التعليقات البازية على نزهة النظر شرح
نخبة الفكر
إعداد
علي بن حسين بن أحمد فقيهي
عضو الدعوة بالرياض
بسم الله الرحمن الرحيم
(( وبه ثقتي ))
(( وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم ))
(( وبه ثقتي وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليماً ))
(( رب يسر وتمم بالخير ))
(( الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلّم تسليماً كثيراً )) (1)
(( وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم ))
(( وما توفيقي إلا بالله ))
الحمدُ للهِ الذي لَمْ يَزَلْ عَليماً قديراً حيّاً قيُّوماً (( مريداً )) سَميعاً بَصيراً ، وأَشهدُ أَنْ لا إِله إِلا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ ، وأُكبِّرُه تَكبيراً .
وصلّى اللهُ عَلى سَيدِنا مُحَمَّدٍ الذي أَرْسَلَهُ إِلى النَّاسِ كافةً بَشيراً ونَذيراً ، وعلى آلِ محمدٍ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ تَسْليماً كثيراً .
أَمَّا بَعْدُ : فإِنَّ التَّصانيفَ في اصْطِلاحِ (( أَهلِ الحَديثِ )) قَدْ كَثُرَتْ للأئمةِ في القديمِ (( والحَديثِ )) :
فَمِن أَوَّلِ مَن صَنَّفَ في ذلك القاضي أبو محمَّدٍ الرَّامَهُرْمُزِيّ في كتابه (( المحدِّث الفاصل )) ، لكنَّه لم يَسْتَوْعِبْ .
والحاكِمُ أبو عبدِ اللهِ النَّيْسَابوريُّ ، لكنَّه لم يُهَذِّبْ ولم يُرَتِّبْ .
وتلاه أَبو نُعَيْم الأصبهانِيُّ ، فعَمِل على كتابهِ (( مُسْتَخْرَجاً )) ، وأَبقى أَشياءَ للمُتَعَقِّبِ .
ثمَّ جاءَ بعدَهم الخطيبُ أبو بكرٍ البَغْدَاديُّ ، فصنَّفَ في قوانينِ الروايةِ كتاباً سمَّاه (( الكفايةَ )) ، وفي آدابِها كتاباً سمَّاه (( الجامعَ لآدابِ الشَّيْخِ والسَّامِع )) .
__________
(1) فجر الأحد 17 / 6 / 1415 هـ(1/1)
وقلَّ فنٌّ مِن فُنونِ الحَديثِ إِلاَّ وقد صَنَّفَ فيهِ كتاباً مُفْرَداً (1)، فكانَ كما قال الحَافظُ أبو بكرِ بنُ نُقْطَةَ : كلُّ مَن أَنْصَفَ عَلِمَ أَنَّ المحَدِّثينَ بعدَ الخَطيبِ عِيالٌ على كُتُبِهِ .(2)
ثمَّ جاءَ [ بعدَهُم ] [ بعضُ ] مَن تَأَخَّرَ عنِ الخطيبِ فأَخَذَ مِن هذا العلمِ بنَصيبٍ :
فجمَع القاضي عِياضٌ كتاباً لطيفاً سمَّاهُ الإِلْماع (( في كتاب الإسماع )) .
وأبو حفْصٍ المَيَّانِجيُّ جُزءاً سمَّاه (( ما لا يَسَعُ المُحَدِّثَ جَهْلُه )) .
وأَمثالُ ذَلك مِنَ التَّصانيفِ الَّتي اشتُهِرَتْ وبُسِطَتْ ليتوفَّرَ عِلْمُها ، واخْتُصِرَتْ ليتيسَّرَ فهْمُها .
إِلى أَنْ جاءَ الحافِظُ الفقيهُ تقيُّ الدِّينِ أَبو عَمْرٍو عُثْمانُ بنُ الصَّلاحِ عبدِ الرحمنِ الشَّهْرَزُوريُّ – نزيلُ دمشقَ – ، [ فجَمَعَ ] - لما وَلِيَ تدريسَ الحديثِ بالمدرَسَةِ الأشرفيَّةِ – كتابَه المَشهورَ ، فهَذَّبَ فنونَهُ ، وأَملاهُ شيئاً بعدَ شيءٍ ، فلهذا لمْ يَحْصُلْ ترتيبُهُ على الوضعِ المُناسِبِ ، واعتنى بتصانيفِ الخَطيبِ المُتفرِّقةِ ، ( فجمَعَ شَتاتَ ) مقاصِدِها ، وضمَّ إِليها مِن غَيْرِها نُخَبَ فوائِدِها ، فاجتَمَعَ في كتابِه ما تفرَّقَ في غيرهِ ، فلهذا عَكَفَ النَّاسُ عليهِ وساروا بسَيْرِهِ ، فلا يُحْصى كم ناظِمٍ [ له ] ومُختَصِر ، ومستَدْرِكٍ [ عليهِ ] ومُقْتَصِر ، ومُعارِضٍ لهُ ومُنْتَصِر !
__________
(1) المقصود أن التصانيف في هذا الباب كثيرة ولكن متن النخبة وشرحها كتاب جيد جمع المهمات في هذا الباب ولهذا رأينا أن تكون القراءة فيه أنسب وأخصر .
(2) وذلك لأنه اهتم بهذا المقام رحمه الله واجتهد في التأليف في مصطلح الحديث فقل فن إلا وألف فيه رحمه الله تعالى ولهذا صار من بعده كالعيال عليه ينتفعون بكتبه ويستفيدون منها .(1/2)
فسأَلَني بَعْضُ الإِخوانِ أَنْ أُلَخِصَ لهُ المُهِمَّ مِنْ ذَلكَ فلخَّصْتُهُ في أوراقٍ لطيفةٍ سمَّيْتُها (( نُخْبَةَ الفِكَر في مُصْطَلحِ [ أَهلِ ] الأثَر )) على ترتيبٍ ابْتَكَرْتُهُ ، وسبيلٍ انْتَهَجْتُهُ ، مع ما ضمَمْتُه إِليهِ مِن شوارِدِ الفرائِدِ وزَوائدِ الفوائدِ .
فرَغِبَ إِليَّ [ جماعةٌ ] ثانياً أَنْ أَضعَ عَليها شرحاً يحُلُّ رموزَها ، ويفتحُ كنوزَها ، ويوضِحُ ما خَفِيَ على المُبْتَدئ من ذلك ، فأَجَبْتُه إِلى سُؤالِهِ ؛ رجاءَ الاندِراجِ في تلكَ المسالِكِ .
فبالغتُ في شَرْحِها في الإِيضاحِ والتَّوجيهِ ، ونبَّهْتُ عَلى خَبايا زواياها ؛ لأنَّ صاحِبَ البَيْتِ أَدْرَى بِما فيهِ ، وظَهَرَ لي أَنَّ إِيرادَهُ على صُورةِ البَسْطِ أليقُ ، ودَمْجَها ضِمْنَ تَوضيحِها أَوْفَقُ ، فسلكْتُ هذهِ الطَّريقَةَ القَليلةَ المسالِكِ.
(1)[ فأقولُ ] طالِِباً مِن [ اللهِ ] التَّوفيقَ فيما هُنالِك :
الخَبَرُ (( قسم من أقسام الكلام يأتي في تعريفه ما يعرف به الكلام (( ثم يخرج من أقسام الكلام لأنه محتمل للصدق والكذب )) و [ هو ] عندَ عُلَماءِ [ هذا ] الفنِّ مرادفٌ للحَديثِ .
وقيلَ : الحَديثُ : ما جاءَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وعلى آلهِ ] وسلَّمَ ، والخَبَرُ ما جاءَ عن غيِره ، ومِنْ ثَمَّ قيلَ لمَن يشتغلُ بالتَّواريخِ وما شاكَلَها : الإخبارِيُّ ، ولمن يشتغلُ بالسُّنَّةِ النبويَّةِ : المُحَدِّثَ .(2)
وقيل : بيْنهما عُمومٌ وخُصوصٌ مُطْلقٌ ، فكلُّ حَديثٍ خبرٌ من غيرِ عَكْسٍ .
__________
(1) فجر الأحد 24 / 6 / 1415هـ
(2) الأقرب أن الحديث مختص بحديث النبي صلى الله عليه وسلم والخبر أعم من ذلك وأوسع .(1/3)
وعبَّرْتُ هنا بالخبَرِ ليكونَ أشملَ ، فهو باعتبارِ وصولِهِ إِلينا إِمَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ طُرُقٌ ؛ أي : [ أسانيدُ ] كثيرةٌ ؛ لأنَّ طُرُقاً جمعُ طريقٍ ، وفعيلٌ في الكثرةِ يُجْمَعُ على فُعُلٍ – بضمَّتينِ – ، وفي القلَّةِ على أَفْعِلَةٍ .
والمرادُ بالطُّرُقِ الأسانيدُ ، والإِسنادُ حكايةُ (( عن )) طريقِ المَتْنِ .(1)
(( والمتن هو غاية ما ينتهي إليه الإسناد من الكلام )) .
وتلكَ الكثرَةُ أَحدُ شُروطِ التَّواتُرِ إِذا وَرَدَتْ بِلاَ حَصْرِ عَددٍ مُعَيَّنٍ ، [ بل ] [ تكونُ] العادةُ قد أحالتْ تواطؤهُم (( أو توافقهم )) على الكذِبِ ، وكذاوقوعُه منهُم اتِّفاقاً مِنغيرِ قصدٍ .
فلا مَعْنى لِتعْيينِ العَدَدِ على الصَّحيحِ ، ومِنْهُم مَنْ عيَّنَهُ في الأربعةِ ، وقيلَ : في الخمْسةِ ، وقيل : في السَّبعةِ ، وقيل : في العشرةِ ، وقيلَ : في الاثنَيْ عَشَر ، وقيل : في الأربعينَ ، وقيلَ : في السَّبعينَ ، وقيلَ غيرُ ذلك .(2)
وتَمَسَّكَ كُلُّ قائل بدليل جاءَ فيه ذِكرُ [ ذلكَ ] العَدَدِ ، فأفادَ العِلْمَ (( للحال )) ، وليسَ بلازِمٍ أَنْ يَطَّرِدَ في غَيْرِهِ لاحتمالِ الاخْتِصاصِ .
__________
(1) السند للرجال والإسناد حكاية طريق المتن مثل ( حدثنا ، أخبرنا ) وقد يطلق الإسناد على السند فيقال سنده جيد أو إسناد جيد .
(2) الصواب عدم التقييد لأن العدد قد يختلف قد يكون أربعة من الثقات العدول المبرزين يقوم مقام أربعين أو خمسين من غيرهم فالحاصل أنه إذا جاء بطرق جيدة يحيل وقوع الكذب من هؤلاء تواطؤ أو صدفة فهو المتواتر فقد يكون أربعة أو خمسة أو أقل أو أكثر فكلما كانت الصفات أجود وأكمل كالحفظ والصدق والتقوى قل وكفى العدد القليل أربعة أو أكثر .
- سئل الشيخ عن اصطلاح التواتر والآحاد هل هو محدث ؟ فقال الشيخ : هو اصطلاح لأهل الحديث ولا مشاحة في الاصطلاح فلا بأس .(1/4)
فإذا وَرَدَ الخَبَرُ كذلك وانْضافَ إليهِ أَنْ يستويَ الأمْرُ فيهِ في الكثرةِ المذكورةِ من ابتدائِهِ إلى انتهائهِ – والمرادُ بالاستواءِ أَنْ لا تَنْقُصَ الكَثْرَةُ المَذكورةُ في بعضِ المَواضِعِ لا أَنْ لا تَزيدَ ، إذ الزِّيادَةُ [ هُنا ] مطلوبةٌ مِن بابِ أَوْلى– ، وأَنْ يكونَ مُسْتَنَدُ انتهائِهِ الأمرَ المُشاهَدَ أو المَسموعَ ، لا مَا ثَبَتَ بِقَضِيَّةِ العَقْلِ الصِّرْفِ .
فإِذا جَمَعَ هذهِ الشُّروطَ الأربعةَ ، وهي :
عَدَدٌ كثيرٌ أَحَالَتِ العادةُ تواطُؤهُمْ [ و توافُقَهُم ] على الكَذِبِ .
(( و )) رَوَوْا ذلك عن مِثْلِهِم من الابتداء إلى الانتهاءِ .
وكان مُسْتَنَدُ انْتِهائِهِمُ الحِسَّ .
وانْضافَ إلى ذلك أَنْ يَصْحَبَ خَبَرَهُمْ إِفَادَةُ العِلْمِ لِسامِعِهِ .
فهذا هو المتواتِرُ . وما تَخَلَّفَتْ إِفَادَةُ العِلْمِ عنهُ ( كانَ مَشْهوراً فقَط . فكلُّ متواتِرٍ مشهورٌ ، من غيرِ عَكْسٍ .(1)
وقد يُقالُ ): إِنَّ الشُّروطَ الأربعةَ إِذا حَصَلَتْ اسْتَلْزَمَتْ حُصولَ العِلْمِ ، وهُو كذلك في الغالِبِ ، (( و )) لكنْ قد تَتَخَلَّفُ عنِ البَعْضِ لمانعٍ .
(( كأن تحصل الإفادة ولم يحصل العلم كما إذا أخبر من لم يعتقد ذلك الخبر حصلت الإفادة ولم يحصل العلم )).
__________
(1) المتواتر قد بينه المؤلف وهوما رواه عدد كثير من أول الحديث إلى آخره من المحدث إلى النبي صلى الله عليه وسلم إو إلى غيره من الناس تحيل العادة تواطؤهم على الكذب او وقوعه منهم اتفاقاً وأن يكون المستند الحس والمشاهدة أو السماع ( رأيت كذا أو سمعت كذا ) فإنه بهذا يفيد العلم فيضطر السامع لهذه الطرق من سمعها وأحصاها واعتنى بها يضطر تأمله لها واعتقاده لهذه المعاني أن يستفيد العلم ويجزم بأن هذا صدر ممن تواتر عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أو غيره فإذا اختل شيء من الشروط صار من باب المشهور لا من باب المتواتر .(1/5)
وقد وَضَحَ بهذا (( التقرير )) تَعْريفُ المُتواتِرِ .
وخِلافُهُ قدْ يَرِدُ بلا حَصْرٍ [ أَيضاً ، لكنْ مع فَقْدِ بعضِ الشُّروطِ ، أَو مَعَ حَصْرٍ بِما فَوْقَ الاثنيْنِ ؛ أي : بثلاثةٍ فصاعِداً ما لمْ يَجْمَعْ شُروطَ المُتواتِرِ ، أو بِهما ؛ أي : باثْنَيْنِ فقطْ ، أو بواحِدٍ [ فقَطْ ].
والمرادُ بقولِنا : (( أَنْ يَردَ باثْنَيْنِ )) : أنْ لا يَرِدَ بأَقلَّ مِنْهُما ، فإِنْ وَرَدَ بأَكْثَرَ في بعضِ المَواضِعِ مِن السَّنَدِ الواحِدِ لا يَضُرُّ ، إذ الأقلُّ في هذا [ العِلْمِ ] يَقْضي على الأكْثَرِ.
فالأوَّلُ: (( و )) (( هو )) المُتواتِرُ ، وهو المُفيدُ للعِلْمِ اليَقينِيِّ ، فأخرَجَ النَّظريَّ على ما يأْتي تقريرُه ، بِشروطِهِ [ (( أي )) التي تَقَدَّمَتْ .
واليَقينُ : هو الاعتقادُ الجازِمُ المُطابِقُ ، وهذا هو المُعْتَمَدُ : أَنْ ] الخَبَرَ (( الواحد )) المُتواتِرَ يُفيدُ العِلْمَ الضَّروريَّ ، وهو الذي (( لا )) يَضْطُّر الإِنْسانُ إليهِ بحيثُ لا يُمْكِنُهُ دفْعُهُ .
وقيلَ : لا يُفيدُ العلمَ إِلاَّ نَظَرِيّاً !
وليس بشيءٍ ؛ لأنَّ العِلْم بالتَّواتُرِ حاصِلٌ لمن ليس لهُ أهليَّةُ النَّظرِ كالعامِّيِّ ، إذ النَّظرُ : ترتيبُ [ أُمورٍ معلومةٍ ] أَو مَظْنونةٍ يُتَوَصَّلُ بها إلى عُلومٍ أَو ظُنونٍ ، وليس في العامِّيِّ أهلِيَّةُ ذلك ، فلو كان نَظَرِيّاً ؛ لما حَصَل لهُم .
ولاحَ بهذا التَّقريرِالفرْقُ بين العِلْمِ الضَّرورِيِّ والعِلْمِ النَّظَرِيِّ ، [ إِذ ] الضَّرورِيُّ يُفيدُ العِلْمَ بلا اسْتِدلالٍ ، والنَّظريُّ يُفيدُهُ لكنْ مع الاستِدْلالِ على الإِفادةِ، وأنَّ الضَّروريَّ يحْصُلُ لكُلِّ سامعٍ ، والنَّظَرِيَّ لا يَحْصُلُ إِلاَّ لِمَنْ فيهِ أهليَّةُ النَّظَرِ .(1/6)
وإِنَّما أََبْهَمْتُ شُروطَ التواترِفي الأَصْلِ ؛ لأنَّهُ على هذهِ الكيفيَّةِ ليسَ مِن مباحِثِ عِلْمِ الإِسْنَادِ ، (( وإنما هو من مباحث أصول الفقه )) إِذ عِلمُ الإِسْناِد يُبْحَثُ فيهِ عن صِحَّةِ الحديثِ أَوْ ضَعْفِهِ ؛ لِيُعْمَلَ بِهِ أَو يُتْرَكَ مِن حيثُ صفاتُ الرِّجالِ ، وصِيَغُ الأداءِ ، والمُتواتِرُ لا يُبْحَثُ عَنْ رجالِهِ ، بل يجبُ العملُ بهِ مِن غيرِ بَحْثٍ .
فائدةٌ : (1)ذَكَرَ ابنُ الصَّلاحِ أَنَّ مِثالَ المُتواتِرِ عَلى التَّفسيرِ المُتَقَدِّمِ يَعِزُّ وُجودُهُ ؛ إِلاَّ أَنْ يُدَّعَى ذلك في حَديثِ : (( مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ [ مُتَعَمِّداً ؛ فلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ] )) .
وما ادَّعَاهُ مِن العِزَّةِ مَمْنوعٌ ، وكذا مَا ادَّعاهُ غيرُهُ مِن العَدَمِ ؛ لأنَّ ذلك نَشَأَ عَنْ قِلَّةِ الاطِّلاعِ على كَثْرَةِ الطُّرُقِ ، وأَحْوالِ الرِّجالِ ، وصفاتِهِمُ المُقتَضِيَةِ لإِبعادِ العادَةِ أَنْ يَتَواطَؤوا عَلى كَذِبٍ ، أو يَحْصُلَ منهُمُ اتِّفاقاً.
ومِن أَحْسَنَ مَا يُقَرَّرُ [ بِهِ ] كونُ المُتواتِرِ مَوجوداً وُجودَ كَثْرةٍ في الأَحاديثِ أَنَّ الكُتُبَ المشهورةَ المُتَداوَلَةَ بأَيدي أَهْلِ العِلْمِ شَرْقاً وغَرْباً المَقْطوعَ عِنْدَهُم بِصِحَّةِ نِسْبَتِها إلى مُصَنِّفيها، إذا اجْتَمَعَتْ على إِخراجِ حَديثٍ ، وتعدَّدَتْ طُرُقُه تعدُّداً تُحيلُ العادةُ تواطُؤهُمْ على الكَذِبِ إِلى آخِرِ الشُّروطِ ؛ أَفادَ العِلْمَ اليَقينيَّ بصحَّتِهِ إِلى قائِلِهِ .
__________
(1) فجر الأحد 16 / 7 / 1415 هـ(1/7)
ومِثْلُ [ ذلكَ ] في الكُتُبِ المَشْهُورَةِ [ كَثيرٌ ] (1)
والثَّاني –وهُو أَوَّلُ أقسام الآحادِ – : ما لَهُ طُرُقٌ مَحْصورةٌ بأَكثرَ مِن اثْنَيْنِ وهُو المَشْهورُ(2) عندَ المُحَدِّثينَ : سُمِّيَ بذلك لوُضوحِهِ ،وهُوَ المُستفيضُ ؛ عَلى رأْيِ جماعةٍ مِن أَئمَّةِ الفُقهاءِ (3)، [ سُمِّيَ بذلك لانْتشارِهِ ، [ و ] مِنْ فاضَ الماءُ يَفيضُ فيضاً .
ومِنْهُم مَن غَايَرَ بينَ المُسْتَفيضِ والمَشْهورِ ؛ بأَنَّ المُسْتَفيضَ يكونُ في ابْتِدائِهِ وانْتِهائِهِ سَواءً ] ، والمَشْهورَ أَعَمُّ مِنْ ذلكَ .ومنهُمْ مَن غايَرَ على كيفيَّةٍ أُخْرى ، وليسَ مِن مَباحِثِ هذا الفَنِّ .(4)
__________
(1) ما قال المصنف صحيح لأن في الصحيحين والسنن الأربع ومسند أحمد وغيرها إذا اجتمعت على احاديث أو تكرر اسناده بطرق كثيرة وتعددت المشايخ يستحيل العادة تواطؤهم على الكذب فالحاصل أن هذا يختلف بحسب صفات الرجال فإذا جاء الحديث مسنداً من أربعة أو خمسة طرق مختلفة كلهم ثقات يقطع من علم أحوالهم بأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه متواتر وهكذا إذا جاء عن ثمانية أو عشرة وصنف السيوطي في هذا ( الدرر المتناثرة في الأحاديث المتواترة ) ذكر فيها ما تعددت طرقه إلى عشرة فالمقصود كما قال المصنف أن هذا موجود في الصحيحين وغيرهما ولكن يفهم هذا من عرف أحوال الرجال وصفاتهم فقد يكون متواتراً من أربعة أو ستة أو عشرة كل هذا بحسب أحوالهم في الثقة والعدالة والأمانة والضبط .
(2) المشهور ما تعددت طرقه ولم يصل إلى حد المتواتر إما لنقص في العدالة أو الضبط وما أشبه ذلك فيكون من طرق ثلاثة فأكثر فإذا أفاد اليقين صار متواتراً .
(3) الصواب أن المستفيض هو المشهور والمشهور هوالمستفيض يعنى استفاض عند العلماء وعرفوه واشتهر بينهم .
(4) يعني الاسماء لا تهم فالمهم كونه يقبل أو لا يقبل فإذا استقام رجاله قبل وإلا لا .
- سئل الشيخ عن الضعف الشديد إذا تعددت طرقه هل يحسن الحديث ؟ الضعف الشديد لا يحسن به الحديث معه .(1/8)
ثمَّ المَشْهورُ يُطْلَقُ على مَا حُرِّرَ هُنا وعلى ما اشْتُهِرَ على الألْسِنةِ ، فيشْمَلُ ما لَهُ إِسنادٌ واحِدٌ فصاعِداً ، بل [ ما ] لا يوجَدُ لهُ إِسنادٌ أَصْلاً .(1)
والثَّالِثُ : (2)العَزيزُ وهُو : أَنْ لا يَرْويَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عنِ اثْنَيْنِ ، وسُمِّيَ بذلك إِمَّا لِقِلَّةِ وُجودِهِ ، [ وإِمَّا] لكونِهِ عَزَّ – أَي : قَوِيَ – بمَجيئِهِ مِن طَريقٍ أُخْرى .(3)
ولَيْسَ شَرْطاً للصَّحيحِ ؛ خِلافاً لمَنْ زعَمَهُ (4)، وهو أَبو عَليٍّ الجُبَّائيُّ مِن المُعْتزلةِ ، وإِليهِ يُومِئُ كلامُ الحاكِمِ أَبي عبد اللهِ في (( علومِ الحديثِ )) [ حيثُ ] قال : الصَّحيحُ أَنْ يَرْوِيَهُ الصَّحابِيُّ الزَّائِلُ عنهُ اسمُ الجَهالةِ ؛ بأَنْ يكونَ لهُ راوِيانِ ، ثمَّ يتداوَلَهُ أَهلُ الحَديثِ إِلى وَقْتِنِا كالشَّهادَةِ [ عَلى الشَّهادَةِ ].
وصَرَّحَ القاضي أَبو بَكْرٍ بنُ العربيِّ في (( شَرْحِ البُخاريّ )) بأَنَّ ذلك شَرْطُ البُخاريِّ ، وأَجاب عمَّا أُورِدَ عليهِ مِنْ ذلك بِجوابٍ فيهِ نَظرٌ ؛ لأَنَّهُ قال : فإِنْ قيلَ : حديثُ (( (( إنما )) الأعْمَالُ بالنِّيَّاتِ )) فَرْدٌ ؛لم يَرْوِهِ عَنْ عُمرَ إِلاَّ عَلْقَمَةُ
__________
(1) قد يطلق المشهور على حديث لا أصل له بل هو مشهور على الألسنة ولكن لا أصل له في الرواية .
(2) فجر الأحد 23 / 7 / 1415 هـ
(3) وهو ما كان مداره على اثنين وقد يزيد على الاثنين في بعض طبقات السند وسمي بهذا لقلته يقال هذا شيء عزيز أي قليل ،أو سمي بهذا لأن كل سند اعتز بالآخر عزاه الآخر أي قواه .
(4) الصحيح يثبت ولو كان بالواحد إذا كان السند جيداً ورجاله ثقات ومتصل ليس فيه تدليس ولا انقطاع يسمى صحيحاً مثل حديث عمر بن الخطاب ( إنما الأعمال بالنيات )(1/9)
قالَ قُلْنا : [ قَدْ ] خَطَبَ بِهِ عُمَرُ [ رضيَ اللهُ عنهُ ] عَلى المِنْبَرِ بحَضْرةِ الصَّحابَةِ ، فلولا أَنَّهُمْ يَعْرِفونَهُ لأنْكروهُ !
كذا قالَ !
وتُعُقِّبَ (( عليه )) بأَنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِم سَكَتُوا عنهُ أَنْ يَكُونوا سَمِعوهُ مِنْ غَيْرِهِ ، وبأَنَّ هذا لو سُلِّمَ في عُمَرَ مُنِعَ في تَفَرُّدِ عَلْقَمَةَ [ عنهُ ] ، ثمَّ تَفَرُّدِ مُحَمَّدِ بنِ إِبْراهيمَ بِه عَنْ عَلْقَمَةَ ، ثُمَّ تَفَرُّدِ يَحْيَى بنِ سَعيدٍ بهِ عَنْ مُحَمَّدٍ ؛ عَلى ما هُو الصَّحيحُ المُعْروفُ عِنْدَ المُحَدِّثينَ .
وقَدْ وَرَدَتْ لُهْم مُتابعاتٌ لا يُعْتَبَرُ بِها [ لِضَعْفِها ]
وكَذا لا نُسَلِّمُ جَوابَهُ في غَيْرِ حَديثِ عُمَرَ [ رضيَ اللهُ عنهُ ]
قالَ ابنُ رُشَيْدٍ : ولَقَدْ كانَ يَكْفي القاضيَ في بُطْلانِ ما ادَّعَى أَنَّهُ شَرْطُ البُخاريِّ أَوَّلُ حَديثٍ مَذكورٍ فيهِ .(1)
وادَّعَى ابنُ حِبَّانَ نقيضَ دَعْواهُ ، فقالَ : إِنَّ رِوايَةَ اثنَيْنِ عَنِ اثنَيْنِ إِلى أَنْ يَنْتَهِيَ لا تُوجَدُ أَصْلاً .
قُلْتُ : إِنْ أرادَ [ [ بهِ ] أَنَّ ] رِوايَةَ اثْنَيْنِ فَقَطْ عَنِ اثْنَيْنِ فَقَطْ لا تُوجَدُ [ أَصْلاً ] ؛ فيُمْكِنُ أَنْ يُسَلَّمَ(2) ، وأَمَّا صُورَةُ العَزيزِ الَّتي حَرَّرْناها فمَوْجودَةٌ بأَنْ لا يَرْوِيَهُ أَقَلُّ مِن اثْنَيْنِ عَنْ أَقَلَّ مِنَ اثْنَيْنِ .
__________
(1) قول ابن رشيد هو الصواب وقول أبي بكر بن العربي في شرح البخاري ذهول وغلط فيكفيه أول حديث عند البخاري وهو حديث عمر .
(2) يعني في أثناء السند ليس بشرط أن تستمر اثنين اثنين بل قد يزيد ولكن المدار أن يكون على اثنين .(1/10)
مثالُهُ : ما رَواهُ الشَّيْخانِ مِن حَديثِ أَنَسٍ ، والبُخاريُّ مِن حديثِ أَبي هُرَيْرَةَ (( رضيَ اللهُ عنهُ )) : أَنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ : (( لا يُؤمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِليهِ مِنْ والدِهِ وولَدِهِ ... )) الحديث .
[ و ] رواهُ عَنْ أَنَسٍ : قَتادَةُ وعبدُ العزيزِ بنُ صُهَيْبٍ ، ورواهُ عَنْ قتادَةَ : شُعْبَةُ وسعيدٌ ، ورواهُ [ عَنْ ] عبدِ العزيزِ : إِسماعيلُ بنُ عُلَيَّةَ وعبدُ الوارِثِ ، ورواهُ عن كُلٍّ جَماعةٌ .
والرَّابِعُ : الغَريبُ وهُو : ما يَتَفَرَّدُ بِروايَتِهِ شَخْصٌ واحِدٌ في أَيِّ مَوْضِعٍ وَقَعَ التَّفَرُّدُ بِهِ مِنَ السَّنَدِ عَلى مَا سَيُقْسَمُ إِليهِ الغَريبُ المُطْلَقُ والغَريبُ النِّسبيُّ .(1)
وكُلُّها أي(2) : الأقسامُ الأرْبَعَةُ [ المَذْكورةُ ] سوى الأوَّلِ ، وهو المُتواتِرُ آحادٌ ، ويُقالُ لكُلٍّ منها : خَبَرُ واحِدٍ .
وخَبَرُ الواحِدِ في اللُّغَةِ : ما يَرويهِ شَخْصٌ واحِدٌ ، وفي الاصطِلاحِ : ما لَمْ يَجْمَعْ شُروط المُتواتِرِ (3)
وفيها ؛ أي : [ في ] الآحَادِ: المَقْبولُ وهو : ما يَجِبُ العَمَلُ بِهِ عِنْدَ الجُمْهورِ .
وَفيها المَرْدُودُ ، وهُو [ الَّذي ] لَمْ يَتَرَجَّحْ صِدْقُ المُخْبِرُ بِهِ ؛ لتوقُّفِ الاستدلالِ بها عَلى البَحْثِ عَنْ أحوالِ رواتِها ، دُونَ الأوَّلِ ، وهو المُتواتِرُ .
فكُلُّهُ مَقْبولٌ لإِفادَتِهِ القَطْعَ بِصِدْقِ مُخْبِرِهِ بِخلافِ غَيْرِهِ مِنْ أَخبارِ الآحادِ .
__________
(1) وهو ما يكون مداره على واحد سواءكان الصحابي أو التابعي أو من بعدهم يسمى غريب كحديث عمر ( إنما الأعمال بالنيات) ولا يلزم كل غريب ضعيف .
(2) فجر الأحد 30 / 7 / 1415 هـ
(3) خبر الأحاد ما لم يستجمع شروط المتواتر وقد يكون رواه واحد أو اثنين أو ثلاثة أو أربعة ولكنه لم يستوف شروط المتواتر .(1/11)
لكنْ ؛ إِنَّما وَجَبَ العَمَلُ بالمَقْبولِ مِنها ، لأَنَّها إِمَّا أَنْ يُوْجَدَ فيها أَصلُ صِفَةِ القَبولِ – وهُو ثُبوتُ صِدْقِ النَّاقِلِ – ، أَوْ أَصلُ صِفَةِ الرَّدِّ – وهُو ثُبوتُ كَذِبِ النَّاقِلِ – أَوْ لاَ :
فالأوَّلُ : يَغْلِبُ على الظَّنِّ [ ثُبوتُ ] (( به )) صِدْقِ الخَبَرِ لِثُبوتِ صِدْقِ ناقِلِهِ فيُؤخَذُ بِهِ .
والثَّانِي : يَغْلِبُ على الظَّنِّ (( به )) كَذِبُ الخَبَرِ لِثُبوتِ كَذِبِ ناقِلِهِ فيُطْرَحُ .
والثَّالِثُ : إِنْ وُجِدَتْ قرينَةٌ تُلْحِقُهُ بأَحَدِ القِسْمَيْنِ الْتَحَقَ ، وإِلاَّ فَيُتَوَقَّفُ فيهِ ، وإِذا تُوُقِّفَ عَنِ العَمَلِ بهِ صارَ كالمَرْدودِ ، لا لِثُبوتِ [ صِفَةِ ] الرَّدِّ ، بل لكَوْنِه لمْ تُوجَدْ (( به )) فيهِ صفةٌ توجِبُ القَبولَ ، واللهُ أعلمُ .(1)
__________
(1) وهذا شامل لجميع أخبار الآحاد فيها المقبول والمردود إذا توافرت شروط الصحة قبل من صدق الراوي واتصال السند وعدم الشذوذ والعلة قبل سواء كان صحيحاً أو حسناً لذاته أو لغيره وإذا لم تتوافر صفات القبول رد وأصل صفات القبول الصدق وأصل صفات الرد الكذب والصفات الأخرى توابع لهذا الأمر فقد يكون السند واحداً لكنه مسلسل بالثقات والاتصال فيقبل ومحتجاً به كحديث عمر ( إنما الأعمال بالنيات ) وحديث ابن عمر ( نهى عن بيع الولاء وهبته ) وأحاديث أخرى لأنها جاءت من طرق ثابتة فحكم بصحتها ولوكان الطريق واحداً أو طريقين أو ثلاثة ، أما إذا كان الطريق فيه مستور أو انقطاع أو فيه ما يوجب الحكم بضعفه حكم برده لأن صفات المقبول لم تتوفر فيه . والثالث : المتوقف فيه لم تتوافر فيه صفات القبول أو الرد فهذا يتوقف فيه وهذا بالنسبة للناظر والمحدث فيحتاج لتأمل ونظر فيتوقف فيه وهذا التوقف حكمه حكم المردود لا يجوز العمل به حتى يتضح له إلحاقه بالقبول .(1/12)
وقد يَقعُ [ فيها ] ؛ أي : في أَخْبارِ الآحادِ المُنْقَسِمَة إِلى مَشْهورٍ وعَزيزٍ وغَريبٍ ؛ مَا يُفيدُ العِلْمَ النَّظريَّ بالقَرائِنِ ؛ عَلى المُختارِ ؛ خِلافاً لِمَنْ أَبى ذلك .
والخِلافُ في التَّحْقيقِ لَفْظيٌّ ؛ لأنَّ مَنْ جَوَّزَ إِطلاقَ العِلْمِ قَيَّدَهُ بِكونِهِ نَظَريّاً ، وهُو الحاصِلُ عنالاسْتِدلالِ ، ومَنْ أَبى الإِطلاقَ ؛ خَصَّ لَفْظ العِلْمِ بالمُتواتِرِ ، وما عَداهُ عِنْدَهُ [ كُلُّهُ ] ظَنِّيٌّ ، لكنَّهُ لا يَنْفِي أَنَّ ما احْتفَّ (( منه )) بالقرائِنِ أَرْجَحُ ممَّا خَلا عَنها .(1)
والخَبَرُ المُحْتَفُّ بالقَرائِن أنواعٌ :(2)
__________
(1) والصواب أن فيها ما يفيد العلم كما قال المؤلف ( وقد يقع فيها ما يفيد العلم النظري بالقرائن ) وهذا بالنسبة للمحدث فإن أخبار الأحاد إذا اتصل سنده وتسلسل بالثقات أفاد العلم وأطمان له المحدث وجزم أنه لا شك فيه ولا ريب وأنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ليس ظنياً فقط وإن كانت الحجة قائمة بالظني لكن إذا احتفت به الصفات العظيمة كالصدق والعدالة واتصال السند فإن المحدث الذي يعرف هذه الأمور يجزم ويتيقن أنه ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) أفاد العلم وإن كان من طريق واحد ، وبعض أهل العلم يطلق على أخبار الآحاد أنها ظنية ولكنها ظنية يجب العمل بها والصواب أن فيها ما يفيد العلم تارة بالشواهد وتعدد الأسانيد وتارة بصفات الرواة وثقتهم وعدالتهم .
(2) فجر الأحد 7 / 8 / 1415 هـ(1/13)
مِنْها مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخانِ في صَحيحَيْهِما ممَّا لَمْ يَبْلُغْ [ حَدَّ ] المتواتِرِ فإِنَّهُ احْتُفَّتْ بِهِ قرائِنُ (1)؛
__________
(1) مما يفيد العلم ما اتفق عليه الشيخان لما ذكره المؤلف رحمه الله فأحاديث الصحيحين تفيد العلم عند من تأمل ونظر إلا ما حصل فيه اشتباه واختلاف كالأشياء التي حصل فيها تعارض تحتاج إلى تأمل حتى يتبين وجه الجمع فيها أو وجه الاختلاف أو كالأشياء التي انتقدها الدارقطني وغيره فالمقصود أن هذا الأشياء التي هي محل نظر موقوفة حتى يتضح فيها الجواب . فالمقصود أن ما رواه الشيخان من الاشياء التي احتفت بها القرائن فأفادت العلم .
@ الاسئلة : الرجل الذي لم يخرج له الشيخان هل تضعف روايته ؟
إذا كان ثقة لا يضره .
ب - أحد العلماء الكبار في الجرح والتعديل وعلم الرجال في العصر الحديث يقول إن في البخاري ومسلم أو في أحدهما بعض الأحاديث الضعيفة ؟
هذا قد قاله بعض أهل العلم وليس مسلم والصواب قبول ما فيها .
ج - هل فيهما شيء ولو حديث واحد فيه كلام لأهل العلم ؟
فيه حديث في مسلم ( إن الله خلق التربة يوم السبت ... ) فجعل المخلوقات في سبعة أيام من السبت إلى الجمعة وهذا مخالف لنص القرآن أن خلق الخلق في ستة أيام فهذا وهم من بعض الرواة رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عن كعب الأحبار فقد غلط فيه بعض الرواة في رفعه رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق أبي هريرة فهذا لا شك أنه وهم كما قال البخاري وغيره رواه مسلم ولكنه وهم والصواب أن أبا هريرة وراه عن كعب وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم فوهم فيه بعض الرواة ورفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم وإنما هو عن كعب الأحبار . وفيه رواية لمسلم تكلم بعضهم فيها أنه سبحانه ( يأخذ السموات بيمينه والأرضين بشماله ) فوصف اليد بالشمال والصواب أنه لا بأس به لأن الأدلة الدالة على اليمين تدل على الشمال ولكن كلتا يدي ربي يمين مباركة وإن سميت شمال فهي في الفضل يمين .
د - حديث الجساسة أحسن الله إليك ؟
أخرجه مسلم ولا بأس به .(1/14)
منها :
جَلالتُهُما في هذا الشَّأْنِ .
وتَقَدُّمُهُما في تَمْييزِ الصَّحيحِ على غيرِهما .
وتَلَقِّي العُلماءِ كِتابَيْهِما بالقَبُولِ ، وهذا التَّلقِّي وحدَهُ أَقوى في إِفادةِ العلمِ مِن مُجَرَّدِ كَثْرَةِ الطُّرُقِ القاصرةِ عَنِ التَّواتُرِ .
إِلاَّ أَنَّ هذا مُخْتَصٌّ بِمَا لَمْ يَنْقُدْهُ أَحدٌ مِنَ الحُفَّاظِ [ مِمَّا ] في الكِتابينِ ، وبِما لَمْ يَقَعِ التَّجاذُبُ بينَ مَدْلولَيْهِ مِمَّا [ وَقَعَ ] في الكِتابينِ ، حيثُ لا تَرْجيحَ لاستِحالَةِ أَنْ يُفيدَ المُتناقِضانِ العِلْمَ بصِدْقِهِما من [ غيرِ ] ترجيحٍ لأحدِهِما على الآخرِ .
وما عَدا ذلك ؛ فالإِجماعُ حاصِلٌ على تَسْليمِ صِحَّتِهِ .
فإِنْ قِيلَ : إِنَّما اتَّفَقوا على وُجوبِ العَمَلِ بِهِ لا عَلى صِحَّتِهِ ؛ مَنَعْنَاهُ .
وسَنَدُ المَنْعِ أَنَّهُمْ مُتَّفِقونَ عَلى وُجوبِ العَمَلِ بِكُلِّ مَا صَحَّ ولوْ لَمْ يُخْرِجْهُ الشَّيْخانِ ، فلمْ يَبْقَ للصَّحيحينِ في هذا مَزيَّةٌ ، والإِجماعُ حاصِلٌ على أَنَّ لهُما مَزِيَّةً فيما يَرْجِعُ إِلى نَفْسِ الصِّحَّةِ .
