرين ممن يدعى الإصلاح ! فقد سمعت أحدهم يقول أنه أمر إحدى المعلمات بأن تصلي وهي حائض ! بحجة أنها داخلة في عموم الأدلة الآمرة بالصلاة في القرآن ، وليس هناك أي دليل - بزعمه - يستثني الحائض من ذلك ! فلما عارضته بهذا الحديث أعرض ونأى بجانبه . فإلى الله المشتكى من فساد الزمان وطغيان الجهل بأسم العلم ، ( وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون . ألا إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون). انتهى كلام الالباني من أرواء الغليل.
س)- هل من عادة الشيعة أنهم يستحلون الكذب على أهل السنة ؟
من عادة الشيعة قديما ً وحديثا ً : أنهم يستحلون الكذب على أهل السنة عملا ً في كتبهم وخطبهم, بعد أن صرحوا باستحلالهم للتقية كما صرح بذلك الخميني في كتابه كشف الاسرار( ص 147-148) وليس يخفى على أحد أن التقية أخت الكذب ولذلك قال أعرف الناس بهم شيخ الاسلام ابن تيمية : (( الشيعة أكذب الطوائف)). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة ( 5\646).
س)- ما هو منهج المعتزلة في النصوص القرآنية؟
يقول تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) [القيامة:22-23] نص صريح في القرآن أن الله عز وجل يمتن على عباده المؤمنين يوم القيامة، فيرون وجهه الكريم، كما قال الفقيه الشاعر السلفي:
يراه المؤمنون بغير كيفٍ وتشبيهٍ وضربٍ للمثال ، قالت المعتزلة: لا يمكن للعبد أن يرى ربه لا في الدنيا ولا في الآخرة. أين تذهبون بالآية؟ قالوا: معناها: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا) [القيامة:22-23] أي: إلى نعيم ربها ناظرة، فهذا تأويل، بمعنى: إلى نعيم ربها، ربنا قال: (إِلَى رَبِّهَا) [القيامة:23] من أين(2/131)
جئت بهذه؟ قال: هذا مجاز الحذف، ومن هنا أنكر ابن تيمية المجاز في القرآن؛ لأنه كان معولاً من أعظم وأقوى المعاول هدماً للعقيدة الإسلامية، هذا النص يثبت لله عز وجل نعمة منه على عباده أن يروه يوم القيامة، ويقول هؤلاء: لا يمكن! الله يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] فيقولون: لا. ليس سميعاً ولا بصيراً، لم؟ لأننا إذا قلنا: سميع بصير شبهناه بأنفسنا، إذاً ما معنى: سميع بصير؟ قالوا: عليم، سميع بصير لفظتان عربيتان تساوي عندهم عليم فقط، وهل خلصنا من المشكلة، وفلان العليم! اليوم يقال عند الدكتور في اللغة العربية: عليم، تعبير لا بأس فيه، ويجوز أن نقول عن الإنسان: عليم، مبالغة في الوصف، هل يجوز أن نقول: فلان عليم؟ نعم. إذاً: لا نقول الله عليم؛ لأنه صار فيه تشبيه لله بعبد الله، وهكذا عطلوا صفات الله عز وجل، ووصل بهم الأمر أن أنكروا وجود الله، سواء اعترفوا أو لم يعترفوا فذلك يلزمهم، ورحم الله ابن القيم حين يقول: (المجسم يعبد صنماً، والمعطل -أي: المؤول- يعبد عدماً)، ولذلك يقول هؤلاء المؤولة الذين لم يلتزموا منهج السلف الصالح في آيات وأحاديث الصفات، يقولون: الله لا فوق. هل تجدون في القرآن (الله لا فوق)؟ نجد في القرآن يصف عباده: (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) [النحل:50] هم يقولون: لا فوق، تجدون في القرآن: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) [طه:5] .. (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) [المعارج:4] .. (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ) [فاطر:10] إلى آخر ذلك.. الله لا فوق -مثلاً- إذاً هل هو تحت؟ لا تحت، إذاً هل هو يمين؟ لا يمين ولا يسار، لا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، إذاً ماذا بقي؟ العدم. هذا هو العلم الذي تورط فيه كل علماء الكلام بدون استثناء، إلا من كان على منهج السلف الصالح، فكل علماء الكلام، لا أستثني لا أشاعرة ولا ماتريدية إلا أفراداً منهم آمنوا بما كان عليه السلف الصالح، كما قال صاحب قصيدة بذل الأماني :
ورب العرش فوق العرش لكن بلا وصف التمكن واتصال ، يعني: ليس كمثله شيء، الله وصف نفسه بأنه على العرش استوى.
ورب العرش فوق العرش لكن بلا وصف التمكن واتصال انظروا -يا إخواننا الشباب!- بصورة خاصة، نحن الآن نزعم بأننا نريد أن نحقق المجتمع الإسلامي، وأن نقف جبهة أمام الإلحاد، وأمام الشيوعية، ونحوها من الأحزاب، فبم نقف أمامهم؟ أبعلم كتاب الله وحديث رسول الله على منهج السلف الصالح، أم بعلم الكلام؟ لا تشعرون في الواقع -ولعل هذا من الخير لبعضكم- لو أنكم درستم علم الكلام لأقام المبطلون الحجة عليكم؛ لأن الملحد الشيوعي ونحوه حين يقول لك: لا يوجد في هذا الكون إله، لا تستطيع أنت أن تقيم الحجة عليه وأنت تقول: يوجد إله؛ لأنه قد يقول لك: أرني إياه، مثلما قال لي أحدهم: إن الذي صعد إلى القمر ما رأى الله عليه، يقول لك الشيوعي: أرني رب العالمين. تقول له أنت: لا فوق ولا تحت، لا يمين ولا يسار، لا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، فهذا الكلام أتقدر أن تقيم به الحجة على الملحد؟(2/132)
الجواب: لا. لكن لو أنك تلوت آيات الله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) [الشورى:11] والله أكبر من كل شيء.. إلخ، نحن لا نريد أن تقنعه، حسبنا أن نقيم الحجة عليه، ولله الحجة البالغة على الناس، فإذا قلت له هذا الكلام الذي يوجد في كتب الماتريدية والأشاعرة -إلا قليلاً منهم -كما قلنا- ما استطعت أن تدعو إلى إسلامك، لكن أقول: من الخير لكم أو لبعضكم، أنه لم يقرأ علم الكلام، هذه حقيقة، ولا يعرف أنه قد يسمع هذا الكلام فيستغرب، ويقول: أيوجد من المسلمين من يعتقد هذه العقيدة؟ نعم. اقرءوا كتب الغزالي .. اقرءوا إحياء علوم الدين .. اقرءوا بعض الرسائل الجديدة المطبوعة والمنشورة اليوم باسم العقائد؛ فستجدون فيها الجحد الذي يساوي: أنا أؤمن بالله، ولا أؤمن بالله.. أؤمن بالله على أساس لا كبير ولا صغير، أي: لا يوصف بأنه كبير ولا صغير، وهذا مطبوع في طبعة جديدة وعصرية، وأنه لا فوق ولا تحت، لا يمين ولا يسار... إلخ، سيجد أنها لا توزن لا بميزان، ولا بقبّان، ولذلك رحم الله أحد أمراء دمشق حيث حضر مناقشة جرت بين شيخ الإسلام ابن تيمية وأمثال هؤلاء المعطلة، لما سمع كلامهم، وسمع كلام ابن تيمية المستند إلى الكتاب والسنة وكلام السلف الصالح؛ اقتنع أن هذه هي العقيدة الصحيحة، والتفت إلى شيخ الإسلام ابن تيمية وقال: هؤلاء -يشير إلى المشايخ- قوم أضاعوا ربهم. لماذا؟ لا فوق ولا تحت، لا يمين ولا يسار.. إلخ. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم قول غلاة الصوفية "الله موجود في كل مكان"؟
هذه هي بذاتها ولكنه إلحاد على نمط آخر، ووحدة الوجود التي يقول بها غلاة الصوفية هي على ألسنتنا في كل يوم: الله موجود في كل مكان.. الله موجود في كل الوجود. وحدة الوجود تفخر بأنها موحدة، لا يوجد خالق ومخلوق، فالخالق والمخلوق شيء واحد، وهذه هي وحدة الوجود، وهذه فلسفة من علم التصوف، كما أن عامة المسلمين -والحمد لله- ما قرءوا هذا العلم، لكن هم واقعون ولا يجهرون، هم يقولون: الله موجود في كل مكان. هذا شخص جاء إلي في رمضان منذ ثلاثين سنة، وأنا سهران بعد صلاة التراويح، فجاء إلي ليقول: أنت الذي تنكر وجود الخضر وتقول: إنه ميت؟ قلت له: نعم. قال: أنا الخضر، فلما سمعت هذا الكلام قلت له: اتق الله يا رجل! ظناً مني أنه عاقل، فقال: أنا شرعة الله ومحمد، ماذا أعمل؟ هذا صوفي، وقد قرأ الفتوحات المكية على الشيخ ومات.. إلخ، ما الذي أوصل المسلمين إلى هذا الكفر باسم الإسلام؟ إنه الانصراف عن منهج السلف الصالح، فنحن ننصح كل المسلمين في عالم الدنيا كلها، إلى ضرورة التمسك بالكتاب والسنة، وهذه هي الركيزة الثالثة، وهي: على منهج السلف الصالح، وإلا فكل طائفة في الدنيا تقول: نحن على الكتاب والسنة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/133)
س)- ما هي أضل الفرق الاسلامية اليوم؟
أضل فرقة اليوم تنتمي للإسلام، وتصلي الصلوات الخمس، وتحج إلى بيت الله الحرام، وهي القاديانية، مع ذلك فهم ينكرون حقائق من الإسلام باسم التأويل، وعدم التمسك بما كان عليه المسلمون -حتى الخلف منهم- لأن المسلمين جميعاً اتفقوا على أنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف جاء هؤلاء يدعون الإسلام؟! ويقولون: جاء نبي اسمه ميرزا غلام أحمد القادياني، وسيأتي من بعده أنبياء كثر، وجاء أحد تلامذته هنا، وحاول أن يبث هذه الفكرة، وقام المشايخ والحمد لله تارة بالسياط، وتارة بالصياح، وتارة بالكلام، والحمد لله كفينا شرهم، وكان لي مشاركة في المجادلة معهم كثيراً. الشاهد: كيف ضل هؤلاء؟ يقولون: قال النبي صلى الله عليه وسلم (لا نبي بعدي) أتعرفون ما معنى: لا نبي بعدي؟ أي: معي، وليس بعدي، أي: لا يوجد نبي يكون معي أنا، ولكن إذا مِتُّ سيأتي بعدي نبي. ويؤولون النص: (وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ) [الأحزاب:40] ما معنى: خاتم النبيين؟ يقولون: زينة النبيين، كما أن الخاتم زينة الإصبع، فالرسول زينة الأنبياء، وليس بمعنى أنه لا نبي بعده. إذاً هؤلاء المسلمون كلهم كانوا على خطأ في فهم هذه النصوص. تأتي الآية: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء:115] كيف كان المؤمنون في فهم هذه النصوص يا قاديانيون؟! كانوا يفهمونها خطأ، إذاً ما معنى قوله : (وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ) [النساء:115] والبحث كثير وطويل جداً، فحسبنا الآن أصول الدعوة السلفية ثلاثة: الكتاب والسنة، وعلى منهج السلف الصالح. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/134)
فصل في العبادة
س)- ما هي شروط قبول العمل؟
قد تبيَّنَ من الكتابِ والسُّنَّةِ أنَّ العمَلَ حتى يَكُونَ صالِحاً مَقبولاً يُقرِّبُ إلى الله سبحانَهَ فلا بُدَّ من أن يَتَوفَّرَ فِيهِ أمرانِ هامَّانِ عظيمانِ :
أولُهما : أن يكُونَ صاحِبُهُ قَد قَصَدَ بِهِ وجْهَ الله عزَّ وجلَّ .
وثانيهِما : أن يكونَ موافقاً شِرْعَةَ الله تباركَ وتعالى في كِتابِهِ أو بَيَّنَهُ رسولُهُ في سُنَّتِهِ فإذا اختَلَّ واحدٌ من هذينِ الشَّرطَينِ لم يَكُن العَمَلُ صالحاً ولا مَقبولاً .
ويدلُّ على هذا قولُهُ تبارَكَ وتعالى : (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) [ الكهف: 110]، فَقَد أمَرَ سبحانَهُ أن يَكونَ العملُ صالِحاً أي مُوافِقاً للسُّنَّةِ ثُمَّ أمَرَ أن يُخلِصَ بِهِ صاحِبُهُ لله لا يبتَغِي بِهِ سواهُ)) كتاب التوسل .
باب الدعاء
س)- لقد جاءت احاديث كثيرة كحديث (الدعاءُ هو العِبادَةُ) تحث المسلم على دعاء ربه غير ان بعض الطوائف تعتبر ان دعاء الله سوء ادب مع الله فما توجيهكم؟
إن مما لا شكَّ فِيهِ أن الاستِكبارَ عَن عِبادَتِهِ تعالى ودُعائِهِ ؛ يَستَلزِمُ غَضَبَ الله تعالى على مَن لا يَدعُوهُ وَقَد غَفَلَ عن هذهِ الأحاديثِ بعضُ جَهلَةِ الصوفيَّةِ أو تَجاهَلوها ، بَزعمِِهِم أن دُعاءَ الله سوءُ أدَبٍ مع الله ؛ مُتأثِّرينَ في ذلكَ بالأثَرِ الإسرائيليِّ : (( عِلمُهُ بحالي يُغني عَن سؤالي )) ! .
فَجِهِلوا أن دُعاءَ العَبدِ لربِّهِ لَيسَ من بابِ إعلامِهِ بحاجَتِهِ إليه سُبحانَهُ وتعالى ، فَهو: (وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى )[ طه: 7] ، وإنَّما مِن بابِ إظهارِ عُبوديَّتِهِ وَحَاجَتِهِ إليهِ وَفَقرِهِ )) انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة 6/326 .(2/135)
باب في الاستغاثة
س)- نود نصيحة لهؤلاءِ الخُرافيِّينَ الَّذينَ يَستَغيثُون بغيرِ الله تعالى؟
وإنَّ مما يأسَفُ لَهُ كُلُّ مُسلمٍ طاهِرِ القلبِ ؛ أن يَجِدَ كثيراً من المسلمينَ قَد وَقَعوا في مُخالفَةِ شَريعَةِ سيدِ المرسلينَ صلى الله عليه وسلم التي جاءَت بالابتعادِ عن كُل ما يَخدِجُ بالتوحيدِ ثمَّ يَزدادُ أسفاً حين يرى قليلاً أو كثيراً من المشايِخِ يُقرُّونهم على تِلكَ المخالَفةِ بِدعوى أن نيَّاتِهِم طيِّبَة، وَيَشهدُ الله أنَّ كَثيراً مِنهُم قَد فَسَدَت نياتُهُم وَرانَ عليها الشِّركُ بِسبَبِ سُكوتِ أمثالِ هؤلاءِ المشايخِِِِ بَل تَسويغُهُم كُل ما يَرونَهُ من مَظاهرِ الشركِ بِتلكَ الدَّعوى الباطلَةِ ؟ أينَ النيَّةُ الطَّيِّبَةُ يا قَومُ مِن أناسٍ كلَّما وَقَعوا في ضيقٍ جاءوا إلى مَيتٍ يَرونَهُ صالِحاً فَيدعونَهُ مِن دونِ الله ويستغيثونَ بِهِ وَيَطلبونَ مِنهُ العافيَةَ والشِّفاءَ وَغيرِ ذلكَ مما لا يُطلَبُ إلا مِن الله ومالا يَقدِرُ عَليهِ إلا الله ؟ بَل إذا زَلَّت قدمُ دابَّتِهِم نادَوا : ياالله يا بازُ ! بينَما هؤلاءِ المشايِخُ قد يَعلمونَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سمِعَ يوماً بعضَ الصحابَةِ يقولُ لهُ : ما شاءَ الله وَشِئتَ فَقَالَ : (أجعلتني لله ندا؟) ، فإذا كانَ هذا إنكارُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَلى مَن آمنَ بِهِ فِراراً مِن الشِّركِ فَلِماذا لا يُنكِرُ هؤلاء المشايخُ على الناسِ قَولَهم : يا الله يا بازُ مع أنَّهُ في الدِلالةِ على الشركِ أوضَحُ وأظهَرُ مِن كَلِمَةِ ما شاءَ الله وَشَئتَ ؟ ولماذا نَرى العامَّةَ يَقولونَ دونَ أي تَحَرُّجٍ: تَوكلنا على اللهِ وَعَليكَ و ما لَنا غيرُ الله وأنتَ ؟ ذلك لأنَّ هؤلاءِ المشايخ إما أنَّهم مِثلُهم في الضَّلالِ وَفاقِدُ الشئِ لا يُعطيِهِ وإما أنَّهُم يُدارونَهُم بل يُداهِنوهُم كي لا يوصَموا بِبَعضِ الوصماتِ التي تَقضي على وَظائِفِهِم وَمَعاشاتِهِم غيرَ مُبالين بِقولِ الله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) [البقرة: 159])).
س)- هل طلب الاستغاثة المذكوره في حديث (إن الشمس تدنو حتى يبلغ العرق نصف الأذن , فبيناهم كذلك استغاثوا بآدم فيقول : لست صاحب ذلك , ثم بموسى...الحديث) ، فيه دليل على الاستغاثة بالأموات؟
قوله صلى الله عليه وسلم : "استغاثوا بآدم" , أي : طلبوا منه عليه السلام أن يدعو لهم , و يشفع لهم عند الله تبارك و تعالى . و الأحاديث بهذا المعنى كثيرة معروفة في "الصحيحين" , و غيرهما . ليس فيه جواز(2/136)
الاستغاثة بالأموات , كما يتوهم كثير من المبتدعة ! بل هو من باب الاستغاثة بالحي فيما يقدر عليه , كما في قوله تعالى : (فاستغاثه الذي من شيعته على الذي من عدوه .. ) الآية. و من الواضح البين أنه لا يجوز - مثلا - أن يقول الحي القادر للمقيد العاجز : أعني ! فالميت الذي يستغاث به من دونه تعالى أعجز منه , فمن خالف , فهو إما أحمق مهبول , أو مشرك مخذول لأنه يعتقد في ميته أنه سميع بصير , و على كل شيء قدير , و هنا تكمن الخطورة لأن الشرك الأكبر , و هو الذي يخشاه أهل التوحيد على هؤلاء المستغيثين بالأموات من دون الله تبارك و تعالى , و هو القائل : (إن الذين تدعون من دون الله عباد أمثالكم فادعوهم فليستجيبوا لكم إن كنتم صادقين . ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها أم لهم أعين يبصرون بها أم لهم آذان يسمعون بها). و قال : (والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير . إن تدعوهم لا يسمعوا دعائكم و لو سمعوا ما استجابوا لكم و يوم القيامة يكفرون بشرككم و لا ينبئك مثل خبير). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2460.
باب في الإستعانة
س)- البعض ممن يستعينون بالجن يبررون ما يفعلونه بانهم يستعينون بالصالحين منهم . فما تعليقكم على ذلك ؟
وادِّعاءُ بَعضِ المُبتَلينَ بالاستعانَةِ بِهِم أنَّهم إنما يَستَعينونَ بالصالحينَ مِنهم ، دعوى كاذِبة ، لأنَّهم مما لا يُمكنُ -عادةً- مخالطَتُهُم وَمُعاشَرتُهُم ؛ التي تَكشِفُ عن صلاحِهِم أو طلاحِهِم ، وَنَحن نَعلَمُ بالتَّجرِبَةِ أنَّ كثيراً مِمَّن تُصاحِبُهم أشدَّ المصاحبةِ من الإنسِ ، يَتَبيَّنُ لكَ أنَّهم لا يَصلُحونَ ، قالَ تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[ التغابن: 14] ، هذا في الإنسِ الظاهرِ ، فَما بالكَ بالجنِّ الذينَ قالَ الله تعالى فِيهِم : (إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ) [الأعراف: 27] انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة 6/614-615 .
س)- يرى بعض المسلمين ان الاستعانة بالانبياء والصالحين امر جائز فما رأيكم في هذا القول؟(2/137)
المُصيبةُ العُظمى التي وَقَعَ فيها كَثيرٌ مِن عامَّةِ المسلمينَ ، وَبَعضِ خاصَّتِهِم ، ألا وهي الاستغاثةُ بالأنبياءِ والصالحينَ مِن دونِ الله تعالى في الشَّدائِدِ والمصائِبِ ، حتى انكَ لَتَسمَعُ جَماعاتٍ مُتعدِّدَة عِندَ بَعضِ القُبورِ يَستَغيثونَ بأصحابِها في أمورٍ مُختلفةٍ، كأنَّ هؤلاءِ الأمواتِ يَسمعونَ ما يُقالُ لَهُم ، وَيُطلبُ مِنهم مِن الحاجاتِ المختلفَةِ بِلُغاتٍ مُتبايِنَةٍ ، فَهُم عِند المُستغيثينَ بِِهِم يَعلَمونَ مُختَلِفَ لُغاتِ الدنيا ، ويُميِّزونِ كُلَّ لُغةٍ عن الأخرى ، وَلَو كانَ الكلامُ بِها في آنٍ واحدٍ ، وهذا هو الشِّركُ في صِفاتِ الله تعالى الذي جَهِلهُ كَثيرٌ من النَّاسِ ، فَوَقعوا بِسَببِهِ في هذه الضَّلالةِ الكُبرى. انتهى كلام الالباني من حياة الألباني 1/432
باب في التوسل
س)- ما معنى التوسل في اللغة؟
إنَّ لَفظَةِ التوسُّلِ لَفظةٌ عَرَبيَّةٌ أصيلةٌ وَرَدَت في القرآنِ والسنةِ وكلامِ العربِ من شِعرٍ وَنَثْرٍ ، وَقَد عُنيَ بِها التقرُّبُ إلى المطلوبِ والتوصُّلِ إليهِ بِرَغبَةٍ انتهى كلام الالباني من كتاب التوسل 11.
س)- ما معنى التوسل شرعا؟
وفي الشَّرعِ : يُرادُ بِهِ التوصُّلُ إلى رضوانِ الله والجنَّةِ؛ بِفِعلِ ما شَرَعهُ وَتَركِ ما نَهى عَنهُ. انتهى كلام الالباني من كتاب أصول الإيمان 46.
س)- إلى كم قسم تنقسم الوسيلة؟
إذا عرفنا أن الوسيلة هي السبب الموصل إلى المطلوب برغبة فاعلم أنها تنقسم إلى قسمين : وسيلة كونية ووسيلة شرعية .
فأما الوسيلة الكونية فهي كل سبب طبيعي يوصل إلى المقصود بخلقته التي خلقه الله بها ويؤدي إلى المطلوب بفطرته التي فطره الله عليها وهي مشتركة بين المؤمن والكافر من غير تفريق ومن أمثلتها الماء فهو وسيلة إلى ري الإنسان والطعام وسيلة إلى شبعه واللباس وسيلة إلى حمايته من الحر والقر والسيارة وسيلة إلى انتقاله من مكان إلى مكان وهكذا
وأما الوسيلة الشرعية فهي كل سبب يوصل إلى المقصود عن طريق ما شرعه الله تعالى وبينه في كتابه وسنة نبيه وهي خاصة بالمؤمن المتبع أمر الله ورسوله. انتهى كلام الالباني من كتاب التوسل17.(2/138)
س)- الي كم قسم ينقسم التوسل المشروع؟
التوسُّلُ المشروعُ الذي دَلَّت عَليهِ نُصوصُ الكِتابِ والسُّنَّةِ وَجَرى عَليهِ عَمَلُ السَّلفِ الصالحِِِِِِِ وأجمعَ عَليهِ المُسلِمونَ هوَ:
1: التوسُّلُ باسمٍ مِن أسماءِ الله تباركَ وتعالى أو صِفةٍ مِن صِفاتِهِ.
2: التوسُّلُ بِعَمَلٍ صالِحٍ قَامَ بِهِ الداعي .
3: التوسُّلُ بِدُعاءِ رَجُلٍ صالِحٍ. انتهى كلام الالباني من كتاب التوسل42.
س)- ما حكم الانواع الاخرى من التوسلات؟
وأما ما عَدا هذهِ الأنواعِ مِن التوسُّلاتِ فَفيهِ خِلافٌ، والذي نَعتَقِدُهُ وَنَدينُ الله تعالى أنهُ غَيرُ جائِزٍ ولا مَشروعٍ لأنَّه لَم يَرِد فِيهِ دَليلٌ تَقومُ بِهِ الحُجَّةُ وَقَد أنكرهُ العُلماءُ المُحقِّقُّونَ في العصورِ الإسلاميَّةِ المُتعاقِبَةِ. انتهى كلام الالباني من كتاب التوسل42.
س)- ما حكم التوسل بجاه النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟
مما لا شك فيه أن جاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومقامه عند الله عظيم , فقد وصف الله تعالى موسى بقوله (وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً)الأحزاب69 , ومن المعلوم أن نبينا محمداً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أفضل من موسى , فهو بلا شك أوجه منه عند ربه سبحانه وتعالى , ولكن هذا شيء , والتوسل بجاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شيء آخر , فلا يليق الخلط بينهما كما يفعل بعضهم , إذ إن التوسل بجاهه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقصد به من يفعله أنه أرجى لقبول دعائه , وهذا أمر لا يمكن معرفته بالعقل , إذ إنه من الأمور الغيبية التي لا مجال للعقل في إدراكها , فلا بد فيه من النقل الصحيح الذي تقوم به الحجة , وهذا مما لا سبيل إليه البتة , فإن الأحاديث الواردة في التوسل به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تنقسم إلى قسمين : صحيح , وضعيف .
أما الصحيح , فلا دليل فيه البتة على المدعى , مثل توسلهم به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الاستسقاء , وتوسل الأعمى به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َفإنه توسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لا بجاهه ولا بذاته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ولما كان التوسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد انتقاله إلى الرفيق الأعلى غير ممكن , كان بالتالي التوسل به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بعد وفاته غير ممكن , وغير جائز .
ومما يدلك على هذا أن الصحابة رضي الله عنهم لما استسقوا في زمن عمر , توسلوا بعمه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ العباس , ولم يتوسلوا به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وما ذلك إلا لأنهم يعلمون معنى التوسل المشروع , وهو ما ذكرناه من التوسل بدعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولذلك توسلوا بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بدعاء عمه , لأنه(2/139)
ممكن ومشروع , وكذلك لم ينقل أن أحداً من العميان توسل بدعاء ذلك الأعمى , وذلك لأن السر ليس في قول الأعمى : ( اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبيك نبي الرحمة....) , وإنما السر الأكبر في دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له كما يقتضيه وعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إياه بالدعاء له , ويشعر به قوله في دعائه : (اللهم فشفعه في) , أي : أقبل شفاعته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , أي : دعاءه في , (وشفعني فيه) , أي : اقبل شفاعتي , أي : دعائي في قبول دعائه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في .
فموضوع الحديث كله يدور حول الدعاء , كما يتضح للقاريء الكريم بهذا الشرح الموجز , فلا علاقة للحديث بالتوسل المبتدع , ولهذا أنكره الإمام أبوحنيفة , فقال : (أكره أن يسأل الله إلا بالله) كما في "الدر المختار" , وغيره من كتب الحنفية .
وأما قول الكوثري في " مقالاته " : (وتوسل الإمام الشافعي بأبي حنيفة مذكورة في أوائل تاريخ الخطيب بسند صحيح) .
فمن مبالغاته , بل مغالطاته , فإنه يشير بذلك إلى ما أخرجه الخطيب من طريق عمر بن إسحاق بن إبراهيم قال : نبأنا علي بن ميمون قال : سمعت الشافعي يقول : (إني لأتبرك بأني حنيفة , وأجيء إلى قبره في كل يوم – يعني زائراً – فإذا عرضت لي حاجة صليت ركعتين , وجئت إلى قبره , وسألت الله تعالى الحاجة عنده , فما تبعد عني حتى تقتضى) , فهذه رواية ضعيفة , بل باطلة.
وقد ذكر شيخ الإسلام في " اقتضاء الصراط المستقيم" معنى هذه الرواية , ثم أثبت بطلانه فقال : (هذا كذب معلوم كذبه بالاضطرار عند من له أدنى معرفة بالنقل فإن الشافعي لما قدم ببغداد لم يكن ببغداد قبر ينتاب للدعاء عنده البتة بل ولم يكن هذا على عهد االشافعي معروفا وقد رأى الشافعي بالحجاز واليمن والشام والعراق ومصر من قبور الأنبياء والصحابة والتابعين من كان أصحابها عنده وعند المسلمين أفضل من أبي حنيفة وأمثاله من العلماء فما باله لم يتوخ الدعاء إلا عند قبر أبي حنيفة ثم أصحاب أبي حنيفة الذين أدركوه مثل أبي يوسف ومحمد وزفر والحسن ابن زياد وطبقتهم لم يكونوا يتحرون الدعاء لا عند قبر أبي حنيفة ولا غيره ثم قد تقدم عن الشافعي ما هو ثابت في كتابه من كراهة تعظيم قبور الصالحين خشية الفتنة بها وإنما يضع مثل هذه الحكايات من يقل علمه ودينه وإما أن يكون المنقول من هذه الحكايات عن مجهول لا يعر).
وأما القسم الثاني من أحاديث التوسل , فهي أحاديث ضعيفة و تدل بظاهرها على التوسل المبتدع , فيحسن بهذه المناسبة التحذير منها , والتنبيه عليها فمنها:(الله الذي يحيي ويميت وهو حي لا يموت,اغفر لأمي فاطمة بنت أسد ولقنها حجتها ووسع عليها مدخلها,بحق نبيك والأنبياء الذين من قبلي فإنك أرحم الراحمين)حديث ضعيف .(2/140)
ومن الأحاديث الضعيفة في التوسل , الحديث الآتي :(مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ إِلَى الصَّلَاةِ فَقَالَ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِحَقِّ السَّائِلِينَ عَلَيْكَ وَأَسْأَلُكَ بِحَقِّ مَمْشَايَ هَذَا فَإِنِّي لَمْ أَخْرُجْ أَشَرًا وَلَا بَطَرًا وَلَا رِيَاءً وَلَا سُمْعَةً وَخَرَجْتُ اتِّقَاءَ سُخْطِكَ وَابْتِغَاءَ مَرْضَاتِكَ فَأَسْأَلُكَ أَنْ تُعِيذَنِي مِنْ النَّارِ وَأَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ أَقْبَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِوَجْهِهِ وَاسْتَغْفَرَ لَهُ سَبْعُونَ أَلْفِ مَلَكٍ)حديث ضعيف.
ومن الأحاديث الضعيفة , بل الموضوعة في التوسل : (لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك)موضوع. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 22.
س)- خطيباً ذكر قصة رجل أصيب بالشلل، وذهب إلى ألمانيا للعلاج ولم يشف، فذهب إلى المدينة إلى قبر النبي عليه الصلاة والسلام وطلب منه الشفاعة، فرأى في المنام أن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول له: اذهب إلى العالم الفلاني يقرأ عليك بعض الآيات ليزول عنك المرض! فما رأيكم في ذلك؟
ممكن أن يقع للإنسان كما في الرؤيا السابقة؛ لأنه من الممكن أن يرى الإنسان الرسول عليه الصلاة والسلام في المنام حقيقة، وممكن أن يكون ذلك توهماً، ودعاء الرجل الصالح كثيراً ما يظهر كالشمس في رابعة النهار، نحن لا ننكر هذا. ولكن زماننا هذا فيه كذب كثير، وفيه خرافات، وفيه بدع ومبالغات، ثم يقولون: هذه الرواية صحيحة وصادقة وليس فيها أي شيء، إلا أنه جاء إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم واستشفع به!! فإنه فعل شيئاً لا يجوز في الشرع. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
باب في التبرك
س)- هل يجوز التبرك بآثار النبي صلى الله عليه وسلم؟
لا بُدَّ من الإشارةِ إلى أنَّنا نؤمنُ بِجَوازِ التَّبَرُّكِ بآثارِه صلى الله عليه وسلم ولا نُنكرُهُ خِلافاً لما يُوهِمُهُ صَنيعُ خُصومِنا ولكن لِهذا التبُّركِ شُروطاً؛ مِنها الإيمانُ الشرعيُّ المقبولُ عِند الله فَمَن لَم يَكُن مسلماً صادقَ الإسلامِ(2/141)
فَلَن يُحقِّقَ الله لهُ أيَّ خَيرٍ بِتبَرُّكِهِ هذا كما يُشتَرطُ للراغِبِ في التبرُّكِ أن يَكونَ حاصِلاً على أثرٍ من آثارهِ صلى الله عليه وسلم وَيَستعملُهُ ونحنُ نَعلَمُ أن آثارَهُ مِن ثيابٍ أو شعرٍ أو فَضَلاتٍ قَد فُقِدَت وليسَ بإمكانِ أحدٍ إثباتُ وُجودِ شيءٍ منها على وَجهِ القَطعِ واليقينِ وإذا كانَ الأمرُ كذلكَ فإن التبرُّكَ بهذِهِ الآثارِ يُصبِحُ أمراً غيرَ ذي مَوضِعٍ في زمانِنا هذا وَيَكونُ أمراً نَظريَّاً مَحضاً. انتهى كلام الالباني من كتاب التوسل 144
س)- هل يجوز التبرك ببعض الاماكن الفاضلة ، كالتبرك بشجرة الرضوان مثلا؟
أن شَجَرةَ الرِّضوانِ التي بُويِعَ تَحتَها النبيُّ عليه الصلاةُ والسلامُ من أصحابِهِ الكرامِ ، قَد عُميَت على الصحابَةِ أنفسِهِم ثمَّ على الَّذين جاؤوا مِن بعدِهِم ، حتى صارَ مَكانَها نَسْياً مَنسيَّاً وما ذلكَ إلا سداً للذريعَةِ ، وَقَطعاً لِدابِرِ الفِتنَةِ ، ولا سيَّما للذين يأتونَ مِن بَعدِهِم مِمَّن لا مَعرِفَةَ لَدَيهِم بالكتابِ والسُّنَّةِ وأُصولِ الشريعَةِ وَقَواعِدِها المُحكمَةِ ، وَقَد قيلَ أنَّ عُمَرَ رضي الله عنهُ هو الذي قَطَعَها . انتهى كلام الالباني من كتاب حياة الألباني 1/422.
باب في الذبح
س)- هل الذبح عند القبور مذموم؟
هذا إذا كانَ الذبحُ هناكَ لله تعالى وأما إذا كانَ لِصاحِبِ القَبرِ كما يَفعَلُهُ بَعضُ الجُهَّالِ فَهوَ شِركٌ صَريحٌ، وأكلُهُ حَرامٌ وفِسقٌ كما قال تعالى: (ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق) [الأنعام: 121] ، أي: والحالُ أنهُ كذلكَ بأن ذَبَحَ لغيرِ الله، إذ هذا هوَ الفِسقُ هنا كَما ذَكَرَهُ الله تعالى بِقولِِهِ: (أو فسقا أهل لغير الله به) [ الأنعام: 145])). انتهى كلام الالباني من كتاب أحكام الجنائز 259-260.
س)- ما هي الاشياء التي يحرم فعلها عند القبور؟
يَحرُمُ عِند القُبورِ ما يأتي: الذبحُ لوجهِ الله ؛ رَفعُها زيادةً على التُّرابِ الخارِجِ مِنها ، طَليُها بالكِلسِ وَنَحوِهِ، الكِتابَةُ عليها، البِناءُ عَليها، القُعودُ عَليها. انتهى كلام الالباني من كتاب أحكام الجنائز 260.(2/142)
س)- هل يجوز أكل ما ذبح للأولياء والأضرحة، علماً بأن الذابح يذكر اسم الله عند الذبح؟
هذا مما أُهِل لغير الله فلا يحل أكله. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/143)
فصل في المنهج
س)- ما هي أصول الدعوة السلفية ومقاصدها؟
هذا سؤال هام بطبيعة الحال، وسوف نجيب بقدر ما يساعد المكان والزمان. نقول: أصول الدعوة السلفية قائمة -كما يعلم الجميع- على ثلاث دعائم: الدعامة الأولى: القرآن الكريم. والدعامة الثانية: السنة.. والسنة الصحيحة، ويركز السلفيون في كل بلاد الدنيا على هذه الناحية (السنة الصحيحة)؛ ذلك لأن السنة -بإجماع أهل العلم- قد دخل فيها ما ليس منها منذ أكثر من عشرة قرون، هذا أمر لا خلاف فيه؛ ولذلك من المتفق عليه أيضاً أنه لا بد من تصفية السنة مما دخل فيها مما ليس منها؛ ولذلك فالسلفيون يتبنون أن هذا الأصل الثاني (السنة) لا ينبغي أن يؤخذ على واقعه؛ لأن فيه الضعيف والموضوع مما لا يجوز الأخذ به حتى ولا في فضائل الأعمال، فهذا هو الأصل الثاني، وهذا متفق عليه تقريباً بين المسلمين سلفهم وخلفهم. والدعامة الثالثة: وهو مما تتميز به الدعوة السلفية على كل الدعوات القائمة اليوم على وجه الأرض؛ ما كان منها من الإسلام المقبول، وما كان منها ليس من الإسلام إلا اسماً، فالدعوة السلفية تتميز بهذه الدعامة الثالثة ألا وهي: أن القرآن والسنة يجب أن يفهما على منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأتباعهم، أي: القرون الثلاثة المشهود لهم بالخيرية بنصوص الأحاديث الكثيرة المعروفة، وهذا مما تكلمنا عليه بمناسبات شتى، وأتينا بالأدلة الكافية التي تجعلنا نقطع بأن كل من يريد أن يفهم الإسلام من الكتاب والسنة بدون هذه الدعامة الثالثة فسيأتي بإسلام جديد، وأكبر دليل على ذلك الفرق الإسلامية التي تزداد في كل يوم؛ والسبب في ذلك هو عدم التزامهم هذا المنهج الذي هو الكتاب والسنة وفهم السلف الصالح. لذلك نجد الآن في العالم الإسلامي طائفة ظهرت من جديد، وطلعت علينا من مصر، ثم بثت أفكارها وسمومها في كثير من بلدان العالم الإسلامي، ويدعون أنهم على الكتاب والسنة، وما أشبه دعواهم بدعوى الخوارج ؛ لأنهم أيضاً كانوا يدعون التمسك بالكتاب والسنة، ولكنهم كانوا يفسرون الكتاب والسنة على أهوائهم، ولا يلتفتون إطلاقاً إلى فهم السلف الصالح وخاصة الصحابة منهم، وأنا لقيت من هؤلاء أفراداً كثيرين، وفي الفترة القريبة في الأردن جادلت رأساً من رءوسهم للمرة الثانية، وهو يصرح بأنه لا يعتد بتفسير الآية ولو جاء عن عشرات من الصحابة، أي: لو جاء هذا التفسير عن عشرات من الصحابة، فهو لا يقبل هذا التفسير إذا كان هو لا يراه، وهذا الذي يقول هذا القول لا يستطيع أن يقرأ آية بدون لحن وغلط وخطأ فيها، هذا هو سبب انحراف الخوارج القدامى، الذين كانوا عرباً أقحاحاً، فماذا نقول عن الخوارج المحدثين اليوم، الذين هم إن لم يكونوا أعاجم فعلاً فهم عرب استعجموا، وليسوا عجماً استعربوا، هذا واقعهم، فهؤلاء يصرحون(2/144)
بأنهم لا يقبلون تفسير النص إطلاقاً، إلا إذا أجمع عليه السلف، هكذا يقول قائلهم تمويهاً وتضليلاً. فقلت له: وهل تعتقد إمكان إجماع السلف على تفسير لنص من القرآن؟ قال: هذا مستحيل. قلت: إذاً أنت تريد المستحيل، أم أنك تتستر؟ فخنس وسكت. الشاهد: أن سبب ضلال الفرق كلها قديماً وحديثاً هو عدم التمسك بهذه الدعامة الثالثة: أن نفهم الكتاب والسنة على منهج السلف الصالح. المعتزلة .. المرجئة .. القدرية .. الأشعرية .. الماتريدية ؛ وما في هذه الطوائف كلها من انحرافات، سببها أنهم لم يتمسكوا بما كان عليه السلف الصالح؛ لذلك قال العلماء المحققون: وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف. فهذا ليس شعراً، بل هذا الكلام مأخوذ من الكتاب والسنة: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ )[النساء:115] لماذا قال: ويتبع غير سبيل المؤمنين؟ كان يستطيع ربنا أن يقول: (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيراً) فلم قال: ويتبع غير سبيل المؤمنين؟ حتى لا يركب أحد رأسه، ولا يقول: أنا فهمت القرآن هكذا، وفهمت السنة هكذا، فيقال له: يجب أن تفهم القرآن والسنة على طريقة السلف المؤمنين الأولين السابقين. وقد أيد هذا النص من القرآن نصوص من أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام، كحديث الفرق، قال عليه الصلاة والسلام: (.. كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال: في رواية الجماعة. وفي أخرى: ما أنا عليه وأصحابي) لماذا وصف الفرقة الناجية بأن تكون على ما كانت عليه الجماعة، وهي جماعة الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لكي يسد الطريق على المؤولين ، وعلى المتلاعبين بالنصوص. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما هي مقاصد الدعوة السلفية؟
أما مقاصدها: فلا شك أن من مقاصدها هو أن يحققوا المجتمع الإسلامي الذي به يمكن تحقيق الحكم بالإسلام لا بسواه، فالحكم بالإسلام في غير مجتمع إسلامي ضدان لا يجتمعان، لذلك أختم الجواب على هذا السؤال بكلمة في منتهى الحكمة -عندي- فنقول للمسلمين جميعاً: أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم؛ تُقم لكم على أرضكم. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل الخلاف بين المسلمين في الفروع وليس في الأصول؟
المسلمون مختلفون حتى في العقيدة، وليس كما يقول جماهير المشايخ اليوم: إن الخلاف بين المسلمين إنما هو في الفروع وليس في الأصول، (هذه شنشنة نعرفها من أخزم) ولا تكاد تقرأ مجلة دينية إلا وتجد الضرب على هذه الوتيرة وعلى هذه النغمة فيها، وهي أن الخلاف بين المسلمين إنما هو في الفروع وليس في(2/145)
الأصول، ثم يزيدون على ذلك فيقولون: والاختلاف في الفروع رحمة، وهذا كله خطأ من ناحيتين: الناحية الأولى: أن الاختلاف يتعدى الفروع إلى الأصول، بل إن الخلاف وقع في أس الأصول كلها، ألا وهو الإيمان بالله تبارك وتعالى، فما أظنكم يخفى عليكم الخلاف بين الماتريدية -مثلاً- وأهل السنة جميعاً في الإيمان، هل يقبل الزيادة والنقص أم لا؟ وهل من مسماه الأعمال الصالحة أم لا؟ فالجمهور ونصوص الكتاب والسنة تثبت أن الإيمان يزيد وينقص، وأن العمل الصالح من الإيمان، أما الماتريدية فلا يزالون يقولون: الإيمان لا يزيد ولا ينقص، وكل إيمان يقبل الزيادة فهو كفر؛ لأنهم يعتقدون أن الإيمان شيء لا يقبل الزيادة والنقص أبداً، وهذا المذهب حتى اليوم مسيطر وربما يكون مسيطراً على أكبر رقعة من العالم الإسلامي. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما تعليقكم على ِقولِ بَعضِ المتَكلِّمينَ بأنَّ مَذهبَ السَّلفِ أسلمُ وَمَذهبُ الخَلَفِ أعلَمُ وأحكَمُ ؟
انتُم تَسمَعونَ في كَثيرٍ مِن المناسباتِ أقوالاً يَتَلَفَّظُ بِها بَعضُ من يَنتمي إلى العِلمِ، وَلكن ليسَ هذا هو العِلمُ الذي طَريقُهُ ما ذكرتُهُ آنِفاً ، الكتابُ والسنةُ وما كانَ عَلَيهِ الصحابَةُ ، وإنَّما يَعنُونَ بالعِلمِ ما يَفهَمونَهُ من الكتابِ والسُّنةِ دونَ أن يَرجِعوا إلى العِصمةِ التي تَحفَظُهُم مِن أن يَكونوا مِن الفِرَقِ الضَّالَّةِ.
لذلك تَجِدونَ وَتَسمَعونَ في بَعضِ ما يُنشَرُ ويُطبَعُ في العَصرِ الحاضِرِ مِن رَسائِلَ أو مِن مَقالاتٍ ؛ أنَّ كثيراً من هؤلاءِ الذينَ يَدَّعونَ العِلمَ أو ينتمونَ إلى العلمِ ، أو يَزعُمُ الجماهيرُ أنَّهم من أهلِ العِلمِ ، تَسمَعونَ مِنهُم مَن يَقولُ – مُخالِفاً لِكُلِّ هذهِ الأدلَّةِ التي ذكرنا آنِفا- : (( مَذهَبُ السَّلَفِ أسلمُ ، وَمَذهَبُ الخَلَفِ أعلَمُ وأحكَمُ )) ، هذا إعلانٌ صَريحٌ مَفضوحٌ بأنَّ هذا القائِلَ وأمثالهُ لا يَرجِعونَ إلى ما ذَكَرنا من النُّصوصِ التي توجِبُ عَلَيهِم أن يَلتَفِتوا إلى ما كَانَ عليهِ السَّلفُ أصحابُ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- من الهُدى والنُّورِ.
فَقَولُ هؤلاءِ : إنَّ عِلمَ السَّلفِ أسلَمُ وعِلمُ الخَلَفِ أعلَمُ وأحكَمُ ؛ معنى ذلكَ : أنَّهم أعرضوا عن اتِّباعِ السلفِ الذينَ أَمَرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- باتِّباعِ سُنَّتِهِم. اصول الدعوة السلفية : 105-106.
س)- ما الواجب على الدعاة اليوم في الدعوة الى الله عز وجل؟
فَرسولُنا -صلى الله عليه وسلم- هو الأسوَةُ الحسنَةُ في مُعالَجَةِ مَشاكِلِ المسلمينَ في عالَمِنا المُعاصِرِ وفي كُلِّ وَقتٍ وَحينٍ ، وَيَقتَضي ذلك مِنَّا أن نَبدأَ بِما بَدأَ بِهِ نبيُّنا -صلى الله عليه وسلم- وَهو إصلاحُ مَا فَسَدَ مِن عَقائِدِ المسلمينَ أوَّلاً ، وَمِن عِبادَتِهِم ثانياً ، وَمِن سُلوكِهِم ثالثاً. انتهى كلام الالباني من التوحيد اولا.(2/146)
س)- يقال : إن الداعية إلى الإسلام يجب ألاّ يكون متشدداً بأمور السنة، وأن يتجنب -أكثر ما يمكن- المواقف التي تثير الأمور المتعلقة بالسنة، وأنه يجب أن يكون له سياسة بعيدة تقريباً عن السنة، فهل هذا صحيح ومفيد في أمور الدعوة؟ وإن كذلك فهل يجوز لنا اتباعه؟ وكيف التوفيق بينه وبين الحرص على السنة؟
الحقيقة أن السنة -لاسيما في معناها العام- لا يجوز لمسلم أن يعرض عنها ولو مؤقتاً، فالمسلم لاسيما إذا كان يقول، أو يقال عنه: إنه داعية؛ فيجب أن يدعو إلى الإسلام، والإسلام كلٌ لا يتجزأ، وأن يبين للناس كل ما يتعلق بالإسلام، لكن الأمر كما قيل: (العلم إن طلبته كثير، والعمر عن تحصيله قصير، فقدم الأهم منه فالأهم). وأن يهتم الداعية بالدعوة إلى أهم شيء، ثم الذي يليه وهكذا، ولكن إذا كان في مناسبة ما وبدت له خطيئة من بعض الناس تخالف الشريعة في بعض الأحكام التي ليست من أصول الشريعة، لكن الوقت وقت بيان، ووقت أمر بالمعروف ونهي عن المنكر؛ فلا يجوز له أن يكتم ذلك باسم السياسة، وإنما يدعو إلى السنة التي يعرفها في تلك المناسبة، ولكن كما قال الله عز وجل: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) [النحل:125] فلم يقل الله عز وجل: ادع إلى شيء واترك شيئاً، وإنما أمر بالدعوة بالحكمة والموعظة وبالتي هي أحسن. فمثلاً: إذا كان هناك إنسان يصلي في مسجد، فرأى بجانبه شاباً في مقتبل العمر يصلي وهو متختم بخاتم من الذهب، فقد يرى بعض الناس أن من السياسة في الدعوة أن يسكت، وألا ينصح هذا المصلي بهذه المخالفة، فهذا من السياسة الشرعية، ومتى ينصحه يا ترى! وهو قد يفوته، ولا يراه مرة أخرى؟! والصور تتعدد وتتكرر، وخاصة من الشخص -كما قلت في أول الجواب- الذي نصب نفسه للدعوة إلى الإسلام، فهو لا يجوز أن يدعو إلى بعض الإسلام ويترك البعض الآخر، لكن يجب أن يهتم بالأهم فالأهم، هذا لا بد منه، ولكن يرى المنكر ويسكت عنه اليوم، واليومين، والثلاثة، والأربعة، والشهر، والشهرين؛ بزعم أن هذا من سياسة الدعوة؛ فلم يكن الأمر كذلك في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، ولا في عهد السلف الصالح، وإنما القاعدة في ذلك من ناحيتين: الناحية الأولى : من حيث الأسلوب. الناحية الثانية: من حيث عموم الأمر، فهو شامل لكل شيء؛ لأن هناك نصوصاً كثيرة جداً، ومن أشهرها ما هو معروف لدينا جميعاً: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) رأى منكراً لم يستطع تغييره بيده فينزل إلى المرتبة الثانية، ويغير ذلك المنكر بلسانه، بالتي هي أحسن، كما في الآية السابقة، وإن لم يستطع(2/147)
فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان، فلم يقل: إن اقتضت حكمة الدعوة أو سياسة الدعوة فعليك أن تسكت، لا. بل قال: إن استطعت، فما دمت تستطيع أن تغير المنكر مهما كان، ما دام أنه -كما جاء في السؤال- مخالف للسنة فعلينا البيان، ثم لست عليهم بمسيطر. الواقع أن المشكلة ليست مشكلة تقسيم الإسلام والدعوة إليه إلى قسمين: القسم الأول: أن ندعو إليه عاجلاً. القسم الثاني: أن ندعو إليه آجلاً، أو لا ندعو إليه بتاتاً. ليست هذه هي المشكلة، لاسيما أنه ليس هناك كتاب مصنف في بيان الإسلام الذي يجب أن ندعو إليه عاجلاً، والإسلام الذي يجب أن ندعو إليه آجلاً، أو لا ندعو إليه مطلقاً، بزعم أن سياسة الدعوة تقتضي ذلك، فليس هناك كتاب، ولا يمكن أن يوجد مثل هذا الكتاب، فهذا الذي يزعم ويريد أن يقسم الإسلام إلى قسمين: قسم ندعو إليه مباشرة، وقسم نؤجل أو ننسئ، من أين له هذا التقسيم؟ وما دليله؟ هذا في الواقع ينبغي أن يكون من أكبر علماء المسلمين؛ حتى قد يسمح له بهذا التقسيم، فأين هؤلاء؟ نحن نعرف الذين يتولون الدعوة لا يعرفون من الإسلام إلا شيئاً قليلاً، ثم هم أنفسهم يخالفون هذه القاعدة، أنا أقولها صريحة: إن الذين يدعون نظرياً إلى تقسيم الإسلام إلى قسمين: قسم هام يبدأ به، وآخر لا يشغل به، نحن نعرف أن هؤلاء يدعون إلى أمور قد لا تكون في الإسلام مطلقاً، فضلاً عن أن تكون من الإسلام الذي هو من القسم الأول الهام، ونحن تكلمنا في هذا كثيراً وكثيراً، ولذلك نقتصر على هذا، وبهذا القدر الكفاية، والحمد لله رب العالمين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- يقال: إن الدعوة السلفية تشترط أخذ الأحكام من الكتاب والسنة، دون اشتراط أخذها عن أهل العلم والاختصاص، فهل يمكن للعامي اعتماد فهمه للنص دون الرجوع إلى أهل العلم؟
إن ما نسمعه كثيراً وكثيراً جداً من بعض الناس الذين لم يفقهوا ولم يفهموا الدعوة السلفية، لا من أشخاص الدعاة إليها مباشرة ولا من مؤلفاتهم، وإنما فهموا الدعوة السلفية من خصومهم وأعدائهم، وهؤلاء هم الذين يأتون بمثل هذا البلاء في سوء الفهم لهذه الدعوة، كثير من الناس ينقلون عنا، وبعضهم يتصل بنا، وبعضهم يحاربنا ويطعننا في الخفاء، ويقول: بأننا نحن ندعو المسلمين جميعاً حتى عامتهم إلى الفهم من الكتاب والسنة مباشرة. وأنا أقول صراحةً: لو كان هناك فعلاً أناس يدعون الجهال الأميين، الذين لا يقرءون ولا يكتبون، إلى أن يأخذوا الفقه والعقيدة والدين كله من الكتاب والسنة مباشرة، وهم لا يحسنون قراءة آية ولا رواية حديث؛ لصح كلام هذا، وصح كلام أولئك الأعداء، ولكن هل الدعوة هكذا؟ أنحن ندعو من لا يفقه شيئاً من العلم أن يتسلق على الكتاب والسنة، وأن يفرض جهله، وعاميته، وأميته على الكتاب(2/148)
والسنة، ثم يقول: أنا أفهم هكذا، وأنا مأمور باتباع الكتاب والسنة؟! فهذا لا يوجد مسلم -صفه كما شئت، سلفي أو خلفي- أبداً يقول بمثل هذا الكلام، ونحن قلنا دائماً وأبداً، وفي الأمس القريب نهار البارحة جاءني أشخاص من حمص، فيهم شاب مثقف بعض الشيء، وقد بلغه من اللامذهبية المعروفة ونحوها ما يشير إليه هذا الكاتب، من أننا ندعو الناس جميعاً إلى اتباع الكتاب والسنة، يعني: أن الجهال يفهمون الكتاب والسنة بجهلهم، فشرحت له المسألة بشيء من التفصيل، إيجازه قلت له: نص القرآن الكريم جعل الناس من حيث العلم والجهل قسمين: علماء، وهم الذين يفهمون الكتاب والسنة، ويقابلهم غير العلماء، ونسميهم الجهال الذين لا يفهمون الكتاب والسنة، وعلى كل من القسمين واجبه بنص القرآن الكريم، قال تعالى: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:43] إذاً: هو يخاطب الأمة في مجموعها، في علمائها وجهالها، في مثقفيها وأمييها، يقول: أنتم طائفتان: علماء وغير علماء، غير العلماء عليهم أن يسألوا العلماء: (فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) [النحل:43] نحن هذا الذي ندعو الناس إليه، لكن قد نختلف مع المقلدين في مفهوم العلم والعالم، ما هو العلم؟ ومن هو العالم؟ دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم تقسيم الدين إلى لباب وقشور؟
كثيرٌ من الكتاب الإسلاميين اليوم ومن المحاضرين وأمثالهم يصرِّحون بأن هذه القضايا التي جعلها الإسلام مبادئ وقواعد؛ مثل: (مَنْ تشبَّه بقوم فهو منهم)، يقولون: هذه مسائل تافهة، وهذه أمور تعتبر من القشور! نحن لا بد أن نشتغل الآن باللباب!! وليتهم يشتغلون باللباب؛ لأن الذي لا يحافظ على القشر لا يمكن أن يحافظ على اللباب؛ لأن ربنا عز وجل بحكمته كما حصَّن لباباً مادياً ببعض القشور المتنوعة، كذلك أيضاً حصَّن لباباً روحياً معنوياً بأمور أخرى يسميها هؤلاء بالقشور، ونحن نسميها بمثل ما قال الله في الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به... إلخ) . لذلك فإن الأمة المسلمة الحية لا يمكن أبداً أن تكون مسلمة في قلبها، وغير مسلمة في قالبها، لأن الإسلام كلٌّ لا يتجزأ أبداً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- بعض الدعاة يعرضون عن الاهتمام بأصل الاسلام وهو التوحيد . فما نصيحتكم لمن كان هذا منهجه؟
مَعلومٌ مِن طَريقَةِ دَعوتِهِم أنَّهُم قد أعرَضُوا بالكُليَّة عن الاهتمامِ بالأصلِ الأوَّلِ - أو بالأمرِ الأهمِّ - من الأُمورِ التي ذَكرتُ آنفًا ، وأَعني : العَقيدَةَ والعِبادَةَ والسُّلوكَ، وأعرَضوا عن الإصلاحِ الذي بَدأَ بِهِ الرَّسولُ -(2/149)
صلى الله عليه وسلم- بَلْ بدأَ بِهِ كُلُّ الأنبياءِ ، وَقَد بَيَّنه الله تعالى بِقَولِهِ :( وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ) النحل: 36 ، فَهُم(لا يَعنُونَ بِهذا الأصلِ الأصيلِ والرُّكنِ الأوَّلِ مِن أركانِ الإسلامِ - كما هو مَعلومٌ لَدى المسلمينَ جميعًا - هذا الأصلُ الذي قامَ يَدعو إليهِ أوَّلُ رَسولٍ من الرُّسُلِ الكِرامِ ؛ ألا وهُو نوحٌ -صلى الله عليه وسلم- قُرابَةَ ألفِ سنةٍ، والجَميعُ يَعلَمُ أن الشرائِعَ السابِقِةِ لَم يَكُن فيها من التَّفصيلِ لأحكامِ العباداتِ والمعاملاتِ ما هُوَ مَعروفٌ في دينِنا هذا ؛ لأنَّهُ الدِّينُ الخاتَمُ للشرائِع ِوالأديانِ ، وَمَعَ ذلكَ فَقد لَبِثَ نوحٌ في قَومِهِ ألفَ سنةٍ إلا خمسينَ عاماً يَصرِفُ وَقتَهَ وجُلَّ اهتمامِهِ للدعوَةِ إلى التوحيدِ ، وَمَع ذلك أعرَضَ قومُهُ عن دَعوتِهِ كما بيَّن الله - عز وجل - ذلكَ في مُحكَمِ التَّنْزيلِ (وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا) [نوح: 23].
فَهذا يَدُلُّ دِلالةً قَاطِعَةً على أنَّ أهمَّ شيءٍِ يَنبغي على الدُّعاةِ إلى الإسلامِ الحقِّ الاهتمامَ بِهِ دائمًا هُوَ : الدعوةُ إلى التوحيدِ ، وهو مَعنى قَولِهِ - تباركَ وتعالىَ- :( ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ )[محمد: 19 هكذا كانَت سُنَّة النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- عَمَلاً وَتَعليماًَ)) انتهى كلام الالباني من التوحيد اولا.
س)- ما موقفنا من المذاهب؟ وهل نعتبرها من الفرق أم لا؟
نحن نعتبر كل طائفة وكل جماعة تصر على مخالفة الكتاب والسنة بالمفهوم السلفي، وأقول: تصر على ذلك بالتعبير الشامي (عيني عينك) أي: عناداً وإصراراً، فهي تعتبر طائفة من الطوائف وفرقة من الفرق الضالة، لكن الأئمة الأربعة وأتباعهم الأولين، لا يمكن جعلهم في شيء من هذه الطوائف إطلاقاً؛ لأن منهجهم كان معتمداً على الكتاب والسنة واتباع ما كان عليه السلف الصالح، ومع الأسف أقول: إن أكثر الأئمة الأربعة اشتهاراً بأنه يؤيد بعض الشيعة على السنة هو الإمام أبو حنيفة، وأنا أعترف بهذا، ولكن لم يكن ذلك في اعتقادي عناداً منه ومعاندةً منه للسنة؛ وإنما لأن السنة كانت إحاطته بها في دائرة ضيقة جداً، بسبب انشغاله وانكبابه على تفريع واستنباط الأحكام من نصوص الكتاب أو الأحاديث التي وصلت إليه، لذلك تكثر عنه الآراء التي تخالف السنة، أما من حيث موقفه من هذا القيد وهو التمسك بما كان عليه السلف والصحابة بصفة خاصة فهو مشهور عنه، فإ،ه يقول: إذا جاء القول عن الصحابة ... لكن إذا اختلفوا فنحن بشر وهم بشر، فنأخذ من حيث أخذوا، فهو إذاً أقرب الأئمة الذين يمكن أن يقال فيهم، مع ذلك لا يمكن أن يقال فيه شيء إطلاقاً؛ لأن منهجه لا يخالف منهج السلف الصالح، لكن من أتباعه المتأخرين من تعصبوا له، كما أن الأئمة الآخرين -أيضاً- تعصبوا لهم أتباعهم. الخلاصة: يمكن نحن أن(2/150)
نضم بكل صراحة المتعصبين من المذهبيين الذين يؤثرون التقليد للمذهب، وليته كان مذهب الإمام الأول؛ لأنهم يتبعون قول المتأخرين منهم، وكثير منهم يصرح حينما نعارضهم بأقوال الأئمة أنفسهم، يقولون: نحن لا نأخذ بأقوال الأئمة المتقدمين، نحن نأخذ بأقوال المشايخ المتأخرين؛ لأن هؤلاء درسوا أفكار الأمة وفيها راجح ومرجوح، ولذلك هم لا يتبعون الأئمة أنفسهم وإنما المتأخرين منهم، فهؤلاء المتعصبون لأقوال أئمتهم المتأخرين مخالفون في ذلك نصوص الكتاب والسنة، ويمكن أن نعتبرهم من الفرق، أما نفس الأئمة فحاشاهم من ذلك حاشاهم! لعل في هذا القدر كفاية، والحمد لله رب العالمين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- يتهمونك بأنك لا تأخذ بأقوال الأئمة الأربعة رضي الله عنهم، أو إن صح التعبير: باجتهاداتهم الفقهية، فما صحة ذلك؟
يقصد أننا نأخذ باجتهاداتنا الفقهية، أسأل الله أن يوفقنا والله المستعان. أقول: إن الذين يتهموننا بهذه التهمة شأني معهم كما قال الشاعر:
غيري جنى وأنا المعذب فيكم فكأنني سبابة المتندم.
غيري جنى: غيري الذي لا يأخذ باجتهادات الأئمة، أما نحن فنأخذ باجتهادات الأئمة جميعاً؛ لأن الطالب للعلم لا سبيل له إلى طلب العلم إلا من طريقين: إما أن يأخذ عن إمام فقط من الأئمة الأربعة.. وأنا أختصر كلاماً، وأقطع مراحل لا بد من شرحها؛ لأن طلاب العلم اليوم لا يستطيعون أن يأخذوا حتى ولا من إمام واحد، إنما بالوسائط، لكن أقول: طالب العلم اليوم لا سبيل له إلى تحصيل العلم إلا من طريقين: إما أن يأخذ عن إمام واحد، والطريق الثاني: أن يأخذ عن كل الأئمة، فالطريق الأول هو طريقة المذهبيين.. طريقة المقلدين الجامدين، الذين أولاً: لا يلتفتون أبداً إلى ما قال الله، وإلى ما قال رسول الله. وثانياً: لا يلتفتون إلى الأخذ من الأئمة الآخرين، والذين لا ينتمي إلى مذهبهم في طلبه للعلم. إذاً: طريق طلب العلم إما بتقليد مذهب معين، وإما باتباع الأئمة دون تعصبٍ لواحد منهم على الآخرين، فما هي طريقة القوم -اليوم- الذين يتهموننا بأننا لا نأخذ باجتهادات الأئمة؟ وما هي طريقتنا؟ إذا علمتم أن طريقتنا هي الأخذ عن كل إمام، وليس فقط الأئمة الأربعة، فإن الله عز وجل قد تفضل على أمة محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأئمة من أمثال الأئمة الأربعة بالعشرات، بل بالمئات، بل بالألوف المؤلفة، فالذين يأخذون بطريقة اتباع الكتاب والسنة، فهم الذين يأخذون باجتهادات الأئمة، أما الذين يقلدون مذهباً معيناً، فهؤلاء لا يستفيدون من الأئمة الآخرين، ولا يأخذون باجتهاداتهم، إذاً: فقد ظهر أن -كما قلت لكم آنفاً: غيري جنى وأنا المعذب فيكم.. غيري الذي لا يأخذ باجتهادات الأئمة وليس أنا، فأنا آخذ باجتهادات الأئمة(2/151)
كلهم، دون تفريق بين واحد والآخر منهم. ثم لابد هنا إلى التنبيه بأن هذه الطريقة التي نسلكها نحن لعدم التعصب لإمام على إمام، هي الطريقة التي خطها ونهجها نفس الأئمة الأربعة وغيرهم للمسلمين؛ لأن ذلك هو الذي يقتضيه الكتاب والسنة، ألا نقلد شخصاً معيناً؛ لأن الشخص المعين معرض للخطأ والصواب، ونحن حين نقول: خطأ، لا نعني الغمز، ولا اللمز، ولا الطعن، كما يتهمنا أولئك الناس، وإنما نعني: أنه -أي: المجتهد من هؤلاء المجتهدين- إما أن يؤجر أجرين، وإما أن يؤجر أجراً واحداً، فإذا أُجر أجراً واحداً فذلك يساوي عندنا (أخطأ)، وأخطأ يساوي عندنا أجر أجراً واحداً، فالناس من جملة ما اضطربت فيه مفاهيمهم، وخرجوا عن الفهم الصحيح للكتاب والسنة: أن المسلم إذا قال في حق رجل عالم أخطأ، اعتبر هذا طعناً في الذي قيل فيه: إنه أخطأ، وهذا جهل، لقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم في أبي بكر في قضية: أخطأت. فهل طعن الرسول في صاحبه في الغار؟ حاشا! بل لقد قال في بعض أصحابه حينما أفتى فتوى فأخطأ فيها: كذب فلان، وكذب في اللغة العربية التي نكاد أن ننساها معناها: أخطأ، فنحن إذا قلنا اليوم: كذب فلان. يا لطيف! -ولا نقولها؛ لأن القوم لا يفقهون لغتهم- ولكن لا يسعنا أن نقول إلا: أخطأ، وأخطأ يساوي أجر أجراً واحداً. الخلاصة -والبحث في هذا طويل-: نحن نحترم الأئمة كلهم، ونأخذ باجتهاداتهم، وليس باجتهاد واحد منهم، وعلى العكس من ذلك؛ كل متمذهب إذا قال: نحن نحترم الأئمة ونعظمهم! فهو منافق، يقول ما لا يعتقد، في كتب المذهب الحنفي -بصورة خاصة- يقول ابن عابدين : إذا سُئلنا عن مذهبنا قلنا: مذهبنا صواب يحتمل الخطأ، وإذا سُئلنا عن مذهب غيرنا قلنا: خطأ كله. أي: أنا حنفي ومذهبي كله صواب يحتمل الخطأ، ومذهب غير أبي حنيفة، مذهب مالك والشافعي وأحمد والثوري وعبد الرحمن بن مهدي، وغيرهم؛ كل هؤلاء مذهبهم خطأ يحتمل الصواب، هذا قولهم مسطور مطبوع، أما نحن إذا قلنا: فلان أخطأ في هذه المسألة، ونعني: أجر أجراً واحداً، يا غيرة الله! أما المطبوعة بالكتب (كل المذاهب خطأ إلا مذهبنا) فهذا لا بأس، وهذه عقيدة يجب أن يعتقدوها. خلاصة القول: فرمتني بدائها وانسلت.. نحن نتبع الأئمة، وليس المقلدون هم الذين يتبعونهم، واحترامهم للأئمة إن أرادوا أن يكونوا صادقين؛ فعليهم أن يثبتوا لنا في ماذا اتبع الحنفي الشافعية، في أي مسألة؟ وفي أي مسألة اتبع الإمام مالكاً؟ وفي أي مسألة اتبع الإمام أحمد؟ حتى نعتقد أنهم يحترمون الأئمة، أما أن يظل يعيش أحدهم لا يحيد قيد شعرة عن مذهبه، ولا يعترف قيد شعرة بالمذاهب الأخرى، ويعتقد في نفسه أنه على صواب، فهو حين يقول: إنه يحترم الأئمة، يحتاج إلى ما يدعمه ويصدقه، أما نحن فواقعنا يشهد أننا نحترم الأئمة كلهم. أنا -مثلاً- رجل حنفي، وفي بلادي لا يعرف إلا المذهب الحنفي، والإسلام هناك كله مذهب حنفي، وربنا عز وجل تفضل علينا وألهم أبانا فهاجر بنا؛ لنتعلم اللغة العربية ونتعلم الإسلام من مصدريه الصافيين: الكتاب والسنة، فقد عرفنا الأئمة، وعرفنا فضلهم، وعرفنا علمهم.. إلخ، فأنا حنفي،(2/152)
وتعلمت في الفقه الحنفي أنه يكره رفع اليدين عند الركوع والرفع منه، وقيل: إنه حرام، وقيل: إن الصلاة باطلة إذا رفعت يديك عند الركوع والرفع منه، وهذا مسجل في كتب وهي مطبوعة، فلما تبينت لي السنة في رفع اليدين، فوجدت الإمام الشافعي، والإمام أحمد، والإمام مالك أيضاً يقولون بأنها سنة أخذت بها، وكذلك كل مسألة يتبين أنها الحق أخذناها، إما من الجمهور، كمالك، والشافعي، وأحمد، أو تارة عن الشافعي دون مالك، وتارة عن مالك دون الشافعي، وتارة عن أحمد دون هذا وهذا، فهذا هو احترامنا للأئمة، لكن هم تارة بقصد سيء، وتارة بسوء فهم -وقد يكون القصد حسناً- يتوهمون أننا إذا قلنا: إن القول بأن رفع اليدين في الصلاة مكروه خطأ، فإننا نطعن في الإمام أبي حنيفة . فنقول لهم: إذاً أنتم ماذا تقولون؟ أنتم تقولون: مذهبنا كله صواب يحتمل الخطأ، إذاً طعنتم في الأئمة كلهم، في أقوالهم كلها، هكذا يجمعون بين متناقضات في أذهانهم، نسأل الله عز وجل أن يهدينا وإياهم لاحترام الأئمة واتباعهم حسب منهجهم هم، لا حسب منهج المقلدين تقليداً أعمى. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ورد أن الله سبحانه وتعالى يبعث على رأس كل قرن هجري مجدداً لهذه الأمة، فهل هذا صحيح أولاً؟ وإن كان صحيحاً فما نوع التجديد الذي يتم على يد هذا المجدد؟
الحديث صحيح، والتجديد أنواع، هذا هو الصحيح في تفسير الحديث، فالإسلام يحتاج إلى تجديد كلما مضى عليه مدة من الزمن -طويلة أو قصيرة- وتجديد الإسلام يكون من نواحٍ متعددة، أهمها: تجديد مفاهيمه الصحيحة، حيث ينحرف المسلمون مع الزمن عن فهم الإسلام -كتاباً وسنةً- فهماً صحيحاً، فأعظم تجديد هو هذا التجديد، الذي يأتي إلى المسلمين بالمفاهيم الصحيحة التي كان عليها سلفنا الصالح لنصوص الكتاب والسنة. ومن هذا التجديد الأهم: أن يصفي السنة مما دخل فيها مما ليس منها، ثم هو يدعو المسلمين إلى الاعتماد على هذه السنة الصحيحة مع القرآن، ومع ذاك البيان الصحيح لكل منهما، الذي كان عليه سلفنا الصالح، هذا تجديد وهو أهم تجديد، ولا تقوم قائمة المسلمين، وقائمة الحركات الإسلامية، والدعوات الإسلامية كلها، والأحزاب الإسلامية كلها؛ إلا إذا بنيت على هذا التجديد الأصيل؛ وهو: تجديد السنة بتمييز ما ليس منها وطرحه جانباً، وتجديد المفاهيم الصحيحة لنصوص الكتاب والسنة، بدعوة المسلمين إلى المفاهيم التي كان عليها سلفنا الصالح. لكن هذا في الواقع لا يكفي، فلا بد من تجديد -مثلاً- لعلوم أخرى يتطلب تطور الحياة العلمية والاجتماعية أن يتوجه بعض الناس إلى تجديدها، ونضرب على ذلك مثلاً.. علم اللغة، فهذا العلم لا بد من التجديد فيه، وتقريبه إلى الناس، وحتى إلى العرب(2/153)
أنفسهم الذين ابتعدوا قليلاً أو كثيراً عن لغتهم، بسبب العُجمة التي تسربت إليهم، فلا بد إذاً من تجديد هذا العلم، وكذلك يقال: لا بد من تجديد النواحي التربوية والنفسية، وتوجيه المسلمين إلى ما يوافق الكتاب والسنة من هذه النواحي كلها، ولا شك أن فرداً بل جماعة لا تستطيع أن تقوم بكل هذه الجهود وهذه التجديدات، ولذلك ذكر بعض العلماء -كمثال لأنواع التجديد- من المجددين: صلاح الدين الأيوبي ؛ مع أن الرجل لم يكن مشهوراً بالعلم، ولكن لما جدد الحياة الإسلامية؛ بأن حضهم على الجهاد، وحملهم على مقاتلة الأعداء، وإخراجهم من البلاد بعد أن احتلوها سنين طويلة؛ فاعتبروه من جملة المجددين، فإذاً: لا يحصر التجديد في ناحية دون أخرى، فما دام أن الحياة تتجدد فلا بد للعلوم من أن تتجدد، وأن تمشي هذه العلوم وفق الكتاب والسنة الصحيحة، وعلى المفهوم الذي كان عليه سلفنا الصالح رضي الله عنهم. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما أسباب تسلط الذل على المسلمين؟
روى الإمام أبو داود في سننه، والإمام أحمد في مسنده وغيرهما بإسنادين يقوي أحدهما الآخر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم). في هذا الحديث الصحيح بيان للعلاج والدواء لهذا الذي حل بالمسلمين من الذل الذي سيطر عليهم أجمعين، إلا أفراداً قليلين منهم لا يزالون يتمسكون بالعروة الوثقى لا انفصام لها. لقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث المرض الذي إذا حل بالمسلمين أذلهم الله، ثم وصف لهم الدواء والخلاص من هذا الداء، فقد قال عليه الصلاة والسلام في مطلع هذا الحديث: (إذا تبايعتم بالعينة) بيع العينة لا نريد الكلام عنه إلا بإيجاز، هو: بيع من البيوع الربوية التي ابتلي بها كثير من الناس في العصر الحاضر، وهو إنما ذكره الرسول صلوات الله وسلامه عليه على سبيل التمثيل وليس على سبيل التحديد، مما يقع فيه المسلمون فيستحقون به وبسببه أن يذلهم الله تبارك وتعالى، ذكر بعض الأمثلة في نص هذا الحديث: أولها: بيع العينة، ثم ثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك فقال: (وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع) وهذا كناية عن تكالب المسلمين على جمع الدنيا وعلى الاهتمام بزخارفها، ذلك الذي يصرفهم عن القيام بكثير من الواجبات الشرعية، وضرب على ذلك مثلاً واحداً أيضاً، فقال عليه الصلاة والسلام في تمام الحديث: (وتركتم الجهاد في سبيل الله). (إذا تبايعتم بالعينة) أي: تعاملتم بالمعاملات المحرمة ومنها العينة.. (وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع) أي: انصرفتم عن القيام بواجباتكم الدينية إلى الاهتمام بالأمور الدنيوية، وكسب المال بأي طريق كان، وأدى ذلك بكم إلى ترك الجهاد في سبيل الله.. ماذا يكون عقاب هذه الأمة حينما تقع في هذه الأمور(2/154)
التي لم يشرع ربنا عز وجل شيئاً منها؟ قال عليه الصلاة والسلام من باب التحذير: (سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)، وهذا الذل المسلط على المسلمين أمرٌ لا يخفى على كل ذي عقل، وهنا يحتاج الأمر إلى كثير من البيان، وحسبنا تذكيراً ما أصاب المسلمين في احتلال اليهود لفلسطين فضلاً عن البلاد الشامية الأخرى التي لا تزال الفتن فيها تترى، ولا يزال الحكام غير المسلمين أو الحكام المسلمون جغرافيون يعيثون فيها فساداً، كل ذلك ذلٌ سلطه الله تبارك وتعالى على المسلمين، وليس ذلك ظلم منه، وحاشاه! فإن ربنا عز وجل لا يظلم الناس شيئاً ولكن الناس أنفسهم يظلمون، ربنا عز وجل يقول: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء:160] فالله عز وجل لما سلط الذل علينا فبظلمٍ منا، فهو ظلم واضح في كثير من الأمور، وقد ضرب الرسول عليه السلام لنا هذه الأمثلة الثلاثة: التبايع بما حرم الله.. التكالب على حطام الدنيا.. ترك الجهاد في سبيل الله. فكانت النتيجة أن يسلط الله علينا ذلك الذل المخيم بصورة مجسدة مجسمة في بلادنا العزيزة فلسطين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- إذا كان هذا الذل فما الخلاص منه؟ وما النجاة منه؟
يقول الرسول عليه الصلاة والسلام الذي وصفه ربنا في القرآن بحق حين قال : (بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) [التوبة:128] قال عليه السلام في تمام الحديث: (سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)، فهذا هو العلاج، قد وصفه الرسول عليه السلام واضحاً مبيناً في خاتمة هذا الحديث حيث قال: حتى ترجعوا إلى دينكم). وحينما أروي لكم هذا الحديث وأعلق بعض هذه التعليقات عليه لا آتيكم بشيء جديد؛ لأن المسلمين جميعاً على ما بينهم من اختلافات في العقائد وفي الفروع كما يقولون، كلهم مجمعون على أن سبب الذل الذي حل بالمسلمين إنما هو تركهم لدينهم، وكلهم يقولون: إن العلاج هو الرجوع إلى الدين، هذا كله أمر معروف لديهم أجمعين. لكن الشيء الذي أريد أن نذكِّر به، وقد يكون أمراً جديداً بالنسبة لبعض الناس، ولكنه هو الحق مثلما أنكم تنطقون، هذا الشيء هو: لِمَ وصف الرسول صلى الله عليه وسلم الدواء لهؤلاء المسلمين المستذلين بسبب ما ارتكبوا من مخالفات لدينهم، وصف لهم الدواء بأن يرجعوا إلى دينهم؟ فما هو هذا الدين -هنا بيت القصيد في كلمتي هذه- ما هو هذا الدين الذي هو علاج المسلمين بنص هذا الحديث، والمسلمون -كما ذكرنا- كلهم يقولون: على المسلمين أن يعملوا بدينهم، لكن ما هو هذا الدين؟ إن الشيء المؤسف أن هذا الدين الإسلامي قد أخذ مفاهيم عديدة جداً في مسألة التاريخ الطويل من بعد السلف الصالح رضي الله عنهم، ليس فقط في الأمور الفقهية التي يصفونها بأنها فرعية؛ بل حتى في المسائل الاعتقادية، وكلنا يعلم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بافتراق المسلمين إلى(2/155)
ثلاثٍ وسبعين فرقة، حين قال: (تفرقت اليهود إلى إحدى وسبعين فرقة، وتفرقت النصارى إلى اثنتين وسبعين فرقة، وستفترق أمتي إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هم يا رسول الله؟ قال: هم الجماعة) هذه هي الرواية الصحيحة، وهناك رواية أخرى في سندها شيء من الضعف، ولكن يوجد ما يشهد لها، ألا وهي قوله عليه السلام : (هي ما أنا عليه وأصحابي). وفي الواقع هذه الرواية ليس فيها شيءٌ جديد بالنسبة للرواية الأولى إلا التوضيح والترتيب، فالرسول صلوات الله وسلامه عليه حين قال في وصف الفرقة الناجية : (هي الجماعة) فسرها في الرواية الأخرى بأنها هي التي تكون على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه. إذاً: فالرسول عليه السلام يخبرنا في هذا الحديث أن المسلمين سيتفرقون إلى ثلاث وسبعين فرقة، وهذه الفرق كلها ضالة إلا فرقة واحدة، صفتها: ما كان عليه الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه، نحن اليوم نعيش في خضم هذا الاختلاف الكثير والكثير جداً، الذي ورثناه طيلة هذه السنين الطويلة المديدة، وكل من هذه الفرق ليس فيها طائفة تتبرأ من الإسلام، ليس فيها طائفة تقول: ديننا غير الإسلام، كلهم يقولون: ديننا الإسلام، ومع ذلك -أيضاً- يقولون كلهم: علاج المسلمين هو تمسكهم بالدين. إذاً: هذا الدين الذي تفرق فيه المسلمون إلى ثلاث وسبعين فرقة -أي: تفرقوا في فهمه هذا التفرق الشديد- إذا كان الرسول صلوات الله وسلامه عليه قد جعل العلاج إنما هو بالرجوع إلى هذا الدين، فبأي مفهوم ينبغي أن يفهم هذا الدين حتى يكون هو العلاج كما قال عليه الصلاة والسلام : (سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم)؟ لا نذهب بكم بعيداً في ضرب الأمثلة، فها نحن في المثال الأول الذي نصبه الرسول عليه الصلاة والسلام أول هذا الحديث، حيث قال: (إذا تبايعتم بالعينة)، بيع العينة المذاهب اليوم مختلفة فيه، فمنهم من يبيحه، ومنهم من يحرمه، والرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث يجعل من أسباب مرض المسلمين واستحقاقهم الذل أنهم يتبايعون بالعينة، فإذاً بأي منهج وبأي مفهوم للدين يجب أن نفهم هذا الدين حتى يكون عبادة وسبباً لخلاصنا من هذا الذل الذي سيطر علينا؟ إن بيع العينة الذي ذكره الرسول عليه السلام في شرح هذا الحديث قد استباحه بعض المسلمين، ولا أعني الجهلة والعامة، وإنما أعني الخاصة وبعض المؤلفين والمصنفين من القدامى والمحدَثين، ذكروا أن بيع العينة بيع حلال، وهو داخل في عموم قوله تعالى : ( وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا) [البقرة:275] لكن هذا الحديث يبين لنا أن بيع العينة ليس مشروعاً بل هو محرم، ولذلك جعله سبباً من أسباب استحقاق المسلمين للذل. إذاً: معنى هذا الحديث أنه لا يجوز بيع العينة، فإذا أردنا أن نرجع إلى ديننا ليعزنا ربنا عز وجل، ويرفع الذل الذي سيطر علينا، فنبيح بيع العينة أم نحرمه؟ لابد أن نحرمه، وهذا التحريم جاء في حديث، لكن تحليله جاء في بعض الروايات وبعض الأقوال. إذاً: حينما قال الرسول صلى الله عليه وسلم في آخر الحديث: (حتى ترجعوا إلى دينكم)، إنما يعني الدين المذكور في القرآن والمفصل في حديث الرسول(2/156)
عليه الصلاة والسلام، الدين كما قال عز وجل : ( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) [آل عمران:19]، وقال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) [المائدة:3] وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران:85] إلى آخر الآيات. إذاً: الدين الذي هو العلاج هو الاستسلام، لكن الإسلام قد فهم على وجوه شتى في الأصول -في العقائد- فضلاً عن الفروع. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هناك شخص يقول: أنا عقيدتي سلفية، وهو يدعو إلى طائفة فيها بعض الشبهات والإهمال للسنة، فما رأيكم في هذا الشخص؟
في الواقع أنني أستغربته جداً؛ لأنني لم أتصور وجوده في واقع حياتنا اليوم، أن تتصور رجلاً سلفياً عقيدةً ومذهباً، ثم هو يدعو إلى مذهب آخر، كيف تتصور ذلك؟ السائل: هذا الرجل يرى أن الجماعة التي يدعو إليها تنتمي إلى الإسلام ظاهراً، ولكن فيها شيء من إهمال السنة، وفيها بعض التشويش، وهو إنما يدعو مع هذه الجماعة؛ لأن لها مكانة في الدولة، فيستطيع من خلال انضمامه إلى هذه الجماعة أن يدعو إلى الله بقوة دون أي خوف، وعقيدته كما هي سلفية، وإنما ينتمي ظاهراً إلى هذه الدعوة. الشيخ: الآن ظهرت المسألة، بينما من قبل كان فيها شيء من الغموض، الآن نورد سؤالاً توضيحياً: هل هذا السلفي حينما يدعو إلى تلك الجماعة في تلك الجماعة ما يخالف السلفية في اعتقادهم؟ السائل: الجماعة فيها بعض الشبهات. الشيخ: أنا لا أتكلم في الشبهات، أنا قلت: في تلك الجماعة التي يدعو هذا السلفي إليها، أيعتقد أن في تلك الدعوة ما يخالف دعوته؟ أي: الدعوة السلفية. السائل: نعم. الشيخ: إن كان الأمر كذلك فهذا ليس سلفياً؛ لأن السلفية مثل الإيمان قابلة للزيادة والنقصان؛ لأنه كما شرحنا آنفاً أن السلفية فهم الكتاب والسنة فهماً صحيحاً على منهج السلف الصالح، لكن لا نفهم هل هو شيء محدود لا يقبل الزيادة والنقصان؟ لا. ثم بعد أن يفهم المسلم الدعوة الصحيحة للدعوة السلفية فهماً صحيحاً بقدر الإمكان، هل يطبقه كل سلفي مائة في المائة أم بنسبة متفاوتة؟ بنسبة متفاوتة، فإذا كان هناك رجل سلفي ثم هو يدعو إلى جماعة أخرى، في أفكارها وفي دعوتها ما يخالف الدعوة السلفية، فهو كالذي يجمع بين نقيضين في أمرٍ واحد، لكن هذا ينكر عليه؛ لأني أعتقد أن هذا السلفي لا يعلم أن في تلك الجماعة ما يخالف الدعوة السلفية، فإذا علم وبين له، ففي اعتقادي أنه بعد ذلك لا يستطيع أن يتبنى تلك الدعوة إطلاقاً، كل ما يمكن أن يفعله أن يخالفهم، وأن يعاشرهم ويبث الدعوة السلفية بينهم، لا أن يتبنى هو دعوتهم، ويلتزمها كما يلتزم الدعوة السلفية. خلاصة القول: لا يمكن الجمع بين الدعوة السلفية وغيرها من الدعوات بالكلية؛ لأن في تلك الدعوات أشياء تخالف الدعوة السلفية قطعاً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/157)
س)- هل يشترط النصيحة قبل التحذير؟ يتفرَّع عن هذا قول بعضهم أو اشتراط بعضهم بمعنى أصّح أنه في حالة الردود لابد قبل أن يُطبع الرّد إيصال نسخة إلى المردود عليه حتى ينظر فيها ، ويقول إن هذا من منهج السلف ؟
هذا ليس شرطاً ، لكن إن تيسّر وكان يُرجى من هذا الأسلوب التقارب بدون تشهير القضية بين الناس فهذا لا شك أنه أمر جيّد ، أما أولاً أن نجعله شرطاً ، وثانياً أن نجعله شرطاً عاماً فهذا ليس من الحكمة في شيء إطلاقاً ، والناس كما تعلمون جميعاً معادن كمعادن الذهب والفضَّة ، فمن عرفت منه أنه معنا على الخط وعلى المنهج وأنه يتقبّل النصيحة فكتبت إليه دون أن تُشهّر بخطئه على الأقل في وجهة نظرك أنت فهذا جيّد ، لكن هذا ليس شرطاً ، وحتى ولو كان شرطاً ليس أمراً مستطاعاً ، من أين تحصل على عنوانه ؟! ، وعلى مراسلته ؟! ، ثم هل يأتيك الجواب منه أو لا يأتيك ؟! ، هذه أمور ظنية تماماً ... هذا الشرط تحقيقه صعب جداً ولذلك المسألة لا تُأخذ شرطاًشريط . انتهى كلام الالباني من شريط الموازنة في النقد من سلسلة الهدى والنور رقم 638.
س)- ما حكم الاصطلاح في العلوم الشرعية؟
الاصطلاح في العلوم الشرعية لا بأس منه؛ لأن الغرض تيسير والفهم على الناس، ولكن ينبغي أن يراعى فيه ألا يؤدي إلى مخالفة شرعية .. أُوْرِدُ مثالاً من الأمثلة العصرية: لا بأس أن نسمي معاني بأسماء جديدة، لكن بشرط ألا تغير حقائق شرعية، فإذا لم يتوفر هذا الشرط فلا يصح ذاك الاصطلاح أو تلك التسمية. مثلاً: لا يصح أن نسمي ما حرم الله عز وجل من الملاهي وآلات الطرب بفنون جميلة؛ وذلك لما في هذه التسمية من تلطيف لمثل هذه المعاصي، وإيهام الناس بأنه لا شيء فيها لأنها من الفنون الجميلة، لكن لو أطلقنا هذا الاسم على رسوم ونقوش زاهية براقة جميلة، ليس فيها صور حيوانات محرمة في الإسلام، فلا بأس من هذه التسمية، هذا مثال من واقعنا في العصر الحاضر، والأمثلة في ذلك كثيرة؛ كتسمية الربا المحرم بالفائدة .. أي فائدة يجنيها الإنسان من وراء التعامل بالربا؟ فنحن لا يجوز أن نتجاوب مع هذه التسمية ومع هذا الاصطلاح، لا لكونه حادثاً، فلكل قوم أن يصطلحوا على ما يشاءون، وإنما لأن الاصطلاح يؤدي إلى مخالفة الشرع، فإن الشرع يطلق على من يتعاطى الربا بأنه يحارب الله ورسوله، ونحن نسمي هذا فائدة! هذا كله من وساوس الشيطان على بني الإنسان، لصرفه عن أوامر الله وإيقاعه فيما حرم الله. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/158)
س)- هل من الشذوذ أن يختار المسلم قولا من أقوال الخلاف لدليل كان الجمهور على خلافه؟
ليس من الشذوذ في شيء أن يختار المسلم قولا من أقوال الخلاف لدليل بدا له ولو كان الجمهور على خلافه خلافا لمن وهم فإنه ليس في الكتاب ولا في السنة دليل على أن كل ما عليه الجمهور أصح مما عليه مخالفوهم عند فقدان الدليل نعم إذا اتفق المسلمون على شيء دون خلاف يعرف بينهم فمن الواجب اتباعه لقوله تعالى (ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا)النساء115 ، وأما عند الاختلاف فالواجب الرجوع إلى الكتاب والسنة فمن تبين له الحق اتبعه. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم الإسلام في سب الأئمة والعلماء أحياءً وأمواتاً؟
قال عليه الصلاة والسلام: (لا تسبوا الأموات فقد أفضوا إلى ما قدموا)، أي: لا يجوز سب المسلم حتى لو كان مطعوناً في إسلامه؛ لأنه ليس هناك فائدة من هذا الطعن بعد أن انتقل إلى حكم الله عز وجل، فالأولى ألا يجوز سب المسلمين الصالحين، ثم أولى وأولى ألا يجوز سب الأئمة؛ لأنهم يجمعون إلى صلاحهم العلم وخدمة الدين، ونقل الأحاديث، والتوضيح، وتفصيل أحكام الشريعة، وغير ذلك مما هو معروف، وأنا أستغرب مثل هذا السؤال؛ لأننا لا نعتقد أن في المسلمين ولو في الدرجة السفلى من الإسلام من يسب علماء الإسلام! السائل: أحياناً يبين الإنسان خطأ العالم، لكن بعض العلماء قد يفهمونه سباً، وهذا ليس من السب في شيء. الشيخ: إن كان هذا هو المقصود فبئس ما قصد؛ لأن تخطئة الإنسان لآخر هذا أمر واجب في الإسلام، والتخطئة لا تعني نقداً ولا طعناً، فضلاً عن أن تعني شتماً وسباً، وإنما بيان الحق؛ ولذلك قال عليه السلام في الحديث الصحيح في صحيح البخاري : (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد)، من الذي يخطر في باله أن الرسول قد يقول عن قاضٍ أو حاكمٍ ما: أنه أخطأ أنه ينال منه ويسبه ويجعل له أجراً واحداً؟ كذلك في قصة رواها البخاري -أيضاً- في تأويل رؤيا فسرها أبو بكر بين يدي الرسول عليه السلام، فقال له عليه السلام: (أصبت بعضاً وأخطأت بعضاً) فهل يخطر في بال الإنسان أن يقول: بأن الرسول سب صاحبه في الغار أبا بكر الصديق، حينما قال له: أخطأت بعضاً؟ لكن هذا من تأخر المسلمين في ثقافتهم الإسلامية، وابتعادهم عن اللغة الشرعية، والحقيقة أن المتأخرين حتى من الفقهاء، أو لعل الأصح أن نقول: المتفقهين يتحاشون مثل هذه العبارة؛ لأنهم هم أنفسهم قد انقلبت عليهم هذه الحقيقة، فهم قد يتصورون والعامة تبعاً لهم في ذلك، أنه إذا قيل: أخطأ فلان، فهذا طعن ولمز في هذا المخطئ، والأمر -كما سمعتم- ليس كذلك، وهذا أمر لا يحتاج إلى كبير بيان، فحسبنا هذا القدر. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/159)
فصل في طلب العلم
س)- ما هي المواضيع أو الأولويات التي يجب أن يهتم بها ويقدمها طالب العلم عن غيرها ؟ وما هي الطريقة المثلى في الدعوة إلى الله تعالى ؟
أقول: بأن المسلم يجب أن يهتم بما هو الأهم كما قيل :
العلم إن طلبته كثير ****** والعمر عن تحصيله قصير
فقدم الأهم منه فالأهم
يجب أن لا ننصاع لعواطفنا، ولرغبات الناس أو الشباب الذين يعيشون من حولنا، وأن نقدم لهم ما يحلوا لهم من الأحكام الشرعية، وإنما علينا أن نهتم بما يجب أن نعلمهم به على هدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي أُمرنا بالإقتداء به في قوله عزوجل: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}[الأحزاب/21] ، فلا يجوز أن نسكت عن الانحراف الذي أصاب العالم الإسلامي منذ قرون طويلة، في فهم العقيدة المتعلقة بآية واحدة ألا وهي قوله تعالى: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ}[البقرة/1-3]، فيجب أن نفهمهم أن الإيمان بالغيب هو أول ركن من أركان الإيمان، وأن هذا الركن أول ما يدخل فيه هو الإيمان بالله عزوجل، وملائكته وكتبه، كما جاء في الحديث المعروف، ولكن لا يكفي الإيمان المجمل، لا بد من التفصيل.
الإيمان بالله عزوجل كما نعلم جميعاً يشترك فيه كل أصحاب الديانات، سواء كانوا يهودا أو نصارى، ولكن دعوة الإسلام تفترق عنهم تماما في أنهم يفهمون الإيمان بالله عزوجل كما قال تعالى في الآية المعروفة: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى/11]، وعلى هذا النهج يجب أن ندعُوَا المسلمين إلى الإيمان في حدود ما جاء في الكتاب والسنة أولاً، وبعيدا عن علم الكلام الذي سيطر على بعض المذاهب الإسلامية، كالأشاعرة والماتريدية، وإن كان هؤلاء على خير كبير في بعض الجوانب الإيمانية ولكنهم مع الأسف انحرفوا في بعض الجوانب الأخرى عن منهج السلف الصالح.
هذا الذي ينبغي أن يهتم الداعية بدعوة الشباب المسلم إليه، ثم كما قلنا الأهم فالأهم أن يُعلموا أن يُعرفوا بالصلاة وما يصلحها وما يفسدها ونحو ذلك.
أما الأسلوب في الدعوة: فلم يدع ربنا عزوجل مجالاً لأحد بعد قوله عزوجل: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل/125] ، وهذا بلا شك أول ما يتطلب من الداعية أن يكون رحيما، وأن يكون شفيقا، وأن لا يشتد على المخالفين، ولا سيما إذا كانوا معه في أصل الدعوة - أي(2/160)
الكتاب والسنة - ولكنهم انحرفوا بعض الشيء في بعض النواحي فيجب الرفق بهم كما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قوله في الحديث المعروف عن عائشة وحسبنا منه الآن قوله لها يا عائشة : « ما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيء إلا شانه».
لكني أريد أن أذكر هنا بشيء يَغْفُلُ عنه كثير من الناس - وأعني بهم بعض الدعاة - إن الرفق ولو أنه هو الأصل في الدعوة، ولكن ذلك لا يعني أنه لا ينبغي للداعية أن يستعمل الشدة أحيانا يضعها في موضعها المناسب لها، فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي خوطب بقوله تبارك وتعالى: {وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}[آل عمران/159]، مع ذلك نجد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في بعض الأحيان يشتد على بعض المخالفين، ولو أن هؤلاء المخالفين ما كانوا يتعمدون الخطأ؛ ولكن لما كان الخطأ يتعلق بأمر هام، بما يتعلق بالإيمان وبخاصة برب الأنام، كان عليه الصلاة والسلام يستعمل شيئاً من الشدة؛ كلكم يعلم ما رواه الإمام أحمد بالمسند بالسند الصحيح عن عبد الله ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب يوما في الصحابة، فقام رجل ليقول له ما شاء الله وشئت يا رسول الله !، فقال له عليه السلام: « أجعلتني لله نِدًّا ؟!!، قل: ما شاء الله وحده »، هذه الشدة إذا وضعت في مكانها فهو من الحكمة، ولذلك فلا ينبغي أن نغتر وأن نقول أن اللين دائما يجب أن يكون سمة المسلم وصفته ؛ لا ...، هذه هي الصفة الغالبة لكن أحيانا لا بد من وضع الشدة في مكانها المناسب.
وأخيراً: آتي بمثال من أحاديث الرسول عليه السلام وهو قوله: « من تعزى بعزى الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه » ، هذا التعبير قد لا يستسيغه كثير من الناس ولكن من كان يؤمن بالله ورسوله حقاً، وعرف أن هذا الحديث نطق به الرسول صلى الله عليه وسلم حينئذ سيكون هذا الحديث من جملة الأدلة أن الشدة أحيانا في محلها هي عين الحكمة، ما معنى الحديث : « من تعزى بعزى الجاهلية فأعضوه بِهَنِ أبيه » أي من تفاخر بآبائه في الجاهلية الذين كانوا في الشرك وماتوا في الشرك، فهذا قولوا له تعض كذا، تعض كذا يعني العضو، هذا هو الْهَنْ، المَكْني عنه بهذه العبارة اللطيفة في حديث الرسول، لكن يقول لنا أعضوه بهن أبيه، هذا شدة بلا شك ولكنها هي الحكمة. انتهى كلام الالباني من شريط الأجوبة الألبانية على الأسئلة الأسترالية.
س)- ما هي الكتب التي تنصح بها شابًّا ناشئًا في حياته العلمية؟
ننصح له أن يقرأ - إذا كان مبتدئًا - من كتبه الفقه (فقه السنة) للسيد سابق ، مع الاستعانة عليه ببعض المراجع ، مثل (سُبل السلام) ، وإن نظر في (تمام المنَّة) فيكون هذا أقوى له ، وأنصح له بـ (الروضة الندية) ، أما التفسير ؛ فعليه أن يعتاد القراءة من كتاب (تفسير القرآن العظيم) لابن كثير ، وإن كان مطولاً بعض الشيء ، فإنه أصح كتب التفسير اليوم . ثمَّ من حيث المواعظ والرقائق فعليه بكتاب (رياض الصالحين)(2/161)
للإمام النووي . ثم أنصح فيما يتعلق بكتب العقيدة بكتاب (شرح العقيدة الطحاوية) لابن أبي العزّ الحنفي ، ويستعين عليها - أيضًا - بتعليقي وشرحي عليها . ثم يجعل بصورة عامة ديدنه دراسة كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن قيم الجوزية ، رحمهما اللَّه ، الذي أعتقد أنهما من نوادر علماء المسلمين الذين سلكوا منهج السلف الصالح في فقههم مع التقوى والصلاح - ولا نزكي على اللَّه أحدًا . نقلا من موقع جماعة انصار السنة ، والمرجع مجلة التوحيدالعددالعاشر لسنة 1420.
س)- ما قصة الورقة المفقودة؟
قد ابتليت بمرض خفيف أصاب بصري، منذ أكثر من اثني عشر عاماً، فنصحني الطبيب المختص بالراحة وترك القراءة والكتابة والعمل في المهنة (تصليح الساعات) مقدار ستة أشهر.
فعملت بنصيحته أول الأمر، فتركت ذلك كله نحو أسبوعين، ثم أخذت نفسي تراودني، وتزين لي أن أعمل شيئاً في هذه العطلة المملة، عملاً لا ينافي بزعمي نصيحته، فتذكرت رسالة مخطوطة في المكتبة، اسمها (ذم الملاهي) للحافظ ابن أبي الدنيا، لم تطبع فيما أعلم يومئذ، فقلت: ما المانع من أن أكلف من ينسخها لي؟ وحتى يتم نسخها، ويأتي وقت مقابلتها بالأصل، يكون قد مضى زمن لا بأس به من الراحة، فبإمكاني يومئذ مقابلتها، وهي لا تستدعي جهداً ينافي الوضع الصحي الذي أنا فيه، ثم أحققها بعد ذلك على مهل، وأخرج أحاديثها، ثم نطبعها، وكل ذلك على فترات لكي لا أشق على نفسي! فلما وصل الناسخ إلى منتصف الرسالة، أبلغني أن فيها نقصاً، فأمرته بأن يتابع نسخها حتى ينتهي منها، ثم قابلتها معه على الأصل، فتأكدت من النقص الذي أشار إليه، وأقدره بأربع صفحات في ورقة واحدة في منتصف الكراس، فأخذت أفكر فيها، وكيف يمكنني العثور عليها؟ والرسالة محفوظة في مجلد من المجلدات الموضوعة في المكتبة تحت عنوان (مجاميع)، وفي كل مجلد منها على الغالب عديد من الرسائل والكتب، مختلفة الخطوط والمواضيع، والورق لوناً وقياساً، فقلت في نفسي، لعل الورقة الضائعة قد خاطها المجلد سهواً في مجلد آخر، من هذه المجلدات! فرأيتني مندفعاً بكل رغبة ونشاط باحثاً عنها فيها، على التسلسل. ونسيت أو تناسيت نفسي، والوضع الصحي الذي أنا فيه! فإذا ما تذكرته، لم أعدم ما أتعلل به، من مثل القول بأن هذا البحث لا ينافيه، لأنه لا يصحبه كتابة ولا قراءة مضنية!
وما كدت أتجاوز بعض المجلدات، حتى أخذ يسترعي انتباهي عناوين بعض الرسائل والمؤلفات، لمحدثين مشهورين، وحفاظ معروفين، فأقف عندها، باحثاً لها، دارساً إياها، فأتمنى لو أنها تنسخ وتحقق، ثم تطبع، ولكني كنت أجدها في غالب الأحيان ناقصة الأطراف والأجزاء، فأجد الثاني دون الأول مثلاً ، فلم أندفع لتسجيلها عندي، وتابعت البحث عن الورقة الضائعة، ولكن عبثاً حتى انتهت مجلدات (المجاميع)(2/162)
البالغ عددها (152) مجلداً، بيد أني وجدتني في أثناء المتابعة أخذت أسجل في مسودتي عناوين بعض الكتب التي راقتني، وشجعني على ذلك، أنني عثرت في أثناء البحث فيها على بعض النواقص التي كانت من قبل من الصوارف عن التسجيل.
ولما لم أعثر على الورقة في المجلدات المذكورة، قلت في نفسي: لعلها خيطت خطأ في مجلد من مجلدات الحديث، والمسجلة في المكتبة تحت عنوان (حديث)! فأخذت أقلبها مجلداً مجلداً، حتى انتهيت منها دون أن أقف عليها، لكني سجلت عندي ما شاء الله من المؤلفات والرسائل.
وهكذا لا أزل أعلل النفس وأمنيها بالحصول على الورقة، فأنتقل في البحث عنها بين مجلدات المكتبة ورسائلها من علم إلى آخر؛ حتى أتيت على جميع المخطوطات المحفوظة في المكتبة، والبالغ عددها نحو عشرة آلاف (10000) مخطوط، دون أن أحظا بها!
ولكني لم أيأس بعد، فهناك ما يعرف بـ (الدست)، وهو عبارة عن مكدسات من الأوراق والكراريس المتنوعة التي لا يعرف أصلها، فأخذت في البحث فيها بدقة وعناية، ولكن دون جدوى.
وحينئذ يأست من الورقة، ولكني نظرت فوجدت أن الله تبارك وتعالى قد فتح لي من ورائها باباً عظيماً من العلم، طالما كنت غافلاً عنه كغيري، وهو أن في المكتبة الظاهرية كنوزاً من الكتب والرسائل في مختلف العلوم النافعة التي خلفها لنا أجدادنا رحمهم الله تعالى، وفيها من نوادر المخطوطات التي قد لا توجد في غيرها من المكتبات العالمية، مما لم يطبع بعد.
فلما تبين لي ذلك واستحكم في قلبي، استأنفت دراسة مخطوطات المكتبة كلها من أولها إلى آخرها، للمرة الثانية، على ضوء تجربتي السابقة التي سجلت فيها ما انتقيت فقط من الكتب، فأخذت أسجل الآن كل ما يتعلق بعلم الحديث منها مما يفيدني في تخصصي؛ لا أترك شاردة ولا واردة ، إلا سجلته، حتى ولو كانت ورقة واحدة، ومن كتاب أو جزء مجهول الهوية! وكأن الله تبارك وتعالى كان يعدّني بذلك كله للمرحلة الثالثة والأخيرة، وهي دراسة هذه الكتب، دراسة دقيقة ، واستخراج ما فيها من الحديث النبوي مع دراسة أسانيده وطرقه، وغير ذلك من الفوائد. فإني كنت أثناء المرحلة الثانية، ألتقط نتفاً من هذه الفوائد التي أعثر عليها عفواً، فما كدت أنتهي منها حتى تشبعت بضرورة دراستها كتاباً كتاباً، وجزءاً جزءاً.
ولذلك فقد شمرت عن ساعد الجد ، واستأنفت الدراسة للمرة الثالثة، لا أدع صحيفة إلا تصفحتها، ولا ورقة شاردة إلا قرأتها، واستخرجت منها ما أعثر عليه من فائدة علمية، وحديث نبوي شريف، فتجمع عندي بها نحو أربعين مجلداً، في كل مجلد نحو أربعمائة ورقة، في كل ورقة حديث واحد، معزواً إلى جميع المصادر التي وجدتها فيها، مع أسانيده وطرقه، ورتبت الأحاديث فيها على حروف المعجم، ومن هذه المجلدات أغذي كل مؤلفاتي ومشاريعي العلمية، الأمر الذي يساعدني على التحقيق العلمي، الذي لا(2/163)
يتيسر لأكثر أهل العلم، لا سيما في هذا الزمان الذي قنعوا فيه بالرجوع إلى بعض المختصرات في علم الحديث وغيره من المطبوعات! فهذه الثروة الحديثية الضخمة التي توفرت عندي؛ ما كنت لأحصل عليها لو لم ييسر الله لي هذه الدراسة بحثاً عن الورقة الضائعة! فالحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. انتهى كلام الالباني من مقدمة كتابه فهرس مخطوطات المكتبة الظاهرية.
س)- ما هي آداب مجالس العلم؟
يبدو أنه لا بد من التفكير ما بين آونة وأخرى في بعض السنن والآداب الإسلامية التي أصبحت مجهولة علماً، ومتروكةً عملاً، فقد كنا ذكرنا في أكثر من مرة في مثل هذه الجلسة أن لمجالس العلم آداباً. ومن ذلك: أنه لا يصح التفرق في مجالس العلم، أن نجلس هكذا كيف ما اتفق، أو كيف ما راق لأحدنا، فهذا ليس من الأدب العلمي في شيء مطلقاً، هذه جلسات (المقاهي والنوادي)، يأتي الآتي، ولا يأتي إلى تلك المجالس إلا للترويح عن النفس -زعموا- أو للتسلية، أو نحو ذلك، فهو حرٌ يجلس أينما شاء وكيفما شاء، أما مجلس العلم فله آدابه، وقد ذكرت لكم أكثر من مرة حديث أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه الذي يقول فيه: (أنهم كانوا إذا سافروا مع النبي صلوات الله وسلامه عليه ونزلوا منزلاً تفرقوا في الوديان والشعاب، فسافروا يوماً ونزلوا وادياً وتفرقوا كما كانوا يفعلون سابقاً) وهذا التفرق يوحي بالمصلحة الذاتية والشخصية، حيث كل شخص منهم يختار المكان المناسب له الذي له ظل وارف مثلاً.. فتفرقوا كما كانت عادتهم، فلما رآهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم: (إنما تفرقكم هذا من عمل الشيطان) أي: إنما تفرقكم هذا في الوديان والشعاب من عمل الشيطان. قال أبو ثعلبة رضي الله عنه: (فكنا بعد ذلك إذا نزلنا منزلاً اجتمعنا فيه، حتى لو جلسنا على بساطٍ لوسعنا). فأحق المجالس بالمحافظة على مثل هذا الأدب -أدب التجمع- هي مجالس العلم، ولا أريد أن أطيل؛ لأن الحصة التي خصصتها في هذا الدرس الذي بدأت باستئنافه بعد تركٍ له دام مدة طويلة، الوقت المحدد نصف ساعة فقط في درس الترغيب، لذلك لا أريد أن أطيل في توظيف السر والحكمة من هذا الاجتماع الذي يوحيه لنا هذا الحديث الصحيح، ولكني أجمل القول فأقول: إن الظاهر عنوان الباطن، ففي كل شيء يتفرق فيه المسلمون في ظواهرهم؛ كان لهذا التفرق تأثير سيء في باطنهم، فالظاهر مرتبط بالباطن أشد الارتباط، وعندنا أدلة كثيرة وكثيرة جداً، ولذلك سأقتصر الآن على هذه الإشارة السريعة.. هذا التفرق بدنياً يؤدي إلى التفرق قلبياً، هذه حقيقة شرعية، ولدينا أدلة على ذلك، وحسبنا الآن هذه الإشارة العابرة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/164)
س)- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أبى الله أن يجعل لقاتل المؤمن توبة) ما هو التفسير الممكن لهذا الحديث، بما لا يتعارض مع المعلوم من أن الله يتوب على الكافر إذا أسلم، فهل قتل المؤمن أشنع من الكفر؟
نصف العلم لا أدري. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل صح الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا اجتهد الإمام فأخطأ فله أجر، وإذا أصاب فله أجران)؟ وفي حال صحة الحديث ، هل المسلم ملزم بالاجتهاد؟
هذه المسألة طالما تكلمنا عنها مراراً، ويتكرر السؤال كما تسمعون، والسبب في ذلك أن هناك أناساً -مع الأسف- مغرضين، يثيرون هذه المشكلة بين الناس مع كثير من البهت والافتراء على الأبرياء، فلا بد إذاً من الإجابة على هذا السؤال بشطريه:
الشطر الأول: الحديث صحيح؛ لأنه مما أخرجه البخاري في صحيحه، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران، وإن أخطأ فله أجر واحد).
الشطر الثاني من السؤال: هل المسلم ملزم بالاجتهاد؟
ملزم وغير ملزم، بمعنى: أن ذلك يختلف باختلاف المسلم من حيث علمه.. وثقافته.. وقدرته.. واستعداده، وكل ذلك يجب أن يلاحظ حينما يقال: يجب على المسلم أن يجتهد. أنا كنت -كما سمعتم ربما- في المدينة المنورة، وهناك أناس يدعون بدعوتنا إلى الكتاب والسنة؛ ولكن هم مبتدئون في الطريق، وبحاجة إلى علمٍ كثير، فهم يقولون بوجوب الاجتهاد على كل مسلم، دون أي تفصيل، والتفصيل: واجب على كل عالمٍ مسلم أن يقوم به، حتى لا يقع في إفراط أو تفريط، فقد قلت لهؤلاء ولغيرهم سابقاً ههنا: إن التقليد الأصل فيه أنه لا يجوز، والأصل أن المسلم -أي مسلم كان- يجب أن ينطلق في حياته الإسلامية على بينة وعلى بصيرة من دينه، كما قال ربنا عز وجل في كتابه: (قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ) [يوسف:108] فلئن كان قول الله تبارك وتعالى حكاية على لسان نبيه: (عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) [يوسف:108]، إن كان هذا نصاً عاماً يشمل كل متبعٍ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم، كما قال تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ؟) [آل(2/165)
عمران:31] إذا كان هذا النص: (عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنْ اتَّبَعَنِي) [يوسف:108] نصاً شاملاً لكل مسلم، فلا شك حين ذاك أنه يجب على كل مسلم أن يكون على بصيرة من دينه، فهذا هو الأصل، لا فرق في هذا بين عالمٍ، ومتعلمٍ، وغير متعلم؛ كما جاء في بعض الآثار الموقوفة: [كن عالماً، أو متعلماً، أو مستمعاً، ولا تكن الرابعة فتهلك] لا فرق في هذا بين طبقات المسلمين من حيث ثقافتهم؛ لأنه يجب على كل منهم أن يكون على بصيرة من دينه، للآية السابقة وغيرها مما يؤدي مؤداها، ولكن قد لا يستطيع كل مسلم أن يكون على بصيرة في كل مسألة، فحينئذ يعمل ما يستطيع، وأنا قلت لأولئك الأشخاص: إن كثيراً من العلماء المجتهدين يقلدون في بعض الأحايين مضطرين، فالعلماء المجتهدون يقلدون أحياناً؛ لكنهم إنما يفعلون ذلك اضطراراً، وقلت أيضاً: ليس التقليد من حيث أنه ينافي التبصر في الدين بأشد تحريماً مما نص الله عز وجل في القرآن على تحريمه، كقوله: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [المائدة:3] إلى آخر الآية، ولكن هذا التحريم منوط ومربوط بالاستطاعة، لأن القاعدة القرآنية تقول: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286] فإذا كان الإنسان في وضع لا يستطيع إلا أن يواقع شيئاً من هذه المحرمات الثلاث المذكورة في الآية السابقة: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ) [المائدة:3] فاضطر إلى شيء من هذه المحرمات، فليس ذلك بحرامٍ عليه؛ لقوله في تمام الآية: (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119] وبمثل هذه الآية وغيرها جاءت القاعدة الفقهية الإسلامية: (الضرورات تبيح المحظورات). أعود لأقول: التقليد ليس أشد تحريماً من هذه المحرمات وأمثالها، فإذا كانت هذه المحرمات تباح للضرورة؛ فالتقليد كذلك يباح للضرورة، ولذلك فكما أنه لا يجوز المغالاة في تحريم التقليد ألبتة في كل الحالات والصور كما ذكرنا آنفاً، فيستثنى من التحريم حالة الاضطرار، كذلك لا يجوز بداهة أن نجعل حالة المسلمين عامة، وفيهم العلماء، والشيوخ، وأهل العلم، والفضل -كما يقولون- أن نجعل حالتهم حالة اضطرار، كما لو قلنا: المسلمون اليوم مضطرون لأكل هذه المحرمات، هذا لا يقوله إنسان؛ لأنهم يعيشون في وضع طبيعي، فهم يستطيعون أن يأكلوا مما أحل الله لهم من غير هذه المحرمات، فكيف يقال: إنهم -والحالة هذه- مضطرون لأكل الميتة والدم ولحم الخنزير؟! هذا لا يقوله إنسان فيه ذرة من عقل، كذلك لا يصح أبداً أن نقلب الوضع فنقول: المسلمون اليوم كلهم -بما فيهم أهل العلم- مضطرون للتقليد؛ لأنهم لا يستطيعون الاجتهاد، هذا قلب لما يجب أن يكون عليه وضع العالم الإسلامي، فالعالم الإسلامي منذ عهد الرسول عليه الصلاة والسلام كان فيه الناس طبقات، عالم، ومتعلم، ومستمع، فكيف نجعل كل الطبقات اليوم هي الطبقة الدنيا وهو مستمع فقط، يسمع الكلمة ويتلقفها، ثم يعمل بها؟ أما من أين جاءت؟ ما أصلها؟ ما فصلها؟ ما دليلها؟ أهو الكتاب أم السنة؟ أهو القياس؟ وهل هذا القياس قياس جلي أم خفي؟ وهل هو قياس صحيح أو قياس(2/166)
أولوي؟ أو ما أشبه ذلك.. فهذا لا تستطيعه هذه الطبقة الدنيا طبقة المستمعين إنما يستطيع ذلك طبقة أهل العلم.
