باب رجم المحصن من أهل الكتاب وإن الإسلام ليس بشرط في الإحصان (7/146)
1 - عن ابن عمر " أن اليهود أتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل وامرأة منهم قد زنيا فقال ما تجدون في كتابكم فقالوا تسخم وجوههما ويخزيان قال كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فاتلوتها أن كنتم صادقين فجاؤا بالتوراة وجاؤا بقار لهم فقرأ حتى إذا انتهى إلى موضع منها وضع يده عليه فقيل له ارفع يدك فرفع يده فإذا هي تلوح فقال أو قالوا يا محمد إن فيها الرجم ولكنا كنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجما قال فلقد رأيته يجنأ عليها يقيها الحجارة بنفسه " وفي رواية أحمد " بقار لهم أعور يقال له ابن صوريا " (7/147)
2 - وعن جابر بن عبد الله قال " رجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أسلم ورجلا من اليهود وامرأة "
- رواه أحمد ومسلم . وعن البراء بن عازب قال " مر على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يهودي محمم مجلود فدعاهم فقال أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم قالوا نعم فدعا رجلا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزاني في كتابكم قال . لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم ولكن كثرفي أشرافنا وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه فأمر به فرجم فأنزل الله عز و جل يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر من الذين قالوا إلى قوله إن أوتيتم هذا فخذوه يقولون أئتوا محمد أفإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أفتاكم بالرجم فاحذروا فأنزل الله تبارك وتعالى ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون قال هي في الكفار كلها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (7/147)
- قوله " تسخم " بسين مهملة ثم خاء معجمة قال في القاموس السخم محركة السواد والأسخم الأسود ثم قال وقد تسخم عليه وسخم بصدره تسخيما أغضبه ووجهه سوده : قوله " ويخزيان " بالخاء والزاء المعجمتين أي يفضحان ويشهران
قال في القاموس خزي كرضي خزيا بالكسر وقع في بلية وشهرة فذل بذلك وأخزاه الله فضحه
قوله : " فإذا هي تلوح " يعني آية الرجم
قوله : " فلقد رأيته يجنأ " بفتح أوله وسكون الجيم وفتح النون بعدها همزة أي ينحني
قال في القاموس جنأ عليه كجعل وفرح جنوأ وجنأ أكب كاجنأ وجانأ وتجانأ وكفرح أشرف كاهله على صدره فهو اجنأ والمجنأ بالضم الترس لا حديد فيه انتهى
وفي هذه اللفظة روايات كثيرة هذه أصحها على ما ذكره صاحب المشارق : قوله " رجلا من أسلم " هو ماعزبن مالك الأسلمي
قوله : " وامرأة هي الجهنية " ويقال لها الغامدية : قوله " محمم " بضم الميم الأولى وفتح الحاء المهملة وتشديد الميم الثانية مفتوحة اسم مفعول أي مسود الوجه والتحميم التسويد
( وأحاديث الباب ) تدل على أن حد الزنا يقام على الكافر كما يقام على المسلم
وقد حكى صاحب البحر الإجماع على أنه يجلد الحربي
وأما الرجم فذهب الشافعي وأبو يوسف والقاسمية إلى أنه يرجم المحصن من الكفار . وذهب أبو حنيفة ومحمد وزيد بن علي والناصر والإمام يحيى إلى أنه يجلد ولا يرجم قال الإمام يحيى والذمي كالحربي في الخلاف وقال مالك لا حد عليه
وأما الحربي المستأمن فذهب العترة والشافعي وأبو يوسف إلى أنه يحد وذهب مالك وأبو حنيفة ومحمد إلى أنه لا يحد وقد بالغ ابن عبد البر فنقل الاتفاق على ان شرط الاحصان الموجب للرجم هو الاسلام وتعقب بأن الشافعي وأحمد لا يشترطان ذلك ومن جملة من قال بأن الإسلام شرط ربيعة شيخ مالك وبعض الشافعية ( وأحاديث الباب ) تدل على أنه يحد الذمي كما يحد المسلم . والحربي والمستأمن يلحقان بالذمي بجامع الكفر وقد أجاب من اشترط الإسلام عن أحاديث الباب بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما أمضى حكم التوراة على أهلها ولم يحكم عليهم بحكم الإسلام وقد كان ذلك عند مقدمه المدينة وكان إذ ذاك مأمورا باتباع حكم التوراة ثم نسخ ذلك الحكم بقوله تعالى { واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم } ولا يخفى ما في هذا الجواب من التعسف ونصب مثله في مقابلة أحاديث الباب من الغرائب وكونه صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك عند مقدمه المدينة لا ينافي ثبوت الشرعية فإن هذا الحكم شرعه الله لأهل الكتاب وقرره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا إلى ثبوت الأحكام التي توافق أحكام الإسلام إلا بمثل هذه الطريق ولم يتعقب ذلك في شرعنا ما يبطله ولا سيما وهو مأمور بأن يحكم بينهم بما أنزل الله ومنهى عن اتباع أهوائهم كما صرح بذلك القرآن وقد أتوه صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن الحكم ولم يأتوه ليعرفهم شرعهم فحكم بينهم بشرعه ونبههم على أن ذلك ثابت في شرعهم كثبوته في شرعه ولا يجوز أن يقال أنه حكم بينهم بشرعهم مع مخالفته لشرعه لأن الحكم منه عليهم بما هو منسوخ عنده لا يجوز على مثله وإنما أراد بقوله فإني أحكم بينكم بالتوراة . كما وقع في رواية من حديث أبي هريرة إلزامهم الحجة
وأما الاحتجاج بقوله تعالى { واللأتي يأتين الفاحشة من نسائكم } فغاية ما فيه أن الله شرع هذا الحكم بالنسبة إلى نساء المسلمين وهو مخرج على الغالب كما في الخطابات الخاصة بالمؤمنين والمسلمين مع أن كثيرا منها يستوي فيه الكافر والمسلم بالإجماع ولو سلمنا أن الآية تدل بمفهومها على أن الكفار خارجات عن ذلك الحكم فهذا المفهوم قد عارضه منطوق حديث ابن عمر المذكور في الباب فإنه مصرح بأنه صلى الله عليه وآله وسلم رجم اليهودية مع اليهودي ومن غرائب التعصبات ما روي عن مالك أنه قال إنما رجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم اليهوديين لأن اليهود يومئذ لم يكن لهم ذمة فتحاكموا إليه وتعقب بأنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقام الحد على من لا ذمة له فلأن يقيمه على من له ذمة بالأولى كذا قال الطحاوي
وقال القرطبي معترضا على قول مالك على أن مجيء اليهود سائلين له صلى الله عليه وآله وسلم يوجب لهم عهدا كما لو دخلوا للتجارة فإنهم في أمان إلى أن يردوا إلى مأمنهم . وأجاب بعضهم بأنه صلى الله عليه وآله وسلم لما أمر برجمها من دون استفصال عن الإحصان كان دليلا على أنه حكم بينهم بشرعهم لأنه لا يرجم في شرعهم إلا المحصن وتعقب ذلك بأنه قد ثبت في طريق عند الطبراني أن أحبار اليهود اجتمعوا في بيت المدارس وقد زنى رجل منهم بامرأة بعد إحصانها
وأخرج أبو داود عن أبي هريرة قال " زنى رجل وامرأة من اليهود وقد أحصنا " وفي إسناده رجل من مزينة لم يسم
وأخرج الحاكم من حديث ابن عباس " أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهودي ويهودية قد أحصنا " وأخرج البيهقي من حديث عبد الله بن الحرث الزبيدي أن اليهود أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيهودي و يهودية قد زنيا وقد اخصنا وأسناده ضعيف فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم علم الإحصان بإخبارهم له لأنهم جاؤا إليه سائلين يطلبون رخصة فيبعد أن يكتبوا عنه مثل ذلك ( ومن جملة ) ما تمسك به من قال إن الإسلام شرط حديث ابن عمر مرفوعا وموقوفا " من أشرك بالله فليس بمحصن " ورجح الدارقطني وغيره الوقف
وأخرجه إسحاق ابن راهويه في مسنده على الوجهين ومنهم من أول الإحصان في هذا الحديث بإحصان القذف . ولأحاديث الباب فوائد ليس هذا موضع بسطها (7/147)
باب اعتبار تكرار الإقرار بالزنا أربعا (7/148)
1 - عن أبي هريرة قال " أتى رجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في المسجد فناداه فقال يا رسول الله أني زنيت فأعرض عنه حتى ردد عليه أربع مرات فلما شهد على نفسه أربع شهادات دعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبك جنون قال لا قال أحصنت قال نعم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اذهبوا به فارجموه قال ابن شهاب فأخبرني من سمع جابر بن عبد الله قال كنت فيمن رجمه فرجمناه بالمصلى فلما أذلقته الحجارة هرب فأدركناه بالحرة فرجمناه "
- متفق عليه . وهو دليل على أ الإحصان يثبت بالإقرار مرة وإن الجواب بنعم إقرار (7/148)
2 - وعن جابر بن سمرة قال " رأيت ماعز بن مالك حين جيء به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو رجل قصير أعضل ليس عليه رداء فشهد على نفسه أربع مرات أنه زنى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلعلك قال لا والله أنه قد زنى الأخر فرجنه "
- رواه مسلم وأبو داود . ولأحمد " أن ماعزا جاء فأقر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع مرات فأمر برجمه " (7/148)
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لماعز بن مالك أحق ما بلغني عنك قالو ما بلغك عني قال بلغني أنك وقعت بجارية آل فلان قال نعم فشهد أربع شهادات فأمر به فرجم "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه
وفي رواية " قال جاء ماعز بن مالك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين فقال شهدت على نفسك أربع مرات اذهبوا به فارجموه "
- رواه أبو داود (7/149)
4 - وعن أبي بكر الصديق " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم جالسا فجاء ماعز بن مالك فاعترف عنده مرة فرده ثم جاء فاعترف عنده الثانية فرده ثم جاء فاعترف عنده الثالثة فرده فقلت له إنك أن اعترفت رجمك قال فاعترف الرابعة فحبسه ثم سأل عنه فقالوا ما نعلم إلا خيرا قال فأمر برجمه " (7/149)
5 - وعن بريدة قال " كنا نتحدث أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ماعز بن مالك لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم يرجمه وإنما رجمه عند الرابعة "
- رواهما أحمد (7/149)
6 - وعن بريدة أيضا قال " كنا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نتحدث أن الغامدية وماعز بن مالك لو رجعا بعد اعترافهما أو قال لو لم يرجعا بعد اعترافهما لم يطلبهما وإنما رجمها بعد الرابعة "
- رواه أبو داود (7/150)
- قصة ماعز قد رواها جماعة من الصحابة منهم من ذكره المصنف ومنهم جماعة لم يذكرهم وقد أتفق عليها الشيخان من حديث أبي هريرة وابن عباس وجابر من دون تسمية صاحب القصة وقد أطال أبو داود في سننه واستوفى طرقها . وحديث أبي بكر أخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي اسانيدهم كلهم جابر الجعفي وهو ضعيف . وحديث بريدة الآخر أخرج نحوه النسائي وفي إسناده بشير بن مهاجر الكوفي الغنوي
وقد أخرج له مسلم ووثفه يحيى بن معين
وقال الإمام أحمد منكر الحديث يجيء بالعجائب مرجيء متهم وقال أبو حاتم الرازي يكتب حديثه ولكنه يشهد لهذا الحديث حديثه الأول الذي ذكره المصنف . وحديث أبي بكر الذي قبله وكذلك الرواية الأخرى من حديث ابن عباس التي عزاها المصنف إلى أبي داود لأن قوله فيها شهدت على نفسك أربع مرات اذهبوا فارجموه يشعر بأن ذلك هو العلة في ثبوت الرجم وقد سكت أبو داود والمنذري عن هذه الرواية ورجالها رجال الصحيح
قوله : " أبكى جنون " وقع في رواية من حديث بريدة فسأل أبه جنون فأخبر بأنه ليس بمجنون
وفي لفظ " فأرسل إلى قومه فقالوا ما نعلم إلا أنه في العقل من صالحينا " وفي حديث أبي سعيد ما نعلم به بأسا ويجمع بين هذه الروايات بأنه سأله أولا ثم سأل عنه احتياطا وفيه دليل على أنه يجب على الإمام الاستفصال والبحث عن حقيقة الحال ولا يعارض هذا عدم استفصال فيها لا يدل على العدم لاحتمال أن يقتصر الراوي على نقل بعض الواقع
قوله : " فهل أحصنت " بفتح الهمزة أن تزوجت وقد روى في هذه القصة زيادات في الاستفصال . منها في حديث ابن عباس عند البخاري والنسائي وأبي داود بلفظ " لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت " والمعنى أنك تجوزت بإطلاق لفظ الزنا على مقدماته
وفي رواية لهم من حديث ابن عباس أيضا " أفنكتها قال نعم " وسيأتي ذلك في باب استفسار المقر وفي رواية لمسلم وأبي داود من حديث بريدة " أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال له اشربت خمرا قال لا " وفيه " فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريحا "
قوله : " اذهبوا به فارجموه " فيه دليل على أنه لا يجب أن يكون الإمام أول من يرجم وسيأتي الكلام على ذلك في باب أن السنة بداءة الشاهد بالرجم وبداءة الإمام به
وفيه أيضا دليل على أنه لا يحب الحفر للمرجوم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمرهم بذلك وسيأتي بيان ذلك في باب ما جاء في الحفر للمرجوم
قوله : " فلما أذلقته الحجارة " بالذال المعجمة والقاف أي بلغت منه الجهد
قوله : " أعضل " بالعين المهملة والضاد المعجمة أي ضخم عضلة الساق
قوله : " أنه قد زنى الأخر " هو مقصور بوزن الكبد أي الأبعد
قوله : " فاقر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع مرات " قد تطابقت الروايات التي ذكرها المصنف في هذا الباب على أن ماعزا أقر أربع مرات . ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم بلفظ " فاعترف ثلاث مرات " ووقع عند مسلم من طريق شعبة عن سماك قال فرده مرتين وفي أخرى مرتين أو ثلاثا قال شعبة فذكرته لسعيد بن جبير فقال أنه رده أربع مرات وقد جمع بين الروايات بجعل رواية المرتين على أنه اعترف مرتين في يوم ومرتين في يوم آخر ويدل على ذلك ما أخرجه أبو داود عن ابن عباس قال جاء ماعز إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاعترف بالزنا مرتين فطرده ثم جاء فاعترف بالزنا مرتين كما في الرواية المذكورة في الباب فلعله اقتصر الراوي على ما وقع منه في أحد اليومين وأما رواية الثلاث فلعله أقتصر الراوي فيها على المرات التي رده فيها فإنه لم يرده في الرابعة بل استثبت وسأله عن عقله ثم أمر برجمه
قوله : " لو رجعا بعد اعترافهما " أي رجعا على رحالهما ويحتمل انه أراد الرجوع عن الإقرار ولكن الظاهر الأول لقوله أو قال لو لم يرجعا فإن المراد به لم يرجعا إليه صلى الله عليه وآله وسلم فيكون معنى الحديث لو رجعا إلى رحالهما ولم يرجعا إليه صلى الله عليه وآله وسلم بعد كمال الإقرار لم يرجمهما وقد استدل بأحاديث الباب القائلون بأنه يشرط في الإقرار بالزنا أن يكون أربع مرات فإن نقص عنها لم يثبت الحد وهم العترة وأبو حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وأحمد وابن حنبل واسحاق و الحسن بن صالح هكذا في البحر وفيه أيضا عن أبي بكر وعمر والحسن البصري ومالك وحماد وأبي ثور والبتى والشافعي أنه يكفي وقوع الإقرار مرة واحدة وروى ذلك عن داود وأجابوا عن أحاديث الباب بما سلف من الاضطراب ويرد عليهم بما تقدم واستدلوا بحديث العسيف المتقدم فأن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لانيس " واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها "
وبما أخرجه مسلم والترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبادة بن الصامت أنه صلى الله عليه وآله وسلم رجم امراة من جهينة ولم تقر إلا مرة واحدة وسيأتي الحديث في باب تأخير الرجم عن الحبلى . وكذلك حديث بريدة الذي سيأتي هنالك فإن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم رجمها قبل أن تقر أربعا ولما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث خالد بن اللجلاج عن أبيه أنه كان قاعدا يعمل في السوق فمرت امرأة تحمل صبيا فثار الناس معها وثرت فيمن ثار فانتهيت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول من أبو هذا معك فسكتت فقال شاب خذوها أنا أبوه يا رسول الله فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعض من حوله يسألهم عنه فقالوا ما علمنا إلا خيرا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحصنت قال نعم فأمر به فرجم " وعن جابر بن عبد الله عند أبي داود " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر عنده رجل أنه زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجلد الحد ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم " وقد تقدم . ومن ذلك حديث الذي أقر بأنه زنى بامرأة وأنكرت وسيأتي في باب من أقر انه زنى بامرأة فجحدت . ومن ذلك حديث الرجل الذي أدعت المرأة أنه وقع عليها فأمر برجمه ثم قام آخر فاعترف أنه الفاعل ففي رواية أنه رجمه وفي رواية أنه عفا عنه وهو في سنن النسائي والترمذي . ومن ذلك حديث اليهوديين فإنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كرر عليهما الإقرار قالوا ولو كان تربيع الإقرار شرطا لما تركه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذه الواقعات التي يترتب عليها سفك الدماء وهتك الحرم . وأجاب الأولون عن هذه الأدلة بأنها مطلقة قيدتها الأحاديث التي فيها أنه وقع الإقرار أربع مرات ورد بأن الإطلاق والتقييد من عوارض الألفاظ وجميع الأحاديث التي ذكر فيها تربيع الإقرار أفعال ولا ظاهر لها وغاية ما فيها جواز تأخير إقامة الحد بعد وقوع الإقرار مرة إلى أن ينتهي إلى أربع ثم لا يجوز التأخير بعد ذلك وظاهر السياقات مشعر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك في قصة ماعز لقصد التثبت كما يشعر بذلك قوله له " أبك جنون " ثم سؤاله بعد ذلك لقومه فتحمل الأحاديث التي فيها التراخي عن إقامة الحد بعد صدور الإقرار مرة على من كان أمره ملتبسا في ثبوت العقل واختلاله والصحو والسكر ونحو ذلك وأحاديث إقامة الحد بعد الإقرار مرة واحدة على من كان معروفا بصحة العقل وسلامة إقراره عن المبطلات
وأما ما رواه بريدة من أن الصحابة كانوا يتحدثون أنه لو جلس في رحله بعد اعترافه ثلاث مرات لم يرجمه فليس ذلك مما تقوم به الحجة لأن الصحابي لا يكون فهمه حجة إذا عارض الدليل الصحيح . ومما يؤيد ما ذكرناه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قالت له الغامدية أتريد أن تردني كما رددت ماعزا لم ينكر ذلك عليها كما سيأتي في باب تأخير الرجم عن الحبلى ولو كان تربيع الإقرار شرطا لقال لها إنما رددته لكونه لم يقرأ ربعا وهذه الواقعة من أعظم الأدلة على أن تربيع الإقرار ليس بشرط للتصريح فيها بأنها متأخرة عن قضية ماعز وقد اكتفى فيها بدون أربع مرات كما سيأتي وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس المذكور في الباب شهدت على نفسك أربع شهادات فليس في هذا ما يدل على الشطية أصلا وغاية ما فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبره بانه قد استحق الرجم لذلك وليس فيه ما ينفي الاستحقاق فيما دونه ولا سيما وقد وقع منه الرجم بدون حصول التربيع كما سلف وأما الاستدلال بالقياس على شهادة الزنا فإنه لما أعتبر فيه أربعة شهود أعتبر في إقراره أن يكون أربع مرات ففي غاية الفساد لأنه يلزم من ذلك أن يعتبر في الإقرار بالأموال والحقوق أن يكون مرتين لأن الشهادة في ذلك لابد أن تكون من رجلين ولا يكفي فيها الرجل الواحد واللازم باطل بإجماع المسلمين فالملزوم مثله وإذا تقرر لك عدم اشتراط الأربع عرفت عدم اشتراط ما ذهبت إليه الحنفية والقاسمية من أن الأربع لا تكفي أن تكون في مجلس واحد بل لا بد أن تكون في أربعة مجالس لأن تعدد الأمكنة فرع تعدد الإقرار الواقع فيها وإذا لم يشترط الأصل تبعه الفرع في ذلك وأيضا لو فرضنا اشتراط كون الإقرار أربعا لم يستلزم كون مواضعه متعددة أما عقلا فظاهر لأن الإقرار أربع مرات وأكثر منها في موضع واحد من غير انتقال مما لا يخالف في امكانه عاقل وأما شرعا فليس في الشرع ما يدل على أن الإقرار الواقع بين يديه صلى الله عليه وآله وسلم وقع من رجل في أربعة مواضع فضلا عن وجود ما يدل على أن ذلك شرط وأكثر الألفاظ في حديث ماعز بلفظ أنه أقر أربع مرات أو شهد على نفسه أربع شهادات وأما الرد الواقع بعد كل مرة كما في حديث أبي بكر المذكور فليس في ذلك أنه رد المقر من ذلك الموضع إلى موضع آخر ولو سلم فليس الغرض في ذلك الرد هو بعدد المجالس بل الاستثبات كما يدل على ذلك ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من الألفاظ الدالة على أن ذلك الرد لأجله ومما يؤيد ذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب فإن فيه أنه جاء اليوم الأول فأقر مرتين فطرده ثم جاء اليوم الثاني فأقر مرتين فأمر برجمه وهكذا يجاب عن الاستدلال بما روى نعيم ابن هزال أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعرض عن ماعز في المرة الأولى والثانية والثالثة كما أخرجه أبو داود وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة والاعراض لا يستلزم أن تكون المواضع التي أقر فيها المقر أربعة بلا شك ولا ريب ولو سلم أنه يستلزم ذلك بقرينة ما روي أنه جاءه من جهة وجهه أولا ثم من عن يمينه ثم من عن شماله ثم من ورائه وسيأتي قريبا أنه كان يقر كل مرة في جهة غير الجهة الأولى فهذا ليس فيه أيضا أن الاعراض لقصد تعدد الإقرار أو تعدد مجالسه بل لقصد الاستثبات كما سلف لما سلف (7/150)
باب استفسار المقر بالزنا واعتبار تصريحه بما لا تردد فيه (7/150)
1 - عن ابن عباس قال " لما أتى ماعز بن مالك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت قال لا يا رسول الله قال أفنكحتها لا يكنى قال نعم فعند ذلك أمر برجمه "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود (7/151)
2 - وعن أبي هريرة قال " جاء الأسلمي إلى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فشهد على نفسه أنه أصاب امرأة حراما أربع مرات كل ذلك يعرض عنه فأقبل عليه في الخامسة فقال أنكتها قال نعم قال كما يغيب المرود في المكحلة والرشاء في البئر قال نعم قال فهل تدري ما الزنا قال نعم أتيت منها حراما ما يأتي الرجل من امرأته حلالا قال فما تريد بهذا القول قال أريد تطهرني فأمر به فرجم "
- رواه أبو داود والدارقطني (7/151)
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده ابن الهضهاض ذكره البخاري في تاريخه وحكى الخلاف فيه وذكر له هذا الحديث وقال حديثه في أهل الحجاز ليس يعرف إلا بهذا الواحد : قوله " أو غمزت " بغين معجمة وزاي والمراد لعلك وقع منك هذه المقدمات فتجوزت بإطلاق لفظ الزنا عليها
وفي رواية " هل ضاجعتها قال نعم قال فهل باشرتها قال نعم قال هل جامعتها قال نعم " قوله " لا يكني " بفتح أوله وسكون الكاف من الكناية أي أنه ذكر هذا اللفظ صريحا ولم يكن عنه بلفظ آخر كالجماع : قوله " المرود " بكسر الميم الميل قوله " والرشاء " بكسر الراء قال في القاموس والرشاء ككساء الحبل وفي هذا من المبالغة في الاستثبات والاستفصال ما ليس بعده في تطلب بيان حقيقة الحال فلم يكتف بإقرار المقر بالزنا بل استفهمه بلفظ لا أصرح منه في المطلوب وهو لفظ النيك الذي كان صلى الله عليه وآله وسلم يتحاشى عن التكلم به في جميع حالاته ولم يسمع منه إلا في هذا الموطن ثم لم يكتف بذلك بل صوره تصويرا حسيا ولا شك أن تصوير الشيء بأمر محسوس أبلغ في الاستفصال من تسميته بأصرح أسمائه وأدلها عليه
وقد استدل بهذين الحديثين على مشروعية الاستفصال للمقر بالزنا وظاهر ذلك عدم الفرق بين من يجهل الحكم ومن يعلمه ومن كان منتهكا للحرم ومن لم يكن كذلك لأن ترك الاستفصال ينزل منزلة العموم في المقال وذهبت المالكية إلى أنه لا يلقن من اشتهر بانتهاك الحرم
وقال أبو ثور لا يلقن إلا من كان جاهلا للحكم وإذا قصر الإمام في الاستفصال ثم انكشف بعد التنفيذ وجود مسقط للحد فقيل يضمن الدية من ماله إن تعمد التقصير وإلا فمن بيت المال
وقيل على عاقلة الإمام قياسا على جناية الخطأ قال في ضوء النهار والحق أنه إذا تعمد التقصير في البحث عن المسقط المجمع على اسقاطه اقتص منه وإلا فلا يضمن إلا الدية لما عرفت من كون الخلاف شبهة اه وهذا إنما يتم بعد تسليم ان استفصال المقر عن المسقطات المجمع عليها واجب على الإمام وشرط في إقامة الحد يستلزم عدمه العدم كما هو شأن سائر الشروط على ما عرف في الأصول والواجبات والشروط لا تثبت بمجرد فعله صلى الله عليه وآله وسلم وليس في المقام إلا ذلك وغايته الندب وأما الاستدلال على الوجوب بأن الإمام حاكم والحاكم يجب عليه التثبت فيمكن مناقشته بمنع الصغرى والسند أن الحاكم هو من يفصل الخصوماث بين العباد عند الترافع إليه ولا خصومة ههنا بل مجرد التنفيذ لما شرعه الله على من تعدى حدوده بشهادة لسانه عليه بذلك وكون المانع مجوزا لا يستلزم القدح في صحة الحكم الواقع بعد كمال السبب وهو الإقرار لشروطه والألزم ذلك في الإقرار بالأموال والحقوق فيجب على الحاكم مثلا بعد أن يقر عنده رجل بأنه أخذ مال رجل أن يقول له لعلك أردت المجاز ولم يصدر منك الأخذ حقيقة لعلك كذا لعلك كذا واللأزم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وبيان الملازمة أن وجود المانع مجوز في الإقرار بالأموال والحقوق كما هو مجوز في الإقرار بالزنا فتقرر لك بهذا أن إيجاب الاستفصال على الإمام في مثل القرار بالزنا وجعله شرطا لإقامة الحد بمجرد كونه حاكما غير منتهض فالأولي التعويل على أحاديث الباب القاضية بمطلق مشروعية الاستفصال في الإقرار بالزنا لا بالمشروعية المقيدة بالوجوب أو الشرطية (7/151)
باب أن من أقر بحد ولم يسمه لا يحد (7/152)
1 - عن أنس قال " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجاءه رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي ولم يسأله قال وحضرت الصلاة فصلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام إليه الرجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم في كتاب الله قال أليس قد صليت معنا قال نعم قال فإن الله قد غفر لك ذنبك أو حدك "
- أخرجاه . ولأحمد ومسلم من حديث أبي أمامة نحوه (7/152)
- لفظ حديث أبي أمامة الذي أشار إليه المصنف قال " بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد ونحن معه إذ جاء رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي فسكت عنه ثم أعاد فسكت وأقيمت الصلاة فلما انصرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبعه الرجل وأتبعته أنظر ماذا يرد عليه فقال له أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضأت فأحسنت الوضوء قال بلى يا رسول الله قال ثم شهدت الصلاة معنا قال نعم يا رسول الله قال فإن الله تعالى قد غفر لك حدك أو قال ذنبك " وفي الباب عن مسعود عند مسلم والترمذي وأبي داود والنسائي قال " إني عالجت امرأة من أقصى المدينة فأصبت منها ما دون أن أمسها فأنا هذا فأقم علي ما شئت فقال عمر لقد ستر الله عليك لو سترت على نفسك فلم يرد النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فانطلق الرجل فأتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلا فدعاه فتلا عليه أقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إلى آخر الآية فقال فقال رجل من القوم أله خاصة أم للناس عامة فقال للناس كافة " هذا لفظ أبو اليسر كعب بن عمرو وقيل غيره
قوله : " إني أصبت حدا " قال في النهاية أي أصبت ذهنيا أوجب على حدا أي عقوبة قال النووي في شرح مسلم هذا الحديث معناه معصية من المعاصي الموجبة للتعذير وهي هنا من الصغائر لأنها كفرتها الصلاة ولو أنها كانت موجبة لحد أو غيره لم تسقط بالصلاة فقد أجمع العلماء على أن المعاصي الموجبة للحدود لا تسقط حدودها بالصلاة وحكى القاضي عياض عن بعضهم أن المراد الحد المعروف قال وإنما لم يحده لأنه لم يفسر موجب الحد ولم يستفسره النبي صلى الله عليه وآله وسلم إيثار اللستر بل استحب تلقين الرجل صريحا انتهى . ومما يؤيد ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد بالحد المطلق في الأحاديث هو غير الزنا ونحوه من الأمور التي توجب الحد ما في حديث ابن مسعود الذي ذكرناه من قوله فأصبت منها ما دون أن أمسها فإن هذا يفسر ما أبهم في حديث أنس وأبي أمامة هذا إذا كانت القصة واحدة وإما إذا كانت متعددة فلا ينبغي تفسير ما أبهم في قصة بما فسر في قصة أخرى وتوجه العمل بالظاهر والحكم بأن الصلاة تكفر ما يصدق عليه أنه يوجب الحد ولا شك ولا ريب أن من أقر بحد من الحدود ولم يفسره لا يطالب بالتفسير ولا يقام عليه الحد أن لم يقع منه ذلك لأحاديث الباب ولما سيأتي من أنها تدرأ الحدود بالشبهات بعد ثبوتها وتعيينها فبالأولي قبل التفسير للقطع بأنها مختلفة المقادير فلا يتمكن الإمام من إقامتها مع الأبهام ويؤيد ذلك ما سلف من استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم لماعز بعد أن صرح بأنه زنى (7/152)
باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار (7/153)
1 - عن أبي هريرة قال " جاء ماعز الأسلمي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنه قد زنى فأعرض عنه ثم جاء من شقه الآخر فقال يا رسول الله إنه قد زنى فأمر به في الرابعة فأخرج إلى الحرة فرجم بالحجارة فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه فر حين وجد مس الحجارة ومس الموت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هلا تركتموه "
- رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال حسن (7/153)
2 - وعن جابر في قصة ماعز قال " كنت فيمن رجم الرجل أنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن قومي قتلوني وغروتي من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير قاتلي فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرناه فال فهلا تركتموه وجئتموني به ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منه فأما ترك حد فلا "
- رواه أبو داود (7/153)
- الحديث الأول قال الترمذي بعد أن قال أنه حديث حسن وقد روي من غير وجه أبي هريرة انتهى . ورجال إسناده ثقات فإن الترمذي رواه من حديث عبدة بن سليمان عن محمد بن عمر وقد حدثنا أبو سلمة عن أبي هريرة . والحديث الثاني أخرجه أيضا النسائي وأشار إليه الترمذي وفي اسناده محمد بن إسحاق وفيه خلاف قد تقدم الكلام عليه
وأخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي من حديث أبي سلمة بن عبد الرحمن عن جابر طرفا منه . ولفظ أبي داود قال ذكرت لعاصم بن عمر بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طلب عليه السلام قال حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تركتموه من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم قال ولا
أعرف الحديث قال فجئت جابر بن عبد الله فقلت أن رجالا من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته ألا تركتموه وما أعرف الحديث قال يا ابن أخي أنا أعلم الناس بهذا الحديث فذكره
وفي الباب عن نعيم بن هزال عن أبيه عند أبي داود وفيه " فلما رجم وجد مس الحجارة فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد جزع أصحابه فنزع له بوظيف بعير فقتله ثم أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله أن يتوب فيتوب الله عليه
قوله : " فلما وجد مس الحجارة فر يشتد حتى مر برجل معه لحى جمل " الخ ظاهره هذه الرواية ورواية نعيم بن هزال أنه وقع منه الفرار حتى ضربه الرجل الذي معه لحي الجمل . وظاهر قوله في حديث جابر المذكور صرخ ياقوم الخ أنه لم يفر ووقع في حديث أبي سعيد عند مسلم والنسائي وأبي داود واللفظ له قال " لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجم ماعز بن مالك خرجنا إلى البقيع فوالله ما أوثقناه ولاحفرنا له ولكنه قام لنا قال أبو كامل فرميناه بالعظام والمدر والخزف فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتي عرض الحرة فانتصب لما فرميناه بجلاميد الحرة حتى سكت فظاهر هذه الرواية أنه إنما فر لأجل ما في ذلك المحل الذي فر إليه من الأحجار التي تقتل بلا تعذيب بخلاف المحل الذي كان فيه فإنه لم يكن فيه من الأحجار ما هو كذلك ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأن يقال أنه فر أولا من المكان الأول لأجل عدم الحجارة فيه إلى الحرة فلما وصل إليها ونصب نفسه ووجد مس الحجارة التي تفضي على الموت قال ذلك المقال وأمرهم أن يردوه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما لم يفعلوا هرب فلقيه الرجل الذي معه لحى الجمل فضربه به فوقع ثم رجموه حتى مات
قوله : " هلا تركتموه " استدل به على أنه يقبل من المقر الرجوع عن الإقرار ويسقط عنه الحد وإلى ذلك ذهب أحمد والشافعية والحنفية والعترة وهو مروي عن مالك في قول له . وذهب ابن أبي ليلى والبتي وأبو ثور ورواية عن مالك وقول للشافعي أنه لا يقبل منه الرجوع عن الإقرار بعد كماله كغيره من الإقرارات
قال الأولون ويترك إذا هرب لعله يرجع قال في البحر مسألة وإذا هرب المرجوم بالبينة اتبع الرجم حتى يموت لا بالإقرار لقوله صلى الله عليه وآله وسلم في ماعز " هلا خليتموه " ولصحة الرجوع عن الإقرار ولا ضمان إذ لم يضمنهم صلى الله عليه وآله وسلم لاحتمال كون هربه رجوعا أو غيره انتهى . وذهبت المالكية إلى أن المرجوم لا يترك إذا هرب وعن أشهب أن ذكر عذرا فقيل يترك وإلا فلا ونقله العتبى عن مالك وحكى اللخمي عنه قولين فيمن رجع إلى شبهة قوله " ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ هذا من قول جابر يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال كذلك لأجل الاستثبات والاستفصال فإن وجد شبهة يسقط بها الحد أسقطه لأجلها وإن لم يجد شبهة كذلك أقام عليه الحد وليس المراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن يدعوه وأن هرب المحدود من الحد من جملة المسقطات ولهذا قال " فهلا تركتموه وجئتموني به " (7/154)
باب أن الحد لا يجب بالتهم وإنه يسقط الشبهات (7/154)
1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا عن بين العجلاني وامرأته فقال شداد بن الهاد هي المرأة التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها قال لا تلك امرأة كانت قد أعلنت في الإسلام "
- متفق عليه (7/154)
2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كنت راجما أحدا بغير بينة رجمت فلانة فقد ظهر منها الريبة في منطقها وهيئتها ومن يدخل عليها "
- رواه ابن ماجه
واحتج به من لم يحد المرأة بنكولها عن اللعان (7/155)
- حديث ابن عباس الثاني اسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا العباس بن الوليد الدمشقي قال حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد قال حدثني الليث بن سعد عن عبيد الله بن أبي جعفرعن أبي الأسود عن عروة عن ابن عباس فدكره والعباس صدوق وزيد بن يحيى ثقة وبقية رجال الاسناد رجال الصحيح وقد ورد بالفاظ منها ما ذكره المصنف ومنها ألفاظ أخر وفي بعضها أنها لما أتت بالولد على النعت المكروه قال صلى الله عليه وآله وسلم " لولا الإيمان لكان لي ولها شأن " أخرجه أحمد وأبو داود من حديثه ولقظ البخاري " لولا ما مضى من كتاب الله " وقد تقدم في اللعان ما قاله صلى الله عليه وآله وسلم في شأن الولد الذي كان في بطن المرأة وقت اللعان فإنه قال " إن أتت به على الصفة الفلانية فهو لشريك بن سحماء وإن أتت به على الصفة الفلانية فهو لزوجها هلال بن أمية " قوله فقال شداد بن الهاد في الفتح في كتاب اللعان أن السائل هو عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس قال سماه أبو الزناد عن القاسم بن محمد في هذا الحديث كما في كتاب الحدود من صحيح البخاري
قوله : " كانت قد أعلنت في الإسلام " في لفظ للبخاري " كانت تظهر في الإسلام السوء " أي كانت تعلن بالفاحشة ولكن لم يثبت عليها ذلك ببينة ولا اعتراف كما تقدم في اللعان
قال الداودي فيه جواز عيب من يسلك مسالك السوء وتعقب بأن ابن عباس لم يسمها فأن أراد إظهار العيب على العموم فمحتمل وقد استدل المصنف رحمه الله بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو كنت راجما أحدا بغير بينه لرجمتها " على أنه لا يجب الحد بالتهم ولا شك أن إقامة الحد إضرار بمن لا يجوز الإضرار به وهو قبيح عقلا وشرعا فلا يجوز منه إلا ما أجازه الشارع كالحدود والقصاص وما أشبه ذلك بعد حصول اليقين لأن مجرد الحدس والتهمة والشك مظنة للخطأ والغلط وما كان كذلك فلا يستباح به تأليم المسلم وإضراره بلا خلاف (7/155)
3 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ادفعوا الحدود ما وجدتم لها مدفعا "
- رواه ابن ماجه (7/155)
4 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إدرؤا الحدود عن المسلمين ما استطعتم فإن كان له مخرج فاخلوا سبيله فإن الإمام أن بخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة "
- رواه الترمذي وذكر أنه قد روى موقوفا وأن الوقف أصح
قال وقد روى عن غير واحد من الصحابة رضي الله عنهم أنهم قالوا مثل ذلك (7/156)
- حديث أبي هريرة رضي الله عنه أخرجه ابن ماجه بإسناد ضعيف لأنه من طريق إبراهيم بن الفضل وهو ضعيف . وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف كما قال الترمذي
وقال البخاري فيه أنه منكر الحديث وقال النسائي متروك انتهى . والصواب متروك كما في رواية وكيع قال البيهقي رواية وكيع أقرب إلى الصواب
قال ورواه رشدين عن عقيل عن الزهري ورشدين ضعيف ( وفي الباب ) عن علي مرفوعا أدرؤا الحدود بالشبهات وفيه المختار بن نافع قال البخاري وهو منكر الحديث قال وأصح ما فيه حديث سفيان الثوري عن عاصم عن أبي وائل عن عبد الله بن مسعود " قال أدرؤا الحدود بالشبهات ادفعوا القتل عن المسلمين ما استطعتم " وروي عن عقبة بن عامر ومعاذ أيضا موقوفا وروي منقطعا موقوفا على عمر . ورواه ابن حزم في كتاب الإتصال عن عمر موقوفا عليه
قال الحافظ وإسناده صحيح ورواه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي عن عمر بلفظ " لأن أخطأ في الحدود بالشبهات أحب إلي من أن أقيمها بالشبهات " وفي مسند أبي حنيفة للحارثي من طريق مقسم عن ابن عباس مرفوعا بلفظ " أدرؤا الحدود بالشبهات " وما في الباب وإن كان فيه المقال المعروف فقد شد من عضده ما ذكرناه فيصلح بعد ذلك للاحتجاج به على مشروعية درء الحدود بالشبهات المحتملة لا مطلق الشبهة وقد أخرج البيهقي وعبد الرزاق عن عمر أنه عذر رجلا زنى في الشام وادعى الجهل بتحريم الزنا وكذا روي عنه وعن عثمان أنهما عذرا جارية زنت وهي أعجمية وادعت أنها لم تعلم التحريم (7/156)
5 - وعن ابن عباس قال قال عمر بن الخطاب " كان فيما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده فأخشى أن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد الرجم في كتاب الله تعالى فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى والرجم في كتاب الله حق على من أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف "
- رواه الجماعة إلا النسائي (7/156)
- قوله " آية الرجم " هي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة وقد قدمنا الكلام على ذلك في أول كتاب الحدود وهذه المقالة وقعت من عمر لما صدر من الحج
وقدم المدينة
قوله : " فأخشى إن طال بالناس زمان " الخ قد وقع ما خشيه رضي الله عنه حتى أفضى ذلك إلى أن الخوارج وبعض المعتزلة أنكروا ثبوت مشروعية الرجم كما سلف وقد أخرج عبد الرزاق والطبراني عن ابن عباس أن عمر قال سيجيء أقوام يكذبون بالرجم
وفي رواية للنسائي وإن ناسا يقولون ما بال الرجم فإن ما في كتاب الله تعالى الجلد وهذا من المواطن التي وافق حدس عمر فيها الصواب وقد وصفه صلى الله عليه وآله وسلم بارتفاع طبقته في ذلك الشأن كما قال أن يكن في هذه الأمة محدثون فمنهم عمر
قوله : " إذا قامت البينة " أي شهادة أربعة شهود ذكور بالإجماع
قوله : " أو كان الحبل " بفتح المهملة والموحدة وفي رواية الحمل وقد استدل بذلك من قال المرأة تحد إذا وجدت حامل ولا زوج لها ولا سيد ولم تذكر شبهة وهو مروي عن عمر ومالك وأصحابه قالوا إذا حملت ولم يعلم لها زوج ولا عرفنا إكراهها لزمها الحد إلا أن تكون غريبة وتدعي أنه من زوج أو سيد . وذهب الجمهور أن مجرد الحبل لا يثبت به الحد ل لا بد من الاعتراف أو البينة واستدلوا بالأحادث الواردة في درء الحدود بالشبهات ( والحاصل ) إن هذا من قول عمر ومثل ذلك لا يثبت به مثل هذا الأمر العظيم الذي يفضي إلى هلاك النفوس وكونه قال في مجمع من الصحابة ولم ينكر عليه لا يستلزم أن يكون إجماعا كما بينا ذلك في غير موضع من هذا الشرح لأن الإنكار في مسائل الاجتهاد غير لازم للمخالفة ولا سيما والقائل لذلك عمر وهو بمنزلة من المهابة في صدور الصحابة وغيرهم اللهم إلا أن يدعي أن قوله إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف من تمام ما يرويه عن كتاب الله تعالى ولكنه خلاف الظاهر لأن الذي كان في كتاب الله تعالى هو ما أسلفنا في أول الكتاب الحدود وقد أجاب الطحاوي بتأويل ذلك على أن المراد أن الحبل إذا كان من زنا وجب فيه الرجم ولا بد من ثبوت كونه من زنا وتعقب بأنه يأيى ذلك جعل الحبل مقابلا للبينة والاعتراف
قوله : " أو الاعترف " قد تقدم الخلاف في مقداره وما هو الحق (7/157)
باب من أقرانه زنى بامرأة فجحدت (7/157)
1 - عن سهل بن سعد أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنه قد زنى بامرأة سماها فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المرأة فدعاها فسألها عما قال فأنكرت فحد وتركها "
- رواه أحمد وأبو داود (7/157)
- الحديث في إسناده عبد السلام بن حفص أبو مصعب المدني قال ابن معين ثقة وقال أبو حاتم الرازي ليس بمعروف وفي الباب عن ابن عباس عند أبي داود والنسائي " أن رجل من بكر بن ليث أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأقر أنه زنى بامرأة أربع مرات فجلد مائة وكان بكرا ثم سأله البينة على المرأة فقالت كذب يا رسول الله فجلده حد الفرية ثمانين " وفي إسناده القاسم بن فياض الصنعاني تكلم فيه غير واحد حتى قال ابن حبان أنه بطل الاحتجاج به وقال النسائي هذا حديث منكر وقد استدل بحديث سهل بن سعد مالك والشافعي يحد من أقر الزنا بامرأة معينة للزنا لا للقذف وقال الأوزاعي وأبو حنيفة يحد للقذف فقط لأن إنكارها شبهة وأجيب بأنه لا يبطل به إقراره وذهبت الهادوية ومحمد وروي عن الشافعي على أنه يحد للزنا والقذف واستدلوا بحديث ابن عباس الذي ذكرناه وهذا هو الظاهر لوجهين الأول أن غاية ما في حديث سهل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحد ذلك الرجل للقذف وذلك لا ينتهض للاستدلال به على السقوط لاحتمال أن يكون ذلك لعدم الطلب من المرأة أو لوجود مقسط بخلاف حديث ابن عباس فإن فيه أنه أقام الحد عليه . الوجه الثاني أن ظاهر أدلة القذف العموم فلا يخرج من ذلك إلا ما خرج بدليل وقد صدق على ما كان كذلك أنه قاذف وقد تقدم طرف من الكلام في باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفا من أبواب اللعان (7/158)
باب الحث على إقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة فيه (7/158)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا "
- رواه ابن ماجه والنسائي وقال ثلاثين وأحمد بالشك فيهما (7/158)
2 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من حالت شفاعته دون حد من حدود الله فهو مضاد الله في أمره "
- رواه أحمد وأبو داود (7/159)
- حديث أبي هريرة أخرج نحوه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس مرفوعا بلفظ " وحد يقام في الأرض بحقه أزكى من المطر أربعين صباحا " قال في مجمع الزوائد وفي إسناده زريق بن السحب ولم أعرفه وفي إسناد حديث أبي هريرة المذكور في الباب عند ابن ماجه والنسائي جرير بن يزيد بن جرير بن عبد الله البجلي وهو ضعيف منكر الحديث وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الحاكم وصححه وأخرجه بن أبي شيبة عنه من وجه آخر صحيح موقوفا عليه وأخرج نحوه اطبراني في الأوسط عن أبي هريرة مرفوعا وقال فيه فقد ضاد الله في ملكه . وحديث أبي هريرة فيه الترغيب في إقامة الحدود وإن ذلك مما ينتفع به الناس لما فيه من تنفيذ أحكام الله تعالى وعدم الرأفة بالعصاة وردعهم عن هتك حرم المسلمين ولهذا ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حديث عائشة في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب فقال أيها الناس إنما هلك الذين من قبلكم أنه كانوا إذا سرق فيهو الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد عليه إذا كان ترك الحدود والمداهنة فيها وإسقاطها عن الأكابر من أسباب الهلاك كانت إقامتها على كل أحد من غير فرق بين شريف ووضيع من أسباب الحياة وتبين سر قوله صلى الله عليه وآله وسلم " حد يعمل به في الأرض خير لأهل الأرض من أن يمطروا أربعين صباحا " الحديث . وحديث ابن عمر المذكور فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود والترهيب لفاعلها بما هو غاية في ذلك وهو صفة بمضادة الله تعالى في أمره وقد ثبت النهي عن ذلك في الصحيحين كما في حديث عائشة في قصة المرأة المخزومية لما شفع فيها أسامة بن زيد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له أتشفع في حد من حدود الله وفي لفظ لا أراك تشفع في حد من حدود الله وسيأتي في باب ما جاء في المختلس من كتاب القطع ولكنه ينبغي أن يقيد المنع من الشفاعة بما إذا كان بعد الرفع إلى الأمام لا إذا كان قبل ذلك لما في حديث صفوان بن أمية عند أحمد والأربعة وصححه الحاكم وابن الجارود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له لما أراد أن يقطع الذي سرق رداءه فشفع فيه هلا كان قبل أن تأتيني به وأخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وصححه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده رفعه تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب وأخرجه الطبراني عن عروة بن الزبير قال لقي الزبير سارقا فشفع فيه فقيل له حتى يبلغ الإمام قال إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمشفع
وأخرج ابن أبي شيبة قال الحافظ بسند حسن أن الزبير وعمار وابن عباس أخذوا سارقا فأخلوا سبيله فقال عكرمة فقلت بئس ما صنعتم حين خليتم سبيله فقالوا لا أم لك أما لو كنت أنت لسرك أن يخلى سبيلك
وأخرج الدارقطني من حديث الزبير مرفوعا اشفعوا ما لم يصل إلى الوالي فإذا وصل إلى الوالي فعفا فلا عفا الله عنه . والموقوف أصح وقد أدعي ابن عبد البر الإجماع على أنه يجب على السلطان الإقامة إذا بلغه الحد وهكذا حكي الإجماع في البحر . وحكى الخطابي عن مالك أنه فرق بين من عرف بأذية الناس وغيره فقال لا يشفع في الأول مطلقا وفي الثاني تحسن الشفاعة قبل الرفع لا بعده والراجح عدم الفرق بين المحدودين وعلى التفصيل المذكور بين قبل الرفع وبعده تحمل الأحاديث الواردة في الترغيب في الستر على المسلم فيكون الستر هو الأفضل قبل الرفع إلى الإمام (7/159)
باب أن السنة بداءة الشاهد بالرجم وبداءة الإمام به إذا ثبت بالإقرار (7/159)
1 - عن عامر الشعبي قال " كان لشراحة زوج غائب بالشام وأنها حملت فجاء بها مولاها على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه فقال إن هذه زنت واعترفت فجلدها يوم الخميس مائة ورجمها يوم الجمعة وحفر لها إلى السرة وأنا شاهد ثم قال إن الرجم سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولو كان شهد على هذه أحد لكان أول من يرمي الشاهد يشهد ثم يتبع شهادته حجره ولكنها أقرت فأنا أول من رماها فرماها بحجر ثم رمى الناس وأنا فيهم فكنت والله فيمن قتلها "
- رواه أحمد (7/160)
- الحديث أخرجه النسائي والحاكم وأصله في صحيح البخاري ولكن بدون ذكر الحفر وما بعده كما تقدم في أول كتاب الحدود من حديث الشعبي وسيأتي الكلام على الحفر قريبا وأما كون الشاهد أول من يرمي الزاني المحصن حيث ثبت ذلك بالشهادة فقد ذهب أبو حنيفة والهادوية إلى أن ذلك واجب عليهم وأن الإمام يجبرهم على ذلك لما فيه من الزجر عن التساهل والترغيب في التثبيت وإذا كان ثبوت الزنا بالإقرار وجب أن يكون الإمام أول من يرجم أو مأموره لما عند أبو داود في رواية من حديث أبي بكرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجم امرأة وكان هو أول من رماها بحصاة مثل الحمصة ثم قال أرموها واتقوا الوجه ويجاب بأن مجرد هذا الفعل لا يدل على الوجوب
وأما حديث العسيف المتقدم فلا يدل قوله صلى الله عليه وآله وسلمفيه واغد يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها على وجوب البداءة بذلك منه بل غايته الأمر بنفس الرجم لا بالرجم الخاص الذي هو محل النزاع وأما ما رواه المصنف في الباب عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه فإنما ينتهض لللاحتجاج به على قول من يقول بالحجية لا على ن يخالف في ذلك والمقام مقام اجتهاد ولهذا حكى صاحب البحر عن العترة والشافعي أنه لا يلزم الإمام حضور الرجم وهو الحق لعدم دليل يدل على الوجوب ولما تقدم في حديث ماعز أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر برجم ماعز ولم يخرج معهم والزنا منه ثبت بإقراره كما سلف وكذلك لم يحضر في رجم الغامدية كما زعم البعض قال في التلخيص لم يقع في طرق الحديثين أنه حضر بل في بعض الطرق ما يدل على أنه لم يحضر وقد جزم بذلك الشافعي قال وأما الغامدية ففي سنن أبي داود وغيره ما يدل على ذلك وإذا تقرر هذا تبين عدم الوجوب على الشهود ولا على الإمام وأما الاستحباب فقد حكى ابن دقيق العيد أن الفقهاء استحبوا أن يبدأ الإمام بالرجم إذا ثبت الزنا بالإقرار وتبدأ الشهود به إذا ثبت بالبينة (7/160)
باب ما في الحفر للمرجوم (7/160)
1 - عن أبي سعيد قال " لما أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نرجم ماعز بن مالك خرجنا به إلى البقيع فوالله ما حفرنا له ولا أوثقناه ولكن قام لنا فرميناه بالعظام والخزف فأشتكى فخرج يشتد حتى انتصب لنا في عرض الحرة فرميناه بجلاميد الجندل حتى سكت (7/161)
2 - وعن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال " جائت الغامدية فقالت يا رسول الله إني قد زنيت فطهرني وإنه ردها فلما كان الغد قالت يا رسول الله لم ترددني لعلك ترددني كما رددت ماعزا فوالله إني لحبلى قال أما لا فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في خرقة قالت هذا قد ولدته قال اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز فقالت هذا يا نبي الله قد فطمته وقد أكل الطعام فدفع الصبي إلى رجل من رجال المسلمين ثم أمر بها فحفر لها إلى صدرها وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر فرمى رأسها فنضح الدم على وجه خالد فسبها فسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبه إياها فقال مهلا ياخالد فوالذي نفسي بيده لقد تابت توبة لوتابها صاحب مكس لغفر له ثم أمر بها فصلى عليها ودفنت "
- رواه أحمد مسلم وأبو داود (7/161)
3 - وعن عبد الله بن بريدة عن " أبيه أن ماعز بن مالك الأسلمي أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أني زنيت وأني أريد أن تطهرني فرده فلما كان الغد أتاه فقال يا رسول الله أني قد زنيت فرده الثانية فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قومه هل تعلمون بعقله بأسا تنكرون منه شيئا قالوا ما نعلمه إلا وفي العقل من صالحينا فيما نرى فأتاه الثالثة فأرسل إليهم أيضا فسأل عنه فأخبره أنه لا بأس به ولا بعقله فلما كان الرابعة حفر له حفرة ثم أمر به فرجم "
- رواه مسلم وأحمد وقال في آخره " فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحفر له حفرة فجعل فيها إلى صدره ثم أمر الناس برجمه " (7/161)
4 - وعن خالد بن اللجلاج أن أباه أخبره فذكر قصة رجل اعترف بالزنا فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحصنت قال نعم فأمر برجمه فذهبنا فحفرنا له حتى امكننا ورميناه بالحجارة حتى هدأ "
- رواه أحمد وأبو داود (7/162)
- حديث خالد بن اللجلاج في اسناده محمد بن عبد الله بن علاثة وهو مختلف فيه وقد أخرجه أيضا النسائي ولأبيه صحبة وهو بفتح اللام وسكون الجيم وآخره جيم أيضا وهو عامري كنيته أبو العلاء عاش مائة وعشرين سنة
قوله : " والخزف " بفتح الخاء المعجمة والزاي آخره فاء وهي أكسار الأواني المصنوعة من الدر
قوله : " في عرض الحرة " بضم العين وسكون الراء والحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء وهو أرض ذات أحجار سود وقد سمي بذلك مواضع منها موضع وقعة حنين وموضع بتبوك وبنقدة وبين المدينة والعقيق وقبلى المدينة وببلاد عبس وببلاد فزارة وببلاد بني القين وبالدهناء وبعالية الحجاز وقرب فيد وبجبال طيئ وبأرض بارق وبنجد وببني مرة وقرب خيبر وهي حرة النار وبظاهر المدينة تحت واقم وبها كانت وقعة الحرة أيام يزيد وبالبريك في طريق اليمن وحرة غلاس ولبن ولفلف وشوران والحمارة وجفل وميطان ومعشر وليلى وعبادة والرجاء وقمأة مواضع بالمدينء كذا في القاموس
قوله : " بجلاميد " الجلاميد جمع جلمد وهو الصخر كالجلمود والجندل كجعفر ما يقله الرجل من الحجارة وبكسر الدال وكعلبط الموضع يجتمع فيه الحجارة وأرض جندلة كعلبط وقد تفتح كسرتها كذا في القاموس . قوله " إما لا فاذهبي " قال النووي في شرح مسلم هو بكسر الهمزة من أما وتشديد الميم وبالأمانة ومعناه إذا أبيت أن تستري نفسك وتتوبي عن قولك فاذهبي حتى تلدي فترجمين بعد ذلك انتهى
قوله : " فنضخ " بالخاء المعجمة وبالمهملة
قوله : " صاحب مكس " بفتح الميم وسكون الكاف بعدها مهملة هو من يتولى الضرائب التي تؤخذ من الناس بغير حق
قال في قاموي مكس في البيع بمكس إذا جبي مالا والمكس النقص والظلم ودراهم كانت تؤخذ من بائعي السلع في الأسواق في الجاهلية أو كان درهم كان يأخذه المصدق بعد فراغه من الصدقة انتهى
قوله : " فصلى عليها " قال القاضي عياض هو بفتح الصاد واللام عند جمهور رواة مسلم ولكن في رواية ابن أبي شيبة وأبي داود والطبراني فصلى بضم الصاد على البناء للمجهول ويؤيده ما وقع في رواية لأبي داود بلفظ " ثم أمرهم فصلوا عليها " ووقع في حديث عمران ابن حصين عند مسلم أنه قال عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أيصلى عليها فقال لقد تاب توبة لو قسمت بين أهل المدينة لو سعتهم قوله " إلا وفي العقل " بفتح الواو وكسر الفاء وتشديد الياء صفة مشبهة وهذه الأحاديث المذكورة في الباب قد قدمنا الكلام على فقهها وإنما ساقها المصنف ههنا للاستدلال بها على ما ترجم الباب به وهو الحفر للمرجوم وقد اختلفت الروايات في ذلك فحديث أبي سعيد المذكور فيه أنهم لم يحفروا لماعز وحديث عبد الله بن بريدة فيه أنهم حفروا له إلى صدره وقد جمع بين الروايتين بأن المنفى حفيرة لا يمكنه الوثوب منها والمثبت عكسه أو أنهم لم يحفروا له أول الأمر ثم لما فر فأدركوه حفروا له حفيرة فانتصب لهم فيها حتى فرغوا منه أوانهم حفروا له في أول الأمر ثم لما وجد مس الحجارة خرج من الحفر فتبعوه وعلى فرض عدم إمكان الجمع فالواجب تقديم رواية الإثبات على النفي ولو فرضنا أن ذلك غير مرجح توجه اسقاط الروايتين والرجوع إلى غيرهما كحديث خالد بن اللجلاج فإن فيه التصريح بالحفر بدون تسمية المرجوم وكذلك حديثه أيضا في الحفر للغامدية وقد ذهبت العترة إلى أنه يستحب الحفر إلى سرة الرجل وثدي المرأة وذهب أبو حنيفة والشافعي إلى أنه لا يحفر للرجل وفي قول للشلفعي أنه إذا حفر له فلا بأس وبه قال الإمام يحيى وفي وجه للشافعية أنه يخير الإمام وفي المرأة عندهم ثلاثة أوجه ثالثها يحفر إن ثبت زناها بالبينة لا بالإقرار والمروي عن أبي يوسف وأبي ثور أنه يحفر للرجل والمرأة والمشهور عن الإمة الثلاثة أنه لا يحفر مطلقا والظاهر مشروعية الحفر لما قدمنا (7/162)
باب تأخير الرجم عن الحبلى حتى تضع وتأخير الجلد عن ذي المرض المرجو زواله (7/162)
1 - عن سليمان بن بريدة عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة من غامد من الأزد فقالت يا رسول الله طهرني فقال ويحك إرجعي فاستغفري الله وتوبي إليه فقالت أراك تريد أن ترددني كما رددت ماعز بن مالك قال وما ذاك قالت أنها حبلى من الزنا قال أنت قالت نعم فقال لها حتى تضعي ما في بطنك قال فكفلها رجلمن الأنصار حتى وضعت قال فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال قد وضعت الغامدية فقال إذن لا نرجمها وندع ولدها صغيرا ليس له من يرضعه فقام رجل من الأنصار فقال إلى رضاعه يا نبي الله قال فرجمها "
- رواه مسلم والدارقطني وقال هذا حديث صحيح (7/163)
2 - وعن عمران بن حصين " أن امرأة من جهينة أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهي حبلى من الزنا فقالت يا رسول الله أصبت حدا فأقمه علي فدعا نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وليها فقال أحسن إليها فإذا وضعت فأتني ففعل فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشدت عليها ثيابها ثم مر بها فرجمت ثم صلى عليها فقال له عمر نصلي عليها يا رسول الله وقد زنت قال لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من أهل المدينة لوسعتهم وهل وجدت أفضل من أن جادت بنفسها لله "
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه وهو دليل على أن المحدود محترز تحفظ عورته من الكشف (7/163)
3 - وعن علي قال " إن أمة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زنت فأمرني أن أجلدها فأتيتها فإذا هي حديثة عهد بنفاس فخشيت أن أجلدها أن أقتلها فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحسنت اتركها حتى تماثل "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (7/163)
- قوله " من غامد " بغين معجمة ودال مهملة لقب رجل هو أبو قبيلة وهو بطن من جهينة ولهذا وقع في حديث عمران بن حصين المذكور امرأة من جهينة وهي هذه واسم غامد المذكور عمرو بن عبد الله ولقب غامدا لإصلاحه أمرا كان في قومه وهذه القصة قد رواها جماعة من الصحابة منهم بريدة وعمران بن حصين كما ذكره المصنف في هذا الباب وفي الباب الأول . ومنهم أبو هريرة وأبو سعيد وجابر بن عبد الله وجابر بن سمرة وابن عباس وأحاديثهم عند مسلم وفي سياق الأحاديث بعض اختلاف ففي حديث بريدة المتقدم في الباب الأول أنها جاءت بنفسها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حال الحمل وعند لوضع وأخر رجمها إلى الفطام فجاءت بعد ذلك ورجمت
وفي حديثه المذكور في هذا الباب أنه كفلها رجل من الأنصار حتى وضعت ثم أتى فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا نرجمها وندع ولدها صغيرا فقام رجل من الأنصار فقال إلي رضاعه فرجمت
وفي حديث عمران بن حصين المذكور أنها لما أقرت دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليها وأمره بالإحسان إليها حتى تضع ثم جاء بها عند الوضع فرجمت ولم يمهلها إلى الفطام ويمكن الجمع بأنها جاءت عند الولادة وجاء معها وليها وتكلمت وتكلم ولكن يبقى الإشكال في رواية أنه رجمها عند الولادة ولم يؤخرها ورواية أنه أخرها إلى الفطام وقد قيل أنهما روايتان صحيحتان والقصة واحدة ورواية التأخير رواية صحيحة صريحة لا يمكن تأويلها فيتعين تأويل الرواية القاضية بأنها رجمت عند الولادة بأن يقال فيها طي وحذف التقدير أن وليها جاء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند الولادة فأمر بتأخيرها إلى الفطام ثم أمر بها فرجمت ولا يخفى أن هذا وإن تم باعتبار حديث عمران المذكور في الباب فلا يتم باعتبار حديث بريدة المذكور فإن فيه أنه قام رجل من الأنصار فقال إلى رضاعة يا نبي الله فرجمها ويبعد أن يقال أن هذا لا يدل على أنه قبل قوله وكفالته بل أخرها إلى الفطام ثم أمر برجمها بعد ذلك لأن السياق يأبى ذلك كل الآباء وما أكثر ما يقع مثل هذا الاختلاف بين الصحابة في القصة الواحدة التي مخرجها متحد بالاتفاق ثم ترتكب لأجل الجمع بين رواياتهم العظائم التي لا تخلوا في الغالب من تعسفات وتكلفات كأن السهو والغلط والنسيان لا يجري عليهم وما هم إلا كسائر الناس الناس في العوارض البشرية فإن أمكننا الجمع بوجه سليم عن التعسفات فذاك وإلا توجه علينا المصير إلى الترجيح وحمل الغلط أو النسيان على الرواية المرجوحة إما من الصحابي أو ممن هو دونه من الرواة وقد مر لنا في هذا الشرح عدة مواطن من هذا القبيل مشينا فيها على ما مشى عليه الناس من الجمع بوجوه ينفر عن قبولها كل طبع سليم ويأبى الرضا بها كل عقل مستقيم
قوله : " أصبت حدا فأقمه علي " هذا الإجمال قد وقع من المرأة تبيينه كما في سائر الروايات ولكنه وقع الاختصار في هذه الرواية كما يشعر بذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم عقب ذلك " أحسن إليها فإذا وضعت فأتني " وقد قدمنا أن مجرد الإقرار بالحد من دون تعيين لا يجوز للإمام أن يحد به
قوله : " أحسن إليها " إنما أمره بذلك لأن سائر قرابتها ربما حملتهم الغيرة وحمية الجاهلية على أن يفعلوا بها ما يؤذيها فأمره بالإحسان تحذيرا من ذلك . قوله " فشدت " في رواية " فشكت " ومعناهما واحد والغرض من ذلك أن لا تنكشف عند وقوع الرجم عليها لما جرت به العادة من الاضطراب عند نزول الموت وعدم المبالاة بما يبدو من الإنسان ولهذا ذهب الجمهور إلى أن المرأة ترجم قاعدة والرجل قائما لما في ظهور عورة المرأة من الشناعة وقد زعم النووي أنه اتفق العلماء على أن المرأة ترجم قاعدة وليس في الأحاديث ما يدل على ذلك ولا شك أنه أقرب إلى الستر ولم يحك ذلك في البحر إلا عن أبي حنيفة والهادوية وحكى عن أبي ليلى وأبي يوسف أنها تحد قائمة وذهب مالك إلى أن الرجل يحد قاعدا
قوله : " ثم صلى عليها " قد تقدم الخلاف في ذلك في كتاب الجنائز
قوله : " لو قسمت بين سبعين " الخ في رواية بريدة المتقدمة في الباب الأول لو تابها صاحب مكس ولا مانع من أن يكون ذلك قد وقع جميعه منه صلى الله عليه وآله وسلم وفيه دليل على أن الحدود لا تسقط بالتوبة وإليه ذهب جماعة من العلماء منهم الحنفية والهادي وذهب جماعة منهم إلى سقوطها بها ومنهم الشافعي واستدل بقصة الغامدية على أنه يجب تأخير الحد على الحامل حتى تضع ثم حتى ترضع وتفطم وعند الهادوية أنها لا تؤخر إلى الفطام إلا إذا عدم مثلها للرضاع والحضانة فإن وجد من يقوم بذلك لم تؤخر وتمسكوا بحديث بريدة المذكور :
قوله " اتركها حتى تماثل " بالمثلثة قال في القاموس تماثل العليل قارب البر وفي رواية لأبي داود " حتى ينقطع عنها الدم " وسيأتي في باب حد الرقيق بلفظ " إذا تعالت من أنفاسها فاجلدها " وفيه دليل عى أن المريض يمهل حتى يبرأ أو يقارب البرء
وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يمهل البكر حتى تزول شدة الحر والبرد والمرض المرجو فإن كان مأيوسا فقال الهادي وأصحاب الشافعي أنه يضرب بعثكول أن أحتمله
وقال الناصر والمؤيد بالله لا يحد في مرضه وإن كان مأيوسا والظاهر لحديث أبي أمامة بن سهل بن حنيف الآتي قريبا وأما المرجوم إذا كان مريضا أو نحوه فذهبت العترة والشافعية والحنفية ومالك إلى أنه لا يمهل لمرض ولا لغيره إذ القصد إتلافه
وقال المروزي يؤخر لشدة الحر أو البرد أو المرض سواء ثبت بإقراره أو بالبينة وقال الإسفرايني يؤخر للمرض فقط وفي الحر والبرد أوجه يرجم في الحال أو حيث يثبت بالبينة لا الإقرار أو العكس (7/164)
باب صفة صوت الجلد وكيف يجلد من به مرض لا يرجى برؤه (7/164)
1 - عن زيد بن أسلم " أن رجل أعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسوط فأتى بسوط مكسور فقال فوق هذا فأتى بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال بين هذين فأتى بسوط قد لان وركب به فأمر به فجلد "
- رواه مالك في الموطا عنه (7/164)
2 - وعن أبي أمامة بن سهل عن سعيد بن سعد بن عبادة " قال كان بين أبياتنا رويجل ضعيف مخدج فلم يرع الحي إلا وهو على أمة منإمائهم يخبث بها فذكر ذلك سعد بن عبادة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان ذلك الرجل مسلما فقال اضربوه حده قالوا يا رسول الله أنه أضعف مما تحسب لو ضربناه مائة قتلناه فقال خذوا له عثكالا فيه مائة شمراخ ثم اضربوه به ضربة واحدة قال ففعلوا "
- رواه أحمد وابن ماجه ولأبي داود معناه من رواية أبي أمامة بن سهل عن بعض الصحابة من الأنصار وفيه ولو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم (7/165)
- حديث زيد بن أسلم هو مرسل وله شاهد عند عبد الرزاق عن معمر بن يحيى ابن أبي كثير نحوه وآخر عند عند ابن وهب عن طريق كريب مولى ابن عباس فهذه الراسيل الثلاثة يشد بعضها بعضا . وحديث أبي أمامة أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وقال هذا هو المحفوظ عن أبي أمامة مرسلا . ورواه الدارقطني عن فليح عن أبي سالم عن سهل بن سعد
وقال وهم فليح والصواب عن أبي حازم عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف عن أبيه ورواه الطبراني من حديث أبي أمامة بن سهل عن أبي سعيد الخدري وقال إن كانت الطرق كلها محفوظة فيكون أبو أمامة قد حمله عن جماعة من الصحابة وارسله أخري . ورواه أبو داود من حديث الزهري عن أبي أمامة عن رجل من الأنصار ولفظه " أنه اشتكى رجل منهم حتى أضني فعاد جلدة على عظم فدخلت عليه جارية لبعضهم فهش لها فوقع عليها فلما دخل عليه رجال قومه يعودونه أخبرهم بذلك وقال استفتوا لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإني وقعت على جارية دخلت علي فذكروا ذلك ارسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالوا ما رأينا بالحد من الناس من الضر مثل الذي هو به لو حملناه إليك لتفسخت عظامه ما هو إلا جلد على عظم فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه به ضربة واحدة " وأخرجه النسائي من حديث أبي أمامة بن سهل بن حنيفة عن أبيه باللفظ الذي ذكره أبو داةد وفي إسناده عبد الأعلى بن ثابت الثعلبي قال المنذري لا يحتج به وهو كوفي وقال في التقريب صدوق يهم من السادسة
وقال الحافظ في بلوغ المرام أن إسناد هذا الحديث حسن ولكنه اختلف في وصله وإرساله
قوله : " لم تقطع ثمرته " أي عذبته وهي طرفة
قوله : " وركب به " بضم الراء وكسر الكاف على صغة المجهول أي ركب به الراكب على الدابة وضربها به حتى لان
قوله : " رويجل " تصغير رجل للتحقير
قوله : " مخدج " بضم الميم وسكون الخاء المعجمة وفتح الدال المهملة بعدها جيم وهو السقيم الناقص الخلق
وفي رواية مقعد
قوله : " يخبث بها " بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وضم الموحدة وآخره مثلثة أي بزنى بها
قوله : " عثكالا " بكسر المهملة وسكون المثلثة قال في القاموس كقرطاس العذق والشمراخ ويقال عثكولة بضم العين انتهى . وجاء في رواية اثكال وفي أخرى أثكول وهما لغتان في العثكال وهو الذي يكون فيه البسر . والشمراخ بكسر الشين المعجمة وسكن الميم وآخره خاء معجمة وهو غصن دقيق
وقال في القاموس الشمراخ بالكسر العثكال عليه بسر أو عنب كالشمروخ انتهى . والمراد ههنا بالعثكال العنقود من النخل الذي يكون فيه أغصان كثيرة وكل واحد من هذه الأغصان يسمى شمراخا . وحديث زيد بن أسلم فيه دليل على أنه ينبغي أن يكون السوط الذي يجلد به الزاني متوسط بين الجديد والعتيق وهكذا إذا كان الجلد بعود ينبغي أن يكون متوسطا بين الكبير والصغير فلا يكون من الخشب التي تكسر العظام وتجرح اللحم ولا من الأعواد الرقيقة التي لا تؤثر في الألم وينبغي أن يكون متوسطا بين الجديد والعتيق
وقال في البحر وقدر عرضه بإصبع وطوله بذراع . وحديث أبي أمامة فيه دليل على أن المريض إذا لم يحتمل الحدضرب بعثكول أو ما يشابهه مما يحتمله ويشترط أن تباشره جميع الشماريخ
وقيل ثيكفي الاعتماد وهذا العمل من الحيل الجائزة شرعا وقد جوز الله مثله في قوله { وخذ بيدك دغثا } الآية (7/165)
باب من وقع على ذات محرم أو عمل عمل قوم لوط أو أتى بهيمة (7/165)
1 - عن البراء بن عازب قال " لقيت خالى ومعه الراية فقلت اين تريد قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه وآخذ ماله "
- رواه الخمسة ولم يذكر ابن ماجه والترمذي أخذ المال (7/166)
- الحديث حسنه الترمذي وأخرجه أبو داود عن البراء أيضا بلفظ " بينما أطوف على إبل لي ضلت إذ أقبل ركب أو فوارس معهم لواء فجعل الأعراب يطيفون بي لمتزلتي من النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ أتوا قبة فاستخرجوا منها رجلا فضربوا عنقه فسألت عنه فذكروا أنه أعرس بامرأة أبيه " قال المنذري وقد اختلف في هذا اختلافا كثيرافروي عن البراء وروي عنه عن عمه وروي عنه قال مربي خالي أبو بردة بن نيار ومعه لواء وهذا لفظ الترمذي . وروي عنه عن خاله وسماه هشيم في حديثه الحرث بن عمرو وهذا لفظ ابن ماجه
وروي عنه قال مر بنا أناس ينطلقون
وروي عنه أني لأطوف على إبل ضلت في تلك الأحياء في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءهم رهط معه لواء وهذا لفظ النسائي . وللحديث مسانيد كثيرة منها ما رجاله رجال الصحيح ( والحديث ) فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يأمر بقتل من خالف قطعيا من قطعيات الشريعة كهذه المسألة فإن الله تعالى يقول { ولا تنكحوا ما نكح آبائكم من النساء } ولكن لا بد من حمل الحديث على أن ذلك الرجل الذي أمر صلى الله عليه وآله وسلم بقتله عالم بالتحريم وفعله مستحلا وذلك من موجبات الكفر والمرتد يقتل للأدلة الآتية
وفيه أيضا متمسك لقول مالك أنه يجوز التعزير بالقتل
وفيه دليل على أنه يجوز أخذ مال من ارتكب معصية مستحلا لها بعد إراقة دمه وقد قدمنا في كتاب الزكاة الكلام على التأديب بالمال (7/166)
2 - وعن عكرمة عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به "
- رواه الخكسة إلا النسائي (7/166)
3 - وعن سعيد بن جبير ومجاهد عن ابن عباس " في البكر يوجد على اللوطية يرجم "
- رواه أبو داود (7/167)
- الحديث الذي من طريق عكرمة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وقال الحافظ رجاله موثوقون إلا أن فيه اختلافا
وقال الترمذي وإنما يعرف هذا الحديث عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من هذا الوجه وروى محمد بن إسحاق هذا الحديث عن عمرو بن أبي عمرو فقال " ملعون من عمل عمل قوم لوط " ولم يذكر القتل انتهى
وقال يحيى بن معين عمرو بن أبي عمرو مولى المطلب ثقة ينكر عليه حديث عكرمة عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقتلوا الفاعل والمفعول به " ويجاب عن ذلك أنه أحتج الشيخان به وروى عنه مالك في الموطأ وقد استنكر النسائي هذا الحديث . والأثر المروي عن ابن عباس من طريق سعيد بن جبير ومجاهد أخرجه أيضا النسائي والبيهقي ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند ابن ماجه والحاكم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أقتلوا الفاعل والمفعول به أحصنا أو لم يحصنا " وإسناده ضعيف قال ابن الطلاع في أحكامه لم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه رجم في اللواط ولا أنه حكم فيه . وثبت عنه أنه قال " اقتلوا الفاعل والمفعول به " رواه عنه ابن عباس وأبو هريرة انتهى
قال الحافظ وحديث أبي هريرة لا يصح وقد أخرجه البزار من طريق عاصم بن عمر العمري عن سهيل عن أبيه عنه وعاصم متروك وقد رواه ابن ماجه من طريقه بلفظ " فارجموا الأعلى والأسفل " وأخرج البيهقي من حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذ أتى الرجل الرجل فهما زانيان وإذا أتت المرأة المرأة فهما زانيتان " وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن كذبه أبو حاتم وقال البيهقي لا أعرفه والحديث منكر بهذا الإسناد انتهى . ورواه أبو الفتح الأسدي في الضعفاء والطبراني في الكبير من وجه آخر عن أبي موسى وفيه بشر بن المفضل البجلي وهو مجهول
وقد أخرجه أبو داود الطيالسي في مسنده عنه وأخرج البيهقي عن علي عليه السلام أنه رجم لوطيا فقال الشافعي وبهذا نأخذ يرجم اللوطي محصنا كان أو غير محصن وأخرج البيهقي أيضا عن أبي بكر أنه جمع الناس في حق رجل ينكح كما ينكح النساء فسأل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فكان أشدهم يومئذ قولا علي بن أبي طالب عليه السلام قال هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم نرى أن نحرقه بالنار فاجتمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن يحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار
وفي إسناده إريال وروي من وجه آخر عن جعفر بن محمد عن أبيه عن علي في هذه القصة قال يرجم ويحرق بالنار وأخرج البيهقي أيضا عن ابن عباس أنه سئل عن حد اللوطي فقال ينظر أعلى بناء في القرية فيرمى به منكسا ثم يتبع الحجارة وقد اختلف أهل العلم في عقوبة الفاعل للواط والمفعول به بعد اتفاقهم على تحريمه وأنه من الكبائر للأحاديث المتواترة في تحريمه ولعن فاعله فذهب من تقدم ذكره من الصحابة إلى أن حد القتل ولو كان بكراسواء كان فاعلا أو مفعولا وإليه ذهب الشافعي والناصر والقاسم وابن إبراهيم واستدلوا بما ذكره المصنف وذكرناه في الباب وهو بمجموعه ينتهض للاحتجاج به وقد اختلفوا في كيفية قتل اللوطي فروى عن على أنه يقتل بالسيف ثم يحرق لعظم المعصية وإلى ذلك ذهب أبو بكر كما تقدم عنه وذهب عمر وعثمان إلى أنه يلقى عليه حائط وذهب ابن عباس إلى أنه يلقى من أعلى بناء في البلد
وقد حكى صاحب الشفاء إجماع الصحابة على القتل وقد حكي البغوي عن الشعبي والزهري ومالك وأحمد وإسحاق أنه يرجم وحكى ذلك الترمذي عن مالك والشافعي وأحمد وإسحاق وروي عن النخعي أنه قال لو كان يستقيم أن يرجم الزاني مرتين لرجم اللوطي
وقال المنذري حرق اللوطية بالنار أبو بكر وعلي وعبد الله بن الزبير وهشام بن عبد الملك وذهب سعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والحسن وقتادة والنخعي والثوري والأوزاعي وأبو طالب والإمام يحيى والشافعي في قول له إلى أن حد اللوطي حد الزاني فيجلد البكر ويغرب ويرجم المحصن وحكاه في البحر عن القاسم بن إبراهيم وروي عنه المؤيد بالله القتل مطلقا كما سلف
واحتجوا بأن التلوط نوع من أنواع الزنا لأنه إيلاج فرج في فرج فيكون اللائط والملوط به داخلين تحت عموم الأدلة الواردة في الزنا المحصن والبكر وقد تقدمت ويؤيد ذلك حديث " إذا أتى الرجل الرجل فهما زانيان " وقد تقدم وعلى فرض عدم الشمول الأدلة المذكورة لهما فهما لاحقان بالزاني بالقياس ويجاب عن ذلك بأن الأدلة الواردة بقتل الفاعل والمفعول به مطلقا مخصصة لعموم أدلة الزنا الفارقة بين البكر والثيب على فرض شمولها اللوطي ومبطلة للقياس المذكور على فرض عدم الشمولية لأنه يصير فاسد الاعتبار كما تقرر في الأصول وما أحق مرتكب هذه الجريمة ومقارف هذه الرذيلة الذميمة بأن يعاقب عقوبة يصير بها عبرة للمعتبرين ويعذب تعذيبا بكسر شهرة الفسقة المتمردين فحقيق بمن أتى بفاحشة قوم ماسبقهم بها من أحد من العالمين أن يصلى من العقوبة بما يكون في الشدة والشناعة مشابها لعقوبتهم وقد خسف الله تعالى بهم واستأصل بذلك العذاب بكرهم وثيبهم وذهب أبو حنيفة والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله إلى أنه يعزر اللوطي والأدلة الواردة في الزاني على العموم
وأما الاستدلال لهذا بحديث لأن أخطيء في العفو خير من أن أخطئ في رد العقوبة فمردود بأن ذلك إنما هو مع الالتباس والنزاع ليس هو في ذلك (7/167)
4 - وعن عمرو بن أبي عمروعن عكرمة عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو وروى الترمذي وأبو داود من حديث عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال " من أتى بهيمة فلاحد عليه " وذكر أنه أصح (7/167)
- الحديث الذي رواه عكرمة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه قال الترمذي هذا حديث لانعرفه إلا من حديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقد رواه سفيان الثوري عن عاصم عن أبي رزين عن ابن عباس أنه قال " من أتى بهيمة فلا حدعليه " حدثنا بذلك محمد بن بشار حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان وهذا أصح من الحديث الأول والعمل على هذا عند أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق انتهى
وقد روى هذا الحديث ابن ماجه في سننه من حديث إبراهيم بن إسماعيل عن داود بن الحصين عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وقع على ذات محرم فاقتلوه ومن وقع على بهيمة فاقتلوه واقتلوا البهيمة وإبراهيم المذكور قد وثقه أحمد وقال البخاري منكر الحديث وضعفه غير واحد من الحفاظ وأخرجه أبو يعلى الموصلي من حديث عبد الغفار بن عبد الله بن الزبير عن علي بن مسهر عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة مرفوعا وذكر ابن عدي عن أبي يعلى أنه قال بلغنا أن عبد الغفار رجع عنه وذكر ابن عدي أنهم أنهم كانوا لقنوه
وأخرج هذا الحديث البيهقي بلفظ " ملعون من وقع على بهيمة وقال اقتلوه واقتلوها لا يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا " ومال البيهقي إلى تصحيحه ورواه أيضا من طريق عبادة بن منصور عن عكرمة . ورواه عبد الرزاق عن إبراهيم بن محمد عن داود بن الحصين عن عكرمة وإبراهيم ضعيف وإن كان الشافعي يقوي أمره إذا عرفت هذا تبين لك أنه لم يتفرد برواية الحديث عمرو بن أبي عمرو عن عكرمة كما قال الترمذي بل رواه عن عكرمة جماعة كما بينا وقد قال البيهقي رويناه عن عكرمة من أوجه مع أن تفرد عمرو بن أبي عمرو لا يقدح في الحديث فقد قدمنا أنه احتج به الشيخان ووثقه يحيى بن معين وقال البخاري عمرو صدوق ولكنه روى عن عكرمة مناكير . والأثر الذي رواه أبو رزين عن ابن عباس أخرجه أيضا النسائي ولا حكم لرأي ابن عباس إذا انفرد فكيف إذا عارض المروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من طريقه وقد اختلف أهل العلم فيمن وقع على بهيمة فأخرج البيهقي عن جابر بن زيد أنه قال من أتى البهيمة أقيم عليه الحد
وأخرج أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما أنه إن كان محصنا رجم وروى أيضا الحسن البصري أنه قال هو بمنزلة الزاني قال الحاكم أرى أن يجلد ولا يبلغ به الحد وهو مجمع على تحريم إتيان البهيمة كما حكى ذلك صاحب البحر وقد ذهب إلى أنه يوجب الحد كالزنا الشافعي في قول له والهادوية وأبو يوسف وذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي في قول له والمرتضى والمؤيد بالله والناصر والإمام يحيى إلى أنه يوجب التعزير فقط إذ ليس بزنا ورد بأنه فرج محرم شرعا مشتهى طبعا فأوجب الحد كالقبل . وذهب الشافعي في قول له إلى أنه يقتل أخذا بحديث الباب ( وفي الحديث ) دليل على أنها تقتل البهيمة والغلة في ذلك ما روى أبو داود والنسائي أنه قيل لابن عباس ما شأن البهيمة قال ما أراه قال ذلك إلا أنه مكره أن يؤكل لحمها وقد عمل بها ذلك العمل وقد تقدم أن العلة أن يقال هذه التي فعل بها كذا وكذا
وقد ذهب إلى تحريم لحم البهيمة المفعول بها وإلى أنها تذبح علي عليه السلام والشافعي في قول له وذهبت القاسمية والشافعي في قول له وأبو حنيفة وأبو يوسف إلى أنه يكره أكلها تنزيها فقط قال في البحر أنها تذبح البهيمة ولو كانت غير مأكولة لئلا تأتي بولد مشوه كما روي أن راعيا أتى بهيمة فأتت بولد مشوه انتهى
وأما حديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ذبح الحيوان إلا لأكله فهو عموم مخصص لحديث الباب (7/168)
باب فيمن وطئ جارية امرأته (7/168)
1 - عن النعمان بن بشير " أنه رفع إليه رجل غشى جارية امرأته فقال لأقضين فيها بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن كانت أحلتها لك جلدتك مائة وإن كانت لم تحلها لك رجمتك "
- رواه الخمسة
وفي رواية عن النعمان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال في الرجل يأتي جارية امرأته قال إن كانت أحلتها له جلدته مائة وإن لم تكن أحلتها له رجمته "
- رواه داود والنسائي (7/168)
- الحديث قال الترمذي في اسناده اضطراب سمعت محمدا يعني البخاري يقول لم يسمع قتادة من حبيب بن سالم هذا الحديث إنما رواه عن خالد بن عرفطة وأبو بشر لم يسمع من حبيب بن سالم هذا الحديث أيضا إنما رواه عن خالد بن عرفطة انتهى . والذي في السنن أن أبا بشر رواه عن خالد عن عرفطة عن حبيب ولكن الترمذي رواه في سننه عن أبي بشر عن حبيب وخالد بن عرفطة قال أبو حاتم الرازي هو مجهول وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عنه فقال أنا أتقي هذا الحديث وقال النسائي أحاديث النعمان هذه مضطربة
وقال الخطابي هذا الحديث غير متصل وليس العمل عليه انتهى . وعرفطة بضم العين وسكون الراء المهملتين وضم الفاء وبعدها طاء مهملة مفتوحة وتاء تأنيث ( وفي الباب ) عن قبيصة بن حريث عن سلمة بن المحبق عند أبي داود والنسائي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضي في رجل وقع على جارية امرأته إن كان استكرهها فهي حرة وعليه لسيدتها مثلها وإن كانت طاوعته فهي له وعليه لسيدتها مثلها
قال النسائي لا تصح هذه الأحاديث وقال البيهقي قبيصة بن حريث غير معروف وروينا عن أبي داود أنه قال سمعت أحمد بن حنبل يقول رواه عن سلمة بن المحبق شيخ لا يعرف لا يحدث عنه غير الحسن يعني قبيصة بن حريث وقال البخاري في التاريخ قبيصة ابن حريث سمع سلمة بن المحبق في حديثه نظروقال ابن المنذر لا يثبت خبر سلمة بن المحبق وقال الخطابي هذا حديث منكر وقبيصة بن حريث غير معروف والحجة لا تقوم بمثله وكان الحسن لا يبالي أن يروي الحديث ممن سمع وقال بعضهم هذا كان قبل الحدود وقد روى أبو داود والنسائي وابن ماجة من طريق الحسن البصري عن سلمة بن المحبق نحو ذلك إلا أنه قال وإن كانت طاوعته فهي ومثلها من ماله لسيدتها ( وقد اختلف ) في هذا الحديث عن الحسن فقيل عنه عن جون بن قتادة عن سلمة وجون بن قتادة قال الإمام أحمد لا يعرف والمحبق بضم الميم وفتح الحاء المهملة وبعدها باء موحدة مشددة مفتوحة ومن أهل اللغة من يكسرها . والمحبق لقب واسمه صخر بن عبيد وسلمة ابنه له صحبة سكن البصرة كنيته أبو سنان كنى بابنه سنان وذكر أبو عبد الله بن معده أن لابنه سنان صحبة أيضا . وجون بفتح الجيم وسكون الواو وبعدها نون وقد اختلف أهل العلم في الرجل يقع على جارية امرأته فقال الترمذي روى عن غير واحد من الصحابة منهم أمير المؤمنين علي وابن عمر ان عليه الرجم
وقال ابن مسعود ليس عليه حد ولكن يعزر . وذهب أحمد وإسحاق إلى ما رواه النعمان بن بشير انتهى . وهذا هو الراجح لأن الحديث وإن كان فيه المقال المتقدم فاقل أحواله أن يكون شبهة يدرأ
بها الحد
وقال في البحر مسألة ولو أباحت الزوجة للزوج وطء امتها أو وطيء امرأة يستحق دمها حد
وقال أبو حنيفة لا إذ هما شبهة قلنا لا نسلم انتهى . وهذا منع مجرد فإن مثل حديث النعمان إذا لم يكن شبهة فما يكون شبهة
قوله : " وإن كانت لم تحلها لك رجمتك " زاد أبو داود فوجدوه أحلتها له فجلده مائة (7/169)
باب حد زنا الرقيق خمسون جلدة (7/169)
1 - عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه قال " أرسلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أمة سوداء زنت لأجلدها الحد قال فوجدتها في دمها فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك فقال لي إذا تعالت من نفاسها فاجلدها خمسين "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند (7/169)
2 - وعن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي قال " أمرني عمر بن الخطاب في فتية من قريش فجلدنا ولائد من ولائد الإمارة خمسين خمسين في الزنا "
- رواه مالك في الموطأ (7/170)
- حديث أمير المؤمنين علي قد تقدم الكلام عليه في باب تأخير الرجم عن الحبلى وسيأتي أيضا في الباب الذي بعد هذا . وأثر عمر مؤيد لحديث الباب لوقوع ذلك منه بمحضر جماعة من الصحابة وروى ابن وهب عن ابن جريج عن عمرو ابن دينار أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت تجلد وليدتها إذا زنت خمسين . ويشهد لذلك عموم قوله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ولا قائل بالفرق بين الأمة والعبد كما حكى ذلك صاحب البحر وروي عن ابن عباس أنه قال لا حد على مملوك حتى يتزوج تمسكا بقوله تعالى { فإذا أحصن } فإنه تعالى علق حد الأماء بالإحصان وأجاب عنه في البحر بأن لفظ الإحصان محتمل لأنه بمعنى أسلمن وبلغن وتزوجن قال ولو سلم فخلاف ابن عباس منقوض والأولى الجواب بحديث أبي هريرة وزيد بن خالد الآتي في الباب الذي بعد هذا فإن فيه أنه سئل صلى الله عليه وآله وسلم عن الأمة إذا زنت ولم تحصن فقال إن زنت فاجلدوها وهذا نص في محل النزاع
وأخرج مسلم وأبو داود والترمذي من حديث أبي عبد الرحمن السلمي أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه خطب فقال يا أيها الناس أقيموا الحدود على أرقائكم من أحصن منهم ومن لم يحصن وقد وافق ابن عباس طاوس وعطاء وابن جريج وذهب الجمهور إلى خلاف ذلك
قوله : " إذا تعالت من نفاسها " بالعين المهملة أي خرجت وفيه دليل على أنه يمهل من كان مريضا حتى يصح من مرضه وقد تقدم الكلام على ذلك في باب تأخير الرجم عن الحبلى (7/170)
باب السيد يقيم الحد على رقيقه (7/170)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت فليجلدها الحد ولا يثرب عليها ثم إن زنت الثالثة فليبعها ولو بحبل من شعر "
- متفق عليه . ورواه أحمد في رواية وأبو داود وذكرا فيه في الرابعة الحد والبيع
قال الخطابي معنى لا يثرب لا تقتصرعلى التثريب (7/171)
2 - وعن أبي هريرة وزيد بن خالد الجهني " قالا سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأمة إذا زنت فاجلدوها ثم بيعوها ولو بضفير قال ابن شهاب لا أدري أبعد الثالثة أو الرابعة "
- متفق عليه (7/171)
3 - وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " أن خادما للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدثت فأمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أقيم عليها الحد فوجدتها لم تجف من دمها فأتيته فأخبرته فقال إذا جفت من دمها فأقم عليها الحد أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم "
- رواه أحمد وأبو داود (7/171)
- حديث علي أخرجه مسلم في صحيحه والبيهقي والحاكم ووهم فاستدركه قوله " فتبين زناها " الظاهر أن المراد تبينه بما يتبين في حق الحرة وذلك إما بشهادة أربعة أو بالإقرار على الخلاف المتقدم فيه وقيل أن المراد بالتبين أن يعلم السيد بذلك وإن لم يقع إقرار ولا قامت سهادة وإليه ذهب بعضهم وحكي في البحر الإجماع على أنه يعتبر شهادة أربعة في العبد كالحر والأمة حكمها حكمه وقد ذهب الأكثر إلى أن الشهادة تكون إلى الإمام أو الحاكم وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنها تكون عند السيد
قوله : " ولا يثرب عليها " بمثناة تحتية مضمومة ومثلثة مفتوحة ثم راء مشددة مكسورة وبعدها موحدة وهو التعنيف وقد ثبت في رواية عند النسائي بلفظ " ولا يعنفها " والمراد أن اللازم لها شرعا وهو الحد فقط فلا يضم غليه سيدها ما ليس بواجب شرعا وهو التثريب والمراد نهي السيد عن أن يقتصر على التثريب دون الحد وهو مخالف لما يفهمه السياق وفي ذلك كما قال ابن بطال دليل على أنه لا يعزر من أقيم عليه الحد بالتعنيف واللوم ولهذا لم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم سب أحدا ممن أقام عليه الحد بل نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما سيأتي من حديث أبي هريرة في كتاب حد شارب الخمر
قوله : " ثم إن زنت " فيه دليل أنه لا يقام على الأمة الحد إلا إذا ونت بعد إقامة الحد عليها لا إذا تكرر منها الزنا قيل إقامة الحد كما يدل على ذلك لفظ ثم بعد ذكر الجلد
قوله : " فليبعها " ظاهر هذا أنها لا تحد إذا زنت بعد أن جلدها في المرة الثانية ولكن الرواية التي ذكرها المصنف عن أبي هريرة وزيد بن خالد مصرحة بالجلد في الثالثة وكذلك الرواية التي ذكرها عن أحمد وأبي داود أنهما ذكرا في الرابعة الحد والبيع نص في محل النزاع وبها يرد على النووي حيث قال أنه لما لم يحصل المقصود من الزجر عدل إلى الإخراج عن الملك دون الجلد مستدلا على ذلك بقوله فليبعها وكذا وافقه على ذلك ابن دقيق العيد وهو مردود وأما الحافظ في الفتح فقال الرجح أنه يجلدها قبل البيع ثم يبيعها وصرح بأن السكوت عن الجلد للعلم به ولا يخفى أنه لم يسكت صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما سلف وظاهر الأمر بالبيع أنه واجب وذهب الجمهور إلى أنه مستحب فقط وزعم بعض الشافعية أم الأمر بالبيع منسوخ كما حكاه ابن الرفعة في المطلب ولا أعرف له ناسخا فإن كان هو النهي عن إضاعة المال كما زعم بعضهم فيجاب عنه أولا بأن الإضاعة إنما تكون إذا لم يكن الشيء في مقابل المبيع لا الإضاعة وذكر الحبل من الشعر للمبالغة ولو سلم عدم غرادة المبالغة كما كان في البيع بحبل من شعر إضاعة والألزم أن يكون بيع الشيء الكثير بالحقير غضاعة وهو ممنوع
وقد ذهب داود وسائر أهل الظاهر إلى أن البيع واجب لأن ترك مخالطة الفيقة ومفارقتهم واجبان وبيع الكثير بالحقير جائز إذا كان البائع عالما به بالإجماع
قال ابن بطال حمل الفقهاء الأمر بالبيع على الحض على مباعدة من تكرر منه الزنا لئلا يظن بالسيد الرضا بذلك ولما في ذلك من الوسيلة إلى تكثير أولاد الزنا قال وحمله بعضهم على الوجوب ولا سلف له في الأمة فلا يشتغل به انتهى . وظاهره أنه أجمع السلف على عدم وجوب البيع فإن صح ذلك كان هو القرينة الصارفة للأمر عن الوجوب وإلا كان الحط ما قاله أهل الظاهر ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على أن السيد يقيم الحد على مملوكه وإلى ذلك ذهب جماعة من السلف والشافعي . وذهبت العترة إلى أن حد المماليك إلى الإمام إن كان ثم امام وإلا كان إلى سيده وذهب مالك إلى أن الأمة إن كانت مزوجة كان أمر حدها إلى الإمام إلا أن يكون زوجها عبدا لسيدها فأمر حدها إلى السيد واستثنى مالك الالقطع في السرقة وهو وجه للشافعية وفي وجه لهم آخر يستثني حد الشرب وروي عن الثوري والأوزاعي أنه أنه لا يقيم السيد إلا حد الزنا وذهبت الحنفية إلى أنه لا يقيم الحدود على المماليك إلا الإمام مطلقا وظاهر أحاديث الباب أنه يحد المملوك سيده من غير فرق بين أن يكون الإمام موجودا أو معدوما وبين أن يكون السيد صالحا لإقامة الحد أم لا
وقال ابن حزم يقيمه السيد إلا إذا كان كافرا
وقد أخرج البيهقي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أنه قال أدركت بقايا الأنصار وهم يضربون الوليدة من ولائدهم في مجالسهم إذا زنت ورواه الشافعي عن ابن مسعود وأبي بردة وأخرجه أيضا البيهقي عن خارجة بن زيد عن أبيه وأخرجه أيضا عن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء الذين ينتهي إلى أقوالهم من أهل المدينة أنهم كانوا يقولون لا ينبغي لأحد يقيم شيئا من الحدود دون السلطان إلا أن للرجل أن يقيم حد الزنا على عبده وأمته وروى الشافعي عن ابن عمر أنه قطع يد عبده وجلد عبدا له زنى وأخرج مالك عن عائشة أنها قطعت يد عبد لها