ومِمَّن صَرَّحَ بإِفادَةِ مَا خَرَّجَهُ الشَّيْخانِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ : الأسْتاذُ أَبو إِسْحاقَ الإِسْفَرايِينِيُّ ، ومِن أَئِمَّةِ الحَديثِ أَبو عبدِ اللهِ الحُمَيْدِيُّ ، وأَبو الفَضْلِ بنُ طاهِرٍ وغيرُهُما .
ويُحْتَمَلُ أَنْ يُقالَ : المَزِيَّةُ المَذْكُورَةُ كَوْنُ أَحادِيثِهِما أَصَحَّ الصَّحيحِ .
ومِنها : (( المَشْهورُ )) إِذا كانَتْ لهُ طُرُقٌ مُتبايِنَةٌ سالِمَةٌ مِنْ ضَعْفِ الرُّواةِ ، والعِلَلِ .
وممَّن صَرَّحَ بإِفادَتِهِ العِلْمَ النَّظَرِيَّ الأسْتاذُ أَبو مَنْصورٍ البَغْدادِيُّ ، والأسْتاذُ أَبو بَكْرِ بنُ فُورَكٍ (( – بضم الفاء - )) وغيرُهُما .(1/15)
ومِنها : (( المُسَلْسَلُ )) بالأئمَّةِ الحُفَّاظِ المُتْقِنينَ ، حيثُ لا يكونُ غَريباً ؛ كالحَديثِ [ الَّذي ] يَرْويهِ أَحمَدُ بنُ حَنْبَلٍ مَثلاً ويُشارِكُهُ فيهِ غَيْرُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ ، ويُشارِكُهُ [ فيهِ ] غيرُهُ عنْ مالِكِ بنِ أَنسٍ ؛ فإِنَّهُ يُفيدُ العِلْمَ عندَ سَامِعِهِ بالاستِدْلالِ مِن [ جِهَةِ ] جَلالَةِ رُواتِهِ ، وأَنَّ فيهِمْ مِنَ الصِّفاتِ اللاَّئِقَةِ المُوجِبَةِ للقَبولِ مَا يقومُ مَقامَ العَدَدِ الكَثيرِ مِنْ غَيْرِهِم .(1)
ولا يَتَشَكَّكُ مَنْ لَهُ [ أَدْنَى ] مُمارَسَةٍ بالعِلْمِ وأَخْبارِ النَّاسِ أَنَّ مالِكاً مَثلاً لو شافَهَهُ بخَبَرٍ أَنَّهُ صادِقٌ فيهِ ، فإِذا انْضافَ إِليهِ (( أيضاً )) مَنْ هُو في تِلْكَ الدَّرَجَةِ ؛ ازْدَادَ قُوَّةً ، وبَعُدَ عَمَّا يُخْشَى عليهِ مِنَ السَّهْوِ .
وهذهِ الأنْواعُ الَّتي ذكَرْناها لا يَحْصُلُ العلمُ بصِدْقِ الخَبرِ منها إِلاَّ للعالِمِ بالحَديثِ ، المُتَبَحِّرِ فيهِ ، العارِفِ بأَحوالِ الرُّواةِ ، المُطَّلِعِ عَلى العِلَلِ .
وكَوْنُ غيرِهِ لا يَحْصُلُ لهُ [ العِلْمُ ] بصِدْقِ ذلك لِقُصورِهِ عن الأوْصافِ المَذكورَةِ لا يَنْفي حُصولَ العِلْمِ للمُتَبَحِّرِ المَذْكورِ ، [ واللهُ أَعلمُ ].(2)
ومُحَصّلُ الأنْواعِ الثَّلاَثَةِ الَّتي ذَكَرْناها :
أنَّ الأوَّلَ : يَخْتَصُّ بالصَّحيحينِ .
والثاني : بِما لَهُ طُرُقٌ مُتَعَدِّدَةٌ .
والثَّالِثُ : بِما رواهُ الأئمَّةُ .
__________
(1) وهذا صحيح فالحديث المسلسل بالأئمة يفيد العلم ولا سيما إذا كان من طريقين أو أكثر وقد يفيد العلم ولو من طريق واحدة .
(2) وهذا كما قال المؤلف يحصل بحسب علم الإمام والناظر في الأمر والمحدث وعلى حسب معرفته بالرجال وخبرته فيتفاوت الناس بهذا فليس من عرف أحوالهم وصفاتهم الجليلة كمن جهل ذلك .(1/16)
ويمكِنُ اجْتماعُ الثَّلاثةِ في حَديثٍ واحِدٍ ، فلا يَبْعُدُ حينئذٍ القَطْعُ بصِدْقِهِ ، [ واللهُ أَعْلمُ ].
[ ثمَّ الغَرابَةُ إِمَّا أَنْ تَكونَ في أَصلِ السَّنَدِ(1) ؛ أي : [ في ] الموضعِ الَّذي يَدورُ الإِسنادُ عليهِ ويَرْجِعُ ، ولو تَعَدَّدَتِ الطُّرقُ إِليهِ ، وهو طرَفُهُ الَّذي فيهِ الصحابيُّ أَوْ لاَ ] يَكونُ كَذلكَ ؛ بأَنْ يَكونَ التَّفَرُّدُ في أَثنائِهِ ، كأَنْ يَرْوِيَه عَنِ الصَّحابيِّ أَكثَرُ مِنْ واحِدٍ ، ثمَّ يتفرَّدُ بروايَتِه عنْ واحِدٍ منهُم شَخْصٌ واحِدٌ .
فالأوَّلُ : الفَرْدُ المُطْلَقُ ؛ كَحديثِ النَّهْيِ عَنْ بيعِ الوَلاءِ وعَنْ هِبَتِهِ ؛ تفرَّدَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ دينارٍ عنِ ابنِ عُمرَ .
وقد يَتَفَرَّدُ بهِ رَاوٍ عَنْ ذلك المُتفرِّدِ ؛ كحديثِ شُعَبِ الإِيمانِ ؛ وقد تفرَّدَ بهِ أَبو صالحٍ عَنْ أَبي هُريرةَ ، وتفرَّدَ بهِ عبدُ اللهِ بنُ دينارٍ عَنْ أَبي صالحٍ .
وقدْ يَسْتَمِرُّ التفرُّدُ في جميعِ رواتِهِ أَوْ أَكْثَرِهمْ ، وفي (( مُسْنَدِ البَزَّارِ)) و (( المُعْجَم الأوسط )) للطَّبرانيِّ أَمثلةٌ كثيرةٌ لذلك .
__________
(1) فجر الأحد 11 / 10 / 1415 هـ(1/17)
والثَّانِي : الفَرْدُ النِّسْبِيُّ سُمِّيَ نسبيّاً لكونِ التفرُّدِ فيهِ حصلَ بالنسبةِ إِلى شخصٍ معيَّنٍ ، وإِنْ كانَ الحَديثُ في نفسِه مشهوراً .(1)
ويقلُّ إِطلاقُ الفَرْدِيَّةِ عليهِ ؛ لأنَّ الغَريبَ والفَرْدَ مُترادِفانِ لغةً واصْطِلاحاً ؛ إِلاَّ أَنَّ أَهْلَ (( هذا )) الاصطِلاحِ غايَروا بينَهُما من حيثُ كَثْرَةُ الاستِعمالِ وقِلَّتُهُ .(2)
__________
(1) هذا بحث الغرابة وقد بين المؤلف رحمه الله تفاصيل ذلك بعبارة موجزة واضحة فالغرابة لها حالان أ - حالة في أصل السند ب - وغرابة في أثناء السند ، فما كان في أصل السند فهو الفرد المطلق ويقال له غريب أيضاً ، والفرد النسبي فهو بالنسبة إلى أحد رواة السند فقد يكون مشهوراً أو عزيزاً أو متواتراً ولكن يدور على واحد فهو الفرد النسبي فيكون بعض طرقه على واحد ، فالأول مثل حديث ( نهى عن بيع الولاء وهبته ) تفرد به عبد الله بن دينار عن ابن عمر فصار فرداً مطلقاً ومثل حديث عمر ( إنما الأعمال بالنيات ) انفرد به علقمة بن وقاص عن عمر فهو فرد مطلق بالنسبة إلى عمر وعلقمة ومحمد بن ابراهيم ثم تواتر عن يحيى بن سعيد ، وقد يكون نسبياً بأن يكون الحديث رواه جماعة عن التابعي أو الصحابي ثم انفرد به واحد من العلماء المشهورين فلم يرو عنه إلا من طريق واحدة كأن ينفرد به مالك أو الأوزاعي أو الثوري من طريق واحدة فيرويه عنه واحد فيقال هو غريب بالنسبة إلى مالك لأنه ما رواه عنه إلا واحد وهو في نفسه ليس غريباً قد يكون روي من طرق لكنه لم يروه عن مالك إلا واحد أو غريب إلى الأوزاعي أو الثوري .
(2) يعني قليل إطلاق الفردية على النسبي وإنما يقال له غريب فكلاهما يقال له فرد ولكن الغالب أن الفرد يطلق على الفرد المطلق بخلاف النسبي فالغالب أنه يسمى غريب مثل ما يقع للترمذي كثيراً .(1/18)
فالفرْدُ أَكْثَرُ ما يُطْلِقونَهُ على الفَرْدِ المُطْلَقِ .(1)
والغَريبُ أَكثرُ ما يُطْلِقونَهُ عَلى الفَرْدِ النِّسْبيِّ .
وهذا مِن حيثُ إِطلاقُ الاسمِ عليهِما .
وأَمَّا مِنْ حيثُ استِعْمالُهم الفِعْلَ المُشْتَقَّ ؛ فلا يُفَرِّقونَ ، فَيقولونَ في المُطْلَقِ والنِّسْبيِّ : تَفَرَّدَ بِهِ فُلانٌ ، أَوْ : أَغْرَبَ بِهِ فُلانٌ .
وقَريبٌ مِن هذا اختِلافُهُم في المُنْقَطِعِ والمُرْسَلِ ؛ (( و )) هلْ هُما مُتغايِرانِ أَوْ لاَ ؟
فأَكْثَرُ المُحَدِّثين على التَّغايُرِ ، لكنَّهُ عندَ إطلاقِ الاسمِ ، وأمَّا عندَ اسْتِعمَالِ الفِعْل المُشْتَقِّ فيستَعْمِلونَ الإِرسالَ فقَطْ فيَقولونَ : أَرْسَلَهُ فلانٌ ، سواءٌ كانَ [ ذلكَ ] مُرْسَلاً أَوْ مُنْقَطِعاً .(2)
ومِن ثَمَّ أَطْلَقَ غيرُ واحِدٍ – مِمَّن لم يلاحِظْ مواضِعَ اسْتِعمالِهِ على كثيرٍ مِن المُحدِّثينَ أَنَّهُم لا يُغايِرونَ بينَ المُرْسَلِ والمُنْقَطِعِ !
وليسَ كذلك ؛ لما حَرَّرناهُ ، وقلَّ مَن نبَّهَ على النُّكْتَةِ في ذلك ، [ واللهُ أعلمُ ] .
__________
(1) لكن قد يقال للفرد المطلق غريب كحديث عمر ( إنما الأعمال بالنيات ) فهو فرد مطلق ويقال له غريب .
(2) يبين رحمه الله أنهم في الفعل لا يغايرون يقال تفرد به فلان وأغرب به فلان وإنما التفريق في الغالب في الاسم فيقال غريب وفرد وهكذا ما يقع من الانقطاع والإرسال فإذ سقط منه واحد سواء في أوله أو في آخره يسمى منقطعاً ويسمى مرسلاً ويطلق على المرسل منقطع لأنه لم يتصل بالرسول صلى الله عليه وسلم وهكذا إذا سقط رواته واحد يسمى منقطع مثل سعيد بن المسيب أو مجاهد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يسمى منقعطاً والمشهور أنه مرسل ،(1/19)
وخبرُ الآحادِ (1)؛بنقلِ عَدْلٍ تامِّ الضَّبْطِ ، مُتَّصِلَ السَّنَدِ ، غيرَ مُعَلَّلٍ ولا شاذٍّ : هو الصَّحيحُ لذاتِهِ ، وهذا أَوَّلُ تقسيمٍ مقبولٍ إِلى أربعةِ أَنواعٍ ؛ لأَنَّهُ إِمَّا أَنْ يشتَمِلَ مِن صفاتِ القَبولِ على أَعْلاها أَوْ لاَ :
الأوَّلُ: الصَّحيحُ لذاتِهِ .
والثَّاني : إِنْ وُجِدَ ما يَجْبُرُ ذلكَ القُصورَ ؛ ككثْرَةِ الطُّرُق ؛ فهُو الصَّحيحُ (( لذاته )) أَيضاً ، لكنْ لا لذاتِهِ .
وحيثُ لا جُبْرانَ ؛ فهُو الحسنُ لذاتِهِ .
وإِنْ قامَتْ قرينةٌ تُرَجِّحُ جانِبَ قَبولِ مَا يُتَوَقَّفُ فيهِ ؛ فهُو الحسنُ أيضاً ، [ لكنْ ] لا لذاتِهِ .
وقُدِّمَ الكَلامُ على الصَّحيحِ لذاتِهِ لعُلُوِّ رُتْبَتِهِ.
والمُرادُ بالعَدْلِ : مَنْ (( ما )) لهُ مَلَكَةٌ تَحْمِلُهُ على مُلازمةِ التَّقوى والمُروءةِ .
__________
(1) وهذا واضح فيه بيان تفصيل خبر الآحاد وإنه أقسام اربعة الصحيح لذاته والصحيح لغيره والحسن لذاته والحسن لغيره فإذا توافرت الشروط بأن كان من رواية العدل التام الضبط غير المعلل ولا الشاذ فهذا يقال له الصحيح لذاته وهذا هو أعلى مراتب الآحاد فإذا كان الضبط غير تام فيقال له الحسن لذاته كما سيأتي فإن كثرت الطرق لهذا الذي فيه نقص الضبط صار صحيحاً لغيره فإن كان بعض الضعف في بعض الرواة لكثرة الوهم انجبر بوجود طريق آخر فصار حسناً لغيره فإن كان معللاً بانقطاع أو شذوذ لم يكن صحيحاً ولا حسناً ولهذا قال المؤلف ( غير معلل ولا شاذ ) ، والشاذ هو ما خالف الثقة فيه من هو أوثق منه .
@ الاسئلة : زيادة الثقة الذي لم يخالف ممن هو أوثق منه هل تتعتبر من الشذوذ ؟
ليس شذوذاً فزيادة الثقة مقبولة ما لم يخالف من هو أوثق منه .
ب - حديث من جلس بعد الفجر ثم صلى ركعتين .... هل لا ينجبر ؟
هو من باب الحسن لغيره .
ج - أحاديث الصحيحين هل هي من أحاديث الصحيح لذاته أو لغيره ؟
فيها الصحيح لذاته والصحيح لغيره .(1/20)
والمُرادُ بالتَّقوى : اجْتِنابُ الأعمالِ السَّيِّئةِ مِن شِرْكٍ أَو فِسقٍ أَو بِدعةٍ .
والضَّبْطُ (( ضبطان )) :
ضَبْطُ صَدْرٍ : وهُو [ أَنْ ] يُثْبِتَ ما سَمِعَهُ بحيثُ يتمكَّنُ مِن استحضارِهِ مَتى شاء .
وضَبْطُ كِتابٍ : وهُو صيانَتُهُ لديهِ مُنذُ سمِعَ فيهِ وصحَّحَهُ إِلى أَنْ يُؤدِّيَ منهُ .
وقُيِّدَ بـ (( التَّامِّ )) إِشارةً إِلى الرُّتبةِ العُليا في ذلكَ .
والمُتَّصِلُ : ما سَلِمَ إِسنادُه مِن سُقوطٍ فيهِ ، بحيثُ يكونُ كُلٌّ مِن رجالِه سَمِعَ ذلكَ المَرْوِيَّ مِنْ شيخِهِ .
والسَّنَدُ : تقدَّمَ تعريفُهُ .
والمُعَلَّلُ لُغةً : ما فِيهِ عِلَّةٌ ، واصطِلاحاً : ما فيهِ عِلَّةٌ خَفِيَّةٌ قادِحةٌ .
والشَّاذُّ لُغةً : المُنفَرِدُ ، واصطِلاحًا : ما يُخالِفُ فيهِ الرَّاوي مَنْ هُو أَرْجَحُ منهُ . ولهُ تفسيرٌ آخرُ سيأْتي .
تنبيهٌ : قولُهُ : (( [ و ] خبرُ الآحادِ )) ؛ كالجِنْسِ ، وباقي قُيودِهِ كالفَصْلِ .
وقولُهُ : (( بِنَقْلِ عَدْلٍ )) ؛ احْتِرازٌعَمَّا يَنْقُلُهُ غيرُ العَدْلِ .
وقوله : (( هُو )) يسمَّى فَصْلاً يتَوَسَّطُ بينَ المُبتَدَإِ والخَبَرِ ، يُؤذِنُ بأَنَّ ما بَعْدَهُ خَبرٌ عَمَّا قَبْلَهُ ، وليسَ بِنَعْتٍ لهُ .
وقولُهُ : (( لذاته )) ؛ يُخْرِجُ ما يسمَّى صحيحاً بأَمرٍ خارِجٍ عنهُ ؛ كما تقدَّمَ(1/21)
وتتفاوَتُ (1)رُتَبُهُ ؛ أي : الصَّحيحُ ، بِ [سببِ ] تفاوُتِ هذهِ الأوْصافِ المُقْتَضِيَةِ للتَّصحيحِ في القُوَّةِ (2) ؛ فإِنَّها لمَّا كانَتْ مُفيدةً لغَلَبَةِ الظَّنِّ الَّذي عليهِ مَدارُ الصِّحَّةِ ؛ اقْتَضَتْ أَنْ يكونَ [ لها ] دَرجاتٌ بعضُها فَوْقَ بعضٍ بحَسَبِ الأمورِ المُقَوِّيةِ .
وإِذا كانَ كذلك فما يَكونُ رُواتُهُ في الدَّرجةِ العُليا مِن العدالَةِ والضَّبْطِ وسائِرِ الصِّفاتِ التي تُوجِبُ التَّرجيحَ (( له )) ؛ كانَ أَصحَّ ممَّا دونَهُ .
فَمِنَ المَرْتَبَةِ العُلْيا في ذلك ما أَطْلَقَ [ عليهِ ] بعضُ الأئمَّةِ أَنَّهُ أَصحُّ الأسانيدِ :
كالزُّهْريِّ عن سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ عن أَبيهِ .
وكمحمَّدٍ بنِ سيرينَ عن عَبيدةَ بنِ عَمْروٍ [ السَّلْمانِيِّ ] عَن عَليٍّ (( بن أبي طالب )) .
وكَإِبراهيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عن ابنِ مَسعودٍ .(3)
ودونَها في الرُّتبةِ : كرِوايةِ بُرَيْدِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ أَبي بُرْدَةَ عن جَدِّهِ عن أَبيهِ أَبي مُوسى (( الأشعري )) .
وكَحمَّادِ بنِ سَلَمَةَ عن ثابِتٍ (( البناني )) عَنْ أَنسٍ .
ودُونَها في الرُّتْبَةِ :
[ كسُهَيْلِ ] بنِ أَبي صالحٍ عَنْ أَبيهِ عن أَبي هُريرةَ .
وكالعَلاءِ بنِ عبدِ الرحمن عن أَبيهِ عن أَبي هُريرةَ .
__________
(1) فجر الأحد 18 / 10 / 1415 هـ )
(2) وهذا لا شك فيه أن الصحيح تتفاوت رتبه لتفاوت صفات الرواة فتارة تكون درجتهم في أعلى الدرجات لثقة الرواة وكمال ضبطهم ، وتارة تكون وسط وتارة تكون دون ذلك فهي متفاوتة على حسب حال الرواة مالك عن نافع عن ابن عمر ، مالك عن سمي عن أبي صالح عن أبي هريرة فالمقصود أن الأسانيد الصحيحة متفاوتة على حسب تفاوت الرجال في الضبط والإتقان .
(3) وكمالك عن نافع عن ابن عمر ونحوها .(1/22)
فإِنَّ الجَميعَ يشمَلُهُم [ اسمُ ] العَدالَةِ والضَّبْطِ ؛ إِلاَّ أَنَّ (( في )) للمَرْتَبَةِ الأولى (( فيهم )) مِن الصِّفاتِ المُرَجِّحَةِ ما يقتَضي تقديمَ روايتِهِم على الَّتي تَليها ، وفي الَّتي تليها مِنْ قوَّةِ الضَّبْطِ ما يقتَضي تقديمَها على الثَّالِثَةِ ، وهِي مُقدَّمةٌ على رِوايةِ مَن يُعَدُّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ حَسناً (1) ؛ كمحمَّد بنِ إِسحاقَ (2)عن عاصمِ بنِ عُمرَ (( بن قتادة )) عن جابرٍ ، و (( عن )) عمروِ بنِ شُعَيْبٍ عنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ .
وقِسْ على هذهِ المراتِبِ ما يُشبِهُها .
(( و )) المرتَبَةُ الأولي هِيَ الَّتي أَطلَقَ عليها بعضُ الأئمَّةِ أَنَّها أَصحُّ الأسانيدِ ، والمُعْتَمَدُ عدمُ الإِطلاقِ لترجَمةٍ معيَّنةٍ منها .
نعم ؛ يُستَفَادُ مِن مجموعِ ما أَطلقَ الأئمَّةُ عليهِ ذلك أَرجَحِيَّتُهُ على ما لَمْ يُطْلِقوهُ .
ويلْتَحِقُ بهذا التَّفاضُلِ ما اتَّفَقَ الشَّيخانِ على تَخريجِه بالنِّسبةِ إِلى ما انْفَرَدَ بِهِ أَحَدُهُما ، وما انْفَرَدَ بهِ البُخاريُّ بالنِّسبةِ إلى ما انْفَرَدَ بهِ مُسلمٌ ؛ لاتِّفاقِ العُلماءِ بعدِهِما على تلقِّي كِتابَيْهِما بالقَبولِ ، واختِلافِ بعضِهِم على أَيِّهِما أَرْجَحُ ، فما اتَّفقا عليهِ أَرجَحُ مِن هذهِ الحيثيَّةِ ممَّا لم يتَّفقا عليهِ .
وقد صرَّحَ الجمهورُ بتقديمِ (( صحيحِ البُخاريِّ )) في الصِّحَّةِ ، ولم يوجَدْ عنْ أحدٍ التَّصريحُ بنقيضِهِ .
__________
(1) وهذا واضح لأنه إذا خف الضبط انتقل من درجة الصحيح إلا درجة الحسن .
(2) فات المؤلف أن يقول محمد بن اسحاق عن عاصم إذا صرح ابن اسحاق بالسماع .(1/23)
وأَمّا ما نُقِلَ عَن أبي عليٍّ النَّيْسابوريِّ أَنَّهُ قالَ : ما تحتَ أَديمِ السَّماءِ أَصحُّ مِن كتابِ مُسلمٍ (1)؛ فلمْ يُصرِّحْ بكونِه أَصحَّ مِن صحيحِ البُخاريِّ ؛ لأَنَّهُ إِنَّما نَفَى وُجودَ كتابٍ أَصحَّ مِن كتابِ مسلم ؛ إِذ المَنْفِيُّ إِنَّما هُو ما تَقْتَضيهِ صيغَةُ أَفْعَلَ من زيادَةِ صحَّةٍ في كتابٍ شارَكَ كتابَ مُسلمٍ في الصِّحَّةِ ، يمتازُ بتلكَ الزِّيادَةِ عليه ، ولم يَنْفِ المُساواةَ .
وكذلكَ ما نُقِلَ عنْ بعضِ المَغارِبَةِ أَنَّهُ فَضَّلَ صحيحَ مُسلمٍ على صحيحِ البُخاريِّ ؛ فذلكَ فيما يرجِعُ إِلى حُسْنِ السِّياقِ وجَوْدَةِ الوَضْعِ والتَّرتِيبِ .
ولم يُفْصِحْ أَحدٌ منهُم بأَنَّ ذلكَ راجِعٌ إِلى الأصحِّيَّةِ ، ولو أَفْصَحوا به لردَّهُ عليهِمْ شاهِدُ الوُجودِ ، فالصِّفاتُ الَّتي تدورُ عليها الصِّحَّةُ في كتابِ البُخاريِّ أَتمُّ منها في كتابِ مسلمٍ وأَشَدُّ ، وشرطُهُ فيها أَقوى وأَسَدُّ.
أَمَّا رُجْحانُهُ مِن حيثُ الاتصالُ ؛ فلاشْتِراطِهِ أَنْ يكونَ الرَّاوِي قَدْ ثَبَتَ لهُ لِقاءُ مَنْ روى عنهُ ولو مَرَّةً ، واكْتَفى مُسْلِمٌ بمُطْلَقِ المُعاصَرَةِ ، وأَلْزَمَ البُخاريَّ بأَنَّهُ يحتاجُ [ إِلى ] أَنْ لا يقْبَلَ العَنْعَنَةَ أَصلاً !
__________
(1) كلام أبي علي غير مسلم والصواب ما تحت أديم السماء أصح من صحيح البخاري ثم مسلم هذا الذي عليه جمهور أهل العلم لكن مسلم امتاز بحسن السياق وجمع الأحاديث وضبط طرقها والبخاري تساهل في هذا يقطع الأحاديث ويفرقها على حسب الحاجة إليها ومسلم كانت له عناية بحسن السياق وجمع الأسانيد حتى يتضح للقاريء الحديث بطرقه كلها في موضع واحد .(1/24)
وما أَلْزَمَهُ بهِ ليسَ بلازِمٍ ؛ لأنَّ الرَّاويَ إِذا ثبتَ [ لهُ ] اللِّقاءُ مرَّةً ؛ لا يجْري في رواياتِهِ احْتِمالُ أَنْ لا يكونَ (( قد )) سمِعَ [ منهُ ] ؛ لأنَّهُ يلزمُ مِن جَريانِهِ أَنْ يكونَ مُدَلِّساً ، والمسأَلةُ مَفروضَةٌ في غير المُدَلِّسِ .
وأَمَّا رُجْحَانُهُ مِنْ حيثُ العَدالَةُ والضَّبْطُ ؛ فلأنَّ الرِّجالَ الَّذينَ تُكُلَِّمَ فيهِم مِن رجالِ مُسلِمٍ أَكثرُ عَدداً مِن الرِّجالِ الَّذينَ تُكُلِّمَ فيهِم مِن رجالِ البُخاريِّ ، معَ أَنَّ البُخارِيَّ لم يُكْثِرْ مِن إِخراجِ حَديثِهِمْ ، بل غالِبُهُمْ مِن شيوخِهِ الذينَ أَخَذَ عنهُم ومَارَسَ حَديثَهُم ، بخِلافِ مُسلمٍ في الأمْرَينِ .
وأَمَّا رُجْحانُهُ مِن حيثُ عدمُ الشُّذوذِ والإِعلالِ ؛ فلأنَّ ما انْتُقِدَ [ على البُخاريِّ مِن الأحاديثِ أَقلُّ عدداً مِمَّا انْتُقِدَ ] على مُسْلِمٍ ، هذا مع اتِّفاقِ العُلماءِ على أنَّ البُخاريَّ كانَ أَجلَّ مِن مُسْلِمٍ في العُلومِ وأَعْرَفَ بصِناعةِ الحَديثِ مِنهُ ، وأَنَّ مُسلماً تِلْميذهُ وخِرِّيجُهُ ، ولم يزَلْ يَسْتَفيدُ منهُ ويتَتَبَّعُ آثارَهُ حتَّى (( لقد )) قالَ الدَّارَقُطنِيُّ : لولا البُخاريُّ لَما راحَ مُسْلِمٌ ولا جَاءَ .(1)
ومن ثَمَّ ؛ أي : (( و )) من هذه الحيثيَّةِ – وهي أَرجحيَّةُ شَرْطِ البُخاريِّ على غيرِه – قُدِّمَ (( صحيحُ البُخاريِّ )) على غيرِه من الكُتُبِ المُصَنَّفةِ في الحديثِ .
ثمَّ صحيحُ مُسْلِمٍ ؛ لمُشارَكَتِه للبُخاريِّ في اتِّفاقِ العُلماءِ على تَلَقِّي كِتابِهِ بالقَبولِ أَيضاً ، سوى ما عُلِّلَ .
__________
(1) هذا من باب المبالغة وإلا فكلاهما إمام .(1/25)
ثمَّ يُقَدَّمُ في الأرجحيَّةِ من حيثُ الأصحِّيَّةُ ما وافَقَهُ شَرْطُهُما ؛ لأنَّ المُرادَ به رواتُهُما معَ باقي شُروطِ الصَّحيحِ ، ورواتُهما قد حَصَلَ الاتِّفاقُ على القَوْلِ بتَعديلِهِمْ بطريقِ اللُّزومِ ، فهم مُقَدَّمونَ على غيرِهم في رِواياتِهم ، وهذا أَصلٌ لا يُخْرَجُ عنهُ إِلاَّ بدليلٍ .
فإِنْ كانَ الخَبَرُ على شَرْطِهما معاً ؛ كانَ دونَ ما أَخرَجَهُ مسلمٌ أَو مثله .
وإِنْ كانَ على شَرْطِ أَحَدِهما ؛ فيُقَدَّمُ شَرْطُ البُخاريِّ وحْدَه على شرطِ مُسلمٍ وحدَه تَبَعاً لأصلِ كُلٍّ منهُما .
فخَرَجَ لنا مِن هذا سِتَّةُ أَقسامٍ تتفاوتُ دَرَجاتُها في الصِّحَّةِ .
وثَمَّةَ قسمٌ سابعٌ ، وهو ما ليسَ على شرطِهما اجتِماعاً وانْفراداً .(1)
وهذا التَّفاوتُ إِنَّما هو بالنَّظرِ إِلى الحيثيَّةِ المذكورةِ .
أَمَّا لو [ رُجِّحَ ] قِسْمٌ على ما (( هو )) فَوْقَهُ بأُمورٍ أُخرى تقتَضي التَّرْجيحَ ؛ فإِنَّهُ يُقَدَّمُ على ما فَوْقَهُ – إذ قَدْ يَعْرِضُ للمَفوقِ مَا يجعَلُهُ فائقاً – .
كما لو كان الحديثُ عندَ مُسلم [ مثلاً ] ، وهُو مشهورٌ قاصِرٌ عن دَرَجَةِ التَّواتُرِ ، لكنْ حَفَّتْهُ قرينةٌ صارَ بها يُفيدُ العِلْمَ ؛ فإِنَّه يُقَدَّمُ (( بها )) على الحديثِ الذي يُخْرِجُهُ البُخاريُّ إِذا كانَ فَرْداً مُطْلقاً .
__________
(1) وبهذا تكون إقسام الصحيح من هذه الحيثية سبعة ، الأول ما اتفق عليه الشيخان ، والثاني ما رواه البخاري والثالث ما رواه مسلم والرابع ما كان على شرطهما والخامس ما كان على شرط البخاري ثم السادس ما كان على شرط مسلم ثم السابع ما صححه أحد الإئمة وهو ليس على شرط واحد منهما كالذي يصححه الدارقطني وابن حزيمة وابن حبان وغيرهم ولا يكون فيه قادح .(1/26)
وكما لو كانَ الحَديثُ الَّذي لم يُخْرِجَاهُ مِن ترجمةٍ وُصِفَتْ بكونِها أَصَحَّ الأسانيدِ كمالِكٍ عن نافعٍ عن ابنِ عُمرَ ؛ فإِنه يُقَدَّمُ على ما انفرَدَ بهِ أَحدُهُما مثلاً ، لا سيَّما إِذا كانَ في إِسنادِهِ مَن فيهِ مَقالٌ .
فإِنْ خَفَّ الضَّبْطُ (1)؛ أي: قلَّ – يُقالُ : خَفَّ القومُ خُفوفاً : قَلُّوا – والمُرادُ معَ بقيَّةِ الشُّروطِ [ المُتقدِّمَةِ ] في حَدِّ الصَّحيحِ ؛ فهُو الحَسَنُ لذاتِهِ (2) (( لاشتهاره )) [ لا لِشيءٍ خارِجٍ ] ، وهُو الَّذي (( قد )) يكونُ حُسْنُهُ بسببِ الاعْتِضادِ ، نحوُ حديثِ المَسْتُورِ إِذا تعَدَّدَتْ طُرُقُه .
__________
(1) فجر الأحد 25 / 10 / 1415هـ ) بداية الشريط الثاني .
(2) يعني الشروط موجودة متصل السند غير معلل ولا شاذ والرواة عدول لكن ضبطهم دون الرواة في الحالة الأولى - الصحيح لذاته - فيسمى الحسن لذاته مثلوا لهذا مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ، ومحمد بن اسحاق إذا صرح بالسماع فضبط هؤلاء دون ضبط الأعمش وسفيان ونافع فيكون هؤلاء حديثهم من الحسن لذاته ومثل حماد بن سلمة عن ثابت عن أنس وأشباههم(1/27)
(1)
وخَرَجَ باشْتِراطِ باقي الأوْصافِ الضَّعيفُ .
وهذا القِسْمُ مِنَ الحَسَنِ مُشارِكٌ للصَّحيحِ في الاحتِجاجِ بهِ ، وإِنْ كانَ دُونَه ، ومشابِهٌ لهُ في انْقِسامِه إِلى مراتِبَ بعضُها فوقَ بعضٍ .(2)
وبِكثْرَةِ طُرُقِهِ يُصَحَّحُ(3) ؛ وإِنَّما يُحْكَمُ لهُ بالصِّحَّةِ عندَ تعدُّدِ الطُّرُقِ ؛ لأنَّ للصُّورةِ المجموعةِ قُوَّةً تَجْبُرُ القَدْرَ الَّذي قَصَّرَ (( الوصفين )) بهِ [ ضَبْطُ ] راوِي الحَسَنِ عن راوي الصَّحيحِ ، ومِن ثَمَّ تُطلَقُ [ الصِّحَّةُ ] على الإِسنادِ الَّذي يكونُ حسناً لذاتِه لو تفرَّدَ إِذا تَعَدَّدَ .
وهذا حيثُ ينفردُ الوصفُ .
__________
(1) هذا هو الحسن لغيره فالرواة فيهم مستور وهو مجهول الحال لكن تعددت طرقه يقال له الحسن لغيره وإذا تعدد الحسن لذاته صار صحيحاً لغيره فالأقسام أربعة : صحيح لذاته وصحيح لغيره وحسن لذاته وحسن لغيره فالصحيح لذاته ما تمت فيه الشروط المتقدمة رواية العدل عن العدل مع تمام الضبط مع اتصال السند غير معلل ولا شاذ ، فإن خف الضبط صار حسناً لذاته فإن تعددت طرق الحسن لذاته صار صحيحاً لغيره فإن كان ليس بضابط بل مستور ليس معروفاً بالعدالة والضبط ولكن تعددت الطرق فهذا يقال له الحسن لغيره رواه مستورون لكن مع الاتصال وعدم العلة فإذا كان طريقين فأكثر فهذا يقال الحسن لغيره مثل ابن حجر لذلك بأحاديث مد اليدين ورفعهما في الدعاء فقال إنه من باب الحسن لغيره ، ومثل له ابن كثير بحديث ( لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله ) فقال إن له طرقاً فيكون من باب الحسن لغيره .
(2) فهو مشارك للصحيح بالاحتجاج به وأنه درجات حسب قوة الضبط .
(3) فهذا الصحيح لغيره إذا كان من طريقين في رواته من هو موصوف من رواة الحسن لذاته(1/28)
فإِنْ جُمِعا ؛ أي : الصَّحيحُ والحسنُ في وصفِ [ حديثٍ ] واحدٍ ؛ كقولِ التِّرمذيِّ وغيرِه : [ حديثٌ ] حَسَنٌ صحيحٌ ؛ فللتَّرَدُّدِ الحاصلِ مِن المُجتهدِ في النَّاقِلِ ؛ هل اجتَمَعَتْ فيهِ شُروطُ الصِّحَّةِ أَو قَصَّرَ عَنْها ؟!
وهذا حَيْثُ يَحْصُلُ منهُ التَّفرُّدُ بتلكَ الرِّوايةِ .
وعُرِف بهذا جوابُ مَن اسْتَشْكَلَ الجَمْعَ بينَ الوصفينِ ، فقالَ : الحسنُ قاصرٌ عنِ الصَّحيحِ ، ففي الجمعِ بينَ الوَصفَيْنِ إِثباتٌ لذلك القُصورِ ونَفْيُه !
ومُحَصّلُ الجوابِ أَنَّ تردُّدَ أَئمَّةِ الحديثِ في حالِ ناقلِه اقْتَضى للمُجتهدِ أَنْ لا يصِفَهُ بأَحدِ الوَصفَينِ ، (( معيناً )) فيُقالُ فيهِ : حسنٌ ؛ باعتبارِ وَصْفِه عندَ [ قومٍ ] ، صحيحٌ باعتبارِ وصفِهِ عندَ قومٍ (( آخرين )).
وغايةُ ما فيهِ أَنَّه حَذَفَ [ منهُ ] حرفَ التردُّدِ ؛ لأنَّ حقَّهُ أَنْ يقولَ : حَسَنٌ أَو صحيحُ .(1)
وهذا كما حَذَفَ حَرْفَ العَطفِ مِن الَّذي (( يقول )) بَعْدَهُ .
وعلى هذا ؛ فما قيلَ فيهِ حَسَنٌ صحيحٌ ؛ دونَ ما قيلَ فيهِ : صَحيحٌ ؛ لأنَّ الجزمَ أَقوى مِن التَّردُّدِ ، [ وهذا حيثُ التفرُّدُ ] .
وإِلاَّ ؛ [ أَي ]: إِذا لم يَحْصُلِ التَّفرُّدُ ؛ فإِطلاقُ الوَصفَيْنِ معاً على الحديثِ يكونُ باعْتِبارِ إِسنَادَيْنِ ، أحدُهُما صحيحٌ ، والآخرُ حسنٌ .
__________
(1) وهذا يقوله الترمذي كثيراً ( حسن صحيح ) فيحمل على أنه حسن من طريق وصحيح من طريق آخر أو على الشك فيقول ( حسن أو صحيح ) فأو على الشك هل تم الضبط أو خف الضبط لأنه يقوله في بعض الأحاديث وليس لها إلا طريق واحد فيحمل على معنى الشك هل هو حسن أو صحيح ، وأما إذا كان له طرق فالمعنى أنه حسن لتعدد طرقه صحيح لاشتماله على الشروط . ( تراجع لعله للعكس )(1/29)
وعلى هذا ؛ فما قيلَ فيهِ : حسنٌ صحيحٌ ؛ فوقَ ما قيلَ فيهِ : صحيحٌ ؛ [ فقطْ ] إذا كانَ فَرْداً ؛ لأنَّ كثرةَ الطُّرقِ تُقَوِّي .(1)
فإِنْ قيلَ : قدْ صَرَّحَ التِّرمِذيُّ بأَنَّ شَرْطَ الحَسَنِ أَنْ يُرْوى مِن غيرِ وجْهٍ ، فكيفَ يقولُ في بعضِ الأحاديثِ : حسنٌ غَريبٌ لا نعرِفُه إِلاَّ مِن هذا الوجهِ ؟!
فالجوابُ : أَنَّ التِّرمذيَّ لم يُعَرِّفِ الحَسَنَ المُطْلَقَ ، وإِنَّما عَرَّفَ بنوع خاصٍّ منهُ وقعَ في كتابِه ، وهُو ما يقولُ فيهِ : (( حسن )) ؛ من غيرِ صفةٍ أُخرى ، وذلك أَنَّهُ يقولُ في بعضِ الأحاديثِ : (( حسنٌ )) ، وفي بعضِها : (( صحيحٌ )) ، وفي بعضِها : (( غريبٌ )) ، وفي بعضِها : (( حسنٌ صحيحٌ )) ، وفي بعضِها : (( حسنٌ غَريبٌ )) ، وفي بعضِها : (( صحيحٌ غريبٌ )) ، [ وفي بعضِها : [ (( حسنٌ صحيحٌ غريبٌ )) ].
وتعريفُه إِنَّما (( هو )) [ وقعَ ] على الأوَّلِ فقطْ ، وعبارتُه تُرشِدُ إِلى ذلك ، حيثُ قال في آخِرِ كتابِه : وما قُلْنا في كتابِنا : (( حديثٌ [ حسنٌ ] )) ؛ فإِنَّما أَرَدْنا بهِ حَسَنٌ إِسنادِهِ عندَنا ، [ إِذْ ] كُلُّ حديثٍ يُرْوي (( و )) لا يكونُ راويهِ مُتَّهَماً بكَذِبٍ ، ويُروي مِن غيرِ وجْهٍ نحو ذلك ، ولا يكونُ شاذّاً ؛ فهو عندَنا حديثٌ حسنٌ .(2)
__________
(1) وهذا واضح لأن ما جاء من طريقين أحدهما حسن والآخر صحيح أقوى مما يقال فيه صحيح فقط لأن الصحيح فقط ما جاء باسناد واحد وما جاء باسنادين أحدهما صحيح والآخر حسن يكون أقوى لكثرة الطرق .