إذاً: التقليد في الوقت الذي هو حرام، ويجب على كل مسلم أن ينجو منه بقدر استطاعته؛ إلا أن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
على هذا نحن يجب أن نفهم هذه المسألة حتى لا نقع -كما ذكرنا- في إفراط وتفريط، فليس كل مسلم بملزم أن يجتهد؛ ولكن الذي يلزمه الاجتهاد هو المستطيع؛ ولكن هنا مرتبة وسطى ما بين التقليد والاجتهاد، ذلك لأننا ذكرنا آنفاً أن كل مسلم يجب أن يكون على بصيرة من دينه بنص الآية السابقة العامة، لكن البصيرة بالدين يمكن تحصيلها بطريقة لا هي اجتهاد، ولا هي تقليد محرم في الأصل، لا هي بطريقة الاجتهاد التي لا يستطيعها كل الناس إلا الخواص منهم، ولا هي بطريقة التقليد التي يكون الأصل فيها التحريم، هناك طريقة وسط بين الطريقتين -الاجتهاد والتقليد- ألا وهي طريقة الاتباع، وهذا اصطلاح علمي جرى عليه كثير من المحققين، القدامى والمحدثين، كمثل حافظ الأندلس أبو عمر بن عبد البر، فقد جعل العلم ثلاث طبقات: اجتهاد، واتباع، وتقليد، وعلى ذلك جرى من بعده من أهل التحقيق كابن تيمية، و ابن القيم وغيرهما. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما السبب في الفتنة العظيمة التي ضربت المسلمين ففرقت كلمتهم وشتتت صفوفهم ؟
إن رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم يقول : ( يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها) . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟
قال : ( بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن ) . فقال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟
قال : ( حب الدنيا وكراهية الموت ) [ حديث صحيح تراه مخرجا في (الصحيحة) (958] .
قد تجلى هذا الحديث النبوي الشريف بأقوى مظاهره وأجلى صوره في الفتنة العظيمة التي ضربت المسلمين ففرقت كلمتهم وشتتت (صفوفهم) ، ولقد أصاب طرف من هذه الفتنة القاسية جذر قلوب عدد كبير من الدعاة وطلبة العلم فانقسموا وللأسف الشديد على أنفسهم فصار بعضهم (يتكلم) في بعض والبعض (الآخر) ينقد الباقين ويرد عليهم . . . وهكذا.
وليست تلك الردود (مجردة) أو هاتيك النقدات (وحدها) بضائرة أحدا من هؤلاء أو أولئك سواء منهم الراد أم المردود عليه لأن الحق يعرف بنوره ودلائله لا بحاكيه وقائله عند أهل الإنصاف وليس عند ذوي(2/167)
التعصب والاعتساف وإنما الذي يضير أولئك أو هؤلاء : هو الكلام بغير علم وإلقاء القول على عواهنه والتكلم بغير حق على عباد الله. كتاب فقه الواقع.
س)- ما أهمية معرفة الواقع؟
معرفة الواقع للوصول به إلى حكم الشرع واجب مهم من الواجبات التي يجب أن يقوم بها طائفة مختصة من طلاب العلم المسلمين النبهاء كأي علم من العلوم الشرعية أو الاجتماعية أو الاقتصادية أو العسكرية أو أي علم ينفع الأمة الإسلامية ويدنيها من مدارج العودة إلى عزها ومجدها وسؤددها وبخاصة إذا ما تطورت هذه العلوم بتطور الأزمنة والأمكنة. كتاب فقه الواقع.
س)- ما وجبنا نحو العالم الذي يخطئ في مسألة معينة؟
من المهم بيانه في هذا المقام أنه قد يخطئ عالم ما في حكمه على مسألة معينة من تلك المسائل الواقعية وهذا أمر ( حدث ) ويحدث ولكن . . . هل هذا يسقط هذا العالم أو ذاك ويجعل المخالفين له يصفونه بكلمات نابية لا يجوز إيرادها عليه كأن يقال مثلا وقد قيل : هذا فقيه شرع وليس فقيه واقع فهذه قسمة تخالف الشرع والواقع فكلامهم المشار إليه كله كأنه يوجب على علماء الكتاب والسنة أن يكونوا أيضا عارفين بالاقتصاد والاجتماع والسياسة والنظم العسكرية وطرق استعمال الأسلحة الحديثة ونحو هذا وذاك ولست أظن أن هناك أنسانا عاقلا يتصور اجتماع هذه العلوم والمعارف كلها في صدر إنسان مهما كان عالما أو كاملا . كتاب فقه الواقع.
س)- ما حكم الطعن في بعض العلماء أو طلاب العلم؟
الطعن في بعض العلماء أو طلاب العلم ونبزهم بجهل فقه الواقع ورميهم بما يستحيى من إيراده : فهذا خطأ وغلط ظاهر لا يجوز استمراره لأنه من التباغض الذي جاءت الأحاديث الكثيرة لتنهى المسلمين عنه بل لتأمرهم بضده من التحاب والتلافي والتعاون. كتاب فقه الواقع.
س)- كيف نعالج الأخطاء ؟
الواجب على أي مسلم رأى أمرا أخطأ فيه أحد العلماء أو ( الدعاة ) : فهو أن يقوم بتذكيره ونصحه :
فإن كان الخطأ في مكان محصور : كان التنبيه في ذلك المكان نفسه دون إعلان أو إشهار وبالتي هي أحسن للتي هي أقوم وإن كان الخطأ معلنا مشهورا فلا بأس من التنبيه والبيان لهذا الخطأ وعلى طريقة الإعلان(2/168)
ولكن كما قال الله تعالى : ( ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ) [النحل:12] ، ومن المهم بيانه أن التخطئة المشار إليها هنا ليست التخطئة المبنية على حماسة الشباب وعواطفهم دونما علم أو بينة لا وإنما المراد : التخطئة القائمة على الحجة والبيان والدليل والبرهان ، وهذه التخطئة بهذه الصورة اللينة الحكيمة لا تكون إلا بين العلماء المخلصين وطلاب العلم الناصحين الذين هم في علمهم ودعوتهم على كلمة سواء مبنية على الكتاب والسنة وعلى نهج سلف الأمة ، أما إذا كان من يراد تخطئته من المنحرفين عن هذا المنهج الرباني فله حينئذ معاملة خاصة وأسلوب خاص يليق بقدر انحرافه وبعده عن جادة الحق والصواب. كتاب فقه الواقع.
س)- الإخوة في أستراليا يسمعون أن عبد الله الحبشي قابلك، وقد تحدثنا سابقاً عن هذا، فالإخوة يريدون لمحة بسيطة للقائك مع عبد الله الحبشي وتقويمك له؟
أولاً: كان لقاؤه معي وليس لقائي معه. السائل نفسه: نعتذر عن التعبير. الجواب: لا داعي لذلك، وإنما هذا تفصيل لبيان الواقعة على حقيقتها، فهذا رجل ما كنت أعرفه حينما فاجأني بزيارته، وكنت ألقي يومئذ درساً أسبوعياً في دار بعض إخواني، ولما جاءني هو ومعه طالبان من طلاب الفقه الحنفي، وليس من الغيبة في شيء أن أسميهما لكم وللتأريخ: أحدهما: شعيب الأرناؤوط والآخر عبد القادر أرناؤوط، وكانا يومئذ من أعداء الدعوة السلفية التي استمررنا في الدعوة إليها في سوريا كلها، وبخاصة في دمشق سنين عديدة طويلة، ففوجئت بمجيء الشيخ عبد الله الحبشي ومعه هذان الطالبان، وجلس يستمع، وبحكمة الله كان بحثي يومئذ فيما يتعلق بالعقيدة والأسماء والصفات، وبخاصة في صفة علو الله عز وجل على خلقه، فجلس هو مستمعاً لا يحرك ساكناً. وبعد الانتهاء قدَّم إليَّ أحد المذكورين وريقة يقول فيها: إن الشيخ يدعوك للمناظرة، وأنا أشك الآن إما أنه ذكر موضوعين أو أحدهما، فالموضوعان في قولي وفي محاضراتي وفي مجالسي وكتاباتي، في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار)، حيث إن الشيخ يقول بأن هناك بدعة حسنة. والمسألة الثانية: البحث في إنكار التوسل بغير الله عز وجل.. بالذوات، والأشخاص، والجاهات، ونحو ذلك. لما قرأت عجبت من هذا الطلب العجيب الغريب، ومن شخص لم يسبق له ولا لي أن التقينا معاً! فبدأت الكلام مع الشيخ، وقلت: يا شيخ! أنت الآن تطلب اللقاء.. لعله فاتني أن أذكر أن من حماقة السؤال أنه طلب مني أن يكون اللقاء في المسجد الأموي الكبير وبعد صلاة الجمعة على مشهد من الناس. قلت له: أنت ما سبق أن التقيت معي وبحثت معي وعرفت رأيي في هاتين المسألتين أو في غيرهما، فكيف تريد أن نلتقي مباشرة في المسجد الكبير، وعلى مشهد غفير من الناس، وقد يثير هذا فتنة بين الناس، فقد يتعصب بعضهم لك وبعضهم لي وتقع الفتنة، أليس من المشروع والمعقول أن(2/169)
نلتقي مع بعض ونبحث ما تريد؟ فإن اختلفنا ولم نجد بداً من أن نلتقي في مثل ذلك المشهد يومئذٍ يمكن أن يقدم مثل هذا الاقتراح، لكن هذا الاقتراح في ظني شرعاً وعقلاً أنه سابق لأوانه. فأجاب بالإيجاب، الأمر الذي أشعرني بأن هذا الاقتراح لم يكن منه فعلاً؛ لأن الرجل غريب عن البلد، كيف يتجرأ هذه الجرأة وأنا ابن البلد أولاً، ولكن هؤلاء الذين كانوا معه هم الذين أوحوا إليه بهذا لإشعال فتيل الفتنة كما يقال. المهم أن الرجل وافق، وفعلاً بدأنا نضع شروط المناضرة، ونحن نضع هذه الشروط: أولاً: أن تكون كتابياً، ونوقع كل شيء نجيب من السائل والمجيب، وقد وافق. بعد الانتهاء اقترحت أن يكون البحث في بعض الأصول التي تتعلق بها بعض الفروع، كالمسألتين المشار إليهما آنفاً، أيضاً وافق. وإذا بأحد الرجلين اللذين كانا معه وظني أنه شعيب قال: هل هناك مانع أن أكون حاضراً؟ قلت: أنا من جهتي ما عندي مانع لكن اسألوا الشيخ، والشيخ ليس عنده مانع. قام أحد إخواننا المعروفين بذكائهم ورفع إصبعه يقول لي: أيمكن أن أكون حاضراً؟ قلت: أنا ليس عندي مانع إذا الشيخ ليس عنده مانع، فوافق الشيخ. فقام نفس الطالب وقال: ما رأيك أنا ظروفي لا تساعدني، أفيكون بديلي فلان؟ وأشار إلى أخ لي اسمه منير عبد الله توفي رحمه الله؛ لأنه أقوى منه علماً، فقلت: أنا أيضاً ليس عندي مانع، وعلى ذلك اتفقنا. وبدأت الجلسات تعقد في داري هناك في دمشق في منطقة اسمها الديوانية، وحضر الشيخ الجلسة والجلستين والثلاث ما عدت أذكر العدد، وفعلاً السؤال يكتب ويوقع والجواب كذلك... إلى آخره، وإذا به انقطع عن النظام المتبع، كان هو من قبل يتردد على المكتبة الظاهرية التي أنا أعتبر ابنها البار، فبعدما اتفقنا لم أعد أراه، وإذا بي أراه في النهار الذي تلا الليلة التي لم يحضرها، وإذا به في المكتبة، فقلت: خيراً إن شاء الله أنت ما جئتنا أمس، قال: آتيك اليوم في الدرس -هو آخذ مع برنامج الدرس تبعي في كل ليلة معينة- قلت له: لكن ما هكذا اتفقنا، اتفقنا أن نستمر في وضع القواعد ثم التفريع عليها. لم يأبه لكلامي وفعلاً حضر الدرس، وبعد الدرس بدأ يناقش، ومن القواعد التي أردت أن أؤسسها لدفع باطل من أباطيلهم: هم يحتجون بالإجماع، فأنا بدأت معه البحث في تعريف الإجماع الذي هو فعلاً حجة، فوصلنا إلى أن نقول: الإجماع هو إجماع علماء أمة محمد عليه الصلاة والسلام في عصرٍ من العصور، وليس إجماع الأمة؛ لأنه بهذا ممكن أن يقال لك: يا أخي! لقد أجمع المسلمون مثلاً على الزيادة على الأذان قبل وبعد، فهذا ليس إجماعاً.. إلخ. فهو في الجلسة أثار هذا الموضوع وقال: أنت قلت كذا، قلت له: لا. أنا ما قلت كذا، وبدأ النقاش بطريقة غير مرضية لا عقلاً ولا شرعاً، فقلت له: يا شيخ! نحن اتفقنا على الكتابة لماذا؟ حتى لا يقال: قلت، لا ما قلت، هذا كتابنا ينطق بالحق، أين الكتابة التي أنا كتبتها جواباً عن هذا السؤال؟ قال: ليس معي، قلت: لماذا أتيت بدونه؟ ولماذا التقينا؟ والخلاصة: أن الجلسة هذه لم نحصل منها على نتيجة؛ لأن الرجل أتى يناقش بناء على ما في ذهنه وليس بناء على ما اتفقنا عليه. وهذا كل ما وقع لي من اللقاء معه في جلستين فقط. ثم بعد ذلك بدأ ينشر رداً في(2/170)
مجلة التمدن الإسلامي، وبدأت أنا أرد عليه، وكان من ذلك رسالة ربما رأيتموها: ردة عقيب الحثيث، وقد نشرت في مجلة التمدن الإسلامي مقالات متتابعة، ثم بعد ذلك فصلناها في رسالة، وكنت بدأت منذ سنتين أو ثلاث بإعادة النظر فيها وإضافة فوائد جديدة عليها، ثم سبحان الله! صرفتني الصوارف العلمية الكثيرة؛ لأني كان في عزمي أن أعيد نشرها، خاصة بعد أن وجد له بعض التلامذة الذين لا علم عندهم وإنما هم يتلقفون كل ما يقوله الشيخ، ويبدو أن نشاطه في لبنان واسع. فنعود أخيراً بناءً على هذا السؤال ونقول: إن أتباعه مضلَّلون منه، ولذلك فأنا أنصح استعمال الصبر والأناة وطول البال في مناقشة الأتباع بالحكمة والموعظة الحسنة. أنا أخشى ما أخشاه أن يكون الرجل غير مخلص، وأن يكون مدسوساً من جهة أخرى الله أعلم بها؛ لأننا نعلم في التاريخ الإسلامي أن الرءوس إما أصحاب أهواء عن قصد، أو غير قصد أما الأتباع فمضلَّلون، وكثير منهم إذا تبينت لهم الحقيقة عادوا إليها وتمسكوا بها، ولذلك فلا أرى مقاطعتهم ومدابرتهم، وإنما الصبر عليهم، ومجادلتهم بالتي هي أحسن، هذا لمن كان على وذا صدرٍ واسع؛ ليتمكن من نقل الكلمة الطيبة إليهم، وما أدري كيف الوضع عندكم هناك؟ السائل: يا شيخ! الحقيقة أنهم يكذبون كثيراً، فلذلك ليس فقط شيخهم يشكك فيه، بل حتى قادتهم الذين بعثوهم -أيضاً- على مثيلتهم، يذهب يناقشك ويقول: والله أنا ذهبت لاستتابة الشيخ فتاب على يدي، وهذا قالوه عني شخصياً، مع أنه خرج من عندي بأسوأ حال، وبعضهم أقسم بالله أنهم يفسقون معاوية عليه الرضوان، فأقسم أحدهم بالله أن هذا ليس صحيحاً، وأنه لو اكتشف ذلك لخرج منهم في الحال، وبعد أسبوع حدثت مناظرة في سدني وهو كان يقرأ لشيخهم، وقال: هذا صحيح، وهو تأكيد لحديث النبي صلى الله عليه وسلم: (سباب المسلم فسوق) فهو سب علياً فهو فاسق. السائل: وهم سيخرجون كتاباً بكفر الوهابية والهجوم عليهم، فنحن نريد حكم الشرع.. فيهم الحكم النهائي. الشيخ: نحن لا نعطي حكماً نهائياً بالنسبة لكل الفرق الضالة، الحكم النهائي أنها فرق ضالة، أما أن نعطي حكماً نهائياً في كل فرد من أفراد الفرق الضالة، فهذا جنف وبغي وظلم وعدوان لا يجوز، عندنا مثلاً الشيعة ومن يقال فيهم الرافضة، كثير من علمائهم لا نشك في كفرهم وضلالهم كالخميني مثلاً؛ لأنه أعلن كفره في رسالته الحكومة الإسلامية. لكن لا نستطيع أن ندين كل فرد من أفراد الشيعة أنه يتبنى هذه العقيدة، فيمكن أن يكونوا على الفطرة. مثلاً بالنسبة لمن يسمون بأهل السنة والجماعة الذين يتعبدون ربنا عز وجل على المذاهب الأربعة، كثير من عامة المسلمين لا يدينون بفلسفة الأشاعرة الذين ينفون عن الله صفة العلو ويقولون: الله لا فوق ولا تحت، ولا يمين ولا يسار، ولا أمام ولا خلف، لا داخل العالم ولا خارجه، الفلسفة عامة المسلمين ما يعرفونها، بل أنا أعتقد حتى الكفار النصارى واليهود ربما لا يشاركونهم في هذه الضلالة. فعامة المسلمين لا يزالون على الفطرة؛ لأنهم يرفعون أيديهم ويسألون الله عز وجل، فلا نستطيع أن نقول: إن كل فرد من أفراد أهل السنة.. وأهل السنة من هم الآن؟(2/171)
الماتردية والأشاعرة، إذاً هؤلاء كهؤلاء، نحن لا نقول هذا، وهذا في أهل السنة فما بالنا في الشيعة؟ الشيعة فيهم كفريات وضلالات، وحسبكم كتذكير بما يزعمونه من مصحف فاطمة، وذاك الذي ألف رسالة عنوانها (فصل الخطاب في إثبات تحريف كلام رب الأرباب) ، المقصود هل كل فرد من أفراد الشيعة العامة يعتقد أن المصحف محرف؟ الجواب: لا والله. السائل: هل يجوز إطلاق الفتوى فيهم والشدة عليهم؟ الشيخ: لا يجوز إطلاق الفتوى العامة، وإنما من اعتقد بما هو كفر فهو كافر، لكن هنا ضميمة أخرى لابد -أيضاً- أن تكون في بالكم: من اعتقد ما هو كفر فهو كافر بشرط: الإنذار والتبليغ، بهاتين الضميمتين ممكن أن نقول: فلان كافر، أما هكذا بالكم . دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما الفرق بين الإتباع والاجتهاد؟
الإتباع فيها حل للمشكلة، وقضاء على التقليد الذي عم وطم في بلاد الإسلام، وليست طريقة الاجتهاد كما يظن الظانون والباغون المفترون اليوم. يمكن القضاء على التقليد الذي هو في الأصل حرام، ليس فقط بطريقة الاجتهاد، وإنما بطريقة أخرى دون ذلك، وهي طريقة الاتباع، والفرق بين طريقة الاجتهاد والاتباع فرقٌ سهل وواضحٌ جداً، ألا وهو: أن الاجتهاد يعني أن يكون المسلم العالم على علمٍ باللغة العربية، وآدابها، وعلوم الشريعة؛ كعلم الحديث، والتفسير، وأصول الفقه، ونحو ذلك، وهذا فعلاً لا يستطيعه حتى الذين درسوا هذه العلوم، لا يستطيعون تحقيقها وتطبيقها عملياً في واقع حياتهم العلمية. لكن الاتباع هو: أنك حينما لا تستطيع الاجتهاد تسأل، فعليك أن تسأل أهل الاجتهاد -أهل العلم والفقه في الدين- عن المسألة التي يقدمونها إليك جازمين بحرمتها، أو جازمين بإباحتها، أو جازمين بوجوبها، أو باستحبابها، أو غير ذلك من الأحكام الشرعية، تستطيع أن تسألهم عن الدليل، فإذا قدّموا إليك الدليل اطمأن قلبك إلى هذا الحكم؛ لأنه قدم مقروناً بدليلٍ شرعي، بخلاف ما لو قال لك: هذا حرام، أو هذا حلال؛ فإنما قدم لك رأيه عارياً ومجرداً عن الدليل الشرعي، فالذي يأخذ هذا الرأي، التحريم، أو غيره، غير مقرون بدليل، فهذا هو التقليد، وهو الذي ينبغي أن نتخلص منه بقدر الإمكان، والذي يأخذ المسألة مقرونةً بدليلها الشرعي، من كتابٍ، أو سنة، أو اجتهاد عالم مجتهدٍ ما، فهو المتبع، والذي يقدم الدليل متفقهاً فيه من الكتاب والسنة فهو المجتهد. لذلك فليس من الطبيعي أن نظل نوجه مثل هذا السؤال، هل كل مسلم ملزم بالاجتهاد؟نقول: كل مسلم ملزم بأن يكون على بصيرة من دينه، أما الملزم بالاجتهاد فهم أهل العلم، وأهل العلم اليوم إن وجدوا فالمنصفون منهم في هذه المسألة يصرحون بأنهم ليسوا من أهل العلم، وهذا تصريح لا يبوحون به إلا حينما تضطرهم المجادلات العلمية إلى أن يقولوا بصراحة: إننا لسنا بعلماء، فأين هؤلاء العلماء؟ أصبحوا باعترافهم في خبر كان، ولذلك يعترفون بأن باب الاجتهاد أغلق، ومعنى هذا: أن العالم(2/172)
الإسلامي كله، أو على الأقل جله، يعيش في جهل، لا يعيش في حالة اجتهاد، وهذا أمر بدهي؛ لأنه في الزمن الأول ما كان كل أفراد المسلمين مجتهدين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)-كيف كانت طريقة تعليم الرسول صلى الله عليه وسلم لاصحابه؟
يروي الإمام مسلم في صحيحه عن معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه: (أنه صلى يوماً وراء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فعطس رجل بجانبه فقال له: يرحمك الله) معاوية بن الحكم السلمي يقول للذي عطس بجانبه: يرحمك الله، كأنه خارج الصلاة، لا يعلم أن هذا كلام، وأنه لا يجوز للمصلي أن يتكلم، فنظر إليه من كان عن جنبيه نظرة إسكات، فما كان منه إلا أن انزعج أكثر من قبل وقال: وا ثكل أمي! ما لكم تنظرون إلي؟! لم يعرف بعد هذا المسكين لبعده عن العلم خطأه، وأنه تكلم في الصلاة، وأن الكلام مبطل، ولو كانت بكلمة: يرحمك الله أيها العاطس، فما كان من الصحابة إلا أن أخذوا ضرباً على أفخاذهم تسكيتاً له، يقول معاوية: [فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم الصلاة أقبل إلي ...] تصوروا نفسية هذا الإنسان الذي شعر بعد زمن أنه مخطئ، والرسول يقبل عليه، ماذا تتصور أن يفعل الرسول معه؟! هل يريد أن يؤنبه أو أن يجهله، مثلما يعامل مشايخنا إلا قليلاً منهم؟ إذا أخطأ شخص خطيئة تافهة يتمنى من شدة التأنيب أن الأرض تبلعه، ربما تصور هذا معاوية، أي: أن الرسول عليه السلام لما أتى أليه يريد أن يخطئه ويؤنبه، قال معاوية : (فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أقبل إلي، فوالله ما ضربني، ولا قهرني، ولا شتمني، وإنما قال لي: إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي تسبيح وتكبير وتحميد) لما رأى معاوية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا الخلق اللطيف الناعم، كأنه عاد إلى نفسه يحاسبها أنه جاهل، فلا بد أن يتعلم، لذلك أخذ يلقي على النبي صلى الله عليه وسلم السؤال بعد السؤال. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(2/173)
فصل في السياسة والحكم
س)- ما يسمى في الوقت الحاضر بالانقلاب العسكري على الحاكم ، هل هو وارد في الدين ، أم هو بدعة ؟
هذه الأفعال لا أصل لها في الإسلام ، وهي خلاف المنهج الإسلامي في تأسيس الدعوة وإيجاد الأرض الصالحة لها ، وإنما هي بدعة كافرة تأثر بها بعض المسلمين ، وهذا ما ذكرته في التعليق والشرح على العقيدة الطحاوية .نقلا من موقع جماعة انصار السنة ، والمرجع مجلة التوحيدالعددالعاشر لسنة 1420.
س)- ما هو الطريق للخلاص من ظلم الحكام؟
الطريق للخلاص من ظلم الحكام الذين هم "من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا" هو أن يتوب المسلمون إلى ربهم ويصححوا عقيدتهم ويربوا أنفسهم وأهليهم على الإسلام الصحيح تحقيقا لقوله تعالى (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم)الرعد11 ، وإلى ذلك أشار أحد الدعاة المعاصرين بقوله : "أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم على أرضكم" . وليس طريق الخلاص ما يتوهم بعض الناس وهو الثورة بالسلاح على الحكام . بواسطة الانقلابات العسكرية فإنها مع كونها من بدع العصر الحاضر فهي مخالفة لنصوص الشريعة التي منها الأمر بتغيير ما بالأنفس وكذلك فلا بد من إصلاح القاعدة لتأسيس البناء عليها (ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز)الحج40. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- هل يجوز حمل هذه الآيات الثلاث (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) , (فأولئك هم الظالمون) , (فأولئك هم الفاسقون) على بعض الحكام المسلمين و قضاتهم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية؟
أخرج أحمد (1/246) و الطبراني في " المعجم الكبير " (3/95/1) من طريق عبد الرحمن بن أبي الزناد عن أبيه عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن ابن عباس قال (إن الله عز وجل أنزل : (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) و ( أولئك هم الظالمون ) و (أولئك هم الفاسقون) . قال ابن عباس :(2/174)
أنزلها الله في الطائفتين من اليهود , و كانت إحداهما قد قهرت الأخرى في الجاهلية حتى ارتضوا و اصطلحوا على أن كل قتيل قتله (العزيزة) من (الذليلة) فديته خمسون وسقا , و كل قتيل قتله (الذليلة) من (العزيزة) فديته مائة وسق , فكانوا على ذلك , حتى قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة , فذلت الطائفتان كلتاهما لمقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم , و يؤمئذ لم يظهر و لم يوطئهما عليه و هو في الصلح , فقتلت الذليلة من العزيزة قتيلا , فأرسلت (العزيزة) إلى (الذليلة) أن ابعثوا إلينا بمائة وسق , فقالت (الذليلة) : و هل كان هذا في حيين قط دينهما واحد , و نسبهما واحد , و بلدهما واحد , دية بعضهم نصف دية بعض؟ ! إنا إنما أعطيناكم هذا ضيما منكم لنا , و فرقا منكم , فأما إذ قدم محمد فلا نعطيكم ذلك , فكادت الحرب تهيج بينهما , ثم ارتضوا على أن يجعلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما , ثم ذكرت (العزيزة) فقالت : والله ما محمد بمعطيكم منهم ضعف ما يعطيهم منكم , و لقد صدقوا , ما أعطونا هذا إلا ضيما منا وقهرا لهم , فدسوا إلى محمد من يخبر لكم رأيه , إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه وإن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه . فدسوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ناسا من المنافقين ليخبروا لهم رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر الله رسوله بأمرهم كله و ما أرادوا , فأنزل الله عز وجل : (يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا : آمنا) إلى قوله : (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) , ثم قال : فيهما والله نزلت , و إياهما عنى الله عز وجل).
(فائدة هامة) : إذا علمت أن الآيات الثلاث : (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) , (فأولئك هم الظالمون) , (فأولئك هم الفاسقون) نزلت في اليهود و قولهم في حكمه صلى الله عليه وسلم : " إن أعطاكم ما تريدون حكمتموه , و إن لم يعطكم حذرتم فلم تحكموه " , و قد أشار القرآن إلى قولهم هذا قبل هذه الآيات فقال : (يقولون إن أوتيتم هذا فخذوه , و إن لم تؤتوه فاحذروا) , إذا عرفت هذا , فلا يجوز حمل هذه الآيات على بعض الحكام المسلمين و قضاتهم الذين يحكمون بغير ما أنزل الله من القوانين الأرضية , أقول : لا يجوز تكفيرهم بذلك , و إخراجهم من الملة إذا كانوا مؤمنين بالله و رسوله , و إن كانوا مجرمين بحكمهم بغير ما أنزل الله , لا يجوز ذلك , لأنهم و إن كانوا كاليهود من جهة حكمهم المذكور , فهم مخالفون لهم من جهة أخرى , ألا و هي إيمانهم و تصديقهم بما أنزل الله , بخلاف اليهود الكفار , فإنهم كانوا جاحدين له كما يدل عليه قولهم المتقدم : " ... و إن لم يعطكم حذرتموه فلم تحكموه " , بالإضافة إلى أنهم ليسوا مسلمين أصلا , و سر هذا أن الكفر قسمان : اعتقادي و عملي . فالاعتقادي مقره القلب . و العملي محله الجوارح . فمن كان عمله كفرا لمخالفته للشرع , و كان مطابقا لما وقر في قلبه من الكفر به , فهو الكفر الاعتقادي , و هو الكفر الذي لا يغفره الله , و يخلد صاحبه في النار أبدا . و أما إذا كان مخالفا لما وقر في قلبه , فهو مؤمن بحكم ربه , و لكنه يخالفه بعمله , فكفره كفر عملي فقط , و ليس كفرا اعتقاديا , فهو(2/175)
تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه , و إن شاء غفر له , و على هذا النوع من الكفر تحمل الأحاديث التي فيها إطلاق الكفر على من فعل شيئا من المعاصي من المسلمين , و لا بأس من ذكر بعضها :
1 - اثنتان في الناس هما بهم كفر , الطعن في الأنساب و النياحة على الميت . رواه مسلم .
2 - الجدال في القرآن كفر .
3 - سباب المسلم فسوق , و قتاله كفر . رواه مسلم .
4 - كفر بالله تبرؤ من نسب و إن دق .
5 - التحدث بنعمة الله شكر , و تركها كفر.
6 - لا ترجعوا بعدي كفارا , يضرب بعضكم رقاب بعض . متفق عليه . إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة التي لا مجال الآن لاستقصائها . فمن قام من المسلمين بشيء من هذه المعاصي , فكفره كفر عملي , أي إنه يعمل عمل الكفار , إلا أن يستحلها , و لا يرى كونها معصية فهو حينئذ كافر حلال الدم , لأنه شارك الكفار في عقيدتهم أيضا , و الحكم بغير ما أنزل الله , لا يخرج عن هذه القاعدة أبدا , و قد جاء عن السلف ما يدعمها , و هو قولهم في تفسير الآية : "كفر دون كفر" , صح ذلك عن ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنه , ثم تلقاه عنه بعض التابعين و غيرهم , و لابد من ذكر ما تيسر لي عنهم لعل في ذلك إنارة للسبيل أمام من ضل اليوم في هذه المسألة الخطيرة , و نحا نحو الخوارج الذين يكفرون المسلمين بارتكابهم المعاصي , و إن كانوا يصلون و يصومون !
1 - روى ابن جرير الطبري (10/355/12053) بإسناد صحيح عن ابن عباس : (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) قال : هي به كفر , و ليس كفرا بالله و ملائكته و كتبه و رسله.
2 - و في رواية عنه في هذه الآية : إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه , إنه ليس كفرا ينقل عن الملة , كفر دون كفر . أخرجه الحاكم (2/313) و قال: "صحيح الإسناد" . و وافقه الذهبي , و حقهما أن يقولا : على شرط الشيخين . فإن إسناده كذلك . ثم رأيت الحافظ ابن كثير نقل في " تفسيره " (6/163) عن الحاكم أنه قال : "صحيح على شرط الشيخين" , فالظاهر أن في نسخة "المستدرك" المطبوعة سقطا , و عزاه ابن كثير لابن أبي حاتم أيضا ببعض اختصار.
3 - و في أخرى عنه من رواية علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : من جحد ما أنزل الله فقد كفر , و من أقر به و لم يحكم فهو ظالم فاسق . أخرجه ابن جرير (12063) . قلت : و ابن أبي طلحة لم يسمع من ابن عباس , لكنه جيد في الشواهد .
4 - ثم روى (12047-12051) عن عطاء بن أبي رباح قوله : (و ذكر الآيات الثلاث) : كفر دون كفر , و فسق دون فسق , و ظلم دون ظلم . و إسناده صحيح .(2/176)
5 - ثم روى (12052 ) عن سعيد المكي عن طاووس (و ذكر الآية) قال : ليس بكفر ينقل عن الملة . و إسناده صحيح , و سعيد هذا هو ابن زياد الشيباني المكي , وثقه ابن معين والعجلي و ابن حبان و غيرهم , و روى عنه جمع.
6 - و روى (12025و12026) من طريقين عن عمران بن حدير قال : أتى أبا مجلز ناس من بني عمرو بن سدوس (و في الطريق الأخرى : نفر من الإباضية) فقالوا : أرأيت قول الله : (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون) أحق هو ؟ قال : نعم . قالوا : (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون) أحق هو ؟ قال : نعم . قالوا : (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون) أحق هو ؟ قال : نعم .
قال : فقالوا : يا أبا مجلز فيحكم هؤلاء بما أنزل الله ? قال : هو دينهم الذي يدينون به , و به يقولون و إليه يدعون - [يعني الأمراء] - فإن هم تركوا شيئا منه عرفوا أنهم أصابوا ذنبا . فقالوا : لا والله , و لكنك تفرق. قال : أنتم أولى بهذا مني ! لا أرى , و إنكم أنتم ترون هذا و لا تحرجون , و لكنها أنزلت في اليهود و النصارى و أهل الشرك . أو نحوا من هذا , و إسناده صحيح .
و قد اختلف العلماء في تفسير الكفر في الآية الأولى على خمسة أقوال ساقها ابن جرير (10/346-357) بأسانيده إلى قائليها , ثم ختم ذلك بقوله (10/358) : "و أولى هذه الأقوال عندي بالصواب قول من قال : نزلت هذه الآيات في كفار أهل الكتاب , لأن ما قبلها و ما بعدها من الآيات ففيهم نزلت , و هم المعنيون بها , و هذه الآيات سياق الخبر عنهم , فكونها خبرا عنهم أولى . فإن قال قائل :فإن الله تعالى ذكره قد عم بالخبر بذلك عن جميع من لم يحكم بما أنزل الله , فكيف جعلته خاصا ? قيل : إن الله تعالى عم بالخبر بذلك عن قوم كانوا بحكم الله الذي حكم به في كتابه جاحدين , فأخبر عنهم أنهم بتركهم الحكم -على سبيل ما تركوه- كافرون . و كذلك القول في كل من لم يحكم بما أنزل الله جاحدا به هو بالله كافر , كما قال ابن عباس , لأنه بجحوده حكم الله بعد علمه أنه أنزله في كتابه , نظير جحوده نبوة نبيه بعد علمه أنه نبي " . و جملة القول أن الآية نزلت في اليهود الجاحدين لما أنزل الله , فمن شاركهم في الجحد , فهو كافر كفرا اعتقاديا , و من لم يشاركهم في الجحد فكفره عملي لأنه عمل عملهم , فهو بذلك مجرم آثم , و لكن لا يخرج بذلك عن الملة كما تقدم عن ابن عباس رضي الله عنه . وقد شرح هذه و زاده بيانا الإمام الحافظ أبو عبيد القاسم ابن سلام في "كتاب الإيمان" "باب الخروج من الإيمان بالمعاصي" (ص84-87-بتحقيقي ) , فليراجعه من شاء المزيد من التحقيق . و بعد كتابة ما سبق , رأيت شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله يقول في تفسير آية الحكم المتقدمة في "مجموع الفتاوي" (3/268) : "أي هو المستحل للحكم بغير ما أنزل الله" . ثم ذكر (7/254) أن الإمام أحمد سئل عن الكفر المذكور فيها ? فقال : كفر لا ينقل عن الإيمان , مثل الإيمان بعضه دون بعض , فكذلك الكفر , حتى يجيء من ذلك أمر لا يختلف فيه . و قال (7/312) : "و(2/177)
إذا كان من قول السلف أن الإنسان يكون فيه إيمان و نفاق , فكذلك في قولهم أنه يكون فيه إيمان و كفر , و ليس هو الكفر الذي ينقل عن الملة , كما قال ابن عباس و أصحابه في قوله تعالى : (و من لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون)* , قالوا : كفرا لا ينقل عن الملة . و قد اتبعهم على ذلك أحمد و غيره من أئمة السنة". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2552.
س)- هل يجوزالخروج على الحكام لو كانوا من المقطوع بكفرهم ؟
لا بدَّ لي قبل الدخول في شيء من التفصيل بأن أُذكِّر ـ والذكرى تنفع المؤمنين ـ بقول أهل العلم: (ما بُني على فاسد فهو فاسد)، فالصلاة التي تُبنى على غير طهارة مثلاً فهي ليست بصلاة، لماذا؟ لأنَّها لم تقم على أساس الشرط الذي نصَّ عليه الشارع الحكيم في مثل قوله صلى الله عليه وسلَّم: (( لا صلاة لمن لا وضوء له )) ، فمهما صلى المصلي بدون وضوء فما بُني على فاسد فهو فاسد، والأمثلة في الشريعة من هذا القبيل شيء كثير وكثير جداًّ.
فنحن ذكرنا دائماً وأبداً بأنّ الخروج على الحكام لو كانوا من المقطوع بكفرهم، لو كانوا من المقطوع بكفرهم، أنَّ الخروج عليهم ليس مشروعاً إطلاقاً؛ ذلك لأنَّ هذا الخروج إذا كان ولا بدَّ ينبغي أن يكون خروجاً قائماً على الشرع، كالصلاة التي قلنا آنفاً إنَّها ينبغي أن تكون قائمة على الطهارة، وهي الوضوء، ونحن نحتجُّ في مثل هذه المسألة بِمثل قوله تبارك وتعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)الأحزاب 21.
إنَّ الدورَ الذي يَمرُّ به المسلمون اليوم من تحكّم بعض الحكام ـ وعلى افتراض أنَّهم أو أنَّ كفرهم كفر جلي واضح ككفر المشركين تماماً ـ إذا افترضنا هذه الفرضية فنقول: إنَّ الوضع الذي يعيشه المسلمون بأن يكونوا محكومين من هؤلاء الحكام ـ ولْنَقُل الكفار مجاراةً لجماعة التكفير لفظاً لا معنى؛ لأنَّ لنا في ذلك التفصيل المعروف ـ فنقول: إنَّ الحياة التي يحياها المسلمون اليوم تحت حكم هؤلاء الحكام لا يخرج عن الحياة التي حييها رسول الله عليه الصلاة وعلى آله وسلَّم، وأصحابُه الكرام فيما يُسمى في عرف أهل العلم: بالعصر المكي.
لقد عاش عليه السلام تحت حكم الطواغيت الكافرة المشركة، والتي كانت تأبى صراحةً أن تستجيب لدعوة الرسول عليه السلام، وأن يقولوا كلمة الحق (لا إله إلاَّ الله) حتى إنّ عمَّه أبا طالب ـ وفي آخر رمق من حياته ـ قال له: لولا أن يُعيِّرني بها قومي لأقررتُ بها عينَك.
أولئك الكفار المصرِّحين بكفرهم المعاندين لدعوة نبيِّهم، كان الرسول عليه السلام يعيش تحت حكمهم ونظامهم، ولا يتكلَّم معهم إلاَّ: أن اعبدوا الله وحده لا شريك له.(2/178)
ثم جاء العهد المدني، ثم تتابعت الأحكام الشرعية، وبدأ القتال بين المسلمين وبين المشركين، كما هو معروف في السيرة النبوية.
أما في العهد الأول ـ العهد المكي ـ لم يكن هنالك خروج كما يفعل اليوم كثيرٌ من المسلمين في غير ما بلد إسلامي.
فهذا الخروج ليس على هدي الرسول عليه السلام الذي أُمرنا بالاقتداء به، وبخاصة في الآية السابقة: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) الأحزاب 21. انتهى كلام الالباني من شريط من منهج الخوارج.
س)- ما هي الطريق الصحيح للإصلاح في الدول الإسلامية؟
إن كلُّ مَن خالف هدي الرسول عليه السلام فهو سوف لا يكون عاقبة أمره إلاَّ خُسراً، وهدي الرسول صلى الله عليه وسلَّم إذاً في إقامة الحكم الإسلامي وتأسيس الأرض الإسلامية الصالحة لإقامة حكم الإسلام عليها، إنَّما يكون بالدعوة.
أولاً: دعوة التوحيد، ثم تربية المسلمين على أساس الكتاب والسنة.
وحينما نقول نحن إشارة إلى هذا الأصل الهام بكلمتين مختصرَتين، إنَّه لا بدَّ من التصفية والتربية، بطبيعة الحال لا نعني بهما أنَّ هذه الملايين المملينة من هؤلاء المسلمين أن يصيروا أمة واحدة، وإنَّما نريد أن نقول: إنَّ مَن يريد أن يعمل بالإسلام حقًّا وأن يتَّخذ الوسائل التي تمهد له إقامة حكم الله في الأرض، لا بدَّ أن يقتدي بالرسول -صلى الله عليه وسلم- حكماً وأسلوباً.
بهذا نحن نقول إنَّ ما يقع سواءً في الجزائر أو في مصر، هذا خلاف الإسلام؛ لأنَّ الإسلام يأمر بالتصفية والتربية، أقول التصفية والتربية؛ لسبب يعرفه أهل العلم.
نحن اليوم في القرن الخامس عشر، ورثنا هذا الإسلام كما جاءنا طيلة هذه القرون الطويلة، لم نرث الإسلام كما أنزله الله على قلب محمد عليه الصلاة والسلام، لذلك الإسلام الذي أتى أُكلَه وثمارَه في أول أمره هو الذي سيؤتي أيضاً أُكُلَه وثمارَه في آخر أمره، كما قال عليه الصلاة والسلام: ( أمَّتي كالمطر لا يُدرى الخير في أوله أم في آخره )
فإذا أرادت الأمة المسلمة أن تكون حياتها على هذا الخير الذي أشار إليه الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث، والحديث الآخر الذي هو منه أشهر: (لا تزال طائفةٌ مِن أمَّتِي ظاهرين على الحقِّ لا يضرُّهم مَن خالَفَهم حتى يأتي أمرُ الله)
أقول: لا نريد بهاتين الكلمتين أن يصبح الملايين المملينة من المسلمين قد تبنَّوا الإسلامَ مصفًّى وربَّوْا أنفسهم على هذا الإسلام المصفَّى، لكنَّنا نريد لهؤلاء الذين يهتمُّون حقًّا أولاً بتربية نفوسهم ثم بتربية من يلوذ(2/179)
بهم، ثم، ثم، حتى يصل الأمر إلى هذا الحاكم الذي لا يمكن تعديله أو إصلاحه أو القضاء عليه إلاَّ بهذا التسلسل الشرعي المنطقي. انتهى كلام الالباني من شريط من منهج الخوارج.
س)- ما صحة معنى "كما تكونوا يولى عليكم"؟
حديث (كما تكونوا يولى عليكم) حديث ضعيف ثم إن الحديث معناه غير صحيح على إطلاقه عندي , فقد حدثنا التاريخ يولي رجل صالح عقب أمير غير صالح , والشعب هو هو. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 320.
س)- فال صلى الله عليه وسلم (إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله على وجهه ما أقاموا الدين) ، فما معنى (ما أقاموا الدين)؟
قوله : (ما أقاموا الدين) أي : مدة إقامتهم أمور الدين , و مفهومه أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم , و في ذلك أحاديث أخرى تقدم أحدها ( 1552 ) و انظر الآتي بعده . و إليها أشار الحافظ في شرحه لهذا الحديث بقوله ( 13 / 117 ) : " و يؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من الله أولا , و هو الموجب للخذلان و فساد التدبير , و قد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية , ثم التهديد بتسليط من يؤذيهم عليهم , و وجد ذلك في غلبة مواليهم حيث صاروا معهم كالصبي المحجور عليه, يقتنع بلذاته و يباشر الأمور غيره , ثم اشتد الخطب فغلب عليهم الديلم , فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة , و اقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم , ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة , حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار , و لم يبق للخليفة إلا مجرد الاسم في بعض الأمصار " .
قلت : ما أشبه الليلة بالبارحة , بل الأمر أسوأ , فإنه لا خليفة اليوم لهم , لا اسما و لا رسما , و قد تغلبت اليهود و الشيوعيون و المنافقون على كثير من البلاد الإسلامية . فالله تعالى هو المسؤول أن يوفق المسلمين أن يأتمروا بأمره في كل ما شرع لهم , و أن يلهم الحكام منهم أن يتحدوا في دولة واحدة تحكم بشريعته , حتى يعزهم الله في الدنيا , و يسعدهم في الآخرة , و إلا فالأمر كما قال تعالى : *( إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )* , و تفسيرها في الحديث الصحيح : " إذا تبايعتم بالعينة , و أخذتم أذناب البقر , و رضيتم بالزرع و تركتم الجهاد في سبيل الله , سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم , فإلى دينكم أيها المسلمون حكاما و محكومين . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 2856.(2/180)
س)- هل يشترط في الخليفة أن يكون عربياً قرشياً؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الناس تبع لقريش في هذا الشأن، مسلمهم تبع لمسلمهم، وكافرهم تبع لكافرهم) ، وله شاهد، ولفظه:(الناس تبع لقريش في هذا الأمر، خيارهم في الجاهلية، خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، والله لولا أن تتبطر قريش لأخبرتها ما لخيارها عند الله عز وجل) ، وفي هذه الأحاديث الصحيحة رد صريح على بعض الفرق الضالة قديماً، وبعض المؤلفين والأحزاب الإسلامية حديثاً الذين لا يشترطون في الخليفة أن يكون عربياً قرشياً. وأعجب من ذلك، أن يؤلف أحد المشايخ المدعين للسلفية رسالة في((الدولة الإسلامية)) ذكر في أولها الشروط التي يجب أن تتوفر في الخليفة إلا هذا الشرط، متجاهلاً كل هذه الأحاديث وغيرها مما في معناها، ولما ذكرته بذلك تبسم صارفاً النظر عن هذا الموضوع، ولا أدري أكان ذلك لأنه لا يرى هذا الشرط كالذين أشرنا إليهم آنفاً، أم أنه كان غير مستعد للبحث من الناحية العلمية، وسواء كان هذا أو ذاك، فالواجب على كل مؤلف أن يتجرد للحق في كل ما يكتب، وأن لا يتأثر فيه باتجاه حزبي، أو تيار سياسي ولا يلتزم في ذلك موافقة الجمهور، أو مخالفتهم. والله ولي التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1007.
س)- ما هو القول الصائب في الحجّاج بن يوسف الثقفي هل هو كافر؟
نحن نشهد أنّ الحجّاج فاجرٌ ظالمٌ، لكننا لا نعلم منه أنه أنكر ما هو معلوم من الدين بالضّرورة، فلا يجوز تكفيره بمجرد أنّه فجر، وظلم، وقتل الأبرياء من المسلمين. شبكة المنهاج الإسلامية.
فصل في الجهاد
س)- ما هي أقسام الجهاد؟
الجهاد على قسمين :
الأول فرض عين وهو صد العدو المهاجم لبعض بلاد المسلمين كاليهود الآن الذين احتلوا فلسطين : فالمسلمون جميعا آثمون حتى يخرجوهم منها .
والآخر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين وهو الجهاد في سبيل نقل الدعوة الإسلامية إلى سائر البلاد حتى يحكمها الإسلام فمن استسلم من أهلها فبها ومن وقف في طريقها قوتل حتى تكون كلمة الله هي العليا فهذا الجهاد ماض إلى يوم القيامة فضلا عن الأول ومن المؤسف أن بعض الكتاب اليوم ينكره وليس(2/181)
هذا فقط بل إنه يجعل ذلك من مزايا الإسلام وما ذلك إلا أثر من آثار ضعفهم وعجزهم عن القيام بالجهاد العيني وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول : "إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد في سبيل الله سلط الله عليهم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم" "الصحيحة" انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- كيف تكون دعوة الكفار إلى الإسلام؟
حديث (لا تقاتل قوما حتى تدعوهم) قاعدة هامة في دعوة الكفار إلى الإسلام قبل قتالهم , فإن استجابوا فبها و نعمت , و إلا فرضت عليهم الجزية , فإن رفضوا قوتلوا , و على هذا جرى النبي صلى الله عليه وسلم و أصحابه , و لا يخالف ذلك ما في " الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق , و هم غارون .. أي غافلون , أي أخذهم على غرة . فإنه ليس فيه أنه لم يكن قد بلغتهم دعوته صلى الله عليه وسلم , كيف و هي قد بلغت فارس و الروم بله العرب , فمن البلاهة بمكان إنكار بعض الكتاب المعاصرين لهذا الحديث بحجة أنه مخالف للقاعدة المذكورة , فإنه ليس من الضروري أن يدعى الكفار قبل قتالهم مباشرة ! و قد أشار إلى هذا الحسن البصري حين سئل عن العدو ? هل يدعون قبل القتال ? قال : "قد بلغهم الإسلام منذ بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم" . أخرجه ابن أبي شيبة و سعيد بن منصور و انظر الرد على البعض المشار إليه مع تخريج حديث "الصحيحين" في "صحيح أبي داود". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2641.
س)- نريد كلمة من الشيخ في توضيح أحكام الجهاد الشرعي الصحيح؟
نحن نعلم أنَّ الشارعَ الحكيم ـ بٍما فيه من عدالة وحكمة ـ نهى الغزاة المسلمين الأولين أن يتعرَّضوا في غزوهم للنساء، فنهى عن قتل النساء وعن قتل الصبيان والأطفال، بل ونهى عن قتل الرهبان المنطوين على أنفسهم لعبادة ربِّهم ـ زعموا ـ فهم على شرك وعلى ضلال، نهى الشارع الحكيم قُوَّاد المسلمين أن يتعرَّضوا لهؤلاء؛ لتطبيق أصل من أصول الإسلام، ألا وهو قوله تبارك وتعالى في القرآن: (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى أَن لاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَأَن لَيْسَ لِلإِنسَانِ إَلاَّ مَا سَعَى)النجم 36 ـ 39، فهؤلاء الأطفال وهذه النسوة والرجال الذين ليسوا لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، فقتلهم لا يجوز إسلاميًّا، قد جاء في بعض الأحاديث: (أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وآله سلَّم رأى ناساً مجتمعين على شيء فسأل؟ فقالوا: هذه امرأة قتيلة، قال عليه السلام: ما كانت هذه لتقاتِل).(2/182)
وهنا نأخذ حكمين متقابلين، أحدها: سبق الإشارة إليه، ألا وهو أنَّه لا يجوز قتل النساء؛ لأنَّها لا تُقاتل، ولكن الحكم الآخر أنَّنا إذا وجدنا بعض النسوة يُقاتلن في جيش المحاربين أو الخارجين، فحينئذ يجوز للمسلمين أن يُقاتلوا أو أن يقتلوا هذه المرأة التي شاركت الرجال في تعاطي القتال.
فإذا كان السؤال إذاً بأنَّ هؤلاء حينما يفخِّخون ـ كما يقولون ـ بعض السيارات ويفجِّرونها تصيب بشظاياها مَن ليس عليه مسؤولية إطلاقاً في أحكام الشرع، فما يكون هذا من الإسلام إطلاقاً، لكن أقول: إنَّ هذه جزئية من الكُليَّة، أخطرها هو هذا الخروج الذي مضى عليه بضع سنين، ولا يزداد الأمر إلاَّ سوءاً، لهذا نحن نقول إنَّما الأعمال بالخواتيم، والخاتمة لا تكون حسنةً إلاَّ إذا قامت على الإسلام، وما بُني على خلاف الإسلام فسوف لا يُثمر إلاَّ الخراب والدمَّار. انتهى كلام الالباني من شريط من منهج الخوارج.
س)- هل الجهاد في أفغانستان فرض على كل مسلم؟
الجهاد في سبيل الله اليوم فرض عين على كل المسلمين ، ليس فقط في أفغانستان ، بل وفي كثير من بلاد ـ ما حبيت طبعاً أختصر الكلام ـ لكن كفلسطين مثلاً ، لكن هناك حقيقتان لا بد من التنبيه أو التذكير بهما :-
أولاً : الجهاد يحتاج إلى أمرين اثنين ، أو ينقسم إلى قسمين اثنين : جهاد معنوي ، عفواً ، يحتاج إلى أمرين اثنين :
1 – استعداد معنوي .
2 – واستعداد مادي .
أما الاستعداد المعنوي : فهو أن نكون مسلمين حقاً لنستحق بذلك نصر لله كما قال : ) إن تنصروا الله ينصركم ( ، أما الاستعداد المادي : فهو معروف , والمسلمون اليوم ليس عندهم استعداد مادي ، لأن أسلحتهم كلها تأتيهم من الخارج وبأثمان باهظة.
و خلاصة الكلام: الجهاد ليس جهاد أفراد , الجهاد يجب أن يكون جهاد الحكومات الإسلامية تهيئ شعوبها وتسلحها بالإيمان والعتاد ، وهذا بلا شك غير واقع اليوم مع الأسف ، وهذا المثال أمامنا : فلسطين ، وأنا أخشى ما أخشى أن تعود أفغانستان فلسطين ثانية ، ولذلك فإن كنت ترى أن هناك فيه استعداد للجهاد فجاهد ، وإلا فالزم ما أنت عليه. شبكة المنهاج الإسلامية.
س)- كيف يأتي نصر الله؟(2/183)
فمن المتفق عليه دون خلاف ولله الحمد بين المسلمين أن معنى (إن تنصروا الله) أي : إن عملتم بما أمركم به : نصركم الله على أعدائكم ومن أهم النصوص المؤيدة لهذا المعنى مما يناسب واقعنا الذي نعيشه تماما حيث وصف الدواء والعلاج معا قوله صلى الله عليه وسلم : (إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) [ وهو مخرج في كتابي (سلسلة الأحاديث الصحيحة) (رقم:11] فقه الواقع .
فصل في عالم الجن
س)- هل يلتبس الشيطان فى المؤمن الصالح؟
أن الشيطان قد يتلبس الإنسان و يدخل فيه و لو كان مؤمنا صالحا , و في ذلك أحاديث كثيرة , و قد كنت خرجت أحدها من حديث يعلى بن مرة قال : "سافرت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فرأيت منه شيئا عجبا .. " و فيه : " و أتته امرأة فقالت : إن ابني هذا به لمم منذ سبع سنين , يأخذه كل يوم مرتين , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أدنيه" , فأدنته منه , فتفل في فيه , و قال : اخرج عدو الله ! أنا رسول الله".". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2912.(2/184)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب الطهارة
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(3/1)
كتاب الطهارة
فصل في النجاسات
باب في أنواع النجاسات
س)- هل الخمرة نجسة ام غير نجسة؟
ليس في الأدلة الشرعية من الكتاب و السنة ما يؤيد أن الخمرة نجسة , و لذلك ذهب جماعة من الأئمة إلى أنها طاهرة , و أنه لا تلازم بين كون الشيء محرما و كونه نجسا . و من هؤلاء الليث بن سعد و ربيعة الرأي و غيرهم ممن سماهم العلامة القرطبي في "تفسيره" , فليراجعه من شاء , و هو اختيار الإمام الشوكاني في "السيل الجرار" و غيره. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1289
س)- هل جلد الميتة نجس أم طاهر؟
قد قام الدليل على نجاسة جلد الميتة في أحاديث كثيرة معروفة كقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا دبغ الإهاب فقد طهر" رواه مسلم وغيره ، وغير مخرجة في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام ذكر في الباب حديث ابن عباس في قصة شاة مولاة ميمونة وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : "هلا أخذتم إهابها فدبغتموه فانتفعتم به؟" ، وهو صريح في أن الانتفاع به لا يكون إلا بعد الدبغ. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل قئ الآدمي متفق على نجاسته؟
قد خالف في ذلك ابن حزم حيث صرح بطهارة قئ المسلم راجع "المحلى" ، وهو مذهب الإمام الشوكاني في "الدرر البهية" وصديق خان في "شرحها" ، حيث لم يذكرا في (النجاسات) قئ الآدمي مطلقا وهو الحق ثم ذكرا أن في نجاسته خلافا ورجحا الطهارة بقولهما : "والأصل الطهارة فلا ينقل عنها إلا ناقل صحيح لم(3/2)
يعارضه ما يساويه أو يقدم عليه" ، وذكر نحوه الشوكاني أيضا في "السيل الجرار". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل حكم دم الحيض وغيره من الدماء كدم الإنسان ودم مأكول اللحم من الحيوان النجاسة؟
ان التسوية بين دم الحيض وغيره من الدماء كدم الإنسان ودم مأكول اللحم من الحيوان ، خطأ وذلك لأمرين اثنين :-
1 - أنه لا دليل على ذلك من السنة بله الكتاب ، والأصل براءة الذمة إلا نص.
2 - أنه مخالف لما ثبت في السنة ، أما بخصوص دم الإنسان المسلم فلحديث الأنصاري الذي صلى وهو يموج دما .
وأما دم الحيوان فقد صح عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه نحر جزورا ، فتلطخ بدمها وفرثها ثم أقيمت الصلاة فصلى ولم يتوضأ.
أخرجه عبد الرزاق في "المصنف" (1/125) ، وابن أبي شيبة (1/392) ، والطبراني في " المعجم الكبير " ( 9 / 28 4) بسند صحيح عنه ، ورواه البغوي في " الجعديات " (2/887 /2503).
وروى عقبه عن أبي موسى الأشعري : " ما أبالي لو نحرت جزورا فتلطخت بفرث ودمها ثم صليت ولم أمس ماء" ، وسنده ضعيف . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ما حكم ما مات في البحر مما كان يحيا فيه؟
وفي الحديث (هو الطهور ماؤه , الحل ميتته) فائدة هامة , وهي حل ما مات في البحر مما كان يحيا فيه , ولو كان طافياً على الماء.
وما أحسن ما روى عن ابن عمر أنه سئل : آكل ما طفا على الماء ؟ قال : إن طافيه ميتته , وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن ماءه طهور , وميته حل) , رواه الدارقطني.
وحديث النهي عن أكل ما طفا منه على الماء لا يصح. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 480.(3/3)
باب في تطهير النجاسة
س)- هل يتعين الماء لإزالة النجاسة ، أم يجوز إزالتها بغيره من الموائع؟
إن النجاسات إنما تزال بالماء دون غيره من المائعات , لأن جميع النجاسات بمثابة دم الحيض , ولا فرق بينه وبينها اتفاقاً , وهو مذهب الجمهور , وذهب ابوحنيفة إلى أنه يجوز تطهير النجاسة بكل مائع طاهر ، قال الشوكاني : (والحق أن الماء أصل في التطهير لوصفه بذلك كتابًا وسنة وصفًا مطلقًا غير مقيد لكن القول بتعينه وعدم إجزاء غيره يرده حديث مسح النعل وفرك المني وإماطته بأذخرة ، وأمثال ذلك كثير فالإنصاف أن يقال أنه يطهر كل فرد من أفراد النجاسة المنصوص على تطهيرها بما اشتمل عليه النص ، لكنه إن كان ذلك الفرد المحال عليه هو الماء فلا يجوز العدول إلى غيره للمزية التي اختص بها وعدم مساواة غيره له فيها ، وإن كان ذلك الفرد غير الماء جاز العدول عنه إلى غير الماء ، لذلك وإن وجد فرد من أفراد النجاسة لم يقع من الشارع الإحالة في تطهيره على فرد من أفراد المطهرات بل مجرد الأمر بمطلق التطهير فالاقتصار على الماء هو اللازم لحصول الامتثال به بالقطع وغيره مشكوك فيه وهذه طريقة متوسطة بين القولين لا محيص عن سلوكها ).
قلت : وهذا هو التحقيق , فشد عليه بالنواجذ.
ومما يدل على أن غير الماء لا يجزئ في دم الحيض قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث (يَكْفِيكِ الْمَاءُ) , فإن مفهومه أن غير الماء لا يكفي , فتأمل. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 300.
باب في المقدار الواجب اجتنابه من النجاسة
س)- ما مقدار النجاسة التي يجب اجتنابها؟
اعلم أن حديث (الدم مقدار الدرهم , يغسل , ويعاد منه الصلاة) هو حجة الحنفية في تقدير النجاسة المغلظة بالدرهم , وإذا علمت أن هذا الحديث موضوع , يظهر لك بطلان التقييد به , وأن الواجب اجتناب النجاسة ولو كانت أقل من الدرهم , لعموم الأحاديث الآمرة بالتطهير. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 149(3/4)
س)- جاء عن أبي هريرة أنه (كان لا يرى بأسا بالقطرة والقطرتين في الصلاة) ، فهل هذا الاثر يدل على أن الدم لو كثر خروجه في الصلاة فإنه يبطلها؟
هذا الاثر مع ضعفه مخالف لما صح عن أبي هريرة قال : "لا وضوء إلا من حدث" ، رواه البخاري معلقا ووصله إسماعيل القاضي بإسناد صحيح كما قال الحافظ وقد جاء مرفوعا بلفظ : "إلا من صوت أو ريح" وهو مخرج في "المشكاة" ، و"الإرواء" و"صحيح أبي داود" ورواه مسلم بنحوه ، ومخالف أيضا لحديث الأنصاري الذي قام يصلي في الليل فرماه المشرك بسهم فوضه فيه فنزعه حتى رماه بثلاثة أسهم ثم ركع وسجد ومضى في صلاته وهو يموج دما ، كما علقه البخاري ووصله أحمد وغيره وهو مخرج في "صحيح أبي داود" ، وهو في حكم المرفوع لأنه ، يستبعد عادة أن لا يطلع النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فلو كان الدم الكثير ناقضا لبينه صلى الله عليه وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما هو معلوم من علم الأصول .
وعلى فرض أن النبي صلى الله عليه وسلم خفي ذلك عليه فما هو بخاف على الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء فلو كان ناقضا أو نجسا لأوحى بذلك إلى نبيه صلى الله عليه وسلم كما هو ظاهر لا يخفى على أحد.
وإلى هذا ذهب البخاري كما دل عليه تعليقه بعض الآثار المتقدمة واستظهره في "الفتح" وهو مذهب ابن حزم انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
فصل في الآنية
س)- هل يجوز أستعمال أواني الكفار؟
يجوز استعمال أواني الكفار فقد صح عنه صلى الله عليه وسلم الوضوء من مزادة مشركة (أخرجاه) وقال جابر : كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فنصيب من آنية المشركين وأسقيتهم فنستمتع بها فلا يعيب ذلك عليهم) . لكن إذا كان يغلب عليهم أكل لحم الخنزير ويتظاهرون بذلك فلا يجوز استعمالها إلا أن لا يجد غيرها فحينئذ يجب غسلها قال أبو ثعلبة الخشني : قلت : يا نبي الله إن أرضنا أرض أهل كتاب وإنهم يأكلون لحم الخنزير ويشربون الخمر فكيف أصنع بآنيتهم وقدورهم ؟ قال : (إن لم تجدوا غيرها فارخصوها واطبخوا فيها واشربوا) انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.(3/5)
فصل في سنن الفطرة
س)- ما الحد الأعلى للختان وهل هو واجب ام سنة؟
أما الحد الأعلى للختان ، فهو قبل البلوغ ، قال ابن القيم : "لا يجوز للولي أن يترك ختن الصبي حتى يجاوز البلوغ " ، انظر " تحفة المودود في أحكام المولود " له (ص60-61).
وأما حكم الختان فالراجح عندنا وجوبه ، وهو مذهب الجمهور ، كمالك والشافعي وأحمد ، واختاره ابن القيم. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ماردكم على قول القائل أن أحاديث الأمر بختان المرأة ضعيفة لم يصح منها شئ وأن ختان المرأة لم يكن معروفا عند السلف؟
أقول : ليس هذا على إطلاقه ، فقد صح قوله صلى الله عليه وسلم لبعض الختانات في المدينة : "اخفضي ولا تنهكي ، فإنه أنضر للوجه ، وأحظى للزوج". رواه أبو داود ، والبزار ، والطبراني ، وغيرهم ، وله طرق وشواهد عن جمع من الصحابة خرجتها في الصحيحة (2/353-358) ببسط قد لا تراه في مكان آخر ، وبينت فيه أن ختن النساء كان معروفا عند السلف خلافا لبعض من لا علم بالآثار عنده.
وإن مما يؤكد ذلك كله الحديث المشهور : "إذا التقى الختانان فقد وجب الغسل" ، وهو مخرج في الإرواء (رقم 80) . قال الإمام أحمد رحمه الله : "وفي هذا دليل على أن النساء كن يختن" . انظر " تحفة المودود في أحكام المولود" لابن القيم (ص 64 - هندية). انتهى كلام الالباني من تمام المنة.(3/6)
فصل في آداب الخلاء
س)- هل تشرع التسمية عند دخول الخلاء . وهل تكون سراً ام جهراً؟
قد جاء ما يدل على مشروعية التسميه عند دخول الخلاء ، وهو حديث علي رضي اللة عنه مرفوعا بلفظ : " ستر ما بين أعين الجن وعورات بني آدم إذا دخل أحدكم الخلاء أن يقول : بسم الله " . أخرجه الترمذي ، وله شاهد من حديث أنس عند الطبراني من طريقين عنه ، فالحديث حسن على أقل الدرجات ، ثم اعلم أنه ليس في شئ من هذه الأحاديث أو غيرها الجهر ، فاقتضى التنبيه. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ما حكم استقبال القبله واستدبارها أثناء قضاء الحاجة؟
إذا كان البصق تجاه القبلة في البنيان منهيا عنه محرما ، أفلا يكون البول والغائط تجاهها محرما من باب أولى؟ ! فاعتبروا يا أولي الأبصار! انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل صح عنه صلى الله عليه وسلم الجمع بين الماء والحجارة في الاستنجاء؟
الجمع بين الماء والحجارة في الاستنجاء لم يصح عنه صلى الله عليه وسلم ، فأخشى أن يكون القول بالجمع من الغلو في الدين ، لأن هديه صلى الله عليه وسلم الاكتفاء بأحدهما ، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ، وشر الأمور محدثاتها .
وأما حديث جمع أهل قباء بين الماء والحجارة ، ونزول قوله تعالى فيهم (فيه رجال يحبون أن يتطهروا) ، فضعيف الإسناد ، لا يحتج به. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ما حكم البول قائماً؟
يجوز البول قاعداً وقائماً , والمهم أمن الرشاش , فبأيهما حصل وجب ، وأما النهي عن البول قائماً , فلم يصح فيه حديث. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 201.(3/7)
فصل في الوضوء
باب فرائض الوضوء
س)- هل التسمية من فرائض الوضوء؟
أقوى ما ورد فيها حديث أبي هريرة مرفوعا بلفظ : "لا صلاة لمن لا وضؤ له ، ولا وضؤ لمن لم يذكر اسم الله عليه" . له ثلاثة طرق وشواهد كثيرة أشرت إليها في "صحيح سنن أبي داود" ، ولا دليل يقتضي الخروج عن ظاهره إلى القول بأن الأمر فيه للاستحباب فقط ، فثبت الوجوب ، وهو مذهب الظاهرية ، وإسحاق ، وإحدى الروايتين عن أحمد ، واختاره صديق خان ، والشوكاني ، وهو الحق إن شاء الله تعالى ، وراجع له "السيل الجرار". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل المضمضة والاستنشاق من سنن الوضوء ام من فرائضه؟
قال الشوكاني في "السيل الجرار" : "أقول : القول بالوجوب هو الحق ، لأن الله سبحانه قد أمر في كتابه العزيز بغسل الوجه ، ومحل المضمضة والاستنشاق من جملة الوجه . وقد ثبت مداومة النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك في كل وضوء ، ورواه جميع من روى وضوءه صلى الله عليه وسلم وبين صفته ، فأفاد ذلك أن غسل الوجه المأمور به في القرآن هو مع المضمضة والاستنشاق . وأيضا قد ورد الامر بالاستنشاق والاستنثار في أحاديث صحيحة . . ." . ثم ذكر حديث لقيط بن صبرة .انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يجب تحريك الخاتم عند الوضوء؟
تحريك الخاتم لا بد منه إذا كان ضيقا. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة؟و هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس أم لا بد لذلك من ماء جديد ؟
قوله صلى الله عليه وسلم (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ) ، يدل على مسألتين من مسائل الفقه , اختلفت أنظار العلماء فيهما:(3/8)
أما المسألة الأول , فهي أن مسح الأذنين هل هو فرض أم سنة؟
ذهب إلى الأول الحنابلة , وحجتهم هذا الحديث , فإنه صريح في إلحاقهما بالرأس , وما ذلك إلا لبيان أن حكمهما في المسح كحكم الرأس فيه.
وذهب الجمهور إلى أن مسحهما سنة فقط , كما في (الفقه على المذاهب الأربعة), ولم نجد لهم حجة يجوز التمسك بها في مخالفة هذا الحديث إلا قول النووي في (المجموع): (إنه ضعيف من جميع طرقه).
وإذا علمت أن الأمر ليس كذلك , وأن بعض طرقه صحيح , لم يطلع عليه النووي , وبعضها الآخر صحيح لغيره , استطعت أن تعرف ضعف هذه الحجة , ووجوب التمسك بما دل عليه الحديث من وجوب مسح الأذنين , وأنهما في ذلك كالرأس , وحسبك قدوة في هذا المذهب إمام السنة أبو عبدالله أحمد بن حنبل , وسلفه في ذلك جماعة من الصحابة , وقد عزاه النووي إلى الأكثرين من السلف.
وأما المسألة الأخرى , فهي : هل يكفي في مسح الأذنين ماء الرأس أم لا بد لذلك من جديد؟ ذهب إلى الأول الأئمة الثلاثة , كما نص في (فيض القدير) للمناوي , فقال في شرح الحديث (الْأُذُنَانِ مِنْ الرَّأْسِ : لا من الوجه , ولا مستقلتان , يعني فلا حاجة إلى أخذ ماء جديد منفرد لهما غير ماء الرأس في الوضوء , بل يجزئ مسحهما ببلل ماء الرأس , وإلا لكان بياناً للخلقة فقط , والمصطفى صلى الله عليه وسلم لم يبعث لذلك , وبه قال الأئمة الثلاثة).
وخالف في ذلك الشافعية , فذهبوا إلى أنه يسن تجديد الماء للإذنين ومسحهما على الانفراد , ولا يجب , واحتج النووي لهم بحديث عبدلله بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ لأذنيه ماء خلاف الذي أخذ لرأسه.
قال النووي في (المجموع) (حديث حسن , رواه البيهقي , وقال : إسناده صحيح).
وقال في مكان آخر (وهو حديث صحيح كما سبق بيانه قريباً , فهذا صريح في أنهما ليستا من الرأس , إذ لو كانتا منه , لما أخذ لهما ماء جديداً كسائر أجزاء الجسد , وهو صريح في أخذ ماء جديد).
قلت : ولا حجة فيه على ماقالوا , إذ غاية ما فيه مشروعية أخذ الماء لهما , وهذا لا ينافي جواز الاكتفاء بما الرأس , كما دل عليه هذا الحديث , فاتفقا ولم يتعارضا , ويؤيد ما ذكرت أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم : (أنه مَسَحَ بِرَأْسِهِ مِنْ فَضْلِ مَاءٍ كَانَ فِي يَدِهِ) رواه ابوداود بسند حسن كما بينته في صحيح سننه , وهذا كله يقال على فرض التسليم بصحة حديث عبدالله بن زيد , ولكنه غير ثابت , بل هو شاذ كما ذكرت في (صحيح سنن أبي داود) , وبينته في (سلسلة الأحاديث الضعيفة) (997).(3/9)
وجملة القول : فإن أسعد الناس بهذا الحديث من بين الأئمة الأربعة أحمد بن حنبل رضي الله عنهم أجمعين , فقد أخذ بما دل عليه الحديث في المسألتين , ولم يأخذ به في الواحدة دون الأخرى كما صنع غيره. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم36.
باب سنن الوضوء
س)- عَنْ أَبِي حَازِمٍ قَالَ كُنْتُ خَلْفَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ لِلصَّلَاةِ فَكَانَ يَمُدُّ يَدَهُ حَتَّى يَبْلُغَ إِبْطَهُ فَقُلْتُ لَهُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ مَا هَذَا الْوُضُوءُ فَقَالَ يَا بَنِي فَرُّوخَ أَنْتُمْ هَاهُنَا لَوْ عَلِمْتُ أَنَّكُمْ هَاهُنَا مَا تَوَضَّأْتُ هَذَا الْوُضُوءَ سَمِعْتُ خَلِيلِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنْ الْمُؤْمِنِ حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ) ، هل هذا الحديث يدل على استحباب إطالة الغرة والتحجيل؟
الذي نراه - إذا لم نعتد برأي أبي هريرة رضي الله عنه - أنه لا يدل على ذلك , لأن قوله : (مبلغ الوضوء) , من الواضح أنه أراد الوضوء الشرعي , فإذا لم يثبت في الشرع الإطالة , لم يجز الزيادة عليه , كما لا يخفى.
على أنه إن دل الحديث على ذلك , فلن يدل على غسل العضد , لأنه ليس من الغرة ولا التحجيل , ولذلك قال ابن القيم رحمه الله تعالى في حادي الأرواح : (وقد احتج بهذا الحديث من يرى استحباب غسل العضد وإطالته , والصحيح أنه لا يستحب , وهو قول أهل المدينة , وعن أحمد روايتان , والحديث لا يدل على الإطالة , فإن الحلية إنما تكون زينة في الساعد والمعصم , لا العضد والكتف).
واعلم أن هناك حديثاً آخر يستدل به من يذهب إلى استحباب إطالة الغرة والتحجيل , وهو بلفظ : (إِنَّ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ) , وهو متفق عليه بين الشيخين , لكن قوله (فَمَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ ) , مدرج من قول أبي هريرة , ليس من حديثه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كما شهد بذلك جماعة من الحفاظ , كالمنذري , وابن تيمية , وابن القيم , والعسقلاني , وغيرهم , وقد بينت ذلك بياناً شافياً في الأحاديث الضعيفة , فأغنى عن الإعادة , ولو صحت هذه الجملة , لكانت نصاً على استحباب إطالة الغرة والتحجيل لا على إطالة العضد , والله ولي التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 252.(3/10)
س)- هل الترتيب في الوضوء سنة ام فرض؟
ليس هناك ما يدل على وجوب الترتيب , وقول ابن القيم في الزاد (وكان وضوؤه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرتباً متوالياَ لم يخل به مرة واحدة البتة) , غير مسلم في الترتيب , لحديث الْمِقْدَامَ بْنَ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيَّ قَالَ (أُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضُوءٍ فَتَوَضَّأَ فَغَسَلَ كَفَّيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلَاثًا ثُمَّ غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ ثَلَاثًا ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ ثَلَاثًا وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ وَأُذُنَيْهِ ظَاهِرِهِمَا وَبَاطِنِهِمَا وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ ثَلَاثًا ثَلَاثًا) , رواه أحمد , وعنه أبوداود بإسناد صحيح , وقال الشوكاني : (إسناد صالح , وقد أخرجه الضياء في المختارة) فهذا يدل على أنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يلتزم الترتيب في بعض المرات , فذلك دليل على أن الترتيب غير واجب , ومحافظته عليه في غالب أحواله دليل على سنيته , والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم261.
س)- هل ورد أنه صلى الله عليه وسلم مسح على رقبته في وضوئه؟
الأحاديث الواردة في صفة وضوئه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ليس في شيء منها ذكر لمسح الرقبه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 69.
باب نواقض الوضوء
س)- متى يكون مس الذكر ناقض للوضوء ومتى لا يكون ناقض له؟
إن المس الذي لا يوجب الوضوء إنما هو الذي لا يقترن معه شهوة ، لأنه في هذه الحالة يمكن تشبيه مس العضو بمس عضو آخر من الجسم ، بخلاف ما إذا مسه بشهوة ، فحينئذ لا يشبه مسه مس العضو الآخر ، لأنه لا يقترن عادة بشهوة.انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل النوم مطلقا ناقض للوضوء؟
الحق أن النوم ناقض مطلقا ، ولا دليل يصلح لتقييد حديث صفوان ، بل يؤيده حديث علي مرفوعا : "وكاء السه العينان ، فمن نام فليتوضأ" ، وإسناده حسن كما قال المنذري والنووي وابن الصلاح ، وقد بينته في "صحيح أبي داود" ، فقد أمر صلى الله عليه وآله كل نائم أن يتوضأ . ولا يعكر على عمومه -كما ظن البعض- أن الحديث أشار إلى أن النوم ليس ناقضا في نفسه ، بل هو مظنة خروج شئ من الإنسان في هذه(3/11)
الحالة ، فإنا نقول : لما كان الأمر كذلك ، أمر صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كل نائم أن يتوضأ ، ولو كان متمكنا ، لأنه عليه السلام أخبر أن العينين وكاء السه ، فإذا نامت العينان ، انطلق الوكاء ، كما في حديث آخر ، والمتمكن نائم ، فقد ينطلق وكاؤه ، ولو في بعض الأحوال ، كأن يميل يمينأ أو يسارا ، فاقتضت الحكمة أن يؤمر بالوضوء كل نائم . والله أعلم . وما اخترناه هو مذهب ابن حزم ، وهو الذي مال إليه أبو عبيد القاسم بن سلام في قصة طريفة حكاها عنه ابن عبد البر في "شرح الموطأ" قال : " كنت أفتي أن من نام جالسا لا وضؤ عليه حتى قعد إلى جنبي رجل يوم الجمعة ، فنام ، فخرجت منه ريح! فقلت : قم فتوضأ . فقال : لم أنم . فقلت : بلى ، وقد خرجت منك ريح تنقض الوضوء ! فجعل يحلف بالله ما كان ذلك منه ، وقال لي : بل منك خرجت ! فزالت ما كنت أعتقد في نوم الجالس ، وراعيت غلبة النوم ومخالطته القلب". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- يُذكَر عن معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ :" أنه كان قاعداً عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاءه رجل ، وقال : يا رسول الله ، ما تقول في رجل أصاب امرأة لا تحل له ، فلم يدعْ شيئاً يصيبه الرجل من امرأته إلا وقد أصابه منها ، إلا أنه لم يجامعها ؟ فقال :( توضأ وضوءاً حسناً ، ثم قُمْ فَصَل ) .
قال : فأنزل الله ـ تعالى هذه الآية : ( أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل ) الآية ، فقال : أهي لي خالصة أم للمسلمين عامة ؟ فقال : بل للمسلمين عامة". هل يدل هذا الحديث أن لمس المرأة ينقض الوضوء؟
لا يحسن الاستدلال بالحديث على أن لمس النساء ينقض الوضوء ، كما فعل ابن الجوزي في " التحقيق " (1/113) ، وذلك لأمور :
أولاً : أن الحديث ضعيف لا تنهض به حُجّة .
ثانياً : أنه لو صح سنده ، فليس فيه أن الأمر بالوضوء إنما كان من أجل اللمس ، بل ليس فيه أن الرجل كان متوضئاً قبل الأمر حتى يقال : انتقض باللمس ! بل يحتمل أن الأمر كان من أجل المعصية تحقيقاً للحديث الآخر الصحيح بلفظ :" ما من مسلم يذنب ذنباً فيتوضأ ويصلي ركعتين إلا غُفِر له " .أخرجه أصحاب السنن وغيرهم وصححه جمع ، كما بينته في " تخريج المختارة "(رقم7) .(3/12)
ثالثاً : هبْ أن الأمر إنما كان من أجل اللمس ، فيحتمل أنه من أجل لمس خاص ، لأن الحالة التي وصفها هي مظنة خروج المذي الذي هو ناقض للوضوء ،لا من أجل مطلق اللمس ، ومع الاحتمال يسقط الاستدلال .
والحق أن لمس المرأة وكذا تقبيلها لا ينقض الوضوء ، سواء كان بشهوة أو بغير شهوة ، وذلك لعدم قيام دليل صحيح على ذلك ، بل ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان يقبل بعض أزواجه ثم يصلي ولا يتوضأ . أخرجه أبو داود وغيره ، وله عشرة طرق ، بعضها صحيح كما بينته في "صحيح أبي داود" (رقم170ـ173) ،
وتقبيل المرأة إنما يكون مقروناً بالشهوة عادة . والله ـ تعالى ـ أعلم . سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ حديث رقم ( 1000 ).
س)- هل من الضروري يوم الجمعة إذا اغتسل الإنسان أن يتوضأ حتى يصلي؟
إذا ما انتقض غسله ، لا ، ليس من الضروري ، والسلام عليكم .شبكة المنهاج الاسلامية.
س)- إذا مس الرجل فرج امرأته هل ينتقض وضوءه , و بالعكس ؟
إذا كان من غير شهوة ، لا ، إذا كان اللمس أو المس بغير شهوة لا ينتقض وضوءه . انتهى كلام الالباني من سلسلة الهدى والنور–002.
س)- هل يصح ما يتداوله العامة وبعض الخاصة من أن سبب أمر الرسول صلى الله عليه وسلم الوضوء من لحم الابل إنما هو خروج ريح من أحد الصحابة فاستحيا أن يقوم من بين الناس , و كان قد أكل لحم جزور , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سترا عليه من أكل لحم جزور فليتوضأ؟
إن ما يتداوله كثير من العامة , و بعض أشباههم من الخاصة , أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم , فخرج من أحدهم ريح , فاستحيا أن يقوم من بين الناس , و كان قد أكل لحم جزور , فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم سترا عليه : " من أكل لحم جزور فليتوضأ " . فقام جماعة كانوا أكلوا من لحمه فتوضأوا ! و هذه القصة مع أنه لا أصل لها في شيء من كتب السنة و لا في غيرها من كتب الفقه و التفسير فيما علمت , فإن أثرها سيىء جدا في الذين يروونها , فإنها تصرفهم عن العمل بأمر النبي صلى الله عليه(3/13)
وسلم لكل من أكل من لحم الإبل أن يتوضأ , كما ثبت في " صحيح مسلم " و غيره : قالوا : يا رسول الله أنتوضأ من لحوم الغنم?
قال : لا , قالوا : أفنتوضأ من لحوم الإبل ? قال : توضأوا . فهم يدفعون هذا الأمر الصحيح الصريح بأنه إنما كان سترا على ذلك الرجل , لا تشريعا ! و ليت شعري كيف يعقل هؤلاء مثل هذه القصة و يؤمنون بها , مع بعدها عن العقل السليم , و الشرع القويم ? ! فإنهم لو تفكروا فيها قليلا , لتبين لهم ما قلناه بوضوح , فإنه مما لا يليق به صلى الله عليه وسلم أن يأمر بأمر لعلة زمنية . ثم لا يبين للناس تلك العلة , حتى يصير الأمر شريعة أبدية , كما وقع في هذا الأمر , فقد عمل به جماهير من أئمة الحديث و الفقه , فلو أنه صلى الله عليه وسلم كان أمر به لتلك العلة المزعومة لبينها أتم البيان , حتى لا يضل هؤلاء الجماهير باتباعهم للأمر المطلق ! و لكن قبح الله الوضاعين في كل عصر و كل مصر , فإنهم من أعظم الأسباب التي أبعدت كثيرا من المسلمين عن العمل بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلم , و رضي الله عن الجماهير العاملين بهذا الأمر الكريم , و وفق الآخرين للاقتداء بهم في ذلك و في اتباع كل سنة صحيحة . والله ولي التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 1132.
س)- هل في قوله صلى الله عليه وسلم (من أكل لحماً فليتوضأ) استحباب الوضوء من جميع انواع اللحوم ؟
الأمر في الحديث للاستحباب إلا في لحم الإبل , فهو للوجوب لثبوت التفريق بينه و بين غيره من اللحوم , فإنهم سألوه صلى الله عليه وسلم عن الوضوء من لحوم الإبل؟ فقال : "توضؤوا" , و عن لحوم الغنم؟ فقال : "إن شئتم" .رواه مسلم و غيره . و هو مخرج في "الإرواء" (1/152/118). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2322.
س)- هل يجب الوضوء من خروج الدم؟
لا يصح حديث في إيجاب الوضوء من خروج الدم . والأصل البراءة . روى ابن أبي شيبة في المصنف والبيهقي بسند صحيح أن ابن عمر عصر بثرة في وجهه فخرج شيء من دم فحكه بين أصبعيه ثم صلى ولم يتوضأ ثم روى ابن أبي شيبة نحوه عن أبي هريرة وقد صح عن عبد الله بن أبي أوفى رضي الله عنه أنه بزق دما في صلاته ثم مضى فيها ، راجع صحيح البخاري مع فتح الباري وتعليقي على مختصر البخاري. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 470(3/14)
س)- ما حكم التنشيف بعد الوضوء؟
أصل القول الذي يذكر في بعض الكتب , و شاع عند المتأخرين أن الأفضل للمتوضئ أن لا ينشف وضوءه بالمنديل لأنه نور ! حديث (من توضأ فمسح بثوب نظيف فلا بأس به و من لم يفعل فهو أفضل , لأن الوضوء نور يوم القيامة مع سائر الأعمال) ، و اذا عرفت أنه أصل واه جدا فلا يعتمد عليه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1683.
س)- ما المراد بالطاهر في حديث (لا يمس القرآن إلا طاهر)؟
أن المراد بالطاهر في حديث (لا يمس القرآن إلا طاهر) هو المؤمن ، سواء أكان محدثا حدثا أكبر أو أصغر أو حائضا أو على بدنه نجاسة ، لقوله صلى الله عليه وسلم : "المؤمن لا ينجس" ، وهو متفق على صحته ، والمراد عدم تمكين المشرك من مسه ، فهو كحديث : "نهى عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو" ، متفق عليه أيضا ، وقد بسط القول في هذه المسالة الشوكاني قي كتابه " نيل الأوطار "، فراجعه إن شئت زيادة التحقيق ثم إن الحديث قد خرجته من طرق في "إرواء الغليل" ، فليراجعه من شاء. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل الأفضل أن يقرأ القرآن على طهارة؟
نعم , الأفضل أن يقرأ على طهارة , لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين رد السلام عقب التيمم : (إني كرهت أن أذكر الله إلا على طهارة) , وهو مخرج في "صحيح أبي داود". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 406.
باب ما يستحب له الوضوء
س)- اذكر بعض المواضع التي يستحب لها الوضوء؟
1 - الوضوء عند كل حدث ، لحديث بريدة بن الحصيب قال : "أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما ، فدعا بلالا ، فقال : يا بلال بما سبقتني إلى الجنة ؟ ! اني دخلت البارحة الجنة فسمعت خشخشتك أمامى؟ فقال بلال : يا رسول الله ! ما أذنت قط الا صليت ركعتين ، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده ، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله : لهذا " . رواه الترمذي والحاكم وابن خزيمة في "صحيحه" ، وإسناده صحيح على شرط مسلم ، واقتصر المنذزي على عزوه لابن خزيمة وحده ، وهو قصور!(3/15)
2 - الوضوء من القئ ، لحديث معدان بن أبي طلحة عن أبي الدرداء : "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قاء ، فأفطر ، فتوضأ ، فلقيت ثولان في مسجد دمشق ، فذكرت ذلك له ، فقال : صدق ، أنا صببت له وضؤه" . أخرجه الترمذي وغيره باسناد صحيح ، والاضطراب الذي وقع في سنده لا يعله ، لأن حسينا المعلم قد جوده كما قال الترمذي وأحمد . راجع "نيل الأوطار" ، وتعليق الشيخ أحمد محمد شاكر على الترمذي وقد نص شيخ الإسلام ابن تيمية في " مجموعة الرسائل الكبرى " على استحباب الوضوء من القئ ، لهذا الحديث.
3 - الوضوء من حمل الميت ، لقوله " صلى الله عليه وآله " : " من غسل ميتا فليغتسل ، ومن حمله فليتوضأ " . وهو حديث صحيح جاء من طرق بعضها صحيح وبعضها حسن كما ذكرته في "إرواء الغليل" ، وقواه ابن القيم وابن القطان وابن حزم والحافظ ، راجع "التلخيص الحبير". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
باب المسح على الخفين
س)- هل ثبت المسح على الخفين؟
ثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم بطريق التواتر وصح أنه مسح بعد نزول آية المائدة : (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة)المائدة6 ، وهي على قراءة الخفض مفسرة بالسنة فالمراد المسح على الخفين وإليه مال ابن تيمية في (الاختيارات) . انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل يجوز المسح على الخفين ولو كانا مخروقين؟
يجوز المسح عليهما ولو كانا مخروقين ما دام الاسم عليهما باقيا والمشي فيهما ممكن لإطلاق الشارع وقد فصله شيخ الإسلام في (الفتاوى) انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل ثبت المسح على الجوربين؟
ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين وهو حديث صحيح ومن أعله فلا حجة له . قال أبو داود بعد أن خرجه : وروي هذا أيضا عن أبي موسى الأشعري عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مسح على الجوربين وليس بالمتصل ولا بالقوي . وقد أخرجه الطحاوي وقال أبو داود : ومسح على الجوربين علي بن(3/16)
أبي طالب وأبن مسعود والبراء بن عازب وأنس بن مالك وأبو أمامة وسهل بن سعد وعمرو بن حريث وروي ذلك عن عمر بن الخطاب وابن عباس .
والجوربان بمنزلة الخفين في المسح كما قال سعيد بن المسيب وغيره كما في المحلى فلهما حكمهما . ولا يشترط فيهما التجليد في أسفلهما ولا أن يثبتا بأنفسهما ولذلك نص أحمد أنه يجوز المسح على الجوربين وإن لم يثبتا بأنفسهما بل إذا ثبتا بالنعلين جاز المسح عليهما كما نقله شيخ الإسلام في (الفتاوى) وعليه يجوز المسح على الجوارب الرقيقة إذا كانت مشدودة بسوار من المطاط كما هو المستعمل اليوم. انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- ما هي المدة التي يشترط فيها المسح على الخفين , ومتى يبدأ حسابها؟
كان صلى الله عليه وسلم يمسح في السفر والحضر ووقت للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن إذا تطهر فلبس خفيه كما في حديث أبي بكرة عند الدار قطني بسند حسن وتبدأ مدة المسح من الوقت الذي مسح إلى مثله من الغد وهو قول أحمد كما في (مسائل أبي داود).
ولا تتوقت مدة المسح في حق المسافر الذي يشق اشتغاله بالخلع واللبس كالبريد المجهز في مصلحة المسلمين وعليه يحمل قصة عقبة بن عامر . كذا قاله شيخ الإسلام في (اختياراته) والقصة المشار إليها هي ما أخرجه الدارقطني من طريق علي بن رباح عن عقبة قال : خرجت من الشام إلى المدينة يوم الجمعة فدخلت المدينة يوم الجمعة ودخلت على عمر بن الخطاب - زاد في رواية : وعلي خفان من تلك الخفاف الغلاظ - فقال : متى أولجت خفيك في رجليك ؟ قلت : يوم الجمعة قال : فهل نزعتهما ؟ قلت : لا قال : أصبت السنة . قال الدارقطني : وهو صحيح الإسناد . وقال شيخ الإسلام في (الفتاوى): وهو حديث صحيح . وهو كما قالا . وانظر التفصيل في (الفتاوى) . انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل ثبت في السنة الرش على القدم وهي في النعل؟
عن علي رضي الله عنه أنه قال : يا ابن عباس ألا أتوضأ لك وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت : بلى - فداك أبي وأمي - . قال : فوضع له إناء فغسل يديه ثم مضمض واستنشق واستنثر ثم أخذ بيديه فصك بهما وجهه وألقم إبهامه ما أقبل من أذنيه قال : ثم عاد في مثل ذلك ثلاثا ثم أخذ كفا من ماء بيده اليمنى فأفرغها على ناصيته ثم أرسلها تسيل على وجهه ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاثا ثم يده الأخرى مثل ذلك ثم مسح برأسه وأذنيه من ظهورهما ثم أخذ بكفيه من الماء فصك بهما على قدميه وفيهما النعل ثم(3/17)
قلبها بها ثم على الرجل الأخرى مثل ذلك . قال : فقلت : وفي النعلين ؟ قال : وفي النعلين قلت : وفي النعلين ؟ قال : وفي النعلين . قلت : وفي النعلين ؟ قال : وفي النعلين.
فهذا الحديث يكاد يكون نصا على ما ذهب إليه شيخ الإسلام رحمه الله من الرش على القدم وهي في النعل ولكنه لا يلزم منه إبطال السنة الأخرى وهي المسح على النعلين كالخفين والجوربين بحمل المسح عليهما على الرش كما قال الشيخ رحمه الله لعدم وجود قرينة قاطعة صارفة من الحقيقة إلى المجاز والله أعلم. انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
باب الغسل
س)- ما هي صفة غسل النبي صلى الله عليه وسلم؟
كان إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه مرتين أو ثلاثا ثم يفرغ يمينه على شماله فيغسل فرجه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء ويدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حثيات ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه . أخرجاه وكان يبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر . أخرجاه وكان لا يتوضأ بعد الغسل ويكفي المرأة أن تحثي على رأسها ثلاث حثيات ثم تفيض عليها الماء فتطهر. انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س) ما حكم غسل يوم الجمعة؟
دلت الأحاديث الصحيحة في الأمر بالغسل يوم الجمعة , كقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) رواه الشيخان وغيرهما.
وقد تساهل أكثر الناس بهذا الواجب يوم الجمعة , فقل من يغتسل منهم لهذا اليوم , ومن اغتسل فيه فإنما هو للنظافة , لا لأنه من حق الجمعة , فالله المستعان. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم158
س)- هل يجزئ غسل واحد عن حيض وجنابة ، أو عن جنابة وجمعة ، إذا نوى الكل؟
الذي يتبين لي أنه لا يجزى ذلك ، بل لا بد من الغسل لكل ما يجب الغسل له غسلا على حدة ، فيغتسل للحيض غسلا ، وللجنابة غسلا آخر ، أو للجنابة غسلا ، وللجمعة غسلا آخر ، لأن هذه الأغسال قد قام الدليل على وجوب كل واحد منها على انفراده ، فلا يجوز توحيدها في عمل واحد ، ألا ترى أنه لو كان(3/18)
عليه قضاء شهر رمضان أنه لا يجوز له أن ينوي قضاءه مع صيامه لشهر رمضان أداء ، وهكذا يقال في الصلاة ونحوها ، والتفريق بين هذه العبادات وبين الغسل لا دليل عليه ، ومن ادعاه فليتفضل بالبيان. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يحرم على الجنب أن يمكث في المسجد؟
القول عندنا في هذه المسألة من الناحية الفقهية كالقول في مس القرآن من الجنب ، للبراءة الأصلية ، وعدم وجود ما ينهض على التحريم ، وبه قال الإمام أحمد وغيره. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يجزئ الغسل عن الوضوء؟
عن جابر بن عبد الله : أن أهل الطائف قالوا : يا رسول الله ! إن أرضنا أرض باردة ، فما يجزئنا من غسل الجنابة ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أما أنا فأفرغ على رأسي ثلاثا . رواه مسلم وغيره . وبه استدل البيهقي للمسألة ، فقال في "سننه" : "باب الدليل على دخول الوضوء في الغسل . . . " ، وهذا ظاهر من الحديث ، فإذا ضم إليه حديث عائشة كما بينته في " صحيح سنن أبي داود "برقم (244) - ينتج منهما أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي بالغسل الذي لم يتوضأ فيه ولا بعده . والله أعلم. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
باب ما يستحب له الغسل
س)- اذكر بعض المواضع التى يستحب لها الغسل؟
1 - الاغتسال عند كل جماع ، لحديث أبي رافع أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاف ذات يوم على نسائه ، يغتسل عند هذه وعند هذه ، قال : فقلت : يا رسول الله ! ألا تجعله واحدا ؟ قال : هذأ أزكى وأطيب وأطهر . رواه أبو داود وغيره بإسناد حسن ، ولذلك أوردته في " صحيح أبي داود " ، وذكرت فيه أن الحافظ ابن حجر قواه ، واستدل به على ما ذكرنا .
2 - اغتسال المستحاضة لكل صلاة ، أو للظهر والعصر جميعا غسلا ، وللمغرب والعشاء جميعا غسلا ، وللفجر غسلا ، لحديث عائشة قالت : إن أم حبيبة استحيضت في عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأمرها بالغسل لكل صلاة . . . الحديث ، وفي رواية عنها : "استحيضت امرأة على عهد رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأمرت أن تعجل العصر وتؤخر الظهر وتغتسل لهما غسلا واحدا ، وتؤخر المغرب وتعجل(3/19)
العشاء وتغتسل لهما غسلا ، و وتغتسل لصلاة الصبح غسلا ، وإسناد هذه الرواية صحيح على شرط الشيخين ، والأولى صحيح فقط كما بينته في "صحيح السنن".
3 - الاغتسال بعد الإغماء ، لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ثقل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : أصلى الناس ؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله . فقال : ضعوا لي ماء في المخضب . قالت : ففعلت ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء ، فأغمي عليه ، ثم أفاق ، فقال : أصلى الناس ؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله . فقال : ضعوا لي الماء في المخضب . قالت : ففعلنا ، فاغتسل ، ثم ذهب لينوء فأغمي عليه ، ثم أفاق ، قال : أصلى الناس ؟ فقلنا : لا ، هم ينتظرونك يا رسول الله . فذكرت إرساله إلى أبي بكر وتمام الحديث . متفق عليه كما في " المنتقى " ، أورده في " باب : غسل المغمى عليه إذا أفاق " . قال الشوكاني: "وقد ساقه المصنف ههنا للاستدلال به على استحباب الاغتسال للمغمى عليه وقد فعله النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثلاث مرات ، وهو مثقل بالمرض ، فدل ذلك على تأكد استحبابه".
4 - الاغتسال من دفن المشرك ، لحديث علي بن أبي طالب أنه أتى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : إن أبا طالب مات ، فقال : اذهب فواره ، فلما واريته ، رجعت إليه ، فقال لي : اغتسل . أخرجه النسائي وغيره بسند صحيح ، وله إسناد آخر صحيح أيضا ، وفيه زيادات ، وقد أوردته في "المبحث" (79) ، فقرة "ب" ، من كتابي " أحكام الجنائز " ، وقد فرغت منه قريبا . ثم طبع والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
باب ما يحرم على الجنب فعله
س)- هل كره للجنب أن يقرأ شيئا من القرآن ام يحرم عليه ذلك ؟
وروى أبو عبيد عن عمر : أنه كره للجنب أن يقرأ شيئا من القرآن . وسنده صحيح ، ومن طرق عن عامر بن السمط عن أبي الغريف قال : سئل علي عن الجنب : أيقرأ القرآن ؟ فقال : لا ، ولا حرفا " ، وهذا سند فيه ضعف من أجل (أبي الغريف) . انظر : " ضعيف أبي داود " (32) - وفي أثر عمر كفاية ، فنرى أنه يكره للجنب أن يقرأ القرآن . يؤيده كراهة النبي صلى الله عليه وسلم أن يرد السلام وهو على غير وضوء ، وهذا ظاهر لا يخفى . أما تحريم القراءة فلا دليل عليه . انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم2501.(3/20)
باب التيمم
س)- هل يجوز التيمم بالجدار ؟
يتيمم بما على وجه الأرض ترابا كان أو غيره كما تيمم عليه السلام بالحائط . ولعموم قوله : (وجعلت لي الأرض كلها لي ولأمتي مسجدا وطهورا) . وهو مذهب أبي حنيفة ومالك وغيرهما واختاره ابن حزم. انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل من السنة أن لا يصلي الرجل بالتيمم إلا صلاة واحدة ثم يتيمم للصلاة الأخرى؟
المتيمم يصلي بتيممه ما شاء من الصلوات الفروض والنوافل , ما لم ينتقض تيممه بحدث أو بوجود الماء ، وهذا هو الحق في هذه المسألة , كما قرره ابن حزم , وانظر ((الروضة الندية)). انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم423.
س)- من خشي خروج الوقت بسبب الوضوء او الاغتسال فهل يتيمم ويصلي؟
الذي خشي خروج الوقت له حالتان لا ثالث لهما :
إما أن يكون ضاق عليه الوقت بكسبه وتكاسله ، أو بسبب لا يملكه مثل النوم والنسيان ، ففي هذه الحالة الثانية فالوقت يبتدئ من حين الاستيقاظ أو التذكر بقدر ما يتمكن من أداء الصلاة فيه كما أمر ، بدليل قوله في : "من نسي صلاة أو نام عنها فكفارتها أن يصليها إذا ذكرها" أخرجه الشيخان وغيرهما واللفظ لمسلم ، فقد جعل الشارع الحكيم لهذا المعذور وقتا خاصا به ، فهو إذا صلى كما أمر ، يستعمل الماء لغسله أو وضوئه ، فليس يخشى عليه خروج الوقت ، فثبت أنه لا يجوز له أن يتيمم ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية كما في "الاختيارات" ، وذكر في "المسائل الماردينية" أنه مذهب الجمهور . وأما في الحالة الأول ، فمن المسلم أنه في الأصل مأمور باستعمال الماء ، وأنه لا يتيمم ، فكذلك يجب عليه في هذه الحالة أن يستعمل الماء ، فإن أدرك الصلاة فبها ، وإن فاتته فلا يلومن إلا نفسه ، لأنه هو الذي سعى إلى هذه النتيجة.
هذا هو الذي اطمأنت إليه نفسي ، وانشرح له صدري ، وإن كان شيخ الإسلام وغيره قالوا : إنه يتيمم ويصلي ، والله أعلم . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.(3/21)
باب المسح على الجبيرة
س)- ما حكم المسح على الجبيرة ؟
ذهب ابن حزم إلى أنه لا يشرع المسح على الجبيرة ، قال: "برهان ذلك قول الله تعالى (لا يكلف الله نفسا إلا وسعها) ، وقول رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم" ، فسقط بالقرآن والسنة كل ما عجز عنه المرء ، وكان التعويض منه شرعا ، والشرع لا يلزم إلا بقرآن أو سنة ، ولم يأت قرآن ولا سنة بتعويض المسح على الجبائر والدواء من غسل ما لا يقدر على غسله ، فسقط القول بذلك" . ثم ذكر عن الشعبي ما يوافق قوله ، ومثله عن داود وأصحابه ، وهو الحق إن شاء الله. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
باب الحيض والنفاس و الاستحاضة
س)- ما هو الحيض؟
هو الدم الأسود الخاثر الكريه الرائحة خاصة فمتى ظهر من المرأة صارت حائضا ، عن فاطمة بنت أبي حبيش أنها كانت تستحاض فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : (إذا كان دم الحيضة فإنه دم أسود يعرف فإذا كان ذلك فأمسكي عن الصلاة فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي فإنما هو عرق).
هذا الحديث يفيد أن الصفرة ليست دم حيض لقوله : ( دم الحيض أسود يعرف ) . وهو مذهب ابن حزم وجمهور الظاهرية كما قال في (المحلى ) .
وأما الحمرة والصفرة بعد الطهر فلا يعد شيئا وهو قول أبي حنيفة وسفيان الثوري والأوزاعي والشافعي وأحمد وغيرهم. انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- ما حكم من أتى حائضاً؟
على من أتاها أن يتصدق بدينار أو بنصف دينار على التخيير عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم في الذي يأتي امرأته وهي حائض يتصدق بدينار أو بنصف دينار . انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل دم الحيض نجس ؟ وكيف يتم ازالته؟
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِي إِلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ َقَالَ إِذَا طَهُرْتِ فَاغْسِلِيهِ ثُمَّ صَلِّي فِيهِ فَقَالَتْ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ قَالَ يَكْفِيكِ الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ.(3/22)
والحديث دليل على نجاسة دم الحيض لأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بغسله , وظاهره أنه يكفي فيه الغسل , ولا يجب فيه استعمال شئ من الحواد والمواد القاطعة لأثر الدم.
ويؤيده الحديث الآتي (إِذَا أَصَابَ ثَوْبَ إِحْدَاكُنَّ الدَّمُ مِنْ الْحَيْضَةِ , فَلْتَقْرُصْهُ , ثُمَّ لِتَنْضِحْهُ بِالْمَاءِ [وفي رواية : ثم اقرصيه بماء , ثم انضحي في سائره] , ثُمَّ لِتُصَلِّ فِيهِ) ، وظاهر الحديث يدل كالحديث الذي قبله على أن الماء يكفي في غسل دم الحيض , وأنه لا يجب فيه استعمال شئ من الحواد , كالسدر والصابون ونحوه , لكن قد جاء ما يدل على وجوب ذلك وهو حديث عَدِيِّ بْنِ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ أُمَّ قَيْسٍ بِنْتَ مِحْصَنٍ تقول : سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ دَمِ الْحَيْضَ يكون في الثَّوْبَ قَالَ : حُكِّيهِ بِضِلَعٍ وَاغْسِلِيهِ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ.
فيجب غسل دم الحيض , ولو قل , لعموم الأمر , وهل يجب استعمال شئ من المواد لقطع أثر النجاسة كالسدر والصابون ونحوهما ؟ فذهب الحنفية وغيرهم إلى عدم الوجوب , مستدلين بعدم ورود الحاد في الحديثين الأولين , وذهب الشافعي والعترة – كما في نيل الأوطار – إلى الوجوب , واستدلوا بأمر بالسدر في الحديث الثالث وهو من الحواد , وجنح إلى هذا الصنعاني , وقال في سبل السلام رد على الشارح المغربي – وهو صاحب بدر التمام – أصل السبل – في قوله : (والقول الأول أظهر) : (وقد يقال : قد ورد الأمر بالغسل لدم الحيض بماء والسدر , والسدر من الحواد , والحديث الوارد به في غاية الصحة كما عرفت , فيقيد به ما أطلق في غيره – كالحديثين السابقين – ويخص الحاد بدم الحيض , ولا يقاس عليه غيره من النجاسات , وذلك لعدم تحقق شروط القياس , ويحمل حديث (وَلَا يَضُرُّكِ أَثَرُهُ) , وقول عائشة : (فلم يذهب) , أي : بعد الحاد).
قلت : وهذا هو الأقرب إلى ظاهر الحديث , ومن الغريب أن ابن حزم لم يتعرض له في المحلى بذكر , فكأنه لم يبلغه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 298.
س)- ما حكم من أتى مستحاضة؟
قد اختلف العلماء في إتيانها والجمهور على جواز ذلك وهو الحق لأن الأصل في الأشياء الإباحة ولأن في المنع من ذلك ضرا على الزوج فيما إذا كانت الاستحاضة مستديمة كما جرى لأم حبيبة بنت جحش. انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.(3/23)
س)- ما هي أقل مدة للنفاس؟
اختلف العلماء في أقل النفاس على أقوال أقربها إلى الصواب أنه لا حد لأقله لقوله فيما سبق : فإن رأت الطهر قبل ذلك . وهو قول الشافعي و أحمد وهو اختيار شيخ الإسلام وابن حزم. انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.(3/24)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب الصلاة
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(4/1)
كتاب الصلاة
فصل في حكم تارك الصلاة
س)- ما حكم تارك الصلاة؟
قال صلى الله عليه وسلم (يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا).
في الحديث فائدة فقهية هامة , وهي أن شهادة أن لا إله إلا الله تنجي قائلها من الخلود في النار يوم القيامة , ولو كان لا يقوم بشئ من أركان الإسلام الخمسة الأخرى , كالصلاة وغيرها , ومن المعلوم أن العلماء اختلفوا في حكم تارك الصلاة , خاصة مع إيمانه بمشروعيتها , فالجمهور على أنه لا يكفر بذلك , بل يفسق , وذهب أحمد - في رواية - إلى أنه يكفر , وأنه يقتل ردة لا حداً , وقد صح عن الصحابة أنهم كانوا لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر غير الصلاة , رواه الترمذي والحاكم ، وأنا أرى أن الصواب رأي الجمهور , وأن ما ورد عن الصحابة ليس نصاً على أنهم كانوا يريدون بالكفر هنا الكفر الذي يخلد صاحبه في النار , ولا يحتمل أن يغفره الله له , كيف ذلك وهذا حذيفة بن اليمان - وهو من كبار أولئك الصحابة - يرد على صلة بن زفر - وهو يكاد يفهم الأمر على نحو فهم أحمد له - فيقول : (مَا تُغْنِي عَنْهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَهُمْ لَا يَدْرُونَ مَا صَلَاةٌ ...) فيجيبه حذيفة بعد إعراضه عنه : (يَا صِلَةُ تُنْجِيهِمْ مِنْ النَّارِ ثَلَاثًا) ، فهذا نص من حذيفة رضي الله عنه على أن تارك الصلاة - ومثلها بقية الأركان - ليس بكافر , بل مسلم ناج من الخلود في النار يوم القيامة , فاحفظ هذا فإنه قد لا تجده في غير هذا المكان ، وفي الحديث المرفوع ما يشهد له , ولعلنا نذكره فيما بعد إن شاء الله تعالى.
ثم وقفت على (الفتاوى الحديثية) للحافظ السخاوي , فرأيته يقول بعد أن ساق بعض الأحاديث الواردة في تكفير تارك الصلاة - وهي مشهورة معروفة -(ولكن , كل هذا إنما يحمل على ظاهره في حق تاركها جاحداً لوجودها مع كونه ممن نشأ بين المسلمين , لأنه يكون حينئذ كافر مرتداً بإجماع المسلمين . فإن رجع إلى الإسلام , قبل منه , وإلا قتل , وأما من تركها بلا عذر - بل تكاسلاً مع اعتقاد وجوبها - , فالصحيح(4/2)
المنصوص الذي قطع به الجمهور أنه لا يكفر , وأنه – على الصحيح أيضاً – بعد إخراج الصلاة الواحدة عن وقتها الضروري – كأن يترك الظهر مثلاً حتى تغرب الشمس , أو المغرب حتى يطلع الفجر – يستتاب كما يستتاب المرتد , ثم يقتل إن لم يتب , ويغسل ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين , مع إجراء سائر أحكام المسلمين عليه , ويؤول إطلاق الكفر عليه لكونه شارك الكافر في بعض أحكامه , وهو وجوب العمل , جمعاً بين هذه النصوص وبين ما صح أيضاً عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال (خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ .... [فذكر الحديث , وفيه :] إِنْ شَاءَ عَذَّبَهُ وَإِنْ شَاءَ غَفَرَ لَهُ) , وقال أيضاً : (مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ) . إلى غير ذلك , ولهذا لم يزل المسلمون يرثون تارك الصلاة ويورثونه , ولو كان كافراً , لم يغفر له , لم يرث ولم يورث).
وقد ذكر نحو هذا الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الله في (حاشيته على المقنع) , وختم البحث بقوله :(ولأن ذلك إجماع المسلمين , فإننا لا نعلم في عصر من الأعصار أحداً من تاركي الصلاة ترك تغسيله والصلاة عليه , ولا منع ميراث موروثه , مع كثرة تاركي الصلاة , ولو كفر , لثبتت هذه الأحكام , وأما الأحاديث المتقدمة , فهي على وجه التغليظ والتشبيه بالكفار لا على الحقيقة , كقوله عليه الصلاة والسلام : (سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) وقوله : (مَنْ حَلَفَ بِغَيْرِ اللَّهِ فَقَدْْ أَشْرَكَ) , وغير ذلك . قال الموافق : وهذا أصوب القولين).
أقول : نقلت هذا النص من (الحاشية) المذكورة , ليعلم بعض متعصبة الحنابلة أن الذي ذهبنا إليه ليس رأياً تفردنا به دون أهل العلم , بل هو مذهب جمهورهم , والمحقيقين من علماء الحنابلة أنفسهم , كالموافق هذا – وهو ابن قدامة المقدسي – وغيره , ففي ذلك حجة كافية على أولئك المتعصبة , تحملهم إن شاء الله تعالى على ترك غلوائهم , والاعتدال في حكمهم.