وأخرج أيضا أن حفصة قتلت جارية لها سحرتها وأخرج عبد الرزاق والشافعي أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حدت جارية لها زنت وتقدم في الباب الذي قبل هذا أنها جلدت وليدة لها خمسين وقد احتج من قال أنه لا يقيم الحدود مطلقا إلا الإمام بما رواه الطحاوي عن مسلم بن يسار أنه قال كان رجل من الصحابة يقول الزكاة والحدود والفيء للسلطان
قال الطحاوي لا نعلم له مخالفا من الصحابة وتعقبه ابن حزم بأنه خالفه إثنا عشر صحابيا . وظاهر أحاديث الباب أن الأمة العبد يجلدان سواء كانا محصنين أم لا وقد تقدم الخلاف في ذلك في الباب الذي قبل هذا وقد اختلف أهل العلم في المملوك إذا كان محصنا هل يرجم أم لا فذهب الأكثر إلى الثاني وذهب الزهري وأبو ثور إلى الأول ( واحتج الأولون ) بأن الرجم لا يتنصف وأحتج الآخرون بعموم الأدلة وأما المكاتب فذهبت العترة إلى أنه لا رجم عليه ويجلد كالحر بقدر ما أدى وفي البقية كالعبد وذهبت الشافعية والنفية أنه يجلد كالعبد مطلقا لحديث " المكاتب عبد من بقي عليه درهم " وقد تقدم وتقدم الكلام على التقسيط في المكاتب في باب الكتابة (7/172)
كتاب القطع في السرقة (7/172)
باب ما جاء في كم يقطع السارق (7/172)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع في مجن ثمنه ثلاثة دراهم "
- رواه الجماعة
وفي لفظ بعضهم " قيمته ثلاث دراهم " (7/173)
2 - وعن عائشة قالت " كان رسول الله يقطع يد السارق في ربع دينار فصاعدا "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه
وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " . رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه
وفي رواية قال " تقطع يد السارق في ربع دينار " رواه البخاري والنسائي وأبو داود
وفي رواية " قال تقطع اليد في ربع دينار فصاعدا " رواه البخاري
وفي رواية قال " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما هو أدنى من ذلك وكان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم والدينار إثني عشر درهما " رواه أحمد
وفي رواية " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن قيل لعائشة ما ثمن المجن قالت ربع دينار " رواه النسائي (7/173)
3 - وعن الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الله السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويرق الحبل فتقطع يده قال الأعمش كانوا كانوا يرونه بيض الحديد والحبل كانوا يرون أن منها ما يساوي دراهم "
- متفق عليه . وليس لمسلم فيه زيادة قول الأعمش (7/173)
- قوله " في مجن " بكسر الميم وفتح الجيم وتشديد النون وهو الترس ويقال له مجنة يكسر الميم أيضا وجنان وجنانة بضمهما : قول " فصاعدا " هو منصوب على الحالية أي فزائدا ويستعمل بالفاء وبثم لا بالواو
وفي رواية لمسلم " لن تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فما فوقه " قوله " في ربع دينار " هذه الرواية موافقة لرواية الثلاثة الدراهم التي هي ثمن المجن كما في رواية النسائي المذكورة في الباب أن ثمن المجن كان ربع دينار وكما في رواية أحمد أنه كان ربع الدينار يومئذ ثلاثة دراهم
قال الشافعي وربع الدينار موافق لرواية ثلاثة دراهم وذك إن الصرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إثنا عشر درهما بدينار وكان كذلك بعده وقد تقدم أن عمر فرض الدية على أهل الورق إثني عشر ألف درهم وعلى أهل الذهب ألف دينار
وأخرج ابن المنذر أنه أتى عثمان بسارق سرق أترجة فقومت بثلاثة دراهم من حساب الدينار بإثني عشر فقطع
وأخرج أيضا والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه قطع في ربع دينار وكانت قيمته درهمين ونصفا
وأخرج البيهقي أيضا من حديث جعفر بن محمد عن أبيه عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه القطع في ربع دينار فصاعدا وأخرج أيضا من طريقه أن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه قطع يد سارق في بيضة من حديد ثمنها ربع دينار ورجاله ثقات ولكنه منقطع
وقد ذهب إلى ما تقتضيه أحاديث الباب من ثبوت القطع في ثلاثة دراهم أو ربع دينار الجمهور من السلف ولخلف ومنهم الخلفاء الأربعة واختلفوا فيما يقوم به ما كان من غير الذهب والفضة فذهب مالك في المشهور عنه إلى أنه يكون التقويم بالدراهم لا بربع الدينار إذا كان الصرف مختلفا وقال الشافعي الأصل في تقويم الأشياء هو الذهب لأنه الأصل في جواهر الأرض كلها حتى قال أن الثلاثة الدراهم إذا لم تكن قيمتها ربع دينار لم توجب القطع انتهى
قال مالك وكل واحد من الذهب والفضة معتبر في نفسه لا يقوم بالآخر وذكر بعض البغداديين أنه ينظر في تقويم العروض بما كان غالبا في نقود أهل البلد . وذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه وسائر فقهاء العراق إلى أن النصاب الموجب للقطع هو عشرة دراهم ولا قطع في أقل من ذلك
واحتجوا بما بما أخرجه البيهقي والطحاوي من حديث محمد بن إسحاق عن أيوب بن موسى عن عطاء عن ابن عباس قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقوم عشرة دراهم وأخرج نحو ذلك النسائي عنه وأخرج عنه أبو داود أن ثمنه كان دينارا أو عشرة دراهم
وأخرج البيهقي عن محمد بن إسحاق عن عمر بن شعيب عن أبيه عن جده قال كان ثمن المجن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة دراهم
وأخرج النسائي عن عطاء مرسلا أدنى ما يقطع فيه ثمن المجن قال وثمنه عشرة دراهم قالوا وهذه الروايات في تقدير ثمن المجن أرجح من الروايات الأولى وإن كانت أكثر واصح ولكن هذه أحوط والحدود تدفع بالشبهات فهذه الروايات كأنها شبهة في العمل بما دونها وروي نحو هذا عن ابن العربي قال وإليه ذهب سفيان مع جلالته ويجاب بأن الروايات المروية عن ابن عباس وابن عمرو بن العاص في إسنادها جميعا محمد بن إسحاق وقد عنعن ولا يحتج بمثله إذا جاء بالحديث معنعنا فلا يصلح لمعارضة ما في الصحيحين عن ابن عمر وعائشة وقد تعسف الطحاوي فزعم أن حديث عائشة مضطرب ثم بين الاضطراب بما يفيد بطلان قوله وقد استوفى صاحب الفتح الرد عليه
وأيضا حديث ابن عمر حجة مستقلة ولو سلمنا صلاحية روايات ثمن المجن بعشرة دراهم لمعارضة الروايات الصحيحة لم يكن ذلك مفيدا للمطلوب أعني عدم ثبوت القطع فيما دون ذلك لما في الباب من إثبات القطع في ربع الدينار وهو دون عشرة دراهم فيرجع إلى هذه الروايات ويتعين طرح الروايات المتعارضة في ثمن النجن وبهذا يلوح لك عدم صحة الاستدلال بروايات العسر الدراهم عن بعض الصحابة على سقوط القطع فيها دونها وجعلها شبهة والحدود تدرأ بالشبهات لما سلف وقد أسلفنا عن جماعة من الصحابة أنهم قطعوا في ربع دينار وفي ثلاثة دراهم . المذهب الثالث نقله عياض عن النخعي أنه لا يجب القطع إلا في أربعة دنانير أو أربعين درهما وهذا قول لا دليل عليه فيما أعلم . المذهب الرابع حكاه ابن المنذر عن الحسن البصري أنه يقطع في درهمين وحكاه في البحر عن زياد بن أبي زياد ول دليل على ذلك من المرفوع وقد أخرج ابن أبي شيبة عن أنس بسند قوي أبا بكر قطع في شيء ما يساوي درهمين
وفي لفظ لا يساوي ثلاثة دراهم . المذهب الخامس أربعة دراهم نقله ابن المنذر عن أبي هريرة وأبي سعيد وكذلك حكاه عنهما في البحر ونقله عياض عن بعض الصحابة وهو مردود بما سلف . المذهب السادس ثلث دينار ورواه ابن المنذر عن الباقر . المذهب السابع خمسة دراهم حكاه في البحر عن الناصر والنخعي وروي عن ابن شبرمة وهو مروي عن أبي ليلى والحسن البصري واستدلوا بما أخرجه ابن المنذر عن عمر أنه قال لا نقطع الخمس إلا في خمس . المذهب الثامن دينار أو ما بلغ قيمته رواه ابن المنذر عن النخعي وحكاه ابن حزم عن طائفة . المذهب التاسع ربع دينار من الذهب ومن غيره في القليل والكثير وإليه ذهب ابن حزم ونقل نحوه ابن عبد البر واستدل ابن حزم بأن التحديد في الذهب منصوص ولم يوجد نص في غيره فيكون داخلاتحت عموم الآية ويجاب عن ذلك برواية النسائي المذكورة في الباب بلفظ " لا تقطع يد السارق فيما دون ثمن المجن " ويمكن أيضا الجواب عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اقطعوا في ربع دينار ولا تقطعوا فيما دون ذلك " كما في الباب لأنه يصدق على ما لم تبلغ قيمته ربع دينار أنه دونه وإن كان من غير الذهب فإنه يفضل الجنس على جنس آخر مغاير له باعتبار الزيادة في الثمن وكذلك العرض على العرض باعتبار اختلاف ثمنهما
المذهب العاشر أنه يثبت القطع في القليل والكثير حكاه في البحر عن الحسن البصري وداود والخوارج واستدلوا بإطلاق قوله تعالى { والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما } ويجاب بأن إطلاق الآية مقيد بالأحاديث المذكورة في الباب واستدلوا ثانيا بحديث أبي هريرة المذكور في الباب فإن فيه يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده وقد أجيب عن ذلك أن المراد تحقير شأن السارق وخسارة ما ربحه وأنه إذا جعل السرق عادة له جرأه ذلك على سرقة ما فوق البيضة والحبل حتى يبلغ إلى المقدار الذي تقطع به الأيدي هكذا قال الخطابي وابن قتيبة وفيه تعسف ويمكن أن يقال المراد المبالغة في التنفير عن السرقة وجعل مالا قطع فيه بمنزلة مافيه القطع كما حديث " من بنى لله مسجدا ولو كمفحص قطاة " وحديث " تصدق ولو بظلف محرق " مع أن مفحص القطاة لا يكون مسجدا والظلف المحرق لا ثواب في التصدق به لعدم نفعه ولكن مقام الترغيب في بناء المساجد والصدقة اقتضى ذلك على أنه قد قيل إن المراد بالبيضة بيضة الحديد كما وقع في باب الأعمش ولا شك أن لها قيمة وكذلك الحبل فإن في الحبال ما تزيد قيمته على ثلاثة دراهم كحبال السفن ولكن مقام المبالغة لا يناسب ذلك وقد تقدم أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه قطع في بيضة حديد ثمنها ربع دينار . الحادي عشر أنه يثبت القطع في درهم فصاعدا لا دونه حكاه فيي البحر عن البتي وروي عن ربيعة هذه جملة المذاهب المذكورة في المسألة وقد جعلها في الفتح عشرين مذهبا ولكن البقية على ما ذكرنا لا يصلح جعلها مذاهب مستقلة لرجوعها إلى ما حكيناه (7/174)
باب اعتبار الحرز والقطع فيما يسرع إليه الفساد (7/174)
1 - عن رافع بن خديج قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا قطع في ثمر ولا كثر "
- رواه الخمسة (7/174)
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الثمر المعلق فقال من أصاب منه بفيه من ذي حاجة غيرمتخذ خبنة فلا شيء عليه ومن خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة ومن سرق منه شيئا بعد أن يؤويه الجرين فبلغ ثمن المجن فعليه القطع "
- رواه النسائي وأبو داود
وفي رواية قال " سمعت رجلا من مزينة يسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحريسة التي توجد في مراتعها قال فيها ثمنها مرتين وضرب نكال وما أخذ من عطنه ففيه القطع إذا بلغ من ذلك ثمن المجن قال يا رسول الله فالثمار وما أخذ منها في أكمامها قال من أخذ بفمه ولم يتخذ خبنة فليس عليه شيء ومن احتمل فعليه ثمنه مرتين وضرب نكال وما أخذ من أجرانه ففيه القطع إذا بلغ ما يؤخذ من ذلك ثمن المجن "
- رواه أحمد النسائي . ولابن ماجه معناه وزاد النسائي في آخره " وما لم يبلغ ثمن المجن ففيه غرامة مثليه وجلدات نكال (7/175)
2 - وعن عمرة بنت عبد الرحمن " أن سارقا سرق أترجة في زمن عثمان بن عفان فأمر بها عثمان أن تقوم فقومت ثلاثة دراهم من صرف أثني عشر بدينار فقطع عثمان يده "
- رواه مالك في الموطأ (7/175)
- حديث رافع بن خديج أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وصححه البيهقي وابن حبان واختلف في وصله وإرساله
وقال الطحاوي هذا الحديث تلقت العلماء متنه بالقبول . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم وصححه وحسنه الترمذي وأثر عثمان أخرجه أيضا البيهقي وابن المنذر ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أحمد وابن ماجه بنحو حديث رافع وفي إسناده سعد بن سعيد المقبري وهو ضعيف وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا قطع في ثمر معلق ولا في حريسة حبل وهو معضل قوله " ولأكثر " بفتح الكاف والناء المثلثة وهو الجمار
قال في القاموس والكثر ويحرك جمار النخل أو طلعها قال أيضا والجمار كرمان شحم النخلة
قوله : " خبنة " بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة بعدها نون قال في القاموس خبن الثوب وغيره يخبنه خبنا وخبانا بالكسر عطفه وخاصة ليقصر والطعام غيبه وخبأه للشدة والخبنة بالضم ماتحمله في حضنك انتهى
قوله : " الجرين " قال في النهاية هو موضع تجفيف التمر وهو له كالبدر للحنطة ويجمع على جرن بضمتين
قال في القاموس والجرن بالضم وكامير ومنبر البيدر وأجرن التمر جمعه فيه انتهى
قوله : " عن الحريسة " بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وسكون التحتية بعدها سين مهملة قيل هي التي ترعى وعليها حرس فهي على هذا المحروسة نفسها وقيل هي السيارة يدركها الليل قبل أن تصل إلى مأواها
وفي القاموس حرس كضرب سرق كاحترس وكسمع عاش طويلا والحريسة المسروقة الجمع حراتس وجدار من حجارة يعمل للغم انتهى
قوله : فيها ثمنها مرتين فيه دليل على جواز التأديب بالمال وقد تقدم الكلام على ذلك في الزكاة . وقوله وضرب نكال يجوز أن يكون بالتنوين للأول وبالإضافة وفيه جواز الجمع بين عقوبة المال والبدن
قوله : " في أكمامها " جمع كم بكسر الكاف وهو وعاء الطلع وقد استدل بحديث رافع على أنه لا قطع على من سرق الثمر والكثر سواء كانا باقيين في منبتهما أو قد أخذا منه وجعلا في غيره وإلى ذلك ذهب أبو حنيفة قال ولا قطع في الطعام ولا فيما أصله مباح كالصيد والحطب والحشيش واستدل على ذلك أيضا بأن هذه الأمور غير مرغوب فيها ولا يشح بها مالكها فلا حاجة إلى الزجر والحرز فيها ناقص وذهبت الهادوية إلى أنه لاقطع في الثمر والكثر والطبائخ والشواء والهرائس إذا لم تحرز وأما إذ أحرزت وجب فيها القطع وهو محكى عن الجمهور . وذهب الثوري إلى أن الشيء إن كان يبقى يوما فقط كالهرائس الشواء لم يقطع سارقه وإلا قطع وقال الشافعي أن حديث رافع خرج على ما كان عليه عادة أهل المدينة من عدم احراز حوائطها فذلك لعدم الحرز فإذا أحرزت الحوائط كانت كغيرها
وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر أن شرط القطع الحرز وعن أحمد وإسحاق وزفر والخوارج وهو مروي عن الظاهرية وطائفة من أهل الحديث أنه لا يشترط . ويدل على ذلك ما سيأتي في قطع جاحد الوديعة وفي باب تفسير الحرز ومما يستدل به على عدم القطع في الثمر إذا كان غير محرز حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب فإن فيه " إن من أصاب من الثمر المعلق بفيه ولم يتخذ خبنة فلا قطع عليه ولا ضمان إن كان من ذوي الحاجة وإن خرج بشيء منه كان عليه غرامة مثليه ومن سرق منه بعد أن يخرز في الجرين قطع إذا بلغ ثمن المجن " فهذا يدل على أن الثمر إذا أحرز قطع سارقه ومما يدل على اعتبار الحرز أيضا رواية النسائي وأحمد المذكور في الباب في سارق الحريسة والثمار وأما أثر عثمان المذكور في الباب أنه قطع في أترجه فلا يعارض ما ورد في اعتبار الحرز لأن غاية ما فيه أنه لم يقع تقييد ذلك بالحرز فيمن حمله على أن تلك الأترجة كانت قد أحرزت وهكذا حديث رافع فإن ظاهره أنه لا قطع في ثمر ولا كثر مطلقا ولكنه مطلق مقيد بحديث عمرو بن شعيب المذكور بعده (7/175)
باب تفسير الحرز وأن المرجع فيه إلى العرف (7/176)
1 - عن صفوان بن أمية قال " كنت قائما قي المسجد على خميصة لي فسرقت فأخذنا السارق فرفعناه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بقطعه فقلت يا رسول الله أفي خميصة ثمن ثلاثين درهما أنا أهبها له أو أبيعها له قال فهلا كان قبل أن تأتيني به "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
وفي رواية لأحمد والنسائي " فقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " (7/176)
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قطع يد سارق سرق برنسا من صفة النساء ثمنه ثلاثة دراهم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (7/176)
- حديث صفوان أخرجه مالك في الموطأ والشافعي والحاكم من طرق منها عن طاوس عن ابن عباس قال البيهقي وليس بصحيح ومنها عن طاوس عن صفوان قال ابن عبد البر سماع طاوس عن صفوان ممكن لأنه أدرك زمن عثمان وروي عنه أنه قال أدركت سبعين صحابيا ورواه مالك عن الزهري عن عبيد الله بن صفوان عن أبيه وقد صححه ابن الجارود والحاكم وله شاهد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال الحافظ وسنده ضعيف ورواه البزار والبيهقي عن طاوس مرسلا . ورواه أيضا البيهقي عن الشافعي عن مالك أن صفوان بن أمية الحديث وأخرجه أيضا البيهقي من حديث حميد ابن أخت صفوان . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا مسلم بمعناه
قوله : " خميصة " بخاء معجمة مفتوحة وميم مكسورة وتحتية ساكنة ثم صاد قال في القاموس الخميصة كساء أسود مربع له علمان
قوله : " برنسا " بضم الموحدة وسكون الراء وضم النون بعده مهملة قال في القاموس هو قلنسوة طويلة أو كل ثوب رأسه منه دراعة كان أوجبه
وفي جامع الأصول وسنن أبي داود وغيرهما بلفظ نرسا بالمثناة من فوق وسكون الراء يعدها مهملة وهو معروف قوله " صفة النساء " بضم . الصاد المهملة وتشديد الفاء أي الموضع المختص بهن من المسجد وصفة المسجد موضع مظلل منه . وحديث صفوان يدل على أن العفو بعد الرفع إلى الأمام لا يسقط به الحد وهو مجمع عليه كما قدمنا ذلك في باب الحث علىإقامة الحد إذا ثبت والنهي عن الشفاعة فيه وروى عن أبي حنيفة أنه يسقط القطع بالعفو مطلقا والحديث يرد عليه بقوله فهلا كان قبل أن تأتيني به الأخبار له عما ذكره من البيع أو الهبة أنهما إنما يصحان قبل الرفع إلى الأمام لا بعده وفيه دليل على أن القطع يسقط بالعفو قبل الرفع وهو مجمع عليه
وقد استدل بحديثي الباب من قال بعدم اشتراط الحرز وقد سبق ذكرهم في الباب الذي قبل هذا ويرد بأن المسجد حرز لما داخله من آلته وغيرها وكذلك الصفة المذكورة في حديث ابن عمر ولا سيما بعد أن جعل صفوان خميصته تحت رأسه كما ثبت في الروايات وأما جعل المسجد حرزا لآلته فقط فخلاف الظاهر ولو سلم ذلك كان غايته تخصيص الحرز يمثل المسجد ونحوه مما يستوي الناس فيه لما في ترك القطع في ذلك من المفسدة وأما التمسك بعموم آية السرقة فلا ينتهض للاستدلال به لأنه عموم مخصوص بالأحاديث القاضية باعتبار الحرز ومما يؤيد اعتباره قول صاحب القاموس السرقة والاستراق المجيء مستترا لأخذ مال غيره من حرز فهذا إمام من أئمة اللغة جعل الحرز جزأ من مفهوم السرقة وكذا قال ابن الخطيب في تيسير البيان (7/177)
باب ما جاء في المختلس والمنتهب والخائن وجاحد العارية (7/177)
1 - عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ليس على خائن ولا منتهب ولا مختلس قطع "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (7/177)
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه وفي رواية له عن ابن جريح عن عمرو بن دينار وأبي الزبير عن جابر وليس فيه ذكر الخائن ورواه ابن الجوزي في العلل من طريق مكي بن إبراهيم عن جريح وقال لم يذكر فيه الخائن غير مكي
قال الحافظ قد رواه ابن حبان من غير طريقه فأخرجه من حديث سفيان عن أبي الزبير عن جابر بلفظ " ليس على المختلس ولا على الخائن قطع " وقال ابن أبي حاتم في العلل لم يسمعه ابن جريح من أبي الزبير إنما سمعه من ياسين بن معاد الزيات وهو ضعيف وكذا قال أبو داود
قال الحافظ أيضا وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير عن جابر وأسنده النسائي من حديث المغيرة ورواه سويد بن نصر عن ابن المبارك عن ابن جريح أخبرني أبو الزبير قال النسائي ورواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى وابن وهب ومخلد ابن يزيد وجماعة فلم يقل واحد منهم عن ابن جريح حدثني أبو الزبير ولا أحسبه سمعه عنه وقد أعله ابن القطان بعنعنة أبي الزبير عن جابر وأجيب بأنه قد أخرجه عبد الرازق في مصنفه وصرح يسماع أبي الزبير من جابر ( وفي الباب ) عن عبد الرحمن بن عوف عند ابن ماجه بإسناد صحيح بنحو حديث الباب وعن أنس عند ابن ماجه أيضا والطبراني في الأوسط . وعن ابن عباس عند ابن الجوزي في العلل وضعفه وهذه الأحاديث يقوي بعضها بعضا ولا سيما بعد تصحيح الترمذي وابن حبان لحديث الباب وياسين الزيات هو الكوفي وأصله يمامي قال المنذري لا يحتج بحديثه والمغيرة ابن مسلم هو السراج خراساني كنيته أبو سلمة قال ابن معين صالح الحديث صدوق وقال أبو داود الطبالسي أنه كان صدوقا وقد ذهب إلى أنه لا يقطع المختلس والمنتهب والخائن العترة والشافعية والحنفية وذهب أحمد وإسحاق وزفر والخوارج إلى أنه يقطع وذلك لعدم اعتبارهم الحرز كما سلف والمراد بالخائن هو من يأخذ المال خفية ويظهر النصح للمالك والمنتهب هو من ينتهب المال على جهة القهر والغلبة والمختلس الذي يسلب المال على طريقة الخلسة وقال في النهاية هو من يأخذه سلبا ومكابرة (7/178)
2 - وعن ابن عمر قال " كانت المخزومية تستعير المتاع وتجحده فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود وقال " فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقطعت يدها " قال أبو داود ورواه ابن أبي نجيح عن نافع عن صفية بنت عبيد قال فيه فشهد عليها (7/178)
3 - وعن عائشة قالت كانت امرأة مخزومية تستعير المتاع وتجحده فامر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها فأتى أهلها أسامة بن زيد فكلموه فكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أسامة لا أراك تشفع في حد من حدود الله عز و جل ثم قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فقال إنما هلك من كان قبلكم بأنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف قطعوه والذي نفسي بيده لو كانت فاطمة بنت محمد لقطعت يدها فقطع يد المخزومية "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
وفي رواية قال " استعارت مرأة يعني خليا على ألسنة ناس يعرفون ولا تعرف هي فباعته فأخذت فأتى بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بقطع يدها وهي التي شفع فيها أسامة بن زبد وقال فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال " . رواه أبو داود والنسائي (7/178)
- حديث أبو عمر أخرجه أيضا أبو عوانة في صحيحه من طريق أيوب عن نافع عنه وأخرجه أيضا النسائي وأبو عوانة من وجه آخر عن عبد الله العمري عن نافع عنه أيضا بلفظ استعارت حليا
قوله : " كانت مخزومية " اسمها فاطمة بنت الأسود بن عبد الأسد بن عبد الله بن عمرو هي بنت أخي أبي سلمة بن عبد الأسد الصحابي
قوله : " تستعير المتاع وتجحده " في رواية لعبد الرزاق بسند صحيح إلى أبي بكر ابن عبد الرحمن أن امرأة جاءت فقالت إن امرأة تستعير حليا فأعارتها فمكثت لا تراها فجاءت إلى التي استعارت لها تسألها فقالت ما استعرتك شيئا فرجعت إلى الأخرى فانكرت فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعاها فسألها فقالت والذي بعثك بالحق ما استعرت منها شيئا فقال اذهبوا إلى بيتها تجدوه تحت فراشها فأتوه وأخذوه فأمر بها فقطعت
قوله : " فأتي أهلها أسامة فكلموه " وفي رواية للبخاري " أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت فقالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وجاء في رواية أن المخزومية المذكورة عاذت بأم سلمة وأخرج الحاكم موصولا وأبو داود مرسلا أنها عاذت بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستشكل ذلك بأن زينب ماتت في شهر جمادى من السنة السابعة من الهجرة وقصة المخزومية في غزوة الفتح سنة ثمان وقيل المراد زينب بنت أم سلمة ربيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتكون نسبتها إليه مجازا وجاء في رواية لعبد الرزاق أنها عاذت بعمرو بن أبي سلمة والجمع بين الروايات أنها عاذت بأم سلمة وابنتيها فشفعوا لها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يشفعهم فطلب الجماعة من قريش من أسامة الشفاعة ظنا منهم بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل شفاعته لمحبته له
قوله : " لا أراك تشفع في حد من حدود الله " فيه دليل على تحريم الشفاعة في الحدود وهو مقيد بما إذا كان قد وقع الرفع إلى الإمام لا قبل ذلك فإنه جائز وقد ورد في بعض طرق هذا الحديث من مرسل حبيب ابن أبي ثابت أن النبي ؟ ؟ قال لأسامة لما تشفع لا تشفع في حد فإن الحدود إذا انتهت إلى فليست بمتروكة وقد قدمنا فيباب الحثعلى إقامة الحدود والنهي عن الشفاعة فيه ما فيه أكمل دلالة على الفرق بين الشفاعة في الحد قبل الرفع وبعده
قوله : " إنما هلك من كان قبلكم " في رواية " إنما هلك بنو اسرائيل " وظاهر الحصر العموم وأنه لم يقع الهلاك لمن قبل هذه الأمة أو لبني اسرائيل إلا بهذا السبب وقيل الراد من هلك بسبب تضييع الحدود فيكون المراد بالعموم هذا النوع الخاص وفي حديث عائشة عند أبي الشيخ أنهم عطلوا الحدود عن الأغنياء وأقاموها على الضعفاء ومثله ما في حديث الباب أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه الخ
وفي حديث ابن عباس أنهم كانوا يأخذون الدية من الشريف إذا قتل عمدا والقصاص من الضعيف قوله " فقطع يد المخزومية " فيه دليل على أنه يقطع جاحد العارية وإليه ذهب من لم يشترط في القطع أن يكون من الحرز وهو أحمد وإسحاق وزفر والخوارج كما سلف وبه قال أهل الظاهر وانتصر له ابن حزم . وذهب الجمهور إلى عدم وجوب القطع لمن جحد العارية واستدلوا على ذلك بأن القرآن والسنة أوجبا القطع على السارق والجاحد للوديعة ليس بسارق ورد بأن الجحد داخل في اسم السرقة لأنه هو والسارق لا يمكن الاحتراز منهما بخلاف المختلس والمنتهب كذا قال ابن القيم ويجاب عن ذلك بأن الخائن لا يمكن الاحتراز عنه لأنه آخذ المال خفية مع إظهار النصح كما سلف وقد دل الدليل على أنه لا يقطع وأجاب الجمهور عن أحاديث الباب المذكورة في المخزومية بأن الجحد للعارية وإن كان مرويا فيها من طريق عائشة وجابر وابن عمر وغيرهم لكنه ورد التصريح في الصحيحين وغيرهما بذكر السرقة وفي رواية من حديث ابن مسعود أنها سررقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه وأبو الشيخ وعلقه أبو داود والترمذي ووقع في مرسل حبيب بن أبي ثابت أنها سرقت حليا قالوا والجمع ممكن بأن يكون الحلى في القطيفة فتقرر أن المذكورة قد وقع منها السرق فذكر جحد العارية لا يدل على أن القطع كان له فقط ويمكن أن يكون ذكر الحجد لقصد التعريف بحالها وأنها كانت مشتهرة بذلك الوصف والقطع كان للسرقة كذا قال الخطابي وتبعه البيهقي والنووي وغيرهما ويؤيد ما في هذا حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما هلك من كان قبلكم بانه إذا سرق فيهم الشريف الخ فإن ذكر هذا عقب ذكر المرأة المذكورة يدل على أنه قد وقع منها السرقة ويمكن أن يجاب عن هذا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل ذلك الجحد منزلة السرق فيكون دليلا لمن قال أنه يصدق اسم السرق على جحد الوديعة ولا يخفى أن الظاهر من أحاديث الباب أن القطع كان لأجل ذلك الجحد كما يشعر به قوله في حديث ابن عمر بعد وصف القصة فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقطع يدها
وكذلك بقية الألفاظ المذكورة ولا ينافي ذلك وصف المرأة في بعض الروايات بانها سرقت فإنه يصدق على جاحد الوديعة بأنه سارق كما سلف فالحق قطع جاحد الوديعة ويكون ذلك مخصصا للأدلة الدالة على اعتبار الحرز . ووجهه أن الحاجة الماسة بين الناس إلى العارية فلو علم المعيران المستعير إذا جحد لا شيء عليه لجر ذلك إلى سد باب العارية وهو خلاف المشروع (7/179)
باب القطع بالإقرار وأنه لا يكتفى فيه بالمرأة (7/179)
1 - عن أبي أميمة المخزومي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بلص فاعترف اعترافا ولم يوجد معه المتاع فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أخالك سرقت قال بلى مرتين أو ثلاثا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقطعوه ثم جيئوا به قال فقطعوه ثم جاؤا به فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قل أستغفر الله وأتوب إليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم تب عليه "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولم يقل فيه مرتين أو ثلاثا وابن ماجه وذكر مرة ثانية فيه قال " ما أخالك سرقت قال بلى " (7/179)
2 - وعن القاسم بن عبد الرحمن عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " قال لا يقطع السارق حتى يشهد على نفسه مرتين "
- حكاه أحمد في رواية مهنا واحتج به (7/180)
- حديث أبي أمية قال الحافظ في بلوغ المرام رجاله ثقات وقال الخطابي أن في إسناده مقالا قال والحديث إذا ورواه رجل مجهول لم يكن حجة ولم يجب الحكم به قال المنذري وكأنه يشير إلى أن أبا المنذر مولى أبي ذر لم يرو عنه إلا إسحاق بن عبد الله ابن أبي طلحة من رواية حماد بن سلمة عنه ويشهد له ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا وفي الباب آثار عن جماعة من الصحابة . منها عن أبي الدرداء أنه أتى بجارية سرقت فقال لها أسرقت قولي لا فقالت لا فخلى سبيلها . وعن عطاء عند عبد الرزاق أنه قال كان من مضى يؤتى إليهم بالسارق فيقول أسرقت ؟ قل لا وسمى أبو بكر وعمر وأخرج أيضا عن عمر بن الخطاب أتي برجل فسأله أسرقت قل لا فقال لا فتركه . وعن أبي هريرة عند ابن أبي شيبة أن أبا هريرة أتى بسارق فقال أسرقت قل لا مرتين أو ثلاثا . وعن أبي مسعود الأنصاري في جامع سفيان أن امرأة سرقت جملا فقال أسرقت قولي لا
قوله : " ما أخالك سرقت " بفتح الهمزة وكسرها أي ما أظنك سرقت وفي ذلك دليل على أنه يستحب تلقين ما يسقط الحد
قوله : " مرتين أو ثلاثا " استدل به من قال ان الإقرار بالسرقة مرة واحدة لا يكفي بل لا بد من الإقرار مرتين أو ثلاثا وأقل ما يلزم به القطع مرتان وإلى ذلك ذهبت العترة وابن أبي ليلى وابن شبرمة وأحمد بن حنبل وإسحاق وروي عن أبي يوسف . وذهب مالك والشافعية والحنفية وهو مروى عن أبي يوسف إلى أنه يكفي الإقرار مرة ويجاب عن الاستدلال بحديث أبي أمية المذكور أنه لا يدل على اشتراط الإقرار مرتين وإنما يدل على أنه يندب له تلقين المسقط للحد عنه والمبالغة في الاستثبات ومما يدل على أن هذا هو المراد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لا أخالك سرقت ثلاث مرات وفي رواية ولا قائل بأنه يشترط ثلاث مرات ولو كان مجرد الفعل يدل على الشرطية لكان وقوع التكرار منه صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث مرات يقتضي اشتراطها وقد تقدم في حديث المجن ورداء صفوان أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع ولم ينقل في ذلك تكرير الإقرار وأما الاحتجاج بما روى عن علي عليه السلام كما ذكره المصنف فهو وإن كانت الصيغة مشعرة باشتراط الإقرار مرتين لكنه لا تقوم به حجة إلا عند من يرى حجية قوله كما ذهب إليه بعض الزيدية
قوله : " قل استغفر الله " فيه دليل على مسروعية أمر المحدود بالاستغفار والدعاء له بالتوبة بعد استغفاره (7/180)
باب حسم يد السارق إذا قطعت واستحباب تعليقها في عنقه (7/180)
1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بسارق قد سرق شملة فقالوا يا رسول الله إن هذا قد سرق فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أخاله سرق فقال السارق بلى يا رسول الله فقال اذهبوا به فاقطعوه ثم احسمواه ثم أئتوني به فقطع فأتي به فقال تب إلى الله قال قد تبت إلى الله فقال تاب الله عليك "
- رواه الدارقطني (7/181)
2 - وعن عبد الرحمن بن محيريز قال " سألنا فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في عنق السارق أمن السنة قال أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه "
- رواه الخمسة إلا أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف (7/181)
- حديث أبي هريرة أخرجه موصولا أيضا الحاكم والبيهقي وصححه ابن القطان وأخرجه أبو داود في المراسل من حديث محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان بدون ذكر أبي هريرة ورجح المرسل ابن خزيمة وابن المديني وغير واحد . وحديث عبد الرحمن بن محيريز قال الترمذي حسن غريب لا تعرفه إلا من حديث عمر ابن علي المقدمي عن الحجاج بن أرطأة وعبد الرحمن بن محيريز هو أخو عبد الله ابن محيريز شامي انتهى
وقال النسائي الحجاج بن أرطأة ضعيف لا يحتج بحديثه قال المنذري وهذا الذي قاله النسائي قاله غير واحد من الأئمة
قوله : " ثم احسموه ظاهره أن الحسم واجب والمراد به الكي بالنار أي يكوى محل القطع لينقطع الدم لأن منافذ الدم تنسد به لأنه ربما أسترسل الدم فيؤذي إلى التلف وذكر في البحر أنه إذا كره السارق الحسم لم يحسم له وجعله مندوبا فقط مع رضاه وفي كل من الطرفين نظر أما الأول فلأن ترك الحسم إذا كان مؤديا إلى التلف وجب علينا عدم الإجابة له إلى ما يؤدي إلى تلفه وأما الثاني فلأن ظاهر الحديث الوجوب لكونه أمر أولا صارف له من معناه الحقيقي ولاسيما مع كونه يؤدي الترك إلى التلف فإنه يصير واجبا من جهة أخرى قال في البحر وثمن الدهن وأجرة القطع من بيت المال ثم من مال السارق فإن اختار أن يقطع نفسه فوجهان قال الأمام يحيى لا يمكن كالقصاص وسائر الحدود وقيل يمكن لحصول الزجر انتهى
قوله : " فعلقت في عنقه " فيه دليل على مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك من الزجر ما لا مزيد عليه فإن السارق ينظر إليها مقطوعة معلقة فيتذكر السبب لذلك وما جرى إليه ذلك الأمر من الخسارة بمفارقة ذلك العضو النفيس وكذلك الغير يحصل له بمشاهدة اليد على تلك الصورة من الإنزجار ما تنقطع به وساوسه الرديئة
وأخرج البيهقي أن عليا رضي الله عنه قطع سارقا فمرو به ويده معلقة في عنقه (7/181)
باب ما جاء في السارق يوهب السرقة بعد وجوب القطع والشفع فيه (7/182)
1 - عن عبد الله بن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال تعافوا الحدود فيما بينكم فما بلغني من حد فقد وجب "
- رواه النسائي وأبو داود (7/182)
2 - وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أقيلوا ذوي الهيئات عثراتهم إلا الحدود "
- رواه أحمد وأبو داود (7/182)
3 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن " أن الزبير بن العوام لقي رجلا قد أخذ سارقا وهو يريد أن يذهب به إلى السلطان فشفعى له الزبير ليرسله فقال لا حتى أبلغ به السلطان فقال الزبير إذا بلغت به السلطان فلعن الله الشافع والمشفع "
- رواه مالك في الموطأ (7/183)
4 - وعن عائشة " أن قريشا أهمتهم المرأة المخزومية التي سرقت قالوا من يكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن يجترئ عليه إلا أسامة حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أتشفع في حد من حدود الله ثم قام فخطب فقال يا أيها الناس إن ما ضل من كان قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وايم الله لو فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها "
- متفق عليه (7/183)
- حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الحاكم وصححه وسكت عنه أبو داود وهو من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال في الفتح وسنده إلى عمرو بن شعيب صحيح والواقع فيما وقفنا عليه من نسخ هذا الكتاب عبد الله بن عمر بدون واو ولعله غلط من الناسخ . وحديث عائشة الأول أخرجه أيضا النسائي وابن عدي والعقيلي وقال له طرق وليس فيها شيء يثبت وذكره ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب من رواية عبد الله بن هرون بن موسى الفروي عن القعني عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن أنس وقال الإسناد باطل والحمل فيه على الفروي ورواه الشافعي وابن حبان في صحيحه وابن عدي أيضا والبيهقي من حديث عائشة بلفظ " أقيلوا ذوي الهيئات زلاتهم " ولم يذكر ما بعده قال الشافعي وسمعت من أهل العلم من يعرف هذا الحديث ويقول يتجاوز للرجل من ذوي الهيئات عثرته مالم يكن حدا وقال عبد الحق ذكره ابن عدي في باب واصل بن عبد الرحمن الرقاشي ولم يذكر له علة قال الحافظ وواصل هو أبو حرة ضعيف وفي إسنادابن حبان أبو بكر بن نافع وقد نص أبو زرعة على ضعفه في هذا الحديث ( وفي الباب ) عن ابن عمر رواه الشيخ في كتاب الحدود بإسناد ضعيف وعن ابن مسعود رفعه " تجاوزوا عن ذنب السخي فإن الله يأخذ بيده عند عثراته " ورواه الطبراني في الأوسط بإسناد ضعيف . وأثر الزبير المذكور أخرجه أيضا الطبراني قال في الفتح وإسناده منقطع مع وقفه وهو عند ابن أبي شيبة بسند حسن عن الزبير
وفي حديث عبد الله بن عمر دليل على مشروعية المعافاة في الحدود قبل الرفع إلى الإمام لا بعده وقد تقدم الكلام على ذلك . وحديث عائشة فيه دليل على أنه يشرع إقالة أرباب الهيئات إن وقعت منهم الزلة نادرا والهيئة صورة الشيء وشكله وحالته ومراده أهل الهيئات الحسنة والعثرات جمع عثرة والمراد بها الزلة كما وقع في الرواية المذكورة قال الشافعي وروي الهيئات الذين يقالون عثراتهم الذين ليسوا يعرفون بالشر فيزل أحدهم الزلة
وقال الماوردي في تفسير العثرات المذكورة وجهان . أحدهما الصغائر . والثاني أول المعصية زل فيها مطيع والمراد بقوله إلا الحدود أي فإنها لا تقال بل تقام على ذي الهيئة وغيره بعدد الرفع إلى الأمام وأما قبله فيستحب الستر مطلقا لما في حديث أبي هريرة عند الترمذي من حديث " ومن ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة " وأخرجه أيضا الحاكم ورواه الترمذي من حديث ابن عمر ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث مسلمة بن مخلد مرفوعا " من ستر مسلما في الدنيا ستره الله في الدنيا والآخرة " وروى ابن ماجه عن ابن عباس مرفوعا " من ستر عورة أخيه المسلم ستر الله عورته يوم القيامة ومن كشف عورة أخيه كشف الله عورته حتى يفضحه في بيته "
قوله : " فلعن الله الشافع والمشفع " فيه التشديد في الشفاعة في الحدود بعد الرفع وقد تقدم الكلام على حديث المخزومية الذي ذكره المصنف (7/183)
باب في حد القطع وغيره هل يستوفي في دار الحرب أم لا (7/184)
1 - عن بسر بن أرطأة " أنه وجد رجلا يسرق في الغزو فجلده ولم يقطع يده وقال نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن القطع في الغزو "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي منه مرفوع (7/184)
2 - وعن عبادة بن الصامت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال جاهدوا الناس في الله القريب والبعيد ولا تبالوا في الله لومة لائم واقيموا حدود الله في الحضر والسفر "
- رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه (7/184)
- حديث بسر بن أرطأة سكت عنه أبو داود وقال الترمذي غريب ورجال إسناده عند أبي داود ثقات إلى بسر وفي إسناد الترمذي ابن لهيعة وفي إسناد النسائي بقية بن الوليد واختلف في صحبة بسر المذكور وهو بضم الباء الموحدة وسكون السين المهملة وبعدها راء قرشي عامري كنيته أبو عبد الرحمن فقيل له صحبة وقيل لا صحبة له وإن مولده بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وله أخبار مشهورة وكان يحيى بن معين لا يحسن الثناء عليه
قال المنذري وهذا يدل أنه عنده لا صحبة له ونقل في الخلاصة عن ابن معين أنه قال لا صحبة له وأنه رجل سوء ولى اليمن وله بها آثار قبيحة انتهى . ونقل عبد الغني أن حديثه في الدعاء فيه التصريح بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد غمزه الدارقطني ولا يرتاب منصف أن الرجل ليس بأهل للرواية وقد فعل في الإسلام أفاعيل لا تصدرعمن في قلبه مثقال حبة من إيمان كما تضمنت ذلك كتب التاريخ المعتبرة فثبوت صحبته لا يرفع القدح عنه على ما هو المذهب الراجح بل هو إجماع لا يختلف فيه أهل العلم العلم كما حققنا ذلك في غير هذا الموضع وحققه العلامة محمد بن إبراهيم الوزير في تنقيحه ولكن إذا كان المناط في قبول الرواية هو تحري الصدق وعدم الكذب فلا ملازمة بين القدح في العدالة وعدم قبول الرواية وهذا يتمشى على قول من قال أن الكفر والفسق مظنة تهمة لا من قال أنهما سلب أهلية على ما تقرر في الأصول . وحديث عبادة بن الصامت أخرج أوله الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد وأسانيد أحمد وغيره ثقات يشهد لصحته عمومات الكتاب والسنة وإطلاقتهما لعدم الفرق فيها بين القريب والبعيد والمقيم والمسافر ولا معارضة بين الحديثين لأن حديث بسر أخص مطلقا من حديث عبادة فيبني العام على الخاص وبيانه أن السفر المذكور في حديث عبادة أعم مطلقا من الغزو المذكور في حديث بسر لأنه المسافر قد يكون غازيا وقد لا يكون وأيضا حديث بسر في حد السرقة وحديث عبادة في عموم الحد : وقوله " فجلده " فيه إجمال لعدم ذكر عدد الجلد والظاهر أن أمر ذلك إلى الإمام كسائر التعزيرات (7/185)
كتاب حد شارب الخمر (7/185)
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين قال وفعله أبو بكر فلما كان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانين فأمر به عمر "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (7/185)
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال وجلد أبو بكر أربعين "
- متفق عليه (7/186)
3 - وعن عقبة بن الحرث " قال جيء بالنعمان أو ابن النعمان شاربا فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان في البيت أن يضربوه فكنت فيمن ضربه فضربناه بالنعال والجريد " (7/186)
4 - وعن السائب بن يزيد قال " كنا نؤتي بالشارب في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي امرأة أبي بكر وصدرا من امرأة عمر فنقوم إليه نضربه بأيدينا ونعالنا وأرديتنا حتى كان صدرا من امرأة عمر فجلد فيها أربعين حتى إذا عتوا فيها وفسقوا جلد ثمانين "
- رواهما أحمد والبخاري (7/186)
5 - وعن أبي هريرة قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل قد شرب فقال إضربوه فقال أبو هريرة فمنا الضارب بيده والضارب بنعله والضارب بثوبه فلما انصرف قال بعض القوم أخزاك الله قال لا تقولوا هكذا لا تعينوا عليه الشيطان "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود (7/187)
6 - وعن حضين بن المنذر قال " شهدت عثمان بن عفان أتى بالوليد قد صلى الصبح ركعتين ثم قال أزيدكم فشهد عليه رجلان أحدهما حمران أنه شرب الخمر وشهد آخر أنه رآه يتقيؤها فقال عثمان أنه يتقيأها حتى شربها فقال يا علي قم فاجلده فقال علي قي يا حسن فاجلده فقال الحسن ول حارها من تولى قارها فكأنه وجد عليه فقال يا عبد الله بن جعفر قم فاجلده فجلده وعلي يعد حتى بلغ أربعين فقال أمسك ثم قال جلد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلي "
- رواه مسلم وفيه من الفقه أن للوكيل أن يوكل وأن الشهادتين على شيئين إذا آل معناهما إلى شيء واحد جمعتا جائزة كالشهادة على البيع والإقرار به أو على القتل والإقرار به (7/187)
- قوله " قد شرب الخمر " أعلم أن الخمر يطلق على عصير العنب المشتد إطلاقا حقيقا اجماعا واختلفوا هل يطلق على غيره حقيقة أو مجازا وعلى الثاني هل مجاز لغة كما جزم به صاحب المحكم
قال صاحب الهداية من الحنفية الخمر عندنا ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم انتهى . أو من باب القياس على الخمر الحقيقية عند من يثبت التسمية بالقياس وقد صرح في الراغب أن الخمر عند البعض اسم لكل مسكر وعند بعض للمتخذ من العنب والتمر وعند بعضهم لغير المطبوخ رجح أن كل شيء بستر العقل يسمى خمرا لأنها سميت بذلك لمخامرتها للعقل وسترها له وكذا قال جماعة من أهل اللغة منهم الجوهري وأبو نصر القشيري والدينوري وصاحب القاموس ويؤيد ذلك أنها حرمت بالمدينة وما كان شرابهم يؤمئذ إلا نبيذ البسر والتمر ويؤيده أيضا أن الخمر في الأصل الستر ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها والتغطية و منه خمروا آنيتكم أي غطوها والمخالطة ومنه خامره داء أي خالطه والإدراك ومنه اختمر العجين أي بلغ وقت ادراكه قال ابن عبد البر الأوجه كلها موجودة في الخمر لأنها تركت حتى أدركت وسكنت فإذا شربت خالطت العقل حتى تغلب عليه وتغطيه ونقل عن الأعرابي أنه قال سميت الخمر خمرا لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها تغير رائحتها قال الخطابي زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال لهم إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عزب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه انتهى . ويجاب بإمكان أن يكون ذلك الإطلاق الواقع منهم شرعيا لا لغويا وأما الاستدلال على اختصاص الخمر بعصير العنب بقوله تعالى { إني أراني أعصر خمرا } ففاسد لأن الصيغة لا دليل فيها على الحصر المدعي وذكر شيء بحكم لا ينفي ما عداه وقد روى ابن عبد البر عن أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم أن كل مسكر خمر
وقال القرطبي الأحاديث الواردة عن أنس وعيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كان من غيره لا يسمى خمرا ولا يتناوله اسم الخمر وهو قول مخالف للغة العرب وللسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهموا من الأمر بالاجتناب تحريم كل ما يسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين اما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل ما يسكر نوعه ولم يتوفقوا ولم يستفصلوا ولم يشكل عليهم شيء من ذلك بل بادرو إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم تردد لتوقفوا عن الأراقة حتى يستفصلوا ويتحقق التحريم وقد أخرج أحمد في مسنده عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من الحنطة خمر ومن الشعير خمر ومن التمر خمر ومن الزبيب خمر ومن العسل خمر
وروي ايضا أنه خطب عمر عبى المنبر وقال إلا أن الخمر قد حرمت وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل . وهو في الصحيحين وغيرهما وهو من أهل اللغة وتعقب بأن ذلك يمكن أن يكون إطلاقا للأسم
الشرعي لا اللغوي فيكون حقيقة شرعية قال ابن المنذر القائل بأن الخمر من العنب وغيره عمر وعلي وسعد وابن عمر وأبو موسى وأبو هريرة وابن عباس وائشة ومن غيرهم ابن المسيب والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث وحكاه في البحر عن الجماعة المذكورين من الصحابة إلا أبا موسى وعائشة وعن المذكورين من غيرهم إلا ابن المسيب وزاد العترة ومالكا والأوزاعي وقال أنه يكفر مستحل خمر الشجرتين ويفسق مستحل ما عداهما ولا يكفر لهذا الخلاف ثم قال فرع وتحريم سائر المسكرات بالسنة والقياس فقط إذ لا يسمى خمرا إلا مجازا وقيل بهما وبالقرآن لتسميتها خمرا في حديث " أن من التمر خمرا " الخبر وقول أبي موسى وابن عمر الخمر ما خامر العقل قلنا مجاز انتهى
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أحاديث منها ما هو بلفظ كل مسكر خمر كل مسكر حرام ومنها ما هو بلفظ " كل مسكر خمر وكل خمر حرام " ومنها ما هو بلفظ " كل شراب أسكر فهو حرام " وهذا لا يفيد المطلوب وهو كونها حقيقة في غير عصير العنب أو مجازا لأن هذه الأحاديث غاية ما يثبت بها أن المسكر على عمومه يقال له خمر ويحكم بتحريمه وهذه حقيقة شرعية لا لغوية وقد صرح الخطابي بمثل هذا وقال إن مسمى الخمر كان مجهولا عند المخاطبين حتى بينه الشارع بأنه ما أسكر فصار ذلك كلفظ الصلاة والزكاة وغيرهما من الحقائق الشرعية وقد عرفت ما سلف عن أهل اللغة من الخلاف
قوله : " فجلد بجريدتين نحو أربعين " الجريد سعف النخل وفي ذلك لدليل على مشروعية أن يكون الجلد بالجريد وإليه ذهب بعض الشافعية وقد صرح القاضي أبو الطيب ومن تبعه بأنه لا يجوز بالسوط وصرح القاضي حسين بتعين السوط واحتج بأنه إجماع الصحابة وخالفه النووي في شرح مسلم فقال أجمعوا على على الاكتفاء بالجريد والنعال واطراف الثياب ثم قال والأصح جوازه بالسوط وحكى الحافظ عن بعض المتأخرين أنه يتعين السوط للمتمردين وأطراف الثياب والنعال للضعفاء وم ؟ ؟ عداهم بحسب ما يليق بهم وهذه الرواية مصرحة بأن الأربعين كانت بجريدتين وفي رواية للنسائي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضربه بالنعال نحوا من أربعين
وفي رواية لأحمد والبيهقي فأمر نحوا من عشرين رجلا فجلده كل واحد جلدتين بالجريد والنعال فيجمع بأن جملة الضربات كانت نحو أربعين إلا أن كل جلدة بجريدتين وهذا الجمع باعتبار مجرد الضرب بالجريد وهو مبين لما أجمل في الرواية المذكورة في حديث أنس بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر بالجريد والنعال " وكذلك ما في سائر الروايات المجملة ولكن الجمع بين الضرب بالجريد والنعال في روايات الباب يدل على أن الضرب بهما غير مقدر بحد لأنها إذا كانت الضربات بالجريد مقدرة بذلك المقدار فلم يأت ما يدل على تقدير الضربات بالنعال إلا رواية النسائي المتقدمة فإنها مصرحة أن الضرب كان بالنعال فقط نحوا من أربعين وورد أيضا الضرب بالأردية كما في رواية السائب بن يزيد المذكورة وفي حديث علي المذكور في جلد الوليد تصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين وهو يخالف ما سيأتي من حديثه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يسن في ذلك سنة ويمكن الجمع بأن المراد بالسنة المذكورة في الحديث الآتي هي الطريقة المستمرة وفعل الأربعين في مرة واحدة لا يستلزم أن يكون ذلك سنة مع عدم الاستمرار كما في سائر الروايات وقيل تحمل رواية الأربعين على التقريب دون التحديد ويمكن الجمع أيضا بما سيأتي أن جلد الوليد بسوط له طرفان فكان الضرب باعتبار المجموع أربعين وبالنظر إلى الحاصل من كل واحد من الطرفين ثمانين وقد ضعف الطحاوي هذه الرواية التي فيها التصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين لعبد الله بن فيروز أو يجاب بأنه قوى الحديث البخاري كما روى ذلك الترمذي عنه . ووثق عبد الله المذكور أبو زرعة والنسائي وإخراج مسلم له دليل على أنه من المقبولين وقال ابن عبد البر أن هذا الحديث أثبت شيء في هذا الباب واستدل الطحاوي على ضعف الحديث بقوله فيه وكل سنة الخ قال لأن عليا لا يرجح فعل عمر على فعل النبي بناء منه على أن قول علي وهذا أحب إلى أشارة إلى الثمانين التي فعلها عمر وليس الأمر كذلك بل المشار إليه هو الجلد الواقع بين يديه في تلك الحال وهو أربعون كما يشعر بذلك الظاهر ولكنه يشكل من وجه آخر وهو أن الكل من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعمر لا يكون سنة بل السنة فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقط وقد قيل إن المرأد أن ذلك جائز قد وقع لا محذور فيه
ويمكن أن يقال إن إطلاق السنة على فعل الخلفاء لا بأئ به لما في حديث العرباض بن سارية عند أهل السنن بلفظ " عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين الهادين عضوا عليها بالنواجذ " الحديث يمكن أن يقال المراد بالسنة الطريقة المألوفة وقد ألف الناس ذلك في زمن عمر كما ألفوا الأربعين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أبي بكر
قوله : " أخف الحدود ثمانين " هكذا ثبت بالياء قال ابن دقبق العيد حذف عامل النصب والتقدير اجعله ثمانين وقيل التقدير أجده ثمانين
وقيل التقدير أرى أن نجعله ثمانين
قوله : " النعمان أو ابن النعمان " هكذا في نسخ هذا الكتاب مكبرا وفي صحيح البخاري النعمان أو ابن النعمان بالتصغير
قوله : " وعن حضين " بفتح الحاء المهملة وفتح الضاد المجملة
قوله : " لا تعينوا عليه الشيطان " في ذلك دليل على أنه لا يجوز على من أقيم عليه الحد لما في ذلك من إعانة الشيطان عليه وقد تقدم في حديث جلد الامة النهي للسيد عن التثريب عليها وتقدم أيضا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر السارق بالتوبة فلما تاب قال تاب الله عليك وهكذا ينبغي أن يكون الأمر في سائر المحدودين
قوله : " إنه لم ينقبأها حتى شربها " فيه دليل على أنه يكفي في ثبوت حد الشرب شاهد أن أحدهم يشهد على الشرب والآخر على القيء ووجه الاستدلال بذلك أنه وقع بمجمع من الصحابة ولم ينكر وإليه ذهب مالك والناصر والقاسمية . وذهبت الشافعية والحنفية إلى أنه لا يكفي ذلك للاحتمال لا مكان أن يكون المتقيء لها مكرها على شربها أو نحو ذلك
قوله : " ول حارها " بحاء مهملة وبعد الألف راء مشددة قال في القاموس والحار من العمل شاقه وشديده اه وقارها بالقاف وبعد الألف راء مشددة أي ما لا مشقة فيه من الأعمال والمراد ول الأعمال الشاقة من تولي الأعمال التي لا مشقة فيها أستعار للمشقة الحر ولما لا مشقة فيه البرد
قوله : " جمعتا " بضم الجيم وفتح الميم والعين لفظ تأكيد للشهادتين كما يقال جمع لتأكيد ما فوق الأثنتين وفي بعض النسخ جميعا وهو الصواب ( والأحاديث ) المذكورة في الباب فيها دليل على مشروعية حد الشرب وقد أدعى القاضي عياض الإجماع على ذلك
وقال في البحر مسألة ولا ينقص حده عن الأربعين إجماعا وذكر أن الخلاف إنما هو في الزيادة على الأربعين وحكى ابن المنذر والطبري وغيرهما عن طائفة من أهل العلم أن الخمر لا حد فيها وإنما فيها التعزير واستدلوا بالأحاديث المروية عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعن الصحابة من الضرب بالجريد والنعال والأردية وبما أخرجه عبد الرزاق عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يفرض في الخمر حدا وإنما كان يأمر من حضره أن يضربوه بأيديهم ونعالهم حتى يقول لهم أرفعوا
وأخرج أبو داود والنسائي بسند قوي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوقت في الخمر حدا وبما سيأتي في باب من وجد منه سكر أو ريح وأجيب بأنه قد أنعقد الإجماع الصحابة على جلد الشارب واختلافهم في العدد إنما هو بعد الاتفاق على ثبوت مطلق الجيد وسيأتي في الباب المشار إليه الجواب عن بعض ما تمسكوا به وقد ذهبت العترة ومالك والليث وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في قول له إلى أن حد السكر أن ثمانون جلدة . وذهب أحمد وداود وأبو ثور الشافعي في المشهور عنه إلى أنه أربعون لأنها هي التي كانت في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم وزمن أبي بكر وفعلها علي في زمن عثمان كما سلف واستدل الأولون بأن عمر جلد ثمانين بعد ما استشار الصحابة كما سلف وبما سيأتي عن علي أنه أفتى بأنه يجلد ثمانين وبما في حديث أنس المذكور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر نحو أربعين بجريدتين ( والحاصل ) أن دعوى إجماع الصحابة غير مسلمة فإن اختلافهم في ذلك قبل إمارة عمر وبعدها وردت به الروايات الصحيحة ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الاقتصار على مقدار معين بل جلد تارة بالجريد وتارة بالنعال وتارة بهما فقط وتارة بهما مع الثياب وتارة بالأيدي والنعال والمنقول من المقادير في ذلك إنما هو بطريق التخمين ولهذا قال أنس نحو أربعين والجزم المذكور في رواية علي بالأربعين يعارضه ما سيأتي من أنه ليس في ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة فالأولى الاقتصار على ماورد في الشارع من الأفعال وتكون جميعها جائزة أفأيها وقع فقد حصل به الجلد المشروع الذي أرشدنا إليه صلى الله عليه وآله وسلم بالفعل والقول كما في حديث من شرب الخمر فاجلدوه وسيأتي فالجلد المأمور به هو الجلد الذي وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن الصحابة بين يدية ولا دليل يقتضي تحتم مقدار معين لا يجوز غيره ( لا يقال ) الزيادة مقبولة فيتعين المصير إليها وهي رواية الثمانين لأنا نقول هي زيادة شاذة لم يذكرها إلا ابن دحية فإنه قال في كتاب وهج الخمر في تحريم الخمر صح عن عمر أنه قال لقد هممت أن أكتب في المصحف أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر ثمانين وقد قال الحافظ في التلخيص أنه لم يسبق ابن دحية إلى تصحيحه . وحكى ابن الطلاع أن في مصنف عبد الرزاق أنه صلى الله عليه وآله وسلم جلد في الخمر وورد من طريق لا تصح أنه جلد ثمانين انتهى . وهكذا ما رواه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن أزهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بجلد الشارب أربعين فإنه قال ابن أبي حاتم في العلل سأل أبي عنه فقال لم يسمعه الزهري عن عبد الرحمن بل عن عقيل بن خالد عنه ولو صح لكان من جملة الأنواع التي يجوز فعلها لا أنه هو المتعين لمعارضة غيره له على أنه قد رواه الشافعي عن عبد الرحمن المذكور بلفظ " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشارب فقال أضربوه فضربوه بالأيدي والنعال " ومن ذلك حديث أبي سعيد عند الترمذي وقال حسن أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضرب في الخمر بنعلين أربعين وسيأتي ومما يؤيد ثبوت مقدار معين عنه صلى الله عليه وآله وسلم طلب عمر للمشورة من الصحابة فأشاروا عليه بآرائهم ولو كان قد ثبت تقديره عنه صلى الله عليه وآله وسلم لما جهله جميع أكابر الصحابة (7/187)
1 - وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه قال " ما كنت لاقيم حدا على أحد فيموت واجد في نفسي منه شيئا إلا صاحب الخمر فإنه لو مات وديته وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يسنه "
- متفق عليه وهو لأبي داود وابن ماجه وقالا فيه لم يسن فيه شيئا إنما قلناه نحن قلت ومعني لم يسنه يعني لم يقدره ويوقته بلفظه ونطقه (7/188)
2 - وعن أبي سعيد " قال جلد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر بنعلين أربعين فلما كان زمن عمر جعل بدل كل نعل سوطا "
- رواه أحمد (7/188)
3 - وعن عبيد الله عدي بن الخيار أنه قال لعثمان " قد أكثر الناس في الوليد فقال سنأخذ منه بالحق إن شاء الله تعالى ثم دعا أمير المؤمنين عليا فأمره أن يجلده فجلده ثمانين "
- مختصرا من البخاري وفي رواية له أربعين ويتوجه الجمع بينهما بما رواه أبو جعفر محمد بن علي أن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام جلد الوليد بسوط له طرفان رواه الشافعي في مسنده (7/188)
4 - وعن أبي سعيد قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل نشوان فقال أني لم أشرب خمرا إنما شربت زبيبا وتمرا في دباءة قال فأمر به فنهز بالأيدي وخفق بالنعال ونهى عن الدباء ونهى عن الزبيب والتمر يعني أن يخلطا "
- رواه أحمد (7/189)
5 - وعن السائب بن يزيد " أن عمر خرج عليهم فقال أني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وأني سائل عما شرب فإن كان مسكرا جلدته فجلده عمر الحد تاما "
- رواه النسائي والدارقطني (7/189)
6 - وعن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه في شرب الخمر قال " أنه إذا شرب سكر وإذا سكر هذي وإذا هذي افترى وعلى المفتري ثمانون جلدة "
- رواه الدارقطني ومالك بمعناه (7/189)
7 - وعن ابن شهاب أنه سئل عن حد العبد في الخمر فقال " بلغني أن عليه نصف حد الحر وإن عمر وعثمان وعبد الله ابن عمر جلدوا عبيدهم نصف الحد في الخمر "
- رواه مالك في الموطأ (7/190)
- حديث أبي سعيد الأول أخرجه الترمذي وحسنه قال وفي الباب عن علي وعبد الرحمن بن ازهر وأبي هريرة والسائب وابن عباس وعقبة بن الحرث انتهى . وأثر أبي جعفر محمد بن علي فيه انقطاع . وحديث أبي سعيد الثاني أصله في صحيح مسلم وأخرج الشيخان عن جابر " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا وأن ينبذ الرطب والبسر جميعا " وأخرج نحوه مسلم عن أبي هريرة وابن عمر وابن عباس واتفقا عليه من حديث أبي قتادة بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجمع بين التمر والزهو والتمر والزبيب ولينبذ كل منهما على حدة والنهي عن الانتباه في الدباء " أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير " المقير " وأخرج نحوه الشيخان من حديث ابن عباس في قصة وفد عبد القيس ولهما أيضا عن أنس نهى عن الدباء والمزفت . وللبخاري عن ابن أبي أوفى نهى عن المزفت والحنتم والنقير . ولهما عن علي في النهى عن الدباء والمزفت . لعائشة عند مسلم نهى وفد عبد القيس أن ينتبذوا في الدباء والنقير والمزفب والحنتم انتهى والدباء هو القرع والحنتم الجرار الخضر والنقير هو أصل الجذع ينقر ويتخذ منه الأناء والمزفت هو المطلى بالزفت والمقير هو المطلى بالقار . وأثر عمر رواه النسائي من طريق الحرث ابن مسكين وهو ثقة عن ابن القاسم يعني عبد الرحمن صاحب مالك وهو ثقة أيضا عن مالك عن ابن شهاب عن السائب بن يزيد عن عمر والسائب له صحبة . وأثر على الآخر أخرجه أيضا الشافعي وهومن طريق ثور بن زبد الديلى ولكنه منقطع لأن ثورا لم يلحق عمر بلا خلاف ووصله النسائي والحاكم فروياه عن ثور عن عكرمة عن ابن عباس ورواه عبد الرزاق عن معمر عن أيوب عن عكرمة ولم يذكر ابن عباس وقد أعل هذا بما تقدم في أول الباب ان عمر استشار الناس فقال عبد الرحمن أخف الحدود ثمانون فأمر به عمر قال في التلخيص ولا يقال يحتمل أن يكون علي وعبد الرحمن أشارا بذلك جميعا لما ثبت في صحيح مسلم عن علي في جلد الوليد بن عقبة أنه جلده أربعين وقال جلد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعين وأبو بكر أربعين وعمر ثمانين وكل سنة وهذا أحب إلى فلو كان هو المشير بالثمانين ما أضافها إلى عمر ولم يعمل لكن يمكن أن يقال أنه قال لعمر باجتهاد ثم تغير اجتهاده ولهذا الأثر طرق منها ما تقدم ومنها ما أخرجه الطبري والطحاوي والبيهقي وفيه أن رجلا من بني كلب يقال له ابن وبرة أخبره أن خالد بن الوليد بعثه إلى عمر وقال له إن الناس قد انهمكوا في الخمر واستخفوا العقوبة فقال عمر " لمن حوله ما ترون فقال على فذكر مثل تقدم " وأخرج نحوه عبد الرزاق عن عكرمة وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي عبد الرحمن السلمي عن علي قال شرب نفرمن أهل الشام الخمر وتأولوا الآية الكريمة فاستتشار فيهم فقلت أرى أن تستتيبهم فإن تابوا ضربتهم ثمانين وإلا ضربت أعناقهم لأنهم استحلوا ما حرم فاستتابهم فتابوا فضربهم ثمانين ثمانين . وأثر ابن شهاب فيه انقطاع النانية من حديث الباب بلفظ " قضى أن عقل أهل الكتابين " الخ مقيدة باليهود والنصارى والرواية الأولى منه مطلقة فيحمل المطلق على المقيد ويكون المراد بالحديث دية اليهود والنصارى دون المجوس لانا نقول لا نسلم صلاحية الرواية الثاينة للتقييد ولا للتخصيص لأن ذلك من التنصيص على بعض أفراد المطلق أو العام وما كان كذلك فلا يكون مقيدا لغيره ولا مخصصا له ويوضح ذلك أن غاية ما في قوله عقل أهل الكتابين أن يكون من عداهم بخلافهم لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وهو الحق فلا يصلح لتخصيص قوله صلى الله عليه وآله وسلم " عقل الكافر نصف دية المسلم " ولا لتقييده على فرض الإطلاق ولا سيما مخرج اللفظين واحد والرواي واحد فإن ذلك يفيد أن أحدهما من تصرف الراوي واللازم الأخذ بما هو مشتمل على زيادة فيكون المجوسي داخلا تحت ذلك العموم وكذلك كل من له ذمة من الكفار ولا يخرج عنه إلا من لا ذمة له ولا أمان ولا عهد من المسلمين لأنه مباح الدم ولو فرض عدم دخول المجوسي تحت ذلك اللفظ كان حكمه حكم اليهود والنصارى والجامع الذمة من المسلمين للجميع . ويؤيد ذلك حديث " سنوا بهم سنة أهل الكتاب "
واحتج القائلون بأن دية الذمي كدية المسلم بعموم قوله تعالى { وان كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله } قالوا وإطلاق الدية يفيد أنها الدية المعهودة وهي دية المسلم ويجاب عنه أولا بمنع كون المعهود ههنا هو دية المسلم لم لا يجوز أن يكون المراد بالدية الدية المتعارفة بين المسلمين لأهل الذمة والمعاهدين وثانيا بأن هذا الإطلاق مقيد بحديث الباب . واستدلوا ثانيا بما أخرجه الترمذي عن ابن عباس وقال غريب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودى العامريين اللذين قتلهما عمرو بن أمية الضمري وكان لهما عهد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يشعر به عمرو بدية المسلمين . وبما أخرجه البيهقي عن الزهري أنها كانت دية اليهودي والنصراني في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثل دية المسلم وفي زمن أبي بكر وعمر وعثمان فلما كان معاوية أعطى أهل المقتول النصف وألقى النصف في بيت المال قال ثم قضى عمر بن عبد العزيز بالنصف وألغى ما كان جعل معاوية . وبما أخرجه أيضا عن عكرمة عن ابن عباس قال " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية فيه دليل على أنه لا يجوز الجمع بين الزبيب والتمر وجعلهما نبيذا وسيأتي الكلام على ذلك في كتاب الأشربة إن شاء الله تعالى قوله فزعم أنه شرب الطلاء هي الخمرة اللذيذة على ما في القاموس
قوله : " إذا شرب سكر " الخ أعلم أن معنى هذا الأثر لا يتم إلا بعد تسليم إن كل شارب خمر يهذي بما هو افتراء وأن كل مفتر يجلد ثمانين جلدة والكل ممنوع فإن الهذيان إذا كان ملازما للسكر فلا يلازمه الافتراء لأنه نوع خاص من أنواع ما يهذو به الإنسان والجلد إنما يلزم من افترى افتراء خاصا وهو القذف لا كل مفتر وهذا مم لا خلاف فيه فكيف صح مثل هذا القياس فإن قال قائل أنه من باب الإخراج للكلام على الغالب فذلك أيضا ممنوع فإن أنواع الهذيان بالنسبة إلى الافتراء وأنواع الافتراء بالنسبة إلى القذف هي الغالبة بلا ريب وقد تقرر في علم المعاني أن أصل إذا الجزم بوقوع الشرط ومثل هذا الأمر النادر مما يبعد الجزم بوقوعه باعتبار كثرة الأفراد المشاركة له في ذلك الاسم وغلبتها وللقياس شروط مدونة في الأصول لا تنطبق على مثل هذا الكلام ولكن مثل أمير المؤمنين رضي الله عنه ومن بحضرته من الصحابة الأكابر هم أصل الخبرة بالأحكام الشرعية ومداركها
قوله : " بلغني أن عليه نصف حد الحر " قد ذهب إلى التنصيف للعبد في حد الزنا والقذف والشرب الأكثر من أهل العلم وذهب ابن مسعود والليث والزهري وعمر بن عبد العزيز إلى أه يستوي الحر والعبد في ذلك لعموم الأدلة ويجاب بأن القرآن مصرح في حد الزنا بالتنصيف قال الله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب } ويلحق بالأماء العبيد ويلحق بحد الزنا سائر الحدود وهذا قياس صحيح لا يختلف في صحته من أثبت العمل بالقياس (7/190)
باب ما ورد في قتل الشارب في الرابعة وبيان نسخه (7/190)
1 - عن عبد الله بن عمرو قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد فاقتلوه قال عبد الله ائتوني برجل قد شرب الخمر في الرابعة فلكم علي أن أقتله "
- رواه أحمد (7/191)
2 - وعن معاوية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا شربوا الخمر فاجلدوهم ثم إذا شربوا فاجلدوهم ثم إذا شربوا الرابعة فاقتلوهم "
- رواه الخمسة إلا النسائي قال الترمذي إنما كان هذا في أول الأمر ثم نسخ بعد هكذا روى محمد بن إسحاق عن محمد ين المنكدر عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد الرابعة فاقتلوه قال ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك برجل قد شرب في الرابعة فضربه ولم يقتله " (7/191)
3 - وعن الزهري عن قبيصة بن ذؤيب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من شرب الخمر فاجلدوه فإن عاد فاجلدوه فإن عاد في الثالثة أو الرابعة فاقتلوه فاتى برجل قد شرب فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ثم أتى به فجلده ورفع القتل وكانت رخصة "
- رواه أبو داود وذكره الترمذي بمعناه (7/191)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن سكر فاجلدوه ثم أن سكر فاجلدوه فأن عاد في الرابعة فاضربوه عنقه "
- رواه الخمسة إلا الترمذي وزاد أحمد قال الزهري " فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسكران في الرابعة فخلى سبيله " (7/192)
- حديث ابن عمرو أخرجه أيضا الحرث بن أبي أسامة في مسنده من طريق الحسن البصري ورواه من طريقه ابن حزم والحسن لم يسمع من عبد الله بن عمرو فهو منقطع وقد جزم بعدم سماعه منه ابن المديني وغيره ووقع في نسخة من هذا الكتاب عبد الله بن عمر بدون واو والصواب إثباتها . وحديث معاوية قال البخاري هو أصح ما في هذا الباب وأخرجه أيضا الشافعي ولادارمي وابن المنذر وابن حبان وصححه من حديث أبي هريرة وأخرج ابن أبي شيبة من رواية أبي سعيد والمحفوظ أنه عن معاوية وأخرجه أبو داود من رواية ابان العطار وفيه فإن شربوا يعني بعد الرابعة فاقتلوهم . ورواه أيضا أبو داود من حديث ابن عمر قالوا واحسبه قال في الخامسة ثم إن شربها فاقتلوه قال وكذا في حديث غطيف في الخامسة . وحديث جابر أخرجه أيضا النسائي . وحديث قبيصة بن ذؤيب أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق وعلقه الترمذي
وأخرجه أيضا الخطيب عن ابن إسحاق عن الزهري بن المعتمر ومخول بن راشد فقال لهما كونا وافدي أهل العراق بهذا الحديث وقبيصة بن ذؤيب من أولاد الصحابة ولد عام الفتح وقيل انه ولد أول سنة من الهجرة ولم يذكر له سماع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعده الأئمة من التابعين وذكروا أنه سمع الصحابة قال المنذري وإذا ثبت أن مولده أول سنة من الهجرة أمكن أن يكون سمع من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد قيل أنه أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلام يدعو له وذكر عن الزهري أنه كان إذا ذكر قبيصة بن ذؤيب قال كان من علماء هذه الأمة وأما أبوه ذؤيب بن حلحلة فله صحبة انتهى ورجال الحديث مع إرساله ثقات وأعله الطحاوي بما أخرجه من طريق الوزاعي أن الزهري رواية قال بلغني عن قبيصة ولم يذكر أنه سمع منه وعورض بأنه رواه ابن وهب عن يونس قال أخبرني الزهري أن قبيصة حدثه أنه بلغه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويونس أحفظ لحديث الزهري من الأوزاعي وأخرج عبد الرزاق عن ابن المنكدر مثله
وأما حديث أبي هريرة فقد قدمنا من أخرجه ومن صححه وفي الباب عن الشريد بن أوس الثقفي عند أحمد والأربعة والدارمي والطبري وصححه الحاكم وعن شرحبيل الكندي عند أحمد والطبراني وابن منده ورجاله ثقات وعن أبي الرمداء براء مهملة مفتوحة وميم ساكنة ودال مهملة وبالمد عند الطبراني وابن منده وفي إسناده ابن لهيعة وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بضرب عنقه وأنه ضرب عنقه فأن ثبت هذا كان فيه رد على من يقول إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعمل به ( وقد أختلف العلماء ) هل يقتل الشارب بعد الرابعة أو لا فذهب بعض اهل الظاهر إلى أنه يقتل ونصره ابن حزم واحتج له ودفع دعوى الإجماع على عدم القتل وهذا هو طاهر ما في الباب عن ابن عمرو وذهب الجمهور إلى أنه لا يقتل الشارب وأن القتل منسوخ قال الشافعي والقتل منسوخ بهذا الحديث وغيره يعني حديث قبيصة ابن ذؤيب ثم ذكر أنه لا خلاف في ذلك بين أهل العلم
وقال الخطابي قد يرد الأمر بالوعيد ولا يراد به الفعل وإنما يقصد به الردع والتحذير وقد يحتمل أن يكون القتل في الخامسة واجبا ثم نسخ بحصول الإجماع من الأمة على أنه لا يقتل انتهى . وحكى المنذري عن بعض أهل العلم أنه قال أجمع المسلمون على وجوب الحد في الخمر وأجمعوا على أنه لا يقتل إذا تكرر منه إلا طائفة شاذة قالت يقتل بعد حده أربع مرات للحديث وهو عند الكافة منسوخ انتهى
وقال الترمذي أنه لا يعلم في ذلك اختلافا بين أهل العلم في القديم والحديث وذكر أيضا في آخر كتابه الجامع في العلل أن جميع ما فيه معمول به عند البعض من أهل العلم إلا حديث إذا سكر فاجلدوه المذكور في البابز وحديث الجمع بين الصلاتين وقد احتج من أثبت القتل بأن حديث معاوية المذكور متأخر عن الأحاديث القاضية تعدم القتل لأن مسلام معاوية متأخر وأجيب عن ذلك بأن تأخر اسلام الرواي لا يستلزم تأخر المروى لجواز أن يروى ذلك عن غيره من الصحابة المتقدم اسلامهم على اسلامه وأيضا قد أخرج الخطيب في المتهمات عن ابن إسحاق عن الزهري عن قبيصة أنه قال في حديثه السابق فأتى برجل من الأنصار يقال له نعيمان فضربه أربع مرات فرأى المسلمون أن القتل عد أخر وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن سهل وفيه قال فحدثت به ابن المنكدر فقال قد ترك ذلك وقد أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابن النعيمان فجلده ثلاثا ثم أني به الرابعة فجلده ولم يزده وقصة النعيمان أو ابن النعيمان كانت بعد الفتح لأن عقبة بن الحرث حضرها فهي إما بالمدينة ومعاوية أسلم قبل الفتح أو في الفتح على الخلاف وحضور عقبة كان بعد الفتح (7/192)
باب من وجد منه سكر أو ريح خمر ولم يعترف (7/192)
1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يقت في الخمر حدا وقال ابن عباس شرب رجل فسكر فلقي يميل في الفج فانطلق به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما حاذى بدار العباس انفلت فدخل على العباس فالتزمه فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك وقال أفعلها ولم يأمر فيه شيء "
- رواه أحمد وأبو داود وقال هذا مما تفرد به أهل المدينة (7/193)
2 - وعن علقمة قال " كنت بحمص فقرأ ابن مسعود سورة يوسف فقال لجل ما هكذا أنزلت فقال عبد الله والله لقرأتها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحسنت فبينما هو يكلمه إذ وجد منه ريح الخمر فقال أتشرب الخمر وتكذب بالكتاب فضربه الحد "
- متفق عليه (7/193)
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وقوي الحافظ اسناده
قوله : " لم يقت " من التوقيت أي لم يقدره بقدر ولا حده بحد وقد استدل بهذا الحديث من قال إن حد السكر غير واجب وأنه غير مقدر وإنما هو تعزير فقط كما تقدم وأجيب عن هذا بأنه قد وقع الإجماع من الصحابة على وجوبه . وحديث ابن عباس المذكور قد قيل أنه كان قبل أن يشرع الجلد ثم شرع الجلد والأولى أن يقال إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما لم يقم على ذلك الرجل الحد لكونه لم يقر لديه ولا قامت عليه بذلك الشهادة عنده وعلى هذا بوب المصنف فيكون في ذلك دليل على أنه لا يجب على الإمام أن يقيم الحد على شخص بمجرد اخبار الناس له أنه فعل ما يوجبه ولا يلزمه البحث بعد ذلك لما قدمنا من مشروعية الستر وأولوية ما يدرأ الحد على ما يوجبه وأثر ابن مسعود المذكور فيه متمسك لمن يجوز للإمام والحاكم ومن صلح أن يقيم الحدود إذا علم بذلك وإن لم يقع من فاعل ما يوجبها إقرار ولا قامت عليه البينة به وقد خالف في أصل حكم بما علم مطلقا شريح والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي ومالك وأحمد وإسحاق والشافعي في قول يه فقالوا لا يجوز له أن يقضي بما علم مطلقا
وقال الناصر والمؤيد في قول له والشافعي في قول له أيضا أنه يجوز للحاكم أن يحكم بعلمه في كل شيء من غير فرق بين الحد وغيره وذهبت العترة إلى أنه يحكم بعلمه في الأموال دون الحدود إلا في حد القذف فإنه يحكم فيه بعلمه ويدل على ذلك ما أخرجه البخاري تعليقا أن عمر قال لعبد الرحمن لو رأيت رجلا على حد فقال أرى شهاتك شهادة رجل من المسلمين قال أصبت وصله البيهقي ويؤيده حديث " لو كنت راجما أحدا بغير بينة لرجمتها " في قصة الملاعنة وقد تقدم فإن ذلك يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم زناها (7/193)
باب ما جاء في قدر التعزير والحبس في التهم (7/194)
1 - عن أبي بردة بن نيار " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى "
- رواه الجماعة إلا النسائي (7/194)
2 - وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس رجلا في تهمة ثم خلى عنه "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه (7/194)
- حديث أبي بردة مع كونه متفقا عليه قد تكلم في اسناده ابن المنذر والأصيلى من جهة الاختلاف فيه وقال البيهقي قد أقام عمرو بن الحرث اسناده فلا يضره تقصير من قصر فيه وقال الغزالي صححه بعض الأئمة وتعقبه الرافعي في التذنيب فقال أراد بقوله بعض الأئمة صاحب التقريب ولكن الحديث أظهر من أن تضاف صحته إلي فرد من الأئمة فقد صححه البخاري ومسلم . وحديث بهز ابن حكيم حسنه الترمذي وقال الحاكم صحيح الاسناد ثم أخرج له شاهدا من حديث أبي هريرة وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حبس في تهمة يوما وليلة وقد تقدم الاختلاف في حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده
قوله : " لا يجلد " روي بفتح الياء في أوله وكسر اللام وروي أيضا بضم الياء وفتح اللام وروي بصيغة النهى مجزوما وبصيغة النفي مرفوعا
قوله : " فوق عشرة أسواط " في رواية فوق عشرة ضربات
قوله : " إلا في حد " المراد به ما ورد عن الشارع مقدرا بعدد مخصوص كحد الزنا والقذف ونحوهما وقيل المراد بالحد هنا عقوبة المعصية مطلقا لا الأشياء المخصوصة . فإن ذلك التخصيص إنما هو من اصطلاح الفقهاء وعرف الشرع إطلاق الحد على كل عقوبة لمعصية من المعاصي كبيرة أو صغيرة ونسب ابن دقيق العيد هذه المقالة إلى بعض المعاصرين له وإليها ذهب ابن القيم وقال المراد بالنهي المذكور في التأديب للمصالح كتأديب الأب ابنه الصغير واعترض على ذلك بأنه قد ظهر أن الشارع يطلق الحدود على العقوبات المخصوصة ويؤيد ذلك قول عبد الرحمن بن عوف أن أخف الحدود ثمانون كما تقدم في كتاب حد شارب الخمر وقد ذهب إلى العمل بحديث الباب جماعة من أهل العلم منهم الليث وأحمد في المشهور عنه وإسحاق وبعض الشافعية وذهب أبو حنيفة والشافعي وزيد بن علي والمؤيد بالله والإمام يحيى إلى جواز الزيادة على عشرة أسواط ولكن لا يبلغ إلى أدنى الحدود . وذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو طالب إلى أنه يكون في كل موجب للتعزير دون حد جنسه وإلى مثل ذلك ذهب الأوزاعي وهو مروي عن محمد بن الحسن الشيباني وقال أبو يوسف إنه ما يراه الحاكم بالغا ما بلغ وقال مالك وابن أبي ليلى أكثره خمسة وسبعون هكذا حكى صاحب البحر والذي حكاه النووي عن مالك وأصحابه وأبي ثور وأبي يوسف ومحمد أنه إلى رأى الإمام بالغا ما بلغ
وقال الرافعي الاظهر أنها تجوز الزيادة على العشرة وإنما المراعى النقصان عن الحد قال وأما الحديث المذكور فمنسوخ على ما ذكره بعضهم واحتج بعمل الصحابة بخلافه من غير انكار انتهى
وقال البيهقي عن الصحابة آثار مختلفة في مقدار التعزير وأحسن ما يصار إليه في هذا ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر حديث أبي بردة المذكور في الباب
قال الحافظ فتبين بما نقله البيهقي عن الصحابة أن لا اتفاق على عمل في ذلك فكيف يدعى نسخ الحديث الثابت ويصار إلى ما يخالفه من غير برهان وسبق إلى دعوى عمل الصحابة بخلافه الأصيلي وجماعة وعمدتهم كون عمر جلد في الخمر ثمانين وأن الحد الأصلي أربعون والباقية ضربها تعزيرا لكن حديث علي السابق يدل على أن عمر إنما ضرب ثمانين معتقدا أنه الحد وأما النسخ فلا يثبت إلا بدليل وذكر بعض المتأخرين أن الحديث محمول على التأديب الصادر من غير الولاة كالسيد يضرب عبده والزوج يضرب زوجته والأب ولده والحق العمل بما دل عليه الحديث الصحيح المذكور في الباب وليس لمن خالفه متمسك يصلح المعارضة وقد نقل القرطبي عن الجمهور أنهم قالو بما دل عليه وخالفه النووي فنقل عن الجمهور عدم القول به ولكن إذا جاء نهر الله بطل نهر معقل فلا ينبغي لمنصف التعويل على قول أحد عند قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
دعوا كل قول عند قول محمد ... فما آمن في دينه كمخاطر
قوله " في تهمة " بضم التاء وسكون الهاء وقد تفتح في لغة وهي فعلة من الوهم والتاء بدل من الواو واتهمته إذا ظننت فيه ما نسب إليه وفيه دليل على أن الحبس كما يكون حبس ععقوبة يكون حبس استظهار في غير حق بل لينكشف به بعض ما وراءه وقد بوب أبو داودعلى هذا الحديث فقال باب في الحبس في الدين وغيره وذكر معه حديث عمرو بن الشريد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لي الواجد يحل عرضه وعقوبة " وقد تقدم وذكر أيضا حديث الهرماس ابن حبيب عن أبيه عن جده قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغريم لي فقال لي الزمه ثم قال يا أخا بني تميم ما تريد أن تفعل بأسيرك " وأخرجه أيضا ابن ماجه قال في البحر مسألة وندب اتخاذ سجن للتأديب واستيفاء الحقوق لفعل أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وعمر وعثمان ولم ينكر وكذلك الدرة والسوط لفعل عمر وعثمان ( فرع ) ويجب حبس من عليه الحق للإيفاء اجماعا أن طلب لحبسه صلى الله عليه وآله وسلم من أعتق شقصا في عبد حتى غرم لشريك قيمته وكذلك التقييد انتهى . الحديث الذي ذكره أخرجه البيهقي وهو منقطع (7/195)
باب المحاربين وقطاع الطريق (7/195)
1 - عن قتادة عن أنس " أن ناسا من عكل وعرينة قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتكلموا بالإسلام فاستوخموا المدينة فأمر لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذود وراع وأمرهم أن يخرجوا فليشربوا من أبوالها وألبانها فانطلقوا حتى إذا كانوا بناحية الحرة كفروا بعد إسلامهم وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستاقوا الذود فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث الطلب في آثارهم فأمربهم فسمروا اعينهم وقطعوا أيديهم وتركوا في ناحية الحرة حتى ماتوا على حالهم "
- رواه الجماعة . وزاد البخاري قال قتادة " بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك كان يحث على الصدقة وينهي عن المثلة " وفي رواية لأحمد والبخاري وأبي داود قال قتادة فحدثني ابن سيرين " إن ذلك كان قبل أن تنزل الحدود " وللبخاري وأبو داود في هذا الحديث " فأمر بمسامير فأحميت فكحلهم وقطع أيديهم وأرجلهم وما حسمهم ثم ألقوا في الحرة يستسقون فما سقوا حتى ماتوا " وفي رواية النسائي " فقطق أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم وصلبهم " (7/195)
2 - وعن سليمان التيمي عن أنس قال " إنما سمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعين أولئك لأنهم سملوا أعين الرعاة "
- رواه مسلم والنسائي والترمذي (7/196)
3 - وعن أبي الزناد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما قطع الذين سرقوا لقاحه وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك فأنزل إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا " . الآية '
- رواه أبو داود والنسائي (7/196)
4 - وعن ابن عباس في قطاع الطريق " إذا قتلوا وأخذوا المال قتلوا وصلبوا وإذا قتلوا ولم يأخذوا المال قتلوا ولم يصلبوا وإذا أخذوا المال ولم يقتلوا قطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وإذا أخافوا السبيل ولم يأخذوا مالا نفوا من الأرض "
- رواه الشافعي في مسنده (7/196)
- حديث أبي الزناد مرسل وقد سكت عنه أبو داود ولم يذكر المنذري له علة غير إرساله ورجال هذا المرسل رجال الصحيح وقد وصله أبو الزناد من طريق عبد الله بن عبيد الله بن عمر عن عمر كما في سنن أبي داود في الحدود ويؤيده ما أخرجه أبو داود والنسائي من حديث ابن عباس " إن ناسا أغاروا على إبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وارتدوا عن الإسلام وقتلوا راعي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مؤمنا فبعث في آثارهم فأخذوا فقطع أيديهم وأرجلهم وسمل أعينهم قال فنزلت فيهم آية المحاربة " وعند البخاري وأبي داود عن أبي قلابة أنه قال في العرنيين فهؤلاء قوم سرقوا وقتلوا وكفروا بعد إيمانهم وحاربوا الله ورسوله وهو يشير إلى أنهم سبب الآية
وأخرج أبو داود والنسائي عن ابن عمر أن الآية نزلت في العرنيين وأثر ابن عباس في اسناده إبراهيم بن محمد بن أبي يحيى وهو ضعيف عن صالح مولى التوأمة عن ابن عباس واخرجه البيهقي من طريق محمد بن سعيد العوفي عن آبائه إلى ابن عباس في قوله إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله قال إذا حارب فقتل فعليه القتل إذا ظهر عليه قبل توبته فإذا حارب وأخذ المال وقتل فعليه الصلب وإن لم يقتل فعليه قطع اليد والرجل من خلاف وإذا حارب وأخاف السبيل فإنما فعليه النفي " ورواه أحمد بن حنبل في تفسيره عن أبي معاوية عن عطية به نحوه
وأخرج أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن عباس أنه قال إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفقوا من الأرض إلى غفور رحيم نزلت هذه الآية في المشركين فمن تاب منهم قبل أن يقدروا عليه لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحد الذي أصابه وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال
قوله : " من عكل وعرينة " في رواية للبخاري من عكل أو عرينة بالشك ورواية الكتاب هي الصواب كما قال الحافظ ويؤيدها مارواه أبو عوانة والطبري من طريق سعيد بن بشير عن قتادة عن أنس " قال كانوا أربعة من عرينة وثلاثة من عكل " وزعم الداودي وابن التين أن عرين هم عكل وهو غلط بل هما قبيلتان متغايرتان فعكل من عدنان وعرينة من قحطان . وعكل بضم العين المهملة واسكان الكاف قبيلة من تيم الرباب وعرينة بالعين والراء المهملتين والنون مصغرا حي من قضاعة وحي من بجيلة والمراد هنا الثاني كذا ذكره موسى بن عقبة في المغازي وكذا رواه الطبري من وجه آخر عن أنس ووقع عند عبد الرزاق من حديث أبي هريرة بإسناد ساقط أنهم من بني فزارة وهو غلط لأن بني فزارة من مضر لا يجتمعون مع عكل ولا مع عرينة أصلا وذكر ابن إسحاق في المغازي أن قدومهم كان بعد غزوة ذي قرد وكانت في جمادى الآخرة سنة ست وذكر الواقدي أنها كانت في شوال منها وتبعه ابن سعد وابن حبان وغيرهما
قوله : " فاستوخموا المدينة " في رواية " اجتووا المدينة " قال ابن فارس اجتويت المدينة إذا كرهت المقام فيها وإن كنت في نعمة وقيده الخطابي بما إذا تضرر بالإقامة وهو المناسب لهذه القصة
وقال القزاز اجتووا أي لم يوافقهم طعامها
وقال ابن العربي الجوى داء يأخذ من الوباء ورواية استوخموا بمعنى هذه الرواية وللبخاري في الطب من رواية ثابت عن أنس " أن ناسا كان بهم سقم قالوا يا رسول الله آونا واطعنمنا فلما صحوا قالوا إن المدينة وخمة " والظاهر أنهم قدموا سقاما فلما صحوا من السقم كرهوا الإقامة بالمدينة لوخمها فأما السقم الذي كان بهم فهو الهزال الشديد والجهد من الجوع كما رواه أبو عوانة عن أنس أنه كان بهم هزال شديد وعنده من رواية أبي سعيد مصفرة ألوانهم وأما الوخم الذي شكوا منه بعد أن صحت أجسامهم فهو من حمي المدينة كما رواه أحمد عن أنس وذكر البخاري في الطب عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا الله أن ينقلها إلى الجحفة "
قوله : " فأمر له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذود وراع " قد تقدم تفسير الذود في الزكاة
وفي رواية للبخاري وغيره فأمرهم بلقاح أي أمره أن يلحقوا بها وفي أخرى له فأمر لهم بلقاح واللقاح بكسر اللام وبعدها قاف وآخره مهملة النوق ذوات الألبان واحدتها لقحة بكسر اللام وإسكان القاف :
قوله " فليشربوا من أبوالها " استدل به من قال بطهارة أبوال الأبل وقاس سائر المأكولا ت عليها وقد تقدم الكلام على ذلك في أوائل الكتاب
قوله : " بناحية الحرة " هي أرض ذات حجارة سود معروفة بالمدينة
قوله : " وقتلوا راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم " اسمه يسار بياء تحتانية ثم مهملة خفيفة كما ذكره الطباني وابن إسحاق في السيرة
وفي لفظ لمسلم أنهم قتلوا أحد الراعيين وجاء الآخر قد جزع فقال قد قتلوا صاحبي وذهبوا بالأبل
قال الحافظ ولم أقف على اسم الراعي الآتي بالخبر والظاهر أنه راعي إبل الصدقة ولم تختلف روايات البخاري في أن المقتول راعي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبعث الطلب في آثارهم ذكر ابن إسحاق عن سلمة بن الأكوع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث خيلا من المسلمين أميرهم كرز بن جابر الفهري وكرز بضم الكاف وسكون الراء بعدها زاي وفي رواية للنسائي " فبعث في طلبهم قافة " أي جمع قايف ولمسلم أنهم شباب من الأنصار قريب من عشرين رجلا وبعث معهم قائفا يقتص آثارهم
وفي مغازي موسى بن عقبة أن أمير هذه السرية سعيد بن زيد وذكر غيره أنه سعد بن زيد الأشهلي والأول أنصاري ويمكن الجمع بأن كل واحد منهما أمير قومه وكرز أمير الجميع
وفي رواية للطبراني وغيره من حديث جرير بن عبد الله البجلي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه في آثارهم واسناده ضعيف والمعروف أن جريرا تأخر اسلامه عن هذا الوقت بمدة
قوله : " فأمربهم " فيه حذف تقديره فأدركوا فأخذوا فجيء بهم فأمر بهم
وفي رواية للبخاري فلما ارتفع النهار جيء بهم
قوله : " فسمروا أعينهم " بالسين المهملة وتشديد الميم
وفي رواية للبخاري وسمرت أعينهم
وفي رواية لمسلم وسمل أعينهم بتخفيف الميم واللام قال الخطابي السمر لغة في السمل ومخرجها متقارب قال وقد يكون من المسمار يريد أنهم كحلوا باميال قد أحميت قال والسمل فقء العين بأي شيء كان قال أبو ذؤيب الهذلي
والعين بعدهم كأن حداقها ... سملت بشوك فهي عورا تدمع
وقد وقع التصريح بمعنى السمر في الرواية المذكورة في الباب بلفظ فأمر بمسامير الخ
قوله : " وما حسمهم " أي لم يكوما قطع منهم بالنار لينقطع الدم بل تركه ينزف
قوله : " يستسقون فما سقوا " في رواية للبخاري " ثم نبذهم في الشمس حتى ماتوا " وفي أخرى له " يعضون الحجارة " وفي أخرى له في الطب قال أنس فرأيت الرجل منهم يكدم الأرض بلسانه حتى يموت
وفي رواية لأبي عوانة من هذا الوجه يعض الأرض ليجد بردها مما يجد من الحر والشدة
قوله : " وصلبهم " حكي في الفتح عن الواقدي أنهم صلبوا قال والروايات الصحيحة ترده لكن عند أبي عوانة عن أنس فصلب اثنين وقطع اثنين وسمل اثنين وهذا يدل على أنهم ستة فقط وقد تقدم ما يدل على أنهم سبعة : وفي البخاري في الجهاد عن أنس " أن رهطا من عكل ثمانية " قوله " لأنهم سملوا أعين الرعاة " فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك بهم اقتصاصا لما فعله بالرعاة وإلى ذلك مال جماعة منهم ابن الجوزي وتعقبه ابن دقيق العيد بأن المثلة وقعت في حقهم من جهات وليس في الحديث إلا السمل فيحتاج إلى ثبوت البقية وقد نقل أهل المغازي أنهم مثلوا بالراعي وذهب آخرون إلى أن ذلك منسوخ
قال ابن شاهين عقب حديث عمران بن حصين في النهى عن المثلة هذا الحديث ينسخ كل مثلة وتعقبه ابن الجوزي بأن ادعاء النسخ يحتاج إلى تاريخ ويجاب عن هذا التعقب بحديث أبي الزناد المذكور فإن معاتبة الله لرسوله صلى الله عليه وآله وسلم تدل على أن ذلك الفعل غير جائز ويؤيده ما أخرجه البخاري في الجهاد في حديث أبي هريرة في النهي عن التعذيب بالنار بعد الاذن فيه . وقصة العرنيين قبل اسلام أبي هريرة وقد حضر الاذن ثم النهي عنه ويؤيده أيضا ما في الباب عن ابن سيرين أن قصتهم كانت قبل أن تنزل الحدود وأصرح من الجميع ما في الباب عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك نهى عن المثلة وإلى هذا مال البخاري وحكاه إمام الحرمين في النهاية عن الشافعي واستشكل القاضي عياض عدم سقيهم الماء للإجماع على أن من وجب عليه القتل فاستسقى لا يمنع وأجاب بأن ذلك لم يقع عن أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا وقع منه نهي عن سقيهم انتهى . وتعقب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك وسكت والسكوت كاف في ثبوت الحكم وأجاب النووي بأن المحارب المرتد لا حرمة له في سقي الماء ولا غيره وبدل عليه أن من معه ماء لطهارته فقط لا يسقي المرتد ويتيمم بل يستعمله ولو مات المرتد عطشا
