"""""" صفحة رقم 47 """"""
نصف عذاب هذه الأمة .
الحديث الثامن : من مات وهو يعمل عمل قوم لوط الحديث قال الخطيب في تاريخه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من مات من أمتي يعمل عمل قوم لوط نقله الله تعالى إليهم حتى يحشر معهم ) ، عيسى بن مسلمالصفار منكر الحديث وله شاهد أخرجه ابن عساكر عن وكيع قال : سمعنا في حديث من مات وهو يعمل عمل قوم لوط سار به قبره حتى يصير معهم ويحشر يوم القيامة معهم .
الحديث التاسع : حديث يمسخ الله اللوطي في قبره خنزيراً أخرجه أبو الفتح الأزدي في كتاب الضعفاء ، وابن الجوزي من طريق مروان بن محمد السنجاري عن مسلم بن خالد الزنجي عن إسماعيل بن أم درهم عن مجاهد عن ابن عباس مرفوعاً : اللوطي إذا مات ولم يتب مسخ في قبره خنزيراً وسنده واه .
الحديث العاشر : حديث أنس مرفوعاً الابدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً ، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة أخرجه الحافظ أبو محمد الخلال في كرامات الأولياء ، والديلمي في مسند الفردوس من طريق إبراهيم بن الوليد الجشاش ثنا أبو عمر الغدائي ثنا أبو سلمة الخراساني عن عطاء عن أنس مرفوعاً به .
الحديث الحادي عشر : حديث حذيفة مرفوعاً : أطعمني جبريل الهريسة أشد بها ظهري لقيام الليل . أخرجه ابن السني ، وأبو نعيم كلاهما في الطب النبوي ، والخطيب في تاريخه من طريق محمد بن الحجاج الواسطي عن عبد الملك بن عمير عن ابن أبي ليلى ، وربعي عن حذيفة به ومحمد بن الحجاج كذاب ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .
الحديث الثاني عشر : حديث : نعم الطعام الزبيب يشد العصب ويذهب الوصب ويطفىء الغضب ويذهب بالبلغم ويصفي اللون ويطيب النكهة أخرجه ابن السني ، وأبو نعيم معاً في الطب النبوي ، وابن حبان في الضعفاء ، والخطيب في تلخيص المتشابه من طريق أبي العباس بن قتيبة ثنا سعيد بن زياد بن فايد بن زياد بن أبي هند الداري عن أبيه عن جده عن أبيه عن أبي هند مرفوعاً به ، قال الأزدي : سعيد بن زياد متروك . وقال ابن حبان : لا أدري البلية ممن هي أمنه أو من أبيه أو من جده ؟
الحديث الثالث عشر : حديث أبي هريرة مرفوعاً : ما للنفساء عندي شفاء مثل الرطب ولا للمريض مثل العسل أخرجه أبو نعيم في الطب ثنا عبد الله بن محمد بن جعفر ثنا محمد بن العباس بن أيوب ثنا العباس بن الحسن البلخي ثنا الجوسي أنا علي ابن عروة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة مرفوعاً به ، وعلي بن عروة متروك .
الحديث الرابع عشر : حديث : أطعموا نساءكم في نفاسهن التمر فإنه من كان طعامها في نفاسها التمر خرج ولدها حليماً أخرجه أبو عبد الله بن منده في أخبار أصبهان ، والخطيب ، وابن عساكر في تاريخهما من طريق سليمان بن عمرو عن سعد بن طارق الأشجعي عن سلمة بن قيس مرفوعاً به وسليمان كذاب وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .(2/47)
"""""" صفحة رقم 48 """"""
الحديث الخامس عشر : حديث : أطعموا حبالاكم اللبان الحديث أخرجه أبو نعيم في الطب ثنا محمد [ عبد الرحمن بن الفضل ثنا علي بن جعفر ثنا محمد ] بن أحمد بن العلاء النبعي ثنا الحارث بن محمد بن الحارث بن إسحاق ثنا إبراهيم بن محمد الفريابي ثنا الفضل بن العباس التيمي عن موسى بن جعفر عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : أطعموا حبالاكم اللبان فإن يكن في بطنها ذكر يكن ذكي القلب وإن تكن أنثى يحسن خلقها وتعظم عجيزتها .
الحديث السادس عشر : حديث : كلوا السفرجل فإنه يجلو عن الفؤاد أخرج الطبراني والحاكم ، في المستدرك ، وأبو نعيم في الطب ، والضياء في المختارة عن طلحة قال : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلّم وفي يده سفرجلة فرمى بها إلي وقال : دونكها أبا محمد فإنها تجم الفؤاد وفي لفظ : فإنها تشد القلب وتطيب النفس وتذهب بطخاوة الصدر . وأخرج ابن السني ، وأبو نعيم معاً في الطب عن جابر بن عبد الله قال : أهديت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم سفرجلة من الطائف فأكلها وقال : كلوه فإنه يجلو عن الفؤاد ويذهب طخاء الصدر . وأخرج الطبراني عن ابن عباس قال : جاء جابر بن عبد الله إلى النبي صلى الله عليه وسلّم بسفرجلة قدم بها من الطائف فناوله إياها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : إنه يذهب بطخاوة الصدر ويجلو الفؤاد . وأخرج ابن السني ، وأبو نعيم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : كلوا السفرجل على الريق فإنه يذهب وغر الصدر .
الحديث السابع عشر : إذا دخل المؤمن قبره الحديث أخرجه ابن الجوزي في الموضوعات من طريق داود بن صغير عن أبي عبد الرحمن البراء عن أنس مرفوعاً : ما مات مخضوب ولا دخل القبر إلا ومنكر ونكير لا يسألانه يقول منكر يا نكير سائله فيقول : كيف أسائله ونور الإسلام عليه . قال ابن الجوزي : داود منكر الحديث .
الحديث الثامن عشر : قال أنس : دخل رجل على النبي صلى الله عليه وسلّم وهو أبيض الرأس واللحية فقال : ألست مسلماً ؟ قال : بلى قال فاختضب أخرجه أبو يعلى في مسنده ثنا الجراح بن مخلد ثنا إسماعيل بن عبد الحميد بن عبد الرحمن العجلي ثنا علي بن أبي سارة عن ثابت عن أنس به .
الحديث التاسع عشر : عن أُبي بن كعب مرفوعاً : من سرح رأسه ولحيته كل ليلة عوفي من أنواع البلاء أخرجه تمام في فوائده أنا إبراهيم بن محمد بن سنان ، ومحمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن قالا : ثنا زكريا بن يحيى ثنا الفتح بن نصر بن عبد الرحمن الفارسي ثنا حسان بن غالب حدثني مالك بن أنس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن أبي بن كعب به ، وحسان وثقه ابن يونس وحمل عنه ابن حبان وأخرجه أبو نعيم في تاريخ اصبهان من طريقه وقال : منكر بمرة . وأورده ابن الجوزي في الموضوعات .(2/48)
"""""" صفحة رقم 49 """"""
الحديث العشرون : حديث أن الرجل ليكون من أهل الصلاة والصيام والجهاد وما يجزى إلا على قدر عقله أخرجه الطبراني في الأوسط . والعقيلي في الضعفاء والبيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن عمر وسنده ضعيف .
الحديث الحادي والعشرون : حديث عن بعض الصحابة نهى النبي صلى الله عليه وسلّم أن يمتشط أحدنا كل يوم هذا أخرجه أبو داود ، والنسائي ، والحاكم والبيهقي في السنن هكذا وبهذا ومثله يستدل على أن الناجي لم يكن له من الحفظ نصيب .
الحديث الثاني والعشرون : حديث ابن عباس من سعادة المرء خفة لحيته أخرجه الطبراني ، والخطيب وضعفه وأورد ابن الجوزي في الموضوعات وقيل ( إن فيه تصحيفاً وإنما هو خفة لحييه بذكر الله حكاه الخطيب .
الحديث الثالث والعشرون : حديث : دعا الله أن يرد الشمس على عليّ بن أبي طالب في خيبر فطلعت بعد ما غربت هذا ثابت وله طرق كثيرة استوعبتها في التعقبات على موضوعات ابن الجوزي .
الحديث الرابع والعشرون : حديث : ( من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ) هذا أخرجه أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن حبشي ، وصححه الضياء المقدسي في المختارة . وأخرجه الطبراني في الأوسط وزاد في آخره : ( يعني من سدر الحرم ) وأخرجه البيهقي في سننه من حديث جابر بن عبد الله ، ومن حديث عائشة ، ومن حديث عمرو بن أوس الثقفي ، ومن حديث علي ، ومن حديث معاوية بن حيدة ، ومن مرسل عروة وتكلم الناس على تأويل الحديث ، ومثل هذا لا يخفى على من له أدنى حفظ ، وقد أفردت فيه مؤلفاً سميته رفع الخدر عن قطع السدر .
الحديث الخامس والعشرون : حديث سورة يس تدعى في التوراة المعمة قيل : وما المعمة ؟ قال : تعم صاحبها بخيري الدنيا والآخرة وتكابد عنه بلوى الدنيا وأهاويل الآخرة أخرجه ابن الضريس في فضائل القرآن ، وابن مردويه في التفسير ، والبيهقي في شعب الإيمان ، والخطيب في تاريخه من حديث أبي بكر الصديق وسنده ضعيف ، وأخرجه الخطيب أيضاً من حديث أنس مثله .
الحديث السادس والعشرون : حديث : من ولد له مولود فسماه محمداً حباً لي وتبركاً كان هو ومولوده في الجنة أخرجه ابن بكير في فضل من اسمه محمد . وأحمد من حديث أبي أمامة وسنده عندي على شرط الحسن .
الحديث السابع والعشرون : حديث : يا علي سألت الله أن يقدمك فأبى إلا تقديم أبي بكر أخرجه الدارقطني في الأفراد ، والخطيب ، وابن عساكر في تاريخيهما من حديث علي وسنده ضعيف .
الحديث الثامن والعشرون : حديث : أُبي بن كعب مرفوعاً : أول من يصافحه الحق عمر(2/49)
"""""" صفحة رقم 50 """"""
وأول من يسلم عليه وأول من يأخذ بيده فيدخله الجنة هذا أخرجه ابن ماجه في سننه ، والحاكم في مستدركه ، وابن عدي في كامله وسنده ضعيف .
الحديث التاسع والعشرون : حديث مر رجل فقالوا : هذا مجنون فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : المجنون المقيم على معصية الله ولكن قولوا مصاب ، أخرجه تمام في فوائده من حديث أبي هريرة ، وأبو بكر الشافعي في الغيلانيات من حديث أنس .
الحديث الثلاثون : حديث : دخلت الجنة فناولني جبريل تفاحة فانفلقت عن حوراء عيناء مرضية كأن مقاديم عينها أجنحة النسور فقلت لمن أنت ؟ قالت للخليفة المقتول ظلماً عثمان بن عفان ، أخرجه خيثمة بن سليمان في فضائل الصحابة ، والطبراني في الأوسط ، والعقيلي في الضعفاء من حديث عقبة بن عامر ، وأخرجه الخطيب في تاريخه من حديث أنس ، ومن حديث ابن عمر ، وأخرجه الطبراني في الكبير من حديث أوس بن أوس الثقفي ، وأخرجه أبو يعلى من حديث شداد بن أوس وأسانيدها ضعيفة وأمثلها حديث عقبة .
الحديث الحادي والثلاثون : حديث جابر بن عبد الله مرفوعاً : إن الله تعالى يوكل بآكل الخل ملكين يستغفران له حتى يفرغ أخرجه ابن عساكر في تاريخه ، والديلمي في مسنده الفردوس من طريقين عن الوليد بن مسلم عن زهير بن محمد عن محمد بن المنكدر عن جابر وهؤلاء ثقات معروفون غير أن الوليد يدلس التسوية ، وله طريق أخرى عن أنس واهية أخرجها ابن عساكر في تاريخه .
الحديث الثاني والثلاثون : حديث أبي ذر : سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب : أنت الصديق الأكبر وأنت الفاروق الذي تفرق بين الحق والباطل أخرجه البزار في مسنده وسنده ضعيف .
الحديث الثالث والثلاثون : حديث أنه قال لعلي : أنت سيد المسلمين وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين أخرجه البزار ، وابن قانع في معجمه ، والباوردي في المعرفة ، والحاكم في المستدرك من حديث عبد الله بن أسعد بن زرارة عن أبيه وسنده ضعيف .
الحديث الرابع والثلاثون : حديث : مكتوب على باب الجنة محمد رسول الله عليّ أخو رسول الله قبل أن تخلق السموات والأرض بألفي عام أخرجه الطبراني في الأوسط وسنده ضعيف .
الحديث الخامس والثلاثون : حديث : عليكم بالخضاب فإنه أهيب لعدوكم وأعجب إلى نسائكم أخرجه ابن ماجه في سننه من طريق صهيب بلفظ إن أحسن ما اختضبتم به لهذا السواد أرغب إلى نسائكم وأهيب لكم في صدور عدوكم .
الحديث السادس والثلاثون : حديث : عليكم بالحناء فإنه خضاب الإسلام ويصفي البصر ويذهب الصداع وإياكم والسواد ورد مفرقاً في عدة أحاديث .
الحديث السابع والثلاثون : حديث : إن الله تعالى خلق الجنة بيضاء وأن أحب الثياب إلى(2/50)
"""""" صفحة رقم 51 """"""
الله البيض أخرجه الطبراني ثنا الحسن بن علي المعمري ثنا سليمان بن محمد المباركي ثنا أبو شهاب عن حمزة النصيبي عن عمرو بن دينار عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : استوصوا بالمعزى خيراً فإنها مال رقيق أي ليس له صبر الضأن على الجفاء وشدة البرد وهو في الجنة وأحب المال إلى الله الضأن ، وعليكم بالبياض فإن الله خلق الجنة بيضاء فليلبسه أحياؤكم وكفنوا فيها موتاكم ، وأن دم الشاة البيضاء أعظم عند الله من دم السوداوين .
الحديث الثامن والثلاثون : حديث من عمل فرقة بين امرأة وزوجها . الحديث أخرجه الدارقطني في الأفراد من حديث ابن عباس مرفوعاً : من عمل في فرقة بين امرأة وزوجها كان في غضب الله ولعنته في الدنيا والآخرة وكان حقاً على الله أن يضربه بصخرة من نار جهنم إلا أن يتوب ، وسنده ضعيف .
الحديث التاسع والثلاثون : حديث : أنا مدينة العلم وعلي بابها أخرجه الترمذي من حديث علي ، والطبراني والحاكم وصححه من حديث ابن عباس وحسنه الحافظان : العلائي ، وابن حجر .
الحديث الأربعون : حديث من قال : اللهم صل على محمد وآل محمد واجز محمداً ما هو أهله أتعب سبعين كاتباً ألف صباح قال الطبراني : ثنا أحمد بن رشدين ثنا هانىء بن المتوكل الإسكندراني ثنا معاوية بن صالح عن جعفر بن محمد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : من قال جزى الله محمداً عنا ما هو أهله أتعب سبعين كاتباً ألف صباح .
حديث حذيفة : صلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم صلاة الغداة فلما انصرف قال أين أبو بكر ؟ الحديث أخرجه أبو الحسين بن المهتدي بالله في فوائده ، وقال الذهبي في الميزان : إنه منكر ، وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وما عدا ذلك من الأحاديث المسؤول عنها فمقطوع ببطلانه والله أعلم .
رفع الخدر عن قطع السدر
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو داود في سننه : باب في قطع السدر ثنا نصر بن علي ثنا أبو أسامة عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد بن جبير بن مطعم عن عبد الله بن حبشي قال : قال(2/51)
"""""" صفحة رقم 52 """"""
رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ) أخرجه أبو مسلم الكجي في سننه ثنا أبو عاصم عن ابن جريج به ، وأخرجه البيهقي في سننه وقال : لا أدري هل سمع سعيد من عبد الله بن حبشي أم لا ويحتمل أن يكون سمعه ، وأخرجه الضياء المقدسي في المختارة . وقال الطبراني في الأوسط : ثنا أبو مسلم ثنا أبو عاصم عن ابن جريج عن عثمان بن أبي سليمان عن سعيد بن محمد عن عبد الله بن حبشي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من قطع سدرة صوب الله عز وجل رأسه في النار ) يعني من سدر الحرم وقال البيهقي في سننه : أنا أبو عبد الله الحافظ أنا محمد بن يحيى الصلحي بفم الصلح ثنا أبو الأحوص محمد بن الهيثم ثنا يزيد بن موهب الرملي ثنا مسعدة بن اليسع عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من قطع سدرة صوب الله رأسه في النار ) قال أبو عبد الله : قال أبو علي الحافظ : هكذا كتبناه من حديث مسعدة وهو خطأ ، وإنما رواه ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عروة قوله قال البيهقي : أخبرناه أبو عبد الله أنا أبو علي أنا علي بن الحسن بن سلمة ثنا موسى بن عبد الرحمن المسروقي ثنا أبو أسامة عن ابن جريج ، فصارت رواية نصر بن علي عن أبي أسامة بهذا معلولة ، قال البيهقي : ويحتمل أن يكون أبو أسامة رواه على الوجهين قال : وقد رواه معمر كما أنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل بن محمد الصفار أنا أحمد بن منصور ثنا عبدالرزاق أنا معمر عن عثمان بن أبي سليم عن رجل من ثقيف عن عروة بن الزبير يرفع الحديث في الذي يقطع السدر قال : يصب عليه العذاب وقال يصوب رأسه في النار ، قال : فسألت بني عروة عن ذلك فأخبروني أن عروة قطع سدرة كانت في حائط فجعل باباً لحائط .
قال البيهقي : يشبه أن يكون الرجل من ثقيف عمرو بن أوس فقد أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا أبو معاوية عن أبي عثمان عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الذين يقطعون السدر يصبهم الله على رؤوسهم في النار صباً ) قال البيهقي : هذا هو محمد بن شريك المكي هذا هو المحفوظ عنه مرسلاً ، وقد رواه القاسم بن أبي شيبة عن وكيع عن محمد بن شريك العامري عن عمرو بن دينار عن عمرو ابن أوس عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على رؤوسهم صباً ) أخبرنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو علي الحافظ أنا الحسين بن إدريس الأنصاري ثنا القاسم بن أبي شيبة فذكره ، قال أبو علي : ما أراه حفظه عن وكيع وقد تكلموا فيه يعني القاسم والمحفوظ رواية أبي أحمد الزبيري ومن تابعه على روايته عن محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم مرسلاً انتهى .
قلت : قد توبع القاسم عن وكيع على وصله : قال الطبراني في الأوسط : ثنا محمد ابن عبد الله الحضرمي ثنا مليح بن وكيع بن الجراح ثنا أبي عن محمد بن شريك عن عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس عن عروة عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الذين يقطعون السدر يصبون في النار على وجوههم صباً ) قال الطبراني : لم يروه عن عمرو إلا محمد تفرد به مليح بن وكيع عن أبيه هكذا قال : وقد علمت أنه لم ينفرد به بل تابعه القاسم بن أبي شيبة ، قال البيهقي : وأنا أبو الحسين بن بشران أنا إسماعيل الصفار أنا أحمد بن منصور أنا عبد الرزاق أنا إبراهيم بن يزيد ثنا عمرو بن دينار عن عمرو بن أوس قال : أدركت شيخاً من ثقيف قد أفسد السدر زرعه فقلت : ألا تقطعه ؟ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : إلا من زرع فقال :(2/52)
"""""" صفحة رقم 53 """"""
أنا سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( من قطع السدر إلا من زرع صب عليه العذاب صبا ) فأنا أكره أن أقطعه من الزرع ومن غيره .
قال البيهقي : فهذا إسناد آخر لعمرو بن أوس سوى روايته عن عروة إن كان حفظه إبراهيم بن يزيد قال : وقد روى عن إبراهيم بن يزيد كما أخبرنا أبو عبد الله الحافظ حدثني أبو يزيد أحمد بن محمد بن وكيع ثنا إبراهيم بن نضر الضبي ثنا صالح بن مسمار ثنا هشام بن سليمان حدثني إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن جعفر بن محمد بن علي عن أبيه عن جده عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أخرج فأذن في الناس من الله لا من رسوله لعن الله قاطع السدر ) قال : وأنا أبو عبد الله الحافظ أنا أبو علي الحسين بن علي الحافظ أنا محمد بن عمران بن خزيمة الدينوري أبو بكر ثنا أبو عبد الله المخزومي سعيد بن عبد الرحمن ثنا هشام ابن سليمان عن ابن جريج حدثني إبراهيم بن يزيد المكي عن عمر بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي عن أبيه عن علي فذكره ، قال أبو علي : هكذا قال لنا هذا الشيخ ، وابن جريج في إسناده وهم ، ورواه إبراهيم بن المنذر عن هشام بن سليمان عن إبراهيم بن يزيد ولم يذكر ابن جريج في إسناده وهو الصواب .
قلت : وكذا رواه غيره عن هشام قال الطبراني في الأوسط : ثنا علي بن سعيد الرازي ثنا صالح بن مسمار ثنا هشام بن سليمان عن إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن الحسن بن محمد بن علي عن أبيه عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أخرج فناد في الناس لعن الله قاطع السدر ) قال الطبراني : لم يروه عن الحسن إلا عمرو ولاعنه [ إلا ] إبراهيم ولاعنه إلا هشام ثم قال البيهقي : ورواه علي بن ثابت عن إبراهيم بن يزيد عن عمرو بن دينار عن محمد بن علي مرسلاً ، قال البيهقي : ورواه علي بن هاشم بن البريد عن إبراهيم الخوزي عن عمرو بن دينار . وسلمان الأحول عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن عمرو بن أوس الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلّم وقال : إلا من زرع قال أبو علي الحافظ : حديث إبراهيم بن يزيد مضطرب وإبراهيم ضعيف .
قلت : هذا الطريق أخرجه قال البيهقي : ورواه المثنى بن الصباح عن عمر عن أبي جعفر كما أخبرنا علي بن بشران أنا إسماعيل الصفار ثنا أحمد بن منصور ثنا عبد الرزاق قال : سمعت المثنى بن الصباح يحدث عن عمرو بن دينار عن أبي جعفر قال : قال النبي صلى الله عليه وسلّم لعلي في مرضه الذي مات فيه : ( أخرج يا علي فقل عن الله لا عن رسول الله لعن الله من يقطع السدر ) وقال البيهقي : أنا أبو عبد الله الحافظ حدثني الزبير ابن عبد الواحد الحافظ ثنا محمد بن نوح الجند يسابوري ثنا عبد القدوس بن عبد الكبير ابن شعيب بن الحجاب ثنا عبد القاهر بن شعيب عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( قاطع السدر يصوب الله رأسه في النار ) وقال أنا أبو عبد الله ثنا الزبير بن(2/53)
"""""" صفحة رقم 54 """"""
عبد الواحد الحافظ أنا أبو علي محمد بن سليمان المالكي ثنا زيد بن أخزم أنا يحيى بن الحارث عن أخيه مخارق بن الحارث عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( من الله لا من رسوله لعن الله عاضد السدر ) وقال أبو داود : ثنا عبيد الله ابن عمر بن ميسرة ، وحميد بن مسعدة قالا : ثنا حسان بن إبراهيم قال : سألت هشام بن عروة عن قطع السدر وهو مستند إلى قصر عروة فقال ترى هذه الأبواب والمصاريع إنما هي من سدر عروة كان عروة يقطعه من أرضه وقال لا بأس به ، زاد حميد وقال : يا عراقي جئتني ببدعة قال قلت : إنما البدعة من قبلكم سمعت من يقول هذا لعن رسول الله صلى الله عليه وسلّم من قطع السدر ، قال أبو داود : يعني من قطع السدر في فلاة يستظل بها ابن السبيل والبهائم عبثاً وظلماً بغير حق يكون له فيها .
قال البيهقي : وقد قرأت في كتاب أبي الحسن العاصمي روايته عن أبي عبد الله محمد بن يوسف عن محمد بن يعقوب بن الفرج عن أبي ثور أنه قال : سألت أبا عبد الله الشافعي عن قطع السدر فقال : لا بأس به قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : ( اغسله بماء وسدر ) فيكون محمولاً على ما حمله عليه أبو داود ، وروينا عن عروة بن الزبير أنه كان يقطعه من أرضه وهوأحد رواة النهي فيشبه أن يكون النهي خاصاً كما قال أبو داود .
وقرأت في كتاب أبي سليمان الخطابي أن إسماعيل بن يحيى المزني سئل عن هذا فقال : وجهه أن يكون صلى الله عليه وسلّم سئل عمن هجم على قطع السدر لقوم أو ليتيم أو لمن حرم الله أن يقطع عليه فتحامل عليه بقطعه فاستحق ما قاله ، فتكون المسألة سبقت السامع فسمع الجواب ولم يسمع المسألة ، وجعل نظيره حديث أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إنما الربا في النسيئة ) فسمع الجواب ولم يسمع المسألة ، وقد قال : ( لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلاً بمثل يداً بيد ) واحتج المزني بما احتج به الشافعي من إجازة النبي صلى الله عليه وسلّم أن يغسل الميت بالسدر ، ولو كان حراماً لم يجز الانتفاع به . قال : والورق من السدر كالغصن وقد سوى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيما حرم قطعه من شجر الحرم بين ورقه وغيره فلما لم يمنع من ورق السدر دل على جوازه قطع السدر انتهى .
قلت : والأولى عندي في تأويل الحديث أنه محمول على سدر الحرم كما وقع في رواية الطبراني . وقال ابن الأثير في النهاية قيل : أراد به سدر مكة لأنها حرم . وقيل : سدر المدينة نهى عن قطعه ليكون أنساً وظلاً لمن يهاجر إليها ، وقيل : أراد السدر الذي يكون في الفلاة يستظل به أبناء السبيل والحيوان . أو في ملك الإنسان فيتحامل عليه ظالم فيقطعه بغير حق ، قال : ومع هذا فالحديث مضطرب الرواية فإن أكثر ما يروى عن عروة بن الزبير وكان هو يقطع السدر ويتخذ منه أبواباً وأهل العلم مجمعون على إباحة قطعه انتهى .
وبقي للحديث طرق فاتت البيهقي ، قال أبو مسلم الكجي في سننه : ثنا الرمادي ثنا سفيان عن عثمان بن أبي سليمان عن ابن عم له يقال له حسين عن رجل من أهل الطائف عن عبد الله بن شديد ، وعن أبي إسحاق الدوسي رفعه أحدهما قال : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( الذين(2/54)
"""""" صفحة رقم 55 """"""
يقطعون السدر يصب الله عليهم العذاب صباً ) وقال الآخر ولم يرفعه : ( من قطع سدرة صوب الله رأسه في نار جهنم ) .
العرف الوردي في أخبار المهدي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . هذا جزء جمعت فيه الأحاديث والآثار الواردة في المهدي لخصت فيه الأربعين التي جمعها الحافظ أبو نعيم وزدت عليه ما فاته ورمزت عليه صورة ( ك ) .
أخرج ( ك ) ابن جرير في تفسيره عن السدي في قوله تعالى : ) ومن أظلم ممن منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وسعى في خرابها ( قال : هم الروم كانوا ظاهروا نصر على خراب بيت المقدس . وفي قوله تعالى : ) أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين ( قال : فليس في الأرض رومي يدخله اليوم إلا وهو خائف أن تضرب عنقه أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها . وفي قوله ) لهم في الدنيا خزي ( قال : أما خزيهم في الدنيا فإنه إذا قام المهدي وفتحت القسطنطينية قتلهم فذلك الخزي .
وأخرج ( ك ) أحمد ، وابن أبي شيبة ، وابن ماجه ، ونعيم بن حماد في الفتن عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( المهدي منا أهل البيت يصلحه الله في ليلة ) .
وأخرج ( ك ) أبو داود ، ونعيم بن حماد ، والحاكم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( المهدي مني أجلى الجبهة أقنى الأنف يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً يملك سبع سنين ) وأخرج أبو نعيم عن أبي سعيد [ قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( المهدي منا أجلى الجبين أقنى الأنف ) وأخرج أبو نعيم عن أبي سعيد ] عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( المهدي منا أهل البيت رجل من أمتي أشم الأنف يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ) .
وأخرج ( ك ) أبو داود ، وابن ماجه ، والطبراني ، والحاكم عن أم سلمة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( المهدي من عترتي من ولد فاطمة ) وأخرج ابن ماجه ، وأبو نعيم عن أنس سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( نحن سبعة ولد عبد المطلب سادة أهل الجنة أنا ، وحمزة ، وعلي ، وجعفر ، والحسن ، والحسين ، والمهدي ) وأخرج أحمد ، والباوردي في المعرفة ، وأبو نعيم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أبشركم بالمهدي رجل من قريش [ من عترتي ] يبعث في أمتي على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً كما ملئت جوراً وظلماً ويرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ويقسم المال صحاحاً ) فقال له رجل : ما صحاحاً ؟ قال : بالسوية بين الناس ( ويملأ قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى أنه يأمر منادياً فينادي من له حاجة إليّ فما يأتيه أحد إلا رجل واحد يأتيه فيسأله فيقول(2/55)
"""""" صفحة رقم 56 """"""
إئت السادن حتى يعطيك فيأتيه فيقول أنا رسول المهدي إليك لتعطيني مالاً فيقول : [ إحث فيحثي ولا يستطيع أن يحمله فيلقى حتى يكون قدر ما يستطيع أن يحمله فيخرج به فيندم فيقول ] أنا كنت أجشع أمة محمد نفساً كلهم دعى إلى هذا المال فتركه غيري فيرده عليه فيقول إنا لا تقبل شيئاً أعطيناه فيلبث في ذلك ستاً أو سبعاً أو ثمانياً أو تسع سنين ولا خير في الحياة بعده ) .
وأخرج ( ك ) أبو داود ، والطبراني عن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) .
وأخرج ( ك ) أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن صحيح عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تذهب الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي ) .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة ، والطبراني ، والدارقطني في الأفراد ، وأبو نعيم ، والحاكم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تذهب الدنيا حتى يبعث الله تعالى رجلاً من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأ الأرض عدلاً وقسطاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) .
وأخرج ( ك ) الطبراني عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي ) .
وأخرج ( ك ) أحمد ، وابن أبي شيبة ، وأبو داود عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لو لم يبق من الدهر إلا يوم لبعث الله تعالى رجلاً من أهل بيتي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً ) وأخرج أبو داود ، ونعيم بن حماد في الفتن عن علي أنه نظر إلى ابنه الحسن فقال : إن ابني هذا سيد كما سماه النبي صلى الله عليه وسلّم سيخرج من صلبه رجل يسمى اسم نبيكم يشبهه في الخلق ولا يشبهه في الخلق ثم ذكر القصة وزاد يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة ، وأحمد ، وأبو داود ، وأبو يعلى ، والطبراني عن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فييبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه ابدال الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ثم ينشأ رجل من قريش أخواله كلب فيبعث إليهم بعثاً فيظهرون عليهم وذلك بعث كلب والخيبة لمن لم يشهد غنيمة كلب فيقسم المال ويعمل في الناس بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلّم ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض يلبث سبع سنين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ) .
وأخرج ( ك ) أبو داود عن علي قال : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج رجل من وراء النهر يقال له الحرث حراث على مقدمته رجل يقال له منصور يوطىء أو يمكن ( لآل محمد كما مكنت قريش لرسول الله صلى الله عليه وسلّم وجب على كل مؤمن نصره أو قال إجابته ) .(2/56)
"""""" صفحة رقم 57 """"""
هذا آخر ما أورده أبو داود في باب المهدي من سننه ، وأخرج الترمذي وصححه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يلي رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي ) وأخرج الترمذي وصححه عن أبي هريرة قال : لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يلي ، وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن في أمتي المهدي يخرج يعيش خمساً أو سبعاً أو تسعاً زيد الشاك فيجيء إليه الرجل فيقول يا مهدي أعطني أعطني فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله ) .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد ، وابن ماجه عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يكون في أمتي المهدي إن قصد فسبع وإلا فتسع فتنعم فيه أمتي نعمة لم يسمعوا بمثلها قط يؤتي أكلها ولا تدخر عنهم شيئاً والمال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقول يا مهدي أعطني فيقول خذوا ) وأخرج ابن أبي شيبة ، ونعيم بن حماد في الفتن ، وابن ماجه ، وأبو نعيم عن ابن مسعود قال : بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( إذ أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم النبي صلى الله عليه وسلّم اغرورقت عيناه وتغير لونه فقلت : ما نزال نرى في وجهك شيئاً تكرهه ؟ فقال : إنا أهل بيت اختار الله لنا الآخرة على الدنيا وإن أهل بيتي سيلقون بعدي بلاء وتشريداً وتطريداً حتى يأتي قوم من قبل المشرق معهم رايات سود فيسألون الحق فلا يعطونه فيقاتلون فينصرون فيعطون ما سألوا فلا يقبلونه حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي فيملأها قسطاً كما ملأوها جوراً ، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حبواً على الثلج فإنه المهدي ) قال الحافظ عماد الدين بن كثير : في هذا السياق إشارة إلى ملك بني العباس وفيه دلالة على أن المهدي يكون بعد دولة بني العباس . وأخرج ابن ماجه ، والحاكم وصححه ، وأبو نعيم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يقتتل عند كنزكم ثلاثة كلهم ابن خليفة ثم لا تصير إلى واحد منهم ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق فيقتلونكم قتلاً لم يقتله قوم ثم يجيء خليفة الله المهدي فإذا سمعتم به فأتوه فبايعوه ولو حبواً على الثلج فإنه خليفة الله المهدي ) .
وأخرج ( ك ) ابن ماجه ، والطبراني عن عبد الله بن الحرث بن جزء الزبيدي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج ناس من المشرق فيوطئون للمهدي سلطانه ) .
وأخرج ( ك ) أحمد ، والترمذي ، ونعيم بن حماد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( تخرج من خراسان رايات سود فلا يردها شيء حتى تنصب بإيلياء ) قال ابن كثير : هذه الرايات السود ليست هي التي أقبل بها أبو مسلم الخراساني فاستلب بها دولة بني أمية بل رايات سود أخر تأتي صحبة المهدي .
وأخرج ( ك ) البزار ، والحارث بن أبي أسامة ، والطبراني عن قرة المزني قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لتملؤن الأرض جوراً وظلماً فإذا ملئت جوراً وظلماً بعث الله رجلاً مني اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي فيملأها عدلاً وقسطاً كما ملئت جوراً وظلماً فلا تمنع السماء شيئاً من قطرها ولا الأرض شيئاً من نباتها يمكث فيهم سبعاً أو ثمانياً فإن أكثر فتسعاً ) .
وأخرج ( ك ) البزار عن أنس : ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان نائماً في بيت أم سلمة فانتبه وهو(2/57)
"""""" صفحة رقم 58 """"""
يسترجع فقالت : يا رسول الله مم تسترجع ؟ ( قال : من قبل جيش يجيء من قبل العراق في طلب رجل من أهل المدينة يمنعه الله منهم فإذا علوا البيداء من ذي الحليفة خسف بهم فلا يدرك أعلاهم أسفلهم ولا يدرك أسفلهم أعلاهم إلى يوم القيامة ) .
وأخرج ( ك ) البزار عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( سيكون في أمتي خليفة يحثو المال حثياً لا يعده عداً ) وأخرج أحمد عن أبي سعيد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( إن من أمرائكم أميراً يحثو المال حثواً ولا يعده يأتيه الرجل فيسأله فيقول خذ فيبسط ثوبه فيحثو فيه فيأخذه ثم ينطلق ) .
وأخرج ( ك ) الطبراني في الأوسط عن طلحة بن عبيد الله عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( ستكون فتنة لا يهدأ منها جانب إلا جاش منها جانب حتى ينادي مناد من السماء إن أميركم فلان ) وأخرج أبو نعيم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج المهدي وعلى رأسه عمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه ) .
وأخرج ( ك ) أبو نعيم ، والخطيب في تلخيص المتشابه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي إن هذا المهدي فاتبعوه ) .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة عن عاصم بن عمر البجلي قال : لينادين باسم رجل من السماء لا ينكره الدليل ولا يمتنع منه الذليل .
وأخرج ( ك ) الطبراني في الأوسط من طريق عمر بن علي عن علي بن أبي طالب ( أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلّم : أمنا المهدي أم من غيرنا يا رسول الله ؟ قال : ( بل منا بنا يختم الله كما بنا فتح وبنا يستنقذون من الشرك وبنا يؤلف قلوبهم بعد عداوة بينة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك ) وأخرج نعيم بن حماد ، وأبو نعيم من طريق مكحول عن علي ( قال قلت : يا رسول الله أمنا آل محمد المهدي أم من غيرنا ؟ ( فقال : لا بل منا يختم الله به الدين كما فتح بنا ، وبنا ينقذون من الفتنة كما أنقذوا من الشرك ، وبنا يؤلف الله بين قلوبهم بعد عداوة الفتنة كما ألف بين قلوبهم بعد عداوة الشرك ، وبنا يصبحون بعد عداوة الفتنة إخواناً كما أصبحوا بعد عداوة الشرك إخواناً في دينهم ) .
وأخرج ( ك ) الطبراني في الأوسط ، والحاكم عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يباع لرجل بين الركن والمقام عدة أهل بدر فيأتيه عصائب أهل العراق وأبدال أهل الشام فيغزوه جيش من أهل الشام حتى إذا كانوا بالبيداء خسف بهم ) .
وأخرج ( ك ) الطبراني في الأوسط عن أم سلمة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يسير ملك المشرق إلى ملك المغرب فيقتله فيبعث جيشاً إلى المدينة فيخسف بهم ثم يبعث جيشاً فينشأ ناس من أهل المدينة فيعوذ عائذ بالحرم فيجتمع الناس إليه كالطائر الواردة المتفرقة حتى يجتمع إليه ثلثمائة وأربعة عشر منهم نسوة فيظهر على كل جبار وابن جبار ويظهر من العدل ما يتمنى له الأحياء أمواتهم فيجىء سبع سنين ثم ما تحت الأرض خير مما فوقها ) .(2/58)
"""""" صفحة رقم 59 """"""
وأخرج ( ك ) الطبراني في الأوسط عن ابن عمر ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم أخذ بيد علي فقال : سيخرج من صلب هذا فتى يملأ الأرض قسطاً وعدلاً فإذا رأيتم ذلك فعليكم بالفتى التميمي فإنه يقبل من قبل المشرق وهو صاحب راية المهدي ) .
وأخرج ( ك ) الطبراني في الأوسط عن أم حبيبة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( يخرج ناس من قبل المشرق يريدون رجلاً عند البيت حتى إذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم ) .
وأخرج ( ك ) الطبراني في الأوسط ، ونعيم ، وابن عساكر عن علي : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : يكون في آخر الزمان فتنة تحصل الناس كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبوا أهل الشام ولكن سبوا شرارهم فإن فيهم الأبدال يوشك أن يرسل على أهل الشام سيب من السماء فيغرق جماعتهم حتى لو قابلتهم الثعالب غلبتهم فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي ثلاث رايات المكثر يقول : هم خمسة عشر ألفاً والمقلل يقول هم اثنا عشر ألفاً أمارتهم أمت أمت يلقون سبع رايات تحت كل راية منها رجل يطلب الملك فيقتلهم الله جميعاً ويرد الله إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم وقاصيهم ودانيهم ) وأخرج نعيم بن حماد ، والحاكم وصححه عن علي بن أبي طالب قال : ( ستكون فتنة يحصل الناس منها كما يحصل الذهب في المعدن فلا تسبوا أهل الشام وسبوا ظلمتهم فإن فيهم الأبدال وسيرسل الله سيباً من السماء فيغرقهم حتى لو قاتلهم الثعالب غلبتهم ثم يبعث الله عند ذلك رجلاً من عترة الرسول الله صلى الله عليه وسلّم في اثني عشر ألفاً إن قلوا وخمسة عشر ألفاً إن كثروا أمارتهم أي علامتهم أمت أمت على ثلاث رايات يقاتلهم أهل سبع رايات ليس من صاحب راية إلا وهو يطمع بالملك فيقتلون ويهزمون ثم يظهر الهاشمي فيرد الله إلى المسلمين ألفتهم ونعمتهم فيكونون على ذلك حتى يخرج الدجال ) أخرج الطبراني في الأوسط ، وأبو نعيم عن أبي سعيد الخدري سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( يخرج رجل من أهل بيتي يقول بسنتي ينزل الله له القطر من السماء وتخرج له الأرض من بركتها تملأ الأرض منه قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يعمل على هذه الأمة سبع سنين وينزل بيت المقدس ) .
وأخرج ( ك ) الدارقطني في الأفراد ، والطبراني في الأوسط عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يكون في أمتي المهدي إن قصر عمره فسبع وإلا فثمان وإلا فتسع سنين ينعم أمتي فيها نعمة لم ينعموا مثلها البر منهم والفاجر يرسل الله عليهم السماء مدراراً ولا تدخر الأرض شيئاً من النبات ويكون المال كدوساً يقول الرجل يا مهدي أعطني فيقول خذ )
وأخرج ( ك ) أبو يعلى عن أبي هريرة قال : ( حدثني خليلي أبو القاسم صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل من أهل بيتي فيضربهم حتى يرجعوا إلى الحق قلت : وكم يملك ؟ قال خمساً واثنين ) .(2/59)
"""""" صفحة رقم 60 """"""
وأخرج ( ك ) أبو يعلى ، وابن عساكر عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يكون في آخر الزمان عند تظاهر من الفتن وانقطاع من الزمن أمير أول ما يكون عطاؤه للناس أن يأتيه الرجل فيحثى له في حجرة يهمه من يقبل منه صدقة ذلك المال لما يصيب الناس من الفرج ) .
وأخرج ( ك ) أحمد ، ومسلم عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يكون في آخر أمتي خليفة يحثي المال حثياً ولا يعده عداً ) .
وأخرج ( ك ) أحمد ، ومسلم عن أبي سعيد ، وجابر عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( يكون في آخر الزمان خليفة يقسم المال ولا يعده ) وأخرج أبو نعيم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يكون في أمتي المهدي إن قصر عمره فسبع سنين وإلا فثمان وإلا فتسع سنين تتنعم أمتي في زمانه نعيماً لم يتنعموا مثله قط البر والفاجر يرسل الله السماء عليهم مدراراً ولا تدخر الأرض شيئاً من نباتها ) وأخرج أبو نعيم عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : ( تملأ الأرض ظلماً وجوراً فيقوم رجل من عترتي فيملأها قسطاً وعدلاً يملك سبعاً أو تسعاً ) وأخرج أحمد ، وأبو نعيم عن أبي سعيد قال : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( لا تنقضي الدنيا حتى يملك الأرض رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت قبله جوراً يملك سبع سنين ) .
وأخرج أبو نعيم ، والحاكم عن أبي سعيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( يخرج المهدي في أمتي يبعثه الله غياثاً للناس تنعم الأمة وتعيش الماشية وتخرج الأرض نباتها ويعطي المال صحاحا ) وأخرج أبو نعيم عن عبد الرحمن بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ليبعثن الله من عترتي رجلاً أفرق الثنايا أعلى الجبهة يملأ الأرض عدلاً يفيض المال فيضاً ) .
وأخرج أبو نعيم عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لبعث الله رجلاً اسمه اسمي وخلقه خلقي يكنى أبا عبد الله ) وأخرج الحارث بن أبي أسامة ، وأبو نعيم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لتملأن الأرض ظلماً وعدواناً ثم ليخرجن رجل من أهل بيتي حتى يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وعدواناً ) وأخرج الطبراني في الكبير ، وأبو نعيم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي وخلقه خلقي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ) .
وأخرج نعيم ، وأبو نعيم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يكون عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن رجل يقال له المهدي يكون عطاؤه هنيئاً ) .
وأخرج أحمد ، ونعيم بن حماد ، والحاكم ، وأبو نعيم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج فإن فيها خليفة الله المهدي ) وأخرج أبو نعيم عن حذيفه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( ويح هذه الأمة من ملوك جبابرة كيف يقتلون ويخيفون المطيعين إلا من أظهر طاعتهم فالمؤمن التقي يصانعهم بلسانه ويقوّمهم بقلبه فإذا أراد الله أن يعيد الإسلام عزيزاً قصم كل جبار عنيد وهو القادر على ما يشاء أن يصلح أمة بعد فسادها ، يا حذيفة لو لم يبق من الدنيا إلا يوم(2/60)
"""""" صفحة رقم 61 """"""
واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من أهل بيتي تجري الملاحم على يديه ويظهر الإسلام لا يخلف وعده وهو سريع الحساب ) . وأخرج الحسن بن سفيان ، وأبو نعيم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لملك فيها رجل من أهل بيتي ) .
وأخرج الحسن بن سفيان ، وأبو نعيم عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( تجىء الرايات السود من قبل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد فمن سمع بهم فليأتهم فليبايعهم ولو حبواً على الثلج ) وأخرج أبو نعيم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لو لم يبق من الدنيا إلا ليلة لطول الله تلك الليلة حتى يملك رجل من أهل بيتي يواطىء اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي يملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ويقسم المال بالسوية ويجعل الله الغنى في قلوب هذه الأمة فيمكث سبعاً أو تسعاً ثم لا خير في عيش الحياة بعد المهدي ) وأخرج ابن ماجه ، وأبو نعيم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطوله الله حتى يملك رجل من أهل بيتي يفتح القسطنطينية وجبل الديلم ) .
وأخرج الطبراني في الكبير ، وابن منده ، وأبو نعيم ، وابن عساكر عن قيس بن جابر عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( سيكون بعدي خلفاء ومن بعد الخلفاء أمراء ومن بعد الأمراء ملوك ومن بعد الملوك جبابرة ثم يخرج رجل من أهل بيتي يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ثم يؤمر بعده القحطاني فوالذي بعثني بالحق ما هو بدونه ) وأخرج أبو نعيم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( منا الذي يصلي عيسى ابن مريم خلفه ) .
وأخرج أبو نعيم عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم المهدي تعال صل بنا فيقول : ألا وإن بعضكم على بعض امراء تكرمة الله لهذه الأمة ) وأخرج أبو نعيم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لن تهلك أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم في آخرها والمهدي في وسطها ) .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يخرج في آخر الزمان خليفة يعطي الحق بغير عدد ) .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج رجل من أهل بيتي عند انقطاع من الزمان وظهور من الفتن يكون عطاؤه حثياً ) .
وأخرج ( ك ) الحاكم عن أبي هريرة قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج رجل يقال له السفياني في عمق دمشق وعامة من يتبعه من كلب فيقتل حتى يبقر بطون النساء ويقتل الصبيان فتجمع لهم قيس فيقتلها حتى لا يمنع ذنب تلعة ويخرج رجل من أهل بيتي في الحرة فيبلغ السفياني فيبغث إليه جنداً من جنده فيهزمهم فيسير إليه السفياني بمن معه حتى إذا صار ببيداء من الأرض خسف بهم فلا ينجو منهم إلا المخبر عنهم ) .
وأخرج ( ك ) الحاكم عن أبي سعيد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ينزل بأمتي في آخر الزمان بلاء شديد من سلطانهم حتى تضيق الأرض عنهم فيبعث الله رجلاً من عترتي فيملأ الأرض(2/61)
"""""" صفحة رقم 62 """"""
قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض لا تدخر الأرض شيئاً من بذرها إلا أخرجته ولا السماء شيئاً من قطرها إلا صبته يعيش فيهم سبع سنين أو ثمان أو تسعاً ) وأخرج ابن ماجه ، والروياني ، وابن خزيمة ، وأبو عوانة ، والحاكم ، وأبو نعيم واللفظ له عن أبي أمامة قال : ( خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وذكر الدجال وقال : فتنفي المدينة الخبث منها كما ينفي الكير خبث الحديد ويدعي ذلك اليوم يوم الخلاص ، فقالت أم شريك : فأين العرب يا رسول الله يومئذ ؟ قال : هم يومئذ قليل رجلهم بيت المقدس وإمامهم المهدي رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي بهم الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام ينكص يمشي القهقرى ليتقدم عيسى فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم ) .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة في المصنف عن ابن سيرين قال : ( المهدي من هذه الأمة وهو الذي يؤم عيسى ابن مريم عليهما السلام ) .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة عن مجاهد قال : حدثني فلان رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم أن المهدي لا يخرج حتى تقتل النفس الزكية فإذا قتلت النفس الزكية غضب عليهم من في السماء ومن في الأرض فأتى الناس المهدي فزفوه كما تزف العروس إلى زوجها ليلة عرسها وهو يملأ الأرض قسطاً وعدلاً وتخرج الأرض نباتها وتمطر السماء مطرها وتنعم أمتي ولايته نعمة لم تنعمها قط ) .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة عن أبي شيبة عن أبي الجلد قال : ( تكون فتنة بعدها فتنة الأولى في الآخرة كثمرة السوط يتبعها ذباب السيف ثم يكون بعد ذلك فتنة تستحل فيها المحارم كلها ثم تأتي الخلافة خير أهل الأرض وهو قاعد في بيته ) .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد ، وأبو الحسن الحربي في الأول من الحربيات عن علي ابن عبد الله عباس قال : ( لايخرج المهدي حتى تطلع مع الشمس آية ) .
وأخرج ( ك ) الدارقطني في سننه عن محمد بن علي قال : ( أن لمهدينا آتين لم يكونا منذ خلق الله السموات والأرض ينكسف القمر لأول ليلة من رمضان وتنكسف الشمس في النصف منه ولم يكونا منذ خلق الله السموات والأرض ) .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد ، وعمر بن شبة عن عبد الله بن عمرو قال : ( إذا خسف بالجيش بالبيداء فهو علامة خروج المهدي ) .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد ، وابن عساكر ، وتمام في فوائده عن عبد الله بن عمرو قال : ( يخرج رجل من ولد حسن من قبل المشرق لو استقبل به الجبال لهدها واتخذ فيها طرقاً ) . وأخرج أبو نعيم عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( بينكم وبين الروم أربع هدن يوم الرابعة على يدي رجل من أهل هرقل يدوم سبع سنين فقال له رجل : يا رسول الله من إمام الناس يومئذ ؟ قال المهدي : من ولدي ابن أربعين سنة كأن وجهه كوكب دري في خده الأيمن خال أسود عليه عباءتان قطوانيتان كأن من رجال بني إسرائيل يستخرج الكنوز ويفتح(2/62)
"""""" صفحة رقم 63 """"""
مدائن الشرك ) .
وأخرج ( ك ) نعيم حماد والحاكم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( في ذي القعدة تجاذب القبائل وعامئذ ينهب الحاج فتكون ملحمة بمنى حتى يهرب صاحبهم فيبايع بين الركن والمقام وهو كاره يبايعه مثل عدة أهل بدر يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض ) . وأخرج الروياني في مسنده ؛ وأبو نعيم عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( المهدي رجل من ولدي وجهه كالكوكب الدري ) . وأخرج الروياني في مسنده ، وأبو نعيم عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( المهدي رجل من ولدي لونه لون عربي وجسمه جسم إسرائيلي على خده الأيمن خال كأنه كوكب دري يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً يرضى في خلافته أهل الأرض وأهل السماء والطير في الجو ) .
وأخرج ( ك ) ابن جرير في تهذيب الآثار ، وفيه : ( ووليكم الجابر خير أمة محمد الحقوه بمكة فإنه المهدي واسمه محمد بن عبد الله يخرج إليه الأبدال من الشام وعصب أهل المشرق كأن قلوبهم زبر الحديد رهبان بالليل ليوث بالنهار ) وأخرج أبو نعيم ، وأبو بكر بن المقري في معجمه عن ابن عمرو قال : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج المهدي من قرية يقال لها كرعة ) . وأخرج أبو نعيم عن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لفاطمة : ( المهدي من ولدك ) .
وأخرج ( ك ) ابن عساكر الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( أبشري يا فاطمة المهدي منك ) وأخرج الطبراني في الكبير ، وأبو نعيم عن علي الهلالي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لفاطمة : ( والذي بعثني بالحق إن منهما يعني من الحسن والحسين مهدي هذه الأمة إذا صارت الدنيا هرجاً ومرجاً وتظاهرت الفتن وتقطعت السبل وأغار بعضهم على بعض فلا كبير يرحم صغيراً ولا صغير يوقر كبيراً بعث الله عند ذلك منهما من يفتح حصون الضلالة وقلوباً غلفاً يقوم بالدين في آخر الزمان كما قمت في أول الزمان ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ) .
وأخرج ( ك ) الطبراني عن عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلّم : قال : ( تجىء فتنة غبراء مظلمة ثم يتبع الفتن بعضها بعضاً حتى يخرج رجل من أهل بيتي يقال له المهدي فإن أدركته فاتبعه وكن من المهتدين ) .
وأخرج ( ك ) الخطيب في المتفق والمفترق عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخلين الروم على وال من عترتي اسمه يواطىء اسمي فيقتتلون بمكان يقال له العماق فيقتلون فيقتل من المسلمين الثلث أو نحو ذلك ثم يقتتلون يوماً آخر فيقتل من المسلمين نحو ذلك ثم يقتتلون اليوم الثالث فيكون على الروم فلا يزالون حتى يفتتحوا القسطنطينية فبينما هم يقتسمون فيها بالأترسة إذ أتاهم صارخ إن الدجال قد خلفكم في ذراريكم ) .
وأخرج ( ك ) ابن سعد ، وابن أبي شيبة عن ابن عمرو أنه قال : يا أهل الكوفة أنتم أسعد الناس بالمهدي .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد في كتاب الفتن بسند صحيح على شرط مسلم عن علي قال : الفتن أربع : فتنة السراء ، وفتنة الضراء ، وفتنة كذا فذكر معدن الذهب ، ثم يخرج رجل من(2/63)
"""""" صفحة رقم 64 """"""
عترة النبي صلى الله عليه وسلّم يصلح الله على يديه أمرهم .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد عن ابن أرطاة قال : يدخل السفياني الكوفة فيستلها ثلاثة أيام ويقتل من أهلها ستين ألفاً ثم يمكث فيها ثمان عشرة ليلة يقسم أموالها ودخول الكوفة بعد ما يقاتل الترك والروم بقدفنسيا ثم يبعث عليهم خلفهم فتن فترجع طائفة منهم إلى خراسان فيقتل السفياني ويهدم الحصون حتى يدخل الكوفة ويطلب أهل خراسان ويظهر بخراسان قوم تذعن إلى المهدي ثم يبعث السفياني إلى المدينة فيأخذ قوماً من آل محمد صلى الله عليه وسلّم حتى يؤديهم الكوفة ثم يخرج المهدي ومنصور هاربين ويبعث السفياني في طلبهما ، فإذا بلغ المهدي ومنصور الكوفة نزل جيش السفياني إليهما فيخسف بهم ثم يخرج المهدي حتى يمر بالمدينة فيستنقذ من كان فيها من بني هاشم وتقبل الرايات السوداء حتى تنزل على الماء فيبلغ من بالكوفة من أصحاب السفياني نزولهم فيهربون ثم ينزل الكوفة حتى يستنقذ من فيها من بني هاشم ثم يخرج قوم من سواد الكوفة يقال لهم العصب ليس معهم سلاح إلا قليل وفيهم بعض أهل البصرة قد تركوا أصحاب السفياني فيستنقذون ما في أيديهم من سبي الكوفة وتبعث الرايات السود بالبيعة إلى المهدي .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد عن محمد بن الحنفية قال : تخرج رايات سود لبني العباس ثم تخرج من خراسان أخرى سود قلانسهم سود وثيابهم بيض على مقدمتهم رجل يقال له شعيب بن صالح من تميم يهزمون أصحاب السفياني حتى ينزل بيت المقدس يوطىء للمهدي سلطانه ويمد إليه ثلثمائة من الشام يكون بين خروجه وبين أن يسلم الأمر للمهدي اثنان وسبعون شهراً .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد عن الحسن قال : ( يخرج بالري رجل ربعة أسمر من بني تميم محروم كوسج يقال له شعيب بن صالح في أربعة آلاف ثيابهم بيض وراياتهم سود يكون على مقدمة المهدي لا يلقاه أحد إلا فله ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن علي قال : ( لايخرج المهدي حتى يقتل ثلث ويموت ثلث ويبقى ثلث ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن علي قال : ( لا يخرج المهدي حتى يبصق بعضكم في وجه بعض ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن عمرو بن العاص قال : ( علامة خروج المهدي إذا خسف بجيش في البيداء فهو علامة خروج المهدي ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن أبي قبيل قال : ( اجتماع الناس على المهدي سنة أربع ومائتين ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن عمار بن ياسر قال : ( علامة المهدي إذا انساب عليكم الترك ومات خليفتكم الذي يجمع الأموال ويستخلف بعده رجل ضعيف فيخلع بعد سنتين من بيعته ويخسف بغربي مسجد دمشق وخروج ثلاثة نفر بالشام وخروج أهل المغرب إلى مصر وتلك(2/64)
"""""" صفحة رقم 65 """"""
أمارة السفياني ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن علي قال : ( إذا نادى مناد من السماء أن الحق في آل محمد فعند ذلك يظهر المهدي على أفواه الناس ويشربون حبه ولا يكون لهم ذكر غيره ) .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد عن عمار بن ياسر قال : ( المهدي على أولة شعيب بن صالح ) .
وأخرج ( ك ) بن حماد عن أبي جعفر قال : ( يخرج شاب من بني هاشم بكفه اليمين خال من خراسان برايات سود بين يديه شعيب بن صالح يقاتل أصحاب السفياني فيهزمهم .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب بن علقمة قال : يخرج على لواء المهدي غلام حدث السن خفيف اللحية أصفر لو قاتل الجبال لهدها حتى ينزل إيلياء .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : إذا ملك رجل الشام وآخر مصر فاقتتل الشامي والمصري وسبي أهل الشام قبائل من مصر وأقبل رجل من المشرق برايات سود صغار قتل صاحب الشام فهو الذي يؤدي الطاعة إلى المهدي .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي قبيل قال : يكون بإفريقية أمير اثنتي عشرة سنة ويكون بعده فتنة ثم يملك رجل أسمر يملأها عدلاً ثم يسير إلى المهدي فيؤدي إليه الطاعة ويقاتل عنه .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( ذكر فلا يلقاه أهل بيته حتى يبعث الله راية من المشرق سوداء من نصرها نصره الله ومن خذلها خذله حتى يأتوا رجلاً اسمه كاسمي فيولونه أمرهم فيؤيده الله وينصره ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن سعيد بن المسيب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( تخرج من المشرق رايات سود لبني العباس ثم يمكثون ما شاء الله ثم تخرج رايات سود صغار تقاتل رجلاً من ولد أبي سفيان وأصحابه من قبل المشرق يؤدون الطاعة للمهدي ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي ، قال : ( تخرج رايات سود تقاتل السفياني فيهم شاب من بني هاشم في كفه اليسرى خال وعلى مقدمته رجل من تميم يدعى شعيب بن صالح فيهزم أصحابه ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن عمار بن ياسر قال : ( إذا بلغ السفياني الكوفة وقتل أعوان آل محمد خرج المهدي على لوائه شعيب بن صالح ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي جعفر قال : ( تنزل الرايات السود التي تخرج من خراسان الكوفة فإذا ظهر المهدي بمكة بعث إليه بالبيعة ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : ( إذا دارت رحا بني العباس وربط أصحاب الرايات خيولهم بزيتون الشام يهلك الله لهم الأصهب ويقتله وعامة أهل بيته على أيديهم حتى لا يبقى امرؤ منهم إلا هارب أو مختف ويسقط الشعبتان بنو جعفر ، وبنو العباس ويجلس ابن آكلة الأكباد على منبر دمشق ويخرج البربر إلى سرة الشام فهو علامة خروج المهدي ) .(2/65)
"""""" صفحة رقم 66 """"""
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي بن أبي طالب قال : ( إذا خرجت خيل السفياني إلى الكوفة بعث في طلب أهل خراسان ويخرج أهل خراسان في طلب المهدي فيلتقي هو والهاشمي برايات سود على مقدمته شعيب بن صالح فيلتقي هو والسفياني بباب اصطخر فيكون بينهم ملحمة عظيمة فتظهر الرايات السود وتهرب خيل السفياني فعند ذلك يتمنى الناس المهدي ويطلبونه ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي جعفر قال : بعث السفياني جنوده في الآفاق بعد دخوله الكوفة وبغداد فيبلغه فزعة من وراء النهر من أرض خراسان عليهم رجل من بني أمية فيكون لهم وقعة بتونس ووقعة بدولاب الري ووقعة بتخوم زريح ، فعند ذلك تقبل الرايات السود من خراسان على جميع الناس شاب من بني هاشم بكفه اليمنى خال سهل الله أمره وطريقه ثم يكون لهم وقعة بتخوم خراسان ويسير الهاشمي في طريق الري فيبرح رجل من بني تميم من الموالي يقال له شعيب بن صالح إلى اصطخر إلى الأموي فيلتقي هو والمهدي والهاشمي ببيضاء اصطخر فيكون بينهما ملحمة عظيمة حتى تطأ الخيل الدماء إلى أرساغها ، ثم يأتيه جنود من سجستان عظيمة عليهم رجل من بني عدي فيظهر الله أنصاره وجنوده ، ثم تكون واقعة بالمدائن بعد وقعة الري وفي عاقر قوفا وقعة صلمية يخبر عنها كل ناج ثم يكون بعدها ذبح عظيم ببابل ووقعة في أرض من أرض نصيبين ، ثم يخرج على الأحوص قوم من سوادهم وهم العصب عامتهم من الكوفة والبصرة حتى يستنقذوا ما في يديه من سبي كوفان .
وأخرج ( ك ) أيضا عن ضمرة بن حبيب ومشايخهم قالوا : يبعث السفياني خيله وجنوده فيبلغ عامة المشرق من أرض خراسان وأرض فارس فيثور بهم أهل المشرق فيقاتلونهم ويكون بينهم وقعات في غير موضع ، فإذا طال عليهم قتالهم إياه بايعوا رجلاً من بني هاشم وهم يومئذ في آخر المشرق فيخرج بأهل خراسان على مقدمته رجل من بني تميم مولى لهم يقال له شعيب بن صالح أصفر قليل اللحية يخرج إليه في خمسة آلاف فإذا بلغه خروجه شايعه فيصيره على مقدمته لو استقبل بهم الجبال الرواسي لهدها ، فيلتقي هو وخيل السفياني فيهزمهم فيقتل منهم مقتلة عظيمة ثم تكون الغالبة للسفياني ويهرب الهاشمي ويخرج شعيب بن صالح مختفياً إلى بيت المقدس يوطىء للمهدي منزله إذا بلغه خروجه إلى الشام قال الوليد : بلغني أن هذا الهاشمي أخو المهدي لأبيه وقال بعضهم : هو ابن عمه وقال بعضهم : إنه لا يموت ولكنه بعد الهزيمة يخرج إلى مكة فإذا ظهر المهدي خرج .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي بن أبي طالب قال : يخرج رجل قبل المهدي من أهل بيته بالمشرق يحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي قال : يبعث بجيش إلى المدينة فيأخذون من قدروا عليه من آل محمد صلى الله عليه وسلّم ويقتل من بني هاشم رجالاً ونساءً فعند ذلك يهرب المهدي والبيض من المدينة إلى مكة فيبعث في طلبهما وقد لحقا بحرم الله وأمنه .(2/66)
"""""" صفحة رقم 67 """"""
وأخرج ( ك ) أيضاً عن يوسف بن ذي قربا قال : يكون خليفة بالشام يغزو المدينة فإذا بلغ أهل المدينة خروج الجيش إليهم خرج سبعة نفر منهم إلى مكة فاستخفوا فيكتب صاحب المدينة إلى صاحب مكة إذا قدم عليك فلان وفلان يسميهم بأسمائهم فاقتلهم فيعظم ذلك صاحب مكة ثم بنو مروان بينهم فيأتونه ليلاً ويستجيرون به فيقول اخرجوا آمنين فيخرجون ، ثم يبعث إلى رجلين منهم فيقتل أحدهم والآخر ينظر ، ثم يرجع إلى أصحابه فيخرجون ثم ينزلون جبلاً من جبال الطائف فيقيمون فيه ويبعثون إلى الناس فينساب إليهم ناس فإذا كان كذلك غزاهم أهل مكة فيهزمونهم ويدخلون مكة فيقتلون أميرها ويكونون بها حتى إذا خسف بالجيش استعد أمره وخرج .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي قبيل قال : يبعث السفياني جيشاً فيأمر بقتل كل من كان فيها من بني هاشم فيقتلون ويفترقون هاربين إلى البراري والجبال حتى يظهر أمر المهدي فإذا ظهر بمكة اجتمع من شذ منهم إليه بمكة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي هريرة قال : يكون بالمدينة وقعة يغرق فيها أحجار الزيت ما الحرة عندها إلا كضربة سوط فيتنحى عن المدينة قدر بريدين ثم يبايع للمهدي .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن عباس قال : يبعث صاحب المدينة إلى الهاشميين بمكة جيشاً فيهزمونهم فيسمع بذلك الخليفة بالشام فيقطع إليهم بعثاً فيهم ستمائة غريب فإذا أتوا البيداء فينزلها في ليلة مقمرة أقبل راعي ينظر إليهم ويعجب فيقول يا ويح أهل مكة ما جاءهم فينصرف إلى غنمه ثم يرجع فلا يرى أحداً فإذا هم قد خسف بهم فيقول : سبحان الله ارتحلوا في ساعة واحدة فيأتي منزلهم فيجد قطيفة قد خسف ببعضها وبعضها على ظهر الأرض فيعالجها فيعلم أنه قد خسف بهم فينطلق إلى صاحب مكة فيبشره فيقول صاحب مكة : الحمد لله هذه العلامة التي كنتم تخبرون فيسيرون إلى الشام .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي قبيل قال : لا يفلت منهم أحد إلا بشير ونذير ، فأما الذي هو بشير فإنه يأتي المهدي بمكة وأصحابه فيخبرهم بما كان من أمرهم . والثاني يأتي السفياني فيخبره بما يؤول بأصحابه وهما رجلان من كلب .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : علامة خروج المهدي ألوية تقبل من المغرب عليها رجل أعرج من كندة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي هريرة قال : يخرج السفياني ، والمهدي كفرسي رهان فيغلب السفياني على ما يليه ، والمهدي على ما يليه .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن جعفر قال : يقوم المهدي سنة مائتين .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الزهري قال : يستخرج المهدي كارهاً من مكة من ولد فاطمة فيبايع .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي جعفر قال : يظهر المهدي بمكة عند العشاء معه راية(2/67)
"""""" صفحة رقم 68 """"""
رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقميصه وسيفه وعلامات ونور وبيان ، فإذا صلى العشاء نادى بأعلى صوته يقول : أذكركم الله أيها الناس ومقامكم بين يدي ربكم فقد اتخذ الحجر وبعث الأنبياء وأنزل الكتاب وآمركم أن لا تشركوا به شيئاً وأن تحافظوا على طاعته وطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأن تحيوا ما أحيا القرآن وتميتوا ما أمات ، وتكونوا أعواناً على الهدى ووزراء على التقوى ، فإن الدنيا قد دنا فناؤها وزوالها أذنت بانصرام ، فإني أدعوكم إلى الله وإلى رسوله والعمل بكتابه وإماتة الباطل وإحياء سنته ، فيظهر في ثلثمائة وثلاثة عشر رجلاً عدد أهل بدر على غير ميعاد قزعاً كقزع الخريف رهبان بالليل أسد بالنهار ، فيفتح الله للمهدي أرض الحجاز ويستخرج من كان في السجن من بني هاشم وتنزل الرايات السود الكوفة فيبعث بالبيعة إلى المهدي ويبعث المهدي جنوده في الآفاق ويميت الجور وأهله وتستقيم له البلدان ويفتح الله على يديه القسطنطينية ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن مسعود قال : إذا انقطعت التجارات والطرق وكثرت الفتن خرج سبعة نفر علماء من أفق شتى على غير ميعاد يبايع لكل رجل منهم ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً حتى يجتمعوا بمكة فيلتقي السبعة فيقول بعضهم لبعض : ما جاء بكم ؟ فيقولون : جئنا في طلب هذا الرجل الذي ينبغي أن تهدأ على يديه هذه الفتن وتفتح له القسطنطينية قد عرفناه باسمه واسم أبيه وأمه وجيشه ، فيتفق السبعة على ذلك فيطلبونه فيصيبونه بمكة فيقولون له : أنت فلان ابن فلان ؟ فيقول : لا بل أنا رجل من الأنصار حتى يفلت منهم فيصفونه لأهل الخبر منه والمعرفة به فيقال هو صاحبكم الذي تطلبونه وقد لحق بالمدينة فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى [ أهل ] مكة فيطلبونه بمكة فيصيبونه فيقولون : أنت فلان ابن فلان وأمك فلانة ابنة فلان وفيك آية كذا وكذا وقد أفلتّ منا مرة فمد يدك نبايعك ؟ فيقول : لست بصاحبكم حتى يفلت منهم فيطلبونه بالمدينة فيخالفهم إلى مكة فيصيبونه بمكة عند الركن ويقولون له : إثمنا عليك ودماؤنا في عنقك إن لم تمد يدك نبايعك ، هذا عسكر السفياني قد توجه في طلبنا عليهم رجل من حرام فيجلس بين الركن والمقام فيمد يده فيبايع له فيلقي الله محبته في صدور الناس فيصير مع قوم أسد بالنهار رهبان بالليل .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الوليد بن مسلم قال : حدثني محمد أن المهدي ، والسفياني ، وكلباً يقتتلون في بيت المقدس حين تستقبله البيعة فيؤتى بالسفياني أميراً فيأمر به فيذبح على باب الرحبة ثم تباع نساؤهم وغنائمهم على درج دمشق ، وأخرج أيضاً عن الوليد بن مسلم عن محمد بن علي قال : إذا سمع العائذ الذي بمكة الخسف خرج مع اثني عشر ألفاً فيهم الأبدال حتى ينزلوا إيلياء فيقول الذي بعث الجيش حين يبلغه الخبر من إيلياء : لعمر الله لقد جعل الله في هذا الرجل عبرة بعثت إليه ما بعثت فساحوا في الأرض إن في هذا لعبرة ونصرة ، فيؤدي إليه السفياني الطاعة فيخرج حتى يلقى كلباً وهم أخواله فيعيرونه بما صنع(2/68)
"""""" صفحة رقم 69 """"""
ويقولون : كساك الله قميصاً فخلعته فيقول : ما ترون أستقيله البيعة ؟ فيقولون : نعم فيأتيه إلى إيلياء فيقول : أقلني فيقول : بلى فيقول له : أتحب أن أقيلك ؟ فيقول : نعم فيقيله ثم يقول : هذا رجل قد خلع طاعتي فيأمر به عند ذلك فيذبح على بلاطة باب إيلياء ثم يسير إلى كلب فينهبهم فالخائب من خاب يوم نهب كلب .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي قال : إذا بعث السفياني إلى المهدي جيشاً فخسف بهم بالبيداء وبلغ ذلك أهل الشام قال لخليفتهم : قد خرج المهدي فبايعه وادخل في طاعته وإلا قتلناك فيرسل إليهم بالبيعة ويسير المهدي حتى ينزل بيت المقدس وتنقل إليه الخزائن ويدخل العرب والعجم وأهل الحرب والروم وغيرهم في طاعته من غير قتال حتى يبني المساجد بالقسطنطينية وما دونها ، ويخرج قبله رجل من أهل بيت بالمشرق ويحمل السيف على عاتقه ثمانية أشهر يقتل ويمثل ويتوجه إلى بيت المقدس فلا يبلغه حتى يموت .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي قال : تفرح الفتن برجل منا يسومهم خسفاً لا يعطيهم إلا السيف يضع السيف على عاتقه ثمانية أشهر حتى يقولوا : والله ما هذا من ولد فاطمة ولو كان من ولدها لرحمنا يغريه الله ببني العباس وبني أمية .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي جعفر قال : لا يخرج المهدي حتى تروا الظلمة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن مطر الوراق قال : لا يخرج المهدي حتى يكفر بالله جهراً .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن سيرين قال : لا يخرج المهدي حتى يقتل من كل تسعة سبعة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : المهدي خاشع لله كخشوع النسر لجناحه .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن عبد الله بن الحارث قال : يخرج المهدي وهو ابن أربعين سنة كأنه رجل من بني إسرائيل .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي الطفيل : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وصف المهدي فذكر ثقلاً في لسانه وضرب فخذه اليسرى بيده اليمنى إذا أبطأ عليه الكلام اسمه اسمي واسم أبيه اسم أبي ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن محمد بن حِميْر قال : المهدي أزج أبلج أعين يجىء من الحجاز حتى يستوي على منبر دمشق وهو ابن ثمان عشرة سنة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي بن أبي طالب قال : ( المهدي مولده بالمدينة من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلّم واسمه اسم نبي ومهاجره بيت المقدس كث اللحية أكحل العينين براق الثنايا في وجهه خال في كتفه علامة النبي يخرج براية النبي صلى الله عليه وسلّم من مرط معلمة سوداء مربعة فيها حجر لم تنشر منذ توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم ولا تنشر حتى يخرج المهدي يمده الله بثلاثة آلاف من الملائكة يضربون وجوه من خالفهم وأدبارهم يبعث وهو ما بين الثلاثين إلى الأربعين ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي قال : ( المهدي مني من قريش أدم ضرب من الرجال ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أرطاة قال : ( المهدي ابن عشرين سنة ) . وأخرج أيضاً عن ابن(2/69)
"""""" صفحة رقم 70 """"""
مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( اسم المهدي محمد ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( اسم المهدي اسمي ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن قتادة قال : قلت لسعيد بن المسيب : المهدي حق هو ؟ قال نعم ، قلت ممن هو ؟ قال من ولد فاطمة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن عباس قال : المهدي شاب منا أهل البيت قيل عجز عنها شيوخكم ويرجوها شبابكم ؟ قال : يفعل الله ما يشاء .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن عباس قال : ( المهدي منا يدفعها إلى عيسى ابن مريم ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( المهدي رجل من عترتي يقاتل على سنتي كما قاتلت أنا على الوحي ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الزهري قال : يخرج المهدي بعد الخسف في ثلثمائة وأربعة عشر رجلاً عدد أهل بدر فيلتقي هو وصاحب جيش السفياني وأصحاب المهدي يومئذ جنتهم البرادع يعني تراسهم ويقال إنه يسمع يومئذ صوت مناد من السماء ينادي ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي فتكون الدبرة على أصحاب السفياني فيقتلون لا يبقى منهم إلا الشريد فيهربون إلى السفياني فيخبرونه ويخرج المهدي إلى الشام فيتلقى السفياني المهدي ببيعته ويسارع الناس إليه من كل وجه ويملأ الأرض عدلاً . وأخرج أيضاً عن ابن مسعود قال : يبايع للمهدي سبعة رجال علماء توجهوا إلى مكة من أفق شتى على غير ميعاد قد بايع لكل رجل منهم ثلثمائة وبضعة عشر رجلاً فيجتمعون بمكة فيبايعونه ويقذف الله محبته في صدور الناس فيسير بهم وقد توجه إلى الذين بايعوا السفياني بمكة عليهم رجل من جرم فإذا خرج بين مكة خلف أصحابه ومشى في إزار ورداء حتى يأتي الحرم فيبايع له فيندمه كلب على بيعته فيأتيه فيستقيله البيعة فيقتله ثم يغير جيوشه لقتاله فيهزمهم ويهزم الله على يديه الروم ويذهب الله على يديه الفقر وينزل الشام .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أرطاة قال : يدخل الصخري الكوفة ثم يبلغه ظهور المهدي بمكة فيبعث إليه من الكوفة بعثاً فيخسف به فلا ينجو منهم إلا بشير إلى المهدي ونذير إلى الاصطخري فيقبل المهدي من مكة ، والصخري من الكوفة نحو الشام كأنهما فرسا رهان فيسبقه الصخري فيقطع بعثاً آخر من الشام إلى المهدي فيأتون المهدي بأرض الحجاز فيبايعونه بيعة الهدى ويقبلون معه حتى ينتهوا إلى حد الشام الذي بين الشام والحجاز فيقيم بها ويقال له : أنفذ فيكره المجاز ويقول اكتب إلى ابن عمي فلان بخلع طاعتي فأنا صاحبكم فإذا وصل الكتاب إلى الصخرى بايع وسار إلى المهدي حتى ينزل بيت المقدس ولا يترك المهدي بيد رجل من الشام فتراً من الأرض إلا ردها على أهل الذمة ورد المسلمين إلى الجهاد جميعاً ، فيمكث في ذلك ثلاث سنين ، ثم يخرج رجل من كلب له كنانة يعينه كوكب في رهط من قومه حتى يأتي الصخري فيقول : بايعناك ونصرناك حتى إذا ملكت بايعت هذا ليخرجن فليقاتلن فيقول : فيمن أخرج ؟ فيقول لا تبقى عامرية أمها أكبر منك إلا لحقتك لا(2/70)
"""""" صفحة رقم 71 """"""
يتخلف عنك ذات خسف ولا ظلف فيرحل وترحل معه عامر بأسرها حتى تنزل بيسان ويوجهه إليهم المهدي راية وأعظم راية في زمان المهدي مائة رجل فينزلون على ماء ثم إبراهيم فتصف كلب خيلها ورجلها وإبلها وغنمها فإذا تشاءمت الخيلات ولت كلب أدبارها وأخذ الصخري فيذبح على الصفا المتعرضة على وجه الأرض عند الكنيسة التي في بطن الوادي على طرف درج طور زيتا المقنطرة التي على يمين الوادي على الصفا المتعرضة على وجه الأرض عليها يذبح كما تذبح الشاة فالخائب من خاب يوم كلب حتى تباعٍ العذراء بثمانية دراهم .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الوليد بن مسلم قال : لا يخرج المهدي حتى يقوم السفياني على أعوادها .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : المهدي يبعث بقتال الروم يعطي معه عشرة يستخرج تابوت السكينة من غار انطاكية . وأخرج أيضاً عن كعب قال : إنما سمي المهدي لأنه يهدي لأمر قد خفي يستخرج التابوت من أرض يقال لها انطاكية .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن عبد الله بن شريك قال : مع المهدي راية رسول الله صلى الله عليه وسلّم المعلمة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن سيرين قال : على راية المهدي مكتوب البيعة لله . وأخرج أيضاً عن طاووس قال : علامة المهدي أن يكون شديداً على العمال جواداً بالمال رحيماً بالمساكين .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي قال : تكون فتن ثم تكون جماعة على رأس رجل من أهل بيتي ليس له عند الله خلاق أو يموت فيقوم المهدي .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ضمرة عن بعض أصحابه قال : لا يخرج المهدي حتى لا يبقى قيل ولا ابن قيل إلا هلك والقيل الرأس .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي قبيل قال : يملك رجل من بني هاشم فيقتل بني أمية حتى لا يبقى منهم إلا اليسير لا يقتل غيرهم ثم يخرج رجل من بني أمية فيقتل لكل رجل اثنين حتى لا يبقى إلا النساء ثم يخرج المهدي ، وأخرج أيضاً عن سعيد بن المسيب قال : تكون فتنة كان أولها لعب الصبيان كلما سكنت من جانب طمت من جانب آخر فلا تتناهى حتى ينادي مناد من السماء ألا إن الأمير فلان ذلكم الأمير حقاً ثلاث مرات .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي جعفر قال : ينادي مناد من السماء أن الحق في آل محمد ، وينادي مناد من الأرض أن الحق في آل عيسى أو قال العباس شك فيه وإنما الصوت الأسفل كلمة الشيطان والصوت الأعلى كلمة الله العليا . وأخرج عن إسحاق بن يحيى عن أمه وكانت قديمة قال : قلت لها في فتنة ابن الزبير : إن هذه الفتنة تهلك الناس ، قالت : كلا يا بني ولكن بعدها فتنة تهلك الناس لا يستقيم أمرهم حتى ينادي مناد من السماء عليكم بفلان .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن شهر بن حوشب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( في المحرم ينادي مناد من السماء ألا إن صفوة الله فلان فاسمعوا له وأطيعوا في سنه الضرب والمعمعة ) .(2/71)
"""""" صفحة رقم 72 """"""
وأخرج ( ك ) عن عمار بن ياسر قال : إذا قتل النفس الزكية وآخره تقتل بمكة صنيعة نادى مناد من السماء : إن أميركم فلان وذلك المهدي الذي يملأ الأرض خصباً وعدلاً .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن سعيد بن المسيب قال : يكون فرقة واختلاف حتى يطلع كف من السماء وينادي مناد من السماء إن أميركم فلان . وأخرج أيضاً عن الزهري قال : [ إذا ] التقى السفياني والمهدي للقتال يومئذ يسمع صوت من السماء ألا إن أولياء الله أصحاب فلان يعني المهدي وقالت أسماء بنت عميس : إن أمارة ذلك اليوم أن كفاً من السماء مدلاة ينظر إليها الناس .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الحكم بن نافع قال : إذا كان الناس بمنى وعرفات نادى مناد بعد أن تتحارب القبائل : ألا إن أميركم فلان ويتبعه صوت آخر ألا إنه قد صدق فيقتتلون قتالاً شديداً فجلّ سلاحهم البرادع ، وعند ذلك يرون كفاً معلمة في السماء ويشتد القتال حتى لا يبقى من أنصار الحق إلا عدة أهل بدر فيذهبون حتى يبايعوا صاحبهم .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال : يحج الناس معاً ويعرفون معاً على غير إمام فبينما هم نزول بمنى إذ أخذهم كالكلب فثارت القبائل بعضهم إلى بعض فاقتتلوا حتى تسيل العقبة دماً فيفزعون إلى خيرهم فيأتونه وهو ملصق وجهه إلى الكعبة يبكي كأني أنظر إلى دموعه فيقولون : هلم إلينا فلنبايعك ، فيقول : ويحكم كم من عهد نقضتموه ، وكم من دم سفكتموه فيبايع كرهاً فإن أدركتموه فبايعوه فإنه المهدي في الأرض والمهدي في السماء .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن عباس قال : يبعث المهدي بعد إياس وحتى يقول الناس لا مهدي وأنصاره ناس من أهل الشام عددهم ثلثمائة وخمسة عشر رجلاً عدد أصحاب بدر يسيرون إليه من الشام حتى يستخرجوه من بطن مكة من دار عند الصفا فيبايعونه كرهاً فيصلي بهم ركعتين عند المقام يصعد المنبر .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أبي هريرة قال : يبايع المهدي بين الركن والمقام يوقظ نائماً ولا يهريق دماً .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن قتادة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج المهدي من المدينة إلى مكة فيستخرجه الناس من بينهم فيبايعونه بين الركن والمقام وهو كاره ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي قال : إذا خرجت الرايات السود من السفياني التي فيها شعيب بن صالح تمنى الناس المهدي فيطلبونه فيخرج من مكة ومعه راية رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيصلي ركعتين بعد أن ييأس الناس من خروجه لما طال عليهم من البلايا ، فإذا فرغ من صلاته انصرف فقال : يا أيها الناس ألح البلاء بأمة محمد وبأهل بيته خاصة فهو باغ بغى علينا .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال قتادة : المهدي خير الناس أهل نصرته وبيعته من أهل كوفان واليمن وأبدال الشام مقدمته جبريل وساقته ميكائيل محبوب في الخلائق يطفىء الله به(2/72)
"""""" صفحة رقم 73 """"""
الفتنة العمياء وتأمن الأرض حتى أن المرأة لتحج في خمس نسوة ما معهن رجل لا تتقي شيئاً إلا الله تعطي الأرض زكاتها والسماء بركتها .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن مطر أنه ذكر عنده عمر بن عبد العزيز فقال : بلغنا أن المهدي يصنع شيئاً لم يصنعه عمر بن عبد العزيز قلنا : ما هو ؟ قال : يأتيه [ رجل ] فيسأله فيقول ادخل بيت المال فخذ فيدخل ويخرج ويرى الناس شباعاً فيندم فيرجع إليه فيقول خذ ما أعطيتني فيأبى ويقول إنا نعطي ولا نأخذ .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : إني أجد المهدي مكتوباً في أسفار الأنبياء ما في عمله ظلم ولا عيب .
وأخرج ( ك ) أيضاً من طريق ضمرة عن محمد بن سيرين أنه ذكر فتنة تكون فقال : إذا كان ذلك فاجلسوا في بيوتكم حتى تسمعوا على الناس بخير من أبي بكر ، وعمر ، قيل : أفيأتي خير من أبي بكر وعمر ؟ قد كان يفضل على بعض قلت : في هذا ما فيه ، وقد قال ابن أبي شيبة في المصنف في باب المهدي : حدثنا أبو أسامة عن عوف عن محمد هو ابن سيرين قال : يكون في هذه الأمة خليفة لا يفضل عليه أبو بكر ولا عمر قلت : هذا إسناد صحيح وهذا اللفظ أخف من اللفظ الأول ، والأوجه عندي تأويل اللفظين على ما أول عليه حديث بل أجر خمسين منكم لشدة الفتن في زمان المهدي وتمالؤ الروم بأسرها عليه ومحاصرة الدجال له ، وليس المراد بهذا التفضيل الراجع إلى زيادة الثواب والرفعة عند الله ، فالأحاديث الصحيحة والإجماع على أن أبا بكر ، وعمر أفضل الخلق بعد النبيين والمرسلين .
وأخرج ( ك ) نعيم بن حماد عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يأوي إلى المهدي أمته كما تأوي النحل إلى يعسوبها يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً حتى يكون الناس على مثل أمرهم الأول لا يوقظ نائماً ولا يهريق دماً ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الوليد بن مسلم قال : سمعت رجلاً يحدث قوماً فقال : المهديون ثلاثة : مهدي الخير عمر بن عبد العزيز ، ومهدي الدم وهو الذي تسكن عليه الدماء ، ومهدي الدين عيسى ابن مريم تسلم أمته في زمانه ، وأخرج أيضاً عن كعب قال : مهدي الخيري يخرج بعد السفياني .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن طاوس قال : إذا كان المهدي يبذل المال ويشتد على العمال ويرحم المساكين .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن طاووس قال : وددت أني لا أموت حتى أدرك زمان المهدي يزاد للمحسن في إحسانه ويثاب فيه على المسيىء . وأخرج أيضاً عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( المهدي يصلحه الله في ليلة واحدة ) .
وأخرج ( ك ) عن عمر بن الخطاب أنه ولج البيت وقال : والله ما أدري أدع خزائن البيت(2/73)
"""""" صفحة رقم 74 """"""
وما فيه من السلاح والمال أو أقسمه في سبيل الله ؟ فقال له علي بن أبي طالب : امض يا أمير المؤمنين فلست بصاحبه إنما صاحبه منا شاب من قريش يقسمه في سبيل الله في آخر الزمان .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : لواء يعقده المهدي يبعثه إلى الترك فيهزمهم ويأخذ ما معهم من السبي والأموال ثم يصير إلى الشام فيفتحها ثم يعتق كل مملوك معه ويعطي أصحابه قيمتهم .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن لهيعة قال : يتمنى في زمان المهدي الصغير الكبر والكبير الصغر .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن صباح قال : يمكث المهدي فيهم تسعاً وثلاثين سنة يقول الصغير يا ليتني كبرت ويقول الكبير يا ليتني كنت صغيراً . وأخرج ( ك ) عن عبد الله بن عمرو قال : المهدي ينزل عليه عيسى ابن مريم ويصلي خلفه عيسى .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : المهدي من ولد العباس . وأخرج أيضاً عن الزهري قال : المهدي من ولد فاطمة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : ما المهدي إلا من قريش وما الخلافة إلا فيهم .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي قال : المهدي رجل منا من ولد فاطمة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن عمر أنه قال لابن الحنفية : المهدي الذي يقولون كما يقول الرجل الصالح إذا كان صالحاً قيل له المهدي .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أرطاة قال : يبقى المهدي أربعين عاماً .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن بقية بن الوليد قال : حياة المهدي ثلاثون سنة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن محمد بن حمير عن أبيه قال : يملك المهدي سبع سنين وشهرين وأياماً .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن دينار قال : بقاء المهدي أربعون سنة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الزهري قال : يعيش المهدي أربع عشرة سنة ثم يموت موتاً .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن علي قال : يلي المهدي أمر الناس ثلاثين أو أربعين سنة .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : يموت المهدي موتاً ثم يلي الناس بعده رجل من أهل بيته فيه خير وشر وشره أكثر من خيره يغصب الناس يدعوهم إلى الفرقة بعد الجماعة بقاؤه قليل يثور به رجل من أهل بيته فيقتله .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن الزهري قال : يموت المهدي موتاً ثم يصير الناس بعده في فتنة ويقبل إليهم رجل من بني مخزوم فيبايع له فيمكث زماناً ثم ينادي مناد من السماء ليس بإنس ولا جان بايعوا فلاناً ولا ترجعوا على أعقابكم بعد الهجرة فينظرون فلا يعرفون الرجل ثم ينادي ثلاثاً ثم يبايع المنصور فيصير إلى المخزومي فينصره الله عليه فيقتله ومن معه .(2/74)
"""""" صفحة رقم 75 """"""
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : ( يتولى رجل من بني مخزوم ثم رجل من الموالي ثم يسير رجل من المغرب رجل جسيم طويل عريض ما بين المنكبين فيقتل من لقيه حتى يدخل بيت المقدس فيموت موتاً فتكون الدنيا شراً مما كانت ، ثم يلي بعده رجل من مضر يقتل أهل الصلاح ظلوم غشوم ، ثم يلي من بعد المضري العماني القحطاني يسير سيرة أخيه المهدي وعلى يديه تفتح مدينة الروم ) . وأخرج ( ك ) أيضاً عن الوليد عن معمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ما القحطاني بدون المهدي ) وأخرج ( ك ) أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال : بعد الجبابرة الجابر ثم المهدي ثم المنصور ثم السلم ثم أمير العصب .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن ابن عمرو أنه قال : يا معشر اليمن يقولون : إن المنصور منكم والذي نفسي بيده إنه لقرشي أبوه ولو أشاء أن أسميه إلى أقصى جد هو له لفعلت . وأخرج أيضاً عن قيس بن جابر الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( سيكون من أهل بيتي رجل يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً ثم من بعده القحطاني والذي نفسي بيده ما هو دونه .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أرطاة قال : ينزل المهدي بيت المقدس ثم يكون خلف من أهل بيته بعده تطول مدتهم ويخبرون حتى يصلي الناس على بني العباس فلا يزال الناس كذلك حتى يغزو مع واليهم القسطنطينية وهو رجل صالح يسلمها إلى عيسى ابن مريم ولا يزال الناس في رخاء ما لم ينتقص ملك بني العباس فإذا انتقص ملكهم لم يزالوا في فتن حتى يقوم المهدي .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن عبد الله بن عمرو قال : ثلاثة أمراء يتوالون تفتح كلها عليهم كلهم صالح الجابر ثم المفرج ثم ذو العصب يمكثون أربعين سنة ثم لا خير في الدنيا بعدهم .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن سليمان بن عيسى قال : بلغني أن المهدي يمكث أربع عشرة سنة ببيت المقدس ثم يموت ثم يكون من بعده رجل من قوم تبع يقال له المنصور يمكث ببيت المقدس إحدى وعشرين سنة ثم يقتل ثم يملك المولى يمكث ثلاث سنين ثم يقتل ثم يملك بعده هشيم المهدي ثلاث سنين وأربعة أشهر وعشرة أيام .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن كعب قال : يكون بعد المهدي خليفة من أهل اليمن من قحطان أخو المهدي في دينه يعمل بعمله وهو الذي يفتح مدينة الروم ويصيب غنائمها .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن أرطاة قال : يكون بين المهدي وبين الروم هدنة ثم يهلك المهدي ثم يلي رجل من أهل بيته يعدل قليلاً ثم يقتل .
وأخرج ( ك ) أيضاً عن قيس بن جابر الصدفي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( القحطاني بعد المهدي وما هو دونه ) . وأخرج أيضاً عن أرطاة قال : بلغني أن المهدي يعيش أربعين عاماً ثم يموت على فراشه ، ثم يخرج رجل من قحطان مثقوب الأذنين على سيرة المهدي بقاؤه عشرون سنة ثم يموت قتيلاً بالسلاح ، ثم يخرج رجل من قحطان مثقوب الأذنين على سيرة المهدي بقاؤه عشرون سنة ثم يموت قتيلاً بالسلاح ، ثم يخرج رجل من أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلّم مهدي حسن السيرة يغزو مدينة قيصر وهو آخر أمير من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم ثم يخرج في زمانه الدجال وينزل في زمانه عيسى ابن مريم .(2/75)
"""""" صفحة رقم 76 """"""
هذه الآثار كلها لخصتها من كتاب الفتن لنعيم بن حماد وهو أحد الأئمة الحفاظ ، وأحد شيوخ البخاري . وبقي من أخبار المهدي ما أخرج ( ك ) ابن أبي شيبة في المصنف عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يكون في أمتي المهدي إن طال عمره أو قصر عمره ملك سبع سنين أو ثمان سنين أو تسع سنين فيملأها قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً ، وتمطر السماء مطرها وتخرج الأرض بركتها وتعيش أمتي في زمانه عيشاً لم تعشه قبل ذلك ) .
وأخرج ( ك ) أيضاً ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال : لا تمضي الأيام والليالي حتى يلي منا أهل البيت فتى لم تلبسه الفتن ولم يلبسها قيل يا أبا العباس يعجز عنها مشيختكم وينالها شبابكم ؟ قال : هو أمر الله يؤتيه من يشاء .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة عن حكيم بن سعد قال : لما قام سليمان فأظهر ما أظهر قلت لأبي يحيى : هذا المهدي الذي يذكر ؟ قال لا .
وأخرج ( ك ) ابن أبي شيبة عن إبراهيم بن ميسرة قال : قلت لطاوس : عمر بن عبد العزيز المهدي ؟ قال : قد كان مهدياً وليس به إن المهدي إذا كان زيد [ المحسن ] في إحسانه ويكتب على المسيء من إساءته وهو يبذل المال ويشتد على العمال ويرحم المساكين .
وأخرج ( ك ) أبو نعيم في الحلية عن إبراهيم بن ميسرة قال : قلت لطاوس : عمر بن عبد العزيز هو المهدي ؟ قال : هو مهدي وليس به إنه لم يستكمل العدل كله ، وأخرج المحاملي في أماليه عن أبي جعفر محمد بن علي بن حسين قال : يزعمون أني أنا المهدي وأني إلى أجلي أدنى مني إلى ما يدعون .
وأخرج ( ك ) أبو عمرو الداني في سننه عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يلتفت المهدي وقد نزل عيسى ابن مريم كأنما يقطر من شعره الماء فيقول المهدي تقدم صلِّ بالناس فيقول عيسى إنما أقيمت الصلاة لك فيصلي خلف رجل من ولدي ) الحديث .
وأخرج ( ك ) ابن الجوزي في تاريخه عن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ملك الأرض أربعة : مؤمنان وكافران ، فالمؤمنان ذو القرنين ، وسليمان . والكافران نمروذ ، وبخت نصر ، وسيكملها خامس من أهل بيتي ) .
وأخرج ( ك ) أبو عمرو الداني في سننه عن ابن شوذب قال : إنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى جبل من جبال الشام يستخرج منه أسفار التوراة يحاج بها اليهود فيسلم على يديه جماعة من اليهود .
وأخرج ( ك ) الداني عن الحكم بن عتيبة قال : قلت لمحمد بن علي سمعنا أنه سيخرج منكم رجل يعدل في هذه الأمة قال : إنا نرجو ما يرجو الناس . وإنا نرجو لو لم يبق من الدنيا إلا يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يكون ما ترجو هذه الأمة وقبل ذلك فتنة شر فتنة يمسي الرجل مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي مؤمناً ويمسي كافراً فمن أدرك ذلك منكم فليتق الله(2/76)
"""""" صفحة رقم 77 """"""
وليكن من أحلاس بيته .
وأخرج ( ك ) الداني عن سلمة بن زفر قال : قيل يوماً عند حذيفة قد خرج المهدي ، فقال : لقد أفلحتم إن خرج وأصحاب محمد بينكم إنه لا يخرج حتى لا يكون غائب أحب إلى الناس منه مما يلقون من الشر .
وأخرج ( ك ) الداني عن قتادة قال : يجاء إلى المهدي في بيته والناس في فتنة يهراق فيها الدماء يقال له قم علينا فيأبى حتى يخوف بالقتل فإذا خوف بالقتل قام عليهم فلا يهراق بسببه محجمة دم .
وأخرج ( ك ) الداني عن حذيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( تكون وقعة بالزوراء قال يا رسول الله : وما الزوراء ؟ قال : مدينة بالمشرق بين أنهار يسكنها شرار خلق الله وجبابرة من أمتي يقذف بأربعة أصناف من العذاب بالسيف وخسف وقذف ومسخ ) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إذا خرجت السودان طلبت العرب مكشوفون حتى يلحقوا ببطن الأرض أو قال ببطن الأردن فبينما هم كذلك إذ خرج السفياني في ستين وثلثمائة راكب حتى يأتي دمشق فلا يأتي عليهم شهر حتى يتابعه من كلب ثلاثون ألفاً فيبعث جيشاً إلى العراق فيقتل بالزوراء مائة ألف وينجرون إلى الكوفة فينهبونها فعند ذلك تخرج راية من المشرق ويقودها رجل من تميم يقال له شعيب بن صالح فيستنقذ ما في أيديهم من سبي أهل الكوفة ويقتلهم ، ويخرج جيش آخر من جيوش السفياني إلى المدينة فينهبونها ثلاثة أيام ثم يسيرون إلى مكة حتى إذا كانوا بالبيداء بعث الله جبريل فيقول : يا جبريل عذبهم فيضربهم برجله ضربة يخسف الله بهم فلا يبقى منهم إلا رجلان فيقدمان على السفيان فيخبرانه بخسف الجيش فلا يهوله ، ثم إن رجالاً من قريش يهربون إلى قسطنطينية فيبعث السفياني إلى عظيم الروم أن يبعث بهم في المجامع فيبعث بهم إليه فيضرب أعناقهم على باب المدينة بدمشق قال حذيفة حتى أنه يطاف بالمرأة في مسجد دمشق في الثوب على مجلس مجلس حتى تأتي فخذ السفياني فتجلس عليه وهو في المحراب قاعد فيقوم رجل مسلم من المسلمين فيقول : ويحكم أكفرتم بعد إيمانكم إن هذا لا يحل ، فيقوم فيضرب عنقه في مسجد دمشق ويقتل كل من شايعه على ذلك ، فعند ذلك ينادي مناد من السماء : أيها الناس إن الله قد قطع عنكم مدة الجبارين والمنافقين وأشياعهم وولاكم خير أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فالحقو به بمكة فإنه المهدي واسمه أحمد بن عبد الله قال حذيفة : فقام عمران بن الحصين فقال : يا رسول الله كيف لنا حتى نعرفه ؟ قال : هو رجل من ولدي كأنه من رجال بني إسرائيل عليه عباءتان قطوانيتان كأن وجهه الكوكب الدري [ في اللون ] في خده الأيمن خال أسود ابن أربعين سنة فيخرج الأبدال من الشام وأشباههم ويخرج إليه النجباء من مصر وعصائب أهل الشرق وأشباههم حتى يأتوا مكة فيبايع له بين الركن والمقام ، ثم يخرج متوجهاً إلى الشام وجبريل على مقدمته وميكائيل على ساقته ، فيفرح به أهل السماء وأهل الأرض والطير والوحوش والحيتان في(2/77)
"""""" صفحة رقم 78 """"""
البحر ، وتزيد المياه في دولته وتمد الأنهار ، وتضعف الأرض أهلها وتستخرج الكنوز فيقدم الشام فيذبح السفياني تحت الشجرة التي أغصانها إلى بحيرة طبرية ويقتل كلباً قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : فالخائب من خاب يوم كلب ولو بعقال ، قال حذيفة : يا رسول الله كيف يحل قتالهم وهم موحدون ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : يا حذيفة هم يومئذ على ردة يزعمون أن الخمر حلال ولا يصلون ) .
وأخرج ( ك ) الداني عن شهر بن حوشب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( سيكون في رمضان صوت وفي شوال معمعمة وفي ذي القعدة تحارب القبائل وعلامته ينهب الحاج وتكون ملحمة بمنى تكثر فيها القتلى وتسيل فيها الدماء حتى تسيل دماؤهم على الجمرة حتى يهرب صاحبهم فيؤتى بين الركن والمقام فيبايع وهوكاره ويقال له : إن أبيت ضربنا عنقك يرضى به ساكن السماء وساكن الأرض ) وأخرج ( ك ) نعيم عن كعب قال : يطلع نجم من المشرق قبل خروج المهدي له ذنب يضيء . وأخرج نعيم عن شريك قال : بلغني أنه قبل خروج المهدي ينكسف القمر في شهر رمضان مرتين . وأخرج أبو غنم الكوفي في كتاب الفتن عن علي بن أبي طالب قال : ويحاً للطالقان فإن لله فيه كنوزاً ليست من ذهب ولا فضة ولكن بها رجال عرفوا الله حق معرفته وهم أنصار المهدي آخر الزمان . وأخرج أبو بكر الإسكاف في فوائد الأخبار عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من كذب بالدجال فقد كفر ومن كذب بالمهدي فقد كفر ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن جعفر بن يسار الشامي قال : يبلغ رد المهدي المظالم حتى لو كان تحت ضرس إنسان شيء انتزعه حتى يرده ، وأخرج ( ك ) نعيم عن سلمان بن عيسى قال : بلغني أنه على يدي المهدي يظهر تابوت السكينة من بحيرة طبرية حتى يحمل فيوضع بين يديه ببيت المقدس فإذا نظرت إليه اليهود أسلمت إلا قليلاً منهم .
وفي ( ك ) الفردوس من حديث ابن عباس مرفوعاً : ( المهدي طاوس أهل الجنة ) .
وأخرج ( ك ) أبو عمرو الداني في سننه عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تزال طائفة من أمتي تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهدي فيقال : تقدم يا نبي الله فصل بنا فيقول هذه الأمة أمراء بعضهم على بعض ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن خالد بن سمير قال : هرب موسى بن طلحة بن عبيد الله من المختار إلى البصرة وكان الناس يرون في زمانه أنه المهدي . وأخرج نعيم عن صباح قال : لا خلافة بعد حمل بني أمية حتى يخرج المهدي . وأخرج نعيم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : وجدت في بعض الكتب يوم اليرموك أبو بكر الصديق أصبتم اسمه عمر الفاروق قرن من حديد أصبتم اسمه عثمان ذو النورين أو في كفلين من الرحمة لأنه قتل مظلوماً أصبتم اسمه ثم يكون سفاح ثم يكون منصور ثم يكون الأمين ثم يكون مهدي ثم يكون سيف وسلام يعني صلاحاً وعافية ثم يكون أمير العصب ستة منهم من ولد(2/78)
"""""" صفحة رقم 79 """"""
كعب بن لؤي ورجل من قحطان كلهم صالح لا يرى مثله .
وأخرج ( ك ) نعيم عن عبد الله بن عمرو وقال : يكون بعد الجبارين الجابر يجبر الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلّم ثم المهدي ثم المنصور ثم السلام ثم أمير العصب فمن قدر على الموت بعد ذلك فليمت . وأخرج نعيم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إذا مات الخامس من أهل بيتي فالهرج فالهرج حتى يموت السابع قالوا : وما الهرج ؟ قال : القتل كذلك حتى يقوم المهدي ) .
وأخرج ( ك ) نعيم عن محمد بن الحنفية قال : يملك بنو العباس حتى ييأس الناس من الخير ثم يتشعث أمرهم في سنة خمس وتسعين فإن لم تجدوا إلا جحر عقرب فادخلوا فيه فإنه يكون في الناس شر طويل ثم يزول ملكهم في سنة سبع وتسعين أو تسع وتسعين ويقوم المهدي في سنة مائتين .
وأخرج ( ك ) نعيم عن عبد السلام بن مسلم قال : لا يزال الناس بخير في رخاء ما لم ينقض ملك بني العباس فإذا انتقض ملكهم لم يزالوا في فتنة حتى يقوم المهدي .
وأخرج ( ك ) نعيم عن الحكم بن نافع قال : يقاتل السفياني الترك ثم يكون استئصاله على يد المهدي وأول لواء يعقده المهدي يبعثه إلى الترك ، وقال ابن سعد في الطبقات : أنا الواقدي قال : سمعت مالك بن أنس يقول : خرج محمد بن عجلان مع عبد الله بن حسن حين خرج بالمدينة فلما قتل محمد بن عبد الله وولي جعفر بن سليمان بن علي المدينة بعث إلى محمد بن عجلان فأتى به فبكته وكلمه كلاماً شديداً وقال : خرجت مع الكذاب فلم يتكلم محمد بن عجلان بكلمة إلا أنه يحرك شفتيه بشيء لا يدري ما هو فيظن أنه يدعو فقام من حضر جعفر بن سليمان من فقهاء أهل المدينة وأشرفهم فقالوا : أصلح الله الأمير محمد بن عجلان فقيه أهل المدينة وعابدها وإنما شبه عليه وظن أنه المهدي الذي جاءت فيه الرواية فلم يزالون يطلبون إليه حتى تركه فولى محمد بن عجلان منصرفاً لم يتكلم بكلمة حتى أتى منزله .
وأخرج ( ك ) نعيم عن كعب قال : يحاصر الدجال المؤمنين ببيت المقدس فيصيبهم جوع شديد حتى يأكلوا أوتار قسيهم من الجوع فبينما هم على ذلك إذ سمعوا صوتاً في الغلس فيقولون : إن هذا لصوت رجل شبعان فينظرون فإذا بعيسى ابن مريم وتقام الصلاة فيرجع إمام المسلمين المهدي فيقول عيسى تقدم فلك أقيمت الصلاة فيصلي بهم تلك الليلة ثم يكون عيسى إماماً بعده . وأخرج أبو الحسين بن المنادى في كتاب الملاحم عن سالم بن أبي الجعد قال : يكون المهدي إحدى وعشرين أو اثنين وعشرين سنة ثم يكون آخر من بعده وهو دونه وهو صالح [ أربع عشرة سنة ثم يكون آخر من بعده وهو دونه وهو صالح تسع سنين ] .
وأخرج ابن عساكر عن خالد بن معدان قال : يهزم السفياني الجماعة مرتين ثم يهلك ولا يخرج المهدي حتى يخسف بقرية بالغوطة تسمى حرستا . وأخرج ابن المنادى في الملاحم(2/79)
"""""" صفحة رقم 80 """"""
قال : ليخرجن رجل من ولدي عند اقتراب الساعة حتى تموت قلوب المؤمنين كما تموت الأبدان لما لحقهم من الضرر والشدة والجوع والقتل وتواتر الفتن والملاحم العظام وإماتة السنن وإحياء البدع وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيحيي الله بالمهدي محمد بن عبد الله السنن التي قد أميتت ، وتسر بعدله وبركته قلوب المؤمنين وتتألف إليه عصب العجم وقبائل من العرب فيبقى على ذلك سنين ليست بالكثيرة دون العشرة ثم يموت ، قال ابن المنادى : وفي كتاب دانيال أن السفيانيين ثلاثة وأن المهديين ثلاثة ، فيخرج السفياني الأول فإذا خرج وفشا ذكره خرج عليه المهدي الأول ، ثم يخرج السفياني الثاني فيخرج عليه المهدي الثاني ، ثم يخرج السفياني الثالث فيخرج عليه المهدي الثالث فيصلح الله به كل ما أفسد قبله ويستنقذ الله به أهل الإيمان ويحيي به السنة ويطفىء به نيران البدعة ، ويكون الناس في زمانه أعزاء ظاهرين على من خالفهم ويعيشون أطيب عيش ، ويرسل الله السماء عليهم مدراراً ، وتخرج الأرض زهرتها ونباتها فلا تدخر من نباتها شيئاً فيمكث على ذلك سبع سنين ثم يموت . ثم قال : ثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عبد الله بن صدقة ثنا محمد بن إبراهيم أبو أمية الطرسوسي ثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ثنا شريك بن عبد الله عن عمار بن عبد الله الدهني عن سالم بن أبي الجعد قال : يكون المهدي إحدى وعشرين سنة أو اثنتين وعشرين ثم يكون آخر من بعده وهو صالح [ أربع عشرة سنة ثم يكون آخر من بعده وهو صالح تسع سنين ] .
وأخرج ( ك ) ابن منده في تاريخ أصبهان عن ابن عباس قال : المهدي شاب منا أهل البيت .
فصل : قال عبد الغافر الفارسي في مجمع الغرائب ، وابن الجوزي في غريب الحديث ، وابن الأثير في النهاية في حديث علي أنه ذكر المهدي من ولد الحسن فقال : إنه أزيل الفخذين والمراد انفراج فخذيه وتباعد ما بينهما .
( تنبيهات ) الأول : عقد أبو داود في سننه باباً في المهدي وأورد في صدره حديث جابر بن سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا يزال هذا الدين قائماً حتى يكون اثنا عشر خليفة كلهم تجتمع عليه الأمة ) وفي رواية . ( لا يزال هذا الدين عزيزاً إلى اثني عشر خليفة كلهم من قريش ) . فأشار بذلك إلى ما قاله العلماء أن المهدي أحد الاثني عشر فإنه لم يقع إلى الآن وجود اثني عشر اجتمعت الأمة على كل منهم .
الثاني : روى الدارقطني في الأفراد ، وابن عساكر في تاريخه عن عثمان بن عفان سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : ( المهدي من ولد العباس عمي ) قال الدارقطني : هذا حديث غريب تفرد به محمد بن الوليد مولى بني هاشم .
الثالث : روى ابن ماجه عن انس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا يزداد الأمر إلا شدة ولا الدنيا إلا إدباراً ولا الناس إلا شحاً ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس ولا مهدي إلا عيسى ابن مريم ) قال القرطبي في التذكرة : إسناده ضعيف ، والأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلّم في التنصيص(2/80)
"""""" صفحة رقم 81 """"""
على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة ثابتة أصح من هذا الحديث فالحكم بها دونه ، وقال أبو الحسن محمد بن الحسين بن إبراهيم بن عاصم السحري : قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلى الله عليه وسلّم بمجيء المهدي وأنه من أهل بيته وأنه سيملك سبع سنين وأنه يملأ الأرض عدلاً ، وأنه يخرج مع عيسى عليه السلام فيساعده على قتل الدجال بباب لد بأرض فلسطين ، وأنه يؤم هذه الأمة وعيسى يصلي خلفه في طول من قصته وأمره ، قال القرطبي : ويحتمل أن يكون قوله : عليه السلام ولا مهدي إلا عيسى أي لا مهدي كاملاً معصوماً إلا عيسى ، قال : وعلى هذا تجتمع الأحاديث ويرتفع التعارض ، وقال ابن كثير : هذا الحديث فيما يظهر ببادىء الرأي مخالف للأحاديث الواردة في إثبات مهدي غير عيسى ابن مريم ، وعند التأمل لا ينافيها بل يكون المراد من ذلك أن المهدي حق المهدي هو عيسى ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهدياً أيضاً .
الرابع : أورد القرطبي في التذكرة أن المهدي يخرج من الغرب الأقصى في قصة طويلة ولا أصل لذلك والله أعلم .
الكشف عن مجاوزة هذه الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وبعد فقد كثر السؤال عن الحديث المشتهر على ألسنة الناس أن النبي صلى الله عليه وسلّم لا يمكث في قبره ألف سنة ، وأنا أجيب بأنه باطل لا أصل له ، ثم جاءني رجل في شهر ربيع الأول من هذه السنة وهي سنة ثمان وتسعين وثمانمائة ومعه ورقة بخطه ذكر أنه نقلها من فتيا أفتى بها بعض أكابر العلماء ممن أدركته بالسن فيها أنه اعتمد مقتضى هذا الحديث وأنه يقع في المائة العاشرة خروج المهدي والدجال ونزول عيسى وسائر الأشراط وينفخ في الصور النفخة الأولى وتمضي الأربعون سنة التي بين النفختين وينفخ نفخة البعث قبل تمام الألف فاستبعدت صدور هذا الكلام من مثل هذا العالم المشار إليه وكرهت أن أصرح برده تأدباً معه فقلت : هذا شيء لا أعرفه ، فحاولني السائل تحرير المقال في ذلك فلم أبلغه مقصوده وقلت : جولوا في الناس جولة فإنه ثم من ينفخ أشداقه ويدعي مناظرتي وينكر علي دعواي الاجتهاد والتفرد بالعلم على رأس هذه المائة ويزعم أنه يعارضني ويستجيش علي من لو اجتمع هو وهم في صعيد واحد ونفخت عليهم نفخة صاروا هباءً منثوراً ، فدار السائل المذكور على الناس وأتى كل ذاكر وناس وقصد أهل النجدة والباس فلم يجد من يزيل عنه الالباس ومضى على ذلك بقية العام . والسؤال : بكر لم يفض أحد ختامها بل ولا جسر جاسر أن يحسر لئامها ، وكلما أراد أحد أن يدنو منها استعصت وامتنعت ، وكل من حدثته نفسه أن يمد يده إليها قطعت ، وكل من طرق سمعه هذا السؤال لم يجد له باباً يطرقه غير بابي ، وسلم الناس أنه لا كاشف له بعد لساني سوى واحد وهو كتابي ، فقصدني القاصدون في كشفه ، وسألني الواردون أن أحبر فيه(2/81)
"""""" صفحة رقم 82 """"""
مؤلفاً يزدان بوصفه ، فأجبتهم إلى ما سألوا وشرعت لهم منهلاً ، فإن شاؤوا علوا وأن شاؤوا نهلوا وسميته : ( الكشف عن مجاوزة هذه الأمة الألف ) فأقول : أولاً الذي دلت عليه الآثار أن مدة هذه الأمة تزيد على ألف سنة ولا تبلغ الزيادة عليها خمسمائة سنة ، وذلك لأنه ورد من طرق أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وأن النبي صلى الله عليه وسلّم بعث في أواخر الألف السادسة ، وورد أن الدجال يخرج على رأس مائة وينزل عيسى عليه السلام فيقتله ثم يمكث في الأرض أربعين سنة ، وأن الناس يمكثون بعد طلوع الشمس من مغربها مائة وعشرين سنة ، وأن بين النفختين أربعين سنة فهذه مائتا سنة لا بد منها والباقي الآن من الألف مائة سنة وسنتان وإلى الآن لم تطلع الشمس من مغربها ، ولا خرج الدجال الذي خروجه قبل طلوع الشمس من مغربها بعد نزول عيسى بسنتين ، ولا ظهر المهدي الذي ظهوره قبل الدجال بسبع سنين ، ولا وقعت الأشراط التي قبل ظهور المهدي ، ولا بقي يمكن خروج الدجال عن قريب لأنه إنما يخرج على رأس مائة وقبله مقدمات تكون في سنين كثيرة ، فأقل ما يكون أن يجوز خروجه على رأس الألف أي لم يتأخر إلى مائة بعدها فكيف يتوهم أحد أن الساعة تقوم قبل تمام ألف سنة ؟ هذا شيء غير ممكن ، بل إن اتفق خروج ( الدجال ) على رأس ألف وهو الذي أبداه بعض العلماء احتمالاً مكثت الدنيا بعده أكثر من مائتي سنة المائتين المشار إليها والباقي ما بين خروج الدجال وطلوع الشمس من مغربها ، ولا ندري كم هو ، وإن تأخر الدجال عن رأس ألف إلى مائة ألف أخرى كانت المدة أكثر ولا يمكن أن تكون المدة ألفاً وخمسمائة سنة أصلاً ، وها أنا أذكر الأحاديث والآثار التي اعتمدت عليها في ذلك .
ذكر ما ورد أن مدة الدنيا سبعة آلاف سنة
وأن النبي صلى الله عليه وسلّم بعث في أواخر الألف السادسة
قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول : حدثنا صالح بن أحمد بن أبي محمد حدثنا يعلى بن هلال عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة رضي الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إنما الشفاعة يوم القيامة لمن عمل الكبائر من أمتي ، ثم ماتوا عليها وهم في الباب الأول من جهنم لا تسودّ وجوههم ولا تزرق عيونهم ولا يغلون بالأغلال ولا يقرنون مع الشياطين ولا يضربون بالمقامع ولا يطرحون في الادراك من يمكث فيها ساعة ثم يخرج ، ومنهم من يمكث فيها يوماً ثم يخرج ، ومنهم من يمكث فيها شهراً ثم يخرج ، ومنهم من يمكث فيها سنة ثم يخرج ، وأطولهم مكثاً فيها مثل الدنيا منذ يوم خلقت إلى يوم أفنيت وذلك سبعة آلاف سنة ) وذكر بقية الحديث . وقال ابن عساكر : أخبرنا أبو سعيد أحمد بن محمد البغدادي أخبرنا أبو سهل حميد بن أحمد بن عمر الصيرفي أخبرنا أبو عمرو عبد الله بن محمد بن أحمد بن عبد الوهاب أخبرنا أبو جعفر محمد بن شاذان بن سعدويه أخبرنا أبو علي الحسن بن داود البلخي حدثنا شقيق بن إبراهيم الزاهد حدثنا أبو هاشم الأيلي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( من قضى حاجة المسلم في الله كتب الله له عمر(2/82)
"""""" صفحة رقم 83 """"""
الدنيا سبعة آلاف سنة صيام نهاره وقيام ليله ) وقال ابن عدي : حدثنا أبو إسحاق إبراهيم بن عبد الله البلخي ثنا أحمد بن محمد حمزة بن داود حدثنا عمر بن يحيى حدثنا العلاء بن زيد عن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( عمر الدنيا سبعة أيام من أيام الآخرة ) قال الله تعالى : ) إن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ( وقال الطبراني في الكبير : حدثنا أحمد بن النضر العسكري وجعفر بن محمد العرياني قالا : حدثنا الوليد بن عبد الملك بن سرح الحراني حدثنا سليمان بن عطاء القريشي الحربي عن سلمة بن عبد الله الجهني عن عمر بن أبي شجعة بن ربيع الجهني عن الضحاك بن زمل الجهني قال : رأيت رؤيا فقصصتها على رسول الله صلى الله عليه وسلّم فذكر الحديث وفيه إذا أنا بك يا رسول الله على منبر فيه سبع درجات وأنت في أعلاها درجة فقال صلى الله عليه وسلّم : ( أما المنبر الذي رأيت فيه سبع درجات وأنا في أعلاها درجة فالدنيا سبعة آلاف سنة وأنا في آخرها ألفاً ) أخرجه البيهقي في الدلائل وأورده السهيلي في الروض الأنف وقال : هذا الحديث وإن كان ضعيف الإسناد فقد روي موقوفاً على ابن عباس رضي الله عنه من طرق صحاح أنه قال : الدنيا سبعة أيام كل يوم ألف سنة وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلّم في آخرها ، وصحح أبو جعفر الطبري هذا الأصل وعضده بآثار ، وقوله صلى الله عليه وسلّم في هذا الحديث : ( وأنا في آخرها ألفاً ) أي معظم الملة في الألف السابعة ليطابق ما سيأتي من أنه بعث في أواخر الألف السادسة ، ولو كان بعث في أول الألف السابعة كانت الأشراط الكبرى كالدجال ونزول عيسى عليه السلام وطلوع الشمس من مغربها وجدت قبل اليوم بأكثر من مائة سنة لتقوم الساعة عند تمام الألف ولم يوجد شيء من ذلك فدل على أن الباقي من الألف السابعة أكثر من ثلثمائة [ سنة ] .
وقال ابن أبي حاتم في التفسير عن ابن عباس رضي الله عنه قال : الدنيا جمعة من جمع الآخرة سبعة آلاف سنة ، وقال ابن أبي الدنيا في كتاب ذم الأمل : حدثنا علي بن سعد حدثنا حمزة بن هشام قال سعيد بن جبير : إنما الدنيا جمعة من جمع الآخرة ، وقال عبد بن حميد في تفسيره : حدثنا محمد بن الفضل حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن عتيق عن محمد بن سيرين عن رجل من أهل الكتاب أسلم قال : إن الله تعالى خلق السموات والأرض في ستة أيام ) وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ( وجعل أجل الدنيا ستة أيام ، وجعل الساعة في اليوم السابع قد مضت ستة أيام وأنتم في اليوم السابع ، وقال ابن إسحاق : حدثنا محمد بن أبي محمد حدثنا عكرمة أو سعيد بن جبير عن ابن عباس أن يهوداً كانوا يقولون : مدة الدنيا سبعة آلاف سنة وإنما نعذب لكل ألف سنة من أيام الدنيا يوماً واحداً في النار وإنما هي سبعة أيام معدودات ثم ينقطع العذاب فأنزل الله تعالى في ذلك : ) وقالوا لن تمسنا النار إلا أياماً معدودة ( إلى قوله تعالى : ) خالدون ( أخرجه ابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وقال عبد بن حميد : أنا شبابة عن ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد مثله ، وقال الدينوري في المجالسة : ثنا محمد عبد العزيز أخبرنا أبي قال : سمعت سالم الخواص يقول : سمعت عثمان بن زائدة يقول : كان كرز(2/83)
"""""" صفحة رقم 84 """"""
يجتهد في العبادة فقيل له : ألا ترح نفسك ساعة ؟ فقال : كم بلغكم عن الدنيا ؟ قالوا : سبعة آلاف فقال : كم بلغكم مقدار يوم القيامة ؟ قالوا : خمسين ألف سنة قال : يعجز أحدكم أن يعمل سبع يومه حتى ييأس من ذلك اليوم .
ذكر ما ورد أن الدجال يخرج على رأس مائة
وينزل عيسى عليه السلام فيقتله ثم يمكث في الأرض أربعين سنة
قال ابن أبي حاتم في التفسير حدثنا يحيى بن عبدك القرطبي حدثنا خلف بن الوليد حدثنا المبارك بن فضالة عن علي بن زيد عن عبد الرحمن بن أبي بكر عن العريان بن الهيثم عن عبد الله بن عمرو بن العاص قال : ما كان منذ كانت الدنيا رأس مائة سنة إلا كان عند رأس المائة أمر فإذا كان رأس مائة خرج الدجال وينزل عيسى فيقتله . وأخرج الطبراني عن عبد الله بن سلام قال : يمكث الناس بعد الدجال أربعين سنة تعمر الأسواق وتغرس النخل . وأخرج الطبراني عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ينزل عيسى ابن مريم فيمكث في الناس أربعين عاماً ) وأخرج أحمد في مسنده عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج الدجال فينزل عيسى عليه السلام فيقتله ثم يمكث عيسى عليه السلام في الأرض أربعين عاماً إماماً عادلاً وحكماً قسطاً ) وأخرج أحمد في الزهد عن أبي هريرة قال : يمكث عيسى عليه السلام في الأرض أربعين سنة لو يقول للبطحاء سيلي عسلاً لسالت . وأخرج الحاكم في المستدرك عن ابن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( بين أذني حمار الدجال أربعون ذراعاً ) فذكر الحديث إلى أن قال : ( وينزل عيسى ابن مريم فيقتله فيتمتعون أربعين سنة لا يموت أحد ولا يمرض أحد ويقول الرجل لغنمه ولدوابه : اذهبوا فارعوا ، وتمر الماشية بين الزرعين لا تأكل منه سنبلة والحيات والعقارب لا تؤذي أحداً والسبع على أبواب الدور لايؤذي أحداً ، ويأخذ الرجل المد من القمح فيبذره بلا حرث فيجيء منه سبعمائة مد ، فيمكثون في ذلك حتى يكسر سد يأجوج ومأجوج فيموجون ويفسدون في الأرض فيبعث الله دابة من الأرض فتدخل آذانهم فيصبحون موتى أجمعين وتنتن الأرض منهم فيؤذون الناس بنتنهم فيستغيثون بالله فيبعث الله ريحاً يمانية غبراء ويكشف ما بهم بعد ثلاث وقد قذفت جيفتهم في البحر ولا يلبثون إلا قليلاً حتى تطلع الشمس من مغربها ) .