بيد أن هنا دقيقة قل من رأيته تنبه لها , أو نبه عليها , فوجب الكشف عنها وبيانها , فأقول: إن التارك للصلاة كسلاً إنما يصح الحكم بإسلامه , ما دام لا يوجد هناك ما يكشف عن مكنون قلبه , أو يدل عليه , ومات على ذلك قبل أن يستتاب , كما هو الواقع في هذا الزمان , أما لو خير بين القتل والتوبة بالرجوع إلى المحافظة على الصلاة , فاختار القتل عليها , فقتل , فهو في هذه الحالة يموت كافراً , ولا يدفن في مقابر المسلمين , ولا تجري عليه أحكامهم , خلافاً لما سبق عن السخاوي , لأنه لا يعقل – لو كان غير جاحد لها في قلبه – أن يختار القتل عليها , هذا أمر مستحيل معروف بالضرورة من طبيعة الإنسان , لا يحتاج إثباته إلى برهان .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في (مجموعة الفتاوى) : (ومتي امتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقرًا بوجوبها، ولا ملتزمًا بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين، كما استفاضت(4/3)
الآثار عن الصحابة بكفر هذا، ودلت عليه النصوص الصحيحة .....فمن كان مصرًا على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط، فهذا لا يكون قط مسلمًا مقرًا بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب، واعتقاد أن تاركها يستحق القتل، هذا داع تام إلى فعلها، والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادرًا ولم يفعل قط، علم أن الداعي في حقه لم يوجد ).
قلت : هذا منتهى التحقيق في هذه المسألة , والله ولي التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم87.(4/4)
فصل في فضائل الصلاة
س)- نرجو توضيح الحديث المنسوخ: (الصلاة إلى الصلاة كفارة لما بينهما إذا اجتنبت الكبائر) بحديث النهر والدرن؟
بارك الله فيك، إن الله عز وجل يتفضل على عباده بما يشاء، والحديث الأول يصرح بأن الصلاة تكفر الذنوب التي كانت قبلها، وكان ذلك التكفير مشروطاً بأن يجتنب المصلي للكبائر، حيث قال: ((ما اجتنبت الكبائر) أي: ما دام المصلي يجتنب الكبائر فالصلاة تكفر الذنوب التي بينها وبين الصلاة الأخرى. لو كان هذا الحديث وحده لم يجز لنا أن نزيد عليه، لكن إذا زاد الله عز وجل على عباده في الفضل فنقول: حمداً لله حيث أنعم على عباده بأجر أكبر من ذي قبل. وهذا له أمثلة كثيرة في السنة؛ بأن الله عز وجل يزيد عباده فضلاً، وأجراً، وتخفيفاً، ونحو ذلك، هناك حديثان فيما يتعلق بصلاة الجماعة: أحدهما يقول: (صلاة الجماعة تفضل صلاة الفذ بخمس وعشرين درجة)، وحديث آخر يقول: (بسبع وعشرين درجة) فلا تخالف بين هذا وذاك؛ لأن الأجر الأقل يدخل في الأجر الأكثر، والذي ينبغي أن نعتقده أن فضيلة صلاة الجماعة هي بسبع وعشرين درجة وليس فقط بخمس وعشرين؛ لأن الزيادة قد ثبتت في الحديث الصحيح. مثلاً: هناك الآية الكريمة في خاتمة سورة البقرة: (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ * لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْراً كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا .. ) [البقرة:285-286] إلى آخر الآيات الواردة في خاتمة السورة، الشاهد: أن الله عز وجل في هذه الآية أو لعلي سبقتها وما تلفظت بها وهي: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ) [البقرة:284] الشاهد: أن الله عز وجل أنزل هذه الآية أول ما أنزلها، وفيه التنصيف بأن الله عز وجل يحاسب الناس على ما يظهرون، وعلى ما يخفون في صدورهم، ثم إذا حاسبهم فيعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء. لما نزلت هذه الآية جاءت طائفة من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مهتمين بحكم هذه الآية؛ لأنه في الحقيقة إذا تصورتموها أي: لو بقي حكمها لما نجا من الحساب والعذاب إلا القليل من العباد؛ لأن الله عز وجل يقول: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) [البقرة:284]، فكم وكم من وساوس تدور في أذهان الناس وتستقر في صدورهم، ثم الله عز وجل في هذه الآية سيحاسبهم عليها، فكبر وعظم هذا الحكم على أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام، فجاءوا جثياً وجلسوا على الركب وقالوا: (يا رسول الله! هانحن أُمرنا(4/5)
بالصلاة وصلينا، وبالصوم فصمنا، وبسائر الأحكام فقمنا، أما أن يحاسبنا الله عز وجل على ما في صدورنا فهذا مما لا طاقة لنا به، فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدون أن تقولوا كما قال قوم موسى لموسى: (سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) [البقرة:93]؟ قولوا: سمعنا وأطعنا، فأخذوا يقولونها بألسنتهم حتى ذلت وخضعت لها قلوبهم، فأنزل الله عز وجل الآية الناسخة لهذا الحكم الشديد: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَت) [البقرة:286] ) أي: علمت، فرفعت المؤاخذة على ما في النفوس، هذه المؤاخذة التي ذكرت في الآية السابقة، ثم جاء حديث الرسول عليه السلام مؤكداً لاستقرار الحكم على عدم المؤاخذة بما في النفوس، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تتكلم أو تعمل به) فما في النفوس لا مؤاخذة عليه. هذا مثال من أمثلة كثيرة، إذا عرفنا هذا رجعنا إلى الجواب مباشرة عن السؤال فنقول:
كان الحكم السابق في الحديث الأول أن الصلوات مكفرات لما بينها ما اجتنبت الكبائر، ثم جاء الحديث بل أحاديث كثيرة وكثيرة جداً تؤكد أن الصلوات المفروضة تكفر الذنوب حتى الكبائر، وذلك هو قوله عليه الصلاة والسلام في الحديث الثاني الذي أشرت إليه في سؤالك وهو: (أرأيتم لو أن نهراً أمام دار أحدكم يغتسل فيه كل يوم خمس مرات، أترونه يبقى على بدنه من درنه شيء؟ قالوا: لا يا رسول الله! قال: فكذلك مثل الصلوات الخمس يكفر الله بهن الخطايا كلها). وواضح جداً أن هذا الحديث لا يقبل التأويل المعروف عند العلماء بعامة، حيث يقولون: إن العبادات التي جاءت النصوص تترى بأنها مكفرات للذنوب، إنما تكفر الصغائر دون الكبائر. هذا القول لا نتردد في التصريح بأنه قول باطل؛ لأنه ينافي نصوصاً كثيرة وكثيرة جداً، هذا النص أحدها؛ لأن هذا المثل الذي ضربه الرسول عليه السلام رجل قذر وسخ، فإذا انغمس كل يوم في نهر جارٍ وترى هل الأوساخ الكبيرة تبقى والصغيرة هي التي تمحى؟ وإذا كان يبقى هناك شيء فعلى العكس، تذهب الأقذار الكبيرة وتبقى الصغيرة، فهذا المثال الذي ضربه الرسول عليه السلام يؤكد تماماً أن الصلوات مكفرات للذنوب كلها. كذلك -مثلاً- الحديث المتعلق بالحج، وبعضكم قد جاء من الحج سائلاً المولى سبحانه وتعالى أن يكون قد شملهم قوله صلى الله عليه وسلم: (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه)، فهل من إنسان يفهم أن الوليد حينما يسقط من بطن أمه يسقط ممتلئاً بالذنوب الكبائر دون الصغائر، أم التشبيه هنا من أبدع ما يكون أنه نظيف من كل الذنوب كبيرها وصغيرها؟ والأحاديث في هذه القضية كثيرة وكثيرة جداً، وللحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله رسالة خاصة في الخصال المكفرة، من أراد التوسع فيها رجع إليها. لكني أريد أن أنبه إلى شيئين اثنين: الشيء الأول: أنه يؤكد أن هذه المكفرات هي مكفرات للكبائر؛ ذلك أن المكفرات للصغائر منصوص في القرآن الكريم السبب الذي يكفر الصغائر قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ)(4/6)
[النساء:31] فإذاً: اجتناب الكبائر نفسها هي تذهب بالصغائر وتكفرها، فلا بد أن يكون لمثل هذه العبادات كالصلاة والحج ونحو ذلك كرمضان، لا بد أن يكون لها فعل آخر أكثر من فعل اجتناب الكبائر، فاجتناب الكبائر يكفر الصغائر، والإتيان بالفرائض ماذا يفعل؟ أيضاً يكفر الصغائر، فالصغائر ممحوة باجتناب الكبائر، فهذا يؤكد بأن الأحاديث السابقة هي على ظاهرها. هذا هو الأمر الأول من الأمرين. أما الأمر الثاني والأخير: أن كثيراً من الناس قد يتوهمون أن القول: بأن هذه العبادات كالصلاة والصيام تكفر الكبائر -أيضاً- أن هذا يكون حاملاً للناس بأن يتساهلوا وأن يواقعوا الكبائر؛ أن يسرقوا، وأن يزنوا، وأن يشربوا الخمر .. بدعوى أن الصلوات -مثلاً- تكفر الكبائر، فنحن نقول الآن لكي تفهم المسألة من هذه الزاوية جيداً: نذكر أن الصلاة التي تكفر الكبائر لا يمكننا أن نقول هي صلاتنا نحن، وهذه حقيقة يجب أن نعرفها؛ حتى ننجو من التورط في هذا الترغيب الكبير الذي جاء ذكره في هذه الأحاديث، وكما يقولون عندنا في سوريا : (نحط رجلينا بمي باردة). فنحن نصلي كل يوم الصلوات الخمس، فمهما فعلنا من كبائر فإذاً هي مكفرة بصلواتنا هذه. نقول: من الذي يستطيع أن يقول بأنه يصلي الصلاة الكاملة؟ لأن الصلاة الكاملة هي التي لها هذه الآثار الطيبة، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث المعروف: (إن الرجل ليصلي الصلاة وما يكتب له إلا عشرها، تسعها، ثمنها، سبعها... إلى أن قال عليه الصلاة والسلام: ربعها، نصفها) إذاً: لا نستطيع أن نقول: إن هناك صلاة كاملة حتى نقول: إن هذه الصلوات التي نصليها نحن هي مكفرات للكبائر، كل ما نستطيع أن نقول: إننا نأمل بأن نصلي وأن يغفر الله لنا بهذه الصلوات ما شاء من الذنوب؛ سواء كانت من الكبائر أو الصغائر. هذا ما أردت أن أبينه في نهاية الجواب عن هذا السؤال. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(4/7)
فصل في شروط الصلاة
س)- إذا أراد الإنسان أن يعمل عملاً فهل يستحضر حكم هذا العمل، كالسلام من صلاة الصبح أو من سنة الصبح، أم أنه يعتبر سنة لأنه من شعائر الإسلام؟
يجب أن تعرف أنه كما لا يجوز أن تحط من الحكم، مثلاً: هو فرض فتنزل به إلى مرتبة السنة، وتعمل به على أنه سنة، كذلك لا يجوز أن ترفع من شأن الحكم، فإذا كان سنة وأنت ترفعه وتجعله في مقام الفريضة، فلا يجوز لا هذا ولا هذا أبداً، فالسلام عندما تسلم كالصلاة التي تصليها، عندما تصليها فأنت تستحضر في نفسك أن هذه الصلاة ليست فريضة، وإنما هي سنة الفجر كما قلت. وهذا يكفي. كذلك لما تقول لأخيك المسلم: السلام عليكم، أنت تؤسس في نفسك أن هذا السلام واجب، أو -لا سمح الله- إذا كنت تعتقد أنه سنة كما يظن البعض فتكون مخطئاً، فيكفي أن تقول: السلام عليكم، وأنت على علم بأن هذا من الواجب، وأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمر به. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ألا يعد فعله هذا من شعائر الإسلام؟
لا، لا يجوز، أليست الصلوات الخمس من شعائر الإسلام؟ أليس الأذان من شعائر الإسلام؟ دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل تؤدى الصلاة اذا خرج وقتها عمدا؟
حديث (يا علي مثل الذي لا يتم صلاته كمثل حبلى حملت , فلما دنا نفاسها أسقطت , فلا هي ذات ولد , و لا هي ذات حمل . و مثل المصلي كمثل التاجر لا يخلص له ربحه حتى يخلص له رأس ماله , كذلك المصلي لا تقبل نافلته حتى يؤدي الفريضة) ضعيف ، وقد شاع الاستدلال بالشطر الأخير منه " المصلي لا تقبل نافلته حتى يؤدي الفريضة " على ما يفتي به كثير من المشايخ من كان مبتلى بترك الصلاة و إخراجها عن وقتها عامدا بوجوب قضائها مكان السنن الراتبة فضلا عن غيرها , و يقولون : إن الله عز وجل لا يقبل النافلة حتى تصلى الفريضة ! و هذا الحديث مع ضعفه لا يدل على ما ذهبوا إليه لو صح , إذ إن المقصود به فريضة الوقت مع نافلته , ففي هذه الحالة لا تقبل النافلة حتى تؤدي الفريضة , فلو أنه صلاهما معا(4/8)
كفريضة الظهر و نافلتها مثلا في الوقت مع إتيانه بسائر الشروط و الأركان , كانت النافلة مقبولة كالفريضة , و لو أنه كان قد ترك صلاة أو أكثر عمدا فيما مضى من الزمان . فمثل هذه الصلاة لا مجال لتداركها و قضائها , لأنها إذا صليت في غير وقتها فهو كمن صلاها قبل وقتها و لا فرق , و من العجائب أن العلماء جميعا متفقون على أن الوقت للصلاة شرط من شروط صحتها , و مع ذلك فقد وجد من قال في المقلدين يسوغ بذلك القول بوجوب القضاء : المسلم مأمور بشيئين : الأول الصلاة , و الآخر وقتها , فإذا فاته هذا بقي عليه الصلاة ! و هذا الكلام لو صح أو لو كان يدري قائله ما يعني لزم منه أن الوقت للصلاة ليس شرطا , و إنما هو فرض , و بمعنى آخر هو شرط كمال , و ليس شرط صحة , فهل يقول بهذا عالم?!
و جملة القول : أن القول بوجوب قضاء الصلاة على من فوتها عن وقتها عمدا مما لا ينهض عليه دليل , و لذلك لم يقل به جماعة من المحققين مثل أبي محمد بن حزم و العز بن السلام الشافعي و ابن تيمية و ابن القيم و الشوكاني و غيرهم . و لابن القيم رحمه الله تعالى بحث هام ممتع في رسالة " الصلاة " فليراجعها من شاء , فإن فيها علما غزيرا , و تحقيقا بالغا لا تجده في موضع آخر .
و بديهي جدا أن النائم عن الصلاة أو الناسي لها لا يدخل في كلامنا السابق , بل هو خاص بالمتعمد للترك , و أما النائم و الناسي , فقد أوجد الشارع الحكيم لهما مخرجا , فأمرهما بالصلاة عند الاستيقاظ أو التذكر , فإن فعلا تقبل الله صلاتهما و جعلها كفارة لما فاتهما , و إن تعمدا الترك لأدائها حين الاستيقاظ و التذكر كانا آثمين كالمتعمد الذي سبق الكلام عليه , لقوله صلى الله عليه وسلم : " من نسي صلاة أو نام عنها فليصلها حين يذكرها , لا كفارة لها إلا ذلك " ، أخرجه الشيخان من حديث أنس رضي الله عنه . فقوله : " لا كفارة لها إلا ذلك " أي إلا صلاتها حين التذكر . فهو نص على أنه إذا لم يصلها حينذاك فلا كفارة لها , فكيف يكون لمن تعمد إخراجها عن وقتها المعتاد الذي يمتد أكثر من ساعة في أضيق الصلوات وقتا , و هي صلاة المغرب , كيف يكون لهذا كفارة أن يصليها متى شاء و هو آثم مجرم , و لا يكون ذلك للناسي و النائم و كلاهما غير آثم ? !
فإن قال قائل : لا نقول إن صلاته إياها قضاء هي كفارة له , قلنا : فلماذا إذا تأمرونه بالصلاة إن لم تكن كفارة له , و من أين لكم هذا الأمر ? فإن كان من الله و رسوله فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين , و إن قلتم : قياسا على النائم و الناسي . قلنا : هذا قياس باطل لأنه من باب قياس النقيض على نقيضه و هو من أفسد قياس على وجه الأرض . و حديث أنس أوضح دليل على بطلانه إذ قد شرحنا آنفا أنه دليل على أن الكفارة إنما هي صلاتها عند التذكر و أنه إذا لم يصلها حينئذ فليست كفارة , فمن باب أولى ذاك المتعمد الذي لم يصلها في وقتها المعتاد و هو ذاكر .
فتأمل هذا التحقيق فعسى أن لا تجده في غير هذا المكان على اختصاره , والله المستعان و هو ولي التوفيق . انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1257.(4/9)
س)- ما نصيحتكم لمن ابتلي بالتهاون بالصلاة و إخراجها عن وقتها عامدا؟
الذي ننصح به من كان قد ابتلى بالتهاون بالصلاة و إخراجها عن وقتها عامدا متعمدا , إنما هو التوبة من ذلك إلى الله تعالى توبة نصوحا , و أن يلتزم المحافظة على أداء الصلوات في أوقاتها و مع الجماعة في المسجد , فإنها من الواجب , و يكثر مع ذلك من النوافل و لا سيما الرواتب لجبر النقص الذي يصيب صلاة المرء كما و كيفا لقوله صلى الله عليه وسلم :" أول ما يحاسب به العبد صلاته , فإن كان أكملها , و إلا قال الله عز وجل : انظروا هل لعبدي من تطوع ? فإن وجد له تطوع , قال : أكملوا به الفريضة ".
أخرجه أبو داود و النسائي و الحاكم و صححه , و وافقه الذهبي , و هو مخرج في " صحيح أبي داود ". انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1257.
س)- ما حكم من تعمد ترك استقبال الكعبة؟
قد نقل غير واحد الإجماع على بطلان صلاة من تعمد ترك استقبال الكعبة ومنهم ابن حزم وابن عبد البر أبو عمر فإن صح هذا الإجماع وجب المصير إليه ولا يكون مخالفا للحديث الذي احتج به الشوكاني على عدم الشرطية وذلك لأنه وارد في غير مورد النزاع - أعني : في غير المتعمد - فهو يدل على صحة صلاته والإجماع المذكور يدل على بطلانها من المتعمد فلا خلاف ولا تعارض . وقد جزم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (اختياراته) (ص27-28) في غير ما مسألة ببطلان صلاة من لم يستقبل الكعبة وهو حتما يعني به المتعمد وأما غيره فمحل نظر على أنني لا أكاد أتصور مسلما يعلم وجوب الاستقبال ثم يتركه عمدا لأن من يتعمد ترك شيء إنما يتركه عادة لما فيه من الجهاد ومحاربة هوى النفس ولا شيء من ذلك هنا لأن المصلي لا مناص من أن يستقبل شيئا ما فما الذي يدفعه ويحمله على ترك استقبال الكعبة وهي بين يديه يراها هذا أمر أكاد أجزم باستحالة وقوعه من المسلم العالم بالحكم . والله أعلم انتهى كلام الالباني من كتاب الثمر المستطاب في فقه السنة والكتاب.
س)- هل يمتد وقت صلاة العشاء إلى الفجر؟
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "ووقت صلاة العشاء إلى نصف الليل الأوسط . . " . رواه مسلم وغيره ، ويؤيده ما كتب به عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري : ". . . وأن صل العشاء ما بينك وبين ثلث الليل ، وإن أخرت فإلى شطر الليل ، ولا تكن من الغافلين" . أخرجه مالك والطحاوي وابن حزم ، و سنده صحيح . فهذا الحديث دليل واضح على أن وقت العشاء انما يمتد إلى نصف الليل فقط ، وهو الحق ، ولذلك اختاره الشوكاني في "الدرر البهية" ، فقال : " . . . وآخر وقت صلاة العشاء نصف الليل" ، وتبعه صديق حسن(4/10)
خان في "شرحه" ، وقد روي القول به عن مالك كما في "بداية المجتهد" ، وهو اختيار جماعة من الشافعية كأبي سعيد الإصطخري وغيره . انظر المجموع (3/40). انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- متى تكون مدركاً للصلاة؟
في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ أَوَّلَ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ أَوَّلَ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ) رد على من يقول إن الإدراك يحصل بمجرد إدراك أي جزء من الصلاة , ولو بتكبيرة الإحرام , وهذا خلاف ظاهر الحديث , وقد حكاه في (منار السبيل) قولاً للشافعي , وإنما هو وجه في مذهبه , كما في (المجموع) للنووي , وهو مذهب الحنابلة , مع أنهم نقلوا عن الأمام أحمد أنه قال : (لا تدرك الصلاة إلا بركعة) , فهو أسعد الناس بالحديث , والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم66.
س)- هل من طلعت عليه الشمس وهو في الركعة الثانية من صلاة الفجر , بطلت صلاته , وكذلك قالوا فيمن غربت عليه الشمس وهو في آخر ركعة من صلاة العصر؟
قول بعض المذاهب أن من طلعت عليه الشمس وهو في الركعة الثانية من صلاة الفجر , بطلت صلاته , وكذلك قالوا فيمن غربت عليه الشمس وهو في آخر ركعة من صلاة العصر , وهذا مذهب ظاهر البطلان , لمعارضته لنص الحديث (إِذَا أَدْرَكَ أَحَدُكُمْ أَوَّلَ سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الْعَصْرِ قَبْلَ أَنْ تَغْرُبَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَإِذَا أَدْرَكَ [أَوَّلَ] سَجْدَةٍ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ قَبْلَ أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ) كما صرح بذلك الإمام النووي وغيره.
ولا يجوز معارضة الحديث بأحاديث النهى عن الصلاة في وقت الشروق والغروب , لأنها عامة , وهذا خاص والخاص يقضي على العام , كما هو مقرر في علم الأصول. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم66.
س)- هل يقضي المجنون والمغمى عليه والنائم ما فاتهم من الصلوات؟
لا قضاء على المجنون سواء قل زمن الجنون أو كثر - وهو مذهب الشافعية وروي عن مالك وأحمد كما في (المجموع) وهو مذهب ابن حزم واختاره شيخ الإسلام ، وكذا المغمى عليه لا قضاء عليه وهو مذهب من ذكر ورواه ابن حزم عن ابن عمر وطاوس والهري والحسن البصري وابن سيرين وعاصم بن بهدلة ، وكذا الكافر إذا أسلم لا قضاء عليه : لقوله صلى الله عليه وسلم (الإسلام يجب ما قبله) ، وأما النائم فيقضي ما(4/11)
فاته من الصلوات في حالة نومه (إذا رقد أحدكم عن الصلاة أو غفل عنها فليصلها إذا ذكرها فإن الله عز وجل يقول أقم الصلاة لذكري). انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل يجب ترتيب الصلوات الفوائت؟
لقد اختلف العلماء في وجوب الترتيب بين الفوائت فنفاه الشافعية وقالوا : إنه يستحب . وبه قال طاوس والحسن البصري ومحمد بن الحسن وأبو ثور وداود .
وقال أبو حنيفة ومالك : يجب ما لم تزد الفوائت على صلوات يوم وليلة فقالا : فإن كان في حاضرة فذكر في أثنائها أن عليه فائتة بطلت الحاضرة ويجب تقديم الفائتة ثم يصلي الحاضرة .
وقال أحمد : الترتيب واجب قلت الفوائت أم كثرت . قال : ولو نسي الفوائت صحت الصلوات التي يصلي بعدها قال أحمد وإسحاق : ولو ذكر فائتة وهو في حاضرة تمم التي هو فيها ثم قضى الفائتة . ثم يجب إعادة الحاضرة .
واحتج لهم بحديث عن ابن عمر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (من نسي صلاة فلم يذكرها إلا وهو مع الإمام فإذا فرغ من صلاته فليعد الصلاة التي نسي ثم ليعد الصلاة التي صلاها مع الإمام)
وهذا حديث ضعيف ضعف موسى بن هارون الحمال (بالحاء) الحافظ وقال أبو زرعة الرازي ثم البيهقي
(صحيح أنه موقوف) كذا في (المجموع) ثم قال :( واحتج أصحابنا بأحاديث ضعيفة أيضا والمعتمد في المسألة أنها ديون عليه فلا يجب ترتيبها إلا بدليل ظاهر وليس لهم دليل ظاهر ولأن من صلاهن بغير ترتيب فقد فعل الصلاة التي أمر بها فلا يلزمه وصف زائد بغير دليل ظاهر والله أعلم) انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل الفخذ من العورة التى يجب سترها؟
لا ينبغي التردد في كون الفخذ عورة ترجيحا للأدلة القولية ، فلا جرم أن ذهب إليه أكثر العلماء ، وجزم به الشوكافي في "نيل الأوطار" و "السيل الجرار".
نعم ، يمكن القول بأن عورة الفخذين أخف من عورة السوأتين ، وهو الذي مال إليه ابن القيم في "تهذيب السنن" كما كنت نقلته عنه في "الإرواء". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.(4/12)
س)- هل يجوز للمرأة أن تصلي في بيتها بثياب البيت أم يجب عليها أن تصلي بالجلباب ، وهل يجب عليها أن تستر قدميها ؟.
أما ستر القدمين في الصلاة فهذا لابد منه؛ لأن القدمين من عورة المرأة كما دل على ذلك الكتاب والسنة.
أما هل يجوز للمرأة أن تصلي بثياب بيتها ؟.
فالجواب: يبدو أنه ليس من ثياب بيتها أن تكون ساترة لقدميها، فإذاً الجواب واضح: أنه لا يجوز، ولهذا جاء في بعض الآثار السلفية: أن المرأة إذا قامت تصلي فيجب أن يكون عليها قميص سابغ يستر ظاهر قدميها، إلا إذا افترضنا امرأة -أيضا هذا في الخيال- تعيش في عقر دارها متحجبة متجلببة بجلبابها كما لو كانت تعيش بين الأجانب، قد يكون هناك امرأة في لباسها فيها بيتها شيء من التحجيم، فإذا صلت فهي فعلاً ساترة لعورتها، ولكنها من جهة أخرى مُحَجِمة لعورتها وهذا مخالف لشريعة ربها، ولذلك فلا بد للمرأة أن تتخذ إزاراً أو قميصاً طويلاً تلبسه، ولو كانت يعني حافية القدمين فيكفيها أن تستر ظهور قدميها بهذا الثوب السابغ لظاهر القدمين. انتهى كلام الالباني من شريط الأجوبة الألبانية على الأسئلة الأسترالية.
س)- هل يكفي الجوربين في ستر القدمين ؟.
لا ما يكفي لأنُه يَجسم. انتهى كلام الالباني من شريط الأجوبة الألبانية على الأسئلة الأسترالية.(4/13)
فصل في أركان الصلاة
س)- ما حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية؟
اختلف العلماء قديما و حديثا في القراءة وراء الإمام على أقوال ثلاثة :
1 - وجوب القراءة في الجهرية و السرية .
2 - وجوب السكوت فيهما .
3 - القراءة في السرية دون الجهرية .
و هذا الأخير أعدل الأقوال و أقربها إلى الصواب و به تجتمع جميع الأدلة بحيث لا يرد شيء منها و هو مذهب مالك و أحمد , و هو الذي رجحه بعض الحنفية , منهم أبو الحسنات اللكنوي في كتابه "التعليق الممجد على موطأ محمد", فليرجع إليه من شاء التحقيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم569.
س)- ما الكيفية التي يحصل بها الاطمئنان في الركوع؟
إن الاطمئنان الواجب لا يحصل الا بتحتيق ما يأتي :-
1 - وضع اليدين على الركبتين.
2 - تفريج أصابع الكفين.
3 - مد الظهر.
4 - التمكين للركوع وإلمكث فيه حتى يأخذ كل عضو مأخذه . وهذا كله ثابت في روايات عديدة لحديث المسئ صلاته ، وهو مخرج في "صفة الصلاة ". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يجهر بالبسملة في الصلاة ام يسر بها؟
الحق أنه ليس في الجهر بالبسملة حديث صريح صحيح ، بل صح عنه صلى الله عليه وسلم الإسرار بها من حديث أنس ، وقد وقفت له على عشرة طرق ذكرتها في تخريج كتابي " صفة صلاة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " ، أكثرها صحيحة الأسانيد ، وفي بعض ألفاظها التصريح بأنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن يجهر بها ، وسندها صحيح على شرط مسلم ، وهو مذهب جمهور الفقهاء ، وأكثر أصحاب الحديث ، وهو الحق الذي لا ريب فيه ، ومن شاء التوسع في هذا البحث فليراجع " فتاوى شيخ الإسلام " ، ففيها مقنع لكل عاقل منصف . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.(4/14)
س)- هل يشرع للإمام السكوت عقب الفاتحة؟
إن السكتة المذكورة بدعة في الدين إذ لم ترد مطلقا عن سيد المرسلين ، إنما ورد عنه سكتتان إحداهما بعد تكبيرة الاحرام من أجل دعاء الاستفتاح . والسكته الثانية رويت عن سمرة بن جندب واختلف الرواة في تعيينها فقال بعضهم : هي عقب الفاتحة . وقال الاكثرون : هي عقب الفراغ من القراءة كلها ، وهو الصواب كما بينته في " التعليقات الجياد " ، وغيره ، وراجع " رسالة الصلاة " لابن القيم.
ثم إنه ليس فيه التصريح بأن السكتة كانت طويلة بذلك القدر ، فلا متمسك فيه البتة للشافعية ، فتأمل . وأما ما ذكره الشوكاني في "السيل الجرار" أن النبي صلى الله عليه وسلم كان بعد فراغه من قراءة الفاتحة يسكت سكتة طويلة ثم يقرأ السورة . فليس في شئ من روايات الحديث زيادة طويلة . وكأنه اختلط عليه نص الحديث بتفسير الخطابي إياه بقوله : " إنما كان يسكت . . . ليفرأ من خلفه " ، نقله عنه الشوكاني في النيل " ، ومن المحتمل أنه تفسير منه لرواية لاحمد : " وإذا قال : * (ولا الضالين) سكت أيضا هنية " . وقد عرفت أن محل السكتة الثانية بعد الفراغ من القراءة كلها ، على ضعف الاسناد . ثم فصلت القول في ذلك في "إرواء الغليل". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه انه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه)، فهل هذا الحديث مقلوب كما ادعى البعض؟
الحديث من عجائب ما جرى من الخلاف حول فهمه، وأعجب من ذلك العجب أن يقع ذلك من العرب أهل الإبل! حيث أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (فلا يبرك كما يبرك البعير) ثم يفسر هذا الإجمال بقوله: (وليضع يديه قبل ركبتيه) فادعى بعض العرب، فضلاً عن غيرهم من العجم، أن الحديث من المقلوب، فزعموا أن الراوي أراد أن يقول: وليضع ركبتيه قبل يديه، فانقلب -في زعمهم- الحديث عليه فقال: وليضع يديه قبل ركبتيه، وذلك من ذهولهم عما يشاهدونه في بلادهم من بروك الجمل، فالجمل إذا برك برك على مقدمتيه، -أي: على يديه- مع العلم أن ركبتيه في يديه وليستا في مؤخرتيه، ولذلك فالجمل يختلف عن الإنسان من هذه الحيثية، فركبتا البعير في مقدمتيه، لذلك لما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: (فإذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير) أي: لا يبرك على ركبتيه اللتين يبرك البعير عليهما، وإنما ليتلقى الأرض بكفيه، ثم يتبعهما بركبتيه. أما حجة المخالفين لهذين الحديثين الصحيحين، فهو حديث أخرجه أيضاً أبو داود وغيره من رواية وائل بن حجر : (أنه رأى النبي صلى الله(4/15)
عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه) لكن هذا الحديث هو من طريق شريك بن عبد الله القاضي، وهو وإن كان قاضياً فاضلاً، وصدوقاً صادقاً، فقد اتفق علماء الحديث على أنه كان سيئ الحفظ؛ ولذلك لما روى له الإمام مسلم في صحيحه إنما أخرج له مقروناً بغيره، إشارة منه إلى أنه لا يحتج بما تفرد به، فهذا الحديث إذاً ضعيف سنده، ومع ضعفه في سنده خالف الحديثين الأولين الصحيحين، ولذلك فلا يجوز المعارضة به لذينك الحديثين الصحيحين، هذا ما يمكن الجواب به عن هذا السؤال بإيجاز. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يجوز للمرأة الحامل في الشهور الأولى إن خافت الإجهاض أن تصلي وهي جالسة؟
إذا كان من المعلوم أن الفتوى على قدر النص، فأنا أقول: يجوز، لكني غير مطمئن أن المرأة إذا صلت قائمة تخاف على نفسها أن تجهض، لكن كما قال تعالى: (بَلِ الْأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ) [القيامة:14]، فإذا كانت هذه المرأة غير موسوِسة، أو غير موسوَسة -يجوز الوجهان لغةً- ويغلب على ظنها فعلاً أن تسقط؛ فيجوز أن تصلي قاعدة. وأنا أعرف أن الأطباء ينصحون الحوامل بأن يتحركن وأن يمشين، ونعرف من التاريخ الإسلامي الأول أن المرأة كانت تضع وهي على ناقتها، لكن مع ذلك أعرف أن الحياة المدنية، وما أحاط الله عز وجل الناس اليوم به من نعم لا يعرفها السابقون الأولون، قد جعلتهم لا يتحملون من المتاعب والمصاعب والمشاق، خاصة ما يسمى (بالجنس اللطيف)، فلا أستبعد من هذا الجنس اليوم أن تخشى أن تسقط ولدها من بطنها إذا قامت تصلي قياماً لربها. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(4/16)
فصل في واجبات الصلاة
س)- هل تكبيرات الصلاة من سنن الصلاة ام من واجباتها؟
عد هذه التكبيرات من السنن ينافي أمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المسئ صلاته بها كما جاء في رواية لابي داود وغيره من حديث رفاعة بن رافع ، وهو مخرج في "صحيح أبي داود" ، فهي إذن واجبة ، ومؤيدة بعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " صلوا كما رأيتموني أصلي" .وقد قرر الامام الشوكاني في "نيل الاوطار" ثم في "السيل الجرار" أن الاصل في جميع الامور الواردة في حديث المسئ صلاته الوجوب ، وقد نص الشوكاني نفسه في "النيل" أن هذه التكبيرات مما جاء فيه في بعض الروايات ، ثم نسي ذلك في " السيل " فذكرها في جملة السنن ! فسبحان ربي لا يضل ولا ينسى ، وقد ذهب إلى الوجوب الامام أحمد رحمه الله كما حكاه النووي في "المجموع" عنه ، واحتج له بالعموم السابق ، وخفي عليه حديث المسئ ، فإنه قال محتجا عليه لمذهبه : "ودليلنا على أحمد حديث المسئ صلاته ، فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره بتكبيرات الانتقال وأمره بتكبيرة الاحرام" ! فلم يتنبه لرواية أبي داود وغيره . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل التسميع في الاعتدال واجب على كل مصلي؟
عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يقول : سمع الله لمن حمده ، حين يرفع صلبه من الركعة ثم يقول وهو قائم : ربنا ولك الحمد . رواه أحمد والشيخان " . قلت : وهر مخرج في "الارواء" بزيادة كثيرة في المصادر ، ومن الواضح أن في هذا الحديث ذكرين اثنين : أحدهما : قوله : " سمع الله لمن حمده " في اعتداله من الركوع . والاخر : قوله : "ربنا ولك الحمد" إذا استوى قائما.
فإذا لم يقل المقتدي ذكر الاعتدال ، فسيقول مكانه ذكر الاستواء ، وهذا أمر مشاهد من جماهير المصلين ، فإنهم ما يكادون يسمعون منه : "سمع الله لمن حمده" ، إلا وسبقوه بقولهم : ربنا ولك الحمد ، وفي هذا مخالفة صريحة للحديث ، فإن حاول أحدهم تجنبها وقع في مخالفة أخرى ، وهي إخلاء الاعتدال من الذكر المشروع فيه بغير حجة . قال النووي رحمه الله "ولان الصلاة مبنية على أن لا يفتر عن الذكر في شئ منها ، فإن لم يقل بالذكرين في الرفع والاعتدال بقي أحد الحالين خاليا عن الذكر " . بل إنني أقول : إن التسميع في الاعتدال واجب على كل مصل ، لثبوت ذلك في حديث المسئ صلاته ، فقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فيه : " إنها لا تتم صلاة أحدكم حتى يسبغ الوضوء كما أمره الله . . ثم يكبر . . ويركع حتى تطمئن(4/17)
مفاصله وتسترخي ، ثم يقول : سمع الله لمن حمده ، ثم يستوي قائما حتى يقيم صلبه . . . " الحديث . أخرجه أبو داود والنسائي والسياق له ، وغيرهما بسند صحيح . وهو مخرج في " صحيح أبي داود".
فهل يجوز لاحد بعد هذا أن يقول بأن التسميع لا يجب على كل مصل؟! انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل وضع السترة امام المصلي من مستحبات الصلاة؟
القول بالاستحباب ينافي الأمر بالسترة في عدة أحاديث ، وفي بعضها النهي عن الصلاة إلى غير سترة ، وبهذا ترجم له ابن خزيمة في "صحيحه" ، فروى هو ومسلم عن ابن عمر مرفوعا : "لا تصل إلا إلى سترة".
وإن مما يؤكد وجوبها أنها سبب شرعي لعدم بطلان الصلاة بمرور المرأة البالغة والحمار والكلب الأسود ، كما صح ذلك في الحديث ، ولمنع المار من المرور بين يديه ، وغير ذلك من الأحكام المرتبطة بالسترة ، وقد ذهب إلى القول بوجوبها الشوكاني في "نيل الأوطار" ، و "السيل الجرار" ، وهو الظاهر من كلام ابن حزم في "المحلى" انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يجوز الاقتصار على التسليمة الواحدة في الصلاة ؟
من أصح الأحاديث التي وردت في التسلمية الواحدة في الصلاة حديث (كان يُسَلمُ تسلمية واحدة) ، وقد ساق البيهقي قسماً منها ، ولا تخلو أسانيدها من ضعف ، ولكنها في الجملة تشهد لهذا ، وقال البيهقي عَقِبَها : (ورُوي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنهم أنهم سلموا تسليمة واحدة ، وهو من الاختلاف المباح ، والاقتصار على الجائز).
وذكر نحوه الترمذي عن الصحابة ، ثم قال : (قال الشافعي : إن شاء سلَّم تسليمة واحدة ، وإن شاء سلَّم تسليمتين).
قلتُ : التسليمة الواحدة فَرْض لا بدَّ منه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (. . . وتحليلها التسليم) ، والتسليمتان سنة ، ويجوز ترك الأخرى أحياناً لهذا الحديث.
ولقد كان هديه صلى الله عليه وسلم في الخروج من الصلاة على وجوه:
الأول : الاقتصار على التسليمة الواحدة ؛ كما سبق.
الثاني : أن يقول عن يمينه : "السلام عليكم ورحمة الله" ، وعن يساره : "السلام عليكم".
الثالث : مثل الذي قبله إلا أنه يزيد في الثانية أيضاً : "ورحمة الله".
الرابع : مثل الذي قبله إلا أنه يزيد في التسليمة الأولى : "وبركاته".(4/18)
وكل ذلك ثبت في الأحاديث ، وقد ذكرتُ مُخرجيها في "صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم" ، فمن شاء راجعه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 316.
س)- ما ردكم على قول النووي في "المجموع" : "المختار استحباب الخط ، لأنه وإن لم يثبت الحديث ، ففيه تحصيل حريم للمصلي ، وقد قدمنا اتفاق العلماء على العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، دون الحلال والحرام ، وهذا من نحو فضائل الأعمال "؟
يرد عليه بقول الشافعي المنقول عن "التهذيب" ، فإنه صريح بأنه رضي الله عنه لا يرى مشروعية الخط إلا أن يثبت الحديث ، وهذا يدل على أحد أمرين :
إما أنه يرى أن الحديث ليس في فضائل الأعمال بل في الأحكام ، وهذا هو الظاهر من كلامه . وإما أنه لا يرى العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال ، وهذا هو الحق الذي لا شك فيه. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- في كتاب صفة الصلاة ذكرتم الحديث المروي عن الصحابة في كيفية التشهد، والصحابة قد غيروا صيغة (السلام عليك) بـ(السلام على النبي ورحمة الله وبركاته)، كيف لنا أن نوفق الأمر الثاني بالأول، علماً بأن الدعوة السلفية منهجها الأخذ بالقرآن والسنة، وفهم الصحابة لهما؟
كأن السائل فهم أن الصحابة غيروا النص الذي تلقوه من النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الذي هو بصيغة الخطاب: (السلام عليك أيها النبي)، فكأنه فهم أنهم غيروه من عند أنفسهم، وهذا ما نبرئ منه أقل الناس فهماً للسنة حتى لو كان خلفياً سلفياً، أعني: حتى لو كان من الخلف الذين يتبنون مذهب السلف، فلا نتصور أن رجلاً من المتأخرين يفقه أن الأوراد توقيفية، يتجرأ على أن يغير حرفاً واحداً في ورد تلقاه عن النبي صلى الله عليه وسلم بالأسانيد، فكيف نتصور صحابياً واحداً -لاسيما إذا كان مثل ابن مسعود - يقدم على تغيير نص تلقاه من النبي صلى الله عليه وسلم مباشرة؟! هذا الخاطر يجب ألا يخطر على بال السائل أو غيره أبداً، وإنما يقول العلماء في مثل هذا: إن ذلك الذي فعلوه هو بتوقيف من النبي(4/19)
صلى الله عليه وسلم إياهم، ومعنى التوقيف: أن الرسول عليه السلام هو الذي ألمح وأشار إليهم أن هذا يكون في حياته، أما بعد وفاته فيتكلمون بصيغة الغيبة، وليس بصيغة الحاضر، فيقولون في التشهد: السلام على النبي، ونحن نعرف بعد الصحابي عن الابتداع بصورة عامة، وبعدهم عنه في الأذكار بصورة خاصة، وبالأخص منهم عبد الله بن مسعود الذي جاء النص الصحيح في صحيح البخاري عنه أنه قال: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد في الصلاة وكفي بين كفيه) كناية عن اهتمام المعلم بالمتعلم بتلقينه ما هو في طريق تعليمه إياه، قال ابن مسعود: (علمني رسول الله صلى الله عليه وسلم التشهد وكفي بين كفيه، التحيات لله...) وذكر التشهد المعروف عن ابن مسعود، والذي عليه الحنفية: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) قال ابن مسعود بعد أن ذكر النص الذي لقنه إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكفه بين كفي الرسول صلى الله عليه وسلم، قال: (وهو بين ظهرانينا) أي: علمه أن يقول هذا وهو بين ظهرانيهم، وهو حي معهم عليه الصلاة والسلام، قال (فلما مات قلنا: السلام على النبي) ما قال هو: قلت، وحاشاه أن يقول! -كما قلت لكم آنفاً- وحاشاه أن يتصرف في مثل هذا النص الذي تلقاه من الرسول مباشرة، وبهذا الاهتمام الذي عبر عنه بقوله: (وكفي بين كفه) وإنما ذلك مما فهمه في أثناء التلقين، لذلك قال في هذا الحديث: (وهو بين ظهرانينا، فلما مات قلنا...) ما قال: قلت، فكيف يقول من عند نفسه شيئاً يبدل فيه نص الرسول عليه الصلاة والسلام، وهو يعلم أن تعليم الرسول صلوات الله وسلامه عليه هو وحي من الله؟! والذين يجهلون هذه الحقيقة، أو يغفلون أو يتغافلون عنها، هم في الواقع في خطر كبير جداً، فالذين يتقدمون إلى أوراد الرسول عليه الصلاة والسلام وإلى أذكاره، فيزيدون فيها ما شاءوا من الزيادات، لا يتصورون أبداً أنهم يزيدون على الوحي ولا يخطر هذا في بالهم، وهذا في الواقع تفريق خبيث بين الله ورسوله، وهم لا يتنبهون له، وهو تفريقٌ خبيث بين الكتاب والسنة، أي: بين ما جاء في الكتاب وما جاء في السنة، وإلا هل يجرؤ أحد هؤلاء أن يزيد في نص القرآن حرفاً واحداً؛ من أجل إشباع نهمته وغلوه في حبيبه محمد صلى الله عليه وسلم؟ مثلاً: هل يقول أحدهم حين قال الله: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ ... )[الفتح:29] إلخ ما ورد في الآية، هل يقول أحدهم: سيدنا محمد رسول الله؟ لا أحد يقول هذا؛ فمباشرة سيقال له: هذه زيادة على ما في القرآن، وهو وحي فهو أيضاً لا يجوز، لكنهم يفرقون -كما قلت لكم- بجهلهم، كذلك لا يقول أحدهم: محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم رسول الله؛ لأن هذا زيادة على النص، فنحن معشر الذين ينتمون إلى السلف لا نفرق بين الله ورسوله أبداً، ولا نفرق بين كتاب الله وحديث رسول الله، وبين تعليم الله وتعليم رسول الله؛ كلاهما يصدران من مشكاة واحدة وهي مشكاة الوحي من السماء؛ لذلك لما علم النبي صلى الله عليه وسلم البراء بن عازب ورد الاضطجاع عند(4/20)
النوم: (اللهم إني أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت، قال له: إذا أنت قلت ذلك ومت من ليلتك تلك مت على الفطرة) فأعاد البراء بن عازب هذا الدعاء بين يدي الرسول عليه الصلاة والسلام؛ ليتمكن من حفظه، فلما وصل إلى قوله في الأخير: (آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت) قال: (وبرسولك الذي أرسلت)، بدل أن يقول: (وبنبيك الذي أرسلت) فصده الرسول عليه الصلاة والسلام ورده عن ذلك، وقال له: قل: (وبنبيك الذي أرسلت) لو سألنا هؤلاء المغيرين والمبدلين في أذكار الرسول عليه الصلاة والسلام: هل هناك فرق يفسد المعنى الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الورد، بين تعليم الرسول الذي هو: (وبنبيك الذي أرسلت) وبين ما أخطأ فيه البراء فقال: (وبرسولك الذي أرسلت). هل هناك فرق؟ لو لم يكن محمد عليه الصلاة والسلام رسولاً وكان نبياً فقط؛ لصار هناك تغيير للمعنى؛ لأن الرسول أعم من النبي، فكل رسول نبي، وليس كل نبي رسولاً، لكن نبينا عليه الصلاة والسلام ليس فقط رسولاً، بل هو خاتم الأنبياء والرسل جميعاً، فحينما قال البراء: وبرسولك الذي أرسلت، ما خالف الواقع أبداً؛ ولكنه خالف التعاليم النبوية -إخواننا انتبهوا لهذا- كل ما في الأمر أنه خالف تعليم الرسول إياه، أما المعنى فمستقيم تماماً؛ لذلك قال له: قل: (وبنبيك الذي أرسلت) وعلى هذا جرى الصحابة.
وقد ذكرت لكم مراراً في مثل هذه المناسبة عن كثير من الصحابة، وكيف كانوا يفرون من أن يعدل الرجل عن لفظ الرسول إلى لفظ من عنده، فهناك -مثلاً- في مسند الإمام أحمد: [أن سعد بن أبي وقاص سمع رجلاً يقول في تلبية الحج: لبيك ذا المعارج، فقال له -وهذا من حكمة الصحابة في إنكار المنكر- قال: إنه لذو المعارج؛ ولكن ما هكذا كنا نقول في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام، كنا نقول: لبيك اللهم لبيك] إلى آخر التلبية المعروفة، قال له: الله هو ذو المعارج، لكن التلبية ما كانت هكذا في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام. وأبدع من هذا -أيضاً- في أسلوب الإنكار، قصة ابن عمر التي ذكرتها لكم أكثر من مرة أيضاً، [أن ابن عمر سمع رجلاً عطس فقال: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، فقال: وأنا أقول معك: الحمد لله، والصلاة على رسول الله، ولكن ما هكذا علمنا رسول الله، قل: الحمد لله رب العالمين] كأن القضية الآن تتكرر تماماً، لكن -مع الأسف!- دون أن يكون هناك متجاوبون مع المنكرين. وهذه الزيادة -اليوم- في عبادتنا تأتي في صور عديدة، وأشهرها الزيادة في الأذان، والصلاة على الرسول عليه الصلاة والسلام، كما قال ابن عمر: [وأنا أقول معك: الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن الرسول ما هكذا علمنا] فهكذا الصحابة، والآثار عنهم كثيرة جداً جداً، كانوا يتورعون أن يأتوا بتغيير للفظ الرسول عليه الصلاة والسلام، ومن أشهرهم وأدقهم في ذلك صاحبنا.. صاحب حديث التشهد الذي علمه الرسول إياه وكفه بين(4/21)
كفيه، ألا وهو عبد الله بن مسعود، حيث روى الإمام أبو جعفر الطحاوي في كتابه شرح معاني الآثار، بالسند الصحيح عن ابن مسعود: [أنه كان إذا علم أصحابه التشهد يأخذ عليهم الحرف الواحد]. أي: إذا زاد حرفاً، أو نقص حرفاً، يقول له: لا. ارجع وقلها كما تلقيتها عن الرسول عليه الصلاة والسلام. فهل نتصور مثل هذا الصحابي -لو كان وحده- يأتي إلى التعليم الذي لقنه الرسول عليه السلام إياه مباشرة: السلام عليك أيها النبي، فيأتي ويعدل منه إلى (السلام على النبي) دون أن يكون عنده تعليم وتوجيه من الرسول عليه السلام له بذلك؟ حاشاه من ذلك! فكيف وليس هو في الميدان وحده، هو أولاً: يروي لنا فيقول: [فلما مات الرسول صلوات الله وسلامه عليه قلنا -أي: نحن معشر الصحابة- السلام على النبي]، ولذلك تأكيداً لهذا المعنى الذي رواه لنا ابن مسعود بصيغة الجمع: قلنا، جاء هذا التشهد مع اختلاف الألفاظ، كما هو مذكور في صفة الصلاة عن السيدة عائشة بـ: السلام على النبي، وجاء عن عمر بن الخطاب في موطأ مالك: السلام على النبي وهكذا. إذا: ما نقوله هو اتفاق وإجماع من الصحابة، وذهبوا إليه ليس اجتهاداً منهم وتغييراً للنص -كما يتبادر من سؤال السائل- وإنما بتوقيف من الرسول صلوات الله وسلامه إياهم. ما أبدع هذا الأمر فيما إذا عرفنا اليوم غلو الناس في دعاء الموتى، والاستغاثة بغير الله عز وجل، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم أومأ وأشار إلى هؤلاء الصحابة من باب سد الذريعة، إذا أنا مت فقولوا: (السلام على النبي)؛ ذلك لأن كثيراً من الناس اليوم يتوهمون أوهاماً كثيرة، منها: أن الموتى كلهم يسمعون كثير من الناس اليوم -إذا لم نقل كلهم- يتوهمون أن الموتى يسمعون، فإن سيدهم وسيد المسلمين جميعاً محمد عليه الصلاة والسلام يسمع من باب أولى، فما بالكم إذا كان الرسول لا يسمع حتى الصلاة عليه، وهو أفضل ما يقال في حقه عليه الصلاة والسلام؟ فهل يسمع استغاثة المستغيثين به من دون الله عز وجل؟ هل يسمع توسل المتوسلين به من دون الله عز وجل؟ فالصلاة على الرسول لا يسمعها هو، وقد يستغرب بعضكم ممن لم يطرق سمعه مثل هذا الكلام من قبل.. كيف أن الرسول لا يسمع الصلاة عليه؟ نعم. اسمعوا حديث الرسول عليه السلام الذي قال فيه: (أكثروا عليَّ من الصلاة يوم الجمعة فإن صلاتكم تبلغني). فقال: (فإن صلاتكم تبلغني) ما قال: أسمعها، قالوا: (كيف ذاك وقد أرمت؟ قال: إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء) ويوضح هذا التبليغ: (فإن صلاتكم تبلغني) يوضحه حديث آخر يرويه أيضاً عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام) إذاً الرسول عليه السلام إذا صلى أحدنا عليه، فإنه لا يسمع هذا السلام كما يتوهم جميع الناس تقريباً، وإنما هناك ملائكة مخصصون وموظفون من رب العالمين؛ لينقلوا سلام المصلين عليه إليه صلوات الله وسلامه عليه، فإذا كان عليه الصلاة والسلام لا يسمع؛ فإذاً نحن نخاطبه حيث جاء الخطاب فقط كما نخاطب الموتى ونقول لهم: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين ...) إلى آخر(4/22)
الدعاء المعروف، لكن هذا لا يعني أننا نخاطب من يسمع، فالموتى لا يسمعون بنص القرآن ونص السنة، ولقد شرحت هذا شرحاً وافياً في مقدمتي لكتاب: الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات، وهي مقدمة وافية هناك، فمن شاء منكم رجع إليها بتوسع في هذا الموضوع. خلاصة القول: السلام على النبي، هذا توقيف من النبي للصحابة وليس تغييراً منهم، وحاشاهم في مثل ذلك، وبهذا القدر نكتفي والحمد لله رب العالمين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(4/23)
فصل في سنن الصلاة
س)- هل تشرع الاستعاذة في الركعة الاولى فقط ام في كل ركعة من الصلاة؟
نرجح مشروعية الاستعاذة في كل ركعة لعموم قوله تعالى : (فإذا قرأت القران فاستعذ بالله) ، وهو الاصح في مذهب الشافعية ، ورجحه ابن حزم في "المحلى" . والله أعلم. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يستحب رفع اليدين عند الركوع و الرفع منه؟
الرفع عند الركوع و الرفع منه , ورد فيه أحاديث كثيرة جدا عنه صلى الله عليه وسلم , بل هي متواترة عند العلماء بل ثبت الرفع عنه صلى الله عليه وسلم مع كل تكبيرة في أحاديث كثيرة و لم يصح الترك عنه صلى الله عليه وسلم إلا من طريق ابن مسعود رضي الله عنه , فلا ينبغي العمل به لأنه ناف , و قد تقرر عند الحنفية و غيرهم : أن المثبت مقدم على النافي , هذا إذا كان المثبت واحدا فكيف إذا كانوا جماعة كما في هذه المسألة ? فيلزمهم عملا بهذه القاعدة مع انتفاء المعارض أن يأخذوا بالرفع , و أن لا يتعصبوا للمذهب بعد قيام الحجة , و لكن المؤسف أنه لم يأخذ به منهم إلا أفراد من المتقدمين و المتأخرين حتى صار الترك شعارا لهم!. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم568.
س)- ما هو فضل رفع اليدين في الصلاة؟
قال عليه الصلاة والسلام (يُكتبُ في كلِّ إشارةٍ يشيرُ الرجلُ [بيده] في صلاتهِ عَشرُ حسناتٍ؛ كلَّ إِصبعٍ حسنةٌ).
وقد توهم بعض الفضلاء أن الحديث يعني: الإشارة بإصبعه السبابة وتحريكها في تشهد الصلاة، وأن له بكل تحريك عشر حسناتٍ! وهذا وهم محض، ويؤكده زيادة: (بيده)، ولم يقل: (بإصبعه)، ولذلك أورده الهيثمي في " باب رفع اليدين في الصلاة". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3286.(4/24)
س)- هل ثبتت مشروعية الإشارة بالإصبع في جلسة التشهد وفي الجلسة التي بين السجدتين؟
لقد ثبتت مشروعية الإشارة بالإصبع في جلسة التشهد , أما الإشارة في الجلسة التي بين السجدتين التي يفعلها بعضهم اليوم , فلا أصل لها إلا في رواية لعبد الرزاق في حديث وائل بن حجر و هي شاذة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2248.
س)- اين يكون موضع البصر في الصلاة؟
الثابت عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا صلى طأطأ رأسه , و رمى ببصره نحو الأرض , و في الحديث أنه صلى الله عليه وسلم لما دخل الكعبة ما خلف بصره موضع سجوده حتى خرج منها.انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 1040.
س)- ما حكم مد التكبير من القعود إلى القيام؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه (كان إذا أراد أن يسجد كبر ثم يسجد ، وإذا قام من القعدة كبر ثم قام) ، والحديث نص صريح في أن السنة التكبير ثم السجود , وأنه يكبر وهو قاعد ثم ينهض , ففيه إبطال لما يفعله بعض المقلدين من مد التكبير من القعود إلى القيام. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم604.
س)- هل يشرع الدعاء في التشهد الأول؟
قال عليه الصلاة والسلام (إِذَا قَعَدْتُمْ فِي كُلِّ رَكْعَتَيْنِ فَقُولُوا التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ. ثم َلْيَتَخَيَّرْ أَحَدُكُمْ مِنْ الدُّعَاءِ أَعْجَبَهُ إِلَيْهِ) ، وفي الحديث فائدة هامة؛ وهي مشروعية الدعاء في التشهد الأول، ولم أر من قال به من الأئمة غير ابن حزم، والصواب معه، وإن كان هو استدل بمطلقات يمكن للمخالفين ردها بنصوص أخرى مقيدة، أما هذا الحديث فهو في نفسه نص واضح مفسر لا يقبل التقليد، فرحم الله امرأً أنصف واتبع السنة.(4/25)
والحديث دليل من عشرات الأدلة على أن الكتب المذهبية قد فاتها غير قليل من هدى خير البرية صلى الله عليه وسلم؛ فهل ما يجمل المتعصبة على الاهتمام بدراسة السنة، والاستنارة بنورها؟ لعل وعسى.
(تنبيه):وأما حديث:((كان لا يزيد في الركعتين على التشهد)) ، فهو منكر كما حققته في(الضعيفة). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم878.
س)- هل يشرع القبض في القيام قبل الركوع وبعده؟
أخرج يعقوب الفسوي في "المعرفة" (3/121) و من طريقه البيهقي في "السنن الكبرى" (2/28) و الطبراني في "الكبير" (22/9/1) من طريق آخر : حدثنا أبو نعيم قال : حدثنا موسى بن عمير العنبري قال : حدثني علقمة بن وائل عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم (كان إذا قام في الصلاة قبض على شماله بيمينه) و رأيت علقمة يفعله . قال الفسوي : "و موسى بن عمير كوفي ثقة" . قلت : و وثقه آخرون من الأئمة و سائر الرواة ثقات من رجال مسلم , فالسند صحيح . و أخرجه النسائي (1/141) من طريق عبد الله بن المبارك عن موسى بن عمير العنبري و قيس بن سليم العنبري قالا : حدثنا علقمة بن وائل به نحوه دون فعل علقمة . و رواه أحمد (4/316) و ابن أبي شيبة في "المصنف" (1/390) : حدثنا وكيع حدثنا موسى بن عمير العنبري به مختصرا بلفظ : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم واضعا يمينه على شماله في الصلاة" . فلم يذكر القيام . و رواه البغوي في "شرح السنة" (3/30) من طريق أخرى عن وكيع . وهكذا رواه أحمد (4 /316-319) من طريق أخرى عن وائل بن حجر دون القيام . و لا يشك الباحث في طرق هذا الحديث أنه مختصرا أيضا -كرواية وكيع - من حديث وائل المبين لصفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم و القيام الذي قبض فيه يديه , و هو الذي قبل الركوع , جاء ذلك من طريقين :
الأولى : عن عبد الجبار بن وائل عن علقمة بن وائل و مولى لهم أنهما حدثاه عن أبيه وائل بن حجر: أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل الصلاة , كبر -وصف همام - حيال أذنيه . ثم التحف بثوبه . ثم وضع يده اليمنى على اليسرى . فلما أراد أن يركع أخرج يده من الثوب ثم رفعها ثم كبر فركع . فلما قال : سمع الله لمن حمده رفع يده . فلما سجد سجد بين كفيه . أخرجه مسلم (2/13) و أبو عوانة (2/106107) و أحمد (4/317-318) و البيهقي (2/28و71).
الثانية : عن عاصم بن كليب عن أبيه عن وائل بن حجر قال : "قلت : لأنظرن إلى صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي؟ قال : فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستقبل القبلة فكبر فرفع يديه حتى حاذتا أذنيه . ثم أخذ شماله بيمينه . فلما أراد أن يركع رفعها مثل ذلك . ثم وضع يديه على ركبتيه . فلما رفع رأسه من الركوع رفعهما مثل ذلك . فلما سجد وضع رأسه بذلك المنزل من بين يديه , ثم جلس فافترش(4/26)
رجله اليسرى .. و أشار بالسبابة .." الحديث . أخرجه أبو داود و النسائي و أحمد و غيرهم بسند صحيح , و هو مخرج في "صحيح أبي داود" (716-717) برواية آخرين من الأئمة عن جمع من الثقات عن عاصم , يزيد بعضهم على بعض , و أتمهم سياقا زائدة بن قدامة و بشر بن المفضل , و هو ثقة ثبت , و السياق له , و لابن ماجة منه قوله : "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي فأخذ شماله بيمينه".
قلت : فإذا نظر الناظر إلى هذه الجملة لوحدها , و لم يعلم , أو على الأقل لم يستحضر أنها مختصرة من الحديث , فهم منها مشروعية الوضع لليدين في كل قيام سواء كان قبل الركوع أو بعده , و هذا خطأ يدل عليه سياق الحديث , فإنه صريح في أن الوضع إنما هو في القيام الأول , و هو في سياق عاصم بن أصرح , فإنه ذكر رفع اليدين في تكبيرة الإحرام , ثم الركوع و الرفع منه , يقول فيهما : مثل ذلك , فلو كان في حفظ وائل وضع اليدين بعد الرفع لذكره أيضا كما هو ظاهر من ذكره الرفع ثلاثا قبله , و لكن لما فصلت تلك الجملة عن محلها من الحديث أوهمت الوضع بعد الرفع , فقال به بعض أفاضل العلماء المعاصرين , دون أن يكون لهم سلف من السلف الصالح فيما علمت . و مما يؤكد ما ذكرنا رواية ابن إدريس عن عاصم به مختصرا بلفظ : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين كبر أخذ شماله بيمينه" . و مثل هذا الوهم بسبب الاختصار من بعض الرواة أو عدم ضبطهم للحديث يقع كثير , و لقد كنت أقول في كثير من محاضراتي و دروسي حول هذا الوضع و سببه : يوشك أن يأتي رجل ببدعة جديدة اعتمادا منه على حديث مطلق لم يدر أنه مقيد أيضا , ألا و هي الإشارة بالإصبع في غير التشهد ! فقد جاء في "صحيح مسلم" حديثان في الإشارة بها في التشهد أحدهما من حديث ابن عمر , و الآخر من حديث ابن الزبير , و لكل منهما لفظان مطلق و مقيد , أو مجمل و مفصل : "كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه و رفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها .." , فأطلق الجلوس . و الآخر : "كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى , و وضع يده اليمنى على ركبته اليمنى .." الحديث . فقيد الجلوس بالتشهد . و نحوه لفظا حديث ابن الزبير . فاللفظ الأول "جلس" يشمل كل جلوس , كالجلوس بين السجدتين , و الجلوس بين السجدة الثانية و الركعة الثانية المعروفة عند العلماء بجلسة الاستراحة . فكنت أقول : يوشك أن نرى بعضهم في هاتين الجلستين ! فلم يمض على ذلك إلا زمن يسير حتى قيل لي بأن بعض الطلاب يشيرون بها بين السجدتين ! ثم رأيت ذلك بعيني من أحد المتخرجين من الجامعة الإسلامية حين زارني في داري في أول سنة (1404) ! و نحن في انتظار حدوث البدعة الثالثة , ألا و هي الإشارة بها في جلسة الاستراحة ! ثم حدث ما انتظرته , و الله المستعان ! و قد وقع مثل هذا الاختصار الموهم لشرعية الإشارة في كل جلوس في حديث وائل أيضا من رواية عاصم بن كليب عن أبيه عنه , و هو في "مسند أحمد" (4/316-319) على وجهين :(4/27)
الأول : الإشارة مطلقا دون تقييد بتشهد . أخرجه (4/116-117) من طريق شعبة عنه بلفظ : "و فرش فخذه اليسرى من اليمنى , و أشار بإصبعه السبابة" . و كذا أخرجه ابن خزيمة في "صحيحه" (1/345/697) , لكنه قال في آخره : "يعني في الجلوس في التشهد" . و هذا التفسير , إما من وائل و إما من أحد رواته و الأول هو الراجح لما يأتي . و في لفظ له في "المسند" (4/316) من رواية عبد الواحد بلفظ : "فلما قعد افترش رجله اليسرى .. و أشار بإصبعه السبابة" .و تابعه عنده (4/317/318) سفيان -وهو الثوري- و زهير بن معاوية , و رواه الطبراني (22/78و83و84و85و90) من طريقهما و آخرين.
و الآخر : الإشارة بقيد التشهد . و هو في "المسند" (4/319) من طريق أخرى عن شعبة بلفظ : "فلما قعد يتشهد .. أشار بإصبعه السبابة و حلق بالوسطى" . و سنده صحيح , و أخرجه ابن خزيمة أيضا (698) . و تابعه أبو الأحوص عند الطحاوي في "شرح المعاني" (1/152) و الطبراني في "المعجم الكبير" (22/34/80) , و زاد : "ثم جعل يدعو بالأخرى" . و تابعهما زائدة بن قدامة بلفظ : "فحلق حلقة , ثم رفع إصبعه , فرأيته يحركها يدعو بها" . أخرجه أبو داود و غيره من أصحاب السنن , و أحمد (4/318) و الطبراني (22/35/82) و صححه ابن خزيمة و ابن حبان و ابن الجارود و النووي و ابن القيم , و هو مخرج في "صحيح أبي داود" (717) . و تابعه أبو عوانة بنحوه , و فيه : "ثم دعا" . أخرجه الطبراني (22/38/90) . و ابن إدريس مثله . رواه ابن حبان (486) . و سلام بن سليم عند الطيالسي (1020) . قال الطحاوي عقب رواية أبي الأحوص المتقدمة : "فيه دليل على أنه كان في آخر الصلاة" . قلت : و هذا صريح في رواية أبي عوانة المشار إليها آنفا , فإنه قال : "ثم سجد , فوضع رأسه بين كفيه , ثم صلى ركعة أخرى , ثم جلس فافترش رجله اليسرى , ثم دعا و وضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى , و كفه اليمنى على ركبته اليمنى , و دعا بالسبابة" . و إسناده صحيح . و نحوه رواية سفيان (و هو ابن عيينة) , و لفظه : "و إذا جلس في الركعتين أضجع اليسرى و نصب اليمنى و وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى و نصب إصبعه للدعاء و وضع يده اليسرى على رجله اليسرى" . أخرجه النسائي (1/173) بسند صحيح , والحميدي (885) نحوه .
قلت : فتبين من هذه الرواية الصحيحة أن التحريك أو الإشارة بالإصبع إنما هو في جلوس التشهد , و أن الجلوس المطلق في بعضها مقيد بجلوس التشهد , هذا هو الذي يقتضيه , الجمع بين الروايات , و قاعدة حمل المطلق على المقيد المقررة في علم أصول الفقه , و لذلك لم يرد عن أحد من السلف القول بالإشارة مطلقا في الصلاة و لا في كل جلوس منها فيما علمت , و مثل ذلك يقال في وضع اليدين على الصدر , إنما هو في القيام الذي قبل الركوع , إعمالا للقاعدة المذكورة . فإن قال قائل : قد روى عبد الرزاق عن الثوري عن عاصم بن(4/28)
كليب بإسناده المتقدم عن وائل .. فذكر الحديث و الافتراش في جلوسه قال : "ثم أشار بسبابته و وضع الإبهام على الوسطى حلق بها و قبض سائر أصابعه , ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه" . فهذا بظاهره يدل على أن الإشارة كانت في الجلوس بين السجدتين , لقوله بعد أن حكى الإشارة : "ثم سجد .." . فأقول : نعم قد روى ذلك عبد الرزاق في "مصنفه" (2/68-69) , و رواه عنه الإمام أحمد (4/317) و الطبراني في "المعجم الكبير" (2/34-35) و زعم الشيخ حبيب الرحمن الأعظمي في تعليقه عليه : "أنه أخرجه الأربعة إلا الترمذي و البيهقي مفرقا في أبواب شتى" . و هو زعم باطل يدل على غفلته عن موجب التحقيق فإن أحد منهم ليس عنده قوله بعد الإشارة : "ثم سجد" , بل هذا مما تفرد به عبد الرزاق عن الثوري , وخالف به محمد بن يوسف الفريابي و كان ملازما للثوري , فلم يذكر السجود المذكور . رواه عنه الطبراني (22/33/78) . و قد تابعه عبد الله بن الوليد حدثني سفيان ... به . أخرجه أحمد (4/318) . و ابن الوليد صدوق ربما أخطأ , فروايته بمتابعة الفريابي له أرجح من رواية عبد الرزاق , و لاسيما و قد ذكروا في ترجمته أن له أحاديث استنكرت عليه , أحدها من روايته عن الثوري , فانظر "تهذيب ابن حجر" و" ميزان الذهبي" , فهذه الزيادة من أوهامه . و إن مما يؤكد ذلك , أنه قد تابع الثوري في روايته لمحفوظة جمع كثير من الثقات الحفاظ منهم عبد الواحد بن زياد و شعبة و زائدة بن قدامة و بشر بن المفضل و زهير بن معاوية و أبو الأحوص و أبو عوانة و ابن إدريس و سلام بن سليمان و سفيان بن عيينة , و غيرهم , فهؤلاء جميعا لم يذكروا في حديث وائل هذه الزيادة , بل إن بعضهم قد ذكرها قبيل الإشارة , مثل بشر وأبي عوانة و غيرهما , و قد تقدم لفظهما , و بعضهم صرح بأن الإشارة في جلوس التشهد كما سبق . و هذا هو الصحيح الذي أخذ به جماهير العلماء من المحدثين و الفقهاء , و لا أعلم أحدا قال بشرعيتها في الجلوس بين السجدتين , إلا ابن القيم , فإن ظاهر كلامه في "زاد المعاد" مطابق لحديث عبد الرزاق , و لعل ذلك الطالب الجامعي الذي تقدمت الإشارة إليه قلده في ذلك , أو قلد من قلده من العلماء المعاصرين , و قد بينت له و لغيره من الطلاب الذين راجعوني شذوذ رواية عبد الرزاق و وهاءها , و لقد أخبرني أحدهم عن أحد العلماء المعروفين في بعض البلاد العربية أنه يعمل بحديث عبد الرزاق هذا و يحتج به ! و ذلك مما يدل على أنه لا اختصاص له بهذا العلم , و هذا مما اضطرني إلى كتابة هذا التخريج و التحقيق , فإن أصبت فمن الله , و إن أخطأت فمن نفسي . سائلا المولى سبحانه و تعالى أن يأخذ بأيدينا و يهدينا إلى الحق الذي اختلف فيه الناس , إنه يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم . و الحمد لله رب العالمين. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2247.(4/29)
فصل في مبطلات الصلاة
س)- سمعنا لك أحد الأشرطة ذكرت فيها: (أن الرسول صلى الله عليه وسلم قام ليؤم أصحابه فتذكر أنه ليس على طهارة، فقال: الزموا أماكنكم، فذهب فرجع وهو يقطر ماءً، فكبر وصلى). فذكرت أنت هناك كلمة البناء أنه بنى، فكيف تتم عملية البناء أولاً؟ ثم هل في هذه الصلاة -في هذا الحديث الذي ذكر- هل كان صلى الله عليه وسلم قد صلى بهم ثم ذهب ليغتسل، أم قبل التكبير؟
هناك حديثان اثنان: أحدهما من حديث أبي هريرة، والآخر من حديث أبي بكرة الثقفي، الحديث الأول يقول: (إن النبي صلى الله عليه وسلم قام ليصلي صلاة الفجر فتذكر قبل أن يكبر أنه على جنابة، فذهب واغتسل وجاء وصلى بهم) هذا الحديث ليس موضوعنا. الحديث الثاني وهو بحثنا: حديث أبي بكرة : (أن النبي صلى الله عليه وسلم كبر ذات يوم لصلاة الفجر، ثم تذكر، فأشار إليهم أن مكانكم، فذهب وجاء ورأسه يقطر ماءً، فصلى بهم) هذا الحديث الثاني، ونحن نقول: إن هذا الحديث فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى على ما صلى من قبل. وهنا مسألة خلافية بين العلماء: إذا وقع للمصلي ما يبطل صلاته، كأن يكون -مثلاً- وهو يصلي خرج منه ناقض للوضوء على خلاف النواقض المعروفة عند العلماء، مثلاً: رعف، فمن يقول: إن الرعاف ينقض الوضوء، فهذا قد بطل وضوءه، خرج الدم فبطل وضوءه عند من يقول به، أما النواقض كما قال عليه الصلاة والسلام: (فلا ينصرف حتى يسمع صوتاً أو يجد ريحاً) فهذه نواقض متفق عليها، فأي ناقض خرج من المصلي ثم ذهب وتوضأ، فهل يبني على صلاته، أي: يعتبر الصلاة الماضية التي صلاها على طهارة ثم انتقضت هذه الطهارة، هذه الطهارة المنتقضة هل نقضت الصلاة السابقة، أم تبقى هذه الصلاة صحيحة؟ فهنا قولان للعلماء: منهم من يقول: يبني على ما مضى، كأن يكون صلى ركعة -مثلاً- فانتقض وضوءه بناقض من النواقض، فمعنى يبني أي: أن الركعة التي صلاها ما دام صلاها على طهارة فهي ركعة صحيحة، فإذا جدد وضوءه يبني، أي: لو كان يصلي الصبح فلا يأتي بركعتين وإنما يأتي بركعة واحدة. أما من يقول: إنه يستأنف الصلاة، فمعنى ذلك: أن هذه الركعة لا قيمة لها، فهو يبتدئ الصلاة من جديد. حديث أبي بكرة من الأحاديث الصحيحة التي ترجح أن من عرض له ما يبطل صلاته(4/30)
فيبني على ما صلى ما دام أنه كان معذوراً، ومن الأعذار النسيان، وهذا ما وقع للرسول عليه السلام في قصة أبي بكرة، حيث دخل في الصلاة وهو جنب، فذهب واغتسل وجاء ورأسه يقطر ماء فصلى، وما قال: ابتدأ الصلاة. هذه ناحية. والناحية الأخرى: أنه عليه السلام لو كان يريد أن يبين لأمته مثل هذه الحادثة التي وقعت له، لم يكن به من حاجة بأن يشير إليهم، وأن يقول لهم إشارة بيده أن مكانكم، وإنما يقول لهم بلسانه: أنا بطلت صلاتي؛ لأني تذكرت أنني على غير طهارة فاجلسوا استريحوا حتى آتيكم. وثانياً: أن يوقفهم كأنهم في الصلاة، وهم حقيقة في الصلاة. فهذه علامات تؤكد أن قوله: فصلى. أي: أتم الصلاة، فإذاًَ وضح لك ما هو المقصود بكلمة البناء هنا.
السائل: أريد إيضاحاً آخر بارك الله فيك: أنه كان على جنابة، فإذا صلى بهم ركعة -على سبيل المثال- أي: أن الإمام صلى بهم ركعة، فكما قلت أنه يبني بهم على الركعة الأولى، ألا نقول: إن هناك القاعدة التي تقول: ما بني على فاسد فهو فاسد. فصلاته أصلاً كانت فاسدة؛ لأنه أصلاً كان على جنابة!
الجواب: ما هو الدليل على أنها فاسدة؟
السائل: لأنه كان جنباً عندما دخل في الصلاة.
الشيخ: ما عليك يا أخي، لكن نحن نقول: هذا غير متعمد (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286] هذا السؤال يشبه تماماً: ما حكم من يأكل في رمضان ناسياً هل يبطل صيامه؟ الجواب: لا. لأنه كان ناسياً، فهل يصح أن نقيس الناسي على العامد؟ فنقول: الذي يأكل ناسياً في رمضان كالذي يأكل عامداً في رمضان؟ لا يستويان مثلاً. فحينما نريد أن نقول: ما بني على فاسد فهو فاسد. القاعدة صحيحة، لكن سنطبق القاعدة نفسها: ما بني على فاسد فهو فاسد. نحن نقول: أنت تبني على فاسد، لماذا؟ لأنه لا دليل على أن الذي يصلي وهو ناسٍ لوضوئه وتذكر هذا الوضوء، أو ناسي لجنابته فتذكرها وهو في الصلاة فبنى عليها، أنه بنى على فاسد، لا. نحن بحاجة إلى دليل، والدليل الآن على خلاف المدعى.
السائل: لماذا نقول: إن الذي يصلي الصلاة تامة على غير طهارة وهو ناسٍ نقول مثلاً: إنه يتبع الحديث، بمعنى: أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتد بركعة؟
الشيخ: لو كان الحديث بعد الصلاة، ولو كانت القصة كما وقع لعمر لقلنا بالحديث، لكن الحديث خاص في جزئية طبقناها، فأثر عمر كان في جزئية أعم من ذلك، فطبقناه ووضعنا كل شيء في مكانه.
السائل: شيخنا! هذه المسألة بالذات، بعض المذاهب يشيرون إلى استدبار القبلة، إذاً كيف العمل هنا بمعنى أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا شك أنه استدبر القبلة؟
الجواب: لا نقول نحن: لا شك، يمكن هذا هنا، يمكن أن إنساناً إذا تذكر ألا ينحرف عن القبلة، يأتي ويقف هنا ويتوضأ، يمكن هذا، فإذا أمكن فعليه أن يحرص ألا ينحرف عن القبلة، أما إذا كان ولا بد لأن(4/31)
المكان في وضع -مثلاً- دبر القبلة، فلا بد له أن يذهب إليها منحرفاً عن القبلة، فالانحراف عن القبلة كالحدث تماماً، أي: استقبال القبلة شرط، والطهارة شرط، لكن هذه الطهارة إذا اغتفرت بسبب عذر شرعي، فكذلك استدبار القبلة يلحق بنفس الحكم هذا عندما لا يمكن إلا كذلك. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- إذا كان الإمام تذكر في ركوعه أو سجوده فهل يبقي المصلين على هذه الهيئة؟ ومن فهمنا من الحديث السابق أنه أشار إليهم، هل يعني هذا أنه لا يجوز له أن يتكلم معهم؟
هذا يختلف باختلاف الجماعة الذين يؤمهم، فإذا كانوا ربوا على عينه، ويفهمون عليه إذا أشار إليهم أن مكانكم؛ فلا يجوز له أن يتكلم؛ لأنه لا يزال في صلاة، أما إذا كانوا ليسوا كذلك كما هو واقع اليوم؛ فحينئذٍ لابد أن ينيب أحدهم، وهذا مما يترتب على الحكم السابق، أي: تبقى الصلاة السابقة صحيحة، فيقدم أحدهم ليتم بهم الصلاة، فالمسألة إذاً تختلف من جماعة إلى أخرى.
السائل: حين يرجع الإمام إلى مكانه، على افتراض أنه رجع وأدرك شيئاً من الصلاة، كيف يكون وضعه الآن؟
الجواب: انظر كيف وضعه: نفترض أنه كان يصلي الفجر فصلى بهم ركعة فيأتي هو ويكمل على حسب الوضع، إن كان فيما سبق أكمل الركعة، أي: بركوعها وسجدتيها، فيعتبر أنه أدرك ركعة، وإلا فما يكون صلى ركعة، فيصلي هو ركعتين.
السائل: يا شيخنا! يُحرم من جديد أم؟
الشيخ: لا يحرم.
السائل: إذاً ليس هو في داخل الصلاة؟
الشيخ: إذا لم يتكلم ولم يفعل شيئاً يبطل الصلاة عمداً فهو في صلاة، وما أدري أخذت جواب سؤالك أم لا؟ السائل: إذا أحدث وهو في التشهد؟
الشيخ: يعود إلى التشهد.
السائل: ما يسلم؟
الشيخ: ما يسلم؛ لأن الخروج بالسلام هو ركن من أركان الصلاة.
السائل: ولو كان بعد التسليمة الأولى؟
الشيخ: انتهى الأمر. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(4/32)
س)- روى مالك في الموطأ بإسناد صحيح إلى ابن عمر [أنه أصابه رعاف في الصلاة، ثم خرج فتوضأ فعاد وبنى على صلاته]. فهل يعني من هذا أن ابن عمر يرى بطلان الصلاة بسبب الرعاف؟
هذا يفهم، ولكن لا يتم الاستدلال إلا إذا كان هناك دليل على أن ابن عمر يرى أن الرعاف ناقض للوضوء، حينئذٍ يكون هذا نص معنا في الموضوع، لكن يمكن أن يكون هذا ليس دليلاً قاطعاً إذا كان ابن عمر لا يرى أن الرعاف ينقض الوضوء، وإذا كان هناك نص يرى فيه ابن عمر أن الرعاف ناقض فهذا يكون شاهد للحديث المذكور آنفاً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(4/33)
فصل في ما يكره فعله في الصلاة
س)- ما حكم الصلاة بين السواري؟
عن معاوية بن قرة عن أبيه قال : (كُنَّا نُنْهَى أَنْ نَصُفَّ بَيْنَ السَّوَارِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَنُطْرَدُ عَنْهَا طَرْدًا) ، وهذا الحديث نص صريح في ترك الصف بين السواري ، وأن الواجب أن يتقدم أو يتأخر ، إلا عند الاضطرار.
وقد روى ابن القاسم في "المدونة" ، والبيهقي من طريق أبي إسحاق عن معدي كرب عن ابن مسعود أنه قال : (لا تصفوا بين السواري).
وقال البيهقي : (وهذا ـ والله أعلم ـ لأن الاسطوانة تحول بينهم وبين وصل الصف).
وقال مالك : (لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد).
وفي "المغني" لابن قدامة : (لا يكره للإمام أن يقف بين السواري ، ويكره للمأمومين ؛ لأنها تقطع صفوفهم ، وكرهه ابن مسعود والنخعي ، وروي عن حذيفة وابن عباس ، ورخص فيه ابن سيرين ومالك وأصحاب الرأي وابن المنذر ؛ لأنه لا دليل على المنع ، ولنا ما روي عن معاوية ابن قرة . . . ولأنها تقطع الصف ، فإن كان الصف صغيراً قدر ما بين الساريتين ؛ لم يكره ؛ لأنه لا ينقطع بها).
وفي "فتح الباري" : (قال المحب الطبري : كره قوم الصف بين السواري للنهي الوارد في ذلك ، ومحل الكراهة عند عدم الضيق ، والحكمة فيه إما لانقطاع الصف ، أو لأنه موضع النعال .انتهى . وقال القرطبي : روي في سبب كراهة ذلك أنه مصلى الجن المؤمنين).
قلت: وفي حكم السارية المنبر الطويل ذو الدرجات الكثيرة ، فإنه يقطع الصف الأول ، وتارة الثاني أيضاً ؛ قال الغزالي في " الإحياء " : (إن المنبر يقطع بعض الصفوف ، وإنما الصف الأول الواحد المتصل الذي في فناء المنبر ، وما على طرفيه مقطوع ، وكان الثوري يقول : الصف الأول ، هو الخارج بين يدي المنبر ، وهو متجه ؛ لأنه متصل ، ولأن الجالس فيه يقابل الخطيب ويسمع منه).
قلت: وإنما يقطع المنبر الصف إذا كان مخالفاً لمنبر النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه كان له ثلاث درجات ، فلا ينقطع الصف بمثله ، لأن الإمام يقف بجانب الدرجة الدنيا منها ، فكان من شؤم مخالفة السنة في المنبر الوقوع في النهي الذي في هذا الحديث .
ومثل ذلك في قطع الصف المدافىء التي توضع في بعض المساجد وضعاً يترتب منه قطع الصف؛ دون أن ينتبه لهذا المحذور إمام المسجد أو أحد من المصلين فيه؛ لِبُعْد الناس أولاً عن التفقه في الدين ، وثانياً لعدم مبالاتهم بالابتعاد عما نهى عنه الشارع وكرهه.(4/34)
وينبغي أن يُعلَم أن كل من سعى إلى وضع منبر طويل قاطع للصفوف، أو يضع المدفئة التي تقطع الصف ؛ فإنه يخشى أن يلحقه نصيب وافر من قول الرسول صلى الله عليه وسلم : (. . . ومن قطع صفاً قطعه الله) ، أخرجه أبو داود بسند صحيح ؛ كما بينته في صحيح أبي داود.انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم335.
س)- ما حكم المبادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضة دون تكلم أو خروج؟
عن عبد الله بن رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى العصر , فقام رجل يصلي , فرآه عمر , فقال له : اجلس , فإنما هلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أحسن ابن الخطاب ، فهذا الحديث نص صريح في تحريم المبادرة إلى صلاة السنة بعد الفريضة دون تكلم أو خروج , كما يفعله كثير من الأعاجم و بخاصة منهم الأتراك , فإننا نراهم في الحرمين الشريفين لا يكاد الإمام يسلم من الفريضة إلا بادر هؤلاء من هنا و هناك قياما إلى السنة! انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2549.
س)- ما حكم قول بعض الأئمة للمصلين عند اصطفافهم للصلاة صلوا صلاة مودع؟
اعتاد بعض الأئمة أن يأمروا المصلين عند اصطفافهم للصلاة بقوله : "صلوا صلاة مودع" , فأرى أنه لا بأس في ذلك أحيانا , و أما اتخاذه عادة فمحدثة و بدعة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2839.
س)- ما حكم عقص الشعر في الصلاة؟
أخرج ابن ماجة (1/323) و أحمد (6/8و391) و الدارمي (1/320) نحوه عن مخول قال : سمعت أبا سعد - رجلا من أهل المدينة - يقول : "رأيت أبا رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى الحسن و هو يصلي و قد عقص شعره , فأطلقه , أو نهى عنه , و قال : (نهى أن يصلي الرجل و هو عاقص شعره).
قوله : "معقوص الشعر" : أي : مجموع بعضه إلى بعض كالمضفور و هذا - بالطبع - لمن كان له شعر طويل على عادة العرب قديما , و في بعض البلاد حديثا , فنهى عن ذلك , و أمر بنشره , ليكون سجوده أتم , كما يستفاد من "النهاية" و غيره . و انظر "صفة الصلاة" (ص151- الطبعة الخامسة). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2386.(4/35)
فصل في ما يباح فعله في الصلاة
س)- ما حكم الركوع دون الصف ثم المشي إليه؟
قال صلى الله عليه وسلم (إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع ؛ فليركع حين يدخل ، ثم يدب راكعا حتى يدخل في الصف ؛ فإن ذلك السنة) ، ومما يشهد لصحته عمل الصحابة به من بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , منهم أبوبكر الصديق , وزيد بن ثابت , وعبدالله بن مسعود , وعبدالله بن الزبير.
1- روى البيهقي عن أبي بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام : أن أبابكر الصديق وزيد بن ثابت دخلا المسجد والإمام راكع , فركعا , ثم دبا وهما راكعان حتى لحقا بالصف.
2- عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أنه رأى زيد بن ثابت دخل المسجد والإمام راكع , فمشى حتى أمكنه أن يصل الصف وهو راكع , كبر فركع , ثم دب وهو راكع حتى وصل الصف.
3- عن زيد بن وهب قال : خرجت مع عبدالله - يعني ابن مسعود - من داره إلى المسجد , فلما توسطنا المسجد , ركع الإمام , فكبر عبدالله وركع وركعت معه , ثم مشينا راكعين حتى انتهينا إلى الصف حين رفع القوم رؤوسهم , فلما قضى الإمام الصلاة , قمت وأنا أرى أني لم أدرك , فأخذ عبدالله بيدي وأجلسني , ثم قال: أنك قد أدركت.
4- عن عثمان بن الأسود قال : دخلت أنا وعبدالله بن تميم المسجد , فركع الإمام , فركعت أنا وهو ومشينا راكعين حتى دخلنا الصف , فلما قضينا الصلاة , قال لي عمرو : الذي صنعت آنفاَ ممن سمعته ؟ قلت من مجاهد , قال : قد رأيت ابن الزبير فعله.
والآثار في ذلك كثيرة , فمن شاء الزيادة , فليراجع المصنفين.
فإن قيل : هناك حديث آخر صحيح يخالف بظاهره هذا الحديث وهو: (زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا وَلَا تَعُدْ).
والقصد من ذكره هنا أن ظاهره يدل على أنه لا يجوز الركوع دون الصف ثم المشي إليه , على خلاف ما دل عليه الحديث السابق , فكيف التوفيق بينهما؟
فأقول : إن هذا الحديث لا يدل على ما ذكر إلا بطريق الاستنباط لا النص , فإن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تعد) , يحتمل أنه نهاه عن كل ما ثبت أنه فعله في هذه الحادثة , وقد تبين لنا بعد التتبع أنها تتضمن ثلاثة أمور:
الأول : اعتداده بالركعة التي إنما أدرك منها ركوعها فقط.(4/36)
الثاني : إسراعه في المشي , كما في رواية لآحمد من طريق أخرى عن أَبِي بَكْرَةَ أنه : جَاءَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَاكِعٌ فَسَمِعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَوْتَ نَعْلِ أَبِي بَكْرَةَ وَهُوَ يَحْضُرُ [أي يعدو] يُرِيدُ أَنْ يُدْرِكَ الرَّكْعَةَ فَلَمَّا انْصَرَفَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ السَّاعِي قَالَ أَبُو بَكْرَةَ أَنَا قَالَ : (فذكره) , وأسناده حسن في المتابعات , وقد رواه أبن السكن في صحيحه نحوه , وفيه قوله : (ان انطلقت أسعى ...) , وأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال : (من الساعي ...) ، ويشهد لهذه الرواية رواية الطحاوي من الطريق الأول بلفظ (جئت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ راكع , وقد حفزني النفس , فركعت دون الصف ...) الحديث وأسناده صحيح , فإن قوله : (حفزني النفس) , معناه : اشتد ، من الحفز وهو الحث والإعجال , وذلك كناية عن العدو.
الثالث : ركوعه دون الصف , ثم مشيه إليه.
وإذا تبين لنا ما سبق , فهل قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تعد) نهي عن الأمور الثلاثة جميعها أم عن بعضها ؟ ذلك ما أريد البحث فيه وتحقيق الكلام عليه فأقول:
أما الأمر الأول , فالظاهر أنه لا يدخل في النهي , لانه لو كان نهاه عنه , لأمره بإعادة الصلاة , لكونها خداجاً ناقصة الركعة , فإذا لم يأمره بذلك , دل على صحتها , وعلى عدم شمول النهي الاعتداد بالركعة بإدرك ركوعها.
وقول الصنعاني في سبل السلام : (لعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يأمره لأنه كان جاهلاً للحكم والجهل عذر) فبعيد جداً إذ قد ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة أمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للمسيء صلاته بإعادتها ثلاث مرات , مع أنه كان جاهلاً أيضاً فكيف يأمره بالإعادة وهو لم يفوت ركعة من صلاته , وإنما الاطمئنان فيها , لا يأمر أبا بكرة بإعادة الصلاة , وقد فوت على نفسه ركعة , لو كانت لا تدرك بالركوع ؟ ثم كيف يعقل أن يكون ذلك منهياً , وقد فعله كبار الصحابة , كما تقدم في الحديث الذي قبله ؟ فلذلك , فإننا نقطع أن هذا الأمر الأول لا يدخل في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تعد).
وأما الأمر الثاني , فلا نشك في دخوله في النهي , لما سبق ذكره من الرويات , ولأنه لا معارض له , بل هناك ما يشهد له وهو حديث أبي هريرة مرفوعاً : (إِذَا أَتَيْتُمْ الصَّلَاةَ فَلَا تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمْ السَّكِينَةُ والوقار) , متفق عليه.
وأما الأمر الثالث , فهو موضع نظر وتأمل , وذلك لأن ظاهر رواية أبي داود هذه (أَيُّكُمْ الَّذِي رَكَعَ دُونَ الصَّفِّ ثُمَّ مَشَى إِلَى الصَّفِّ) , مع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ له (لا تعد) , يدل بإطلاقه على أنه قد يشمل هذا الأمر , وإن كان ليس نصاً في ذلك , لاحتمال أنه يعني شيئاً آخر غير هذا مما فعل , وليس يعني نهيه عن كل ما فعل , بدليل أنه لم يعن الأمر الأول كما سبق تقريره , فكذلك يحتمل أنه لم يعن هذا الأمر الثالث أيضاً.(4/37)
وهذا وإن كان خلاف الظاهر , فإن العلماء كثيراً ما يضطرون لترك ما دل عليه ظاهر النص لمخالفته لنص آخر هو في دلالته نص قاطع , مثل ترك مفهوم النص لمنطوق نص آخر , وترك العام للخاص , ونحو ذلك.
وأنا أرى أن ما نحن فيه الآن من هذا القبيل , فإن ظاهر هذا الحديث من حيث شموله للركوع دون الصف مخالف لخصوص ما دل عليه حديث عبدالله بن الزبير دلالة صريحة قاطعة , وإذا كان الأمر كذلك , فلا بد حينئذ من ترجيح أحد الدليلين على الآخر , ولا يشك عالم أن النص الصريح أرجح عند التعارض من دلالة ظاهر نص ما , لأن هذا دلالته على وجه الاحتمال , بخلاف الذي قبله , وقد ذكروا في وجوه الترجيح بين الأحاديث أن يكون الحكم الذي تضمنه أحد الحديثين منطوقاً به , وما تضمنه الحديث الآخر يكون محتملاً , ومما لا شك فيه أيضاً أن دلالة هذا الحديث في هذه المسألة ليست قاطعة , بل محتملة , بخلاف دلالة حديث ابن الزبير المتقدم , فإن دلالته عليها قاطعة , فكان ذلك من أسباب ترجيحه على هذا الحديث.
وثمة أسباب أخرى تؤكد الترجيح المذكور:
أولاً : خطبة ابن الزبير بحديثه على المنبر في أكبر جمع يخطب عليهم في المسجد الحرام , وإعلانه عليه أن ذلك من السنة دون أن يعارضه أحد.
ثانياً : عمل كبار الصحابة به , كأبي بكر وابن مسعود وزيد بن ثابت - كما تقدم - وغيرهم , فذلك من المرجحات المعروفة في علم الأصول , بخلاف هذا الحديث , فإننا لا نعلم أن أحداً من الصحابة قال بما دل عليه ظاهره في هذه المسألة , فكان ذلك كله دليلاً قوياً على أن دلالته فيها مرجوحة , وأن حديث ابن الزبير هو الراجح في الدلالة عليها , والله أعلم.
وقد قال الصنعاني بعد قول ابن جريج في عقب هذا الحديث : (وقد رأيت عطاء يصنع ذلك).
قال الصنعاني : (قلت : وكأنه مبني على أن لفظ : [ولاتعد] بضم المثناة الفوقية من الإعادة , أي : زادك الله حرصاً على طلب الخير , ولا تعد صلاتك , فإنها صحيحة , وروي بسكون العين المهملة من العدو , وتؤيده رواية ابن السكن من حديث أبي بكرة [ثم ساقها , وقد سبق نحوها من رواية أحمد , مع الإشارة إلى رواية ابن السكن هذه , ثم قال] والأقرب أن رواية : [ولاتعد] , من العود , أي : لا تعد ساعياً إلى الدخول قبل وصولك الصف , فإنه ليس في الكلام ما يشير بفساد صلاته حتى يفتيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأن لا يعيدها , بل قوله: [زَادَكَ اللَّهُ حِرْصًا] , يشعر بإجزائها , أو : [لاتعد] , من [العدو]).
قلت : لو صح هذا اللفظ لكانت دلالة الحديث حينئذ خاصة في النهي عن الإسراع , ولما دخل فيه الركوع خارج الصف , ولم يوجد بالتالي أي تعارض بينه وبين حديث ابن الزبير , ولكن الظاهر أن هذا اللفظ لم يثبت فقد وقع في صحيح البخاري وغيره باللفظ المشهور : [لا تعد].
قال الحافظ في الفتح : (ضبطناه في جميع الرويات بفتح أوله وضم العين من العود).(4/38)
ثم ذكر هذا اللفظ , ولكنه رجح ما في البخاري , فراجعه إن شئت.
ويتلخص مما تقدم أن هذا النهي لا يشمل الاعتداد بالركعة ولا الركوع دون الصف , وإنما هو خاص بالإسراع , لمنافاته للسكينة والوقار , كما تقدم التصريح بذلك من حديث أبي هريرة , وبهذا فسره الإمام الشافعي رحمه الله تعالى : (قوله : [لاتعد] يشبه قوله : [لا تأتوا الصلاة تسعون]).
فإن قيل قد ورد ما يؤيد شمول الحديث للأسراع , ويخالف حديث ابن الزبير صراحة وهو حديث أبي هريرة مرفوعا : (إذا أتى أحدكم الصلاة , فلا يركع دون الصف , حتى يأخذ مكانه من الصف).
قلنا لكنه حديث معلول بعلة خفية , وليس هذا مكان بيانها فراجع سلسلة الأحاديث الضعيفة.
ثم أن الحديث ترجم له أبن خزيمة بقوله :(باب الرخصة في ركوع المأموم قبل اتصاله بالصف ودبيبه راكعاً حتي يتصل بالصف في ركوعه).
ثم وجدت ما يؤيد هذه الترجمة من قول راوي الحديث نفسه , أبي بكرة الثقفي رضي الله عنه , كما يؤكد أن النهي فيه : [لاتعد] , لا يعني الركوع دون الصف , والمشي إليه , ولا يشمل الاعتداد بالركعة , فقد روى علي بن حجر في حديثه , حدثنا إسماعيل بن جعفر المدني : حدثنا حميد , عن القاسم بن ربيعة , عن أبي بكرة - رجل كانت له صحبة - أنه (كان يخرج من بيته فيجد الناس قد ركعوا , فيركع معهم , ثم يدرج راكعاً حتى يدخل في الصف و ثم يعتد بها) , قلت وهذا إسناد صحيح , وفيه حجة قوية أن المقصود بالنهي إنما هو الإسراع في المشي , لأن راوي الحديث أدرى بمرويه من غيره , ولا سيما إذا كان هو المخاطب بالنهي , فخذها , فإنها عزيزة قد لا تجدها في المطولات من كتب الحديث والتخريج وبالله التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم229.
س)- ما حكم رد السلام والمصافحة في الصلاة؟
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يشير في الصلاة , رواه أنس و جابر و غيرهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الدارقطني : رواه ابن عمر و عائشة أيضا " .
و أما مصافحة المصلي , فهي و إن لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما علمت, فلا دليل على بطلان الصلاة , لأنها عمل قليل , لا سيما و قد فعلها عبد الله ابن عباس رضي الله عنه , فقال عطاء بن أبي رباح : " أن رجلا سلم على ابن عباس , و هو في الصلاة , فأخذ بيده , و صافحه و غمز يده ".
و ليس كل عمل في الصلاة يبطلها , فقد ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت : "جئت و رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في البيت , و الباب عليه مغلق , فمشى [عن يمينه أو يساره] حتى فتح لي ثم رجع إلى مقامه , و وصفت الباب في القبلة".(4/39)
أخرجه أصحاب السنن و حسنه الترمذي و صححه ابن حبان و عبد الحق في "الأحكام" و إسناده حسن كما بينته في "صحيح أبي داود". انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1104.
س)- ما حكم التسبيح والتصفيق في الصلاة للحاجة؟
قال عليه الصلاة والسلام (إذا استؤذن على الرجل وهو يصلي , فإذنه التسبيح , وإذا استؤذن على المرأة وهي تصلي , فإذنها التصفيق) ، وفي الحديث إشارة إلى ضعف الحديث الذي يورده الحنفية بلفظ : (من أشار في صلاته إشارة تفهم عنه , فليعد صلاته) , فإن هذا الحديث الصحيح صريح في جواز الإشارة بالإذن بلفظ التسبيح من الرجل , وبالتصفيق من المرأة , فكيف لا يجوز ذلك بالإشارة باليد أو الرأس ؟ ولا سيما وقد جاءت أحاديث كثيرة بجواز ذلك , وقد خرجت بعضها في "صحيح أبي داود" وبينت علة الحديث المذكور في الإشارة المفهمة في الأحاديث الضعيفة , ثم في ضعيف أبي داود. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم497.
س)- ما حكم الصلاة في اللحاف الذي يتغطى به النائم؟
يجوز الصلاة في اللحاف الذي يتغطى به النائم . و يشهد له الأحاديث التي فيها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي و عليه مرط , و على بعض أزواجه منه و هي حائض , و بعضها مخرج في "صحيح أبي داود" , و لا يخالفها حديث عائشة: "كان لا يصلي في ملاحفنا" لأنه محمول على الورع أو الاحتياط , خشية أن يكون فيها أذى لحديث معاوية رضي الله عنه أنه سأل أخته أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم : هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في الثوب الذي يجامعها فيه ? فقالت : " نعم , إذا لم ير فيه أذى " . أخرجه أصحاب السنن إلا الترمذي ,و إسناده صحيح , وهو مخرج في صحيح أبي داود. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2791.
س)- ما حكم إلقاء السلام على المصلي؟
إن رد السلام من المصلي لفظا كان مشروعا في أول الإسلام في مكة , ثم نسخ إلى رده بالإشارة في المدينة . و إذا كان ذلك كذلك , ففيه استحباب إلقاء السلام على المصلي , لإقراره صلى الله عليه وسلم ابن مسعود على " إلقائه " , كما أقر على ذلك غيره ممن كانوا يسلمون عليه و هو يصلي , و في ذلك أحاديث كثيرة معروفة من طرق مختلفة , و هي مخرجة في غير ما موضع .(4/40)
و على ذلك فعلى أنصار السنة التمسك بها , و التلطف في تبليغها و تطبيقها , فإن الناس أعداء لما جهلوا , و لاسيما أهل الأهواء و البدع منهم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2917.
فصل في سجود السهو
س)- إذا شك المصلي في عدد الركعات هل يبنى على الأقل المتيقن له ثم يسجد للسهو؟
من لم يغلب على رأيه شئ ، فهذا هو الذي يبني على الأقل ، وأما من ظهر له الصواب ، ولو كان الأكثر ، فإنه يأخذ به ويبني عليه ، وذلك قوله صلى الله عليه وآله : " إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب (في رواية : فلينظر أحرى ذلك إلى الصواب . وفي أخرى : فلينظر الذي يرى أنه الصواب . وفي أخرى : فليتحر أقرب ذلك من الصراب) ، فليتم عليه ، ثم ليسلم ، ثم يسجد سجدتين" . أخرجه الشيخان وأبو عوانة في "صحاحهم" ، والرواية الثانية والثالثة لهم إلا البخاري ، والرابعة للنسائي ، وهو عندهم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه . وقد سلم النووي رحمه الله بأن الحديث ظاهر الدلالة على الأخذ بغالب الظن ، وعدم الاقتصار على الأقل كما هو مذهب أبي حنيفة . ولكن النووي رحمه الله تأول الحديث وأخرجه عن ظاهره حتى يتفق مع مذهبه ، فحمل قوله فيه : "فليتحر " على الأخذ باليقين الذي هو الأقل ! ولا يخفى على المنصف بعد هذا التأويل ، بل بطلانه إذا أمعن النظر في الروايات التي ذكرتها للحديث مثل قوله : " فلينظر الذي يرى أنه الصواب" ، فإنه كالصريح في الأخذ بما يغلب على رأيه ، ويؤيده قوله في حديث أبي سعيد : " فلم يدر كم صلى" ، فإن مفهومه أن من تحرى الصواب بعد الشك حتى درى كم صلى - أنه ليس له أن يبني على الأقل ، بل حكم هذه المسألة مسكوت عنه في هذا الحديث ، وقد تولى بيانه حديث ابن مسعود ، حيث أمر صلى الله عليه وسلم فيه بالأخذ بما يظن أنه أقرب إلى الصواب ، سواء كان الأقل أو الأكثر ، ثم يسجد بعد التسليم سجدتين . وأما في حالة الحيرة وعدم الدراية ، فإنه يبني على الأقل ، ويسجد قبل التسليم ، وفي هذا إشارة إلى اختلاف ما في الحديثين من الفقه ، فتأمل . وبعد ، فإن هذه المسألة تحتاج إلى كثير من البسط والشرح والتحقيق ، والمجال لا يتسع لذلك ، ولعل ما ذكرته ههنا يكفي في بيان ما أردته من إثبات وجوب الأخذ بالظن الغالب إذا وجد ، وهو خلاصة رسالة كنت ألفتها في هذه المسألة رددت فيها على النووي بتفصيل ، وبينت فيها معنى الشك المذكور في حديث أبي سعيد ، ومعنى التحري الوارد في حديث ابن مسعود ، وقد أوردت فيها من الفوائد ما لا يكاد يوجد في كتاب ، منها أن راوي حديث البناء على الأقل ، أبو سعيد رضى الله عنه كان يفتى بالأخذ بالتحرى ، ويرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلت ذلك من الأدلة الكثيرة على صواب ما ذهب إليه الحنفية ، ولكنه لم يفتني أن(4/41)
أنبه على أن ما ذهبوا إليه من إبطال صلاة من عرض له الشك لأول مرة باطل ، وأن الصواب دخوله في عموم الحكم ، وغيرها من الفوائد التي وفقني الله تعالى إليها ، وله الحمد والمنة . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يشرع السجود في السنن؟
قد استدل صديق خان في "الروضة" بحديث : "لكل سهو سجدتان" ، وهو حديث حسن عندي ، رواه أبو داود وأحمد وغيرهما . ثم ذهب إلى أنه لا فرق في المشروعية بين المسنون والمندوب ، وسبقه إلى ذلك الشوكاني في "السيل الجرار" . لكنه صرح بالتفريق بين السجود لترك واجب فيجب ، وترك سنة فيسن ، فراجعه فإنه مهم . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
فصل في الأوقات المنهي الصلاة فيها
س)- ما حكم تحية المسجد والإمام يخطب؟
قد اشتهر حديث (إذا صعد الخطيب المنبر , فلا صلاة , ولا كلام) بهذا اللفظ على الألسنة , وعلق على المنابر , ولا أصل له وإنما رواه الطبراني في "الكبير" عن ابن عمرو مرفوعاً بلفظ : (إذا دخل أحدكم المسجد والإمام على المنبر , فلا صلاة , ولا كلام , حتى يفرغ الإمام) وهو باطل.
وإنما حكمت على الحديث بالبطلان , لأنه - مع ضعيف سنده - يخالف حديثين صحيحين :
الأول : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (إذا جاء أحدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام , فليصل ركعتين) , أخرجه البخاري ومسلم في "صحيحهما" من حديث جابر , وفي رواية أخرى عنه قال : (جاء سليك الغطفاني ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يخطب , فقال له : يا سليك قم فاركع ركعتين وتجوز فيهما , ثم قال : إذا جاء أحدكم يوم الجمعة , والإمام يخطب , فليركع ركعتين , وليتجوز فيهما) , أخرجه مسلم وغيره , وهو مخرج في "صحيح أبي داود".
والآخر : قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( إذا قلت لصاحبك : أنصت يوم الجمعة , والإمام يخطب , فقد لغوت), متفق عليه , وهو مخرج في "الإرواء".
فالحديث الأول صريح بتأكد أداء الركعتين بعد خروج الإمام , بينما حديث (إذا صعد الخطيب المنبر , فلا صلاة , ولا كلام) ينهى عنهما , فمن الجهل البالغ أن ينهى بعض الخطباء عنهما من أرد أن يصليهما وقد دخل والإمام يخطب , خلافاً لأمره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإني لأخشى على مثله أن يدخل في وعيد قوله(4/42)
تعالى : (أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى عَبْدًا إِذَا صَلَّى)العلق10,9 , وقوله : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)النور63 , ولهذا قال النووي رحمه الله : ( هذا نص لا يتطرق إليه التأويل , ولا أظن عالماً يبلغه ويعتقده صحيحاً فيخالفه).
والحديث الآخر يدل بمفهوم قوله : (والإمام يخطب) , أن الكلام والإمام لا يخطب لا مانع منه , ويؤيده جريان العمل عليه في عهد عمر رضي الله عنه , كما قال ثعلبة بن أبي مالك :(إنهم كانوا يتحدثون حين يجلس عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المنبر, حتى يسكت المؤذن , فإذا قام عمر على المنبر , لم يتكلم أحد حتى يقضي خطبتيه كلتيهما).أخرجه مالك , والطحاوي , والسياق له وابن أبي حاتم , وإسناد الأولين صحيح.
فثبت بهذا أن كلام الإمام هو الذي يقطع الكلام , لا مجرد صعوده على المنبر , وأن خروجه عليه لا يمنع من تحية المسجد , فظهر بطلان حديث (إذا صعد الخطيب المنبر , فلا صلاة , ولا كلام) , والله تعالى هو الهادي للصواب. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 87 .
س)- الصلاة قبل الجلوس في المسجد هل تشمل المسجد الحرام أيضا؟
إن عموم الأدلة الواردة في الصلاة قبل الجلوس في المسجد تشمل المسجد الحرام أيضا , و القول بأن تحيته الطواف مخالف للعموم المشار إليه , فلا يقبل إلا بعد ثبوته و هيهات , لا سيما و قد ثبت بالتجربة أنه لا يمكن للداخل إلى المسجد الحرام الطواف كلما دخل المسجد في أيام المواسم , فالحمد لله الذي جعل في الأمر سعة , (و ما جعل عليكم في الدين من حرج) ، و إن مما ينبغي التنبه له أن هذا الحكم إنما هو بالنسبة لغير المحرم , و إلا فالسنة في حقه أن يبدأ بالطواف ثم بالركعتين بعده , انظر بدع الحج و العمرة في رسالتي "مناسك الحج و العمرة". انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 1012.
س)- ما حكم الصلاة بعد العصر؟
قال صلى الله عليه وسلم (لا تصلوا عند طلوع الشمس ، ولا عند غروبها ؛ فإنها تطلع وتغرب على قرن شيطان ، وصلوا بين ذلك ما شئتم).
وللحديث شاهد من حديث علي مرفوعاً بلفظ : (لا تصلوا بعد العصر , إلا أن تصلوا والشمس مرتفعة) , وإسناده صحيح.(4/43)
وفي هذين الحديثين دليل على أن ما اشتهر في كتب الفقه من المنع عن الصلاة بعد العصر مطلقاً - ولو كانت الشمس مرتفعة نقية - مخالف لصريح هذين الحديثين , وحجتهم في ذلك الأحاديث المعروفة في النهي عن الصلاة بعد العصر مطلقاً , غير أن الحديثين المذكورين يقيدان تلك الأحاديث , فاعلمه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 314.
س)- قد صح عن عمر بن الخطاب أنه كان يضرب من يصلي الركعتين بعد العصر فما جوابكم عن هذا؟
الجواب: أن ضربَهُ عليهما إنما كان من باب سد الذريعة، وخشية أن يتوسع الناس مع الزمن فيصلوهما في وقت الاصفرار المنهي عنه، وهو المراد بالأحاديث الناهية عن الصلاة بعد العصر نهياً مطلقاً ، وليس لأنه لا يجوز صلاتهما قبل الاصفرار، ولذلك لم ينكر على الرجل صلاته بعد العصر مباشرة، وقد جاء عن عمر نفسه ما يؤكد هذا، فقال الحافظ في "الفتح " (2/65):
" (تنبيه): روى عبد الرزاق[2/431-432] من حديث زيد بن خالد [ الجهني ] سبب ضرب عمر الناس على ذلك، فقال... عن زيد بن خالد: أن عمر رآه وهو خليفة ركع بعد العصر فضربه، فذكر الحديث، وفيه: "فقال عمر: يا زيد! لولا أني أخشى أن يتخذهما الناس سُلَّماً إلى الصلاة
حتى الليل لم أضرب فيهما". فلعل عمر كان يرى أن النهي عن الصلاة إنما هو خشية إيقاع الصلاة عند غروب الشمس. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3173.
فصل في المواضع المنهي الصلاة فيها
س)- هل تصح الصلاة في المزبلة والمجزرة وقارعة الطريق وأعطان الإبل والحمام وفوق الكعبة؟(4/44)
قال صلى الله عليه وسلم "الأرض كلها مسجد ، إلا المقبرة والحمام" . أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم والبيهقي وغيرهم ، وإسناده عند بعضهم صحيح على شرط الشيخين ، وقوله صلى الله عليه وآله"إذا حضرت الصلاة فلم تجدوا إلا مرابض الغنم وأعطان الإبل فصلوا في مرابض الغنم ، ولا تصلوا في أعطان الإبل" أخرجه أحمد رالدارمي وابن ماجه وغيرهم بسند صحيح على شرط الشيخين من حديث أبي هريرة ، وفي معناه أحاديث أخرى خرجتها في "الثمر المستطاب".
ولا أعلم حديثا صحيحا في النهي عن الصلاة في المواطن الأخرى ، ولا يجوز القول ببطلانها فيها الا بنص عنه صلى الله عليه وآله فليعلم . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ما ردكم على قول القائل "إذا كانت المقبرة تحتوى على ثلاثة قبور فأكثر تبطل الصلاة فيها ، أما ما فيها قبر أو قبران فالصلاة فيها صحيحة مع الكراهة إن استقبل القبر"؟
هذا قول بعض الحنابلة ولم يرتضه شيخ الإسلام ابن تيمية ، بل رده ، وذكر عن عامة أصحاب أحمد أنه لا فرق بين المقبرة فيها قبر أو أكثر ، قال في "الاختيارات العلمية" : " ولا تصح الصلاة في المقبرة ولا إليها ، والنهى عن ذلك إنما هو سد لذريعة الشرك ، وذكر طائفة من أصحابنا أن القبر والقبرين لا يمنع من الصلاة لأنه لا أصحابة هذا الفرق ، بل عموم كلامهم وتعليلهم واستدلالهم يوجب منع الصلاة عند قبر واحد من القبور ، وهو الصواب . والمقبرة مما حول القبور لا يصلى فيه ، فهذا يعين أن لا تجوز الصلاة فيه ، أي المسجد الذى قبلة إلى القبر حتى يكون بين الحائط وبين المقبرة حائل آخر ، وذكر بعضهم : هذا منصوص أحمد " . قلت : وقد ذكر شيخ الإسلام في " الفتاوى " وغيرها اتفاق العلماء على كراهة الصلاة في المساجد المبنية على القبور وحكى بطلانها فيها في مذهب أحمد ، وذلك مستفاد من أحاديث النهى عن اتخاذ القبور مساجد وبنائها عليها ، وهى مسألة هامة قد أغفلها عامة الفقهاء ، ولذلك أحببت أن أنبه عليها ، وأن لا أخلى هذه التعليقات منها ، وقد فصلت القول فيها في " التعليقات الجياد " و " أحكام الجنائز " و " تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد " . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
فصل في صلاة التطوع
س)- هل تشرع صلاة النفل في جماعة؟(4/45)
اعتياد الاجتماع في النفل بدعة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم الغالب ، كما حققه شيخ الإسلام في "الفتاوى". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يشرع للمسافر صلاة ركعتين عند الخروج؟
استدل النووي رحمه الله بحديث(ما خلف عبد على أهله أفضل من ركعتين يركعهما عندهم حين يريد سفرا) حديث ضعيف ، على أنه يستحب للمسافر عند الخروج أن يصلي ركعتين , وفيه نظر بين , لأن الاستحباب حكم شرعي لا يجوز الاستدلال عليه بحديث ضعيف , لأنه لا يفيد إلا الظن المرجوح , ولا يثبت به شيء من الأحكام الشرعية , كما لا يخفى , ولم ترد هذه الصلاة عنه صلى الله غليه وسلم , فلا تشرع , بخلاف الصلاة عند الرجوع , فإنها سنة.