وقال الخطابي إنما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهم ذلك لأنه أراد بهم الموت بذلك وقيل أن الحكمة في تعطيشهم لكونهم كفروا نعمة سقي البان الأبل التي حصل لهم بها الشفاء من الجوع والوخم
قوله : وعن ابن عباس في قطاع الطريق أي الحكم فيهم هو المذكور وقد حكى في البحر عن ابن عباس والمؤيد بالله وأبي طالب والحنفية والشافعية أن الآية أعني قوله تعالى { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله } نزلت في قطاع الطريق المحاربين وعن ابن عمر والهادي أنها نزلت في العرنين ويدل على ذلك حديث أبي الزناد المذكور في الباب وحكى المؤيد بالله وأبو طالب عن قوم إنها نزلت في المشركين ورد ذلك بالإجماع على أنه لا يفعل بالمشركين كذلك ويدفع هذا الرد بما أخرجه أبو داود والنسائي عن ابن عباس إنها نزلت في المشركين وقد دعا له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعلم التأويل
وقد ذهب أكثر العترة والفقهاء إلى أن المحارب هو من أخاف السبيل في غير المصر لأخذ المال وسواء أخاف المسلمين أو الذميين قال الهادي وأبو حنيفة إن قاطع الطريق في المصر أو القرية ليس محاربا للحوق الغوث بل مختلسا أو منتهبا وفي رواية عن مالك إذا كانوا على ثلاثة أميال من المصر أو القرية فمحاربون لا دون ذلك إذ يلحقه الغوث وفي رواية أخرى عن مالك لا فرق بين المصر وغيره لأن الآية لم تفصل وبه قال الأوزاعي وأبو ثور وأبو يوسف ومحمد والشافعي والناصر والإمام يحيى وإذا لم يكن قد أحدث المحارب غير الإخافة عزره الإمام فقط قال أبو طالب وأصحاب الشافعي ولا نفي مع التعزير وأثبته المؤيد بالله فإن وقع منه القتل فقط فذهبت العترة والشافعي إلى أنه يقتل فقط . وعن أبي حنيفة ليس بمحارب أن قتل بمثقل فإن قتل وأخذ المال فذهب الشافعي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنه يقتل ويصلب ولا قطع لدخوله في القتل
وقال الناصر وأبو العباس بل يخير الإمام بين أن يصلب ويقتل أو يقتل ثم يصلب أو يقطع ثم يقتل أو يقطع ويقتل ويصلب لأن أو للتخيير وقال مالك إذا شهروا السلاح وأخافوا لزمهم ما في الآية
وقال الحسن البصري وابن المسيب ومجاهد إذا أخافوا خير الإمام بين أن يقتل فقط أو يقتل ويصلب أو يقطع الرجل واليد فقط أو يحبس فقط لأجل التخيير
وقال أبو الطيب بن سلمة من الشافعية وحصله صاحب الوافي للهادي أنهم إذا أخذوا المال وقتلوا قطعوا للمال ثم قتلوا للقتل ثم صلبوا للجمع بين الأخذ والقتل قال أبو حنيفة والهادوية فإن قتل وجرج قتل فقط لدخول الجرح في القتل وقال الشافعي بل يجرح ثم يقتل إذ هما جنايتان والنفي المذكور في الآية هو طرد سنة عند الهادي والشافعي وأحمد والمؤيد بالله وأبي طالب وقال الناصر وأبو حنيفة وأصحابه بل الحبس فقط إذا القصد دفع أذاء وإذا كان المحاربون جماعة واختلفت جناياتهم فذهبت العترة والشافعي إلى أنه يحد كل واحد منهم بقدر جنايته
وقال أبو حنيفة بل يستوون إذ المعين كالقاتل واختلفوا هل يقدم الصلب على القتل أو العكس فذهب الشافعي والناصر والإمام يحيى إلى أنه يقدم الصلب على القتل إذ المعنى يقتلون بالسيف أو بالصلب
وقال الهادي وأبو حنيفة وهو مروي عن الشافعي رحمه الله أنه لا صلب قبل القتل لأنه مثلة وجعل الهادي أو بمعنى الواو ولذلك قال بتقدم القتل على الصلب وقال بعض أصحاب الشافعي يصلب قبل القتل ثلاثا ثم ينزل فيقتل
وقال بعض أصحاب الشافعي أيضا يصلب حتى يموت جوعا وعطشا وقال أبو يوسف والكرخي يصلب قبل القتل ويطعن في لبته وتحت ثديه الأيسر ويخضخض حتى يموت وروى الرازي عن أبي بكر الكرخي أنه لا معنى للصلب بعد القتل واختلفوا في مقدار الصلب فقال الهادي حتى تنتثر عظامه وقال ابن أبي هريرة حتى يسيل صديده
وقال بعض أصحاب الشافعي ثلاثا في البلاد الباردة وفي الحارة ينزل قبل الثلاث وقال الناصر والشافعي ينزل بعد الثلاث ثم يقتل إن لم يمت ويغسل ويصلى عليه إن تاب وقد رجح صاحب البحر أن الآية للتخيير وتكون العقوبة بحسب الجنايات وأن التقدير أن يقتلوا إذا قتلوا ويصلبوا بعد القتل إذا قتلوا وأخذوا المال وتقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف إذا أخذوا فقط أو ينفوا من الأرض إذا أخافوا فقط إذ محاربة الله ورسوله بالفساد في الأرض متنوعة كذلك وهو مثل تفسير ابن عباس المذكور في الباب وقال صاحب المنار أن الآية تحتمل التخيير احتمالا مرجوحا قال والظاهر أن المراد حصر أنواع عقوبة المحاربة مثل ( إنما الصدقات للفقراء ) الآية
قال وهو مثل ما قاله صاحب البحر يعني في كلامه الذي ذكرناه قبل هذا ورجح صاحب ضوء النهار اختصاص أحكام المحارب بالكافر لتتم فوائد وتندفع مفاسد ثم ذكر ذلك وهو كلام رصين لولا أنه قصر للعام على السبب المختلف في كونه هو السبب وللعلماء في تفصيل أحكام المحاربين أقوال منتشرة مبسوطة في كتب الخلاف وقد أوردنا منها في هذا الشرح طرفا مفيدا
_________ -
[ خطأ في الكتاب ( صفحات محذوفة ) ؟ ؟ من الصفحة 338 حتى الصفحة 351 ضمنا ]
_________ -
نحو ما قالوه فيمن سجد للصنم ونحوه ممن لا تصريح فيه بالجحود بعد أن فسروا الكفر بالجحود فإن احتجوا بقيام الإجماع على تكفير فاعل ذلك قلنا وهذه الأخبار الواردة في حق هؤلاء تقتضي كفرهم ولو لم يعتقدوا تزكية من من كفروه علما قطعيا ولا ينجيهم اعتقاد الإسلام اجمالا والعمل بالواجبات عن الحكم بكفرهم كما لا ينجي الساجد للصنم ذلك
قال الحافظ وممن جنح إلى بعض هذا المحب الطبري في تهذيبه فقال بعد إن سرد أحاديث الباب فيه الرد على قول من قال لا يخرج أحد من الإسلام من أهل القبلة بعد استحقاقه حكمه إلا بقصد الخروج منه عالما فإنه مبطل لقوله في الحديث يقولون الحق ويقرؤن القرآن ويمرقون من الإسلام ولا يتعلقون منه بشيء ومن المعلوم أنهم لم يرتكبوا استحلال دماء المسلمين وأموالهم إلا لخطأ منهم فيما تأولوه من آى القرآن على غير المراد منه ويؤيد القول بالكفر ما تقدم من الأمر بقتالهم وقتلهم مع ما ثبت من حديث ابن مسعود أنه لا يحل دم امريء مسلم إلا بإحدى ثلاث وفيه التارك لدينه المفارق للجماعة كما تقدم
وقال القرطبي في المفهم يؤيد القول بتكفيرهم ما في الأحاديث من أنهم خرجوا من الإسلام ولم يتعلقوا منه بشيء كما خرج السهم من الرمية لسرعته وقوة رامية بحيث لم يتعلق من الرمية بشءي وقد أشار إلى ذلك بقوله سبق الفرث والدم . وحكي في الفتح عن صاحب الشفاء أنه قال فيه وكذا انقطع بكفر من قال قولا يتوصل به إلى تضليل الأمة أو تكفير الصحابة وحكاه صاحب الروضة في كتاب الردة عنه وأقره وذهب أكثر أهل الأصول من أهل الأصول من أهل السنة إلى أن الخوارج فساق وإن حكم الإسلام يجري عليهم لتلفظهم بالشهادتين ومواظبتهم على أركان الإسلام وإنما فسقوا بتكفير المسلمين مستندين إلى تأويل فاسد وجرهم ذلك إلى استباحة دماء مخالفيهم وأموالهم والشهادة عليهم بالكفر والشك وقال الخطابي أجمع علماء المسلمين على أن الخوارج مع ضلالته فرقة من فرق المسلمين وأجازوا مناكحاتهم وأكل ذبائحهم وأنهم لا يكفرون ما داموا متمسكين بأصل الإسلام
وقال عياض كادت هذه المسألة أن تكون أشد اشكالا عند المتكلمين من غيرها حتى سأل الفقيه عبد الحق الإمام أبا المعالي عنها فأعتذر بأن إدخال كافر في الملة وإخراج مسلم عنها عظيم في الدين قال وقد توقف القاضي أبو بكر البلاقاتي قال ولم يصرح القوم بالكفر وإنما قالوا أقوالا تؤدي إلى الكفر وقال الغزالي في كتاب التفرقة من الإيمان والزندقة الذي ينبغي الأحتراز عن التكفير ما وجد إليه سبيلا فإن استباحة دماء المسلمين المقرين بالتوحيد خطأ والخطأ في ترك ألف كافر في الحياة أهون من الخطأ في سفك دم مسلم واحد قال ابن بطال ذهب جمهور العلماء إلى أن الخوارج غير خارجين من جملة المسلمين قال وقد سئل علي عن أهل النهر وإن هل كفروا فقال من الكفر فروا
قال الحافظ وهذا أن ثبت عن على حمل على أنه لم يكن اطلع على معتقدهم الذي أوجب تكفيرهم عند من كفرهم قال القرطبي في المفهم والقول بتكفيرهم أظهر في الحديث قال فعلى القول بتكفيرهم يقاتلون ويقتلون وتغنم أموالهم وهو قول طائفة من أهل الحديث في أموال الخوارج وعلى القول بعدم تكفيرهم يسلك بهم مسلك أهل البغي إذا شقوا العصا ونصبوا الحرب قال وباب التكفير باب خطر ولا نعدل بالسلامة شيئا (7/197)
6 - وعن مروان بن الحكم قال " صرخ صارخ لعلي يوم الجمل لا يقتلن مدبر ولا يذفف على جريح ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن "
- رواه سعيد بن منصور (7/197)
7 - وعن الزهري قال " هاجت الفتنة وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون فأجمعوا أن لا يقاد أحد ولا يؤخذ مال على تأويل القرآن إلا ما وجد بعينه "
- ذكره أحمد في رواية الأثرم واحتج به (7/197)
- أثر مروان اخرج نحوه أيضا ابن أبي شيبة والحاكم والبيهقي من طريق عبد خير عن علي بلفظ " نادى منادي علي يوم الجمل إلا لا يتبع مدبرهم ولا يذفف على جريحهم " وأخرج الحاكم والبيهقي عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لابن مسعود يا ابن أم عبد ما حكم من بغى من أمتى قال الله ورسوله أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتبع مدبرهم ولا يجهز على جريحهم ولا يقتل أسيرهم وفي لفظ ولا يذفف على جريحهم وزاد ولا يغنم فيئهم سكت عنه الحاكم وقال ابن عدي هذا الحديث غير محفوظ وقال البيهقي ضعيف
قال الحافظ في بلوغ المرام وصححه الحاكم فوهم لان في إسناده كوثر بن حكيم وهو متروك قال وصح عن علي من طرق نحوه موقوفا أخرجه ابن أبي شيبة والحاكم اه وكوثر المذكور قد صرح بتركه البخاري وأخرج البيهقي عن أبي أمامة قال شهدت صفين فكانوا لا يجيزون على جريح ولا يقتلون موليا ولا يسلبون قتيلا وأخرج أيضا عن أبي فاختة أ عليا أتى بأسير يوم صفين فقال لا تقتلني صبرا فقال علي رضي الله عنه لا أقتلك صبرا أني أخاف الله رب العالمين ثم خلى سبيله ثم قال أفيك خير تبايع وأخرج أيضا أن عليا لم يقاتل أهل الجمل حتى دعا الناس ثلاثا حتى إذا كان يوم الثالث دخل عليه الحسن والحسين وعبد الله بن جعفر فقالوا قد أكثروا فينا الجراح فقال ما جهلت من أمرهم شيئا ثم توضأ وصلى ركعتين حتى إذا فرغ رفع يديه ودعا ربه وقال لهم أن ظفرتم على القوم فلا تطلبوا مدبرا ولا تجيزوا على جريح وانظروا إلى ما حضروا به الحرب من آلة فاقبضوه وما سوى ذلك فهو لورثتهم قال البيهقي هذا منقطع والصحيح أنه لم يأخذ شيئا ولم يسلب قتيلا وأخرج أيضا عن علي أنه كان لا يأخذ سلبا وأخرج أيضا عن عرقجة عن أبيه قال لما قتل علي أهل النهر وإن جال في عسكرهم فمن كان يعرف شيئا أخذه حتى بقيت قدر رأيتها أخذت بعد . وأثر الزهري أخرجه أيضا البيهقي بلفظ هاجت الفتنة الأولى فادركت يعني الفتنة رجالا ذوي عدد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ممن شهد معه بدرا وبلغنا أنهم يرون أن هذا أمر الفتنة لا يقام فيها على رجل قاتل في تأويل القرآن قصاص فيمن قتل ولا حد في سباء امرأة سبيت ولا يرى عليها حد ولا بينها وبين زوجها ملاعنة ولا يرى أن يقذفها أحد الاجلد الحد ويرى أن ترد إلى زوجها الأول بعد أن تعتد عدتها من زوجها الآخر ويرى أن يرثها زوجها الأول
قوله : " ولا يذفف " بالذال المعجمة المفتوحة بعده فاء مشددة ثم فاء مخففة على صيغة البناء للمجهول وهو في معنى يجهز قال في القاموس ذف على الجريح ذفا وذفافا ككتاب وذففا محركة أجهز والاسم الذفاف كسحاب قال أيضا في مادة جهاز وجهز على الجريح كمنع وأجهز اثبت قتله وأسرعه وتمم عليه وموت مجهز وجهيز سريع انتهى . في الآثر المذكور دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مدبرا من البغاة وكذلك يدل على ذلك الحديث المرفوع الذي ذكرناه وعلى أنه لا يجهز على جريحهم بل يترك على ما هو عليه إلا إذا كان المدبر أو الجريح ممن له فئة جاز قتله عند الهادوية وأبي حنيفة والمروزي من الشافعية
وقال الشافعي لا يجوز إذ القصد دفعهم في تلك الحال وقد وقع وهو الظتاهر من إطلاق النهي في الحديث ولكنه يدل على جواز القتل إذا كان للبغي المذكور فئة قوله تعالى { فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى أمر الله } والهارب والجريح لم يحصل منهما ذلك واجيب بأن المراد بالفيئة إلى الله ترك الصولة والاستطالة وقد حصل ذلك من الهارب الجريح الذي لا يقدر على القتال وأما ما روى عن زيد بن علي عن أبيه عن جده عن علي أنه قال لا تتبعوا موليا ليس بنحاز إلى فئة فقد أجيب عن الاستدلال بمفهومه على جواز قتل من له فئة واتباعه بأ إمامة علي قطعية وإمامة غيره ظنية فلا يكون الحكم متحدا بل المتوجه الوقوف على ظاهر النهي المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو وإن كان فيه المقال السابق ولكنه يؤيده أن الأصل في دم المسلم تحريم سفكه والآية المذكورة فيها الأذن بالمقاتلة إلى حصول تلك الغاية وربما كان ذلك الهرب من مقدماتها إن لم يكن منها :
قوله " ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن " استدل به علي عدم جواز مقاتلة البغاة إذا كانوا في بيوتهم أو طلبوا منا الأمان لأنهم إذا أغلقوا على أنفسهم فليسوا ببغاة في ذلك الوقت واتصافهم بذلك الوصف شرط جواز مقاتلتهم كما في الآية وإذا طلبوا الأمان فقد فاؤا إلى أمر الله تعالى وهي الغاية التي أذن الله بالقتال إلى حصولها وقد حصلت
قوله : " فاجمعوا على أن لا يقاد أحد " ظاهره وقوع الإجماع منهم على عدم جواز الأقتصاص ممن وقع منه القتل لغيره في الفتنة سواء كان باغيا أو مبغيا عليه وقد ذهبت الشافعية والحنفية والإمام يحيى إلى أنهم لا يضمنون ما أتلفوا أي البغاى وحكى أبو جعفر عن الهادوية أنهم يضمنون
قوله : " لا يؤخذ مال على بأويل القرآن إلا ما وجد بعينه " فيه دليل على أنه لا يجوز أخذ أموال البغاة إلا ما كان منها موجودا عند القتال قال في البحر ولا يجوز سبيهم ولا اغتنام مالم يجلبوا به إجماعا لبقائهم على الملة . وحكي عن أكثر العترة أنه يجوز اغتنام ما اجلبوا به من مال وآلة حرب وحكي عن النفس الزكية والحنفية والشافعية أنه لا يغنم منهم شيء ويدل على ذلك ما تقدم في الحديث المرفوع بلفظ " ولا يغنم منهم " . واعلم أن قتال البغاة جائز إجماعا كما حكي ذلك في البحر ولا يبعد أن يكون واجبا لقوله تعالى { فقاتلوا التي تبغي } وقد حكي في البحر أيضا عن العترة جميعا أن جهادهم أفضل من جهاد الكفار إلى ديارهم إذ فعلهم في دار الإسلام كفعل الفاحشة في المسجد قال في البحر أيضا والبغي فسق إجماعا (7/198)
باب الصبر على جور الأئمة وترك قتالهم والكف عن إقامة السيف (7/198)
1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من رأى من أميره شيئا يكرهه فليصبر فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات فميتته جاهلية "
وفي لفظ " من كره من أميره شيئا فليصبر عليه فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا فمات عليه إلا مات ميتة جاهلية " (7/198)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال كانت بنو اسرائيل تسوسهم الأنبياء كلما هلك نبي خلفه نبي وأنه لا نبي بعدي وسيكون خلفاء فيكثرون قالوا فما تأمرنا قال فوا ببيعة الأول فالأول ثم أعطوهم حقهم فإن الله سائلهم عما استرعاهم "
- متفق عليهن (7/199)
- قوله " فليصبر " في رواية للبخاري " فليصبر عليه " قوله " من فارق الجماعة شبرا " بكسر الشين المعجمة وسكون الموحدة كناية عن معصية السلطان ومحاربته قال ابن أبي جمرة المراد بالمفارقة السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فكنى عنها بمقدار الشبر لأن الأخذ في ذلك يؤل إلى سفك الدماء بغير حق
قوله : " فميتته جاهلية " في رواية للبخاري مات ميتة جاهلية
وفي رواية له أخرى فمات الامات ميتة جاهلية
وفي رواية لمسلم فميتته جاهلية وفي أخرى له من حديث ابن عمر " من خلع يدا من طاعة لقي الله ولا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية " وفي الرواية الأخرى من حديث ابن عباس المذكور " فمات عليه الامات جاهلية " قال الكرماني الأستفهام هنا بمعنى الأستفهام الأنكاري أي مافارق الجماعة أحد إلا جرى له كذا أو حذف ما فهي مقدرة أو إلا زائدة أو عاطفة على رأي الكوفيين والمراد بالميتة الجاهلية وهي بكسر الميم أن يكون حاله في الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام مطاع لأنهم كانوا لا يعرفون ذلك وليس المراد أنه يموت كافرا بل يموت عاصيا ويحتمل أن يكون التشبيه على ظاهره ومعناه أنه يموت مثل موت الجاهلي وإن لم يكن جاهليا أو إن ذلك ورد مورد الزجر والتنفير فظاهره غير مراد ويؤيد أن المراد بالجاهلية التشبيه ما أخرجه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وصححه من حديث الحرث بن الحرث الأشعري من حديث طويل وفيه " من فارق الجماعة شبرا فكأنما خلع رقبة الإسلام من عنقه " وأخرجه البزار والطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وفي سنده جليدين دعلج وفيه مقال وقال من رأسه يدل من عنقه
قوله : " فواببيعة الأول فالأول " فيه دليل على أنه يجب على الرعية الوفاء ببيعة الإمام الأول ثم الأول ولا يجوز لهم المبايعة للأمام الآخر قبل موت الأول
قوله : " ثم أعطوهم حقهم " أي ادفعوا إلى الأمراء حقهم الذي لهم المطالبة به وقبضه سواء كان يختص بهم أو يعم وذلك من الحقوق الواجبة في المال كالزكاة وفي الأنفس كالخروج إلى الجهاد وظاهر الحديث العموم في المخاطبين ونقل ابن التين عن الداودي أنه خاص بالأنصار وكأنه أخذه من كون المخاطب بذلك الأنصار كما في حديث عبد الله بن زيد ولا يلزم من مخاطبتهم بذلك أن يختص بهم فإنه يختص بهم بالنسبة إلى المهاجرين ويختص ببعض المهاجرين دون بعض فالمستأثر من يلي الأمر ومن عداه هو الذي يستأثر عليه ولما كان الأمر يختص بقريش ولاحظ للأنصار فيه خوطب الأنصار في بعض الأوقات وهو خطاب للجميع بالنسبة إلى من لا يلي الأمر وقد ورد ما يدل على التعميم ففي حديث يزيد بن سلمة الجعفي عند الطبراني أنه قال يا رسول الله إن كان علينا أمراء يأخذونا بالحق ويمنعونا الحق الذي لنا أنقاتلهم قال لا عليهم ماحملوا وعليكم ما حملتم
وأخرج مسلم من حديث أم سلمة مرفوعا " سيكون أمراء فتعرفون وتنكرون فمن كره برئ ومن أنكر سلم ولكن من رضي وبايع قالوا أفلا نقاتلهم قال لا ما صلوا " ونحوه حديث عوف بن مالك الآتي وفي مسند الإسماعيلي من طريق أبي مسلم الخولاني عن أبي عبيدة بن الجراح عن عمر رفعه قال " أتاني جبريل فقال إن أمتك مفتتنة من بعدك فقلت من أين قال من قبل أمرائهم وقرائهم يمنع الأمراء الناس الحقوق فيطلبون حقوقهم فيفتنون ويتبع القراء الأمراء فيفتنون قلت فكيف يسلم من سلم منهم قال بالكف والصبر أن أعطوا الذي لهم أخذوه وإن منعوه تركوه " (7/199)
3 - وعن عوف بن مالك الأشجعي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم وشرار أئمتكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم قال قلنا يا رسول الله أفلا ننابذهم عند ذلك قال لا ما أقاموا فيكم الصلاة إلا من ولى عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة " (7/199)
4 - وعن حذيفة بن اليمان " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يكون بعدى أئمة لا يهتدون ولا يستنون بسنتي وسيقوم فيكم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان أنس قال قلت كيف أصنع يا رسول الله إن أدركت ذلك قال تسمع وتطيع وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " (7/200)
5 - وعن عرفجة الأشجعي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه "
- رواهن أحمد ومسلم (7/200)
6 - وعن عبادة بن الصامت قال " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثره علينا وأن لا تنازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان "
- متفق عليه (7/200)
7 - وعن أبي ذر " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أبا ذر كيف بك عند ولاة يستأثرون عليك بهذا الفيء قال والذي بعثك بالحق أضع سيفي على عاتقي وأضرب حتى ألحقك قال أولا أدلك على ما هو خير لك من ذلك تصبر حتى تلحقني "
- رواه أحمد (7/201)
- حديث أبي ذر في اسناده خالد بن وهبان قال في التقريب مجهول من الثالثة وقال في التهذيب ذكره ابن حبان في الثقات
وقال أبو حاتم مجهول وفي الباب أحاديث غير هذه بعضها بقدم في باب براءة رب المال بالدفع إلى السلطان الجائر في كتاب الزكاة وبعضها مذكور في غير هذا الكتاب من ذلك حديث ابن عمر عند الحاكم بلفظ " من خرج من الجماعة فقد خلع ربقة الأسلام من عنقه حتى يراجعه ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن ميتته ميتة جاهلية " وقد قدمنا نحوه قريبا عن الحرث بن الحرث الأشعري ورواه الحاكم من حديث معاوية أيضا والبزار من حديث ابن عباس وأخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ " من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فميتته جاهلية " وأخرج أيضا مسلم نحوه عن ابن عمر وفيه قصة وأخرج الشيخان من حديث أبي موسى الأشعري لفظ " من حمل علينا السلاح فليس منا " وأخرجاه أيضا من حديث ابن عمر وأخرجه مسلم من حديث أبي هريرة وسلمة بن الأكوع وأخرج أحمد وأبو داود والحاكم من حديث أبي ذر " من فارق الجماعة قدر شبرفقد خلع ربقة الإسلام من عنقه " وأخرج البخاري من حديث أنس " اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عبد حبشي رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله تعالى " وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة " من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص الأمير فقد عصاني " وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث ابن عمر " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فأن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وأخرج الترمذي من حديث ابن عمر " ألا أخبركم بخير أمرائكم وشرراهم خيارهم الذين تحبونهم ويحبونكم وتدعون لهم ويدعون لكم وشرار أمراؤكم الذين تبغضونهم ويبغضونكم وتلعنونهم ويلعنونكم " وأخرج الترمذي من حديث أبي بكرة " من أهان سلطان الله في الأرض أهانه الله تعالى " والأحاديث في هذا الباب كثيرة وهذا طرف منها
قوله : " خيار أئمتكم " الخ فيه دليل على مشروعية محبة الأئمة والدعاء لهم وإن من كان من الأئمة محبا للرعية ومحبوبا لديهم وداعيا لهم ومدعوا له منهم فهو من خيار الأئمة ومن كان باغضا لرعيته مبغوضا عندهم يسبهم ويسبونه فهو من شرارهم وذلك لأنه إذا عدل فيهم وأحسن القول لهم أطاعوه وانقادوا له وأثنوا عليه فلما كان هو الذي يتسبب بالعدل وحسن القول إلى المحبة والطاعة والثناء منهم كان من خيار الأئمة ولما كان هو الذي يتسبب أيضا بالجور والشتم للرعية إلى معصيتهم له وسوء القالة منهم فيه كان من شرار الأئمة
قوله " لا ما أقاموا فيكم الصلاة " فيه دليل على أنه لا يجوز منابذة الأئمة بالسيف مهما كانوا مقيمين للصلاة ويدل ذلك بمفهومه على جواز المنابذة تركهم للصلاة . وحديث عبادة بن الصامت المذكور فيه دليل على أنها لا تجوز المنابذة إلا عند ظهور الكفر البواح وهو بموحدة فمهملة
قال الخطابي معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا ادعاه وأظهره قال ويجوز بوحا بسكون الواو ويجوز بضم أوله ثم همزة ممدودة قال ومن رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى . وأصل البراح الأرض القفر التي لا أنيس فيها ولا بناء وقيل البراح البيان يقال برح الخفاء إذا ظهر
قال النووي هي في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء
قال الحافظ ووقع عند الطبراني كفرا صراحا بصاد مهملة مضمومة ثم راء ووقع في رواية إلا أن تكون معصية لله بواحا
وفي رواية لأحمد ما لم يأمرك بائم بواحا وفي رواية له وللطبراني عن عبادة " سيلى أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون فلا طاعة لمن عصى الله " وعند ابن أبي شيبة من حديث عبادة " سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لاؤلئك عليكم طاعة "
قوله : " فليكره ما يأتي من معصية الله ولا ينزعن يدا من طاعة " فيه دليل على أن من كره بقلبه ما يفعله السلطان من المعاصي كفاه ذلك ولا يجب عليه زيادة عليه
وفي الصحيح " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه " ويمكن حمل حديث لباب وما ورد في معناه على عدم القدرة على التغيير باليد واللسان ويمكن أن يجعل مختصا بالأمراء إذا فعلوا منكرا لما في الأحاديث الصحيحة من تحريم معصيتهم ومنابذتهم فكفى في الإنكار الكراهة بالقلب لأن في إنكار المنكر عليهم باليد واللسان تظهرا بالعصيان وربما كان ذلك وسيلة إلى المنابذة بالسيف قوله " في جثمان أنس " بضم الجيم وسكون المثلثة أي لهم قلوب كقلوب الشياطين وأجسام كأجسام الأنس
قوله : " وإن ضرب ظهرك وأخذ مالك فاسمع وأطع " فيه دليل على وجوب طاعة الأمراء وإن بلغوا في العسف والجور إلى ضرب الرعية وأخذ أموالهم فيكون هذا مخصصا لعموم قوله تعالى { من اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدى عليكم } وقوله { وجزاء سيئة سيئة مثلها }
قوله : " وعن عرفجة " بفتح العين المهملة وسكون الراء وفتح الفاء بعدها جيم هو ابن شريح بضم المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية بعدها حاء وقيل ابن ضريح بضم الضاد المعجمة وقيل ذريح بفتح الذال المعجمة وكسر الراء وقيل صريح بضم الصاد المهملة وقيل شراحيل وقيل سريج بضم السين المهملة وآخره جيم ويقال له الأشجعي ويقال الكندي ويقال الأسلمي
قوله : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بفتح العين ورسول فاعله
قوله : " في منشطنا " بفتح الميم والمعجمة وسكون النون التي بينهما أي في حال نشاطنا وحال كراهتنا وعجزنا عن العمل بما نؤمر به ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها
قال ابن التين والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق معنى منشطنا ويؤيده ما عند أحمد في حديث عبادة بلفظ في النشاط والكسل
قوله " وأثرة علينا " بفتح الهمزة والمثلثة والمراد أن طاعتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم
قوله : " وأن لا ننازع الأمر أهله " أي الملك والإمارة زاد أحمد في رواية وأن رأيت أن لك في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليكم بغير خروج عن الطاعة
قوله : " إلا أن تروا كفرا بواحا " قد تقدم ضبطه وتفسيره
قوله : " عندكم فيه من الله برهان " أي نص آية أو خبر صريح لا يحتمل التأويل ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل
قال النووي المراد بالكفر هنا المعصية ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة الأمور في ولا يتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم اه قال في الفتح
وقال غيره إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ومحل ذلك إذا كان قادرا ونقل ابن التين عن الداودي قال الذي عليه العلماء في امراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب وإلا فالواجب الصبر وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء فأن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه قال ابن بطال إن حديث ابن عباس المذكور في أول الباب حجة في ترك الخروج على السلطان ولو جار قال في الفتح وقد أجمع الفقهاء على وجوب طاعة السلطان المتغلب والجهاد معه وإن طاعته خير من الخروج عليه لما في ذلك من حقن الدماء تسكين الدهماء ولم يستثنوا من ذلك إلا إذا وقع من السلطان الكفر الصريح فلا تجوز طاعته في ذلك بل تجب مجاهدته لمن قدر عليها كما في الحديث اه
وقد استدل القائلون بوجوب الخروج على الظلمة ومنابنتهم السيف ومكافحتهم بالقتال بعمومات من الكتاب والسنة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولا شك ولا ريب أن الأحاديث التي ذكرها المصنف في هذا الباب وذكرناها أخص من تلك العمومات مطلقا وهي متواترة المعنى كما يعرف ذلك من له انسة بعلم السنة ولكنه لا ينبغي لمسلم أن يحط على من خرج من السيف الصالح من العترة وغيرهم على أئمة الجور فإنهم فعلوا ذلك باجتهاد منهم وهم أتقى لله وأطوع لسنة رسول الله من جماعة ممن جاء بعدهم من أهل العلم ولقد أفرط بعض أهل العلم كالكرامية ومن وافقهم في الجمود على أحاديث الباب حتى حكموا بأن الحسين السبط رضى الله عنه وأرضاه باغ على الخمير السكير الهاتك لحرم الشريعة المطهرة يزيد بن معاوية لعنهم الله فيالله العجب من مقالات تقشعر منها الجلود ويتصدع من سماعها كل جلمود (7/201)
باب ما جاء في حد الساحر وذم السحر والكهانة (7/201)
1 - عن جندب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حد الساحر ضربه بالسيف "
- رواه الترمذي الدارقطني وضعف الترمذي إسناده وقال الصحيح عن جندب موقوف (7/202)
2 - وعن بجالة بن عبدة قال " كنت كاتبا لجزء ابن معاوية عم الأحنف بن قيس فأتى كتاب عمر قبل موته بشهر أن أقتلوا كل ساحر وساحرة وفرقوا بين كل ذي رحم محرم من المجوس وانهوهم عن الزمزمة فقتلنا ثلاث سواحر وجعلنا نفرق بين الرجل وحريمه في كتاب الله تعالى "
- رواه أحمد وأبو داود . وللبخاري منه التفريق بين ذوي المحارم (7/202)
3 - وعن محمد بن عبد الرحمن ابن سعد بن زرارة " أنه بلغه أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتلت جارية لها سحرتها وكانت قد دبرتها فأمرت بها فقتلت "
- رواه مالك في الموطأ عنه (7/202)
4 - وعن ابن شهاب " أنه سئل علي من سحر من أهل العهد قتل قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد صنع له ذلك فلم يقتل من صنعه وكان من أهل الكتاب "
- أخرجه البخاري (7/203)
- حديث جندب في اسناده إسماعيل بن مسلم المكي
قال الترمذي بعد ذكره هذا حديث لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وإسماعيل بن مسلم المكي يضعف في الحديث من قبل حفظه وإسماعيل بن مسلم العبدي البصري قال وكيع هو ثقة ويروى عن الحسن أيضا والصحيح عن جندب موقوف قال والعمل على هذا عند بعض أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم وهو قول مالك ابن أنس وقال الشافعي إنما يقتل الساحر إذا كان يعمل في سحره ما يبلغ الكفر فإذا عمل عملا دون الكفر فلم نر عليه قتلا اه وأخرج هذا الحديث الحاكم والبيهقي . وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق . وأثر حفصة أخرجه أيضا عبد الرزاق وقد استدل بحديث جندب من قال إنه يقتل الساحر قال النووي في شرح مسلم عمل السحر حرام وهو من الكبائر بالإجماع قال وقد يكون كفرا وقد لا يكون كفرا بل معصية كبيرة فإن كان فيه قول أو فعل يقتضي الكفر كفر وإلا فلا وأما تعلمه وتعليمه فحرام قال ولا يقتل عندنا يعني الساحر فإن تاب قبلت توبته
وقال مالك الساحر كافر بالسحر ولا يستتاب ولا تقبل توبته بل يتحتم قتله والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق لأن الساحر عند كافر كما ذكرنا وعندنا ليس بكافر وعتدنا تقبل توبة المنافق والزنديق
قال القاضي عياض وبقول مالك قال أحمد بن حنبل وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين قال أصحابنا إذا قتل الساحر بسحره إنسانا أو أعترف أنه مات بسحره وأنه يقتل غالبا لزمه القصاص وإن مات به ولكنه قد يقتل وقد لا يقتل فلا قصاص وتجب الدية والكفارة وتكون الدية في ماله لا عاقلته لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني قال أصحابنا ولا يتصور القتل بالسحر بالبينة وإنما يتصور باعتراف الساحر والله أعلم اه كلام النووي . وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أن السحر كفر وحكي أيضا عن العترة وأكثر الفقهاء أنه لاحقيقة له ولا تأثير لقوله تعالى { وما هم بضارين به من أحد إلا بأذن الله } وعن أبي جعفر الاستر باذى والمغربي من الشافعية أن له حقيقة وتأثيرا إذ قد يقتل السموم وقد يغير العقل وقد يكون بالقول فيفرق بين المرء وزوجه لقوله تعالى { ومن شر النفاثات في العقد } أراد الساحرات فلولا تأثيره لما استعاذ منه وقد يحصل به ابدال الحقائق من الحيوانات قلنا سماه الله خيالا ولاخيال لا حقيقة له فقال يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى قالوا روت عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سحر حتى كان لا يدري ما يقول قلنا رواية ضعيفة اه كلام البحر . ويجاب عنه بأن الحديث صحيح كما سيأتي ويأتي أيضا أن مذهب جمهور العلماء أن للسحر تأثيرا وهو الحق كما يأتي بيانه انتهى
قوله : " عن الزمزمة " بزايين معجمتين مفتوحتين بينهما ميم ساكنة قال في القاموس الزمزمة الصوت البعيد له دوي وتتابع الرعد وهو أحسنه صوتا واثبته مطرا وتراطن العلوج على أكلهم وهو صموت لا يستعملون لسانا ولا شفة لكنه صوت تديره في خياشيمها وحلوقها فيفهم بعضها عن بعض اه
قوله : " فلم يقتل من صنعه " الخ استدل به من قال إنه لا يقتل الساحر ويجاب عنه بما سيأتي قريبا وأيضا ليس في ذلك دليل لأن غايته جواز الترك لا عدم جواز الفعل فيمكن الجمع على فرض عدم علم التاريخ بأن القتل للساحر جائز لا واجب (7/203)
5 - وعن عائشة قالت " سحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء وما فعله حتى إذا كان ذات يوم وهو عندي دعا الله ودعا ثم قال أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيته قلت وما ذاك يا رسول الله قال جاءني رجلان فجلس أحدهما عند رأسي والآخر عند رجلي ثم قال أحدهما لصاحبه ما وجع الرجل قال مطبوب قال ومن طبه قال لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق قال فيماذا قال في مشط ومشاط وجف طلعة ذكر قال فأين هو قال في بئر ذروان فذهب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر فنظر إليها وعليها نخل ثم رجع إلى عائشة فقال لكأن ماءها نقاعة الحناء ولكأن نخلها رؤوس الشياطين قلت يا رسول الله أفاخرجته قال لا أما أنا فقد عافاني الله وشفاني وخشيت أن أثور على الناس منه شرا فأمر بها فدفنت "
- متفق عليه
وفي رواية لمسلم " قالت فقلت يا رسول الله أفلا أخرجته قال لا " (7/203)
- قوله " حتى أنه ليخيل إليه " الخ قال الإمام المازري مذهب أهل السنة وجمهور علماء الأمة إثبات السحر وإن له حقيقة كحقيقة غيره من الأشياء خلافا لمن أنكر ذلك وأنكر حقيقة وأضاف ما يقع منه إلى خيالات باطلة لا حقائق لها وقد ذكره الله تعالى في كتابه وذكر أنه مما يتعلم وذكر ما فيه إشارة إلى أنه يكفر به وأن يفرق بين المرء وزوجه وهذا كله لا يمكن فيما لا حقيقة له وهذا الحديث أيضا مصرح بإثباته وأنه أشياء دفنت وأخرجت وهذا كله يبطل ما قالوه فاحالة كونه من الحقائق محال ولا يستنكر في العقل أن الله سبحانه يخرق العادة عند النطق بكلام أو تركيب أجسام أو المزج بين قوي على ترتيب لا يعرفه إلا الساحر وإذا شاهد الإنسان بعض الأجسام منها قاتلة كالسموم ومنها مسقمة كالأدوية الحادة ومنها مضرة كالأدوية المضادة للمرض لم يستبعد عقله أن ينفرد الساحر بعلم قوي قتالة أو كلام مهلك أو مؤد إلى التفرقة قال وقد أنكر بعض المبتدعة هذا الحديث بسبب آخر فزعم أنه يحط منصب النبوة ويشكك فيها وأن تجويزه يمنع الثقة بالشرع قال وهذا الذي ادعاه هؤلاء المبتدعة باطل لأن الدلائل القطعية قد قامت على صدقه وعصمته فيما يتعلق بالتبليغ والمعجزة شاهدة بذلك وتجويز ما قام الدليل بخلافه باطل فأما ما يتعلق ببعض أمور الدنيا التي لم يبعث بسببها ولا كان مفضلا من أجلها وهو مما يعرض للبشر فغير بعيد أن يخيل إليه أنه وطئ زوجاته وليس بواطيء وقد يتخيل الإنسان مثل هذا في المنام فلا يبعد تخيله ولا حقيقة له وقيل أنه يخيل إليه أنه فعله وما فعله ولكن لا يعتقد صحة ما تخيله فتكون اعتقاداته على السداد
قال القاضي عياض وقد جاءت روايات هذا الحديث مبينة أن السحر إنما تسلط على جسده وظواهر جوارحه لا على عقله وقلبه واعتقاده ويكون معنى قوله حتى يظن أنه يأتي أهله ولا يأتيهم ويروى أنه يخيل إليه أي يظهر له من نشاطه ومتقدم عادته القدرة عليهن فإذا دنا منهم أخذه السحر فلم يأتهن ولم يتمكن من ذلك وكل ما جاء في الروايات من أنه يخيل إليه أنه فعل شيئا ولم يفعله ونحوه فمحمول على التخيل بالبصر لا بخلل تطرق إلى العقل وليس في ذلك ما يدخل لبسا على الرسالة ولا طعنا لأهل الضلالة انتهى
قال المازري واختلف الناس في القدر الذي يقع به السحر وهم فيه اضطراب فقال بعضهم لا يزيد تأثيره على قدر التفرقة بين المرء وزوجه لأن الله تبارك وتعالى إنما ذكر ذلك تعظيما لما يكون عنده وتهويلا له فلو وقع به أعظم منه لذكره لأن المثل لا يضرب عند المبالغة إلا بأعلى أحوال المذكور قال ومذهب الأشعرية أنه يجوز أن يقع به أكثر من ذلك قال وهذا هو الصحيح عقلا لأنه لا فاعل إلا الله تبارك وتعالى وما يقع من ذلك فهو عادة أجراها الله تعالى ولا تفترق الأفعال في ذلك وليس بعضها بأولى من بعض ولو ورد الشرع بقصره على مرتبة لوجب المصير إليه ولكن لا يوجد شرع قاطع يوجب الاقتصار على ما قاله القائل الأول وذكر التفرقة بين الزوجين في الآية ليس بنص في منع الزيادة وإنما النظر في أنه ظاهر أم لا قال فإن قيل إذا جوزت الأشعرية خرق العادة على يد الساحر فيماذا يتميز عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فالجواب إن العادة تنخرق على يد النبي والولي والساحر ولكن النبي يتحدى بها الخلق ويستعجزهم عن مثلها ويخبر عن الله تعالى بخرق العادة له لتصديقه فلو كان كاذبا لم تنخرق العادة على يديه والولي والساحر لا يتحديان الخلق ولا يستدلان على نبوة ولو ادعيا شيئا من ذلك لم تنخرق العادة لهما
وأما الفرق بين الولي والساحر فمن وجهين أحدهما وهو المشهور إجماع المسلمين على أن السحر لا يظهر إلا على فاسق والكرامة لا تظهر على فاسق فإنما تظهر على ولي وبهذا جزم إمام الحرمين وأبو سعيد المتولي وغيرهما والثاني أن السحر قد يكون ناشئا بفعلها وبمزجها ومعاناة وعلاج والكرامة لا تفتقر إلى ذلك وفي كثير من الأوقات يقع مثل ذلك من غير أن يستدعيه أو يشعر به والله أعلم هكذا في شرح مسلم للنووي
قوله : " دعا الله ودعا " في رواية مسلم " دعا الله ثم دعا ثم دعا " وفي ذلك على استحباب الدعاء عند حصول الأمر المكروه وتكريره وحسن الالتجاء إلى الله سبحانه
قوله : " ما وجع الرجل قال مطبوب " بالطاء المهملة وبموحدتين اسم مفعول
قال ابن الأنباري الطب من الأضداد يقال لعلاج الداء طب وللسحر طب وهو من أعظم الأدواء ورجل طبيب أي حاذق سمي طبيبا لحذقه وفطنته
قال النووي كنوا بالطب عن السحر كما كنوا بالسليم عن اللديغ
قوله : " من بني زريق " بتقديم الزاي
قوله : " في مشط ومشاطة المشط بضم الميم والشين وبضم الميم واسكان الشن وبكسر الميم واسكان الشين وهو الآلة المعروفة التي يسرح بها الشعر والمشاطة بضم الميم وهي الشعر الذي يسقط من الرأس أو اللحية عند تسريحه بالمشط ووقع في رواية للبخاري ومشاقة بالقاف وهي المشاطة وقيل مشاقة الكتان
قوله : " وجف طلعة " بالجيم والفاء وهو وعاء طلع النخل أي الغشاء الذي يكون عليه ويطلق على الذكر والأنثى فلهذا قيده في الحديث
وفي رواية لمسلم وجب طلعة بضم الجيم وبالباء الموحدة
قال النووي هو في أكثر نسخ بلادنا كذلك والطلعة النخلة وهو بإضافة طلعة إلى ذكر
قوله : " في بئر ذروان " وهكذا في معظم نسخ البخاري
وفي جميع روايات مسلم في بئر ذي أروان قال النووي وكلاهما صحيح مشهور قال والذي في مسلم أجود وأصح وأدعى ابن قتيبة أنه الصواب وهو قول الأصمعي وهي بئر بالمدينة في بستان بني زريق
قوله : " نقاعة الحناء " بضم النون من نقاعة وهو الماء الذي تنقع فيه الحناء والحناء ممدود
قوله : " أفأخرجته " في الرواية الثانية " أفلا أخرجته " وفي رواية " أفلا أحرقته " قال النووي كلاهما صحيح وذلك بأن يقال طلبت منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخرجه ثم يحرقه وأخبر أن الله قد عفاه وإنه يخاف من إحراقه وأخرجه واشاعة هذا ضررا وشرا على المسلمين كتذكر السحر أو فعله والحديث فيه أو ايذاء فاعله فيحمله ذلك أو يحمل بعض أهله ومحبيه من المنافقين وغيرهم على سحر الناس وآذاهم وانتصابهم لمنابذة المسلمين بذلك وهذا من باب ترك مصلحة لخوف مفسدة أعظم منها وذلك من أهم قواعد الإسلام وبمثل هذا يجاب عن استدلال من استدل عل عدم جواز قتل الساحر بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتل من سحره فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا ترك اخراج ما سحر فيه من البئر لمخافة الفتنة فبالأولى تركه القتل الساحر فإن الفتنة في ذلك أعظم وأشد (7/204)
6 - وعن أبي موسى " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن الخمر وقاطع رحم ومصدق بالسحر " (7/204)
7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أتى كاهنا أو عرافا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواهما أحمد ومسلم (7/204)
8 - وعن صفية بنت أبي عبيد عن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أتى عرافا فسأله عن شيء لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة "
- رواه أحمد ومسلم (7/205)
- قوله " لا يدخلون الجنة " فيه دليل على أن بعض أهل التوحيدلا يدخلون الجنة وهم من أقدم عل معصي صرح الشارع بأن فاعلها لا يدخل الجنة كهؤلاء الثلاثة ومن قتل نفسه ومن قتل معاهدا وغيرههم من العصاة الفاعلين لمعصية ورد النص بأنها مانعة من دخول الجنة فيكون حديث أبي موسى المذكور وما ورد في معناه مخصصا لعموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة
قوله : " من أتى كاهنا " قال القاضي عياض كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب أحدها يكون للإنسان ولي من الجن يخبره بما يسترقه من السمع من السماء وهذا القسم بطل من حين بعث الله تعالى نبينا صلى الله عليه وآله وسلم والثاني أن يخبره بما طرأ أو يكون في أقطار الأرض وما خفي عبه ما قرب أو بعد وهذا لا يبعد وجوده ونفت المعتزلة وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما ولا استحالة في ذلك ولا بعد في وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون ولانهي عن تصديقهم والسماع منهم عام . الثالث المنجمون وهذا الضرب يخلق الله فيه لبعض الناس قوة ما لكن الكذب فيه أغلب ومن هذا الفن العرافة وصاحبها عراف وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها وقد يعتضد بعض هذا الفن ببعض في ذلك كالزجر والطرق والنجوم وأسباب معتادة وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة وقد أكذبهم كلهم الشرع ونهى عن تصديقهم واتيانهم
قال الخطابي العراف هو الذي يتعاطى معرفة مكان الضالة ونحوهما قال في النهاية الكاهن يشمل العراف والمنجم
قوله : " فصدقه بما يقول " زاد الطبراني من رواية أنس " ومن أتاه غير مصدق له لم يقبل الله له صلاة أربعين ليلة " وظاهر هذا التصديق شرط في ثبوت كفر من أتى الكاهن والعراف
قوله : " فقد كفر " ظاهره أنه الكفر الحقيقي وقيل هو الكفر المجازي وقيل من اعتقد أن الكاهن والعراف يعرفان الغيب ويطلعان على الأسرار الألهية كان كافرا كفرا حقيقيا كمن اعتقد تأثير الكواكب وإلا فلا
قوله : " لم يقبل الله منه صلاة أربعين ليلة " قال النووي معناه أنه لا ثواب له فيها وإن كانت مجزئة في سقوط الفرض عنه ولا يحتاج معها إلى إعادة ونظير هذه الصلاة في الأرض المغصوبة فإنها مجزئة مسقطة للقضاء ولكن لا ثواب فيها كذا جمهور أصحابنا قالوا فصلاة الفرض غيرها من الواجبات إذا أتى بها على وجهها الكامل ترتب عليها عليها شيئان سقوط الفرض عنه وحصول الثواب فإذا أداها في أرض مغصوبة حصل الأول دون الثاني ولا بد من هذا التأويل في هذا الحديث فإن العلماء متفقون على أنه لا يلزم من أتى العراف إعادة صلاة أربعين ليلة فوجب تأويله والله أعلم اه (7/205)
9 - وعن عائشة " قالت سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناس عن الكهانة فقالوا ليسوا بشيء فقالوا يا رسول الله إنهم يحدثونا أحيانا بشيء فيكون حقا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تلك الكلمة من الحق يخطفها الجني فيقرها في أذن وليه يخلطون معها مائة كذبة "
- متفق عليه (7/205)
10 - وعن عائشة قالت " كان لأبي بكر غلام يأكل من خراجه فجاء يوما بشيء فأكل منه أبو بكر فقال له الغلام تدري مما هذا قال وما هو قال كنت تكهنت لإنسان في الجاهلية وما أحسن الكهانة إلا أني خدعته فلقيني فأعطاني بذلك فهذا الذي أكلت منه فأدخل أبو بكر يده فقاء كل شيء في بطنه "
- أخرجه البخاري (7/206)
11 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أقتبس علما من النجوم اقتبس شعبة من السحر زاد ما زاد "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (7/206)
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال اسناده ثقات
قوله : " ليسوا بشيء " معناه بطلان قولهم وأنه لا حقيقة له قال النووي وفيه جواز إطلاق هذا اللفظ على ما كان باطلا انتهى وذلك لأنه لعدم نفقه كالمعدوم الذي لا وجود له
قوله : " تلك الكلمة من الحق يخطفها " بفتح الطاء المهملة على المشهور وبه جاء القرآن وفي لغة قليلة كسرها ومعناه استرقه وأخذه بسرعة
قوله : " فيقرها " بفتح الباء التحتية وصم القاف وتشديد الراء قال أهل اللغة والغريب القر ترديدك الكلام في أذن المخاطب حتى يفهمه تقول قررته فيه أقره قرا
قال الخطابي وغيره معناه أن الجني يقذف الكلمة إلى وليه الكاهن فتسمعها الشياطين
وفي رواية للبخاري يقرها في أذنه كما تقر القارورة
وفي رواية لمسلم فيقرها في أذن وليه قر الدجاجة بفتح القاف من قر والدجاجة بالدال هي الحيوان المعروف أي صوتها عند مجاوبتها لصواحبها
قال الخطابي وفيه وجه آخر وهو أن تكون الرواية قر الزجاجة بالزاي يدل عليه رواية البخاري المتقدمة بلفظ كما تقر القارورة فإن ذكر القارورة يدل على أن الرواية الزجاجة بالزاي
قال القاضي عياض أما مسلم فلم تختلف الرواية عنه أنها الدجاجة بالدال لكن رواية القارورة تصحح الزجاجة قال القابسي معناه يكون لما يلقيه إلى وليه حس كحس القارورة عند تحريكها على اليد أو على صفا
قوله : " يخلطون " في رواية لمسلم " يقرفون " بالراء قال النووي هذه اللفظة ضبطوها على وجهين أحدهما بالراء والثاني بالذال ووقع في رواية الأوزاعي وابن معقل بالراء باتفاق النسخ ومعناه يخلطون فيه الكذب وهو بمعنى يقذفون وفي رواية يونس يرقون قال القاضي عياض عن شيوخنا بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف قال ورواه بعضهم بفتح الياء واسكان الراء قال في المشارق
قال بعضهم صوابه بفتح الياء واسكان الراء وفتح القاف وكذا ذكره الخطابي قال ومعناه يزيدون يقال وفي فلان إلى الباطل بكسر القاف أي رفعه وأصله من الصعود أي يدعون فيها ما سمعوا قال القاضي عياض وقد تصح الرواية الأولى على تضعيف هذا الفعل وتكثيره
قوله : " فقاء كل شيء في بطنه " فيه متمسك لتحريم ما أخذه الكهان ممن يتكهنون له وإن دفع ذلك بطيبة من نفسه
قوله : " من اقتبس " أي تعلم يقال قبست العلم واعتبسته إذا تعلمته والقبس الشعلة من النار واقتباسها الأخذ منها
قوله : " اقتبس شعبة من السحر " أي قطعة فكما ان تعلم السحر والعمل به حرام فكذا تعلم علم النجوم والكلام فيه حرام . ( 1 ) قال رسلان في شرح السنن
_________ -
( 1 ) اتفق أهل النجوم في أن الخير والشر والإعطاء والمنع وما أشبه ذلك يكون في العالم بالكواكب وبحسب السعود منها والنحوس وعلى حسب كونها من الروح الموافقة والمنافرة لها وعلى حسب نظر بعضها إلى بعض من التسديس والتربيع والتثليث والمقابلة وعلى حسب محاسدة بعضها بعض وعلى حسب كونها في شرفها وهبوطها ووبالها ثم اختلفوا على أي وجه يكون ذلك فزعم قوم منهم أن فعلها بطبائعها وزعم آخرون أن ذلك ليس فعلالها لكنها تدل عليه بطبائعها وزعم آخرون أنها تفعل بالأختيار لا بالطبع إلا أن السعد منها لا يختار إلا الخير والنحس منها لا يختار إلا الشر . ولا شك أن هذا بعينه ليس للاختيار فإن حقيقة القادر المختاد القدرة على فعل أي الضدين شاء وترك أيها شاء . وللإمام أبي القاسم عيسى بن علي رسالة
والمنهى عنه ما يدعيه أهل التنجيم من علم الحوادث والكوائن التي لم تقع وستقع في مستقبل الزمان ويزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها وهذا تعاط لعلم استأثر الله بعلمه قال وأما علم النجوم الذي يعرف به الزوال وجهة القبلة وكم مضى وكم بقى فغير داخل فيما نهى عنه ومن المنهى عنه التحدث بمجيء المطر ووقوع الثلج وهبوب الرياح وتغير الأسعار
قوله : " زاد مازاد " أي زاد من علم النجوم كمثل مازاد من السحر والمراد أنه إذا ازداد من علم النجوم فكأنه ازداد من علم السحر
وقد علم أن أصل علم السحر حرام والأزدياد منه أشد تحريما فكذا الأزدياد من علم التنجيم (7/206)
12 - وعن معاوية بن الحكم السلمي قال " قلت يا رسول الله أنى حديث عهد بجاهلية وقد جاء الله بالإسلام فإن منا رجالا يأتون الكهان قال فلا تأتيهم قال ومنا رجال يطيرون قال ذلك بشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم قال قلت ومنا رجال يخطون قال كان نبي من الأنبياء يخط فمن وافق خطه فذاك "
- رواه أحمد ومسلم (7/207)
- هذا الحديث هو طويل حذف المصنف رمنه الله ما لا تعلق له بالمقام وقد تقدم في الصلاة طرف منه وفي العتق طرف آخر
قوله : " فلا تأتيهم " فيه النهي عن إتيان الكهان وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : " يطيرون "
_________
بليغة في الرد عليهم وأبداء تناقضهم كتبها لما بصره الله رشده وأراه ما عليه هؤلاء الضلال الجهال الفها نصيحة لبعض إخوانه
وقد ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه المسمى مفتاح دار السعادة وعلق عليها فراجعها تهتدي والله أعلم
بفتح التحتية في أوله وتشديد الطاء المهملة وأصله يتطيرون أدغمت التاء الفوقية في الطاء والتطير التشؤم وأصله الشيء المكروه من قول أو فعل أو مرئي وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم فنفي الشرف ذلك وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير ينفع ولا يضر وقد أخرج أبو داود والترمذي وصححه ابن ماجه من حديث ابن مسعود عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قال الطيرة شرك ثلاث مرات وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " قال الخطابي قال محمد بن إسماعيل يعني البخاري كان سليمان بن حرب ينكر هذا ويقول هذا الحرف ليس قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأنه قول ابن مسعود . وحكى الترمذي عن البخاري عن سليمان بن حرب نحو هذا وأن الذي أنكره هو وما منا قال المنذري الصواب ما قاله البخاري وغيره أن قوله وما منا الخ من كلام ابن مسعود
قال الحافظ أبو القاسم الأصبهاني والمنذري وغيرهما في الحديث اضمار أي وما منا إلا وقد وقع في قلبه شيء من ذلك يعني قلوب أمته وقيل معناه ما منا إلا من يعتريه التطير وتسبق إلى قلبه الكراهية فحذف اختصارا واعتمادا على فهم السامع وهذا هو المعنى ما وقع في حديث الباب قال ذلك بشيء يجدونه في صدورهم فلا يصدنكم
قال النووي في شرح معناه أن كراهة ذلك تقع في نفوسكم في العادة ولكن لا تلتفتوا إليه ولا ترجعوا عما كنتم عزمتم عليه قبل هذا انتهى . وإنما جعل الطيرة من الشرك لأنهم كانوا يعتقدون أن التطير يجلب لهم نفعا أو يدفع عنهم ضررا إذا عملوا بموجبه فكأنهم أشركوا مع الله تعالى ومعنى إذهابه بالتوكل أن ابن آدم إذا تطير وعرض له خاطر من التطير أذهبه الله بالتوكل والتفويض إليه وعدم العمل بما خطر من ذلك فمن توكل سلم ولم يؤاخذه الله بما عرض له من التطير
وأخرج الشيخان وأبو داود من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا عدوى ولاطيرة ولا صفر ولا هامة فقال اعرابي ما بال الأبل تكون في الرمل كأنها الظباء فيخالطها البعير الأجرب فيجربها قال فمن أعدى الأول قال معمر قال الزهري فحدثني رجل عن أبي هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يوردن ممرض على مصح قال فراجعه الرجل فقال أليس قد حدثتنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا عدوى ولا صفر ولا هامة قال لم أحدثكموه " قال الزهري قال أبو سلمة قد حدث به وما سمعت أبا هريرة بشيء حدثنا قط غيره هذا لفظ أبي داود وقد أخرج حديث " لا عدوى " الخ مسلم وأبو داود من طريق العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه أيضا أبو داود من طريق أبي صالح عن أبي هريرة وأخرج مسلم من طريق جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعدوى ولا طيرة ولاغول " وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي وابن ماجه عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل الصالح " والفأل الصالح الكلمة الحسنة
وأخرج أبو داود عن رجل عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع كلمة فأعجبته فقال أخذنا فالك من فيك " وأخرج أبو داود عن عروة بن عامر القرشي قال " ذكرت الطيرة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحسنها الفال ولا ترد مسلما فإن رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيآت إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك " قال أبو القاسم الدمشقي ولا صحبة لعروة القرشي تصح . وذكر البخاري وغيره أنه سمع من ابن عباس فعلى هذا يكون حديثه مرسلا وقال النووي في شرح مسلم وقد صح عن عروة بن عامر الصحابي رضي الله عنه ثم ذكر الحديث وقال في آخره رواه أبو داود بإسناد صحيح
وأخرج أبو داود والنسائي عن بريدة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يتطير من شيء وكان إذا بعث غلاما سأل عن أسمه فإذا أعجبه اسمه فرح به وروى بشر ذلك في وجهه وإن كره اسمه رؤى كراهة ذلك في وجهه فإذا دخل قرية سأل عن اسمها فإن أعجبه اسمها فرح به ورؤى بشر ذلك في وجهه وأن كره اسمها رؤى كراهة ذلك في وجهه " وأخرج أبو داود عن سعد بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول لاهامة ولا عدوى ولا طيرة وإن تكن الطيرة في شيء ففي الفرس والمرأة والدار " وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي عن ابن عمر قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشؤم في الدار والمرأة والفرس " وفي رواية لمسلم " إنما الشؤم في ثلاث المرأة والفرس والدار " وفي رواية له " إن كان الشؤم في شيء ففي الفرس والمسكن والمرأة " وفي رواية له أيضا " إن كان الشؤم في شيء ففي الربع والخادم والفرس " وأخرج أبو داود وصححه الحكم عن أنس " قال قال رجل يا رسول الله إنا كنا في دار كثير فيها عددنا كثير فيها أموالنا فتحولنا إلى دار أخرى فقل فيها عددنا وقلت فيها أموالنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذروها ذميمة " وأخرج مالك في الموطأ عن يحيى بن سعيد " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت دار سكناها والعدد كثير والمال وافر فقل العدد وذهب المال فقال دعوها فإنها ذميمة " وله شاهد من حديث عبد الله بن شداد بن الهاد أحد كبار التابعين أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح
قال النووي اختلف العلماء في حديث الشؤم في ثلاث فقال مالك رحمه الله هو على ظاهره وأن الدار قد يجعل الله تبارك وتعالى سكناها سببا للضرر أو الهلاك وكذا اتخاذ المرأة المعينة أو الفرس أو الخادم قد يحصل الهلاك عنده بقضاء الله تعالى وقال الخطابي قال كثيرون هو في معنى الأستثناء من الطيرة أي الطيرة منهى عنها إلا أن يكون له دار يكره سكناها أو امرأة يكره صحبتها أو فرس أو خادم فليفارق الجميع بالبيع ونحوه وطلاق المرأة
وقال آخرون شؤم الدار ضيقها وسوء جيرانها وأذاهم وشؤم المرأة عدم ولادتها وسلاطة لسانها وتعرضها للريب وشؤم الفرس أن لا يغزى عليها وقيل حرانها وغلاء ثمنها . وشؤم الخادم سوء خلقه وقلة تعهده لما فوض إليه وقيل المراد بالشؤم هنا عدم الموافقة
قال القاضي عياض قال بعض العلماء لهذه الفصول السابقة في الأحاديث ثلاثة أقسام . أحدها ما لم يقع الضرر به ولا اطردت به عادة خاصة ولا عامة فهذا لا يلتفت إليه وأنكر الشرع الألتفات إليه وهو الطيرة والثاني ما يقع عنده الضرر عموما لا يخصه ونادرا لا يتكرر كالوباء فلا يقدم عليه ولا يخرج منه والثالث يخص ولا يعم كالدار والفرس والمرأة فهذا يباح الفرار منه اه والراجح ما قاله مالك وهو الذي يدل عليه حديث أنس الذي ذكرنا فيكون حديث الشؤم مخصصا لعموم حديث لا طيرة فهو في قوة لا طيرة إلا في هذه الثلاث وقد تقرر في الأصول أنه يبنى العام على الخاص مع جهل التاريخ وادعى بعضهم أنه إجماع والتاريخ في أحاديث الطيرة والشؤم مجهول وما حكاه القاضي عياض في كلامه السابق أن الوباء لا يخرج منه ولا يقدم عليه فلعله يتمسك بحديث النهي عن الخوارج من الأرض التي ظهر فيها الطاعون والنهي عن دخولها كما في حديث أسامة بن زيد عند البخاري ومسلم ومالك في الموطأ والترمذي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها "
وقد أخرج أبو داود عن يحيى بن عبد الله بن بحير قال " أخبرني من سمع فروة بن مسيك رضي الله عنه قال قلت يا رسول الله أرض عندنا يقال لها أرض ابين هي أرض ريفنا وميرتنا وأنها وبئة أو قال وباؤها شديد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعها عنك فإن من القرف التلف " اه والقرف بفتح القاف والراء بعده فاء وهوملابسة الداء ومقاربة الوباء ومداناة المرضي وكل شيء قاربته فقد قارفته والتلف الهلاك يعني من قارب متلفا يتلف إذا لم يكن هواه تلك الأرض موافقا له فيتركها
قال ابن رسلان وليس هذا من باب العدوى بل هو من باب الطب فأن استصلاح الهواء من أعون الأشياء على صحة الأبدان وفساد الهواء من أسرع الأشياء إلى الأسقام قال واعلم أن في المتع من الدخول إلى الأرض الوبئة حكما أحدهما تجنب الأسباب المؤذية والبعد منها . الثاني الأخذ بالعافية التي هي مادة مصالح المعاش والمعاد . الثالث أن لا يستنشقوا الهواء الذي قد عفن وفسد فيكون سببا للتلف . الرابع أن لا يجاور الذين قد مرضوا بذلك فيحصل له بمجاورتهم من جنس أمراضهم والحديث يدل على هذا اه
قال المنذري في مختصر السنن بعد أن ذكر حديث فروة المذكور ما لفظه في إسناده رجل مجهول قال ورواه عبد الله بن معاذ الصنعاني عن معمر بن راشد عن يحيى بن عبد الله بن بحير عن فروة وأسقط المجهول وعبد الله بن معاذ وثقه يحيى بن معين وغيره وكان عبد الرزاق يكذبه اه ورجال اساد هذا الحديث ثقات لانه رواه أبو داود عن مخلد بن خالد شيخ مسلم وعباس العنبري شيخ البخاري تعليقا ومسلم قالا حدثنا عبد الرزاق عن معمر وهما من رجال الصحيحين عن يحيى بن عبد الله ابن بحير ذكره ابن حبان في الثقات ومما ينبغي أن يجعل مخصصا لعموم حديث " لا عدوى ولا طيرة " ما أخرجه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه في سننهما من حديث الشريد بن سويد الثقفي قال كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا قد بايعناك فرجع
وأخرج البخاري في صحيحه تعليقا من حديث سعيد بن مسناء قال " سمعت أبا هريرة يقول قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعدوى ولا طيرة ولا هام ولا صفر وفر من المجذوم كما تفر من الأسد " ومن ذلك حديث " لا يورد ممرض على مصح " الذي قدمناه قال القاضي عياض قد اختلفت الآثار عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة المجذوم فثبت عنه الحديثان المذكوران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكل مع مجذوم وقال له كل ثقة بالله تبارك وتعالى وتوكلا عليه . وعن عائشة قالت كان لنا مولى مجذوم يأكل في صحافي ويشرب في أقداحي وينام على فراشي
قال وقد ذهب عمر وغيره من السلف إلى الأكل معه ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ والصحيح الذي قاله الأكثرون ويتعين المصير إليه أنه لا نسخ بل يجب الجمع بين الحديثين وحمل الأمر باجتنابه والفرار منه على الأستحباب والأحتياط وأما الأكل معه ففعله لبيان الجواز والله أعلم كذا في شرح مسلم للنووي . والحديث الذي فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكل مع المجذوم أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من حديث يوسف بن محمد عن المفضل بن فضالة وهذا شيخ بصري والمفضل بن فضالة شيخ مصري أوثق من هذا وأشهر
وروى شعبة هذا الحديث عن حبيب بن الشهيد عن أبي بريدة أن عمر أخذ بيد مجذوم وحديث شعبة أشبه عندي وأصح قال الدارقطني تفرد به مفضل بن فضالة البصري أخو مبارك عن حبيب بن الشهيد عنه يعني عن ابن المنكدر
وقال ابن عدي الجرجاني لا أعلم يرويه عن حبيب بن الشهيد غير مفضل بن فضالة وقالوا تفرد بالرواية عنه يونس بن محمد اه . والمفضل بن فضالة البصري كنيته أبو مالك قال يحيى بن معين ليس بذاك
وقال النسائي ليس بالقوى
وقال أبو حاتم يكتب حديثه وذكره ابن حبان في الثقات
قال القاضي عياض قال بعض العلماء في هذا الحديث وما في معناه يعني حديث الفرار من المجذوم دليل على أنه يثبت للمرأة الخيار في فسخ النكاح إذا وجدت زوجها مجذوما أو حدث به جذام
قال النووي واختلف أصحابنا وأصحاب مالك في أن أمته هل لها منع نفسها من استمتاعه إذا أرادها قال القاضي قالوا ويمنع من المسجد والأختلاط بالناس قال وكذلك اختلفوا في أنهم إذا كثروا هل يؤمرون أن يتخذوا لأنفسهم موضعا منفردا خارجا عن الناس ولا يمنعون من التصرف في منافعهم وعليه أكثر الناس أم لا يلزمهم التنحي قال ولم يختلفوا في القليل منهم يعني في أنهم لا يمنعون قال ولا يمنعون من صلاة الجمعة مع الناس ويمنعون من غيرها قال ولو استضر أهل قرية فيهم جذمي بمخالطتهم في الماء فإن قدروا على استنباط ماء بلا ضرر أمروا به وإلا استنبطه لهم الآخرون أو أقاموا من يستقي لهم وإلا فلا يمنعون
قال النووي في شرح مسلم في حديث لا يورد ممرض على مصح قال العلماء الممرض صاحب الأبل المراض والمصح صاحب الأبل الصحاح فمعنى الحديث لا يورد صاحب الأبل المراض ابله على إبل صاحب الأبل الصحاح لأنه ربما أصابها المرض بفعل الله تعالى وقدره الذي أجرى به العادة لا بطبعها فيحصل لصاحبها ضرر بمرضها وربما حصل له ضرر أعظم من ذلك باعتقاد العدوى بطبعها فيكفر والله أعلم انتهى . وأشار إلى نحو هذا الكلام ابن بطال . قيل النهي ليس للعدوى بل للتأذي بالرائحة الكريهة ونحوها حكاه ابن رسلان في شرح السنن وقال ابن الصلاح ووجه الجمع أن هذه الأمراض لا تعدى بطبعها لكن الله سبحانه جعل مخالطة المريض للصحيح سببا لاعدائه مرضه تم قد يتخلف ذلك عن سببه كما في غيره من الأسباب
قال الحافظ ابن حجر في شرح النخبة والأولى في الجمع أن يقال أن نفيه صلى الله عليه وآله وسلم للعدوى باق على عمومه وقد صح قوله لا يعدى شيء شيئا
قوله : صلى الله عليه وآله وسلم لمن عارضه بأن البعير الأجرب يكون بين الأبل الصحيحة فيخالطها فتجرب حيث رد عليه بقوله فمن أعدى الأول يعني أن الله سبحانه ابتدأ ذلك في الثاني كما ابتدأه في الأول قال وأما الأمر بالفرار من المجذوم فمن باب سد الذرائع لئلا يتفق للشخص الذي يخالطه شيء من ذلك بتقدير الله تعالى ابتداء لا بالعدوى المنفية فيظن أن ذلك بسبب مخالطته فيعتقد صحة العدوى فيقع في الحرج فأمر بتجنبه حسما للمادة انتهى . والمناسب للعمل الأصولي في هذه الأحاديث المذكورة في الباب في ثلاث . وحديث فر من المجذوم . وحديث لا يورد ممرض مصح وما في معناها وقد بسطنا الكلام على هذه المسألة في جواب سؤال سميناه اتحاف المهرة بالكلام على حديث لا عدوى ولا طيرة ( 1 )
قوله : " ومنا رجال يخطون " قال ابن عباس في تفسير هذا الخط
_________ -
( 1 ) قال العلامة ابن القيم في حديث فرمن المجذوم وحديث لاعدوى ولاطيرة فالحديثان صحيحان ولا نسخ ولا تعارض بينهما بحمد الله بل كل منهما له وجه
وقد طعن أعداء السنة في أهل الحديث وقالوا يروون الأحاديث التي ينقض بعضها بعضا ثم يصححونها والأحاديث التي تخالف العقل فانتدب أنصار السنة للرد عليهم ونفي التعارض عن الأحاديث الصحيحة
هو الخط الذي يخطه الحازي . والحازي بالحاء المهملة والزاي هو الحزاء وهو الذي ينظر في المغيبات بظنه فيأتي صاحب الحاجة إلى الحازي فيعطيه حلوانا فيقول له أقعد حتى أخط لك وبين يدي الحازي غلام له معه مثل ثم يأتي إلى أرض رخوة فيخط فيها خطوطا كثيرة في أربعة أسطر عجلا ثم يمحو منها على مهل خطين خطين فإن بقي خطان فهو علامة النجح وإن بقي خط واحد فهو علامة الخيبة هكذا في شرح السنن لابن رسلان
قال وهذا علم معروف فيه للناس تصانيف كثيرة وهو معمول به إلى الآن ويستخرجون به الضمير
وقال الحربي الخط في الحديث هو أن يخط ثلاثة خطوط ثم يضرب عليهن ويقول يكون كذا وكذا وهو ضرب من الكهانة
قوله : " كان نبي من الأنبياء يخط " قيل هو ادريس عليه السلام حكى في تفسيره أن هذا النبي كان يخط بأصبعه السبابة والوسطى في الرمل ثم يزجر
قوله : " فمن وافق خطه فذاك " بنصب الطاء على المفعولية والفاعل ضمير يعود إلى لفظ من
قال الخطابي هذا يحتمل الزجر عنه إذا كان علما لنبوته وقد انقطعت فنهينا عن التعاطي لذلك قال القاضي عياض الأظهر من اللفظ خلاف هذا
_________ -
وبيان موافقتها للعقل
قال الأمام أبو محمد بن قتيبة في كتابه بأويل مختلف الحديث
قالوا حديثان متناقضان قالوا رويتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لا عدوى ولاطيرة وأنه قيل له النقبة تضع بمشفر البعير فتجرب لذلك فقال فمن أعدى الأول هذا أو معناه ثم رويتم في خلاف ذلك لا يورد ذو عاهة على مصح . وفر من المجذوم فرارك من الأسد . وأتاه رجل مجذوم ليبايعه بيعة الإسلام فأرسل إليه البيعة وأمره بالإنصراف ولم يأذن له وقال الشؤم في المرأة الدار والدابة وقالوا هذا كله مختلف لا يشبه بعضه بعضا
قال أبو محمد ونحن نقول أنه ليس في هذا اختلاف ولكل واحد معنى في وقت وموضع فإذا وضع موضعه زال الأختلاف والله أعلم
وتصويب خط من يوافق خطه لكن من أين تعلم الموافقة والشرع منع من
ادعاء الغيب جملة وإنما معناه من وافق خطه فذاك الذي تجدون اصابته لا أنه لا يريد إباحة ذلك لفاعله على ما تأوله بعضهم اه . ولو قيل إن قوله فذاك يدل على الجواز لكان جوازه مشروطا بالموافقة ولا طريق إليها مصتلة بذلك النبي فلا يجوز التعاطي (7/207)
باب قتل من صرح بسب النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون من عرض (7/207)
1 - عن الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه " أن يهودية كانت تشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقع فيه فخنقها رجل حتى ماتت فأبطل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذمتها "
- رواه أبو داود (7/208)
2 - وعن ابن عباس " إن أعمى كانت له أم ولد تشتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتقع فيه فينهاها فلا تنتهي ويزجرها فلا تنزجر فلما كان ذات ليلة جعلت تقع في النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتشتمه فأخذ المعول فجعله في بطنها واتكأ عليه فقتلها فلما أصبح ذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فجمع الناس فقال أنشد الله رجلا فعل ما فعل لي عليه حق الأقام فقام الأعمى يتخطى الناس وهو يتدلدل حتى قعد بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أنا صاحبها كانت تشتمك وتقع فيك فأنهاها فلا تنتهي وأزجرها فلا تنزجر ولي منها إبنان مثل اللؤلؤتين وكانت بي رفيقة فلما كان البارحة جعلت تشتمك وتقع فيك فأخذت المعول فوضعته في بطنها واتكأت عليه حتى قتلتها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألا أشهدوا أن دمها هدر "
- رواه أبو داود والنسائي واحتج به أحمد في رواية أبيه عبد الله (7/208)
3 - وعن أنس قال " مر يهودي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال السام عليك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتدرون ما يقول قال السام عليك قالوا يا رسول الله ألا تقتله قال لا إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم "
- رواه أحمد والبخاري
وقد سبق أن ذا الخويصرة قال يا رسول الله اعدل وأنه منع من قتله (7/208)
- حديث الشعبي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه سكت عنه أبو داود وقال المنذري ذكر أن الشعبي سمع من أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقال غيره أنه رآه ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح . وحديث ابن عباس سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري
وقال الحافظ في بلوغ المرام أن رواته ثقات . والحديث الذي أشار إليه المصنف أعني قوله قال رسول الله أعدل قد تقدم في باب قتال الخوارج ( وفي الباب ) عن أبي برزة عند أبي داود والنسائي " قال كنت عند أبي بكر فتغيظ علي رجل فاشتد غضبه فقلت اتأذن لي يا خليفة رسول الله أضرب عنقه فأذهبت كلمتي غضبه فقام فدخل فأرسل إلي فقال ما الذي قلت آنفا قلت أئذن لي أضرب عنقه قال أكنت فاعلا لو أمرتك قلت نعم قال لا والله ما كان لبشر بعد محمد صلى الله عليه وآله وسلم " وفي حديث ابن عباس وحديث الشعبي دليل على أنه يقتل من شتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد نقل ابن المنذر الأتفاق على أن من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم صريحا وجب قتله ونقل أبو بكر الفارسي أحد أئمة الشافعية في كتاب الإجماع أن من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو قذف صريح كفر باتفاق العلماء فلو تاب لم يسقط عنه القتل لأن حد قذفه القتل وحد القذف لا يسقط بالتوبة وخالفه القفال فقال كفر بالسب فسقط القتل بالإسلام وقال الصيدلاني يزول القتل ويجب حد القذف
قال الخطابي لا أعلم خلافا في وجوب قتله إذا كان مسلما وقال ابن بطال اختلف العلماء فيمن سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأما أهل العهد والذمة كاليهود فقال ابن القاسم عن مالك يقتل من سبه صلى الله عليه وآله وسلم منهم إلا أن يسلم وأما المسلم فيقتل بغير استتابة ونقل ابن المنذر عن الليث والشافعي واحمد وإسحاق مثله في حق اليهودي ونحوه
وروي عن الأوزاعي ومالك في المسلم أنها ردة بستتاب منها وعن الكوفيين إن كان ذميا عزر وإن كان مسلما فهي ردة وحكى عياض خلافا هل كان ترك من وقع منه ذلك لعدم التصريح أو لمصلحة التأليف ونقل عن بعض المالكية أنه لم يقتل اليهود الذين كانوا يقولون له السام عليك لأنهم لم تقم عليهم البينة بذلك ولا أقروا به فلم يقض فيهم بعلمه أنهم لما لم يظهروه ولووه بألسنتهم ترك قتلهم وقيل أنه لم يحمل ذلك منهم على السب بل على الدعاء بالموت الذي لابد منه ولذلك قال في الرد عليهم أي الموت نازل علينا وعليكم فلا معنى للدعاء به أشار إلى ذلك القاضي عياض وطذا من قال السأم بالهمز بمعنى السآمة هو دعاء بأن يملوا الدين وليس بصريح في السب وعلى القول بوجوب قتل من وقع منه ذلك من ذمي أو معاهد فترك لمصلحة التأليف هل ينتقض بذلك عهده محل تأمل واحتج الطحاوي لأصحابه بحديث أنس المذكور في الباب وأيده بأن هذا الكلام لو صدر من مسلم لكانت ردة وأما صدوره من اليهود فالذي هم عليه من الكفر أشد فلذلك لم يقتلهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأن دماءهم لم تحقن إلا بالعهد وليس في العهد أنهم يسبون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمن سبه منهم تعدى العهد فينتقض فيصير كافرا بلا عهد فيهدر دمه إلا ان يسلم ويؤيده أنه لو كان كل ما يعتقدونه لا يؤاخذون به لكانوا لو قتلوا مسلما لم يقتلوا لأن من معتقدهم حل دماء المسلمين ومع ذلك لو قتل منهم أحد مسلما قتل فإن قيل إنما يقتل بالمسلم قصاصا بدليل أنه يقتل به ولو أسلم ولو سب ثم أسلم لم يقتل قلنا الفرق بينهما أن قتل المسلم يتعلق بحق آدمي فلا يهدر وأما السب فإن وجوب القتل به يرجع إلى حق الدين فيهدمه الإسلام والذي يظهر أن ترك قتل اليهود إنما كان لمصلحة التأليف أو لكونهم لم يعلنوا به أو لهما جميعا وهو أولى كما قال الحافظ (7/209)
[ الردة ] (8/1)
أبواب أحكام الردة والإسلام ( 1 ) (8/1)
باب قتل المرتد (8/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 - عن عكرمة " قال أتى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم فبلغ ذلك ابن عباس فقال لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلهم لقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بدل دينه فأقتلوه "
- رواه الجماعة إلا مسلما وليس لابن ماجه فيه سوي " من بدل دينه فأقتلوه " وفي حديث أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له
أذهب إلى اليمن ثم اتبعه معاذ بن جبل فلما قدم عليه ألقى له وسادة وقال أنزل وإذا رجل عنده موثق قال ما هذا قال كان يهوديا فأسلم ثم تهود قال لا أجلس حتى يقتل قضاء الله ورسوله "
_________
( 1 ) أي في بيان الأحاديث التي تستنبط منها أحكام الردة . والردة والارتداد كما قال الراغب الرجوع في الطريق الذي جاء منه لكن الردة تختص بالكفر والارتداد يستعمل فيه وفي عيره اه وقد أورد لكل منهما شاهدا من القرآن فقال قال أن الذي أرتدوا على أدبارهم
وقال يا أيها الذين أمنوا من يرتد منكم عن دينه وهو الرجوع من الإسلام إلى الكفر وكذلك ومن يرتد منكم عن دينه فيموت وهو كافر
وقال عز و جل فأرتد على آثارهما قصصا . إن الذين ارتدوا على أدبارهم من بعد ما تبين لهم الهدى
وقال تعالى ويرد على أعقابنا وقوله تعالى ولا ترتدوا على أدباركم أي إذا تحققتم أمرا وعرفتم خيرا فلا ترجعوا عنه . وقوله عز و جل فلما أن جاء البشير القاه على وجهه فأرتد بصيرا أي عاد إليه البصير والله أعلم
_________
- متفق عليه
وفي رواية لأحمد " قضى الله ورسوله أن من رجع عن دينه فأقتلوه " ولأبي داود في هذه القصة " فأتى أبو موسى برجل قد أرتد عن الإسلام فدعاه عشرين ليلة أو قريبا منها فجاء معاذ فدعاه فأبى فضرب عنقه " (8/2)
2 - وعن محمد بن عبد الله بن عبد القاري قال " قدم على عمر بن الخطاب رجل من قبل أبي موسى فسأله عن الناس فأخبره ثم قال هل من مغربة خبر قال نعم كفر رجل بعد إسلامه قال فما فعلتم به قال قربناه فضربنا عنقه فقال عمر هلا حبستموه ثلاثا وأطعمتوه لك يوم رغيفا و استتبتموه لعله يتوب ويراجع أمر الله اللهم لم أحضر ولم أرض إذ بلغني "
- رواه الشافعي (8/2)
- أثر عمر أخرجه أيضا مالك في الموطأ عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله ابن عبد القاري عن أبيه قال الشافعي من لا يتأنى بالمرتد زعموا أن هذا الأثر عن عمر ليس بمتصل ورواه البيهقي من حديث أنس قال لما نزلنا على تستر فذكر الحديث وفيه فقدمت على عمر رضي الله عنه فقال يا أنس ما فعل الستة الرهط من بكر ابن وائل الذين ارتدوا عن الإسلام فلحقوا بالمشركين قال يا أمير المؤمنين قتلوا بالمعركة فاسترجع عمر قلت وهل كان سبيلهم إلا القتل قال نعم قال كنت أعرض عليهم الإسلام فإن أبوا أودعتهم السجن ( وفي الباب ) عن جابر " أن امرأة أم رومان " وفي التلخيص أن الصواب أم مروان ارتدت فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعرض عليها الإسلام فإن تابت وإلا قتلت . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ وإسنادهما ضعيفان وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن امراة أرتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت . أخرجه الدارقطني والبيهقي من طريقين وزاد في أحدهما فأبت أن تسلم فقتلت قال الحافظ وإسناده هما ضعيفان وأخرج البيهقي من وجه آخر ضعيف عن عائشة أن امرأة ارتدت يوم أحد فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تستتاب فإن تابت وإلا قتلت
وأخرج أبو الشيخ في كتال الحدود عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم استتاب رجلا أربع مرات
وفي إسناده العلاء بن هلال وهو متروك عن عبد الله بن محمد بن عقيل عن جابر . ورواه البيهقي من وجه آخر من حديث عبد الله بن وهب عن الثوري عن رجل عن عبد الله بن عبيد بن عمير مرسلا وسمى الرجل نبهان
وأخرج الدارقطني والبيهقي أن أبا بكر استتاب امرأة يقال لها أم قرفة كفرت بعد اسلامها فلم تتب فقتلها الحافظ وفي السير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قتل أم قرفة يوم فريظة وهي غير تلك
وفي الدلائل عن أبي نعيم أن زيد بن ثابت قتل أم قرفة في سريته إلى بني فزازة
قوله : " بزنادقة " بزاي ونون قاف جمع زنديق بكسر أوله وسكون ثانية
قال أبو حاتم السجستاني وغيره الزنديق فارسي معرب أصله زنده كرد أي يقول بدوام الدهر لأن زنده الحياة وكرد العمل ويطلق على من يكون دقيق النظر في الأمور وقال ثعلب ليس في كلام العرب زنديق وإنما يقال زندقي لمن يكون شديد التحيل وإذا أراد وأما العامة قالوا ملحد ودهري بفتح الدال أي يقول بدوام الدهر وإذا قالوها بالضم أرادوا كبر السن وقال الجوهري الزنديق من الثنوية وفسره بعض الشراح بأنه الذي يدعى مع الله إلها آخر وتعقب بأنه يلزم منه أن يطلق على كل مشرك قال الحافظ والتحقيق ما ذكره من صنف في الملل والنحل أن أصل الزندقة اتباع ديصان ثم مانى ثم مزدك الأول بفتح الدال المهملة وسكون التحتية بعدها صاد مهملة والثاني بتشديد النون وقد تخفف والياء خفيفة والثالث بزاي ساكنة ودال مهملة مفتوحة ثم كاف ( وحاصل ) مقالتهم أن النور والظلمة قديمان وأنهما امتزجا فحدث العالم كله منهما فمن كان من أهل الشر فهو من الظلمة ومن كان من أهل الخير فهو من النور وأنه يجب أن يسعى في تخليص النور من الظلمة فيلزم ازهاق كل نفس وكان بهرام جد كسرى تحيل على ماني حتى حضر عنده وأظهر له أنه قبل مقالته ثم قتله وقتل أصحابه وبقيت منهم بقايا اتبعوا مزدك المذكور وقام الإسلام والزنديق يطلق على من يعتقد ذلك وأظهر جماعة منهم الإسلام خشية القتل فهذا أصل الزندقة
وأطلق جماعة من الشافعية الزندقة على من يظهر الإسلام ويخفي الكفر مطلقا وقال النووي في الروضة الزنديق الذي لا ينتحل دينا
وقد أختلف الناس في الذين وقع لهم مع أمير المؤمنين علي رضي الله عنه ما وقع وسيأتي
قوله : " لنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تعذبوا بعذاب الله " أي لنهيه عن القتل بالنار بقوله لا تعذبوا بعذاب الله وهذا يحتمل أن يكون مما سمعه ابن عباس من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أن يكون سمعه من بعض الصحابة
وقد أخرج البخاري من حديث أبي هريرة حديثا وفيه " وإن النار لا يعذب بها إلا الله " ذكره البخاري في الجهاد
وأخرج أبو داود من حديث ابن مسعود في قصة بلفظ " وإنه لا ينبغي أن يعذب بالنار إلا رب النار " قوله " من بدل دينه فأقتلوه " هذا ظاهره العموم في كل من وقع منه التبديل ولكنه عام يخص منهه من بدله في الباطن ولم يثبت عليه ذلك في الظاهر فإنه تجري عليه أحكام الظاهر ويستثنى منه من بدل دينه في الظاهر ولكن مع الإكراه هكذا في الفتح قال فيه واستدل به على قتل المرتد كالمرتد وخصه الحنفية بالذكر وتمسكوا بحديث النهي عن قتل النساء وحمل الجمهور النهي على الكافرة الأصلية إذا لم تباشر القتال لقوله في بعض طرق حديث النهي عن قتل النساء لما رأى امرأة مقتولة ما كانت هذه لتقاتل ثم نهى عن قتل النساء واحتجوا بأن من الشرطية لا تعم المؤنث وتعقب بأن ابن عباس راوي الخبر وقد قال بقتل المرتدة وقتل أبو بكر الصديق في خلافته امرأة أرتدت كما تقدم والصحابة متوافرون فلم ينكر عليه أحد ذلك واستدلوا أيضا بما وقع في حديث معاذ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أرسله إلى اليمن قال له أيما رجل أرتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه وأيما امرأة أرتدت عن الأسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها "
قال الحافظ وسنده حسن وهو نص في موضع النزاع فيجب المصير إليه ويؤيده اشتراك الرجال والنساء في الحدود كلها الزنى والسرقة وشرب الخمر والقذف ومن صور الزنا رجم المحصن حتى يموت فإن ذلك مستثنى من النهي عن قتل النساء فيستثنى قتل المرتدة مثله ( واستدل ) بالحديث بعض الشافعية على أنه يقتل من أنتقل من ملة من ملل الكفر إلى ملة أخرى وأجيب بأن الحديث متروك الظاهر فيمن كان كافرا ثم أسلم اتفاقا مع دخوله في عموم الخبر فيكون المراد من بدل دينه الذي هو دين الإسلام لأن الدين في الحقيقة هو دين الإسلام قال الله تعالى { إن الدين عند الله الإسلام } ويؤيده أن الكفر ملة واحدة فإذا انتقل الكافر من ملة كفرية إلى أخرى مثلها لم يخرج عن دين الكفر ويؤيده أيضا قوله تعالى { ومن يبتغي غير الإسلام دينا فلن يقبل منه }
وقد ورد في بعض طرق الحديث ما يدل على ذلك فأخرج الطبراني من وجه أخر عن ابن عباس رفعه " من خالف دينه دين الإسلام فاضربوا عنقه " واستدل بالحديث المذكور في الباب على أنه يقتل الزنديق من غير استتابة وتعقب بأنه وقع في بعض طرق الحديث أن أمير المؤمنين عليا رضي الله عنه كما في الفتح من طريق عبد الله بن شريك العامري عن أبيه قال قيل لعلي أن هنا قوما على باب المسجد يزعمون أنك ربهم فدعاهم فقال لهم ويلكم ما تقولون قالوا أنت ربنا وخالقنا ورازقنا قال ويلكم إنما أنا عبد مثلكم أكل الطعام كما تأكلون وأشرب كما تشربون إن أطعت الله أثابني إن شاء وإن عصيته خشيت أن يعذبني فأتقوا الله وارجعوا فأبوا فلما كان الغد غدوا عليه فجاء قنبر فقال قد والله رجعوا يقولون ذلك الكلام فقال أدخلهم فقالوا كذلك فلما كان الثالث قال لئن قلتم ذلك لأقتلنكم بأخبث قتلة فأبوا إلا ذلك فأمر علي أن يخدلهم أخدود بين باب المسجد والقصر وأمر بالحطب أن يطرح في الأخدود ويضرم بالنار ثم قال لهم إني طارحكم فيها أو ترجعوا فأبوا أن يرجعوا فقذف بهم حتى إذا احترقوا قال
أني إذا رأيت أمرا منكرا أوقدت ناري ودعوت قنبرا
قال الحافظ إن اسناد هذا صحيح وزعم أبو مظفر الأسفرايني في الملل والنحل إن الذين أحقهم علي رضي الله عنه طائفة من الروافض ادعوا فيه الألهية وهم السبئية وكان كبيرهم عبد الله بن سبا يهوديا ثم أظهر الإسلام وابتدع هذه المقالة وأما ما رواه ابن أبي شيبة أنهم أناس كانوا يعبدون الأصنام في السر فسنده منقطع فإن ثبت حمل على قصة أخرى وقد ذهب الشافعي إلى أنه يستتاب الزنديق كما يستتاب غيره . وعن أحمد وأبي حنيفة روايتان إحداهما لا يستتاب والأخرى أن تكرر منه لم تقبل توبته وهو قول الليث واسحاق . وحكي عن أبي اسحاق المروزي من أئمة الشافعية قال الحافظ ولا يثبت عنه بل قيل أنه تحريف من اسحاق بن راهوية والأول هو المشهور عن المالكية . وحكى عن مالك أنه جاء تائبا قبل وإلا فلا وبه قال أبو يوسف واختاره أبو اسحاق الأسفرايني وأبو منصور البغدادي وعن جماعة من الشافعية أن كان داعية لم يقبل وإلا قبل وحكي في البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي ومحمد أنها تقبل توبة الزنديق لعموم أن ينتهوا . وعن مالك وأبي يوسف والجصاص لا تقبل إذ يعرف منهم التظهر تقية بخلاف ما ينطقون به قال المهدي فيرتفع الخلاف حينئذ فيرجع إلى القرائن لكن الأقرب العمل بالظاهر وإن التبس الباطن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لمن يستأذنه في قتل منافق " أليس يشهد أن لا إله إلا الله " الخبر ونحوه اه
قال في الفتح واستدل من منع من قبول توبة الزنديق بقوله تعالى { إلا الذين تابوا واصلحوا " فقال الزنديق لا يطلع على إصلاحه لأن الفساد إنما أتى مما أسره فإذا أطلع عليه وأظهر الإقلاع عنه لم يرد على ما كان عليه ولقوله تعالى { إن الذين آمنوا ثم كفروا ثم آمنوا ثم كفروا ثم ازدادوا كفرا لم يكن الله ليغفر لهم } وأجيب بأن المراد من مات منهم على ذلك ما فسره ابن عباس أخرجه عنه ابن أي حاتم وغيره . واستدل لمن قال بالقبول بقوله تعالى { اتخذوا إيمانهم جنة } فدل على أن إظهار الإيمان يحصن من القتل قال الحافظ وكلهم أجمعوا على أن أحكام الدنيا على الظاهر والله يتولى السرائر وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم لا سامة " هلا شققت عن قلبه " وقال للذي ساره في قتل رجل " أليس يصلي قال نعم قال أولئك الذين نهيت عن قتلهم " وقال صلى الله عليه وآله وسلم لخالد لما استأذنه في قتل الذي أنكر القسمة " إني لم أومر بأن أنقب عن قلوب الناس " وهذه الأحاديث في الصحيح والأحاديث في هذا الباب كثيرة
قوله : " ثم أتبعه " بهمزة ثم مثناة ساكنة
قوله : " معاذ بن جبل " بالنصب أي بعثه بعده ظاهره أنه ألحقه به بعد أن توجه ووقع في بعض النسخ وأتبعه بهمزة وصل وتشديد المثناة ومعاذ بالرفع
قوله : " فلما قد عليه " في البخاري في كتاب المغازي أن كلا منهما كان على عمل مستقل وأن كلا منهما كان إذا سار في أرضه بالقرب من صاحبه أحدث به عهدا وفي أخرى له فجعلا يتزاوران
قوله : " وسادة " هي ما تجعل تحت رأس النائم كذا قال النووي قال وكان من عادتهم أن من أرادوا إكرامه وضعوا الوسادة تحته مبالغة في إكرامه
قوله : " وإذا رجل عنده " الخ هي جملة حالية بين الأمر والجواب قال الحافظ ولم أقف على أسمه
قوله : " قضاء الله " خبر مبتدأ محذوف ويجوز النصب
قوله " فضرب عنقه " في رواية للطبراني فأبى بحطب فألهب فيه النار فكتفه وطرحه فيها ويمكن الجمع بأنه ضرب عنقه ثم ألقاه في النار قوله " هل من مغربة خبر " بضم الميم وسكون الغين المعجمة وكسر الراء وفتحها مع الإضافة فيهما معناه هل من خبر جديد من بلاد بعيدة شيوخ الموطأ فتحوا الغين وكسروا الراء وشددوها
قوله : " هلا حبستموه " الخ وكذلك قوله في الحديث الأول فدعاه عشرين ليلة الخ استدل بذلك من أوجب الاستتابة للمرتد قبل قتله وقد قدمنا في أول الباب ما في ذلك من الأدلة قال ابن بطال أختلفوا في استتابة المرتد فقيل يستتاب فإن تاب إلا قتل وهو قول الجمهور وقيل يجب قتله في الحال وإليه ذهب الحسن وطاوس وبه قال أهل الظاهر ونقله ابن المنذر عن معاذ وعبيد بن عمير وعليه يدل تصرف البخاري فإنه استظهر بالآيات التي لا ذكر فيها للاستتابة التي فيها أن التوبة لا تنفع وبعموم قوله " من بدل دينه فأقتلوه وبقصة معاذ المذكور ولم يذكر غير ذلك
قال الطحاوي ذهب هؤلاء إلى أن حكم من أرتد عن الإسلام حكم الحربي الذي بلغته الدعوى فإنه يقاتل من قبل أن يدعى وإنما تشرع الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة فأما من خرج عن بصيرة فلا ثم نقل عن أبي يوسف موافقتهم لكن إن جاء مبادرا بالتوبة خلي سبيله ووكل أمره إلى الله . وعن ابن عباس إن كان أصله مسلما لم يستتب وإلا استتيب واستدل ابن القصار لقول الجمهور بالإجماع يعني السكوتي لأن عمر كتب في أمر المرتد هلا حبستموه ثلاثة أيام ثم ذكر الأثر المذكور في الباب ثم قال ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة كأنهم فهموا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من بدل دينه فأقتلوه أي إن لم يرجع وقد قال تعالى { فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم } . واختلف القائلون بالاستتابة هل يكتفي بالمرة أم لابد من ثلاث وهل الثلاث في مجلس أو في يوم أو في ثلاثة أيام ونقل ابن بطال عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه يستتاب شهرا وعن النخعي يستتاب أبدا (8/2)
باب ما يصير به الكافر مسلما (8/3)
[ ؟ ؟ نقص في الطباعة ؟ ؟ ] الجنة فدخل الكنيسة فإذا يهود وإذا يهودي يقرأ عليهم التوراة فلما أتوا على صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسكوا وفي ناحيتها رجل مريض فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما لكم أمسكتم فقال المريض أنهم أتوا على صفة نبي فامسكوا ثم جاء المريض يحبو حتى أخذ التوراة فقرأ حتى أتى على صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته فقال هذه صفتك وصفة أمتك أشهد أن لا اله إلا الله وإنك رسول الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه لوا أخاكم "
- رواه أحمد (8/3)
2 - وعن أبي صخر العقيلي قال " حدثني رجل من الأعراب قال جلبت جلوبة إلى المدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغت من بيعتي قلت لالقين هذا الرجل لاسمعن منه قال فتلقاني بين أبي بكر وعمر يمشون فتبعتهم في أقفائهم حتى أتوا على رجل من اليهود ناشر التوراة يقرؤها يعزي بها نفسه على ابن له في الموت كأحسن الفتيان وأجملهم وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنشدك بالذي أنزل التوراة هل تجد في كتابك هذا صفتي ومخرجي فقال برأسه هكذا أي لا فقال ابنه أي والله الذي أنزل التوراة انا لنجد في كتابنا صفتك ومخرجك أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله فقال أقيموا اليهودي عن أخيكم ثم ولى دفنه وجننه والصلاة عليه "
- رواه أحمد (8/3)
3 - وعن أنس " أن يهوديا قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهد أنك رسول الله ثم مات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلوا على صاحبكم "
- رواه أحمد في رواية مهنا محتجا به (8/4)
4 - وعن ابن عمر قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خالد بن الوليد إلى بني جذيمة فدعاهم إلى الإسلام فلم يحسنوا أن يقولوا أسلمنا فجعلوا يقولون صبأنا صبأنا فجعل خالد يقتل ويأسر ودفع إلى كل رجل منا أسيره حتى إذا أصبح أمر خالد أن يقتل كل رجل منا أسيره فقلت والله لا أقتل أسيري ولا يقتل رجل من أصحابي أسيره حتى قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد مرتين "
- رواه أحمد والبخاري وهو دليل على أن الكناية مع النية كصريح لفظ الإسلام (8/4)
- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا الطبراني قال في مجمع الزوائد في إسناده عطاء بن السائب وقد اختلط . وحديث أبي صخر العقيلي قال في مجمع الزوائد أبو صخر لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح
وقال ابن حجر في المنفعة قلت اسمه عبد الله بن قدامة وهو مختلف في صحبته وجزم البخاري ومسلم وابن حبان وغيرهم بأن له صحبة ثم ذكر ابن حجر في المنفعة الاضطراب في إسناده . وحديث أنس قال في مجمع الزوائد أخرجه أبو يعلى بإسناد رجاله رجال الصحيح والأحاديث المذكورة في الباب بعضها يشهد لبعض وقد ورد في معناها أحاديث . منها ما أخرجه في الموطأ عن رجل من الأنصار " أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجارية له فقال يا رسول الله على رقبة مؤمنة أفأعتق هذه فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتشهدين أن لا إله إلا الله قالت نعم قال أتشهدين أن محمدا رسول الله قالت نعم قال أتؤمنين بالبعث بعد الموت قالت نعم قال أعتقها " وأخرج أبو داود والنسائي من حديث الشريد بن سويد الثقفي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجارية من ربك قالت الله قال فمن أنا قالت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة " وأخرج مسلم ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي من حديث معاوية بن الحكم السلمي " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لجارية أراد معاوية بن الحكم أن يعتقها عن كفارة أين الله فقالت في السماء فقال من أنا قالت أنت رسول الله فقال أعتقها " وأخرج نحوه أبو داود من حديث أبي هريرة ومثل ذلك أحاديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " كما في الأمهات عن جماعة من الصحابة
قوله : " ابتعث الله نبيه " أي بعثه الله من بيته ليحصل بذلك إدخال رجل الجنة وهو الرجل المريض في الكنيسة فإن دخوله صلى الله عليه وآله وسلم إليها كان سبب إسلامه الذي صار سببا في دخوله الجنة
قوله : " لوا أخاكم فيه " الأمر لمن كان من السلمين في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم بأن يلوا أمر ذلك الرجل المريض لأنه قد صار بسبب تكلمه بالشهادتين أخا لهم
قوله : " وجنته " الجنن بالجيم ونونين القبر ذكره في النهاية
قوله : " صبأنا صبأنا " أي دخلنا في دين الصابئة وكان أهل الجاهلية يسمون من أسلم صابئا وكأنهم قالوا أسلمنا أسلمنا والصابئ في الأصل الخارج من دين إلى دين قال في القاموس صبأ كمنع وكرم صبأ وصبوأ خرج من دين إلى دين اه
قوله : " مما صنع خالد " بترأ صلى الله عليه وآله وسلم من صنع خالد ولم يتبرأ منه وهكذا ينبغي أن يقال لمن فعل ما يخالف الشرع ولا سيما إذا كان خطأ وقد استدل المصنف بأحاديث الباب على أنه يصير الكافر مسلما بالتكلم بالشهادتين ولو كان ذلك على طريق الكناية بدون تصريح كما وقع في الحديث الآخر
وقد وردت أحاديث صحيحة قاضية بأن الإسلام مجموع خصال . أحدها التلفظ بالشهادتين منها حديث ابن عمر عند مسلم وأبي داود والترمذي والنسائي قال حدثني عمر بن الخطاب قال " بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم إذ طلع عليه رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر " وفيه فقال " يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا " ومنها ما أخرجه الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة وفيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الإسلام أن تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاة المفروضة وتصوم رمضان " ومنها ما أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان " ومنها ما أخرجه الشيخان ومالك في الموطأ وأبو داود والنسائي من حديث طلحة ابن عبد الله أنه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " خمس صلوات في اليوم والليلة وصيام رمضان " وذكر له الزكاة
وأخر النسائي عن بهز بن حكيم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن آيات الإسلام فقال أن تقول أسلمت وجهي وتخليت وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة " وأخرج النسائي عن أنس بن مالك قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم " وأخرج الشيخان وأبو داود والنسائي من حديث عمرو بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده " وأخرج مسلم من حديث جابر والبخاري ومسلم والترمذي والنسائي من حديث أبي موسى نحو ذلك
وأخرج الشيخان من حديث عبد الله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دمائهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى " وأخرج البخاري والترمذي وأبو داود والنسائي من حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله فإذا شهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله واستقبلوا قبلتنا وأكلوا ذبيحتنا وصلوا صلاتنا حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها " ولفظ البخاري " من شهد أن لا إله إلا الله واستقبل قبلتنا وصلى صلاتنا وأكل ذبيحتنا فهو المسلم له ما للمسلم وعليه ما على المسلم " فهذه الأاديث ونحوها تدل على أن الرجل لا يكون مسلما إلا إذا فعل جميع الأمور المذكورة فيها . والأحاديث الأولة تدل على أن الإنسان يصيرمسلما بمجرد النطق بالشهادتين
قال الحافظ في الفتح عند الإسلام عند الكلام على حديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " في باب قتل من أبى من قبول الفرائض من كتاب استتابة المرتدين والمعاندين ما لفظه وفيه منع قتل من قال لا إله إلا الله ولو لم يزد عليها وهو كذلك لكن هل يصير بمجرد ذلك مسلما الراجح لا بل يجب الكف عن قتله حتى يختبر فإن شهد بالرسالة والتزم أحكام الإسلام حكم بإسلامه وإلى ذلك الإشارة بالاستثناء بقوله لا يحق الأسلام
قال البغوي الكافر إذا كان وثنيا ثنويا لا يقر بالواحدانية فإذا قال لا إله إلا الله حكم بإسلامه ثم يجبر على قبول جميع الأحكام ويبرأ من كل دين خالف الإسلام وأما من كان مقرا بالوحدانية منكرا للنبوة فإنه لا يحكم بإسلامه حتى يقول محمد رسول الله فإن كان يعتقد أن الرسالة المحمدية إلى العرب خاصة فلا بد أن يقول إلى جميع الخلق فإن كان كفره بجحود واجب أو استباحة محرم فيحتاج إلى أن يرجع عن اعتقاده
قال الحافظ ومقتضى قوله يجبر أنه إذا لم يلتزم يجري عليه حكم المرتد وبه صرح القفال واستدل بحديث الباب وادعى أنه لم يرد في خبر من الأخبار أمرت أن أقاتل حتى يقولوا لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وهي غفلة عظيمة فإن ثابت في الصحيحين في كتاب الإيمان منهما كما قدمنا الإشارة إلى ذلك انتهى (8/4)
باب صحة الإسلام مع الشرط الفاسد (8/5)
1 - عن نصر بن عاصم الليثي عن رجل منهم " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم على أن يصلي صلاتين فقبل منه "
- رواه أحمد
وفي لفظ آخر له " على أن لا يصلي إلا صلاة فقبل منه " (8/5)
2 - وعن وهب قال " سألت جابرا عن شأن ثقيف إذا بايعت فقال أشترطت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن لا صدقة عليها ولا جهاد وأنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك يقول سيتصدقون ويجاهدون "
- رواه أبو داود (8/5)
3 - وعن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أسلم قال أجدني كارها قال أسلم وإن كنت كارها "
- رواه أحمد (8/6)
- هذه الأحاديث فيها دليل على أنه يجوز مبايعة الكافر وقبول الإسلام منه وإن شرط شرطا باطلا وأنه يصح إسلام من كان كارها
وقد سكت أبو داود والمنذري عن حديث وهب المذكور وهو وهب بن منبه وإسناده لا بأس به وأخرج أبو داود أيضا من حديث الحسن البصري عن عثمان بن أبي العاص أن وفد ثقيف لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنزلهم المسجد ليكون أرق لقلوبهم فأشترطوا عليه أن لا يحشروا ولا يعشروا ولا يجبوا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكم أن لا تحشروا ولا تعشروا ولا خير في دين ليس فيه ركوع
قال المنذري قد قيل أن الحسن البصري لم يسمع من عثمان بن أبي العاص والمراد بالحشر جمعهم إلى الجهاد والنفير إليه وبقوله يعشروا أخذ العشور من أموالهم صدقة وبقوله و لا يجب بفتح الجيم وضم الباء الموحدة المشددة وأصل التجبية أن يقوم الإنسان مقام الراكع وأردوا أنهم لا يصلون
قال الخطابي ويشبه أن يكون إنما سمح لهم بالجهاد والصدقة لأنهما لم يكونا بعد واجبتين في العاجل لأن الصدقة إنما تجب بإنقطاع الحول والجهاد إنما يجب بحضوره وأما الصلاة فهي راتبة فلم يجري أن يشترطوا تركها انتهى . ويعكر على ذلك حديث نصر بن عاصم المذكور في الباب فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل من الرجل أن يصلي صلاتين فقط أو صلاة واحدة على أختلاف الرايتين ويبقى الإشكال في قوله في الحديث الذي ذكرناه " لا خير في دين ليس فيه ركوع " فإن ظاهره يدل على أنه لاخير في إسلام من أسلم بشرط أن لا يصلي ويمكن أن يقال أن نفي الخيرية لا يستلزم عدم جواز قبول من أسلم بشرط أن لا يصلي وعدم قبوله صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الشرط من ثقيف لا يستلزم عدم جواز القبول مطلقا (8/6)
باب تبع الطفل لأبويه في الكفر ولمن أسلم منهما في الإسلام وصحة إسلام المميز (8/6)
1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما من مولود إلا يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه كما تنتج البهيمة جمعاء هل تحسون فيها من جدعاء ثم يقول أبو هريرة فطرة الله التي فطر الله عليها "
- الآية متفق عليه
وفي رواية متفق عليها أيضا قالوا " يا رسول الله أفرأيت من يموت منهم وهو صغير قال الله أعلم مما كانوا عاملين " (8/7)
2 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أراد قتل عقبة بن أبي معيض قال من للصبية قال النار "
- رواه أبو داود والدارقطني في الأفراد وقال فيه " النار لهم ولأبيهم " (8/7)
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا حنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم "
- رواه البخاري وأحمد وقال فيه " ما من رجل مسلم " وهو عام فيما إذا كانوا من مسلمة أو كافرة قال البخاري فكان ابن عباس مع أنه من المستضعفين ولم يكن مع أبيه على دين قومه (8/7)
- حديث ابن مسعود سكت عنه أبو داود المنذري ورجال إسناده ثقات إلا علي بن الحسين الرقي وهو صدوق كما قال في التقريب وأخرج نحوه البيهقي من طريق محمد بن يحيى بن سهل بن أبي خيثمة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أقبل بالأسارى فكان بعرق الظبية أمر عاصم بن ثابت فضرب عنق عقبة بن أبي معيد صبرا فقال من للصبية يا محمد قال النار لهم ولا يهم
قوله : " على الفطرة " للفطرة معان منها الخلقة ومنها الدين قال في القاموس وفي الفطرة صدقة الفطر والخلقة التي خلق عليها المولود في رحم أمه والدين انتهى . والمناسب ههنا هو المعنى الآخر أعني الدين أي كل مولود يولد على الدين الحق فإذا لزم غيره فذلك لأجل ما يعرض له بعد الولادة من التغييرات من جهة أبويه أو سائر من يربيه
قوله : " جمعاء " بفتح الجيم وسكون الميم بعدها عين مهملة قال في القاموس والجمعاء الناقة المهزولة ومن البهائم التي لم يذهب من بدنها شيء . والمراد هنا المعنى اللآخر لقوله هل تحسون فيها من جدعاء والجدع قطع الأنف أو الأذن أو اليد أو الشفة كما في القاموس قال والجدعة محركة ما بقي بعد القطع انتهى
والمعنى أن البهائم كما أنها تولد سليمة من الجدع كاملة الخلقة وإنما يحدث لها نقصان الخلقة بعد الولادة بالجدع ونحوه كذلك أولاد الكفار يولدون على الدين الحق الكامل وما يعرض لهم من التلبس بالأديان الخالفة له فإنما هو حادث له بعد الولادة بسبب الأبوين ومن يقوم مقامهما . وحديث أبي هريرة فيه دليل على أن أولاد الكفار يحكم لهم عند الولادة بالإسلام وإنه إذا وجد الصبي في دار الإسلام دون أبويه كان مسلما لأنه إنما صار يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا بسبب أبويه فإذا عدما فهو باق على ما ولد عليه وهو الإسلام
قوله : " الله أعلم بما كانوا عاملين " فيه دليل على أن أحكام أولاد الكفار عند الله إذا ماتوا صغارا غير متعينة بل منوطة بعمله الذي كان يعمله لو عاش
وفي حديث ابن مسعود المذكور دليل على أنهم من أهل النار لقوله فيه النار لهم ولأبيهم ويشكل ذلك على مذهب العدلية لعدم موجب التعذيب منهم ( والحاصل ) أن مسألة أطفال الكفار بأعتبار أمر الآخرة من المعارك الشديدة لأختلاف الأحاديث فيها ولها ذيول مطولة لا يتسع لها المقام وفي الوقف عن الجزم بأحد الأمرين سلامة من الوقوع في مضيق لم تدع إليه حاجة ولا ألجأت إليه ضرورة وأما بأعتبار أحكام الدنيا فقد ثبت في صحيح البخاري في باب أهل الدار من كتاب الجهاد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن أولاد المشركين هو يقتلون مع أبائهم فقال هم منهم
قال في الفتح أي في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى الأباء إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم انتهى
وأخرج أبو داود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان ويحمل هذا على أنه لا يجوز قتلهم بطريق القصد
وأخرج الطبراني في الأوسط من حديث ابن عمر قال لما دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة أني بامرأة مقتولة فقال ما كانت هذه تقاتل ونهى عن قتل النساء والصبيان
وأخرج نحوه أبو داود في المراسيل من حديث عكرمة وقد ذهب مالك والأوزاعي إلى أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان بحال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان لم يجزي رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون وغيرهم إلى الجمع بما تقدم وقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها ويؤيد ذلك ما أخرجه أبو داود والنسائي وأبو حبان من حديث رباح بن الربيع التميمي قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة فرأى الناس مجتمعين فرأى امرأة مقتولة فقال ما كانت هذه لتقاتل فإن مفهومه أنها لو قاتلت لقتلت وقد ابن بطال وغيره الاتفاق على منع القصد إلى قتل النساء والولدان وأما حديث أنس المذكور في الباب فمحله كتاب الجنائز وإنما ذكره المصنف ههنا للاستدلال به على أن الولد يكون مسلما بإسلام أحد أبويه لما في قوله " ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد " فإنه يقتضي أن من كان له ذلك المقدار من الأولاد دخل الجنة وإن كانوا من امرأة غير مسلمة ونفعهم لأبيهم في ذلك الأمر إنما يصح بعد الحكم بإسلامهم لأجل إسلام أبيهم (8/8)
4 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل مولود يولد على الفطرة حتى يعرب عنه لسانه فإذا أعرب عنه لسانه فإما شاكرا وأما كفورا "
- رواه أحمد (8/8)
5 - وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه عرض الإسلام على ابن صياد صغير فروى ابن عمر " أن عمر بن الخطاب أنطلق مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رهط من أصحابه قبل ابن صياد حتى وجده يلعب مع الصبيان عند أطم بني مغالة وقد قارب ابن صياد يومئذ الحلم فلم يشعر حتى ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهره بيده ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن صياد أتشهد أني رسول الله فنظر إليه ابن صياد فقال أشهد أنك رسول الأميين فقال ابن صياد لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتشهد أني رسول الله رفصه رسول الله وقال آمنت بالله وبرسله "
- وذكر الحديث متفق عليه (8/8)
6 - وعن عروة قال " أسلم علي وهو ابن ثمان "
- أخرجه البخاري في تاريخه
وأخرج أيضا عن جعفر بن محمد عن أبيه قال قتل علي رضي الله عنه وهو ابن ثمان وخمسين سنة قلت وهذا يبين اسلامه لأنه أسلم في أوائل المبعث " (8/9)
7 - وروي عن ابن عباس قال وكان علي رضي الله عنه أول من أسلم من الناس بعد خديجة "
- رواه أحمد
وفي لفظ " أول من صلى علي رضي الله عنه " رواه الترمذي (8/9)
8 - عن عمرو بن مرة عن أبي حمزة عن رجل من الأنصار قال " سمعت زيد بن أرقم يقول أول من أسلم علي رضي الله عنه قال عمر بن مرة فذكرت ذلك لإبراهيم النخعي قال أول من أسلم أبو بكر الصديق "
- رواه أحمد الترمذي وصححه
وقد صح أن من مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وفاته نحو ثلاث وعشرين سنة وأن عليا رضي الله عنه عاش بعده نحو ثلاثين سنة فيكون قد عمر بعد إسلامه فوق الخمسين وقد مات ولم يبلغ الستين فعلم أنه أسلم صغيرا (8/9)
- حديث جابر أصله في الصحيحين وحديث ابن عمر الذي ذكره المصنف في شأن ابن صياد لم يذكر من أخرجه ولم تجري له عادة بذلك وهو في الصحيحين وسنن أبي داود والترمذي والموطأ وفي بعض النسخ قال متفق عليه " ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماذا ترى قال يأتيني صادق وكاذب فقال صلى الله عليه وآله وسلم خلط عليك الأمر ثم قال له صلى الله عليه وآله وسلم إني قد خبأت لك خبيئا فقال ابن صياد هو الدخ فقال صلى الله عليه وآله وسلم أخسأ فلن تعدو قدرك فقال عمر ذرني يا رسول الله اضرب عنقه فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن يكن هو فلن تسلط عليه وإن لم يكن هو فلا خير لك في قتله " . زاد الترمذي بعد قوله " خبأت لك خبيئا وخبأ له يوم تأتي السماء بدخان مبين " وحديث عروة مرسل وكذلك حديث جعفر بن محمد عن أبيه . وحديث ابن عباس قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث غريب من هذا الوجه لا نعرفه من حديث شعبة عن أبي بلج إلا من حديث محمد بن حميد وأبو بلج اسمه يحيى بن أبي سليم
وقال بعض أهل العلم أول من أسلم من الرجال أبو بكر وأسلم علي وهو غلام ابن ثمان سنين وأول من أسلم من النساء خديجة انتهى : وحديث زيد بن أرقم قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن صحيح انتهى
وفي إسناده ذلك الرجل المجهول ولم يقع التصريح بأنه من الصحابة حتى تغتفر جهالته كما قررنا ذلك غير مرة بل روايته بواسطة تدل على أنه ليس من الصحابة فلا يكون حديثة حينئذ صحيحا ولا حسنا
وأما قول إبراهيم النخعي فهو مرسل فلا يصلح لمعارضة زيد بن أرقم وابن عباس
وقد أخرج الترمذي أيضا عن أنس بن مالك قال بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين وصلى علي رضي الله عنه يوم الثلاثاء قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث مسلم الأعور ومسلم الأعور ليس عندهم بذاك القوي وقد روي هذا عن مسلم عن حية عن علي نحو هذا اه والأولى الجمع بينما ورد مما يقتضي أن عليا أول الناس إسلاما وإن أبا بكر أولهم إسلاما بأن يقال علي كان أول من أسلم من الصبيان وأبو بكر أول من أسلم من الرجال وخديجة أول من أسلم من النساء
قوله : " حتى يعرب عن لسانه " فيه دليل على أنه لا يحكم للصبي مادام غير مميز إلا بدين الإسلام فإذا أعرب عنه لسانه بعد تمييزه حكم عليه بالملة التي يختارها
قوله : " قبل ابن صياد " بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهته . وابن صياد اسمه صاف وأصله من اليهود وقد اختلف الناس في أمر ابن صياد اختلافا شديدا وأشكل أمره حتى قيل فيه كل قول . وظاهر الحديث المذكور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان مترددا في كونه هو الدجال أم لا ومما يدل على أنه هو الدجال ما أخرجه الشيخان وأبو داود عن محمد بن المنكدر قال كان جابر بن عبد الله يحلف لله أن ابن صياد الدجال فقلت أتحلف بالله فقال إني سمعت عمر بن الخطاب يحلف على ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينكره وقد أجيب عن التردد منه صلى الله عليه وآله وسلم بجوابين الأول أنه تردد صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يعلمه الله بأنه هو الدجال فلما أعلمه لم ينكر على عمر حلفه والثاني أن العرب قد تخرج الكلام مخرج الشك وإن لم يكن في الخبر شك ومما يدل على أنه هو الدجال ما أخرجه عبد الرزاق بإسناد صحيح عن ابن عمر قال " لقيت ابن صياد يوما ومعه رجل من اليهود فإذا عينه قد طفت وهي خارجة مثل عين الحمار فلما رأيتها قلت أنشدك الله يا ابن صياد متى طفت عينك قال لا أدري والرحمن قلت كذبت وهي في رأسك قال فمسحها ونخر ثلاثا فزعم اليهودي أني ضربت بيدي صدره وقلت إخسأ فلم تعدو قدرك فذكرت ذلك لحفصة فقال حفصة اجتنب هذا الرجل فإنا نتحدث أن الدجال يخرج عند غضبة يغضبها " وأخرج مسلم هذا الحديث بمعناه من وجه آخر عن ابن عمرو لفظه " لقيته مرتين فذكر الأولى ثم قال ثم لقيته لقية أخرى وقد نفرت عينه فقلت متى فعلت عينك ما أرى فقال لا أدري فقلت لا تدري وهي في رأسك قال إن شاء الله في عصاك هذه ونخر كأشد نخير حمار سمعت فزعم أصحابي أني ضربته بعصا كانت معي حتى تكسرت وأنا والله ما شعرت قال وجاء حتى دخل على حفصة فحدثها فقالت ما تريد إليه ألم تسمع أنه قد قال صلى الله عليه وآله وسلم أول ما يبعثه على الناس غضب يغضبه " ثم قال ابن بطال فإن قيل هذا أيضا يدل على التردد في أمره فالجواب أنه قد وقع الشك في أنه الدجال الذي يقتله عيسى بن مريم ولم يقع الشك في أنه أحد الدجالين الكذابين الذين أنذر بهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله " إن بين يدي الساعة دجالين كذابين " وهو في الصحيحين وتعقبه الحافظ بأن الظاهر أن حفصة وابن عمر أرادا الدجال الأكبر واللام في القصة الواردة عنهما للعهد لا للجنس وكذلك حلف عمر وجابر السابق على أن ابن الصياد هو الدجال
وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن ابن عمر كان يقول والله لا أشك أن المسيج الدجال هو ابن صياد
وأخرج مسلم عن أبي سعيد قال صحبني ابن صياد إلى مكة فقال ماذا لقيت من الناس يزعمون أني الدجال ألست سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يولد له قلت بلى قال فإنه قد ولد لي قال أولست سمعته يقول لا يدخل المدينة ولا مكة قلت بلى قال فقد ولدت في المدينة وأنا أريد مكة وأخرج مسلم أيضا عن أبي سعيد أنه قال له ابن صياد هذا عذرت الناس مالي وأنتم يا أصحاب رسول الله ألم يقل نبي الله أن الدجال يهودي وقد أسلمت فذكر نحو الأول
وفي مسلم أيضا عن أبي سعيد أنه قال له ابن صياد لقد هممت أن آخذ حبلا فأعلقه بشجرة ثم أختنق به مما يقول الناس يا أبا سعيد من خفي عليه حديث رسول الله ما خفي عليكم يا معشر الأنصار ثم ذكر نحو ما تقدم وزاد قال أبو سعيد حتى كدت أعذره
وفي آخر كل من الطرق أنه قال أني لا أعرفه وأعرف مولده وأين هو الآن قال أبو سعيد فقلت له تبا لك سائر اليوم وأجاب البيهقي بأن سكوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حلف عمر يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متوقفا في أمره ثم جاءه التثبت من الله تعالى بأنه غيره على ما تقتضيه قصة تميم الداري وبه تمسك من جزم بأن الدجال غير ابن صياد وطريقه أصح وتكون الصفة التي في ابن صياد فقط ما في الدجال وقد أخرج قصة تميم مسلم من حديث فاطمة بنت قيس قال البيهقي وفيها أن الدجال الأكبر الذي يخرج في آخر الزمان غير ابن صياد وكان ابن صياد أحد الدجالين الكذابين الذين أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخروجهم وقد وخرج أكثرهم وكان الذين يجزمون بأن ابن صياد هو الدجال لم يسمع قصة تميم وقد خطب بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكر أن تميما أخبره أنه لقي هو وجماعة معه في دير في جزيرة لعب بهم الموج شهرا حتى وصلوا إليها رجلا كأعظم إنسان رأوه قط خلقا وأشده وثاقا مجموعة يداه إلى عنقه بالحديد فقالوا له ويلك ما أنت فذكر الحديث وفيه أنه سأله عن نبي الأميين هل بعث وأنه قال إن تطيعوه فهو خير لكم وفيه أنه قال إني مخبكم عني أنا المسيح الدجال وإني أوشك أن يؤذن لي بالخروج فأخرج فأسير في الأرض فلا أدع قرية إلا هبطها في أربعين ليلة غير مكة وطيبة
وفي بعض طرقه أنه شيخ قال الحافظ وسندها صحيح
وهذا الحديث ينافي ما استدل به على أن ابن صياد هو الدجال ولا يكن الجمع أصلا إذ لا يلتئم أن يكون من كان في الحياة النبوية شبه المحتلم ويجتمع به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسأله أن يكون شيخا في آخرها مسجونا في جزيرة من جزائر البحر موثوقا بالحديد يستفهم عن خبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل خرج أم لا فينبغي أن يحمل حلف عمر وجابر على أنه وقع قبل علمهما بقصة تميم قال ابن دقيق العيد في أوائل شرح الالمام ما ملخصه إذا أخبر شخص بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر ليس فيه حكم شرعي فهل يكون سكوته صلى الله عليه وآله وسلم دليلا على مطابقته ما في الواقع كما وقع لعمر في حلفه على ابن صياد أنه الدجال كما فهمه جابر حتى صار يحلف عليه ويستند إلى خلف عمر أو لا يدل فيه نظر قال والأقرب عندي أنه لا يدل لأن مأخذ المسألة ومناطها هو العصمة من التقرير على باطل وذلك يتوقف على تحقق البطلان ولا يكفي فيه عدم تحقق الصحة قال الخطابي اختلف السلف في أمر ابن صياد بعد كبره فروى أن تاب من ذلك القول ومات بالمدينة وأنهم لما أرادوا الصلاة عليه كشفوا وجهه حتى يراه الناس وقيل لهم اشهدوا
وقال النووي قال العلماء قصة ابن صياد مشكلة وأمره مشتبه ولكن لا شك أنه الدجال من الدجاجلة والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوح إليه في أمره بشيء وإنما أوحى إليه بصفات الدجال وكان في ابن صياد قرائن محتملة فلدلك كان صلى الله عليه وآله وسلم لا يقطع في أمره بشيء انتهى
وقد أخرج أبو نعيم الأصبهاني في تاريخ اصبهان ما يؤيد كون ابن صياد هو الدجال عن حسان بن عبد الرحمن عن أبيه قال لما افتتحنا اصبهان كان بين عسكرنا وبين اليهود فرسخ فكنا نأتيها فنمتار منها فأتينا يوما فإذا اليهود يزفنون فسألت صديقا لي منهم فقال هذا ملكنا الذي استفتح به العرب فدخلت فبت على سطح فصليت الغداة فلما طلعت الشمس إذ الوهج من قبل العسكر فنظرت فإذا هو ابن صياد فدخل المدينة فلم يعد حتى الساعة
قال الحافظ في الفتح بعد أن ساق هذه القصة وعبد الرحمن بن حسان ما عرفته والباقون ثقات وقد أخرج أبو داود بسند صحيح عن جابر قال فقدنا ابن صياد يوم الحرة وفتح اصبهان كان في خلافة عمر كما أخرجه أو نعيم في تاريخها وقد أخرج الطبراني في الأوسط من حديث فاطمة بنت قيس مرفوعا أن الدجال يخرج من أصبهان وأخرجه أيضا من حديث عمران بن حصين وأخرجه أيضا بسند صحيح كما قال الحافظ من حديث أنس لكن عنده من يهودية أصبهان قال أبو نعيم وإنما سميت يهودية اصبهان لأنها كانت تختص بسكنى اليهود قال الحافظ في الفتح وأقرب ما يجمع بين ما تضمنه حديث تميم وكون ابن صياد هو الدجال أن الدجال بعينه هو الذي شاهده تميم موثقا وأن ابن صياد هو سلطان تبدى في صورة الدجال في تلك المدة إلى أن توجه إلى اصبهان فاستتر مع قرينه إلى أن تجيء المدة التي قدر الله تعالى خروجه فيها . وقصة تميم السابقة قد توهم بعضهم من عدم إخراج البخاري لها أنها غريبة وهو وهم فاسد وهي ثابتة عند أبي داود من حديث أبي هريرة وعند ابن ماجه عن فاطمة بنت قيس
وأخرجها أبو يعلى عن أبي هريرة من وجه آخر
وأخرجها أبو داود بسند حسن من حديث جابر وغير ذلك وفي هذا المقدار كفاية وإنما تكلمنا عن قصة ابن صياد مع كون المقام ليس مقام الكلام عليها لأنها من المشكلات المعضلات التي لا يزال أهل العلم يسألون عنها فأردنا أن نذكر ههنا ما فيه تحليل ذلك الإشكال وحسم مادة ذلك الإعضال
قوله : " عند أطم " بضم الهمزة الطاء المهملة وهو البناء المرتفع قوله " أتشهد أني رسول الله " استدل به المصنف رحمه الله تعالى على صحة إسلام المميز كما ذكر ذلك في ترجمة الباب وكذلك يدل على ذلك بقية الأحاديث المذكورة في الباب في إسلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وقد أختلف في مقدار سنه عند الموت على أقوال مذكورة في كتب التاريخ (8/10)
باب حكم أموال المرتدين وجناياتهم (8/10)
1 - عن طارق بن شهاب قال " جاء وفد بزاخة من أسد وغطفان إلى أبي بكر يسألونه الصلح فخيرهم بين الحرب المجلية والسلم المخزية فقالوا هذه المجلية قد عرفناها فما المخزية قال تنزع منكم الحلقة والكراع ونغنم ما أصبنا منكم وتردون علينا ما أصبتم منا وتدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار وتتركون أقواما يتبعون أذناب الأبل حتى يرى الله خليفة رسوله والمهاجرين والأنصار أمرا يعذرونكم له فعرض أبو بكر ما قال على القوم فقام عمر بن الخطاب فقال قد رأيت رأيا وسنشير عليك أما ما ذكرت من الحرب المجلية والسلم المخزية فنعم ما ذكرت وأما ما ذكرت إن نغنم ما أصبنا منكم وتردون ما أصبتم منا فنعم ما ذكرت وأما ما ذكرت تدون قتلانا وتكون قتلاكم في النار فإن قتلانا قاتلت فقتلت على أمر الله أجورها على الله ليس لها ديات فتبايع القوم على ما قال عمر "
- رواه البرقاني على شرط البخاري (8/10)
- هذا الأثر أخرج بعضه البخاري في صحيحه وأخرج بقيته البرقاني في مستخرجه بطوله كما ذكره المصنف وأخرجه أيضا البيهقي من حديث ابن إسحاق عن عاصم بن حمزة قوله " بزاخة " بضم الباء الموحدة ثم زاي وبعد الألف خاء معجمة هو موضع قيل بالبحرين وقيل ماء لبني أسد كذا في التليخص
وفي القاموس وبزاخة بالضم موضع به وقعة أبو بكر رضي الله عنه انتهى
قوله : " المجلية " يحتمل أن يكون بالخاء المعجمة أي المهلكة قال في القاموس خلا مكانه مات وقال أيضا خلا المكان خلوا وخلاء وأخلا وأستخلى فرغ وكان خلاء ما فيه أحد وأخلاه جعله أو وجده خاليا وخلا وقع في موضع خال لا تزاحم فيه انتهى . ويحتمل أن يكون بالجيم قال في القاموس جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وأجلوا تفرقوا أو جلا من الخوف وأجلى من الجدب انتهى . والمراد الحرب المفرقة لأهلها لشدة وقعها وتأثيرها
وقال في الفتح المجلية بضم الميم وسكون الجيم بعدها لام مقصورة ثم تحتانية من الجلاء بفتح الجيم وتخفيف اللام مع المد ومعناه الخروج عن جميع المال
قوله : " والسلم المخزية " بالخاء المعجمة الزاي أي المذلة قال في القاموس خزي كرضي خزيا بالكسر وخزي وقع في شهرة فذل بذلك كأخزوزي وأخزاه الله فضحه ومن كلامهم لمن أتى بمستهجن ماله أخزاه الله
قال وخزي بالكسر خزء وخزاية بالقصر أستحيا انتهى
قوله : " الحلقة " بفتح الحاء المهملة وسكون اللام بعدها قاف قال في القاموس الحلقة الدرع والخيل انتهى وقال في النهاية والحلقة بسكون اللام السلاح عاما وقيل الدروع خاصة والمراد بالكراع الخيل
قال في القاموس هو اسم لجميع الخيل فعلى هذا يكون المراد بالحلقة الدروع أو هي وسائر السلاح الذي يحارب به
قوله : " يتبعون أذناب الأبل " أي يمتهنون بخدمة الأبل ورعيها والعمل بها لما في ذلك من الذلة والصغار
وقد استدل بالأثر المذكور على أنه يجوز مصالحة الكفار المرتدين على أخذ أسلحتهم وخيلهم ورد ما أصابوه من المسلمين وقد اختلف هل يملك الكفار ما أخذوه على المسلمين فذهب الهادي وأبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكون علينا ما استولوا عليه قهرا وإذا استولينا عليه فصاحبه أحق بعينه ما لم يقسم فإن قسم لم يستحقه إلا بدفع القيمة لمن صار في يده وذهب أبو بكر الصديق وعمر وعبادة بن الصامت وعكرمة الشافعي والمؤيد بالله إلى أنهم لا يملكون علينا ولو أدخلوه قهرا فصاحبه أحق به قبل القسمة وبعدها بلا شيء وأما ما أخذوه من أموال أهل الإسلام في دارهم قهرا كالعبد الآبق فذهب الهادي والنفس الزكية وأبو حنيفة إلى أنهم لا يملكونه علينا إذ دار الحرب دار إباحة فالملك فيها غير حقيقي وذهب مالك والأوزاعي والزهري وعمر وبن دينار وأبو يوسف ومحمد إلى أنهم يملكونه علينا وهو مروي عن أبي طالب ولعله يأتي تحقيق هذا البحث إن شاء الله تعالى (8/11)
كتاب الجهاد والسير (8/11)
باب الحث على الجهاد وفضل الشهادة والرباط والحرس (8/11)
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لغدوة أو روحة في سبيل الله خير من الدنيا وما فيها "
- متفق عليه (8/12)
2 - وعن أبي عبس الحارثي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أغبرت قدماه في سبيل الله حرمه الله على النار "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي (8/12)
3 - وعن أبي أيوب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدوة أو روحة في سبيل الله خير مما طلعت عليه الشمس وغربت "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي . وللبخاري من حديث أبي هريرة مثله (8/12)
4 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة "
- رواه أحمد والترمذي (8/13)
5 - وعن أبي موسى قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أبواب الجنة تحت ظلال السيوف "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي (8/13)
6 - وعن ابن أبي أوفى " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الجنة تحت ظلال السيوف "
- رواه أحمد والبخاري (8/13)
7 - وعن سهل بن سعد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها "
- متفق عليه (8/14)
- حديث أبي هريرة الآخر قال الترمذي هو حديث حسن ولفظه عن أبي هريرة قال " مر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشعب فيه عيينة من ماء عذبة فأعجبته لطيبها فقال لو اعتزلت الناس فأقمت في هذا الشعب ولن أفعل حتى أستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا تفعل فإن مقام أحدكم في سبيل الله أفضل من صلاته في بيته سبعين عاما ألا تحبون أن يغفر الله لكم ويدخلكم الجنة اغزوا في سبيل الله من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة "
قوله : " كتاب الجهاد " قال في الفتح بكسر الجيم أصله لغة المشقة يقال جاهدت جهادا أي بلغت المشقة وشرعا بذل الجهد في قتال الكفار ويطلق أيضا على مجاهدة النفس والشيطان والفساق فأما مجاهدة النفس فلى تعلم أمور الدين ثم على العمل بها ثم على تعليمها وأما مجاهدة الشيطان فعلى ما يأتي به من الشبهات وما يزينه من الشهوات
وأما مجاهدة الكفار فتقع باليد والمال واللسان والقلب وأما الفساق فباليد ثم اللسان ثم القلب ثم قال واختلف في جهاد الكفار هل كان أولا فرض عين أو فرض كفاية ثم قال في باب الوجوب النفير فيه قولان مشهوران للعلماء وهما في مذهب الشافعي
وقال الماوردي كان عينا على المهاجرين دون غيرهم ويؤيده وجوب الهجرة قبل الفتح في حق كل من أسلم إلى المدينة لنصر الإسلام وقال السهيلي كان عينا على الأنصار دون غيرهم ويؤيده مبايعتهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة العقبة على أن يؤوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وينصروه فيخرج من قومهما أنه كان على الطائفتين كفاية في حق غيره ومع ذلك فليس في حق الطائفتين على التعميم بل في حق الأنصار إذا طرق المدينة طارق وفي حق المهاجرين إذا أريد قتال أحد من الكفار أبتداء
وقيل كان عينا في الغزوة التي يخرج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم دون غيرها والتحقيق أنه كان عينا على من عينه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حقه وإن لم يخرج وأما بعده صلى الله عليه وآله وسلم فهو فرض كفاية على المشهور إلا أن تدعو الحاجة كأن يدهم العدو ويتعين على من عينه الإمام ويتأدى فرض الكفاية بفعله في السنة مرة عند الجمهور ومن حججهم أن الجزية تجب بدلا عنه ولا تجب في السنة أكثر من مرة اتفاقا فليكن بدلها كذلك وقيل يجب كل ما أمر وهو قوي قال والتحقيق أن جنس جهاد الكفار متعين على كل مسلم إما بيده وإما بلسانه وإما بماله وإما بقلبه انتهى . وأول ما شرع الجهاد بعد الهجرة النبوية إلى المدينة اتفاقا
قوله : " لغدوة أو روحة " الغدوة بالفتح والللام للابتداء وهي المرة الواحدة من الغدو وهو الخروج في أي وقت كان من أول النهار إلى انتصافه . والروحة المرة الواحدة من الرواح وهو الخروج في أي وقت كان من زوال الشمس إلى غروبها
قوله : " في سبيل الله " أي الجهاد
قوله : " خير من الدنيا وما فيها " قال ابن دقيق العيد يحتمل وجهين أحدهما أن يكون من باب تنزيل الغائب منزلة المحسوس تحقيقا له في النفس لكون الدنيا محسوسة في النفسس مستعظمة في الطباع ولذلك وقعت المفاضلة بها وإلا فمن المعلوم أن جميع ما في الدنيا لا يساوي ذرة مما في الجنة والثاني أن المراد أن هذا القدر من الثواب خير من الثواب الذي يحصل لمن لو حصلت له الدنيا كلها لأنفقها في طاعة الله تعالى ويؤيد هذا الثاني ما رواه ابن المبارك في كتاب الجهاد من مرسل الحسن قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جيشا فيهم عبد الله بن رواحة فتأخر ليشهد الصلاة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لو أنفقت ما في الأرض ما أدركت فضل غدوتهم " ( والحاصل ) أن المراد تسهيل أمر الدنيا وتعظيم أمر الجهاد وأن من حصل له من الجنة قدر سوط يصير كأنه حصل له أعظم من جميع ما في الدنيا فكيف لمن حصل منها أعلى الدرجات . والنكتة ي ذلك أن سبب التأخير عن الجهاد الميل إلى سبب من أسباب الدنيا
قوله : " من أغبرت قدماه " زاد أحمد من حديث أبي هريرة ساعة من نهار وفيه دليل على عظم قدر الجهاد في سبيل الله فإن مجرد مس الغبار إذا كان من موجبات السلامة من النار فكيف بمن سعى وبذل جهده واستفرغ وسعه قوله " خير مما طلعت عليه الشمس وغربت " هذا هو المراد بقوله في الحديث الأول " خير من الدنيا وما فيها "
قوله : " فواق ناقة " وقدر ما بين الحلبتين من الاستراحة
قوله : " تحت ظلال السيوف " الظلال جمع ظل وإذا تدانى الخصمان صار كل واحد منهم تحت ظل سيف صاحبه لحرصه على رفعه عليه ولا يكون ذلك إلا عند التحام القتال قال القرطبي وهو من الكلام النفيس الجامع الموجز المشتمل على ضروب من البلاغة مع الوجازة وعذوبة اللفظ فإنه أفاد الحض على الجهاد والإخبار بالثواب عليه والحض على مقاربة العدو واستعمال السيوف والإجماع حين الزحف حتى تصير السيوف تظل المقاتلين
وقال ابن الجوزي المراد أن الجنة تحصل بالجهاد . وله " وموضع سوط أحدكم " في رواية للبخاري وقاب قوس أحدكم أي قدره (8/14)
8 - وعن معاذ بن جبل " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قاتل في سبيل الله من رجل مسلم فواق ناقة وجبت له الجنة ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر كما كانت لونها الزعفران وريحها المسك "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه (8/14)
9 - وعن عثمان بن عفان قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول رباط يوم في سبيل الله خير من ألف يوم فيما سواه في المنازل "
- رواه احمد والترمذي والنسائي . ولابن ماجه معناه (8/15)
10 - وعن سلمان الفارسي قال " سمعت رسول الله يقول رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأجرى عليه رزقه وأمن الفتان "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (8/15)
11 - وعن عثمان بن عفان قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حرس ليلة في سبيل الله أفضل من ألف ليلة بقيام ليلها وصيام نهارها "
- رواه أحمد (8/15)
12 - وعن ابن عباس " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشيت الله وعين باتت تحرس في سبيل الله "
- رواه الترمذي
وقال حديث حسن بن غريب (8/16)
13 - وعن أبي أيوب قال " إنما أنزلت هذه الآية فينا معشر الأنصار لما نصر الله نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وأظهر الإسلام قلنا هل نقيم في أموالنا ونصلحها فأنزل الله تعالى وانفقوا في سبيل الله ولا ترموا بأيديكم في التهلكة فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة أن نقيم في أموالنا ونصلحها وندع الجهاد "
- رواه أبو داود (8/16)
14 - وعن أنس قال " قال رسزل الله صلى الله عليه وآله وسلم جاهدوا المشركين بأموالكم وأيديكم وألسنتكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (8/16)
- حديث معاذ أخرجه أيضا ابن ماجه وإسناد الترمذي وابن ماجه صحيح وأما إسناد أبو داود ففيه بقية بن الوليد وهو متكلم فيه ولفظه عند أبي داود " من قاتل في سبيل الله فواق ناقة وجبت له الجنة ومن سئل الله القتل من نفسه صادقا ثم مات أو قتل فإن له أجر شهيد ومن جرح جرحا في سبيل الله أو نكب نكبة فإنها فإنها تجيء يوم القيامة كأغزر ما كانت لونها لون الزعفران وريحها ريح المسك ومن خرج به خراج في سبيل الله عز و جل فإن عليه طابع الشهداء " وذكر المصنف رحمه الله أن الترمذي صحح حديث معاذ المذكور ولم نجد ذلك في جامعه وإنما صحح حديث أبي هريرة بمعناه ولكنه قد وافق المصنف على حكاية تصحيح الترمذي لحديث معاذ جماعة منهم المنذري في مختصر السنن والحافظ في الفتح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم وحديث عثمان قال الترمذي بعد إخراجه أنه حديث حسن صحيح غريب . وحديث سلمان الفارسي أخرجه أيضا الترمذي . وحديث عثمان الثاني أشار إليه الترمذي . وحديث ابن عباس قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث شعيب بن زريق . وحديث أبي أيوب أخرجه أيضا النسائي والترمذي وقال حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم ولفظ الحديث عند أبي داود عن أسلم بن عمران قال " غزونا من المدينة نريد القسطنطينية وعلى الجماعة عبد الرحمن بن خالد بن الوليد والروم ملصقوا ظهورهم بحائط المدينة فحمل رجل على العدو فقال الناس مه مه لا إله إلا الله يلقي بيده إلى التهلكة فقال أبو أيوب إنما أنزلت هذه الآية فذكره
وفي الترمذي فضالة بن عبيد بدل عبد الرحمن بن خالد بن الوليد . وحديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وصححه النسائي ( والأحاديث ) في فضل الجهاد كثيرة جدا لا يتسع لبسطها إلا مؤلف مستقل
قوله : " من جرح جرحا " ظاهر هذا أنه لا يختص بالشهيد الذي يموت من تلك الجراح بل هو حاصل لكل من جرح ويحتمل أن يكون المراد بهذا الجرح هو ما يموت صاحبه بسببه قبل إندماله لا ما يندمل في الدنيا فإن أثر الجراحة وسيلان الدم يزول ولا ينف ذلك كونه له فضل في الجملة قال في الفتح قال العلماء الحكمة في بعثه كذلك أن يكون معه شاهد فضيلته ببذل نفسه في طاعة الله
قوله " أو نكب نكبة " بضم النون من نكب وكسر الكاف قال في القاموس نكب عنه كنصر وفرح نكبا ونكبا ونكوبا عدل كنكب وتنكب ونكبهتنكبا نحاه لازم متعد وطريق منكوب على غير قصد ونكبه الطريق ونكب به عنه عدل والنكب الطرح انتهى
وقال في الفتح النكبة أن يصيب العضو شيء فيدميه انتهى
قوله : " لونها الزعفران " في حديث أبي هريرة عند الترمذي وغيره اللون لون الدم والريح ريح المسك
قوله : " رباط يوم في سبيل الله " بكسر الراء وبعدها موحدة ثم طاء مهملة قال في القاموس المرابطة أن يربط كل من الفريقين خيولهم في ثغرة وكل معد لصاحبه فسمي المقام في الثغر رباطا ومنه قوله تعالى { وصابروا ورابطوا } انتهى
قوله : " أمن الفتان " بفتح الفاء وتشديد التاء الفوقية وبعد الألف نون قال في القاموس الفتان اللص والشيطان كالفاتن والصانع والفتانان الدرهم والدينار ومنكر ونكير قال في النهاية وبالفتح هو الشيطان لأنه يفتن الناس عن الدين انتهى . والمراد ههنا الشيطان أو منكر ونكير
قوله : " حرس " هو مصدر حرس والمراد هنا حراسة الجيش يتولاها واحد منهم فيكون له الأجر لما في ذلك من العناية بشأن المجاهدين والتعب في مصالح الدين ولذلك قال في الحديث الآخر " عينان لا تمسهما النار عين بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله " قوله " فالإلقاء بأيدينا إلى التهلكة للنهي لكل أحد عن كل ما يصدق عليه أنه من باب الألقاء بالنفس إلى التهلكة والأعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإذا كانت تلك الصورة التي قال الناس إنها من باب الألقاء لما رأو الرجل الذي حمل على العدو كما سلف من صور الإلقاء لغة أو شرعا فلا شك أنها داخلة تحت عموم الآية ولا يمنع من الدخول اعتراض أبي أيوب بالسبب الخاص وقد تقرر في الأصول رجحان قول من قال أن الأعتبار بعموم اللفظ ولا حرج في اندراج التهلكة باعتبار الدين وباعتبار الدنيا تحت قوله ( ولا تلقوا بأيديكم بالتهلكة ) ويكون ذلك من باب استعمال المشترك في جميع معانيه وهو أرجح الأقوال الستة المعروفة في الأصول في استعمال المشترك
وفي البخاري في التفسير إن التهلكة هي ترك النفقة في سبيل الله وذكر صاحب الفتح هنالك أقوالا أخر فليراجع
وقد أخرج الحاكم من حديث أنس " أن رجلا قال يا رسول الله أرأيت إن انغمست في المشركين فقاتلتهم حتى قتلت أإلى الجنة قال نعم فأنغمس الرجل في صف المشركين فقاتل حتى قتل "
وفي الصحيحين عن جابر قال " قال رجل أين أنا يا رسول الله إن قتلت قال في الجنة فألقى تمرات كن بيده ثم قاتل حتى قتل " وروى ابن إسحاق في المغازي عن عاصم بن عمر بن قتادة قال لما " التقى الناس يوم بدر قال عوف بن الحرث يا رسول الله ما يضحك الرب من عبده قال أن يراه غمس يده في القتال يقاتل حاسرا فنزع درعه ثم تقدم فقاتل حتى قتل " قوله " جاهدوا المشركين " الخ فيه دليل على وجوب المجاهدة للكفار بلأموال والأيدي والألسن
وقد ثبت الأمر القرآني بالجهاد بالأنفس والأموال في مواضع . وظاهر الأمر الوجوب وقد تقدم الكلام على ذلك وسيأتي أيضا (8/17)
باب أن الجهاد فرض كفاية وأنه شرع مع كل برو فاجر (8/17)
1 - عن عكرمة عن ابن عباس " قال ألا تنفروا يعذبكم عذبا أليما وما كان لأهل المدينة إلى قوله يعملون نسختها الآية التي تليها وما كان المؤمن "
- رواه أبو داود (8/17)
2 - وعن عروة بن الجعد البارقي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال الخيل معقود في نواصيها الأجر والمغنى إلى يوم القيامة "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم والنسائي من حديث جرير البجلي مثله وفيه مستدل بعموم على الإسهام لجميع أنواع الخيل وبمفهومه على عدم الإسهام لبقية الدواب (8/18)
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث من أصل الإيمان الكف عمن قال لا إله إلا الله لانكفره بذنب ولا نخرجه من الإسلام بعمل وجهاد ماض مذ بعثني الله إلى أن يقاتل أخر أمتي الدجال لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل والإيمان بالأقدار "
- رواه أبو داود وحكاه أحمد في رواية ابنه عبد الله (8/18)
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده ثقات إلا علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال وهو صدوق وبوب عليه أبو داود باب في نسخ نفير العامة بالخاصة وحسنه الحافظ في الفتح
وأخرج أبو داود عن ابن عباس أنه سأله نجدة بن نفيع عن هذه الآية ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما قال فامسك عنهم المطر وكان عذابهم . ونجدة بن نفيع الحنفي مجهول كما قاله صاحب الخلاصة . وحديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده يزيد بن أبي نشبة وهو مجهول
وأخرج أيضا سعيد بن المنصور وفيه ضعف وله شواهد
قوله : " نسختها الآية التي تليها وما كان المؤمنون لينفروا كافة " قال الطبري يجوز أن يكون ألا تنفروا يعذبكم عذابا أليما خاصة والمراد به من استنفره النبي صلى الله عليه وآله وسلم فامتنع
قال الحافظ والذي يظهر أنها مخصوصة وليست بمنسوخة وقد وافق ابن عباس على دعوى النسخ عكرمة والحسن البصري كما روى ذلك الطبري عنهما وزعم بعضهم أن قوله { انفروا ثبات } ناسخة لقوله تعالى { انفروا خفافا وثقالا } وثبات جمع ثبة ومعناه جماعات متفرقة ويؤيده قوله تعالى بعده أو انفروا جميعا
قال الحافظ والتحقيق أنه لا نسخ بل المرجع في الآيتين يعني هذه وقوله تعالى { ألا تنفروا } مع قوله { وما كان المؤمنون لينفروا كافة } إلى تعيين الامام وإلى الحاجة قوله " الخيل معقود " الخ المراد بها المتخذة للغزو بأن يقاتل عليها أو ترتبط لأجل ذلك وقد روى أحمد من حديث أسماء بنت يزيد مرفوعا " الخيل في نواصيها الخير معقود أبدا إلى يوم القيامة فين ربطها عدة في سبيل الله وأنفق عليها احتسابا كان شبعها وجوعها وريها وظمأها وأروائها وأبوالها فلاحا في موازينه يوم القيامة " قوله " الأجر والمغنم " بدلا من قوله الخير أو هو خبر مبتدأ محذوف أي هو الأجر والمغنم ووقع عند مسلم من رواية جرير " فقالوا لما ذاك يا رسول الله قال الأجر والمغنم "
قال الطيبي يحتمل أن يكون الخير الذي فسر بالأجر والمغنم استعارة لظهوره وملازمته وخص الناصية لرفعة قدرها فكأنه شبهه لظهوره بشيء محسوس معقود على ما كان مرتفعا فنسب الخير إلى لازم المشبه به وذكر الناصية تجريد للاستعارة والمراد بالناصية هنا الشعر المسترسل على الجبهة قال الخطابي وغيره قالوا ويحتمل أن يكون كني بالناصية عن جميع ذات الفرس كما يقال فلان مبارك الناصية ويبعده ما رواه مسلم من حديث جرير قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوي ناصية فرسه بإصبعه ويقول " فذكر الحديث فيحتمل أن تكون خصت بذلك لكونها المقدم منها إشارة إلى أن الفضل في الإقدام بها على العدودون المؤخر لما فيه من الإشارة إلى الإدبار
قوله : " والجهاد ماض " الخ فيه دليل على أن الجهاد لا يزال ما دام الإسلام والمسلمون إلى ظهور الدجال وأخرج أبو داود وأبو يعلى مرفوعا وموقوفا من حديث أبي هريرة " الجهاد ماض مع البر والفاجر " ولا بأس بإسناده إلا أنه من رواية مكحول عن أبي هريرة ولم يسمع منه
وأخرج أبو داود من حديث عمران بن حصين قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين على من ناواهم حتى يقاتل آخرهم المسيح الدجال " قوله " لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل " في دليل على أنه لا فرق في حصول فضيلة الجهاد بين أن يكون الغزو مع الإمام العادل أو الجائر
وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الجهاد فرض كفاية وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الكتاب
وقد حكى في البحر عن العترة والشافيعة والحنفية أنه فرض كفاية وعن ابن المسيب أنه فرض عين وعن قوم فرض عين في زمن الصحابة (8/18)
باب ما جاء في إخلاص النية في الجهاد وأخذ الأجرة عليه والإعانة (8/19)
1 - عن أبي موسى قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله فقال من قاتل لتكون كلمة الله العليا فهو في سبيل الله "
- رواه الجماعة (8/19)
2 - وعن عبد الله بن عمرو قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من غازية تغزوا في سبيل الله فيصيبون غنيمة ألا تجعلوا ثلثي أجرهم في الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي (8/19)
3 - وعن أبي أمامة قال " جاء زجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له أرأيت رجلا غزا يلتمس الأجر والذكر ما له فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاشيء له فأعادها ثلاث مرات يقول له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا شيء له ثم قال إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصا وابتغى به وجهه "
- رواه أحمد والنسائي (8/20)
- حديث أبي أمامة جود الحافظ إسناده في فتح الباري وقد أخرج أبو موسى في الصحابة عن لاحق بن ضميرة الباهلي قال وفدت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسأته عن الرجل يلتمس الأجر والذكر فقال لا شيء له في إسناده ضعيف
وأخرج أبو داود من حديث أبو هريرة " أن رجل قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يريد الجهاد في سبيل الله وهو يبتغي عرضا من عرض الدنيا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا أجر له فأعاد ذلك مرة أخرى ثم ثالثة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا أجر له "
قوله : " يقاتل شجاعة " في رواية للبخاري في الجهاد والرجل يقاتل للذكر أي ليذكر بين الناس ويشتهر بالشجاعة
قوله : " ويقاتل رياء " في رواية للبخاري والرجل يقاتل ليري مكانه ومرجعه إلى الرياء والمراد بالمقاتلة لأجل الحمية أن يقاتل لأجل من يقاتل لأجله من أهل أو عشيرة أو صاحب ويحتمل أن تفسر الحمية بالقتال لدفع المضرة والقتال غضبا لجلب المنفعة
وفي رواية للبخاري والرجل يقاتل للمغنم وفي أخرى له والرجل يقاتل غضبا والحاصل من الروايات أن القاتل يقع بسبب خمسة أشياء طلب المغنم وإظهار الشجاعة والرياء والحمية والغضب وكل منها يتناوله المدح والذم ولهذا لم يحصل الجواب بالإثبات ولا بالنفي
قوله : " من قاتل لتكوم كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله " المراد بكلمة الله دعوة الله إلى الإسلام ويحتمل أن يكن المراد به أن لا يكون في سبيل الله إلا من كان سبب قتاله طلب إعلاء كلمة الله فقط . بمعنى أنه لو أضاف إلى ذلك سبب من السباب المذكورة أخل به . وصرح الطبري أنه لا يخل إذا حصل ضمنا لا أصلا ومقصودا به قال الجمهور كما حكاه صاحب الفتح لكنه يعكر على هذا ما في حديث أبي أمامة المذكور من أن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ويمكن أن يحمل على قصد الأمرين معا على حد واحد فلا يخالف ما قاله الجمهور ( فالحاصل ) أنه إما أن يقصد الشيئين معا أو يقصد أحدهما فقط أو يقصد أحدهما ويحصل الآخر ضمنا والمحذزر أن يقصد غير الإعلاء سواء حصل الإعلاء ضمنا أو لم يحصل ودونه أن يقصدهما معا فإنه محذور على ما دل عليه حديث أبي أمامة والمطلوب أن يقصد الإعلاء فقط سواء حصل غير الإعلاء ضمنا أو لم يحصل
قال ابن أبي جمرة ذهب المحققون إلى أنه لو إذا كان الباعث الأول قصد إعلاء كلمة الله لم يضره ما ينضاف إليه وعلى هذا يحمل حديث أبي هريرة الذي ذكرناه وأما حديث عبد الله بن عمرو المذكور فليس فيه ما يدل على جواز قصد غير الغزو في سبيل الله لأن الغنيمة إنما حصلت بعد أن كان الغزو في سبيل الله ولم يكن مقصود في الابتداء ولهذا قال في أول الحديث مامن غازية تغزوا في سبيل الله الخ
قال في الفتح والحاصل مما ذكر أن القتال منشؤه القوة العقلية والقوة الغضبية والقوة الشهوانية ولا يكون في سبيل الله إلا الأول
وقال ابن بطال إنما عدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لفظ جواب السائل لأن الغضب والحمية قد يكونان لله فعدل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك إلى لفظ جامع فأفاد رفع الالتباس وزيادة الإفهام وفيه بيان أن الأعمال إنما تحتسب بالنية الصالحة وإن الفضل الذي ورد في المجاهدين يختص بمن ذكر (8/20)
4 - وعن أبي هريرة " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن أول الناس يقضي يوم القيامة عليه رجل استشهد فأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكن قاتلت أن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى يلقى في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأتى به فعرفه نعمه فعرفها فقال فقال ما عملت فيها تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال قارئ فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كلهفأتى به فعرفه نعمه فعرفها قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن ينفق فيها إلا أنفقت فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقال هو جواد فقد قيل فأمر به فسحب على وجهه فألقي في النار "
- رواه أحمد ومسلم (8/20)
5 - وعن أبي أيوب " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ستفتح عليكم الأمصار وستكونون جنودا مجندة يقطع عليكم بعوث فيكره الرجل منكم البعث فيها فيتخلص من قومه ثم يتصفح القبائل يعرض نفسه عليهم يقول من أكفيه بعث كذا من أكفيه بعث كذا ألا وذلك الأجير إلى آخر قطرة من دمه "
- رواه أحمد وأبو داود (8/21)
6 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال للغازي أجره وللجاعل أجره وأجر الغازي "
- رواه أبو داود (8/21)
7 - وعن زيد بن خالد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جهز غازيا في سبيل الله فقد غزا ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا "
- متفق عليه (8/21)
- حديث أبي أيوب سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده أبو سورة ابن أخي أبي أيوب وفيه ضعف وكذلك حديث عبد الله بن عمرو سكتا عنه ورجال إسناده ثقات
قوله : " إن أول الناس " الخ لفظ الترمذي أول ما يدعى به يوم القيامة رجل جمع القرآن ورجل قتل في سبيل الله ورجل كثير المال فيقول الله تعالى للقارئ ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي فيقول بلى يا رب قال فما عملت فيما علمت فيقول كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار فيقول الله تعالى كذبت وتقول الملائكة كذبت إنما أردت أن يقال فلان قارئ وقد قيل ذلك . وذكر نحو ذلك في الذي قتل في سبيل الله والذي له مال كثير
قوله : " نعمه " بكسر النون وفتح العين المهملة جمع نعمة بسكون العين وهذا الحديث فيه دليل على أن فعل الطاعات العظيمة مع سوء النية من أعظم الوبال على فاعله فإن الذي أوجب سحبه في النار على وجهه هو فعل تلك الطاعة المصحوبة بتلك النية الفاسدة وكفى بهذا رادعا لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد اللهم إنا نسألك صلاح النية وخلوص الطوية
وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله تعالى أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه " وأخرج الترمذي عن كعب بن مالك قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من طلب العلم ليجاري به العلماء ويماري به السفهاء ويصرف به وجوه الناس إليه أدخله الله النار " وأخرج الترمذي أيضا عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعوذوا بالله من جب الحزن قالوا يا رسول الله وما جب الحزن قال واد في جهنم تتعوذ منه جهنم كل يوم مائة مرة قيل يا رسول الله ومن يدخله قال القراء المراؤن بأعمالهم " وأخرج الترمذي أيضا عن أبي هريرة وابن عمر " قالا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكون في آخر الزمان رجال يختلون الدنيا بالدين يلبسون الناس جلود الضأن ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم قلوب الذئاب يقول الله تعالى أبي تغترون أم علي تجترؤن فبي حلفت لأبعثن على أولئك منهم فتنة تدر الحليم فيهم حيران " وأخرج الشيخان عن أبي وائل قال " سمعت أسامة يقول قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤتى بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتاب بطنه فيدور بها كما يدور الحمار بالرحى فتجتمع إليه أهل النار فيقولون يا فلان ألم تكن تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر فيقول بلى كنت آمر بالمعروف ولا آتيه وأنهي عن المنكر وآتيه " وأخرج الحاكم من حديث معاذ يرفعه قال " إن يسير الرياء شرك " قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد ولا يحفظ له علة
وأخرج ابن حبان في صحيحه والحاكم وصححه من حديث عائشة مرفوعا " الشرك في هذه الأمة أخفي من دبيب النمل " وفي الباب عن أبي سعيد رواه أحمد . وعن أبي موسى وأبي بكر وحذيفة ومعقل بن يسار رواها الهيثمي
وأخرج أحمد من حديث عبد الله بن عمرو مرفوعا " من سمع بعلمه الله به سامع خلقه وصغره وحقره "
قوله : " بعوث " جمع بعث وهو طائفة من الجيش يبعثون في الغزو كالسرية وفيه دليل على أنه يحرم على الرجل أن يمتنع من الخروج إلى الغزو مع قومه ثم يذهب يعرض يفسه على غير قومه ممن طلبوا إلى الغزو ليكون عوض عن أحدهم بالأجرة فإن من فعل ذلك كان خروجه للدنيا لا للدين ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم فهو الأجير إلى أخر قطرة من دمه أي لا يكون في سبيل الله من دمه شيء بل في سبيل ما أخذه من الأجرة
قوله : " وللجاعل أجره وأجر الغازي " فيه دليل على أنه لا يستحق أجر الغزو من خرج بالأجرة بل يكون أجره لليستأجر وهو الذي أعطاه الجعالة أي ما جعله له من الأجرة ويكون ذلك أي أجر المجعول له منضما إلى أجر الجاعل إذا كان غازيا وإن لم يكن غازيا فله أجر الذي دفعه من الأجر وأجر المجعول له
قوله : " من جهز غازيا " أي هيأ له أسباب سفره وما يحتاج إليه مما لا بد منه
قوله " فقد غزا " قال ابن حبان معناه أنه مثله في الأجر وإن لم يغز حقيقة ثم أخرج الحديث من وجه آخر بلفظ " كتب له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجره شيء " وأخرج ابن ماجه وابن حبان أيضا من حديث ابن عمر بلفظ " من جهز غازيا حتى يستقل كان له مثل أجره حتى يموت أو يرجع " وأما ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث بعثا وقال ليخرج من كل رجلين رجل والأجر بينهما وفي رواية له ثم قال للقاعد " أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج " ففيه اشارة إلى الغازي إذا جهز نفسه وقام بكفاية من يخلفه بعده كان له الأجر مرتين
وقال القرطبي لفظة نصف يحتمل أن تكون مقحمة من بعض الرواة وقد احتج بها من ذهب إلى أن المراد بالأحاديث التي وردت بمثل ثواب الفعل حصول أصل الأجر له بغير تضعيف وإن التضعيف يختص بمن باشر العمل قال ولا حجة له في هذا الحديث لوجهين . أحدهما أنه لا يتناول محل النزاع لأن المطلوب إنما هو أن الدال على الخير مثلا هل له مثل أجر فاعله مع التضعيف أو بغير تضعيف والحديث المذكور إنما يقتضي المشاركة والمشاطرة فافترقا . ثانيهما ما تقدم من احتمال كون لفظة نصف زائدة : قال الحافظ لا حاجة لدعوى زيادتها بعد ثبوتها في الصحيح والذي يظهر في توجيهها أنها أطلقت بالنسبة إلى مجموع الثواب الحاصل للغازي والمخالف له فإن الثواب إذا انقسم بينهما نصفين كان لكل منهما مثل ما لللآخر فلا تعارض بين الحديثين وأما من وعد بمثل ثواب العمل وإن لم يعمله إذا كان له فيه دلالة أو مشاركة أو نية صالحة فليس على إطلاقه في عدم التضعيف لكل أحد وصرف والخبر عن ظاهره يحتاج على مستند وكأن مستند القائل إن العامل يباشر المشقة بنفسه بخلاف الدال ونحوه لكن من يجهز الغازي بماله مثلا وكذا من يخلفه فيمن ترك بعده يباشر شيئا من المشقة أيضا فإن الغازي لا يتأتى منه الغزو وإلا بعد أن يكفي ذلك العمل فصار كأنه يباشر معه الغزو بخلاف من اقتصر على النية مثلا انتهى
قوله : " ومن خلفه في أهله بخير " بفتح الخاء المعجمة واللام الخفيفة أي قام بحال من يتركه (8/22)
باب استئذان الأبوين في الجهاد (8/22)
1 - عن ابن مسعود قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أي العمل أحب إلى الله قال الصلاة على وقتها قلت ثم أي قال بر الوالدين قلت ثم أي قال الجهاد في سبيل الله حدثني بهن ولو استزدته لزادني "
- متفق عليه (8/22)
2 - وعن عبد الله بن عمرو قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال أحي والداك قال نعم قال ففيهما فجاهد "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه (8/23)
3 - وفي رواية " أتى رجل فقال يا رسول الله أنى جئت أريد الجهاد معك ولقد أتيت وأن والدي يبكيان قال فارجع إليهما فأضحكمها كما أبكيتهما "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (8/23)
4 - وعن أبي سعيد " إن رجلا هاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من اليمن فقال هل لك أحد باليمن فقال أبواي فقال أذنا لك فقال لا فقال أرجع إليهما فاستأذنهما فإن أذنا لك أحد فجاهد وإلا فبرهما "
- رواه أبو داود (8/23)
5 - وعن معاوية بن جاهمة السلمي " إن جاهمة أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أردت الغزو وجئتك أستشيرك فقال هل لك من أم قال نعم فقال الزمها فإن الجنة عند رجليها "
- رواه أحمد والنسائي . وهذا كله إن لم يتعين عليه الجهاد فإذا تعين فتركه معصية ولا طاعة لمخلوق في معصية الله عز و جل (8/24)
- الرواية الثانية من حديث عبد الله بن عمرو أخرجها أيضا النسائي وابن حبان وأخرجها أيضا مسلم وسعيد بن منصور من وجه آخر في نحو هذه القصة قال ارجع إلى والدتك فأحسن صحبتها . وحديث أبي سعيد صححه ابن حبان وحديث معاوية بن جاهمة أخرجه أيضا البيهقي من طريق ابن جريج عن محمد بن طلحة ابن ركانة عن معاوية وقد اختلف في اسناده على محمد بن طلحة اختلافا كثيرا ورجال اسناد النسائي ثقات إلا محمد بن طلحة وهو صدوق يخطئ
قوله : " أي العمل أحب إلى الله " في رواية للبخاري وغيره أي العمل أفضل وظاهره إن الصلاة أحب الأعمال وأفضلها
قال في الفتح وحاصل ما أجاب به العلماء عن هذا الحديث ونحوه مما اختلف فيه الأجوبة بأنه أفضل الأعمال إن الجواب اختلف لاختلاف أحوال السائلين بأن أعلم كل قوم بما يحتاجون إليه أو بمالهم فيه رغبة أو بما هو لائق بهم أو كان الأختلاف باختلاف الأوقات بأن يكون العمل في ذلك الوقت أقضل منه في غيره فقد كان الجهاد في أول الإسلام أفضل الأعمال لأنه الوسيلة إلى القيام بها والتمكن من ادائها وقد تظافرت النصوص على أن الصلاة أفضل من الصدقة ومع ذلك ففي وقت مواساة الفقراء المضطرين تكون الصدقة أفضل أو أن أفضل ليست على بابها بل المراد بها الفضل المطلق أو المراد من أفضل الأعمال فحذفت من وهي مرادة
وقال ابن دقيق العيد الأعمال في هذا الحديث محمولة على البدنية وأريد بذلك الأحتراز عن الإيمان لأنه من أعمال القلوب فلا تعارض بينه وبين حديث أبي هريرة أفضل الأعمال إيمان بالله الحديث : وقال غيره المراد بالجهاد هنا ما ليس بفرض عين لأنه يتوقف على إذن الوالدين فيكون برهما مقدما عليه قوله " الصلاة على وقتها " قال ابن بطال فيه أن البدار إلى الصلاة في أول الوقت أفضل من التراخي فيها لأنه إنما شرط فيها أن تكون أحب الأعمال إذا أقيمت لوقتها المستحب
قال الحافظ وفي أخذ ذلك من اللفظ المذكور نظر
قال ابن دقيق العبد ليس في هذا اللفظ ما يقتضي أولا ولا آخرا وكان المقصود به الأحتراز عما إذا وقعت قضاء وتعقب بأن إخراجها عن وقتها محرم ولفظ أحب يقتضي المشاركة في الأستحباب فيكون المراد الأحتراز عن ايقاعها آخر الوقت وأجيب أن المشاركة إنما هي بالنسبة إلى الصلاة وغيرها من الأعمال فإن وقعت الصلاة في وقتها كانت أحب إلى الله من غيرها من الأعمال فوقع الأحتراز عما إذا وقعت خارجة عن وقتها من معذور كالنائم والناسي فإن إخراجهما لها عن وقتها لا يوصف بالتحريم ولا يوصف بكونه أفضل الأعمال مع كونه محبوبا لكن ايقاعها في الوقت أحب
وقد روى الحديث الدارقطني والحاكم والبيهقي بلفظ الصلاة في أول وقتها وهذا اللفظ مما تفرد به علي بن حفص وهو شيخ صدوق من رجال مسلم
قال الدارقطني ما أحسبه حفظه لأنه كبر وتغير حفظه قال الحافظ ورواه الحسين المعمري في اليوم والليلة عن أبي موسى محمد بن المثني عن غندر عن شعبة كذلك قال الدارقطني تفرد به المعمري فقد رواه أصحاب أبي موسى عنه بلفظ " على وقتها " ثم أخرجه الدارقطني عن المحاملي عن أبي موسى كرواية الجماعة وكذا رواه أصحاب غندر عنه والظاهر أن المعمري وهم فيه لأنه كان يحدث من حفظه وقد أطلق النووي في شرح المهذب أن رواية في أول وقتها ضعيفة وتعقبه الحافظ بأن لها طريقا أخرى أخرجها ابن خزيمة في صحيحه والحاكم وغيرهما من طريق عثمان بن عمر عن مالك بن مغول عن الوليد وتفرد عثمان بذلك والمعروف عن مالك بن مغول كرواية الجماعة وكان من رواها كذلك ظن أن المعنى واحد ويمكن أن يكون أخذه من لفظه على لأنها تقتضي الأستعلاء على جميع الوقت فتعين أوله والظاهر أن على بمعنى اللام أي لوقتها
قال القرطبي وغيره أن اللام في لوقتها للاستقبال مثل ( فطلقوهن لعدتهن ) أي مستقبلات عدتهن وقيل للابتداء كقوله ( أقم الصلاة لدلوك الشمس ) وقيل بمعنى في أي وقتها وقيل إنها لإرادة الاستعلاء على الوقت وفائدته تحقق دخول الوقت ليقع الأداء فيه قوله " ثم أي " قيل الصواب أنه غير منون لانه موقوف عليه في الكلام والسائل ينتظر الجواب والتنوين لا يوقف عليه فتنوينه ووصله بما بعده خطأ فيوقف عليه ثم يؤتى بما بعده
قال الفاكهاني وحكى ابن الجوزي وابن الخشاب الجزم بتنوينه لأنه معرب غير مضاف وتعقب بأنه مضاف تقديرا والمضاف إليه محذوف لفظا والتقدير ثم أي العمل أحب فوقف عليه بلا تنوين
قوله " بر الوالدين " كذا للأكثر وللمستملى ثم بر الوالدين بزيادة ثم وفي الحديث فضل تعظيم الوالدين وإن أعمال البدن يفضل بعضها على بعض وفيه فوائد غير ذلك
قوله : " ففيهما فجاهد " أي خصصهما بجهاد النفس في رضائهما
قال في الفتح ويستفاد منه جواز التعبير عن الشيء بضده إذا فهم المعنى لأن صيغة الأمر في قوله فجاهد ظاهرها إيصال الضرر الذي كان يحصل لغيرهما بهما وليس ذلك مرادا قطعا وإنما المراد إيصال القدر المشترك من كلفة الجهاد وهوتعب البدن وبذل المال ويؤخذ منه أن كل شيء يتعب النفس يسمى جهادا اه ولا يخفى أن كون المفهوم من تلك الصيغة إيصال الضرر بالأبوين إنما يصح قبل دخول لفظ في عليها وأما بعد دخولها كما هو الواقع في الحديث فليس ذلك المعنى هو المفهوم منها فإنه لا يقال جاهد في الكفار بمعنى جاهدهم كما يقال جاهد في الله فالجهاد الذي يراد منه إيصال الضرر لمن وقعت المجاهدة له هو جاهده لا جاهد فيه وله
وفي الحديث دليل على أن بر الوالدين قد يكون أفضل من الجهاد
قوله : " فإن أذنا لك فجاهد " فيه دليل على أنه يجب استئذان الأبوين في الجهاد وبذلك قال الجمهور وجزموا بتحريم الجهاد إذا منع منه الأبوان أو أحدهما لأن برهما فرض عين والجهاد فرض كفاية فإذا تعين الجهاد فلا أذن ويشهد له ما أخرجه ابن حبان من حديث عبد الله بن عمرو قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله عن أفضل الأعمال قال الصلاة قال ثم مه قال الجهاد قال فإن لي والدين فقال آمرك بوالديك خيرا فقال والذي بعثك نبيا لأجاهدن ولأتركنهما قال فأنت أعلم " وهو محمول على جهاد فرض العين توفيقا بين الحديثين وهذ بشرط أن يكون الأبوان مسلمين وهل يلحق بهما الجد والجدة الأصح عند الشافعية ذلك وظاهره عدم الفرق بين الأحرار والعبيد
قال في الفتح واستدل بالحديث على تحريم السفر بغير إذنهما لأن الجهاد إذا منع منه مع فضيلته فالسفر المباح أولى نعم إن كان سفره لتعلم فرض عين حيث يتعين السفر طريقا إليه فلا منع وإن كان فرض كفاية ففيه خلاف (8/24)
باب لا يجاهد من عليه دين إلا برضا غريمه (8/24)
1 - عن أبي قتادة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قام فيهم فذكر لهم أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل الأعمال فقام رجل فقال يا رسول الله أرأيت أن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم إن قتلت في سبيل الله وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف قلت قال أرأيت أن قتلت في سبيل الله تكفر عني خطاياي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه . ولأحمد والنسائي من حديث أبي هريرة مثله (8/25)
2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يغفر الله للشهيد كل ذنب إلا الدين فإن جبريل عليه السلام قال لي ذلك "
- رواه أحمد ومسلم (8/25)
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القتل في سبيل الله يكفر كل خطيئة فقال جبريل إلا الدين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا الدين "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (8/25)
- حديث أبي هريرة رجال اسناده في سنن النائي ثقات وقد أشار إليه الترمذي فقال بعد إخراجه لحديث أبي قتادة وفي الباب عن أنس ومحمد بن جحش وأبي هريرة اه قوله " افضل الأعمال " فيه دليل على أن الجهاد في سبيل الله والإيمان بالله أفضل من غيرهما من أعمال الخير وهو يعارض في الظاهر ما تقدم في الباب الأول ويتوجه الجمع بما سلف
قوله : " نعم " فيه دليل على أن الجهاد بشرط أن يكون في سبيل الله مع الأحتساب وعدم الأنهزام من مكفرات جميع الذنوب والخطايا فيكون الشهيد بالشهادة مستحقا للمغفرة العامة إلا ما كان من الديون اللازمة للآدميين فإنها لا تغفر للشهيد ولا تسقط عنه بمجرد الشهادة وذلك لكونه حق الآدمي وسقوطه إنما يكون بضاء واختياره ولهذا امتنع صلى الله عليه وآله وسلم من الصلاة على من عليه دين كما تقدم في الضمانة ويلحق بالدين ما كان جقا لآدمي من دم أو عرض بجامع أن كل واحد حق لآدمي يتوقف سقوطه على اسقاطه
قوله : " فإن جبريل قال لي ذلك " لعل الجواب منه صلى الله عليه وآله وسلم بقوله نعم من غير استثناء كان بالأجتهاد ثم لما أخبره جبريل بما أخبر استعاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم من السائل سؤاله ثم أخبره بأن استثناء الدين ليس هو من جهته وإنما هو بأمر الله له بذلك
وقد استدل بأحاديث الباب على أنه لا يجوز لمن عليه دين أن يخرج إلى الجهاد إلا بأذن من له الدين لأنه حق لآدمي والجهاد حق لله تعالى وينبغي أن يلحق بذلك سائر حقوق الآدميين كما تقدم لعدم الفرق بين حق وحق . ووجه الاستدلال بأحاديث الباب على عدم جواز خروج المديون إلى الجهاد بغير أذن غريمه أن الدين يمنع من فائدة الشهادة وهي المغفرة العامة وذلك يبطل ثمرة الجهاد وقد أشار صاحب البحر إلى مثل ذلك فقال ومن عليه دين حال لم يخرج إلا بأذن الغريم لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " نعم إلا الدين " الخبر فإذا منع الشهادة بطلت ثمرة الجهاد اه ولا يخفى أن بقاء الدين في ذمة الشهيد لا يمنع منالشهادة بل هو شهيد مغفور له ذنب إلا الدين وغفران ذنب واحد يصح جعله ثمرة للجهاد فكيف بمغفرة جميع الذنوب إلا واحدا منها فالقول بأن ثمرة الشهادة مغفرة جميع الذنوب ممنوع كما أن القول بأن عدم غفران ذنب واحد يمنع من الشهادة ويبطل ثمرة الجهاد ممنوع أيضا وغاية ما اشتملت عليه أحاديث الباب هو أن الشهيد يغفر له جميع ذنوبه إلا ذنب الدين وذلك لا يستلزم عدم جواز الخروج إلى الجهاد إلا بأذن من له الدين بل إن أحب المجاهد أن يكون جهاده سببا لمغفرة كل ذنب استأذن صاحب الدين في الخروج وإن رضي بأن يبعى عليه ذنب واحد منها جاز له الخروج بدون استئذان وهذا إذا كان الدين حالا وأما إذا كال مؤجلا ففي ذلك وجهان
قال الإمام يحيى أصحهما يعتبر الأذن أيضا إذ الدين مانع للشهادة وقيل لا كالخروج للتجارة قال في البحر ويصح الرجوع عن الأذن قبل التحام القتال إذ الحق له لا بعده لما فيه من الوهن (8/26)
باب ما جاء في الأستعانة بالمشركين (8/26)
1 - عن عائشة قالت " خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل بدر فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان تذكر منه جرأة ونجدة ففرح به أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رأوه فلما أدركه قال جئت لأتبعك فأصيب معك فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تؤمن بالله ورسوله قال لا قال فأرجع فلن استعين بمشرك قالت ثم مضى حتى إذا كان بالشجرة أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما قال أول مرة فقال لا قال فأرجع فلن استعين بمشرك قال فرجع فأدركه البيداء فقال له كما قال أول مرة تؤمن بالله ورسوله قال نعم فقال له فأنطلق "
- رواه أحمد ومسلم (8/26)
2 - وعن خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يريد غزوا أنا ورجل من قومي ولم نسلم فقلنا أنا نستحي ان يشهد قومنا مشهدا لا نشهده معهم فقال أسلمتما فقلنا لا فقال إنا لا نستعين بالمشركين على المشركين فأسلمنا وشهدنا معه "
- رواه أحمد (8/27)
3 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم 000000 لا تستضيئوا بنار المشركين ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا "
- رواه أحمد والنسائي (8/27)
4 - وعن ذي مخبر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ستصالحون الروم صلحا وتغزون أنتم وهم عدوا من ورائكم "
- رواه أحمد وأبو داود (8/27)
5 - وعن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعان بناس من اليهود في خيبر في حربه فأسهم لهم "
- رواه أبو داود في مراسيله (8/28)
- حديث خبيب بن عبد الرحمن أخرجه الشافعي والبيهقي وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد والطبراني ورجالهما ثقات . وحديث أنس في إسناده عند النسائي أزهر بن راشد وهو ضعيف وبقية رجال إسناده ثقات . وحديث ذي مخبر أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناد أبي داود رجال الصحيح . وحديث الترمذي أخرجه أيضا الترمذي مرسلا والزهري مراسيله ضعيفة . ورواه الشافعي فقال أخبرنا يوسف حدثنا حسن بن عمارة عن الحكم عن مقسم عن ابن عباس قال استعان النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر مثله وقال ولم يسهم لهم
قال البيهقي لم أجده إلا من طريق الحسن بن عمارة وهو ضعيف والصحيح ما أخبرنا الحافظ أبو عبد الله فساق بسنده إلى أبي حميد الساعدي قال " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا خلف ثنية الوداع إذا كتيبة قال من هؤلاء قالوا بنو قينقاع رهط عبد الله بن سلام قال أو تسلموا قالوا فأمرهم أن يرجعوا وقال إنا لا نستعين بالمشركين فأسلموا . وحديث عائشة فيه دليل على أنها لا تجوز الاستعانة بالكافر وكذلك حديث خبيب بن عبد الرحمن ويعارضهما في الظاهر حديث ذي مخبر وحديث الزهري المذكور أن وقد جمع بأوجه منها ما ذكره البيهقي عن نص الشافعي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تفرس الرغبة في الذين ردهم فردهم رجاء أن يسلموا فصدق الله ظنه
وفيه نظر لأن قوله لا أستعين بمشرك نكرة في سياق النفي تفيد العموم . ومنها أن الأمر في ذلك إلى رأي الإمام وفيه النظر المذكور بعينه . ومنها أن الاستعانة كانت ممنوعة ثم رخص فيها قال الحافظ في التلخيص وهذا أقربها وعليه نص الشافعي وإلى عدم جواز الاستعانة بالمشركين ذهب جماعة من العلماء وهو مروي عن الشافعي وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه أنها تجوز الاستعانة بالكفار والفساق حيث يستقيمون على أوامره ونواهيه واستدلوا باستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بناس من اليهود كما تقدم وباستعانة صلى الله عليه وآله وسلم بصفوان بن أمية يوم حنين وبإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنها ستقع من المسلمين مصالحة الروم ويغزون جميعا عدوا من وراء المسلمين
قال في البحر وتجوز الاستعانة بالمنافق اجماعا لاستعانته صلى الله عليه وآله وسلم بابن أبي وأصحابه وتجوز الاستعانة بالفساق على الكفار لإجماعا وعلى البغاة عندنا لاستعانة علي عليه السلام بالأشعث انتهى
وقد روي عن الشافعي المنع من الأستعانة بالكفار على المسلمين لأن في ذلك جعل سبيل الكافر على المسلم وقد قال تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وأجيب بأن السبيل هو اليد وهي للإمام الذي استعان بالكافر وشرط بعض العلم ومنهم الهادوية أنها لا بجوز الأستعانة بالكفار والفساق إلا حيث مع الإمام جماعة من المسلمين يستقل بهم في امضاء الأحكام الشرعية على الذين استعان بهم ليكونوا مغلوبين لا غالبين كما كان عبد الله بن أبي ومن معه من المنافقين يخرجون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم للقتال وهم كذلك ومما يدل على جواز الأستعانة بالمشركين أن قزمان خرج مع أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وهو مشرك فقتل ثلاثة من بني عبد الدار حملة لواء المشركين حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم وآله وسلم أن الله ليأزر هذا الدين بالرجل الفاجر كما ثبت ذلك عند أهل السير وخرجت خزاعة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على قريش عام الفتح ( والحاصل ) أن الظاهر من الأدلة عدم جواز الأستعانة بمن كان مشركا مطلقا لما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لا نستعين بالمشركين من العموم
وكذلك قوله أنا لا أستعين بمشرك ولا يصلح مرسل الزهري لمعارضة ذلك لما تقدم من أن مراسيل الزهري ضعيفة والمسند فيه الحسن بن عمارة وهو ضعيف ويؤيد هذا قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وقد أخرج الشيخان عن البراء قال " جاء رجل مقنع بالحديد فقال يا رسول الله أقاتل أو أسلم قال أسلم ثم قاتل فأسلم ثم قاتل فقتل فقال صلى الله عليه وآله وسلم عمل قليلا وأجر كثيرا " وأما استعانته صلى الله عليه وآله وسلم بابن أبي فليس إلا لإظهار الإسلام وأما مقاتلة قزمان مع المسلمين فلم يثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم أذن له بذلك في ابتداء الأمر وغاية ما فيه أنه يجوز للإمام السكوت عن كافر قاتل مع المسلمين
قوله : " بحرة الوبرة " الحرة بفتح الحاء المهملة وتشديد الراء والوبرة بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء بسكون الموحدة أيضا موضع على أربعة أميال من المدينة
قوله : " بالشجرة " اسم موضع وكذلك البيداء
قوله : " ولا تنقشوا على خواتيمكم عربيا " بفتح العين المهملة والراء وبعدها موحدة
قال في القاموس في مادة عرب ولا تنقشوا على خاتيمكم عربيا أي لا تنقشوا محمد رسول الله كأنه قال نبيا عربيا يعني نفسه صلى الله عليه وآله وسلم انتهى نهي صلى الله عليه وآله وسلم ان ينقشوا على خواتيمهم مثل ما كان ينقش على حاتمه وهو محمد رسول الله لأنه كان علامة له في ذلك الوقت يختم به كتبه (8/28)
باب ما جاء في مشاورة الإمام الجيش ونصحه لهم ورفقه وأخذهم بما عليهم (8/28)
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شاور حين بلغه اقبال أبي سفيان فتكلم أبو بكر فأعرض عنه ثم تكلم عمر فأعرض عنه فقام سعد بن عبادة فقال ايانا تريد يا رسول الله والذي نفسي بيده لو أمرتنا أن نخيضها البحر لاخضناها ولو أمرتنا أن نضرب أكبادها إلى برك الغماد لفعلنا قال فندب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس فأنطلقوا "
- رواه أحمد ومسلم (8/29)
2 - وعن أبي هريرة " قال ما رأيت أحدا قط كان أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد والشافعي (8/29)
- قوله " حين بلغه اقبال أبي سفيان " هذا الأمر كان في غزوة بدر وقد اقتصر المصنف ههنا على أول الحديث لكونه محل الحاجة وتمامه فانطلقوا حتى نزلوا بدرا ووردت عليهم روايا قريش وفيهم غلام أسود لبني الحجاج فكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يسألونه عن أبي سفيان وأصحابه فقول لهم ما لي علم بأبي سفيان ولكن هذا أبو جهل وعتبة وشيبة وأمية بن خلف في الناس فإذا قال ذلك ضربوه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي فلما رأى ذلك انصرف فقال والذي نفسي بيده أنكم لتضربونه إذا صدقكم وتتركونه إذا كذبكم ثم قال هذا مصرع فلان ويضع يده على الأرض ههنا ههنا قال فوالله ما ماط أحد منهم عن موضعه
قوله : " أن نخيضها " أي الخيل هو بالخاء المعجمة بعدها مثناة تحتية ثم ضاد معجمة قال في القاموس خاض الماء يخوضه خوضا وخياضا دخله كخوضه واختاضه وبالفرس أو رده كاخاضه انتهى
قوله : " برك " كسر الباء الموحدة وفتحها مع سكون الراء . والغماد بغين معجمة مثلثة كما في القاموس وهو موضع في ساحل البحر بينه وبين جدة عشرة أميال وهو البندر القديم . وحكى صاحب القاموس عن ابن عليم في الباهر أنه أقصى معمور الأرض
قوله : " ما رأيت أحدا قط " الخ فيه دليل على أنه يشرع للإمام أن يستكثر من استشارة أصحابه الموثوق بهم دينا وعقلا وقد ذهبت الهادوية إلى وجوب استشارة الإمام بأهل الفضل واستدلوا بظاهر قوله تعالى { وشاورهم في الأمر } وقيل أن الأمر في الآية للندب أيناسا لهم وتطييبا لخواطرهم وأجيب بأن ذلك نوع من التعظيم وهو واجب والاستدلال بالآية على الوجوب إنما يتم بعد تسليم أنها غير خاصة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أو بعد تسليم أن الخطاب الخاص به يعم الأمة أو الأئمة وذلك مخلف فيه عند أهل الأصول (8/29)
3 - وعن معقل بن يسار قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة "
- متفق عليه
وفي لفظ " ما من أمير يلي أمور المسلمين ثم لا يجتهد لهم ولا ينصح لهم إلا لم يدخل الجنة " . رواه مسلم (8/30)
4 - وعن عائشة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا فشق عليهم فاشقق عليه ومن ولي من أمر أمتي شيئا فرفق بهم فارفق به "
- رواه أحمد ومسلم (8/30)
5 - وعن جابر قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتخلف في المسير فيزجي الضعيف فيردف ويدعو لهم "
- رواه أبو داود (8/30)
6 - وعن سهل بن معاذ عن أبيه قال " غزونا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة كذا وكذا فضيق الناس الطريق فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مناديا فنادى من ضيق منزلا أو قطع طريقا فلا جهاد له "
- رواه أحمد وأبو داود (8/31)
- حديث جابر سكت عن أبو داود والمنذري ورجال اسناده رجال الصحيح إلا الحسن بن شوكر وقد قيل أن البخاري روى له كما ذكره صاحب التقريب وحديث سهل بن معاذ في اسناده إسماعيل بن عياش وفي مقال قد تقدم وسهل بن معاذ ضعيف كما قال المنذري
قوله : " إلا حرم الله عليه الجنة " وفي رواية للبخاري لم يجد رائحة الجنة زاد الطبراني وعرفها يوجد يوم القيامة من مسيرة سبعين عام وأصل هذا الحديث أن عبيد الله بن زياد لما أفرط في سفك الدماء وكان معقل بن يسار حينئذ مريضا مرضه الذي مات فيه فأتى عبيد الله يعوده فقال له معقل إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره
وفي مسلم أنه لما حدثه بذلك قال ألا كنت حدثتني قبل هذا اليوم قال لم أكن لأحدثك قبل سبب ذلك والمراد بهذا السبب هو ما كان يقع منه من سفك الدماء ووقع في رواية الإسماعيلي من الوجه الذي أخرجه مسلم لولا أني ميت ما حدثتك فكأنه كان يخشى بطشه فلما نزل به الموت أراد أن يكف بعض شره عن المسلمين وأخرج الطبراني في الكبير عن الحسن قال قدم علينا عبيد الله بن زياد أميرا أمره علينا معاوية غلاما سفيها يسفك الدماء سفكا شديدا وفينا عبد الله بن معقل المزني فدخل عليه ذات يوم فقال له انته عما أراك تصنع فقال له وما أنت وذاك قال ثم خرج إلى المسجد فقلنا له ما كنت تصنع بكلام هذا السفيه على رؤوس الناس فقال أنه كان عندي علم فأحببت أن لا أموت حتى أقول به على رؤوس الناس ثم قام فما لبث أن مرض مرضه الذي توفى فيه فأتاه عبيد الله بن زياد يعوده فذكر نحو حديث الباب فيحتمل أن تكون القصة وقعت للصحابيين قوله " ما من أمير " في رواية للبخاري ما من وال يلي رعية من المسلمين
قوله : " ثم لا يجتهد " في رواية أبي المليح ثم لا يجد له بجيم ودال مشددة من الجد بالكسر ضد الهزل
قوله : " يلي " قال ابن التين يلي جاء على غير القياس لأن ماضيه ولي بالكسر فمستقبله يولي بالفتح وهو مثل ورث يرث قال ابن بطال هذا وعيد شديد على أئمة الجور فمن ضيع من استرعاه الله أو خانهم أو ظلمهم فقد توجه إليه الطلب بمظالم العباد يوم القيامة فكيف يقدر على التحلل من ظلم أمة عظيمة ومعنى حرم الله عليه الجنة أي أنفذ عليه الوعيد ولم يرض عنه المظلومين ونقل ابن التين عن الداودي نحوه قال ويحتمل أن يكون هذا في حق الكافر لأن المؤمن لا بد له من نصحه
قال الحافظ وهو احتمال بعيد جدا والتعليل مردود والكافر أيضا قد يكون ناصحا فيما تولاه ولا يمنعه ذلك الكفر انتهى . ويمكن أن يجاب على هذا بأن النصح من الكافر لا حكم له لعدم كونه مثابا عليه والأولى في الجواب أن يقال إن الواقع في الحديث نكرة في سياق النفي وهي تعم الكافر والمسلم فلا يقبل التخصيص إلا بدليل وقال بعضهم يحمل على المستحل قال الحافظ والأولى أنه محمول على غير المستحل وإنما أريد به الزجر والتغليظ قال وقد وقع في رواية لمسلم بلفظ " لم يدخل معهم الجنة " وهو يؤيد أن المراد أنه لا يدخل الجنة في وقت اتنهى . ويجاب بأن الحمل على الزجر والتغليظ خلاف الظاهر فلا يصار إليه لدليل ورواية مسلم لا تدل على أن الدخول في بعض الأوقات لأن النفي فيها مطلق وغاية ما فيه أنه غير مؤكد كما في النفي بلن
قال الطيبي أن قوله وهو غاش قيد للفعل مقصود بالذكر يريد أن الله تعالى إنما ولاه على عباده ليديم لهم النصيحة لا ليغشهم حتى يموت على ذلك فمن قلب القضية استحق أن يعاقب قوله " فيزجي الضعيف " بضم التحتية وسكون الزاي بعدها جيم قال في القاموس زجاه ساقه ودفعه كزجاه وازجاه
قوله : " ويردف " قال في القاموس الردف بالكسر الراكب خلف الراكب انتهى والمراد أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يردف خلفه من ليس له راحلة إذا كان يضعف عن المشي وهذا من حسن خلقه الذي وصفه الله تعالى به وذكر عظمه فقال ( إنك لعلى خلق عظيم بالمؤمنين رؤف رحيم )
قوله : " فلا جهاد له " فيه أنه لا يجوز لأحد تضييق الطريق التي يمر بها الناس ونفي جهاد من فعل ذلك على طريق المبالغة في الزجر والتنفير وكذلك لا يجوز تضييق المنازل التي ينزل فيها المجاهدون لما في ذلك الإضرار بهم (8/31)
باب لزوم طاعة الجيش لأميرهم ما لم يأمر بمعصية (8/31)
1 - عن معاذ بن جبل عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " الغزو غزوان فأما من ابتغى وجه الله وأطاع الإمام وأنفق الكريمة وياسر الشريك واجتنب الفساد فإن نومه ونبهه أجر كله وأما من غزا فخرا ورياء وسمعة وعصي الإمام وأفسد في الأرض فإنه لن يرجع بالكفاف "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (8/32)
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أطاعني فقد أطاع الله ومن عصاني فقد عصى الله ومن يطع الأمير فقد أطاعني ومن يعص المير فقد عصاني "
- متفق عليه (8/32)
3 - وعن ابن عباس " في قوله تعالى { أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } قال نزلت في عبد الله بن حذافة بن قيس بن عدي بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية "
- رواه أحمد والنسائي (8/32)
4 - وعن علي رضي الله عنه قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية واستعمل عليهم رجلا من الأنصار وأمرهم أن يسمعوا له ويطيعوا فعصوه قي شيء فقال اجمعوا لي حطبا فجمعوا ثم قال أوقدوا نارا فأوقدوا ثم قال ألم يأمركم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تسمعوا وتطيعوا قالوا بلى قال فادخلوها فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا إنما فررنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من النار فكانوا كذلك حتى سكن غضبه وطفئت النار فلما رجعوا ذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لو دخلوها لم يخرجوا منها أبدا وقال لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في المعروف "
- متفق عليه (8/33)
- حديث معاذ في إسناده بقية بن الوليد وفيه مقال قال في التقريب صدوق كثير التدليس عن الضعفاء وقد صرح بالتحديث في سند هذا الحديث عن يجير وحديث ابن عباس أخرجه أبو داود قال المنذري في مختصر السنن وأخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي
قوله : " وأنفق الكريمة " هي الفرس التي يغزى عليها قال في القاموس والكريمان الحج والجهاد ومنه خير الناس مؤمن بين كريمين أو معناه بين فرسين يغزوا عليهما أو بعيرين يستقي عليهما اه ويحتمل أن يكون المراد إنفاق الخصلة الكريمة عند المنفق المحبوبة إليه من غير تعيين
قوله : " وياسر الشريك " أي سامحه وعامله باليسر ولم يعاسره
قوله : " ونبهه " بفتح النون وسكون الموحدة أي انتباهه في سبيل الله
قوله : " لن يرجع بالكفاف " أي لم يرجع لا عليه ولا له من ثواب تلك الغزوة وعقابها بل يرجع وقد لزمه الإثم لأن الطاعات إذا لم تقع بصلاح سريرة انقلبت معاصي والعاصي آثم
قوله : " من أطاعني فقد أطاع الله " الخ هذا الحديث فيه دليل على أن طاعة من كان أميرا طاعة له صلى الله عليه وآله وسلم وطاعته طاعة لله وعصيانه عصيان له وعصيانه عصيان لله وقد قدمنا من الأدلة الدالة على وجوب طاعة الأئمة والأمراء في باب الصبر على جور الأئمة من آخر كتاب الحدود ما فيه كفاية فليرجع إليه