قال أبو الشيخ في كتاب الفتن : عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ينزل عيسى ابن مريم فيقتل الدجال ويمكث أربعين عاماً يعمل فيهم بكتاب الله تعالى وسنتي ويموت ويستخلفون بأمر عيسى رجلاً من بني تميم يقال له المقعد فإذا مات المقعد لم يأت على الناس ثلاث سنين حتى يرفع القرآن من صدور الرجال ومصاحفهم ) . وأخرج مسلم ، والحاكم وصححه عن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج الدجال فيلبث في أمتي أربعين ثم يبعث الله عيسى فيطلبه حتى يهلكه ثم يبقى الناس بعده سبع سنين ليس بين اثنين(2/84)
"""""" صفحة رقم 85 """"""
عداوة ثم يبعث الله ريحاً باردة تجيء من قبل الشام فلا تدع أحداً في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضت روحه حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلت عليه حتى تقبضه ثم يبقى شرار الناس فيجيئهم الشيطان فيأمرهم بعبادة الأوثان فيعبدونها ) وأخرج أبو يعلى ، والروياني في مسنديهما ، وابن قانع في معجمه ، والحاكم في المستدرك ، والضياء في المختارة عن بريدة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن لله ريحاً يبعثها على رأس مائة سنة تقبض روح كل مؤمن ) .
ذكر مدة مكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها
قال ابن أبي شيبة في المصنف : حدثنا أبو معاوية عن الأعمش عن أبي قيس عن الهيثم بن الأسود قال : خرجت وافداً في زمن معاوية فإذا عنده عبد الله بن عمرو فقال لي عبد الله بن عمرو : من أنت ؟ فقلت له : من أهل العراق قال : هل تعرف أرضاً فيكم كثيرة السباخ يقال لها كوتي ؟ قلت : نعم ، قال : منها يخرج الدجال ثم قال : إن للأشرار بعد الأخيار عشرين ومائة سنة لا يدري أحد من الناس متى يدخل أولها ، وأخرجه نعيم ابن حماد في الفتن ، وقال ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع عن إسماعيل عن أبي خيثمة عن عبد الله بن عمرو قال : يمكث الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة ، وقال عبد بن حميد : أخبرنا يزيد بن هرون أخبرنا إسماعيل بن أبي خالد سمعت أبا خيثمة يحدث عن عبد الله بن عمرو قال : يبقى الناس بعد طلوع الشمس من مغربها عشرين ومائة سنة أخرجه نعيم بن حماد في الفتن . وأخرج نعيم بن حماد عن كعب قال : إذا انصرف عيسى ابن مريم والمؤمنون من يأجوج ومأجوج لبثوا سنوات فإذا رأوا كهيئة الهرج والغبار فإذا هي ريح قد بعثها الله لتقبض أرواح المؤمنين فتلك آخر عصابة تقبض من المؤمنين ، ويبقى الناس بعدهم مائة عام لا يعرفون ديناً ولا سنة يتهارجون تهارج الحمر عليهم تقوم الساعة . وأخرج نعيم عن عبد الله بن عمرو قال : يرسل الله بعد يأجوج ومأجوج ريحاً طيبة فتقبض روح عيسى وأصحابه وكل مؤمن على وجه الأرض ويبقى بقايا الكفار وهم شرار الأرض مائة سنة وأخرج نعيم عن عبد الله بن عمرو قال : لا تقوم الساعة حتى تعبد العرب ما كان يعبد آباؤها عشرين ومائة عام بعد نزول عيسى عليه السلام وبعد الدجال .
ذكر مدة ما بين النفختين
أخرج البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( بين النفختين أربعون عاما ) ، وأخرج ابن أبي داود في البعث ، وابن مردويه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( بين النفختين أربعون عاماً ) وأخرج ابن المبارك في الزهد عن الحسن قال : بين النفختين أربعون سنة الأولى يميت الله بها كل حي والأخرى يحيي الله بها كل ميت . ثم بعد انتهائي بالتأليف إلى هنا رأيت في كتاب العلل للإمام أحمد بن حنبل قال : حدثنا إسماعيل بن عبد الكريم بن معقل بن منبه حدثني عبد الصمد أنه سمع وهباً يقول : قد خلا(2/85)
"""""" صفحة رقم 86 """"""
من الدنيا خمسة آلاف سنة وستمائة سنة إني لأعرف كل زمان منها ما كان فيه من الملوك والأنبياء ، وهذا يدل على أن مدة هذه الأمة تزيد على الألف بنحو أربعمائة سنة تقريباً .
فصل : ومما يدل على تأخر المدة أيضاً ما أخرجه الحاكم في تاريخه قال : حدثنا أبو سعيد بن أبي حامد حدثنا عبد الله بن إسحاق بن الياس حدثنا أبو عمار الحسين بن حريث حدثنا الفضل بن موسى عن حسين بن واقد عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تقوم الساعة حتى لا يعبد الله في الأرض مائة سنة قبل ذلك ) .
ومما يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس قال : سمعت والدي يقول : سمعت سليمان الحافظ يقول : سمعت أبا عصمة نوح بن مطر الفرغاني يقول : سمعت محمد بن أحمد بن سليمان الحافظ ، سمعت أبا صالح خلف بن محمد يقول : سمعت موسى بن أفلح [ يقول ] سمعت أحمد بن الجنين يقول سمعت عيسى بن موسى سمعت أبا حمزة يقول : سمعت الأعمش يقول : سمعت مجاهداً يقول : سمعت ابن عمر يقول : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( الأشرار بعد الأخيار خمسين ومائة سنة يملكون جميع أهل الدنيا وهم الترك ) قال الديلمي : وأخبرناه عاليا أبي أخبرنا علي الميداني أخبرنا سعيد بن أبي عبد الله أخبرنا أبو عمرو بن المهدي حدثنا ابن مخلد حدثنا أحمد بن الحجاج النيسابوري أخبرنا مقرب بن عمار أخبرنا معمر بن زائدة عن الأعمش به . وأخبرنا الروياني في مسنده حدثنا محمد بن إسحاق أخبرنا محمد بن أسد الخشني أخبرنا الوليد بن مسلم أخبرنا ابن لهيعة عن كعب بن علقمة حدثني حسان بن كريب قال : سمعت أبا ذر يقول : أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( سيكون بمصر رجل من قريش أخنس يلي سلطاناً ثم يغلب عليه أو ينزع منه فيفرّ إلى الروم فيأتي بهم إلى الاسكندرية فيقاتل أهل الإسلام بها وذلك أول الملاحم ) أخرجه ابن عساكر في تاريخه وقال : رواه غيره عن الوليد فأدخل بين حسان ، وأبي ذر أبا النجم أخبرناه أبو الحسن علي بن أحمد بن منصور ، وعلي بن مسلم الفقيهاني قالا : أخبرنا أبو الحسين بن أبي الحديد أخبرنا جدي أخبرنا أبو بكر أخبرنا أبو الفضل أحمد بن عبد الله بن نصر بن هلال السلمي حدثنا أبو عامر موسى بن عامر أخبرنا الوليد حدثنا ابن لهيعة عن كعب بن علقمة قال : حدثني حسان بن كريب قال : سمعت أبا النجم يقول : سمعت أبا ذر يقول أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : ( سيكون بمصر رجل من بني أمية أخنس يلي سلطاناً ثم يغلب عليه أو ينزع منه فيفر إلى الروم فيأتي بهم إلى الاسكندرية فيقاتل أهل الإسلام بها فذلك أول الملاحم ) ثم أخرج عن أبي عبد الله بن منده قال : قال لنا أبو سعيد بن يونس : أبو النجم يروي عن أبي ذر الغفاري والحديث معلول ، ثم رأيت في كتاب الفتن لنعيم بن حماد قال : حدثنا أبو يوسف المقدسي وكان كوفياً عن محمد بن الحنفية قال : يملك بنو العباس حتى ييأس الناس من الخير ثم يتشعب أمرهم في سنة خمس وتسعين ويكون في الناس شر طويل ثم يزول ملكهم في سنة سبع وتسعين أو تسع وتسعين ويقوم المهدي في سنة مائتين . وأخرج نعيم أيضاً عن جعفر قال : يقوم المهدي سنة مائتين ،(2/86)
"""""" صفحة رقم 87 """"""
وأخرج أيضاً عن أبي قبيل قال : اجتماع الناس على المهدي سنة أربع ومائتين .
وهذه الآثار تشعر بتأخره إلى بعد الألف بمائتين ، وأخرج أبو نعيم أيضاً عن عمرو ابن العاص قال : تهلك مصر إذا رميت بالقسي الأربع : قوس الترك ، وقوس الروم ، وقوس الحبش ، وقوس أهل الأندلس . قلت : وجد الأول وسيوجد الباقون . وأخرج نعيم ابن حماد ، وابن عبد الحكم في فتوح مصر عن عمر بن الخطاب أنه قال لرجل من أهل مصر : ليأتينكم أهل الأندلس فيقاتلونكم بوسيم حتى تركض الخيل في الدم ثم يهزمهم الله تعالى ثم تأتيكم الحبشة في العام الثاني . وأخرج نعيم عن أبي قبيل قال : خرج يوماً وردان من عند مسلمة ابن مخلد وهو أمير على مصر فمر على عبد الله بن عمر مستعجلاً فناداه فقال : أين تريد ؟ فقال : أرسلني الأمير إلى منف فأحفر له كنز فرعون قال : فارجع إليه وأقرئه مني السلام وقل له إن كنز فرعون ليس لك ولا لأصحابك إنما هو للحبشة يأتون في سفنهم يريدون الفسطاط فيسيرون حتى ينزلون منفاً فيظهر لهم الله كنز فرعون فيأخذون منه ما يشاؤون فيقولون ما نبغي غنيمة أفضل من هذه فيرجعون ويخرج المسلمون في آثارهم حتى يدركوهم فيهزم الله تعالى الحبشة فيقتلهم المسلمون ويأسرونهم . وأخرج نعيم عن عبد الله بن عمرو قال . يقاتلكم أهل الأندلس بوسيم فيأتيكم مددكم من الشام فيهزمهم الله تعالى ثم يأتيكم في ثلثمائة ألف فتقاتلونهم أنتم وأهل الشام فيهزمهم الله تعالى والحمد لله رب العالمين .
كشف الريب عن الجيب
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : سأل سائل عن جيب قميص النبي صلى الله عليه وسلّم هل كان على صدره كما هو المعتاد الآن في مصر وغيرها ؟ أو على كتفه كما يفعله المغاربة ويسميها أهل مصر فتحة حيدرية ، وذكر أن قائلاً قال إن هذا الثاني هو السنة وأن الأول شعار اليهود ؟ .
الجواب : لم أقف في كلام أحد من العلماء على أن الأول شعار اليهود بل الظاهر أنه الذي كان عليه قميص النبي صلى الله عليه وسلّم ، ففي سنن أبي داود ( باب في حل الأزرار ) ثم أخرج فيه من طريق معاوية بن قرة قال : حدثني أبي قال : ( أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في رهط من مزينة فبايعناه وإن قميصه لمطلق ) وفي رواية البغوي في معجم الصحابة لمطلق الأزرار قال : ( فبايعته ثم أدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم ) قال عروة : فما رأيت معاوية ولا أباه قط إلا مطلقي أزرارهما في شتاء ولا حر ، ولا يزران أزرارهما أبداً ، فهذا يدل على أن جيب قميصه كان على صدره كما هو المعتاد الآن ، وقول الفقهاء : لو رؤيت عورة المصلي من جيبه في ركوع أو سجود لم يكف فليزرره أو يشد وسطه يدل على ذلك أيضاً لأن العورة إنما ترى من الجيب في الركوع والسجود إذا كان على الصدر بخلاف الفتحة الحيدرية ، وقد(2/87)
"""""" صفحة رقم 88 """"""
ورد في ذلك حديث روى الشافعي في مسنده ، وأحمد ، والأربعة ، وابن خزيمة ، وابن حبان ، والحاكم عن سلمة بن الأكوع قال : قلت يا رسول الله إني رجل أصيد أفأصلي في القميص الواحد ؟ قال : نعم وازرره ولو بشوكة ) ثم رأيت النقل في المسألة صريحاً ولله الحمد . قال البخاري في صحيحه : باب جيب القميص من عند الصدر وغيره وأورد فيه حديث الجبتين في مثل المتصدق والبخيل وفيه ويقول بأصبعه هكذا في جيبه .
قال الحافظ ابن حجر في شرحه : فالظاهر أنه كان لابساً قميصاً وكان في طوقه فتحة إلى صدره قال : بل استدل به ابن بطال على أن الجيب في ثياب السلف كان عند الصدر ، قال : وموضع الدلالة منه أن البخيل إذا أراد إخراج يده أمسكت في الموضع الذي ضاق عليها وهو الثدي والتراقي وذلك في الصدر ، فبان أن جيبه كان في صدره لأنه لو كان في غيره لم يضطر يداه إلى ثدييه وتراقيه ، قال الحافظ ابن حجر بعد إيراد كلام ابن بطال وفي حديث قرة بن إياس الذي أخرجه أبو داود ، والترمذي وصححه ، وابن حبان لما بايع النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( فأدخلت يدي في جيب قميصه فمسست الخاتم ) ما يقتضي أن جيب قميصه كان في صدره لأن في أول الحديث أنه رآه مطلق القميص أي غير مزرر انتهى . وأخرج الطبراني عن زيد بن أبي أوفى : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم نظر إلى عثمان بن عفان فإذا أزراره محلولة فزرها رسول الله صلى الله عليه وسلّم بيده ثم قال : ( اجمع عطفي ردائك على نحرك ) هذا أيضاً يدل على أن جيبه كان على صدره . وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن سعيد بن جبير في قوله تعالى : ) وليضربن بخمرهن على جيوبهن ( يعني على النحر والصدر فلا يرى منه شيء ، وقال ابن جرير في تفسيره : حدثني المثنى ثنا إسحاق بن الحجاج ثنا إسحاق بن إسماعيل عن سليمان بن أرقم عن الحسن قال : رأيت عثمان بن عفان على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم عليه قميص [ قوهي ] محلول الزر .
كتاب البعث
مسألة : هل ورد أن الزامر يأتي يوم القيامة بمزماره ، وأن السكران يأتي بقدحه ، وأن المؤذن يأتي يؤذن ؟ .
الجواب : نعم ورد ما يقتضي ذلك وورد التصريح بأفراد منه ونص عليه العلماء ، ففي صحيح مسلم : ( يبعث كل عبد على ما مات عليه ) أخرجه من حديث جابر ، وروى البيهقي في البعث من حديث فضالة بن عبيد أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( من مات على مرتبة من هذه المراتب بعث عليها يوم القيامة ) وعليه حمل العلماء ما رواه أبو داود من حديث أبي سعيد الخدري : ( يبعث الميت في ثيابه الذي مات فيها ) أي في أعماله التي يموت فيها من خير أو شر ، وقد ثبت في الصحيح أن المجروح في سبيل الله يأتي يوم القيامة وجرحه يثعب دماً وفيه أيضاً أن الذي مات على إحرامه يبعث ملبياً وفي رواية ملبداً وقد روى الأصبهاني في الترغيب من طريق عباد بن كثير عن أبي الزبير عن جابر مرفوعاً : ( أن المؤذنين والملبين(2/88)
"""""" صفحة رقم 89 """"""
يخرجون من قبورهم يوم القيامة يؤذن المؤذن ويلبي الملبي ) وعباد ضعيف إلا أن للحديث شواهد منها الأحاديث الصحيحة المتقدم ذكرها .
وروى الأصبهاني أيضاً من طريق أبي هدبة وهو واه عن أشعث الحداني عن أنس مرفوعاً : ( من فارق الدنيا وهو سكران دخل القبر سكران وبعث من قبره سكران ) الحديث وقال الغزالي في كشف علوم الآخرة : من الناس من يحشر بفتنته الدنيوية ، فيقوم مفتونون بالعود فعند قيامه من قبره يأخذه بيمينه فيطرحه فيعود إليه ، وكذلك يبعث السكران سكران ، والزامر زامراً ، وشارب الخمر والكوز معلق في عنقه ، وكل أحد على الحال الذي صده في الدنيا عن سبيل الله انتهى .
وفي هذا الكلام إشارة إلى تخصيص الحديث السابق بأن الحالة التي يأتي عليها في الآخر مما كان عليه في الدنيا المراد بها حالة الطاعة والمعصية بخلاف المباحات ، فلا يأتي النجار مثلاً بآلته والبناء ونحوها إلا أن يستعملوها فيما لا يجوز شرعاً والله أعلم .
مسألة : حديث : ( أول ما يأكله أهل الجنة زيادة كبد الحوت ) هل هو صحيح ؟ .
الجواب : نعم رواه مسلم في صحيحه من حديث ثوبان .
مسألة : في حديث الطبراني عن أم سلمة قالت : ( قلت يا رسول الله أخبرني عن قول الله : ) حور عين ( قال : حور بيض [ عين ] ضخام العيون شفر الحوراء بمنزلة جناح النسر ، فإن الشيخ شمس الدين السخاوي استفتى عنه فأفتى وضبطه بخطه شقر بالقاف وضبط الحوراء بالرفع وقال : هذه استعارة يعني أن الحوراء بمنزلة جناح النسر في السرعة والطيران والخفة ، وأحضرت إلى الفتوى التي كتب عليها بذلك فرأيت خطه بذلك ؟ .
الجواب : هذا تصحيف للحديث وتبديل لمعناه ، إنما لفظ الحديث شفر الحوراء بالفاء مضافاً إلى الحوراء ، والمراد به هدب العين ، والمقصود تشبيهه بجناح النسر في الطول المناسب ذلك لضخامة العيون ، وقد ورد التصريح بذلك في رواية ابن أبي الدنيا في صفة الجنة حيث قال : شفر المرأة من الحور العين أطول من جناح النسر ، وما قاله من عنده في تفسير ما صحفه في غاية الركاكة كما لا يخفى .
مسألة : هل ورد أن عدد درج الجنة بعدد آي القرآن ؟ .
الجواب : نعم قال البيهقي في شعب الإيمان : أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو الحسين الخياط ثنا أبو عبد الله محمد بن روح ثنا الحكم بن موسى ثنا شعيب بن إسحاق عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( عدد درج الجنة عدد آي القرآن فمن دخل الجنة من أهل القرآن فليس فوقه درجة ) قال الحاكم : إسناده صحيح ولم يكتب المتن إلا به وهو من الشواذ . وروى الديلمي في مسند الفردوس من طريق الفيض بن وثيق عن فرات بن سلمان عن ميمون بن مهران عن عبد الله بن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( درج الجنة على قدر آي القرآن بكل آية درجة فتلك ستة آلاف آية ومائتا آية(2/89)
"""""" صفحة رقم 90 """"""
وست عشرة آية ) بين كل درجتين مقدار ما بين السماء والأرض الفيض قال فيه ابن معين : كذاب خبيث .
رفع الصوت بذبح الموت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة : في الحديث : ( إذا دخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار يؤتى بالموت في صورة كبش أملح فيوقف بين الجنة والنار ويقال للفريقين أتعرفون هذا ؟ فيقولون : نعم هو الموت فيذبح ) إلى آخره ، ولا يخفى أن الموت عرض وهو لا يقبل الانتقال ، ولا بد له من محل لعدم قيامه بنفسه ، ولا يتألف ولا يتجسد ولا يتصور بصورة الجسم ، وكيف يعرفه الفريقان ولم يشاهداه بهذه الصفة قبل ذلك ؟ وما النكتة في فرح أهل الجنة بذبحه مع علمهم بأنه لا موت في الجنة ولا خروج بعد دخولها لما تقدم لهم من أخبار أنبيائهم وتلاوة كتبهم ؟ .
الجواب : اشتمل هذا الكلام على ثلاثة أسئلة : فأما الأول فإنه إشكال قديم له في الوجود أكثر من أربعمائة سنة ، قال القاضي أبو بكر بن العربي : استشكل هذا الحديث لكونه يخالف صريح العقل لأن الموت عرض والعرض لا ينقلب جسماً فكيف يذبح ؟ فأنكرت طائفة صحة الحديث ودفعته ، وتأولته فقالوا : هذا تمثيل ولا ذبح هناك حقيقة . وقال المازري : الموت عندنا عرض من الأعراض وعند المعتزلة عدم محض وعلى المذهبين لا يصح أن يكون كبشاً ولا جسماً ، والمراد بهذا التمثيل والتشبيه قال : وقد يخلق الله تعالى هذا الجسم ثم يذبح ثم يجعل مثالاً لأن الموت لا يطرأ على أهل الجنة ؛ ونقله النووي في شرح مسلم واقتصر عليه ، وقال القرطبي في التذكرة : الموت معنى والمعاني لا تنقلب جوهراً ، وإنما يخلق الله أشخاصاً من ثواب الأعمال ، وكذا الموت يخلق الله تعالى كبشاً يسميه الموت ويلقي في قلوب الفريقين أن هذا الموت يكون ذبحه دليلاً على الخلود في الدارين ، وقال غيره : لا مانع أن ينشىء الله تعالى من الأعراض أجساداً بجعلها مادة لها كما ثبت في صحيح مسلم في حديث : ( إن البقرة ، وآل عمران يجيئان كأنهما غمامتان ) ونحو ذلك من الأحاديث ، وقد تلخص مما سقناه من كلام العلماء أربعة أجوبة وبقي خامس لم أحب ذكره ، وأما السؤال الثاني وهو كيف يعرفه الفريقان ولم يشاهداه ؟ فجوابه : يؤخذ من قول القرطبي ويلقي في قلوب الفريقين إلى آخره ، وحاصله أن الله تعالى يلقي في قلوبهم معرفة ذلك ، وجواب ثان وهو أن الكلبي ومقاتلاً ذكرا في تفسيرهما في قوله تعالى : ) الذي خلق الموت والحياة ( أن الله تعالى خلق الموت في صورة كبش لا يمر على أحد إلا مات ، وخلق الحياة في صورة فرس لا تمر على شيء إلا حيي ، وهذا يدل على أن(2/90)
"""""" صفحة رقم 91 """"""
الميت يشاهد حلول الموت به في صورة كبش فلا إشكال حينئذ ، وأما السؤال الثالث فهو قديم أيضاً وجوابه : أنه ورد في بعض طرق الحديث عند ابن حبان أنهم يطلعون خائفين أن يخرجوا من مكانهم الذي هم فيه ، وفسر بأنه توهم لا يستقر ، ولا ينافي ذلك تقدم علمهم بأنه لا موت في الآخرة لأن التوهمات تطرأ على المعلومات ثم لا تستقر فكان فرحهم بإزالة التوهم ، وجواب ثان وهو أن عين اليقين أقوى من علم اليقين ، فمشاهدتهم ذبح الموت أقوى وأشد في انتفائه من تقدم علمهم إذ العيان أقوى من الخبر والله أعلم .
مسألة : ثعلبة الذي روي أنه نزل فيه قوله تعالى : ) ومنهم من عاهد الله ( الآيات ، ذكر الباوردي ، وابن السكن ، وابن شاهين وغيرهم أنه ثعلبة بن حاطب أحد من شهد بدراً ، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة : ولا أظن الخبر يصح وإن صح ففي كونه هو البدري نظر ، وقد ذكر ابن الكلبي أن ثعلبة بن حاطب الذي شهد بدراً قتل بأحد فتأكدت المغايرة بينهما ، فإن صاحب القصة تأخر في خلافة عثمان قال : ويقوي ذلك أن في تفسير ابن مردويه ثعلبة بن أبي حاطب والبدري اتفقوا على أنه ثعلبة بن حاطب ، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا يدخل النار أحد شهد بدراً والحديبية ) وحكى عن ربه أنه قال لأهل بدر : اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم . فمن يكون بهذه المثابة ؟ كيف يعقبه الله نفاقاً في قلبه وينزل فيه ما ينزل ؟ فالظاهر أنه غيره انتهى .
ونظير هذا ما روي في سبب نزول قوله تعالى : ) ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( الآية أن طلحة بن عبد الله قال : يتزوج محمد بنات عمنا ويحجبهن عنا لئن مات لأتزوجن عائشة من بعده فنزلت ، وقد كنت في وقفة شديدة من صحة هذا الخبر لأن طلحة أحد العشرة أجل مقاماً من أن يصدر منه ذلك حتى رأيت بعد ذلك أنه رجل آخر شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه ، فإن طلحة المشهور الذي هو أحد العشرة طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم التيمي وطلحة صاحب القصة طلحة بن عبيد الله بن مسافع بن عياض بن صخر بن عامر بن كعب بن سعد بن تيم التيمي قال أبو موسى في الذيل عن ابن شاهين في ترجمته : هو الذي نزل فيه ) وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ( الآية وذلك أنه قال : لئن مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأتزوجن عائشة ، وقال : إن جماعة من المفسرين غلطوا وظنوا أنه طلحة أحد العشرة .
مسألة : أبو ثعلبة الخشني ما اسمه وما اسم أبيه ؟ .
الجواب : اسمه جرهم بضم الجيم والهاء قاله أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وآخرون ، وقيل جرثوم بضم الجيم والمثلثة وقيل : جرثومة ، وقيل عمرو ، وقيل لاشم بكسر الشين المعجمة واسم أبيه ناشم بالنون والشين المعجمة جزم بذلك النووي في شرح المهذب ، وقيل ناشب وقيل ناشر وقيل ناشج .
مسألة : أبو عبيدة بن الجراح هل له عقب ؟ .
الجواب : لم يعقب شيئاً بل كان له ولدان : زيد ، وعمير ماتا صغيرين وليس له عقب ،(2/91)
"""""" صفحة رقم 92 """"""
صرح بذلك ابن سعد في الطبقات ونقله عنه الحافظ جمال الدين المزي في التهذيب .
مسألة : فيما رواه بعض أهل هذا الزمان لشخص من أكابر الأعيان أن بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلّم في الرواية ستة أنفس وذلك أن شيخه أخبره أنه روى عن شخص من أصحاب سيدي يوسف عن شيخه النسر أي عن شيخه سيدي أبي العباس الملثم عن معمر الصحابي أن النبي صلى الله عليه وسلّم رآه يوم الخندق وهو ينقل التراب بغلقين وبقية الصحابة ينقلون بغلق واحد فضرب بكفه الشريف بين كتفيه وقال له : ( عمرك الله يا معمر ) فعاش بعد ذلك أربعمائة سنة ببركة الضربات التي ضربها بين كتفيه فإنها كانت أربع ضربات بعدد كل مائة سنة ، وقال له بعد أن صافحه : من صافحك إلى ست أو سبع لم تمسه النار ، أروى ذلك أحد من الأئمة أم هو كذب وافتراء لا يجوز لأحد نقله لأحد من الناس فضلاً عن أكابر الأمراء ؟ .
الجواب : هذا الحديث رواه الشيخ صلاح الدين الطرابلسي مرة في مجلس الأمير تمراز وكنت حاضراً فقلت له باطل ومعمر هذا كذاب دجال ، وأوردت له الحديث الصحيح الذي قاله النبي صلى الله عليه وسلّم قبل وفاته بشهر : ( أرأيتكم ليلتكم هذه فإن على رأس مائة سنة لا يبقى ممن هو اليوم على ظهر الأرض أحد ) وقلت له إن أهل الحديث وغيرهم قالوا أن من ادعى الصحبة بعد مائة سنة من وفاته صلى الله عليه وسلّم فهو كاذب ، وأن آخر الصحابة موتاً أبو الطفيل مات سنة عشر ومائة من الهجرة ، فقال لي لا بد من نقل في هذا بخصوصه ، فلما رجعت رأيت الميزان للذهبي فرأيته ذكر معمر بن بريك وأنه عمر مئين من السنين ، وروى عنه أحاديث خماسية باطلة وهي كذب واضح وقال : إنه من نمط رتن الهندي فقبح الله من يكذب ، فأرسلت الميزان للشيخ صلاح الدين فرآه فشكر ودعا ، ثم بعد مدة أراني شخص ورقة فيها تحديث الشيخ صلاح الدين بهذا الحديث وإجازته إياه فكتبت فيها أن هذا الحديث كذب لا تحل روايته ولا التحديث به فليعلم كل مسلم أن معمراً هذا دجال كذاب وقصته هذه كذب وافتراء لا يحل لمسلم أن يحدث بها ولا يرويها ، ومن فعل ذلك دخل في قوله صلى الله عليه وسلّم : ( من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار ) . ثم رأيت بعد ذلك فتيا قدمت لحافظ أبي الفضل بن حجر في معمر هذا فكتب عليها ما نصه لا تخلو طريق من طرق المعمر عن متوقف فيه حتى المعمر نفسه فإن من يدعي هذه الرتبة يتوقف على ثبوت العدالة وثبوت ذلك عقلاً لا يفيد مع ورود الشرع بنفيه فإنه صلى الله عليه وسلّم أخبر في الأحاديث الصحيحة بانخرام قرنه بعد مائة سنة من يوم مقالته المشهورة ، فمن ادعى الصحبة بعد ذلك لزم أن يكون مخالفاً لظاهر الخبر .
ثم رأيت فتيا أخرى رفعت له فكتب عليها ما نصه هذا الحديث لا أصل له والمعمر المذكور إما كذاب أو اختلقه كذاب وآخر الصحابة موتاً مطلقاً أبو الطفيل عامر بن واثلة الليثي ثبت ذلك في صحيح مسلم ، واتفق عليه العلماء ، واحتج البخاري بحديث أنه صلى الله عليه وسلّم قال قبل موته بقليل : ( إن على رأس مائة سنة من تلك الليلة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها أحد ) وأراد بذلك انخرام القرن فكل من ادعى الصحبة بعد أبي الطفيل فهو كاذب ، انتهى جواب الحافظ ابن حجر .(2/92)
"""""" صفحة رقم 93 """"""
مسألة : ما سن عائشة ، وفاطمة رضي الله عنهما ؟ وكم عاشت كل واحدة منهما بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلّم وأيهما أفضل ؟ .
الجواب : أما عائشة رضي الله عنها فسنها بضع وستون فإن النبي صلى الله عليه وسلّم تزوجها قبل الهجرة بسنتين ، وقيل : بسنة ونصف ، وقيل بثلاث سنين ، ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة وماتت سنة سبع وخمسين ، وقيل سنة ثمان وخمسين ، وأما فاطمة رضي الله عنها فقال الذهبي : الصحيح أن عمرها أربع وعشرون سنة ، وقيل إحدى وعشرون ، وقيل ست وعشرون ، وقيل سبع وعشرون ، وقيل ثمان وعشرون ، وقيل تسع وعشرون ، وقيل ثلاثون ، وقيل ثلاث وثلاثون وقيل خمس وثلاثون ، وعاشت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ستة أشهر على الصحيح ، وقيل ثمانية أشهر ، وقيل ثلاثة أشهر ، وقيل شهران ، وأما أيهما أفضل فثلاثة مذاهب أصحها أن فاطمة رضي الله عنها أفضل .
مسألة : قال ابن سعد في الطبقات : أنا عفان بن مسلم ، ويحيى بن حماد ، وموسى ابن إسماعيل التبوذكي قال : أنبأ أبو عوانة ثنا إسماعيل السدي قال : سألت أنس بن مالك أصلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم على ابنه إبراهيم ؟ قال : لا أدري رحمة الله على إبراهيم لو عاش لكان صديقاً نبياً ، هذا إسناد صحيح على شرط مسلم ، وقال ابن عساكر في تاريخه : أنا أبو القاسم بن السمرقندي أنا أحمد بن أبي عثمان أنا إسماعيل بن الحسن ثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل ثنا أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد ثنا عمرو بن محمد العنقزي ثنا اسباط بن نصر عن السدي قال : سألت أنس بن مالك كم كان بلغ إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلّم ؟ قال : قد كان قد ملأ مهده ولو بقي لكان نبياً ولكن لم يكن ليبقى لأن نبيكم آخر الأنبياء . وقال ابن عساكر : أنا أبو غالب أحمد بن الحسن بن البناء أنا أبو الحسين محمد بن أحمد بن الآبنوسي أنا أبو الطيب عثمان بن عمرو بن محمد بن المنتاب ثنا يحيى بن محمد بن صاعد ثنا الحسين بن الحسن المروزي أنا ابن مهدي ثنا سفيان عن السدي سمعت أنس بن مالك يقول : لو عاش إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلّم كان صديقاً نبياً .
وقال الباوردي في معرفة الصحابة : ثنا محمد بن عثمان بن محمد ثنا منجاب بن الحارث ثنا أبو عامر الأسدي ثنا سفيان عن السدي عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لو عاش إبراهيم لكان صديقاً نبياً ) وقال الطبراني : ثنا عبد الله بن أحمد ابن حنبل حدثني أبي ثنا أبو أسامة ثنا إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت لعبد الله بن أبي أوفى هل رأيت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قال : مات وهو صغير ولو قدر أن يكون نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلّم لعاش ابنه إبراهيم ولكنه لا نبي بعده . وقال الطبراني : أنا أسلم بن سهل الواسطي ثنا وهب بن بقية ثنا محمد بن الحسين المدني عن إسماعيل بن أبي خالد قال : قلت لعبد الله بن أبي أوفى : هل رأيت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قال : توفي وهو صغير ولو قضى أن يكون بعد محمد صلى الله عليه وسلّم نبي لعاش ولكنه لا نبي بعده أخرجه أبو يعلى ثنا زكريا بن يحيى الواسطي ثنا هشيم عن إسماعيل بن أبي خالد به .(2/93)
"""""" صفحة رقم 94 """"""
وقال ابن منده : أنا أحمد بن محمد بن زياد ، ومحمد بن يعقوب قالا : ثنا أحمد ابن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن إبراهيم بن عثمان عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : ( لما ولدت مارية القبطية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم إبراهيم ومات قال رسول الله صلى الله عليه وسلّمّ : ( إن له مرضعاً في الجنة ولو بقي لكان صديقاً نبياً ) وقال البيهقي : أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد الصفار ثنا محمد بن يونس ثنا سعيد بن أوس أبو زيد الأنصاري ثنا شعبة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال : ( لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن له مرضعاً في الجنة يتم رضاعه ولو عاش لكان صديقاً نبياً ) وقال ابن عساكر : أنا أبو محمد هبة الله بن سهل بن عمر السدي الفقيه ، وأبو القاسم زاهر بن طاهر قالا : أنا أبو عثمان البحيري أنا أبو عمرو بن حمدان أنا أحمد بن محمد ابن سعيد الحافظ ثنا عبيد بن إبراهيم الجعفي ثنا الحسن بن أبي عبد الله الفراء ثنا مصعب ابن سلام عن أبي حمزة الثمالي عن أبي جعفر محمد بن علي عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لو عاش إبراهيم لكان نبياً ) وقال ابن عساكر : أنا أبو القاسم زاهر ابن طاهر الشحامي أنا أبو حامد أحمد بن الحسين أنا أبو محمد الحسن بن أحمد بن أحمد بن محمد أنا أبو محمد الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن جابر ثنا إبراهيم ابن الحسن الهمداني ثنا إسحاق بن محمد الفروي ثنا عيسى بن عبد الله عن أبيه عن جده عن أبي جده عن علي بن أبي طالب قال : ( لما توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلّم أرسل النبي صلى الله عليه وسلّم إلى أمه مارية فجاء به فغسله وكفنه وخرج به وخرج الناس معه فدفنه وأدخل النبي صلى الله عليه وسلّم يده في قبره فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أما والله إنه لنبي ابن نبي وبكى وبكى المسلمون حوله حتى ارتفع الصوت ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : تدمع العين ويحزن القلب ولا نقول ما يغضب الرب وإنا عليك يا إبراهيم لمحزونون ) قال ابن عساكر : عيسى هو ابن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب ليس بالقوي .
فصل : قال النووي في تهذيب الأسماء واللغات : وأما ما روي عن بعض المتقدمين لو عاش إبراهيم لكان نبياً فباطل وجسارة على الكلام على المغيبات ومجازفة وهجوم على عظيم ، قال الحافظ ابن حجر في الإصابة : وهذا عجيب مع وروده عن ثلاثة من الصحابة [ وكأنه لم يظهر له وجه تأويله فبالغ في إنكاره ، وجوابه أن القضية شرطية لا تستلزم الوقوع ] ولا يظن بالصحابي أنه يهجم على مثل هذا بظنه والله أعلم .
فصل : روى أبو داود عن عائشة قالت : ( مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلّم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصلِّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلّم ) قال ابن حزم : خبر صحيح . قال الزركشي في تخريج أحاديث الشرح : اعتل من سلم ترك الصلاة عليه بعلل ، منها أنه استغنى بفضيلة أبيه عن الصلاة كما استغنى الشهيد بفضيلة الشهادة ، ومنها أنه لا يصلي نبي على نبي وقد جاء أنه لو عاش لكان نبياً انتهى .
فصل : قال الشيخ تقي الدين [ السبكي ] في حديث : ( كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد )(2/94)
"""""" صفحة رقم 95 """"""
فإن قلت : النبوة وصف لا بد أن يكون الموصوف به موجوداً وإنما يكون بعد بلوغ أربعين سنة أيضاً فكيف يوصف به قبل وجوده وقبل إرساله ؟ قلت : قد جاء أن الله تعالى خلق الأرواح قبل الأجساد فقد تكون الإشارة بقوله كنت نبياً إلى روحه الشريفة وإلى حقيقته والحقائق تقصر عقولنا عن معرفتها إنما يعلمها خالقها ومن أمده بنور آلهي ، ثم إن تلك الحقائق يؤتي الله كل حقيقة منها ما يشاء في الوقت الذي يشاء ، فحقيقة النبي صلى الله عليه وسلّم قد تكون من قبل خلق آدم آتاها الله ذلك الوصف بأن يكون خلقها متهيئة لذلك وأفاضه عليها من ذلك الوقت فصار نبياً انتهى . ومن هذا يعرف تحقيق نبوة السيد إبراهيم في حال صغره وإن لم يبلغ سن الوحي .
مسألة : من قاضي القضاة شيخ الشيوخ تاج الدين بن عربشان الحنفي المسئول من تفضلات مولانا شيخ الإسلام أمتع الله بوجوده الأنام توضيح التحرير في ذكر أولاد البتول ، فإنه ذكر في مجلس عند بعض عظام الأمراء أن أولادها الحسن ، والحسين ، ومحسن فوقع من بعض الحاضرين توقف في محسن فنظم العبد في ذلك أبيات فأراد عرض ذلك على المسامع الكريمة أفاض الله عليها نعمه الجسيمة ليزول ما أشكل من الإبهام بقصد الاستفادة من الإمام ، فإن الاستفادة من المولى أحرى وأولى ، أمد الله على الإسلام والمسلمين من مديد فضلكم ، وأغدق من وافر بسيط طويلكم ، فإن بابكم العالي كعبة الإفادة رزقكم الله الحسنى وزيادة .
وأجبت : وقفت على هذا الدر النظيم والعقد الذي حوى كل جوهر فرد عظيم ، فوجدت راقمه أعزه الله تعالى أبدع فيما رقم وأتى بالعجب العجاب فيما نثر ونظم ، وأصاب في ذكره المحسن صوب الصواب ، وأتى في تقريره بالحكمة وفصل الخطاب ، وكيف يتصور أو يمكن توجيه الإنكار لمحسن وقد ورد الحديث المسند والأثر عن سيد بني ربيعة ومضر أنه سمى أولاد فاطمة بالحسن ، والحسين ومحسن ونعم المحبر وقال : سميتهم بأسماء ولد هرون : شبر ، وشبير ، ومشبر ، والمنكر لذلك حقه أن يضرب عنه صفحاً حيث توقف وإن ثقل ومد عنقه متطلعاً إلى مراتب العلماء فليخفف :
أخبرني زائر رشيد
عن مخبر جاءه يفيد
أن ابن خزيمة عراه
تغير قبل ما يبيد
وأنه جاءه بنقل
عن العراق يستحيد
فقلت لا تنطقن بهذا
التبس الجد والحفيد
كلاهما في الأنام يدعى
محمداً واسمه حميد
والفرق ما بين ذين باد
ما عنه ذو يقظة يحيد
ذاك ابن إسحاق ذو صحيح
له المعالي غدت تشيد
في رابع القرن عام إحدى
وعشرة قد قضى الفريد(2/95)
"""""" صفحة رقم 96 """"""
ولم يشن قط باختلاط
بل وصفه كله سعيد
وابن ابنه الفضل ذو اختلاط
مدة عامين أو تزيد
ومات في القرن عام سبع
بعد ثمانين يا رشيد
نص على ذاك كل حبر
وعده الحافظ المجيد
إتحاف الفرقة برفو الخرقة
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : أنكر جماعة من الحفاظ سماع الحسن البصري من علي بن أبي طالب [ رضي الله عنه ] وتمسك بهذا بعض المتأخرين فخدش به في طريق لبس الخرقة وأثبته جماعة وهو الراجح عندي لوجوه ، وقد رجحه أيضاً الحافظ ضياء الدين المقدسي في المختارة فإنه قال الحسن بن أبي الحسن البصري عن علي وقيل لم يسمع منه ، وتبعه على هذه العبارة الحافظ ابن حجر في أطراف المختارة .
الوجه الأول : أن العلماء ذكروا في الأصول في وجوه الترجيح أن المثبت مقدم على النافي لأن معه زيادة علم . الثاني : إن الحسن ولد لسنتين بقيتا من خلافة عمر باتفاق وكانت أمه خيرة مولاة أم سلمة رضي الله عنها فكانت أم سلمة تخرجه إلى الصحابة يباركون عليه وأخرجته إلى عمر فدعا له : اللهم فقهه في الدين وحببه إلى الناس ، ذكره الحافظ جمال الدين المزي في التهذيب ، وأخرجه العسكري في كتاب المواعظ بسنده ، وذكر المزي أنه حضر يوم الدار وله أربع عشرة سنة ، ومن المعلوم أنه من حين بلغ سبع سنين أمر بالصلاة فكان يحضر الجماعة ويصلي خلف عثمان إلى أن قتل عثمان ، وعلي إذ ذاك بالمدينة فإنه لم يخرج منها إلى الكوفة إلا بعد قتل عثمان فكيف يستنكر سماعه منه وهو كل يوم يجتمع به في المسجد خمس مرات من حين ميز إلى أن بلغ أربع عشرة سنة ، وزيادة على ذلك أن علياً كان يزور أمهات المؤمنين ومنهن أم سلمة ، والحسن في بيتها هو وأمه . الوجه الثالث : إنه ورد عن الحسن ما يدل على سماعه منه ، أورد المزي في التهذيب من طريق أبي نعيم قال : ثنا أبو القاسم عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكريا ثنا أبو حنيفة محمد بن صفية الواسطي ثنا محمد بن موسى الجرشي ثنا ثمامة بن عبيدة ثنا عطية بن محارب عن يونس بن عبيد قال : سألت الحسن قلت يا أبا سعيد إنك تقول قال : رسول الله صلى الله عليه وسلّم وإنك لم تدركه قال : يا ابن أخي لقد سألتني عن شيء ما سألني عنه أحد قبلك ولولا منزلتك مني ما أخبرتك أني في زمان كما ترى وكان في عمل الحجاج كل شيء سمعتني أقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهو عن علي ابن أبي طالب غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر علياً .(2/96)
"""""" صفحة رقم 97 """"""
ذكر ما وقع لنا من رواية الحسن عن علي
قال أحمد في مسنده : ثنا هشيم أنا يونس عن الحسن عن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( رفع القلم عن ثلاثة : عن الصغير حتى يبلغ ، وعن النائم حتى يستيقظ ، وعن المصاب حتى يكشف عنه ) أخرجه الترمذي وحسنه ، والنسائي ، والحاكم وصححه ؛ والضياء المقدسي في المختارة ، قال الحافظ زين الدين العراقي في شرح الترمذي عند الكلام على هذا الحديث قال علي بن المديني : الحسن رأى علياً بالمدينة وهو غلام ، وقال أبو زرعة : كان الحسن البصري يوم بويع لعلي ابن أربع عشرة سنة ورأى علياً بالمدينة ثم خرج إلى الكوفة والبصرة ولم يلقه الحسن بعد ذلك ، وقال الحسن : رأيت الزبير يبايع علياً انتهى . قلت : وفي هذا القدر كفاية ، ويحمل قول النافي على ما بعد خروج علي من المدينة ، وقال النسائي : ثنا الحسن بن أحمد بن حبيب ثنا شاد بن فياض عن عمر بن إبراهيم عن قتادة عن الحسن عن علي أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) وقال الطحاوي : ثنا نصر بن مرزوق ثنا الخطيب ثنا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إذا كان في الرهن فضل فأصابته جائحة فهو بما فيه ) الحديث ، وقال الدارقطني : ثنا أحمد بن محمد بن عبد الله ابن زياد القطان ثنا الحسن بن شبيب المعمري قال : سمت محمد بن صدران السلمي ثنا عبد الله بن ميمون المزني ثنا عوف عن الحسن عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لعلي : ( يا علي قد جعلنا إليك هذه السبعة بين الناس ) الحديث .
وقال الدارقطني : ثنا علي بن عبد الله بن مبشر ثنا أحمد بن سنان ثنا يزيد بن هرون أنا حميد الطويل عن الحسن قال : قال علي : ( إن وسع الله عليكم فاجعلوه صاعاً من بر وغيره ) يعني زكاة الفطر وقال الدارقطني : ثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز ثنا داود ابن رشيد ثنا أبو حفص الأبار عن عطاء بن السائب عن الحسن عن علي قال : ( الخلية ، والبرية ، والبتة ، والبائن ، والحرام ثلاث لا تحل له حتى تنكح زوجاً غيره ) وقال الطحاوي : ثنا ابن مرزوق ثنا عمرو بن أبي رزين ثنا هشام بن حسان عن الحسن عن علي قال : ( ليس في مس الذكر وضوءاً ) .
وقال أبو نعيم في الحلية : ثنا عبد الله بن محمد ثنا أبو يحيى الرازي ثنا هناد ثنا ابن فضل عن ليث عن الحسن عن علي رضي الله عنه قال : ( طوبى لكل عبد ثومه عرف الناس ولم يعرفه الناس عرفه الله تعالى برضوان أولئك مصابيح الهدى يكشف الله عنهم كل فتنة مظلمة سيدخلهم الله في رحمة منه ليس أولئك بالمزابيع البذر ولا الجفاة المرائين ) .
وقال الخطيب في تاريخه : أنا الحسن بن أبي بكر أنا أبو سهل أحمد بن محمد بن عبد الله بن زياد القطان ثنا محمد بن غالب ثنا يحيى بن عمران ثنا سليمان بن أرقم عن الحسن عن علي قال : ( كفنت النبي صلى الله عليه وسلّم في قميص أبيض وثوبي حبرة ) . وقال جعفر بن(2/97)
"""""" صفحة رقم 98 """"""
محمد بن محمد في كتاب العروس : ثنا وكيع عن الربيع عن الحسن عن علي بن أبي طالب رفعه من قال : ( في كل يوم ثلاث مرات صلوات الله على آدم غفر الله له الذنوب وإن كانت أكثر من زبد البحر ) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من طريقه ، ثم رأيت الحافظ ابن حجر قال في تهذيب التهذيب : قال يحيى بن معين : لم يسمع الحسن من علي بن أبي طالب قيل ألم يسمع من عثمان ؟ قال يقولون عنه : رأيت عثمان قام خطيباً ، وقال غير واحد : لم يسمع من علي وقد روى عنه غير حديث ، وكان علي لما خرج بعد قتل عثمان كان الحسن بالمدينة ثم قدم البصرة فسكنها إلى أن مات . قال الحافظ ابن حجر : ووقع في مسند أبي يعلى قال : ثنا جويرية بن أشرس قال : أنا عقبة بن أبي الصهباء الباهلي قال : سمعت الحسن يقول : سمعت علياً يقول : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( مثل أمتي مثل المطر ) الحديث ، قال محمد بن الحسن بن الصيرفي شيخ شيوخنا : هذا نص صريح في سماع الحسن من علي ورجاله ثقات جويرية وثقه ابن حبان وعقبة وثقه أحمد ، وابن معين [ انتهى ، وحديث آخر يدل على ذلك قال اللالكائي في السنة : أنا أحمد بن محمد الفقيه أنا محمد بن أحمد بن حمدان ثنا تميم بن محمد ثنا نصر بن علي ثنا محمد بن سواء ثنا سعيد بن أبي عروبة عن عامر الأحوال عن الحسن قال : شهدت علياً بالمدينة وسمع صوتاً فقال : ما هذا ؟ قالوا : قتل عثمان قال : اللهم اشهد أني لم أرض ولم أمالىء مرتين أو ثلاثاً . ثم وجدت حديثاً آخر قال الحافظ أبو بكر بن مسدي في مسلسلاته : صافحت أبا عبد الله محمد بن عبد الله بن عيسوي النغزوي بها قال : صافحت أبا الحسن علي بن سيف الحصري بالاسكندرية ح وصافحت أيضاً أبا القاسم عبد الرحمن بن أبي الفضل المالكي بالإسكندرية قال : صافحت شبل بن أحمد ابن شبل قدم علينا قال كل واحد منهما : صافحت أبا محمد عبد الله بن مقبل بن محمد العجيني قال : صافحت محمد بن الفرج بن الحجاج السكسكي قال : صافحت أبا مروان عبد الملك بن أبي ميسرة قال : صافحت أحمد بن محمد النغزوي بها قال : صافحت أحمد الأسود قال : صافحت ممشاد الدينوري قال : صافحت علي بن الرزيني الخراساني قال : صافحت عيسى القصار قال : صافحت الحسن البصري قال : صافحت علي بن أبي طالب قال : صافحت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : صافحت كفي هذه سرادقات عرش ربي عز وجل . قال ابن مسدي : غريب لا نعلمه إلا من هذا الوجه ، وهذا إسناد صوفي انتهى ] .
مسألة : ذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلّم لبس عمامة صفراء فهل لذلك أصل ؟
الجواب : نعم قال الطبراني : ثنا محمد بن الحسين الأنماطي البغدادي ثنا مصعب ابن عبد الله بن مصعب الزبيري حدثني أبي عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر عن أبيه قال : ( رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثوبين مصبوغين بزعفران رداء وعمامة ) ، أخرجه الحاكم في المستدرك ، وقال ابن سعد في الطبقات : أنا الفضل بن دكين عن هشام بن سعد عن يحيى بن عبد الله بن مالك قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصبغ ثيابه بالزعفران قميصه ورداءه(2/98)
"""""" صفحة رقم 99 """"""
وعمامته ) وقال : أنا هاشم بن القاسم ثنا عاصم بن عمر عن عمر بن محمد عن زيد بن أسلم قال : ( كان رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة ) . وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق سليمان بن أرقم عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال : ( خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعليه قميص أصفر ورداء أصفر وعمامة صفراء ) ، وأخرج ابن سعد عن ابن عمر قال : ( كان النبي صلى الله عليه وسلّم يصفر ثيابه ) . وفي الصحيح من حديثه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يصبغ بالصفرة . وقال الطبراني : ثنا أسلم بن سهل ثنا محمد ابن الصباح ثنا عبيد بن القاسم عن إسماعيل بن أبي خالد عن ابن أبي أوفى قال : ( كان أحب الصبغ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم الصفرة ) وأخرج ابن عساكر من طريق عباد بن حمزة عن عبد الله بن الزبير أنه بلغه أن الملائكة نزلت يوم بدر عليهم عمائم صفر وكانت على الزبير يومئذ عمامة صفراء فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( نزلت الملائكة اليوم على سيما أبي عبد الله وجاء النبي صلى الله عليه وسلّم وعليه عمامة صفراء ) . وفي ذلك يقول عامر بن صالح بن عبد الله بن عروة ابن الزبير :
جدي ابن عمة أحمد ووزيره
عند البلاء وفارس الشعواء
وغداة بدر كان أول فارس
شهد الوغى في اللامة الصفراء
نزلت بسيماه الملائك نصرة
بالحوض يوم تألب الأعداء
في عدد أبواب الجنة : أخرج البخاري عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( في الجنة ثمانية أبواب فيها باب يسمى الريان لا يدخله إلا الصائمون ) وأخرج مسلم ، وأبو داود ، والنسائي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( ما منكم من أحد يتوضأ فيبلغ الوضوء ثم يقول حين يفرغ من وضوئه أشهد أن لا إله الا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ) .
وأخرج الترمذي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ) .
وأخرج النسائي ، وابن ماجه ، والحاكم عن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم رفع بصره إلى السماء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ) وأخرج أحمد ، والطبراني من حديث عقبة بن عامر مثله وأخرج أحمد وابن ماجه ، وابن السني في عمل يوم وليلة عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ثلاث مرات : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله فتح له من الجنة ثمانية أبواب يدخل من أيها شاء دخل ) .
وأخرج الطبراني من حديث ثوبان مثله . وأخرج ابن السني عن ثوبان قال : قال(2/99)
"""""" صفحة رقم 100 """"""
رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال عند فراغه : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتح الله له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ) وأخرج الخطيب في تاريخه عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من توضأ للصلاة وأسبغ الوضوء ورفع رأسه إلى السماء فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له فتح له ثمانية أبواب الجنة وقيل له أدخل من أي باب شئت ) وأخرج محمد بن نصر في كتاب الصلاة عن أبي هريرة ، وأبي سعيد قالا : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( والذي نفسي بيده ما من عبد يصلي الصلوات الخمس ويصوم رمضان ويخرج الزكاة ويجتنب الكبائر السبع إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يوم القيامة حتى أنها لتصطفق ) وأخرج ابن أبي الدينا في صفة الجنة ، وأبو يعلى ، والطبراني ، والحاكم عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( الجنة ثمانية أبواب سبعة مغلقة وباب مفتوح للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه ) وأخرج أحمد ، وابن ماجه ، والطبراني ، والبيهقي في البعث عن عقبة بن عبد السلمي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ما من مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا تلقوه من أبواب الجنة الثمانية من أيها شاء دخل ) وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من كان له بنتان أو أختان أو عمتان أو خالتان وعالهن فتحت له ثمانية أبواب الجنة ) .
وأخرج الطبراني في الأوسط عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من كان له بنتان ) عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( أيما امرأة اتقت ربها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها فتح لها ثمانية أبواب الجنة فقيل لها ادخلي من حيث شئت ) .
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن ابن عباس قال : ( للجنة ثمانية أبواب : باب للمصلين ، وباب للصائمين ، وباب للحاجين ، وباب للمعتمرين ، وباب للمجاهدين ، وباب للذاكرين ، وباب للصابرين ، وباب للشاكرين ) . وأخرج أحمد ، والطبراني ، وأبو نعيم في الحلية ، والبيهقي في سننه عن عقبة بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( القتلى ثلاثة ) فذكر الحديث إلى أن قال : ( وادخل من أي أبواب الجنة شاء ، فإن لها ثمانية أبواب ولجهنم سبعة أبواب وبعضها أفضل من بعض ) وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده عن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من مات يؤمن بالله واليوم الآخر قيل له ادخل من أي أبواب الجنة الثمانية شئت ) وأخرج المستغفري في الدعوات وحسنه عن البراء بن عازب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ما من عبد يقول حين يتوضأ بسم الله ثم يقول لكل عضو أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ثم يقول حين يفرغ : اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل من أيها شاء ) وأخرج الحاكم في تاريخه عن أنس قال : مات ابن لعثمان بن مظعون فحزن عليه حزناً شديداً فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم : ( يا عثمان أما ترضى بأن للجنة ثمانية أبواب وللنار سبعة وأنت لا تنتهي إلى باب من أبواب الجنة إلا وجدت ابنك قائماً عنده آخذاً بحجزتك يشفع لك عند(2/100)
"""""" صفحة رقم 101 """"""
ربك ؟ قال : بلى قال المسلمون : يا رسول الله ولنا في فرطنا مثل ما لعثمان ؟ قال : نعم لمن صبر واحتسب ) .
مسألة : فيما هو جار على ألسنة العامة وفي المدائح النبوية أن النبي صلى الله عليه وسلّم لان له الصخر وأثرت قدمه فيه ، وأنه كان إذا مشى على التراب لا تؤثر قدمه فيه هل له أصل في كتب الحديث أو لا ؟ وهل إذا ورد فيه شيء من خرجه ؟ وصحيح هو أو ضعيف ؟ وهل ما ذكره الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في معراجه الذي ألفه مسجعاً ولفظه : ثم توجه نحو صخرة بيت المقدس وعماها . فصعد من جهة الشرق أعلاها . فاضطربت تحت قدم نبينا ولانت . فأمسكتها الملائكة لما تحركت ومالت ؟ ألهذا أيضاً أصل في كتب الحديث صحيح أو ضعيف أو لا ؟ وهل هذا الأثر الموجود الآن بصخرة بيت المقدس المعروف هناك بقدم النبي صلى الله عليه وسلّم صحيح أو لا ؟ وهل ورد في كتب الحديث أن سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام أثرت قدماه في الحجر الذي كان يبني عليه البيت الذي هو الآن بالمسجد الحرام بالمكان المعروف بمقام إبراهيم هل هو صحيح أو ضعيف أو ليس له أصل ؟ وهل ما قاله بعضهم أنه لم يعط نبي معجزة إلا حصل لنبينا صلى الله عليه وسلّم مثلها أو لأحد من أمته صحيح ذلك أو لا ؟ ومن هو قائل ذلك ؟ وهل صح أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما جاء إلى بيت أبي بكر الصديق بمكة ووقف ينتظره ألزق منكبه ومرفقه بالحائط فغاص المرفق في الحجر وأثر فيه وبه سمي الزقاق بمكة زقاق المرفق أوليس لذلك أصل ؟ وهل ما ذكره الثعلبي ، والطرطوشي في تفسيريهما أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما حفر الخندق وظهرت الصخرة وعجزت الصحابة عن كسرها نزل صلى الله عليه وسلّم إلى الخندق وضربها ثلاث ضربات وأنها لانت له وتفتت صحيح ذلك أو ضعيف أوليس له أصل معتمد ؟ وهل إذا ثبت أن الصخر لان له صلى الله عليه وسلّم وأثرت قدمه فيه يكون ذلك معجزة له صلى الله عليه وسلّم أو لا ؟ .
الجواب : أما حديث الصخرة التي ظهرت في الخندق وعجز الصحابة عن كسرها وضربها ثلاث ضربات فكسرها فإنه صحيح ورد من طرق بألفاظ متعددة فأخرجه البيهقي ، وأبو نعيم معاً في دلائل النبوة من حديث عمرو بن عوف المزني ، ومن حديث سلمان الفارسي ، ومن حديث البراء بن عازب وأصله في الصحيح من حديث جابر قال : إنا يوم الخندق نحفر فعرضت كدية شديدة فجاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقالوا : هذه كدية عرضت في الخندق فأخذ المعول فضرب فعاد كثيباً أهيل ، وأما قوله : هل ورد في كتب الحديث أن سيدنا إبراهيم على نبينا وعليه أفضل الصلاة والسلام أثرت قدماه في الحجر الذي كان يبني عليه البيت وهو المقام فنعم . وورد ذلك أخرجه الأزرقي في تاريخ مكة من طريق أبي سعيد الخدري عن عبد الله بن سلام رضي الله عنهما موقوفاً عليه بسند صحيح ، وأخرجه عبد بن حميد في تفسيره عن قتادة ، وأخرجه أيضاً عن عكرمة ، وبقية ما ذكر في الأسئلة لم أقف له على أصل ولا سند ولا رأيت من خرجه في شيء من كتب الحديث :
شرط البخاري الإمام ومسلم
فيما حكاه جماعة متوافره(2/101)
"""""" صفحة رقم 102 """"""
تخريج ما يرويه عن خير الورى
اثنان من أصحابه المتكاثره
وعليه أورد إنما الأعمال من
في الحفظ رتبته لديهم قاصره
فأجابه القاضي أبو بكر هو الع
ربي في شرح البخاري ناصره
إن رواة أبي سعيد فانتفى الإ
يراد وارتفعت حلاه الفاخره
وسواه زاد أبا هريرة فيه مع
أنس فصارت أربعاً متظافره
وجماعة قالوا بأبلغ منه أن
يدرجنه في زمرة المتواتره
فعن ابن منده قد رواه ثمان عش
رة من صحاب كالنجوم الزاهره
يا من يروم الخوض في ذا الفن لا
تقدم عليه بهمة متقاصره
لا يصلح الإقدام فيما رمته
حتى تلجج في البحار الزاخره
مسألة : ذكر ذاكر أن أكثر قراءة النبي صلى الله عليه وسلّم في الصلاة كانت بقراءة نافع وهذا شيء لا أصل له البتة بل كان يقرأ بجميع الأحرف المنزلة عليه ، وكيف ينسب إلى النبي صلى الله عليه وسلّم أمر لم يروه عنه أحد من الصحابة ، ولا خرجه أحد من أئمة الحديث في كتبهم لا بإسناد صحيح ولا بإسناد غير صحيح ، ثم إن هذا أمر لا يعرف لا من جهة الصحابة الذين سمعوا قراءته والذي روى عنهم أنهم قالوا قرأ بسورة كذا [ أو بسورة كذا ] ولم يقولوا في روايتهم قرأ السورة الفلانية بلفظ كذا ولفظ كذا حتى تطابق تلك الألفاظ فتوجد موافقة لقراءة نافع ، ولو ثبت هذا الكلام عند الإمام مالك رضي الله عنه لكان أول قائل بقراءة البسملة في الصلاة لأن البسملة ثابتة في قراءة قالون عن نافع ، ولم يثبت عند مالك أنه صلى الله عليه وسلّم قرأ البسملة في الصلاة ، فهذا يدل على أنه لم يثبت عنده أنه كان أكثر قراءته بقراءة نافع ، وما كل حديث وجد مقطوعاً بغير سند في كتاب يجوز الاعتماد عليه حتى يثبت تخريجه في كتاب حافظ بسند متصل صحيح ، وكم في الكتب من أحاديث لا أصل لها ثم تبين أن هذا النقل لا وجود له ، وأن الذي نقله القرافي في الذخيرة أنه تستحب القراءة بتسهيل الهمزة لأن ذلك لغة النبي صلى الله عليه وسلّم ، وهذا كلام في غاية الحسن لا غبار عليه لأن العلماء أجمعوا على أن لغة النبي صلى الله عليه وسلّم لغة قريش ولغة قريش عدم تحقيق الهمز فيكون ذلك لغة النبي صلى الله عليه وسلّم صحيح ، ولكن ليس فيه أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان أكثر قراءته في الصلاة بقراءة نافع ولا روى هذا أحد من الصحابة البتة ولا خرجه أحد من أئمة الحديث ، بل ولا في هذا دلالة على أنه كان أكثر قراءته بتسهيل ، أكثر ما فيه أنه دل على أن ذلك لغته من غير قدر زائد على ذلك ، وقد كان صلى الله عليه وسلّم يقرأ بجميع ما أنزل عليه بتسهيل الهمز الذي هو لغته ، وبتحقيق الهمز الذي هو لغة غير قريش ، وبترك الإمالة الذي هو لغة الحجاز ، وبالإمالة التي هي لغة تميم ، وذكر الأكثرية تحتاج إلى نص من الصحابة مخرج في كتاب معتبر بإسناد متصل صحيح ولا وجود لذلك البتة ، وذكر أن القراءة بالترقيق في الصلاة مكروهة لأنها تذهب الخشوع وليس كذلك ، لأن المكروه ما ورد فيه نهي خاص ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلّم في ذلك نهي . وقوله : إنها تذهب(2/102)
"""""" صفحة رقم 103 """"""
الخشوع ممنوع لأنه إن كان ذلك من جهة الفكر في أداء تلك الهيئة فجميع هيئات الأداء كذلك ، والفكر في أداء ألفاظ القرآن على الهيئة التي أنزل عليها لا ينافي الخشوع لأنه من أمور العبادة والدين ، وإنما ينافي الخشوع الفكر في الأمور الدنيوية لا الدينية ولا الأخروية نصوا عليه ثم إن المكروه عند الأصوليين من قسم القبيح كما أن المندوب عندهم من قسم الحسن ولا يوصف شيء من القرآن بالقبح ) فإن قال قائل ( : قد ذهب جماعة إلى أن بعض القرآن أفضل من بعض . قلنا : مع اتفاقهم على أن الكل يقرأ ولا يقول أحد بأن غير الأفضل تكره قراءته هذا لا يتوهمه أحد ، ثم إن قراءة القرآن بالأحرف الثابتة في السبعة فرض كفاية بالإجماع فكيف يتخيل أن يوصف ما هو فرض كفاية بأنه مكروه ثم تبين أن هذا النقل لا وجود له وأن الذي نقله القرافي في الذخيرة وكره مالك الترقيق ، والتفخيم ، والروم ، والاشمام في الصلاة لأنها تشغل عن أحكام الصلاة ، وليس المراد بهذه الكراهة التي هي أحد أقسام الأحكام الخمسة التي يصفها الأصوليون بأنها داخلة في قسم القبيح كالحرام ، بل الكراهة في كلام الأئمة المجتهدين كمالك ، والشافعي لها إطلاقان : أحدهما هذا ويعبر عنها بالكراهة الشرعية . والآخر بمعنى أن المجتهد أحب واختار أن لا يفعل ذلك من غير إدخاله في قسم المكروه الذي هو من نوع القبيح ، ويعبر عن هذه بالكراهة الإرشادية وهذه الكراهة لا ثواب في تركها ولا قبح في فعلها ، وقد ذكر أصحابنا ذلك في قول الشافعي : وأنا أكره المشمس من جهة الطب ، فاختلفوا هل هذه الكراهة شرعية يثاب فيها أو إرشادية لا ثواب فيها ؟ على وجهين . وقال الشافعي : وأنا أكره الإمامة لأنها ولاية وأنا أكره سائر الولايات ، فليس مراد الشافعي بذلك الكراهة التي هي أحد أقسام الحكم الخمسة الداخلة في قسم القبيح ، كيف والإمامة فرض كفاية لأن بها تنعقد الجماعة التي هي فرض كفاية ، والرافعي يقول إنها أفضل من الأذان وفي كل منهما فضل وذلك مناف للكراهة قطعاً ، وإنما مراد الشافعي أنه لا يحب الدخول فيها ولا يختاره للمعنى الذي ذكره فهي كراهة إرشادية لا شرعية ، فلو فعلها لم يوصف فعله بقبح بل هو آت بعبادة فيها فضل إجماعاً ، إما فضل يزيد على فضل الأذان كما هو رأي الرافعي ، أو ينقص عنه كما هو رأي النووي ، ولو كانت الإمامة مكروهة كراهة شرعية لم يكن فيها فضل البتة لأن الكراهة والثواب لا يجتمعان وكذلك قول القرافي ، وكره مالك ما ذكر معناه أنه أحب واختار أن لا يفعل ذلك للمعنى الذي ذكره فهو أمر إرشادي ، وليس مراده الكراهة التي يدخل متعلقها في قسم القبيح معاذ الله هذا لا يظن بمن هو دون مالك بكثير فضلاً عن هذا الإمام الجليل إمام دار الهجرة وإمام أهل المشرق والمغرب رضي الله عنه وعنا به .
بلوغ المأمول في خدمة الرسول صلى الله عليه وسلّم
بسم الله الرحمن الرحيم
[ الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى ] .(2/103)
"""""" صفحة رقم 104 """"""
مسألة : حديث : ( من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به ) ورد من حديث ابن عباس ، وأبي هريره . وجابر . فأما حديث ابن عباس فأخرجه عبد الرزاق في المصنف وأحمد في مسنده ، وابن جرير في تهذيب الآثار ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وابن ماجه ، وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي ، وأبو يعلى ، والعدني في مسنديهما ، وعبد بن حميد ، وابن الجارود في المنتقى والدارقطني في سننه ، والطبراني ، والحاكم في المستدرك وصححه ، والبيهقي في سننه ، والضياء المقدسي في المختارة وقد صححه جمع من الأئمة الحفاظ الحاكم كما ذكرناه ، وابن الجارود ، وحيث أخرجه في المنتقى فإنه التزم فيه الصحيح ، والضياء حيث أخرجه في المختارة فإنه التزم فيها الصحيح الزائد على الصحيحين وقالوا : إن صحيحها أقوى من صحيح المستدرك ، وصححه أيضاً ابن الطلاع في أحكامه نقله عنه الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي ؛ ولما حكى الحافظ أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي أن الحاكم صححه أقره وأورد له عدة طرق تقويه لإسناده .
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه ابن ماجه ، والبزار ، وابن جرير ، والحاكم ، وصححه أيضاً ابن الطلاع ، لكن تعقب الحافظ ابن حجر تصحيح ابن الطلاع له فقال : حديث أبي هريرة لم يصح . قلت : لكن صحح حديث أبي هريرة ، وابن عباس معاً ابن جرير في تهذيب الآثار ولعله الذي حمل الحاكم على تصحيح حديث أبي هريرة ، وإنما ثبت حديث ابن عباس ، وتعقب الذهبي تصحيح الحاكم لحديث أبي هريرة فقال : في سنده عاصم بن عمر العمري وهو ضعيف واعتذر عنه الحافظ العراقي بأنه إنما أخرجه شاهداً لحديث ابن عباس .
وأما حديث جابر فأشار إليه الترمذي حيث قال عقب حديث ابن عباس : وفي الباب عن جابر ، وأبي هريرة ، وقال العراقي في شرحه : رواه ابن حزم من طريق محمد ابن القاسم عن يحيى بن أيوب عن عباد بن كثير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه ) ورواه ابن وهب عن يحيى بن أيوب عن رجل عن ابن عقيل انتهى ، وقد أخرج حديث جابر الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، وابن جرير في تهذيب الآثار من طريق عباد بن كثير عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول على المنبر : ( من عمل عمل قوم لوط فاقتلوه ) .
وقد رأيت له طريقاً آخر من حديث علي وقد فات الحافظين : العراقي ، وابن حجر ، قال ابن جرير في تهذيب الآثار : حدثني محمد بن معمر البحراني ثنا يحيى بن عبد الله بن بكر ثنا حسين بن زيد عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يرجم من عمل عمل قوم لوط أحصن أو لم يحصن ) .
تنبيه : إنما احتاج الحاكم في تصحيح هذا الحديث إلى شاهد لأن راويه عن عكرمة عن ابن عباس عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب وعمرو وثقه الجمهور منهم مالك ، والبخاري ، ومسلم وأخرجا حديثه في الصحيحين في الأصول ، وضعفه أبو داود ، والنسائي ولأجل ذلك أنكر النسائي حديثه هذا ، وقال يحيى : كان يستضعف . قال الذهبي في الميزان(2/104)
"""""" صفحة رقم 105 """"""
بعد حكاية هذا : ما هو بمستضعف ولا بضعيف ، نعم ولا هو في الثقة كالزهري وذويه ، قال : وروى أحمد بن أبي مريم عن ابن معين قال : عمرو بن أبي عمرو ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( اقتلوا الفاعل والمفعول به ) قال الذهبي عقب ذلك : حديثه صالح حسن منحط عن الدرجة العليا من الصحيح انتهى ، والمقرر في علوم الحديث أن من يكون بهذه الصفة إذا وجد له متابع أو شاهد حكم لحديثه بالصحة فلهذا احتاج الحاكم إلى تخريج حديث أبي هريرة ليكون شاهداً لحديث ابن عباس ، وإن كان حديث أبي هريرة ليس على شرط الصحيح إلا أنه أورد شاهداً أصلاً ليتم له تصحيح حديث ابن عباس ، وقد أورد الحافظ أبو الفضل العراقي عدة طرق لحديث ابن عباس تقوية لتصحيح الحاكم له فقال : قد ورد أيضاً من راويه داود بن الحصين ، وعباد بن منصور ، وحسين بن عبد الله عن عكرمة فهؤلاء ثلاثة متابعين لعمرو بن أبي عمرو ، فراوية داود أخرجها أحمد في مسنده باللفظ السابق . وأخرجها ابن جرير ، والبيهقي في سننه بلفظ : ( من وقع على الرجل فاقتلوه ) ورواية عباد أخرجها البيهقي بلفظ في الذي يعمل عمل قوم لوط وفي الذي يؤتى في نفسه قال : يقتل . وأخرجه ابن جرير في تهذيب الآثار بلفظ أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( اقتلوا الفاعل والمفعول به في اللوطية ) ورواية حسين أخرجها الطبراني في الكبير باللفظ السابق ، وأورد العراقي أيضاً لحديث أبي هريرة طريقين آخرين : أحدهما في المستدرك ، ومعجم الطبراني الأوسط . والثاني في المعجم الأوسط ولفظهما مخالف للفظ السابق ، ثم أورد حديث جابر كما تقدم ثم قال : وفي الباب عن أبي موسى الأشعري عند البيهقي ، وعن [ أبي ] أيوب عند الطبراني في الكبير ، هذا جميع ما أورده العراقي من الشواهد لتصحيح حديث ابن عباس .
قلت : وقد وجدت شاهداً آخر على زيادة على ذلك قال أبو نعيم في الحلية : ثنا أبو محمد طلحة ، وأبو إسحاق سعد أنبأ محمد بن إسحاق الناقد قالا : ثنا محمد بن عثمان ابن أبي شيبة ثنا أبي ثنا وكيع ثنا محمد بن قيس عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أن عثمان أشرف على الناس يوم الدار فقال : أما علمتم أنه لا يجب القتل إلا على أربعة : رجل كفر بعد إسلامه ، أو زنى بعد إحصانه ، أو قتل نفساً بغير نفس ، أو عمل عمل قوم لوط . وقال ابن أبي شيبة في المصنف : ثنا وكيع ثنا محمد بن قيس عن أبي حصين عن أبي عبد الرحمن أن عثمان أشرف على الناس يوم الدار فقال : أما علمتم أنه لا يحل دم امرىء مسلم إلا بأربعة : رجل عمل عمل قوم لوط ، هذا إسناد صحيح ، وفي قول عثمان رضي الله عنه للناس : أما علمتم دليل على اشتهار هذا عندهم كالثلاثة المذكورة معه ، وقال ابن أبي شيبة : ثنا غسان بن مضر عن سعيد بن يزيد عن أبي نضرة قال : سئل ابن عباس ما حد اللوطي ؟ قال : ينظر إلى أعلى بناء في القرية فيرمى منه منكساً ثم يتبع بالحجارة .
وقال عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج . ح ، وقال ابن أبي شيبة : ثنا محمد بن بكر عن ابن جريج قال : أخبرني عبد الله بن عثمان بن حثيم سمع مجاهداً ، وسعيد بن(2/105)
"""""" صفحة رقم 106 """"""
جبير يحدثان عن ابن عباس أنه قال في البكر يوجد على اللوطية : إنه يرجم . وقال ابن أبي شيبة : ثنا وكيع عن ابن أبي ليلى عن القاسم أبي الوليد عن يزيد بن قيس أن علياً رجم لوطياً وقال : ثنا وكيع عن سفيان عن جابر عن مجاهد في اللوطي قال : يرجم أحصن أو لم يحصن ، وقال : ثنا يزيد أنا حماد بن سلمة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم في اللوطي قال : لو كان أحد يرجم مرتين رجم هذا ، وقال : ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن عبيد الله بن عبد الله بن معمر في اللوطي قال : عليه الرجم قتلة قوم لوط . وقال : ثنا عبد الأعلى عن سعيد عن قتادة عن جابر بن زيد قال : حرمة الدبر أعظم من حرمة الفرج قال قتادة : نحن نحمله على الرجم .
فهذه الآثار كلها شواهد لتقوية حديث ابن عباس وكيف يعتمد قول يحيى ، وأبي داود والنسائي في ضعف روايه لو انفرد وقد وثقه رؤوس الأئمة مالك ، والبخاري ، ومسلم الذين هم مقدمون على كل حافظ في عصرهم ومن بعدهم وخرجوا له في الأصول ، وقد قال الذهبي في الموعظة : من أخرج له الشيخان أو أحدهما على قسمين : أحدهما ما احتجا به في الأصول : وثانيهما من خرجا له متابعة وشهادة واعتباراً ، فمن احتجا به أو أحدهما ولم يوثق ولا غمز فهو ثقة حديثه قوي ، ومن احتجا به أو أحدهما وتكلم فيه فتارة يكون الكلام [ تعنتاً والجمهور على توثيقه فهذا حديثه قوي أيضاً ، وتارة يكون الكلام ] في تليينه وحفظه له اعتبار فهذا حديثه لا ينحط عن مرتبة الحسن التي قد يسميها من أدنى درجات الصحيح ، فما في الكتابين بحمد الله رجل احتج به البخاري ، أو مسلم في الأصول ورواياته ضعيفة بل حسنة أو صحيحة ، ومن خرج له البخاري ، أو مسلم في الشواهد والمتابعات ففيهم من في حفظه شيء وفي توثيقه تردد ، فكل من خرج له في الصحيحين فقد قفز القنطرة فلا معدل له إلا ببرهان بين ، نعم الصحيح مراتب والثقات طبقات ، انتهى كلام الذهبي في الموعظة ، وقد ذكر في الميزان أن عمرو بن أبي عمر خرج حديثه في الصحيحين في الأصول فكيف يحكم على حديثه [ هذا ] بالضعف كما تراه في كلام الذهبي هذا وهو لم ينفرد بل له متابعون عن عكرمة ولحديثه شواهد من رواية عدة من الصحابة ، فلهذا صححه من صححه من الحفاظ ولم يلتفتوا إلى تضعيف من ضعف راويه واحتاج الحاكم إلى إيراد شاهد له لأن أقل أحوال عمرو أن يكون حديثه حسناً فيحتاج إلى شاهد يرقيه إلى درجة الصحة والله أعلم .
تنبيه آخر : ذكر الحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الرافعي أن حديث ابن عباس المذكور مختلف في ثبوته فنبه بذلك على فائدة مهمة من اصطلاح الحديث ، وقد أحببت أن أبينها لأن من لا إلمام له بعلم الحديث لا يفهم مراده بذلك ، وربما توهم أن ذلك قدح في الحديث ، كما رأى من لا معرفة له بالفن قول الترمذي في حديث أنا دار الحكمة وعلي بابها في بعض النسخ هذا حديث منكر فظن أنه أراد أنه باطل أو موضوع لعدم علمه بالمصطلح وجهله أن المنكر من أقسام الضعيف الوارد لا من أقسام الباطل الموضوع ، وإنما هذا لفظ اصطلحوا عليه وجعلوه لقباً لنوع محدود من أنواع الضعيف ، كما اصطلح النحاة على(2/106)
"""""" صفحة رقم 107 """"""
جعلهم الموصول مثلاً لقباً لبعض أنواع المعرفة ، وقد وقع للخطيب البغدادي أنه روى في تاريخه حديثاً باطلاً وقال عقبه : هذا حديث منكر ، فتعقبه الذهبي في الميزان وقال : العجب من الخطيب كيف يطلق المنكر على هذا الخبر الباطل وإنما أطلق المنكر على حديث القلتين ووصف في الميزان عدة أحاديث في مسند أحمد ، وسنن أبي داود ، وغيرهما من الكتب المعتمدة بأنها منكرة بل وفي الصحيحين أيضاً ، وما ذاك إلا لمعنى يعرفه الحفاظ وهو أن النكارة ترجع إلى الفردية ولا يلزم من الفردية ضعف متن الحديث فضلاً عن بطلانه ، وطائفة كابن الصلاح ترى أن المنكر والشواذ مترادفان ، وكم في الصحيح من حديث وصف بالشذوذ . كحديث مسلم في نفي قراءة البسملة في الصلاة فإن الإمام الشافعي رضي الله عنه حكم عليه بالشذوذ وليس لك أن تقول قد شرطوا في الصحيح أن لا يكون شاذاً فكيف يستقيم أن يكون مخرجاً في الصحيح ويحكم عليه بالشذوذ لأن هذا أيضاً من عدم معرفتك بالضعف ، فإن ابن الصلاح لما ذكر ضابط الصحيح وشرط أن لا يكون شاذاً قال في آخر الكلام : فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث ، فأشار إلى أن هذا ضابط الصحيح المتفق عليه ، وبقي من الصحيح نوع آخر لم يدخل في هذا الضابط وهو الصحيح المختلف فيه ولهذا قال الزركشي في شرح مختصر ابن الصلاح : خرج الصحيح المختلف فيه عن هذا التعريف ، ثم قال ابن الصلاح بعد هذا فوائد مهمة أحدها الصحيح يتنوع إلى متفق عليه ومختلف فيه ، ويتنوع إلى مشهور وغريب وبين ذلك ، قال الزركشي في شرحه ، والحافظ ابن حجر في نكته عند هذا الموضع : ذكر الحاكم في المدخل أن الصحيح من الحديث ينقسم عشرة أقسام خمسة متفق عليها وخمسة مختلف فيها فالأول من القسم الأول : اختيار البخاري ، ومسلم وهو الدرجة الأولى من الصحيح الذي يرويه الصحابي المشهور الذي له راويان ، والأحاديث المروية بهذا الشرط لا يبلغ عددها عشرة آلاف . الثاني : الصحيح بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى الصحابي وليس له إلا راو واحد . الثالث : أخبار جماعة من التابعين الذين ليس لهم إلا راو واحد . الرابع : هذه الأحاديث الأفراد ، والغرائب التي يرويها الثقات العدول تفرد بها ثقة من الثقات وليس لها طرق مخرجة في الكتب . الخامس : أحاديث جماعة من الأئمة عن آبائهم عن أجدادهم ولم تتواتر الرواية عن آبائهم عن أجدادهم بها إلا عنهم . وأما الأقسام الخمسة المختلف في صحتها : فالأول : المرسل صحيح عند أهل الكوفة . الثاني : رواية المدلسين إذا لم يذكروا سماعهم وهي صحيحة عند جماعة منهم . الثالث : خبر يرويه ثقة من الثقات عن إمام من أئمة المسلمين فيسنده ثم يرويه عنه جماعة من الثقات فيرسلونه . الرابع : رواية محدث صحيح السماع صحيح الكتاب ظاهر العدالة غير أنه لا يعرف ما يحدث به ولا يحفظه فإن هذا القسم صحيح عند أكثر أهل الحديث ومنهم من لا يرى الحجة به . الخامس : روايات المبتدعة وأهل الأهواء فإن رواياتهم عند أهل العلم مقبولة إذا كانوا(2/107)
"""""" صفحة رقم 108 """"""
صادقين ، قال الحاكم : فهذه الأقسام ذكرتها لئلا يتوهم متوهم أنه ليس بصحيح إلا ما أخرجه البخاري ، ومسلم انتهى .
إذا عرفت ذلك فقول الحافظ ابن حجر : وحديث ابن عباس مختلف في ثبوته أراد به بيان أنه من قسم الصحيح المختلف فيه لا من القسم المتفق عليه وقصد بذلك تكملة الفائدة ، فإن طريقته في هذا الكتاب أنه إذا كان الحديث من القسم الأول أطلق ثبوته ، وإذا كان من القسم الثاني نبه عليه . وفي هذا الكتاب الجليل من نفائس الصناعة الحديثية ما لا يعرفه إلا المتبحر في الفن كمؤلفه ، فليحذر المرء من الإقدام على التكلم في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغير علم وليمعن في تحصيل الفن حتى يطول باعه ويرسخ قدمه ، ويتبحر فيه لئلا يدخل في حديث : ( من تكلم بغير علم لعنته ملائكة السماء والأرض ) ولا يغتر بكونه لا يجد من ينكر عليه في الدنيا ، فبعد الموت يأتيه الخبر إما في القبر أو على الصراط ، والنبي صلى الله عليه وسلّم هناك يخاصمه ويقول له : كيف تجازف في حديثي وتتكلم فيما ليس لك به علم ، فأما أن ترد شيئاً قلته وإما تنسب إلي ما لم أقله ، أما قرأت فيما أنزل علي : ) ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ( ؟ فيا خجلته يومئذ ويا فضيحته ، هذا إن مات مسلماً وإلا عوقب والعياذ بالله بسوء الخاتمة كما يقول الخطباء على المنابر في بعض الخطب والذنوب فرب ذنب يعاقب العبد عليه بسوء الخاتمة ، وكما نقل الشيخ محيي الدين القرشي الحنفي في تذكرته عن الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال : أكثر ما يسلب الناس الأيمان عند الموت وأكبر أسباب ذلك الظلم ، وأي ظلم أعظم من الجرأة على الخوض في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم بغير علم ، نسأل الله السلامة والعافية .(2/108)
"""""" صفحة رقم 109 """"""
الفتاوي الأصولية الدينية
مبحث الإلهيات
مسألة : في تعريف الإيمان : وركنه ، وشرطه ، وسببه ، ومحله ، وهل يزيد وينقص ، وما الدليل على ذلك ؟ .
الجواب : الإيمان هو التصديق بكل ما جاء به النبي صلى الله عليه وسلّم وعلم مجيئه به من الدين بالضرورة وشرطه التلفظ بكلمتي الشهادتين وقيل هو ركن له وسببه النظر المؤدي إلى ذلك ، ومحله القلب وهو يزيد وينقص عندنا وعند أكثر السلف ، وخالف في ذلك الحنفية ، والأدلة على زيادته ونقصه كثيرة ذكر البخاري في صدر صحيحه منها جملة ، منها قوله تعالى : ) ويزداد الذين آمنوا إيماناً ( ) وزدناهم هدى ( وفي الحديث : ( الإيمان يزيد وينقص ) أخرجه أحمد في مسنده من حديث معاذ بن جبل مرفوعاً ، والديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة مرفوعاً .
إتمام النعمة في اختصاص الإسلام بهذه الأمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
وبعد : فقد وقع السؤال هل كان الأمم السابقة يوصفون بأنهم مسلمون أو لا ؟ فأجبت بما نصه : اختلف العلماء هل يطلق الإسلام على كل دين حق أو يختص بهذه الملة الشريفة ؟ على قولين : أرجحهما الثاني ، فبلغني بعد ذلك أن منكراً أنكر ذلك وأنه استدل بأشياء على كون الأمم السابقة يوصفون بكونهم مسلمين فعجبت من ذلك عجبين : الأول : من إنكاره فإن كان أنكر أن للعلماء في ذلك قولين فهذا دليل على جهله بنصوص العلماء وأقوالهم ، ومن هذا حاله يقال في حقه ما قاله الغزالي : لو سكت من لا يعرف قل الاختلاف ، ومن قصر باعه وضاق نظره عن كلام علماء الأمة والاطلاع عليه فما له وللتكلم فيما لا يدريه والدخول فيما لا يعنيه ، وحق مثل هذا أن يلزم السكوت ، وإذا سمع شيئاً لم يسمعه قط يعتقد أنه استفاد فائدة جديدة فيعدها نعمة من نعم الله عليه ويدعو لمن أجراها على يديه ويشكر الله عليها ، وإن كان أنكر ترجيح القول الثاني فهذا ليس من وظيفته إنما ذلك من وظيفة المجتهدين العالمين بوجوه الترجيحات ومسالك الأدلة وطرق الحجاج والنظر ، وإنكاره أيضاً دليل على جهله بنصوص الكتاب والسنة الواردة في ذلك . العجب الثاني : من(2/109)
"""""" صفحة رقم 110 """"""
استدلاله فإن الاستدلال إنما يسوغ للمجتهد العالم بطريق الاستدلال أما غيره فما له ، ولذلك قال الغزالي في كتاب التفرقة : [ شرط المقلد ] أن يسكت ويسكت عنه لأنه قاصر عن سلوك طريق الحجاج ، ولو كان أهلاً له كان مستتبعاً لا تابعاً وإماماً لا مأموماً . وإن خاض المقلد في المحاجة فذلك منه فضول والمشتغل به ضارب في حديد بارد وطالب لإصلاح فاسد ، وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر ؟ هذه عبارة الغزالي ، وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام : شرط المفتي أن يكون مجتهداً ، وأما المقلد إذا أفتى فهو ناقل وحامل فقه ليس بمفت ولا فقيه بل هو كمن ينقل فتوى عن إمام من الأئمة ثم أطال القول في ذلك ، والعجب من هذا المنكر استدلاله بآيات من القرآن وليس هو ممن أتقن علم المعاني والبيان الذي لا تعرف بلاغة القرآن وأساليبه إلا به ، وذلك من شروط الاجتهاد والاستنباط ، بل ولا أتقن واحداً من العلوم الخمسة عشر التي لا يجوز لأحد أن يتكلم في القرآن حتى يتقنها ، والعجب من تصديه لذكر أدلة ولو أورد عليه أدلة معارضة لما ذكره لم يدر كيف يصنع فيها ، وقد أردت أن أبسط القول في هذه المسألة بذكر أدلة القول الراجح والأجوبة عما عارضها فأقول : للعلماء في هذه المسألة قولان مشهوران حكاهما غير واحد من الإئمة ، أحدهما : أنه يطلق الإسلام على كل دين حق ولا يختص بهذه الملة وبهذا أجاب ابن الصلاح والقول الثاني : أن الإسلام خاص بهذه الملة الشريفة ووصف المسلمين خاص بهذه الأمة المحمدية ولم يوصف به أحد من الأمم السابقة سوى الأنبياء فقط ، فشرفت هذه الأمة بأن وصفت بالوصف الذي كان يوصف به الأنبياء تشريفاً لها وتكريماً ، وهذا القول هو الراجح نقلاً ودليلاً لما قام عليه من الأدلة الساطعة ، وقد خصت هذه الأمة من بين سائر الأمم بخصائص لم تكن لأحد سواها إلا للأنبياء [ فقط ] من ذلك الوضوء فإنه خصيصة بهذه الأمة ولم يكن أحد من الأمم يتوضأ إلا الأنبياء فقط في أشياء أخر .
أخرج البيهقي في دلائل النبوة عن وهب بن منبه قال : إن الله أوحى إلى داود في الزبور يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد إلى أن قال : أمته أمة مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء ، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم .
وأخرج الغرياني في تفسيره عن كعب قال : أعطيت هذه الأمة ثلاث خصال لم يعطها إلا الأنبياء كان النبي يقال له بلغ ولا حرج وأنت شهيد على قومك وادع أجبك ، وقال لهذه الأمة : ) ما جعل عليكم في الدين من حرج ( وقال : ) لتكونوا شهداء على الناس ( وقال : ) ادعوني أستجب لكم ( وأخرج أبو نعيم ، والبيهقي كلاهما(2/110)
"""""" صفحة رقم 111 """"""
في دلائل النبوة عن كعب قال : في كتاب الله أن لكل نبي يوم القيامة نورين ولكل من اتبعه نور ، ولمحمد صلى الله عليه وسلّم في كل شعرة في رأسه ووجهه نور ، ولكل من اتبعه نوران يمشي بهما كنور الأنبياء ، وخصائص هذه الأمة كثيرة وفيما أوردناه كفاية .
ذكر الأدلة للقول الراجح : الدليل الأول قوله تعالى : ) وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل ( وفي هذا اختلف في ضمير هو هل هو لإبراهيم أو لله ؟ على قولين سيذكران ، وقوله : ) سماكم المسلمين ( لو لم يكن ذلك خاصاً بهم كالذي ذكر قبله لم يكن لتخصيصه بالذكر ولا لاقترانه بما قبله معنى وهذا هو الذي فهمه السلف من الآية أخبرني الشيخ جلال الدين بن الملقن مشافهة عن أبي الفرح العزي أنبأنا يونس بن إبراهيم عن أبي الحسن بن المقير أنا الحافظ أبو الفضل بن ناصر إجازة عن أبي القاسم ابن منده أنا أبي أنا أبو محمد بن أبي حاتم في تفسيره أخبرنا أبو يزيد القراطيسي فيما كتب إلي أنا أصبغ سمعت ابن زيد يقول في قول الله تعالى : ) هو سماكم المسلمين من قبل ( قال : لم يذكر الله بالإسلام غير هذه الأمة ولم نسمع بأمة ذكرت بالإسلام غيرها هذا إسناد صحيح إلى ابن زيد وهو أحد أئمة السلف في التفسير وطبقته في اتباع التابعين ، وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طريق عطاء عن ابن عباس في قوله : ) هو سماكم المسلمين من قبل ( قال الله عز وجل : ) سماكم المسلمين ( وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله : ) هو سماكم المسلمين ( قال الله عز وجل : ) سماكم من قبل ( قال : يعني من قبل الكتب كلها ومن قبل الذكر في هذا قال القرآن . وأخرج عبد الرزاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : ) هو سماكم المسلمين ( قال الله تعالى : سماكم المسلمين من قبل في الكتب وفي هذا أي في كتابكم . وأخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر عن سفيان بن عيينة في قوله : ) هو سماكم المسلمين من قبل ( قال : في التوراة ، والإنجيل وفي هذا قال القرآن ، وذكر ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله : ) هو سماكم المسلمين من قبل ( قال : يعني في الذكر في أُمِّ الكتاب ، وفي هذا قال في القرآن ، فهذا نصوص أئمة السلف المفسرين من الصحابة ، والتابعين ، وأتباعهم أن الله سمى هذه الأمة المسلمين في أم الكتاب وهو اللوح المحفوظ ، وفي التوراة ، والإنجيل ، وسائر كتبه المنزلة في القرآن فإنه اختصهم بهذا الاسم من بين سائر الأمم ، وسيأتي الاثر عن بعض كتب الله في تسمية هذه الأمة بهذا الاسم ، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله : ) هو سماكم المسلمين ( قال : هو إبراهيم ألا ترى إلى قوله : ) ربنا واجعلنا مسلمة لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( .
الدليل الثاني : قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ) ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( دعا بذلك لنفسه ولولده وهما نبيان ثم دعا به لأمته من ذريته وهي هذه الأمة ولهذا قال عقب ذلك : ) ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم ( وهو(2/111)
"""""" صفحة رقم 112 """"""
النبي صلى الله عليه وسلّم بالإجماع ، فأجاب الله دعاءه بالأمرين ببعث النبي صلى الله عليه وسلّم فيهم وتسميتهم مسلمين ولهذا أشار تعالى إلى أن إبراهيم هو السبب في ذلك بقوله : ) ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين ( كما تقدم عن ابن زيد ، أخرج ابن أبي حاتم عن سلام بن أبي حاتم عن سلام بن أبي مطيع في قوله : ) ربنا واجعلنا مسلمين لك ( قال : كانا مسلمين ولكن سألاه الثبات ، وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في قوله : ) ومن ذريتنا أمة مسلمة لك ( قال : يعنيان العرب ، وفي قوله : ) ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم ( قال : هو محمد صلى الله عليه وسلّم ، وأخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم عن أبي العالية في قوله : ) ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم ( قال : يعني أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فقيل له قد استجيب لك هو كائن في آخر الزمان .
الدليل الثالث : قوله تعالى : ) ورضيت لكم الإسلام دينا ( هو ظاهر في الاختصاص بهم . فإن قلت : لا بلزم . قلت : ذاك لجهلك بقواعد المعاني فإن تقديم لكم يستلزمه ويفيد أنه لم يرضه لغيرهم كما قال صاحب الكشاف في قوله تعالى : ) وبالآخرة هم يوقنون ( أن تقديم هم تعريض بأهل الكتاب وأنهم لا يوقنون بالآخرة ، وكما قال الأصفهاني في قوله : ) وما هم بخارجين من النار ( أن تقديم هم يفيد أن غيرهم يخرج منها وهم الموحدون .
الدليل الرابع : قوله تعالى : ) إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ( وبهذه الآية استدل من قال : إن الإسلام كان من وصف الأنبياء دون أُممهم أخرج ابن المنذر عن عكرمة ، وابن جريج في قوله : ) يحكم بها النبيون ( الآية قال : يحكم بها محمد صلى الله عليه وسلّم ومن قبله من الأنبياء والربانيون ، والأحبار كلهم يحكم بما فيها من الحق ليهود .
الدليل الخامس : ما أخرجه إسحاق بن راهويه في مسنده ، وابن أبي شيبة في مصنفه عن مكحول قال : كان لعمر على رجل حق فأتاه يطلبه فقال عمر : لا والذي اصطفى محمداً على البشر لا أفارقك ، فقال اليهود : والله ما اصطفى الله محمداً على البشر فلطمه عمر فأتى اليهودي النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبره فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( بل يا يهودي آدم صفي الله وإبراهيم خليل الله وموسى نجي الله وعيسى روح الله وأنا حبيب الله ، بل يا يهودي تسمى الله باسمين سمى الله بهما أمتي هو السلام وسمى بها أمتي المسلمين ، وهو المؤمن وسمى بها أمتي المؤمنين ، بل يا يهودي طلبتم يوم ذخر لنا لنا اليوم ولكم غد وبعد غد للنصارى ، بل يا يهودي أنتم الأولون ونحن الآخرون السابقون يوم القيامة ، بل إن الجنة محرمة على الأنبياء حتى أدخلها ، وهي محرمة على الأمم حتى تدخلها أمتي ) . هذا الحديث صريح في اختصاص أمته بوصف الإسلام كما أن جميع ما فيه خصائص لها ، ولو كانت الأمم مشاركة لها في ذلك لم يحسن إيراده في معرض التفضيل إذا كان اليهودي يقول ونحن أيضاً كذلك وسائر الأمم .
الدليل السادس : ما أخرجه البخاري في تاريخه ، والنسائي في سننه ، وابن مردويه في تفسيره عند قوله : ) هو سماكم المسلمين ( عن الحارث الأشعري عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال :(2/112)
"""""" صفحة رقم 113 """"""
( من دعا بدعوى الجاهلية فإنه من جثاء جهنم قال رجل : يا رسول الله وإن صام وصلى ؟ قال : نعم فادعوا بدعوة الله النبي سماكم بها المسلمين والمؤمنين عباد الله ) .
الدليل السابع : ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن قتادة قال : ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلّم كان يقول لما أنزلت هذه الآية : ) يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ( نحن نحكم على اليهود وعلى من سواهم من أهل الأديان ، هذا صريح في أنه صلى الله عليه وسلّم فهم اختصاص الإسلام بدينه .
الدليل الثامن : ما أخرجه ابن جرير عند قوله : ) ورضيت لكم الإسلام دينا ( عن قتادة قال : ذكر لنا أنه يمثل لأهل كل دين دينهم يوم القيامة ، فأما الإيمان فيبشر أصحابه وأهله ويعدهم الخير حتى يجيء الإسلام فيقول رب أنت السلام وأنا الإسلام هذا موقوف له حكم الرفع لأن مثله لا يقال من قبل الرأي وهو صريح في أن الإسلام يختص بهذا الدين ولا يطلق على كل دين حق كما ترى حيث فرق بينه وبين الإيمان المتعلق بأهل الأديان ، ولهذا أورده ابن جرير عند هذه الآية الدالة على اختصاصه بهذه الأمة ، وفيه تقوية للحديث السابق هو السلام وسمى أمتي المسلمين .
الدليل التاسع : ما أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة عن وهب بن منبه قال : أوحى الله إلى شعيا أني باعث نبياً أمياً مولده بمكة ومهاجره طيبة عبدي المتوكل المصطفى إلى أن قال : والإسلام ملته وأحمد اسمه فهذا صريح في اختصاص الإسلام بملته وهذا الأثر أورده صاحب الشفا في كتابه ، والعجب ممن قرأه وسمعه ولم يتفطن له ، وقد أخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال : بعث محمد صلى الله عليه وسلّم بالإسلام وهو ملة إبراهيم ، وملة اليهود والنصارى اليهودية والنصرانية .
الدليل العاشر : ما أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يقول في قوله : ) ما جعل عليكم في الدين من حرج ( هو توسعة الإسلام ما جعل الله من التوبة ومن الكفارات ، وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه قيل له : أما علينا في الدين من حرج في أن نسرق أو نزني ؟ قال : بلى قيل : ) فما جعل عليكم في الدين من حرج ( قال : الإصر الذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم ، هذا صريح في أن الإسلام هو هذه الشريعة السهلة الواسعة بخلاف [ دين ] اليهودية والنصرانية المشتمل على الإصر والضيق فإنه لا يسمى إسلاماً .
الدليل الحادي عشر : ما أخرجه أحمد عن أبي أمامة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( بعثت بالحنيفية السمحة ) وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس ( قال : قيل يا رسول الله أي الأديان أحب إلى الله ؟ قال : الحنيفية السمحة ) والحنيفية هي الإسلام لما أخرج ابن المنذر عن السدي قال : الحنيف المسلم ، وأخرج أبو الشيخ بن حيان في تفسيره في آخر سورة الأنعام عن عبد الرحمن بن أبزى أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( أصبحت على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص وعلى ملة إبراهيم حنيفاً مسلماً وما كان من المشركين ) فقوله : حنيفاً مسلماً تفسير لقوله :(2/113)
"""""" صفحة رقم 114 """"""
وعلى ملة إبراهيم فعلم بمجموع ذلك اختصاص الإسلام بملة النبي صلى الله عليه وسلّم التي بعث بها موافقاً لملة إبراهيم .
الدليل الثاني عشر : قوله تعالى : ) ما كان إبراهيم يهودياً ولا نصرانياً ولكن كان حنيفاً مسلماً ( هذه الآية دالة على أن شريعة موسى تسمى اليهودية . وشريعة عيسى تسمى النصرانية . وشريعة إبراهيم تسمى الحنيفية وبها بعث النبي صلى الله عليه وسلّم ، وهي صريحة في أن اليهود والنصارى لم يدعوا قط أن شريعتهم تسمى الإسلام ولا أن أحداً منهم يسمى مسلماً .
الدليل الثالث عشر : قوله تعالى : ) وقالوا كونوا هوداً أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنفياً مسلماً ( هذه الآية كالتي قبلها في الدلالة على ما ذكرنا والصراحة في أنهم لم يدعوا اسم الإسلام لهم قط .
الدليل الرابع عشر : قوله تعالى : ) يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون ( أخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن قتادة قال : ذكر لنا أن النبي صلى الله عليه وسلّم دعا يهود أهل المدينة وهم الذين حاجوا في إبراهيم وزعموا أنه مات يهودياً فأكذبهم الله فقال : ) يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم ( وتزعمون أنه كان يهودياً أو نصرانياً وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده فكانت اليهودية بعد التوراة وكانت النصرانية بعد الإنجيل .
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : قالت النصارى كان إبراهيم نصرانياً . وقالت اليهود كان يهودياً ، فأخبرهم الله أن التوراة والإنجيل إنما أنزلتا من بعده ، وبعد كانت اليهودية والنصرانية ، هذا صريح في أن شريعة التوراة تسمى يهودية ، وشريعة الإنجيل تسمى نصرانية ، ولا يسمى واحد منهما إسلاماً .
الدليل الخامس عشر : قوله تعالى : ) وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا ( هذه الآية دالة على أن الإسلام خاص بهذا الدين وإلا لكان أهل الكتاب يقولون إذا قيل لهم أأسلمتم نحن مسلمون وديننا إسلام .
الدليل السادس عشر : ما أخرجه الشيخان في حديث بدء الوحي من قول الراوي في حق ورقة وكان امرءاً تنصر في الجاهلية فلو كان الدين الحق من ملة عيسى يسمى إسلاماً وصاحبه مسلم لقال وكان امرءاً اسلم في الجاهلية .
الدليل السابع عشر : ما أخرجه ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ ابن حيان عن عبد الله ابن مسعود قال : تسمت اليهود باليهودية بكلمة قالها موسى إنا هدنا إليك وتسمت النصارى بالنصرانية بكلمة قالها عيسى : من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فتسموا بالنصرانية . هذا صريح في أنهم سموا بهذين الإسمين من عهد نبيهما ولم يسموا بالمسلمين قط ولا نقل ذلك عن أحد ولا عنهم ، فكيف يدعي لهم وصف شريف لم يدعوه هم لأنفسهم .(2/114)
"""""" صفحة رقم 115 """"""
الدليل الثامن عشر : ما أخرجه أبو داود ، والنسائي ، وابن حبان في صحيحه ، وغيرهم عن ابن عباس قال : كانت المرأة من الأنصار تكون مقلاة لا يكاد يعيش لها ولد فكانت تجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما جاء الإسلام الحديث . هذا صريح في أن دين موسى الحق كان يسمى يهودية لا إسلاماً .
الدليل التاسع عشر : ما أخرجه مسلم ، وغيره عن أبي موسى الأشعري أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت إلا كان من أصحاب النار ) سمى صلى الله عليه وسلّم الواحد من أهل الكتاب يهودياً أو نصرانياً ولم يطلق على أحد منهم لفظ الإسلام في أحاديث كثيرة لا تحصى .
الدليل العشرون : إطباق ألسنة الخلق كلهم من الصحابة ، والتابعين ، وأتباعهم ، والمجتهدين ، والفقهاء ، والعلماء على اختلاف فنونهم ، والمسلمين بأسرهم حتى النساء في قعر بيوتهن ، والأطفال ، واليهود ، والنصارى ، والمجوس ، وسائر الفرق حتى الحيوانات ، والحجر ، [ والشجر ] في آخر الزمان على تسمية من كان على دين موسى يهودياً ؛ ومن كان على دين عيسى نصرانياً . ومن كان على دين نبينا صلى الله عليه وسلّم مسلماً لا يمتري في ذلك كبير ، ولا صغير ، ولا عالم ، ولا جاهل ، ولا مسلم ، ولا كافر ، فترى هذا الإطباق ناشىء عن لا شيء ومبني على فساد ، كلا بل هو الحق المطابق للواقع والله الهادي للصواب .
ذكر الأدلة التي احتج بها للقول الآخر : استند إلى قوله تعالى : ) فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ( والجواب عن ذلك ما حققه صاحب القول الراجح أن هذا الوصف كان يطلق فيما تقدم على الأنبياء والبيت المذكور بيت لوط عليه السلام ولم يكن فيه مسلم إلا هو وبناته وهو نبي ، فصح إطلاقه عليه بالأصالة ، وأطلق على بناته إما على سبيل التغليب وإما على سبيل التبعية ، إذا لا مانع من أن يختص أولاد الأنبياء بخصائص لا يشاركهم فيها بقية الأمة ، كما اختص السيد إبراهيم ابن نبينا صلى الله عليه وسلّم بأنه لو كان عاش لكان نبياً ، وكما اختصت فاطمة بأنه لا يتزوج عليها ، وكما اختصت أيضاً بأنها تمكث في المسجد مع الحيض والجنابة ، وكذلك أزواج النبي صلى الله عليه وسلّم اختصوا بذلك ، وكذلك علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين اختصوا بجواز المكث في المسجد مع الجنابة ، كل ذلك على سبيل التبعية للنبي صلى الله عليه وسلّم ، فكذلك لا مانع من أن يوصف أولاد الأنبياء بما وصف به آباؤهم تبعاً لهم ، وكذلك قوله تعالى عن أولاد يعقوب عليه السلام : ) قالوا نعبد إلهك ( إلى قوله : ) ونحن له مسلمون ( إما على سبيل التبعية له إن لم يكونوا أنبياء مع أن فيهم يوسف وهو نبي قطعاً فلعله هو الذي تولى الجواب فأخبر عن نفسه بالأصالة وأدرج إخوته معه على سبيل التغليب وإن كانوا أنبياء كلهم فلا إشكال ، وكذلك قوله تعالى : ) وقال موسى يا قوم إن كنتم آمنتم بالله فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين ( إما أن يحمل على التغليب فإنه خاطبهم وفيهم أخوه هرون ، ويوشع وهما نبيان فأدرج بقية القوم في الوصف تغليباً ، أو يحمل على أن المراد إن كنتم منقادين لي(2/115)
"""""" صفحة رقم 116 """"""
فيما آمركم به ، وهذه الآيات أوردت عليّ مرة في درس التفسير فأجبت فيها بذلك ولم أرَ أحداً استند إليها ، نعم رأيت ابن الصلاح استند إلى قوله تعالى : ) فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون ( وهذا من قول إبراهيم لبنيه ، ويعقوب لبنيه ، وفي بني كل أنبياء فلا يحسن الاستدلال به على غيرهم مع أنه لا يلزم منه طرده في أمة موسى ، وعيسى لما علم من أن ملة إبراهيم تسمى الإسلام وبها بعث النبي صلى الله عليه وسلّم وكان أولاد إبراهيم ، ويعقوب عليها فصح أن يخاطبون بذلك ولا يتعدى إلى من ملته اليهودية والنصرانية ، وقد رأيت من أورد على ابن الصلاح في اختياره ذلك قوله تعالى : ) ورضيت لكم الإسلام ديناً ( وقال : فما فائدة ذلك إذا كان كل منهم يسمى مسلماً ، والتحقيق الذي قامت عليه الأدلة ما رجحناه من الخصوصية بالنسبة إلى الأمم وإن كان ما ورد من إطلاق ذلك فيمن تقدم فإنما أطلق على نبي أو ولد نبي تبعاً له أو جماعة فيهم نبي غلب لشرفه ، ومن ذلك قوله تعالى : ) وإذ أوحيت إلى الحواريين أن آمنوا بي وبرسولي قالوا آمنا واشهد بأننا مسلمون ( فإن الحواريين [ أنبياء منهم ] فيهم الثلاثة المذكورون في قوله تعالى : ) إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون ( نص العلماء على أنهم من حواري عيسى وأحد قولي العلماء أن الثلاثة أنبياء ويرشحه ذكر الوحي إليهم ، وقال الراغب في قوله : ) يحكم بها النبيون الذين أسلموا ( أي الذين انقادوا من الأنبياء الذين ليسوا من أولي العزم لأولي العزم الذين يهدون بأمر الله ويأتون بالشرائع انتهى .
فصل : قال قائل من الأدلة على ذلك قوله تعالى : ) شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً ( الآية ، وهذا من أعجب العجب ، فإن المراد من الآية استواء الشرائع كلها في أصل التوحيد ، وليس الإسلام اسماً للتوحيد فقط بل لمجموع الشريعة بفروعها وأعمالها ، فالمستدل بهذه الآية إما أن يزعم أن الإسلام لا يطلق على الأعمال ، أو يزعم استواء الشرائع في الفروع وكلاهما جهل من قائله ، ثم لو قدر الاستواء لم يصح الاستدلال لأن محل النزاع في أمر لفظي وهو أنه هل تسمى تلك الشرائع إسلاماً أو لا تسمى ؟ مع قطع النظر عن اتفاقها في الفروع واختلافها ، وذلك راجع إلى قاعدة أن الإطلاق متوقف على الورود ، والذي ورد به الحديث والأثر أنه لا يطلق على شيء من الشرائع السابقة إسلاماً وإن كان حقاً ، كما أنه لا يطلق على شيء من الكتب السابقة قرآن وإن كان فيها معنى الضم والجمع ، وكما أنه لا يطلق على شيء من أواخر آي القرآن سجع بل فواصل وقوفاً مع ما ورد ، وكما قال النووي : أنه لا يقال في حق النبي صلى الله عليه وسلّم عز وجل وإن كان عزيزاً جليلاً ، ولا في حق غير الأنبياء صلى الله عليه وسلّم وإن كانت الصلاة بمعنى الرحمة وتطلق عليهم الرحمة كل ذلك وقوفاً مع الورود ، وقد تقدم عن ابن زيد أنه قال : لم يذكر الله بالإسلام غير هذه الأمة وابن زيد أحد أئمة السلف العالمين بالقرآن والتفسير أفتراه غفل عن هذه الآيات التي استدل بها قائل هذه المقالة ؟ كلا لم يغفل عنها بل علم تأويلها واطلع على مدرك الجواب عنها فنفى وهو آمن من إيرادها(2/116)
"""""" صفحة رقم 117 """"""
عليه ، وأعظم من ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلّم أعلم خلق الله بكتاب الله حيث نص على اختصاص الإسلام بأمته وذكر ذلك لليهودي مبيناً به تمييز أمته على سائر الإمم ، فلولا أنه صلى الله عليه وسلّم فهم ذلك من الآيات الدالة عليه وعلم أن الآي الأخر لا تعارضها لم يقل ذلك ، ولو كان يطلق على الأمم السابقة مسلمون لكان اليهودي يقول له وأمة موسى أيضاً مسلمون فلا مزية لأمتك عليهم ، ومن العجب من يستدل بآيات القرآن وهو غير متضلع من الحديث ، ومن المعلوم أن في القرآن المجمل والمبهم والمحتمل وكل من الثلاثة محتاج إلى السنة تبينه وتعينه وتوضح المراد منه ، وقد قال عمر بن الخطاب : إنه سيأتي قوم يجادلونكم بشبهات القرآن فخذوهم بالسنن فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله . وأخرج ابن سعد عن ابن عباس أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج فقال : اذهب إليهم فخاصمهم ولا تحاججهم بالقرآن فإنه ذو وجوه ولكن خاصمهم بالسنة ، فقال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين أنا أعلم بكتاب الله منهم في بيوتنا نزل قال : صدقت ولكن القرآن جمال ذو وجوه تقول ويقولون ، ولكن حاججهم بالسنن فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً ، فخرج إليهم فحاجهم بالسنن فلم تبق بأيديهم حجة . وقال يحيى بن أبي كثير : السنة قاضية على القرآن أي مبينة له ومفسرة . وقال الإمام فخر الدين : أنزل القرآن على قسمين محكم ومتشابه ليكون فيه مجال لكل ذي مذهب فينظر فيه جميع أرباب المذاهب طمعاً أن يجد كل فيه ما يؤيد مذهبه وينصر مقالته فيجتهدون في التأمل فيه ، فإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات ، وبهذا الطريق يتخلص المبطل من باطله ويصل إلى الحق ، ولو كان القرآن كله محكماً لما كان مطابقاً إلا لمذهب واحد وكان بصريحه مبطلاً لكل ما سوى ذلك المذهب ، وذلك مما ينفر أرباب سائر المذاهب عن قبوله وعن النظر فيه ، قال : وأيضاً إذا كان القرآن مشتملاً على المتشابه افتقر إلى العلم بطريق التأويلات وترجيح بعضها على بعض ، وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة ، والنحو ، والمعاني ، والبيان ، وأصول الفقه ، وغير ذلك ، وفي ذلك مزيد مشقة في الوصول إلى المراد منه ، وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب ، ولو لم يكن الأمر كذلك لم يحتج إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة ، فلم يكن فيه مشقة توجب مزيد الثواب وكان يستوي في إدراك الحق منه الخواص والعوام هذا كلام الإمام فخر الدين .
قلت : فإذا كان كذلك فكيف يحل لمن لم يتيقن واحداً من العلوم المشترطة التكلم في القرآن وعدتها خمسة عشر أن يتجرأ على الاستدلال بآيات القرآن على حكم من الأحكام أو على أمر من الأمور جاهلاً بطريق الاستدلال عاجزاً عن تحصيل شروطه ؟ ومثل هذا هو الذي ورد فيه الحديث : ( من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار ) وفي رواية : ( فقد كفر ) والعجب أنه يعمد إلى الاستدلال بآيات مع قطع النظر عن معارضها وعن النظر فيها هل هي مصروفة عن ظاهرها أو لا ؟ وقد أوجب أهل الأصول على المجتهد المستدل بآية أو حديث أن يبحث عن المعارض وجوابه وعن الذي استدل به هل معه قرينة تصرفه(2/117)
"""""" صفحة رقم 118 """"""
عن ظاهره ؟ وهذا نطح مع الناطحين من غير تأمل ولا مراعاة لشرط من الشروط ، فلو استحيا هذا الرجل من الله لوقف عند مرتبته وهي التقليد وترك الاستدلال لأهله ، قال الله تعالى : ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( وأولو الأمر هم المجتهدون كما قال ابن عباس ، وجابر بن عبد الله ، ومجاهد ، وأبو العالية ، والضحاك ، وغيرهم : أولو الأمر هم أولو الفقه وأولو الخبر ، ولفظ مجاهد : هم الفقهاء والعلماء ، وأخرج ابن جرير عن أبي العالية في قوله تعالى : ) أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ( قال : هم أهل العلم ألا ترى أنه يقول : ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( ومعلوم أن لفظ الفقهاء والعلماء إنما يطلق على المجتهدين ، وأما المقلد فلا يسمى فقيهاً ولا عالماً كما نص عليه أهل الفقه والأصول ، وامتناع إطلاق الفقيه والعالم على المقلد كامتناع إطلاق لفظ المسلم على اليهودي والنصراني خصوصية من الله لا يسأل عما يفعل وهم يسألون .
فصل : ثم ظهر لي دليل ( حاد وعشرون ) وهو ما أخرجه أحمد وغيره عن عبد الله بن ثابت قال : ( جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله إني مررت بأخ لي من قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك ؟ فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال عمر : رضينا بالله رباً وبالإسلام ديناً وبمحمد رسولاً ، فسرى عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال : والذي نفس محمد بيده لو أصبح فيكم موسى ثم اتبعتموه لضللتم إنكم حظي من الأم وأنا حظكم من النبيين ) هذا الحديث يدل على أن شريعة التوراة لا تسمى إسلاماً ، لأن عمر لما رأى غضب النبي صلى الله عليه وسلّم من كتابته جوامع من التوراة بادر إلى قوله رضينا بالإسلام ديناً ليبرىء نفسه من الرضا بشريعة التوراة واتباعها ، فلما قال ذلك سري عن النبي صلى الله عليه وسلّم لحصول المقصود من عمر وهو اقتصاره على شريعة الإسلام وإعراضه عن شريعة التوراة .
دليل ثان وعشرون : وهو قوله صلى الله عليه وسلّم لجبريل وقد سأله ما الإسلام ؟ فقال : ( الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان وتحج البيت ) زاد في رواية : ( وتغتسل من الجنابة ) وهذا صريح في أن الإسلام مجموع هذه الأعمال وهذا المجموع مخصوص بهذه الأمة ، فإن اللام في الصلاة المكتوبة للعهد وهي الخمس ولم تكتب الخمس إلا على هذه الأمة وصوم رمضان من خصائص هذه الأمة كما أخرجه ابن جرير عن عطاء ، والحج ، والغسل من الجنابة من خصائصها أيضاً كما تقدم في أثر وهب ، فدل على أن من لم يعمل هذه الأعمال لا يسمى مسلماً ، والأمم السابقة لم تعملها فلا يسمون مسلمين .
تحقيق : فإن قلت : ما تحرير المعنى في التخصيص بالتسمية ؟ قلت : فيه معان ، أحدها : أن الإسلام اسم للشريعة السمحة السهلة كما قال صلى الله عليه وسلّم : ( بعثت بالحنيفية السمحة ) [ وقال : ( أحب الأديان إلى الله الحنيفية السمحة ] وقال ابن عباس في قوله تعالى : ) ما جعل عليكم في الدين من حرج ( توسعة الإسلام ووضع الاصر الذي كان على بني إسرائيل ،(2/118)
"""""" صفحة رقم 119 """"""
وشريعة اليهود والنصارى لا سهولة فيها بل هي في غاية المشقة والثقل كما هو معلوم من قوله تعالى : ) ربنا ولا تحمل علينا إصراً كما حملته على الذين من قبلنا ( وغير ذلك فلذلك لا تسمى إسلاماً .
المعنى الثاني : أن الإسلام اسم للشريعة المشتملة على فواضل العبادات من الجهاد والحج والوضوء والغسل من الجنابة ونحو ذلك ، وذلك خاص بهذه الأمة لم يكتب على غيرها من الأمم ، وإنما كتب على الأنبياء فقط كما تقدم في أثر وهب : ( أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل ) فلذلك سميت هذه الأمة مسلمين كما سمى بذلك الأنبياء والرسل ولم يسم غيرها من الأمم ، ويؤيد هذا المعنى ما وأخرجه أبو يعلى من حديث علي مرفوعاً : ( الإسلام ثمانية أسهم شهادة أن لا إله إلا الله والصلاة والزكاة والحج والجهاد وصوم رمضان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) وما أخرجه ابن جرير في تفسيره ، والحاكم في المستدرك عن ابن عباس قال : ما ابتلي أحد بهذا الدين فقام به كله إلا إبراهيم قال تعالى : ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن ( قيل ما الكلمات ؟ قال : الإسلام ثلاثون سهماً عشر في قوله : ) التائبون العابدون ( إلى آخر الآية . وعشر في أول سورة ) قد أفلح ( و ) سأل سائل ( وعشر في الأحزاب : ) إن المسلمين والمسلمات ( إلى آخر الآية فأتمهن كلهن فكتب له براءة ، قال تعالى : ) وإبراهيم الذي وفى ( وأخرج الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس قال : سهام الإسلام ثلاثون سهماً لم يتمها أحد إلا إبراهيم ، ومحمد عليهما السلام ، فعرف بذلك أن الإسلام اسم لمجموع هذه السهام ، ولم تشرع كلها إلا في هذه الملة وملة إبراهيم ، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلّم في غير ما آية من القرآن باتباع ملة إبراهيم وهي الحنيفية .
المعنى الثالث : أن الإسلام مدار معناه على الانقياد والإذعان ولم تذعن أمة لنبيها كما أذعنت هذه الأمة فلذلك سموا مسلمين ، وكانت الأنبياء تذعن للرسل الذين يأتون بالشرئع كما تقدم في عبارة الراغب فسموا مسلمين ، وكانت الأمم كثيرة الاستعصاء على أنبيائهم كما دلت على ذلك الأحاديث والآثار ، منها حديث : ( إنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم ) وقد قال المقداد يوم بدر : لا نقول كما قال بنو إسرائيل لموسى : ) اذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون ( ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكم مقاتلون ، والله لو سرت بنا إلى برك الغماد لاتبعناك . وفي لفظ : لو خضت بنا البحر لخضناه معك . فلذلك اختصت هذه الأمة بأن سموا مسلمين من بين سائر الأمم . وكلما وقع في عبارة السلف من قولهم الإسلام دين الأنبياء ونحوه فمرادهم به دين الأنبياء وحدهم دون أممهم لما تقدم تقريره على حد قوله صلى الله عليه وسلّم : ( هذا وضوئي ووضوء الأنبياء من قبلي ) .
فصل : لما فرغت من تأليف هذه الكراسة واضطجعت على الفراش للنوم ورد علي قوله(2/119)
"""""" صفحة رقم 120 """"""
تعالى : ) الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون وإذا يتلى عليهم قالوا آمنا به إنه الحق من ربنا إنا كنا من قبله مسلمين ( فكأنما ألقى عليّ جبل ، فإن هذه الآية ظاهرها الدلالة للقول بعدم الخصوصية ، وقد أفكرت فيها ساعة ولم يتجه لي شيء ، فلجأت إلى الله تعالى ورجوت أن يفتح بالجواب عنها ، فلما استيقظت وقت السحر إذا بالجواب قد فتح فظهر لي شيء ثلاثة أجوبة : الأول إن الوصف في قوله : ) مسلمين ( إسم فاعل مراد به الاستقبال كما هو حقيقة فيه لا الحال ولا الماضي الذي هو مجاز ، والتمسك بالحقيقة هو الأصل ، وتقدير الآية إنا كنا من قبل مجيئة عازمين على الإسلام به إذا جاء لما كنا نجده في كتبنا من نعته ووصفه ، ونظيره قوله تعالى : ) إنك ميت وإنهم ميتون ( فالوصفان مراد بهما الاستقبال أي ستموت وسيموتون ، وليس المراد بهما الحال قطعاً كما هو ظاهر ، فكذلك المراد في الآية إنا كنا من قبله ناوين أن سنسلم إذا جاء ، ويرشح هذا الجواب أن السياق يرشد إلى أن قصدهم الإخبار بحقيقة القرآن وأنهم كانوا على قصد الإسلام به إذا جاء به النبي صلى الله عليه وسلّم لما كان عندهم من صفاته وظهر لهم من دنو زمانه واقتراب بعثته ، وليس قصدهم الثناء على أنفسهم في حد ذاتهم بأنهم كانوا بصفة الإسلام أولا فإن ذلك ينبو عنه المقام كما لا يخفى .