وأغرب من هذا جزمه -أعني النووي رحمه الله- بأنه : (يستحب أن يقرأ سورة ((لإيلاف قريش)) , فقد قال السيد الجليل أبو الحسن القزويني الفقيه الشافعي صاحب الكرامات الظاهرة والأحوال الباهرة والمعارف المتظاهرة : إنه أمان من كل سوء).
قلت : وهذا تشريع في هذا الدين دون أي دليل إلا مجرد الدعوى , فمن أين له أن ذلك أمان من كل سوء؟ لقد كان مثل هذه الآراء التي لم ترد في الكتاب ولا في السنة من أسباب تبديل الشريعة وتغييرها من حيث لا يشعرون , لولا أن الله تعهد بحفظها , ورضي الله عن حذيفة بن اليمان إذ قال :(كل عبادة لم يتعبدها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا تعبدوها) . وقال ابن مسعود رضي الله عنه (اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم عليكم بالأمر العتيق).
ثم وقفت على حديث يمكن أن يستحب به صلاة ركعتين عند النصر , وهو مخرج في الصحيحة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 372.
س)- هل ثبت في السنة الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء؟
اعلم أن كل ما جاء من الأحاديث في الحض على ركعات معينة بين المغرب والعشاء لا يصح , وبعضه أشد ضعفاً من بعض , وإنما صحت الصلاة في هذا الوقت من فعله صلى الله عليه وسلم دون تعيين عدد , وأما قوله صلى الله عليه وسلم , فكل ما روي عنه واه لا يجوز العمل به. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم467.(4/46)
س)- هل صح في سنة البعدية للجمعة إن من صلى في المسجد صلى أربعا ، ومن صلى في بيته صلى ركعتين؟
هذا التفصيل لا أعرف له أصلا في السنة. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ما حكم صلاة الوتر؟
قال عليه الصلاة السلام (إِنَّ اللَّهَ زَادَكُمْ صَلَاةً وَهِيَ الْوِتْرُ فَصَلُّوهَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ إِلَى صَلَاةِ الْفَجْرِ) ، يدل ظاهر الأمر في قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (فَصَلُّوهَا) على وجوب صلاة الوتر , وبذلك قال الحنفية , خلافاً للجماهير , ولولا أنه ثبت بالأدلة القاطعة - كقول الله تعالى في حديث المعراج : (هن خمس في العمل خمسون في الأجر , لا يبدل القول لدي) متفق عليه , وكقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ للأعرابي حين قال : لا أزيد عليهن ولا أنقص : (أفلح الرجل إن صدق) متفق عليه - حصر الصلوات المفروضات في كل يوم وليلة بخمس صلوات , لكان قول الحنفية أقرب إلى الصواب , ولذلك فلا بد من القول بأن الأمر هنا ليس للوجوب , بل لتأكيد الاستحباب , وكم من أوامر كريمة صرفت من الوجوب بأدني من تلك الأدلة القاطعة , وقد انفك الأحناف عنها بقولهم : إنهم لا يقولون بأن الوتر واجب كوجوب الصلوات الخمس , بل هو واسطة بينها وبين السنن , أضعف من هذه ثبوتاً , وأقوى من تلك تأكيداً.
فليعلم أن قول الحنفية هذا قائم على اصطلاح لهم خاص حادث ' لا تعرفه الصحابة ولا السلف الصالح , وهو تفريقهم بين الفرض والواجب ثبوتاً وجزاء , كما هو مفصل في كتبهم.
وإن قولهم بهذا معناه التسليم بأن تارك الوتر معذب يوم القيامة عذاباً دون عذاب تارك الفرض , كما هو مذهبهم في اجتهادهم , وحينئذ يقال لهم : وكيف يصح ذلك مع قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لمن عزم على أن لا يصلي غير الصلوات الخمس : ( أفلح الرجل ) ؟ وكيف يلتقي الفلاح مع العذاب ؟ فلا شك أن قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هذا وحده كاف لبيان أن صلاة الوتر ليست بواجبة , ولهذا اتفق جماهير العلماء على سنيته وعدم وجوبه , وهو الحق.
نقول هذا مع التذكير والنصح بالاهتمام بالوتر , وعدم التهاون عنه , لهذا الحديث وغيره , والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 108.
س)- هل يصلى الوتر في الصباح لمن نام ولم يصليه؟(4/47)
قوله عليه السلام (إنما الوتر بالليل ) ، هذا التوقيت للوتر، كالتوقيت للصلوات الخمس، إنما هو لغير النائم وكذا الناسي، فإنه يصلي الوتر إذا لم يستيقظ له في الوقت، يصليه متى استيقظ، ولو بعد الفجر، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم للرجل في هذا الحديث: (فأوتر) . بعد أن قال له: (إنما الوتر بالليل) . وفي ذلك حديث صريح فانظره في (المشكاة) و (الإرواء). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 1712.
س)- هل يجوز الصلاة بعد الوتر؟
قال عليه الصلاة والسلام ( إن هذا السفر جهد وثقل، فإذا أوتر أحدكم فليركع ركعتين، فإن استيقظ وإلا كانتا له) ، والحديث استدل به الإمام ابن خزيمة على(أن الصلاة بعد الوتر مباح لجميع من يريد الصلاة بعده، وأن الركعتين اللتين كان النبي صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالركعتين بعد الوتر أمر ندب وفضيلة، لا أمر إيجاب وفريضة).
وهذه فائدة هامة، استفدناها من هذا الحديث، وقد كنا من قبل مترددين في التوفيق بين صلاته صلى الله عليه وسلم الركعتين وبين قوله: (اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً)، وقلنا في التعليق على(صفة الصلاة) (ص123-السادسة):(والأحوط تركهما اتباعاً للأمر. والله أعلم).
وقد تبين لنا الآن من هذا الحديث أن الركعتين بعد الوتر ليستا من خصوصياته صلى الله عليه وسلم، لأمره صلى الله عليه وسلم بهما أمته أمراً عاماً، فكأن المقصود بالأمر بجعل آخر صلاة الليل وتراً، أن لا يهمل الإيتار بركعة، فلا ينافيه صلاة ركعتين بعدهما، كما ثبت من فعله صلى الله عليه وسلم وأمره. والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 1993.
س)- هل يجب الفصل بين صلاة الفريضة والنافلة ؟
أخرج أحمد (5/368): حدثنا محمد بن جعفر: ثنا شعبة عن الأزرق بن قيس عن عبد الله بن رباح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - :أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلى العصر فقام رجل يصلي [بعدها] فرآه عمر [فأخذ بردائه أو بثوبه] فقال له اجلس فإنما أهلك أهل الكتاب أنه لم يكن لصلاتهم فصل فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : (أحسنَ (وفي رواية:صدق)ابنُ الخطابِ).
فأنه لا بد من الفصل بين الفريضة والنافلة التي بعدها إما بالكلام أو بالتحول من المكان,وفى ذلك أحاديث صحيحة أحدها في( صحيح مسلم ) من حديث معاوية - رضي الله عنه - وهو مخرج في (الإرواء)(2/190/344) و ( صحيح أبي داود)(1034) وفيه أحاديث أخري برقم (631و922)(4/48)
ولذلك ؛ تكاثرت الآثار عن السلف بالعمل بها وقد روي الكثير الطيب منها عبد الرزاق في
(المصنف) (2/416-418) وكذا ابن أبي شيبة (2/138-139) والبيهقي في
(سننه) فما يفعله اليوم بعض المصلين في بعض البلاد من تبادلهم أماكنهم حين قياهم إلي السنة البعدية :
هو من التحول المذكور وقد فعله السلف فروي ابن أبي شيبة عن عاصم قال:صليت معه الجمعة فلما قضيت صلاتي أخذ بيدي فقام في مقامي وأقامني في مقامه. وسنده صحيح وروي نحوه عن أبي مجِلزٍ وصفوان بن ُمحرِزِ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3173.
فصل في الأذان و الإقامة
س)- هل الأذان سنة ام فرض؟
إن القول بأن الأذان مندوب لا نشك مطلقا في بطلانه ، كيف وهو من أكبر الشعائر الإسلامية التي كان عليه الصلاة والسلام إذا لم يسمعه في أرض قوم أتاهم ليغزوهم وأغار عليهم ، فإن سمعه فيهم كف عنهم كما ثبت في " الصحيحين " وغيرهما ، وقد ثبت الأمر به في غير ما حديث صحيح ، والوجوب يثبت بأقل من هذا ، فالحق أن الأذان فرض على الكفاية ، وهو الذي صححه شيخ الإسلام ابن تيمية في "إلفتاوى" ، بل وعلى المنفرد ، والحاصل أنه ما ينبغي في مثل هذه العبادة العظيمة أن يتردد متردد في وجوبها ، فإنها أشهر من نار على علم ، وأدلتها هي الشمس المنيرة ، ثم هذا الشعار لا يختص بصلاة الجماعة ، بل لكل مصل عليه أن يؤذن ويقيم ، لكن من كان في جماعة كفاه أذان المؤذن لها وإقامته . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يشرع الأذان للنساء؟
الظاهر أن النساء كالرجال ، لأنهن شقائق الرجال ، والأمر لهم أمر لهن ، ولم يرد ما ينتهض للحجة في عدم الوجوب عليهن. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل كل من أذن للصلاة يقيم؟
حديث (من أذن , فليقم) حديث لا أصل له بهذا اللفظ ومن آثار هذا الحديث السيئة أنه سبب لإثارة النزاع بين المصلين , كما وقع ذلك غيرما مرة , وذلك حين يتأخر المؤذن عن دخول المسجد لعذر , ويريد بعض الحاضرين أن يقيم الصلاة , فما يكون من أحدهم إلا أن يعترض عليه محتجاً بهذا الحديث , ولم يدر(4/49)
المسكين أنه حديث ضعيف لا يجوز نسبته إليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فضلاً عن أن يمنع به الناس من المبادرة إلى طاعة الله تعالى , ألا وهي إقامة الصلاة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 35.
س)- هل من جمع جمع تقديم أو تأخير ان يقيم لكل صلاة؟
قد ذهب إلى هذا الحكم - أنه يقيم لكل صلاة في الجمع جمع تقديم أو تأخير - ابن حزم وهو قول الشافعي في القديم ورواية عن أحمد وبه قال ابن الماجشون المالكي والطحاوي الحنفي خلافا لأبي حنيفة وصاحبيه وذلك أنهم كانوا يذهبون في الجمع بين الصلاتين إلى أن علوا ذلك بأذان وإقامة واحدة ويحتجون في ذلك بالرواية الثانية عن ابن عمر صرح بذلك كله الطحاوي في شرحه وقوى ما اختاره بالقياس على الجمع بين الظهر والعصر بعرفة ثم قال :( والذي رويناه عن جابر من هذا أحب إلينا لما شهد له من النظر) .
قال النووي في (شرح مسلم) : ( وهذا هو الصحيح من مذهبنا : أنه يستحب الأذان للأولى منهما ويقيم لكل واحدة إقامة فيصليهما بأذان وإقامتين ويتأول حديث ( إقامة واحدة ) أن كل صلاة لها إقامة ولا بد من هذا الجمع بينه وبين الرواية الأولى ( يعني : من حديث ابن عمر ) وبينه أيضا وبين رواية جابر ) .
قلت : ومن الغريب أن علماءنا أخذوا بحديث جابر في الجمع في عرفة بأذان واحد وإقامتين وتركوه في الجمع في مزدلفة بأذان وإقامتين وهذا من عجائب الفقه فلا جرم أن خالفهم الإمام الطحاوي وتبعه الشيخ ابن الهمام ثم أبو الحسنات اللكنوي في ( التعليق الممجد ) فأصابوا . انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل تؤذن كل تكبيرة على حدة (الله أكبر) , (الله أكبر)؟
إن حديث (التكبير جزم) , مع كونه لا أصل له مرفوعاً , وإنما هو من قول إبراهيم النخعي , فإنما يريد به التكبير في الصلاة , كما يستفاد من السيوطي في رسالة خاصة في الحديث في كتابه " الحاوي للفتاوي " فلا علاقة له بالأذان كما توهم بعضهم , فإن هناك طائفة من المنتمين للسنة في مصر وغيرها تؤذن كل تكبيرة على حدة :(الله أكبر) , (الله أكبر) , عملاً بهذا الحديث زعموا , والتأذين على هذه الصفة مما لا أعلم له أصلاً في السنة , بل ظاهر الحديث الصحيح خلافه , فقد روى مسلم في "صحيحه" من حديث عمر بن الخطاب مرفوعاً ( إذا قال المؤذن : الله أكبر الله أكبر , فقال أحدكم : الله أكبر الله أكبر , ثم قال : أشهد أن لا إله إلا الله , قال : أشهد أن لا إله إلا الله.....الحديث).
ففيه إشارة ظاهرة إلى أن المؤذن يجمع بين كل تكبيرتين , وأن السامع يجيبه كذلك , وفي "شرح صحيح مسلم" للنووي ما يؤيد هذا فليراجعه من شاء .ومما يؤيد ذلك ما ورد في بعض الأحاديث أن الأذان كان شفعاً شفعاً. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم71.(4/50)
س)- هل يشرع التثويب في الأذان الأول للصبح ام في الأذان الثاني؟
انما يشرع التثويب في الأذان الأول للصبح ، الذي يكون قبل دخول الوقت بنحو ربع ساعة تقريبا ، لحديث ابن عمر رضي الله عنه قال : "كان في الأذان الأول بعد الفلاح : الصلاة خير من النوم مرتين" . رواه البيهقي ، وكذا الطحاوي في "شرح المعاني" ، وإسناده حسن كما قال الحافظ . وحديث أبي مخذورة مطلق ، وهو يشمل الأذانين ، لكن الأذان الثاني غير مراد ، لأنه جاء مقيدا في رواية أخرى بلفظ : " وإذا أذنت بالأول من الصبح فقل : الصلاة خير من النوم . الصلاة خير من النوم " . أخرجه أبو داود والنسائي والطحاوي وغيرهم ، وهو مخرج في " صحيح أبي داود " ، فاتفق حديثه مع حديث ابن عمر ، ولهذا قال الصنعاني في " سبل السلام " عقب لفظ النسائي : " وفي هذا تقييد لما أطلقته الروايات . قال ابن رسلان : وصحح هذه الرواية ابن خزيمة . قال : فشرعية التثويب إنما هي في الأذان الأول للفجر ، لأنه لإيقاظ النائم ، وأما الأذان الثاني فإنه إعلام بدخول الوقت ، ودعاء إلى الصلاة . اهمن " تخريج الزركشي لأحاديث الرافعي " . ومثل ذلك في " سنن البيهقي الكبرى " عن أبي محذورة : أنه كان يثوب في الأذان الأول من الصبح بأمره صلى الله عليه وسلم.
قلت : وعلى هذا ليس " الصلاة خير من النوم " من ألفاظ الأذان المشروع للدعاء إلى الصلاة والإخبار بدخول وقتها ، بل هو من الألفاظ التي شرعت لإيقاظ النائم ، فهو كألفاظ التسبيح الأخير الذي اعتاده الناس في هذه الأعصار المتأخرة عوضا عن الأذان الأول " .
قلت : وإنما أطلت الكلام في هذه المسألة لجريان العمل من أكثر المؤذنين في البلاد الإسلامية على خلاف السنة فيها أولا ، ولقلة من صرح بها من المؤلفين ثانيا ، فان جمهورهم - ومن ورائهم السيد سابق - يقتصرون على إجمال القول فيها ، ولا يبينون أنه في الأذان الأول من الفجر كما جاء ذلك صراحة في الأحاديث الصحيحة ، خلافا للبيان المتقدم من ابن رسلان والصنعاني جزاهما الله خيرا.
ومما سبق يتبين أن جعل التثويب في الأذان الثاني بدعة مخالفة للسنة ، وتزداد المخالفة حين يعرضون عن الأذان الأول بالكلية ، ويصرون على التثويب في الثاني ، فما أحراهم بقوله تعالى : (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير) ، (لو كانوا يعلمون) .انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل من الممكن التمييز بين الاذان الاول والثاني للصبح؟
ذلك ممكن بيسر إذا التزمت السنة التي ميزت الأذان الأول بزيادة جملة : "الصلاة خير من النوم (مرتين) كما تقدم . على أن هناك سنة أخرى تزيد الأمر يسرا ، وير أن يكون مؤذن الأذان الأول غير مؤذن الأذان(4/51)
الثاني كما في حديث ابن عمر أخرجه الشيخان ، وله شواهد كثيرة ، خرجتها في "الإرواء" (219) ، وهى سنة متروكة أيضا ، فهنيئا لمن وفقه الله تبارك وتعالى لإحيائها. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يستحب لمن يصلي وحده الأذان؟
في قوله صلى الله عليه وسلم (يَعْجَبُ رَبُّكَ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةِ بْجَبَلِ يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ) استحباب الأذان لمن يصلي وحده , وبذلك ترجم له النسائي , وقد جاء الأمر به وبالإقامة في بعض طرق حديث المسئ صلاته , فلا ينبغي التساهل بهما. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 41.
س)- هل إجابة المؤذن واجبة؟
اختلفوا في حكم إجابة المؤذن فذهب قوم من السلف وغيرهم إلى وجوب ذلك على السامع عملا بظاهر الأمر الذي يقتضي الوجوب وبه قال الحنفية وأهل الظاهر وابن رجب كما في (الفتح) . وخالفهم آخرون فقالوا : ذلك على الاستحباب لا على الوجوب حكى ذلك كله الطحاوي في (شرح المعاني) . وفي (شرح مسلم) : (الصحيح الذي عليه الجمهور أنه مندوب) . وبهذا قال الشافعية وبعض علمائنا الحنفية .
قال الحافظ (واستدل للجمهور بحديث أخرجه مسلم وغيره أنه صلى الله عليه وسلم سمع مؤذنا فلما كبر قال : (على الفطرة) فلما تشهد قال : (خرج من النار) . قال : فلما قال عليه الصلاة والسلام غير ما قال المؤذن علمنا أن الأمر بذلك للاستحباب وتعقب بأنه ليس في الحديث أنه لم يقل مثل ما قال فيجوز أن يكون قاله ولم ينقله الراوي اكتفاء بالعادة ونقل القول الزائد ويحتمل أن يكون ذلك وقع قبل صدور الأمر ويحتمل أن يكون الرجل لما أمر لم يرد أن يكون نفسه في عموم من خوطب بذلك ) .
قلت : ولعل من حجة الجمهور ما في (الموطأ) أن الصحابة كانوا إذا أخذ المؤذن بالأذان يوم الجمعة أخذوا هم في الكلام فإنه يبعد جدا أن تكون الإجابة واجبة فينصرف الصحابة مع ذلك منها إلى الكلام فراجع (الموطأ) .
ومثله ما رواه ابن سعد عن موسى بن طلحة بن عبيد الله قال : رأيت عثمان بن عفان والمؤذن يؤذن وهو يتحدث إلى الناس يسألهم ويستخبرهم عن الأسعار والأخبار ، وسنده صحيح على شرط الشيخين . انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- هل يشرع للمؤذن ان يقول الاذكار التي بعد الأذان ؟(4/52)
المؤذن وظيفته : الأذان وبس ، بينتهي أذانه بـ ( لا إله إلا الله ) ، آخرين وظيفتهم : يصلوا على الرسول عليه السلام ، والمنيح منهم [ أي الجيد منهم ] : اللي بيقول : اللهم صلِ على محمد ، بينما لازم تكون صلاة كاملة ، فيه صلاة بنصليها في الصلاة التي اسمها : ( الصلاة الإبراهيمية ) فهذا بعد الإجابة يأتي الأذان – أي : يأتي الصلاة – بعد الصلاة يأتي الدعاء له عليه السلام بالوسيلة ، وهو أن يقول : (اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آتِ محمد الوسيلة والفضيلة ، وأبعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ) ، بس ، لهون [ أي = إلى هنا ] ما فيه ( إنك لا تخلف الميعاد ) ما فيه هذه حاشية ، أما هو قال عليه السلام كما في صحيح البخاري : ( من قال حين يسمع النداء : اللهم رب هذه الدعوة التامة ، والصلاة القائمة ، آتِ محمد الوسيلة والفضيلة ، وابعثه مقاماً محموداً الذي وعدته ، حَلَّتْ له شفاعتي يوم القيامة ) هكذا الحديث ، فتذكروا هذه القضايا من شان نكسب شفاعة الرسول عليه الصلاة والسلام ، نجيب المؤذن ، ثم نصلي على محمد عليه صلى الله عليه وسلم ثم ندعو له بدعاء الوسيلة. شبكة المنهاج الإسلامية.
س)_ هل من السنة قول يقوله المؤذن في الاذان اثناء البرد والمطر الشديد؟
أخرج ابن أبي شيبة في " المسند " (2/5 /2 ) : أخبرنا خالد بن مخلد قال : حدثني سليمان بن بلال قال : حدثني يحيى بن سعيد قال : أخبرني محمد بن إبراهيم بن الحارث ( الأصل : بن نعيم بن الحارث ) عن نعيم النحام - من بني عدي بن كعب - قال :
نودي بالصبح في يوم بارد و أنا في مرط امرأتي , فقلت : ليت المنادي ينادي و من قعد فلا حرج , فنادى منادي النبي صلى الله عليه وسلم : (و من قعد فلا حرج . يقوله المؤذن في آخر أذانه في اليوم البارد).
( فائدة ) : في هذا الحديث سنة هامة مهجورة من كافة المؤذنين - مع الأسف - و هي من الأمثلة التي بها يتضح معنى قوله تبارك و تعالى : *( و ما جعل عليكم في الدين من حرج )* , ألا و هي قوله عقب الأذان : " و من قعد فلا حرج " , فهو تخصيص لعموم قوله في الأذان : " حي على الصلاة " المقتضى لوجوب إجابته عمليا بالذهاب إلى المسجد و الصلاة مع جماعة المسلمين إلا في البرد الشديد و نحوه من الأعذار . و في ذلك أحاديث أخرى منها حديث ابن عمر :
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر مؤذنا يؤذن , ثم يقول في أثره :
" ألا صلوا في الرحال " . في الليلة الباردة أو المطيرة في السفر " . متفق عليه , و لم يذكر بعضهم " في السفر " و هي رواية الشافعي في " الأم " (1 / 76) و قال عقبه :
" و أحب للإمام أن يأمر بهذا إذا فرغ المؤذن من أذانه . و إن قاله في أذانه فلا بأس عليه " .(4/53)
و حكاه النووي في " المجموع " ( 3 / 129 - 131 ) عن الشافعي , و عن جماعة من أتباعه , و ذكر عن إمام الحرمين أنه استبعد قوله : " في أثناء الأذان " , ثم رده بقوله :
" و هذا الذي ليس ببعيد بل هو السنة , فقد ثبت ذلك في حديث ابن عباس أنه قال لمؤذن في يوم مطير - و هو يوم جمعة - :
" إذا قلت : أشهد أن محمدا رسول الله , فلا تقل : حي على الصلاة , قل : صلوا في بيوتكم " . رواه الشيخان " .
قلت : و هو مخرج في " الإرواء " أيضا ( 554) . و نقل الحافظ في " الفتح " ( 2 / 98 ) عن النووي بعد أن حكى عنه جواز هذه الزيادة في الأذان و آخره أنه قال : " لكن بعده أحسن ليتم نظم الأذان " . و لم أره في " المجموع " . و الله أعلم .
و اعلم أن في السنة رخصة أخرى , و هي الجمع بين الصلاتين للمطر جمع تقديم , و قد عمل بها السلف , وفصلت القول فيها في غير ما موضع , و من ذلك ما سيأتي تحت الحديث (2837) و هذه الرخصة كالمتممة لما قبلها , فتلك و الناس في بيوتهم , و هذه و هم في المسجد و الأمطار تهطل , فالرخصة الأولى أسقطت عنهم فرضية الصلاة الأولى في المسجد , و الرخصة الأخرى أسقطت عنهم فرضية أداء الصلاة الأخرى في وقتها , بجمعهم إياها مع الأولى في المسجد . و صدق الله القائل : ( و من أحسن من الله حكما لقوم يوقنون) . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 2605.
فصل في صلاة الجماعة
س)- هل صلاة الجماعة سنة مؤكدة ؟(4/54)
ان معنى كونها سنة مؤكدة عند الفقهاء أنه يثاب فاعلها ، ولا يعاقب تاركها ، فكيف يصح هذا في حق المتخلفين عن صلاة الجماعة ، وقد هم صلى الله عليه وسلم بحرق بيوتهم عليهم كما في الحديث . وقد قال ابن القيم : "ولم يكن ليحرق مرتكب صغيرة ، فترك الصلاة في الجماعة هو من الكبائر" . بل كيف يصح هذا مع قوله صلى الله عليه وسلم للأعمى : "أجب" ، مع أنه فوق كونه أعمى ، ليس له قائد يقوده إلى المسجد كما في الحديث ، بل وفي طريقه الأشجار والأحجار كما في بعض الروايات الصحيحة في الحديث ، فهل هناك حكم اجتمع فيه مثل هذه القرائن المؤكدة للوجوب ، ومع ذلك يقال : هو ليس بواجب ؟ ! وكذلك قوله في الحديث : " . . " . إلا قد استحوذ عليهم الشيطان . . . " ، فهو من الأدلة على وجوبها ، إذ إن من ترك سنة ، بل السنن كلها ، مع المحافظة على الواجبات ، لا يقال فيه : "استحوذ عليه الشيطان" ، كما يشير إلى ذلك حديث الأعرابي : "دخل الجنة إن صدق" ، وهذا بين لا يخفى . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ما حكم تعدد الجمعات في المسجد الواحد؟
أحسن ما وقفت عليه من كلام الأئمة في هذه المسألة هو كلام الإمام الشافعي رضي الله عنه ، ولا بأس من نقله مع شئ من الاختصار ، ولو طال به التعليق ، نظرا لأهميته ، وغفلة أكثر الناس عنه ، قال رضي الله عنه في " الأم ": " وإن كان لرجل مسجد يجمع فيه ، ففاتته الصلاة ، فإن أتى مسجد جماعة غيره كان أحب إلي ، لأن لم يأته وصلى في مسجده منفردا ، فحسن ، وإذا كان للمسجد إمام راتب ، ففاتت رجلا أو رجالا فيه الصلاة ، صلوا فرادى ، ولا أحب أن يصلوا فيه جماعة ، فإن فعلوا أجزأتهم الجماعة فيه ، وإنما كرهت ذلك لهم لأنه ليس مما فعل السلف قبلنا ، بل قد عابه بعضهم ، وأحسب كراهية من كره ذلك منهم إنما كان لتفرقة الكلمة ، وأن يرغب رجل عن الصلاة خلف إمام الجماعة ، فيتخلف هو ومن أراد عن المسجد في وقت الصلاة ، فإذا قضيت دخلوا فجمعوا ، فيكون بهذا اختلاف وتفرق الكلمة ، وفيهما المكروه ، وإنما أكره هذا في كل مسجد له إمام ومؤذن ، فأما مسجد بني على ظهر الطريق أو ناحية لا يؤذن فيه مؤذن راتب ، ولا يكون له إمام راتب ، ويصلي فيه المارة ، ويستظلون ، فلا أكره ذلك ، لأنه ليس فيه المعنى الذي وصفت من تفرق الكلمة ، وأن يرغب رجال عن إمامة رجل فيتخذون إماما غيره ، قال : وإنما منعني أن أقول : صلاة الرجل لا تجوز وحده وهو يقدر على جماعة بحال تفضيل النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الجماعة على صلاة المنفرد ، ولم يقل : لا تجزي المنفرد صلاته ، وأنا قد حفظنا أن قد فاتت رجالا معه الصلاة ، فصلوا بعلمه منفردين ، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا ، وأن قد فاتت الصلاة في الجماعة قوما(4/55)
فجاؤوا المسجد فصلى كل واحد منهم منفردا ، وقد كانوا قادرين على أن يجمعوا في المسجد ، فصلى كل واحد منهم منفردا ، وإنما كرهوا لئلا يجمعوا في مسجد مرتين " .
وما علقه الشافعي عن الصحابة قد جاء موصولا عن الحسن البصري قال : " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا دخلوا المسجد وقد صلي فيه صلوا فرادى " . رواه ابن أبي شيبة. وقال أبو حنيفة : "لا يجوز إعادة الجماعة في مسجد له إمام راتب" . ونحوه في "المدونة" عن الإمام مالك .
وبالجملة ، فالجمهور على كراهة إعادة الجماعة في المسجد بالشرط السابق ، وهو الحق ، ولا يعارض هذا الحديث المشهور : " ألا رجل يتصدق على هذا فيصلي معه " ، فإن غاية ما فيه حض الرسول صلى الله عليه وسلم أحد الذين كانوا صلوا معه صلى الله عليه وسلم في الجماعة الأولى أن يصلي وراءه تطوعا ، فهي صلاة متنفل وراء مفترض ، وبحثنا إنما هو في صلاة مفترض وراء المفترض ، فاتتهم الجماعة الأولى ، ولا يجوز قياس هذه على تلك لأنه قياس مع الفارق من وجوه :
الأول : أن الصورة الأولى المختلف فيها لم تنقل عنه صلى الله عليه وسلم لا إذنا ولا تقريرا مع وجود المقتضى في عهده صلى الله عليه وسلم، كما أفادته رواية الحسن البصري .
الثاني : أن هذه الصورة تؤدي إلى تفريق الجماعة الأولى المشروعة ، لأن الناس إذا علموا أنهم تفوتهم الجماعة يستعجلون فتكثر الجماعة ، وإذا علموا أنها لا تفوتهم ، يتأخرون ، فتقل الجماعة ، وتقليل الجماعة مكروه ، وليس شئ من هذا المحذور في الصورة التي أقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فثبت الفرق ، فلا يجوز الاستدلال بالحديث على خلاف المتقرر من هديه "صلى الله عليه وآله". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( من سمع النداء فلم يأتيه , فلا صلاة له إلا من عذر ) أو كما قال رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فهل العبرة هنا بالسماع المباشر أم بالعلم بدخول الوقت ؟ وخاصةً أن السماع في هذه الأيام قد يتعدى عدة كيلومترات بسبب وجود المكبرات وما شابه ذلك ؟
هو كما تنبه السائل ، الآذان مذكر بدخول وقت الصلاة ، فإذا كان المسلم ذكر الوقت وجب عليه الحضور سواء سمع الأذان أو لم يسمع ، وليس له أن يتعلل بأنه أنا ما احضر الصلاة في جماعة لأني لا أسمع الأذان ، هذا تعلل لا قيمة له من الناحية الشرعية ، لأن المقصود من الآذان : الإعلام ، فإذا حصل الإعلام بطريقة عفوية ، رجل جاء إلى الذي في متجره في معمله في مصنعه في داره ، قال: حي على الصلاة ، قد أذن ، ما(4/56)
سقط عنه الإجابة ، لأنه لم يسمع الأذان مباشرة ، فقد علم بدخول الوقت ، العبرة بالعلم ، وليس بالوسيلة وسيلة الآذان ، فالأذان : إعلام ، لكن بألفاظ شرعية معروفة مضبوطة مروية عن الرسول عليه السلام بأسانيد صحيحة ، نعم . شبكة المنهاج الإسلامية.
س)- هل يجوز الصلاة خارج المسجد؟
ليس بخاف على الفقيه أن إطلاق القول بالجواز ينافي الأحاديث الآمرة بوصل الصفوف وسد الفرج ، فلا بد من التزامها والعمل بها إلا لعذر ، ولهذا قال شيخ الإسلام في "مجموع الفتاوى": "ولا يصف في الطرقات والحوانيط مع خلو المسجد ، ومن فعل ذلك استحق التأديب ، ولمن جاء بعده تخطيه ، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة ، فإن هذا لا حرمة له . قال : فإن امتلا المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد ، فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم . وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء . وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ، ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة ، فإنه لا تصح صلاتهم في الأظهر ، وكذلك من صلى في حانوته والطريق خال لم تصح صلاته ، وليس له أن يقعد في الحانوت وينتظر اتصال الصفوف به ، بل عليه أن يذهب إلى المسجد ، فيسد الأول فالأول فالأول". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يجوز الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى؟
قد اختلف أهل العلم في المشي إلى المسجد فمنهم من رأى الإسراع إذا خاف فوت التكبيرة الأولى حتى ذكر عن بعضهم أنه كان يهرول إلى الصلاة . ومنهم من كره الإسراع واختار أن يمشي على تؤدة ووقار وبه يقول أحمد وإسحاق وقالا : العمل على حديث أبي هريرة . وقال إسحاق : إن خاف فوت التكبيرة الأولى فلا بأس أن يسرع في المشي .
قلت : الصواب كراهة الإسراع خاف فوت التكبيرة أو لا لعموم الحديث وهو مذهب الشافعية وحكاه ابن المنذر عن زيد بن ثابت وأنس وأحمد وأبي ثور واختاره ابن المنذر وحكاه العبدري عن أكثر العلماء كما في (المجموع). انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- ما الدليل على ان الصلاة تصح خلف كل بر وفاجر من أهل القبلة؟
الدليل على ذلك جريان عمل الصحابة عليه ، وكفى بهم حجة ومعهم مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الأئمة "يصلون لكم فإن أصابوا فلكم ولهم وإن أخطئوا فلكم وعليهم" أخرجه البخاري وأحمد وأبو يعلى.(4/57)
ولا دليل على عدم صحة الصلاة وراء الفاسق وحديث "اجعلوا أئمتكم خياركم" إسناده ضعيف جدا كما حققته في "الضعيفة" ولو صح فلا دليل فيه إلا على وجوب جعل الأئمة من الأخيار وهذا شيء وبطلان الصلاة وراء الفسق شيء آخر لا سيما إذا كان مفروضا من الحاكم . نعم لو صح حديث ". ولا يؤم فاجر مؤمنا . . ." لكان ظاهر الدلالة على بطلان إمامته ولكنه لا يصح أيضا من قبل إسناده كما بينته في "الإرواء". انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- من فاته من الصلاة هل هي أول صلاته أو آخرها ؟
الحق الأول. انتهى كلام الالباني من الثمر المستطاب.
س)- ما موقف الصبيان والنساء في صلاة الجماعة؟
في صف النساء لوحدهم وراء الرجال أحاديث صحيحة ، وأما جعل الصبيان وراءهم فلم أجد فيه سوى حديث كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعل الرجال قدام الغلمان ، والغلمان خلفهم ، والنساء خلف الغلمان ، ولا تقوم به حجة ، فلا أرى بأسا من وقوف الصبيان مع الرجال إذا كان في الصف متسع ، وصلاة اليتيم مع أنس وراءه صلى الله عليه وسلم حجة في ذلك. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- أين يقف المأموم إذا كان مع الامام وحده؟
إن السنة أن يقتدي المصلي مع الإمام عن يمينه و حذاءه , غير متقدم عليه , و لا متأخر عنه , خلافا لما في بعض المذاهب أنه ينبغي أن يتأخر عن الإمام قليلا بحيث يجعل أصابع رجله حذاء عقبي الإمام , أو نحوه.انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2590.
س)- اذا كان يتحتم على من أكل الثوم ونحوه البعد عن المسجد حتى تذهب رائحتها ،فهل يلحق بها الروائح الكريهة ، كالدخان والبخر؟
هذا الإلحاق فيه نظر ، لأن البخر ونحوه علة سماوية لا إرادة ولا كسب للمرء فيها ، ولا هو يملك إزالتها ، فكيف يلحق بالروائح الكريهة التي هي بإرادته وكسبه ، وبإمكانه الامتناع من تعاطي أسبابها أو القضاء(4/58)
عليها ؟ ! والشارع الحكيم إنما منع آكل الثوم وغيره من حضور المساجد والحصول على فضيلة الجماعة عقوبة له على عدم مبالاته بإيذاء المؤمنين والملائكة المقربين ، فلا يجوز أن يحرم من هذه الفضيلة الأبخر ونحوه لما ذكرناه من الفارق . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل يشرع للإمام والمأموم رفع أصواتهم بالتأمين؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه (كان إذا فرغ من قراءة أم القرآن , رفع صوته وقال : آمين) ، ففي الحديث مشروعية رفع الإمام صوته بالتأمين , وبه يقول الشافعي وأحمد وإسحاق وغيرهم من الأئمة , خلافاً للإمام أبي حنيفة وأتباعه , ولا حجة عندهم سوى التمسك بالعمومات القاضية بأن الأصل في الذكر خفض الصوت فيه , وهذا مما لا يفيد في مقابله مثل هذا الحديث الخاص في بابه , كما لا يخفي على أهل العلم الذين أنقذهم الله تبارك وتعالى من الجمود العقلي والتعصب المذهبي.
وأما جهر المقتدين بالتأمين وراء الإمام , فلا نعلم فيه حديثاً مرفوعاً صحيحاً يجب المصير إليه ولذلك بقينا فيه على الأصل الذي سبقت الإشارة إليه , وهذا هو مذهب الإمام الشافعي في "الأم" : أن الإمام يجهر بالتأمين دون المأمومين , وهو أوسط المذاهب في المسألة وأعدلها.
وإني لألاحظ أن الصحابة رضي الله عنهم , لو كانوا يجهرون بالتأمين خلف النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لنقله وائل بن حجر وغيره ممن نقل جهره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ به , فدل ذلك على أن الإسرار به من المؤتمين هو السنة , فتأمل.
ثم وقفت على ما حملني على ترجيح جهر المؤتمين أيضاً في بحث أودعته في "الضعيفة" , وبه قال الإمام أحمد في رواية ابنه صالح في مسائله , وكفى به قدوة , وهو مذهب الشافعية كما في "مجموع النووي" والله ولي التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم464.
س)- هل يجوز تأمين ا المأموم قبل الامام اذا بلغ الامام (ولا الضالين)؟
أخرج أبو يعلى (4/1408) : حدثنا عمرو الناقد أخبرنا سفيان عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إذا قرأ الإمام : (غير المغضوب عليهم و لا الضالين) , فأمن الإمام فأمنوا , فإن الملائكة تؤمن على دعائه , فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) .(4/59)
قلت : و هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين , و عمرو هو ابن محمد بن بكير الناقد أبو عثمان البغدادي , ثقة حافظ , احتج به الشيخان و غيرهما . و قد أخرجاه و غيرهما , و هو مخرج في "الإرواء" (344) بلفظ : " إذا أمن الإمام فأمنوا , فإنه من وافق .. " إلخ . و إنما أخرجته بلفظ الترجمة لما فيه من الزيادة , و هي قوله بعد (و لا الضالين) : " فأمن الإمام فأمنوا " , فإنها صريحة بأمرين اثنين :
الأول : أن الإمام يؤمن بعد ختمه الفاتحة , و الآخر : أن المأموم يؤمن بعد فراغ الإمام من التأمين . و قد قيل في تفسير رواية الشيخين أقوال كثيرة ذكرها الحافظ في "الفتح" (2/218-219) , منها أن معنى قوله : إذا أمن , بلغ موضع التأمين , كما يقال : أنجد إذا بلغ نجدا , و إن لم يبلغها . قال ابن العربي : "هذا بعيد لغة و شرعا".
و قال ابن دقيق العيد : "و هذا مجاز , فإن وجد دليل يرجحه عمل به , و إلا فالأصل عدمه" . قال الحافظ : "استدلوا له برواية أبي صالح عن أبي هريرة بلفظ : إذا قال الإمام : (و لا الضالين) فقولوا : (آمين) , قالوا : فالجمع بين الروايتين يقتضي حمل قوله : إذا أمن على المجاز" .
وأقول : يمكن الجمع بطريقة أخرى , و هي أن يؤخذ بالزائد من الروايتين فيضم إلى الأخرى , و هو قوله في رواية سعيد : " إذا أمن الإمام فأمنوا " , فتضم الزيادة إلى رواية أبي صالح فيصير الحديث هكذا : "إذا قال الإمام : (و لا الضالين) آمين , فقولوا آمين" . و هذا الجمع أولى من الجمع المذكور , و ذلك لوجوه .
الأول : أنه مطابق لرواية أبي يعلى هذه , الصريحة بذلك .
الثاني : أنه موافق للقواعد الحديثية من وجوب الأخذ بالزيادة من الثقة .
الثالث : أنه يغنينا عن مخالفة الأصل الذي أشار إليه ابن دقيق العيد .
الرابع : أنه على وزن قوله صلى الله عليه وسلم : "إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده , فقولوا : اللهم ربنا لك الحمد , فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" . أخرجه الشيخان و غيرهما من حديث أبي هريرة أيضا . و هو مخرج في " صحيح أبي داود " (794) . فكما أن هذا نص في أن المقتدي يقول التحميد بعد تسميع الإمام , فمثله إذا أمن فأمنوا , فهو نص على أن تأمين المقتدي بعد تأمين الإمام . الخامس : أنه هو الموافق لنظام الاقتداء بالإمام المستفاد من مثل قوله صلى الله عليه وسلم : "إنما جعل الإمام ليؤتم به , فإذا كبر كبروا [و لا تكبروا حتى يكبر] و إذا ركع فاركعوا و إذا قال سمع الله لمن حمده , فقولوا : ..." الحديث . أخرجه الشيخان و غيرهما من حديث عائشة و أبي هريرة و غيرهما , و هو مخرج في المصدر السابق (614و618) , و الزيادة لأبي داود . فكما دل الحديث أن من مقتضى الائتمام بالإمام عدم مقارنته بالتكبير , و ما ذكر معه , فمن ذلك عدم مقارنته بالتأمين . و إخراج التأمين من هذا النظام يحتاج إلى دليل صريح , و هو مفقود , إذ غاية ما عند المخالفين إنما هو حديث أبي صالح المتقدم , و ليس(4/60)
صريحا في ذلك , بل الصحيح أنه محمول على رواية سعيد هذه لاسيما على لفظ أبي يعلى المذكور أعلاه . السادس : أن مقارنة الإمام بالتأمين تحتاج إلى دقة و عناية خاصة من المؤتمين , و إلا وقعوا في مخالفة صريحة و هي مسابقته بالتأمين , و هذا مما ابتلي به جماهير المصلين , فقد راقبتهم في جميع البلاد التي طفتها , فوجدتهم يبادرون إلى التأمين , و لما ينته الإمام من قوله : *( و لا الضالين )* , لاسيما إذا كان يمدها ست حركات , و يسكت بقدر ما يتراد إليه نفسه , ثم يقول : آمين فيقع تأمينه بعد تأمينهم ! و لا يخفى أن باب سد الذريعة يقتضي ترجيح عدم مشروعية المقارنة خشية المسابقة , و هذا ما دلت عليه الوجوه المتقدمة . و هو الصواب إن شاء الله تعالى , و إن كان القائلون به قلة , فلا يضرنا ذلك , فإن الحق لا يعرف بالرجال , فاعرف الحق تعرف الرجال . ذلك ما اقتضاه التمسك بالأصل بعد النظر و الاعتبار , و هو ما كنت أعمل به و أذكر به مدة من الزمن . ثم رأيت ما أخرجه البيهقي (2/59) عن أبي رافع أن أبا هريرة كان يؤذن لمروان بن الحكم , فاشترط أن لا يسبقه بـ (الضالين) حتى يعلم أنه دخل الصف , و كان إذا قال مروان : (و لا الضالين) قال أبو هريرة : " آمين " , يمد بها صوته , و قال : إذا وافق تأمين أهل الأرض أهل السماء غفر لهم . و سنده صحيح.
قلت : فهذا صريح في أن أبا هريرة رضي الله عنه كان يؤمن بعد قول الإمام : (و لا الضالين) . و لما كان من المقرر أن راوي الحديث أعلم بمرويه من غيره , فقد اعتبرت عمل أبي هريرة هذا تفسيرا لحديث الترجمة , و مبينا أن معنى " إذا أمن الإمام فأمنوا .. " , أي : إذا بلغ موضع التأمين كما تقدم عن الحافظ , و هو و إن كان استبعده ابن العربي , فلابد من الاعتماد عليه لهذا الأثر . و عليه فإني أكرر تنبيه جماهير المصلين بأن ينتبهوا لهذه السنة , و لا يقعوا من أجلها في مسابقة الإمام بالتأمين , بل عليهم أن يتريثوا حتى إذا سمعوا نطقه بألف (آمين ) قالوها معه . و الله تعالى نسأل أن يوفقنا لاتباع الحق حيثما كان إنه سميع مجيب . و في هذا الأثر فائدة أخرى و هي جهر المؤتمين بـ (آمين) , و ذلك مما ملت إليه في الكتاب الآخر لمطابقته لأثر آخر صحيح عن ابن الزبير , و حديث لأبي هريرة مرفوع تكلمت على إسناده هناك (956) فراجعه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2534.
س)- كيف تكون إقامة الصفوف وتسويتها؟
استفاضت الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الأمر بإقامة الصفوف وتسويتها , بحيث يندر أن تخفى على أحد من طلاب العلم فضلاً عن الشيوخ , ولكن ربما يخفى على الكثيرين منهم أن إقامة الصف تسويته بالأقدام , وليس فقط بالمناكب , بل لقد سمعنا مراراً من بعض أئمة المساجد - حين يأمرون بالتسوية - التنبيه على أن السنة فيها إنما هي بالمناكب فقط دون الأقدام , ولما كان ذلك خلاف الثابت في(4/61)
السنة الصحيحة , رأيت أنه لا بد من ذكر ماورد من الحديث , تذكيراً لمن أراد أن يعمل بما صح من السنة , غير مغتر بالعادات والتقاليد الفاشية في الأمة.
عن النبي صلى الله عليه وسلم (أَقِيمُوا صُفُوفَكُم ْ وتراصوا فَإِنِّي أَرَاكُمْ مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي) ، وعنه (أَقِيمُوا صُفُوفَكُمْ [ثَلَاثًا] وَاللَّهِ لَتُقِيمُنَّ صُفُوفَكُمْ أَوْ لَيُخَالِفَنَّ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم32.
س)- جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة , و ما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها).ما معني ألينكم مناكب في الصلاة؟
أخرج الطبراني في " الأوسط " ( 1 / 32 / 2 ) من طريق ليث بن حماد : حدثنا حماد بن زيد عن ليث عن مجاهد عن عبد الله بن عمر مرفوعا به (خياركم ألينكم مناكب في الصلاة , و ما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها).
قال الخطابي في "معالم السنن" (1/334) : "قلت : معنى "لين المنكب" : لزوم السكينة في الصلاة و الطمأنينة فيها , لا يلتفت و لا يحاك بمنكبه منكب صاحبه , و قد يكون فيه وجه آخر , و هو أن لا يمتنع على من يريد الدخول بين الصفوف ليسد الخلل أو لضيق المكان . بل يمكنه من ذلك , و لا يدفعه بمنكبه لتتراص الصفوف , و يتكاتف الجموع".
قلت : هذا المعنى الثاني هو المتبادر من الحديث , و المعنى الأول بعيد كل البعد عن سياقه لمن تأمله . و إن مما يؤيد ذلك لفظ حديث ابن عمر عند أبي داود (666) مرفوعا : "أقيموا الصفوف . و حاذوا بالمناكب و سدوا الخلل و لينوا بأيدي إخوانكم , و لا تذروا فرجات للشيطان , و من وصل صفا وصله الله و من قطع صفا قطعه الله" . و إسناده صحيح كما قال النووي , فإنه يوضح أن الأمر باللين إنما هو لسد الفرج , و وصل الصفوف , و لذلك قال أبو داود عقبه : "و معنى" لينوا بأيدي إخوانكم" : إذا جاء رجل إلى الصف فذهب يدخل فيه فينبغي أن يلين له كل رجل منكبه حتى يدخل في الصف" . و لذلك استدل به النووي في "المجموع" (4/301) على أنه "يستحب أن يفسح لمن يريد الدخول إلى الصف .." . و ليس يخفى على كل محب للسنة عارف بها أن قول الخطابي : "و لا يحاك منكبه بمنكب صاحبه" مخالف لما كان يفعله أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم حين يصلون خلفه , و ذلك تنفيذا منهم لقوله صلى الله عليه وسلم : "أقيموا صفوفكم , فإني أراكم من ورائي" . رواه البخاري (725) عن أنس , قال أنس : "و كان أحدنا يلزق(4/62)
منكبه بمنكب صاحبه , و قدمه بقدمه" . وله شاهد من حديث النعمان بن بشير , و هما مخرجان في "صحيح أبي داود" (668).
و قد أنكر بعض الكاتبين في العصر الحاضر هذا الإلزاق , و زعم أنه هيئة زائدة على الوارد , فيها إيغال في تطبيق السنة ! و زعم أن المراد بالإلزاق الحث على سد الخلل لا حقيقة الإلزاق , و هذا تعطيل للأحكام العملية , يشبه تماما تعطيل الصفات الإلهية , بل هذا أسوأ منه لأن الراوي يتحدث عن أمر مشهود رآه بعينه وهو الإلزاق . و مع ذلك قال : ليس المراد حقيقة الإلزاق ! فالله المستعان . و أسوأ منه ما صنع مضعف مئات الأحاديث الصحيحة المدعو (حسان عبد المنان) , فإنه تعمد إسقاط رواية البخاري المذكورة عن أنس .. من طبعته لـ"رياض الصالحين" (ص306/836) و ليس هذا فقط , بل دلس على القراء , فأحال ما أبقي من حديث البخاري المرفوع إلى البخاري برقم (723) حتى إذا رجع القراء إليه لم يجدوا قول أنس المذكور ! و الرقم الصحيح هو المتقدم مني (725) , و له من مثل هذا الكتم للعلم ما لا يعد و لا يحصى , و قد نبهت على شيء من ذلك في غير ما مناسبة , فانظر على سبيل المثال الاستدراك رقم (13) من المجلد الأول من هذه السلسلة , الطبعة الجديدة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2533.
س)- اين يقف المصلي اذا اقتدى في الصلاة بإمام منفردين؟
أخرج الحاكم (3/534) و الرواية الثانية و الزيادة الآتية بين المعقوفتين له , وأحمد (1/330) والسياق له عن حاتم بن أبي صغيرة أبي يونس عن عمرو بن دينار أن كريبا أخبره أن ابن عباس قال : " أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم [ وهو يصلي من آخر الليل ] فصليت خلفه , فأخذ بيدي فجرني فجعلني حذاءه , فلما أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على صلاته خنست , فصلى رسول الله صلى الله عليه وسلم , فلما انصرف قال لي .. (ما شأني ( و في رواية : ما لك ) أجعلك حذائي فتخنس؟). فقلت : يا رسول الله ! أو ينبغي لأحد أن يصلي حذاءك , و أنت رسول الله الذي أعطاك الله , قال : فأعجبته , فدعا الله لي أن يزيدني علما و فهما , زاد أحمد : " قال : ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم نام حتى سمعته ينفخ , ثم أتاه بلال فقال : يا رسول الله ! الصلاة . فقام فصلى ما أعاد وضوءا ".
و قال الحاكم : " صحيح على شرط الشيخين ". ووافقه الذهبي , وهو كما قالا , وقال الهيثمي (9/284)" رواه أحمد , و رجاله رجال الصحيح " , و الجملة الأخيرة في الدعاء له , قد جاءت من طرق أخرى بأتم منها , و قد سبق ذكرها قبل هذا الحديث.
و فيه فائدة فقهية هامة , قد لا توجد في كثير من الكتب الفقهية , بل في بعضها ما يخالفها , و هي : أن السنة أن يقتدي المصلي مع الإمام عن يمينه و حذاءه , غير متقدم عليه , و لا متأخر عنه , خلافا لما في بعض(4/63)
المذاهب أنه ينبغي أن يتأخر عن الإمام قليلا بحيث يجعل أصابع رجله حذاء عقبي الإمام , أو نحوه , و هذا كما ترى خلاف هذا الحديث الصحيح , وبه عمل بعض السلف , فقد روى الإمام مالك في " موطئه " (1/154) عن نافع أنه قال : " قمت وراء عبد الله بن عمر في صلاة من الصلوات و ليس معه أحد غيري , فخالف عبد الله بيده , فجعلني حذاءه".
ثم روى (1/169-170) عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة أنه قال : دخلت على عمر بن الخطاب بالهاجرة , فوجدته يسبح , فقمت وراءه , فقربني حتى جعلني حذاءه عن يمينه , فلما جاء (يرفأ) تأخرت فصففنا وراءه. وإسناده صحيح أيضا .
بل قد صح ذلك من فعله صلى الله عليه وسلم في قصة مرض وفاته حين خرج و أبو بكر الصديق يصلي الناس , فجلس صلى الله عليه وسلم حذاءه عن يساره , (مختصر البخاري/366) , و من تراجم البخاري (57 - باب يقوم عن يمين الإمام بحذائه سواء إذا كانا اثنين). انظر المختصر(10-كتاب الأذان) والتعليق عليه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2590.
س)- إذا لم يستطع الرجل أن ينضم إلى الصف ، فصلى وحده ، فهل تصح صلاته ام يعيدها؟
الأرجح الصحة ، والأمر بالأعادة محمول على من لم يستطع القيام بواجب الانضمام . وبهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما بينته في (الأحاديث الضعيفة) انتهى كلام الالباني من إرواء الغليل.
س)- إذا تعارض وقت صلاة الجماعة مع وقت الامتحان أو منتصفه. فما الجواب جزاكم الله خيراً؟
إن أصل المنهج ليس على الشرع، وما بني على فاسد فهو فاسد، وهذا الذي دخل مثل هذه المدرسة التي وضعت مناهج لم تراع فيها أحكام الشريعة، فبدهي جداً أن تكون العاقبة بالتالي مخالفة للشريعة، ولذلك فهناك حكمة أو مثل عامي شامي يقول: (الذي يريد ألا يرى منامات مكربة، فلا ينام بين القبور). فالذي يريد أن يتمسك بالشريعة عليه ألا ينتمي إلى تعليم أو منهج يخالف الشريعة، وحينئذ إن فعل وانتمى إليها فلا يورد مثل هذا السؤال؛ لأنه لا يستطيع من جهة أن يضيع تلك الجهود والسنوات التي قضاها في التحصيل ليقدم في هذه الساعة من الامتحان أو الاختبار نتيجة ذلك التحصيل، فإن فعل فقد وقع في المخالفة(4/64)
الصريحة للشريعة. ولذلك على المرء أن يبتدئ الطلب للعلم على المنهج العلمي الصحيح؛ لأن ما بني على صالح فهو صالح، وما بني على فاسد فهو فاسد. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
فصل في صلاة الجمعة
س)- ما هو العدد الذي يشترط لصحة صلاة الجمعة؟
لقد اختلفت أقوال العلماء كثيرا في العدد الذي يشترط لصحة صلاة الجمعة حتى بلغت إلى خمسة عشر قولا , قال الإمام الشوكاني في " السيل الجرار " :"و ليس على شيء منها دليل يستدل به قط , إلا قول من قال : إنها تنعقد جماعة الجمعة بما تنعقد به سائر الجماعات" . قلت : و هذا هو الصواب إن شاء الله تعالى . انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1204.
س)- ما هو الأذان المحرم للعمل يوم الجمعة؟
قد اختلفوا في الأذان المحرم للعمل : أهو الأول أم الآخر ? و الصواب أنه الذي يكون و الإمام على المنبر , لأنه لم يكن غيره في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, فكيف يصح حمل الآية على الأذان الذي لم يكن و لم يوجد إلا بعد وفاته صلى الله عليه وسلم , و قد بسطت القول في ذلك في رسالتي : " الأجوبة النافعة " , فراجعها. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 2206.
س)- الحديث الذي هو متعلق بالحِلق يوم الجمعة، إن كانت حلق تلاوة أو حلق ذكر؟ وهل ذكر أو خصص في حديث آخر أن هذه الحلق هي خاصة فقط بصلاة الجمعة في وقت صلاة الجمعة في دخول الجمعة، أو قبل الجمعة وبعدها، أم في كامل اليوم بارك الله فيك؟
الحديث في السنن : (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن التحلق يوم الجمعة قبل الصلاة). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(4/65)
فصل في صلاة المسافر
س)- ماهي المسافة التي تقصر الصلاة عندها؟
حديث (يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة برد من مكة إلى عسفان) موضوع ومما يدل على وضع الحديث , وخطأ نسبته إليه صلى الله عليه وسلم , ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية في رسالته في أحكام السفر: هذا الحديث إنما هو من قول ابن عباس . ورواية ابن خزيمة . وغيره له مرفوعًا إلى النبي صلى الله عليه وسلم باطل بلا شك عند أئمة أهل الحديث . وكيف يخاطب النبي صلى الله عليه وسلم أهل مكة بالتحديد وإنما أقام بعد الهجرة زمنًا يسيرًا، وهو بالمدينة لا يحد لأهلها حدًا كما حده لأهل مكة، وما بال التحديد يكون لأهل مكة دون غيرهم من المسلمين .
وأيضًا، فالتحديد بالأميال والفراسخ يحتاج إلى معرفة مقدار مساحة الأرض، وهذا أمر لا يعلمه إلا خاصة الناس ومن ذكره فإنما يخبر به عن غيره تقليدًا وليس هو مما يقطع به، والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقدر الأرض بمساحة أصلاً، فكيف يقدر الشارع لأمته حدًا لم يجر له ذكر في كلامه وهو مبعوث إلى جميع الناس، فلابد أن يكون مقدار السفر معلومًا علمًا عامًا، ومن ذلك أيضا أنه ثبت بالنقل الصحيح المتفق عليه بين علماء الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع كان يقصر الصلاة بعرفة , ومزدلفة , في أيام منى , وكذلك أبوبكر وعمر من بعده , وكان يصلي خلفهم أهل مكة , ولم يأمرهم بإتمام الصلاة , فدل هذا على أن ذلك سفر , وبين مكة وعرفة بريد , وهو نصف يوم بسير الإبل والأقدام .
والحق أن السفر ليس له حد في اللغة ولا في الشرع , فالمرجع فيه إلى العرف , فما كان سفرا في عرف الناس , فهو السفر الذي علق به الشارع الحكم.
وتحقيق هذا البحث الهام تجده في رسالة ابن تيمية المشار إليها آنفا فراجعها , فإن فيها فوائد هامة لا تجدها عند غيره. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 439.
س)- هل القصر مبدؤه من بعد الخروج من البلدة؟
القصر مبدؤه من بعد الخروج من البلدة , وهو مذهب الجمهور من العلماء كما في نيل الأوطار قال : (وذهب بعض الكوفيين إلى أنه إذا أراد السفر يصلي ركعتين ولو كان في منزله ومنهم من قال إذا ركب قصر إن شاء . ورجح ابن المنذر الأول بأنهم اتفقوا على أنه يقصر إذا فارق البيوت واختلفوا فيما قبل ذلك فعليه الإتمام(4/66)
على أصل ما كان عليه حتى يثبت أن له القصر) , قال : (ولا أعلم أن النبي صلى اللَّه عليه وآله وسلم قصر في سفر من أسفاره إلا بعد خروجه من المدينة) .
قلت : والأحاديث في هذا المعنى كثيرة , وقد خرجت طائفة منها في الإرواء من حديث أنس وأبي هريرة وابن عباس وغيرهم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 163.
س)- المسافر إذا جد به السير جمع وقصر، هل المطار ودخول ساحة الطائرة هل يعتبر هذا جدَّ به السير وبالتالي يجوز له أن يجمع ويقصر في المطار داخل البلد؟
لا، هو السفر كما تعلمون من الناحية العربية هو الخروج من البلدة ومن البنيان، فيختلف الآن مثلاً هنا في عمَّان، عندنا مطار دارنا تُطل عليه كان في وسط البلد، هذا لا يجوز له أن يشرع في أحكام السفر إلا إذا انطلقت الطائرة وجاوزت حدود عمَّان، بينما مطار عمَّان الآن والذي يسمونه مطار عمَّان الدولي فهو خارج البلد، فإذا ركب سيَّارته أو استأجر سيارةً ما، ليذهب إلى الطائرة ويركبها وخرج عن بنيان عمَّان تبدأ حينذاك أحكام السفر لأن المطار خارج البلد، فيختلف الأمر بين مطار وآخر، إذا كان المطار داخل البلد؛ فلا يبدأ القصر والجمع، وإذا كان خارج البلد فيجوز. انتهى كلام الالباني من الشريط 835 من سلسلة الهدى والنور.
س)- هل صلاة السفر أصل بنفسها ام أنها مقصورة من الرباعية؟
أن صلاة السفر أصل بنفسها , و أنها ليست مقصورة من الرباعية كما يقول بعضهم , فهي في ذلك كصلاة العيدين و نحوها , كما قال عمر رضي الله عنه : "صلاة السفر و صلاة الفطر و صلاة الأضحى و صلاة الجمعة , ركعتان تمام غير قصر على لسان نبيكم صلى الله عليه وسلم". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2814.
س)- ما حكم الجمع بين الصلاتين في السفر؟
الجمع بين الصلاتين في السفر , ولو في غير عرفة ومزدلفة , وهو مذهب جمهور العلماء , خلافاً للحنفية , وقد تأولوه بالجمع الصوري , أي : بتأخير الظهر إلى قرب وقت العصر , وكذا المغرب مع العشاء , وقد رد عليهم الجمهور من وجوه:
أولاً : أنه خلاف الظاهر من الجمع.(4/67)
ثانياً : أن الغرض من مشروعيته التيسير ورفع الحرج كما صرحت بذلك رواية مسلم , ومراعاة الجمع الصوري فيه من الحرج ما لا يخفي .
ثالثاً: أن في بعض أحاديث الجمع ما يبطل دعواهم , كحديث أنس بن مالك بلفظ (أَخَّرَ الظُّهْرَ حَتَّى يَدْخُلَ أَوَّلُ وَقْتِ الْعَصْرِ ثُمَّ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا) رواه مسلم وغيره.
رابعاً : ويبطله أيضاً جمع التقديم الذي صرح به حديث معاذ هذا : (وَإِذَا ارْتَحَلَ بَعْدَ زَيْغِ الشَّمْسِ عَجَّلَ الْعَصْرَ إِلَى الظُّهْرِ) , والأحاديث بهذا المعنى كثيرة كما سبقت الإشارة إلى ذلك.
2- وأن الجمع كما يجوز تأخيراً يجوز تقديماً , وبه قال الإمام الشافعي في الأم , وكذا أحمد وإسحاق , كما قال الترمذي.
3- وأنه يجوز الجمع في حال نزوله كما يجوز إذا جد به السير , قال الإمام الشافعي في الأم بعد أن روى الحديث من طريق مالك : (وهذا وهو نازل غير سائر لأن قوله : [دخل .... ثم خرج] , لا يكون إلا وهو نازل , فللمسافر أن يجمع نازلاً وسائراً.
قلت : فلا يلتفت بعد هذا النص إلى قول ابن القيم رحمه الله في الزاد : (ولم يكن من هديه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الجمع راكباً في سفره كما يفعله كثير من الناس , ولا الجمع حال نزوله أيضاً).
وقد اغتر بكلامه هذا بعض إخواننا السلفيين في بعض الأقطار , فلذلك وجب التنبيه عليه.
ومن الغريب أن يخفى مثل هذا النص على ابن القيم رحمه الله مع وروده في الموطأ , وصحيح مسلم , وغيرهما من الأصول التي ذكرنا , ولكن لعل الغرابة تزول إذا تذكرنا أنه الف الكتاب الزاد في حال بعده عن الكتب وهو مسافر , وهذا هو السبب في وجود كثير من الأخطاء الأخرى فيه , وقد بينت ما ظهر لي منها في التعليقات الجياد على زاد المعاد).
ومما يحمل على الاستغراب أيضاً أن شيخه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله صرح في بعض كتبه بخلاف ما قال ابن القيم رحمه الله , فكيف خفي عليه ذلك وهو أعرف الناس به وبأقواله؟.
قال شيخ الإسلام في مجموعة الرسائل والمسائل بعد أن ساق الحديث : (الجمع على ثلاث درجات : أما إذا كان سائراً في وقت الأولى : فإنما ينزل في وقت الثانية . فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث أنس وابن عمر، وهو نظير جمع مزدلفة . وأما إذا كان وقت الثانية سائراً أو راكباً، فجمع في وقت الأولى، فهذا نظير الجمع بعرفة، وقد روى ذلك في السنن [يعني حديث معاذ هذا] , وأما إذا كان نازلا في وقتهما جميعاً نزولا مستمرا، فهذا ما علمت روى ما يستدل به عليه إلا حديث معاذ هذا . فإن ظاهره أنه كان نازلاً في خيمة في السفر، وأنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعاً، ثم دخل إلى بيته، ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعاً . فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنزل . وأما السائر فلا يقال : دخل(4/68)
وخرج، بل نزل وركب . وتبوك هي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يسافر بعدها إلا حجة الوداع . وما نقل أنه جمع فيها إلا بعرفة ومزدلفة، وأما بمنى فلم ينقل أحد أنه جمع هناك؛ بل نقلوا أنه كان يقصر الصلاة هناك، وهذا دليل على أنه كان يجمع أحياناً في السفر وأحياناً لا يجمع ـ وهو الأغلب على أسفاره ـ : أنه لم يكن يجمع بينهما .
وهذا يبين أن الجمع ليس من سنة السفر، كالقصر بل يفعل للحاجة، سواء كان في السفر أو الحضر، فإنه قد جمع ـ أيضاً ـ في الحضر لئلا يحرج أمته . فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع، سواء كان ذلك لسيره وقت الثانية، أو وقت الأولى وشق النزول عليه، أو كان مع نزوله لحاجة أخري، مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر، ووقت العشاء، فينزل وقت الظهر وهو تعبان، سهران، جائع، محتاج إلى راحة وأكل ونوم، فيؤخر الظهر إلى وقت العصر ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره، فهذا ونحوه يباح له الجمع .
وأما النازل أياماً في قرية أو مصر ـ وهو في ذلك المصر ـ فهذا ـ وإن كان يقصر لأنه مسافر ـ فلا يجمع، كما أنه لا يصلي على الراحلة ولا يصلي بالتيمم، ولا يأكل الميتة . فهذه الأمور أبيحت للحاجة، ولا حاجة به إلى ذلك، بخلاف القصر فإنه سنة صلاة السفر . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 164.
س)- هل قصر الصلاة في السفر سنة ام فرض؟
الذي أقطع به أن الصواب قول من قال بوجوب القصر ، لأدلة كثيرة لا معارض لها ، ذكرها الشوكاني في "السيل الجرار" ، منها حديث عائشة "فرضت الصلاة ركعتين ركعتين" الحديث . أخرجه الشيخان .
قال الشوكاني : " فمن زاد فيها فهو كمن زاد على أربع في صلاة الحضر ، ولا يصح التعلق بما روي عنها أنها كانت تتم ، فإن ذلك لا تقوم به الحجة ، بل الحجة في روايتها لا في رأيها " .
وقال الحافظ في "التلخيص": "وذكر عروة أنها تأولت كما تأول عثمان كما في "الصحيح" ، فلو كان عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم رواية لم يقل عروة عنها أنها تأولت ، وقد ثبت في "الصحيحين" خلاف ذلك.
قلت : يشير الى ضعف حديث الدارقطني عنها بلفظ : " قصر رسول الله صلى الله عليه وآله في السفر وأتم " فإنه مع ضعف اسناده مخالف للأحاديث الصحيحة الصريحة في قصره صلى الله عليه وسلم للصلاة في السفر ، وقد ذكرت بعضها في "الإرواء" ، وبينت علة الحديث المذكور ، فليرجع إليه من شاء. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- كيف يصلي المسافر إذا اقتدى بمقيم هل يتم ام يقصر ؟(4/69)
إن السنة في المسافر إذا اقتدى بمقيم أنه يتم و لا يقصر , و هو مذهب الأئمة الأربعة و غيرهم , بل حكى الإمام الشافعي في "الأم" إجماع عامة العلماء على ذلك , و نقله الحافظ ابن حجر عنه في "الفتح" و أقره , وعلى ذلك جرى عمل السلف. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2676.
س)- هل تصلى السنن الرواتب في السفر؟
لسنا نعلم حديثا صحيحا في محافظته صلى الله عليه وسلم على شيء من السنن الرواتب في السفر سوى سنة الفجر و الوتر . والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1209.
س)- متى يقصر الإنسان في السفر؟
سؤال متى يقصر الإنسان في السفر؟ له شعب، فيمكن أن يقال في الجواب: إذا خرج من بنيان بلدته، وفي ظني أن السائل لا يعني هذا فقط، وكأني أشعر بأنه يعني: ما هو السفر الذي يقصر فيه المسافر؟ الحقيقة: أن هذه المسألة أيضاً مسألة جرى فيها خلاف كثير وطويل جداً، وليس هناك نص صريح من كتاب الله، أو من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، يمكن أن يعتبر نصاً قاطعاً رافعاً للخلاف، وإنما هناك الترجيح فقط، ونحن مع أولئك الذين ذهبوا إلى أن مطلق السفر هو سفر تجري عليه أحكام السفر والمسافر، وهذا مأخوذ من مثل قوله تبارك وتعالى: (فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَر) [البقرة:184] . فكما أن الله عز وجل أطلق المرض في هذه الآية، كذلك أطلق السفر، فكل ما كان سفراً، سواءً كان طويلاً أم قصيراً، فهو سفر تترتب عليه أحكامه، ولا ينظر بعد ذلك إلى المسافة أن يقال مثلاً: يوم وليلة، أو ثلاثة أيام بلياليها، أو نحو ذلك، فإذا عرفنا أن هذا هو القول الراجح وهو الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية في بعض كتبه، بل وفي رسالته الخاصة بأحكام السفر، التي كانت قد طبعت في جزء ضمن خمسة مجلدات، وهي طبعة المنار للسيد رشيد رضا رحمه الله، وطبعت في مصر . إذا عرفنا أن السفر مطلقاً هو الذي يترتب عليه أحكام المسافر، فحينئذٍ مجرد أن يخرج المسافر من بلدته تجري عليه أحكام المسافر، فإذا نزل في البلدة التي كان قاصداً إليها فهناك لا يزال مسافراً أيضاً؛ سواء أكثرت أم قلت، فهو لا يزال في حكم المسافر، إلا إذا نوى الإقامة، أما ما دام لم يعزم الإقامة، وهو يقول في نفسه: اليوم أسافر وغداً أسافر.. وهكذا، فمهما كانت المدة التي أقامها في البلدة التي سافر إليها طويلة فهو لا يزال مسافراً. وقد ثبت أن الصحابة حينما خرجوا للجهاد في سبيل الله نحو خراسان من بلاد إيران اليوم، هناك نزلت الثلوج بغزارة فقطعت عليهم طريق الرجوع إلى بلادهم، فظلوا ستة أشهر وهم يقصرون الصلاة؛ لأنهم كانوا يأملون أن تزول هذه الثلوج إما بطريقة ربانية إلهية، أو بطريقة صناعية كما قد يفعلون اليوم في بعض البلاد.(4/70)
إذاً: بهذا نعرف أن السفر ليس له حد يسمى، وإنما هو على الإطلاق كالمرض، وأن أحكامه تبدأ بمجرد خروج المسافر من بلدته، فإذا وصل إلى البلدة القاصد إليها فهو لا يزال مسافراً إلا أن يعزم الإقامة، أما ما دام أنه لم يعزم الإقامة فهو مسافر. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
فصل في صلاة التراويح
س)- هل تشرع صلاة التراويح في جماعة . وما هي عدد ركعاتها؟
دل حديث عائشة و حديث جابر على مشروعية صلاة التراويح مع الجماعة , و على أنها إحدى عشرة ركعة مع الوتر . و للأستاذ نسيب الرفاعي رسالة نافعة في تأييد ذلك اسمها " أوضح البيان فيما ثبت في السنة في قيام رمضان " فننصح بالاطلاع عليها من شاء الوقوف على الحقيقة .
ثم إن أحد المنتصرين لصلاة العشرين ركعة أصلحه الله - قام بالرد على الرسالة المذكورة في وريقات سماها " الإصابة في الانتصار للخلفاء الراشدين و الصحابة " حشاها بالافتراءات , و الأحاديث الضعيفة بل الموضوعة , و الأقوال الواهية , الأمر الذي حملنا على تأليف رد عليه أسميته " تسديد الإصابة إلى من زعم نصرة الخلفاء الراشدين و الصحابة " و قد قسمته إلى ستة رسائل طبع منها :
الأولى : في بيان الافتراءات المشار إليها .
الثانية : في " صلاة التراويح " . و هي رسالة جامعة لكل ما يتعلق بهذه العبادة , و قد بينت فيها ضعف ما يروى عن عمر رضي الله عنه أنه أمر بصلاة التراويح عشرين ركعة , و أن الصحيح عنه أنه أمر بصلاتها إحدى عشرة ركعة وفقا للسنة الصحيحة , و أن أحدا من الصحابة لم يثبت عنه خلافها فلتراجع فإنها مهمة جدا و إنما علينا التذكير و النصيحة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم560.
فصل في صلاة الجنازة
س)- ما حكم صلاة الجنازة؟
الصلاة على الميت المسلم فرض كفاية لأمره صلى الله عليه وسلم بها في أحاديث . انتهى كلام الالباني من كتاب مختصر الجنائز.(4/71)
س)- هل كل من مات من المسلمين يجب ان يصلى عليه؟
يستثنى من ذلك شخصان فلا تجب الصلاة عليهما :
الأول : الطفل الذي لم يبلغ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ابنه إبراهيم عليه السلام.
الثاني : الشهيد لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على شهداء أحد وغيرهم.
ولكن ذلك لا ينفي مشروعية الصلاة عليهما بدون وجوب.
فتشرع الصلاة على من يأتي ذكرهم :
الأول : الطفل : ولو كان سقطا.
الثاني : الشهيد.
الثالث : من قتل في حد من حدود الله.
الرابع : الفاجر المنبعث في المعاصي والمحارم مثل تارك الصلاة والزكاة مع اعترافه بوجوبهما والزاني ومدمن الخمر ونحوهم من الفساق فإنه يصلى عليهم إلا أنه ينبغي لأهل العلم والدين أن يدعوا الصلاة عليهم عقوبة وتأديبا لأمثالهم كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم . وفي ذلك أحاديث.
الخامس : المدين الذي لم يترك من المال ما يقضي به دينه فإنه يصلى عليه وإنما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة عليه في أول الأمر.
السادس : من دفن قبل أن يصلى عليه أو صلى عليه بعضهم دون بعض فيصلون عليه وهو في قبره على أن يكون الإمام في الصورة الثانية ممن لم يكن صلى عليه .
السابع : من مات في بلد ليس فيها من يصلي عليه صلاة الحاضر فهذا يصلي عليه طائفة من المسلمين صلاة الغائب لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي.
غير انه لا تشرع صلاة الغائب على كل من مات ومما يؤيد عدم مشروعية الصلاة على كل غائب أنه لما مات الخلفاء الراشدون وغيرهم لم يصل أحد من المسلمين عليهم صلاة الغائب ولو فعلوا لتواتر النقل بذلك عنهم .
فقابل هذا بما عليه كثير من المسلمين اليوم من الصلاة على كل غائب لا سيما إذا كان له ذكر أو صيت ولو من الناحية السياسية فقط ولا يعرف بصلاح أو خدمة للإسلام ولو كان مات في الحرم المكي وصلى عليه الآلاف المؤلفة في موسم الحج صلاة الحاضر قابل ما ذكرنا بمثل هذه الصلاة تعلم يقينا أن ذلك من البدع التي لا يمتري فيها عالم بسنته صلى الله عليه وسلم ومذهب السلف رضي الله عنهم.انتهى كلام الالباني من كتاب مختصر الجنائز.(4/72)
س)- ما هي عدد تكبيرات صلاة الجنازة؟
يكبر عليها أربعا أو خمسا إلى تسع تكبيرات كل ذلك ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فأيها فعل أجزأه والأولى التنويع فيفعل هذا تارة وهذا تارة كما هو الشأن في أمثاله كأدعية الاستفتاح وصيغ التشهد والصلوات الإبراهيمية ونحوهما وإن كان لا بد من التزام نوع واحد منها فهو الأربع لأن الأحاديث فيها أقوى وأكثر والمقتدي يكبر ما كبر الإمام. انتهى كلام الالباني من كتاب مختصر الجنائز.
س)- ما حكم رفع الايدي في تكبيرات الجنازة؟
قال ابن حزم رحمه الله تعالى : و أما رفع الأيدي , فإنه لم يأت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رفع في شيء من تكبير الجنازة إلا في أول تكبيرة فقط , فلا يجوز فعل ذلك , لأنه عمل في الصلاة لم يأت به نص , وإنما جاء عنه عليه السلام أنه كبر و رفع يديه في كل خفض و رفع , و ليس فيها رفع و لا خفض , و العجب من قول أبي حنيفة برفع الأيدي في كل تكبيرة في صلاة الجنازة , و لم يأت قط عن النبي صلى الله عليه وسلم , و منعه رفع الأيدي في كل خفض و رفع في سائر الصلوات , و قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم , و قد نقل تعجب ابن حزم هذا من أبي حنيفة بعض مقلديه في تعليقه على " نصب الراية " و اعترض عليه بقوله : قلت : هذه النسبة منه أعجب.
و أقول : لا عجب , فإن قول أبي حنيفة هذا ثابت عنه , منقول في كثير من كتب أتباعه , مثل حاشية ابن عابدين و غيره , و عليه عمل أئمة بلخ من الحنفيين , و إن كان عمل الأحناف اليوم على خلافه , و عليه جرت كتب المتون , و هذا هو الذي غر المشار إليه على الاعتراض على ابن حزم و الرد عليه , و هو به أولى. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1045
س)- إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء كيف توضع؟
إذا اجتمعت جنائز عديدة من الرجال والنساء صلي عليها صلاة واحدة وجعلت الذكور - ولو كانوا صغارا - مما يلي الإمام وجنائز الإناث مما يلي القبلة فإنه السنة. انتهى كلام الالباني من كتاب مختصر الجنائز.
س)- اين يقف الإمام عند الصلاة على الجنازة؟
يقف الإمام وراء رأس الرجل ووسط المرأة. انتهى كلام الالباني من كتاب مختصر الجنائز.(4/73)
س)- ما حكم صلاة الجنازة في أوقات النهي؟
لا تجوز الصلاة على الجنازة في الأوقات الثلاثة التي تحرم الصلاة فيها إلا لضرورة لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال (ثلاث ساعات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر فيهن موتانا : حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع وحين يقوم قائم الظهيرة حتى تميل الشمس وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب) صحيح ، وهو بعمومه يشمل الصلاة على الجنازة وهو الذي فهمه الصحابة . انتهى كلام الالباني من كتاب مختصر الجنائز.
س)- هل الأفضل صلاة الجنازة داخل المسجد ام خارجه؟
تجوز الصلاة على الجنازة في المسجد لكن الأفضل الصلاة عليها خارج المسجد في مكان معد للصلاة على الجنائز كما كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وهو الغالب على هديه فيها وفي ذلك أحاديث. انتهى كلام الالباني من كتاب مختصر الجنائز.
س)- هل تجوز الصلاة على الجنازة بين القبور؟
لا تجوز الصلاة عليها بين القبور لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه:(أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يصلى على الجنائز بين القبور) حسن انتهى كلام الالباني من كتاب مختصر الجنائز.
س)- هل تجوز الصلاة على الميت وهو في قبره؟
أخرج الدارقطني في "السنن " (2/78/7)، ومن طريقه: البيهقي في "سننه " (4/46)، والخطيب في "تاريخه " (7/455) عن الحسن بن يونس الزيات: ثنا إسحاق بن منصور: ثنا هريم بن سفيان عن الشيباني عن الشعبي عن ابن عباس: أن النبي - صلى الله عليه وسلم(صلى على مَيِّتٍ بعد موتِهِ بثلاثٍ).
وفي الحديث جواز الصلاة على الميت وهو في قبره، وأن ذلك لا يشمله النهي عن الصلاة إلى القبور؛ وأن الجواز لا يقيد بيوم أو ليلة، وإنما بعلمه الحادث بالوفاة والدفن. وقد أفاض الحافظ المغربي ابن عبدالبر في كتابه "التمهيد" (6/279) في ذكر الأحاديث الواردة في الباب بأسانيدها- كما هي عادته- وبيان مذاهب(4/74)
الأئمة الفقهاء حولها، ووجهة نظرهم فيها، ثم ختم ذلك بخلاصة ما انتهى إليه من فقهها، فقال:"من صلى على قبر، أو على جنازة قد صلي عليها؛ فمباح له ذلك؛ لأنه قد فعل خيراً لم يحظره الله ولا رسوله، ولا اتفق الجميع على المنع منه، وقد قال الله تعالى:(( وافعلوا الخير)) [ الحج : 77] ، وقد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على قبر، ولم يأت عنه نسخه، ولا اتفق الجميع على المنع منه، فمن فعل فغير حرج ، ولا معنَّف، بل هو في حل وسعة وأجر جزيل إن شاء الله، إلا أنه ما قدم عَهْدُه فمكروه الصلاة عليه؛ لأنه لم يأت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولا عن أصحابه أنهم صلوا على القبر إلا بحدثان ذلك، وأكثر ما روي فيه شهر" . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3031.
فصل في صلاة العيدين
س)- هل صلاة العيدين سنة ام فرض؟
الحق وجوبها لا سنيتها فحسب ، ومن الأدلة على ذلك أنها مسقطة للجمعة إذا اتفقتا في يوم واحد ، وما ليس بواجب لا يسقط واجبا كما قال صديق خان في "الروضة الندية" ، وراجع تمام هذا البحث فيه وفي "السيل الجرار" انتهى كلام الالباني من تمام المنة.(4/75)
س)- هل يسن رفع اليدين مع كل تكبيرة العيد؟
الصواب أن يقال : لا يسن ذلك ، لأنه لم يثبت ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ، وكونه روي عن عمر وابنه لا يجعله سنة. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- ما حكم التكبير جهراً من الطريق إلى المصلى في العيد ، وهل يشرع هذا التكبير بصوت واحد؟
في الحديث (كان صلى الله عليه وسلم يخرج يوم الفطر فيكبر حتى يأتي المصلى ، وحتى يقضي الصلاة ، فإذا قضى الصلاة ؛ قطع التكبير) ، دليل على مشروعية ما جرى عليه عمل المسلمين من التكبير جهراً في الطريق إلى المصلى , وإن كان كثير منهم بدؤوا يتساهلون بهذه السنة , حتى كادت أن تصبح في خبر كان , وذلك لضعف الوازع الديني منهم , وخجلهم من الصدع بالسنة والجهر بها , ومن المؤسف أن فيهم من يتولى إرشاد الناس وتعليمهم , فكأن الإرشاد عندهم محصور بتعليم الناس ما يعلمون , وأما ما هم بأمس الحاجة إلى معرفته , فذلك مما لا يلتفتون إليه , بل يعتبرون البحث فيه والتذكر به قولاً وعملاً من الأمور التافهة التي لا يحسن العناية بها عملاً وتعليماً , فإن لله وإنا إليه راجعون .
ومما يحسن التذكير به بهذه المناسبة : أن الجهر بالتكبير هنا لا يشرع فيه الاجتماع عليه بصوت واحد كما يفعله البعض , وكذلك كل ذكر يشرع فيه رفع الصوت أو لا يشرع ' فلا يشرع فيه الاجتماع المذكور , ومثله الأذان من الجماعة المعروف في دمشق (بأذان الجوق) , وكثيراً ما يكون هذا الاجتماع سبباً لقطع الكلمة أو الجملة في مكان لا يجوز الوقف عنده , مثل : (لا إله) في تهليل فرض الصبح والمغرب كما سمعنا ذلك مراراً.
فلنكن في حذر من ذلك , ولنذكر دائماً قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (وخير الهدي هدي محمد). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 171.
فصل في صلاة الكسوف
س)- ما حكم صلاة الكسوف؟
قال أبو عوانة في "صحيحه": "بيان وجوب صلاة الكسوف" . ثم ساق بعض الأحاديث الصحيحة في الأمر بها كقوله صلى الله عليه وسلم " فإذا رأيتموها فصلوا " . وهو ظاهر صنيع ابن خزيمة في "صحيحه" ، فإنه قال فيه: "باب الأمر بالصلاة عند كسوف الشمس والقمر . . . " . وذكر أيضا بعض الأحاديث في الأمر بها(4/76)
، ومن المعلوم من أسلوب ابن خزيمة في "صحيحه" أنه حين يكون الأمر عنده لغير الوجوب ، يبين ذلك في أبواب كتابه ، فالمسألة فيها خلاف ، ولذلك قال الحافظ في "الفتح": "فالجمهور على أنها سنة مؤكدة ، وصرح أبو عوانة في " صحيحه " بوجوبها ، ولم أره لغيره ، إلا ما حكي عن ما أنه أجراها مجرى الجمعة ، ونقل الزين بن المنير عن أبي حنيفة أنه أوجبها ، وكذا نقل بعض مصنفي الحنفية أنها واجبة ، . قلت . وهو الأرجح .
والآخر : أن القول السنية فقط فيه إهدار للأوامر الكثيرة التي جاءت عنه صلى الله عليه وسلم في هذه الصلاة دون أي صارف لها عن دلالتها الأصلية ، ألا وهو الوجوب . ومال إلى هذا الشوكاني في "السيل الجرار" ، وأقره صديق خان في "الروضة الندية" ، وهو الحق إن شاء الله تعالى . والعجب من ابن حزم أنه لم يتعرض في كتابه "المحلى" لبيان حكم هذه الصلاة العظيمة ، وإنما تكلم فقط عن كيفبة صلاتها بتفصيل بالغ ، ولعله جاء فيه بما لم يسبق إليه ، فشغله ذلك عن بيان مذهب في حكمها. ". انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
س)- هل صلاة الكسوف سرا ام جهرا؟
المتقرر أن صلاة الكسوف إنما صلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة واحدة ، وقد صح أنه جهر بها كما في البخاري ، ولم يثبت ما يعارضه ، ولو ثبت لكان مرجوحا. انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
فصل في صلاة الاستسقاء
س)- هل من السنة ان يجهر في الأولى بالفاتحة وسبح اسم ربك الأعلى ، وفي الثانية بالغاشية بعد الفاتحة في صلاة الاستسقاء؟
أما الجهر فيها فصحيح ثابت عنه صلى الله عليه وسلم في حديث عبد الله بن زيد ، وهو مخرج في "الإرواء".(4/77)
وأما تعيين السورتين المذكورتين فلا يصح عنه صلى الله عليه وسلم ، لأن في سنده محمد بن عبد العزيز بن عمر الزهري ، وهو ضعيف جدا . انظر " تلخيص المستدرك " للذهبي ، و " نصب الراية " للزيلعي ، و " إرواء الغليل " ، و " الضعيفة ". فالصواب أن يقرأ ما تيسر لا يلتزم سورة معينة . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.
فصل في سجود التلاوة
س)- هل اذا مرالمصلي بالسجدة كبر وسجد؟
قد روى جمع من الصحابة سجوده صلى الله عليه وسلم للتلاوة في كثير من الآيات في مناسبات مختلفة ، فلم يذكر أحد منهم تكبيره عليه السلام للسجود ، ولذلك نميل إلى عدم مشروعية هذا التكبير . وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة رحمه الله . انتهى كلام الالباني من تمام المنة.(4/78)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب الزكاة والصدقة
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(5/1)
كتاب الزكاة والصدقة
فصل في الشروط التي يجب توفرها في المال لتجب الزكاة فيه
باب في الأصناف التي تجب فيها الزكاة
س)- لا زكاة إلا في الحنطة والشعير والذرة والتمر والزبيب ، لأن ما عداه لا نص فيه .هل هذا صحيح؟
هذا هو الذي يجب الوقوف عنده لقوله صلى الله عليه وسلم لأبي موسى ومعاذ حين أرسلهما إلى اليمن "لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة : الشعير ، والحنطة ، والزبيب ، والتمر" . أخرجه البيهقي والحاكم وصححه ، ووافقه الذهبي ، وهو كما قالا ، على ما بينته في "ارواء الغليل" ، وهو اختيار أبي عبيد في كتابه "الأموال" ، فراجع كلامه فيه ، وبه يرتاح المسلم من الأقوال المختلفة المتضاربة. انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل تجب الزكاة على عروض التجارة؟
الحق أن القول بوجوب الزكاة على عروض التجارة مما لا دليل عليه في الكتاب والسنة الصحيحة ، مع منافاته لقاعدة " البراءة الأصلية " التي يؤيدها هنا قوله صلى الله عليه وآله في خطبة حجة الوداع : "فإن دماءكم ، وأموالكم ، وأعراضكم ، وأبشاركم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ، ألا هل بلغت ؟ ! اللهم فاشهد . . ." الحديث . رواه الشيخان وغيرهما ،. ومثل هذه القاعدة ليس من السهل نقضها ، أو على الأقل تخصيصها ببعض الآثار ولو صحت ، كقول عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : "ليس في العروض زكاة ، إلا ما كان للتجارة" . أخرجه الإمام الشافعي في الأم بسند صحيح . ومع(5/2)
كونه موقوفا غير مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فإنه ليس فيه بيان نصاب زكاتها ، ولا ما يجب إخراجه منها ، فيمكن حمله على زكاة مطلقة ، غير مقيدة بزمن أو كمية ، وإنما بما تطيب به نفس صاحبها ، فيدخل حينئذ في عموم النصوص الآمرة بالإنفاق ، كقوله تعالى : (يا أيها الذين آمنوا انفقوا مما رزقناكم) ، وقوله جل وعلا : (وآتوا حقه يوم حصاده) ، وكقول النبي صلى الله عليه وآله : "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان ، أحدهما : اللهم أعط منفقا خلفا ، ويقول الآخر : اللهم اعط ممسكا تلفا" رواه الشيخان وغيرهما . وهو مخرج في "سلسلة الأحاديث الصحيحة".
قد يدعي بعضهم أن القول بعدم وجوب زكاة عروض التجارة فيه إضاعة لحق الفقراء والمساكين في أموال الأغنياء والمثرين . والجواب من وجهين :
الأول : أن الأمر كله بيد الله تعالى ، فليس لأحد أن يشرع شيئا من عنده بغير إذن من الله عزوجل (وربك يخلق ما يشاء ويختار ، ما كان لهم الخيرة سبحانه وتعالى عما يشركون) ، ألا ترى أنهم أجمعوا على أنه لا زكاة على الخضروات ، على اختلاف كثير بينهم ، واتفقوا على أنه لا زكاة على القصب والحشيش والحطب مهما بلغت قيمتها ، فما كان جوابهم عن هذا كان الجواب عن تلك الدعوى !.
والآخر : أن تلك الدعوى قائمة على قصر النظر في حكمة فرض الزكاة أنها لفائدة إلفقراء فقط ، والأمر على خلافه كما في قوله تعالى : (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم . . .) الآية . فإذا كان الأمر كذلك ، ووسعنا النظر في الحكمة قليلا ، وجدنا أن الدعوى المذكورة باطلة ، لأن طرح الأغنياء أموالهم ومتاجرتهم بها أنفع للمجتمع - وفيه الفقراء - من كنزها ولو أخرجوا زكاته ، ولعل هذا يدركه المتخصصون في علم الاقتصاد أكثر من غيرهم ، والله ولي التوفيق. انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
باب في بلوغ النصاب
س)- لو بلغ النصاب في أثناء الحول ، أو أبدل بغير جنسه ،فهل ينقطع حول الزكاة وياستأنف حولا آخر؟
ينبغي أن يقيد هذا بما إذا وقع ذلك اتفاقا ، لا لقصد الخلاص من الزكاة ، كما يروى عن بعض الحنفية أنه كان إذا قارب انتهاء حول النصاب وهب المال لزوجته ، حتى إذا انتهى الحول استرده منها ! لأن العود بالهدية جائز عندهم على تفصيل فيه ! فمن احتال هذه الحيلة التي يسميها بعضهم حيلة شرعية ! فإني(5/3)
أرى أن يؤخذ منه الزكاة ، وشطر ماله ، على حديث بهز بن حكيم ، فإن المحتال أولى بهذا الجزاء من الممتنع دون حيلة ، فتأمل. انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
فصل في مصارف الزكاة
س)- هل يجوز إخراج قيمة الزكاة بدل العين؟
يجوز إخراج القيمة مراعاة لمصلحة الفقراء ، والتيسير على الأغنياء ، وهو اختيار ابن تيمية ، قال في "الاختيارات" : "ويجوز إخراج القيمة في الزكاة لعدم العدول عن الحاجة والمصلحة ، مثل أن يبيع ثمرة بستانه أو زرعه ، فهنا إخراج عشر الدراهم يجزئه ، ولا يكلف أن يشتري تمرا أو حنطة ، فإنه قد ساوى الفقير بنفسه ، وقد نص أحمد على جواز ذلك ، ومثل أن تجب عليه شاة في الإبل ، وليس عنده شاة ، فإخراج القيمة كاف ، ولا يكلف السفر لشراء شاة ، أو أن يكون المستحقون طلبوا القيمة لكونها أنفع لهم ، فهذا جائز".. انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل الحج ليس من سبيل الله التي تصرف فيها الزكاة؟
بلى ، هو من سبيل الله بنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد قال ابن عباس رضي الله عنه : أراد رسول الله الحج ، فقالت امرأة لزوجها : أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما عندي ما أحجك عليه ، قالت : أحجني على جملك فلان ، قال : ذاك حبيس في سبيل الله عز وجل ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن امرأتي تقرأ عليك السلام ورحمة الله ، لأنها سألتني الحج معك ، قالت : أحجني مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت : . . . فقالت : أحجني على جملك فلان ، فقلت : ذاك حبيس في سبيل الله ، فقال " صلى الله عليه وآله " : " أما إنك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله " الحديث . أخرجه أبو داود بسند حسن والطبراني في " الكبير " ، والحاكم وصححه ، وابن خزيمة في " صحيحه " ، وله شاهد من حديث أبي طلق ، أخرجه الدولابي في " الكنى " بسند صحيح ، وقواه المنذري والحافظ . ولذلك قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية المشار إليها : "وعند الإمام أحمد والحسن وإسحاق ، الحج من سبيل الله ، للحديث " . يريد هذا ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقال في "الاختيارات العلمية" : " ومن لم يحج حجة الإسلام وهو فقير ، أعطي ما يحج به ، وهو إحدى الروايتين عن أحمد " . وقد رواه أبو عبيد في "الأموال" عن ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهما في سبيل الله ، فقيل له : أتجعل في الحج ؟ فقال : أما إنه في سبيل الله . وإسناده صحيح كما قال الحافظ في " الفتح ". وروى أبو(5/4)
عبيد بسند صحيح عن ابن عباس : "أنه كان لا يرى بأسا أن يعطي الرجل من زكاة ماله في الحج وأن يعتق الرقبة ". انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
فصل في زكاة الفطر
س)- هل مصرف زكاة الفطر هي مصرف الزكاة ، أي أنها توزع على الأصناف الثمانية المذكورة في آية : (إنما الصدقات للفقراء)؟
ليس في السنة العملية ما يشهد لهذا التوزيع ، بل قوله صلى الله عليه وسلم في حديث ابن عباس : "وطعمة للمساكين" ، يفيد حصرها بالمساكين ، والآية إنما هي في صدقات الأموال ، لا صدقة الفطر ، بدليل ما قبلها ، وهو قوله تعالى : (ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن أعطوا منها رضوا) ، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، وله في ذلك فتوى مفيدة من " الفتارى " ، وبه قال الشوكاني في السيل الجرار ، ولذلك قال ابن القيم في الزاد : "وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تخصيص المساكين بهذه الصدقة" . انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل يجوز إعطاء زكاة الفطر للذمي لقول الله تعالى : ( لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين )؟
لا يظهر في الآية دليل على الجواز ، لأن الظاهر منها الإحسان إليهم على وجه الصلة من الصدقات غير الواجبة ، فقد روى أبو عبيد بسند صحيح عن ابن عباس قال : " كان ناس لهم أنسباء وقرابة من قريظة والنضير ، وكانوا يثقون أن يتصدقوا عليهم ، ويريدونهم على الإسلام ، فنزلت : ( ليس عليك هداهم ولكن الله يهدي من يشاء وما تنفقوا من خير فلأنفسكم وما تنفقون إلا ابتغاء وجه الله وما تنفقوا من خير يوف إليكم وأنتم لا تظلمون ) " . فهذه الآية مثل التي قبلها . ثم روى بسند صحيح إلى سعيد بن المسيب : " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تصدق بصدقة على أهل بيت من اليهود فهي تجري عليهم " . وروى عن الحسن - وهو البصري - قال : " ليس لأهل الذمة في شئ من الواجب حق ، ولكن إن شاء الرجل تصدق عليهم من غير ذلك " . فهذا هو الذي ثبت في الشرع ، وجرى عليه العمل من السلف ، وأما إعطاؤهم زكاة الفطر ، فما علمنا أحدا من الصحابة فعل ذلك ، وفهم ذلك من الآية فيه بعد ، بل هو تحميل للآية ما لا(5/5)
تتحمل . وما رواه أبو إسحاق عن أبي ميسرة قال : "كانوا يجمعون إليه صدقة الفطر فيعطيها أو يعطي منها الرهبان" . رواه أبو عبيد ، وابن زنجويه . فهو مع كونه مقطوعا موقوفا على أبي ميسرة ، واسمه عمرو بن شرحبيل ، فلا يصح عنه ، لأن أبا إسحاق هو السبيعي مختلط مدلس ، وقد عنعنه . ويؤيد اختصاص زكاة الفطر بالمسلمين الحديث المتقدم : "وطعمة للمساكين" ، فإن الظاهر منه أنه أراد مساكين المسلمين ، لا مساكين الأمم كلها . فتأمل . انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل قبول صوم رمضان متوقف على إخراج الفطر , فمن لم يخرجها لم يقبل صومه؟
أن حديث (شهر رمضان معلق بين السماء والأرض , ولا يرفع إلى الله , إلا بزكاة الفطر) لو صح لكان ظاهر الدلالة على أن قبول صوم رمضان متوقف على إخراج الفطر , فمن لم يخرجها لم يقبل صومه , ولا أعلم أحداً من أهل العلم يقول به .انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم43.
فصل في الصدقات
س)- ما فضل القرض الحسن؟
أخرج أحمد(1/412) وأبو يعلى(3/1298-مصورة المكتب)من طريق حماد بن سلمة: أخبرنا عطاء بن السائب عن ابن أذنان قال:(أسلفت علقمة ألفي درهم، فلما خرج عطاؤه قلت له:اقضيني، قال: أخرني إلى قابل، فأتيت عليه فأخذتها، قال: فأتيته بعد، قال: بَرحْتَ بي وقد منعتني، فقلت: نعم، هو عملك، قال: وما شأني، قلت: إنك حدثتني عن ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن السلف يجري مجرى شَطْرِ الصدقة)، قال: نعم فهو كذلكن قال: فخذ الآن)).
ومع هذه الفضيلة البالغة للقرض الحسن، فإنه يكاد أن يزول من بيوع المسلمين، لغلبة الجشع والتكالب على الدنيا على الكثيرين أو الأكثرين منهم، فإنك لا تكاد نجد فيهم من يقرضك شيئاً إلا مقابل فائدة إلا نادراً، فإنك قليلاً ما يتيسر لك تاجر يبيعك الحاجة بثمن واحد نقداً أو نسيئة، بل جمهورهم يطلبون منك زيادة في بيع النسيئة، وهو المعروف اليوم ببيع التقسيط، مع كونها ربا في صريح قوله صلى الله عليه وسلم:
((من باع بيعتين في بيعة فله أوكَسُهما أو الربا)).انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 1553.(5/6)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب الصيام
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(6/1)
كتاب الصيام
فصل في أركان الصيام
باب في دخول شهر رمضان
س)- هل من أبصر هلال الصوم وحده عليه أن يصوم؟
ليس على إطلاقه ، بل فيه تفصيل ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له ، فقال: "إذا رأى هلال الصوم وحده ، أو هلال الفطر وحده ، فهل عليه أن يصوم برؤية نفسه ، أو يفطر برؤية نفسه ؟ أم لا يصوم ولا يفطر إلا مع الناس ؟ على ثلاثة أقوال ، هي ثلاث روايات عن أحمد" .
ثم ذكرها ، والذي يهمنا ذكره منها قوله : "والثالث يصوم مع الناس ، ويفطر مع الناس ، وهذا أظهر الأقوال ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم : "صومكم يوم تصومون ، وفطركم يوم تفطرون ، وأضحاكم يوم تضحون" . رواه الترمذي وقال : حسن غريب . قال : وفسر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال : إنما معنى هذا الصوم والفطر مع الجماعة وعظم الناس " . وهذا الحديث مخرج في "الصحيحة" ، و "الإرواء" من طرق عن أبي هريرة ، فمن شاء رجع إليها . ثم قال ابن تيمية: " لكن من كان في مكان ليس فيه غيره ، إذا رآه صام ، فإنه ليس هناك غيره" . انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)- "يوم صومكم يوم نحركم " هل هو من قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ؟
إن هذا الحديث لا أصل له باتفاق علماء الحديث وقد صرح بذلك الإمام أحمد وغيره كالزركشي والسيوطي كما في " كشف الخفاء " للشيخ إسماعيل العجلوني (2/398 رقم 3263)وقوله : " أغفله السخاوي " سهو منه أو هو بالنسبة للنسخة التي وقعت إليه من " المقاصد الحسنة " وإلا فهو قد أورده فيه (ص480 رقم1355 الخانجي) وقال فيه: لا أصل له كما قال أحمد وغيره " وممن جزم بأن الحديث لا أصل له ،(6/2)
الحافظ العراقي في " شرح علوم الحديث " (ص 224) ونقل عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم -ثقة فقيه من أصحاب مالك- أنه قال : هذا من حديث الكذابين" .ونقله أيضاً الزركشي في " اللآلي المنثورة " (ص 7 من مخطوطتي) عن خط ابن الصلاح عن ابن عبد الحكم وأقره. وسلامي إلى السائل الكريم ورحمة الله وبركاته. مجلة المسلمون (6/490-491).
باب في وجوب النية في صيام رمضان
س)- ما حكم تثبيت النية من النهار في رمضان لمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة؟
أن من وجب عليه الصوم نهارا , كالمجنون يفيق , و الصبي يحتلم , و الكافر يسلم , و كمن بلغه الخبر بأن هلال رمضان رؤي البارحة , فهؤلاء يجزيهم النية من النهار حين الوجوب , و لو بعد أن أكلوا أو شربوا , فتكون هذه الحالة مستثناة من عموم قوله صلى الله عليه وسلم : "من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له" , و هو حديث صحيح كما حققته في "صحيح أبي داود". و إلى هذا ذهب ابن حزم و ابن تيمية و الشوكاني و غيرهم من المحققين. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2624.
فصل في مستحبات الصيام
س)- هل يستحب تعجيل الفطور؟
لقد "كان صلى الله عليه وسلم إذا كان صائما أمر رجلا فأوفى على نشز , فإذا قال : قد غابت الشمس أفطر" ففي هذا الحديث اهتمامه صلى الله عليه وسلم بالتعجيل بالإفطار بعد أن يتأكد صلى الله عليه وسلم من غروب الشمس , فيأمر من يعلو مكانا مرتفعا , فيخبره بغروب الشمس ليفطر صلى الله عليه وسلم , و ما ذلك منه إلا تحقيقا منه لقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر"متفق عليه , و هو مخرج في "الإرواء".
و إن من المؤسف حقا أننا نرى الناس اليوم , قد خالفوا السنة , فإن الكثيرين منهم يرون غروب الشمس بأعينهم , و مع ذلك لا يفطرون حتى يسمعوا أذان البلد , جاهلين :
أولا : أنه لا يؤذن فيه على رؤية الغروب , و إنما على التوقيت الفلكي.(6/3)
و ثانيا : أن البلد الواحد قد يختلف الغروب فيه من موضع إلى آخر بسبب الجبال و الوديان , فرأينا ناسا لا يفطرون و قد رأوا الغروب ! و آخرين يفطرون و الشمس بادية لم تغرب لأنهم سمعوا الأذان ! و الله المستعان! انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2081.
فصل في ما يباح للصائم فعله
س)- هل يجوز تقبيل الصائم لزوجته في نهار رمضان؟
قول عائشة رضى الله عنها (كَانَ يُقَبِّلُنِي وَهُوَ صَائِمٌ وَأَنَا صَائِمَةٌ) ، يدل على جواز تقبيل الصائم لزوجته في رمضان , وقد اختلف العلماء في ذلك على أكثر من أربعة أقوال ' أرجحها الجواز , على أن يراعى حال المقبل , بحيث إنه إذا كان شاباً يخشى على نفسه أن يقع في الجماع الذي يفسد عليه صومه , امتنع من ذلك , وإلى هذا أشارت السيدة عائشة رضي الله عنها في الرواية الآتية عنها (.. وأيكم يملك إربه) , بل قد روي ذلك عنها صريحاً , فقد أخرج الطحاوي عنها قالت (ربما قبلني رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وباشرني وهو صائم , أما أنتم , فلا بأس به للشيخ الكبير الضعيف) , ويؤيده قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (دع ما يريبك إلى مالا يريبك).
ولكن ينبغي أن يعلم أن ذكر الشيخ ليس على سبيل التحديد , بل المراد التمثيل بما هو الغالب على الشيوخ من ضعف الشهوة وإلا , فالضابط في ذلك قوة الشهوة وضعفها , أو ضعف الإرادة وقوتها.
وعلى هذا التفصيل تحمل الروايات المختلفة عن عائشة رضي الله عنها , فإن بعضها صريح عنها في الجواز مطلقاً , كحديثها هذا , لا سيما وقد خرج جواباً على سؤال عمرو بن ميمون لها في بعض الروايات , وقالت (لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)الأحزاب 21 , وبعضها يدل على الجواز حتى للشاب , لقولها : (وأنا صائمة) , فقد توفي رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعمرها 18 سنة.
ومثله ما حدثت به عائشة بنت طلحة أنها كانت عند عائشة زوج النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فدخل عليها زوجها عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق , وهو صائم , فقالت له عائشة : ما منعك أن تدنو من أهلك فتقبلها وتلاعبها ؟ فقال : أقبلها وأنا صائم ؟ قالت : نعم ، أخرجه مالك وعنه الطحاوي , بسند صحيح.
قال ابن حزم (عائشة بنت طلحة كانت أجمل نساء أهل زمانها , وكانت أيام عائشة هي وزوجها فتيين في عنفوان الحداثة).(6/4)
وهذا ومثله محمول على أنها كانت تأمن عليهما , ولهذا قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر هذا الحديث من طريق النسائي : [فقال : وأنا صائم ؟ فقبلني] : (وهذا يؤيد ما قدمناه أن النظر في ذلك لمن لا يتاثر بالمباشرة والتقبيل , لا للتفرقة بين الشاب والشيخ , لأن عائشة كانت شابة نعم لما كان الشاب مظنة لهيجان الشهوة , فرق من فرق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم219.
س)- ما حكم مباشرة الصائم زوجته؟
ورد عن عائشة انها قالت (كَانَ يُقَبِّلُ وَهُوَ صَائِمٌ وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكِانَّ أَمْلَكُكُمْ لِإِرْبِهِ) ، ومرادها رضي الله عنها أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان غالباً لهواه , والإرب : هو بفتح الهمزة أو كسرها , قال ابن الأثير : (وله تأويلان : أحدهما : أنه الحاجة , والثاني : أنه أرد به العضو , وعنت به من الأعضاء الذكر خاصة , وهو كناية عن المجامعة).
قال في المرقاة : (وأما ذكر الذكر , فغير ملائم للأنثى , لا سيما في حضور الرجال) , وراجع تمام البحث فيه.
وفي الحديث جواز المباشرة من الصائم, وقد اختلفوا في المراد منها هنا فقال القاري : (قيل : هي مس الزوج المرأة فيما دون الفرج , وقيل : هي القبلة واللمس باليد).
قلت : ولا شك أن القبلة ليست مرادة بالمباشرة هنا , لأن الواو تفيد المغايرة , فلم يبق إلا أن يكون المراد بها إما القول الأول أو اللمس باليد , والأول هو الأرجح لأمرين:
الأول : حديث عائشة الآخر قالت : (كَانَتْ إحدانا إذا كانت حَائِضًا فَأَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُبَاشِرَهَا أَمَرَهَا أَنْ تَتَّزِرَ فِي فَوْرِ حَيْضَتِهَا ثُمَّ يُبَاشِرُهَا قَالَتْ وَأَيُّكُمْ يَمْلِكُ إِرْبَهُ؟) .رواه البخاري ومسلم وغيرهما.
فإن المباشرة هنا هي المباشرة في حديث الصيام , فإن اللفظ واحد , والدلالة واحدة , والرواية واحدة أيضاً.
بل إن هناك ما يؤيد المعنى المذكور , وهو الأمر الآخر , وهو أن السيدة عائشة رضي الله عنها قد فسرت المباشرة بما يدل على هذا المعنى , وهو قولها في رواية عنها (كَانَ يُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ ثُمَّ يَجْعَلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا ثَوْبًا يَعْنِي الْفَرْجَ).
وفي هذا الحديث فائدة هامة , وهو تفسير المباشرة , بأنه مس المرأة فيما دون الفرج , فهو يؤيد التفسير الذي سبق نقله عن القاري , وإن كان حكاه بصيغة التمريض [قيل] , فهذا الحديث يدل على أنه قول معتمد , وليس في أدلة الشريعة ما ينافيه , بل قد وجدنا في أقوال السلف ما يزيده قوة , فمنهم راوية الحديث(6/5)
عائشة نفسها رضي الله عنها , فروى الطحاوي بسند عن حكيم بن عقال أنه قال (سألت عائشة ما يحرم علي من امرأتي وأنا صائم ؟ قالت فرجها). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 220 ، 221.
س)- هل يجوز السواك للصائم؟
للصائم السواك في أي وقت شاء أول النهار أو آخره لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة ) متفق عليه وهو مخرج في الارواء . وروى الطبراني بإسناد يحتمل التحسين عن عبد الرحمن بن غنم قال سألت معاذ بن جبل أأتسوك وأنا صائم قال نعم قلت أي النهار أتسوك قال أي النهار شئت غدوة أو عشية قلت إن الناس يكرهونه عشية ويقولون إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخلوف الصائم أطيب عند الله من ريح المسك فقال سبحان الله لقد أمرهم بالسواك وهو يعلم أنه لابد أن يكون بفي الصائم خلوف وإن استاك وما كان بالذي يأمرهم أن ينتنوا أفواههم عمدا ما في ذلك من الخير شيء بل فيه شر إلا من ابتلى ببلاء لا يجد منه بدا قلت والغبار في سبيل الله أيضا كذلك إنما يؤجر من اضطر إليه ولايجد عنه محيصا قال نعم فأما من ألقى نفسه في البلاء عمدا فما له من أجر . وقال الحافظ في التلخيص إسناده جيد .
ثم قال الزيلعي (ويدخل فيه أيضا من تكليف الدوران , وكثرة المشي إلى المساجد , بالنسبة إلى قوله صلى الله عليه وسلم (وكثرة الخطا إلى المساجد) , ومن يصنع في طلوع الشيب في شعره بالنسبة إلى قوله صلى الله عليه وسلم (من شاب شيبة في الإسلام) , إنما يؤجر عليهما من بلي بهما). انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 401.
س)- ما حكم الكحل و الحقن للصائم؟
حديث (ليتقه الصائم , يعني الكحل) حديث منكر و منه يتبين أن الصواب أن الكحل لا يفطر الصائم , فهو بالنسبة إليه كالسواك يجوز أن يتعاطاه في أي وقت شاء , خلافا لما دل عليه هذا الحديث الضعيف الذي كان سببا مباشرا لصرف كثير من الناس عن الأخذ بالصواب الذي دل عليه التحقيق العلمي , و لذلك عنيت ببيان حال إسناده , و مخالفته للفقه الصحيح , والله الموفق .