وقد نص القرآن على ذلك فقال أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم وهي نازلة في طاعة الأمراء كما في رواية ابن عباس المذكورة في الباب
وقد قيل أن أولي الأمر هم العلماء كما وقع في الكشاف وغيره من كتب التفسير
قوله : " رجلا من الأنصار " روى أحمد وابن ماجه وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم من حديث أبي سعيد أن الرجل المذكور هو علقمة بن مجزز وكذا ذكر ابن إسحاق
وقيل أنه عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب بدر وكان فيه دعابة ويجمع بينهما بأن كل واحد منهما كان أميرا على بعض من تلك السرية ويدل على ذلك حديث أبي سعيد الذي أشرنا إليه ولفظه " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علقمة بن مجزز على بعث أنا فيهم حتى إذا انتهينا إلى رأس غزاتنا إذ كنا ببعض الطريق إذا بطائفة من الجيش وأمر عليهم عبد الله بن حذافة السهمي وكان من أصحاب بدر وكان فيه دعابة " الحديث
وقد بوب البخاري على هذا الحديث فقال باب سرية عبد الله بن حذافة السهمي وعلقمة بن مجزز المدلجي
قوله : " أوقد نارا " الخ قيل أنه لم يقصد دخولهم النار حقيقة وإنما أشار بذلك إلى أن طاعة الأمير واجبة ومن ترك الواجب دخل النار فإذا شق عليكم دخول هذه النار فكيف بالنار الكبرى وكان قصده أنه لو رأى منهم الجد في ولوجها لمنعهم
قوله : " لو دخلوها لم يخرجوا منها " قال الداودي يريد تلك النار لأنهم يموتون بتحريقها فلا يخرجون منها أحياء قال وليس المراد بالنار نار جهنم ولا أنهم يخلدون فيها لأنه قد ثبت في حديث الشفاعة أنه يخرج من النار من كان في قلبه مثقال حبة من أيمان قال وهذا من المعاريض التي فيها مندوحة يريد أنه سيق مساق الزجر والتخويف ليفهم السامع أن من فعل ذلك خلد في النار وليس ذلك مرادا وإنما أريد به الزجر والتخويف وقد ذكر له صاحب الفتح توجيهات في كتاب المغازي
قوله : " لا طاعة في معصية الله " أي لا تجب بل تحريم على من كان قادرا على الامتناع
وفي حديث معاذ عند أحمد لا طاعة لمن لم يطع الله . وعند البزار في حديث عمران بن حصين والحكم بن عمرو الغفاري لا طاعة في معصية الله وسنده قوي
وفي حديث عبادة بن الصامت عند أحمد والطبراني لا طاعة لمن عصي الله ولفظ البخاري في حديث الباب " فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وهذا تقييد لما أطلق في الأحاديث المطلقة القاضية بطاعة أولى الأمر على العموم والقاضية بالصبر على ما يقع من الأمير مما يكره والوعيد على مفارقة الجماعة والمراد بقوله لا طاعة في معصية الله نفى الحقيقة الشرعية لا الوجودية وقوله " إنما الطاعة في المعروف " فيه بيان ما يطاع فيه من كان من أولي الأمر وهو الأمر المعروف لا ما كان منكرا والمراد بالمعروف ما كان من الأمور المعروفة في الشرع لا المعروف في العقل أو العادة لأن الحقائق الشرعية مقدمة على غيرها على ما تقرر في الأصول (8/33)
باب الدعوة قبل القتال (8/33)
1 - عن ابن عباس قال " ما قاتل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوما قط إلا دعاهم "
- رواه أحمد (8/34)
2 - وعن سيمان بن بريدة عن أبيه قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر أميرا على جيش أو سرية أوصاه في خاصته بتقوى الله ومن معه من المسلمين خيرا ثم قال اغزوا بسم الله في سبيل الله قاتلوا من كفر بالله اغزوا ولا تغلوا ولا تغدروا ولا تمثلوا ولا تقتلوا وليدا وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال أو خلال فايتهن ما أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ادعهم إلى الإسلام فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين وعليهم ما على المهاجرين فإن أبوا ان يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين يجري عليهم ما يجري على المسلمين ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء إلا أن يجاهدوا مع المسلمين فإن هم أبوا فسلهم الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم وإن أبوا فاستعن بالله عليهم وقاتلهم وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك فإنكم إن تخفروا ذمتكم وذمة أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله وإذا حاصرت أهل حصن وأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي وصححه . وهو حجة في أن قبول الجزية لا يختص بأهل الكتاب وأن ليس كل مجتهد مصيبا بل الحق عند الله واحد وفيه المنع من قتل الولدان ومن التمثيل (8/34)
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا الحاكم من طريق عبد الله بن أبي نجيح عن أبيه عنه
قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد وأبو يعلى والطبراني ورجاله رجال الصحيح . وظاهر قوله إلا دعاهم يخلف حديث نافع عن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون " قوله " أو سرية " هي القطعة من الجيش تنفصل عنه ثم تعود إليه وقيل هي قطعة من الخيل زهاء أربعمائة كذا قال إبراهيم الحربي . وسميت سرية لأنها تسري ليلا على خفية
قوله : " ولا تغلوا " بضم الغين أي لا تخونوا إذا غنمتم شيئا
قوله : " ولا تغدروا " بكسر الدال وضمها وهو ضد الوفاء
قوله : " وليدا " هو الصبي
قوله : " فادعهم " وقع في نسخ مسلم ثم ادعهم
قال عياض الصواب اسقاط ثم وقد اسقطها أبو عبيد في كتابه وأبو داود في سننه وغيرهما لأنه تفسير للخصال الثلاث
وقال المازري أن ثم دخلت لاستفتاح الكلام وفي هذا دليل على أنه يشرع للإمام إذا أرسل للأمام إذا أرسل قومه إلى قتال الكفار ونحوهم أن يوصيهم بتقوى الله وينهاهم عن المعاصي المتعلقة بالقتال كالغلول والغدر والمثلة وقتل الصبيان وفيه دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام قل المقاتلة وفي المسألة ثلاثة مذاهب . الأول أنه يجب تقديم الدعاء للكفار إلى الإسلام من غير فرق بين من بلغته الدعوة منهم ومن لم تبلغه وبه قال مالك والهادوية وغيرهم وظاهر الحديث معهم . والمذهب الثاني أنه لا يجب مطلقا وسيأتي في هذا الباب دليل من قال به . المذهب الثالث أنه يجب لمن لم تبلغهم الدعوة ولا يجب أن بلغتهم لكن يستحب قال ابن المنذر وهو قول جمهور أهل العلم وقد تظاهرت الأحاديث الصحيحة على معناه وبه يجمع بين ما ظاهره الأختلاف من الأحاديث وقد زعم الإمام المهدي أن وجوب تقديم دعوة من لم تبلغه الدعوة مجمع عليه ويرد ذلك ما ذكرنا من المذاهب الثلاثة وقد حكاها المازري وأبو بكر بن العربي
قوله : " ثم ادعهم إلى التحول " فيه ترغيب الكفار بعد اجابتهم وإسلامهم إلى الهجرة إلى ديار المسلمين لأن الوقوف بالبادية ربما كان سببا لعدم معرفة الشريعة لقلة من فيها من أهل العلم قوله " ولا يكون لهم في الفيء والغنيمة شيء " الخ ظاهر هذا أنه لا يستحق من كان بالبادية ولم يهاجر نصيبا في الفيء والغنيمة إذا لم يجاهد وبه قال الشافعي وفرق بين مال الفىء والغنيمة وبين مال الزكاة وقال إن للإعراب حقا في الثاني دون الأول . وذهب مالك وأبو حنيفة والهادوية إلى عدم الفرق بينهما وأنه يجوز صرف كل واحد منهما في مصف الآخر . وزعم أبو عبيد أن هذا الحكم منسوخ وإنما كان في أوائل الإسلام وأجيب بمنع دعوى النسخ
قوله : " فسلهم الجزية " ظاهره عدم الفرق بين الكافر العجمي والعربي والكتابي وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي وجماعة من أهل العلم وخالفهم الشافعي فقال لا تقبل الجزية إلا من أهل الكتاب والمجوس عربا كانوا أو عجما واستدل بقوله تعالى { حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } بعد ذكر أهل الكتاب وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " وأما سائر المشركين فهم داخلون تحت عموم " اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم " وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى أن الجزية لا تقبل من العربي غير الكتابي وتقبل من الكتابي ومن العجمي ولعله يأتي لهذا البحث مزيد بسط
قوله : " ذمة الله " الذمة عقد الصلح والمهادنة وإنما نهى عن ذلك لئلا ينقض الذمة من لا يعرف حقها وينتهك حرمتها بعض من لا تمييز له من الجيش فيكون ذلك أشد لأن نقض ذمة الله ورسوله أشد من نقض ذمة أمير الجيش أو ذمة جميع الجيش وإن كان نقض الكل محرما
قوله : " إن تخفروا " بضم التاء الفوقية وبعدها خاء معجمة ثم فاء مكسورة وراء يقال أخفرت الرجل إذا نقضت عهده وخفرته بمعنى أمنته وحميته
قوله : " فلا تنزلهم على حكم الله " الخ هذا النهي محمول على التنزيه والاحتياط وكذلك الذي قبله والوجه ما سلف ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم فإنك لا تدري أتصيب فيهم حكم الله أم لا
وفيه دليل لمن قال إن الحق مع واحد وأن ليس كل مجتهد مصيب من الصواب لا من الإصابة
وقد قيل إن هذا الحديث لا ينتهض للاستدلال به على أن ليس كل مجتهد مصيبا لأن ذلك كان في زمن النبي والأحكام الشرعية إذ ذاك لا تزال تنزل ونيسخ بعضها بعضا ويخصص بعضها ببعض فلا يؤمن أن ينزل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم خلاف الحكم الذي قد عرفه الناس (8/34)
3 - وعن فروة بن مسيك قال " قلت يا رسول الله أقاتل بمقبل قومي مدبرهم قال نعم فلما وليت دعاني فقال لا تقاتلهم حتى تدعوهم إلى الإسلام "
- رواه أحمد (8/35)
4 - وعن ابن عوف قال " كتبت إلى نافع أسأله عن الدعاء قبل القتال فكتب إلي إنما كان ذلك في أول الإسلام وقد أغار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بني المصطلق وهم غارون وأنعامهم تسقى على الماء فقتل مقاتلهم وستى ذراربهم وأصاب يومئذ جويرية ابنة الحرث حدثني به عبد الله بن عمر وكان في ذلك الجيش "
- متفق عليه . وهو دليل على استرقاق العرب (8/35)
5 - وعن سهل بن سعدانه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر " فقال أين علي فقيل أنه يشتكي عينيه فأمر فدعا له فبصق في عينيه فبرأ مكانه حتى كأنه لم يكن به شيء فقال نقاتلهم حتى يكونوا مثلنا فقال على رسلك حتى تنزل بساحتهم ثم ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فوالله لان يهتدي بك رجل واحد خير لك من حمر النعم "
- متفق عليه (8/35)
6 - وعن البراء بن عازب قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رهطا من الأنصار إلى أبي رافع فدخل عبد الله بن عتيك بيته ليلا فقتله وهو نائم "
- رواه أحمد والبخاري (8/36)
- حديث فروة اخرجه أبو داود والترمذي وحسنه وقد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه
قوله : " علي بن المصطلق " بضم الميم وسكون المهملة وفتح الطاء وكسر اللام بعدها قاف وهو بطن شهير من خزاعة . والمصطلق أبوهم وهو المصطلق ابن سعد بن عمرو بن ربيعة ويقال المصطلق لقبه واسمه جذيمة بفتح الجيم وكسر الذال المعجمة
قوله : " وهم غارون " بغين معجمة تشديد الراء جمع غار بالتشديد أي غافلون والمراد بذلك الأخذ على غفلة
قوله : " وسبى ذراريهم " فيه دليل على جواز استرقاق العرب لأن بني المصطلق عرب من خزاعة كما سلف وسيأتي الكلام على ذلك في باب جواز استرقاق العرب
قوله : " فبصق في عينيه فبرأ مكانه " فيه معجزة ظاهرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفيه منقبة لعلي عليه سلام الله ورحمته وبركاته فإن هذه الغزوة هي التي قال فيها صلى الله عليه وآله وسلم " لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فتطاول الناس لها فقال ادعوا لي عليا فأتى به أرمد فبصق في عينيه ودفع إليه الراية ففتح الله عليه " هذا لفظ مسلم والترمذي
قوله : " حتى يكونوا مثلنا " المراد من المثلية المذكورة يصفوا بوصف الإسلام في القيام بأمور الإسلام كلها فإن ذلك لا يمكن امتثاله حال المقاتلة
قوله : " على رسلك " بكسر الراء وسكون السين أي أمشي إليهم على الرفق والتؤدة قال في القاموس الرسل بالكسر الرفق والتؤدة
قوله : " بساحتهم " قال في القاموس الساحة الناحية وفضاء بين دور الحي الجمع ساح وسوح وساحات انتهى
قوله : " فوالله لأن يهتدي بك رجل " الخ فيه الترغيب في التسبب لهداية من كان على ضلالة وإن ذلك خير للإنسان من أجل النعم الواصلة إليه في الدنيا
وفي حديث فروة وسهل بن سعد دليل على وجوب تقديم دعاء الكفار إلى الإسلام على الإطلاق وقد تقدم الخلاف في ذلك والصواب الجمع بين الأحاديث المختلفة بما سلف لحديث ابن عمر المذكور فإن فيه التصريح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقدم الدعوة لبني المصطلق
قوله : " إلى أبي رافع " هو عبد الله بن أبي الحقيق وهذا طرف من الحديث أورده المصنف ههنا لأنه محل الحاجة باعتبار ترجمة الباب لتضمنه وقوع القتل لأبي رافع قبل تقديم الدعوة إليه وعدم أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن بعثه لقتله بأن يقدم الدعوة له إلى الإسلام والقصة مشهورة ساقها البخاري بطولها في المغازي من صحيحه
قوله : " رهطا من الأنصار : هم عبد الله بن عتيك وعبد الله بن عتبة وعند ابن إسحاق ومسعود بن سنان وعبد الله بن أنيس وأبو قتادة وخزاعي بن الأسود
قوله : " ابن عتيك " بفتح المهملة وكسر المثناة وهوابن قيس بن الأسود من بني سلمة بكسر اللام وكان سبب أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقتله أنه كان يؤذي صلى الله عليه وآله وسلم ويعين عليه كما في الصحيح (8/36)
باب ما يفعله الإمام إذا أراد الغزو من كتمان حاله والتطلع على حال عدوه (8/36)
1 - عن كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان إذا أراد غزوة ورى بغيرها "
- متفق عليه وهو لأبي داود وزاد والحرب خدعة (8/37)
2 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحرب خدعة " (8/37)
3 - وعن أبي هريرة قال " سمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحرب خدعة " (8/37)
4 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يأتيني بخبر القوم يومالأحزاب فقال الزبير أنا ثم قال من يأتيني بخبر القوم قال الزبير أنا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير "
- متفق عليهن (8/38)
5 - وعن أنس قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبسا عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان فجاء فحدثه الحديث فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتكلم فقال إن لنا طلبة فمن كان ظهره حاضرا فليركب معنا فجعل رجال يستأذنونه في ظهرهم في علو المدينة فقال لا إلا من كان ظهره حاضرا فانطلق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه حتى سبقوا ركب المشركين إلى بدر "
- رواه أحمد ومسلم (8/38)
- قوله " ورى " أي ستر ويستعمل في إظهار شيء مع إرادة غيره وأصله من الورى بفتح الواو وسكون الراء هو ما يجعل وراء الإنسان لأن من ورى بشيء كأنه جعله وراءه
وقيل هو في الحرب أخذ العدو على غرة وقيده السيرا في شرح كتاب سيبويه بالهمزة قال وأصحاب الحديث لم يضبطوا فيه الهمزة فكأنهم سهلوها
قوله : " خدعة " بفتح الخاء المعجمة وضمها مع مع سكون الدال المهملة وبضم أوله وفتح ثانيه قال النووي اتفقوا على أن الأولى أفصح وبذلك جزم أبو ذر الهروي والقزاز والثانية ضبطت كذلك في رواية الأصيلي ورجح ثعلب الأولى وقال بلغنا بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر بن طلحة أراد ثعلب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستعمل هذه البنية كثيرا لو جاز لفظها ولكونها تعطي معنى البنيتين الآخرتين قال ويعطي معناهما أيضا الأمر باستعمال الحيلة ما أمكن ولو مرة قال فكانت مع اختصارها كثيرة المعنى . ومعنى خدعة بالإسكان أنها تخدع أهلها من وصف الفاعل باسم المصدر أو من وصف المفعول كما يقال هذا الدرهم ضرب الأمير أي مضروبه
وقال الخطابي معناها أنها مرة واحدة أي إذا خدع مرة واحدة لم تقل عثرتهوقيل الحكمة في الإتيان بالتاء للدلالة على الوحدة فإن الخداع إن كان من المسلمين فكأنه حضهم على ذلك ولو مرة واحدة وإن كان من الكفار فكأنه حذرهم من مكرهم ولو وقع مرة واحدة فلا ينبغي التهاون بهم لما ينشأ عنه من المفسدة ولو قل وفي اللغة الثالثة صيغة المبالغة كهمزة ولمزة . وحكى المنذري لغة رابعة بالفتح فيهما قال وهو جمع خادع أي أن أهلها بهذه الصفة فكأنه قال أهل الحرب خدعة وحكى مكي ومحمد بن عبد الله الواحد لغة خامسة كسر أوله مع الإسكان وأصله إظهار أمر وإضمار خلافه وفيه التحريض على أخذ الحذر في الحرب والندب إلى خداع الكفار وإن من لم يتيقظ لم يأمن أن ينعكس الأمر عليه
قال النووي واتفقوا على جواز خداع الكفار في الحرب كيف ما أمكن إلا أن يكون فيه نقض عهد أو أمان فلا يجوز
قال ابن العربي الخداع في الحرب يقع بالتعريض وبالكمين ونحو ذلك وفي الحديث الإشارة إلى استعمال الرأي في الحرب بل الاحتياج إليه آكد من الشجاعة قال ابن المنير معنى الحرب خدعة أي الحرب الجيدة لصاحبها الكاملة في مقصودها لإثما هي المخادعة لا المواجهة وذلك لخطر المواجهة ولحصول الظفر مع المخادعة بغير خطر
قوله : " بسبسا " بضم الباء الموحدة الأولى وبعدها سين مهملة ساكنة وبعدها باء موحدة مفتوحة ثم سين مهملة وهو ابن عمر ويقال ابن بشر
وفي سنن أبي بسبسة بزيادة تاء التأنيث وقيل فيه أيضا بسيسة بالباء الموحدة مضمومة في أوله وفتح السين المهملة ثم ياء مثناة تحتية ساكنة
قوله : " فقال إن لنا طلبة " بكسر اللام كما في القاموس
وفي النهاية الطلبة الحاجة فيه إبهام للمقصود وقد أورده المصنف للاستدلال به على أن الإمام يكتم أمره كما وقع في الترجمة (8/38)
باب ترتيب السرايا والجيوش واتخاذ الرايات وألوانها (8/39)
1 - عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " خير الصحابة أربعة وخير الجيوش أربعة آلاف ولا تغلب إثنا عسر ألفا من قلة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن وذكر أنه في أكثر الروايات عن الزهري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا . وتمسك به من ذهب إلى أن الجيش إذا كان إثني عشر ألفا لم يجز أن يفر من أمثاله وأضعافه وإن كثروا (8/39)
2 - وعن ابن عباس قال " كانت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض "
- رواه الترمذي وابن ماجه (8/39)
3 - وعن سماك عن رجل من قومه عن آخرمنهم " قال رأيت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم صفراء "
- رواه أبو داود (8/40)
4 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة ولواؤه أبيض "
- رواه الخمسة إلا أحمد (8/40)
5 - وعن الحرث بن حسان البكري قال " قدمنا المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر وبلال قائم بين يديه متقلد بالسيف وإذا رايات سود فسألت ما هذه الرايات فقالوا عمرو بن العاص قدم من غزاة "
- رواه أحمد وابن ماجه
وفي " لفظ قدمت المدينة فدخلت المسجد فإذا هو غاص بالناس وإذا رايات سود وإذا بلال متقلد السيف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت ما شأن الناس قالوا يريد أن يبعث عمرو بن العاص وجها " رواه الترمذي (8/40)
6 - وعن البراء بن عازب " أنه سئل عن راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما كانت قال كانت سوداء مربعة من نمرة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي (8/41)
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود واقتصر المنذري في مختصر السنن على نقل كلام الترمذي
وأخرجه أيضا الحاكم وقال هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين . وحديث ابن عباس الثاني أخرج نحوه أبو داود والنسائي وفي إسناد حديث الباب يزيد بن حيان أخو مقاتل بن حيان قال البخاري عنده غلط كثير وأخرج البخاري هذا الحديث في تاريخه مقتصرا على الراية . وحديث سماك في إسناده رجل مجهول آخر وهو الذي قال رأيت راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن جهالة الرجل الآخر غير قادحة إن كان صحابيا لما قررنا غير مرة أن مجهول الصحابة مقبول وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه صحابي لأنه يمكن أنه رأى راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد موته ولم تثبت رؤيته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث جابر أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وقال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك قال وسألت محمدا يعني البخاري عن هذا الحديث فلم يعرفه إلا من حديث يحيى بن آدم عن شريك . وحديث الحرث بن حسان رواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي بكر بن عياش عن عاصم عن الحرث بن حسان فذكره وهؤلاء رجال الصحيح وهذا الحديث إنما أشار إليه الترمذي في كتاب الجهاد إشارة لأنه قال بعد إخراج حديث البراء المذكور ما لفظه وفي الباب عن علي والحرث بن حسان وابن عباس ولم يذكر اللفظ الذي ذكره المصنف ونسبه إليه ولعله ذكره في موضع آخر من جامعه . وحدبث البراء قال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة انتهى
وفي إسناده أبو يعقوب الثقفي واسمه إسحاق بن إبراهيم قال ابن عدي الجرجاني روي عن الثقات ما لا يتابع عليه
وقال أيضا وأحاديثه غير محفوظة انتهى
وفي الباب عن سلمة في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله فأعطاها عليا " وعن يزيد بن جابر الغفري عند ابن السكن قال عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رايات الأنصار وجعلهن صفرا " . وعن أنس عند النسائي أن ابن أم مكتوم كانت مهه راية سوداء في بعض مشاهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المنذري وهو حديث حسن وقال ابن القطان صحيح . وعن أبي هريرة عند ابن عدي وعن بريدة عند أبي يعلى . وعن أنس حديث آخر عند أبي يعلى رفعه " إن الله أكرم أمتي بالألوية وإسناده ضعيف . وعن ابن عباس غير ما تقدم عند أبي الشيخ بلفظ " كان مكتوبا على راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا إله إلا الله محمد رسول الله " وسنده ضعيف أيضا
قوله : " خير الصاحبة أربعة " فيه دليل على أن خير الصحابة موجود فيها أصل الخير من غير فرق بين السفر و الحضر ولكنه قد أخرج أهل السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا " الراكب شيطان والراكبان شيطانان والثلاثة ركب " وصححه الحاكم وابن خزيمة
وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أبي هريرة وصححه
وظاهره أن ما دون الثلاثة عصاة لأن معنى قوله شيطان أي عاص وقال الطبري هذا الزجر زجر أدب وأرشاد لما يخشى على الواحد من الوحشة والوحدة وليس بحرام فالسائر وحده في فلاة وكذا البائت في بيت وحده لا يأمن من الأستيحاش لا سيما إذا كان ذا فكرة رديئة وقلب ضعيف والحق إن الناس يتباينون في ذلك فيحتمل أن يكون الزجر عنه لحسم المادة فلا يتناول ما إذا وقعت الحاجة لذلك
وقيل في تفسير قوله الراكب شيطان أي سفره وحده يحمله عليه الشيطان أو أشبه الشيطان في فعله وقيل إنما كره ذلك لأن الواحد لو مات في سفره ذلك لم يجد من يقوم عليه وكذلك الإثنان إذا ماتا أو أحدهما لم يجد الآخر من يعينه بخلاف الثلاثة ففي الغالب تؤمن الوحشة والخشية
وفي صحيح البخاري عن ابن عمر " لو يعلم الناس ما في الوحدة ما أعلم ما سار راكب بليل وحده " وقد ثبت في الصحيح أن الزبير انتدب وحده ليأتي النبي بخبر بني قريظة قال ابن المنير السير لمصلحة الحرب أخص من السفر فيجوز السفر للمنفرد للضرورة والمصلحة التي لا تنتظم إلا بالإفراد كإرسال الجاسوس والطليعة والكراهة عدا ذلك ويحتمل أن تكون حالة الجواز مقيدة بالحاجة عند الأمن وحالة المنع مقيدة بالخوف حيث لا ضرورة وقد وقع في كتب المغازي بعث جماعة منفردين منهم حذيفة ونعيم بن مسعود وعبد الله بن أنيس وخوات بن جبير وعمرو بن أمية وسالم بن عمير وبسبسة غيرهم وعلى هذا فوجود أصل الخبر في سائر الأسفار غير سفر الحرب ونحوه إنما هو في الثلاثة دون الواحد والاثنين والأربعة خير من الثلاثة كما يدل على ذلك حديث الباب
قوله : " وخير الجيوش أربعة آلاف " وظاهر هذا أن هذا الجيش خير من غيره من الجيوش سواء كان أقل منه أو أكثر ولكن الأكثر إذا بلغ إلى اثني عشر ألفا لم يغلب من قلة وليس بخير من أربعة آلاف وإن كانت تغلب من قلة كما يدل على ذلك مفهوم العدد
قوله : " راية النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوداء ولواؤه أبيض " اللواء بكسر اللام والمد وهو الراية ويسمى أيضا العلم وكان الأصل أن يمسكها رئيس الجيش ثم صارت تحمل على رأسه كذا في الفتح
وقال أبو بكر بن العربي اللواء غير الراية فاللواء ما يعقد في طرف المح ويلوى عليه والراية ما يعقد فيه ويترك حتى تصفقه الرياح وقيل اللواء دون الراية وقيل اللواء العلم الضخم والعلم علامة لمحل الأمير يدور معه حيث دار والراية يتولاها صاحب الحرب وجنح الترمذي إلى التفرقة فترجم الألوية وأورد حديث جابر المتقدم ثم ترجم الرايات وأورد حديث البراء المتقدم أيضا
قوله : " من نمرة " هي ثوب حبرة قال في القاموس النمرة بالضم النكبة من أي لون كان والأنمر ما فيه نمرة بيضاء وأخرى سوداء ثم قال والنمرة الحبرة وشملة فيها خطوط بيض وسود أو بردة من صوف يلبسها الأعراب انتهى (8/41)
باب ما جاء في تشييع الغازي واستقباله (8/41)
1 - عن سهل بن معاذ عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " لأن أشيع غازيا فاكفيه في رحله غدوة أو روحة أحب إلي من الدينا وما فيها "
- رواه أحمد وابن ماجه (8/42)
2 - وعن السائب عن يزيد قال " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة تبوك خرج الناس يتلقونه من ثنية الوداع قال السائب فخرجت مع الناس وأنا غلام "
- رواه أبو داود والترمذي وصححه . وللبخاري نحوه (8/42)
3 - وعن ابن عباس قال " مشي معهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بقيع الغرقد ثم وجهم ثم قال انطلقوا على اسم الله وقال اللهم أعنهم يعني النفر الذين وجههم إلى كعب بن الأشرف "
- رواه أحمد (8/42)
- حديث معاذ في اسناده أبو بكر بن أبي مريم وهو ضعيف وفي اسناده أيضا رجل لم يسم وقد أخرجه الطبراني . وحديث ابن عباس في اسناده ابن إسحاق وهو مدلس وبقية اسناده رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا البزار والطبراني وفي الباب ما في الصحيحين أن ابن الزبير وابن جعفر وابن عباس لقوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قادم فحمل اثنين منهم وترك والثالث وأخرج البخاري عن ابن عباس قال لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة استقبله أغيلمة لبني عبد المطلب فحمل واحدا بين يديه وآخر خلفه وأخرج أحمد والنسائي عن عبد الله بن جعفر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمله خلفه وحمل قم ابن عباس بين يديه
قوله : أشيع غازيا " التشييع الخروج مع المسافر لتوديعه يقال شيع فلانا خرج معه ليودعه ويبلغه منزله
قوله : " أحب إلي من الدنيا وما فيها " قد تقدم الكلام على مثل هذه العبارة في أول كتاب الجهاد ( وفي هذا الحديث ) الترغيب في تشييع الغازي واغانته على بعض ما يحتاج على القيام بمؤنته لأن الجهاد من أفضل العبادات والمشاركة في مقدماته من أفضل المشاركات
قوله : " من ثنية الوداع "
قال في القاموس الثنية العقبة أو طريقاها أو الجبل أو الطريق فيه أو إليه انتهى
قال في القاموس أيضا وثنية الوداع بالمدينة سميت لأن من سافر إلى مكة كان يودع ثم يشيع إليها انتهى
قوله : " بقيع الغرقد " قد تقدم ضبطه وتفسيره وفي الحديث دليل على مشروعية تلقى الغازي إلى خارج البلد لما في الأتصال به من البركة والتيمن بطلعته فإنه في تلك الحال ممن حرمه الله على النار كما تقدم ولما في ذلك من التأنيس له والتطييب لخاطره والترغيب لمن كان قاعدا في الغزو
قوله : " وقال اللهم أعنهم " فيه أستحباب الدعاء للغزاة وطلب الإعانة من الله لهم فإن من كان ملحوظا بعين الربانية ومحوطا بالإعانة والألهية ظفر بمراده (8/43)
باب استصحاب النساء لمصلحة المرضى والجرحى والخدمة (8/43)
1 - عن الربيع بنت معوذ قالت " كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة "
- رواه أحمد والبخاري (8/43)
2 - وعن أم عطية الأنصارية قالت " غزوت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات اخلفهم في رحالهم وأصنع لهم الطعام وأداوي الجرحى وأقوم على الزمني "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه (8/44)
3 - وعن أنس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغزو بأم سليم ونسوة معها من الأنصار يسقين الماء ويداوين الجرحة "
- روان مسلم والترمذي وصححه (8/44)
4 - وعن عائشة أنها " قالت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد قال لكن أفضل الجهاد حج مبرور "
- رواه أحمد والبخاري (8/44)
- قوله " عن الربيع " بالتشديد وأبوها معوذ بالتشديد للواو وبعدها ذال معجمة قوله " كنا نغزو " الخ جعلت الإعانة المغزاة غزوا ويمكن أن يقال أنهن ما أتين لسقي الجرحى ونحو ذلك إلا وهي عازمات على المدافعة عن أنفسهن وقد وقع في صحيح مسلم عن أنس أن أم سليم أتخذت خنجرا يوم حنين فقالت اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت بطنه ولهذا بوب البخاري باب غزو النساء وقتالهن
قوله : " وأداوي الجرحى " فيه دليل على أنه يجوز للمرأة الأجنبية معالجة الرجل الأجنبي للضرورة
وقال ابن بطال ويختص ذلك بذوات المحارم وإن دعت الضرورة فليكن بغير مباشرة ولامس ويدل على ذلك اتفاقهم على أن المرأة إذا ماتت ولم توجد أمرأة تغسلها أن الرجل لا يباشر غسلها بالمس بل يغسلها من وراء حائل في قول بعضهم كالزهري وفي قول الأكثر تيمم
وقال الأوزاعي تدفن كما هي
قال ابن المنير الفرق بين حال المداواة وغسل الميت أن الغسل عبادة والمداواة ضرورة والضرورات تبيح المحظورات اه هكذا يكون حال المرأة في رد القتلى والجرحى فلا تباشر بالمس مع امكان ما هو دونه . وحديث عائشة قد تقدم في أول كتاب الحج
قال ابن بطال دل حديث عائشة على أن الجهاد غير واجب على النساء ولكن ليس في قوله أفضل الجهاد حج مبرور وفي رواية البخاري جهادكن الحج ما يدل على أنه ليس لهن أن يتطوعن بالجهاد وإنما لم يكن واجبا لما فيه من مغايرة المطلوب منهن من الستر ومجانبة الرجال فلذلك كان الحج أفضل لهن من الجهاد (8/45)
باب الأوقات التي يستحب فيها الخروج إلى الغزو والنهوض إلى القتال (8/45)
1 - عن كعب بن مالك " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج في يوم الخميس في غزوة تبوك وكان أن يخرج يوم الخميس "
- متفق عليه (8/45)
2 - وعن صخر الغامدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم باك لأمتي في بكورها قال فكان إذا بعث سرية أوجيشا بعثهم من أول النهار وكان صخر رجلا تاجرا وكان يبعث تجارته من أو النهار فأثرى وكثر ماله "
- رواه الخمسة إلا النسائي (8/46)
3 - وعن النعمان ابن مقرن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا لم يقاتل أول النهار أخر القتال حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر "
- رواه أحمد وأبو داود وصححه والبخاري وقال " انتظر حتى تهب الأرواح وتحضر الصلوات " (8/46)
4 - وعن ابن أبي أوفى قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب أن ينهض إلى عدوه عند زوال الشمس "
- رواه أحمد (8/46)
- حديث صخر حسنه الترمذي وقال لا نعرف له غير هذا الحديث ان وفي اسناده عمارة بن حديد سئل عنه أبو حاتم الرازي فقال مجهول وسئل عنه أبو زرعة الرازي فقال لا نعرف
قال أبو علي ابن السكن أنه مجهول لم ير وعنه غير يعلى ابن عطاء الطائفي وذكر أنه روى من حديث مالك مرسلا
وقال النمري هو مجهول لم ير وعنه غير يعلى الطائفي
وقال أبو القاسم البغوي وابن عبد البرانه ليس لصخر غير هذا الحديث . وذكر بعضهم أنه قد روى حديثا آخر وهو قوله " لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء " وقد تقدم في الجنائز
وأخرج حديث صخر ابن حبان قال ابن طاهر في تخريج أحاديث الشهاب هذا الحديث رواه جماعة من الصحابة ولم يخرج شيئا منها في الصحيحين . وأقر بها إلى الصحة والشهرة هذا الحديث وذكره عبد القادر الرهاوي في أربعينيته من حديث علي والعبادلة وابن مسعود وجابر وعمران بن حصين وأبي هريرة وعبد الله بن سلام وسهل بن سعد وأبي رافع وعبادة بن وثيمة وأبي بكرة وبريدة بن الحصيب . وحديث بريدة صححه ابن السكن وراوه ابن منده في مستخرجه عن وائلة بن الأصقع ونييط بن شريط وزاد ابن الجوزي في العلل المتناهية عن أبي ذر وكعب بن مالك وأنس والعريض بن عميرة وعائشة وقال لا يثبت منها شيء وضعها كلها
وقد قال أبو حاتم لا أعلم في اللهم بارك لأمتي في بكورها حديثا صحيحا . وحديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب أخرجه أيضا سعيد بن منصور الطبراني وضعف اسناده في مجمع الزوائد
قوله : " كان يحب أن يخرج يوم الخميس " قال في الفتح لعل سببه ما روي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم بورك لأمتي في بكورها يوم الخميس وهو حديث ضعيف أخرجه الطبراني من حديث نبيط بنون وموحدة مصغرا ابن شريط بفتح الشين المعجمة قال وكونه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب الخروج يوم الخميس لا يستلزم المواظبة عليه لقيام مانع منه وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج لحجة الوداع يوم السبت كما تقدم في الحج اه وقد أخرج حديث نبيط المذكور البزار من حديث ابن عباس وأنس
وفي حديث ابن عباس عنبسة بن عبد الرحمن وهو كذاب
وفي حديث أنس عمرو بن مساور وهو ضعيف وروي بلفظ اللهم بارك لأمتي في بكورها يوم سبتها ويوم خميسها . وسئل أبو زرعة عن هذه الزيادة فقال هي مفتعلة . وحديث صخر المذكور فيه مشروعية التبكير من غير تقييد بيوم مخصوص سواء كان ذلك في سفر جهاد أو حج أو تجارة أو في الخروج إلى عمل من الأعمال ولو في الحضر
قوله : " حتى تزول الشمس وتهب الرياح وينزل النصر " ظاهر هذا أن التأخير ليدخل وقت الصلاة لكونه مظنة الإجابة وهبوب الريح قد وقع النصر به في الأحزاب فصار مظنة لذلك ويدل على ذلك ما أخرجه الترمذي من حديث النعمان بن مقر من وجه آخر غير الوجه الذي روى منه حديثه المذكور في الباب ولفظه قال " " غزوت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان إذا طلع الفجر أمسك حتى تطلع الشمس فإذا طلعت قاتل فإذا انتصف النهار أمسك حتى تزول الشمس فإذا زالت قاتل فإذا دخل وقت العصر أمسك حتى يصليها ثم يقاتل وكان يقال عند ذلك تهيج رياح النصر وتدعو المؤمنين لجيوشهم في صلاتهم قال في الفتح لكن فيه انقطاع (8/47)
باب ترتيب الصفوف وجعل سيما وشعار يعرف وكراهة رفع الصوت (8/47)
1 - عن أبي أيوب قال " صففنا يوم بدر فبدرت منا بادرة أمام الصف فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال معي معي " (8/47)
2 - وعن عمار بن ياسر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يستحب للرجل أن يقاتل تحت راية قومه "
- رواهما أحمد (8/48)
3 - وعن المهلب بن أبي صفرة عمن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إن بيتكم العدو فقولوا حم لا ينصرون "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي (8/48)
4 - وعن البراء بن عازب قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إنكم ستلقون العدو غدا فإن شعاركم حم لا تنصرون "
- رواه أحمد (8/48)
5 - عن سلمة بن الأكوع قال " غزونا مع أبي بكر زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكان شعارنا أمت أمت "
- رواه أحمد وأبو داود (8/49)
6 - وعن الحسن عن قيس بن عبادة قال " كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكرهون الصوت عند القتال " (8/49)
7 - وعن أبي بردة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمثل ذلك رواهما أبو داود (8/49)
- حديث أبي أيوب قال في مجمع الزوائد في إسناده ابن لهيعة وفيه ضعف والصحيح أن أبا أيوب لم يشهد بدرا اه . وحديث عمارة في مجمع الزوائد إسناده منقطع قال وأخرجه أبو يعلى والبزار والطبراني وفي إسناده إسحاق بن أبي إسحاق الشيباني ولم يضعفه أحد وبقية رجاله ثقات اه
وقد أخرج نحو حديث أبي أيوب الترمذي من حديث عبد الرحمن بن عوف والبزار من طريق عكرمة عن ابن عباس عنه قال عبانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند البخاري من حديث مروان والمسور في قصة الفتح وقصة أبي سفيان قال ثم مرت كتيبة لم يرى مثلها وقال من هؤلاء قيل له الأنصار عليهم سعد بن عبادة ومعه الراية وفيه وجاءت كتيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورايته مع الزبير الحديث بطوله وهو شاهد لحديث عمار بن ياسر المذكور
وأخرج البخاري وأبو داود من حديث حمزة بن أبي أسيد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين اصطففنا يوم بدر إذا أكثبوكم يعني إذا غشوكم فارموهم بالنبل واستبقوا نبلكم . وحديث المهلب ذكر الترمذي أنه روى عن المهلب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وأخرجه الحاكم موصولا وقال صحيح قال والرجل الذي لمك يسمه المهلب هو البراء . ورواه النسائي من هذا الوجه بلفظ حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحديث البراء أخرجه أيضا النسائي والحاكم وحديث سلمة بن الأكوع أخرجه النسائي وابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص
وأخرجه الحاكم من حديث عائشة " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شعار المهاجرين يوم بدر عبد الرحمن والخزرج عبد الله " الحديث وأخرج أيضا عن ابن عباس رفعه جعل الشعار الأزد يا مبرور يا مبرور
وفي الباب عن سمرة بن جندب عند أبي داود قال " كان شعار المهاجرين عبد الله وشعار الأنصار عبد الرحمن وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه خلاف قد مر غير مرة وفي إسناده الحجاج بن أرطأة ولا يحتج بحديثه . وحديث قيس بن عباد وأبي بردة سكت عنهما أبو داود والمنذري ورجالهما رجال الصحيح . قولله " صففنا يوم بدر " الخ فيه دليل على مشروعية الإصطفاف حال القتال لما في ذلك من الترهيب على العدو والتقوية للجيش ولكونه محبوبا لله تعالى قال عز و جل { إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص }
قوله : " أن يقاتل تحت راية قومه " إنما كان ذلك مشروعا لما يتكلفه الإنسان من إظهاره القوة والجلادة إذا كان بمرأى من قومه ومسمع بخلاف ما إذا كان في غير قومه فإنه لا يفعل كفعله بين قومه لما جبلت عليه النفوس من محبة ظهور المحاسن بين العشيرة وكراهة ظهور المساوى بينهم ولهذا أفرد صلى الله عليه وآله وسلم كل قبيلة من القبائل التي غزت معه غزوة الفتح بأميرها ورايتها كما يحكي ذلك كتب الحديث والسير
قوله : " حم لا ينصرون " هذا اللفظ فيه التفاؤل بعدم انتصار الخصم مع حصول الغرض بالشعار وهو العلامة في الحرب يقال نادوا بشعارهم أو جعلوا لأنفسهم شعارا والمراد أنهم جعلوا العلامة بينهم لمعرفة بعضهم بعضا في ظلمة الليل هو التكلم عند أن يهجم عليه العدو بهذا اللفظ " قوله أمت أمت " أمر بالموت وفيه التفاؤل بموت الخصم
وفي لفظ " يامنصور أمت أمت " وفي آخر " يا منص " وهو ترخيم منصور محذوف الراء والواو
قوله : " يكرهون الصوت عند القتال " فيه دليل على أن رفع الصوت حال القتال وكثرة اللغط والصراخ مكروهة ولعل وجه كراهتهم لذلك أن التصويت في ذلك الوقت ربما كان مشعرا بالفزع والفشل بخلاف الصمت فإنه دليل الثبات ورباط الجأش (8/50)
باب استحباب الخيلاء في الحرب (8/50)
1 - عن جابر بن عتيك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن من الغيرة ما يحب الله ومن الغيرة ما يبغض الله وإن من الخيلاء ما يحب الله ومنها ما يبغض الله فأما الغيرة التي يحبها الله فالغيرة في الريبة وأما الغيرة التي يبغض الله فالغيرة في غير الريبة والخيلاء التي يحب الله فاختيال الرجل نفسه عند القتال واختياله عند الصدقة والخيلاء التي يبغض الله فاختيال الرجل في الفخر والبغي "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (8/50)
- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وفي اسناده عبد الرحمن بن جابر بن عتيك وهو مجهول وقد صحح الحديث الحاكم
قوله : " فالغيرة في الريبة " نحو أن يغتار الرجل على محارمه إذا رأى منهم فعلا محرما فإن الغيرة في ذلك ونحوه مما يحبه الله وفي الحديث الصحيح ما أحد أغير من الله من أجل ذلك حرم الزنا
وأما الغيرة في غير الريبة فنحو أن يغتار الرجل على أمه أن ينكحها زوجها وكذلك سائر محارمه فإن هذا مما يبغضه الله تعالى لأن ما أحله الله تعالى فالواجب علينا الرضا به فإن لم نرض به كان ذلك من إيثار حمية الجاهلية على ما شرعه الله لنا واختيال الرجل بنفسه عند القتال من الخيلاء الذي يحبه الله لما في ذلك من الترهيب لأعداء الله والتنشيط لأوليائه ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي دجانة لما رآه يختال عند القتال " إن هذه مشية يبغضها الله ورسوله إلا في هذا الموطن " وكذلك الأختيال عند الصدقة فإنه ربما كان من أسباب الأستكثار منها والرغوب فيها وأما اختيال الرجل في الفخر فنحو أن يذكرماله من الحسب والنسب وكثرة المال والجاه والشجاعة والكرم لمجرد الأفتخار ثم يحصل منه الاختيال عند ذلك فإن هذا الاختيال مما يبغضه الله تعالى لأن الافتخار في الأصل مذموم والأختيال مذموم فينضم قبيح إلى قبيح وكذلك الاختيال في البغي نحو أن يذكر الرجل أنه قتل فلانا وتأخذ ماله ظلما أو يصدر منه الأختيال حال البغي على مال الرجل أو نفسه فإن هذا يبغضه الله لأن فيه انضمام قبيح إلى قبيح كما سلف (8/51)
باب الكف وقت الإغارة عمن عنده شعار الإسلام (8/51)
1 - عن أنس " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا غزا قوما لم يغز حتى يصبح فإذا سمع أذانا أمسك وإذا لم يسمع أذانا أغار بعد ما يصبح "
- رواه أحمد والبخاري
وفي رواية " كان يغير إذا طلع الفجر وكان يستمع الآذان فإن سمع أذانا أمسك وإلا أغار وسمع رجلا يقول الله أكبر الله أكبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على الفطرة ثم قال أشهد أن لا إله إلا الله فقال خرجت من النار " . رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه (8/51)
2 - وعن عصام المزني قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث السري يقول إذا رأيتم مسجدا أوسمعتم مناديا فلا تقتلوا أحدا "
- رواه الخمسة إلا النسائي (8/52)
- حديث عصام قال الترمذي بعد أخراجه هذا حديث حسن غريب وهو من رواية ابن عصام عن أبيه قيل اسمه عبد الله
وقيل اسمه عبد الرحمن قال في التقريب لا يعرف
قوله : " وإذا لم يسمع أذانا أغار " فيه دليل على جواز قتال من بلغه الدعوة بغير دعوة ويجمع بينه وبين ما تقدم في باب الدعوة قبل القتال بأن يقال الدعوة مستحبة لا شرط هكذا في الفتح
وقد قدمنا الخلاف في ذلك وماذكره الإمام المهدي من أن وجوب تقديم الدعوة مجمع عليه والاعتراض عليه وفي هذا الحديث والذي بعده دليل على جواز الحكم بالدليل لكونه صلى الله عليه وآله وسلم كف عن القتال بمجرد سماع الآذان وفي الأخذ بالأحوط في امر الدماء لأنه كف عنهم في تلك الحال مع احتمال أن لا يكون ذلك على الحقيقة
قوله : " على الفطرة " فيه أن التكبير من الأمور المختصة بأهل الإسلام وأنه يصح الاستدلال به على إسلام أهل قرية سمع منهم ذلك قوله " خرجت من النار " هو نحو الأدلة القاضية بأن من قال لا إله إلا الله دخل الجنة وهي مطلقة مقيدة بعدم المانع جمعا بين الأدلة وللكلام على ذلك موضع آخر
قوله : " إذا رأيتم مسجدا " فيه دليل على أن مجرد وجود المسجد في البلد كاف في الاستدلال به على إسلام أهله وإن لم يسمع منهم الآذان لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر سراياه بالأكتفاء بأحد الأمرين إما وجود مسجد أو سماع الآذان (8/52)
باب جواز تبييت الكفار ورميهم بالمنجنيق وإن أدى إلى قتل ذراريهم تبعا (8/52)
1 - عن الصعب بن جثامة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن أهل الدار من المشركين يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم ثم قال هي منهم "
- رواه الجماعة إلا النسائي . وزاد أبو داود وقال الزهري " ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل النساء والصبيان " (8/53)
2 - وعن ثور ين يزيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نصب المنجنيق على أهل الطائف "
- أخرجه الترمذي هكذا مرسلا (8/53)
3 - وعن سلمة بن الأكوع قال بيتنا هوازن مع أبي بكر الصديق وكان أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد (8/53)
- الزيادة التي زادها أبو داود عن الزهري أخرجها الإسماعيلي من طريق جعفر الفريابي عن علي بن المديني عن سفيان بلفظ وكان الزهري إذا حدث بهذا الحديث قال وأخبرني ابن كعب بن مالك عن عمه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما بعث إلى ابن أبي الحقيق نهى عن قتل النساء والصبيان " وأخرجه أيضا ابن حبان مرسلا كأبي داود قال في الفتح وكأن الزهري أشار بذلك إلى نسخ حديث الصعب وحديث ثور بن يزيد أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل من طريق مكحول عنه
وأخرجه أيضا الواقدي في السيرة وزعم أن الذي أشار به سلمان الفارسي وقد أنكر ذلك يحيى بن أبي كثير وإنكاره ليس بقادح فإن من علم حجة علي من لم يعلم . حديث سلمة أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وان ماجه وهو طرف من الحديث الذي تقدم في باب ترتيب الصفوف
قوله : " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل " السائل هو الصعب بن جثامة الراوي للحديث كما يدل على ذلك ما في صحيح ابن حبان من طريق محمد بن عمرو عن الزهري بسنده عن الصعب قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أولاد المشركين أنقتلهم معهم قال نعم " قوله " عن أهل الدار " أي المنزل هكذا في البخاري . وغيره ووقع في بعض نسخ مسلم " سئل عن الذراري " قال عياض الأول هو الصواب ووجه النووي الثاني قوله " هم منهم " أي في الحكم في تلك الحالة وليس المراد إباحة قتلهم بطريق القصد إليهم بل المراد إذا لم يمكن الوصول إلى المشركين إلا بوطء الذرية فإذا أصيبوا لاختلاطهم بهم جاز قتلهم " ثم نهى رسول الله " الخ استدل به من قال إنه لا يجوز قتلهم مطلقا وسيأتي قوله " بيتنا هوازن " البيات هو الغارة بالليل ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجوز تبييت الكفار قال الترمذي وقد رخص قوم من أهل العلم في الغارة بالليل وأن يبيتوا وكرهه بعضهم قال أحمد وإسحاق لابأس أن يبيت العدو ليلا (8/54)
باب الكف عن قصد النساء والصبيان والرهبان والشيخ الفاني بالقتل (8/54)
1 - عن ابن عمر قال " وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنهى رسول الله عن قتل النساء والصبيان "
- رواه الجماعة إلا النسائي (8/54)
2 - وعن رياح بن ربيع " أنه خرج مع رسول الله في غزوة غزاها وعلى مقدمته خالد بن الوليد فمر رياح وأصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وآله على امرأة مقتولة مما أصابت المقدمة فوقفوا ينظرون إليها يعني وهم يتعجبون من خلقها حتى لحقهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على راحلته فأفرجوا عنها فوقف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما كانت هذه لتقاتل فقال لأحدهم إلحق خالدا فقل له لا تقتل ذرية وعسيفا "
- رواه أحمد وأبو داود (8/55)
3 - وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال انطلقوا باسم الله وبالله على ملة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا ولا امرأة ولا تغلوا وضموا غنائمكم وأصلحوا وأحسنوا إن الله يحب المحسنين "
- رواه أبو داود (8/55)
4 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث جيوشه قال أخرجوا باسم الله تعالى تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله لا تغدروا ولا تغلوا ولا تمثلوا ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع " (8/55)
5 - وعن ابن كعب بن مالك عن عمه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين بعث إلى ابن أبي الحقيق بخيبر نهى عن قتل النساء والصبيان " (8/56)
6 - وعن الأسود بن سريع قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتلوا الذرية في الحرب فقالوا يا رسول الله أو أليس هم أولاد المشركين قال أو ليس خياركم أولاد المشركين "
- رواهن أحمد (8/56)
- حديث رياح بكسر الراء المهملة وبعدها تحتانية هكذا في الفتح
وقال المنذري بالباء الموحدة ويقال بالياء التحتانية ورجح البخاري أنه بالموحدة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم والبيهقي واختلف فيه على المرقع بن صيفي فقيل عن جده رياح وقيل حنظلة بن الربيع وذكر البخاري وأبو حاتم أن الأول أصح . وحديث أنس في اسناده خالد بن الفزر بكسر الفاء وسكون الزاي وبعدها راء مهملة وحديث ابن عباس في إسناده إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة وهو ضعيف ووثقه أحمد . وحديث ابن كعب بن مالك أخرجه أيضا الإسماعيلي في مستخرجه وأخرجه أبو داود وابن حبان من حديث الزهري مرسلا كما تقدم وقال مجمع الزوائد رجال أحمد الصحيح . وحديث الأسود بن سريع قال في مجمع الزوائد أيضا ورجال أحمد ورجال الصحيح ( وفي الباب ) عن علي عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس المذكور . وعن جرير عند ابن أبي حاتم في العلل وعم سمرة عند أحمد والترمذي وصججه بلفظ " اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم " وأحاديث الباب تدل على أنه لا يجوز قتل النساء والصبيان وإلى ذلك ذهب مالك والأوزاعي فلا يجوز ذلك عندهما بحال من الأحوال حتى لو تترس أهل الحرب بالنساء والصبيان أو تحصنوا بحصن أو سفينة وتجعلوا معهم النساء والصبيان لم يجز رميهم ولا تحريقهم . وذهب الشافعي والكوفيون إلى الجمع بين الأحاديث المذكورة فقالوا إذا قاتلت المرأة جاز قتلها وقال ابن حبيب من المالكية لا يجوز القصد إلى قتلها إذا قاتلت إلا إن باشرت القتل أو قصدت إليه ويدل على هذا ما رواه أبو داود في المراسيل عن عكرمة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " مر بامرأة مقتولة يوم حنين فقال من قتل هذه فقال رجل أن يا رسول الله غنمتها فأردفتها خلفي فلما رأت الهزيمة فينا أهوت إلى القائم سيفي لتقتلني فقتلتها فلم ينكر عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ووصله الطبراني في الكبير وفيه حجاج بن ارطأة وأرسله ابن أبي شيبة عن عبد الرحمن بن يحيى الأنصاري ونقل ابن بطال أنه اتفق الجميع على المنع من القصد على قتل النساء والولدان أما النساء فلضعفهن وأما الولدان فلقصورهم عن فعل الكفار ولما في استبقائهم جميعا من الأنتفاع أما بالرق أو بالفداء فيمن يجوز أن يفادي به قال في الفتح وقد كحى الحازمي قولا بجواز قتل النساء والصبيان على ظاهر حديث الصعب وتزعم أنه ناسخ لأحاديث النهي وهو غريب
قوله : " ولا عسيفا " بمهملتين وفاء كأجير وزنا ومعنى وفيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان مع القوم أجيرا ونحوه لأنه من المستضعفين
قوله : " لا تقتلوا شيخا فانيا " ظاهره أنه لا يجوز قتل شيوخ المشركين ويعارضه حديث اقتلوا شيوخ المشركين الذي ذكرناه وقد جمع بين الحديثين بأن الشيخ المنهي عن قتله في الحديث الأول هو الفاني الذي لم يبق فيه نفع للكفار ولامضرة على المسلمين وقد وقع التصريح بهذا الوصف بقوله شيخا فانيا والشيخ المأمور بقتله في الحديث الثاني هو من بقي فيه نفع للكفار وهو بالرأي كما في دريد بن الصمة فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من حنين بعث أبا عامر على جيش أوطاس فلقي دريد بن الصمة وقد كان نيف على المائة وقد أحضروه ليدبر لهم الحرب فقتله أبو عامر ولم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عليه كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث أبي موسى والقصة معروفة
قال أحمد بن حنبل في تعليل أمره صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الشيوخ إن الشيخ لا يكاد يسلم والصغير أقرب إلى الإسلام
قوله : " ولا تغلوا " وسيأتي الكلام على تحريم الغلول والغد والمثلة
قوله : " وضموا غنائمكم " أي أجمعوها أي جمعوها
قوله : " ولا أصحاب الصوامع " فيه دليل على أنه لا يجوز قتل من كان متخليا للعباد من الكفار لارهبان لاعراضه عن ضر المسلمين والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكنه معتضد بالقياس على الصبيان والنساء بجامع عدم النفع والضرر وهو المناط ولهذا لم ينكر صلى الله عليه وآله وسلم على قاتل المرأة التي أرادت قتله ويقاس على النصوص عليهم بذلك الجامع من كان مقعدا أو اعمى أو نحوهما ممن كان لا يرجى نفعه ولا ضرره على الدوام (8/56)
باب الكف عن المثلة والتحريق وقطع الشجر وهدم العمران إلا لحاجة ومصلحة (8/57)
1 - عن صفوان بن عسال قال " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سرية فقال سيروا باسم الله وفي سبيل الله قاتلوا من كفر بالله ولا تمثلوا ولا تغدروا ولا تقتلوا وليدا "
- رواه أحمد وابن ماجه (8/57)
2 - وعن أبي هريرة " قال بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعث فقال إن وجدتم فلانا وفلانا لرجلين فأحرقوهما بالنار ثم قال حين أردنا الخروج أني كنت أمرتكم أن تحرقوا فلانا وفلانا وإن النار لا يعذب بها إلا الله فإن وجدتموهما فاقتلوهما "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي وصححه (8/57)
3 - وعن يحيى بن سعيد " أن أبا بكر بعث جيوشا إلى الشام فخرج يمشي مع يزيد بن أبي سفيان وكان يزيد أمير ربع من تلك الأرباع فقال إني موصيك بعشر خلال لا تقتل امرأة ولا صبيا ولا كبيرا هرما ولا تقطع شجرا مثمرا ولا تخرب عامرا ولا تعقرن شاة ولا بعيرا إلا لمأكله ولا تعقرن نخلا ولا تحرقه ولا تغلل ولا تخبن "
- رواه مالك في الموطأ عنه (8/58)
- حديث صفوان بن عسال قال ابن ماجه حدثنا الحسن بن علي الخلال حدثنا أبو أسامة قال حدثني عطية بن الحرث بن روق الهمداني قال حدثني أبو العريف عبد الله بن خليفة عن صفوان فذكره وعطية صدوق وعبد الله بن خليفة ثقة وأخرجه أيضا النسائي . وهذا الحديث هو مثل حديث ابن عباس المتقدم في الباب الأول وجميع ما اشتمل عليه قد تقدم أيضا في حديث بريدة المتقدم في باب الدعوة قبل القتال . وأثر يحيى بن سعيد المذكور مرسل لأنه لم يدرك زمن أبي بكر ورواه البيهقي من حديث يونس عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب . ورواه سيف في الفتوح عن الحسن بن أبي الحسن مرسلا
قوله : " ولا تمثلوا " فيه دليل على تحريم المثلة وقد وردت في ذلك أحاديث كثيرة قد سبق في هذا المشروح وشرحه بعض منها
قوله : " بعثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ زاد الترمذي إن هذين الرجلين من قريش
وفي رواية لأبي داود " إن وجدتم فلانا فاحرقوه بالنار " هكذا بالأفراد وروى في فوائد على بن حرب عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح إن اسمه هبار بن الأسود . ووقع في رواية ابن إسحاق إن وجدتم هيار بن الأسود والرجل الذي سبق منه إلى زينب ما سبق فحرقوهما بالنار يعني زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان زوجها أبو العاص بن الربيع لما أسره الصحابة ثم اطلقه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة شرط عليه أن يجهز إليه ابنته زينب فجهزها فتبعها هبار بن الأسود ورفيقه فنخسا بعيرها فأسقطت ومرضت من ذلك والقصة مشهورة عن ابن إسحاق وغيره
وقال في روايته وكان نخسا بزينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرجت من مكة
وقد أخرجه سعيد بن منصور عن ابن عيينة عن أبي ابن نجيح إن هبار بن الأسود أصاب زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء في خدرها فاسقطت فبعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية فقال إن وجدتموه فأجعلوه بين حرمتي حطب ثم أشعلوا فيه النار ثم قال لانستحي من الله لا ينبغي لأحد أن يعذب بعذاب الله الحديث فكأن أفراد هبار بالذكر في الرواية السابقة لكونه كان الأصل في ذلك والآخر كان تبعا له وسمي ابن السكن في روايته من طريق ابن إسحاق الرجل الآخر نافع بن عبد قيس وبه جزم ابن هشام في رواي السيرة عنه . وحكى السهيلي عن مسند البزار إنه خالد بن عبد قيس فلعله تصحف عليه وإنما هو كذلك هو في النسخ المعتمدة من مسند البزار وكذلك أورده ابن السكن أولا من مسند البزار وأخرجه محمد بن عثمان بن أبي شيبة في تاريخه من طريق ابن لهيعة كذلك قال الحافظ وقد أسلم هبار هذا ففي رواية ابن أبي نجيح المذكور فلم تصبه السرية وأصابه الإسلام فهاجر فذكر قصة اسلامه وله حديث عند الطبراني وآخر عند ابن منده وعاش إلى أيام معاوية وهو بفتح الهاء وتشديد الباء الموحدة قال الحافظ أيضا ولم أقف لرفيقه على ذكر في الصحابة فلعله مات قبل أن يسلم
قوله : " وإن النار لا يعذب بها إلا الله " هو خبر بمعنى النهي وقد اختلف السلف في التحريق فكره ذلك عمر وابن عباس وغيرهما مطلقا سواء كان في سبب كفر أو في حال مقاتلة أو في قصاص وأجازه علي وخالد بن الوليد وغيرهما
قال المهلب ليس هذا النهي على التحريم بل على سبيل التواضع ويدل على جواز التحريق فعل الصحابة وقد سمل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعين العرنيين بالحديد كما تقدم وقد أحرق أبو بكر بالنار في حضرة الصحابة . وحرق خالد بن الوليد ناس من أهل الردة وكذلك حرق علي كما تقدم في كتاب الحدود
قوله : " ولا تعقرن " بالعين المهملة والقاف والراء في كثير من النسخ وفي نسخ ولا تعزقن بالعين المهملة والزاي المكسورة القاف ونون التوكيد
قال في النهاية هو القطع وظاهر النهي في حديث الباب التحريم وهو نسخ للأمر المتقدم سواء كان بوحي إليه أو اجتهاد وهو محمول على من قصد إلى ذلك في شخص بعينه (8/58)
4 - وعن جرير بن عبد الله قال " قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا تريحني من ذي الخلصة قال فانطلقت في خمسين ومائة فارس من أحمس وكانوا أصحاب خيل وكان ذو الخلصة بيت في اليمن لخنعم وبجيلة فيه نصب يعبد يقال له كعبة اليمانية قال فأتاها فحرقها بالنار وكسرها ثم بعث رجلا من أحمس يكنى أبا أرطاة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبشره بذلك فلما أتاه قال يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما جئت حتى تركتها كأنها جمل أجرب قال فبرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات "
- متفق عليه (8/58)
5 - وعن ابن عمران " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطع نخل بني النضير وحرق ولها يقول حسان
وهان على بني لؤي ... حريق بالبويرة مستطير
وفي ذلك نزلت ما قطعتم من لينة أو تركتموها "
- الآية متفق عليه ولم يذكر أحمد الشعر (8/59)
6 - وعن أسامة بن زيد قال " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى قرية يقال لها ابني فقال أئتها صباحا ثم حرق "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه
وفي اسناده صالح بن أبي الأخضر قال البخاري هو لين (8/59)
- حديث أسامة بن زيد سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده من ذكره المصنف
وقال يحيى بن معين هو ضعيف
وقال أحمد يعتبر به وقال العجلي يكتب حديثه وليس بالقوي
وقال في التقريب ضعيف
قوله : " ذي الخلصة " بفتح المعجمة واللام والمهملة وحكى بتسكين اللام قال في القاموس وذو الخلصة محركة وبضمتين بيت كان يدعى الكعبة اليمانية لخثعم كان فيه صنم اسمه الخلصة أو لأنه كان منبت الخلصة انتهى . وهي نبات له حب أحمر
قوله : " من أحمس " بالمهملتين على وزن أحمد قال في القاموس الحمس الأمكنة الصلبة جمع أحمس وبه لقب قريش وكنانة وجديلة ومن تابعهم في الجاهلية لتحمسهم في دينهم أو لالتجائهم بالحمساء وهي الكعبة لأن حجرها أبيض إلى السواد والحماسة الشجاعة والأحمس الشجاع كالحميس كذا في القاموس وفي الفتح هم رهط ينسبون إلى أحمس بن الغوث بن أنمار قال وفي العرب قبيلة أخرى يقال لها أحمس ليست مرادة هنا ينسبون إلى أحمس بن ضبيعة بن ربيعة بن نزار " قوله نصب " بضم النون والصاد أي صنم قوله " كعبة يمانية " أي كعبة الجهة اليمانية
قوله : " فبرك " بفتح الموحدة وتشديد الراء أي دعا لهم بالبركة
قوله : " كأنها جمل أجرب " بالجيم والموحدة وهو كناية عن نزع زينتها وإذهاب بهجتها
وقال الحافظ أحسب المراد أنها صارت مثل الجمل المطلى بالقطران من جربه إشارة إلى أنها صارت سوداء لما وقع فيها من التحريق
قوله : " سراة " بفتح المهملة وتخفيف الراء جمع سرى وهو الرئيس قوله " بني لؤي " بضم اللام وفتح الهمزة وهو أحد أجداد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبنوهم قريش وأراد حسان تعيير مشركي قريس بما وقع في حلفائهم من بني النضير
قوله : " بالبويرة " بالباء الموحدة تصغير بورة وهي الحفرة وهي هنا مكان معروف بين الحديبية وتيماء وهي من جهة قبلة مسجد قباء إلى جهة الغرب ويقال لها أيضا البويلة باللام بدل الراء
قوله : " من لينة " قال السهلي في تخصيص اللينة بالذكر إيماء إلى أن الذي يجوز قطعه من شجر العدو هو مالا يكون معدا للاقتيات لأنهم كانو يقتاتون العجوة والبرني دون اللينة وكذا ترجم البخاري في التفسير فقال ما قطعتم من لينة نخلة ما لم تكن برنية أو عجوة
وقيل اللينة الدقل
وفي معالم التنزيل اللينة فعلة من اللون وتجمع على ألوان وقيل من اللين ومعناه النخلة الكريمة وجمعها ليان
وقال في القاموس إنها الدقل من النخل
قوله : " يقال له ابني " بضم الهمزة والقصر ذكره في النهاية وحكى أبو داود إن أبا مسهر قيل له ابني فقال نحن أعلم هي يبنا فلسطين والأحاديث المذكورة فيها دليل على جواز التحريق في بلاد العدو
قال في الفتح ذهب الجمهور إلى جواز التحريق والتخريب في بلاد العدو وكرهه الأوزاعي والليث وأبو ثور واحتجوا بوصية أبي بكر لجيوشه أن لا يفعلوا شيئا من ذلك وقد تقدمت في أول الباب . وأجاب الطبري بأن النهي محمول على القصد لذلك بخلاف ما إذا أصابوا ذلك في حال القتال كما وقع في نصب المنجنيق على الطائف وهو نحو مما أجاب به في النهي عن قتل النساء الصبيان وبهذا قال أكثر أهل العلم وقال غيره إنما نهى أبو بكر عن ذلك لأنه قد علم أن تلك البلاد تفتح فأراد بقاءها على المسلمين انتهى . ولا يخفى أن ما وقع من أبي بكر لا يصلح لمعارضة ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما تقرر من عدم حجية قول الصحابي (8/59)
باب تحريم الفرار من الزحف إذا لم يزد العدو على ضعف المسلمين إلا المتحيز إلى فئة وإن بعدت (8/60)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اجتنبوا السبع الموبقات قالوا وماهن يا رسول الله قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولى يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات "
- متفق عليه (8/60)
2 - وعن ابن عباس " لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين فكتب عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين ثم نزلت الآن خفف الله عنكم الآية فكتب أن لا تفر مائة من مائتين "
- رواه البخاري وأبو داود (8/60)
3 - وعن ابن عمر قال " كنت في سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحاص الناس حيصة وكنت فيمن حاص فقلنا كيف نصنع وقد فررنا من الزحف وبؤنا بالغضب ثم قلنا لو دخلنا المدينة فبتنا ثم قلنا لو عرضنا نفوسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت لنا توبة وإلا ذهبنا فأتيناه قبل صلاة الغداة فخرج فقال من الفرارون فقلنا نحن الفرارون قال بل أنتم العكارون أنا فئتكم وفئة المسلمين قال فأتيناه حتى قبلنا يده "
- رواه أحمد وأبو داود (8/61)
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه وقال الترمذي حسن لا نعرفه إلا من حديث يزيد بن أبي زياد انتهى . ويزيد بن أبي زياد تكلم فيه غير واحد من الأئمة
قوله : " الموبقات " أي المهلكات قال في القاموس وبق كوعد ووجل وورث وبوقا هلك كاستوبق وكمجلس المهلك والموعد والمجلس وواد في جهنم وكل شيء حال بين شيئين وأوبقه حبسه وأهلكه اه . ( وفي الحديث ) دليل على أن هذه السبع المذكورة من كبائر الذنوب والمقصود من إيراد الحديث ههنا هو قوله فيه " والتولي يوم الزحف " فإن ذلك يدل على الفرار من الكبائر المحرمة وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الفرار من موجبات الفسق
قال في البحر مسألة ومهما حرمت الهزيمة فسق المنهزم لقوله تعالى { فقد باء بغضب من الله } وقوله " الكبائر سبع إلا متحرفا لقتال " وهو أن يرى القتال في غير موضعه أصلح وأنفع فينتقل إليه قال ابن عباس وكانت هزيمة المسلمين في أوطاس إنحرافا من مكان إلى مكان أو متحيزا إلى فئة وإن بعدت إذ لم تفصل الآية ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل غزوة موتة أنا فئة كل مسلم الخبر ونحوه انتهى . ومن ذلك قوله في حديث الباب " أنا فئتكم وفئة المسلمين " والأصل في جواز ذلك قوله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله } وقد جوزت الهادوية الفرار إلى منعة من جبل أو نحوه وإن بعدت ولخشية استئصال المسلمين أو ضرر عام للإسلام وأما إذا ظنوا أنهم يغلبون إذا لم يفروا ففي جواز فرارهم وجهان
قال الإمام يحيى أصحهما أنه يجب الهرب لقوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ولا إذ قال له رجل يا رسول الله أرأيت لو انغمست في المشركين وقد تقدم في أول الجهاد وتقدم تفسير الآية
قوله : " لما نزلت أن يكن منكم عشرون صابرون " الخ قال في البحر وكانت الهزيمة محرمة وإن كثر الكفار لقوله تعالى { فلا تولوهم الأدبار } ثم خفف عنهم بقوله { إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين } فأوجب على كل واحد مصابرة عشرة ثم خفف عنهم وأوجب على الواحد مصابرة اثنين بقوله { الآن خفف الله عنكم } الآية واستقر الشرع على ذلك فحينئذ حرمت الهزيمة لقول ابن عباس من فر من اثنين فقد فر ومن فر منثلاثة فلم يفر انتهى
قوله : " فحاص الناس حيصة " بالمهملات
قال ابن الأثير حصت عن الشيء حدت عنه وملت عن جهته هكذا قال الخطابي
قال المصنف رحمة الله تعالى وقوله حاصوا أي حادوا حيدة ومنه قوله تعالى { ما لهم من محيص } ويروى جاضوا جيضة بالجيم والضاد المعجمتين وهو بمعنى حادوا انتهى
قوله : " ثم قلنا لو دخلنا المدينة " الخ لفظ أبي داود فقلنا ندخل المدينة فنبيت فيها لنذهب ولا يرانا أحد فدخلنا فقلنا لو عرضنا أنفسنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن كانت لنا توبة أقمنا وإن كان غير ذلك ذهبنا فجلسنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل صلاة الفجر فلما خرج قمنا إليه فقلنا نحن الفرارون فأقبل إلينا فقال لا أنتم العكارون فدنونا فقبلنا يده فقال أنا فئة المسلمين
قوله : " العكارون " بفتح العين المهملة وتشديد الكاف قيل هم الذين يعطفون إلى الحرب وقيل إذا حاد الإنسان عن الحرب ثم عاد إليها يقال قد عكر وهو عاكر وعكار
قال في القاموس العكار الكرار العطاف واعتكر اختلطوا في الحرب والعكر رجع بعضه فلم يقدر على عدة انتهى (8/61)
باب من خشي الأسر فله أن يستأسر وله أن يقاتل حتى يقتل (8/61)
1 - عن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشرة رهطا عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري فانطلقوا حتى إذا كانوا بالهداة وهو بين عسفان ومكة ذكروا لبني لحيان فنفروا لهم قريبا من مائتي رجل كلهم رام فاقتصوا أثرهم فلما رآهم عاصم وأصحابه لجؤ إلى فدفد وأحاط بهم القوم فقال لهم انزلوا وأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا قال عاصم بن ثابت أمير السرية أما أنا فوالله لا أنزل اليوم في ذمة كافر اللهم خبر عنا نبيك فرموهم بالنبل فقتلوا عاصم في سبعة فنزل إليهم ثلاثة رهط بالعهد والميثاق منهم خبيب الأنصاري وابن دئنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم اطلقوا أوتار قسيهم فأوثقوهم فقال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي في هؤلاء لأسوة يريد القتلي فجروه وعالجوه على أن يصحبهم فأبى فقتلوه وانطلقوا بخبيب وابن دثنة حتى باعوهم بمكة بعد وقعة بدر وذكر قصة قتل خبيب إلى أن قال استجاب الله لعاصم بن ثابت يوم أصيب فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه خبرهم وما أصيبوا "
- مختصر لأحمد والبخاري وأبو داود (8/62)
- تمام الحديث " فاشترى خبيب بنو الحرث بن عامر بن نوفل وكان خبيب هو قتل يوم بدر الحارث فممكث عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله فاستعار موسى من بعض بنات الحرث ليستحد بها فأعارته قالت فغفلت عن صبي لي فدرج إليه حتى أتاه فوضعه على فخذه فلما رأيته فزعت فزعة حتى عرف ذلك مني وفي يده الموسى فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك إن شاء الله تعالى وكانت تقول ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب لقد رأيته يأكل من قطف عنب وما بمكة يومئذ ثمرة وأنه لموثق بالحديد وما كان إلا رزقا رزقه الله خبيبا فخرجوا به من الحرم ليقتلوه فقال دعوني أصلي ركعتين ثم انصرف إليهم فقال لولا أن تروا أن ما بي جزع من الموت لزدت فكان أول من صلى الركعتين عند القتل وقال اللهم احصهم عددا وقال
ولست أبالي حين أقتل مسلما على أي شق كان في الله مصرعي
وذلك في ذات الآله وإن يشأ يبارك علي أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه عقبة بن الحرث فقتله وبعث قريش إلى عاصم ليأتوا بشيء من جسده بعد موته وكان قتل عظيما من عظمائهم يوم بدر فبعث الله عليه مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا منه على شيء هكذا في صحيح البخاري وسنن أبي داود
قوله : " عينا " العين الجاسوس على ما في القاموس وغيره وفيه مشروعية بعث الأعيان
وقد أخرج مسلم وأبو داود من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث بسبسة عينا ينظر ما صنعت عير أبي سفيان " قوله " بالهدأة " بفتح الهاء وسكون الدال المهملة لعدها همزة مفتوحة كذا للأكثر وللكشميهني بفتح الدال وتسهيل الهمزة . وعند ابن اسحاق الهدة بتشديد الدال بغير ألف قال على سبعة أميال من عسفان
قوله : " لبني لحيان " هم قبيلة معروفة اسم أبيهم لحيان بكسر اللام وقيل بفتحها وسكون المهملة وهو ابن هذيل بن مكدرة بن الياس بن مضر
قوله : " فنفروا لهم " أي أمروا جماعة منهم أن ينفروا إلى الرهط المذكورين
قوله : " الفدفد " بفائين ودالين مهملتين الموضع الغليظ المرتفع
قال في مختصر النهاية هو المكان المرتفع
قوله : " خبيب " بضم الخاء المعجمة وفيح الموحدة وسكون التحتية وآخره موحدة أيضا وهو ابن عدي من الأنصار . قوله " دئنة " بفتح الدال المهملة وكسر المثلثة بعدها نون واسمه زيد
قوله : " ورجل آخر " هو عبد الله بن طارق وعالجوه أي مارسوه والمراد أنهم خادعوه ليتبعهم فأبى . والاستحداد حلق العانة . والقطف العنقود وهو اسم لكل ما تقطفه . والشلو العضو من الإنسان . والممزع بتشديد الزاي بعدها مهملة المفرق والظلة الشيء المظل من فوق . والدبر بتشديد الدال السكون الباء وبعدها راء مهملة جماعة النحل
وقد استدل المصنف رحمه الله تعالى بهذا الحديث على أنه يجوز لمن لم يقدر على المدافعة ولا أمكنه الهرب أن يستأسر وهكذا ترجم البخاري على هذا الحديث باب هل يستأسر الرجل ومن لم يستأسر أي هل يسلم نفسه للأسر أم لا . ووجه الاستدلال بذلك أنه لم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنكر ما وقع من الثلاثة المذكورين من الدخول تحت أسر الكفار ولا أنكر ما وقع من السبعة المقتولين من الإصرار على الامتناع من الأسر ولو كان ما وقع من إحدى الطائفتين غير جائز لأخبر صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه بعدم جوازه وأنكره فدل ترك الإنكار على أنه يجوز لمن لا طاقة له بعدوه أن يمتنع من الأسروأن يستأسر (8/62)
باب الكذب في الحرب (8/62)
1 - عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من لكعب ابن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله قال محمد بن مسلمة أتحب أن أقتله يا رسول الله قال نعم قال فأذن لي فأقول قال قد فعلت قال فأتاه فقال إن هذا يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد عنانا وسألنا الصدقة قال وأيضا والله قال فإنا اتبعناه فنكره أن ندعه حتى ننظر إلى ما يصير أمره قال فلم يزل يكلمه حتى استمكن منه فقتله "
- متفق عليه (8/63)
2 - وعن أم كلثوم بنت عقبة " قالت لم أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرخص في شيء من الكذب مما تقول الناس إلا في الحرب والإصلاح بين الناس وحديث الرجل امرأته وحديث المرأة زوجها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (8/63)
- ححديث جابر هو في بعض الروايات كما ساقه المصنف مختصرا وفي بعضها أنه قال له بعد قوله حتى تنظر إلى ما يصير إليه أمره قد أردت أن تسلفني سلفا قال فما ترهنني ترهنني نساؤكم قال أنت أجمل العرب أترهنك نساءنا قال فترهنون أبناءكم قال يسب ابن أحدنا فيقال رهن في وسق أو ويقين من تمر ولكن ترهنك اللامة يعني السلاح قال نعم وواعده أن يأتيه بالحرث وأبي عبس بن جبر وعباد بن بشر قال فجاءوا فدعوه ليلا فنزل إليهم فقالت له امرأته أني لا أسمع صوتا كأنه صوت الدم فقال إنما هو محمد إذا جاء فسوف أمد يدي إلى رأسه فإذا استمكنت منه فدونكم قال فنزل وهو متوشح فقالوا نجد منك ريح الطيب فقال نعم فتحتي فلانة أعطر نساء العرب فقال محمد أفتأذن لي أن أشم منك قال نعم فشم ثم قال أتأذن لي أن أعود قال نعم فاستمكن منه ثم قال دونكم فقتلوه . أخرجه الشيخان وأبو داود . وحديث أم كلثوم هو أيضا في صحيح البخاري في كتاب الصلح منه ولكنه مختصر
وقد ورد في معنى حديث أم كلثوم أحاديث أخر منها حدبث أسماء بنت يزيد عند الترمذي قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يا أيها الناس ما يحملكم أن تتابعوا على الكذب كتتابع الفراض في النار الكذب كله على ابن آدم حرام إلا في ثلاث خصال رجل كذب على امرأة ليرضيها ورجل كذب في الحرب فإن الحرب خدعة ورجل كذب بين مسلمين ليصلح بينهما والتتابع التهافت في الأمر " والفراش الطائر الذي يتواقع في ضوء السراج فيحترق
وأخرج مالك في الموطأ عن صفوان بن سليم الزرقي أن رجلا قال يا رسول الله أكذب امرأتي فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا خير في الكذب قال فاعدها وأقول لها فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا جناح عليك
وأخرج أحمد وابن حبان والحاكم وصححاه من حديث أنس في قصة الحجاج بن علاط استئذانه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يقول عنه ما شاء لمصلحته في استخلاص ماله من أهل مكة وأذن له النبي صلى الله عليه وآله وسلم واخباره لأهل مكة أن أهل خيبر هزموا المسلمين
وأخرج الطبراني في الأوسط " الكذب كله أثم إلا ما نفع به مسلم أو دفع به عن دين " وأخرج الشيخان وغيرهما من حديث أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يكذب إبراهيم عليه السلام إلا ثلاث كذبات ثنتين في كتاب الله تعالى قوله أني سقيم وقوله بل فعله كبيرهم هذا وواحدة في شأن سارة " الحديث
قوله : " فأذن لي فأقول " أي أقول مالا يحل في جانبك
قوله : " عنانا " بفتح العين المهملة وتشديد النون الأولى أي كلفنا بالأوامر والنواهي
قوله : " سألنا الصدقة " أي طلبها منا ليضعها : وقوله " فنكره أن ندعه " إلى آخر معناه نكره فراقه ( والحديث ) المذكور قد استدل به على جواز الكذب في الحرب وكذلك بوب عليه البخاري باب الكذب في الحرب
قال ابن المنير الترجمة غير مطابقة لأن الذي وقع بينهم في قتل كعب ابن الأشرف يمكن أن يكون تعريضا ثم ذكر أن الذي وقع في حديث الباب ليس فيه شيء من الكذب وأن معنى ما في الحديث هو ما ذكرناه في تفسير ألفاظه وهو صدق قال الحافظ والذي يظهر أنه لم يقع منهم يما قالوه شيء من الكذب أصلا وجميع ما صدر منهم تلويح كما سبق لكن ترجم يعني البخاري لقول محمد بن مسلمة أولا ائذن لي أن أقول قال قل فإنه يدخل فيه الأذن في الكذب تصريحا وتلويحا
قوله : " إلا في الحرب " الخ قال الطبري ذهبت طائفة إلى جواز الكذب لقصد الإصلاح وقالوا إن الثلاث المذكورة كالمثال وقالوا إن الكذب المذموم إنما هو فيما فيه مضرة وليس فيه مصلحة وقال آخرون لا يجوز الكذب في شيء مطلقا وحملوا الكذب المراد هنا على التورية والتعريض كمن يقول للظالم دعوت لك أمس وهو يريد قوله اللهم أغفر للمسلمين وبعد امرأته بعطية شيء ويريد أن قدر الله ذلك وأن يظهر من نفسه قوة قلب وبالأول جزم الخطابي وبالثاني خزم المهلب والأصلي وغيرهما
قال النووي الظاهر إباحة حقيقة الكذب في الأمور الثلاثة لكن التعريض أولى
وقال ابن العربي الكذب في الحرب من المستثنى الجائز بالنص رفقا بالمسلمين لحاجتهم إليه وليس للعقل فيه مجال ولو كان تحريم الكذب بالعقل ما ما انقلب حلالا انتهى . ويقوي ذلك حديث الحجاج بن علاط المذكور ولا يعارض ما ورد في جواز الكذب في الأمور المذكورة ما أخرجه النسائي من طريق مصعب بن سعد عن أبيه في قصة عبد الله بن أبي سرح وقول الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما كف عن بيعته هلا أو مأت إلينا بعينك قال ما ينبغي لنبي أن يكون له خائنة إلا عين لأن طريق الجمع بينهما أن المأذون فيه بالخداع والكذب في الحرب حالة الحرب خاصة
وأما حالة المبايعة فليست بحالة حرب كذا قيل وتعقب بأن قصة الحجاج بن علاط أيضا لم تكن في حال حرب
قال الحافظ والجواب المستقيم أن يقال المنع مطلقا من خصائص النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يتعاطى شيئا من ذلك وإن كان مباحا لغيره ولا يعارض ذلك ما تقدم من أنه كان إذا أراد غزور ورى بغيرها فإن المراد أنه كان يريد أمرا فلا يظهره كان يريد أن يغزو جهة الشرق فيسأل عن أمر في جهة المغرب ويتجهز للسفر فيظن من يراه ويسمعه أن يريد جهة المغرب وأما أنه يصرح بإرادته المغرب ومراده المشرق فلا
قال ابن بطال سألت بعض شيوخي عن معنى هذا الحديث فقال الكذب المباح في الحرب ما يكون في المعارض لا التصريح بالتأمين مثلا وقال المهلب لا يجوز الكذب الحقيقي في شيء من الدين أصلا قال ومحال أن يأمر بالكذب من يقول من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ويرده ما تقدم
قال الحافظت واتفقوا على إن المراد بالكذب في حق المراة والرجل إنما هو فيما لا يسقط حقا عليه أو عليها أو أخذ ماليس له أو لها وكذا في الحرب في غير التأمين واتفقوا على جواز الكذب عند الاضطرار كما لو قصد ظالم قتل رجل هو مخنف عنده فله ان ينفي كونه عنده ويحلف على ذلك ولا يأثم انتهى وقال القاضي زكريا وضابط ما يباح من الكذب وما لا بياح أن الكلام وسيلة إلى المقصود فكل مقصود محمود أن أمكن التوصل إليه بالصدق فالكذب فيه حرام وإن لم يمكن إلا بالكذب فهو مباح إن كان المقصود مباحا وواجب أن كان المقصود واجبا انتهى . والحق أن الكذب حرام كله بنصوص القرآن والسنة من غير فرق بين ما كان منه في مقصد محمود أو غير محمود ولا يستثنى منه إلا ما خصه الدليل من الأمور المذكورة في أحاديث الباب نعم إن صح ما قدمنا عن الطبراني في الأوسط كان من جملة المخصصات لعموم الأدلة القاضية بالتحريم على العموم (8/63)
باب ما جاء في المبارزة (8/64)
1 - عن أمير المؤمنين علي رضوان الله عليه " قال تقدم عتبة بن ربيعة ومعه ابنه وأخوه فنادى من يبارز فانتدب له شباب من الأنصار فقال من أنتم فأخبروه فقال لا حاجة لنا فيكم إنا أردنا بني عمنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قم يا حمزة قم يا علي قم يا عبيدة بن الحرث فأقبل حمزة إلى عتبة وأقبلت إلى سيبة واختلف بين عبيدة والوليد ضربتان فأثخن كل واحد منا صاحبه ثم ملنا إلى الوليد فقتلناه واحتملنا عبيدة "
- رواه أحمد وأبو داود (8/64)
2 - وعن قيس بن عباد عن علي قال " أنا أول من يجثو للخصومة بين يدي الرحمن يوم القيامة قال قيس فيهم نزلت هذه الآية هذان خصمان اختصموا في ربهم قال هم الذين تبارزوا يوم بدر علي وحمزة وعبيدة بن الحرث وشيبة بن ربيعة وعتبة بن ربيعة والوليد بن عتبة "
وفي رواية " أن عليا قال فينا نزلت هذه الآية وفي مبارزتنا يوم هذان خصمان اختصموا في ربهم "
- رواهما البخاري (8/64)
3 - وعن سلمة بن الأكوع " قال بارز عمي يوم خيبر مرحب اليهودي "
- رواه أحمد في قصة طويلة ومعناه لمسلم (8/65)
- حديث علي الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وفي الباب عن أبي ذر عند الشيخين في ذكر المبارزة المذكورة مختصرا وأخرج ابن إسحاق في المغازي أن عليا بارز يوم الخندق عمرو بن عبد ود " ووصله الحاكم من حديث أنس بنحوه وأخرج ابن إسحاق أيضا في المغازي عن جابر قال " خرج مرحب اليهودي من حصن خيبر قد جمع سلاحه وهو يرتجز فذكر الشعر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لهذا فقال محمد بن مسلمة أنا يا رسول الله " فذكر الحديث والقصة ورواه أحمد والحاكم وقال صحيح الإسناد والذي في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع مطولا أنه بارزه علي وفيه " فخرج مرحب وهو يقول "
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
فقال علي عليه السلام
أنا الذي سمتن أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
وضرب رأس مرحب فقتله
قال الحافظ في التلخيص إن الأخبار متواترة أن عليا هو الذي قتل مرحبا انتهى . ورواية سلمة التي ذكرها المصنف في الباب تدل على أن الذي بارز مرحبا هو عمه . ويمكن الجمع بأن يقال أن محمد بن مسلمة وكذلك عم سلمة بن الأكوع بارزاه أولا ولم يقتلا ثم بارزه علي آخرا فقتله ساقي مرحب فقطعهما ولم يجهز عليه فمر به علي فضرب عنقه وأعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محمد بن مسلمة وروى الحاكم بسند منقطع فيه الواقدي أيضا أن أباد جانة قتله وجزم ابن إسحاق في السيرة أن محمد ين مسلمة هو الذي قتله قال الحافظ في التلخيص في باب قسمة الفيء والصحيح أن علي بن أبي طالب هو الذي قتله كما ثبت في صحيح مسلم من حديث سلمة بن الأكوع وفي مسند أحمد عن علي انتهى
وفي الصحيحين من حديث عبد الرحمن بن عوف أن عوفا ومعوذا ابني غفراء خرجا يوم بدر إلى البراز فلم ينكر عليهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى ابن إسحاق في المغازي أن عبد الله بن رواحة خرج يوم بدر إلى البراز هو ومعوذ وعوف ابنا عفراء وذكر القصة
قوله : " فانتدب له شباب من الأنصار " هم عبد الله بن رواحة ومعوذ وعوف ابنا عفراء كما بين ذلك ابن إسحاق في المغازي
قوله : " قم يا عبيدة بن الحرث " قال ابن إسحاق أن عبيدة بن الحارث وعتبة بن ربيعة كانا أسن القوم فبرز عبيدة لعتبة وحمزة لشيبة وعلي للوليد وروى موسى بن عقبة أنه برز حمزة لعتبة وعبيدة لشيبة وهو المناسب لحديث الباب فقتل علي وحمزة من بارزاهما وأختلف عبيدة ومن بارزه بضربتين فوقعت الضربة في ركبة عبيدة فمات منها لما رجعوا بالصفراء ومال حمزة وعلي إلى الذي بارز عبيدة فأعاناه على قتله وفي الأحاديث التي ذكرها المصنف وذكرناها دليل على أنها تجوز المبارزة وإلى ذلك ذهب الجمهور والخلاف في ذلك للحسن البصري . وشرط الأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق أذن الأمير كما في هذه الرواية فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أذن للمذكورين
قوله : " فأثخن كل واحد منا صاحبه " لفظ أبي داود فأثخن كل واحد منهما صاحبه أي كل واحد من المذكورين وهما عبيدة والوليد ومعنى الرواية المذكورة في الباب أنه أثخن حمزة من بارزه وهو عتبة وأثخن علي من بارزه وهو شيبة ثم مالا إلى الوليد
قال في القاموس أثخن في العدو بالغ في الجراحة فيهم وفلانا أو هنه وحتى إذا أثخنتموهم أي غلبتموهم وكثر فيهم الجراح انتهى
قوله : " ثم ملنا إلى الوليد " فيه دليل على أنه يجوز أن تعين كل طائفة من الطائفتين المتبارزتين بعضهم بعضا (8/65)
باب من أحب الإقامة بموضع النصر ثلاثا (8/65)
1 - عن أنس عن أبي طلحة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان إذا ظهر على قوم أقام بالعرصة ثلاث ليال "
- متفق عليه
وفي لفظ لأحمد والترمذي " بعرصتهم " وفي رواية لأحمد " لما فرغ من أهل بدر أقام بالعرصة ثلاثا " (8/66)
- قوله " أقام بالعرصة " بفتح العين المهملة وسكون الراء بعدها صاد مهملة وهي البقعة الواسعة بغير بناء من دار أو غيرها ( وفي الحديث دليل ) على أنها تشرع الإقامة بالمكان الذي ظهر به حزب الحق على حزب الباطل ثلاث ليال
قال المهلب حكمة الإقامة لإراحة الظهر والأنفس وقال ابن الجوزي إنما كان ذلك لإظهار تأثير الغلبة وتنفيذ الأحكام وقلة الأحتفال بالعدو وكأنه يقول من كانت فيه قوة منكم فليرجع إلينا
وقال ابن المنير يحتمل أن يكون المراد أن تقع ضيافة الأرض التي وقعت فيها المعاصي بإيقاع الطاعة فيها بذكر الله تعالى واظهار شعار المسلمين وإذا كان ذلك في حكم الضيافة ناسب أن يقيم عليها ثلاثا لأن الضيافة ثلاث قال الحافظ ولا يخفى إن كان محله إذا كان في أمن من عدو طارق (8/66)
باب أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين وإنها لم تكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (8/66)
1 - عن عمرو بن عبسة " قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى بعير من المغنم فلما أخذ وبرة من جنب البعير ثم قال ولا يحل لي من غنائمكم مثل هذا إلا الخمس والخمس مردود فيكم "
- رواه أبو داود والنسائي بمعناه (8/67)
2 - وعن عبادة بن الصامت " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى بهم في غزونهم إلى بعير من المقسم فلما سلم قام إلى البعير من المقسم فتناول وبرة بين أنملتيه فقال إن هذا من غنائمكم وإنه ليس لي فيها إلا نصيبي معكم إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط وأكبر من ذلك وأصغر "
- رواه أحمد في المسند (8/67)
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده في قصة هوازن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دنا من بعير فأخذ وبرة من سنامه ثم قال يا أيها الناس أنه ليس لي من هذا الفئ شيء ولاهذه إلا الخمس والخمس مردود عليكم فأدوا الخيط والمخيط "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي ولم يذكر وأدوا الخيط والمخيط (8/67)
- حديث عمرو بن عبسة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وحديث عبادة بن الصامت أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وحسنه الحافظ في الفتح
قال المنذري وروى أيضا من حديث جبير بن مطعم والعرباض بن سارية انتهى . وحديث عمرو بن شعيب قد قدمنا الكلام على الأسانيد المروية عنه عن أبيه عن جده وقد أخرج هذا الحديث مالك والشافعي ووصله النسائي من وجه آخر عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحسنه الحافظ في الفتح
قوله : " وبرة " بفتح الواو والباء الموحدة بعدها راء قال في القاموس الوبر محركة صوف الإبل والأرانب وتحوها الجمع أوبار
قوله : " والمخيط " هو ما يخاط به كالأبرة ونحوها وفيه دليل على التشديد في أمر الغنيمة وإنه لا يحل لأحد أن يكتم منها شيئا وإن كان حقيرا وسيأتي الكلام على ذلك في باب التشديد في الغلول ( وأحاديث ) الباب فيها دليل على أنه لا يأخذ الإمام من الغنيمة إلا الخمس ويقسم الباقي منها بين الغانمين والخمس الذي يأخذه أيضا ليس هو له وحده بل يجب عليه أن يرده على المسلمين علىحسب ما فصله الله تعالى في كتابه بقوله { واعلموا إنما غنمتم من شئ فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل } وروى الطبراني في الأوسط وابن مردوية في التفسير من حديث ابن عباس قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا بعث سرية قسم وخمس الغنيمة فضرب ذلك الخمس في خمسة ثم قرأ واعلموا إنما غنمتم من شيء " الآية فجعل سهم الله وسهم رسوله واحدا وسهم ذوي القربى هو والذي قبله في الخيل والسلاح سهم اليتامى وسهم المساكين وسهم ابن السبيل لا يعطيه غيرهم ثم جعل الأربعة الأسهم الباقية للفرس سهمان ولراكبه سهم وللراجل سهم
وروى أيضا أبو عبيد في الأموال نحوه ( وفي أحاديث ) الباب أيضا دليل على أنه لا يستحق الإمام السهم الذي يقال له الصفي
واحتج من قال بأنه يستحقه بما أخرجه أبو داود عن الشعبي وابن سيرين وقتادة أنهم قالوا كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم يدعى الصفى ولا يقوم بمثل هذا المرسل حجة
وأما اصطفاؤه صلى الله عليه وآله وسلم سيفه ذا الفقار من غنائم بدر فقد قيل أن الغنائم كانت له يومئذ خاصة فنسخ الحكم بالتخميس كما حكى ذلك صاحب البحر عن الإمام يحيى
وأما صفية بنت حيى بن أخطب فهي من خيبرو ولم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للغانمين منها إلا البعض فكان حكمها حكم ذلك البعض الذي لم يقسم على أنه قد روى أنها وقعت في سهم دحية بن خليفة الكلبي فأشتراها منه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسبعة أرؤس
وقد ذهب إلى أن الإمام يستحق الصفي العترة وخالفهم الفقهاء وسيذكر المصنف رحمه الله الأدلة القاضية باستحقاق الإمام للصفي في باب مستقل سيأتي (8/68)
باب أن السلب للقاتل وأنه غير مخموس (8/68)
1 - وعن أبي قتادة قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة قال فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فاستدرت إليه شحتى أتيته من ورائه فضربته على حبل عاتقة وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقال ما للناس فقلت أمر الله ثم إن الناس رجعوا وجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال مثل ذلك قال فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست ثم قال ذلك الثالثة فقمت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مالك يا أبا قتادة فقصصت عليه القصة فقال رجل من القوم صدق يا رسول الله سلب ذلك القتيل عندي فأرضه من حقه فقال أبو بكر الصديق لا ها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله وعن رسوله فيعطيك سلبه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صدق فأعطه إياه فأعطاني قال فبعت الدرع فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام "
- متفق عليه (8/68)
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين من قتل رجلا فله سلبه فقتل أبو طلحة عشرين رجلا وأخذ أسلابهم "