الجواب الثاني : أن يقدر في الآية أنا كنا من قبله به مسلمين فوصف الإسلام سببه القرآن لا التوراة والإنجيل ، ويرشح ذلك ذكر الصلة في الآية الأولى حيث قال : ) هم به يؤمنون ( فدل على أن الصلة مرادة في الثانية أيضاً وإنما حذفت كراهة لتكرارها في الآية [ مرتين حيث ذكرت في قوله : ) قالوا آمنا به ( وكره إعادتها مرة أخرى في الآية ] وحذفت إزالة لتعلق التكرار .
الجواب الثالث : إن هذا الوصف منهم بناء على [ ما هو ] مذهب الأشعري من أن من كتب الله أنه يموت مؤمناً فهو يسمى عند الله مؤمناً ولو في حالة كفر سبقت وكذا بالعكس والعياذ بالله ، وإنما لم يطلق عليه هذا الوصف عندنا لعدم علمنا بالخواتم والمستقبلات ، فكذلك هؤلاء لما ختم لهم بالدخول في الإسلام وصفوا أنفسهم به من أول أمرهم لأن العبرة في هذا الوصف بالخاتمة ، وإذا كان الكافر المشرك يوصف في حال شركه بأنه مؤمن عند الأشعري لما قدر له من الإيمان عند الخاتمة فلأن يوصف بالإسلام [ من كان على دين حق لما قدر له من الدخول في الإسلام ] عند الخاتمة من باب أولى ، وهذا معنى دقيق استفدناه في هذه الآية من قواعد علم الكلام ، وبهذا يعرف أن من لم يتقن العلوم كلها ويطلع على مذاهب علماء الأمة ومداركها وقواعدها لم يمكنه استدلال ولا استنباط وهذا أمر ليس بالهين :
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
فصل : حيث ذكر الله هذه الأمة في القرآن ذكرها بالإسلام أو الإيمان خطاباً وغيبة كقوله : ) هو سماكم المسلمين ( ) يا أيها الذين آمنوا ( ) أيها المؤمنون ( وحيث ذكر الأمم السابقة لم يصفهم قط بإسلام لا إن ذمهم ولا إن(2/120)
"""""" صفحة رقم 121 """"""
مدحهم بل [ قال ] : ) إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين ( وقال : ) قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم ( وقال : ) يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا ( وقال : ) لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهباناً ( الآيات ، فهذه الآية ذكرت مدحاً لمؤمني النصارى ولم يسمهم مسلمين بل قال : ) الذين قالوا إنا نصارى ( وقال في غير آية عند مدح المؤمنين منهم ومن اليهود : ) الذين آتيناهم الكتاب ( ) وإن من أهل الكتاب ( فأكثر ما أطلق عليهم عند المدح وصفهم بأنهم أوتوا الكتاب ومن أهل الكتاب هذا في كتابنا ، وأما كتبهم فوصف فيها هذه الأمة بالإسلام كما قال : ) هو سماكم المسلمين من قبل ( 1 قال سفيان بن عيينة : أي في التوراة ، والإنجيل ولم يصفهم فيها بإسلام البتة ، أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن خيثمة قال : ما تقرؤون في القرآن يا أيها الذين آمنوا فإنه في التوراة يا أيها المساكين .
فصل : رأيت في كلام الإمام أبي عبد الله بن أبي الفضل المرسي ما يشهد لما قدمته فقال في تفسيره عند قوله تعالى : ) يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم ( ا 1 ما نصه : لما قال الفريقان إن إبراهيم على دينهما ردّ عليهما وأخبر أنه على الإسلام قال : فإن قيل : كيف يكون على الإسلام وهو أيضاً نازل بعده ؟ قيل : القرآن أخبر بذلك وما أخبرت كتبهم بما ادعوا .
فإن قيل : إن أريد بكون إبراهيم مسلماً كونه موافقاً لهم في الأصول فهو أيضاً موافق لليهود والنصارى الذين كانوا على ما جاء به موسى وعيسى في الأصول فإن جميع الأنبياء متوافقون في الأصول ، وإن أريد به في الفروع فيكون النبي صلى الله عليه وسلّم مقرراً لا شارعاً ، وأيضاً فإن التقيد بالقرآن ما جاء موجوداً في زمان إبراهيم فتلاوته مشروعة في صلاتنا وغير مشروعة في صلاتهم .
قيل : أريد الفروع ويكون النبي صلى الله عليه وسلّم شارعاً لا مقرراً لأن الله نسخ شريعة إبراهيم بشريعة موسى وعيسى ثم نسخ محمد صلى الله عليه وسلّم شريعتهم فكان صاحب شريعة لذلك ، ثم موافقاً في الأكثر ، وإن خالفه في الأقل لم يقدح ذلك في الموافقة ، انتهى كلام المرسي وهو سؤال حسن وجواب نفيس .
فصل : دليل ثالث وعشرون وهو قوله تعالى : ) يا أيها آمنوا ادخلوا في السلم كافة ( 2 قال أهل التفسير : نزلت فيمن أسلم من أهل الكتاب وبقي على تعظيم بعض شريعته كالسبت وترك لحوم الإبل فأمرهم أن يدخلوا في شرائع الإسلام كافة ، ولا يتمسكوا بشيء من أحكام التوراة لأنها منسوخة ، ولا تتبعوا خطوات الشيطان في التمسك ببعض أحكام التوراة بعد أن عرفتم نسخه وكافة من وصف السلم كأنه قيل ادخلوا في جميع شرائع الإسلام اعتقاداً وعملاً هذه عبارة المرسي في تفسير هذه الآية وقد(2/121)
"""""" صفحة رقم 122 """"""
أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في الآية قال : نزلت في مؤمني أهل الكتاب تمسكوا ببعض أمور التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم يقول : ادخلوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئاً ، وهذا صريح في أن شريعة التوراة لا تسمى إسلاماً .
تنبيه : ذكر السبكي في عبارته لما تكلم على عموم رسالته صلى الله عليه وسلّم إلى الجن عدة آيات من القرآن استدل بها على ذلك ثم قال عقب ذلك : واعلم أن المقصود بتكثير الأدلة أن الآية الواحدة والآيتين قد يمكن تأويلها ويتطرق إليها الاحتمال فإذا كثرت قد تترقى إلى حد يقطع بإرادتها ظاهراً ونفي الاحتمال والتأويل عنها انتهى ، أقول : ولذلك أوردنا هنا ثلاثة وعشرين دليلاً لأن كل دليل منها على انفراده قد يمكن تأويله وتطرق الاحتمال إليه ، فلما كثرت هذه الكثرة ترقت إلى حد غلب على الظن إرادة ظاهرها ونفى الاحتمال والتأويل عنها وعبرت بغلبة الظن دون القطع لأجل ما عارضها من الآيات التي استدل بها للقول الآخر ، وهذا مقام لا ينظر فيه ويحكم بالترجيح إلا المجتهد والله الموفق .
آخر الكتاب : قال مؤلفه شيخنا نفع الله المسلمين ببركته : ألفته في شوال سنة ثمان وثمانين وثمانمائة .
مسألة :
يا مفرداً باجتهاد في الأوان ويا
بحر الوفا والصفا والعلم والعمل
ما حد توحيدنا لله خالقنا
سبحانه جل عن أين وعن مثل
الجواب : روينا بإسناد صحيح من طريق المزني أن رجلاً سأله عن شيء من الكلام فقال : إني أكره هذا بل أنهي عنه كما نهى عنه الشافعي ، فلقد سمعت الشافعي يقول : سئل مالك عن الكلام والتوحيد فقال مالك : محال أن نظن بالنبي صلى الله عليه وسلّم أنه علم أمته الاستنجاء ولم يعلمهم التوحيد ، والتوحيد ما قاله النبي صلى الله عليه وسلّم : ( أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ) فما عصم به الدم والمال حقيقة التوحيد . هذا جواب الإمام مالك رضي الله عنه عن هذا السؤال وبه أجبت .
تنزيه الإعتقاد عن الحلول والاتحاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . القول بالحلول والاتحاد الذي هو أخو الحلول أول من قال به النصارى إلا أنهم خصوه بعيسى عليه السلام أو به وبمريم أمه ولم يعدوه إلى أحد ، وخصوه باتحاد الكلمة دون الذات بحيث أن علماء المسلمين سلكوا في الرد عليهم طريق إلزامهم بأن يقولوا بمثل ذلك في موسى عليه السلام وفي الذات أيضاً وهم لا يقولون بالأمرين ، وإذا سلموا بطلان ذلك لزم إبطال ما قالوه ، وأما المتوسمون بسمة الإسلام فلم يبتدع أحد منهم هذه البدعة وحاشاهم من ذلك لأنهم أذكى فطرة وأصح لباً من(2/122)
"""""" صفحة رقم 123 """"""
أن يمشي عليهم هذا المحال ، وإنما مشى ذلك على النصارى لأنهم أبلد الخلق أذهاناً وأعماهم قلوباً ، غير أن طائفة من غلاة المتصوفة نقل عنهم أنهم قالوا بمثل هذه المقالة وزادوا على النصارى في تعدية ذلك والنصارى قصروه على واحد ، فإن صح ذلك عنهم فقد زادوا في الكفر على النصارى ، وأحسن ما اعتذر عمن صدرت منه هذه الكلمة الدالة على ذلك وهي قوله أنا الحق بأنه قال ذلك في حال سكر واستغراق غيبوبة عقل ، وقد رفع الله التكليف عمن غاب عقله وألغى أقواله فلا تعد مقالته هذه شيئاً ولا يلتفت إليها فضلاً عن أن تعد مذهباً ينقل ، وما زالت العلماء ومحققو الصوفية يبينون بطلان القول بالحلول والاتحاد وينبهون على فساده ويحذرون من ضلاله ، وهذه نبذة من كلام الأئمة في ذلك : قال حجة الإسلام الغزالي في الاحياء في باب السماع : الحالة الرابعة سماع من جاوز الأحوال والمقامات فعزب عن فهم ما سوى الله تعالى حتى عزب عن نفسه وأحوالها ومعاملاتها ، وكان كالمدهوش الغائص في بحر عين الشهود الذي يضاهي حاله حال النسوة اللاتي قطعن أيديهن في مشاهدة جمال يوسف حتى بهتن وسقط إحساسهن ، وعن مثل هذه الحالة يعبر الصوفية بأنه فنى عن نفسه ، ومهما فنى عن نفسه فهو عن غيره أفنى ، فكأنه فني عن كل شيء إلا عن الواحد المشهود ، وفني أيضاً عن الشهود ، فإن القلب أيضاً إذا التفت إلى الشهود وإلى نفسه بأنه مشاهد فقد غفل عن المشهود ، فالمستهتر بالمرئي لا التفات له في حال استغراقه إلى رؤيته ولا إلى عينه التي بها رؤيته ولا إلى قلبه الذي به لذته ، فالسكران لا خبرة له من سكره ، والمتلذذ لا خبرة له من التذاذه ، إنما خبرته من الملتذ به فقط ، ومثاله العلم بالشيء فإنه مغاير للعلم بالعلم بذلك الشيء ، فالعالم بالشيء مهما ورد عليه العلم بالعلم بالشيء كان معرضاً عن الشيء ، ومثل هذه الحالة قد تطرأ في حق المخلوقين ، وتطرأ أيضاً في حق خالقية الخالق ، ولكنها في الغالب تكون كالبراق الخاطف الذي لا يثبت ولا يدوم فإن دام لم تطقه القوى البشرية ، فربما يضطرب تحت أعبائه اضطراباً تهلك فيه نفسه فهذه درجة الصديقين في الفهم والوجد وهي أعلى الدرجات ، لأن السماع على الأحوال وهي ممتزجة بصفات البشرية وهو نوع قصور ، وإنما الكمال أن يفنى بالكلية عن نفسه وأحواله أعني أنه ينساها فلا يبقى له التفات إليها ، كما لم يكن للنسوة التفات إلى الأيدي والسكاكين فيسمع بالله ولله وفي الله ومن الله . وهذه رتبة من خاض لجة الحقائق وعبر ساحل الأحوال والأعمال واتحد لصفاء التوحيد وتحقيق بمحض الإخلاص فلم يبق فيه منه شيء أصلاً ، بل خمدت بالكلية بشريته وفنى إلتفاته إلى صفات البشرية رأساً إلى أن قال : ومن هنا نشأ خيال من ادعى الحلول والاتحاد وقال أنا الحق ، وحوله يدندن كلام النصارى في دعوى اتحاد اللاهوت بالناسوت أو تدرعها بها أو حلولها فيها على ما اختلفت فيه عباراتهم وهو غلط محصن هذا كله لفظ الغزالي . وقال أيضاً في باب المحبة : من قويت بصيرته ولم تضعف منته فإنه في حال اعتدال أمره لا يرى إلا الله ولا يعرف غيره ويعلم أنه ليس في الوجود إلا الله وأفعاله أثر من آثار قدرته فهي تابعة له فلا وجود لها بالحقيقة دونه ،(2/123)
"""""" صفحة رقم 124 """"""
وإنما الوجود للواحد الحق الذي به وجود الأفعال كلها ومن هذا حاله ، فلا ينظر في شيء من الأفعال إلا ويرى فيه الفاعل ويذهل عن الفعل من حيث أنه سماء ، وأرض ، وحيوان ، وشجر ، بل ينظر فيه من حيث أنه أثره لا من حيث أنه صنع ، فلا يكون نظره مجاوزاً له إلى غيره كمن نظر في شعر إنسان ، أو خطه ، أو تصنيفه ، ورأى فيه الشاعر والمصنف ، ورأى آثاره من حيث أنه أثره لا من حيث أنه حبر وعفص وزاج مرقوم على بياض فلا يكون قد نظر إلى غير المصنف ، وكذا العالم صنع الله تعالى فمن نظر إليه من حيث أنه فعل الله وعرفه من حيث أنه فعل الله وأحبه من حيث أنه فعل الله لم يكن ناظراً إلا في الله ولا عارفاً إلا بالله ولا محباً إلا لله ، وكان هو الموحد الحق الذي لا يرى إلا الله ، بل لا ينظر إلى نفسه من حيث نفسه بل من حيث أنه عبد الله ، فهذا هو الذي يقال فيه أنه فنى في التوحيد وأنه فنى عن نفسه ، وإليه الإشارة بقول من قال : كنا بنا ففنينا [ عنا فبقينا ] بلا نحن فهذه أمور معلومة عند ذوي الأبصار أشكلت لضعف الافهام عن دركها وقصور قدرة العلماء بها عن إيضاحها وبيانها بعبارة مفهمة موصلة للغرض إلى الافهام ، أو لاشتغالهم بأنفسهم واعتقادهم أن بيان ذلك لغيرهم مما لا يعنيهم ، ثم قال : وقد تحزب الناس إلى قاصرين مالوا إلى التشبيه الظاهر ، وإلى غالين مسرفين تجاوزوا إلى الاتحاد وقالوا بالحلول حتى قال بعضهم : أنا الحق ، وضل النصارى في عيسى عليه السلام فقالوا : هو الإله ، وقال آخرون : تدرع الناسوت باللاهوت ، وقال آخرون اتحد به ، وأما الذين انكشف لهم استحالة التشبيه والتمثيل واستحالة الاتحاد والحلول واتضح لهم وجه الصواب فهم الأقلون ، انتهى كلام الغزالي وبدأنا بالنقل عنه لأنه فقيه أصولي متكلم صوفي وهو أجل من اعتمد عليه في هذا المقام لاجتماع هذه الفنون فيه .
وقال إمام الحرمين في الإرشاد : أصل مذهب النصارى أن الاتحاد لم يقع إلا بالمسيح عليه السلام دون غيره من الأنبياء ، واختلفت مذاهبهم فيه ، فزعم بعضهم أن المعنى به حلول الكلمة جسد المسيح لا يحل العرض محله ، وذهبت الروم إلى أن الكلمة مازجت جسد المسيح وخالطته مخالطة الخمر اللبن وهذا كله خبط .
وقال الأستاذ أبو بكر بن فورك في كتابه المسمى بالنظامي في أصول الدين : قالت النصارى إن عيسى عليه السلام لاهوتي ناسوتي وتكلموا في حلول الكلمة لمريم عليها السلام فمنهم من قال : إن الكلمة حلت في مريم حلول الممازجة كما يحل الماء في اللبن حلول الممازجة والمخالطة ، ومنهم من قال : إنها حلت فيها من غير ممازجة كما أن شخص الإنسان يتبين في المرآة الصقيلة من غير ممازجة بينهما ، ومنهم من قال : إن مثل اللاهوت مع الناسوت مثل الخاتم مع الشمع في أنه يؤثر حتى يتبين فيه النقش ثم لا يبقى فيه شيء من الأثر ، والأول طريقة اليعقوبية ، والثاني طريقة الملكية ، والثالث طريق النسطورية ، ثم قال : واعلم أنهم قالوا بالاتحاد فقالت طائفة منهم في معنى الاتحاد الكلمة التي هي كن حلت جسد المسيح ، وقالت اليعقوبية : إن الاتحاد اختلاط وامتزاج وزعمت أن كلمة الله انقلبت(2/124)
"""""" صفحة رقم 125 """"""
لحماً ودماً بالاتحاد ، وقالت طائفة منهم : إن الاتحاد هو أنه أودعها بإظهار روح القدس عليه ؛ وقد حكينا عمن قال : يجري هذا الاتحاد مجرى وقوع الهيئة في المرآة والنقش من الخاتم في الشمع وما جرى مجراه ؛ ويقال لهذه الطائفة منهم أن ظهور هذه الصورة في المرآة والشيء الصقيل ليس اختلاط شيء بشيء ولا انتقال شيء إلى شيء ، بل أجرى الله العادة بأن الواحد إذا قابل الشيء الصقيل خلق الله له رؤية يرى بها نفسه ، وأما أن يكون في الصقيل على شيء ، فلا ، أما ترى أنه إن لمس وجهه فوجه نفسه لمس لا وجه ظهر فيه فعلم أنه ليس في المرآة شيء ، وهذا القول يوجب عليهم الإقرار بأنه ليس من القديم سبحانه وتعالى في مريم ولا في عيسى شيء ويبطل عليهم القول بأنه لاهوتي وناسوتي ، وكذلك القول في الخاتم ونقشه مع الشمع فليس يحصل من الفص في الشمع شيء وإنما يتركب الشمع تركيباً من بعضه في بعض ، ثم إن هذا الذي ذكروه كله إنما يجوز بين المتماسين المتجاورين المتلاصقين الجسمين المحدودين الذين يجوز فيهما حلول الحوادث وتغير الأوصاف والله تعالى يتنزه عن ذلك كله ، وأما قولهم إن الكلمة انقلبت لحماً ودماً فلا يجوز لأنه لو جاز ذلك لجاز أن ينقلب القديم محدثاً ، ولو جاز ذلك لجاز انقلاب المحدث قديماً فيبطل الفصل بينهما ، وهذا محال فبطل ما قالوه انتهى .
وقال الإمام فخر الدين الرازي في كتاب المحصل في أصول الدين : مسألة الباري تعالى لا يتحد بغيره لأنه حال الاتحاد إن بقيا موجودين فهما اثنان لا واحد ، وإن صارا معدومين فلم يتحدا بل حدث ثالث ، وإن عدم أحدهما وبقي الآخر فلم يتحد لأن المعدوم لا يتحد بالوجود .
وقال الإمام أقضى القضاة أبو الحسن الماوردي صاحب الحاوي الكبير في مناظرة ناظرها لبعض النصارى في ذلك [ القائل ] بالحلول أو الاتحاد : ليس من المسلمين بالشريعة بل في الظاهر والتسمية ولا ينفع التنزيه مع القول بالاتحاد والحلول فإن دعوى التنزيه مع ذلك إلحاد ، وكيف يصح توحيد مع اعتقاد أنه سبحانه حل في البشر المأخوذ من مريم ، وهنالك حلوله إما حلول عرض في جوهر فيقولون بأنه عرض ، أو حلول تداخل الأجسام فهو جسم ، وهنالك إن حل كله فقد انحصر في القالب البشري وصار ذا نهاية وبداية أو بعضه فقد انقسم وتبعض وكل هذه الأمور أباطيل وتضاليل .
وقال القاضي عياض في الشفا ما معناه : أجمع المسلمون على كفر أصحاب الحلول ومن ادعى حلول الباري سبحانه في أحد الأشخاص كقول بعض المتصوفة ، والباطنية ، والنصارى ، والقرامطة ، وقال في موضع آخر : ما عرف الله من شبهه وجسمه من اليهود أو أجاز عليه الحلول والانتقال والامتزاج من النصارى ، ونقله عنه النووي في شرح مسلم . وقال القاضي ناصر الدين البيضاوي في تفسيره في قوله تعالى : ) لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم ( هذا قول اليعقوبية القائلين بالاتحاد ، وقال في قوله تعالى : ) أفلا يتوبون إلى الله ويستغفرونه ( أي ألا يتوبون بالانتهاء عن(2/125)
"""""" صفحة رقم 126 """"""
تلك العقائد والأقوال الزائغة ويستغفرونه بالتوحيد والتنزيه عن الاتحاد والحلول بعد هذا التقرير والتهديد . وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في قواعده الكبرى : ومن زعم أن الإله يحل في شيء من أجساد الناس أو غيرهم فهو كافر ، لأن الشرع إنما عفا عن المجسمة لغلبة التجسيم على الناس فإنهم لا يفهمون موجوداً في غير جهة ، بخلاف الحلول فإنه لا يعم الابتلاء به ولا يخطر على قلب عاقل فلا يعفى عنه انتهى .
قلت : مقصود الشيخ أنه لا يجري في تكفيرهم الخلاف الذي جرى في المجسمة ، بل يقطع بتكفير القائلين بالحلول إجماعاً وإن جرى في المجسمة خلاف ، وقال الحافظ أبو نعيم الأصبهاني في أول الحلية : أما بعد فقد استعنت بالله وأجبتك إلى ما ابتغيت من جمع كتاب يتضمن أسامي جماعة من أعلام المحققين من المتصوفة وأئمتهم وترتيب طبقاتهم من النساك ومحجتهم من قرن الصحابة والتابعين وتابعيهم ومن بعدهم ممن عرف الأدلة والحقائق ، وباشر الأحوال والطرائق ، وساكن الرياض والحدائق ، وفارق العوارض والعلائق ، وتبرأ المتنطعين والمتعمقين ، ومن أهل الدعاوى من المتسوفين ، ومن الكسالى والمتثبطين المشبهين بهم في اللباس والمقال ، والمخالفين لهم في العقيدة والفعال ، وذلك لما بلغك من بسط لساننا وألسنة أهل الفقه والآثار في كل القطر والأمصار في المنتسبين إليهم من الفسقة الفجار ، والمباحية والحلولية الكفار ، وليس ما حل بالكذبة من الوقيعة والإنكار . بقادح في منقبة البررة الأخيار وواضع من درجة الصفوة الأبرار .
وقال صاحب [ كتاب ] معيار المريدين : اعلم أن منشأ أغلاط الفرق التي غلطت في الاتحاد والحلول جهلهم بأصول الدين وفروعه وعدم معرفتهم بالعلم ، وقد وردت الأحاديث والآثار بالتحذير من عابد جاهل ، فمن لا يكون له سابقة علم لم ينتج ولم يصح له سلوك ، وقد قال سهل بن عبد الله التستري : اجتنب صحبة ثلاثة أصناف من الناس : الجبابرة الغافلين ، والقراء المداهنين ، والمتصوفة الجاهلين ، فافهم ولا تغلط فإن الدين واضح قال : واعلم أنه وقع في عبارة بعض المحققين لفظ الاتحاد إشارة منهم إلى حقيقة التوحيد ، فإن الاتحاد عندهم هو المبالغة في التوحيد والتوحيد معرفة الواحد والأحد فاشتبه ذلك على من لا يفهم إشاراتهم فحملوه على غير محمله فغلطوا وهلكوا بذلك ، والدليل على بطلان اتحاد العبد مع الله تعالى أن الاتحاد بين مربوبين محال ، فإن رجلين مثلاً لا يصير أحدهما عين الآخر لتباينهما في ذاتيهما كما هو معلوم ، فالتباين بين العبد والرب سبحانه وتعالى أعظم ، فإذن أصل الاتحاد باطل محال مردود شرعاً وعقلاً وعرفاً باجماع الأنبياء والأولياء ومشايخ الصوفية وسائر العلماء والمسلمين ، وليس هذا مذهب الصوفية وإنما قاله طائفة غلاة لقلة علمهم وسوء حظهم من الله تعالى ، فشابهوا بهذا القول النصارى الذين قالوا في عيسى عليه السلام اتحد ناسوته بلاهوته ، وأما من حفظه الله تعالى بالعناية فإنهم لم يعتقدوا اتحاداً ولا حلولاً ، وإن وقع منهم لفظ الاتحاد فإنما يريدون به محو أنفسهم وإثبات الحق سبحانه ، قال : وقد يذكر الاتحاد بمعنى فناء المخالفات وبقاء الموافقات ، وفناء حظوظ النفس من(2/126)
"""""" صفحة رقم 127 """"""
الدنيا وبقاء الرغبة في الآخرة ، وفناء الأوصاف الذميمة وبقاء الأوصاف الحميدة ، وفناء الشك وبقاء اليقين ، وفناء الغفلة وبقاء الذكر . قال : وأما قول أبي يزيد البسطامي : سبحاني ما أعظم شاني فهو في معرض الحكاية عن الله ، وكذلك قول من قال أنا الحق محمول على الحكاية ، ولا يظن بهؤلاء العارفين الحلول والاتحاد لأن ذلك غير مظنون بعاقل ، فضلاً عن المتميزين بخصوص المكاشفات واليقين والمشاهدات ، ولا يظن بالعقلاء المتميزين على أهل زمانهم بالعلم الراجح والعمل الصالح والمجاهدة وحفظ حدود الشرع الغلط بالحلول والاتحاد كما غلط النصارى في ظنهم ذلك في حق عيسى عليه السلام ، وإنما حدث ذلك في الإسلام من واقعات جهلة المتصوفة ، وأما العلماء العارفون المحققون فحاشاهم من ذلك هذا كله كلام معيار المريدين بلفظه والحاصل أن لفظ الاتحاد مشترك ، فيطلق على المعنى المذموم الذي هو أخو الحلول وهو كفر ، ويطلق على مقام الفناء اصطلاحاً اصطلح عليه الصوفية ولا مشاحة في الاصطلاح إذ لا يمنع أحد من استعمال لفظ في معنى صحيح لا محذور فيه شرعاً ، ولو كان ذلك ممنوعاً لم يجز لأحد أن يتفوه بلفظ الاتحاد وأنت تقول بيني وبين صاحبي زيد اتحاد ، وكم استعمل المحدثون ، والفقهاء ، والنحاة ، وغيرهم لفظ الاتحاد في معان حديثية ، وفقهية ، ونحوية كقول المحدثين : اتحاد مخرج الحديث . وقول الفقهاء : اتحد نوع الماشية وقول النحاة : اتحد العامل لفظاً أو معنى ، وحيث وقع لفظ الاتحاد من محققي الصوفية فإنما يريدون به معنى الفناء الذي هو محو النفس وإثبات الأمر كله لله سبحانه لا ذلك المعنى المذموم الذي يقشعر له الجلد ، وقد أشار إلى ذلك سيدي علي بن وفا فقال من قصيدة له :
يظنوا بي حلولاً واتحادا
وقلبي من سوى التوحيد خالي
فتبرأ من الاتحاد بمعنى الحلول ، وقال من أبيات آخر :
وعلمك أن كل الأمر أمري
هو المعنى المسمى باتحاد
فذكر أن المعنى الذي يريدونه بالاتحاد إذا أطلقوه هو تسليم الأمر كله لله وترك الإرادة معه والاختيار والجري على مواقع أقداره من غير اعتراض وترك نسبة شيء ما إلى غيره .
وقال صاحب كتاب نهج الرشاد في الرد على أهل الوحدة والحلول والاتحاد : حدثني الشيخ كمال الدين المراغي عن الشيخ تقي الدين بن دقيق العيد أنه قال له مرة الكفار إنما انتشروا في بلادكم لانتشار الفلسفة هناك وقلة اعتنائهم بالشريعة والكتاب والسنة ، قال : فقلت له : في بلادكم ما هو شر من هذا وهو قول الاتحادية ، فقال : هذا لا يقوله عاقل فإن قول هؤلاء كل أحد يعرف فساده ، قال : وحدثني الشيخ كمال الدين المذكور قال : اجتمعت بالشيخ أبي العباس المرسي تلميذ الشيخ الكبير أبي الحسن الشاذلي وفاوضته في هؤلاء الاتحادية فوجدته شديد الإنكار عليهم والنهي عن طريقهم وقال : أتكون الصنعة هي الصانع ؟ انتهى . قلت : ولهذا كانت طريقة الشاذلي هي أحسن طرق التصوف وهي في المتأخرين نظير طريقة الجنيد في المتقدمين ، وقد قال الشيخ تاج الدين بن السبكي في(2/127)
"""""" صفحة رقم 128 """"""
كتاب جمع الجوامع : وإن طريق [ الشيخ ] الجنيد وصحبه طريق مقوم ، وكان والده شيخ الإسلام تقي الدين السبكي يلازم مجلس الشيخ تاج الدين بن عطاء الله يسمع كلامه ووعظه ، ونقل عنه في كتابه المسمى غيرة الإيمان الجلي فائدة حسنة في حديث : ( لا تسبوا أصحابي ) فقال : إنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلّم كانت له تجليات فرأى في بعضها سائر أمته الآتين من بعده فقال مخاطباً لهم : ( لا تسبوا أصحابي فلو أنفق أحدكم مثل أحد ذهباً ما أدرك مد أحدكم ولا نصيفه ) وارتضى السبكي منه هذا التأويل وقال : إن الشيخ تاج الدين كان متكلم الصوفية في عصره على طريق الشاذلية انتهى . قلت : وهو تلميذ الشيخ أبي العباس المرسي . والشيخ أبو العباس تلميذ الشاذلي . وقد طالعت كلام هؤلاء السادة الثلاثة فلم أر فيه حرفاً يحتاج إلى تأويل فضلاً عن أن يكون منكراً صريحاً ، وما أحسن قول سيدي علي بن وفا :
تمسك بحب الشاذلية تلق ما
تروم وحقق ذا الرجاء وحصل
ولا تعدون عيناك عنهم فإنهم
شموس هدى في أعين المتأمل
ثم قال صاحب نهج الرشاد : وما زال عباد الله الصالحون من أهل العلم والإيمان ينكرون حال هؤلاء الاتحادية ، وإن كان بعض الناس قد يكون أعلم وأقدر وأحكم من بعض في ذلك ، وقال الشيخ سعد الدين التفتازاني في شرح المقاصد : وأما المنتمون إلى الإسلام فمنهم بعض غلاة الشيعة القائلون بأنه لا يمتنع ظهور الروحاني في الجسماني كجبريل في صورة دحية الكلبي ، وكبعض الجن أو الشياطين في صورة الأناسي قالوا : فلا يبعد أن يظهر الله تعالى في صورة بعض الكاملين وأولى الناس بذلك علي وأولاده تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً قال : ومنهم بعض المتصوفة القائلون بأن السالك إذا أمعن في السلوك وخاض معظم لجة الوصول فربما يحل الله فيه ) تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً ( كالنار في الجمر بحيث لا تمايز أو يتحد به بحيث لا اثنينية ولا تغاير ، وصح أن يقول هو أنا وأنا هو . قال : وفساد الرأيين غني عن البيان . قال : وههنا مذهبان آخران يوهمان الحلول أو الاتحاد وليسا منه في شيء ، الأول أن السالك إذا انتهى سلوكه إلى الله وفي الله يستغرق في بحر التوحيد والعرفان بحيث تضمحل ذاته في ذاته تعالى وصفاته في صفاته وتغيب عن كل ما سواه ولا يرى في الوجود إلا الله تعالى ، وهذا هو الذي يسمونه الفناء في التوحيد ، وحينئذ ربما تصدر عنه عبارات تشعر بالحلول أو الاتحاد لقصور العبارة عن بيان تلك الحال وبعد الكشف عنها بالمقال ، ونحن على ساحل التمني نغترف من بحر التوحيد بقدر الإمكان ، ونعترف بأن طريق الفناء فيه العيان دون البرهان والله الموفق ، ثم ذكر في المذهب الثاني وهو القول بالوحدة المطلقة [ وقال : إنه غير الحلول والاتحاد وأنه أيضاً خارج عن طريق العقل والشرع وأنه باطل وضلال . وقد سقت بقية كلامه فيه في الكتاب الذي ألفته في ذم القول بالوحدة المطلقة ] فإنه به أجدر ، وذكر السيد الجرجاني في شرح المواقف نحو ذلك قد سقت أيضاً عبارته في الكتاب المشار إليه .(2/128)
"""""" صفحة رقم 129 """"""
وقال العلامة شمس الدين بن القيم في كتابه شرح منازل السائرين الدرجة الثالثة من درجات الفناء فناء خواص الأولياء وأئمة المقربين وهو الفناء عن إرادة السوي ، شائماً برق الفنا عن إرادة ما سواه سالكاً سبيل الجمع على ما يحبه ويرضاه ، فانياً بمراد محبوبه منه عن مراده هو من محبوبه فضلاً عن إرادة غيره ، قد اتخذ مراده بمراد محبوبه أعني المراد الديني الأمري لا المراد الكوني القدري فصار المرادان واحداً قال : وليس في العقل اتحاد صحيح إلا هذا والاتحاد في العلم والخبر ، فيكون المرادان والمعلومان والمذكوران واحداً مع تباين الإرادتين والعلمين والخبرين ، فغاية المحبة اتحاد مراد المحب بمراد المحبوب ، وفناء إرادة المحب في مراد المحبوب ، فهذا الاتحاد والفناء هو اتحاد خواص المحبين وفناؤهم قد فنوا بعبادته عن عبادة ما سواه ، وبحبه وخوفه ورجائه والتوكل عليه والاستعانة به والطلب منه عن حب ما سواه ، ومن تحقق بهذا الفناء لا يحب إلا في الله ، ولا يبغض إلا فيه ، ولا يوالي إلا فيه ، ولا يعادي إلا فيه ، ولا يعطي إلا لله ، ولا يمنع إلا لله ، ولا يرجو إلا إياه ، ولا يستعين إلا به ، فيكون دينه كله ظاهراً لله ، ويكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ، فلا يواد من حاد الله ورسوله ولو كان أقرب الخلق إليه بل :
يعادي الذي عادى من الناس كلهم
جميعاً ولو كان الحبيب المصافيا
وحقيقة ذلك فناؤها عن هوى نفسه وحظوظها بمراضي ربه تعالى وحقوقه ، والجامع لهذا كله تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله علماً ومعرفة وعملاً وحالاً وقصداً ، وحقيقة هذا النفي والاثبات الذي تضمنته هذه الشهادة هو الفناء والبقاء ، ففنى عن تأله ما سواه علماً وافراداً وتعمداً ، وبقي تألهه وحده ، فهذا الفناء وهذا البقاء هو حقيقة التوحيد الذي اتفقت عليه المرسلون صلوات الله عليهم وأنزلت به الكتب وخلقت لأجله الخليقة وشرعت له الشرائع وقامت عليه سوق الجنة وأسس عليه الخلق والأمر إلى أن قال : وهذا الموضع مما غلط فيه كثير من أصحاب الإرادة ، والمعصوم من عصمه الله ، والله المستعان .
وقال في موضع آخر : وإن كان مشمراً للفناء العالي وهو الفناء عن إرادة السوي لم يبق في قلبه مراد يزاحم مراده الديني الشرعي النبوي القرآني بل يتحد المرادان فيصير عين مراد الرب تعالى هو عين مراد العبد وهذا حقيقة المحبة الخالصة ، وفيها يكون الاتحاد الصحيح وهو الاتحاد في المراد لا في المريد ولا في الإرادة ، قال : فتدبر هذا الفرقان في هذا الموضع الذي طالما زلت فيه أقدام السالكين وضلت فيه أفهام الواحدين انتهى ، وقد تكرر كلام ابن القيم في هذا الكتاب في تضليل الاتحادية والقائلين بالوحدة المطلقة وقد سقت منه أشياء في كتابي الذي أشرت إليه فلينظر منه والله أعلم .
مسألة : في قول أهل السنة : إن العبد له في فعله نوع اختيار هل هو معارض لقوله تعالى : ) وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ( ؟ .
الجواب : لا معارضة فإن الاختيار الذي هو بمعنى القدرة والإرادة والإنشاء والإبداع خاص بالله تعالى لا شريك له . وأما الاختيار الذي أثبته أهل السنة للعبد فالمراد به قصده(2/129)
"""""" صفحة رقم 130 """"""
ذلك الفعل وميله إليه ورضاه به الذي هو مخلوق لله تعالى أيضاً لا على وجه الإكراه والإلجاء إليه .
والحاصل أن الله تعالى خلق للعبد قدرة بها يميل ويفعل ، فالخلق من الله والميل والفعل من العبد صادران عن تقدير الله له ذلك فهما أثر الخلق والقدرة ، فالاختيار المنسوب للعبد المفسر بما ذكرناه أثر الاختيار المنسوب إلى الله تعالى فافترقا ، ولا إنكار في ذلك ولا معارضة فيه للآية وبهذا يتميز أهل السنة عن أهل القدر ، والجبر معاً ، قال الأصبهاني في تفسيره عند قوله تعالى : ) ونمدهم في طغيانهم ( اعلم أن كل فعل صدر من العبد بالاختيار فله اعتباران إن نظرت إلى وجوده وحدوثه وما هو عليه من وجوه التخصيص فانسب ذلك إلى قدرة الله وإرادته لا شريك له ، وإن نظرت إلى تميزه عن القسري الضروري فانسبه من هذه الجهة إلى العبد وهي النسبة المعبر عنها شرعاً بالكسب في قوله تعالى : ) لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت ( وقوله : ) بما كسبت أيديهم ( وهي المحققة أيضاً إذا عرضت في ذهنك الحركتين الاضطرارية كالرعشة والاختيارية فإنك تميز بينهما لا محالة بتلك النسبة ، فإذا تقرر تعدد الاعتبار فمدهم في الطغيان مخلوق لله تعالى فأضافه إليه ، ومن حيث كونه واقعاً منهم على وجه الاختيار المعبر عنه بالكسب إضافه إليهم انتهى ، وقال في موضع آخر منه : صفة الإرادة للعبد هي القصد .
فهذا تحرير مذهب أهل السنة ، وحاصله أن الاختيار المنسوب إلى العبد هو قصده لذلك الفعل وتوجهه إليه برضا منه وإرادة له وكونه لم يفعله بإلجاء ولا إكراه ولا قسر فتأمل ذلك وافهم ترشد .
مسألة : هل العقل أفضل من العلم الحادث أم العلم ؟ .
الجواب : هذه المسألة اختلف فيها العلماء ورجحوا تفضيل العلم ، لأن الباري تعالى يوصف بصفة العلم ولا يوصف بصفة العقل ، وما ساغ وصفه تعالى به أفضل مما لم يسغ ، وإن كان العلم الذي يوصف به تعالى قديماً ووصفنا حادث فإن الباري لا يوصف بصفة العقل أصلاً ولا على جهة القدم ، ومن الأدلة على تفضيل العلم أن متعلقه أشرف ، وأنه ورد بفضله أحاديث كثيرة صحيحة وحسنة ولم يرد في فضل العقل حديث وكل ما يروى فيه موضوع كذب ، وكان شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي يقول : العقل أفضل باعتبار كونه [ أقرب إلى الإفضاء إلى معرفة الله وصفاته ، والعقل أفضل باعتبار كونه ] منبعاً للعلم وأصلاً له ، وحاصله أن فضيلة العلم بالذات وفضيلة العقل بالوسيلة للعلم .(2/130)
"""""" صفحة رقم 131 """"""
مبحث النبوات
مسألة : كم عدد الأنبياء ، والرسل ؟ .
الجواب : روى الطبراني في الأوسط عن أبي أمامة الباهلي : ( أن رجلاً قال : يا رسول الله أنبي كان آدم ؟ قال : نعم ، قال : كم بينه وبين نوح ؟ قال : عشرة قرون ، قال : كم بين نوح وإبراهيم ؟ قال : عشرة قرون ، قال : يا رسول الله كم كانت الرسل ؟ قال : ثلثمائة وخمسة عشر ) رجاله رجال الصحيح ، وأخرج ابن حبان في صحيحه ، والحاكم عن أبي ذر قال : ( قلت يا رسول الله كم الأنبياء ؟ قال : مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألفاً ، قلت : يا رسول الله كم الرسل منهم ؟ قال : ثلثمائة وثلاثة عشر جم غفير ) .
مسألة :
ما أشهر القولين يا من علمه
أربى على الأقران والنظراء
في موت مشهور الحياة أي الخضر
وحياته يا فائزاً بثناء
قولان مشهوران قالهما الرضا
شيخ الزمان وفائق العلماء
بقوام دين الله لقب وهو من
بغداد يشهر بين كل ملاء
وأقام برهاناً على فقدانه
فاعجب لذا يا كامل الآراء
لا زلت معدوداً لكل ملمة
وجزيت يوم الحشر خير جزاء
الجواب :
من بعد حمدي دائماً وثنائي
ثم الصلاة لسيد النجباء
للناس خلف شاع في خضر وهل
أودى قديماً أوحي ببقاء
ولكل قول حجة مشهورة
تسمو على الجوزاء في العلياء
والمرتضى قول الحياة فكم له
حجج تجل الدهر عن إحصاء
خضر وإلياس بأرض مثل ما
عيسى وإدريس بقوا بسماء
هذا جواب ابن السيوطيّ الذي
يرجو من الرحمن خير جزاء
مسألة :
يا عالم العصر يا مفتي الأنام أفد
عبيد بابك أنت البدر في الظلم
كم بين موسى وعيسى من ميّء سلفت
وبين عيسى وخير الخلق والأمم
أثابك الله جنات النعيم بما
تبديه من رشد للناس أو كرم
ثم الصلاة على أزكى الورى نسباً
محمد سيد العربان والعجم
الجواب : .(2/131)
"""""" صفحة رقم 132 """"""
الحمد لله ربي مسبغ النعم
ثم الصلاة على المبعوث للأمم
ألف وتسع وميء مع نيف ضبطوا
ما بين موسى وعيسى صاحب الكلم
ونحو ست ميء في أرجح ذكروا
ما بين موسى وعيسى صاحب الكلم
ونحو ست ميء في أرجح ذكروا
ما بين عيسى وخير الخلق ذي الكرم
والحمد لله في قولي أقدمه
كذا بحمد إله العرش مختتمي
تزيين الأرائك في إرسال النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الملائك
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : ما تقولون في قول العلماء أنه صلى الله عليه وسلّم لم يبعث إلى الملائكة . وفي قول الحافظ زين الدين العراقي إن السماء ليست محلاً للتكليف وقد أشكل ذلك بأمور ، منها قوله صلى الله عليه وسلّم : ( وأرسلت إلى الخلق كافة ) والخلق يعم الإنس ، والجن ، والملائكة ، فإن فسر بالثقلين فقط فما المخصص ؟ وقوله تعالى : ) ليكون للعالمين نذيرا ( والعالم يعم الملائكة وقوله : ) وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ( وقد بلغ الملائكة ، وقد ورد إن الملائكة لا يفترون عن عبادة ربهم . وورد صريحاً أنهم يتعبدون بعبادات هذه الأمة كحديث ابن عمر : ( أن أهل السماء لا يسمعون من أهل الأرض إلا الأذان ) وحديث سلمان : ( إذا كان الرجل في أرض فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان فإذا أذّن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه ) وقد قاتلت الملائكة الكفار ، وتحضر صلاة الجمعة وغير ذلك مما يطول أشكل ذلك ؟ .
الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . سألت أكرمك الله فأحسنت غاية الإحسان ، وأوردت فأتقنت كل الإتقان ، وأنا أجيبك عن ذلك بجوابين : أحدهما جدلي ، والآخر تحقيقي : أما الجواب الجدلي فقولك : الخلق يعم ، والعالمين يعم ، ومن بلغ يعم ، جوابه أنه من العام المخصوص أو المراد به الخصوص ، وقولك : ما هو المخصص ؟ جوابه أن مستنده الإجماع الذي ادعاه من ادعى ، وقولك : ورد أنهم لا يفترون جوابه منع الملازمة بينه وبين المدعي الذي هو بعثته إليهم لأن عبادتهم تكون بالأخذ عن ربهم أو بإرسال ملك من جنسهم إليهم كجبريل أو إسرافيل أو غيرهما قال تعالى : ) الله يصطفي من الملائكة رسلاً ومن الناس ( وقال تعالى : ) قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكاً رسولاً ( وقولك : ورد صريحاً أنهم يتعبدون بعبادات هذه الأمة ثم أوردت حديث ابن عمر وليس فيه دلالة فضلاً عن صراحة لأن أكثر ما فيه أنهم يسمعون الأذان وليس فيه أنهم يتعبدون به ، وحديث سلمان ظاهر فيما ذكرت مع أنه يمكن أن لا يكون ذلك صادراً عن بعثته إليهم كما تقدم ، وقولك : وقد قاتلت الملائكة الكفار فيه أيضاً ما تقدم عن عدم الملازمة مع أنها لم تقاتل إلا في بدر(2/132)
"""""" صفحة رقم 133 """"""
خاصة ، وقولك : وتحضر صلاة الجمعة إنما حضرت لكتابة الحاضرين على طبقات مجيئهم وذلك من التكليفات الكونية التي هي وظيفة الملائكة لا الشرعية التي بعثت بها الرسل ، هذا آخر الجواب الجدلي . وأما الجواب التحقيقي فاعلم أن العلماء اختلفوا في بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم إلى الملائكة على قولين : أحدهما أنه لم يكن مبعوثاً إليهم وبهذا جزم الحليمي ، والبيهقي كلاهما من أئمة أصحابنا . ومحمود بن حمزة الكرماني في كتابه العجائب والغرائب وهو من أئمة الحنفية . ونقل البرهان النسفي ، والفخر الرازي في تفسيريهما الإجماع عليه ، وجزم به من المتأخرين زين الدين العراقي في نكته على ابن الصلاح . والشيخ جلال الدين المحلى في شرح جمع الجوامع . وتبعتهما في كتابي شرح التقريب في الحديث ، وشرح الكوكب الساطع في الأصول ، والقول الثاني أنه كان مبعوثاً إليهم وهذا القول رجحته في كتاب الخصائص ، وقد رجحه قبلي الشيخ تقي الدين السبكي وزاد أنه صلى الله عليه وسلّم مرسل إلى جميع الأنبياء والأمم السابقة ، وأن قوله : ( بعثت إلى الناس كافة ) شامل لهم من لدن آدم إلى قيام الساعة ، ورجحه أيضاً البارزي وزاد أنه مرسل إلى جميع الحيوانات والجمادات ، واستدل بشهادة الضب له بالرسالة وشهادة الحجر والشجر له وأزيد على ذلك أنه مرسل إلى نفسه .
ذكر الأدلة التي أخذت منها إرساله إلى الملائكة
هي قسمان : ما يدل بطريق العموم ، وما يدل بطريق الخصوص . فالذي يدل بطريق العموم قوله تعالى : ) تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً ( والعالمون شامل للملائكة كما هو شامل للإنس ، والجن وقد أجمع المفسرون على أن قوله تعالى : ) الحمد لله رب العالمين ( شامل لهؤلاء الثلاثة فكذلك هذا ، والأصل بقاء اللفظ على عمومه حتى يدل الدليل على إخراج شيء منه ، ولم يدل هنا دليل على إخراج الملائكة ، ولا سبيل إلى وجوده لا من القرآن ولا من الحديث ، وقد نوزع من ادعى الإجماع في هذه الدعوى فمن أين تخصيصه بالإنس والجن فقط دون الملائكة ؟ . وكذا قوله تعالى : ) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ( فإنه أيضاً شامل للملائكة .
وذكر صاحب الشفا أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لجبريل : ( هل أصابك من هذه الرحمة شيء ؟ قال : نعم كنت أخشى العاقبة فأمنت لثناء الله عليّ في القرآن بقوله : ) ) ذي قوة عند ذي العرش مكين ( إلا أن هذا الحديث لم يوقف له على إسناد ، وأما ما يدل بالخصوص فقد استنبطت أدلة لم اسبق إليها : الدليل الأول وهو أقواها قوله تعالى : ) وقالوا اتخذ الرحمن ولداً سبحانه بل عباد مكرمون ( يعني الملائكة ) لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشيته مشقفون ( ثم قال : ) ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ( .(2/133)
"""""" صفحة رقم 134 """"""
أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله : ) ومن يقل منهم ( قال : يعني من الملائكة وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : ) ومن يقل منهم إني إله من دونه ( قال : من الملائكة . وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه ، والبيهقي في دلائل النبوة عن ابن عباس قال : إن الله قال لأهل السماء : ) ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ( فهذه الآية إنذار للملائكة على لسان النبي صلى الله عليه وسلّم في القرآن الذي أنزل عليه وقد قال تعالى : ) وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ ( فثبت بذلك إرساله إليهم ، ولم أقف إلى الآن على انذار وقع في القرآن للملائكة سوى هذه الآية ، والحكمة في ذلك واضحة لأن غالب المعاصي راجعة إلى البطن والفرج وذلك ممتنع عليهم من حيث الخلقة فاستغنى عن إنذارهم فيه ، ولما وقع من إبليس وكان منهم أو فيهم نظير هذه المعصية أنذروا فيها . نعم وقع في القرآن آية أخرى بسببهم لكنها من باب الإخبار لا الإنذار المحض وهي قوله تعالى : ) كل شيء هالك إلا وجهه ( أخرج ابن المنذر عن ابن جريج قال : لما نزلت ) كل من عليها فان ( قالت الملائكة : هلك أهل اللأرض ، فلما نزلت : ) كل نفس ذائقة الموت ( 1 قالت الملائكة : هلك كل نفس ، فلما نزلت : ) كل شيء هالك إلا وجهه ( قالت الملائكة : هلك أهل السماء وأهل الأرض .
الدليل الثاني : ما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن عكرمة قال : صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد ، هذا يدل على أن الملائكة في السماء تصلي بصلاة أهل الأرض . ويرشحه ما أخرجه مالك ، والشافعي ، وأحمد ، والأئمة الستة عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إذا أمن الإمام فأمنوا فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه ) . وأخرج أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين قال الذين خلفه آمين التقت من أهل السماء وأهل الأرض آمين غفر الله للعبد ما تقدم من ذنبه ) . وأخرج مسلم عن جابر بن سمرة : ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم خرج على أصحابه فقال : ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها ؟ قالوا : وكيف تصف الملائكة عند ربها ؟ قال : يتمون الصف الأول فالأول ويتراصون في الصفوف ) وأخرج سعيد بن منصور في سننه ، وابن أبي شيبة في مصنفه عن أُبي بن كعب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( الصف الأول على مثل الملائكة ) .
الدليل الثالث : ما أخرجه أبو الشيخ بن حيان في كتاب العظمة من طريق الليث قال : حدثني خالد عن سعيد قال : بلغنا أن إسرافيل مؤذن أهل السماء يسمع تأذينه من في السموات السبع ومن في الأرضين إلا الجن والإنس ثم يتقدم بهم عظيم الملائكة يصلي بهم ، قال : وبلغنا أن ميكائيل يؤم الملائكة في البيت المعمور ، هذا يدل على أن الملائكة يؤذنون أذاننا ويصلون صلاتنا .
الدليل الرابع : ما أخرجه سعيد بن منصور عن ابن مسعود أنه دخل المسجد لصلاة(2/134)
"""""" صفحة رقم 135 """"""
الفجر فإذا قوم قد أسندوا ظهورهم إلى القبلة فقال : هكذا عن وجوه الملائكة ثم قال : لا تحولوا بين الملائكة وبين صلاتها فإن هذه الركعتين صلاة الملائكة . وأخرج أيضاً عن إبراهيم النخعي قال : كان يكرهون التساند إلى القبلة بعد ركعتي الفجر . وأخرج أحمد في مسنده عن حابس بن سعد وكانت له صحبة أنه دخل المسجد في السحر فرأى الناس يصلون في صفة المسجد فقال : إن الملائكة تصلي في السحر في مقدم المسجد ، دلت هذه الآثار على أن الملائكة تصلي في جماعتنا صلاة الفجر وتحضرها في مساجدنا ، ويرشحه ما أخرجه البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر ) يقول أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم ) وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً ( وأخرج أحمد ، والترمذي وصححه ، والنسائي ، وابن ماجه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم في قوله : ) وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً ( قال : تشهده ملائكة الليل وملائكة النهار . وأخرج ابن جرير عن ابن مسعود أنه كان يحدث أن صلاة الفجر عندها يجتمع الحرسان من ملائكة الله ويقرأ هذه الآية .
وأخرج عن قتادة قوله : ) وقرآن الفجر ( قال : ) صلاة الفجر ( وفي قوله : ) كان مشهوداً ( يقول : ملائكة الليل وملائكة النهار يشهدون تلك الصلاة . وأخرج عن إبراهيم النخعي في قوله : ) وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً ( قال : كانوا يقولون تجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر فيشهدونها جميعاً ثم يصعد هؤلاء ويقيم هؤلاء .
الدليل الخامس : ما أخرجه سعيد بن منصور ، وابن أبي شيبة ، والبيهقي في سننه عن سلمان الفارسي موقوفاً ، والبيهقي من وجه آخر عن سلمان مرفوعاً قال : ( إذا كان الرجل في ارض فأقام الصلاة صلى خلفه ملكان فإن أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة ما لا يرى طرفاه يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده ويؤمنون على دعائه ) . وأخرج سعيد بن منصور عن سعيد بن المسيب قال : ( إذا أقام الرجل الصلاة وهو في فلان من الأرض صلى خلفه ملكان فإن أذن وأقام صلى خلفه من الملائكة أمثال الجبال ) . وأخرج سعيد بن منصور عن مكحول قال : من أقام الصلاة صلى معه ملكان فإن أذن وأقام صلى خلفه سبعون ملكاً . دلت هذه الآثار على أن الملائكة يصلون خلفنا صلاتنا وذلك دليل على أنهم مكلفون بشرعنا ، ويرشح ذلك فرعان نص عليهما أصحابنا : الأول ما ذكره السبكي في الحلبيات أن الجماعة تحصل بالملائكة كما تحصل بالآدميين قال : وبعد أن قلت ذلك بحثاً رأيته منقولاً ، ففي فتاوى الحناطي من أصحابنا من صلى في فضاء من الأرض بأذان وإقامة وكان منفرداً ثم حلف أنه صلى بالجماعة هل يحنث أو لا ؟ فأجاب بأنه يكون باراً في يمينه ولا كفارة عليه لما روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( من أذن وأقام في فضاء من الأرض وصلى وحده صلت الملائكة خلفه صفوفاً ) فإذا حلف على هذا المعنى لا يحنث ، قال السبكي : وينبني على ذلك أن من ترك الجماعة لغير عذر وقلنا بأنها فرض عين هل نقول يجب القضاء كمن صلى(2/135)
"""""" صفحة رقم 136 """"""
فاقد الطهورين ؟ فإن كان كذلك فصلاة الملائكة إن قلنا بأنها كصلاة الآدميين وأنها تصير بها جماعة فقد يقال أنها تكفي لسقوط القضاء ، الفرع الثاني ، قول الأصحاب أنه يستحب للمصلي إذا سلم أن ينوي السلام على من على يمينه ويساره من ملائكة ، وإنس ، وجن .
الدليل السادس : ما أخرجه البزار عن علي قال : لما أراد الله أن يعلم رسوله الأذان أتاه جبريل بدابة يقال لها البراق فذكر الحديث إلى أن قال : خرج ملك من الحجاب فقال الملك : الله أكبر الله أكبر إلى أن قال : فقال أشهد أن محمداً رسول الله إلى أن قال : ثم أخذ الملك بيد محمد صلى الله عليه وسلّم فقدمه فأم أهل السماء فيومئذ أكمل الله لمحمد صلى الله عليه وسلّم الشرف على أهل السموات والأرض .
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن محمد بن الحنفية مثله وفيه فقال الملك : حي على الصلاة فقال الله : صدق عبدي دعا إلى فريضتي إلى أن قال : ثم قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلّم تقدم فتقدم فأم أهل السماء فتم له شرفه على سائر الخلق . في هذا دلالة على إرساله إلى الملائكة من أربعة أوجه : الأول : شهادة الملك بالرسالة مطلقاً حيث قال : أشهد أن محمداً رسول الله . الثاني : قول الله في دعاء الملك إلى الصلاة دعا إلى فريضتي فإن ذلك يدل على أنها فرضت على أهل السماء كما فرضت على أهل الأرض . الثالث : إمامته لأهل السموات وصلاة الملائكة بأسرهم خلفه وذلك دليل على اتباعهم له وكونهم من جملة أتباعه . الرابع قوله : فيومئذ أكمل الله لمحمد الشرف على أهل السموات وإكمال الشرف له ببعثه إليهم وكونهم أتباعاً له ، وكأنه في هذا الوقت أرسل إليهم ولم يكن أرسل إليهم قبل ذلك .
ويرشح ذلك أمر خامس وهو القرآن بين أهل السماء وأهل الأرض في الذكر ، فكما كان شرفه على أهل الأرض بإرساله إليهم أجمعين فكذلك شرفه على أهل السموات بإرساله إليهم أجمعين . وكذا قوله في الرواية الأخرى فتم له شرفه على سائر الخلق وسائر في اللغة بمعنى الباقي فكأن معنى الحديث أنه كان له شرف على الثقلين بإرساله إليهم ولم يكن أرسل إلى الملائكة فلما أرسل إليهم تم له الشرف على من بقي من الخلق وهم الملائكة ، وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لما أسري بي إلى السماء أذن جبريل فظنت الملائكة أنه يصلي بهم فقدمني فصليت بالملائكة ) .
الدليل السابع : ما أخرجه أبو نعيم في الحلية عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( نزل آدم بالهند واستوحش فنزل جبريل فنادى بالأذان الله أكبر الله أكبر أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمداً رسول الله مرتين ) فهذه شهادة من جبريل برسالة محمد صلى الله عليه وسلّم وعلمها لآدم فدل ذلك على أنه صلى الله عليه وسلّم رسول إلى الأنبياء والملائكة معاً .
الدليل الثامن : ما ورد من حديث عمر بن الخطاب ، وأنس ، وجابر ، وابن عباس ، وابن عمر ، وأبي الدرداء ، وأبي هريرة ، وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وسلّم أخبر أنه مكتوب على العرش وعلى كل سماء وعلى باب الجنة وعلى أوراق شجر الجنة : لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فما كتب ذلك في الملكوت إلا على دون أسماء سائر الأنبياء إلا لتشهد به الملائكة وكونه(2/136)
"""""" صفحة رقم 137 """"""
مرسلاً إليهم . وقد أخرج ابن عساكر عن كعب الأحبار أن آدم أوصى ابنه شيت فقال : كلما ذكرت الله فاذكر إلى جنبه اسم محمد فإني رأيت اسمه مكتوباً على ساق العرش وأنا بين الروح والطين ، ثم أني طرفت فلم أر في السماء موضعاً إلا رأيت اسم محمد مكتوباً عليه ، ولم أر في الجنة قصراً ولا غرفة إلا اسم محمد مكتوباً عليه ، ولقد رأيت اسم محمد مكتوباً على نحور الحور العين ، وعلى ورق قصب آجام الجنة ، وعلى ورق شجرة طوبى ، وعلى ورق سدرة المنتهى ، وعلى أطراف الحجب وبين أعين الملائكة ، فأكثر ذكره فإن الملائكة تذكره في كل ساعاتها ، فهذا يدل على أنه نبي الملائكة حيث لم تغفل عن ذكره ، واستفدنا من هذا الأثر فائدة لطيفة وهو أنه صلى الله عليه وسلّم أرسل إلى الحور العين والولدان ، ووضح بذلك أنه لم يدخل الجنة أحد ولم يستقر بها ممن خلق فيها إلا من آمن به صلى الله عليه وسلّم ، ولعل من جملة فوائد الإسراء ودخوله إلى الجنة تبليغ جميع من في السموات من الملائكة ومن في الجنان من الحور والولدان ومن في البرزخ من الأنبياء رسالته ليؤمنوا به ويصدقوه مشافهة في زمنه بعد أن كانوا مؤمنين به قبل وجوده .
الدليل التاسع : قد صرح السبكي في تأليف له بأنه صلى الله عليه وسلّم أرسل إلى جميع الأنبياء آدم فمن بعده وأنه صلى الله عليه وسلّم نبي عليهم ورسوله إلى جميعهم واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلّم : ( كنت نبياً وآدم بين الروح والجسد ) وقوله صلى الله عليه وسلّم : بعث إلى الناس كافة ، قال : ولهذا أخذ الله المواثيق له على الأنبياء كما قال الله تعالى ) وإذ أخذ الله ميثاق النبيين لما آتيتكم من كتاب وحكمة ثم جاءكم رسول مصدق لما معكم لتؤمنن به ولتنصرنه قال أأقرتم وأخذتم على ذلكم إصري قالوا أقررنا قال فاشهدوا وأنا معكم من الشاهدين ( قلت : أخرج ابن أبي حاتم عن السدي في الآية قال : لم يبعث نبي قط من لدن نوح إلا أخذ الله ميثاقه ليؤمنن بمحمد . وأخرج ابن عساكر عن ابن عباس قال : لم يزل الله يتقدم في النبي صلى الله عليه وسلّم إلى آدم فمن بعده ولم تزل الأمم تتباشر به وتستفتح به .
وأخرج الحاكم عن ابن عباس قال : أوحى الله إلى عيسى آمن بمحمد ومر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت آدم ولا الجنة ولا النار ، قال السبكي : عرفنا بالخبر الصحيح حصول الكمال من قبل خلق آدم لنبينا صلى الله عليه وسلّم من ربه سبحانه وأنه أعطاه النبوة من ذلك الوقت ثم أخذ له المواثيق على الأنبياء ليعلموا أنه المقدم عليهم أنه نبيهم ورسولهم وفي أخذ المواثيق وهي في معنى الاستخلاف ولذلك دخلت لام القسم في لتؤمنن به ولتنصرنه .
لطيفة أخرى : وهي كأنها إيمان البيعة التي تؤخذ للخلفاء ولعل إيمان الخلفاء أخذت من هنا فانظر هذا التعظيم العظيم للنبي صلى الله عليه وسلّم من ربه ، فإذا عرفت ذلك فالنبي صلى الله عليه وسلّم هو نبي الأنبياء ولهذا ظهر ذلك في الآخرة جميع الأنبياء تحت لوائه وفي الدنيا كذلك ليلة الإسراء صلى بهم ، ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم فنبوته عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له ، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه فتأخر ذلك لأمر راجع إلى وجودهم لا إلى عدم(2/137)
"""""" صفحة رقم 138 """"""
اتصافه بما يقتضيه ، وفرق بين توقف الفعل على قبول المحل وتوقفه على أهلية الفاعل ، فههنا لا توقف من جهة الفاعل ولا من جهة ذات النبي صلى الله عليه وسلّم الشريفة وإنما هو من جهة وجود العصر المشتمل عليه ، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك . ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته ويتعلق به ما فيها من أمر ونهي كما يتعلق بسائر الأمة وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء ، وكذلك لو بعث النبي صلى الله عليه وسلّم في زمانه أو في زمان موسى ، وإبراهيم ، ونوح ، وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم والنبي صلى الله عليه وسلّم نبي عليهم ورسول إلى جميعهم ، فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ومتفق مع شرائعهم في الأصول لأنها لا تختلف وتقدم شريعته فيما عساه يقع الاختلاف فيه من الفروع إما على سبيل التخصيص وإما على سبيل النسخ أو لا نسخ ولا تخصيص ، بل تكون شريعة النبي صلى الله عليه وسلّم في تلك الأوقات بالنسبة إلى أولئك الأمم ما جاءت به أنبياؤهم ، وفي هذا الوقت بالنسبة إلى هذه الأمة هذه الشريعة ، والأحكام تختلف باختلاف الأشخاص والأوقات ، انتهى كلام السبكي قلت : ويدل لكونه مرسلاً إلى الأنبياء ما ورد من حديث عبادة بن الصامت ، وجابر بن عبد الله مرفوعاً ( كان نقش خاتم سليمان بن داود لا إله إلا الله محمد رسول الله ) فهذا فيه إشارة إلى أنهم من أتباعه ، وهذا التقرير الذي قرره السبكي قد أشار إليه الشرف البوصيري وقد مات قبل مولد السبكي بقوله في البردة :
وكل آي أتى الرسل الكرام بها
فإنما اتصلت من نوره بهم
فإنه شمس فضل هم كواكبها
يظهرون أنوارها للناس في الظلم
إذا تقرر أنه صلى الله عليه وسلّم كان نبي الأنبياء ورسولاً إليهم وقد قامت الأدلة على أن الأنبياء أفضل من الملائكة لزم أن يكون مرسلاً إلى الملائكة وأن يكونوا من جملة أتباعه بطريق الأولى .
الدليل العاشر : أنه صلى الله عليه وسلّم أعطى من الملائكة أموراً لم يعطها أحد من الأنبياء ، منها قتالهم معه ، ومنها مشيهم خلف ظهره إذا مشى ، وذلك يدل على أنهم من جملة أتباعه وداخلون في شرعه ، ومن كلام الرافعي في خطبة المحرر : واخدمته الملائك ، وقال ابن عباس في قوله تعالى : ) له معقبات من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله ( هذه للنبي صلى الله عليه وسلّم خاصة والمعقبات الملائكة يحفظون محمداً صلى الله عليه وسلّم أخرجه ابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والطبراني ، وابن مردويه ، وأبو نعيم في الدلائل ، ومنها ما ورد في الحديث : ( أن الله أيدني بأربعة وزراء إثنين من أهل السماء جبريل وميكائيل واثنين من أهل الأرض أبي بكر وعمر ) والوزير من أتباع الملك ضرورة فجبريل وميكائيل رؤوس أهل ملته من الملائكة ، كما أن أبا بكر وعمر رؤوس أهل ملته من بني آدم ، ومنها أنه لما مات صلى الله عليه وسلّم صلى عليه الملائكة بأسرهم لم يتخلف منهم أحد ولم يقع ذلك لغيره من الأنبياء ؛ ومنها أن الملائكة يسألون الموتى في قبورهم عنه صلى الله عليه وسلّم ولم يكن ذلك لأحد من الأنبياء سواه . ومنها أن الملائكة تحضر أمته إذا قاتلت العدو في سبيل الله لنصرة دينه وهذه خصيصة مستمرة إلى يوم القيامة ، ومنها أن جبريل عليه السلام يحضر من مات من أمته ليطرد عنه الشيطان في(2/138)
"""""" صفحة رقم 139 """"""
تلك الحالة ، ومنها أن الملائكة تنزل في كل سنة ليلة القدر على أمته وتسلم عليهم ، ومنها أنها أعطيت قراءة سورة الفاتحة من كتابه ولم تعط قراءة شيء من سائر الكتب وهي حريصة على سماع بقية القرآن من الإنس دون سائر الكتب ، ومنها أنه نزل إليه صلى الله عليه وسلّم في حياته من الملائكة ما لم ينزل إلى الأرض منذ خلق كإسرافيل ، ومنها أن ملك الموت استأذن عليه ولم يستأذن على نبي قبله ، ومنها أنه وكل بقبره الشريف ملك يبلغه سلام من يصلي عليه ، ومنها أنه ينزل على قبره الشريف كل يوم سبعون ألف ملك يضربونه بأجنحتهم ويحفون به ويستغفرون له ويصلون عليه كل يوم إلى أن يمسوا فإذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألف ملك كذلك حتى يصبحوا إلى أن تقوم الساعة ، فإذا كان يوم القيامة خرج صلى الله عليه وسلّم في سبعين ألف ملك أخرجه ابن المبارك في الزهد عن كعب الأحبار .
خاتمة : في كشف الأسرار لابن العماد حكاية أن آدم عليه السلام أرسل إلى الملائكة لينبئهم بما علم من الأسماء فإن صح ذلك كان أحد الأدلة على إرساله صلى الله عليه وسلّم إليهم لأنه ما أوتي نبي فضيلة إلا أوتي نبيناً صلى الله عليه وسلّم مثلها أو نظيرها . وهذه القاعدة كالمجمع عليها ، وممن نص عليها الإمام الشافعي رضي الله عنه ، والحمد لله وحده .
أنباء الأذكياء بحياة الأنبياء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وقع السؤال قد اشتهر أن النبي صلى الله عليه وسلّم حي في قبره وورد أنه صلى الله عليه وسلّم قال : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله عليّ روحي حتى أرد عليه السلام ) فظاهره مفارقة الروح [ له ] في بعض الأوقات فكيف الجمع ؟ وهو سؤال حسن يحتاج إلى النظر والتأمل .
فأقول حياة النبي صلى الله عليه وسلّم في قبره هو وسائر الأنبياء معلومة عندنا علماً قطعياً لما قام عندنا من الأدلة في ذلك وتواترت [ به ] الأخبار ، وقد ألف البيهقي جزءاً في حياة الأنبياء في قبورهم ، فمن الأخبار الدالة على ذلك ما أخرجه مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلّم ليلة أسري به مر بموسى عليه السلام وهو يصلي في قبره ، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلّم مر بقبر بموسى عليه السلام وهو يصلي فيه ، وأخرج أبو يعلى في مسنده ، والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن يوسف بن عطية قال سمعت ثابتاً البناني يقول لحميد الطويل : هل بلغك أن أحداً يصلي في قبره إلا الأنبياء ؟ قال : لا ، وأخرج أبو داود ، والبيهقي عن أوس بن أوس الثقفي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : ( من أفضل أيامكم يوم الجمعة فأكثروا علي الصلاة فيه فإن صلاتكم تعرض علي ، قالوا : يا رسول الله وكيف تعرض عليك صلاتنا وقد أرمت ؟ يعني بليت فقال : إن الله حرم على الأرض أن تأكل أجسام الأنبياء )(2/139)
"""""" صفحة رقم 140 """"""
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان ، والأصبهاني في الترغيب عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من صلى عليّ عند قبري سمعته ومن صلى عليّ نائياً بلغته ) .
وأخرج البخاري في تاريخه عن عمار سمعت النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : ( إن لله تعالى ملكاً أعطاه اسماع الخلائق قائم على قبري فما من أحد يصلي علي صلاة إلا بلغتها ) . وأخرج البيهقي في حياة الأنبياء ، والأصبهاني في الترغيب عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من صلى علي مائة في يوم الجمعة وليلة الجمعة قضى الله له مائة حاجة سبعين من حوائج الآخرة وثلاثين من حوائج الدنيا ثم وكل الله بذلك ملكاً يدخله علي في قبري كما يدخل عليكم الهدايا إن علمي بعد موتي كعلمي في الحياة ) ولفظ البيهقي : ( يخبرني من صلى علي باسمه ونسبه فأثبته عندي في صحيفة بيضاء ) وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله حتى ينفخ في الصور ) . وروى سفيان الثوري في الجامع قال : قال شيخ لنا عن سعيد بن المسيب قال : ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين حتى يرفع . قال : البيهقي : فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله ، ثم قال البيهقي : ولحياة الأنبياء بعد موتهم شواهد فذكر قصة الإسراء في لقيه جماعة من الأنبياء وكلمهم وكلموه . وأخرج حديث أبي هريرة في الإسراء وفيه وقد رأيتني في جماعة من الأنبياء فإذا موسى قائم يصلي فإذا رجل ضرب جعد كأنه من رجال شنوءة وإذا عيسى ابن مريم قائم يصلي وإذا إبراهيم قائم يصلي أشبه الناس به صاحبكم يعني نفسه فحانت الصلاة فأممتهم .
وأخرج حديث أن الناس يصعقون فأكون أول من يفيق ، وقال : هذا إنما يصح على أن الله رد على الأنبياء أرواحهم وهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، فإذا نفخ في الصور النفخة الأولى صعقوا فيمن صعق ثم لا يكون ذلك موتاً في جميع معانيه إلا في ذهاب الاستشعار انتهى . وأخرج أبو يعلى عن أبي هريرة سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( والذي نفسي بيده لينزلن عيسى ابن مريم ثم لئن قام على قبري فقال يا محمد لأجيبنه ) . وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن سعيد بن المسيب قال : لقد رأيتني ليالي الحرة وما في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلّم غيري وما يأتي وقت صلاة إلا سمعت الأذان من القبر .
وأخرج الزبير بن بكار في أخبار المدينة عن سعد بن المسيب قال : لم أزل أسمع الأذان والإقامة في قبر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أيام الحرة حتى عاد الناس ، وأخرج ابن سعد في الطبقات عن سعيد بن المسيب أنه كان يلازم المسجد أيام الحرة والناس يقتتلون قال : فكنت إذا حانت الصلاة أسمع أذاناً يخرج من قبل القبر الشريف ، وأخرج الدارمي في مسنده قال : أنبأنا مروان بن محمد عن سعيد بن عبد العزيز قال : لما كان أيام الحرة لم يؤذن في مسجد النبي صلى الله عليه وسلّم ثلاثاً ولم يقم ولم يبرح سعيد بن المسيب المسجد وكان لا يعرف وقت الصلاة إلا بهمهمة يسمعها من قبر النبي صلى الله عليه وسلّم معناه . فهذه الأخبار دالة على حياة النبي صلى الله عليه وسلّم وسائر الأنبياء وقد قال تعالى في الشهداء : ) ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند(2/140)
"""""" صفحة رقم 141 """"""
ربهم يزرقون } والأنبياء أولى بذلك فهم أجل وأعظم وما نبي إلا وقد جمع مع النبوة وصف الشهادة فيدخلون في عموم لفظ الآية .
وأخرج أحمد ، وأبو يعلى ، والطبراني ، والحاكم في المستدرك ، والبيهقي في دلائل النبوة عن ابن مسعود قال : لأن أحلف تسعاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قتل قتلاً أحب إليّ من أن أحلف واحدة أنه لم يقتل وذلك أن الله اتخذه نبياً واتخذه شهيداً . وأخرج البخاري ، والبيهقي عن عائشة قالت : كان النبي صلى الله عليه وسلّم يقول في مرضه الذي توفي فيه : لم أزل أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر فهذا أوان انقطع أبهري من ذلك السم ، فثبت كونه صلى الله عليه وسلّم حياً في قبره بنص القرآن إما من عموم اللفظ وإما من مفهوم الموافقة ، قال البيهقي في كتاب الإعتقاد : الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقال القرطبي في التذكرة في حديث الصعقة نقلاً عن شيخه : الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال ، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا ، وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى ، وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه صلى الله عليه وسلّم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء ورأى موسى قائماً يصلي في قبره وأخبر صلى الله عليه وسلّم بأنه يرد السلام على كل من يسلم عليه ، إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياء وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياء ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله بكرامته من أوليائه انتهى ، وسئل البارزي عن النبي صلى الله عليه وسلّم هل هو حي بعد وفاته ؟ فأجاب إنه صلى الله عليه وسلّم حي .
قال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي الفقيه الأصولي شيخ الشافعية في أجوبة مسائل الجاجرميين قال : المتكلمون المحققون من أصحابنا أن نبينا صلى الله عليه وسلّم حي بعد وفاته وأنه يسر بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم ، وأنه تبلغه صلاة من يصلي عليه من أمته وقال : إن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئاً ، وقد مات موسى في زمانه وأخبر نبينا صلى الله عليه وسلّم أنه رآه في قبره مصلياً ، وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء الرابعة وأنه رأى آدم في السماء الدنيا ورأى إبراهيم وقال له مرحباً بالابن الصالح ، والنبي الصالح وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا نبينا صلى الله عليه وسلّم قد صار حياً بعد وفاته وهو على نبوته ، هذا آخر كلام الأستاذ .
وقال الحافظ شيخ السنة أبو بكر البيهقي في كتاب الإعتقاد : الأنبياء عليهم السلام بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلّم جماعة منهم وأمهم في الصلاة وأخبر وخبره صدق أن صلاتنا معروضة عليه وان سلامنا يبلغه وأن الله حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء قال : وقد أفردنا لإثبات حياتهم كتاباً قال : وهو بعد ما قبض نبي الله ورسوله وصفيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وسلّم اللهم أحينا على سننه وأمتنا على ملته واجمع بيننا وبينه في الدنيا والآخرة إنك على كل شيء قدير ، انتهى جواب البارزي .(2/141)
"""""" صفحة رقم 142 """"""
وقال الشيخ عفيف الدين اليافعي : الأولياء ترد عليهم أحوال يشاهدون فيها ملكوت السموات والأرض وينظرون الأنبياء أحياء غير أموات كما نظر النبي صلى الله عليه وسلّم إلى موسى عليه السلام في قبره ، قال : وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي ، قال : ولا ينكر ذلك إلا جاهل ، ونصوص العلماء في حياة الأنبياء كثيرة فلنكتف بهذا القدر .
فصل : وأما الحديث الآخر فأخرجه أحمد في مسنده ، وأبو داود في سننه . والبيهقي في شعب الإيمان من طريق أبي عبد الرحمن المقري عن حيوة بن شريح عن أبي صخر عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ما من أحد يسلم عليّ إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام ، ولا شك أن ظاهر هذا الحديث مفارقة الروح لبدنه الشريف في بعض الأوقات وهو مخالف للأحاديث السابقة وقد تأملته ففتح علي في الجواب عنه بأوجه : الأول : وهو أضعفها أن يدعي أن الراوي وهم في لفظة من الحديث حصل بسببها الإشكال وقد ادعى ذلك العلماء في أحاديث كثيرة ولكن الأصل خلاف ذلك فلا يعول على هذه الدعوى . الثاني : وهو أقواها ولا يدركه إلا ذو باع في العربية أن قوله رد الله جملة حالية وقاعدة العربية أن جملة الجال إذا وقعت فعلاً ماضياً قدرت فيها قد كقوله تعالى : ) أو جاءُوكم حصرت صدورهم ( أي قد حصرت وكذا تقدر هنا والجملة ماضية سابقة على السلام الواقع من كل أحد وحتى ليست للتعليل بل مجرد حرف عطف بمعنى الواو فصار تقدير الحديث ما من أحد يسلم علي إلا قد رد الله علي روحي قبل ذلك فأرد عليه ، وإنما جاء الإشكال من ظن أن جملة رد الله علي بمعنى الحال أو الاستقبال وظن أن حتى تعليلية وليس كذلك ، وبهذا الذي قررناه ارتفع الإشكال من أصله وأيده من حيث المعنى أن الرد ولو أخذ بمعنى الحال والاستقبال لزم تكرره عند تكرر المسلمين ، وتكرر الرد يستلزم تكرار المفارقة ، وتكرار المفارقة يلزم عليه محذوران : أحدهما تأليم الجسد الشريف بتكرار خروج الروح منه أو نوع ما من مخالفة التكريم إن لم يكن تأليم ، والآخر مخالفة سائر الناس الشهداء وغيرهم فإنه لم يثبت لأحد منهم أن يتكرر له مفارقة الروح وعودها في البرزخ والنبي صلى الله عليه وسلّم أولى بالاستمرار الذي هو أعلى رتبة ، ومحذور ثالث وهو مخالفة القرآن فإنه دل على أنه ليس إلا موتتان وحياتان وهذا التكرار يستلزم موتات كثيرة وهو باطل ، ومحذور رابع وهو مخالفة الأحاديث المتواتر السابقة وما خالف القرآن والمتواترة من السنة وجب تأويله وإن لم يقبل التأويل كان باطلاً فلهذا وجب حمل الحديث على ما ذكرناه ، الوجه الثاني : أن يقال أن لفظ الرد قد لا يدل على المفارقة بل كنى به عن مطلق الصيرورة كما قيل في قوله تعالى حكاية عن شعيب عليه السلام : ) قد افترينا على الله كذباً إن عدنا في ملتكم ( أن لفظ العود أريد به مطلق الصيرورة لا العود بعد انتقال لأن شعيباً عليه السلام لم يكن في ملتهم قط ، وحسن استعمال هذا اللفظ في هذا الحديث مراعاة المناسبة اللفظية بينه وبين قوله حتى أرد عليه السلام فجاء لفظ الرد في صدر الحديث لمناسبة ذكره في آخر الحديث(2/142)
"""""" صفحة رقم 143 """"""
الوجه الثالث : وهو قوي جداً أنه ليس المراد برد الروح عودها بعد المفارقة للبدن وإنما النبي صلى الله عليه وسلّم في البرزخ مشغول بأحوال الملكوت مستغرق في مشاهدة ربه كما كان في الدنيا في حالة الوحي وفي أوقات أخر ، فعبر عن إفاقته من تلك المشاهدة وذلك الاستغراق برد الروح ونظير هذا قول العلماء في اللفظة التي وقعت في بعض أحاديث الإسراء وهي قوله : فاستيقظ وأنا بالمسجد الحرام ليس المراد الاستيقاظ من نوم فإن الإسراء لم يكن مناماً وإنما المراد الإفاقة مما خامره من عجائب الملكوت وهذا الجواب الآن عندي أقوى ما يجاب به عن لفظة الرد وقد كنت رجحت الثاني ثم قوي عندي هذا .
الوجه الرابع : أن يقال : أن الرد يستلزم الاستمرار لأن الزمان لا يخلو من مصلٍّ عليه أقطار الأرض فلا يخلو من كون الروح في بدنه : السادس : قد يقال إنه أوحي إليه بهذا الأمر أولاً قبل أن يوحى إليه بأنه يزال حياً في قبره فأخبر به ثم أوحي إليه بعد ذلك ، فلا منافاة لتأخير الخبر الثاني عن الخبر الأول هذا ما فتح الله به من الأجوبة ولم أر شيئاً منها منقولاً لأحد ثم بعد كتابتي لذلك راجعت كتاب الفجر المنير فيما فضل به البشير النذير للشيخ تاج الدين بن الفاكهاني المالكي فوجدته قال فيه ما نصه : روينا في الترمذي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام ) يؤخذ من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم حي على الدوام وذلك أنه محال عادة أن يخلو الوجود كله من واحد مسلم على النبي صلى الله عليه وسلّم في ليل أو نهار فإن قلت : قوله عليه السلام : ( إلا رد الله إلي روحي ) لا يلتئم مع كونه حياً على الدوام بل يلزم منه أن تتعدد حياته ووفاته في أقل من ساعة إذ الوجود لا يخلو من مسلم يسلم عليه كما تقدم بل يتعدد السلام عليه في الساعة الواحدة كثيراً . فالجواب : والله أعلم أن يقال : المراد بالروح هنا النطق مجازاً فكأنه قال عليه السلام إلا رد الله إلي نطقي وهو حي على الدوام ، لكن لا يلزم من حياته نطقه ف الله سبحانه يرد عليه النطق عند سلام كل مسلم ، وعلاقة المجاز أن النطق من لازمه وجود الروح ، كما أن الروح من لازمه وجود النطق بالفعل أو القوة ، فعبر عليه السلام بأحد المتلازمين عن الآخر ، ومما يحقق ذلك أن عود الروح لا يكون إلا مرتين عملاً بقوله تعالى : ) قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين ( هذا لفظ كلام الشيخ تاج الدين ، وهذا الذي ذكره من الجواب ليس واحداً من الستة التي ذكرتها فهو إن سلم جواب سابع وعندي فيه وقفة من حيث أن ظاهرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم مع كونه حياً في البرزخ يمنع عنه النطق في بعض الأوقات ويرد عليه عند سلام المسلم عليه وهذا بعيد جداً بل ممنوع ، فإن العقل والنقل يشهدان بخلافه ، أما النقل فالأخبار الواردة عن حاله صلى الله عليه وسلّم وحال الأنبياء عليهم السلام في البرزخ مصرحة بأنهم ينطقون كيف شاؤوا لا يمنعون من شيء ، بل وسائر المؤمنين كذلك الشهداء وغيرهم ينطقون في البرزخ بما شاؤوا غير ممنوعين من شيء ، ولم يرد أن أحداً يمنع من النطق في البرزخ إلا من مات عن غير وصية ، أخرج أبو الشيخ بن حيان في كتاب(2/143)
"""""" صفحة رقم 144 """"""
الوصايا عن قيس بن قبيصة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من لم يوص لم يؤذن له في الكلام مع الموتى ، قيل : يا رسول الله وهل تتكلم الموتى ؟ قال نعم ويتزاورون ) .
وقال الشيخ تقي الدين السبكي : حياة الأنبياء ، والشهداء في القبر كحياتهم في الدنيا ويشهد له صلاة موسى في قبره ، فإن الصلاة تستدعي جسداً حياً ، وكذلك الصفات المذكورة في الأنبياء ليلة الإسراء كلها صفات الأجسام ولا يلزم من كونها حياة حقيقة أن تكون الأبدان معها كما كانت في الدنيا من الاحتياج إلى طعام والشراب . وأما الإدراكات كالعلم والسماع فلا شك أن ذلك ثابت لهم ولسائر الموتى انتهى ، وأما العقل فلأن الحبس عن النطق في بعض الأوقات نوع حصر وتعذيب ولهذا عذب به تارك الوصية والنبي صلى الله عليه وسلّم منزه عن ذلك ، ولا يلحقه بعد وفاته حصر أصلاً بوجه من الوجوه كما قال لفاطمة رضي الله عنها في مرض وفاته : ( لا كرب على أبيك بعد اليوم ) وإذا كان الشهداء وسائر المؤمنين من أمته إلا من استثنى من المعذبين لا يحصرون بالمنع من النطق فكيف به صلى الله عليه وسلّم ، نعم يمكن أن ينتزع من كلام الشيخ تاج الدين جواب آخر ويقرر بطريق أخرى وهو أن يراد بالروح النطق وبالرد الاستمرار من غير مفارقة على حد ما قررته في الوجه الثالث ويكون في الحديث على هذا مجازان : مجاز في لفظ الرد ، ومجاز في لفظ الروح ، فالأول استعارة تبعية ، والثاني مجاز مرسل ، وعلى ما قررته في الوجه الثالث يكون فيه مجاز واحد في الرد فقط ، ويتولد من هذا الجواب آخر وهو أن تكون الروح كتابة عن السمع ، ويكون المراد أن الله يرد عليه سمعه الخارق للعادة بحيث يسمع المسلم وأن بعد قطره ويرد عليه من غير احتياج إلى واسطة مبلغ ، وليس المراد سمعه المعتاد وقد كان له صلى الله عليه وسلّم في الدنيا حالة يسمع فيها سمعاً خارقاً للعادة بحيث كان يسمع أطيط السماء كما بينت ذلك في كتاب المعجزات ، وهذا قد ينفك في بعض الأوقات ويعود لا مانع منه وحالته صلى الله عليه وسلّم في البرزخ كحالته في الدنيا سواء .
وقد يخرج من هذا جواب آخر وهو أن المراد سمعه المعتاد ويكون المراد برده إفاقته من الاستغراق الملكوتي وما هو فيه من المشاهدة فيرده الله تلك الساعة إلى خطاب من سلم عليه في الدنيا ، فإذا فرغ من الرد عليه عاد إلى ما كان فيه ، ويخرج من هذا جواب آخر وهو أن المراد برد الروح التفرغ من الشغل وفراغ البال مما هو بصدده في البرزخ من النظر في أعمال أمته والاستغفار لهم من السيئات ، والدعاء بكشف البلاء عنهم ، والتردد في أقطار الأرض لحلول البركة فيها ، وحضور جنازة من مات من صالح أمته ، فإن هذه الأمور من جملة أشغاله في البرزخ كما وردت بذلك الأحاديث والآثار ، فلما كان السلام عليه من أفضل الأعمال وأجل القربات اختص المسلم عليه بأن يفرغ له من أشغاله المهمة لحظة يرد عليه فيها تشريفاً له ومجازاة فهذه عشرة أجوبة كلها من استنباطي ، وقد قال الجاحظ : إذا نكح الفكر الحفظ ولد العجائب ، ثم ظهر لي جواب حادي عشر وهو أنه ليس المراد بالروح روح الحياة بل الارتياح كما في قوله تعالى : ) فروح وريحان ( فإنه قرىء فروح بضم الراء والمراد أنه صلى الله عليه وسلّم يحصل له بسلام المسلم عليه ارتياح وفرح وهشاشة لحبه ذلك(2/144)
"""""" صفحة رقم 145 """"""
فيحمله ذلك على أن يرد عليه ، ثم ظهر لي جواب ثاني عشر وهو أن المراد بالروح الرحمة الحادثة من ثواب الصلاة ، قال ابن الأثير في النهاية : تكرر ذكر الروح في الحديث كما تكرر في القرآن ووردت فيه على معان والغالب منها أن المراد بالروح الذي يقوم به الجسد وقد أطلق على القرآن ، والوحي ، والرحمة ، وعلى جبريل انتهى .
وأخرج ابن المنذر في تفسيره عن الحسن البصري أنه قرأ قوله تعالى : ) فروح وريحان ( بالضم وقال : الروح الرحمة ، وقد تقدم في حديث أنس أن الصلاة تدخل عليه صلى الله عليه وسلّم في قبره كما يدخل عليكم بالهدايا والمراد ثواب الصلاة وذلك رحمة الله وإنعاماته ، ثم ظهر لي جواب ثالث عشر وهو أن المراد بالروح الملك الذي وكل بقبره صلى الله عليه وسلّم يبلغه السلام ، والروح يطلق على غير جبريل أيضاً من الملائكة ، قال الراغب : أشراف الملائكة تسمى أرواحاً انتهى ومعنى رد الله إلي روحي أي بعث إلي الملك الموكل بتبليغي السلام هذا غاية ما ظهر والله أعلم .
تنبيه : وقع في كلام الشيخ تاج الدين أمران يحتاجان إلى التنبيه عليهما ، أحدهما أنه عزا الحديث إلى الترمذي وهو غلط فلم يخرجه من أصحاب الكتب الستة إلا أبو داود فقط كما ذكره الحافظ جمال الدين المزي في الأطراف ، الثاني أنه أورد الحديث بلفظ رد الله علي وهو كذلك في سنن أبي داود . ولفظ رواية البيهقي رد الله إلي [ روحي ] وهي ألطف وأنسب فإن بين التعديتين فرقاً لطيفاً ، فإن رد يتعدى بعلى في الإهانة وبإلى في الإكرام قال في الصحاح : رد عليه الشيء إذا لم يقبله وكذلك إذا خطأه ، ويقول رده إلى منزله ورد إليه جواباً الراغب من الأول : قوله تعالى : ) بردوكم على أعقابكم ( ) ردوها علي ( ) ونرد على أعقابنا ( ومن الثاني : ) فرددناه إلى أمه ( ) ولئن رُددت إلى ربي لأجدن خيراً منها منقلباً ( ) ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة ( ) ثم ردوا إلى الله مولاهم الحق ( .
فصل : قال الراغب : من معاني الرد التفويض ، يقال : رددت الحكم في كذا إلى فلان أي فوضته إليه ، قال تعالى : ) فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول ( ) ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم ( انتهى ، ويخرج من هذا جواب رابع عشر عن الحديث وهو أن المراد فوض الله إلي رد السلام عليه على أن المراد بالروح الرحمة والصلاة من الله الرحمة ، فكان المسلم بسلامه تعرض لطلب صلاة من الله تحقيقاً لقوله صلى الله عليه وسلّم : ( من صلى عليّ واحدة صلى الله عليه عشراً ) والصلاة من الله الرحمة ، ففوض الله أمر هذه الرحمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليدعو بها للمسلم فتحصل إجابته قطعاً ، فتكون الرحمة الحاصلة للمسلم إنما هي ببركة دعاء النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم له وسلامه عليه ، وينزل ذلك منزلة الشفاعة في قبول سلام المسلم والإثابة عليه ، وتكون الإضافة في روحي لمجرد الملابسة ، ونظيره قوله في حديث الشفاعة : ( فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ينتهي إلى محمد ) وفي حديث الإسراء : ( لقيت ليلة أسري بي إبراهيم(2/145)
"""""" صفحة رقم 146 """"""
وموسى وعيسى فتذاكروا أمر الساعة فردوا أمرهم إلى إبراهيم فقال : لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى موسى فقال : لا علم لي بها فردوا أمرهم إلى عيسى ) .
والحاصل أن معنى الحديث على هذا الوجه إلا فوض الله إلي أمر الرحمة التي تحصل للمسلم بسببي فأتولى الدعاء بها بنفسي بأن أنطلق بلفظ السلام على وجه الرد عليه في مقابلة سلامه والدعاء له ، ثم ظهر لي جواب خامس عشر وهو أن المراد بالروح الرحمة التي في قلب النبي صلى الله عليه وسلّم على أمته والرأفة التي جبل عليها ، وقد يغضب في بعض الأحيان على من عظمت ذنوبه أو انتهك محارم الله ، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلّم سبب لمغفرة الذنوب كما في حديث : ( إذن تكفي همك ويغفر ذنبك ) فأخبر صلى الله عليه وسلّم أنه ما من أحد يسلم عليه وإن بلغت ذنوبه ما بلغت إلا رجعت إليه الرحمة التي جبل عليها حتى يرد عليه السلام بنفسه ، ولا يمنعه من الرد عليه ما كان منه قبل ذلك من ذنب ، وهذه فائدة نفيسة وبشرى عظيمة ، وتكون هذه فائدة زيادة من الاستغراقية في أحد المنفى الذي هو ظاهر في الاستغراق قبل زيادتها نص فيه بعد زيادتها بحيث انتفى بسببها أن يكون من العام المراد به الخصوص .
هذا آخر ما فتح الله به الآن من الأجوبة وإن فتح بعد ذلك بزيادة ألحقناها والله الموفق عنه وكرمه ، ثم بعد ذلك رأيت الحديث المسئول عنه مخرجاً في كتاب حياة الأنبياء للبيهقي بلفظ : ( إلا وقد رد الله علي روحي ) فصرح فيه بلفظ ( وقد ) فحمدت الله كثيراً وقوي أن رواية اسقاطها محمولة على إضمارها وأن حذفها من تصرف الرواة وهو الأمر الذي جنحت إليه في الوجه الثاني من الأجوبة ، وقد عدت الآن إلى ترجيحه لوجود هذه الرواية فهو أقوى الأجوبة ، ومراد الحديث عليه الأخبار بأن الله يرد إليه روحي بعد الموت فيصير حياً على الدوام حتى لو سلم عليه أحد رد عليه سلامه لوجود الحياة ، فصار الحديث موافقاً للأحاديث الواردة في حياته في قبره ، وواحداً من جملتها لا منافياً لها البتة بوجه من الوجوه ولله الحمد والمنة وقد قال بعض الحفاظ : لو لم نكتب الحديث من ستين وجهاً ما عقلناه وذلك لأن الطرق يزيد بعضها على بعض تارة في ألفاظ المتن ، وتارة في الإسناد ، فيستبين بالطريق المزيد ما خفي في الطريق الناقصة والله تعالى أعلم .
كتاب الإعلام بحكم عيسى عليه السلام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وبعد فقد ورد علي سؤال يوم الخميس سادس جمادى الأولى سنة ثمان وثمانين وثمانمائة صورته المسئول الجواب عما يذكر وهو أن عيسى عليه السلام حين ينزل في آخر الزمان بماذا يحكم في هذه الأمة بشرع نبيناً أو بشرعه ؟ وإذا قلتم إنه يحكم بشرع نبينا فكيف طريق حكمه به أبمذهب من المذاهب الأربعة المتقررة أو باجتهاد منه ؟ وإذا قلتم بمذهب من المذاهب الأربعة فبأي مذهب هو ؟ وإذا قلتم(2/146)
"""""" صفحة رقم 147 """"""
بالاجتهاد فبأي طريق تصل إليه الأدلة التي يستنبط منها الأحكام أبالنقل الذي هو من خصائص هذه الأمة أو بالوحي ؟ وإذا قلتم بالنقل فكيف طريق معرفته صحيح السنة من سقيمها أبحكم الحفاظ عليه أو بطريق آخر ؟ وإذا قلتم بالوحي فأي وحي هو أوَحي إلهام أو بتنزيل ملك فإذا كان بالثاني فأي ملك وكيف حكمه في أموال بيت المال وأراضيه وما صدر فيها من الأوقاف أيقر ذلك على ما هو الآن أو يحكم فيه بغير ذلك ؟ .
وأقول : قد ورد علي هذا السؤال من مدة تقارب شهرين وذلك يوم الجمعة رابع عشري ربيع الأول من هذه السنة جاءني رجل من أهل العلم ممن أخذ العلم عن والدي فسألني عن أشياء من جملتها هذا السؤال وأجبته عنه بجواب مختصر ، ومن جملة ما سألني عنه في ذلك المجلس قصة استحياء الملائكة من عثمان وأخرجت له في ذلك حديثين غريبين خرجتهما من تاريخ ابن عساكر وأوردتهما في كتاب تاريخ الخلفاء في ترجمة عثمان بن غفار رضي الله عنه ، وها أنا ذاكر في هذه الأوراق جواب هذا السؤال على طريق البسط ذاكراً في كل كلمة أوردها مستندي فيها من الأحاديث والآثار وكلام العلماء ، فقول السائل بماذا يحكم في هذه الأمة بشرع نبينا أو بشرعه ؟ جوابه : أنه يحكم بشرع نبينا لا بشرعه ، نص على ذلك العلماء ووردت به الأحاديث وانعقد عليه الإجماع ، فمن جملة نصوص العلماء في ذلك قول الخطابي في معالم السنن عند ذكر حديث أن عيسى يقتل الخنزير : فيه دليل على وجوب قتل الخنازير وبيان أن أعيانها نجسة وذلك لأن عيسى عليه السلام إنما يقتل الخنزير على حكم شريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم لأن نزوله إنما يكون في آخر الزمان وشريعة الإسلام باقية ، ومن ذلك قول النووي في شرح مسلم : ليس المراد بنزول عيسى أنه ينزل بشرع ينسخ شرعنا ولا في الأحاديث شيء من هذا بل صحت الأحاديث بأنه ينزل حكماً مقسطاً يحكم بشرعنا ويحيي من أمور شرعنا ما هجره الناس .
ومن الأحاديث الواردة في ذلك ما أخرجه أحمد ، والبزار ، والطبراني من حديث سمرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( ينزل عيسى ابن مريم مصدقاً بمحمد صلى الله عليه وسلّم وعلى ملته فيقتل الدجال ثم وإنما هو قيام الساعة ) . وأخرج الطبراني في الكبير ، والبيهقي في البعث بسند جيد عن عبد الله بن مغفل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يلبث الدجال فيكم ما شاء الله ثم ينزل عيسى ابن مريم مصدقاً بمحمد وعلى ملته إماماً مهدياً وحكماً عدلاً فيقتل الدجال ) . وأخرج ابن حبان في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ينزل عيسى ابن مريم فيؤمهم فإذا رفع رأسه من الركعة قال سمع الله لمن حمده قتل الله الدجال وأظهر المؤمنين ) .
ووجه الاستدلال من هذا الحديث أن عيسى يقول في صلاته يومئذ سمع الله لمن حمده وهذا الذكر في الاعتدال من خواص صلاة هذه الأمة كما ورد في حديث ذكرته في كتاب المعجزات والخصائص ، وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال : ( يهبط المسيح ابن مريم فيصلي الصلوات ويجمع الجمعع ) فهذا صريح في أنه ينزل بشرعنا لأن مجموع الصلوات(2/147)
"""""" صفحة رقم 148 """"""
الخمس وصلاة الجمعة لم يكونا في غير هذه الملة ، وأخرج ابن عساكر من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها ؟ ) .
وأخرج ابن عساكر أيضاً من حديث ابن عساكر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( كيف تهلك أمة أنا أولها وعيسى ابن مريم آخرها والمهدي من أهل بيتي في وسطها ؟ ) وقول السائل : وإذا قلتم أنه يحكم بشرع نبينا فكيف طريق حكمه به أبمذهب من المذاهب الأربعة المقررة أو باجتهاد منه ؟ هذا السؤال عجب من سائله وأشد عجباً منه قوله فيه : بمذهب من المذاهب الأربعة فهل خطر ببال السائل أن المذاهب في هذه الملة الشريفة منحصرة في أربعة والمجتهدون من الأمة لا يحصون كثرة وكل له مذهب من الصحابة ، والتابعين ، واتباع التابعين وهلم جرا ، وقد كان في السنن الخوالي نحو عشرة مذاهب مقلدة أربابها مدونة كتبها وهي الأربعة المشهورة . ومذهب سفيان الثوري ، ومذهب الأوزاعي ، ومذهب الليث بن سعد ، ومذهب إسحاق بن راهويه ، ومذهب ابن جرير ، ومذهب داود وكان لكل من هؤلاء أتباع يفتون بقولهم ويقضون وإنما انقرضوا بعد الخمسمائة لموت العلماء وقصور الهمم فالمذاهب كثيرة فلأي شيء خصص السائل المذاهب الأربعة ؟ ثم كيف يظن بنبي أنه يقلد مذهباً من المذاهب والعلماء يقولون إن المجتهد لا يقلد مجتهداً ، فإذا كان المجتهد من آحاد الأمة لا يقلد فكيف يظن بالنبي أنه يقلد ؟ فإن قلت : فتعين حينئذ القول بأنه يحكم بالاجتهاد قلت : لا لم يتعين ذلك فإن نبينا صلى الله عليه وسلّم كان يحكم بما أوحي إليه في القرآن ولا يسمى ذلك اجتهاداً كما لا يسمى تقليداً ، والدليل على ذلك أن العلماء حكوا خلافاً في جواز الاجتهاد للنبي صلى الله عليه وسلّم فلو كان حكمه بما يفهمه من القرآن يسمى اجتهاداً لم تتجه حكاية الخلاف .
فإن قلت : بين لنا طريق معرفة عيسى بأحكام هذه الشريعة . قلت : يمكن أن يقال في ذلك ثلاثة طرق :
الطريق الأول : أن جميع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قد كانوا يعلمون في زمانهم بجميع شرائع من قبلهم ومن بعدهم بالوحي من الله تعالى على لسان جبريل ، وبالتنبيه على بعض ذلك في الكتاب الذي أنزل عليهم ، والدليل على ذلك أنه ورد في الأحاديث والآثار أن عيسى عليه السلام بشر أمته بمجيء النبي صلى الله عليه وسلّم بعده وأخبرهم بجملة من شريعته يأتي بها تخالف شريعة عيسى ، وكذلك وقع لموسى ، وداود عليهما السلام ، من ذلك ما أخرجه البيهقي في دلائل النبوة عن وهب بن منبه قال : إن الله لما قرب موسى نجياً قال : رب إني أجد في التوراة أمة خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالله فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد قال : رب إني أجد في التوراة أمة أناجيلهم في صدورهم يقرؤونها وكان من قبلهم يقرؤون كتبهم نظراً ولا يحفظونها فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد قال : رب إني أجد في التوراة أمة يأكلون صدقاتهم في بطونهم وكان من(2/148)
"""""" صفحة رقم 149 """"""
قبلهم إذا أخرج صدقته بعث الله عليها ناراً فأكلتها فإن لم تقبل لم تأكلها النار فاجعلهم أمتي . قال : تلك أمة أحمد قال : رب إني أجد في التوراة أمة إذا همّ أحدهم بسيئة لم تكتب عليه فإن عملها كتبت عليه سيئة واحدة وإذا همّ أحدهم بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة فإن عملها كتب له عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف فاجعلهم أمتي قال : تلك أمة أحمد .
فهذه أحكام في شرعنا مخالفة لشرع من قبلنا بينها الله تعالى لنبيه موسى فعلمها بالوحي لا بالاجتهاد ولا بالتقليد ، وأخرج البيهقي في دلائل النبوة أيضاً عن وهب بن منبه قال : إن الله أوحى في الزبور يا داود إنه سيأتي من بعدك نبي اسمه أحمد ومحمد صادقاً نبياً لا أغضب عليه أبداً ولا يعصيني أبداً وقد غفرت له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ، وأمته مرحومة أعطيتهم من النوافل مثل ما أعطيت الأنبياء ، وافترضت عليهم الفرائض التي افترضت على الأنبياء والرسل حتى يأتوني يوم القيامة ونورهم مثل نور الأنبياء ، وذلك أني افترضت عليهم أن يتطهروا لي لكل صلاة كما افترضت على الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالغسل من الجنابة كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالحج كما أمرت الأنبياء قبلهم ، وأمرتهم بالجهاد كما أمرت الرسل قبلهم ، يا داود إني فضلت محمداً وأمته على الأمم كلهم أعطيتهم خصالاً لم أعطها غيرهم من الأمم ، لا أؤاخذهم بالخطأ والنسيان وكل ذنب ركبوه إذا استغفروني منه غفرته ، وما قدموا لآخرتهم من شيء طيبة به أنفسهم عجلته لهم ولهم عندي أضعاف مضاعفة ، وأعطيتهم على المصائب والبلايا إذا صبروا وقالوا إنا إليه راجعون الصلاة والرحمة والهدي إلى جنات النعيم .
وأخرج الدارمي في مسنده عن ابن عباس أنه سأل كعب الأحبار كيف تجد نعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في التوراة ؟ قال كعب : نجده محمد بن عبد الله مولده بمكة ويهاجر إلى طابة ويكون ملكه بالشام ، وليس بفحاش ولا بسخاب في الأسواق ، ولا يكافىء بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويغفر أمته الحمادون ، يحمدون الله في كل سراء ، ويكبرون الله على كل نجد ، يوضئون أطرافهم ويأتزرون في أوساطهم ، يصفون في صلاتهم كما يصفون في قتالهم ، ودويهم في مساجدهم كدويّ النحل يسمع مناديهم في جو السماء .
وأخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة وغيره عن ابن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( صفتي في الإنجيل أحمد المتوكل مولده مكة ومهاجره إلى طيبة ليس بفظ ولا غليظ يجزي بالحسنة الحسنة ولايكافىء بالسيئة أمته الحمادون يأتزرون على أنصافهم ويوضئون أطرافهم أناجيلهم في صدورهم يصفون للصلاة كما يصفون للقتال قربانهم الذين يتقربون به إليّ دماؤهم رهبان بالليل ليوث بالنهار ) وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن كعب الأحبار قال : صفة هذه الأمة في كتاب الله المنزل : ) خير أمة أخرجت للناس يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويؤمنون بالكتاب ( الأول والكتاب الآخر ، ويقاتلون أهل الضلالة حتى يقاتلوا الأعور الدجال ، هم الحمادون رعاة الشمس المحكمون إذا أراد أحدهم أمراً قال أفعله إن شاء الله ، وإذا أشرف أحدهم على شرف كبر الله ، وإذا هبط وادياً حمد الله ، الصعيد لهم طهور(2/149)
"""""" صفحة رقم 150 """"""
والأرض لهم مسجد حيث ما كانوا يتطهرون من الجنابة ، طهورهم بالصعيد كطهورهم بالماء حيث لا يجدون الماء ، غر محجلون من آثار الوضوء .
فهذه جملة من أحكام شريعتنا مخالفة لشرع من قبلنا بينها الله لأنبيائه فيما أنزله عليهم من الكتب ، وقد وردت الأحاديث والآثار ببيان أكثر من ذلك وتركتها خوف الإطالة ، ووردت الآثار أيضاً بأن الله بين لأنبيائه في كتبهم جميع ما هو واقع في هذه الأمة من أحداث وفتن وأخبار خلفائها وملوكها ، من ذلك ما أخرجه ابن عساكر عن الربيع بن أنس قال : مكتوب في الكتاب الأول مثل أبي بكر الصديق مثل القطر أينما يقع نفع ، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عمر بن الخطاب أنه قال لكعب الأحبار : كيف تجد نعتي في التوراة ؟ قال : خليفة قرن من حديد أمير شديد لا يخاف في الله لومة لائم ثم يكون من بعدك خليفة تقتله أمة ظالمين له ثم يقع البلاء بعده .
وأخرج ابن عساكر عن عمر بن الخطاب أنه دعا الأسقف فقال : هل تجدونا في شيء من كتبكم ؟ قال نجد صفتكم وأعمالكم ، وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن محمد بن الثقفي قال : اصطحب قيس بن خرشة ، وكعب الأحبار حتى إذا بلغا صفين وقف كعب ثم نظر ساعة ثم قال : ليهراقن بهذه البقعة من دماء المسلمين شيء لا يهراق ببقعة من الأرض مثله ، فقال قيس : ما يدريك فإن هذا من الغيب الذي استأثر الله به ؟ فقال كعب : ما من الأرض شبر إلا مكتوب في التوراة الذي أنزل الله على موسى ما يكون عليه وما يخرج منه إلى يوم القيامة ، وأخرج عبد الله بن أحمد في روايات الزهد عن هشام بن خالد الربعي قال : قرأت في التوراة أن السماء والأرض تبكي على عمر بن عبد العزيز أربعين سنة .
والآثار في هذا المعنى كثيرة جداً وقد سردتها في كتاب المعجزات ، وحاصلها القطع بأن الله بين لأنبيائه جميع ما يتعلق بهذه الأمة من أحكام وما يحدث فيها من حوادث وفتن ، فعلم الأنبياء ذلك بطريق الوحي من الله من غير احتياج إلى أن يأخذوه باجتهاد أو تقليد هذا ما يتعلق بالطريق الأول وقد اعترض عليّ في هذا الطريق بأنه يلزم عليه أن يكون كل ما في القرآن مضمناً في جميع الكتب السابقة ، وأقول : لا مانع من ذلك بل دلت الأدلة على ثبوت هذا اللازم قال تعالى : ) وإنه لتنزيل من رب العالمين نزل به الروح الأمين ( إلى قوله : ) وإنه لفي زبر الأولين ( أخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في قوله : ) وإنه لتنزيل رب العالمين ( قال : القرآن ، وفي قوله : ) وأنه لفي زبر الأولين ( قال : أي في كتب الأولين ، وأخرج عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في الآية قال : يقول إنه في الكتب التي أنزلها على الأولين .
وأخرج عن مبشر بن عبيد القرشي في قوله : ) أولم يكن لهم آية ( قال : يقول أولم يكن لهم القرآن آية أن يعلمه علماء بني إسرائيل ، فقد دلت هذه الآية وكلام السلف في تفسيرها على أن المعاني التي تضمنها القرآن موجودة في كتب الله السابقة ، وقد نص على هذا بعينه الإمام أبو حنفية حيث استدل بهذه الآية على جواز قراءة القرآن بغير(2/150)
"""""" صفحة رقم 151 """"""
اللسان العربي وقال : إن القرآن مضمن في الكتب السابقة وهي بغير اللسان العربي أخذاً من هذه الآية ، ومما يشهد بذلك وصفه تعالى القرآن في عدة مواضع بأنه مصدق لما بين يديه من الكتب ، فلولا أن ما فيه موجود فيها لم يصح هذا الوصف ، من ذلك قوله تعالى ) وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه ( أخرج ابن جرير عن ابن جريج في الآية قال : القرآن أمين على الكتب فيما أخبرنا أهل الكتاب عن كتابهم فإن كان في القرآن فصدقوا وإلا فكذبوا .
وأخرج عن ابن زيد في الآية قال : كل شيء أنزله الله من توراة أو إنجيل أو زبور فالقرآن مصدقاً على ذلك كل شيء ذكر الله في القرآن فهو مصدق عليها وعلى ما حدث عنها أنه حق ومن ذلك قوله تعالى : ) إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى ( أخرج البزار بسند صحيح عن ابن عباس قال : لما نزلت : ) إن هذا لفي الصحف الأولى . صحف إبراهيم وموسى ( قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( كان كل هذا في صحف إبراهيم وموسى ) وأخرج سعيد بن منصور عن ابن عباس قال : هذه السورة ) في صحف إبراهيم وموسى ( 0
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدي قال : إن هذه السورة في صحف إبراهيم وموسى مثل ما نزلت على النبي صلى الله عليه وسلّم ، وأخرج عبد الرزاق عن قتادة في قوله : ) إن هذا لفي الصحف الأولى ( قال : ما قص الله في هذه السورة ، وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن : ) إن هذا لفي الصحف الأولى ( قال : في كتب الله كلها ، ومن ذلك قوله تعالى : ) أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفى ( ) أن لا تزر ( الآيات ، فقد دل ذلك وأمثاله من القرآن على أن معاني القرآن موجودة في كتب الله تعالى التي أنزلها على أنبيائه والله تعالى أعلم .
الطريق الثاني : أن عيسى صلى الله عليه وسلّم يمكن أن ينظر في القرآن فيفهم منه جميع الأحكام المتعلقة بهذه الشريعة من غير احتياج إلى مراجعة الأحاديث كما فهم النبي صلى الله عليه وسلّم ذلك من القرآن ، فإن القرآن العزيز قد انطوى على جميع الأحكام الشرعية وفهمها النبي صلى الله عليه وسلّم بفهمه الذي اختص به ثم شرحها لأمته في السنة ، وإفهام الأمة تقصر عن إدراك ما أدركه صاحب النبوة ، وعيسى صلى الله عليه وسلّم نبي فلا يبعد أن يفهم من القرآن كفهم النبي صلى الله عليه وسلّم ، وشاهد ما قلناه من أن جميع الأحكام الشرعية فهمها النبي صلى الله عليه وسلّم من القرآن قول الإمام الشافعي رضي الله عنه جميع ما حكم به النبي صلى الله عليه وسلّم فهو مما فهمه من القرآن ، ويؤيده ما أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إني لا أحل إلا ما أحل الله في كتابه ولا أحرم إلا ما حرم الله في كتابه ) وقال الشافعي أيضاً : جميع ما تقوله الأمة شرح للسنة وجميع السنة شرح للقرآن ، وقال الشافعي أيضاً : ليست تنزل بأحد في الدين نازلة إلا في كتاب الله الدليل على سبيل الهدي فيها ، وقال ابن برجان : ما قال النبي صلى الله عليه وسلّم من شيء فهو في القرآن أو فيه أصله قرب أو بعد فهمه من فهمه وعمه من عمه وكذا كل ما حكم أو قضى به ، وقال بعضهم : ما(2/151)
"""""" صفحة رقم 152 """"""
من شيء إلا يمكن استخراجه من القرآن لمن فهمه الله حتى أن بعضهم استنبط عمر النبي صلى الله عليه وسلّم ثلاثاً وستين من قوله في سورة المنافقين : ) ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها ( فإنها رأس ثلاث وستين سورة وعقبها بالتغابن ليظهر التغابن في فقده ، وقال المرسي في تفسيره : جمع القرآن علوم الأولين والآخرين بحيث لم يحط بها علماً حقيقة إلا المتكلم به ثم رسول الله صلى الله عليه وسلّم خلا ما استأثر به سبحانه ثم روت عنه معظم ذلك سادات الصحابة وأعلامهم مثل الخلفاء الأربعة ، ومثل الخلفاء الأربعة ، ومثل ابن مسعود ، وابن عباس حتى قال : لو ضاع لي عقال بعير لوجدته في كتاب الله ، وقال صلى الله عليه وسلّم : ( سيكون فتن قيل وما المخرج منها ؟ قال : كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم وحكم ما بينكم ) رواه الترمذي . وقال الله تعالى : ) وأنزلنا إليك الكتاب تبياناً لكل شيء ( وقال تعالى : ) ما فرطنا في الكتاب من شيء ( وقال صلى الله عليه وسلّم : ( إن الله لو أغفل شيئاً لأغفل الذرة والخردلة والبعوضة ) رواه ابن أبي حاتم في تفسيره ، وأبو الشيخ بن حيان في كتاب العظمة ، وقال ابن مسعود : من أراد العلم فعليه بالقرآن فإن فيه خبر الأولين والآخرين رواه سعيد بن منصور في سننه وقال ابن مسعود أيضاً : أنزل في هذا القرآن كل علم وبين لنا فيه كل شيء ولكن علمنا يقصر عما بين لنا في القرآن رواه ابن جرير ، وابن أبي حاتم في تفسيريهما وقال ابن مسعود : إذا حدثتكم بحديث أنبأتكم بتصديقه من كتاب الله رواه ابن أبي حاتم وقال سعيد بن جبير : ما بلغني حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم على وجهه إلا وجدت مصداقه في كتاب الله رواه ابن أبي حاتم .
فعرف بمجموع ما ذكرناه أن جميع الشريعة منطوية تحت ألفاظ القرآن غير أنه لا ينهض لإدراكها منه إلا صاحب النبوة ، قال بعض العلماء : العبارة في القرآن للعامة ، والإشارة للخاصة ، واللطائف للأولياء ، والحقائق للأنبياء ، وعيسى عليه السلام نبي رسول ، فيفهم من القرآن ما انطوى عليه ويحكم به وإن خالف الإنجيل ، وهذا معنى كونه يحكم بشرع نبينا صلى الله عليه وسلّم ، فهذان طريقان كل منهما محتمل في معرفة عيسى صلى الله عليه وسلّم بأحكام هذه الشريعة ومأخذهما قوي في غاية الاتجاه والله أعلم .
الطريق الثالث : ما أشار إليه جماعة من العلماء منهم السبكي وغيره أن عيسى عليه السلام مع بقائه على نبوته معدود في أمة النبي صلى الله عليه وسلّم وداخل في زمرة الصحابة ، فإنه اجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلّم وهو حي مؤمناً به ومصدقاً ، وكان اجتماعه به مرات في غير ليلة الإسراء من جملتها بمكة ، روى ابن عدي في الكامل عن أنس قال : ( بينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم إذ رأينا برداً ويداً فقلنا : يا رسول الله ما هذا البرد الذي رأينا واليد ؟ قال : قد رأيتموه ؟ قلنا : نعم قال : ذاك عيسى ابن مريم سلم علي ) وأخرج ابن عساكم من طريق آخر عن أنس قال : ( كنت أطوف مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم حول الكعبة إذ رأيته صافح شيئاً لا نراه قلنا : يا رسول الله رأيناك صافحت شيئاً ولا نراه قال : ذاك أخي عيسى ابن مريم انتطرته حتى قضى طوافه فسلمت عليه ) فحينئذ لا مانع من أن يكون تلقى من النبي صلى الله عليه وسلّم أحكامه المتعلقة بشريعته(2/152)
"""""" صفحة رقم 153 """"""
المخالفة لشريعة الإنجيل لعلمه بأنه سينزل في أمته ويحكم فيهم بشريعته فأخذها بلا واسطة ، وقد روى ابن عساكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( الا إن ابن مريم ليس بيني وبينه نبي ولا رسول إلا أنه خليفتي في أمتي من بعدي ) وقد رأيت في عبارة السبكي في تصنيف له ما نصه إنما يحكم عيسى بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلّم بالقرآن والسنة وحينئذ فيترجح أن أخذه للسنة من النبي صلى الله عليه وسلّم بطريق المشافهة من غير واسطة وقد عده بعض المحدثين في جملة الصحابة هو ، والخضر ، وإلياس قال الذهبي في تجريد الصحابة : عيسى ابن مريم عليه السلام نبي وصحابي فإنه رأى النبي صلى الله عليه وسلّم وسلم عليه فهو آخر الصحابة موتاً انتهى .
وقول السائل : وكيف حكمه في أموال بيت المال أيقر ذلك على ما هو الآن ؟ كلام في غاية العجب فإن أموال بيت المال جارية الآن على غير القانون الشرعي ولا يقر نبي على ذلك ، وقد قال أصحابنا في المواريث : أنه لا يورث بيت المال إلا عند انتظامه ؛ وانتظامه أن يكون كما كان في أيام الصحابة ، وقد قال ابن سراقة من أئمتنا وهو قبل الأربعمائة : لبيت المال سنين كثيرة ما استقام فكيف قرب التسعمائة ولا يزداد الأمر إلا شدة وقد ألفت كتاباً في آداب الملوك من طالع ما فيه من الأحاديث والآثار علم أن غالب أمور بيت المال جارية الآن على غير القانون الشرعي ، وقد وردت الأحاديث بأن المهدي يأتي قبل عيسى ابن مريم فيملأ الأرض عدلاً بعد ما ملئت جوراً ، ويأتي عيسى فيقر صنع المهدي ، ومما يعدل فيه المهدي أنه يقسم بين المسلمين فيئهم الذي استولى عليه ولاة الأتراك وأكلوه واستبدلوا به دونهم .
روى الإمام أحمد في مسنده ، والبزار ، والطبراني ، وأبو نعيم ، والحاكم في مستدركه بسند صحيح عن سمرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يوشك أن يملأ الله أيديكم من العجم فيأكلون فيئكم ) وورد ذلك أيضاً من حديث أنس ، وحذيفة ، وابن عمرو ، وأبي موسى الأشعري ، وروى ابن حبان في صحيحه عن أم سلمة قالت : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المهدي أنه يقسم بين المسلمين فيئهم ويعمل فيهم بسنة نبيهم صلى الله عليه وسلّم ويلقى الإسلام بجرانه إلى الأرض يمكث سبع سنين ) . وأخرج أحمد في مسنده ، وأبو يعلى بسند جيد عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أبشركم بالمهدي يبعث على اختلاف من الناس وزلازل فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً يرضى عنه ساكن السماء وساكن الأرض يقسم المال صحاحاً ؟ قيل : ما صحاحاً ؟ قال : بالسوية بين الناس ويملأ قلوب أمة محمد غنى ويسعهم عدله حتى يأمر منادياً فينادي من له في مال حاجة فما يقوم من الناس إلا رجل واحد فيكون كذلك سبع سنين ) وقول السائل : وما صدر فيها من الأوقاف ؟ جوابه أن ما كان منها وقفاً على وجوه البر ، ومصالح المسلمين ، والعلماء ، والقراء ، وذرية النبي صلى الله عليه وسلّم ، وأقاربه ، والفقراء ، والمرضى ، والزمنى ، والمنقطعين ، والمدارس ، والمساجد ، والحرمين ، وبيت المقدس ، وكسوة الكعبة ، وما شاكل ذلك فهو وقف صحيح موافق للشريعة فيقره ، وما(2/153)
"""""" صفحة رقم 154 """"""
كان وقفاً على نساء الملوك ، والأمراء ، وأولادهم فهو وقف باطل مخالف للشريعة فيبطله .
ثم ظهر لي طريق رابع وهو أن عيسى عليه السلام إذا نزل يجتمع بالنبي صلى الله عليه وسلّم في الأرض فلا مانع من أن يأخذ عنه ما احتاج إليه من أحكام شريعته ومستندي في هذا الطريق أمور : .
الأول : ما أخرجه أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( والذي نفسي بيده لينزلن عيسى ابن مريم ثم لئن قام على قبري فقال يا محمد لأجيبنه ) .
وأخرج ابن عساكر عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ليهبطن الله عيسى ابن مريم حكماً عدلاً وإماماً مقسطاً فليسلكن فج الروحاء حاجاً أو معتمراً وليقفن على قبري فليسلمن علي ولأردن عليه ) .
الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلّم في حياته كان يرى الأنبياء ويجتمع بهم في الأرض كما تقدم أنه رأى عيسى في الطواف وصح أنه صلى الله عليه وسلّم مر على موسى وهو يصلي في قبره ، وصح أنه صلى الله عليه وسلّم قال : ( الأنبياء أحياء يصلون ) فكذلك إذا نزل عيسى عليه السلام إلى الأرض يرى الأنبياء ويجتمع بهم ومن جملتهم النبي صلى الله عليه وسلّم فيأخذ عنه ما احتاج إليه من أحكام شريعته .
الثالث : أن جماعة من أئمة الشريعة نصوا على أن من كرامة الولي أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلّم ويجتمع به في اليقظة ويأخذ عنه ما قسم له من معارف ومواهب ، وممن نص على ذلك من أئمة الشافعية الغزالي ، والبارزي ، والتاج ابن السبكي ، والعفيف اليافعي ، ومن أئمة المالكية القرطبي ، وابن أبي جمرة ، وابن الحاج في المدخل . وقد حكي عن بعض الأولياء أنه حضر مجلس فقيه فروى ذلك الفقيه حديثاً فقال له الولي : هذا الحديث باطل فقال الفقيه : ومن أين لك هذا ؟ فقال : هذا النبي صلى الله عليه وسلّم واقف على رأسك يقول : إني لم أقل هذا الحديث وكشف للفقيه فرآه ، وقال الشيخ أبو الحسن الشاذلي : لو حجبت عن النبي صلى الله عليه وسلّم طرفة عين ما عددت نفسي مع المسلمين .
فإذا كان هذا حال الأولياء مع النبي صلى الله عليه وسلّم فعيسى النبي صلى الله عليه وسلّم أولى بذلك أن يجتمع به في أي وقت شاء ويأخذ عنه ما أراد من أحكام شريعته من غير احتياج إلى اجتهاد ولا تقليد لحفاظ الحديث .
الرابع : أنه روي عن أبي هريرة أنه لما أكثر الحديث وأنكر عليه الناس قال : لئن نزل عيسى ابن مريم قبل أن أموت لأحدثنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيصدقني فقوله : فيصدقني دليل على أن عيسى عليه السلام عالم بجميع سنة النبي صلى الله عليه وسلّم من غير احتياج إلى أن يأخذها عن أحد من الأمة حتى أن أبا هريرة الذي سمع النبي صلى الله عليه وسلّم احتاج إلى أن يلجأ إليه يصدقه فيما رواه ويزكيه هذا آخر الجواب ثم أن مولانا أمير المؤمنين وخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلّم على المسلمين وابن عم سيد المرسلين الإمام المتوكل على الله أعزه الله وأعز به الدين وهو الآمر بالكتابة أولاً أعاد الأمر ثانياً هل ثبت أن عيسى عليه السلام بعد نزوله يأتيه وحي ؟ والجواب نعم روى مسلم ، وأحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، والنسائي ، وغيرهم من حديث(2/154)
"""""" صفحة رقم 155 """"""
النواس بن سمعان قال : ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم الدجال إلى أن قال : ( فبينما هم على ذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق واضعاً يده على أجنحة ملكين فيتبعه فيدركه فيقتله عند باب لد الشرقي فبينما هم كذلك أوحى الله إلى عيسى ابن مريم أني قد أخرجت عباداً من عبادي لا يدان لك بقتالهم فحرر عبادي إلى الطور فيبعث الله يأجوج ) الحديث .
فهذا صريح في أنه يوحى إليه بعد النزول ، والظاهر أن الجائي إليه بالوحي جبريل عليه السلام بل هو الذي يقطع به ولا يتردد فيه لأن ذلك وظيفته وهو السفير بين الله وبين انبيائه لا يعرف ذلك لغيره من الملائكة ، والدليل على ذلك ما أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة عن عائشة قالت : قال ورقة لخديجة : جبريل أمين الله بينه وبين رسله ، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره : وأبو الشيخ ابن حيان في كتاب العظمة عن ابن سابط قال : في أم الكتاب كل شيء هو كائن إلى يوم القيامة ووكل به ثلاثة من الملائكة فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء . ووكل أيضاً بالهلكات إذا أراد الله أن يهلك قوماً ووكله بالنصر عند القتال . ووكل ميكائيل بالقطر والنبات . ووكل ملك الموت بقبض الأنفس فإذا كان يوم القيامة عارضوا بين حفظهم وبين ما كان في أم الكتاب فيجدونه سواء . وأخرج ابن أبي حاتم عن عطاء بن السائب قال : أول من يحاسب جبريل لأنه كان أمين الله إلى رسله . وأخرج أبو الشيخ عن خالد بن عمران قال : جبريل أمين الله إلى رسله . وميكائيل يتلقى الكتب وإسرافيل بمنزلة الحاجب . وأخرج أيضاً عن عكرمة بن خالد ( أن رجلاً قال : يا رسول الله أي الملائكة أكرم على الله ؟ فقال : ( جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين ، وأما ميكائيل فصاحب كل قطرة تسقط وكل ورقة تنبت ، وأما ملك الموت فهو موكل بقبض روح كل عبد في بر أو بحر ، وأما إسرافيل فأمين الله بينه وبينهم ) .
وأخرج أيضاً عن عبد العزيز بن عمير قال : اسم جبريل في الملائكة خادم ربه ، وأخرج ابن أبي زمنين في كتاب السنة عن كعب قال : إذا أراد الله أن يوحي أمراً جاء اللوح المحفوظ حتى يصفق جبهة إسرافيل فيرفع رأسه فينظر فإذا الأمر مكتوب فينادي جبريل فيلبيه فيقول أمرت بكذا أمرت بكذا فيهبط جبريل على النبي صلى الله عليه وسلّم فيوحي إليه ، وأخرج أبو الشيخ عن أبي بكر الهذلي قال : إذا أمر الله بالأمر تدلت الألواح على إسرافيل بما فيها من أمر الله فينظر فيها إسرافيل ثم ينادي جبريل فيجيبه وذكر نحوه وأخرج أيضاً عن أبي سنان قال : اللوح المحفوظ معلق بالعرش فإذا أراد الله أن يوحي بشيء كتب في اللوح فيجيء اللوح حتى يقرع جبهة إسرافيل فينظر فيه فإن كان إلى أهل السماء دفعه إلى ميكائيل ، وإن كان إلى أهل الأرض دفعه إلى جبريل ، فأول ما يحاسب يوم القيامة اللوح يدعى به ترعد فرائصه فيقال له : هل بلغت ؟ فيقول : نعم فيقول : من يشهد لك ؟ فيقول : إسرافيل فيدعى إسرافيل ترعد فرائصه فيقال له : هل بلغك اللوح ؟ فإذا قال : نعم قال اللوح : الحمد لله الذي نجاني من سوء الحساب ثم كذلك ، وأخرج أيضاً عن وهيب بن الورد قال : إذا كان يوم(2/155)
"""""" صفحة رقم 156 """"""
القيامة دعي إسرافيل ترعد فرائصه فيقال : ما صنعت فيما أدى إليك اللوح ؟ فيقول : بلغت جبريل فيدعى جبريل ترعد فرائصه فيقال : ما صنعت فيما بلغك إسرافيل ؟ فيقول : بلغت الرسل فيؤتى بالرسل فيقال : ما صنعتم فيما أدى إليكم جبريل ؟ فيقولون : بلغنا الناس فهو قوله تعالى : ) فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ( وأخرج ابن المبارك في الزهد عن ابن أبي جبلة بسنده قال : أول من يدعى يوم القيامة إسرافيل فيقول الله : هل بلغت عهدي ؟ فيقول : نعم رب قد بلغت جبريل فيدعى جبريل فيقال : هل بلغك إسرافيل عهدي ؟ فيقول : نعم فيخلى عن إسرافيل فيقول : لجبريل ما صنعت في عهدي ؟ فيقول : يا رب بلغت الرسل فيدعى الرسل فيقال لهم : هل بلغكم جبريل عهدي ؟ فيقولون : نعم فيخلى عن جبريل الحديث فعرف بمجموع هذه الآثار اختصاص جبريل من بين سائر الملائكة بالوحي إلى الأنبياء ، وعرف بها أيضاً أنه إنما يتلقى الوحي عن الله بواسطة إسرافيل وقد كنا سئلنا عن ذلك منذ أيام .
خاتمة : اشتهر على ألسنة الناس أن جبريل لا ينزل إلى الأرض بعد موت النبي صلى الله عليه وسلّم وهذا شيء لا أصل له . ومن الدليل على بطلانه ما أخرجه الطبراني في الكبير عن ميمونة بنت سعد قالت : ( قلت يا رسول الله هل يرقد الجنب ؟ قال : ما أحب أن يرقد حتى يتوضأ فإني أخاف أن يتوفى فلا يحضره جبريل ) فهذا الحديث يدل على أن جبريل ينزل إلى الأرض ويحضر موتة كل مؤمن حضره الموت وهو على طهارة ، ثم وقفت على حديث آخر فيه نزول جبريل إلى الأرض وهو ما أخرجه نعيم بن حماد في كتاب الفتن ، والطبراني من حديث ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم في وصف الدجال قال : ( فيمر بمكة فإذا هو بخلق عظيم فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا ميكائيل بعثني الله لأمنعه من حرمه ويمر بالمدينة فإذا هو بخلق عظيم فيقول : من أنت ؟ فيقول : أنا جبريل بعثني الله لأمنعه من حرمه ) ثم رأيت في قوله تعالى : ) تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم ( الآية عن الضحاك أن الروح هنا جبريل وأنه ينزل هو والملائكة في ليلة القدر ويسلمون على المسلمين وذلك في كل سنة وقد زعم زاعم أن عيسى ابن مريم إذا نزل لا يوحى إليه وحياً حقيقياً بل وحي إلهام وهذا القول ساقط مهمل لأمرين : أحدهما منابذته للحديث الثابت عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم كما تقدم من صحيح مسلم ، وغيره ، وقد رواه الحاكم في المستدرك ولفظه : ( فبيناه كذلك إذ أوحى الله إليه يا عيسى إني قد أخرجت عباداً لي لا يد لأحدكم بقتالهم حول عبادي إلى الطور ) وقال : صحيح على شرط الشيخين وذلك صريح في أنه وحي حقيقي لا وحي إلهام ، والثاني أن ما توهمه هذا الزاعم من تعذر الوحي الحقيقي فاسد لأن عيسى نبي فأي مانع من نزول الوحي إليه ، فإن تخيل في نفسه أن عيسى قد ذهب وصف النبوة عنه وانسلخ منه فهذا قول يقارب الكفر لأن النبي لا يذهب عنه وصف النبوة أبداً ولا بعد موته ، وإن تخيل اختصاص الوحي للنبي بزمن دون زمن فهو [ قول ] لا دليل عليه ويبطله ثبوت الدليل على خلافه ، وقد ألم السبكي بشيء مما ذكرناه(2/156)
"""""" صفحة رقم 157 """"""
فقال في تصنيف له : ما من نبي إلا أخذ الله عليه الميثاق أنه إن بعث محمد في زمانه ليؤمن به ولينصرنه ويوصي أمته بذلك وفي ذلك من التنويه بالنبي صلى الله عليه وسلّم وتعظيم قدره العلي ما لا يخفى ، وفيه مع ذلك أنه على تقدير مجيئه في زمانهم يكون مرسلاً إليهم وتكون نبوته ورسالته عامة لجميع الخلق من زمن آدم إلى يوم القيامة ، وتكون الأنبياء وأممهم كلهم من أمته ، ويكون قوله : بعثت إلى الناس كافة لا يختص به الناس من زمانه إلى يوم القيامة بل يتناول من قبلهم أيضاً إلى أن قال : فالنبي صلى الله عليه وسلّم هو نبي الأنبياء ولو اتفق مجيئه في زمن آدم ، ونوح ، وإبراهيم ، وموسى ، وعيسى وجب عليهم وعلى أممهم الإيمان به ونصرته ، وبذلك أخذ الله الميثاق عليهم ، فنبوته عليهم ورسالته إليهم معنى حاصل له ، وإنما أمره يتوقف على اجتماعهم معه ، فلو وجد في عصرهم لزمهم اتباعه بلا شك ، ولهذا يأتي عيسى في آخر الزمان على شريعته وهو نبي كريم على حاله لا كما يظن بعض الناس أنه يأتي واحد من هذه الأمة ، نعم هو واحد من هذه الأمة بما قلناه أن اتباعه للنبي صلى الله عليه وسلّم وإنما يحكم بشريعة نبينا صلى الله عليه وسلّم بالقرآن والسنة ، وكل ما فيه من أمر أو نهي فهو متعلق به كما يتعلق بسائر الأمة وهو نبي كريم على حاله لم ينقص منه شيء . وكذلك لو بعث النبي صلى الله عليه وسلّم في زمانه أو في زمان موسى ، وإبراهيم ، ونوح ، وآدم كانوا مستمرين على نبوتهم ورسالتهم إلى أممهم ، والنبي صلى الله عليه وسلّم نبي عليهم ورسول إلى جميعهم ، فنبوته ورسالته أعم وأشمل وأعظم ، هذا كلام السبكي [ بحروفه ] فعرف بذلك أنه لا تنافي بين كونه ينزل متبعاً للنبي صلى الله عليه وسلّم وبين كونه باقياً على نبوته ويأتيه جبريل بما شاء الله من الوحي والله أعلم .
قال زاعم : الوحي في حديث مسلم مؤول بوحي الإلهام . قلت : قال أهل الأصول : التأويل صرف اللفظ عن ظاهره لدليل فإن لم يكن لدليل فلعب لا تأويل ولا دليل على هذا فهو لعب بالحديث ، قال زاعم : الدليل عليه حديث لا وحي بعدي . قلنا هذا الحديث بهذا اللفظ باطل ، قال زاعم : الدليل عليه حديث لا نبي بعدي قلنا يا مسكين لا دلالة في هذا الحديث على ما ذكرت بوجه من الوجوه لأن المراد لا يحدث بعده بعث نبي بشرع ينسخ شرعه كما فسره بذلك العلماء ، ثم يقال لهذا الزاعم : هل أنت آخذ بظاهر الحديث من غير حمل على المعنى المذكور فيلزمك عليه أحد أمرين : إما نفي نزول عيسى أو نفي النبوة عنه وكلاهما كفر ؟ ثم بعد مدة من كتابتي لهذا الجواب وقفت على سؤال رفع إلى شيخ الإسلام ابن حجر صورته ما قولكم في قول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ينزل عيسى ابن مريم في آخر الزمان حكماً ) فهل ينزل عيسى عليه السلام حافظاً لكتاب الله القرآن العظيم ولسنة نبينا صلى الله عليه وسلّم أو يتلقى الكتاب والسنة عن علماء ذلك الزمان ويجتهد فيها ؟ وما الحكم في ذلك ؟ فأجاب بما نصه ومن خطه نقلت لم ينقل لنا في ذلك شيء صريح والذي يليق بمقام عيسى عليه الصلاة والسلام أنه يتلقى ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فيحكم في أمته بما تلقاه عنه لأنه في الحقيقة خليفة عنه والله أعلم .
تنبيه : ويشبه هذا ما بلغني عن بعض المنكرين أنه أنكر ما ورد من أن عيسى عليه السلام إذا نزل يصلي خلف المهدي صلاة الصبح وأنه صنف في إنكار ذلك كتاباً ، وقال في توجيه(2/157)
"""""" صفحة رقم 158 """"""
ذلك : أن النبي صلى الله عليه وسلّم أجل مقاماً من أن يصلي خلف غير نبي ، وهذا من أعجب العجب فإن صلاة عيسى خلف المهدي ثابتة في عدة أحاديث صحيحة بأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلّم وهو الصادق المصدوق الذي لا يخلف خبره ، من ذلك ما رواه أحمد في مسنده : والحاكم في المستدرك وصححه عن عثمان بن أبي العاصي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : فذكر الحديث وفيه ( فينزل عيسى عند صلاة الفجر فيقول له : أمير الناس تقدم يا روح الله فصلِّ بنا فيقول إنكم معشر هذه الأمة أمراء بعضكم على بعض تقدم أنت فصل بنا فيتقدم فيصلي بهم فإذا انصرف أخذ عيسى حربته نحو الدجال ) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وإمامكم منكم ) وفي مسند أحمد عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يخرج الدجال ) فذكر الحديث إلى أن قال : ( فإذا هم بعيسى فتقام الصلاة فيقال له : تقدم يا روح الله فيقول : ليتقدم إمامكم ) الحديث ، وفي مسند أبي يعلى عن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين علي الحق حتى ينزل عيسى ابن مريم فيقول إمامهم تقدم فيقول أنت أحق بعضكم أمراء على بعض أكرم الله به هذه الأمة ) . وروى أبو داود ، وابن ماجه عن أبي أمامة الباهلي قال : خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فحدثنا عن الدجال فذكر الحديث إلى أن قال : ( وإمامهم رجل صالح فبينما إمامهم قد تقدم يصلي الصبح إذ نزل عليهم عيسى ابن مريم الصبح فرجع ذلك الإمام يمشي الفهقرى ليتقدم عيسى يصلي فيضع عيسى يده بين كتفيه ثم يقول له تقدم فصل فإنها لك أقيمت فيصلي بهم إمامهم فإذا انصرف قال عيسى : أقيموا الباب فيفتح ووراءه الدجال ) . وروى مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة قال : فينزل عيسى ابن مريم فيقول أميرهم : تعال صلى بنا فيقول : لا إن بعضكم على بعض أمين تكرمة الله هذه الأمة ) وقول هذا المنكر أن النبي أجل مقاماً من أن يصلي خلف غير نبي جوابه أن نبينا صلى الله عليه وسلّم أجل الأنبياء مقاماف وأرفعهم درجة وقد صلى خلف عبد الرحمن بن عوف مرة ، وخلف أبي بكر الصديق أخرى ، وقال : ( إنه لم يمت نبي حتى يصلي خلف رجل من أمته ) ثبت ذلك في أحاديث صحيحة فكيف يتجه لهذا المنكر أن يقول هذا الكلام بعد ذلك ؟ ولست أعجب من إنكار من لا يعرف إنما أعجب من إقدامه على تسطير ذلك في ورق يخلد بعده ويسطر في صحيفته ، ثم رأيت في مصنف ابن أبي شيبة ثنا أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين قال : ( المهدي من هذه الأمة وهو الذي يؤم عيسى ابن مريم عليهما السلام ) .
لبس اليلب في الجواب عن إيراد حلب
بسم الله الرحمن الرحيم
وصل كتاب الاعلام إلى حلب فوقف عليه واقف فرأى قولي فيه إن جبريل هو السفير بين الله وبين أنبيائه لا يعرف ذلك لغيره من الملائكة ، فكتب على الهامش بخطه ما نصه بل(2/158)
"""""" صفحة رقم 159 """"""
قد عرف ذلك لغيره من الملائكة قال الحافظ برهان الدين الحلبي في شرح البخاري : اعلم أن في كيفية نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلّم سبع صور ذكرها السهيلي في روضه إلى أن قال : سابعها وحي إسرافيل كما ثبت عن الشعبي أن النبي صلى الله عليه وسلّم وكل به إسرافيل فكان يتراءى له ويأتيه بالكلمة والشيء ثم وكل به جبريل ، قال ابن عبد البر في أول الاستيعاب وساق سنداً إلى الشعبي : قال : أنزلت عليه النبوة وهو ابن أربعين سنة فقرن بنبوته إسرافيل ثلاث سنين ثم نقل عن شيخه ابن الملقن أن المشهور أن جبريل ابتدأه بالوحي انتهى ما كتبه المعترض .
وأقول : الجواب عن ذلك من وجوه : أحدها : ما نقله المعترض نفسه في آخر كلامه عن ابن الملقن أن المشهور أن جبريل ابتدأه بالوحي وإنما قال ابن الملقن ذلك لأنه الثابت في أحاديث الصحيحين وغيرهما وأثر الشعبي مرسل أو معضل فكيف يعتمد عليه مع ثبوت خلافه في الصحيحين وغيرهما وأثر الشعبي مرسل أو معضل فكيف يعتمد عليه مع ثبوت خلافه في الصحيحين وغيرهما ، والعجب من المعترض كيف اعترض بما لم يثبت مع نقله في آخر كلامه أن المشهور خلاف ما اعترض به .
الوجه الثاني : أن المراد بالسفير الذي هو مرصد لذلك وذلك لا يعرف لغير جبريل ولا ينافي ذلك مجيء غيره من الملائكة إلى النبي صلى الله عليه وسلّم في بعض الأحيان كما أن كاتب السر مرصد للتوقيع عن السلطان ولا ينافي ذلك أن يوقع عنه غيره في بعض الأحيان فلا يسلب كاتب السر الاختصاص بهذا الاسم ولا يشاركه فيه من وقع مرة أو مرتين ، فكذلك لا يسلب جبريل الاختصاص باسم السفير ولا يشاركه فيه أحد من الملائكة الذين جاؤوا إلى الأنبياء في وقت ما ، وكم من ملك غير إسرافيل جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلّم في قضايا متعددة كما هو في كثير من الأحاديث ، وجاء ملك الموت إلى إبراهيم عليه السلام فبشره بالخلة ، فعجب من المعترض كيف اقتصر على إسرافيل دون مجيء غيره من الملائكة .
الوجه الثالث : إن العبارة التي أوردتها وهو السفير بين الله وبين أنبيائه بصيغة الجمع وإسرافيل لم ينزل إلى أحد غير النبي صلى الله عليه وسلّم كما ورد في الحديث ، وذكر بعض العلماء في حكمته أنه الموكل بالنفخ في الصور والنبي صلى الله عليه وسلّم بعث قرب الساعة وكانت بعثته من أشراطها فبعث إليه إسرافيل بهذه المناسبة ولم يبعث إلى نبي قبله وحينئذ فالمبعوث إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقط لا يصدق عليه أنه سفير بين الله وبين أنبيائه بصيغة الجمع لأنه لم يكن سفيراً إلا بين الله وبين نبي واحد ، والحكم المنفي عن المجموع لا يلزم نفيه عن فرد من أفراد ذلك المجموع فلا يصح النقض به .
الوجه الرابع : أنه قد ورد في الحديث ما يوهي أثر الشعبي وهو ما أخرجه مسلم ، والنسائي ، والحاكم عن ابن عباس قال : ( بينما رسول الله صلى الله عليه وسلّم جالس وعنده جبريل إذ سمع نقيضاً من السماء من فوق فرفع جبريل بصره إلى السماء فقال : يا محمد هذا ملك قد نزل لم ينزل إلى الأرض قط قال فأتى النبي صلى الله عليه وسلّم فسلم عليه فقال : أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك فاتحة الكتاب ، وخواتيم سورة البقرة لن تقرأ حرفاً منهما إلا أوتيتهما ) قال(2/159)
"""""" صفحة رقم 160 """"""
جماعة من العلماء : هذا الملك هو إسرافيل . وأخرج الطبراني عن ابن عمر قال : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول ( لقد هبط عليّ ملك من السماء ما هبط على نبي قبلي ولا يهبط على أحد بعدي وهو إسرافيل فقال أنا رسول ربك إليك أمرني أخبرك إن شئت نبياً عبداً وإن شئت نبياً ملكاً فنظرت إلى جبريل فأومأ إليّ أن تواضع فلو أني قلت نبياً ملكاً لسارت الجبال معي ذهباً ) وهاتان القضيتان بعد ابتداء الوحي بسنين كما يعرف من سائر طرق الأحاديث ، وهما ظاهران في أن إسرافيل لم ينزل إليه قبل ذلك فكيف يصح قول الشعبي أنه أتاه في ابتداء الوحي ؟ .
الوجه الخامس : أنه قد أقمنا في الاعلام الدليل على ذلك عقبه وهو قول ورقة : جبريل أمين الله بينه وبين رسوله ، وقول ابن سابط : فوكل جبريل بالكتب والوحي إلى الأنبياء ، وقال عطاء بن السائب : أول ما يحاسب جبريل لأنه كان أمين الله إلى رسله . وميكائيل يتلقى الكتب . وإسرافيل بمنزلة الحاجب . وقوله صلى الله عليه وسلّم ( فأما جبريل فصاحب الحرب وصاحب المرسلين ) الحديث وآثار أخر . وقلنا في آخر الكلام فعرف بمجموع هذه الآثار اختصاص جبريل من بين سائر الملائكة بالوحي إلى الأنبياء أفما كان عند المعترض من الفطنة ما يهتدي به لصحة هذا الكلام أخذاً من هذه الأدلة ؟ هذا آخر الجواب والله أعلم .
مبحث المعاد
وهو ثلاثة أقسام : أحوال البرزخ . وأشراط الساعة والبعث
أحوال البرزخ
اللمعة في أجوبة الأسئلة السبعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة : هل يعلم الأموات بزيارة الأحياء ويما هم فيه ؟ وهل يسمع الميت كلام الناس وما يقال فيه ؟ وأين مقر الأرواح ؟ وهل تجتمع ويرى بعضهم بعضاً ؟ وهل يسأل الشهيد والطفل ؟ .
الجواب : هذه مسائل مهمة قلّ من تكلمم عليها بما يشفي ، وأنا إن شاء الله تعالى أتتبع الأحاديث والآثار الواردة في ذلك . أما المسألة الأولى فنعم يعلمون بذلك ، روى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور من حديث عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عليه إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم ) وروى ابن عبد البر في الاستذكار والتمهيد من حديث ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ما من أحد يمر بقبر أخيه المؤمن كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام ) صححه أبو محمد عبد الحق .(2/160)
"""""" صفحة رقم 161 """"""
وروى ابن أبي الدنيا في كتاب القبور عن محمد بن قدامة الجوهري عن معن بن عيسى القزاز عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن أبي هريرة قال : إذا مر الرجل بقبر يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه ، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام ، وروى فيه عن محمد بن واسع قال : بلغني أن الموتى يعْلمون بزوارهم يوم الجمعة ويوماً قبله ويوماً بعده ، وعن الضحاك قال : من زار قبراً يوم السبت قبل طلوع الشمس علم الميت بزيارته قيل له : وكيف ذلك ؟ قال : لمكان يوم الجمعة .
وأما المسألة الثانية وهي علم الأموات بأحوال الأحياء وبما هم فيه فنعم أيضاً ، روى الإمام أحمد في مسنده ثنا عبد الرزاق عن سفيان عمن سمع أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من الأموات فإن كان خيراً استبشرو وإن كان غير ذلك قالوا : اللهم لا تمتهم حتى تهديهم كما هديتنا ) وقال أبو داود الطيالسي في مسنده : حدثنا الصلت بن دينار عن الحسن عن جابر بن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن أعمالكم تعرض على عشائركم وعلى أقربائكم في قبورهم فإن كان خيراً استبشروا به وإن كان غير ذلك قالوا اللهم ألهمهم أن يعملوا بطاعتك ) وروى الطبراني في الأوسط من طريق مسلمة بن علي وهو ضعيف عن زيد ابن واقد ، وهشام بن الغاز عن مكحول عن عبد الرحمن بن سلامة عن أبي رهم عن أبي أيوب الأنصاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلّمقال : ( إن نفس المؤمن إذا قبضت تلقاها أهل الرحمة عباد الله كما تلقون البشير من أهل الدنيا فيقولون أنظروا صاحبكم ليستريح فإنه في كرب شديد ثم يسألونه ما فعل فلان وفلانة هل تزوجت ؟ فإذا سألوه عن الرجل قد مات قبله فيقول أيهات قد مات ذاك قبلي فيقولون إنا لله وإنا راجعون ذهب به إلى أمه الهاوية فبئست الأم وبئست المربية ) وقال : ( إن أعمالكم تعرض على أقاربكم وعشائركم من أهل الآخرة فإن كان خيراً فرحوا واستبشروا وقالوا اللهم هذا فضلك ورحمتك فأتمم نعمتك عليه وأمته عليها ، ويعرض عليهم عمل المسيء فيقولون اللهم ألهمه عملاً صالحاً ترضى به وتقربه إليك ) ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات عن محمد بن الحسين عن محمد بن إسحاق عن عبد الله بن المبارك عن ثور بن يزيد عن أبي رهم عن أبي أيوب قال : ( تعرض أعمالكم على الموتى فإن رأوا حسناً فرحوا واستبشروا ، وإن رأوا سوءاً قالوا اللهم راجع به ) وروى الترمذي الحكيم في نوادر الأصول من حديث عبد الغفور بن عبد العزيز عن أبيه عن جده قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس على الله وتعرض على الأنبياء على الآباء والأمهات يوم الجمعة فيفرحون بحسناتهم وتزداد وجوههم بياضاً وإشراقاً فاتقوا الله ولا تؤذوا أمواتكم ) وروى ابن أبي الدنيا في كتاب المنامات ثنا القاسم بن هاشم ، ومحمد بن رزق الله قالا : ثنا يحيى بن صالح الوحاظي ثنا أبو إسماعيل السلولي سمعت مالك بن الداء يقول : سمعت النعمان بن بشير يقول : ( سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : الله الله في إخوانكم من أهل(2/161)
"""""" صفحة رقم 162 """"""
القبور فإن أعمالكم تعرض عليهم ) وقال : ثنا عبد الله بن شبيب ثنا أبو بكر بن شيبة الحزامي ثنا فليح بن إسماعيل ثنا محمد بن جعفر بن أبي كثير عن زيد بن أسلم عن أبي صالح ، والمقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تفضحوا موتاكم بسيئات أعمالكم فإنها تعرض على أوليائكم من أهل القبور ) وقال : ثنا الحسن ابن عبد العزيز ثنا عمر بن أبي سلمة عن سعيد بن عبد العزيز عن بلال بن أبي الدرداء قال : كنت أسمع أبا الدرداء يقول : اللهم إني أعوذ بك أن يمقتني خالي عبد الله بن رواحة إذا لقيته . وقال : ثنا أبو هشام ثنا يحيى بن يمان عن عبد الوهاب بن مجاهد عن أبيه قال : إنه ليبشر بصلاح ولده من بعده لتقر بذلك عينه .
وأما المسألة الثالثة : وهي هل يسمع الميت كلام الناس وثناءهم عليه وقولهم فيه ؟ فنعم أيضاً ، أخرج الإمام أحمد في مسنده ، والمروزي في الجنائز ، وابن أبي الدنيا ، وغيرهم من طريق أبي عامر العقدي عن عبد الملك بن الحسن المدني عن سعد بن عمرو بن سليم عن معاوية أو ابن معاوية وعن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الميت يعرف من يغسله ويحمله ويدليه في قبره ) وأخرجه الطبراني في الأوسط من طريق آخر عن أبي سعيد ، وأخرج ابن أبي الدنيا ، وغيره بأسانيد عن عمرو بن دينار ، وبكر بن عبد الله المزني ، وسفيان الثوري ، وغيرهم معنى ذلك ، وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا سريج بن يونس ثنا عبيدة بن حميد أخبرني عمار عن سالم بن أبي الجعد قال : قال حذيفة : الروح بيد ملك وأن الجسد ليغسل وأن الملك ليمشي معه إلى القبر فإذا سوى عليه سلك فيه فذلك حين يخاطب ، وقال : ثنا الحسين بن عمرو القرشي ثنا أبو داود الحفري ثنا سفيان عن الأعمش عن عبد الرحمن بن زياد عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال : الروح بيد ملك يمشي به مع الجنازة يقول له اسمع ما يقال لك فإذا بلغ حفرته دفنه معه .
وأما المسألة الرابعة : وهي مقر الأرواح فهي أجل هذه المسائل وأنا أستوفي لها إن شاء الله تعالى ما وقفت عليه في ذلك روى مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إنما نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله إلى جسده يوم يبعثه ) هذا حديث صحيح أخرجه الإمام أحمد في مسنده عن الشافعي عن مالك ، والنسائي ، وغيره . وأخرج أحمد ، والطبراني في الكبير بسند حسن عن أم هانىء ( أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنتزاور إذا متنا ويرى بعضنا بعضاً ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( تكون النسم طيراً تعلق بالشجر حتى إذا كان يوم القيامة دخلت كل نفس في جسدها ) .
وأخرج مسلم ، وغيره من حديث عبد الله بن مسعود مرفوعاً : ( أرواح الشهداء عند الله في حواصل طيور تسرح في أنهار الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى قناديل تحت العرش ) . وأخرج أحمد ، وأبو داود ، والحاكم ، وغيرهم بسند صحيح عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لما أصيب أصحابكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة(2/162)
"""""" صفحة رقم 163 """"""
وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب في ظل العرش ) . وأخرج أحمد ، وعبد في مسنديهما ، والطبراني بسند حسن عن محمود بن لبيد عن ابن عباس مرفوعاً : ( الشهداء على بارق نهر بباب الجنة في قبة خضراء يخرج إليهم رزقهم من الجنة غدوة وعشية ) . وأخرج البيهقي في البعث ، والطبراني بسند حسن عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال : ( لما حضرت كعباً الوفاة أتته أم بشر بنت البراء فقالت : يا أبا عبد الرحمن إن لقيت كعباً فأقرئه مني السلام فقال لها : يغفر الله لك يا أم بشر نحن أشغل من ذلك فقالت : أما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : إن نسمة المؤمن تسرح في الجنة حيث شاءت ونسمة الكافر في سجين ؟ قال : بلى قالت : فهو ذاك ) . وقال الطبراني : حدثنان أبو زرعة الدمشقي ثنا عبد الله بن صالح عن ضمرة بن حبيب قال : ( سئل النبي صلى الله عليه وسلّم عن أرواح المؤمنين فقال : في طير خضر تسرح في الجنة حيث شاءت قالوا : يا رسول الله وأرواح الكفار ؟ قال : محبوسة في سجين ) هذا حديث مرسل .
وأخرج أحمد في مسنده ، والحاكم في مستدركه ، والبيهقي ، وابن أبي داود في كتابي البعث لهما ، وغيرهم من طرق عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أولاد المؤمنين في جبل في الجنة يكفلهم إبراهيم وسارة حتى يردهم إلى آبائهم يوم القيامة ) صححه الحاكم .
وأخرج البيهقي في الدلائل ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه في تفسيريهما ، وغيرهم من طريق أبي محمد الحماني عن أبي هرون العبدي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( أتيت بالمعراج الذي تعرج عليه أرواح بني آدم فلم تر الخلائق أحسن من المعراج ما رأيت الميت حين يشق بصره طامحاً إلى السماء فإن ذلك أعجبه بالمعراج فصعدت أنا وجبريل فاستفتح باب السماء فإذا أنا بآدم تعرض عليه أرواح ذريته المؤمنين فيقول روح طيبة ونفس طيبة اجعلوها في عليين ، ثم تعرض عليه أرواح ذريته الفجار فيقول روح خبيثة ونفس خبيثة اجعلوها في سجين ) . وقال أبو نعيم الأصبهاني : حدثنا أحمد بن إبراهيم الكيال ثنا موسى بن شعيب أبو عمران السمرقندي ثنا محمد بن سهيل ثنا أبو مقاتل السمرقندي ثنا أبو سهل هشام بن مصك عن الحسن عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن أرواح المؤمنين في السماء السابعة ينظرون إلى منازلهم في الجنة ) .
هذا ما وقفت عليه من الأحاديث المرفوعة ، وأما الموقوفة فقال ابن أبي الدنيا : حدثنا محمد بن رجاء ثنا النضر بن شميل ثنا حماد بن سلمة ثنا علي بن يزيد بن جدعان عن يوسف بن مهران عن ابن عباس عن علي بن أبي طالب قال : ( أبغض بقعة في الأرض إلى الله واد يقال له برهوت فيه أرواح الكفار ) . وأسند البيهقي في البعث ، وابن الدنيا في كتاب المنامات عن سعيد بن المسيب أن سلمان الفارسي ، وعبد الله بن سلام التقيا فقال أحدهما لصاحبه : إن لقيت ربك قبلي فأخبرني ماذا لقيت فقال : أوَ يلقى الأحياء الأموات ؟ فقال : نعم أما المؤمنون فإن أرواحهم في الجنة وهي تذهب حيث شاءت . وأسند البيهقي ، والطبراني في الكبير عن عبد الله بن عمرو قال : الجنة مطوية في قرون الشمس تنشر في كل(2/163)
"""""" صفحة رقم 164 """"""
عام مرتين وأرواح المؤمنين في طير كالزرازير تأكل من شجر الجنة . وأسند المروزي في الجنائز عن العباس بن عبد المطلب قال : ترفع أرواح المؤمنين إلى جبريل فيقال أنت ولي هذه إلى يوم القيامة . وأسند عن عبد الله بن عمرو قال : أرواح الكفار تجمع ببرهوت سبخة بحضرموت وأرواح المؤمنين تجتمع بالجابية . وأسند البيهقي عن ابن عباس عن كعب قال : جنة المأوى فيها طير خضر ترتقي فيها أرواح الشهداء تسرح في الجنة وأرواح آل فرعون في طير سود تغدو على النار وتروح ، وأن أطفال المسلمين في عصافير الجنة . وأسند أبو نعيم في الحلية عن وهب بن منبه قال : إن لله في السماء السابعة داراً يقال لها البيضاء تجتمع فيها أرواح المؤمنين فإذا مات الميت من أهل الدنيا تلقته الأرواح يسألونه عن أخبار الدنيا كما يسأل الغائب أهله إذا قدم عليهم . وقال ابن أبي الدنيا : حدثنا خالد بن خداش سمعت مالك بن أنس يقول : بلغني أن أرواح المؤمنين مرسلة تذهب حيث شاءت .
وأما المسألة الخامسة : وهي هل تجتمع الأرواح ويرى بعضهم بعضاً ؟ فنعم أيضاً وقد تقدم ذلك في حديث أبي أيوب عند الطبراني . وفي حديث أم بشر عنده . وعند البيهقي وفي أثر وهب . وقال ابن أبي الدنيا : حدثني محمد بن عبد الله بن بزيغ ثنا فضيل ابن سليمان النمري ثنا يحيى بن عبد الرحمن بن أبي لبيبة عن جده قال : ( لما مات بشر ابن البراء بن معرور وجدت عليه أمه وجداً شديداً فقالت : يا رسول الله إنه لا يزال الهالك يهلك من بني سلمة فهل تتعارف الموتى فأرسل إلى بشر بالسلام ؟ فقال : نعم والذي نفسي بيده إنهم ليتعارفون كما تتعارف الطير في رؤوس الشجر ) . وكان لا يهلك هالك من بني سلمة إلا جاءته أم بشر فقالت يا فلان عليك السلام فيقول : وعليك فتقول : اقرأ على بشر السلام . وقال الإمام أحمد في مسنده : حدثنا الحسن ثنا ابن لهيعة عن دراج عن عيسى بن هلال الصدفي عن عبد الله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن روحي المؤمنين ليلتقيان على مسيرة يوم وما رأى أحدهما صاحبه قط ) . وأخرج البزار بسند صحيح عن أبي هريرة رفعه : ( أن المؤمن ينزل به الموت ويعاين ما يعاين يود لو خرجت نفسه والله يحب لقاء المؤمن وأن المؤمن تصعد روحه إلى السماء فتأتيه أرواح المؤمنين فيستخبرونه عن معارفه من أهل الأرض فإذا قال تركت فلاناً في الدنيا أعجبهم ذلك ، وإذا قال إن فلاناً قد مات قالوا ما جيء به إلينا ) .
وأخرج ابن أبي الدنيا بأسانيد عن عبيد بن عمير قال : إذا مات الميت تلقته الأرواح فيستخبرونه كما يستخبر الراكب ما فعل فلان وفلان . وعن الحسن قال : إذا احتضر المؤمن حضره خمسمائة ملك يقبضون روحه فيعرجون به إلى السماء الدنيا فتتلقاه أرواح المؤمنين الماضين فيريدون أن يستخبروه فتقول لهم الملائكة ارفقوا به فإنه خرج من كرب عظيم فيسأله الرجل عن أخيه وعن صاحبه . وعن سعيد بن جبير قال : إذا مات الميت استقبله ولده كما يستقبل الغائب . وعن ثابت البناني قال : بلغنا أن الميت إذا مات احتوشه أهله وأقاربه الذين قد تقدموه من الموتى فهو أفرح بهم وهم أفرح به من المسافر إذا قدم على أهله .(2/164)
"""""" صفحة رقم 165 """"""
وأما المسألة السادسة : وهي أن الشهيد هل يسأل ؟ فجوابه لا صرح به جماعة منهم القرطبي واستدل بحديث مسلم : ( أنه صلى الله عليه وسلّم سئل هل يفتن الشهيد ؟ فقال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) . قال القرطبي : ومعناه أن السؤال في القبر إنما جعل لامتحان المؤمن الصادق في إيمانه من المنافق ، وثبوته تحت بارقة السيوف أدل دليل على صدقه في إيمانه وإلا لفر إلى الكفار .
وأما المسألة السابعة : وهي أن الطفل هل يسأل ؟ ففيه قولان للحنابلة حكاهما ابن القيم في كتاب الروح ، وقول النووي في الروضة ، وشرح المهذب : إن التلقين بعد الدفن مختص بالبالغ ، وأن الصبي الصغير لا يلقن دليل على اختياره أنه لا يسأل والله أعلم .
مسألة :
ماذا يقول إمام العصر مجتهد
قد فاق سالفه في العجم والعرب
فيما روى عن رسول الله من كلم
لأهل بدر وقد ردوا إلى القلب
وقيل كلمت موتى لا سماع لهم
فقال لستم بأسمع جاء في الكتب
وقال لا تسمع الموتى الإله وذا
معارض للذي قلناه في الرتب
لا زلت ترشد عبداً ظل في حلك
بواضح الفرق خالي الشك والريب
الجواب : .
الحمد لله حمداً دائم الحقب
ثم الصلاة على المبعوث خير نبي
سماع موتى كلام الخلق معتقد
جاءت به عندنا الآثار في الكتب
وآية النفي معناها سماع هدى
لا يقبلون ولا يصغون للأدب
فالنفي جاء على معنى المجاز فخذ
واجمع به بين ذا مع هذه تصب
مسألة : سؤال منكر ونكير في القبر هل هو عام لجميع الخلق أو يستثنى منه أحد ؟ وهل تسأل الأطفال والسقط ؟ .
الجواب : ليس عاماً للخلق بل يستثنى منه الشهيد ففي الحديث : ( أنه صلى الله عليه وسلّم سئل أيفتن الشهيد في قبره ؟ فقال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) قال القرطبي في التذكرة نقلاً عن الحكيم الترمذي معناه : أنه لو كان عنده نفاق فر عند التقاء الزحفين وبريق السيوف لأن من شأن المنافق الفرار عند ذلك وشأن المؤمن البذل والتسليم لله ، فلما ظهر صدق ضميره حيث برز للحرب والقتل لم يعد عليه السؤال في القبر الموضوع لامتحان المسلم الخالص من المنافق ، قال القرطبي : وإذا كان الشهيد لا يفتن فالصديق من باب أولى لأنه أجل قدراً ، وممن يستثنى المرابط فقد ورد فيه أحاديث ، والطعون ، والصابر في بلد الطعن محتسباً ومات بغير الطاعون صرح به الحافظ ابن حجر في كتاب بذل الماعون والأطفال في أصح القولين .(2/165)
"""""" صفحة رقم 166 """"""
الاحتفال بالأطفال
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة : اختلف في الأطفال هل يفتنون في قبورهم ويسألهم منكر ونكير أو لا ؟ على قولين شهيرين حكاهما ابن القيم في كتاب الروح عن أصحابه الحنابلة ورأيتهما أيضاً للحنفية ، وللمالكية ويخرجان من كلام أصحابنا الشافعية ، أحدهما أنهم لا يسألون وبه جزم النسفي من الحنفية وهو مقتضى كلام ابن الصلاح ، والنووي ، وابن الرفعة ، والسبكي ، وصرح به الزركشي ، وأفتى به الحافظ ابن حجر . والثاني أنهم يسألون رويناه عن الضحاك من التابعين وجزم به من الحنفية البزازي ، والبيكساري ، والشيخ أكمل الدين وهو مقتضى كلام ابن فورك ، والمتولي ، وابن يونس من أصحابنا ونقله الشيخ سعد الدين التفتازاني عن أبي شجاع ، وجزم به من المالكية القرطبي في التذكرة ، والفاكهاني ، وابن ناجي ، والأقفهسي ، وصححه صاحب المصباح في علم الكلام .
ذكر نقول القول الأول : قال النسفي في بحر الكلام : الأنبياء وأطفال المؤمنين ليس عليهم حساب ، ولاعذاب القبر ، ولا سؤال منكر ونكير ، وقال النووي في الروضة من زوائده ، وفي شرح المهذب : إنما هو في حق الميت المكلف أما الصبي ونحوه فلا يلقن ، قال الزركشي في الخادم : هذا تابع فيه ابن الصلاح فإنه قال : لا أصل لتلقينه يعني لأنه لا يفتن في قبره وقال في موضع آخر في الخادم ما قاله ابن الصلاح ، والنووي مبني على أنه لا يسأل في قبره انتهى . وقد تابعهما على ذلك ابن الرفعة في الكفاية ، والسبكي في شرح المنهاج ، وسئل الحافظ ابن حجر عن الأطفال هل يسألون ؟ فأجاب بأن الذي يظهر اختصاص السؤال بمن يكون مكلفاً .
ذكر نقول القول الثاني : أخرج ابن جرير في تفسيره عن جويبر قال : مات ابن للضحاك بن مزاحم ابن ستة أيام فقال : إذا وضعت ابني في لحده فأبرز وجهه وحل عقده فإن ابني مجلس ومسئول فقلت : عم يسأل ؟ قال : عن الميثاق الذي أقر به في صلب آدم ، وقال البزازي من الحنفية في فتاويه : السؤال لكل ذي روح حتى الصبي والله تعالى يلهمه ، وقال الزركشي في الخادم قد صرح ابن يونس في شرح التعجيز بأنه يستحب تلقين الطفل ، واحتج بأن النبي صلى الله عليه وسلّم لقن ابنه إبراهيم قال : وهذا احتج به المتولي في أصل المسألة ، وقال السبكي في شرح المنهاج : إنما يلقن الميت المكلف أما الصبي فلا يلقن ، وقال في التتمة : إن النبي صلى الله عليه وسلّم لما لحد ابنه إبراهيم لقنه وهذا غريب انتهى .
وعبارة التتمة الأصل في التلقين ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما دفن إبراهيم قال : ( قل الله ربي ورسولي أبي والإسلام ديني فقيل له يا رسول الله أنت تلقنه فمن يلقننا ؟ فأنزل الله تعالى :(2/166)
"""""" صفحة رقم 167 """"""
) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( ) انتهى . وقال الشيخ سعد الدين في شرح العقائد : قال أبو شجاع : إن للصبيان سؤالاً . وقال صاحب المصباح : الأصح أن الأنبياء لا يسألون وتسأل أطفال المسلمين . وتوقف أبو حنيفة في سؤال أطفال المشركين . وقال القرطبي في التذكرة : فإن قالوا ما حكم الصغار عندكم ؟ قلنا هم كالبالغين وأن العقل يكمل لهم ليعرفوا بذلك منزلتهم وسعادتهم ويلهمون الجواب عما يسألون عنه ، هذا ما تقتضيه ظواهر الأخبار ، وقد جاء أن القبر ينضم عليهم كما ينضم على الكبار ، وقد روى هناد بن السري عن أبي هريرة أنه كان يصلي على المنفوس ما عمل خطيئة قط فيقول : اللهم أجره من عذاب القبر انتهى . والأولون قالوا : إنما يكون السؤال لمن عقل الرسول والمرسل فيسأل هل آمن بالرسول وأطاعه أم لا ؟ قالوا : والجواب عن حديث أبي هريرة أنه ليس المراد فيه بعذاب القبر عقوبته ولا السؤال بل مجرد الألم بالغم ، والهم ، والحسرة ، والوحشة ، والضغطة التي تعم الأطفال وغيرهم ، وقد يستشهد لأصحاب القول الثاني بما أخرجه ابن شاهين في السنة قال : حدثنا عبد الله بن سليمان قال : ثنا عمرو بن عثمان قال : ثنا بقية قال : حدثني صفوان قال : حدثني راشد قال : كان النبي صلى الله عليه وسلّم يقول : تعلموا حجتكم فإنكم مسؤلون حتى إن كان أهل البيت من الأنصار يحضر الرجل منهم الموت فيوصونه . والغلام إذا عقل فيقولون له إذاً سألوك من ربك ؟ فقل الله ربي ، وما دينك ؟ فقل الإسلام ديني ، ومن نبيّك ؟ فقل محمد صلى الله عليه وسلّم ، وإنما رجحت القول الأول في كتاب شرح الصدور وغيره تبعاً لأهل مذهبنا فإن الأئمة المتأخرين منهم عليه والله تعالى أعلم ، ثم رأيت في شرح الرسالة لأبي زيد عبد الرحمن الجزولي ما نصه يظهر من أكثر الأحاديث أن المؤمنين يفتنون في قبورهم سواء كانوا مكلفين أو غير مكلفين ويؤخذ من بعض الأحاديث أنه إنما أراد المكلفين ، ويظهر من كلام أبي محمد هنا ومما يأتي أنه أراد المكلفين ، وغير المكلفين لأنه قال فيما يأتي : أنه أراد المكلفين وعافه من فتنة القبر ، وللشيوخ هنا تأويلان فمنهم من ترك الكتاب على ظاهره ومنهم من قيده فقال : يريد المكلفين ولكن يناقضه ما قال في الجنائز انتهى .
وقال يوسف بن عمر في شرح الرسالة : المراد بالمؤمنين في قوله : ( وأن المؤمنين يفتنون في قبورهم ) غير المجاهدين الشهيدين في سبيل الله وغير الصبيان على قول . وقال الشيخ أكمل الدين في الإرشاد : السؤال لكل ميت كبير أو صغير يسأل إذا غاب عن الآدميين ، وإذا مات في البحر أو أكله السبع فهو مسئول ، والأصح أن الأنبياء عليهم السلام لا يسألون ، ثم رأيت الحديث المشار إليه في تلقين إبراهيم أورده الأستاذ أبو بكر ابن فورك في كتابه المسمى بالنظامي في أصول الدين مستدلاً به على أصل السؤال وعبارته اعلم أن السؤال في القبر حق وأنكرت المعتزلة ذلك بناء على أصلهم الواهي ، ويدل على صحة ما قلناه ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه لما دفن ولده إبراهيم وقف على قبره فقال : ( يا بني القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول ما يسخط الرب إنا لله وإنا إليه راجعون ، يا بني قل الله ربّي(2/167)
"""""" صفحة رقم 168 """"""
والإسلام ديني ورسول الله أبي ، فبكت الصحابة وبكى عمر بن الخطاب بكاء ارتفع له صوته فالتفت النبي صلى الله عليه وسلّم فرأى عمر يبكي والصحابة معه فقال : يا عمر ما يبكيك ؟ فقال : يا رسول الله هذا ولدك وما بلغ الحلم ولا جرى عليه القلم ويحتاج إلى ملقن مثلك يلقنه التوحيد في مثل هذا الوقت فما حال عمر وقد بلغ الحلم وجرى عليه القلم وليس له ملقن مثلك أي شيء تكون صورته في مثل هذه الحالة ؟ فبكى النبي صلى الله عليه وسلّم وبكت الصحابة معه ونزل جبريل وسأل النبي صلى الله عليه وسلّم عن سبب بكائهم فذكر النبي صلى الله عليه وسلّم ما قاله عمر وما ورد عليهم من قوله عليه السلام فصعد جبريل ونزل وقال : ربك يقرئك السلام ويقول : ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ( يريد بذلك وقت الموت وعند السؤال في القبر فتلا النبي صلى الله عليه وسلّم عليهم الآية فطابت الأنفس وسكنت القلوب وشكروا الله تعالى ) . ومن النقول الموافقة للقول الثاني قال شمس الدين البيكساري في شرح عمدة النسفي : السؤال لكل ميت صغيراً كان أو كبيراً ، وأبو حنيفة توقف في أطفال المشركين في أنهم هل يسألون ويدخلون الجنة أم لا ؟ وعند غيره يسألون ، وذكر الفاكهاني في شرح الرسالة كلام القرطبي في أن الصغار يسألون ثم قال : وقال بعض المتأخرين : وليس في إحياء الأطفال خبر مقطوع به والعقل يجوزه ، وقا الجمال الأقفهسي في شرح الرسالة : ظاهر قول الرسالة وإن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون إن كان المكلف وغيره يسأل وهو الذي يظهر من أكثر الأحاديث ، وقال أبو القاسم بن عيسى بن ناجي في شرح الرسالة : ظاهر كلام الشيخ أن الصبي يفتن وهو كذلك قاله القرطبي في تذكرته ؛ وقال أيضاً في باب الدعاء للطفل والصلاة عليه عند قوله وعافه من فتنة القبر : هذا كالنص في أن الصغير يسأله منكر ونكير .
طلوع الثريا بإظهار ما كان خفياً
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة : فتنة الموتى في قبورهم سبعة أيام أوردها غير واحد من الأئمة في كتبهم ، فأخرجها الإمام أحمد بن حنبل في كتاب الزهد ، والحافظ أبو الأصبهاني في كتاب الحلية بالإسناد إلى طاوس أحد أئمة التابعين ، وأخرجها ابن جريج في مصنفه بالإسناد إلى عبيد بن عمير وهو أكبر من طاوس في التابعين بل قيل إنه صحابي ، وعزاها الحافظ زين الدين بن رجب في كتاب أهوال القبور إلى مجاهد ، وعبيد بن عمير فحكم هذه الروايات الثلاث حكم المراسيل المرفوعة على ما يأتي تقريره ، وفي رواية عبيد بن عمير زيادة أن المنافق يفتن أربعين صباحاً وهذه الرواية بهذه الزيادة أوردها الحافظ أبو عمر بن عبد البر في التمهيد ، والإمام أبو علي الحسين بن رشيق المالكي في شرح الموطأ ، وحكاه الإمام أبو زيد عبد الرحمن الجزولي من المالكية في الشرح الكبير على رسالة الإمام أبي محمد بن(2/168)
"""""" صفحة رقم 169 """"""
أبي زيد ، والإمام أبو القاسم بن عيسى بن ناجي من المالكية في شرح الرسالة أيضاً وأورد الرواية الأولى والشيخ كمال الدين الدميري من الشافعية في حياة الحيوان ؛ وحافظ العصر أبو الفضل بن حجر في المطالب العالية .
ذكر الرواية المسندة عن طاوس : قال الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه في كتاب الزهد له : حدثنا هاشم بن القاسم قال : ثنا الأشجعي عن سفيان قال : قال طاوس : إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام ، قال الحافظ أبو نعيم في الحلية : حدثنا أبو بكر بن مالك ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ثنا أبي ثنا هاشم ثنا الأشجعي عن سفيان قال : قال طاوس : إن الموتى يفتنون في قبورهم سبعاً فكانوا يستحبون أن يطعم عنهم تلك الأيام .
ذكر الرواية المسندة عن عبيد بن عمير : قال ابن جريج في مصنفه عن الحارث بن أبي الحارث عن عبيد بن عمير قال : يفتن رجلان مؤمن ومنافق ، فأما المؤمن فيفتن سبعاً ، وأما المنافق فيفتن أربعين صباحاً . الكلام على هذا من وجوه :
الوجه الأول : رجال الإسناد الأول رجال الصحيح وطاوس من كبار التابعين ، قال أبو نعيم في الحلية : هو أول الطبقة من أهل اليمن ، وروى أبو نعيم عنه أنه قال : أدركت خمسين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وروى غيره عنه قال : أدركت سبعين شيخاً من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال ابن سعد : كان له يوم مات بضع وتسعون سنة . وسفيان هو الثوري وقد أدرك طاوساً فإن وفاة طاوس سنة بضع عشرة ومائة في أحد الأقوال ، ومولد سفيان سنة سبع وتسعين إلا أن أكثر روايته عنه بواسطة . والأشجعي اسمه عبيد الله بن عبيد الرحمن ، ويقال ابن عبد الرحمن ، وأما الإسناد الثاني فعبيد بين عمير هو الليثي قاص أهل مكة قال مسلم بن الحجاج صاحب الصحيح : إنه ولد في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم قال غيره : إنه رأى النبي صلى الله عليه وسلّم فعلى هذا يكون صحابياً ، وكان يقص بمكة على عهد عمر بن الخطاب وهو أول من قص بها وكانت وفاته قبل وفاة ابن عمر وأما الحارث فهو ابن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعد بن أبي ذياب الدوسي روى له البخاري في خلق أفعال العباد ، ومسلم في صحيحه ، وروى عنه ابن جريج . والدراوردي وغيرهما ، وأما ابن جريج فهو الإمام عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج الأموي قال أحمد بن حنبل : هو أول من صنف الكتب ، وقال ابن عيينة : سمعت ابن جريج يقول : ما دون العلم تدويني أحد روى عن خلق من التابعين ومات سنة تسع وأربعين ومائة وقد جاوز المائة .
الوجه الثاني : المقرر في فن الحديث والأصول أن ما روي مما لا مجال للرأي فيه كأمور البرزخ والآخرة فإن حكمه الرفع لا الوقف وإن لم يصرح الراوي بنسبته إلى(2/169)
"""""" صفحة رقم 170 """"""
النبي صلى الله عليه وسلّم ، قال العراقي في الألفية :
وما أتى عن صاحب بحيث لا
يقال رأياً حكمه الرفع على
ما قال في المحصول نحو من أتى
فالحاكم الرفع لهذا أثبتا
وقال في شرحها : ما جاء من صحابي موقوفاً عليه ومثله لا يقال الرأي حكمة حكم المرفوع كما قال الإمام فخر الدين في المحصول فقال : إذا قال الصحابي قولاً ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على السماع تحسيناً للظن به كقول ابن مسعود : من أتى ساحراً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم ، ترجم عليه الحاكم في علوم الحديث معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال : ومثال ذلك فذكر ثلاثة أحاديث هذا أحدها ، وما قاله في المحصول موجود في كلام غير واحد من الأئمة كأبي عمر بن عبد البر وغيره ، وقد أدخل ابن عبد البر في كتابه التقصي عدة أحاديث ذكرها مالك في الموطأ موقوفة مع أن موضوع الكتاب لما في الموطأ من الأحاديث المرفوعة منها حديث سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف ، وقال في التمهيد : هذا الحديث موقوف على سهل في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك قال : ومثله لا يقال من جهة الرأي انتهى كلام العراقي في شرح الألفية ، وقال الحافظ أبو الفضل بن حجر في شرح النخبة : مثال المرفوع من القول حكماً ما يقوله الصحابي مما لا مجال للإجتهاد فيه ولا تعلق له ببيان لغة أو شرح غريب ، كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وأخبار الأنبياء ، أو الآتية كالملاحم والفتن وأحوال يوم القيامة ، وكذا الإخبار عما يحصل بفعله ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص ، قال : وإنما كان له حكم المرفوع لأن إخباره ، بذلك يقتضي مخبراً له ، وما لا مجال للاجتهاد فيه يقتضي موقفاً للقائل به ولا موقف للصحابة إلا النبي صلى الله عليه وسلّم ، وإذا كان كذلك فله حكم ما لو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم فهو مرفوع ، مثال المرفوع من الفعل حكماً أن يفعل الصحابي ما لا مجال للاجتهاد يه فينزل على أن ذلك عنده عن النبي صلى الله عليه وسلّم كما قال الإمام الشافعي رضي الله عنه في صلاة علي في الكسوف في كل ركعة أكثر من ركوعين ، انتهى كلام شرح النخبة .
وقال الحافظ ابن حجر في نكته على ابن الصلاح : ما قاله الصحابي مما لا مجال للاجتهاد فيه ، فحكمه الرفع كالإخبار عن الأمور الماضية من بدء الخلق وقصص الأنبياء ، وعن الأمور الآتية كالملاحم ، والفتن ، والبعث ، وصفة الجنة والنار ، والإخبار عن عمل يحصل به ثواب مخصوص أو عقاب مخصوص ، فهذه الأشياء لا مجال للاجتهاد فيها فيحكم لها بالرفع ، قال أبو عمرو الداني : قد يحكي الصحابي قولاً يوقفه فيخرجه أهل الحديث في المسند لامتناع أن يكون الصحابي ما قاله إلا بتوقف ، كما روى أبو صالح السمان عن أبي هريرة قال : نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن عرف الجنة الحديث لأن مثل هذا لا يقال بالرأي فيكون من جملة المسند .
قال الحافظ ابن حجر : وهذا هو معتمد خلق كثير من كبار الأئمة كصاحبي الصحيح ،(2/170)
"""""" صفحة رقم 171 """"""
والإمام الشافعي ، وأبي جعفر الطبري ، وأبي جعفر الطحاوي ، وأبي بكر بن مردويه في تفسيره المسند ، والبيهقي ، وابن عبد البر في آخرين ، قال : وقد حكى ابن عبد البر الإجماع على أنه مسند وبذلك جزم الحاكم في علوم الحديث ، والإمام فخر الدين في المحصول انتهى .
وعبارة المحصول : إذا قال الصحابي قولاً لا مجال للاجتهاد فيه حمل على السماع لأنه إذا لم يكن من محل الاجتهاد فلا طريق إلا السماع من النبي صلى الله عليه وسلّم انتهى ، وقال الحافظ أبو الفضل العراقي في شرح الترمذي : ما رواه المصنف عن عمر بن الخطاب أن الدعاء موقوف بين السماء والأرض لا يصعد منه شيء حتى تصلي على نبيك هو وإن كان موقوفاً عليه فمثله لا يقال من قبل الرأي وإنما هو أمر توقيفي فحكمه حكم المرفوع كما صرح به جماعة من الأئمة وأهل الحديث والأصول ، فمن الأئمة الشافعي رضي الله عنه ونص عليه في بعض كتبه كما نقل عنه . ومن أهل الحديث أبو عمر بن عبد البر فأدخل في كتاب التقصي أحاديث من أقوال الصحابة مع أن موضوع كتابه للأحاديث المرفوعة من ذلك حديث سهل بن أبي حثمة في صلاة الخوف ، وقال في التمهيد : هذا الحديث موقوف على سهل في الموطأ عند جماعة الرواة عن مالك ومثله لا يقال من جهة الرأي ، وكذلك فعل الحاكم أبو عبد الله في كتابه في علوم الحديث فقال في النوع السادس من معرفة الحديث : معرفة المسانيد التي لا يذكر سندها عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم روى فيه ثلاثة أحاديث : قول ابن عباس كنا نتمضمض من اللبن ولا نتوضأ منه . وقول أنس : كان يقال في أيام العشر كل يوم ألف يوم ويوم عرفة عشرة آلاف يوم قال يعني في الفضل وقال عبد الله بن مسعود : من أتى ساحراً أو عرافاً فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلّم ، قال : فهذا وأشباهه إذا قاله الصحابي فهو حديث مسند وكل ذلك مخرج في المسانيد .
ومن الأصوليين الإمام فخر الدين الرازي فقال في كتابه المحصول : إذا قال الصحابي قولاً ليس للاجتهاد فيه مجال فهو محمول على السماع . وقال القاضي أبو بكر ابن العربي عقب ذكره لقول عمر : ومثل هذا إذا قاله عمر لا يكون إلا توقيفاً لأنه لا يدرك بنظر انتهى ، هذا كله إذا صدر ذلك من الصحابي فيكون مرفوعاً متصلاً ، فإن صدر ذلك من التابعي فهو مرفوع مرسل كما ذكر ابن الصلاح ذلك في نظير المسألة ، وصرح البيهقي في هذه المسألة بخصوصها فإنه أخرج في شعب الإيمان بسنده عن أبي قلابة قال : في الجنة قصر لصوّام رجب ثم قال : هذا القول عن أبي قلابة وهو من التابعين فمثله لا يقول ذلك إلا عن بلاغ ممن فوقه عمن يأتيه الوحي . وأخرج البيهقي أيضاً في شعب الإيمان بسنده عن أبي قلابة قال : من حفظ عشر آيات من سورة الكهف عصم من فتنة الدجال ، ومن قرأ الكهف في يوم الجمعة حفظ من الجمعة إلى الجمعة وإن أدرك الدجال لم يضره وجاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر ، ومن قرأ يس غفر له ، ومن قرأها وهو جائع شبع ، ومن قرأها وهو ضال هدي ، ومن قرأها وله ضالة وجدها ، ومن قرأها عند طعام خاف قلته كفاه ، ومن(2/171)
"""""" صفحة رقم 172 """"""
قرأها عند ميت هون عليه ، ومن قرأها عند والدة عسر عليها ولدها يسر عليها ، ومن قرأها فكأنما قرأن القرآن إحدى عشرة مرة ولكل شيء قلب وقلب القرآن يس . ثم قال عقبه : هكذا نقل إلينا عن أبي قلابة وهو من كبار التابعين ولا نقول ذلك إن صح عنه إلا بلاغاً .
وروى الإمام مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد أنه كان يقول : إن المصلي ليصلي الصلاة وما فاته وقتها ولما فاته من وقتها أعظم أو أفضل من أهله وماله ، قال ابن عبد البر : هذا له حكم المرفوع إذ يستحيل أن يكون مثله رأياً ويحيى بن سعيد [ من صغار التابعين ، وروى مالك في الموطأ أيضاً عن سعيد ] ابن المسيب أنه كان يقول : من صلى بأرض فلاة صلى عن يمينه ملك وعن شماله ملك ، فإن أذن وأقام صلى وراءه من الملائكة أمثال الجبال ، قال بعضهم : هذا لا يقال بالرأي فهو مرفوع ، وهذا استدل به السبكي في الحلبيات على حصول فضيلة الجماعة بذلك ، وروى عبد الرزاق عن عكرمة قال : صفوف أهل الأرض على صفوف أهل السماء فإذا وافق آمين في الأرض آمين في السماء غفر للعبد أورده الحافظ ابن حجر في شرح البخاري في تفسير قوله صلى الله عليه وسلّم : ( فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة ) وقال : مثله لا يقال بالرأي فالمصير إليه أولى وعكرمة تابعي وهذا الأثر الذي نحن فيه من ذلك فإنه من أحوال البرزخ التي لا مدخل للرأي والاجتهاد فيها ولا طريق إلى معرفتها إلا بالتوقيف والبلاغ عمن يأتيه الوحي وقد قال ذلك عبيد بن عمير ، وطاوس وهما من كبار التابعين فيكون حكمه حكم الحديث المرفوع المرسل وإن ثبتت صحبة عبيد بن عمير فحكمه حكم المرفوع المتصل ، قال ابن عبد البر في التمهيد في شرح حديث فتنة القبر وسؤاله : أحكام الآخرة لا مدخل فيها للقياس والاجتهاد ولا للنظر والاحتجاج والله يفعل ما يشاء لا شريك له ، وقال القرطبي في التذكرة : هذا الباب ليس فيه مدخل للقياس ولا مجال للنظر فيه وإنما فيه التسليم والانقياد لقول الصادق المرسل إلى العباد انتهى .
ويؤيد ما ذكرناه أن هذه الأمور إذا صدرت من التابعين تحمل على الرفع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ما أخرجه ابن أبي الدنيا بسنده عن أبي جعفر محمد بن علي قال : كان علي بن حسين يذكر أن العبد إذا احتمل إلى قبره نادى حملته إذا بشر بالنار فيقول يا أخوتاه ما علمتم ما عاينت بعدكم إن أخاكم بشر بالنار فيا حسرتاه على ما فرطت في جنب الله أنشد بالله كل ولد أو جار أو صديق أو أخ إلا احتبسني عن قبري فإنه ليس بين صاحبكم وبين النار إلا أن تواروه في التراب والملائكة ينادون امض عدو الله فإذا دنا من حفرته يقول ما لي من شفيع مطاع ولا صديق حميم ، ثم إذا أدخل القبر ضرب ضربة تذعر لها كل دابة غير الجن والإنس . وأما ولي الله إذا احتمل إلى قبره وبشر بالجنة نادى حملته يا اخوتاه أما علمتم أني بشرت بعدكم بالرضا من الله والجنة والنجاة من سخط الله والنار فعجلوا بي إلى حفرتي ) فيا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين ( والملائكة ينادون امض ولي الله إلى رب كريم يثيب بالشيء اليسير العظيم الجزيل ، اللهم اجعلها غدوة أو روحة إلى الجنة ، فإذا أدخل القبر تلقى بحزمة من ريحان الجنة يجد ريحها كل ذي ريح(2/172)
"""""" صفحة رقم 173 """"""
غير الإنس والجن ، قال أبو جعفر : كان علي بن حسين إذا ذكر أشباه هذا الحديث بكى ثم يقول : إني لأخاف الله أن أكتمه ولئن أظهرته ليدخلن علي أذى من الفسقة وذلك أن علي بن الحسين ذكر حديث الذي ينادي حملته فقال ضمرة بن معبد رجل من بني زهرة والله يا علي بن حسين لو أن الميت يفعل كما زعمت بمناشدتك حملته إذاً لوثب عن أيدي الرجل من سريره فضحك أناس من الفسقة وغضب علي بن حسين وقال : اللهم إن ضمرة كذب بما جاء به محمد رسولك فخذه أخذ أسف فما لبث ضمرة إلا أربعين ليلة حتى مات فجأة . قال أبو جعفر : فاشهد على مسلم بن شعيب مولاه وكان ما علمناه خياراً أنه أتى علي بن حسين ليلاً فقال : اشهد أني سمعت ضمرة أعرفه كما كنت أعرف صوته حياً وهو ينادي في قبره : ويل طويل لضمرة إلا أن يتبرأ منك كل خليل وحللت في نار الجحيم فيها مبيتك والمقيل ، فقال علي بن حسين : نسأل الله العافية ، هذا جزاء من ضحك وأضحك الناس بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، فانظر كيف ذكر علي بن حسين الحديث أولاً من غير تصريح بعزوه إلى النبي صلى الله عليه وسلّم اتكالاً على علم ذلك لأنه ليس مما يقال من قبل الرأي وإنما معتمده التوقيف والسماع ، ثم لما وقعت هذه القصة صرح بأنه حديث جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وبالجملة فالحكم على مثل هذا بالرفع من الأمور التي أجمع عليها أهل الحديث .
الوجه الثالث : إذا تقرر أن أثر طاوس حكمه حكم الحديث المرفوع المرسل وإسناده إلى التابعي صحيح كان حجة عند الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ، ومالك ، وأحمد مطلقاً من غير شرط ، وأما عند الإمام الشافعي رضي الله عنه فإنه يحتج بالمرسل إذا اعتضد بأحد أمور مقررة في محلها ، منها مجيء آخر أو صحابي يوافقه ، والاعتضاد ههنا موجود فإنه روى مثله عن مجاهد ، وعن عبيد بن عمير وهما تابعيان إن لم يكن عبيد صحابياً فهذان مرسلان آخران يعضدان المرسل الأول ، قال الترمذي في آخر كتابه : حدثنا أبو بكر عن علي بن عبيد الله قال : قال يحيى بن سعيد : مرسلات مجاهد أحب إلي من مرسلات عطاء بن أبي رباح بكثير كان عطاء يأخذ عن كل ضرب قال علي : قلت ليحيى : مرسلات مجاهد أحب إليك أم مرسلات طاوس ؟ قال : ما أقربهما ، وأما إذا قلنا بثبوت الصحبة لعبيد بن عمير فإن الحديث يكون مرفوعاً متصلاً من طريقه ، وأثر طاوس شاهد قوي له يرقيه إلى مرتبة الصحة ، وقد احتج ابن عبد البر بأثر عبيد بن عمير ، هذا ما ذهب إليه من اختصاص السؤال بالمنافق وأن الكافر الصريح لا يسأل ولولا ثبوته عنده وصحته ما احتج به ، وقد قال النووي في شرح مسلم : الحديث المرسل إذا روي من طريق آخر متصلاً تبينا به صحة المرسل وجاز الاحتجاج به ويصير في المسألة حديثان صحيحان .
الوجه الرابع : قوله : كانوا يستحبون من باب قول التابعي كانوا يفعلون وفيه قولان لأهل الحديث والأصول : أحدهما أنه أيضاً من باب المرفوع وأن معناه كان الناس يفعلون ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ويعلم به ويقر عليه ، والثاني أنه من باب العزو إلى الصحابة دون انتهائه إلى(2/173)
"""""" صفحة رقم 174 """"""
النبي صلى الله عليه وسلّم ، ثم اختلف على هذا هل هو إخبار عن جميع الصحابة فيكون نقلاً للإجماع أو عن بعضهم ؟ على قولين أصحهما في شرح مسلم للنووي ، الثاني قال شمس الدين البرشنسي في شرح ألفيته المسماة بالمورد الأصفى في علم الحديث : قول التابعين كانوا يفعلون يدل على فعل البعض وقيل يدل على فعل جميع الأمة أو البعض وسكوت الباقين أو فعلوا كلهم على وجه ظهر للنبي صلى الله عليه وسلّم ولم ينكره انتهى ، وقال الرافعي في شرح المسند : مثل هذا اللفظ يراد به أنه كان مشهوراً في ذلك العهد من غير نكير ، فقول طاوس : فكانوا يستحبون إن حمل على الرفع كما هو القول الأول كان ذلك من تتمة الحديث المرسل ويكون الحديث اشتمل على أمرين : أحدهما أصل اعتقادي وهو فتنة الموتى سبعة أيام ، والثاني حكم شرعي فرعي وهو استحباب التصدق والإطعام عنهم مدة تلك الأيام السبعة كما استحب سؤال التثبيت بعد الدفن ساعة ، ويكون مجموع الأمرين مرسل الإسناد لإطلاق التابعي له ، وعدم تسميته الصحابي الذي بلغه ذلك فيكون مقبولاً عند من يقبل المرسل مطلقاً وعند من يقبله بشرط الاعتضاد لمجيئه عن مجاهد ، وعن عبيد بن عمير ، وحينئذ فلا خلاف بين الأئمة في الإحتجاج بهذا المرسل ، وإن حملنا قوله : فكانوا يستحبون على الإخبار عن جميع الصحابة وأنه نقل للإجماع كما هو القول الثاني فهو متصل ، لأن طاوساً أدرك كثيراً من الصحابة فأخبر عنهم بالمشاهدة وأخبر عن بقية من لم يدركه منهم بالبلاغ عنهم من الصحابة الذين أدركهم ، وإن حملناه على الإخبار عن بعض الصحابة فقط كما هو القول الثالث وهو الأصح كان متصلاً عن ذلك البعض الذين أدركهم ، وحينئذ فالحديث مشتمل على أمرين كما ذكرناه ، فأما الثاني فهو متصل كما هو الظاهر ، وأما الأول فإما مرسل على ما تقدم تقريره لأنه قول لا يصدر إلا عن صاحب الوحي وقد أطلقه تابعي فيكون مرسلاً لحذف الصحابي المبلغ له من السند ، وعلى هذا فيكون الأمر الثاني المنقول عن الصحابة أو عن بعضهم عاضداً لذلك المرسل لأن من وجوه اعتضاد المرسل عندنا أن يوافقه فعل صحابي فيكون هذا عاضداً ثالثاً بعد العاضدين السابقين وهما قول مجاهد ، وقول عبيد بن عمير ، ويكون الحديث مشتملاً على جملة مرفوعة مرسلة ، وجملة موقوفة متصلة عاضدة لتلك الجملة المرسلة ، وإنما أوردهما طاوس كذلك لأن قصده توجيه الحكم الشرعي وهو استحباب الإطعام عن الموتى مدة سبعة أيام فذكر أن سببه ورود فتنتهم في تلك الأيام ، ولهذا فرعه عليه بالفاء حيث قال : فكانوا يستحبون أن يطعم عنه تلك الأيام ، ونظير هذا الأثر في ذلك ما أخرجه الترمذي ، والبيهقي في شعب الإيمان عن الزهري قال : إنما كره المنديل بعد الوضوء لأن ماء الوضوء يوزن ، أراد الزهري وهو من التابعين تعليل الحكم الشرعي وهو ترك التنشيف بعد الوضوء بسبب لا يؤخذ إلا من الأحاديث المرفوعة لأن وزن ماء الوضوء لا يدرك إلا بتوقيف لأنه من أحوال القيامة ، فلما أورد الحديث مورد التعليل أورده مرسلاً محذوفاً منه الصحابي ، وقد قال النووي في آخر شرح مسلم : قد عملت الصحابة فمن بعدهم بهذا فيفتي الإنسان منهم بمعنى الحديث عند الحاجة إلى الفتيا(2/174)
"""""" صفحة رقم 175 """"""
دون الرواية ولا يرفعه فإذا كان في وقت آخر رفعه ، وقال الرافعي في شرح المسند : قد يحتج المحتج ويفتي المفتي بلفظ الحديث ولا يسنده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، ويحتمل أثر طاوس أمراً ثانياً وهو اتصال الجملة الأولى أيضاً لأن الإخبار عن الصحابة بأنهم كانوا يستحبون الإطعام عن الموتى تلك الأيام السبعة صريح في أن ذلك كان معلوماً عندهم وأنهم كانوا يفعلون ذلك لقصد التثبيت عند الفتنة في تلك الأيام وإن كان معلوماً عن الصحابة كان ناشئاً عن التوقيف كما تقدم تقريره ، وحينئذ يكون الحديث من باب المرفوع المتصل لا المرسل لأن الإرسال قد زال وتبين الإتصال بنقل طاوس عن الصحابة ، ولهذا قلت في أرجوزتي :
إسناده قد صح وهو مرسل
وقد يرى من جهة يتصل
لأنه وإن كان مرسلاً في الصورة الظاهرة إلا أنه عند التأمل يتبين اتصاله من جهة ما نقله طاوس عن الصحابة من استحباب الإطعام في تلك الأيام المستلزم لكون السبب في ذلك وهو الفتنة فيها كان معلوماً عندهم ، وتبين بذلك السر في إرسال طاوس الحديث وعدم تسمية الصحابي المبلغ له لكونه كان مشهوراً إذ ذاك والمبلغون له فيهم كثرة فاستغنى عن تسمية أحد منهم ، ولأن في استيعاب ذكر من بلغه طولاً وإن سمى البعض أوهم الاقتصار عليه أنه لم يبلغه إلا ممن سمى فقط ، وخصوصاً على القول بأن هذه الصيغة تحمل على الإخبار عن جميع الأمة فإن ذلك يكون أبلغ في عدم تسمية أحد من المبلغين ، وعلى كل تقدير فالحديث مقبول ويحتج به لأن الأمر دائر بين أن يكون متصلاً وبين أن يكون مرسلاً عضده مرسلان آخران وفعل بعض الصحابة أو كلهم أو كل الأمة في ذلك العصر ، فهذا تقرير الكلام على قبول الحديث والاحتجاج به من جهة في الحديث ، والأصول والله أعلم .
الوجه الخامس : قال الإمام عبد الجليل بن موسى القصري في شعب الإيمان ونقله عنه الإمام أبو زيد الجزولي في شرح رسالة أبي زيد : البرزخ على ثلاثة أقسام : مكان ، وزمان ، وحال . فالمكان من القبر إلى عليين تعمره أرواح السعداء . ومن القبر إلى سجين تعمره أرواح الأشقياء ، وأما الزمان فهو مدة بقاء الخلق فيه من أول من مات أو يموت من الجن والإنس إلى يوم يبعثون . وأما الحال فإما منعمة ، وإما معذبة أو محبوسة حتى تتخلص بالسؤال من الملكين الفتانين انتهى ؛ فقوله : أو محبوسة حتى تتخلص من الملكين الفتانين صريح أو ظاهر في أن فتنة القبر تكون في مدة بحيث يمكث محبوسا لأجلها إلى أن يتخلص منها وتلك المدة هي السبعة الأيام الواردة ، فهذا تأييد لذلك ، ويؤيده أيضاً ما ذكر الحافظ ابن رجب في كتاب أهوال القبور عن مجاهد قال : الأرواح على القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارقه ، فهذه آثار يؤيد بعضها بعضاً .
الوجه السادس : أطبق العلماء على أن المراد بقوله يفتنون وبفتنة القبر سؤال الملكين منكر ونكير ، والأحاديث صريحة فيه ولهذا سمى ملكاً السؤال الفتانين ، وروى البخاري حديث ( أوحي إليَّ أنكم تفتنون في القبور فيقال : ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن فيقول(2/175)
"""""" صفحة رقم 176 """"""
هو محمد رسول الله ) الحديث ، وروى أحمد ، والبيهقي حديث ( أما فتنة القبر في تفتنون وعني تسألون فإذا كان الرجل الصالح أجلس في قبره ثم يقال له فيم كنت ؟ ) فانظر كيف فسر قوله : تفتنون في القبور بسؤال الملكين . وروى أحمد ، وأبو داود من حديث أنس مرفوعاً : ( إن هذه الأمة تبتلى في قبورها وأن المؤمن إذا وضع في قبره أتاه ملك فسأله ) الحديث ، وروى أحمد ، والطبراني ، والبيهقي من طريق أبي الزبير أنه سأل جابر بن عبد الله عن فتاني القبر فقال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( إن هذه الأمة تبتلى في قبورها فإذا أدخل المؤمن قبره وتولى عنه أصحابه جاءه ملك شديد الانتهار فيقول له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ ) الحديث ، وروى ابن أبي داود في البعث ، والبيهقي عن عمر بن الخطاب قال : ( قلت يا رسول الله وما منكر ونكير ؟ قال : فتانا القبر ) الحديث ، وروى أبو نعيم ، والبيهقي من مرسل عطاء بن يسار مثله ، وروى ابن أبي الدنيا عن أبي هريرة قال : ( قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم لعمر : ( كيف أنت إذا رأيت منكراً ونكيراً ؟ قال : وما منكر ونكير ؟ قال : فتانا القبر ) الحديث ، وروى البيهقي عن عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( بي يفتن أهل القبور وفيه نزلت هذه الآية ) يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ( ) وروى أحمد ، وأبو داود حديث : ( كل ميت يختم على عمله إلا الذي مات مرابطاً في سبيل الله فإنه ينمو عمله إلى يوم القيامة ويؤمن من فتاني القبر ) . وروى النسائي حديث : ( إن رجلاً قال : يا رسول الله ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد ؟ قال : كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة ) . وروى جويبر من حديث ابن عباس قال : شهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم جنازة رجل من الأنصار فذكر الحديث وفيه سؤال الملكين وقال : ( وهي أشد فتنة تعرض على المؤمن ) .
فهذه أحاديث مرفوعة صريحة في أن المراد بفتنة القبر سؤال منكر ونكير ، وكذا ما رواه أبو نعيم من مرسل ضمرة فتانو القبر ثلاثة : أنكر وناكور ورومان ، وما رواه ابن الجوزي عنه أيضاً مرفوعاً فتانو القبر أربعة منكر ونكير وناكور وسيدهم رومان ، وأما كلام العلماء فقال ابن الأثير في النهاية في حديث الكسوف : إنكم تفتنون في القبور يريد مسألة منكر ونكير من الفتنة الامتحان والإختبار وقد كثرت استعاذته من فتنة القبر [ وفتنة الدجال وفتنة المحيا والممات وغير ذلك ] ومنه الحديث : ( فيّ تفتنون وعني تسألون أي تمتحنون بي في قبوركم ويتعرف إيمانكم بنبوتي ) . وقال النووي في شرح مسلم عند قوله صلى الله عليه وسلّم : ( رأيتكم تفتنون في القبور ) معنى تفتنون تمتحنون فيقال : ما علمك بهذا الرجل ؟ فيقول المؤمن : هو رسول الله ، ويقول المنافق : سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ، هكذا جاء مفسراً في الصحيح ، وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر في التمهيد في شرح هذا الحديث : للفتنة وجوه كثيرة ، ومعناها هنا الابتلاء والامتحان والاختبار ، وكذا قال الباجي ، وابن رشيق ، والقرطبي في شروحهم على الموطأ . وقال الإمام أبو محمد بن أبي زيد في الرسالة : وإن المؤمنين يفتنون في قبورهم ويسألون ويثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت . قال يوسف بن عمر في شرح الرسالة : قوله تفتنون أي تختبرون وهو قوله ويسألون وأتى به تفسيراً لقوله(2/176)
"""""" صفحة رقم 177 """"""
تفتنون ، وقال الجزولي في شرح الرسالة : الفتنة تأتي والمراد بها الكفر وهو قوله تعالى : ) والفتنة أشد من القتل ( وتأتي والمراد بها الاحتراق وهو قوله : ) يوم هم على النار يفتنون ( وتأتي والمراد بها الميل وهو قوله : ) وإن كادوا ليفتنونك ( وتطلق ويراد بها الضلال قال تعالى : ) إن هي إلا فتنتك ( وتطلق ويراد بها المرض قال تعالى : ) أولا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ( وتطلق ويراد بها الإختبار وهو قوله تعالى : ) وفتناك فتونا ( أي اختبرناك قال : وهو المراد هنا فيكون قوله : تفتنون معناه تختبرون ، وقال الإمام علم الدين السخاوي في أرجوزته في أصول الدين :
وكل ما أتاك عن محمد
صلى عليه الله خذه ترشد
من فتنة في العباد في القبور
والعرض يوم البعث والنشور
قال شارحه : فتنة القبور سؤال منكر ونكير .
الوجه السابع : إن قال قائل : لم يرد في سائر الأحاديث تصريح بذكر سبعة أيام . قلنا : ولا ورد فيها تصريح بنفيها ولا تعرض لكون الفتنة مرة أو أكثر بل هي مطلقة صادقة بالمرة وبأكثر ، فإذا ورد ذكر السبعة من طريق مقبول وجب قبوله ، وكان عند أهل الحديث من باب زيادات الثقات المقبولة ، وعند أهل الأصول من باب حمل المطلق على المقيد ، ونظيره إن أكثر أحاديث السؤال وردت مطلقة ، وورد في حديثين أن السؤال يعاد عليه في المجلس الواحد ثلاث مرات . فحمل ذلك الإطلاق على هذا ، والحديثان المشار إليهما أحدهما أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره من حديث أبي قتادة بسند حسن والآخر أخرجه ابن مردويه في تفسيره من حديث ابن عباس بسند ضعيف ، ونظيره أيضاً أنه ورد في أحاديث مجيء ملكين وفي أحاديث مجيء ملك واحد قال القرطبي : لا تنافي بينهما لأن الذي روى مجيء ملك لم يقل في روايته ولا يأتيه غيره ، وكذلك نقول : إن الأحاديث المطلقة لم يقل فيها ولا يفتن سوى يوم واحد ولا قيل ولا يأتيان بعد اليوم الأول فلا تنافي بينها وبين رواية أنهم يفتنون سبعاً .
الوجه الثامن : إن قيل إعادة السؤال بعد اليوم الأول هل هو تأسيس أو تأكيد ؟ فالجواب أنه تأكيد فما هو إلا سؤال واحد عن ربه ودينه ونبيه ، وجواب واحد يكرر عليه بعد السؤال والجواب الأول للتأكيد ، وقد ورد الحديث بأنهم لا يسألون عن شيء سوى ذلك ونص عليه العلماء .
الوجه التاسع : إن قيل فما الحكمة في التكرير سبعاً وهلا اكتفى بالأول ؟ .
فالجواب أولاً أن نقول هل ظننت أن المقصود من السؤال علم ما عنده حتى إذا أجاب أول مرة حصل المقصود ؟ معاذ الله لا يظن ذلك عاقل قد علم الله ما هو عليه قبل السؤال بل وعلم ذلك الملكان أيضاً ، ولذا ورد في الصحيح أنهما يقولان له إذا أجاب نم صالحاً فقد(2/177)
"""""" صفحة رقم 178 """"""
علمنا أن كنت لمؤمناً ، وإنما المقصود من السؤال أمور : أحدها : إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلّم ومكانته وخصوصيته ومزيته على سائر الأنبياء ، فإن سؤال القبر إنما جعل تعظيماً له وخصوصية شرف بأن الميت يسأل عنه في قبره ولم يعط ذلك نبي قبله كما قال صلى الله عليه وسلّم : ( فأما فتنة القبر فبي تفتنون وعني تسألون ) الحديث ، أخرجه أحمد ، والبيهقي من حديث عائشة بسند صحيح ، قال الحكيم الترمذي : سؤال القبور خاص بهذه الأمة لأن الأمم قبلها كانت الرسل تأتيهم بالرسالة فإذا أبوا كفت الرسل واعتزلوهم وعوجلوا بالعذاب ، فلما بعث الله سبحانه وتعالى محمداً صلى الله عليه وسلّم بالرحمة أمسك عنهم العذاب وأعطى السيف حتى يدخل في دين الإسلام من دخل لمهابة السيف ثم يرسخ الإيمان في قلبه ، فمن هذا ظهر النفاق فكانوا يسرون الكفر ويعلنون الإيمان فكانوا بين المسلمين في ستر ، فلما ماتوا قيض الله لهم فتاني القبر ليستخرج سرهم بالسؤال وليميز الله الخبيث من الطيب .
الثاني : قال الحليمي من أصحابنا في شعب الإيمان : لعل المعنى في السؤال والله أعلم أن الميت قد حول من ظهر الأرض إلى بطنها الذي هو الطريق إلى الهاوية فيجيء هناك ويوقف ويسأل ، فإن كان من الأبرار عرجت الملائكة بنفسه وروحه إلى عليين وهو نظير إيقافه في المحشر على شفير جهنم واستعراض عمله حتى إذا وجد من الأبرار أجيز على الصراط وإن كان من الفجار ألقي في النار ، وانتهى كلام الحليمي .
الثالث : قال بعضهم : جعلت فتنة القبر تكرمة للمؤمن وإظهاراً لإيمانه وتمحيصاً لذنوبه ، وقال بعض العلماء : من فعل سيئة فإن عقوبتها تدفع عنه بعشرة أشياء أن يتوب فيتاب عليه ، أو يستغفر فيغفر له ، أو يعمل حسنات فتمحوها فإن الحسنات يذهبن السيئات ، أو يبتلي في الدنيا بمصائب فتكفر عنه ، أو نفي البرزخ بالضغطة والفتنة فتكفر عنه ، أو يدعو له إخوانه من المؤمنين ويستغفرون له ، أو يهدون له من ثواب أعمالهم ما ينفعه ، أو يبتلى في عرصات القيامة بأهوال تكفر عنه ، أو تدركه شفاعة نبيه ، أو رحمة ربه ، انتهى .
الرابع : قال عبد الجليل القصري في شعب الإيمان : المعنى في سؤال الملكين الفتانين في القبر أن الخلق في التزام الشرائع وقبول الإيمان لا بد لهم من الإختبار لأمر الله ومن النظر فيه وفي أمر الرسل وما جاءت به ، وهو المعبر عنه بأول الواجبات عند عرض الشرائع على العقول ، فيعتقد كل أحد في قلبه وسره على حسب ما قدر له حين تعترضهم أفكار النظر والفكر فيما جاءت به الرسل من أمور الغيب ، فمن بين منكر جاحد أو شاك مرتاب ، ومن بين مؤمن مصدق موقن مطمئن ثابت ، هذه حال الكل مدة الدنيا من أول ما وجبت عليهم الواجبات إلى حين الموت ، فلما حصل الخلق في الآخرة فتنوا بالجزاء عن عقائدهم وأحوالهم جزاءً وفاقاً ، ولذلك يقول الملكان للمسؤول : قد علمنا أن كنت لمؤمناً ، ولا دريت ولا تليت وعلى الشك حييت وعليه مت ، على حسب اختلاف أسرار الخلق في الدنيا ثم بعد ذلك يفتح لكل أحد باب إلى الجنة وباب إلى النار وينظر إلى مقعده منهما ، ومعنى ذلك أن الرسل جاءت من عند الله وفتحت للعقول أبواب دين الإسلام حين عرضته على(2/178)
"""""" صفحة رقم 179 """"""
العقول وحين وجوب الواجبات وأمرت بالدخول فيه وأمرت بالتزام الطاعات وترك المعاصي ، وذكرت للعقول أن من التزم الطاعات جوزي بالجنة ودخلها ، ومن أعرض وأبى وقع في الكفر ودخل النار ، فمن بين داخل مفتوح له بدخوله في الإسلام والشرائع ومن بين خارج نافر ، فيقال للعبد ذلك الوقت : هذا مقعدك من الجنة أو النار أبدلك الله مقعداً من النار أو الجنة كما صنع هو بنفسه في دار الدنيا فافهم .
الخامس : قال الباجي في شرح الموطأ : ليس الإختبار في القبر بمنزلة التكليف والعبادة وإنما معناه إظهار العمل وإعلام بالمآل والعاقبة كاختبار الحساب لأن العمل والتكايف قد انقطع بالموت ، قال مالك : من مات فقد انقطع عمله وفتنة الرجل لمعنى التكايف والتعبد لكنه شبهها بها لصعوبتها وعظم المحنة بها وقلة الثبات معها انتهى .
إذا عرفت المقصود من السؤال عرفت منه حكمة التكرير ، أمان على المعنى الأول فلأن التكرير أبلغ في إظهار شرف المصطفى وخصوصية ومكانته وأما على المعنى الثاني فلأن ذلك هو وقت العروج بالروح إلى عليين والجنة كما قال صلى الله عليه وسلّم : ( غالية لا تدرك بالهوينا ) ولهذا جعل الصراط الذي هو أحدّ من السيف وأدق من الشعر طريقاً إلى وصول الإنسان إليها ببدنه ، ولا شك في شدة ذلك الطريق ، فجعل عوضه لوصول الروح إليها تكرير الفتنة سبعة أيام ، ولهذا جعله الحليمي نظير الإيقاف على الصراط ، وأما على المعنى الثالث فواضح لأنه قد يكون على المؤمن من صغائر الذنوب ما يقتضي التشديد عليه بذلك وهو رحمة من الله في حقه حيث اكتفى منه بذلك وكفر عنه به ، ولو شاء لانتقم منه بعذاب القبر الذي هو أشد من السؤال بكثير ، ولكنه لطف بعبادة المؤمنين فكفر عنهم الصغائر بمقاساة أهوال السؤال ونحوه وخص عذاب القبر بالكبائر ، ونظيره في الأحكام الشرعية من وجب عليه تعزير فصولح من العقوبة على الإغلاظ في القول والإنتهار رحمة له ورفقاً به ، أو لكونه من ذوي الهيئات الذين يكتفي في تعزيرهم بمثل ذلك ، وقد ورد الحديث أن فتنة القبر أشد فتنة تعرض على الموقن فمن تمام شدتها تكريرها سبعة أيام .
الوجه العاشر : إن قيل فما الحكمة في هذا العدد بخصوصه ؟ فالجواب أن السبع والثلاث لهما نظر في الشرع ، فما أريد تكريره فإنه يكرر في الغالب ثلاثاً ، فإذا أريد المبالغة في تكريره كرر سبعاً ، ولهذا كررت الطهارة في الوضوء والغسل ثلاثاً ، ولما أريد المبالغة في طهارة النجاسة الكلبية كررت سبعاً ، فلما كانت هذه الفتنة أشد فتنة تعرض على المؤمن جعل تكريرها سبعاً لأنه أشد نوعي التكرير وأبلغه ، وفيه مناسبة ثانية وهي أن استعراض الأعمال على الصراط يكون على سبع عقبات ويروى على سبع قناطر ، وقد تقدم عن الحليمي أنه جعل سؤال القبر نظير إيقافه على الصراط فكان السؤال في القبر في سبعة أيام على نمط السؤال على الصراط في سبعة أمكنة .
ومناسبة ثالثة : وهي أن الغالب الوقوع في الأحكام الشرعية يكون ثلاثاً والنادر الوقوع يكون سبعاً ولهذا كانت غسلات الوضوء ، والغسل ، وتسبيحات الركوع ، والسجود ، ونحو(2/179)
"""""" صفحة رقم 180 """"""
ذلك ثلاثاً . وأشواط الطواف ، والسعي ، وتكبيرات الركعة الأولى من صلاة العيدين ، والإستسقاء سبعاً ، فلما كان السؤال لا يقع في الدهر للإنسان إلى نوبة واحدة كرر سبعاً .
ومناسبة رابعة : وهي أن أيام الأسبوع سبعة ولا ثامن للأيام في الدنيا بل ولا في الآخرة ، وقد ورد الحديث أن أيام الأسبوع تشهد للإنسان بما عمل فيها من خير وتشهد عليه بما عمل فيها من شر ، فناسب أن يسأل أول ما ينزل قبره مدة الأيام السبعة الشاهدة له وعليه .
ومناسبة خامسة : وهي أن السؤال يعقبه الخلاص من الهوى إلى سجين وذلك تحت سبع أرضين . والعروج إلى عليين وذلك فوق سبع سموات ، فناسب أن يسأل سبعة أيام ليكون كل يوم في مقابلة خلاص من أرض وعروج إلى سماء .
ومناسبة سادسة : وهي أن الحديث ورد أن مدة الدنيا كلها جمعة من جمع الآخرة وذلك سبعة آلاف سنة لأن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ، فناسب أن يكون السؤال الموصل للجنة مدة جمعة من جمع الدنيا وذلك سبعة أيام .
ومناسبة سابعة : وهي أن السؤال إذا أحسن الجواب عنه ثبت إيمانه وخلص بذلك من أن يكون من أهل جهنم وهي سبع طبقات لها سبعة أبواب ، فناسب أن يسأل سبعاً ليكون كل يوم في مقابلة الخلاص من طبقة وباب فهذه سبع مناسبات في السبعة ، والسبع المعتبرة في الشرع والخلق كثيرة جداً ، وقد استدل ابن عباس على أن ليلة القدر ليلة سبع بأن الله جعل السموات سبعاً والأرض سبعاً والطواف سبعاً وخلق الإنسان من سبع وما أنبتت الأرض سبع ، وورد في أثر أن الإنسان يميز في سبع ثم يحتلم في سبع ثم يكمل طوره في سبع ثم يكمل عقله في سبع ، فظهر مناسبة اعتبار هذا العدد بخصوصه وقد قلت في ذلك أبياتاً :
في عام سبع أتى سبع المنية إذ
من بعد سبع وسبع كان قد غبرا
إذ مر من أشهر القبطي سبع ربى
لبرهمات الذي بالطعن قد شهرا
وشاع في هذه الأيام مسألة
النقل عني فيها في الورى أثرا
بأن ميت هذا الخلق يسأل في
سبع من الدهر مهما غاب أو قبرا
فثار فيها هرير من أولى سفه
فجاءهم أي سبع في الوغى كسرا
أبديت في حكمة الأعداد مبتكراً
من التناسب سبعاً أنجماً زهرا
يا رب من سبع نيران أجرني
بالسبع المثاني وجد بالعفو مقتدرا
الوجه الحادي عشر : أخرج الحكيم الترمذي بسنده عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال : ( في القبر حساب وفي الآخرة حساب ، فمن حوسب في القبر نجا ومن حوسب في القيامة عذب ) وقا ابن أبي شيبة في المصنف : حدثنا عبد الرحيم بن سليمان عن مجالد عن محمد بن المنتشر عن ابن حراش عن حذيفة بن اليمان قال : ( إن في القبر حساباً ويوم القيامة عذاباً ) . قال الحكيم الترمذي : إنما يحاسب المؤمن في القبر ليكون أهون عليه(2/180)
"""""" صفحة رقم 181 """"""
غداً في الموقف فيمحص في البرزخ ليخرج من القبر وقد اقتص منه انتهى ، وهذا وإن كان صورته صورة الموقوف على حذيفة فإن حكمه حكم المرفوع كما تقدم تقريره . وشاهده ما أخرجه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا يحاسب أحد يوم القيامة فيغفر له يرى المسلم عمله في قبره ) . وأخرج البزار ، والحاكم وصححه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( اتقوا البول فإنه أول ما يحاسب به العبد في القبر ) .
وأخرج البيهقي في كتاب عذاب القبر عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن عذاب القبر من ثلاثة : من الغيبة والنميمة والبول فإياكم وذلك ) وله شواهد كثيرة قال ابن رجب : قد ذكر بعضهم السر في تخصيص البول ، والنميمة ، والغيبة بعذاب القبر وهو أن القبر أول منازل الآخرة ، وفيه أنموذج ما يقع في يوم القيامة من العقاب والثواب والمعاصي التي يعاقب عليها يوم القيامة نوعان : حق لله وحق لعباده ، وأول ما يقضى فيه يوم القيامة من حقوق الله الصلاة ومن حقوق العباد الدماء ) وأما البرزخ فيقضى فيه في مقدمات هذين الحقين ووسائلهما ، فمقدمة الصلاة الطهارة من الحدث والخبث ، ومقدمة الدماء النميمة والوقيعة في الأعراض وهما أيسر أنواع الأذى فيبدأ في البرزخ بالمحاسبة والعقاب عليهما انتهى ، قال ابن رجب : وروى ابن عجلان عن عون بن عبد الله قال : يقال إن العبد إذا دخل قبره سئل عن صلاته أول شيء يسأل عنه فإن جازت له صلاته نظر فيما سوى ذلك من عمله وإن لم يجز له لم ينظر في شيء من عمله بعد .
الوجه الثاني عشر : إن قيل : مقتضى كون الفتنة سبعة أيام مشروعية التلقين في الأيام السبعة . فالجواب : لا . أما أولاً فلأن التلقين لم يثبت فيه حديث صحيح ولا حسن بل حديثه ضعيف باتفاق المحدثين ، ولهذا ذهب جمهور الأمة إلى أن التلقين بدعة وآخر من أفتى بذلك الشيخ عز الدين بن عبد السلام وإنما استحبه ابن الصلاح وتبعه النووي نظراً إلى أن الحديث الضعيف يتسامح به في فضائل الأعمال ، وثانياً أن هذه أمور توقيفية لا مدخل للرأي فيها ولم يرد التلقين إلا ساعة الدفن خاصة وورد في سائر الأيام الإطعام فاتبع الوارد في ذلك . فإن قلت : هل يظهر لاختصاص التلقين باليوم الأول من حكمة ؟ قلت : ظهر لي حكمتان : الأولى أن المخاطب بذلك من حضر الدفن من المؤمنين الشفعاء وذلك إنما يكون في اليوم الأول لأن الشرع لم يرد بتكليف الناس المشي مع الميت إلى قبره إلا لدفنه خاصة ولم يكلفهم التردد إلى قبره بعد ذلك فلم يشرع التلقين في سائر الأيام لما في تكليفهم التردد إليه طوال الأسبوع من المشقة فاقتصر على ساعة الدفن . الثانية : أن كل مبتدأ صعب وأول نزوله قبره ساعة لم يتقدم له مثلها قط فأنس بالتلقين وسؤال التثبيت ، فإذا اعتاد بالسؤال أول يوم وألفه سهل عليه بقية الأيام فلم يحتج إليه وشرع الإطعام لأنه قد يكون له ذنوب يحتاج إلى ما يكفرها من صدقة ونحوها ، فكان في الصدقة عنه معونة له على تخفيف الذنوب ليخفف عنه هول السؤال وصعوبة خطاب الملكين وإغلاظهما وانتهارهما .
الوجه الثالث عشر : لم يرد تصريح ببيان الوقت الذي يجيء فيه الملكان في سائر الأيام(2/181)
"""""" صفحة رقم 182 """"""
وإنما ورد أنهما يأتيانه في اليوم الأول إذا انصرف الناس من دفنه ، وقد يؤخذ من قول عبيد بن عمير يفتن المؤمن سبعاً والكافر أربعين صباحاً أنهما يأتيان في سائر الأيام أول النهار ، وقد يكون أراد بقوله أربعين صباحاً أربعين يوماً كما جرت عادتهم بذلك أن يكنوا عن اليوم بالصباح إطلاقاً للجزء وإرادة للكل فلا يكون فيه دلالة على مجيئهما أول النهار ، ويحتمل أن يأتيا في سائر الأيام في مثل الساعة التي جاء فيها أول يوم دفن والعلم في ذلك عند الله تعالى ، وإذا كنا لم نعلم وقت مجيئهما من النهار لكون ذلك من المغيبات التي لا اطلاع لأحد عليها إلا بتوقيف من صاحب الوحي ولا طريق إلى الاستدلال عليها بالنظر فكيف يظن أن أخبار طاوس وغيره بوقوع الفتنة سبعة أيام صدر عنهم من غير توقيف أو سماع أو بلاغ ممن فوقهم عمن يأتيه الوحي ؟ حاشا وكلا لا يظن ذلك من له أدنى تمييز .
الوجه الرابع عشر : ورد في أحاديث السؤال المطلقة أن الملكين يعيدان عليه السؤال ثلاث مرات في المجلس كما تقدمت الإشارة إلى ذلك ولم يرد في حديث الأيام السبعة تصريح بمثل ذلك ، فيحتمل جريان ذلك كل يوم بناء على أن الأحاديث المتعددة إذا كان في كل واحد منها إطلاق من وجه وتقييد من وجه تقيد إطلاق كل حديث بتقييد الآخر كما هو قاعدة الأصول وهذا منه .
الوجه الخامس عشر : قال قائل في حديث البخاري أنه يقال له عقب السؤال نم صالحاً فدل على أنه لا شيء بعده . والجواب أن هذا كلام من لم يتسع نظره في الحديث ولا اطلع على مصطلحات العلماء المتكلمين على الأحاديث حيث يجمعون طرق الأحاديث كلها ورواياته ويضمون بعضها إلى بعض ، ويأخذون من كل حديث ما فيه من فائدة زائدة ويقولون فيما خلا من تلك الزيادة : هذا حديث مختصر ورد في غيره زيادة عليه ، والحديث الذي في البخاري لفظه عن أسماء بنت أبي بكر أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( إنه قد أوحي إلي أنكم تفتنون في القبور فيقال ما علمك بهذا الرجل ؟ فأما المؤمن أو الموقن فيقول : هو محمد رسول الله جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا واتبعنا فيقال له نم صالحاً قد علمنا أن كنت لمؤمناً ، وأما المنافق أو المرتاب فيقول ما أدري سمعت الناس يقولون شيئاً فقلته ) هذا لفظ البخاري من غير زيادة عليه وهو أخصر حديث ورد في السؤال ، وقد ورد سواه أحاديث مطولة صحيحة فيها زيادات كثيرة اعتمدها الناس ولا يسعهم إلا اعتمادها ، فإن أخذ هذا الرجل بهذا الحديث فقط وترك ما سواه لزمه رد ما ثبت في الأحادث الصحيحة ولا يقع في ذلك عاقل ، من ذلك أنه لم يذكر في الحديث السؤال عن ربه ودينه وهو ثابت في غيره ، وأن المؤمن يقول في الجواب ربي الله وديني الإسلام ، ومن ذلك أنه لم يسم فيه الملكان بمنكر ونكير وهو ثابت في حديث الترمذي ، وقد أطبق أهل السنة على اعتباره ولم يخالف فيه إلا المعتزلة فقالوا : لا يجوز أن تسمى الملائكة بمنكر ونكير ، ولم يلتفت أهل السنة إلى قولهم اعتماداً على ما جاء في بعض طرق الحديث إلى غير ذلك من الزيادات الواقعة في أحاديث السؤال على كثرتها فإنها أكثر من سعبين حديثاً ما(2/182)
"""""" صفحة رقم 183 """"""
من حديث منها إلا وفيه زيادة ليست في غيره ، فمن لم يقف إلا على حديث واحد من سبعين حديثاً حقه أن يسكت مع الساكتين ولا يقدم على رد الأحاديث وإلغائها ، وتأويل حديث البخاري أنه يقال له نم صالحاً عند آخر جواب يجيب به في آخر يوم يسأل فيه وذلك من المحذوفات المطوي ذكرها في الحديث كسائر ما حذف منه ، وما أحسن ما وقع للحافظ أبي عمر بن عبد البر حيث تكلم على الحديث في الموطأ ، وغيره أن جبريل لم يصل في وقت فرض الصلاة بالنبي صلى الله عليه وسلّم الصلوات الخمس إلا مرة واحدة فقال : والجواب عن ذلك أنه قد ثبت إمامة جبريل لوقتين ، ما بين هذين وقت وهذه زيادة يجب قبولها والعمل بها لنقل العدول لها وليس ترك الإتيان بحجة وإنما الحجة في شهادة من شهد لا في رواية من أجمل واختصر ، انتهى كلام ابن عبد البر .
ووقع أيضاً أنه تكلم على حديث ثم روى من طرق مرسلة زيادة عليه ثم قال : ومراسيل مثل هؤلاء عند مالك حجة وهو خلاف ظاهر حديث الموطأ وحديث هؤلاء بالصواب أولى لأنهم زادوا وأوضحوا وفسروا ما أجمله غيرهم وأهمله هذه عبارته وقال القرطبي في شرح مسلم في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص في صومه وقيامه : هذا الحديث اشتهر وكثرت رواته فكثر اختلافه حتى ظن من لا بصيرة عنده أنه مضطرب وليس كذلك فإنه إذا تتبع اختلافه وضم بعضه إلى بعض انتظمت صورته وتناسب مساقه إذ ليس فيه اختلاف تناقض ولا تهاتر ، بل يرجع اختلافه إلى أن بعضهم ذكر ما سكت عنه غيره وفصل بعض ما أجمله غيره انتهى ، ولا شك في أنه لا منافاة بين حديث السبعة وحديث البخاري فإنه يجمع بينهما بأن معنى حديث البخاري قد أوحى إلى أنكم تفتنون في القبور فيقال ما علمك إلى آخره أن ذلك يقع في سبعة أيام لأنه لفظ مطلق صادق بالمرة وبأكثر ، فإذا روى الثقة أن ذلك يقع سبعاً وجب قبوله وحمل آخر الحديث وهو قوله نم صالحاً على أن ذلك يقع عند انتهاء الفتنة وذلك بآخر يوم منها .
ولنختم الكتاب بلطائف : الأولى : أن سنة الإطعام سبعة أيام بلغني أنها مستمرة إلى الآن بمكة والمدينة فالظاهر أنها لم تترك من عهد الصحابة إلى الآن وأنهم أخذوها خلفاً عن سلف إلى الصدر الأول . [ ورأيت ] في التواريخ كثيراً في تراجم الأئمة يقولون : وأقام الناس على قبره سبعة أيام يقرؤون القرآن ، وأخرج الحافظ الكبير أبو القاسم بن عساكر في كتابه المسمى تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري سمعت الشيخ الفقيه أبا الفتح نصر الله بن محمد بن عبد القوي المصيصي يقول : توفي الشيخ نصر بن إبراهيم المقدسي في يوم الثلاثاء التاسع من المحرم سنة تسعين وأربعمائة بدمشق وأقمنا على قبره سبع ليال نقرأ كل ليلة عشرين ختمة .
الثانية : قد عرف أنه يستثنى جماعة لا يسألون أصلاً كالصديق ، والشهيد ، والمرابط ، ومن ألحق بهم ، ومن اللطائف في ذلك ما أورده الجزولي من أئمة المالكية في شرح الرسالة قال : روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن منكراً ونكيراً ينزلان بالميت في قبره وهما فظان غليظان(2/183)
"""""" صفحة رقم 184 """"""
أسودان أزرقان يطان في شعورهما وينتحتان الأرض بأنيابهما يمشيان في الأرض كما يمشي أحدكم في الضباب بيد كل واحد منهما مرزبة من حديد لو وضعت على أعلى جبل في الدنيا لذاب كما يذوب الرصاص فيسألانه فقال له عمر : وأنا كما أنا الآن ؟ قال : نعم فقال : إذن والله أخاصمهما فرآه ابنه عبد الله بعد موته فقال له : ما كان منك ؟ فقال له : أتاني الملكان فقالا لي من ربك ومن نبيكن ؟ فقلت ربي الله ونبي محمد وأنتما من ربكما فنظر أحدهما إلى الآخر فقال إنه عمر فوليا عني ) قال الجزولي : ومثله يروى عن أبي المعالي أنهما وقفا عليه وهابا أن يكلماه فقال لهما : ما شأنكما أنتما ملكا ربي أفنيت في ذكره عمري ويسرت لنصرته فما عسى أن تقولا وقد امتلأت الدنيا بأقوالي وسميت فيها أبا المعالي ؟ فقالا : قد علمنا أنك أبو المعالي نم هنيئاً ولا تبالي . قلت : أبو المعالي هو إمام الحرمين وهذا الذي وقع له من بركة العلم ، فلو لم يكن من بركة العلم إلا هذا الإكرام لكان فيه كفاية ، ويشبه هذا ما أخرجه الحافظ أبو الطاهر السلفي في الطيوريات عن سهل بن عمار قال : رأيت يزيد بن هرون في المنام بعد موته فقلت ما فعل الله بك ؟ قال : أتاني في قبري ملكان فظان غليظان فقالا من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ فأخذت بلحيتي البيضاء وقلت لمثلي يقال وقد علمت الناس جوابكما ثمانين سنة فذهبا ، وقال الحافظ أبو القاسم اللالكائي في السنة : أخبرنا محمد بن المظفر بن حرب ثنا إبراهيم بن محمد بن عثمان النيسابوري قال : سمعت أحمد بن محمد الحيري المزكي يقول : حدثني عبد الله بن الحرث الصنعاني قال : سمعت حوثرة بن محمد المنقري البصري يقول رأيت يزيد بن هرون الواسطي في المنام بعد موته بأربع ليال فقلت : ما فعل الله بك ؟ فقال : تقبل مني الحسنات وتجاوز عن السيئات ووهب لي التبعات ، قلت : وما كان بعد ذلك ؟ قال : وهل يكون من الكريم إلا الكرم ؟ غفر لي ذنوبي وأدخلني الجنة ، قلت : فبم نلت الذي نلت ؟ قال : بمجالس الذكر ، وقول الحق وصدقي في الحديث وطول قيامي في الصلاة وصبري على الفقر ، قلت : ومنكر ونكير حق ؟ قال : إي والله الذي لا إله إلا هو لقد أقعداني وسألاني وقالا لي من ربك وما دينك ومن نبيك ؟ فجعلت أنفض لحيتي البيضاء من التراب فقلت مثلي يسأل أنا يزيد بن هرون الواسطي وكنت في دار الدنيا ستين سنة أعلم الناس ، فقال أحدهما : صدق هو يزيد بن هرون نم نومة العروس فلا روعة عليك بعد اليوم ، وقال الحافظ أبو طاهر السلفي في انتخابه لحديث الفراء : أخبرنا أبو عبد الله محمد بن حمد ، الأرتاحي أنبأنا أبو الحسن علي بن الحسين الفراء أنا أبو زكريا عبد الرحيم بن أحمد بن نصر البخاري الحافظ ثنا القاضي أبو الحسن محمد بن إسحاق الملحمي ثنا أحمد بن محمد بن مسروق ثنا محمد بن كثير ابن بنت يزيد بن هرون قال : رأيت جدي يزيد بن هرون في النوم فقلت له يا جدي كيف رأيت منكراً ونكيراً ؟ فقال يا بني جاءاني فأجلساني في قبري وقالا لي من ربك ؟ فقلت لهما ألي يقال هذا وقد كنت أعلم الناس الدين منذ ثمانين سنة ؟ .(2/184)
"""""" صفحة رقم 185 """"""
الثالثة : عجبت ممن استغرب سؤال الميت سبعة أيام وقد صرح الغزالي بما هو أعظم من ذلك ، ذكر الشيخ تاج الدين السبكي في الطبقات الوسطى في ترجمة الشيخ أبي الفتوح أخي الغزالي أنه حكى يوماً على رأس منبره قال : سمعت أخي حجة الإسلام قدس الله روحه يقول إن الميت من حين يوضع على النعش يوقف في أربعين موقفاً يسائله ربه عز وجل قال السبكي : فنسأل الله تعالى أن يثبتنا على دينه ويختم لنا بخير بمنه وكرمه .
الرابعة : أخرج ابن سعد في الطبقات من طريق ليث عن طاوس قال : ما تعلمت فتعلمه لنفسك فإن الناس قد ذهبت منهم الأمانة قال : وكان يعد الحديث حرفاً حرفاً . وأخرج أبو نعيم في الحلية من طريق ليث قال : قال لي طاوس : ما تعلمت فتعلمه لنفسك فإن الأمانة والصدق قد ذهبا من الناس ، وقال أبو محمد عبيد الله بن علي [ بن عبد الرحمن بن منصور بن زياد الكاتب في أماليه ثنان الحسن بن علي ] بن راشد قال : سمعت أبا الربيع العتكي يقول : سمعت سفيان بن عيينة يقول : إني أخذت من كل طير ريشة ومن كل ثوب خرقة قال : وسمعت سفيان بن عيينة يقول لأصحاب الحديث : إني لأحرم جلسائي الحديث الغريب لموضع رجل واحد ثقيل .
أحوال البعث
مسألة : هل يمر إبليس وكفار الإنس والجن على الصراط ؟ .
الجواب : صرح ابن برجان في الإرشاد بأن الكفار لا يمرون على الصراط ، وفي الأحاديث ما يشهد له ، وفي أحاديث أخر ما يقتضي خلاف ذلك وأنهم يمرون فحملت ذلك على المنافقين لكون بعض الروايات فيها ما يدل على ذلك ، ثم رأيت القرطبي صرح بأن في الآخرة صراطين : صراط لعموم الخلق إلا من يدخل الجنة بغير حساب ومن يلتقطهم عنق النار ، وصراط للمؤمنين خاصة وهذا جمع حسن وعرف منه أن من يلتقطهم عنق النار وهم طوائف مخصوصة من الكفار لا يمرون على الصراط أصلاً ، وكذلك بعث النار الذي يخرج من الخلق إليها قبل نصب الصراط دلت الأحاديث على أنهم لا يمرون على الصراط أصلاً وهم طوائف من الكفار ، والظاهر أنه لا يمر على الصراط من الكفار إلا المنافقون وأهل الكتابين اليهود والنصارى فإن هؤلاء الفرق الثلاث ورد في الحديث أنهم يحملون عليه فيسقطون منه في النار ، وكذلك من ينصب له الميزان من الكفار وهم طائفة مخصوصة منهم يمرون عليه فيحضروا وزنهم فإن الميزان إنما هو على الصراط هذان ملخص القول في ذلك وبسطه في كتابنا المسمى بالبدور السافرة في أمور الآخرة والله أعلم .
مسألة : قوله صلى الله عليه وسلّم : ( يحشر الناس حفاة عراة ) هل هو على عمومه بدليل قوله : ( فيكون أول من يكسى إبراهيم ) أو هو مخصوص بغير الأنبياء ؟ .
الجواب : هو مخصوص وليس على عمومه فقد نص البيهقي على أن بعض الناس يحشر عارياً وبعضهم يحشر في أكفانه وحمل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلّم : ( يبعث الميت في ثيابه التي(2/185)
"""""" صفحة رقم 186 """"""
يموت فيها ) رواه أبو داود ، وابن حبان ، والحاكم وقول معاذ بن جبل أحسنوا أكفان موتاكم فإن الناس يحشرون في أكفانهم رواه ابن أبي الدنيا ، وأخرج سعيد بن منصور في سننه عن عمر بن الخطاب مثله ، وهذان الموقوفان لهما حكم الرفع . ونص القرطبي على أن حديث الحشر عراة مخصوص بغير الشهداء ، وأن حديث أبي داود ونحوه في الشهداء ، وأخرج الدينوري في المجالسة عن الحسن قال : يحشر الناس كلهم عراة ما خلا أهل الزهد ، وإذا خص من الحديث الشهداء أو أهل الزهد فالأنبياء من باب أولى .
مسألة : أحاديث الحشر عراة عارضها أحاديث أخر صرح فيها بأن الناس يحشرون في أكفانهم واختلف العلماء في ذلك فمنهم من سلك الترجيح فرجح أحاديث الحشر في الأكفان على أحاديث الحشر عراة وهذا رأي القليل ، والأكثرون سلكوا مسلك الجمع فجمعوا بين الأحاديث بأن أحاديث الحشر في الأكفان خاصة بالشهداء وأحاديث الحشر عراة في غيرهم هكذا نقله القرطبي وجمع البيهقي بأن بعض الناس يحشر عارياً وبعضهم يحشر في أكفانه ولم يعين شهداء ولا غيرهم ، ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد ، والنسائي ، والحاكم وصححه ، والبيهقي عن أبي ذر قال : حدثني الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلّم أن الناس يحشرون يوم القيامة على ثلاثة أفواج : فوج طاعمين كاسين راكبين . وفوج يمشون ويسعون . وفوج تسحبهم الملائكة على وجوههم ، وله شاهد من حديث أبي هريرة أخرجه أبو داود ، والترمذي ، ومن حديث معاوية بن حيدة أخرجه أحمد ، والترمذي ، والنسائي . وفي المجالسة للدينوري عن الحسن قال : يحشر الناس كلهم عراة ما خلا أهل الزهد وهذا له حكم المرفوع المرسل .
مسألة :
سألتكمو رجال العلم عما
بدا لي حيث لا علم بذاكا
هل الإيمان يوزن يوم حشر
بميزان وإلا ليس ذاكا ؟
فإن قلتم بوزن هل تقولوا
مع الحسنات أو ضد لذاكا ؟
وإن قلتم مع الحسنات يبقى
بأن لا وزن مع شيء يحاكى
ويرجع بعد ذاك بسيئات
فلا للنار داخلة هناكا
من أهل الحق والتوحيد نفس
فسبحان اللطيف بنا هناكا
أوزن مطلقاً أو لا تقولوا
بهذا أنتم أهل لذاكا ؟
أجيبوا العبد فهو لكم محب
وفضلكم بمصر لا يحاكى
فلا زلتم لمعضلة تحلوا
وفي الجنات مأواكم هناكا
الجواب :
لرب العرش حمداً لا يحاكى
وأشكره وما أولى بذاكا(2/186)
"""""" صفحة رقم 187 """"""
وللمختار تسليم ثناه
كعرف الزهر ينبت في رباكا
لقد نص الحكيم الترمذي في
نوادره التي حسنت حباكا
وعنه حكاه نقلاً قرطبي
بتذكرة تنمقها حياكا
بأن الوزن مختص بحشر
بأعمال فتنسلك انسلاكا
وما الإيمان موزوناً فإن الم
موازن حاله ضد هناكا
أيجمع واحد كفراً وضداً
ليتزنا محال فرض ذاكا
وفي خبر البطاقة جاء وزن
لتوحيد وأخبار كذاكا
فأولها بندب في ادكار
فحقا أعظم الحسنات ذاكا
ومن يقصد لبسط في اتزان
ففي تأليف بعث لي دراكا
وناظمه ابن الأسيوطي أبدى
جواباً لم يغادره مساكا
بنظم ناسج منوال حسن
على نسق يحاك ولا يحاكى
مسألة :
ما قول حبر بحر أفكاره
أبدى عجيباً عم في عصره
وفاض منه أنهراً بالهدى
في سائر الأقطار من دره
تأليفه صاغ لنا عسجدا
عاطره قد ضاع في نشره
حكى لنظم الدر في جيده
وحاز حسن السبك في نثره
في الطفل : إن مات صغيراً فهل
يحشر في الأخرى على عمره
وفي جنان الخلد يبقى كذا
أو بعد حشر زيد في قدره
وهل له في الحور من زوجة
ينكحها ما القول في أمره ؟
وأمر ولدان حكاهم لنا
رب العلا الرحمن في ذكره
أمن بني آدم أم خلقهم
كالحور يا من فاق في دهره
لكم علوم أعجزت من مضى
ومن بقي قد صار في فكره
وسلموا أن الذي نلتموا
منحة رب العرش من سره
يثيبكم جناته مثل ما
بذلتم الإجهاد في نصره
الجواب :
الحمد لله على يسره
وأشكر الهادي على نشره
الطفل يأتي مثل ما قد مضى
في خلقه والقدر في حشره
وعند ما يدخل جناته
يزداد كالبالغ في قدره(2/187)
"""""" صفحة رقم 188 """"""
وكم له في الخلد من زوجة
من بشر والحور في قصره
والحور والولدان جنس سوى
ليسوا بني آدم فاستقره
تحفة الجلساء برؤية الله للنساء
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة : رؤية الله تعالى يوم القيامة في الموقف حاصلة لكل أحد الرجال ، والنساء بلا نزاع ، وذهب قوم من أهل السنة إلى أنها تحصل فيه للمنافقين أيضاً . وذهب آخرون منهم إلى أنها تحصل للكافرين أيضاً ثم يحجبون بعد ذلك ليكون عليهم حسرة ، وله شاهد رويناه عن الحسن البصري ، وأما الرؤية في الجنة فأجمع أهل السنة أنها حاصلة للأنبياء ، والرسل ، والصديقين من كل أمة ورجال المؤمنين من البشر من هذه الأمة ، واختلف بعد ذلك في صور : إحداها النساء : من هذه الأمة وفيهن ثلاثة مذاهب للعلماء حكاها جماعة منهم الحافظ عماد الدين بن كثير في أواخر تاريخه : أحدهما أنهن لا يرين لأنهن مقصورات في الخيام ولأنه لم يرد في أحاديث الرؤية تصريح برؤيتهن . والثاني أنهن يرين أخذاً من عمومات النصوص الواردة في الرؤية . والثالث أنهن يرين في مثل أيام الأعياد فإنه تعالى يتجلى في مثل أيام الأعياد لأهل الجنة تجلياً عاماً فيرينه [ في مثل هذه الحال دون غيرها ، قال ابن كثير : وهذا القول يحتاج ] إلى دليل خاص عليه ، وقال الحافظ ابن رجب في اللطائف : كل يوم كان للمسلمين عيداً في الدنيا فإنه عيد لهم في الجنة يجتمعون فيه على زيارة ربهم ويتجلى لهم فيه ويوم الجمعة يدعى في الجنة يوم المزيد ويوم الفطر ، والأضحى يجتمع أهل الجنة فيهما للزيارة ، وروي أنه يشارك النساء الرجال فيهما كما كنّ يشهدن العيدين مع الرجال دون الجمعة هذا لعموم أهل الجنة فأما خواصهم فكل يوم لهم عيد يزورون ربهم كل يوم بكرة وعشياً انتهى .