(2) يعني بهذه الشروط الثلاثة : من غير وجه ، ولا يكون روايه متهم بالكذب ولا شاذ فهذا يسميه حسناً ومعناه الحسن لغيره أي القسم الرابع فهذا هو الذي عرفه أما ما يقول فيه حسن صحيح أو حسن غريب أوصحيح غريب فهذا لم يعرفه فيعرف من أدلة أخرى(1/30)
فعُرِف بهذا أَنَّهُ إِنَّما عَرَّفَ الَّذي يقولُ فيه : (( حَسنٌ )) فقطْ ، أَمَّا ما يقولُ فيهِ : (( حسنٌ صحيحٌ )) ، أو : (( حسنٌ غريبٌ )) ، أو : (( حسنٌ صحيحٌ غريبٌ )) ؛ فلم يُعَرِّجْ على تعريفِه ؛كما لم يُعَرِّجْ على تعريفِ ما يقولُ فيهِ : (( صحيحٌ )) فقط ، أو : (( غريبٌ )) فقط .
وكأنَّهُ تَرَكَ ذلك اسْتِغناءً بشُهرَتِه عندَ أَهلِ الفنِّ ، واقْتصرَ على تعريفِ ما يقولُ فيهِ في كتابهِ : (( حسنٌ )) فقط ؛ إِمَّا لغُموضِهِ ، وإِمَّا لأنَّهُ اصطِلاحٌ جديدٌ ، ولذلك قيَّدَهُ بقولِه : (( عندنا )) ، ولم ينْسِبْهُ إِلى أَهلِ الحديثِ كما فعل الخَطَّابيُّ .
وبهذا التَّقريرِ يندفعُ كثيرٌ مِن الإِيراداتِ التي طالَ البحثُ فيها ولمْ يُسْفِرْ وجْهُ توجيهِها ، فللهِ الحمدُ على ما أَلهَم وعَلَّمَ .
( وزِيادةُ راويهِما ؛ أي: الصَّحيحِ والحَسنِ ؛ مقبولةٌ ؛ مَا لمْ تَقَعْ مُنافِيَةً لِروايةِ مَنْ هُو أَوْثَقُ ) (1)
ممَّن لم يَذْكُرْ تلك الزِّيادةِ :
[ لأنَّ الزِّيادةَ ]: إِمَّا [ أَنْ ] تكونَ لا تَنافِيَ بينَها وبينَ روايةِ مَن لم يَذْكُرْها ؛ فهذه تُقْبَلُ مُطْلقاً ؛ لأنَّها في حُكْمِ الحديثِ المُستقلِّ الذي ينفرِدُ بهِ الثِّقةُ ولا يَرويه عن شيخِهِ غيرُه.
__________
(1) فجر الأحد 2 / 11 / 1415 هـ(1/31)
وإِمَّا أَنْ تكونَ مُنافِيةً بحيثُ يلزمُ مِن قبولِها رَدُّ الرِّوايةِ الأخرى ، فهذه (( هي )) التي يَقَعُ التَّرجيحُ بينها وبينَ معارِضِها ، [ فيُقْبَلُ الرَّاجحُ ] ويُرَدُّ المرجوحُ.(1)
__________
(1) زيادة رواي الصحيح والحسن مقبولة ما لم تقع منافية لمن أوثق ، منافية يعني لا تجتمع معها ، أما إذا كانت لا تنافي فهي مقبولة فإذا روى الثقة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم رواه آخر وزاد عليه جملة أمر الله بها أو نهى عنها فلا بأس لا تكون منافية ، كما روى راوي النهي عن صيام يومي العيدين وزاد آخر فيه النهي عن لبستين أو بيعتين فلا ينافي هذا هذا فهذا شيء وهذا شيء فالزيادة التي لا تنافي تقبل أما إذا كانت تنافيها لا تجتمع مع ما رواه الأوثق فإنها تكون شاذة لا تقبل كأن الثقة عن مالك عن نافع عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بكذا أو فعل ، فيأتي آخر أضعف من نافع فيروي عن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن رواه نافع عن ابن عمر أنه أمر به فهذه لا تقبل لأنها مخالفة للأوثق فلا يجتمعان هذا يقول أمر وهذا يقول نهى .
@ الاسئلة : أ - إذا خالف الثقة الثقات وليس من هو أوثق منه ؟ يطلب الترجيح من طرق أخرى، أما هذا صرح بالسماع أو لم يصرح بالسماع أو هذا له شواهد وهذا ليس له شواهد فيرجح من طرق أخرى .
ب - رواية الزبير في حديث وضع الرجل بين الفخذ والساق أثناء التورك ذكرت أنها شاذة ؟ نعم هذه الرواية شاذة لأنها مخالفة للأحاديث الصحيحة من حديث عائشة وأبي حميد كلهم ذكروا أنه يتورك في الأخيرة ويفترش في الوسطى ولا يجعل رجله بينهما ، والظاهر أنه غلط من بعض الرواة .
ج - من قال أنها صفة جديدة للتورك ؟ لا صفة مؤذية غير مستقيمة تؤذي الجالس .(1/32)
واشْتُهِرَ عَنْ جَمْعٍ مِن العُلماءِ القَوْلُ بقَبولِ الزِّيادةِ مُطْلقاً مِن غيرِ تفصيلٍ (1)، ولا يَتَأَتَّى ذلك على طريقِ المُحَدِّثينَ الَّذينَ يشتَرِطونَ في الصَّحيحِ أَنْ لا يكونَ شاذّاً ، ثمَّ يفسِّرونَ الشُّذوذَ بمُخالَفةِ الثِّقةِ مَن هو أَوثقُ منهُ .
والعَجَبُ مِمَّنْ أَغفلَ ذلك منهُم معَ اعْتِرافِه باشْتِراطِ انْتفاءِ الشُّذوذِ في [ حدِّ ] [ الحديثِ ] الصَّحيحِ ، وكذا الحَسنِ (2)
والمَنقولُ عن أَئمَّةِ الحَديثِ المُتَقَدِّمينَ كعبدِ الرحمنِ [ بنِ ] مَهْدي ، ويحيى القَطَّانِ ، وأَحمدَ بنِ حنبلٍ ، ويحيى بنِ مَعينٍ ، وعليِّ بنِ المَدينيِّ ، والبُخاريِّ ، وأَبي زُرْعةَ (( الرازي )) ، وأَبي حاتمٍ ، والنَّسائيِّ ، والدَّارقطنيِّ وغيرِهم – اعتبارُ التَّرجيحِ فيما يتعلَّقُ بالزِّيادةِ وغيرها ، ولا يُعْرَفُ عن أَحدٍ منهُم إِطلاقُ قَبولِ الزِّيادةِ .
وأَعْجَبُ مِن ذلك إِطلاقُ كثيرٍ مِن الشَّافعيَّةِ القَوْلَ بقَبولِ زِيادةِ الثِّقةِ ، معَ أَنَّ نصَّ الشافعيِّ يدلُّ على غيرِ ذلك ؛ فإِنَّهُ قالَ في أَثناءِ كلامِه على ما يُعْتَبَرُ [ بهِ ] حالُ الرَّاوي في الضَّبْطِ ما نَصُّهُ : (( ويكونُ إِذا أشْرَك أَحداً مِن الحُفَّاظِ لم يُخالِفْهُ ، فإِنْ خالَفَهُ فوُجِدَ حديثُهُ أَنْقَصَ كانَ في ذلك دليلٌ [ على ] صحَّةِ مَخْرَجِ حديثِهِ ، ومتى خالَفَ ما وَصَفْتُ أَضرَّ ذلك بحديثِهِ )) [ انتهى كلامه ] .
__________
(1) وهذا تساهل إطلاق قبول الزيادة فلا بد من التقييد زيادة مقبولة ما لم تكن منافية لمن هو أوثق وما لم تكن أيضاً مخالفة لمن هو أوثق فإن كانت منافية ردت وإن مخالفة شاذة ردت .
(2) بعض الناس قد يتكلم ويجعل بعض الشروط وقد تقدم أن من شرط الصحيح أن لا يكون شاذاً ولا يكون معلولاً فإذا شذ خرج عن مرتبة الصحيح .(1/33)
ومُقتَضاهُ أَنَّهُ إِذا خَالَفَ فوُجِدَ حديثُهُ [ أَزْيَدَ] (( من )) أَضرَّ ذلك بحديثِه ، فدلَّ على أَنَّ زيادةَ العَدْلِ عندَه لا يلزَمُ قَبولُها مُطْلقاً ، وإِنَّما تُقْبَلُ مِن الحافِظِ ؛ فإِنَّهُ اعْتَبَرَ أَنْ يكونَ حديثُ هذا المُخالِفِ أَنْقَصَ مِن حديثِ مَن خالَفَهُ مِن الحُفَّاظِ ، وجَعَلَ نُقصانَ هذا الرَّاوي مِن الحديثِ دليلاً على صحَّتِه ؛ لأنَّه لا يَدُلُّ على تَحَرِّيهِ ، وجَعَلَ ما عَدا ذلك مُضِرّاً بحديثِه ، فدَخَلَتْ فيهِ الزِّيادةُ ، فلو كانتْ [ عندَه ] مقبولةً مُطْلقاً ؛ لم تكنْ مُضِرَّةً [ بحديثِ] صاحِبِها ، [ واللهُ أَعلمُ ].
فإِنْ خُولِفَ – [ [ أي ] الراوي ]– بأرْجَحَ منهُ ؛ لمزيدِ ضَبْطٍ [ أَوْ كثرةِ ] عدَدٍ أَو غيرِ ذلك مِن وُجوهِ التَّرجيحاتِ ؛ فالرَّاجِحُ يقالُ لهُ : المَحْفوظُ . ومُقابِلُهُ – وهو المرجوحُ – يُقالُ لهُ : الشَّاذُّ .
مثالُ ذلك : ما رواهُ التِّرمذيُّ والنَّسائيُّ وابنُ ماجَة مِن طريقِ [ ابنِ ] عُيَيْنَةَ عن عَمْرو [ بنِ ] دينارٍ عن عَوْسَجة ، عن ابنِ عباسٍ [ – رضي الله عنهما: أَنَّ رجُلاً تُوُفِّي في عهدِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ ، ولم يَدَعْ وارِثاً إِلاَّ مولىً هو أَعتقَهُ .... الحديثَ .
وتابَعَ ابنَ عُيَيْنَةَ على وَصْلِهِ ابنُ جُريجٍ وغيرُه .
وخالفَهُم حمَّادُ بنُ زَيْدٍ ، فرواهُ عَنْ عَمْرو بنِ دينارٍ عَن عَوْسَجَةَ ولم يَذْكُرِ (( حديث )) ابنَ عباسٍ .
قال أبو حاتمٍ : المَحفوظُ حديثُ ابنِ عُيَيْنَةَ . أهـ كلامُه.
فحمَّادُ بنُ زيدٍ مِن أَهلِ العدالةِ والضَّبطِ ، ومعَ ذلك رجَّحَ أبو حاتمٍ روايةَ مَن هُم أَكثرُ عدداً منهُ .(1)
وعُرِفَ مِن هذا التَّقريرِ أَنَّ : الشَّاذَّ : ما رواهُ المقْبولُ مُخالِفاً لِمَنْ هُو أَوْلَى مِنهُ .
__________
(1) لأن العدد إذا كانوا ثقات أوثق من الواحد وعندهم زيادة فتقبل .(1/34)
وهذا هُو المُعْتَمَدُ في تعريفِ الشاذِّ بحَسَبِ الاصْطِلاحِ .
وَإِنْ وَقَعَتِ المُخالفةُ [ لهُ ] معَ الضَّعْفِ ؛ فالرَّاجِحُ يُقالُ لهُ : [ المَعْروفُ ] ، ومُقابِلُهُ يُقالُ [ لهُ ]: المُنْكَرُ .
مثالُه : ما رواهُ ابنُ أَبي حاتمٍ مِن [ طريقِ ] حُبَيِّبِ بنِ حَبيبٍ – وهو أَخو حَمزَةَ بنِ [ حَبيبٍ ] الزَّيَّاتِ المُقرئِ– عن أَبي إِسحاقَ عن العَيْزارِ بنِ حُريثٍ عن ابنِ عبَّاسٍ (( رضي الله عنهما )) عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ قالَ : (( مَن أَقامَ الصَّلاةَ وآتى الزَّكاةَ وحَجَّ [ البيتَ ] وصامَ وقَرَى الضَّيْفَ ؛ دَخَلَ الجنَّةَ )) .
قالَ أَبو حاتمٍ : (( و )) هُو مُنْكَرٌ ؛ لأَنَّ غيرَه مِن الثِّقاتِ رواهُ عن أَبي إِسحاقَ مَوقوفاً ، وهُو المَعروفُ .
وعُرِفَ بهذا أَنَّ بينَ الشَّاذِّ والمُنْكَرِ [ عُموماً وخُصوصاً مِن وَجْهٍ ؛ لأنَّ بينَهُما ] اجْتِماعاً في اشْتِراطِ المُخالفَةِ ، وافْتراقاً في أَنَّ الشَّاذَّ راويهِ ثقةٌ أو صدوقٌ ، والمُنْكَرَ رَاويهِ ضعيفٌ .
وقد غَفَلَ مَن سَوَّى بينَهُما ، واللهُ أَعلمُ . وَما تقدَّم ذِكرُه مِن الفَرْدِ النِّسْبِيِّ ؛ إِنْ وُجِدَ – بعدَ ظَنِّ كونِه فَرْداً – [ قد ] وافَقَهُ غيرُهُ ؛ فهُو المُتابِعُ ؛ بكسرِ [ الباءِ ] الموحَّدةِ (1)
__________
(1) يعني إذا كان المخالف ضعيفاً تسمى روايته منكرة وإذا كان المخالف ثقة وخالف من هو أوثق تسمى شاذاً فاجتمعا في المخالفة وافترقا في التسمية .(1/35)
(1)والمُتابَعَةُ على مراتِبَ :(2)
[ لأنَّها ] إِنْ حَصَلَتْ للرَّاوي نفسِهِ ؛ فهِي التَّامَّةُ.
وإِنْ حَصَلَتْ لشيخِهِ فمَنْ فوقَهُ ؛ فهِيَ القاصِرةُ .
ويُستفادُ منها التَّقويةُ .
مِثالُ المُتابعةِ (( التامة )): ما رواهُ الشَّافعيُّ في (( الأمِّ )) عن مالِكٍ عن عبدِ اللهِ بنِ دينارٍ عن ابنِ عُمرَ أَنَّ رسولَ الله صلى الله [ تعالى ] عليه [ وآله ] وسلم قالَ : (( الشَّهْرُ تِسْعٌ وعِشرون ، فلا تَصوموا حتَّى تَروُا الهِلالَ ، ولا تُفْطِروا حتَّى تَرَوْهُ ، فإِنْ غُمَّ عليكم ؛ فأَكْمِلوا العِدَّةَ ثلاثينَ )) .
فهذا الحديثُ بهذا اللَّفظِ ظَنَّ قومٌ أَنَّ الشافعيَّ (( رحمه الله تعالى )) تفرَّدَ بهِ عن مالِكٍ ، فعَدُّوهُ في غرائِبِه ؛ لأنَّ أَصحابَ مالِكٍ روَوْهُ عنهُ بهذا الإِسنادِ ، [ و ] بلفظِ : (( فإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمُ فاقْدُروا لهُ )) !
لكِنْ وجَدْنا للشَّافعيَّ مُتابِعاً ، وهو عبدُ اللهِ بنُ مَسْلَمَةَ القَعْنَبِيُّ ، كذلك أَخرجَهُ البُخاريُّ عنهُ عن مالكٍ .
فهَذهِ متابَعةٌ تامَّةٌ .(3)
__________
(1) فجر الأحد 16 / 11 / 1415 هـ
(2) الفرد النسبي الذي يكون فرداً بالنسبة إلى شيخ من الشيوخ كمالك وشعبة فإذا وافقه غيره يسمى متابعاً فإن من طريق صحابي آخر يسمى شاهداً ، فالحديث الذي يرويه مثلاً عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وله طرق ترجع إلى مالك ثم يأتي آخر يرويه عن غير مالك فهذا يكون متابع ، فإن جاء آخر يروي الحديث عن غير عمر عن ابن عمر أو أبي سعيد فهذا شاهد .
(3) لأن عبد الله بن مسلمة القعنبي رواه عن مالك فتابع الشافعي في روايته عن مالك .(1/36)
ووَجَدْنا لهُ أَيضاً مُتابَعَةٌ قاصرةً في (( صحيحِ ابنِ خُزَيْمةَ )) مِن روايةِ عاصمِ بنِ محمَّدٍ عن أبيهِ [ محمَّدِ ] بنِ زيدٍ عن جدِّهِ عبدِ اللهِ بنِ عُمرَ بلفظِ : (( فكَمِّلوا ثلاثينَ )) .(1)
وفي (( صحيحِ مسلمٍ )) من روايةِ عُبيدِ اللهِ بنِ عُمرَ عن نافعٍ عن ابنِ عُمرَ بلفظ : (( فاقْدُروا ثلاثينَ )) .
ولا اقْتِصارَ في هذه المُتابعةِ – سواءٌ كانتْ تامَّةً أَم قاصرةً – على اللَّفْظِ ، [ بل ] لو جاءَتْ بالمعنى ؛ لكَفَتْ ، لكنَّها مختَصَّةٌ بكونِها مِن روايةِ ذلك الصَّحابيِّ .(2)
وإِنْ وُجِدَ مَتْنٌ يُروى مِن حديثِ صحابيٍّ آخَرَ يُشْبِهُهُ في اللَّفظِ والمعنى ، أَو في المعنى فقطْ ؛ فهُو الشَّاهِدُ .
ومثالُه في الحديثِ الَّذي قدَّمناهُ ما رواهُ النَّسائيُّ مِن روايةِ محمَّدِ بنِ حُنَينٍ عن ابن عبَّاسِ (( رضي الله عنهما )) عن النبي صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ ، فذَكَرَ مثلَ حديثِ عبد اللهِ بنِ دينارٍ عنِ ابنِ عُمرَ سواءً .
فهذا باللَّفظِ .(3)
وأَمَّا بالمَعْنى ؛ فهو ما رواهُ البُخاريُّ مِن روايةِ محمَّدِ بنِ زيادٍ عن أَبي هُريرةَ بلفظ : (( فإِنْ غُمَّ عليكُمْ فأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبانَ ثلاثينَ ))
__________
(1) فهذا متابعة قاصرة لأنها ليست متابعة للشافعي بل متابعة لشيخ مالك . والمهم في هذا أن يكون المتابع ثقة حتى يقوى السند وتقوى الرواية ، أما المتابعة الضعيفة فأمرها سهل ، لكن يستفيد العلماء من هذا إذا كان المتابع ثقة صار الحديث له طريقان من طريق فلان ومن طريق فلان فيكون ذلك أقوى وأثبت .
(2) يعنى المتابعة تارة تكون باللفظ وتارة تكون بالمعنى والمتابعة إذا جاءت ولو بالمعنى قوت الرواية .
(3) فهو شاهد لأنه رواه ابن عباس وذاك رواه ابن عمر .(1/37)
وخَصَّ قومٌ المُتابعةَ بما حَصَلَ [ باللَّفظِ ، سواءٌ كانَ مِن روايةِ ذلك الصَّحابيِّ أَم لا ، والشاهدَ بما حصلَ ] بالمَعنى كذلك .(1)
وقد تُطْلَقُ المُتابعةُ على الشَّاهدِ وبالعكسِ ، والأمرُ [ فيهِ ] سَهْلٌ .(2)
وَاعْلمْ أَنَّ تَتَبُّعَ الطُّرُقِ مِن الجوامعِ والمسانيدِ والأجزاءِ لذلك الحديثِ الذي يُظنُّ أَنَّه فردٌ لِيُعْلَمَ هلْ لهُ متابِعٌ أَم لا هُو : الاعتبارُ .
وقولُ ابنِ الصَّلاحِ : (( معرفةُ الاعتبارِ والمتابعاتِ والشَّواهِدِ )) قد يوهِمُ أَنَّ الاعتبارَ قَسيمٌ لهُما ، وليسَ كذلك ، بل هُو هيئةُ التوصُّلِ إِليهِما .(3)
وجَميعُ ما تقدَّمَ مِن أَقسامِ المَقبولِ تَحْصُلُ فائدةُ تقسيمِهِ باعتبارِ مَراتِبِهِ عندَ المُعارضةِ، واللهُ أَعلمُ.(4)
__________
(1) والصواب الأول
(2) يعنى يتسامحون في ذلك فيتسامح الشيخ أو الراوي في هذا ولكن عند التحقيق المتابع الذي يتابع الراوي في حديث واحد والشاهد الذي يتابعه في المعنى من طريق صحابي آخر .
(3) مثل ما قال المؤلف ابن الصلاح تسامح فقال ( معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد ) فقد يوهم أن الاعتبار غيرهما والتحقيق أن الاعتبار هو التتبع وليس قسماً مستقلاً وإنما هوالهيئة والطريق إلى معرفة الشواهد والمتابعات يسمى اعتبارً وتتبعاً للطرق .
(4) إنما يحتاج لهذا عند المعارضة حتى يعرف أيهما أقوى وأيهما أثبت عند التعارض حتى يعرف الصحيح من الضعيف والمحفوظ من الشاذ والناسخ من المنسوخ حتى يتميز لطالب العلم منزلة الحديث عند المعارضات .(1/38)
ثمَّ المَقبولُ(1) ينقسِمُ [ أَيضاً ] إلى مَعمولٍ بهِ وغيرِ مَعْمولٍ بهِ ؛ لأنَّهُ إِنْ سَلِمَ مِنَ المُعارَضَةِ ؛ أَي :لم يَأْتِ خبرٌ يُضادُّهُ ، فهُوَ المُحْكَمُ ، وأَمثلتُه كثيرةٌ .
وإِنْ عُورِضَ ؛ فلا يَخْلو إِمَّا أَنْ يكونَ مُعارِضُةُ مقبولاً مثلَه ، أَو يكونَ مَردوداً ، فالثَّاني لا أَثرَ [ لهُ ] ؛ لأنَّ القويَّ لا تُؤثِّرُ فيهِ مُخالفةُ الضَّعيفِ .
__________
(1) وهذا بحث مهم فالمقبول من الحديث وهو ما ثبت سنده ويحتج به له أقسام تارة يكون محكم وتارة يكون غير ذلك وتارة يكون منسوخ وتارة يكون ناسخ وتارة يحصل التوقف على أحوال المتون والأسانيد فالمقبول إن سلم من المعارضة يسمى المحكم ولو كان المعارض ضعيفاً لا يلتفت إليه ويطرح الضعيف ويسمى الحديث محكماً لأنه لم يعارض بحديث يؤثر عليه مثل حديث ( إنما الأعمال بالنيات ) وحديث ( البيعان بالخيار ) وأحاديث كثيرة ، وتارة يعارض بمثله يعارض بحديث قوي فهذا فيه التفصيل إن إمكن الجمع يسمى مختلف الحديث فيجمع بينهما بما يراه العالم كأن يحمل المطلق على المقيد والعام على الخاص فيزول الإعتراض مثل حديث ( لا عدوى ولا طيرة ) وحديث ( فر من المجذوم فرارك من الأسد ) فالجمع بينهما ممكن وليس هناك نسخ ، فتحمل ( لا عدوى ولا طيرة ) يعنى لا تعدي بطبعها ولكن قد يجعل الله عز وجل الخلطة سبباً كما قال ابن الصلاح وغيره وهذا أرجح فقوله ( لا عدوى ) يعنى لا تعدي بطبعها ، وقوله ( فر من المجذوم ) يعنى لا تتعاطى الأسباب الجالبة للعدوى قال صلى الله عليه وسلم ( لا يورد ممرض على مصح ) من باب توقي الأسباب الضارة ، فالعدوى ليست لازمة ولكن أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالأسباب التي والبعد عن الاشياء التي قد جرت العادة أنها تعدي أخذاً بالأسباب والبعد عن الخطر .
فإن لم يتيسر الجمع فينظر في أمر ثالث وهو النسخ يكون المتأخر ناسخاً للمتقدم(1/39)
وإِنْ كانتِ المُعارضةُ بِمِثْلِهِ فلا يخلو إِمَّا أَنْ يُمْكِنَ الجَمْعُ [ بين ] مدلولَيْهِما بغيرِ تَعَسُّفٍ أَوْ لاَ:
فإِنْ أَمْكَنَ الجَمْعُ ؛ فهو النَّوعُ المُسمَّى مُخْتَلِفَ الحَديثِ ، [ و ] مثَّلَ لهُ ابنُ الصَّلاحِ بحديثِ : (( لا عَدْوى ولا طِيَرَةَ ، [ ولا هامَّةَ ، ولا صَفَر ، ولا غُول ])) مع حديث : (( فِرَّ مِنَ المَجذومِ فِرارَكَ مِن الأسَدِ )) .
وكلاهُما في الصَّحيحِ ، وظاهِرُهما التَّعارُضُ !
ووجْهُ الجمعِ بينَهُما أَنَّ هذهِ الأمراضَ لا تُعْدي بطبْعِها ، لكنَّ الله [ سبحانَه و ] تعالى جَعَلَ مُخالطةَ المريضِ بها للصَّحيحِ سبباً لإعدائِهِ مَرَضَه .
ثمَّ قد يتخلَّفُ ذلك عن سبَبِه كما في غيرِهِ من الأسبابِ ، كذا جَمَعَ بينَهما ابنُ الصَّلاحِ تَبعاً لغيرِه !
والأَوْلى في الجَمْعِ بينَهُما أَنْ يُقالَ : إِنَّ نَفْيَهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ للعَْدوى باقٍ على عُمومِهِ ، وقد صحَّ قوله صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ : (( لا يُعْدِى شيءٌ شيئاً )) ، وقولُه صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ لِمَن عارَضَهُ : بأَنَّ البَعيرَ الأجْرَبَ يكونُ في الإِبلِ الصَّحيحةِ ، فيُخالِطُها ، فتَجْرَبُ ، حيثُ ردَّ عليهِ بقولِه : (( فمَنْ أَعْدى الأوَّلَ ؟ )) ؛ يعني : أَنَّ الله [ سبحانَه و ] تعالى ابتَدَأَ ذلك في الثَّاني كما (( في )) ابْتَدَأَفي الأوَّلِ .
وأَمَّا الأمرُ بالفِرارِ مِن المَجْذومِ فمِن بابِ سدِّ الذَّرائعِ ؛ لئلاَّ يَتَّفِقَ للشَّخْصِ الذي يخُالِطُه شيءٌ مِن ذلك بتقديرِ اللهِ (( سبحانه و )) تعالى ابتداءً لا بالعَدْوى المَنْفِيَّة ، فيَظُنَّأَنَّ ذلك بسببِ مُخالطتِه فيعتقدَ صِحَّةَ العَدْوى ، فيقعَ في الحَرَجِ ، فأَمَرَ بتجنُّبِه حسْماً للمادَّةِ ، [ والله أعلم ](1/40)
وقد صنَّفَ في هذا النَّوعِ [ الإِمامُ ] الشافعيُّ كتابَ (( اختِلافِ الحديثِ )) ، لكنَّهُ لم يَقْصِدِ استيعابَه .
و [ قد ] صنَّفَ فيهِ بعدَهُ ابنُ قُتيبةَ والطَّحاويُّ وغيرُهما .
وإِنْ لم يُمْكِنِ الجمعُ ؛ فلا يخْلو إِمَّا أَنْ يُعْرَفَ التَّاريخُ أوْ لاَ :
فإِنْ عُرِفَ وَثَبَتَ المُتَأَخِّرُ [ بهِ ] ، أَو بأَصرحَ منهُ ؛ فهو النَّاسِخُ ، والآخَرُ المَنْسُوخُ .
والنَّسْخُ : رفْعُ تعلُّقِ حُكمٍ شرعيٍّ بدليلٍ شرعيٍّ متأَخِّرٍ عنهُ .
والنَّاسخُ : ما يدلُّ [ على ] الرَّفعِ المذكورِ .
وتسميتُهُ ناسِخاً مجازٌ ؛ لأنَّ النَّاسخَ في الحقيقةِ هو اللهُ تعالى .
ويُعْرَفُ النَّسخُ بأُمورٍ :
أَصرحُها : ما ورَدَ في النَّصِّ كحديثِ بُريدَةَ في (( صحيحِ مسلمٍ )) : (( كُنْتُ نَهَيْتُكُم عن زِيارةِ القُبورِ (( ألا )) فزُوروها ؛ فإِنَّها تُذَكِّرُ الآخِرَةَ ))
ومِنها ما يجزِمُ الصَّحابيّ ُبأَنَّه متأَخِّرٌ كقولِ جابرٍ : (( كانَ آخِرَ الأَمْرَيْنِ مِن رسولِ الله صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ تَرْكُ الوُضوءِ مِمَّا مَسَّتِ النَّارُ )) أَخرَجَهُ أَصحابُ السُّننِ .(1)
ومِنْها ما يُعْرَفُ بالتَّاريخِ ، [ وهُو كَثيرٌ ]
__________
(1) أما الأول فهو نسخ واضح فقوله ( فزوروها ) نسخ للنهي ، وأما الأخير ( ترك الوضوء مما مست النار ) فليس صريحاً في النسخ ولهذا قال المحققون من أهل العلم إنه يدل على عدم الوجوب وأن قوله صلى الله عليه وسلم ( تؤضوا مما مست النار ) ليس على الوجوب بل على الاستحباب ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أكل لحماً ثم صلى ولم يتوضأ فدل على أنه لا يجب الوضوء بل يستحب وقال آخرون بل نسخ لقوله ( كان آخر الأمرين .. ) وهذا الصواب لا يدل على النسخ بل يدل على الجواز . من توضأ فهو أفضل ومن ترك فلا حرج لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعل هذا وفعل هذا .(1/41)
وليسَ مِنْها مَا يَرويهِ الصَّحابيُّ المُتأَخِّرُ الإِسلامِ مُعارِضاً للمُتَقَدِّمِ عليهِ ؛ لاحْتمالِ أَنْ يكونَ سَمِعَهُ مِن صَحابيٍّ آخَرَ أَقدمَ مِنَ المُتَقَدِّمِ [ المذكورِ ] أو مثلِهِ فأَرْسَلَهُ .
لكنْ؛ إِنْ وَقَعَ التَّصريحُ بسماعِه [ لهُ مِن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ فيَتَّجِهُ أَنْ يكونَ ناسِخاً ؛ بشَرْطِ أَنْ يكونَ [ المُتَأَخِّرُ ] لمْ يَتحمَّلْ مِنَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ ] شَيْئاً قبلَ إِسلامِهِ .
وأَمَّا الإِجماعُ ؛ فليسَ بناسِخٍ ، بل يدُلُّ على ذلكَ .
وإِنْ لمْ يُعْرَفِ التَّاريخُ ؛ فلا يخلو إِمَّا أَنْ يُمْكِنَ ترجيحُ أَحدِهِما على الآخَرِ بوجْهٍ مِن وجوهِ التَّرجيحِ المُتعلِّقَةِ بالمتْنِ أَو بالإِسنادِ أَوْ لاَ :
فإِنْ أَمْكَنَ التَّرجيحُ ؛ تعيَّنَ المصيرُ إِليهِ ، وإِلاَّ ؛ فلا .
فصارَ ما ظاهِرُهُ التَّعارُضُ واقِعاً على [ هذا ] التَّرتيبِ :
? الجمعُ إِنْ أَمكَنَ .
? فاعْتبارُ النَّاسِخِ والمَنْسوخِ .
? فالتَّرْجيحُ إِنْ تَعيَّنَ .
? ثمَّ التوقُّفُ عنِ العَمَلِ بأَحدِ الحَديثينِ (1).
والتَّعبيرُ بالتوقُّفِ أَولى مِن التَّعبيرِ بالتَّساقُطِ ؛ لأَنَّ خفاءَ ترجيحِ أَحدِهِما على الآخَرِ إِنَّما هُو بالنِّسبةِ للمُعْتَبِرِ في الحالةِ الرَّاهنةِ ، معَ [ احتِمالِ ] أَنْ يظهَرَ لغيرِهِ ما خَفِيَ عليهِ ، واللهُ أعلمُ .
__________
(1) وهذا تحقيق عظيم مفيد فإذا أشكل على العالم الجمع ولم يتيسر له علم التأريخ فإنه ينظر في المرجحات فيأخذ الأرجح لكثرة أسانيده أو لقوة إسناده فيأخذ الصحيح ويطرح الضعيف فإن أشكل على العالم ولم يتبين له المرجح فيتوقف حتى يتبين له أمر من الأمور ووجه من الترجيح فيرجح .(1/42)
ثمَّ المردودُ(1) : وموجِبُ الرَّدِّ [ إِمَّا أَنْ يكونَ لِسَقْطٍ مِن إِسنادٍ ، أَوْ طَعْنٍ (( من إسناد )) في رَاوٍ على اخْتِلافِ وُجوهِ الطَّعْنِ ، أَعَمُّ مِن أَنْ يكونَ لأمْرٍيرجِعُ إِلى دِيانةِ الرَّاوي أَو إِلى ضبْطِهِ .
والسَّقْطُ (2)
__________
(1) فجر الأحد 29 / 4 / 1416هـ
(2) المردود إما يكون لسقط أو لطعن ، والسقط إما أن يكون من أول الحديث أو من آخره فإن كان من أول الحديث فهو المعلق مثل قول البخاري : قال قتادة كذا قال الزهري كذا فهذا يسمى معلقاً وهو ما حذف أوله فهذا إن كان المعلِق ملتزم أن لا يعلق إلاالصحيح مثل البخاري فهذا يحتج بتعليقه ولكن ينظر فيما بعد المعلق فإذا قال : قال الأوزاعي فينظر فيما بعد الأوزاعي فإن كان سليماً فهو طيب وإن كان المعلق ممن لا يلتزم الصحيح فهو ضعيف مثل لو قال أبو داود والترمذي : قال الزهري ، فهذا ضعيف . أما إذا كان السقط من آخر السند بأن سقط الصحابي فهذا يسمى المرسل والمراسيل كلها ضعيفة لا يحتج بها إلا ما جاء في مراسيل سعيد بن المسيب ..أما إذا كان في أثنائه فإن كان إثنين فصاعداً فالمعضل وإن كان بواحد فهو المنقطع ، ثم قد يكون الانقطاع واضحاً أو خفياً فالواضح بأن الرواي عن الصحابي أو عن شيخه أو أي شخص لم يلقه فهذا انقطاع واضح كأن يقول الزهري أو الأوزاعي عن عمر فهذا انقطاع واضح لأنهم لم يدركوا الصحابة وقد يكون الانقطاع خفياً وهو المدلس بأن يروي عمن أدركهم ولكن بشيء لم يسمعه منهم مثل قول قتادة عن فلان وقول الأعمش عن فلان ولا يقول حدثني ولا سمعت فهذا يسمى مدلس يكون علة في السند حتى يصرح بالشيخ إذا كان الراوي مدلساً أما إذا لم يكن الراوي مدلساً فعنعنته تحمل على السماع لكن إذا كان مدلساً فلا بد من التصريح ،وهكذا المرسل الخفي من معاصر لم يلقه إذا روى عن معاصره لو يصرح بالسماع فهذا يسمى مرسل خفي لأنه قد يمكنه السماع ولكنه لم يصرح بالسماع وليس بمدلس فهذا يسمى مرسل خفي حتى يوجد ما يدل على اتصاله .(1/43)
إِمَّا أَنْ يَكونَ مِنْ مَبادئ السَّنَدِ مِن تصرُّفِ مُصَنِّفٍ ، أو [ من ] آخِرِهِ ؛ أي : الإِسنادِ بعدَ التَّابعيِّ ، أَو غير ذلك ، فالأوَّلُ : المُعَلَّقُ سواءٌ كانَ [ السَّاقِطُ ] واحداً أَوأَكثرَ .
وبينَهُ وبينَ المُعْضَلِ الآتي ذِكْرُهُ عمومٌ وخُصوصٌ مِن وجْهٍ .
فمِنْ حيثُ تعريفُ المُعْضَلِ بأَنَّهُ سقَطَ منهُ اثنانِ فصاعِداً يجتَمِعُ معَ بعضِ صُورِ المُعَلَّقِ .
ومِن حيثُ تقييدُ المُعَلَّقِ بأَنَّه مِن تصرُّفِ مُصَنِّفٍ مِن مبادئِ السَّنَدِ يفتَرِقُ منهُ ، إِذْ هُو أَعَمُّ مِن ذلك .
[ و ] مِن صُوَرِ المُعَلَّقِ : أَنْ يُحْذَفَ جميعُ السَّندِ ، ويُقالَ [ مثلاً ]: قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ .
ومنها : أَنْ يُحْذَفَ (( جميع السند )) [ إِلاَّ ] الصَّحابيَّ أَوْ [ إِلاَّ ] الصَّحابيَّ والتَّابعيَّ [ معاً ] .
ومنها : أَنْ يَحْذِفَ مَن حَدَّثَهُ ويُضيفَهُ إِلى مَنْ فوقَهُ ، فإِنْ كانَ مَن فوقَه شيخاً لذلك المصنِّفِ ؛ فقد اخْتُلِفَ فيه : هل يُسمَّى تعليقاً أَوْ لاَ ؟
والصَّحيحُ في هذا : التَّفصيلُ : فإِنْ عُرِفَ بالنَّصِّ أَو الاستِقْراءِ أ َنَّ (( كان )) فاعِلَ ذلك مُدَلِّسٌ قضي بهِ ، وإِلاَّ فتعليقٌ .
وإِنَّما ذُكِرَ التَّعليقُ في قسمِ المردودِ للجَهْلِ بحالِ المحذوفِ .
وقد يُحْكَمُ بصحَّتِهِ إِنْ عُرِفَ بأَنْ يجيءَ مسمَّىً مِن وجهٍ آخَرَ ، فإِنْ قالَ : جميعُ مَن أَحْذِفُهُ ثقاتٌ ؛ جاءتْ مسأَلةُ التَّعديلِ على الإِبهامِ .
و [ عندَ ] الجُمهورِ لا يُقْبَلُ حتَّى يُسمَّى.
لكنْ قالَ ابنُ الصَّلاحِ هنا: إِنْ وَقَعَ الحَذْفُ في كتابٍ التُزِمَتْ [ صحَّتُه ]؛ كالبُخاريِّ؛ فما أَتى (( فيه )) بالجَزْمِ دلَّ على أَنَّه ثَبَتَ إِسنادُهُ عِندَه، وإِنَّما حُذِفَ لغَرَضٍ مِنَ الأَغْراضِ.(1/44)
ومَا أَتى فيهِ بغيرِ الجَزْمِ ؛ ففيهِ مقالٌ .(1)
وقد أَوْضَحْتُ أَمثلةَ ذلك في (( النُّكتِ على ابنِ الصَّلاحِ )) .
والثَّاني : وهو ما سَقَطَ مِن آخِرِهِ مَن بعدَ التَّابعيِّ هو المُرْسَلُ :
وصورَتُه أَنْ يقولَ التابعيُّ سواءٌ كانَ كبيراً أو صغيراً قالَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ كذا ، أو: فعَلَ كذا ، أو : فُعِلَ بحضرتِه كذا ، أونحوُ ذلك .
وإِنَّما ذُكِرَ في قسمِ المَردودِ للجَهْلِ بحالِ المحذوفِ ؛ لأَنَّه يُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ صحابيّاً ، ويُحْتَمَلُ [ أَنْ يكونَ ] تابعيّاً ، وعلى الثَّاني يُحْتَمَلُ [ أَنْ يكونَ ضَعيفاً ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ ثقةً ، وعلى الثَّاني يُحْتَمَلُ(2) ] أَنْ يكونَ حَمَلَ عن صحابيٍّ ، ويُحْتَمَلُ أَنْ يكونَ حَمَلَ عن تابعيٍّ آخَرَ ، وعلى الثَّاني فيعودُ الاحتمالُ السَّابقُ ، ويتعدَّدُ (( و )) أَمَّا بالتَّجويزِ العقليِّ ، فإِلى ما لا نهايةَ لهُ ، وأَمَّا بالاستقراءِ ؛ فإِلى ستَّةٍ أَو سبعةٍ ، وهو أَكثرُ ما وُجِدَ مِن روايةِ بعضِ التَّابعينَ عن بعضٍ .
فإِنْ عُرِفَ مِن عادةِ التَّابعيِّ أَنَّه لا يُرسِلُ إِلاَّ عن ثِقةٍ؛ فذهَبَ جُمهورُ المحُدِّثينَ إِلى التوقُّفِ؛ لبقاءِ الاحتمالِ، وهُو أَحدُ قولَيْ أَحمدَ.