- رواه أحمد وأبو داود وفي لفظ " من تفرد بدم رجل فقتله فله سلبه قال فجاء أبو طلحة بسلب أحد وعشرين رجلا " رواه أحمد (8/69)
3 - وعن عوف بن مالك " أنه قال لخالد بن الوليد ما علمت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضي بالسلب للقاتل قال بلى "
- رواه مسلم (8/69)
4 - وعن عوف وخالد أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يخمس السلب "
- رواه أحمد وأبو داود (8/69)
- حديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح وتمامه " ولقي أبو طلحة أم سليم ومعها خنجر فقال يا أم سليم ما هذا معك قالت أردت والله إن دنا مني بعضهم أبعج به بطنه فأخبر بذلك أبو طلحة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وأخرج قصة أم سليم مسلم أيضا . وحديث عوف وخالد أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يخمس السلب أخرجه أيضا ابن حبان والطبراني قال حافظ بعد ذكره في التلخيص ما لفظه وهو ثابت في صحيح مسلم في حديث طويل فيه قصة لعوف بن مالك مع خالد بن الوليد اه
وفيه نظر فإن هذا اللفظ الذي هو محل الحجة لم يكن في صحيح مسلم بل الذي فيه هو ما سيأتي قريبا وفي إسناد هذا الحديث إسماعيل بن عياش وفيه كلام معروف قد تقدم ذكره مرارا
قوله : " جولة " بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاط وهذه الجولة كانت قبل الهزيمة
قوله : " فرأيت رجلا من المشركين " قد علا رجلا من المسلمين " قال الحافظ لم أقف على اسميهما
قوله : " على حبل عاتقه " حبل العاتق عصبه والعاتق موضع الرداء من المنكب
قوله : " وجدت منها ريح الموت " أي من شدتها وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا قوله " فأرسلني " أي أطلقني قوله " فحلقت عمر بن الخطاب " الخ في السياق حذف تبينه الرواية الأخرى من حديثه في البخاري وغيره بلفظ " ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب "
قوله : " أمر الله " أي حكم الله وما قضى به
قوله : " فله سلبه " السلب بفتح المهملة واللام بعدها موحدة هو ما يوجد مع المحارب من ملبوس وغيره عند الجمهور وعن أحمد لا تدخل الدابة وعن الشافعي يختص بأداة الحرب
وقد ذهب الجمهور أيضا إلى أن القاتل يستحق السلب سواء قال أمير الجيش قبل ذلك من قتل قتيلا فله سلبه أم لا . وذهبت العترة والحنفية والمالكية إلى أنه لا يستحقه القاتل إلا أن شرط له الإمام ذلك وروى عن مالك أنه يخير الإمام بين أن يعطى القاتل السلب أو يخمسه واختاره القاضي إسماعيل وعن إسحاق إذا كثرت الأسلاب خمست . وعن مكحول والثوري يخمس مطلقا وقد حكى عن الشافعي أيضا وحكاه في البحر عن ابن عمر وابن عباس والقاسمية . وحكى أيضا عن أبي حنيفة وأصحابه والشافعي والإمام يحيى أنه لا يخمس . وحكى أيضا عن علي مثل قول إسحاق ( واحتج ) القائلون بتخميس السلب بعموم قوله تعالى { واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه } الآية فإنه لم يستثن شيئا . واستدل من قال أنه لا خمس فيه بحديث عوف بن مالك وخالد المذكوز في الباب وجعلوه مخصصا لعموم الآية
قوله : " فقال رجل من القوم " قال الواقدي اسمه أسود من خزاعة
قال الحافظ وفيه نظر لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي
قوله : " لاها الله " قال الجوهري ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال لاها الله ما فعلت كذا
قال ابن مالك فيه شاهد على جواز الأستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه قال ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن قال وفي النطق بها أربعة أوجه . أحدها ها الله باللام بعد الهاء بغير إظهار شيء من الألفين . ثانيها مثله لكن بإظهار ألف واحده بغير همز كقولهم التقت حلقتا البطان . ثالثا ثبوت الألفين بهمزة قطع . رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع اه
قال الحافظ والمشهور في الرواية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول
وقال أبو حاتم السجستاني العرب تقول لا ها الله ذا بالهمزة والقياس ترك الهمزة . وحكى ابن التين عن الداودي أنه رواه برفع الله قال والمعنى يأبى الله وقال غيره إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون ها للتنبيه والله مبتدأ ولا يعمد خبره ولا يخفى تكلفه
قال الحافظ وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره قال وأما إذا فثبت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة
وقال الخطابي هكذا يروونه وإنما هو في كلامهم أي العرب لا ها الله ذا والهاء فيه بمنزلة الواو والمعنى لا والله يكون ذا ونقل عياض في المشارق عن إسماعيل القاضي أن المازني قال قول الرواة لا ها الله إذا خطأ والصواب لا ها الله ذا أي ذا يميني وقسمي
وقال أبو زيد ليس في كلامهم لا ها الله إذا وإنما هو لا ها الله ذا وذا صلة في الكلام والمعنى لا والله هذا ما أقسم به ومنه أخذ الجوهري فقال قولهم لا ها الله ذا معناه لا والله هذا ففرقوا بين حرف التنبيه والصلة والتقدير لا والله ما فعلت ذا وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث على أن الذي وقع في الحديث بلفظ إذا خطأ وإنما هو ذا تبعا لأهل العربية ومن زعم أنه ورد في شيء من الروايات خلاف ذلك فلم يصب بل يكون ذلك من إصلاح من قلد أهل العربية
وقد أختلف في كتابة إذا هذه هل تكتب بألف أو بنون وهذا الخلاف مبني على أنها اسم أو حرف قال الأصل فيمن قيل له سأجيء إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنه التنوين وأضمرت أن فعلى هذا تكتب بالنون ومن قال هي حرف وهم الجمهور اختلف فمنهم من قال هي بسيطة وهو الراجح ومنهم من قال مركبة من إذ وأن فعلى الأولى تكتب بالألف وهو الراجح وبه وقع رسم المصاحف وعلى الثاني تكتب بنون واختلف في معناها فقال سيبويه معناها الجواب والجزاء وتبعه جماعة فقالوا هي حرف جواب يقتضي التعليل وأفاد أبو علي الفارسي أنها قد تتمحض للتعليل وأكثر ما تجيء جواب لو وأن ظاهرا أو مقدارا قال في الفتح فعلى هذا لو ثبتت الرواية بلفظ إذا لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا لا والله إذا لا يعمد إلى أسد الخ وكان حق السياق أن يقول إذا يعمد أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد الخ وقد ثبتت الرواية بلفظ لا يعمد الخ فمن ثم أدعى من أدعى أنها تغيير ولكن قال ابن مالك وقع في الرواية إذا بألف وتنوين وليس ببعيد وقال أبو البقاء هو بعيد ولكن يمكن أن وجه بأن التقدير لا والله لا يعطى إذا ويكون لا يعمد الخ تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه وقال الطيبي ثبتت في الرواية لا ها الله إذا فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة لأن العرب لا تستعمل لا ها الله بدون ذا وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء ومقتضى الجزاء أن لا يذكر لا في قوله لا يعمد بل كانوا يقولون إذا يعمد إلى أسد الخ ليصح جوابا لطالب السلب
قال والحديث صحيح والمعنى صحيح وهو كقولك لمن قال لك افعل كذا فقلت له والله لا أفعل فالتقدير والله إذا لا يعمد إلى اسد قال ويحتمل أن تكون إذا زائدة كما قال أبو البقاء أنها زائدة في قول حماسي . إذا لقام بنصري معشر خشن في جواب قوله . لو كنت من مازن لم تستبح إبلي
قال والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجها بذاته وينسبون إليهم الغلط والتصحيف ولا أقول أن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم بل أقول لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم وقد سبقه إلى مثل ذلك القرطبي في المفهم فإنه قال وقع في رواية في مسلم لا ها الله ذا بغير ألف ولا تنوين وهو الذي جزم به من ذكرناه يعني من قدم النقل عنه من أئمة العرب قال والذي يظهر لي أن الرواية المسهورة صواب وليست بخطأ وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم وذلك ان العرب تقول في القسم الله لأفعلن بمد الهمزة وبقصرها فكأنهم عوضوا عن الهمزة هاء فقالوا ها الله لتقارب مخرجهما وكذلك قالوها بالمد والقصر وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما يقول الله والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما يقول الله
وأما " إذا " فهي بلا شك حرف جواب وتعليل وهي مثل التي وقعت في قوله صلى الله عليه وآله وسلم وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال " أينقص الرطب إذا جف " قالوا " نعم " قال " فلا إذا " قال فلا والله إذا لكان مساويا لما وقع هنا وهو لا ها الله إذا من كل وجه ولكنه لم يحتج هنا إلى القسم فتركه قال فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ولا سيما من أرتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالقسم به وقال ليس هذا قياسا فيطرد ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي ولا مرويا برواية ثابتة قال وما جدوى للعذرى وغيره في مسلم فإصلاح ممن اغتر بما حكى عن أهل العربية والحق أحق أن يتبع
قال في الفتح قال أبو جعفر الغرناطي في حاشية نسختهمن البخاري استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الإثبات بالتصحيف فقالوا والصواب لا ها الله ذا باسم الإشارة قال ويا عجباه من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلا وجوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم إشارة كما قال أبو مالك وأما جعل لا يعمد جواب فأرضه فهو سبب الغلط وليس بصحيح من زعمه وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه قوله صدق فأرضه فكان أبا بكر قال إذا صدق في أنه صاحب السلب إذ لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك قال وهذا لا تكلف فيه انتهى
قال الحافظ في الفتح وهو توجيه حسن والذي قبله أقعد ويؤيد ما رجحه من الاعتماد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت فانتهرتها قالت لا ها الله إذا ومنها ما وقع في حديث جليبيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال حتى أستأمر أمها قال فنعم إذا قال فذهب إلى امرأته فذكر لها ذلك فقالت لا ها الله إذا وقد منعناها فلانا الحديث صححه ابن حبان من حديث أنس ومنها ما أخرجه أحمد في الزهد قال مالك بن دينار للحسن يا أبا سعيد أو ليست مثل عباءتي هذه قال لا ها الله إذا لا ألبس مثل عباءتك هذه وغير ذلك من الأحاديث والراجح أن إذا الواقعة في حديث الباب وما شابهه حرف جواب وجزاء والتقدير لا الله حينئذ ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال لا يعمد إلى أسد الخ . قوله " لا يعمد " الخ معناه لا يقصد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيك بغير طيبة من نفسه هكذا ضبط للأكثر بالتحتانية في يعمد وفي يعطيك وضبطه النووي بالنون فيهما
قوله : " فيعطيك سلبه " أي سلب قتيله وأضافه إليه باعتبار أنه ملكه
قوله : " فابتعت به " ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواق قوله " مخرفا " بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتني وأنا بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها
قوله : " في بني سلمة " بكسر اللام وهم بطن من الأنصار من قوم أبي قتادة
قوله : " تأثلته " بمثناة ثم مثلثة أي أصلته وأثلة كل شيء أصله
قوله : " من تفرد بدم رجل " فيه دليل على أنه لا يستحق السلب إلا من تفرد بقتل المسلوب فإن شاركه في ذلك غيره كان السلب لهما . قوله " لم يخمس السلب " فيه دليل لمن قال أنه لا يخمس السلب وقد تقدم الخلاف في ذلك (8/70)
5 - وعن عوف بن مالك قال " قتل رجل من حمير رجلا من العدو فأراد سلبه فمنعه خالد بن الوليد وكان واليا عليهم فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عوف بن مالك فأخبره بذلك فقال خالد ما منعك أن تعطيه سلبه فقال استكثرته يا رسول الله قال ادفعه إليه فمر خالد بعوف فجر بردائه ثم قال هل أنجزت لك ما ذكرت لك من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسمعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستغضب فقال لا تعطه يا خالد هل أنتم تاركون لي أمرائي إنما مثلكم ومثلهم كمثل رجل استرعا إبلا وغنما فرعاها ثم تحين سقيها فأوردها حوضا فشرت فيه فشربت صفوه وتركت كدره فصفوه لكم وكدره عليهم "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية قال " خرجت مع زيد بن حارثة في غزوة موتة ورافقني مددي من أهل اليمن ومضينا فلقينا جموع الروم وفيهم رجل على فرس له أشقر عليه سرج مذهب وسلاح مذهب فجعل الرومي يفري في المسلمين فقعد له المددي خلف صخرة فمر به الرومي فعرقب فرسه فخر وعلاه فقتله وحاز فرسه وسلاحه فلما فتح الله عز و جل للمسلمين بعث إليه خال بن الوليد فأخذ السلب قال عوف فأتيته فقلت يا خالد أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالسلب للقاتل قال بلى ولكن استكثرته قلت لتردنه إليه أو لأعرفنكها عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقصصت عليه قصة المددي وما فعل خالد وذكر بقية الحديث بمعنى ما تقدم " رواه أحمد وأبو داود
وفيه حجة لمن جعل السلب المستكثر إلى الإمام وأن الدابة من السلب (8/70)
6 - وعن سلمة بن الأكوع قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو ازن فبين نحن نتضحى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء رجل على جمل أحمر فأناخه ثم انتزع طلقا من جعبته فقيد به الجمل ثم تقدم فتغدى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة من الظهر وبعضنا مشاة إذ خرج يشتد فأتى جمله فأطلق قيده ثم أناخه فقعد عليه فأثاره به الجمل فأتبعه رجل على ناقة ورقاء قال سلمة فخرجت أشتد فكنت عند ورك الناقة ثم تقدمت حتى كنت عند ورك الجمل ثم تقدمت حتى أخذت بخطام الجمل فأنخته فلما وضع ركبتيه في الأرض اخترط سيفي فضربت رأس الرجل فندر ثم جئت بالجمل أقوده عليه رحله وسلاحه فاستقبلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والناس معه فقال من قتل الرجل فقالوا سلمة بن الأكوع قال له سلبه أجمع "
- متفق عليه (8/70)
- قوله " رجل من حمير " هو المددي المذكور في الرواية الثانية
قوله : " لا تعطه يا خالد " فيه دليل على أن للإمام أن يعطي السلب غير القاتل لأمر يعرض فيه مصلحة من تأديب أو غيره
قوله : " هل أنتم تاركون لي أمرائي " فيه الزجر عن معارضة الأمراء ومغاضبته والشماتة بهم لما تقدم من الأدلة الدالة على وجوب طاعتهم في غير معصية الله
قوله : في " غزوة موتة " بضم الميم وسكون الواو بغير همز لأكثر الرواة وبه جزم المبرد ومنهم من همزها وبه جزم ثعلب والجوهري وابن فارس . وحكى صاحب الواعي الوجهين
وأما الموتة التي وردت الاستعاذة منها وفسرت بالجنون فهي بغير همز
قوله : " مددي " بفتح الميم ودالين مهملتين قال في النهاية الإمداد جمع مددوهم الأعوان والأنصار الذين كانوا يمدون المسلمين في الجهاد ومددي منسوب إليه اه
قوله : " يفري " بفتح أوله بعده فاء ثم راء والفرى شدة النكاية فيهم يقال فلان يفري إذا كان يبالغ في الأمر وأصل الفري القلع قال في القاموس وهو يفري الفري كغني يأتي بالعجب في عمله اه
قوله : " فعرقب فرسه " أي قطع عرقوبها قال في القاموس عرقبه قطع عرقوبه اه
قوله : " فبينا نحن نتضحى " أي نأكل في وقت الضحى كما يقال نتغدى ذكر معنى ذلك في النهاية
قوله : " من جعبته " بالجيم والعين المهملة قال في النهاية الجعبة التي يجعل فيها النشاب والطلق بفتح اللام قيد من جلود
قوله : " له سلبه أجمع " فيه دليل على أن القاتل يستحق جميع السلب وإن كان كثيرا وعلى أن القاتل يستحق السلب في كل حال حتى قال أبو ثور وابن المنذر يستحقه ولو كان المقتول منهزما
وقال أحمد لا يستحقه إلا بالمبارزة وعن الأوزاعي إذا التقى الزحفان فلا سلب
وقد اختلف إذا كان المقتول امرأة هل يستحق سلبها القاتل أم لا فذهب أبو ثور وابن المنذر إلى الأول وقال الجمهور شرطه أن يكون المقتول من المقاتلة واتفقوا على أنه لا يقبل قول من ادعى السلب إلا ببينة تشهد له بأنه قتله والحجة في ذلك ما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه " فمفهومه أنه إذا لم يكن له بينة لا تقبل . وعن الأوزاعي يقبل قوله بغير بينة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه أبا قتادة بغير بينة وقد تقدم وفيه نظر لأنه وقع في المغازي الواقدي إن أوس بن خولي شهد لأبي قتادة وعلى تقدير أن لا يصح فيحمل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم بأنه القاتل بطريقة من الطرق وأبعد من قال من المالكية أن المراد بالبينة هنا الذي أقر له أن السلب عنده فهو شاهد والشاهد الثاني وجود المسلوب فإنه بمنزلة الشاهد على أنه قتله ولذلك جعل اوثا في باب القسامة وقيل إنما استحقه أبو قتادة بإقرار الذي هو بيده وهذا ضعيف لأن الإقرار إنما يفيد إذا كان المال منسوبا لمن بيده فيؤاخذ بإقراره والمال هنا لجميع الجيش . ونقل ابن عطية عن أكثر الفقهاء أن البينة هنا يكفي فيها شاهد واحد وقد اختلف في المرأة والصبي هل يستحقان سلب من قتلاه في ذلك وجهان قال الإمام يحيى أصحهما يستحقان لعموم من قتل قتيلا فله سلبه
قال في البحر وإنما يستحق السلب حيث قتله والحرب قائمة لا لو قتله نائما أو فارا قبل مبارزته أو مشغولا بأكل ولا لو لارماه بسهم إذ هو في مقابلة المخاطرة بالنفس ولا مخاطرة هنا ولا لو قتل أسيرا أو عزيلا عن السلاح ولا لو قتل من لا سطوة له كالمقعد والزمن فإن قطع يديه ورجليه استحق سلبه إذ قد كفى شره ولو جرحه رجل ثم قتله آخر فالسلب للآخر إذ لم يعط صلى الله عليه وآله وسلم ابن مسعود سلب أبي جهل وقد جرحه بل قاتليه من الأنصار قال فلو ضرب أحدهما يده والآخر رقبته فالسلب لضارب الرقبة إن لم تكن ضربة الآخر قاتلة وإلا اشتركا انتهى . والمراد بالسلب هو ما أجلب به المقتول من ملبوس ومركوب وسلاح لاما كان باقيا في بيته قال الإمام يحيى ولا المنطقة والخاتم والسوار والجنيب من الخيل فليس بسلب
قال المهدي بل المذهب أن كل ما ظهر على القتيل أو معه فهو سلب لا ما يخفي من جواهر أو دراهم أو نحوها والظظاهر من حديث الباب المؤكد بلفظ أجمع أنه يقال لكل شيء وجد مع المقتول وقت القتل سلب سواء كان مما يظهر أو يخفى واختلفوا هل يدخل الإمام في العموم إذ قال من قتل قتيلا فله سلبه فذهب أبو حنيفة والهادوية إلى الأول لعموم اللفظ إلا لقرينه مخصصة نحو أن يقول من قتل منكم وذهب الشافعي والمؤيد بالله في قول له أنه لا يدخل ومرجع هذا إلى المسألة المعروفة في الأصول وهي هل يدخل المخاطب في خطاب نفسه أم لا وفي ذلك خلاف معروف (8/71)
7 - وعن عبد الرحمن بن عوف أنه قال " بينا أنا واقف في الصف يوم بدر نظرت عن يميني فإذا أنا بين غلامين من الأنصار حديثة أسنانهما تمنيت لو كنت بين أضلع منهما فغمزني أحدهما فقال يا عم هل تعرف أبا جهل قال قلت نعم وما حاجتك إليه يا ابن ابن أخي قال أخبرت أنه يسب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لئن رأيته لا يفارق سوادي سواده حتى يموت الأعجل منا قال فعجبت لذلك فغمزني الآخر فقال مثلها فلم أنشب أن نظرت إلى أبي جهل يزول في الناس فقلت ألا تريان هذا صاحبكما الذي تسألان عنه قال فابتدراه بسيفهما حتى قتلاه ثم انصرفا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبراه فقال إياكما قتله فقال كل واحد منهما أنا قتلته فقال هل مسحتما سيفكما قالا لا فنظر في السيفين فقال كلاكما قتله وقضى بسلبه لمعاذ بن عمرو بن الجموح والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ بن عفراء "
- متفق عليه (8/71)
8 - وعن ابن مسعود قال " نفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل كان قتله "
- رواه أبو داود ولأحمد معناه وإنما أدرك ابن مسعود أبا جهل وبه رمق فأجهز عليه روى معنى ذلك أبو داود وغيره
- حديث ابن مسعود هو من رواية ابنه أبي عبيدة عن أبيه عبد الله ابن مسعود أنه وجد أبا جهل يوم بدر وقد ضربت رجله وهو صريع يذب الناس عنه بسيف له فأخذه عبد الله بن مسعود فقتله به فنفله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسلبه
قوله : " حديثة " أسنانهما بالجرصفة لغلامين وأسنانهما بالرفع
قوله : " بين أضلع منهما " من الضلاعة وهي القوة قال في النهاية معناه بين رجلين أقوى من اللذين كنت بينهما وأشد . ووقع في رواية الحموي بين أصلح منهما بالصاد والحاء المهملتين
قوله : " لا يفارق سوادي سواده " السواد بفتح السين المهملة وهو الشخص
قوله : " حتى يموت الأعجل منا " أي الأقرب أجلا وقيل أن لفظ الأعجل تصحيف وإنما هو الأعجر وهو الذي يقع في كلام العرب كثيرا قال في الفتح والصواب ما وقع في الرواية لوضوح معناه
قوله : " فنظر في السيفين " قال المهلب نظره صلى الله عليه وآله وسلم في السيفين واستلا له لهما ليرى ما بلغ الدم من سيفيهما ومقدار عمق دخولهما في جسم المقتول ليحكم بالسلب لمن كان في ذلك أبلغ ولذلك سألهما أولا هل مسحتما سيفكما أم لأنهما لو مسحاهما لما تبين المراد من ذلك
وقد استشكل ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من القضاء بالسلب لأحدهما بعد حكمه بأن كلا منهما قتله حتى استدل بذلك من قال أن إعطاء السلب مفوض إلى رأي الإمام وقرره الطحاوي وغيره بأنه لو كان يجب للقاتل لكان السلب مستحقا بالقتل ولجعله بينهما لاشتراكهما في قتله فلما خص به أحدهما دل على أنه لا يستحق بالقتل وإنما يستحق بتعيين الإمام وأجاب الجمهور بأن في السياق دلالة على أن السلب يستحقه من أثخن في الجرح ولو شاركه غيره في الضرب أو الطعن قال المهلب وإنما قال كلا كما قتلته وإن كان أحدهما هو الذي أثخنه لنطييب نفس الآخر
وقال الإسماعيلي أقول أن الأنصاريين ضرباه فأثخناه فبلغا به المبلغ الذي يعلم معه أنه لا يجوز بقاؤه على تلك الحال إلا قدر ما يطفأ وقد دل قوله كلا كما قتله على أن كلا منهما وصل إلى قطع الحشوة وإبانتها ولما لم يعلم أن عمل كل من سيفيهما كعمل الآخر غير أن أحدهما سبق بالضرب فصار في حكم المثبت بجراحته حتى وقعت به ضربة الثاني فاشتركا في القتل إلا أن أحدهما قتله وهو ممتنع والآخر قتله وهو مثبت فلذلك قضى بالسلب للسابق إلى إثخانه
وقد أخرج الحاكم من طريق ابن إسحاق حدثني ثور بن يزيد عن عكرمة عن ابن عباس قال ابن إسحاق وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم قال قال معاذ بن عمرو بن الجموح سمعتهم يقولون أبو جهل لا يخلص إليه فجعلته من شأني فعمدت نحوه فلما أمكنني حملت عليه فضربته ضربة اطنت قدمه وضربني ابنه عكرمة على عاتقي فطرح يدي قال ثم عاش معاذ إلى وقت عثمان قال ومر بأبي جهل معوذ بن عفراو فضربه حتى أثبته وبه رمق ثم قال معوذ حتى قتل فمر عبد الله بن مسعود بأبي جهل لعنه الله فوجده بآخر رمق فذكر ما تقدم فقال في الفتح فهذا الذي رواه ابن إسحاق يجمع بين الأحاديث لكنه يخالف ما في الصحيح من حديث عبد الرحمن ابن عوف فإنه رأى معاذا ومعوذا شدا عليه جميعا طرحاه وابن إسحاق يقول إن ابن عفراء هو معوذ بتشديد الواو والذي في الصحيح معاذ فيحتمل أن يكون معاذ بن عفراء شد عليه مع معاذ بن عرو كما في الصحيح وضربه بعد ذلك معوذ حتى أثبته ثم حز رأسه ابن مسعود فتجتمع الأقوال كلها وإطلاق كونها قتلاه يخالف في الظاهر حديث ابن مسعود إنه وجده وبه رمق وهو محمول على أنهما بلغا به بضربهما إياه بسيفيهما منزلة المقتول حتى لم يبق له إلا مثل حركة المذبوح وفي تلك الحالة لقيه ابن مسعود فضرب عنقه
وأما ما وقع عند موسى بن عقبة وكذا عند أبي الأسود عن عروة إن ابن مسعود وجد أبا جهل مصروعا بينه وبين المعركة غير كثير متقنعا في الحديد واضعا سيفه على فخذه لا يتحرك منه عضو فظن عبد الله أنه ميت جراحا فأتاه من ورائه فتناول قائم سيف أبي جهل فاستله ورفع بعضد أبي جهل عن قفاه فضربه فوقع رأسه بين يديه فيحمل على أن ذلك وقع له بعد أن خاطبه بما تقدم
قوله : " والرجلان معاذ بن عمرو بن الجموح ومعاذ ابن عفراء " وقع في البخاري في الخمس أنهما ابنا عفراء فقيل إن عفراء أم معاذ واسم أبيه الحرث وأما معاذ بن عمرو بن الجموح فليس اسم أمه عفراء وإنما اطلق عليه تغليبا ويحتمل أن تكون أم معاذ أيضا تسمى عفراء وإنه لما كان لمعوذ أخ يسمى معاذا باسم الذي شركه في قتل أبي جهل " ظنه الراوي أخاهت
قوله : " نفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر سيف أبي جهل يمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم نفل ابن مسعود سيفه الذي قتله به فقط وعلى ذلك يحمل قوله في رواية أحمد فنفلني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسلبه جمعا بين الأحاديث (8/71)
باب التسوية بين القوي والضعيف ومن قاتل ومن لم يقاتل (8/72)
1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر من فعل كذا وكذا فله من النفل كذا وكذا قال فتقدم الفتيان ولزم المشيخة الرايات فلم يبرحوا بها فلما فتح الله عليهم قال المشيخة كنا ردءا لكم لو انهزمتم لفئتم إلينا فلا تذهبوا بالمغنم ونبقى فأبى الفتيان وقالوا جعله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنا فأنزل الله عز و جل يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول إلى قوله عز و جل كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وأن فريقا من المؤمنين لكارهون يقول فكان ذلك خيرا لهم وكذلك هذا أيضا فاطيعوني فإني أعلم بعاقبة هذا منكم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسواء "
- رواه أبو داود (8/72)
2 - وعن عبادة بن الصامت قال " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشهدت معه بدرا فالتقى الناس فهزم الله العدو فانطلقت طائفة في أثرهم يهزمون ويقتلون واكبت طائفة على الغنائم يحوونه ويجمعونه واحدقت طائفة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يصيب العدو منه غرة حتى إذا كان الليل وفاء الناس بعضهم إلى بعض قال الذين جمعوا الغنائم نحن حويناها وجمعناها فليس لا حد فيها نصيب وقال الذين خرجوا في طلب العدو لستم بأحق بها منا نحن نفينا عنها العدو وهزمناهم وقال الذين أحدقوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأحق منا نحن أحدقنا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخفنا أن يصيب العدو منه غرة فاشتغلنا به فنزلت يسئلونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فواق بين المسلمين
وفي لفظ مختصر فينا أصحاب بدر نزلت حين اختلفنا في النفل وساءت فيه أخلاقنا فنزعه الله من أيدينا فجعله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقسمه فينا على بواء يقول على السواء "
- رواه أحمد (8/72)
3 - وعن سعد بن مالك قال " قلت يا رسول الله الرجل يكون حامية القوم أيكون سهمه وسهم غيره سواء قال ثكلتك أمك ابن أم سعد وهلى ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم "
- رواه أحمد (8/73)
4 - وعن مصعب ابن سعد قال رأى سعدا له فضلا على من دونه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم "
- رواه البخاري والنسائي (8/73)
5 - وعن الدرداء قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ابغوني ضعفاءكم فإنكم إنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه (8/73)
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو الفتح في الأقتراح على شرط البخاري . وحديث عبادة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات انتهى
وأخرجه أيضا الطبراني وأخرج نحوه الحاكم عنه وحديث سعد ابن مالك في إسناده محمد بن راشد المكحولي قال في التقريب صدوق يهم . وحديث أبي الدرداء سكت عنه أبو داود وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وللنسائي زيادة تبين المراد من الحديث ولفظها قال نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نصر هذه الأمة بضعفائها بدعوتهم وصلاتهم وإخلاصهم
قوله : " من النفل " بفتح النون والفاء زيادة يزادها الغازي على نصيبه من الغنيمة ومته نفل الصلاة وهو ما عدا الفرض وقال وفي القاموس النفل محركة الغنيمة والهبة والجمع أنفال ونفال اه
قوله : " ولزم المشيخة " بفتح الميم كما في شمس العلوم هو جمع شيخ ويجمع أيضا على شيوخ وأشياخ وشيخة وشيخان ومشايخ
قوله : " ردءا " بكسر الراء وسكون الدال بعد همزة هو العون والمادة على ما في القاموس . والمراد بقوله لفئتم أي رجعتم إلينا
قوله : " فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالسواء " فيه دليل على أنها إذا انفردت منه قطعة فغنمت شيئا كانت الغنيمة للجميع
قال ابن عبد البر لا يختلف الفقهاء في ذلك أي إذا خرج الجيش جميعه ثم انفردت منه قطعة انتهى وليس المراد الجيش القاعد في بلاد الإسلام فإنه لا يشارك الجيش الخارج إلى بلاد العدو بل قال ابن دقيق العيدان المنقطع من الجيش عن الجيش الذي فيه الإمام ينفرد بما يغنمه قال وإنما قالوا هوبمشاركة الجيش لهم إذا كانوا قريبا منهم يلحقهم عونه وغوثه لو احتاجوا انتهى
قوله : " فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على فواق " أي قسمها بسرعة في قدر ما بين الحلبتين
وقيل المراد فضل في القسمة فجعل بعضهم أفوق من بعض على قدر عنايته
قوله : " على بواء " بفتح الموحدة والواو بعدها همزة ممدودة وهو السواء كما فسره المصنف رحمه الله
قوله : " حامية القوم " بالحاء المهملة قال في القاموس والحامية الرجل يحمي أصحابه والجماعة أيضا حامية وهو على حامية القوم أي آخر من يحميهم في مضيهم انتهى
قوله : " رأى سعد " أي ابن أبي وقاص وهو والد مصعب الراوي عنه
قال في الفتح وصورة هذه السياق مرسلة لأن مصعبا لم يدرك زمان القول لكنه محمول على أنه سمع ذلك من أبيه
وقد وقع التصريح عن مصعب بالرواية له عن أبيه عند الإسماعيل فأخرج من طريق معاذ بن هانئ حديث محمد بن طلحة فقال فيه عن مصعب بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر المرفوع دون ما في أوله وكذا أخرجه هو والنسائي من طريق مسعر عن طلحة بن مصرف عن مصعب عن أبيه ولفظه " أنه ظن أن له فضلا على من دونه " الحديث . ورواه عمرو بن مرة عن مصعب بن سعد عن أبيه مرفوعا أيضا لكنه اختصره ولفظه " ينصر المسلمون بدعاء المستضعفين " أخرجه أبو نعيم في ترجمته في الحلية من رواية عبد السلام بن حرب عن أبي خالد الدالاتي عن عمرو بن مرة وقال غريب من حديث عمرو تفرد به عبد السلام والمراد بقوله " رأى سعد " أي ظن كما هو رواية النسائي
قوله : " على من دونه " أي من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما هو مصرح به في رواية النسائي أيضا وسبب ذلك ماله من الشجاعة والإقدام في ذلك الموطن
قوله : " هل ترزقون وتنصرون إلا بضعفائكم " قال ابن بطال بأويل الحديث أن الضعفاء أشد إخلاصا في الدعاء وأكثر خشوعا في العبادة لخلاء قلوبهم عن التعلق تزخرف الدنيا
وقال المهلب أراد صلى الله عليه وآله وسلم بذلك حض سعد على التواضع ونفي الزهو على غيره وترك احتقار المسلم في كل حالة
وقد روى عبد الرزاق من طريق مكحول في قصة سعد هذه زيادة مع إرسالها فقال " قال سعد يا رسول الله أرأيت رجلا يكون حامية القوم ويدفع عن أصحابه أيكون نصيبه كنصيب غيره " فذكر الحديث وعلى هذا فالمراد بالفضل إرادة الزيادة من الغنيمة فأعلمه صلى الله عليه وآله وسلم أن سهام المقاتلة سواء فإن كان القوى يترجح بفضل شجاعته فإن الضعيف يترجح بفضل دعائه واخلاصه
قوله : " ابغوني ضعفاءكم " أي طلبوا لي ضعفاءكم قال في القاموس بغيته أبغيه بغاء وبغى وبغية بضمهن وبغية بالكسر طلبته كابتغيته وتبغيته واستبغيته والبغية ما ابتغى كالبغية قال وابغاء الشيء طلبه له كبغاه اياه وكرماه أو أعانه على طلبه انتهى (8/74)
باب جواز تنفيل بعض الجيش لبأسه وغنائه أو تحمله مكروها دونهم (8/74)
1 - عن سلمة بن الأكوع وذكر قصة إغارة عبد الرحمن الفزاري على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واستنقاذه منه قال " فلما أصبحنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانخير فرساننا اليوم أبو قتادة وخير رجالتنا سلمة قال ثم أعطاني رسول الله سهم الفارس وسهم الراجل فجعلها لي جميعا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (8/74)
2 - وعن سعد بن أبي وقاص " قال جئت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر بسيف فقلت يا رسول الله إن الله قد شفى صدري اليوم من العدو فهب لي هذا السيف فقال إن هذا السيف ليس لي ولا لك فذهبت وأنا أقول يعطاه اليوم من لم يبل بلائي فبينا أنا إذ جاءني رسول الله فقال أجب فظننت أنه نزل في شئ بكلامي فجئت فقال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنك سألتني هذا السيف وليس هو لي ولا لك وأن الله قد جعله لي فهو لك ثم قرأ { يسئلونك عن الأنفال قد الأنفال لله والرسول } إلى آخر الآية "
- رواه أحمد وأبو داود (8/75)
- حديث سعد بن أبي وقاص عمزاه المنذري في مختصر السنن إلى مسلم والترمذي والنسائي وأخرجه الحاكم في المستدرك وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه
قوله : " عبد الرحمن الفزاري " هو ابن عيينة بن حصن . وعن ابن إسحاق أن رأس القوم الذين أغاروا على السرح هو عيينة بن حصن
قوله : " سرح " بفتح السين المهملة وسكون الراء بعدها حاء مهملة
قال في القاموس السرح المال السائم وسوم المال كالسروح واسامتها كالتسريح انتهى . ولفظ البخاري " كانت لقاح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ترعى " واللقاح بكسر اللام وتخفيف القاف ثم مهملة ذوات الدر من الأبل واحدتها لقحة بالكسر وبالفتح أيضا واللقوح الحلوب وذكر ابن سعد أنها كانت عشرين لقحة قال وكان فيهم ابن أبي ذر وامرأته فأغار المشركون عليهم فقتلوا الرجل وأسروا المرأة والقصة مبسوطة في صحيح البخاري ومسلم وغيرهما
قوله : " واستنقاذه " أي السرح منه أي من عبد الرحمن المذكور
قوله : " ثم أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن ينفل بعض الجيش ببعض الغنيمة إذا كان له العناية والمقاتلة ما لم يكن لغيره
وقال عمرو بن شعيب ذلك مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم دون من بعده وكره مالك أن يكون بشرط من أمير الجيش كأن يحرض على القتال ويعد بأن ينفل الربع أو الثلث قبل القسمة أو نحو ذلك لأن القتال حينئذ يكون للدنيا فلا يجوز قال في الفتح وفي هذا رد على من حكى الإجماع على مشروعيته وقد اختلف العلماء هل هو من أصل الغنيمة أو من الخمس أو من خمس الخمس أو مما عدا الخمس على أقوال . واختلفت الرواية عن الشافعي في ذلك فروى عنه أنه من أصل الغنيمة وروى عنه أنه من الخمس وروى عنه أنه من خمس الخمس والأصح عند الشافعية أنه من خمس الخمس ونقله منذر بن سعيد عن مالك وهو شاذ عندهم وسيأتي في الباب الذي بعد هذا ما يرد هذا القول
وقال الأوزاعي وأحمد وأبو ثور وغيرهم النفل من أصل الغنيمة و إلى ذلك ذهبت الهادوية وقال مالك وطائفة لا نفل إلا من الخمس
قال الخاطبي أكثر ما روي من الأخبار يدل على ان النفل من أصل الغنيمة
قال ابن عبد البر إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن إنفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث وسيأتي بيان الخلاف في المقدار الذي يجوز تنفيله (8/75)
باب تنفيل الجيش عليه واشتراكهما في الغنائم (8/75)
1 - عن حبيب بن سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع بعد الخمس في بدأته ونفل الثلث بعد الخمس في رجعته "
- رواه أحمد وأبو داود (8/76)
2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفل في البدأة الربع وفي الرجعة الثلث "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي (8/76)
3 - وفي رواية " كان إذا غاب في أرض الغدو نفل الربع وإذا أقبل راجعا وكل الناس نفل الثلث وكان يكره الأنفال ويقول ليرد قوي المؤمنين على ضعيفهم "
- رواه أحمد (8/76)
- حديث حبيب أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه ابن الجارود وابن حبان والحاكم وقد رواه أبو داود عنه من طرق ثلاث منها عن مكحول بن عبد الله الشامي قال " كنت عبدا بمصر لامرأة من بني هذيل فأعتقتني فما خرجت من مصر وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الحجاز فما خرجت منها وبها علم إلا حويته فيما أرى ثم أتيت العراق فما خرجت منها وبها علم إلا حويت عليه فيما أرى ثم أتيت الشام فغربلتها كل ذلك أسأل عن النفل فلم أجد أحدا يخبرني فيه بشيء حتى لقيت شيخا يقال له زياد بن جارية التميمي فقلت له هل سمعت عن النفل شيئا قال نعم سمعت حبيب بن مسلم الفهري يقول شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع في البدأة والثلث في الرجعة قال المنذري وأنكر بعضهم أن يكون لحبيب هذا صحبة وأثبتها له غير واحد وقد قال في حديثه شهدت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكنيته أبو عبد الرحمن فكان يسمي حبيبا الرومي لكثرة مجاهدته الروم انتهى . وولاه عمر بن الخطاب أعمال الجزيرة وأذربيجان وكان فاضلا مجاب الدعوة وهو بالحاء المهملة المفتوحة بموحدتين بينهما مثناة تحتية . وحديث عبادة بن الصامت صححه أيضا ابن حبان ( وفي الباب ) عن معن بن يزيد قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نفل غلا بعد الخمس " رواه أحمد وأبو داود وصححه الطحاوي
قوله : " نفل الربع بعد الخمس في بدأته " الخ
قال الخطابي البدأة ابتداء السفر للغزو وإذا نهضت سرية من جملة العسكر فإذا أوقعت بطائفة من العدو فما غنموا كان لهم فيه الربع ويشركهم سائر العسكر في ثلاثة أرباعه فإن قفلوا من الغزوة ثم رجعوا فأوقعوا بالعدو ثانية كان لهم مما غنموا الثلث لأن نهوضهم بعد القفل أشق لكون العدو على حذر وحزم انتهى . ورواية أحمد المذكورة في حديث عبادة تدل على أن تنفيل الثلث لأجل ما لحق الجيش من الكلال وعدم الرغبة في القتال لا لكون العدو أخذ حذره منهم
قوله : " بعد الخمس " فيه دليل على أنه يجب تخميس الغنيمة قبل التنفيل وكذلك حديث معن الذي ذكرناه ( وفي الحديثين ) أيضا دليل على أنه يصح أن يكون النفل زيادة على مقدار الخمس وفيه رد على من قال أنه لا يصح التنفيل غلا من الخمس أو خمس الخمس وقد تقدم بيان القائل بذلك وسيأتي تفصيل الخلاف في المقدار الذي يجوز التنفيل إليه (8/77)
4 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان ينفل بعض من يبعث من السرايا لأنفسهم خاصة سوى قسم عامة الجيش والخمس في ذلك كله واجب " (8/77)
5 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية قبل نجد فخرجت فيها فبلغت سهماننا إثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرا بعيرا "
- متفق عليهما
وفي رواية قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سرية قبل نجد فأصبنا نعما كثيرا فنفلنا أميرنا بعيرا بعيرا لكل إنسان ثم قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيننا غنيمتنا فأصاب كل رجل منا إثني عشر بعيرا بعد الخمس وما حاسبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالذي أعطانا صاحبنا ولا عاب عليه ما صنع فكان لكل رجل منا ثلاثة عشر بعيرا بنفله " . رواه أبو داود (8/77)
6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ويجير عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم يرد مشدهم على مضعفهم ومتسريهم على قاعدهم "
- رواه أبو داود وقال أحمد في رواية أبي طالب قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " السرية ترد على العسكر والعسكر يرد على السرية " (8/78)
- حديث عنرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه ابن حبان في صحيحه عن ابن عمر مطولا . ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرا . ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرا أيضا . ورواه أبو داود والنسائي والحاكم من حديث علي زقد تقدم في أول كتاب الدماء
قوله : " والخمس في ذلك كله واجب " فيه دليل على أنه يجب تخميس النفل ويدل على ذلك أيضا حديث حبيب بن مسلمة المتقدم فإن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم نفل الربع بعد الخمس ونفل الثلث بعد الخمس وكذلك حديث معن الذي تقدم قريبا بلفظ " لا نفل إلا بعد خمس "
قوله : " قبل نجد " بكسر القاف وفتح الموحدة أي جهنها قوله " فبلغت سهماننا " أي أنصباؤنا والمراد أنه بلغ نصيب كل واحد هذا القدر وتوهم بعضهم أن ذلك جميع الأنصباء
قال النووي وهو غلط . قوله " إثني عشر بعيرا ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعيرا بعيرا " هكذا وقع في الرواية
وفي رواية أخرى للبخاري إثني عشر بعيرا أو أحد عشر بعيرا وقد وقع بيان هذا الشك في غيره من الروايات المذكورة بعضها في الباب
وفي رواية لأبي داود " فكان سهمان الجيش إثني عشر بعيرا ونفل أهل السرية بعيرا بعيرا فكان سهامهم إثني عشر بعيرا " وأخرج ابن عبد البر من هذا الوجه أن ذلك الجيش أربعة آلاف
قوله : " ونفلنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه دليل على أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد وقع الخلاف بين الرواة في القسم والتنفيل هل كانا جميعا من أمير ذلك الجيش أو من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أحدهما من أحدهما فهذه الرواية صريحة أن الذي نفلهم هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ورواية أبي داود المذكورة بعدها مصرحة بأن الذي نفلهم هو الأمير . ورواية ابن إسحاق مصرحة أن التنفيل كان من الأمير والقسم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وظاهر رواية مسلم من طريق الليث عن نافع أن ذلك صدر من أمير الجيش وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويمكن الجمع أن المراد بالرواية التي صرح فيها بأن المنفل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه وقع منه التقرير قال النووي معناه أن أمير السرية نفلهم فأجازه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجازت نسبته إلى كل منهما
وفي هذا التنفيل دليل على أنه يصح أن يكون التنفيل أكثر من خمس الخمس
قال ابن بطال وحديث الباب يرد على هذا القول معنى قول من قال أن التنفيل يكون من خمس الخمس لأنهم نفلوا نصف السدس وهو أكثر من خمس الخمس وقد زاده ابن المنير إيضاحا فقال لو فرضنا أنهم كانوا مائة لكان قد حصل لهم ألف ومائتا بعير ثم بين مقدار الخمس وخمسه وأنه لا يمكن أن يكون لكل إنسان منه بعير
قال ابن التين قد انفصل من قال من الشافعية بأن التنفيل من خمس الخمس بأوجه . منها أن الغنيمة لم تكن كلها أبعرة بل كان فيها أصناف أخر فيكون التنفيل وقع من بعض الأصناف دون بعض . ثانيها أن يكون نفلهم من سهمه من هذه الغزاة وغيرها فضم هذا إلى هذا فلذلك زادت العدة . ثالثها أن يكون نفل بعض الجيش دون بعض قال وظاهر السياق يرد هذه الاحتمالات قال وقد جاء أنهم كانوا عشرة وأنهم غنموا مائة وخمسين بعيرا فخرج منها الخمس وهو الثلاثون وقسم عليهم البقية فحصل لكل واحد إثنا عشر ثم نفلوا بعيرا بعيرا فعلى هذا يكون نفلوا ثلث الخمس وقد قدمنا عن ابن عبد البر أنه قال إن أراد الإمام تفضيل بعض الجيش لمعنى فيه فذلك من الخمس لا من رأس الغنيمة وإن انفردت قطعة فأراد أن ينفلها مما غنمت دون سائر الجيش فذلك من غير الخمس بشرط أن لا يزيد على الثلث انتهى
قال الحافظ في الفتح وهذا الشرط قال به الجمهور وقال الشافعي لا يتحدد بل هو راجع إلى ما يراه الإمام من المصلحة ويدل له قوله تعالى { قل الأنفال لله والرسول } ففوض إليه أمرها انتهى
وقد حكى صاحب البحر هذا الذي قال به الشافعي عن أبي حنيفة والهادي والمؤيد بالله . وحكي عن الأوزاعي أنه لا يجوز الثلث . وعن ابن عمر يكون بنصف السدس
قال الأوزاعي ولا ينفل من أول الغنيمة ولا ينفل ذهبا ولا فضة وخالفه الجمهور ولم يأت في الأحاديث الصحيحة ما يقضي بالأقتصار على مقدار معين ولا على نوع معين فالظاهر تفويض ذلك إلى رأي الإمام في جميع الأجناس
قوله : " المسلمون تتكافأ دماؤهم " هذا قد سبق شرحه في كتاب الدماء إلى قوله وهم يد على سواهم وقد ذكره المصنف هنالك من حديث علي
قوله : " يرد مشدهم على مضعفهم " أي يرد من كان له فضل قوة على من كان ضعيفا والمراد بالمتسري الذي يخرج في السرية وقد تقدم الكلام على هذا (8/78)
باب بيان الصفي الذي كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسهمه مع غيبته (8/78)
1 - عن يزيد بن عبد الله قال " كنا بالمربد إذ دخل رجل معه قطعة أديم فقرأناها فإذا فيها من محمد رسول الله إلى بني زهير بن أقيش إنكم إن شهدتم أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأديتم الخمس من المغنم وسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسهم الصفي أنتم آمنون بأمان الله ورسوله فقلنا من كتب لك هذا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود والنسائي (8/79)
2 - وعن عامر الشعبي قال " كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم سهم يدعى الصفى إن شاء عبدا وإن شاء أمة وإن شاء فرسا يختاره قبل الخمس " (8/79)
3 - وعن ابن عون قال " سألت محمدا عن سهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصفي قال كان يضرب له سهم مع المسلمين وإن لم يشهد والصفي يؤخذ له رأس من الخمس قبل كل شيء "
- رواهما أبو داود وهما مرسلان (8/79)
4 - وعن عائشة قالت " كانت صفية من الصفي "
- رواه أبو داود (8/80)
5 - وعن ابن عباس " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تنفل سيفه ذا الفقار يوم بدر وهو الذي رأى فيه الرؤيا يوم أحد "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب (8/80)
- حديث يزيد بن عبد الله سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح قال المنذري ورواه بعضهم عن يزيد بن عبد الله وسمى الرجل النمر بن تولب الشاعر صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويقال أنه ما مدح أحد ولا هجا أحدا وكان جوادا لا يكاد يمسك شيئا وأدرك الإسلام وهو كبير انتهى . ويزيد ابن عبد الله المذكور وهو ابن الشخير وحديث عامر الشعبي سكت عنه أيضا أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل وأخرجه أيضا النسائي . وحديث ابن عون سكت أيضا أبو داود ورجاله ثقات وهو مرسل كما قال المصنف لأن الشعبي وابن سيرين لم يدركا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرجه أيضا النسائي . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن حبان والحاكم وصححه أيضا ويشهد له ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن أبي عمرو بن أنس بن مالك قال " قدمنا خبير فلما فتح الله الحصن ذكر له جمال صفية بنت حيي وقد قتل زوجها وكانت عروسا فأصطفاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لنفسه فخرج بها حتى بلغا سد الصبهاء وحلت فبنى بها " ويعارضه ما أخرجه الشيخان وأبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك أيضا قال صارت صفية لدحية الكلبي ثم صارت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وما أخرجه أيضا مسلم وأبو داود من طريق ثابت البناني عنه قال وفع في صهم دحية جارية جميلة فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسبعة أرؤس ثم دفعها إلى أم سليم تصنعها وبهيئها قال حماد يعني ابن زيد وأحسبه قال وتعتد في بيتها وهي صفية بنت حيي . وما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي عن أنس أيضا من طريق عبد العزيز بن صهيب قال جمع السبى يعني بخيبر فجاء دحية فقال يا رسول الله أعطني جارية من السبى فقال اذهب فخذ جارية فأخذ صفية بنت حيي فجاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا نبي الله أعطيت دحية بنت حيي سيدة قريظة والنضير ما تصلح إلا لك قال أدعو بها فلما نظر إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له خذ جارية من السبى غيرها وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتقها وتزوجها . وبهذه الرواية يجمع بين الروايات المختلفة
وأما ما وقع من أن صلى الله عليه وآله وسلم أشتراها بسبعة أرؤس فلعل المراد أنه عوضه عنها بذلك المقدار وإطلاق الشراء على العوض على سبيل المجاز ولعله عوضه عنها جارية أخرى من قرابتها فلم تطب نفسه فأعطاه زيادة على ذلك سبعة أرؤس من جملة السبي
قال السهيلي لا معارضة بين هذه الأخبار فإنه أخذها من دحية قبل القسمة الذي عوضه عنه ليس على سبيل البيع
وقد أشار الحافظ في الفتح إلى مثل ما ذكرنا من الجمع والحكمة في استرجاعها من دحية أنه لما قيل له أنها بنت ملك من ملوكهم ظهر له أنها ليست ممن توهب لدحية لكثرة من كان في الصحابة مثل دحية وفوقه وقلة من كان في السبي مثل صفية في نفاستها فلو خصه بها لأمكن تغير خاطر بعضهم فكان من المصلحة العامة ارتجاعها منه واختصاص النبي صلى الله عليه وآله وسلم بها فإن في ذلك رضا الجميع وليس ذلك من الرجوع في الهبة في شيء وحديث ابن عباس المذكور في الباب قال الترمذي بعد إخراجه وتحسينه إنما نعرفه من هذا الوجه من حديث أبي الزناد وأخرجه ابن ماجه والحاكم وصححه قوله ذا الفقار بفتح الفاء قال في القاموس وذو الفقار بالفتح سيف العاص بن منبه قتل يوم بدر كافرا فصار إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم إلى علي انتهى
قوله : " وهو الذي رأى فيه الرؤيا " أي رأى أن فيه فلولا فعبره بقتل واحد من أهله فقتل حمزة بن عبد المطلب والقضية مشهورة والأحاديث المذكورة تدل على أن للإمام أن يختص من الغنيمة بشيء لا يشاركه فيه غيرة وهو الذي يقال له الصفي وقد قدمنا الخلاف في ذلك في باب أن أربعة أخماس الغنيمة للغانمين (8/80)
باب من يرضخ له من الغنيمة (8/81)
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغزو بالنساء فيداوين الجرحى ويحذين من الغنيمة وأما بسهم فلم يضرب لهن " (8/81)
2 - وعنه أيضا " أنه كتب إلى نجدت الحروري سألت عن المرأة والعبد هل كانا لهما سهم معلوم إذا حضر الناس وأنه لم يكن لهما سهم معلوم إلا أن يحذيا من غنائم القول "
- رواهما أحمد ومسلم (8/81)
3 - وعن ابن عباس " قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعطي المرأة والمملوك من الغنائم دون ما يصيب الجيش "
- رواه أحمد (8/82)
4 - وعن عمير مولي آبي اللحم قال " شهدت خيبر مع سادتي فكلموا في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بي فقلدت سيفا فإذا أنا أجره فأخبر أني مملوك فأمر لي بشيء من خرثي المتاع "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (8/82)
5 - وعن حشرج بن زياد عن جدته أم أبيه " أنها خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غزوة خيبر سادس ست نسوة فبلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبعث إلينا فجئنا فرأينا فيه الغضب فقال مع من خرجتن وبإذن من خرجتن فقلنا يا رسول الله خرجنا نغزل الشعر ونعين في سبيل الله ومعنا دواء للجرحى ونناول السهام ونسقي السويق قال قمن فانصرفن حتى إذا فتح الله عليه خيبر أسهم لنا كما أسهم للرجال قال فقلت لها يا جدة وما كان ذلك قالت تمرا "
- رواه أحمد وأبو داود (8/82)
6 - وعن الزهري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لقوم من اليهود قاتلوا معه "
- رواه الترمذي وأبو داود في مراسيله (8/83)
7 - وعن الأوزاعي قال " أسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصبيان بخيبر "
- رواه الترمذي ويحمل الإسهام فيه وفيما قبله على الرضخ (8/83)
- حديث ابن عباس الأول والثاني أخرجهما أيضا أبو داود والترمذي وصححهما وحديث ابن عمير أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه وزاد الترمذي بعد قوله " فأمر لي بشيء من خرثي المتاع " ما لفظه " وعرضت عليه رقية كنت أرقى بها المجانين فأمرني بطرح بعضها وحبس بعضها " . وحديث حشرج أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول وهو حشرج قال الحافظ في التلخيص
وقال الخطابي إسناده ضعيف لا تقوم به الحجة . وحديث الزهري رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد قال حدثنا عبد الوارث بن سعيد عن عروة بن ثابت عن الزهري قال الترمذي هذا حديث حسن غريب انتهى وهذا مرسل . وحديث الأوزاعي رواه الترمذي عن علي بن خرشم قال أخبرنا عيسى بن يونس عن الأوزاعي ولفظه " أسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للصبيان بخيبر وأسهم أئمة المسلمين لكل مولود ولد في الحرب وأسهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم للنساء بخيبر وأخذ بذلك المسلمون بعده " انتهى وهذا ايضا مرسل
قوله : " إلى نجدة الحروري " بفتح النون وسكون الجيم وبعدها دال مهملة وهو ابن عامر الحنفي الخارجي وأصحابه يقال لهم النجدات محركة . والحروري نسبة إلى حروراء وهي قرية بالكوفة
قوله : " يحذين " بالحاء المهملة والذال المعجمة أي يعطين قال في القاموس الحذوة بالكسر العطية انتهى
قوله : " آبي اللحم " هو اسم فاعل من أبى يأبي فهو أبى قال أبو داود قال أبو عبيدة كان حرم اللحم نفسه فسمي آبي اللحم
قوله : " من خرثى المتاع " بالخاء المعجمة المضمومة وسكون الراء المهملة بعدها مثلثه وهو سقطه
قال في النهاية هو أثاث البيت وقال في القاموس الخرثي بالضم أثاث البيت أو أردأ المتاع والغنائم
قوله : " وعن حشرج " بفتح الحاء المهملة وسكون الشين المعجمة وبعدها راء مهملة مفتوحة الجيم
قوله : " عن جدته " هي أم زياد الأشجعية وليس لها سوي هذا الحديث
قوله : " ونسقي السويق " هو شئ يعمل من الحنطة والشعير ( وقد اختلف ) أهل العلم هل يسهم للنساء إذا حضرت فقال الترمذي أنه لا يسهم لهن عند أكثر أهل العلم قال وهو قول سليمان الثوري والشافعي قال وقال بعضهم يسهم للمرأة والصبي وهو قول الأوزاعي
وقال الخطابي أن الأوزاعي قال يسهم لهن قال وأحسبه ذهب إلى هذا الحديث يعني حديث حشرج بن زياد واسناده ضعيف لا يقوم به حجة اه وقد حكي في البحر عن العترة والشافعية والحنفية انه لا يسهم للنساء والصبيان والذميين وعن مالك أنه قال لا أعلم العيد يعطى شيئا . وعن الحسن بن صالح أنه يسهم للعبد كالحر . وعن الزهري أنه يسهم للذمي لا للعبد والنساء والصبيان فيرضخ لهم وقال الترمذي بعد أن أخرج حديث عمير مولى آبي اللحم المذكور في الباب والعمل على هذا عند بعض أهل العلم أنه لا يسهم للمملوك ولكن يرضخ له بشئ وهو قول الثوري والشافعي وأحمد وإسحاق
وقال أيضا أن العمل عند بعض أهل العمل على أنه لا يسهم لأهل الذمة وإن قاتلوا مع المسلمين العدو ورأى بعض أهل العمل أنه يسهم لهم إذا شهدوا القتال مع المسلمين انتهى . والظاهر أنه لا يسهم للنساء والصبيان والعبيد والذميين وما ورد من الأحاديث مما فيه أشعار بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم لاحد من هؤلاء فينبغي حمله على الرضخ وهو العطية القليلة جمعا بين الأحاديث وقد صرح حديث ابن عباس المذكور في أول الباب بما يرشد إلى هذا الجمع فإنه نفى أن يكون للنساء والعبيد سهم معلوم وأثبت الحذية وهكذا حديثه الآخر فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي المرأة والمملوك دون ما يصيب الجيش . وهكذا حديث عمير المذكور فإن فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رضخ له بشيء من الأثاث ولم يسهم له فيحمل ما وقع في حديث حشرج من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم للنساء بخيبر على مجرد العطية من الغنيمة وهكذا يحمل ما وقع في مرسل الزهري المذكور من الإسهام للصبيان كما لمح إلى ذلك المصنف رحمة الله عليه (8/83)
باب الإسهام للفارس والراجل (8/84)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم للرجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهم له وسهمان لفرسه "
- رواه أحمد وأبو داود
وفي لفظ " أسهم للفرس سهمين وللرجل سهما " . متفق عليه
وفي لفظ " أسهم يوم حنين للفارس ثلاثة أسهم للفرس سهمان وللرجل سهم " رواه ابن ماجه . وعن المنذر بن الزبير عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى الزبير سهما وأمه سهما وفرسه سهمين " رواه أحمد
وفي لفظ " قال ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر للزبير أربعة أسهم سهم للزبير وسهم لذي القربى لصفية أم الزبير وسهمين للفرس " رواه النسائي (8/84)
3 - وعن أبي عمرة عن أبيه " قال أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربعة نفر ومعنا فرس فأعطى كل إنسان منا سهما وأعطى الفرس سهمين "
- رواه أحمد وأبو داود . واسم هذا الصحابي عمرو بن محصن (8/84)
4 - وعن أبي رهم قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا وأخي ومعنا فرسان فأعطانا ستة أسهم أربعة أسهم لفرسينا وسهمين لنا " (8/85)
5 - وعن أبي كبشة الأنماري قال " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة كان الزبير على المجنبة اليسرى وكان المقداد على المجنبة اليمنى فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمسح الغبار عنهما وقال إني جعلت للفرس سهمين وللفارس سهما فمن نقصهما نقصه الله "
- رواهما الدار قطني (8/85)
6 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قسم لمائتي فرس بخيبر سهمين سهمين " (8/85)
7 - وعن خالدا الحذاء قال " لا يختلف فيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم "
- رواهما الدارقطني (8/86)
8 - وعن مجمع بن جارية الأنصاري قال " قسمت خيبر على أهل الحديبية فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة فيهم ثلثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين والراجل سهما "
- رواه أحمد وأبو داود وذكر أن حديث ابن عمر أصح قال وأتى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس (8/86)
- حديث ابن عمر له ألفاظ في الصحيحين وغيرهما غير ما ذكره المصنف وهو في الصحيحين من حديثه . وحديث أنس وحديث عروة بن الجعد البارقي وفي الباب عن أبي هريرة عند الترمذي والنسائي . وعن عتبة بن عبد عند أبي داود . وعن جرير عند مسلم وأبي داود . وعن جابر وأسماء بنت يزيد عند أحمد . وعن حذيفة عند أحمد والبزار وله طرق أخرى جمعها الدمياطي في كتاب الخيل
قال الحافظ وقد لخصته وزدت عليه في جزء لطيف . وحديث المنذر بن الزبير قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وقد أخرج نحوه النسائي من طريق يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن جده وروى الشافعي من حديث مكحول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى الزبير خمسة أسهم لما حضر خيبر بفرسين وهو مرسل وقد روى الشافعي أيضا عن ابن الزبير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعط الزبير إلا لفرس واحدة وقد حضر يوم خيبر بفرسين وولد الرجل أعرف بحديثه ولكنه روى الواقدي عن عبد الملك بن يحيى عن عيسى بن معمر قال كان مع الزبير يوم خيبر فرسان فأسهم له النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمسة أسهم وهذا المرسل يوافق مرسل مكحول لكن الشافعي كان يكذب الواقدي . وحديث أبي عمرة في إسناده المسعودي وهو عبد الرحمن بن عبد الله بن عتبة بن عبد الله بن مسعود وفيه مقال وقد استشهد به البخاري . ورواه أبو داود أيضا من طريق أخرى عن رجل من آل أبي عمرة عن أبي عمرة وزاذ فكان للفارس ثلاثة اسهم . وحديث أبي رهم أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وفي إسناده إسحاق بن أبي فروة وهو متروك . وحديث أبي كبشة أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده عبد الله بن يسر الحبراني وثقه ابن حبان وضعفه الجمهور وبقية أحاديث الباب القاضية بأنه يسهم للفرس وصاحبه ثلاثة أسهم تشهد لها الأحاديث الصحيحة التي ذكرها المصنف وذكرناها
وأما حديث مجمع بن جارية فقال أبو داود حديث أبي معاوية أصح والعمل عليه ونعني به حديث ابن عمر المذكور في أول الباب قال وارى الوهم في حديث مجمع أنه قال ثلثمائة فارس وإنما كانوا مائتي فارس وقال الحافظ في الفتح أن في إسناده ضعفا ولكنه يشهد له ما أخرجه الدارقطني من طريق أحمد بن منصور الرمادي عن أبي بكر بن أبي شيبة عن أبي أسامة وابن نمير كلاهما عن عبيد الله ابن عمر بلفظ أسهم للفارس سهمين قال الدارقطني عن شيخه أبي بكر النيسابوري وهم فيه الرمادي أو شيخه وعلى فرض صحته فيمكن تأويله بأن المراد أسهم للفارس بسبب فرسه سهمين غير سهمه المختص به كما أشار إلى ذلك الحافظ
قال وقد رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ومسنده بهذا الإسناد فقال للفرس وكذلك أخرجه ابن أبي عاصم في كتاب الجهاد له عن ابن أبي شيبة قال فكأن الرمادي رواه بالمعني
وقد أخرجه أحمد عن أبي أسامة وابن نمير معا بلفظ أسهم للفرس قال وعلى هذا التأويل يحمل ما رواه نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن عبيد الله مثل رواية الرمادي أخرجه الدارقطني وقد رواه علي بن الحسن بن شقيق وهو أثبت من نعيم عن ابن المبارك بلفظ أسهم للفرس وقيل إن إطلاق الفرس على الفارس مجاز مشهور ومنه قولهم يا خيل الله اركبي كما ورد في الحديث ولا بد من المصير إلى تأويل حديث مجمع وما ورد في معناه لمعارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة عن جماعة من الصحابة في الصحيحين وغيرهما كما تقدم وقد تمسك أبو حنيفة وأكثر العترة بحديث مجمع الذكور وما ورد في معناه فجعلوا للفارس وفرسه سهمين وقد حكى ذلك عن علي وعمر وأبي موسى . وذهب الجمهور إلى أنه يعطي الفرس سهمين والفارس سهما والراجل سهما
قال الحافظ في الفتح والثابت عن عمر وعلي كالجمهور وحكى في البحر عن علي وعمر والحسن البصري وابن سيرين وعمر بن عبد العزيز وزيد بن علي والباقر والناصر والإمام يحيى ومالك والشافعي والأوزاعي وأبي يوسف ومحمد وأهل المدينة وأهل الشام أنه يعطى الفارس وفرسه ثلاثة سهام واحتج لهم ببعض أحاديث الباب ثم أجاب عن ذلك فقال قلت يحتمل أن الثالث في بعض الحالات تنفيل جمعا بين الأخبار انتهى . ولا يخفى ما في هذا الاحتمال من التعسف وقد أمكن الجمع بين أحاديث الباب بما أسلفنا وهو جمع نير دلت عليه الأدلة التي قدمناها وقد تقرر في الأصول أن التأويل في جانب المرجوح من الأدلة لا الراجح والأدلة القاضية بأن للفارس وفرسه سهمين مرجوحة لا يشك في ذلك من له أدنى إلمام بعلم السنة وقد نقل عن أبي حنيفة أنه أحتج لما ذهب إليه بأنه يكره أن تفضل البهيمة على المسلم وهذه حجة ضعيفة وشبه ساقطة ونصبها في مقابلة السنة الصحيحة المشهورة مما لا يليق بعالم وأيضا السهام في الحقيقة كلها للرجل لا للبهيمة وأيضا قد فضلت الحنفية الدابة على الإنسان في بعض الأحكام فقالوا لو قتل كلب صيد قيمته أكثر من عشرة آلاف درهم وقد استدل للجمهور في مقابلة هذه الشبهة بأن الفرس تحتاج إلى مؤنة لخدمتها وعلفها وأنه يحصل بها من الغناء في الحرب ما لا يخفى وقد اختلف فيمن حضر الوقعة بفرسين فصاعدا هل يسهم لكل فرس أم لفرس واحدة فروي عن سليمان بن موسى أنه يسهم لكل فرس سهمان بالغا ما بلغت
قال القرطبي في المفهم ولم يقل أحد أنه يسهم لأكثر من فرسين إلا ما روي عن سليمان بن موسى وحكي في البحر عن الشافعية والحنفية والهادوية أن من حضر بفرسين أو أكثر أسمهم لواحد فقط وعن زيد بن علي والصادق والأوزاعي وأحمد بن حنبل وحكاه في الفتح عن الليث وأبي يوسف وأحمد وإسحاق أنه يسهم لفرسين لا أكثر قال الحافظ في التلخيص فيه أحاديث منقطعة أحدها عن الأوزاعي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسهم للخيل ولا يسهم للرجل فوق فرسين وإن كان معه عشرة أفراس رواه سعيد بن منصور عن إسماعيل بن عياش وهو معضل ورواه سعيد بن طريق الزهري أن عمر كتب إلى ابن أبي عبيدة أنه يسهم للفرس سهمين وللفرسين أربعة أسهم ولصاحبه سهما فذلك خمسة أسهم وما كان فوق الفرسين فهو جنائب
وروى الحسن عن بعض الصحابة قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقسم إلا لفرسين :
وأخرج الدارقطني بإسناد ضعيف عن أبي عمر قال أسهم لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لفرسي أربعة ولي سهما . فأخذت خمسة وقد قدمنا اختلاف الرواية في حضور الزبير يوم خيبر بفرسين هل أعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرس واحدة أو سهم فرسين والإسهام للدواب خاص بالأفراس دون غيرها من الحيوانات قال في البحر مسألة ولا يسهم لغير الخيل من البهائم اجماعا إذ لا ارهاب في غيرها ويسهم للبرذون والمقرف والهجين عند الأكثر وقال الأوزاعي لا يسهم للبرذون (8/86)
باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة (8/87)
1 - إن ابن عمر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام يعني يوم يدر فقال إن عثمان انطلق في حاجة الله وحاجة رسوله وأنا أبايع له فضرب له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بسهم ولم يضرب لأحد غاب غيره "
- رواه أبو داود (8/87)
2 - وعن ابن عمر قال " لما تغيب عثمان عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانت مريضة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن لك أجر رجل وسهمه "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه (8/87)
- حديث ابن عمر الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده موثقون قوله " وأنا أبايع له " في رواية للبخاري " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده اليمنى " أي أشار بها وقال " هذه يد عثمان " أي بدلها " فضرب بها على يده اليسرى فقال هذه - أي البيعة - لعثمان " أي عن عثمان
قوله : " وكانت مريضة " وأخرج الحاكم في المستدرك من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال " خلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن خارثة بالبشارة وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة
قال ابن إسحاق ويقال إن ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين
وقد استدل بقصة عثمان المذكورة على أنه يسهم الإمام لمن كان غائبا في حاجة له بعصه لقضائها وأما من كان غائبا عن القتال لا لحاجة الإمام وجاء بعد الواقعة فذهب أكثر العترة والشافعي ومالك والأوزاعي والثوري والليث إلى أنه لا يسهم له وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه يسهم لمن حضر قبل احرازها إلى دار الإسلام وسيأتي في باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضي الحرب ما استدل به أهل القول الأول وأهل القول الثاني (8/88)
باب ما يذكر في الإسهام لتجار العسكر وأجرائهم (8/88)
1 - عن خارجة بن زيد قال " رأيت رجلا سأل أبي عن الرجل يغزو ويشتري ويبيع ويتجر في غزوه فقال له إنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتبوك نشتري ونبيع وهو يرانا ولا ينهانا "
- رواه ابن ماجه (8/88)
2 - وعن يعلي ابن منية قال " أذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالغزو وأنا شيخ كبير ليس لي خادم فالتمست أجيرا يكفيني وأجري به سهمه فوجدت رجلا فلما دنا الرحيل أتاني فقال ما أدري ما السهمان وما يبلغ سهمي قسم لي شيئا كان السهم أو لم يكن فسميت له ثلاثة دنانير فلما حضرت غنيمة أردت أن أجري له سهمه فذكرت الدنانير فجئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت أمره فقال ما أجد له في غزوته هذه في الدنيا والآخرة إلا دنانيره التي سمى "
- رواه أبو داود
وقد صح أن سلم ابن الأكوع كان أجيرا لطلحة حين أدركه عبد الرحمن بن عيينة لما أغار على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهم الفارس والراجل وهذا المعنى لأحمد ومسلم في حديث طويل . ويحمل هذا على أجير يقصد مع الخدمة الجهاد والذي قبله على من لا يقصده أصلا جمعا بينهما (8/89)
- الحديث الأول في إسناده عند ابن ماجه سنيد بن داود المصيصي وهو ضعيف ويشهد له ما أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري عن عبيد الله بن سليمان أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدثه قال لما فتحنا خيبر أخرجوا غنائمهم من المتاع والسبي فجعل الناس يتبايعون غنائمهم فجاء رجل فقال يا رسول الله لقد ربحت ربحا ما ربح اليوم مثله أحدج من أهل هذا الوادي فقال ويحك وما ربحت قال ما زلت أبيع وأبتاع حتى ربحت ثلاثمائة أوقية فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أنبئك بخير رجل ربح قال ما هو يا رسول الله قال ركعتين بعد الصلاة فهذا الحديث وحديث خارجة المذكور فيهما دليل على جواز التجارة في الغزو وعلى أن الغازي مع ذلك يستحق نصيبه من المغنم وله الثواب الكامل بلا نقص ولو كانت التجارة في الغزو موجبة لنقصان أجر الغازي لبينه صلى الله عليه وآله وسلم فلما لم يبين ذلك بل قرره دل على عدم النقصان ويؤيد ذلك جواز الإتجار في سفر الحج لما ثبت في الحديث الصحيح أنه لما تحرج جماعة من التجارة في سفر الحج أنزلالله تعالى { ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم } . والحديث الثاني سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري وأخرجه الحاكم وصححه وأخرجه البخاري بنحوه وبوب عليه باب الأجير وقد اختلف العلماء في الإسهام للأجير إذا استؤجر للخدمة فقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق لا يسهم له وقال الأكثر يسهم له واحتجوا بحديث سلمة الذي أشار إليه المصنف وفيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسهم له وأما إذا استؤجر الأجير ليقاتل فقالت الحنفية والمالكية لا سهم له وقال الأكثر له سهمه وقال أحمد لو استأجر الإمام قوما على الغزو لم يسهم لهم سوى الأجرة وقال الشافعي هذا فيمن لم يجب عليه الجهاد أما الحر البالغ المسلم إذا حضر الصف فإنه يتعين عليه الجهاد فيسهم له ولا يستحق أجرة وقال الثوري لا يسهم للأجير إلا إن قاتل وقال الحسن وابن سيرين يقسم للأجير من المغنم وهكذا رواه البخاري عنهما تعليقا ووصله عبد الرزاق عنهما بلفظ يسهم للأجير ووصله ابن أبي شيبة عنهما بلفظ العبد والأجير إذا شهدا القتال أعطوا من الغنيمة والأولي المصير إلى الجمع الذي ذكره المصنف رحمه الله فمن كان من الأجراء قاصدا للقتال استحق الإسهام من الغنيمة ومن لم يقصد فلا يستحق إلا الأجرة المسماة
قوله : " يعلى بن منية " هو يعلى بن أمية المشهور ومنية أمه وقد ينسب تارة إليها كما وقع في هذا الحديث . وقصة سلمة بن الأكوع من مقاتلته للقوم الذين أغاروا على سرح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واسنتقاذه للسرح وقتل بعض القوم وأخذ بعض أموالهم قد تقدمت الإشارة إليها قريبا وهي قصة مبسوطة في كتب الحديث والسير فلا حاجة إلى إيرادها هنا بكمالها (8/89)
باب ما جاء في المدد يلحق بعد تقضى الحرب (8/89)
1 - عن أبي موسى قال " بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن باليمن فخرجنا مهاجرين إليه أنا وإخوان لي أحدهما أبو بردة والآخر أبو رهم إما قال في بضعة وإما قال في ثلاثة وخمسين أو اثنين وخمسين رجلا من قومي قال فركبنا سفينة فألقتنا سفينتنا إلى النجاشي بالحبشة فوافقنا جعفر بن أبي طالب وأصحابه عنده فقال جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعثنا ههنا وأمرنا بالإقامة قال فأقمنا معه حتى قدمنا جميعا فوافقنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين افتتح خيبر فأسهم لنا أو قال أعطانا منها وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر منها شيئا إلا لمن شهد معه إلا لأصحاب سفينتنا مع جعفر وأصحابه قسم لهم معهم
- متفق عليه (8/90)
2 - وعن أبي هريرة " أنه حدث سعيد بن العاص أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبان بن سعيد بن العاص على سرية من المدينة قبل نجد فقدم أبان بن سعيد وأصحابه على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد أن فتحها وإن حزم خيلهم ليف فقال أبان أقسم لنا يا رسول الله قال أبو هريرة فقلت لا تقسم لهم يا رسول الله قال أبان أنت بها يا وبر تحدر علينا من رأس ضال فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجلس يا أبان ولم يقسم لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود وأخرجه البخاري تعليقا (8/90)
- قوله " بلغنا مخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " ظاهره أنه لم يبلغهم شأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بعد الهجرة بمدة طويلة وهذا إذا أراد الهجرة بمدة طويلة وهذا إذا أراد بالمخرج البعثة وإن أراد الهجرة فيحتمل أن يكون بلغتهم الدعوة فأسلموا واقاموا ببلادهم إلى أن عرفوا بالهجرة فعزموا عليها وإنما تأخروا هذه المدة لعدم بلوغ الخبر إليهم بذلك وأما لعلهم بما كان المسلمون فيه من المحاربة مع الكفار فلما بلغتهم المهادنة أمنوا وطلبوا الوصول إليه
وقد روى ابن منده من وجه آخر عن أبي بردة عن أبيه " خرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جئنا إلى مكة أنا وأخوك وأبو عامر بن قيس وأبو رهم ومحمد بن قيس وأبو بردة وخمسون من الأشعريين وستة من عك ثم خرجنا في البحر حتى أتينا المدينة وصححه ابن حبان من هذا الوجه ويجمع ما بينه وبين ما في الصحيح أنهم مروا بمكة في حال مجيئهم إلى المدينة ويجوز أن يكونوا دخلوا مكة لأن ذلك كان حال الهدنة
قوله : " أنا وإخوان لي " زاد البخاري " أنا أصغرهم " واسم أبي بردة عامر وأبو رهم بضم الراء وسكون الهاء اسمه مجدي بفتح الميم وسكون الجيم وكسر المهملة وتشديد التحتانية قال ابن عبد البر وجزم ابن حبان في الصحابة بأن اسمه محمد . وذكر ابن قانع أن جماعة من الأشعريين أخبروه وحققوا وكتبوا خطوطهم أن اسم أبي رهم مجيلة بكسر الجيم بعدها تحتانية خفيفة ثم لام ثم هاء
قوله : " أما قال في بضعة " الخ قد بين في الرواية المتقدمة أنهم كانوا خمسين من الأشعريين وهم قومه فلعل الزائد على ذلك هو أبو موسى وأخوته فمن قال اثنين أراد من ذكرهما في حديث الباب وهما أبو بردة وأبو رهم ومن قال ثلاثة أو أكثر فعلى الخلاف في عدد من كان معهمن أخوته
وأخرج البلاذري بسند له عن ابن عباس أنهم كانوا أربعين والجمع بينه وبين ما قبله بالحمل على الأصول والأتباع وقال ابن إسحاق كانوا ستة عشر رجلا وقيل أقل
قوله : " فوافقنا جعفر بن أبي طالب " أي بأرض الحبشة
وقد سمى ابن إسحاق من قدم مع جعفر فسرد أسماءهم وهم ستة عشر رجلا
قوله : " وما قسم لأحد غاب عن فتح خيبر " الخ فيه دليل على أنه يجوز للإمام أن يجتهد في الغنيمة ويعطى بعض من حضر من المدد دون بعض . فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أعطى من قدم مع جعفر ولم يعط غيرهم
وقد استدل به أبو حنيفة على قوله المتقدم أنهيسهم للمدد وقال ابن التين يحتمل أن يكون أعطاهم برضا بقية الجيش وبهذا جزم موسى بن عقبة في مغازيه ويحتمل أن يكون إنما أعطاهم من الخمس . وبهذا جزم أبو عبيد في كتاب الأموال ويحتمل أن يكون أعطاهم من جميع الغنيمة لكونهم وصلوا قبل القسمة وبعد حوزها وهو أحد الأقوال للشافعي
وقد احتج أبو حنيفة بإسهامه صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان يوم بدر كما تقدم في باب الإسهام لمن غيبه الأمير في مصلحة . وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن ذلك خاص به وبمن كان مثله ومنها أن ذلك كان حيث كانت الغنيمة كلها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم عند نززول قوله تعالى { يسألونك عن الأنفال } ومنها أنه أ'طاه من الخمس على فرض أن يكون ذلك بعد فرض الخمس ومنها التفرقة بين من كان في حاجة تتعلق بمنفعة الجيش أو بإذن الإمام فيسهم له بخلاف غيره وهذا مشهور مذهب مالك وقال ابن بطال لم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غير من شهد الواقعة إلا في خيبر فهي مستثناة من ذلك فلا تجعل أصلا يقاس عليه فإنه قسم
لأصحاب السفينة لشدة حاجتهم وكذلك أعطى الأنصار عوض ما كانوا أعطوا المهاجرين عند قدومهم عليهم
وقال الطحاوي يحتمل أن يكون استطاب أنفس أهل الغنيمة بما أعطي الأشعريين وغيرهم ومما يؤيد أنه لا نصيب لمن جاء بعد الفراغمن القتال ما رواه عبد الرزاق بإسناد صحيح وابن أبي شيبة أن عمر قال الغنيمة لمن شهد الواقعة
وأخرجه الطبراني والبيهقي مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح موقوف
وأخرجه ابن عدي من طريق أخرى عن على موقوفا . ورواه الشافعي من قول أبي بكر وفيه انقطاع
قوله : " وإن حزم " بمهملة وزاي مضمومتين . وقوله ليف بكسر اللام وسكون التحتية بعدها فاء وهو معروف
قوله : " يا وير " بفتح الواو وسكون الموحدة دابة صغيرة كالسنور وحشية . ونقل أبو علي عن أبي حاتم أن بعض العرب يسمي كل دابة من حشرات الجبال وبرا
قال الخطابي أراد أبان تحقير أبي هريرة وأنه ليس في قدر من يشير بعطاء ولا بمنع وإنه قليل القدرة على القتال ومعنى قوله وأنت بها أي وأنت بهذا المكان والمنزلة من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع كونك لست من أهله ولا من قومه ولا من بلاده . ولفظ البخاري وأنت بهذا
قوله : " تحدر " بالحاء المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا
وفي رواية للبخاري تدل وهو بمعناه
وفي رواية له أيضا تدأدأ بمهملتين بينهما همزة ساكنة قيل أصله تدهدء فأبدلت الهاء همزة وقيل الدأدأة صوت الحجارة في المسيل
قوله : " من رأس ضال " فسر البخاري الضال بالسدر كما في رواية المستملى وكذا قال أهل اللغة أنه السدر البري
وفي رواية للبخاري من رأس ضأن بالنون قيل هو رأس الجبل لأنه في الغالب موضع مرعى الغنم وقيل هو جبل دوس وهم قوم أبي هريرة (8/90)
باب ما جاء في إعطاء المؤلفة قلوبهم (8/91)
1 - عن أنس قال " لما فتحت مكة قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الغنائم في قريش فقالت الأنصار إن هذا لهو العجب أن سيوفنا تقطر من دمائهم وأن غنائمنا ترد عليهم فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجمعهم فقال ما الذي بلغني عننكم قالوا هو الذي بلغك وكانوا إلا يكذبون فقال أما ترضون أن ترجع الناس بالدنيا إلى بيوتهم وترجعون برسول الله إلى بيوتكم فقالوا بلى فقال لو سلك الناس واديا أو شعبا وسلكت الأنصار واديا وشعبا لسلكت وادي الأنصار وشعب الأنصار " وفي رواية " قال قال ناس من الأنصار حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن فطفق يعطي رجالا المائة من الإبل فقالوا يغفر الله لرسول الله يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم فحدث بمقالته فجمعهم وقال إني أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألفهم أما ترضون أن يذهب الناس بالأموال وتذهبون بالنبي إلى رحالكم فوالله لما تنقلبون به خير مما ينقلبون به قالوا يا رسول الله لقد رضينا " (8/91)
2 - وعن ابن مسعود قال " لما آثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أناسا في القسمة فأعطى الأقرع بن حابس مائة من الإبل وأعطى عيينة مثل ذلك وأعطى أناسا من أشراف العرب وآثرهم يومئذ في القسمة قال رجل والله إن هذه لقسمة ما عدل فيها وما أريد بها وجه الله فقلت والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته فأخبرته فقال فمن يعدل إذا لم يعدل الله ورسوله ثم قال رحم الله موسى فقد أوذي بأكثر من هذا فصبر "
- متفق عليهن (8/91)
3 - وعن عمرو بن تغلب " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بما أو سبي فقسمه فأعطى قوما ومنع آخرين فكأنهم عتبوا عليه فقال إني أعطي قوما أخاف ضلعهم وجزعهم وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الخير والغني منهم عمرو بن تغلب فقال عمرو بن تغلب ما أحب أن لي بكلمة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمر النعم "
- رواه أحمد والبخاري والظاهر أن إعطائهم كان من سهم المصالح من الخمس ويحتمل أن يكون نفلا من أربعة أخماس الغنيمة عند من يجيز التنفيل منها (8/92)
- قوله " واديا أو شعبا " الوادي هو المكان المنخفض وقيل الذي فيه ماء والمراد هنا بلدهم والشعب بكسر الشين المعجمة اسم لما انفرج بين جبلين
وقيل الطريق في الجبل وأراد صلى الله عليه وآله وسلم بهذا وما بعده التنبيه على جزيل ما حصل لهم من ثواب النصرة والقناعة بالله ورسوله عن الدنيا ومن هذا وصفه فحقه أن يسلك طريقه ويتبع حاله
قال الخطابي لما كانت العادة أن المرء يكون في نزوله وارتحاله مع قومه وأرض الحجاز كثيرة الأودية والشعاب فإذا تفرقت في السفر سلك كل قوم منهم واديا وشعبا فأراد أنه مع الأنصار
قال ويحتمل أن يريد بالوادي المذهب كما يقال فلان في واد وأنا في في واد انتهى
وقد أثنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الأنصار في هذه الواقعة ومدحهم فمن جملة ما قاله لهم لولا الهجرة لكنت أمرا من الأنصار وقال الأنصار شعار والناس دثار كما في صحيح البخاري وغيره
قوله : " حين أفاء الله على رسوله ما أفاء من أموال هوازن " أي أعطاه غنائم الذين قاتلهم منهم يوم حنين . وأصل الفيء الرد والرجوع ومنه سمى الظل بعد الزوال فيئا لأنه رجع من جانب إلى جانب فكأن أموال الكفار سميت فيئا لأنها كانت في الأصل للمؤمنين إذ الإيمان هو الأصل والكفر طارئ فإذا غلب الكفار على شيء من المال فهو بطريق التعدي فإذا غنمه المسلمون منهم فكأنه رجع إليهم ما كان لهم
قوله : " فطفق يعطي رجالا " هم المؤلفة قلوبهم والمراد بهم ناس من قريش أسلموا يوم الفتح إسلاما ضعيفا وقيل كان فيهم من لم يسلم بعد كصفوان بن أمية وقد اختلف في المراد بالمؤلفة الذين هم أحد المستحقين للزكاة فقيل كفار يعطون ترغيبا في الإسلام وقيل مسلمون لهم أتباع كفار يتألفونهم وقيل مسلمون أول ما دخلوا في الإسلام ليتمكن الإسلام من قلوبهم والمراد بالرجال الذين أعطاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ههنا هم جماعة قد سرد أبو الفضل بن طاهر في المبهمات له أسماؤهم فقال هو أبو سفيان بن حرب وسهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى وحكيم بن حزام وأبو السنابل بن بعكك وصفوان بن أمية وعبد الرحمن بن يربوع وهؤلاء من قريش . وعيينة بن حصن الفزاري والأقرع بن حابس التميمي وعباس بن مرادس السلمي ومالك بن عوف النصري والعلاء بن حارثة الثقفي
قال الحافظ في الفتح وفي ذكر الأخيرين نظر وقيل إنما جاءا طائعين من الطائف إلى الجعرانية وذكر الواقدي في المؤلفة معاوية ويزيد بن أبي سفيان وأسيد بن حارثة ومخرمة بن نوفل وسعيد بن يربوع وقيس بن عدي وعمرو بن وهب وهشام بن عمرو زاد بن إسحاق النضر بن الحرثبن هشام وجبير بن مطعم ومما ذكره أبو عمر سفيان بن عبد الأسد والسائب بن أبي السائب ومطيع بن الأسود وأبو جهم بن حذيفة وذكر ابن الجوزي فيهم زيد الخيل وعلقمة بن علاثة وحكيم بن طليق بن سفيان بن أمية وخالد بن قيس السهمي وعمير بن مرادس وذكر غيرهم فيهم قيس بن مخرمة وأحيحة بن أمية ابن خلف وأبي بن شريق وحرملة بن هوذة وخالد بن هوذة وعكرمة بن عامر العبدري وشيبة بن عثمان وعمرو بن ورقة ولبيد بن ربيعة والمغيرة بن الحارث وهشام بن الوليد المخزومي
قوله : " أن يذهب الناس بالأموال " في رواية للبخاري " بالشاة والبعير " قوله " إلى رحالكم " بالحاء المهملة أي بيوتكم
قوله : " قال رجل في رواية الأعمش فقال رجل من الأنصار وفي رواية الواقدي أنه اسمه معتب بن قشير من بني عمرو بن عوف وكان من المنافقين وفيه رد على مغلطاي حيث قال لم أر أحدا قال إنه من الأنصار إلا ما وقع في رواية الأعمشي وجزم بأنه حرقوص بن زهير السعدي المتقدم ذكره في باب ذكر الخوارج وتبعه ابن الملقن وأخطأ في ذلك فإن قصة حرقوص غير هذه كما تقدم
قوله : " ما أريد فيها وجه الله " وفي رواية البخاري " ما أراد بهذا " قوله " رحم الله موسى " الخ فيه الأعراض عن عن الجاهل والصفح عن الأذى والتأسي بمن مضى من النظراء
قوله : " ضلعهم " بفتح الضاد المعجمة واللام وهو الأعوجاج وفي أحاديث الباب دليل على أنه يجوز للإمام أن يؤثر بالغنائم أو ببعضها من كان مائلا من اتباعه إلى الدنيا تأليفا له واستجلابا بالطاعة وتقديمه على من كان من أجناده قوى الإيمان مؤثرا للآخرة على الدنيا (8/92)
باب حكم أموال المسلمين إذا أخذها الكفار ثم أخذت منهم (8/92)
1 - عن عمر أن بن الحصين " قال أسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم فانفاتت ذات ليلة من الوثائق فاتت الأبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ قال وهي ناقة منوقة "
وفي رواية " مدربة فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فاعجزتهم قال ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا العضباء ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إنها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك فقال سبحان الله بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحنها لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد "
- رواه أحمد ومسلم (8/93)
2 - وعن ابن عمر " أنه ذهب فرس له فأخذه العدو فظهر عليهم المسلمون فرد عليه في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبق عبد له فلحق بأرض الروم وظهر عليهم المسلمون فرده خالد بن الوليد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه
وفي رواية " أن غلاما لابن عمر أبق إلى العدو فظهر عليه المسلمون فرده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ابن عمر ولم يقسم "
- رواه أبو داود (8/93)
- قوله " العضباء " بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة بعدها موحدة وهي ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فانفلتت " بالنون والفاء أي المرأة
قوله : " منوقة " بالنون والقاف أي مذللة
قوله : " مدربة " بالدال المهملة والراء المشددة المفتوحة بعدها موحدة وهي المؤدبة المعودة للركوب والتدريب مأخوذة من الدربة وهي المعرفة بالشيء
قوله : " ونذروا بها " بضم النون وكسر الذال المعجمة أي علموا بها
وفي شرح النووي هو بفتح النون
قوله : " لا وفاء لنذر في معصية الله " سيأتي الكلام على هذا في كتاب النذرو إن شاء الله
قوله : " ذهب فرس له فأخذه " في رواية الكشميهني ذهبت فأخذها والفرس اسم جنس يذكر ويؤنث
قوله : " في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " كذا وقع في رواية ابن نمير أن قصة الفرس في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقصة العبد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخالفه يحيى القطان عن عبيد الله العمري فجعلها بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في رواية للبخاري وكذا وقع في رواية موسى ابن عقبة عن نافع وصرح بأن قصة الفرس كانت في زمن أبي بكر
وقد وافق ابن نمير إسماعيل بن زكريا أخرجه الإسماعيلي من طريقه وأخرجه من طريق ابن المبارك عن عبيد الله فلم يعين الزمان لكن قال في روايته أنه افتدى الغلام بروميتين وكأن هذا الأختلاف هو السبب في ترك البخاري الجزم في الترجمة على هذا الحديث فإنه قال باب إذا غنم المشركون مال المسلم ثم وجده المسلم أي هل يكون أحق به أو يدخل في الغنيمة ولكنه يمكن الاحتجاج بوقوع ذلك في زمن أبي بكر والصحابة متوافرون من غير نكير منهم
وقد اختلف أهل العلم في ذلك فقال الشافعي وجماعة لا يملك أهل الحرب بالغلبة شيئا من المسلمين ولصاحبه أخذه قبل القسمة وبعدها . وعن علي والزهري وعمرو بن دينار والحسن ولا يرد أصلا ويختص به أهل المغانم وقال عمر وسلمان بن ربيعة وعطاء والليث ومالك وأحمد وآخرون وهي رواية عن الحسن أيضا ونقلها ابن أبي الزناد عن أبيه عن الفقهاء السبعة أو وجده صاحبه قبل القسمة فهو حق به وإن وجده بعد القسمة فلا يأخذه إلا بالقيمة
واحتجوا بحديث عن ابن عباس مرفوع بهذا التفصيل أخرجه الدارقطني وإسناده ضعيف جدا . وإلى هذا التفصيل ذهبت الهادوية وعن أبي حنيفة كقول مالك إلا في الآبق فقال هو والثوري صاحبه أحق به مطلقا (8/93)
باب ما يجوز أخذه من نحو الطعام والعلف بغير قسمة (8/94)
1 - عن ابن عمر قال " كنا نصيب في مغازينا العسل والعنب فنأكله ولا نرفعه "
- رواه البخاري (8/94)
2 - وعن ابن عمر " أن جيشا غنموا في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما وعسلا فلم يؤخذ منهم الخمس "
- رواه أبو داود (8/94)
3 - وعن عبد الله بن المغفل قال " أصبت جرابا من شحم يوم خيبر فالتزمته فقلت لا أعطي اليوم أحدا من هذا شيئا فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مبتسما "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (8/95)
4 - وعن ابن أبي أوفى قال " أصبنا طعاما يوم خيبر وكان الرجل يجيئ فيأخذ منه مقدار ما يكفيه ثم ينطلق " (8/95)
5 - وعن القاسم مولى عبد الرحمن عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قال كما نأكل كل الجزر في الغزو ولانقسمه حتى إن كنا لنرجع إلى رجالنا وأخرجتنا مملوءة منه "
- رواهما أبو داود (8/95)
- حديث ابن عمر الأول زاذ فيه أبو داود فلم يؤخذ منهم الخمس وصحح هذه الزيادة ابن حبان وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضا ابن حبان وصححه البيهقي ورجح الدارقطني وقفه . وحديث عبد الله بن المغفل أخرجه أيضا البخاري وزاد فيه الطيالسي في مسنده بإسناد صحيح فقال هو لك . وحديث ابن أبي أوفى أخرجه الحاكم والبيهقي قال ابن الصلاح في كلامه على الوسيط هذا الحديث لم يذكر في كتب الأصول انتهى وقد صححه الحاكم وابن الجارود
وأخرجه أيضا الطبراني من حديثه بلفظ لم يخمس الطعام يوم خيبر وحديث القاسم مولى عبد الرحمن سكت عنه أبو داود وقال المنذري أنه تكلم في القاسم غير واحد انتهى وفي إسناده أيضا ابن حرشف وهو مجهول
قوله : " كنا نصيب في مغاز ينا " الخ زاد الإسماعيلي في رواية والفواكه
وفي رواية له بلفظ " كنا نصيب السمن والعسل في المغازي فنأكله " وفي رواية له من وجه آخر " أصبنا طعاما وأعناما يوم اليرموك فلم تقسم " قال في الفتح وهذا الموقوف لا يغاير الأول لاختلاف السياق وللأول حكم الرفع للتصريح يكونه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأما يوم اليرموك فكان بعده فهو موقوف يوافق المرفوع انتهى . ولا يخفى أنه ليس في روايات الحديث تصريح بأنه في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما فيه أن إطلاق المغازي من الصحابى ظاهر في أنها مغازي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس في ذلك من التصريح في شيء
قوله : " ولا نرفعه " أي ولانحمله على سبيل الأدخار ويحتمل أن يريد ولا نحمله إلى متولى أمر الغنيمة أو إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نستأذنه في أكله اكتفاء بما سبق منه من الأذن
قوله : " عبد الله بن المغفل " بالمعجمة والفاء بوزن محمد . " قوله جرابا " بكسر الجيم