و مما سبق يمكننا أن نأخذ حكم ما كثر السؤال عنه في هذا العصر , و طال النزاع فيه . ألا و هو حكم الحقنة (الإبرة) في العضل أو العرق , فالذي نرجحه أنه لا يفطر شيء من ذلك , إلا ما كان المقصود منه تغذية المريض , فهذه وحدها هي التي تفطر والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 1014.(6/6)
س)- هل من طلع الفجر وفي فمه طعام وجب عليه أن يلفظه ؟
هذا تقليد لبعض الكتب الفقهية ، وهو مما لا دليل عليه في السنة المحمدية ، بل هو مخالف لقوله صلى الله عليه وسلم : "إذا سمع أحدكم النداء والإناء على يده ، فلا يضه حتى يقضي حاجته منه" أخرجه أحمد وأبو داود والحاكم ، وصححه هو والذهبي ، وأخرجه ابن حزم ، وزاد : "قال عمار (يعني : ابن أبي عمار راويه عن أبي هريرة) : وكانوا يؤذنون إذا بزغ الفجر" . قال حماد (يعني : ابن سلمة) عن هشام بن عروة : كان أبي يفتي بهذا . وإسناده صحيح على شرط مسلم . وله شواهد ذكرتها في "التعليقات الجياد" ، ثم في "الصحيحة" ، وفيه دليل على أن من طلع عليه الفجر وإناء الطعام أو الشراب على يده ، أنه يجوز له أن لا يضعه حتى يأخذ حاجته منه ، فهذه الصورة مستثناة من الآية : (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ) ، فلا تعارض بينها وما في معناها من الأحاديث ، وبين هذا الحديث ، ولا إجماع يعارضه ، بل ذهب جماعة من الصحابة وغيرهم إلى أكثر مما أفاده الحديث ، وهو جواز السحور إلى أن يتضح الفجر ، وينتشر البياض في الطرق ، راجع الفتح. لأن من فوائد هذا الحديث إبطال بدعة الإمساك قبل الفجر بنحو ربع ساعة ؟ لأنهم إنما يفعلون ذلك خشية أن يدركهم أذان الفجر وهم يتسحرون ، ولو علموا هذه الرخصة لما وقعوا في تلك البدعة . فتأمل . انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل يجوز الصوم في السفر؟
لا يجوز الصوم في السفر إذا كان يضر بالصائم , و عليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم : "ليس من البر الصيام في السفر" و قوله : "أولئك هم العصاة" , و فيما سوى ذلك فهو مخير إن شاء صام و إن شاء أفطر , وهذا خلاصة ما تدل عليه أحاديث الباب , فلا تعارض بينها و الحمد لله. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2595.(6/7)
فصل في مبطلات الصوم
س)- هل الاستمناء سواء أكان سببه تقبيل الرجل لزوجته أو ضمها إليه ، أو كان باليد ، يبطل الصوم ويوجب القضاء؟
لا دليل على الإبطال بذلك ، وإلحاقه بالجماع غير ظاهر ، ولذلك قال الصنعاني : "الأظهر أنه لا قضاء ولا كفارة إلا على من جامع ، وإلحاق غير المجامع به بعيد" . وإليه مال الشوكاني ، وهو مذهب ابن حزم ، فانظر المحلى.
ومما يرشدك إلى أن قياس الاستمناء على الجماع قياس مع الفارق ، أن بعض الذين قالوا به في الإفطار لم يقولوا به في الكفارة ، قالوا : "لأن الجماع أغلظ ، والأصل عدم الكفارة" . انظر المهذب مع شرحه للنووي. فكذلك نقول نحن : الأصل عدم الأفطار ، والجماع أغلظ من الاستمناء ، فلا يقاس عليه . فتأمل . وقال الرافعي: " المني إن خرج بالاستمناء أفطر ، لأن الإيلاج من غير إنزال مبطل ، فالإنزال بنوع شهوة أولى أن يكون مفطرا" .
قلت : لو كان هذا صحيحا ، لكان إيجاب الكفارة في الاستمناء أولى من إيجابها على الايلاج بدون إنزال ، وهم لا يقولون أيضا بذلك . فتأمل تناقض القياسيين ! أضف إلى ذلك مخالفتهم لبعض الآثار الثابتة عن السلف في أن المباشرة بغير جماع لا تفطر ولو أنزل ، وقد ذكرت بعضها في سلسلة الأحاديث الصحيحة ، ومنها قول عائشة رضي الله عنها لمن سألها : ما يحل للرجل من امرأته صائما ؟ قالت : "كل شئ إلا الجماع" . أخرجه عبد الرزاق في مصنفه بسند صحيح ، كما قال الحافظ في الفتح ، واحتج به ابن حزم . وترجم ابن خزيمة رحمه الله لبعض الأحاديث المشار إليها بقوله في صحيحه : "باب الرخصة في المباشرة التي هي دون الجماع للصائم ، والدليل على أن اسم الواحد قد يقع عل فعلين : أحدهما مباح ، والآخر محظور ، إذ اسم المباشرة قد أوقعه الله في نص كتابه على الجماع ، ودل الكتاب على أن الجماع في الصوم محظور ، قال المصطفى صلى الله عليه وسلم : "إن الجماع يفطر الصائم" ، والنبي المصطفى صلى الله عليه وسلم قد دل بفعله على أن المباشرة التي هي دون الجماع مباحة في الصوم غير مكروهة " . انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.(6/8)
فصل في قضاء رمضان
س)- لقد اختلف العلماء في قضاء رمضان فمنهم من قال بوجوب سرد القضاء ومنهم من قال من شاء فرق ، ومن شاء تابع .اي القولين هو الصحيح؟
لا يصح في هذا الباب شئ لا سلبا ولا إيجابا ، والأمر القرآني بالمسارعة يقتضي وجوب المتابعة إلا لعذر ، وهو مذهب ابن حزم. انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)-" قضاء رمضان لا يجب على الفور ، بل يجب وجوبا موسعا في أي وقت" هل يصح هذا القول بدليل حديث عائشة رضى الله عنها أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان؟
هذا يتنافى مع قوله تعالى (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) آل عمران133 ، فالحق وجوب المبادرة إلى القضاء حين الاستطاعة ، وهو مذهب ابن حزم ، وليس يصح في السنة ما يعارض ذلك .
وأما الاستدلال على عدم الوجوب بقول : " فقد صح عن عائشة أنها كانت تقضي ما عليها من رمضان في شعبان . رواه أحمد ومسلم ، ولم تكن تقضيه عند قدرتها على القضاء" . فليس بصواب ، لأنه ليس في حديث عائشة أنها كانت تقدر أن تقضيه فورا ، بل فيه عكس ذلك ، فإن لفظ الحديث عند مسلم "كان يكون على الصوم من رمضان ، فما أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان ، الشغل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو برسول الله صلى الله عليه وسلم" . وهكذا أخرجه البخاري أيضا في صحيحه ، وفي رواية لمسلم عنها قالت : "إن كانت إحدانا لتفطر في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فما تقدر على أن تقضيه مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى يأتي شعبان" . فالحديث بروايتيه صريح في أنها كانت لا تستطيع ، ولا تقدر على القضاء قبل شعبان ، وفيه إشعار بأنها لو استطاعت لما أخرته ، فهو حجة على من قال بعدم المبادرة ، ولذلك قال الزين بن المنير رحمه الله : "وظاهر صنيع عائشة يقتضي ايثار المبادرة إلى القضاء ، لولا ما منعها من الشغل ، فيشعر بأن من كان بغير عذر ، لا ينبغي له التأخير". انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.(6/9)
س)- من أفطر عامدا متعمدا في نهار رمضان بأكل أو شرب ، هل يشرع له قضاؤه أم لا؟
الظاهر الثاني ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، فقد قال في "الاختيارات": "لا يقضي متعمد بلا عذر صوما ولا صلاة ، ولا تصح منه ، وما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المجامع في رمضان بالقضاء ضعيف ، لعدول البخاري ومسلم عنه".
وهو مذهب ابن حزم ، ورواه عن أبى بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وابن مسعود ، وأبي هريرة ، فراجع "المحلى".
لكن تعليل ابن تيمية ضعف حديث أمر المجامع في رمضان بالقضاء بعدول البخاري ومسلم عنه ليس بشئ عندي ، فكم من حديث عدل الشيخان عنه وهو صحيح ، والحق أنه ثابت صحيح بمجموع طرقه كما قال الحافظ ابن حجر ، وأحدها صحيح مرسل كما كنت بينته في تعليقي على رسالة ابن تيمية في "الصيام" ، ثم في "إرواء الغليل" ، فقضاء المجامع من تمام كفارته ، فلا يلحق به غيره من المفطرين عمدا ، ويبقى كلام الشيخ في غيره سليما.
قال ابن حزم : "برهان ذلك أن وجوب القضاء في تعمد القئ قد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كما ذكرنا قبل ، ولم يأت في فساد الصوم بالتعمد للأكل أو الشرب أو الوطء نص بإيجاب القضاه ، لإنما افترض تعالى رمضان لا غيره على الصحيح المقيم العاقل البالغ ، فإيجاب صيام غيره بدلا منه ، إيجاب شرع لم يأذن الله تعالى به ، فهو باطل ، ولا فرق بين أن يوجب الله تعالى صوم شهر مسمى ، فيقول قائل : إن صوم غيره ينوب عنه بغير نص وارد في ذلك ، وبين من قال : إن الحج إلى غير مكة ينوب عن الحج إلى مكة ، والصلاة إلى غير الكعبة ، تنوب عن الصلاة إلى الكعبة ، وهكذا في كل شئ ، قال الله تعالى : (تلك حدود الله فلا تعتدوها) ، وقال تعالى : (ومن يتغد حدود الله فقد ظلم نفسه) " .
ثم شرع يرد على المخالفين قياسهم كل مفطر بعمد على المفطر بالقئ وعلى المجامع في رمضان . ثم روى مثل قوله عن الخلفاء الراشدين حاشا عثمان ، وعن ابن مسعود وأبي هريرة . فراجعه.
قلت : لكن المجامع في رمضان قد صح أنه أمره صلى الله عليه وسلم بالقضاء أيضا . انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.(6/10)
س)- ما عقوبة تارك الصيام ؟
أخرج النسائي في "السنن الكبرى" (4/2/246/3286)- مختصراً-، وابن خزيمة في "صحيحه " (3/237/1986)، وعنه ابن حبان في "الموارد" (445/1800)، والحاكم (1/430و2/209)، وعنه البيهقي (4/266)، والطبراني في "المعجم الكبير" (7667)، والأصبهاني في "الترغيب " (2/608-609) من طريق عبدالرحمن بن يزيد بن جابر عن سليم بن عامر أبي يحيى: حدثني أبو أمامة الباهلي قال: سمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم - يقول: أَتاني رجُلان، فأَخذاَ بضَبعَيَّ، فأَتيَا بي جَبَلاً وعراً، فقالا: اصعد. فقلتُ: إنِّي لا أُطِيقُه. فقالا: إنّا سنُسهّله لك. فصعِدتُ حتّى إذا كنتُ في سَواءِ الجبَل؛ إذا أنا بأصواتٍ شديدةٍ، قلتُ: ما هذه الأصواتُ؟ قالوا: هذا عُواء أهلِ النّارِ ثم انطلقَا بي؛ فإذا أنا بقوم معلَّّقينَ بعَراقِيبهم، مشقّقة أشداقُهم، تسيلُ أشداقُهم دماً، قال، قلتُ: من هؤلاء؟ قال: هؤلاء الذين يفطرون قبل تَحِلَّةِ صومِهم) صحيح.
فهذه عقوبة من صام ثم أفطر عمداً قبل حلول وقت الإفطار، فكيف يكون حال من لا يصوم أصلاً؟! نسأل الله السلامة والعافية في الدنيا والآخرة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3951.
فصل في الصيام المندوب
س)- هل ثبت وصول ثواب القربات إلى الموتى؟
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَمَّا أَبُوكَ فَلَوْ كَانَ أَقَرَّ بِالتَّوْحِيدِ فَصُمْتَ وَتَصَدَّقْتَ عَنْهُ نَفَعَهُ ذَلِكَ) دليل واضح على أن الصدقة والصوم تلحق الوالد ومثله الوالدة بعد موتهما إذا كانا مسلمين , ويصل إليهما ثوابها بدون وصية منهما , ولما كان الولد من سعي الوالدين , فهو داخل في عموم قوله تعالى : (وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى)النجم39 , فلا داعي إلى تخصيص هذا العموم بالحديث وما ورد في معناه في الباب , مما أورده المجد ابن تيمية في "المنتقى" كما فعل البعض.
واعلم أن الأحاديث التي ساقها في الباب هي خاصة بالأب أو الأم من الولد فالاستدلال بها على وصول ثواب القرب إلى جميع الموتى كما ترجم لها المجد ابن تيمية بقوله " باب وصول ثواب القرب المهداة إلى الموتى " غير صحيح لأن الدعوى أعم من الدليل , ولم يأت دليل يدل دلالة عامة على انتفاع عموم الموتى من عموم أعمال الخير التي تهدى إليهم من الأحياء , اللهم إلا في أمور خاصة ذكرها الشوكاني في نيل الأوطار , ثم(6/11)
الكاتب في كتابه "أحكام الجنائز وبدعها" , وقد يسر الله - والحمد لله - طبعه , من ذلك الدعاء للموتى , فإنه ينفعهم إذا استجابه الله تبارك وتعالى , فاحفظ هذا تنج من الإفراط والتفريط في هذه المسألة.
وخلاصة ذلك أن للولد أن يتصدق ويصوم ويحج ويعتمر ويقرأ القرآن عن والديه , لأنه من سعيهما , وليس له ذلك عن غيرهما , إلا ما خصه الدليل مما سبقت الإشارة إليه , والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم84.
س)- ما هو التوجيه النبوي للشباب الذين لا يقدرون على تكاليف الزواج؟
روى أحمد(2/173) وابن عدي(111/2) والبغوي في((شرح السنة))(3/1/2) عن ابن لهيعة: حدثني حيي بن عبد الله عن أبي عبد الرحمن الحبلي عن عبد الله ابن عمرو بن العاص.
أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أتأذن لي أن أختصي؟ فقال صلى الله عليه وسلم: (خصاء أمتي الصيام) ، ويشهد له الحديث المتفق عليه عن ابن مسعود مرفوعاً: ((يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) وهو مخرج في((صحيح أبي داود))
وفي الحديث توجيه نبوي كريم، لمعالجة الشبق وعرامة الشهوة في الشباب الذين لا يجدون زواجاً، ألا وهو الصيام، فلا يجوز لهم أن يتعاطوا العادة السرية(الاستمناء باليد).لأنه قاعدة من قيل لهم: (أتستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير)، ولأن الاستنماء في ذاته ليس من صفات المؤمنين الذين وصفهم الله في القرآن الكريم:(والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين. فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون).قالت عائشة رضي الله عنها في تفسيرها:((فمن ابتغى وراء ما زوجه الله أو ملكه فقد عدا)).أخرجه الحاكم(2/393) وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1830.(6/12)
فصل في الأيام المنهي الصيام فيها
باب في حكم صوم يوم عرفة بعرفة
س)- هل يحرم صيام يوم عرفة على الحاج؟
حديث (نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة) حديث ضعيف فلا يغتر به جاهل , فيحرم به صيام يوم عرفة على الحاج , تمسكا بظاهر النهي , وإلا فالأحب إلينا أن يفطر الحاج هذا اليوم , لأنه أقوى له على أداء النسك , ولأنه هو الثابت عنه صلى الله عليه وسلم من فعله في حجة الوداع.
انظر رسالتنا (حجة النبي صلى الله عليه وسلم) وإليه يشير كلام أحمد رحمه الله , فقد قال ابنه عبد الله بن أحمد في مسائله سألت أبي عن الرجل يصوم تطوعا في السفر فهل يأثم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس من البر الصوم في السفر فقال إن صام في سفر صوم فريضة أجزأه ولا يعجبني أن يصوم تطوعا ولا فريضة في سفر. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 404.
باب في النهى عن صيام الدهر
س)- ما حكم صيام الدهر؟
قد ثبت النهي عن صيام الدهر في غيرما حديث عنه صلى الله عليه وسلم , حتى قال صلى الله عليه وسلم في رجل يصوم الدهر :(وددت أنه لم يطعم الدهر)رواه النسائي بسند صحيح. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم459.
س)- هل من أفطر يومي العيد وأيام التشريق وصام بقية الأيام ، انتفت كراهة صيام الدهر؟(6/13)
هذا التأويل خلاف ظاهر الحديث : "لا صام من صام الأبد" ، وقوله : "لا صام ولا أفطر" ، وقد بين ذلك العلامة ابن القيم في زاد المعاد بما يزيل كل شبهة ، فقال رحمه الله : "وليس مراده بهذا من صام الأيام المحرمة . . ." . وذكر نحوه الحافظ في "الفتح". انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
باب في النهى عن صيام يوم السبت
س)- ما حكم صيام يوم السبت؟
قال عليه الصلاة والسلام (صِيَامَ يَوْمِ السَّبْتِ لَا لَكِ وَلَا عَلَيْكِ) ، والحديث ظاهره النهي عن صوم السبت مطلقاً إلا في الفرض , وقد ذهب إليه قوم من أهل العلم كما حكاه الطحاوي , وهو صريح في النهي عن صومه مفرداً , ولا أرى فرقاً بين صومه - ولو صادف يوم عرفة أو غيره من الأيام المفضلة - وبين صوم يوم من أيام العيد إذا صادف يوم الاثنين أو الخميس , لعموم النهي , وهذا قول الجمهور فيما يتعلق بالعيد , كما في المحلى , وبسط القول في هذه المسألة لا مجال له الآن , فإلى مناسبة أخرى إن شاء الله تعالى. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم225.(6/14)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب الحج
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(7/1)
كتاب الحج
س)- بما تنصح من أراد الحج؟
ننصح كل من أراد الحج أن يدرس مناسك الحج على ضوء الكتاب والسنة قبل أن يباشر أعمال الحج ليكون تاما مقبولا عند الله تبارك وتعالى.
وإنما قلت : على الكتاب والسنة لأن المناسك قد وقع فيها من الخلاف - مع الأسف - ما وقع في سائر العبادات. انتهى كلام الالباني من كتاب حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
س)- ما هو الأفضل في الحج: التمتع أم القران أم الإفراد؟
هذا السؤال قد اختلف الفقهاء في إجابتهم عليه منذ القدم. فمن قائل: إن الأفضل هو القران، وحجتهم في ذلك: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حج حجة الوداع قارناً)، وهذا هو الصحيح الثابت الراجح من الروايات المختلفة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجته. وهناك من يقول: إنه عليه السلام حج متمتعاً. ومنهم من يقول: إنه حج حجاً مفرداً، وحجتهم ما جاء في بعض الروايات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبى بالحج، لكن هذا لا ينافي أنه ضم إلى الحج العمرة، وهذا ما جاء صريحاً عن بعض الصحابة، منهم أنس بن مالك حيث قال: (إنه كان آخذاً بخطام ناقة النبي عليه السلام حينما أحرم بالحج من ذي الحليفة، قال: فسمعته يقول: لبيك اللهم بعمرة وحجة). فلا نشك -أقصد جماهير علماء الحديث- أن حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانت قراناً، ولذلك فلا مجال للمفاضلة بين حج القران وبين حج الإفراد؛ لأن حج الإفراد ليس له وجه من التفضيل؛ لأنه لم يثبت أن الرسول عليه السلام حج حجاً مفرداً من جهة، ولم يثبت أنه حج على حج الإفراد من جهة أخرى، ولذلك فلم يبق مجال للمفاضلة إلا بين القران وبين التمتع. ولا نشك -أيضاً- أن التمتع بالعمرة إلى الحج هو الأفضل، بل هو الواجب؛ ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم -وإن كانت حجته قراناً- كانت هناك ضميمة اقترنت بحجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم تتعرى عن حجات الحاجين في أغلب الأزمان والعصور، وهي أنه عليه الصلاة والسلام ساق الهدي معه من ذي الحليفة، أي: أنه عليه السلام لما أحرم بالقران كان قد ساق الهدي، ولذلك فيختلف حكم من حج قارناً وقد ساق الهدي، عن حكم من حج قارناً ولم يسق الهدي. هذا الاختلاف أخذناه من حجة الرسول عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع، ذلك أنه ثبت من حديث السيدة عائشة رضي الله عنها:(7/2)
(أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما حج وحج الناس معه -وكانوا ألوفاً مؤلفة- كان منهم القارن، ومنهم المفرد، ومنهم المتمتع) فمن كان قارناً مع الرسول عليه السلام ومفرداً كانوا على قسمين: جمهورهم لم يسوقوا الهدي وإنما نحروا في منى، والقليل منهم ساقوا الهدي من ذي الحليفة . وعلى هذا فيمكن أن نقول: إن الذين حجوا مع الرسول عليه السلام منهم من ساق الهدي ومنهم من لم يسق الهدي، فالذين لم يسوقوا الهدي، أي: من كان قد قرن أو أفرد ولم يسق الهدي، فقد قال لهم عليه الصلاة والسلام في أول الأمر وهم ينطلقون من المدينة إلى مكة : (من كان منكم لم يسق الهدي وأحب أن يجعلها عمرة فليفعل)، فنجد هنا أن الرسول عليه السلام رغبهم ولم يعزم عليهم. ثم في مرحلة أخرى لما جاء مكة وطاف حول الكعبة وسعى، قال لهم: (من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة)، من قبل قال: (من أحب أن يجعلها عمرة فليفعل) وفي الأخير استقر حكم الله على لسان نبيه عليه الصلاة والسلام: (من لم يسق الهدي فليجعها عمرة)، فبادر بعضهم فتحلل. ومعنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: (فليجعلها عمرة) أي: فليفسخ نيته السابقة، سواء كان حج مفرداً أو حج قراناً، وليحولها إلى نية جديدة، هي العمرة، ولازم ذلك أنه مجرد أن ينتهي من السعي بين الصفا و المروة يحلق شعره أو يقصه، وبذلك تنتهي العمرة، فيتحلل منها ويبقى حلالاً إلى اليوم الثامن من شهر ذي الحجة، وهو اليوم الذي يسمى بالتروية. فبعض أصحاب الرسول عليه السلام بادروا إلى التحلل، إلى فسخ الحج إلى العمرة، لكن بعضهم ضلوا في إحرامهم، فلما بلغ الخبر إلى الرسول عليه السلام غضب، ورأته السيدة عائشة فقالت: (من أغضبك يا رسول الله؟ فقال: ما لي لا أغضب وأنا آمر الناس بأمر الفسخ ثم لا يفعلون) فخطب فيهم الرسول عليه السلام مرة أخرى، فقال: (أيها الناس من لم يسق الهدي فليتحلل، ولولا أني سقت الهدي لأحللت معكم، ولو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة)، حينذاك بادر أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام فتحللوا جميعاً، وكما يقول جابر وغيره: [فسطعت المجامر وأتين النساء]، أي: تحللوا. من هنا نأخذ أن حج التمتع هو الواجب على كل حاج، إلا من ساق الهدي من الحل فله أسوة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حيث كانت حجته كذلك، وإن كان في قوله الأخير: (لو استقبلت من أمري ما استدبرت لما سقت الهدي ولجعلتها عمرة) ما يشعر بأن الأفضل بالنسبة إلينا بعد حجة الرسول عليه السلام ألا نسوق الهدي أيضاً، هذا هو الأفضل، لكن فإن فعل ذلك فاعل فليس لنا عليه سبيل من الإنكار؛ لأن الرسول عليه السلام فعل ذلك وما أنكره، بخلاف حج الإفراد، وبخلاف القران الذي لم يسق معه الهدي. ونحن نؤكد إفادة وخطابة أن كل من أراد الحج فليجعل حجته متعة، ثم عليه بعد ذلك شكر الله عز وجل، وأن يقدم هدياً إن وجد إلى ذلك سبيلاً، وإلا صام سبعة أيام حسبما فصل الله عز وجل ذلك بالقرآن، فقال: (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ )[البقرة:196] . وكثير من الناس الذين(7/3)
يصدق فيهم قول ربنا تبارك وتعالى: (وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ) [النساء:128] لما كانوا يعلمون أن التمتع يجب عليه الهدي أو صيام عشرة أيام إذا لم يتيسر له الهدي، يفرون من هذا الحكم بحيلة شرعية، ومن تلك الحيل الشرعية: أنهم يفردون الحج ثم يقرنون العمرة إلى الحج، فبدل أن يتبعوا صريح القرآن وأمر الرسول عليه السلام بأن يأتوا بالعمرة بين يدي الحج، فهم يأتون بالعمرة بعد الفراغ من مناسك الحج، ويتخلصوا مما أوجب الله عليهم من الهدي أو سواه، ثم يأتي من يحتج لهم بحديث السيدة عائشة رضي الله عنها: (أنها جاءت بالعمرة بعد الحج وهي مع النبي صلى الله عليه وسلم)، فأخذوا ذلك حجة لهم أن يعتمروا بعد الحج، وكأنهم يظنون أنهم بذلك يحسنون صنعاً، مع أن الرسول عليه السلام ثم الصحابة الذين كانوا معه، ثم السلف الذين جاءوا من بعدهم، كانوا كلهم يأتون بالعمرة بين يدي الحج، ثم يقدمون الهدي أو الصيام، أما هؤلاء الناس المحتالون الذين يأتون بالعمرة بعد الحج، فيتخلصون بذلك من هذا الواجب من الهدي أو الصيام، ويجب أن نعلم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان معه من الحجاج عشرات الألوف من الصحابة لم يأت أحد منهم بالعمرة بعد الحج، إلا السيدة عائشة رضي الله عنها، وهذا حكم خاص بها؛ لا لأنها عائشة وإنما لأنها كانت حائضاً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل من تمام الحج أن تحرم من دار أهلك؟
حديث (من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك) منكر ، وما أحسن ما ذكره الشاطبي رحمه الله في "الاعتصام" ومن قبله الهروي في "ذم الكلام" عن الزبير بن بكار قال : حدثني سفيان بن عيينة قال : (سمعت مالك بن أنس , وأتاه رجل , فقال : يا ابا عبد الله , من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة , من حيث أحرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد عند القبر , قال : لا تفعل , فإني أخشى عليك الفتنة , فقال : وأي فتنة في هذه ؟ إنما هي أميال أزيدها , قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ إني سمعت الله يقول : (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)النور63 .
فانظر مبلغ أثر الأحاديث الضعيفة في مخالفة الأحاديث الصحيحة والشريعة المستقرة , ولقد رأيت بعض مشايخ الأفغان هنا في دمشق في إحرامه , وفهمت منه أنه أحرم من بلده , فلما أنكرت ذلك عليه احتج علي بهذا الحديث , ولم يدر المسكين أنه ضعيف لا يحتج به لمخالفته سنة المواقيت المعروفة , وهذا مما صرح به الشوكاني في "السيل الجرار".(7/4)
ونحو هذا الحديث الآتي :(من أهل بحجة أو عمرة من المسجد الأقصى إلى المسجد الحرام غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر , أو وجبت له الجنة) حديث ضعيف ، قال السندي , وتبعه الشوكاني : (يدل على جواز تقديم الإحرام على الميقات).
قلت : كلا , بل دلالته أخص من ذلك , أعني أنه إنما يدل على أن الإحرام من بيت المقدس خاصة أفضل من الإحرام من المواقيت , وأما غيره من البلاد , فالأصل الإحرام من المواقيت المعروفة , وهو الأفضل , كما قرره الصنعاني في "سبل السلام" , وهذا على فرض صحة الحديث , أما وهو لم يصح , فبيت المقدس كغيره في هذا الحكم , لما سبق بيانه قبل حديث , ولا سيما أنه قد روي ما يدل عليه بعمومه , وهو : (ليستمتع أحدكم بحله ما استطاع , فإنه لا يدري ما يعرض في إحرامه)حديث ضعيف. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 210 ، 211.
س)- ما حكم صرف أثمان الضحايا والهدايا في منى إلي الفقراء؟
لقد شاع بين الناس الذين يعودون من الحج التذمر البالغ مما يرونه من ذهاب الهدايا والضحايا في منى طعماً للطيور والسباع الوحوش، أو لقماً للخنادق الضخمة التي تحفرها الجرفات الآلية ثم تقبرها فيها، حتى لقد حمل ذلك بعض المفتين الرسميين على إفتاء بعض الناس بجواز-بل وجوب- صرف أثمان الضحايا والهدايا في منى إلي الفقراء، او يشتري بها بديلها في بلاد المكلفين بها، ولست الآن بصدد بيان ما في هذه الفتوى من الجور، ومخالفة النصوص الموجبة لما استيسر من الهدي دون القيمة، وإنما غرضي أن أنبه أن التذمر المذكور يجب أن يعلم أن المسؤول عنه إنما هم المسلمون أنفسهم، لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، وإنما أذكر هنا سبباً واحداً منها، وهو عدم اقتدائهم بالسلف الصالح رضي الله عنهم في الانتفاع من الهدايا:
بذبحهاو سلخها وتقطيعها، وتقديمها قطعاً إلي الفقراء، والأكل منها، ثم إصلاحها بطريقة فطرية؛ كتشريقه وتقديمه تحت أشعة الشمس بعد تمليحه، أو طبخه مع التمليح الزائد ليصلح للادخار، أو بطريقة أخرى عملية فنية إن تيسرت، لو أن المسلمين صنعوا في الهدايا هذا وغيره مما يمكن استعماله من الأسباب والوسائل؛ لزالت الشكوى بإذن الله، ولكن إلى الله المشتكى من غالب المسلمين الذين يحجون إلى تلك البلاد المقدسة وهم في غاية الجهل بأحكام المناسك الواجبة، فضلاً عن غيرها من الآداب والثقافة الإسلامية العامة. والله المستعان. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم805.(7/5)
س)- ايهما افضل الحج ماشيا ام راكبا؟
لقد صح أنه عليه الصلاة والسلام حج راكبا فلو كان الحج ماشيا أفضل لاختاره الله لنبيه صلى الله عليه وسلم . ولذلك ذهب جمهور العلماء إلى أن الحج راكبا أفضل . انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم495.
س)- هل العمرة بعد الحج؟
أخرج مسلم(4/34) وأبو داود(1897) عن عبد الله بن أبي نجيح عن عطاء- وقال مسلم: عن مجاهد-عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: -(طوافُكِ بالبيت، وبين الصفا والمروة يكفيكِ لحجك وعمرَتك). لفظ عطاء، ولفظ مجاهد:أنها حاضت بـ(سَرِف)، فتطهرت بعرفة، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:((يجزئ عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك)).
العمرة بعد الحج إنما هي للحائض التي تتمكن من الإتيان بعمرة الحج بين يدي الحج، لأنها حاضت، كما علمت من قصة عائشة هذه، فمثلها من النساء إذا أهلت بعمرة الحج كما فعلت هي رضي الله عنها، ثم حال بينها وبين إتمامها الحيض، فهذه يشرع لها العمرة بعد الحج، فما يفعله اليوم جماهير الحجاج من تهافتهم على العمرة بعد الحج، مما لا نراه مشروعاً، لأن أحداً من الصحابة الذين حجوا معه صلى الله عليه وسلم لم يفعلها. بل إنني أرى أن هذا من تشبه الرجال بالنساء، بل بالحيض منهن ! ولذلك جريت على تسمية هذه العمرة بـ(عمرة الحائض) بياناً للحقيقة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1984.
س)- ما هي أركان الحج التي لا يصح الحج بدونها؟
الركن الأول: الإحرام بالحج، مثل الإحرام بالصلاة، وهو نية الصلاة، وهو أن تقول: لبيك اللهم بحجة وعمرة، ولا بد من التنبيه أن نية الحج اليوم يجب أن تكون مبتدأة بعمرة بين يدي الحج، فتقول: لبيك اللهم بعمرة، لا تقل: لبيك اللهم بحجة؛ لأنه لا بد من تقديم العمرة بين يدي الحج؛ لأن الرسول عليه السلام قال: (دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة، وشبك بين أصابعه)، وهذا معناه أن العمرة أصبحت جزءاً لا يتجزأ من الحج. فالذي يريد أن يحج اليوم يبدأ بالعمرة، لكن نية الحج بالنسبة للتمتع تكون وأنت في مكة، أما إذا خرجت من بلدك ومررت بميقات من المواقيت المعروفة، فهناك تلبي بعمرة الحج، ثم وأنت في مكة تلبي بالحج في اليوم الثامن من ذي الحجة، وتقول: لبيك اللهم بحجة، وعند الميقات: لبيك اللهم بعمرة، أما في مكة حيث كنت نازلاً: لبيك اللهم بحجة. ثم الطواف حول الكعبة، ثم الوقوف في عرفة، هذه هي الأركان التي لا بد منها، مع المبيت في مزدلفة، بحيث تصلي ثمة صلاة الفجر، فهذا أيضاً(7/6)
ركن على أصح قولي العلماء في طواف الإفاضة، هذه أركان الحج التي لا بد منها، وما سوى ذلك فهي شروط. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- إلى متى لزم الرسول من التلبية؟ وفي أي مكان كان يلبي؟
التلبية هي من مناسك الحج والعمرة، ويبدأ الملبي في الحج أو العمرة من ساعة الإحرام بهما أو بأحدهما من الميقات، ويختلف هذا المكان باختلاف البلاد، فمثلاً: الشام ميقاتهم ذو الحليفة، وتسمى الآن أبيار علي، والعراق ذات عرق، واليمن يلملم .. وهكذا، ومن هذا المكان الذي يحرم منه الحاج أو المعتمر تبدأ التلبية ثم تنتهي عند استلام الحجر الأسود، فإذا لمسَ الحجر الأسود انتهت التلبية، ثم تستأنف التلبية، حينما يبدأ الإنسان بالحج بعد أن قضى عمرة الحج، فيلبي بالحج في اليوم الثامن، ثم يستمر في التلبية ما بين آونة وأخرى إلى أن يرمي يوم العيد جمرة العقبة، فهناك تنتهي التلبية حيث أعمال الحج لم تنته، فإذا رمى جمرة العقبة انتهت التلبية. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل هناك تلبية مع التكبير حسب الحديث؟
عن الفضل أنه قال: (أفضت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عرفات، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة، ثم قطع التلبية مع آخر حصاة) حديث صحيح. لا يشترط الجمع بين التكبير وبين التلبية، وإنما هو مخير بين التكبير وبين التلبية، ولعل الأحسن التنويع، فتارة يلبي وتارة يكبر، والتكبير ليس خاصاً عند رمي الجمرة، وإنما جاء في الرجوع من عرفات، وجاء في بعض الأحاديث: (كان منا من يكبر ومنا من يلبي، فلا يعترض المكبر على الملبي ولا الملبي على المكبر). ولكن الذي يريد أن يرمي جمرة العقبة هناك لا بد من التكبير مع كل حصاة، أما التكبير قبل ذلك فهو بدل التلبية، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، كما قال عليه السلام: (أفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي: لا إله إلا الله) أو يقول: الله أكبر الله أكبر، لا إله إلا الله .. إلى آخره، أما التكبير عند رمي الجمرة، فهو: الله أكبر، مع كل حصاة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- بما أنه لا يجوز التلفظ بالنية، فكيف يصرخون بها كما في الحديث التالي: عن أنس رضي الله عنه قال: (كنت رديف أبي طلحة وإنهم ليصرخون بها جميعاً، الحج والعمرة) رواه البخاري؟(7/7)
الحديث إن كانت روايته هكذا فهي مختصرة، إذا كان كاتب الحديث أولاً: نقله كما وجده، وثانياً: هم كانوا يقولون في التلبية: لبيك اللهم بحج، أو لبيك اللهم بعمرة، وحينئذٍ لا يرد السؤال؛ لأن هذه تلبة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يجوز للمحرم الامتشاط حسب الحديث التالي: (أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة فقال: انقضي رأسك وامتشطي)؟
في الوقت الذي لا يوجد ما يمنع المحرم بالحج أو بالعمرة من أن يمتشط، فهذا الحديث يؤكد البراءة الأصلية، فيجيز للمحرم أن يمتشط؛ لأن الفكرة بالنسبة للحاج ليس كما يتوهمها الكثيرون، فهذا الحديث وهو قوله عليه السلام للسيدة عائشة : (انقضي رأسك وامتشطي) يؤيد البراءة الأصلية وهو جواز امتشاط المحرم، وليس المقصود بأن المحرم إذا تلبس بمناسك الحج أنه حرم عليه كل شيء، ليس الأمر بهذه التوسعة التي يتوسع فيها الكثير من المؤلفين والمقلدين، ولكن الواجب أن نقف عند حدود الشرع. فمثلاً: الشارع الحكيم حرم على المحرم مطلقاً -ذكراً أو أنثى- أن يتطيب أثناء إحرامه، ولكن من السنة أن يتطيب الذي يريد الإحرام بين يدي الإحرام، يتطيب بالطيب الذي يفوح رائحته، فإذا أحرم بالحج أو العمرة شممت منه الرائحة الطيبة، فأجاز له الطيب بين يدي الحج، وحرم عليه الطيب أثناء الحج، إذاً: القضية ليس فيها هذا التضييق في أبعد معانيه كما يظن البعض. مثال آخر: وهو ما يظن البعض أن الصائم لا يجوز له أن يتطيب، ماذا تلاحظون؟ تلاحظون أن الصائم حبس نفسه عن الطيبات، فمن الطيبات أن يشم الرائحة الطيبة، إذاً: لا يجوز شم الرائحة الطيبة، فهذا كلام ضعيف، لا يجوز الأكل والشرب ونحو ذلك مما هو منصوص عليه، أما أن تتطيب وأنت صائم فلا يوجد مانع، وأن تتسوك وأنت صائم لا يوجد مانع. كذلك المحرم بالحج حرم عليه أشياء محدودة فنقف عندها، ولا نشدد على الناس أكثر مما جاء به النص، فالنص منع الرجل من أن يقص أظافره، ومن أن يأخذ من شعره ومن لحيته، كذلك المرأة لا يجوز لها أن تأخذ من شعرها إلا بعد أن تتحلل، لكن هذا المحرّم شيء وكونه مشط لحيته، أو قصر من شعره، فأخذ بعض الشعرات، فهذا ليس فيه ما يمنع شرعاً أبداً، وحديث عائشة يؤيد هذا الأصل، والذي أحرم بالحج لا يجوز له أن يتطيب، ولكن بين يدي الإحرام، قبل أن يقول: لبيك الله بعمرة، يجوز له أن يتطيب. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(7/8)
س)- روى البخاري وسعيد بن منصور عن عائشة : [أنها كانت لا ترى بالتبان؟ بأساً للمقرن]، فماذا تقصد عائشة بالتبان، وهل يجوز ذلك للمحرم؟
التبان في اللغة العربية هو ما يسمى اليوم بالبنطلون (الشورت) وهو البنطلون الذي ليس له أكمام، فالسيدة عائشة لا ترى بأساً للحاج أن يلبس التبان، علماً بأن التبان سروال أو نوع من السروال، وقد جاء في صحيح البخاري وصحيح مسلم: (أن المحرم لا يجوز له أن يلبس السراويل ولا العمامة ولا القميص) أي: لا يجوز له أن يلبس أي ثوب يفصل على بدنه، وهذا حكم خاص بالرجال دون النساء؛ لأن إحرام المرأة إنما هو في وجهها وفي كفيها فقط، أي أن المرأة المحرمة لا يجوز لها أن تشد البرقع على وجهها، ولا يجوز أن تلبس القفازين (الكفوف) هذا إحرامها، وهو تيسير الله عز وجل على النساء، أما الرجل فلا يجوز له لبس السراويل، أما قول السيدة عائشة أنها أباحت لبس التبان، فقد فسره العلماء بأن المقصود: أنها لا ترى بأساً للمحرم أن يلبس هذا اللباس القصير ستراً لعورته إذا كان معرضاً للكشف عنها. فأجازت السيدة عائشة لمثل هذا النوع من المحرمين أن يلبس التبان، من باب درء المفسدة الكبرى بالصغرى ليس إلا، فلا يؤخذ من كلام السيدة عائشة جواز لبس التبان من المحرم مطلقاً، وإنما للحاجة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ذكرت في كتابك حجة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، أن الإحرام لا يمنع من التغطية، وإنما يمنع من النقاب والبرقع ونحوه، فكيف تكون التغطية؟ وكيف يكون برقع النقاب؟
آنفاً قلت: لا يجوز للمحرمة أن تشد البرقع على وجهها، أما كيف تحصل التغطية الجائزة؟ فذلك بسدل الحجاب على وجهها، وهذه تغطية جائزة؛ لقول السيدة عائشة رضي الله عنها: (كنا ونحن محرمات إذا مر بنا ركب من الرجال أسدلنا جلابيبنا على وجوهنا)، فالممنوع هو ما يشبه اللباس، كالبرقع الذي على الجبهة كما هي عادتنا في هذه البلاد، أو النقاب كما هي عادة البدو كما في كثير من البلاد. وللجهل نجد في الحج نساء بالعشرات إن لم نقل بالمئات حاجات هكذا، ولا يوجد من يعلمهن ويذكرهن، فشد البرقع أو النقاب هذا الذي لا يجوز للمرأة، أما أن تأخذ خماراً وتسدله على وجهها فلا مانع، إذ الغرض ألا تلبس رأسها برقعاً أو نقاباً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(7/9)
س)- هل يجوز للمحرم أن يكتحل إذا رقق؟
إذا كان الكحل -كما نعلم- ليس طيباً فلا بأس بذلك، أما إذا كان طيباً فالطيب منهي عنه. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يجوز للمحرم قتل الذباب والنمل؟
لا يجوز قتل الذباب والنمل، ليس للمحرم فقط، بل وللحال (المحل) أيضاً، إلا في حالة واحدة، فقوله في الحديث: (العقور) يؤخذ من هذه اللفظة إذا كان النمل في صورة مؤذية جداً فيجوز قتله، أما بصورة عامة فلا يجوز قتل النمل حتى في حالة غير الإحرام وفي أي مكان إلا إذا كان يؤذي، فكل شيء مؤذي مما لم يأت النص بإباحة قتله لا يجوز مباشرة قتله فوراً، إلا بعد أن نعجز عن صرفه بالطرق السلمية، كالعدو الصائل تدفعه بالتي هي أحسن، فإذا ما استطعت إلا بقتله تقتله، أما رأساً نقتله فهذا لا يجوز. وهناك حديث في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (نزل نبيٌ من الأنبياء تحت شجرة فلدغته نملة فأمر بجهازه فأخرج من تحتها، ثم أمر بها فأحرقت، فأوحى الله إليه: فهلا نملة واحدة؟!)، وفي رواية: (أن نملة قرصت نبياً من الأنبياء فأمر بقرية النمل فأحرقت، فأوحى الله إليه: أفي أن قرصتك نملة أهلكت أمة من الأمم تسبح؟!)، أنكر الله على النبي، مع أنه مقروص من النملة وملدوغ منها، فهذا دليل على عدم جواز قتل النمل، إلا المؤذي حينما لا نستطيع أن نخلص من شره. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يحرم على المحرم العقد أو الخطبة؟
نعم ذلك حرام، مادام لا يزال في الإحرام، فلا يجوز الخطبة فضلاً عن العقد، وهذا فيه حديث صحيح صريح في صحيح مسلم . دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم من أصاب ثوبه من طيب الكعبة وهو محرم؟
مادام أنه ما قصد ذلك فليس عليه شيء. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يجوز شرب الأشربة المعطرة للمحرم كماء الزهر مثلاً؟
يجوز. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(7/10)
س)- هل يجوز للمحرم دهن رأسه بغير الطيب الزيتي مثلاً؟
يجوز مادام أنه لا طيب فيه. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما هي الفدية التي يفديها المحرم الذي قتل أو صاد؟
الصيد الذي صاده يحكم رجلان عدلان في نوعية الفدية التي تجب عليه، فإذا اصطاد غزالاً -مثلاً- فقد يوجبون عليه كبشاً، أو صاد -مثلاً- حماماً يوجبون عليه شيئاً قريباً منه، وهذا له تفاصيل في كتب الحديث والفقه، والأصل في ذلك تحكيم عدلين مسلمين عالمين بذلك. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل تحريم قطف الشجرة على المحرم يقتصر على ما ينبته الله تعالى من غير صنع آدمي، أو يشمل الاثنين؟ وكيف يكون الجزاء؟
العلة هنا ليست كون النبات من إنبات الله أو من زرع الإنسان، وإنما العلة أن يكون النبات في أرض الحرم، فسواء كان من خلق الله عز وجل بدون واسطة البشر أو بواسطة البشر، فلا يجوز قطعه مطلقاً من هذا النوع أو من ذاك. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يصح الطواف بدون وضوء؟ أو إذا توضأ ثم أحدث حدثاً أصغر أثناء الطواف فهل يبطل طوافه ويلزمه تجديد الوضوء؟
هذه مسألة خلافية، والراجح أنه لابد من الطهارة، أولاً بدليل حديث عائشة السابق: (افعلي ما يفعل الحاج، غير ألا تطوفي بالبيت ولا تصلي) ثانياً: قوله عليه الصلاة والسلام: (الطواف بالبيت صلاة، ولكن الله تبارك وتعالى أحل لكم فيه الكلام فلا تكثروا فيه من الكلام)، فعندما قال: الطواف بالبيت صلاة، هذا التشبيه يقتضي إيجاد الطهارة، فيكون هذا الحديث مدعماً لحديث عائشة، وحديث عائشة مدعماً له، من حيث أن كلاً منهما يوجب الطهارة للطواف بالكعبة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(7/11)
س)- هل يجوز للمرأة أن تركب عند طوافها، مع أنها قادرة على المشي، ولكن ابتعاداً عن الاختلاط بالرجال، ولا ينقص ذلك من ثوابها شيء؟
السؤال بناءً على قاعدة الجواب على قدر النص، أنه يجوز لها ذلك، فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف حول الكعبة في حجة الوداع وهو على بعيره، فإن كان جاز له ذلك وهو رجل فالأولى أن يجوز للنساء، لا سيما بالقصد المقصود في السؤال، لكن كيف تطوف المرأة وهي راكبة؟ إذا ركبت في دابة، تطوف هي بنفسها، كما طاف الرسول صلى الله عليه وآله وسلم، وتعمل المستطاع، فهذا جائز، أما أنها تركب على السرر التي توضع على رءوس الرجال كالنساء والرجال العاجزين عن الطواف، فهذا لا يجوز، وإنما يجوز للعاجز المريض. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- قال ابن عمر رضي الله عنهما: [ليس على النساء سعي]، أي: ليس عليهم رمل بالبيت ولا بين الصفا والمروة، رواه البيهقي؟ فهل قول ابن عمر صحيح نستطيع أن نحتج به؟
إذا كان المقصود من السؤال أنه إذا صح هل يحتج به؟ فالجواب: لا يحتج به، سواء صح سنده إلى ابن عمر أو لم يصح؛ لأنه ليس مرفوعاً، وأصل مشروعية الرمل -خاصة بين الصفا والمروة- هو رمل هاجر زوجة إبراهيم عليه الصلاة والسلام. فهاجر عندما تركها إبراهيم عليه السلام، كانت تركض بين الصفا والمروة بحثاً عن الماء -كما في قصة طويلة مروية في صحيح البخاري - فصار هذا الركض منها فيما بعد سنة تعبدية للرجال والنساء، فكيف يعقل أن يقال: ما كان أصل شرعيته من المرأة لا يشرع الآن للمرأة؟ هذا أبعد ما يكون عن الصواب. أما الرمل حول الكعبة فمن الممكن هنا أن يقال: إن هذا الرمل خاص بالرجال دون النساء؛ لأن أصل مشروعية الرمل حول الكعبة أن الرسول لما طاف هو وأصحابه في صلح الحديبية قال المشركون: هؤلاء قوم وهنتهم حمى يثرب، فالرسول علم ذلك فأمر الصحابة أن يرملوا ليظهروا قوتهم ويظهروا خلاف ما ظن المشركون بهم، ولا شك أن موطن إظهار القوة ليس للنساء وإنما هو للرجال، فمن هذه الناحية ممكن أن يقال: إن الرمل حول الكعبة خاص بالرجال، أقول: ممكن؛ لأنه في الحقيقة لا جواب عندي في هذه المسألة، فإني لا أستحضر دليلاً قاطعاً في الموضوع، ولعله يستجد في الاجتماع القادم الجواب القاطع حول الرمل حول البيت، أما بين الصفا والمروة فلا فرق في ذلك بين النساء والرجال. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(7/12)
س)- الرجاء أن تفيدونا عن موضوع رمل النساء في الطواف والسعي؟
هناك شبه إجماع على أن النساء لا ترمل، لا في الطواف ولا في المسعى، إلا أن بعض علماء الشافعية ذهبوا إلى التفصيل الآتي -وهو معقول ومقبول عندي- قالوا: إذا رملت المرأة في فراغ من الرجال في الليل حيث لا يراها أحد، فيشرع لها الرمل في السعي بين الصفا والمروة ليس في الطواف، وهذا مقبول؛ لأنكم تعلمون أن أصل الرمل في المسعى هو رمل زوجة السيد إبراهيم عليه الصلاة والسلام، فما دام أن الأصل من المرأة فيشرع للمرأة، لكن الشرط الذي قيده به علماء الشافعية شرط مقبول يتجاوب مع أصول الشريعة وقواعدها، وهو أن المرأة مفروض عليها الحجاب، ومفروض عليها السترة والحشمة، وإذا ركضت هكذا كما يركض الرجال، وعلى مرأى من الرجال، فذلك مما لا يليق بها، فهذا التفصيل الذي جاء به الشافعية هو الراجح من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فقلما يمكن تطبيقه؛ لأنه من النادر جداً أن يخلو المسعى من الرجال، وأن يعمر بالنساء. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- عن عائشة رضي الله عنها قالت: (استأذنت سودة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تدفع قبله، وكانت سبطة -تعني: ثقيلة- فأذن لها) متفق عليه، هل كان هذا الدفع من مزدلفة قبل الفجر؟ وإذا كان هناك عذر للدفع من المزدلفة قبل الفجر، فهل هناك فدية؟
الدفع قبل الفجر هذا من مناسك الحج، والبيات في مزدلفة واجب، والصحيح أنه ركن، ولكن النساء يختلفن في هذا الحكم عن الرجال، فالنساء والصبيان يجوز لهم أن ينطلقوا من مزدلفة إلى منى ليس فقط قبل الفجر، بل قبل الفجر بزمان ولكن بعد منتصف الليل، هذا حكم خاص بالنساء والصبيان، ويلحق بهم ضعاف الشيوخ من الرجال. وفي هذا أحاديث صريحة: أن الرسول رخص للنساء والضعفة من الصبيان في الانطلاق والدفع من مزدلفة إلى منى قبل الفجر، وحينئذٍ فلا كفارة ولا فدية. ولكن هنا نقطة يغفل عنها كثير من أهل العلم فضلاً عن غيرهم، وهي أن النساء والصبيان الذين أخذوا بهذه الرخصة واندفعوا من مزدلفة قبل الفجر، ووصلوا منى قبل طلوع الشمس، لا يجوز لهم أن يرموا جمرة العقبة حتى تطلع الشمس، فالدفع من مزدلفة قبل الفجر رخصة، لكن الرمي لا يجوز إلا بعد طلوع الشمس؛ لأن الرسول عليه السلام كما في حديث ابن عباس قال: (رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للضعفة والصبيان الدفع من مزدلفة قبل الفجر، وقال لهم: لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(7/13)
س)- هل يجوز الرمي قبل الفجر، استناداً لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: (أرسل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر، ثم مضت فأفاضت) رواه أبو داود، وإسناده على شرط مسلم؟
الحديث صحيح إسناده على شرط مسلم، ولكن في رجاله من تُكُلِم في حفظه، ولذلك قال ابن القيم في زاد المعاد عن هذا الحديث: إنه حديث منكر، ثم على شرط صحته فليس صريحاً في أن الرسول عليه السلام أمرها أن ترمي الجمرة قبل الفجر، ولكن أمرها بما أمر كل النساء أن تدفع من مزدلفة قبل الفجر، لكن هي فهمت أنه يلزم الدفع قبل الفجر والرمي أيضاً قبل الفجر، وخفي عليها حديث ابن عباس السابق: (لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل المسلم إذا حج ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام , يحبط حجه , و يجب عليه إعادته؟
إن المسلم إذا حج ثم ارتد ثم عاد إلى الإسلام , لم يحبط حجه , ولم يجب عليه إعادته , وهو مذهب الإمام الشافعي , وأحد قولي الليث بن سعد , واختاره ابن حزم وانتصر له بكلام جيد متين. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم248.
س)- هل زيارة قبر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم واجبة للحاج؟
حديث (من حج البيت , ولم يزرني , فقد جفاني) موضوع ، ومما يدل على وضعه أن جفاء النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الكبائر , إن لم يكن كفراً , وعليه فمن ترك زيارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يكون مرتكباً لذنب كبير , وذلك يستلزم أن الزيارة واجبة كالحج , وهذا مما لا يقوله مسلم , ذلك لأن زيارته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن كانت من القربات , فإنها لا تتجاوز عند العلماء حدود المستحبات , فكيف يكون تاركها مجافياً للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعرضاً عنه؟
واعلم أنه قد جاءت أحاديث أخرى في زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وقد ساقها كلها السبكي في "الشفاء" , وكلها واهية , وبعضها أوهى من بعض , وهذا أجودها كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية في كتابه(7/14)
الآتي ذكره , وقد تولى بيان ذلك الحافظ ابن عبد الهادي في الكتاب المشار إليه آنفاً بتفصيل وتحقيق لا تراه عند غيره , فليرجع إليه من شاء.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في "القاعدة الجليلة" : (أحاديث زيارة قبره كلها ضعيفة لا يعتمد على شىء منها في الدين . ولهذا لم يرو أهل الصحاح والسنن شيئاً منها، وإنما يرويها من يروى الضعاف كالدارقطنى والبزار وغيرهما).
ثم ذكر هذا الحديث , ثم قال : (فإن هذا كذبه ظاهر مخالف لدين المسلمين، فإن من زاره في حياته وكان مؤمناً به كان من أصحابه، لا سيما إن كان من المهاجرين إليه المجاهدين معه، وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : ( لا تسبوا أصحابي، فوالذى نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما بلغ مد أحدهم ولا نَصِيفه ) أخرجاه في الصحيحين والواحد من بعد الصحابة لا يكون مثل الصحابة بأعمال مأمور بها واجبة كالحج والجهاد والصلوات الخمس والصلاة عليه، فكيف بعمل ليس بواجب باتفاق المسلمين "يعني زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" بل ولا شرع السفر إليه، بل هو منهي عنه وأما السفر إلى مسجده للصلاة فيه فهو مستحب).
تنبيه: يظن كثير من الناس أن شيخ الإسلام ابن تيمية ومن نحى نحوه من السلفيين يمنع من زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهذا كذب وافتراء , وليست هذه أول فرية على ابن تيمية رحمه الله تعالى وعليهم , وكل من له اطلاع على كتب ابن تيمية يعلم أنه يقول بمشروعية زيارة قبره صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ واستحبابها إذا لم يقرن بها شيء من المخالفات والبدع , مثل شد الرحل , والسفر إليها , لعموم قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد).
والمستثنى منه في هذا الحديث ليس هو المساجد فقط - كما يظن كثيرون - بل هو كل مكان يقصد للتقرب إلى الله فيه , سواء كان مسجداً , أو قبراً , أو غير ذلك , بدليل ما رواه أبوهريرة قال "في حديث له": فلقيت بصرة بن أبي بصرة الغفاري , فقال من أين أقبلت ؟ فقلت : من الطور. فقال : لو أدركتك قبل أن تخرج إليه ما خرجت , سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول : (لا تعمل المطي إلا إلى ثلاثة مساجد.....)الحديث , أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح , وهو مخرج في "أحكام الجنائز".
فهذا دليل صريح على أن الصحابة فهموا الحديث على عمومه , ويؤيده أنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لزيارة قبر ما , فهم سلف ابن تيمية في هذه المسألة , فمن طعن فيه , فإنما يطعن في السلف الصالح رضي الله عنهم , ورحم الله من قال : وكل خير في اتباع من سلف وكل شر في ابتداع من خلف .انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 45 ، 47.(7/15)
س)- هل يحل للحاج بعد رميه لجمرة العقبة كل محظورات الإحرام؟
قال عليه الصلاة والسلام (إذا رميتم الجمرة , فقد حل لكم كل شئ إلا النساء) ، وفي الحديث دلالة ظاهرة على أن الحاج يحلُّ له بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلا الوطء للنساء ؛ فإنه لا يحل له بالإجماع.
وما دل عليه الحديث عزاه الشوكاني للحنفية والشافعية والعترة ، والمعروف عن الحنفية أن ذلك لا يحلُّ إلا بعد الرمي والحلق ، واحتج لهم الطحاوي بحديث عمرة عن عائشة المتقدم وهو مثل حديث ابن عباس هذا ، لكن بزيادة (وذبحتم وحلقتم) ، وهو ضعيف ؛ لا حجة فيه ، لا سيما مع مخالفته لحديثها الصحيح (حلّ كل شيء إلا النساء) ، الذي احتجت به على قول عمر (إذا رميتم الجمرة بسبع حصيات ، وذبحتم وحلقتم فقد حلّ لكم كل شيء إلا النساء والطيب) ، الموافق لمذهبهم.
نعم ؛ ذكر ابن عابدين في "حاشيته" على "البحر الرائق" عن أبي يوسف ما يوافق ما حكاه الشوكاني عن الحنفية ؛ فالظاهر أن في مذهبهم خلافاً ، وقول أبي يوسف هو الصواب ؛ لموافقته للحديث.
ومن الغرائب قول الصنعاني في شرح حديث عائشة الضعيف :(والظاهر أنه مُجْمَعٌ على حلّ الطيب وغيره ـ إلا الوطء ـ بعد الرمي ، وإن لم يحلق) . فإن هذا وإن كان هو الصواب ؛ فقد خالف فيه عمر وغيره من السلف ، وحكى الخلاف فيه غير واحد من أهل العلم ؛ منهم ابن رشد في "البداية" ، فأين الإجماع؟!
لكن الصحيح ما أفاده الحديث ، وهو مذهب ابن حزم في "المحلى" ، وقال : (وهو قول عائشة وابن الزبير وطاوس وعلقمة وخارجة بن زيد بن ثاب). انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 239.
س)- من أين يلتقط الحصى؟
ترجم النسائي لحديث (عليكم بحصى الخذف الذي ترمى به الجمرة) بقوله : "من أين يلتقط الحصى؟" , فأشار بذلك إلى أن الالتقاط يكون من منى , و الحديث صريح في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أمرهم به حين هبط محسرا , و هو من منى كما في رواية مسلم و البيهقي و عليه يدل ظاهر حديث ابن عباس قال : قال لي رسول الله غداة العقبة و هو على راحلته : هات القط لي , فلقطت له حصيات هن حصى الخذف , فلما وضعتهن في يده قال : بأمثال هؤلاء , و إياكم و الغلو في الدين , فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين . أخرجه النسائي و البيهقي و أحمد بسند صحيح و وجه دلالته إنما هو قوله : "غداة العقبة" , فإنه يعني غداة رمي جمرة العقبة الكبرى , و ظاهره أن الأمر بالالتقاط كان في منى قريبا من(7/16)
الجمرة , فما يفعله الناس اليوم من التقاط الحصيات في المزدلفة مما لا نعرف له أصلا في السنة , بل هو مخالف لهذين الحديثين على ما فيه من التكلف و التحمل بدون فائدة! انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2144.
س)- ايهما افضل للمتمتع بالحج إلى العمرة أن يتحلل منها بتقصير شعره ام بحلقه؟
في حديث (. . . فليقصر ثم ليحلل) أمر المتمتع بالحج إلى العمرة أن يتحلل منها بتقصير الشعر ، لا بحلقه ، وفي حديث : (دعا للمحلقين ثلاثا ، وللمقصرين مرة) متفق عليه ، تفضيل الحلق على التقصير ، ولا تعارض فالاول خاص بالمتمتع ، والاخر عام يشمل كل حاج أو معتمر إلا المتمتع فإن الافضل في حقه أن يقصر في عمرته ، ولهذا قال الحافظ في (الفتح) (3/449) : ( يستحب في حق المتمتع أن يقصر في العمرة ، ويحلق في الحج إذا كان ما ببن النسكين متقاربا) . وهذه فائدة يغفل عنها كثير من المتمتعين فيحلق بدل التقصير ، ظنا منه أنه أفضل له وليس كذلك لهذا الحديث فاحفظه يحفظك الله تعالى. انتهى كلام الالباني من إرواء الغليل.(7/17)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب المعاملات والآداب والحقوق العامة
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(8/1)
كتاب المعاملات والآداب والحقوق العامة
س)- هل يجوز التمتع في الدنيا وطيباتها؟
حديث (الدنيا حرام على أهل الآخرة والآخرة حرام على أهل الدنيا والدنيا والآخرة حرام على أهل الله) موضوع وحري بمن روى هذا الخبر أن يكون غير ثقة , بل هو كذاب أشر , فإنه خبر باطل لا يشك في ذلك مؤمن عاقل , إذ كيف يحرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على المؤمنين أهل الآخرة ما أباحه الله لهم من التمتع بالدنيا وطيباتها , كما في قوله تعالى : (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعا)البقرة29 , وقوله : (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ)الأعراف32.
ثم كيف يجوز أن يقال : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم الدنيا والآخرة معاً على أهل الله تعالى , وما أهل الله إلا أهل القرآن , القائمين به , والعاملين بأحكامه , وما الآخرة إلا جنة أو نار , فتحريم النار على أهل الله مما أخبر به الله تعالى , كما أنه تعالى أوجب الجنة للمؤمنين به , فكيف يقول هذا الكذاب : إن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حرم عليهم الآخرة وفيها الجنة التي وعد المتقون , وفيها أعز شيء عليهم , وهي رؤية الله , كما قال سبحانه : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)القيامة23,22 , وهل ذلك إلا في الآخرة ؟ وقال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ(إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ قَالَ يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ فَيَقُولُونَ أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ وَتُنَجِّنَا مِنْ النَّارِ قَالَ فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ فَمَا أُعْطُوا شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنْ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ[ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ]يونس26)مسلم وغيره
والذي أراه أن واضع هذا الحديث هو رجل صوفي جاهل , أراد أن يبث في المسلمين بعض عقائد المتصوفة الباطلة , التي منها تحريم ما أحل الله بدعوى تهذيب النفس , كأنما جاء به الشارع الحكيم غير كاف في ذلك حتى جاء هؤلاء يستدركون على خالقهم سبحانه وتعالى , ومن شاء أن يطلع على ما أشرنا إليه من التحريم فليراجع كتاب "تلبيس إبليس" للحافظ أبي الفرج ابن الجوزي , ير العجب العجاب. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 32.(8/2)
س)- هل يجوز للمكتبة أن تبيع الجرائد والمجلات التي فيها صور خليعة ، أو أخبار كاذبة ، ومدح للمنافقين والفاسقين ؟ وهل يجوز أن تبيع كتبًا تشتمل على عقائد وأفكار وفقه لا يتَّفق مع ما كان عليه السلف الصالح ، لكي تروّج هي كتبها السلفية ؟
المجلات التي فيها صور خليعة لا يجوز التردد في عدم بيعها ، فبيعها حرام ، أما كتب الفقه الأخرى ، فلا بد لمن أراد أن يقف عند حدود الشرع فإنه يجب عليه أن يكون على علم بما في هذه الكتب من آراء وأحكام وأفكار ، وحينئذ فالحكم للغالب مما فيه ، فإن كان الغالب هو الصواب فيجوز بيعها ، وإلا ؛ فلا يجوز إطلاق القول ببيعها ، ولن يجد المسلم كتابًا عدا كتاب اللَّه خاليًا من خطأ ، فإذا قيل بعدم جواز بيع أي كتاب فيه خطأ فحينئذ لا يجوز بيع أي كتاب ، وينظر للقضية بمنظار الغالب . نقلا من موقع جماعة انصار السنة ، والمرجع مجلة التوحيدالعددالثامن لسنة 1420.
س)- الاستمناء وهو إخراج المني باليد قد اختلف في حكمه فمنهم من حرمه ، ومنهم من جوزه وبخاصة عند الخوف من الوقوع في الزنا . فمع من الحق ؟
إن الحق مع الذين حرموه ، مستدلين بقوله تعالى : (والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين . فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون). ولا نقول بجوازه لمن خاف الوقوع في الزنا ، إلا إذا استعمل الطب النبوي ، وهو قوله صلى الله عليه وسلم للشباب في الحديث المعروف الآمر لهم بالزواج : "فمن لم يستطع فعليه بالصوم ، فإنه له وجاء" . ولذنك فإننا ننكر أشد الانكار على الذين يفتون الشباب بجوازه خشية الزنا ، دون أن يأمروهم بهذا الطب النبوي الكريم. انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل هناك فرق بين عدم التشبه بالكفار وبين مخالفة الكفار؟
إن المخالفة المأمور بها هي أعم من التشبه المنهي عنه , ذلك أن التشبه أن يفعل المسلم فعل الكافر , و لو لم يقصد التشبه , و بإمكانه أن لا يفعله . فهو مأمور بأن يتركه . و حكمه يختلف باختلاف ظاهرة التشبه قوة و ضعفا .(8/3)
و أما المخالفة فهي على العكس من ذلك تماما فإنها تعني أن يفعل المسلم فعلا لا يفعله الكافر , إذا لم يكن في فعله مخالفة للشرع , كمثل الصلاة في النعال , فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بها مخالفة لليهود , وقد تكون المخالفة لهم فيما هو من خلق الله في كل البشر لا فرق في ذلك بين مسلم و كافر , و رجل و امرأة , كالشيب مثلا , و مع ذلك أمر بصبغه مخالفة لهم , و هذا أبلغ ما يكون من الأمر بالمخالفة , فعلى المسلم الحريص على دينه أن يراعي ذلك في كل شؤون حياته , فإنه بذلك ينجو من أن يقع في مخالفة الأمر بالمخالفة , فضلا عن نجاته من التشبه بالكفار , الذي هو الداء العضال في عصرنا هذا . و الله المستعان . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2834.
س)- ما صحة مقولة حب الوطن من الإيمان؟
معناه غير مستقيم , إذ إن حب الوطن كحب النفس والمال ونحوه , كل ذلك غريزي في الإنسان , لا يمدح بحبه , ولا هو من لوازم الإيمان , ألا ترى أن الناس كلهم مشتركون في هذا الحب , لا فرق في ذلك بين مؤمنهم وكافرهم؟ انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 36.
س)- هل يجوز النوم بعد العصر؟
حديث (من نام بعد العصر , فاختلس عقله , فلا يلومن إلا نفسه) حديث ضعيف ، قال مروان : قلت لليث بن سعد – ورأيته نام بعد العصر في شهر رمضان – يا أبا الحارث , مالك تنام بعد العصر وقد حدثنا ابن لهيعة....؟ فذكره , قال الليث : لا أدع ما ينفعني بحديث ابن لهيعة عن عقيل.
قلت : ولقد أعجبني جواب الليث هذا , فإنه يدل على فقه وعلم , ولا عجب , فهو من أئمة المسلمين , والفقهاء المعروفين , وإني لأعلم أن كثيراً من المشايخ اليوم يمتنعون من النوم بعد العصر , ولو كانوا بحاجة إليه , فإذا قيل له : الحديث فيه ضعف , أجابك على الفور : "يعمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال" , فتأمل الفرق بين فقه السلف , وعلم الخلف. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 39.
س)- ما حكم الإسلام في الضرائب؟
الضرائب هي التي تسمى بلغة الشرع (المكوس)، والمكوس من المتفق بين علماء المسلمين أنها لا تجوز إلا في حالة واحدة، يتحدث عنها بحجة بينة الإمام الشاطبي رحمه الله في كتابه العظيم الاعتصام، حيث يتكلم فيه بكلام علمي دقيق قلما نجده في كتاب آخر سواه، يفرق فيه بين البدعة التي أكد في بحثه في هذا الكتاب أن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) أن هذا القول الكريم هو على(8/4)
إطلاقه وعمومه وشموله، وأنه ليس في الإسلام ما يسميه بعض المتأخرين بالبدعة الحسنة؛ لأن هذه البدعة الحسنة أولاً: لا دليل عليها في الكتاب ولا في السنة، وثانياً: هي مخالفة لعموم الأحاديث التي تطلق ذم البدعة إطلاقاً شاملاً، فكلما تعرض النبي صلى الله عليه وسلم لذكرها فإنه يطلق الذم عليها، ولا يقيدها بقيد ما، كمثل الحديث السابق، ومثل الحديث الآخر الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أكد الإمام الشاطبي في كتابه المشار إليه آنفاً: أن هذه الأحاديث تحمل على عمومها وشمولها، فكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار. ولكنه من إحسانه في هذا البحث العظيم أن تعرض لما يسمى أو يعرف عند بعض العلماء بـ(المصالح المرسلة)، وهذه المصالح المرسلة التي تلتبس على بعض المتأخرين من الذين ذهبوا إلى القول بأن في الدين بدعة حسنة، تختلط عليهم المصالح المرسلة بالبدعة الحسنة، وشتان ما بينهما، فالمصلحة المرسلة -التي يتبناها بعض العلماء ومنهم إمامنا الشاطبي رحمه الله- هي التي توجبها ظروف وضعية أو زمنية، تؤدي إلى تحقيق مصلحة شرعية. فهذه ليس لها علاقة بالبدعة التي يستحسنها بعض الناس؛ لأن البدعة التي يسمونها بالبدعة الحسنة إنما يقصدون بها زيادة التقرب إلى الله تبارك وتعالى، وهذه الزيادة لا مجال لها في دائرة الإسلام الواسعة، التي مما جاء فيها قول ربنا تبارك وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3]، ولذلك لقد أجاد إمام دار الهجرة الإمام مالك رحمه الله حينما قال كلمته الذهبية المشهورة، قال: من ابتدع في الإسلام بدعة يراها حسنة؛ فقد زعم أن محمداً صلى الله عليه وسلم خان الرسالة -وحاشاه- اقرءوا قول الله تبارك وتعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً) [المائدة:3] . قال مالك : فما لم يكن يومئذ ديناً -أي: يتقرب به إلى الله- فلا يكون اليوم ديناً، ولا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. إذا كان هذا هو شأن البدعة التي يسمونها بالبدعة الحسنة، وهو أنهم يريدون التقرب إلى الله تبارك وتعالى بها، زيادة على ما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم القائل: (ما تركت شيئاً يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئاً يباعدكم عن الله ويقربكم إلى النار إلا ونهيتكم عنه). إذاً: لا مجال لاتخاذ محدثة سبيلاً للتقرب إلى الله تبارك وتعالى، ما دام أن الله قد أتم النعمة علينا بإكماله لدينه. أما المصلحة المرسلة فشأنها يختلف كل الاختلاف عن البدعة الحسنة -المزعومة- فالمصلحة المرسلة يراد بها تحقيق مصلحة يقتضيها المكان أو الزمان ويقرها الإسلام. وفي هذا المجال يؤكد الإمام الشاطبي شرعية وضع ضرائب تختلف عن الضرائب التي اتُخذت اليوم قوانين مضطربة في كثير إن لم نقل في كل البلاد الإسلامية، تقليداً للكفار الذين حرموا من منهج الله المتمثل في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكان من الضرورة بالنسبة لهؤلاء المحرومين من هدي الكتاب والسنة أن يضعوا لهم(8/5)
مناهج خاصة، وقوانين يعالجون بها مشاكلهم، أما المسلمون فقد أغناهم الله تبارك وتعالى بما أنزل عليهم من الكتاب، وبما بين لهم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لذلك فلا يجوز للمسلمين أن يستبدلوا القوانين بالشريعة، فيحق فيهم قول الله تبارك وتعالى: (أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ) [البقرة:61] فلا يجوز أبداً أن تتخذ الضرائب قوانين ثابتة، كأنها شريعة منزلة من السماء أبد الدهر، وإنما الضريبة التي يجوز أن تفرضها الدولة المسلمة هي في حدود ظروف معينة تحيط بتلك الدولة. مثلاً -وأظن أن هذا المثال هو الذي جاء به الإمام الشاطبي :- إذا هوجمت بلدة من البلاد الإسلامية، ولم يكن هناك في خزينة الدولة من المال ما يقوم بواجب تهيئة الجيوش لدفع ذلك الهجوم من أعداء المسلمين، ففي مثل هذه الظروف تفرض الدولة ضرائب معينة وعلى أشخاص معينين، عندهم من القدرة أن يدفعوا ما فرض عليهم، ولكن لا تصبح هذه الضريبة ضريبة لازمة، وشريعة مستقرة -كما ذكرنا آنفاً- فإذا زال السبب العارض وهو هجوم الكافر ودفع عن بلاد الإسلام؛ أُسقطت الضرائب عن المسلمين؛ لأن السبب الذي أوجب تلك الضريبة قد زال، والحكم -كما يقول الفقهاء- يدور مع العلة وجوداً وعدماً، فالعلة أو السبب الذي أوجب تلك الفريضة قد زال، فإذاً تزول بزوالها هذه الضريبة. وباختصار جواب ذاك السؤال: ليس هناك ضرائب تتخذ قوانين في الإسلام، وإنما يمكن للدولة المسلمة أن تفرض ضرائب معينة لظروف خاصة، فإذا زالت الظروف زالت الضريبة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما هو حكم شرب الدخان؟
الدخان [ ... ] ومضر في الناحية وفي العلاقات الاجتماعية ، فأنت تركب الباص أو تركب القطار وأنت ممن عافاك الله من شرب الدخان ، فَتُبْتَلى بشخص يشرب الدخان ، فيملأ الباص والغرفة من هالدخان الخبيث – الرائحة – ويضيق على الناس الذين حوله ولا يبالي ، هذا الدخان الخبيث أصبح إذا تحدث أحد أهل العلم حوله بشيء من التفصيل وقد يأخذ ذلك نصف ساعة أو ساعة أحياناً ليُقيم الحجة بعد الحجة والدليل بعد الدليل على أن الدخان شربه حرام لا فرق في ذلك بين الغني والفقير ، وإذا بأحد اللامبالين في المجلس يقول : يا أخي إن كان حرام حرقناه وإن كان حلال شربناه ، هذه تسمعوها كثير . شبكة المنهاج الإسلامية.(8/6)
س)- ما حكم الشرع بالنسبة لرجل مسلم يكفل، أو يشارك في الرخص التجارية التي تصدر عن بلديات الدولة، لرجل مسلم أو غير مسلم من غير أهل هذا البلد، مع إلزام المكفول أو المشارك بدفع مبلغ معين مقابل هذه الكفالة؟
الذي نراه والله أعلم أن هذه الكفالة إذا كانت مجرد كفالة شكلية لا يقترن بها مساعدة عملية للمكفول، فهذا من باب أكل مال الناس بالباطل، وهو المنهي عنه في القرآن الكريم. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل نفهم من حديث عائشة قالت: (دخل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عليَّ يوم عيد وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث، وتضربان عليه بدف، ولما دخل أبو بكر قال: أمزمار الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم...الحديث ) أن الدف ليس من مزامير الشيطان؟
نحن نقول: الأصل في آلات الطرب أنها من مزامير الشيطان، لكن استثنى الشارع الحكيم من أن يكون مزماراً للشيطان في هذا الوقت المعين، فالأصل: أنه مزمار للشيطان في غير يوم العيد، أما في يوم العيد فليس مزماراً للشيطان، فلا منافاة والحمد لله. ولعل من المفيد أن نذكر أيضاً بمثالٍ آخر، وهو مهم جداً من حيث الحياة الفكرية التي يحياها اليوم العالم الإسلامي جله، والذين يعتقدون بأن الموتى يسمعون، ويحتجون على ذلك بحجج كثيرة ولسنا نحن في هذا الصدد، إلا فيما يتعلق بلفت النظر إلى أن الرسول عليه الصلاة والسلام إذا أقر أحداً على شيء فهو حق فعلينا الاستفادة من ذلك. كلنا يذكر غزوة بدر، حينما أهلك الله عز وجل صناديد قريش، وألقوا في قليب بدر، ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فوقف على القليب ونادى أولئك الكفار القتلى بأسمائهم: (يا فلان بن فلان! لقد وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟ قال عمر -هنا الشاهد-: يا رسول الله! إنك لتنادي أجساداً لا أرواح فيها). ماذا نفهم نحن من قول عمر هنا؟ الجواب: نفهم من ذلك نحو فهمنا من كلمة أبي بكر هناك، ومن كلمة حفصة هناك، فنفهم أن عمر بن الخطاب يرى أن الموتى لا يسمعون؛ ولذلك فهو يستغرب ويتعجب لمناداة الرسول عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الموتى، حديث يقول: (يا فلان بن فلان! يا فلان بن(8/7)
فلان! -بأسمائهم- : إني وجدت ما وعدني ربي حقاً، فهل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاً؟) هذه المناداة تنافي -كما أفهم وهو حق إن شاء الله- ما كان تلقاه عمر بن الخطاب تعليماً من النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: أن الموتى لا يسمعون، ويكفي في ذلك القرآن الكريم: (إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ) [النمل:80] . كذلك قوله عز وجل: (وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُور)ِ [فاطر:22] وهاتان الآيتان فيهما كلام من حيث التفسير، لكن خلاصة الكلام فيهما لا يتنافى أبداً مع هذه الحقيقة الشرعية، وهي: أن الموتى لا يسمعون، وهذه الحقيقة هي التي كان عمر بن الخطاب تلقاها وتعلمها من قبل من رسوله صلى الله عليه وسلم، ولذلك صار عنده إشكال: كيف لقننا هذا العلم ثم هو يناديهم؟! فماذا كان موقف الرسول عليه الصلاة السلام؟ كان موقفه منه كما كان موقفه من أبي بكر، وحفصة ؛ أقرهم جميعاً على ما قالوا، ولكنه أدخل على كلامهم قيداً لا يعرفونه؛ لأنهم لا يوحى إليهم كما يوحى إليه، فلقد أقر الرسول عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب على كلمته هذه، ومعنى هذا كأنه يقول له: صدقت! الموتى لا يسمعون، لكن هؤلاء يسمعونني، ولذلك قال له في الجواب بلسان عربي مبين: (ما أنتم بأسمع لما أقول منهم) أي: هؤلاء يسمعونني، فأنت يا عمر ! الذي تلقيته مني حق وصواب، لكن اعلم أن هذه معجزة وكرامة خاصة من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم حيث أسمعهم صوته، ومن شأنهم أنهم لا يسمعون، لم؟ لأنهم موتى. ويؤكد هذا المعنى أن الإمام أحمد رحمه الله، روى هذه القصة بإسناده الصحيح في المسند: أن عمر قال: والموتى لا يسمعون. أيضاً جاء الجواب كما سمعتم لم يقل له: أنت مخطئ، بل الموتى يسمعون -لو كان هو مخطئاً- لكنه أقره على هذه العبارة الصريحة، ولكن أدخل في ذلك قيداً وهو: أن الموتى لا يسمعون إلا هؤلاء، ولذلك جاء في صحيح البخاري في هذه القصة من طريق قتادة عن أنس بن مالك -هذه القصة التي رويناها باستثناء رواية الإمام أحمد مروية في الصحيحين - قال قتادة : [أحياهم الله له، فأسمعهم صوته تبكيتاً وتحقيراً ونكاية بهم] إذاً: هذا الانتباه لإقرار الرسول عليه الصلاة والسلام لكلام الصحابي، فهذا معناه أن كلام الصحابي حق، لكن ينظر هل أدخل عليه الرسول عليه الصلاة والسلام شيئاً من التخصيص والتقييد فيضاف إليه، فنخرج بنتيجة سليمة مائة بالمائة، فالموتى لا يسمعون إلا هؤلاء فإنهم قد سمعوا، وآلات الطرب لا تجوز وبخاصة الدف إلا في يوم العيد، والناس كلهم لا بد أن يدخلوا النار كما فهمت حفصة من الآية، ولكن يختلفون من صالح يمر مروراً (ترانزيت) كما يقولون اليوم إلى الجنة، أما الكفار فيلبثون فيها أحقاباً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(8/8)
س)- ما الحكم بالنسبة للأناشيد التي تضرب فيها الدفوف؟
هذه الأناشيد تسمى اليوم بغير اسمها (أناشيد دينية)، بينما لا يوجد في الإسلام أناشيد دينية، لكن يوجد في الإسلام شعر بلا شك! يقول الرسول عليه الصلاة والسلام في بعضه: (إن من الشعر لحكمة)، أما أن نتغنى بأشعار ونسميها أناشيد، وأناشيد دينية، فهذا شيء لا يعرفه سلفنا الصالح إطلاقاً، وهذا في الواقع له علاقة بمبدأ كنا تحدثنا عنه قريباً في بعض جلساتنا هنا، وهو يتلخص باعتقاد ما يدندن حوله العلماء في مثل هذه المناسبة: وكل خير في اتباع من سلف، وكل شر في ابتداع من خلف. فلم يكن من عادة السلف أن ينشدوا أناشيد ويسموها دينية، ولا سيما إذا اقترن بها بعض الآلات الموسيقية كالدف، وأنكر من ذلك أن نأتي بأذكار يقترن بها بعض الآلات الموسيقية -أيضاً- ونسميها (ذكراً)، وليس هو من الذكر الإسلامي في شيء، خلاصة القول: ليس هناك أناشيد دينية، وإنما هناك أشعار لطيفة في معانيها، يجوز أن يتغنى بها إما انفراداً وإما في بعض الاجتماعات كالعرس، وكما جاء من حديث عائشة رضي الله عنها أنها أقبلت من عرس للأنصار، فسألها الرسول: (من أين؟ قالت: من عرس للأنصار، قال عليه الصلاة والسلام لها: هل غنيتم لهم؟ فإن الأنصار يحبون الغناء، قالت: ماذا نقول يا رسول الله؟! قال عليه الصلاة والسلام:
أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم
ولولا الحنطة السمراء لم تسمن عذاراكم
انظروا الشعر العربي النزيه، ليس فيه شيء من الكلام الذي لا يليق، فهو شعر، ولكن ليس شعراً دينياً، بل شعر ترويح عن النفس بكلام مباح، هذا هو الذي كان معروفاً في ذلك العهد. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم لبس البنطلون؟
البنطلون هو من المصائب التي أصابت المسلمين في هذا الزمان؛ بسبب غزو الكفار لبلادهم، وإتيانهم بعاداتهم وتقاليدهم إليها، وتبني بعض المسلمين لها، وهذا بحث يطول أيضاً، لكني أقول بإيجاز: إن لبس البنطلون فيه آفتان اثنتان:
الأولى: أنها تحجّم العورة، وبخاصة بالنسبة للمصلين الذين لا يلبسون اللباس الطويل الذي يستر ما يحجمه البنطلون من العورة من الإليتين، بل وما بينهما في السجدتين، وهذا أمر مشاهد مع الأسف لا سيما في صلاة الجماعة، حيث يسجد الإنسان فيجد أمامه رجلاً (مبنطلاً) -إن صح التعبير- فيجد هناك الفلقتين من الفخذين، بل وقد يجد بينهما ما هو أسوأ من ذلك، فهذه الآفة الأولى أن البنطلون يحجّم العورة، ولا(8/9)
يجوز للرجل فضلاً عن المرأة أن يلبس أو تلبس من اللباس ما يحجم عورته أو عورتها، وهذا مما فصلت القول فيه في كتاب حجاب المرأة المسلمة .
والآفة الأخرى: أنها من لباس الكفار، ولم يكن لباس البنطلون أبداً يوماً ما في كل هذه القرون الطويلة في لباس المسلمين، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (بعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يعبد الله وحده لا شريك له، وجعل رزقي تحت ظل رمحي، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقوم فهو منهم)، وجاء في صحيح مسلم : (أن النبي صلى الله عليه وسلم جاء إليه رجل فسلم عليه، فقال له: هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها) ولذلك فيجب على كل مسلم ابتلي بلباس البنطلون لأمر ما أن يتخذ من فوقه جاكيتاً طويلاً، أشبه بما يلبسه بعض إخواننا الباكستانيين أو الهنود، من القميص الطويل الذي يصل إلى الركبتين، هذا في الواقع مما يخفف من تحجيم البنطلون لعورة المسلم. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يجوز استغابة الكافر والمشركة ؟ وهل يجوز أن يسبهم ؟
يجوز كل ذلك ، لأن الكافر لا حرمة له ، إلا إذا كان يترتب من ذلك مفسدة ، فمثلاً : إذا كان بسبة كافر في وجهه أو بقفاه ، فيبلغه ذلك ، فربما يسب المسلم ويسب دينه ونبيه إلى آخره ، فعند ذلك يحرم سب المسلم للمشرك . شبكة المنهاج الاسلامية.
س)- هل العبرة في العبادة بكثرتها؟
العبرة ليست بكثرة العبادة و إنما بكونها على السنة , بعيدة عن البدعة , و قد أشار إلى هذا ابن مسعود رضي الله عنه بقوله أيضا : "اقتصاد في سنة , خير من اجتهاد في بدعة" .و منها : أن البدعة الصغيرة بريد إلى البدعة الكبيرة , ألا ترى أن أصحاب تلك الحلقات صاروا بعد من الخوارج الذين قتلهم الخليفة الراشد علي بن أبي طالب؟ فهل من معتبر؟! انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2005.
س)- ما حكم تقبيل يد العالم؟
نرى جواز تقبيل يد العالم إذا توفرت الشروط الآتية :
1- أن لا يتخذ عادة بحيث يتطبع العالم على مد يده إلى تلامذته , ويتطبع هؤلاء على التبرك بذلك , فإن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإن قبلت يده , فإنما كان ذلك على الندرة , وما كان كذلك , فلا يجوز أن يجعل سنة مستمرة , كما هو معلوم من القواعد الفقهية.(8/10)
2- أن لا يدعو ذلك إلى تكبر العالم على غيره ورؤيته لنفسه ,كما هو الواقع مع بعض المشائخ اليوم.
3- أن لا يؤدي ذلك إلى تعطيل سنة معلومة , كسنة المصافحة , فإنها مشروعة بفعله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وقوله , وهي سبب شرعي لتساقط ذنوب المتصافحين ,كما روي في غيرما حديث واحد , فلا يجوز إلغاؤها من أجل أمر أحسن أحواله أنه جائز. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم160.
س)- ما حكم إطالة الإزار؟
يجب على المسلم أن لا يطيل إزاره إلى ما دون الكعبين، بل يرفعه إلى ما فوقهما، ولو كان لا يقصد الخيلاء، ففيه رد واضح على بعض المشايخ الذين يطيلون ذيول جُبَبهم حتى تكاد أن تمس الأرض، ويزعمون أنهم لا يفعلون ذلك خُيلاء! فَهَلا تركوه اتباعاً لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم لابن عمر، أم هم أصفى قلباً من ابن عمر ؟! انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1568.
س)- ما حكم لبس لباس الكفار؟
لا يجوز للمسلم أن يلبس لباس الكفار وأن يتزيا بزيهم، والأحاديث في ذلك كثيرة، كنت قد جمعت منها قسماً طيباً مما ورد في مختلف ابواب الشريعة، وأودعتها في كتابي((حجاب المرأة المسلمة))، فراجعها فإنها مهمة، خاصة وأنه قد شاع في كثير من البلاد الإسلامية التشبه بالكفار في البستهم وعاداتهم، حتى فرض شيء من ذلك على الجنود في كل أوجل البلاد الإسلامية، فألبسوهم القبعة، حتى لم يعد أكثر الناس يشعر بأن في ذلك أدنى مخالفة للشريعة الإسلامية، فإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1704.
س)- كيف يكون ذكر الله عز وجل؟
ينبغي أن يكون المسلم دائماً على ذكرٍ من ذكر الله عز وجل، وعلى ذكر من تعاليم الله عز وجل، فإن قوله تبارك وتعالى: (اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْراً كَثِيراً) [الأحزاب:41] مما يدخل فيه الذكر العملي وليس فقط الذكر اللفظي، الذكر العملي مثلاً: إنسان وهو يمشي في الطريق بادره البصاق، فأراد أن يلفظ هذه الفضلة من فمه، فهل يلفظها أمامه؟ فهنا ذكرٌ لله عز وجل قل من يذكره وهو قبل أن تلفظ ما في فمك يجب أن تستعبر هل أنت مستقبل للقبلة أم لا؟ فإن كنت مستقبلاً للقبلة فيجب ألا تبصق أمامك؛ احتراماً لجهة القبلة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (من بصق تجاه القبلة جاء يوم القيامة وبصقه بين عينيه)، وهذا من آداب المسلمين الأولين التي أصبحت نسياً منسياً في الآخرين، فلا تكاد ترى مسلماً يذكر هذا الأدب الإسلامي حتى ولو كان(8/11)
في المسجد، فكثيراً ما شاهدنا بعض الناس في المسجد الذي له نوافذ مطلة إلى جهة القبلة، يأتي فيبصق إلى الجهة التي قد صلى إليها، أو سرعان ما سيصلي إليها، فهذه غفلة عن ذكر الله، لكن هذا من الذكر الذي لا يعرفه -مع الأسف- أهل الذكر المبتدع الذين يرقصون في أذكارهم، ولم يعرفوا من ذكر الله إلا هذا النوع الذي لا أصل له في كتاب الله ولا في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وليس المقصود التذكير بهذه المسألة، وإنما أختها وهي ألصق بالمصلي من هذه، فإنه إذا كان لا يجوز للمسلم أن يبصق تجاه القبلة وهو يمشي، أو هو جالس ليس في صلاة، فمن باب أولى إذا كان في صلاة؛ لأنه يكون قائماً متوجهاً إلى الله عز وجل في صلاته بكل جوارحه، وهذه المسألة فيها أحاديث كثيرة لست الآن بصددها. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل بدء الساقي يكون بكبير القوم؟
في الحديث أن بدء الساقي بالنبي صلى الله عليه وسلم إنما كان لأنه صلى الله عليه وسلم كان طلب السقيا، فلا يصح الاستدلال به على أن السنة البدء بكبير القوم مطلقاً كما هو الشائع اليوم، كيف وهو صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك، بل أعطى الأعرابي الذي كان عن يمينه دون أبي بكر الذي كان عن يساره، ثم بين ذلك بقوله: ((الأيمن فالأيمن)). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1771.
س)- ما حكم شرب قليل الخمر؟
يحرم كل مسكر، سواء كان متخذاً من العنب أو التمر أو الذرة أو غيرها، وسواء في ذلك قليله أو كثيره، وأن التفريق بين خمر وخمر، والقليل منه والكثير باطل، خلافاً لما ذهب إليه بعض عليه بعض من تقدم. واغتر به بعض المعاصرين في مجلة (العربي) الكويتية منذ سنين ثم رد عليه بعض مشايخ الشام، فما أحسن الرد، منعه منه تعصبه للمذهب، عفا الله عنا وعنه بمنه وكرمه. والعصمة لله وحده. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1814.
س)-ما مدى صحة القول : (لا حياء في الدين) ؟
نجد دليل مثل هذا القول في - إن فُهم صوابًا - كلمة مأثورة في (صحيح مسلم) ، وهو قول السيدة عائشة ، رضي اللَّه عنها : (رحم اللَّه نساء الأنصار ، لم يمنعهن حياؤهن أن يتفقهن في الدين) ، ولكن هذا القول يحتاج إلى التقييد ؛ لأنَّ الأقوال المأثورة يفسر بعضها بعضًا ، فنقول : إذا قيلت هذه الكلمة بمناسبة بحثٍ علميٍّ ، سؤال ، أو في سياق التفقه في الدين ، أو وضعت في مكان مناسب فهي صحيحة ، أما أن يقال : (لا حياء في الدين) من غير تقييد ، فلا ؛ لأن (الحياء من الإيمان) ، كما يقولُ الرسول صلى الله عليه وسلم. نقلا من موقع جماعة انصار السنة ، والمرجع مجلة التوحيدالعددالعاشر لسنة 1420.(8/12)
س)- ما هو حكم الأناشيد المتداولة بين كثير من الشباب، ويسمونها (أناشيد إسلامية)؟
إذا كانت هذه الأناشيد ذات معان إسلامية ، وليس معها شئ من المعازف وآلات الطرب كالدفوف والطبول ونحوها ، فهذا أمر لا بأس به. ولكن؛ لابد من بيان شرط مهم لجوازها، وهو: أن تكون خالية من المخالفات الشرعية ، كالغلو ونحوه . ثم شرط آخر ، وهو عدم اتخاذها ديدناً ، إذ ذلك يصرف سامعيها عن قراءة القرآن الذي ورد الحض عليه في السنة النبوية المطهرة ، وكذلك يصرفهم عن طلب العلم النافع، والدعوة إلى الله سبحانه ، أما استعمال الدفوف مع الأناشيد، فجائز للنساء فيما بينهن دون الرجال ، وفي العيد والنكاح فقط .انتهى كلام الالباني من فتاوى مهمة لنساء الأمة.
س)- هل يجوز الزيادة على بسم الله على الطعام؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (يا غلام إذا أكلت , فقل : بسم الله , وكل بيمينك , وكل مما يليك) ، وفي الحديث دليل على أن السنة في التسمية على الطعام إنما هي : " بسم الله " فقط , ومثله حديث عائشة مرفوعاً : (إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ طَعَامًا فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فَإِنْ نَسِيَ فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ فِي أَوَّلِهِ وَآخِرِهِ).
قال الحافظ : (وأما قول النووي في آداب الأكل من " الأذكار " : " صفة التسمية من أهم ما ينبغي معرفته , والأفضل أن يقول : بسم الله الرحمن الرحيم , فإن قال : بسم الله , كفاه وحصلت السنة " , فلم أر لما ادعاه من الأفضلية دليلاً خاصاً).
وأقول : لا أفضل من سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , "وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ" , فإذا لم يثبت في التسمية على الطعام إلا "بسم الله " , فلا يجوز الزيادة عليها , فضلاً عن أن تكون الزيادة أفضل منها , لأن القول بذلك خلاف ما أشرنا إليه من الحديث "وخير الهدي هدي محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم344.
س)- ما هي نصيحتكم في من تأثر بالعادات الغربية في مأكله ومشربه؟
من المؤسف حقاً أن ترى كثيراً من المسلمين اليوم وبخاصة أولئك الذين تأثروا بالعادات الغربية والتقاليد الأوروبية- قد تمكن الشيطان من سلبه قسماً من أموالهم ليس عدواناً بل بمحض اختيارهم، وما ذاك إلا لجهلهم بالسنة، أو إهمالاً منهم إياها، ألست تراهم يتفرقون في طعامهم على موائدهم، وكل واحد منهم يأكل لوحده- دون ضرورة- في صحن خاص، لا يشاركه فيه على الأقل جاره بالجنب، وكذلك إذا سقطت(8/13)
اللقمة من أحدهم، فإنه يترفع عن أن يتناولها ويميط الأذى عنها ويأكلها، وقد يوجد فيهم من المتعالمين والمتفلسفين من لا يجيز ذلك يزعم أنها تلوثت بالجراثيم والميكروبات ضربا منه في صدر الحديث إذ يقول صلى الله عليه وسلم:((فليمط ما رابه منها، وليطعمها، ولا يدعها للشيطان)).
ثم إنهم لا يلعقون أصابعهم، بل إن الكثيرين منهم يعتبرون ذلك قلة ذوق وإخلالاً بآداب الطعام، ولذلك اتخذوا في موائدهم مناديل من ورق الخفيف الناشف المعروف بـ(كلينكس)، فلا يكاد أحدهم يجد شيئاً من الزهومة في أصابعه، بل وعلى شفتيه إلا بادر إلى مسح ذلك المنديل. خلافاً لنص الحديث.
وأما لعق الصحفة، أي لعق ما عليها من الطعام بالأصابع، فإنهم يستهجنونه غاية الاستهجان، وينسبون فاعله إلى البخل أو الشراهة في الطعام، ولا عجب في ذلك من الذين لم يسمعوا بهذا الحديث فهم جاهلون، وإنما العجب من الذين يسايرونهم ويداهنونهم، وهم به عالمون.
ثم تجدهم جميعاً قد أجمعوا على الشكوى من ارتفاع البركة من رواتبهم وأرزاقهم، مهما كان موسعاً فيها عليهم، ولا يدرون أن السبب في ذلك إنما هو إعراضهم عن إتباع سنة نبيهم، وتقليدهم لأعداء دينهم، في أساليب حياتهم ومعاشهم.
فالسنة السنة أيها المسلمون (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1404.
س)- هل يجوز السفر يوم الجمعة؟
ليس في السنة ما يمنع من السفر يوم الجمعة مطلقاً , بل روي عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه سافر يوم الجمعة من أول النهار , ولكنه ضعيف لإرساله.
وقد روى البيهقي عن الأسود بن قيس عن أبيه قال : (أبصر عمر بن الخطاب رضي الله عنه رجلاً عليه هيئة السفر , فسمعه يقول : لولا أن اليوم يوم جمعة لخرجت , قال عمر رضي الله عنه : اخرج , فإن الجمعة لا تحبس عن سفر) رواه ابن أبي شيبة مختصراً.
وهذا سند صحيح رجاله كلهم ثقات , وقيس والد الأسود , وثقه النسائي وابن حبان.
فهذا الأثر مما يضعف هذا الحديث , وكذا المذكور قبله , إذ الأصل أنه لا يخفى على أمير المؤمنين عمر لو كان صحيحاً. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم219.(8/14)
س)- لماذا خلق الله الخلق من الملائكة والإنس والجن؟
في القرآن الكريم، وبطبيعة الواقع لا أقدم إليكم شيئاً مجهولاً في ظن لدى كافة المسلمين، وإنما هي: أولاً: الذكرى، والذكرى تنفع المؤمنين. وثانياً: أريد أن أربط بهذا التذكير أمراً قد يكون كثير من الناس عنه غافلين. فجواب ذاك السؤال في قوله تبارك وتعالى في القرآن الكريم: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:56-58] إذاً: هذه الآية تعطينا الغاية والحكمة التي من أجلها خلق الله عز وجل الإنس والجن، ومن باب أولى الملائكة الذين وصفهم ربهم عز وجل في القرآن الكريم بقوله: (لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6] هذه الحكمة هي: أن يعبدوا الله وحده لا شريك له، خلق الجن والإنس ليعبدوه وحده لا شريك له. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- كيفية التوفيق بين العبادة وطلب الرزق؟
ذكر الله عز وجل بعد الحكمة التي بينها قوله تبارك وتعالى: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ) [الذاريات:57-58] . لماذا ذكر ربنا عز وجل: (مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ) [الذاريات:57]؟ أي: لكي لا يهتم المسلم برزقه اهتمامه بعبادة ربه، أي: يجب عليه أن يهتم بما من أجله خلق، وليس أن يهتم بالرزق؛ لأن الرزق قد تكفله الله عز وجل لعباده وقدره منذ أن كان جنيناً في بطن أمه، كما تعلمون من الأحاديث الصحيحة، التي جاء فيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر أن الله تبارك وتعالى يرسل ملكاً إلى الجنين وهو في بطن أمه، فينفخ فيه الروح بعد أن جاوز الأربعة الأشهر، ويسأل ربه عن عمره، وعن رزقه، وعن أجله، وعن سعادته أو شقاوته، كل هذا قد سجل، كما جاء في قوله تبارك وتعالى على قولٍ من أقوال المفسرين في قوله عز وجل: (وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ) [الذاريات:22] فالله عز وجل قد قدر الرزق منذ القديم، ولذلك فلا ينبغي للمسلم أن يهتم برزقه -وأرجو الانتباه!- لا أقول: ألا يهتم بالسعي وراء رزقه، لا. وإنما أعني وأصرح فأقول: لا ينبغي أن يهتم المسلم بتحصيل رزقه بقدر ما يهتم بعبادة ربه تبارك وتعالى؛ لأن الرزق مقطوعٌ مضمون، وإن كان هذا الكلام لا نعني به ألا يسعى المسلم وراء رزقه، لكن إنما نعني ألا يجعل الغاية من حياته هو أن يسعى وراء رزقه؛ لأن الغاية -كما علمتم- إنما هي عبادة الله وحده لا شريك. ولكي لا يتبادر إلى ذهن أحدٍ -حينما نلفت النظر إلى الاهتمام بتحقيق الغاية الشرعية التي من أجلها خلق الله عز وجل الإنس والجن- لكي لا يتبادر إلى ذهن أحدٍ أننا نأمر بما يظنه بعض الناس أنه توكل على الله حينما لا يسعى وراء الرزق، فأقول: ليس الإعراض عن السعي وراء الرزق توكلاً على الله تبارك وتعالى؛ وإنما هو تواكل واعتمادٌ على العبد أو على(8/15)
العبيد الذين لا ينبغي أن يعتمد المسلم في تحصيله لرزقه على غير ربه تبارك وتعالى؛ ذلك لأن السعي وراء الرزق بالحد المطلوب شرعاً، وبقدر ألا يبالغ في طلب الرزق، ومن المبالغة في طلب الرزق ما سأدندن حوله، وهو أن يطلب الرزق من أي طريقٍ كان، لا يهمه أجاءه الرزق بسببٍ حرامٍ أو حلالٍ، فالذي نريده أن السعي وراء تحصيل الرزق بالوسائل المشروعة، وبالقدر المشروع الذي لا يجعله غايته من حياته كما ألمحت إلى ذلك آنفاً، هذا السعي وراء الرزق يعتبره الشارع الحكيم من الجهاد في سبيل الله عز وجل. فقد جاء في الحديث الصحيح: (أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان جالساً يوماً وحوله أصحابه، حينما مر رجلٌ شابٌ جلدٌ قويٌ عليه آثار النشاط والشباب، فقال أحد الحاضرين: لو كان هذا في سبيل الله) أي: لو كانت هذه الفتوة وهذا الشباب والقوة في سبيل الله عز وجل، يتمنى أحد الحاضرين أن يكون هذا الشاب المار بهذه القوة والفتوة يجاهد في سبيل الله عز وجل، فقال صلى الله عليه وآله وسلم ملفتاً نظر من حوله أولاً، ثم من سيبلغهم هذا الحديث ثانياً، إلى أن السعي وراء الرزق -كما قلت آنفاً- هو من الجهاد في سبيل الله عز وجل، حيث قال صلى الله عليه وآله وسلم مجيباً ذلك الصحابي الذي تمنى أن يكون شباب ذلك الرجل المار وقوته في سبيل الله عز وجل، قال عليه الصلاة والسلام: (إن كان هذا خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أهله وأولاده الصغار فهو في سبيل الله). إذاً: السعي وراء الرزق هو من الأمور المرغوب فيها، والتي حظ الشارع الحكيم عليها، ولكن على اعتبار أنها وسيلة وليست غاية المسلم في هذه الحياة، إنما غايته أن يعبد الله عز وجل وحده لا شريك له، وسعيه وراء الرزق ليتمتع بالقدرة والقوة على القيام بما فرض الله عز وجل عليه من الجهاد، ليس فقط في قتال الأعداء الذين حرمنا -مع الأسف الشديد- في عصرنا هذا من هذا الجهاد، وإنما على الأقل في الجهاد جهاد النفس الأمارة بالسوء، التي تتطلب القيام بكثيرٍ من الفروض والواجبات، ومنها -مثلاً- الصلاة التي هي الركن الثاني بعد الشهادتين في الإسلام. فمن كان هزيلاً، ومن كان مريضاً لا يسعى لتقوية بدنه بما أنعم الله عليه من رزقٍ؛ فقد لا يستطيع أن يقوم بما فرض الله عز وجل من عليه الجهاد النفسي العام، الذي عبر عنه الرسول عليه السلام في الحديث الصحيح حين قال: (المجاهد من جاهد نفسه لله) وفي رواية: (هواه لله عز وجل) هذا الجهاد يتطلب -كما ألمحت آنفاً- إلى أن يكون المسلم قوياً في جسده، كما هو قويٌ في عقيدته وفي معانيه الإيمانية الإسلامية. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما الدليل علىاهتمام الإسلام بصحة المسلم؟
قد أشار النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وجوب محافظة المسلم على نشاطه وقوته في بدنه، حينما بلغه أن رجلاً من أصحابه يبالغ في طاعة الله تبارك وتعالى؛ حيث كان يصلي الليل كله، ويصوم الدهر كله، ولا يأتي(8/16)
نساءه، فلما بلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعاه -وهذه قصة فيها بعض الطول لا مجال الآن لذكرها بتمامها، إنما الغرض الآن أن أذكِّر باهتمام الإسلام بصحة المسلم، وضرورة محافظته على بدنه- فدعاه وقال له عليه السلام: (إن لجسدك عليك حقاً، ولزوجك عليك حقاً، ولنفسك عليك حقاً، ولزورك -أي: من يزورك- عليك حقاً)، زاد في حديث آخر أو في قصة أخرى: (فأعط كل ذي حق حقه). وكان في هذه القصة أن هذا الرجل العابد الزاهد في الدنيا والذي كان من زهده أنه لما زوجه أبوه كأنه لم يتزوج، لم يقرب زوجته لانشغاله واستغراقه في وقته كله على عبادة الله عز وجل.. طلب هذا الزاهد العابد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يصوم أكثر مما رخص له في أول الأمر، ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزيده في أيامٍ يصومها أكثر مما رخص له في أول الأمر، إلى أن قال له في نهاية المطاف: (صم يوماً وأفطر يوماً، فإنه أفضل الصيام، وهو صوم داود عليه الصلاة والسلام، وكان لا يفر -هنا الشاهد- إذا لاقى)، أي: عدوه، فالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعظ ذلك الصحابي الزاهد بألا يزيد على الصيام نصف الدهر، يصوم يوماً ويفطر يوماً، وعلل ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله: (فإنه أفضل الصيام، وهو صوم داود عليه السلام) لماذا قال عليه الصلاة والسلام: ( وهو صوم داود )؟ لأنه جاء في حديثٍ في صحيح البخاري : (كان داود عليه السلام أعبد البشر) أعبد البشر هو داود نبي الله، وهو والد سليمان، كان أعبد البشر، ومع ذلك كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، وما هي الحكمة من هذا الصيام؟ قال: (وكان لا يفر إذا لاقى) أي: كان يجمع بين أن يعطي لنفسه حقها من عبادة ربها من جهة، وبين أن يعطي لجسده قوته من جهة أخرى؛ ليتمكن بهذه القوة من مقاتلة أعداء الله عز وجل، ولذلك جاء في القرآن الكريم قوله تعالى: (وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ) [البقرة:251] لو كان داود عليه السلام يصوم الدهر كله لما استطاع أن يقضي على ذلك الكافر الجاحد المنكر. فإذاً: السعي وراء تقوية الجسم لطلب الرزق الحلال هذا أمرٌ مرغوبٌ فيه، واعتبر ذلك الشارع الحكيم -كما سمعتم في قصة الشاب الجلد- جهاداً في سبيل الله عز وجل. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما أهمية مراعاة أحكام الشريعة في طلب الرزق؟
الذي أريد الآن الدندنة حوله: أنه ليس من الجهاد في سبيل الله أن يطلب المسلم الرزق دون أن يلتزم في طلبه أحكام شريعة ربه عز وجل، أي: لا يسأل إن كان السعي الذي يسعاه أو العمل الذي يعمله في سبيل تحصيله لرزقه جائزاً شرعاً أو محرماً شرعاً، هذا -أولاً ليس مجاهداً ذلك الجهاد الذي وسَّع رسول الله معناه، فجعل السعي وراء الرزق في سبيل الله، هذا الذي يسعى وراء الرزق ولا يسأل أحرام هو أم حلال؟ فهو ليس فقط مجاهداً وخارجاً في سبيل الله، بل هو -ثانياً- عاصٍ لله عز وجل، غير متذكرٍ عملاً قول الله عز(8/17)
وجل المذكور آنفاً: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) [الذاريات:56] فعلى كل مسلم إذا سعى وراء الرزق ألا يطلبه إلا من طريقٍ أباحه الله عز وجل، وقد بين ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ولذلك جاءت أحاديث كثيرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تأمر المسلم بأن يطلب الرزق من الطريق الحلال، وتحذره أن يكون مكسبه من طريق حرام.. فقد روى الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه، أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً، وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين فقال: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً) [المؤمنون:51] ثم ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الرجل يطيل السفر، أشعث أغبر، يمد يديه إلى السماء: يا رب، يا رب، ومأكله حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك) يدعو المسلمون اليوم دعاءً طويلاً عريضاً، ثم لا يستجاب لهم أن ينصرهم الله عز وجل على عدوهم، لماذا؟ لأن أكثر المسلمين اليوم لا يسألون الحلال، ولا يبالون من أي طريقٍ جاءهم هذا الكسب، أمن طريقٍ حلال أم حرام، فهذا الحديث يقول: إن الله عز وجل جعل من سنته الشرعية أنه لا يستجيب دعاء من كان طالباً للرزق بطريقٍ محرم، بل قد أوعده النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيعاداً مخيفاً جداً، حينما قال عليه الصلاة والسلام: (كل لحمٍ نبت من السحت فالنار أولى به) أي: من الكسب الحرام. وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أخبر أمته بأن استحلالهم السعي وراء الرزق بالطرق المحرمة يكون سبباً لأن يذلهم الكفار، ويستعبدوهم الكفار، وهذا أمرٌ مشاهد -مع الأسف- في كثيرٍ من الديار الإسلامية، ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله؛ سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم) فقد ذكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن من أسباب تسلط الأعداء على المسلمين وإذلالهم إياهم، إنما هو انكبابهم على الدنيا وانصرافهم -بسبب هذا الانكباب- إلى طلب الرزق بطريق الربا، ومن أنواع الربا ما ذكره عليه الصلاة والسلام في الطرف الأول من هذا الحديث، ألا وهو قوله: ( إذا تبايعتم بالعينة ) نوع من المبايعات الربوية.. (وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم). والرجوع إلى الدين معناه واسعٌ جداً جداً، ولكن فيما يتعلق بهذه الكلمة يجب على كل مسلم أن يرجع في طلبه للرزق إلى الكسب الحلال، حتى يكون هذا الكسب شفيعاً له فيما إذا دعا ربه أن يستجيب له أو منه دعوته. نسأل الله عز وجل أن يلهمنا التعرف على ديننا، وأن نعمل بأحكامه، ومن ذلك أن يوفقنا للسعي وراء طلب الرزق الحلال، وأن يبعدنا عن الوسائل المحرمة التي كثرت في هذه الأيام، إنه سميع مجيب، والحمد لله رب العالمين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(8/18)
س)- ذكرت أن السعي وراء الرزق الحلال من الأمور الواجبة على المسلم، وهناك أمر مهم، كثير من المسلمين يجهله، يقول الله عز وجل: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] فبعض المسلمين يعمل عملاً حلالاً لكن يكون فيه معاونة على الحرام، فالبعض -مثلاً- يعمل في الحديد -يفصل أبواب- فيكون المحل الذي يريد أن يعمل له حراماً، فهل إذا صنع باباً لذلك المحل يكون عليه إثم؟
في الآية التي ذكرتها، وهذا ما تعرضنا لبيانه في مناسبات كثيرة وكثيرة جداً، من يحمل الخمر فقط في سيارته فهو ملعون؛ بنص حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي يقول: (لعن الله في الخمرة عشرة... وذكر منهم: حاملها والمحمولة إليه)، وهذا الحديث من أحاديث كثيرة وكثيرة جداً، تفسر الشطر الثاني من الآية التي ذكرها السائل آنفاً ألا وهو قوله تبارك وتعالى: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] فالذي يحمل الخمر إلى الخمارة قد أعان المدمن للخمر على شرب الخمر، كما أعان الخمار على بيع الخمر، وهكذا، ولذلك فالعمل الذي أصله مباح كما جاء في السؤال وفي الجواب، وهذا الحمل على السيارة أو على الدابة من حيث هو حمل بعينه فهو جائز، لكن العبرة كما قال عليه الصلاة والسلام، في غير هذه المناسبة: (إنما الأعمال بالخواتيم) فالمحمول هذا على هذه الجاهلة وهي السيارة -مثلاً- ما مصيرها؟ مصيرها أن تصل إلى الخمارة مساعدة للمدمنين للخمر على شربها، كذلك من يحمل أشخاصاً، نساءً أو رجالاً، إلى السينمات أو البارات، أو الملاهي المحرمة، كل هذا لا يجوز؛ لأنه يخالف الآية الكريمة: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] والبحث في هذا كثير وكثير جداً، ولعله من المهم لوقوع جماهير الناس اليوم -وبخاصة التجار منهم- في مخالفة الحديث التالي، ألا وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه وشاهديه) لعن الله آكل الربا، لكن ما بال موكله؟ وما بال الشاهد والكاتب؟ الجواب في الآية: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]. لذلك يتوهم كثير من التجار الذين يظنون أنفسهم أنهم من عباد الله الصالحين، أنهم حينما يودعون أموالهم في البنوك ولا يأخذون الربا، أنهم أحسنوا بذلك الصنع، كلا ثم كلا! لقد أساءوا بذلك صنعاً؛ لأنهم أعانوا البنك على أن يأكل الربا، والرسول عليه الصلاة والسلام كما سمعتم يقول: (لعن الله آكل الربا وموكله) أي: مطعمه لغيره، فهذا التاجر أو هؤلاء التجار الذين يودعون أموالهم في البنوك، ولو كانوا صادقين في قولهم أنهم لا يأخذون الربا، حسبهم إثماً أنهم(8/19)
يُؤكِلون الربا أولئك الذين يعملون في البنك، ومعنى هذا الكلام -أيضاً- أنه لا يجوز للمسلم أن يكون موظفاً في البنك، ولو كان القمام، أو الكناس، أو الزبال -مفهوم الكلام هذا!- أي: أقل موظف، فلذلك أي موظف في البنك من المدير إلى الكناس يشملهم هذا النص القرآني، ثم الحديث النبوي: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2] (لعن الله آكل الربا، وموكله، وكاتبه، وشاهديه). والآن يوجد في البنك أنواع من التعاون، فليست الأنواع محصورة بالكاتب والشاهد، فالآن ليس هناك حاجة للشهود أبداً؛ لأن الجماعة نظموا أمورهم على القانون الغربي الذي لا يحرم ولا يحلل، كما قال الله عز وجل في القرآن الكريم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة:29]. والبحث في هذا طويل جداً، وهناك أنواع من الأحاديث رهيبة جداً، كلها تلتقي على نقطة هامة جداً، وهي أنه لا يجوز للمسلم أن يكون عوناً لغيره على ارتكاب منكر، وبهذا القدر الكفاية. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم بيع التورق، وهو أن يشتري الرجل بضاعة من غير نقد من التاجر وهو يريد النقد ثم يبيعها لغير التاجر نقداً بثمنٍ أقل؟
الحقيقة هذه التسمية هي كتسمية الربا بالفائدة، التورق اسم مبتدع، أما الذي سماه الرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق فهو العينة، والصورة كما سمعتم: رجل يريد مالاً، ولتفكك عرى المودة والمحبة بين المسلمين فلا يجد هذا المسلم من يقرضه قرضاً حسناً، فيذهب لا يريد أن يذهب إلى البنك؛ لأن هذا ربا مكشوف، أن يأخذ -مثلاً- ألفاً على أساس أن يوفيها بعد مدة مسماة ألفاً ومائة أو أقل أو أكثر، وإنما يذهب عند التاجر فيشتري منه حاجة بألف ليس بالنقد، وإنما كما يقولون اليوم: بالتقسيط، ثم بعد أن يشتريها بألف يعود فيبيعها للبائع له بثمانمائة، فيسجل عليه المقدار الذي اشتراه من قبل بألف وزيادة، ويأخذ مقابل الألف وزيادة ثمانمائة، هذا ربا، ويصح لي أن أقول: ألعن من الربا، لماذا؟ لأن الفرق شاسع جداً، ففي البنك تأخذ مائة على أن توفي مائة وخمسة أو مائة وعشرة، أما هنا فالفرق باهظ جداً، فهذا النوع من الاحتيال على ما حرم الله عز وجل، ولذلك فبيع العينة أو التورق هذا أشد حرمة من الربا المكشوف، لا نريد أن نبيح الربا المكشوف فهو ملعون كما سمعتم وحسبه إثماً، لكن الاحتيال على أكل الربا تلحق بصاحبه لعنة أخرى؛ لأنه: أولاً: يأكل الربا، فهو ملعون بنص الحديث السابق. ثانياً: يحتال على أكل الربا، وهذه لعنة أخرى، من أين جاءت هذه اللعنة؟ من قوله عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه) الحديث أولاً: يشير إلى عقوبة كان الله عز وجل فرضها على اليهود بسبب ظلمهم لأنفسهم، وتعديهم على شريعة(8/20)
ربهم، من ذلك كما قال عز وجل: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء:160] حرم الله على اليهود بسبب ظلمهم، وقتلهم الأنبياء بغير حق، حرم عليهم أشياء هي في أصلها حلال، قال تعالى: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء:160]، منها الشحوم، فقال عليه الصلاة والسلام في الحديث السابق: ( لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها ) ما معنى جملوها؟ أي: أذابوها، وضعوها في القدور وأوقدوا النار من تحتها فساخت وذابت، فصارت في شكل آخر غير الشكل الأول، زين لهم الشيطان بأن تغيير الشكل يخرج المحرم إلى دائرة الحلال، وهذا لعب على الأحكام الشرعية واحتيال عليها، لذلك قال عليه الصلاة والسلام: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها -أي أذابوها- ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شيء حرم ثمنه). إذاً: أكل الربا محرم، والاحتيال على أكل الربا محرم مرة أخرى، وآكل الربا ملعون، والمحتال على أكل الربا ملعون مرة أخرى، لذلك فالتورق هذا أو بيع العينة لا يجوز مضاعفةً أولاً: لأنه يطعم الربا، وذلك البائع يأكل الربا. وثانياً: لأنهما تواطأا واتفقا على استحلال ما حرم الله، فوقعا في نفس الحيلة التي وقعت اليهود فيها من قبل. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم من يبيع الإيشار -الذي يوضع على الرأس يا شيخ- مع العلم أن الإيشار بيعه ليس محرماً للنساء اللاتي يخرجن فيه كاسيات عاريات، وكذلك الملابس الأخرى، وهو يرى المرأة التي تشتريه كاسية عارية؟
أظن أن جواب هذا السؤال يفهم مما سبق بوضوح، ولكن قد يتطلب الأمر شيئاً من التوضيح، الشيء الذي يباع كالإيشار الوارد في السؤال، قد يستعمل فيما هو مباح وقد يستعمل فيما هو محرم، فهنا ينظر إلى الأمر بمنظارين اثنين: الأول: إذا كان الغالب على استعمال المبيوع هذا؛ سواءً كان الإيشار أو غيره، إذا كان استعماله فيما حرم الله فبيعه حرام، وإذا كان الغالب استعماله فيما أباح الله فبيعه حلال. هذا المنظار الأول. المنظار الثاني: ينظر إلى المبيوع له -إلى الشخص الذي يباع له- بنفس النظام السابق، فإذا كان يغلب على البائع أن هذا الشاري لهذه الحاجة يستعملها فيما حرمها الله، فبيعه إياها حرام وإلا فحلال، لا بد من هذا التفصيل؛ حتى لا يكون الإنسان واقعاً فيما حرم الله باسم أنه حلال أو على العكس تماماً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(8/21)
س)- ما ترجمة حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه )؟
أولاً: ( لا يؤمن أحدكم ) هذا النفي ليس نفياً للإيمان المطلق، بحيث أنه يعني: يكون كافراً إذا كان لا يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، وإنما المعنى: لا يؤمن إيماناً كاملاً، وبلا شك لا بد من أن يقيد الحديث لفظاً؛ لأنه ورد، ومعنىً؛ لأنه هو المعنى المقصود من هذه الرواية المشهورة، والرواية المشهورة في الحديث هي كما سمعتم آنفاً: ( لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه ) هكذا الحديث في الصحيحين . لكن جاء الحديث بزيادة موضحة للمعنى الذي لا ثاني له، وهو: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير)، لأن الحديث على إطلاقه قد يشمل ما ليس خيراً، فمثلاً: رجل يشتهي أن يدخل السينما، فهو يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه، لا. هذا المعنى لا يرد في بال المسلم، لكن القيد الذي جاء في آخر الحديث وفي رواية صحيحة، كما يقال اليوم: هذه الرواية تضع النقاط على الحروف، تبين أن المقصود بهذه المحبة التي إذا لم تتوفر في قلب المسلم يكون إيمانه ناقصاً، وهو أن يحب لأخيه المسلم من الخير ما يحب لنفسه. مثلاً: أنت عندك علم نافع، كالعلم بالكتاب والسنة، وبالتلاوة، وباللغة العربية، أي علم نافع، فأنت لا يجوز أن تتمنى أن تظل وحيداً في علمك هذا؛ بل يجب عليك أن تتمنى ذلك لكل مسلم؛ لأنه خير، فإن لم تفعل فإيمانك ناقص، وعلى ذلك فقس. فمعنى إذاً: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير) إذا افترضنا مسلماً يرى جاراً له فقيراً، ثم يتمنى له أن يظل فقيراً معدماً، ولا يتمنى له من المال الذي أعطاه الله إياه، وهذا من طبيعة الإنسان كما قال رب الأنام في القرآن: (وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) [العاديات:8]، الخير هنا هو المال، هذا الجار الغني حينما يرى جاره الفقير فقراً مدقعاً؛ عليه أن يتمنى له من المال مثل ما له، ولكن عطفاً على بحثٍ سبق: إذا كان كسبه من حرام فإياه أن يتمناه لجاره الفقير، وإنما قبل كل شيء يجب أن يتمنى لنفسه المال الحلال، ثم يتمناه للمسلم؛ حتى يصدق عليه هذا الحديث: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه من الخير). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم العمل في شركة لصناعة الألعاب البلاستيكية وهي أشكال الحيوانات؟
سبق الجواب عن هذا -بارك الله فيكم- لا توجهوا أسئلة متكررة، الألفاظ متغيرة والمعاني متحدة، هذا السؤال والذي قبله بقليل كله يلتقي مع مخالفة الآية الكريمة: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)(8/22)
[المائدة:2] صنع الدمى وألعاب الأطفال هذه لا يجوز صنعها إلا في بيت المسلم، فلا مانع من صنع ذلك؛ انطلاقاً أو تمسكاً بحديث عائشة . أما صنعها والمتاجرة بها، وتعميمها في بيوت المسلمين، وبخاصة إذا كان صنعها فيه تقليد للكفار ولأذواقهم ولعاداتهم وتقاليدهم، فهذا بلا شك من أشد المحرمات في الإسلام، فلا يجوز أن يعمل في مثل هذه الشركة مؤمن يؤمن بالله ورسوله. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما معنى: (قد كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه خطه فذاك)؟
يقول الرسول عليه السلام في الحديث السابق: نبي من الأنبياء كان الله عز وجل قد أنعم عليه بنعمة الضرب بالرمل، يتخذ بذلك وسيلة للاطلاع على بعض المغيبات، والاطلاع على المغيبات هو من خصوص الأنبياء والرسل، لكن لما علم ذاك النبي ضرب الخط كان ينبئه عن بعض المغيبات بواسطة الرمل، بينما الأنبياء الآخرون ينبئهم فوراً بواسطة جبريل عليه السلام، بمعنى أن الخط على الرمل علم خص الله به بعض أنبيائه معجزة له، يقول الرسول عليه السلام من باب التعليق بالمحال: فمن وافق خطه اليوم خط ذلك النبي فهو مصيب، ومن لا فليس بمصيب وإنما يتعاطى الدجل؛ لأن هذا العلم لم يبق إليه سبيل ولا طريق؛ لأنه خاص بذاك النبي، وهذا يسميه العلماء: التعليق بالمحال، وفي هذا الجواب بهذا الأسلوب نكتة، فهو بدل أن يقول: الضرب بالرمل باطل، يعطيك فائدة أن الضرب بالرمل كان علم نبي من الأنبياء السابقين، فإذاً إذا كان باستطاعتك أن يطابق علمك كعلم ذلك النبي فأنت الموفق. (ماذا سيكون الجواب؟ هل يمكن يصادف ضرب رمل إنسان غير موحى إليه ضرب ذلك النبي الموحى إليه؟. هذا اسمه: تعليق المحال، فإذاً المقصود به: التعجيز، فإن كنت تستطيع أن تعيد الأيام التي فاتت الصلاة فيها فاقض، هو يعرف أنه لا يستطيع أن يعيد الأيام، فإذاً: سيعلم إذا قضاها، كذلك إذا كان هنا إنسان باستطاعته أن يوافق خطه خط ذلك النبي فهو المصيب الموفق، وهو يعلم أن ذاك النبي مضى وانقضى وذهب بمعجزته، فكل الأنبياء الذين ذهبوا ذهبوا بمعجزاتهم. فإذاً: خلاصة معنى (فمن وافق خطه خطه فذاك)هذا تعليق المستحيل، فلا يمكن أن يوافق خط رمالي اليوم -المنجمين- خط ذلك النبي. إذاً: الضرب بالرمل أمر غير مشروع؛ لأنه تعليق المحال، كتعليق قضاء الصلاة بإعادة الأيام. وأخيراً: أسأل الله تبارك وتعالى أن يفقهنا في ديننا، وأن يلهمنا أن نسلك منهج السلف الصالح في فهم الشريعة، ويحفظنا ويصوننا عن أن ننحرف يميناً أو يساراً، كما وقع في ذلك كثير من الطوائف المنتمية إلى الإسلام. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(8/23)
س)- ما هو حد الجوار؟
قد اختلف العلماء في حد الجوار على أقوال , ذكرها في "الفتح" , وكل ما جاء تحديده عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بأربعين , ضعيف لا يصح , فالظاهر أن الصواب تحديده بالعرف , والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم277.