وثانيهِما – وهُو [ قولُ ] المالِكيِّينَ والكوفيِّينَ – يُقْبَلُ مُطْلقاً.
وقالَ الشَّافِعيُّ [ رضيَ اللهُ عنهُ ] : يُقْبَلُ إِنِ اعْتَضَدَ بمجيئِهِ مِن وجْهٍ آخَرَ يُبايِنُ الطُّرُقَ الأولى مُسْنَداً كانَ أَو مُرْسَلاً ؛ ليترجَّحَاحتمالُ كونِ المحذوفِ ثقةً في نفسِ الأمرِ (3).
__________
(1) فإذا قال روي أو يذكر فهو ضعيف إلا أن يثبت أنه رواه في موضع آخر بالجزم .
(2) يحتَمِل بفتح التاء وكسر الميم أحسن .
(3) الصواب أنه لا يقبل حتى يصرح لأنه قد ينسى فيعلق عن غير ثقة فلا يقبل إلا إذا صرح(1/45)
ونقلَ أَبو بكرٍ الرَّازيُّ مِن الحنفيَّةِ وأبو الوليدِ الباجِيُّ مِن المالِكيَّةِ أَنَّ الرَّاويَ إِذا كانَ يُرْسِلُ عنِ الثِّقاتِ وغيرِهم لا يُقْبَل مُرسَلُه اتِّفاقاً (1).
وَالقسمُ الثَّالِثُ مِن أَقسامِ السَّقْطِ مِن الإِسنادِ إِنْ كانَ باثنَيْنِ فصاعِداً مَعَ التَّوالي ؛ فهو المُعْضَلُ ، وإِلاَّ فإِنْ كانَ السَّقْطُ باثنينِ غيرِ متوالِيَيْنِ في مَوضِعَيْنِ مثلاً ؛ فهُو المُنْقَطِعُ ، وكذا إِنْ سَقَطَ واحدٌ فقط ، أَو أَكثرُ مِن اثنينِ ، لكنَّه بشرطِ عدمِ التَّوالي .
ثمَّ إِنَّ السَّقطَ مِن الإِسنادِ قدْ يَكونُ واضِحاً يحصُلُ الاشْتِراكُ في معرفَتِه ككَوْنِ الرَّاوي مثلاً لم يُعْاصِرْ مَن روى عنهُ أَوْ يكونُ خَفِيّاً ؛ فلا يُدْرِكُهُ إِلاَّ الأئمَّةُ الحُذَّاقُ المُطَّلِعونَ على طُرُقِ الحديثِ وعِلَلِ الأسانيدِ .
فالأَوَّلُ وهُو الواضحُ يُدْرَكُ بعَدمِ التَّلاقي بينَ الرَّاوِي وشيخِهِ بكونِه لمْ يُدْرِكْ عصْرَهُ أَو أَدْرَكَهُ لكنَّهما لم يجْتَمِعا ، وليستْ لهُ [ منهُ ] إِجازةٌ ولا وِجَادَةٌ .
ومِنْ ثَمَّ احْتِيجَ إِلى التَّاريخِ لتضمُّنِهِ تحريرَ مواليدِ الرُّواةِ ووَفياتِهِم وأَوقاتِ طَلَبِهِم وارْتِحالِهم .
وقد افْتُضِحَ أَقوامٌ ادَّعَوا الرِّوايةَ عن شيوخٍ ظهرَ بالتَّاريخِ كَذِبُ دعْواهُم .
وَالقسمُ الثَّانِي(2) : وهو الخَفِيُّ المُدَلَّسُ ؛ بفتحِ اللاَّمِ ، سُمِّي بذلك لكونِ الرَّاوي لم يُسَمِّ مَن حَدَّثَهُ ، وأَوهَمَ سماعَهُ للحَديثِ مِمَّن لم يُحَدِّثْهُ بهِ .
واشْتِقاقُهُ مِن الدَّلَسِ – بالتَّحريكِ – وهو اختلاطُ الظَّلامِ [ بالنُّورِ ] ، سُمِّيَ بذلك لاشتراكِهِما [ في الخَفاءِ.
__________
(1) وهذا صحيح فإذا كان معروفاً بالتساهل فلا يقبل بالإتفاق لأنه قد يرسل عن ثقة وعن غير ثقة .
(2) فجر الأحد 7 / 5 / 1416 هـ(1/46)
ويَرِدُ المُدَلَّسُ بِصيغَةٍ مِن صيغِ الأداءِ تَحْتَمِلُ وقوعَ اللُّقِيَّ بينَ المُدَلِّسِ ومَن أَسنَدَ عنهُ كَعَن وَكذا قَاَلَ .
ومتى وقَعَ بصيغةٍ صريحةٍ لا تَجَوُّزَ فيها ؛ كانَ كذِباً .
وحُكْمُ مَن ثبتَ عنهُ التَّدليسُ إِذا كانَ عَدْلاً أَنْ لا يُقْبَلَ منهُ إِلاَّ ما صرَّحَ فيهِ بالتَّحديثِ على الأصحِّ (1).
وكَذا المُرْسَلُ الخَفِيُّ إِذا صَدَرَ مِنْ مُعاصِرٍ لَمْ يَلْقَ مَن حَدَّثَ عنهُ ، بل بينَه وبينَه واسِطةٌ .
والفَرْقُ بينَ المُدَلَّسِ والمُرْسَلِ الخفيِّ دقيقٌ حَصَلَ تحريرُه بما ذُكِرَ هنا :
وهو أَنَّ التَّدليسَ يختصُّ بمَن روى عمَّن عُرِفَ لقاؤهُ إِيَّاهُ ، فأَمَّا إِن عاصَرَهُ ولم يُعْرَفْ أَنَّه لقِيَهُ ؛ فَهُو المُرْسَلُ الخَفِيُّ .
ومَن أَدْخَلَ في تعريفِ التَّدليسِ المُعاصَرَةَ ، ولو بغيرِ لُقي ؛ لزِمَهُ دُخولُ المُرْسَلِ الخَفِيِّ في تعريفِهِ .
والصَّوابُ التَّفرقةُ بينَهُما.
ويدلُّ على أَنَّ اعتبارَ اللُّقي في التَّدليسِ دونَ المُعاصرةِ وحْدَها لابُدَّ منهُ إِطْباقُ أَهلِ العلمِ بالحديثِ على أَنَّ روايةَ المُخَضْرَمينَ كأَبي عُثمانَ النَّهْديِّ وقيسِ بنِ أَبي حازِمٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ مِن قبيلِ الإِرسالِ لا مِن قَبيلِ التَّدليسِ .
ولو كانَ مجرَّدُ المُعاصرةِ يُكْتَفى [ بهِ ] في التَّدليسِ ؛ لكانَ هؤلاءِ مُدلِّسينَ لأنَّهْم عاصَروا النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ وسلَّمَ قطعاً ، ولكنْ لمْ يُعْرَفْ هل لَقُوهُ أَمْ لا؟
__________
(1) وهذا هو الصواب إذا ثبت التدليس وهو ثقة لا يقبل من حديثه إلا ما صرح فيه بالسماع مثل الأعمش وابن اسحاق وأبي الزبير .(1/47)
وممَّن [ قالَ ] باشْتِراطِ اللِّقاءِ في التَّدليسِ الإِمامُ الشافعيُّ وأَبو بكرٍ البزَّارُ ، وكلامُ الخطيبِ في (( الكِفايةِ )) يقتَضيهِ ، وهُو المُعْتَمَدُ .(1)
ويُعْرَفُ عدمُ المُلاقاةِ بإِخبارِهِ عنْ نفسِهِ بذلك ، أَو بجَزْمِ إِمامٍ مُطَّلعٍ .
ولا يَكْفي أَنْ يَقَعَ في بعض الطُّرُقِ زيادةُُ راوٍ [ أَو أَكثرَ ] بينَهُما؛ لاحتمال أَنْ يكونَ مِن المزيدِ، ولا يُحْكَمُ في هذه الصُّورةِ بحُكْمٍ كُلِّيٍّ؛ لتَعارُضِ احتمالِ الاتِّصالِ والانْقِطاعِ.
وقد صنَّفَ فيهِ الخَطيبُ كتابَ (( التَّفصيلِ لمُبْهَمِ المراسيلِ )) ، وكتاب (( المزيدِ في مُتَّصِلِ الأسانيدِ ))(2) .
و[ قد ] انْتَهَتْ هُنا (( حكم )) أَقسامُ حُكمِ السَّاقِطِ مِن الإِسنادِ.
ثمَّ الطَّعْنُ يكونُ بعشرةِ أَشياءَ، بعضُها (( يكون )) أَشدُّ في القَدْحِ مِن بعضٍ، خمسةٌ منها تتعلَّقُ بالعدالَةِ،(3) وخمسةٌ تتعلَّقُ بالضَّبْطِ.
ولم يَحْصُلِ الاعتناءُ بتمييزِ أَحدِ القِسمينِ مِن الآخَرِ لمصلحةٍ اقْتَضَتْ ذلك، وهي ترتيبُها على الأشدِّ فالأشدِّ في موجَبِ الرَّدَِّ على سَبيلِ التَّدلِّي؛ لأنَّ الطَّعْنَ إِمَّا أَنْ يكونَ:
__________
(1) الصواب ما قال المصنف في التفريق بين المدلس والمرسل الخفي .
(2) يعني إذا روى عن شيخه بواسطة لا يقال هذا دليل على أنه مدلس لأنه قد يسمع من شيخه وقد يسمع من شيخه بواسطة فهذا يقال له المزيد في متصل الأسانيد فمثلاً فلان يروي عن شيخه ابن عباس وفي بعض الأحيان يروي عن بعض تلاميذ ابن عباس عن ابن عباس مما سمعه عن ابن عباس فيرويه عن تلاميذ ابن عباس فيكون واسطة من باب المزيد في متصل الأسانيد .
(3) ما يتعلق بالعدالة كذب الراوي أو تهمته بذلك أو غفلته أو فسقه أو وهمه فهذه تتعلق العدالة والبقية تتعلق بالضبط .(1/48)
لِكَذِبِ الرَّاوِي في الحديثِ النبويِّ بأَنْ يرويَ عنهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ما لمْ يَقُلْهُ متَعمِّداً لذلك.(1)
أو تُهْمَتِهِ بذلكَ؛ بأَنْ لا يُرْوى ذلك الحديثُ إِلاَّ مِن جِهتِهِ، ويكونَ مُخالِفاً للقواعِدِ المعلومةِ، وكذا مَنْ عُرِفَ بالكذبِ في كلامِهِ، و [ إِنْ ] لم يَظْهَرْ منهُ وقوعُ ذلك في الحَديثِ النبويِّ، وهذا دُونَ الأوَّلِ.
أَو فُحْشِ غَلَطِهِ ؛ أي : كَثْرَتِه .
أَو غَفْلَتِهِ عن الإِتْقانِ .
أَو فِسْقِهِ ؛ أي : بالفعلِ والقَوْلِ ممَّا لا يبلُغُ الكُفْرَ .
[ و ] بينَهُ وبينَ الأوَّلِ عُمومٌ (( وخصوص مطلق )) ، وإِنَّما أُفْرِدَ الأوَّلُ لكونِ القَدْحِ بهِ أَشدَّ في هذا الفنِّ .
وأَمَّا الفِسقُ بالمُعْتَقَدِ ؛ فسيأْتي بيانُه .
أَو وَهَمِهِ بأَنْ يَرْوِيَ على سبيلِ التوهُّمِ .
أَو مُخالَفَتِه ؛ أَي : للثِّقاتِ .
أو جَهالَتِهِ ؛ (( أي )) بأَنْ لا يُعْرَفَ فيهِ تعديلٌ و [ لا ] تَجريحٌ [ مُعيَّنٌ ] .
أَو بِدْعتِهِ ، وهي اعتقادُ ما أُحْدِثَ على خِلافِ المَعروفِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، لا بِمعانَدَةٍ ، بل بنَوْعِ شبهةٍ.
أَو سوءِ حِفْظهِ ، وهِيَ عبارةٌ عن أَنْ لا يكونَ غَلَطُهُ أَقلَّ مِن إِصابتِه.
__________
(1) من تعمد الكذب فعرف بكذبه فهذا يسمى حديثه موضوع ، أما من يتهم بذلك لقلة علمه ومخالفته الروايات الصحيحة أو غفلته ليس عنده بصيرة فيقع في روايته الكذب فهذا يسمى متروك لأنه تقع في رواياته الكذب لا عن تعمد بل لأسباب أخرى إما لغفلة أو لحسن ظنه بمن يروي عنه .(1/49)
فالقسمُ الأوَّلُ ، وهُو الطَّعْنُ [ بكَذِبِ ] الرَّاوي في الحَديثِ النبويِّ هو المَوضوعُ ، والحُكْمُ عليهِ بالوَضْعِ إِنَّما هُو بطريقِ الظَّنِّ الغالِبِ لا بالقَطْعِ ، إِذ [ قَدْ ] يَصْدُقُ الكَذوبُ ، لكنَّ لأهلِ العلمِ بالحديثِ مَلَكَةً قويَّةً يميِّزون بها (( بين )) ذلك ، وإِنَّما يقومُ بذلك منهُم مَن يكونُ إِطِّلاعُهُ تامّاً ، وذهْنُهُ ثاقِباً ، وفهمُهُ قويّاً ، ومعرِفتُهُ بالقرائنِ الدَّالَّةِ على ذلك متمَكِّنَةً .
وقد يُعْرَفُ الوضعُ بإِقرارِ [ واضِعِه ] ، قالَ ابنُ دقيقِ العيدِ (( رحمه الله )): لكنْ لا يُقْطَعُ بذلك ؛ لاحتمالِ أَنْ يكونَ كَذَبَ في ذلك الإِقرارِ أ.هـ
وفهِمَ منهُ بعضُهم أَنَّهُ لا يُعْمَلُ بذلك الإِقرارِ أَصلاً ، وليسَ ذلكَ مرادَهُ ، وإِنَّما نفى القَطْعَ بذلك ، ولا يلزَمُ مِن نفيِ القَطْعِ نفيُ الحُكْمِ ؛ لأنَّ الحُكْمَ يقعُ بالظَّنِّ الغالِبِ ، وهُو هُنا كذلك ، ولولا ذلك لَما ساغَ قتْلُ المُقرِّ بالقتلِ ، ولا رَجْمُ المُعْتَرِفِ بالزِّنى ؛ لاحتمالِ أَنْ يكونا كاذِبَيْن فيما اعْتَرَفا به!(1)
(2)ومِن القَرائنِ الَّتي يُدْرَكُ بها الوَضْعُ ما يؤخَذُ مِن حالِ الرَّاوي ؛ كما وقَعَ لمأْمونِ بنِ أَحمدَ أَنَّه ذُكِرَ بحضرَتِه الخلافُ في كونِ الحسنِ سَمِعَ مِن أَبي هُريرةَ أَوْلاَ ؟ فساقَ في الحالِ إِسناداً إِلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ أَنَّهُ قالَ : سمِعَ الحسنُ مِن أَبي هُريرة .(3)
__________
(1) فهو مؤاخذ بإقراره في الحق والباطل وأن اتهم ما دام عاقلاً ولهذا يقتل إذا أقر بالقتل وكذا إذا أقر بالزنا وغيره .
(2) فجر الأحد 14 / 5 / 1416 هـ )
(3) هذا واضح فيه الكذب فالحسن ولد بعد النبي صلى الله عليه وسلم بمدة وكونه يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الحسن سمع من أبي هريرة فهذا يدل على الكذب .(1/50)
وكما وقعَ لِغياثِ بنِ إِبراهيمَ حيثُ دخَلَ على المَهْدي فوجَدَهُ يلعبُ بالحَمَام ، فساقَ في الحالِ [ إِسناداً ] إِلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : أَنَّه [ قالَ ] : (( لا سَبَقَ إِلاَّ في نَصْلٍ أَو خُفٍّ أَو حافِرٍ أَو جَناحٍ )) ، فزادَ في الحديثِ : (( أَو جَناحٍ )) ، فَعَرَفَ المهديُّ أَنَّه كذبَ لأجلِهِ ، فأَمرَ بذَبْحِ الحَمَامِ .(1)
ومِنها ما يُؤخَذُ مِن حالِ المَرويِّ كأَنْ يكونَ مُناقِضاً لنَصِّ القُرآنِ أَو السُّنَّةِ المُتواتِرَةِ أَو الإِجماعِ القطعيِّ أَو صَريحِ العَقْلِ ، حيثُ لا يَقْبَلُ شيءٌ مِن ذلك التَّأْويلَ .
ثمَّ المَرويُّ تارةً يختَرِعُهُ الواضِعُ ، وتارةً يأْخُذُ [ مِن ] كلامِ غيرِهِ كبَعْضِ السَّلفِ الصَّالحِ أَو قُدماءِ الحُكماءِ أَو الإِسرائيليَّاتِ ، أَو يأْخُذُ حَديثاً ضَعيفَ الإِسنادِ ، فيُرَكِّبُ لَهُ إِسناداً صحيحاً ليَرُوجَ .(2)
والحامِلُ للواضِعِ على الوَضْعِ :
إِمَّا عَدَمُ الدِّينِ ؛ كالزَّنادقةِ .
أَو غَلَبَةُ الجَهلِ ؛ كبعضِ المتعبِّدينَ .
أَو فَرْطُ العَصبيَّةِ ؛ كبعضِ المُقلِّدينَ .
أَو اتِّباعُ هوى بعضِ الرُّؤساءِ .
أَو الإِغرابُ لقصدِ الاشتِهارِ !
__________
(1) وهذا من الفضائح التي افتضح فيها الوضاعون فزاد في الحديث ليرضي به الخليفة .
(2) هذه حال الوضاعين فتارة يأخذون كلاماً لبعض السلف أو من قدماء الحكماء أو الاسرائيليات أو يأخذ حديثاً ضعيف الإسناد فيركب إسناداً صحيحاً .(1/51)
وكُلُّ ذلك حَرامٌ بإِجماعِ مَن يُعْتَدُّ بهِ ، إِلاَّ أَنَّ بعضَ الكَرَّاميَّةِ وبعضَ المُتصوِّفةِ نُقِلَ عنهُم إِباحَةُ الوَضْعِ في التَّرغيبِ والتَّرهيبِ (( والترتيب )) وهو خطأ مِن فاعلِهِ ، نشَأَ عَن جَهْلٍ ؛ لأنَّ التَّرغيبَ والتَّرهيبَ مِن جُملةِ الأحكامِ الشَّرعيَّةِ .(1)
واتَّفقوا على أَنَّ تَعَمُّدَ الكذبِ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن الكَبائِرِ.(2)
وبالَغَ (( فيه )) أَبو مُحمَّدٍ الجُوَيْنِيُّ فكَفَّرَ مَن تعمَّدَ الكَذِبَ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .
واتَّفَقوا على تَحْريمِ روايةِ الموضوعِ إِلاَّ مقروناً ببيانِه ؛ لقولِه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : (( مَن حَدَّثَ عَنِّي بحديثٍ يُرى أَنَّهُ كذبٌ ؛ فهُو أَحدُ الكاذِبَيْنِ )) ، أَخرجَهُ مسلمٌ .
__________
(1) من جوزه لا يعول عليهم ، أجمع المسلمون على تحريم الوضع لحديث ( من كذب علي متعمداً فليتبوأ مقعده من النار ) وقال صلى الله عليه وسلم ( من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار ) وهذا بإجماع المسلمين بل قال بعضهم بكفر من وضعه كأبي محمد الجويني فالمقصود أن الوضع من الكبائر العظيمة ولا عبرة بقول الكرامية وغيرهم ممن جوز الوضع للترغيب والترهيب فهذا كلام منكر باطل كما قال الحافظ العراقي : وجوز الوضع على الترغيب &&& قول الكرام في الترهيب ، فهذا قول باطل والكرامية من المرجئة الخبثاء فالحاصل أن الوضع والكذب على الرسول صلى الله عليه وسلم من المنكرات العظيمة بإجماع أهل السنة والجماعة .
(2) هذا أمر متفق عليه لا يجوز ذكره إلا ببيانه والتحذير منه فمن حدث بحديث يرى أو يظن أنه كذب فهو أحد الكاذبين يروى ( الكاذبين ) وبالجمع ( الكاذبين ) وأبلغ من هذا قوله صلى الله عليه وسلم ( من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار )(1/52)
وَالقسمُ الثَّاني مِن أَقسامِ المَردودِ (1)، وهو ما يكونُ بسبَبِ تُهمَةِ الرَّاوي بالكَذِبِ ، (( و )) هُو المَتْروكُ .
والثَّالِثُ : المُنْكَرُ ؛ على رَأْيِ مَن لا يَشْتَرِطُ في المُنْكَرِ قيدَ المُخالفةِ .
وكذا الرَّابِعُ والخَامِسُ ، فمَنْ فَحُشَ غَلَطُهُ ، أَو كَثُرَتْ غَفلَتُه ، أَو ظهَرَ فِسْقُه ؛ فحديثُهُ مُنْكَرٍ(2) .
ثمَّ الوَهَمُ ، وهُو [ القِسمُ ] السَّادسُ ، وإِنَّما أُفْصِحَ بهِ لِطولِ الفَصْلِ ، إِنِ اطُّلعَ عَليهِ ؛ أي : على الوَهَمِ بِالقَرائِنِ الدَّالَّةِ على وَهَمِ راويهِ مِن وَصْلِ مُرْسَل أَو مُنْقَطع ، أَو إِدخال حَديثٍ في حَديثٍ ، أَو نحوِ ذلك مِن الأشياءِ القادحةِ
__________
(1) فجر الأحد 21 / 5 / 1416 هـ ) بداية الشريط الثالث .
(2) تقدم أن من عرف بالكذب بأي وجه يسمى خبره موضوع ومن اتهم بالكذب يسمى حديثه متروك ومن فحش غلطه يسمى حديثه منكر أو يعرف بالغفلة أو الفسق فهؤلاء أخبارهم منكرة لعدم استيفائها شروط القبول من الحفظ والصدق لأنه لا يؤمن أن يكون مما غلط فيه إذا فحش غلطه أو كان مغفلاً لا يضبط الروايات أو فاسقاً معروفاً بالفسق لا يؤمن .(1/53)
وتَحْصُلُ معرفةُ ذلك بكثرةِ التَّتبُّعِ ، وجَمْعِ الطُّرُقِ ؛ فهذا هو المُعَلَّلُ وهو مِن أَغمَضِ أَنواعِ عُلومِ الحديثِ وأَدقِّها ، ولا يقومُ بهِ إلاَّ مَن رَزَقَهُ اللهُ [ تعالى ] فهْماً ثاقِباً ، وحِفْظاً واسِعاً ، ومعرِفةً تامَّةً بمراتِبِ الرُّواةِ ، ومَلَكَةً قويَّةً بالأسانيدِ والمُتونِ ، ولهذا لم يتكلَّمْ فيهِ إِلاَّ القليلُ مِن أَهلِ هذا الشأْنِ ؛ كعليِّ بنِ المَدينيِّ ، وأَحمدَ بنِ حنبلٍ ، والبُخاريِّ ، ويَعقوبَ بنِ (( أبي )) شَيْبةَ ، وأَبي حاتمٍ ، وأَبي زُرعةَ ، والدَّارَقُطنيُّ .(1)
وقد تَقْصُرُ عبارةُ المُعَلِّل عَن إِقامةِ الحُجَّة على دَعْواهُ ؛ كالصَّيْرَفيِّ في نَقْدِ الدِّينارِ والدِّرهَمِ(2) .
ثمَّ المُخالفَةُ (3)وهوالقسمُ السابعُ إِنْ كانتْ واقعةً بسببِ تَغْييرِ السِّياقِ ؛ أي : سياقِ الإسنادِ ؛ فالواقعُ فيهِ ذلك التَّغييرُ هو مُدْرَجُ الإِسْنادِ ، وهو أَقسامٌ :
الأوَّلُ : أَنْ يَرْوِيَ جماعةٌ الحديثَ بأَسانيدَ مُختلفةٍ ، فيرويهِ عنهُم راوٍ ، فيَجْمَعُ الكُلَّ على إِسنادٍ واحِدٍ مِن تلكَ الأسانيدِ ، ولا يُبَيِّنُ الاختلافَ .
[
__________
(1) الوهم يقع من الرواة فلا يفطن له إلا الخواص من أئمة الحديث كعلي بن المديني ويحيى بن سعيد القطان والبخاري وأحمد بن حنبل وأبي حاتم وأبي زرعة ، ويعرف المعلل بالقرائن وتتبع الطرق ، فإذا تتبع طرق الرواية اتضح لعالم الحديث ما فيه من العلة من انقطاع أو ارسال أو وهم أو قلب كلمة أو ما أشباه ذلك مما قد يقع من بعض الرواة .
(2) المقصود أنه قد تقصر عبارة الذي يحكم عليه بأنه معلل عن الإيضاح لكنه قد جزم به لأنه اتضح له من الطرق فيقال له معلل هذا الأكثر ويقال له معلول والأفصح عندهم معلل ومعل من إعل فهو معل ومعلل ودونها معلول .
(3) فجر الأحد 28 / 5 / 1416 هـ(1/54)
و ] الثَّاني : أَنْ يكونَ المتنُ عندَ راوٍ إِلاَّ طَرفاً منهُ ؛ [ فإِنَّه عندَه بإِسنادٍ آخَرَ ، فيرويهِ راوٍ عنهُ تامّاً بالإِسنادِ الأوَّلِ .
ومنهُ أَنْ يسمَعَ الحديثَ مِن شيخِهِ إِلاَّ طرفاً منهُ فيسمَعَهُ عَن شيخِهِ بواسطةٍ، فيرويهِ راوٍ عنهُ تامّاً بحَذْفِ الواسِطةِ.
الثَّالِثُ : أَنْ يكونَ عندَ الرَّاوي متْنانِ مُخْتَلِفان بإِسنادينِ مختلفينِ ، فيرويهِما راوٍ عنهُ مُقتَصِراً على أَحدِ الإِسنادينِ ، أَو يروي أَحَدَ الحَديثينِ بإِسنادِهِ الخاصِّ بهِ ، لكنْ يزيدُ فيهِ مِن المَتْنِ الآخَرِ ما ليسَ في [ المَتْنِ ] الأوَّلِ .
الرَّابعُ : أَنْ يسوقَ [ الرَّاوي ] الإِسنادَ ، فيَعْرِضُ لهُ عارِضٌ ، فيقولُ (( له )) كلاماً مِن قِبَلِ نفسِهِ ، فيظنُّ بعضُ مَن سَمِعَهُ أَنَّ ذلكَ الكلامَ هُو متنُ [ ذلكَ ] الإسنادِ ، فيَرويهِ عنهُ كذلك .
هذهِ أَقسامُ مُدْرَجِ الإِسنادِ
وأَمَّا مُدْرَجُ المَتْنِ ، فهُو أَنْ يَقَعَ في المتنِ كلامٌ ليسَ منهُ ، فتارةً يكونُ في أَوَّلِه ، وتارةً (( يكون )) في أَثنائِه ، وتارةً (( يكون )) في آخِرِهِ – وهو الأكثرُ– لأنَّهُ يقعُ بعطفِ جُملةٍ على جُملةٍ ، أو بِدَمْجِ مَوْقوفٍ مِن كلامِ الصَّحابةِ أَو مَنْ بعْدَهُم بِمَرْفوعٍ مِن كلامِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ مِن غيرِ فصلٍ ، فهذا هُو مُدْرَجُ المَتْنِ .
ويُدْرَكُ الإِدراجُ :
بوُرودِ روايةٍ مُفَصِّلةٍ للقَدْرِ المُدْرَجِ مِمَّا أُدْرِجَ فيهِ .
أَو بالتَّنصيصِ على ذلك مِن الرَّاوي(1)، أَو مِن بعضِ الأئمَّةِ المُطَّلعينَ .
أو باستحالَةِ كونِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ يقولُ ذلك .
وقد صنَّفَ الخَطيبُ في المُدْرَجِ كتاباً ولخَّصْتُهُ وزدتُ عليهِ قدْرَ ما ذكَرَ مرَّتينِ أَو أَكثرَ ، وللهِ الحمدُ .
__________
(1) فيفصل الراوي نفسه بين المرفوع والمدرج من عنده .(1/55)
أَوْ [ إِنْ ] كانَتِ المُخالفةُ بِتَقْدِيمٍ أَوتَأْخيرٍ(1) ؛ أي : في الأسماءِ كَمُرَّةَ بنِ كعبٍ ، وكَعبِ بنِ مُرَّةَ ؛ لأنَّ اسمَ أَحدِهِما اسمُ أَبي الآخَرِ ؛ فهذا هو المَقْلوبُ ، وللخطيبِ فيهِ كتابُ (( يُسمى )) (( رافعِ الارْتِيابِ (( في المقلوب من الأسماء والأنساب )).
وقد يَقَعُ القلبُ في المتنِ أَيضاً ؛ (( ويصير )) كحديثِ أَبي هُريرةَ (( رضي الله تعالى عنه )) عندَ مُسلمٍ في السَّبعةِ الَّذينَ يُظِلُّهُم اللهُ تحتَ ظلِّ عَرْشِهِ ، ففيهِ: (( [ و ] رَجلٌ تصدَّقَ بصدَقةٍ أَخْفاها حتَّى لا تَعْلَمَ يمينُهُ ما تُنْفِقُ شِمالُهُ )) ، فهذا ممَّا انْقَلَبَ على أَحدِ الرُّواةِ ، وإِنَّما هو : (( حتَّى لا تعْلَمَ شِمالُه ما تُنْفِقُ يمينُهُ )) ؛ كما في الصَّحيحينِ .
أَوْ إِنْ كانتِ المُخالفةُ بِزيادةِ راوٍ في أَثناءِ الإِسنادِ (، ومَن لم يَزِدْها أَتقَنُ ممَّن زادَها ، فهذا هُو المَزيدُ في مُتَّصِلِ الأَسانِيدِ .(2)
وشرطُهُ أَنْ يقعَ التَّصريحُ بالسَّماعِ في مَوْضِعِ الزِّيادةِ ، وإِلاَّ ؛ فمتى كانَ مُعَنْعَناً – مثلاً – ؛ ترجَّحَتِ الزِّيادةُ .
أَوْ [ إِنْ ] كانتِ المُخالفةُ بِإِبْدَالِهِ؛ أي: الراوي، ولا مُرَجِّحَ لإحدى الراويتين على الأخرى، فـ [ هذا ] هو المُضْطَرِبُ، وهو يقعُ في الإِسنادِ غالباً، وقد يقعُ في المتْن.
__________
(1) فجر الأحد 5 / 6 / 1416 هـ
(2) وهذا يقع كثيراً وأسبابه أن الراوي يروي عن زيد عن عمرو ثم يسهل الله له لقاء عمرو فيسمع منه مثلاً يروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم وكان قد سمعه من سالم عن ابن عمر ثم لقي ابن عمر فسمعه منه فتكون روايته عن سالم عن ابن عمر من المزيد في متصل الاسانيد إذا صرح بالسماع أما إذا كانت بالعنعنة فالزيادة له شأن آخر .(1/56)
لكنْ قلَّ أَنْ يَحْكُمَ المحدِّثُ على الحديثِ بالاضطرابِ بالنِّسبةِ إلى الاختلافِ في المَتْنِ دونَ الإِسنادِ.(1)
وقد يَقَعُ الإِبدالُ عَمْداً لمَن يُرادُ اختبار حفظه امتحاناً مِن فاعِلِهِ ؛ كما وقعَ للبُخاريِّ والعُقَيْليِّ وغيرِهِما ، وشَرْطهُ أَنْ لا يُستمرَّ عليهِ ، بل ينتهي بانْتهاءِ الحاجةِ .(2)
فلو وَقَعَ الإِبدالُ [ عمداً ] لا لمصلحةٍ ، بل للإِغرابِ مثلاً ؛ فهو مِن أَقسامِ الموضوعِ ، ولو وقعَ غَلَطاً ؛ فهُو مِن المقلوبِ أو المُعَلَّلِ .
أَوْ إِنْ كانتِ المُخالفةُ بتَغْييرِ حرفٍ أَو حُروفٍ مَعَ بَقاءِ صورةِ الخَطِّ في السِّياقِ .
فإِنْ كانَ ذلك بالنِّسبةِ إِلى النَّقْطِ؛ فالمُصَحَّفُ .
وَإِنْ كانَ بالنِّسبةِ إلى الشَّكْلِ ؛ فالمُحَرَّفُ ، ومعرفةُ هذا النَّوعِ مُهمَّةٌ .(3)
وقد صنَّف فيهِ : العَسْكَريُّ ، والدَّارَقُطنِيُّ ، وغيرُهما .
وأَكثرُ ما يقعُ في المُتونِ ، وقد يقعُ في الأسماءِ الَّتي في الأسانيدِ .
ولا يَجُوزُ تَعَمُّدُ تَغْييرِ صورَةِ المَتْنِ مُطلقاً(4) ، ولا الاختصارُ منه }ُ بالنَّقْصِ ولا إِبْدالُ اللَّفْظِ المُرادِفِ باللَّفْظِ (( و )) المُرادِفِ لهُ ؛ إِلاَّ لِعالمٍِ بمَدْلولاتِ الألْفاظِ ، وبِما يُحيلُ المَعاني على الصَّحيحِ في المسأَلَتَيْنِ :
__________
(1) وقد يقع في المتن بأن يرويه جماعة بلفظ ويرويه آخر بلفظ آخر .
(2) فيقلب الشيخ لتلاميذه الأسانيد ليمتحنهم فيتبين الحاذق والبصير من غيره .
(3) وهذا يقع كثيراً ( عتبة ، عيينة ، حمزة ، حمرة ، يزيد ، بريد ، ولا يعرف إلا بالعناية وجمع المتون والأسانيد حتى يتبين التحريف والتصحيف .
(4) فجر الأحد 12 / 6 / 1416هـ(1/57)
أَمَّا اخْتِصارُ الحَديثِ ؛ فالأكْثَرونَ على جَوازِهِ بِشرطِ أَنْ يكونَ الَّذي يختَصِرُهُ عالِماً ؛ لأنَّ العالِمَ لا يَنْقُصُ مِن الحديثِ إِلاَّ ما لا تعلُّقَ لهُ بما يُبْقيهِ [ منهُ ] ؛ [ بحيثُ ] لا تختِلفُ الدِّلالةُ ، ولا يختَلُّ البَيانُ ، حتَّى يكونَ المَذكورُ والمَحذوفُ بمنزِلَةِ خَبَرينِ ، أَو يَدُلُّ ما ذَكَرَهُ على [ ما ] حَذَفَهُ ؛ بخِلافِ الجاهِلِ ، فإِنَّهُ قد يَنْقُصُ ما لَهُ تعلُّقٌ ؛ كتَرْكِ الاستِثناءِ .(1)
وأَمَّا الراوية بالمعنى ؛ فالخِلافُ فيها شَهيرٌ ، والأكثرُ على الجَوازِ أَيضاً ، ومِن أَقوى حُججهِم الإِجماعُ على جوازِ شرحِ الشَّريعةِ للعَجَمِ بلسانِهِم للعارِفِ بهِ ، فإِذا جازَ الإِبدالُ بلُغةٍ أُخرى ؛ فجوازُهُ باللُّغةِ العربيَّةِ أَولى (2).
وقيلَ : إِنَّما يَجوزُ في المُفْرَداتِ دونَ المُرَكَّباتِ !
وقيلَ : إِنَّما يَجُوزُ لمَن يستَحْضِرُ اللَّفْظَ ليتَمَكَّنَ مِن التَّصرُّفِ فيه .
وقيلَ : إِنَّما يَجوزُ لمَن كانَ يحفَظُ الحَديثَ فنَسِيَ لفظَهُ ، وبقيَ معناهُ مُرْتَسماً في ذِهنِه ، فلهُ أَنْ يروِيَهُ بالمعنى لمصلَحَةِ تحصيلِ الحُكْمِ منهُ ؛ بخِلافِ مَن كانَ مُسْتَحْضِراً لِلَفْظِهِ.(3)
وجَميعُ ما تقدَّمَ يتعلَّقُ بالجَوازِ وعَدَمِه ، ولا شكَّ أَنَّ الأوْلى إِيرادُ الحَديثِ بأَلفاظِهِ دُونَ التَّصرُّفِ فيهِ .
__________
(1) لا بد أن يكون المختصر من أهل العلم والبصيرة فالواجب ذكر الحديث تاماً إلا إذا كان اختصاره لا يؤثر .
(2) لأن المقصود هو المعنى فإذا أدى المعنى فقد حصل المطلوب ولهذا يجوز ترجمة معاني الآيات والأحاديث للعجم بلغتهم ليعرفوا معاني الآيات والحديث .
(3) والصواب جوازه مطلقاً ولو كان مستحضراً للفظه .(1/58)
قالَ القاضي عِياضٌ: (( يَنْبَغِي سَدُّ بابِ الرِّاويةِ بالمَعْنَى لئلاَّ يتَسَلَّطَ مَن لاَ يُحْسِنُ ممَّن (( به )) يظنُّ أَنّهُ يُحْسِنُ ؛ كما وقَعَ لِكثيرٍ مِن الرُّواةِ قديماً وحَديثاً )) ، واللهُ المُوَفِّقُ .
فإِنْ خَفِيَ المَعْنَى بأَنْ كانَ اللَّفْظُ مستَعْمَلاً بقلَّةٍ احْتيجَ إِلى الكُتُبِ المصنَّفَةِ في شَرْحِ الغَريبِ ؛ ككتابِ أَبي عُبَيْدٍ (( الله )) القاسِمِ بنِ سلامٍ ، وهو غيرُ مرتَّبٍ ، وقد رتَّبَهُ الشيخُ مُوفَّقُ الدِّينِ ابنُ قُدامَة على الحُروفِ .
وأَجْمَعُ منهُ كتابُ أَبي عُبيدٍ الهَرَوِيِّ ، وقد اعتَنَى بهِ الحافظُ أَبو موسى المَدينِيُّ فنَقَّبَ عليهِ واسْتَدْرَكَ .
وللزَّمَخْشَرِيِّ كتابٌ اسمُهُ (( الفائِقُ )) حسنُ التَّرتيبِ .
ثمَّ جَمَعَ الجَميعَ ابنُ الأثيرِ في (( النِّهايةِ )) ، وكتابُهُ أَسهَلُ الكُتُبِ تناوُلاً ، مع إِعواز قليلٍ فيهِ .
وإِنْ كانَ اللَّفْظُ مُستَعْملاً بكثرةٍ ، لكنَّ في مَدلُولِهِ دِقَّةً ؛ احْتِيجَ إلى الكُتُبِ المُصنَّفَةِ في شَرْحِ معاني الأخْبارِ وبيانِ المُشْكِلِ منها .
وقد أَكثرَ الأئمَّةُ مِن التَّصانيفِ في ذلك ؛ كالطَّحاويِّ والخَطَّابيِّ وابنِ عبدِ البَرِّ وغيرِهم .
ثمَّ الجَهالةُ بالرَّاوِي(1) ، وهِيَ السَّببُ الثَّامِنُ في الطَّعْنِ ، وسَبَبُها أَمْرانِ :
أَحَدُهُما : أَنَّ الرَّاوِيَ قَدْ تَكْثُرُ نُعوتُهُ مِن اسمٍ أَو كُنْيَةٍ أَو لَقَبٍ أَو صِفَةٍ أَو حِرْفةٍ أَو نَسَبٍ ، فيشتَهِرُ بشيءٍ مِنها ، فيُذْكَرُ بِغَيْرِ مَا اشْتُهِرَ بِهِ لِغَرَضٍ مِن الأغْراضِ ، فيُظنُّ أَنَّه آخرُ ، فيَحْصُلُ الجهْلُ بحالِهِ .
__________
(1) فجر الأحد 19 / 6 / 1416 هـ(1/59)
وصنَّفُوا فِيهِ ؛ أي : في هذا النَّوعِ المُوْضِحَ لأوهامِ الجمْعِ والتَّفريقِ ؛ أَجادَ فيهِ الخَطيبُ ، وسبَقَهُ [ إِليه ] عبدُ الغنيِّ [ بنُ سعيدٍ المِصْريُّ وهو الأَزْدِيُّ (( أيضاً )) ثمُّ الصُّورِيُّ .(1)
ومِن أَمثلتِهِ محمَّدُ بنُ السَّائِبِ بنِ بِشْرٍ الكَلْبِيُّ (2)؛ نَسَبَهُ بعضُهم إِلى جَدِّهِ ، فقالَ : محمَّدُ بنُ بِشرٍ ، وسمّاهُ بعضُهم حمَّادَ بنَ السَّائبِ ، وكَناهُ بعضُهُم أَبا النَّصرِ، وبعضُهُم أَبا سعيدٍ ، وبعضُهم أَبا هِشامٍ ، فصارَ يُظَنُّ أَنَّهُ جماعةٌ ، وهو واحِدٌ ، ومَن لا يعرِفُ حقيقةَ الأمرِ فيهِ لا يعرِفُ شيئاً مِن ذلك .