قوله : " فالتزمته " في رواية للبخاري فنزوت بالنون والزاي وثبت مسرعا وموضع الحجة من الحديث عدم انكار النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما مع وقوع التبسم منه صلى الله عليه وآله وسلم فإن ذلك يدل على الرضا وقد قدمنا أن أبا داود الطيالسي زاد فيه فقال هو لك وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم عرف شدة حاجته إليه فسوغ له الأستئثار به
وفي الحديث جواز أكل الشحوم التي توجد عند اليهود وكانت محرمة على اليهود وكرهها مالك وروى عنه وعن أحمد تحريمها قوله " الجزر " بفتح الجيم جمع جزور وهي الشاة التي تجزر أي تذبح كذا قيل
وفي غريب الجامع الجزر جمع جزور وهو الواحد من الأبل يقع على الذكر والأنثى
وفي القاموس في مادة جزر ما لفظه والشاة السمينة ثم قال والجزور البعير أو خاص بالناقة المجزورة ثم قال وما يذبح من الشاة انتهى
وقد قيل أن الجزر في الحديث بضم الجيم والزاي جمع جزور وهو ما تقدم تفسيره ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز أخذ الطعام ويقاس عليه العلف للدواب بغير قسمة ولكنه من ذلك على مقدار الكفاية كما في حديث ابن أبي أوفى . وإلى ذلك ذهب الجمهور سواء أذن الإمام أو لم يأذن . والعلة في ذلك أن الطعام يقل في دار الحرب وكذلك العلف فأبيح للضرورة والجمهور أيضا على جواز الأخذ ولو لم تكن ضرورة وقال الزهري لا نأخذ شيئا من الطعام ولا غيره إلا بأذن الإمام
وقال سليمان بن موسى يأخذ إلا إن نهى الإمام وقال ابن المنذر قد وردت الاحاديث الصحيحة في التشديد في الغلول واتفق علماء الأمصار على جواز أكل الطعام وجاء الحديث بنحو ذلك فليقتصر عليه وقال الشافعي ومالك يجوز ذبح الأنعام للأكل كما يجوز أخذ الطعام ولكن قيده الشافعي بالضرورة إلى الأكل حيث لا طعام (8/96)
باب إن الغنم تقسم بخلاف الطعام والعلف (8/96)
1 - عن رجل من الأنصار قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد وأصابوا غنما فانتهبوها فإن قدورنا لتغلى إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي على قوسه فاكفأ قدورنا بقوسه ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال النهبة ليست بأحل من الميتة وإن الميتة ليست بأحل من النهبة "
- رواه أبو داود (8/96)
2 - وعن معاذ قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر فأصبنا فيها غنما فقسم فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طائفة وجعل بقيتها في المغنم "
- رواه أبو داود (8/97)
- الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده موثقون ولكن لفظه بالشك هكذا أن النهبة ليست بأحل من الميته أو أن الميتة ليست بأحل من النهبة قال والشك من هناد وهو ابن السري
وأخرجه أيضا البيهقي . والحديث الثاني سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري وفي إسناده أبو عبد العزيز شيخ من الأردن وهو مجهول ولفظه عن عبد الرحمن بن غنم قال رابطنا مدينة قنسرين مع شرحبيل بن السمط فلما فتحها أصاب فيها غنما وبقرا فقسم فينا طائفة منها وجعل بقيتها في المغنم فلقيت معاذ بن جبل فحدثته فقال معاذ غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث
قوله : " ثم جعل يرمل اللحم بالتراب " أي يضع التراب عليه
قال في القاموس وأرمل الطعام جعل في الرمل والثوب لطخه بالدم انتهى . والحديث الأول ليس فيه دليل على ما ترجم له المصنف من أن الغنم تقسم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما منع من أكلها لأجل النهبى كما وقع التصريح بذلك لا لأجل كونها غنيمة مشتركة لا يجوز الانتفاع بها قبل القسمة نعم الحديث الثاني فيه دليل على أن الإمام يقسم بين المجاهدين من الغنم ونحوها من الأنعام ما يحتاجونه حال قيام الحرب ويترك الباقي في جملة المغنم وهذا مناسب لمذهب الجمهور المتقدم فإنهم يصرحون بأنه يجوز للغانمين أخذ القوت وما يصلح به وكل طعام يعتاد أكله على العموم من غير فرق بين أن يكون حيوانا أو غيره وقد استدل على أن المنع من ذبح الحيوانات المغنومة بغير أذن الإمام بما في الصحيح من حديث رافع بن خديج في ذبحهم الأبل التي أصابوها لأجل الجوع وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم باكفاء القدور قال المهلب إنما أكفأ القدور ليعلم أن الغنيمة إنما يستحقونها بعد القسمة ويمكن أن يحمل ذلك على أنه وقع الذبح في غير الموضع الذي وقع فيه القتال وقد ثبت في هذا الحديث أن القصة وقعت في دار الإسلام لقوله فيها بذي الحليفة وقال القرطبي المأمور بأكفائه إنما هو المرق عقوبة للذين تعجلوا وأما نفس اللحم فلم يتلف بل يحمل على أنه جمع ورد إلى المغانم لأجل النهي عن اضاعة المال (8/97)
باب النهي عن الأنتفاع بما يغنمة الغانم قبل أن يقسم الإحالة الحرب (8/97)
1 - عن رويفع بن ثابت " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبتاع مغنما حتى يقسم ولا يلبس ثوبا من فئ المسلمين حتى إذا أخلقه رده فيه ولا أن يركب دابة من فيء المسلمين حتى إذا أعجفها ردها فيه "
- رواه أحمد وأبو داود (8/98)
2 - وعن ابن مسعود " قال انتهيت إلى أبي جهل يوم بدر وهو صريع وهو يذب الناس عنه بسيف له فجعلت أتناوله بسيف لي غير طائل فأصبت يده فنذر سيفه فأخذته فضربته حتى قتلته ثم أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فنفلني بسلبه "
- رواه أحمد (8/98)
- الحديث الأول في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه غير مرة وأخرجه أيضا الدارمي والطحاوي وابن حبان وحسن الحافظ في التفح إسناده
وقال في بلوغ المرام رجاله ثقات لا بأس بهم . والحديث الثاني أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وهو من رواية أبي عبيدة عن أبيه ولم يسمع منه
وقال مجمع الزوائد أن رجاله رجال الصحيح غير محمد بن وهب بن أبي كريمة وهو ثقة انتهى
وأخرج نحوه أبو داود ولفظه عن أبي عبيده وهو ابن عبد الله ابن مسعود عن أبيه أنه قال " مررت فإذا أبو جهل صريع قد ضربت رجله فقلت يا عدو الله يا أبا جهل قد أخزى الله الآخر قال ولا أهابه عند ذلك فقال أبعد من رجل قتله قومه فضربته بسيف غير طائل فلم يغن شيئا حتى سقط سيفه من يده فضربته حتى برد " وأخرج نحوه النسائي مختصرا وقوله أبعد من رجل الخ قال الخطابي في المعالم هكذا رواه أبو داود وهو غلط وإنما هو أعمد بالميم بعد العين كلمة للعرب معناها هل زاد على رجل قتله قومه يهون على نفسه ما حل بها انتهى . والحديث الأول فيه دليل على أنه لا يحل لأحد من المجاهدين أن يبيع شيئا من الغنيمة قبل قسمتها لأن ذلك من الغلول وقد وردت الأحاديث الصحيحة بالنهي عنه ولا يحل أيضا أن يأخذ ثوبا منها فيلبسه حتى يخلقه ثم يرده أو يركب دابة منها حتى إذا أعجفها ردها لما في ذلك من الأضرار بسائر الغانمين والاستبداد بمالهم فيه يصيب بغير أذن منهم
قال في الفتح وقد اتفقوا على جواز ركوب دوابهم يعني أهل الحرب وليس ثيابهم واستعمال سلاحهم حال الحرب ورد ذلك بعد انقضاء الحرب وشرط الأوزاعي فيه أذن الإمام وعليه أن يرد كلما فرغت حاجته ولا يستعمله في غير الحرب ولا ينتظر برده انقضاء الحرب لئلا يعرضه للهلاك قال وحجته حديث رويفع المذكور ونقل عن أبي يوسف أنه حمله على ما إذا كان الآخذ غير محتاج يتقى به دابته أو ثوبه بخلاف من ليس له ثوب ولا دابة . ووجه استدلال المصنف رحمه الله تعالى بحديث ابن مسعود على ترجمه في الباب أنه وقع من ابن مسعود الضرب بسيف أبي جهل قبل أن يستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك ولم ينكره عليه فدل على جواز استعماله السلاح المغنوم ما دامت الحرب قائمة بغير أذن الإمام وقد تقدم الكلام على قوله فنفلني يسلبه في باب أن السلب للقاتل (8/98)
باب ما يهدى للأمير والعامل أو يؤخذ من مباحات دار الحرب (8/99)
1 - عن أبي حميد الساعدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هدايا العمال غلول "
- رواه أحمد (8/99)
2 - وعن أبي الجويرية قال أصبت جرة حمراء فيها دنانير في إمارة معاوية في أرض الروم قال وعلينا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني سليم يقال له معن بن يزيد فأتيته بها فقسمها بين المسلمين وأعطاني مثل ما أعطى رجلا منهم ثم قال لولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس لأعطيتك قال ثم أخذ يعرض على من نصيبه فأبيت
- رواه أحمد وأبو داود (8/99)
- الحديث الأول أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده إسماعيل بن عباس عن أهل الحجاز وهو ضعيف في الحجازيين ويشهد له ما أخرجه الشيخان وأبو داود من حديث أبي حميد المذكور قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا على الأزد يقال له ابن اللتبية فلما قدم قال هذا لكم مهذا أهدي لي فقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيقول هذا لكم وهذا هدية أهديت لي أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا . الحديث . والحديث الثاني في إسناده عاصم بن كليب قال علي بن المديني لا يحتج به إذا انفرد وقال الإمام أحمد لا بأس بحديثه وقال أبو حاتم الرازي صالح وقال النسائي ثقة واحتج به مسلم وقد أخرجه الطحاوي وصححه من حديث معن بن يزيد المذكور قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا نفل إلا بعد الخمس
قوله : " غلول " بضم المعجمة واللام أي خيانة
قوله : " وعن أبي الجويرية " اسمه حطان بن خفاف قال في الخلاصة وثقه أحمد . قوله " لا نفل إلا بعد الخمس " قد تقدم الكلام على ذلك وقد استدل المصنف بالحديث الأول على أنها لا تحل الهدية للعمال وقد تقدم في الزكاة في باب العاملين عليها حديث بريدة عن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول . وظاهره المنع من الزيادة على المفروض للعامل من غير فرق بين ما كان من الصدقات المأخوذة من أرباب الأموال أو من أربابها على طريق الهدية أو الرشوة . والحديث الثاني بوب عليه أبو داود باب النفل من الذهب والفضة ومن أول مغنم أي هل يجوز أم لا واستدل به المصنف على حكم ما يؤخذ من مباحات دار الحرب وأنها تكون بين الغانمين لا يختص بها (8/100)
باب التشديد في الغلول وتحريق رحل الغال (8/100)
1 - عن أبي هريرة " قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى خيبر ففتح الله علينا فلم نغنم ذهبا ولا ورقا غنمنا المتاع والطعام والثياب ثم انطلقنا إلى الوادي ومع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبد له وهبه له رجل من جذام يسمى رفاعة بن يزيد من بني الضبيب فلما نزلنا الوادي قالم عبد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحل رحله فرمى بسهم فكان فيه حتفه فقلنا هنيئا له الشهادة فقال كلا والذي نفس محمد بيده أن الشملة لتلتهب عليه نارا أخذها من الغنائم يوم خيبر لم تصبها المقاسم قال ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين فقال يا رسول الله أصبت هذا يوم خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شراك من نار أو شرا كان من النار "
- متفق عليه (8/100)
2 - وعن عمر قال " لما كان يوم خيبر أقبل نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالا فلان شهيد وفلان شهيد حتى مروا على رجل فقالوا فلان شهيد فقال صلى الله عليه وآله وسلم كلا أني رأيته في النار في بردة غلها أو عباءة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا ابن الخطاب اذهب فناد في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون قال فخرجت فناديت أنه لا يدخل الجنة إلا المؤمنون "
- رواه أحمد ومسلم (8/101)
3 - وعن عبد الله بن عمر " قال كان على ثقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل يقال له كركرة فمات فقال صلى الله عليه وآله وسلم هو في النار فذهبوا ينظرون إليه فوجدوا عباءة قد غلها "
- رواه أحمد والبخاري (8/101)
- قوله " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هكذا وقع في رواية ثور بن يزيد وقد حكى الدار قطني عن موسى بن هرون أنه قال وهم ثور في هذا الحديث لأن أبا هريرة لم يخرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى النبي وإنما قدم بعد خروجهم وقدم عليهم خيبر بعد أن فتحت قال أبو مسعود ويؤيده حديث عنبسة بن سعيد عن أبي هريرة قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر بعد ما فتتحوها قال ولكن لا يشك أحد أن أبا هريرة حضر قسمة الغنائم الغرض من هذه القصة المذكورة علول الشملة
قال الحافظ وكان محمد بن إسحاق استشعرتموهم ثور بن يزيد في هذه اللفظة فرواه عنه في المغازي بدونها وأخرجه ابن حبان والحاكم وابن منده من طريقه بلفظ " انصرففا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى وادي القري " وروي البيهقي في الدلائل من وجه آخر عن أبي هريرة " قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من خيبر إلى وادي القرى " فلعل هذا أصل الحديث . وحديث قدوم أبي هريرة المدينة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر أخرجه أحمد وابن خزيمة وابن حبان والحاكم من طريق خثيم بن عراكبن مالك عن أبيه عن أبي هريرة قال " قدمت المدينة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر وقد استخلف سباع بن عرفطة فذكر الحديث وفيه فزودنا شيئا حتى أتينا خيبر وقد افتتحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلم المسلمون فأشركونا في سهامهم "
قوله : " غنمنا المتاع والطعام والثياب " رواه البخاري " إنما غنمنا البقر والإبل والمتاع والحوائط " وهذه المذكورة رواية مسلم ورواية الموطأ إلا الأموال والثياب والمتاع
قوله : " عبد له " هو مدعم كما وقع في رواية البخاري بكسر الميم وسكون المهملة وفتح العين المهملة أيضا
قوله : " رفاعة بن زيد " قال الواقدي كان رفاعة وفد على النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ناس من قومه قبل خروجه إلى خيبر فأسلموا وعقد له على قومه
قوله : " من بني الضبيب " بضم الضاد المعجمة ثم موحدتين بينهما تحتية بصيغة التصغير
وفي رواية للبخاري أحد بني الضباب بكسر الضاد المعجمة وموحدتين بينهما ألف بصيغة جمع الضب وهم بطن من جذام
قوله : " يحل رحله " رواية البخاري فبينما مدعم يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاد البيهقي في الرواية المذكورة وقد استقبلتنا يهود بالرمي ولم نكن على تعبية
قوله : " لتلتهب عليه نارا " يحتمل أن يكون ذلك حقيقة بأن تصير الشملة نفسها نارا فيعذب بها ويحتمل أن يكون المراد أنها سبب لعذاب النار وكذا القول في الشراك المذكور
قوله : " فجاء رجل " قال الحافظ لم أقف على اسمه
قوله : " بشراك أو شراكين " الشراك بكسر المعجمة وتخفيف الراء سير النعل على ظهر القدم . قوله " على ثقل " بمثلثة وقاف مفتوحتين العيال وما ثقل حمله من الأمتعة
قوله : " يقال له كركرة " اختلف في ضبطه فذكر عياض أنه يقال بفتح الكافين وبكسرهما وقال النووي إنما اختلف في كافه الأولى وأما الثانية فمكسورة اتفاقا قال عياض هو للأكثر بالفتح في رواية علي وبالكسر في رواية ابن سلام . وعند الأصبلي بالكسر في الأول وقال القابسي لم يكن أسود يمسك دابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند القتال
وروي أبو سعيد النيسابوري في شرف المصطفى أنه كان نوبيا أهداه له هوذة بن علي الحنفي صاحب اليمامة فأعتقهوذكر البلاذري أنه مات في الرق
قوله : " هو في النار " أي يعذب على معصيته أو المراد هو في النار أن لم يعف الله عنه . وظاهر الروايتين أن كركرة المذكور غير مدعم الذي قبله وكلام القاضي عياض يشعر بأن قصتهما متحدة
قال الحافظ والذي يظهر من عدة أوجه تغايرهما قال نعم عند مسلم من حديث عمر ثم ذكر الحديث المذكور في الباب ثم قال فهذا يمكن تفسيره بكركرة بخلاف قصة مدعم فإنها كانت بوادي القرى ومات بسهم وغل شملة والذي أهدى كركرة هوذة والذي أهدى مدعم رفاعة فافترقا ( وأحاديث الباب ) تدل على تحريم الغلول من غيرفرق بين القليل منه والكثير ونقل النووي الإجماع على أنه من الكبائر وقد صرح القرآن والسنة بأن الغال يأتي يوم القيامة والشيء الذي غله معه فقال الله تعالى ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة وثبت في البخاري وغيره من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ألفين أحدكم يوم القيامة على رقبته فرس على رقبته شاة . الحديث وظاهر قوله شراك من نار الخ إن من أعاد إلى الإمام ما غله بعد القسمة لم يسقط عنه الإثم قال الثوري والأوزاعي والليث ومالك يدفع إلى الإمام خمسه ويتصدق بالباقي وكان الشافعي لا يرى ذلك ويقول إن كان ملكه فليس عليه أن يتصدق به وإن كان لم يملكه فليس له الصدقة بمال غيرهقال والواجب أن يدفع إلى الإمام كالأموال الضائعة انتهى
وأما قبل القسمة فقال ابن المنذر أجمعوا أن للغال أن يعيد ما غل قبل القسمة (8/101)
4 - وعن عبد الله بن عمرو قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أصاب غنيمة أمر بلالا فنادى في الناس فيجيؤن بغنائمهم فيخمسه ويقسمه فجاء رجل بعد ذلك بزمام من شعر فقال يا رسول الله هذا فيما كنا أصبنا من الغنيمة فقال أسمعت بلالا نادى ثلاثا قال نعم قال فما منعك أن تجيء به فاعتذر إليه فقال كن أنت تجيء به يوم القيامة فلن أقبله منك "
- رواه أحمد وأبو داود
قال البخاري قد روي في غير حديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغال ولم يأمر بحرق متاعه (8/102)
5 - وعن صالح بن زائدة بن محمد قال " دخلت مع مسلمة أرض الرومفأتى برجل قد غل فسأل سالما عنه فقال سمعت أبي يحدث عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا وجدتم الرجل قد غل فاحرقوا متاعه واضربوه قال فوجد في متاعه مصحفا فسأل سالما عنه فقال وتصدق بثمنه "
- رواه أحمد وأبو داود (8/102)
6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبا بكر وعمر حرقوا متاع الغال وضربوه "
- رواه أبو داود وزاد في رواية ذكرها تعليقا " زمنعوه سهمه " (8/102)
- حديث عبد الله بن عمر سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الحاكم وصححه . وحديث صال بن محمد أخرجه أيضا الترمذي والحاكم والبيهقي قال الترمذي غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وقال سألت محمدا عن هذا الحديث فقال إنما روى هذا صالح بن محمد بن زائدة الذي يقال له أبو واكد الليثي وهو منكر الحديث قال المنذري وصالح بن محمد بن زائدة تكلم فيه غير واحد من الأئمة وقد قيل أنه تفرد به وقال البخاري عامة أصحابنا يحتجون بهذا في الغلول وهو باطل ليس بشيء وقال الدارقطني أنكروا هذا الحديث على صالح بن محمد قال وهذا حديث لم يتابع عليه ولا أصل لهذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والمحفوظ أن سالما أنر بذلك وصحح أبو داود وقفه . ورواه من وجه آخر باللفظ الذي ذكره المصنف وقال هذا أصح : وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وفي إسناده زهير بن محمد وهو الخراساني نزيل مكة وقال البيهقي يقال هو غيره وأنه مجهول وقد رواه أبو داود من وجه آخر عن زهير موقوفا قال في الفتح وهو الراجح
قوله : " ولم يأمر بحرق متاعه " هذا لفظ رواية الترمذي عن البخاري ولفظ البخاري في الجهاد في باب القليل من الغلول ولم يذكر عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه حرق متاعه يعني في حديثه الذي ساقه في ذلك الباب وهو الحديث الذي تقدم في أول هذا الباب ثم قال البخاري وهذا أصح
قال في الفتح أشار إلى تضعيف عبد الله بن عمر في الأمر بحرق رحل الغال والإشارة بقوله هذا إلى الحديث الذي ساقه . والحرق بفتح الحاء المهملة والراء وقد تسكن الراء كما في النهاية مصدر حرق بفتح الحاء المهملة وكسر الراء وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر حديث الإحراق أحمد في رواية وهو قول مكحول والأوزاعي وعن الحسن يحرق متاعه كله إلا الحيوان والمصحف
وقال الطحاوي لو صح الحديث لحتمل أن يكون حين كانت العقوبة بالمال انتهى
وقد قدمنا الكلام على العقوبة بالمال في كتاب الزكاة
وفي حديث عبد الله بن عمرو دليل على أنه لا يقبل الإمام مممن الغال ما جاء به بعد وقوع القسمة ولو كان يسيرا وقد تقدم الخخلاف في ذلك قريبا
قوله : " ومنعوه سهمه " فيه دليل على أنه ييجوز للإمام بعد عقوبة الغال بتحريق متاعه أن يعاقبه عقوبة أخرى بمنعه سهمه من الغنيمة وكذلك يعاقب عقوبة ثالثة بضربه كما وقع في الحديث المذكور (8/103)
باب المن والفداء في حق الأسارى (8/103)
1 - عن أنس " أن ثمانين رجلا من أهل مكة هبطوا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه من حيال التنعيم عند صلاة الفجر ليقتلوهم أخذهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعتقهم فأنزل الله عز و جل وهو . الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة إلى آخر الآية "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي (8/103)
2 - وعن جبير بن مطعم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في اسارى بدر لو كان المطعم بن عدي حيا ثم كلمني في هؤلاء النتني لتركتهم له "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود (8/104)
3 - وعن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيلا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن اثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من سواري المسجد فخرج إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة قال عندي يا محمد خير أن تقتل تقتل ذا دم وأن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان بعد الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك أن تنعم تنعم على شاكر وأن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى كان الغد فقال ما عندك يا ثمامة قال عندي ما قلت لك أن تنعم تنعم على شاكر وأن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اطلقوا ثمامة فأنطلق إلى نخل قريب من المسجد فأغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا محمد والله ما كان على الأرض أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك أحب الوجوه كلها إلي والله ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب الدين كله إلي والله ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلاد كلها إلى وأن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى فبشره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل صبوت فقال لا ولكني أسلمت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا والله لا تأتيكم من يمامة حبة حنطة حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه (8/104)
- قوله " سلما " بفتح السين المهملة واللام عن بعضهم وعن الأكثرين بسكون اللام يعني مع كسر السين والأول أصوب والسلم الأسير لأنه أسلم والسلم الصلح كذا في المشارق
قوله : " لو كان المطعم " الخ إنما قال صلى الله عليه وآله وسلم كذلك لأنها كانت للمطعم عنده يد وهي إنه دخل صلى الله عليه وآله وسلم في جواره لما رجع من الطائف فأراد أن يكافئه بها والمطعم المذكور هو والد جبير الراوي لهذا الحديث والنتني جمع نتن بالنون والتاء المثناة من فوق المراد بهم أسارى بدر وصفهم بالنتن لما هم عليه من الشرك كما وصفوا بالنجس
قوله : " لتركتهم له " يعني بغير فداء وبين السبب في ذلك ابن شاهين بنحو ما قدمنا
وقد ذكر ابن إسحاق القصة في ذلك مبسوطة وكذلك الفاكهي بإسناد حسن مرسل وفيه أن المطعم أمر أولاده الأربعة فلبسوا السلاح وقام كل واحد منهم عند ركن من الكعبة فبلغ ذلك قريشا فقالوا له أنت الرجل لا تخفر ذمتك وقيل أن اليد التي كانت له أنه كان من أشد من سعى في نقض الصحيفة التي كتبتها قريش في قطيعة بني هاشم ومن معهم من المسلمين حين حصروهم في الشعب
قوله : " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيلا " الخ زعم سيف في كتاب الرده له أن الذي أخذ ثمامة وأسره هو العباس بن عبد المطلب قال في الفتح وفيه نظر لأن العباس إنما قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في زمان فتح مكة وقصة ثمامة تقتضي أنها كانت قبل ذلك بحيث اعتمر ثمامة ثم رجع إلى بلاده ثم منعهم أن يميروا أهل مكة ثم شكا أهل مكة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك قم بعث يشفع فيهم عند ثمامة
قوله : " من بني حنيفة " هو ابن لجيم بجيم ابن صهيد بن علي بن بكر بن وائل وهي قبيلة كبيرة مشهورة ينزلون اليمامة بين مكة واليمن
قوله : " ثمامة " بضم المثلثة وأثاله بضم الهمزة وبمثلثة خفيفة وهو ابن النعمان ابن مسيلمة الحنفي وهو من فضلاء الصحابة
قوله : " ماذا عندك " أي أي شيء عندك ويحتمل أن تكون ما استفهامية وذا موصولة وعندك صلة أي ما الذي استقر في ظنك أن أفعله بك فأجابه بأنه ظن خيرا فقال عندي يا محمد خير أي لأنك لست ممن يظلم بل ممن يعفو ويحسن
قوله : " تقتل ذا دم " بمهملة وتخفيف الميم للأكثر وللكشميهني ذم بمعجمة بعدها ميم مشددة
قال النووي معنى رواية الأكثر أن تقتل تقتل ذا دم بمهملة أي صاحب دم لدمه موقع يستشفي قتله بقتله ويدرك ثأره لرياسته وعظمته ويؤتمل أن يكون المعنى عليه دم وهو مطلوب به فلا لوم عليك في قتله وأما الرواية بالمعجمة فمعناها ذا ذمة وثبت ذلك في رواية أبو داود وضعفها عياض لأنه ينقلب المعنى لأنه إذا كان ذا ذمة يمتنع قتله وقال النووي يمكن تصحيحها بأن يحمل على الوجه الأول والمراد بالذمة الحرمة في قومه . وأوجه الجميع الثاني لأنه مشاكل لقوله بعد ذلك وإن تنعم تنعم على شاكر وجميع ذلك تفصيل لقوله عندي خير وفعل الشرط إذا كرر في الجزاء دل على فخامة الأمر قوله " قال عندي ما قلت لك أن تنعم " الخ قدم في اليوم الأول القتل وفي اليومين الآخرين الأنعام وفي ذلك نكتة وهي أنه قدم أول يوم أشق الأمرين عليه وأشفاهما لصبر خصومه وهو القتل فلما لم يقع قدم الأنعام استعطافا وكأنه رأى في اليوم الأول إمارات الغضب دون اليومين الآخرين
قوله : " اطلقوا ثمامة " في رواية ابن إسحاق قال قد عفوت عنك يا ثمامة وأعتقتك وزاد أيضا أنه لما كان في الأسر جمعوا ما كان في أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طعام ولبن فلم يقع ذلك من ثمامة موقعه فلما أسلم جاؤا بالطعام فلم يصب منه إلا قليلا فتعجبوا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الكافر يأكل في سبعة أمعاء وإن المسلم يأكل في معي واحد " قوله " فبشره " أي بخير الدنيا واللآخرة أو بشهر بالجنة أو بمحو ذنوبه وتبعاته السابقة
قوله : " صبوت " هذا اللفظ كانوا يطلقونه على من أسلم وأصله يقال لمن دخل في دين الصابئة وهم فرقة معروفة
قوله " لا ولكن أسلمت " الخ كأنه قال لا ما خرجت من الدين لأن عبادة الأوثان ليست دينا فإذا تركتها أكون قد خرجت من دين بل استحدثت دين الإسلام . وقوله " مع محمد " أي وافقته على دينه فصرنا متصاحبين في الإسلام
وفي رواية ابن هشام ولكني تبعت خير الدين دين محمد
قوله : " ولا والله فيه حذف تقديره والله لا أرجع إلى دينكم ولا أرفق بكم فأترك الميرة تأتيكم من اليمامة قوله " حتى يأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " زاد ابن هشام ثم خرج إلى اليمامة فمنعهم أن يحملوا إلى مكة شيئا فكتبوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنك تأمر بصلة الرحم فكتب إلى ثمامة أن يخلي فيما بينهم وبين الحمل إليهم وفي هذه القصة من الفوائد ربط الكافر في المسجد والمن على الأسير الكافر وتعظيم أمر العفو عن المسئ لأن ثمامة أقسم أن بغضة القلب انقلبت حبا في ساعة واحدة لما أسداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه من العفو والمن بغير مقابل وفيه الأغتسال عند الإسلام وإن الإحسان يزيل البغض ويثبت الحب وإن الكافر إذا أراد عمل خير ثم أسلم له أن يستمر في عمل ذلك الخير وفيه الملاطفة لمن يرجى إسلامه من الأسارى إن كان في ذلك مصلحة للإسلام ولا سيما من يتبعه على إسلامه العدد الكثير من قومه وفيه بعث السرايا إلى بلاد الكفار وأسر من وجد منهم والتخيير بعد ذلك في قتله والإبقاء عليه (8/104)
4 - وعن ابن عباس قال " لما أسروا الأسارى يعني يوم بدر قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر ما ترون في هؤلاء الأسارى فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العم والعشيرة أرى أن تأخذ منهم فدية فتكون لناقوة على الكفار وعسى الله أن يهديهم للإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما ترى يا ابن الخطاب فقال والله ما أرى الذى رأى أبو بكر ولكني أرى تمكننا فضرب أعناقهم فتمكن عليا من عقيل فيضرب عنقه وتمكني من فلان نسبيا لعمر فاضرب عنقه ومكن فلانا من فلان قرابته فإن هؤلاء أئمة الكفر وصناديقها فهوى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما قال أبو بكر ولم يهو ما قلت فلما كان من الغد جئت فإذا صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر قاعدين يبكيان قلت يا رسول الله أخبرني من أي شيء تبكي أنت وصاحبك فإن وجدت بكاء بكيت وإن لم أجد بكاء تباكيت لبكائكما فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبكي للذي عرض علي أصحابك من أخذهم الفداء لقد عرض على عذابهم أدنى من هذه الشجرة شجرة قريبة منه وأنزل الله عز و جل ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا فأحل الله الغنيمة لهم "
- رواه أحمد مسلم (8/105)
5 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل فداء أهل الجاهلية يوم بدر أربعمائة "
- رواه أبو داود (8/105)
6 - وعن عائشة قالت " لما بعث أهل مكة في فداء أسراهم بعثت زينب في فداء أبي العاص بمال وبعثت فيه بقلادة كانت لها عند خديجة أدخلتها بها على أبي العاص قالت فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رق لها رقة شديدة فقال إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا لها قالوا نعم "
- رواه أحمد وأبو داود (8/105)
7 - وعن عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدي رجلين من المسلمين برجل من المشركين من بني عقيل "
- رواه أحمد والترمذي وصححه ولم يقل فيه من بني عقيل (8/106)
8 - وعن ابن عباس " قال كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فداءهم ان يعلموا أولاد الأنصار الكتابة قال فجاء يوما غلام يبكي إلى أبيه فقال ما شأنك قال ضربني معلمي قال الخبيث يطلب بذحل بدر والله لا تأتيه أبدا "
- رواه أحمد (8/106)
- حديث عباس الثاني أخرجه أيضا النسائي والحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات إلا أبا العنبس وهو مقبول . وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده محمد بن إسحاق . وحديث عمران بن حصين أخرجه أيضا مسلم مطولا كما سيأتي وأخرجه ابن حبان مختصرا وحديث ابن عباس الثالث في إسناده علي بن عاصم وهو كثير الغلط والخطأ وقد وثقه أحمد
وفي الباب عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه عند الترمذي أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أن جبريل هبط فقال خيرهم يعني أصحابك في أساري بدر القتل أو الفداء على أن يقتل منهم قابل مثلهم قالوا الفداء ويقتل منا قال الترمذي
وفي الباب عن ابن مسعود وأنس وابن برزة الأسلمي وجبير بن مطعم قال هذا يعني حديث على حديث حسنغريب من حديث الثوري لا نعرفه إلا من حديث ابن أبي زائدة . ورواه أبو أسامة عن هشام عن ابن سيرين عن عبيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه وروى ابن عون عن ابن سيرين عن عبيدة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه مرسلا
وأخرج أبو داود والنسائي والحاكم من حديث أنس صلى الله عليه وآله وسلم استشار الناس في أساري بدر فقال أبو بكر أرى أن تعفو عنهم وتقبل منهم الفداء وأخرج البخاري عن أنس " أن رجالا من الأنصار استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا أتأذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما " وأخرج البيهقي من حديث ابن عباس أنه قال في قوله تعالى { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض } إن ذلك كان يوم بدر والمسلمون كانوا في قلة فلما كثروا واشتد سلطانهم أنزل الله تعالى { فأما منا بعد وأما فداء } فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المؤمنين بالخيار فيهم إن شاؤا قتلوهم وإن شاؤا استعبدوهم وإن شاؤا فادوهم وفي إسناده علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وهو لم يسمع منه لكنه إنما أخذ التفسير عن ثقات أصحابه كمجاهد وغيره وقد اعتمدهما البخاري وأبو حاتم وغيرهما في التفسير
وأخرج أبو داود عن ابن عباس من وجه آخر قال حدثني عمر بن الخطاب : قال لما كان يوم بدر فأخذ يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم الفداء أنزل الله تعالى ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض إلى قوله عذاب أليم ثم أحل لهم الغنائم
قوله : " لما أسروا الأسارى " قد ساق ابن إسحاق في المغازي تفصيل أمر فداء الأسارى فذكر ما يشفي ويكفي
قوله : " قاعدين يبكيان " إنما وقع البماء منه صلى الله عليه وآله وسلم ومن أبى بكر لما أنزل الله من المعاتبة ولما وقع من عرض العذاب على الذين أخذوا الفداء كما في الحديث المذكور
قوله : " من بني عقيل " بضم العين المهملة كذا في المشارق
قوله : " بذحل " بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة قال في مختصر النهاية الذحل الوتر وطلب المكافأة بجناية جنت عليه
وقال في القاموس الذحل الثأر أو طلب مكافأة بجناية جنت عليك أو عداوة أتت إليك أو العداوة والحقد الجمع إذحال وذحول
وقد استدل المصنف بالأحاديث التي ذكرها على ما ترجم به من المن والفداء في حق الأسارى ومذهب الجمهور أن الأمر في الأسارى الكفرة من الرجال إلى الإمام بفعل ما هو الأحظ للإسلام والمسلمين
وقال الزهري ومجاهد وطائفة لا يجوز أخذ الفداء من أسرى الكفار أصلا وعن الحسن وعطاء لا تقتل الأسرى بل يتخير بين المن والفداء وعن مالك لا يجوز المن بغير فداء وعن الحنفية لا يجوز المن أصلا لا بفداء ولا بغيره قال الطحاوي وظاهر الآية يعني قوله تعالى { فأما منا بعد مأما فداء } حجة للجمهور وكذا حديث أبي هريرة في قصة ثمامة المذكور في أول الباب وقال أبو بكر الرازي احتج أصحابنا لكراهة فداء المشركين بالمال بقوله تعالى { لولا كتاب من الله سبق } الآية ولا حجة لهم في ذلك لأنه كان قبل حل الغنيمة كما قدمنا عن ابن عباس والحاصل أن القرآن والسنة قاضيان بما ذهب إليه الجمهور فإنه قد وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم المن وأخذ الفداء كما في أحاديث الباب ووقع منه القتل فإنه قتل النضر بن الحرث وعقبة بن أبي معيط وغيرهما ووقع منه فداء رجلين من المسلمين برجل من المشركين كما في حديث عمران بن حصين قال الترمذي بعد أن ساق حديث عمران بن حصين المذكور والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن للإمام أن بمن على من شاء من الأسارى ويقتل من شاء منهم ويفدي من شاء واختار بعض أهل العلم القتل على الفداء قال قال الأوزاعي بلغني أن هذه الآية منسوخة يعني قوله ( فأما منا بعد مإما فداء ) نسخها قوله ( واقتلوهم حيث ثقفتموهم ) حدثنا بذلك هناد اخبرنا ابن المبارك عن الأوزاعي قال إسحاق بن منصور قلت لأحمد إذا أسر الأسير يقتل أو يفادي أحب إليك قال أن قدر أن يفادي فليس به بأس وإن قتل فما أعلم به بأسا قال إسحاق بن إبراهيم الأثخان أحب إلي إلا أن يكون معروفا طمع به الكثير انتهى
وقد ذهب إلى جواز فك الأسير من الكفار بالأسير من المسلمين جمهور أهل العلم لحديث عمران بن حصين المذكور (8/106)
باب أن الأسير إذا أسلم لم يزل ملك المسلمين عنه (8/107)
1 - عن عمران بن حصين " قالت كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من بني عقيل وأصابوا معه الغضباء فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في الوثاق فقال يا محمد فأتاه فقال ما شأنكفقال بما أخذتني وأخذت سابقة الحاج يعني الغضباء فقال أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف ثم انصرف فناداه فقال يا محمد يامحمد فقال ما شأنك قال إني مسلم قال لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح ثم انصرف فناداه يا محمد يا محمد فأتاه فقال ما شأنك فقال إني جائع فأطعمني وظمآن فاسقني قال هذه حاجتك ففدي بعد بالرجلين "
- رواه أحمد ومسلم (8/107)
- قوله " لبني عقيل " بضم العين المهملة كما تقدم
قوله : " العضباء " بفتح المهملة وسكون الضاد المعجمة ثم باء موحدة وقد تقدم الكلام في ضبطها في كتاب الحج
قوله : " بجريرة حلفائك " الجريرة الجناية
قال في النهاية ومعنى ذلك أن ثقيفا لما نقضوا اللوادعة التي بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينكر عليهم بنو عقيل صاروا مثلهم في نقض العهد ( وفي حديث ) دليل على ما ترجم المصنف الباب به من أنه لا يزول ملك المسلمين عن الأسير بمجرد إسلامه لأن هذا الرجل أخبر بأنه مسلم وهو في الأسر فلم يقبل منه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يفكه من أسره ولم يخرج بذلك عن ملك من أسره
وفيه أيضا دليل على أن للإمام أن يمتنع من قبول غإسلام من عرف منه أنه لم يرغب في الإسلام وإنما دعته إلى ذلك الضرورة ولا سيما إذا كان في عدم القبول مصلحة للمسلمين فإن هذا الرجل استنقذ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجلين مسلمين من أسر الكفار ولو قبل منه الإسلام لم يحصل ذلك ويمكن أن يقال أن معنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح " أي لو قلت كلمة الإسلام أو هذه الكلمة التي أخبرت بها عن الإسلام قبل أن يقع عليك الأسر لكنت آمنا ولم يجر عليك ما جرى من الأسر وأخذ المال ولم يرد بذلك رد إسلامه بل قبله منه ولكنه لم يحصل بإسلامه الفكاك من الأسر وإرجاع ما أخذ من ماله فلم يحصل له كل الفلاح لأنه لم يعامل في تلك الحال معاملة المسلمين بل عومل معاملة الكفار فبقي في وثاقه وتحت ملك من أسره وعلى هذا يكون في الحديث دليل على ما أراد المصنف لأن الرجل صار مسلما ولم يزل عنه ملك المسلمين وأما على تقدير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقبل منه الإسلام من الأصل فلا يكون فيه دليل على ذلك لأن الرجل باق على كفره ( وفي الحديث ) مشروعية إجارة الأسير إذا دعا وإذا كرر ذلك مرات والقيام إلى ما يحتاج إليه من طعام وشراب . ومعنى قوله " هذه حاجتك " أي حاضرة يؤتى إليك الساعة (8/107)
باب الأسير يدعي الإسلام قبل الأسر وله شاهد (8/108)
1 - عن ابن مسعود قال " لما كان يوم بدر وجيء بالأسرى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينفلتن منهم أحدا إلا بفداء أو ضرب عنق قال عبد الله بن مسعود فقلت يا رسول الله إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام قال فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما رأيتنا في يوم أخوف أن يقع علي حجارة من السماء مني في ذلك اليوم حتى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا سهيل بن بيضاء قال ونزل القرآن { ما كان لنبي أن يكون له أسرى } إلى آخر الآيات "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن (8/108)
- الحديث من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه وقد قدمنا أنه لم يسمع منه
قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث هذا حديث حسن وأبو عبيدة لم يسمع من أبيه
قوله : " لا ينفلتن " أي لا يخرج من الأسر أحد إلا بأح الأمرين إما الفداء أو القتل زفيه متمسك لمن قال إنه لا يجوز المن بغير فداء وهو مالك كما سلف ولكن غاية ما فيه أنه يدل بمفهوم الحصر على عدم جواز ذلك وقوله تعالى { فأما منا بعد وأما فداء } يدل بمنطوقه على الجواز ويؤيده ما تقدم من منه صلى الله عليه وآله وسلم على ثمامة بن أثال وعلى الثمانين الرجل الذين هبطوا عليه من جبال التنعيم كما سلف وعلى أهل مكة حيث قال لهم اذهبوا فأنتم الطلقاء قوله " ونزل القرآن ما كان لنبي " الخ لفظ الترمذي " ونزل القرآن بقول عمر ما كان لنبي " الخ . ( والحديث ) يدل على ما ترجم به المصنف الباب من أنه يجوز فك الأسير من الأسر بغير فداء إذا إدعى الإسلام قبل الأسر ثم شهد له بذلك شاهد وكذلك إذا لك تقع منه دعوى وشهد له شاهد أنه كان قد أسلم قبل الأسر كما وقع في حديث الباب فإنه لم يذكر فيه أن سهيل بن بيضاء إدعى الإسلام أولا ثم شهد له بعد ذلك ابن مسعود بل ليس فيه إلا مجرد صدور الشهادة من ابن مسعود بذكره الإسلام قبل الأسر (8/108)
باب جواز استرقاق العرب (8/109)
1 - عن أبي هريرة قال " لا أزال أحب بني تميم بعد ثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيهم سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هم أشد أمتي على الدجال قال وجاءت صدقاتهن فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه صدقات قومنا قال وكان سبية منهم عند عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل "
- متفق عليه (8/109)
2 - وفي رواية " ثلاث خصال سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بني تميم لا أزال أحبهم بعده كان على عائشة محرر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتقي من هؤلاء وجاءت صدقاتهم فقال هذه صدقات قومي قال وهم أشد الناس قتالا في الملاحم "
- رواه مسلم (8/109)
3 - وعن مروان بن الحكم وعن مسور بن مخرمة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحب الحديث إلى أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بكم وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انتظرهم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم هؤلاء قد جاؤنا تائبين وإني رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله لهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى ترفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا فهذا الذي بلغنا عن سبي هوازن "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود (8/110)
4 - وعن عائشة قالت " لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في السبي لثابت بن قيس بن شماس أو لابن عم له فكاتبته عن نفسها وكانت امرأة حلوة ملاحة فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إني جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه وقد أصابني من البلاء ما لم يخف عليك فجئتك أستعينك على كتابتي قال فهل لك من خير من ذلك قالت وما هو يا رسول الله قال أقضي كتابتك وأتزوجك قالت نعم يا رسول الله قال قد فعلت قال وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج جويرية بنت الحارث فقال الناس أصهار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسلوا ما بأيديهم قالت فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق فما أعلم امرأة كانت أعظم بركة على قومها منها "
- رواه أحمد واحتج به في رواية محمد بن الحكم وقال لا أذهب إلى قول عمر ليس على عربي ملك قدسي النبي صلى الله عليه وآله وسلم العرب في غير حديث وأبو بكر على حين سبى بني ناجية (8/110)
- حديث عائشة في قصة بني المصطلق أخرجه أيضا الحاكم وأبو داود والبيهقي وأصله في الصحيحين من حديث ابن عمر كما تقدم في باب الدعوة قبل القتالز قوله " أحب بني تميم " هم القبيلة الشهيرة ينسبون إلى تميم بن مر بضم الميم بلا هاء ابن أد بضم أوله وتشديد الدال المهملة ابن طابخة بموحدة مكسورة ومعجمة بن الياس بن مضر
قوله : " بعد ثلاث " زاد أحمد من وجه آخر عن أبي زرعة عن أي هريرة " وما كان قوم من الأحياء أبغض إلي منهم فأحببتهم " انتهى وإنما كان يبغضهم لما كان بينهم وبين قومه في الجاهلية من العداوة
قوله : " هم أشد أمتي على الدجال " في الرواية الثانية " وهم أشد الناس قتالا في الملاحم " وهي أعم من الرواية الأولى ويمكن أن يحمل العام هنا على الخاص فيكون المراد هنا بالملاحم أكثرها وهي قتال الدجال ليدخل غيره بطريق الأولى
قوله : " هذه صدقات قومي " وأما نسبهم إليه لاجتماع نسبه بنسبهم في الياس بن مضر قال وكانت سبية منهم أي من تميم وهي بوزن فعيلة مفتوح الأول من السبي أو السباء في رواية الإسماعيلي نسمة بفتح النون المهملة أي نفس
قوله : " محرر " بمهملات اسم مفعول وقد بين ذلك الطبراني أن الذي كان على عائشة نذر ولفظه " نذرت عائشة أن تعتق محررا من بني إسماعيل " وله في الكبير " أن عائشة قالت يا نبي الله إني نذرت عتيقا من ولد إسماعيل فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصبري حتى يجيء فيء بني العنبر غدا فجاء فيء بني العنبر فقال خذي منهم أربعة " الحديث قوله " وقد كنت استأنيت بكم " أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم وكان صلى الله عليه وآله وسلم قد ترك السبي بغير قسمة وتوجه غبى الطائف فحاصرها ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك فجاءه وفد هوازن بعد ذلك فبين لهم أنه انتظرهم وقوله " بضع عشر ليلة " بيان لمدة الانتظار
قوله : " قفل " بفتح القاف والفاء أي رجع وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم الزبر قال السعدي فقال يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فأمنن علينا من الله عليك
قوله : " أن يطيب " بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطي ذلك طيبة من نفسه من غير عوض
قوله : " على حظه " أي يرد السيب بشرط أن يعطى عوضه
قوله : " يفيء الله علينا " بضم أوله ثم فاء مكسورة وهمزة بعد التحتانية الساكنة أي يرجع إلينا من مال الكفار من خراج أو غنيمة أو غير ذلك ولم يرد الفيء الإصلاحي وحده
قوله : " عرفاؤكم " بضم العين المهملة جمع عريف بوزن عظيم وهو القائم بأمر طائفة من الناس من عرفت بالضم وبالفتح على القوم عرافة فإنا عارف وعريف وليت أمر سياستهم وحفظ أمورهم وسمي بذلك لكونه يتعرف أمورهم
قوله : " فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا " نسبة التطييب والإذن إلى الجميع حقيقة لكن سبب ذلك مختلف فالأغلب الأكثر منهم طابت أنفسهم أن يردوا السبي لأهله بغير عوض وبعضهم رده بشرط التعويض ومعنى طيبوا حملوا أنفسهم على ترك السبايا حتى طابت بذلك يقال طيبت نفسي بكذا إذا حملتها على السماح به من غير إكراه فطابت بذلك ويقال طيبت نفس فلان إذا كلمته بما يوافقه وإنما قلنا أن بعضهم رده بشرط العوض مع أن ظاهر الحديث يدل على أنه لم يشترط العوض أحدا منهم لما في رواية موسى بن عقبة بلفظ " فأعطى الناس ما بأيديهم إلا قليلا من الناس سألوا الفداء " وفي رواية عمرو بن شعيب " فقال المهاجرون ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقالت الأنصار كذلك وقال الأقرع بن حابس أما أنا وبنو تميم فلا وقال عيينة أما أنا وبنو فزارة فلا وقال العباس ابن مرداس أما أنا وبنو سليم فلا فقالت بنو سليم بلى ما كان لنا فهو لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من تمسك منكم بحقح فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم "
قال ابن بطال في الحديث مشروعية إقامة العرفاء لأن الإمام لا يمكنه أن يباشر جميع الأمور بنفسه فيحتاج إلى إقامة من يعاونه ليكفيه ما يقيمه فيه قال والأمر والنهي إذا توجه إلى الجميع يقع التواكل فيه من بعضهم فربما وقع التفريط فإذا أقام على كل قوم عريفا لم يسع كل أحد إلا الإنقياد بما أمر به وفيه أن الخبر الوارد في ذم العرفاء لا يمنع إقامة العرفاء لأنه محمول إن ثبت على أن الغالب على العرفاء الاستطالة ومجاوزة الحد وترك الإنصاف المفضي إلى الوقوع في المعصية والحديث في ذم العرفاء أخرجه أبو داود من طريق المقدام بن معد يكرب رفعه " العرافة حق ولابد للناس من عريف والعرفاء في النار " ولأحمد وصححه ابن خزيمة من طريق عباد بن علي عن أبي حازم عن أبي هريرة رفعه " ويل للأمراء ويل للعرفاء " قال الطيبي قوله والعرفاء في النار ظاهر أقيم مقام الضمير يشعر أن العرافة على خطر ومن باشرها غير آمن الوقوع في المحظور المفضي إلى العذاب فهو كقوله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونه نارا } . فينبغي للقاقل أن يكون على حذر منها لئلا يتورط فيما يؤديه إلى النار
قال الحافظ ويؤيد هذا التأويل الحديث الآخر حيث توعد الأمراء بما توعد به العرفاء فدل على أن المراد بذلك الإشارة إلى أن كل من يدخل في ذلك لا يسلم فإن الكل على خطر والاستثناء مقدر في الجميع . ومعنى العرافة حق أن أصل نصبهم حق فإن المصلحة مقتضية لما يحتاج إليه الأمير من المعاونة على ما لا يتعاطاه بنفسه ويكفي في الاستدلال بذلك وجودهم في العهد النبوي كما دل عليه حديث الباب
قوله
قوله : " بني الكصطلق " قد تقدم ضبطه وتفسيره في باب الدعوة قبل القتال
قوله : " وقعت جويرية " بالجيم مصغرا بنت الحارث بن أبي ضرار بن الحرث بن مالك بن المصطلق وكان أبوها سيد قومه وقد أسلم بعد ذلك
قوله : " ملاحة " بضم الميم وتشديد اللام بعدها حاء مهملة أي مليحة وقيل شديدة الملاحة وجمعه ملاح وإملاح وملاحون بتخفيف اللام وملاحون بتشديدها ذكر معنى ذلك في القاموس
وقد استدل المصنف رحمه الله تعلى بأحاديث الباب على جواز استرقاق العرب وإلى ذلك ذهب الجمهور كما حكاه الحافظ فيكتاب العتق من فتح الباري . وحكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة أنه لا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف واستدل له بقوله تعالى { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين } الآية قال والمراد مشركوا العرب إجماعا إذا كان العهد لهم يومئذ دون العجم اه . ثم قال في موضع آخر من البحر فأما الاسترقاق وإن كان عربيا غير كتابي لم يجز الشافعي يجوز لنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان الاسترقاق ثابتا على العرب الخبر اه . وهو يشير إلى حديث معاذ الذي أخرجه الشافعي والبيهقي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم حنين لو كان الاسترقاق جائزا على العرب لكان اليوم إنما هو أسرى وفي إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا ورواه الطبراني من طريق أخرى فيها يزيد ابن عياض وهو أشد ضعفا من الواقدي ومثل هذا لا تقوم به حجة
وظاهر الآية عدم الفرق بين العربي والعجمي وقد خصت الهادوية عدم جواز الاسترقاق بذكور العرب دون إناثهم ومن أدلتهم على عدم جواز استرقاق الذكور من العرب أنه لو ثبت الاسترقاق لهم لوقع ولم يرد في وقوعه شيء على كثرة اسر العرب في زمانه صلى الله عليه وآله وسلم فإن المكروه أيضا لابد أن يقع ولو لبيان الجواز ولا يجوز أن يخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتبليغ حكم الله
قال في المنار مستدلا على ما ذهب إليه الجمهور وقد استفتحت الصحابة أرض الشام وهم عرب وكذلك في أطراف بلاد العرب المتصلة بالعجم ولم يفتشوا العربي من العجمي والكتابي من الأمي بل سووا بينهم لم يرو عن أحد خلاف ذلك ثم ذكر قول أحمد ابن حنبل الذي ذكره المصنف ( والحاصل ) أنه قد ثبت في جنس أساري الكفار جواز القتل والمن والفداء والاسترقاق فمن ادعى أن بعض هذه الأمور تختص ببعض الكفار دون بعض لم يقبل منه ذلك إلا بدليل ناهض يخصص العمومات والمجوز قائم في مقام المنع وقول علي وفعله عند بعض المانعين من استرقاق ذكور العرب حجة وقد اسيرق بني ناجية ذكورهم وإناثهم وباعهم كما هو مشهور في كتب السير والتواريخ وبنو ناجية من قريش فكيف ساغت لهم مخالفته (8/110)
باب قتل الجاسوس إذا كان مستأمنا أو ذميا (8/111)
1 - عن سلمة بن الأكوع قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عيين وهو في سفر فجلس عند بعض أصحابه يتحدث ثم انسل فقال ثم انسل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلبوه فاقتلوه فسبقتهم إليه فقتلته فنفلني سلبه "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود (8/111)
2 - وعن فرات بن أبي حيان " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتله وكان ذميا وكان عينا لأبي سفيان وحليفا لرجل من الأنصار فمر بحلقة منالأنصار فقال إني مسلم فقال رجل من الأنصار يا رسول الله إنه يقول أنه مسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن منكم رجالا نكلهم إلي وإيمانهم منهم فرات بن حيان "
- رواه أحمد وأبو داود وترجمه بحكم الجاسوس الذمي (8/111)
3 - وعن علي رضي الله عنه " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا والزبير والمقداد بن الأسود قال انطلقوا حتى تأتواروضة خاخ فإن بها ظعينة ومعها كتاب فخذوه منها فانطلقنا تتعادى بنا خيلنا حتى انتهينا إلى الروضة فإذا نحن بالظعينة فقلنا أخرجي الكتاب فقالت ما معي من كتاب فقلنا اتخرجن الكتاب أو لنلقين الثياب فأخرجته من عقاصها فأتينا به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإذا فيه من حاطب بن أبي بلتعة إلى ناس من المشركين من أهل مكة يخبرهم ببعض أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا حاطب ما هذا قال يا رسول الله لا تعجل علي إني كنت امرأ ملصقا في قريش ولم أكن من أنفسها وكان من معك من المهاجرين لهم قرابات بمكة يحمون بها أهليهم وأموالهم فأحببت إذ فاتني ذلك من النسب فيهم أن اتخذ عندهم يدا يحمون بها قرابتي وما فعلت ذلك كفرا ولا ارتدادا ولا رضا بالكفر بعد الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد صدقكم فقال عمر يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم "
- متفق عليه (8/112)
- حديث فرات بن حيان في إسناده أبو همام الدلال محمد بن محبب ولا يحتج بحديثه وهو يرويه عن سفيان الثوري ولكنه قد روى الحديث المذكور عن سفيان بشر بن السري البصري وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج بحديثه . ورواه عن الثوري أيضا عباد بن موسى الأزرق العباداني وكان ثقة
قوله : " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عين " في رواية لمسلم أن ذلك كان في غزوة هوازن وسمي الجاسوس عينا لأن عمله بعينه أو لشدة اهتمامه بالرؤية واستغراقه فيها كأن جميع بدنه صار عينا
قوله : " فنفلني " في رواية البخاري فنفله بالالتفات من ضمير المتكلم إلى الغيبة . وسبب قتله أنه أطلع على عورة المسلمين كما وقع عند مسلم من رواية عكرمة بلفظ فقيد الجمل ثم تقدم يتغذى مع القوم وجعل ينظر وفينا ضعفة ورقة في الظهر إذ خرج يشتد
وفي الحديث دليل على أنه يجوز قتل الجاسوس قال النووي فيه قتل الجاسوس الحربي الكافر وهو باتفاق وأما المعاهد والذمي فقال مالك والأوزاعي ينتقض عهده بذلك وعند الشافعية خلاف أما لو شرط عليه ذلك في عهده فينتقض اتفاقا . وحديث فرات المذكور في الباب يدل على جواز قتل الجاسوس الذمي وذهبت الهادوية إلى أنه يقتل جاسوس الكفار والبغاة إذا كان قد قتل أو أو حصل القتل بسببه وكانت الحرب قائمة وإذا اختل شيء من ذلك حبس فقط
قوله : " وعن فرات " بضم الفاء وراء مهملة وبعد الألف تاء مثناة فوقية وهو عجلي سكن الكوفة وهاجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يزل يغزو معه إلى أن قبض فنزل الكوفة
قوله : " روضة خاخ " بخائين معجمتين منقوطتين من فوق
قوله : " ظعينة " بالظاء المعجمة بعدها عين مهملة وهي المرأة
قوله : " من عقاصها " جمع عقيصة وهي الظفيرة من شعر الرأس وتجمع أيضا على عقص
قوله : " من حاطب " بحاء مهملة وبلتعة بفتح الموحدة وسكون اللام وفتح اتاء المثناة من فوق بعدها عين مهملة
قوله : " أنه قد شهد بدرا " ظاهر هذا أن العلة في ترك قتله كونه ممن شهد بدرا وأولا ذلك لكان مستحقا للقتل ففيه متمسك لمن قال أنه يقتل الجاسوس ولو كان من المسلمين وقد روى ابن إسحاق عن محمد بن جعفر بن الزبير عن عروة قال لما أجمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسير إلى مكة كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم ثم أعطاه امرأة من مزينة وذكر ابن إسحاق أن اسمها سارة وذكر الواقدي أن اسمها كنود وفي رواية له أخرى سارة وفي أخرى له أيضا أم سارة . وذكر الواقدي أن حاطبا جعل لها عشرة دنانير على ذلك وقيل دينارا واحدا
وقيل أنها كانت مولاة العباس قال السهيلي كان حاطب حليفا لعبد الله بن حميد بن زهير بن أسد بن عبد العزيواسم أبي بلتعة عمرو وقيل كان أيضا حليفا لقريش وذكر يحيى بن سلام في تفسيره أن لفظ الكتاب أما بعد يا معشر قريش فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاءكم بجيش كالليل يسير كالسيل فوالله لو جاءكم وحده لنصره الله وأنجز له وعده فانظروا لأنفسكم والسلام . كذا حكاه السهيلي وروى الواقدي بسند له مرسل إن حاطبا كتب إلى سهيل بن عمرو وصفوان بن أمية وعكرمة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في الناس بالغزو ولا أراه يريد غيركم وقد أحببت أن تكون لي عندكم يد
قوله " وما يدريك لعل الله " الخ هذه بشارة عظيمة لأهل بدر رضوان الله عليهم لم تقع لغيرهم والترجي المذكور قد صرح العلماء بأنه في كلام الله وكلام رسوله للوقوع وقد وقع عند أحمد وأبي داود وابن أبي شيبة من حديث أبي هريرة بالجزم ولفظه أن الله أطلع على أهل بدر فقال اعملوا ماشئتم فقد غفرت لكم . وعند أحمد بإسناد على شرط مسلم من حديث جابر مرفوعا لن يدخل النار أحد شهد بدرا وقد استشكل قوله اعملوا ما شئتم فإن ظاهره أنه للإباحة وهو خلاف عقد الشرع وأجيب بأنه إخبار عن الماضي أي كل عمل كان لكم فهو مغفور ويؤيده أنه لو كان لما يستقبلونه من العمل لم يقع بلفظ الماضي ولقال فسأغفر لكم وتعقب بأنه لو كان للماضي لما حسن الاستدلال به في قصة حاطب لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خاطب به عمر منكرا عليه ما قال في أمر حاطب وهذه القصة كانت بعد بدر بست سنين فدل على أن المراد ما سيأتي وأورده بلفظ الماضي مبالغة في تحقيقه وقيل أن صيغة الأمر في قوله اعملوا للتشريف والتكريم فالمراد عدم المؤاخذة بما يصدر منهم بعد ذلك وأنهم خصوا بذلك لما حصل لهم من الحال العظيمة التي اقتضت محو ذنوبهم السالفة وتأهلوا لأن يغفر الله لهم الذنوب اللاحقة إن وقعت أي كل ما عملتموه بعد هذه الوقعة من أي عمل كان فهو مغفور وقيل أن المراد أن ذنوبهم تقع إذا وقعت مغفورة وقيل هي بشارة بعدم وقوع الذنوب منهم وفيه نظر ظاهر لما وقع في البخاري وغيره في قصة قدامة بن مظعون من شربه الخمر في أيام عمر وأن عمر حده ويؤيد القول بأن المراد بالحديث أن ذنوبهم إذا وقعت تكون مغفورة ما ذكره البخاري في باب استتابة المرتدين عن أبي عبد الرحمن السلمي التابعي الكبير أنه قال لحبان بن عطية قد علمت الذي جرأ صاحبك على الدماء يعني عليا كرم الله وجهه
قال في الفتح واتفقوا أن البشارة المذكورة فيما يتعلق بأحكام الدنيا من إقامة الحدود وغيرها اه (8/112)
باب أن عبد الكافر إذا خرج إلينا مسلما فهو حر (8/112)
1 - عن ابن عباس قال " أعتق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الطائف من خرج إليه من عبيد المشركين "
- رواه أحمد (8/113)
2 - وعن الشعيبي عن رجل من ثقيف قال " سألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يرد إلينا أبا بكرة وكان مملوكنا فأسلم قبلنا فقال لا هو طليق الله ثم طليق رسوله "
- رواه أبو داود (8/113)
3 - وعن علي قال " خرج عبدان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني يوم الحديبية قبل الصلح فكتب إليه مواليهم فقالوا والله يا محمد ما خرجوا إليك رغبة في دينك وإنما خرجوا هربا من الرقة فقال ناس صدقوا يا رسول الله ردهم إليهم فغ ؟ ؟ صلى الله عليه وآله وسلم وقال ما أراكم تنتهون يا معشر قريش حتى يبعث الله عليكم من يضرب رقابكم على هذا وأبى أن يردهم وقال هم عتقاء الله عز و جل "
- رواه أبو داود (8/113)
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأخرجه أيضا ابن سعد من وجه آخر مرسلا وقصة أبي بكرة في تدليه من حصن الطائف مذكورة في صحيح البخاري في غزوة الطائف وحديث على أخرجه أيضا الترمذي وقال هذا حديث حسن صحيح غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث ربعي عن علي وقال أبو بكر البزار لا نعلمه يروي عن علي بن أبي طالب إلا من حديث ربعي
قوله : " من عبيد المشركين " منهم أبو بكرة والمنبعث وكان عبدا لعثمان بن عامر بن معتب ومنهم مرزوق زوج سمية والدة زياد والأزرق وكان لكلدة الثقفي . وورد أن كان لعبيد الله بن ربيعة وبحنس وكان لابن مالك الثقفي وإبراهيم بن جارية وكان لخرشة الثقفي ويقال كان معهم زياد بن سمية والصحيح أنه لم يخرج حينئذ لصغره
وقد روي أنهم ثلاثة وعشرون عبدا من الطائف من جملتهم أبو بكرة كما ذكره البخاري في المغازي وفيه رد على من زعم أن أبا بكرة لم ينزل من سور الطائف غيره وهو شيء قاله موسى بن عقبة في مغازية وتبعه الحاكم وجمع بعضهم بين القولين أن أبا بكرة نزل وحده أولا ثم نزل الباقون بعده وهو جمع حسن : قوله " إن يرد إلينا أبا بكرة " اسمه نفيع بن الحرث وكان مولى الحرث بن كلدة الثقفي فتدلى من حصن الطائف ببكرة فكني أبا بكرة لذلك أخرج ذلك الطبراني بإسناد لا بأس به من حديث أبي بكرة
قوله : " عبدان " جمع عبد وفي أحاديث الباب دليل على أن من هرب من عبيد الكفار إلى المسلمين صار حرا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم هم عتقاء الله ولكن ينبغي للإمام أن ينجز عتقتهم كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم في عبيد الطائف كما في حديث ابن عباس المذكور في الباب (8/114)
باب أن الحربي إذا أسلم قبل القدرة عليه أحرز أمواله (8/114)
1 - قد سبق قوله عليه السلام " فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالها إلا بحقها " (8/114)
2 - وعن صخر بن عيلة " أن قوما من بني سليم فروا عن أرضهم حين جاء الإسلام فأخذتها فأسلموا فخاصموني فيها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فردها عليهم وقال إذا أسلم الرجل فهو أحق بأرضه وماله "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه وقال فيه فقال يا صخران القوم إذا أسلموا أحرزوا أموالهم ودماءهم (8/115)
3 - وعن أبي سعيد الأعشم " قال قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العبد إذا جاء فأسلم ثم جاء مولاه فأسلم إنه حر وإذا جاء المولى ثم جاء العبد بعد ما أسلم مولاه فهو أحق به "
- رواه أحمد في رواية أبي طالب وقال أذهب إليه قلت وهو مرسل (8/115)
- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قد سبق الخ تقدم في أول كتاب الصلاة . وحديث صخر بن عيلة قال الحافظ في بلوغ المرام رجاله موثقون اه وعيلة بفتح العين المهملة وسكون التحتانية وهي أم صخر
وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي يعلى مرفوعا " من أسلم على شيء فهو له " وضعفه ابن عدي بياسين الزيات الرواي عن أبي هريرة قال البيهقي وإنما يروى عن ابن أبي مليكة وعن عروة مرسلا وفي الباب أيضا عن عروة مرسلا عند سعيد بن منصور برجال ثقات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاصر بني قريظة فأسلم ثعلبة وأسيد بن سعية فأحرز لهما إسلامها أموالهما وأولادهما لصغار
وأخرج ابن إسحاق في المغازي عن شيخ من بني قريظة أنه قال له هل تدري كيف كان إسلام ثعلبة وأسيد ونفر من هذيل لم يكونوا من بني قريظة والنضير كانوا فوق ذلك أنه قدم علينا رجل من الشام من يهود يقال له ابن الهيبان فأقام عندنا فوالله ما رأينا رجلا قط لا يصلي الخمس خيرا منه فقدم علينا قبل مبعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بسنين وكان يقول أنه يتوقع خروج نبي قد أظل زمانه فذكر الحديث فلما كانت الليلة التي افتتح فيه قريظة قال أؤلئك الفتية الثلاثة يا معشر يهود والله إنه للرجل الذي كان ذكر لكم ابن الهيبان قالوا ما هو أياه قال بلى والله إنه لهو قال فنزلوا وأسلموا وكانوا شبابا فخلوا أموالهم وأولادهم وأهليهم في الحصن عند المشركين فلما فتح رد ذلك عليهم وأخرجه أيضا البيهقي وأسيد المذكور بفتح الهمزة وكسر السين وسعية بفتح السين المهملة وإسكان العين المهملة أيضا وفتح التحتية
وقيل بالنون بدل الياء قال النووي وهو تصحيف من بعض الفقهاء والهيبان بفتح الهاء والياء المثناة من تحت والباء الموحدة كذا ضبطه المطرزي في المغرب
وفي القاموس الهيبان بالتشديد وقد يخفف صحابي أسلم
قوله : " دماءهم وأموالهم " الظاهر أن الأموال تشمل المنقول وغير المنقول فيكون المسلم طوعا أحق بجميع أمواله وقد صرح بدخول الأرض في حديث صخر المذكور في الباب لقوله فيه " بأرضه وماله " وقد ذهب الجمهور إلى أن الحربي إذا أسلم طوعا كانت جميع أمواله في ملكه ولا فرق بين أن يكون إسلامه في دار السلام أو دار الكفر على ظاهر الدليل
وقال بعض الحنفية أن الحربي إذا أسلم في دار الحرب وأقام بها حتى غلب المسلمون عليها فهو أحق بجميع ماله إلا أرضه وعقاره فإنها تكون فيئا للمسلمين وقد خلافهم أبو يوسف في ذلك فوافق الجمهور وذهبت الهادوية إلى مثل ما ذهب إليه بعض الحنفية إذا كان إسلامه في دار الحرب قالوا وإن كان إسلامه في دار الإسلام كانت أمواله جميعها فيئا من غير فرق بين المنقول وغيره إلا أطفاله فإنه لا يجوز سبيهم ويدل على ما ذهب إليه الجمهور أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر عقيلا على تصرفه فيما كان لأخويه علي وجعفر وللنبي صلى الله عليه وآله وسلم من الدور والرباع بالبيع وغيره ولم يغير ذلك ولا أنتزعها ممن هي في يده لما ظفر فكان ذلك دليلا على تقرير من بيده دار أو أرض إذا أسلم وهي في يده بطريق الأولى وقد بوب البخاري على قصة عقيل هذه فقال باب إذا أسلم قوم في دار الحرب ولهم مال وأرضون فهي لهم قال القرطبي يحتمل أن يكون مراد البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من على أهل مكة بأموالهم ودورهم قبل أن يسلموا فتقرير من أسلم يكون بطريق الأولى قوله " فأخذتها " الأخذ هو صخر المذكور
قوله : " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العبد " الخ فيه دليل على أن من أسلم من عبيد الكفار قبل إسلامهم صار حرا بمجرد إسلامه لما تقدم في الباب الأول أن العبيد الذين يفرون من دار الحرب إلى دار الإسلام عتقاء الله ومن أسلم بعد إسلام سيده كان مملوكا لسيده لإن إسلام السيد قد أحرز ماله ودمه والعبد من جملة أمواله ( والحديث ) المذكور وإن كان مرسلا إلا أنه يدل على معناه الحديث المتفق عليه الذي أشار إليه المصنف لقوله فيه " فإذا قالوا عصموا مني دماءهم وأموالهم " فلو حكم بحرية عبد الرجل المسلم إذا أسلم لكان بعض ماله خارجا عن العصمة وهكذا يدل على هذا المعنى حديث صخر المذكور وأحاديث الباب الأول تدل على ما دل عليه حديث أبي سعيد المذكور من أن عبد الحربي إذا أسلم صار حرا بإسلامه فقد دل على جميع ما اشتمل عليه من التفصيل غيره من الأحاديث فلا يضر إرساله (8/115)
باب حكم الأرضين المغنومة (8/116)
1 - عن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما قرية أتيتموها فأقمتم فيها فسهمكم فيها وأيما قرية عصت الله ورسوله فإن خمسها لله ورسوله ثم هي لكم "
- رواه أحمد ومسلم (8/116)
2 - وعن أسلم مولى عمر قال قال عمر " أما والذي نفسي بيده لولا أن أترك أخر الناس بيانا ليس لهم من شيء ما فتحت على قرية إلا قسمتها كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر ولكن أتركها خزانة لهم يقتسمونها "
- رواه البخاري (8/116)
3 - وفي لفظ " قال لئن عشت إلى هذا العام المقبل لا تفتح للناس قرية إلا قسمتها بينهم كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر "
- رواه أحمد (8/117)
4 - وعن بشير بن يسار عن رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أدركهم يذكرون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظهر على خيبر قسمها على ستة وثلاثين سهما جمع كل سهم مائة سهم فجعل نصف ذلك كله للمسلمين فكان في ذلك النصف سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم معها وجعل النصف الآخر لمن ينزل به من الوفود والأمور ونوائب الناس "
- رواه أحمد وأبو داود (8/117)
5 - وعن بشير بن يسار عن سهل بن أبي حثمة " قال قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر نصفين نصف لنوائبه وحوائجه ونصف بين المسلمين قسمها على ثمانية عشر سهما "
- رواه أبو داود (8/117)
6 - وعن سعيد بن المسيب " أن رسول الله أفتتح بعض خيبر عنوة "
- رواه أبو داود (8/118)
7 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منعت العراق درهما وقفيزها ومنعت الشام مديها ودينارها ومنعت مصر أردبها ودينارها وعدتم من حيث بدأتم وعدتم من حيث بدأتم شهد على ذلك لحم أبي هريرة ودمه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (8/118)
- حديث بشر بن يسار سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أبو داود عنهمن طريق أخرى أنه سمع نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا ذكر هذا الحديث قال فكان النصف سهام سهام المسلمين وسهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعزل النصف للمسلمين لما ينوبه من الأمور والنوائب وأخرجه أبو داود أيضا من طريق ثالثة عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلا واسطة بأطول من اللفظين المذكورين سابقا وهو مرسل فإنه لم يدرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا أدرك فتح خيبر . وحديث بشر أيضا الذي رواه من طريق سهل سكت عنه أبو داود والمنذري
قوله : " أيما قرية " الخ فيه التصريح بأن الأرض المغنومة تكون للغانمين قال الخطابي فيه دليل على أن أرض العنوة حكمها حكم سائر الأموال التي تغنم وإن خمسها لأهل الخمس وأربعة أخمماسها للغانمين قوله " ببانا " بموحدتين مفتوحتين الثانية ثقيلة وبعد الألف نون كذا للأكثر قال أبو عبيد بعد أن أخرجه عن ابن مهدي قال ابن مهدي يعني شيئا واحدا قال الخطابي ولا حسب هذه اللفظة عربية ولم أسمعها في غير هذا الحديث
وقال الأزهري بل هي لغة صحيحة لكنها غير فاشية هي لغة معد وقد صححها صاحب العين وقال ضوعفت حروفه يقال هم على بيان واحد وقال الطبري البيان المعدم الذي لا شيء له فالمعنى لولا أني أتركهم فقراء معدومين لا شيء لهم أي متساوين في الفقر وقال أبو سعيد الضرير فيما تعقبه على أبي عبيد صوابه بيانا بالموحدة ثم تحتانية بدل الثانية أي شيئا واحدا فإنهم قالوا لمن لا يعرف هو هيان بن بيان اه
وقد وقع من عمر ذكر هذه الكلمة في قصة أخرى وهو أنه كان يفضل في القسمة فقال لئن عشت لأجعلن للناس بيانا واحدا ذكره الجوهري وهو مما يؤيد تفسيره بالتسوية
قوله : " يقتسمونها " أي يقتسمون خراجها
قوله : " كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر " فيه تصريح بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا أنه عارش ذلك عنده حسن النظر لآخر المسلمين فيما يتعلق بالأرض خاصة فوقفها على المسلمين وفرض عليها الخراج الذي يجمع مصلحتهم
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه أراد أن يقسم السواد فشاور في ذلك فقال لعلي رضي الله عنه دعه يكون مادة للمسلمين فتركه وأخرج أيضا من طريق عبد الله بن أبي قيس أن عمر أراد قسمة الأرض فقال له معاذ إن قسمتها صار الريع العظيم في أيدي القوم يبيدون فيصير إلى الرجل الواحد أو المرأة ويأتي قوم يسدون من الإسلام مسدا ولا يجدون شيئا فانظر أمرا يسع أولهم وآخرهم فاقتضى رأي عمر تأخير قسم الأرض وضرب الخراج عليها للغانمين ولمن يجيء بعدهم وقد اختلف في الأرض التي يفتتحها المسلمون عنوة
قال ابن المنذر ذهب الشافعي إلى أن عمر استطاب أنفس الغانمين الذين افتتحوا أرض السواد وإن الحكم في أرض العنوة أن تقسم كما قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر وتعقب بأنه مخالف لتعليل عمر بقوله لولا أن أترك آخر الناس الخ لكن يمكن أن يقال معناه لولا أن ترك آخر الناس ما استطابت أنفس الغانمين وأما قول عمر كما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيبر فإنه يريد بعض خيبر لا جميعها هكذا قال الطحاوي وأشار إلى ما في ذلك حديث بشير بن يسار المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عزل نصف خيبر لنوائبه وما بنزل به وقسم النصف الباقي بين المسلمين والمراد بالذي عزله ما افتتح صلحا وبالذي قسمه ما افتتح عنوة وقد اختلف في الأرض الذي أبقاها عمر بغير قسمة فذهب الجمهور إلى أنه وقفها لنوائب المسلمين وأجرى فيها الخراج ومنع بيعها وقال بعض الكوفيين أبقاها ملكا لمن كان بها من الكفرة وضرب عليهم الخراج قال في الفتح وقد اشتد نكير كثير من فقهاء أهل الحديث لهذه المقالة انتهى
وقد ذهب مالك إلى أن الأرض المغنومة لا يقسم بل تكون وقفا يقسم خراجها في مصالح المسلمين من أرزاق المقاتلة وبناء القناطر والمساجد وغير ذلك من سبل الخير إلا أن يرى الإمام في وقت من الأوقات أن المصلحة تقتضي القسمة فإن له أن يقسم الأرض وحكى هذا القول ابن القيمعن جمهور الصحابة ورجحه وقال أنه الذي كان عليه سيرة الخلفاء الراشدين قال ونازع في ذلك بلاب وأصحابه وطلبوا أن يقسم بينهم الأرض التي فتحوها فقال عمر هذا غير المال ولكن أحبسه فيئا يجري عليكم وعلى المسلمين فقال بلال وأصحابه اقسمها بيننا فقال عمر اللهم أكفني بلالا وذويه فما حال الحول ومنهم عين تطرف ثم وافق سائر الصحابة عمر قال ولا يصح أن يقال أنه استطاب نفوسهم ووقفها برضاهم فإنهم نازعوه فيها وهو بأبى عليهم ثم قال ووافق عمر جمهور الأئمة وإن اختلفوا في كيفية إبقائها بلا قسمة فظاهر مذهب أحمد وأكثر نصوصه على أن الإمام مخير فيها تخيير مصلحة لا تخيير شهوة فإن كان الأصلح للمسلمين قسمتها قسمها وإن كان الأصلح أن يقفها على جماعتهم وقفها وإن كان الأصلح قسمة البعض ووقف البعض فعله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل الأقسام الثلاثة فإنه قسم أرض قريظة والنضير وترك قسمة مكة وقسم بعض خيبر وترك بعضها لما ينوبه من مصالح المسلمين وفي رواية لأحمد أن الأرض تصير وقفا بنفس الظهور والاستيلاء من غير وقف من الإمام وله رواية ثالثة أن الإمام يقسمها بين الغانمين كما يقسم بينهم المنقول إلى أن يتركوا حقهم منها قال وهو مذهب الشافعي بناء من الشافعي على أن آية الأنفال وآية الحشر متواردتان وأن الجميع يسمى فيئا وغنيمة ولكنه يرد عليه أن ظاهر سوق آية الحشر أن الفيء غير الغنيمة وأن له مصرفا عاما ولذلك قال عمر أنها عمت الناس بقوله ( والذين جاؤا من بعدهم ) ولا يتأتى حصة لمن جاء من بعدهم إلا إذا بقيت الأرض محبسة للمسلمين إذ لو استحقها المباشرون للقتال وقسمت بينهم توارثها ورثة أولءك فكانت القرية والبلد تصير إلى امرأة واحدة أو صبي صغير ذهبت الحنفية إلى أن الإمام مخير بين القسمة بين الغانمين وأن يقرها لأربابها على خراج أو ينتزعها منهم ويقرها مع آخرين وعند الهادوية الإمام مخير بين وجوه أربعة معروفة في كتبهم
قوله : " افتتح بعض خيبر عنوة " العنة بفتح العين المهملة وسكون النون القهر
قوله : " وقفيزها " القفيز مكيال ثمانية مكاكيك قوله " ومنعت العراق مديها " المدي مائة مد وإثنان وتسعون مدا وهو صاع أهل العراق قوله " ومنعت مصر أردبها " بالراء والدال المهملتين بعدها موحدة قال في القاموس الأردب كقرشب مكيال ضخم بمصر ويضم أربعة وعشرون صاعا انتهى . قوله " وعدتم من حيث بدأتم " أي رجعتم إلى الكفر بع الإسلام وهذا الحديث من أعلام النبوة لإخباره صلى الله عليه وآله وسلم بما سيكون من ملك المسلمين هذه الأقاليم ووضعهم الجزية والخراج ثم بطلان ذلك إما بتغلبهم وهو أصح التأويلين وفي البخاري ما يدل عليه : ولفظ المنع في الحديث يرشد إلى ذلك وإما بإسلامهم ووجه الاستدلال المصنف بهذا الحديث على ما ترجم الباب به من حكم الأرضين المغنومة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أن الصحابة يضعون الخراج على الأرض ولم يرشدهم إلى خلاف ذلك بل قرره وحكاه لهم
باب ما جاء في فتح مكة هل هو عنوة أو صلح (8/118)
1 - عن أبي هريرة أنه ذكر فتح مكة فقال " أقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدخل مكة فجعل الزبير على إحدى المجنبتين وبعث خالدا على المجنبة الأخرى وبعث أبا عبيدة على الحسر فأخذوا بطن الوادي ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كتيبته قال وقد بشت قريش أوباشها وقالوا نقدم هؤلاء فإن كان لهم شيء لنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا قال أبو هريرة ففطن فقال لي أبا هريرة قلت لبيك يا رسول الله قال اهتف لي بالأنصار ولا يأتيني إلا أنصار ي فهتف بهم فجاؤا فطافوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ترون إلى أوباش قريش وأتباعهم ثم قال بيديه أحداهما على الأخرى احصدوا حصدا حتى توافوني بالصفا قال أبو هريرة فانطلقنا فما يشاء أحد منا أن يقتل منهم ما شاء إلا قتله وما أحد منهم يوجه إلينا شيئا فجاء أبو سفيان فقال يا رسول الله أبيدت خضراء قريش لا قريش بعد اليوم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أغلق بابه فهو آمن ومن دخل دار أبي سفيان فهو آمن فأغلق الناس أبوابهم فأقبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الحجر فاستلمه ثم طاف في البيت وفي يده قوس وهو آخذ بسية القوس فأتى بطوافه على صنم إلى جنب البيت يعبدونه فأخذ يطعن به في عينه ويقول جاء الحق وزهق الباطل ثم أتى الصفا فعلا حيث ينظر إلى البيت فرفع يده فجعل يذكر الله بما شاء أن يذكره ويدعوه والأنصار تحته قال يقول بعضهم لبعض أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قال أبو هريرة وجاء الوحي وكان إذا جاء لم يخف علينا فليس أحد من الناس يرفع طرفه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقضي فلما قضي الوحي رفع رأسه ثم قال يا معشر الأنصار أقلتم أما الرجل فأدركته رغبة في قريته ورأفة بعشيرته قالوا قلنا ذلك يا رسول الله قال فما أسمى إذن كلا إني عبد الله ورسوله هاجرت إلى الله وإليكم فالمحيا محياكم والممات مماتكم فأقبلوا إليه يبكون ويقولون والله ما قلنا الذي قلنا إلا الضن برسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصدقانكم ويعذرانكم "
- رواه أحمد زمسلم (8/119)
2 - وعن أم هانئ " قالت ذهبت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح فوجدته يغتسل وفاطمة ابنته تستره بثوب فسلمت عليه فقال من هذه فقلت أنا أم هانئ بنت أبي طالب فقال مرحبا يا أم هانئ فلما فرغ من غسله قام يصلي ثمان ركعات ملتحفا في ثوب واحد فلما انصرف قلت يا رسول الله زعم ابن أمي علي بن أبي طالب أنه قاتل رجلا قد أجرته فلان بن هبيرة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أجرنا من أجرت يا أم هانئ قالت وذلك ضحى "
- متفق عليه
وفي لفظ لأحمد " قالت لما كان يوم فتح مكة أجرت رجلين من أحمائي فأدخلتهما بيتا وأغلقت عليهما بابا فجاء ابن أمي علي فتفلت عليهما بالسيف " وذكرت حديث أمانهما (8/119)
- قوله " على إحدى المجنبتين " بضم الميم وفتح الجيم وكسر النون المشددة قال في القاموس والمجنبة بفتح النون المقدمة والمجنبتان بالكسر الميمنة والميسرة انتهى . فالمراد هنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث الزبير إما على الميسرة أو على الميمنة وخالدا على الأخرى
قوله : " على الحسر " بضم الحاء المهملة وتشديد السين المهملة ثم راء جمع حاسر وهو من لا سلاح معه
قوله : " في كتيبته " هي الجيش قوله " وبشت قريش أوباشها " الأوباش بموحدة ومعجمة الأخلاط والسفلة كما في القاموس والمراد أن قريشا جمعت السفلة منها
قوله : " اهتف لي بالأنصار " أي اصرخ بهم قال في القاموس هتفت الحمامة تهتف صاتت وبه هتافا بالضم صاح
قوله : " ثم قال بيديه إحداهما على الأخرى " فيه استعارة القول للفعل والمراد أنه أشار بيديه إشارة تدل على الأمر منه صلى الله عليه وآله وسلم بقتل من يعرض لهم من أوباش قريش . وقوله " احصدوهم حصدا " تفسير منه صلى الله عليه وآله وسلم لما دلت عليه الإشارة بالقول هكذا وقع عند المصنف فيما رأيناه من النسخ بدون لفظ أي المشعرة بأن ما بعدها تفسير للإشارة من الراوي ولفظ مسلم أي احصدوهم حصدا
قوله : " أبيدت خضراء قريش " في رواية " أبيحت " وخضراء قريش بالخاء والضاد المعجمتين بعدهما راء قال القاموس والخضراء سواد القوم ومعظمهم
قوله : " لا قريش بعد اليوم " يجوز في قريش الفتح لكنه يحتاج إلى تأويل أي لا أحد من قريش لأنه لا يفتح بعد لا إلا النكرة والرفع أيضا على أنها بمعنى ليس وهو شاذ حتى قيل أنه لم يرد إلا في الشعر
قوله : " بسية قوسه " سية القوس ما انعطف من الطرفين لأنهما متساويان وهي بكسر السين المهملة وفتح الياء التحتية وخففة
قوله : " على صنم إلى جنب البيت " في رواية البخاري أن الأصنان كانت ثلثماءة وستين
قوله : " يطعن " بضم العين وبفتحها والأول أشهر . قوله " ويقول جاء الحق " زاد في حديث ابن عمر عند الفاكهي وصححه ابن حبان فيسقط الصنم ولا يمسه وللفاكهي والطبراني من حديث ابن عباس قلم يبق لهم إبليس أقدامها بالرصاص وإنما فعل ذلك صلى الله عليه وآله وسلم لها إذلالا لها ولعابديها وإظهار لعدم نفعها لأنها إذا عجزت أن تدفع عن نفسها فهي عن الدفع عن غيرها أعجز
قوله : " الضن " بكسر الضاد المعجمة مشددة بعدها نون أي الشح والبخل أن يشاركهم أحد في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوله " يصدقانكم ويعذرانكم " فيه جواز الجمع بين ضمير الله ورسوله وكذلك وقع الجمع بينهما في حديث النهي عن لحوم الحمر الأهلية بلفظ " إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية " فلا بد من حمل النهي الواقع في حديث الخطيب الذي خطب بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فقال " من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوي " الحديث وقد تقدم على من اعتقد التسوية كما قدمنا ذلك في موضعه
قوله : " وعن أم هانئ " قد تقدم الكلام على أطراف من هذا حديث فيي صلاة الضحى
قوله : " زعم ابن أمي " في رواية للبخاري في أول كتاب الصلاة زعم ابن أبي والكل صحيح فإنه شقيقها وزعم هنا بمعنى ادعى قوله " إنه قاتل رجلا " فيه إطلاق اسم الفاعل على من عزم على التلبس بالفعل
قوله : " فلان بن هبيرة " بالنصب على البدل أو الرفع على الحذف
وفي رواية أحمد المذكورة رجلين من أحمائي وقد أخرجها الطبراني قال أبو العباس بن سريج هما جهدة بن هبيرة ورجل آخر من بني مخزوم وكانا فيمن قاتل خالد بن الوليد ولم يقبلا الأمان فأجارتهما أم هانئ وكانا من أحمائها وقال ابن الجوزي إن كان ابن هبيرة منهما فهو جعدة انتهى
قال الحافظ وجعدة معدود فيمن له رواية ولم يصح له صحبة وقد ذكره من حييث الرواية في التابعين البخاري وابن حبان وغيرهما فكيف يتهيألمن هذه سبيله في صغر السن أن يكون عام الفتح مقاتلا يحتاج إلى الأمان انتهى . وهبيرة المذكور هو زوج أم هانئ فلو كان الذي أمنته أم هانئ هو ابنها منه لم يهم علي بقتله لأنها كانت قد أسلمت وهرب زوجها وترك ولدها عندها وجوز ابن عبد البر يكون ابنا لهبيرة من غيرها مع نقله عن أهل النسب أنهم لم يذكروا الهبيرة ولدا من غير أن هانئ وجزم ابن هشام في تهذيب السيرة بأن اللذين أجارتهم أم هانئ هما الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية المخزوميان وروى الأزرقي بسند فيه الواقدي في حديث أم هانئ هذا أنهما الحرث بن هشام وعبد الله بن أبي ربيعة وحكي بعضهم أنهما الحرث بن هشام وهبيرة بن أبي وهب وليس بشيء لأن هبيرة هرب بعد فتح مكة إلى نجران فلم يزل بها مشركا حتى مات كذا جزم به ابن إسحاق وغيره فلا يصح ذكره فيمن أجارته أم هانئ وقال الكرماني قال الزبير بن بكار فلان بن هبيرة هو الحرث بن هشام
قال الحافظ والذي يظهر لي أن في رواية الحديث حرفا كان فيه فلان ابن عم ابن هبيرة فسقط لفظ عم أو كان فيه فلان قريب ابن هبيرة فتغير لفظ قريب إلى لفظ ابن وكل من الحرث بن هشام وزهير بن أبي أمية وعبد الله بن أبي ربيعة يصح وصفه بأنه ابن عم هبيرة وقريبه لكون الجميع من بني مخزوم
وقد تمسك بحديث أبي هريرة وحديث أم هانئ من قال أن مكة فتحت عنوة ومحل الحجة من الأول أمره صلى الله عليه وآله وسلم للأنصار بالقتل لأوباش قريش ووقوع القتل منهم ومحل الحجة من الثاني ما وقع من علي من أراد قتل من أجارته أم هانئ ولو كانت مكة مفتوحة صلحا لم يقع منه ذلك وسيأتي ذكر الخلاف وما هو الحق في ذلك (8/119)
3 - وعن هشام بن عروة عن أبيه قال " لما سار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الفتح فبلغ ذلك قريشا خرج أبو سفيان بن حرب وحكيم ابن حزام وبديل بن ورقاء يلتمسون الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتوا مر الظهران فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوهم وأتوا بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم أبو سفيان فلما سار قال للعباس أحبس أبا سفيان عند خطم الجبل حتى ينظر إلى المسلمين فحبسه العباس فجعلت القبائل تمر كتيبة بعد كتيبة على أبي سفيان حتى أقبلت كتيبة لم ير مثلها قال يا عباس من هذه قال هؤلاء الأنصار عليهم سعد بن عبادة ومعه الراية فقال سعد بن عبادة يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الكعبة فقال أبو سفيان يا عباس حبذا يوم الذمار ثم جاءت كتيبة وهي أقل الكتائب فيهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وراية النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الزبير بن العوام فلما مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أبي سفيان قال ألم تعلم ما قال سعد بن عبادة قال ما قال قال قال كذا وكذا فقال كذب سعد ولكن هذا يوم يعظم الله فيه الكعبة ويوم تكسى فيه الكعبة وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ترجز رايته بالحجون قال عروة فأخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس يقول للزبير بن العوام يا أبا عبد الله ههنا أمرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تركز الراية قال نعم قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ خالد بن الولييد أن يدخل من أعلى مكة من كداء ودخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كدي "
- رواه البخاري (8/120)
- قوله " عن هشام بن عروة عن أبيه قال لما سار " الخ هكذا أورده البخاري مرسلا قال في الفتح ولم أره في شيء من الطرق موصولا عن عروة ولكن آخر الحديث موصول لقول عروة فيه أخبرني نافع بن جبير بن مطعم قال سمعت العباس الخ قوله " فبلغ ذلك قريشا " يحتمل أن يكون ذلك بطريق الظن لا أن مبلغ بلغهم حقيقة ذلك
قوله : " حتى أتوا من الظهران " بفتح الميم وتشديد الراء مكان معروف والعامة تقول بسكون الراء وزيادة واو والظهران بفتح المعجمة وسكون الهاء بلفظ نثنية ظهر قوله " فرآهم ناس من حرس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخذوهم " الخ في رواية ابن إسحاق فلما نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مر الظهران قال العباس والله لئن دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة عنوة قبل أن يأتوه فيستأمنوه إنه لهلاك قريش قال فجلست على بغلة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى جئت الأراك فقلت لعلي أجد بعض الحطابة أو ذا حاجة يأتي مكة فيخبرهم إذا سمعت كلام أبا سفيان وبديل بن ورقاء قال فعرفت صوته فقلت يا أبا حنظلة قال فعرف صوتي فقال أبو الفضل قلت نعم قال ما الحيلة قلت فأركب في عجز هذه البغلة حتى آتي بك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأستأمنه لك قال فركب خلفه ورجع صاحباه وهذا مخالف لما في حديث الباب أنهم أخذوهم
وفي رواية ابن عائذ فدخل بديل وحكيم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأسلما
قال في الفتح فيحمل قوله ورجع صاحباه أي بعد أن أسلما واستمر أبو سفيان عند العباس لأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له أن يحبسه حتى يرى العساكر ويحتمل أن يكونا رجعا لما التقى العباس بأبي سفيان فأخذهما العسكر أيضا وفي مغازي موسى بن عقبة فلقيهم العباس فأجارهم وأدخلهم على صلى الله عليه وآله وسلم فأسلم بديل وحكيم وتأخر أبو سفيان بإسلامه إلى الصبح ويجمع بين الروايات أن الحرس أخذوهم فلما رأوا أبا سفيان مع العباس تركوه معه . قوله " احبس أبو سفيان " في رواية موسى بن عقبة أن العباس قال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني لا آمن أن يرجع أبو سفيان فيكفر فأحبسه بالمضيق دون الأراك حتى يرى جنود الله ففعل فقال أبو سفيان أغدر يا بني هاشم قال له العباس لا ولكن لي إليك حاجة فتصبح فتنظر جنود الله وما أعد الله للمشركين فحبسه بالمضيق دون الأراك حتى أصبحوا . قوله " عند خطم الجبل " في رواية النفسي والقابسي بفتح الخاء المعجمة وسكون المهملة وبالجيم والموحدة أي أنف الجبل وهي رواية ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي وفي رواية الأكثر بفتح المهملة من اللفظة الأولى وبالخاء المعجمة وسكون التحتانية من الثانية أي إزدحامها وإنما حبسه هناك لكونه كان مضيقا ليرى الجميع ولا تفوته رؤية أحد منهم
قوله : " كتيبة " بوزن عظيمة وهي القطعة من الجيش من الكتب وهو الجمع
قوله : " ومعه الراية " أي راية الأنصار وكانت راية المهاجرين مع الزبير كما هو مذكور في آخر الحديث
قوله : " يوم الملحمة " بالحاء المهملة أي يوم الحرب لا يوجد منه مخلص أو يوم القتل يقال لحم فلان فلانا إذا قتله
قوله : " يوم الذمار " بكسر المعجمة وتخفيف الميم أي الهلاك قال الخطابي تمنى أبو سفيان أن تكون له يد فيحمي قومه ويدفع عنهم وقيل المراد هذا يوم الغضب للحريم والأهل وقيل المراد هذا يوم يلزمك فيه حفظي وحمايتي من أن ينالني فيه مكروه
قوله : " وهي أقل الكتائب " أي أقلها عددا لأن عدد المهاجرين كان أقل من عدد غيرهم من القبائل
وقال القاضي عياض وقع للجميع بالقاف ووقع في الجمع للحميدي أجل بالجيم
قوله : " كذب سعد " فيه إطلاق الكذب على الأخبار بغير ما سيقع ولو قاله القائل بناء على ظنه وقوة القرينة والخلاف في ماهية الكذب معروف قوله " يعظم الله فيه الكعبة " وهذا إشارة إلى ما وقع من إظهار الإسلام وأذان بلال على ظهر الكعبة وإزالة الأصنام عنها ومحو ما فيها من الصور وغير ذلك
قوله : " ويوم تكسي فيه الكعبة " قيل أن قريشا كانت تكسوا الكعبة في رمضان فصادف ذلك اليوم أو المراد باليوم الزمان أو أشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى أنه هو الذي يكسوها في ذلك العام