س)- ما حكم الإقامة في بلاد الكفر؟
الحقيقة التي لا شك فيها ولا ريب أنه لا يجوز للمسلم اليوم أن يعيش في بلاد الكفر فإذا أخرج من بلده ، من مسقط رأسه فيسعه أن ينتقل إلى بلاد آخر من بلاد الإسلام ، هذا ما يحضرني ذكره أو رأيت من الضروري ذكره. انتهى كلام الالباني من سلسلة الهدى والنور من شريط رقم 617.
س)- ما حكم ما مات في البحر مما كان يحيا فيه , كان طافياً على الماء؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (هو الطهور ماؤه , الحل ميتته) ، في الحديث فائدة هامة , وهي حل ما مات في البحر مما كان يحيا فيه , ولو كان طافياً على الماء.
وما أحسن ما روى عن ابن عمر أنه سئل : آكل ما طفا على الماء ؟ قال : إن طافيه ميتته , وقد قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إن ماءه طهور , وميته حل) , رواه الدارقطني.
وحديث النهي عن أكل ما طفا منه على الماء لا يصح , كما هو مبين في موضع آخر. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 480.
س)- الجهاز المرئي التلفزيون هل هو حرام في ذاته أو في المواضيع التي تبث إن كانت محرمة؟
لا أستطيع أن أقول نعم أو لا، وإنما يجب أن نعلم حكم الصور و التصوير في الإسلام، هل الأصل فيها الإباحة؟ أم الأصل فيها التحريم، فبناءً على هذا الأصل يأتي الجواب عن بعض ما يتفرع عنه.
الأصل في التصوير-كما أظن أن الجميع يعلمون ذلك- أنّه لا يجوز، لا يجوز تصوير شيء من مخلوقات الله- عزّ وجل- مما لها روح، ويدخل في ذلك الحيوانات سواء ما كان منها ناطقاً أو صامتاً، إلا ما اقتضته الحاجة الملحة أو الضرورة؛ فهنا حينما نقول: الصور الفوتوغرافية، هل هي جائزة أو محرمة؟ نقول إنها محرمة، إلا ما لابد منها، كذلك التلفاز، والتلفاز-الحقيقة- من المخترعات التي هي من حيث تعلقها(8/24)
بالصور والتصوير هي من جهة أخطر وأشد تحريماً من الصور الجامدة غير المتحركة، لكنّه في الوقت نفسه، هي إذا كانت مستثناةً من التحريم، هي أنفع من هذه الصور الجامدة.
فإذاً، حكم التلفاز كحكم التصوير الفوتوغرافي وغيره ، الأصل فيه حرام.
فما كان يجوز لضرورةٍ، جاز، سواء في التصوير الفوتوغرافي أو ما يتعلق بالتلفاز هذا التصوير المتحرك.
الحقيقة أنَّ الواقع الآن والمُشاهدُ في كل بلاد الدنيا، أن أكثر ما يعرض في التلفاز مُضِرٌ، مُضِرُ خلقياً ودينياً واجتماعياً و إلي آخره، نادر جداً جداً ما يمكن أن يعرض ويكون داخل في القاعدة التي أشرنا إليها، و التي تستثني بعض الصور من التحريم، وأنا أضرب على هذا مثالاً مهماً جداً لبيان أن التلفاز أنفع كثيراً من التصوير فيما يجوز القول بإباحته:
نحن نرى- مثلاً- في كل سنة، كثيراً من المسلمين يؤمون البيت الحرام حجَّاجاً أو معتمرين، ولكن مع الأسف، حينما يعودون، وتتصل بأحدهم وتسأل: كيف طاف؟ كيف سعى؟ كيف بات؟ كيف وقف في عرفات؟ إلي آخره؛ تجدهم في منتهى الجهل بمناسك الحج.
فأنا أقول: لو استعمل التلفاز في دولة إسلامية تعنى باستعمال الوسائل التي خلقها الله عز وجل في العصر الحاضر، واستعملت في غاية ما حرم الله، أن تستعمل فيما شرع الله؛ فأضرب على ذلك مثلاً: لو أنّ التلفاز السعودي- الذي يحكم البلد المقدسة مكة والمدينة ونحوها- لو عرض في التلفاز بيت الله الكعبة، ورجل عالم فاضل يعلم الناس في كل بلاد الدنيا، من أين يبدأ الطواف؟ وأين ينتهي؟ ومتى يذهب إلي زمزم هناك؟ ثم يعود ليستقبل الحجر الأسود، ثم يذهب ليقف على الصفا، وإلي آخره؛ لا شك بأنّ هذه، أقول: بأنّها من الصور الجائزة بل الواجبة، قياساً على لعب السيدة عائشة- رضي الله عنها- التي أباحها رسول الله- عليه السلام- لها أن تتعاطاها؛ لما في ذلك من تدريب لهذه الفتاة بما يتعلق بما يسمى اليوم: بتدبير المنزل، و تعلم الحج إلي بيت الله الحرام- بلا شك- أهم من هذا بكثير، لكن مع ذلك لا نجد في التلفاز شيئاً- يعني نقول- بأنه يجب إظهاره على جماهير المسلمين، ليستفيدوا منه علماً أو عبراً أو ما شابه ذلك.
خلاصة القول: التلفاز كالصور، الأصل في كل منهما حرام، لكن يجوز منهما ما تقتضيه الحاجة المُلِحَّة أو الضَرُورَة.انتهى كلام الالباني من شريط آداب المجالس.
س)- هل قوله صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتاً فيه كلبٌ ولا صورة ولا تمثال) يشمل صور التلفزيون أيضاً ولعب الأطفال الصغار؟
لا نشك في ذلك إذا كانت لعبة التلفاز مثبتة، فمن الممكن -مثلاً- أن يكون هناك أمور أو حشد أو ما شابه ذلك نراها بواسطة التلفاز، لكن أن تصور هذه المناظر وتحفظ في شريط ثم تعرض، فلا فرق بين هذه الصور(8/25)
والصور الفوتوغرافية ونحوها؛ لأن كل ذلك يسمى لغة وعرفاً: صورة، وحينذاك تدخل هذه الصور بكل أنواع وسائلها المحدثة في عموم قوله عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالمصورين: (كل مصور في النار)، وعموم قوله عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالصور ذاتها: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة أو كلب) فهذا العام الأول، والعام الآخر يشمل كل المصورين مهما كانت وسائل تصويرهم، وكل الصور بأي وسيلة صورت.. هذا من حيث النقد. أما من حيث النظر فكلكم يعلم -إن شاء الله- بأن الشارع الحكيم إذا حرم شيئاً فلحكمة بالغة، قد تظهر هذه الحكمة لبعضهم، وقد تخفى على الكثيرين، ومن المعلوم عند أهل العلم أن الله عز وجل حينما حرم التصوير واقتناء الصور، أنه حرم ذلك لحكمتين بالغتين ظاهرتين: الحكمة الأولى: من باب سد الذريعة بين الناس وبين أن يقعوا في الشرك، كما وقع لقوم نوح عليه السلام، الذين ذكرت قصتهم في السورة المسماة باسمه، وحكى ربنا عز وجل عنهم أن موقفهم كان تجاه أمر نوح عليه السلام إياهم أن يعبدوا الله وحده حيث تناصحوا بينهم فقالوا: (لا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلا تَذَرُنَّ وَدّاً وَلا سُوَاعاً وَلا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً) [نوح:23] وقد جاء في تفسير الآية في صحيح البخاري، وفي تفسير ابن جرير، وتفسير ابن كثير، وغيرها من المصادر السلفية: أن سبب وقوع قوم نوح عليه السلام في الشرك وعبادة غير الله عز وجل، إنما هو بدء تعظيمهم لصالحيهم تعظيماً مخالفاً للشرع. تقول هذه الرواية التي ذكرنا آنفاً بعض مصادرها: أن هؤلاء الخمسة الذين ذكروا في الآية السابقة كانوا عباداً لله صالحين، فلما ماتوا أوحى الشيطان إليهم أن يجعلوا قبورهم في أفنية دورهم. وهؤلاء كانوا خمسة من عباد الله الصالحين، فأوحى الشيطان إلى قومهم: أن ادفنوهم في أفنية دوركم، ولا تدفنوهم في المقابر التي يدفن فيها عامة الناس؛ حتى تتذكروهم، ومن هنا بدأت فكرة نصب التماثيل في الساحات العامة، التي بدأت تنتشر مع الأسف في بعض بلاد الإسلام في هذا الزمان. فاستجابوا لوحي الشيطان، ودفنوهم في أفنية دورهم، فتركهم الشيطان برهة من الزمان إلى أن جاء جيل ثان، فوجدوا آباءهم يترددون على هذه القبور بقصد الزيارة، أو ما يسمى اليوم عند بعض دراويش المسلمين بـ: (التبرك) فأوحى إليهم الشيطان أن هذه القبور بقاؤها في هذا المكان قد يعرضها للعواصف والسيول، فتجرفها وتذهب آثارها، وهؤلاء أناس صالحون كما تعلمون، فيجب أن تبقى آثارهم أبد الدهر، إذاً ماذا نصنع؟ قال: انحتوا لهم أصناماً (تماثيل) فاستجابوا ووضعوها في مكان، وأخذ الجيل يتردد على هذا المكان، ثم جاء جيل ثالث، فأوحى إليهم الشيطان أخيراً أنه لا يليق بهؤلاء إلا أن يوضعوا في أماكن رفيعات تليق بصلاحهم ومكانتهم.. وهكذا بدأت عبادة الأصنام من دون الله عز وجل من طريق التماثيل، فكان من حكمة الله عز وجل أن حرم التصاوير، سواء ما كان لها ظل أو ليس لها ظل، هذه الحكمة الأولى الظاهرة من قصة قوم نوح مع نوح عليه السلام. الحكمة الثانية: وهي أقوى من حيث الرواية، ألا وهي: المضاهاة لخلق الله عز وجل، حيث جاء في صحيح البخاري : أن النبي صلى الله عليه(8/26)
وعلى آله وسلم لما رجع من سفر وأراد الدخول على عائشة وجد هناك ستارة وعليها تماثيل، فلم يدخل ووقف خارج الغرفة، فسارعت إليه السيدة عائشة وقالت: (يا رسول الله! إن كنت أذنبت فإني أستغفر الله، قال: ما هذا القيدام؟ قالت: قيدام اشتريته لك -تعني: أتزين به من أجلك- قال عليه الصلاة والسلام: إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة هؤلاء المصورون الذين يضاهون بخلق الله). فإذاً: التصوير من أسباب تحريمه: أن المصور يضاهي خلق الله عز وجل، وهنا لابد من وقفة يسيرة لرد شبهة عصرية، ألا وهي: زعم كثير من المتفقهة -ولا أقول: من الفقهاء- في هذا الزمان أن الذي يصور بالآلة الفوتوغرافية -الكاميرا مثلاً أو الفيديو- هذا ليس مضاهياً لخلق الله، بل هو يتعاطى الأسباب الكونية التي خلقها الله وذللها للإنسان فتكون هذه الصورة، حتى أغرق بعضهم في الخيال والإبطال في الكلام أن قال: إن هذا الذي يصور بالكاميرا هو لا يصور، وإنما المصور هو الله الذي حبس الظل. فهذه مكابرة عجيبة جداً لا تخفى على كل ذي بصيرة؛ ذلك لأن المسألة مسألة تصوير، ولو غضضنا النظر عن الجهود التي بذلت في صنع هذا الجهاز، بحيث أنه لا يحتاج إلى قلم، وريشة، ودهان.. إلخ بما كانوا قديماً يستخدمونه من أجل التصوير، وإنما إلى (كبسة) وضغط على زر! فأقول: سبحان الله! هذه مكابرة عجيبة جداً! فأقول: فإنه لو ترك هذا الجهاز المسمى بالكاميرا هكذا سنين لم يصور شيئاً، فلابد -أولاً- من توجيه الجهاز إلى الهدف المقصود تصويره، ثم لابد من الضغط على الزر، فكيف يقال: إن هذا ما صور؟! هذه مكابرة عجيبة وعجيبة جداً! لكن الشاهد: أنهم يقولون: إن هذه الوسائل الحديثة ليس فيها مضاهاة، والواقع أن المضاهاة بخلق الله بالتصوير بهذه الأجهزة أدق من التصوير كما كان قديماً سواء بالريشة أو بالنحت، فإذا كان من المتفق عليه بين العلماء قديماً وحديثاً أن الصور المجسمة -أي: الأصنام- هي محرمة لا لشيء إلا لأنها مجسمة ولها ظل، ولكنها هل تضاهي خلق الله من كل الجوانب؟ الأمر واضح جداً؛ ذلك لأن هذا الصنم عبارة عن قطعة حجر، فهو في الظاهر يمثل إنساناً من خلق الله عز وجل، لكن في الباطن ليس هناك شيء مما يوجد في باطن الإنسان الذي خلقه الله عز وجل وسواه وعدله. إذاًَ: التشبيه هو المضاهاة فيما يظهر من الصور؛ سواء كانت مجسمة، أو كانت على الستارة، أو على الجدار، أو على الورق. ومن هنا يبدو لنا أننا نعيش في بعض ما نسمع من أحكام العصر الحاضر على نمط المذهب الظاهري، مذهب ابن حزم الظاهري الذي يضرب به المثل في غلوه وتمسكه بظواهر النصوص، وهذا كما يقال: يضحك الثكلى. ونحن الآن في هذا العصر نقع في مثل هذه الظاهرية القديمة، فنحن نعيش ظاهرية عصرية، لماذا؟ لأن الصنم هو المحرم فقط، أما التصوير الذي يتحرك -أي: الفيديو- وتراه كأنه إنسان حي فهذا ليس فيه مضاهاة لخلق الله!! أما هذا الحجر الأصم الذي لا تسمع منه صوتاً، ولا ترى منه حركة شفوية ونحو ذلك، ولا رمش العين ولا.. فهذا فيه مضاهاة لخلق الله!! هذه ظاهرية من أغرق في التمسك بظاهرية ابن حزم، الذي وصل به الأمر أن يقول في حديث الرسول عليه الصلاة والسلام:(8/27)
(نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء الراكد) ظاهر هذا اللفظ العربي كما يقول ابن حزم : نهى عن البول في الماء الراكد، لكنه إذا بال في إناء فارغ، ثم أراق هذا البول من هذا الإناء في الماء الراكد ما بال في الماء الراكد، إذاً هذا يجوز، سبحان الله! مع فضله وعلمه وهو رجل فاضل حقيقة، لكن سبحان الله! أبى الله عز وجل العصمة إلا لأنبيائه ورسله، وله من هذه نماذج أخرى، مثلاً: الرسول عليه الصلاة والسلام يقول في البكر إذا ما استؤذنت في الزواج: (وإذنها صماتها) هذا في منتهى اللطف من الشارع الحكيم ببنات الخدور، والأبكار كن في الزمن الماضي في الخدور يتصنعن الحياء وإلى آخره. أما اليوم فيسأل الوالد ابنته: فلان يريدك؟ فتقول: لا أريده، بل أريد كذا، وأريد كذا.. إلخ، بالصراحة. فربنا عز وجل أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه ينبغي الاكتفاء في استئذان البكر لأنها خجولة حيية أن تصمت. وماذا فهم ابن حزم من هذا الحديث؟ قال: (إذنها صماتها) فإذا قالت: رضيت، فلا ينعقد، فيجب أن تصمت.. ظاهرية!! لا يلاحظ الغرض والهدف من هذا التشريع وذاك التشريع.. النهي عن البول في الماء الراكد واضح؛ وهو المحافظة على هذا الماء الراكد، وما هو الفرق بين أن تصب البول مباشرة أو بالإناء؟ عندنا نهر يسمى نهر عليق في دمشق، القاذورات كلها تنصب إليه، فإذا وصل هذا الماء النجس إلى بحيرة ماء صاف من ماء السماء، سواء صب عليه مباشرة أو بهذه الواسطة، ليس هناك فرق. الخلاصة: نحن الآن نعيش هذه الظاهرية العصرية، نحت الصنم بـ(الإزميل) ليالي وأياماً هذا حرام! قلت لأحدهم واحتج بأن التصوير بالكاميرا جائز؛ لأن هذه الوسيلة ما كانت موجودة، ثم إن هذا ليس كالتصوير السابق الذي كان، قلت: وماذا تقول في المعامل الضخمة اليوم التي تضغط فيها على زر فتشتغل آلات دقيقة جداً، تُخرج عشرات بل مئات الأصنام الجامدة، هل يجوز هذا؟ قال: لا يجوز. قلت: لكن هذه كهذه، هذه وسيلة ما كانت والصنم وجد بهذه الوسيلة، كذلك هذه الصورة وجدت بوسيلة، فالعبرة ليست بالوسيلة بل العبرة بالغاية، ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وما يقوم الحرام به فهو حرام، هذه قواعد، فإذاً وجد الصنم نحتاً بـ(الإزميل) أو سعياً إلى إبداع آلة تخرج في لحظات تلك الأصنام فالنتيجة واحدة، كنتيجة صب البول في الماء الراكد مباشرة، أو بالواسطة الأخرى. إذاً: كل هذه الصور التي اختلفت وسائلها عن الوسائل المعروفة قديماً فهي اسمها صور، فيشملها حديث: (لا تدخل الملائكة بيتاً فيه صورة)، والذين يصنعون هذه الصور بهذه الأجهزة هم مصورون، وكلهم في النار كما قال عليه الصلاة والسلام: (كل مصور في النار) وقال: (لعن الله المصورين يقال لهم: أحيوا ما خلقتم). دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(8/28)
س)- ما حكم قيام الرجل للرجل؟
حديث (يقوم الرجل للرجل , إلا بني هاشم لا يقومون لأحدٍ) موضوع ومما يدل على وضع هذا الحديث أنه يقرر عادة تخالف ما كان الصحابة مع النبي صلى الله عليه وسلم – وهو سيد بني هاشم- فإنهم كانوا لا يقومون له صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من كراهيته لذلك , وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم.
على أنه قد جاء ما يخالف هذا الحديث نصا , ولكن إسناده ضعيف عندنا , فلا يحتج به , وهو الحديث الآتي :(لا تقوموا كما تقوم الأعاجم , يعظم بعضها بعضا) ضعيف.
نعم , معنى هذا الحديث صحيح من حيث دلالته على كراهة القيام للرجل إذا دخل , وقد جاء في ذلك حديث صحيح صريح فقال أنس بن مالك رضي الله عنه (ما كان شخص في الدنيا أحب إليهم رؤية من رسول الله صلى الله عليه وسلم , وكانوا لا يقومون له لما يعلمون من كراهيته لذلك)الصحيحة 358.
فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره هذا القيام لنفسه , وهي المعصومة من نزعات الشيطان , فبالأحرى أن يكرهه لغيره ممن يخشى عليه الفتنة , فما بال كثير من المشائخ وغيرهم قد استساغوا هذا القيام , وألفوه , كأنه أمر مشروع , كلا , بل إن بعضهم ليستحبه مستدلاُ بقوله صلى الله عليه وسلم (قوموا إلى سيدكم), ذاهلين عن الفرق بين القيام للرجل احتراما , وهو المكروه , وبين القيام إليه لحاجة , مثل الاستقبال , والإعانة على النزول , وهو المراد بهذا الحديث الصحيح , ويدل عليه رواية أحمد له بلفظ (قوموا إلى سيدكم , فأنزلوه) الصحيحة رقم 67. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 345 ، 346.
س)- هل يجوز لاحد أن يقتدي به صلى الله عليه وسلم في التضحية عن الامة؟
ما جاء في الاحاديث من تضحيته صلى الله عليه وسلم عمن لم يضح من أمته ، هو من خصائصه صلى الله عليه وسلم كما ذكره الحافظ في (الفتح) (9/514) عن أهل العلم . وعليه فلا يجوز لاحد أن يقتدي به صلى الله عليه وسلم في التضحية عن الامة ، وبالاحرى أن لا يجوز له القياس عليها غيرها من العبادات كالصلاة والصيام والقراءة ونحوها من الطاعات لعدم ورود ذلك عنه صلى الله عليه وسلم ، فلا يصلى أحد عن أحد ولا يصوم أحد عن أحد ، ولا يقرأ أحد عن أحد ، وأصل ذلك كله قوله تعالى : (وأن ليس للانسان لا ما سعى) . نعم هناك أمور استثنيت من هذا الاصل بنصوص وردت ، ولا مجال الان لذكرها فلتطلب في المطولات . انتهى كلام الالباني من إرواء الغليل.(8/29)
س)- لقد جاء في فضل الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم احاديث كثيرة فهل يشمل ذلك الفضل تلك الزيادات الكثيرة التي حدثت بعده صلى الله عليه وسلم ؟
قد علم أن مسجده عليه الصلاة والسلام قد زيد فيه عما كان عليه في عهده صلى الله عليه وسلم فقد كان طوله كعرضه مائة ذراع في مائة وقيل : سبعين في ستين . ثم زاد فيه عثمان فصار طوله مائة وستين ذراعا وعرضه مائة وخمسين ثم زاد فيه الوليد بن عبد الملك فجعل طوله مائتي ذراع وعرضه في مقدمه مائتين وفي مؤخره مائة وثمانين . ثم زاد فيه المهدي مائة ذراع من جهة الشام فقط دون الجهات الثلاث ولم يزد بعده أحد شيئا كما في (شد الأثواب في سد الأبواب) للسيوطي (ص175-167) من (الحاوي للفتاوي) له (ج2).
إذا عرفت ذلك وعرفت ما في الصلاة في مسجده صلى الله عليه وسلم من الفضل الوارد في احاديث كثيرة فهل يشمل ذلك تلك الزيادات الكثيرة التي هي ضعف المسجد النبوي تقريبا ؟
أما النووي فأجاب بالنفي حيث قال في (شرح مسلم) : (واعلم أن هذه الفضيلة مختصة بنفس مسجده صلى الله عليه وسلم الذي كان في زمانه دون ما زيد فيه بعده فينبغي أن يحرص المصلي على ذلك ويتفطن لما ذكرته) .
وزاد في (المجموع بعد أن ذكر هذا المعنى فقال : (8/277) : (لكن إن صلى في جماعة فالتقدم إلى الصف الأول ثم ما يليه أفضل فليتفطن لهذا) .
وخالفه شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وذكر أن حكم الزيادة في مسجده عليه الصلاة والسلام حكم المزيد في كلام قوي متين كعادته رحمه الله فقال : (وقد جاءت الآثار بأن حكم الزيادة في مسجده حكم المزيد تضعف فيه الصلاة بألف صلاة كما أن المسجد الحرام حكم الزيادة فيه حكم المزيد فيجوز الطواف فيه والطواف لا يكون إلا في المسجد لا خارجا منه . ولهذا اتفق الصحابة على أنهم يصلون في الصف الأول من الزيادة التي زادها عمر ثم عثمان وعلى ذلك عمل المسلمين كلهم فلولا أن حكمه حكم مسجده لكانت تلك صلاة في غير مسجده والصحابة وسائر المسلمين بعدهم لا يحافظون على العدول عن مسجده إلى غير مسجده ويأمرون بذلك . قال أبو زيد ( عمر بن شبة النميري في كتاب ( أخبار المدينة ) : ثني محمد بن يحيى : ثني من أثق به أن عمر زاد في المسجد من القبلة إلى موضع المقصورة التي هي به اليوم . قال : فأما الذي لا يشك فيه أهل بلدنا أن عثمان هو الذي وضع القبلة في موضعها اليوم ثم لم تغير بعد ذلك . قال أبو زيد : ثنا محمد بن يحيى عن محمد عن عثمان ( كذا ولعله : محمد بن عثمان ) عن مصعب بن ثابت عن خباب أن(8/30)
النبي صلى الله عليه وسلم قال - وهو في مصلاه يوما - : لو زدنا في مسجدنا . وأشار بيده نحو القبلة . ثنا محمد بن يحيى عن محمد بن إسماعيل عن ابن أبي ذئب قال : قال عمر : لو مد مسجد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذي الحليفة لكان منه . ثنا محمد بن يحيى عن سعد بن سعيد عن أخيه عن أبيه ن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لو بني هذا المسجد إلى صنعاء لكان مسجدي ) . فكان أبو هريرة يقول : والله لو مد هذا المسجد إلى داري ما عدوت أن أصلي فيه . ثنا محمد : ثنا عبد العزيز بن عمران عن فليح بن سليمان عن ابن عمرة قال : زاد عمر في المسجد في شاميه ثم قال : لو زدنا فيه حتى يبلغ الجبانة كان مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) قال شيخ الإسلام :
( وهذا الذي جاءت به الآثار هو الذي يدل عليه كلام الأئمة المتقدمين وعملهم فإنهم قالوا : إن صلاة الفرض خلف الإمام أفضل وهذا الذي قالوه هو الذي جاءت به السنة وكذلك كان الأمر على عهد عمر وعثمان فإن كليهما زاد من قبلي المسجد فكان مقامه في الصلوات الخمس في الزيادة وكذلك مقام الصف الأول الذي هو أفضل ما يقام فيه بالسنة والإجماع وإذا كان كذلك فيمتنع أن تكون الصلاة في غير مسجده أفضل منها في مسجده وأن يكون الخلفاء والصفوف الأول كانوا يصلون في غير مسجده وما بلغني عن أحد من المسلمين خلاف هذا لكن رأيت بعض المتأخرين ( كأنه يريد النووي ) قد ذكر أن الزيادة ليست من مسجده وما علمت لمن ذكر ذلك سلفا من العلماء قال : وهذه الأمور نبهنا عليها ههنا فإنه يحتاج إلى معرفتها وأكثر الناس لا يعرفون الأمر كيف كان ولا حكم الله ورسوله في كثير من ذلك) .
هذا آخر كلام شيخ الإسلام رحمه الله فيما نقله الحافظ ابن عبد الهادي عنه في كتابه (الصارم المنكي) (ص139 -140). انتهى كلام الالباني من كتاب الثمر المستطاب.
س)- ما حكم الجلوس على الحرير للرجال؟
حديث (جلس صلى الله عليه وسلم على مرفقة حرير) لا أصل له و قد احتج به صاحب "الهداية"لمذهب الحنفية الذي يجيز للرجال الجلوس على الحرير ! .
قال الزيلعي : "يشكل على المذهب حديث حذيفة قال : نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نشرب في آنية الذهب و الفضة , و أن نأكل فيها , و عن لبس الحرير و الديباج , و أن نجلس عليه . أخرجه البخاري".
قلت : و هذا هو الحق أنه يحرم الجلوس على الحرير كما يحرم لبسه لحديث البخاري هذا , والأحاديث العامة في تحريم لبسه على الرجال كقوله عليه السلام : " لا تلبسوا الحرير فإنه من لبسه في(8/31)
الدنيا لم يلبسه في الآخرة " متفق عليه , فإنها تتناول بعمومها الجلوس عليه , لأن الجلوس لبس لغة وشرعا , كما قال أنس رضي الله عنه : "قمت إلى حصير لنا قد اسود من طول ما لبس".
فانظر كيف تصرف الأحاديث الموضوعة الناس عن الأحاديث الصحيحة . (فاعتبروا يا أولي الأبصار). انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم552.
س)- ما الفرق بين إحياء الأرض والتحجير؟
حديث (عادي الأرض لله و للرسول , ثم لكم من بعد , فمن أحيا أرضا ميتة فهي له , و ليس لمحتجر حق بعد ثلاث سنين) منكر بهذا التمام ، واعلم أن الإحياء غير التحجير , و قد بين الفرق بينهما يحيى بن آدم أحسن بيان فقال: "و إحياء الأرض أن يستخرج فيها عينا أو قليبا أو يسوق إليها الماء , و هي أرض لم تزرع , و لم تكن في يد أحد قبله يزرعها أو يستخرجها حتى تصلح للزرع , فهذه لصاحبها أبدا , لا تخرج من ملكه , و إن عطلها بعد ذلك , لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "من أحيا أرضا فهي له" , فهذا إذن من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيها للناس , فإن مات فهي لورثته و له أن يبيعها إن شاء"
قال : "و التحجير , فهو غير الإحياء , قال ابن المبارك : التحجير أن يضرب على الأرض من الأعلام والمنار فهذا الذي قيل فيه إن عطلها ثلاث سنين فهي لمن أحياها بعده" .
و يظهر أن هذا الفرق الواضح لم ينتبه له رئيس حزب التحرير الإسلامي فإنه احتج بهذا الحديث المنكر في كتابه " النظام الاقتصادي في الإسلام "على أنه يشترط في إحياء الأرض الموات أن يستثمرها مدة ثلاث سنوات من وضع يده عليها , و أن يستمر هذا الإحياء باستغلالها فإن لم يفعل سقط حق ملكيته لها".
و الحديث مع أنه منكر ليس فيه الشرط المذكور , و لا هو في الإحياء كما هو ظاهر بأدنى تأمل , و كم له أو لحزبه مثل هذا الاستدلال الباطل , و الاحتجاج بالأحاديث المنكرة و الأخبار الواهية. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم553.
س)- هل من السنة الأكل بالكف .وما حكم الأكل بالمعلقة؟
حديث (كان يأكل بكفه كلها) موضوع وهو أصل تلك العادة المتبعة في بعض البلاد العربية , و هي أكلهم الأرز و نحوه بأكفهم من "المناسف" , فهم بذلك يخالفون السنة الصحيحة , و هي الأكل بثلاث أصابع , ويعملون بالحديث الموضوع المخالف لها!(8/32)
و من الغريب أن بعضهم يستوحش من الأكل بالمعلقة , ظنا منه أنه خلاف السنة ! مع أنه من الأمور العادية , لا التعبدية , كركوب السيارة و الطيارة و نحوها من الوسائل الحديثة , و ينسى أو يتناسى أنه حين يأكل بكفه أنه يخالف هديه صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1202.
س)- هل اقر الرسول صلى الله عليه وسلم خلاف الصحابة لصلاة العصر في بني قريظة؟
حديث (من كان سامعا مطيعا فلا يصلين العصر إلا ببني قريظة) منكر بهذا السياق و المحفوظ منه الشطر الثاني فقط من حديث ابن عمر قال : قال لنا النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع من الأحزاب : "لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة" . أخرجه الشيخان و السياق للبخاري و في آخره : "فأدرك بعضهم العصر في الطريق , فقال بعضهم : لا نصلي حتى نأتيهم . و قال بعضهم : بل نصلي لم يرد منا ذلك . فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم , فلم يعنف واحدا منهم".
يحتج بعض الناس اليوم بهذا الحديث على الدعاة من السلفيين و غيرهم الذي يدعون إلى الرجوع فيما اختلف فيه المسلمون إلى الكتاب و السنة , يحتج أولئك على هؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقر خلاف الصحابة في هذه القصة , و هي حجة داحضة واهية , لأنه ليس في الحديث إلا أنه لم يعنف واحدا منهم , و هذا يتفق تماما مع حديث الاجتهاد المعروف , و فيه أن من اجتهد فأخطأ فله أجر واحد , فكيف يعقل أن يعنف من قد أجر ?! و أما حمل الحديث على الإقرار للخلاف فهو باطل لمخالفته للنصوص القاطعة الآمرة بالرجوع إلى الكتاب و السنة عند التنازع و الاختلاف , كقوله تعالى : *( فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) .
و قوله ( و ما كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ) الآية .
و إن عجبي لا يكاد ينتهي من أناس يزعمون أنهم يدعون إلى الإسلام , فإذا دعوا إلى التحاكم إليه قالوا : قال عليه الصلاة و السلام : " اختلاف أمتي رحمة " ! و هو حديث ضعيف لا أصل له كما تقدم تحقيقه في أول هذه السلسلة , و هم يقرؤون قول الله تعالى في المسلمين حقا : ( إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا و أطعنا و أولئك هم المفلحون ). و قد بسط القول في هذه المسألة بعض الشيء , و في قول أحد الدعاة : نتعاون على ما اتفقنا عليه , و يعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه , في تعليق لي كتبته على رسالة " كلمة سواء " لأحد المعاصرين لم يسم نفسه ! لعله يتاح لي إعادة النظر فيه وينشر. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1981.(8/33)
س)- كيف يكون اعفاء اللحية؟
السنة التي جرى عليها السلف من الصحابة و غيرهم إعفاؤها إلا ما زاد على القبضة ; فتقص الزيادة . و قد فصلت هذا في غير ما موضع تفصيلا , و استدللت له استدلالا قويا. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم2107.
س)- ما صحة قول القائل في اهل الذمة "لهم ما لنا , و عليهم ما علينا"؟
حديث (لهم ما لنا , و عليهم ما علينا . يعني أهل الذمة) باطل لا أصل له في شيء من كتب السنة , و إنما يذكره بعض الفقهاء المتأخرين ممن لا دراية لهم في الحديث ، و قد جاء ما يشهد ببطلان الحديث , فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " لهم ما لنا و عليهم ما علينا " ليس في أهل الذمة , و إنما في الذين أسلموا من أهل الكتاب و المشركين , كما جاء في حديث سلمان و غيره , رواه مسلم و غيره.
و إن مما يؤكد بطلانه مخالفته لنصوص أخرى قطعية كقوله تعالى : (أفنجعل المسلمين كالمجرمين . ما لكم كيف تحكمون), و قوله صلى الله عليه وسلم :" لا يقتل مسلم بكافر " , و قوله :" للمسلم على المسلم خمس: إذا لقيته فسلم عليه ... " الحديث , و قوله : " لا تبدؤا اليهود و النصارى بالسلام .. " ، و كل هذه الأحاديث مما اتفق العلماء على صحتها. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم2176.
س)- هل الحسنة سبب في زيادة الرزق و إطالة العمر؟
قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (من أحب أن يبسط له في رزقه , وأن ينسأ له في أثره , فليصل رحمه) رواه الشيخان وغيرهما وهو مخرج في "صحيح أبي داود".
فهذا يدل على أن الحسنة سبب في زيادة الرزق , كما أنها سبب في إطالة العمر , ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى : (فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)النحل61 , ولبسط هذا موضع آخر. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم181.
س)- ما حكم الضرب بالدف في غير النكاح والعيد؟
حديث عن عبد الله بن بريدة عن أبيه ((أن أمَةً سوداء أتت رسول اللهِ صلى الله عليه وسلم ورَجَعَ من بعض مغازيه، فقالت: إني كنتُ نذرتُ: إن ردك الله صالحاً أن أضرب عندك بالدف! قال (( إن كنتِ فعلتِ فافعلي، وإن كنتِ لم تفعلي فلا تفعلي)). فَضَرَبَتْ، فدخل أبو بكر وهي تَضْرِبُ، ودخل غيره وهي تَضْرِبُ، ثم دخل عمر، قال: فجعلتْ دُفها خلفها وهي مُقنعة، فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم (إن الشيطان(8/34)
ليفرق منك يا عمر ). و قد يشكل هذا الحديث على بعض الناس، لأن الضرب بالدف معصية في غير النكاح والعيد، والمعصية لا يجوز نذرها ولا الوفاء بها . والذي يبدو لي في ذلك أن نذرها لما كان فرحاً منها بقدومه صلى الله عليه وسلم صالحا سالما منتصرا، اغتفر لها السبب الذي نذرته لإظهار فرحها، خصوصية له صلى الله عليه وسلم دون الناس جميعا، فلا يؤخذ منه جواز الدف في الأفراح كلها، لأنه ليس هناك من يفرح به كالفرح به صلى الله عليه وسلم، ولمنافاة ذلك لعموم الأدلة المحرمة للمعازف والدفوف وغيرها، إلا ما استثني كما ذكرنا آنفا. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1609.
س)- هل يجوز للنساء استعمال الذهب والفضة؟
الذهب بالنسبة للنساء حلال، إلا أواني الذهب والفضة، فهن يشتركن مع الرجال في التحريم اتفاقاً، وكذلك الذهب المحلق على الراجح عندنا، عملاً بالأدلة الخاصة المحرمة، ودعوى أنها منسوخة مما لا ينهض عليه دليل، كما هو مبين في كتابي((آداب الزفاف في السنة المطهرة))، ومن نقل عني خلاف هذا فقد افترى.
وكذلك الذهب و الحرير محرم على الرجال، إلا لحاجة؛ لحديث عرفجة بن سعد الذي اتخذ أنفاً من ذهب بأمر النبي صلى الله عليه وسلم، وحديث عبد الرحمن بن عوف الذي اتخذ قميصاً من حرير، بترخيص النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1865.
س)- هل يجوز كتمان الحق خوفاً من الناس؟
في قوله صلى الله عليه وسلم (لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ [أَوْ شَهِدَهُ أَوْ سَمِعَهُ]) ، النهي المؤكد عن كتمان الحق خوفاً من الناس , أو طمعاً في المعاش , فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء , كالضرب والشتم وقطع الرزق , أو مخافة عدم احترامهم إياه , ونحو ذلك , فهو داخل في النهي ومخالف للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وإذا كان هذا حال من يكتم الحق وهو يعلمه , فكيف يكون حال من لا يكتفي بذلك , بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء , ويتهمهم في دينهم وعقيدتهم , مسايرة منه للرعاع , أو مخافة أن يتهموه هو أيضاً بالباطل إذا لم يسايرهم على ضلالهم واتهامهم ؟ فاللهم ثبتنا على الحق , وإذا أردت بعبادك فتنة , فاقبضنا إليك غير مفتونين . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 168.(8/35)
س)- ما حكم الشرب قائما؟
ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لَا يَشْرَبَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ قَائِمًا) ، وقد ورد الحديث بلفظ آخر , وهو (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِي يَشْرَبُ وَهُوَ قَائِمٌ مَا فِي بَطْنِهِ لَاسْتَقَاءَهُ) ، وفي الحديث تلميح لطيف إلى النهي عن الشرب قائماً , وقد جاء التصريح بذلك من حديث أنس رضي الله عنه , وهو (نَهَى [وفي لفظ زَجَرَ] عَنْ الشُّرْبِ قَائِمًا) ، وظاهر النهي في هذه الأحاديث يفيد تحريم الشراب قائماً بلا عذر , وقد جاءت أحاديث كثيره أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شرب قائماً , فاختلف العلماء في التوفيق بينهما , والجمهور على أن النهي للتنزيه , والأمر بالاستقاء للاستحباب , وخالفهم ابن حزم , فذهب إلى التحريم , ولعل هذا هو الأقرب للصواب , فإن القول بالتنزيه لا يساعد عليه لفظ (زجر) , ولا الأمر بالاستقاء , لأنه - أعني : الاستقاء - فيه مشقة شديدة على الإنسان , وما أعلم أن في الشريعة مثل هذا التكليف كجزاء لمن تساهل بأمر مستحب , وكذلك قوله (قد شرب معك الشيطان) فيه تنفير شديد عن الشرب قائماً , وما إخال ذلك يقال في ترك مستحب .
وأحاديث الشرب قائماً يمكن أن تحمل على العذر , كضيق المكان , أو كون القربة معلقة , وفي بعض الأحاديث الإشارة إلى ذلك , والله أعلم ، ثم رأيت كلاماً جيداً لابن تيمية يشبه هذا , فراجعه في المجموع . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 175.
س)- ما حكم الأكل ماشياً ؟
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف" (8/205/4170): حدثنا حفص عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر قال: (كنّا نشربُ ونحنُ قِيامٌ، ونأكلُ ونحنُ نمشي، على عهدِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم).
ففي الحديث فائدة هامة، وهي جواز الأكل ماشياً، بخلاف الشرب قائماً؛فإنه منهي عنه كما ثبت في"صحيح مسلم"وغيره،وقد سبق تخريج بعضها في المجلد الأول(رقم 177)،وذكرت هناك اختلاف العلماء في حكمه مرجِّحاً التحريم؛ لزجره - صلى الله عليه وسلم - عن الشرب قائماً وغيره مما يؤيده؛ فراجعه.
ولا يجوز معارضة ذلك بأحاديث شربه - صلى الله عليه وسلم - قائماً؛ لأنها وقعت إما على البراءة الأصلية، وإما لعذر،وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في فتوى له؛ فليراجعها من شاء (32/209-021). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3178.(8/36)
س)- ما حكم التسمية بـ[ عز الدين ] و [ محيي الدين ] و [ ناصر الدين ]؟
لا يجوز التسمية بـ[عز الدين] و [محيي الدين] و [ناصر الدين] .... ونحو ذلك , ومن أقبح الأسماء التي راجت في العصر , ويجب المبادرة إلى تغييرها لقبح معانيها , هذه الأسماء التي أخذ الآباء يطلقونها على بناتهم , مثل [وصال] و [سهام] و [نهاد : وهي المرأة إذا كعب ثديها و وارتفع عن الصدر , صارله حجم] و [غادة : وهي المرأة الناعمة اللينة البينة الغيد] و [فتنة] .. ونحو ذلك , والله المستعان انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم207.
س)- ما حكم البصق إلى القبلة؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (مَنْ تَفَلَ تُجَاهَ الْقِبْلَةِ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وتَفْلتُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ) ، وللحديث شاهد بلفظ (يجيء صاحب النخامة في القبلة يوم القيامة وهي في وجهه) ، وفي الحديث دلالة على تحريم البصاق إلى القبلة مطلقاً , سواء ذلك في المسجد أو غيره , وعلى المصلي وغيره , كما قال الصنعاني في سبل السلام قال : (وقد جزم النووي بالمنع في كل حالة داخل الصلاة وخارجها , وفي المسجد أو غيره) .
قلت : وهو الصواب ، والأحاديث الواردة في النهي عن البصق في الصلاة تجاه القبلة كثيرة مشهورة في الصحيحين وغيرهما , وإنما آثرت هذا دون غيره , لعزته , وقلة من أحاط علمه به , ولأن فيه أداباً رفيعاً مع الكعبة المشرفة , طالما غفل عنه كثير من الخاصة فضلاً عن العامة , فكم رأيت في أئمة المساجد من يبصق إلى القبلة من نافذة المسجد .
وفي الحديث أيضاً فائدة هامة , وهي الإشارة إلى إن النهي عن استقبال القبلة ببول أو غائط إنما هو مطلق , يشمل الصحراء والبنيان , لأنه إذا أفاد الحديث أن البصق تجاه القبلة لا يجوز مطلقاً فالبول والغائط مستقبلاً لها لا يجوز بالأولى , فمن العجائب إطلاق النووي النهي في البصق , وتخصيصه في البول والغائط (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ )ق37 انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم222.
س)- ما حكم إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين؟
لا بأس من اغتنام هذه الفرصة لننبِّه على ما ابتلي به جماهير المسلمين اليوم، ويتوجب علينا هذا التنبيه وجوباً مؤكَّداً، حينما لا نكاد نسمع صوتاً يذكِّر بمثل ذلك، مع شدة وكثرة ابتلاء الناس، ولا أخص الشباب دون الشيوخ. فقد سمعتم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حذر من إطالة الثوب إلى ما تحت الكعبين، وأن من فعل ذلك خيلاء لم يستحق أن ينظر الله تبارك وتعالى إليه يوم القيامة نظرة رحمة. فواجبُ ولازمُ هذا(8/37)
الحديث أن المسلم يجب عليه أن يراعي ثوبه، وألاّ يرسله فيجعله فوق كعبيه، لا فرق في أن يكون هذا الثوب قميصاً -كما يقال اليوم: جلابية- أو أن يكون عباءة، أو أن يكون سروالاً -أعني: بنطلوناً- أو جُبَّة، أو أي شيء كان، كل هذه الأنواع من الثياب لا يجوز للمسلم أن يطيلها أكثر من الكعبين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل هناك فرق بين من جر ازاره خيلاء وبين من لا يجره خيلاء ؟
هذه شبهة ترد كثيراً وكثيراً في مثل هذه المناسبة، يقولون: إن الرسول عليه الصلاة والسلام قد قال في الحديث السابق: (من جر إزاره خيلاء)، فنحن اليوم سواءً كنا شباباً أو شيوخاً، لا نجر الثياب تحت الكعبين خيلاء، وإنما هو عادة و(موضة) ويحتج أولئك بما جاء في صحيح البخاري: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لما سمع هذا الوعيد الشديد لمن يجر إزاره خيلاء قال: (يا رسول الله! فإن ثوبي يقع، فقال له عليه السلام: إنك لا تفعله خيلاء)، فيتمسك أولئك بقول الرسول عليه الصلاة والسلام هذا لأبي بكر، ويحتجون به على أن إطالة الثوب تحت الكعبين إنما يكون ممنوعاً إذا اقترن بهذا القصد السيئ، ألا وهو: الخيلاء والتكبر. الآن أقول: جوابي على هذا من وجهين اثنين: الأول: أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه لم يقل: أنا حينما أُفَصِّل ثوبي أجعله طويلاً تحت الكعبين لا أقصد بذلك الخيلاء، وإنما قال: يقع! وهذا يعرفه الذين اعتادوا أن يلبسوا العباءة، فقد تكون العباءة مُفَصَّلة حسب السنة، أي فوق الكعبين؛ لكن مع الانطلاق والسير والعمل والصلاة تصبح العباءة متدلية إلى الخلف فتنزل إلى ما تحت الكعبين.. هذا هو الذي أشار إليه أبو بكر في سؤاله، وقال له الرسول صلوات الله وسلامه عليه: (إنك لا تفعله خيلاء). أما أن يأتي الرجل فيُفَصِّل الثوب -أيَّ ثوبٍ كان مما سبقت الإشارة إليه- طويلاً خلافاً للشرع، ويبرر ذلك بأنه لا يفعل ذلك خيلاء، فهذا من تلبيسات الشيطان على بني الإنسان. وبعد هذا نقول في الجواب عن هذه الشبهة، بعد أن أوضحنا أن حديث أبي بكر الصديق إنَّما يعني الثوب الذي يستطيل بدون قصد صاحبه، ما لَمْ يُوْصِلُه صاحبه ويفصِّله طويلاً تحت الكعبين، ويدَّعي أنه إنما يفعل ذلك بغير قصد الخيلاء، نقول: ليس من المفروض في المجتمع الإسلامي الصحيح أن يعمل المسلم -فضلاًَ عن جماهير المسلمين- عملاً يحتاج كل منهم إلى أن يبرر هذا العمل بحسن النية، فهذا الأمر لا يكاد ينتهي، وهذا يخالف نصوصاً من الأحاديث الصحيحة التي تربي المسلم على ألاَّ يعمل عملاً، وألاَّ يتكلم كلاماً، وألاَّ يقول قولاً يحتاج بعد ذلك كله إلى أن يقدم له عذراً، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (لا تَكَلَّمَنَّ بكلام تعتذر به عند الناس) هذا خاص بالكلام؛ لكن يأتي الحديث الآخر يشمله ويشمل غيره من الأعمال، ألا وهو قوله عليه الصلاة والسلام: (إياك وما يُعْتَذَرُ منه!). فمن يطيل ثوبه تحت الكعبين، فيُنْكِرُه عليه العارف بالسنة، فيقول: يا أخي! أنا لا أفعل ذلك خيلاءً، -كما قال أبو بكر الصديق-. فأولاً: إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عرف أبا بكر الصديق، وعرف تواضعه، وأنه قد تبرأ من الكِبْر ولو ذرة منه، فقال وشهد له بأنه(8/38)
لا يفعل ذلك خيلاء، فليس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد يستطيع أن يشهد مثل هذه الشهادة لإنسان آخر، لا سيما في مثل هذه المجتمعات الفاسدة. وثانياً: قد قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الآخر: (أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق ...) هذا الحديث يضع لك منهجاً عملياً يجب أن تلتزمه، دون أن تبرر مخالفتك إياه بحجة أنك لا تفعل تلك المخالفة خيلاء، حيث يقول: (أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق، فإن طال فإلى الكعبين، فإن طال ففي النار). فهنا لا يُسْمَعُ مِن أحد يطيل ثوبه إلى ما تحت الكعبين أنه لا يفعل ذلك خيلاءً؛ لأننا نقول: إنك تفعل ذلك مخالفة لهذا النهج النبوي، وانتهى الأمر، أما إن انضمَّ إلى ذلك أنك فعلتَه خيلاءً فقد استحققت ذلك الوعيد الشديد، ألاَّ ينظر الله تبارك وتعالى إليك يوم القيامة نظرةَ رحمة. ذلك هو ما ابتلي به شباب اليوم، لاسيما وهم يتخذون ذلك من باب اتباع التقاليد الأوروبية والموضة الغربية، من إطالة السروال -أعني: البنطلون- حتى يكاد يتهرَّى من أسفل بسبب اتصاله بالأرض، فهذا محرم لا يجوز؛ سواءً قصد لابسُه الخيلاء أو لم يقصده، وهي في الأصل ابتُدِعَت من هناك تكبراً وخيلاء، لا شك في هذا ولا وريب؛ لأن الكفار لا يهمهم في هذه الدنيا إلا التمسك بحب الظهور والتكبر على الناس ونحو ذلك، وما دام أن هذه الأزياء إنما تأتينا من تلك البلاد فهي لم يُقْصَد بها قطعاً وجه الله تبارك وتعالى، إنما قُصِد بها وجه الشيطان. وهذا الكلام يشمل كل الأزياء التي تَرِد إلى هذه البلاد الإسلامية؛ سواء ما كان منها متعلقاً بأزياء الرجال أو بأزياء النساء، فكيف ما كان منها مخالفاً لمثل ذلك الحديث الصريح الذي يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (أَزْرَة المؤمن إلى نصف الساق، فإن طال فإلى الكعبين، فإن طال ففي النار)؟! هذا مما يجب على كل مسلم يغار على دينه ويهتم به أن يكون بعيداً عن غضب ربه تبارك وتعالى عليه، ولا نقول: هو حريص على اتباع السنة؛ لأن السنة مراتب، قد تدخل تحتها الأمور المستحبة، نحن الآن نتكلم عن الأمور الواجبة، انظر الحديث السابق: (أزْرَة المؤمن إلى نصف الساق ...) هذا هو المستحب؛ لكن إذا أطاله إلى الكعبين فهذا جائز وليس بمحرم؛ لكن إن زاد في الإطالة حتى تحت الكعبين فهذا محرم وصاحبه في النار، وينبغي أن يُفْهم من قوله عليه السلام: (وما طال ففي النار) أنه لا يعني: الثوب؛ لأن الثوب ليس مكلفاً ولا يحاسَب! وهذا له أمثلة كثيرة في الشريعة، منها ما نفتتح به خُطَبَنا ودروسَنا من قوله عليه السلام: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) أي: كل بدعة في النار، فما هي البدعة؟! هي شيء معنوي وليس شيئاً مُجَسَّماً؛ لكن معنى قوله: (وكل ضلالة في النار) أي: صاحبها في النار. وكذلك الإزار الذي يطيله صاحبه إلى أسفل الكعبين، صاحبه في النار. هذه تذكرة أردتُ أن أوجهها إليكم؛ لإرشاد من كان يريد منكم أن يكون تحت رحمة ربه عز وجل يوم يُحْشَر الناس (يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ) [الشعراء:88-89] . دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(8/39)
س)- هل يجب العدل بين الأولاد في الهبة والعطية وقسمة تركته عليهم في حياته؟
إذا كان المقصود بالتوزيع ، هو الهبة والعطية فهذا له حكمه ، وإذا كان المقصود به تقسيم الإرث قبل حلول وقته فهذا له حكم آخر ، ثم لكل من الحكمين قسمة ، تخالف قسمة الحكم الآخر , إذا كان الوالد يريد إذا قسم أمواله , أن يهب ما عنده من مال لأولاده , فهنا يأتي قوله عليه السلام: ( اعدلوا بين أولادكم ) ، فيجب أن يسوي هاهنا بين الذكر والأنثى ، أما إذا كان المقصود هو ( قسمة الإرث ) فهذا سابق لأوانه أولاً , ثم هو قد يوجِد النزاع والخلاف بين الأولاد بسبب تعجيل تنفيذ الحكم , وهذا الحكم الذي ما جاء وقته بعد ، لأن الإرث إنما يتحقق بوفاة المورث . شبكة المنهاج الإسلامية.
س)- ما سبب انتكاس الفطرة عند بعض الناس؟
من عجائب ما ابتُلِي به المسلمون -وهم باعتبارهم من البشر جنسان: ذكر، وأنثى-: أن الذكر بما أن له شيئاً من البروز والظهور في جسده، والمرأة ليس لها ذلك إلا في حدود ضيقة جداً جداً، وعلى رأي بعض الفقهاء والذي نتبناه نحن: قرص الوجه فقط والكفان لا يجوز لها أن تظهر أكثر من ذلك، إلا أن القضية انعكست، فصار الرجل يطيل ذيله، يطيله ويطيله حتى يسحب في الأرض، والمرأة التي لا بد أن يسحب إزارها في الأرض صارت ترفع وترفع حتى تكاد تكشف عن عورتها الكبرى. فهذا كله من وحي الشيطان يا جماعة! وليس من وحي الرحمن أبداً؛ لذلك لا تحاولوا أن تبرروا الواقع بشتى التعليلات، والإنسان عندما يرجع إلى دينه وعقله يشعر تماماً أن هذا ليس هو الصلاح. فنحن نفرق بين من يقصد ومن لا يقصد، لذلك وجدتُ أحد العلماء من الحنفية المعتدلين ومن المتفقهين -بل الفقهاء ولا أقول: المتفقهين- وجدته يقول كلمة نادرة جداً أن نجدها عند الآخرين؛ فكأن القضية واضحة عندهم، أما هذا الرجل فقد انتبه لدقة هذا الموضوع، فقال تعليقاً على حديث حذيفة السابق، لما رتب الرسول عليه الصلاة والسلام له مواضع الإزار، وقال له أخيراً: (ولا حق للكعبين في الإزار) قال هذا الفقيه، وهو أبو الحسن السني رحمه الله، صاحب الحواشي على الكتب الستة، قال: يظهر من مجموع ما ورد في هذا الموضوع أن إثم من يطيل الثوب تحت الكعبين دون إثم من يفعل ذلك خيلاء، أي: أن إطالة الثوب تحت الكعبين له حالتان: - حالة عدم قصد التكبُّر، مثل بعض شبابنا المسلم اليوم في قضية الموضة هذه، لا يريد أن ينتقده الناس، فقد يكون في الجامعة، وقد يكون موظفاً.. إلخ، فهذا لا يفعل ذلك تكبراً؛ لكن هذا لا يبرر له هذا الخطأ، بل يجب عليه أن يجاهد ويحارب كل العادات هذه التي تخالف الشريعة. - فإذا كان الإزار تحت الكعبين، وقصد صاحبه(8/40)
مع ذلك التجبًُّر والتكبُّر، فهذا هو الذي جاء فيه ذلك الوعيد الشديد، وهو ألا ينظر الله عز وجل إليه يوم القيامة. وفي مثله جاء الحديث الصحيح عند البخاري و مسلم : (بينما رجل ممن قبلكم يمشي قد أطال إزاره خيلاء، خسفت به الأرض فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة) فهذه أسوأ المراتب، وأهون منها قليلاً: الإطالة تحت الكعبين بدون هذا التكبر، وما فوق ذلك جائز، وأحسنها: أن يكون تحت الركبتين. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- نريد نصيحة للشباب المسلم؟
أرغب من شبابنا المسلم حقاً ألا يختلط مظهرُه بمظهر الكفار، فلا بد من وضع شيء على الرءوس، أما السير حُسَّراً فهذا ليس من الإسلام في شيء، وإلى ما قبل خمسين سنة لم يكن يدخل المسجد إنسانٌ حاسر الرأس، فما الذي أصاب المسلمين؟! هل نزل عليهم وحي جديد من السماء أن الأفضل ديناً وصحة وفلسفة -وما أدري ماذا!- أنه يمشوا حُسَّراً؟! لا والله! وإنما هذه من الأوبئة التي بثها هؤلاء الذين استعمرونا في بلاد الإسلام؛ في سوريا، وفي الأردن وفي مصر .. إلخ. فيجب إذاً أن نتبنى الإسلام كاملاً، في العقيدة أولاً، ثم نطبقه كاملاً، وأنا أعتقد حينما أقول: كاملاً، أننا لن نستطيع أن نطبقه كاملاً؛ ولكن أن نضع هدفنا أمامنا، وأن نطبق إسلامنا كاملاً غير منقوص في حدود: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) [البقرة:286] . أنا أرى أنه من الأسهل أن يتخذ الشباب المسلم لباساً للرأس انطلاقاً من قبوله اللحية؛ لأن إعفاء اللحية تحتاج إلى جهاد، فلماذا لا يُتِمُّ هذا المجاهد المسلم إسلامَه ظاهراً؛ لأن هذا الظاهر هو عنوان الباطن. فأعتقد أن الأمر يحتاج إلى شيء من الوعي من أهل العلم، وأهل الوعي والإرشاد، ثم شيءٍ من الاجتهاد من هؤلاء الشباب المكلَّفين باتباع السنة بحذافيرها. نسأل الله عز وجل أن يوفقنا وإياهم لاتباع السنة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يعتبر لبس السراويل تشبهاً بالكفار إذا كان من غير ارتداء القميص فوقها والعمامة؟
أدري إذا كان السائل يعني بالسراويل الفضفاضة، أو كان يعني بها: البنطلون، فأبدل اسم السروال الفضفاض باسم البنطلون! فإن كان السائل يعني السروال الذي نفهمه، وهو اللباس الفضفاض العريض الذي لا يزال يلبسه بعض المسلمين، فعلى هذا النحو لا يعتبر لبسه تشبهاً بالكفار. أما البنطلون فقد تكلمنا عنه مراراً وتكراراً، وأنه ليس من لباس المسلمين؛ لأنه يصف ويحجِّم ويُظهِِر، فهو يضيق حيث ينبغي أن(8/41)
يتسع، ويتسع حيث ينبغي أن يضيق، وهكذا اعكس تصب، هكذا نظامهم في الحياة اليوم مع الأسف. فالتشبه يكون بلباس البنطلون وليس بلباس السروال. أما إن كان يقصد شيئاً آخر فلم أفهم ما يريد. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم مصافحة النساء؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (لأن يطعن في رأس رجل بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له) ، وعيد شديد لمن مس امرأة لا تحل له , ففيه دليل على تحريم مصافحة النساء , لأن ذلك مما يشمله المس دون شك , وقد بلي بها كثير من المسلمين في هذا العصر , وفيهم بعض أهل العلم , ولو أنهم استنكروا ذلك بقلوبهم , لهان الخطب بعض الشيء , ولكنهم يستحلون ذلك بشتى الطرق و التأويلات , وقد بلغنا أن شخصية كبيرة جداً في الأزهر قد رآه بعضهم يصافح النساء , فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام.
بل إن بعض الأحزاب الإسلامية قد ذهبت إلى القول بجواز المصافحة المذكورة , وفرضت على كل حزبي تبنيه , واحتجت لذلك بما لا يصلح , معرضة عن الاعتبار بهذا الحديث والأحاديث الأخرى الصريحة في عدم مشروعية المصافحة . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم226.
س)- هل من الآداب الإسلامية أن يقوم الرجل عن مجلسه ليجلس فيه غيره؟
صح عنه عليه الصلاة والسلام انه قال (لَا يَقُومُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ مِنْ مَجْلِسِهِ وَلَكِنْ أَفْسِحُوا يَفْسَحْ اللَّهُ لَكُمْ) ، وللحديث شاهدان ذكرهما الحافظ في الفتح , وفاته هذا الحديث المشهود له , فقال تعليقاً على قول البخاري : (وكان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه ثم يجلس مكانه) , قال : أخرجه البخاري في "الأدب المفرد" بلفظ : (وكان ابن عمر إذا قام له رجل من مجلسه , لم يجلس فيه) وكذا أخرجه مسلم .وعن ابن عمر قال : (لايقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه) .
والحديث ظاهر الدلالة على أنه ليس من الآداب الإسلامية أن يقوم الرجل عن مجلسه ليجلس فيه غيره , يفعل ذلك احتراماًَ له , بل عليه أن يفسح له في المجلس وأن يتزحزح له إذا كان الجلوس على الأرض , بخلاف ما إذا كان على الكرسي , فذلك غير ممكن , فالقيام والحالة هذه مخالف لهذا التوجيه النبوي الكريم , ولذلك كان ابن عمر يكره أن يقوم الرجل من مجلسه , ثم يجلس هو فيه كما تقدم عن البخاري , والكراهة هو أقل ما يدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم : (لَا يَقُومُ الرَّجُلُ لِلرَّجُلِ ...) , فإنه نفي بمعني النهي , والأصل فيه التحريم لا الكراهة , والله اعلم .(8/42)
ثم إنه لا منافاة بين هذا الحديث وبين حديث ابن عمر المتقدم- (لايقم الرجل الرجل من مجلسه ثم يقعد فيه) - في الصحيح , لأن فيه زيادة حكم عليه , والأصل أنه يؤخذ بالزائدة فالزائدة من الأحكام , وحديث ابن عمر إنما فيه النهي عن الإقامة , وليس فيه نهي الرجل عن القيام , بخلاف هذا الحديث , ففيه هذا النهي , وليس فيه النهي الأول إلا ضمناً , فإنه إذا كان قد نهي عن القيام , فلأن ينهى عن الإقامة من باب أولى , وهذا بين لا يخفى إن شاء الله تعالى , وعليه يدل حديث ابن عمر , فإنه مع إنه روى النهي عن الإقامة , كان يكره الجلوس في مجلس من قام عنه له , وإن كان هو لم يقمه , ولعل ذلك سداً للذريعة وخشية أن يوحى إلى الجالس بالقيام , ولو لم يقمه مباشرة , والله أعلم . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم228.
س)- عن مجاهد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاني جبريل عليه السلام فقال : إني كنت أتيتك الليلة فلم يمنعني أن أدخل
عليك البيت الذي أنت فيه إلا أنه كان في البيت تمثال رجل و كان في البيت قرام
ستر فيه تماثيل فمر برأس التمثال يقطع فيصير كهيئة الشجرة و مر بالستر يقطع
و في رواية : إن في البيت سترا في الحائط فيه تماثيل ، فاقطعوا رءوسها فاجعلوهابساطا أو وسائد فأوطئوه ، فإنا لا ندخل بيتا فيه تماثيل . فيجعل منه وسادتان توطآن و مر بالكلب فيخرج . ففعل رسول الله صلى الله عليه وسلم و إذا الكلب جرو كان للحسن و الحسين عليهما السلام تحت نضد لهما قال : و مازال يوصيني بالجار حتى ظننت أو رأيت أنه سيورثه .ما فوائد هذا الحديث؟
الأول : تحريم الصور ، لأنها سبب لمنع دخول الملائكة ، و الأحاديث في تحريمها أشهر من أن تذكر .
الثاني : أن التحريم يشمل الصور التي ليست مجسمة و لا ظل لها لعموم قول جبريل عليه السلام : " فإنا لا ندخل بيتا فيه تماثيل " ، و هي الصور ، و يؤيده أن التماثيل التي كانت على القرام لا ظل لها ، و لا فرق في ذلك بين ما كان منها تطريزا على الثوب أو كتابة على الورق ، أو رسما بالآلة الفوتوغرافية إذ كل(8/43)
ذلك صور و تصوير ، و التفريق بين التصوير اليدوي و التصوير الفوتوغرافي ، فيحرم الأول دون الثاني ، ظاهرية عصرية ، و جمود لا يحمد كما حققته في " آداب الزفاف في السنة المطهرة " ( ص 112 - 114).
الثالث : أن التحريم يشمل الصورة التي توطأ أيضا إذا تركت على حالها و لم تغير بالقطع ، و هو الذي مال إليه الحافظ في " الفتح " .
الرابع : أن قوله " حتى تصير كهيئة الشجرة " ، دليل على أن التغيير الذي يحل به استعمال الصورة ، إنما هو الذي يأتي على معالم الصورة ، فيغيرها حتى تصير على هيئة أخرى مباحة كالشجرة . و عليه فلا يجوز استعمال الصورة و لو كانت بحيث لا تعيش لو كانت حية كما يقول بعض الفقهاء ، لأنها في هذه الحالة لا تزال صورة اسما و حقيقة ، مثل الصور النصفية ، و أمثالها ، فاعلم هذا فإنه مما يهم المسلم معرفته في هذا العصر الذي انتشرت فيه الصور و عمت و طمت . ، و إن شئت زيادة تحقيق في هذا ، فراجع المصدر السابق ( ص 111 / 112 ) .
الخامس : فيه إشارة إلى أن الصورة إذا كانت من الجمادات فهي جائزة ، و لا تمنع من دخول الملائكة ، لقوله " كهيئة الشجرة " ، فإنه لو كان تصوير الشجر حراما كتصوير ذوات الأرواح ، لم يأمر جبريل عليه السلام ، بتغييرها إلى صورة شجرة ، و هذا ظاهر ، و يؤيده حديث ابن عباس رضي الله عنه " و إن كنت لابد فاعلا ، فاصنع الشجرة ، و ما لا نفس له " . رواه مسلم و أحمد ( 1 / 308 ) .
السادس : تحريم اقتناء الكلب لأنه أيضا سبب يمنع من دخول الملائكة ، و هل يمنع لو كان كلب ماشية أو صيد ، الظاهر لا ، لأنه يباح اقتناؤه . و يؤيده أن الصورة إذا كانت مباحة لا تمنع أيضا من دخول الملائكة بدليل أن السيدة عائشة رضي الله عنها كانت تقتني لعب البنات ، و تلعب بها هي و رفيقاتها على مرأة من النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا ينكرها عليها كما ثبت في البخاري و غيره ، فلو كان ذلك مانعا من دخول الملائكة لما أقرها صلى الله عليه وسلم عليه . و الله أعلم . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم356.
س)- ما حكم أكل لحوم الخيل؟
لقد (نَهَى النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ) ،وفي هذا الحديث جواز أكل لحوم الخيل , وهو مذهب الأئمة الأربعة , سوى أبي حنيفة , فذهب إلى التحريم , خلافاً لصاحبيه , فإنهما وافقا الجمهور , وهو الحق , لهذا الحديث الصحيح , ولذلك اختاره أبو جعفر الطحاوي , وذكر أن حجة أبي حنيفة حديث خالد بن الوليد مرفوعاً : (لا يحل أكل لحوم الخيل والبغال والحمير) , ولكنه حديث منكر ضعيف الإسناد , لا يحتج به إذا لم يخالف ما هو أصح منه , فكيف وقد(8/44)
خالف حديثين صحيحين كما ترى ؟ وقد بينت ضعفه وعلله في "السلسلة الضعيفة " . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم359.
س)- هل ثبت الشؤم في شيء؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (إِنْ يَكُ مِنْ الشُّؤْمِ شَيْءٌ حَقٌّ فَفِي الْمَرْأَةِ وَالْفَرَسِ وَالدَّار) ، والحديث يعطي بمفهومه أن لا شؤم في شيء , لأن معناه : لو كان الشؤم ثابتاً في شيء ما , لكان في هذه الثلاثة , لكنه ليس ثابتاً في شيء أصلاً , وعليه , فما في بعض الرويات بلفظ : ( الشؤم في ثلاثة ) , أو : (إنما الشؤم في ثلاثة ) , فهو اختصار وتصرف من بعض الرواة , والله أعلم . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 442.
س)- ما حكم أكل الحمار الأهلي؟
الحمار الأهلي وكل ذي ناب من الوحوش حرام أكله , وليس مكروهاً فقط , كما زعم بعض المفسرين في هذا العصر.انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم476.
س)- متى يجوز الكذب؟
لقد ورد عن النبي صلىالله عليه وسلم انه (رَخَّصَ مِنْ الْكَذِبِ فِي ثَلَاثٍ فِي الْحَرْبِ وَفِي الْإِصْلَاحِ بَيْنَ النَّاسِ وَقَوْلِ الرَّجُلِ لِامْرَأَتِهِ) . وفي رواية : حديث الرجل امرأته , وحديث المرأة زوجها) قال النووي : (قال القاضي : لا خلاف في جواز الكذب في هذه الصور , واختلفوا في المراد بالكذب المباح فيها ما هو ؟ فقالت طائفة : هو على إطلاقه , وأجازوا قول ما لم يكن في هذه المواضع للمصلحة , وقالوا : الكذب المذموم ما فيه مضرة , واحتجوا بقول إبراهيم صلى الله عليه وسلم : (بل فعله كبيرهم) (وإني سقيم) وقوله : إنها أختي وقول منادي يوسف صلى الله عليه وسلم : (أيتها العير إنكم لسارقون) قالوا : ولا خلاف أنه لو قصد ظالم قتل رجل هو عنده مختف وجب عليه الكذب في أنه لا يعلم أين هو , وقال آخرون منهم الطبري : لا يجوز الكذب في شيء أصلا . قالوا : وما جاء من الإباحة في هذا المراد به التورية , واستعمال المعاريض , لا صريح الكذب , مثل أن يعد زوجته أن يحسن إليها ويكسوها كذا , وينوي إن قدر الله ذلك . وحاصله أن يأتي بكلمات محتملة , يفهم المخاطب منها ما يطيب قلبه . وإذا سعى في الإصلاح نقل عن هؤلاء إلى هؤلاء كلاما جميلا , ومن هؤلاء إلى هؤلاء كذلك وورى وكذا في الحرب بأن يقول لعدوه : مات إمامكم الأعظم , وينوي(8/45)
إمامهم في الأزمان الماضية : أو غدا يأتينا مدد أي طعام ونحوه . هذا من المعاريض المباحة , فكل هذا جائز . وتأولوا قصة إبراهيم ويوسف وما جاء من هذا على المعاريض . والله أعلم) .
قلت : لا يخفي على البصير أن قول الطائفة الأولى هو الأرجح والأليق بظواهر هذه الأحاديث , وتأويلها بما تأولته الطائفة الأخرى من حملها على المعاريض مما لا يخفى بعده , لا سيما في الكذب في الحرب , فإنه أوضح من أن يحتاج إلى التدليل على جوازه , ولذلك قال الحافظ في الفتح :
(قال النووي : الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة , لكن التعريض أولى . وقال ابن العربي : الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص وفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال , ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما انقلب حلالا انتهى . ويقويه ما أخرجه أحمد وابن حبان من حديث أنس في قصة الحجاج ابن علاط الذي أخرجه النسائي وصححه الحاكم في استئذانه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأذن له النبي صلى الله عليه وسلم , وإخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين وغير ذلك مما هو مشهور فيه) . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم545.
س)- هل تشميت العاطس واجب على كل من سمع ، وهل يشمت العاطس ولو لم يحمد الله ؟
أخرج ابن أبي شيبة في "المصنف " (8/683/ 6025)- وعنه البيهقي في " الشعب " (7/25/9330) ، وأحمد (4/412)- والسياق له-؛ قالا: ثنا القاسم ابن مالك أبو جعفر: ثنا عاصم بن كليب عن أبي بردة قال: دخلت على أبي موسى في بيت ابنة أم الفضل،فعطست ولم يشمتني ، وعطست فشمتها، فرجعت إلى أمي فأخبرتها، فلما جاءها قالت: عطس ابني عندك فلم تشمته، وعطست فشمتها؟ فقال: إن ابنك عطس فلم يحمد الله تعالى فلم أشمته، وإنها عطست وحمدت الله فشمتها، وسمعت رسول الله- صلى الله عليه وسلم يقول(إذا عَطَسَ أحدكم فَحَمِدَ الله فَشَمِّتُوه، وإن لم يَحْمَدِ الله عز وجل فلا تُشَمِّتُوهُ). فقالت: أحسنت أحسنت.
واعلم أن المشهور بين العلماء أن التشميت فرض كفاية، فإذا قام به البعض سقط عن الباقين، لكن قد صح من حديث أبي هريرة مرفوعاً بلفظ :إذا عطس أحدكم فحمد الله؛ فحق على كل مسلم سمعه أن يشمته.. ". وفي رواية: "أن يقول: يرحمك الله ".أخرجه البخاري في "صحيحه "- بالرواية الأولى-، وفي "الأدب المفرد"- بالرواية الأخرى-، وهو مخرج في "الإرواء" (779) عن جمع آخر، وقد صححه ابن حبان (1/401/597) أيضاً، ورواه النسائي في "اليوم والليلة " (214و215) ، وعنه ابن السني (251).(8/46)
قلت: فهذا نص صريح في وجوب التشميت على كل من سمع تحميده، فهو فرض عين على الكل، ومن العجائب أن الحافظ لم يتكلم على هذه المسألة في شرحه لهذا الحديث في "الفتح " (10/607) ! انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3094.
س)- هل يجوز لمنْ مرّ بحائط بستان ان يأكل منه دون ان يُعلم صاحب البستان؟
أخرج الترمذي، وابن ماجه، وأحمد في "مسائل أبي داود عنه " (ص 304) من طريق يحيى بن سُلَيْم عن عبد الله عن نافع عن ابن عمر عن النبي عليه السلام قال(مَنْ مَرَّ بحائطٍ فلْيأكُلْ ولا يحْمِلْ ) .
وللحديث شاهد موقوف، يرويه مجاهد عن أبي عياض قال: قال عمر:"إذا مررت ببستان فكل ولا تتخذ خبنة".أخرجه ابن أبي شيبة (6/83/350)، والبيهقي (9/359) من طريقين عن منصور عن مجاهد به.
قلت: وهذا إسناد صحيح كما قال البيهقي. وقال:"وهو عندنا محمول على حال الضرورة. والله أعلم ".
قلت: وهذا معناه أو لازمه: أنه لا يجوز أن يدخل الحائط أو البستان إلا للضرورة، ومن الأدلة روايات عديدة ساقها البيهقي، منها قوله - صلى الله عليه وسلم - :".. وإذا أتيت على حائط بستان؛ فنادِ صاحب البستان ثلاث مرات، فإن أجابك، وإلا؛ فكل، غير أن لا تفسد، وفي رواية: ولا يحملن ".
وإسناده جيد، وهو مخرج في "الإرواء" (2521). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3121.
س)- ما حكم هجرة المسلم من بلد الكفر إذا اشتد الضغط عليه من أهله إلى بلد آخر؟
أخرج البيهقي في "السنن " (9/9) وفي "الدلائل " (2/ 301) من طريق ابن إسحاق: حدثني الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام عن أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها قالت: لما ضاقت علينا مكة، وأوذي أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وفُتنوا، ورأوا ما يصيبهم من البلاء والفتنة في دينهم، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يستطيع دفع ذلك عنهم، وكان رسول الله في مَنَعة من قومه وعمه،لا يصل إليه شيء مما يكره؛ مما ينال أصحابه، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (إنَّ بأرضِ الحبشةِ مَلِكاً لا يُظلمُ أحدٌ عنده، فالحقُوا ببلادِه حتّى يجعل اللهُ لكم فرجاً و مخرجاً مّما أنتُم فيهِ).(8/47)
ففي الحديث دلالة ظاهرة على جواز هجرة المسلم من بلد الكفر إذا اشتد الضغط عليه من أهله إلى بلد آخر يجد فيه الحرية الدينية، وليس كذلك ما يفعله بعض الشباب المسلم من السفر من بلده المسلم إلى بعض البلاد الكافرة،لمجرد أنه يجد فيه شيئاً من التضييق أو التعذيب من بعض الحكام الظالمين، فهذا لا يجوز للأحاديث الكثيرة في النهي عن ذلك، كقوله- صلى الله عليه وسلم -:"المسلم والمشرك لا تتراءى نارهما"ونحوه،ولكثرة الفسق والخلاعة المنتشرة في كل مكان من تلك البلاد، بحيث يندر أن لا يتأثر المسلم بذلك،فكيف بأولاده الذين يُرَبّون فيها، ويرضعون لبانتها كما هو مشاهد؟! ولذلك فنحن ننصحهم- ومن أسلم من أهلها- أن يهاجروا إلى بلد من البلاد الإسلامية،يتمكنون فيه من القيام بشعائر دينهم، ويكثِّرون
سواد إخوانهم المؤمنين، والله عز وجل يقول:(إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضغفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها... )الآية [النساء: 97].* انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3190.
س)-ما الأدب النبوي في توديع الجيوش؟
صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه (كان إذا ودع الجيش قال: أستودع الله دينكم، وأمانتكم، وخواتيم أعمالكم).
هذا، وإن مما يؤسف له حقاً أن ترى هذا الأدب النبوي الكريم، قد صار مما لا أثر له ولا عين عند قواد جيوش زماننا، فإنهم يودعون الجيوش على أنغام الآلات الموسيقية، التي يرى بعض الدعاة الإسلاميين اليوم أنه لا شيء فيها، تقليداً منهم لظاهرية ابن حزم التي قد يسخرون منها عندما تخالف آراءهم- ولا أقول: أهواءهم، ولا يتبعون أقوال الأئمة الأربعة وغيرهم الموافقة للأحاديث الصحيحة الصريحة في تحريم المعازف، تيسيراً على الناس بزعمهم! فإلى الله المشتكى من غربة الإسلام، وقلة من يعمل بأحكامه في هذا الزمان، ويشكك فيها بالخلاف الواقع في الكثير منها، ليأخذ منها ما يشتهي، دون أن يحكم فيه قوله تعالى: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر)، فكأن هذه الأية منسوخة عندهم. والله المستعان. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1605.
س)- ما حكم لبس الطيلسان؟
أخرج ابن سعد في "الطبقات" ( 1/461 ) من طريق عبد السلام ابن حرب: حدثني موسى الحارثي - في زمن بني أمية - قال: وُصف لرسول الله صلى الله عليه وسلم الطيلسان، فقال: ( هذا ثوبٌ لا يؤدَّى شكرُه. يعني الطّيلسان ).(8/48)
وهذا إسناد ضعيف معضل والطيلسان: ضرب من الأوشحة يلبس على الكتف، أو يحيط بالبدن، خال عن التفصيل والخياطة. أو هو مايعرف في العامية المصرية ب ( الشال ).فارسي معرب: ( تالسان ) أو (تالشان). "المعجم الوسيط".
إذا عرفت هذا، فقد أشار ابن القيم في أول "زاد المعاد" إلى تضعيف الحديث بقوله: "وأما الطيلسان، فلم ينقل عنه صلى الله عليه وسلم أنه لبسه، ولا أحد من أصحابه، بل قد ثبت في "صحيح مسلم"" من حديث النواس بن سمعان عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر الدجال، فقال: "يخرج معه سبعون ألفاً من يهود أصبهان، عليهم الطيالسة".
ورأى أنس جماعة عليهم الطيالسة، فقال: ما أشبههم بيهود خيبر. ومن هنا كره لبسها جماعة من السلف".
ثم إحتج على الكراهة بحديث "من تشبَّه بقوم، فهو منهم". وهو حديث حسن صحيح مخرج في "جلباب المرأة المسلمة" ( 203 -204 ) عن ابن عمر وغيره. وأثر أنس أخرجه البخاري في "صحيحه" برقم ( 4208 ). لكن قوله "ولا أحد من أصحابه". ففيه نظر، وإن مر عليه المعلقان على "الزاد" ( 1/142 -طبع المؤسسة ) فلم يعلقا عليه بشيء! كما أنهما لم يخرجا أكثر من مادة الكتاب حديثاً وآثاراً، ومن ذلك أثر أنس هذا! وقد كنت ذكرت في "التعليقات الجياد على زاد المعاد" أن القسطلاني في "المواهب اللدنية" تعقبه بأن ابن سعد روى من طريقين : أن الحسن بن علي رضي الله عنهما كان يلبس الطيالسة.
ثم رأيت مثله عن جماعة من السلف في "مصنف ابن أبي شيبة" ( كتاب اللباس ) منهم إبراهيم -وهو: ابن يزيد النخعي - رقم ( 4739 )، والأسود بن هلال ( 4741 )، وعبد الله بن يزيد ( 4742 )، وسعيد بن المسيب ( 4743 )، وعبد الله بن مغفل رضي الله عنه ( 4746 ). قلت: فالقول بالكراهة مع لبس هؤلاء الأفاضل للطيلسان - لا سيما وفيهم الصحابي الجليل عبد الله بن مغفل - بعيد جداً، أضف إلى ذلك أن بعضهم كان يغالي بشراءه، فروى ابن أبي شيبة ( 4963 ) عن مغيرة قال:كان إبراهيم لا يرى بأساً أن يلبس الثوب بخمسين درهماً، يعني: الطيلسان. ( 4964 ) و عن إبراهيم بن محمد بن المنتشر عن أبيه عن مسروق قال: كان لا يغالي بثوب إلا بطيلسان.فبهذه الآثار التي خفيت على ابن القيم - يرد القول بالكراهة، وليس بحديث الترجمة - كما فعل الحافظ ( 10/274 ) -، لضعفه وإعضاله.
وأما أثر أنس فيحمل على ما إذا كان شعاراً لهم، لحديث ابن عمر المتقدم، قال الحافظ في "الفتح" (10/275 ):"وإنما يصلح الاستشهاد بقصة اليهود في الوقت الذي تكون الطيالسة من شعائرهم، وقد ارتفع ذلك في هذه الأزمنة، فصار داخلاً في عموم المباح، وقد ذكره ابن عبد السلام في أمثلة البدعة المباحة".
قلت: وقوله: "البدعة المباحة" لعله يعني البدعة اللُغوية، لأن البدعة الشرعية لا توصف بمباحة أو(8/49)
حسنة، بل كلها ضلالة بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم كما مبين في محله. على أن وصفها بالبدعة اللغوية فيه نظر أيضاً - لما سبق من الآثار السلفية -، فالظاهر أن ابن عبد السلام لم يقف عليها، كما أن الحافظ لم يذكر شيئاً منها، وهذا من غرائبه! انتهى كلام الألباني من كتاب إرواء الغليل.
س)- هل حديث " كان صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في ترجله ، وطهوره ، وفي شأنه كله " عام ؟
قال الشيخ تقي الدين ( يعني ابن دقيق العبد ) : " وهذا الحديث عام مخصوص لأن دخول الخلاء والخروج من المسجد ونحوهما يبدأ فيهما باليسار " نقله الحافظ في " الفتح " ( 1 / 216 ) وأقره . وقد وجدت دليل الثاني وهو ما رواه الحاكم ( 1 / 218 ) عن أنس أنه كان يقول : " من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ رجلك اليمنى ، إذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى . وقال : صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي . وأما دخول الخلاء فلا أعرف دليله الآن ، ولعله القياس على الخروج من المسجد . و الله أعلم . انتهى كلام الألباني من كتاب إرواء الغليل.
س)- ما معنى بيع العينة وما حكمه؟
بيع العينة مثله: كأن تريد أن تشتري براداً، والحقيقة أنك لا تريد أن تشتري براداً، إنما تريد قروشاً، فتأتي إلى التاجر فتشتري براداً -مثلاً- بمائة جنيه، وقبل أن يسمي لك الثمن -تأتي معاملة نعتقدها أيضاً غير مشروعة- يقول لك: تريد أن تشتري نقداً أم تقسيطاً؟ وأنت كما قلنا في صورة بيع العينة لا تريد أن تشتري أصلاً، فتقول له: أنا أريد أن أشتري بالتقسيط، فهذا البراد لو قلت له: أريده نقداً ربما قال لك: بثمانين أو بتسعين وتقسيطاً يقول لك: مائة، فتقول: سجل عليَّ مائة، انتهى كل شيء وما انتهى أي شيء. لماذا؟ ستعود أنت وقد اشتريت البراد بائعاً ويعود التاجر البائع لك شارياً، فتقول له: اشتر أنت مني هذا البراد نقداً، هو كان يبيعه لك بالتقسيط -مثلاً- بثمانين، فالآن يريد أن يشتريه منك بخمسة وسبعين أو دون ذلك، بحسب ما يناسبه ويناسب جشعه وطمعه، فأنت تأخذ الخمسة والسبعين ديناراً وتنطلق، وقد سجل عليك بذلك مائة دينار، هذه هي صورة بيع العينة. والعينة مشتقة من عين الشيء وذاته، أي: هذا البراد عينه وذاته بيع واشتري بمجلس واحد، ودون أن يتزحزح من مكانه، وبثمنين مختلفين، ثمن باهظ وهو ثمن البيع الأول، وثمن ناقص وهو ثمن البيع الثاني، كل ذلك لف ودوران واحتيال، كاحتيال اليهود على استحلال ما حرم الله من الربا، فبدل أن يأتي شاري البراد عن طريقة بيع العينة إلى التاجر وهو لا يريد أن يشتري، يقول: يا أخي! أنا بحاجة إلى خمسة وسبعين ديناراً، أعطني(8/50)
اليوم، وأعطيك بعد كذا شهر مائة دينار، هذا ربا مكشوف اليهود ما فعلوها، يدفع بدل خمسة وسبعين مائة! هذا ربا مكشوف، لذلك زين لهم الشيطان سوء أعمالهم وقال لهم: هذا ربا مكشوف، لكن ابحث عن الحكم الشرعي وتوصل إلى مأربك الذي هو أخذ الدين بربا بواسطة بيع العينة، تماماً كما صح عن الرسول عليه السلام أنه قال: (لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فجملوها ثم باعوها وأكلوا أثمانها، وإن الله إذا حرم أكل شي حرم ثمنه) ما هو معنى الحديث؟ حرم الله على اليهود الشحوم، كما قال مشيراً إلى ذلك: (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ) [النساء:160] ومنها: شحوم الدابة الذبيحة، فكان محرماً عليهم أن ينتفعوا بالشحم، يرمونه أرضاً كما يرمون القاذورات ونحوها مما لا يستفاد منه، فصبر اليهود على ذلك مدة، ثم وسوس لهم الشيطان فقال لهم: كيف تضيعون هذه الشحوم هكذا أرضاً؟ خذوها وضعوها في الأواني الضخمة -الحلل- وأوقدوا النار من تحتها حتى تذوب هذه الشحوم وتعطي شكلاً جديداً، فتستطيعون أن تبيعوها وتنتفعوا بأثمانها، وكذلك فعلوا، فاستحقوا بهذا السبب كغيره من الأسباب لعنة الله عز وجل عليهم.. ما الفرق بين الشحم قبل أن يذوب وبين الشحم بعد ما يذوب؟ هو شحم من قبل وهو شحم من بعد، هذا لا يشك فيه عاقل إطلاقاً، لكن هكذا الشيطان زين لهم هذا التغيير لاستحلال ما حرم الله عز وجل.. ما الفرق بين أن يعطي التاجر الرجل المحتاج للمال خمسة وسبعين ليوفيها بعد ذلك مائة، وبين إدخال الوسيط بينهما والنتيجة واحدة لا تختلف؟ أخذ خمسة وسبعين وسيوفيها مائة، هل هذا حلال؟ حاشا لله! ولذلك جاء في حديث في سنده عندي شيء من الضعف، وقد جود إسناده الحافظ ابن كثير رحمه الله أن الرسول عليه السلام قال: (لا ترتكبوا الحيل كما فعلت يهود)، وقد وقع المسلمون في مثل هذا الاحتيال في كثير من الأمور، هناك أناس عندنا كانوا تجاراً، وأعرف أحدهم وهو تاجر في السوق، يأتي الفقير فيحمله كيس سكر وفيه عشرات الجنيهات الذهبية، يقول: خذ هذا الكيس زكاة مالي، فيهتم الرجل؛ لأنه لا يستطيع أن يحمل الكيس، يحاول أن يبحث عن حمال، فيقول له: أنا أشتري منك الكيس بدلاً من أن تحمله إلى البيت، فيدفع له ثمن الكيس وفيه ما يساوي مائة كيس، هذا بظنه أنه أدى زكاة ماله وطهر نفسه، وهو بالعكس خبثها، ولو أبقى هذه الجنيهات في صندوقه كان أقل شراً له، لا أقول خيراً له من هذه الحيلة الشيطانية. فبيع العينة: هو بيع الشيء في مجلس واحد مرتين بثمنين متباينين، كوسيط لاستحلال الربا المكشوف. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم بيع التقسيط وما ارتباطه ببيع العينة؟
لا يجوز في الإسلام، ولو أنكم تنبهتم لتعريفي لبيع العينة لعرفتم أن جواب هذا في نفس هذا التعريف؛ لأنه (ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب)، و(ما لا تكون المعصية إلا به فهو معصية). بيع العينة الذي(8/51)
ذكره الرسول عليه الصلاة والسلام مصيبة من مصائب الأمة، إذا أصابتهم ذلوا، وهو قائم على بيع التقسيط، ويحتاج إلى مزيد شرح وبيان. بيع التقسيط هو المقدمة الأولى والأخيرة لبيع العينة؛ لأن هذا الذي يريد ذاك القرض بالربا، لا أحد يقرضه قرضاً حسناً مع الأسف الشديد، وهذا من تفكك عرى الأمة الإسلامية؛ وذلك بسبب ابتعادها عن الشريعة المحمدية، ولأنه يحتاج المال ولا أحد يقرضه، وهو لا يريده عن طريق الحرام في حد زعمه، فالشيطان يسول له أن هذه طريقة تحصل فيها على القرض ولو بطريق الربا، ويزعمون أنهم يخلصونه من الربا بصورة بيع وشراء، فهذا المستقرض عندما يأتي إلى التاجر ويقول له: هذه السيارة بكم؟ فيقول له التاجر: تريدها نقداً أو بالتقسيط؟ والمشتري جاء وجيبه أفرغ من فؤاد أم موسى! ليس معه ريال، ولهذا يجيبه قائلاً: بل بالتقسيط، فيقول له: بالتقسيط بمائة دينار، بألف دينار، بألفي دينار، فيقول له: سأشتري إذاً! البائع لما سأله: بالنقد أو بالتقسيط؟ وضع سعر التقسيط زائداً (2%) أو (5%) طمعهم وجشعهم، فهذا لما وافق على التقسيط أعطاه السعر زيادة على النقد، ومن هنا جاء بيع العينة؛ لأنه سوف يرجع المشتري ويقول للبائع: هذا الذي اشتريته أنا منك بألف دينار، من الممكن أن تشتريه مني بأقل من السعر، ولأنه يعرف مدى حاجته للمال، فيقول صاحب السلعة الأولى: نعم، فكانت هذه صورة لبيع العينة. مثلما ذكرنا آنفاً، فبيع العينة المحذر عنه في هذا الحديث قائم على بيع التقسيط. فإذاً: لا يمكن إقامة هذا الربا المحرم الذي هو بيع العينة إلا في مقدمة بيع التقسيط، ومع ذلك فهناك أحاديث عن الرسول عليه الصلاة والسلام، تنهى نهياً صريحاً عن بيع التقسيط الذي ابتلي به المسلمون لسببين، وهما نفس السببين المذكورين في الحديث:
أحدهما: التكالب على الدنيا، فتراه حريصاً على جمع المال، ولا يسأل أمن حلال أو حرام؟ وإنما يريد مصاريف .. يريد أن يشتري .. يريد أن يربح.. يريد .. يريد .. إلخ.
السبب الثاني: يحتالون على الشرع، يقول لك أحدهم: هذا بيع يا أخي! بيع التقسيط. لكن الرسول يقول: (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما أو الربا)، وفي حديث آخر: (نهى عن بيعتين في بيعة)، وفي لفظ: (.. عن صفقتين في صفقة)، قيل لراوي الحديث وهو سماك بن حرب من التابعين: [ما معنى نهى عن بيعتين في بيعة؟ قال: أن أبيعك هذا نقداً بكذا ونسيئةً بكذا وكذا]، هذا هو بيع التقسيط اليوم تماماً. والرسول عليه الصلاة والسلام في الحديث الأول، بين أن الزيادة التي يأخذها التاجر مقابل الشرط على أخيه المسلم في الوفاء، بسبب بيع التقسيط بيع ربا؛ لأنه قال: (من باع بيعتين في بيعة) أي: من عرض بيعتين، وفي النهاية لو قلب البيعتين إلى بيعة إما تقسيطاً وإما نقداً .. (من باع بيعتين في بيعة فله أوكسهما -أي: أنقصهما سعراً وثمناً- أو الربا) إن أخذ الزيادة، أي أنه قال: هذا نقداً بمائة وتقسيطاً بمائة وعشرة، فإذا أخذ مائة وعشرة مقابل التقسيط فالعشرة ربا، هذا في نص حديث الرسول عليه الصلاة والسلام. فيا أخي!(8/52)
إن مصيبتنا اليوم نحن المسلمين مصيبة لا يحلها أو لا يقدر عليها إلا الله عز وجل!! لكن: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ)[التوبة:105]. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- بالنسبة لتعليق بعض الصور ، مثل : المسجد الأقصى ومسجد الصخرة ، يعني في البيوت ، بيجوز هذا أستاذنا ؟
إذا كان مقصود من السؤال أن لها حكم الصور التي لها أرواح ، الجواب : ليست كذلك , لكن إذا كان المقصود بصورة عامة ، فنقول : أن هذا مما يكره ، لأنه من باب الزينة والزخارف التي لا يحث الإسلام على استعمالها ، بخاصة إذا كان الشيء المعلق يتضمن شيئاً لا يقره الشرع ، وهنا عندك نقطة مهمة جداً ، بمعنى مسجد الصخرة فيه صخرة من الخطأ أن يُعتقد فيها قداسة معينة أو فضل معين ، بالعكس هذا خطأ لا يقره الإسلام فحينما توضع صورة في البيت في مكان يشعر ويوحي أن هذا الواضع يؤيد قداسة هذا الذي وضع صورته في جداره ، لا شك أن هذا خطأ في خطأ ، هذا بالنسبة للصخرة ، لما بنترك الصخرة إلى مسجد الرسول عليه السلام - مثلاً - علقناها الصورة ، نفس الشيء يُقال ، فأنت تعليقك لها يوحي أو يشعر بأنك تقر مثل هذا الأمر القائم في هذه الصورة ، وهكذا ، فينبغي الابتعاد عن هذه الصور . شبكة المنهاج الإسلامية.(8/53)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب المرأة والنكاح والطلاق وتربية الاولاد
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(9/1)
كتاب المرأة والنكاح والطلاق وتربية الاولاد
فصل في الخطبة والزواج
س)- هل يشرع النظر إلى المرأة قبل خطبتها؟
يجوز النظر إليها , ولو لم تعلم أو تشعر به لقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا إِذَا كَانَ إِنَّمَا يَنْظُرُ إِلَيْهَا لِخِطْبَتِهِ وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ).
وقد عمل بهذا الحديث بعض الصحابة , وهو محمد بن مسلمة الأنصاري , فقال سهل بن أبي حثمة : (رأيت محمد بن مسلمة يطارد بثينة بنت الضحاك - فوق إجار لها - ببصره طرداً شديداً , فقلت : أتفعل هذا وأنت من أصحاب رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال : إني سمعت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول (إِذَا أَلْقَي فِي قَلْبِ امْرِئٍ خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَيْهَا).
وما ترجمنا به للحديث قال به أكثر العلماء , ففي فتح الباري : (وقال الجمهور :يجوز أن ينظر اليها إذا أراد ذلك بغير إذنها , وعن مالك رواية : يشترط إذنها , ونقل الطحاوي عن قوم أنه لا يجوز النظر إلى المخطوبة قبل العقد بحال , لأنها حينئذ أجنبية , ورد عليهم بالأحاديث المذكورة.
روى عبد الرزاق بسند صحيح عن ابن طاوس قال : أردت أن أتزوج امرأة ، فقال لي أبي اذهب فانظر إليها فذهبت فغسلت رأسي وترجلت ولبست من صالح ثيابي , فلما رآني في تلك الهيئة , قال لا تذهب.
قلت : ويجوز له أن ينظر منها إلى أكثر من الوجه والكفين , لإطلاق الأحاديث المتقدمة ولقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمْ الْمَرْأَةَ فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا فَلْيَفْعَلْ).
والحديث ظاهر الدلالة لما ترجمنا له , وأيده عمل راويه به , وهو الصحابي الجليل جابر بن عبدالله رضي الله عنه , وقد صنع مثله محمد بن مسلمة , كما ذكرناه في الحديث الذي قبله , وكفى بهما حجة.
ولا يضرنا بعد ذلك مذهب من قيد الحديث بالنظر إلى الوجه والكفين فقط , لأنه تقييد للحديث بدون نص مقيد , وتعطيل لفهم الصحابة بدون حجة , لا سيما وقد تأيد بفعل الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه , فقال الحافظ في التلخيص : (فائدة روى عبد الرزاق, وسعيد بن منصور في سننه وابن ابي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي بن الحنفية : أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم , فذكر له(9/2)
صغرها , [فقيل له : إن ردك فعاوده] , فقال [له علي] : أبعث بها إليك , فإن رضيت فهي امرأتك , فأرسل بها إليه , فكشف عن ساقيها , فقالت لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينك , وهذا يشكل على من قال : إنه لا ينظر غير الوجه والكفين).
قلت : ثم وقفت على إسناده عند عبدالرزاق فتبين أن في القصة انقطاعاً , وأن محمد بن على ليس هو ابن الحنفية , وإنما هو محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب , أبوجعفر , في بحث أودعته في الضعيفة فراجعه فإنه مهم.
وهذا القول الذي أشار الحافظ إلى استشكاله هو مذهب الحنفية والشافعية , قال ابن القيم في تهذيب السنن : (وقال داود : ينظر إلى سائر جسدها , وعن أحمد ثلاث روايات:
إحداهن : ينظر إلى وجهها ويديها.
والثانية : ينظر ما يظهر غالباً كالرقبة والساقين ونحوهما .
والثالثة : ينظر إليها كلها عورة وغيرها , فإنه نص على أنه يجوز أن ينظر إليها متجردة).
قلت : والرواية الثانية هي الأقرب إلى ظاهر الحديث , وتطبيق الصحابة له , والله أعلم .
وقال ابن قدامة في (المغني) : ( ووجه جواز النظر [إلى] ما يظهر غالباً أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما أذن في النظر إليها من غير علمها , علم أنه أذن في النظر إلى جميع ما يظهر عادة , إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره له في الظهور , ولأنه يظهر غالباً , فأبيح النظر إليه كالوجه , ولأنها امرأة أبيح له النظر إليها بأمر الشارع , فأبيح النظر منها إلى ذلك كذوات المحارم)
ثم وقفت على كتاب (ردود على أباطيل) لفضيلة الشيخ محمد الحامد , فإذا به يقول ( فالقول بجواز النظر إلى غير الوجه والكفين من المخطوبة باطل لا يقبل).
وهذه جرأة بالغة من مثله ما كنت أترقب صدورها منه , إذ إن المسألة خلافية كما سبق بيانه , ولا يجوز الجزم ببطلان القول المخالف لمذهبه إلا بالإجابة عن حجته ودليله كهذه الأحاديث , وهو لم يصنع شيئاً من ذلك , بل إنه لم يشر إلى الأحاديث أدنى إشارة , فأوهم القراء أن لا دليل لهذا القول أصلاً , والواقع خلافه كما ترى , فإن هذه الأحاديث بإطلاقها تدل على خلاف ما قال فضيلته , كيف لا وهو مخالف لخصوص قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث: (مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا)؟ فإن كل ذي فقه يعلم أنه ليس المراد منه الوجه والكفان فقط , ومثله في الدلالة قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الحديث: (وَإِنْ كَانَتْ لَا تَعْلَمُ) وتأيد ذلك بعمل الصحابة رضي الله عنهم , وهم أعلم بسنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومنهم محمد بن مسلمة وجابر بن عبدالله , فإن كلاً منهما تخبأ لخطيبته ليرى منها ما يدعوه إلى نكاحها , أفيظن بهما عاقل أنهما تخبأ للنظر إلى الوجه والكفين فقط ؟ ومثل عمر بن الخطاب الذي كشف عن ساقي أم كلثوم بنت علي – إن صح عنه –(9/3)
فهؤلاء ثلاثة من كبار الصحابة - أحدهم الخليفة الراشد - أجازوا النظر إلى أكثر من الوجه والكفين , ولا مخالف لهم من الصحابة فيما أعلم , فلا أدري كيف استجاز مخالفتهم مع هذه الأحاديث الصحيحة ؟ وعهدي بأمثال الشيخ أن يقيموا القيامة على من خالف أحداً من الصحابة اتباعاً للسنة الصحيحة , ولو كانت الرواية عنه لا تثبت , كما فعلوا في عدد ركعات التراويح , ومن عجيب أمر الشيخ - عفا الله عنا وعنه - أنه قال في آخر البحث : قال الله تعالى : (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)النساء 59 , فندعو أنفسنا وإياه إلى تحقيق هذه الآية , ورد المسألة إلى السنة بعدما تبينت , والله المستعان , ولا حول ولا قوة إلا بالله.
هذا ومع صحة الأحاديث في هذه المسألة , وقول جماهير العلماء بها - على الخلاف السابق - , فقد أعرض كثير من المسلمين في العصور المتأخرة عن العمل بها , فإنهم لا يسمحون للخاطب بالنظر إلى فتاتهم - ولو في حدود القول الضيق - تورعاً منهم - زعموا - ومن عجائب الورع البارد أن بعضهم يأذن لا بنته بالخروج إلى الشارع سافرة بغير حجاب شرعي , ثم يأبى أن يراها الخاطب في دارها وبين أهلها بثياب الشارع.
وفي مقابل هؤلاء بعض الآباء المستهترين الذين لا يغارون على بناتهم - تقليداً منهم لأسيادهم الأوربيين - فيسمحون للمصور أن يصورهن وهن سافرات سفوراً غير مشروع , والمصور رجل أجنبي عنهم , وقد يكون كافراً , ثم يقدمن صورهن إلى بعض الشبان بزعم أنهم يريدون خطبتهن , ثم ينتهي الأمر على غير خطبة , وتظل صور بناتهم معهم ليتغزلوا بها , وليطفئوا حرارة الشباب بالنظر إليها , ألا فتعساً للآباء الذين لا يغارون , وإنا لله وإنا إليه راجعون. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم97، 98، 99.
س)- هل يحرم على الرجل ان ينظر الى عورة امرأته؟
إن تحريم النظر بالنسبة للجماع , من باب تحريم الوسائل , فإذا أباح الله تعالى للزوج أن يجامع زوجه , فهل يعقل أن يمنعه من النظر إلى فرجها ؟ اللهم لا , ويؤيد هذا من النقل حديث عائشة قالت (كنت أغتسل أنا ورسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من إناء بيني وبينه واحد , فيبادرني , حتى أقول : دع لي , دع لي) أخرجه الشيخان وغيرهما.
فإن الظاهر من الحديث جواز النظر , ويؤيده رواية ابن حبان من طريق سليمان بن موسى أنه سئل عن الرجل ينظر إلى فرج امرأته ؟ فقال : سألت عطاء فقال : سألت عائشة , فذكرت هذا الحديث بمعناه.
قال الحافظ : (وهو نص في جواز نظر الرجل إلى عورة امرأته , وعكسه) ، وإذا تبين هذا , فلا فرق حينئذ بين النظر عند الاغتسال أو الجماع. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم195.(9/4)
س)- هل يجوز للرجل ان يتزوج المرأة الزانية وكذلك المرأة؟
لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنى و كذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنى و يدل على ذلك قوله تعالى : (و الزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك). انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2444.
س)- ما حكم نكاح الرجل ابنته من الزنى؟
المسألة اختلف فيها السلف , وليس فيها نص مع أحد الفريقين , وإن كان النظر والاعتبار يقتضي تحريم ذلك عليه , وهو مذهب أحمد وغيره , ورجحه شيخ الإسلام ابن تيمية فانظر ((الاختيارات)) له , وتعليقنا على الصفحة 36-39 من كتابنا ((تحذير الساجد من اتخاذ القبور مساجد)). انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 387 ، 388.