قلت : الحديث الذي أشار إليه ابن رجب ولم يقف عليه ابن كثير أخرجه الدارقطني في كتاب الرؤية قال : حدثنا أحمد بن سلمان بن الحسن ثنا محمد بن عثمان ابن محمد ثنا مروان بن جعفر ثنا نافع أبو الحسن مولى بني هاشم ثنا عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إذا كان يوم القيامة رأى المؤمنون ربهم عز وجل فأحدثهم عهداً بالنظر إليه في كل جمعة ويراه المؤمنات يوم الفطر ويوم النحر ) .
الثانية : الملائكة : فذهب الشيخ عز الدين بن عبد السلام إلى أنهم لا يرون ربهم لأنهم لم يثبت لهم ذلك كما ثبت للمؤمنين من البشر وقد قال تعالى : ) لا تدركه الأبصار ( خرج منه مؤمنو البشر بالأدلة الثابتة فبقي على عمومه في الملائكة ، ولأن للبشر طاعات لم يثبت مثلها للملائكة كالجهاد ، والصبر على البلايا ، والمحن ، والرزايا ،(2/188)
"""""" صفحة رقم 189 """"""
وتحمل المشاق في العبادات لأجل الله ، وقد ثبت أنهم يرون ربهم ويسلم عليهم ويبشرهم بإحلال رضوانه عليهم أبداً ولم يثبت مثل هذا للملائكة انتهى ؛ وقد نقله عنه جمع من المتأخرين ولم يتعقبوه بنكير . منهم الإمام بدر الدين الشبلي صاحب آكام المرجان في أحكام الجان . والعلامة عز الدين بن جماعة في شرح جمع الجوامع ولكن الأقوى أنهم يرونه فقد نص على ذلك إمام أهل السنة والجماعة الشيخ أبو الحسن الأشعري قال في كتابه الإبانة في أصول الديانة ومنه نقلت ما نصه : أفضل لذات الجنة رؤية الله تعالى ثم رؤية نبيه صلى الله عليه وسلّم فلذلك لم يحرم الله أنبياءه المرسلين ، وملائكته المقربين ، وجماعة المؤمنين ، والصديقين النظر إلى وجهه عز وجل انتهى . وقد تابعه على ذلك الإمام الحافظ البيهقي قال في كتاب الرؤية باب ما جاء في رؤية الملائكة ربهم أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ، وأحمد بن الحسن قالا : ثنا أبو العباس محمد بن يعقوب ثنا محمد بن إسحاق حدثني أمية بن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبيه سمعت عبد الله بن عمرو بن العاص يحدث مروان بن الحكم قال : خلق الله الملائكة لعبادته أصنافاً وأن منهم لملائكة قياماً صافين من يوم خلقهم إلى يوم القيامة ، وملائكة ركوعاً خشوعاً من يوم خلقهم إلى يوم القيامة ، وملائكة سجوداً منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم تبارك وتعالى ونظرو إلى وجهه الكريم قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ، وأخبرنا محمد بن عبد الله ، وأحمد بن الحسن قال : ثنا أبو العباس ثنا محمد بن إسحاق ثنا روح بن عبادة ثنا عباد بن منصور قال : سمعت عدي بن أرطاة يخطب على منبر المدائن فجعل يعظنا حتى بكى وأبكانا ثم قال : كونوا كرجل قال لابنه وهو يعظه : يا بني أوصيك أن لا تصلي صلاة إلا ظننت أنك لا تصلي بعدها غيرها حتى تموت ولقد سمعت فلاناً نسي عباد اسمه ما بيني وبين رسول الله صلى الله عليه وسلّم غيره قال : إن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن لله ملائكة ترعد فرائصهم من مخافته ما منهم ملك تقطر دمعة من عينه إلا وقعت ملكاً يسبح قال : وملائكة سجوداً منذ خلق الله السموات والأرض لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة [ وركوعاً لم يرفعوا رؤوسهم ولا يرفعونها إلى يوم القيامة ] وصفوفاً لم ينصرفوا عن مصافهم ولا ينصوفون إلى يوم القيامة ، فإذا كان يوم القيامة تجلى لهم ربهم فينظرون إليه قالوا سبحانك ما عبدناك كما ينبغي لك ) أخرجه أبو الشيخ في العظمة ولفظه : ( فإذا رفعوا ونظروا إلى وجه الله تعالى قالوا سبحانك ما عبدناك حق عبادتك ) . وممن قال برؤية الملائكة من المتأخرين العلامة شمس الدين بن القيم ، وقاضي القضاة جلال الدين البلقيني وهو الأرجح بلا شك ، ومنهم من قال إن جبريل عليه السلام يراه دون سائر الملائكة لأنه وقف على الحديث الذي ورد فيه رؤيته ولم يقف على الحديثين السابقين في رؤية الملائكة على العموم ومشى عليه أبو إسحاق [ إسماعيل ] الصفار البخاري من الحنفية فإني رأيت في أسئلته المشهورة ما نصه سئل عن الملائكة هل يرون ربهم ؟ فأجاب اعتماد والدي الشهيد [ أنهم ] لا يرون ربهم سوى(2/189)
"""""" صفحة رقم 190 """"""
جبريل فإنه يرى ربه مرة واحدة ولا يرى أبداً انتهى .
والصواب العموم ، والحديث المذكور أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه من طريق إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( تمد الأرض يوم القيامة مداً لعظمة الرحمن ثم لا يكون لبشر من بني آدم إلا موضع قدميه ثم أدعى أول الناس فأخر ساجداً ثم يؤذن لي فأقوم فأقول يا رب أخبرني هذا لجبريل وهو عن يمين الرحمن والله ما رآه جبريل قبلها قط إنك أرسلته إلي قال : وحبريل ساكت لا يتكلم حتى يقول الله صدق ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول يا رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض فبذلك المقام المحمود ) . قال الحاكم : صحيح على شرط الشيخين قال : لكن أرسله معمر عن ابن شهاب عن علي بن حسين بنحوه ، وأخرجه الحاكم من طريق ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن علي بن حسين عن رجل من أهل [ العلم ] ولم يسمه ( أن الأرض تمد يوم القيامة ) الحديث . وقال عبد الرزاق في تفسيره : أنا معمر عن الزهري عن علي بن الحسين أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إذا كان يوم القيامة مد الله الأرض مد الأديم حتى لا يكون لبشر من الناس إلا موضع قدميه قال : فأكون أول من يدعى وجبريل عن يمين العرش والله ما رآه قبلها فأقول أي رب إن هذا أخبرني أنك أرسلته إلي فيقول الله عز وجل صدق ثم أشفع فأقول يا رب عبدوك في أطراف الأرض وهو المقام المحمود ) أخرجه ابن جرير ، وقال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا أبو عبيد الله ابن أخي بن وهب ثنا عمي ثنا إبراهيم بن سعد عن ابن شهاب عن علي بن حسين قال : أخبرني رجل من أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : تمد الأرض يوم القيامة مد الأديم لعظمة الرحمن ولا يكون لبشر من بني آدم فيها إلا موضع قدمه فأدعى أول الناس فأخر ساجداً ثم يؤذن لي فأقول يا رب أخبرني هذا لجبريل وجبريل عن يمين الرحمن والله ما رآه جبريل قط قبلها إنك أرسلته إليّ وجبريل ساكت لا يتكلم حتى يقول الرحمن تبارك وتعالى صدقت قال : ثم يؤذن لي في الشفاعة فأقول أي رب عبادك عبدوك في أطراف الأرض فذلك المقام المحمود .
الثالثة : الجن : وقد نقل صاحب آكام المرجان مقالة الشيخ عز الدين في الملائكة ثم قال : والجن أولى بالمنع منهم ، وقال الجلال البلقيني لم أقف على كلام أحد من العلماء تعرض لهذه المسألة ولم تثبت الرؤية إلا للبشر ، ثم نقل كلام الشيخ عز الدين في أن الملائكة لا يرون ثم قال : وإذا كان ذلك في الملائكة ففي الجن بطريق الأولى ثم قال : وقد يتوقف في الأولوية لأن الإيمان في عرف الشرع يشمل مؤمني الثقلين ، ثم قرر ثبوت الرؤية للملائكة ثم قال : وعلى مقتضى استدلال الأئمة ، والأشعري تثبت الرؤية لمؤمني الجن .
الرابعة : مؤمنو الأمم السابقة : وفيهم احتمالان لابن أبي جمرة وقال : إن الأظهر مساواتهم لهذه الأمة في الرؤية والله أعلم .
مسألة : قال الدارقطني : أخبرنا الحسن بن إسماعيل أنا أبو الحسن علي بن عبدة ثنا يحيى بن سعيد القطان عن ابن أبي ذئب عن محمد بن المنكدر عن جابر قال : قال(2/190)
"""""" صفحة رقم 191 """"""
رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الله ليتجلى للناس عامة ويتجلى لأبي بكر خاصة ) في المغني للذهبي علي بن عبدة وضاع وقلتم في تأليفكم النكت البديعيات على الموضوعات إن للحديث طريقاً على شرط الحسن ، وأخرجه الحاكم في المستدرك بلفظ يتجلى للخلائق فلم لم تستدلوا به على رؤية الملائكة يوم القيامة مع ذينك الحديثين واللفظ الأول يستدل به على الرؤية لبني آدم مطلقاً الرجال والنساء في العيد وغيره وأنه ليس مقيداً بوقت معلوم لا سيما وهو حسن .
الجواب : الاستدلال إنما يكون بالألفاظ التي لا يطرقها الإحتمال ، ومتى طرق اللفظ الإحتمال سقط به الاستدلال ، والخلائق يحتمل أن يحمل على بني آدم فلا يستدل به على الملائكة خصوصاً . وقد ورد بلفظ الناس الخاص ببني آدم وهذان التجلي العام يمكن حمله أولاً على الذكور الذين يحضرون الزيارة فيكون من خصوص الأفراد ، ويمكن حمله على التجلي أيام الأعياد فيكون من خصوص الأوقات ويشمل الإناث ، ويمكن حمله وهو الأظهر على التجلي في الموقف وذلك شامل للخلق بأسرهم : الإنس ، والجن ، والملائكة ، والذكور ، والإناث ، وإن ورد في بعض ألفاظه يوم القيامة قوى هذا الحمل الأخير فانزاح الإشكال والله أعلم .
مسالك الحنفا في والدي المصطفى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة : الحكم في أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم أنهما ناجيان وليسا في النار صرح بذلك جمع من العلماء ولهم في تقرير ذلك مسالك : المسلك الأول : أنهما ماتا قبل البعثة ولا تعذيب قبلها لقوله تعالى : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ( وقد أطبقت أئمتنا الأشاعرة من أهل الكلام والأصول ، والشافعية من الفقهاء على أن من مات ولم تبلغه الدعوة يموت ناجياً وأنه لا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام ، وأنه إذا قتل يضمن بالدية والكفارة نص عليه الإمام الشافعي رضي الله عنه وسائر الأصحاب بل زاد بعض الأصحاب وقال : إنه يجب في قتله القصاص ولكن الصحيح خلافه لأنه ليس بمسلم حقيقي وشرط القصاص المكافأة ، وقد علل بعض الفقهاء كونه إذا مات لا يعذب بأنه على أصل الفطرة ولم يقع منه عناد ولا جاءه رسول فكذبه ، وهذا المسلك أول ما سمعته في هذا المقام نحن فيه من شيخنا شيخ الإسلام شرف الدين المناوي فإنه سئل عن والد النبي صلى الله عليه وسلّم هل هو في النار ؟ فزأر في السائل زأرة شديدة فقال له السائل : هل ثبت إسلامه ؟ فقال : إنه مات في الفترة ولا تعذيب قبل البعثة ، ونقله سبط ابن الجوزي في كتاب مرآة الزمان عن جماعة فإنه حكى كلام جده على حديث إحياء أمه صلى الله عليه وسلّم ثم قال ما نصه : وقال قوم قد قال الله تعالى : ) وما كنا معذبين حتى(2/191)
"""""" صفحة رقم 192 """"""
نبعث رسولا ( والدعوة لم تبلغ أباه وأمه فما ذنبهما ، وجزم به الأبي في شرح مسلم وسأذكر عبارته ، وقد ورد في أهل الفترة أحاديث أنهم يمتحنون يوم القيامة وآيات مشيرة إلى عدم تعذيبهم وإلى ذلك مال حافظ العصر شيخ الإسلام أبو الفضل ابن حجر في بعض كتبه فقال : والظن بآله صلى الله عليه وسلّم يعني الذين ماتوا قبل البعثة أنهم يطيعون عند الإمتحان إكراماً له صلى الله عليه وسلّم لتقرّ بهم عينه ، ثم رأيته قال في الإصابة : ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ، ومن مات في الفترة ، ومن ولد أكمه أعمى أصم ، ومن ولد مجنوناً أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ، ونحو ذلك أن كلاً منهم يدلي بججة ويقول لو عقلت أو ذكرت لآمنت فترفع لهم نار ويقال ادخلوها فمن دخلها كانت له برداً وسلاماً ومن امتنع أدخلها كرهاً هذا معنى ما ورد من ذلك قال : وقد جمعت طرقه في جزء مفرد قال : ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعاً فينجو إلا أبا طالب فإنه أدرك البعثة ولم يؤمن وثبت [ في الصحيح ] أنه في ضحضاح من نار ، وقد جعلت قصة الإمتحان داخلة في هذا المسلك مع أن الظاهر أنها مسلك مستقل لكني وجدت ذلك لمعنى دقيق لا يخفى على ذوي التحقيق .
ذكر الآيات المشيرة إلى ذلك : الأولى : قوله تعالى : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( وهذه الآية هي التي أطبقت أئمة السنة على الاستدلال بها في أنه لا تعذيب قبل البعثة وردوا بها على المعتزلة ومن وافقهم في تحكم العقل أخرج ابن جرير ، وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن قتادة في قوله : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( قال : إن الله ليس بمعذب أحداً حتى يسبق إليه من الله خبر أو تأتيه من الله بينة . الآية الثانية : قوله تعالى : ) ذلك أن لم يكن ربك مهلك القرى بظلم وأهلها غافلون ( أورد هذه الآية الزركشي في شرح جمع الجوامع استدلالاً على قاعدة أن شكر المنعم ليس بواجب عقلاً بل بالسمع . الثالثة : قوله تعالى : ) ولولا أن تصيبهم مصيبة بما قدمت أيديهم فيقولوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ( أورد هذه الزركشي أيضاً ، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية بسند حسن عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( الهالك في الفترة يقول رب لم يأتني كتاب ولا رسول ثم قرأ هذه الآية ) ) ربنا لولا أرسلت إلينا رسولاً فنتبع آياتك ونكون من المؤمنين ( . الرابعة : قوله تعالى : ) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ربنا لولا أرسلت إلينا رسولا فنتبع آياتك من قبل أن نذل ونخزى ( أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عند هذه الآية عن عطية العوفي قال : الهالك في الفترة يقول رب لم يأتني كتاب ولا رسول وقرأ هذه الآية ) ولو أنا أهلكناهم بعذاب من قبله لقالوا ( إلى آخر الآية . الخامسة : قوله تعالى : ) وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولاً يتلو عليهم آياتنا ( أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس ، وقتادة في الآية قالا : لم يهلك الله ملة حتى يبعث إليهم محمداً صلى الله عليه وسلّم فلما كذبوا وظلموا بذلك هلكوا . السادسة : قوله تعالى : ) وهذا كتاب أنزلناه(2/192)
"""""" صفحة رقم 193 """"""
مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين ( السابعة : قوله تعالى : ) وما أهلكنا من قرية إلا لها منذرون ذكرى وما كنا ظالمين ( أخرج عبد بن حميد ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم عن قتادة في الآية قال : ما أهلك الله من قرية إلا من بعد الحجة والبينة والعذر حتى يرسل الرسل وينزل الكتب تذكرة لهم وموعظة وحجة لله ذكرى وما كنا ظالمين ، يقول : ما كنا لنعذبهم إلا من البينة والحجة . الثامنة : قوله تعالى : ) وهم يصطرخون فيها ربنا أخرجنا نعمل صالحاً غير الذي كنا نعمل أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير ( قال المفسرون : احتج عليهم ببعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلّم وهو المراد بالنذير في الآية .
) ذكر الأحاديث الواردة في أن أهل الفترة يمتحنون يوم القيامة فمن أطاع منهم أدخل الجنة ومن عصى أدخل النار ( . الحديث الأول : أخرج الإمام أحمد بن حنبل ، وإسحاق بن راهويه في مسنديهما ، والبيهقي في كتاب الإعتقاد وصححه عن الأسود بن سريع أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( أربعة يمتحنون يوم القيامة رجل أصم لا يسمع شيئاً ورجل أحمق ورجل هرم ورجل مات في فترة ، فأما الأصم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أسمع شيئاً ، وأما الأحمق فيقول رب لقد جاء الإسلام والصبيان يحذفوني بالبعر ، وأمان الهرم فيقول رب لقد جاء الإسلام وما أعقل شيئاً ، وأما الذي مات في الفترة فيقول رب ما أتاني لك رسول ، فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه فيرسل إليهم أن ادخلوا النار فمن دخلها كانت عليه برداً وسلاماً ومن لم يدخلها يسحب إليها ) . الحديث الثاني : أخرج أحمد ، وإسحاق بن راهويه في مسنديهما ، وابن مردويه في تفسيره ، والبيهقي في الإعتقاد عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( أربعة يمتحنون ) فذكر مثل حديث الأسود بن سريع سواء . الحديث الثالث : أخرج البزار في مسنده عن أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يؤتى بالهالك في الفترة والمعتوه والمولود ، فيقول الهالك في الفترة لم يأتني كتاب ولا رسول ، ويقول المعتوه أي رب لم تجعل لي عقلاً أعقل به خيراً ولا شراً ، ويقول المولود لم أدرك العمل ، قال : فيرفع لهم نار فيقال لهم ردوها أو قال ادخلوها فيدخلها من كان في علم الله سعيداً لو أدرك العمل ويمسك عنها من كان في علم الله شقياً لو أدرك العمل ، فيقول تبارك وتعالى : إياي عصيتم فكيف برسلي بالغيب ) في إسناد عطية العوفي فيه ضعف والترمذي يحسن حديث وهذا الحديث له شواهد تقتضي الحكم بحسنه وثبوته . الحديث الرابع : أخرج البزار ، وأبو يعلى في مسنديهما عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يؤتى بأربعة يوم القيامة بالمولود والمعتوه ومن مات في الفترة وبالشيخ الفاني كلهم يتكلم بحجته ، فيقول الله تبارك وتعالى لعنق من جهنم ابرزي فيقول لهم إني كنت أبعث إلى عبادي رسلاً من أنفسهم وإني رسول نفسي إليكم ادخلوا هذه ، فيقول من كتب الله عليه الشقاء : يا رب أتدخلناها ومنها كنا نفرق ، ومن كتب له السعادة فيمضي فيقتحم فيها مسرعاً فيقول الله قد عصيتموني فأنتم لرسلي أشد(2/193)
"""""" صفحة رقم 194 """"""
تكذيباً ومعصية فيدخل هؤلاء الجنة وهؤلاء النار ) . الحديث الخامس : أخرج عبد الرزاق ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم عن أبي هريرة قال : إذا كان يوم القيامة جمع الله أهل الفترة والمعتوه والأصم والأبكم والشيوخ الذين لم يدركوا الإسلام ثم أرسل إليهم رسولاً أن ادخلوا النار فيقولون كيف ولم تأتنا رسل ؟ قال : وأيم الله لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً ثم يرسل إليهم فيطيعه من كان يريد أن يطيعه ، قال أبو هريرة : اقرؤوا إن شئتم ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ( إسناده صحيح على شرط الشيخين ، ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع . الحديث السادس : أخرج البزار ، والحاكم في مستدركه عن ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إذا كان يوم القيامة جاء أهل الجاهلية يحملون أوثانهم على ظهورهم فيسألهم ربهم فيقولون ربنا لم ترسل إلينا رسولاً ولم يأتنا لك أمر ولو أرسلت إلينا رسولاً لكنا أطوع عبادك ، فيقول لهم ربهم : أرأيتكم إن أمرتكم بأمر تطيعوني ؟ فيقولون نعم ، فيأمرهم أن يعمدوا إلى جهنم فيدخلوهان فينطلقون حتى إذا دنوا منها وجدوا لها تغيظاً وزفيراً فرجعوا إلى ربهم فيقولون ربنا أجرنا منها فيقول لهم : ألم تزعموا أني إن أمرتكم بأمر تطيعوني فيأخذ على ذلك مواثيقهم فيقول : اعمدوا إليها فادخلوها فينطلقون حتى إذا رأوها فرقوا ورجعوا فقالوا ربنا فرقنا منها ولا نستطيع أن ندخلها ، فيقول : ادخلوها داخرين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : لو دخلوها أول مرة كانت عليهم برداً وسلاماً ) قال الحاكم : صحيح على شرط البخاري ، ومسلم .
الحديث السابع : أخرج الطبراني ، وأبو نعيم عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يؤتى يوم القيامة بالممسوخ عقلاً وبالهالك في الفترة بالهالك صغيراً ، فيقول الممسوخ عقلاً يا رب لو آتيتني عقلاً ما كان من آتيته عقلاً بأسعد بعقله مني ، وذكر في الهالك في الفترة والصغير نحو ذلك ، فيقول الرب : إني آمركم بأمر فتطيعون ؟ فيقولون نعم ، فيقول : اذهبوا فادخلوا النار ، قال : ولو دخلوها ما ضرتهم ، فتخرج عليهم فرائص فيظنون أنها قد أهلكت ما خلق الله من شيء فيرجعون سراعاً ، ثم يأمرهم الثانية فيرجعون كذلك فيقول الرب : قبل أن أخلقكم علمت ما أنتم عاملون وعلى علمي خلقتكم وإلى علمي تصيرون ضميهم فتأخذهم ) . قال الكيا الهراسي في تعليقه في الأصول في مسألة شكر المنعم : اعلم أن الذي استقر عليه آراء أهل السنة قاطبة أنه لا مدرك للأحكام سوى الشرع المنقول ولا يتلقى حكم من قضيات العقول ، فأما من عدا أهل الحق من طبقات الخلق كالرافضة ، والكرامية ، والمعتزلة ، وغيرهم فإنهم ذهبوا إلى أن الاحكام منقسمة . فمنها ما يتلقى من الشرع المنقول ، ومنها ما يتلقى من قضيات العقول ، قال : وأما نحن فنقول لا يجب شيء قبل مجيء الرسول ، فإذا ظهر وأقام المعجزة تمكن العاقل من النظر فنقول لا يعلم أول الواجبات إلا بالسمع ، فإذا جاء الرسول وجب عليه النظر ، وعند هذا يسأل المستطرفون ما الواجب الذي هو طاعة وليس بقربة ؟ وجوابه إن النظر الذي هو أول الواجبات(2/194)
"""""" صفحة رقم 195 """"""
طاعة وليس بقربة لأنه ينظر للمعرفة فهو مطيع وليس بمتقرب لأنه إنما يتقرب إلى من يعرفه ، قال : وقد ذكر شيخنا الإمام في هذا المقام شيئاً حسناً فقال : قبل مجيء الرسول تتعارض الخواطر والطرق إذ ما من خاطر يعرض له إلا ويمكن أن يقدر أن يخطر خاطر آخر على نقيضه فتتعارض الخواطر ويقع العقل في حيرة ودهشة فيجب التوقف إلى أن تنكشف الغمة وليس ذلك إلا بمجيء الرسول ، وههنا قال الأستاذ أبو إسحاق : إن قول لا أدري نصف العلم ومعناه أنه انتهى علمي إلى حد وقف عند مجازه العقل وهذا إنما يقوله من دقق في العلم وعرف مجاري العقل مما لا يجري فيه ويقف عنده انتهى .
وقال الإمام فخر الدين الرازي في المحصول : شكر المنعم لا يجب عقلاً خلافاً للمعتزلة لنا أنه لو تحقق الوجوب قبل البعثة لعذب تاركه فلا وجوب . أما الملازمة فبينة . وأما أنه لا تعذيب فلقوله سبحانه : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( نفى التعذيب إلى غاية البعثة فينتفي وإلا وقع الخلف في قول الله وهو محال انتهى ، وذكر أتباعه مثل ذلك كصاحب الحاصل والتحصيل ، والبيضاوي في منهاجه .
وقال القاضي تاج الدين السبكي في شرح مختصر ابن الحاجب على مسألة شكر المنعم : تتخرج مسألة من لم تبلغه الدعوة فعندنا يموت ناجياً ولا يقاتل حتى يدعى إلى الإسلام وهو مضمون بالكفارة والدية ولا يجب القصاص على قاتله على الصحيح ، وقال البغوي في التهذيب : أما من لم تبلغه الدعوة فلا يجوز قتله قبل أن يدعى إلى الإسلام ، فإن قتل قبل أن يدعى إلى السلام وجب في قتله الدية والكفارة ، وعند أبي حنيفة لا يجب الضمان بقتله ، وأصله أنه عندهم محجوج عليه بعقله وعندنا هو غير محجوج عليه قبل بلوغ الدعوة إليه لقوله : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( فثبت أنه لا حجة عليه قبل مجيء الرسول انتهى . وقال الرافعي في الشرح : من لم تبلغه الدعوة لا يجوز قتله قبل الإعلام والدعاء إلى الإسلام ولو قتل كان مضموناً خلافاً لأبي حنيفة ، وبني الخلاف على أنه محجوج عليه بالعقل عنده ، وعندنا من لم تبلغه الدعوة لا تثبت عليه الحجة ولا تتوجه المؤاخذة قال تعالى : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( انتهى . وقال الغزالي في البسيط : من لم تبلغه الدعوة يضمن بالدية والكفارة لا بالقصاص على الصحيح لأنه ليس مسلماً على التحقيق وإنما هو في معنى المسلم ، وقال ابن الرفعة في الكفاية : لأنه مولود على الفطرة ولم يظهر منه عناد .
وقال النووي في شرح مسلم في مسألة أطفال المشركين : المذهب الصحيح المختار الذي صار إليه المحققون أنهم في الجنة لقوله تعالى : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( قال : وإذا كان لا يعذب البالغ لكونه لم تبلغه الدعوة فغيره أولى انتهى . فإن قلت : هذا المسلك الذي قررته هل هو عام في أهل الجاهلية كلهم ؟ قلت : لا بل هو خاص بمن لم تبلغه دعوة نبي أصلاً ، كما من بلغته منهم دعوة أحد من الأنبياء السابقين ثم أصر على كفره فهو في النار قطعاً وهذا لا نزاع فيه . وأما الأبوان الشريفان فالظاهر من حالهما ما ذهبت إليه(2/195)
"""""" صفحة رقم 196 """"""
هذه الطائفة من عدم بلوغهما دعوة أحد وذلك لمجموع أمور ، تأخر زمانهما ، وبعد ما بينهما وبين الأنبياء السابقين ، فإن آخر الأنبياء قبل بعثة نبينا صلى الله عليه وسلّم عيسى عليه السلام وكانت الفترة بينه وبين بعثة نبينا نحو ستمائة سنة ، ثم أنهما كانا في زمن جاهلية وقد طبق الجهل الأرض شرقاً وغرباً وفقد من يعرف الشرائع ويبلغ الدعوة على وجهها إلا نفراً يسيراً من أحبار أهل الكتاب مفرقين في أقطار الأرض كالشام وغيرها ، ولم يعهد لهما تقلب في الأسفار سوى إلى المدينة ولا عمر عمراً طويلاً بحيث يقع لهما فيه التنقيب والتفتيش ، فإن والد النبي صلى الله عليه وسلّم لم يعش من العمر إلا قليلاً .
قال الإمام الحافظ صلاح الدين العلائي في كتابه الدرة السنية في مولد سيد البرية : كان سن عبد الله حين حملت منه آمنة برسول الله صلى الله عليه وسلّم نحو ثمانية عشر عاماً ثم ذهب إلى المدينة ليمتار منها تمراً لأهله فمات بها عند أخواله من بني النجار والنبي صلى الله عليه وسلّم حمل على الصحيح انتهى ، وأمه قريبة من ذلك لا سيما وهي امرأة مصونة محجبة في البيت عن الاجتماع بالرجال ، والغالب على النساء أنهم لا يعرفن ما الرجال فيه من أمر الديانات والشرائع خصوصاً في زمان الجاهلية الذي رجاله لا يعرفون ذلك فضلاً عن نسائه ، ولهذا لما بعث النبي صلى الله عليه وسلّم تعجب من بعثته أهل مكة وقالوا : ) أبعث الله بشراً رسولاً ( وقالوا : ) لو شاء ربنا لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين ( فلو كان عندهم علم من بعثة الرسل ما أنكروا ذلك ، وربما كانوا يظنون أن إبراهيم بعث بما هم عليه فإنهم لم يجدوا من يبلغهم شريعة إبراهيم على وجهها لدثورها وفقد من يعرفها ، إذ كان بينهم وبين زمن إبراهيم أزيد من ثلاثة آلاف سنة فاتضح بذلك صحة دخولهما في هذا المسلك .
ثم رأيت الشيخ عز الدين بن عبد السلام قال في أماليه ما نصه : كل نبي أرسل إلى قومه إلا نبينا صلى الله عليه وسلّم قال : فعلى هذا يكون ما عدا قوم كل نبي من أهل الفترة إلا ذرية النبي السابق فإنهم مخاطبون ببعثة السابق إلا أن تدرس شريعة السابق فيصير الكل من أهل الفترة هذا كلامه فبان بذلك أن الوالدين الشريفين من أهل الفترة بلا شك لأنهما ليسا من ذرية عيسى ولا من قومه ، ثم يرشح ما قال حافظ العصر أبو الفضل بن حجر : أن الظن بهما أن يطيعا عند الامتحان أمران : أحدهما ما أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه عن ابن مسعود قال : ( قال شاب من الأنصار لم أر رجلاً كان أكثر سؤالاً لرسول الله صلى الله عليه وسلّم منه يا رسول الله أرأيت أبواك في النار فقال : ما سألتهما ربي فيطيعني فيهما وإني لقائم يومئذ المقام المحمود ) فهذا الحديث يشعر بأنه يرتجى لهما الخير عند قيامه المقام المحمود وذلك بأن يشفع لهما فيوفقا للطاعة إذا امتحنا حينئذ كما يمتحن أهل الفترة ، ولا شك في أنه يقال له عند قيامه ذلك المقام سل تعط واشفع تشفع كما في الأحاديث الصحيحة فإذا سأل ذلك أعطيه ، الأمر الثاني ما أخرجه ابن جرير في تفسيره عن ابن عباس في قوله تعالى : ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( قال : من رضا محمد صلى الله عليه وسلّم أن لا يدخل أحد من أهل(2/196)
"""""" صفحة رقم 197 """"""
بيته النار ، ولهذا عمم الحافظ ابن حجر في قوله : الظن بآل بيته كلهم أن يطيعوا عند الإمتحان ، وحديث ثالث أخرج أبو سعيد في شرف النبوة ، والملا في سيرته عن عمران بن حصين قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( سألت ربي أن لا يدخل النار أحداً من أهل بيتي فأعطاني ذلك ) أورده الحافظ محب الدين الطبري في كتابه ذخائر العقبى ، وحديث رابع أصرح من هذين أخرج تمام الرازي في فوائده بسند ضعيف عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية ) أورده المحب الطبري وهو من الحفاظ والفقهاء في كتابة ذخائر العقبى في مناقب ذوي القربى وقال : إن ثبت فهو مؤول في أبي طالب على ما ورد في الصحيح من تخفيف العذاب عنه بشفاعته انتهى ، وإنما احتاج إلى تأويله في أبي طالب دون الثلاثة أبيه وأمه وأخيه يعني من الرضاعة لأن أبا طالب أدرك البعثة ولم يسلم والثلاثة ماتوا في الفترة ، وقد ورد هذا الحديث من طريق آخر أضعف من هذا الطريق من حديث ابن عباس أخرجه أبو نعيم ، وغيره وفيه التصريح بأن الأخ من الرضاعة ، فهذه أحاديث عدة يشد بعضها بعضاً ، فإن الحديث الضعيف يتقوى بكثرة طرقه وأمثلها حديث ابن مسعود فإن الحاكم صححه ، ومما يرشح ما نحن فيه ما أخرجه ابن أبي الدنيا قال : ثنا القاسم بن هاشم السمسار ثنا مقاتل بن سليمان الرملي عن أبي معشر عن سعيد المقبري عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( سألت ربي أبناء العشرين من أمتي فوهبهم لي ) . ومما ينضم إلى ذلك وإن لم يكن صريحاً في المقصود ما أخرجه الديلمي عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أول من أشفع له يوم القيامة أهل بيتي ثم الأقرب فالأقرب ) . وما أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى وعزاه لأحمد في المناقب عن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( يا معشر بني هاشم والذي بعثني بالحق نبياً لو أخذت بحلقة الجنة ما بدأت إلا بكم ) وهذا أخرجه الخطيب في تاريخه من حديث يغنم عن أنس وما أورده أيضاً وعزاه لأبي البختري عن جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( ما بال أقوام يزعمون أن رحمي لا ينتفع بلى حتى تبلغ حكم وهم أحد قبيلتين من اليمن إني لأشفع فأشفع حتى أن من أشفع له فيشفع حتى أن إبليس ليتطاول طمعاً في الشفاعة ) ونحو هذا ما أخرجه الطبراني من حديث أم هانىء أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( ما بال أقوام يزعمون أن شفاعتي لا تنال أهل بيتي وأن شفاعتي تنال حاء وحكم ) .
لطيفة : نقل الزركشي في الخادم عن ابن دحية أنه جعل من أنواع الشفاعات التخفيف عن أبي لهب في كل يوم اثنين لسروره بولادة النبي صلى الله عليه وسلّم واعتاقه ثويبة حين بشر به قال : وإنما هي كرامة له صلى الله عليه وسلّم .
تنبيه : ثم رأيت الإمام أبا عبد الله محمد بن خلف الأبي بسط الكلام على هذه المسألة في شرح مسلم عند حديث : ( إن أبي وأباك في النار ) فأورد قول النووي فيه أن من مات(2/197)
"""""" صفحة رقم 198 """"""
كافراً في النار ولا تنفعه قرابة الأقربين ثم قال : قلت انظر هذا الإطلاق وقد قال السهيلي : ليس لنا أن نقول ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلّم : ( لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات ) . وقال تعالى : ) إن الذين يؤذون الله ورسوله ( ولعله يصح ما جاء أنه صلى الله عليه وسلّم سأل الله سبحانه فأحيا له أبويه فآمنا به ورسول الله صلى الله عليه وسلّم فوق هذا ولا يعجز الله سبحانه شيء ، ثم أورد قول النووي وفيه أن من مات في الفترة على ما كانت عليه العرب من عبادة الأوثان في النار وليس هذا من التعذيب قبل بلوغ الدعوة لأنه بلغتهم دعوة إبراهيم وغيره من الرسل ، ثم قال : قلت تأمل ما في كلامه من التنافي فإن من بلغتهم الدعوة ليسوا بأهل فترة فإن أهل الفترة هم الأمم الكائنة بين أزمنة الرسل الذين لم يرسل إليهم الأول ولا أدركوا الثاني كالأعراب الذين لم يرسل إليهم عيسى ولا لحقوا النبي صلى الله عليه وسلّم والفترة بهذا التفسير تشمل ما بين كل رسولين ، ولكن الفقهاء إذا تكلموا في الفترة فإنما يعنون التي بين عيسى والنبي صلى الله عليه وسلّم ، ولما دلت القواطع على أنه لا تعذيب حتى تقوم الحجة علمنا أنهم غير معذبين . فإن قلت : صحت أحاديث بتعذيب أهل الفترة كصاحب المحجن وغيره .
قلت : أجاب عن ذلك عقيل بن أبي طالب بثلاثة أجوبة : الأول : أنها أخبار آحاد فلا تعارض القاطع . الثاني : قصر التعذيب [ على هؤلاء والله أعلم بالسبب . الثالث : قصر التعذيب ] المذكور في هذه الأحاديث على من بدل وغير الشرائع وشرع من الضلال ما لا يعذر به ، فإن أهل الفترة ثلاثة أقسام : الأول : من أدرك التوحيد ببصيرته ثم من هؤلاء من لم يدخل في شريعته كقس بن ساعدة ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، ومنهم من دخل في شريعة حق قائمة الرسم كتبع وقومه . القسم الثاني : من بدل وغير وأشرك ولم يوحد وشرع لنفسه فحلل وحرم وهو الأكثر كعمرو بن لحي أول من سن للعرب عبادة الأصنام ، وشرع الأحكام ، فبحر البحيرة ، وسيب السائبة ووصل الوصيلة ، وحمى الحامي وزادت طائفة من العرب على ما شرعه أن عبدوا الجن ، والملائكة ، وحرقوا البنين ، والبنات ، واتخذوا بيوتاً جعلوا لها سدنة وحجاباً يضاهون بها الكعبة كاللات والعزى ومناة .
القسم الثالث : من لم يشرك ولم يوحد ولا دخل في شريعة نبي ولا ابتكر لنفسه شريعة ولا اخترع ديناً بل بقي عمره على حال غفلة عن هذا كله وفي الجاهلية من كان كذلك ، فإذا انقسم أهل الفترة إلى الثلاثة الأقسام فيحمل من صح تعذيبه على أهل القسم الثاني لكفرهم بما لا يعذرون به ، وأما القسم الثالث فهم أهل الفترة حقيقة وهم غير معذبين للقطع كما تقدم . وأما القسم الأول فقد قال صلى الله عليه وسلّم في كل من قس ، وزيد : أنه يبعث أمة وحده . وأما تبع ونحوه فحكمهم حكم أهل الدين الذين دخلوا فيه ما لم يلحق أحد منهم الإسلام الناسخ لكل دين ، انتهى ما أورده الأبي .
المسلك الثاني : أنهما لم يثبت عنهما شرك بل كانا على الحنيفية دين جدهما إبراهيم عليه السلام ، كما كان على ذلك طائفة من العرب كزيد بن عمرو بن نفيل ، وورقة بن نوفل ، وغيرهما ، وهذا المسلك ذهبت إليه طائفة منهم الإمام فخر الدين الرازي فقال في(2/198)
"""""" صفحة رقم 199 """"""
كتابه أسرار التنزيل ما نصه : قيل إن آزر لم يكن والد إبراهيم بل كان عمه واحتجوا عليه بوجوه : منها أن آباء الأنبياء ما كانوا كفاراً ويدل عليه وجوه ، منها قوله تعالى : ) الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين ( قيل معناه أنه كان ينقل نوره من ساجد إلى ساجد ، وبهذا التقدير فالآية دالة على أن جميع آباء محمد صلى الله عليه وسلّم كانوا مسلمين ، وحينئذ يجب القطع بأن والد إبراهيم ما كان من الكافرين إنما ذاك عمه أقصى ما في الباب أن يحمل قوله تعالى : ) وتقلبك في الساجدين ( على وجوه أخرى . وإذا وردت الروايات بالكل ولا منافاة بينها وجب حمل الآية على الكل ، ومتى صح ذلك ثبت أن والد إبراهيم ما كان من عبدة الأوثان ثم قال : ومما يدل على أن آباء محمد صلى الله عليه وسلّم ما كانوا مشركين قوله عليه السلام : ( لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات ) وقال تعالى : ) إنما المشركون نجس ( فوجب أن لا يكون أحد من أجداده مشركاً هذا كلام الإمام فخر الدين بحروفه وناهيك به إمامة وجلالة فإنه إمام أهل السنة في زمانه ، والقائم بالرد على من فرق المبتدعة في وقته ، والناصر لمذهب الأشاعرة في عصره وهو العالم المبعوث على رأس المائة السادسة ليجدد لهذه الأمة أمر دينها وعندي في نصرة هذا المسلك وما ذهب إليه الإمام فخر الدين أمور ، أحدها دليل استنبطته مركب من مقدمتين : الأولى : أن الأحاديث الصحيحة [ دلت ] على أن كل أصل من أصول النبي صلى الله عليه وسلّم من آدم إلى أبيه عبد الله فهو من خير أهل قرنه وأفضلهم . والثانية : أن الأحاديث والآثار دلت على أنه لم تخل الأرض من عهد نوح أو آدم إلى بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم ثم إلى أن تقوم الساعة من ناس على الفطرة يعبدون الله ويوحدونه ويصلون له وبهم تحفظ الأرض ، ولولاهم لهلكت الأرض ومن عليها ، وإذا قارنت بين هاتين المقدمتين أنتج منها قطعاً أن آباء النبي صلى الله عليه وسلّم لم يكن فيهم مشرك لأنه قد ثبت في كل منهم أنه من خير قرنه ، فإن كان الناس الذين هم على الفطرة هم إياهم فهو المدعى ، وإن كانوا غيرهم وهم على الشرك لزم أحد أمرين : إما أن يكون المشرك خيراً من المسلم وهو باطل بالإجماع وإما أن يكون غيرهم خيراً منهم وهو باطل لمخالفة الأحاديث الصحيحة فوجب قطعاً أن لا يكون فيهم مشرك ليكونوا من خير أهل الأرض كل في قرنه .
ذكر أدلة المقدمة الأولى : أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( بعثت من خير قرون بني آدم قرناً فقرناً حتى بعثت من القرن الذي كنت فيه ) . وأخرج البيهقي في دلائل النبوة عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( ما افترق الناس فرقتين إلا جعلني الله في خيرهما ، فأخرجت من بين أبويّ فلم يصبني شيء من عهد الجاهلية ، وخرجت من نكاح ولم أخرج من سفاح من لدن آدم حتى انتهيت إلى أبي وأمي فأنا خيركم نفساً وخيركم أباً ) .
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة من طرق عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لم يزل الله ينقلني من الأصلاب الطيبة إلى الأرحام الطاهرة مصفى مهذباً لا تنشعب شعبتان إلا(2/199)
"""""" صفحة رقم 200 """"""
كنت في خيرهما ) . وأخرج مسلم ، والترمذي وصححه عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة واصطفى من بني كنانة قريشاً واصطفى من قريش بني هاشم واصطفاني من بني هاشم ) . وقد أخرجه الحافظ أبو القاسم حمزة بن يوسف السهمي في فضائل العباس من حديث واثلة بلفظ : ( إن الله اصطفى من ولد آدم إبراهيم واتخذه خليلاً واصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل ثم اصطفى من ولد إسماعيل نزار ثم اصطفى من ولد نزار مضر ثم اصطفى من مضر كنانة ثم اصطفى من كنانة قريشاً ثم اصطفى من قريش بني هاشم ثم اصطفى من بني هاشم بني عبد المطلب ثم اصطفاني من بني عبد المطلب ) أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى . وأخرج ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( خير العرب مضر وخير مضر بنو عبد مناف [ وخير بني مناف ] بنو هاشم وخير بني هاشم بنو عبد المطلب والله ما افترق فرقتان منذ خلق الله آدم إلا كنت في خيرهما ) . وأخرج الطبراني ، والبيهقي ، وأبو نعيم عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الله خلق الخلق فاختار من الخلق بني آدم واختار من بني آدم العرب واختار من العرب مضر واختار من مضر قريشاً واختار من قريش بني هاشم واختارني من بني هاشم فأنا من خيار إلى خيار ) .
وأخرج الترمذي وحسنه ، والبيقهي ، عن ابن عباس بن عبد المطلب قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الله حين خلقني جعلني من خير خلقه ثم حين خلق القبائل جعلني من خيرهم قبيلة وحين خلق الأنفس جعلني من خير أنفسهم ثم حين خلق البيوت جعلني من خير بيوتهم فأنا خيرهم بيتاً وخيرهم نفساً ) .
وأخرج الطبراني ، والبيهقي ، وأبو نعيم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن الله قسم الخلق قسمين فجعلني في خيرهما قسماً ، ثم جعل القسمين أثلاثاً فجعلني في خيرها ثلثاً ، ثم جعل الأثلاث قبائل فجعلني في خيرها ، ثم جعل القبائل بيوتاً فجعلني في خيرها بيتاً ) .
وأخرج أبو علي بن شاذان فيما أورده المحب الطبري في ذخائر العقبى وهو في مسند البزار عن ابن عباس قال : ( دخل ناس من قريش على صفية بنت عبد المطلب فجعلوا يتفاخرون ويذكرون الجاهلية فقالت صفية : منا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقالوا : تنبت النخلة أو الشجرة في الأرض الكبا فذكرت ذلك صفية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم فغضب وأمر بلالاً فنادى في الناس فقام على المنبر فقال : أيها الناس من أنا ؟ قالوا : أنت رسول الله قال : انسبوني قالوا : محمد بن عبد الله بن عبد المطلب قال : فما بال أقوام ينزلون أصلي ؟ فوالله إني لأفضلهم أصلاً وخيرهم موضعاً ) .
وأخرج الحاكم عن ربيعة بن الحارث قال : بلغ النبي صلى الله عليه وسلّم أن قوماً نالوا منه فقالوا : إنما مثل محمد كمثل نخلة نبتت في كناس فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلّم وقال : ( إن الله خلق خلقه فجعلهم فرقتين فجعلني في خير الفرقتين ، ثم جعلهم قبائل فجعلني في خيرهم قبيلاً ، ثم(2/200)
"""""" صفحة رقم 201 """"""
جعلهم بيوتاً فجعلني في خيرهم بيتاً ، ثم قال : أنا خيركم قبيلاً وخيركم بيتاً ) . وأخرج الطبراني في الأوسط ، والبيهقي في الدلائل عن عائشة قالت : قال ( رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لي جبريل : قلبت الأرض مشارقها ومغاربها فلم أجد رجلاً أفضل من محمد أجد بني أب أفضل من بني هاشم ) . قال الحافظ ابن حجر في أماليه : لوائح الصحة ظاهرة على صفحات هذا المتن ، ومن المعلوم أن الخيرية ، والاصطفاء ، والاختيار من الله . والأفضلية عنده لا تكون مع الشرك .
ذكر أدلة المقدمة الثانية : قال عبد الرزاق في المصنف عن معمر عن ابن جريج قال : قال ابن المسيب : قال علي بن أبي طالب : لم يزل على وجه الدهر في الأرض سبعة مسلمون فصاعداً فلولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين ومثله لا يقال من قبل الرأي فله حكم الرفع ، وقد أخرجه ابن المنذر في تفسيره عن الدبري عن عبد الرزاق .
وأخرج ابن جرير في تفسيره عن شهر بن حوشب قال : لم تبق الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض وتخرج بركتها إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده . وأخرج ابن المنذر في تفسيره عن قتادة في قوله تعالى : ) قلنا اهبطوا منها جميعاً فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي ( الآية قال : ما زال لله في الأرض أولياء منذ هبط آدم ما أخلى الله الأرض لإبليس إلا وفيها أولياء له يعلمون لله بطاعته ، وقال الحافظ أبو عمر بن عبد البر : روى ابن القاسم عن مالك قال : بلغني عن ابن عباس أنه قال : لا يزال لله تعالى في الأرض ولي ما دام فيها للشيطان ولي .
وأخرج الإمام أحمد بن حنبل في الزهد ، والخلال في كرامات الأولياء بسند صحيح على شرط الشيخين عن ابن عباس قال : ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض هذا أيضاً له حكم الرفع وأخرج الأزرقي في تاريخ مكة عن زهير بن محمد قال : لم يزل على وجه الأرض سبعة مسلمون فصاعداً لولا ذلك لأهلكت الأرض ومن عليها . وأخرج الجندي في فضائل مكة عن مجاهد قال : لم يزل على الأرض سبعة مسلمون فصاعداً لولا ذلك هلكت الأرض ومن عليها . وأخرج الإمام أحمد في الزهد عن كعب قال : لم يزل بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع بهم العذاب . وأخرج الخلال في كرامات الأولياء عن زاذان قال : ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعداً يدفع الله بهم عن أهل الأرض .
وأخرج ابن المنذر في تفسيره بسند صحيح عن ابن جريج في قوله : ) رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ( قال : فلن يزال من ذرية إبراهيم صلى الله عليه وسلّم ناس على الفطرة يعبدون الله ، وإنما وقع التقييد في هذه الآثار الثلاثة بقوله من بعد نوح لأنه من قبل نوح كان الناس كلهم على الهدى .
وأخرج البزار في مسنده ، وابن جرير ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم في تفاسيرهم ،(2/201)
"""""" صفحة رقم 202 """"""
والحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس في قوله تعالى : ) كان الناس أمة واحدة ( قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا فبعث الله النبيين قال : وكذلك هي في قراءة عبد الله بن مسعود كان الناس أمة واحدة فاختلفوا . وأخرج أبو يعلى ، والطبراني ، وابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس في قوله : ) كان الناس أمة واحدة ( قال : على الإسلام كلهم . وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال : ذكر لنا أنه كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الهدى وعلى شريعة من الحق ثم اختلفوا بعد ذلك فبعث الله نوحاً وكان أول رسول أرسله الله إلى أهل الأرض ، وأخرج ابن سعد في الطبقات من وجه آخر عن ابن عباس قال : ما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام .
وأخرج ابن سعد من طريق سفيان بن سعيد الثوري عن أبيه عن عكرمة قال : كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على الإسلام ، وفي التنزيل حكاية عن نوح عليه السلام ) رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً ( وولد نوح سام مؤمن بالإجماع والنص لأنه نجا مع أبيه في السفينة ولم ينج فيها إلا مؤمن ، وفي التنزيل : ) وجعلنا ذريته هم الباقين ( بل ورد في أثر أنه كان نبياً أخرجه ابن سعد في الطبقات ، والزبير بن بكار في الموفقيات ، وابن عساكر في تاريخه عن الكلبي وولده أرفخشد صرح بإيمانه في أثر عن ابن عباس أخرجه ابن عبد الحكم في تاريخ مصر وفيه أنه أدرك جده نوحاً وأنه دعا أن يجعل الله الملك والنبوة في ولده ولد أرفخشد إلى تارح ورد التصريح بإيمانهم في أثر ، وأخرج ابن سعد في الطبقات من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن نوحاً عليه السلام لما هبط من السفينة هبط إلى قرية فبنى كل رجل منهم بيتاً فسميت سوق الثمانين فغرق بنو قابيل كلهم وما بين نوح إلى آدم من الآباء كانوا على الإسلام ، فلما ضاقت بهم سوق الثمانين تحولوا إلى بابل فبنوها فكثروا بها حتى بلغوا مائة ألف وهم على الإسلام ولم يزالوا على الإسلام وهم ببابل حتى ملكهم نمروذ بن كوش بن كنعان بن حام بن نوح فدعاهم نمروذ إلى عبادة الأوثان ففعلوا هذا لفظ هذا الأثر .
فعرف من مجموع هذه الآثار أن أجداد النبي صلى الله عليه وسلّم كانوا مؤمنين بيقين من آدم إلى زمن نمروذ ، وفي زمنه كان إبراهيم عليه السلام وآزر ، فإن كان آزر والد إبراهيم فيستثنى من سلسلة النسب ، وإن كان عمه فلا استثناء ، وهذا القول أعني أن آزر ليس أبا إبراهيم ورد عن جماعة من السلف أخرج ابن أبي حاتم بسند ضعيف عن ابن عباس في قوله : ) وإذ قال إبراهيم لأبيه ( آزر قال : إن أبا إبراهيم لم يكن اسمه آزر وإنما كان [ اسمه ] تارح ، وأخرج ابن أبي شيبة ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم من طرق بعضها صحيح عن مجاهد قال : ليس آزر أبا إبراهيم .
وأخرج ابن المنذر بسند صحيح عن ابن جريج في قوله : ) وإذ قال إبراهيم لأبيه ( آزر قال : ليس آزر بأبيه إنما هو إبراهيم بن تيرح أو تارح بن شاروخ بن ناحور بن فالخ ،(2/202)
"""""" صفحة رقم 203 """"""
وأخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن السدي أنه قيل له اسم أبي إبراهيم آزر فقال : بل اسمه تارح ، وقد وجه من حيث اللغة بأن العرب تطلق لفظ الأب على العم إطلاقاً شائعاً وإن كان مجازاً ، وفي التنزيل : ) أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ( فأطلق على إسماعيل لفظ الأب وهو عم يعقوب كما أطلق على إبراهيم وهو جده ؛ أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنه كان يقول : الجد أب ويتلو : ) قالوا نعبد إلهك وإله آبائك ( الآية . وأخرج عن أبي العالية في قوله : ) وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل ( قال : سمي العم أباً ، وأخرج عن محمد بن كعب القرظي قال : الخال والد ، والعم والد وتلا هذه الآية .
فهذه أقوال السلف من الصحابة ، والتابعين في ذلك ، ويرشحه أيضاً ما أخرجه ابن المنذر في تفسيره بسند صحيح عن سليمان بن صرد قال : لما أرادوا أن يلقوا إبراهيم في النار جعلوا يجمعون الحطب حتى أن كانت العجوز لتجمع الحطب ، فلما أن أرادوا أن يلقوه في النار قال : حسبي الله ونعم الوكيل ، فلما ألقوه قال الله : ) يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ( فقال عم إبراهيم : من أجلي دفع عنه فأرسل الله عليه شرارة من النار فوقعت على قدمه فأحرقته ، فقد صرح في هذا الأثر بعم إبراهيم وفيه فائدة أخرى وهو أنه هلك في أيام إلقاء إبراهيم في النار ، وقد أخبر الله سبحانه في القرآن بأن إبراهيم ترك الاستغفار له لما تبين له أنه عدو لله ، ووردت الآثار بأن ذلك تبين له لما مات مشركاً وأنه لم يستغفر له بعد ذلك .
أخرج ابن أبي حاتم بسند صحيح عن ابن عباس قال : ما زال إبراهيم يستغفر لأبيه حتى مات فلما مات تبين له أنه عدو لله فلم يستغفر له . وأخرج عن محمد بن كعب ، وقتادة ، ومجاهد ، والحسن ، وغيرهم قالوا : كان يرجوه في حياته فلما مات على شركه تبرأ منه ، ثم هاجر إبراهيم عقب واقعة النار إلى الشام كما نص الله على ذلك في القرآن ، ثم بعد مدة من مهاجره دخل مصر واتفق له فيها مع الجبار ما اتفق بسبب سارة وأخدمه هاجر ثم رجع إلى الشام ثم أمره الله أن ينقلها وولدها إسماعيل إلى مكة فنقلهما ودعا فقال : ) ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع ( إلى قوله : ) ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ( فاستغفر لوالديه وذلك بعد هلاك عمه بمدة طويلة فيستنبط من هذا أن الذكر في القرآن بالكفر والتبري من الاستغفار له هو عمه لا أبوه الحقيقي فلله الحمد على ما ألهم .
روى ابن سعد في الطبقات عن الكلبي قال : هاجر إبراهيم من بابل إلى الشام وهو يومئذ ابن سبع وثلاثين سنة فأتى حران فأقام بها زماناً ، ثم أتى الأردن فأقام بها زماناً ، ثم خرج إلى مصر فأقام بها زماناً ، ثم خرج إلى الشام فنزل السبع أرضاً بين إيلياء وفلسطين ، ثم أن بعض أهل البلد آذوه فتحول من عندهم فنزل منزلاً بين الرملة وإيلياء ، وروى ابن(2/203)
"""""" صفحة رقم 204 """"""
سعد عن الواقدي قال : ولد لإبراهيم إسماعيل وهو ابن تسعين سنة فعرف من هذين الأثرين أن بين هجرته من بابل عقب واقعة النار وبين الدعوة التي دعا بها بمكة بضعاً وخمسين سنة .
تتميم : ثم استمر التوحيد في ولد إبراهيم ، وإسماعيل ، قال الشهرستاني في الملل والنحل : كان دين إبراهيم قائماً والتوحيد في صدر العرب شائعاً وأول من غيره واتخذ عبادة الأصنام عمرو بن لحي . قلت : وقد صح بذلك الحديث ، أخرج البخاري ، ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( رأيت عمرو بن عامر الخزاعي يجر قصبه في النار كان أول من سيب السوائب ) . وأخرج الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن أول من سيب السوائب وعبد الأصنام أبو خزاعة عمرو بن عامر وإني رأيته يجر أمعاءه في النار ) .
وأخرج ابن إسحاق ، وابن جرير في تفسيره عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( رأيت عمرو بن لحي بن قمعة بن خندف يجر قصبه بالنار أنه أول من غير دين إبراهيم ) . ولفظ ابن إسحق : ( أنه كان أول من غير دين إسماعيل ) ونصب الأوثان وبحر البحيرة وسيب السائبة ووصل الوصيلة وحمى الحامي وله طريق أخرى ، وأخرج البزار في مسنده بسند صحيح عن أنس قال : كان الناس بعد إسماعيل على الإسلام وكان الشيطان يحدث الناس بالشيء يريد أن يردهم عن الإسلام حتى أدخل عليهم في التلبية : لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك تملكه وما ملك ، قال : فما زال حتى أخرجهم عن الإسلام إلى الشرك قال السهيلي في الروض الأنف : كان عمرو بن لحي حين غلبت خزاعة على البيت ونفت جرهم عن مكة قد جعلته العرب رباً لا يبتدع لهم بدعة إلا اتخذوها شرعة لأنه كان يطعم الناس ويكسو في الموسم ، وقد ذكر ابن إسحاق أنه أول من أدخل الأصنام الحرم وحمل الناس على عبادتها ، وكانت التلبية من عهد إبراهيم : لبيك اللهم لبيك لا شريك لك لبيك ، حتى كان عمرو بن لحي فبينما هو يلبي تمثل له الشيطان في صورة شيخ يلي معه فقال عمرو : لبيك لا شريك لك ، فقال الشيخ : إلا شريكاً هو لك ، فأنكر ذلك عمرو وقال : وما هذا ؟ فقال . الشيخ : قل تملكه وما ملك فإنه لا بأس بهذا فقالها عمرو ودانت بها العرب ، انتهى كلام السهيلي ، وقال الحافظ عماد الدين بن كثير في تاريخه : كانت العرب على دين إبراهيم إلى أن ولي عمرو بن عامر الخزاعي مكة وانتزع ولاية البيت من أجداد النبي صلى الله عليه وسلّم فأحدث عمرو المذكور عبادة الأصنام وشرع للعرب الضلالات من السوائب وغيرها وزاد في التلبية بعد قوله لبيك لا شريك لك قوله : إلا شريكاً هو لك تملكه وما ملك ، فهو أول من قال ذلك ، وتبعته العرب على الشرط فشابهوا بذلك قوم نوح وسائر الأمم المتقدمة وفيهم على ذلك بقايا من دين إبراهيم ، وكانت مدة ولاية خزاعة على البيت ثلثمائة سنة ، وكانت ولايتهم مشئومة إلى أن جاء قصي جد النبي صلى الله عليه وسلّم فقاتلهم واستعان على حربهم بالعرب وانتزع ولاية البيت منهم ، إلا أن العرب بعد(2/204)
"""""" صفحة رقم 205 """"""
ذلك لم ترجع عما كان أحدثه لها عمرو الخزاعي من عبادة الأصنام وغير ذلك لأنهم رأوا ذلك ديناً في نفسه لا ينبغي أن يغير انتهى .
فثبت أن آباء النبي صلى الله عليه وسلّم من عهد إبراهيم إلى زمان عمرو [ المذكور ] كلهم مؤمنون بيقين ، ونأخذ في الكلام على الباقي وعلى زيادة توضيح لهذا القدر . الأمر الثاني : مما ينتصر به لهذا المسلك آيات . وآثار وردت في ذرية إبراهيم وعقبه ، الآية الأولى وهي أصرحها قوله تعالى : ) وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه انني براء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبة ( أخرج عبد بن حميد في تفسيره بسنده عن ابن عباس في قوله : ) وجعلها كلمة باقية في عقبه ( قال : لا إله إلا الله باقية في عقب إبراهيم ، وأخرج عبد بن حميد ، وابن جرير ، وابن المنذر عن مجاهد في قوله : ) وجعلها كلمة باقية في عقبه ( قال : لا إله إلا الله . وقال عبد بن حميد : حدثنا يونس عن شيبان عن قتادة في قوله : ) وجعلها كلمة باقية في عقبه ( قال : شهادة أن لا إله إلا الله والتوحيد لا يزال في ذريته من يقولها من بعده ، وقال عبد الرزاق في تفسيره عن معمر عن قتادة في قوله : ) وجعلها كلمة باقية في عقبه ( قال : الإخلاص والتوحيد لا يزال في ذريته من يوحد الله ويعبده أخرجه ابن المنذر ثم قال : وقال ابن جريج في الآية في عقب إبراهيم : فلم يزل بعد من ذرية إبراهيم من يوحد الله ويعبده أخرجه ابن المنذر ثم قال : وقال ابن جريج في الآية في عقب إبراهيم : فلم يزل بعد من ذرية إبراهيم من يقول لا إله إلا الله ، قال وقول آخر : فلم يزل ناس من ذريته على الفطرة يعبدون الله حتى تقوم الساعة . وأخرج عبد بن حميد عن الزهري في الآية قال : العقب ولده الذكور والإناث وأولاد الذكور .
وأخرج عن عطاء قال : العقب ولده وعصبته ، الآية الثانية قوله تعالى : ) وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمناً واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( ، أخرج ابن جرير في تفسيره عن مجاهد في هذه الآية قال : فاستجاب الله لإبراهيم دعوته في ولده فلن يعبد أحد من ولده صنماً بعد دعوته ، واستجاب الله له وجعل هذا البلد آمناً ورزق أهله من الثمرات وجعله إماماً وجعل من ذريته من يقيم الصلاة ، وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن وهب ابن منبه أن آدم لما أهبط إلى الأرض استوحش فذكر الحديث بطوله في قصة البيت الحرام وفيه من قول الله لآدم في حق إبراهيم عليهما السلام واجعله أمة واحداً قانتاً بأمري داعياً إلى سبيلي أجتبيه وأهديه إلى صراط مستقيم استجيب دعوته في ولده وذريته من بعده وأشفعه فيهم وأجعلهم أهل ذلك البيت وولاته وحماته الحديث .
هذا الأثر موافق لقول مجاهد المذكور آنفاً ، ولا شك أن ولاية البيت كانت معروفة بأجداد النبي صلى الله عليه وسلّم خاصة دون سائر ذرية إبراهيم إلى أن انتزعها منهم عمرو الخزاعي ثم عادت إليهم فعرف أن كل ما ذكر عن ذرية إبراهيم ، فإن أولى الناس به سلسلة الأجداد الشريفة الذين خصوا بالاصطفاء وانتقل إليهم نور النبوة واحداً بعد واحد ، فهم أولى بأن(2/205)
"""""" صفحة رقم 206 """"""
يكونوا هم البعض المشار إليهم في قوله : ) رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ( ، وأخرج ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة أنه سئل هل عبد أحد من ولد إسماعيل الأصنام ؟ قال : لا ألم تسمع قوله : ) واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( ؟ قيل فكيف لم يدخل ولد إسحاق وسائر ولد إبراهيم ؟ قال : لأنه دعا لأهل هذا البلد أن لا يعبدوا إذا أسكنهم إياه فقال : ) اجعل هذا البلد آمناً ( ولم يدع لجميع البلدان بذلك فقال : ) واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ( فيه وقد خص أهله وقال : ) ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة ( ، فانظر إلى هذا الجواب من سفيان بن عيينة وهو أحد الأئمة المجتهدين ، وهو شيخ إمامنا الإمام الشافعي رضي الله عنهما الآية الثالثة : قوله تعالى حكاية عن إبراهيم عليه السلام : ) رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ( أخرج ابن المنذر عن ابن جريج في قوله : ) رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ( قال : فلن يزال من ذرية إبراهيم ناس على الفطرة يعبدون الله . آية رابعة : أخرج أبو الشيخ في تفسيره عن زيد ابن علي قال : قالت سارة لما بشرتها الملائكة : ) يا ويلتا أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إن هذا لشيء عجيب ( فقالت الملائكة [ ترد على سارة أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد ؟ قال : فهو كقوله : ) وجعلها كلمة باقية في عقبه ( محمد وآله من نسبه عقب إبراهيم داخل في ذلك ] .
وقد أخرج ابن حبيب في تاريخه عن ابن عباس قال : كان عدنان ، ومعد ، وربيعة ، ومضر ، وخزيمة ، وأسد على ملة إبراهيم فلا تذكروهم إلا بخير ، وذكر أبو جعفر الطبري وغيره أن الله أوحى إلى أرميا أن اذهب إلى بخت نصر فأعلمه أني قد سلطته على العرب ، وأمر الله أرميا أن يحتمل معه معد بن عدنان على البراق كي لا تصيبه النقمة فإني مستخرج من صلبه نبياً كريماً أختم به الرسل ، ففعل أرميا ذلك واحتمل معد إلى أرض الشام فنشأ مع بني إسرائيل ثم عاد بعد أن هدأت الفتن ، وأخرج ابن سعد في الطبقات من مرسل عبد الله ابن خالد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تسبوا مضر فإنه كان قد أسلم ) . وقال السهيلي في الروض الأنف في الحديث المروي : لا تسبوا مضر ولا ربيعة فإنهما كانا مؤمنين .
قلت : وقفت عليه مسنداً فأخرجه أبو بكر محمد بن خلف بن حيان المعروف بوكيع في كتاب الغرر من الأخبار قال : حدثنا إسحاق بن داود بن عيسى المروزي ثنا أبو يعقوب الشعراني ثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي ثنا عثمان بن قايد عن يحيى بن طلحة بن عبيد الله عن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص عن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تسبوا ربيعة ولا مضر فإنهم كانا مسلمين ) . وأخرج بسنده عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تسبوا تميماً وضبة فإنهما كانا مسلمين ) . وأخرج بسنده عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تسبوا قساً فإنه كان مسلماً ) . ثم قال السهيلي : ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلّم أنه قال : ( لا تسبوا إلياس فإنه كان مؤمناً ) وذكر أنه كان يسمع في صلبه تلبية النبي صلى الله عليه وسلّم بالحج قال : وكعب بن لؤي أول من جمع يوم العروبة(2/206)
"""""" صفحة رقم 207 """"""
وقيل : هو أول من سماها الجمعة فكانت قريش تجتمع إليه في هذا اليوم فيخطبهم ويذكرهم بمبعث النبي صلى الله عليه وسلّم ويعلمهم أنه من ولده ويأمرهم باتباعه والإيمان به وينشدهم في هذا أبياتاً منها قوله :
يا ليتني شاهداً فحواء دعوته
إذا قريش تبغي الحق خذلانا
قال : وقد ذكر الماوردي هذا الخبر عن كعب في كتاب الأعلام له انتهى .
قلت : هذا الخبر أخرجه أبو نعيم في دلائل النبوة بسند عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ابن عوف وفي آخره ، وكان بين موت كعب ومبعث النبي صلى الله عليه وسلّم خمسمائة سنة وستون سنة والماوردي المذكور هو أحد أئمة أصحابنا ، وهو صاحب الحاوي الكبير له كتاب أعلام النبوة في مجلد كثير الفوائد وقد رأيته وسأنقل منه في هذا الكتاب ، فحصل مما أوردناه أن آباء النبي صلى الله عليه وسلّم من عهد إبراهيم إلى كعب بن لؤي كانوا كلهم على دين إبراهيم وولد كعب مرة الظاهر أنه كذلك لأن أباء أوصاه بالإيمان وبقي بينه وبين عبد المطلب أربعة آباء وهم : كلاب ، وقصي ، وعبد مناف ، وهاشم ولم أظفر فيهم بنقل لا بهذا ولا بهذا ، وأما عبد المطلب ففيه أقوال : أحدها وهو الأشبه أنه لم تبلغه الدعوة لأجل الحديث الذي في البخاري وغيره ، والثاني أنه كان على التوحيد وملة إبراهيم وهو ظاهر عموم كلام الإمام فخر الدين وما تقدم عن مجاهد ، وسفيان بن عيينة ، وغيرهما في تفسير الآيات السابقة ، والثالث أن الله أحياه بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلّم حتى آمن به وأسلم ثم مات حكاه ابن سيد الناس وهذا أضعف الأقوال وأسقطها وأوهاها لأنه لا دليل عليه ، ولم يرد قط في حديث لا ضعيف ولا غيره ، ولا قال هذا القول أحد من أئمة السنة إنما حكوه عن بعض الشيعة ، ولهذا اقتصر غالب المصنفين على حكاية القولين الأولين وسكتوا عن حكاية الثالث لأن خلاف الشيعة لا يعتد به ، قال السهيلي في الروض الأنف : وفي الصحيح : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم دخل على أبي طالب عند موته وعنده أبو جهل ، وابن أبي أمية فقال : يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أشهد لك بها عند الله فقال له أبو جهل ، وابن أبي أمية : أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فقال : أنا على ملة عبد المطلب ) . قال : فظاهر هذا الحديث يقتضي أن عبد المطلب مات على الشرك قال : ووجدت في بعض كتب المسعودي اختلافاً في عبد المطلب وأنه قد قيل فيه مات مسلماً لما رأى من الدلائل على نبوة محمد صلى الله عليه وسلّم وعلم أنه لا يبعث إلا بالتوحيد ف الله أعلم غير أن في مسند البزار ، وكتاب النسائي من حديث عبد الله بن عمرو : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال لفاطمة وقد عزت قوماً من الأنصار عن ميتهم : لعلك بلغت معهم الكدى ؟ فقالت لا ، فقال : لو كنت بلغت معهم الكدى ما رأيت الجنة حتى يراها جد أبيك ) . قال : وقد خرجه أبو داود ولم يذكر فيه حتى يراها جد أبيك ، قال :(2/207)
"""""" صفحة رقم 208 """"""
وفي قوله : جد أبيك ولم يقل جدك تقوية للحديث الضعيف الذي قدمنا ذكره أن الله أحيا أباه وأمه وآمنا به ف الله أعلم .
قال : ويحتمل أنه أراد تخويفها بذلك لأن قوله صلى الله عليه وسلّم حق وبلوغها معهم الكدى لا يوجب خلوداً في النار ، هذا كله كلام السهيلي بحروفه ، وقال الشهرستاني في الملل والنحل : ظهر نور النبي صلى الله عليه وسلّم في أسارير عبد المطلب بعض الظهور وببركة ذلك النور ألهم النذر في ذبح ولده وببركته كان يأمر ولده بترك الظلم والبغي ويحثهم على مكارم الأخلاق وينهاهم عن دنيات الأمور ، وببركة ذلك النور كان يقول في وصاياه : إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة إلى أن هلك رجل ظلوم لم تصبه عقوبة فقيل لعبد المطلب في ذلك ففكر وقال : والله إن وراء هذه الدار داراً يجزى فيها المحسن بإحسانه ويعاقب فيها المسيء باساءته ، وببركة ذلك النور قال لأبرهة : إن لهذا البيت رباً يحفظه ، ومنه قال وقد صعد أبا قبيس :
لاهم أن المرء يمنع
رحله فامنع رحالك
لا يغلبن صليبهم
ومحالهم يوماً محالك
وانصر على آل الصليب
وعابديه اليوم آلك
انتهى كلام الشهرستاني ويناسق ما ذكره ما أخرجه ابن سعد في طبقاته عن ابن عباس قال : كانت الدية عشراً من الإبل وعبد المطلب أول من سن دية النفس مائة من الإبل فجرت في قريش والعرب مائة من الإبل وأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وينضم إلى ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلّم انتسب إليه يوم حنين فقال :
أنا النبي لا كذب
أنا ابن عبد المطلب
وهذا أقوى ما تقوى به مقالة الإمام فخر الدين ومن وافقه لأن الأحاديث وردت في النهي عن الانتساب إلى الآباء الكفار ، روى البيهقي في شعب الإيمان من حديث أبي بن كعب ، ومعاذ بن جبل أن رجلين انتسبا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقال أحدهما : أنا فلان بن فلان أنا فلان بن فلان فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( انتسب رجلان على عهد موسى فقال أحدهما أنا فلان بن فلان إلى تسعة وقال الآخر أنا فلان بن فلان ابن الإسلام فأوحى الله إلى موسى هذان المنتسبان أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة آباء في النار فأنت عاشرهم في النار ، وأما أنت أيها المنتسب إلى اثنين فأنت ثالثهما في الجنة ) . وروى البيهقي أيضاً عن أبي ريحانة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً وشرفاً فهو عاشرهم في النار ) . وروى البيهقي أيضاً عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تفتخروا بآبائكم الذين ماتوا في الجاهلية فوالذي نفسي بيده لما يدحدح الجعل بأنفه خير من آبائكم الذين ماتوا في الجاهلية ) . وروى البيهقي أيضاً عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وفخرها بالآباء لينتهين أقوام يفتخرون برجال إنما هم فحم من فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعلان التي تدفع النتن بأنفها ) .(2/208)
"""""" صفحة رقم 209 """"""
والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وأوضح من ذلك في التقرير أن البيهقي أورد في شعب الإيمان حديث مسلم إن في أمتي أربعاً من أمر الجاهلية ليسوا بتاركيهن الفخر في الأحساب الحديث ، وقال عقبة : فإن عورض هذا بحديث النبي صلى الله عليه وسلّم في اصطفائه من بني هاشم فقد قال الحليمي : لم يرد بذلك الفخر إنما أراد تعريف منازل المذكورين ومراتبهم كرجل يقول : كان أبي فقيهاً لا يريد به الفخر وإنما يريد به تعريف حاله دون ما عداه ، قال : وقد يكون أراد به الإشارة بنعمة الله عليه في نفسه وآبائه على وجه الشكر وليس ذلك من الإستطالة والفخر في شيء انتهى ، فقوله : أراد تعريف منازل المذكورين ومراتبهم أو الإرشارة بنعمة الله عليه في نفسه وآبائه على وجه الشكر فيه تقوية لمقالة الإمام وإجرائها على عمومها كما لا يخفى ، إذ الاصطفاء لا يكون إلا لمن هو على التوحيد ، ولا شك أن الترجيح في عبد المطلب بخصوصه عسر جداً لأن حديث البخاري مصادم قوي ، وإن أخذ في تأويله لم يوجد تأويل قريب ، والتأويل البعيد يأباه أهل الأصول ، ولهذا لما رأى السهيلي تصادم الأدلة فيه لم يقدر على الترجيح فوقف وقال : ف الله أعلم وهذا يصلح أن يعد قولاً رابعاً فيه وهو الموقف ، وأكثر ما خطر لي في تأويل الحديث وجهان بعيدان فتركتهما ، وأما حديث النسائي فتأويله قريب وقد فتح السهيلي بابه وإن لم يستوفه ، وإنما سهل الترجيح في جانب عبد الله مع أن فيه معارضاً قوياً وهو حديث مسلم لأن ذاك سهل تأويله بتأويل قريب في غاية الجلاء والوضوح ، وقامت الأدلة على رجحان جانب التأويل فسهل المصير والله أعلم .
ثم رأيت الإمام أبا الحسن الماوردي أشار إلى نحو ما ذكره الإمام فخر الدين إلا أنه لم يصرح كتصريحه فقال في كتابه أعلام النبوة : لما كان أنبياء الله صفوة عباده وخيرة خلقه لما كلفهم من القيام بحقه والإرشاد لخلقه استخلصهم من أكرم العناصر واجتباهم بمحكم الأواصر فلم يكن لنسبهم من قدح ولمنصبهم من جرح لتكون القلوب لهم أصفى والنفوس لهم أوطا ، فيكون الناس إلى اجابتهم أسرع ، ولأوامرهم أطوع ، وأن الله استخلص رسوله صلى الله عليه وسلّم من أطيب المناكح ، وحماه من دنس الفواحش ، ونقله من أصلاب طاهرة إلى أرحام منزهة ، وقد قال ابن عباس في تأويل قول الله : ) وتقلبك في الساجدين ( أي تقلبك من أصلاب طاهرة من أب بعد أب إلى أن جعلك نبياً ، فكان نور النبوة ظاهراً في آبائه ، ثم لم يشركه في ولادته من أبويه أخ ولا أخت لإنتهاء صفوتهما إليه وقصور نسبهما عليه ليكون مختصاً بنسب جعله الله للنبوة غاية ولتفرده نهاية ، فينزل عنه أن يشارك فيه ويماثل فيه فلذلك مات عنه أبواه في صغره . فأمان أبوه فمات وهو حمل وأما أمه فماتت وهو ابن ست سنين وإذا خبرت حال نسبه وعرفت طهارة مولده علمت أنه سلالة آباء كرام ليس في آبائه مسترذل ولا مغموز مستبذل ، بل كلهم سادة قادة ، وشرف النسب(2/209)
"""""" صفحة رقم 210 """"""
وطهارة المولد من شروط النبوة ، انتهى كلام الماوردي بحروفه ، وقال أبو جعفر النحاس في معاني القرآن في قوله : ) وتقلبك في الساجدين ( روى عن ابن عباس أنه قال : تقلبه في الظهور حتى أخرجه نبياً . وما أحسن قول الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي رحمه الله تعالى :
تنقل أحمد نوراً عظيماً
تلألأ في جباه الساجدينا
تقلب فيهم قرناً فقرناً
إلى أن جاء خير المرسلينا
وقال أيضاً :
حفظ الإله كرامة لمحمد
آباءه الأمجاد صوناً لاسمه
تركوا السفاح فلم يصبهم عاره
من آدم حتى أبيه وأمه
وقال الشرف البوصيري صاحب البردة :
كيف ترقى رقيك الأنبياء
يا سماء ما طاولتها سماء
لم يساووك في علاك وقد حال
سني منك دونهم وسناء
إنما مثلوا صفاتك للناس
كما مثل النجوم الماء
أنت مصباح كل فضل فما تصدر
إلا عن ضوئك الأضواء
لك ذات العلوم عن عالم الغيب
ومنها لآدم الأسماء
لم تزل في ضمائر الغيب تختار
لك الأمهات والآباء
ما مضت فترة من الرسل إلا
بشرت قومها بك الأنبياء
تتباهى بك العصور وتسمو
بك علياء بعدها علياء
وبدا للوجود منك كريم
من كريم آباؤه كرماء
نسب تحسب العلا بحلاه
قلدتها نجومها الجوزاء
ومنها :
فهنيئاً به لآمنة الفضل
الذي شرفت به حواء
من لحواء أنها حملت أحمد
أو أنها به نفساء
يوم نالت بوضعه ابنة وهب
من فخار ما لم تنله النساء
وأتت قومها بأفضل مما
قد أتت قبل مريم العذراء
فائدة : قال ابن أبي حاتم في تفسيره : حدثنا أبي ثنا موسى بن أيوب النصيبي ثنا ضمرة عن عثمان بن عطاء عن أبيه قال : بين النبي صلى الله عليه وسلّم وبين آدم تسعة وأربعون أباً .
الأمر الثالث : أثر ورد في أم النبي صلى الله عليه وسلّم خاصة ، أخرج أبو نعيم في دلائل النبوة بسند ضعيف من طريق الزهري عن أم سماعة بنت أبي رهم عن أمها قالت : شهدت آمنة أم(2/210)
"""""" صفحة رقم 211 """"""
رسول الله صلى الله عليه وسلّم في علتها التي ماتت فيها ومحمد غلام يفع له خمس سنين عند رأسها فنظرت إلى وجهه ثم قالت :
بارك فيك الله من غلام
يا ابن الذي من حومة الحمام
نجا بعون الملك المنعام
فودى غداة الضرب بالسهام
بمائة من إبل سوام
إن صح ما أبصرت في المنام
فأنت مبعوث إلى الأنام
من عند ذي الجلال والإكرام
تبعث في الحل وفي الحرام
تبعث بالتحقيق والإسلام
دين أبيك البر ابراهام
ف الله أنهاك عن الأصنام
أن لا تواليها مع الأقوام
ثم قالت : كل حي ميت وكل جديد بال ، وكل كبير يفنى ، وأنا ميتة وذكري باق ، وقد تركت خيراً ، وولدت طهراً ثم ماتت ، فكنا نسمع نوح الجن عليها فحفظنا من ذلك :
نبكى الفتاة البرة الأمينه
ذات الجمال العفة الرزينه
زوجة عبد الله والقرينه
أم نبي الله ذي السكينه
وصاحب المنبر بالمدينه
صارت لدى حفرتها رهينه
فأنت ترى هذا الكلام منها صريحاً في النهي عن موالاة الأصنام مع الأقوام والاعتراف بدين إبراهيم ويبعث ولدها إلى الأنام من عند ذي الجلال والإكرام بالإسلام . وهذه الألفاظ منافية للشرك ، وقولها تبعث بالتحقيق كذا هو في النسخة وعندي أنه تصحيف وإنما هو بالتخفيف ، ثم إني استقرأت أمهات الأنبياء عليهم السلام فوجدتهن مؤمنات ؛ فأم إسحاق ، وموسى ، وهرون ، وعيسى ، وحواء أم شيث مذكورات في القرآن بل قيل بنبوتهن ، ووردت الأحاديث بإيمان هاجر أم إسماعيل ، وأم يعقوب ، وأمهات أولاده ، وأم داود ، وسليمان ، وزكريا ، ويحيى ، وشمويل ، وشمعون ، وذي الكفل ، ونص بعض المفسرين على إيمان أم نوح ، وأم إبراهيم ورجحه أبو حيان في تفسيره وقد تقدم عن ابن عباس أنه لم يكن بين نوح وآدم والد كافر ولهذا قال : ) رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمناً ( وقال إبراهيم : ) رب اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب ( ولم يعتذر عن استغفار إبراهيم في القرآن إلا لأبيه خاصة دون أمه فدل على أنها كانت مؤمنة ، وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن ابن عباس قال : كانت الأنبياء من بني إسرائيل إلا عشرة : نوح ، وهود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب ، وإبراهيم . وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، ومحمد عليهم السلام ، وبنو إسرائيل كلهم كانوا مؤمنين لم يكن فيهم كافر إلى أن بعث عيسى فكفر به من كفر فأمهات الأنبياء الذين من بني إسرائيل كلهن مؤمنات وأيضاً فغالب أنبياء بني إسرائيل كانوا أولاد أنبياء أو أولاد أولادهم ، فإن النبوة كانت تكون(2/211)
"""""" صفحة رقم 212 """"""
في سبط منهم يتناسلون كما هو معروف في أخبارهم ، وأما العشرة المذكورون من غير بني إسرائيل فقد ثبت إيمان أم نوح ، وإبراهيم ، وإسماعيل ، وإسحاق ، ويعقوب ، وبقي أم هود ، وصالح ، ولوط ، وشعيب يحتاج إلى نقل أو دليل والظاهر إن شاء الله تعالى إيمانهن فكذلك أم النبي صلى الله عليه وسلّم وكان السر في ذلك ما يرينه من النور كما ورد في الحديث .
أخرج أحمد ، والبزار ، والطبراني ، والحاكم ، والبيهقي عن العرباض بن سارية أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( أني عبد الله لخاتم النبيين وإن آدم لمنجدل في طينته وسأخبركم عن ذلك دعوة أبي إبراهيم وبشارة عيسى ورؤيا أمي التي رأت ) . وكذلك أمهات النبيين يرين وأن أم رسول الله صلى الله عليه وسلّم رأت حين وضعته نوراً أضاءت له قصور الشام ، ولا شك أن الذي رأته أم النبي صلى الله عليه وسلّم في حال حملها به وولادتها له من الآيات أكثر وأعظم مما رآه سائر أمهات الأنبياء كما سقنا الأخبار بذلك في كتاب المعجزات ، وقد ذكر بعضهم أنه لم ترضعه مرضعة إلا أسلمت قال : ومرضعاته أربع : أمه ، وحليمة السعدية ، وثويبة ، وأم أيمن انتهى .
فإن قلت : فما تصنع بالأحاديث الدالة على كفرها وأنها في النار وهي حديث أنه صلى الله عليه وسلّم قال : ( ليت شعري ما فعل أبواي ؟ فنزلت : ) ولا تسأل عن أصحاب الجحيم ( ) وحديث أنه استغفر لأمه فضرب جبريل في صدره وقال : لا تستغفر لمن مات مشركاً ، وحديث أنه نزل فيها : ) ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ( ، وحديث أنه قال لابني مليكة : ( أمكما في النار فشق عليهما فدعاهما فقال : إن أمي مع أمكما ) . قلت : الجواب أن غالب ما يروى من ذلك ضعيف ، ولم يصح في أم النبي صلى الله عليه وسلّم سوى حديث أنه استأذن في الاستغفار لها فلم يؤذن له ، ولم يصح أيضاً في أبيه إلا حديث مسلم خاصة وسيأتي الجواب عنهما وأما الأحاديث التي ذكرت فحديث : ( ليت شعري ما فعل أبواي ) فنزلت الآية لم يخرج في شيء من كتب [ الحديث ] المعتمدة وإنما ذكر في بعض التفاسير بسند منقطع لا يحتج به ولا يعول عليه ، ولو جئنا نحتج بالأحاديث الواهية لعارضناك بحديث واه أخرجه ابن الجوزي من حديث علي مرفوعاً هبط جبريل عليّ فقال : إن الله يقرئك السلام ويقول : إني حرمت النار على صلب أنزلك وبطن حملك وحجر كفلك ويكون من باب معارضة الواهي بالواهي إلا أنا لا نرى ذلك ولا نحتج به .
ثم إن هذا السبب مردود بوجوه أخرى من جهة الأصول ، والبلاغة ، وأسرار البيان وذلك أن الآيات من قبل هذه الآية ومن بعدها كلها في اليهود من قوله تعالى : ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون ( إلى قوله : ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات ( ولهذا ختمت القصة بمثل ما صدرت به وهو قوله تعالى ) يا بني إسرائيل اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم ( الآيتين فتبين أن المراد بأصحاب الجحيم كفار أهل الكتاب ، وقد ورد ذلك مصرحاً به في الأثر أخرج عبد بن حميد ، والفريابي ، وابن جرير ، وابن المنذر في تفاسيرهم عن مجاهد قال : من أول البقرة أربع آيات في نعت المؤمنين وثلاث عشرة آية في نعت المنافقين ، ومن أربعين آية إلى(2/212)
"""""" صفحة رقم 213 """"""
عشرين ومائة في بني إسرائيل إسناده صحيح ، ومما يؤكد ذلك أن السورة مدنية وأكثر ما خوطب فيها اليهود ، ويرشح ذلك من حيث المناسبة أن الجحيم اسم لما عظم من النار كما هو مقتضى اللغة والآثار أخرج ابن أبي حاتم عن أبي مالك في قوله تعالى : ) أصحاب الجحيم ( قال : الجحيم ما عظم من النار ، وأخرج ابن جرير ، وابن المنذر عن ابن جريج في قوله تعالى : ) لها سبعة أبواب ( قال : أولها جهنم ، ثم لظى ، ثم الحطمة ، ثم السعير ، ثم سقر ، ثم الجحيم ، ثم الهاوية ، قال : والجحيم فيها أبو جهل إسناده صحيح أيضاً فاللائق بهذه المنزلة من عظم كفره واشتد وزره وعاند عند الدعوة وبدل وحرف وجحد بعد علم لا من هو بمظنة التخفيف ، وإذا كان قد صح في أبي طالب أنه أهون أهل النار عذاباً لقرابته منه صلى الله عليه وسلّم وبره به مع إدراكه الدعوة وامتناعه من الإجابة وطول عمره فما ظنك بأبويه اللذين هما أشد منه قرباً وأكد حباً وأبسط عذراً وأقصر عمراً ، فمعاذ الله أن يظن بهما أنهما في طبقة الجحيم ، وأن يشدد عليهما العذاب العظيم ، هذا لا يفهمه من له أدنى ذوق سليم ، وأما حديث أن جبريل ضرب في صدره وقال : لا تستغفر لمن مات مشركاً فإن البزار أخرجه بسند فيه من لا يعرف وأما حديث نزول الآية في ذلك ، فضعيف أيضاً والثابت في الصحيحين أنها نزلت في أبي طالب وقوله صلى الله عليه وسلّم له : ( لأستغفرن لك ما لم أنه عنك ) . وأما حديث : ( أمي مع أمكما ) فأخرجه الحاكم في مستدركه وقال : صحيح وشأن المستدرك في تساهله في التصحيح معروف ، وقد تقرر في علوم الحديث أنه لا يقبل تفرده بالتصحيح ، ثم أن الذهبي في مختصر المستدرك لما أورد هذا الحديث ونقل قول الحاكم صحيح قال عقبه : قلت لا والله فعثمان بن عمير ضعفه الدارقطني ، فبين الذهبي ضعف الحديث وحلف عليه يميناً شرعياً ، وإذا لم يكن في المسألة إلا أحاديث ضعيفة كان للنظر في غيرها مجال .
الأمر الرابع : مما ينتصر به لهذا المسلك أنه قد ثبت عن جماعة كانوا في زمن الجاهلية أنهم تحنفوا وتدينوا بدين إبراهيم عليه السلام وتركوا الشرك فما المانع أن يكون أبوا النبي صلى الله عليه وسلّم سلكوا سبيلهم في ذلك ؟ قال الحافظ أبو الفرج ابن الجوزي في التلقيح : تسمية من رفض عبادة الأصنام في الجاهلية . أبو بكر الصديق ، زيد بن عمرو بن نفيل ، عبيد الله بن جحش ، عثمان بن الحويرث ، ورقة بن نوفل ، رباب بن البراء ، أسعد أبو كريب الحميري ، قس بن ساعدة الأيادي ، أبو قيس بن صرمة انتهى .
وقد وردت الأحاديث بتحنف زيد بن عمرو ، وورقة ، وقيس ، وقد روى ابن إسحاق وأصله في الصحيح تعليقاً عن أسماء بنت أبي بكر قالت : لقد رأيت زيد بن عمرو بن نفيل مستنداً ظهره إلى الكعبة يقول : يا معشر قريش ما أصبح منكم أحد على دين إبراهيم غيري ثم يقول : اللهم إني لو أعلم أحب الوجوه إليك عبدتك به ولكني لا أعلم . قلت : وهذا يؤيد ما تقدم في المسلك الأول أنه لم يبق إذ ذاك من يبلغ الدعوة ويعرف حقيقتها على وجهها .(2/213)
"""""" صفحة رقم 214 """"""
وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن عمرو بن عبسة السلمي قال : رغبت عن آلهة قومي في الجاهلية ورأيت أنها الباطل يعبدون الحجارة ، وأخرج البيهقي ، وأبو نعيم كلاهما في الدلائل من طريق الشعبي عن شيخ من جهينة أن عمير بن حبيب الجهني ترك الشرك في الجاهلية وصلى لله وعاش حتى أدرك الإسلام ، وقال إمام الأشاعرة الشيخ أبو الحسن الأشعري ، وأبو بكر : ما زال بعين الرضا منه فاختلف الناس في مراده بهذا الكلام فقال بعضهم : إن الأشعري يقول : إن أبا بكر الصديق كان مؤمناً قبل البعثة . وقال آخرون : بل أراد أنه لم يزل يحالة غير مغضوب فيها عليه لعلم الله تعالى بأنه سيؤمن ويصير من خلاصة الأبرار ، قال الشيخ تقي الدين السبكي : لو كان هذا مراده لاستوى الصديق وسائر الصحابة في ذلك ، وهذه العبارة التي قالها الأشعري في حق الصديق لم تحفظ عنه في حق غيره فالصواب أن يقال : إن الصديق لم يثبت عنه حالة كفر بالله فلعل حاله قبل البعث كحال زيد ابن عمرو بن نفيل وأقرانه فلهذا خصص الصديق بالذكر عن غيره من الصحابة ، انتهى كلام السبكي .
قلت : وكذلك نقول في حق أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم أنهما لم يثبت عنهما حالة كفر بالله فلعل حالهما كحال زيد بن عمرو بن نفيل ، وأبي بكر الصديق ، وأضرابهما مع أن الصديق ، وزيد ابن عمرو إنما حصل لهما التحنف في الجاهلية ببركة النبي صلى الله عليه وسلّم فإنهما كانا صديقين له قبل البعثة وكانا يوادانه كثيراً فأبواه أولى بعود بركته عليهما وحفظهما مما عليه أهل الجاهلية .
فإن قلت : بقيت عقدة واحدة وهي ما رواه مسلم عن أنس ( أن رجلاً قال : يا رسول الله أين أبي ؟ قال : في النار فلما قفى دعاه فقال : إن أبي وأباك في النار ) . وحديث مسلم ، وأبي داود عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وسلّم استأذن في الإستغفار لأمة فلم يؤذن له فاحلل هذه العقدة .
قلت : على الرأس والعين . الجواب : أن هذه اللفظة وهي قوله : إن أبي وأباك في النار لم يتفق على ذكرها الرواة وإنما ذكرها حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وهي الطريق التي رواه مسلم منها وقد خالفه معمر عن ثابت فلم يذكر أن أبي وأباك في النار ولكن قال له : إذا مررت بقبر كافر فبشره بالنار . وهذا اللفظ لا دلالة فيه على والده صلى الله عليه وسلّم بأمر البتة وهو أثبت من حيث الرواية فإن معمراً أثبت من حماد ، فإن حماداً تكلم في حفظه ووقع في أحاديثه مناكير ذكروا أن ربيبه دسها في كتبه وكان حماد لا يحفظ فحدث بها فوهم فيها ، ومن ثم لم يخرج له البخاري شيئاً ولا خرج له مسلم في الأصول إلا من روايته عن ثابت قال الحاكم في المدخل : ما خرج مسلم لحماد في الأصول إلا من حديثه عن ثابت وقد خرج له في الشواهد عن طائفة ، وأما معمر فلم يتكلم في حفظه ولا استنكر شيء من حديثه واتفق على التخريج له الشيخان فكان لفظه أثبت ، ثم وجدنا الحديث ورد من حديث سعد بن أبي وقاص بمثل لفظ رواية معمر عن ثابت عن أنس فأخرج البزار ، والطبراني ، والبيهقي من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن عامر بن سعد عن أبيه أن أعرابياً قال(2/214)
"""""" صفحة رقم 215 """"""
لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أين أبي ؟ قال : في النار قال : فأين أبوك ؟ قال حيثما مررت بقبر كافر فبشره بالنار ) وهذا إسناد على شرط الشيخين فتعين الإعتماد على هذا اللفظ وتقديمه على غيره وقد زاد الطبراني ، والبيهقي في آخره قال فأسلم الأعرابي بعد فقال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلّم تعباً ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار ، وقد أخرج ابن ماجه من طريق إبراهيم بن سعد عن الزهري عن سالم عن أبيه قال : ( جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال : يا رسول الله إن أبي كان يصل الرحم وكان فأين هو ؟ قال : في النار قال : فكأنه وجد من ذلك فقال : يا رسول الله فأين أبوك ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : حيثما مررت بقبر مشرك فبشره بالنار قال : فأسلم الأعرابي بعد قال : لقد كلفني رسول الله صلى الله عليه وسلّم تعباً ما مررت بقبر كافر إلا بشرته بالنار ) .
فهذه الزيادة أوضحت بلا شك أن هذا اللفظ العام هو الذي صدر منه صلى الله عليه وسلّم ورآه الأعرابي بعد إسلامه أمراً مقتضياً للامتثال فلم يسعه إلا امتثاله ، ولو كان الجواب باللفظ الأول لم يكن فيه أمر بشيء البته ، فعلم أن هذا اللفظ الأول من تصرف الرواي رواه بالمعنى على حسب فهمه ، وقد وقع في الصحيحين روايات كثيرة من هذا النمط فيها لفظ تصرف فيه الراوي وغيره أثبت منه كحديث مسلم عن أنس في نفي قراءة البسملة ، وقد أعله الإمام الشافعي رضي الله عنه بذلك وقال : إن الثابت من طريق آخر نفي سماعها ففهم منه الراوي نفي قراءتها فرواه بالمعنى على ما فهمه فاخطأ ، ونحن أجبنا عن حديث مسلم في هذا المقام بنظير ما أجاب به إمامنا [ الإمام ] الشافعي رضي الله عنه عن حديث مسلم في نفي قراءة البسملة . ثم لو فرض اتفاق الرواة على اللفظ الأول كان معارضاً بما تقدم من الأدلة والحديث الصحيح إذا عارضه أدلة أخرى هي أرجح منه وجب تأويله وتقديم تلك الأدلة عليه كما هو مقرر في الأصول ، وبهذا الجواب الأخير يجاب عن حديث عدم الإذن في الاستغفار لأمه على أنه يمكن فيه دعوى عدم الملازمة بدليل أنه كان في صدر الإسلام ممنوعاً من الصلاة على من عليه دين وهو مسلم ، فلعله كانت عليها تبعات غير الكفر فمنع من الاستغفار لها بسببها والجواب الأول أقعد وهذا تأويل في الجملة ثم رأيت طريقاً أخرى للحديث مثل لفظ رواية معمر وأزيد وضوحاً وذلك أنه صرح فيه بأن السائل أراد أن يسأل عن أبيه صلى الله عليه وسلّم فعدل عن ذلك تجملاً وتأدباً . فأخرج الحاكم في المستدرك وصححه عن لقيط بن عامر ( أنه خرج وافداً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه نهيك بن عاصم بن مالك بن المنتفق فقال : قدمنا المدينة لانسلاخ رجب فصلينا معه صلاة الغداة فقام رسول الله صلى الله عليه وسلّم في الناس خطيباً فذكر الحديث إلى أن قال فقلت يا رسول الله هل أحد ممن مضى منا في جاهلية من خير ؟ فقال رجل من عرض قريش أن أباك المنتفق في النار فكأنه وقع حربين جلد وجهي ولحمي مما قال لأبي على رؤوس الناس فهممت أن أقول وأبوك يا رسول الله ثم نظرت فإذا الأخرى أجمل فقلت وأهلك يا رسول الله فقال : ما أتيت عليه من قبر قرشي أو عامري مشرك فقل أرسلني إليك محمد فأبشر بما يسوءك ) هذه رواية لا إشكال فيها وهي أوضح الروايات وأبينها .(2/215)
"""""" صفحة رقم 216 """"""
تقرير آخر : ما المانع أن يكون قول السائل فأين أبوك ؟ وقوله صلى الله عليه وسلّم في حديث أنس أن أبي إن ثبت المراد به عمه أبو طالب لا أبوه عبد الله ؟ [ كما ] قال بذلك الإمام فخر الدين في أبي إبراهيم أنه عمه وقد تقدم نقله عن ابن عباس ، ومجاهد ، وابن جريج ، والسدي ويرشحه هنا أمران الأول : أن إطلاق ذلك على أبي طالب كان شائعاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلّم ولذا كانوا يقولون له قل لابنك يرجع عن شتم آلهتنا ، وقال لهم أبو طالب مرة لما قالوا له أعطنا ابنك نقتله وخذ هذا الولد مكانه أعطيكم ابني تقتلونه وآخذ ابنكم أكفله لكم ، ولما سافر أبو طالب إلى الشام ومعه النبي صلى الله عليه وسلّم نزل له بحيرا فقال له ما هذا منك ؟ قال هو ابني فقال : ما ينبغي لهذا الغلام أن يكون أبوه حياً ، فكانت تسمية أبي طالب أباً للنبي صلى الله عليه وسلّم شائعة عندهم لكونه عمه وكونه رباه وكفله من صغره ، وكان يحوطه ويحفظه وينصره فكان مظنة السؤال عنه . والأمر الثاني : أنه وقع في حديث يشبه هذا ذكر أبي طالب في ذيل القصة أخرج الطبراني عن أم سلمة ( أن الحارث بن هشام أتى النبي صلى الله عليه وسلّم يوم حجة الوداع فقال : يا رسول الله إنك تحث على صلة الرحم والإحسان إلى الجار وإيواء اليتيم وإطعام الضيف وإطعام المسكين وكل هذا كان يفعله هشام بن المغيرة فما ظنك به يا رسول الله ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : كل قبر لا يشهد صاحبه أن لا إله إلا الله فهو جذوة من النار وقد وجدت عمي أبا طالب في طمطام من النار فأخرجه الله لمكانه مني وإحسانه إلي فجعله في ضحضاح من النار ) .
تنبيه : قد استراح جماعة من هذه الأجوبة كلها وأجابوا عن الأحاديث الوادرة [ فيهما بأنها منسوخة كما أجابوا بذلك عن الأحاديث الواردة ] في أطفال المشركين أنهم في النار وقالوا : الناسخ لأحاديث أطفال المشركين قوله تعالى : ) ولا تزر وازرة وزر أخرى ( ولأحاديث الأبوين قوله تعالى : ) وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ( ومن اللطائف كون الجملتين في الفريقين مقترنتين في آية واحدة متعاطفتين متناسقتين في النظم ، وهذا الجواب مختصر مفيد يغني عن كل جواب إلا أنه إنما يتأتى على المسلك الأول دون الثاني كما هو واضح فلهذا احتجنا إلى تحرير الأجوبة عنها على المسلك الثاني .
تتمة : قد ثبت في الحديث الصحيح أن أهون أهل النار عذاباً أبو طالب وأنه في ضحضاح من النار في رجليه نعلان يغلي منهما دماغه ، وهذا مما يدل على أن أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم ليسا في النار لأنهما لو كانا فيها لكانا أهون عذاباً من أبي طالب لأنهما أقرب منه مكاناً وأبسط عذراً ، فإنهما لم يدركا البعثة ولا عرض عليهما الإسلام فامتنعا بخلاف أبي طالب ، وقد أخبر الصادق المصدوق أنه أهون أهل النار عذاباً فليس أبواه من أهلها ، وهذا يسمى عند أهل الأصول دلالة الإشارة .
نصب ميدان جدلي : المجادلون في هذا الزمان كثير خصوصاً في هذه المسألة وأكثرهم ليس لهم معرفة بطرق الاستدلال فالكلام معهم ضائع ، غير أني أنظر الذي يجادل وأكلمه بطريقة تقرب من ذهنه ، فإنه أكثر ما عنده أن يقول الذي ثبت في صحيح مسلم يدل على(2/216)
"""""" صفحة رقم 217 """"""
خلاف ما تقول ، فإن كان الذي يجادل بذلك من أهل مذهبنا شافعي المذهب أقول له : قد ثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم لم يقرأ في الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وأنت لا تصحح الصلاة بدون البسملة ، وثبت في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلّم قال : ( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه فإذا ركع فاركعوا وإذا رفع فارفعوا وإذا قال سمع الله لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد وإذا صلى جالساً فصلوا جلوساً أجمعون ) . وأنت إذا قال الإمام سمع الله لمن حمده تقول سمع الله لمن حمده مثله ، وإذا صلى جالساً لعذر وأنت قادر تصلي خلفه قائماً لا جالساً ، وثبت في الصحيحين في حديث التيمم : ( إنما يكفيك أن تقول بيديك هكذا ثم ضرب بيديه ضربة واحدة ومسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه ) وأنت لا تكتفي في التيمم بضربة واحدة ولا بالمسح إلى الكوعين فكيف خالفت الأحاديث التي ثبتت في الصحيحين أو أحدهما ؟ فلا بد إن كانت عنده رائحة من العلم أن يقول قامت أدلة أخرى معارضة لهذه فقدمت عليها . فأقول له : وهذا مثله لا يحتج عليه إلا بهذه الطريقة فإنها ملزمة له ولأمثاله ، وإن كان المجادل مالكي المذهب أقول له : قد ثبت في الصحيحين ( البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ) وأنت لا تثبت خيار المجلس ، وثبت في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلّم توضأ ولم يمسح كل رأسه وأنت توجب في الوضوء مسح كل الرأس فكيف خالفت ما ثبت في الصحيح ؟ فيقول قامت أدلة أخرى معارضة له فقدمت عليه . فأقول له : وهذا مثله ، وإن كان المجادل حنفي المذهب أقول له : قد ثبت في الصحيح ( إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعاً ) وأنت لا تشترط في النجاسة الكلبية سبعاً وثبت في الصحيحين : ( لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب ) وأنت تصحح الصلاة بدونها وثبت في الصحيحين : ( ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائماً ) وأنت تصحح الصلاة بدون الطمأنينة في الاعتدال وصح في الحديث : ( إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثاً ) وأنت لا تعتبر القلتين وصح في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلّم باع المدبر وأنت لا تقول ببيع المدبر خالفت هذه الأحاديث الصحيحة ؟ فيقول قامت أدلة أخرى معارضة لها تقدمت عليها . فأقول له : وهذا مثله ، وإن كان المجادل حنبلي المذهب أقول له : قد ثبت في الصحيحين : ( من صام يوم الشك فقد عصى أبا القاسم ) وثبت فيهما ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ) وأنت تقول بصيام يوم الشك فكيف خالفت ما ثبت في الصحيحين ؟ فيقول قامت أدلة أخرى معارضة له تقدمت عليه فأقول له : وهذا مثله .
هذا أقرب ما يقرب به لأذهان الناس اليوم ، وإن كان المجادل مما يكتب الحديث ولا فقه عنده يقال له : قد قالت الأقدمون المحدث بلا فقه كعطار غير طبيب فالأدوية حاصلة في دكانه ولا يدري لماذا تصلح والفقيه بلا حديث كطبيب ليس بعطار يعرف ما تصلح له الأدوية إلا أنها ليست عنده ، وإني بحمد الله قد اجتمع عندي الحديث ، والفقه ، والأصول ، وسائر الآلات من العربية ، والمعاني ، والبيان ، وغير ذلك ، فأنا أعرف كيف أتكلم وكيف(2/217)
"""""" صفحة رقم 218 """"""
أقول وكيف أستدل وكيف أرجح ، وأما أنت يا أخي وفقني الله وإياك فلا يصلح لك ذلك لأنك لا تدري الفقه ولا الأصول ولا شيئاً من الآلات والكلام في الحديث والاستدلال به ليس بالهين ، ولا يحل الإقدام على التكلم فيه لمن يجمع هذه العلوم فاقتصر على ما آتاك الله وهو أنك إذا سئلت عن حديث تقول ورد أو لم يرد وصححه الحفاظ وحسنوه وضعفوه ، ولا يحل لك في الإفتاء سوى هذا القدر وخل ما عدا ذلك لأهله .
لا تحسب المجد تمراً أنت آكله
لن تبلغ المجد حتى تلعق الصبرا
وثم أمر آخر أخاطب به كل ذي مذهب من مقلدي المذاهب الأربعة وذلك أن مسلماً روى في صحيحه عن ابن عباس أن الطلاق الثلاث كان يجعل واحدة في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، وأبي بكر ، وصدراً من إمارة عمر . فأقول لكل طالب علم : هل تقول أنت بمقتضى هذا الحديث وأن من قال لزوجته أنت طالق ثلاثاً تطلق واحدة فقط ؟ فإن قال نعم أعرضت عنه وإن قال لا أقول له : فكيف تخالف ما ثبت في صحيح مسلم ؟ فإن قال لما عارضه أقولم له : فاجعل هذا مثله والمقصود من سياق هذا كله أنه ليس كل حديث في صحيح مسلم يقال بمقتضاه لوجود المعارض له .
المسلك الثالث : أن الله أحيا له أبويه حتى آمنا به . وهذا المسلك مال إليه طائفة كثيرة من حفاظ المحدثين وغيرهم . منهم ابن شاهين ، والحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي ، والسهيلي ، والقرطبي ، والمحب الطبري ، والعلامة ناصر الدين بن المنير ، وغيرهم واستدلوا لذلك بما أخرجه ابن شاهين في الناسخ والمنسوخ ، والخطيب البغدادي في السابق واللاحق ، والدارقطني ، وابن عساكر كلاهما في غرائب مالك بسند ضعيف عن عائشة قالت : حج بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم حجة الوداع فمر بي على عقبة بالحجون وهو باك حزين مغتم فنزل فمكث عني طويلاً ثم عاد إليّ وهو فرح متبسم فقلت له فقال ذهبت لقبر أمي فسألت الله أن يحييها فأحياها فآمنت بي وردها الله هذا الحديث ضعيف باتفاق المحدثين بل قيل إنه موضوع لكن الصواب ضعفه لا وضعه ، وقد ألفت في بيان ذلك جزءاً مفرداً ، وأورد السهيلي في الروض الأنف بسند قال : إن فيه مجهولين عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم سأل ربه أن يحيي أبويه فأحياهما له فآمنا به ثم أماتهما ، وقال السهيلي بعد إيراده : الله قادر على كل شيء وليس تعجز رحمته وقدرته عن شيء ونبيه صلى الله عليه وسلّم أهل أن يختص بما شاء من فضله وينعم عليه بما شاء من كرامته ، وقال القرطبي : لا تعارض بين حديث الإحياء وحديث النهي عن الاستغفار ، فإن إحياءهما متأخر عن الاستغفار لهما بدليل حديث عائشة أن ذلك كان في حجة الوداع ولذلك جعله ابن شاهين ناسخاً لما ذكر من الأخبار ، وقال العلامة ناصر الدين بن المنير المالكي في كتاب المقتفى في شرف المصطفى : قد وقع لنبينا صلى الله عليه وسلّم إحياء الموتى نظير ما وفع لعيسى ابن مريم إلى أن قال : وجاء في حديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم لما منع من الاستغفار للكفار دعا الله أن يحيي له أبويه فأحياهما له فآمنا به وصدقا وماتا مؤمنين ، وقال القرطبي : فضائل النبي صلى الله عليه وسلّم لم تزل وتتتابع إلى حين مماته فيكون(2/218)
"""""" صفحة رقم 219 """"""
هذا مما فضله الله به وأكرمه ، قال : وليس إحياؤهما وإيمانهما به يمتنع عقلاً ولا شرعاً فقد ورد في القرآن إحياء قتيل بني إسرائيل وإخباره بقاتله وكان عيسى عليه السلام [ يحيي الموتى وكذلك نبينا صلى الله عليه وسلّم ] أحيا الله على يديه جماعة من الموتى قال : وإذا ثبت هذا فما يمتنع من إيمانهما بعد إحيائهما زيادة كرامة في فضيلته ، وقال الحافظ فتح الدين بن سيد الناس في سيرته بعد ذكر قصة الإحياء : والأحاديث الواردة في التعذيب ، وذكر بعض أهل العلم في الجمع بين هذه الروايات ما حاصله أن النبي صلى الله عليه وسلّم لم يزل راقياً في المقامات السنية صاعداً في الدرجات العلية إلى أن قبض الله روحه الطاهرة إليه وأزلفه بما خصه به لديه من الكرامة حين القدوم عليه ، فمن الجائز أن تكون هذه درجة حصلت له صلى الله عليه وسلّم بعد أن لم تكن وأن يكون الإحياء والإيمان متأخراً عن تلك الأحاديث فلا تعارض انتهى ، وقد أشار إلى ذلك بعض العلماء فقال بعد إيراده خبر حليمة وما أسداه صلى الله عليه وسلّم إليها حين قدومها عليه :
هذا جزاء الأم عن إرضاعه
لكن جزاء الله عنه عظيم
وكذاك أرجو أن يكون لأمه
عن ذاك آمنة يد ونعيم
ويكون أحياها الإله وآمنت
بمحمد فحديثها معلوم
فلربما سعدت به أيضاً كما
سعدت به بعد الشقاء حليم
وقال الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في كتابه المسمى مورد الصادي في مولد الهادي بعد إيراد الحديث المذكور منشداً لنفسه :
حبا الله النبي مزيد فضل
على فضل وكان به رؤوفا
فأحيا أمه وكذا أبوه
لإيمان به فضلاً لطيفا
فسلم فالقديم بذا قدير
وإن كان الحديث به ضعيفا
خاتمة : وجمع من العلماء لم تقو عندهم هذه المسالك فأبقوا حديثي مسلم . ونحوهما على ظاهرهما من غير عدول عنها بدعوى نسخ ولا غيره ومع ذلك قالوا : لا يجوز لأحد أن يذكر ذلك ، قال السهيلي في الروض الأنف بعد إيراده حديث مسلم : وليس لنا نحن أن نقول ذلك في أبويه صلى الله عليه وسلّم لقوله : ( لا تؤذوا الأحياء بسب الأموات ) وقال تعالى : ) إن الذين يؤذون الله ورسوله ( الآية ، وسئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية عن رجل قال : إن أبا النبي صلى الله عليه وسلّم في النار فأجاب بأن من قال ذلك فهو ملعون لقوله تعالى : ) إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ( قال : ولا أذى أعظم من أن يقال عن أبيه أنه في النار ، ومن العلماء من ذهب إلى قول خامس وهو الوقف قال الشيخ تاج الدين الفاكهاني في كتابه الفجر المنير : الله أعلم بحال أبويه ، وقال الباجي في شرح الموطأ : قال بعض العلماء : إنه لا يجوز أن يؤذى النبي صلى الله عليه وسلّم بفعل مباح ولا غيره ، وأما غيره من الناس فيجوز أن يؤذى بمباح وليس لنا المنع منه ولا يأثم فاعل المباح وان وصل بذلك أذى إلى غيره ، قال : ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( إذا أراد علي بن أبي طالب أن(2/219)
"""""" صفحة رقم 220 """"""
يتزوج ابنة أبي جهل إنما فاطمة بضعة مني وإني لا أحرم ما أحل الله ولكن والله لا تجتمع ابنة رسول الله وابنة عدو الله عند رجل أبداً ) فجعل حكمهما في ذلك أنه لا يجوز أن يؤذى بمباح واحتج على ذلك بقوله تعالى : ) إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله ( الآيتين فشرط على المؤمنين أن يؤذوا بغير ما اكتسبوا وأطلق الأذى في خاصة النبي صلى الله عليه وسلّم من غير شرط انتهى .
وأخرج ابن عساكر في تاريخه من طريق يحيى بن عبد الملك بن أبي غنية قال : حدثنا نوفل بن الفرات وكان عاملاً لعمر بن عبد العزيز قال : كان رجل من كتاب الشام مأموناً عندهم استعمل رجلاً على كورة الشام وكان أبوه يزن بالمنانية فبلغ ذلك عمر بن عبد العزيز فقال : ما حملك على أن تستعمل رجلاً على كورة من كور المسلمين كان أبوه يزن بالمنانية ؟ قال : أصلح الله أمير المؤمنين وما عليّ كان أبو النبي صلى الله عليه وسلّم مشركاً فقال : عمر آه ثم سكت ثم رفع رأسه فقال : أأقطع لسانه ؟ أأقطع يده ورجله ؟ أأضرب عنقه ؟ ثم قال : لا تلي لي شيئاً ما بقيت ، وقد سئلت أن أنظم في هذه المسألة أبياتاً أختم بها هذا التأليف فقلت :
إن الذي بعث النبي محمداً
أنجى به الثقلين مما يجحف
ولأمه وأبيه حكم شائع
أبداه أهل العلم فيما صنفوا
فجماعة أجروهما مجرى الذي
لم يأته خبر الدعاة المسعف
والحكم فيمن لم تجئه دعوة
أن لا عذاب عليه حكم يؤلف
فبذاك قال الشافعية كلهم
والأشعرية ما بهم متوقف
وبسورة الإسراء فيه حجة
وبنحو ذا في الذكر آي تعرف
ولبعض أهل الفقه في تعليله
معنى أرق من النسيم وألطف
ونحا الإمام الفخر رازي الورى
منحى به للسامعين تشنف
إذ هم على الفطرة التي ولدوا ولم
يظهر عناد منهم وتخلف
قال الأولى ولدوا النبي المصطفى
كل على التوحيد إذ يتحنف
من آدم لأبيه عبد الله ما
فيهم أخو شرك ولا مستنكف
فالمشركون كما بسورة توبة
تجس وكلهم بطهر يوصف
وبسورة الشعراء فيه تقلب
في الساجدين فكلهم متحنف
هذا كلام الشيخ فخر الدين في
أسراره هطلت عليه الذرف
فجزاه رب العرش خير جزائه
وحباه جنات النعيم تزخرف
فلقد تدين في زمان الجاهلية
فرقة دين الهدى وتحنفوا(2/220)
"""""" صفحة رقم 221 """"""
زيد بن عمرو وابن نوفل هكذا الصديق
ما شرك عليه يعكف
قد فسر السبكي بذاك مقالة
للأشعري وما سواه مزيف
إذ لم تزل عين الرضا منه على الصديق
وهو بطول عمر أحنف
عادت عليه صحبة الهادي فما
في الجاهلية بالضلالة يقرف
فلأمه وأبوه أحرى سيما
ورأت من الآيات ما لا يوصف
وجماعة ذهبوا إلى إحيائه
أبويه حتى آمنا لا خوفوا
وروى ابن شاهين حديثاً مسنداً
في ذاك لكن الحديث مضعف
هذي مسالك لو تفرد بعضها
لكفى فكيف بها إذا تتألف
وبحسب من لا يرتضيها صمته
أدباً ولكن أين من هو منصف
صلى الإله على النبي محمد
ما جدد الدين الحنيف محنف
حديث متعلق بهما : قال البيهقي في شعب الإيمان : أخبرنا أبو الحسين بن بشران أنا أبو جعفر الرزاز ثنا يحيى بن جعفر أنا زيد بن الحباب أنا يس بن معاذ ثنا عبد الله بن قريد عن طلق بن علي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( لو أدركت والديّ أو أحدهما وأنا في صلاة العشاء وقد قرأت فيها بفاتحة الكتاب تنادي يا محمد لأجبتها لبيك ) قال البيهقي : يس بن معاذ ضعيف .
فائدة : قال الأزرقي في تاريخ مكة : حدثنا محمد بن يحيى عن عبد العزيز بن عمران عن هشام بن عاصم الأسلمي قال : لما خرجت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلّم في غزوة أحد فنزلوا بالأبواء قالت هند ابنة عتبة لأبي سفيان بن حرب : لو بحثتم قبر آمنة أم محمد فإنه بالأبواء فإن أسر أحدكم افتديتم به كل إنسان بارب من آرابها فذكر ذلك أبو سفيان لقريش فقالت قريش : لا تفتح علينا هذا الباب إذا تبحث بنو بكر موتانا .
فائدة : من شعر عبد الله والد رسول الله صلى الله عليه وسلّم أورده الصلاح الصفدي في تذكرته :
لقد حكم السارون في كل بلدة
بأن لنا فضلاً على سادة الأرض
وإن أبي ذو المجد والسؤدد الذي
يشار به ما بين نشز إلى خفض
وجد وآباء له اثلوا العلا
قديماً بطيب العرق والحسب المحض
فائدة : قال الإمام موفق الدين بن قدامة الحنبلي في المقنع : ومن قذف أم النبي صلى الله عليه وسلّم قتل مسلماً كان أو كافراً .(2/221)
"""""" صفحة رقم 222 """"""
الفتاوي المتعلقة بالتصوف
مسألة : فيما نقله الحافظ أبو نعيم في الحلية عن أبي عبد الله محمد بن الوراق لما سئل عن أشياء فعد منها بأن قال : من اكتفى بالفقه دون الزهد يفسق فما معنى ذلك وما هو الزهد الذي يكتفي بالفقه دونه ؟ وهل الفقيه إذا اكتفى بالفقه وخرج من الخلاف هل يعد هذا من الزهد الذي عناه الشيخ هنا ؟ .
الجواب : هذا كلام رجل صوفي تكلم بحسب مقامة فإن الخواص يطلقون لفظ الكفر والفسق على ما لا يطلقه الفقهاء كما قال بعض السلف : حسنات الأبرار سيئات المقربين فأطلق على الحسنات سيئات بالنسبة إلى عليّ مقامهم ، وكما قال ابن الفارض رضي الله عنه :
وإن خطرت لي في سواك إرادة
على خاطري سهواً قضيت بردتي
ومعلوم أن هذا ليس بردّة حقيقية ، ومن هذا النمط قول الصوفيه : إن الغيبة تفطر الصائم فكل هذا من طريقة الخواص يلزمون أنفسهم بما لا يلزم العامة .
مسألة : في جماعة صوفية اجتمعوا في مجلس ذكر ثم أن شخصاً من الجماعة قام من المجلس ذاكراً واستمر على ذلك لوارد حصل له فهل له فعل ذلك سواء كان باختياره أم لا وهل لأحد منعه وزجره عن ذلك ؟ .
الجواب : لا إنكار عليه في ذلك . وقد سئل عن هذا السؤال بعينه شيخ الإسلام سراج الدين البلقيني فأجاب بأنه لا إنكار عليه في ذلك وليس لمانع التعدي بمنعه ويلزم المتعدي بذلك التعزير . وسئل عنه العلامة برهان الدين الأبناسي فأجاب بمثل ذلك وزاد أن صاحب الحال مغلوب والمنكر محروم ما ذاق لذة التواجد ولا صفا له المشروب إلى أن قال في آخر جوابه : وبالجملة فالسلامة في تسليم حال القوم ، وأجاب أيضاً بمثل ذلك بعض أئمة الحنفية ، والمالكية كلهم كتبوا على هذا السؤال بالموافقة من غير مخالفة .
أقول : وكيف ينكر الذكر قائماً والقيام ذاكراً وقد قال الله تعالى : ) الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ( وقالت عائشة رضي الله عنها : كان النبي صلى الله عليه وسلّم يذكر الله على كل أحيانه ، وإن انضم إلى هذا القيام رقص أو نحوه فلا إنكار عليهم فذلك من لذات الشهود أو الموجيد ، وقد ورد في الحديث رقص جعفر بن أبي طالب بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم لما قال له : اشبهت خلقي وخلقي وذلك من لذة هذا الخطاب ولم ينكر ذلك عليه النبي صلى الله عليه وسلّم فكان هذا أصلاً في رقص الصوفية لما يدركونه من لذات المواجيد ، وقد صح(2/222)
"""""" صفحة رقم 223 """"""
القيام والرقص في مجالس الذكر والسماع عن جماعة من كبار الأئمة منهم شيخ الإمام عز الدين بن عبد السلام .