وَالأمرُ الثَّاني : أَنَّ الرَّاويَ قد يكونُ مُقِلاً مِن الحديثِ ، فلا يَكْثُرُ الأَخْذُ عَنْهُ :
وَقد صَنَّفوا فِيهِ الوُحْدانَ – وهو [ مَن ] لم يَرْوِ عنهُ إِلاَّ واحِدٌ ، ولو سُمِّيَ – فمِمَّن جَمَعَهُ مُسلمٌ ، والحسنُ بنُ سُفيانَ ، وغيرُهما .
أَوْ لاَ يُسمَّى الرَّاوِي اختِصَاراً مِن الرَّاوي عنهُ ؛ كقولِه : أَخْبَرَني فلانٌ ، أَو شيخٌ ، أَو رجلٌ ، أَو بعضُهم ، أَو ابنُ فلانٍ .
ويُستَدَلُّ على معرفَةِ اسمِ المُبْهَمِ بوُرودِه مِن طريقٍ أُخرى [ مسمّىً [ فيها ]
وَصنَّفوا فيهِ المُبْهَمات .
__________
(1) الجهالة لها أسباب منها أن يذكر الراوي بغير ما اشتهر به فيكون مجهولاً فيدرس وينظر فيه حتى يتضح أمره وصنفوا فيه الموضح بالتخفيف وقد يسمى الموضح ولكن الموضح بالتخفيف من أوضح يوضح فصنفوا فيه الكتب الموضحة للرواة وألقابهم وصفاتهم ، وقد يكون الراوي مقلاً فيقل الأخذ عنه وصنفوا فيه الوحدان كما صنف مسلم في ذلك يعنى الرواة الذين لم يرو عنهم إلا واحد فإن سمي وانفرد راوٍ عنه فهذا يقال له مجهول العين إلا أن يوثق فإن روى عنه اثنان ولم يوثق فمجهول الحال ويقال له المستور .
(2) وهو ضعيف لا يحتج ولكن كثرت نعوته وصفاته فاشتبه .(1/60)
ولا يُقْبَلُ حديثُ المُبْهَمُ ما لم يُسَمَّ ؛ لأنَّ شرطَ قَبولِ الخَبَرِ عدالَةُ راويهِ ، ومَن أُبْهِمَ اسمُه لا تُعْرَفُ عَيْنُهُ ، فكيفَ [ تُعْرَفُ ] عدالَتُهُ ؟!(1)
وكذا لا يُقْبَلُ خَبَرُه ، [ و ] لو أُبْهِمَ بِلَفْظِ التَّعْديلِ ؛ كأَنْ يقولَ الرَّاوي عنهُ : أَخْبَرَني الثِّقُة ؛ لأنَّهُ قد يكونُ ثقةً عندَه مجروحاً عندَ غيرِه ، وهذا عَلى الأصَحِّ في المسأَلةِ .(2)
ولهذه النُّكتةِ لم [ يُقْبَلِ ] المُرسلُ ، ولو أَرسَلَهُ العدلُ جازِماً(3)
وقيلَ : يُقْبَلُ تمسُّكاً بالظَّاهِرِ ، إِذ الجَرْحُ على خِلافِ الأصْلِ .(4)
__________
(1) فالمبهم لا تقبل روايته ولا يحتج به لأنه لا تعرف عينه فكيف تعرف عدالته والحديث ضعيف من هذا الطريق حتى يسمى ويعرف أنه ثقة .
(2) لا يقبل المبهم ولو عدّل لأنه قد يكون ثقة عند من عدله مجروحاً عند غيره فإذا قال أخبرني الثقة أو من لا أتهم لا يكون الحديث صحيحاً لأنه قد يكون عنده ثقة وعند غيره مجروحاً .
(3) يعني لهذه العلة لم يقبل المرسل لأن المرسل قد يكون أرسل عن تابعي آخر فإذا قال مجاهد قال رسول الله أو قال سعيد بن جبير قال رسول الله أو قال أو صالح السمان قال رسول الله فلا يقبل لأن التابعي هذا قد يكون نقله عن تابعي آخر وليس عن صحابي فالعلة موجودة فلا المراسيل ضعيفة حتى يصرح المرسل عمن روى عنه روى عن صحابي أو روى عن ثقة عن صحابي .
(4) والصواب أنه لا يقبل حتى يبين لأن الواجب الاحتياط للدين والحذر من التساهل في أمر الدين فلا يجب على الناس شيء ولا يستحب لهم شيء ولا يحرم عليهم شيء إلا بالدليل لأن الله عز وجل يقول ( فإن تنازعتم في شيء فرده إلى الله والرسول ..) ويقول ( وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ) ولا نعرف إن من حكم الله ولا من الرسول إلا من طريق الثقات .(1/61)
وقيلَ : إِنْ كانَ القائلُ عالِماً أَجْزأَ ذلك في حقِّ مَن يوافِقُهُ في مَذْهَبِهِ .(1)
وهذا ليسَ مِن مباحِثِ (( عُلومِ )) الحَديثِ ، واللهُ المُوفِّقُ .
فإن سُمِّيَ الرَّاوي وانْفَرَدَ راوٍ واحِدٌ بالرِّوايةِ عَنْهُ ؛ فهو مَجْهولُ العَيْنِ(2) ؛ كالمُبْهَمِ ، [ فلا يُقْبَلُ حديثُهُ ] إِلاَّ أَنْ يُوَثِّقَهُ غيرُ مَنْ ينفَرِدُ عنهُ على الأصحِّ ، وكذا مَن يَنْفَرِدُ عنهُ (( على الأصح )) إِذا كانَ مُتَأَهِّلاً لذلك .(3)
أَوْ إِنْ روى [ عنهُ ] اثنانِ فصاعِداً ولم يُوَثَّقْ؛ فـ [ هو ] مَجْهولُ الحالِ، وهُو المَسْتورُ، وقد قَبلَ روايتَهُ جماعةٌ بغيرِ قيدٍ، وردَّها الجُمهورُ
والتَّحقيقُ أَنَّ روايةَ المستورِ ونحوِهِ ممَّا فيهِ الاحتِمالُ لا يُطلَقُ [ القولُ بردِّها ولا بِقَبولِها ، بل (( يقال )) هي موقوفةٌ إِلى اسْتِبانَةِ حالِه كما جَزَمَ بهِ إِمامُ الحَرمينِ .(4)
ونحوُهُ قولُ ابنِ الصَّلاحِ فيمَن جُرِحَ بجَرْحٍ غيرِ مُفَسَّرٍ .
__________
(1) وقيل أنه حجة في حق من يقلد ذلك الإمام فإذا قال أحمد حدثني الثقة احتج به الحنابلة والصواب أنه لا يعتبر ولا يحتج به لا عند أصحابه ولا عند غيرهم .
(2) فجر الأحد 26 / 6 / 1416 هـ
(3) وهذا هو الصواب فإنه إذا سمي الراوي وانفرد واحد عنه يسمى مجهول العين فلا بد من اثنين فإذا روى أحمد أو وكيع عن شخص ولم يروي عنه غيره يسمى مجهول العين إلا إن وثقه من روى عنه وهو أهل لذلك كأن يروي عنه أحمد ويوثقه أو يروي عنه وكيع ويوثقه أو يوثقه غير من روى عنه زالت عنه الجهالة .
(4) وهذا هو الصواب أن المستور يكون موقوف إذا جاء له شواهد فهو من باب الحسن لغيره وإذا لم يأت له شواهد فهو من باب الضعيف إلا إذا وثقه من يعتمد زالت عنه جهالة الحال وهذا كثير في كتب الرجال التهذيب والتقريب .(1/62)
ثمَّ البِدْعَةُ(1) ، وهي السَّببُ التَّاسعُ مِن أَسبابِ الطَّعنِ في الرَّاوي ، وهي إِمَّا أَنْ تَكونَ بمُكَفِّرٍ ؛ كأَنْ يعتَقِدَ ما يستَلْزِمُ الكُفْرَ ، أو بِمُفَسِّقٍ :(2)
فالأوَّلُ : لا يَقْبَلُ صاحِبَها الجُمهورُ ،
وقيلَ : يُقْبَلُ مُطلقاً ، وقيلَ : إِنْ كانَ لا يعتَقِدُ حِلَّ الكَذِبِ لنُصرَةِ مقالَتِه [ قُبِلَ ] (3)
والتحقيق : أنه لا يُرَدُّ كُلُّ مُكفَّرٍ ببدعَتِه ؛ لأَنَّ كلَّ طائفةٍ تدَّعي أَنَّ مخالِفيها مبتَدِعةٌ ، وقد تُبالِغُ فتُكفِّرُ مخالِفها ، فلو أُخِذَ ذلك على الإِطلاقِ ؛ لاسْتَلْزَمَ تكفيرَ جميعِ الطَّوائفِ ، فالمُعْتَمَدُ أَنَّ الَّذي تُرَدُّ روايتُهُ مَنْ أَنْكَرَ أَمراً مُتواتِراً مِن [ الشَّرعِ ] ، معلوماً مِن الدِّينِ بالضَّرورةِ ، وكذا مَن اعتقدَ عكسَهُ .(4)
__________
(1) فجر الأحد 4 / 7 / 1416 هـ
(2) هذا الطعن التاسع : البدعة ، والبدعة تختلف فقد تكون مكفرة وقد تكون مفسقة فإذا كانت بدعته مكفرة لم يقبل كالجهمية والمعتزلة لا تقبل روايته ولا كرامة عند جمهور أهل العلم أما المفسقة كبدعة الإرجاء وتأويل بعض الصفات فهذا تقبل فيما لا يكون مقوياً لبدعته إذا روى وهو معروف بالصدق والأمانة تقبل روايته إلا في الشيء الذي يقوي بدعته فلا .
(3) الصوا أنه لا يقبل مطلقاً ولا كرامة لأن في قبوله ترويجاً لبدعته وقد يغتر به الناس فيقبلون منه ما ابتدعه ولو كان لا يستحل الكذب كالخوارج .
@ سئل الشيخ عن عمران بن حطان ؟ فقال : هذا ليس من الدعاة وهم أهل صدق .
(4) المقصود من هذا أن يكون المكفر قام عليه الدليل ليس بمجرد التعصب والتقليد بل قام الدليل على كفره بأن يكون أتى شيئاً يوجب تكفيره بالأدلة الشرعية أما كونه يكفر لهواه أو لمخالفة نحلته فلا المهم أن تكون البدعة المكفرة من جهة الدليل .(1/63)
فأَمَّا مَن لم يَكُنْ بهذهِ الصِّفَةِ ، وانْضَمَّ إِلى ذلك ضَبْطُهُ لِما يَرويهِ مَعَ وَرَعِهِ وتَقْواهُ ؛ فلا مانِعَ مِن قَبولِهِ (( أصلاً )) .(1)
والثاني : وهو مَن لا تَقْتَضي بدعَتُهُ التَّكفيرَ أَصلاً ، [ و ] قد اختُلِفَ أَيضاً في قَبولِهِ ورَدِّهِ :
فقيلَ : يُرَدُّ مُطلَقاً – وهُو بَعيدٌ – .
وأَكثرُ مَا عُلِّلَ بهِ أَنَّ في الرِّوايةِ عنهُ تَرْويجاً لأمرِهِ وتَنْويهاً بذِكْرِهِ .
وعلى هذا ؛ فيَنْبَغي أَنْ لا يُرْوى عنْ مُبْتَدعٍ شيءٌ يُشارِكُه فيهِ غيرُ مُبتدعٍ .(2)
وقيلَ : يُقْبَلُ مُطْلقاً إِلاَّ إِن اعْتَقَدَ حِلَّ الكَذِبِ ؛ كما تقدَّمَ .(3)
وقيلَ : يُقْبَلُ مَنْ لَمْ يَكُنْ داعِيةً إِلى بِدعَتِهِ ؛ لأنَّ تزيينَ بِدعَتِه قد يَحْمِلُهُ على تَحريفِ الرِّواياتِ وتَسويَتِها على ما يقتَضيهِ مذهَبُه ، وهذا في الأصَحِّ .
وأَغْرَبَ ابنُ حِبَّانَ ، فادَّعى الاتِّفاقَ على قَبولِ غيرِ الدَّاعيةِ مِن غيرِ تفصيلِ .
__________
(1) يعني إذا لم تكن بدعته مكفرة وعرف بالصدق والعدالة فلا بأس لأنه يتأول ويرى أنه مصيب ومجتهد .
(2) وهذا لا شك فيه فإذا كان المبتدع يشاركه غيره فينبغي الرواية عن غيره من أهل السنة ويترك المبتدع حتى ولو كان غير داعية هجراً له وتحذيراً له من هذه البدعة .
(3) وهذا ضعيف .(1/64)
نَعَمْ ؛ الأكثرُ على قَبولِ غيرِ الدَّاعيةِ ؛ إِلاَّ إنْ رَوى ما يُقَوِّي بِدْعَتَهُ ، فيُرَدُّ على المذهَبِ المُخْتارِ (1)، وبهِ صرَّحَ الحافِظُ أَبو إِسحاقَ إِبراهيمُ بنُ يعقوبَ الجُوْزَجانِيُّ شيخُ أَبي داودَ ، والنَّسائِيِّ في كتابِه (( معرفة الرِّجال )) ، فقالَ في وَصْفِ الرُّواةِ : (( ومِنهُم زائغٌ عن الحَقِّ – أَيْ : عنِ السُّنَّةِ – صادقُ اللَّهجَةِ ، فليسَ فيهِ حيلةٌ ؛ إِلاَّ أَنْ يُؤخَذَ مِن حديثِه (( غير )) ما لا يكونُ مُنْكراً إِذا لم يُقَوِّ [ بهِ] بدْعَتَهُ )) اهـ
وما قالَه متَّجِهٌ ؛ لأنَّ العلَّةَ التي لها رُدَّ حديثُ الدَّاعيةِ وارِدةٌ فيما إِذا كانَ ظاهِرُ المرويِّ يُوافِقُ مذهَبَ المُبْتَدِع ، ولو لم يكنْ داعيةً ، واللهُ أَعلمُ .
ثمَّ سوءُ الحِفْظِ(2) وهو السَّببُ العاشِرُ مِن أَسبابِ الطَّعنِ ، والمُرادُ بهِ : مَن لم يُرَجَّحْ جانِبُ إِصابتِه على جانِبِ خَطَئهِ وهو على قسمينِ :(3)
إِنْ كانَ لازِماً للرَّاوي في جَميعِ حالاتِه ، فهُو الشاذُّ ؛ على رَأْيِ [ بعضِ أَهلِ الحَديثِ .
__________
(1) وهذا هو الصواب أنه إذا روى ما لا يقوي بدعته وكان معروفاً بالصدق والاستقامة فلا بأس .
(2) فجر الأحد 11 / 7 / 1416 هـ
(3) وهذا السبب العاشر للطعن في الحديث وهو سوء الحفظ فتارة يكون لازماً وتارة يكون طارئاً فاللازم يسمى شاذاً ويسمى ضعيفاً إذا سوء الحفظ لازم له من أصله هو سيء الحفظ . وإما يكون طارئاً وهو الذي صاحبه يطرأ عليه سوء الحفظ إما لمرض أو احتراق كتبه كابن لهيعة أو لتوليه القضاء كشريك القاضي أو أشباه ذلك فسوء الحفظ قد يطرأ على الإنسان إما لمرض أو لكبر سن أو لسوء توليه القضاء أو لمصيبة أصابته كموت ولده أو زوجته أو احتراق كتبه ويسمى المختلط اختلط إذا ساء حفظه سوءاً كثيراً وإذا لم يكن كثيراً يقال ساء حفظه فقط .(1/65)
أَوْ (( إن )) كانَ سوءُ الحفظِ ] طارِئاً على الرَّاوي إِمَّا لكِبَرِهِ أَو لذَهابِ بصرِه ، أَوْ لاحتِراقِ كُتُبِه ، أَو عدمِها ؛ بأَنْ كانَ يعْتَمِدُها ، فرَجَعَ إِلى حفظِهِ ، فساءَ ، فهذا هو المُخْتَلِطُ .
والحُكْمُ فيهِ أَنَّ ما حَدَّثَ بهِ قبلَ الاختلاطِ إِذا تَميَّزَ قُبِلَ ، وإِذا لم يَتَمَيَّزْ تُوُقِّفَ فيهِ ، (1)
وكذا مَن اشتَبَهَ الأمرُ فيهِ (2)، وإِنَّما يُعْرَفُ ذلك باعْتِبارِ الآخِذينَ عنهُ .
__________
(1) فهذا المختلط الحكم فيه أنه إذا تميز قبل منه ما كان قبل الاختلاط ورد ما بعد الاختلاط مثل عطاء بن السائب جماعة ضبطوا حديثه قبل الاختلاط فقبل مثل حماد بن زيد وشعبة وسفيان وجماعة ضبطوا حديثه قبل الاختلاط فصارت روايتهم عنه مقبولة ، وجماعة آخرون رووا عنه بعد الاختلاط أو رووا عنه قبل الاختلاط وبعد الاختلاط ولم يتميز حديثه الذي قبل الاختلاط عندهم فإن روايتهم عنه ضعيفة لأنهم رووا عنه بعد الاختلاط أو رووا عنه قبل وبعد الاختلاط ولم يتميز هذا عن هذا فلا تقبل روايتهم .
@ سئل الشيخ عن ابن لهيعة روايته بعد الاختلاط ترد مطلقاً ؟ أحاديثه لم تتميز ولهذا حكموا بضعفها إلا رواية العبادلة عنه كعبد الله بن المبارك وعبد الله بن وهب وعبد الله بن يزيد أحسن من غيرها وإلا فكلها ضعيفة لأن أحاديثه لم تتميز ، فرواية العبادلة أحسن من غيرها ومع هذا فهي ضعيفة يعني يستشهد بها من باب الاستشهاد .
(2) من اشتبه الأمر فيه يكون حديثه ضعيفاً .(1/66)
ومَتى تُوبِعَ السَّيِّءُ الحِفْظِ بِمُعْتَبَرٍ ؛ (( أي )) كأَنْ يكونَ فوقَهُ أَو مِثْلَه لا دُونَه(1) ، وكَذا المُخْتَلِطُ الَّذي لم يتَمَيَّزْ و (( كذا )) المَسْتورُ والإِسنادُ المُرْسَلُ وكذا المُدَلَّسُ إِذا لم يُعْرَفِ المحذوفُ منهُ صارَ حديثُهُم حَسناً (2)؛ لا لذاتِهِ ، بل وَصْفُهُ بذلك باعتبارِ المَجْموعِ من المتابِعِ والمتَابَعِ ؛ لأنَّ [ معَ ] كلِّ واحدٍ منهُم احْتِمالَ كونِ روايتِه (( معه )) صواباً أَو غيرَ صوابٍ على حدٍّ سواءٍ .
فإِذا جاءَتْ مِنَ المُعْتَبَرينَ روايةٌ مُوافِقةٌ لأحدِهِم ؛ رُجِّحَ أَحدُ الجانِبينِ مِن الاحْتِمالينِ المَذكورَيْنِ ، ودلَّ ذلك على أَنَّ الحَديثَ مَحْفوظٌ ، فارْتَقى مِن درَجَةِ التوقُّفِ إِلى دَرَجَةِ القَبولِ ، [ واللهُ أَعلمُ ]
ومعَ ارْتِقائِهِ إِلى دَرَجَةِ القَبولِ ؛ فهُو مُنْحَطٌّ عنْ رُتْبَةِ الحَسَنِ لذاتِه ، ورُبَّما توقَّفَ بعضُهم عنْ إِطلاقِ اسمِ الحَسَنِ عليهِ . وقد انْقَضى ما يتعلَّقُ بالمَتْنِ [ مِن حيثُ ] القَبولُ والرَّدُّ .
ثمَّ الإِسْنادُ وهُو الطَّريقُ المُوصِلَةُ إِلى المتنِ .(3) (4)
__________
(1) إذا توبع بمعتبر مثله أو أحسن منه صار حديثه حسناً فإذا روى ابن لهيعة حديثاً وروى شريك القاضي أو غيره حديثاً مثله أو أحسن منه يكون من باب الحسن إذا كان المتابع مثله أو أحسن منه .
(2) فيكون حديثهم من باب الحسن لغيره لا لذاته .
(3) فجر الأحد 18 / 7 / 1416 هـ
(4) بداية الشريط الرابع(1/67)
والمَتْنُ : هُو غايَةُ ما يَنْتَهي إِليه الإِسنادُ مِن [ الكلامِ ] ، وهُو إِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ ، ويقتَضي لفظُهُ – إِمَّا تَصْريحاً أَوْ حُكْماً – أَنَّ المنَقْولَ بذلك الإِسنادِ مِن قولِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، أَوْ مِن فِعْلِهِ ، أو مِن تَقريرِهِ .(1)
مثالُ المَرفوعِ مِن القولِ تَصريحاً : أَن يقولَ الصَّحابيُّ : سمعتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقولُ : كذا ، أَو : حدَّثَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بكَذا ، أَو يقولُ هو أَو غيرُه : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا ، أَو : عنْ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَنَّه قالَ كذا ، أو نحوَ ذلك .
ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ تَصريحاً : أَن يقولَ الصَّحابيُّ : رأَيْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ فعَلَ كذا ، أَو يقولَ هُو أَو غيرُه : كانَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ يفعَلُّ كذا .
ومِثالُ المَرفوعِ مِن التَّقريرِ تَصريحاً : أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ : فعَلْتُ بحضرَةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا ، أَو يقولَ هو أَو غيرُه : فعَلَ فُلانٌ بحَضْرَةِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا ، ولا يذكُرُ إِنكارَهُ لذلك .
__________
(1) هذه أنواع ما ينقل عن النبي صلى الله عليه وسلم مثال القول ( إنما الأعمال بالنيات ) والفعل مثل قول الصحابي رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي كذا ويسوي الصفوف ويأكل بيمينه ، والتقرير مثل : فعلت كذا والنبي صلى الله عليه وسلم ينظر فهذا من التقرير إذا حكى أنه فعله والنبي صلى الله عليه وسلم شاهده ولم ينكره .(1/68)
ومثالُ المرفوعِ مِن القولِ حُكْماً لا تَصْريحاً : (1)أَنْ يقولَ الصَّحابيُّ – الَّذي لم يأْخُذْ عَنِ الإِسرائيليَّاتِ – ما لا مجالَ للاجْتِهادِ فيهِ ، ولا [ لهُ ] تعلُّقٌ ببيانِ لُغةٍ أَو شرحِ غريبٍ ؛ كالإِخْبارِ عنِ الأمورِ الماضيةِ مِن بدْءِ الخَلْقِ وأَخْبارِ الأنبياءِ (( عليهم الصلاة والسلام )) أَو الآتيةِ كالملاحمِ والفِتَنِ وأَحوالِ يومِ القيامةِ .
وكذا الإِخْبارُ عمَّا يحْصُلُ بفِعْلِهِ ثوابٌ مَخْصوصٌ أَو عِقابٌ مَخْصوصٌ .
وإِنَّما كانَ لهُ حُكْمُ المَرفوعِ ؛ لأنَّ إِخبارَهُ بذلك يقتَضي مُخْبِراً لهُ ، و [ ما ] لا مَجالَ للاجتِهادِ فيهِ يَقتَضي مُوقِفاً للقائلِ بهِ ، ولا مُوقِفَ للصَّحابَةِ إِلاَّ النبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ]وسلَّمَ ، أَو بعضُ مَن يُخْبِرُ عَن الكُتبِ القديمةِ ، فلهذا وقعَ الاحْتِرازُ عنِ القسمِ الثَّاني ، وإِذا كانَ كذلك ؛ فلهُ حُكْمُ ما لو قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ ؛ فهُو مَرْفوعٌ ؛ سواءٌ كانَ ممَّا سمِعَهُ منهُ أَو عنهُ بواسِطةٍ .(2)
__________
(1) فجر الأحد 25 / 7 / 1416 هـ ( 14 / 10 / 1416هـ )
(2) إذا قال الصحابي شيئاً لا يقال بالرأي وليس ممن ينقل عن بني اسرائيل فيكون له حكم الرفع مثل قول ابن عباس ( أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ) .(1/69)
ومِثالُ المَرفوعِ مِن الفِعْلِ حُكماً : أَنْ يفعَلَ الصَّحابيُّ ما لا مَجالَ للاجْتِهادِ فيهِ فيُنَزَّلُ على أَنَّ ذلك عندَه عنِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كما قالَ الشافعيُّ في صلاةِ عليٍّ في الكُسوفِ في كُلِّ ركعةٍ أَكثرَ مِن رُكوعَيْنِ .(1)
ومثالُ المَرفوعِ مِن التَّقريرِ حُكْماً : أَنْ يُخبِرَ الصَّحابيُّ أَنَّهُم كانُوا يفْعَلونَ في زمانِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كذا ؛ فإِنَّهُ يكونُ لهُ حُكمُ الرَّفعِ مِن جهةِ أَنَّ الظَّاهِرَ (( هو )) اطِّلاعُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ على ذلك لتوفُّرِ دَواعِيهِم على سُؤالِهِ عن أُمورِ دِينِهم ، ولأنَّ ذلك الزَّمانَ زمانُ [ نُزولِ ] الوَحْيِ فلا يقعُ مِن الصَّحابةِ فِعْلُ شيءٍ ويستمرُّونَ عليهِ إِلاَّ وهُو غيرُ ممنوعِ الفعلِ .
وقدِ استدلَّ جابِرٌ وأَبو سعيدٍ [ الخُدريُّ ]– رضي الله عنهما – على جوازِ العَزْلِ بأَنَّهُم كانوا يفعَلونَه والقرآنُ ينزِلُ ، ولو كانَ ممَّا يُنْهَى عنهُ لنَهى [ عنهُ ] القُرآنُ .
__________
(1) وهذا مثل ما يروى عن ابن عباس أنه يصلى للزلزلة مثل ما يصلى للكسوف فحمله بعضهم أنه في حكم المرفوع وأنه لا مجال للإجتهاد فيه لأنه عبادة فدل على أنه يصلى للزلزلة هكذا قال بعض أهل العلم فحمل ذلك على الرفع لأنه فعل لا يحتمل الاجتهاد والعبادات ليست محل اجتهاد وقال آخرون محتمل أنه اجتهاد منه رضي الله عنه وأنه قاس الزلزلة على الكسوف لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الكسوف ( يخوف الله بها عباده فإذا رأيتم ذلك فصلوا وادعوا ) قال بعضهم فلعل ابن عباس وما يروى عن علي كذلك إنما هو للعلة .(1/70)
ويلتَحِقُ بقَولي : (( حُكْماً )) ؛ ما وردَ بصيغةِ الكنايةِ في موضعِ الصِّيَغِ الصَّريحةِ بالنِّسبةِ إِليه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؛ كقولِ التَّابعيِّ عنِ الصَّحابيِّ : يرفعُ الحَديثَ ، أو : يرويهِ ، أو : يَنْميهِ ، أَو : روايةً ، أَو : يبلُغُ بهِ ، أَو : رواهُ (1)
وقد يَقْتَصِرونَ على القولِ معَ حَذْفِ القائلِ ، ويُريدونَ بهِ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؛ كقولِ ابنِ سيرينَ عنْ أَبي هُريرةَ [قالَ : قالَ(2) : (( تُقاتِلونَ قَوْماً )) الحديث .
وفي كلامِ الخَطيبِ أَنَّه اصْطِلاحٌ خاصٌّ بأَهلِ البَصرَةِ .
__________
(1) معناه الإشارة إلى أنه مرفوع وهذا يعرف من التتبع للروايات عن الصحابة واصطلاحهم فأخذها أصحاب المصطلح ونبوه عليها .
(2) يعني هذا إشارة قال قال أي رسول الله صلى الله عليه وسلم
@ الاسئلة : ما زاد على الركوعين في الكسوف هل هو صحيح ؟ بعض أهل العلم أن الكسوف جاء على أنواع ركوعين وثلاث ركوعات وأربع وخمس ، وقال آخرون الصواب ركوعان فقط في كل ركعة كما جاء في الصحيحين عن ابن عباس وعائشة ، وقالوا ما زاد على هذا فهو وهم من بعض الرواة وليس بصحيح وهذا رأي البخاري وجماعة لأن الواقعة واحدة والكسوف وقع يوم مات ابراهيم . فقام صلى الله عليه وسلم وصلى بركوعين وقراءتين وسجدتين فقالوا هذا يدل على أن الواقعة واحدة وأصح ما روي قراءتان وركوعان وسجدتان في الصحيحين ، وأما ثلاث وأربع ركوعات فهذه في صحيح مسلم خاصة ، وأما خمس ركوعات فهي عند أبي داود وجماعة فقالوا : هذه وهم من بعض الرواة وإنما الصواب ركوعان وقراءتان وسجدتان وهذا هو الأفضل والأحوط وهو أخف على الناس وأيسر .
ب - ما حكم الصلاة عند الزلزلة ؟ محل نظر والأظهر عدم الصلاة فيها لعدم الدليل .(1/71)
ومِن الصِّيَغِ المُحْتَمِلةِ : قولُ الصَّحابيِّ : مِِن السُّنَّةِ كذا (1)، فالأكثرُعلى أَنَّ ذلك مرفوعٌ .
ونقلَ ابنُ عبدِ البرِّ فيهِ الاتِّفاقَ ؛ قالَ : وإِذا قالَها غيرُ الصَّحابيِّ ؛ فكذلك ، ما لم يُضِفْها إِلى صاحِبِها كسُنَّةِ العُمَرينِ.
وفي نَقْلِ الاتِّفاقِ نَظَرٌ ، فعَنِ الشَّافعيِّ في أَصلِ المسأَلةِ قولانِ .
وذَهَبَ إِلى أَنَّهُ غيرُ مرفوعٍ أَبو بكرٍ الصَّيرفيُّ مِن الشَّافعيَّةِ ، وأَبو بكرٍ الرَّازيُّ مِن الحنفيَّةِ ، وابنُ حزمٍ مِن أَهلِ الظَّاهِرِ ، واحتَجُّوا بأَنَّ السُّنَّةَ تتردَّدُ بينَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وبينَ غيرِه ، وأُجِيبوا بأَنَّ احْتِمالَ إِرادةِ غيرِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بعيدٌ .(2)
وقد روى البُخاريُّ في صحيحِه في حديثِ ابنِ شِهابٍ ، عن سالِمِ بنِ عبدِ اللهِ بنِ عُمَرَ عن أَبيهِ في قصَّتِه معَ الحجَّاج حينَ قالَ لهُ : إِنْ كُنْتَ تُريدُ السُّنَّةَ فهَجِّرْ بالصَّلاةِ [ يومَ عَرَفَةَ ] (3)
قالَ ابنُ شِهابٍ : فقلتُ لسالِمٍ : أَفَعَلَهُ رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ؟ فقالَ : وهل يَعْنونَ [ بذلك ] إِلاَّ سُنَّتَهُ [ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ]
فنَقَلَ سالمٌ – وهو أَحدُ الفُقهاءِ السَّبعَةِ مِن أَهلِ المدينةِ وأَحدُ الحفَّاظِ مِن التَّابعينَ [ عنِ الصَّحابةِ ] أَنَّهم إِذا أَطلَقوا السُّنَّةَ ؛ لا يُريدونَ بذلك إِلاَّ سُّنَّةَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .
__________
(1) الصواب أن الصحابي إذا قال من السنة يعني سنة النبي صلى الله عليه وسلم هذا هو الصواب الذي نقل عليه ابن عبد البر الإجماع لأنهم إنما يحكون عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم لا سنة غيره .
(2) نهاية الشريط الثالث .
(3) ومثله قول ابن عباس ( من السنة للمسافر يصل مع المقيم أن يصلى أربعاً ) .(1/72)
وأَمَّا قولُ بعضِهِم : إِذا كانَ مرفوعاً ؛ فلمَ لا يقولونَ فيهِ : قالَ رسولُ اللهِ (( صلى الله عليه وسلم )) ؟ فجوابُهُ : إِنَّهُم تَرَكوا الجَزْمَ بذلك تورُّعاً واحتِياطاً .
ومِن هذا : قولُ أَبي قِلابةَ عن أَنسٍ : (( مِن السُّنَّةِ إِذا تزوَّجَ البِكْرَ على الثَّيِّبِ أَقامَ عندَها سَبعاً )) ، أَخرَجاهُ في الصَّحيحينِ
قالَ أَبو قِلابةَ (( عن أنس )): لو شِئْتُ لقلتُ : إِنَّ أَنساً رفَعَهُ إِلى النبيِّ [ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ
أَي : لو قُلتُ : لمْ أَكْذِبْ ؛ لأَنَّ قولَه : (( مِن السُّنَّةِ )) هذا معناهُ ، (( و )) لكنَّ إِيرادَهُ بالصِّيغَةِ التي ذَكَرها الصَّحابيُّ أَوْلى
ومِن ذلك (1): قولُ الصَّحابيِّ : أُمِرْنا بكَذا ، أَو : نُهينا عنْ كذا ، فالخِلافُ [ فيهِ ] كالخِلافِ في الَّذي قَبْلَهُ ؛ لأنَّ مُطْلَقَ ذلك ينصَرِفُ بظاهِرِه إِلى مَنْ لهُ الأمرُ والنَّهْيُ ، وهُو الرَّسولُصلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .
وخالفَ في ذلك طائفةٌ (( و )) تمَسَّكوا باحْتِمالِ أَنْ يَكونَ المُرادُ غيرَه ، كأَمرِ القُرآنِ ، أَو الإِجماعِ ، أَو بعضِ الخُلفاءِ ، أَو الاستِنْباطِ !
وأُجيبوا بأَنَّ الأصلَ هو الأوَّلُ ، وما عداهُ مُحْتَمَلٌ ، لكنَّهُ بالنسبةِ إليهِ مرجوحٌ .(2)
وأَيضاً ؛ فمَن كان في طاعةِ رئيسٍ إِذا قالَ : أُمِرْتُ ؛ لا يُفْهَمُ عنهُ أَنَّ آمِرَهُ [ ليس ] إِلاَّ رئيسُهُ .
وأَمَّا قولُ مَن قالَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُظنَّ ما ليسَ بأمرٍ أمراً ! فلا اخْتِصاصَ لهُ بهذهِ المسأَلَةِ ، بل [ هُو ] مذكورٌ فيما لو صرَّحَ ، فقالَ : أَمَرَنا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ بكذا .
__________
(1) فجر الأحد 21 / 10 / 1416 هـ
(2) وهذا هو الصواب أن له حكم الرفع كقول ابن عباس ( أمر الناس أن يكون عهدهم بالبيت ) وهذا كثير في لسان الصحابة ومثله قول أم عطية ( نهينا أن اتباع الجنائز ) .(1/73)
وهو احْتِمالٌ ضعيفٌ ؛ لأنَّ الصَّحابيَّ عدلٌ عارفٌ باللِّسانِ ، فلا يُطلقُ ذلك إِلاَّ بعدَ التحقُّقِ (1)
ومن ذلك : قولُه: كنَّا نفعَلُ كذا ، فلهُ حُكْمُ الرَّفعِ أَيضاً كما تقدَّمَ .(2)
ومِن ذلك : أَنْ يَحْكُمَ الصَّحابيُّ على فِعلٍ مِن الأفعالِ بأَنَّه طاعةٌ للهِ (( تعالى )) أَو لرسولِهِ [ صلَّى اللهُ عليهِ وآلهِ وسلَّمَ ] ، أَو معصيةٌ ؛ كقولِ عَمَّارٍ : (( مَن صامَ اليومَ الَّذي يُشَكُّ فيهِ ؛ فقدْ عَصى أَبا القاسِمِ (( صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ )) (3)
فلهذا حُكْمُ الرَّفعِ أَيضاً ؛ لأنَّ الظَّاهِرَ أَنَّ ذلك ممَّا تلقَّاهُ عنِ [ النبيِّ ] صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .
أَوْ تَنْتَهي غايةُ الإِسنادِ إلى الصَّحابِيِّ كَذلكَ؛ أَي : مِثْلَ ما تقدَّمَ في كونِ اللَّفْظِ يَقْتَضي التَّصريحَ بأَنَّ المَقولَ هُو مِن قولِ الصَّحابيِّ ، أَو مِن فعلِهِ ، أَو مِن تقريرِه ، ولا يَجيءُ فيهِ جَميعُ ما تقدَّمَ بل مُعْظَمُه .
والتَّشبيهُ لا تُشْتَرَطُ فيهِ المُساواةُ مِن كلِّ جهةٍ
__________
(1) وهذا القول واضح فلا يظن بالصحابي قد يظن ما ليس بأمرٍ أمراً وما ليس بنهي ليس نهياً هذا غلط فلا يظن بهم ذلك فهم أفصح الناس وأعرف الناس وهم أكثر الناس أمانة فإذا قال أمرنا أو نهينا فهو يعرف الأمر والنهي .
(2) كقول جابر ( كنا نعزل والقرآن ينزل ) .
(3) ومثله قول أبي هريرة لما رأى رجلاً خرج من المسجد بعد الأذان فقال ( أما هذا فقد عصى أبا القاسم ) .(1/74)
ولمَّا [ أَنْ ] كانَ هذا المُخْتَصرُ شامِلاً لجَميعِ أَنواعِ [ عُلومِ ] الحَديثِ اسْتَطْرَدْتُ [ منهُ إِلى تَعريفِ الصَّحابيِّ مَن (( ما هو ، فقلتُ : وهُو : مَنْ لَقِيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ [ تَعالى ] عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ ُمؤمِناً بهِ وماتَ عَلى الإِسلامِ ،ولو تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ ؛ [ في ] الأَصَحَّ .(1)
والمرادُ باللِّقاءِ ما هُو أَعمُّ مِن المُجالَسَةِ والمُماشاةِ ووصولِ أَحدِهِما إِلى الآخَرِ وإِنْ لم يُكالِمْهُ، وتدخُلُ [ فيهِ ] رُؤيَةُ أَحدِهما الآخَرَ، سواءٌ كانَ ذلك بنفسِه أَو بغيْرِه.
والتَّعْبيرُ بـ (( اللُّقِيَّ )) أَولى مِن قولِ بعضِهم : الصَّحابيُّ مَن رأَى النبيَّ [ صلى الله تعالى عليه وآله وسلم لأنَّهُ يخرُجُ [ حينئذٍ ] ابنُ أُمِّ مكتومٍ ونحوُهُ مِن العُميانِ ، وهُم صحابةٌ بلا تَرَدُّدٍ ، واللُّقي في هذا التَّعريفِ كالجِنْسِ .
و (( في )) قَوْلِي : (( مُؤمناً )) ؛ كالفَصْلِ ، يُخْرِجُ مَن حَصَلَ لهُ اللِّقاءُ المذكورُ ، لكنْ في حالِ كونِه كافراً .(2)
__________
(1) فالمقصود أنه من لقي النبي صلى الله عليه وسلم فله حكم الصحبة إذا كان مؤمناً به ولو كان تبعاً كالصحابة الصغار الذين لقوا النبي صلى الله عليه وسلم أو قدمهم أباءهم إلى النبي صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن أبي طلحة وأشباهه فهم صحابة حتى ولو ارتد ولو رجع فالصحبة لا تزول كالذين ارتدوا أيام الردة ثم رجعوا كأشعث بن قيس وغيره فلهم حكم الصحبة .
@ الأسئلة : النجاشي هل يعتبر صحابي ؟ لا ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم هو تابعي وإنما كاتبه .
ب - محمود بن الربيع هل هو صحابي ؟ نعم صحابي صغير مج النبي صلى الله عليه وسلم في وجهه مجة .
ج - محمد بن أبي بكر هل هو صحابي ؟ نعم صحابي لقي النبي صلى الله عليه وسلم حمل إليه .
(2) فهذا لا يسمى صحابي فإذا لقيه كافراً ثم أسلم بعد ذلك يكون تابعياً(1/75)
وقَوْلي: (( بهِ )) فصلٌ ثانٍ يُخْرِجُ مَن لَقِيَهُ مُؤمِناً لكنْ بغيرِه مِن الأنبياءِ (( عليهم الصلاة والسلام ))
لكنْ: هل يُخْرِجُ مَن لَقِيَهُ مُؤمِناً بأَنَّهُ سَيُبْعَثُ ولم يُدْرِكِ البِعْثَةَ (( كبحيرة )) (( و )) فيهِ نَظرٌ !
وقَوْلي : (( وماتَ على الإِسلامِ )) ؛ فصلٌ ثالِثٌ يُخْرِجُ مَنِ ارتَدَّ بعدَ أَنْ لَقِيَه مُؤمِناً [ بهِ ] ، وماتَ على الرِّدَّةِ ؛ كعُبَيْدِ اللهِ بنِ جَحْشٍ وابن خَطَلٍ .