س)- هل يجوز لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من المال؟
حديث (أيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح , فهو لها , و ما كان بعد عصمة النكاح , فهو لمن أعطيه , و أحق ما أكرم عليه الرجل ابنته أو أخته) حديث ضعيف وقد استدل بعضهم بهذا الحديث على أنه يجوز لولي المرأة أن يشترط لنفسه شيئا من المال ! و هو لو صح كان دليلا ظاهرا على أنه لو اشترط ذلك لم يكن المال له بل للمرأة , قال الخطابي:
هذا يتأول على ما يشترطه الولي لنفسه سوى المهر , و قد اعتاد كثير من الآباء مثل هذا الشرط , و أنا و إن كنت لا أستحضر الآن ما يدل على تحريمه , و لكني أرى - و العلم عند الله تعالى - أنه لا يخلو من شيء , فقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق , و لا أظن مسلما سليم الفطرة , لا يرى أن مثل هذا الشرط ينافي مكارم الأخلاق , كيف لا , و كثيرا ما يكون سببا للمتاجرة بالمرأة إلى أن يحظى الأب أو الولي بالشرط الأوفر , و الحظ الأكبر , و إلا أعضلها ! و هذا لا يجوز لنهي القرآن عنه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 1007.(9/5)
س)- هل يحق للطالب المسلم الذي خرج طلبا للعلم في بلاد الكفر أن يتزوج من نصرانية وفي نفسه بيات ، تبييت وتأكييد على أن يتركها ويطلقها بعد فترة معينة محددة دون الإتفاق معها مسبقا على ذلك ولكن الأمربينه وبين نفسه لما خشي على نفسه من الفتنة؟
أولا ، لا ننصح شابا أن يتزوج كتابية اليوم . والسبب في ذلك هو أن كثير من الشباب المسلم حينما يتزوجون بمسلمات فتكتئب حياتهم وتسوء بسبب سوء أخلاق البنت المسلمة وقد ينضم إلى ذلك سوء أخلاق أهلها من أمها وأبيها وأخيها وأخواتها وو إلخ .
فماذا يقول المسلم إذا تزوج بنصرانية أخلاقها وعاداتها وغيرتها ونحو ذلك ونخوتها تختلف إن كان للغيرة وللنخوة لها ذكرعندهم فتختلف تماما عما عندنا نحن معشر المسلمين . لذلك لا ننصح بمثل هذا الزواج وإن كان القرآن صريح في إباحة ذلك ، ولكن إنما أباح الله للمسلم أن يتزوج الكتابية في حالة كون المسلمين أعزاء ، أقوياء في دينهم ، في أخلاقهم ، في دنياهم تخشى رهبتهم الدول ولذلك المسألة تختلف من زمن إلى زمن .
في الزمن الأول كان المسلمون يجاهدون الكفار ويستأسرون المئات منهم ، ويسترقونهم ويستعبدونهم فيكون استعبادهم إياهم سبب سعادتهم في دنياهم وأخراهم ، سبب سعادة المستأسرين والمسترقين والمستعبدين يصبحون سعداء في الدنيا والآخرة . وذلك لأن أسيادهم المسلمين كانوا يعاملونهم معاملة لا يجدونها في بلادهم بعضهم مع بعض وهم أحرار، بسبب التعليمات التي كان الرسول عليه السلام يوجهها إلى أصحابه من ذلك قوله عليه الصلاة والسلام أطعموهم مما تأكلون وألبسوهم مما تلبسون إلخ مما هنالك من الأحاديث الكثيرة لا أستحضر الآن سوى هذا ، وقد أشار الرسول عليه الصلاة والسلام إلى هذه الحقيقة التي وقعت فيما بعد لقوله في الحديث الصحيح :" إن ربك ليعجب من أقوام يُجرون إلى الجنة في السلاسل " " إن ربك ليعجب من أقوام أي : من النصارى ، من الكفار يجرون إلى الإسلام الذي يؤدي بهم إلى الجنة في السلاسل ، اليوم القضية معكوسة تماما القوة والعزة للمسلمين ذهبت حيث استذلوا من أذل الناس كماهوواقع مع الأسف الشديد.
فإذا فرضنا أن شابا تزوج بنصرانية وجاء بها إلى هنا ، فستبقى هذه النصرانية في الغالب على دينها وعلى تبرجها ، وسوف لا يجرفها التيار الإسلامي كما كان يجرف الأسرى فيطبعهم بطابع الإسلام ، لأن هذا المجتمع هو من حيث الإسم إسلامي ، لكن من حيث واقعه ليس كذلك . فالتعامل الموجود مثلا في البيوت الإسلامية اليوم إلا ما شاء الله منها كالتعامل الموجود في أوربا وربما يكون أفسد من ذلك ، فإذن هذه الزوجة(9/6)
النصرانية حينما يأتي بها سوف لا تجد الجو الذي يجرها ويسحبها إلى الإسلام سحبا هذا أولا .
ثانيا : إن تزوج من هؤلاء الشباب زوجة فليس هو بحاجة إلى أن ينوي تلك النية وهي أنه سوف يبقى في الدراسة هناك مثلا أربع سنوات فهو ليحصن نفسه وليمنعها من أن تقع في الزنا يتزوج نصرانية هناك ، وينوي في نفسه أن يطلقها إذا ما عزم على الرجوع إلى بلده .
نقول له هذه النية أولا لا تشرع لأن نكاح المتعة وإن كان صورته باشتراط اللفظ بين المتناكحين الرجل والمرأة وهذا طبعا نسخ إلى يوم القيامة حرّم إلى يوم القيامة . فالقاعدة الإسلامية التي يتضمنها الحديث المشهور : إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل ما نوى تحول بين المسلم وبين أن يتزوج امرأة وهو ينوي أن يطلقها بعد أربع سنوات ، هذا لو كان بهذه الناحية فائدة له أو فيه ضرورة يضطر إليها لكن حقيقة لا ضرورة لهذا الشاب إذا ما رأى نفسه بحاجة يتزوج بنصرانية أن ينوي هذه النية السيئة لأنه هو لماذا ينوي هذه النية ؟ وهو قد أعطاه الشرع سلفا جواز التطليق حينما يشاء الرجل هذا من ناحية . من ناحية أخرى هذه النية إذا نواها وكان لها تأثيرا شرعا معنى ذلك انه ملزم بعد أربع سنوات أن يطلقها وإلا لماذا نوى هو هذه النية ، إما أن يكون لها تأثير وإما أن لا يكون لها تأثير ، نحن نعتقد أن لا تأثير لها ، فإن كان هو معنا في ذلك فلماذا ينوي هذه النية ما دام ليس لها تأثير، وإن كان لها تأثيركما في مثل هذا السؤال فحينئذ لماذا يقيد نفسه بالأولاد ،أليس له حرية التطليق إذا ما بدا له ، بعد سنة مش بعد أربع سنوات ، يعني قد يتزوج الرجل هذه الفتاة النصرانية ويجدها فتاة لا ترد يد لامس بالمعنى الحقيقي وليس بالمعنى المجازي فحينئذ إن كان عنده غيرة إسلامية سيضطر إلى تطليقها قبل مضي المدة التي فرضها على نفسه ، إذن لا فائدة لا شرعا ولا وضعا أن ينوي الشاب هذا، هذه النية ، وإنما يتزوج بأي فتاة وهو عارف أنه الشرع يبيح له أن يطلقها إذا وجدت المصلحة الشرعية أو الإجتماعية يطلقها ، وقد يتمتع بها أربع سنوات ، هذا يقع ، وقع مرارا وإن كان هذا نادرا فيجدها أحسن بكثير من الزوجات المسلمات فحينئذ لماذا ربط نفسه سلفا أنه بعد أربع سنوات يطلقها ، لا ، يفك نفسه من هذا القيد ، أولا يقيد نفسه بهذا القيد ، فإذا انتهت دراسته نوى في علاقته مع هذه المرأة طبيعية وصادقة أن تعود معه إلى بلاد الإسلام فحينئذ يعود بها لأنه ذلك خير.لا ، والله هذه ما تصلح هناك بسبب أو أكثر من سبب يطلقها على أنه ليست زواج كالزواج الموجود عند النصارى لا ،((الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان)) . فإن الأمر كذلك فأي شاب ننصحه ألا يتزوج من كتابية فإن أبى إلا أن يتزوج تأتي النصيحة الثانية : لا يقيد نفسه بأنه يطلقها بعدما تنتهي السنوات الدراسية لأن له أن يطلقها متى شاء ، فقد يعجّل التطليق ، وقد يبّطل التطليق ، وقد لا يطلق مطلقا . والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته . من سلسلة الهدى والنور شريط رقم002.(9/7)
س)- نريد كلمة للأزواج؟
اننا نسمع في كثير من الأحيان كثيراً من الشباب يشكون من عدم انصياع زوجاتهم لأوامرهم الشرعية. وإن كنا لا ننسى أنه في كثير من الأحيان تكون المرأة عاصيةً لسوء خُلُقِها؛ لكن الذي يهمني في هذه المناسبة أن نقول: إن الزوج في كثير من الأحيان يكون عوناً لها على عدم طاعتها له، وذلك كأنْ يريد الزوج -مثلاً- من زوجته ألا تتزين ولا تتبرج أمام الرجال، لا سيما إذا خرجت من بيتها، ويريدها أن تتجلبب الجلباب الشرعي؛ ولكنه هو نفسه لا يلبس اللباس الشرعي، فلا يتَزَيَّا بزِيِّ المسلمين، وحتى لو أنها لم تكن فقيهة؛ لكنها تسمع أن هذا اللباس هو لباسٌ أفرنجي، وأن هذا التَّزَيُّن بحلق اللحى -مثلاً- أقل ما يقال فيه: أنه خلاف السنة، بل هو خلاف الواجب والفرض. فإن لم تقل هذا لزوجها بلسان مقالها فهي تقوله له بلسان حالها: الفرس مِن الفارس، اضبط حالك أنت، فأْتَمِرْ وتَشَرَّع حتى أسمع كلامك. هذا لسان حالِ كثيرٍ من النساء. لذلك فأنا أهتبلها فرصة في هذه التذكرة لأقول: يجب على الشباب أن يساعدوا نساءهم على طاعتهن لهم، بأن يكونوا هم مطيعين لربهم ومتبعين لشريعته سبحانه وتعالى. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(9/8)
فصل في الطلاق
س)- هل يحرم الطلاق؟
لقد طلق جماعة من السلف , بل صح أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طلق زوجته حفصة بنت عمر رضي الله عنهما؟. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 147.
س)- هل الإشهادُ شرطاً لصحة الطلاق ؟
نعم ، لأنه هناك قاعدة للعلماء أن الطلاق البدعي محرّم ، ثم اختلفوا هل الطلاق البدعي يقع فيما إذا أوقعه الرجل هل ينفذ أو لا ينفذ ؟
قولان للعلماء :
منهم من يقول : ينفذ .
ومنهم من يقول : لا ينفذ .
وهذا هو الأصل، أن الطلاق البدعي لا يقع لقوله -عليهِ الصلاةُ والسلام-: ( من أحدث في أمرِنا هذا ما ليسَ منه فهو رد ) أي : مردود على صاحبه، فإذا عرفنا هذه القاعدة، وتذكرنا حديث عمران بن حصين في سنن أبي داود أن السُّنّة في الطلاق الإشهاد ، حينئذ يكون الطلاق بغير إشهاد طلاقا بدعيا، يضاف إلى هذا أنه لا يرتاب عاقل في أن الطلاق بالنسبة للنكاح هو كالهدِم بالنسبة للبناء، فإنسان يبني دارا ثم يهدمها، يبني دارا ينفق عليها أموال طائلة وأوقات عديدة وتكاليف ثم ما إذا أراد هدمها ، هدمها بساعة من نهار، الهدِم أصعب من البناء، لأنه يضيع على الإنسان جهود كثيرة وكثيرة جداً، النِكاح هو بناء لأسرة حينما يتزوج المسلم فإنما يضع الأساس لإقامة أسرة مسلمة، وكلنا يعلم قول الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- : (لا نكاح إلا بولي وشاهِدَيْ عدل) فأي نكاح لم يتحقق فيه الشهود العدول فلا يعتبر نكاحاً شرعياً، وهو بناء، فالطلاق الذي قلنا إنه أخطر من هذا النكاح فهو كالهدم بالنسبة للبناء، العقل والنظر السليم يؤيد أن يشترط فيه الإشهاد، ومعنى ذلك أن إنساناً ما قرر وعزم كما قال -عزّ وجلّ- : ) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( [2] ، عزم على الطلاق ، ولكن هذا الطلاق وضع له الشارع الحكيم شروطاً وهذه الشروط هي في الواقع كالعرقلة لمنع وقوع هذا الطلاق، لأن الطلاق -كما قلنا- يترتب من وراءه هدم الأسرة، فقال أن السُّنّة الإشهاد، فكأن الشارع الحكيم يقول للمطلق: لو عزمت على الطلاق وأردت تنفيذه فأتي بشاهدين،(9/9)
كما إذا أردت أن تنكح فخذ [..] الولي وأتي بشاهدين، وإلا فلا نكاح لك، هذا هو جواب ذاك السؤال . شبكة المنهاج الإسلامية.
س)- هل اذا طلق الرجل امرأته ثلاثا تكون واحدة يشمل المدخول بها وغير المدخول بها؟
حديث (كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , و أبي بكر , و صدرا من إمارة عمر , فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها , قال (يعني عمر) : أجيزهن عليهم) منكر بهذا السياق ، فإذا عرفت ذلك فلا يجوز تقييد لفظ الحديث الصحيح بها , كما فعل البيهقي , بل ينبغي تركه على إطلاقه فهو يشمل المدخول بها و غير المدخول بها , و إليك لفظ الحديث في " صحيح مسلم " : "كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم , و أبي بكر , و سنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة , فقال عمر بن الخطاب : إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناة , فلو أمضيناه عليهم , فأمضاه عليهم".
قلت : و هو نص لا يقبل الجدل على أن هذا الطلاق حكم محكم ثابت غير منسوخ لجريان العمل عليه بعد وفاته صلى الله عليه وسلم في خلافة أبي بكر , و أول خلافة عمر , و لأن عمر رضي الله لم يخالفه بنص آخر عنده بل باجتهاد منه و لذلك تردد قليلا أول الأمر في مخالفته كما يشعر بذلك قوله : " إن الناس قد استعجلوا .. فلو أمضيناه عليهم .. " , فهل يجوز للحاكم مثل هذا التساؤل و التردد لو كان عنده نص بذلك?!
و أيضا , فإن قوله : " قد استعجلوا " يدل على أن الاستعجال حدث بعد أن لم يكن , فرأى الخليفة الراشد , أن يمضيه عليهم ثلاثا من باب التعزيز لهم و التأديب , فهل يجوز مع هذا كله أن يترك الحكم المحكم الذي أجمع عليه المسلمون في خلافة أبي بكر و أول خلافة عمر , من أجل رأي بدا لعمر و اجتهد فيه , فيؤخذ باجتهاده , و يترك حكمه الذي حكم هو به أول خلافته تبعا لرسول الله صلى الله عليه وسلم و أبي بكر ? ! اللهم إن هذا لمن عجائب ما وقع في الفقه الإسلامي , فرجوعا إلى السنة المحكمة أيها العلماء , لا سيما و قد كثرت حوادث الطلاق في هذا الزمن كثرة مدهشة تنذر بشر مستطير تصاب به مئات العائلات .
و أنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض البلاد الإسلامية كمصر و سوريا قد أدخلت هذا الحكم في محاكمها الشرعية , و لكن من المؤسف أن أقول : إن الذين أدخلوا ذلك من الفقهاء القانونيين لم يكن ذلك منهم بدافع إحياء السنة , و إنما تقليدا منهم لرأي ابن تيمية الموافق لهذا الحديث , أي إنهم أخذوا برأيه لا لأنه مدعم بالحديث , بل لأن المصلحة اقتضت الأخذ به زعموا , و لذلك فإن جل هؤلاء الفقهاء لا يدعمون أقوالهم و(9/10)
اختياراتهم التي يختارونها اليوم بالسنة , لأنهم لا علم لهم بها , بل قد استغنوا عن ذلك بالاعتماد على آرائهم , التي بها يحكمون , و إليها يرجعون في تقدير المصلحة التي بها يستجيزون لأنفسهم أن يغيروا الحكم الذي كانوا بالأمس القريب به يدينون الله , كمسألة الطلاق هذه , فالذي أوده أنهم إن غيروا حكما أو تركوا مذهبا إلى مذهب آخر , أن يكون ذلك اتباعا منهم للسنة , و أن لا يكون ذلك قاصرا على الأحكام القانونية و الأحوال الشخصية , بل يجب أن يتعدوا ذلك إلى عباداتهم و معاملاتهم الخاصة بهم , فلعلهم يفعلون! انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1134.
س)- إذا افترق الأبوان وبينهما ولد فمن احق به؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (المرأة أحق بولدها ما لم تزوج) ، قال ابن القيم : (ودلّ الحديث على أنه إذا افترق الأبوانِ، وبينهما ولد، فالأمّ أحقُّ به من الأب ما لم يقم بالأمِّ ما يمنعُ تقديمَها، أو بالولد وصفٌ يقتضي تخييرَه، وهذا ما لا يُعرف فيه نزاعٌ، وقد قضى به خليفةُ رسولِ اللّه صلى الله عليه وسلم على عمر بن الخطاب ....).
وقد أشار بقوله : " ما يمنع تقديمها " : إلى أنه يشترط في الحاضنة أن تكون مسلمة دينه لأن الحاضن عادة حريص على تربية الطفل على دينه , وأن يربى عليه , فيصعب بعد كبره وعقله انتقاله عنه , وقد تغيره عن فطرة الله التي فطر عليها عباده , فلا يراجعها أبداً كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (كل مولود يولد على الفطرة , فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه) , فلا يؤمن تهويد الحاضن وتنصيره للطفل المسلم.
وأشار بقوله : (أو بالولد وصف يقتضي تخييره) , إلى أن الصبي إذا كان مميزاً , فيخير , ولا يشمله هذا الحديث , لحديث أبي هريرة رضي الله عنه : (أن النبي صلى الله عليه وسلم خير غلاماً بين أبيه وأمه) , وهو حديث صحيح كما بينته في الإرواء.
ومن شاء الاطلاع على الأحكام المستنبطة من هذا الحديث مع البسط والتحقيق , فليرجع إلى كتاب العلامة ابن القيم "زاد المعاد". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 368.(9/11)
فصل في تربية الاولاد
س)- هل يستحب الأذان و الإقامة في أذن المولود؟
حديث (من ولد له مولود , فأذن في أذنه اليمنى , وأقام في أذنه اليسرى , لم تضره أم الصبيان) موضوع ، وقد خفي وضع هذا الحديث على جماعة ممن صنفوا في الأذكار والأوراد , كالإمام النووي رحمه الله , فإنه أورده في كتابه برواية ابن السني , دون أن يشير ولو إلى ضعفه فقط , وسكت عليه شارحه ابن علان , فلم يتكلم على سنده بشيء , ثم جاء ابن تيمية من بعد النووي , فأورده في "الكلم الطيب" ثم تبعه تلميذه ابن القيم في "الوابل الصيب" , إلا أنهما قد أشارا إلى تضعيفه بتصديرهما إياه بقولهما : "ويذكر" , وهذا وإن كان يرفع عنهما مسؤولية السكوت عن تضعيفه , فلا يرفع مسؤولية إيراده أصلاً , فإن فيه إشعار أنه ضعيف فقط , وليس بموضوع , وإلا لما أورداه إطلاقاً , وهذا ما يفهمه كل من وقف عليه في كتابيهما.
ولا يخفى ما فيه , فقد يأتي من بعدهما من يغتر بصنيعهما هذا -وهما الإمامان الجليلان- فيقول : لا بأس , فالحديث الضعيف يعمل به في فضائل الأعمال , أو يعتبر شاهداً لحديث آخر ضعيف يقويه به , ذاهلاً عن أنه يشترط في هذا أو ذاك أن لا يشتد ضعفه.
وقد رأيت من وقع في شيء مما ذكرت , فقد روى الترمذي بسند ضعيف عن أبي رافع قال : (رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن في أذن الحسن بن علي حين ولدته فاطمة بالصلاة) , وقال الترمذي : (حديث صحيح , والعمل عليه) , فقال شارحه المباركفوري بعد أن بين ضعف إسناده مستدلاً بكلمات الأئمة في رواية عاصم بن عبيدالله : (فإن قلت : كيف العمل عليه وهو ضعيف ؟ قلت : نعم , وهو ضعيف , لكنه يعتضد بحديث الحسين بن علي رضي الله عنهما , الذي رواه أبو يعلى الموصلي وابن السني).
فتأمل كيف قوى الضعيف بالموضوع , وما ذلك إلا لعدم علمه بوضعه , واغتراره بإيراده من ذكرنا من العلماء , وكدت أن أقع أنا أيضاً في مثله , فانتظر.
نعم , يمكن تقوية حديث أبي رافع بحديث ابن عباس : (أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أذن في أذن الحسن بن علي يوم ولد , وأقام في أذنه اليسرى) , أخرجه البيهقي في "الشعب" مع حديث الحسن بن علي , وقال : (وفي إسنادهما ضعف) , ذكره ابن القيم في "التحفة".
قلت : فلعل إسناد هذا خير من إسناد حديث الحسن , بحيث إنه يصلح شاهداً لحديث رافع , والله أعلم.
فإذا كان كذلك , فهو شاهد للتأذين , فإنه الذي ورد في حديث أبي رافع , وأما الإقامة فهي غريبة, والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 321.(9/12)
س)- هل يستحب تسمية الولد بإسم محمد؟
حديث (من ولد له ثلاثة فلم يسم أحدهم محمدا فقد جهل) موضوع ، هذا وإننا نعلم أن كثيرا من الصحابة كان لهم ثلاثة أولاد وأكثر , ولم يسم أحدا منهم محمدا , مثل عمر بن الخطاب وغيره , وأيضا فقد ثبت أن أفضل الأسماء عبدالله , وعبدالرحمن , وهكذا عبدالرحيم , وعبداللطيف , وكل اسم تعبد لله عز وجل , فلو أن مسلما سمى أولاده كلهم عبيد لله تعالى , ولم يسم أحدهم محمدا , لأصاب , فكيف يقال فيه (فقد جهل)؟ ولا سيما أن في السلف من ذهب الى كراهة التسمي بأسماء الأنبياء , وأن كنا لا نرصى ذلك لنا مذهبا. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم437.
س)- ما حكم التسمية بإسم معبد لغير الله؟
نقل ابن حزم الاتفاق على تحريم كل اسم معبد لغير الله كعبد العزى , وعبد الكعبة .......وأقره العلامة ابن القيم في ((تحفة المودود)) ,وعليه فلا تحل التسمية بـ عبد علي , وعبد الحسين , كما هو مشهور عند الشيعة , ولا بـ عبد النبي أو عبد الرسول , كما يفعله بعض الجهلة من أهل السنة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم411.
س)- هل من حق الأب ان يأخذ من مال ابنه ما يشاء بدليل الحديث "أنت ومالك لأبيك"؟
إن الحديث المشهور : "أنت و مالك لأبيك" (الإرواء) ليس على إطلاقه , بحيث أن الأب يأخذ من مال ابنه ما يشاء , كلا , و إنما يأخذ ما هو بحاجة إليه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2564.
س)- هل يجوز التكني بأبي القاسم لمن كان اسمه محمد؟
إن الصواب إنما هو المنع مطلقا , و سواء كان اسمه محمدا أم لا , لسلامة الأحاديث الصحيحة الصريحة في النهي , و هو الثابت عن الإمام الشافعي رحمه الله , فقد روى البيهقي بالسند الصحيح عنه أنه قال : " لا يحل لأحد أن يكتني بأبي القاسم كان اسمه محمدا أو غيره " . قال البيهقي : " و روينا معنى هذا عن طاووس اليماني رحمه الله".(9/13)
و يؤكد ذلك حديث علي رضي الله عنه أنه قال : يا رسول الله ! أرأيت إن ولد لي بعدك , أسميه محمدا وأكنيه بكنيتك ? قال : "نعم" . قال : فكانت رخصة لي . أخرجه الترمذي و قال : "حديث صحيح" . وقواه الحافظ في "الفتح" و هو مخرج في "المشكاة". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2946.
فصل في أحكام النساء
س)- هل يجوز للمراة ان تقود السيارة؟
إن كان يجوز لها ان تقود الحمارة فيجوز لها ان تقود السيارة. انتهى كلام الالباني من سلسلة الهدي والنور الشريط رقم "621".
س)- هل ثبت في السنة التفريق بين عورة الحرة وعورة الأمة؟
لم يثبت في السنة التفريق بين عورة الحرة وعورة الأمة , وقد ذكرت ذلك مع شيء من التفصيل في كتابي (حجاب المرأة المسلمة) , فليراجع إليه من شاء , وهو الآن تحت الطبع مع زيادات وفوائد جديدة ومقدمة ضافية في الرد على متعصبة المقلدين بإذنه تعالى. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 424.
س)- ما حكم (الباروكة)؟
جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زوراً) ، هذا حكم المرأة التي تدخل في شعرها من شعر غيرها، فما حكم المرأة التي تضع على رأسها قلنسوة من شعر مستعار، وهي التي تعرف اليوم بـ(الباروكة) ، وبالتالي ما حكم من يفتي بإباحة ذلك لها مطلقاً أو مقيداً تقليداً لبعض المذاهب، وغير مبال بمخالفة الأحاديث الصحيحة، وقد هداه الله إلي القول بوجوب الأخذ بها، ولو كانت مخالفة لمذهبه بله المذاهب الأخرى. أسأل الله تعالى أن يزيدنا هدى على هد، ويرزقنا العلم والتقوى. . انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1008.(9/14)
س)- ما حكم الشرع في رقصُ المرأةِ أمام زوجِها ، وكذلكَ مع النساءِ ، وهو التمايلُ ، وكذا دبكةُ الرّجالِ نعلمُ أنّه حرامٌ ، لكن ما هو الدليلُ ؟ أفيدونا جزاكم اللَّه خيرًا ؟
هذا السؤال يتضمنُ ثلاثةُ أمورٍ :
أولاً : رقصُ المرأةِ أمام زوجِها .
ثانيًا : رقصُها مع بناتِ جنسِها .
ثالثًا: ودبكةُ الرِّجال .
أما الأمرُ الأول ؛ وهو رقصُ المرأةِ أمامَ زوجِها ؛ إن كانَ رقصًا فِطريًّا ليس مهنيًّا - أي : أنها لم تتعلم الرَّقصَ ، كما هو موضةُ العصر - ولو حرَّكَ شهوةَ الرجل ، فهذا لا يُوجد نصٌّ بتحريمهِ ، شريطةَ أن يكونَ ذلكَ بينها وبينهَ فقط . أمَّا إذا كانت امتهنت هذا الرَّقصَ وتتعاطى أُصولَ الرَّقصِ العصري ، فهذا لا يجوزُ ؛ لأنني أعتقد أنها حينما تفعلُ ذلك أمامَ زوجها فإِنها ستفعلُه - أيضًا - أمام غير زوجها . أمَّا رقصُها أمامَ النساءِ فأيضًا أقول : إن كان المقصود بالرقص هو هذا الرَّقص العصري فواضحٌ جدَّا أنه لا يجوزُ . فإن قيل : ما هو الدليل على ما قلت ؟ فأقول : إنَّ الاعتدالَ في الأُمور نادرٌ جدًّا ، إما إفراطٌ وإما تفريطٌ ، وبخاصةٍ إذا عاشَ الناسُ زمنًا طويلاً في انحرافٍ من نوع مُعين ، فإذا ما تبينَّوا أن هذا الأمر فيه انحرافٌ والشرعُ يأباهُ : أعرضوا عنه فيحدثُ عن ذلكَ ردّةُ فعلٍ شديدةٌ . وهذا ما قد أصابنا في العصر الحاضر فيما يتعلَّقُ بموضوع المُطالبة بالدليل في موضوع الخلاص من التقليد ، فقد عاشَ المسلمونَ - خاصةً وعامةً - قرونًا طويلةٌ وهم لا يعرفونَ إلاَّ المذهبَ الفُلانيَّ والمذهبَ الفُلانيَّ ، أربعة مذاهبَ ، مذاهب أهل السنة والجماعةِ ، فضلاً عن المذاهبِ الأُخرى المُنحرفةِ عن السنةِ والجماعةِ ، أمّا الاعتمادُ على ما قالَ اللَّهُ ورسولُه ، فهذا كانَ موجودًا في القرونِ المشهود لها بالخيرية ، ثم انتهى الأمرُ - حينًا من الدَّهرِ - حتى جاءَ زمنُ ابنِ تيمية ، رحمه اللَّهُ ، وتلامذِته المُخلصينَ له ، فنبّهوا المُسلمين إلى وُجوبِ العودةِ إلى ما كانَ عليه السلفُ الأوّلُ من الاعتمادِ على الكتاب والسنةِ . ولا شكَّ ولا ريبَ أنَّ دعوةَ ابن تيمية وتلامذتِهِ كانَ لها أثرٌ طيبٌ ، ولكنْ كانت دائرتُه ضعيفةً جدًّا في عصرِهِ ، وغلبَ الجُمودُ الفكريُّ على خاصة الناسِ ، فضلاً عن عامتِهم . ثمَّ تلته قُرونٌ ماتَ هذا الإيقاظُ الذي أيقظه شيخ الإسلامُ ابن تيمية ، وعاد المسلمونَ إلى جُمودهم الفقهي ، إلاَّ في هذا العصر - وقبلَه بقليل - فقد قامَ كثيرٌ من العُلماءِ النابهينَ بتجديدِ الدعوةِ لضرورةِ الرُّجوعِ إلى الكتابِ والسنةِ ، وقد كانَ سبقَهم إلى شيء من ذلكَ الشيخُ محمد بن عبد الوهاب ؛ لأنه في الواقع دعا إلى اتباعِ الكتاب والسنة ، ولكن نظرًا للمناطقِ التي كان يعيشُ فيها العربُ النجديون في بلد الشيخ محمد والوثنية التي كانت حلّت في(9/15)
ديارهم - حينذاك - كان جهده الجهيدُ هو الاهتمامَ بالتوحيد . وكأمر طبيعي جدًّا - فيما أرى - حيثُ إنَّ طاقةَ الإنسان محدودةٌ - فهو لا يستطيعُ أن يُحاربَ في كل جبهةٍ كما يقولونَ ، ولذلك كانت جهوده كلها مُنصبةً على نشر دعوة التوحيدِ ومُحاربةِ الشركياتِ والوثنياتِ ، وكان مُوَفَّقًا في ذلك كلَّ التوفيق ، ووصلت دعوتُه الطيّبةُ إلى العالِم الإسلامي فيما بعدُ ، ولو أنَّه جرى بينَه وبين خُصومِهِ حُروبٌ مع الأسفِ الشديد ، هذه سنةُ اللَّهِ في خلقِهِ ، ولن تجدَ لسنة اللَّه تبديلاً . لكن في العصرِ الحاضر قام بعضُ العُلماءِ بتجديدِ دعوة الكتاب والسنةِ ، واستيقظ كثيرٌ من الخاصة والعامة في البلاد العربية ، أما البلادُ الأعجميةُ فلا يزالون في سُباتهم مع الأسفِ الشديد . إلاَّ أن هذه البلاد العربية أُصيبت بنكسةٍ - وهي ما أشرتُ إليه آنفًا - حيث إن بعضهم ما وقفَ عند الوسطِ ، بل عرفوا شيئًا وجهلوا شيئًا ، فترى الرَّجلَ العامي الذي لا يفهم شيئًا إذا سألَ العالم عن مسألةٍ ما ، ما حُكمُها ؟ سواءٌ أكانَ الجوابُ نفيًا ومنعًا بادرَ بمطالبته : ما الدليل ؟ وليس بإمكان ذاك العالم - أحيانًا - إقامة الدليل ، خاصةً إذا كان الدليلُ مستنبطًا ومُقتبسًا اقتباسًا ، وليس منصوصًا عليه في الكتاب والسنة حتى تُوردَ الدليل ، ففي مثل هذه المسألة لا ينبغي على السائل أن يتعمَّق ويقول : ما الدليل ؟ يجبُ أن يَعرفَ نفسه : هل هو من أهل الدليل أم لا ؟ هل عنده مُشاركةٌ في معرفة العامِّ والخاصِّ ، المُطلقِ والمُقيَّدِ والناسخ والمنسوخ ، وهو لا يفقه شيئًا مِن هذا ، فهل يفيدُه قولُه : ما هو الدليلُ ؟! وعلى ماذا ؟!
أقولُ : على (حُكْم) رقص المرأةِ أمامَ زوجها أو رقصِ المرأةِ أمام أُختِها المُسلمةِ جوازًا أو منعًا ! ودبكة الرِّجال ! يريد الدليل على ذلك ! وفي الحقيقة أنه لا يُوجدُ لنا دليلٌ نَصِّيٌّ عن الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلكَ ، إنما هو النظر والاستنباط والتفقه . ولذلك نحنُ نقول في بعض الأحيان : ليسَ كل مسألة يُفصّلُ عليها الدليل تفصيلاً يفهمه كل مسلم ، سواءٌ أكانَ عاميًّا أُميًّا ، أو كانَ طالبَ علم ، وليس هذا في كل المسائلِ ؛ لذلك قال تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)الأنبياء7 . ومن التطرُّفِ الذي أشرتُ إليه آنفًا - وصارَ أجهلُ الناس بسببه يرفضُ الدليلَ - أنَّ كثيرًا من المنتمينَ إلى دعوةِ الكتابِ والسنة يتوَّهمونَ أنَّ العالمَ إذا سئلَ عن مسألة يجبُ عليه أن يقرنَ جوابَه بقالَ اللَّه وقالَ رسولُه . أقولُ : هذا ليسَ بالواجبِ ، وهذا من فوائدِ الانتماءِ إلى منهج السلفِ الصالحِ ، وسِيَرهُم - رضي اللَّه عنهم - وفتاواهم دليلٌ علميٌّ ما قلته .
وعليه ؛ فإنَّ ذِكرَ الدليل واجبٌ حينما يَقتضيه واقعُ الأمرِ ، لكن ليسَ الواجبُ عليه كلما سُئل سُؤلاً أن يقولَ : قال اللَّهُ تعالى كذا ، أو قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم كذا ، وبخاصةٍ إذا كانت المسألةُ من دقائق المسائل الفقهية المُختلف فيها . وقوله تعالى : (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) ، هو أولاً على الإطلاق ، فما عليك إلا أن تسألَ من تظنُّ أنَّه من أهلِ العلمِ ، فإذا سمعتَ الجوابَ فعليكَ بالاتباع ، إلاَّ إذا كانت عندك شبهةٌ سمعتها من عالمٍ آخر ، لا بأسَ من أن توردها ، فحينئذ من الواجب على العالم أن(9/16)
يسعى بما عنده من العلم لإزالة الشبهةِ التي عرضت لهذا السائل . خلاصةُ القولِ : رقصُ المرأةِ أمامَ الزوجِ بالقيد المذكور آنفًا جائزٌ ، أما رقصُ المرأة أمام بناتِ جنسها فله صُورتان أيضًا - كما ذكرت بالنسبة لرقصِ المرأة أمام زوجها : إن كان رقصًا غير مقرونٍ بمهنة وإنما هو عبارة عن ترويح وتلويح باليدين وليسَ فيه هزٌّ للأرداف ونحو ذلك مما يحركُ النفوس ، أو يثير الشبهات ، فأيضًا لا بأسَ بهذا الرقص إن صح تسميتُه رقصًا ! أمَّا إذا وُجدَ شيءٌ من ذلكَ فالمنعُ منه هو الأصلُ .
أما دبكةُ الرجال فإن كانت تُشبه الدَّبْكَ الذي نراه عادةً مقرونًا بالغناء فضلاً عما يكونُ فيه من ألفاظ غير مشروعة فهذا لهو ليس مرغوبًا فيه ، بل هو مرغوبٌ عنه ، كما قال عليه الصلاةُ والسلام (كلُّ لهو يلهو به ابنُ آدمَ باطلٌ إلا مداعبته لامرأته ومُلاعبتَه لفرسِهِ ورميه بقوسِهِ والسباحةُ) . فنحنُ نرى من هذا الحديث القول بأنَّه باطلٌ . وإذا كان هذا شأن اللهو البريء - أنه مرغوب عنه ، وليس من الحق - إذا كان لا يقترنُ معه مما يخالفُ في جانب من جوانبه ، فحينئذٍ نقولُ : إنه جائزٌ لكنه جوازٌ مرجوحٌ بهذا الحديث الذي ذكرتُه آنفًا . ففي ظني - واللَّه أعلمُ - لأني ما أشهدُ مثلَ هذه الدبكة ، أنَّها لا يمكن أن تخلو من مُخالفة ، وذلك مثلاً أننا نسمعُ أحيانًا الدبكةَ وليس هي فقط ، بل الموسيقى والمؤذنُ يؤذنُ والإمامُ يجهرُ بقراءةِ القرآنِ وهم لا يلوون على شيء ، بل هم في لهوِهم ساهونَ ، فإذن ؛ الدبكةُ هذه قد تكونُ من اللهو المرجوح ولا نقول : حرام إلا إذا اقترنَ بها ما يُخالفُ الشرع من ناحية من النواحي فينقلبُ دُونما شكٍّ إلى حرامٍ . نقلا من موقع جماعة انصار السنة ، والمرجع مجلة التوحيدالعددالعاشر لسنة 1420.
س)- هل تشرع مشاورة النساء؟
حديث (شاوروهن يعني النساء وخالفوهن) لا أصل له ولعل أصل هذه الجملة ما رواه العسكري في الأمثال عن عمر قال (خالفوا النساء فإن في خلافهن البركة) ، وسنده ضعيف ، ثم إن معنى الحديث ليس صحيحا على إطلاقه , لثبوت عدم مخالفته صلى الله عليه وسلم لزوجته أم سلمة حين أشارة عليه بأن ينحر أمام أصحابه في صلح الحديبية حتى يتابعوه في ذلك. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 430.
س)- بالنسبة لخلع المرأة ملابسها في محل البيع والشراء، هل ينطبق عليها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (أيما امرأة نزعت ثيابها ... الحديث)؟
أولاً: الحديث ينصب على المرأة التي تتجرد عن ثيابها كلياً، ولذلك استدل به على تحريم دخول المرأة الحمام خارج دارها، مع ذلك أنا أقول: إذا اضطرت المرأة لأن تستحم في دار غير دار أهلها وذويها ومحارمها، حينذاك ينبغي النظر في تأمين سد الذريعة؛ لأن هذا الحكم ليس تعبدياً محضاً، لا تعرف(9/17)
الحكمة أو العلة في نهي الرسول عليه السلام أن المرأة تتعرى، بل هذا معقول المعنى؛ لأن ذلك قد يعرضها لأن تفتن في عرضها، فإذا كان هناك محرم يصونها فيما إذا أريد أن يعتدى عليها؛ فحينئذٍ يزول المنع، فإذا وجد مثل هذا المانع ولو بطريق غير المحرم، كأن تكون -مثلاً- في دار هي على يقين أنه ليس فيها رجال؛ فيجوز لها أن تستحم بعد أن تأخذ -أيضاً- الحيطة بأن لا أحد حتى من النساء يطلع على عورتها.. إذا عرفنا النص وفقهه يمكننا الآن أن نتوصل إلى الإجابة عن السؤال مباشرة.
فأقول: هذه الغرف التي تتخذ في أماكن التجارة للألبسة، إذا كانت أولاً: ليس فيها عيون تتجسس وتراقب من يدخل في هذه الغرفة من النساء، فإننا نسمع أن هناك بعض الصالات التي تتخذ في بعض الفنادق الكبيرة والضخمة لإقامة حفلات الزواج والبناء، فيها كاميرات توضع في بعض الزوايا بحيث لا ينتبه لها الجالسون في تلك الصالة، لكنها تصور، ومن كان في الصالة لا يشعر وهم يقولون: لا يوجد أحد. لكن هناك آحاد وعيون لا تُرى ولكنها ترى، فيشترط أن تكون هذه الغرف مؤمنة ولا يوجد فيها مثل هذه العيون المراقبة. وثانياً: يكون مع هذه المرأة ولو خارج الغرفة من محارمها أو من صديقاتها، بحيث أنها تأمن على نفسها ألا يطرأ عليها طارئ، وبهذه التحفظات يمكن أن يقال بجواز دخول المرأة المسلمة وقياس الثوب الذي تريد أن تشتريه. لكني أقول: لا أرى للمرأة المسلمة أن تهتم بنوعية لباسها، بحيث أنه لا يمكن أن ترضى به إلا بعد أن تلبسه كتجربة؛ لأنني أفهم أن المقصود من هذا كله أن تكون الثياب ضيقة عليها وألا تكون فضفاضة، وهذا معاكسة لحكم الشرع، حيث يشترط في ثيابها ألا تكون شفافة، وألا تكون مجسمة أيضاً، ولذلك فأنا أتصور أن مجرد الدخول في مثل هذه الغرفة مع كل التحفظات التي اشترطناها لا تخلو من مخالفٍ للشرع. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم تعليم النساء الكتابة؟
حديث (لا تسكنوهن الغرف , و لا تعلموهن الكتابة , و علموهن المغزل و سورة النور) موضوع ، قال الإمام الشوكاني في " النيل " عند شرح حديث الشفاء بنت عبد الله قالت : دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم و أنا عند حفصة , فقال : " ألا تعلمين هذه رقية النملة كما علمتيها الكتابة ? " و هو حديث صحيح الإسناد كما سبق بيانه في الصحيحة ، فقال الشوكاني :"فيه دليل على جواز تعليم النساء الكتابة , و أما حديث : " و لا تعلموهن الكتابة .." , فالنهي عن تعليم الكتابة في هذا الحديث محمول على من يخشى من تعليمها الفساد".
أقول : هذه الخشية لا تختص بالنساء , فكم من رجل كانت الكتابة عليه ضررا في دينه و خلقه , أفينهى عن الكتابة الرجال أيضا للخشية ذاتها?!(9/18)
ثم إن التأويل فرع التصحيح , فكأن الشوكاني توهم أن الحديث صحيح , و ليس كذلك كما علمت , فلا حاجة للتأويل إذن.
و أعجب من ذلك أن ينقل كلام الشيخين المذكورين من طبع تحت اسم كتابه : " حافظ العصر و محدثه .. مسند الزمان و نسابته ... " ثم يقرهما على ذلك , و لا يتعقبهما بشيء مطلقا مما يشير إلى حال الحديث وضعفه , بل وضعه , و إنما يسود صفحات في تأويل الحديث و التوفيق بينه و بين حديث الشفاء , بل ويزيد على ذلك بأن أورد آثارا - الله أعلم بثبوتها - عن عمر و علي في نهي النساء عن الكتابة , و يختم ذلك بقوله , و ذلك في كتابه " التراتيب الإدارية "و لله در السباعي حيث يقول : ما للنساء و للكتابة و العمالة و الخطابة..... هذا لنا و لهن منا أن يبتن على جنابة!انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم2017.
س)- هل وجه المرأة عورة؟
عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية أن عائشة قالت (لقد رأيتنا نصلي مع رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صلاة الفجر في مروطنا , وننصرف وما يعرف بعضنا وجوه بعض) ، وهو دليل ظاهر على أن وجه المرأة ليس بعورة , والأدلة على ذلك متكاثرة.
ومعنى كونه ليس بعورة : أنه يجوز كشفه , وإلا , فالأفضل والأورع ستره , لا سيما إذا كان جميلا , وأما إذا كان مزيناً , فيجب ستره قولاً واحداً , ومن شاء تفصيل هذا الإجمال , فعليه بكتابنا حجاب المرأة المسلمة , فإنه جمع فأوعى , وقد نشر والحمد لله باسم جلباب المرأة المسلمة , مع مقدمة مفيدة وتحقيقات جديدة. . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم332.
س)- هل قدمي المرأة عورة؟
عن صفية بنت أبي عبيد عن أم سلمة : أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لما قال في جر الذيل ما قال , قالت : يارسول الله فكيف بنا ؟ فقال : جريه شبرا . فقالت [أم سلمة] : إذا تنكشف القدمان ! قال: فجريه ذراعا.
في الحديث دليل على أن قدمي المرأة عورة , وأن ذلك كان أمراً معروفاً عند النساء في عهد النبوة , فإنه لما قال : (جريه شبراً) , قالت أم سلمة : (إذن تنكشف القدمان) , مما يشعر بأنها كانت تعلم أن القدمين عورة , لا يجوز كشفهما , وأقرها صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على ذلك , ولذلك أمرها أن تجره ذراعاً.(9/19)
وفي القرآن الكريم إشارة إلى هذه الحقيقة , وذلك في قوله تعالى : (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)النور31.
وراجع لهذا كتابنا "جلباب المرأة المسلمة" , بعنوانه الجديد. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم460.
س)- هل يجوز للمرأة أن تتصرف بمالها الخاص بها؟
قال عليه الصلاة والسلام (ليس للمرأة أن تنتهك شيئا من مالها إلا بإذن زوجها) ، وهذا الحديث يدل على أن المرأة لا يجوز لها أن تتصرف بمالها الخاص بها إلا بإذن زوجها، وذلك من تمام القوامة التي جعلها ربنا تبارك وتعالى له عليها،ولكن لا ينبغي للزوج-إذا كان مسلماً صادقاً- أن يستغل هذا الحكم-فيتجبر على زوجته ويمنعها من التصرف في مالها فيما لا ضير عليهما منه، وما أشبه هذا الحق بحق ولي البنت التي لا يجوز لها أن تزوج نفسها بدون إذن وليها، فإذا أعضلها رفعت الأمر إلي القاضي الشرعي لينصفها، وكذلك الحكم في مال المرأة إذا جار عليها زوجها فمنعها من التصرف المشروع في مالها، فالقاضي ينصفها أيضاً. فلا إشكال على الحكم نفسه، وإنما الإشكال في سوء التصرف به. فتأمل. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 775.
س)- إذا كانت المرأة حاملاً، فهل يجوز أن يقوم على توليدها رجل؟
الحقيقة أن هذه المسألة من المسائل التي ابتلي بها المسلمون اليوم، لقد كانت المرأة الحامل تضع في عقر دارها، وبمساعدة بعض قريباتها، أو بمساعدة من تسمى بـ(الداية) أو (القابلة) في بعض البلاد، فتغيرت الأوضاع، وهذا كله بسبب تأثر المسلمين بالتقاليد الأجنبية الغربية، مصداقاً لقوله عليه الصلاة والسلام: (لتتبعن سَنن من كان قبلكم شبراً بشبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه، قالوا: يا رسول الله! اليهود والنصارى؟ قال: فمن الناس؟). وفي رواية الترمذي وغيره تأكيد هذا التقليد الأعمى لهؤلاء الكفار في أسوأ ما يمكن أن يتصوره المسلم، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (حتى لو كان فيهم من يأتي أمه على قارعة الطريق، لكان فيكم من يفعل ذلك) صدق رسول الله. فإننا نرى التقليد من المسلمين للكفار يشمل أسوأ التقاليد والعادات، من ذلك أنه أصبح عادة لازمة أن كل امرأة يجب أن تضع في المستشفى؛ سواء اضطرت إلى ذلك أو لم تضطر إليه، فأصبح تقليداً وأمراً رتيباً، وحتى البيوت الفقيرة تحاول أن تضيق من نفقاتها الضرورية؛ لتتمكن من توليد المرأة الحامل في المستشفى، وهذا تقليد من المسلمين للكفار. والذي نقول بعد هذه التوطئة وهذه المقدمة:(9/20)
إن أصل إدخال المرأة إلى المستشفى للتوليد لا يجوز القول بجوازه هكذا مطلقاً، وإنما لا بد من التحديد والتضييق، فيقال: إذا كانت القابلة أو الطبيبة المشرفة على هذه المرأة الحامل، إذا رأت بعلمها أن هذه المرأة سوف تكون ولادتها غير طبيعية، وأنها قد تتطلب إجراء عملية إضافية لها، ففي هذه الحالة تنقل إلى المستشفى، أما إذا كانت الولادة طبيعية؛ فلا يجوز أن تخرج من دارها وأن تدخل المستشفى فقط لتوليدها توليداً طبيعياً.. هذه واحدة. الأخرى: إذا اضطرت المرأة أن تدخل المستشفى في هذه الحدود الضيقة التي ذكرناها، فيجب ألا يتولى توليدها الرجل الطبيب، وإنما تولدها طبيبة من النساء، فإن لم توجد فحين ذلك لا بأس -بل قد نقول: يجب؛ إذا كانت ولادتها في خطر- أن يولدها الطبيب؛ ما دام أن الطبيبة غير موجودة، وهذا الجواب الأخير التفصيلي يؤخذ من قاعدتين اثنتين من علم أصول الفقه، ومن لا دراية له به لم يحسن الجواب عن المسائل العارضة، لا سيما إذا كانت جديدة، ولم يسبق أن عالجها العلماء السابقون. والقاعدتان هما: القاعدة الأولى: الضرورات تبيح المحظورات. القاعدة الأخرى وهي مقيدة للأولى: الضرورة تقدر بقدرها. لهذا قلنا: إذا كانت المرأة بإمكانها أن تضع ولدها في دارها؛ فلا يجوز لها أن تذهب إلى المستشفى، فإن اضطرت فيتولى توليدها الطبيبة وليس الطبيب، فإن لم توجد الطبيبة تولى توليدها الرجل الطبيب، لأننا قلنا: الضرورات تقدر بقدرها. وقولنا: إن الضرورات تقدر بقدرها، يوجب علينا أن نقول: المرأة هي التي تولدها، لكن إذا لم توجد المرأة فحينئذ نقول: الضرورات تبيح المحظورات. فهذا التوليد من الرجل للمرأة حينما لا توجد الطبيبة، ليس بشر من أن يتعرض المسلم لأن يأكل ما حرم الله من الميتة والدم ولحم الخنزير، فإن الله عز وجل قد ذكر في خاتمة الآية فقال: (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ )[الأنعام:119] فيحل لكم أن تأكلوا من هذه المحرمات، لكن قوله تعالى: (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119] ومن سياق هذه الآية من السباق والسياق أخذ العلماء القاعدتين السابقتين ذكراً: الضرورات تبيح المحظورات، لكن ليس ذلك على الإطلاق، وإنما الضرورة تقدر بقدرها؛ لأنه قال: (إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) [الأنعام:119] فمثلاً: رجل في الصحراء يتعرض للموت جوعاً، فيجد هناك ميتة، أو لحم خنزير، أو نحو ذلك، فلا يجوز له أن يجلس ويأكل من هذه الميتة كما لو كان يأكل لحماً طازجاً حلالاً حتى يشبع نهمته من الجوع، وإنما بقدر ما يسد به رمقه، وينقذ به نفسه من الهلاك. هذه الآية هي مصدر القاعدتين السابقتين: الضرورات تبيح المحظورات، والضرورة تقدر بقدرها. هذا الجواب لآخر سؤال. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(9/21)
س)- لا يجوز أن تلد في المستشفى إلا إذا كان هناك ضرورة، فما الدليل على ذلك؟
الدليل ما قلناه آنفاً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- لكن إذا كانت المرأة ستدخل المستشفى من أجل أن تلد على يد طبيبة مسلمة، فما المانع؟
الأصل يجب أن تتذكر القاعدة القرآنية: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى) [الأحزاب:33] فالأصل أن المرأة لا يجوز لها أن تخرج من دارها إلا لحاجة، كما جاء في صحيح البخاري حينما نزلت هذه الآية السابقة: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [الأحزاب:33] قال عليه الصلاة والسلام: (قد أذن الله لكن أن تخرجن لحاجتكن) فإذا تذكرنا هذا الأصل، وهذه القاعدة أيضاً بالنسبة للمرأة، فنحن نقول: ليس هناك حاجة بالمرأة الحامل إذا كان وضعها طبيعياً -كما تقدم- أن تدخل المستشفى.. هذا أولاً، وثانياً: إن المرأة التي تدخل المستشفى تتعرض للانكشاف لكثير من الرجال فضلاً عن النساء، فهذا التعرض لا يجوز للمرأة أن تلجأ إليه إلا في الحدود السابقة الذكر، فهذا هو الدليل لما قلناه. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم العزل لرجل عزل حتى لا يكون ذلك عبئاً عليه، على الرغم من أنه يستطيع أن يصرف على أهل بيته وأولاده، ولكن زوجته تخاف الحمل؛ نظراً لمرضها وتأثير الحمل عليها؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً؟
قبل الجواب عن هذا السؤال لا بد من مقدمة وجيزة تتعلق بحكم العزل في الإسلام: العزل في الإسلام أقل ما يقال فيه: إنه مكروه، وأعني ليس التحريم وإنما الكراهة، والكراهة تجامع في تعبير العلماء الجواز، فقد يكون الأمر جائزاً وهو مكروه، لكن إذا كان حراماً فلا يكون جائزاً، فالجواز مع التحريم لا يجتمعان، أما الجواز مع الكراهة فيجتمعان، وقد أخذنا جواز العزل من حديث جابر رضي الله عنه الذي أخرجه الشيخان في صحيحيهما أنه قال: [كنا نعزل والقرآن ينزل] . هذا الحديث في الوقت الذي يعطينا حكم جواز العزل، يعطينا قاعدة هامة جداً قلَّ من يتنبه لها من الناس، وهذه القاعدة هي: أنه إذا وقع أمر في عهد النبوة والرسالة، ولم يأتِ نهي عنه فهو دليل الجواز؛ ذلك لأنه لو كان منهياً عنه لنزل الحكم بالنهي عنه في القرآن، أو في بيان الرسول عليه الصلاة والسلام الذي مما خوطب به في القرآن: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) [النحل:44] . فإذاً: قول جابر : [كنا نعزل والقرآن ينزل] فيه إشارة إلى أنهم كانوا(9/22)
يفعلون ذلك ولم ينزل في القرآن حكم بذلك، فمعناه: أنه يجوز، لهذا كان هذا الحديث دليلاً على جواز العزل؛ لأن الله من فوق سبع سموات قد أقر عمل هؤلاء الصحابة، ولم ينههم عن ذلك. لكننا قلنا بالإضافة إلى الجواز بأنه مكروه، فمن أين يأتي هذا الحكم الإضافي على الجواز؟ هذا الحكم يأتي من ملاحظتنا لحديث رائع جداً، قلَّما يتعرض له بذكر بعض الذين يسألون عن هذه المسألة، ذاك الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا الودود الولود، فإني مباهٍ -وفي لفظ: مكاثر- بكم الأمم يوم القيامة)، فالذي يعزل عن زوجته لا شك أنه في ذلك لا يحقق رغبة نبيه صلى الله عليه وسلم هذه، وهي المباهاة والمفاخرة بأمته على سائر الأمم يوم القيامة. وفي هذا الحديث تنبيه هام جداً لخطورة ما شاع وذاع وملأ الأسماع في هذا العصر مما يسمونه بـ(تحديد النسل)، أو (تنظيم النسل)، فهذا ينافي الشرع الإسلامي منافاة لهذا التوجيه النبوي الكريم، فهو يريد منا أن نكثر من نسلنا، لنحقق بذلك رغبة من رغبات نبينا صلوات الله وسلامه عليه، كما جاء في الحديث السابق، وعلى العكس من ذلك؛ حينما ننظم أو (نحدد) -زعمنا- لا يحقق أحدنا أبداً هذه الرغبة النبوية الكريمة، لا سيما إذا ما جُعل التحديد أو التنظيم نظاماً عاماً يفرض من دولة ما على شعب مسلم ما، فهناك تكون الطامة الكبرى؛ لأن هذه المسألة تهون حينما ترتكب هذه المخالفة لرغبة النبي صلى الله عليه وسلم من فرد، أما إذا صارت مشكلة تبنتها الدولة وتبناها الشعب، فهناك تحقيق لرغبة أعدائنا الذين يحيطون بنا من كل مكان، ولا يستطيعون -وهذا من فضل الله ورحمته بنا- أن يقضوا القضاء المبرم على الأمة المسلمة؛ لما بارك الله في عددهم. ولذلك فهم يخططون -كما ترون- في كثير من تصرفاتهم تخطيطاً بعيد المدى جداً جداً، وهم مع الأسف الشديد قد أوتوا صبراً وجلداً؛ بحيث أنهم يخططون إلى ما بعد خمسين سنة، فيرون أن هذا الشعب المسلم يبلغ -مثلاً- مائة مليون، فليكن بعد خمسين سنة خمسين مليوناً، وعلى ذلك فهم ينظرون إلى بعيد وبعيد جداً، تحقيقاً للمثل العربي القديم: (من لم ينظر في العواقب، ما الدهر له بصاحب). فنحن حينما نتبنى (التنظيم) و(التحديد) المستوردين من بلاد الكفر والضلال، والذين لا يؤمنون بما عندنا من أن المسلم إذا عني بتربية أولاده كان له أجرهم، وكانت مكاسبهم الأخروية تسجل له -أيضاً- وهو في قبره، كما قال عليه الصلاة والسلام: (إذا مات الإنسان -وفي رواية: إذا مات ابن آدم- انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له). انظروا كيف ينبغي أن تختلف النتائج باختلاف العقائد، فالكفار لا يوجد عندهم إيمان بالآخرة كما جاء في القرآن الكريم: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) [التوبة:29] فهم لا يؤمنون بالآخرة، ولا بأنهم إذا عنوا بتربيته الولد أو البنت فلهم أجرهم من بعد وفاتهم وموتهم. أما المسلم فيختلف عنهم اختلافاً جذرياً، فهو إذا رزق ولداً فيعلم أنه يترتب عليه أن يقوم بعبادات لا يحلم بها(9/23)
الكفار، فضلاً عن أن يؤمنوا بها، فهو ساعة ولادة وليده يؤمر أمر ندب أن يؤذن في أذنه وأن يسمعه: الله أكبر، وهو في أول خروجه إلى هذه الحياة الدنيا، ثم يترتب عليه تسميته في اليوم السابع، وقص شعره والتصدق بوزنه فضة أو ذهباً، ثم الذبح عنه ويسمى (العقيقة) .. وهكذا. كل هذه فضائل ودرجات تكتب لهذا الوالد بسبب ولده، وهذا شيء لا يؤمن به الكفار، من هذا القبيل أيضاً -وهو أمر هام- يقول رسولنا عليه الصلاة والسلام فيما أخرجه البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مسلمين -أي: زوجين- يموت لهما ثلاثة من الولد إلا لن تمسهما النار إلا تحِلة القسم) فأنبئوني بعلم: هل عند الكفار مثل هذا الفضل الذي بشرنا به نبينا صلى الله عليه وسلم؟! الجواب: لا. ولذلك هم يقتصرون على أن يربوا ولداً أو ولدين وثالثهم كلبهم! فهذه تربيتهم وشأنهم من تمتعهم في حياتهم الدنيا، ولا يبتغون من وراء ذلك ثواب الآخرة، وأن يدخر لهم مثل هذا الأجر: (لن تمسهما النار إلا تحلة القسم)، ولذلك هذه الفضائل كلها إنما تتوفر بتحقيق تلك الرغبة النبوية الكريمة وهي: (تزوجوا الودود الولود، فإني مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة). بعد هذا التفصيل -ولعلي أطلت به عليكم- أقول جواباً عن السؤال السابق: إذا كان هناك ضرورة بالنسبة للمرأة، ولا أتصور الضرورة بالنسبة للرجل أبداً! إلا على تحقيق رغبة الجاهلية الأولى التي قال الله عز وجل في القرآن فيها: (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ) [الإسراء:31]، فالرجل لا يوجد له عذر أبداً في أن يحاول من عند نفسه أن يفرض على زوجه تحديد النسل أو تنظيمه، وإنما هذا يمكن أن يتصور فقط بالنسبة للزوجة، وذلك بإشارة من طبيب مسلم حاذق يقول مثلاً للزوج: أن زوجتك هذه إذا استمرت في الحمل فحياتها في خطر، حينذاك لا أقول: تحدد النسل، فالتحديد شر من التنظيم؛ لأن التنظيم من معانيه أنه سيتابع الولادة. أما التحديد فكما قلنا: ثالثهم كلبهم! فقد انتهى الأمر عنده إلى هنا، فهذا منهج الكفار الذين لا يؤمنون بالقضاء والقدر، فإذا نظم الإنسان أو حدد نسله؛ فكأنه آمن بأن هذا الولد الأول وهذا الثاني سيعيشان ما عاش أبواهما، ولا يفترضان أبداً أن عند الله عز وجل قد يقبض الولد الأول والثاني، ويبقيان كأنهما أبتران لم يرزقا نسلاً، ثم يحاولان أن يتداركا ما فاتهما وهيهات هيهات! وكما قيل: (في الصيف ضيعت اللبن) إذاً: إنما يجوز تحديد النسل للزوجة للضرورة التي يقدرها الطبيب الحاذق المسلم. هذا نهاية الجواب. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- جلوس الأصدقاء مع زوجاتهم ، هل هناك شروط معينة نراعيها ؟
أولاً : مثل هذا الجلوس لا يقره الإسلام ، لأنه هذا نوع من الاختلاط .
ثانياً : إنْ كان ولا بد فالشروط – طبعاً – معروفة ، لكن التزامها صعب .
فمن الشروط :(9/24)
1 – أنه يكون كل واحدة محتجبة الحجاب الشرعي ، بمعنى : أنه لا تكون لابس ألبسة زاهية جميلة تلفت النظر ، كما هو شأن النساء في بيوتهن ، ثم أن لا تكون هذه الثياب فيها ضيق ، فيها تقصير مثلاً ، فيها تحجيم للساقين أو الفخذين أو ما شابه ذلك ، المهم : أن تتوفر في ألبستهم شروط الحجاب التي كنت ذكرتها في مقدمة كتابي ( حجاب المرأة المسلمة ) .
2 – زد على ذلك : أن الحديث في ذاك المجلس يجب أن يكون فيه كل الحشمة والأدب والوقار بحيث أنه ما يحمل الحديث أحد الجالسين من الرجال فضلاً عن النساء على التبسم وعلى الضحك فضلاً عن القهقهة .
فإذا كان الحديث بهذا الشرط أو بهذه الشروط فحينئذٍ الجلسة إذا وجد المقتضي لها فهي جائزة ، لكن باعتقادي تحقيق هذه الشروط – وبخاصة في زماننا هذا – شبه مستحيل ، لأنه مع الأسف الشديد عامة المسلمين اليوم لا يعرفون الأحكام الشرعية ( ما يجوز ) و ( ما لا يجوز ) ، ثم من كان منهم على علم بالأحكام الشرعية فقليل منهم جداً الملتزم والمطبق لهذه الأحكام الشرعية ، ولذاك فأنا لا أتصور مجلس يقام بين الأقارب وتتوفر فيه هذه الشروط كلها ، هذا شيء خيالي محض , ولذلك فالأمر كما قال عليه الصلاة والسلام : ( وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس ، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ، ألا وإن لكل ملك حمى , ألا وإن حمى الله محارمه ، ألا ومن حام حول الحمى يوشك أنْ يقع فيه) ، ومن هذا الحديث : أخذ بعض الناس قديماً وجرى مثلاً عامياً : ( ابعد عن الشر وغني له ) ، هذه حكمة عامية [ ..... ] ، والمثل الثاني : (هللي ما بده يساوي الذي لا يريد أن يشوف منامات مخربة لا ينام بين القبور ) هكذا. شبكة المنهاج الاسلامية.
س)- إذا ما لبست المرأة كعباً عالياً في الحذاء ، يجوز لها ذلك ؟ وما الحكم ؟
لا يجوز التشبه بالكافرات أو الفاسقات ، وأصل هذا من اليهوديات ، كُنَّ قديماً قبل الإسلام إذا أرادت الواحدة منهن أن تحضر المجتمع الذي يكون فيه عشيقها ، فلكي يراها كانت تلبس نوع من القبقاب العالي ، فتصبح طويلة فتُرى ، ثم مع الزمن تحَوَّل هذا إلى النعل بالكعب العالي ، أما هذا النعل الذي يجعل المرأة – يعني – تتغير مشيتها تميل يميناً ويساراً ، ومن أجل ذلك اخترع الفساق الكفار هذا النوع من النعال ، فلا ينبغي للمرأة المسلمة الملتزمة أن تلبس نعلاً بكعب عالي ، لاسيما في كثير من الأحيان بيكون سبب في إيذاءها ووقوعها على أم رأسها إذا ما تعثرت في الطريق لأدنى سبب . شبكة المنهاج الإسلامية.
س)- هل يجوز للمرأة أن تخرج للزيارات وزوجها غائب ، يعني : مسافر ، وما هي حدود خروجها من بيتها ؟(9/25)
الأصل في هذا : أن تعرف المرأة أنها خُلقت لتلزم بيتها وتخدم زوجها وتربي أولادها إنْ كان لها أولاد ، وإنْ لم يكن لها ولد فَحَسْبُها أن تُعْنى ببيتها وزوجها ، ثم يجوز لها أن تخرج لقضاء بعض المصالح التي لا يستطيع الزوج أو أحد أقاربها من محارمها أن يقوم بذلك أو لا يتيسر لغيرها أن يقوم لها بذلك ، ثم لا بأس من خروجها لزيارة صواحبها أو أقاربها في حدود ، ليست كثيرة كما هو الشأن بالنسبة للرجال ، لأن الرجال لم يُخاطبوا بمثل ما خُوطبت النساء في قوله تبارك وتعالى : ) وَقَرْنَ في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ( هذا ينبغي على المرأة أن تضع ذلك نصب عينها ، أي : أن لا يكون خروجها كخروج الرجل دون حساب ودون حدود ، حتى ولو لم يمانع زوجها في ذلك ، إذا عُرف هذا دخلنا في صميم الإجابة عن السؤال ، إذا كان الزوج مسافراً وكان خروجها مقنناً - أي : ليس كثيراً كما ذكرنا - وكان الزوج لا يمانعها في ذلك جاز لها الخروج وإلا فلا ، باختصار : خروجها - الذي ضيقنا دائرته بالنسبة إليها بصفتها امرأة - الأصل فيه : أنه جائز ، لكن المرأة ليس لها صلاحية التمتع بأن تأتي بكل أمر جائز ولو خالف الزوج في ذلك ، فخروجها من بيتها لزيارة بعض صديقاتها - مثلاً - الأصل فيه : أنه جائز ، لكن إذا كان الزوج يريد منها أن تلزم عقر دارها في غيبته عنها ، فيجب أن لا تخرج ولا يجوز لها الخروج هذا هو جواب السؤال . شبكة المنهاج الإسلامية.
س)- هل المرأة أفضل صلاتها بالبيت أو المسجد إذا المسجد قريب من البيت؟
الأفضل : أن تصلي في بيتها إلا اذا كان في المسجد درس أو وعظ تستفيد منه المرأة ، فهون بينقلب الحكم ، يصير الأفضل : أن تصلي في المسجد أما إذا كان مجرد صلاة ، فبالبيت أفضل - يعني - لا يوجد في المسجد إلا صلاة الجماعة فصلاتها والحالة هذه في بيتها أفضل لها من صلاتها في مسجدها ، بخلاف ما إذا كان في المسجد درس أو وعظ فحينئذ صلاتها في المسجد أفضل لها . شبكة المنهاج الإسلامية.
فصل في أحكام الرضاع
س)- ما هو الدليل على أن الرضاع القليل لا يحرم؟
أخرج إسحاق بن راهويه في "مسنده " (4/13/2)، ومن طريقه وطريق غيره: مسلم في "صحيحه " (4/166 - 167) عن المعتمر بن سليمان عن أيوب يحدث عن أبي الخليل عن عبدالله بن الحارث عن أم الفضل قالت:دخل أعرابي على نبي الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في بيتي، فقال: يا نبي الله! إني كانت(9/26)
لي امرأة؛ فتزوجت عليها أخرى، فزعمت امرأتي الأولى أنها أرضعت امرأتي الحُدثى رضعة أو رضعتين، فقال نبي الله - صلى الله عليه وسلم -:(لا تحرِّم الإملاجةُ والإِِملاجتانِ).
(قال ابن الأثير):
"الملج: المصُّ، ملج الصبي أمه يملُجها ملجاً، وملِجَها يملَجها: إذا رضعها.
وا لملجة: المرة.
والإملاجة: المرة أيضاً، من أملجته أمه؛ أي: أرضعته، يعني: أن المصة والمصتين لا تحرمان ما يحرمه الرضاع الكامل ".
والحديث من الأدلة الكثيرة على أن الرضاع القليل لا يحرم، وهي- لصحتها- صالحة لتقييد قوله تعالى:(وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة) [النساء: 23]، فكما أن الآية مقيدة بالسنة في أنه لا رضاع إلا في حولين، فكذلك هي مقيدة بهذا الحديث وغيره، فلا يغرنك ما صرح به الحنفية- وبخاصة منهم أبو بكر الجصاص في "أحكام القرآن " (2/124)-:
"ولا يجوز قبول أخبار الآحاد عندنا في تخصيص حكم الآية الموجبة للتحريم بقليل الرضاع... "!
فإنهم لا يلتزمون هذا في كثير من فروعهم، وهو الحق؛ فإنهم مثلاً يحرمون الفضة والذهب والحرير على الرجال، مع مخالفة ذلك لعموم قوله تعالى: (قل من حرَّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق ) [الأعراف: 32] والأمثلة في ذلك كثيرة لا مجال للخوض فيها الآن، والُحرُّ تكفيه الإشارة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3259.(9/27)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب المرض والطب و الجنائز
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(10/1)
كتاب المرض والطب و الجنائز
فصل في المرض والتداوي
س)- هل من السنة ترك المعالجة بالأدوية المادية , والأعتماد على تلاوة القرآن؟
حديث (استشفوا بما حمد الله به نفسه قبل أن يحمده خلقه , وبما مدح الله به نفسه : (الْحَمْدُ للّه) , و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) , فمن لم يشفيه القرآن , فلا شفاه الله) ضعيف جداً وهذا الحديث يوحي بترك المعالجة بالأدوية المادية , والأعتماد فيها على تلاوة القرآن , وهذا شيء لا يتفق في قليل ولا كثير مع سنته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القولية والفعلية , فقد تعالج صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالأدوية المادية مراراً , وأمر بذلك فقال : (يا عباد الله تداووا , فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له دواء) أخرجه الحاكم بسند صحيح , وهو مخرج في "غاية المرام" عن جمع من الصحابة نحوه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم152.
فصل في أحكام الجنائز
باب في تلقين المحتضر
س)- ما حكم قراءة القرآن عند القبور؟
حديث (من زار قبر والديه كل جمعة , فقرأ عندهما أو عنده [يس] , غفر له كل آية أو حرف) حديث موضوع , وليس في السنة الصحيحة ما يشهد لذلك , بل هي تدل على أن المشروع عند زيارة القبور إنما هو السلام عليهم , وتذكر الآخرة فقط , وعلى ذلك جرى عمل السلف الصالح رضي الله عنهم , فقراءة القرآن عندها بدعة مكروهة , كما صرح جماعة من العلماء المتقدمين , منهم أبوحنيفة , ومالك , وأحمد في رواية(10/2)
كما في "شرح الإحياء" للزبيدي قال : (لأنه لم ترد به سنة , وقال محمد بن الحسن وأحمد في رواية : لا تكره , لما روي عن ابن عمد أنه أوصى أن يقرأ على قبره وقت الدفن بفواتح سورة البقرة وخواتمها).
قلت : هذا الأثر عن ابن عمر لا يصح سنده إليه , ولو صح , فلا يدل إلا على القراءة عند الدفن لا مطلقاً , كما هو ظاهر.
فعليك أيها المسلم بالسنة , وإياك والبدعة , وإن رآها الناس حسنة , فإن (كل بدعة ضلالة) , كما قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 50.
باب ما جاء في الموت
س)- هل إبليس لعنه الله يأتي الميت قبل موته؟
ما نقله الغزالي في " الدرة الفاخرة في كشف علوم الآخرة " من فتنة الموت , و أن إبليس لعنه الله و كل أعوانه يأتون الميت على صفة أبويه على صفة اليهودية , فيقولان له : مت يهوديا , فإن انصرف عنهم جاء أقوام آخرون على صفة النصارى حتى يعرض عليه عقائد كل ملة , فمن أراد الله هدايته أرسل إليه جبريل فيطرد الشيطان و جنده , فيبتسم الميت ... إلخ , فقال السيوطي : "لم أقف عليه في الحديث". انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 1448.
س)- ما معنى "المراثي" وهل يدخل الثناء على الميت ، ودعاء له في معناها؟
قال الخطابي :
"المراثي : النياحة ، وما يدخل في معناها من تأبين الميت ؛ على ما جرى عليه مذاهب أهل الجاهلية من قول المراثي ، ونصب النوائح على قبور موتاهم . وأما المراثي التي فيها ثناء على الميت ، ودعاء له ؛ فغير مكروه ، وقد رثى رسول الله صلي الله عليه وسلم غير واحد من الصحابة بمراثي رواها العلماء ، ولم يكرهوا إنشادها ، وهي أكثر من أن تحصى" . . انتهى كلام الألباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم4724.
س)- هل الموتى يسمعون؟
لا يوجد دليل في الكتاب و السنة على أن الموتى يسمعون , بل ظواهر النصوص تدل على أنهم لا يسمعون . كقوله تعالى : (و ما أنت بمسمع من في القبور) و قوله صلى الله عليه وسلم لأصحابه و هم في المسجد : "(10/3)
أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة , فإن صلاتكم تبلغني ... " فلم يقل : أسمعها . و إنما تبلغه الملائكة كما في الحديث الآخر : " إن لله ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام " . رواه النسائي و أحمد بسند صحيح .
و أما قوله صلى الله عليه وسلم : " العبد إذا وضع في قبره , و تولى و ذهب أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فأقعداه , فيقولان له .. " الحديث رواه البخاري فليس فيه إلا السماع في حالة إعادة الروح إليه ليجيب على سؤال الملكين كما هو واضح من سياق الحديث.
و نحوه قوله صلى الله عليه وسلم لعمر حينما سأله عن مناداته لأهل قليب بدر : "ما أنتم بأسمع لما أقول منهم " هو خاص أيضا بأهل القليب , و إلا فالأصل أن الموتى لا يسمعون , و هذا الأصل هو الذي اعتمده عمر رضي الله عنه حين قال للنبي صلى الله عليه وسلم : إنك لتنادي أجسادا قد جيفوا , فلم ينكره الرسول صلى الله عليه وسلم بل أقره , و إنما أعلمه بأن هذه قضية خاصة , و لولا ذلك لصحح له ذلك الأصل الذي اعتمد عليه , و بين له أن الموتى يسمعون خلافا لما يظن عمر , فلما لم يبين له هذا , بل أقره عليه كما ذكرنا , دل ذلك على أن من المقرر شرعا أن الموتى لا يسمعون . و أن هذه قضية خاصة .
و بهذا البيان ينسد طريق من طرق الضلال المبين على المشركين و أمثالهم من الضالين , الذين يستغيثون بالأولياء و الصالحين و يدعونهم من دون الله , زاعمين أنهم يسمعونهم , والله عز وجل يقول : ( إن تدعوهم لا يسمعوا دعاءكم , و لو سمعوا ما استجابوا لكم , و يوم القيامة يكفرون بشرككم و لا ينبئك مثل خبير).
و راجع لتمام هذا البحث الهام مقدمتي لكتاب " الآيات البينات في عدم سماع الأموات عند الحنفية السادات " للآلوسي . انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1147.
س)-هل يجوز نبش قبور المسلمين ونبش قبور الكافرين ؟
هناك فرق طبعًا بين نبش قبور المسلمين ونبش قبور الكافرين ، فنبش قبور المسلمين لا يجوز إلاَّ بعد أن تفنى وتصبح رميمًا ، ذلك لأن نبش القبور يعرض جثة المقبور وعظامها للكسر ، وقد قال عليه الصلاة والسلام : (كسر عظم المؤمن الميت ككسره حيًّا) . فالمؤمن له حرمة بعد موته كما كانت له حرمة في حياته ، طبعًا هذه الحرمة في حدود الشريعة . أما نبش قبور الكفار فليست لهم هذه الحرمة فيجوز نبشها بناءً على ما ثبت في (صحيح البخاري ومسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم لما هاجر من مكة إلى المدينة كان أول شيء باشره هو بناء المسجد النبوي الموجود اليوم ، فكان هناك بستان لأيتام من الأنصار ، وفيه قبور المشركين ، فقال عليه الصلاة والسلام لهؤلاء الأيتام : (ثامنوني حطائكم) . يعني : بيعوني حائطكم بثمنه ، قالوا : هو للَّه ولرسوله لا نريد ثمنه ، فكان فيه الخرب وفيه قبور المشركين ، فأمر الرسول صلى الله(10/4)
عليه وسلم بقبور المشركين فسويت بالأرض ، وأمر بالخرب فمهدت ، ثم أقام المسجد النبوي على أرض ذلك البستان . فإذن نبش القبور على وجهين ؛ قبور المسلمين لا يجوز ، أما قبور الكفار فيجوز ، وقد أشرت في الجواب إلى أنه لا يجوز نبش قبور المسلمين حتى تصبح رميمًا ، وتصبح ترابًا ، ومتى هذا ؟ إنه يختلف باختلاف الأراضي ، فهناك أراضٍ صحراوية ناشفة تبقي فيها الجثث ما شاء اللَّه من السنين ، وهناك أراضٍ رطبة يسرع الفناء فيها إلى الأجساد ، فلا يمكن وضع ضابط لتحديد سنين معينة لفساد الأجساد كما يقال : (أهل مكة أدرى بشعابها) ، فالذين يدفِنُون في تلك الأرض يعلمون المدة التي تفنى فيها جثث الموتى بصورة تقريبية . نقلا من موقع جماعة انصار السنة ، والمرجع مجلة التوحيدالعددالثامن لسنة 1420.
س)- ماذا يقال عند المرور بقبر الكافر؟
قال عليه الصلاة السلام (حَيْثُمَا مَرَرْتَ بِقَبْرِ كافر فَبَشِّرْهُ بِالنَّارِ) ، وفي هذا الحديث فائدة هامة أغفلتها عامة كتب الفقه , ألا وهي مشروعية تبشير الكافر بالنار إذا مر بقبره , ولا يخفى ما في هذا التشريع من إيقاظ المؤمن , وتذكيره بخطورة جرم هذا الكافر , حيث ارتكب ذنباً عظيماً تهون ذنوب الدنيا كلها تجاهه ولو اجتمعت , وهو الكفر بالله عز وجل والإشراك به , الذي أبان الله تعالى عن شدة مقته إياه حين استثناه من المغفرة فقال : (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ)النساء48 , ولهذا قال صلى الله عليه وسلم (أكبر الكبائر أن تجعل لله نداً وقد خلقك)متفق عليه.
وإن الجهل بهذه الفائدة مما أدي ببعض المسلمين إلى الوقوع في خلاف ما أراد الشارع الحكيم منها , فإننا نعلم أن كثيراً من المسلمين يأتون بلاد الكفر لقضاء بعض المصالح الخاصة أو العامة , فلا يكتفون بذلك , حتى يقصدون زيارة بعض قبور من يسمونهم بعظماء الرجال من الكفار ويضعون على قبورهم الأزهار والأكاليل , ويقفون أمامها خاشعين محزونين , مما يشعر برضاهم عنهم , وعدم مقتهم إياهم , مع أن الأسوة الحسنة بالأنبياء عليهم السلام تقضي خلاف ذلك , كما في هذا الحديث الصحيح , واسمع قول الله عز وجل : (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآَءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا)الممتحنة4 ، هذا موقفهم منهم وهم أحياء , فكيف وهم أموات؟ انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 18.
س)- من هم أشد الناس بلاءً ؟(10/5)
قال عليه الصلاة اللسلام (أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ يُبْتَلَى الرَّجُلُ عَلَى حَسَبِ [وفي رواية : قدر] دِينِهِ فَإِنْ كَانَ دِينُهُ صُلْبًا اشْتَدَّ بَلَاؤُهُ وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى حَسَبِ دِينِهِ فَمَا يَبْرَحُ الْبَلَاءُ بِالْعَبْدِ حَتَّى يَتْرُكَهُ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ مَا عَلَيْهِ خَطِيئَةٌ) ، وفي هذه الأحاديث دلالة صريحة على أن المؤمن كلما كان أقوى إيماناً , ازداد ابتلاءً وامتحاناً , والعكس بالعكس , ففيها رد على ضعفاء العقول والأحلام الذين يظنون أن المؤمن إذا أصيب ببلاء , كالحبس أو الطرد أو الإقالة من الوظيفة ونحوها , أن ذلك دليل على أن المومن غير مرضي عند الله تعالى , وهو ظن باطل , فهذا رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو أفضل البشر , كان أشد الناس – حتى الأنبياء – بلاء , فالبلاء غالباً دليل خير وليس نذير شر كما يدل على ذلك أيضاً الحديث ( إِنَّ عِظَمَ الْجَزَاءِ مَعَ عِظَمِ الْبَلَاءِ وَإِنَّ اللَّهَ إِذَا أَحَبَّ قَوْمًا ابْتَلَاهُمْ فَمَنْ رَضِيَ فَلَهُ الرِّضَا وَمَنْ سَخِطَ فَلَهُ السَّخَطُ).
وهذا الحديث يدل على أمر زائد على ما سبق , وهو أن البلاء إنما يكون خيراً , وأن صاحبه يكون محبوباً عند الله تعالى إذا صبر على بلاء الله تعالى , ورضي بقضاء الله عز وجل .
ويشهد لذلك الحديث ( عَجِبْتُ لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ إِنْ أَصَابَهُ مَا يُحِبُّ حَمِدَ اللَّهَ وَكَانَ لَهُ خَيْرٌ وَإِنْ أَصَابَهُ مَا يَكْرَهُ فَصَبَرَ كَانَ لَهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ كُلُّ أَحَدٍ أَمْرُهُ كُلُّهُ خَيْرٌ إِلَّا الْمُؤْمِنُ ) . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 143 ، 146 ، 147.
س)- هل يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك؟
يشرع للمسلم أن يتولى دفن قريبه المشرك , وأن ذلك لا ينافي بغضه إياه لشركه , ألا ترى أن علياً رضي الله عنه امتنع أول الأمر من مواراة أبيه , معللاً ذلك بقوله ( إنه مات مشركا ) , ظناً منه أن دفنه مع هذه الحالة قد يدخله في التولي الممنوع في مثل قوله تعالى : (لَا تَتَوَلَّوْا قَوْمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ ) الممتحنة 13 ، فلما أعاد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليه الأمر بمواراته , بادرا لأمتثاله , وترك ما بدا له أول الأمر , , وكذلك تكون الطاعة : أن يترك المرء رأيه لأمر نبيه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ويبدو لي أن دفن الولد لأبيه المشرك أو أمه هو آخر ما يملكه الولد من حسن صحبة الوالد المشرك في الدنيا , وأما بعد الدفن , فليس له أن يدعو له أو يستغفر له , لصريح قوله تعالى : ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى ) التوبة 113 , وإذا كان الأمر كذلك , فما هو حال من يدعو بالرحمة والمغفرة على صفحات الجرائد والمجلات لبعض الكفار في إعلانات الوفيات من أجل دريهمات معدودات فليتق الله من كان يهمه أمر آخرته . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 161.
س)- هل يشرع للمسلم أن يغسل الكافر؟(10/6)
لا يشرع له غسل الكافر ولا تكفينه ولا الصلاة عليه ولو كان قريبه , لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لم يأمر بذلك علياً , ولو كان جائزاً لبينه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , لما تقرر أن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز , وهذا مذهب الحنابلة وغيرهم.
ولا يشرع لأقارب المشرك أن يتبعوا جنازته , لأن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يفعل ذلك مع عمه , وقد كان أبر الناس به وأشفقهم عليه , حتى أنه دعا الله له حتى جعل عذابه أخف عذاب في النار, وفي ذلك كله عبرة لمن يغترون بأنسابهم , ولا يعملون لآخرتهم عند ربهم , وصدق الله العضيم إذ يقول : ( فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ )المؤمنون101 . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 161.
س)- هل يدفن المسلم مع الكافر والكافر مع المسلم؟
لا يدفن مسلم مع كافر ولا كافر مع مسلم بل يدفن المسلم في مقابر المسلمين والكافر مقابر المشركين . كذلك كان الأمر على عهد النبي صلى الله عليه وسلم واستمر إلى عصرنا هذا. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- من يتولى إنزال الميت في القبر؟
يتولى إنزال الميت - ولو كان أنثى - الرجال دون النساء لأمور :
الأول : أنه المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وجرى عليه عمل المسلمين حتى اليوم.
الثاني : أن الرجال أقوى على ذلك.
الثالث : لو تولته النساء أفضى ذلك إلى انكشاف شيء من أبدانهن أمام الأجانب وهو غير جائز.
وأولياء الميت أحق بإنزاله لعموم قوله تعالى :(وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله). انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- هل يجوز للزوج أن يتولى دفن زوجته؟
يجوز للزوج أن يتولى بنفسه دفن زوجته لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : (دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم التالي الذي بدئ فيه فقلت : وارأساه فقال : وددت أن ذلك كان وأنا حي فهيأتك ودفنتك . قالت : فقلت : غيرى : كأني بك في ذلك اليوم عروسا ببعض نسائك قال : وأنا وارأساه ادعي لي أباك وأخاك حتى أكتب لأبي بكر كتابا فإني أخاف أن يقول قائل ويتمنى متمن : أنا أولى ويأبى الله عز(10/7)
وجل والمؤمنون إلا أبا بكر) صحيح ،لكن ذلك مشروط بما إذا كان لم يطأ تلك الليلة وإلا ما يشرع له دفنها وكان غيره هو الأولى بدفنها ولو أجنبيا. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- ما الذي يستحب لمن عند القبر فعله بعد الفراغ من سد اللحد؟
يستحب لمن عند القبر أن يحثو من التراب ثلاث حثوات بيديه جميعا بعد الفراغ من سد اللحد لحديث أبي هريرة :( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على جنازة ثم أتي بالميت فحثا عليه من قبل رأسه ثلاثا ) صحيح . انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- هل يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت؟
لا يستحب للرجل أن يحفر قبره قبل أن يموت فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعل ذلك هو ولا أصحابه والعبد لا يدري أين يموت وإذا كان مقصود الرجل الاستعداد للموت فهذا يكون من العمل الصالح ، كذا في (الاختيارات العلمية) لشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- كيف يكون تلقين المحتضر شهادة التوحيد؟
قال عليه الصلاة السلام ( أكثروا من شهادة أن لا إله إلا الله قبل أن يحال بينكم وبينها , ولقنوها موتاكم ) ، في الحديث مشروعية تلقين المحتضر شهادة التوحيد , رجاء أن يقولها فيفلح , والمراد بـ( موتاكم ) : من حضره الموت , لأنه لا يزال في دار التكليف , ومن الممكن أن يستفيد من تلقينه , فيتذكر الشهادة ويقولها , فيكون من أهل الجنة , وأما تلقينه بعد الموت , فمع أنه بدعة لم ترد في السنة , فلا فائدة منه , لأنه خرج من دار التكليف إلى دار الجزاء , ولأنه غير قابل للتذكر , (لِيُنْذِرَ مَنْ كَانَ حَيًّا)يس70.
وصورة التلقين أن يؤمر بالشهادة , وما يذكر في بعض الكتب أنها تذكر عنده ولا يؤمر بها خلاف سنة النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , كما حققته في "كتاب الجنائز" فراجعه. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 467.
س)- كيف تكون تعزية أهل الميت؟
يعزيهم بما يظن أنه يسليهم ويكف من حزنهم ويحملهم على الرضا والصبر مما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم إن كان يعلمه ويستحضره وإلا فبما تيسر له من الكلام الحسن الذي يحقق الغرض ولا يخالف الشرع كقولهم أعطاك عمره. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.(10/8)
س)- هل التعزية لا تجوز بعد ثلاثة أيام؟
لا تحد التعزية بثلاثة أيام لا يتجاوزها بل متى رأى الفائدة في التعزية أتى بها فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه عزى بعد الثلاثة. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- ما الذي ينبغي اجتنابه لاهل الميت في الايام الاولى من الوفاة؟
ينبغي اجتناب أمرين وإن تتابع الناس عليهما :
أ - الاجتماع للتعزية في مكان خاص كالدار أو المقبرة أو المسجد .
ب - اتخاذ أهل الميت الطعام لضيافة الواردين للعزاء .
قال النووي في (المجموع) : (وأما الجلوس للتعزية فنص الشافعي والمصنف وسائر الأصحاب على كراهته قالوا : يعني بالجلوس لها أن يجتمع أهل الميت في بيت فيقصدهم من اراد التعزية قالوا : بل ينبغي أن ينصرفوا في حوائجهم فمن صادفهم عزاهم ولا فرق بين الرجال والنساء في كراهة الجلوس لها) .
وكذا نص ابن الهمام في شرح الهداية على كراهة اتخاذ الضيافة من الطعام من أهل الميت وقال : (وهي بدعة قبيحة) وهو مذهب الحنابلة كما في (الإنصاف).
وإنما السنة أن يصنع أقرباء الميت وجيرانه لأهل الميت طعاما يشبعهم ، قال الإمام الشافعي في (الأم):(وأحب لجيران الميت أو ذي القرابة أن يعملوا لأهل الميت في يوم يموت وليلته طعاما يشبعهم فإن ذلك سنة وذكر كريم وهو من فعل أهل الخير قبلنا وبعدنا). انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- متى تشرع زيارة القبور؟
تشرع زيارة القبور للاتعاظ بها وتذكرة الآخرة شريطة أن لا يقول عندها ما يغضب الرب سبحانه وتعالى كدعاء المقبور والاستغاثة به من دون الله تعالى أو تزكيته والقطع له بالجنة ونحو ذلك وفيه أحاديث معروفة. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- هل تشرع زيارة القبور للنساء؟
والنساء كالرجال في استحباب زيارة القبور لكن لا يجوز لهن الإكثار من زيارة القبور والتردد عليها لأن ذلك قد يفضي بهن إلى مخالفة الشريعة من مثل الصياح والتبرج واتخاذ القبور مجالس للنزهة وتضييع الوقت في الكلام الفارغ كما هو مشاهد اليوم في بعض البلاد الإسلامية وهذا هو المراد -إن شاء الله- بالحديث(10/9)
المشهور : (لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم [وفي لفظ : لعن الله] زوارات القبور) حسن. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- هل تشرع قراءة القرآن عند زيارة المقابر؟
قراءة القرآن عند زيارتها مما لا أصل له في السنة بل الأحاديث تشعر بعدم مشروعيتها إذ لو كانت مشروعة لفعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلمها أصحابه لا سيما وقد سألته عائشة رضي الله عنها - وهي من أحب الناس إليه صلى الله عليه وسلم - عما تقول إذا زارت القبور ؟ فعلمها السلام والدعاء ولم يعلمها أن تقرأ الفاتحة أو غيرها من القرآن فلو أن القراءة كانت مشروعة لما كتم ذلك عنها كيف وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز كما تقرر في علم الأصول فكيف بالكتمان ؟ ولو أنه صلى الله عليه وسلم علمهم شيئا من ذلك لنقل إلينا فإذا لم ينقل بالسند الثابت دل على أنه لم يقع . انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- هل يشرع وضع الأس ونحوها من الرياحين على القبور؟
ولا يشرع وضع الأس ونحوها من الرياحين والورود على القبور لأنه لم يكن من فعل السلف ولو كان خيرا لسبقونا إليه وقد قال ابن عمر رضي الله عنهما : ( كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة ) صحيح موقوفا انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- ما هي حقيقة حياة الأنبياء في قبورهم؟
اعلم أن الحياة التي أثبتها هذا الحديث (الأنبياء – صلوات الله عليهم – أحياء في قبورهم يصلون) ، للأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما هي حياة برزخية , ليست من حياة الدنيا في شيء , ولذلك وجب الإيمان بها دون ضرب الأمثال لها , ومحاولة تكييفها وتشبيهها بما هو المعروف عندنا في حياة الدنيا .
هذا هو الموقف الذي يجب أن يتخذه المؤمن في هذا الصدد : الإيمان بما جاء في الحديث دون الزيادة عليه بالأقيسة والآراء , كما يفعل أهل البدع الذين وصل الأمر ببعضهم إلى ادعاء أن حياته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في قبره حقيقية , قال : يأكل ويشرب ويجامع نساءه , وإنما هي حياة برزخية لا يعلم حقيقتها إلا الله سبحانه وتعالى. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم621.(10/10)
س)- ما حكم تمني الموت؟
قال عليه الصلاة السلام ( لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ فَيَقُولَ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ مَا بِهِ حُبُّ لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ) ، ومعنى الحديث أنه لا يتمنى الموت تديناً وتقرناً إلى الله وحباً في لقائه , وإنما لما نزل به من البلاء والمحن في أمور دنياه , ففيه إشارة إلى جواز تمني الموت تديناً , ولا ينافيه قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ..) , لأنه خاص بما إذا كان التمني لأمر دنيوي كما هو ظاهر .
قال الحافظ : ( ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف , قال النووي : لا كراهة في ذلك , بل فعله خلائق من السلف , منهم عمر بن الخطاب و..... ) . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم578.
س)- هل يجوز التكني لمن ليس عنده ولد؟
ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال (اكْتَنِي [بابنك عبدالله - يعني : ابن الزبير ] أَنْتِ أُمَّ عَبْدِ اللَّهِ) ، مشروعية التكني ولو لم يكن له ولد , وهذا أدب إسلامي ليس له نظير عند الأمم الأخرى فيما أعلم , فعلى المسلمين أن يتمسكوا به رجالاً ونساء , ويدعوا ما تسرب إليهم من عادات الأعاجم مثل كـ(البيك) و (الأفندي) و (الباشا) , ونحو ذلك كـ(المسيو) , أو (السيد) , و(السيدة) , و (الآنسة) , إذ كل ذلك دخيل في الإسلام , وقد نص فقهاء الحنفية على كراهية (الأفندي) , لما فيه من التزكية , كما في (حاشية ابن عابدين) , والسيد إنما يطلق على من كان له نوع ولاية ورياسة , وفي ذلك جاء حديث (قوموا إلى سيدكم) , ولا يطلق على كل أحد لأنه من باب التزكية أيضاً.
فائدة : وأما ما روي عن عائشة رضي الله عنها , أنها أسقطت من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سقطاً فسماه عبدالله , وكناها به , فهو باطل سنداً ومتناً , وبيانه في المجلد التاسع من الضعيفة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 132.
س)- ما الذي يجب على المريض مرض الموت؟
على المريض أن يرضى بقضاء الله ويصبر على قدره ويحسن الظن بربه ذلك خير له لقوله صلى الله عليه وسلم
(عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له) صحيح ، وقوله صلى الله عليه وسلم : (لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله تعالى) صحيح ، وينبغي عليه أن يكون بين الخوف والرجاء يخاف عقاب الله على ذنوبه ويرجو رحمة ربه لحديث أنس المعروف عند الترمذي وغيره :أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب وهو(10/11)
بالموت فقال : (كيف تجدك ؟) قال : والله يا رسول الله إني أرجو الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وأمنه مما يخاف) حسن ، ومهما اشتد به المرض فلا يجوز له أن يتمنى الموت ،(فإن كان لا بد فاعلا فليقل : اللهم أحييني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي) صحيح ، وإذا كان عليه حقوق فليؤدها إلى أصحابها إن تيسر له ذلك وإلا أوصى لأمره صلى الله عليه وسلم بذلك. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- هل تشرع قراءة سورة (يس) عند المحتضر ، وهل يستحب توجيهه نحو القبلة؟
أما قراءة سورة (يس) عنده وتوجيهه نحو القبلة لم يصح حديث بل كره سعيد بن المسيب توجيهه إليها وقال : (أليس الميت امرأ مسلما ؟) ، صحيح ، وعن زرعة بن عبد الرحمن أنه شهد سعيد بن المسيب في مرضه وعنده أبو سلمة بن عبد الرحمن فغشي على سعيد فأمر أبو سلمة أن يحول فراشه إلى الكعبة فأفاق فقال : حولتم فراشي ؟ فقالوا : نعم فنظر إلى أبي سلمة فقال : أراه بعلمك ؟ فقال : أنا أمرتهم فأمر سعيد أن يعاد فراشه. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- ماذا يجب على اهل الميت فعله بعد موت المحتضر؟
إذا قضى وأسلم الروح فعليهم عدة أشياء ، أن يغمضوا عينيه ويدعوا له أيضا لحديث أم سلمة قالت : (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي سلمة وقد شق بصره فأغمضه ثم قال : (إن الروح إذا قبض تبعه البصر فضج ناس من أهله فقال : لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون) . ثم قال (اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين واخلفه في عقبه في الغابرين واغفر لنا وله يا رب العالمين وأفسح له في قبره ونور له فيه) ، ثم يغطوه بثوب يستر جميع بدنه لحديث عائشة رضي الله عنها (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين توفي سجي ببردة حبرة) ، هذا في غير من مات محرما فإن المحرم لا يغطى رأسه ووجه ، أن يدفنوه في البلد الذي مات فيه ولا ينقلوه إلى غيره لأنه ينافي الإسراع المأمور به ، وإذا أوصى بأن ينقل إلى بلد آخر لا تنفذ وصيته فإن النقل حرام على المذهب الصحيح المختار الذي قاله الأكثرون وصرح به المحققون ) ، وأن يبادر بعضهم لقضاء دينه من ماله ولو أتى عليه كله فإن لم يكن له مال فعلى الدولة أن تؤدي عنه إن كان جهد في قضائه فإن لم تفعل وتطوع بذلك بعضهم جاز وفي ذلك أحاديث. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.(10/12)
س)- هل يجوز كشف وجه الميت وتقبيله؟
يجوز كشف وجه الميت وتقبيله بين عينيه لتقبيل أبي بكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد موته. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- ما حكم نعي الاموات؟
لا يجوز الإعلان عن موته على رؤوس المنابر ونحوها لأنه من النعي وقد ثبت عن حذيفة بن اليمان أنه (كان إذا مات له الميت قال : لا تؤذنوا به أحدا إني أخاف أن يكون نعيا إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن النعي) حسن، ويجوز إعلان الوفاة إذا لم يقترن به ما يشبه نعي الجاهلية وقد يجب ذلك إذا لم يكن عنده من يقوم بحقه من الغسل والتكفين والصلاة عليه ونحو ذلك. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- ما حكم قول القائل الفاتحة على روح فلان؟
قول الناس في بعض البلاد : (الفاتحة على روح فلان) مخالف للسنة فهو بدعة بلا شك لا سيما وأن القراءة لا تصل إلى الموتى على القول الصحيح. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- هل هناك علامات لحسن الخاتمة؟
إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ويا لها من بشارة ، وهي : نطقه بالشهادة عند الموت وفيه أحاديث ، الموت برشح الجبين ، الموت ليلة الجمعة أو نهارها ، الاستشهاد في ساحة القتال ، الموت بالطاعون وفيه أحاديث ، الموت بداء البطن ، الموت بالغرق والهدم ، موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها
، الموت باالحرق وذات الجنب ، الموت بداء السل ، الموت في سبيل الدفاع عن المال المراد غصبه ، الموت في سبيل الدفاع عن الدين والنفس ، الموت مرابطا في سبيل الله ، الموت على عمل صالح ، قتله الإمام الجائر لأنه قام إليه فنصحه لقوله صلى الله عليه وسلم (سيد الشهداء حمزة بن عبد المطلب ورجل قام إلى إمام جائر فأمره ونهاه فقتله). انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.(10/13)
س)- اذا اتفق وفاة أحد مع انكساف الشمس أو القمر فهل يدل ذلك على شيء؟
إذا اتفق وفاة أحد مع انكساف الشمس أو القمر فلا يدل ذلك على شيء واعتقاد أنه يدل على عظمة المتوفى إنما هو من خرافات الجاهلية التي أبطلها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم مات ابنه إبراهيم عليه السلام وانكسفت الشمس فخطب الناس وحمد الله وأثنى عليه ثم قال (أما بعد أيها الناس إن أهل الجاهلية كانوا يقولون : إن الشمس والقمر لا يخسفان إلا لموت عظيم وإنهما آيتان من آيات الله لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته ولكن يخوف الله به عباده فإذا رأيتم شيئا من ذلك فافزعوا إلى ذكره ودعائه واستغفاره وإلى الصدقة والعتاقة والصلاة في المساجد حتى تنكشف). انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.
س)- ما حكم حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز وتشييع المشيعين لها وهم في السيارات؟
حمل الجنازة على عربة أو سيارة مخصصة للجنائز وتشييع المشيعين لها وهم في السيارات فهذه الصورة لا تشرع البتة وذلك لأمور :
الأول : أنها من عادات الكفار وقد تقرر في الشريعة أنه لا يجوز تقليدهم فيها.
الثاني : أنها بدعة في عبادة مع معارضتها للسنة العملية في حمل الجنازة وكل ما كان كذلك من المحدثات فهو ضلالة اتفاقا .
الثالث : أنها تفوت الغاية من حملها وتشييعها وهي تذكر الآخرة.
أقول : إن تشييعها على تلك الصورة مما يفوت على الناس هذه الغاية الشريفة تفويتا كاملا أو دون ذلك فإنه مما لا يخفى على البصير أن حمل الميت على الأعناق ورؤية المشيعين لها وهي على رؤوسهم أبلغ في تحقيق التذكر والاتعاظ من تشييعها على الصورة المذكورة ولا أكون مبالغا إذا قلت : إن الذي حمل الأوربيين عليها إنما هو خوفهم من الموت وكل ما يذكر به بسبب تغلب المادة عليهم وكفرهم بالآخرة.
الرابع : أنها سبب قوي لتقليل المشيعين لها والراغبين في الحصول على الأجر.
الخامس : أن هذه الصورة لا تتفق من قريب ولا من بعيد مع ما عرف الشريعة المطهرة السمحة من البعد عن الشكليات والرسميات لا سيما في مثل هذا الأمر الخطير : الموت والحق أقول : إنه لو لم يكن في هذه البدعة إلا هذه المخالفة لكفى ذلك في ردها فكيف إذا انضم إليها ما سبق بيانه من المخالفات والمفاسد وغير ذلك مما لا أذكره. انتهى كلام الالباني من مختصر أحكام الجنائز.(10/14)
س)- هل يجوز إعلام القبر بصخرة أو علامة ليعرف ؟
أخرجه أبو داود (3206) ، ومن طريقه : البيهقي (3/412) ، وابن شبَّة في " تاريخ المدينة " (1/102) عن كثير بن زيد المدني عن المطلب قال :لما مات عثمان بن مظعون أُخرج بجنازته، فدُفن، فأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - رجلاً أن يأتيه بحجر، فلم يستطع حمله ، فقام إليها رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وحسر عن ذراعيه، قال كثير : قال المطلب : قال الذي يخبرني ذلك عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : كأني أنظر إلى بياض ذراعي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين حسر عنهما، ثم حملها فوضعها عند رأسه ،وقال( أَتَعَلَّمُ بها قبرَ أخي، وأَدْفِنُ إليه مَنْ مات من أهلي.
يعني : عثمانَ بنَ مَظْعُونٍ رضي الله عنه ) .
وقد استدل الشافعية وغيرهم بهذا الحديث على أنه يستحب أن يجعل عند رأسه علامة من حجر أو غيره ؛ قالوا: ولأنه يعرف به فَيُزار.
وأقول: ولأنه إذا عرف لم يجلس عليه ولم يدس بالنعال . وقد ترجم له أبو داود بقوله :
" باب في جمع الموتى في قبر، والقبر يُعَلَّمُ " .والبيهقي فقال:" باب إعلام القبر بصخرة أو علامة ما كانت ". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3060.
س)- ما حكم الدفن في البيوت ؟
أخرجه الذهبي في "سير أعلام النبلاء" (8/26- 27) من طريق السراج: حدثنا أبو رجاء قتيبة بن سعيد: حدثنا ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة عن عائشة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال (اجعلُوا من صلاتِكم في بُيوتِكم، ولا تجعلُوها عليكم قُبوراً ، كما اتَّخذت اليهود والنصارى في بيوتهم قبوراً، وإنَّ البيت ليُتلى فيه القرآن؛ فيتراءى لأهلِ السماء كما تتراءى النجومُ لأهل الأرضِ ).
وقد قال الذهبي عقب الحديث:
"هذا حديث نظيف الإسناد، حسن المتن، فيه النهي عن الدفن في البيوت، وله شاهد من طريق آخر، وقد نهى عليه السلام أن يبنى على القبور، ولو اندفن الناس في بيوتهم؛ لصارت المقبرة والبيوت شيئاً واحداً، والصلاة في المقبرة منهي عنها نهي كراهة أو نهي تحريم، وقد قال عليه السلام: "أفضل صلاة الرجل في بيته إلا المكتوبة" . فناسب ذلك ألا تُتخذ المساكن قبوراً.
وأما دفنه في بيت عائشة صلوات الله عليه وسلامه فمختص به، كما خُص ببسط قطيفة تحته في لحده، وكما خُص بأن صلوا عليه فرادى بلا إمام، فكان هو إمامهم حياً وميتاً في الدنيا والآخرة، وكما خُص بتأخير دفنه يومين، بخلاف تأخير أمته؛ لأنه هو أُمِن عليه التغير بخلافنا، ثم إنهم أخروه حتى صلوا كلهم عليه(10/15)
داخل بيته، فطال لذلك الأمر، ولأنهم ترددوا شطر اليوم في موته حتى قدم أبو بكر الصديق من السَنْح، فهذا كان سبب التأخير". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3112.
س)- ما حكم من تبع جنازة وجلس على الارض قبل ان توضع الجنازة على الارض؟
أخرج مسلم (3/57)، وأبو داود (3173)، وابن حبان في "صحيحه " (3094)، والبيهقي (4/26)- والزيادة له-، وأحمد (3/37-38) عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي سعيد قال : قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم: - (إذا تَبعتُم جنازةً؛ فلا تجلسُوا حتَّى توضَعَ [في الأرض]).
وعن أبي سعيد الخدري مرفوعاً بلفظ:"إذا رأيتم الجنازة، فقوموا، فمن تبعها؛ فلا يجلس حتى توضع ". أخرجه البخاري (1310)، ومسلم، وكذا الترمذي (1043)، والبيهقي، وأحمد (3/51). وقال الترمذي:"حديث حسن صحيح، وهو قول أحمد وإسحاق، قالا: من تبع جنازة؛ فلا يقعدن حتى توضع عن أعناق الرجال ".ثم روى أحمد (3/48) من طريق شريك عن سهيل عن أبيه عن أبي سعيد قال:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اتبع جنازة ؛ لم يجلس حتى توضع.ومفهوم هذا- وكذا حديث السابق أنه يقعد بعد وضعها على الأرض، وبه ترجم البخاري للحديث، فقال:"باب: من تبع جنازة؛ فلا يقعد حتى توضع عن مناكب الرجال، فإن قعد أمر بالقيام". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم3967.
س)- ما حكم قراءة القرآن في العزاء.؟
قراءة القرآن في هذه المناسبة من قارئ حي أو بالمسجل قراءة كلاهما لا يشرع في دين الإسلام ، وعلى من أصيب بميت أولا أن يتلقى ذلك بالرضا والقبول، وبالصبر الجميل كما قال تعالى: ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ( [155-156:البقرة] .
ومن ذلك أن يقول: ( إنّا لله وإنا إليه راجعون ) ، وكلما استحضر عظمة المصيبة كرر هذه العبارة الجميلة : ( إنّا لله وإنا إليه راجعون )، ويكثرون الدعاء للمتوفى وإن كان لابد ما فيه [من] طريقة إلا هي، ولكن الابن والبنت للمتوفى لهما أن يقرءا من القرآنِ ما شاءا على روح المتوفى سواء كان أبا أو كان أم ، أما الآخرين فلا يقرؤون القرآن على روح المتوفى وإنما لهم الدعاء ) رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ(10/16)
فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا ( [10:الحشر] هكذا ينبغي أن يكون موقف المُصابُ بمثلِ هذا المصابِ ، ونسأل الله للميت أن يرحمه . شبكة المنهاج الإسلامية.
س)- ما حكم صنع الطعام في العزاء؟
الطعام إذا تقدم به أقارب الميت بالمصابين للميت، أما المُصابين فلا يجوز لهم في شرعِ الله أن يصنعوا طعاماً وحسبهم ما نزلَ بهم من مصيبة، لقوله صلى الله عليه وسلم لبعض جيران وأقارب جعفر : ( اصنعوا لآلِ جعفر طعاماً فقد شغلهم ما هم فيه ) فهم في هذي الحالة في مصيبتهم لا يجوز أن يشتغلوا أنفسهم بضيافة واستقبال المعزين ؛ لأنه هذا ليس عُرفاً ، إنما هذا [غلط] فلا يجوز لهم صنع الطعام للمصابين، وإلا من الجيران بيصنعوا الطعام للمصابين، هذا فقط . شبكة المنهاج الإسلامية.(10/17)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب الأدعية والأذكار
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(11/1)
كتاب الأدعية والأذكار
س)- ما كيفية عد الذكر؟
حديث (كان يسبح بالحصى) حديث موضوع يخالف ما ثبت عن عبد الله بن عمرو , قال : "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه" , و ثبت عند أبي داود أيضا و غيره , أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر النساء أن يعقدن بالأنامل و قال : " فإنهن مسؤولات مستنطقات " , و صححه الحاكم و الذهبي.
فهذا هو السنة في عد الذكر المشروع عده, إنما هو باليد , و باليمنى فقط , فالعد باليسرى أو باليدين معا , أو بالحصى كل ذلك خلاف السنة , و لم يصح في العد بالحصى فضلا عن السبحة شيء , خلافا لما يفهم من " نيل الأوطار " و " السنن و المبتدعات " و غيرهما , و قد بسطت القول في ذلك في رسالتنا " الرد على التعقيب الحثيث " , فليرجع إليها من شاء التوسع في ذلك , و استرواح بعض المعاصرين إلى الاستدلال بعموم حديث " الأنامل " و غيره غفلة منه , لأنه عموم لم يجر العمل به , و تجاهل منه لحديث العقدة باليمين , لا يليق بمن كان من أهل العلم , فتنبه و لا تكن من الغافلين. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 1002.
س)- هل يدوم النزول الإلهي إلى انقضاء صلاة الصبح أو إلى طلوع الفجر؟
قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "ينزل الله كل ليلة إلى السماء الدنيا ، حين يبقى ثلث الليل الاخر ، فيقول : من يدعوني فأستجيب له ، من يسألني فأعطيه ، من يستغفرني فأغفر له ؟" . وهو حديث صحيح متواتر ، جاء عن جمع من الصحابة ، خرجت قسما طيبا منها في "الارواء" ، و "صحيح أبي داود" ، زاد بعضهم : "حتى ينفجر (وفي رواية : يطلع) الفجر" . وقد كنت قلت في "التعليقات الجياد على زاد المعاد" : "لكن معظم الرواة اتفقوا على أنه يدوم إلى طلوع الفجر كما قال الحافظ في "الفتح" ، وأما دوامه إلى صلاة الفجر ، فلم أجد رواية صريحة تؤيد ذلك. انتهى كلام الالباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل الافضل للمسلم ان يدعو الله عند نزول المصيبة ام يقول حسبي من سؤالي علمه بحالي كما جاء في الحديث؟
حديث (حسبي من سؤالي علمه بحالي) لا أصل له ،وقد أورده بعضهم من قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام , وهو من الإسرائيليات , ولا أصل له في المرفوع , وقد ذكره البغوي في تفسير سورة الأنبياء مشيراً لضعفه , فقال : (روي عن كعب الأحبار أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام ....لما رموا به في المنجنيق إلى النار استقبله(11/2)
جبريل , فقال : يا إبراهيم ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا . قال جبريل : فسل ربك . فقال إبراهيم : حسبي من سؤالي علمه بحالي) .
وقد أخذ هذا المعنى من صنف في الحكمة على طريقة الصوفية , فقال : (سؤالك منه – يعني الله تعالى – اتهام له) .
وهذه ضلالة كبري , فهل الأنبياء صلوات الله عليهم متهمين لربهم حين سألوه مختلف الأسئلة ؟ فهذا إبراهيم عليه الصلاة والسلام يقول : (رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) إبراهيم 37-41 , إلى آخر الآيات , وكلها أدعية , وأدعية الأنبياء في الكتاب والسنة لا تكاد تحصى , والقائل المشار إليه قد غفل عن كون الدعاء الذي هو تضرع والتجاء إلى الله تعالى عبادة عظيمة , وبغض النظر عن ماهية الحاجة المسؤةلة , ولهذا قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :(الدعاء هو العبادة)صحيح .
ثم تلا قوله تعالى : (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِين)غافر60.
ذلك لأن الدعاء يطهر عبودية العبد لربه , وحاجته إليه , ومسكنته بين يديه , فمن رغب عن دعائه , فكأنه رغب عن عبادته سبحانه وتعالى , فلا جرم جاءت الأحاديث متضافرة في الأمر به , والحض عليه , حتى قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (من لا يدع الله , يغضب عليه)حديث حسن .
قالت عائشة رضي الله عنها :(سلوا الله كل شيء , حتى الشسع , فإن الله عز وجل , إن لم ييسره لم يتيسر)حسن .
وبالجملة , فهذا الكلام المعزو لإبراهيم عليه الصلاة والسلام لا يصدر من مسلم يعرف منزلة الدعاء في الإسلام , فكيف يصدر ممن سمانا المسلمين؟ انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم21.
س)- هل يسمع الرسول صلى الله عليه وسلم كل من صلى عليه يوم الجمعة؟
قال الشيخ ابن تيمية: (فإن هذا لم يقله أحد من أهل العلم , ولا يعرف في شيء من الحديث , وإنما يقوله بعض المتأخرين الجهال , يقولون : [انه ليلة الجمعة ويوم الجمعة , يسمع بأذنيه صلاة من يصلي عليه] فالقول إنه يسمع ذلك من نفس المصلين عليه باطل , وإنما في الأحاديث المعروفة أنه يبلغ ذلك , ويعرض عليه , وكذلك السلام تبلغه إياه الملائكة).(11/3)
قلت : ويؤيد بطلان قول أولئك الجهال قوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (أكثروا علي من الصلاة يوم الجمعة , فإن صلاتكم تبلغني......)الحديث , وهو صحيح , فإنه صريح في أن هذه الصلاة يوم الجمعة تبلغه ولا يسمعها من المصلي عليه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم203.