مسألة : في قول الشيخ أبي العباس المرسي في حزبه : إلهي معصيتك نادتني بالطاعة وطاعتك نادتني بالمعصية ففي أيهما أخافك وفي أيهما أرجوك ؟ إن قلت بالمعصية قابلتني بفضلك فلم تدع لي خوفاً ، وإن قلت بالطاعة قابلتني بعدلك فلم تدع لي رجاءً ، فليت شعري كيف أرى إحساني مع إحسانك ؟ أم كيف أجهل فضلك مع عصيانك ؟ ق ج سران من سرك وكلاهما دالان على غيرك فبالسر الجامع الدال عليك لا تدعني لغيرك على كل شيء قدير .
الجواب : حسبما ظهر قوله إلهي معصيتك نادتني بالطاعة يعني لما يتسبب عنها من الندم والخوف والانكسار والذل ورجاء التوبة والاعتراف بالتقصير ونزول المرتبة ، وطاعتك نادتني بالمعصية لما قد ينشأ عنها من أضداد ذلك ومن مخالطة العجب والرياء ، وفي معنى ذلك ما أخرجه أبو الشيخ بن حيان في كتاب الثواب عن كليب الجهني عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : قال الله عز وجل ( لولا أن الذنب خير لعبدي المؤمن من العجب ما خليت بين عبدي المؤمن وبين الذنب ) ، وما أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من حديث أبي هريرة مرفوعاً : ( لولا أن المؤمن من يعجب بعمله لعصم من الذنب حتى لا يهم به ولكن الذنب خير له من العجب ) ، وما أخرجه أبو نعيم وغيره من حديث أنس ، وأبي سعيد مرفوعاً : ( لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم ما هو أكير من ذلك العجب العجب ) . وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء ، وأبو نعيم في الحلية من حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم عن جبريل يقول الله : وإن من عبادي المؤمنين لمن يسألني الباب من العبادة فاكفه أن لا يدخله عجب فيفسده ذلك ذكره في أثناء حديث طويل ، وأيضاً فالطاعة قد تكون مذمومة لنقصانها بتخلف أمور ينبغي أن لا يتخلف عنها كالذكر ينبغي أن يقارنه حضور القلب ولهذا قال بعض الأولياء : استغفارنا يحتاج إلى استغفار ، وكالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ينبغي أن يقارنه الإئتمار والإنتهاء ، ولهذا قال تعالى في معرض الإنكار والتوبيخ : ) أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ( في أحاديث كثيرة في ذم من أمر بالمعروف ولم يأتمر به ونهى عن المنكر ولم ينته عنه ، وكالصلاة ينبغي أن تكون ناهية عن الفحشاء والمنكر كما وصفها الله تعالى بذلك ، وكالصوم ينبغي أن ينزه عن الغيبة ونحوها كما قال عليه الصلاة والسلام : ( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ) إلى غير ذلك من أفراد الطاعات التي لا تحمد ما لم تبلغ رتبة الكمال وتخلص من شوائب النقصان ، قوله : إن قلت بالمعصية قابلتني بفضلك أي ذكرتني فضلك وسعة رحمتك ومغفرتك فلم تدع لي خوفاً وفتحت لي أبواب الرجاء ، في الحديث : ( لولا أنكم تذنبون لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم ) إلى غير ذلك من الأحاديث في هذا المعنى . قوله : وإن قلت بالطاعة قابلتني بعدلك أي ذكرتني ما لي من الذنوب وما في طاعتي من التقصير الذي يكاد أن(2/223)
"""""" صفحة رقم 224 """"""
يمنعها من الأعتداد بها فضلاً عن تكفير الخواتم . قوله : فلم تدع لي رجاء لاتساع الخوف حينئذ علي في الحديث أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى أن يموت هرماً في مرضات الله لخفره يوم القيامة . قوله : فليت شعري كيف أرى إحساني مع إحسانك أي كيف أعده إحساناً يستوجب الجزاء مع أن اقداري عليه إحسان منك ونعمة تستوجب الشكر والمزيد في العمل ، وكل ما وقع من شيء من ذلك فالأمر فيه كذلك وهلم جراً مع مزيد الإحسان وجزيل الإفضال الخارج عن ذلك وهذه الجملة تناسب جملة الخوف ، قوله : أم كيف أجهل فضلك بالحلم والإمهال والإنعام مع عصياني لك ؟ وهذه الجملة تناسب جملة الرجاء ، قوله : ق ج سران من سرك الظاهر والله أعلم أنه أخذ هذين الحرفين من وصفين من صفاته تعالى كما هو رواية عن ابن عباس في أوائل السور آلم . وطس . وق . ون . وص أنها حروف مقطعة من أسماء الله تعالى ، وفي رواية أنها من الاسم الأعظم ، وعن الشعبي أنها من أسرار الله تعالى ، فالقاف مأخوذة من قدير أو مقتدر ، والجيم من جواد وكلاهما مناسبان لما تقدم من الخوف والرجاء ، فالخوف يناسبه القدرة أو الاقتدار ، والرجاء يناسبه الجود ، قوله : وكلاهما دالان على غيرك يحتمل أمرين : أحدهما أن المراد أن لهما تعلقاً بالغير فإن القدرة تتعلق بمقدور والاقتدار عليه والجود بمتقضل عليه .
الثاني : أن المراد أنه يجوز شرعاً أن يوصف بهما غيره تعالى وأن يطلقا عليه ولذا قال عقبه : فبالسر الجامع الدال عليك أي بالاسم الخاص بك وهو الله فإنه لا تعلق له بالغير ، ولا يجوز أن يسمى به غيره تعالى وهو الاسم الأعظم فيما روى عن غير واحد من السلف وهو الدال على الذات وهو الجامع لجميع الصفات بخلاف سائر الأسماء فإنها خاصة بالوصف بمدلولها ، قوله : لا تدعني لغيرك بل اجعلني لك عبادتي ودعائي وخوفي ورجائي وتوجهي وحركاتي وسكناتي ، هذا ما ظهر ، ثم رأيت بعد ذلك كلاماً للشهاب أحمد بن عبد الواحد بن الميلق على هذا الفصل قال : قول الأستاذ يعني أبا العباس المرسي رضي الله عنه إلهي معصيتك نادتني بالطاعة يحتمل والله أعلم أن يكون مشيراً إلى أنه سبق تعلق علمك بها وقدرتك بإيجادها وإرادتك بتخصيصها ، فتعين وجودها على حسب تعلق العلم والقدرة والإدارة تعييناً لزومياً للعبد ضرورة بطلان تعلق العلم وتبدله جهلاً ، وتعلق القدرة وتبدلها عجزاً ، وتعلق الإرادة وتبدلها قسراً ، فليس إلا وقوع هذا المقتضى على حسب سابق القضاء فأنى يمكن العبد الحول عنها ووقوعها منه حتماً عدلاً من القهار لا ظلماً ، فلهذا كانت منادية عليه بالطاعة أي بالدخول تحت مجاري القهر استسلاماً للقهار كما قال جل وعلا : ) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائيتا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين ( فهذه الطاعة المشار إليها في كلام الأستاذ والله أعلم ، وسيأتي بيان أنها مجاز في تلو هذا الكلام . وقوله رضي الله عنه : وطاعتك نادتني بالمعصية يحتمل والله أعلم أن يكون مشيراً إلى ما سبق تعلق العلم والقدرة والإرادة كما ذكرنا بدأ بالطاعة التي جرت على(2/224)
"""""" صفحة رقم 225 """"""
يد العبد فكان الحق وقوعها والباطل امتناعها لما تقدم بيانه ، هذا مع أن العبد يرى أنه قد أطاع وما خالف فيكون منادياً على نفسه بلسان حال رؤيته طاعته مولاه بدعوى القدرة على المخالفة في حال الإطاعة حقيقة فعدل عن المخالفة للطاعة فأطاع ، وإذا كان بهذه الحالة في حال جريان الفضل المقدور المسمى بالطاعة فهو في عين المعصية ، فتبين من هنا أن نسبة الطاعة له مجاز كنسبتها للسموات والأرض وقد فهم الغرض إن شاء الله ، ومن هذا الموطن يفهم معنى قوله عز وجل لسيد خلقه عليه أفضل الصلاة والسلام : ) ليس لك من الأمر شيء ( وقوله تعالى أيضاً له صلى الله عليه وسلّم : ) وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ( ، ثم قال : ففي أيهما [ أخافك وفي أيهما ] أرجوك إن قلت بالمعصية قابلتني بفضلك فلم تدع لي خوفاً أو قلت بالطاعة قابلتني بعدلك فلم تدع لي رجاءً يريد والله أعلم إن رأيت معصيتي لك مني حيث الأدب الشرعي قام الخوف بي منك فاطفأه وارد الفضل منك عليّ بإشهادي الحقيقة من لدنك ) لو شئنا لآتينا كل نفس هداها ( فينزهق الخوف هنا ، وقوله رضي الله عنه : وإن قلت بالطاعة قابلتني بعدلك فلم تدع لي رجاءً يريد والله أعلم وإن رأيت طاعتي مني لك من حيث النسب الشرعي قام الرجاء بي فأفناه وارد العدل منك علي بإشهادي الحقيقة من لدنك ) وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة سبحان الله تعالى عما يشركون (
وإذ قد تقرر هذا فلتعلم أن للفضل تعلقات وللعدل تعلقات وكلاهما دالان على غناه عن كل شيء ، فمن تعلقات فضله ما يعامل به من عصاه من ستر وبر وعطف ولطف وحنان وإحسان وجود وبسط يد الرحمة للعاصي من غير حدود ، ومن متعلقات عدله ما يعامل به من أطاعه من قبض في الرزق ودحوض بين الخلق وضعف في الجسد وقلة حظ في الأهل والمال والبلد والإخوان والأخدان والولد .
وإذ قد تبين هذا فاعلم أن مقابلة العاصي بأثر من آثار الفضل في حال عصيانه بما يزيل عنه الخوف ، ومقابلة الطائع بأثر من آثار العدل في حال طاعته ربما يزيل عنه الرجاء وذلك لأنه لا بد له من ورود أثر الفضل على سلامة العاقبة ، ولا بد له من ورود أثر العدل على عطب العاقبة ، وإذا كان الأمر كذلك وقع الإيهام على الخلق فجاء المراد بقوله تعالى : ) وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه ( وهو رؤية الأشياء منه حقيقة مع التبري من الحول والقوة منها حقيقة ورد الأشياء اللائقة بالنسب للعباد كسباً شريعة مع الانسلاخ عن لحوظ الحظوظ توكلاً عليه واستسلاماً إليه وفناءً له بين يديه ، وهذا مقتضى العبودية والعبادة في ضمن ما أشار الأستاذ إليه حسب فهمي عنه في هذا القول ، والله أسأل المغفرة وهو حسبي ونعم الوكيل .
ثم بعد مدة رأيت فائدة :
لقد رمز الأشياخ سراً مكتما
عن القاف لم يبدوا لها أبداً حلا
يقولون عند القاف قف لترى الذي
أردناه لا تبغي به بدلاً أصلا(2/225)
"""""" صفحة رقم 226 """"""
وسئل عن ذلك الشيخ عبد السلام البغدادي فأجاب :
يريدون قاف الرق يا ذا النهى فكن
بمقصودهم كي تدرك العلم والفضلا
ففي الخبر المشهور هم يزعمون من
درى نفسه فهو الذي عرف المولى
دراها برق وانكسار وذلة
وخالقه رب له المثل الأعلى
وقد جاء في نص القرآن دليلهم
هي المبتغى من خلقه حقق النقلا
بآخر آي الذاريات تراهم
بتأويلهم كي يعرفوا حبذا وصلا
ثلثمائة علم لمن شاء فهمها
من الراء والقاف اجعلن ذلك الأصلا
منازل سير السالكين تعدها
بأقسام عشر فاجعلن مائة عدلا
فأولها باب الإتابة يا فتى
وآخرها التوحيد والمطلب الأعلى
ثلاث علوم من طباق أتى بها
هو الشيخ عبد الله جاد بها نقلا
عوام خواص ثم خاص خواصها
فكن أوحدياً عارفاً راتعاً فحلا
فهذا جواب من فقير محصل
وطالب فهم ألهم الرمز والحلا
وموله دار السلام واسمه
بعيد السلام مصلاكم نازلاً حلا
إلى العالم النحرير نعمان ينتمي
إمام الهدى والفقه كم مشكل حلا
وأجاب سيدي محمد بن سلطان العزي رحمه الله تعالى ونفعنا الله ببركاته :
أيا سائلاً عن سر رمز مكتم
توقف فذا قاف غدا فاؤه أصلا
بشير بمحمول لعين وحاؤه
بموجع مبسوط له مورداً أصلا
وكبراه قد أبدى نتيجة داله
وصغراء محذور لقد حقق الوصلا
هيولاؤه وافى بشكل مثمن
وتسديس ذاك الشكل جهراً لقد أملى
وآخره جيم فراء بأوجها
حضيض لصاد سينه حرر النقلا
فهذا جواب من فقير جويهل
مسيء جريء أكثر النوم والأكلا
دعى بابن سلطان محمد في الورى
وخادم فتى كيلان ذي النسب الأعلى
القول الأشبه في حديث من عرف نفسه فقد عرف ربه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وبعد فقد كثر السؤال عن معنى الحديث الذي اشتهر على الألسنة من عرف نفسه فقد عرف ربه وربما فهم منه معنى لا صحة له(2/226)
"""""" صفحة رقم 227 """"""
وربما نسب إلى قوم أكابر فرقمت في هذه الكراسة ما يبين الحال ويزيل الإشكال وفيه مقالات : المقال الأول : إن هذا الحديث ليس بصحيح وقد سئل عنه النووي في فتاويه فقال إنه ليس بثابت ، وقال ابن تيمية موضوع ، وقال الزركشي في الأحاديث المشتهرة : ذكر ابن السمعاني أنه من كلام يحيى بن معاذ الرازي .
المقال الثاني : في معناه قال النووي في فتاويه : معناه من عرف نفسه بالضعف والافتقار إلى الله والعبودية له عرف ربه بالقوة والربوبية والكمال المطلق والصفات العلى ، وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطائف المنن : سمعت شيخنا أبا العباس المرسي يقول : في هذا الحديث تأويلان : أحدهما : أي من عرف نفسه بذلها وعجزها وفقرها عرف الله بعزه وقدرته وغناه فتكون معرفة النفس أولاً ثم معرفة الله من بعد . والثاني : أن من عرف نفسه فقد دل ذلك منه على أنه عرف الله من قبل ، فالأول حال السالكين والثاني حال المجذوبين . وقال أبو طالب المكي في قوت القلوب : معناه إذا عرفت صفات نفسك في معاملة الخلق وأنك تكره الاعتراض عليك في أفعالك وأن يعاب عليك ما تصنعه عرفت منها صفات خالقك وأنه يكره ذلك فارض بقضائه وعامله بما تحب أن تعامل به . وقال الشيخ عز الدين : قد ظهر لي من سر هذا الحديث ما يجب كشفه ويستحسن وصفه وهو أن الله سبحانه وتعالى وضع هذه الروح الروحانية في هذه الجثة الجثمانية لطيفة لاهوتية موضوعة في كتيفة ناسوتية دالة على وحدانيته وربانيته .
ووجه الاستدلال بذلك من عشرة أوجه : الأول : أن هذا الهيكل الإنساني لما كان مفتقراً إلى مدبر ومحرك وهذه الروح مدبرة ومحركة علمنا أن هذا العالم لا بد له من مدبر ومحرك .
الوجه الثاني : لما كان مدبر الهيكل واحداً وهو الروح علمنا أن مدبر هذا العالم واحداً لا شريك له في تدبيره ولا جائز أن يكون له شريك في ملكه قال الله تعالى : ) لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ( وقال تعالى : ) لو كان معه آلهة كما يقولون إذاً لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً سبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً ( وقال تعالى : ) وما كان معه من إله إذاً لذهب كل إله بما خلق ولعلا بعضهم على بعض سبحان الله عما يصفون ( .
الوجه الثالث : لما كان هذا الجسد لا يتحرك إلا بإرادة الروح وتحريكها له علمنا أنه مريد لما هو كائن في كونه لا يتحرك متحرك بخير أو شر إلا بتقديره وإرادته وقضائه .
الوجه الرابع : لما كان لا يتحرك في الجسد شيء إلا بعلم الروح وشعورها به لا يخفى على الروح من حركات الجسد وسكناته شيء علمنا أنه لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء .(2/227)
"""""" صفحة رقم 228 """"""
الوجه الخامس : لما كان هذا الجسد لم يكن فيه شيء أقرب إلى الروح من شيء بل هو قريب إلى كل شيء في الجسد علمنا أنه أقرب إلى كل شيء ليس شيء أقرب إليه من شيء ولا شيء أبعد إليه من شيء ولا بمعنى قرب المسافة لأنه منزه عن ذلك .
الوجه السادس : لما كان الروح موجوداً قبل وجود الجسد ويكون موجوداً بعد عدم الجسد علمنا أنه سبحانه وتعالى موجوداً قبل كون خلقه ، ويكون موجوداً بعد فقد خلقه ما زال ولا يزال وتقدس عن الزوال .
الوجه السابع : لما كان الروح في الجسد لا يعرف له كيفية علمنا أنه مقدس عن الكيفية .
الوجه الثامن : لما كان الروح في الجسد لا يعلم له أينية علمنا أنه منزه عن الكيفية والأينية فلا يوصف بأين ولا كيف بل الروح موجودة في كل الجسد ما خلا منها شيء من الجسد ، وكذلك الحق سبحانه وتعالى موجود في كل مكان ما خلا منه مكان وتنزه عن المكان والزمان .
الوجه التاسع : لما كان الروح في الجسد لا يدرك بالبصر ولا يمثل بالصور علمنا أنه لا تدركه الأبصار ولا يمثل بالصور والآثار ولا يشبه بالشموس والأقمار ) ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ( .
الوجه العاشر : لما كان الروح لا يحس ولا يمس علمنا أنه منزه عن الحس والجسم واللمس والمس ، فهذا معنى قوله من عرف نفسه عرف ربه فطوبى لمن عرف وبذنبه اعترف .
وفي هذا الحديث تفسير آخر وهو أنك تعرف أن صفات نفسك على الضد من صفات ربك ، فمن عرف نفسه بالفناء عرف ربه بالبقاء ، ومن عرف نفسه بالجفاء والخطأ عرف ربه بالوفاء والعطاء ، ومن عرف نفسه كما هي عرف ربه كما هو ، واعلم أنه لا سبيل لك إلى معرفة إياك كما إياك ، فكيف لك سبيل إلى معرفة إياه كما إياه ؟ فكأنه في قوله من عرف نفسه عرف ربه علق المستحيل لأنه مستحيل أن تعرف نفسك وكيفيتها وكميتها ، فإنك إذا كنت لا تطيق بأن تصف نفسك التي هي بين جنبيك بكيفية وأينية ولا بسجية ولا هيكلية ولا هي بمرئية ، فكيف يليق بعبوديتك أن تصف الربوبية بكيف وأين وهو مقدس عن الكيف والأين ؟ في ذلك أقول :
قل لمن يفهم عني ما أقول
قصر القول فذا شرح يطول
هو سر غامض من دونه
ضربت والله أعناق الفحول
أنت لا تعرف إياك ولا
تدر من أنت ولا كيف الوصول
لا ولا تدر صفات ركبت
فيك حارت نفي خفاياها العقول
أين منك الروح في جوهرها
هل تراها فترى كيف تجول
هذه الأنفاس هل تحصرها
لا ولا تدري متى منك تزول(2/228)
"""""" صفحة رقم 229 """"""
أين منك العقل والفهم إذا
غلب النوم فقل لي يا جهول
أنت أكل الخبز لا تعرفه
كيف يجري منك أم كيف تبول
فإذا كانت طواياك التي
بين جنبيك كذا فيها خلول
كيف تدري من على العرش استوى
لا تقل كيف استوى كيف النزول
كيف تجلى الله أم كيف يرى
فلعمري ليس ذا إلا فضول
هو لا كيف ولا أين له
وهو رب الكيف والكيف يحول
وهو فوق الفوق لا فوق له
وهو في كل النواحي لا يزول
جل ذاتاً وصفات وسما
وتعالى قدره عما أقول
وقال القونوي في شرح التعرف : ذكر بعضهم في هذا الحديث أنه من باب التعليق بما لا يكون وذلكم أن معرفة النفس قد سد الشارع بابها لقوله : ) قل الروح من أمر ربي ( فنبه بذلك على أن الإنسان إذا عجز عن إدراك نفسه التي هي من جملة المخلوقات وهي أقرب الأشياء إليه فهو عن معرفة خالقه أعجز ، بل هو عاجز عن إدراك حقيقة قوله وحواسه كسمعه وبصره وشمه وكلامه وغير ذلك ، فإن للناس في كل منها اختلافات ومذاهب لا يحصل الناظر منها على طائل كاختلافهم في أن الأبصار بالانطباع أو بخروج الشعاع ، وأن الشم بتكيف الهواء وبانبثاث الأجزاء من ذي الرائحة ، إلى غير ذلك من الاختلافات المشهورة ، فإذا كان الحال في هذه الأشياء الظاهرة التي يلابسها الإنسان على هذا المنوال فكيف يكون الحال في معرفة الكبير المتعال وقد تحصل مما سقناه في معنى هذا الأثر أقوال والله أعلم .
الخبر الدال على وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم
الحمد لله الذي فاوت بين خلقه في المراتب ، وجعل في كل قرن سابقين بهم يحيي ويميت وينزل الغمام الساكب ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد البدر المنير وعلى آله وأصحابه الهداة الكواكب .
وبعد : فقد بلغني عن بعض من لا علم عنده إنكار ما اشتهر عن السادة الأولياء من أن منهم أبدالاً ونقباء ونجباء وأوتاداً وأقطاباً ، وقد وردت الأحاديث والآثار بإثبات ذلك فجمعتها في هذا الجزء لتستفاد ولا يعول على إنكار أهل العناد وسميته الخبر الدال على(2/229)
"""""" صفحة رقم 230 """"""
وجود القطب والأوتاد والنجباء والأبدال والله الموفق .
فأقول : ورد في ذلك مرفوعاً وموقوفاً من حديث عمر بن الخطاب ، وعلي بن أبي طالب ، وأنس ، وحذيفة بن اليمان ، وعبادة بن الصامت ، وابن عباس ، وعبد الله بن عمر ، وعبد الله بن مسعود ، وعوف بن مالك ، ومعاذ بن جبل ، وواثلة بن الأسقع ، وأبي سعيد الخدري ، وأبي هريرة ، وأبي الدرداء ، وأم سلمة رضي الله تعالى عنهم ومن مرسل الحسن ، وعطاء ، وبكر بن خنيس ومن الآثار عن التابعين ومن بعدهم ما لا يحصى .
حديث عمر : قال أبو طاهر المخلص : أنا أحمد بن عبد الله بن سعيد ثنا السري بن يحيى ثنا شعيب بن إبراهيم حدثنا سيف بن عمر عن أبي عمر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال : كان الشام قد أسكن فإذا أقبل جند من اليمن وممن بين المدينة واليمن فاختار أحد منهم الشام قال عمر رضي الله تعالى عنه : يا ليت شعري عن الأبدال هل مرت بهم الركاب ؟ أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق ، وأخرج أيضاً من طريق سيف بن عمر عن محمد ، وطلحة ، وسهل قال : كتب عمر إلى أبي عبيدة إذا أنت فرغت من دمشق إن شاء الله فاصرف أهل العراق إلى العراق فإنه قد ألقي في روعي أنكم ستفتحونها ثم تدركون إخوانكم فتنصرونهم على عدوهم ، وأقام عمر بالمدينة لمرور الناس به وذلك أنهم ضربوا إليه من بلدانهم فجعل إذا سرّح قوماً إلى الشام قال : ليت شعري عن الأبدال فهل مرت بهم الركاب أم لا ؟ وإذا سرّح قوماً إلى العراق قال : ليت شعري كم في هذا الحي من الأبدال ؟
حديث علي : قال الإمام أحمد بن حنبل في مسنده : ثنا أبو المغيرة ثنا صفوان عن شريح بن عبيد قال : ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب وهو بالعراق فقالوا : العنهم يا أمير المؤمنين ؟ قال : لا ، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( الأبدال بالشام وهم أربعون رجلاً كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً يسقي بهم الغيث وينتصر بهم على الأعداء ويصرف عن أهل الشام بهم العذاب ) رجاله رجال الصحيح غير شريح بن عبيد وهو ثقة .
طريق ثانية : قال ابن عساكر في تاريخه : أنا أبو القاسم الحسيني ثنا عبد العزيز بن أحمد الكناني أنا أبو محمد بن أبي نصر أنا الحسن بن حبيب ثنا زكريا بن يحيى ثنا الحسن بن عرفة ثنا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو السكسكي عن شريح بن عبيد الحضرمي قال : ذكر أهل الشام عند علي بن أبي طالب فقالوا : يا أمير المؤمنين العنهم ؟ فقال : لا ، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( إن الأبدال بالشام يكونون وهم أربعون رجلاً بهم تسقون الغيث وبهم تنصرون على أعدائكم ويصرف عن أهل الأرض البلاء والغرق ) قال ابن عساكر : هذا منقطع بين شريح وعلي فإنه لم يلقه . طريق أخرى عنه : قال ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء : حدثني أبو الحسن خلف بن محمد الواسطي ثنا يعقوب بن محمد الزهري ثنا مجاشع بن عمرو عن ابن لهيعة عن إبراهيم عن عبد الله بن زرير عن علي سألت رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن الأبدال ؟ قال : ( هم ستون رجلاً فقلت يا رسول الله(2/230)
"""""" صفحة رقم 231 """"""
حلهم لي قال ليسوا بالمتنطعين ولا بالمبتدعين ولا بالمتعمقين لم ينالوا ما نالوا بكثرة صلاة ولا صيام ولا صدقة ولكن بسخاء الأنفس وسلامة القلوب والنصيحة لأئمتهم ) أخرجه الخلال في كرامات الأولياء وفيه بدل ولا بالمتعمقين ولا بالمعجبين وزاد في أخرى ( أنهم يا علي في أمتي أقل من الكبريت الأحمر ) .
طريق أخرى عنه : قال الطبراني : ثنا علي بن سعيد الرازي ثنا علي بن الحسين الخواص الموصلي ثنا زيد بن أبي الزرقاء ثنا ابن لهيعة ثنا عياش بن عباس القتباني عن عبد الله بن زرير الغافقي عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال ) قال الطبراني : لم يرو هذا الحديث إلا زيد بن أبي الزرقاء ، قال ابن عساكر : هذا وهم من الطبراني بل رواه الوليد بن مسلم أيضاً عن ابن لهيعة ثم قال : أنا أبو طاهر محمد بن الحسين أنا أبو عبد الله محمد بن عبد السلام بن سعدان أنا محمد ابن سليمان الربعي ثنا علي بن الحسين بن ثابت ثنا هشام بن خالد ثنا الواليد بن مسلم ثنا ابن لهيعة به ، قال : ورواه الحارث بن يزيد المصري عن ابن زرير فوقفه على عليّ ولم يرفعه أخبرناه أبو بكر محمد بن محمد أنا أبو بكر محمد بن علي المقرىء أنا أحمد ، ابن عبد الله بن الخضر ثنا أحمد بن علي بن محمد أنا أبي أنا أبو عمرو محمد بن مروان ابن عمرو السعيدي ثنا أحمد بن منصور الرمادي ثنا عبد الله بن صالح حدثني أبو شريح أنه سمع الحارث بن يزيد يقول : حدثني عبد الله بن زرير الغافقي أنه سمع علي بن أبي طالب يقول : لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال وسبوا ظلمتهم أخرجه الحاكم في المستدرك من طريق أحمد بن الحارث بن يزيد به وقال : صحيح وأقره الذهبي في مختصره .
طريق أخرى عنه موقوفة : وبه إلى أبي عمرو السعيدي ثنا زياد بن يحيى أبو الخطاب ثنا أبو داود الطيالسي عن الفرج بن فضالة ثنا عروة بن وريم اللخمي عن رجاء ابن حيوة عن الحارث بن حومل عن علي بن أبي طالب قال : لا تسبوا أهل الشام فإن فيهم الأبدال ، وقال الحارث : يا رجاء اذكر لي رجلين صالحين من أهل بيسان فإنه بلغني أن الله تعالى اختص أهل بيسان برجلين صالحين من الأبدال لا يموت واحد إلا أبدل الله مكانه واحداً ولا تذكر لي منهما متماوتاً ولا طعاناً على الأئمة فإنه لا يكون منهما الأبدال له طرق عن الفرج بن فضالة .
طريق أخرى عن علي موقوفة : قال ابن أبي الدنيا : ثنا الحسن بن أبي الربيع أنا عبد الرزاق أنا معمر عن الزهري عن عبد الله بن صفوان قال : قال رجل يوم صفين : اللهم العن أهل الشام فقال علي : لا تسب أهل الشام فإن بها الأبدال ، فإن بها الأبدال ، فإن بها الأبدال أخرجه البيهقي ، والخلال ، وابن عساكر وله طرق عن الزهري ، وفي بعضها عن صفوان بن عبد الله بن صفوان ، وفي بعضها عن الزهري عن أبي عثمان بن سنة عن علي ، وفي بعضها عن الزهري عن علي .(2/231)
"""""" صفحة رقم 232 """"""
طريق أخرى عنه : قال يعقوب بن سفيان : ثنا يحيى بن عبد الحميد ثنا شريك عن عثمان بن أبي زرعة عن أبي صادق قال : سمع علي رجلاً وهو يلعن أهل الشام فقال علي : لا تنعمم فإن فيهم الأبدال .
طريق أخرى عنه : قال ابن عساكر : أنبأنا أبو البركات الأنماطي أنا المبارك بن عبد الجبار أنا أبو بكر عبد الباقي بن عبد الكريم بن عمر الشيرازي أن عبد الرحمن بن عمر بن أحمد بن حمة أنا أبو بكر محمد بن أحمد بن يعقوب بن شيبة ثنا جدي ثنا عثمان ابن محمد ثنا جرير عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل قال : خطبنا علي فذكر الخوارج فقام رجل فلعن أهل الشام فقال له : ويحك لا نعمم فإن منهم الأبدال ومنكم العصب ، وبالسند السابق إلى أبي عمرو السعيدي ثنا الحسين بن عبد الرحمن أنا وكيع عن فطر عن أبي الطفيل عن علي رضي الله عنه قال : الأبدال بالشام والنجباء بالكوفة ، وقال ابن عساكر : أنبأنا أبو الغنائم عن محمد بن علي بن الحسن الحسني ثنا محمد بن عبد الله الجعفي ثنا محمد بن عمار العطار ثنا علي بن محمد بن خبية ثنا عمرو ابن حماد بن طلحة ثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن قطر عن أبي الطفيل عن علي قال : إذا قال قائم آل محمد جمع الله له أهل المشرق وأهل المغرب فيجتمعون كما يجتمع قزع الخريف فأما الرفقاء فمن أهل الكوفة وأما الأبدال فمن أهل الشام .
طريق أخرى عنه : وبه إلى محمد بن عمار ثنا جعفر بن علي بن نجيح ثنا حسن بن حسين عن علي بن القاسم عن صباح بن يحيى المزني عن سعيد بن الوليد الهجري عن أبيه قال : قال علي : ألا إن الأوتاد من أبناء الكوفة ومن أهل الشام أبدال .
طريق أخرى : قال الخلال : ثنا علي بن عمرو بن سهل الحريري ثنا علي بن محمد ابن كاس ثنا الحسن بن علي بن عفان زيد بن الحباب حدثني ابن لهيعة عن خالد بن يزيد السكسكي عن سعيد بن أبي هلال عن علي رضي الله تعالى عنه قال : قبة الإسلام بالكوفة والهجرة بالمدينة والنجباء بمصر والأبدال بالشام وهم قليل أخرجه ابن عساكر من طريق أبي سعيد بن الأعرابي عن الحسن بن علي بن عفان به .
طريق أخرى عنه : قال ابن عساكر : أنا نصر بن أحمد بن مقاتل عن أبي الفرج سهل بن بشر الاسفراييني أنا أبو الحسن علي بن منير بن أحمد الخلال أنا الحسن بن رشيق ثنا أبو علي الحسين بن حميد العك ثنا زهير بن عباد ثنا الوليد بن مسلم عن الليث بن سعد عن عياش بن عباس القتباني أن علي بن أبي طالب قال : الأبدال من الشام والنجباء من أهل مصر والأخيار من أهل العراق .
طريق أخرى عنه : قال الحافظ أبو محمد الخلال في كتاب كرامات الأولياء : ثنا عبد الله بن عثمان الصفار أنا محمد بن مخلد الصفار ثنا أحمد بن منصور زاج ثنا حسين ابن علي عن زائدة عن عمار الذهبي عن حبيب بن أبي ثابت عن رجل عن علي قال : إن الله تعالى ليدفع عن القرية بسبعة مؤمنين يكونون فيها حديث أنس قال الحكيم الترمذي في(2/232)
"""""" صفحة رقم 233 """"""
نوادر الأصول : ثنا عمر بن يحيى بن نافع الأيلي ( ح ) وقال ابن عدي ، وابن شاهين ، والحافظ أبو محمد الخلال في كتاب كرامات الأولياء معاً ثنا محمد بن زهير ابن الفضل الأيلي ثنا عمر بن يحيى بن نافع ثنا العلاء بن زيدل عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( البدلاء أربعون رجلاً اثنان وعشرون بالشام وثمانية عشر بالعراق كلما مات منهم واحد أبدل الله مكانه آخر فإذا جاء الأمر قبضوا كلهم فعند ذلك تقوم الساعة ) .
طريق ثان عنه : قال الحافظ أبو محمد الخلال في كتاب كرامات الأولياء : أنا أبو بكر بن شاذان ثنا عمر بن محمد الصابوني ثنا إبراهيم بن الوليد الجشاش ثنا أبو عمر الغداني ثنا أبو سلمة الخراساني عن عطاء عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( الأبدال أربعون رجلاً وأربعون امرأة كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً ، وكلما ماتت امرأة أبدل الله مكانها امرأة ) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس من طريق أخرى عن إبراهيم ابن الوليد .
طريق ثالث عنه : قال ابن لال في مكارم الأخلاق : ثنا عبد الله بن يزيد بن يعقوب الدقاق ثنا محمد بن عبد العزيز الدينوري ثنا عثمان بن الهيثم ثنا عوف عن الحسن عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم ولكن دخلوها بسلامة صدورهم وسخاوة أنفسهم ) أخرجه ابن عدي ، والخلال وزاد في آخره والنصح للمسلمين .
طريق رابع عنه : قال ابن عساكر : قرأت بخط تمام بن محمد أنا أبو علي محمد بن هارون بن شعيب الأنصاري حدثنا زكريا بن يحيى ثنا المنذر بن العباس بن نجيح القرشي حدثني أبي عن الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن حسان بن عطية عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن دعامة أمتي عصب اليمن وأبدال الشام وهم أربعون رجلاً كلما هلك رجل أبدل الله مكانه آخر ليسوا بالمتماوتين ولا بالمتهالكين ولا المتناوشين لم يبلغوا ما بلغوا بكثرة صوم ولا صلاة وإنما بلغوا ذلك بالسخاء وصحة القلوب والمناصحة لجميع المسلمين ) .
وقال ابن عساكر أيضاً : أنبأنا أبو الفضل محمد بن ناصر أنا أحمد بن عبد القادر ابن محمد بن يوسف البغدادي أنا أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري بمكة ثنا أبو محمد الحسن بن علي بن الحسن ثنا بكر بن محمد بن سعيد ثنا نصر بن علي ثنا نوح بن قيس عن عبد الملك بن معقل عن يزيد الرقاشي عن أنس به .
طريق أخرى عنه : قال الطبراني في الأوسط : ثنا عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لن تخلو الأرض من أربعين رجلاً مثل خليل الرحمن فبهم يسقون وبهم ينصرون ما مات منهم أحد إلا أبدل الله مكانه آخر ) قال قتادة : لسنا نشك أن الحسن منهم ، قال الحافظ أبو الحسن الهيثمي في مجمع الزوائد : إسناده حسن .
حديث حذيفة بن اليمان : قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول : ثنا أبي ثنا سليمان ثنا إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة عن محمود بن لبيد عن حذيفة بن اليمان قال : الأبدال(2/233)
"""""" صفحة رقم 234 """"""
بالشام وهم ثلاثون رجلاً على منهاج إبراهيم كلما مات رجل أبدل الله مكانه آخر عشرون منهم على منهاج عيسى ابن مريم وعشرون منهم قد أوتوا من مزامير آل داود .
حديث عبادة بن الصامت : قال الإمام أحمد في مسنده : ثنا عبد الوهاب بن عطاء أنا الحسن بن ذكوان عن عبد الواحد بن قيس عن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( الأبدال في هذه الأمة ثلاثون مثل إبراهيم خليل الرحمن كلما مات رجل أبدل الله مكانه رجلاً ) أخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ، والخلال في كرامات الأولياء ورجاله رجال الصحيح غير عبد الواحد وقد وثقه العجلي ، وأبو زرعة .
طريق ثان عنه : قال الطبراني في الكبير : ثنا عبد الله بن [ الإمام ] أحمد بن حنبل حدثني محمد بن الفرج ثنا زيد بن الحباب أخبرني عمر البزار عن عبيسة الخواص عن قتادة عن أبي قلابة عن أبي الأشعث عن عبادة بن الصامت قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( [ لا يزال ] الأبدال في أمتي ثلاثون بهم تقوم الأرض وبهم تمطرون وبهم تنصرون ) قال قتادة : إني أرجو أن يكون الحسن منهم .
حديث ابن عباس : قال الإمام أحمد في الزهد : ثنا عبد الرحمن ثنا سفيان عن الأعمش عن المنهال بن عمرو عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : ما خلت الأرض من بعد نوح من سبعة يدفع الله بهم عن أهل الأرض أخرجه الخلال .
حديث ابن عمر : قال الطبراني : ثنا محمد بن الخزر الطبراني ثنا سعيد بن أبي زيدون ثنا عبد الله بن هاورن الصوري ثنا الأوزاعي عن الزهري عن نافع عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( خيار أمتي في كل قرن خمسمائة والأبدال أربعون فلا الخمسمائة ينقصون ولا الأربعون كلما مات رجل أبدل الله من الخمسمائة مكانه وأدخل من الأربعين مكانه قالوا : يا رسول الله دلنا على أعمالهم قال : يعفون عمن ظلمهم ويحسنون إلى من أساء إليهم ويتواسون فيما آتاهم الله ) أخرجه أبو نعيم ، وتمام ، وابن عساكر من هذا الطريق ، وأخرجه ابن عساكر أيضاً من طريق آخر عن محمد بن الخزر ولفظه كلما مات بديل وأخرجه من طريق آخر عن سعيد بن عبدوس عن عبد الله بن هارون بلفظ كلما مات أحد بدل الله من الخمسمائة مكانه وأدخل في الخمسمائة مكانه .
طريق ثان : قال الخلال في كتاب كرامات الأولياء : ثنا أحمد بن محمد بن يوسف ثنا عبد الصمد بن علي بن مكرم ثنا محمد بن زكريا الغلابي ثنا يحيى بن بسطام ثنا محمد ابن الحارث ثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني عن أبيه عن ابن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لا يزال أربعون رجلاً يحفظ الله بهم الأرض كلمات مات رجل أبدل الله مكانه آخر وهم في الأرض كلها ) . وأخرج أبو نعيم في الحلية ثنا عبد الله بن جعفر ثنا إسماعيل بن عبد الله ثنا سعيد بن أبي مريم ثنا يحيى بن أيوب عن ابن عجلان عن عياض بن عبد الله عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لكل قرن من أمتي سابقون ) وقال الحكيم الترمذي : حدثنا أبي محمد بن الحسن ثنا عبد الله بن المبارك ثنا ليث بن سعد عن(2/234)
"""""" صفحة رقم 235 """"""
محمد بن عجلان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( في كل قرن من أمتي سابقون ) .
حديث ابن مسعود : قال أبو نعيم : ثنا محمد بن أحمد بن الحسن ثنا محمد بن السري القنطري ثنا قيس بن إبراهيم بن قيس السامري ثنا عبد الرحيم بن يحيى الأرمني ثنا عثمان بن عمارة ثنا المعافى بن عمران عن سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عبد الله قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن لله عز وجل في الخلق ثلاثمائة قلبهم على قلب آدم عليه السلام . ولله في الخلق أربعون قلوبهم علي قلب موسى عليه السلام ، ولله في الخلق سبعة قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام ، ولله في الخلق خمسة قلوبهم على قلب جبريل عليه السلام ، ولله في الخلق ثلاثة قلوبهم على قلب ميكائيل عليه السلام ، ولله في الخلق واحد قلبه على قلب إسرائيل عليه السلام ، فإذا مات الواحد أبدل الله مكانه من الثلاثة ، وإذا مات من الثلاثة أبدل الله مكانه من الخمسة ، وإذا مات من الخمسة أبدل الله مكانه من السبعة ، وإذا مات من السبعة أبدل الله مكانه من الأربعين ، وإذا مات من الأربعين أبدل الله مكانه من الثلاثمائة ، وإذا مات من الثلاثمائة أبدل الله مكانه من العامة ، فبهم يحيي ويميت ويمطر وينبت ويدفع البلاء ) . قيل لعبد الله بن مسعود : وكيف بهم يحيي ويميت ؟ قال : لأنهم يسألون الله إكثار الأمم فيكثرون ويدعون على الجبابرة فيقصمون ويستسقون فيسقون ويسألون فتنبت لهم الأرض ويدعون فيدفع بهم أنواع البلاء ، أخرجه ابن عساكر .
طريق آخر : قال الطبراني في الكبير : أنا أحمد بن داود ، المكي ثنا ثابت بن عياش الأحدب ثنا أبو رجاء الكلبي ثنا الأعمش عن زيد بن وهب عن ابن مسعود : قال : قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) : ( لا يزال أربعون رجلاً من أمتي قلوبهم على قلب إبراهيم عليه السلام يدفع الله بهم عن أهل الأرض يقال لهم الأبدال إنهم لن يدركوها بصلاة ولا بصوم ولا بصدقة قالوا : يا رسول الله فبم أدركوها ؟ قال : بالسخاء والنصيحة للمسلمين ) .
حديث عوف بن مالك : قال الطبراني : ثنا أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي ثنا محمد بن المبارك الصوري ثنا عمرو بن واقد عن يزيد بن أبي مالك عن شهر بن حوشب قال : لما فتحت مصر سبوا أهل الشام فأخرج عوف بن مالك رأسه من برنسه ثم قال : يا أهل مصر أنا عوف بن مالك لا تسبوا أهل الشام فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يقول : ( فيهم الأبدال بهم تنصرون وبهم ترزقون ) أخرجه ابن عساكر من هذا الطريق ، ومن طريق هشام بن عمار عن عمرو بن واقد ورجال الإسناد ثقات غيره فإن الجمهور ضعفوه ، ووثقه محمد بن مبارك الصوري وشهر مختلف فيه .
حديث معاذ بن جبل : قال أبو عبد الرحمن السلمي في كتاب سنن الصوفية : ثنا أحمد بن علي بن الحسن ثنا جعفر بن عبد الوهاب السرخسي ثنا عبيد بن آدم عن أبيه عن أبي حمزة عن ميسرة بن عبد ربه عن المغيرة بن قيس عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن معاذ بن جبل قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ثلاث من كن فيه فهو(2/235)
"""""" صفحة رقم 236 """"""
من الأبدال الذين بهم قوام الدنيا وأهلها الرضا بالقضاء والصبر عن محارم الله والغضب في ذات الله ) أخرجه الديلمي في مسند الفردوس .
حديث واثلة : قال ابن عساكر : قرىء على أبي محمد بن الأكفاني وأنا أسمع عن عبد العزيز بن أحمد أنا عبد الوهاب بن جعفر الميداني أنا أبو الحارث أحمد بن محمد ابن عمارة بن أبي الخطاب الليثي الدمشقي ثنا أبو سهل سعيد بن الحسن الأصبهاني ثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم ثنا هشام بن خالد الأزرق ثنا الوليد بن مسلم ثنا ابن جابر عن عبد الله بن عامر عن واثلة بن الأسقع قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ستكون دمشق في آخر الزمان أكثر المدن أهلاً وأكثره أبدالاً مساجد وأكثره زهاداً وأكثره مالاً ورجالاً وأقله كفاراً وهي معقل لأهلها ) .
حديث أبي سعيد الخدري : قال البيهقي في شعب الإيمان : أنا علي بن أحمد بن عبدان أنا أحمد بن عبيد ثنا ابن أبي شيبة ثنا محمد بن عمران بن أبي ليلى أنا سلمة بن رجاء كوفي عن صالح المري عن الحسن عن أبي سعيد الخدري أو غيره قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن أبدال أمتي لم يدخلوا الجنة بالأعمال [ ولكن ] إنما دخلوها برحمة الله وسخاوة الأنفس وسلامة الصدور ورحمة لجميع المسلمين ) قال البيهقي : رواه عثمان الدارمي عن محمد بن عمران فقال : عن أبي سعيد لم يقل وقيل عن صالح المري عن ثابت عن أنس .
حديث أبي هريرة : قال ابن حبان في التاريخ : ثنا محمد بن المسيب ثنا عبد الرحمن بن مرزوق ثنا عبد الوهاب بن عطاء الخفاف عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لن تخلو الأرض من ثلاثين مثل إبراهيم خليل الرحمن بهم تغاثون وبهم ترزقون وبهم تمطرون ) .
طريق ثان عنه : قال الخلال : كتب إليّ أحمد بن هشام بالكوفة يذكر أن عبد الله بن زيدان حدثهم ثنا أحمد بن حازم ثنا الحكم بن سليمان الحبلي ثنا سيف بن عمر عن موسى بن أبي عقيل البصري عن ثابت البناني عن أبي هريرة قال : ( دخلت على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال لي : يا أبا هريرة يدخل علي من هذا الباب الساعة رجل من أحد السبعة الذين يدفع الله عن أهل الأرض بهم فإذا حبشي قد طلع من ذلك الباب أقرع أجدع على رأسه جرة من ماء فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أبا هريرة هو هذا وقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ثلاث مرات مرحباً بيسار وكان يرش المسجد ويكنسه وكان غلاماً للمغيرة بن شعبة ) .
حديث أبي الدرداء : قال الحكيم الترمذي في نوادر الأصول : ثنا عبد الرحيم بن حبيب ثنا داود بن محبر عن ميسرة عن أبي عبد الله الشامي عن مكحول عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : إن الأنبياء كانوا أوتاد الأرض فلما انقطعت النبوة أبدل الله مكانهم قوماً من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم يقال لهم الأبدال لم يفضلوا الناس بكثرة صوم ولا صلاة ولا تسبيح ولكن بحسن الخلق وبصدق الورع وحسن النية وسلامة قلوبهم لجميع المسلمين والنصيحة لله .(2/236)
"""""" صفحة رقم 237 """"""
حديث أم سلمة : قال أبو داود في سننه : ثنا محمد بن المثنى ثنا معاذ بن هشام حدثني أبي عن قتادة عن صالح أبي الخليل عن صاحب له عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلّم عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( يكون اختلاف عند موت خليفة فيخرج رجل من المدينة هارباً إلى مكة فيأتيه ناس من أهل مكة فيخرجونه وهو كاره فيبايعونه بين الركن والمقام ويبعث إليه بعث من الشام فيخسف بهم بالبيداء بين مكة والمدينة فإذا رأى الناس ذلك أتاه أبدال أهل الشام وعصائب أهل العراق فيبايعونه ) الحديث أخرجه الإمام أحمد في مسنده ، وابن أبي شيبة في المصنف ، وأبو يعلى ، والحاكم ، والبيهقي وله طرق سمي في بعضها المبهم مجاهداً ، وفي بعضها عبد الله بن الحارث . مرسل الحسن : قال ابن أبي الدنيا في كتاب السخاء : ثنا إسماعيل بن إبراهيم بن بسام ثنا صالح المري عن الحسن أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صلاتهم ولا صيامهم ولكن دخلوها بسلامة الصدور وسخاوة أنفسهم ) . وأخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي عبد الله الحافظ عن أبي حامد أحمد بن محمد بن الحسين عن داود بن الحسين عن يحيى بن يحيى عن صالح المري به ، وأخرجه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول ثنا أبي ثنا أبي عبد العزيز بن المغيرة البصري ثنا صالح المري عن الحسن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إن بدلاء أمتي لم يدخلوا الجنة بكثرة صوم ولا صلاة ولكن دخلوها برحمة الله وسلامة الصدور وسخاوة الأنفس والرحمة بجميع المسلمين ) . مرسل عطاء : قال أبو داود : ثنا محمد بن عيسى بن الطباع ثنا ابن فضيل عن أبيه عن الرجال بن سالم عن عطاء قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( الأبدال من الموالي ) أخرجه الحاكم في الكنى .
مرسل بكر بن خنيس : قال ابن أبي الدنيا في كتاب الأولياء : حدثني عبد الرحمن ابن صالح الأزدي ثنا عبد الرحمن بن محمد المحاربي عن بكر بن خنيس يرفعه : ( علامة أبدال أمتي أنهم لا يلعنون شيئاً أبداً ) .
الأثار أثر عن الحسن : أخرج ابن عساكر عن الحسن البصري قال : لن تخلو الأرض من سبعين صديقاً وهم الأبدال لا يهلك منهم رجل إلا أخلف الله مكانه مثله أربعون بالشام وثلاثون من سائر الأرضين .
أثر عن قتادة : أخرج ابن عساكر عن قتادة قال : لن تخلو الأرض من أربعين بهم يغاث الناس وبهم ينصرون وبهم يرزقون كلما مات منهم واحد أبدل الله مكانه رجلاً قال قتادة : والله إني لأرجو أن يكون الحسن منهم .
أثر عن خالد بن معدان : أخرج الخلال ، وابن عساكر عن خالد بن معدان قال : قالت الأرض : رب كيف تدعني وليس عليّ نبي ؟ قال : سوف أدع عليك أربعين صديقاً بالشام .
أثر عن شهر : أخرج ابن جرير في تفسيره عن شهر بن حوشب قال : لن تبقى الأرض إلا وفيها أربعة عشر يدفع الله بهم عن أهل الأرض ويخرج بركتها إلا زمن إبراهيم فإنه كان وحده .(2/237)
"""""" صفحة رقم 238 """"""
أثر عن أبي الزاهرية ومن بعده : أخرج ابن عساكر عن أبي الزاهرية قال : الأبدال ثلاثون رجلاً بالشام بهم يجارون وبهم يرزقون إذا مات منهم رجل أبدل الله مكانه . وأخرج عن الفضل بن فضالة قال : الأبدال بالشام في حمص خمسة وعشرون رجلاً وفي دمشق ثلاثة عشر وببيسان اثنان . وأخرج عن الحسن بن يحيى الخشني قال : بدمشق من الأبدال سبعة عشر نفساً وببيسان أربعة ، وأخرج ابن أبي خيثمة . وابن عساكر عن ابن شوذب قال : الأبدال سبعون فستون بالشام وعشرون بسائر الأرضين وأخرجا من طريق عثمان بن عطاء عن أبيه قال : الأبدال أربعون إنساناً قلت له أربعون رجلاً ؟ قال : لا تقل أربعون رجلاً ولكن قال أربعون إنساناً لعل فيهم نساء ، وأخرج ابن عساكر من طريق أحمد بن أبي الحواري قال : سمعت أبا سليمان يقول : الأبدال بالشام والنجباء بمصر والعصب باليمن والأخيار بالعراق ، وأخرج هو ، والخطيب من طريق عبيد الله بن محمد العبسي قال : سمعت الكناني يقول : النقباء ثلاثمائة والنجباء سبعون والبدلاء أربعون والأخيار سبعة والعمد أربعة والغوث واحد ، فمسكن النقباء المغرب ، ومسكن النجباء مصر ، ومسكن الأبدال الشام ، والأخيار سياحون في الأرض ، والعمد في زوايا الأرض ، ومسكن الغوث مكة ، فإذا عرضت الحاجة من أمر العامة ابتهل فيها النقباء ثم النجباء ثم الأبدال ثم الأخيار ثم العمد ، فإن أجيبوا وإلا ابتهل الغوث فلا تتم مسألته حتى تجاب دعوته .
وأخرج ابن أبي الدنيا ثنا محمد بن إدريس أبو حاتم الرازي ثنا عثمان بن مطيع ثنا سفيان بن عيينة قال : قال أبو الزناد : لما ذهبت النبوة وكانوا أوتاد الأرض أخلف الله مكانهم أربعين رجلاً من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم يقال لهم الأبدال لا يموت الرجل منهم حتى ينشىء الله مكانه آخر يخلفه وهم أوتاد الأرض قلوب ثلاثين منهم على مثل يقين إبراهيم لم يفضلوا الناس بكثرة الصلاة ولا بكثرة الصيام ولا بحسن التخشع ولا بحسن الحلية ولكن بصدق الورع وحسن النية وسلامة القلوب والنصيحة لجميع المسلمين ابتغاء مرضاة الله بصير حليم ولب رحيم وتواضع في غير مذلة ، لا يلعنون أحداً ولا يؤذون أحداً ولا يتطاولون على أحد تحتهم ولا يحقرونه ، ولا يحسدون أحداً فوقهم ، ليسوا بمتخشعين ولا متماوتين ولا معجبين ، لا يحبون لدنيا ولا يحبون الدنيا ، ليسوا اليوم في وحشة ولا غداً في غفلة ، وأخرج الخلال عن إبراهيم النخعي قال : ما من قرية ولا بلدة إلا يكون فيها من يدفع الله به عنهم ، وأخرج عن زاذان قال : ما خلت الأرض بعد نوح من اثني عشر فصاعداً يدفع بهم عن أهل الأرض .
وأخرج الإمام أحمد في الزهد عن كعب قال : لم يزل من بعد نوح في الأرض أربعة عشر يدفع الله بهم العذاب ، وأخرج أبو الحسين بن المنادي في جزء جمعه في أخبار الخضر قال : ثنا أحمد بن ملاعب ثنا يحيى بن سعيد السعدي أخبرني أبو جعفر الكوفي عن أبي عمر النصيبي قال : خرجت أطلب مسألة من مصقلة بالشام وكان يقال إنه من الأبدال فلقيه بوادي الأردن فقال لي : ألا أخبرك بشيء رأيته اليوم في هذا الوادي ؟ فقلت : بلى قال :(2/238)
"""""" صفحة رقم 239 """"""
دخلت فإذا أنا بشيخ يصلي إلى شجرة فألقى في روعي أنه إلياس فدنوت منه فسلمت عليه فرد علي فقلت من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا إلياس النبي فقلت : يا نبي الله هل في الأرض اليوم من الأبدال أحد ؟ قال : نعم هم ستون رجلاً منهم خمسون بالشام فيما بين العريش إلى الفرات . ومنهم ثلاثة بالمصيصة . وواحد بأنطاكية . وسائر العشرة في سائر أمصار العرب وأخرج إسحاق بن إبراهيم الختلي في كتاب الديباج له بسنده عن داود بن يحيى مولى عون الطفاوي عن رجل كان مرابطاً بعسقلان قال : بينا أنا أسير بالأردن إذ أنا برجل في ناحية الوادي قائم يصلي فوقع في قلبي أنه إلياس فذكر نحو ما قبله ولفظه قلت : فكم الأبدال ؟ قال : هم ستون رجلاً خمسون ما بين عريش مصر إلى شاطىء الفرات . ورجلان بالمصيصة . ورجل بأنطاكية . وسبعة في سائر الأمصار بهم تسقون الغيث وبهم تنصرون على العدو وبهم يقيم الله أمر الدنيا حتى إذا أراد أن يهلك الدنيا أماتهم جميعاً .
وفي كفاية المعتقد لليافعي نفعنا الله تعالى ببركته قال بعض العارفين : الصالحون كثير مخالطون للعوام لصلاح الناس في دينهم ودنياهم ، والنجباء في العدد أقل منهم ، والنقباء في العدد أقل منهم وهم مخالطون للخواص ، والأبدال في العدد أقل منهم نازلون في الأمصار العظام لا يكون في المصر منهم إلا الواحد بعد الواحد . فطوبى لأهل بلدة كان فيها اثنان منهم ، والأوتاد واحد باليمن وواحد بالشام وواحد في المشرق وواحد في المغرب ، والله سبحانه يدير القطب في الآفاق الأربعة من أركان الدنيا كدوران الفلك في أفق السماء ، وقد سترت أحوال القطب وهو الغوث عن العامة والخاصة غيره من الحق عليه غير أنه يرى عالماً كجاهل أبله كفطن تاركاً آخذاً قريباً بعيداً سهلاً عسراً آمناً حذراً وكشف أحوال الأوتاد للخاصة وكشف أحوال البدلاء للخاصة والعارفين ، وستر أحوال النجباء عن العامة خاصة ، وكشف بعضهم لبعض ، وكشف حال الصالحين للعموم والخصوص ليقضي الله أمراً كان مفعولا ، وعدة النجباء ثلاثمائة ، والنقباء أربعون ، والبدلاء قيل ثلاثون ، وقيل أربعة عشر ، وقيل سبعة وهو الصحيح والأوتاد أربعة فإذا مات القطب جعل مكانه خيار الأربعة ، وإذا مات أحد الأربعة جعل مكانه خيار السبعة ، وإذا مات أحد السبعة جعل مكانه خيار الأربعين ، وإذا مات أحد الأربعين جعل مكانه خيار الثلاثمائة ، وإذا مات أحد الثلاثمائة جعل مكانه خيار الصالحين ، وإذا أراد الله أن يقيم الساعة أماتهم أجمعين ، وبهم يدفع الله عن عباده البلاء وينزل قطر السماء انتهى . ثم قال : وقال بعض العارفين : والقطب هو الواحد المذكور في حديث ابن مسعود أنه على قلب إسرافيل ومكانه من الأولياء كالنقطة في الدائرة التي هي مركزها به يقع صلاح العالم قال : وقال بعضهم : لم يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن أحداً على قلبه إذ لم يخلق الله في عالم الخلق والأمر أعز وألطف وأشرف من قلبه صلى الله عليه وسلّم فقلوب الأنبياء ، والملائكة ، والأولياء بالإضافة إلى قلبه كإضافة سائر الكواكب إلى كمال الشمس انتهى .(2/239)
"""""" صفحة رقم 240 """"""
وأخرج القشيري في الرسالة بسنده عن بلال الخواص قال : كنت في تيه بين إسرائيل فإذا رجل يماشيني فعجبت فألهمت أنه الخضر عليه السلام فقلت له : بحق الحق من أنت ؟ قال : أخوك الخضر قلت : أريد أن أسألك قال : سل قلت : ما تقول في الشافعي ؟ قال : هو من الأوتاد قلت : وما تقول في أحمد بن حنبل ؟ قال : رجل صديق قلت : ما تقول في بشر الحافي ؟ قال : لم يخلق بعده مثله قلت : بأي وسيلة رأيتك ؟ قال : ببركة أمك .
وأخرج الإمام أحمد في الزهد ، وابن أبي الدنيا ، وأبو نعيم ، والبيهقي ، وابن عساكر ، عن جليس وهب بن منبه قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في المنام فقلت يا رسول الله : أين بدلاء أمتك ؟ فأومأ بيده نحو الشام قلت : يا رسول الله أما بالعراق منهم أحد ؟ قال : بلى محمد بن واسع وحسان بن أبي سنان ومالك بن دينار الذي يمشي في الناس بمثل زهد أبي ذر في زمانه .
وأخرج أبو نعيم عن داود بن يحيى بن يمان قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في النوم فقلت يا رسول الله : من الأبدال ؟ قال : الذين لا يضربون بأيديهم وأن وكيع بن الجراح منهم .
وأخرج ابن عساكر عن أبي مطيع معاوية بن يحيى أن شيخاً من أهل حمص خرج يريد المسجد وهو يرى أنه قد أصبح فإذا عليه ليل فلما صار تحت القبة سمع صوت جرس الخيل على البلاط فإذا فوارس قد لقي بعضهم بعضاً قال بعضهم لبعض : من أين قدمتم ؟ قالوا : أوَ لم تكونوا معنا ؟ قالوا : لا . قالوا : قدمنا من جنازة البديل خالد بن معدان قالوا : وقد مات ما علمنا بموته فمن استخلفتم بعده ؟ قالوا : أرطاة بن المنذر فلما أصبح الشيخ حدث أصحابه فقالوا : ما علمنا بموت خالد بن معدان فلما كان نصف النهار قدم البريد بخبر موته .
وفي كفاية المعتقد لليافعي عن بعض أصحاب الشيخ عبد القادر الكيلاني قال : خرج الشيخ عبد القادر من داره ليلة فناولته إبريقاً فلم يأخذه وقصد باب المدرسة فانفتح له الباب فخرج وخرجت خلفه ثم عاد الباب مغلقاً ومشى إلى قرب من باب بغداد فانفتح له فخرج وخرجت معه ثم عاد الباب مغلقاً ومشى غير بعيد فإذا نحن في بلد لا أعرفه فدخل فيه مكاناً شبيهاً بالرباط وإذا فيه ستة نفر فبادروا إلى السلام عليه والتجأت إلى سارية هناك وسمعت من جانب ذلك المكان أنيناً فلم نلبث إلا يسيراً حتى سكن الأنين ودخل رجل وذهب إلى الجهة التي سمعت فيها الأنين ثم خرج يحمل شخصاً على عاتقه ودخل آخر مكشوف الرأس طويل الشارب وجلس بين يدي الشيخ فأخذ عليه الشيخ الشهادتين وقص شعر رأسه وشاربه وألبسه طاقية وسماه محمداً وقال لأولئك النفر : قد أمرت أن يكون هذا بدلاً عن الميت ، قالوا : سمعاً وطاعة ، ثم خرج الشيخ وتركهم وخرجت خلفه ومشينا غير بعيد وإذا نحن عند باب بغداد فانفتح كأول مرة ثم أتى المدرسة فانفتح له بابها ودخل داره فلما كان الغد أقسمت عليه أن يبين لي ما رأيت قال : أما البلد فنهاوند ، وأما الستة فهم الأبدال وصاحب الأنين سابعهم كان مريضاً فلما حضرت وفاته جئت أحضره ، وأما الرجل الذي خرج يحمل شخصاً فأبو العباس الخضر عليه السلام ذهب به ليتولى أمره ، وأما الرجل الذي أخذت عليه(2/240)
"""""" صفحة رقم 241 """"""
الشهادتين فرجل من أهل القسطنطينية كان نصرانياً وأمرت أن يكون بدلاً عن المتوفى فأتى فأسلم على يدي وهو الآن منهم .
فائدة : أخرج أبو نعيم في الحلية عن أبي يزيد البسطامي أنه قيل له : إنك من الأبدال السبعة الذين هم أوتاد الأرض ؟ فقال : أنا كل السبعة .
فائدة : أخرج الشيخ نصر المقدسي في كتاب الحجة على تارك المحجة بسنده عن أحمد بن حنبل قيل له : هل لله في الأرض أبدال ؟ قال : نعم قيل : من هم ؟ قال : إن لم يكن أصحاب الحديث هم الأبدال فما أعرف لله أبدالاً ، وقال الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخ بغداد : أنشدنا محمد بن ناصر السلامي أنشدنا المبارك بن عبد الجبار الصيرفي أنشدنا الحافظ أبو عبد الله محمد بن علي بن عبد الله الصوري لنفسه :
عاب قوم علم الحديث وقالوا
هو علم طلابه جهال
عدلوا عن محجة العلم لما
دق عنهم فهم العلوم وقالوا
إنما الشرع يا أخيّ كتاب الله
لا هوة به ولا إشكال
ثم من بعده حديث رسول الله
فاض يقضي إليه المآل
وطريق الآثار تعرف بالنقل
وللنقل فاعلمنه رجال
همهم نقله ونفى الذي قد
وضعته عصابة ضلال
لم ينووا فيه جاهدين ولم تقطعهم
معن طلابه الأشغال
وقضوا لذة الحياة اغتباطاً
بالذي حرروه منه وقالوا
ورضوه من كل شيء بديلا
فلعمري لنعم ذاك البدال
ولقد جاءنا عن السيد الما
جد حلف العلياء فيهم مقال
أحمد المنتمي إلى حنبل أك
رم به فيه مفخر وجمال
إن أبدال أمة المصطفى أحمد
هم حين تذكر الأبدال
فائدة : قال سهل بن عبد الله : صارت الأبدال أبدالاً بأربعة : قلة الكلام ، وقلة الطعام ، وقلة المنام ، واعتزال الأنام ، وأخرج أبو نعيم في الحلية عن بشر بن الحارث أنه سئل عن التوكل فقال : اضطراب بلا سكون رجل يضطرب بجوارحه وقلبه ساكن إلى الله تعالى لا إلى عمله ، وسكون بلا اضطراب رجل ساكن إلى الله تعالى بلا حركة وهذا عزيز هو من صفات الأبدال .
وأخرج عن معروف الكرخي قال : من قال في كل يوم عشر مرات : اللهم أصلح أمة محمد ، اللهم فرج عن أمة محمد ، اللهم ارحم أمة محمد ، كتب من الأبدال ، وأخرج عن أبي عبد الله النباجي قال : إن أحببتم أن تكونوا أبدالاً فأحبوا ما شاء الله ، ومن أحب ما شاء الله لم ينزل به من مقادير الله شيء إلا أحبه .(2/241)
"""""" صفحة رقم 242 """"""
فائدة : في كتاب كفاية المعتقد لليافعي نفعنا الله تعالى به قيل : إنما سمي الأبدال أبدالاً لأنهم إذا غابوا تبدل في مكانهم صور روحانية تخلفهم وبني على ذلك ما حكى عن الشيخ مفرج الدماميلي أنه رآه بعض أصحابه يوم عرفة [ بعرفة ] ورآه آخر في مكانه من زاويته بدماميل لم يفارقه في جميع ذلك اليوم ، فلما رجع الحاج ذكر كل واحد منهما ذلك لصاحبه وتنازعا في ذلك وحلف كل بالطلاق فاختصما إليه فأقرهما وأبقى كلاً منهما على الزوجية فسئل عن الحكمة في عدم حنث الانثين مع كون صدق أحدهما يوجب حنث الآخر ؟ فقال : الولي إذا تحقق في ولايته مكن من التصور في صور عديدة وتظهر روحانيته في وقت واحد في جهات متعددة ، فالصورة التي ظهرت لمن رآها بعرفة ، والصورة التي رآها الآخر في مكانه في ذلك الوقت حق ، وكل منهما صادق في يمينه ، ولا يلزم من ذلك وجود شخص في مكانين في وقت واحد لأن ذلك إثبات تعدد الصور الروحانية لا الجسمانية انتهى .
وقد قررت نظير ذلك في الروح بعد الموت في باب مقر الأرواح في كتاب البرزخ ، قال الشمس الداودي : قال مؤلفه شيخنا رضي الله عنه وأرضاه : ألفته يوم السبت ثامن محرم سنة ثلاث وثمانين وثمانمائة أحسن الله ختامها بمحمد وآله أجمعين .
تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وبعد : فقد كثر السؤال عن رؤية أرباب الأحوال للنبي صلى الله عليه وسلّم في اليقظة وأن طائفة من أهل العصر ممن لا قدم لهم في العلم بالغوا في إنكار ذلك والتعجب منه وادعوا أنه مستحيل فألفت هذه الكراسة في ذلك وسميتها : تنوير الحلك في إمكان رؤية النبي والملك : وتمسكت بالحديث الصحيح الوارد في ذلك . أخرج البخاري ، ومسلم ، وأبو داود عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من رآني في المنام فسيراني في اليقظة ولا يتمثل الشيطان بي ) . وأخرج الطبراني مثله من حديث مالك بن عبد الله الخثعمي ، ومن حديث أبي بكرة ، وأخرج الدارمي مثله من حديث أبي قتادة [ الأنصاري ] ، قال العلماء : اختلفوا في معنى قوله فسيراني في اليقظة فقيل معناه فسيراني في القيامة ، وتعقب بأنه لا فائدة في هذا التخصيص لأن كل أمته يرونه يوم القيامة من رآه منهم ومن لم يره ، وقيل المراد من آمن به في حياته ولم يرد لكونه حينئذ غائباً عنه فيكون مبشراً له أنه لا بد أن يراه في اليقظة قبل موته ، وقال قوم هو على ظاهره فمن رآه في النوم فلا بد أن يراه في اليقظة يعني بعيني رأسه وقيل بعين في قلبه حكاهما القاضي أبو بكر بن العربي . وقال الإمام أبو محمد بن أبي جمرة في تعليقه على الأحاديث التي انتقاها(2/242)
"""""" صفحة رقم 243 """"""
من البخاري : هذا الحديث يدل على أنه من رآه صلى الله عليه وسلّم في النوم فسيراه في اليقظة ، وهل هذا على عمومه في حياته وبعد مماته أو هذا كان في حياته ؟ وهل ذلك لكل من رآه مطلقاً أو خاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته عليه ؟ اللفظ يعطي العموم ومن يدعي الخصوص فيه بغير مخصص منه صلى الله عليه وسلّم فمتعسف قال : وقد وقع من بعض الناس عدم التصديق بعمومه وقال : على ما أعطاه عقله وكيف يكون من قد مات يراه الحي في عالم الشاهد ؟ قال : وفي هذا القول من المحذور وجهان خطران : أحدهما : عدم التصديق لقول الصادق عليه السلام الذي لا ينطق عن الهوى . والثاني : الجهل بقدرة القادر وتعجيزها كأنه لم يسمع في سورة البقرة قصة البقرة وكيف قال الله تعالى : ) اضربوه ببعضها كذلك يحيي الله الموتى ( وقصة إبراهيم عليه السلام في الأربع من الطير . وقصة عزير فالذي جعل ضرب الميت ببعض البقرة سبباً لحياته ، وجعل دعاء إبراهيم سبباً لإحياء الطيور ، وجعل تعجب عزير سبباً لموته وموت حماره ، ثم لإحيائها بعد مائة سنة قادر أن يجعل رؤيته صلى الله عليه وسلّم في النوم سبباً لرؤيته في اليقظة ، وقد ذكر عن بعض الصحابة أظنه ابن عباس رضي الله عنهما أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلّم في النوم فتذكر هذا الحديث وبقي يفكر فيه ثم دخل على بعض أزواج النبي أظنها ميمونة فقص عليها فقامت وأخرجت له مرآته صلى الله عليه وسلّم قال رضي الله عنه : فنظرت في المرآة فرأيت صورة النبي صلى الله عليه وسلّم ولم أر لنفسي صورة قال : وقد ذكر عن بعض السلف والخلف وهلم جرا [ عن جماعة ] ممن كانوا رأوه صلى الله عليه وسلّم في النوم وكانوا ممن يصدقون بهذا الحديث فرأوه بعد ذلك في اليقظة وسألوه عن أشياء كانوا منها متشوشين فأخبرهم بتفريجها ونص لهم على الوجوه التي منها يكون فرجها فجاء الأمر كذلك بلا زيادة ولا نقص قال : والمنكر لهذا لا يخلو إما أن يصدق بكرامات الأولياء أو يكذب بها ، فإن كان ممن يكذب بها فقد سقط البحث معه فإنه يكذب ما أثبتته السنة بالدلائل الواضحة ، وإن كان مصدقاً بها فهذه من ذلك القبيل لأن الأولياء يكشف لهم بخرق العادة عن أشياء في العالمين العلوي ، والسفلي عديدة فلا ينكر هذا مع التصديق بذلك ، انتهى كلام ابن أبي جمرة ، وقوله : إن ذلك عام وليس بخاص بمن فيه الأهلية والاتباع لسنته عليه السلام مراده وقوع الرؤية الموعود بها في اليقظة على الرؤية في المنام ولو مرة واحدة تحقيقاً لوعده الشريف الذي لا يخلف ، وأكثر ما يقع ذلك للعامة قبيل الموت عند الاحتضار ، فلا يخرج روحه من جسده حتى يراه وفاء بوعده ، وأما غيرهم فتحصل لهم الرؤية في طول حياتهم إما كيثراً وإما قليلاً بحسب اجتهادهم ومحافظتهم على السنة والإخلال بالسنة مانع كبير أخرج مسلم في صحيحه عن مطرف قال : قال لي عمران ابن حصين : قد كان يسلم علي حتى اكتويت فترك ثم تركت الكي فعاد ، وأخرج مسلم من وجه آخر عن مطرف قال : بعث إلي عمران بن حصين في مرضه الذي توفي [ فيه ] فقال : إني محدثك فإن عشت فاكتم عني وإن مت فحدث بها إن شئت أنه قد سلم عليّ ، قال النووي في شرح مسلم : معنى الحديث الأول أن عمران بن حصين كانت به بواسير فكان يصبر على ألمها وكان الملائكة تسلم عليه واكتوى(2/243)
"""""" صفحة رقم 244 """"""
وانقطع سلامهم عليه ثم ترك الكي فعاد سلامهم عليه ، قال وقوله في الحديث الثاني : فإن عشت فاكتم عني أراد به الإخبار بالسلام عليه لأنه كره أن يشاع عنه ذلك في حياته لما فيه من التعرض للفتنة بخلاف ما بعد الموت ، وقال القرطبي في شرح مسلم : يعني أن الملائكة كانت تسلم عليه إكراماً له واحترماً إلى أن اكتوى فتركت السلام عليه ، ففيه إثبات كرامات الأولياء انتهى .
وأخرج الحاكم في المستدرك وصححه من طريق مطرف بن عبد الله عن عمران بن حصين قال : اعلم يا مطرف أنه كانت تسلم الملائكة عند رأسي وعند البيت وعند باب الحجرة فلما اكتويت ذهب ذاك قال : فلما برأ كلمه قال : اعلم يا مطرف أنه عاد إلي الذي كنت أكتم عليّ حتى أموت . فانظر كيف حجب عمران عن سماع تسليم الملائكة لكونه اكتوى مع شدة الضرورة الداعية إلى ذلك لأن الكي خلاف السنة ، قال البيهقي في شعب الإيمان : لو كان النهي عن الكي على طريق التحريم لم يكتو عمران مع علمه بالنهي غير أنه ركب المكروه ففارقه ملك كان يسلم عليه فحزن على ذلك وقال هذا القول ، ثم قد روي أنه عاد إليه قبل موته انتهى .
وقال ابن الأثير في النهاية : يعني أن الملائكة كانت تسلم عليه فلما اكتوى بسبب مرضه تركوا السلام عليه لأن الكي يقدح في التوكل والتسليم إلى الله والصبر على ما يبتلى به العبد وطلب الشفاء من عنده ، وليس ذلك قادحاً في جواز الكي ، ولكنه قادح في التوكيل وهي درجة عالية وراء مباشرة الأسباب ، وأخرج ابن سعد في الطبقات عن قتادة أن الملائكة كانت تصافح عمران بن حصين حتى اكتوى فتنحث عنه ، وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة عن يحيى بن سعيد القطان قال : ما قدم علينا البصرة من الصحابة أفضل من عمران بن حصين أتت عليه ثلاثون سنة تسلم عليه الملائكة من جوانب بيته .
وأخرج الترمذي في تاريخه ، وأبو نعيم ، والبيهقي في دلائل النبوة عن غزالة قالت : كان عمران بن حصين يأمرنا أن نكنس الدار ونسمع السلام عليكم السلام عليكم ولا نرى أحداً ، قال الترمذي : هذا تسليم الملائكة ، وقال حجة الإسلام أبو حامد الغزالي في كتاب المنقذ من الضلال : ثم أنني لما فرغت من العلوم أقبلت بهمتي على طريق الصوفية والقدر الذي أذكره لينتفع به ابني علمت يقيناً أن الصوفيه هم السالكون لطريق الله خاصة ، وأن سيرهم وسيرتهم أحسن السير ، وطريقهم أصوب الطرق ، وأخلاقهم أزكى الأخلاق ، بل لو جمع عقل العقلاء وحكمة الحكماء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماء ليغيروا شيئاً من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوه بما هو خير منه لم يجدوا إليه سبيلاً ، فإن جميع حركاتهم وسكناتهم في ظواهرهم وبواطنهم مقتبسة [ من نور مشكاة النبوة ] وليس وراء نور النبوة على وجه الأرض نور يستضاء به إلى أن قال : حتى أنهم وهو في يقظتهم يشاهدون الملائكة وأرواح الأنبياء ويسمعون منهم أصواتاً ويقتبسون منهم فوائد ثم يترقى الحال من مشاهدة(2/244)
"""""" صفحة رقم 245 """"""
الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق ، هذا كلام الغزالي .
وقال تلميذه القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية في كتاب قانون التأويل : ذهبت الصوفية إلى أنه إذا حصل للإنسان طهارة النفس في تزكية القلب وقطع العلائق وحسم مواد أسباب الدنيا من الجاء والمال والخلطة بالجنس والإقبال على الله تعالى بالكلية علماً دائماً وعملاً مستمراً كشفت له القلوب ورأى الملائكة وسمع أقوالهم واطلع على أرواح الأنبياء وسمع كلامهم ، ثم قال ابن العربي من عنده : ورؤية الأنبياء والملائكة وسماع كلامهم ممكن للمؤمن كرامة وللكافر عقوبة انتهى . [ وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في القواعد الكبرى ] وقال ابن الحاج في المدخل : رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم في اليقظة باب ضيق وقلّ من يقع له ذلك إلا من كان على صفة عزيز وجودها في هذا الزمان بل عدمت غالباً ، مع أننا لا ننكر من يقع له هذا من الأكابر الذين حفظهم الله في ظواهرهم وبواطنهم ، قال : وقد أنكر بعض علماء الظاهر رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم في اليقظة وعلل ذلك بأن قال : العين الفانية لا ترى العين الباقية والنبي صلى الله عليه وسلّم في دار البقاء والرائي في دار الفناء ، وقد كان سيدي أبو محمد بن أبي جمرة يحل هذا الإشكال ويرده بأن المؤمن إذا مات يرى الله وهو لا يموت والواحد منهم يموت في كل يوم سبعين مرة انتهى .
وقال القاضي شرف الدين هبة الله بن عبد الرحيم البارزي في كتاب توثيق عرى الإيمان قال البيهقي في كتاب الإعتقاد : الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقد رأى نبينا صلى الله عليه وسلّم ليلة المعراج جماعة منهم وأخبر وخبره صدق أن صلاتنا معروضة عليه وأن سلامنا يبلغه ، وأن الله تعالى حرم على الأرض أن تأكل لحوم الأنبياء ، قال البارزي : وقد سمع من جماعة من الأولياء في زماننا وقبله أنهم رأوا النبي صلى الله عليه وسلّم في اليقظة حياً بعد وفاته ، قال : وقد ذكر ذلك الشيخ الإمام شيخ الإسلام أبو البيان نبأ ابن محمد بن محفوظ الدمشقي في نظيمته انتهى ، وقال الشيخ أكمل الدين البابرتي الحنفي في شرح المشارق في حديث من رآني : الاجتماع بالشخصين يقظة ومناماً لحصول ما به الإتحاد ، وله خمسة أصول : كلية الاشتراك في الذات ، أو في صفة فصاعداً ، أو في حال فصاعداً ، أو في الأفعال ، أو في المراتب ، وكل ما يتعقل من المناسبة بين شيئين أو أشياء لا يخرج عن هذه الخمسة ، وبحسب قوته على ما به الاختلاف وضعفه يكثر الاجتماع ويقل ، وقد يقوى على ضده فتقوى المحبة بحيث يكاد الشخصان لا يفترقان وقد يكون بالعكس ، ومن حصل الأصول الخمسة وثبتت المناسبة بينه وبين أرواح الكمل الماضين اجتمع بهم متى شاء ، وقال الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور في رسالته ، والشيخ عفيف الدين اليافعي في روض الرياحين : قال الشيخ الكبير قدوة الشيوخ العارفين وبركة أهل زمانه أبو عبد الله القرشي : لما جاء الغلاء الكبير إلى ديار مصر ، توجهت لأن أدعو فقيل لي لا تدع فما يسمع لأحد منكم في هذا الأمر دعاء ، فسافرت إلى الشام فلما وصلت إلى قريب ضريح(2/245)
"""""" صفحة رقم 246 """"""
الخليل عليه السلام تلقاني الخليل فقلت : يا رسول الله اجعل ضيافتي عندك الدعاء لأهل مصر فدعا لهم ففرج الله عنهم ، قال اليافعي : وقوله : تلقاني الخليل قول حق لا ينكره إلا جاهل بمعرفة ما يرد عليهم من الأحوال التي يشاهدون فيها ملكوت السماء والأرض وينظرون الأنبياء أحياءً غير أموات ، كما نظر النبي صلى الله عليه وسلّم إلى موسى عليه السلام في الأرض ونظره أيضاً هو وجماعة من الأنبياء في السموات وسمع منهم مخاطبات ، وقد تقرر أن ما جاز للأنبياء معجزة جاز للأولياء كرامة بشرط عدم التحدي انتهى .
وقال الشيخ سراج الدين بن الملقن في طبقات الأولياء : قال الشيخ عبد القادر الكيلاني : رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم قبل الظهر فقال لي : يا بني لا تتكلم ؟ قلت : يا أبتاه أنا رجل أعجمي كيف أتكلم على فصحاء بغداد ؟ فقال : افتح فاك ففتحته فتفل فيه سبعاً وقال : تكلم على الناس وادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة فصليت الظهر وجلست وحضرني خلق كثير فارتج عليّ فرأيت علياً قائماً بإزائي في المجلس فقال لي : يا بني لم لا تتكلم ؟ قلت : يا أبتاه قد ارتج عليّ فقال : افتح فاك ففتحته فتفل فيه ستاً فقلت : لم لا تكملها سبعاً ؟ قال : أدباً مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم توارى عني فقلت : غواص الفكر يغوص في بحر القلب على درر المعارف فيستخرجها إلى ساحل الصدر فينادي عليها ترجمان اللسان فتشتري بنفائس أثمان حسن الطاعة في بيوت أذن الله أن ترفع ، وقال أيضاً في ترجمة الشيخ خليفة بن موسى النهرملكي : كان كثير الرؤية لرسول الله صلى الله عليه وسلّم يقظة ومناماً فكان يقال إن أكثر أفعاله متلقاة منه بأمر منه إما يقظة وإما مناماً ، ورآه في ليلة واحدة سبع عشرة مرة قال له في إحداهن : يا خليفة لا تضجر مني كثير من الأولياء مات بحسرة رؤيتي ، وقال الكمال الأدفوي في الطالع السعيد في ترجمة الصفي أبي عبد الله محمد بن يحيى الأسواني نزيل أخميم من أصحاب أبي يحيى بن شافع كان مشهوراً بالصلاح وله مكاشفات وكرامات عنه ابن دقيق العيد ، وابن النعمان ، والقطب العسقلاني وكان يذكر أنه يرى النبي صلى الله عليه وسلّم ويجتمع به .
وقال الشيخ عبد الغفار بن نوح القوصي في كتابه الوحيد من أصحاب الشيخ أبي يحيى أبو عبد الله الأسواني المقيم بأخميم كان يخير أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلّم في كل ساعة حتى لا تكاد ساعة إلا ويخبر عنه ، وقال في الوحيد أيضاً : كان للشيخ أبي العباس المرسي وصلة بالنبي صلى الله عليه وسلّم إذا سلم على النبي صلى الله عليه وسلّم رد عليه السلام ويجاوبه إذا تحدث معه .
وقال الشيخ تاج الدين بن عطاء الله في لطائف المنن قال رجل للشيخ أبي العباس المرسي : يا سيدي صافحني بكفك هذه فإنك لقيت رجالاً وبلاداً فقال : والله ما صافحت بكفي هذه إلا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ، قال : وقال الشيخ : لو حجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلّم طرفة عين ما عددت نفسي من المسلمين . وقال الشيخ صفي الدين بن أبي المنصور في رسالته ، والشيخ عبد الغفار في الوحيد حكى عن الشيخ أبي الحسن الوناني قال : أخبرني الشيخ أبو(2/246)
"""""" صفحة رقم 247 """"""
العباس الطنجي قال : وردت على سيدي أحمد بن الرفاعي فقال لي : ما أنا شيخك شيخك عبد الرحيم بقنا فسافرت إلى قنا فدخلت على الشيخ عبد الرحيم فقال لي : عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قلت : لا قال : رح إلى بيت المقدس [ حتى تعرف رسول الله صلى الله عليه وسلّم ] فحين وضعت رجلي وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرجعت إلى الشيخ فقال لي : عرفت رسول الله صلى الله عليه وسلّم ؟ قلت : نعم قال : الآن كملت طريقتك لم تكن الأقطاب أقطاباً والأوتاد أوتاداً والأولياء أولياء إلا بمعرفته صلى الله عليه وسلّم ، وقال في الوحيد وممن رأيته بمكة الشيخ عبد الله الدلاصي أخبرني أنه لم تصح له صلاة في عمره إلا صلاة واحدة قال : وذلك أني كنت بالمسجد الحرام في صلاة الصبح فلما أحرم الإمام وأحرمت أخذتني أخذة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم يصلي إماماً وخلفه العشرة فصليت معهم وكان ذلك في سنة ثلاث وسبعين وستمائة فقرأ صلى الله عليه وسلّم في الركعة الأولى سورة المدثر وفي الثانية عم يتساءلون فلما سلم دعا بهذا الدعاء اللهم اجعلنا هداة مهديين غير ضالين ولا مضلين لا طمعاً في برك ولا رغبة فيما عندك لأن لك المنة علينا بإيجادنا قبل أن لم نكن فلك الحمد على ذلك لا إله إلا أنت فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلّم سلم الإمام فعقلت تسليمه فسلمت .
وقال الشيخ صفي الدين في رسالته : قال لي الشيخ أبو العباس الحرار : دخلت على النبي صلى الله عليه وسلّم مرة فوجدته يكتب مناشير للأولياء بالولاية وكتب لأخي محمد منهم منشوراً قال : وكان أخو الشيخ كبيراً في الولاية كان على وجهه نور لا يخفى على أحد أنه ولي فسألنا الشيخ عن ذلك فقال : نفخ النبي صلى الله عليه وسلّم في وجهه فأثرت النفخة هذا النور .
قال الشيخ صفي الدين : ورأيت الشيخ الجليل الكبير أبا عبد الله القرطبي أجلّ أصحاب الشيخ القرشي وكان أكثر إقامته بالمدينة النبوية وكان له بالنبي صلى الله عليه وسلّم وصلة وأجوبة ورد للسلام حمله رسول الله صلى الله عليه وسلّم رسالة للملك الكامل وتوجه بها إلى مصر وأداها وعاد إلى المدينة ، قال : وممن رأيت بمصر الشيخ أبا العباس العسقلاني أخص أصحاب الشيخ القرشي زاهد مصر في وقته وكان أكثر أوقاته في آخر عمره بمكة يقال أنه دخل مرة على النبي صلى الله عليه وسلّم فقال له النبي صلى الله عليه وسلّم : أخذ الله بيدك يا أحمد .
وحكى عن بعض الأولياء أنه حضر مجلس فقيه فروى ذلك الفقيه حديثاً فقال له الولي : هذا الحديث باطل ، فقال الفقيه : ومن أين لك هذا ؟ فقال : هذا النبي صلى الله عليه وسلّم واقف على رأسك يقول إني لم أقل هذا الحديث وكشف للفقيه فرآه ، وفي كتاب المنح الإلهية في مناقب السادة الوفائية لابن فارس قال : سمعت سيدي علياً رضي الله عنه يقول : كنت وأنا ابن خمس سنين أقرأ القرأن على رجل يقال له الشيخ يعقوب فأتيته يوماً فرأيت النبي صلى الله عليه وسلّم يقظة لا مناماً وعليه قميص أبيض قطن ثم رأيت القميص علي فقال لي : اقرأ فقرأت عليه سورة والضحى وألم نشرح ثم غاب عني فلما أن بلغت إحدى وعشرين سنة أحرمت لصلاة الصبح بالقرافة فرأيت النبي صلى الله عليه وسلّم قبالة وجهي فعانقني وقال لي : وأما بنعمة ربك فحدث فأوتيت لسانه من ذلك الوقت انتهى .(2/247)
"""""" صفحة رقم 248 """"""
وفي بعض المجاميع حج سيدي أحمد الرفاعي فلما وقف تجاه الحجرة الشريفة أنشد :
في حالة البعد روحي كنت أرسلها
تقبل الأرض عني وهي نائبتي
وهذه دولة الأشباح قد حضرت
فأمدد يمينك كي تحظى بها شفتي
فخرجت اليد الشريفة من القبر الشريف فقبّلها ، وفي معجم الشيخ برهان الدين البقاعي قال : حدثني الإمام أبو الفضل بن أبي الفضل النويري أن السيد نور الدين الأيجي والد الشريف عفيف الدين لما ورد الروضة الشريفة وقال السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته سمع من كان بحضرته قائلاً من القبر يقول : وعليك السلام يا ولدي ، وقال الحافظ محب الدين بن النجار في تاريخه أخبرني أبو أحمد داود بن علي بن محمد بن هبة الله بن المسلمة أنا أبو الفرح المبارك بن عبد الله بن محمد بن النقور قال : حكى شيخنا أبو نصر عبد الواحد بن عبد الملك بن محمد بن أبي سعد الصوفي الكرخي قال : حججت وزرت النبي صلى الله عليه وسلّم فبينا أنا جالس عند الحجرة إذ دخل الشيخ أبو بكر الدياربكري ووقف بإزاء وجه النبي صلى الله عليه وسلّم وقال : السلام عليك يا رسول الله فسمعت صوتاً من داخل الحجرة : وعليك السلام يا أبا بكر وسمعه من حضر .
وفي كتاب مصباح الظلام في المستغيثين بخير الأنام للإمام شمس الدين محمد بن موسى بن النعمان قال : سمعت يوسف بن علي الزناني يحكي عن امرأة هاشمية كانت مجاورة بالمدينة وكان بعض الخدام يؤذيها قالت : فاستغثت بالنبي صلى الله عليه وسلّم فسمعت قائلاً من الروضة يقول : أما لك فيّ أسوة ؟ فاصبري كما صبرت أو نحو هذا قالت فزال عني ما كنت فيه ومات الخدام الثلاثة الذين كانوا يؤذونني ، وقال ابن السمعاني في الدلائل : أخبرنا أبو بكر هبة الله بن الفرج أخبرنا أبو القاسم يوسف بن محمد بن يوسف الخطيب أخبرنا أبو القاسم عبد الرحمن بن عمر بن تميم المؤدب حدثنا علي بن إبراهيم بن علان أخبرنا علي ابن محمد بن علي حدثنا أحمد بن الهيثم الطائي حدثني أبي عن أبيه عن سلمة بن كهيل عن أبي صادق عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قدم علينا أعرابي بعد ما دفنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم فرمى بنفسه على قبر النبي صلى الله عليه وسلّم وحثا من ترابه على رأسه وقال : يا رسول الله قلت فسمعنا قولك ووعيت عن الله فأوعينا عنك وكان فيما أنزل الله عليك : ) ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً ( وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي فنودي من القبر أنه قد غفر لك ، ثم رأيت في كتاب مزيل الشبهات في إثبات الكرامات للإمام عماد الدين إسماعيل بن هبة الله بن باطيس ما نصه : ومن الدليل على إثبات الكرامات آثار منقولة عن الصحابة والتابعين فمن بعدهم منهم الإمام أبو بكر الصديق رضي الله عنه قال لعائشة رضي الله عنها : إنما هما أخواك وأختاك قالت هذان أخواي محمد ، وعبد الرحمن فمن أختاي وليس لي إلا أسماء ؟ فقال : ذو بطن ابنة خارجة قد ألقى في روعي أنها جارية فولدت أم كلثوم . ومنهم عمر بن(2/248)
"""""" صفحة رقم 249 """"""
الخطاب رضي الله عنه في قصة سارية حيث نادى وهو في الخطبة يا سارية الجبل الجبل فأسمع الله سارية كلامه وهو بنهاوند وقصته مع نيل مصر ومراسلته إياه وجريانه بعد انقطاعه ، ومنهم عثمان ابن عفان رضي الله عنه قال عبد الله بن سلام : ثم أتيت عثمان لأسلم عليه وهو محصور فقال مرحباً بأخي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم في هذه الخوخة فقال : يا عثمان حصروك ؟ قلت : نعم قال : عطشوك ؟ قلت : نعم فأدلى لي دلواً فيه ماء فشربت حتى رويت حتى أني لأجد برده بين ثديي وبين كتفي فقال : إن شئت نصرت عليهم وإن شئت أفطرت عندنا فاخترت أن أفطر عنده فقتل ذلك اليوم انتهى .
وهذه القصة مشهورة عن عثمان مخرجة في كتب الحديث بالإسناد أخرجها الحارث بن أبي أسامة في مسنده وغيره ، وقد فهم المصنف منها أنها رؤية يقظة وإن يصلح عدها في الكرامات لأن رؤية المنام يستوي فيها كل أحد ، وليست من الخوارق المعدودة في الكرامات ولا ينكرها من ينكر كرامات الأولياء ، ومما ذكره ابن باطيس في هذا الكتاب قال : ومنهم أبو الحسين محمد بن سمعون البغدادي الصوفي قال أبو طاهر محمد بن علي العلان : حضرت أبا الحسن بن سمعون يوماً في مجلس الوعظ وهو جالس على كرسيه يتكلم فكان أبو الفتح القواس جالساً إلى جنب الكرسي فغشيه النعاس ونام فأمسك أبو الحسين ساعة عن الكلام حتى استيقظ أبو الفتح ورفع رأسه فقال له أبو الحسين : رأيت النبي صلى الله عليه وسلّم في نومك ؟ قال : نعم قال أبو الحسين : لذلك أمسكت عن الكلام خوف أن تنزعج وينقطع ما كنت فيه ، فهذا يشعر بأن ابن سمعون رأى النبي صلى الله عليه وسلّم يقظة لما حضر ورآه أبو الفتح في نومه ، وقال أبو بكر بن أبيض في جزئه : سمعت أبا الحسن بناناً الحمال الزاهد يقول : حدثني بعض أصحابنا قال : كان بمكة رجل يعرف بابن ثابت قد خرج من مكة إلى المدينة ستين سنة ليس إلا للسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ويرجع فلما كان في بعض السنين تخلف لشغل أو سبب فقال : بينا هو قاعد في الحجرة بين النائم واليقظان إذ رأى النبي صلى الله عليه وسلّم وهو يقول : يا ابن ثابت لم تزرنا فزرناك .
تنبيهات : الأول : أكثر ما تقع رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم في اليقظة بالقلب ثم يترقى إلى أن يرى بالبصر ، وقد تقدم الأمران في كلام القاضي أبي بكر بن العربي ، لكن ليست الرؤية البصرية كالرؤية المتعارفة عند الناس من رؤية بعضهم لبعض ، وإنما هي جمعية حالية وحالة برزخية وأمر وجداني لا يدرك حقيقته إلا من باشره ، وقد تقدم عن الشيخ عبد الله الدلاصي فلما أحرم الإمام وأحرمت أخذتني أخذة فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأشار بقوله أخذه إلى هذه الحالة .
الثاني : هل الرؤية لذات المصطفى صلى الله عليه وسلّم بجسمه وروحه أو لمثاله ؟ الذين رأيتهم من أرباب الأحوال يقولون بالثاني وبه صرح الغزالي فقال : ليس المراد أنه يرى جسمه وبدنه بل مثالاً له صار ذلك المثال آلة يتأدى بها المعنى الذي في نفسه قال : والآلة تارة تكون حقيقية وتارة تكون خيالية والنفس غير المثال المتخيل ، فما رآه من الشكل ليس هو روح المصطفى(2/249)
"""""" صفحة رقم 250 """"""
ولا شخصه بل هو مثال له على التحقيق ، قال : ومثل ذلك من يرى الله تعالى في المنام فإن ذاته منزهة عن الشكل والصورة ، ولكن تنتهي تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أو غيره ، ويكون ذلك المثال حقاً في كونه واسطة في التعريف فيقول الرائي : رأيت الله في المنام لا يعني أني رأيت ذات الله كما تقول في حق غيره انتهى .
وفصل القاضي أبو بكر بن العربي فقال : رؤية النبي صلى الله عليه وسلّم بصفته المعلومة إدراك على الحقيقة ، ورؤيته على غير صفته إدراك للمثال وهذا الذي قاله في غاية الحسن ولا يمتنع رؤية ذاته الشريفة بجسده وروحه وذلك لأنه صلى الله عليه وسلّم وسائر الأنبياء أحياء ردت إليهم أرواحهم بعد ما قبضوا وأذن لهم بالخروج من قبورهم والتصرف في الملكوت العلوي والسفلي ، وقد ألف البيهقي جزءاً في حياة الأنبياء ، وقال في دلائل النبوة : الأنبياء أحياء عند ربهم كالشهداء ؛ وقال في كتاب الإعتقاد : الأنبياء بعد ما قبضوا ردت إليهم أرواحهم فهم أحياء عند ربهم كالشهداء ، وقال الأستاذ أبو منصور عبد القاهر بن طاهر البغدادي : قال المتكلمون المحققون من أصحابنا : أن نبينا صلى الله عليه وسلّم حي بعد وفاته وأنه يبشر بطاعات أمته ويحزن بمعاصي العصاة منهم ، وأنه تبلغه صلاة من يصلي عليه من أمته ، وقال : إن الأنبياء لا يبلون ولا تأكل الأرض منهم شيئاً ، وقد مات موسى في زمانه فأخبر نبينا صلى الله عليه وسلّم أنه رآه في قبره مصلياً ، وذكر في حديث المعراج أنه رآه في السماء الرابعة ورأى آدم وإبراهيم ، وإذا صح لنا هذا الأصل قلنا نبينا صلى الله عليه وسلّم قد صار حياً بعد وفاته وهو على نبوته انتهى ، وقال القرطبي في التذكرة في حديث الصعقة نقلاً عن شيخه : الموت ليس بعدم محض وإنما هو انتقال من حال إلى حال ، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء يرزقون فرحين مستبشرين وهذه صفة الأحياء في الدنيا وإذا كان هذا في الشهداء فالأنبياء أحق بذلك وأولى ، وقد صح أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء وأنه صلى الله عليه وسلّم اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس وفي السماء ورأى موسى قائماً يصلي في قبره ، وأخبر صلى الله عليه وسلّم أنه يرد السلام على كل من يسلم عليه إلى غير ذلك مما يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أن غيبوا عنا بحيث لا ندركهم وإن كانوا موجودين أحياءً وذلك كالحال في الملائكة فإنهم موجودون أحياءً ولا يراهم أحد من نوعنا إلا من خصه الله تعالى بكرامته انتهى .
وأخرج أبو يعلى في مسند ، والبيهقي في كتاب حياة الأنبياء عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( الأنبياء أحياء في قبورهم يصلون ) وأخرج البيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم بعد أربعين ليلة ولكنهم يصلون بين يدي الله تعالى حتى ينفخ في الصور ) . وروى سفيان في الثوري الجامع قال : قال شيخ لنا عن سعيد بن المسيب قال : ما مكث نبي في قبره أكثر من أربعين ليلة حتى يرفع .
قال البيهقي : فعلى هذا يصيرون كسائر الأحياء يكونون حيث ينزلهم الله تعالى ، وروى عبد الرزاق في مصنفه عن الثوري عن أبي المقدام عن سعيد بن المسيب قال : ما مكث نبي في الأرض أكثر من أربعين يوماً وأبو المقدام هو ثابت بن هرمز [ الكوفي ] شيخ صالح .(2/250)
"""""" صفحة رقم 251 """"""
وأخرج ابن حبان في تاريخه ، والطبراني في الكبير ، وأبو نعيم في الحلية عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ما من نبي يموت فيقيم في قبره إلا أربعين صباحاً ) . وقال إمام الحرمين في النهاية ثم الرافعي في الشرح : روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : أنا أكرم على ربي من أن يتركني في قبري بعد ثلاث زاد إمام الحرمين وروي أكثر من يومين ، وذكر أبو الحسن بن الزاغوني الحنبلي في بعض كتبه حديثاً أن الله لا يترك نبياً في قبره أكثر من نصف يوم .
وقال الإمام بدر الدين بن الصاحب في تذكرته فصل في حياته صلى الله عليه وسلّم بعد موته في البرزخ وقد دل على ذلك تصريح الشارع وإيماؤه ومن القرآن قوله تعالى : ) ولا تحسين الذين قتلوا في سبيل الله أمواتاً بل أحياء عند ربهم يرزقون ( فهذه الحالة وهي الحياة في البرزخ بعد الموت حاصلة لآحاد الأمة من الشهداء وحالهم أعلى وأفضل ممن لم تكن له هذه الرتبة لا سيما في البرزخ ، ولا تكون رتبة أحد من الأمة أعلى من رتبة النبي صلى الله عليه وسلّم بل إنما حصل لهم هذه الرتبة بتزكيته وتبعيته ، وأيضاً فإنما استحقوا هذه الرتبة بالشهادة والشهادة حاصلة للنبي صلى الله عليه وسلّم على أتم الوجوه وقال عليه السلام : ( مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر وهو قائم يصلي في قبره ) وهذا صريح في إثبات الحياة لموسى فإنه وصفه بالصلاة وأنه كان قائماً ، ومثل هذا لا يوصف به الروح وإنما وصف به الجسد ، وفي تخصيصه بالقبر دليل على هذا ، فإنه لو كان من أوصاف الروح لم يحتج لتخصيصه بالقبر ، فإن أحداً لم يقل أن أرواح الأنبياء مسجونة في القبر مع الأجساد وأرواح الشهداء أو المؤمنين في الجنة .
وفي حديث ابن عباس : ( سرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلّم بين مكة والمدينة فمررنا بواد فقال : أي واد هذا ؟ فقالوا : وادي الأزرق ، فقال : كأني أنظر إلى موسى واضعاً أصبعيه في أذنيه له جؤار إلى الله بالتلبية ماراً بهذا الوادي ثم سرنا حتى أتينا على ثنية قال : كأني أنظر إلى يونس على ناقة حمراء عليه جبة صوف ماراً بهذا الوادي ملبياً ) . سئل هنا كيف ذكر حجهم وتلبيتهم وهم أموات وهم في الأخرى وليست دار عمل ؟ وأجيب بأن الشهداء أحياء عند ربهم يرزقون فلا يبعد أن يحجوا ويصلوا ويتقربوا بما استطاعوا ، وأنهم وإن كانوا في الأخرى فإنهم في هذه الدنيا التي هي دار العمل حتى إذا فنيت مدتها واعتقبتها الأخرى التي هي دار الجزاء انقطع العمل هذا لفظ القاضي عياض فإذا كان القاضي عياض يقول إنهم يحجون بأجسادهم ويفارقون قبورهم فكيف يستنكر مفارقة النبي صلى الله عليه وسلّم لقبره ؟ فإن النبي صلى الله عليه وسلّم إذا كان حاجاً وإذا كان مصلياً فجسده في السماء وليس مدفوناً في القبر انتهى .
فحصل من مجموع هذه النقول والأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلّم حي بجسده وروحه ، وأنه يتصرف ويسير حيث شاء في أقطار الأرض وفي الملكوت وهو بهيئته التي كان عليها قبل وفاته لم يتبدل منه شيء ، وأنه مغيب عن الأبصار كما غيبت الملائكة مع كونهم أحياء بأجسادهم ، فإذا أراد الله رفع الحجاب عمن أراد إكرامه برؤيته رآه على هيئته التي هو عليها لا مانع من ذلك ولا داعي إلى التخصيص برؤية المثال .(2/251)
"""""" صفحة رقم 252 """"""
الثالث : سئل بعضهم كيف يراه الراؤون المتعددون في أقطار متباعدة ؟ فأنشدهم :
كالشمس في كبد السماء وضوؤها
يغشى البلاد مشارقاً ومغاربا
وفي مناقب الشيخ تاج الدين بن عطاء الله عن بعض تلامذته قال : حججت فلما كنت في الطواف رأيت الشيخ تاج الدين في الطواف فنويت أن أسلم عليه إذا فرغ من طوافه ، فلما فرغ من الطواف جئت فلم أره ثم رأيته في عرفة كذلك وفي سائر المشاهد كذلك ، فلما رجعت إلى القاهرة سألت عن الشيخ فقيل لي طيب فقلت : هل سافر ؟ قالوا : لا ، فجئت إلى الشيخ وسلمت عليه فقال لي : من رأيت ؟ فقلت يا سيدي رأيتك فقال : يا فلان الرجل الكبير يملأ الكون لو دعى القطب من حجر لأجاب فإذا كان القطب يملأ الكون فسيد المرسلين صلى الله عليه وسلّم من باب أولى ، وقد تقدم عن الشيخ أبي العباس الطنجي أنه قال : وإذا بالسماء والأرض والعرش والكرسي مملوءة من رسول الله صلى الله عليه وسلّم .
الرابع : قال قائل : يلزم على هذا أن تثبت الصحبة لمن رآه . والجواب : أن ذلك ليس بلازم ، أما إن قلنا بأن المرئي المثال فواضح لأن الصحبة إنما تثبت برؤية ذاته الشريفة جسداً وروحاً . وإن قلنا المرئي الذات فشرط الصحبة أن يراه وهو في عالم الملك وهذه رؤية وهو في عالم الملكوت ، وهذه الرؤية لا تثبت صحبته ، ويؤيد ذلك أن الأحاديث وردت بأن جميع أمته عرضوا عليه فرآهم ورأوه ولم تثبت الصحبة للجميع لأنها رؤية في عالم الملكوت فلا تفيد صحبته .
خاتمة : أخرج أحمد في مسنده ، والخرائطي في مكارم الأخلاق من طريق أبي العالية عن رجل من الأنصار قال : ( خرجت من أهلي أريد النبي صلى الله عليه وسلّم فإذا به قائم ورجل معه مقبل عليه فظننت أن لهما حاجة قال الأنصاري : لقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلّم حتى جعلت أرثي له من طول القيام فلما انصرف قلت يا رسول الله لقد قام بك هذا الرجل حتى جعلت أرثي لك من طول القيام قال : ولقد رأيته ؟ قلت : نعم قال : أتدري من هو ؟ قلت : لا قال : ذاك جبريل ما زال يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه ثم نقال : أما إنك لو سلمت رد عليك السلام ) ، وأخرج أبو موسى المديني في المعرفة عن تميم بن سلمة قال : بينا أنا عند النبي صلى الله عليه وسلّم إذ انصرف من عنده رجل فنظرت إليه مولياً معتماً بعمامة قد أرسلها من ورائه قلت : يا رسول الله من هذا ؟ قال : هذا جبريل .
وأخرج أحمد ، والطبراني ، والبيهقي في الدلائل عن حارثة بن النعمان قال : ( مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم ومعه جبريل فسلمت عليه ومررت فلما رجعنا وانصرف النبي صلى الله عليه وسلّم قال : هل رأيت الذي كان معي ؟ قلت : نعم قال : فإنه جبريل وقد رد عليك السلام ) .
وأخرج ابن سعد عن حارثه قال : رأيت جبريل من الدهر مرتين ، وأخرج أحمد ، والبيهقي عن ابن عباس قلت : كنت مع أبي عند رسول الله صلى الله عليه وسلّم وعنده رجل يناجيه فكان كالمعرض عن أبي فخرجنا فقال لي أبي : يا بني ألم تر إلى ابن عمك كالمعرض عني ؟ قلت : يا أبت إنه كان عنده رجل يناجيه فرجع فقال يا رسول الله قلت لعبد الله كذا وكذا(2/252)
"""""" صفحة رقم 253 """"""
فقال إنه كان عندك رجل يناجيك فهل كان عندك أحد ؟ قال : وهل رأيته يا عبد الله ؟ قلت : نعم قال : ذاك جبريل هو الذي يشغلني عنك .
وأخرج ابن سعد عن ابن عباس قال : رأيت جبريل مرتين ، وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : ( عاد رسول الله صلى الله عليه وسلّم رجلاً من الأنصار فلما دنا من منزله سمعه يتكلم في الداخل فلما دخل لم ير أحداً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : من كنت تكلم ؟ قال : يا رسول الله دخل علي داخل ما رأيت رجلاً قط بعدك أكرم مجلساً ولا أحسن حديثاً منه قال : ذاك جبريل وإن منكم لرجالاً لو أن أحدهم يقسم على الله لأبره ) . وأخرج أبو بكر بن أبي داود في كتاب المصاحف عن أبي جعفر قال : كان أبو بكر يسمع مناجاة جبريل للنبي صلى الله عليه وسلّم .
وأخرج محمد بن نصر المروزي في كتاب الصلاة عن حذيفة بن اليمان : ( أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلّم فقال له : بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلماً يقول : اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره أهل أن تحمد إنك على كل شيء قدير اللهم اغفر لي جميع ما مضى من ذنوبي واعصمني فيما بقي من عمري وارزقني عملاً زاكياً ترضى به عني فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : ( ذاك ملك أتاك يعلمك تحميد ربك ) . وأخرج محمد ابن نصر عن أبي هريرة قال : بينما أنا أصلي إذ سمعت متكلماً يقول : اللهم لك الحمد كله قال : فذكر الحديث نحوه .
وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب الذكر عن أنس بن مالك قال : ( قال أُبي بن كعب : لأدخلن المسجد فلأصلين ولأحمدن الله بمحامد لم يحمده بها أحد ، فلما صلى وجلس ليحمد الله ويثني عليه إذا هو بصوت عال من خلف يقول : اللهم لك الحمد كله ولك الملك كله وبيدك الخير كله وإليك يرجع الأمر كله علانيته وسره لك الحمد إنك على كل شيء قدير [ اللهم ] اغفر لي ما مضى من ذنوبي واعصمني فيما بقي من عمري وارزقني أعمالاً زاكية ترضى بها عني وتب عليّ ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فقص عليه فقال : ذاك جبريل ) .
وأخرج الطبراني ، والبيهقي عن محمد بن مسلمة قال : ( مررت على رسول الله صلى الله عليه وسلّم واضعاً خده على خد رجل فلم أسلم ثم رجعت فقال لي : ما منعك أن تسلم ؟ قلت : يا رسول الله رأيتك فعلت بهذا الرجل شيئاً ما فعلته بأحد من الناس فكرهت أقطع عليك حديثك فمن كان يا رسول الله ؟ قال : جبريل ) . وأخرج الحاكم عن عائشة قالت : ( رأيت جبريل واقفاً في حجرتي هذه ورسول الله صلى الله عليه وسلّم يناجيه فقلت يا رسول الله من هذا ؟ قال : بمن شبهته قلت بدحية قال : لقد رأيت جبريل ) . وأخرج البيهقي عن حذيفة قال : ( صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلّم ثم خرج فتبعته فإذا عارض قد عرض له فقال لي : يا حذيفة هل رأيت العارض الذي عرض لي ؟ قلت : نعم قال : ذاك ملك من الملائكة لم يهبط إلى الأرض قبلها استأذن ربه فسلم علي وبشرني بالحسن والحسين أنهما سيدا شباب أهل الجنة وأن فاطمة سيدة نساء أهل الجنة ) .
وأخرج أحمد ، والبخاري تعليقاً ، ومسلم ، والنسائي ، وأبو نعيم ، والبيهقي كلاهما في(2/253)
"""""" صفحة رقم 254 """"""
دلائل النبوة عن أسيد بن حضير أنه بينما هو يقرأ من الليل سورة البقرة وفرسه مربوطة عنده إذ جالت الفرس فسكت فسكنت ثم قرأ فجالت فسكت فسكنت فرفع رأسه إلى السماء فإذا هي بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء حتى ما يراها فلما أصبح حدث رسول الله صلى الله عليه وسلّم بذلك فقال : تلك الملائكة دنت لصوتك ولو قرأت لأصبحت تنظر الناس إليها لا تتوارى منهم . وأخرج الواقدي وابن عساكر عن عبد الرحمن بن عوف قال : رأيت يوم بدر رجلين عن يمين النبي صلى الله عليه وسلّم أحدهما وعن يساره أحدهما يقاتلان أشد القتال ثم ثلثهما ثالث من خلفه ثم ربعهما رابع أمامه .
وأخرج إسحاق بن راهويه في مسنده ، وابن جرير في تفسيره ، وأبو نعيم ، والبيهقي كلاهما في دلائل النبوة عن أبي أسيد الساعدي رضي الله عنه أنه قال بعد ما عمي : لو كنت معكم ببدر الآن ومعي بصري لأخبرتكم بالشعب الذي خرجت منه الملائكة لا أشك ولا أتمارى .
وأخرج البيهقي عن أبي بردة بن نيار قال : ( جئت يوم بدر بثلاثة رؤوس فوضعتهن بين يدي النبي صلى الله عليه وسلّم فقلت يا رسول الله أما رأسان فقتلتهما وأما الثالث فإني رأيت رجلاً أبيض طويلاً ضربه فأخذت رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ذاك فلان من الملائكة ) .
وأخرج البيهقي عن ابن عباس قال : كان الملك يتصور في صورة من تعرفون من الناس يثبتونهم فيقول إني دنوت منهم فسمعتهم يقولون لو حملوا علينا ما ثبتنا ليسوا بشيء فذلك قوله تعالى : ) إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم فثبتوا الذين آمنوا ( .
وأخرج أحمد ، وابن سعد ، وابن جرير ، وأبو نعيم في الدلائل عن ابن عباس قال : ( كان الذي أسر العباس أبو اليسر كعب بن عمرو وكان أبو اليسر رجلاً جموعاً وكان العباس رجلاً جسيماً فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : يا أبا اليسر كيف أسرت العباس ؟ فقال : يا رسول الله لقد أعانني عليه رجل ما رأيته قبل ذلك ولا بعده هيئته كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : لقد أعانك عليه ملك كريم ) . وأخرج ابن سعد ، والبيهقي عن عمار بن أبي عمار : ( أن حمزة بن عبد المطلب قال : يا رسول الله أرني جبريل في صورته قال : اقعد فقعد فنزل جبريل على خشبة كانت في الكعبة فقال النبي صلى الله عليه وسلّم : ارفع طرفك [ فانظر فرفع طرفه ] فرأى قدميه مثل الزبرجد الأخضر ) . وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب القبور ، والطبراني في الأوسط عن ابن عمر قال : ( بينا أنا أسير بجنبات بدر إذ خرج رجل من حفرة في عنقه سلسلة فناداني يا عبد الله اسقني وخرج رجل من تلك الحفرة في يده سوط فناداني يا عبد الله لا تسقه فإنه كافر ثم ضربه بالسوط حتى عاد إلى حفرته ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلّم فأخبرته فقال لي : أوَقد رأيته ؟ قلت : نعم قال : ذاك عدو الله أبو جهل وذاك عذابه إلى يوم القيامة ) .
محل الاستدلال رؤيته الرجل الذي خرج عقبه وضربه بالسوط فإنه الملك الموكل بتعذيبه ، وأخرج ابن أبي الدنيا ، والطبراني ، وابن عساكر من طريق عروة بن رويم عن(2/254)
"""""" صفحة رقم 255 """"""
العرباض بن سارية الصحابي رضي الله عنه أنه كان يحب أن يقبض فكان يدعو اللهم كبرت سني ووهن عظمي فاقبضني إليك قال : فبينما أنا يوماً في مسجد دمشق وأنا أصلي وأدعو أن أقبض إذا أنا بفتى شاب من أجمل الرجال وعليه رواح أخضر فقال : ما هذا الذي تدعو به ؟ قلت : وكيف أدعو ؟ قال : قل اللهم حسن العمل وبلغ الأجل قلت : من أنت يرحمك الله ؟ قال : أنا رتاييل الذي يسل الحزن من صدور المؤمنين ثم التفت فلم أر أحداً ، وأخرج ابن عساكر في تاريخه عن سعيد بن سنان قال : أتيت بيت المقدس أريد الصلاة فدخلت المسجد فبينما أنا على ذلك إذ سمعت حفيفاً له جناحان قد أقبل وهو يقول : سبحان الدائم القائم ، سبحان الحي القيوم ، سبحان الملك القدوس ، سبحان رب الملائكة والروح ، سبحان الله وبحمده ، سبحان العلي الأعلى سبحانه وتعالى ، ثم أقبل حفيف يتلوه يقول مثل ذلك ، ثم أقبل حفيف بعد حفيف يتجاوبون بها حتى امتلأ المسجد فإذا بعضهم قريب مني فقال : آدمي ؟ قلت : نعم قال لا روع عليك هذه الملائكة .
تذنيب : ومما يمكن أن يدخل هنا ما أخرجه أبو داود من طريق أبي عمير بن أنس عن عمومة له من الأنصار أن عبد الله بن زيد قال : يا رسول الله إني لبين نائم ويقظان إذ أتاني آت فأراني الأذان ، وكان عمر بن الخطاب قد رآه قبل ذلك فكتمه عشرين يوماً ، وفي كتاب الصلاة لأبي نعيم الفضل بن دكين أن عبد الله بن زيد قال : لولا اتهامي لنفسي لقلت إني لم أكن نائماً ، وفي سنن أبي داود من طريق ابن أبي ليلى : ( جاء رجل من الأنصار فقال يا رسول الله رأيت رجلاً كأن عليه ثوبين أخضرين فأذن ثم قعد قعدة ثم قام فقال مثلها إلا أنه يقول قد قامت الصلاة ولولا أن يقول الناس لقلت إني كنت يقظاناً غير نائم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( لقد أراك الله خيراً ) .
قال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود قوله : إني لبين نائم ويقظان مشكل لأن الحال لا يخلو عن نوم أو يقظة فكان مراده أن نومه كان خفيفاً قريباً من اليقظة فصار كأنه درجة متوسطة بين النوم واليقظة . قلت : أظهر من هذا أن يحمل على الحالة التي تعتري أرباب الأحوال ويشاهدون فيها ما يشاهدون ويسمعون ما يسمعون والصحابة رضي الله عنهم هم رؤوس أرباب الأحوال ، وقد ورد في عدة أحاديث أن أبا بكر ، وعمر ، وبلالاً رأوا مثل ما رآى عبد الله بن زيد ، وذكر إمام الحرمين في النهاية والغزالي في البسيط أن بضعة عشر من الصحابة كلهم قد رأى مثل ذلك ، وفي الحديث [ أن ] الذي نادى بالأذان فسمعه عمر ، وبلال جبريل أخرجه الحارث بن أبي أسامة في مسنده ، ويشبه هذا ما أخرجه ابن عساكر في تاريخه عن محمد بن المنكدر قال : ( دخل رسول الله صلى الله عليه وسلّم على أبي بكر فرآه ثقيلاً فخرج من عنده فدخل على عائشة ليخبرها بوجع أبي بكر إذ دخل أبو بكر يستأذن فدخل فجعل النبي صلى الله عليه وسلّم يتعجب لما عجل الله له من العافية فقال ما هو إلا أن خرجت من عندي فغفوت فأتاني جبريل عليه السلام فسعطني سعطة فقمت وقد برأت فلعل هذه غفوة حال لا غفوة نوم ) .(2/255)
"""""" صفحة رقم 256 """"""
الفتاوي النحوية وما ضم إليها
مسألة : قول ابن المصنف : حد النحو في الاصطلاح عبارة عن العلم بأحكام مستنبطة من استقراء كلام العرب أعني أحكام الكلم في ذواتها وما يعرض لها بالتركيب ، هل قوله وما يعرض لها بأو أو بالواو وما معنى ذلك ؟ .
الجواب : هو بالواو قصد بذلك حد النحو على مصطلح أبيه الشامل للإعراب والتصريف معاً ، فأحكام الكلم في ذواتها هو المبحوث عنه في التصريف ، وما يعرض لها بالتركيب هو المبحوث عنه في الإعراب ويطلق النحو إطلاقاً النحو إطلاقاً آخر على ما يرادف الإعراب ويقابل التصريف وله حد غير ما ذكر .
مسألة : في قوله صلى الله عليه وسلّم : ( من شهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله والجنة حق والنار حق ) هل الجنة بالرفع أو النصب ؟ .
الجواب : هو بالنصب لا يجوز غيره لأنه الذي يستقيم به المعنى ، ولا ينافي هذا قول النحاة يجوز الرفع بعد استكمال الخبر لأنه حيث جاز أن يكون مستأنفاً والاستئناف هنا يخل بالمعنى إذ يصير المراد الإخبار بأن الجنة حق وليس مراداً ، وإنما المراد إدخاله في المشهود به فتعين النصب .
مسألة : ما إعراب قوله صلى الله عليه وسلّم : ( حبب إلي من دنياكم ثلاث : النساء والطيب وقرة عيني في الصلاة ) ؟ .
الجواب : ليس في الحديث لفظ ثلاث ، وأما إعرابه : ( فحبب ) فعل مبني للمفعول والظرفان بعده متعلقان به . ( والطيب ) مرفوع به نائباً عن الفاعل . ( والنساء ) معطوف عليه . وأما بقية الحديث فلفظ : ( وجعل قرة عيني في الصلاة ) : ( فقرة ) مفعول جعل الأول أقيم مقام فاعله لما بني للمفعول والجار والمجرور مفعوله الثاني ، ومن زاد في الحديث لفظه ثلاث فقد وهموه لأن الصلاة ليست من أمور الدنيا فالمخصوص بحبه من أمر الدنيا إثنان النساء والطيب وهما بالنسبة إليه دين لا دنيا ولهذا قال : من دنياكم ولم يقل من دنياي ولا من الدنيا ، فأشار بهذه الإضافة إلى أنهما من دنيا الناس لأنهم يقصدونهما للاستلذاذ وحظوظ النفس وهو صلى الله عليه وسلّم منزه عن ذلك ، إنما حبب إليه النساء لينقلن عنه محاسنه ومعجزاته الباطنة وأحكام الشريعة التي لا يطلع عليها الرجال غالباً وللقيام بأودهن وليتشرف أصحابه بمصاهرته وغير ذلك من الفوائد الدينية ، وحبب إليه الطيب لملاقاته الملائكة وهم يحبونه ويكرهون الريح الخبيثة ، ولهذا امتنع من أكل الثوم ونحوه لأجل أن جبريل يأتيه ، وقد ورد(2/256)
"""""" صفحة رقم 257 """"""
في الملائكة أنهم لا يأكلون ولا يشربون ولكن يجدون الريح .
مسألة : قوله صلى الله عليه وسلّم للجارية التي دعته لحاجتها : ( اجلسي في أي سكك المدينة شئت أجلس إليك ) هل أجلس بالجزم أم بالرفع أم بالوجهين ؟ .
الجواب : المعروف في هذا وأمثاله الجزم وبه ورد القرآن قال تعالى : ) قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة ( والأشهر في توجيهه أنه جواب شرط محذوف .
مسألة : قول الخزرجية :
إذا استكمل الإجزاء بيت كحشوه
عروض وضرب ثم أو خولفت وفا
علام رفع قوله عروض وضرب ؟ .
الجواب : عروض مبتدأ وضرب عطف عليه والجار والمجرور وهو كحشوه الخبر وتقديمه هو الذي سوغ الابتداء بالنكرة والتقدير كالحشو في الاستكمال العروض والضرب .
مسألة : في قوله صلى الله عليه وسلّم فيما رواه البخاري : ( لو كان ذاك وأنا حي فأستغفر لك ) هل لفظ فأستغفر بالنصب أو بالرفع ؟ .