وقَوْلي : (( [ ولو ] تَخَلَّلَتْ رِدَّةٌ )) ؛ أي : بينَ لُقِيِّهِ لهُ مُؤمِناً [ بهِ ] وبينَ موتِه على الإِسلامِ ؛ فإِنَّ اسمَ الصُّحبةِ باقٍ لهُ ، سواءٌ أَرجَعَ إِلى الإسلامِ في حياتِهِ [ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ ] أَو بعدَه ، [ و ] سواءٌ أَلَقِيَهُ ثانياً أَمْ لا !
وقَوْلي : (( في الأصحِّ )) ؛ إِشارةٌ إِلى الخِلافِ في المسأَلةِ .
ويدلُّ على رُجْحانِ الأوَّلِ قصَّةُ الأشْعَثِ بنِ قيسٍ ؛ فإِنَّه كانَ ممَّنِ ارتَدَّ ، وأُتِيَ بهِ [ إِلى ] [ أَبي بكرٍ ] الصدِّيقِ ] أَسيراً ، فعادَ إِلى الإسلامِ ، فقَبِلَ منهُ ذلك ، وزوَّجَهُ أُخْتَهُ ، ولم يتخلَّفْ أَحدٌ عنْ ذِكْرِهِ في الصَّحابةِ ولا عنْ تخريجِ أحاديثِه في المَسانيدِ وغيرِها .
تَنْبيهانِ :(1)
__________
(1) فجر الأحد 28 / 10 / 1416 هـ(1/76)
أَحَدُهما : لا خَفاءَ برُجْحانِ رُتبةِ مَن لازَمَه صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ، وقاتَلَ معَهُ ، أَو قُتِلَ تَحْتَ رايتِه ، على مَن لم يُلازمْهُ ، أَو لم يَحْضُرْ معهُ مشهداً ، و على مَن كلَّمَهُ يَسيراً ، أَو ماشاهُ قَليلاً ، أَو رآهُ على بُعْدٍ ، أَو في حالِ الطُّفولةِ ، وإِن كانَ شرفُ الصُّحْبةِ حاصِلاً للجَميعِ .(1)
ومَنْ ليسَ لهُ مِنهُم سماعٌ منهُ ؛ فحديثُهُ مُرْسَلٌ من حيثُ الرِّوايةُ ، وهُم معَ ذلك معددونَ في الصَّحابةِ ؛ لما نالوهُ مِن شرفِ الرُّؤيةِ (2)
((
__________
(1) الصحابة يتفاوتون وليسوا على حد سواء فهم أقسام وطبقات على حسب صحبتهم وتقدم صحبتهم وجهادهم وسبقهم فالصديق أفضلهم لسبقه العظيم ونفعه في الإسلام وجهاده بماله وبدنه في مكة والمدينة وفي المغازي ثم عمر لصدقه وإيمانه وقوته في دين الله ونصره للحق ثم عثمان لصفاته الحميدة وأعماله المجيدة ونصره للإسلام وبذله للمال العظيم في نصرة الإسلام ثم علي لفضله العظيم وصبره وجهاده وقوته في الدين ثم بقية العشرة ثم أصحاب بدر ثم الذين بايعوا تحت الشجرة فهم طبقات في علمهم وفضلهم وجهادهم وتقدمهم في الدين وأقلهم من ولد على الإسلام ورأى النبي صلى الله عليه وسلم تحصل له الصحبة فالصحبة عامة لمن لقي النبي صلى الله عليه وسلم ولو تبعاً لغيره كعبد الله بن طلحة الذي ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وعرض عليه وحنكه وغيره من الصغار كعبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس والسائب بن يزيد وغيرهم من صغار الصحابة .
@ الاسئلة : من أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يلقه ؟ هذا لايسمى صحابي يسمى تابعي كالصنابحي وكعب الأحبار هؤلاء يقال لهم تابعيون وإن كانوا أدركوا النبي صلى الله عليه وسلم ولكنهم لم يلقوه .
(2) مرسل الصحابي حجة لأنه تلقاه عن الصحابة فالذي رأى النبي صلى الله عليه وسلم وآمن به ولكن لم يسمع منه فحديثه يسمى مرسل صحابي وهو حجة .(1/77)
و )) ثانيهِما : يُعْرَفُ كونُه صحابيّاً ؛ بالتَّواتُرِ ، والاستفاضة ، أَو الشُّهْرةِ ، أَو بإِخبارِ بعضِ الصَّحابةِ ، أَو بعضِ ثقاتِ التَّابِعينَ ، أَو بإِخبارِهِ عنْ نفسِهِ بأَنَّهُ صحابيٌّ ؛ إِذا كانَ دعواهُ ذلكَ تدخُلُ تحتَ الإِمكانِ !
وقد استَشْكَلَ هذا الأخيرَ جماعَةٌ مِن حيثُ [ إِنَّ ] دعواهُ ذلك نظيرُ دَعْوى مَن قالَ: أَنا عَدْلٌ !
ويَحْتاجُ إِلى تأَمُّلٍ !!(1)
أَوْ تنتَهي غايةُ الإِسنادِ إِلى التَّابِعيَ(2) ، وهو مَنْ لَقِيَ الصَّحابِيَّ كذلكَ ، وهذا متعلِّقٌ باللُّقيِّ ، وما ذُكِرَمعهُ ؛ إِلاَّ قَيْدُ الإِيمانِ بهِ ؛ فذلكَ خاصٌّ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم .
وهذا هُو المُختارُ ؛ خلافاً لمَن اشْتَرَطَ في التَّابعيِّ طولَ المُلازمةِ ، أَو صُحْبَةَ السَّماعِ ، أَو التَّمييزَ .(3)
وبَقِيَ بينَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ طبَقَةٌ اخْتُلِفَ في إِلحاقِهِم بأَيِّ القِسمينِ ، وهُم المُخَضْرَمونَ (( من )) الَّذين أَدْرَكوا الجَاهِليَّةَ والإِسلامَ ، ولم يَرَوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم ، فعدَّهُم ابنُ عبدِ البرِّ في الصَّحابةِ .
__________
(1) مثل هذا لا يشكل لأنه قوله شاهدت النبي صلى الله عليه وسلم أو رأيت النبي صلى الله عليه وسلم لا يكون مثل قول الرجل أنا عدل فهو يخبر عما جرى ولم يكذب وعرفت ثقته وإمامته وعدالته فالصحابة عدول رضي الله عنهم وأرضاهم فإذا قال ذلك ثبت له حكم الصحابة لأنه لو كان كاذباً لكذبه الصحابة الذين عرفوه .
(2) إذا انتهت الرواية إلى التابعي فهذا يقال له أثر فإذا انتهت إلى عكرمة إلى سعيد بن المسيب إلى أبي صالح السمان فهذا يسمى أثر فإذا رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقيل له مرسل .
(3) والصواب هذا ليس بشرط والمقصود أنه رآءه واجتمع به ولقيه يكفي ولو لم تطل الصحبة .(1/78)
وادَّعَى عِياضٌ وغيرُه أَنَّ [ ابنَ ] عبدِ البرِّ يقولُ : إِنَّهُم صحابةٌ ! وفيهِ نظرٌ ؛ لأنَّهُ [ أَفصَحَ ] في [ خُطبةِ ] كتابِه بأَنَّهُ إِنَّما أَورَدَهُم ليكونَ كتابُه جامِعاً مُستوعِباً لأهْلِ القرنِ الأوَّلِ .
والصَّحيحُ أَنَّهُم مَعددونَ في كبارِ التَّابعينَ سواءٌ عُرِف أَنَّ الواحِدَ منهُم كانَ مُسلماً في زمنِ النبيِّ [ صلى الله عليه وسلم ] كالنَّجاشيِّ – أَمْ لا ؟
لكنْ إِنْ ثبتَ أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم ليلةَ الإِسْراءِ كُشِفَ لهُ عن جَميعِ مَن في الأرْضِ فرَآهُمْ ، فيَنْبَغِي أَنْ يُعَدَّ مَنْ كانَ مُؤمِناً [ بهِ ] [ في حياتِه ] [ إِذْ ذاكَ وإِنْ لمْ يُلاقِهِ في الصَّحابةِ ؛ لحُصولِ الرُّؤيَةِ من جانِبِهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ .(1)
فالقسمُ الأوَّلُ ممَّا تقدَّمَ ذِكْرُهُ مِن الأقْسامِ الثَّلاثةِ (2)– وهُو ما تَنْتَهي إلى [ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ ] غايةُ الإِسنادِ – هُو المَرْفوعُ ، سواءٌ كانَ ذلك الانتهاءُ بإِسنادٍ مُتَّصلٍ أَم لا .
والثَّانِي : (( هو )) المَوْقوفُ ، وهو ما انْتَهَى إلى الصَّحابيِّ .
والثَّالِثُ : المَقْطوعُ ، وهو ما ينْتَهي إلى التَّابعيِّ .
__________
(1) وهذا ليس بشيء فلم يثبت أنه صلى الله عليه وسلم كشف له عن الأمة ولو ثبت ما كان لهم حكم الصحابة لأن الصحابة حكمه لمن رآءه هو إذا رآءه الصحابي نفسه النبي صلى الله عليه وسلم ويؤمن به فالنبي صلى الله عليه وسلم رأى أناساً كثير وما أسلموا إلا من بعده فلا يكون لهم حكم الصحبة إلا من لقيه مؤمناً به والمخضرمون ليسوا بصحابة هذا هو الصواب لأنهم ما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم وإن كانوا مسلمين في عهدهم صلى الله عليه وسلم كالنجاشي وكذا الصنابحي وكعب الأحبار وقيس بن سعد فهؤلاء كبار التابعين .
(2) فجر الأحد 5 / 11 / 1416 هـ(1/79)
ومَنْ (( هو )) دُونَ التَّابِعِيِّ مِن أَتْباعِ التَّابعينَ فمَنْ بعْدَهُم ؛ فيهِ ؛ أَي : في التَّسميةِ ، مِثْلُهُ ؛ أَي : مثلُ ما ينتَهي إِلى التَّابعيِّ في تسميةِ [ جميعِ ] ذلك مَقطوعاً ، وإِنْ شِئْتَ قُلْتَ : موقوفٌ على فُلانٍ .
فحَصَلَتِ التَّفرقةُ في (( جميع )) الاصطِلاحِ بين المَقطوعِ والمُنْقَطِعِ ، [ فالمُنْقَطِعُ ] مِن مباحِثِ الإِسنادِ كما تقدَّمَ ، والمَقْطوعُ مِن مباحِثِ المَتْنِ كما ترى .
وقد أَطلَقَ بعضُهُم هذا في موضِعِ هذا ، وبالعكْسِ ؛ تجوُّزاً عنِ الاصطِلاح .
ويُقالُ للأخيرينِ ؛ أي : الموقوفِ والمَقطوعِ : الأَثَرُ
والمُسْنَدُ (1)في قولِ أَهلِ الحَديث : هذا [ حديثٌ مُسنَدٌ ]: هو : مرفوعُ صَحابِيٍّ بِسَنَدٍ ظاهِرُهُ الاتِّصالُ ،
[ قال الشيخ ابن باز : وهذا هو أكمل التعاريف ]
فقولي : (( مرفوعٌ )) كالجنسِ ، وقولي : (( صحابيٍّ )) كالفصلِ ، يَخرُجُ بهِ ما رفعهُ التَّابعيُّ ؛ فإِنَّه مُرْسَلٌ ، أَو مَن دونَه ؛ [ فإِنَّه ] مُعْضَلٌ أَو مُعلَّقٌ .
و (( في )) قولي : (( ظاهِرُهُ الاتِّصالُ )) يُخْرِجُ ما ظاهِرُه الانقطاعُ ، ويُدخِل [ ما ] فيه الاحتمالُ ، وما يوجَدُ فيه حقيقةُ الاتِّصالِ مِن بابِ أَولى
ويُفهَمُ مِن التَّقييدِ بالظُّهورِ أَنَّ الانقطاعَ الخفيَّ كعنعَنَةِ المدلِّسِ والمُعاصرِ الذي لم [ يثبُتْ ] لُقِيُّهُ ؛ لا يُخرِجُ (( عن )) الحديثَ عن [ كونِه ] مُسنَداً ؛ لإِطباقِ [ الأئمَّةِ ] الَّذينَ خَرَّجوا المسانيدَ على ذلك .
وهذا التَّعريفُ مُوافِقٌ لقَولِ الحاكمِ: (( المُسْنَدُ: ما رواهُ المحدِّثُ عن شيخٍ يَظْهَرُ سماعُه منهُ، وكذا شيخُه من شيخِهِ مُتَّصلاً إِلى صحابيٍّ إِلى رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم )).
__________
(1) فجر الأحد 12 / 11 / 1416 هـ(1/80)
وأمَّا الخَطيبُ فقالَ: المُسْنَدُ: المُتَّصلُ.(1)
فعلى هذا: الموقوفُ إِذا جاءَ بسندٍ مُتَّصلٍ يسمَّى عندَه مسنداً، لكنْ قال: إِنَّ ذلك قد يأْتي، لكنْ بقلَّةٍ.
وأَبعدَ ابنُ عبدِ البرِّ حيثُ قالَ : (( المُسندُ المرفوعُ )) ولم يتعرَّضْ للإِسنادِ ؛ فإِنَّهُ يصدُقُ على المُرسلِ والمُعضَلِ والمُنقطِعِ إِذا كانَ المتنُ مرفوعاً ! ولا قائلَ بهِ .
فإِنْ قَلَّ عَدَدَهُ ؛ أي : عددُ رجالِ السَّندِ ، فإِمَّا أَنْ يَنْتَهِيَ إِلى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بذلك العددِ القليلِ بالنِّسبةِ إِلى [ أَيِّ ] سندٍ آخَرَ يَرِدُ بهِ ذلك الحَديثُ بعينِه بعددٍ كثيرٍ ، أَوْ ينتَهِيَ إِلى إِمامٍ مِن أَئمَّةِ الحَديثِ ذي صِفَةٍ عَلِيَّةٍ كالحفظِ [ والفِقهِ ] والضَّبطِ والتَّصنيفِ وغيرِ ذلك من الصِّفاتِ المُقتَضِيَةِ للتَّرجيحِ ؛ كشُعْبَةَ ومالكٍ والثَّوريِّ والشَّافعيِّ والبُخاريِّ [ ومُسلمٍ ] ونحوِهم
__________
(1) هذه اصطلاحات كونه يسمى المتصل لا بد من قيد المسند المتصل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأما المتصل المطلق فهذا يشمل المتصل للنبي صلى الله عليه وسلم والمتصل للصحابي ولكن إذا قيل هذا حديث مسند فالمراد للنبي صلى الله عليه وسلم هذا المعروف عند أئمة الحديث اصطلحوا عليه مثل ما يقال هذا حديث مرفوع(1/81)
فالأوَّلُ وهُو ما ينتَهي إِلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ : العُلُوُّ المُطْلَقُ ، فإِن اتَّفَقَ أَنْ يكونَ سندُهُ صحيحاً ؛ كانَ الغايةَ القُصوى ، وإِلاَّ فَصُورةُ العلوِّ فيهِ موجودةٌ ما لم يكُنْ موضوعاً ؛ [ فهُو ] كالعدَمِ .(1)
والثَّانِي : العُلُوُّ النِّسْبِيُّ : وهُو ما يقلُّ العددُ فيهِ إِلى ذلك الإِمامِ (2)، ولو كانَ العددُ من ذلك الإِمامِ إِلى مُنتهاهُ كَثيراً .
وقد عَظُمَتْ رغبةُ المُتأَخِّرينَ فيهِ ، حتَّى غَلَبَ ذلك على كثيرٍ منهُم ، بحيثُ أَهْمَلوا الاشتِغالَ بما هُو أَهمُّ منهُ .(3)
وإِنَّما كانَ العلوُّ مَرغوباً فيهِ ؛ لكونِه أَقربَ إِلى الصحَّةِ ، وقلَّةِ الخطأِ ؛ لأنَّهُ ما مِن راوٍ مِن رجالِ الإِسنادِ إِلاَّ والخطأُ جائزٌ عليهِ ، فكلَّما كَثُرتِ الوسائطُ وطالَ السَّندُ ؛ كَثُرَتْ مظانُّ التَّجويزِ ، وكلَّما قلَّتْ ؛ قلََّتْ .
فإِنْ كانَ في النُّزولِ مَزِيَّةٌ ليستْ في العلوِّ ؛ كأَنْ يكونَ رجالُه أَوثقَ [ منهُ ] ، أَو أَحفَظَ ، أَو أَفقهَ ، أَو الاتِّصالُ فيهِ أَظهرَ ؛ فلا تردُّدَ في أَنَّ النُّزولَ حينئذٍ أَولى .(4)
__________
(1) إن قل العدد فهذا يسمى العلو سند عالٍ كأن يقال مالك عن نافع عن ابن عمر ، أو الشافعي عن مالك عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال كذا فهذا يسمى عالٍ وإذا رواه الشافعي عن آخرين بسند رباعي أو خماسي فهذا يقال له نازل ولكن العبرة بالثقة واستقامة السند فكم من نازلٍ أصح من عالٍ فإذا اجتمع الأمران عالٍ وصحيح كان ذلك أرفع .
(2) العلو النسبي كأن يرويه بسند قليل إلى مالك أو الشافعي والثوري ونحو ذلك فيرويه عبد الله بن أحمد أو الطبراني إلى مالك بعدد قليل فهذا علو نسبي .
(3) وهذا ليس بجيد والأولى الاشتغال بما ينفع في ثقة الرجال واستقامة الاسانيد هذا ما ينبغي فيه العناية .
(4) وهذا لا شك فيه .(1/82)
وأَمَّا مَن رجَّحَ النُّزولَ مُطلقاً ، واحْتَجَّ بأَنَّ كَثرةَ البحثِ تقتَضي المشقَّةَ ؛ فيعظُمُ الأجْرُ !(1)
فذلك ترجيحٌ بأَمرٍ أَجنبيٍّ عمَّا يتعلَّقُ بالتَّصحيحِ والتَّضعيفِ .
وفيهِ ؛ أي : (( في )) العلوِّ النسبيِّ المُوافَقَةُ (2)، وهي الوصول إلى شيخِ [ أحدِ ] المُصَنِّفينَ مِن غيرِ طريقهِ ؛ أَي : الطَّريقِ التي تصلُ إِلى ذلك المصنِّفِ المُعيَّنِ .
(( و )) مثالُه : روى البُخاريُّ عن قُتيبةَ عن مالكٍ حديثاً ...
فلو رَوَيْناهُ مِن طريقِهِ ؛ كانَ بينَنا وبينَ قُتَيْبَةَ ثمانيةٌ ، ولو رَوْينا ذلك الحَديثَ [ بعينِه ] مِن [ طريقِ ] أَبي العبَّاس السَّرَّاجِ عن قُتيبةَ مثلاً ؛ لكانَ بينَنا وبينَ قُتيبةَ (( مثلاً )) (( فيه سبعةٌ .
فقدْ حَصَلَتْ لنا المُوافقةُ معَ البُخاريِّ في شيخِهِ بعينِهِ معَ عُلوِّ الإِسنادِ [ على الإِسنادِ ] إِليهِ .
وفيهِ ؛ أَي : (( في )) العلوِّ النسبيِّ البَدَلُ ، وهو الوُصولُ إِلى شيخِ شيخِهِ [ كذلكَ ]
كأَنْ يقعَ لنا ذلك الإِسنادُ (( على الإسناد إليه )) بعينِهِ مِن طريقٍ أُخرى إِلى القعنَبِيِّ عن مالكٍ ، فيكونُ القَعْنَبيُّ بَدلاً فيهِ مِن قُتَيْبَةَ .
وأَكثرُ ما يعتَبِرونَ المُوافَقَةَ والبَدَلَ إِذا قارَنَا العُلُّوَّ ، وإِلاَّ ؛ فاسمُ المُوافقةِ والبَدلِ [ واقِعٌ ] بدُونِه .
وفيهِ ؛ أَي : العُلوِّ النسبيِّ المُساواةُ ، وهي: استواءُ عدَدِِ الإِِسنادِِ مِن الرَّاوي إِلى آخِرِهِ ؛ أَي : الإِسنادِ مَعَ إِسنادِ أَحدِ المُصَنِّفينَ .
__________
(1) وهذا صحيح ترجيح النزول لأجل التعب والبحث ليس بشيء إنما العمدة بما يتعلق بحفظ الرجال وثقتهم واتصال السند فهذا هو محل البحث .
(2) فجر الأحد 17 / 5 / 1417 هـ(1/83)
كأَنْ يروِيَ النَّسائيُّ مَثلاً حَديثاً [ يقعُ ] بينَهُ وبينَ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ [ فيهِ ] أَحدَ عشرَ نفساً (1)، فيقعُ لنا ذلك الحديثُ بعينِه بإِسنادٍ آخَرَ إِلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يقعُ بينَنا فيه وبينَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أَحدَ عشرَ نفساً ، فنُساوي النَّسائيَّ مِن حيثُ العددُ معَ قطعِ النَّظرِ عن مُلاحظةِ ذلك الإِسنادِ الخاصِّ .
وفيهِ ؛ أَي : [ في ] العلوِّ النسبيِّ أَيضاً المُصافَحَةُ ، وهي : الاستواءُ مَعَ تِلْميذِ ذلكَ المُصَنِّفِ على الوجْهِ المَشروحِ أَوَّلاً .
وسُمِّيتْ مُصافحةً لأنَّ العادةَ جرتْ في الغالبِ بالمُصافحةِ بينَ مَن تلاقَيا ، ونحنُ في هذهِ الصُّورةِ كأَنَّا لَقينا النَّسائيَّ ، فكأَنَّا صافَحْناهُ .
ويُقابِلُ العُلُوُّ(2) بأَقْسَامِهِ المَذكورةِ النُّزولُ فيكونُ كلُّ قسمٍ مِن أَقسامِ العُلوِّ يُقابِلُهُ قسمٌ مِن أَقسامِ النُّزولِ ؛ [ خِلافاً ] لمَن زعمَ أَنَّ العُلوَّ قد يقعُ غيرَ تابعٍ للنُّزولِ
فإِنْ تَشارَكَ الرَّاوِي ومَنْ روى عَنْهُ في أَمرٍ مِن الأمورِ المتعلِّقَةِ بالرِّوايةِ ؛ مثلِ السِّنِّ واللُّقِيِّ ، و [ هو ] الأخذُ عن المشايخِ ؛ فهُو النُّوعُ الَّذي يُقالُ لهُ : روايةُ الأقْرانِ (3)؛ لأنَّهُ حينئذٍ يكونُ راوياً عن قَرينِهِ .
__________
(1) وهذا يقع أيضاً فقد يروي النسائي أو أبو داود حديثاً فيه أحد عشر نفساً ويأتي من هو دون النسائي بمسافة كأن يكون في القرن الرابع فيرويه من طرق مشايخ معمرين برجال مثل رجال النسائي أحد عشر فتأخر زمانه ووافق النسائي في عدد الرجال وهذا من باب علوم الإسناد التي قد تقع ولا تعلق بالصحة والضعف .
(2) فجر الأحد 24/ 5 / 1417 هـ
(3) لأنهم قد تقاربوا في السن واللقي للمشايخ كأصحاب ابن عباس وأصحاب الزهري ومالك .(1/84)
وإِنْ رَوى كُلِّ مِنْهُما ؛ أَي : القَرينَيْنِ عَنِ الآخَرِ ؛ فهو المُدَبَّجُ (1)، وهو أَخصُّ مِن الأوَّلِ ، فكلُّ مُدَبَّجٍ أَقرانٌ ، وليسَ كلُّ أَقرانٍ مدبَّجاً .
وقد صنَّفَ الدَّارقطنيُّ في ذلك ، وصنَّف أَبو الشيخِ الأصبهانيُّ في الَّذي قبلَه .
وإِذا روى [ الشَّيخُ ] عن تلميذِهِ صَدَق أَنَّ كلاًّ منهُما يروي عنِ الآخَرِ ؛ فهل يُسمَّى مُدبَّجاً ؟
فيهِ بحثٌ ، والظَّاهرُ : لا ؛ لأنَّهُ مِن [ روايةِ ] الأكابِرِ عَنِ الأصاغِرِ ، والتَّدبيجُ مأْخوذٌ مِن دِيباجَتَيِ الوجهِ ، فَيَقْتَضِي أَن يكونَ [ ذلك ] مُستوِياً مِن الجانبَيْنِ ، فلا يجيءُ فيهِ هذا .
وإِنْ رَوى الرَّاوي عَمَّنْ [ هُو ] دُونَهُ في السنِّ أَو (( في )) اللُّقيِّ أَو في المِقدارِ ؛ فهذا النَّوعُ هو روايةُ الأكابِرُ عَنِ الأصاغِرِ .
ومِنهُ ؛ أَي : (( و )) مِن جُملةِ هذا النَّوعِ – وهو أَخصُّ مِن مُطلَقِهِ – روايةُ الآباءُ عَنِ الأبْناءِ ، والصَّحابةِ عنِ التَّابعينَ ، والشَّيخِ عن تلميذِهِ ، ونحوِ ذلك .
وفي عَكْسِهِ كَثْرَةٌ ؛ لأنَّهُ هُو الجادَّةُ المسلوكةُ الغالبةُ (2)
[ ومِنْهُ: مَنْ رَوى عَنْ أَبيهِ عَنْ جَدِّهِ
وفائدةُ معرِفَةِ ذلك : التَّمييزُ بينَ مراتِبِهِم ، وتَنْزيلُ النَّاسِ منازِلَهُم .
وقد صنَّفَ الخَطيبُ في راويةِ الآباءِ عنِ الأبناءِ تصنيفاً ، وأَفردَ جُزءاً لطيفاً في روايةِ الصَّحابةِ عن التَّابِعينَ .
__________
(1) وهو اصطلاح لهم .
(2) وهذا هو القاعدة والمشهور .(1/85)
وجَمَعَ الحافظُ صلاحُ الدِّينِ العَلائيُّ – مِن المتأَخِّرينَ – مُجلَّداً [ كبيراً ] في معرفةِ مَن روى عن أَبيهِ عن جدِّهِ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ [ وآلهِ ] وسلَّمَ (1)، وقسَّمهُ أَقساماً ، فمنهُ ما يعودُ الضَّميرُ في قولِه : (( عن جدِّهِ )) على الرَّاوي ، ومنهُ ما يعودُ الضَّميرُ فيهِ على أَبيهِ ، وبيَّن ذلك ، وحقَّقَهُ ، وخرَّج في كلِّ ترجمةٍ حديثاً مِن مرويِّهِ .
وقد لخَّصتُ كتابَه المذكورَ ، وزِدْتُ عليهِ تراجِمَ كثيرةً جدّاً ، وأَكثرُ ما وقعَ فيهِ ما تسلْسَلَتْ فيهِ الرِّاويةُ عن الآباءِ بأَربعةَ عشر أَباً .
وإِنْ اشْتَرَكَ اثْنَانِ عَنْ شَيْخٍ(2) ، وتَقَدَّمَ مَوْتُ أَحَدِهِما على الآخَرِ ؛ فهُوَ : السَّابِقُ واللاَّحِقُ .(3)
وأَكثرُ ما وَقَفْنا عليهِ مِن ذلك ما بينَ الرَّاوْيَيْنِ فيهِ في الوفاةِ مئةٌ وخَمْسونَ سنةً ، وذلك أَنَّ الحافظَ السِّلفيَّ سمِعَ منهُ أَبو عليٍّ البَرْدانيُّ– أَحدُ مشايخِهِ – حَديثاً ، ورواهُ عنهُ ، وماتَ على رأَسِ الخَمْسِ مئةٍ .
[ ثمَّ ] كانَ آخِرُ أَصحابِ السِّلفيِّ بالسَّماعِ سِبْطَهُ أَبا القاسمِ عبدَ الرحمنِ بن مَكِّيٍّ ، وكانتْ وفاتُه سنةَ خمسينَ وستِّ مئةٍ .
__________
(1) مثل عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وبهز بن حكيم عن أبيه عن جده ، فبهز بن حكيم عن أبيه أبي بهز عن جده أي جد بهز ، وعمرو بن شعيب عن أبيه أي شعيب ، ( عن جده ) يعني جد شعيب وليس جد عمرو .
(2) فجر الأحد 1 / 6 / 1417هـ
(3) وهذا اصطلاح لهم .(1/86)
ومِن قديمِ ذلك أَنَّ البُخاريَّ حدَّثَ عن تِلميذِهِ أَبي العبَّاسِ السَّرَّاجِ شيئاً في التَّاريخِ وغيرِه ، وماتَ سنةَ ستٍّ وخمسينَ ومئتينِ ، وآخِرُ مَن حدَّثَ عن السَّرَّاجِ بالسَّماعِ أَبو الحُسينِ الخَفَّافُ ، وماتَ سنةَ ثلاثٍ وتسعينَ وثلاثِ مئةٍ .(1)
وغالِبُ ما يقعُ مِن ذلك أَنَّ المسموعَ منهُ قد يتأَخَّرُ بعدَ [ [ موتِ ] [ أَحدِ ] (( أخذ )) الرَّاويينِ عنهُ زماناً ، حتَّى يسمَعَ منهُ بعضُ الأحداثِ ويعيشَ بعدَ السَّماعِ منهُ دَهْراً طويلاً ، فيحْصُلُ مِن مجموعِ ذلك نَحْوُ هذهِ المدَّةِ ، واللهُ الموفِّقُ
وإِنْ رَوى الرَّاوي عَنِ اثْنَيْنِ مُتَّفِقَيِ الاسْمِ ، أَو معَ اسمِ الأبِ ، أَو معَ اسمِ الجدِّ ، أَو معَ النِّسبةِ ، ولَمْ يَتَمَيَّزا بما يخُصُّ كُلاًّ منهُما ، فإِنْ كانا ثقَتَيْنِ لم يَضُرَّ .
ومِن ذلكَ ما وقَعَ في البُخاريِّ مِن روايتِه عن أَحمدَ – غيرَ مَنسوبٍ – عن [ ابنِ ] وَهْبٍ ؛ فإِنَّهُ إِمَّا أَحمدُ بنُ صالحٍ ، أَوأَحمدُ بنُ عيسى ، أَو : عن محمَّدٍ – غيرَ منسوبٍ – عن أَهلِ العراقِ ؛ فإِنَّهُ إِمَّا محمَّدُ بنُ سَلاَمٍ أَو محمَّدُ بنُ يَحْيى الذُّهليُّ .
وقدِ استَوْعَبْتُ ذلك في مقدِّمةِ (( شرحِ البُخاريِّ ))
ومَن أَرادَ لذلك ضابِطاً كُلِّيّاً يمتازُ بهِ أَحدُهما عنِ الآخَرِ ؛ فباخْتِصاصِهِ ؛ [ أَي [ الشيخِ المرويِّ عنهُ ] الراوي بأَحَدِهِما يَتَبَيَّنُ المُهْمَلُ .(2)
__________
(1) وهذه فوائد ليس لها أهمية من جهة الصحة إنما هي فوائد تاريخية وهذا لا يترتب عليه حكم .
(2) إذا اشتبها فينظر لشدة اتصاقه بالآخر واجتماعه به يغلب على الظن أنه عن فلان إذا كان يتميز اتصاله بأحد التلميذين أو الشيخين تجعله يتميز عن الآخر .(1/87)
ومتى لم يتَبَيَّنْ ذلك ، أَو كانَ مختَصّاً بهما معاً ؛ فإشكالُه شديدٌ ، فيُرْجَعُ فيهِ إِلى القرائنِ ، والظَّنِّ الغالِبِ (1).
وإِنْ روى عن شيخٍ حَديثاً ؛ فجَحَدَ الشيخُ مَرْوِيَّهُ .
فإِنْ كانَ جَزْماً – كأَنْ يقولَ : كذِبٌ عليَّ ، أَو : ما روَيْتُ هذا ، أَو نحوَ ذلك – ، فإِنْ وقعَ منهُ ذلك ؛ رُدَّ ذلك الخبرُ لِكَذِبِ واحِدٍ منهُما ، لا بِعَيْنِه .
ولا يكونُ ذلك قادِحاً في واحدٍ منهُما للتَّعارُضِ(2) .
[ أَوْ ] كانَ جَحَدَهُ احْتِمالاً ، كأَنْ يَقولَ : ما أَذْكُرُ هذا ، أَو: لا أَعْرِفُهُ ؛ قُبِلَ ذلك الحَديثُ في الأصَحِّ ؛ لأَنَّ ذلك يُحْمَلُ على نِسيانِ الشَّيخِ ، وقيلَ : لا يُقْبَلُ ؛ لأنَّ الفرعَ تَبَعٌ للأصلِ في إِثباتِ الحَديثِ ، [ بحيثُ ] إِذا ثَبَتَ أَصلُ الحَديثِ ؛ ثَبَتَتْ روايةُ الفرعِ ، فكذلكَ ينْبَغي أَنْ يكونَ فرعاً عليهِ وتَبَعاً لهُ في التَّحقيقِ
__________
(1) إذا كان أحدهما ثقة والآخر غير ثقة واشتبه الأمر يكون الحديث معلول حينئذٍ فلا يحتج به حتى يتميز ويتبين من هو شيخه هل هو الثقة أو الضعيف .
(2) إذا جحد الشيخ مرويه جازماً أنه ما روى هذا الحديث فلا يقبل هذا الحديث لأجل الشك في صحته وإن كانا ثقتين وقال بعض أهل العلم يقبل إذا كانا ثقتين لأن الشيخ قد ينسى ويجزم بعدم الرواية فإذا كانا ثقتين فالصواب أنه يقبل وإن قال الشيخ ما حدثته لأن الإنسان يغلب عليه النسيان ، أما إذا قال نسيت فلا يضر الراوي الثقة ، فإذا روى الزهري عن سعيد بن المسيب أو عن غيره وقال سعيد لا أذكر أني حدثت الزهري بهذا فقول الزهري مقبول والصحيح ولو جزم سعيد أنه لم يحدثه لأنه قد ينسى ، وهكذا اشباههم وهذا قد يقع بين التلميذ وشيخه فإذا كانا جميعاً ثقتين فإن صرح الشيخ بالنسيان فلا يضر وإن جزم ولم يصرح بالنسيان فهذا محل البحث والأظهر والأقرب أنه يقبل ويحمل كلام الشيخ على النسيان .(1/88)
وهذا مُتَعَقَّبٌ بأَنَّ عدالَةَ الفرعِ تقتَضي صِدْقَهُ(1)، وعدمُ عِلْمِ الأصلِ لا يُنافيهِ ، فالمُثْبِتُ مقدَّمٌ على النَّافي .
وأَمَّا قياسُ ذلك بالشَّهادةِ ؛ ففاسِدٌ ؛ لأنَّ شهادةَ الفرعِ لا تُسْمَعُ معَ القُدرةِ على شَهادةِ الأَصلِ ؛ بخلافِ الرِّوايةِ ، فافْتَرَقَا .
وفيهِ ؛ أَي : (( و في هذا النَّوعِ صنَّفَ الدَّارقطنيُّ [ كِتابَ ] (( مَنْ حَدَّثَ ونَسِيَ )) ، وفيه ما يدلُّ على تَقْوِيَةِ المذهب الصَّحيحِ لكونِ كثيرٍ مِنهُم حدَّثوا بأَحاديثَ [ أَوَّلاً ] فلمَّا عُرِضَتْ عليهِم ، لم يتذكَّروها ، لكنَّهُم – لاعْتِمادِهم على الرُّواةِ عنهُم – صارُوا يروونَها عنِ الَّذينَ رَوَوْها عنهُم عن أَنْفُسِهِم .
كحَديثِ سُهَيْلِ بنِ [ أَبي ] صالحٍ عن أَبيهِ عن أَبي هُريرةَ – مرفوعاً – في قِصَّةِ الشَّاهِدِ واليَمينِ .
قالَ عبدُ العزيزِ بنُ محمَّدٍ الدَّراوَردِيُّ : حدَّثني بهِ ربيعةُ بنُ أَبي عبدِ الرحمنِ عن سُهيلٍ ؛ قالَ : فلقيتُ سُهيلاً ، فسأَلتُه عنهُ ؟ فلم يَعْرِفْهُ ، فقلتُ (( له )): إِنَّ ربيعةَ حدَّثني عنكَ بكذا ، فكانَ سُهَيْلٌ بعدَ ذلك يقولُ : حدَّثني ربيعةُ عنِّي أَنِّي حدَّثتُه عن أَبي بهِ(2) . ونظائِرُهُ كثيرةٌ .
__________
(1) وهذا هو الصواب فالثقة في الفرع تمنع الشك وطبيعة ابن آدم الشك والنسيان فما دام الطالب ثقة فلا يضر .
(2) وهذا من الإنصاف إذا وثق الشيخ بالتلميذ حدث عنه بذلك لأن الشيخ يقع له النسيان فلا يمنع من ذلك كون التلميذ ثقة يكون شيخاً له فيقول حدثنى فلان أني حدثته بكذا كما وقع لسهيل وهذا يقع في كل وقت .(1/89)
وإِنْ اتَّفَقَ الرَّواةُ في إِسنادٍ مِن الأسانيدِ في صِيَغِ الأَداءِ(1) ؛ [ كـ : سمعتُ فلاناً ، قالَ : سمعتُ فُلاناً ... أَوْ : حدَّثنا فُلانٌ ؛ [ قالَ : حدَّثنا فُلانٌ ] و غيرِ ذلك من الصِّيَغِ ، أَوْ غَيْرِها مِن الحالاتِ القوليَّةِ ] ؛ كـ : سمعتُ فلاناً يقولُ : أُشْهِدُ اللهَ لقد حدَّثَني فلانٌ ... إِلخ ، أَو الفِعليَّةِ ؛ كقولِه : دَخَلْنا على فُلانٍ ، فأَطْعَمَنا تَمراً ... إِلخ ، أَو القوليَّةِ والفِعليَّةِ معاً ؛ كقولِه : حدَّثَني فلانٌ و [ هُو ] آخِذٌ بلحْيَتِه ؛ قالَ : [ آمنْتُ ] بالقَدَرِ ... إلخ؛ فهُو : المُسَلْسَلُ(2) ، وهو مِن صفاتِ الإِسنادِ
وقد يقعُ التَّسلسُلُ في معظمِ الإِسنادِ ؛ كحديثِ المُسَلْسَلِ بالأوَّليَّةِ ، فإِنَّ السِّلْسِلَةِ تنْتَهي فيهِ إِلى سُفيانَ بنِ عُيينَةَ فقط ، ومَن رواهُ مُسلْسَلاً إِلى منتهاهُ ، فقد وَهِمَ .
وصِيَغُ الأدَاءِ المشارُ إِليها على ثمانِ مراتِبَ :(3)
الأولى : سَمِعْتُ وحَدَّثَني .
ثمَّ : أخْبَرَني وقرَأْتُ عليهِ ؛ وهي المرتبةُ الثَّانيةُ .
ثمَّ : قُرِئَ عَلَيْهِ وأَنا أَسْمَعُ ، وهي الثالثةُ .
__________
(1) فجر الأحد 8 / 6 / 1417 هـ
(2) هذا بيان المسلسل فإذا اتفق الرواة في صفة قولية أو فعلية أو مشتركة بين القول والفعل فهذا يسمى المسلسل وهذه من صفات الإسناد التي تقع للرواة لا يتعلق بها صحة أو ضعف .
(3) هذه صيغ الأداء التي يتعاطاه المحدثون أولها وأصرحها حدثني وسمعت والثانية أخبرنا وحدثنا فيكون معه غيره والثالثة قريء عليه وأنا أسمع وهذه كلها من صيغ الأداء بين المحدثين .(1/90)
ثمَّ : أَنْبَأَني ، وهي الرَّابعةُ .(1)
ثمَّ : ناوَلَني ، وهي الخامسةُ (2).
ثمَّ : شافَهَني ؛ أَي : بالإِجازةِ ، وهي السَّادسةُ .
(3)ثمَّ : كَتَبَ إِليَّ ؛ [ أَي ] : بالإِجازةِ ، وهي السَّابعةُ .
ثمَّ : عَنْ ونَحْوُها مِن الصِّيغِ المُحْتَمِلةِ للسَّماعِ والإِجازةِ ولِعدمِ السَّماعِ أَيضاً (4)، وهذا مثلُ : قالَ ، وذكرَ ، وروى .
فاللَّفظانِ الأوَّلانِ مِن صيغِ الأداءِ ، وهُما : سمعتُ ، وحدَّثني صالِحانِ لمَن سَمِعَ وَحْدَهُ مِن لَفْظِ الشَّيْخِ .
وتَخْصيصُ التَّحديثِ بما سُمِعَ مِن لفظِ الشَّيخِ هو الشَّائعُ بينَ أَهلِ الحَديثِ اصطِلاحاً .(5)
__________
(1) أنبأني بمعنى أخبرني لكنها قد يظن بعض الناس إنها إجازة فلهذا صارت أضعف وهي عند الأولين بمعنى واحد أنبأني وأخبرني فلهذا صارت أضعف ولكنها عند المتأخرين صار لهم في الإنباء اصطلاح في الإجازة وإلا فالصواب أن أنبأنا من جنس أخبرنا .