س)- ما حكم سؤال شئ من أمور الدنيا بوجه الله تعالى؟
في حديث (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِخَيْرِ النَّاسِ مَنْزِلًا قُلْنَا بَلَى قَالَ رَجُلٌ ممسك بِرَأْسِ فَرَسِه-أو قال فرس- ِ فِي سَبِيلِ اللَّه حَتَّى يَمُوتَ أَوْ يُقْتَلَ . قال - وَأُخْبِرُكُمْ بِالَّذِي يَلِيهِ ؟ قُلْنَا : نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : امرؤ مُعْتَزِلٌ فِي شِعْبٍ , يُقِيمُ الصَّلَاةَ , وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ , وَيَعْتَزِلُ النَّاسِ , قال : فَأُخْبِرُكُمْ بِشَرِّ النَّاس منزلة ؟ قُلْنَا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ الَّذِي يُسْأَلُ بِاللَّهِ العظيم وَلَا يُعْطِي بِهِ) تحريم سؤال شئ من أمور الدنيا بوجه الله تعالى , وتحريم عدم إعطاء من سأل به تعالى.
قال السندي في حاشية على النسائي : (الذي يسأل بالله على بناء الفاعل أي الذي يجمع بين القبيحتن أحدهما السؤال بالله والثاني عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى فما يراعي حرمة اسمه تعالى في الوقتين جميعا وأما جعله مبنيا للمفعول فبعيد إذ لا صنع للعبد في أن يسأله السائل بالله فلا وجه للجمع بينه وبين ترك الإعطاء في هذا المحل).
قلت : ومما يدل على تحريم عدم الإعطاء لمن يسأل به تعالى حديث ابن عمر (من استعاذكم بالله ؛ فأعيذوه ، ومن سألكم بالله ؛ فأعطوه ، ومن دعاكم ؛ فأجيبوه ، [ومن استجار بالله ؛ فأجيروه] ، ومن أتى إليكم معروفا ؛ فكافئوه ، فإن لم تجدوا ؛ فادعوا الله له حتى تعلموا أن قد كافأتموه) , وحديث ابن عباس مرفوعاً (من استعاذ بالله فأعيذوه , ومن سألكم بوجه الله فأعطوه) , ويدل على تحريم السؤال به تعالى حديث : (لا يسأل بوجه الله إلا الجنة) , ولكنه ضعيف الإسناد , كما بينه المنذري وغيره , ولكن النظر الصحيح يشهد له , فإنه إذا ثبت وجوب الإعطاء لمن سأل به تعالى كما تقدم , فسؤال السائل به قد يعرض المسؤول للوقوع في المخالفة , وهي عدم إعطائه إياه ما سأل , وهو حرام , وما أدى إلى محرم فهو حرام , فتأمل.
ولقد كره عطاء أن يسأل بوجه الله أو بالقرآن شئ من أمور الدنيا.
ووجوب الإعطاء إنما هو إذا كان المسؤول قادراً على الإعطاء , ولا يلحقه ضرر به أو بأهليه , وإلا , فلا يجب عليه , والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم255.(11/4)
س)- ما حكم رد السلام لمن كان على الغائط والبول ؟
أخرج مسلم من طربق الضحاك بن عثمان عن نافع عن ابن عمر قال: " مر رجل بالنبي صلى الله عليه وسلم فسلم عليه وهو يبول فلم يرد عليه " وله فيه شاهد من حيث المهاجر بن قنفذ " وفيه أنه هو المسلم ، وزاد : " حتى توضأ ، ثم اعتذر إليه ، فقال : " إني كرهت أن أذكر الله عز وجل إلا على طهر أو قال : على طهارة " وصححه الحاكم والذهبي والنووي . وهذه الزيادة فيها فائدتان :
الأولى : أن ترك الرد لم يكن من أجل أنه كان على البول فقط . كما ظن الترمذي حيث قال : " وإنما يكره هذا عندنا إذا كان على الغائط والبول ، وقد فسر بعض أهل العلم ذلك " .
قلت : فهذ . الزيادة تدل على أن الترك إنما كان من أجل أنه لم يكن على وضوء " ولازم هذا أنه لو سلم عليه بعد الفراغ من حاجته لم يرد عليه أيضا حتى يتوضأ ، ويؤيده حديث أبي الجهم : " أقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم من نحو بئر جمل ، فلقيه رجل فسلم عليه ، فلم برد رسول صلىالله عليه وسلم حتى أقبل على الجدار فمسح وجهه وبده ، ثم رد عليه السلام . رواه . الشيخان وغيرهما .
الثانية : كراهية قراءة القرآن من المحدث لا سيما المحدث حدثا أكبر ، فإنه إذا كان صلى الله عليه وسلم كره أن يرد السلام من المحدث حدثا أصغر فبالأحرى أن يكره القراءة منه فضلا عن الجنب. انتهى كلام الالباني من كتاب إرواء الغليل.(11/5)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب التاريخ والسيرة وفضائل الصحابة
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(12/1)
كتاب التاريخ والسيرة وفضائل الصحابة
فصل في سيرة الرسل
باب في سيرة آدم عليه السلام
س)- هل كان آدم يعرف النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟
حديث (نزل آدم بالهند واستوحش فنزل جبريل فنادى بالأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدا رسول الله مرتين قال آدم من محمد قال آخر ولدك من الأنبياء صلى الله عليه وسلم) ضعيف ، وهذا الحديث مع ضعفه أقوى من حديث (لما اقترف آدم الخطيئة قال يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا آدم وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لما خلقتني بيدك ونفخت في من روحك رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعلمت أنك لم تضف إلى إسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا آدم إنه لأحب الخلق إلي ادعني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك) وهو صريح في أن آدم عليه السلام كان يعرف النبي صلى الله عليه وسلم وهو في الجنة قبل هبوطه إلى الأرض , وهذا صريح في أن آدم عليه السلام لم يعرف محمد صلى الله عليه وسلم حتى بعد نزوله إلى الأرض , ولذلك سأل جبريل : ومن محمد , فهذا من أدلة بطلان ذلك الحديث , كما سبق بيانه عند تحقيق الكلام على وضعه , فتذكر أو راجع إن شئت.
وأنا لا أجير لنفسي الاحتجاج بمثل هذا الحديث , كما هو ظاهر , ولكن التحقيق العلمي يسمح برد الحديث الواهي بالحديث الضعيف ما دام ضعفه أقل منه كما لا يخفى على من مارس هذا العلم الشريف. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم403.(12/2)
باب في سيرة إسماعيل عليه السلام
س)- من هو الذبيح؟
لقد ذهب المحققون من العلماء , كشيخ الإسلام ابن تيمية , وابن القيم , وابن كثير , وغيرهم إلى أن الصواب في الذبيح أنه إسماعيل عليه السلام , قال ابن القيم في الزاد ((وأمّا القول بأنه إسحاق فباطل بأكثر من عشرين وجهاً، وسمعت شيخ الإِسلام ابن تيمية قدّس اللّه روحه يقول: هذا القول إنما هو متلقى عن أهل الكِتاب، مع أنه باطل بنص كتابهم، فإن فيه: إن اللّه أمر إبراهيم أن يذبح ابنَه بكره، وفي لفظ: وحيده، ولا يشكُّ أهلُ الكِتاب مع المسلمين أن إسماعيل هو بكر أولاده، والذي غرَّ أصحاب هذا القول أن في التوراة التي بأيديهم: اذبح ابنك إسحاق، قال: وهذه الزيادة من تحريفهم وكذبهم، لأنها تناقض قوله: اذبح بكرك ووحيدك،ولكن اليهود حسدت بني إسماعيل على هذا الشرف، وأحبوا أن يكون لهم، وأن يسوقوه إليهم، ويختاروه لأنفسهم دون العرب، ويأبى اللَّهُ إلا أن يجعل فضله لأهله. وكيف يسوغ أن يُقال: إن الذبيح إسحاق، واللّه تعالى قد بشر أم إسحاق به وبابنه يعقوب، فقال تعالى عن الملائكة: إنهم قالوا لإِبراهيم لما أتوه بالبشرى: (لاَ تَخَفْ إِنّا أُرْسِلْنَا إِلَىَ قَوْمِ لُوطٍ * وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ)هود70-71 ، فمحال أن يبشرها بأنه يكون لها ولد، ثم يأمر بذبحه...)).
ثم ذكر وجوهاً أخرى في إبطال أنه إسحاق , وتصويب أنه إسماعيل , فليراجعا من شاء. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم332.
باب في سيرة داود عليه السلام
س)- ما صحة قصة افتتان داود عليه السلام المذكورة في كتب قصص الأنبياء , وبعض كتب التفسير؟
قصة افتتان داود عليه السلام بنظره إلى امرأة الجندي (أوريا) مشهورة مبثوثة في كتب قصص الأنبياء , وبعض كتب التفسير , ولا يشك مسلم عاقل في بطلانها , لما فيها من نسبة ما لا يليق بمقام الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , مثل محاولته تعرض زوجها للقتل , ليتزوجها من بعده.(12/3)
وقد رويت هذا القصة مختصرة عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , فوجب ذكرها , والتحذير منها , وبيان بطلانها , وهي :(إن داود النبي عليه السلام حين نظر إلى المرأة فهم بها قطع على بني إسرائيل بعثا وأوحى إلى صاحب البعث فقال إذا حضر العدو فقرب فلانا وسماه قال فقربه بين يدي التابوت قال وكان ذلك التابوت في ذلك الزمان يستنصر به فمن قدم بين يدي التابوت لم يرجع حتى يقتل أو ينهزم عنه الجيش الذي يقاتله فقتل زوج المرأة ونزل الملكان على داود فقصا عليه القصة).
والظاهر أنه من الإسرائيليات التي نقلها أهل الكتاب الذين لا يعتقدون العصمة في الأنبياء , أخطأ يزيد الرقاسي , فرفعه إلى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وقد نقل القرطبي عن ابن العربي المالكي أنه قال : (وأما قولهم : إنها أعجبته , أمر بتقديم زوجها للقتل في سبيل الله , فهذا باطل قطعاً , فإن داود صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يكن ليريق دمه في غرض نفسه) انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 313 ، 314.
باب في سيرة محمد صلى الله عليه وسلم
س)- هل يصح ان يقال ان أبوا الرسول صلى الله عليه وسلم كانا مشركين؟
اعلم أيها الأخ المسلم أن بعض الناس اليوم و قبل اليوم لا استعداد عندهم لقبول الأحاديث الصحيحة , وتبني ما فيها من الحكم بالكفر على والدي الرسول صلى الله عليه وسلم , بل إن فيهم من يظن أنه من الدعاة إلى الإسلام ليستنكر أشد الاستنكار التعرض لذكر هذه الأحاديث ودلالتها الصريحة ! و في اعتقادي أن هذا الاستنكار إنما ينصب منهم على النبي صلى الله عليه وسلم الذي قالها إن صدقوا بها . و هذا - كما هو ظاهر - كفر بواح , أوعلى الأقل : على الأئمة الذين رووها و صححوها , و هذا فسق أو كفر صراح , لأنه يلزم منه تشكيك المسلمين بدينهم , لأنه لا طريق لهم إلى معرفته و الإيمان به , إلا من طريق نبيهم صلى الله عليه وسلم كما لا يخفى على كل مسلم بصير بدينه , فإذا لم يصدقوا بها لعدم موافقتها لعواطفهم وأذواقهم و أهوائهم - و الناس في ذلك مختلفون أشد الاختلاف - كان في ذلك فتح باب عظيم جدا لرد الأحاديث الصحيحة , و هذا أمر مشاهد اليوم من كثير من الكتاب الذين ابتلي المسلمون بكتاباتهم كالغزالي و الهويدي و بليق و ابن عبد المنان و أمثالهم ممن لا ميزان عندهم لتصحيح الأحاديث و تضعيفها إلا أهواؤهم!.
و اعلم أيها المسلم - المشفق على دينه أن يهدم بأقلام بعض المنتسبين إليه - أن هذه الأحاديث و نحوها مما فيه الإخبار بكفر أشخاص أو إيمانهم , إنما هو من الأمور الغيبية التي يجب الإيمان بها و تلقيها بالقبول , لقوله تعالى : ( ألم . ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين .الذين يؤمنون بالغيب)البقرة 1-3 ، وقوله (و ما(12/4)
كان لمؤمن و لا مؤمنة إذا قضى الله و رسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم)الأحزاب 36 , فالإعراض عنها و عدم الإيمان بها يلزم منه أحد أمرين لا ثالث لهما - وأحلاهما مر - : إما تكذيب النبي صلى الله عليه وسلم , و إما تكذيب رواتها الثقات كما تقدم.
و أنا حين أكتب هذا أعلم أن بعض الذين ينكرون هذه الأحاديث أو يتأولونها تأويلا باطلا كما فعل السيوطي - عفا الله عنا و عنه - في بعض رسائله , إنما يحملهم على ذلك غلوهم في تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم , وحبهم إياه , فينكرون أن يكون أبواه صلى الله عليه وسلم كما أخبر هو نفسه عنهما, فكأنهم أشفق عليهما منه صلى الله عليه وسلم !! و قد لا يتورع بعضهم أن يركن في ذلك إلى الحديث المشهور على ألسنة بعض الناس الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم أحيا الله له أمه , و في رواية : أبويه , و هو حديث موضوع باطل عند أهل العلم كالدارقطني و الجورقاني , و ابن عساكر و الذهبي و العسقلاني , وغيرهم كما هو مبين في موضعه , و راجع له إن شئت كتاب " الأباطيل و المناكير " للجورقاني بتعليق الدكتور عبد الرحمن الفريوائي و قال ابن الجوزي في "الموضوعات":"هذا حديث موضوع بلا شك , و الذي وضعه قليل الفهم , عديم العلم , إذ لو كان له علم لعلم أن من مات كافرا لا ينفعه أن يؤمن بعد الرجعة , لا بل لو آمن عند المعاينة , و يكفي في رد هذا الحديث قوله تعالى : (فيمت و هو كافر) , و قوله صلى الله عليه وسلم في (الصحيح) : "استأذنت ربي أن أستغفر لأمي فلم يأذن لي" . و لقد أحسن القول في هؤلاء بعبارة ناصعة وجيزة الشيخ عبد الرحمن اليماني رحمه الله في تعليقه على "الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة" للإمام الشوكاني , فقال: "كثيرا ما تجمح المحبة ببعض الناس , فيتخطى الحجة و يحاربها , و من وفق علم أن ذلك مناف للمحبة الشرعية . و الله المستعان".
قلت : و ممن جمحت به المحبة السيوطي عفا الله عنه , فإنه مال إلى تصحيح حديث الإحياء الباطل عند كبار العلماء كما تقدم , و حاول في كتابه "اللآلىء" التوفيق بينه و بين حديث الاستئذان و ما في معناه , بأنه منسوخ , و هو يعلم من علم الأصول أن النسخ لا يقع في الأخبار و إنما في الأحكام ! و ذلك أنه لا يعقل أن يخبر الصادق المصدوق عن شخص أنه في النار ثم ينسخ ذلك بقوله : إنه في الجنة ! كما هو ظاهر معروف لدى العلماء .
و من جموحه في ذلك أنه أعرض عن ذكر حديث مسلم عن أنس المطابق لحديث (إن أبي و أباك في النار) إعراضا مطلقا , و لم يشر إليه أدنى إشارة , بل إنه قد اشتط به القلم وغلا , فحكم عليه بالضعف متعلقا بكلام بعضهم في رواية حماد بن سلمة ! و هو يعلم أنه من أئمة المسلمين و ثقاتهم , و أن روايته عن ثابت صحيحة , بل قال ابن المديني و أحمد و غيرهما : أثبت أصحاب ثابت حماد , ثم سليمان , ثم حماد بن زيد , و هي صحاح .(12/5)
وتضعيفه المذكور كنت قرأته قديما جدا في رسالة له في حديث الإحياء - طبع الهند - و لا تطولها يدي الآن لأنقل كلامه , و أتتبع عواره , فليراجعها من شاء التثبت .
ولقد كان من آثار تضعيفه إياه أنني لاحظت أنه أعرض عن ذكره أيضا في شيء من كتبه الجامعة لكل ما هب و دب , مثل "الجامع الصغير" و "زيادته" و "الجامع الكبير" ! و لذلك خلا منه "كنز العمال" و الله المستعان , و لا حول و لا قوة إلا بالله .
و تأمل الفرق بينه و بين الحافظ البيهقي الذي قدم الإيمان و التصديق على العاطفة و الهوى , فإنه لما ذكر حديث : "خرجت من نكاح غير سفاح" , قال عقبه : "و أبواه كانا مشركين , بدليل ما أخبرنا .." , ثم ساق حديث أنس و حديث أبي هريرة في زيارة قبر أمه صلى الله عليه وسلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2592.
س)- ما سبب تسميت الرسول صلى الله عليه وسلم (ابن أبي كبشة)؟
السبب كما قال ابن الأثير في "النهاية" (4/144): -
"كان المشركون ينسبون النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أبي كبشة ؛ وهو رجل من خزاعة ، خالف قريشاً في عبادة الأوثان، وعبد الشِّعرى والعَبُور (هي أسماء نجوم وكواكب؛ كما في "القاموس المحيط) ، فلما خالفهم النبي - صلى الله عليه وسلم - في عبادة الأوثان؛ شبهوه به ". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3607.
س)- ما صحة قصة عنكبوت الغار والحمامتين المذكورة في السيرة؟
اعلم أنه لا يصح حديث في عنكبوت الغار و الحمامتين على كثرة ما يذكر ذلك في بعض الكتب والمحاضرات التى تلقى بمناسبة هجرته صلى الله عليه وسلم إلى المدينة , فكن من ذلك على علم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1189.
س)- هل لوعاش إبراهيم لكان نبياً؟
عن عبدالله بن أبي أوفى , قيل له : رأيت إبراهيم ابن رسول الله ؟ قال : (مات وهو صغير , ولو قضي أن يكون بعد محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي , لعاش ابنه , ولكن لا نبي بعده) رواه البخاري في "صحيحه" , وابن ماجه , وأحمد ولفظه : (ولو كان بعد النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نبي ما مات ابنه إبراهيم).(12/6)
وعن أنس قال : (رحمة الله على إبراهيم , لو عاش , كان صديقاً نبياً) أخرجه أحمد , بسند صحيح على شرط مسلم , ورواه ابن منده وزاد : (ولكن لم يكن ليبقى , لأن نبيكم آخر الأنبياء) كما في "الفتح" للحافظ ابن حجر وصححه.
وهذه الرويات , وإن كانت موقوفة , فلها حكم الرفع إذ هي من الأمور الغيبية التي لا مجال للرأي فيها , فإذا عرفت هذا يتبين لك ضلال القاديانية في احتجاجهم بهذه الجملة : (لو عاش إبراهيم لكان نبياً) , على دعواهم الباطلة في استمرار النبوة بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأنها لا تصح هكذا عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , وإن ذهبوا إلى تقويتها بالآثار التي ذكرنا كما صنعنا نحن فهي تلقمهم حجراً , وتعكس دليلهم عليهم , إذ إنها تصرح أن وفاة إبراهيم عليه السلام صغيراً كان بسبب أنه لا نبي بعده صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ , ولربما جادلوا في هذا - كما هو دأبهم - وحاولوا أن يوهنوا من الاستدلال بهذا الآثار , وأن يرفعوا عنها حكم الرفع , ولكنهم لم ولن يستطيعوا الانفكاك مما ألزمناهم به من ضعف دليلهم هذا , ولو من الوجه الأول , وهو أنه لم يصح عنه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مرفوعاً صراحة. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم 220.
س)- لماذا تزوج صلى الله عليه وسلم مارية القبطية مع توفر زوجات عنده في ذلك الوقت؟ وهل هناك سبب شرعي أو تفسير لعدم إعتاق الرسول صلى الله عليه وسلم لها وتزوجها؟
هذا السؤال يتضمن سؤالين: السؤال الأول: لماذا تزوج الرسول عليه السلام مارية القبطية مع توفر زوجات عنده في ذلك الوقت؟ أقول بكل صراحة: لا أدري لماذا تزوجها، وإنما أدري يقيناً أنه فعل ما أباح الله له، فقد أباح الله له أن يتزوج ما شاء من النساء، أما لماذا تزوج المرأة الفلانية بالذات؟ فلا أدري ما هو السر، لكن أدري يقيناً أنه تزوجها لصالحها لا للإضرار بها، ولإحصانها لا لإفسادها إلى غير ذلك من المسائل التي لا نقدر الإحاطة بها، ولبعض الكتاب الإسلاميين كتابات لا بأس بها في تعليل أو فلسفة تزوج الرسول عليه الصلاة والسلام بنسائه الكثيرات، ويبينون ويعللون كل واحدة لماذا تزوجها.. فأم سلمة تزوجها لأن زوجها مات عنها، وخلف لها صبية، فتزوجها ليكون ولياً على هؤلاء الأولاد، وأن يقوم بتربيتهم والإنفاق عليهم، ونحو ذلك، وهذه السيدة عائشة تزوجها لأنها بنت صاحبه في الغار، وهذه حفصة ... إلخ. فلكل زوجة أسباب وجيهة تزوجها الرسول عليه الصلاة والسلام من أجلها، لكن الأمر أوسع من ذلك، بحيث لا يستطيع الإنسان أن يحيط بهذه الأسرار وبالحكم التي من أجلها تزوج الرسول عليه السلام بمن تزوج به(12/7)
منهن من النساء. أما الشطر الثاني من السؤال وهو قوله: هل هناك سبب شرعي لعدم إعتاق الرسول صلى الله عليه وسلم لها وتزوجها؟ كأن السائل يقول: لماذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يفعل بزوجته مارية القبطية كما فعل بزوجته صفية؟ فصفية من الثابت أنه عليه السلام أعتقها، وجعل عتقها صداقها، وهي في صحيح البخاري ومسلم، والسائل يقول: هل هناك سبب يوضح ويبين لماذا لم يعاملها معاملته عليه السلام لصفية؟ لماذا لم يعتقها ويجعل عتقها صداقها؟ أقول أيضاً:لا أدري، ولكن من الأسباب الواضحة أن في ذلك بياناً لجواز التزوج بالأمة التي ليست بحرة، وأنه لا يجب على الحر أن يعتق الأمة إذا أراد أن يتزوجها، وإنما ذلك من فضائل الأعمال، فقد جمع الرسول عليه الصلاة والسلام حينما تزوج صفية وجعل عتقها صداقها، وحينما تزوج مارية القبطية على بقائها في رقها، قد جمع الرسول عليه الصلاة والسلام بهذين النقيضين بين بيان ما هو الأفضل، وبين بيان ما هو أمر جائز، هذا الذي يبدو لي من الإجابة على هذا السؤال. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
فصل في سيرة الصحابة
س)- ما السبب تسمية أبي بكر رضي الله عنه بالصديق؟
قد جزم الإمام أبو جعفر الطحاوي بأن سبب تسمية أبي بكر رضي الله عنه بالصديق , إنما هو سبقه الناس إلى تصديقه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على إتيانه بيت المقدس من مكة , ورجوعه منه إلى منزله بمكة في تلك الليلة , وإن كان المؤمنون يشهدون لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بمثل ذلك إذا وقفوا عليه . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم306.
س)- هل كثرة الأتباع معيار لصدق الداعية؟
إن كثرة الأتباع وقلتهم ليست معيار لمعرفة كون الداعية على حق أو باطل , فهؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام , مع كون دعوتهم واحدة , ودينهم واحداً , فقد اختلفوا من حيث عدد أتباعهم قلة وكثرة , حتى كان فيهم من لم يصدقه إلا رجل واحد , بل ومن ليس معه أحد .
ففي ذلك عبرة بالغة للداعية والمدعوين في هذا العصر , فالداعية عليه أن يتذكر هذه الحقيقة , ويمضي قدماً في سبيل الدعوة إلى الله تعالى , ولا يبالي بقلة المستجيبين له , لأنه ليس عليه إلا البلاغ المبين , وله أسوة حسنة بالأنبياء السابقين الذين لم يكن مع أحدهم إلا الرجل والرجلان .(12/8)
والمدعوا عليه أن لا يستوحش من قلة المستجيبين للداعية , ويتخذ ذلك سبباً للشك في الدعوة الحق وترك الإيمان بها , فضلاً عن أن يتخذ ذلك دليلاً على بطلان دعوته بحجة أنه لم يتبعه أحد , أو إنما اتبعه الأقلون , ولو كانت دعوته صادقة , لاتبعه جماهير الناس , والله عز وجل يقول : (وَمَا أَكْثَرُ النَّاسِ وَلَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ ) يوسف 103 . . انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم397.(12/9)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب تفسير القرآن وآداب تلاوته
وأحكام التجويد
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(13/1)
كتاب تفسير القرآن وآداب تلاوته
فصل في آداب تلاوت القرآن
س)- ما حكم السلام على من كان جالساً يقرأ القرآن؟
أخرج أحمد (4/ 150)، والشجري في "الأمالي " (1/73) من طريق عبد الله بن يزيد: ثنا قُبَاث بن رزِين اللَّخمي قال: سمعت عُليَّ بن رَبَاح اللخمي يقول: سمعت عقبة بن عامر الجهني يقول:كنا جلوساً في المسجد نقرأ القرآن، فدخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فسلَّم علينا، فرددنا عليه السلام، ثم قال: (تعلَّموا كتاب الله واقتنُوه،وتغنُوا به، فو الذِي نفسُ محمَّدٍ بيدهِ؟! لهُوأشدُّ تفلُّتاَ من المخاضِ من العُقُلِ).
قلت: وفي هذا الحديث من الفقه: مشروعية السلام على من كان جالساً يقرأ القرآن، ففيه رد على من قال بكراهة ذلك،وهذا مع كونه مجرد رأي " فهو مخالف لهذا الحديث، ولعموم قوله - صلى الله عليه وسلم -:"أفشوا السلام بينكم ". وإذا كان قد صح إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم - للصحابة حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي في مسجد قباء، ويرد عليهم إشارة بيده الكريمة؛ فمن باب أولى أن يشرع السلام على التالي للقرآن خارج الصلاة، ويكون الرد حينئذٍ لفظاً لا إشارة كما لا يخفى على أولي النهى، وإلى هذا ذهب النووي- رحمه الله-.
وقد خرَّجت حديث الإقرار المشار إليه في "صحيح أبي داود" برقم (860)، والسلسلة الصحيحة برقم (186)، وذكرت فيه عمل أحمد وإسحاق وابن العربي به. وتطرقت للسلام على القارئ والمؤذن، وأشرت إلى هذا الحديث، ولم يتيسر لي هناك تخريجه، والآن فقد وفق الله ويسر لي تخريجه؛ و (لكل أجل كتاب). والله ولي التوفيق. انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3285.(13/2)
س)- عندما تكون المسجلة مفتوحة على القرآن الكريم، وبعض الحاضرين لا يستمعون بسبب أنهم مشغولون بالكلام، فما حكم عدم الاستماع؟ وهل يأثم الذي فتح المسجلة أو أحد الحاضرين؟
الجواب عن هذه القضية يختلف باختلاف المجلس الذي يتلى فيه القرآن من المسجلة، فإن كان المجلس مجلس علمٍ وذكرٍ وتلاوة للقرآن؛ فيجب والحالة هذه الإصغاء التام، ومن لم يفعل فهو آثم؛ لمخالفته لقول الله تعالى في القرآن: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [الأعراف:204] أما إذا كان المجلس ليس مجلس علم، ولا مجلس ذكر، ولا مجلس تلاوة قرآن، وإنما مجلساً عادياً، كأن يكون الإنسان يعمل في البيت، أو يدرس، أو يطالع؛ ففي هذه الحالة لا يجوز فتح آلة التسجيل ورفع صوت التلاوة، بحيث يصل إلى الآخرين الذين هم في البيت أو في المجلس، فهؤلاء في هذه الصورة ليسوا مكلفين بالسماع؛ لأنهم لم يجلسوا له، والمسئول هو الذي رفع صوت المسجلة، وأسمع صوتها للآخرين؛ لأنه يحرج الناس، ويحملهم على أن يستمعوا للقرآن وهم ليسوا مستعدين لهذا الاستماع. وأقرب مثال على هذا: أن أحدنا يمر في الطريق فيسمع السمان، وبائع الفلافل، والذي يبيع (الكاسيتات) -الأشرطة-، وقد ملأ صوتُ القرآنِ الطريقَ، وأينما ذهبت تسمع الصوت، فهؤلاء الذين يمشون في الطريق كل في سبيله، هل هم مكلفون بأن ينصتوا لهذا القرآن الذي يتلى في غير محله؟ الجواب: لا، وإنما المسئول هو هذا الذي يحرج الناس ويسمعهم صوت القرآن، إما للتجارة، أو للفت نظر الناس إليه، ونحو ذلك من المصالح المادية. فإذاً: هم يتخذون القرآن من جهة مزامير، كما جاء في بعض الأحاديث، ثم هم يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً بأسلوب آخر غير أسلوب اليهود والنصارى، الذين قال الله عز وجل في حقهم: (يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَناً قَلِيلاً) [آل عمران:199]. انتهى كلام الالباني من شريط تفسير القرآن الكريم من موقع الشبكة الإسلامية.
س)- هل ثبت ان القرآن سوف يرفع في آخر الزمان؟
ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام انه قال (يَدْرُسُ الْإِسْلَامُ كَمَا يَدْرُسُ وَشْيُ الثَّوْبِ حَتَّى لَا يُدْرَى مَا صِيَامٌ وَلَا صَلَاةٌ وَلَا نُسُكٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَيُسْرَى عَلَى كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي لَيْلَةٍ فَلَا يَبْقَى فِي الْأَرْضِ مِنْهُ آيَةٌ وَتَبْقَى طَوَائِفُ مِنْ النَّاسِ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْعَجُوزُ يَقُولُونَ أَدْرَكْنَا آبَاءَنَا عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَنَحْنُ نَقُولُهَا)
في هذا الحديث نبأ خطير , وهو أنه سوف يأتي يوم على الإسلام يمحى أثره , وعلى القرآن فيرفع , فلا يبقى منه ولا آية واحدة , وذلك لا يكون إلا بعد أن يسيطر الإسلام على الكرة الأرضية جميعها , وتكون كلمته فيها هي العليا , كما هو نص قول الله تبارك وتعالى (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ(13/3)
لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ)التوبة33 . وكما شرح رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك في أحاديث كثيرة سبق ذكر بعضها.
وما رفع القرآن الكريم في آخر الزمان , إلا تمهيداً لإقامة الساعة على شرار الخلق , الذين لا يعريفون شيئاً من الإسلام البتة , حتى ولا توحيده. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم87.
س)- هل صحيح أنه ثبت عن ابن مسعود أنه كان لا يعد المعوذتين من القرآن؟ وأن أُبي بن كعب أثبت في مصحفه دعاء القنوت وجعله سورتين؟
بالنسبة لهذا السؤال فهو ذو شطرين كما تقدم، أما فيما يتعلق بابن مسعود، فقد صح عنه، ولا غرابة في ذلك، وهذا دليل على أن الأمر كما قال الله عز وجل مخاطباً كل إنسان منا في عموم قوله: (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلاً )[الإسراء:85] أن ابن مسعود رضي الله عنه الذي كان من السابقين في الدخول في الإسلام، ومع ذلك فاتته بعض الأشياء، والتي بعضها هام جداً جداً، ومن ذلك ما تضمنه هذا السؤال، إذ لم يكن قد فهم فيما سمع من النبي صلى الله عليه وسلم أن المعوذتين: (قل أعوذ برب الفلق) و(قل أعوذ برب الناس) من القرآن الكريم، إنما فهم أنهما معوذتان، أي: دعاء؛ ولذلك فحرصاً منه على ألا يدخل في المصحف الذي فيه القرآن شيء غريب عنه؛ فقد كان يحكه، ويكشط كل صفحة فيها هاتان السورتان؛ لأنه لم يعلم ذلك، ولكن هذه مزية القرآن، أنه لم يجمع من شخص واحد وإنما جمع من عشرات، بل مئات الأشخاص، بعد أن كانت كتبت في صحف من نوعية غريبة في تلك الأزمان، عبارة عن أكتاف الحيوانات -عظم- أو أوراق الشجر، أو غير ذلك، إذ سخر الله عز وجل مئات الصحابة ليحفظوا القرآن كله في صدورهم أولاً، وليسطروه في الوسائل التي كانت معروفة عندهم ثانياً. من أجل هذه الحقيقة اعترف بعض الكتاب الغربيين بأن الإسلام لا يماثله دين آخر، في أن دستوره الأول ألا وهو القرآن مروي بالتواتر ومحفوظ، ويشهد بهذا الكثير منهم، ونحن لا نفخر ولكننا نقول:
والفضل ما شهدت به الأعداء فلا يضرنا أبداً أن تكون هذه الرواية صحيحة وثابتة عن ابن مسعود، بل نحن نأخذ من ثبوت هذه الرواية عبرة نعالج بها الغلاة من المسلمين قديماً وحديثاً، ممن يعتبرون بيان خطأ الشيخ الفلاني غمزاً فيه وطعناً له، لا.. كفى المرء نبلاً أن تعد معايبه فابن مسعود صحابي جليل، له الفضل على الإسلام والمسلمين في أنه نقل إلينا مئات الأحكام الشرعية، وكان من حفاظ القرآن، وممن يحسنون تلاوته، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يثني عليه ويقول: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً فليقرأه على قراءة ابن أم عبد ) يعني: عبد الله بن مسعود، وهذا أسلوب لطيف جداً في التعبير. الشاهد: هذا الرجل الفاضل إذا وجدت له بعض الأخطاء فهي أولاً: لا يؤاخذ عليها إطلاقاً؛ لأنها لم تكن مقصودة منه، بل على(13/4)
العكس -كما تقدم آنفاً- كان يكشط ويحك هاتين السورتين حفظاً للقرآن الكريم من الزيادة، فهذا لا يؤاخذ عليه إطلاقاً، ولذلك فلا عيب في أن نصرح بهذه الحقيقة، بل نستفيد من ذلك كما قلنا: أن الإنسان مهما سما وعلا فلا بد أن يكون له شيء من الأخطاء، كما جاء في بعض الأحاديث الموقوفة، والتي يروى بعضها عن ابن عباس، وبعضها عن بعض التابعين، ثم أخيراً ما اشتهر عن مالك : ما منا من أحدٍ إلا رُدّ عليه إلا صاحب هذا القبر، وأشار إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم. ولذلك لم يعبأ المسلمون إطلاقاً بهذه الرواية وبهذا الخطأ الذي صدر من ابن مسعود، فسجلت السورتان في المصحف، وهما متواترتان مع المصحف كله. ومن غرائب ابن مسعود أيضاً: أنه كان إذا صلى -وأنا أذكر هذا لا عيباً وإنما عبرة فقط- يطبق، والتطبيق عند الفقهاء والمحدثين هو أن يشبك بين كفيه ثم يدخلهما وهو راكع بين فخذيه، ولا يقبض بكفيه على ركبتيه كما هو السنة، وهذا ثابت وصحيح عن ابن مسعود أيضاً، ولا مجال لإنكار ذلك، ولم يأخذ المسلمون بهذا .. لماذا؟ لأن الله عز وجل قد ألهم غيره من الصحابة أن يحفظوا لنا السنة، بل وأن يبينوا لنا أن ابن مسعود في تطبيقه هذا إنما حفظ ما كان مشروعاً في الإسلام أولاً، فقد ثبت أن ابناً لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه كان في الكوفة حيث كان عبد الله بن مسعود، فصلى بجانب عبد الله بن مسعود يوماً وقبض -كما نفعل نحن اليوم- بكفيه على ركبتيه، فما كان من حرص ابن مسعود على المحافظة على ما علمه من الرسول عليه الصلاة والسلام، إلا أن أخذ بيدي الرجل - ابن سعد - في الصلاة، وطبقهما، ووضعهما بين فخذيه، وبعد الصلاة الظاهر أنه أفهمه أنه هكذا السنة، وهكذا رأيت الرسول عليه الصلاة والسلام يفعل. فلما رجع ابن سعد إلى أبيه في المدينة - سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المبشرين بالجنة- قص عليه قصة ابن مسعود معه، فقال: صدق! -انظروا إلى الأدب واللطف- قال: صدق أخي عبد الله بن مسعود ! كنا نفعل ذلك ثم أمرنا بالأخذ بالركب. فلا عيب في هذا إذ فاته شيء، لكنه حفظ أشياء وأشياء كثيرة، فهذا ما يحضرنا. أما بالنسبة لأُبي بن كعب، وأنه كان يكتب في مصحفة: اللهم إنا نستعينك.. فقد مر بي قديماً شيء من ذلك، لكن لا أحفظ إذا كانت الرواية عنه صحيحة أم لا، ولعله يتيسر لي المراجعة لذلك، وآتيكم بالجواب -إن شاء الله. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(13/5)
س)- بالنسبة لتحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن، نريد أن نستوضح عن تعليم القرآن، هل يدخل في ذلك، أو تعليم تفسير القرآن، أو تعليم تجويد القرآن؟
كل العبادات لا يجوز أن يؤخذ عليها أجر، وكل العبادات أي: كل ما يدخل في النص العام (كل عبادة)، وكل ما كان ديناً، كمثل قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ )[البينة:5]، وكذلك قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)[الكهف:110] . الآية الأولى صريحة الدلالة في الموضوع: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ) [البينة:5]، أما الآية الأخرى فتحتاج إلى شيء من الشرح والبيان، مما ذكره علماء التفسير. فقوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً) [الكهف:110] قالوا: العمل الصالح هو الموافق للسنة، أي: فما كان مخالفاً للسنة فليس عملاً صالحاً، وهذا قد جاءت فيه أحاديث كثيرة تترى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كمثل قوله في الحديث المشهور والمعروف في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، والأحاديث في هذا المعنى معروفة إن شاء الله، فلا حاجة لإطالة الكلام بذكرها. وقوله تعالى: (فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً) [الكهف:110] أي: موافقاً للسنة: (وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف:110] أي: لا يطلب أجر تلك العبادة من غيره تبارك وتعالى. والأحاديث التي تأمر بإخلاص النية في الطاعة والعبادة هي أيضاً كثيرة ومشهورة، فهذا النص القرآني بعد شرحه مع النص الأول، كلاهما نص عام على أن العبادة لا تكون عبادة إلا بشرطين اثنين: الشرط الأول: أن يكون على وجه السنة. الشرط الثاني: أن يكون خالصاً لوجه الله تبارك وتعالى. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل هناك نصوص خاصة لتحريم أخذ الأجرة على تعليم القرآن ؟
فهذه النصوص عامة تشمل كل عبادة، أما بالنسبة للقرآن فهناك نصوص خاصة، من أشهرها وأصحها قوله صلى الله عليه وسلم: (تعاهدوا هذا القرآن، وتغنوا به، قبل أن يأتي أقوام يتعجلونه، ولا يتأجلونه) (يتعجلونه) أي: يطلبون أجره العاجل، ولا (يتأجلونه) أي: لا يطلبون الأجر الآجل في الآخرة، فلهذا كله لا يجوز لمسلم أن يبتغي أجراً من وراء عبادة يقوم بها إلا من الله تبارك وتعالى، وعلى هذا فليست القضية متعلقة بتلاوة القرآن فقط، وبصورة خاصة على الحالة التي وصل إليها بعض القراء اليوم، حيث صدق فيهم نبأ الرسول الكريم المذكور آنفاً: (قبل أن يأتي أقوام يتعجلونه، ولا يتأجلونه). المسألة أعم وأوسع من ذلك(13/6)
بكثير، فلا فرق بين من يتلو القرآن للتلاوة فقط ويأخذ عليه أجراً، وبين من يعلم القرآن ويأخذ عليه أجراً، وبين من يفسر القرآن ويأخذ عليه أجراً، وبين من يعلم الحديث ويأخذ عليه أجراً، وبين من يؤم، ويؤذن، ويخدم المسجد، كل هذه عبادات لا يجوز لأي مسلم أن يبتغي من وراء الإتيان بها أجراً، إلا من عند الله تبارك وتعالى. فإذا عرفت هذه الحقيقة، وهي حقيقة كدت أن أقول: إنه لا خلاف فيها، ثم لم أقل؛ لأنني تذكرت خلافاً في جزئية واحدة ألا وهي القرآن الكريم، فإن بعض المذاهب المتبعة اليوم تقول: يجوز أخذ الأجر على القرآن، ولهم في ذلك حجة صحيحة روايةً، وليست صحيحة درايةً، أما أنها صحيحة رواية؛ فلأنها في صحيح البخاري، أما أنها ليست صحيحة درايةً، أي: لا يصح الاستدلال بهذه الرواية مع صحتها للاحتجاج على ما يناقض تلك الأدلة القاطعة بخاصة وبعامة، أنه لا يجوز أخذ الأجر على أي عبادة، وبخاصة منها القرآن الكريم. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- قلتم ان بعض المذاهب المتبعة اليوم تقول انه يجوز أخذ الأجر على القرآن، ولهم في ذلك حجة صحيحة روايةً، وليست صحيحة درايةً ، كيف ذلك؟
ذلك الحديث هو قوله عليه الصلاة والسلام: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) هذا الحديث في صحيح البخاري كما ذكرنا، وإنما قلنا: إنه لا يجوز الاستدلال به دراية مع صحته رواية؛ لأن لهذا الحديث مناسبة جاءت مقرونة مع الرواية نفسها، وهو في صحيح البخاري -كما قلنا- من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه: أنه كان في سرية مع جماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمروا بقبيلة من القبائل العربية، فطلبوا منهم أن ينزلوا عليهم ضيوفاً، فأبوا، فنزلوا بعيداً عنهم، فقدر الله تبارك وتعالى أن أرسل عقرباً فلدغت أمير القبيلة، فأرسل أحد أتباعه إلى هؤلاء الذين أرادوا أن ينزلوا عليهم فأبوا، وقال: انظروا لعل عندهم شيء؛ لأنهم من أهل الحضر، فجاء الرسول من قبل ذلك الأمير، فعرض عليه أحد الصحابة أن يعالجه، ولكن اشترط عليه رءوساً من الغنم -أنا نسيت الآن، إما عشراً وإما مائة- وهو رئيس قبيلة وغني، فقبل ذلك، فما كان منه إلا أن رقاه بالفاتحة بعد أن مسح بالبصاق مكان اللدغ، فكأنما نشط من عقال.. هكذا يقول في الحديث، فأخذ الجعل وأتى به إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم محتاطاً لعله لا يجوز أن يستفيد منه، فقال له عليه الصلاة والسلام الحديث السابق: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله). فاختلف العلماء هنا، فالجمهور أخذ بالحديث مفسراً بالسبب، والشافعية أخذوا بالحديث دون ربطه بالسبب، وهذا هو السبب في الخلاف، وينبغي أن يكون معلوماً لدى كل طالب(13/7)
للعلم، أن من الضروري جداً لمن أراد التفقه ليس في السنة فقط، بل وفي القرآن أيضاً، أن يعرف أسباب نزول الآيات، وأسباب ورود الأحاديث. فقد ذكر علماء التفسير أن معرفة سبب نزول الآية يساعد الباحث على معرفة نصف معنى الآية، والنصف الثاني يؤخذ من علم اللغة، وما يتعلق بها من معرفة الشريعة. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)-هذا يعني انه يجب ربط الحديث بسبب وروده؟
كثير من الأحاديث لا يمكن فهمها فهماً صحيحاً إلا مع ربطها بأسباب ورودها، منها هذا الحديث، وهناك أحاديث كثيرة، أيضاً، لا يمكن أن تفهم فهماً صحيحاً إلا بربط الرواية مع سببها، فحينما فصل الحديث: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله)عن سبب وروده؛ أعطى الإباحة العامة: (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) فسواء كان الأجر مقابل التلاوة، أو كان مقابل تعليم القرآن، أو تفسير القرآن، وهكذا، فالحديث عام. ولكننا إذا ربطناه بسبب الورود؛ تخصص هذا العموم للوارد، وهذا ما ذهب إليه جمهور العلماء، وبخاصة منهم علماء الحنفية، حينما فسروا هذا الحديث: (أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) في الرقية، فأضافوا هذه الجملة (في الرقية) أخذاً لها منهم من سبب ورود الحديث. وهذا الأخذ لا بد منه؛ لكي لا يصطدم التفسير -إذا كان من النوع الأول- بقواعد إسلامية عامة ذكرناها آنفاً من بعض الآيات وبعض الأحاديث، وهذا من القواعد الأصولية الفقهية: أنه إذا جاء نص، سواءً كان قرآناً أو كان سنة، فلا يجوز أن يؤخذ على عمومه إلا منظوراً إليه في حدود النصوص الأخرى، التي قد تقيد دلالته، أو تخصصه فهذه كقاعدة لا خلاف فيها عند علماء الفقه والحديث، بل علماء المسلمين جميعاً. وإنما الخلاف ينشأ من سببين اثنين: إما ألا يرد الحديث مطلقاً إلى بعضهم، أو أن يرجع إليه مطلقاً دون السبب الذي يوضح معناه، كما نحن في هذا الحديث بالذات. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما حكم أخذ العطاء الذي لا يسمى أجراً على تعليم القرآن؟
سبق من بيان أن القرآن تعليماً وقراءة لا يجوز أخذ الأجر عليه ككل العبادات، ولكن هنا ملاحظة لا بد من ذكرها ولو بإيجاز، فالأجر كما تعلمون حقٌ مقابل عمل يقوم به الإنسان، هذا النوع من الأخذ المسمى لغة وشرعاً: أجراً، هو الذي يحرم شرعاً، ولكن إذا كان هناك نوع من المال يعطى لمن يقوم ببعض -لنقل الآن بالعرف الحاضر- الوظائف الدينية، من قبل الدولة، أو من قبل بعض الأثرياء والأغنياء -وما أقلهم في هذا الزمان- الذين يشعرون بأن عليهم أن يمدوا يد العون والمساعدة لبعض الفقراء، بل والأقوياء الذين تفرغوا لخدمة الإسلام بعمل ما، خدمة للإسلام، فتعطي لهم الدولة، فلا يجوز، أولاً: للدولة أن تسمي هذا أجراً،(13/8)
ولا يجوز للآخذين لهذا الشيء أن يأخذوه أجراً، وإنما يأخذونه بمعنى آخر هو مثلاً: الهبة، أو الجُعالة، أو العطاء، كما كانوا في السلف الأول، حينما كان الإسلام قوياً، وكان الجهاد في سبيل الله قائماً ومنشوراً، وكانت المغانم تملأ خزائن الدولة، حتى كانت الدولة توزع عطاءً على الناس حتى من لم يكن موظفاً منهم فيها. فهذا هو المخرج ممن كان إماماً، أو مؤذناً، أو خطيباً، أو مدرساً في مدارس، وكان علمه علماً شرعياً دينياً، فلا يجوز له أن يأخذ عليه أجراً، وعليه أن يأخذه بغير معنى الأجر، لما ذكرناه من الأدلة القاطعة، التي توجب على كل مسلم أن تكون عبادته خالصة لوجه الله تبارك وتعالى. ولكن الحق والحق أقول: أن مثل هذا الأمر يحتاج إلى نفس مؤمنة قوية جداً، بمعنى أنه لا فرق عند المؤمن عندما يقوم بواجبه الديني في أي علم كان، ابتغاء لوجه الله حقاً، فلا فرق عنده أعطي المال أم لم يعطه؛ لأنه إنما يعمل لوجه الله تبارك وتعالى. وبهذا أنهي الجواب عن سؤالك، والإضافة التي ألحقتها لإزالة حرج قد يجده بعض الناس في نفوسهم، وقد لا يشعر به الآخرون، فيقعون في إثم الأكل للمال أجراً على عبادة لا يجوز لهم أن يأخذوا مقابلها أجراً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(13/9)
فصل في تفسير القرآن
س)- نرجو أن تتفضلوا لنا بشرح وافٍ لكل ما يتعلق بموضوع التأويل، وجزاكم الله خيرا؟
التأويل له مفهومان: مفهوم لغوي، ومفهوم اصطلاحي. المفهوم اللغوي هو مرادف لمعنى التفسير تماماً، كما جاء في كثير من الآيات: (ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً) [الكهف:82] (تأويل) أي: تفسير.. (هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيايَ مِنْ قَبْلُ) [يوسف:100] أي: تفسير، وهكذا.. فهذا التأويل بهذا المعنى. وللتأويل معنى اصطلاحي، وهذا الذي يجري كثيراً في أقوال العلماء، فمعنى التأويل اصطلاحاً هو: إخراج معنى النص من قرآن أو حديث عن ظاهره إلى معنى آخر يدل عليه الأسلوب العربي، كمثل: تفسير آية ما بالمجاز دون الحقيقة، فتفسير الآية في الحقيقة هو تفسير في الاصطلاح، وتفسير الآية بالتأويل بمعنى: إخراج النص عن ظاهره، هو التأويل المصطلح عليه، وهو على ما يبدو لي المراد بالسؤال. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- ما المقصود من قوله صلى الله عليه وسلم ( لولا أنكم تُذنبون لَخَلَقَ الله خلقاً يُذنبون فيغفر لهم)؟.
ليس المقصود من هذه الحديث- بداهة- الحض على الإكثار من الذنوب والمعاصي، ولا الإخبار فقط بأن الله غفور رحيم، وإنما الحض على الإكثار من الاستغفار، ليغفر الله له ذنوبه، فهذا هو المقصود بالذات من هذه الأحاديث، وإن اختصر ذلك منه بعض الرواة. والله أعلم. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1963.
س)- ما المراد بـ (الإمام) في قوله تعالى (يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم)؟
المراد بـ (الإمام) في قوله تعالى :(يوم ندعو كل أناس بإمامهم فمن أوتي كتابه بيمينه فأولئك يقرؤون كتابهم): هو كتاب الأعمال . ؛ أي : من فرحته وسروره بما فيه من العمل الصالح ؛ يقرأه ويحب قراءته .(13/10)
ورجحه الحافظ ابن كثير ؛ خلافاً لابن جرير ؛ فإنه قال - بعد أن ذكر هذا القول وغيره - :"والأولى قول من قال : معنى ذلك : يوم ندعو كل أناس بإمامهم الذي كانوا يقتدون به ويأتمون به في الدنيا ؛ لأن الأغلب من استعمال العرب (الإمام) : فيما ائتم واقتدي به" .
قال ابن كثير :"وقال بعض السلف : هذا أكبر شرف لأصحاب الحديث ؛ لأن إمامهم النبي صلي الله عليه وسلم" . انتهى كلام الألباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم5025.
س)- قال تعالى: (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا )[البقرة:158] ما معنى (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) في الآية الكريمة؟
هذه الآية استشكلها عروة بن الزبير حين قال ذات يوم للسيدة عائشة : [ما أرى إلا أن الرجل إذا حج وما طاف بالبيت ولا سعى بين الصفا والمروة إلا أن حجه صحيح، قالت له عائشة : ولم ذلك؟ فتلى هذه الآية: (فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا) [البقرة:158] فقالت له السيدة عائشة : لو كان الأمر كما تقول لكانت الآية: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما) فبينت رضي الله عنها القضية بياناً شافياً، فقالت ما خلاصته: أن هذه الآية نزلت بعد ما آمن الصحابة وأسلموا وعرفوا الإسلام، فصاروا يبتعدون عن جاهليتهم السابقة، حيث كانوا قبل الإسلام إذا جاءوا عند الكعبة وطافوا بين الصفا والمروة، كانوا يهلون لطاغوت من طواغيتهم هناك، ولصنم من أصنامهم، فلما هداهم الله تبارك وتعالى بالتوحيد والإسلام ترفعوا أن يضلوا، وأن يلبوا بالتلبية عند الكعبة وبين الصفا والمروة ؛ لأنهم كانوا يعبدون هناك ذلك الصنم، فوجدوا أن من المناسب لتوحيدهم وإيمانهم بالله ألا يعودوا فيطوفوا في المكان الذي كانوا يهلون ويلبون فيه باسم الطاغوت سابقاً، فكانوا يتخوفون، فأنزل الله هذه الآية. فالآية نزلت لرفع الحرج الذي صار في نفوسهم، لا ليبين لهم أنهم ليس عليهم شيء؛ فهو يقول: الطواف أمرتكم به، ولا حرج عليكم أن تطوفوا؛ لأنكم كنتم سابقاً تطوفون هناك وتهلون باسم الصنم، فمادام أنكم كفرتم بهذا الصنم وآمنتم بالله وحده لا شريك له، فلا جناح عليكم أن تطوفوا الآن بالبيت العتيق. ولذلك أكد هذا الأمر بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (كتب الله عليكم السعي فاسعوا)، أي: فرض الله عليكم السعي فاسعوا. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(13/11)
س)- في الاية (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (الزخرف: 61) هل الضمير في قوله تعالى:(وإنه لعلم للساعة) يعود إلى عيسى عليه السلام،اما إلى القرآن؟
أخرج أحمد (1/317- 318): ثنا هاشم بن القاسم: ثنا شيبان عن عاصم عن أبي رَزين عن أبي يحيى مولى ابن عقيل الأنصاري قال: قال ابن عباس:لقد علمتُ آية من القرآن ما سأ لني عنها رجل قط، فما أدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها؟ أم لم يفطنوا لها فيسألوا عنها؟ ثم طفق يحدثنا، فلما قام تلاومنا أن لا نكون سألناه عنها ! فقلت: أنا لها إذا راح غداً، فلما راح الغد؛ قلت: يا ابن عباس! ذكرت أمس أن آية من القرآن لم يسألك عنها رجل قط؛ فلا تدري أعلمها الناس فلم يسألوا عنها؟ أم لم يفطنوا لها؟ فقلت: أخبرني عنها وعن اللاتي قرأت قبلها؟ قال: نعم، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لقريش (يا معشر قريش! إنه ليس أحد يعبد من دون الله فيه خير- وقد علمت قريش أن النصارى تعبد عيسى ابن مريم، وما تقول في محمد-؛ فقالوا: يا محمد! ألست تزعم أن عيسى كان نبياً وعبداً من عباد الله صالحاً؟! فلئن كنت صادقاً فإن آلهتهم لكما يقولون- (الأصل: تقولون!)-، قال: فأنزل الله عز وجل: (ولما ضرب ابن مريم مثلاً إذا قومك منه يصدون) (الزخرف: 57) قال: قلت: ما (يصدون)؟ قال: يضجُّون. (وإنه لعلم للساعة)(الزخرف: 61)، قال: هو خروج (وفي رواية: نزول) عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة).
فالحديث صريح الدلالة على أن الضمير في قوله تعالى: (وإنه لعلم للساعة) يعود إلى عيسى عليه السلام، وليس إلى القرآن كما روي عن بعضهم، ولذلك قال الحافظ ابن كثير:(بل الصحيح أنه عائد على عيسى عليه الصلاة والسلام؛ فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة كما قال تعالى: (وإن من أهل
الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته) أي: قبل موت عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد تواترت الأحاديث عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه أخبر بنزول عيسى عليه السلام قبل يوم القيامة إماماً عادلاً وحكماً مقسطاً ". انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم 3208.(13/12)
س)- هل المقصود في قوله تعالى : (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ) طاعة أولي الأمر سوى من المسلمين او من الكافرين؟
من الواضح أن ذلك خاص بالمسلمين ،وأما الكفار المستعمرون فلا طاعة لهم بل يجب الاستعداد التام مادة ومعنى لطردهم وتطهير البلاد من رجسهم . وأما تأويل قوله تعالى : (منكم) أي فيكم فبدعة قاديانية ودسيسة إنكليزية ليضلوا المسلمين ويحملوهم على الطاعة للكفار المستعمرين طهر الله بلاد المسلمين منهم أجمعين. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
س)- ما المقصود بالوسيلة في قوله تعالى (أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ)؟
هي صَريحَةٌ في أنَّ المرادَ بالوسيلةِ ما يُتقرَّبُ بِهِ إلى اللهِ تعالى ولذلكَ قالَ : (يبتغون ) أي يَطلُبونَ ما يَتَقَرَّبونَ بِهِ إلى الله تعالى من الأعمالِ الصالِحَةِ وهي كذلكَ تُشيرُ إلى هذِهِ الظاهِرَةِ الغريبَةِ المُخالِفةِ لِكُلِّ تَفكيرٍ سَليمٍ ظاهِرُهُ أن يَتَوجَّهَ بَعضُ الناسِ بِعبادَتِهِم وَدُعائِهِم إلى بَعضِ عِبادِ الله يَخافونَهُم وَيَرجُونَهم مع أنَّ هؤلاءِ العِبادِ المعبودينَ قَد أعلَنوا إسلامَهُم وأقرُّوا للهِ بِعبوديَّتِهِم وأَخَذوا يَتَسابَقُونَ في التقرُّبِ إليه سُبحانَهُ بالأعمالِ الصالِحَةِ التي يُحبُّها وَيَرضاها وَيَطمَعونَ في رَحمتِهِ وَيَخافونَ مِن عِقابِهِ فهو سُبحانَهُ يُسفِّهُ في هذهِ الآيةِ أحلامَ أولئكَ الجاهلينَ الذين عَبَدوا الجنَّ واستمرُّوا على عِبادتِهِم مع أنَّهم مَخلوقونَ عابِدونَ لهُ سبحانَهُ وضُعفاءُ مثلُهُم لا يَملِكونَ لأنفُسِهِم نَفعاً ولا ضَراً وَيُنكرُ الله عَليهِم عَدَمَ تَوجُّهِهِم بالعبادةِ إليهِ وَحدَهُ تَباركَ وتعالى وهوَ الذي يملِكُ وَحدَهُ الضرَّ والنفعَ وبيدِهِ وَحدَهُ مقاديرُ كُلِّ شيءٍ وهو المهيمنُ على كُلِّ شيءٍ انتهى كلام الالباني من كتاب التوسل 14-15.
س)- كيف نوفق بين هاتين الآيتين: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) [آل عمران:85] وقوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:62] ؟(13/13)
لا تعارض بين الآيتين كما يوهم السؤال؛ ذلك لأن آية الإسلام هي بعد أن تبلغ دعوة الإسلام أولئك الأقوام الذين وصفهم الله عز وجل في الآية الثانية بأنهم لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وذكر منهم الصابئة، والصابئة عندما يذكرون يسبق إلى الذهن أن المقصود بهم عباد الكواكب، والحقيقة أنهم كل قوم وقعوا في الشرك بعد التوحيد، والصابئة كانوا موحدين، ثم عرض لهم الشرك وعبادة الكواكب، فالذين ذكروا في هذه الآية هم المؤمنون الموحدون منهم. فهؤلاء قبل مجيء دعوة الإسلام هم كاليهود والنصارى، وذكروا أيضاً في نفس السياق الذي ذكر الصابئة، فهؤلاء من كان منهم متمسكاً بدينه في زمانه؛ فهو من المؤمنين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون. ولكن بعد أن بعث الله عز وجل محمداً عليه الصلاة والسلام بدين الإسلام، وبلغت دعوة الإسلام أولئك الناس من يهود ونصارى وصابئة؛ فلا يقبل منهم إلا الإسلام. إذاً: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِيناً) [آل عمران:85] أي: بعد مجيء الإسلام على لسان الرسول عليه الصلاة والسلام، وبلوغ دعوة الإسلام إليه، فلا يقبل منه. أما الذين كانوا قبل بعثة الرسول عليه الصلاة والسلام، أو الذين قد يوجدون اليوم على وجه الأرض ولم تبلغهم دعوة الإسلام، أو بلغتهم دعوة الإسلام ولكن بلغتهم محرفة عن أساسها وحقيقتها، كما ذكرت لكم في بعض المناسبات عن القاديانيين -مثلاً- اليوم، الذين انتشروا في أوروبا و أمريكا، يدعون إلى الإسلام، ولكن هذا الإسلام الذي يدعون إليه ليس من الإسلام في شيء؛ لأنهم يقولون بمجيء أنبياء بعد خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، فهؤلاء الأقوام الأوروبيون الذين دُعُوا إلى إسلام قادياني لم تبلغهم دعوة الإسلام. إذاً: باختصار من كان قبل الإسلام، ومن قد لا يزال حتى بعد الإسلام ولم تبلغه دعوة الإسلام، فهؤلاء يقسمون إلى قسمين: قسم منهم على دين سابق وهم متمسكون به، وعلى ذلك تحمل آية: (لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ )[البقرة:62] . وقسم انحرف عن هذا الدين، كما هو شأن الكثير من المسلمين اليوم، فالحجة قائمة عليهم. أما من لم تبلغهم دعوة الإسلام مطلقاً سواء بعد الإسلام أو قبله؛ فهؤلاء لهم معاملة في الآخرة، وهي أن الله عز وجل يبعث إليهم رسولاً يمتحنهم كما امتحن الناس في الحياة الدنيا، فمن استجاب لذلك الرسول في عرصات يوم القيامة وأطاعه دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(13/14)
فصل في أحكام التجويد
س)- يكثر الكلام في الساحة عن أحكام التجويد وتطبيق هذه الأحكام ، حيث إن هناك بعض العلماء يقولون بوجوبه، مع أن بعض هذه الأحكام مختلف فيها عند أئمّة هذا العلم، فما رأيكم بمشروعيّة هذه الأحكام ومدى ثبوت أدلّتها في الكتاب والسنة ؟
لقد تلقّى الناسُ قراءة القرآن الكريم خلفاً عن سلف بهذه الطريقة المعروفة بـ(أحكام التجويد)، وأحكام التجويد أصلاً هي قواعد للنطق العربي، حيث كان العربي الأصيل ينطق كلامه بهذه الطريقة كلاماً أو قراءة، ومع تقدّم الناس وتطاول عهدهم بأصول العربية واختلاط العرب بالأعاجم ممّا سبّب فشوّ اللحن، واستعجام العرب فضلاً عن العجم، وخُصَّ الاهتمام بتعليم هذه الأحكام في مجال قراءة القرآن الكريم .
أمّا ما ذكره السائل أن الأئمّة اختلفوا في بعض أحكام التجويد؛ فهذا صحيح فعلاً، فمنهم من رأى المدّ المنفصل مطلقاً، ومنهم من يمدّه ثلاث حركات، ومنهم أربعاً، ومنهم من يُشبع مَدَّ هذا النوع كغيره،
ومنهم من أعمل إخفاء النون والتنوين مع الغين والخاء، ومنهم من أظهرهما مع هذين الحرفين، وهم الأكثرون،ومنهم من جعل إدغام النون كلّه بغير غنّة، حتى مع الواو والياء، وقَصَرَ إدغام الغنة على التنوين حتى وَسّع إدغام الغنّة مع التنوين حتى مع اللام والراء، ومنهم من أمال ذوات الياء، ومنهم من قلّل الإمالة، وهو ما يُسَمّى عندهم بالتقليل؛ وهي مرحلة من الإمالة بين الفتح والإمالة، ومنهم من أعمل الإشمام فيما عيّنه ياء من المبني للمجهول، ومنهم من فخّم اللام مع بعض الحروف، ومنهم من رقّق الراء المفتوحة إذا جاورت الياء أو المكسور، ومنهم من يمدّ أي يُشبع مد البدل، إلى آخر ما هنالك.
وسبب هذه الاختلافات أيضاً هو تابعٌ لأحكام النطق بالعربية، فهذه الأحكام موزّعة في أحكام القراءات، ومعلوم أن اختلاف القراءات هو أصلاً من اختلاف طريقة النطق بالكلمة عند العرب، فإنه كان من تيسير الله عزّ وجلّ على هذه الأمّة في كتابه أن أنزله على سبعة أحرف كما جاء في الأحاديث الصحيحة المتواترة في هذا الباب، منها قوله" إن هذا القرآن أُنزِلَ على سبعة أحرف "متفق عليه ، وغيره من عشرات الأحاديث المبثوثة في جميع كتب السنة؛ كالبخاري ومسلم وأحمد والترمذي وأبي داود وغيرهم، وهذه الأحرف كما وصفها الرسول في حديثٍ آخر حيث قال " أُنزِل القرآن من سبعة أبواب على سبعة أحرف،(13/15)
كلّها شافٍ كافٍ " صحيح الجامع 1496 ، فهذا الاختلاف الواقع بين الأئمّة في أحكام التجويد هو من هذا الباب، ولا يضُرُّ هذا الخلاف في شيءٍ أبداً.
وعلى الإنسان أن يقرأ القرآن بأحكام التجويد، لأن الله تعالى يقول : (ورتّل القرآن ترتيلا) ، فإذا قرأته كما تقرأ أيّ كتابٍ آخر لم تكن ترتّله، فلا بدّ من قراءته بأحكام التجويد، والخطأ في أحكام التجويد يُسَمّيه العلماء باللحن الخفي، فعلى الإنسان أن يعتني بتعلّم كيفيّة قراءة القرآن بالطريقة الصحيحة، أمّا إذا علم خلافاً ما في حكمٍ ما؛ فعليه أن يلتزم بما تعلّمه من شيوخه لئلاّ يقع في الفوضى، وألاّ يترك الطريقة التي تعلّمها من مشايخه رغبةً عنها لاعتقادٍ منه أن غيرها أصحّ منها، فكلّها صحيحة، وكلّها كما وصف الرسول: " شافٍ كافٍ ."
أمّا أن يُطلَب الدليلُ من الكتاب والسنة على هذه الأحكام؛ فهذا الطلبُ أصلاً خطأ ، لأن هذه الأحكام كلّها وصلتنا بالتواتر العملي، فنحن تعلّمنا قراءة القرآن من أشياخنا وآبائنا بهذه الطريقة، وهم تعلّموا بنفس الطريقة من مشايخهم وآبائهم، وهكذا إلى عهد الصحابة الذين أخذوه عن الرسول.
وفي هذا القدر كفاية، والحمد لله أولاً وآخراً . دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .(13/16)
مجموع فتاوى العلامة الالباني
كتاب علم الحديث والرجال
جمع وترتيب
ابو سند فتح الله(14/1)
كتاب علم الحديث والرجال
فصل في كتب الحديث
باب في الصحيحين
س)- ما هي منزلة الصحيحين ؟
ينبغي لمن يشتغل بكتب السنة أن يجعل عمدته على " الصحيحين " لاتفاق الأمة عليهما واعتنائها بروايتهما أكثر من غيرهما من كتب السنة الأخرى. انتهى كلام الألباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل يعني ذلك ان كل احاديث الصحيحين مرجحة على غيرهما من كتب السنة الأخرى ؟
أن ترجيح ما في " الصحيحين " على ما كان عند غيرهما ليس على إطلاقه . انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة ( 2\537).
س)- هل يصح عزو الحديث إذا كان في " الصحيحين " أو في أحدهما إلى غيرهما؟
لا يجوز عزو الحديث إذا كان في " الصحيحين " أو في أحدهما إلى غيرهما إلا تبعا أو لزيادة فيه لما فيه من إيهام أنه ليس مقطوعا بصحته. انتهى كلام الألباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل من شرط صحة الحديث أن يكون على شرط الشيخين ؟
قد صححا أحاديث كثيرة خارج كتابيهما و ليست على شرطهما ؟ ! انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة (1\388).(14/2)
س)- حديث ذكر في الصحيحين هل يكون هذا الحديث صحيحا ؟
صحيح يقينا لأنه من أحاديث الصحيحين التي تلقتها الأمة بالقبول. انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2814
س)- حديث أخرجه البخاري في صحيحه وفي اسناده ضعف .هل نحكم على الحديث بالضعف؟
حديثا يخرجه الإمام البخاري في" المسند الصحيح " ليس من السهل الطعن في صحته لمجرد ضعف في إسناده ، لاحتمال أن يكون له شواهد تأخذ بعضده و تقويه. انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم1640.
باب في الكتب الستة
س)- هل يصح اطلاق لفظ الصحاح على الكتب الستة ؟
إن ما تضمنته الكتب المذكورة وغيرها - باستثناء الصحيحين - ليس كل ما فيها من الحديث صحيحا . بل منه الصحيح والحسن والضعيف وفي بعضها الموضوع أيضا كما هو معلوم عند أهل العلم بالحديث الشريف. انتهى كلام الألباني من دفاع عن الحديث النبوي .
باب في كتاب الترغيب والترهيب
س)- ما قولكم في كتاب الترغيب والترهيب للمنذري -رحمه الله؟
ليس بخافٍ على أحد من أهل العلم أن كتاب الترغيب والترهيب للحافظ زكي الدين عبد العظيم بن عبد القوي المنذري هو أجمع وأنفع ما ألّف في موضوعه، فقد أحاط فيه أو كاد، بما تفرق في بطون الكتب الستة وغيرها من أحاديث الترغيب والترهيب في مختلف أبواب الشريعة الغراء، كالعلم، والصلاة، والبيوع ، والمعاملات، والأدب، والأخلاق، والزهد، وصفة الجنة والنار، وغيرها مما لا يكاد يستغني عنه واعظ أو مرشد، ولا خطيب أو مدرس، مع اعتنائه بتخريج الأحاديث وعزوه إياها إلى مصادرها من كتب السنة(14/3)
المعتمدة، على ما بيّنه هو نفسه في المقدمة، وقد أجاد ترتيبه وتصنيفه، وأحسن جمعه وتأليفه، فهو فرد في فنه، منقطع القرين في حسنه، كما قال الحافظ برهان الدين الحلبي الملقب (بالناجي) في مقدمة كتابه (عجالة الإملاء) فاستحق بذلك أن يصفه الحافظ الذهبي النقاد: بأنه كتاب نفيس، كما نقله عنه ابن العماد في (الشذرات) (5/278).انتهى كلام الالباني من كتاب الترغيب والترهيب) 1/6.
باب في كتاب المستدرك
س)- ما قولكم في كتاب المستدرك على الصحيحين للحاكم رحمه الله؟
مستدرك الحاكم فيه أوهام كثيرة في الرجال والأسانيد كما يعرف ذلك من له عناية بدراسته ومعرفة برجاله، كما وقعت له أخطاء كثيرة في تصحيح كثير من أسانيده وعللوا ذلك بأنه لم يتح له أن يبيضه انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة (1/536).
س)- هل يصح إطلاق لفظة الصحيح على المستدرك؟
إطلاق لفظة الصحيح على المستدرك فيه تسامح ظاهر، لكثرة الأحاديث الضعيفة والمنكرة الواقعة فيه، بل وبعض الموضوعات. ولذلك تجد الحذاق من المحدثين يقولون: رواه الحاكم في المستدرك. انتهى كلام الالباني من شرح العقيدة الطحاوية.
باب في الموطأ
س)- هل الموطأ من الكتب الستة؟
من المعلوم أن الموطأ ليس من الكتب الستة في الاصطلاح. انتهى كلام الالباني نقد نصوص حديثية.
س)- هل كل احاديث الموطأ صحاح؟
الموطأ للإمام مالك ، مع جلالته لا يخلو من كثير من الأحاديث المرسلة والمعضلة، وبعضها مما لم يوجد له أصل أصلا كحديث:" إني لا أنسى ولكن أنََسَّى "، وبعضها وجد له أصل عند بعض المحدثين وفيه الصحيح والضعيف، فلا بد من التحري. ولذلك قال السيوطي في [التدريب] 54: صرح الخطيب وغيره بأن(14/4)
[الموطأ] مقدم على كل كتاب من [الجوامع] و [المسانيد] فعلى هذا هو بعد [صحيح الحاكم].. وأحصيت ما في [الموطأ] وما في حديث سفيان بن عيينة فوجدت في كل واحد منهما من المسند خمسمائة ونيفا مسندا، وثلاثمائة مرسلا ونيفا، وفيه نيف وسبعون حديثا، قد ترك مالك نفسه العمل بها، وفيها أحاديث ضعيفة، وَهَّاها جمهور العلماء. انتهى كلام الالباني الرد على على البوطي (دفاع عن الحديث النبوي).
باب في سنن ابن ماجه
س)- هل يوجد في سنن ابن ماجه احاديث موضوعة؟
ابن ماجه لم يَدَّعِ أن كتابه معصوم من الموضوع، ولو ادّعى؛ فالواقع يخالفه، فإن فيه غير ما حديث موضوع. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة (5/119).
باب في مسند الإمام أحمد
س)- هل مادة مسند الإمام أحمد المطبوع كاملة؟
مسند أحمد المطبوع فيه خرم، بدليل عزو الحافظ وغيره حديث (انزل عن القبر , لا تؤذ صاحب هذا القبر) إليه، مما يجعلني أظن أن له رواية أخرى أوسع مادة من رواية المطبوع ، فيكون أمره من هذه الحيثية كأمر [مسند أبي يعلى] المطبوع فإن له رواية أخرى أوسع منه ، وهي التي يعتمد عليها الحافظ في المطالب العالية خلافا لشيخه الهيثمي فإنه اقتصر على الرواية المختصرة كما نص عليه هو في المقدمة. والله أعلم .انتهى كلام الالباني من السلسلة الصحيحة (6/1119).
س)- هل مسند الإمام أحمد بمنزلة الصحاح؟
إن الإمام أحمد لم يحتجّ بكل راوٍ وبكل حديث أخرجه في [مسنده]، لأن [المسند] ليس بمنزلة الصحاح، ولا بمنزلة بعض السنن التي يقع فيها بيان من يحتجّ به ممن لا يحتجّ به ولو أحيانا. تخريج [كتاب السنة] لابن أبي عاصم (1/226: ).(14/5)
س)- هل معني ذلك ان أحاديث المسند كلها أقل درجة من الصحيحين من حيث الصحة؟
بل يفوق المسند أحيانا بعض أحاديث الصحيحين في الصحة. انتهى كلام الالباني من الباعث الحثيث(1/109).
س)- هل يوجد في مسند الإمام أحمد احاديث ضعيفة؟
مسند الإمام أحمد؛ فهو لغزارة مادته تكثر فيه الأحاديث الضعيفة، وهذا مما لا خلاف فيه عند أهل العلم. قال الحافظ العراقي : وأما وجود الضعيف فيه فهو محقق، بل فيه أحاديث موضوعة جمعتها في جزء . ذكره السيوطي في كتابه ص 100 . ثم نقل عن الحافظ ابن حجر أنه ردّ في كتابه : القول المسدد في الذب عن المسند قول من قال بأن في المسند أحاديث موضوعة. انتهى كلام الالباني الرد على البوطي (دفاع عن الحديث النبوي).
س)- ما هو السبيل لمعرفة زيادات عبد الله ابن أحمد في مسند الإمام أحمد ؟
من المعلوم أن مسند أحمد رحمه الله يرويه عنه ابنه عبد الله، ويرويه عن عبد الله أبو بكر القطيعي - رحمه الله -، فما كان من أحاديث أحمد فيه؛ فلا بد من أن يذكر فيها اسمه، وهي - عادة - تكون مصدرة بقول القطيعي:( حدثنا عبد الله : حدثنا أبي ..)، وهذا النوع هو الغالب على [المسند]، وما كان من زيادات عبد الله؛ يقول القطيعي فيها: حدثنا عبد الله: حدثنا فلان بن فلان ..) يسمي شيخه الذي هو غير أبيه. . انتهى كلام الالباني من كتاب الذب الأحمد عن مسند الإمام أحمد.
س)- هل زيادات عبد الله هذه كتابا خاصا؟
زيادات عبد الله هذه ليست كتابا خاصا ألفه عبد الله وإنما هي أحاديث ساقها في [مسند] أبيه يرويها عن شيوخ له بأسانيدهم عنه صلى الله عليه وسلم، وتتميز أحاديث الزيادات عن أحاديث [المسند] بالتأمل في شيخ عبد الله في أيّ حديث فيه، فإن كان عن أبيه؛ فهو من أحاديث [المسند]، وفي هذا النوع يقال فيه: (رواه أحمد)، وإن كان عن غير أبيه؛ فهو من زياداته في [مسند] أبيه، وفيه يقال:( رواه عبد الله في زياداته على المسند ) .. فيجب التنبّه لهذا، فكثيرا ما اختلط الأمر على بعض الحفّاظ فضلا عن غيرهم، فيعزى الحديث لأحمد وهو لابنه.انتهى كلام الالباني من كتاب صحيح الترغيب والترهيب(1/151).(14/6)
باب في كتب السيوطي
س)- هل يوجد في الجامع الكبير للسيوطي احاديث ضعيفة؟
إن جامعه جمع فيه ما هبّ وذبّ، بخلاف كتابه الآخر [الجامع الصغير] فإنه ذكر في مقدمته أنه صانه عما تفرّد به كذّاب أو وضّاع. ومع ذلك فإنّه لم يستطع القيام بهذا، فوقع فيه كثير من الموضوعات. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة (3/453).
س)- ما هو حال كتاب الخصائص الكبرى للسيوطي؟
إن كتابه الخصائص الكبرى محشو بالأحاديث الموضوعة والمكذوبة، فضلا عن الأحاديث الضعيفة والمنكرة. انتهى كلام الالباني من تعليقه على بداية السول للعز ابن عبد السلام 15.
س)- ما هو عيب كتاب الدر المنثور للسيوطي؟
هو لم يتكلم على إسناده كما هي عادته، وذلك من عيوب كتابه الحافل بالأحاديث والآثار.انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة (2/386).
باب في المجموع للإمام النووي
س)- هل كتاب المجموع للإمام النووي يجمع من الفوائد ما لا يوجد في التلخيص؟
إن كتاب المجموع قد يجمع من الفوائد ما لا يوجد في التلخيص ، خلافا لما سمعته من بعض شيوخ الأزهر وأساتذة كلية أصول الدين فيه، عند اجتماعي بهم في لجنة الحديث بالقاهرة، أوائل شهر ربيع الأول سنة ثمانين وثلاثمائة وألف . انتهى كلام الالباني من كتاب الإرواء[2/152].(14/7)
باب في مجمع الزوائد
س)- ما هي محتويات مجمع الزوائد للهيثمي؟
فيه زوائد معاجم الطبراني الثلاثة، ومسند أحمد، وأبي يعلى، والبزار انتهى كلام الالباني من كتاب الإرواء[1/86]..
باب في كتاب تهذيب الآثار
س)- ما هو أسلوب الإمام الطبري في تصحيح الأحاديث في كتاب «تهذيب الآثار» ؟
إني لأعجب أشد العجب من أسلوب الإمام الطبري في تصحيح الأحاديث في كتابه المذكور [تهذيب الآثار]، فقد رأيت له فيه عشرات الأحاديث يصرح بصحتها عنده، ولا يتكلم على ذلك بتوثيق، بل يتبعه بحكايته عن العلماء الآخرين تضعيفه، وبكلامهم في إعلاله، ولا يردُّه، بحيث أن القارىء يميل إليهم دونه ! فما أشبهه فيه بأسلوب الرّازي في ردّه على المعتزلة في [تفسيره]؛ يحكي شبهاتهم على أهل السنة، ثم يعجز عن ردّها انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة (5/173).
باب في سنن الدارمي
س)- هل الصواب اطلاق اسم المسند على كتاب الدارمي ام السنن ؟
اعلم أن كتاب الدارمي هذا هو على طريقة السنن الأربعة في ترتيب الكتب والأبواب ولذلك فالصواب إطلاق اسم ( السنن ) عليه وقد اشتهر قديما ب ( مسند الدارمي ) وهذا وهم لا وجه له مطلقا عند أهل العلم ومثله تسميته ب ( الصحيح ) وهذا أبعد ما يكون عن الصواب لأن فيه أحاديث مرفوعة كثيرة ضعيفة الأسانيد وبعضها مرسلات ومعضلات وفيه آثار موقوفة وكثير منها ضعيفة. انتهى كلام الألباني من نقد نصوص حديثية .(14/8)
باب في مسند أبي عوانة
س)- ما هو مسند أبي عوانة؟
من المعلوم عند النابغين العارفين بهذا الفن أن " مسند أبي عوانة " إنما هو مستخرج على " صحيح مسلم " ، يخرج فيه أحاديثه بأسانيد له إلى شيخ مسلم أو من فوقه إذا تيسر له و هو الغالب. انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2707.(14/9)
فصل في الحديث واقسامه
س)- ما هي الغاية من التخريج ؟
اعلم أن فن التخريج ليس غاية في نفسه عند المحققين من المحدثين بحيث يقتصر أمره على أن نقول مخرج الحديث : " أخرجه فلان وفلان و . - عن فلان عن النبي صلى الله عليه وسلم كما يفعله عامة المحدثين قديما وحديثا بل لا بد أن يضم إلى ذلك بيانه لدرجة كونه ضعيفا فإنه والحالة هذه لا بد له من أن تتبع طرقه وشواهده لعله يرتقي الحديث بها إلى مرتبة القوة وهذا ما يعرف في علم الحديث بالحسن لغيره أو الصحيح لغيره . وهذا في الحقيقة من أصعب أنواع علوم الحديث وأشقها لأنه يتطلب سعة في الاطلاع على الأحاديث والأسانيد في بطون كتب الحديث مطبوعها ومخطوطها ومعرفة جيدة بعلل الحديث وتراجم رجاله أضف إلى ذلك دأبا وجلدا على البحث فلا جرم أنه تقاعس عن القيام بذلك جماهير المحدثين قديما والمشتغلين به حديثا وقليل ما هم . على أننى أرى أنه لا يجوز في هذه الأيام الاقتصار على التخريج دون بيان المرتبة لما فيه من إيهام عامة القراء الذين يستلزمون من التخريج القوة - أن الحديث ثابت على كل حال . وهذا مما لا يجوز كما بينته في مقدمة : " غاية المرام " فراجعه فإنه هام . انتهى كلام الألباني من كتاب الإرواء
باب في الخبر المتواتر
س)- هل يشترط في الحديث المتواتر سلامة طرقه من الضعف؟
لا يشترط في الحديث المتواتر سلامة طرقه من الضعف ، لأن ثبوته إنما هو بمجموعها ، لا بالفرد منها ، كما هو مشروح في " المصطلح " . إرواءُ الغليلِ في تخريجِ أحاديثِ منارِ السبيلِ.(14/10)
باب في الخبر الآحاد
س)- هل خبر الآحاد حجة في العقيدة؟
أخرجه مسلم(1297) والحاكم(3/267) وأحمد(3/125) وأبو يعلى(2/831) من طرق عن حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس:((أن أهل اليمن قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ابعث معنا رجلاً يعلمنا السنة والإسلام. قال: فأخذ بيد أبي عبيدة، فقال هذا أمين هذه الأمة. يعني أبا عبيدة) ، والسياق لمسلم، ولفظ الحاكم: ((يعلمنا القرآن)).
وفي الحديث فائدة هامة، وهي أن خبر الآحاد حجة في العقائد، كما هو حجة في الأحكام، لأننا نعلم بالضرورة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يبعث أبا عبيدة إلى أهل اليمن ليعلمهم الأحكام فقط، بل والعقائد أيضا ً، فلو كان خبر الآحاد لا يفيد العلم الشرعي في العقيدة، ولا تقوم به الحجة فيها، لكان إرسال أبي عبيدة وحده إليهم ليعلمهم، أشبه شيء بالبعث. وهذا مما يتنزه الشارع عنه.فثبت يقيناً إفادته العلم. وهو المقصود، ولي في هذه المسألة الهامة رسالتان معروفتان مطبوعتان مراراً، فليراجعهما من أراد التفصيل فيها. انتهى كلام الالباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم1964.
باب في الحديث الصحيح
س)- عرف الحديث الصحيح ؟
هو ما رواه عدل ضابط عن مثله عن مثله إلى منتهاه و لا يكون شاذا و لا معلا. انتهى كلام الألباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم943.
س)- ما هي أقسام الحديث الصحيح ؟
1- الصحيح لذاته : وقد مر تعريفه .
2- الصحيح لغيره : وهو الذي في سنده ضعف غير شديد ، وله شاهد مثله أو أكثر لم يشتد ضعفه يكون حسنا لذاته فيرتقي الى درجة الصحيح بشاهد معتبر . انتهى كلام الألباني من التعقيب الحثيث.(14/11)
باب في الحديث الحسن
س)- هل يصح الاحتجاج بالحديث الحسن ؟
الحسن كالصحيح في الاحتجاج به والعمل بما فيه. انتهى كلام الألباني من كتاب المسح على الجوربين .
س)- ما سبب صعوبة كلا من الحديث الحسن لغيره والحسن لذاته؟
إن الحديث الحسن لغيره وكذا الحسن لذاته من أدق علوم الحديث وأصعبها لأن مدارهما على من اختلف فيه العلماء من رواته ما بين موثق ومضعف فلا يتمكن من التوفيق بينها أو ترجيح قول على الأقوال الأخرى إلا من كان على علم بأصول الحديث وقواعده ومعرفة قوية بعلم الجرح والتعليل ومارس ذلك عمليا مدة طويلة من عمره مستفيدا من كتب التخريجات ونقد الأئمة النقاد عارفا بالمتشددين منهم والمتساهلين ومن هم وسط بينهم حتى لا يقع في الإفراط والتفريط وهذا أمر صعب قل من يصير له وينال ثمرته فلا جرم أن صار هذا العلم غريبا من العلماء والله يختص بفضله من يشاء . انتهى كلام الألباني من كتاب الإرواء.
س)- ماذا يعني في اصطلاح الترمذي لو قال في حديث "هذا حديث غريب حسن"؟
إن جمع الترمذي بين لفظتي "غريب " و " حسن " إنما يعني في اصطلاحه أنه حسن لذاته بخلاف ما لو قال : " حديث حسن " فقط ، دون لفظة " غريب " فإنه يعين أنه حسن لغيره ، و بخلاف ما لو قال :" حديث غريب " فقط ، فإنما يعني أن إسناده ضعيف. سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ 764.
س)- ما هي مرتبة الحديث الحسن لغيره؟
ان الحديث الحسن لغيره أحط في الثبوت من الحسن لذاته ، و هذا أحط في الصحة من الصحيح لغيره ، و هذا أحط من الصحيح لذاته ، و هكذا يقال في المشهور والمستفيض مع المتواتر كما هو ظاهر. سلسلةُ الأحاديثِ الصحيحةِ وشيءٌ من فِقهِها وفوائِدِها3000.(14/12)
باب في الحديث الضعيف
س)- كيف يتقوى الحديث الضعيف؟
الحديث الضعيف يتقوى بكثرة الطرق كما هو مفصل في علم مصطلح الحديث . تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
س)- تقوية الحديث الضعيف بكثرة الطرق هل على إطلاقه؟
من المشهور عند أهل العلم أن الحديث إذا جاء من طرق متعددة فإنه يتقوى بها ويصير حجة وإن كان كل طريق منها على انفراده ضعيفا ولكن هذا ليس على إطلاقه بل هو مقيد عند المحققين منهم بما إذا كان ضعف رواته في مختلف طرقه ناشئا من سوء حفظهم لا من تهمة في صدقهم أو دينهم وإلا فإنه لا يتقوى مهما كثرت طرقه . تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
س)- ما الذي يجب على من يريد ان يقوى الحديث الضعيف بكثرة الطرق؟
لا بد لمن يريد أن يقوي الحديث بكثرة طرقه أن يقف على رجال كل طريق منها حتى يتبين له مبلغ الضعف فيها ومن المؤسف أن القليل جدا من العلماء من يفعل ذلك ولا سيما المتأخرين منهم فإنهم يذهبون إلى تقوية الحديث لمجرد نقلهم عن غيرهم أن له طرقا دون أن يقفوا عليها ويعرفوا ماهية ضعفها والأمثلة على ذلك كثيرة من ابتغاها وجدها في كتب التخريج وبخاصة في كتابي " سلسلة الأحاديث الضعيفة " تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
س)- هل يجوز ذكر الحديث الضعيف؟
لا يجوز ذكر الحديث الضعيف إلا مع بيان ضعفه ، ولقد جرى كثير من المؤلفين ولا سيما في العصر الحاضر على اختلاف مذاهبهم واختصاصاتهم على رواية الأحاديث المنسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم دون أن ينبهوا على الضعيفة منها جهلا منهم بالسنة أو رغبة أو كسلا منهم عن الرجوع إلى كتب المتخصصين فيها. تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .(14/13)
س)- ما حكم من سكت عن الأحاديث الضعيفة في فضائل الاعمال و في الأحكام ونحوها ؟
من يفعل ذلك فهو أحد رجلين :
1 - إما أن يعرف ضعف تلك الأحاديث ولا ينبه على ضعفها فهو غاش للمسلمين وداخل حتما في الوعيد المذكور قال ابن حبان في كتابه " الضعفاء " ( 1 / 7 - 8 ) : ( في هذا الخبر دليل على أن المحدث إذا روى ما لم يصح عن النبي مما تقول عليه وهو يعلم ذلك يكون كأحد الكاذبين على أن ظاهر الخبر ما هو أشد قال " صلى الله عليه وسلم " : " من روى عني حديثا وهو يرى أنه كذب . . " - ولم يقل : إنه تيقن أنه كذب - فكل شاك فيما يروي أنه صحيح أو غير صحيح داخل في ظاهر خطاب هذا الخبر " ونقله ابن عبد الهادي في " الصارم المنكي " ( ص 165 - 166 ) وأقره .
2 - وإما أن لا يعرف ضعفها فهو آثم أيضا لإقدامه على نسبتها إليه صلى الله عليه وسلم " دون علم وقد قال " صلى الله عليه وسلم " : " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " فله حظ من إثم الكاذب على رسول الله " صلى الله عليه وسلم " لأنه قد أشار " صلى الله عليه وسلم " أن من حدث بكل ما سمعه - ومثله من كتبه - أنه واقع في الكذب عليه " صلى الله عليه وسلم " محالة فكان بسبب ذلك أحد الكاذبين الأول : الذي افتراه والآخر : هذا الذي نشره قال ابن حبان أيضا (1/9) : " في هذا الخبر زجر للمرء أن يحدث بكل ما سمع حتى يعلم علم اليقين صحته " وقد صرح النووي بأن من لا يعرف ضعف الحديث لا يحل له أن يهجم على الاحتجاج به من غير بحث عليه بالتفتيش عنه إن كان عارفا أو بسؤال أهل العلم إن لم يكن عارفا. تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
س)- ما فائدة رواية الحفاظ للاسانيد الضعيفة ؟
رواية الحفاظ المتقدمين الأحاديث بالأسانيد وفيها ما إسناده ضعيف ثم سجلوها مع ذلك في كتبهم وهي أنها مرجع أساسي للاعتبار وتتبع المتابعات والشواهد المقوية لبعضها على أنه قد يستفاد من بعضها فوائد أخرى تربوية وتوجيهية صحيحة المعنى وإن كان ذلك لا يسوغ لأحد أن يجزم بنسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف لدى أهل العلم خلافا لبعض أهل الأهواء قديما وحديثا كما تقدم بيانه . تحريمُ آلاتِ الطَّرَبِ.(14/14)
س)- هل يصحح الحديث الضعيف ان كان صحيح المعني ؟
إن الحديث الضعيف سندا قد يكون صحيحا معنى لموافقة معناه لنصوص الشريعة مثل حديث : " طوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس " ونحوه كثير ولكن ذلك مما لا يجيز نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم.تحريمُ آلاتِ الطَّرَبِ.
س)- هل يصحح الحديث اذا قيل فيه أصح ما جاء في الباب ؟
ينبغي أن يعلم أن عبارة الحافظ هذه لا تفيد عند المحدثين أن الحديث صحيح وإنما تعطي له صحة نسبية قال النووي رحمه الله : " لا يلزم من هذه العبارة صحة الحديث فإنهم يقولون : " هذا أصح ما جاء في الباب " وإن كان ضعيفا ومرادهم أرجحه أو أقله ضعفا ". تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
س)- هل يجوز نسبة الحديث الضعيف الى الرسول صلى الله عليه وسلم ؟
لا يقال في الحديث الضعيف : قال " صلى الله عليه وسلم " أو : ورد عنه ونحو ذلك قال النووي في " المجموع شرح المهذب " ( 1 / 63 ) : " قال العلماء المحققون من أهل الحديث وغيرهم : إذا كان الحديث ضعيفا لا يقال فيه : قال رسول الله " صلى الله عليه وسلم " أو : فعل أو : أمر أو : نهى أو : حكم وما أشبه ذلك من صيغ الجزم وكذا لا يقال فيه : روى أبو هريرة أو : قال أو : ذكر . . وما أشبهه وكذا لا يقال ذلك في التابعين ومن بعدهم فيما كان ضعيفا فلا يقال في شئ من ذلك بصيغة الجزم وإنما يقال في هذا كله : روي عنه أو : نقل عنه أو : حكي عنه . . أو : يذكر أو : يحكى . . أو : يروى وما أشبه ذلك من صيغ التمريض وليست من صيغ الجزم قالوا : فصيغ الجزم موضوعة للصحيح أو الحسن وصيغ التمريض لما سواهما وذلك أن صيغة الجزم تقتضي صحته عن المضاف إليه فلا ينبغي أن يطلق إلا فيما صح وإلا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه . تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
س)- هل معنى ذلك انه يجب ذكر صيغ التمريض قبل ذكر الحديث الضعيف كما قال النووي؟
لي رأيا خاصا فيما حكاه النووي عن العلماء لا بد لي من الإدلاء به بهذه المناسبة فأقول إذا كان من المسلم به شرعا أنه ينبغي مخاطبة الناس بما يفهمون ما أمكن وكان الاصطلاح المذكور عن المحققين لا يعرفه أكثر الناس فهم لا يفرقون بين قول القائل : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " وقوله : " روي عن رسول الله(14/15)
في صلى الله عليه وسلم " لقلة المشتغلين بعلم السنة فإني أرى أنه لا بد من التصريح بصحة الحديث أو ضعفه دفعا للإيهام كما يشير إلى ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله : " دع ما يريبك إلى مالا يريبك " رواه النسائي والترمذي وهو مخرج في " ارواء الغليل " (2074) وغيره . تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
باب في الحديث المضطرب
س)- ما هو تعريف الحديث المضطرب وما هي أنواعه؟
الاضطراب عند أهل العلم على نوعين :
أحدهما : الذي يأتي على وجوه مختلفة متساوية القوة لا يمكن بسبب التساوي ترجيح وجه على وجه . والاخر : وهو ما كانت وجوه الاضطراب فيه متباينة بحيث يمكن الترجيح بينها فالنوع الاول هو الذي يعل به الحديث . وأما الاخر فينظر للراجح من تلك الوجوه ثم يحكم عليه بما يستحقه من نقد. إرواءُ الغليلِ في تخريجِ أحاديثِ منارِ السبيلِ.
س)- متى يكون الحديث مضطرب؟
شرط المضطرب من الحديث أن تستوي الروايات بحيث لا يترجح بعضها على بعض ، بوجه من وجوه الترجيح ، كحفظ راويها أو ضبطه أو كثرة صحبته ، أو غير ذلك من الوجوه . فإذا ترجح لدينا إحدى الروايات على الأخرى فالحكم لها و لا يطلق عليه حينئذ وصف الإضطراب. سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ 1070.
س)- على أي شي يدل اضطراب الراوي؟
الاضطراب علامة على أن الراوي لم يضبط حفظ الحديث ، و لذلك كان المضطرب من أقسام الحديث الضعيف في " علم المصطلح " . سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ 838.(14/16)
باب في الحديث الشاذ
س)- عرف الحديث الشاذ؟
الحديث الشاذ ما رواه الثقة المقبول مخالفا لمن هو أولى منه. انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة (2/13)
س)- اذااختلف الرواة الثقات في ضبط متون الاحاديث اختلافا لا سبيل للأخذ بجميع وجوه الاختلاف لا بد من ترجيح بعضها على بعض فما يسمى الحديث الراجح والمرجوح؟
الراجح هو المحفوظ والمرجوح هو الشاذ. المسحُ على الجوربينِ
س)- اين يكون الشذوذ؟
الشذوذ يكون في السند ويكون في المتن. تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
س)- الشاذ هو الذي يتفرد به الثقة ، و ليس له متابع . ما صحة هذا التعريف؟
إنما هو اصطلاح تفرد به الحاكم دون الجمهور ، فقد نقلوا عنه أنه قال في " الشاذ " : هو الذي يتفرد به الثقة ، و ليس له متابع " . و هذا خلاف قول الإمام الشافعي : " هو أن يروي الثقة حديثا يخالف ما روى الناس ، و ليس من ذلك أن يروي ما لم يرو غيره " . و هذا هو الذي عليه جمهور العلماء من المتقدمين والمتأخرين ، و خلافه هو الشاذ و من الغريب أن تعريف الحاكم للشاذ بما سبق يلزم منه رد مئات الأحاديث الصحيحة ، لاسيما ما كان منها في كتابه هو نفسه " المستدرك " ! انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم706.
س)- هل الحديث الشاذ من أنواع الحديث الصحيح او الضعيف؟
الشاذ من قبيل الضعيف. انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم2814.(14/17)
س)- هل الشذوذ ليس علة قادحة في صحة المروي مطلقا؟
قال الإمام النووي في بحث الشاذ : ( فإن لم يخالف الراوي بتفرده غيره وإنما روى أمرا لم يروه غيره فإن كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا وإن لم يوثق بحفظه ولم يبعد عن درجة الضابط كان ما انفرد به حسنا وإن بعد كان شاذا منكرا مردودا ) ا . ه وبه يعلم أن الشذوذ ليس علة قادحة في صحة المروي مطلقا بل هي على هذا التفصيل وإن من كان عدلا حافظا موثوقا بضبطه كان تفرده صحيحا . المسحُ على الجوربينِ
باب في الحديث المرسل
س)- عرف الحديث المرسل؟
المرسل في عرف المحدثين هو قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ448.
س)- من أي الاقسام الحديث المرسل؟
الحديث المرسل من أقسام الحديث الضعيف عند جمهور علماء الحديث ، و لا سيما إذا كان من مرسل الحسن و هو البصري. سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ2.
س)- متى يكون الحديث المرسل حجة؟
لو كان المرسل لا يروي إلا عن صحابي فإن حديثه حجة ، لأن الصحابة كلهم عدول ، فهذا المرسل فقط هو الذي يحتج به من بين المراسيل كلها ، و هو الذي اختاره الغزالي و صححه الحافظ العلائي في " جامع التحصيل في أحكام المراسيل " ( 7 / 1 ). سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ607.
س)- هل المرسل إذا اعتضد بسند ضعيف يصير صحيحا؟
إن المرسل إذا اعتضد بسند ضعيف فإنه يصير صحيحا محتجا به هذا حق لا جدال فيه. الردُ المُفْحِم.(14/18)
س)- هل اذا اعتضد المرسل بمجيئه من وجه آخر يكون صحيحا؟
إذا عرف أن الحديث المرسل لا يقبل وأن السبب هو الجهل بحال المحذوف فيرد عليه أن القول بأنه يقوى بمرسل آخر غير قوي لإحتمال أن يكون كل من أرسله إنما أخذه عن راو واحد. نصبُ المجانيقِ لنسفِ قِصةِ الغرانيق.
س)- ما هو الشرط في المرسل الآخر لكي يعضد المرسل الاول ويقويه؟
يشترط في المرسل الآخر أن يكون مرسله أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول كما حكاه ابن الصلاح (ص35) وكأن ذلك ليغلب على الظن أن المحذوف في أحد المرسلين هو غيره في المرسل الآخر ، وهذه فائدة دقيقة. نصبُ المجانيقِ لنسفِ قِصةِ الغرانيق.
س)- هل انعقد الاجماع على الاحتجاج بالحديث المرسل؟
إن دعوى البعض أن الإجماع كان على الاحتجاج بالحديث المرسل حتى جاء الإمام الشافعي ، فدعوى باطلة مردودة بأمور منها ما رواه مسلم في مقدمة " صحيحه " (1/12) عن عبد الله بن المبارك أنه رد حديث " إن من البر بعد البر أن تصلي لهما مع صلاتك ، وتصوم لهما مع صيامك " بعلة الإرسال ، في قصة له تراجع هناك . و ابن المبارك رحمه الله توفي قبل الشافعي بأكثر من عشرين سنة . سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ607.
س)- ما المانع من الاستدلال بالحديث المرسل الذي تعدد مرسلوه؟
المانع من الاستدلال بالحديث المرسل الذي تعدد مرسلوه أحد الاحتمالين :
الأول : أن يكون مصدر المرسلين واحدا .
الثاني : أن يكونوا جمعا ولكنهم جميعا ضعفاء ضعفا شديدا. نصبُ المجانيقِ لنسفِ قِصةِ الغرانيق
باب في الحديث المنقطع
س)- ما سبب جعل الحديث المنقطع من أقسام الحديث الضعيف؟
المنقطع من قسم الحديث الضعيف ، ذلك لاحتمال أن يكون الرجل الساقط من الإسناد مجهولا أو ضعيفا لا يحتج به لو عرف. سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمةِ 607.(14/19)
باب في المدلس
س)- متي يحتج بحديث المدلس؟
من المقرر في علم المصطلح أن المدلس لا يحتج بحديثه إذا لم يصرح بالتحديث. انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة الحديث رقم633.
س)- ما المراد بـ (تسوية الحديث)؟
معنى تسوية الحديث : أنه يحذف من الإسناد من فيه مقال ، وهذا يطلق عليه تدليس التسوية" . انتهى كلام الألباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم5146.
س)- ما الأسباب التي تحمل المدلس على التدليس؟
من المعلوم في الأسباب التي تحمل المدلس على التدليس أن تكون روايته عمن هو أصغر سنا - من باب رواية الأكابر عن الأصاغر - فيسقطه حبا في العلو بالإسناد أو لعلمه بأنه غير مقبول الرواية عند المحدثين. انتهى كلام الألباني من السلسلة الضعيفة الحديث رقم5146.
س)- ما هي أقسام التدليس؟
التدليس ثلاثة أقسام :
1 - تدليس الإسناد وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمعه منه موهما أنه سمعه وقد يكون بينها واحد أو أكثر ومن شأنه أنه لا يقول في ذلك : أخبرنا فلان ولا : حدثنا وما أشبهها وإنما يقول : قال فلان أو : عن فلان . . ونحو ذلك من الصيغ الموهمة للسماع.
2 - تدليس الشيوخ وهو أن يروي عن شيخ حديثا سمعه منه فيسميه أو يكنيه أو ينسبه أو يصفه بما لا يعرف به كي لا يعرف.
3 - تدليس التسوية وهو أن يجئ المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة فيعمد المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعنة ونحوها فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل ولذلك كان شر أقسام التدليس ويتلوه الأول ثم الثاني وحكم من ثبت عنه التدليس(14/20)
إذا كان عدلا أن لا يقبل منه إلا ما صرح فيه بالتحديث وبعضهم لا يقبل حديثه مطلقا والأصح الأول كما قال الحافظ ابن حجر على تفصيل لهم في ذلك فليراجع من شاء كتب " المصطلح ". تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
س)- ما شر أنواع التدليس؟
تدليس التسوية شر أنواع التدليس وصورته أن يجئ المدلس إلى حديث سمعه من شيخ ثقة وقد سمعه ذلك الشيخ الثقة من شيخ ضعيف وذلك الشيخ الضعيف يرويه عن شيخ ثقة فيعمد المدلس الذي سمع الحديث من الثقة الأول فيسقط منه شيخ شيخه الضعيف ويجعله من رواية شيخه الثقة عن الثقة الثاني بلفظ محتمل كالعنعة ونحوها فيصير الإسناد كله ثقات ويصرح هو بالاتصال بينه وبين شيخه لأنه قد سمعه منه فلا يظهر حينئذ في الإسناد ما يقتضي عدم قبوله إلا لأهل النقد والمعرفة بالعلل . تمامُ المنةِ في التعليقِ على فقهِ السنةِ .
باب في الحديث الموضوع
س)- ما هي علامات الحديث الموضوع؟
من علامات الحديث الموضوع أن يكون باطلا في نفسه فيدل بطلانه على أنه ليس من كلامه عليه الصلاة والسلام. سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمة104.
س)- هل يحكم على الحديث بالضعف اذا كان متنه غير متلائم مع نصوص الشريعة؟
إن المحققين من العلماء قديما و حديثا لا يكتفون حين الطعن في الحديث الضعيف سنده على جرحه من جهة إسناده فقط ، بل كثيرا ما ينظرون إلى متنه أيضا فإذا وجدوه غير متلائم مع نصوص الشريعة أو قواعدها لم يترددوا في الحكم عليه بالوضع ، و إن كان السند وحده لا يقتضي ذلك. سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمة 620.
س)- من أي الاقسام الحديث الموضوع؟
الحديث الموضوع من أقسام الحديث الضعيف . سلسلةُ الأحاديثِ الضعيفةِ والموضوعةِ وأثرُها السيئ في الأمة.(14/21)
فصل في علم الرجال والجرح والتعديل
س)- ما حكم اجتهاد الصحابة، مثلاً: عندما اجتهد أبو هريرة في مسألة إطالة الغرة في الوضوء حين قال: [أطيلوا الغرة]، هل يؤخذ بهذا الاجتهاد أم لا يؤخذ؟
في اعتقادي أن هذا سؤال مهم، وله صلة وثقيقة بالبحث الشرعي.. أقوال الصحابة يمكن أن نقسمها إلى أقسام: أولاً: أن يكونوا اتفقوا على قول واحد، ولست أعني من الاتفاق الإجماع، وإنما أعني أنه ورد إلينا عن جماعة من الصحابة نقول صحيحة، إما يفسرون نصاً من القرآن، أو من حديث الرسول عليه الصلاة والسلام، أو يثبتون حكماً لا يعلمون له مخالفاً في الكتاب والسنة، هذا النوع من أقوال الصحابة حجة، ويجب الأخذ به، وهو داخل في كلام السائل. النوع الثاني: تأتي عن الصحابة أقوال مختلفة، مثل فعل أبو هريرة هذا، فهل هذا الفعل من أبي هريرة حجة أم لا؟ في نظري أن السؤال لا يعني تحرير القول في هذه المسألة، وإنما يعني: ما هو موقف المسلم من مثل هذه المسألة هل يجوز الأخذ بقول هذا الصحابي وأمثاله إذا لم يكن هناك أقوال من صحابة آخرين تدعم قوله؟ فالذي أعتقده أن قول الصحابي في حد ذاته ليس حجة، والمسلم يخير بين أن يأخذ به أو لا يأخذ، لكن إذا اطمأن إلى أنه رأي لصحابي جليل وليس لديه ما يخالفه فأخذ به فلا بأس عليه، وإن تركه -أيضاً- فلا بأس عليه؛ لأنه ليس ملزماً بأن يأخذ بقول صحابي واحد ليس هناك في الشرع ما يدل على صحته، لكن إن أراد السائل بسؤاله تحديد موقفنا بالنسبة لأبي هريرة وما ذهب إليه من إطالة الغرة، فنحن نقول: إن هذا مذهب ندعه لأبي هريرة، ولسنا مكلفين بالأخذ به؛ لأسباب كثيرة منها: أنه ثبت في سنن أبي داود وغيره من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما توضأ قال بعد وضوئه: (فمن زاد على هذا أو نقص فقد تعدى وظلم)، ونحن نعلم حتى من حديث أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه وسلم ما كان يشرع في العضد، إنما كان يغسل الذراعين مع المرفقين، كذلك ما كان يغسل شيئاً من ساقه، وإنما يغسل قدميه وكعبيه.. هذا شيء. الشيء الثاني: نجده في عمل أبي هريرة، وهو أنه ما كان يدعو الناس إلى إطالة الغرة، فقد جاء في رواية في صحيح مسلم أن رجلاً من التابعين لاحظه حينما يتوضأ وأبو هريرة لا يحس به، فلما رآه توضأ وأطال غرته سأله: (أهكذا الوضوء؟ فقال له أبو هريرة : أنتم ههنا يا بني فروخ؟) ما كان يعلم أن هناك رجلاً يراقبه، ففي هذا إشعار بأن هذا الفعل الذي كان يفعله أبو هريرة وهو إطالة الغرة شيء خاص به وهو مقتنع به، ولا يريد(14/22)
جعله شرعاً عاماً يستمر إلى يوم القيامة، فبهذا وهذا، وتفرد أبي هريرة بذلك كتفرد ابن عمر بإيصال الماء إلى شحمة العين، هذا من المبالغات التي تزيد بطبيعة الحال على هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في وضوئه. فلذلك نحن لا نلزم بأخذ مثل هذه الأقوال الغريبة، وندع أمرها إلى أصحابها، ولسنا مكلفين بها، فباختصار: يجب أن نفرق بين قول تواردت عليه أقوال جماعة من الصحابة منهم وليس لهم مخالف، وبطبيعة الحال ليس في الكتاب والسنة ما يخالفه، فهذا القول يجب أن نتمسك به. الشيء الثالث: قول متعارض، صحابي يقول هكذا وصحابي يقول هكذا، فنحن لسنا ملزمين لا بهذا ولا بهذا، وإنما نحكم القرآن الكريم كما سمعتم، ثم يأتي قول شاذ عن فرد من أفراد الصحابة، فالأولى ألا نتكلف بالأخذ به، ومثاله: إطالة الغرة من أبي هريرة . أما الزيادة التي في آخر الحديث : (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) فهي ليست من الحديث، هذا كما يقول الحافظ ابن حجر، ومن قبله ابن تيمية، ومن قبلهم جميعاً الحافظ المنذري : هذه زيادة مدرجة في الحديث وليست من الحديث، فإذا كان الأمر كذلك فلا يجوز الاعتماد عليها. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- الذي نود ان نعرفه هل قول الصحابي حجة ام لا؟
نحن نعرف أن هناك قولاً بأن قول الصحابي حجة، لكن هذا القول على إطلاقه لا يأخذ به أحد من أهل العلم إطلاقاً، كلما قال الصحابي قولاً كان حجةً، هذا لا يقوله إنسان على وجه الأرض إطلاقاً، إنما قول الصحابي أحياناً يكون حجة، وأنا أضرب لك مثلاً: إذا قال الصحابي قولاً ليس من موارد الاجتهاد، أو كما يقول بعض الفقهاء: لا يقال بالرأي، وإنما هو توقيفي، هذا القول يؤخذ به لا لأن الصحابي قاله؛ وإنما لأنه يحمل في طواياه أنه لم يكن من اجتهاد من عنده، وإنما تلقاه من النبي عليه الصلاة والسلام، أو يتحدث بأمر غيبي مما كان أو مما سيكون، فإذا كان مما سيكون يؤخذ بقوله؛ لأنه أمر غيبي لا يمكن أن يتحدث به الإنسان برأيه واجتهاده، فيكون قد تلقاه من الرسول عليه السلام، هذا بما يتعلق بالمستقبل من الزمان، وإذا كان هذا الأمر الغيبي يتعلق بما مضى من الزمان فلا يؤخذ على إطلاقه، وإنما ينظر إذا كان من المحتمل أن يكون من الإسرائيليات فلا يقال به. السائل: وإذا كان قول الصحابي مخالفاً لقول الله ورسوله. الشيخ: أنا سأذكر لك تفاصيل أقوال العلماء في قول الصحابي هل هو حجة أم ليس بحجة؟ فأنا أتيتك بأمثلة، وآخر مثال نريد أن نذكره ما ثبت عن ابن عباس من قوله: [إن القرآن نزل جملة واحدة إلى بيت العزة في السماء الدنيا] هذا قول ابن عباس، ما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن العلماء يعتبرونه في حكم حديث مرفوع للرسول عليه السلام، لماذا؟ لأنه أولاً: يتحدث في أمر غيبي. وثانياً: لأنه لا يمكن أن يكون من الإسرائيليات، فإنه يتحدث عما يتعلق بالقرآن ونزوله، وأنه نزل إلى مكان اسمه بيت العزة، وهذا البيت هو في السماء الدنيا وليس في الثانية أو ما فوقها، فقالوا : هذا في حكم المرفوع. أما الصحابي يقول قولاً برأيه وباجتهاده، فهذا ليس موضع اتفاق أنه ينبغي أن نأخذ به، فمنهم من يأخذ ومنهم من لا يأخذ،(14/23)
وحينذاك نرجع إلى أصل الآية السابقة: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) [النساء:59]، فليس عندنا دليل في السنة فضلاً عن القرآن أن الصحابي يرى رأياً فيجب علينا أن نتبعه، هذا غير موجود، ولا على ذلك إجماع -أيضاً- من المسلمين حتى يقال: نتبعهم ولا نخالف سبيلهم، هذا ما عندي بالنسبة للسؤال، وجزاكم الله خيراً. دروس ومحاضرات مفرغة من تسجيلات الشبكة الإسلامية .
س)- هل يضر التشيع في عدالة الراوي؟
التشيع لا يضر في الرواية عند المحدثين, لأن العبرة في الراوي أنما هو كونه مسلما ً عدلا ً ضبطا ً , أما التمذهب بمذهب يخالف مخالف لأهل السنة, فلا يعد عندهم جارحا ً ما لم ينكر ما هو معلوم من الدين بالضرورة, كما بينه الحافظ ابن حجر في شرح النخبة. انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة ( 1\681).
س)- اذا كان في سند الحديث راوي مخالف لمنهج أهل السنة ، هل يعتبر طعنا ً في الحديث وعلة فيه ؟.
كلا , لأن العبرة في رواية الحديث أنما هو الصدق والحفظ وأما المذهب فهو بينه وبين ربه, فهو حسيبه , ولذلك نجد صاحبي (الصحيحين) وغيرهما , قد أخرجوا لكثير من الثقات المخالفين كالخوارج والشيعة وغيرهم. انتهى كلام الألباني من السلسلة الصحيحة (5 \262).
س)- بما يعرف الترمذي؟
الترمذي معروف عند العلماء بتساهله في التصحيح حتى قال الذهبي في ترجمة كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف من " الميزان " : " ولهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه . انتهى كلام الألباني من كتاب تمام المنة.
س)- هل ابن السكن يعرف بتساهلة كالترمذي؟
كذلك ابن السكن ليس تصحيحه مما إليه يركن ولذلك لا بد من النظر في سند الحديث إذا صححه أحد هذين أو من كان مثلهما في التساهل كابن خزيمة وابن حبان حتى يكون المسلم على بصيرة من صحة حديث نبيه صلى الله عليه وسلم وقد وجدنا في الأئمة ممن ضعف الحديث من هم أعلى كعبا في هذا العلم وأكثر عددا من الترمذي وابن السكن . انتهى كلام الألباني من كتاب تمام المنة.(14/24)