الجواب : هو بالنصب بتقدير أن بعد الفاء في جواب لو وهي للتمني لا للشرط على حد قوله تعالى : ) فلو أن لنا كرة فنكون من المؤمنين ( ولا يصح كون ( لو ) في الحديث للشرط لوجوه : أحدها : أن هذا إخبار عن مستقبل ( لو ) إنما تقع شرطاً في المضي وإذا وقع المضارع بعدها أول بالمضي . الثاني : أن لو الشرطية لا يقع جوابها مضارعاً بل ماضي اللفظ والمعنى . الثالث : أن جواب الشرط إذا كان مضارعاً لا يجوز اقترانه بالفاء بالإجماع فعلم بذلك كله أن لو هنا للتمني لا للشرط .
مسألة : في إعراب تركيب وقع في بعض الكتب نصه ولا يمكن الوارث أخذها ؛ هل الوارث مرفوع على الفاعلية وأخذها بالنصب على المفعولية أو بالعكس ؟ .
الجواب : الوارث هو المفعول المنصوب وأخذها هو الفاعل المرفوع لا يجوز غير ذلك ، ومن عكس فهو عارض من علم العربية بالكلية وذلك مأخوذ من قاعدة قررها أهل النحو واتفقوا عليها منهم الزجاجي في الجمل ، وابن هشام في المغني فقالا : إذا اشتبه عليك الفاعل من المفعول فرد الاسم إلى الضمير ، فما رجع إلى ضمير المتكلم المرفوع فهو الفاعل ، وما رجع إلى ضميره المنصوب فهو المفعول ، وقال ابن هشام : تقول أمكن المسافر السفر بنصب المسافر لأنك تقول أمكنني السفر ولا تقول أمكنت السفر انتهى ، وكذلك التركيب المسئول عنه لو رجعت الوارث إلى الضمير لقلت في التكلم ولا يمكنني أخذها وفي الخطاب ولا يمكنك أخذها وفي الغيبة ولا يمكنه أخذها ، فالضمائر كلها منصوبة وأخذها هو الفاعل ، وكذا الوارث الواقع موقعه ، ومن ظن أن الوارث هو الفاعل لكونه من ذوي العقل دون الأخذ فهو في غاية الوهم ، كيف والإمكان وعدمه إنما هو متعلق بالأخذ لا بالوارث ، ومن نظائر ذلك قوله تعالى : ) كمثل غيث أعجب الكفار نباته ((2/257)
"""""" صفحة رقم 258 """"""
وقوله تعالى : ) لا ينال عهدي الظالمين ( في آيات أخرى ترى الفاعل فيها غير أولي العقل .
مسألة : فيمن سمع إنساناً ينشد قول العلامة ناصح الدين الأرجاني :
هذا الزمان على ما فيه من كدر
حكى انقلاب لياليه بأهليه
غدير ماء تراءى في أسافله
خيال قوم تمشوا في نواحيه
فالرأس ينظر منكوساً أسافله
والرجل ينظر مرفوعاً أعاليه
فأعرب الرأس مبتدأ وينظر المبني لما لم يسم فاعله خبر والضمير المستتر فيه العائد إلى الرأس معمول لينظر ومنكوساً حال منه ، وأسافل منصوب على الظرف والضمير المتصل به عائد إلى الغدير ، وتقدير الكلام ينظر الرأس حال كونه منكوساً أسافل الغدير والظرف متعلق بينظر وكذا النصف الثاني فيكون تقديره ينظر الرجل حال كونه مرفوعاً في أعالي الغدير ، فيكون الشاعر قد شبه رأس الإنسان برأس الإنسان والرجل بالأسافل ، والغدير في حال تمثل الإشكال فيه منقلبة بالزمان في انقلابه بأهله ومراتب العلو والسفل الواقع في الحسن بمشاهدة الإشكال المنتكسة في الغدير الموهومة أنها سطوح وقيعان الغدير مراتب الدنيا ومناصبها ويكون سكن ياء أعاليه للضرورة ، فهل هذا الإعراب صحيح مستقيم أو فاسد باطل ؟ أوله وجه ما في الجملة أو ما قاله من رد على هذا المعرب هو الصواب ، وهو أن أسافل مرفوع على أنه معمول لينظر أعني أنه النائب عن الفاعل ، والمراد به أعني الأسافل الأرجل والضمير المتصل به عائد إلى الرأس ، والمراد بالرأس هنا الإنسان من باب إطلاق الجزء وإرادة الكل ، وأن هذا مثل قولهم فلان رأس بني فلان ، وعندي خمسون رأساً من الإبل ، ومنكوساً حال من الرأس فيكون تقدير الكلام ينظر أسافل الإنسان حال كون الإنسان منكوساً فهل هذا الإعراب صحيح ؟ وما اعتبره من مجاز الرأس معتبر علاقته بينه وقرينته الصارفة عن اللفظ المستعمل عما وضع له في التخاطب صالحة أو لا لأنه لا اعتبار لكون الإنسان شريفاً أو وضيعاً بالنسبة إلى تمثل خياله في الغدير ، وإنما الاعتبار في إنكاس الرأس المشبهة بصاحب الفضل والكمال والشرف المعتبر عند أهل النظر والعقل وارتفاع الرجل المشبه بأراذل الناس وسقاطهم ، وعلى تقدير صحة كل ذلك هل يتمشى ذلك له في النصف الثاني من البيت ؟ وهل قول القائل إن إطلاق الرأس على الإنسان في مثل هذا الموضع أعني حيث لا علاقة ولا قرينة لم يستعمله أحد من العرب ولا من غيرهم من المولدين وأرباب البلاغة والفصاحة مثل أن يقال رأيت رأساً ويريد شخصاً من الإنسان من غير حصول قرينة تدل على ذلك وإن مثل ذلك غير فصيح بل غير جائز ، وإن قيل بجوازه فهو مستهجن غير مألوف صحيح ؟ وهل يكون قول القائل في جواز ذلك صرح الأصوليون بعدم إشتراط الوضع في المجاز سفسطة وهذياناً ؟ .(2/258)
"""""" صفحة رقم 259 """"""
الجواب : الإعراب الأول هو الصواب ، والثاني الذي قاله الراد خطأ بالكلية لا وجه له ولو أعربه على وجه آخر فقال إن النائب عن الفاعل ضمير ينظر وأسافله مرفوع بالوصف قبله على أنه نائب فاعل اسم المفعول على حد زيد يصبح مضروباً غلامه وكذا المصراع الثاني لكان له وجه في الجملة ومع إمكان هذا الوجه فالأول هو الصواب ، ولهذا الوجه قادح خفي .
وأما الوجه الذي قاله الراد فلا وجه له البتة وهو خطأ صراح والقدح فيه أظهر من أن ينبه عليه ، وكيف يصح ما ذكره من المعنى وهو أن التقدير ينظر أسافل الإنسان حال كون الإنسان منكوساً وهو ينظر بجملة أسافله وأعاليه معاً ؟ وأيضاً فلا يتم له التشبيه الذي عقد البيت لأجله ، وأيضاً فالنكس قلب الأعلى أسفل لا عكسه الذي قرره هذا الراد وهو قلب الأسفل أعلى فذاك يسمى رفعاً لا نكساً ، فلهذا عبر الشاعر في الرأس بمنكوس وفي الرجل بمرفوع ، ولو كان ما قرره هذا الراد كانت العبارة فالإنسان أو فالرأس أي الإنسان ينظر مرفوعة أسافله ، وأيضاً فجعل منكوساً حالاً من الرأس يقدح فيه بأمرين : كونه من المبتدأ وأكثر النحاة على منعه ، وكونه يشعر بأن الإنسان إذا قام على الغدير يكون له حالتان : حالة يكون فيها منكوساً وحالة لا يكون فيها كذلك ، وليس الأمر كذلك بل لا يكون إلا منكوساً ، والأصل في الحال الانتقال ، فإذا جعل حالاً من ضمير ينظر خلا من هذا القادح واستعمال الرأس هنا بمعنى الإنسان لا يمكن تصحيحه ، أما أولاً فلفساد المعنى المراد من التشبيه الذي ساق الشاعر الكلام لأجله ، وأما ثانياً فلأن مقابلته بالرجل تأبى ذلك هذا هو المعول عليه هنا في إبطال ذلك وأما عدم القرينة والتنظير برأيت رأساً فلا مدخل له هنا ، وأما قول القائل في جواب ذلك : صرح الأصوليون بعدم اشتراط الوضع في المجاز فكلام غير واقع موقعه ولا له تعلق بالمقصود وهذا البيت لا تؤخذ معرفته من علم الأصول بل من علم البلاغة وتوابعه وكذلك البيان والبديع والإنشاء والترسل ونقد الشعر :
وللعلوم رجال يعرفون بها
وللدواوين كتاب وحساب
مسألة : ما الفرق بين المثيل والشبيه والنظير ؟ .
الجواب : المثيل أخص الثلاثة ، والشبيه أعم من المثيل وأخص من النظير ، والنظير أعم من الشبيه ، وبيان ذلك أن المماثلة تستلزم المشابهة وزيادة ، والمشابهة لا تستلزم المماثلة فلا يلزم أن يكون شبه الشيء مماثلاً له ، والنظير قد لا يكون مشابهاً ، وحاصل هذا الفرق أن المماثلة تقتضي المساواة من كل وجه ، والمشابهة تقتضي الاشتراك في أكثر الوجوه لا كلها ، والمناظرة تكفي في بعض الوجوه ولو وجهاً واحداً ، يقال هذا نظير هذا في كذا وإن خالفه في سائر جهاته ، ويؤيد هذا الذي قلته من المنقول ما نقله الشيخ سعد الدين في شرح العقائد عن الأشعرية أن المماثلة عندهم إنما تثبت بالاشتراك في جميع الأوصاف حتى لو اختلفا في وصف واحد انتفت المماثلة ، وأما اللغويون فإنهم جعلوا المثيل والشبيه والنظر بمعنى واحد .(2/259)
"""""" صفحة رقم 260 """"""
مسألة : قول الداعي : اللهم أرنا وجه نبينا وأوردنا حوضه هل صوابه وأوردنا أو أردنا وهل بينهما فرق من جهة المادة والنقل والمعنى ؟ .
الجواب : الصواب أوردنا من الورود والماضي أورد ومضارعه يورد وأما أردنا فهو من الإرادة ولا معنى له هنا .
مسألة : في قوله صلى الله عليه وسلّم : ( أوَ مخرجيّ هم ) كيف عطف وهو إنشاء على قول ورقة إذ يخرجك قومك وهو خبر وعطف الإنشاء على الخبر لا يجوز ، وأيضاً فهو عطف جملة على جملة والمتكلم مختلف ؟ .
الجواب : القول بأن عطف الإنشاء على الخبر لا يجوز هو رأي أهل البيان والأصح عند أهل العربية جوازه ، وأهل البيان يقدرون في مثل ذلك جملة بين الهمزة والواو وهي المعطوف عليها فالتركيب سائغ على رأي أهل الفنين ، أما المجوزون لعطف الإنشاء على الخبر فواضح . وأما المانعون فعلى التقدير المذكور أقول : ويصح أن تكون جملة الاستفهام معطوفة على جملة التمني في قوله : ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك بل هذا هو الظاهر فيكون المعطوف عليه أول الجملة لا ذيلها الذي هو ظرف متعلق بها ، والتمني إنشاء فهو من عطف الإنشاء على الإنشاء ، وأما العطف على جملة في كلام الغير فسائغ معروف في القرآن والكلام الفصيح قال تعالى : ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماماً قال ومن ذريتي ( .
مسألة : قال الشاعر :
ومستودع عندي حديثاً يخاف من
إذاعته في الناس أن ينفد العمر
هل يجوز أن يقدر فيه إلى لأن المعنى ينحل إلى أن المودع يخاف إذاعة سره في الناس ما دام حياً إلى حين نفاد عمره أو يمتنع تقدير إلى ، وقول الآخر :
ومودع سره عندي ويحذر أن
أبديه مني إلى أن ينفد العمر
هل دخول إلى في هذا البيت ممتنع ؟ وإذا لم يمتنع فهل يجوز أن يكون هذا البيت شاهداً على تقدير إلى في البيت الأول ؟ .
الجواب : البيت الأول وإن أمكن أن يقدر فيه إلى على بعد لكن الأظهر أن لا تقدر فيه لأن أن ينفد في محل مفعول يخاف ، فمتى قدر فيه إلى لزم كونه يخاف بلا مفعول فيصير المعنى ركيكاً ، ولأن تقدير إلى التي هي لانتهاء الغاية لا تكون إلا بعد تقدم من التي هي لإبتداء الغاية والبيت خال منها فيكون تقديرها من حيث اللفظ ركيكاً ، فلما اجتمع في تقديرها ركاكة اللفظ والمعنى وجب العدول عنه . وأما البيت الثاني فمفعول يحذر موجود وهو أن وصلتها وابتداء الغاية موجود وهو متى فجاز أن يقابل بإلى وكل بيت له معنى يخصه أوجب ذلك ، ثم تذكرت قاعدة في العربية تقتضي أن البيت الأول لا يجوز تقدير إلى فيه بوجه من الوجوه وذلك أن النحاة نصوا على أنّ إن وأن المصدريتين(2/260)
"""""" صفحة رقم 261 """"""
لا يحذف معهما من حروف الجر ، إلا ما دل عليه الفعل السابق لكونه يعدي بذلك الحرف فيقال مثلاً : عجبت أن تقوم فيقدر من لأن عجبت يتعدى بمن ، وفرحت أن تقوم فتقدر الباء لأن فرح يتعدى بالباء ، ورغبت أن تجيء فيقدر في لأن رغبت يتعدى بفي ، وهذا البيت فيه من الأفعال يخاف وهو إنما يتعدى بمن لا بإلى ومن المعدية له موجودة فلا يجوز تقدير إلى فيما بعده لأن الفعل لا يدل عليها ، وهذه قاعدة نفيسة ينبغي أن تحفظ .
مسألة :
يا عالماً فاق أهل العصر والأثر
وزان أهل النهي في الخبر والخبر
هل لام يطلع مضموم ويضبطها
بذاك ذاكرها في البدو والحضر
أو ينصبوها وضم اللام ذا خطأ
كما نفوه شخص من أولي الفكر
وما تحقق من قول الذين مضوا
وصنفوا كتباً في الصرف للبشر
لا زال مجدك محروساً بأربعة
بالعز والنصر والإقبال والظفر
الجواب :
الحمد لله مزجي السحب بالمطر
ثم الصلاة على المختار من مضر
بالضم يطلع منقول وشاهده
تطلع على قوم المقروء في الزبر
مسألة :
يا عالماً زاده رب العلا شرفاً
على رجال سموا بالفضل والأدب
هل رسم أرجو وأشباه لها كتبوا
بالواو مع ألف أمضوه في الحقب
أو واوها آخراً فاكشف لنا كرباً
لا زلت تنجدنا في السلم والحرب
الجواب :
الحمد لله حمداً دائماً أبدا
ثم الصلاة على خير الهدى العربي
ما كان فعلاً لفرد ما به ألف
وفعل جمع به زد هذه تصب
مسألة : خطيب قال في خطبته : والله لتشربن كأساً أمالت الرؤوس ودقت عنقاً قالها بضم الدال فاعترضه معترض وقال إنما هي بفتح الدال مبني وعنقاً مفعول .
الجواب : الخطيب مصيب والمعترض مخطىء ، ودقت بضم الدال مبني للمفعول ، وعنقاً تمييز محول عن النائب عن الفاعل وكان الأصل أمالت الرؤوس ودقت أعناقها ، فلما حول أسند دقت إلى ضمير الرؤوس وانتصب ما بعده تمييزاً فأفرد كما هو من قواعد التمييز ويوهي كونه بالفتح ونصب عنقاً مفعولاً الذي جنح إليه المعترض كون العنق بصيغة الإفراد والكأس لم تدق عنقاً واحدة بل دقت أعناقاً كثيرة كما أمالت رؤوساً كثيرة فذكر العنق بالإفراد على أنها مفعول في مقابلة الرؤوس التي هي جمع ركيك .(2/261)
"""""" صفحة رقم 262 """"""
مسألة : حديث : ( كما تكونوا يولى عليكم ) لم حذفت النون من تكونوا دون ناصب وجازم ؟ .
الجواب : هذا الحديث روي هكذا بلا نون في شعب الإيمان للبيهقي وغيره ، وقد خرج على ثلاثة أوجه : أحدها : أنه على لغة من يحذف النون دون ناصب وجازم كقول الشاعر : أبيت أسري وتبيتي تدلكي . وخرج على هذه اللغة من الحديث قوله صلى الله عليه وسلّم : ( لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ) . الثاني : وهو رأي الكوفيين ، والمبرد أنه منصوب أورده شاهداً على مذهبهم أن كما تنصب وعدوها من نواصب المضارع وهو مذهب ضعيف . والثالث : أنه من تغييرات الرواة .
مسألة : قول الموثقين زوجاً باب ما مدلول هذا اللفظ ؟ .
الجواب : مدلوله كمدلول مصراعي الباب وهما الفردتان المركبتان عليه ، قال في الصحاح : الزوج خلاف الفرد وكل منهما يسمى زوجا يقال هما زوجان للاثنين وهما زوج كما يقال هما سيان وهما سواء ، وتقول اشتريته زوجي حمام وأنت تعني ذكراً وأنثى ، وعندي زوجا نعل وقال تعالى : ) من كل زوجين اثنين ( .
مسألة : في إعراب تركيب وقع في بعض الكتب نصه يقتضي بالشفعة دافعاً عهدتها الدفع إلى ذي اليد هل دافعا حال من الفاعل وهو الدفع أو من النائب عنه وهو بالشفعة ؟ .
الجواب : الوجه إعرابه حالاً من النائب عن الفاعل وهو بالشفعة لا من الدفع الذي هو فاعل إسم الفاعل وهو دافع ، والذي ذكر أنه حال منه إنما هو تفسير معنى لا تفسير إعراب ، وتفسير المعنى يتسمح فيه من غير مراعاة ما تقتضيه الصناعة الإعرابية ، والذي تقتضيه الصناعة قطعاً هو كونه حالاً من بالشفعة وإن كان في المعنى إنما هو صفة للدفع فهو حال سببية جارية على غير من هي له كالصفة السببية والخبر السببي فهو كقولك : جيء بهند ضارباً أبوها عمراً ، فضارباً حال من بهند لا من أبوها الفاعل به وإن كان في المعنى له ، ونظيره في الصفة : مررت بامرأة ضارب أبوها عمراً ، وفي الخبر هند ضارب أبوها عمراً ، فضارب صفة لامرأة لا لأبيها وخبر عن هند لا عن أبيها وإن كان في المعنى إنما هو للأب ، وتفكيك العبارة يقضي بالشفعة حال كونها دافعاً عهدتها الدفع إلى آخره ، ولو أعرب حالاً من الدفع لكان حقه التأخير ، وحينئذ يصير التركيب يقضي بالشفعة الدفع إلى ذي اليد دافعاً عهدتها وهذا تركيب مفلت غير ملتئم ، وأعجب من ذلك أن يظن أن دافعاً حال من الدفع وهو فاعل به وفي ذلك محذوران من جهة العربية أحدهما : أنه باعتبار كونه حالاً منه حقه التأخير عنه ، وباعتبار كونه عاملاً في الدفع الفاعلية حقه التقدم عليه وهذان أمران متناقضان . الثاني : أن اسم الفاعل هنا وهو دافع إنما سوغ عمله الفاعلية والمفعولية كونه حالاً كما تقرر في العربية أنه إنما يعمل في مواضع مخصوصة منها كونه حالاً ، فلا بد أن(2/262)
"""""" صفحة رقم 263 """"""
يكون حالاً قبل العمل حتى يصح علمه ، فلا يصح أن يعمل الفاعلية ثم يصير حالاً من الفاعل لأنه عمل قبل وجود الشرط وذلك باطل بالإجماع .
مسألة : في قول القاضي عياض في الفصل الخامس عقب الكلام على آيات النجم : اشتملت هذه الآيات على إعلام الله تعالى بتزكية جملته صلى الله عليه وسلّم وعصمتها من الآفات في هذا المسرى فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه وقع في بعض النسخ فزكى قلبه بقوله تعالى : ) ما كذب الفؤاد ( الآية بالفاء وفي بعضها بالواو فهل يتعين الإتيان بالفاء أو الواو ؟ فإن قلتم بالأول فما وجهه أو بالثاني فما وجهه ؟ .
الجواب : يتعين في مثل التعبير بالفاء وهي تفسيرية ولا يجوز التعبير بالواو ، ومن أمعن النظر في القرآن ، والحديث ، وكلام العرب ، والعلماء ، والبلغاء لم يمتر في ذلك ، فمن أمثلة ذلك قوله تعالى : ) أهلكناها فجاءها بأسنا ( فإن قوله : فجاءها بأسنا تفسير لأهلكنا والفاء تفسيرية ، وفي صحيح البخاري أنهم شكوا سعداً فشكوا أنه لا يحسن أن يصلي قال شراحه : الفاء هنا تفسيرية ، وقال جماعة في قوله تعالى : ) فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ( إن الفاء في فاقتلوا تفسيرية لأن توبتهم كانت نفس القتل ، وكذا قول صاحب الشفاء فزكى قلبه بقوله إلى آخره تفسير لقوله قبله فزكى فؤاده ، وقوله فزكى فؤاده ولسانه وجوارحه تفسير لقوله اشتملت هذه الآيات على إعلام الله بتزكية جملته والتعبير في مثل ذلك بالواو مخل بالمعنى والله أعلم .
مسألة : في تعريف اللفظ بالصوت المشتمل على بعض الحروف هل هو غير جامع ؟ وإذا قلتم أنه غير جامع فلم اقتصر عليه الموضح وغيره من النحاة مع أنه زاده في موضع آخر فقال : هو الصوت المشتمل على بعض الحروف أو ما هو في قوة ذلك وهو المراد بقول بعضهم بالفعل أو بالقوة ؟ .
الجواب : نعم هو جامع لأنه يخرج عنه الحرف الواحد كواو العطف وفائه وباء الجر ولامه إذ لا يقال في الجر إنه مشتمل على نفسه ، وقد اعترض المحققون بذلك على ابن المصنف في حياته وسلمه قال بعضهم : فالأحسن تعريف اللفظ بالصوت المعتمد على مقطع فإنه تعريف سالم من كل إيراد ولهذا عبرت به في شرحي .
مسألة : يا حبذا أنت الوسيلة والقصدا هل هو تركيب صحيح أو لا ؟ وإذا كان صحيحاً فما وجه نصب الوسيلة والقصد وهل يجوز رفعهما ؟ .
الجواب : النصب في مثل هذا واجب لكن شرطه أن يقع نكرة ، واختلف هل هو حال أو تمييز كقول الشاعر : ألا حبذا قوما سليم فإنه . وقول الآخر :
حبذا الصبر شيمة لامرىء رام
مباراة مولع بالمعالي(2/263)
"""""" صفحة رقم 264 """"""
فتعريفه إما على حد تعريف الحال في قراءة من قرأ ) ليخرجن الأعز منها الأذل ( أو التمييز في قوله : وطبت النفس يا قيس عن عمرو . لكن يحتاج إلى ثبوت أن النحاة يجيزون وقوع المعروف بعد حبذا قبل مخصوصها أو بعده وهو شيء لم يصرحوا به .
مسألة : في قول بعض الشعراء :
خذوا قودي من أسير الكلل
فوا عجباً من أسير قتل
هل المراد به الجفون ؟ .
الجواب : الكلل هنا جمع كلة وهي ستر مربع ، وقال الهروي : هو ستر رقيق يخاط كالبيت ويطلق أيضاً على الهودج والصوامع والقباب ، ولا يصح إرادة الجفون هنا لأن الشاعر أراد بالأسير هنا المرأة المخدرة المحجوبة ولا يصح أن تكون أسيرة لجفونها وإنما أسير جفونها هو الشاعر نفسه :
مسألة :
يا من غدا بمراح الصرف مشغولا
وحاز ما فيه منقولاً ومعقولا
ما الراح سابق رحراح بخطبته
أفده من لغة بقيت منقولا
موافقاً قال الشروح فكم
من فاضل صار بالإفضال مشمولا
وقوله قيل مردوفاً بآخره
بأجوف في بناء الفعل مجهولا
فإن معلومه قد صرفوه إلى
حد ويقصر ذا عن حده طولا
في بادىء الرأي يا من لا نظير له
ومن يرى عن خفايا العلم مسئولا
لا زلت في نعمة تبدي العلوم لمن
بالحق يعلم ما تبديه منقولا
الجواب :
لله حمداً أتى بالذكر مشمولا
من مخلص لا يرى بالغش معلولا
ثم الصلاة على الهادي وعترته
وصحبه الغر والتسليم منحولا
الراح لفظ أتى في النقل مشتركاً
له معان حكاها ذو يد طولى
منها الأراضي ذوات الاستواء بها
نبت رأيناه في القاموس منقولا
وقيل صرفه كالمعلوم لا حذر
كالكلمتان أيا أهل النهي قيلا
لا زال فضلك منشوراً بلا كدر
مؤيداً برداء العز مشمولا
مسألة : ما قولكم في جواب قول القائل ؟ :
يا بحر علم طافح رأينا
مقرونة بالغسل في المنهاج
بالرفع مضبوطاً لمنشيه وقد
جوز فيه النصب للمحتاج(2/264)
"""""" صفحة رقم 265 """"""
والقصد توجيه لكل منهما
ليرتوي من بحرك العجاج
الجواب :
لله حمد والصلاة للذي
قد خصه الوهاب بالمعراج
الرفع وصف نية لأنها
نكرة تجري على المنهاج
والنصف وصف نية محذوفة
معمولة المذكور في المنهاج
مسألة :
يا أيا علماء النحو هل مثل كافر
محلى بلام مثل جمع منكر
لتحكم فيما بعد إلا له تلت
بجر لوصف يا أخا المتفكر
فقد جاء في المنهاج ما هو موهم
وإن جاز غير النصب فامنن وذكر
فأنت لها كهف وأنت ملاذنا
فحمداً وشكراً للمليك الميسر
ونولي صلاة تستدام على الرضا
وآل وصحب للنبي المبشر
الجواب :
ألا الحمد لله العلي المقدر
وأثنى على الهادي النبي المبشر
محلى بلام الجنس تجري كجمعهم
وتتلى بالاستثناء من غير تنكر
فإن كان في نفي فابدله متبعاً
وإن شئت فانصبه بغير المشهر
وخرج على هذا الذي في عبارة النواوي
في المرتد والجر واذكر
وما صح في إلا هنا الوصف ظاهراً
فإن شروط الوصف منها هنا عري
فجر الثمد في إعراب أكمل الحمد
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : سئل شيخنا العلامة محيي الدين الكافيجي في سنة أربع وسبعين وثمانمائة عن قول القائل : الحمد لله أكمل الحمد هل أكمل متعين النصب أو يجوز الجر ؟ فإن ثم من قال بجوازه فوافقه الشيخ على جوازه بل وزاد ترجيحه ، وألف في المسألة مؤلفاً قال فيه ما ملخصه : أنه وصف سببي لله محول أصله أكمل حمده فحول بالإضافة ، وأنه نظير قولك مررت بالرجل قائم الأب فإن أصله قبل التحويل مررت برجل قائم أبوه فحول إلى ما ترى ، فاستتر الضمير في اسم الفاعل وأضيف إلى الأب ، وقولك مررت بالرجل حسن الوجه فإن أصله مررت برجل حسن وجهه ، وعلل ترجيحه بأنه لا يحتاج إلى إضمار والنصب يحتاج إلى إضمار ، هذا حاصل ما ذكره الشيخ . وأقول : المتعين في هذا التركيب النصب ولا يجوز الجر ، ووجهه أنه نائب مناب المصدر المحذوف الذي هو في الأصل وصف له(2/265)
"""""" صفحة رقم 266 """"""
تقديره حمداً أكمل الحمد ، قال النحاة في باب المفعول المطلق ومنهم ابن مالك في شرح الكافية ، وابن هشام في التوضيح يقوم مقام المصدر وصفه مضافاً إليه كسرت أحسن السير ومثل غيرهما بقولك ضربته أشد الضرب ، ومثله في شرح التسهيل بقول ليلى الأخيلية :
نظرت ودوني من عماية منكب
وبطن رداء أي نظرة ناظر
وبقول الآخر : وضائع أي جرى ما أردت به . ونظيره قوله تعالى : ) فلا تميلوا كل الميل ( فهذه الأمثلة كلها منصوبة على النيابة عن المصدر والمثال مثلها ، وعلم من ذلك دفع محذورين واردين أحدهما الإضمار الذي فرّ منه الشيخ فإنه إذا كان على وجه النيابة لا إضمار بل يكون المصدر محذوفاً وهذا قائم مقامه نيابة عنه . والثاني أنه قد يقال إن المصدر المقدر نكرة فكيف يوصف بالمعرف بالإضافة وقد علم أنه لا تقدير ولا إضمار ، وإنما حذف أصلاً وأقيم مقامه وصفه مضافاً إليه للبيان وكان أصله الحمد لله حمداً كمل بلا إضافة هذا توجيه النصب ، وأما امتناع الجر فيكاد يكون بديهياً لا يقام عليه دليل فإن أكمل صفة للحمد قطعاً لا لله : أما أولاً فلأن أوصافه تعالى توقيفية ولم يرد هذا الوصف فيها . وأما ثانياً فلأن الأصل عدم إطلاق أفعل التفضيل في حق الله إلا ما ورد مثل أكبر وأحسن الخالقين لما يشعر بالمشاركة . وأما ثالثاً فلأن المقصود وصف الحمد المثبت لله بالأكملية والبلوغ نهاية التمام لا وصف الله بذلك . وأما رابعاً فلأن العلماء عبروا بما يدل على أنه وصف للحمد لا لله ، ألا ترى إلى قول النووي في المنهاج : أحمده أبلع حمد وأكمله وأزكاه وأشمله ، فأتى بالجميع صفات للحمد ومصادر له . وقول الشيخ إنه نظير قولك مررت بالرجل قائم الأب مخالف لقواعد العربية من أربعة أوجه : الأول : أن هذا التركيب فاسد لا يقول أحد بصحته لأن الرجل معرفة وقائم الأب نكرة فإن إضافته لفظية لا تفيد التعريف فلا يصح وصف الرجل به وإنما توصف به النكرة كقوله تعالى : ) هدياً بالغ الكعبة ( وإنما يستقيم أن يقال مثلاً برجل قائم الأب وحينئذ تستحيل المسألة ، وكذا مررت بالرجل حسن الوجه .
الثاني : ما قاله من التحويل والإضافة إلى المرفوع لا يجوز في اسم الفاعل إجماعاً هو من خواص الصفة المشبهة وألحق بها في ذلك اسم المفعول نص عليه ابن مالك في كتبه وقال في الألفية : وقد يضاف ذا أي اسم المفعول إلى اسم مرتفع معنى كمحمود المقاصد الورع ، وقال في شرح الكافية : تفرد اسم المفعول بجواز إضافته إلى ما هو مرفوع معنى نحو زيد يكسو العبد ومحمود المقاصد وقال أبو حيان في شرح التسهيل : انفرد اسم المفعول بجواز إضافته إلى مرفوع بخلاف اسم الفاعل فإنه لا يجوز إضافته إلى فاعله لا تقول في مررت برجل ضارب أبوه زيداً برجل ضارب أبيه زيداً ، قال : الصحيح أنها أيضاً في اسم المفعول إضافة من منصوب لا من مرفوع . الثالث : أن قوله أصله أكمل حمده يؤدي إلى استعمال أكمل مقطوعاً عن الإضافة ومن وهو أمر لا يعرف في أفعل التفضيل . الرابع : أن قوله أن الأصل أكمل حمده وأن الحمد فاعل وأنه حول عن الفاعلية ثم أضيف(2/266)
"""""" صفحة رقم 267 """"""
إليه فاستتر الضمير غفلة عظيمة عن قواعد العربية فإن أفعل التفضيل لا يرفع الظاهر أصلاً إلا في مسألة الكحل ، وهذا المثال ليس من ضابطها بالإجماع فبطل هذا القول بلا نزاع والله تعالى أعلم .
ألوية النصر في خصيصي بالقصر
بسم الله الرحمن الرحيم
مسألة : قرأ قارىء عليّ في ختم كتاب الشفا بالخانقاه الشيخونية قوله : ويخصنا بخصيصي زمرة نبينا وجماعته فقرأها بخصيصي بالياء الساكنة آخرها على أن الكلمة مثناة مضافة لما بعدها فرددت عليه وقلت له : قل بخصيصي أعني بألف القصر وذلك بحضرة شيخنا الإمام العلامة محيي الدين الكافيجي فقال الشيخ : نعم بخصيصي يعني بالألف فقال القارىء المذكور : فيها الوجهان فقلت : ليس فيها إلا وجه واحد فذهب فكتب صورة سؤال وأخذ عليه خطوط جماعة بتصويب ما قاله وهم الشيخ أمين الدين الاقصرائي ، والشيخ زين الدين قاسم الحنفي ، والشيخ سراج الدين العبادي ، والحافظ فخر الدين الديمي ، والمحدث المؤرخ شمس الدين السخاوي ، فجمعت نقول أئمة العربية واللغة وأرسلتها إلى الجماعة المذكورين ما عدا السخاري فعرفوا الصواب في ذلك ورجعوا عما كتبوه أولاً وكتبوا ثانياً بتصويب ما قلته بالألف المقصورة فذهب القارىء إلى السخاوي يستنجد به فكتب له على سؤال آخر كتابة طويلة عريضة مضمونها أنه لا يرجع كما رجع هؤلاء وأن مستنده في ذلك أن عنده نسخة من الشفا صحيحة قرئت على شيوخ عدة وفيها صورة السكون مرقومة بالقلم على الياء فقلت كفى بهذا الكلام جهلاً ومن هذا مبلغ علمه فهو غني عن الرد عليه .
أطبقت أئمة اللغة والعربية على أخصيصي بألف القصر وقد تمد شذوذاً فيقال خصيصاء مصدر بمعنى الخصوصية يقال خصه بالشيء خصوصاً وخصوصية وخصيصي وخصيصاء في لغة وخاصة نصى على ذلك سيبويه في كتابه ، والسيرافي في شرحه ، والقالي في كتابه المقصور والممدود ، والفارابي في ديوان الأدب ، وابن فارس في المجمل ، ونشوان الحميري في شمس العلوم ، وابن دريد في الجمهرة ، والجوهري في الصحاح ، وابن سيده في المحكم ، والخفاف في شرح الجمل ، وأبو البقاء العكبري في اللباب ، والزمخشري في كتاب المصادر ، والعبسي في الخلاصة ، والصغاني في العباب ، وابن عصفور في الممتع ، والأزدي في الدرر ، وابن مالك في منظومته وشرحها ، وابنه في شرح الألفية وفي شرح لامية الأفعال ، وأبو حيان في شرح التسهيل ، وابن هشام في التوضيح . وابن جابر في منظومته ، والفيروزباذي في القاموس وخلائق ، ومن نظائرها الحثيثي ، والخطيبي والدليلي ، والزليلي ، والمكيثي في ألفاظ عدة ولم يرد خصيص البته حتى يقال في تثنيته خصيصان ، وقد عقد ابن دريد في الجمهرة باباً لفعيل وفعيلي فذكر ما جاء منهما ثم قال بعد ذلك ليس(2/267)
"""""" صفحة رقم 268 """"""
لمولد أن يبني فعيلاً إلا ما بينت العرب وتكلمت به ولو أجيز ذلك لقلب أكثر الكلام فلا تلتفت إلى ما جاء على فعيل مما لا تسمعه إلا أن يجيء به شعر فصيح .
الزند الوري في الجواب عن السؤال السكندري
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
مسألة : ورد من الإسكندرية سؤال صورته روي في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار ) قال الشيخ محيي الدين النووي في شرحه لصحيح مسلم : قوله صلى الله عليه وسلّم : لا يسمع بي أحد من هذه الأمة أي ممن هو موجود في زمني وبعدي إلى يوم القيامة فكلهم ممن يجب عليه الدخول في طاعته ، وإنما ذكر اليهودي والنصراني تنبيهاً على من سواهما ، فإذا كان هذا شأنهم مع أن لهم كتاباً فغيرهم ممن لا كتاب له أولى .
قلت : وقد أشكل هذا الحديث على بعض الناس من جهة تنزيل المقصود منه على القواعد النحوية ، فإن المقصود من الحديث أنه من سمع بنبينا عليه الصلاة والسلام ممن شملته بعثته العامة ثم مات غير مؤمن بما أرسل به كان من أصحاب النار ، وفي تنزيل لفظ الحديث على هذا المقصود قلق كما سيأتي ؛ وهذا الإشكال يعرض كثيراً في غير لفظ الحديث أيضاً كقولك : ما جاءني زيد إلا أكرمته ، وما أحسنت إلى لئيم إلا أساء إلي ، وما أنعمت على عمرو إلا شكر ، وأمثال ذلك كثيرة في الكتاب ، والسنة ، وكلام العرب ، والغرض في الجميع أن يكون الواقع بعد إلا مرتباً مضمونة على مضمون ما بعد حرف النفي أي مهما جاءني زيد أكرمته ، ومهما أحسنت إلى لئيم أساء إلي ، ومهما أنعمت على عمرو شكر ، وهكذا في سائر الأمثلة التي بهذه المثابة ، وتطبيق اللفظ على هذا الغرض غير متأت بحسب الظاهر ، فإن غاية ما يتخيل في هذا الاستثناء أن يكون مفرغاً باعتبار الأحوال ، فتكون الجملة الواقعة بعد إلا في محل نصب على أنها حال من الفاعل أو من المفعول المتقدم ذكره ، أي ما جاءني زيد إلا في حال كوني مكرماً له ، وما أحسنت إلى لئيم إلا في حال كونه مسيئاً إلي ، وما أنعمت على عمرو إلا في حال كونه شاكراً للنعمة ، وهذا مشكل فإن الحال مقيدة لعاملها ومقارنة له وليس إلا كرام مقيداً بمجيء زيد بحسب المقصود ولا مقارناً له في الزمن وكذا بقية الأمثلة .
فإن قلت : اجعل الحال مقدرة كما في قولهم : مررت برجل معه صقر صائداً به غداً أي مريداً الصيد به فكذا في الأمثلة أي ما جاءني زيد إلا في حال كوني مريداً لإكرامه ، وما أحسنت إلى لئيم إلا في حال كونه مريداً الإساءة إلي ، وما أنعمت على عمرو إلا في حال كونه مريداً الشكر ، وعلى هذا تتأتى المقارنة والتقييد ولا إشكال .(2/268)
"""""" صفحة رقم 269 """"""
قلت : هذا وإن كان في نفسه معنى ممكن الاستقامة فهو غير مفيد للغرض المصوغ لهذا الكلام ، إذ المقصود كما سبق وقوع مضمون ما بعد حرف الاستثناء مرتباً على مضمون ما بعد حرف النفي ، ولا يلزم من إنعامك على عمرو في حال إرادته للشكر أن يكون الشكر وقع بالفعل مرتباً على الإنعام عليه لجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها ، وكذا الكلام في بقية الأمثلة ، فقد ظهر امتناع جعل ما بعد إلا حالاً لا من قبيل الحال المحققة ولا من قبيل الحال المقدرة ، ولا مساغ لغير الحال فيه فيما يظهر ببادىء الرأي فتقرر الإشكال .
فإن قلت : لم لا تجعل التفريع بإعتبار ظرف الزمان أي ما جاءني زيد في حين من الأحيان إلا في حين أكرمته فحذف الحين كما في قولهم جئتك صلاة العصر أي حين صلاة العصر فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه . قلت : يمتنع ذلك لفظاً ومعنى أما لفظاً فلأن الظرف في مسألتنا على زعمك مضاف إلى الجملة ولا يحذف مضاف إلى الجملة وتقوم الجملة مقامه ، وإنما ذلك إذا كان المضاف إليه مفرداً كما في جئتك في صلاة العصر ، وما أجازه أبو حيان في قوله تعالى : ) واتقوا يوماً لا تجزي نفس ( من أن الأصل يوماً يوم لا تجزى نفس فأبدل يوم الثاني من الأول ثم حذف المضاف مردود ، قال ابن هشام : لا نعلم هذا واقعاً في الكلام ، ثم إن ادعى على أن الجملة باقية على محلها من الجر فشاذ أو أنها أنيبت عن المضاف فلا تكون الجملة مفعولاً في مثل هذا الموضع ، وأما معنى فيظهر مما أبطلنا به وجهي الحال المحققة والمقدرة إذ ليس المراد أن زيداً لم يجىء إلا في حال إكرامك له أو حال إرادتك لإكرامه ، وإنما حينئذ المقصود ما أسلفناه والكلام في تنزيل اللفظ عليه فالإشكال بحاله .
وفي الحديث إشكال من جهة أخرى وهو أنه يقدم الاستثناء الواقع فيه جمل ، فإن أعدته إلى الجميع وبنينا على أن العامل في المستثنى هو من قبل إلا من فعل أو معناه بواسطة إلا كما يراه البصريون لزم اجتماع عوامل على معمول واحد وهو باطل على ما تقرر في علم النحو ، وإن أعدته إلى الجملة الأولى فقط لزم الخلف في الخبر ، وذلك أن التقدير حينئذ لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي أو نصراني إلا كان من أصحاب النار ، وكم من يهودي ونصراني يسمع به بعد البعثة ولا يكون من أصحاب النار بأن يسلم ويموت على الإسلام ، وإن جعلته راجعاً إلى ما بعد الجملة الأولى فقط على ما فيه صارت الجملة الأولى لا تعرض فيها إلا الاستثناء فيلزم الخلف أيضاً ، إذ كثير من اليهود والنصارى يسمع به بعد البعثة هذا آخر السؤال .
الجواب : قال ابن مالك في التسهيل في تقرير القاعدة التي من أفرادها هذا الحديث ويليها أي إلا في النفي فعل مضارع بلا شرط وماض مسبوق بفعل أو مقرون بقد ، وقال في شرحه : مثال المضارع ما كان زيد إلا يفعل كذا ، وما خرج زيد إلا يجر ثوبه ، وما زيد إلا يفعل كذا ، ومثال الماضي مسبوقاً بفعل قوله تعالى : ) ما يأتيهم من رسول إلا كانوا ( ومقروناً بقد قول الشاعر :(2/269)
"""""" صفحة رقم 270 """"""
ما المجد إلا قد تبين أنه
تندى وحلم لا يزال مؤثلا
قال : وإنما أغنى اقتران الماضي بقد عن تقدم فعل ، لأن قد تقرّبه من الحال فيكون بذلك شبيهاً بالمضارع ، وإنما كان المضارع مستغنياً عن شرط لأنه شبيه بالاسم ، وإنما ساغ بتقديم الفعل مقروناً بالنفي لجعل الكلام بمعنى كلما كان كذا فكان فيه فعلان كما كان مع كلما ، فلو قلت ما زيد إلا قائم لم يجز لأنه ليس مما ذكر ، وعلة ذلك أن المستثنى لا يكون إلا اسماً أو مؤولاً باسم ، والماضي المجرد من قد بعيد من شبه الاسم ، وأما قولهم أنشدك بالله إلا فعلت فإنه في معنى النفي كقولهم شر أهر ذا ناب أي ما أسألك إلا فعلك انتهى ، وقال أبو البقاء في قوله تعالى : ) ما يأتيهم من رسول إلا كانوا ( أن الجملة حال من ضمير المفعول في يأتهم وفي حال مقدرة ، ويجوز أن تكون صفة لرسول على اللفظ أو الموضع انتهى .
فعلم من ذلك تخريج الحديث على الوجهين ، والأرجح الحالية لأمرين : أحدهما : أن وقوع ما بعد إلا وصفاً لما قبلها رأي ضعيف في العربية بل قال ابن مالك : إنه لا يعرف لبصري ولا لكوفي وأن الزمخشري تفرد بذلك وإن ما أوهم خلاف ذلك فمؤول على الحال وكأن أبا البقاء تابع في ذلك الزمخشري .
الثاني : أن الحالية تطرد في جميع الأمثلة ، والوصفية لا تطرد بل تختص بما إذا كان الإسم السابق نكرة كالحديث ، أما نحو ما جاءني زيد إلا أكرمته فلا يمكن فيه الوصفية كما لا يخفى ، فعلم بذلك ترجيح الحالية وكأنها مقدرة كما صرح به أبو البقاء ، وما أورد على ذلك من عدم الملازمة وجواز تخلف متعلق الإرادة الحادثة عنها ، فهو وإن كان كلاماً صحيحاً في نفسه إلا أنه لا يقدح في التخريج ، ولو روعي هذا المعنى لم يكن يصح لنا حال مقدرة ، وكم من قاعدة نحوية قدرت ولم يبال بمخالفتها للقواعد العقيلة ، فإن من النحو والفقه معقول من منقول كما ذكر ذلك ابن جني ، فتارة يلاحظ فيها الأمر العقلي وتارة يلاحظ الأمر النقلي ، على أن ما ذكر من الترتيب وما أورد عليه من عدم الملازمة إنما يتجه لو كان الترتيب المذكور عقلياً لا يتخلف وليس الأمر كذلك فإن الترتيب الذي في الحديث شرعي لا عقلي ، والذي في الأمثلة أيضاً ليس بعقلي بل عادي خاص أي بحسب عادة المتكلم أو من تعلق به فعله ومثل ذلك يكتفي به في الحال المقدرة .
وأمر آخر : وهو أن ما ذكر في وجه الترتيب تفسير معنى ، وما ذكر في تقرير الحال تفسير إعراب ، وهم يفرقون بين تفسير المعنى وتفسير الإعراب ولا يلتزمون توافقهما كما وقع ذلك كثيراً لسيبويه ، والزمخشري وغيرهما ، وأما الإشكال الثاني ففي غاية السقوط لأن الجمل السابقة ليست مستقلة بل جملة ثم يموت ولا يؤمن مرتبطة بالجملة الأولى على أنها قيد فيها وثم هنا واقعة موقع الفاء فإنها لمجرد الربط لا للتراخي كما في قوله : جرى في الأنابيب ثم اضطرب . وفي بعض طرق الحديث : لا يسمع بي من يهودي ولا نصراني فلم يؤمن بي إلا كان من أصحاب النار . فعلم أن جملة يؤمن مرتبطة بالأولى وفاء الربط تصير(2/270)
"""""" صفحة رقم 271 """"""
الجملتين في حكم جملة واحدة كما قرره النحاة في باب العطف في مسألة الذي يطير فيغضب زيد الذباب ، فقوله إن أعدته إلى الجملة الأولى لزم الخلف إلى آخره مدفوع بأنه إذا أعيد إليها مقيدة بمضمون ما بعدها لا يلزم ما ذكر والله تعالى أعلم .
رفع السنة في نصب الزنة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا تأخذه سنة ولا يقدر لعرشه زنة . والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي نزل عليه أفصح الحديث وأحسنه . وبعد سئلت عن وجه النصب في قول صلى الله عليه وسلّم : ( سبحان الله وبحمده زنة عرشه ورضا نفسه وعدد خلقه ومداد كلماته ) والجواب عندي أن هذه الكلمات الأربع منصوبات على تقدير الظرف والتقدير قدر زنة عرشه وكذا البواقي ، فلما حذف الظرف قام المضاف إليه مقامه في إعرابه ، فهذا الإعراب هو المتجه المطرد السالم من الانتقاض ، وقد ذكر السائل أنه هل يصح أن يكون منصوباً على المصدر أو على الحال أو على حذف الخافض ؟ .
وأقول : أما النصب على المصدر فقد ذكره المظهري في شرح المصابيح قال : عدد خلقه منصوب على المصدر أي أعد تسبيحه وتحميده بعدد خلقه وبمقدار ما ترضاه خالصاً وبثقل عرشه ومقداره وبمقدار كلماته ، وسبقه إلى ذلك الأشرقي في شرحه قال : عدد خلقه وكذلك ما بعده منصوب على المصدر أي سبحته تسبيحاً يساوي خلقه عند التعداد وزنة عرشه ومداد كلماته في المقدار يوجب رضا نفسه انتهى ، فإن أراد بذلك أنه نفسه مصدر وأنه منصوب على أنه مفعول مطلق فلا يخفى ما فيه لا يكون مصدراً للتسبيح كما هو واضح بل يكون مصدراً لفعل من الزنة ويكون التقدير : سبحان الله أزنه زنة عرشه ، ولا يخفى فساد هذا التقدير لأنه ليس المراد إنشاء وزن التسبيح بل المراد إنشاء قول التسبيح ، والمعنى أقول سبحان الله قولاً كثيراً مقدار زنة عرشه في الكثرة والعظم ، وعلى تقدير فعل الزنة يكون المعنى أزن التسبيح زنة عرشه وهو ظاهر الفساد ، ثم إذا قدر في الأخرى أعده عدد خلقه كما أفصح به المظهري أدى إلى أن المعنى إنشاء عد التسبيح وليس مراداً بل المراد أقوله قولاً عدد خلقه ثم لا يمكنه ذلك في رضا نفسه .
فإن قيل : يقدر أرضيه رضا نفسه . قلنا : حينئذ يعود الضمير على غير التسبيح وهي في أزنه وأعده عائد على التسبيح فيختل التناسق في الكلمات ثم لا يمكن ذلك في مداد كلماته بلا مرية ويبقى على [ كلام ] المظهري تعقبان : أحدهما : أن عدداً لو كان مصدراً لم يجىء بالفك لأن مصدر عد على فعل بسكون العين فيجب أن يدغم فيقال عد بالتشديد كرد ومد وشد قال تعالى : ) إنما نعد لهم عدا ( . والثاني : أنه قال : منصوب على المصدر ثم قال : أي أعد تسبيحه بعدد خلقه فأدخل عليه الباء وليس هذا شأن المصدر الذي(2/271)
"""""" صفحة رقم 272 """"""
هو مفعول مطلق لا يقال ضربت زيداً يضرب في موضع ضربته ضرباً ، ثم قال : وبمقدار ما يرضاه وبثقل عرشه ومقداره وبمقدار كلماته وهذا كله يبطل القول بأنه منصوب على المصدر ويؤول إلى نزع الخافض أو الظرفية ، فإن النصب على الظرفية ونزع الخافض متقاربان ، فإن الظرف منصوب على إسقاط الخافض الذي هو في غير أنه باب مطرد والنصب بنزع الخافض في غير الظرف غير مطرد فاتجه بذلك أنه منصوب على الظرف بتقدير قدر ، وقد صرح بذلك الخطابي في معالم السنن . [ فقال ] قوله : ومداد كلماته أي قدر ما يوازنها في العدد والكثرة . وقال ابن الأثير في النهاية : ومداد كلماته أي مثل عددها ، وقيل قدر ما يوازنها في الكثرة عيار كيل أو وزن أو ما أشبهه ، وهذا تمثيل يراد به التقريب انتهى فأشار بقوله مثل إلى المصدر أو الوصف ، وبقوله وقيل قدر إلى الظرف ، وقال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق : قوله عدد خلقه أي عدداً كعدد خلقه ، وزنة عرشه أي بمقدار وزنه ، ورضا نفسه أي غير منقطع ، فأشار إلى أن لكل واحدة إعراباً على حدة : الأولى مصدر ، والثانية ظرف ، والثالثة حال ، ولا شك أن تساوي الكل في الإعراب حيث أمكن أولى وتقدير قدر في كل منهما صحيح فاتجه نصب الكل على الظرف بتقدير قدر . فإن قيل : لم يصرح أحد بأن قدر انتصب على الظرف . قلت : ذلك لعدم اطلاعك في أمهات الكتب ، وقد صرح الخطيب التبريزي ، والمرزوقي كلاهما في شرح الحماسة في قول الشاعر :
فسايرته مقدار ميل وليتني . وفي قوله :
هل الوجد إلا أن قلبي لو دنا
من الجمر قيد الرمح لاحترق الجمر
بأن نصب مقدار وقيد كلاهما على الظرف وقيد بمعنى قدر قال ابن شمعون في شرح الإيضاح في قول الفرزدق :
ما زال مذ عقدت يداه إزاره
فسما فأدرك خمسة الأشبار
يجوز نصب خمسة الأشبار نصب الظرف بسما بتقدير مضاف أي سما مقدار خمسة الأشبار ، وقال جماعة في حديث أن موسى سأل ربه أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية بحجر : أن رمية نصب على الظرف بتقدير قدر أي قدر رمية بحجر ، وقال الطيبي في شرح المشكاة في حديث فضل الصلاة التي يستاك لها على الصلاة التي لا يستاك لها : سبعين ضعفاً قوله : سبعين مفعول مطلق أو ظرف أي تفضل مقدار سبعين وقال أبو البقاء في حديث : من فارق الجماعة شبراً هو منصوب على الظرف والتقدير قدر شبر وقال الطيبي في حديث : ( من تقرب إليّ شبراً تقربت منه ذراعاً ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت منه باعاً ) : شبراً وذرعاً وباعاً في الشرط والجزاء منصوبان على الظرفية أي من تقرب إليّ مقدار شبر ، وقال أيضاً في حديث : من ظلم شبراً من أرض : المفعول به محذوف وشبراً يجوز أن يكون(2/272)
"""""" صفحة رقم 273 """"""
مفعولاً [ مطلقاً ] أي ظلم شبراً ومفعولاً فيه أي مقدار شبر ، وقال أيضاً في حديث أنه صلى الله عليه وسلّم أقطع الزبير حضر فرسه : نصب حضر على حذف المضاف أي قدر ما يعدو عدوة واحدة ، ثم أن المسألة منصوصة في كتب النحو قال ابن مالك في التسهيل : الصالح للظرفية القياسية ما دل على مقدار ، وقال في الألفية :
وقد ينوب عن مكان مصدر
وذاك في ظرف الزمان يكثر
وقال ابن هشام في التوضيح : ينوب المصدر عن الظرف إذا كان معيناً لمقدار نحو انتظرتك حلب ناقة ، وقال أبو حيان في شرح التسهيل : قال الصفار في شرح الكتاب : اعلم أن المصدر إذا استعمل في معنى الظرف جاز أن يضاف إلى الفعل ، تقول : أتيتك ريث قيام زيد أي قدر بطء قيامه ، فلما خرجت إلى الظرف جاز فيها ما جاز في الظرف ، ثم أن نصب زنة بخصوصها على الظرفية منصوص عليه من سيبويه وأئمة النحو ، قال ابن مالك في شرح التسهيل : من الجاري مجرى ظرف الزمان باطراد مصادر قامت مقام مضاف إليها تقديراً نحو قولهم هو قرب الدار ووزن الجبل وزنته ، والمراد بالاطراد أن لا تختص ظرفيته بعامل ما كاختصاص ظرفية المشتق من اسم الواقع فيه انتهى ، وقال أبو حيان في شرح التسهيل : وذكر سيبويه من المنتصب ظرفاً صددك وصفيك ووزن الجبل وزنة الجبل وأقطار البلاد وهذه كلها ينصبها وهذه كلها ينصبها الفعل اللازم لإبهامها انتهى ، وقال في الارتشاف : فرق سيبويه بين وزن الجبل وزنة الجبل ، فمعنى وزن الجبل ناحية توازنه أي تقابله قريبة كانت منه أو بعيدة ، وزنة الجبل حذاؤه أي متصلة به وكلاهما مبهم يصل إليهما الفعل وينتصب ظرفاً انتهى ، وقد قال التوربشتي شارح المصابيح في هذا الحديث : زنة عرشه ما يوازنه في القدر يقال هو زنة الجبل أي حذاؤه في الثقل والوزانة انتهى وهذا منه إيماء إلى تخريج الحديث على الظرفية وقد خرجوا على الظرفية ما هو أبلغ من ذلك ، روى أن معاوية استعمل ابن أخيه عمرو بن عتبة بن أبي سفيان على صدقات كلب فاعتدى عليهم فقال ابن العداء الكلبي :
سعى عقالاً فلم يترك لنا سندا
فكيف لو قد سعى عمرو عقالين
قال ابن الأثير في النهاية : نصب عقالاً على الظرف أراد مدة عقال والعقال صدقة عام ، وقال ابن يعيش في شرح المفصل : من المنصوب على الظرف قولهم سير عليه ترويحتين وانتظر به نحو جزورين والمراد مدة ذلك والترويحتين تثنية الترويحة واحدة التروايح في الصلاة وقال أبو البقاء في قوله صلى الله عليه وسلّم : ( ليصل أحدكم نشاطه ) أنه منصوب على تقدير الظرف أي مدة نشاطه فحذفه وأقام المصدر مقامه ، وقال الأشرقي في شرح المصابيح : يجوز أن يكون نشاطه بمعنى الوقت وأن يراد به الصلاة التي نشط لها . فإن قلت : فما تقول في نصبه على الصفة للمصدر ؟ .
قلت : هذا ذكره طائفة ، وأقول : لا يخلو إما أن يجعل صفة للمصدر المذكور وهو سبحان أو لمقدر . فأما الأول فيعكر عليه الفصل بينه وبين موصوفه بقوله وبحمده وذلك ضعيف أو ممنوع ، مع أن عندي في جواز وصف سبحان وقفة فإنه غير متصرف ولم(2/273)
"""""" صفحة رقم 274 """"""
يستعمل إلا علماً للتسبيح منصوباً ولم يتصرف فيه بشيء ، وأما الثاني وهو أن يجعل التقدير سبحان الله تسبيحاً زنة عرشه ففيه وقفة من وجوه : الأول : أنه تقدير ما لا حاجة إليه لأن المصدر يصرح به في اللفظ فأي حاجة إلى تقدير مصدر آخر . الثاني : أن المصدر المذكور منصوب بفعل مقدر فإذا قدر مصدر آخر لزم منه تقدير لثلاثة : فعل المصدر الظاهر ، والمصدر المقدر ، وفعل آخر له لأن الفعل الواحد لا ينصب مصدرين ولا ضرورة تدعو إلى ذلك . الثالث : أن الكلام لا يصح إلا بتقدير شيء آخر لأن التسبيح ليس نفس الزنة ، فيكون التقدير مثل زنة عرشه ، وإذا آل الأمر إلى تقدير مثل فالمراد المثلية في المقدار فرجع إلى ما قلناه من الظرفية خصوصاً أن قوله رضا نفسه لا يصح فيه تقدير المثلية ولهذا قال الأشرقي : يساوي خلقه عند التعداد وزنة عرشه في المقدار ويوجب رضا نفسه فأخرجه عن حيز المساواة وتقدير قدر صحيح فيه أي قدراً يبلغ رضا نفسه .
فإن قلت : بقي وجه إبطال الحال . قلت : إذا قدر أسبح أو أقول سبحان الله موازناً لعرشه فإن جعل حالاً من الفاعل نافره [ كون زنة عرشه وما بعده جارياً على سبحان لا على قائله أو من المفعول نافره ] إن المفعول هنا مطلق والمعهود مجيء الحال من المفعول به ، ولا يمكن كونه من المضاف إليه كما لا يخفى ولا يطرف التقدير بالمشتق في مداد كلماته كما هو ظاهر فبطل الحال . وبقي من الوجوه الممكنة في إعرابه أربعة : أحدها : أن يجعل مفعولاً به لفعل أو وصف مقدر أي يبلغ زنة عرشه أو بالغاً زنة عرشه . الثاني : أن يكون القول مقدراً وسبحان الله مفعول أول وزنة عرشه مفعول ثان على لغة من يجري القول مجرى ظن بلا شرط .
الثالث : أن يكون خبراً لكان مقدرة هي واسمها ضميراً راجعاً إلى التسبيح وتقدر إما بصيغة المضارع أو اسم الفاعل . الرابع : وهو خاص برضا نفسه أن يجعل مفعولاً له على جعل الرضا بمعنى الإرضاء كقولك : سبحت ابتغاء وجه الله وكلها لا يعول عليها والعمدة على الأول والله أعلم آخره والحمد لله .
مسألة : وقع السؤال عن حديث : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فعليه الجمعة إلا مريض أو امرأة أو مسافر أو صبي أو مملوك ) . رواه الدارقطني من حديث جابر بن عبد الله ، فإن هذا الاستثناء من كلام تام موجب فيكون ما بعد إلا واجب النصب فما وجه رفعه وخاض الناس في توجيه ذلك ، والذي عندي في الجواب أن هذه الكلمات الواقعة بعد إلا منصوبة ولكن كتبت بلا ألف وهذا ذكره الأئمة في أحاديث كثيرة قال النووي في شرح مسلم في حديث ابن عباس في الإسراء وأرى مالكاً خازن النار وقع في أكثر الأصول مالك بالرفع وهذا قد ينكر ويقال هذا لحن لا يجوز في العربية ، ولكن عندي عنه جواب حسن وهو أن لفظة مالك منصوبة ولكن أسقطت الألف في الكتابة وهذا يفعله المحدثون كثيراً فيكتبون سمعت أنساً بغير ألف ويقرؤونه بالنصب ، فكذلك مالك كتبوه بغير ألف ويقرؤونه بالنصب ، فهذا إن شاء الله من أحسن ما يقال فيه هذا كلام النووي وقال أيضاً في باب(2/274)
"""""" صفحة رقم 275 """"""
الحج : وقت رسول الله صلى الله عليه وسلّم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن هكذا وقع في أكثر النسخ قرن بغير ألف بعد النون وهو مصروف لأنه اسم لجبل ويقرأ منوناً وإنما حذفوا الألف منه كما جرت عادة بعض المحدثين يكتبون سمعت أنس بغير ألف ويقرأ بالتنوين ، وقال القرطبي في شرح مسلم في كتاب النكاح في قول عائشة : كان صداقه لأزواجه ثنتي عشرة أوقية ونش ، قوله : ونش هو معرب منون غير أنه وقع هنا نش على لغة من يقف على المنون بالسكون بغير ألف ، وقال الشيخ ولي الدين العراقي في شرح سنن أبي داود قوله : سمعت خلاس الهجري كذا في أصلنا بغير ألف فقد يتوهم أنه غير مصروف وليس كذلك إذ لا مانع له من الصرف ، وهذا اصطلاح لبعضهم أنه يستغنى عن كتابة الألف بجعل فتحتين فوق آخر الكلمة ، لكن قد يغفل الكاتب تلك الفتحتين فيقع في الإبهام ، وقال أيضاً في حديث عمرو بن ميمون : قدم علينا معاذ بن جبل اليمن فسمعت تكبيره مع الفجر رجل أجش الصوت ، يجوز في قوله أجش الصوت النصب على الحال والرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف . وقد ضبطناه في أصلنا بالوجهين قوله أجش الصوت . وأما قوله رجل فهو مكتوب في أصلنا بغير ألف ، فإما أن يكون مرفوعاً أو منصوباً ، وكتبه بغير ألف وكثير من النساخ يفعل ذلك والله أعلم .
57 الأجوبة الزكية عن الألغاز السبكية
بسم الله الرحمن الرحيم
ورد على شيخنا الإمام العالم العلامة عبد الرحمن نجل الإمام كمال الدين أبي بكر السيوطي الشافعي عامله الله بلطفه ورحم سلفه الكريم في سادس شهر رمضان سنة ست وسبعين وثمانمائة أوراق مكتوب فيها ما صورته الحمد لله رب العالمين وبعد فقد وقف العبد كاتب هذه الأحرف فقير رحمة ربه ذي اللطف الخفي محمد بن علي بن سودون الحنفي على سؤال كتب قاضي القضاة شيخ الإسلام تاج الدين أبو نصر السبكي في ثاني عشر ذي قعدة الحرام سنة إحدى وستين وسبعمائة إلى الشيخ صلاح الدين خليل بن أيبك الصفدي الشاعر المشهور :
للمشكلات إذا ما احتطن بالفكر
والمعضلات إذا أظلمن في النظر
وكدرت صافي الأكدار عندك يا
أبا الصفاء جلاء القلب والبصر
فما سؤلات من وافاك يسأل ما
حرف هو الاسم فعلاً غير معتبر
وأي شكل به البرهان منتهض
ولا يعد من الأشكال والصور
وأي بيت على بحرين منتظم
بيت من الشعر لا بيت من الشعر
وأي ميت من الأموات ما طلعت
بموته روحه في ثابت الخبر
من عد من أمراء المؤمنين ولم
يحكم على الناس من بدو ومن حضر(2/275)
"""""" صفحة رقم 276 """"""
ولم يكن قرشياً حين عد ولا
يجوز أن يتولى إمرة البشر
من باتفاق جميع الخلق أفضل من
شيخ الصحاب أبي بكر ومن عمر
ومن علي ومن عثمان وهو فتى
من أمة المصطفى المبعوث من مضر
من أبصرت في دمشق عينه صنماً
مصوراً وهو منحوت من الحجر
إن جاع يأكل وإن يعطش تضلع من
مياه غير زلال ثم منهمر
من قال إن الزنا والشرب مصلحة
ولم يقل هو ذنب غير مغتفر
من قال إن نكاح الأم يقرب من
تقوى الإله مقالاً غير مبتكر
من قال سفك دماء المسلمين على الصلاة
أوجبه الرحمن في الزبر
وما اللفيفة جاءت والسخينة في
غريب ما صح مما جاء في الأثر
وهات قل لي إبراهيم أربعة بعض
عن البعض من هم تحظ بالظفر
وهكذا خلف من الرواة كذا
محمد في المغازي جاء والسير
وعن فتاة لها زواجان ما برحا
تزوجت ثالثاً حلا بلا نكر
وآخر راح يشري طعم زوجته
فعاد وهو على حال من الغير
قالت له أنت عبدي قد وهبتك من
زوج تزوجته فاخدمه واعتبر
وخمسة من زناة الناس خامسهم
ما ناله بالزنا شيء من الضرر
والقتل والرجم والجلد الأليم كذا التقريب
وزع في الباقين فاعتبر
أجب فأنت جزاك الله صالحة
من لم يرع عند إشكال ولم يحر
فكتب إليه أبياتاً يمدح فيها وذكر في أثنائها أنه يجيب عن ذلك نثراً ، ولم ير العبد له جواباً عن ذلك لا نظماً ولا نثراً ، والمسئول من صدقات سيدنا ومولانا أبقاه الله في خير ورحمة الجواب عن ذلك نظماً ونثراً فكتب شيخنا ما صورته الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى .
الجواب نثراً : أما الحرف الذي يكون أيضاً اسماً وفعلاً فهو على فإنه يكون حرف جر واسماً بمعنى فوق فيدخل عليه حرف الجر كقول الشاعر : غدت من عليه . وفعلا من العلو قال تعالى : ) إن فرعون علا في الأرض ( هكذا ذكر جماعة من العلماء إن على استكملت أقسام الكلمة ولم يذكروا غيرها وقد استدركت عليهم قديماً لفظتين أيضاً :
الأولى : من فإنها تكون حرف جر وفعل أمر من مان يمين واسماً قال الزمخشري في الكشاف في قوله تعالى : ) فأخرج به من الثمرات رزقاً ( إذا كانت من للتبعيض فهي في موضع المفعول به ورزقاً مفعول من أجله ولكم مفعول به لرزقاً لأنه حينئذ مصدر . قال الطيبي : وإذا قدرت من مفعولاً كانت اسماً كعن في قوله : من عن يميني مرة وأمامي .(2/276)
"""""" صفحة رقم 277 """"""
الثانية : في فإنها تقع حرف جر واسماً بمعنى الضم في حالة الجر كقوله صلى الله عليه وسلّم : ( حتى ما تجعل في في امرأتك ) وفعل أمر من الوفاء باشباع . وقوله : وأي شكل إلى آخره هذا أمر يتعلق بعلم المنطق وهو علم حرام خبيث لا أخوض فيه . وقد سئل الشرف ابن المقري بأسئلة نظم فيها :
وما عكس السوالب يا مرجي
أي الجزئي منها في النظام
فأجاب عن الأسئلة بيتاً بيتاً وقال في هذا البيت :
وعن عكس السوالب لا تسلني
فذاك مقدم العلم الحرام
قوله : وأي بيت على بحرين منتظم هذا نوع معروف من أنواع البديع يسمى التشريع أول من أخترعه الحريري وهو أن يكون البيت مبنياً على بحرين وقافيتين يصح الوقوف على كل منهما كقوله :
يا طالب الدنيا الدنية إنها
شرك الردى وقرارة الأكدار
دار متى ما أضحكت في يومها
أبكت غداً بعداً لها من دار
فإنه يصح أن يقول :
يا طالب الدنيا إنها شرك الردى
دار متى ما أضحكت في يومها أبكت غدا
قوله : وأي ميت إلى آخره الظاهر أنه أراد به ما في قوله تعلى : ) وكنتم أمواتاً فأحياكم ( أي نطفاً في الأصلاب فأطلق عليها الموت مع عدم وجود روح فيها خرجت منها . قوله من عد من أمراء المؤمنين إلى آخره هو أسامة بن زيد مولى النبي صلى الله عليه وسلّم أمره على جيش فيه أبو بكر ، وعمر فلم ينفد حتى توفي صلى الله عليه وسلّم فبعثه أبو بكر إلى الشام وكان الصحابة في ذلك السفر يدعونه أمير المؤمنين ، وروينا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان إذا رأى أسامة بن زيد قال : السلام عليك أيها الأمير فيقول أسامة : غفر الله لك يا أمير المؤمنين تقول لي هذا فيقول : لا أزال أدعوك ما عشت الأمير ؛ مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم وأنت علي أمير ولم يكن أسامة من قريش بل من الموالي قوله : من باتفاق إلى آخره من فيه استفهام نفي أو إنكار ، وكذا من قال : إن الزنا والبيتان بعده أي لم يقل ذلك أحد كذا رأيت صاحب النظم الشيخ تاج الدين السبكي فسره في بعض تعاليقه وجوز في قوله من قال : إن الزنا من مبتدأ خبره غير مغتفر أي لا يغتفر له هذا القول بل يؤاخذ به ، قوله : من أبصرت إلى آخره أراد بهذا ما رواه الحاكم في تاريخ نيسابور بسنده إلى عبد الله البوشنجي عن أبي عبد الله بن يزيد الدمشقي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر قال : رأيت ببغداد صنماً من نحاس إذا عطش نزل فشرب قال البوشنجي : ربما تكلمت العلماء على قدر فهم الحاضرين تأديباً وامتحاناً فهذا الرجل ابن جابر أحد علماء الشام ومعنى كلامه أن الصنم لا يعطش ولو عطش نزل فشرب فنفى عنه النزول والعطش . قوله : وما اللفيف إلى آخره قال ابن الأثير في النهاية : قال معاوية للأحنف بن قيس وهو يمازحه ما الشيء الملفف في(2/277)
"""""" صفحة رقم 278 """"""
البجاد ؟ قال : هو السخينة يا أمير المؤمنين ، قال ابن الأثير : الملفف في البجاد وطب اللبن يلف فيه ليحمي ويدرك وكانت تميم تعير به ، والسخينة حساء يعمل من دقيق وسمن يؤكل في الجدب وكانت قريش تعير بها ، فلما مازحه معاوية بما يعاب به قومه مازحه الأحنف بمثله ، قوله : وهات قل لي إلى آخره هذا نوع من أنواع علوم الحديث وهو من اتفق اسمه واسم شيخه فصاعداً والأربعة الذين رووا بعضهم عن بعض وكل منهم وكل منهم يسمى إبراهيم كثير منهم إبراهيم بن شماس السمرقندي عن إبراهيم بن محمد الفزاري الكوفي عن إبراهيم بن أدهم الزاهد عن إبراهيم بن ميمون الصائغ ، والأربعة الذين كل منهم اسمه خلف وقع ذلك في علوم الحديث للحاكم في إسناد واحد بل خمسة فقال : ثنا خلف ثنا خلف ثنا خلف ثنا خلف ثنا خلف . الأول الأمير خلف بن أحمد السجزي . والثاني أبو صالح خلف بن محمد البخاري . والثالث خلف بن سليمان النسفي . والرابع خلف بن محمد الواسطي . والخامس خلف بن موسى بن خلف ، وأما المحمدون في إسناد واحد ففي صحيح البخاري من ذلك شيء كثير ، وقد وقع لي حديث كل رواته يسمى محمداً من شيخنا إلى النبي صلى الله عليه وسلّم ، قوله : وعن قتادة إلى آخره رأيت بخط صاحب النظم الشيخ تاج الدين في تذكرته ما صورته امرأة لها زوجان ويجوز أن يتزوجها ثالث هذه امرأة لها عبد وأمة زوجت أحدهما بالآخر فصدق أنها امرأة لها زوجان وإذا جاء ثالث حر فله نكاحها ، قوله وآخر راح إلى آخره رأيت بخطه أيضاً أن صورتها عبد زوجه مولاه بابنته ودخل بها ثم مات مولاه ووقعت الفرقة لأنها ملكت زوجها بالإرث وكانت حاملاً فوضعت فانقضت العدة فتزوجت ووهبت ذلك العبد لزوجها ، وقوله : وخمسة إلى آخره رأيت بخطه أيضاً قيل إن محمد بن الحسن سأل الشافعي عن خمسة زنوا بامرأة فوجب على واحد القتل ، وآخر الرجم ، والثالث الجلد ، والرابع نصفه ولم يجب على الخامس شيء ، فقال الشافعي : الأول ذمي زنى بمسلمة فانتقض عهده فيقتل . والثاني محصن . والثالث بكر ، والرابع عبد . والخامس مجنون انتهى .
الجواب : ولم أقف على شيء من أجوبة هذه المسائل لغيري إلا هذه المواضع الثلاثة التي نقلتها عن الشيخ تاج الدين والموضع السابق في من وباقي المسائل مما أخذته بالفهم . وقلت في الجواب نظماً :
الحمد لله ربي بارىء البشر
ثم الصلاة على المختار من مضر
هذا جواب سؤالات الإمام أبي
نصر عليه همت هطالة الدرر
أما الذي هو حرف ثم جاء سمى
أيضاً وفعلاً مقالاً غير ذي نكر
على أتت حرف جر ثم فعل علا
واسماً كفوق وزد من غير مقتصر
ثم الذي هو شكل من علوم ردي
ولا يليق بأهل الشرع والأثر
والبيت ينظم من بحرين ناظمه
فذاك تشريعهم ما فيه من حصر(2/278)
"""""" صفحة رقم 279 """"""
والميت من غير روح منه قد خرجت
ما كان في صلبه من نطفة البشر
ثم المسمى أمير المؤمنين ولم
يحكم على الناس من بدو ولا حضر
أسامة حين ولاه النبي على
سرية لقبوه ذاك في السفر
و ( من ) في الأربعة الأبيات نافية
أي لم يقل ذاك شخص أي معتبر
فصاحب النظم هذا القصد بين في
تعليق تذكرة يا طيب مدكر
وبعضهم قال في الأصنام إن عطشت
تنزل كلاً ذاك لا يلقى لمختبر
ثم اللفيفة أكل والسخينة في
جدب بها عيب أهل البدو والحضر
ثم المسمون إبراهيم أربعة
عن بعضهم قد رووا في صادق الخبر
السمرقندي عن الكوفي عن العجلي
عن ابن ميمون فاحفظه ولا تحر
وهكذا خلف خمس أتت نسقاً
في مسند قد رواه الحاكم الأثري
ومن محمد يدعى عدة نسقا
في جملة أسانيد من الأثر
ومرأة ملكت زوجين لا ريب
فإن أرادت نكاحاً غير محتظر
والعبد زوجه مولاه بابنته
فمات تملكه بانت بلا ضرر
ألقت جنيناً فوفت عدة نكحت
فملكته له ضرب من القدر
ثم الذين زنوا ذمي بمسلمة
فاقتل ومحصنهم فارجمه بالمدر
والبكر فاحدد وعبداً نصفه أبداً
ومن خلا من صفات العاقلين ذر
ثم الجواب ولا لبس يخالطه
فالحمد لله حمداً غير منحصر
وقاله عابد الرحمن نجل أبي
بكر السيوطي يرجو عفو مقتدر
ثم بعد اثنتي عشرة سنة وذلك في ذي العقدة سنة ثمان وثمانين وقفت على كراسة بخط الإمام علم الدين العراقي قال فيها ما ملخصه : قال مولانا القاضي الفاضل كريم الدين عبد الله الشافعي : وبعد فإن بعض أكابر العلماء السادة المعروفين بزيادة التحقيق وكثرة الإفادة وضع سبع عشرة مسألة من المعاني المحكمة بالسؤالات المشكلة وجعلها نظماً لتكون أعسر فهماً تحار فيها عقول أولي الألباب ويعجزون عن أن يأتوا لها بجواب ، فلما وقفت عليها أردت أن أجرب ذهني الكليل فأجبت عنها غير مسألة تعذر لإشكال معناها وهي هذه :
الأولى :
من باتفاق جميع الخلق أفضل من
شيخ الصحاب أبي بكر ومن عمر
ومن علي ومن عثمان وهو فتى
من أمة المصطفى المختار من مضر
الجواب : إن كان عنى بالفتى عيسى ابن مريم فلا يطلق اسم الفتى على الأنبياء وإنما(2/279)
"""""" صفحة رقم 280 """"""
يسمى بذلك الصبيان ، والعبيد ، والخدم ، والإماء . وإن كان أراد إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلّم فلا يطلق عليه فتى فقد نص الأزهري على أن الصبي لا يسمى فتى حتى يراهق . وإن كان أراد الحسن فأبو بكر أفضل منه فلو قال بدل فتى شخص صح على عيسى عليه السلام وعلى إبراهيم ولد النبي صلى الله عليه وسلّم وعلى فاطمة رضي الله عنها لقول النبي صلى الله عليه وسلّم : فاطمة بضعة مني ، قال مالك رضي الله عنه : لا أفضل على بضعة من النبي صلى الله عليه وسلّم أحداً .
الثانية :
من كان والدها ابنا في البنين لها
وذاك غير عجيب عند ذي نظر
الجواب : تلك عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلّم فإنها أم المؤمنين وابنة أبي بكر فهي أمه وابنته .
الثالثة :
من الفتاة لها زوجان ما برحا
تزوجت ثالثاً حل بلا نكر
الجواب : لها زوجان من بقر أو غنم أو غير ذلك قال تعالى : ) قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين ( ) ومن كل الثمرات جعل فيها زوجين اثنين ( .
الرابعة :
من طلقت فتلقت أربعاً عدداً
عن الوجوب بدار أي مبتدر
الجواب : هذه كانت حاملاً فولدت أربعة من الأولاد فإن العدة لا تنقضي إلا بانفصال الأربعة ، هذا إن كان قوله عدداً بفتح العين ، فإن كان بكسرها فهذه أمة دون البلوغ طلقت فاعتدت بالأشهر ثم حاضت في أثناء ذلك فانتقلت إلى الإقراء ثم عتقت فانتقلت إلى عدة الحرائر ثم مات الزوج فانتقلت إلى عدة الوفاة .
الخامسة :
من إن يزد جرمه تنقص مؤاخذة
ويفتدي بعض ما يجنيه كالهدر
الجواب : إن كان جرمه بضم الجيم فهذا رجل ارتكب صغيرة ثم عزم على ارتكاب كبيرة ثم تركها خوفاً من الله فكان تركه للكبيرة بعد العزم عليها مكفراً لتلك الصغيرة التي ارتكبها ، وإن كان جرمه بكسر الجيم فهو الميزاب الخارج عن الحائط والروشن إذا وقع نصفه على إنسان فقتله كان على المالك الدية كاملة ، وإن وقع بجملته كان عليه نصف الدية .
السادسة :
من إن تلا في صلاة آية فيبوء
بالإثم والصمت منه ليس من حصر
الجواب : تلا آية في الصلاة فغلط فيها أو لحن وكان معه من يصلي فرد عليه فأصر على غلطه الأول وهو يظن ما يقرؤه صحيحاً ، فأعاد ذلك الراد عليه فتوقف وسكت وبطلت الصلاة ، وكان سكوته لا عن حصر وهو عدم القدرة على الكلام وإنما سكت للعجز عن(2/280)
"""""" صفحة رقم 281 """"""
الحفظ والمعاندة وأن لا يرجع للغير فأبطل الصلاة فأثم لأجل ذلك . قلت : هذا جواب مخبط وكلام طويل ، والجواب عن هذه أنه فاقد الطهورين وهو جنب يصلي ولا يقرأ آية زيادة على الفاتحة . وهذا الاستدراك من عندي لا من المجيب ولا العلم العراقي . ثم قال :
السابعة :
من قال وسط جمادى الصوم مفترض
وقد يصلي لنا العيدان في صفر
الجواب : جمادى عند العرب الشتاء كله قال الشاعر :
في ليلة من جمادى ذات أندية
ولا يبصر الكلب في أرجائها الطنبا
قال وقوله : وقد يصلي لنا العيدان في صفر الصلاة هنا معناها الدعاء والعيدان مثنى عيد وهو الوقت الذي يعود فيه الفرح أو ذكر الشوق والمحبة ، فالمعنى يدعى لنا بحصول عود الفرح وتجديد الشوق إلى الحبيب . قلت : ما أدرك هذا الجواب وقد اعترف صاحبه بأنه ما قدر على أكثر من ذلك ، والصواب الذي ظهر لي أن يصلي بمعنى الإنحناء والتقويم والتليين من قولهم صليت العود على النار ، والعيدان جمع عود وهو آلة اللهو المشهورة ، والصفر صفير القصب ، وهذا الاستدراك من عندي أيضاً ، ثم قال :
الثامنة :
وآكل وسط شهر الصوم منفرداً
عمداً نهاراً ولم يفطر ولم يزر
الجواب : النهار فرخ القطاة وولد الحبارى كما أن الليل ولد الكروان .
التاسعة :
وآكل فيه ليلاً لم يقل أحد
يصومه من سراة الرأي والأثر
تقدم جوابه أن الليل ولد الكروان .
العاشرة :
وواحد قد يصلي وهو منفرد
وقد يؤم ولا يأتم للقدر
الجواب : هذا أعمى أصم لا يصح اقتداؤه بأحد لأنه لا يرى أفعال الإمام ولا يسمع المبلغ .
الحادية عشرة :
وقائل لا قصاص في السيوف بلى
إن القصاص لفي شعر وفي ظفر
الجواب : لا قصاص في السيوف هو في بعض الجروح كالجائفة وما دون الموضحة وقوله : إن القصاص في شعر وشعر القصاص هنا من قص الشعر يقصه ، ومنه حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلّم كان يسجد على قصاص الشعر ؛ قال الأزهري : هو بالفتح والكسر منتهى شعر الرأس حيث يؤخذ بالمقص .
الثانية عشر :(2/281)
"""""" صفحة رقم 282 """"""
ثلاثة فرج انثى منه ما خرجوا
وأوجد الروح فيهم خالق الصور
الجواب : هم آدم وحواء وناقة صالح .
الثالثة عشر :
وسارق هتك الحرز الحريز ولم
يقطع بلا شبهة والمال ذو خطر
الجواب : هو الصبي ، والمجنون ، والحربي . قلت : مثل هذا ظاهر لا يلغز به .
الرابعة عشرة :
وسارق ما حوى المسروق يقطعه
وسارق ما حوى المسروق لم يضر
الجواب : ما الأولى موصولة والثانية نافية . قلت : في كليهما نظر .
الخامسة عشر :
وسار قبر بمن فيه إلى أمد
من الزمان فلا ينكر لذي الخبر
الجواب : هو يونس عليه السلام لما كان في بطن الحوت كان الحوت كالقبر له وهو سائر في البحر :
السادسة عشر والسابعة عشر :
وآخر راح يشري طعم زوجته
فعاد وهو على حال من الغير
قالت له أنت عبدي قد وهبتك من
زوج تزوجته فاخدمه واعتبر
وخمسة من زناة الناس خامسهم
ما نالة بالزنا شيء من الضرر
والرجم والقتل والضرب الأليم الت
غريب وزع في الباقين فافتكر
والجواب عنها كالذي قدمته والله أعلم والحمد لله وحده .
الأسئلة المائة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله صلى ذو الجلال على
خلاصة الأنبيا كنز المساكين
من أثبت الله مولانا رسالته
قدماً وآدم بين الماء والطين
محمد خير خلق الله قاطبة
والآل مع صحبه الشم العرانين
ويرحم الله مولانا وسيدنا
منشىء العلوم بتحرير وتدوين
أبا حنيفة نعمان بن ثابت من
استنبط الفقه إيضاحاً بتبيين
ومالكاً وابن إدريس وأحمد من
هم نجوم الهدى للناس في الدين
الكاشفين بما قد حرروه لنا
عن الفؤاد حجاب الجهل والرين(2/282)
"""""" صفحة رقم 283 """"""
ما ضاء برق وما ضاع الشذا وشدا
حاد وغرد طير بالأفانين
أئمة العلم لا زلتم نجوم هدى
للعالمين بإظهار البراهين
ما حكم قول إله العرش خالقنا
سبحانه جل عن كيف وعن أين
في آية هي في الأحزاب تذكر أن
المسلمين إلى وعد العظيمين
غفران ذنبهم مع عظم أجرهم
يوم الجزاء الذي نشر الدواين
هل ما أعد لمجموع الفضائل أم
لكل فرد أم الأفراد بالدون
ورؤية الله هل إنس تخص بها
أم مؤمنو الإنس والجن الفريقين
ومؤمنات الورى يشهدن رؤيته
كالمؤمنين الحنيفين التقيين
أم لا تراه إناث المؤمنين فما
جوابكم نلتم عزاً بدارين
أم بعضهن يرى المولى كفاطمة
ومريم وحليلات النبيين
ما آية هي أرجى في القرآن وما
أشد خوفاً به عند الموازين
متى اشترى الله نفس المؤمنين ومع
من كان هذا الشرا هل قبل تكوين
ولم يخص بأموال وأنفسهم
دون القلوب وفيها معدن الدين
أمشرقاً فضلوا أم مغرباً وسما
أم أرضنا ثم ما خير الأراضين
أين السموات والجنات أفضل من
باق وآية أرض أنجم الدين
في الذكر بورك للأنام بها
في سورة الأنبيا أفيدوني
ما السر في طمس نور النيرين غدا
وما السواد يرى في البدر بالعين
أين الذهان لشمس بعد مغربها
هل تقطع الليل سيراً تحت أرضين
وهل إذا غربت ترقى فتسجد تحت
العرش أم لا وما مقدارها أفتوني
أي البلاد بها المهدي يظهر والمسيح
ينزل بالرحمى أجيبوني
وأي شهر ويوم أيما جبل
وأي بحر لهم فضلاً بتعيين
أي بأفضل ذو الفقر الصبور أم الشكور
ذو النعم الموسى المساكين
ما أول خلقه بدء وأول ما
باللوح سطر يا أهل البراهين
ما حكمة في دخول المؤمنين لنا
ر ثم في قسم المولى بطاسين
والميم تالية ما قدر ذرة من
يعمل بمثقالها خيراً أفيدوني
ما حد علم يقين ثم عين يقين
ثم حق يقين يا أولي الدين
هل أفضل الذكر سر أم علانية
وهل يجوز بأنواع التلاحين
بحيث تزداد بالتلحين أحرفه
وينتج الحرف بالإشباع حرفين(2/283)
"""""" صفحة رقم 284 """"""
ما الأفضل اللبن المنساغ أم عسل
وماء زمزم أم ما كوثر أفتوني
والخوف أم ضده والليل سادتنا
أم النهار وما سر لذي الكون
في خلق آدم من طين ولم خلقت
حواء من ضلع يا أهل البراهين
ورفع عيسى ولم سمي المسيح وكم
يقيم إذ عاد من عام أجيبوني
كم قد أقام نبي الله يوسف في
سجن وفي بطن حوت قام ذو النون
هل جاز انشاد مدح الهاشميّ على
آلات لهو كموصول وقانون
وهل لإلياس والخضر الوفي وإدريس
الحياة إلى ذا الوقت والحين
والسيد الخضر المرضي هل ثبتت
له النبوة ساداتي أفيدوني
ووالدي خير خلق منقذنا
من الضلال الرسول ابن الذبيحين
في جنة إذ هما لم يعبدان سوى
ذي العرش من خلق الإنسان من طين
ماتا على ملة إبراهيم سيدنا
خليله أمره ذبح القرابين
عليه والمصطفى خير الأنام سلام
الله ثم على كل النبيين
هل قائل غير هذا تعلمون وما
عليه إن قال في حق الحنيفين
ما شرطكم لو جوابات الوضوء وما
شرط لصحته جودوا بتبيين
ما قولكم في إمام ثوبه نجس
صلى ولم يدر إلا بعد يومين ؟
فهل عليهم يعيدوا أم إمامهم
أم كلهم لو يعيدوها ؟ أجيبوني
وفي خطيب مطيل سجع خطبته
وعظاً وحشوا بأنواع التفانين
وفيه إيذاء معذور وذي سقم
وصاحب الحاجة اللهف المساكين
فهل تلاوته القرآن أفضل أم
صلاة نفل وماذا يفت في ذين
ما قدر قيراط أجر في الصلاة على
ميت وحكمتها صفا وصفين
من عندهم لم تغب شمس النهار سوى
قدر الصلاة ويبدو الفجر في الحين
والصوم وافى فإن صلوا يفوتهم
من العشا ما به يقووا لفرضين
أيأكلون ويقضوا فرض مغربهم
وحكمهم في العشا ماذا أجيبوني
من في السفينة صلى وهي راسية
بالبر هل صح أو موحولة الطين
هل يفسد الصوم ما تبقيه مضمضة
من بلة بفم أم لا أفيدوني
ما حكم بيع على شرط البراءة من
كل العيوب بما قد بيع من عين
وطالب رد ذا عيب فاقبضه
عن أرشه خصمه نقداً من العين
هل طاب هذا له أم لا ويمنعه
رداً وما الحكم في ذا بين الإثنين(2/284)
"""""" صفحة رقم 285 """"""
ومشتري أمة في الفور أنكحها
زوجاً وطلقها من قبل تمكين
هل ذاك مسقط استبراءها ولمو
لاها الوقاع والاستمتاع في الحين
وهل يصح لنا يا سادتي سلم
على الفلوس إذا راجت بنقدين
أم حكمها في رواج والكساد سوا
وبيعها أجلاً هل حكم هذين
ومن أقرّ بألفي درهم ونأى
عن البيان فماذا يقض بالدين
من ذا يزوج من بعضالها عتقوا
محرر البعض أم غير أفيدوني
ما حكم عقد نكاح الغائبين إذا
لم يذكر اسم أب والجد الاثنين
وزوجة أنكرت بعد الدخول بها
قبض المعجل من مهر بتلوين
هل قولها أم مقال الزوج معتبر
جودوا وقيتم بتوضيح وتبيين
وذي الا ما هل له وطء لواحدة
وهن يسمعن أو ينظرن بالعين
وهل له وطء إحدى الزوجتين ورا
ستاره ولهم تصغى بأذنين
وهل يجوز له وطء بحضرة من
قد أذهب الله منها نور عينين
بحيث لا تدرك العمياء ما فعلا
وما جرى بين الاثنين الحبيبين
وقائل كلما عادت إليّ سعاد
بانت ودعها بنار الهجر تكويني
وقائل إن تبن مني فقبل تكن
من عصمتي بائناً أولى وثنتين
وبعد ما أصدر التعليق طلقها
ما الحكم فيه وسر فيه مكنون
ومن يطلق إكراهاً وفي سكر
ما حكمه ثم ماذا حكم مديون
عليه عشر مثاقيل ميء
كل من العشر المصرية العين
قرضاً ونودي على المثقال خمس ميء
كذا على العكس ما حكم في الاثنين
وقائل لفتاة كان يألفها
من فاتكات اللحاظ الخرد العين
لئن وطئتك في ملكي فأنت إذن
عتيقة فأبيعت بيع تمكين
وبعد عادت له ملكاً وواقعها
أحكمها عتقها أم لا ؟ أجبيوني
ومرأة عتقت من ملكت ولداً
لها صغيراً بذاك الوقت والحين
والحال لا قائل شرعي معتبر
له فما صح من هذين الأمرين
من أكرهوه على عتق أينفذ ذا
أم لا وإكراهه ما حده ؟ أفتوني
أو أكرهوه على خمر أيشربها
أم لا ويقضي اصطباراً غير مفتون
هل من مجوز قتل للكلاب لإفساد
الطريق بتنجيس الخبيثين
هل فاسق مدع بضرب مندله
جمعاً لجن لملموس ومجنون(2/285)
"""""" صفحة رقم 286 """"""
وهل من السحر تأليب وتفرقة
وكتب حرز وحجب للمجانين
ما ليس بالعربي معناه يفهم هل
تحل رقياً به أم لا أجيبوني
ما الحكم في ذاكر الأشهاد ممتنع
عن الأدا طالباً أجراً أفيدوني
وشاهد قال لم أشهد بذا أبداً
وبعده ذاكر الإشهاد في حين
أمنه تقبل أم تلغي شهادته
فيه بذلك يا أهل البراهين
وحاكم منكر حكماً به شهداً
عليه يقبل أم قول الشهيدين
فهل لذي الجهل تصحيح الولاية أم
شرط القضا علمه الأحكام في الدين
ماذا تقولون في علم له نقلوا
عن الإمام أبي الفضل ابن سيرين
أعني بذا العلم تعبير المنام وإخبار
المعبر عن غيب ومكنون
يقول قد دلت الرؤيا بأن سيكن
كذا من الأمر في علمي وتيقيني
هل آثم بالذي ينبي المعبر أم
لا إثم فيه أجيبوني بتبيين
ما حكمة الله في عود النبي رسول
الله عيسى إلى أرض أجيبوني
ماذا جوابكم فيمن يمد على
همز الجلالة في تكبيره أفتوني
ومن يمد على لام الجلالة أو
هاء الجلالة يا أهل البراهين
هل بين هذي السما والأرض سادتنا
بحر من الما يقينا أو بمظنون
وهل به فلك تجري كواكبه
به كشمس وبدر ثم باقين
أم سير بدر كما قالوا باولة
كذا برابعة شمس أفيدوني
نلتم ثواباً من المولى ومغفرة
على الدوام وأجراً غير ممنون
ثم الصلاة على أعلى الورى شرفاً
محمد المصطفى خير النبيين
والآل والصحب ما هب الصبا وصبا
صب لذكر أحاديث المحبين
تعريف الفئة بأجوبة الأسئلة المائة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وبعد فإني رجل حبب إليّ العلم والنظر فيه دقيقه وجليله والغوص على حقائقه والتطلع إلى إدراك دقائقه والفحص عن أصوله وجبلت على ذلك فليس في منبت شعرة إلا وهي ممحونة بذلك ، وقد أوذيت على ذلك أذى كثيراً من الجاهلين والقاصرين ، وذلك سنة الله في العلماء السالفين ، فلم يزالوا مبتلين بإسقاط الخلق وأراذلهم وبمن هو من طائفتهم ممن لم يرتق إلى محلهم ، ومن المعلوم في كتب(2/286)
"""""" صفحة رقم 287 """"""
الحديث والتاريخ ما قاساه ابن عباس بن نافع بن الأزرق وما أسمعه من الأذى وما تعنته به من الأسئلة ، وأسئلة نافع بن الأزرق لابن عباس مشهورة مروية لنا بالإسناد المتصل مدونة في ثلاث كراريس ، وقد سقت غالبها في الإتقان ، وقول نافع لرفيقه لما أراد تعنت ابن عباس قم بنا إلى هذا الذي نصب نفسه لتفسير القرآن بغير علم حتى نسأله ورد ابن عباس عليه بأبلغ رد .
ومن المعروف في صحيح البخاري وغيره ما قاساه سعد بن أبي وقاص أحد العشرة المشهود لهم بالجنة من جهال أهل الكوفة وشكواهم إياه لعمر بن الخطاب حتى قال له عمر : شكوك في كل شيء حتى قالوا إنك لا تحسن أن تصلي ، فانظروا بالله الذين أسلموا البارحة يزعمون في صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلّم الذي كان يسمى ثلث الإسلام أو ربعه إنه لا يحسن الصلاة ؛ وكذلك من المعلوم ما قاسا الإمام مالك من أهل عصره لما برز عليهم . وما قاساه الإمام الشافعي من أهل مصر لما ألف الرد على مالك واضطراب البلد حتى كاد البلد يفتتن . وما قاساه البخاري من أنداده . والغزالي من أعدائه وغيرهم من المتقدمين والمتأخرين ، وقد اجتمعوا كلهم عند الله وظهر لهم المحق من المبطل والأرفع رتبة عند الله من غيره ، وظهر لنا مصداق ذلك في هذه الدار ببقاء كلام هذه الأئمة وانتشاره وظهوره واضمحلال من رد عليهم وطمس ذلك ودثوره .
وهذه الأسئلة قد رفعت إلي وهي محتاجة إلى فضل نظر وسعة اطلاع فأجبت عنها أولاً نثراً ثم أعقده نظماً فأقول : أما السؤال الأول : فقد ورد علي من مدة وأجبت عنه بما نصه الإعداد في هذه الآية مرتب على المسلمين الموصوفين بكل ما ذكر في الآية من الصفات لا على فرد فرد من الصفات ، والمعطوفات من عطف الصفة لا من عطف الذوات والمراد بهم البالغون درجة الكمال من هذه الأمة ، والمراد بالمعد أكمل ما أعد بدليل تنكير مغفرة الدال على التعظيم وتنكير أجر الدال عليه أيضاً ووصفه تعظيماً ، وإذا قال الله لشيء عظيم فهو عظيم جداً لا يعبر عنه وذلك أبلغ مما أعد للمسلمين الذين لم يتصفوا بكل هذه الصفات أو ببعضها فإن أجرهم دون ذلك ، هذا من حيث الاستنباط المأخوذ من قواعد العربية والمعاني ، وأما من حيث النقل عن العلماء فقد قال الغزالي في بعض كلامه : إن الموعود في القرآن بالجنة لم يقع مرتباً على مجرد الإسلام أو الإيمان ، بل لم يقع فيه إلا مقروناً باشتراط انضمام الأعمال إليه ، ذكر ذلك في معرض الحث على الأعمال فهذا يدل على الأعمال الواقعة في هذه الآية كل منها جزء المحكوم عليه وليس كل منها محكوماً عليه استقلالاً ، ويؤيده أيضاً من حيث الاستنباط أنه لو كان كل فرد محكوماً عليه استقلالاً لزم الحكم على فرد من الأعمال كالصوم أو الصدقة المذكور في الآية مجرداً عن الوصف المصدر به وهو الإسلام والإيمان وهو باطل وإذا بطل اللازم بطل الملزوم .
فإن قال قائل : هذا مستثنى لا بد من اعتباره لما دل عليه من خارج . قلت : والباقي أيضاً دل على اعتبار مجموعه القواعد العربية والبيانية والسياق يرشد إليه والأحاديث الواردة(2/287)
"""""" صفحة رقم 288 """"""
في الحساب والوزن والتقاص إذا وقف عليها بلفظها مع مراعاة قواعد الاستدلال وأساليب البيان وغير ذلك من الأمور المشترطة في الإجتهاد أنتجت للمجتهد أن الأعداد مرتب على المجموع لا على كل فرد فرد والله أعلم .
وأما السؤال الثاني : فذكر صاحب آكام المرجان في أحكام الجان أن قياس قول الشيخ عز الدين بن عبد السلام في الملائكة أنهم لا يرون ربهم أن الجن أيضاً لا يرون ربهم ومستند الشيخ عز الدين في الملائكة قوله تعالى : ) لا تدركه الأبصار ( خص من ذلك المؤمنون فبقي على عمومه في الملائكة ، لكن ما قاله الشيخ عز الدين في الملائكة ممنوع كما بينته في الكتاب الذي ألفته في الرؤية ، وما قاله صاحب الآكام في الجن خالفه فيه البلقيني ومال إلى أنهم يرون ، والذي أقوله : إن الجن تحصل لهم الرؤية في الموقف مع سائر الخلق قطعاً ويحصل لهم في الجنة في وقت ما من غير قطع بذلك لكن باحتمال راجح ، وأما أنهم يساوون الإنس في الرؤية كل جمعة فالظاهر خلافه .
وأما السؤال الثالث : فقد حكى ابن كثير في كتاب البداية والنهاية في رؤية النساء ثلاثة مذاهب : أحدها : أنهن يرين إدراجاً لهن في عموم الأخبار الواردة في الرؤية .
الثاني : أنهن لا يرين أصلاً لعدم التصريح برؤيتهن في الحديث .
والثالث : أنهن يرين في الأعياد خاصة ولا يرين مع الرجال في أيام الجمع لورود حديث في ذلك وهذا القول الثالث هو الراجح وبه جزم ابن رجب ، وأنا أستثني أزواج الأنبياء وبناتهم وسائر الصديقات فأقول : إنهن يرين في غير الأعياد أيضاً خصوصية لهم كما اختص الصديقون من الرجال بمزية في الرؤية ليست لغيرهم وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في مؤلف مستقل سميناه إسبال الكساء على النساء ولخصناه في مختصر سميناه رفع الأسى عن النسا .
وأما السؤال الرابع ، والخامس : فذكر صاحب كشف الأسرار عما خفي عن الأفكار أنه قيل في أرجى آية في القرآن قوله : ) فهل يهلك إلا القوم الفاسقون ( وقيل : ) أن العذاب على من كذب وتولى ( وقيل : ) لا تقنطوا من رحمة الله ( . وقيل : ) إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئآتكم ( وقيل : ) قل كل يعمل على شاكلته ( وقيل : ) اليوم أكملت لكم دينكم ( وقيل : ) ولكن يريد ليطهركم ( قيل : ) الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم ( وقيل : ) إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا ( وقيل : ) ولسوف يعطيك ربك فترضى ( 1 .
وقال في أخوف آية قيل : ) ويحذركم الله نفسه ( 1 وقيل : ) سنفرغ لكم أيها الثقلان ( 1 وقيل : ) فأين تذهبون ( 1 وقيل : ) من يعمل سوءاً يجز به ( 1 وقيل : ) أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا ( 1 وقيل : ) إن بطش ربك لشديد ( 1 وقيل : ) أم حسب الذين اجترحوا السيئات ((2/288)
"""""" صفحة رقم 289 """"""
الآية . وأقول : بقي في أرجى آية أقوال فقيل قوله : ) وهل يجازى إلا الكفور ( 1 وقيل قوله : ) ولكن ليطمئن قلبي ( 1 وقيل قوله : ) وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير ( 2 وقيل : ) إن الله لا يغفر أن يُشرك به ( 2 وقيل : ) ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ( إلى قوله : ) ألا تحبون أن يغفر الله لكم ( 2 وقيل : ) وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئا ( 2 وقيل : ) وان ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ( 2 وقيل : ) يتيماً ذا مقربة أو مسكيناً ذا متربة ( 2 وقيل : ) إنا قد أوحي إلينا أن العذاب على من كذب وتولى ( 2 وقيل : ) قل للذين كفروا إن ينتهوا يغفر لهم ما قد سلف ( 2 وقيل آية الدين ، وبقي في أخوف آية أقوال : فعن أبي حنيفة قوله تعالى : ) واتقوا النار التي أعدت للكافرين ( 2 وعن الشافعي قوله تعالى : ) إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات ( 2 وعن الشبلي قال : أخوف آية في القرآن على طالبي أهل الدنيا قوله تعالى : ) منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ( 3 وأخرج ابن المنذر في تفسيره عن ابن سيرين قال : لم يكن عندهم شيء أخوف من هذه الآية ) ومن الناس من يقول آمنا بالله واليوم الآخر وما هم بمؤمنين ( 3 .
وأما السؤال السادس : فأقول : إن الشراء قد وقع في الأزل بالعلم وعند نزول الآية بالفعل وهذا شأن صفات الأفعال فإن قوله : اشترى صفة فعل مسندة إلى الله وبهذا يحصل الجواب عن السؤال السابع وهو أنه لم يكن في الأزل من يشتري منه ، ويحتمل أن يجاب عنه بأن ذلك وقع مع المؤمنين وهم في عالم الذر لكن هذا يحتاج إلى ورود حديث به أو أثر ولم نقف عليه .
وأما السؤال الثامن : فإنما خص الأموال والأنفس وهي الأرواح لأنهما أعز الأشياء عند الخلق ، فأعز شيء على الإنسان نفسه التي هي روحه والمال عديل الروح فاشترى منهم الأنفس ليبذلوها للقتل في سبيل الله والأموال لينفقوها في الجهاد ، ولم يذكر القلوب لأنه إن أريد بالقلب ما هو حال فيه وهو الروح فقد ذكر ذلك حال وهو الأنفس فأغنى عن ذكر المحل الذي هو وعاء محض ، وإن أريد بالقلب المحل الذي هو الشكل الصنوبري وهو الوعاء فهذا ليس بشيء حتى يذكر لأنه عبارة عن قطعة لحم وجزء من بدن الإنسان ، وقد ذكر ما هو أشرف منه وأعز من كل البدن وهي الأنفس فلم يكن لذكر القلوب معنى .
وأما السؤال التاسع : فقال صاحب كشف الأسرار قال الطوخي في أسرار التنزيل : اختلف في أي الجهتين أفضل المشارقة : المشرق أفضل واحتجوا بوجوه :
الأول : أن الله تعالى لم يذكر الموضعين في موضع إلا قدم ذكر المشرق . الثاني : الفضاء يكون مظلماً فلا يضيء إلا بطلوع الشمس من المشرق . الثالث : أن الأئمة الأربعة في الفقه من الشرق . الرابع : أن الأرض التي بورك فيها بنص القرآن وهي أرض مصر(2/289)
"""""" صفحة رقم 290 """"""
والشام وأرض الجزيرة من المشرق لأن الناس اتفقوا على أن أرض مصر حد ما بين المشرق والمغرب فما كان من مصر إلى جهة مطلع الشمس فهو مشرق فيتناول الحجاز والشام ، واليمن ، والعراق ، وما بعدها والمصر في اللغة الحد ولذا سميت مصر بمصر . واحتج المغاربة بوجوه :
أحدها : أن الله تعالى بدأ بذكر المغرب في قصة ذي القرنين . والثاني : قوله صلى الله عليه وسلّم ( لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين ) وفي رواية : ( لا يزال أهل الغرب ظاهرين ) وأجيب بأن الثابت وهم بالشام غربي المدينة .
وأما لفظ الغرب فلا يثبت وإن ثبت فهو محمول على الغرب وهو الدلو التي يستقى بها وأكثرهم باليمن . الثالث : أن المغرب اختص بظهور الأهلة التي هي مواقيت للناس والحج يرمقها أبصار الناس دون المشرق ، وعورض بطلوع الشمس من المشرق وبأن القمر يطلع أولاً من المشرق ممحوقاً ثم يظهر بالمغرب وبأن باب التوبة سعته أربعين عاماً ثم أنه يغلق بالمغرب .
الرابع : أن المهدي يظهر بالمغرب ، وأجيب بأن المشهور ظهوره بمكة أو اليمن أو العراق ، قالت المغاربة : نحن لا يظهر الدجال من عندنا ولا يأجوج ومأجوج ولا سائر الفتن ولا أشار النبي صلى الله عليه وسلّم إلى بلدنا فقال : ( الفتنة من ههنا ) قالت المشارقة هذا عدول عن تقرير المناقب إلى التعريض بالمثالب فإن كان الأمر كذلك فيكفيكم أن الشمس آية النهار وأنها تغرب عندكم وتظلم الأقطار ويغلق باب التوبة من جهتكم فلا تنفع التوبة والاستغفار ، وأقول : لم يترجح عندي تفضيل المشرق على المغرب ولا عكسه لتعارض دليل كل منهما ، وقد أردت أن أفضل المشرق لأن الأنبياء بعثوا منه ولم نقف أنه بعث من المغرب نبي ، ثم وقفت عن ذلك لاحتمال أن يكون بعث منه نبي وإن لم يرد به خبر لأن الأنبياء مائة ألف نبي وأربعة وعشرون ألف نبي فأي مانع من أن يكون طائفة منهم من المغرب ، ولم ترد الأخبار بتفضيل حال خمسين نبياً فضلاً عن أكثر من ذلك حتى يؤخذ منها .
وأما السؤال العاشر : فقال صاحب كشف الأسرار : اختلفوا في ذلك والأكثرون على تفضيل الأرض على السماء لأن الأنبياء خلقوا منها وعبدوا الله فيها ودفنوا فيها .
وأما السؤال الحادي عشر : فذكر صاحب كشف الأسرار ما نصه في كلام بعضهم الأرض العليا أفضل مما تحتها لاستقرار ذرية آدم فيها ولانتفاعنا بها ودفن الأنبياء بها وهي مهبط الوحي وغيره . قلت : ورد به الأثر عن ابن عباس كما سنذكره .
وأما السؤال الثاني عشر : ففي كشف الأسرار قال بعضهم : السماء الأولى أفضل مما سواها لقوله تعالى : ) ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح ( قلت : ورد الأثر بخلافه .
أخرج عثمان بن سعيد الدارمي في كتاب الرد على الجهمية عن ابن عباس قال : سيد السموات السماء التي فيها العرش وسيد الأراضين التي نحن عليها .(2/290)
"""""" صفحة رقم 291 """"""
وأما السؤال الثالث عشر : فأخرج الشيخان عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( إذا سألتم الله فاسألوه الفردوس فإنه وسط الجنة وأعلى الجنة وفوقه عرش الرحمن ومنه تفجر أنهار الجنة ) . وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي موسى الأشعري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( الفردوس مقصورة الرحمن فيها خيار الأشجار والأنهار ) .
وأما السؤال الرابع عشر : فأخرج ابن أبي حاتم عن أبيّ بن كعب في قوله تعالى : ) ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ( قال : الشام ، وأخرج أيضاً عن أبي العالية قال : هي الأرض المقدسة بارك الله فيها للعالمين لأن كل ماء في الأرض عذب هو منها يخرج من أصل الصخرة التي في بيت المقدس يهبط من السماء إلى الصخرة ثم يتفرق في الأرض ، وأخرج عن قتادة قال : هي أرض الشام وهي أرض المحشر والمنشر وبها ينزل عيسى ابن مريم وبها يهلك مسيح الضلالة الدجال ، وأخرج عن كعب قال : هي حران ، وأخرج من طريق العوفي عن ابن عباس في قوله : ) ونجيناه ولوطاً إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين ( قال : يعني مكة ونزول إسماعيل البيت ألا ترى أنه يقول : ) إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين ( .
وأما السؤال الخامس عشر : ففي كشف الأسرار قيل : الحكمة في أن الشمس والقمر يوم القيامة يطمس نورهما ويلقيان في جهنم ليظهر لعبدة الشمس والقمر أنهما ليسا آلهة لأنهما لو كانا آلهة لدفعا عن أنفسهما ولما ذهب ضوؤهما ، وهذا هو السر في ذهاب ضوئهما في الدنيا بالخسوف ، وإنما ألقيا في جهنم يوم القيامة ليقال من كان يعبد شيئاً فليتبعه فيتبعونهم في جهنم .
وأما السؤال السادس عشر : ففي كشف الأسرار إن قيل ما هذا السواد الذي في القمر ؟ قيل : سأل ابن الكواء علياً رضي الله عنه عن ذلك فقيل إنه أثر مسح جناح جبريل وذلك أن الله تعالى خلق نور القمر سبعين جزءاً وكذلك نور الشمس ثم أتى جبريل فمسحه بجناحه فمحا من القمر تسعة وستين جزءاً فحولها إلى الشمس فأذهب الضوء وأبقى فيه النور فذلك قوله تعالى : ) فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة ( وأنت إذا تأملت السواد الذي في القمر وجدتها حروفاً أولها الجيم وثانيها الميم وثالثها الياء واللام ألف آخر الكل مكتوب عليه جميلاً ، وقد شاهدت ذلك وقرأته مرات فسبحان من خلقه جميلاً .
قلت : أخرج البيهقي في دلائل النبوة عن سعيد المقبري أن عبد الله بن سلام سأل النبي صلى الله عليه وسلّم عن السواد الذي في القمر فقال : كانا شمسين فقال قال الله تعالى : ) وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل ( قال : والذي رأيت هو المحو ، وأخرج ابن أبي حاتم ، وابن مردويه بسند واه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : إن الله خلق شمسين من نور عرشه فأما ما كان في سابق علمه أنه يدعها شمساً فإنه خلقها مثل الدنيا على قدرها ما بين مشارقها ومغاربها ، وأما ما كان في سابق علمه أنه يطمسها ويجعلها قمراً فإنه خلقها دون الشمس في العظم ، ولكن إنما يرى صغرها لشدة ارتفاع السماء وبعدها من الأرض ، فلو ترك الشمس(2/291)
"""""" صفحة رقم 292 """"""
كما كان خلقها أول مرة لم يعرف الليل من النهار ولا النهار من الليل ، ولم يدر الصائم متى يصوم ومتى يفطر ، ولم يدر المسلمون متى وقت حجهم وكيف عدد الأيام والشهور والسنين والحساب ، فأرسل جبريل فأمرّ جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور فذلك قوله تعالى : ) وجعلنا الليل والنهار آيتين ( وأخرج عبد الرزاق في المصنف عن مجاهد قال : كتب هرقل إلى معاوية يسأله عن ثلاثة أشياء أي مكان إذا صليت فيه ظننت أنك لم تصل إلى قبلة ، وأي مكان طلعت فيه الشمس مرة لم تطلع فيه قبل ولا بعد ، وعن السواد الذي في القمر فأرسل معاوية إلى ابن عباس يسأله فكتب إليه : أما المكان الأول فهو ظهر الكعبة . وأما الثاني فالبحر حين فرقه الله لموسى . وأما السواد الذي في القمر فهو المحو .
وأما السؤال السابع عشر ، والثامن عشر : ففي كشف الأسرار الشمس إذا غربت أين تذهب ؟ قال الطرطوشي في شرح الرسالة : اختلف في ذلك فقيل يبتلعها حوت ، وقيل تغرب في عين حمئة كما قال الله تعالى والحمأة بالهمز ذات حمأة وطين وقرئت حامية بغير همز أي حارة ساخنة قال الطرطوشي : وقيل إنها تطلع من سماء إلى سماء حتى تسجد تحت العرش وتقول يا رب إن قوماً يعصونك فيقول الله تعالى لها : ارجعي من حيث جئت فتنزل من سماء إلى سماء حتى تطلع من المشرق وإذا نزلت إلى سماء الدنيا طلع الفجر حينئذ ، وقال إمام الحرمين وغيره : لا خلاف أن الشمس تغرب عند قوم وتطلع على آخرين والليل يطول عند قوم ويقصر عند آخرين وعند خط الاستواء يكون الليل والنهار مستويين أبداً ، وسئل الشيخ أبو حامد عن بلاد بلغار كيف يصلون ؟ فإنه ذكر أن الشمس لا تغرب عندهم إلا مقدار ما بين المغرب والعشاء ثم تطلع فقال : يعتبر صومهم وصلاتهم بأقرب البلاد إليهم والأحسن وبه قال بعض الشيوخ أنهم يقدرون ذلك ويعتبرون الليل والنهار كما قال صلى الله عليه وسلّم في يوم الدجال الذي كسنة وكشهر ( قدروا له ) حين سأله الصحابة عن الصوم والصلاة فيه ، وبلغار بضم الياء الموحدة وإسكان اللام وبالغين المعجمة وبالراء المهملة في آخره أقصى بلاد الترك .
وذكر لي بعضهم عمن أخبره أن الشمس إذا غربت عندهم من ههنا طلع الفجر وصار يمشي قليلاً ثم تطلع الشمس . وبهذا الجواب المذكور يحصل الجواب عن تردد أبداه القرافي في قوم لا تغيب الشمس عندهم إلا مقدار الصلاة فهل يشتغلون بصلاة المغرب أو بالأكل حتى يقووا على صوم الغد إذا كان شهر رمضان ؟ وإذا علمت من هذه القاعدة أن الليل يقصر عند قوم ويطول عند آخرين ظهر لك وجه الجمع بين الروايات الواردة عنه عليه السلام في قوله : ( ينزل ربنا كل ليلة حين يذهب ثلث الليل ) . وفي رواية : ( حين يذهب نصف الليل ويقول هل من تائب فأتوب عليه هل من مستغفر فأغفر له من يقرض غير عديم ولا ظلوم ) الحديث ، وكذا أجاب بعض العلماء بهذا الجواب وهو أن نزول الملك يكون دائماً نصف الليل قال : ونصف الليل يكون نصفاً عند قوم وثلثاً عند آخرين فلا تنافي بين(2/292)
"""""" صفحة رقم 293 """"""
الروايتين قال : والمعنى فيه أن الشمس إذا انتصف الليل أحدثت في العالم حركة بطبعها وحرارتها فلا يبقى حيوان نائم إلا وتحرك لأنها تقرب من الأرض ، فإذا تحرك استيقظ في الغالب ، فإذا استيقظ تلقاه المنادي ونشطه إلى القيام إلى الطاعة فيقول : هل من مستغفر هل من تائب هل من طالب حاجة ؟ فهذه أسرار غريبة ومعان لطيفة فسبحان من هذا عطاؤه وجل من هذا فضاؤه . قلت : الأحاديث والآثار مختلفة في ذهاب الشمس بعد غروبها فأخرج البخاري عن أبي ذر قال : كنت مع النبي صلى الله عليه وسلّم في المسجد عند غروب الشمس فقال : يا أبا ذر تدري أين تغرب الشمس ؟ قلت الله ورسواله أعلم قال : فإنها تذهب حتى تسجد تحت العرش فذلك قوله تعالى : ) والشمس تجري لمستقر لها ( وأخرجه النسائي بلفظ فإنها تذهب حتى تنتهي تحت العرش عند ربها ثم تستأذن فيؤذن لها ، ويوشك أن تستأذن فلا يؤذن لها وتطلب فإذا كان ذلك قيل لها اطلعي من مكانك فذلك قول الله : ) والشمس تجري لمستقر لها ( وأخرج عبد الرزاق عن عبد الله بن عمرو في قوله تعالى : ) والشمس تجري لمستقر لها ( قال : مستقرها أن تطلع فتردها ذنوب بني آدم فإذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فيؤذن لها حتى إذا غربت سلمت وسجدت واستأذنت فلا يؤذن لها فتقول : إن السير بعيد وإني إن لا يؤذن لي لا أبلغ فتحبس ما شاء الله ثم يقال : اطلعي من حيث غربت ، قال الحافظ ابن حجر في شرح البخاري : لا تخالف بين هذا وبين قوله تعالى : ) وجدها تغرب في عين حمئة ( فإن المراد به نهاية مدرك البصر إليها حال الغروب ، وسجودها تحت العرش إنما هو بعد الغروب ، وقال الخطابي : يحتمل أن يكون المراد باستقرارها تحت العرش أنها تستقر تحته استقراراً لا نحيط به نحن ، وليس في سجودها كل ليلة تحت العرش ما يعيق عن دورانها في سيرها .
وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره ؛ وأبو الشيخ في كتاب العظمة عن ابن عباس قال : الشمس بمنزلة الساقية تجري بالنهار في السماء في فلكها فإذا غربت جرت الليل في فلكها تحت الأرض حتى تطلع من مشرقها وكذلك القمر ، وأخرج أبو الشيخ عن الحسن البصري قال : إذا غربت الشمس دارت في فلك السماء مما يلي دبر القبلة حتى ترجع إلى المشرق الذي تطلع منه وتجري في السماء من شرقها إلى غربها ثم ترجع إلى الأفق مما يلي دبر القبلة إلى شرقها كذلك هي مسخرة في فلكها وكذلك القمر .
وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال : إن الشمس إذا غربت دخلت بحراً تحت العرش فتسبح الله حتى إذا هي أصبحت استعفت ربها من الخروج قال : ولم ؟ قالت : إني إذا خرجت عبدت من دونك ، وأخرج أبو الشيخ بسند واه عن ابن عباس قال : إن الشمس إذا غربت رفع بها إلى السماء السابعة في سرعة طيران الملائكة وتحبس تحت العرش فتستأذن من أين تؤمر بالطلوع ثم ينطلق بها ما بين السماء السابعة وبين أسفل درجات الجنان في سرعة طيران الملائكة فتنحدر حيال المشرق من سماء إلى سماء فإذا وصلت إلى هذه السماء فذلك حين ينفجر الصبح ، فإذا وصلت إلى هذا الوجه من السماء فذلك حين تطلع الشمس .(2/293)
"""""" صفحة رقم 294 """"""
وأخرج ابن عساكر عن الزهري أن خزيمة بن حكيم السلمي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن حر الماء في الشتاء وبرده في الصيف ؟ فقال : إن الشمس إذا سقطت تحت الأرض سارت حتى تطلع من مكانها ، فإذا طال الليل في الشتاء كثر لبثها في الأرض فيسخن الماء لذلك ، فإذا كان الصيف مرت مسرعة لا تلبث تحت الأرض لقصر الليل فثبت الماء على حاله بارداً .
هذا مجموع ما وقفت عليه في هذه المسألة من الأحاديث والآثار .
وأما السؤال التاسع عشر : فقد تقدم في الحديث المرفوع أن الشمس على قدر الدنيا ما بين مشارقها ومغاربها ، وأخرج ابن أبي حاتم ، وأبو الشيخ عن عكرمة قال : الشمس سعة الأرض وزيادة ثلث على قدر سعة الأرض ، وأخرجا أيضاً عن قتادة قال : الشمس طولها ثمانون فرسخاً في عرض ثمانين فرسخاً ، وأخرج أبو الشيخ من طريق الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس أن رجلاً قال له : كم طول الشمس وكم عرضها ؟ قال تسعمائة فرسخ في تسعمائة ، وطوال الكواكب اثنا عشر فرسخاً في اثني عشر فرسخاً .
وأما السؤال العشرون : فقد ثبت في أحاديث أنه يخرج من قبل المشرق وأنه يبايع له بمكة بين الركن والمقام وأنه يسكن بيت المقدس .
وأما السؤال الحادي والعشرون : فقد صح في مسلم من حديث النواس بن سمعان أنه ينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق قال ابن كثير : هذا هو الأشهر في موضع نزوله ، وورد في بعض الأحاديث أنه ينزل بيت المقدس ، وجمع بعض العلماء بينهما بأنه ينزل بيت المقدس وبيت المقدس هو شرقي دمشق وفي بعض الروايات أنه ينزل بالأردن ، وفي رواية بعسكر المسلمين .
وأما السؤال الثاني والعشرون ، والثالث والعشرون : فأخرج الطبراني بسند ضعيف عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( أفضل الأيام يوم الجمعة ، وأفضل الشهور شهر رمضان ، وأفضل الليالي ليلة القدر ) . ففي كشف الأسرار أن يوم عرفة ويوم الجمعة على خلاف فيهما أفضل من سائر الأيام لما في يوم عرفة من تجلي الحق عز وجل ومباهاته الملائكة بالحاج وفيض عظيم عفوه وفضله ورحمته عليهم بالعتق من النار والمغفرة ، ولما حصل في يوم الجمعة من خلق آدم وقبول توبته وإجابة الدعاء فيه في ساعة منه والإذن لأهل الجنة في زيارة الرب عز وجل انتهى .
وأما السؤال الرابع والعشرون : فالذي أقوله استنباطاً أن جبل أحد أفضل الجبال لقوله صلى الله عليه وسلّم : ( أُحد يحبنا ونحبه ) وورد أنه على باب من أبواب الجنة ولأنه من جملة أرض المدينة التي هي أفضل البقاع ولأنه مذكور في القرآن باسمه في قراءة من قرأ ) إذ تصعدون ولا تلوون على أحد ( .