(2) يعني ناولني الكتاب الذي فيه الحديث .
(3) يعني قال له مشافهة ( حدث عني بهذا الشيء )
(4) وهذه الثامنة ( عن ) وهي أضعفها لأنها تحتمل السماع وتحتمل عدم السماع فعن وقال وذكر فلان هي أدنى المراتب لأنها محتملة للسماع وعدمه .
(5) اشتهر عندهم إنه إذا جمع هو مع غيره حدثنا وأخبرنا ، وقد يقوله الإنسان ولو لم يكن معه أحد تسامحاً حدثنا مالك أخبرنا أحمد وليس عنده أحد لكن الغالب أن الواحد يقول حدثني متواضعاً ، أخبرني لكن قد يتسامح من دون قصد التكبر والرياء فيقول حدثنا أخبرنا فلان وهو واحد .(1/91)
(1)ولا فرقَ بينَ التَّحديثِ والإِخبارِ مِن حيثُ اللُّغةُ ، وفي ادِّعاءِ الفرقِ بينَهما تكلُّفٌ شديدٌ (2)، لكنْ لمَّا ( صار ) تقرَّر الاصطلاحُ صارَ ذلك حقيقةً عُرفيَّةً ، فتُقَدَّمُ على الحقيقةِ اللُّغويةِ ، معَ أَنَّ هذا الاصطلاحَ [ إِنَّما ] شاعَ عندَ المَشارِقَةِ ومَن تَبِعَهُم ، وأَمَّا غالِبُ المَغارِبَةِ ؛ فلمْ يستَعْمِلوا هذا الاصطِلاحَ ، بل الإِخبارُ والتَّحديثُ عندَهُم بمعنىً واحدٍ .(3)
فإِنْ جَمَعَ الرَّاوي ؛ أي : أَتى بصيغةِ الجَمْعِ [ في الصِّيغةِ ] الأولى ؛ كأَنْ يقولَ : حدَّثَنا فلانٌ ، أَو : سَمِعْنا فلاناً يقولُ : ؛ فهُو دليلٌ على أَنَّه سَمِعَ منهُ مَعَ غَيْرِهِ ، وقد تكونُ النُّونُ للعظمةِ لكنْ بقلَّةٍ .(4)
وأوَّلُها أَي(5): [ صيغُ ] المراتِبِ أَصْرَحُها ؛ أَي : أَصرحُ صِيغِ الأَداءِ في سماعِ قائلِها ؛ لأنَّها لا تحتَمِلُ الواسِطةَ ، ولأنَّ (( حدَّثني )) قد يُطْلَقُ في الإِجازةِ تدليساً .
وأَرْفَعُها مِقداراً ما يقعُ في الإِمْلاءِ لما فيهِ مِن التثبُّتِ والتحفُّظِ .
والثَّالِثُ ، وهو أَخبَرَني .
والرَّابِعُ ، وهو قرأْتُ (( عليه )) لِمَنْ قَرَأَ بِنَفْسِهِ على الشَّيخِ .
فإِنْ جَمَعَ كأَنْ يقولَ : أَخْبَرَنا ، أَو : قَرَأْنا عليهِ ؛ فهو كالخامِسِ ، وهو : قُرىءَ عليهِ وأَنا أَسمعُ .
__________
(1) بداية الشريط الخامس .
(2) وهذا هو الصواب فالتحديث والإنباء والأخبار من حيث اللغة شيء واحد
(3) وهذا هو الأصل أنهما شيء واحد إلا إذا اصطلح قوم فلا بأس فإذا اصطلح قوم فقالوا حدثنا بمعنى السماع وإذا قالوا أخبرنا وأنبانا فمعناه إجازة فلهم اصطلاحهم .
(4) لكن قد لا يكون المقصد الرياء ولا التفاخر لكن قد يتسامح في العبارة فيقول حدثنا وأخبرنا وليس معه أحد .
(5) فجر الأحد 15 / 6 / 1417 هـ(1/92)
وعُرِفَ مِن هذا أَنَّ التَّعبيرَ بـ (( قرأتُ )) لمَن قرأَ خيرٌ مِن التَّعبيرِ بالإِخبارِ ؛ لأنَّهُ أَفصحُ بصورةِ الحالِ .
تنبيهٌ : القراءةُ على الشَّيخِ أَحدُ وجوهِ التحمُّلِ عندَ الجُمهورِ .
وأَبعدَ مَن أَبى ذلك مِن أَهلِ العِراقِ ، وقد اشتدَّ إِنكارُ الإِمامِ مالكٍ وغيرِهِ مِن المدنيِّينَ عليهِم في ذلك ، حتَّى بالغَ بعضُهُم فرجَّحَها على السَّماعِ مِن لفظِ الشَّيخِ !
وذهَبَ جمعٌ [ جمٌّ ] منهُم البُخاريُّ ، وحكاهُ في أَوائلِ (( صحيحِهِ )) عن جماعةٍ مِن الأئمَّةِ – إِلى أَنَّ السَّماعَ مِن لفظِ الشَّيخِ والقراءَةَ عليهِ يعني في الصِّحَّةِ والقُوَّةِ [ سواءً ] ، واللهُ أَعلمُ .(1)
والإِنْباءُ من حيثُ اللُّغةُ واصطلاحُ المتقدِّمينَ بمعْنَى الإِخْبارِ ؛ إِلاَّ في عُرْفِ المُتَأَخِّرينَ ؛ فهُو للإِجازَةِ ؛ كـ (( عن )) لأنَّها في عُرفِ المتأَخِّرينَ للإِجازةِ .(2)
__________
(1) وهذا كله متقارب فمن أنكر أن القراءة تقتضي السماع فقد أبعد النجعة فهي صريحة في السماع ولهذا ذكر البخاري وجماعة أنها من جنس سمعت في المعنى فحدثني وسمعت وأخبرني وقرأت كلها متقاربة في أنه سمع منه وليس هناك شك في أنه سمع منه والكلام في هذا لمن كان ثقة يعتمد عليه إذا قال حدثنى وأخبرني أما الضعفاء والكذابون فغير داخلون في هذا .
(2) الإنباء من جنس أخبرني عند المتقدمين ولكن للاحتمال صارت بعده وإلا فهي من جنس أخبرني لأن أنباء أخبر وهكذا قريء عليه وأنا أسمع من جنس أخبرني ومن جنس قرأت عليه إلا أنها دونها قليلاً لأنه قال قريء عليه وأنا أسمع ولم يقل قرأت عليه والمعنى متقارب في السماع(1/93)
وعَنْعَنَةُ المُعاصِرِ مَحْمولَةٌ عَلى السَّماعِ (1)؛ بخلافِ غيرِ المُعاصِرِ ؛ فإِنَّها تكونُ مُرسَلةً ، أَو مُنقطِعَةً ، فشرْطُ حمْلِها [ على السَّماعِ ] ثُبوتُ المُعاصرةِ ؛ إِلاَّ مِنْ مُدَلِّسٍ ؛ فإِنَّها ليستْ محمولةً على السَّماعِ .
وقيلَ : يُشْتَرَطُ في حملِ عنعَنَةِ المُعاصرِ على السَّماعِ ثُبوتُ لِقائِهِمَا أَيْ : الشيخِ والرَّاوي عنهُ ، ولَوْ مَرَّةً واحدةً ليَحْصُلَ الأمنُ [ في ] باقي العنعَنَةِ عن كونِهِ مِن المُرسلِ الخفيِّ ، وهُو المُخْتارُ ؛ تبعاً لعليِّ بنِ المَدينيِّ والبُخاريِّ وغيرِهما مِن النُّقَّادِ .(2)
__________
(1) عنعنة المعاصر محمولة على السماع لأنه ثقة والثقة مفروغ فيه أنه إذا قال عن فلان فلا واسطة إلا المدلس فلا بد من التصريح إلا إذا جاء ما يدل على سماعه ، فإذا روى المعاصر عن معاصره فهي محمولة على السماع كما اعتمد ذلك مسلم رحمه الله ، وعند البخاري وجماعة يقولون لا بد من تأكد اللقي وأن يصرح في بعض الروايات أنه لقيه وسمع منه فتحمل بقية الروايات على هذا فإن لم يصرح فلا تحمل على السماع بل هو منقطع حتى يصرح بالسماع .
(2) اختار هذا البخاري وعلي بن المديني وجماعة فقالوا لا بد من اللقي ولو مرة يصرح بالسماع حتى تطمئن النفوس ويعلم أنه لقيه ولو كان معاصراً ولو كان في بلده حتى يصرح في بعض الروايات بقوله سمعت أو حدثني وهذا قول قوي جيد ولكن كونه شرط محل نظر لأن الثقة إذا قال : قال فلان عن فلان المفروض فيه أنه قاله عن سماع ، فما دام الحديث عن الثقات والأئمة فلا يظن بهم التدليس إلا بدليل .(1/94)
وأَطْلَقُوا المُشافَهَةَ في الإِجازَةِ المُتَلَفَّظِ بِها تجوُّزاً.(1)
[ وَكذا المُكاتَبَةَ ] في الإِجازَةِ المَكْتُوبِ بِها، وهُو موجودٌ في عِبارةِ كثيرٍ مِن المُتأَخِّرينَ؛ بخلافِ المُتقدِّمينَ، فإِنَّهُم إِنَّما يُطلِقونَها فيما كتَبَ بهِ الشَّيخُ مِن الحديثِ إِلى الطَّالبِ، سواءٌ أَذِنَ لهُ في رِوايتِه أَم لا، لا فيما إذا كتَبَ إِليهِ بالإِجازةِ فقطْ.
واشْتَرَطُوا في صِحَّةِ الرِّوايةِ بالمُناوَلَةِ (2)اقْتِرانَها بالإِذْنِ بالرِّوايةِ ، وهِيَ إذا حَصَلَ هذا الشَّرطُ أَرْفَعُ أَنْواعِ الإِجازَةِ ؛ لما فيها مِن التَّعيينِ والتَّشخيصِ .
وصورَتُها : أَنْ يَدْفَعَ الشَّيخُ أَصلَهُ أَو ما قامَ مَقامَهُ للطَّالِبِ ، أَو يُحْضِرَ الطَّالِبُ الأَصْلَ للشَّيخِ ، ويقولَ لهُ في الصُّورتينِ : هذا رِوايَتي عنْ فلانٍ فارْوِهِ عنِّي .
وشَرْطُهُ أَيضاً : أَنْ يُمَكِّنَهُ منهُ ؛ إِمَّا بالتَّمليكِ ، وإِمَّا بالعاريَّةِ ، لِيَنْقُلَ منهُ ، ويُقابِلَ عليهِ (3)، وإِلاَّ ؛ ( و ) إِنْ ناوَلَهُ واستردَّ (( منه )) في الحالِ فلا تُتَبَيَّنُ [ أَرفعيَّتُهُ ، لكنَّ ] لها زيادةَ مَزيَّةٍ على الإِجازةِ المعيَّنَةِ ، وهيَ أَنْ يُجيزَهُ الشَّيخُ بروايةِ كتابٍ معيَّنٍ ، ويُعَيِّنَ لهُ كيفيَّةَ روايتِهِ لهُ .
__________
(1) أطلقوا شافهني أو كتب إلي في الإجازة ، كتب إلي تروي عني صحيح البخاري أو صحيح مسلم أو شافهه بذلك فهذه إجازة وهذا عند المتأخرين وأما عند المتقدمين شافهته بكذا أو كتبت إليه بكذا فهو من جنس السماع لكنه اصطلاح فقط ، والمقصود من هذا كله ينبغي اعتبار اصطلاح القوم فيما يعبرون عنه بالكتابة والإجازة .
(2) فجر الأحد 22 / 6 / 1417 هـ
(3) حتى يتمكن من روايته عنه .(1/95)
وإِذا خَلَتِ المُناولَةُ عن الإِذنِ ، لم يُعْتَبَرْ بها عندَ الجُمهورِ .(1)
وجَنَحَ مَنِ اعْتَبَرَها إِلى أَنَّ مُناولَتَهُ إِيَّاهُ [ تقومُ مقامَ إرسالِهِ إليهِ ] بالكتابِ مِن بلدٍ إِلى بلدٍ .
وقد ذهَبَ إِلى صحَّةِ الرِّوايةِ بالمُكاتبةِ المُجرَّدةِ جماعةٌ مِن الأئمَّةِ ، و [ لو ] لم يقتَرِنْ ذلك بالإِذنِ بالرِّوايةِ ؛ كأَنَّهُم اكْتَفَوْا في ذلك بالقرينةِ .
ولمْ يَظْهَرْ لي فرقٌ قويٌّ بينَ مُناولةِ الشَّيخِ الكِتابَ [ مِن يدهِ ] للطَّالبِ ، وبينَ إِرسالِهِ [ إِليهِ ] بالكتابِ مِن موضعٍ إِلى آخَرَ ، إِذا خَلا كلٌّ منهُما عن الإِذنِ .(2)
وكَذا اشْتَرَطُوا الإِذْنَ في الوِجَادَةِ ، وهي : أَنْ يَجِدَ بخطٍّ يعرِفُ كاتِبَهُ ، فيقولُ : وجَدْتُ بخطِّ فلانٍ ، ولا يسوغُ فيهِ إِطلاقُ : أَخْبَرَني ؛ بمجرَّدِ ذلك ، إِلاَّ إِنْ كانَ لهُ منهُ إِذنٌ بالرِّوايةِ عنهُ .
وأَطلقَ قومٌ ذلك فغَلِطوا .(3)
وَكذا الوَصِيَّةُ بالكِتَابِ ، وهي أَنْ يُوصِيَ عندَ موتِه أَو سفرِهِ لشخْصٍ معيَّنٍ بأَصلِه أَو بأُصولِهِ ؛ فقد قالَ قومٌ مِن الأئمَّةِ المتقدِّمينَ : يجوزُ لهُ أَنْ يروِيَ تلكَ الأصولَ عنهُ بمجرَّدِ (( هذه )) الوصيَّةِ !
وأَبى ذلك الجُمهورُ ؛ إِلاَّ إِنْ كانَ لهُ منهُ إِجازةٌ .(4)
__________
(1) لأنه قد يعطيه ولا يأذن له في الرواية لأنه ليس أهلاً للرواية بعض الناس مغفل لا يصلح أن يؤذن له في الرواية فيستفيد ولا يروي .
(2) لا فرق فلا بد من الإذن .
(3) ولا شك أن هذا غلط فإذا وجد كتاباً له يعلم أنه كتابه فليس له أن يقول حدثني وسمعت وأخبرني بل يقول وجدت في كتاب فلان كذا وكذا .
(4) وهذا هو الصحيح لأنه قد لا يكون أهلاً للرواية .(1/96)
وَكذا شَرَطوا الإِذْنَ بالرِّوايةِ في الإِعْلامِ ، وهُو أَنْ يُعْلِمَ الشَّيخُ أَحدَ الطَّلبةِ بأَنَّني أَروي الكِتابَ الفُلانيَّ عن فُلانٍ ، فإِنْ كانَ لهُ منهُ إِجازةٌ [ اعْتبرَ ] ، وإِلاَّ ؛ فلا عِبْرَةَ بذلك ؛ كالإِجَازَةِ العَامَّةِ في المُجازِ لهُ ، لا [ في ] المُجازِ بهِ ، كأَنْ يقولَ : أَجَزْتُ ( به ) لجَميعِ المُسلمينَ ، أَو : لمَنْ أَدْرَكَ حَياتِي ، أَو : لأَهْلِ الإِقليمِ الفُلانيِّ ، أَو : لأهْلِ البَلدةِ الفُلانيَّةِ
وهُو أَقربُ إِلى الصِّحَّةِ ؛ لقُرْبِ الانحصارِ .
وَكذلك [ الإِجازةُ ] للمَجْهُولِ ؛ كأَنْ يَكونَ مُبْهَماً أَوْ مُهْملاً .(1)
وَكذلك الإِجازةُ للمَعْدومِ ؛ كأَنْ يَقولَ : أَجَزْتُ لِمَنْ سَيولَدُ لِفُلانٍ
[ و[ قد ] قيل : إن عطفَهُ علَى مَوجودٍ ؛ صحَّ ؛ كأَنْ يقولَ : أَجَزْتُ لكَ ، ولِمَنْ سيُولَدُ لكَ ] ، والأقرَبُ عدَمُ الصحَّةِ أَيضاً .
وكذلك الإِجازةُ لموجودٍ أَو معدومٍ عُلِّقَتْ بشَرْطِ [ مشيئةِ ] [ الغيرِ ؛ كأَنْ يقولَ : أَجَزْتُ لكَ إِنْ شاءَ فلانٌ ، [ أَو : أَجزتُ لمَن شاءَ فُلانٌ ] ، لا أَنْ يقولَ : أَجزْتُ لك إِنْ شئْتَ ( فإن هذا تجوز )
وهذا على الأصَحِّ في جَميعِ ذلكَ .
وقد جَوَّزَ الرِّوايةَ بجَميعِ ذلك سِوى المَجْهولِ(2)– ما لم يَتَبَيَّنِ المُرادُ منهُ – الخَطيبُ، وحَكاهُ عن جَماعةٍ مِن مشايخِهِ
واستَعْمَلَ الإِجازةَ للمَعدومِ مِن القُدماءِ أَبو بكرِ بنُ أَبي دَاودَ ، و [ أَبو ] عبدِ اللهِ بنُ مَنْدَه .
واستَعْمَلَ المُعَلَّقةَ منهُم أَيضاً أَبو بكرِ بنُ أَبي خَيْثَمَة .
وروى بالإِجازةِ العامَّةِ جَمعٌ كَثيرٌ، جَمَعَهُم بعضُ الحُفَّاظِ في كِتابٍ، ورتَّبَهُم على حُروف المعجَمِ لكَثْرَتِهم.
__________
(1) فلا بد أن يكون المجاز معلوم .
(2) وهذا مثل الإجازة العامة .(1/97)
وكلُّ ذلك – كما قالَ ابنُ الصَّلاحِ – توسُّعٌ غيرُ مَرْضِيٍّ(1)؛ لأنَّ الإِجازةَ الخاصَّةَ المعيَّنَةَ مُخْتَلَفٌ في صحَّتِها اختِلافاً قويّاً عندَ القُدماءِ ، وإِنْ كانَ العملُ (( قد )) استقرَّ على اعْتبارِها عندَ المتأَخِّرينَ ، فهِيَ دونَ السَّماعِ } بالاتِّفاقِ ، فكيفَ إِذا حصَلَ فيها الاسترسالُ المَذكورُ ؟! فإِنَّها تَزدادُ ضَعفاً ، لكنَّها في الجُملةِ خيرٌ مِن إِيرادِ الحَديثِ مُعْضلاً ، واللهُ (( تعالى )) أَعلمُ .
[ و ] إِلى هُنا انْتَهى الكلامُ في [ أَقسامِ ] صِيَغِ الأداءِ .
ثمَّ الرُّواةُ (2)؛ إِنِ اتَّفَقَتْ أَسماؤهُمْ وأَسْماءُ آبائِهِمْ فَصاعِداً ، واخْتَلَفَتْ أَشْخَاصُهُمْ ، سواءٌ اتَّفَقَ في ذلك اثْنانِ مِنهُم أَمْ أَكثرُ ، وكذلك إِذا اتَّفَقَ اثْنانِ فصاعِداً في الكُنيةِ والنِّسبةِ ؛ فهُو النَّوعُ الذي يُقالُ لهُ : المُتَّفِقُ والمُفْتَرِقُ .(3)
وفائدةُ معرفَتِه : خَشْيَةُ أَنْ يُظَنَّ الشَّخصانِ شَخْصاً واحِداً .
وقد صنَّفَ فيهِ الخَطيبُ كتاباً حافِلاً . وقد لخَّصْتُهُ وزِدْتُ عليهِ أَشياءَ كثيرةً
وهذا عَكسُ ما تقدَّمَ مِن النَّوعِ المسمَّى بالمُهْمَلِ ؛ لأنَّهُ يُخْشى منهُ أَن يُظَنَّ الواحِدُ اثنَيْنِ ، وهذا يُخْشى منهُ أَنْ يُظَنَّ الاثنانِ واحِداً .
وإِنِ اتَّفَقَتِ الأَسْماءُ خَطّاً واخْتَلَفَتْ نُطْقاً سواءٌ كانَ مرجِعُ الاختلافِ النَّقْطَ أَم الشَّكْلَ ؛ فهُو :المُؤتَلِفُ والمُخْتَلِفُ (4)
__________
(1) هذا التوسع من باب توسيع العلم ونشره ونقله وإلا فلا تعتبر إجازة ولكن تفيد أن هذا الكتاب كتابه وأذن في روايته ولكن لا يقول أجازني لأنه ما أجازه .
(2) فجر الأحد 29 / 6 / 1417هـ
(3) فهم متفقون في الاسماء مفترقون في الحقائق .
(4) فيحتاج إلى تمييز من جهة الشيوخ ومن جهة التلاميذ ومن جهة العصر فيكون للراوي بصيرة في حالهم .(1/98)
ومعرِفَتُه مِن مهمَّاتِ هذا الفنِّ ، [ حتَّى ] قالَ عليُّ بنُ المَدينيِّ : (( أَشدُّ التَّصحيفِ ما يقعُ في الأسماءِ)) ، ووجَّهَهُ بعضُهم بأَنَّهُ شيءٌ لا يَدْخُلُهُ القياسُ ، ولا قَبْلَهُ شيءٌ يدلُّ عليهِ ولا بعدَه .
وقد صنَّفَ فيهِ أَبو أَحمدَ العسكريُّ ، لكنَّه أَضافَهُ إِلى كتابِ (( التَّصحيفِ )) [ له ]
ثمَّ أَفرَدَهُ بالتَّأْليفِ عبدُ الغنيِّ بنُ سعيدٍ ، فجمَعَ فيهِ كِتابينِ ، كتاباً في (( مُشتَبِهِ الأسماءِ )) ، وكتاباً في (( مُشْتَبِهِ النِّسبةِ
وجَمَعَ شيخُهُ الدَّارقطنيُّ [ في ذلك ] كتاباً حافِلاً .
ثمَّ جَمَعَ الخَطيبُ ذَيلاً .
ثمَّ جَمَعَ الجَميعَ أَبو نَصْرِ [ بنُ ] ماكُولا في كتابِه (( الإِكمالِ )) .
واسْتَدْرَكَ عليهِم في كتابٍ آخَرَ جَمَعَ فيهِ أَوهامَهُمْ وبيَّنَها .
وكتابُه مِن أَجمعِ ما [ جُمِعَ ] في ذلك ، وهُو عُمدةُ كلِّ محدِّثٍ بعدَه .
وقد استَدْرَكَ عليهِ أَبو بكرِ بنُ نُقطَةَ ما فاتَه ، أو تجدَّدَ بعدَه في مجلَّدٍ ضَخْمٍ .
ثمَّ ذَيَّلَ عليهِ منصورُ بنُ سَليمٍ – بفتحِ السَّينِ – في مجلَّدٍ لطيفٍ .
وكذلك أَبو حامدِ ابنُ الصَّابونيِّ .
وجَمَعَ الذهبيُّ في ذلكَ [ كِتاباً ] مُخْتَصراً جِدّاً ، اعتَمَدَ فيهِ على الضَّبْطِ بالقَلَمِ ، فكَثُرَ فيهِ الغَلَطُ والتَّصحيفُ المُبايِنُ لموضوعِ الكِتابِ .
وقد يسَّرَ اللهُ (( سبحانه )) [ تَعالى ] بتوضيحِهِ في كتابٍ سمَّيْتُهُ ((تَبْصير المُنْتَبِه بتَحرير المُشْتَبِه )) ، وهو مجلَّدٌ واحدٌ ، فَضَبَطتُهُ بالحُروفِ على الطَّريقةِ المَرْضِيَّةِ ، وزدتُ عليهِ شيئاً كثيراً ممَّا أَهْمَلَهُ ، أَولَمْ يَقِفْ عليهِ ، وللهِ الحمدُ على ذلك .(1/99)
وإِنِ اتَّفَقَتِ الأسْماءُ خطّاً ونُطْقاً (1)، واخْتَلَفَتِ الآباءُ نُطْقاً مع ائْتِلافِها (2) خطّاً ؛ كمحمَّدِ بنِ عَقيلٍ – بفتحِ العينِ – ، ومحمَّدِ بنِ عُقَيْلٍ – بضمِّها– : الأوَّلُ نيسابوريٌّ ، والثاني فِرْيابيٌّ ، وهُما مشهورانِ ، وطبقتُهما مُتقارِبةٌ، أَوْ بالعَكْسِ ؛ كأَنْ تَختَلِفَ الأسماءُ [ نُطْقاً ] وتأْتِلِفَ خطّاً ، وتتَّفقَ الآباءُ خطّاً ونُطقاً ، كشُريحِ بنِ النُّعمانِ ، وسُرَيْجِ بنِ النُّعمانِ ، الأوَّلُ بالشِّينِ المُعجمةِ والحاءِ المُهملةِ ، وهو تابعيٌّ يروي عن عليٍّ [ رضيَ اللهُ (( تعالى )) عنهُ ] والثَّاني : بالسِّينِ المُهمَلَةِ والجيمِ ، وهُو مِن شُيوخِ البُخاريِّ ؛ فهُو النَّوعُ الَّذي يُقالُ لهُ : المُتشابِهُ .
[ وكَذا إِنْ وَقَعَ ذلك [ الاتِّفَاقُ ] في الاسمِ واسمِ الأبِ ، والاختلافُ في النِّسبَةِ .]
وقد صنَّفَ فيهِ الخَطيبُ كتاباً جَليلاً سمَّاهُ (( تَلخيصَ المُتشابِهِ )) .
ثمَّ ذَيَّلَ [ هُو ] عليهِ أَيضاً بما فاته أَوَّلاً ، وهُو كثيرُ الفائدةِ .
ويَتَرَكَّبُ مِنْهُ ومِمَّا قَبْلَهُ أَنْواعٌ :
مِنها : أَنْ يَحْصُلَ الاتِّفاقُ أو الاشتِباهُ في الاسمِ واسمِ الأبِ مثلاً ؛ إلاَّ : في حَرْفٍ أَو حَرْفَيْنِ فأَكثرَ ، مِن أَحدِهِما أو مِنهُما .
وهُو على قسمينِ :
إِمَّا أَنْ يكونَ الاخْتِلافُ بالتَّغييرِ ، معَ أَنَّ عدَدَ الحُروفِ ثابِتٌ في الجِهَتَيْنِ
أَوْ يكونَ الاختِلافُ بالتَّغييرِ معَ نُقصانِ بعضِ الأسماءِ عن بعضٍ .
فمِن أَمثِلَةِ الأوَّلِ :
__________
(1) فجر الأحد 6 / 7 / 1417 هـ
(2) وهذا الاتفاق والاشتباه لا يضر إذا كانوا ثقات أو ضعفاء وإنما يضر إذا كان أحدهما ثقة والآخر ضعيفاً ولم يتميزا فهو الذي يحتاج إلى مزيد عناية حتى يميز هذا من هذا أما بالشيوخ أو بالتلاميذ .(1/100)
محمَّدُ بنُ سِنان – بكسرِ [ السِّينِ ] المُهمَلَةِ ونونينِ بينَهُما أَلفٌ – ، وهُم جماعةٌ ؛ منهُم : العَوَقيُّ – بفتحِ [ العينِ ] والواوِ ثمَّ القافِ – شيخُ البُخاريِّ .
ومحمَّدُ بنُ سيَّارٍ – بفتحِ [ السِّينِ ] المُهملَةِ وتشديدِ الياءِ التَّحتانيَّةِ وبعد الألف راءٌ – ، وهُم أيضاً جماعةٌ ؛ منهُم اليَمامِيُّ شيخُ عُمرَ بنِ يونُسَ .
ومنها
محمَّدُ بنُ حُنَيْنٍ – بضمِّ [ الحاءِ ] (المُهمَلَةِ ونونينِ ، الأولى مفتوحةٌ ، بينَهما ياءٌ تحتانيَّةٌ – تابعيٌّ (( و )) يروي عن ابنِ عبَّاسٍ وغيرِه .
ومحمَّدُ بنُ جُبيرٍ – بالجيمِ ، بعدها [ باءٌ ] موحَّدةٌ ، وآخِرُه راءٌ – ، وهُو محمَّدُ بنُ جُبيرِ بنِ مُطْعِمٍ ، تابعيٌّ مشهورٌ أَيضاً .
ومِن ذلك :
معرِّفُ بنُ واصِلٍ : كوفِيٌّ مشهورٌ .
ومُطَرِّف بنُ واصِلٍ – بالطَّاءِ بدلَ العينِ – شيخٌ آخرُ يرويعنهُ أَبو حُذيفَةَ النَّهْدِيُّ .
ومنهُ أَيضاً :
أَحمدُ بنُ الحُسينِ – صاحِبُ إِبراهيمَ بنِ سعيدٍ _وآخرونَ .
وأَحيَدُ بنُ الحُسينِ مثلُهُ ، لكِنْ بدلَ الميمِ ياءٌ تحتانيَّةٌ ، وهو شيخٌ بخاريٌّ يروي عنهُ عبدُ اللهِ بنُ محمَّدِ [ بنِ ] البِيكَنْدِيِّ
ومِن ذلك أَيضاً :
حفْصُ بنُ مَيْسَرَةَ شيخٌ مشهورٌ مِن طبَقَةِ مالكٍ .
وجَعْفَرُ بنُ مَيْسَرَةَ ؛ شيخٌ لعُبَيْدِ اللهِ بنِ مُوسى الكُوفيِّ ، الأوَّلُ : بالحاءِ المُهْمَلَةِ والفاءِ ، بعدَها صادٌ مهْمَلَةٌ ، والثَّاني : بالجيمِ و العينِ المُهْمَلَةِ بعدَها فاءٌ ثمَّ راءٌ .
ومِن أَمثلَةِ الثَّاني :
عبدُ اللهِ بنُ زيدٍ : جماعةٌ :
منهُم في الصَّحابةِ صاحِبُ الأذانِ ، واسمُ جدِّهِ عبدُ ربِّهِ .
وراوِي حديثِ الوُضوءِ ، واسمُ جدِّهِ عاصِمٌ ، وهُما (( أيضاً )) أَنصاريَّانِ .
وعبدُ اللهِ بنُ يَزيدَ – بزيادةِ ياءٍ في أَوَّلِ اسمِ الأبِ والزَّايُ مكسورةٌ – وهُم أَيضاً جَماعةٌ :
[(1/101)
منهُم ] في الصَّحابةِ : الخَطْمِيُّ يُكْنى أبا موسى ، وحديثُهُ في الصَّحيحينِ .
و [ منهُم ]: القارئُ ، له ذِكْرٌ في حديثِ عائشةَ (( رضي الله عنها )) ، وقد زعَمَ بعضُهم أَنَّه الخطْمِيُّ ، وفيهِ نظرٌ !
[ ومنها : عبد الله بن يحيى ، وهم جماعةٌ . ]
[ و ] (( منها )) عبدُ اللهِ بنُ نُجَيٍّ – بضمِّ النُّونِ وفتحِ الجيمِ وتشديدِ الياءِ – تابعيٌّ معروفٌ ، يروي عن عليٍّ [ رضيَ اللهُ (( تعالى )) عنهُ ]
أَوْ يَحْصُلُ الاتِّفاقُ في الخَطِّ والنُّطْقِ ، لكنْ يَحْصُلُ الاخْتِلافُ أَو الاشتِباهُ بالتَّقْديمِ والتَّأْخيرِ ، إِمَّا في الاسمينَ جُملةً أَو نَحْوَ ذلكَ ، كأَنْ يقَعَ التَّقديمُ والتَّأْخيرُ في الاسمِ الواحِدِ في بعضِ حُروفِهِ بالنِّسبةِ إِلى ما يشتَبِهُ بهِ .
مثالُ [ الأوَّلِ ]: الأسودُ بنُ يزيدَ ، ويزيدُ بنُ الأسوَدِ ، وهُو ظاهِرٌ .
ومنهُ : عبدُ اللهِ بنُ يَزيدَ ، ويزيدُ بنُ عبدِ اللهِ .
ومثالُ الثَّانِي : أَيُّوبُ بنُ سَيَّارٍ ، وأَيُّوبُ بنُ يَسارٍ
الأوَّلُ: مدَنيُّ مشهورٌ ليسَ بالقويِّ ، والآخَرُ : مجهولٌ .
خاتِمَةٌ (1)
ومِنَ المُهِمِّ عندَ المحدِّثينَ مَعْرِفَةُ: طَبَقاتِ الرُّواةِ.(2)
وفائدتُهُ : الأمْنُ مِن تَداخُلِ المُشتَبِهينَ ، وإِمكانُ الاطِّلاعِ على تَبيينِ التَّدليسِ ، والوُقوفُ على حَقيقةِ المُرادِ مِن العَنْعَنَةِ .
والطَّبَقَةُ في اصْطِلاحِهِم: عبارةٌ عنْ جَماعةٍ اشْتَركوا في السِّنِّ ولقاءِ المشايخِ.(3)
__________
(1) فجر الأحد 20 / 7 / 1417 هـ
(2) معرفة طبقات الرواة يعين المحدث على معرفة المنقطع والمرسل والمدلس بخلاف ما إذا كان جاهلاً بطبقاتهم تلتبس عليه الأمور .
(3) يعنى سنهم متقارب ووقتهم متقارب مثل كبار التابعين أوساط التابعين صغار التابعين وقد رتبهم رحمه الله في التقريب كل عشرين سنة طبقة .(1/102)
وقد يكونُ الشَّخصُ الواحِدُ مِن طبَقَتَيْنِ باعْتِبارينِ ؛ كأَنَسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ ؛ فإِنَّهُ مِن حيثُ ثُبوتُ صُحبتِه للنبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وعلى وسلَّمَ يُعَدُّ في طبقةِ العشرةِ مثلاً ، ومِن حيثُ صِغَرُ السنِّ يُعَدُّ في طَبَقَةِ مَن بعدَهُم .
فمَنْ نَظَرَ إِلى الصَّحابةِ باعْتِبارِ الصُّحبَةِ ؛ جَعَلَ الجَميعَ طبقةً واحِدَةً ؛ كما صنَعَ ابنُ حِبَّانَ وغيرُه .
ومَنْ نَظَرَ إِليهِم باعْتبارِ قَدْرٍ زائدٍ ، كالسَّبْقِ إِلى الإِسلامِ أَو شُهودِ المشاهِدِ الفاضِلَةِ جَعَلَهُم طَبقاتٍ .(1)
وإِلى ذلك جَنَحَ صاحِبُ (( الطَّبقاتِ )) أَبو عبدِ اللهِ محمَّدُ بنُ سعدٍ البَغداديُّ ، وكتابُه أَجمَعُ ما جُمِعَ في ذلك .
وكذلك مَن جاءَ بعدَ الصَّحابةِ – وهُم التَّابعونَ – مَن نَظَرَ إِليهِم باعتبارِ الأخْذِ عن بعضِ [ الصَّحابةِ ] فقطْ ؛ جَعَلَ الجَميعَ طبقةً واحِدَةً كما صَنَعَ ابنُ حِبَّانَ أَيضاً .
ومَنْ نَظَرَ إِليهِم باعتبارِ اللِّقاءِ قسَّمَهُم ؛ كما فعَلَ محمَّدُ بنُ سعدٍ .
ولكلٍّ منهُما وجْهٌ .
وَمِن المُهمِّ أَيضاً معرِفةُ مواليدِهِمْ (2)، ووَفَياتِهِمْ ؛ لأنَّ بمَعْرِفَتِهما يحصُلُ الأمْنُ مِن دَعْوى المُدَّعي للقاءِ بعضِهِم وهُو في نَفْسِ الأمرِ ليسَ كذلكَ .
وَمِن المُهمِّ أَيضاً معرِفةُ بُلْدَانِهِمْ وأَوطانِهم، وفائدتُه الأمنُ مِن تداخُلِ الاسمَيْنِ إِذا اتَّفقا [ نُطْقاً ] ، لكنْ (( قد )) افْتَرَقا بالنَّسَبِ
__________
(1) وهذا هو الصواب أنهم طبقات تشملهم الصحبة ولكنهم طبقات فالخلفاء الأربعة وبقية العشرة وأهل بدر وبيعة الرضوان فوق غيره فهم طبقات في علمهم وفضلهم وسبقهم رضي الله عنهم ولكن يدخل كلهم في قوله صلى الله عليه وسلم ( خير الناس قرني )
(2) فجر الأحد 27 / 7 / 1417 هـ(1/103)
وَمِن المُهِمِّ أَيضاً معرفةُ أَحْوالِهِمْ ؛ تَعْديلاً ، وتَجْريحاً ، وجَهالةً (1)؛ لأنَّ الرَّاويَ إِمَّا أَنْ تُعْرَفَ عدالَتُه ، أَو يُعْرَفَ فِسْقُه ، أَوْ لا يُعْرَفَ فيهِ شيءٌ مِن ذلك .
وَمِن أَهمِّ ذلك – بعدَ الاطِّلاعِ – معرِفةُ مَراتِبِ الجَرْحِ [ والتَّعديلِ ] لأنَّهُم قد يُجَرِّحونَ الشَّخصَ بما لا يستَلْزِمُ ردَّ حديثِه كلِّهِ .
وقد بيَّنَّا أَسبابَ ذلك فيما مَضى ، وحَصَرْناها في عَشرةٍ ، وتقدَّم شرحُها مفصَّلاً .(2)
والغَرَضُ هُنا ذِكْرُ الألفاظِ الدَّالَّةِ في اصطِلاحِهِم على تِلكَ المراتِبِ .
وللجَرْحِ مراتِبُ :
[ و ] أَسْوَأُها : الوَصْفُ بما دلَّ على المُبالَغَةِ فيهِ .
وأَصرحُ ذلك التَّعبيرُ بأَفْعَلَ ؛ كـ : أَكْذَبِ النَّاسِ ، وكذا قولُهم : إِليهِ المُنْتَهى في الوضعِ ، أَو: هُو ركنُ الكذبِ ، ونحوُ ذلك .
ثمَّ : دجَّالٌ ، أو : وَضَّاعٌ ، أو : كَذَّابٌ ؛ لأنَّها وإِنْ كانَ فيها نوعُ مُبالغةٍ ، لكنَّها دونَ الَّتي قبلَها .
وأَسْهَلُهَا؛ أَي: الألفاظِ الدَّالَّةِ على الجَرْح: قولُهم: فُلانٌ ليِّنٌ، أو: سيِّئ الحِفْظِ ، أَوْ : فيهِ أَدنى مَقَالٍ .
وبينَ أَسوأ الجَرْحِ وأَسهَلِهِ مراتِبُ لا تَخْفى
فقولُهُم: متْروكٌ، أَو ساقِطٌ، أَو: فاحِشُ الغَلَطِ، أَو: مُنْكَرُ الحَديثِ، أَشدُّ مِن قولِهم: ضعيفٌ، أَو ليسَ بالقويِّ، أَو: فيهِ مقالٌ.
وَمن المهمِّ أَيضاً معرِفةُ مراتِبِ التَّعديلِ .(3)
وأَرْفَعُها : الوَصْفُ [ أَيضاً ] بما دلَّ على المُبالغةِ فيهِ .
__________
(1) وهذا أهم الأمور لأن قبول الحديث ورده ينبني على عدالة الرواة وحفظهم وثقتهم فهذا من أهم الأشياء .
(2) في قوله ( ثم الطعن إما أن يكون لكذب الراوي .... )
(3) فجر الأحد 9 / 10 / 1417 هـ(1/104)
وأَصْرَحُ ذلك : التَّعبيرُ بأَفْعَلَ ؛ كـ : أَوْثَقِ النَّاسِ ، أَو : أَثبَتِ النَّاس ، أَو : إِليهِ المُنْتَهى في التَّثَبُّتِ.
ثمَّ ما تَأَكَّدَ بِصِفَةٍ مِن الصِّفاتِ الدَّالَّةِ على التَّعديلِ ، أَو صِفَتَيْنِ ؛ كـ : ثقةٌ ثقةٌ ، أو : ثبتٌ ثبتٌ ، أَوْ : ثقةٌ حافظٌ ، أَو : عدلٌ ضابِطٌ ، أو نحوُ ذلك .
وأَدْناها: ما أَشْعَرَ بالقُرْبِ مِنْ أَسْهَلِ التَّجْرِيحِ؛ كـ : شيخٌ ، و : يُرْوى حديثُه ، و : يُعْتَبَرُ بهِ ، ونحوُ ذلك .
وبينَ ذلك مراتِبُ لا تَخْفى
وَهذهِ أَحكامٌ تتعلَّقُ بذلك ، ذكَرْتُها هُنا لتَكْمِلَةِ الفائدةِ ، فأَقولُ :
تُقْبَلُ التَّزكِيَةُ مِنْ عَارِفٍ بأَسْبَابِها لا مِنْ غيرِ عارِفٍ (( بأسبابها )) [ لئلاَّ ] يُزكِّيَ بمجرَّدِ ما يظهَرُ [ لهُ ] ابْتِداءً مِن غيرِ ممارسةٍ واخْتِبارٍ .