وأما السؤال الخامس والعشرون : فأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال : نيل مصر سيد الأنهار سخر الله له كل نهر من المشرق والمغرب .(2/294)
"""""" صفحة رقم 295 """"""
وأما السؤال السادس والعشرون : فقد اختلف الناس قديماً وحديثاً في ذلك فمنهم من فضل الفقير الصابر على الغني الشاكر ، ومنهم من عكس ، ومنهم من توسط ففضل الكفاف وهو المختار ، قال صاحب الوحيد : ذهب الجنيد إلى أن الفقير الصابر أفضل وهو الذي أراه وعلله بأن قال ما من ألم نفسه كمن أراح نفسه ، وذهب ابن عطاء إلى أن الغني الشاكر أفضل واستدل بأن الغني صفة من صفات الله وهذا مشتق منه فقال له الجنيد : إن غنى الله بذاته وهذا الغنى تمتد إليه يد السارق والغاصب فلا يشتق هذا منه ، وقال الشيخ عز الدين ابن عبد السلام في القواعد الكبرى : فإن قيل أيما أفضل حال الأغنياء أم حال الفقراء ؟ فالجواب إن الناس أقسام أحدهم من يستقيم على الغنى ويفسد حاله بالفقر ولا خلاف أن غنى هذا خير له من فقره ، والثاني أن يستقيم على الفقر ويفسده الغنى ويحمله على الطغيان فلا خلاف أن فقر هذا خير له من غناه ، الثالث : من إذا افتقر قام بجميع وظائف الفقر كالرضا والصبر ، وإن استغنى قام بجميع وظائف الغنى من البذل والإحسان وشكر الملك الديان ، فقد اختلف الناس في أي حال هذا أفضل ، فذهب قوم إلى أن الفقر أفضل ، وقال آخرون : غناه أفضل وهو المختار لاستعاذته صلى الله عليه وسلّم من الفقر ، ولا يجوز حمله على فقر النفس لأنه خلاف الظاهر بغير دليل ، وقد يستدل لهؤلاء بأن النبي صلى الله عليه وسلّم كان أغلب أحواله الفقر إلى أن أغناه الله بحصول خيبر وفدك والعوالي وأموال بني النضير . والجواب عن هذا أن الأنبياء والأولياء لا يأتي عليهم يوم إلا كان أفضل من الذي قبله ، وقد ختم آخر أمر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بالغنى ولم يخرجه غناه عما كان يتعاطاه في أيام فقره من البذل والإيثار والتقليل حتى أنه مات ودرعه مرهونة عند يهودي على آصع من شعير ، وكيف لا يكون كذلك وهو صلى الله عليه وسلّم يقول : ابن آدم إنك إن تبذل الفضل خير لك وإن تمسك شر لك أراد بالفضل ما فضل عن الحاجة الماسة كما فعل صلى الله عليه وسلّم فمن سلك من الأغنياء هذا الطريق فبذل الفضل كله مقتصراً على عيش مثل عيش النبي صلى الله عليه وسلّم فلا امتراء أن غنى هذا خير من فقره ، ويدل على ذلك حديث الصحيحين : ذهب ذوو الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم الحديث ، وفيه ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء ، وأما قوله صلى الله عليه وسلّم : ( يدخل فقراء المسلمين الجنة قبل الأغنياء بنصف يوم وهو خمسمائة عام ) وقوله صلى الله عليه وسلّم : ( اطلعت على الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء ) فإن ذلك محمول على الغالب من أحوال الأغنياء والفقراء إذ لا يتصف من الأغنياء بما ذكرناه من أن يعيش عيش الفقراء أو يتقرب إلى الله بما فضل من عيشه مقدماً لأفضل البذل فأفضله إلا الشذوذ النادرون الذين لا يكادون يوجدون ، والصابرون على الفقر قليل ما هم والراضون أقل من ذلك القليل هذا كلام الشيخ عز الدين وقال ابن بطال في حديث : ( ذهب ذوو الأموال بالدرجات العلى ) في هذا الحديث فضل الغنى نصاً لا تأويلاً إذا استوت أعمال الغني والفقير فيما افترض الله عليهما ، فللغني حينئذ فضل عمل البر من الصدقة ونحوها مما لا سبيل للفقير إليه ، وقال ابن دقيق العيد : ظاهر الحديث القريب من النص أنه فضل الغني وبعض الناس تأوله بتأويل مستكره ، قال : والذي يقتضيه النظر أنهما(2/295)
"""""" صفحة رقم 296 """"""
إن تساويا وفضلت العبادة المالية أن يكون الغني أفضل وهذا لا شك فيه ، وإنما النظر إذا تساويا وانفرد كل منهما بمصلحة ما هو فيه أيهما أفضل ؟ إن فسر الأفضل بزيادة الثواب فالقياس يقتضي أن المصالح المتعدية أفضل من القاصرة فيترجح الغني ، وإن فسر بالأشرف بالنسبة إلى صفات النفس فالذي يحصل لها من التطهير بسبب الفقر أشرف فيترجح الفقر ، ومن ثم ذهب جمهور الصوفية إلى ترجيح الفقير الصابر ، وقال القرطبي : في هذه المسألة للعلماء خمسة أقول : ثالثها : الأفضل الكفاف . رابعها : يختلف باختلاف الأشخاص . خامسها : التوقف .
وأما السؤال السابع والعشرون : ففي كشف الأسرار قال النيسابوري : قال بعضهم : خلق الله أولاً زمردة خضراء ، ويقال اللوح والقلم ، ويقال الوقت والزمان ، ويقال العرش والكرسي ، ويقال خلق أولاً عاقلاً أراد أن ينتفع بعقله غيره ، ويقال خلق جوهراً متفرقاً من الألوان والأطباع والهيئات ثم خلق الهيئات فركبها بين الأطباع والألوان وصارت بسيطة مؤلفة مطبوعة . ويقال خلق أولاً نقطة ثم نظر إليها بالهيبة فتضعضعت وتمايلت فصيرها الله تعالى ألفاً .
وأما السؤال الثامن والعشرون : فأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة عمرو ابن جرير قال : إن أول شيء كتب أنا التواب أتوب على من تاب .
وأما السؤال التاسع والعشرون : ففي كشف الأسرار قيل : الحكمة في إدخال المؤمنين النار ليعرفوا قدر الجنة ومقدار ما دفع الله عنهم من عظيم النقمة لأن تعظيم النعمة واجب في الحكمة . وقيل ليكون المؤمنون دليلاً للكافرين كما أن جبريل كان دليلاً لفرعون في البحر لأن عباد الصنم يوم القيامة يؤمرون بدخول النار مع أصنامهم فيأبون فيقول الله للمؤمنين ادخلوا فيقولون لبيك وسعديك إن أمرتنا فذلك قوله تعالى : ) والذين آمنوا أشد حباً لله ( وحينئذ يتبين للخلق أن بره في النار للعارفين أكثر من بره في الجنة للمطيعين . وقيل أراد الله تعالى أن يطيب النار كما طيب بطن الحوت بإلقاء يونس عليه السلام لأن النار شكت إلى ربها فقالت : يا رب ما عصيتك قط فلم جعلتني مأوى المتكبرين والجبارين ؟ فقال : أريك الأنبياء والمطيعين . وقيل ليرى المؤمنين عياناً ما أخبرهم به من نجاة إبراهيم من نار نمروذ فقال لإبراهيم : ) يا نار كوني برداً وسلاماً على إبراهيم ( وقال للمؤمنين : وردتموها وهي خامدة . وقيل ليرى الكفرة جودة عنصر المؤمنين لأن الجوهر الأصلي لا تعمل فيه النار ولا تفسده فكذلك المؤمن ، وقيل ليظهر للخلق أنه جامع النور والظلمة لأنه هو المنجي من الظلمة والموقع فيها . وقيل ليرى الخلق كمال قدرته . فرقة يستغيثون من النار . وفرقة تستغيث النار منهم ، وهذا كما جعل الماء رحمة على موسى وعقوبة على قوم فرعون كذلك النار رحمة للمؤمنين نقمة للكافرين ، وقيل لأن الله تعالى وعد النار أن يملأها وهي لا تملأ بالكفرة فتقول هل من مزيد ؟ فيورد المؤمنين فيها فتملأ وتقول قط .(2/296)
"""""" صفحة رقم 297 """"""
وأما السؤال الثلاثون : ففي كشف الأسرار أن طاء شجرة طوبى وسين سدرة المنتهى وميم محمد صلى الله عليه وسلّم ، وأخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن محمد بن كعب القرظي في قوله : ( طسم ) فإن الطاء من ذي الطول والسين من القدوس والميم من الرحمن ؛ والأقوال في فواتح السور كثيرة مشهورة والذي أختاره أنها من المتشابه الذي لا يعلم تأويله إلا الله ، أخرج ابن المنذر في تفسيره عن الشعبي أنه سئل عن فواتح السور فقال : إن لكل كتاب سراً وإن سر هذا القرآن فواتح السور .
وأما السؤال الحادي والثلاثون : ففي كشف الأسرار قال النيسابوري : سبعون ذرة تزن جناح بعوضة وسبعون جناح بعوضة تزن حبة .
وأما السؤال الثاني والثلاثون : فقال السهروردي في عوارف المعارف : علم اليقين ما كان من طريق النظر والاستدلال . وعين اليقين ما كان من طريق الكشوف والنوال . وحق اليقين ما كان بتحقيق الانفصال عن لوث الصلصال بورود رائد الوصال ، وقال فارس : علم اليقين لا اضطراب فيه وعين اليقين هو العلم الذي أودعه الله للاسرار والعلم إذا تفرد من نعت اليقين كان علماً بشبهة فإذا انضم إليه عين اليقين كان علماً بلا شبهة ، وحق اليقين هو حقيقة ما يشير إليه علم اليقين وعين اليقين ، قال الجنيد : حق اليقين ما يتحقق العبد بذلك وهو أن يشاهد الغيوب كما يشاهد المرئيات مشاهدة عيان ويحكم في الغيب فيخبر عنه بالصدق كما أخبر الصديق حين قال له رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( ماذا أبقيت لعيالك ؟ قال : الله ورسوله ) وقال بعضهم : علم اليقين حال المعرفة وعين اليقين حال الجمع وحق اليقين جمع الجمع بلسان التوحيد ، وقيل : اليقين اسم ورسم وعلم وعين وحق ، فالاسم والرسم للعوام والعلم علم اليقين للأولياء وعين اليقين لخواص الأولياء وحق اليقين للأنبياء وحقيقة حق اليقين اختص به نبينا صلى الله عليه وسلّم .
وفي كشف الأسرار : علم اليقين هو المستفاد من الأخبار ، وعين اليقين مستفاد من المشاهدة ، وحق اليقين يكون بالمعاينة والمباشرة ، قال تعالى في حق الكفار : ) ثم لترونها عين اليقين ( ولما دخلوها وباشروا عذابها قال تعالى : ) فنزل من حميم إن هذا لهو حق اليقين ( وقال سيدي محمد السعودي من أصحاب سيدي يوسف العجمي : علم اليقين معرفة الله بك إذ أنت عين الدليل عليه وهو إثبات ذات غير مكيفة ولا معلومة الماهية محكوماً لها بالألوهية سلطاناً ، وحجة لا ريب فيه عين اليقين مشاهدة هذه الذات بعينها لا بعينك أي بعين الذات فناءً كلياً لا يعقل معها نسبة الألوهية إثباتاً أو نفياً ، بل مشاهدة تفنى الأحكام والرسوم وتمحق الآثار حق اليقين نسبة الألوهية إلى هذه الذات بعد المشاهدة لا قبلها ، وهو الفرق بين العلم والحق ليس إلا وهناً سكت المحققون وبعد هذه حقيقة حق اليقين وهو ظهور الانفعالات عن العبد مع غيبته عنها فيه غيبا كلياً وفناءً محققاً وهذه غاية المراتب فالثلاثة كتابية علم وعين وحق . والرابعة سنية قال صلى الله عليه وسلّم : ( إن لكل حق حقيقة فما حقيقة إيمانك ) ؟ فهذه الحقيقة بها(2/297)
"""""" صفحة رقم 298 """"""
يختبر العبد المتحقق نفسه في دعواه في معرفة حقيقة حق اليقين فتأمله .
وأما السؤال الثالث والثلاثون : فقد وردت أحاديث تقتضي استحباب الجهر بالذكر ، وأحاديث تقتضي استحباب الإسرار به ، والجمع بينهما أن ذلك يختلف باختلاف الأحوال والأشخاص ، قال سيدي يوسف العجمي رضي الله عنه : قد اعترض بعض الفضلاء على الجهر بالذكر مستدلاً بقوله تعالى : ) وإذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ( الآية ، وقوله صلى الله عليه وسلّم : ( خير الذكر ما خفي ) والجواب أن الله تعالى خاطب عامة عبادة بمثل قوله : ) أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ( وخاطب الخاص بمثل قوله : ) أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها ( وخاطب سيد أهل الحضرة محمداً صلى الله عليه وسلّم بعد أن عرفه بربه ونفسه وأراه كيف مد الظل بمثل قوله : ) واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة ( وقوله : ) ألم تر إلى ربك كيف مد الظل ( فمن لا يعرف ربه ولا نفسه ولا أراه كيف مد الظل فكيف يذكر ربه في نفسه ؟ أو كيف يرى مد الظل ؟ بل هم المخاطبون بمثل قوله تعالى : ) اذكروا الله ذكراً كثيراً ( وأما الذكر الخفي فهو ما خفي عن الحفظة لا ما يخفض به الصوت ، وهو أيضاً خاص به صلى الله عليه وسلّم وبمن له به أسوة حسنة ، وعن جابر رضي الله عنه : ( أن رجلاً كان يرفع صوته بالذكر فقال رجل : لو أن هذا خفض من صوته فقال صلى الله عليه وسلّم : دعه فإنه أواه ) . وقال صلى الله عليه وسلّم : ( إذا مررتم برياض الجنة فارتعوا قيل وما رياض الجنة ؟ قال حلق الذكر ) . وروي ( أنه صلى الله عليه وسلّم خرج على حلقة من أصحابه قال : ما أجلسكم ؟ قالوا : جلسنا نذكر الله تعالى ونحمده على ما هدانا للإسلام ومن به علينا قال : آلله ما أجلسكم إلا ذلك ؟ قالوا : آلله ما أجلسنا إلا ذلك قال : أما إني لم أستحلفكم تهمة لكم ولكنه أتاني جبريل عليه السلام فأخبرني أن الله تعالى يباهي بكم الملائكة ) . وعن أبي قتادة رضي الله عنه : ( أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال لأبي بكر : مررت بك وأنت تقرأ وأنت تخفض من صوتك فقال : إني أسمعت من ناجيت فقال : ارفع صوتك قليلاً وقال لعمر : مررت بك وأنت تقرأ وأنت ترفع من صوتك فقال : إني أوقظ الوسنان وأطرد الشيطان قال : اخفض قليلاً ) . وروي أن الناس كانوا يذكرون الله تعالى عند غروب الشمس يرفعون أصواتهم بالذكر ، فإذا خفيت أرسل إليهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن ثوروا الذكر أي ارفعوا أصواتكم والجمع بين الآية والحديث السابقين اللذين استدل بهما وبين هذه الأحاديث والأثر أن الذاكرين إذا كانوا مجتمعين على الذكر فالأولى في حقهم رفع الصوت بالذكر والقوة ، وأما إذا كان الذاكر وحده فإن كان من الخاص فالإخفاء في حقه أولى ، وإن كان من العام فالجهر في حقه أفضل ، وقد شبه الغزالي رحمه الله ذكر شخص واحد وذكر جماعة مجتمعين بمؤذن واحد وجماعة مؤذنين فكما أن أصوات الجماعة تقطع جرم الهواء أكثر من صوت شخص واحد ، فكذا ذكر جماعة على قلب واحد أكثر تأثيراً في رفع الحجب من ذكر شخص واحد ومن حيث الثواب ، فلكل واحد ثواب ذكر نفسه وثواب سماع ذكر رفقائه ، وأما قوله : إنه أكثر تأثيراً في رفع الحجب فلأن الله تعالى شبه القلوب(2/298)
"""""" صفحة رقم 299 """"""
بالحجارة في قوله : ) ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة ( ومعلوم أن الحجر لا ينكسر إلا بقوة ، فقوة ذكر جماعة مجتمعين على قلب واحد أشد من قوة ذكر شخص واحد . ولهذا قال الشيخ نجم الدين البكري رحمة الله عليه : إن القوة في الذكر شرط واستدل بهذه الآية انتهى .
وأما السؤال الرابع والثلاثون : فجوابه أن إحداث الألحان في الذكر بدعة لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلّم ، ولا أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، ولا علي ، ولا فعلها أحد من الصحابة ولا التابعين ، ولا السلف الصالحين فإن انضم إلى ذلك تمطيط الأحرف والإشباع في غير موضعه والاختلاس في غير موضعه والترقيص والتطريب وتعويج الحنك والرأس فهذا مغن لا ذاكر ، وأخشى عليه أن يجاب من قبل الله باللعنة ، فإن سر الذاكر إحضار عظمة الله وهيبته في القلب بخشوع وخضوع وإعراض عما سواه والملحن في شغل شاغل عن ذلك وليعرض الإنسان على نفسه أن لو وقف شخص تحت بيته ونادى آه يا سيدي فلان وكرر ذلك بهذا التلحين والترقيص أكان يرضيه ذلك أو يعده قليل الأدب فالتأدب مع الله أولى وأحق .
وأما السؤال الخامس والثلاثون : فأقول : مقتضى الأدلة تفضيل اللبن على العسل لأمور منها أنه يربى به الطفل ولا يقوم العسل ولا غيره مقامه في ذلك ، ومنها أنه يجزىء عن الطعام والشراب وليس العسل ولا غيره بهذه المثابة روى أبو داود ، والترمذي وحسنه ، وابن ماجه عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم : ( من سقاه الله لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزىء من الطعام والشراب غير اللبن ) ومنها أنه لا يشرق به أحد وليس العسل ولا غيره كذلك روى ابن مردويه في تفسيره عن أبي لبيبة ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال : ما شرب أحد لبناً فشرق أن الله يقول : ) لبناً خالصاً سائغاً للشاربين ( ) منها أنه صلى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء أتي بإناء من خمر وإناء من لبن وإناء من عسل فاختار اللبن فقيل : هذه الفطرة أنت عليها وأمتك رواه الشيخان وغيرهما فاختياره اللبن على العسل ظاهر في تفضيله عليه ، ومن الصريح في ذلك أيضاً ما رواه ابن أبي عاصم عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم ( من أطعمة الله طعاماً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه ، ومن سقاه الله لبناً فليقل : اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ، وإني لا أعلم شيئاً يجزىء من الطعام والشراب إلا اللبن ) والحديث أصله في السنن الأربعة فقوله في الأول : وأطعمنا خيراً منه وفي اللبن وزدنا منه يعطى أنه لا شيء خير من اللبن .
وأما السؤال السادس والثلاثون : فقد كنت سئلت عنه قديماً وأجبت بأنه لم يرد حديث ولا أثر في التفضيل بينهما والتفضيل يحتاج إلى توقيف ، وذكر عن حافظ العصر أبي الفضل ابن حجر أنه سئل عن ذلك فأجاب بأن ماء زمزم أفضل مياه الدنيا ، وماء الكوثر أفضل مياه الآخرة . وهذا الجواب كما ترى ليس فيه نص على تفضيل أحدهما على الآخر . وقد يقال لمن خطر بباله تفضيل ماء زمزم أنه يشهد له أنه صلى الله عليه وسلّم غسل صدره به لما شقه جبريل ولكن(2/299)
"""""" صفحة رقم 300 """"""
الذي يظهر تفضيل الكوثر لأنه عطية الله للنبي صلى الله عليه وسلّم وزمزم عطية الله لإسماعيل ، ولأن الكوثر مصرح بذكره في القرآن في معرض الإمتنان مسنداً إلى نون العظمة ولم يقع في زمزم مثل ذلك .
وأما السؤال السابع والثلاثون : ففي كشف الأسرار قال بعضهم : هما سواء لا يفضل أحدهما على الآخر . ويقال ما دام الرجل صحيحاً فالخوف أفضل وما دام مريضاً فالرجاء أفضل ، ويقال الخوف للعاصي أفضل والرجاء للمطيع أفضل ، ويقال الخوف قبل الذنب أفضل والرجاء بعد الذنب أفضل لأربعة أشياء : أحدها : إلى فضله والخوف من عدله والفضل أكرم من العدل . والثاني : الرجاء إلى الوعد والوعد من بحر الرحمة والخوف من الوعيد والوعيد من بحر الغضب ورحمته سبقت غضبه . الثالث : الرجاء بالطاعة والخوف من المعصية ومن الطاعة ما يعلو على المعاصي كالتوحيد . والرابع : الرجاء بالرحمة والخوف من الذنوب لها نهاية والرحمة لا نهاية لها ، ويقال الخوف أفضل منه لأنه وعد بالخوف جنتين ولم يعد بالرجاء إلا جنة واحدة ، وأيضاً الخوف يمنع من الذنوب وترك الذنوب أفضل من فعل الخيرات . ويقال : من عبد الله بالخوف فهو حروري ، ومن عبد الله بالرجاء فهو مرجىء ، ومن عبد الله بالحب فهو زنديق ، ومن عبد الله بالثلاثة فهو مستقيم .
وأما السؤال الثامن والثلاثون : ففي كشف الأسرار قال النيسابوري : الليل أفضل لوجوه : أحدها أن الليل راحة والراحة من الجنة والنهار تعب والتعب من النار ، وأيضاً فالليل حظ الفراش والنهار حظ اللباس ، ولأن الله تعالى سمى ليلة القدر خير من ألف شهر وليس في الأيام مثلها . وقيل النهار أفضل لأنه نور وأيضاً لا يكون في الجنة ليل وأيضاً النهار للمعاد والمعاش .
قلت : قد وقفت على تأليف في التفضيل بين الليل والنهار لأبي الحسين بن فارس اللغوي صاحب المجمل فذكر فيه وجوهاً في تفضيل هذا ووجوهاً في تفضيل هذا ، فمما ذكره في تفضيل الليل أن الله أنزل فيه سورة مسماة سورة الليل ولم ينزل في النهار سورة تسمى سورة النهار ، وأن الله قدم ذكره على النهار في أكثر الآيات كقوله : ) والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى ( ) وجعلنا الليل والنهار آيتين ( ) جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا ( ) قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا ( وأن الله خلقه قبل النهار ، وأن ليالي الشهر سابقة على أيامه ، وأن في الليل ليلة خير من ألف شهر وليس في الأيام مثلها ، وأن في كل ليلة ساعة إجابة وليس ذلك في النهار إلا في يوم الجمعة خاصة ، وأن النهار فيه أوقات تكره فيها الصلاة وليس في شيء من ساعات الليل وقت كراهة والصلاة من أشرف العبادات ، وأن فيه التهجد والاستغفار بالأسحار وهما أفضل من صلاة النهار واستغفاره . وأنه أصح لتلاوة الذكر قال تعالى : ) إن ناشئة الليل هي أشد وطئاً وأقوم قيلا ( وقال : ) أمن هو قانت آناء الليل ساجداً ( وأن الإسراء وقع بالليل قال تعالى : ) سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً ((2/300)
"""""" صفحة رقم 301 """"""
وقال تعالى : ) فأسر بأهلك بقطع من الليل ( وقال أهل العلم في الليل : تنقطع الأشغال وتجم الأذهان ويصح النظر وتؤلف الحكم وتدر الخواطر ويتسع مجال القلب ، ومؤلفو الكتاب يختارونه على النهار لأن القلب بالنهار طائر وبالليل ساكن ، وكذلك مدبرو الملك . وقديماً كان يقال : الليل نهار الأريب ، وقال قائل :
ولم أر مثل الليل جنة فاتك
إذا همّ أمضى غنيمة ناسك
وعارضه صاحب النهار بأن الله قدم ذكره في قوله : ) والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها ( وبأن التقديم لا يدل على أفضليته فقد قدم الله الموت على الحياة والجن على الإنس والأعمى والأصم على البصير والسميع في قوله : ) خلق الموت والحياة ( 1 ) وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ( 1 ) مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع ( 1 والمتأخر مما ذكر أفضل من المتقدم قطعاً وبأن النور قبل الظلمة قال تعالى : ) الله نور السموات والأرض ( 1 وبأن الناس والشعراء ما زالوا يذمون الليل ويشكونه كقول امرىء القيس : وليل كموج البحر . والأبيات . وقد استعاذوا بالله من الأبهمين ويقال الأعميين السيل والليل ، وبالليل تدب الهوام وتثور السباع وتنشر اللصوص وتشن الغارات وترتكب المعاصي والفاحشات ولذلك قيل : الليل أخفى للويل ، وقد شبه الله تعالى به وجوه أعدائه فقال : ) كأنما أغشيت وجوههم قطعاً من الليل مظلماً ( وكان الحسن يقول : ما خلق الله خلقاً أشد سواداً من الليل وقال تعالى : ) ومن شر غاسق إذا وقب ( قيل : هو الليل إذا أظلم ، وتقول العرب للمكثار حاطب ليل لما يخشى عليه فيه من نهش أو تنهش ونهى النبي صلى الله عليه وسلّم عن جداد الليل وصرام الليل وأمر بغلق الأبواب وكف الصبيان بالليل وقال : ( إن للشيطان انتشاراً وخطفة ) وافتخرت العرب بالأيام دون الليالي فقالوا يوم ذي قار ويوم كذا ، والأسبوع أيامه مسماة دون الليالي فإنما تذكر بالإضافة إلى الأيام فيقال ليلة الأحد وليلة كذا وليس المضاف كالمضاف إليه ، والأيام النبيهة أكثر من الليالي كيوم الجمعة ويوم عرفة ويوم عاشوراء والأيام المعلومات والمعدودات ، وليس في الليالي إلا ليلة القدر وليلة نصف شعبان . وقال صلى الله عليه وسلّم : ( اللهم بارك لأمتي في بكورها ) ولم يقل ذلك في شيء من الليالي .
وأما السؤال التاسع والثلاثون : ففي كشف الأسرار إنما خلق آدم من التراب دون غيره لأنه لم يكن قبل آدم شيء إلا التراب فخلقه منه ثم خلق حواء من آدم لأنه أراد أن يكونا من جنس واحد وخلقها من الضلع ليعلم أنهن خلقن من العوج فلا يطمع في تقويمهن .
وأما السؤال الأربعون : ففي كشف الأسرار سؤال لم رفع عيسى إلى السماء ؟ قيل : لأنه أراد أن يصحب الملائكة ليحصل لهم بركته كما صحبه التائبون في الدنيا ، وأيضاً لما لم يكن دخوله من باب الشهرة وخروجه لم يكن من باب المنية بل دخل من باب القدوة وخرج من باب العزة .(2/301)
"""""" صفحة رقم 302 """"""
وأما السؤال الحادي والأربعون : ففي كشف الأسرار إنما سمي مسيحاً لأنه كان يسيح في الأرض ، ويقال ولد ممسوحاً بالدهن ، ويقال لأنه كان يمسح الضر عن الأعمى والأبرص والأكمه ، ويقال لأنه لم يكن لقدمه أخمص . وزاد ابن الأثير في النهاية ما نصه وقيل المسيح الصديق وقيل هو بالعبرانية مشيحاً فعرب . وأما السؤال الثاني والأربعون : ففي صحيح مسلم أنه يقيم سبع سنين ، وفي مسند أبي داود الطيالسي في أثناء حديث أنه يقيم أربعين سنة وجمع بينهما بأن المراد بالأربعين مجموع لبثه في الأرض قبل الرفع وبعده فإنه رفع وله ثلاث وثلاثون سنة . وأما السؤال الثالث والأربعون : ففي كشف الأسرار قيل اثنتي عشرة سنة بعدد حروف ) اذكرني عند ربك ( روي أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( لولا كلمة يوسف ما لبث في السجن طول ما لبث ) وأقول : أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره من طريق الضحاك عن ابن عباس في قوله تعالى : ) فلبث في السجن بضع سنين ( قال : اثنتي عشرة سنة .
وأخرج ابن المنذر ، وابن أبي حاتم في تفسيريهما عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه لبث سبع سنين ، وأخرج ابن جرير مثله عن قتادة ، ووهب بن منبه ، وابن جريج . وأخرج من طريق ابن جريج عن ابن عباس في قوله : بضع سنين قال : دون العشرة ، وأخرج عن مجاهد في قوله بضع سنين قال ما بين الثلاث إلى التسع . وأما السؤال الرابع والأربعون : ففي كشف الأسرار أنه لبث أربعين يوماً ، وأخرج الحاكم في مستدركه عن ابن عباس قال : مكث يونس في بطن الحوت أربعين يوماً ، وأخرج أيضاً عن الشعبي قال : التقمه الحوت ضحى ولفظه عشية . وأما السؤال الخامس والأربعون : فالجواب أن المشهور في المذاهب الأربعة تحريم آلات اللهو وأجازها طائفة منهم أهل الظاهر والمختار في هذه المسألة ما ذهب إليه محققون منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام إباحة ذلك للصوفية خاصة وتحريمه على غيرهم وبسط ذلك في حواشي الروضة . وأما السؤال السادس والسابع ، والثامن والأربعون : فالجواب أن الثلاثة أحياء .
أخرج ابن أبي حاتم في تفسيره عن مجاهد في قوله تعالى : ) ورفعناه مكاناً علياً ( قال : رفع إدريس كما رفع عيسى ولم يمت ، وأخرج ابن المنذر في تفسيره من طريق الليث ابن سعد عن عمر مولى غفرة يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلّم أن إدريس كان صديقاً لملك الموت فقال له إدريس : أحب أن تذيقني الموت وتفرق بين روحي وجسدي حتى أجد طعم الموت ثم ترد روحي ، فقال له ملك الموت : لا أقدر على ذلك إلا أن أستأذن فيه ربي ، فقال له إدريس : فاستأذنه في ذلك فعرج ملك الموت إلى ربه فأذن له فقبض نفسه وفرق بين روحه وجسده فلما سقط إدريس ميتاً رد الله إليه روحه الحديث بطوله .
وأخرج ابن أبي حاتم من طريق داود بن أبي هند عن بعض أصحابه قال : كان ملك الموت صديقاً لإدريس فقال له يوماً : يا ملك الموت أمتني فاستأذن ربه فقال له : أمته فلما(2/302)
"""""" صفحة رقم 303 """"""
مات رد الله إليه روحه فمكث ما شاء الله حياً ثم قال : يا ملك الموت أدخلني الجنة فاستأذن ربه فقال : أدخله الجنة فاحتمله ملك الموت فأدخله الجنة فكان فيها ما شاء الله فقال له ملك الموت . أخرج بنا قال : لا قال الله تعالى : ) أفما نحن بميتين إلا موتتنا الأولى ( وقال : ) وما هم منها بمخرجين ( وما أن بخارج منها قال ملك الموت : يا رب قد تسمع ما يقول عبدك إدريس قال الله له : صدق فاخرج منها ودعه فيها وذلك قول الله تعالى : ) ورفعناه مكاناً علياً ( قال بعض العلماء : أربعة أنبياء أحياء اثنان في السماء : إدريس ، وعيسى . وإثنان في الأرض : إلياس ، والخضر . وفي حديث رواه نعيم بن حماد في كتاب الفتن أن إلياس يكون مع الدجال ينذر الناس فإذا قال الدجال : أنا رب العالمين قال له إلياس : كذبت ، وفي حديث رواه ابن عدي في الكامل أن إلياس ، والخضر يلتقيان في كل عام بالموسم فيحلق كل واحد منهما رأس صاحبه ويتفرقان عن هؤلاء الكلمات : بسم الله ما شاء الله لا يسوق الخير إلا الله ما شاء الله لا يصرف السوء إلا الله ما شاء الله ما كان من نعمة فمن الله ما شاء الله لا حول ولا قوة إلا بالله كذا أخرجه من حديث ابن عباس مرفوعاً ، وأخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق عن ابن أبي رواد قال : إلياس ، والخضر يصومان شهر رمضان في بيت المقدس ويحجان في كل سنة ويشربان من ماء زمزم شربة تكفيهما إلى مثلها من قابل .
وأما السؤال التاسع والأربعون : فجوابه أن فيه ثلاثة أقول : أحدها أنه نبي ، والثاني أنه رسول ، والثالث أنه ولي وعليه الجمهور . وأما السؤال الخمسون : فالجواب أنهما في الجنة وقد ألفت في ذلك كتاباً سميته التعظيم والمنة قررت فيه الأدلة على ذلك وأقربها طرق : أحدها أنهما كانا على ملة إبراهيم الحنيفية كورقة بن نوفل ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وغيرهما ممن تحنف في الجاهلية . والثاني أنهما كانا في الفترة والفترة لا تكليف فيها . والثالث أنهما أحييا له صلى الله عليه وسلّم وآمنا به .
وأما السؤال الحادي والخمسون : فجوابه أنه من قال من العوام أو من الفقهاء بحضرة العوام في حق أبوي النبي صلى الله عليه وسلّم أنهما في النار أو أنهما كانا كافرين أنه يلزمه التعزير البليغ أو أكثر من ذلك ، وقد سئل القاضي أبو بكر بن العربي أحد أئمة المالكية عن رجل قال في حق والد النبي صلى الله عليه وسلّم إنه كافر : فأجاب بأن قائل ذلك ملعون لأن هذا القول يؤذي النبي صلى الله عليه وسلّم وقد قال الله تعالى : ) إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة ( .
وأما السؤال الثاني والخمسون : فجوابه أن شرط وجوب الوضوء التكليف والحدث ودخول وقت الصلاة ، وقولنا التكليف يجمع ثلاث صفات : البلوغ والعقل والإسلام .
وأما السؤال الثالث والخمسون : فجوابه أنها بضعة عشر شرطاً : الماء الطهور ، والعلم أو(2/303)
"""""" صفحة رقم 304 """"""
الظن بطهوريته ، والإسلام ، والتمييز ، وعدم المنافي ، وفقد المانع ، وطهارة العضو من نجاسته ، والعلم بكيفيته ، وتمييز فرائضه من سننه وترتيبه على ما جنحت إليه في حواشي الروضة ولم أسبق إليه والأصحاب عدوا الترتيب ركناً لا شرطاً ، وتزيد المرأة بشرط وهو النقاء عن الحيض والنفاس ، ويزيد صاحب الضرورة بستة شروط : دخول الوقت ، وتقديم إزالة النجاسة ، والاستنجاء ، وحشو المنفذ ، وإيلاؤه الوضوء ، والموالاة فيه .
وأما السؤال الرابع والخمسون : فجوابه أن الإمام تجب عليه الإعادة ولا تجب على المأمومين . هذا هو الأصح فيهما .
وأما السؤال الخامس والخمسون : في إطالة الخطبة فجوابه أنه يكره له ذلك .
وأما السؤال السادس والخمسون : فجوابه أن تلاوة القرآن الكثير أفضل من صلاة نفل قليلة ، وصلاة النفل الكثيرة أفضل من تلاوة قليلة ، فإن استوى الزمان المصروف إليهما كنصف يوم مثلاً أراد الإنسان أن يصرفه في أحد النوعين فمقتضى كلام الفقهاء حيث قالوا أفضل عبادات البدن الصلاة وقوله صلى الله عليه وسلّم : ( [ واعلموا ] أن خير أعمالكم الصلاة أن تكون صلاة النفل أفضل من تلاوة القرآن . وأما السؤال السابع والخمسون : ففي كشف الأسرار إنما عبر بالقيراط لأنه أول المقادير التي يوزن بها وإنما قال : أصغرهما مثل أحد لأنه أكبر جبل عندهم ، وقيل هو أكبر جبل في الدنيا لأنه يبلغ إلى الأرض السفلى ، وأبهم القيراط الآخر لأن عطاء الله واسع فلا يحد . وقيل ليس القيراط منسوباً إلى أربعة وعشرين قيراطاً بل إلى الأعمال التي تتعلق بالميت من تغميضه وتقبيله إلى القبلة وشد لحييه بعصابة ونزع ثيابه التي مات فيها ووضعه على سريره وتغسيله وتكفينه وحمله والمشي معه والصلاة عليه وحضور دفنه وحفر القبر ووضعه فيه وسده عليه وإهالة التراب . فهذه خمسة عشر فمن أتى بالصلاة فله قيراط من خمسة عشر قيراطاً والخمسة عشر هي جملة الأجر ، ومن حضر الدفن فله قيراط آخر ، وهذه القراريط بعضها أفضل من بعض .
وأما السؤال الثامن والخمسون : فجوابه أن الحكمة في ذلك اتباع الحديث وقد أشار فيه إلى أنه موجب للمغفرة وهو ما رواه أبو داود ، والترمذي وحسنه . والحاكم وصححه . والبيهقي عن مالك بن هبيرة أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : من من مسلم يموت فيصلى عليه ثلاثة صفوف من المسلمين إلا أوجب ، ولفظ الحاكم ، والبيهقي إلا غفر له . قال النووي : وهو معنى أوجب .
وأما السؤال التاسع والخمسون ، والستون : فجوابه أن البرهان الفزاري أفتى بوجوب صلاة العشاء والحالة هذه . وأفتى معاصروه بأنها لا تجب عليهم لعدم سبب الوجوب في حقهم وهو الوقت . ويؤيد الأول الحديث الوارد في أيام الدجال حيث قال فيه : اقدروا له قدره قال الزركشي في الخادم : وعلى هذا يحكم لهم في رمضان بأنهم يأكلون بالليل إلى وقت طلوع الفجر في أقرب البلاد إليهم ثم يمسكون ويفطرون بالنهار كذلك قبل غروب الشمس إذا غربت عند غيرهم كما يأكل المسلمون ويصومون في أيام الدجال .(2/304)
"""""" صفحة رقم 305 """"""
وأما السؤال الحادي والستون : فجوابه أن الصلاة صحيحة بلا خلاف عندنا إذا استقبل القبلة وأتم الأركان . وأما السؤال الثاني والستون : فجوابه أنه لا يفسد الصوم قال في شرح المهذب : قال المتولي ، وغيره : إذا تمضمض الصائم لزمه مج الماء ولا يلزمه تنشيف فمه بخرقة ونحوها بلا خلاف ، قال المتولي : لأن في ذلك مشقة قال : ولأنه لا يبقى في الفم بعد ذلك المج إلا رطوبة لا تنفصل عن الموضع إذ لو انفصلت لخرجت في المج .
وأما السؤال الثالث والستون : فجوابه أنه يبرأ عن عيب باطن بالحيوان لم يعلمه البائع ولا يبرأ من عيب ظاهر ولا باطن بغير الحيوان ولا به إذا علمه .
وأما السؤال الرابع ، والخامس والستون : فالجواب أنه لا يحل ويمنعه الرد .
وأما السؤال السادس والستون : ففي الروضة لو اشترى أمة وأراد تزويجها قبل الإستبراء فإن كان البائع وطئها لم يجز إلا أن يزوجها به ، وإن لم يكن وطئها واستبرأها قبل البيع أو كان الإنتقال من أمرأة أو صبي جاز تزويجها في الحال على الأصح انتهى ومقتضى القواعد أنها إذا طلقت والحالة هذه لا يطؤها السيد حتى يستبرئها لئلا يظهر بها حمل فيتعذر عليه نفيه لأنه لا سبيل إلى نفيه إلا بأن يدعي الإستبراء وذلك لا يمكن إلا بعد الوطء .
وأما السؤال السابع ، والثامن والستون : فالجواب أنه يصح السلم في الفلوس راجت أو لم ترج ، وكذا بيعها إلى أجل لأن حكمها حكم العروض وإن راجت رواج النقود .
وأما السؤال التاسع والستون : فجوابه أنه يرجع فيه إلى العرف فإن كان في بلد الغالب فيها إطلاق الدراهم على الفلوس حمل عليها ، وإن كان في بلد لا تطلق فيه الدراهم إلا على الفضة حمل عليها ، فإن استوى الإطلاقان في بلد ولم يبين حمل على الفلوس لأنه الأقل وقاعدة الإقرار الحمل على القدر المتيقن لأن الأصل براءة الذمة فيما عداه .
وأما السؤال السبعون : فجوابه أنه يزوجها مالك البعض ومعه وليها القريب ، فإن لم يكن فمعتق البعض وإلا فالسلطان ، هذا هو الأصح من خمسة أوجه . والثاني : أن يكون معه معتق البعض . والثالث : معه السلطان . والرابع : يستقل مالك البعض . والخامس : لا يجوز تزويجها أصلاً لضعف الملك والولاية بالتبعيض . وأما السؤال الحادي والسبعون : فجوابه أنهما إن كانا معينين عند القاضي الذي عقد والشهود صح النكاح من غير ذكر اسم الأب والجد وإلا بأن قال لوكيل الغائب زوجت موكلك فاطمة ولم يذكر بنت فلان لم يصح النكاح ، وفي الروضة لو كان اسم ابنته الواحدة فاطمة فقال : زوجتك فاطمة ولم يقل بنتي فلا يصح النكاح لكثرة الفواطم لكن لو نواها صح كذا قطع به العراقيون ، والبغوي ، واعترض ابن الصباغ بأن الشهادة شرط والشهود لا يطلعون على النية وهذا أقوى ولهذا الأصل منعنا النكاح بالكنايات انتهى .
وأما السؤال الثاني والسبعون : فجوابه أن القول قولها بيمينها وعلى الزوج البينة .
وأما السؤال الثالث ، والرابع ، والخامس والسبعون : فالجواب في الثلاثة الجواز مع(2/305)
"""""" صفحة رقم 306 """"""
الكراهة نص عليه في الروضة في مسألة وطء إحدى الزوجتين بحضرة الأخرى .
وأما السؤال السادس والسبعون : فجوابه أن هذا التعليق باطل عندنا إذا كانت أجنبية أو مطلقة في عدة بينونة فمتى تزوجها صح النكاح ولم تطلق . فإن كان في عدة رجعية وراجعها في تلك العدة طلقت .
وأما السؤال السابع والسبعون : فهذه المسألة السريجية والحكم فيها وقوع الطلاق المنجز فقط هو الأصح عند الشيخين .
وأما السؤال الثامن ، والتاسع والسبعون : فالجواب أن طلاق المكره لا يقع وطلاق السكران يقع .
وأما السؤال الثمانون : فجوابه أن عليه المثاقيل التي ثبتت في ذمته زادت قيمتها أو نقصت .
وأما السؤال الحادي والثمانون : فجوابه أن البيع أبطل التعليق فإذا وطئها بعد ملكها ثانياً لم تعتق . وأما السؤال الثاني والثمانون : فجوابه أن التمليك لم يصح لعدم القبول والعتق صادف ملك المرأة المعتقة فيصح .
وأما السؤال الثالث ، والرابع والثمانون : فجوابه أن عتق المكره لا ينفذ وحد الإكراه التخويف بأمر يؤثر العاقل الإقدام على ما أكره عليه حذراً مما هدد به .
وأما السؤال الخامس والثمانون : فجوابه أنه يباح بالإكراه شرب الخمر ولا يجب الحد على الصحيح . وأما السؤال السادس والثمانون : فجوابه أن في قتل الكلب غير العقود خلافاً في مذهبنا ، واضطرب ترجيح الشيخين في ذلك ففي موضع رجحا الجواز وفي موضع رجحا المنع وهو اختياري . وأما السؤال السابع والثمانون : فالجواب أنه لا فسق في هذا الفعل بعينه إلا أن يتضمن محرماً من رقى مخالفة للشرع أو نحو ذلك .
وأما السؤال الثامن والثمانون : فالجواب أن التفرقة من السحر نص عليه غير واحد من السلف . وأما التأليف وكتب الحرز والحجاب فليس منه ، وقد سئل بعض السلف عن شيء من ذلك فقال للسائل : من استطاع أن ينفع أخاه المسلم فليفعل .
وأما السؤال التاسع والثمانون : فالجواب أنه لا يجوز لاحتمال أن يكون من الكفريات وقرابين الجن التي هي كفر ، كذا أجاب به شيخنا الإمام تقي الدين الشمني ، وقد سئل عن ذلك وأنا حاضر .
وأما السؤال التسعون : فجوابه أنه ليس للشاهد أخذ الأجرة على أداء الشهادة ، وأما على إتيان القاضي والحضور عنده فإن كان معه في البلد فلا يأخذ شيئاً ، وإن كان يأتيه من مسافة العدوى فما فوقها فله طلب نفقة المركوب ونفقة الطريق ، قال في الروضة : ولم يتعرض أكثر الأصحاب لما سوى هذا ، لكن في تعليق الشيخ أبي حامد أن الشاهد لو كان فقيراً يكسب قوته يوماً يوماً ، وكان في صرف الزمان إلى أداء الشهادة ما يشغله عن كسبه لم يلزمه(2/306)
"""""" صفحة رقم 307 """"""
الأداء إلا إذا بذل له المشهود له قدر كسبه في ذلك الوقت انتهى . وعلى هذا يقال في الممتنع المذكور أنه لا شيء عليه إذا كان بصفة الفقر .
وأما السؤال الحادي والتسعون : فالجواب إذا قال : لم أشهد بذلك ثم شهد لم تقبل شهادته في الجانبين ، وإن قال : لا أذكر ثم شهد تقبل ، هذا مقتضى القواعد في الجانبين .
وأما السؤال الثاني والتسعون : فالجواب أنه تقبل شهادة الشاهدين على الحاكم أنه حكم . وأما السؤال الثالث والتسعون : فجوابه أن ولاية الجاهل باطلة .
وأما السؤال الرابع والتسعون : فجوابه أن علم تعبير الرؤيا علم معتبر أصله في الكتاب والسنة ولا إسم على المعبر إذا لم يتعمد خطأ أو مجازفة .
وأما السؤال الخامس والتسعون : فذكر بعض المتأخرين أن العلماء اختلفوا في حكمة نزوله على ثلاثة أجوبة : أحدها يحتمل أن يكون ذلك لأن اليهود همت بقتله وصلبه وجرى أمره معهم على ما نبه الله تعالى في كتابه العزيز وهم أبداً يدعون أنهم قتلوه وينسبونه إلى السحر وغيره إلى ما كان الله برأه ونزهه عنه . وقد ضرب الله عليهم الذلة فلم تقم لهم منذ أعز الله الإسلام وأظهره راية ولا كان لهم في بقعة من بقاع الأرض سلطان ولا قوة ولا شوكة ولا يزالون كذلك حتى تقرب الساعة فيظهر الدجال وهو أسحر السحرة فتتابعه اليهود فيكونون يومئذ جنده مقررين أنهم ينتقمون به من المسلمين ، فإذا صار أمرهم إلى هذا أنزل الله عيسى عليه السلام الذين عندهم أنه قتلوه وأبرزه لهم ولغيرهم من المنافقين والمخالفين ونصره على رئيسهم وكبيرهم الذي ادعى الربوبية فقتله وهزم جنده من اليهود لمن معه من المؤمنين فلا يجدون مهرباً ، وإن توارى أحد منهم بشجرة أو بحجر أو بجدار ناداه يا روح الله ههنا يهودي حتى يقف عليه فإما أن يسلم وإما أن يقتل ، وكذا كل كافر من كل صنف حتى لا يبقى على وجه الأرض كافر ، ويستثنى من الشجر شجر الغرقد فإنه شجر اليهود فإنه لا يدل على اليهودي إذا توارى به . والجواب الثاني : يحتمل أن يكون إنزاله لدنو أجله لا لقتال الدجال لأنه لا ينبغي لمخلوق من التراب أن يموت في السماء لكن أمره يجري على ما قال الله تعالى : ) منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ( فينزله الله تعالى ليقره في الأرض يراه فيها من يقرب منه ويسمع به من نأى عنه ثم يقبض فيتولى المسلمون أمره ويصلون عليه ويدفن حيث دفن فيه الأنبياء الذين أمه من نسلهم وهي الأرض المقدسة فينشر إذا انشروا نشر معهم ، هذا سبب إنزاله غير أنه يتفق في تلك الأيام من بلوغ الدجال الذي قد بلغ من فتنته أن ادعى الربوبية ولم ينتصب لقتاله أحد من المؤمنين لقتلهم كان هو أحق بالتوجه إليه ويجري قتله على يديه ، إذ كان ممن اصطفاه الله لرسالته وأنزل عليه كتابه وجعله وأمه آية ، فعلى هذا الوجه يكون الأمر بإنزاله لا أنه ينزل لقتال الدجال قصداً ، الثالث أنه وجد في الإنجيل فضل أمة محمد صلى الله عليه وسلّم حسبما قاله وقوله نحو ذلك : ) مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ( فدعا الله تعالى أن يجعله من أمة محمد صلى الله عليه وسلّم فاستجاب الله دعاءه ورفعه إلى السماء إلى أن ينزل آخر الزمان مجدداً لما درس من دين(2/307)
"""""" صفحة رقم 308 """"""
الإسلام شريعة محمد صلى الله عليه وسلّم فيوافق خروج الدجال فيقتله ، ولا يبعد على هذا أن يقال قتاله الدجال يجوز أن يكون من حيث أنه إذا حصل بين ظهراني الناس وهم مفتتنون قد عم فرض الجهاد أعيانهم وهو أحدهم لزمه من هذا الغرض ما يلزم غيره فلذلك يقوم به وذلك داخل في اتباع نبينا محمد صلى الله عليه وسلّم وبالله التوفيق .
وأما السؤال السادس ، والسابع ، والثامن والتسعون : فالمد على الهمز والهاء خطأ ولا يبطل الصلاة إلا إن قصد الاستفهام وأما المد على اللام فحسن .
وأما السؤال التاسع والتسعون . والموفى مائة : فقد قال ابن المنير في كتابه شرف المصطفى : ذكر ابن حبيب أن بين السماء والأرض بحراً يسمى المكفوف يكون بحر الأرض بالنسبة إليه كالقطرة من البحر المحيط . وأن هذا البحر انفلق لنبينا محمد صلى الله عليه وسلّم ليلة الإسراء حتى جاوزه وذلك أعظم من انفلاق البحر لموسى ، وأخرج أبو الشيخ بن حيان في كتاب العظمة عن حسان بن عطية قال : الشمس والقمر والنجوم في فلك بين السماء والأرض تدور ، وأخرج أيضاً بسند واه جداً عن ابن عباس قال : خلق الله بحراً دون السماء بمقدار ثلاثة فراسخ فهو موج مكفوف قائم في الهواء بأمر الله لا يقطر منه قطرة جار في سرعة السهم يجري فيه القمر والشمس والنجوم فذلك قوله تعالى : ) كل في فلك يسبحون ( هذا آخر الأجوبة .
وقد قلت في الجواب نظماً :
سبحان رب العلى مؤتي البراهين
وباعث الرسل إرشاداً لمهدين
صلى عليه إله العرش قاطبة
خصوصاً المصطفى خير النبيين
من اجتباه وآتاه خصائص لا
تحصى بعدٍّ ولا ترمى بتوهين
ولم يزل شرعه يعلو بمجتهد
يقوم حفظاً له في كل ما حين
وكل قرن أتى في رأسه رجل
يقيمه الله في التجديد للدين
نعم وإني بحمد الله مجتهد العصر
الأخير على رغم الشياطين
أقول ذلك تحديثاً بنعمته
لا أقصد الفخر أو صنع المرائين
نعم وإني بحمد الله يغدق بي
فتح المغالق مع حل العويصين
إذا بدا مشكل في العلم أقصد في
إيضاحه فأوفيه بتبيين
إن شئت نقلاً فأروي فيه أبحره
أو الدليل فآتي بالبراهين
دع ذا وعد لعلم أو لفائدة
واحفظ جواب سؤلات بتمكين
كتبتها سرعة في ساعتين كما
كتمتها غيرة للعلم والدين
وهذه سردها للناظرين فما
يغبش الشمس إلا طامس العين
الوعد في آية الأحزاب يرجع للمجموع
لا الفرد للتعظيم في دين(2/308)
"""""" صفحة رقم 309 """"""
ورؤية الله خذ عني محررها
ودع أولي الجهل والتخبيط والشين
كل الأنام يروه في القيامة من
إنس وجن مع الأملاك بالعين
وفي الجنان يراه القوم في جمع
وللنسا رؤية في يوم عيدين
نعم ويختص صديقاتنا بزيا
دات عليهم كما ذا للوليين
والجن فيهم خلاف والذي نره
بأن لهم رؤية بعض الأحايين
وبضعة مع عشر عندنا نقلوا
في آية هي أرجى للمنيبين
قل يا عبادي جرى فيما يضاددها
ومنتهى زلزلت أخرى بتعيين
قدماً شرى الله نفس المؤمنين على
علم وإذ نزلت أحداث تكوين
والروح إذ بذلت للقتل أنفسهم
والمال للبذل كانا حق تثمين
والقلب ليس له معنى يخص به
والنفس مغنية عنه بتسكين
إذ القلوب محل الروح مسكنها
والروح نفس وإن قدرت نفسين
فحيث كانت نفوس القوم باذلة
كان الوعاء لها ملغى عن العين
والخلف في الشرق مع غرب وفضل سما
والأرض قد شاع ما هذا بمكنون
وليس عندي ترجيح بذين لما
فيه تعارض مدلول الدليلين
خير السموات علياها رويت وها
ذي الأرض فيما روى خير الأراضين
وخير جناتها الفردوس أرفعها
والأرض في الأنبيا شام بتعيين
والسر في طمس نور النيرين وفي
القاهما النار تبكيت العبيدين
ثم السواد يرى في بدرنا أثر
بمسح جبريل وهو المحو للزين
والشمس تغرب تأتي العرش تسجد أو
تسير في الأرض جاءا في حديثين
وقدرها مثل الدنيا وزد ثلثا
كذا رويناه عن بعض الحنيفين
بمكة يظهر المهدي ثم دمشق
الشام فيها يجي عيسى بتزيين
والنيل مع رمضان جمعة أحد
لها شغوف على باقي الأفانين
وفي فقير صبور مع شكور غني
خلف وفضل كفافاً فوق هذين
وأول الخلق في قول أرجحه
لما رووا قلم يجري بمسنون
وكتبه أولاً باللوح أسطره
إني أنا بعده التواب فادعوني
وحكمة في ورود النار مؤمنهم
تعريف قدر نعيم غير ممنون
ونحو طس عندي لا أفسره
فذاك مخزون علم أي مخزون(2/309)
"""""" صفحة رقم 310 """"""
وذرة إن تصر سبعين عدتها
لها جناح بعوض قدر موزون
علم اليقين على الأخبار معتمد
عين اليقين الذي شاهدت بالعين
حق اليقين إذا باشرت ثمت مع
يا ذاكر الله ذكراه بتلحين
والذكر أفضل سراً للأولى كملوا
ويجهر المختشي شر الشياطين
وعندي اللبن الأعلى فليلة الإسرار
اختاره إذ أتى خير النبيين
ما كوثر خير ما الأخرى وزمزم قل
خير المياه على وجه الأراضين
والخوف أفضل للإنسان صح كما
لدى الممات الرجا أولى فرجوني
والليل أفضل في قول أرجحه
لقوله جل من ذا فيه يدعوني
وخلق آدم تشريفاً لعنصره
من التراب الطهور الطاهر الطين
وخلق حواء من ضلع مجانسة
لوصفها ولتجنيس بزوجين
ورفع عيسى ليأتي في أواخرنا
لقتل دجالهم رأس اليهودين
وبالمسيح يسمى حيث خلقته
من غير أخمص ممسوح لرجلين
يقيم سبع سنين إذ يعود كما
قد صح في الخبر الأشياخ رووني
كذا أقام بسجن يوسف وثوى
في الحوت شهراً وثلثا قيل ذو النون
ولا نبيح لشخص آلة سمعت
سوى ذوي الحال سادات المحبين
إدريس حي بلا خلف والأرجح في
إلياس والخضر إلا بقا فحيوني
والخلف في خضر هل بالنبوة أو
له الولاية مشهور بتحسين
ووالدا خير خلق الله نزلهما
في جنة الخلد علم أي مكنون
ومن يصرح بكفر أو بنار لظى
في ذين فهو لعين أي ملعون
شرط الوضوء وجوباً وقته حدث
عقل بلوغ مع الإسلام والدين
وشرط صحته الماء الطهور كذا
علم بإطلاقه أو خذ بمظنون
دين وفقد مناف فقد مانعه
عقل وتمييز مفروض ومسنون
طهارة العضو ترتيب لدى نقا
حيض وفي سلس وقت بلامين
تقديم حشو والاستنجا وطهر أذى
والفور بعد توال بين عضوين
ومن يصلي إماماً ثوبه نجس
يعيد من دون مأموم بتبيين
ومن يطل خطبة يكره وفضل من
أتى الصلاة على كل القرابين
من خمس عشرة جزء جزأ العلما
قيراط أجر مصلاه ومدفون
وجاء في خبر تمثيله أحداً
بقدر أصغر قيراط لموزون(2/310)
"""""" صفحة رقم 311 """"""
وحكمة الصف اتباع الحديث فمن
صلى عليه صفوف فاز باللين
ومن يطل عندهم شمس النهار ولا
تغيب إلا كلحظ أو كلحظين
يقدروا الصوم مع فرض العشاء كما
يقدروا زمن الدجال بالحين
صحت صلاة مصل في السفينة إن
سارت وإن ترس أو تنساخ في الطين
لا يفسد الصوم ما تبقيه مضمضة
من بلة لم تكن مفصولة العين
من باع بيعاً على شرط البراءة من
كل العيوب يخص البرء باثنين
بباطن من ذوي روح وبائعه
يجهله عالم أو غير مبطون
ومن يصالح عن عيب بالأرش وها
ويسقط الرد هذا غير مغبون
وليس يسقط الاستبراء إن نكحت
وطلق الزوج حالاً قبل تمكين
وفي الفلوس يصح البيع مع سلم
إلى زمان وإن راجت كنقدين
ومن أقر بألفي درهم ونأى
بالعرف يقضي إذا ما جاء بتبيين
ومن تبعض بزوجها المليك مع التقريب
أو معتق أو مع سلاطين
عقد النكاح صحيح حيث يعرف من
يعقد عليها وإلا ألغ بالدون
وزوجة أنكرت قبض الذي نحلت
فقولها القول حكم أي مسنون
ووطء سرية أو زوجة بحذا
ضرائر فهو كره بين الاثنين
كذا بحضرة عميا غير باصرة
لا إثم فيه ولا تحريم في الدين
ومن يقل إن تعدلي فهي طالقة
يلغي المقال ببعد أو ببينون
وذات دور بها يلغي المعلق لا
منجز فليقع هذا بتكوين
ومن يطلق إكراهاً ويعتق لا
يقع وفي السكر نفذ فيه هذين
وحد الإكراه تهديد بما سمحت
نفس المروءات منه للمريدين
والقرض يوفي بوزن مثل ما قبضوا
إن زاد أو إن تنقص قيمة العين
وكل تعليق عتق حله أبدا
بيع ويبدأ ملك غير مرهون
ومن تملك لها طفلاً وليس له
من قابل يلغ ذا التمليك في الحين
فإن تملكه عبداً ثم تعتقه
فلينفذ العتق منها غير موهون
من أكرهوه على خمر تباح له
من غير حتم ويقضي غير مفتون
وقد جرى الخلف في قتل الكلاب ولا
أفتى به أبداً إلا لمؤذين
ولا أفسقه في ضرب مندله
ولا ألوم على حجب لمجنون
عدوا من السحر تفريقاً وتأخده
لا كتب حرز وتأليف لزوجين(2/311)
"""""" صفحة رقم 312 """"""
ولا نبيح بما لم يدر رقيته
حذار ذلك من كفر القرابين
كذا أجاب به قدماً بحضرتنا
شيخي الشمني ذو التقوى وذو الدين
للشاهد الأجر بعد المسافة أو
ان عد في الفقرا ذا والمساكين
وشاهد قال لم أشهد فما قبلت
إن جاء يشهد هذا غير مأمون
وحيث ينكر حكماً حاكم قبلت
عليه فيما نفى قول الشهيدين
ولا تصح ولايات القضا أبداً
لجاهل طرق الأحكام في الدين
وعلم تعبير رؤيا النوم معتبر
له أصول بمكتوب ومسنون
ومن يعانيه لا إثم عليه إذا
راعى القواعد فيه غير مفتون
تم الجواب بهذا عن مسائله
فالحمد لله حمداً غير ممنون
ثم الصلاة على الهادي وعترته
وصحبه ما أتى شاد بموزون
الأسئلة الوزيرية وأجوبتها
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله مجيب السائلين . ما يقول علامة الزمان ، والفائق على سائر الأقران ، في الجواب عن أسئلة على وجه يرتفع عنها غريب الإشكال حتى تهدي الطالب لوجه الحق فيها على أحسن حال ؟
الأول : هل الوضع في أسماء الإشارة للمعنى العام أو للخصوصيات المشتركة ؟ .
فإن قلت : بالأول ورد أنه لا يجوز إطلاقها عليه إذ لا يطلق إلا على الخصوصيات فلا يقال هذا والمراد أحد مما يشار إليه ، ولو كان كما يقول لجاز ذلك كما في رجل مع أنه يلزم أن يكون استعماله في الخصوصيات مجازاً ولا قائل به . وإن قلت : إنه موضوع للخصوصيات لزمك أن يكون المعنى مشتركاً لفظياً ولا قائل به مع أنه يشار به إلى أمر كلي مذكور وذلك ينافي وضعه للخاص .
الثاني : إطلاق العام وإرادة الخاص أحقيقة أم مجان ؟ فإن قلت : بالأول أورد أنه استعمال اللفظ في غير ما وضع له فكيف يكون حقيقة ؟ وإن قلت : بالثاني ورد ما ذكره بعض المحققين من أنه يكون في هذه الحالة حقيقة . الثالث : هل الإنسان بالنسبة إلى الأب والابن مشكك أم متواطىء ؟ الرابع : هل ينطبق على مجاز الزيادة والنقصان تعريف المجاز بأنه اللفظ المستعمل في غير ما وضع له لعلاقة أم لا ؟ الخامس : أن العلاقة في مثل قوله تعالى : ) وجزاء سيئة سيئة ( ما هي ومن أي الأنواع المذكورة في العلاقة ؟ السادس : وهو أعظمها إشكالاً كيف صح التكليف بالإيمان مع أن الإيمان في الشرع هو(2/312)
"""""" صفحة رقم 313 """"""
التصديق بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلّم وكل تصديق فهو كيف ، فالإيمان كيف ولا شيء من الكيف بمكلف به فلا شيء من الإيمان بمكلف به ، أما الصغرى فواضحة ، وأما الكبرى فلما تقرر في الأصول من أنه لا تكليف إلا بفعل ؟ والمسئول من الأستاذ المحقق والمولى المدقق كشف الحجاب عن هذه الأسئلة بإيضاح الصواب .
الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . وردت عليّ هذه الأسئلة من مولى لا يخفى على مثله جوابها ولا يطلب من غيره صوابها ، غير أنه قصد بذلك تجديد العهد القديم وتذكير الود القويم ، فأقول والله الهادي إلى صراط مستقيم هذه الأسئلة كلها مسطورة وأجوبتها معروفة مشهورة .
أما السؤال الأول : فقد ذكره وجوابه القرافي علامة المالكية لكن في المضمر فقال : اختلف الفضلاء في مسمى المضمر حيث وجد هل هو جزئي أو كلي ؟ فقال الأكثرون : مسماه جزئي واحتجوا بإجماع النحاة على أنه معرفة ولو كان مسماه كلياً لكان نكرة ، وبأنه لو كان كلياً كان دالاً على ما هو أعم من الشخص المعين ، والقاعدة العقلية أن الدال على الأعم غير دال على الأخص ، فيلزم أن لا يدل المضمر على شخص خاص البتة وليس كذلك ، وهذا معنى قول السائل حفظه الله وإن قلت بالأول ورد أنه لا يجوز إطلاقها عليه إلى آخره . ثم قال القرافي : وذهب الأقلون وهو الذي أجزم بصحته إلى أن مسماه كلي قال : والدليل عليه أنه لو كان مسماه جزئياً لما صدق على شخص آخر إلا بوضع آخر كالأعلام فإنها لما كان مسماها جزئياً لم يصدق على غير من وضعت له إلا بوضع ثان ، فإذا قال قائل : أنا فإن كان اللفظ موضوعاً بإزاء خصوصه من حيث هو هو وخصوصه ليس موجوداً في غيره فيلزم أن لا يصدق على غيره إلا بوضع آخر ، وإن كان موضوعاً لمفهوم المتكلم بها وهو قدر مشترك بينه وبين غيره والمشترك كلي فيكون لفظ أنا حقيقة في كل من قال أنا لأنه متكلم بهذا الذي هو مسمى اللفظ فينطبق ذلك على الواقع ، قال : والجواب عما احتج به الأولون أن دلالة اللفظ على الشخص المعين لها سببان : أحدهما وضع اللفظ بإزاء خصوصه فيفهم الشخص حينئذ للوضع بإزاء الخصوص وهذا كالعلم . والثاني أن يوضع اللفظ بإزاء معنى عام ويدل الواقع على أن مسمى اللفظ محصور في شخص معين ، فيدل اللفظ عليه لانحصار مسماه فيه لا للوضع بإزائه ، ومن ذلك المضمرات وضعت العرب لفظة أنا مثلاً لمفهوم المتكلم بها ، فإذا قال الفائل أنا فهم هو لأن الواقع أنه لم يقل هذه اللفظة الآن إلا هو ففهمناه لانحصار المسمى فيه لا للوضع بإزائه وكذلك بقية المضمرات قال : وبهذا يحصل الجواب عن القاعدة العقلية أن اللفظ الموضوع لمعنى أعم لا يدل على ما هو أخص منه ، فإن الدلالة لم تأت من اللفظ وإنما أتت من جهة حصر الواقع المسمى في ذلك الأخص هذا كلام القرافي ملخصاً وما قاله في المضمرات بعينه في اسم الإشارة . وقول السائل حفظه الله : إن قلت بالأول ورد كذا وإن قلت بالثاني لزم أن يكون مشتركاً لفظياً ولا قائل به إلى آخره .(2/313)
"""""" صفحة رقم 314 """"""
جوابه : أنه ليس من باب المشترك ولا من باب المجاز بل من باب الوضع للقدر المشترك ، والوضع للقدر المشترك معروف في الأصول في مواضع ، فليس الوضع منحصراً فيما ردده السائل ، فهذا مثلاً وضع لمشار إليه مفرد ذكر حاضر أو في حكمه وهو مفهوم كلي ، وانحصاره في خاص ليس للوضع بإزائه بل لأن المتكلم لم يشر به الآن إلا لزيد مثلاً ، وهذا معنى قول بعض النحاة المحققين : إن المضمر واسم الإشارة كلي وضعا جزئي استعمالاً ونظيره قول بعض الأصوليين أن الأمر موضوع للقدر المشترك بين الوجوب والندب وهو الطلب حذراً من المجاز والاشتراك ، فاستعمال صيغة الأمر في الندب وفي الوجوب مثلاً نقول في كل منها إنه حقيقة غير مجاز وغير مشترك ، لأن الوضع على هذا القول ليس لكل منهما ولا لواحد منهما ثم استعمل في غيره ، وإنما هو لمعنى صادق على كل منهما وهو الطلب ، وكذا نقول في اسم الإشارة والمضمر : ليس الوضع فيهما لواحد فقط بحيث يستعمل في غيره مجازاً ، ولا لكل واحد بحيث يكون مشتركاً ، بل لمفهوم صادق على كل فرد في اسم الإشارة مشار إليه مفرد ذكر حاضر كما قلناه ، وفي المضمر متكلم مفرد أو غيره كما قاله القرافي .
وأما السؤال الثاني : وهو أن العام المراد به الخصوص هل هو حقيقة أو مجاز ؟ .
فجوابه أنه مجاز قطعاً ذكره جماعة منهم ابن السبكي في جمع الجوامع ، وقول السائل حفظه الله : إن بعض المحققين ذكر أنه قد يكون في هذه الحالة حقيقة .
فجوابه : أن المحقق المشار إليه هو الشيخ تقي الدين السبكي والد صاحب جمع الجوامع فإنه ذكر ذلك في بعض تصانيفه لكن بحثاً من عنده بعد حكايته الإجماع على خلافه وفرعه على القول بأن دلالة العام على كل فرد من أفراده دلالة مطابقة لأنه حينئذ ليس استعمالاً للفظ في غير موضوعه ولا في بعض موضوعه ، بل هو كاستعمال المشترك في أحد معنييه وهو استعمال حقيقي هذه عبارته وقد عرف بكلامه هذا توجيه ما ذهب إليه ورد ما أورده السائل على القول بأنه حقيقة .
وأما السؤال الثالث : وهو أن الإنسان بالنسبة إلى الأب والابن مشكك أو متواطىء .
فجوابه : أنه متواطىء لأنه متساوي المعنى في ذلك ، ولأن الاختلاف في ذلك ليس بأمور من جنس المسمى كالبياض والنور بل بأمور خارجة عنه كالذكورة والأنوثة ، وهذه علامة المتواطىء كما قرره أهل الأصول .
وأما السؤال الرابع : وهو أنه هل ينطبق على مجاز الزيادة والنقصان تعريف المجاز إلى آخره ؟ .
فجوابه : أنا نقول أولاً : اختلف في الزيادة والحذف هل هما من قبيل المجاز ؟ فذهب ذاهبون إلى أنهما ليسا من قبيل المجاز وعلى هذا لا إيراد ، وذهب آخرون إلى أنهما من قبيل المجاز ، وأورد عليه أن تعريف المجاز لا يصدق عليهما ، وفصل آخرون منهم صاحب الإيضاح البياني فقال : إن كان الحذف والزيادة يوجبان تغيير الإعراب فمجاز وإلا فلا ، وقال(2/314)
"""""" صفحة رقم 315 """"""
القرافي : الحذف أربعة أقسام ليس منها مجازاً إلا قسم واحد وهو ما يتوقف عليه صحة اللفظ ومعناه من حيث الإسناد نحو : ) واسأل القرية ( إذ لا يصح إسناد السؤال إليها وبقية الأقسام ليست من أنواع المجاز ، وقال صاحب المعيار : إنما يكون الحذف مجازاً إذا تغير حكمه فإن لم يتغير كحذف خبر المبتدأ المعطوف على جملة فلا .
فأنت ترى هذه الأقوال كالمتضافرة على عدم انطباق تعريف المجاز عليه مع أننا لو شئنا لتمحلنا وجهاً لانطباقه عليه مطلقاً ، لكن الذي نختاره في هذا ما ذهب إليه القرافي وصاحب الإيضاح وانطباق المجاز ما ذكراه واضح .
وأما السؤال الخامس : وهو أن العلاقة في مثل ) وجزاء سيئة سيئة ( ما هي ؟ فأقول : ما أحسن هذا السؤال وألطفه ولقد أثلج خاطري بموافقة السائل حفظه الله تعالى على أن هذا من نوع المجاز ، وإنما قلت ذلك لأني رأيت بعض متأخري أهل البيان قال في نوع المشاكلة الذي هذه الآية فرد من أفراد أمثلتها أنه واسطة بين الحقيقة والمجاز قال : وليس بحقيقة لأنه استعمال اللفظ فيما لم يوضع له ولا مجاز لعدم العلاقة المعتبرة هكذا قال وليس بشيء ، وقد نازعته في ذلك قديماً في كتاب شرح ألفية المعاني واخترت أنه مجاز قطعاً وأن ما قاله من عدم العلاقة ممنوع ؟ فإن قلت : ما العلاقة ؟ قلت : الشكل والشبه الصوري كما يطلق الإنسان والفرس على الصورة المصورة ، وكذا الجزاء أطلق عليه سيئة لكونه مثل السيئة المبتدأ بها في الصورة ، وكذا قوله : ) فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( أطلق على الجزاء اعتداء لشبهه بالاعتداء المبتدأ به في الصورة .
وأما السؤال السادس : في الإيمان فهو سؤال مذكور مسطور أجاب عنه جماعة منهم خاتمة المحققين الشيخ جلال الدين المحلى في شرح جموع الجوامع فقال : التكليف والتصديق وإن كان من الكيفيات النفسية دون الأفعال الاختيارية المراد به التكليف بأسبابه كإلقاء الذهن أو صرف النظر وتوجيه الحواس ورفع الموانع هذه عبارته فهذا ما حضرنا في الجواب عن هذه الأسئلة ، وقد علقت هذا الجواب ساعة ورودها علي فانظروا فيه فإن رضيتموه وإلا فأتحفوا بجوابكم ما قاله عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي الشافعي يوم السبت العشرين من رجب سنة ثمان وسبعين وثمانمائة وسميته نفح الطيب من أسئلة الخطيب فكتب الشيخ شمس الدين الوزيري على هذه الأجوبة ما صورته : الحمد لله رب العالمين أقول وبالله العون والتوفيق وبيده أزمة الهدى والتحقيق لم يظهر مما ذكره العلامة من هذه الأجوبة دفع هذه الأسئلة ، أما الجواب عن السؤال الأول فقوله فيه : وهذا معنى قول السائل . فإن قلت : بالأول ورد أنه لا يجوز إلى آخره مشيراً إلى ما نقله القرافي عن الأكثرين من أنه لو كان مسماه كلياً إلى قوله على خاص البته وليس على خاص ليس الأمر كما زعم فإن اللازم من كون مسماه كلياً على ما ذكره الأكثرون أمران : الأول كونه نكرة . والثاني عدم دلالته على شخص وهما غير ما ألزمه السائل على تقدير كون المسمى كلياً حيث قال : فإن قلت بالأول ورد فإن اللازم على ما ذكره أمران : أحدهما جواز إطلاق لفظ(2/315)
"""""" صفحة رقم 316 """"""
المعنى العام مع أنه لا يطلق عليه ، والثاني أن يكون استعماله في الخصوصيات مجازاً ، هذا مع أن القرافي لم يجب عن الإلزام الأول في كلام الأكثرين وهو قولهم لو كان مسماه كلياً لكان نكرة ، وإنما أجاب عن الثاني كما لا يخفى على من تأمل كلامه ، فقد تبين أنه لا شيء من السؤال وجوابه بمذكور في كلام القرافي كما ذكره العلامة ، وقوله : جوابه أنه ليس من باب المشترك إلى آخره صريح في أن ما أجاب به هو اختيار قسم ثالث غير القسمين اللذين في كلام السائل ، ومحصل جوابه أن اسم الإشارة كهذا مثلاً : وضع للقدر المشترك وهو المفهوم الكلي المعبر عنه بقولنا مشار إليه مفرد مذكر حاضر أو في حكمه وهو الذي اختاره القرافي في المضمر من أن مسماه كلي كما اعترف به العلامة في آخر جوابه ، وأنت تعلم أن هذا هو القسم الأول في كلام السائل أعني قوله هل الوضع في أسماء الإشارة للمعنى العام ، والعجب كيف خفي مثل هذا على العلامة مع ظهوره على هذا ، فاللازم على القسم الأول باق بحاله ، إذ ليس في كلامه حفظه الله ما يدفعه ، وأما الجواب عن السؤال الثاني فقوله إنه مجاز هو اختيار القسم الثاني وقد عرف ما يرد عليه من كلام بعض المحققين ، وأما قوله : إن المحقق المشار إليه هو الشيخ تقي الدين السبكي فليس كذلك فإن مقتضى كلام السبكي أنه حقيقة عنده دائماً ، وأما ذلك المحقق فلم يقل بأنه حقيقة مطلقاً بل في بعض الأحوال كما يشعر به قول السائل ، ورد ما ذكره بعض المحققين من أنه قد يكون في هذه الحالة حقيقة ، وحاصل السؤال أن الجواب بأنه مجاز إطلاق في محل التقييد ، وأما قول العلامة السبكي : إن دلالة العام على كل فرد من أفراد دلالة مطابقة ، فإن أراد أن العام إذا أطلق وأريد به الخاص كان دالاً عليه مطابقة فهو خلاف ما أطبق عليه المحققون من أنه لا دلالة للعام على الخاص بإحدى الدلالات الثلاث ، وقد ظهر بهذا أن ما أورده السائل على القول بأنه حقيقة كلام لاغبار عليه ، وأما الجواب عن السؤال الثالث ففيه أنه جعل حفظه الله علامة التواطؤ أن لا يختلف بأمور من جنس المسمى ، ومقتضاه أن علامة التشكيك الاختلاف بأمور من جنس المسمى ليست خارجة وهذا مما لم تره في كلام أحد ، فإن التشكيك يكون بالتقدم والتأخر وبالشدة والضعف وبالأولوية وكلها أمور خارجة عن المسمى ، ثم إن قوله : لأنه متساوي المعنى مما يحتاج إلى بيان فإن الإنسان متقدم في الأب على الابن ، فقد تفاوت أفراد الكلي بالتقدم والتأخر وذلك يقتضي التشكيك ، وأما الجواب عن السؤال الرابع ففيه أنه اختار أنه مجاز بشرط ثم ادعى أن انطباق حد المجاز عليه واضح وليس كذلك بل الواضح عدم الإنطباق ، ألا ترى أن قوله تعالى : ) واسأل القرية ( ليس فيه لفظ استعمل فيما وضع له لعلاقة ، فإن لفظ السؤال مستعمل فيما وضع له وكذا لفظ القرية ، وقد صرح بذلك جماعة من المحققين ، منهم النحرير التفتازاني ، والعلامة الجلال المحلى ، على أنه لم يظهر تضافر الأقوال التي حكاها على عدم انطباق تعريف المجاز عليه ، فإن محصل الأقوال حاشا الأول أنه يطلق عليه المجاز إما مطلقاً وإما بشرط ، وإما أنه هل ينطبق تعريف المجاز عليه أولاً فأمر مسكوت عنه على أنها ظاهرة في الانطباق ،(2/316)
"""""" صفحة رقم 317 """"""
وأما الجواب عن السؤال الخامس فتحصيله أن العلاقة في مجاز المشاكلة التي الآية من أفرادها هو الشبه الصوري حتى أنه أطلق على جزاء السيئة سيئة لكونها مثلها في الصورة ، وفيه أن ذلك يخرج الآية عن باب المشاكلة إلى باب الإستعارة ، فإن المشاكلة على ما ذكره المحقق التفتازاني هي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ، وقد صرح التفتازاني بذلك في بعض كتبه حيث قال : السيئة استعارة عما يشبه السيئة صورة ثم قال : لكن وصف السيئة بقوله : مثلها يأبى هذه الإستعارة لأنه بمنزلة أن تقول زيد أسد مثله ، والحق أن الآية من قبيل المشاكلة انتهى فأنت ترى كيف جعل الآية باعتبار الشبه الصوري من باب الإستعارة لا من باب المشاكلة ، على أن ما ذكره العلامة من أن العلاقة في نوع المشاكلة هو الشبه الصوري لا يتمشى في قوله :
قالوا اقترح شيئاً نجد لك طبخه
قلت اطبخوا لي جبة وقميصا
إذ لا مشابهة بين الطبخ والخياطة في الصورة كما لا يخفى . وأما الجواب عن السؤال السادس فهو كما ذكره أعزه الله تعالى ، وهذا الجواب قد أخذه العلامة المحلى من كلام المحقق التفتازاني ومحصله أن الإيمان لم يكلف به وإنما كلف بأسبابه وفيه من الإشكال ما لا يخفى ، قال ذلك وكتبه العبد الفقير إلى الله تعالى المغطى بالزلل والتقصير راجي عفو ربه القريب القدير محمد بن إبراهيم المسمى بالخطيب في ليلة يسفر صباحها عن اليوم الرابع والعشرين من شهر رجب الفرد سنة ثمان وسبعين وثمانمائة فكتب شيخنا الإمام العامل العلامة البحر الحبر الفهامة خاتمة الحفاظ والمجتهدين جلال الدين أبو الفضل عبد الرحمن ابن شيخ الإسلام والمسلمين كمال الدين بن أبي بكر السيوطي الشافعي أعز الله تعالى به الدين وأمتع ببقائه الإسلام والمسلمين الأجوبة عن هذه الاعتراضات بما نصه : الحمد لله أقول والله الهادي للصواب وإليه المرجع والمآب ، وردت عليّ هذه الاعتراضات فتأملتها بعين الإنصاف فوجدتها غير واردة ، وها أنا أسوق كلماتها مع الجواب عنها واحدة واحدة قوله : ليس الأمر كما زعم فإن اللازم من كون مسماه كلياً على ما ذكره الأكثرون أمران كونه نكرة وعدم دلالته على شخص وهما غير ما ألزمه السائل عليه وذلك أمران جواز إطلاقه على المعنى العام مع أنه لا يطلق عليه وكون استعماله في الخصوصيات مجازاً ، أقول ليس الأمر كذلك بل أحد الزامي الأكثرين هو أحد الزامي السائل بعينه الذي أشرت إليه في الجواب وهو عدم دلالته على شخص معين ، وبيان ذلك أن الأكثرين قالوا : يلزم من كونه وضع للمعنى العام أنه لا يدل إلا عليه فبطل الملزوم وهو كونه كلياً ، وهذا مؤدى قول السائل أنه يلزم على كونه كلياً جواز إطلاقه على المعنى العام مع أنه لا يطلق عليه أي وإنما يطلق على الخاص فمؤدى العبارتين واحد بلا شك غاية ما في الباب أن بينهما قلباً لفظياً فإن العبارة الثانية هي مقلوب العبارة الأولى ، وفي كل من العبارتين مقدرات اقتضاها الإيجاز لا بد من إظهارها ليتم المطلوب من الاستنتاج ، فعند إظهارها وتفكيك الكلام ينحل مؤداهما إلى واحد ، وإذا تقرر أن هذا الإلزام الذي ذكره السائل هو عين الإلزام الذي ذكره الأكثرون(2/317)
"""""" صفحة رقم 318 """"""
فقد حصل الجواب عنه بما أجاب به القرافي ، ومحصله أنا لو خلينا ومقتضى الوضع لأطلق على العام ، وإنما منع منه ما عرض عند الاستعمال من حصر الواقع المسمى في شخص خاص ، وحاصل هذا الجواب منع التلازم بين الوضع والإطلاق ، فقد يوضع الشيء العام ولا يستعمل إلا خاصاً بدليل الشمس فإنها وضعت كلياً ولا تستعمل إلا جزئياً ، وأوضح منه ما ذكره القرافي من تشبيه ذلك بالأعلام الغالبة فإنها وضعت كلية ثم غلب استعمالها في خاص فصارت أعلاماً بالغلبة وسنزيد هذا وضوحاً قريباً ، وقوله : إن القرافي لم يجب عن الإلزام في كلام الأكثرين وهو قولهم لو كان مسماه كلياً لكان نكرة وإنما أجاب عن الثاني أقول : ممنوع فقد صرح القرافي نفسه أن الجواب الذي ذكره جواب عن الإلزامين وأنا لم أسق كلامه بلفظه بل أوردته ملخصاً كما نبهت في آخره ، ونكتة عدم تعرضي لما يوضع كونه جواباً عن الإلزام الآخر من كونه نكرة أنه لا ذكر له في كلام السائل البتة فاستغنيت عن إيراده ، وعبارة القرافي وأما قولهم في الوجهين يعني اللذين احتجوا بهما فالجواب عنه واحد وهو أن دلالة اللفظ وساق ما قدمته عنه إلى أن قال : فلما كان حصر مسمى اللفظ في شخص معين من الواقع قال النحاة : هي معارف فإن فهم الجزئي لا يكاد ينفك عنها هذا لفظه فأشار أولاً إلى أن الجواب عن الإلزامين معاً ، وأتى آخراً بهذه الجملة لتقرير الجواب عن لزوم كونه نكرة ، ومتحصل كلامه أنه أجاب عن الإلزامين معاً بجواب واحد إما كونه يدل على خاص ولا يدل على العام ، فلما عرض في الاستعمال لا لأمر في أصل الوضع ، وإما كونه معرفة لا نكرة فلأن فهم الجزئي لا يكاد ينفك عنه ، ومعلوم عندك أن التعريف والتنكير لا تلازم بينهما وبين الوضع حتى يقال أن وضعه كلياً يستلزم كونه نكرة ووضعه جزئياً يستلزم كونه معرفة ، لأن التعريف يحدث بعد الوضع لما يعرض في الاستعمال ، ألا ترى أن رجلاً وضع نكرة وإذا نودي مع القصد صار معرفة وليس لك أن تقول أن التعريف حصل من الوضع أيضاً لأن ( يا ) وضعت لتعريف المنادي لأنا نقول ذلك مردود بوجهين : أحدهما أن ( يا ) قد توجد ولا تعريف في نداء غير المقصود ، والثاني قول النحاة أن تعريف المنادى المقصود إنما هو بالقصد والمواجهة كاسم الإشارة وجعلوه في مرتبته ، فهذا أول دليل على أن التعريف في الإشارة إنما حصل بالمواجهة ونحوها دون أصل الوضع فهو أمر طارىء عليه وحادث بعده ، فلا تنافي بين وضع الإشارة والمضمر كلياً وكونه معرفة مستعملاً في الجزئي ، ومما يدل على أن التعريف والتنكير لا تعلق لهما بالوضع وإنما هما من الاستعمال قول خلائق من النحاة إن المضمر قد يكون نكرة وذلك في الضمير المجرور برب ، وقول آخرين إن الضمير العائد على النكرة نكرة مطلقاً ، وقول آخرين إن العائد على واجب التنكير كالتمييز نكرة ، فإن تخيلت أن التنكير والتعريف في المضمر من أصل الوضع لزمك الاشتراك اللفظي وتعدد الوضع ولا قائل به ، وإن سلمت أنه حادث في الاستعمال فهو المدعي وبه يحصل الانفصال عن الإلزام ، وإن قلت إنه وضع معرفة واستعماله نكرة عارض من الاستعمال فبعيد مع أنه يثبت مدعانا أيضاً بطريق قياس(2/318)
"""""" صفحة رقم 319 """"""
العكس إذ لا فارق ، فثبت بهذا كله أن الضمير واسم الإشارة وضعا للمعنى العام ، وعدم إطلاقهما عليه إنما هو لما عرض في الاستعمال لا لأمر في أصل الوضع ، وهذا تحقيق القول بأنه كلي وضعا جزئي استعمالاً وهو من أحسن ما قيل ، واندفع أحد الإلزامين اللذين أوردهما السائل ، ثم بتقرير كونه وضع للمعنى العام الذي هو القدر المشترك ، والمفهوم الكلي يكون استعماله في آحاد ما يصدق عليه حقيقة لا مجازاً ، كما هو شأن الوضع للقدر المشترك ، فاندفع الإلزام الثاني كما لا يخفى ، وقوله : إنما في جوابنا من كونه ليس من باب المشترك إلى آخره صريح في أنه اختيار قسم ثالث غير القسمين اللذين في كلام السائل إلى أن قال : وأنت تعلم أن هذا هو القسم الأول في كلام السائل ، وأقول : كأن المعترض حفظه الله يشير إلى أنه وقع في كلامنا تناقض ثم جزم بذلك وادعى أنه خفي علينا وليس كذلك ، وهذه غفلة عظيمة من المعترض أعزه الله أحاسبه بها ، وبيان ذلك أن القسمين اللذين في كلام السائل اللذين ما اخترنا في التوجيه غيرهما ليسا بالقسمين اللذين ما اخترنا في التعيين أحدهما ، فالقسمان الأولان هما الإلزامان الواردان والآخران هما الملزوم عنهما المورد عليهما فلا تناقض لاختلاف مورد القسمة .
والحاصل أن السائل أورد قسمين وطلب تعيين أحدهما وهما هل هو للعام أو الخاص ؟ فعينا الأول ، ثم أورد على القسمين ثلاث إلزامات على الأول اثنان وعلى الثاني واحد ، فأجبنا عن أول إلزامية بمنع التلازم بين الوضع والإطلاق ، وعن الثاني بتقرير كونه وضع للقدر المشترك ، فاندفع المجاز كما اندفع الاشتراك اللفظي وهو الثالث ضرورة ، فتقريرنا كونه للقدر المشترك هو عين القسم الأول من القسمين المطلوب تعيين أحدهما وهو كونه للعام وغير المجاز والاشتراك الموردين على القسم الأول والثاني فأي تناقض في هذا ؟ وقوله فاللازم على القسم الأول باق بحاله قول ممنوع بل ذهب في الغابرين وانقطع في الداحضين ، أما الإطلاق فبمنع التلازم ، وأما المجاز فبكونه للقدر المشترك وسندهما ما تقدم واضحاً ، وبهذا يتم الجواب ويتضح الصواب وينكشف الحجاب وتطلع الشمس المنيرة ليس دونها سحاب ، قوله : وأما الجواب عن السؤال الثاني فقوله : أنه مجاز هو اختيار القسم الثاني ، وقد عرف ما يرد عليه من كلام بعض المحققين إلى آخره . أقول : قصارى ما ذكره السائل عن بعض المحققين أنه ذهب إلى قول مفصل في مقابلة قطع الجمهور بأنه مجاز ، ومعلوم عندك أن المسألة ذات الأقوال لا يكون قول منها وارداً على القول الآخر ، وإنما يصلح للإيراد تقرير شبهة أو إلزام أمر فاسد ، والسائل قال : ورد ما ذكره بعض المحققين من أنه قد يكون حقيقة فلم يورد إلا القول لا الإلزام ولا الشبهة ، وهذا ما لا يصلح إيراد ، وأنا لم أر في المسألة بعد قطع الناس بأنه مجاز إلا بحث السبكي ، فلنذكر شبهة هذا المحقق الآخر لينظر في جوابها ودفعها أو في التوفيق بينها وبين الجمهور . وقوله : إن ما قاله السبكي من أن دلالة العام دلالة مطابقة خلاف ما أطبق عليه المحققون يقال عليه وهو أولاً من المحققين إن كانوا من المتأخرين كالعضد ونحوه ، فكلامهم لا يصلح أن يعارض به(2/319)
"""""" صفحة رقم 320 """"""
المنقول عن الجم الغفير ، وإنما يذكر على سبيل البحث والتخلية والتعبير بلفظ أطبق تهويل وليس صحيحاً في نفسه كيف ، والمجزوم به في كتب الأصول ذلك أعني أن دلالته بالمطابقة ولم أقف على من نازع في ذلك إلا القرافي وقد رد عليه الأصفهاني في شرح المحصول فشفى وكفى ، وقوله : وأما الجواب من السؤال الثالث ففيه أنه جعل علامة المتواطىء أن لا يختلف بأمور من جنس المسمى ، ومقتضاه أن علامة التشكيك الاختلاف بأمور من جنس المسمى ليست خارجة وهذا مما لم نره في كلام أحد ، أقول : نحن قد رأيناه في كلام القرافي جزم بذلك بهذا اللفظ في الجانبين ونقله عنه غير واحد وإلا فانظروه تجدوه ، والعذر لكم في هذا وأمثاله أنكم تقتصرون في كتب الأصول والبيان على نحو العضد ، والحاشية ، والمطول ، وحاشيته فتجدون فيها أبحاثاً فتظنون أنها منقولات أهل الفن أو المجزوم بها فتعتمدونها وتدعون أن المحققين عليها وتشربها قلوبكم وتضربون عن غيرها صفحاً ، ولو تجاوزتم إلى كتب المتقدمين والمتأخرين وألممتم بما حوته من الأقوال المختلفة والمباحث المتفرقة والتفريعات لعلمتم حقيقة الأمر في ذلك ، وأنا لا أعتقد في الأصول على أناس قصارى أمرهم الرجوع إلى القواعد المنطقية وتنزيل القواعد الأصلية عليها أبداً ، إنما أعتمد على أئمة جامعين للأصول والفقه متضلعين منها محيطين بقواعدهما عارفين بتركيب الفروع على الأصول ، قد خالطت علوم الشرع والسنن لحومهم ودماءهم ، فأين أنت من رسالة الإمام الشافعي رضي الله تعالى عنه مبتكر هذا الفن وما عليها من الشروح المطنبة وما تلا ذلك إلى كتب إمام الحرمين . والكيا الهراسي . وحجة الإسلام الغزالي . والإمام فخر الدين الرازي . والسيف الآمدي وهلم جرا . وبعد : فالإنسان بالنسبة إلى الأب والابن متواطىء قطعاً لأن معناه مستوفى النسبة إليهما بلا شبهة ، كيف ومعنى الإنسان الحيوان الناطق وهذا المعنى لا يتفاوت بالنسبة إلى الأب والابن كما لا يتفاوت بالنسبة إلى الذكر والأنثى والعالم والجاهل والطويل والقصير ، وتفاوته بالتقدم والتأخر كتفاوته بالنسبة إلى المذكورات وليس بالنسبة لماهية الإنسان التي هي الحيوانية والناطقية ، بخلاف تفاوت النور في الشمس والسراج فإنه بالنظر إلى جنس المسمى وماهيته هذا أمر لا شبهة فيه ، قوله : وأما الجواب عن السؤال الرابع إلى آخره أقول : ما اعاده من كون لفظ القبيح مستعملاً فيما وضع له وإن صرح به جماعة جوابه المنع ، ومن صرح بذلك لم يقله على قول الجمهور أنه مجاز لغوي ، إنما قاله بناء على قول من قال إنه مجاز عقلي ، فجعل القرية مستعملة في حقيقتها كما سئل والمجاز في إسناد السؤال إليها فهو على هذا مجاز تركيب لا مجاز إفراد وليس الكلام فيه ، وأما على القول بأنه مجاز إفراد فالقرية قطعاً مستعملة في غير ما وضعت له وهو الأهل فإنها قائمة مقامه في المعنى كما قامت مقامه في الإعراب ، وبهذا يظهر انطباق حد المجاز على مثل هذا ، وقوله : لم يظهر تضافر الأقوال التي حكاها على عدم الانطباق جوابه أني لم أدع التضافر وإنما قلت كالمتضافرة وشتان ما بين العبارتين عند البلغاء ، ووجه ذلك أن اختلافهم في كونه مجازاً بين ناف مطلقاً وتفصيلاً دليل على أن آراءهم اقتضت عدم دخوله في حد(2/320)
"""""" صفحة رقم 321 """"""
المجاز حتى اضطربوا فيه فقال بعضهم : إنه ليس منه مطلقاً ، ورأى بعضهم أن منه نوعاً قريب الدخول فيه فأدخله فيه ، وأنوعاً بعيدة فلم يدخلها فيه ، فكل لبيب يفهم بالقوة من هذا الاختلاف والاضطراب أنه إنما نشأ عن اقتضاء آرائهم بعده عن الدخول في حد المجاز ، وأنا لم أقل أنها مصرحة بذلك بل عبرت بعبارة تشعر بخلاف ذلك ، فقوله : إن الانطباق وعدمه أمر مسكوت عنه غير وارد حينئذ لأني لم أدَّعِ التصريح به بل أتيت بما يدل على أنه يؤخذ منه بالقوة ، وقوله : على أنها ظاهرة في الانطباق إن أراد أنها ظاهرة في انطباق حد المجاز على كل حذف فممنوع إلا القول الثاني كيف ، والمفصلون يأبون تسمية من أنواعه مجازاً ، والنافي مطلقاً واضح ، وإن أراد أنها ظاهرة في الانطباق على ما يسمونه مجازاً فصحيح وهو ما ادعيناه في الجواب حيث قلنا إن الانطباق على ما ذكره القرافي ، وصاحب الإيضاح واضح ، وبه يندفع قول المعترض أولاً أنه غير واضح ، والعجب كيف ادعى عدم وضوحه أولاً وظهوره آخراً . قوله : وأما الجواب عن السؤال الخامس إلى آخره . أقول : ما ادعاه من أن كون العلاقة في الآية المشابهة يخرجها عن باب المشاكلة إلى باب الاستعارة ممنوع فإنه لا تلازم بين المشابهة والاستعارة ، وإن كان كل استعارة علاقتها المشابهة فليس كل ما علاقته المشابهة استعارة ، بدليل أن المحققين على أن التشبيه المقدر فيه الأداة نحو صم بكم عمي يسمى تشبيهاً بليغاً لا استعارة وهو ظاهر بلا شك ، وإذا كان هذا فيما قدرت فيه الأداة فما ظنك بما صرح فيه بلفظ مثلها ، فالآية لذلك خارجة عن باب الاستعارة داخلة في باب المشاكلة . والعلاقة المشابهة لما تقرر من منع الملازمة ، وقوله : فإن المشاكلة على ما ذكره التفتازاني هي التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته هذا من نمط ما قدمته من أنكم تقتصرون في هذه الأمور على كتب مثل التفتازاني وتضربون عن غيرها صفحاً ، وإلا فما وجه نقل مثل هذا الكلام عنه وهو في متن التلخيص الذي التفتازاني شارح كلامه بل وفي كلام السكاكي من قبله [ بل ] وأطبق عليه أهل البديع قاطبة ومثل هذا حقه أن يقال فيه ، وقال أهل البديع : وإلا فالنقل عن التفتازاني يشعر بأنه قاله من عنده ولم يسبق إليه ويشعر أيضاً بغرابته ، فإن النقل لكلام عن متأخر مع وجوده في كلام المتقدمين عيب فما ظنك إذا كان في كلام أهل الفن قاطبة ، وإنما ينقل عن المتأخر ما قاله من عنده بحثاً مخالفاً لما قبله أو تحقيقاً لكلام من تقدمه أو نحو ذلك . وقوله : إن ما ذكره العلامة من أن العلاقة في نوع المشاكلة هو الشبه الصوري لا يتمشى في قوله اطبخوا لي جبة صحيح وهو اعتراض حسن وليس في هذه الاعتراضات أقعد منه . وجوابه أنه لم أدع أن الشبه علاقة نوع المشاكلة من حيث هو حتى يلزمني تمشيتها في جميع أفرادها إنما ادعيت أنه علاقة الآية لظهورها فيها . وأما علاقة أصل المشاكلة فقد ذكرتها قديماً في كتابي شرح ألفية المعاني استخراجاً بفكري ، ثم ظهر لي أخذها من قول صاحب التلخيص حيث قال : المشابهة هي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ، فقوله : ذكر الشيء بلفظ غيره صريح في أنها من باب المجاز . وقوله وقوعه في صحبته إشارة إلى العلاقة وهي الصحبة والمجاورة في اللفظ(2/321)
"""""" صفحة رقم 322 """"""
كما سميت القرية راوية لمجاورتها للجمل المسمى بها حقيقة ، فهذه هي علاقة أصل المشاكلة . وقوله : وأما الجواب عن السؤال السادس فهو كما ذكره أقول : إن كان هذا تسليماً لصحة الجواب فهو المقصود ، وإن كان تسليماً لعزوه وهو الظاهر بقرينة ما عقبه من الإشكال فجوابه أن لا إشكال عند التأمل ، واللمحة المشيرة إليه أن دقائق أهل المعقول لا يعبأ بها أهل الفقه وحملة الشرع الذي مرجع التكليف إليهم والله أعلم ، وكتبته يوم الاثنين التاسع والعشرين من رجب سنة ثمان وسبعين وثمانمائة وسميته الجواب المصيب عن أسئلة اعتراضات الخطيب .
مسألة :
أيا عالماً أضحى به الدهر باسماً
يشبه بالدهر القديم وبالصدر
تأمل رعاك الله قولي فإني
جهول به لكنه جال في فكري
فلم أجد الشافي لدائي فلم أزل
أفتش في أهل الفضائل والذكر
فدلني العقل السليم عليكم
لأنكم أهل المآثر والفخر
وفضلكم في الناس أشهر من قفا
وخيركم عم البوادي مع الحضر
فجردته كي تسعدوني تفضلاً
علي لتحظوا في القيامة بالأجر
وأنشره في الناس من بعض فضلكم
مضافاً إلى ما كان في سالف العمر
فقد ورد التصحيح في كل مسند
بأن إله العرش ينظر في الحشر
ولم ير في الدنيا فما القول ههنا
وما حكمة في المنع يا عالم العصر
وقد ينزل المهدي عيسى لأرضنا
فيكسر صلباناً كما صح في الذكر
فهل ثم صلبان وفي الأرض عصبة
تقوم على حق إلى آخر الدهر
وهل صح أن المصطفى سيد الورى
رسول إله العرش خصص بالفخر
يقول بأن الخير في وأمتي
ليوم قيام الخلق في موقف الحشر
وما رسل الجن الذي جاء ذكرها
صريحاً بنص القول في محكم الذكر
وهل لنبي الله هرون لحية
ترى في جنان إذ به النص في الذكر
وهل في جنان الخلد قوم تعاشروا
جمالاً وترعى في مراتعها الخضر
وتشرب من أنهارها هل مساعد
لناقل هذا أو يقابل بالنكر
ومن هو بعد الختم يدعو لميت
بتسمية هل في المقالة من نكر
وما الحين إن قال امرؤ في يمينه
لزوجته : لا جئت حيناً من الدهر
وما جاء في التحذير من ضرب أوجهٍ
على صورة مخلوقة صح في الأثر
وما شرحه ما القول فيه محققاً
لعلكم تنجو من النار والوزر(2/322)
"""""" صفحة رقم 323 """"""
وهل أن تبكر مرأة ببنية
من اليمن قول ناقلوه ذوو خبر
وإن ماتت الأولاد من أهل ذمة
قبيل بلوغ ما يكونون في الحشر
أفي نار أو في جنة فاز أهلها
بمقعد صدق مع كثير من الأجر
تفضل وجد يا سيداً فاق عصره
بكل جواب لو يوازن بالتبر
لكان قليلاً طال عمرك للورى
تبث علوماً ما حييت مدى الدهر
وصلى إله العرش جل جلاله
على أحمد المبعوث بالفتح والنصر
وأصحابه والآل ما طار طائر
على فتن أو حن وحش إلى وكر
الجواب :
ألا الحمد لله المنزل للذكر
وأتبع حمدي بالثناء وبالشكر
وصلى إله العرش ما لاح كوكب
على المصطفى المختار ذي المجد والفخر
سألت عن الباري يرى في قيامة
ولم ير في الدنيا سوى للذي أسري
وحكمته ضعف القوى لأولي الدنا
فغير مطاق رؤية الواحد البر
ولم يكن الباري القديم يرى بحا
دث بصر قد قال بعض أولي الخبر
ولما يكون البعث تعظم قوة
يجعل إلهي فاستطاع ذوو القدر
وأقدر رب العرش حقاً نبيه
على رؤية الباري فناهيك من فخر
وصلبان كفر في البلاد كثيرة
يعقبها عيسى إذا جاء بالكسر
وكم بلد فيها كنائس جمة
وصلبان كفر في بلاد أولي الكفر
وأما حديث الخير في وأمتي
فلم يأت هذا اللفظ في سند ندري
ولكن بمعناه حديث بعصبة
تقوم على حق إلى آخر الدهر
وفي الجن رسل أرسل الرسل عنهم
لأقوامهم وهي المسماة بالنذر
وما في جنان الخلد ذو لحية يرى
سوى آدم فيما رويناه في الأثر
وما جاء في هرون فالذهبي قد
رأى ذلك موضوعاً فكن صيقل الفكر
ولم أر في أمر الجمال مخبراً
من النقل والآثار ليست مدى حصر
ومطلق حين لحظة ثم من دعا
لميته في الختم ليس بذي نكر
وعن ضرب وجه صح نهى لفضله
وفي الصورة التأويل غير أولي الخبر
على أوجه شتى حكاها محققو
أولي السنة الغراء أيدت بالنصر
فأسلمها إذ لا تكون مفوضاً
إضافة تشريف كروحي وما يجري
كما قيل بيت الله أو ناقة له
أضيفت ففي هذاك مقنع ذي ذكر(2/323)
"""""" صفحة رقم 324 """"""
وأما حديث اليمن في اللائي بكرت
بأنثى فواه لا يصح فطب وادري
وأولاد أهل الكفر قبل بلوغهم
فأمرهم لله فهو الذي يدري
فذا القول صححه وصحح بعضهم
بأنهم في جنة مع أولي البر
فهذا جواب ابن السيوطي راجياً
نوالاً من الرحمن في موقف الحشر
مسألة :
أيا عالماً قد فاز بالرشد سائله
أواخر أهل العلم صارت أوائله
جوابك في قول بمختصر نمى
إلى زاهر عما حكى فيه قائله
بأن سليمان النبي بدا له
نواريز أعياد أتتها فعائله
وتجتمع الأجناس فيها بجمعهم
وتهدى هدايا للنبي تقابله
وإن بوقت قد هدت فيه نملة
له نبقة لم تكترثها شمائله
فقالت بكسر القلب تبغي قبولها
وتذكر ما أبقى إليها تمايله
على المرء حق فهو لا بد فاعله
وإن عظم المولى وجلت فضائله
ألم ترنا نهدي إلى الله ماله
ولو كان عنه ذا غنى فهو قابله
ولو كان يهدي للجليل بقدره
لقصر ماء البحر عنه مناهله
وأن نبي الله أوحى له إذن
أن أقبل فقد أبكى المقال وقائله
لأهل السما والأرض هذا مقالة
بمختصر قلناه معنى تفاصله
فهل في اعتراض في مقالة قائل
ولو كان عنه ذا غنى فهو قائله
وهل تحتمل لو للغنى أو لغيره
ابن عالماً في الدهر ضاءت دلائله
ووالد خضر في الورى يعلم اسمه
وإن تعلموا هذا فماذا قبائله
وهل من يقين جازم في حياته
ابن ما خفي يا عالماً عم وابله
لكم جنة المأوى تباهت قصورها
وأجركم فيه تناهت وسائله
الجواب :
بحمد إلهي ابتدي ما أحاوله
وأتبعه شكراً تزيد نوافله
وأتبع هذا بالصلاة على الذي
بتخصيصه عم الأنام رسائله
محمد الهادي النبي وآله
وأصحابه ما در بالقطر وابله
نعم قول لو فيه اعتراض موجه
وواجبه أن يصلح القول قائله
ووالد خضر إن تسائل عن اسمه
ففيه أقاويل حكتها أوائله
فقيل ابن ملكان وقيل ابن مالك
وقيل ابن عاميل بن عيص قبائله(2/324)
"""""" صفحة رقم 325 """"""
وقيل ابن فرعون وقيل ابن آدم
وقيل ابن قابيل الذي هو قاتله
وأكثرهم يختار فيه حياته
إلى أن يجي الدجال حالت مقاتله
فهذا كلام فيه تحرير مقصد
وهذا جواب للذي أنت سائله
فخذها عروساً من محب ومهرها
دعاء يرجى أن يرى الله قائله
وأن ابن الأسيوطيّ قد خطه على
مناهجه حتى تجلت دلائله
مسألة :
ما القول للحبر والبحر المحيط ومن
زان الوجود به الخلاق للبشر
في مشتري يوسف الصديق حين له
باعوه إخوته بالبخس في الذكر
هل يملكون الذين الآن بيع لهم
ما ذلك الأمر يا مخصوص بالأثر
وفي قضية يحيى حيث مات وقد
صحت حياة أبيه الطهر في الخبر
وكان من قبل يدعو ربه طلباً
نجلاً يورثه في مدة العمر
من آل يعقوب ميراثاً بذاك أتى
نص المهيمن بالأخبار في الزبر
والحكم في الدين أن الإرث يأخذه
مخلف بعد مقبول بلا نكر
ما الشأن في ذاك يا مفتي الأنام ومن
أبدى الفوائد حتى صار كالقمر
وهل تصحح للراوي روايته
فيما روى عن رسول الله في أثر
من لا إمام له إن شا يموت كذا
يهوداً أو غيره من عصبة الكفر
أولاً وإن صح هذا القول مرجعه
إلى إمام الهدى المعروف للبشر
للمؤمنين أمير وهو سيدنا
سلطاننا لا برحنا منه في خفر
أو غيره أفتنا أنت الإمام لنا
في مشكل غرة في جبهة الدهر
أثابك الله جنات النعيم بما
أبنت من غرر يشرقن كالدرر
بجاه خير الورى الهادي لأمته
من الضلال وحاميهم من الضرر
الجواب :
الحمد لله باري الخلق والبشر
ثم الصلاة على المختار من مضر
لم يملك المشتري الصديق قط ولا
يظن هذا ببيع الحر فاعتبر
وإرث يحيى لعلم لا لمال أب
فالأنبيا إرثهم حظر على البشر
وبعضهم وهو الطيبيّ قال بأن
قد أخرت دعوة فيه بلا ضرر
وفي الإمام أحاديث بذا وردت
وهو الخليفة فافهمه ولا تحر(2/325)
"""""" صفحة رقم 326 """"""
الأوج في خبر عوج
بسم الله الرحمن الرحيم
سؤال ورد من الشام صورته : ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وعلماء المسلمين وفقهم الله لطاعته أجمعين في عوج بن عنق هل كان له وجود في الخارج في الزمن الماضي أم لا ؟ فإن لم يكن له وجود في الخارج أصلاً فما الجواب عما وقع في غالب التفاسير كتفسير القرطبي ، والبغوي فإنه ذكره في أربعة مواضع متفرقة على ما اطلعت عليه . والكرماني ، وابن الخازن ، والثعلبي ، وابن عطية وغيرهم من المفسرين من التنويه بذكره وتكرار قصته في مكان بعد آخر ، على أن القرطبي ، والثعلبي نقلا ذلك عن ابن عمر ، والكرماني في تفسيره نقله عن ابن عباس . وإن كان له وجود فهل بقي إلى زمن موسى عليه السلام وهلك على يده أو هلك في الطوفان مع من هلك ؟ فإن قلتم ببقائه إلى زمن موسى عليه السلام فما الجواب عن قوله تعالى حكاية عن نوح عليه السلام : ) رب لا تذر على الأرض من الكافرين دياراً ( فإنها عامة ؟ أو بهلاكه مع من هلك بدعاء نوح عليه السلام من الكافرين ؟ فما هذا الذي وقع للبغوي في تفسيره من ادعائه اتفاق العلماء على هلاكه على يد موسى عليه السلام عند تفسير قوله تعالى : ) قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة ( الآية ولغيره كالثعلبي من ادعاء الإجماع على ذلك ، وهل كان طوله هذا الطول العظيم الذي ذكره المفسرون وهو ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة ذراع وثلاثة وثلاثون ذراعاً وثلث ذراع ؟ أو كان كآحاد بني آدم ؟ فإن كان طوله ما ذكر فما الجواب عن حديث : ( إن الله خلق آدم على صورته ستون ذراعاً ثم لم يزل الخلق ينقص بعد حتى الآن ) وهل وجد من البشر من قوم عاد أو غيرهم من كان طوله أكثر من ستين ذراعاً أو لم يوجد أحد ؟ فإن بعض الناس تمسك بالحديث المذكور وقال : لا يمكن أن يوجد من البشر خلق أطول من آدم عليه السلام ، ونفى وجود ابن عنق من الأصل وقال : لم يوجد في العالم شخص اسمه هذا الاسم ، وادعى أن جميع ما وقع للمفسرين في تفاسيرهم من ذلك كذب واختلاق . والمسئول بسط الجواب والكلام على الحديث المذكور والآية المذكورة أولاً ، وهل الآية والحديث من العام الذي لم يخص وبقي على عمومه لعدم المخصص أم لا ؟ وذكر ما وقع للمفسرين في ذلك على طريق البسط والإيضاح وذكر الصواب في ذلك كله ، وهل تعرض أحد لضبطه وضبط اسمه ؟ أقتونا مأجورين أثابكم الله الجنة بمنه وكرمه .
الجواب : الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى . قال العلامة شمس الدين ابن القيم في كتابه المسمى بالمنار المنيف في الصحيح والضعيف : من الأمور التي يعرف بها كون الحديث موضوعاً أن يكون مما تقوم الشواهد الصحيحة على بطلانه كحديث عوج بن عنق الطويل الذي قصد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء فإنهم يخبرون على هذه(2/326)
"""""" صفحة رقم 327 """"""
الأخبار ، فإن في هذا الحديث أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع وثلثمائة وثلاثة وثلاثين وثلث ، وأن نوحاً عليه السلام لما خوفه الغرق قال له : احملني في قصعتك هذه ، وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه ، وأنه خاض البحر فوصل إلى حجزته ، وأنه كان يأخذ الحوت من قرار البحر فيشويه في عين الشمس ، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى وأراد أن يرصعهم بها فقورها الله في عنقه مثل الطوق . وليس العجب من جرأة مثل هذا الكذاب على الله إنما العجب ممن يدخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره ولا يبين أمره وهذا عندهم ليس من ذرية نوح وقد قال تعالى : ) وجعلنا ذريته هم الباقين ( فأخبر أن كل من بقي على وجه الأرض فهو من ذرية نوح ، فلو كان لعوج وجود لم يبق بعد نوح ، وأيضاً فإن النبي صلى الله عليه وسلّم قال : ( خلق الله آدم وطوله في السماء ستون ذراعاً فلم يزل الخلق ينقص حتى الآن ) وأيضاً فإن بين السماء والأرض خمسمائة عام وسمكها كذلك ، وإذا كانت الشمس في السماء الرابعة بيننا وبينها هذه المسافة العظيمة فكيف يصل إليها من طوله ثلاثة آلاف ذراع حتى يشوي في عينها الحوت ، ولا ريب أن هذا وأمثاله من وضع زنادقة أهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزاء والسخرية بالرسل وأتباعهم . انتهى كلام ابن القيم . وتابعه على ذلك الحافظ عماد الدين بن كثير فقال في كتابه البداية والنهاية : قصة عوج بن عنق وجميع ما يحكون عنه هذيان لا أصل له وهو من مختلقات زنادقة أهل الكتاب ، ولم يكن قط على عهد نوح ولم يسلم من الغرق من الكفار أحد قلت : وقد أخرج ابن المنذر في تفسيره بسنده عن ابن عمرو قال : طول عوج ثلاثة عشر ألف ذراع وعوج رجل من قوم عاد يغدو مع الشمس ويروح معها . وقد أورد بعض المصنفين هذا في تأليفه ثم قال : وهذا مما يستحي الشخص أن ينسبه إلى عمرو لضعفه عنه قال : ورد ذلك آخرون بما ثبت في الصحيح أن الله تعالى خلق آدم ستين ذراعاً ثم ما زال الناس ينقصون حتى اليوم قال : وأجاب بعضهم عن هذا بأنه على الغالب والأكثر وغير منكر أن يطول الأولاد عن آبائهم . وقال صاحب القاموس : عوج بن عنق بضمهما رجل ولد في منزل آدم فعاش إلى زمن موسى وذر من عظم خلقه بشاعة . وقال الطبراني في المعجم الكبير : حدثنا أبو مسلم الكجي ثنا معمر ابن عبد الله الأنصاري ثنا المسعودي عن القاسم بن عبد الرحمن عن عبد الله بن مسعود قال : كان طول موسى عليه السلام اثني عشر ذراعاً وعصاه اثني عشر ووثبته اثني عشر فضرب عوج بن عنق فما أصاب منه إلا كعبه ، وقال أبو الشيخ ابن حيان في كتاب العظمة : حدثنا إسحاق بن جميل ثنا أبو هشام الرفاعي ثنا أبو بكر بن عياش ثنا الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال : كان أقصر قوم عاد سبعين ذراعاً وأطولهم مائة ذراع وكان طول موسى سبع أذرع وطول عصاه سبع أذرع ووثب في السماء سبع أذرع فأصاب كعب عوج فقتله . وقال : أنا(2/327)
"""""" صفحة رقم 328 """"""
أحمد بن الحسن الصوفي ثنا علي بن الجعد أنا أبو خيثمة زهير عن أبي إسحاق الهمداني عن نوف قال : إن سرير عوج الذي قتله موسى طوله ثمانمائة ذراع وعرضه أربعمائة ذراع ، وكان موسى عشر أذرع وعصاه عشر أذرع ووثبته حين وثب عشر أذرع فأصاب عقبه فخر على نيل مصر فحسره للناس عاماً يمرون على صلبه وأضلاعه . وقال : ثنا أحمد بن محمد المصاحفي ثنا محمد بن أحمد بن البراء ثنا عبد المنعم بن إدريس عن أبيه قال : ذكر وهب بأن عوج بن عنق كانت أمه من بنات آدم عليه السلام وكانت من أحسنهن وأجملهن ، وكان عوج ممن ولد في دار آدم وكان جباراً خلقه الله كما شاء أن يخلقه . ولا يوصف عظماً وطولاً وعمراً فعمر ثلاثة آلاف سنة وستمائة سنة وكان طوله ثمانمائة ذراع وعرضه أربعمائة ذراع حتى أدرك زمان موسى عليه السلام ، وكان قد سأل نوحاً أن يحمله مع السفينة فقال له نوح : لم أؤمر بذلك أي عدو الله أغرب عني فكان الماء زمان الغرق إلى حجزته ، وكان يتناول الحوت من البحر فيرفعه بيده في الهواء فينضجه بحرّ الشمس ثم يأكله ، وكان سبب هلاكه أنه طلع على بني إسرائيل وهم في عسكرهم فحزره حتى عرف قدره ، وكان عسكرهم فرسخين في فرسخين فعمد إلى جبل فسلخ منه حجراً على قدر العسكر ثم احتمله على رأسه يريد أن يطبقه عليهم فأرسل الله هدهداً ليريهم قدرته فأقبل وفي منقاره خط من السامور فجاءه الحجر على قدر رأس عوج وهو لا يدري ثم ضرب بجناحه ضربة فوقع في عنقه فأخبر موسى خبره فخرج إليه ومعه العصا فلما نظر إليه موسى حمل عليه فكان قامة موسى وبسطته سبع أذرع وطول العصا سبع أذرع ووثبته إلى السماء سبع أذرع فضربه بالعصا أسفل من كعبه فقتله فمكث زماناً بين ظهراني بني إسرائيل ميتاً .
قلت : هذا الخبر باطل كذب آفته عبد المنعم بن إدريس . قال الذهبي في الميزان : قصاص ليس يعتمد عليه تركه غير واحد . وأفصح أحمد بن حنبل فقال : كان يكذب على وهب بن منبه . وقال البخاري : ذاهب الحديث . وقال ابن حبان : يضع الحديث على أبيه وعلى غيره . وقال الحافظ ابن حجر في اللسان : نقل ابن أبي حاتم عن إسماعيل بن عبد الكريم قال : مات إدريس وعبد المنعم رضيع . وكذا قال أحمد إذا سئل عنه : لم يسمع من أبيه شيئاً . وقال ابن معين : كذاب خبيث . وقال الفلاس : متروك . وقال أبو زرعة : واهي الحديث . وقال أبو أحمد الحاكم : ذاهب الحديث . وقال ابن المديني ، والنسائي : ليس بثقة انتهى . وما رأيتهم أوردوا حديثاً من روايته إلا حكموا عليه بالبطلان . وفي كتاب الموضوعات لابن الجوزي من ذلك شيء كثير ، بل ذكر ابن الجوزي أن أباه إدريس أيضاً متروك فسقط هذا الخبر بالكلية . والأقرب في أمره أنه كان من بقية عاد ، وأنه كان له طول في الجملة مائة ذراع أو شبه ذلك لا هذا القدر المذكور ، وأن موسى عليه السلام قتله بعصاه هذا القدر الذي يحتمل قبوله والله أعلم .(2/328)
"""""" صفحة رقم 329 """"""
مسألة :
عبيد جاء معترفاً وفاء
من البحر الذي هو جبر كسرى
إمام عالم حبر وبحر
سما فضلاً على زيد وعمرو
لخلق الله لم يسمح زمان
بمثل علومه بدوام دهر
وما في العصر مجتهد سواه
تفرد كم له ثان بشكر
بنعليه على أرقاب قوم
هم الحساد قد ماتوا بقهر
فموتوا حاسديه أما تروه
بخير علومه صرتم بشر
جلا مرآة فقرى من جلاها
جلال الدين أنت فريد عصري
فيا عين الزمان فكم غريب
أتيت به تقرره وتقري
بفضلك جد وسد وارق المعالي
فكم أبرزت من طي ونشر
رثيت بحرقة يا بحر نجلى
ورحبي ضاق من ضيقان صدري
وقلبي بالنوى أضحى حريقاً
وبحر الدمع من عيني يجري
لنجل كان لي ما لي سواه
عليه يا إمام ضاع صبري
قضى بفنائه الباقي دواماً
وقد سلمت للأحكام أمري
رثيت إذاً وفكري في اشتغال
برقم عاجل سطراً بسطر
فعاب رثاء ما أبديت شخص
لشعر لم يكن يا حبر يدري
لقولي إبريسم الأفراح فيه
وكتان أضفت له بحري
فكتكته الأسى فغدا مشاقاً
وهذا قلته يا خير حبر
فدار به على النظام لما
رأوه غالياً في السعر شعري
فمن حسد له أبدوا هجاء
فهل لمقابل النعما بكفر
لأهل الفضل جئت به أجابوا
برقم عنه تبياناً بشكر
وها هم خطأوا من قال هجوا
وقالوا حاسد أضحى بخسر
ومنهم من أجاب عليه نظماً
وكم من قابل الهاجي بنشر
فلو أبصرت هجوهم وهجوي
لقلت رأيت تبناً عند تبري
لهم قد جئت ميداناً لحرب
وأطلقت اللسان وجال فكري
فجد بنفيس درك لي بشيء
لأكسرهم به ويكون نصري
ففهمي مثل رشح الكوز أضحى
وأنت البحر كم يا بر جسري
ونجل البرد دار يكون منكم
قبولاً سيدي مع بسط عذري(2/329)
"""""" صفحة رقم 330 """"""
فدم واسلم وعش ما دام بدر
ونجم حوله في الليل يسري
بجاه محمد خير البرايا
شفيع الخلق طه يوم حشري
عليه وآله والصحب جمعاً
صلاة ما انقضى ليل بفجر
وما غنت على الأوراق ورق
بتلحين على ورد وزهر
الجواب : .
سرحت أفكاري والعلم راق
والجهل بالأشياء مر المذاق
في بيت شعر قاله شاعر
يجري مع الحلبة عند السباق
إبريسم الأفراح من بعده
كتكته الحزن فأضحى مشاق
وقول من أنكر ألفاظه
وإنها معدودة في النعاق
لا وجه للإنكار في هذه
فكلها بالاستعارات راق
وقد أتى في خبر المصطفى
لفظ مشاق عربي انبثاق
ونص أهل العلم في كتبهم
وأودعوه في بطان البطاق
مسألة الكتان والشعر مع
إبريسم تدعى المشاق المشاق
وقوله كتكته وجهه
أهزله صيره في الرقاق
فذاك معنى لغويّ له
نقل أتى في الكتب بين الرفاق
وفيه معنى آخر ريق
يدركه ذو العلم بالاشتقاق
تصريف فعل عربي أتى
من لفظ تركي إليه استباق
من كت بمعنى رح فتأويله
اذهبه صيره في انمحاق
فذاك حسن بعد حسن غدا
يشاق للألباب لما يساق
وحق من ذلك من شعره
أن يلحظوه بالحداق الحذاق
وقد أتى مسترفداً طالباً
إجازة تدرجه في الطباق
أجزته بالشعر فهو الذي
يحق أن يقضى له باللحاق
بشرط تقوى الله في شعره
وتركه الهجو وما لا يطاق
والحمد لله على نعمة
يضيق عن شكري فيها النطاق
ثم صلاة الله تهدى إلى
أفضل من أهدى إليه البراق
مسألة : .
يا حاوي اللطف والمعاني
بديعه بهجة وظرف
ويا سني المجد في المباني
منطقه معرب ولطف(2/330)
"""""" صفحة رقم 331 """"""
أمنن بكشف عن اسم طير
النصف ظرف والنصف حرف
الجواب : .
يا من أتى لغزه المعمى
يبتغى للأنام كشف
هو اسم طير إن صحفوه
فثمر بالندى يحف
أو حشف يابس تراه
مرادفاً بالثرى يجف
وإن يكن في ابتداء عين
فمغرم للمنام يجفو
أو أبدلوا باءه بواو
فذاك كلب وفيه عرف
أو أبدلوا باءه براء
فإنه في القلوب طرف
أو أبدلوا باءه بنون
فإنه قد عراه عرف
وإن ترخمه فهو راش
للترك كل إليه يقفو
وذيله دائر محيط
يضمه في الكتاب صحف
هذا جوابي غزير معنى
وفيه لطف وفيه ظرف
والله سبحانه وتعالى أعلم .
تم الكتاب والحمد لله وحده . والصلاة والسلام على من لا نبي بعده(2/331)