ولَوْ كانتِ التَّزكيةُ صادِرةً مِن مُزَكٍّ واحِدٍ عَلى الأصَحِّ؛ خلافاً لمَن شَرَطَ أَنَّها لا تُقْبَلُ إِلاَّ مِنَ اثْنَيْنِ؛ إِلْحاقاً لها بالشَّهادَةِ في الأصحِّ أَيضاً !(1)
__________
(1) تقبل التزكية من عالم عارف بأسبابها ولو من واحد إذا كان عارفاً بأسبابها من أهل العلم والثقة والأمانة . وكلما تعدد المزكون صارت الثقة أكثر .(1/105)
والفَرْقُ بينَهُما أَنَّ التَّزكية تُنَزَّلُ منزِلَةَ الحُكْمِ ، فلا يُشْتَرَطُ فيها العددُ ، و (( تزكية )) [ الشَّهادةُ تقعُ مِن ] الشَّاهِدِ (( تقع )) عندَ الحاكِمِ ، فافْتَرقا .(1)
ولَوْ قيلَ : يُفَصَّلُ بينَ ما إِذا كانتِ التَّزكيةُ في الرَّاوي مُستَنِدَةً مِن المُزكِّي إِلى اجْتِهادِهِ، أَو إِلى النَّقْلِ عنْ غيرِه ؛ لكانَ مُتَّجهاً .
لأنَّه إِنْ كانَ الأوَّلُ ، فلا يُشْتَرَطُ (( فيه )) العددُ أَصلاً ؛ [ لأنَّهُ حينئذٍ ] يكونُ بمنزلةِ الحاكمِ .
وإِنْ كانَ الثَانيَ ؛ فيُجْرى فيهِ الخِلافُ ، ويَتَبَيَّنُ أَنَّه – أَيضاً –لا يُشْتَرَطُ العددُ (( أصلاً )) (( أيضاً )) ؛ لأنَّ أَصلَ النَّقلِ لا يُشْتَرَطُ فيهِ العددُ ، فكَذا ما تفرَّعَ عنهُ ، واللهُ أَعلمُ .(2)
__________
(1) والمقصود أن التزكية للأفراد تجري مجرى الحكم والإخبار كالمؤذن من باب الخبر والحكم بخلاف الشهادة فإنها تتضمن الشهادة بحق لفلان أو عدم حق لفلان تؤدى عند القضاة حتى يثبت بها حق المدعي أو عدم حقه . فلا بد فيها من شاهدين أو شاهد يؤكد باليمين كما جاءت به السنة لأنها ليست من باب الخبر المجرد بل من باب الخبر الذي يتضمن إعطاء شخص حقاً من شخص آخر فلهذا جاءت الشريعة بالتعدد فيها لأن الأصل براءة الذمة من حقوق الناس وأن ما في يد الإنسان هو له فاحتيط من جهة الشريعة فلم ينزع ما في يده ولم يلزم بشيء في ذمته إلا بحجة قوية أقلها شاهدان .
(2) وهذا هو الصواب سواء كان عن اجتهاده أو عن النقل عن اجتهاده الذي يعرفه أو عن النقل عن الثقات فتقبل التزكية ولو عن واحد ولكن إذا كانت من اثنين فأكثر كانت أطمأن لقلب المزكي وأثبت له وإلا فالواحد يكفي مثل قول ابن أبي حاتم حدثني أنه كذا وكذا ، وسألت أحمد فقال كذا وكذا فهي تزكية ينقلها فلا بأس .(1/106)
و [ كذا ] يَنْبَغي أَنْ لا يُقْبَلَ الجَرْحُ والتَّعْديلُ إِلاَّ مِن عدلٍ مُتَيَقِّظٍ (1)، فلا [ يُقْبَلُ ] جَرْحُ مَنْ أَفْرَطَ فيهِ مُجَرِّحٌ بما لا يقْتَضي رَدَّ حديثِ المُحَدِّثِ (2).
كما [ لا ] يُقْبَلُ تزكِيَةُ مَن أَخَذَ بمجرَّدِ الظَّاهِرِ ، فأَطلَقَ التَّزكيةَ .(3)
وقالَ الذَّهبيُّ – وهُو مِن أَهْلِ الاستِقراءِ التَّامِّ في نَقْدِ الرِّجالِ – (( لمْ يجْتَمِعِ اثْنانِ مِن عُلماءِ هذا الشَّأنِ قطُّ على تَوثيقِ ضَعيفٍ ، ولا [ على ] تَضعيفِ ثِقةٍ )) (4)
ولهذا كانَ [ مذهَبُ ] النَّسائيِّ أَنْ لا يُتْرَكَ حديثُ الرَّجُلِ حتَّى يجتَمِعَ الجَميعُ على تَرْكِهِ (5).
ولْيَحْذَرِ المتكلِّمُ في هذا الفنِّ مِن التَّساهُلِ في الجَرْحِ والتَّعديلِ ، فإِنَّهُ إِنْ عدَّلَ [ أَحداً ] بغيرِ تثبُّتِ كانَ كالمُثْبِتِ حُكْماً ليسَ بثابتٍ ، فيُخْشى عليهِ أَنْ يدْخُلَ في زُمرةِ (( مَن روى حَديثاً وهُو يظنُّ أَنَّهُ كَذِبٌ )) .(6)
وإِنْ جَرَّحَ بغيرِ تَحرُّزٍ ، [ فإِنَّه ] أَقْدَمَ على الطَّعنِ في مُسلمٍ بَريءٍ مِن ذلك ، ووسَمَهُ بِميْسَمِ سُوءٍ يَبْقى عليهِ عارُهُ أَبداً .
__________
(1) فجر الأحد 16 / 10 / 1417 هـ
(2) لا بد في الجرح من عارف بأسبابه وأن يكون جرحاً مفسراً ، وإلا فيقدم قول من وثق .
(3) وكذا لا تقبل التزكية من المتساهلين المتسامحين لا بد من عارف بالأسباب متثبت .
(4) وهذا من الاستقراء و الذهبي وهو إمام له كتاب الميزان فلم يجتمع اثنان على توثيق ضعيف أو تضعيف ثقة بل إذا سبرت أقوالهم تجدها موثقة في تضعيف الضعفاء وتوثيق الثقات .
(5) وهذا مذهب فيه نظر ولهذا وقع في بعض الأحاديث في السنن بعض التساهل ولكن الصواب أنه متى جرح جرحاً بيناً عارفاً بأسبابه قدم على التعديل من باب الاحتياط والتوثق للدين .
(6) فلا بد من التثبت في الجرح والتعديل والنصيحة لله والتجرد من الهوى .(1/107)
والآفةُ تدخُلُ في هذا : تارةً مِنَ الهَوى والغَرَضِ الفاسِدِ– وكلامُ المتقدِّمينَ سالِمٌ مِن هذا غالباً – ، وتارةً مِن المُخالفةِ في العَقائدِ – وهُو موجودٌ كثيراً ؛ قديماً وحَديثاً – ، ولا ينْبَغي إِطلاقُ الجَرْحِ بذلك ، فقد قدَّمْنا تحقيقَ الحالِ في العملِ بروايةِ المُبتَدِعةِ
والجَرْحُ مُقَدَّمٌ عَلى التَّعْديلِ (1)، وأَطلقَ ذلك جماعةٌ (2)، ولكنَّ محلَّهُ إِن صَدَرَ مُبَيَّناً مِن عَارِفٍ بأَسْبَابِهِ ؛
لأنَّه إِنْ كانَ غيرَ مفسَّرٍ لم يَقْدَحْ فيمَنْ ثبَتَتْ عدالَتُه .
وإِنْ صدَرَ مِن غيرِ عارفٍ بالأسبابِ لم يُعْتَبَرْ بهِ أيضاً .(3)
فإِنْ خَلا المَجْروحُ عَنِ التَّعديلِ ؛ قُبِلَ الجَرْحُ فيهِ مُجْمَلاً غيرَ مبيَّنِ السَّببِ إِذا صدَرَ مِن عارفٍ عَلى المُخْتارِ(4) ؛ لأنَّهُ إِذا لمْ يكُنْ فيهِ تعديلٌ ؛ [ فهو ] في حيَّزِ المَجهولِ ، وإِعمالُ قولِ المُجَرِّحِ أَولى مِن إِهمالِه .
__________
(1) فجر الأحد 23 / 10 / 1417 هـ
(2) وليس هذا بصواب على الإطلاق وإنما يقدم على التعديل إن صدر مبيناً من عارفٍ بأسبابه أما الجرح المجمل فلا يقدم على التعديل بل التعديل يقدم عليه ، أما الجرح المفسر فيقول كذاب ، فاسق يبين أسباب الجرح وأن يكون من إمام ثقة عارفٍ بأسبابه يقدم على التعديل .
(3) فلا بد أن يكون عارفٍ بأسبابه كأبي عبيد القاسم بن سلام وأبي حاتم وأبي زرعة وأحمد ومالك والشافعي والبخاري وغيرهم .
(4) إذا كان الجرح في إنسان لم يوثق قُبِل مجملاً فإذا كان الإنسان لم يوثقه أحد مطلقاً قبل فيه الجرح مطلقاً ولو لم يفسر ويبين إذا كان من إمام عارف بأسبابه لأنه ليس هناك شيء يقابله من التعديل ، فإذا كان هناك إنسان مجهول ثم جرح قبل فيه الجرح .(1/108)
ومالَ ابنُ الصَّلاحِ في مثلِ هذا إلى التوقُّفِ [ فيهِ ] (1)
فصلٌ
ومِنَ المُهِمَّ في هذا الفنِّ معْرِفةُ (2): كُنَى المُسَمَّيْنَ [ ممَّن اشْتُهِرَ باسمِهِ ولهُ كُنيةٌ لا يُؤمَنُ أَنْ يأْتِيَ في بعضِ الرِّاوياتِ مُكَنيّاً ؛ لئلاَّ يُظَنَّ أَنّه آخرُ .(3)
وَمعرفةُ أَسْمَاءِ المُكَنَّيْنَ ، وهو عكسُ الَّذي قبلَهُ (( كابن جريج ))
وَمعرِفةُ مَنْ اسمُهُ كُنْيَتُهُ ، وهُم قليلٌ .
وَمعرِفةُ مَنْ اخْتُلِفَ في كُنْيَتِهِ ، [ وهُم كثيرٌ ]
وَمعرِفةُ مَنْ كَثَُرتْ كُناهُ ؛ كابنِ جُريجٍ ؛ لهُ كُنيتانِ : [ أَبو ] الوليدِ ، وأبو خالدٍ .
أَوْ كَثُرتْ نُعُوتُهُ وأَلقابُه .
وَمعرِفةُ مَنْ وافَقَتْ كُنْيَتُهُ اسمَ أَبيهِ ؛ كأَبي إِسحاقَ إبراهيمَ بنِ إِسحاقَ المَدنيِّ أَحدِ [ أَتباعِ ] التَّابِعينَ .(4)
وفائدةُ معرِفَتِه :
نفيُ الغَلَطِ عمَّنْ نَسَبَهُ إِلى أَبيهِ ، فقالَ : أَخْبَرنا ابنُ إِسحاقَ ، فَنُسِبَ إِلى التَّصحيفِ ، وأَنَّ الصَّوابَ [ أَخْبَرنا] أَبو إِسحاقَ .
أَو بالعَكْسِ ؛ كإِسحاقَ بنِ أَبي إِسحاقَ السَّبيعيِّ .
أَوْ وافقتْ كُنْيَتُهُ كُنْيَةَ زَوْجَتِهِ ؛ كأَبي أَيُّوبَ الأنصاريِّ وأُمِّ أَيُّوبَ ؛ صحابيَّانِ [ مشهورانِ ] (5)
__________
(1) والصواب ما قاله المؤلف إذا خلا الراوي عن التعديل قبل فيه الجرح وقيل ضعيف لأنه اجتمع فيه الجهالة مع الجرح فلا يعتد بروايته .
(2) فجر الأحد 30 / 10 / 1417 هـ ( بداية الشريط السادس )
(3) وهذه كلها من مهمات الاسانيد .
(4) وهذا كثير ما يكنى الراوي بأبيه .
(5) يعنى كنيته وكنية زوجته واحدة ، هذا لا يخفى هذا أبو أيوب وهذه أم أيوب .(1/109)
أَو وافقَ اسمُ شيخِه اسمَ أَبيِه ؛ كالرَّبيعِ بنِ أَنسٍ عن أَنسٍ ؛ هكذا يأْتي في الرِّوايات ، فيُظنُّ أَنّه يَروي عن أَبيهِ ؛ كما وقعَ في (( الصَّحيحِ )) : عن عامِرِ بنِ سعدٍ عن سعدٍ ، وهو أبوهُ ، وليسَ أَنسٌ شيخُ الرَّبيعِ والِدَهُ ، بل أَبوهُ بكرِيٌّ وشيخُهُ أَنصاريٌّ ، وهُو أَنسُ بنُ مالكٍ الصَّحابيُّ المشهورُ ، وليسَ الرَّبيعُ المذكورُ مِن أَولادِه .(1)
وَمعرِفةُ مَنْ نُسِبَ إِلى غَيْرِ أَبيهِ ؛ كالمِقدادِ بنِ الأسودِ ، [ نُسِبَ إلى الأسودِ ] الزُّهْرِيِّ لكونِه تبنَّاه ، وإِنَّما هُو مِقدادُ بنُ عَمْرٍو .
أَوْ [ نُسِبَ ] إِلى أُمِّهِ ؛ كابنِ عُلَيَّةَ ، هُو إِسماعيلُ بنُ إبراهيمَ بنِ مِقْسَمٍ ، أَحدُ الثِّقاتِ ، و عُلَيَّةُ اسمُ أُمِّهِ ، اشتُهِرَ بها ، وكانَ لا يحبُّ أَنْ يُقالَ لهُ: ابنُ عُلَيَّة .(2)
[ ولهذا [ كانَ ] يَقولُ الشَّافِعيُّ : أَخْبَرَنا إِسْماعِيلُ الَّذي يُقالُ لَهُ : ابنُ عُلَيَّةُ ]
أَوْ نُسِبَ إِلى غَيْرِ مَا يَسْبِقُ إِلى الفَهْمِ (3)؛ كالحَذَّاءِ ، ظاهِرُه أَنّه منسوبٌ إِلى صناعتِها ، أو بيعِها ، وليس كذلك ، وإِنما كانَ يجالِسُهم ، فنُسِبَ إليهِم .
وكسُليمانَ التَّيميِّ ؛ لم يكنْ مِن بَني التَّيْم ، ولكنْ نزلَ فيهِم .
وكَذا مَن نُسِبَ إِلى جدِّهِ ، فلا يؤمَنُ التِباسُه بمَن وافقَ اسمُه [ اسمَه ] ، واسمُ أَبيهِ اسمَ الجدِّ المذكورِ .
وَمعرِفةُ مَنِ اتَّفَقَ اسمُهُ واسمُ أَبيهِ وجَدِّهِ؛ كالحسنِ بنِ الحسنِ بنِ الحسنِ بنِ عليِّ بنِ أَبي طالبٍ [ رضيَ اللهُ عنهُ
وقد [ يقعُ ] أَكثرُ مِن ذلك، وهُو مِن فُروعِ المُسَلْسَلِ.
__________
(1) وهذا مهم فينبغي للراوي أن يتبنه لهذا لأنه قد يشتبه أبوه بشيخه .
(2) ومثل عبد الله بن أم مكتوم .
(3) فجر الأحد 7 / 11 / 1417هـ(1/110)
وقد يتَّفِقُ الاسمُ واسمُ الأبِ مع اسمِ الجَدِّ واسمِ أَبيهِ فصاعِداً؛ كأَبي اليُمْنِ الكِنْديِّ، (( و )) هُو زيدُ بنُ الحسنِ بنِ زيدِ بنِ الحسنِ [ بنِ زيدِ بنِ الحسنِ ] (1)
أَوْ اتَّفَقَ اسمُ الرَّاوي واسمُ شيخِهِ وشَيْخِ شَيْخِهِ فصاعِداً ؛ كعِمْرانَ عن عِمْرانَ عَن عِمْرانَ ؛ الأوَّل : يُعْرَف بالقَصِيرِ ، والثَّاني : أبو رَجاءٍ العُطارِديُّ ، والثَّالثُ : ابنُ حُصينٍ الصَّحابيُّ [ رضيَ اللهُ عنهُ ]
وكسُليمانَ عن سُليمانَ عن سُليمانَ : الأوَّلُ : ابنُ أحمدَ بنِ أيوبَ الطَّبرانيُّ ، والثَّاني : ابنُ أَحمدَ الواسطيُّ ، والثَّالثُ : ابنُ عبد الرحمنِ الدِّمشقيُّ المعروفُ بابنِ [ بنتِ ] شُرَحْبيلَ .
وقد يقعُ ذلك للرَّاوي ولشيخِهِ [ معاً ] كأَبي العلاءِ الهَمْدانيَّ العطَّارِ المَشْهورِ بالرِّوايةِ عن أَبي عليٍّ الأصبهانيِّ الحدَّادِ ، وكلٌّ منهُما اسمُه الحسنُ بنُ أَحمدَ بنِ الحَسنِ بنِ أَحمدَ (( بن الحسن بن أحمد )) ، فاتَّفقا في ذلك ، وافْتَرقا في الكُنيةِ ، والنِّسبةِ إِلى البلدِ والصِّناعةِ .
و (( قد )) صنَّفَ فيهِ أَبو موسى المَدينيُّ جُزءاً حافِلاً .
وَمعرفةُ مَنِ اتَّفَقَ اسْمُ شَيْخِهِ والرَّاوِي عَنْهُ(2) ، وهو (( من )) نوعٌ لطيفٌ ، لم يتعرَّضْ لهُ ابنُ الصَّلاحِ .
وفائدتُه : رفعُ اللَّبْسِ عمَّن يُظنُّ أَنَّ فيهِ تَكراراً ، أوانقلاباً .
فمِن أَمثلتِه : البُخاريُّ ؛ روى عَن مُسْلمٍ ، وروى عنهُ مُسلمٌ ، فشيخُهُ مسلمُ بنُ إبراهيمَ الفَراهيديُّ البَصريُّ ، والرَّاوي عنهُ مُسلمُ بنُ الحجَّاجِ القُشيريُّ صاحِبُ الصَّحيحِ .
وكذا وقعَ ذلك لعبدِ بنِ حُميدٍ أيضاً : روى عن مُسلمِ بنِ إبراهيمَ ، وروى عنهُ مُسلمُ بنُ الحجَّاجِ في صحيحِه حديثاً بهذه التَّرجمةِ بعينها .
__________
(1) وهذا يقع كثيراً كل واحد يسمي على أبيه .
(2) فجر الأحد 14 / 11 / 1417 هـ(1/111)
ومنها : يحيى بنُ أَبي كَثيرٍ ، روى عن هِشامٍ ، وروى عنهُ هِشامٌ [ فشيخُه هشامُ بنُ عُروةَ ، وهو مِن أَقرانِه ، والرَّاوي عنهُ هِشامٌ بنُ أبي عبدِ اللهِ الدَّسْتُوائِيُّ .
ومنها : ابنُ جُريْجٍ ، روى عن هشامٍ ، وروى عنهُ هِشامٌ ] ، فالأعْلى ابنُ عُروةَ ، والأدْنى ابنُ يوسُفَ الصَّنعانيُّ .
ومنها : الحكمُ بنُ عُتَيْبَةَ ، روى عن ابنِ أَبي ليلى ، و [ روى ] عنهُ ابنُ أبي لَيْلى ، فالأعْلى عبدُ الرَّحمنِ ، والأدْنى (( محمد )) بنُ عبدِ الرَّحمنِ المذكورِ .
وأَمثلَتُه كثيرةٌ .
وَمِن المهمِّ في هذا الفنِّ مَعْرِفَةِ الأَسْماءِ المُجَرَّدَةِ ، وقد جَمَعَها جماعةٌ مِن الأئمَّةِ : فمنهُم مَن جَمَعَها بغيرِ قَيدٍ ، كابنِ سعدٍ في (( الطَّبقاتِ )) ، وابنِ أَبي خَيْثَمَة ، والبُخاريِّ في (( تاريخَيْهِما )) ، وابنِ أَبي حاتمٍ في (( الجَرْحِ والتَّعديلِ )) .
ومنهُم مَن أَفردَ الثِّقاتِ [ بالذِّكرِ ] ؛ كالعِجْلِيِّ ، وابنِ حِبَّانَ ، وابنِ شاهينَ .
ومنهُم مَن أَفْرَدَ المَجْروحينَ ؛ كابنِ عديٍّ ، وابنِ حبّانَ أَيضاً .
ومنهُم مَنْ تَقيَّدَ بكتابٍٍ مَخصوصٍ : كـ (( رجال البُخاري )) لأبي نصرٍ الكَلاَباذيِّ ، و (( رجالِ مسلمٍ )) لأبي بكرِ بنِ مَنْجَوَيْهِ ، ورجالِهما معاً لأَبي الفضلِ بنِ طاهرٍ ، و (( رجالِ أبي داودَ )) لأبي عليٍّ الجيَّانِي ، وكذا (( رِجال التِّرمذيِّ )) و(( رجال النَّسائيِّ )) لجماعةٍ مِن المَغاربةِ ، ورجالِ السِّتَّةِ : الصَّحيحينِ وأَبي داودَ والتِّرمذيِّ والنَّسائيِّ وابنِ ماجة ؛ لعبدِ الغنيِّ المقدِسيِّ في كتابِه (( الكمالِ )) ثمَّ هذَّبَهُ المِزِّيُّ في (( تهذيبِ الكَمالِ ))
وقد لخَّصْتُهُ ، وزدتُ عليهِ أَشياءَ كثيرةً ، وسمَّيْتُه (( تهذيب التَّهذيب )) ، وجاءَ معَ ما اشتَمَلَ عليهِ من الزِّياداتِ قدْرَ ثُلُثِ الأصلِ .(1/112)
وَمِن المُهمِّ أَيضاً معرِفةُ الأسماءِ المُفْرَدَةِ (1)، وقد صنَّفَ فيها الحافظُ أَبو بكرٍ أَحمدُ بنُ هارونَ البَرديجيُّ ، فذكرَ أَشياءَ تَعَقَّبوا عليهِ بعضَها ، مِن ذلك قولُه : (( صُغْديُّ بنُ سِنانٍ )) ، أَحدُ الضُّعفاءِ ، وهو بضمِّ [ الصَّادِ ] المُهملةِ ، وقد تُبْدلُ سيناً مُهملة ، وسكونِ الغينِ المُعجمةِ ، بعدها دالٌ مُهملةٌ ، ثمَّ ياءٌ كياءِ النَّسبِ ، وهو اسمُ علمٍ بلفظِ النَّسبِ ، وليسَ هُو فرداً .
ففي (( الجَرحِ والتَّعديلِ )) لابنِ أَبي حاتمٍ : صُغْديٌّ الكوفيُّ ، وثَّقَهُ ابنُ مَعينٍ ، وفرَّقَ بينَه وبينَ الَّذي قبلَه فضعَّفَهُ .
وفي (( تاريخِ العُقيليِّ )) : صُغْديُّ بنُ عبدِ اللهِ يروي عن قَتادةَ ، قال [ العُقيليُّ ]: حَديثُهُ غيرُ محفوظٍ . أهـ
وأَظنُّهُ هُو الَّذي ذكرَهُ ابنُ أَبي حاتمٍ ، وأَمَّا كونُ العُقَيْليِّ ذكرَه في (( الضُّعفاءِ )) ؛ فإِنَّما [ هُو ] للحديثِ الذي ذكَرَهُ ، وليستِ الآفةُ منهُ ، بل هِيَ ] مِن الرَّاوي عنهُ عَنْبَسَةُ بنُ عبدِ الرحمنِ ، واللهُ أعلمُ .
ومِن ذلك : (( سَنْدَر ))(2) بالمُهْمَلةِ والنُّون ، بوزنِ جَعْفرٍ ، وهو مولى (زِنْبَاعٍ الجُذاميِّ له صُحبةٌ وروايةٌ ، [ و ] المشهورُ أَنَّه يُكْنَى أَبا عبدِ اللهِ ، وهُو اسمٌ فردٌ لم يتسمَّ بهِ غيرُه فيما نعلمُ لكنْ ذكرَ أَبو موسى في (( الذَّيلِ )) على (( معرفةِ الصَّحابةِ )) لابنِ منده : سَنْدَرٌ أَبو الأسودِ ، وروى لهُ [ حديثاً ] ، وتُعُقِّبَ عليهِ ذلك ؛ فإِنَّه هُو الذي ذكَرَهُ ابنُ منده .
وقد ذكرَ الحديثَ المذكورَ محمَّدُ بنُ الرَّبيعِ [ الجِيزيُّ في (( تاريخِ الصَّحابةِ الَّذين نَزلوا مِصرَ )) في ترجمةِ سَنْدَرٍ مولى زِنْباع .
__________
(1) فجر الأحد 13 / 5 / 1418هـ
(2) سندر اسم فرد لا يعرف له نظير والمقصود أن على طالب العلم معرفة الاسماء المفردة التي لم يشارك فيها صاحبها .(1/113)
وقد حرَّرتُ ذلك في كتابي (( في ))) الصَّحابة .
وَكذا معرِفةُ الكُنَى المُجرَّدَةِ [ و [ المُفْرَدَةِ وَ [ كذا مَعرِفَةُ ] الألْقابِ (1)، وهي تارةً تكونُ بلفظِ الاسمِ ، وتارةً (( تكون )) بلفظِ الكُنيةِ ، و (( قد )) تقعُ نِسبةً إلى ] عاهَةٍ (( كالأعمش )) أَو حِرفةٍ .(2)
وَكذا [ مَعْرِفَةُ ] الأنْسابِ .
وَهي تارةً تَقَعُ إِلى القَبائِلِ (3)، وهي في المتقدِّمينَ أَكثرُ بالنِّسبةِ إلى (( أكثر )) المتأَخِّرينَ .
وَتارةً إِلى الأوْطانِ(4) ، وهذا في المتأَخِّرينَ أَكثرُ (( أي )) بالنِّسبةِ إِلى المتقدِّمين .
والنِّسبةُ إِلى الوطنِ أَعمُّ مِن أَنْ يكونَ بلاداً ، أو ضياعاً ، أو سِكَكَاً ، أو مُجاوَرَةً وتقع إِلى الصَّنائعِ كالخَيَّاطِ والحِرَفِ كالبَزَّازِ
ويقعُ فيها الاتِّفاقُ والاشتباهُ ؛ كالأسماءِ
وقد تَقعُ الأنْسابُ أَلقاباً ؛ كخالِدِ بنِ مَخلَدٍ القَطوانيِّ ، كانَ كوفيّاً ، ويلقَّبُ بالقَطَوانيِّ ، وكان يغضَبُ منها
وَمِن المُهمِّ أَيضاً مَعْرِفةُ أَسبابِ ذلك ؛ أي : الألقابِ [ والنِّسبِ الَّتي باطِنُها على خِلافِ ظاهِرِها ] (5)
[ وَ ] [ كَذا ] و )) مَعْرِفَةُ المَوالي مِنْ أَعْلى و [ مِنْ ] أَسْفَلَ ؛ بالرِّقِّ ، أَو بالحِلْفِ أو بالإِسلامِ ؛ لأنَّ كلَّ ذلك يُطْلَقُ عليهِ مولى ، ولا يُعْرَفُ تمييزُ ذلك إِلاَّ بالتَّنْصيصِ عليهِ .(6)
وَ (( كذا )) مَعْرِفَةُ الإِخْوَةِ والأخَواتِ ، وقد صنَّفَ فيهِ القُدماءُ ؛ كعليِّ بنِ المَدينيِّ .
__________
(1) فجر الأحد 20 / 5 / 1418 هـ
(2) كالحداد والخراز
(3) كالقرشي والهاشمي والتميمي والتيمي .
(4) كالبخاري والبغدادي والمكي والمدني والدمشقي .
(5) وذلك من باب الفائدة والتأكد حتى تكون المعرفة والتمييز كاملة .
(6) وهذا من كمال المعرفة .(1/114)
وَمِن المهمِّ أَيضاً مَعْرِفَةُ آدابِ الشَّيْخِ والطَّالِبِ : ويشتَرِكانِ في :(1)
تصحيحِ النِّيَّةِ ، والتَّطهيرِ مِن أَعراضِ الدُّنْيا ، وتَحسينِ الخُلُق .
وينفَرِدُ الشَّيخُ بأَنْ :
يُسمعَ إِذا احْتيجَ إِليهِ
ولا يُحدِّثُ ببلدٍ فيهِ [ مَن هُو ] أَولى منهُ ، بل يُرْشدُ إِليهِ (2).
ولا يَتْرُكُ إِسماعَ أَحدٍ لنيَّةٍ فاسدةٍ .
وأَنْ يتطهَّرَ ويجْلِسَ بوَقارٍ .(3)
ولا يُحَدِّثُ قائماً ولا عَجِلاً ، ولا في الطَّريقِ إِلاَّ إِنِ اضطُرَّ إِلى ذلك .(4)
وأَنْ يُمْسِكَ عنِ التَّحديثِ إِذا خَشِيَ التَّغَيُّرَ أَو النِّسيانَ لمَرَضٍ أَو هَرَمٍ .(5)
وإِذا اتَّخَذَ مَجْلِسَ الإِملاءِ ؛ أَنْ يكونَ لهُ مُسْتَملٍ يقِظٌ .
وينفَرِدُ الطَّالِبُ بأَنْ :
يوقِّرَ الشَّيخَ ولا يُضْجِرَهُ .(6)
ويُرشِدَ غيرَهُ لِما سَمِعَهُ .
ولا يَدَعَ الاستفادَةَ لحَياءٍ أَو تكبُّرٍ .(7)
ويكتُبَ ما سمِعَهُ تامّاً .(8)
ويعتَنِيَ بالتَّقييدِ والضَّبطِ .
ويُذاكِرَ بمحفوظِهِ ليَرْسَخَ في ذهْنِه .
__________
(1) فجر الأحد 27 / 5 / 1418هـ
(2) وهذا من باب النصح .
(3) كونه عن طهارة أفضل لأنه يسمع الآيات وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم .
(4) حتى لا يغلط فهذا أضبط وأسلم من الخطأ فإذا دعت الحاجة إلى ذلك وهو قائم أو وهو ماشي فلا حرج . فالنبي صلى الله عليه وسلم حدث وهو ماشي .
(5) حتى لا يقول على الله وعلى رسوله بغير علم
(6) يوقره بالكلمات الطيبة ولا يضجره بالأسئلة الكثيرة وغيرها ويتحرى الاسئلة المناسبة والكلام الطيب مع استاذه حتى ينشرح صدر الاستاذ لتعليمه وتوجيهه .
(7) في الحديث ( لا ينال العلم مستحي ولا متكبر ) .
(8) فلا يخل بشيء لأنه قد يخل بشيء يخل بالحديث .(1/115)
وَمِن المهمِّ [ أَيضاً ](1) معرِفةُ سِنِّ التَّحَمُّلِ والأداءِ(2)، والأصحُّ اعتبارُ سنِّ التَّحمُّلِ بالتَّمييزِ ، هذا في السَّماعِ .
وقد جَرَتْ عادةُ المحدِّثينَ بإِحضارِهِمُ الأطفالَ (( في )) مجالِسَ الحَديثِ، ويكتُبونَ لهُم أَنَّهم حَضَروا.
ولابدَّ (( لهم )) في مثلِ ذلك مِن إِجازةِ المُسْمِعِ .(3)
والأصحُّ في سنِّ الطَّالبِ بنفسِه أَنْ يتأَهَّلَ لذلك.
ويَصِحُّ تحمُّلُ الكافِرِ أَيضاً إِذا أَدَّاهُ بعدَ إِسلامِه .(4)
وكذا الفاسِقِ مِن بابِ أَوْلى إِذا أَدَّاهُ بعدَ توبتِه وثُبوتِ عدالَتِه .
وأَمَّا الأداءُ؛ فقد تقدَّمَ أَنَّه لا اختصاصَ له بزَمنٍ مُعيَّنٍ، بل يُقيَّدُ بالاحتياجِ والتأَهُّلِ لذلك.(5)
وهُو مُخْتَلِفٌ باخْتِلافِ الأشخاصِ .
__________
(1) فجر الأحد 4 / 6 / 1418 هـ
(2) وأرجح ما قيل في هذا أنه يصح سماع الصبي إذا كان مميزاً ضابطاً ، قال بعضهم ولو كان ابن أربع سنين أو خمس سنين المهم أن يكون ضابطاً لما سمع وحدث به بعد كبره كما حدث ابن الزبير وابن عباس وجماعة من صغار الصحابة واحتج العلماء بحديثهم لأنهم سمعوه وهم صغار وأدوه وهم ضابطون لحديثهم .
(3) يعني أن يأذن له أن يحدث عنه .
(4) مثل جبير بن مطعم وغيره سمعوا من النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث وحدث بها بعد إسلامه .
(5) الأداء لا زمن له معين بل حسب الحاجة فإذا رأى الحاجة أدى وإذا لم ير حاجة وهناك من يؤدي عنه فالحمد لله ، فيؤدي عند الحاجة إليه فإذا كان في مكان قد أدى عنه غيره فلا يجب عليه ولكن إذا أدى زيادة فهو من باب الفضل والخير ومن باب التعاون على الخير .(1/116)
وقالَ ابنُ خُلاَّدٍ : إِذا [ بلَغَ ] الخَمسينَ ، ولا يُنْكَرُ عندَ الأربعينَ .(1)
وتُعُقِّبَ (( عليه )) بمَن حدَّثَ قبلَها ؛ كمالكٍ .
وَمِن المهمِّ معرفَةُ صِفَةِ كِتابَةِ الحَديثِ (2)، وهو أَنْ يكتُبَهُ مُبيَّناً مفسّراً ويَشْكُلَ المُشْكِلَ [ منهُ ] و يَنْقُطَهُ ، ويكتُبَ السَّاقِطَ في [ الحاشيةِ ] اليُمنى ، ما دامَ في السَّطرِ بقيَّةٌ ، وإِلاَّ ففي اليُسرى (3).
وَصفةِ عَرْضِهِ ، وهُو مُقابَلتُهُ معَ الشَّيخِ المُسمِع (4)، أَو معَ ثقةٍ غيرِه ، أَو معَ نفسِه شيئاً فشيئاً .
(( وَصفةِ سَمَاعِهِ(5) بأن لا يتشاغلُ بما يخلُ به من نسخٍ أو حديثٍ أو نعاسٍ ))
وَصفةِ إِسْمَاعِِهِ كذلك ، وأَنْ يكونَ (( الذي )) ذلك مِن أَصلِهِ الَّذي سمِعَ فيهِ [ كِتابَهُ ] ، أَو مِن فرْعٍ قُوبِلَ على أَصلِه ، فإِنْ تعذَّرَ ؛ فليَجْبُرْهُ بالإِجازةِ لما خالَفَ إِنْ خالَفَ .
وَصفةِ الرِّحْلةِ فيهِ ، حيثُ يَبْتَدِئُ بحديثِ أَهلِ بلدهِ فيستوْعِبُهُ ، ثمَّ يرحلُ فيُحَصِّلُ في الرِّحلةِ ما ليسَ عندَه ، ويكونُ اعتناؤهُ [ في أَسفارِهِ ] بتكثيرِ المَسموعِ أَولى مِن اعتنائِهِ بتكثيرِ الشُّيوخِ .
__________
(1) وهذا ليس عليه دليل بل يؤدي عند الحاجة إليه ولو ابن عشرين ولو ابن ثلاثين فيؤدي عند الحاجة إليه والصحابة أدوا وهم صغار فابن عباس وابن الزبير أدوا وهم شباب . المهم ضبط الرواية والأحاديث وثقة الراوي فلو حدث وهو ثقة ولو أنه شاب فليس بلازم أن يكون ابن اربعين أو خمسين .
(2) فجر الأحد 11 / 6 / 1418 هـ
(3) وهذا حسب اصطلاحهم والمهم هو ضبط الحديث .
(4) وهذا مهم والمقابلة مع الشيخ أضبط ومع غيره لا بأس ولكن مع شيخه أضبط حتى لا ينس شيئاً .
(5) هل قال حدثنا ، هل قال : كتب إلي فلان حتى يكون أكمل في الرواية .(1/117)
وَصفة تَصْنِيفِهِ وذلك إِمَّا على المسانيدِ ، بأَنْ يجْمَعَ مسنَدَ كلِّ صحابيٍّ على حِدَةٍ ، فإِنْ شاءَ رتَّبَهُ على سوابِقِهِم ، وإِنْ شاءَ رتَّبَهُ على حُروفِ المُعْجَمِ ، وهو أَسهَلُ تناوُلاً .(1)
أَوْ تصنيفِه على الأَبْوابِ الفِقهيَّةِ (2)أَو غيرِها ، بأَنْ يَجمَعَ في كلِّ بابٍ ما ورَدَ فيهِ ممَّا يدلُّ على حُكمِه إِثْباتاً أَو نفياً ، والأوْلى أَنْ يقتَصِرَ على ما صحَّ أَو حَسُنَ (3)، فإِنْ جَمَعَ الجَميعَ فَلْيُبَيِّنْ علَّةَ الضَّعْفِ
أَوْ تصنيفِه على العِلَلِ (4)، فيذكُرُ المتنَ وطُرُقَهُ ، وبيانَ اختلافِ نَقَلَتِه ، والأحْسَنُ أَنْ يرتِّبَها على الأبوابِ ليسهُلَ تناوُلُها .
أَوْ يجمَعُهُ على الأطْرافِ ، فيذكُرُ طرَفَ الحديثِ الدَّالَّ على بقيَّتِه .(5)
ويجْمَعُ أَسانيدَه : إِمَّا مستوعِباً ، وإِمَّا متقيِّداً بكُتُبٍ مخصوصةٍ .
وَمِن المُهِمِ مَعْرِفَةُ سَبَبِ الحَديثِ :(6)
وقَدْ صَنَّفَ فيهِ بَعْضُ شُيوخِ القَاضي أَبي يَعْلى [ بنِ ] الفَرَّاءِ [ الحنبليِّ ] ، وهو أبو حفصٍ العُكْبريُّ .
__________
(1) وهذا حسب التيسير مثل ما فعل أحمد جمع أحاديثهم على اسمائهم ولم يرتبها على الأبواب وهكذا أبو داود الطيالسي ،وهو مخير إن شاء رتبهم على سبقهم في الإسلام مثل ما بدأ أحمد بالخلفاء الراشدين وإن شاء رتبهم على حروف المعجم .
(2) كما فعل الأكثرون .
(3) وهذا هو الذي ينبغي وفي جمع الصحيح والحسن كفاية وإن أراد جمع معها الضعيف فليميز الصحيح والحسن والضعيف .
(4) فجر الأحد 18 / 6 / 1418 هـ
(5) كما فعل جماعة كابن كثير وغيره .
(6) فيه فائدة كبيرة فإن السبب يوضح المعنى وإن كان العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ولكن السبب يفيد في وضوح المعنى .(1/118)
وقد ذكَرَ الشيخُ تقيُّ الدِّينِ بنُ دَقيقِ العيدِ [ أَنَّ ] بعضَ أَهلِ عصرِه شرعَ في جَمْعِ ذلك ، فكأَنَّهُ ما رأى تصنيفَ العُكْبريِّ المذكور .
وصنَّفوا في غالبِ هذهِ الأنْواعِ على ما أَشَرْنا إِليهِ غَالِباً .
وهِيَ ؛ أي : هذهِ الأنواعُ المَذكورةُ في هذهِ الخاتمةِ نَقْلٌ مَحْضٌ ، ظاهِرَةُ التَّعْريفِ ، مُسْتَغْنِيَةٌ عنِ التَّمْثيلِ .
[ وحَصْرُها مُتَعَسِّرٌ ] ؛ فلْتُراجَعْ لَها مَبْسوطاتُها ؛ لِيَحْصُلَ الوُقوفُ على حقائقِها .(1)
واللهُ المُوَفِّقُ والهَادي (( إلى الصواب ، و )) لا إِلَهَ إِلاَّ هُو ، (( محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً و )) عليهِ توكَّلْتُ وإِليهِ أُنيبُ ، ([ وحسبُنا اللهُ ونِعمَ الوَكيلُ ]
[ وصلَّى اللهُ على سيِّدنا محمَّدٍ و (( على )) آلهِ وصحبهِ وسلَّمَ (2) .
__________
(1) إنما أراد المصنف الإشارة لما ذكره أهل العلم من هذه الأشياء ومن أراد البسط فليراجعها إلى مضانها وأصولها والمقصود بيان القواعد في هذا .
(2) رحمه الله وغفر الله لنا وله ، النخبة كتاب جيد مفيد على اختصارها مفيدة . ( نهاية الشريط السادس )(1/119)