قوله : " بالحجون " بفتح المهملة وضم الجيم الخفيفة وهو مكان معروف بالقرب من مقبرة مكة قوله " فأخبرني نافع بن جبير " لم يدرك نافع يوم الفتح ولعله سمع العباس يقول للزبير ذلك في حجة اجتمعوا فيها بعد أيام النبوة فإن نافعا لا صحبة له
قوله : " قال وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ القائل هو عروة وهو من بقية الخبر المرسل وليس فيه من المرفوع إلا ماصرح بسماعه من نافع وأما باقيه فيحتمل أن يكون عروة تلقاه عن أبيه أو عن العباس فإنه أدركه وهو صغير أو جمعه من نقل جماعة له بأسانيد مختلفة قال الحافظ وهو الراجح
قوله : " من كداء " بالمد مع فتح الكاف والآخر بضم الكاف والقصر والأول يسمى المعلى والثاني الثنية السفلى وهذا يخالف ما وقع في سائر الأحاديث في البخاري وغيره أن خالدا دخل من أسفل مكة والنبي صلى الله عليه وآله وسلم من أعلاها وأمر الزبير أن يغرز رايته بالحجون ولا يبرح حتى يأتيه وبعث خالدا في قبائل قضاعة وسليم وغيرهم وأمرهم أن يدخل من أسفل مكة وأن يغرز رايته عند أدنى البيوت وتمام الحديث المذكور في الباب فقتل من خيل خالد يومئذ رجلان كما في صحيح البخاري وكان على المصنف أن يذكر ذلك لأنه يدل على ما ترجم الباب به وفي مغازي موسى بن عقبة أنه قتل من المشركين يومئذ نحو عشرين رجلا قتلهم أصحاب خالد وذكر ابن سعدان عدة من أصيب من الكفار أربعة وعشرون رجلا
وروى الطبراني من حديث ابن عباس قال " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله حرم مكة " الحديث " فقيل له هذا خالد بن الوليد يقتل فقال قم يافلان فقل له فليرفع القتل فأتاه الرجل فقال له أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لك أقتل من قدرت عليه فقتل سبعين ثم اعتذر الرجل إليه فسكت " قال وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأمراء أن لا يقتلوا إلا من قاتلهم غير أنه كان أهدر دم نفر سماهم انتهى (8/120)
4 - وعن سعد قال " لما كان يوم فتح مكة أمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس إلا أربعة نفر وامرأتين وسماهم "
- رواه النسائي وأبو داود (8/120)
5 - وعن أبي بن كعب قال " لما كان يوم أحد قتل من الأنصار ستون رجلا ومن المهاجرين ستة فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لئن كان لنا يوم مثل هذا من المشركين لنربين عليهم كان يوم الفتح قال رجل لا يعرف لا قريش بعد اليوم فنادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمن الأسود والأبيض إلا فلانا وفلانا ناس سماهم فأنزل الله عز و جل وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصبر ولا نعاق "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند وقد سبق حديث أبي هريرة وأبي شريح إلا أن فيهما " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " وأكثر هذه الأحاديث تدل على أن الفتح عنوة (8/121)
6 - وعن عائشة قالت " قلنا يا رسول الله ألا تبني بيتا بمنى يظلك قال لامنى مناخ لمن سبق "
- رواه الخمسة إلا النسائي
وقال الترمذي حديث حسن (8/121)
7 - وعن علقمة بن نضلة قال " توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر وما تدعي رباع مكة إلا السوائب من احتاج سكن ومن استغنى أسكن "
- رواه ابن ماجه (8/121)
- حديث سعد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وتمامه اقتلوهم وإن وجدتموهم معلقين بستار الكعبة عكرمة بن أبي جهل وعبد الله بن خطل من بني غنم ومقيس بن صبابة وعبد الله بن سعد بن أبي السرح فأما عبد الله بن خطل فأدرك وهو معلق بأستار الكعبة فاستبق سعيد بن الحرث وعمار بن ياسر فسبق سعيد عمار وكان أشب الرجلين فقتله الحديث بطوله من طريق عمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد المخزومي عن جده عن أبيه وفيه وأما ابن خطل فقتله الزبير بن العوام وجزم أبو نعيم في المعرفة بأن الذي قتله هو أبو برزة وذكر ابن هشام أن عبد الله بن خطل قتله سعيد بن حريث وأبو الأسلمي اشتركا في دمه وذكر ابن حبيب أنه أمر بقتل هند بنت عتبة وقريبة بالقاف والموحدة وسارة فقتلتا وأسلمت هند وذكر ابن إسحاق أن سارة أمنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن استؤمن لها ومنهم الحويرث بن نقيد بنون وقاف مصغرا وهبار بن الأسود وفرتنا بالفاء المفتوحة والراء الساكنة والتاء المثناة الفوقية والنون وذكر أبو معشر فيمن أهدر دمه الحرث بن طلاطل الخزاعي وذكر الحاكم ممن أهدر دمه كعب بن زهير ووحشي بن حرب وأرنب مولاة ابن خطل وقد ذكر الحافظ في الفتح جملة من لم يؤمنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسمائهم فكانوا ثمانية رجال وست نسوة منهم من أسلم ومنهم من قتل ومنهم من هرب . وحديث أبي أخرجه أيضا الترمذي وقال حسن غريب من حديث أبي وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن خزيمة في الفوائد وابن حبان والطبراني وابن مردويه والحاكم والبيهقي في الدلائل . وحديث أبي هريرة وأبي شريح تقدما في باب هل يستوفي القصاص والحدود في الحرم من كتاب الدماء . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه الترمذي وابن ماجه عن أم مسيكية وذكر غيرهما أنها مكية وحديث علقمة بن نضلة رجال إسناده ثقات فإن ابن ماجه قال حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عيسى بن يونس عن عمر بن سعيد وعثمان بن أبي حسين عن عثمان بن أبي سليمان عن علقمة بن نضلة فذكره وعمر بن سعيد وعثمان بن أبي سليمان ثقتان وأما أبو بكر وعيسى فمن رجال الصحيح
قوله : " لنربين " أي لنزيدن عليهم وفي حديث سعد وحديث أبي بن كعب دليل على أن مكة فتحت صلحا وقد اختلف أهل اعلم في ذلك فذهب الأكثر إلى أنها فتحت عنوة وعن الشافعي ورواية عن أحمد أنها فتحت صلحا لما ذكر في حديث الباب من التأمين ولأنها لم تقسم ولأن الغانمين لم يملكوا دورها والألجاز إخراج أهل الدور منها وحجة الأولين ما وقع من التصريح بالأمر بالقتال ووقوعه من خالد بن الوليد وتصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأنها أحلت له ساعة من نهار ونهيه عن التأسي به في ذلك كما وقع جميع ذلك في الأحاديث المذكورة في الباب تصريحا وإشارة وأجابوا عن ترك القسمة بأنها لا تستلزم عدم العنوة فقد تفتح البلد عنوة ويمن على أهلها وتترك لهم دورهم وغنائمهم ولأن قسمة الأرض المغنومة ليس متفق عليها بل الخلاف ثابت عن الصحابة فمن بعدهم وقد فتحت أكثر البلاد عنوة فلم تقسم وذلك في زمن عمر وعثمان مع وجود أكثر الصحابة وقد زادت مكة عن ذلك بأمر يمكن يدعي اختصاصها به دون بقية البلاد وهي أنها دار النسك ومتعبد الخلق وقد حعلها الله تعالى حرما سواء العاكف فيه والباد وأما قول النووي احتج الشافعي بالأحاديث المشهورة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالحهم بمر الظهران قبل دخول مكة ففيه نظر لأن الذي أشار إليه إن كان مراده ما وقع من قوله صلى الله عليه وآله وسلم من دخل دار أبي سفيان فهو آمن كما تقدم وكذا من دخل المسجد كما عند أبي إسحاق فإن ذلك لا يسمى صلحا إلا إذا التزم من أشير إليه بذلك الكف عن القتال والذي ورد في الأحاديث الصحيحة ظاهر في أن قريشا لم يلتزموا ذلك لأنهم استعدوا للحربكما تقدم في حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا فإن كان مراده بالصلح وقوع عقده فهذا لم ينقل كما قال الحافظ قال ولا أظنه عني إلا الاحتمال الأول أعني قوله من دخل دار أبي سفيان فهو آمن
وتمسك أيضا من قال إنه أمنهم بما وقع عند أبي إسحاق في سياق قصة الفتح فقال العباس لعلي أجد بعض الحطابة أو صاحب لبن أو ذا حاجة يأتي مكة يخبرهم بما كان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليخرجوا إليه فيستأمنوه قبل أن يدخلها عنوة ثم قال في القصة بعد قصة أبي سفيان من دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن أغلق عليه بابه فهو آمن ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن فتفرق الناس إلى دورهم وغلى المسجد وعند موسى بن عقبة في المغازي وهي أصح ما صنف في ذلك كما قال الحافظ وروي ذلك عن الجماعة ما نصه أن أبا سفيان وحكيم بن حزام فادع الناس بالأمان أرأيت إن أعتزلت قريش وكفت أيديها آمنون هم قال من كف يده وأغلق داره فهو آمن قالوا فابعثنا نؤذن بذلك فيهم قال فانطلقوا فمن دخل دار أبي سفيان فهو آمن ومن دخل دار حكيم فهو آمن ودار أبي سفيان بأعلى مكة ودار حكيم بأسفلها فلما توجها قال العباس يا رسول الله إني لا آمن أبا سفيان أن يرتد فرده حتى تريه جنود الله قال افعل فذكر القصة وفي ذلك تصريح بعموم التأمين فكان هذا أمانا منه لكل من لم يقاتل من أهل مكة ثم قال الشافعي كانت مكة مؤمنة ولم يكن فتحها عنوة والأمان كالصلح وأما الذين تعرضوا للقتال والذين استثنوا من الأمان وأمر أن يقتلوا ولو تعلقوا بأستار الكعبة فلا يستلزم ذلك أنها فتحت عنوة ويمكن الجمع بين حديث أبي هريرة في أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالقتال وبين حديث عروة المتقدم المصرح بتأمينه صلى الله عليه وآله وسلم لهم وكذلك حديث سعد وحديث أبي بن كعب المذكوران بأن يكون التأمين علق على شرط وهو ترك قريش المجاهرة بالقتال فلما تفرقوا إلى دورهم ورضوا بالتأمين المذكور لم يستلزم أن أوباشهم الذين لم يقبلوا ذلك وقاتلوا خالد بن الوليد ومن معه حتى قاتلهم وهزمهم ان تكون البلد فتحت عنوة لأن العبرة بالأصول لا بالإتباع وبالأكثر لا بالأقل كذا قال الحافظ في الفتح ويجاب عنه بما تقدم في أول الباب من حديث أبي هريرة أن قريشا وبشت أوباشا لها وقالوا نقدم هؤلاء الخ فإنه يدل على أن غير الأوباش لم يرضوا بالتامين بل وقع التصريح في ذلك الحديث بأنهم قالوا فإن كان للأوباش شيء كنا معهم وإن أصيبوا أعطينا الذي سئلنا ومما احتج به الشافعي ما وقع في سنن أبي داود بإسناد حسن عن جابر أنه سئل هل غنمتم يوم الفتح شيئا قال لا ويجاب بأن عدم الغنيمة لا يستلزم عدم العنوة لجواز أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عليهم بالأموال كما من عليهم بالأنفس حيث قال إذهبوا فأتنم الطلقاء
ومن أوضح الأدلة على أنها فتحت عنوة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " وإنما أحلت لي ساعة من نهار " فإن هذا تصريح بأنها أحلت له في ذلك يسفك بها الدماء وإن حرمتها ذهبت فيه وعادت بعده ولو كانت مفتوحة صلحا لما كان لذلك معنى يعتد به وقد وقع في مسند أحمد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن تلك الساعة استمرت من صبيحة يوم الفتح إلى العصر واحتجت طائفة منهم الماوردي إلى أن بعضها فتح عنوة لما وقع من قصة خالد بن الوليد وقرر ذلك الحاكم في الإكليل وفيه جمع بين الأدلة
قال الحافظ في الفتح والحق أن صورة فتحها كان عنوة ومعاملة أهلها معاملة من دخلت بإمان ومنع قوم منهم السهيلي ترتيب عدم قسمتها وجواز بيع دورها وإجارتها على أنها فتحت صلحا وذكر المصنف رحمه الله لحديث عائشة وحديث علقمة بن نضلة في أحاديث الباب يشعر بأنه من القائلين بالترتب ولا وجه لذلك لأن الإمام مخير بين قسمة الأرض المغنومة بين الغانمين وبين إبقائها وقفا على المسلمين ويلزم من ذلك منع بيع دورها وأجارتها وأيضا قد قال بعضهم لا تدخل الأرض في حكم الأموال لأن من مضى كانوا إن غلبوا على الكفار لم يغنموا إلا الأموال وتنزل النار فتأكلها وتصير الأرض لهم عموما كما قال تعالى { ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم } الآية وقال تعالى { وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون مشارق الأرض ومغاربها } الآية (8/122)
باب بقاء الهجرة من دار الحرب إلى دار الإسلام وأن لا هجرة من دار أسلم أهلها (8/122)
1 - عن سمرة بن جندب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جامع المشرك وسكن معه فهو مثله "
- رواه أبو داود (8/122)
2 - وعن رير بن عبد الله " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث سرية إلى خثعم فاعتصم ناس بالسجود فاسرع فيهم القتل فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرهم بنصف العقل وقال أنا برئمن كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين قالوا يا رسول الله ولم قال لا تتراءى نارهما "
- رواه أبو داود والمنذري (8/123)
3 - وعن معاوية قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها "
- رواه أحمد وأبو داود (8/123)
4 - وعن عبد الله بن السعدي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنقطع الهجرة ما قوتل العدو "
- رواه أحمد والنسائي (8/123)
5 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فانفروا "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه لكن له منه " إذا استنفرتم فانفروا " وروت عائشة مثله متفق عليه (8/124)
6 - وعن عائشة وسئلت عن الهجرة فقالت " لا هجرة اليوم كان المؤمن يفر بدينه إلى الله ورسوله مخافة أن يفتن فأما اليمو فقد أظهر الله الإسلام والمؤمن بعبد ربه حيث شاء "
- رواه البخاري (8/124)
7 - وعن مجاشع بن مسعود أنه جاء بأخيه مجالد بن مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال " هذا مجالد جاء يبايعك على الهجرة فقال لا هجرة بعد فتح مكة ولكن أبايعه على الإسلام والإيمان والجهاد "
- متفق عليه (8/124)
- حديث سمرة قال الذهبي إسناده مظلم لا تقوم بمثله حجة . وحديث جرير أخرجه أيضا ابن ماجه ورجال إسناده ثقات ولكن صحح البخاري وأبو حاتم وأبو داود والترمذي والدارقطني إرساله إلى قيس بن أبي حازم ورواه الطبراني أيضا موصولا وحديث معاوية أخرجه أيضا النسائي قال الخطابي إسناده فيه مقال . وحديث عبد الله السعدي أخرجه أيضا ابن ماجه وابن منده والطبراني والبغوي وابن عساكر
قوله : " فهو مثله " فيه دليل على تحريم مساكنة الكفار ووجوب مفارقتهم والحديث وإن كان فيه المقال المتقدم لكن يشهد لصحته قوله تعالى { فلا تقعدوا معهم إنكم إذا مثلهم } وحديث بهز بن خكيم بن معاوية بن حيدة عن أبيه عن جده مرفوعا " لا يقبل الله من مشرك عملا بعد ما أسلم أو يفارق المشركين " قوله " لا تتراءى نارهما " يعني لا ينبغي أن يكونا بموضع بحيث تكون نار كل واحد منهما في مقابلة الأخرى على وجه لو كانت متمكنة من الإبصار لأبصرت الأخرى فإثبات الرؤية للنار مجاز
قوله : " ما قوتل العدو " فيه دليل على أن الهجرة باقية ما بقيت المقاتلة للكفار
قوله : " لا هجرة بعد الفتح " أصل الهجرة هجرة الوطن وأكثر ما تطلق على من رحل من البادية إلى القرية
قوله : " ولكن جهاد ونية " قال الطيبي وغيره هذا الاستدراك يقتضي مخالفة حكم ما بعده لما قبله والمعنى أن الهجرة التي هي مفارقة الوطن التي كانت مطلوبة على الأعيان إلى المدينة إنقطعت إلا أن المفارقة بسبب الجهاد باقية وكذلك المفارقة بسبب نية صالحة كالفرار من دار الكفر والخروج في طلب العلم والفرار بالدين من الفتن والنية في جميع ذلك
قوله : " إذا استنفرتم فانفروا " قال النووي أن الخير الذي انقطع بإنقطاع الهجرة يمكن تحصيله بالجهاد والنية الصالحة و إذا أمركم الإمام بالخروج إلى الجهاد ونحوه من الأعمال الصالحة فاخرجوا إليه
قال الطيبي أن قوله ولكن جهاد الخ معطوف على محل مدخول لا هجرة إلى الهجرة من الوطن أما للفرار من الكفار أو إلى الجهاد أو إلى غير ذلك كطلب العلم فانقطعت الأولى وبقيت الأخريان فاغتنموهما ولا تقاعدوا عنهما بل إذا استنفرتم فانفروا
قال الحافظ وليس الأمر في انقطاع الهجرة من الكفار على ما قال انتهى
وقد اختلف في الجمع بين أحاديث الباب فقال الخطابي وغيره كانت الهجرة فرضا من أول الإسلام على من أسلم لقلة المسلمين بالمدينة وحاجتهم للاجتماع فلما فتح الله مكة دخل الناس في دين الله أفواجا فسقط فرض الهجرة إلى المدينة وبقي فرض الجهاد والنية على من قام به أو نزل به عدو انتهى
قال الحافظ وكانت الحكمة أيضا في وجوب الهجرة على من أسلم ليسلم من اذى من يؤذيه من الكفار فإنهم كانوا يعذبون من أسلم منهم إلى أن يرجع عن دينه وفيهم نزلت { إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيما كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها } الآية وهذه الهجرة باقية الحكم في حق من أسلم في دار الكفر وقدر على الخروج منها
وقال الماوردي إذا قدر على إظهار الدين في بلد من بلاد الكفر فقد صارت البلد به دار إسلام فالإقامة فيها أفضل من الرحلة عنها لما يترجى من دخول غيره الإسلام ولا يخفى ما في هذا الرأي من المصادمة لأحاديث الباب القاضية بتحريم الإقامة في دار الكفر
وقال الخطابي أيضا أن الهجرة أفترضت لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة إلى حضرته للقتال معه وتعلم شرائع الدين وقد أكد الله ذلك في عدة آيات حتى قطع الموالاة بين من هاجر ومن لم يهاجر فقال { والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا } فلما فتحت مكة ودخل الناس في الإسلام من جميع القبائل انقطعت الهجرة الواجبة وبقي الاستحباب
وقال البغوي في شرح السنة يحتمل الجمع بطريق أخرى فقوله لا هجرة بعد الفتح أي من مكة إلى المدينة . وقوله " لا تنقطع " أي من دار الكفر في حق من أسلم إلى دار الإسلام قال ويحتمل وجها آخر وهو أن قوله لا هجرة أي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حيث كان بنية عدم الرجوع إلى الوطن المهاجر منه إلا بإذن فقوله لا تنقطع أي هجرة من هاجر على غير هذا الوصف من الأعراب ونحوهم وقد أفصح ابن عمر بالمراد فيما أخرجه الإسماعيلي بلفظ " انقطعت الهجرة بعد الفتح إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تنقطع الهجرة ما قوتل الكفار " أي ما دام في الدنيا دار كفر فالهجرة واجبة منها على من أسلم وخشي أن يفتن على دينه ومفهومه أنه لو قدر أن لا يبقى في الدنيا دار كفر إن الهجرة تنقطع لإنقطاع موجبها وأطلق ابن التين أن الهجرة من مكة إلى المدينة كانت واجبة وأن من أقام بمكة بعد هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة بغير عذر كان كافرا
قال الحافظ وهو إطلاق مردود
وقال ابن العربي الهجرة هي الخروج من دار الحرب إلى دار الإسلام وكانت فرضا في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم واستمرت بعده لمن خاف على نفسه والتي انقطعت أصلا هي القصد إلى حيث كان وقد حكى في البحر أن الهجرة عن دار الكفر واجبة إجماعا حيث حمل على معصية أو ترك أو طلبها الإمام بقوته لسلطانه وقد ذهب جعفر بن مبشر وبعض الهادوية إلى وجوب الهجرة عن دار الفسق قياسا على دار الكفر وهو قياس مع الفارق والحق عدم وجوبها من دار الفسق لأنها دار إسلام وإلحاق دار الإسلام بدار الكفر بمجرد وقوع المعاصي فيها على وجه الظهور ليس بمناسب لعلم الرواية ولا لعلم الدراية . وللفقهاء في تفاصيل الدور والأعذار المسوغة لترك الهجرة مباحث ليس هذا محل بسطها (8/125)
أبواب الأمان والصلح والمهادنة (8/125)
باب تحريم الدم بالأمان وصحته من الواحد (8/125)
1 - عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لكل غادر لواء يوم القيامة يعرف به "
- متفق عليه (8/126)
2 - عن أبي سعيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكل غادر لواء يوم القيانة يرفع له بقدر غدرته إلا ولا غادر أعظم غدرا من أمير عامة "
- رواه أحمد ومسلم (8/126)
3 - وعن علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ذمة المسلمين واحدة يسعى بها أدناهم "
- رواه أحمد (8/126)
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أن المرأة لتأخذ للقوم يعني تجير على المسلمين "
- رواه الترمذي وقال حسن غريب (8/127)
- حديث علي تقدم في أول كتاب الدماء وقد أخرجه أبو داود والنسائي والحاكم وأخرجه أيضا أحمد وأبو داود وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا بلفظ " يد المسلمين على من سواهم تتكافأ دماؤهم ويجير عليهم أدناهم ويرد عليهم أقصاهم وهم يد على من سواهم " ورواه ابن حبان في صحيحه من حديث ابن عمر مطولا ورواه ابن ماجه من حديث معقل بن يسار مختصرا بلفظ " المسلمون يد على سواهم تتكافأ دماؤهم " ورواه الحاكم عن أبي هريرة مختصرا بلفظ " المسلمون تتكافأ دماؤهم " ورواه من حديثه أيضا مسلم بلفظ " إن ذمة المسلمين واحدة فمن أخفر مسلما فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " وهو متفق عليه أيضا من حديث علي من طريق أخرى بأطول من هذا
وأخرجه البخاري من حديث أنس وأخرجه ابن أبي شيبة من حديث أبي عبيدة بلفظ " يجير على المسلمين بعضهم " وفي إسناده حجاج بن أرطأة وهو ضعيف
وأخرجه أيضا أحمد من حديث أبي أمامة بنحوه
وأخرجه أيضا الطيالسي في مسنده من حديث عمرو ابن العاص بلفظ " يجير على المسلمين أدناهم " ورواه أحمد من حديث أبي هريرة وحديث أبي هريرة المذكور في الباب رواه الترمذي من طريق يحيى بن أكثم حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم عن كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة فذكره ثم قال وفي الباب عن أم هانئ وهذا حديث حسن غريب انتهة
وقد تقدم حديث أم هانئ قريبا
وأخرج أبو داود والنسائي عن عائشة قالت إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز
قوله : " يعرف به " في رواية للبخاري ينصب وفي إخراج له يرى . ولمسلم من حديث أبي سعيد عند أستة قال ابن منير كأنه عومل بنقيض قصده لأن عادة اللواء أن يكون على الرأس فنصبه عند السفل زيادة في فضيحته لأن الأعين غالبا تمتد إلى الألوية فيكون ذلك سببا لامتدادها للذي بدأت له ذلك اليوم فيزداد بها فضيحة . قوله " بقدر غدرته " قال في القاموس والغدرة بالضم والكسر ما أغدر من شيء
قال القرطبي هذا خطاب منه للعرب بنحو ما كانت تفعل لأنهم كانوا يرفعون للوفاءراية بيضاء وللغدر راية سوداء ليلوموا الغادر ويذموه فاقتضى الحديث وقوع مثل ذلك للغادر ليشتهر بصفته في القيامة فيذمه أهل الموقف وقد زاد مسلم في رواية له " يقال هذه غدرة فلان " قال في الفتح وأما الوفاء فلم يرد فيه شيء ولا يبعد أن يقع كذلك وقد ثبت لواء الحمد لنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وفي حديث أنس وحديث أبي سعيد دليل على تحريم الغدر وغلظه ولا سيما من صاحب الولاية العامة لأن غدره يتعدى صرره إلى خلق كثير ولأنه غير مضطر إلى الغدر لقدرته على الوفاء قال القاضي عياض المشهوران هذا الحديث ورد في ذم الإمام إذا غدر في عهود لرعيته أو لمقابلة أو للأمامة التي تقلدها والتزم القيام بها فمن حاف فيها أو ترك الرفق فقد غدر بعهده وقيل المراد نهي الرعية عن الغدر بالإمام فلا تخرج عليه ولا تتعرض لمعصية لما يترتب على ذلك من الفتنة قال والصحيح الأول
قال الحافظ ولا أدري ما المانع من حمل الخبر على أعم من ذلك . وحكي في الفتح في موضع آخر أن الغدر حرام بالاتفاق سواء كان في حق المسلم أو الذمي
قوله : " يسعى بها أدناهم " أي أقلهم فدخل كل وضيع بالنص وكل شريف بالفحوى ودخل في الأدنى المرأة والعبد والصبي والمجنون فأما المرأة فيدل على ذلك حديث أبي هريرة وحديث أم هانئ المتقدم قال ابن المنذر أجمع أهل العلم على جواز أمان المرأة إلا شيئا ذكره عبد الملك ابن الماجشون صاحب مالك لا أحفظ ذلك عن غيره قال أن أمر الأمان إلى الأمام وتأول ما ورد مما يخالف ذلك على قضايا خاصة قال ابن المنذر وفي قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " يسعى بذمتهم أدناهم " دلالة على إغفال هذا القائل قال في الفتح وجاء عن سحنون مثل قول ابن الماجشون فقال هو إلى الأمام إن أجازه جاز وإن رده رد انتهى
وأما العبد فأجاز الجمهور امانه قاتل أو لم يقاتل وقال أبو حنيفة أن قاتل جاز أمانه وإلا فلا وقال سحنون إن إذن له سيده في القتال صح أمانه وإلا فلا
وأما الصبي فقال ابن المنذر أجمع أهل العلم أن أمان الصبي غير جائز قال الحافظ وكلام غيره يشعر بالتفرقة بين المراهق وغيره وكذا المميز الذي يعقل والخلاف عن المالكية والحنابلة وأما المجنون فلا يصح أمانه بلا خلاف كالكافر لكن قال الأوزاعي إن غزا الزمن مع المسلمين فأمن أحدا فإن شاء الإمام أمضاه وإلا فليرده إلى مأمنه . وحكى ابن المنذر عن الثوري أنه استثنى من الرجال الأحرار الأسير في أرض الحرب فقال لا ينفذ أمانه وكذلك الأجير (8/127)
باب ثبوت الأمان للكافر إذا كان رسولا (8/127)
1 - عن ابن مسعود قال " جاء ابن النواحة وابن أثال رسولا مسيلمة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها أتشهد أن أني رسول الله قالا نشهد أن مسيلمة رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آمنت بالله ورسوله لو كنت قاتلا رسولا لقتلتكما قال عبد الله فمضت السنة أن الرسل لا تقتل "
- رواه أحمد (8/128)
2 - وعن نعيم بن مسعود الأشجعي قال " سمعت حين قريء كتاب مسيلمة الكذاب للرسولين فما تقولان أنتما نقول كما قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لولا أن الرسل لا تقتل لضربت أعناقكما "
- رواه أحمد وأبو داود (8/128)
3 - وعن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال بعثتني قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقع في قلبي الإسلام فقلت يا رسول الله لا أرجع إليهم قال إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد ولكن أرجع إليهم فإن كان في قلبك الذي فيه الأن فارجع "
- رواه أحمد وأبو داود وقال هذا كان في ذلك الزمان اليوم لا يصلح . ومعناه والله أعلم أنه كان في المرة التي شرط لهم فيها أن يرد من جاءه منهم مسلما (8/128)
- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا الحاكم وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي مختصرا . وحديث نعيم بن مسعود سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص وأخرج أبو نعيم في الصحابة أن مسليمة بعث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة وتين وابن شغاف الحنفي وابن النواحة فأما وتين فأسلم وأما الآخران فشهدا أنه رسول الله وأن مسيلمة من بعده فقال خذوهما فأخذا فخرجوا بهما إلى البيت فحبسا فقال رجل هبهما لي يا رسول الله ففعل . وحديث أبي رافع أخرجه أيضا النسائي وصححه ابن حبان
قوله : " ابن النواحة " بفتح النون وتشديد الواو وبعد الألف مهملة وفي سنن أبي داود من طريق حارثة بن مضرب أنه أتى عبد الله يعني ابن مسعود فقال ما بيني وبين أحد من العري حنة وإني مررت بمسجد لبني حنيفة فإذا هم يؤمنون بمسيلمة فأرسل إليهم عبد الله فجيء بهم فاستتابهم غير ابن النواحة قال له سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لولا أنك رسول لضربت عنقك فأنت اليوم لست برسول فأمر قرظة بن كعب فضرب عنقه في السوق ثم قال من أراد أن ينظر إلى ابن النواحة قتيلا في السوق
قوله : " وابن أثال " بضم الهمزة وبعددها مثلثة
قوله : " لا أخيس " بالخاء المعجمة والسين المهملة بينهما مثناة تحتية أي لا أنقض العهد من خاس الشيء في الوعاء إذا فسد
قوله : " ولا أحبس " بالحاء المهملة والموحدة ( والحديثان ) إلا ولإن يدلان على تحريم قتل الرسل الواصلين من الكفار وأن تكلموا بكلمة الكفر في حضرة الإمام أو سائر المسلمين ( والحديث ) الثالث فيه دليل على أنه يجب الوفاء بالعهد للكفار كما يجب للمسلمين لأن الرسالة تقتضي جوابا يصل على يد الرسول فكان ذلك بمنزلة عقد العهد (8/129)
باب ما يجوز من الشروط مع الكفار ومدة المهادنة وغير ذلك (8/129)
1 - عن حذيفة بن اليمان " قال ما منعني أن أشهد بدرا إلا أني خرجت أنا وأبي الحسيل قال فأخذنا كفار قريش فقالوا أنكم تريدون محمدا فقلنا ما نريده وما نريد إلا الندينة قال فأخذوا منا عهد الله وميثاقه لننطلق إلى المدينة ولا نقاتل معه فأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرناه الخبر فقال انصرفا نفى لهم بعهدهم ونستعين الله عليهم "
- رواه أحمد ومسلم . وتمسك به من رأي يمين المكره منعقدة (8/129)
2 - وعن أنس " أن قريشا صالحوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فاشترطوا عليه أن من جاء منكم لا ترده ترده عليكم ومن جاء رددتموه علينا فقالوا يا رسول الله أنكتب هذا قال نعم إنه من ذهب منا إليه فأبعده الله ومن جاء منهم سيجعل الله له فرجا ومخرجا "
- رواه أحمد ومسلم (8/130)
- قوله " وأبي الحسيل " بضم الحاء المهملة وفتح السين المهملة أيضا وسكون الياء بلفظ التصغير وهو والد حذيفة فيكون لفظ الحسيل عطف بيان
قوله : " فاشترطوا عليه إن من جاء منكم " الخ في لفظ البخاري الآتي بعد هذا أن سهيلا قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا
قوله : " فقالوا يا رسول الله " الخ سمي الواقدي جماعة ممن قال ذلك منهم أسيد بن حضير وسعد بن عبادة وذكر البخاري في المغازي أن سهل بن حنيف كان ممن أنكر ذلك أيضا وقال الحافظ في الفتح وقائل ذلك يشبه أن يكون هو عمر . ولابن عائد من حديث ابن عباس نحوه وسيأتي بعد هذا الحديث بسط قصة الصلح وقد أطال ابن إسحاق في القصة وزاد على ما عند غيره وقد استدل المصنف بالحديثين المذكورين على جواز مصالحة الكفار على ما وقع فيهما وسيأتي بشط الكلام في ذلك (8/130)
3 - وعن عروة بن الزبير عن المسور ومروان يصدق كل واحد منهما حديث صاحبه " قالا خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية حتى إذا كان ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة فأنطلق بركض نذيرا لقريش وسار النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به ناقته فقال الناس حل حل فالحت فقالوا خلات القصواء خلات القصواء فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلات القصواء وما ذاك لها يخلق ولكن حبسها حابس الفيل قال والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطينهم إياها ثم زجرها فوثبت قال فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل يتربضه الناس تبرضا فلم يلبث الناس حتى نزجوه وشكى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العطش فانتزع سهما من كنانته ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله مازال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه فبيناهم كذلك إذ جاءهم بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهل تهامة فقال أني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا اعدادا مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادقوك عن بيت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نجئ لقتال أحد ولكن جئنا معتمرين وإن قريش قد نهكتكم الحرب وأضرت بهم فإن شاؤا ماددتهم مدة ويحلو بيني وبين الناس فإن أظهر فإن شاؤا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا وقد جموا وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلتهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو لينفذن الله أمره فقال بديل سأبلغهم ما تقول فانطلق حتى أتى قريش فقال إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل وقد سمعناه يقول قولا فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ققال سفهاؤهم لا حاجة لنا إلى ان تخبرنا عنه بشيء وقال ذو الرأي منهم هات ما سمعته يقول سمعته يقول كذا وكذا فحدثهم بما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام عروة بن مسعود فقال أي قوم ألستهم بالوالد قالوا بلى قال أو لست بالولد قالوا بلى قال فهل تتهموني قالوا لا قال ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني قالوا بلى قال فإن هذا قد عرض عليكم خطة رشد أقبلوها وذروني آته قالوا أئته فأتاه فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو من قوله لبديل فقال عروة عند ذلك أي محمد أرأيت إن استأصلت أمر قومك هل سمعت بأحد من العرب أجتاح أصله قبلك وأن تكن الأخرى فإني والله لأرى وجوها أو أني لأرى أشوابا من الناس خليقا أن يفروا ويدعوك فقال له أبو بكر أمصص ببظر اللات إن نحن نفر عنه وندعه فقال من ذا قالوا أبو بكر فقال أما والذي نفسي بيده لولا يد كانت لك عندي ولم أجزك بها لأجبتك قال وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلما كلمه أخذ بلحيته والمغيرة قائم على رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعه سيف وعليه المغفر فكلما أهوى عروة بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضرب يده بنصل السيف وقال أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرفع عروة رأسه فقال من هذا قالوا المغيرة بن شعبة قال أي غدر ألست أسعى في غدرتك وكان المغيرة صحب قوما في الجاهلية قتلهم وأخذ أموالهم ثم جاء فأسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الإسلام فاقبل وأما المال فلست منه في شيء
ثم أن عروة جعل يرمق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعينه قال فوالله ما تنخم صلى الله عليه وآله وسلم يخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها وجهه وجلده وإذا أمرهم بأمر ابتدروا أمره وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عند وما يحدون إليه النظر تعظيما له فرجع عروة إلى أصحابه فقال أي قوم والله لقد وفدت على الملوك ووفدت على قيصر وكسرى و النجاشي والله إن رأيت ملكا قط تعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمد محمدا والله تنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك وجهه وجلده وإذا أمرهم ابتدروا أمره وإذا توشأ كادوا يقتتلون على وضوئه وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده وما يحدون إله النظر تعظيما له وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها فقال رجل من بني كنانة دعوني آته فقالوا أئته فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا فلان وهو من قوم يعظمون البدن فابعثوها له فبعثوها له واستقبله الناس يلبون فلما رأى ذلك قال سبحان الله ما ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت فلما رجع إلى أصحابه قال رأيت البدن قد قلدت وأشعرت فما أرى أن يصدوا عن البيت فقام رجل منهم يقال له مكرز بن حفص فقال دعوني آته فقالوا ائته فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا مكرز بن حفص وهو رجل فاجر فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبينا هو يكلمه جاء سهيل بن عمرو قال معمر فأخبرني أيوب عن عكرمة أنه لما جاء سهيل قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد سهل الله لكم من أمركم قال معمر قال الزهري في حديثه فجاء سهيل بن عمرو فقال هات أكتب بيننا وبينكم كتابا فدعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكاتب فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكتب بسم الله الرحمن الرحيم فقال سهيل أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو لكن أكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب فقال المسلمون والله لا نكتبها إلا بسم الله الرحمن الرحيم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اكتب باسمكم اللهم ثم قال هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال سهيل والله لو كنا نعلم إنك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك ولكن اكتب محمد بن عبد الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إني لرسول الله وإن كذبتموني اكتب محمد بن عبد الله قال الزهري وذلك لقوله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أن تخلو بيننا وبين البيت فنطوف به قال سهيل والله لا تتحدث العرب إنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل فكتب سهيل وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا قال المسلمون سبحان الله كيف يرد إلى المشركين من جاء مسلما فبيناهم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف في قيوده وقد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل هذا محمد أول ما أقاضيك عليه أن ترده إلي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا لم نقض الكتاب بعد قال فوالله أذن لا أصالحك على شيء أبدا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجره لي فقال ما أنا بمجيره لك فقال بلى فأفعل قال ما أنا بفاعل قال مكرز بلى قد أجرناه لك قال أبو جندل أي معشر المسلمين أرد إلى المشركين وقد جئت مسلما ألا ترون ما قد لقيت وكان قد عذب عذابا شديدا في الله قال فقال عمر بن الخطاب فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت ألست نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا قال إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري قلت أو ليس كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت فنطوف به قال بلى فأخبرتك إنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك آتيه ومطوف به
قال فأتيت أبا بكر فقلت با أبا بكر أليس هذا نبي الله حقا قال بلى قلت ألسنا على الحق وعدونا على الباطل قال بلى قلت فلم نعطي الدنية في ديننا إذن قال أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه وهو ناصره فاستمسك بغرزه فوالله إنه على الحق قلت اليس كان يحدثنا أنا سنأتي البين ونطوف به قال بلى إفأخبرك أنك تأتيه العام قلت لا قال فإنك إذن آتيه ومطوف به قال عمر فعملت لذلك أعمالا فلما فرغ من قضية الكتاب قال صلى الله عليه وآله وسلم لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا فوالله ما قام منهم أحد حتى قال ذلك ثلاث مرات فلما لم يقم منهم أحد دخل على أم سلمة فذكر لها ما لقي من الناس فقالت أم سلمة يا نبي الله أتحب ذلك أخرج ولا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقا فيحلقك فخرج فلم يكلم أحدا منهم حتى فعل ذلك نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه فلمارأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غما ثم جاء نسوة مؤمنات فأنزل الله عز و جل يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات مهاجرات حتى بلغ بعصم الكوافر فطلق عمر يومئذ إمرأتين كانتا في الشرك فتزوج إحداهما معاوية ابن أبي سفيان والأخرى صفوان بن أمية ثم رجع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة فجاءه أبو بصير رجل من قريش وهو مسلم فأرسلوا في طلبه رجلين العهد الذي جعلت لنا فدفعه إلى الرجلين فخرجا به حتى بلغا ذا الحليفة فنزلوا يأكلون تمرا لهم فقال أبو بصير لأحد الرجلين والله إني لا أرى سيفك هذا يا فلان جيدا فاستله الآخر فقال أجل والله إنه لجيد لقد جربت به ثم جربت فقال أبو بصير أرني أنظر إليه فأمكنه منه فضربه به حتى برد وفر الآخر حتى أتي المدينة فدخل المسجد يدعو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين رآه لقد رأى هذا ذعرا فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال قتل والله صاحبي وإني لمقتول فجاء أبو بصير فقال يا نبي الله قد أوفي الله ذمتك قد رددتني إليهم ثم أنجاني الله منهم
فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان له أحد فلما سمع ذلك عرف أنه سيرده إليهم فخرج حتى أتى سيف البحر قال وتفلت منهم أبو جندل بن سهل فلحق بأبي بصير فجعل لا يخرج من قريش رجل قد أسلم إلا لحق بأبي بصير حتى اجتمعت منهم عصابة فوالله ما يسمعون بعيرا خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها فقتلوهم وأخذوا أموالهم فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم فمن أتاه منهم فهو آمن فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم وأنزل الله عز و جل وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم حتى بلغ حمية الجاهلية وكان حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي ولم يقروا ببسم الله الرحمن الرحيم وحالوا بينه وبين البيت "
- رواه أحمد والبخاري . ورواه أحمد بلفظ آخر وفيه " هذا ما اصطلح عليه محمد بن عبد الله وسهيل بن عمرو على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس وفيه وإن بيننا عيبة مكفوفة وإنه لا إغلال ولا إسلاس وكان في شرطهم حين كتبوا الكتاب أنه من أحب أن يدخل في عقد محمد وعهده دخل فيه ومن أحب أن يدخل عقد قريش وعهدهم دخل فيه فتواثبت خزاعة فقالوا نحن في عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعهده وتواثبت بنو بكر فقالوا نحن في عقد قريش وعهدهم وفيه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا جندل إصبر واحتسب فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين فرجا ومخرجا وفيه فكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في الحرم وهو مضطرب في الحل " (8/130)
4 - وعن مروان والمسور قالا " لما كاتب سهيل بن عمرو يومئذ كان فيما اشترط على النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يأتيك أحد منا وإن كان على دينك إلا رددته إلينا وخليت بيننا وبينه فكره المسلمون ذلك وامتعضوا منه وأبي سهيل إلا ذلك فكاتبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك فرد يومئذ أبا جندل إلى أبيه سهيل ولم يأته أحد من الرجال إلا رده في تلك المدة وإن كان مسلما وجاء المؤمنات مهاجرات وكانت أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط ممن خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ وهي عاتق فجاء أهلها يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرجعها إليهم فلم يرجعها إليهم لما أنزل الله عز و جل فيهن إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن إلي ولاهم يحلون لهن "
- رواه البخاري (8/131)
5 - وعن الزهري قال " عروة فأخبرتني عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يمتحنهن وبلغنا أنه لما أنزل الله أن يردوا إلى المشركين ما أنفقوا على من هاجر من أزواجهن وحكم على المسلمين أن لا يمسكوا بعصم الكوافر أن عمر طلق إمرأتين قريبة بنت أبي أمية وابنة جرول الخزاعي فتزوج قريبة معاوية وتزوج الأخرى أبو جهم فلما أبى الكفار أن يقروا بأداء ما أنفق المسلمون على أزواجهم أنزل الله تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم والعقاب ما يؤدي المسلمون إلى من هاجرت إمرأته من الكفار فأمر أن يعطي من ذهب له زوج من المسلمين ما أنفق من صداق نساء الكفار اللاتي هاجرن وما يعلم أحد من المهاجرات ارتدت بعد إيمانها "
- أخرجه البخاري
قوله : " الأحابيش " أي الجماعة المجتمعة من قبائل والتحبش التجمع والجنب الأمر يقال ما فعلت كذا في جنب حاجتي وهو أيضا القطعة من الشيء يكون معظمه أو كثيرا منه محروبين أي مسلوبين قد أصيبوا بحرب ومصيبة ويروى موتورين والمعنى واحد . وقوله " العوذ المطافيل " يعني النساء والصبيان والعائذ الناقة القريب عهدها بالولادة والمطفل التي معها فصيلها وحل حل زجر للناقة وألحت أي لزمت مكانها وخلأت أي حرنت . والثمد الماء القليل . والتبرض أخذه قليلا قليلا والبرض القليل والأعداد جمع عد وهو الماء الذي لا انقطاع لمادته . وجاشت بالرأي أي فارت به . وعيبة نصحه أي موضع سره لأن الرجل يضع في عيبته حر متاعه . وجمعوا أي استراحوا والسالفة صفحة العنق والخطة الأمر والشأن . والأشواب الأخلاط من الناس مقلوب الأوباش . والضغطة بالضم الشدة والتضييق . والرسف مشى المقيد . والغرز للرجل بمنزلة الركاب من السرج . وقوله " حتى برد " أي مات ومسعر حرب أي موقد حرب والمسعر والمسعار ما يحمي به النار من الخشب ونحوه . وسيف البحر ساحله وامتعضوا منه كرهوا وشق عليهم . والعاتق الجارية حين تدرك . والعيبة المكفوفة المشرجة وكني بذلك عن القلوب ونقائها من الغل والخداع . والإغلال الخيانة . والإسلال من السلة وهي السرقة وقد جمع هذا الحديث فوائد كثيرة فنشير إلى بعضها إشارة تنبه من يتدبره على بقيتها . فيه أن ذا الحليفة ميقات للعمرة كالحج وأن تقليد الهدى سنة في نفل النسك وواجبه وإن الإشعار سنة وليس من المثلة المنهي عنها وأن أمير الجيش ينبغي له أن يبعث العيون العيون أمامه نحو العدو وإن الاستعانة بالمشرك الموثوق به في أمر الجهاد جائز للحاجة لأن عينة الخزاعي كان كافرا وكانت خزاعة مع كفرها عيبة نصحه وفيه استحباب مشورة الجيش إما لاستطابة نفوسهم أو استعلام مصلحة
وفيه جواز سبي ذرارى المشركين بلإنفرادهم قبل التعرض لرجالهم وفي قول أبي بكر لعروة جواز التصريح باسم العورة لحاجة ومصلحة وأنه ليس بفحش منهى عنه وفي قيام المغيرة على رأسه بالسيف استحباب الفخر والخيلء في الحرب لإرهاب العدو وأنه ليس داخل بذمة لمن أحب أن يتمثل له الناس قياما وفيه أن مال المشرك المعاهد لا يملك بغنيمة بل يرد عليه
وفيه بيان طهارة النخامة والماء المستعمل
وفيه استحباب التفاؤل وإن المكروه الطيرة وهي التشاؤم
وفيه أن المشهود عليه إذا عرف باسمه واسم أبيه أغني عن ذكر الجد
وفيه أن مصالحة العدو ببعض ما فيه ضيم على المسلمين جائزة للحاجة والضرورة دفعا لمحذور أعظم منه
وفيه أن من وعد أو حلف ليفعلن كذا ولم يسم وقتا فإنه على التراخي وفيه أن الإحلال نسك على المحصروان له نحر هدية بالحل لأن الموضع الذي نحروا فيه بالحديبية من الحل بدليل قوله تعالى والهدى معكوفا أن يبلغ محله
وفيه أن مطلق أمره عليه السلام على الفور وأن الأصل مشاركة أمته له في الأحكام
وفيه أن شرط الرد لا يتناول من خرج مسلما إلى غير بلد الإمام وفيه أن النساء لا يجوز شرط ردهن للآية وقد أختلف في دخولهن في الصلح فقيل لمن يدخلن فيه لقوله على أن لا يأتيك منا رجل إلا رددته وقيل دخلن فيه لقوله في رواية أخرى لا يأتيك منا أحد لكن نسخ ذلك أو بين فساده بالآية وفيما ذكرناه تنبيه على غيره (8/131)
- قوله " عن المسور ومروان " هذه الرواية بالنسبة إلى مروان مرسلة لأنه لا صحبة له وأما المسور فهي بالنسبة إليه أيضا مرسلة لأنه لم يحضر القصة وقد ثبت في رواية للبخاري في أول كتاب الشروط من صحيحه عن الزهري عن عروة أنه سمع المسور ومروان يخبران عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرا بعض هذا الحديث وقد سمع المسور ومروان من جماعة من الصحابة شهدوا هذه القصة كعلي وعمر وعثمان والمغيرة وأم سلمة وسهل بنف وغيرهم ووقع في بعض هذه الأحاديث شيء يدل على أنه عن عمر كما سيأتي التنبيه عليه في مكانه
وقد روى أبو الأسود عن عروة هذه القصة فلم يذكر المسور ولا مروان لكن ئارسلها وكذلك أخرجها ابن عائذ في المغازي وأخرجها الحاكم في الإكليل من طريق أبي الأسود ايضا عن عروة منقطعة
قوله : " زمن الحديبية " هي بئر سمي المكان بها وقيل شجرة حدباء صغرت وسمي المكان بها قال قال المحب الطبري الحديبية قرية من مكة أكثرها في الحرم . ووقع عند ابن سعد أنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج يوم الاثنين لهلال ذي القعدة زاد سفيان عن الزهري في رواية ذكرها البخاري في المغازي وكذا في رواية أحمد عن عبد الرزاق في بضع عشرة مائة فلما أتى ذا الحليفة قلد الهدى وأحرم منها بعمرة وبعث عينا له من خزاعة وروى عبد العزيز الأفاقي عن الزهري في هذا الحديث عن ابن أبي شيبة خرج صلى الله عليه وآله وسلم في ألف وثمانمائة وبعث عينا له من خزاعة يدعى ناجية يأتيه بخبر قريش كذا سماه ناجية والمعروف أن ناجية اسم الذي بعث معه الهدي كما جزم به ابن إسحاق وغيره وأما الذي بعثه عينا لخبر قريش فاسمه بسر بن سفيان كذا سماه ابن إسحاق وهو بضم الموحدة وسكون المهملة على الصحيح
قوله : " بالغميم " بفتح المعجمة وحكي عياض فيها التصغير قال المحب الطبري يظهر أن المراد كراع الغميم الذي وقع ذكره في الصيام هو الذي بين مكة والمدينة انتهى . وسياق الحديث أنه كان قريبا من الحديبية فهو غير كراع الغميم الذي بين مكة والمدينة وأما الغميم هذا فقال ابن حبيب هو مكان بين رابغ والجحفة وقد بين ابن سعدان خالدا كان بهذا الموضع في مائتي فارس فيهم عكرمة بن أبي جهل والطليعة مقدمة الجيش
قوله : " بقترة " بفتح القاف والمثناة من فوق وهو الغبار الأسود وفي نسخة من هذا الكتاب بغبرة بالغين المعجمة وسكون الموحدة
قوله : " حتى إذا كان بالثنية " في رواية ابن إسحاق فقال صلى الله عليه وآله وسلم من يخرجنا على طريق غير طريقهم التي هم بها قال فحدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم أن رجلا من أسلم قال أنا يا رسول الله فسلك بهم طريقا وعرا فلما خرجوا منه بعد أن شق عليهم وأفضوا إلى أرض سهلة قال لهم استغفروا الله ففعلوا فقال والذي نفسي بيده إنها للحطة التي عرضت على بني إسرائيل فامتنعوا وهذه الثنية هي ثنية المرار بكسر الميم وتخفيف الراء وهي طريق في الجبل تشرف على الحديبية وزعم الداودي أنها الثنية التي أسفل مكة وهو وهم وسمى ابن سعد الذي سلك بهم حمزة بن عمرو الأسلمي
قوله : " بركت به ناقته " في رواية للبخاري راحلته . وحل بفتح الحاء المهملة وسكون اللام كلمة تقال للناقة إذا تركت السير وقال الخطابي إن قلت حل واحدة فبالسكون وإن أعدتها نونت في الأول وسكنت في الثانية وحكى غيره السكون فيها والتنوين كنظيره في بخ بخ حلحلت فلانا إذا أزعجته عن موضعه قوله " فالحت " بتشديد المهملة أو تمادت على عدم القيام وهو من الإلحاح
قوله " خلأت " الخلاء بالمعجمة وبالمد للإبل كالحران للخيل وقال ابن قتيبة لا يكون الخلاء إلا للنوق خاصة
وقال ابن فارس لا يقال للجمل خلأ ولكن الخ والقصواء بفتح القاف بعدها مهملة ومد اسم ناقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قيل كان طرف أذنها مقطوعا والقصو القطع من طرف الأذن وكان القياس بأن تكون بالقصر وقد وقع ذلك في بعض نسخ أبي ذر . وزعم الداودي أنها كانت لا تسبق فقيل لها قصواء لأنها بلغت من السبق أقصاه
قوله : " وما ذاك لها بخلق " أي بعادة قال ابن بطال وغيره في هذا الفصل جواز الاستتار عن طلائع المشركين ومفاجأتهم بالجيش طلبا لغرتهم وجواز التنكب عن الطريق السهل إلى الوعر للمصلحة وجواز الحكم على الشيء بما عرف من عادته وإن جاو أن يطرأ عليه غيره وإذا وقع من شخص هفوة لا يعهد منه مثلها لا ينسب إليها ويرد على من نسبه إليها ومعذرة من نسبه ممن لا يعرف صورة الحال
قوله : " حبسها حابس الفيل " زاد ابن إسحاق عن مكة أي حبسها الله تعالى عن دخول مكة كما حبس الفيل عن دخولها وقصة الفيل مشهورة ومناسبة ذكرها أن الصحابة لو دخلوا مكة على تلك الصورة وصدهم قريش عن ذلك لوقع بينهم قتال يفضي إلى سفك الدماء ونهب الأموال كما لو قدر دخول الفيل وأصحابه مكة لكن سبق في علم الله تعالى في الموضعين أنه سيدخل في الإسلام خلق منهم وسيخرج من أصلابهم ناس يسلمون ويجاهدون زكان بمكة في الحديبية جمع كثير مؤمنون من المستضعفين من الرجال والنساء والولدان فلو طرق الصحابة مكة لما أمن أن يصاب منهم ناس بغير عمد كما أشار إليه تعالى في قوله { ولولا رجال مؤمنون } ووقع للمهلب جواز استبعاد هذه الكلمة وهي حابس الفيل على الله تعالى فقال المراد حبسها أمر الله عز و جل وتعقب أنه يجوز إطلاقه في حق الله تعال فيقال حبسها الله حابس الفيل كذا أجاب ابن المنير وهو مبني على الصحيح من أن الأسماء توفيقية وقد توسط الغزالي وطائفة فقالوا محل المنع ما لم يرد نص بما يشتق منه بشرط أن لا يكون ذلك السم المشتق مشعرا بنقص فيجوز تسميته بواقي لقوله تعالى { ومن تق السيآت يومئذ فقد رحمته } ولا يجوز تسميته البناء زإن ورد قوله تعالى { والسماء بنيناها بأيد }
قال في الفتح وفي هذه القصة جواز التشبيه من الجهة العامة وإن اختلفت الجه الخاصة لأن أصحاب الفيل كانوا على باطل محض وأصحاب هذه الناقة كانوا على حق محض ولكن جاء النشبيه من جهة إرادة الله تعالى منع الحرم مطلقا أما من أهل الباطل فواضح وأما من أهل الحق فللمعنى الذي تقدم ذكره
وقال الخطابي معنى تعظيم حرمات الله في هذه القصة ترك القتال في الحرم والجنوح إلى المسالمة والكف عن إرادة سفك الدماء
قوله : " والذي نفسي بيده " قال ابن القيم وقد حفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحلف في أكثرمن ثمانين موضعا
قوله : " خطة " بضم الخاء المعجمة أي خصلة يعظمون فيها حرمات الله أي من ترك القتال في الحرم وقيل المراد بالحرمات حرم الحرم والشهر الإحرام
قال الحافظ وفي الثلث نظر لأنهم لو عظموا والإحرام ما صدوه ووقع في رواية لابن إسحاق يسألونني فيها صلة الرحم وهي من جملة حرمات الله
قوله : " ألا أعطينهم إياها " أي أجبتم إليها قال السهيلي لم يقع في شيء من طرق الحديث أنه قال إن شاء الله مع أنه مأمور بها في كل حالة والجواب أنه كان أمرا واجبا حتما فلا يحتاج فيه إلى الاستثناء كذا قال وتعقب بأنه تعلى قال في هذه القصة لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين فقال إن شاء الله مع تحقق وقوع ذلك تعليما وإرشادا فالأولي أن يحمل على أن الاستثناء سقط من الراوي أو كانت القصة قبل نزول الأمر بذلك ولا يعارضه كون الكهف مكية إذ لا مانع أن يتأخر نزول بعض السورة
قوله " ثم زجرها أي الناقة " فوثبت أي قامت
قوله : " علي ثمد " بفتح المثلثة والميم أي حفيرة فيها ماء قليل يقال ماء مثمود أي قليل فيكون لفظ قليل بعد ذلك تأكيد تادفع توهم أن يراد لغة من يقول أن الثمد الماء الكثير وقيل الثمد ما يظهر من الماء في الشتاء ويذهب في الصيف
قوله : " يتبرضه الناس " بالموحدة وتشديد الراء وبعدها ضاد معجمة وهو الأخذ قليلا قليلا وأصل البرض بالفتح والسكون اليسير من العطاء وقال صاحب العين هو جمع الماء بالكفين قوله " فلم يلبث " لفظ البخاري فلم يلبثه بضم أوله وسكون اللام من الإلباث وقال ابن التين بفتح اللام وكسر الموحدة المثقلة أي لم يتركوه يلبث أي يقيم . قوله " وشكى " بضم أوله على البناء للمجهول . " فانتزع سهما " من كنانته أي أخرج سهما من جعبته
قوله : " ثم أمرهم أن يجعلوه فيه " في رواية ابن إسحاق أن ناجية بن جندب هو الذي نزل بالسهم وكذا رواه ابن سعد قال ابن إسحاق وزعم بعض أهل العلم أنه البراء بن عازب وروى الواقدي أنه خالد بن عبادة الغفاري ويجمع بأنهم تعاونوا على ذلك بالحفر وغيره وفي البخاري في المغازي من حديث البراء في قصة الحديبية أنه صلى الله عليه وآله وسلم جلس على البئر ثم دعا بإناء فمضمض ودعا ثم صبه فيها ثم قال دعوها ساعة ثم أنهم ارتووا بعد ذلك ويمكن الجمع بوقوع الأمرين جميعا
قوله : " يجيش " بفتح أوله وكسر الجيم وآخره معجمة أي يفور . وقوله " بالري " بكسر الراء ويجوز فتحها . زقوله " صدروا عنه " أي رجعوا رواء بعد ورودهم
قوله : " بديل " بموحدة مصغرا ابن ورقاء بالقاف والمد صاحبي مشهور
قوله : " في نفر من قومه " سمى الواقدي منهم عمرو بن سالم وخراش بن أمية وفي رواية أبي الأسود عن عروة منهم خارجة بن كرز ويزيد بن أمية كذا في الفتح
قوله : " وكانوا عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " العيبة " بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها موحدة ما يوضع فيه الثياب لحفظها أي أنهم موصع النصح له والأمانة على سره ونصح بضم النون وحكى ابن التين فتحها كأنه شبه الصدر الذي هو مستودع السر بالعيبة التي هي مستودع الثياب
وقوله " من أهل تهامة " بكسر المثناة وهي مكة وما حولها وأصلها من التهم وهو شدة الحرور كود الريح
قوله : " إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي " إنما اقتصر على هذين لكون قريش الذين كانوا بمكة أجمع ترجع أنسابهم إليهما وبقي من قريش بنو سامة ابن لؤي وبنو عوف بن لؤي ولم يكن بمكة منهم أحدا وكذلك قريش الظواهر الذين منهم بنو تميم بن غلب ومحارب بن فهر قال هشام بن الكلبي بنو عامر بن لؤي وكعب بن لؤي هما الصريحان لا شك فيهما بخلاف سامة وعوف أي ففيهما الخلاف قال وهم قريش البطاح أي بخلاف قريش الظواهر
قوله : " نزلوا أعدادا مياه الحديبية " الأعداد بالفتح جمع عد بالكسر والتشديد هو الما الذي لا إنقطاع له . وغفل الداودي فقال هو موضع بمكة وقول بديل هذا يشعر بأنه كان بالحديبية مياه كثيرة وأن قريشا سبقوا إلى النزول عليها فلذا عطش المسلمون حين نزلوا على الثمد المذكور
قوله : " معهم العوذ المطافيل " العوذ بضم المهملة وسكون الواو بعدها معجمة جمع عائذ وهي الناقة ذات اللبن والمطافيل الأمهات اللائي معها أطفالها يريد أنهم خرجوا معهم بذوات الألبان من الإبل ليتزودوا ألبانها ولا يرجعوا حتى يمنعوه أو كني بذلك عن النساء معهم الأطفال والمراد أنهم خرجوا معهم بنسائهم وأولادهم لإرادة طول المقام وليكون أدعى إلى عدم الفرار قال الحافظ ويحتمل إرادة المعنى الأعم قال ابن فارس كل أنثى إذا وضعت فهي سبعة أيام عائذ والجمع عوذ كأنها سميت بذلك لأنها تعوذ ولدها وتلتزم الشغل به
وقال السهيلي سميت بذلك وإن كان الولد هو الذي يعوذ بها لأنها تعطف عليه بالشفقة والحنو كما قالوا تجارة رابحة وإن كان مربوحا فيها ووقع عند ابن سعد معهم العوذ المطافيل والنساء والصبيان
قوله : " قد نهكتهم " بفتح أوله وكسر الهاء أي أبلغت فيهم حتى أضعفتهم إما أضعفت قوتهم وإما أضعفت أموالهم
قوله : " ماددتهم " أي جعلت بيني وبينهم مدة نترك الحرب بيننا وبينهم فيها والمراد بالناس المذكورين سائر كفار العرب وغيرهم
قوله : " فإن أظهر فإن شاؤوا " هو شرط بعد شرط والتقدير فإن ظهر على غيرهم كفاهم المؤنة وإن أظهرانا على غيرهم فإن شاؤا أطاعوني وإلا فلا تنقضي مدة الصلح إلا وقد جمعوا أي استراحوا وهو بفتح الجيم وتشديد الميم المضمومة أي قووا ووقع في رواية ابن إسحاق وإن لم يفعلوا قاتلوا وبهم قوة وإنما ردد الأمر مع أنه جازم بأن الله سينصره ويظهره لو عد الله تعالى له بذلك على طريق التنزيل مع الخصم وفرض الأمر كما زعم الخصم قال في الفتح ولهذه النكتة حذف القسم الأول وهو التصريح بظهور غيره عليه لكن وقع التصريح به في رواية ابن إسحاق ولفظه فإن أصابوني كان الذي أرادوا ولابن عائذ من وجه آخر عن الزهري فإن ظهر الناس علي فذلك الذي يبتغون فالظاهر أن الحذف وقع من بعض الرواة تأدبا
قوله : " حتى تنفرد سالفتي " السالفة بالمهملة وكسر اللام بعدها فاء صفحة العنق وكني بذلك عن القتل قال الداودي المراد الموت أي حتى أموت وأبقى منفردا في قبري ويحتمل أن يكون أراد أنه يقاتل حتى ينفرد وحده في مقاتلتهم وقال ابن امنير لعله صلى الله عليه وآله وسلم نبه بالأدنى على الأعلى أي أن لي من القوة بالله والحول به ما يقتضي أني أقاتل عن دينه لو انفردت فكيف لا أقاتل عن دينه مع وجود المسلمين وكثرتهم ونفاذ بصائرهم في نصر دين الله تعالى
قوله " أو لينفذن الله أمره " بدون شك قال الحافظ وحسن الإتيان بهذا الجزم بعد ذلك التردد للتنبيه على أنه لم يورده إلا على سبيل الفرض
قوله : " فقام عروة بن مسعود " هو ابن معتب بضم أوله وفتح المهملة وتشديد الفةقية المكسورة بعدها موحدة الثقفي
قوله : " ألستم بالوالد " هكذا رواية الأكثر من رواة البخاري ورواية أبي ذر " ألستم بالولد وألست بالوالد " والصواب الأول وهو الذي في رواية أحمد وابن إسحاق وغيرهما وزاد ابن إسحاق عن الزهري أن أم عروة هي سبيعة بنت عبد شمس بن عبد مناف فأراد بقوله ألستم ألستم بالوالد أنكم حي قد ولدوني في الجملة لكون أمي منكم
قوله : " استنفرت أهل عكاظ " بضم العين المهملة وتخفيف الكاف وآخره معجمة أي دعوتهم إلى نصركم قوله " فلما بلحوا " بالموحدة وتشديد اللام المفتوحتين ثم مهملة مضمومة أي امتنعوا والتبليح التمنع من الإجابة وبلح الغريم إذا امتنع عن أداء ما عليه زاد ابن إسحاق فقالوا صدقت ما أنت عندنا بمتهم
قوله : " خطة رشد " بضم الخاء المعجمة وتشديد المهملة والرشد بضم الراء وسكون المعجمة وبفتحها أي خصلة خير وصلاح وإنصاف وقد بين ابن إسحاق في روايته أن سبب تقديم عروة لهذا الكلام عند قريش ما رآه من ردهم العنيف على من يجيء من عند المسلمين
قوله " آته " بالمد والجزم وقالوا أئته بألف وصل بعدها همزة ساكنة ثم مثناة من فوق مكسورة قوله " اجتاح " بجيم ثم مهملة أي أهلك أهله بالكلية وحذف الجزاء من قوله إن تكن الأخرى تأدبا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم والتقدير أن تكن الغلبة لقريش لا آمنهم عليك مثلا وقوله " فإني والله لأرى وجوها " إلى كالتعليل لهذا المحذوف قوله " أشوابا " بتقديم المعجمة على الواو وكذا للأكثر ووقع لأبي ذر عن الكشميهني أو باشا بتقديم الواو والأشواب الأخلاط من أنواع شتى والأوباش الأخلاط من السفلة فالأوباش أخص من الأشواب كذا في الفتح قوله " امصص ببظر اللات " بألف وصل ومهملتين الأولى مفتوحة بصيغة الأمر وحكى ابن التين عن رواية القابسي ضم الصاد الأولى وخطأها والبظر الموحدة وسكون المعجمة قطعة تبقى بعد الختان في فرج المرأة واللات اسم أحد الأصنام التي كانت قريش وثقيف يعبدونها وكانت عادة العرب الشتم بذلك ولكن بلفظ الأم فأراد أبو بكر المبالغة في سب عروة بإقامة من كان يعبدها مقام أمه وحمله على ذلك ما أغضبه من نسبة المسلمين إلى الفرار وفيه جواز النطق بما يستبشع من الألفاظ لأرادة زجر من بدا منه ما يستحق به ذلك
قوله : " لولا يد " أي نعمة وقد بين عبد العزيز اللآفاقي عن الزهري في هذا الكتاب أن اليد المذكورة هي أن عروة كان تحمل بدية فاعانه فيها أبو بكر بعون حسن وفي رواية الواقدي بعشر قلائص
قوله : " بنعل السيف " هو ما يكون أسفل القراب من فضة أو غيرها
قوله : " أخر يدك " فعل أمر من التأخير زاد ابن إسحاق قبل أن لا تصل إليك
قوله " أي غدر " بالمعجمة بوزن عمر معدول عن غادر مبالغة في وصفة بالغدر
قوله : " ألست أسعي في غدرتك " أي في دفع شر غدرتك وقد بسط القصة ابن إسحاق وابن الكلبي والواقدي بما حاصله أنه خرج المغيرة لزيارة المقوقس بمصر هو وثلاثة عشر نفرا من ثقيف من بني مالك فأحسن إليهم وأعطاهم وقصر بالمغيرة فحصلت له الغيرة منهم فلما كانوا بالطريق شربوا الخمر فلما سكروا وناموا وثب المغيرة فقتلهم ولحق بالمدينة فأسلم فتهايج الفريقان بنو مالك والأحلاف رهط المغيرة فسعي عروة بن مسعود وهو عم المغيرة حتى أخذوا منه دية ثلاثة عشر نفسا والقصة طويلة
قوله : " وأما المال فلست منه في شيء " أي لا أتعرض له لكونه مأخوذا على طريقة الغدر واستفيد من ذلك أنها لا تحل اموال الكفار غدرا في حال الأمن لأن الرفقة يصطحبون على الأمانة والأمانة تؤدى إلى أهلها مسلما كان أو كافرا فإن أموال الكفار إنما تحل بالمحاربة والمغالبة ولعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ترك المال بيده لإمكان أن يسلم قومه فير إليهم أموالهم
قوله : " يرمق " بضم الميم وآخره قاف أي يلحظ
قوله : " وما يحدون إليه النظر " يضم أوله وكسر المهملة أي يديمون قوله " ووفدت على قيصر " هو من عطف الخاص على العام وخص قيصر ومن بعده لكونهم أعظم ملوك ذلك الومان
قوله : " فقال رجل من بني كنانة " في رواية الآفاقي فقام الحليس بمهملتين مصغرا وسمي ابن إسحاق والزبير بن بكار أباه علقمة وهو من بني الحرث من عبد مناة
قوله : " فابعثوها له " أي أثيروها دفعة واحدة في رواية ابن إسحاق فلما رأى الهدى يسيل عليه من عرض الوادي بقلائده قد حبس محله رجع ولم يصل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعند الحاكم أنه صاح الحليس هلكت قريش ورب الكعبة أن القوم إنما أتوا عمارا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أخا بني كنانة أعلمهم بذلك
قال الحافظ فيحتمل أن يكون خاطبه عن بعد
قوله : " مكرز " بكسر الميم وسكون الكاف وفتح الراء بعدها زاي هو من بني عامر بن لؤي
قوله " هو رجل فاجر " في رواية ابن إسحاق غادر ورجحها الحافظ ويؤيد ذلك ما في مغازي الواقدي أنه قتل رجلا غدرا وفيها أيضا أنه أراد أن يبيت المسلمين بالحديبية فخرج في خمسين رجلا فأخذهم محمد بن مسلمة وهو على الحرس فانفلت منهم مكرز فكأنه صلى الله عليه وآله وسلم أشار إلى ذلك قوله " إذا جاء سهيل ابن عمرو " في رواية ابن إسحاق فدعت قريش سهيل بن عمرو فقالوا اذهب إلى هذا الرجل فصالحه
قوله : " فأخبرني أيوب عن عكرمة " الخ قال الحافظ هذا مرسل لم أقف على من وصله بذكر ابن عباس فيه لكن له شاهد موصول عنه عند ابن أبي شيبة من حديث سلمة بن الأكوع قال بعثت قريش سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصالحوه فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم سهيلا قال لقد سهل لكم من أمركم وللطبراني نحوه من حديث عبد الله بن السائب
قوله : " فعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الكاتب " هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما بينه إسحاق بن راهويه في مسنده في هذا الوجه عن الزهري وذكره البخاري أيضا في الصلح من حديث البراء
وأخرج عمر بن شبة من طريق عمرو بن سهيل بن عمرو عن أبيه أنه قال الكتاب عندنا كاتبه محمد بن سلمة
قال الحافظ ويجمع أن أصل كتاب الصلح بخط علي رضي الله عنه كما هو في الصحيح ونسخ محمد بن سلمة لسهيل بن عمرو مثله
قوله : " هذا ما قاضى " بوزن فاعل من قضيت الشيء فصلت الحكم فيه
قوله : " ضغطة " بضم الضاد وسكون الغين المعجمتين ثم طاء مهملة أي قهرا
وفي رواية ابن إسحاق أنها دخلت علينا عنوة
قوله : " فقال المسلمون " الخ قد تقدم بيان القائل في أول الباب
قوله " أبو جندل " بالجيم والنون بوزن جعفر وكان اسمه العاصي فتركه لما أسلم وكان محبوسا بمكة ممنوعا من الهجرة وعذب بسبب الإسلام وكان سهيل أوثقه وسجنه حين أسلم فخرج من السجن وتنكب الطريق وركب الجبال حتى هبط على المسلمين ففرح به المسلمون وتلقوه
قوله : " يرسف " بفتح أوله وبضم المهملة بعدها فاء أي يمشي مشيا بطيئا بسبب القيد
قوله : " إنا لم نقض الكتاب " أي لم نفرغ من كتابته
قوله : " فأجزه لي " بالزاي بفعل صيغة الأمر من الإجازة أي امض فعلي فيه فلا أرده إليك واستثنيه من القضية ووقع عند الحميدي في الجمع بالراء ورجح ابن الجوزي الزاي وفيه أن الاعتبار فيالعقود بالقول ولو تأخرت الكتابة والإشهاد ولأجل ذلك أمضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم لسهيل الأمر في رد ابنه إليه وكان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تلطف معه لقوله لم نقض الكتاب بعد رجاء أن يجيبه
قوله : " قال مكرز بلى قد أجزناه " هذه رواية الكشمسهني ورواية الأكثر من رواة البخاري بل بالإضراب وقد استشكل ما وقع من مكرز من الإجازة لأنه خلاف ما وصفه صلى الله عليه وآله وسلم به من الفجوز وأجيب أن الفجوز حقيقة ولا يستلزم أن لا يقع منه شيء من البر نادرا أو قال ذلك نفاقا وفي باطنه خلافه ولم يذكر في هذا الحديث ما أجاب به سهيل على مكرز لما قال ذلك وقد زعم بعض الشراح أن سهيلا لم يحببه لأن مكرزا لم يكن ممن جعل له أمر عقد الصلح بخلاف سهيل وتعقب بأن الواقدي روى أن مكرزا كان ممن جاء في الصلح مع سهيل وكان معهما حويطب ابن عبد العزى لكن ذكر في روايته ما يدل على أن إجازة مكرز لم تكن في أن لا يرده إلى سهيل بل في تأمينه من التعذيب ونحو ذلك وإن مكرزا وحويطبا أخذا أبا جندل فادخلاه فسطاطا وكفا أباه عنه
وفي مغازي ابن عائذ نحو ذلك كله ولفظه فقال مكرز بن حفص وكان ممن أقبل مع سهيل بن عمرو في التماس الصلح له أنا له جار وأخذ بيده فأدخله فسطاطا
قال الحافظ وهذا لو ثبت لكان أقوى من الاحتمالات الأول فإنه لم يجزه بأن يقره عند المسلمين بل ليكف العذاب عنه ليرجع إلى طواعية ابيه فما خرج بذلك عن الفجور لكن يعكر عليه ما في رواية الصحيح السابقة بلفظ فقال مكرز قد أجزناه لك يخاطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا جندل اصبر واحتسب فإنا لا نغدر وإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا
قال الخطابي تأول العلماء ما وقع في قصة أبي جندل على وجهين أحدهما أن الله تعالى قد أباح التقية للمسلم إذا خاف الهلاك ورخص له أن يتكلم بالكفر مع إضمار الإيمان إن لم تمكنه التورية فلم يكن رده إليهم إسلاما لأبي جندل إلى الهلاك مع وجود السبيل إلى الخلاص من الموت بالتقية . والوجه الثاني أنه إنما رده لأبيه والغلب أن أباه لا يبلغ به إلى الهلاك وإن عذبه أو سجنه فله مندوحة بالتقية أيضا
وأما ما يخاف عليه من الفتنة فإن ذلك امتحان من الله يبتلى به صبر عباده المؤمنين ( واختلف العلماء ) هل يجوز الصلح مع المشركين على أن يرد إليهم من جاء مسلما من عندهم إلى بلاد المسلمين أم لا فقيل نعم على ما دلت عليه قصة أبي جندل وأبي بصير وقيل لا وأن الذي وقع في القصة منسوخ وأن ناسخه حديث " أنا بريء من كل مسلم بين المشركين " وقد تقدم وهو قول الحنفية وعند الشافعية يفصل بين العاقل والمجنون والصبي فلا يردان
وقال بعض الشافعية ضابط جواز الرد أن يكون المسلم بحيث لا تجب عليه الهجرة من دار الحرب
قوله : " ألست نبي الله حقا قال بلى " زاد الواقدي من حديث أي سعيد قال قال عمر لقد دخلني أمر عظيم وراجعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مراجعة ما راجعته مثلها قط
قوله " فلم نعطي الدنية " بفتح المهملة وكسر النون وتشديد التحتية
قوله : " أولست كنت حدثتنا " الخ في رواية ابن إسحاق كان الصحابة لا يشكون في الفتح لرؤيا رآها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما رأوا الصلح دخلهم من ذلك أمر عظيم حتى كادوا يهلكون . وعند الواقدي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان رأى في منامه قبل أن يعتمر أنه دخل هو وأصحابه البيت فلما رأوا تأخير ذلك شق عليهم
قال في الفتح ويستفاد من هذا الفصل جواز البحث في العلم حتى يظهر المعنى وأن الكلام يحمل على عمومه وإطلاقه حتى تظهر أداة التخصيص والتقييد وأن من حلف على فعل شيء ولم يذكر مدة معينة لم يحنث حتى تنقضي أيام حياته
قوله : " فأتيت أبا بكر " الخ لم يذكر عمر أنه راجع أحدا في ذلك غير أبي بكر لما له عنده من الجلالة وفي جواب أبي بكر عليه بمثل ما أجاب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم دليل على سعة علمه وجودة عرفانه بأحوال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فاستمسك بغرزة " بفتح العين المعجمة وسكون الراء بعدها زاي قال المصنف هو للإبل بمنزلة الركاب للفرس والمراد التمسك بأمره وترك المخالفة له كالذي يمسك بركاب الفارس فلا يفارقه
قوله : " قال عمر فعلت لذلك أعمالا " القائل هو الزهري كما في البخاري وهو منقطع لأن الزهري لم يدرك عمر قال بعض الشراح المراد بقوله أعمالا أي من الذهاب والمجيء والسؤال والجواب ولم يكن ذلك شكا من عمر بل طلبا لكشف ما خفي عليه وحثا على إذلال الكفار بما عرف من قوته في نصرة الدين
قال في الفتح وتفسير الأعمال بما ذكره مردود بل المراد به الأعمال الصالحة لتكفر عنه ما نضى من التوقف في الامتثال ابتداء
وقد ورد عن عمر التصريح بمراده ففي رواية ابن إسحاق وكان عمر يقول ما زلت أتصدق وأصوم وأصلي وأعتق من الذي صنعت يومئذ مخافة كلامي الذي تكلمت به وعند الواقدي من حديث ابن عباس قال عمر لقد أعتقت بسبب ذلك رقابا وصمت دهرا قال السهيلي هذا الشك الذي حصل لعمر هو مالا يستمر صاحبه عليه وإنما هو من باب الوسوسة قال الحافظ والذي يظهر أنه توقف منه ليقف على الحكمة وتنكشف عنه الشبهة ونظيرته قصته في الصلاة على عبد الله بن أبي وإن كان في الأولى لم يطابق اجتهاده الحكم بخلاف الثانية وهي هذه القصة وإنما عمل الأعمال المذكورة لهذه وإلا فجميع ما صدر منه كان معذورا فيه بل هو فيه مأجور لأنه مجتهد فيه
قوله : " فلما فرغ من قضية الكتاب " زاد ابن إسحاق فلما فرغ من قضية الكتاب أشهد جماعة على الصلح رجال من المسلمين ورجال من المشركين منهم علي وأبو بكر وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص ومحمد بن مسلمة وعبد الله بن سهيل بن عمرو ومكرز بن حفص وهو مشرك
قوله " فوالله ما قام منهم أحد " قيل كأنهم توقفوا لاحتمال أن يكون الأمر بذلك للندب أو لرجاء نزول الوحي بإبطال الصلح المذكور أو أن يخصصه بالإذن بدخولهم مكة ذلك العام لإتمام نسكهموسوغ لهم ذلك لأنه كان زمان وقوع النسخ ويحتمل ان يكون أهمتهم صورة الحال فاستغرقوا في الفكر لما لحقهم من الذل عند أنفسهم مع ظهور قوتهم واقتدارهم في اعتقادهم على بلوغ غرضهم وقضاء نسكهم بالقهر والغلبة أو أخروا الامتثال لاعتقادهم أن الأمر المطلق لا يقتضي الفور
قال الحافظ ويحتمل مجموع هذه الأمور لمجموعهم
قوله : " فذكر لها ما لقي من الناس " فيه دليل على فضل المشورة وإن الفعل إذا انضم إلى إلى القول كان أبلغ من القول المجرد وليس فيه أن الفعل مطلقا أبلغ من القول نعم فيه أن الاقتداء بالأفعال أكثر منه بالأقوال وهذا معلوم مشاهد
وفيه دليل على فضل أم سلمة ووفور عقلها حتى قال إمام الحرمين لا نعلم امرأة أشارت برأي فأصابت إلا أم سلمة وتعقب بإشارة بنت شعيب على أبيها في أمر موسى . ونظير هذه القصة ما وقع في غزوة الفتح فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالفطر في رمضان فلما استمروا على الامتناع تناول القدح فشرب فلما رأوه يشرب شربوا
قوله : " نحر بدنه " زاد ابن إسحاق عن ابن عباس أنها كانت سبعين بدنة كان فيها جمل لأبي جهل في رأسه برة من فضة ليغيظ به المشركين وكان غنمه منه غزوة بدر
قوله " ودعا حالقه " قال ابن إسحاق بلغني أن الذي حلقه في ذلك اليوم هو خراش بمعجمتين ابن أمية بن الفضل الخزاعي قوله " فجاءه أبو بصير " بفتح الموحدة وكسر المهملة ابن جارية بالجيم الثقفي حليف بني زهرة كذا قال ابن إسحاق وبهذا يعرف أن قوله في حديث الباب رجل من قريش أي بالحلف لأن بني زهرة من قريش
قوله : " فأرسلوا في طلبه رجلين " سماهما ابن سعد في الطبقات خنيس بمعجمة ونون وآخره مهملة مصغرا ابن جابر ومولى له يقال له كوير
وفي رواية للبخاري أن الأخنس بن شريق هو الذي أرسل في طلبه زاد ابن إسحاق فكتب الأخنس بن شريق والأزهر بن عبد عوف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا وبعثا به مع مولى لهما ورجل من بني عامر استأجراه اه قال الحافظ والأخنس من ثقيف رهط أبي بصير وأزهر من بني زهرة حلفاء أبي بصير فلكل منهما المطالبة برده ويستفاد منه أن المطالبة بالرد تختصص بمن كان من عشيرة المطلوب بالأصالة أو الحلف وقيل أن اسم أحد لرجلين مرثد بن حمران زاد الواقدي فقدما بعد أبي بصير بثلاثة أيام
قوله : " فقال أبو بصير لأحد الرجلين " في رواية ابن إسحاق للعامري وفي رواية ابن سعد لخنيس بن جابر
قوله : " فاستله الآخر " أي صاحب السيف أخرجه من غمده قوله " حتى برد " بفتح الموحدة والراء أي خمدت حواسه وهو كناية عن الموت لأن الميت تسكن حركته وأصل البرد السكون قال الخطابي وفي رواية ابن إسحاق فعلاه حتى قتله
قوله : " وفر الآخر " في رواية ابن إسحاق وخرج المولى يشتد أي هربا
قوله : " ذعرا " بضم المعجمة وسكون المهملة أي خوفا
قوله : " قتل صاحبي " بضم القاف وفي هذا دليل على أنه يجوز للمسلم الذي يجيء من دار الحرب في زمن الهدنة قتل من جاء في طلب رده إذا شرط لهم ذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على أبي بصير قتله للعامري ولا أمر فيه بقود ولا دية
قوله " ويل أمه بضم " اللام ووصل الهمزة وكسر الميم المشددة وهي كلمة ذم تقولها العرب في المدح ولا يقصدون معنى ما فيها من الذم لأن الويل الهلاك فهو كقولهم لأمه الويل ولا يقصدون والويل يطلق على العذاب والحرب والزجر وقد تقدم شيء من ذلك في الحج في قوله للأعرابي ويلك وقال الفراء أصله وى ؟ ؟ فلان أي للفلان أي حزن له فكثر الاستعمال فالحقوا بها اللم فصارت كأنها منها وأعربوها وتبعه ابن مالك إلا أنه قال تبعا للخليل أن وى ؟ ؟ كلمة تعجب وهي من أسماء الأفعال واللم بعدها مكسورة ويجوز ضمها اتباعا للهمزة وحذفت الهمزة تخفيفا قوله " مسعر حرب " بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح العين المهملة أيضا وبالنصب على التمييز وأصله من مسعر حرب أي يسعرها
قال الخطابي يصفه بالإقدام في الحرب والتسعير لنارها
قوله : " لو كان له أحد " أي يناصره ويعاضده قوله " سيف البحر " بكسر المهملة وسكون التحتانية بعدها فاء أي ساحله
قوله : " عصابة " أي جماعة ولا واحد لها من لفظها وهي تطلق على الأربعين فما دونها وفي رواية ابن إسحاق أنهم بلغوا نحو السبعين نفسا وزعم السهيلي أنهم بلغوا ثلثمائة رجل
قوله : " ما يسمعون بعير " بكسر المهملة أي بخبر عير وهي القافلة قوله " فأرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليهم " في رواية موسى بن عقبة عن الزهري فكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بصير فقدم كتابه وأبو بصير يموت فمات وكتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يده فدفنه أبو جندل مكانه وجعل عند قبره مسجدا
وفي الحديث دليل على أن من فعل مثل فعل أبي بصير لم يكن عليه قود ولا دية وقد وقع عند ابن إسحاق أن سهيل بن عمرو لما بلغه قتل العامري طالب بديته لأنه من رهطه فقال له أبو سفيان ليس على محمد مطالبة بذلك لأنه وفي بما عليه وأسلمه لرسولكم ولم يقتله بأمره ولا على آل أبي بصير أيضا شيء لأنه ليس على دينهم
قوله : " فأنزل الله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم " طاهره أنها نزلت في شأن أبي بصير والمشهور في سبب نزولها ما أخرجه مسلم من حديث سلمة بن الأكوع ومن حديث أنس بن مالك وأخرجه أحمد والنسائي من حديث عبد الله بن مغفل بإسناد صحيح أنها نزلت بسبب القوم الذين أرادوا من قريش أن يأغذوا من المسلمين غرة فظفروا بهم وعفا عنهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت الآية بما تقدم وقيل في نزولها غير ذلك
قوله " على وضع الحرب عشر سنين " هذا هم المعتمد عليه كما ذكره ابن إسحاق في المغازي وجزم به ابن سعد وأخرجه الحاكم من حديث علي ووقع في مغازي ابن عائذ في حديث ابن عباس وغيره أنه كان سنتين وكذا وقع عند موسى بن عقبة ويجمع بأن العشر السنين هي المدة التي وقع الصلح عليها والسنتين هي المدة التي انتهى أمر الصلح فيها حتى وقع نقضه على يد قريش وأما ما وقع في كامل ابن عدي ومستدرك الحاكم في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر أن مدة الصلح كانت أربع سنين فهو مع ضعف إسناده منكر مخالف للصحيح وقد اختلف العلماء في المدة التي تجوز المهادنة فيها مع المشركين فقيل لا تجاوز عشر سنين على ما في هذا الحديث وهو قول الجمهور وقيل تجوز الزيادة وقيل لا تجاوز أربع سنين وقيل ثلاثا وقيل سنتين والأول هو الراجح
قوله : " عيبة مكفوفة " أي أمرا مطويا في صدور سليمة وهو إشارة إلى ترك المؤاخذة بما تقدم بينهم من أسباب الحرب وغيرها والمحافظة على العهد الذي وقع بينهم
قوله : " وأنه لا إغلال ولا إسلال " أي لا سرقة ولا خيانة يقال أغل الرجل أي خان أما في الغنيمة فيقال غل بغير ألف والإسلال من السلة وهي السرقة وقيل من سل السيوف والإغلال من لبس الدروع ووهاه أبو عبيد والمراد أن يأمن الناس بعضهم من بعض في نفوسهم وأموالهم سرا وجهرا
قوله : " وامتعضوا منه " بعين مهملة وضاد معجمة أي انفقوا وشق عليهم قال الخليل معض بكسر المهملة والضاد المعجمة من الشيء وامتعض توجع منه وقال ابن القطاع شق عليه وأنف منه ووقع من الرواة اختلاف في ضبط هذه اللفظة فالجمهور على ما هنا والأصيلي والهمداني بظاء مشالة وعند القابسي امتعظوا بتشديد الميم وعند النسفي انغضوا بنون وغين معجمة وضاد معجمة غير مشالة قال عياض وكلها تغييرات حتى وقع عند بعضهم انفضوا بفاء وتشديد وبعضهم أغيظوا من الغيظ
قوله : " وهي عاتق " أي شابة
قوله " فامتحنوهن الآية " أي أخبروهن فيما يتعلق بالإيمان باعتبار ما يرجع إلى ظاهر الحال دون الإطلاع على ما في القلوب وإلى ذلك أشار بقوله تعالى { الله أعلم بإيمانهن } وأخرج الطبري عن ابن عباس قال كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله
وأخرج الطبري أيضا وابن البزار عن ابن عباس أيضا كان يمتحنهن والله ما خرجن من بغض زوج والله ما خرجن رغبة عن أرض إلى أرض والله ما خرجن التماس دنيا
قوله : " قال عروة أخبرتني عائشة " هو متصل كما في مواضع في البخاري
قوله : " لما أنزل الله أن يردوا للمشركين ما أنفقوا " يعني قوله تعالى { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } قوله " قريبة " بالقاف والموحدة مصغر في أكثر نسخ البخاري . وضبطها الدمياطي تفتح وتبعه الذهبي . زكذا الكشميهني وفي القاموس بالتصغير وقد تفتح انتهى . وهي بنت أبي أمية ابن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم وهي أخت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " فلما أبى الكفار أن يقروا " الخ أي أبوا أن يعملوا بالحكم المذكور في الآية وقد روى البخاري في النكاح عن مجاهد في قوله تعالى { واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا } قال من ذهب من أزواج المسلمين إلى الكفار فليعطهم الكفار صدقاتهن وليمسكوهن ومن ذهب من أزواج الكفار إلى أصحاب محمد فكذلك هذا كله في صلح بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش وروى البخاري أيضا عن الزهري في كتاب الشروط قال بلغنا أن الكفار لما أبوا أن يقروا بما أنفق المسلمون على أزواجهم كما في الآية وهو أن المرأة إذا جاءت من الكشركين إلى المسلمين مسلمة لم يردها المسلمون إلى زوجها المشرك بل يعطونه ما أنفق عليها من صداق ونحوه
وكذا بعكسه وفامتثل المسلمون ذلك وأعطوهم وأبى المشركون أن يمتثلوا ذلك فحبسوا من جاءت إليهم مشركة ولم يعطوا زوجها المسلم ما أنفق عليهافلهذا نزلت { وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم } أي أصبتم من صدقات المشركات عوض ما فات من صدقات المسلمات قوله " وما يعلم أحد من المهاجرات " الخ هذا النفي لا يرده ظاهر ما دلت عليه الآية والقصة لأن مضمون القصة أن بعض أزواج المسلمين ذهبت إلى زوجها الكافر فأبى أن يعطي زوجها المسلم ما أنفق عليها فعلى تقدير أن تكون مسلمة فالنفي مخصوص بالمهاجرات فيحتمل كون من زقع منها ذلك من غير المهاجرات كالأعرابيات مثلا أو الحصر على عمومه وتكون نزلت في المرأة المشركة إذا كانت تحت مسلم مثلا فهربت منه إلى الكفار
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن في قوله تعالى { وإن فاتكم شيء من أزواجكم } قال نزلت في أم الحكم بنت بنت أبي سفيان ارتدت فتزوجها رجل ثقفي ولم ترتد غمرأة من قريش غيرها ثم أسلمت مع ثقيف حين أسلموا فإن ثبت هذا استثني من الحصر المذكور في الحديث أو يجمع أنها لم تكن هاجرت فيما قبل ذلك
قوله : " الأحابيش " لم يتقدم في الحديث ذكر هذا اللفظ ولكنه مذكزر في غيره في بعض ألفاظ هذه القصة أنه صلى الله عليه وآله وسلم بعث عينا من خزاعة فتلقاه فقال أن قريشا قد جمعوا لك الأحابيش وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشيروا علي أترون أن أميل على ذرا ريهم فإن يأتونا كان الله قد قطع جنبا من المشركين وإلا تركناهم محروبين فأشار إليه أبو يكر بترك ذلك فقال امضوا بسم الله والأحابيش هم بنو الحرث بن عبد مناة بن كنانة وبنو المصطلق بن خزاعة والقارة وهو ابن الهون ابن خزيمة (8/131)
باب جواز مصالحة المشركين على المال وإن كان مجهولا (8/132)
1 - عن ابن عمر قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل خيبر فقاتلهم حتى ألجأهم إلى قصرهم وغلبهم على الأرض والزرع والنخل فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم ولرسول الله الصفراء والبيضاء والحلقة وهي السلاح ويخرجون منها واشترط عليهم أن لا يكتموا ولا يغيبوا شيئا فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد فغيبوا مسكا فيه مال وحلى لحيى بن أخطب كان أحتمله معه إلى خيبر حين أجليت النضير فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعم حيي واسمه سعية ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير فقال أذهبته النفقات والحروب فقال العهد قريب والمال أكثر من ذلك وقد كان حيي قتل قبل ذلم فدفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سعية إلى الزبير فمسه بعذاب فقال قد رأيت حييا يطوف في خربة ههنا فذهبوا فطافوا فوجدوا المسك في الخربة فقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابني أبي حقيق وأحدهما زوج صفية بنت حيي بن أخطب وسبى صلى الله عليه وآله وسلم نساءهم وذرا ريهم وقسم أموالهم بالنكث الذي نكثوا وأراد أن يجليهم منها فقالوا يا محمد دعنا نكون في هذه الأرض نصلحها ونقوم عليها ولم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا لإصحابه غلمان يقومون عليها وكانوا ألا يفرغون أن يقوموا عليها فأعطاهم خيبر على أن لهم الشطر من كل زرع وشيء ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عبد الله بن رواحة يأتيهم في كل عام فيخرصها عليهم ثم يضمنهم الشطر فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شدة حرصه وأرادوا أن يرشوه فقال عبد الله تطعموني السحت والله لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي ولأنتم أبغض إلى من عدتكم من القردة والخنازير ولا يحملني بغضي إياكم وحبي إياه على أن لا أعدل عليكم فقالوا بهذا قامت السموات والأرض وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعطي كل امرأة من نسائه ثمانين وسقا من تمر كل عام وعشرين وسقا من شعيرها فلما كان زمن عمر غشوا فألقوا ابن عمر من فوق بيت ففدعوا يديه فقال عمر بن الخطاب من كان له سهم بخيبر فليحضر حتى نقسمها بينهم فقسمها عمر بينهم فقال رئيسهم لا تخرجنا دعنا نكون فيها كما أقرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر فقال عمر لرئيسهم أتراه سقط على قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كيف بك إذا رقصت بك راحلتك نحو الشام يوما ثم يوما ثم يوما وقسمها عمر بين من كان شهد خيبر من أهل الحديبية "
- رواه البخاري وفيه من الفقه أن تبين عدم الوفاء بالشرط المشروط يفسد الصلح حتى في حق النساء والذرية وأن قسمة الثمار خرصا من غير تقابض جائزة وأن عقد المزارعة والمساقاة من غير تقدير مدة جائز وأن معاقبة من يكتم مالا جائزة وإن ما فتح عنوة يجوز قسمته بين الغانمين وغير ذلك من الفوائد (8/132)
2 - وعن رجل من جهينة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلكم تقاتلون قوما فيظهرون عليكم فيتقونكم بأموالهم دون أنفسهم وأبنائهم فتصالحونهم على صلح فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فإنه لا يصلح "
- رواه أبو داود (8/132)
- حديث الرجل الذي من جهينة أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود وفي إسناده رجل مجهول لأنه من رواية رجل من ثقيف عن رجل من جهينة ورواه أبو داود أيضا من طريق خالد بن معدان عن جبير بن نفير قال " انطلق بنا إلى ذي مخبر رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكره " قوله " على أن يجلوا منها " قال في القاموس جلا القوم عن الموضع ومنه جلوا وجلاء وجلوا تفرقوا أو جلا من الخوف وأجلى من الجدب ثم قال والجالية أهل الذمة لأن عمر أجلاهم من جزيرة العرب انتهى
وقال الهروي جلا القوم عن مواطنهم وأجلى بمعنى واحد والسم الجلاء والإجلاء
قوله : " الصفراء والبيضاء والحلقة " بفتح الحاء المهملة وسكون اللام وهي كما فسره المصنف رحمه الله تعالى السلاح وهذا فيه مصلحة المشركين بالمال المجهول
قوله : " فغيبوا مسكا " بفتح الميم وسكون المهملة قال في القاموس المسك الجلد أو خاص بالسخلة الجمع مسوك وبهاء القطعة منه
قوله : " لحبى " بضم الحاء تصغير حي . وأخطب بالخاء المعجمة وسعية بفتح السين المهملة وسكون العين المهملة أيضا بعدها تحتية
قوله : " فمسه بعذاب " فيه دليل على جواز تعذيب من امتنع من تسليم شيء يلزمه تسليمه وأنكر وجوده إذا غلب في ظن الإمام كذبه وذلك نوع من السياسة الشرعية
قوله : " فقتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابني أبي الحقيق " بمهملة وقافين مصغرا وهو رأس يهود خيبر قال الحافظ ولم أقف على اسمه إنما قتلهما لعدم رفائهم بما شرطه عليهم لقوله في أول الحديث " فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد " قوله " ما بدا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في لفظ للبخاري " نقركم على ذلك ماشئنا " وفي لفظ له آخر نقركم ما أقركم الله والمراد ما قدر الله إنا نترككم فيها إذا شئنا فأخرجنا كم تبين إن الله قد أخرجكم قوله " ففدعوا يديه " الفدع بفتح الفاء والدال المهملة بعدها عين مهملة زوال المفصل فدعت يداه إذا أزيلتا من مفاصلهما
وقال الخليل الفدع عوج في المفاصل وفي خلق الإنسان إذا زاغت القدم من أصلها من الكعب وطرق الساق فهو الفدع
قال الأصمعي هو زيغ في الكف بينها وبين الساعد وفي الرجل بينها وبين الساق . ووقع في رواية ابن السكن شدع بالشين المعجمة بدل الفاء وجزم به الكرماني قال الحافظ وهو وهم لأن الشدع بالمعجمة كسر الشيء المجوف قاله الجوهري ولم يقع ذلك لابن عمر في هذه القصة والذي في جميع الروايات بالفاء
وقال الخطابي كان اليهود سحروا عبد الله بن عمر فالتفت يداه ورجلاه قال ويحتمل أن يكونوا ضربوه والواقع في حديث الباب أنهم ألقوه من فوق بيت قوله " فقال رئيسهم لا تخرجن " لعل في الكلام محذوفا ووقع في رواية للبخاري في الشروط بلفظ " وقد رأيت إجلاءهم فلما أجمع " الخ فيكون المحذوف من حديث الباب هو هذا أي لما أجمع عمر على إجلائهم قال رئيسهم وظاهر هذا أن شبب الإجلاء هو ما فعلوه بعبد الله بن عمر
قال في الفتح وهذا لا يقتضي حصر السبب في إجلاء عمر أياهم وقد وقع لي فيه شببان آخران أحدهما رواه الزهري عن عبد الله بن عبد الله بن عتبة قال مازال عمر حتى وجد الثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال لا يجتمع بجزيرة العرب دينان فقال من كان له من أهل الكتابين عهد فليأت به أنفذه له وإلا فإني مجليكم فأجلاهم أخرجه ابن أبي شيبة وغيره . ثانيهما رواه عمر بن شبة في أخبار المدينة من طريق عثمان بن محمد الأخنسي قال لما كثر العيال أي الخدم في أيدي المسلمين وقووا على العمل في الأرض أجلاهم عمر ويحتمل أن يكون كل ومن هذه الأشياء جزء علة في أخراجهم والأجلاء الأخراج عن المال والوطن على وجه الأزعاج والكراهة اه
قوله : " كيف بك إذا رقصت بك راحلتك " أي دهبت بك راقصة نحو الشام وفي لفظ للبخاري " تعدو بك قلوصك " والقلوص بفتح القاف وبالصاد المهملة الناقة الصابرة على السير وقيل الشابة وقيل أول ما تركب من إناث الأبل وقي الطويلة القوائم فأشار صلى الله عليه وآله وسلم إلى إخراجهم من خيبر فكان ذلك من أخباره بالمغيبات والمراد بقوله رقصت أي أسرعت
قوله : " نحو الشام " قد ثبت أن عمر أجلاهم إلى تيماء واريحاء وقد وهم المصنف رحمه الله في نسبة جميع ما ذكره من ألفاظ هذا الحديث إلى البخاري ولعله نقل لفظ الحميدي في الجمع بين الصحيحين والحميدي كأنه نقل السياق من مستخرج البرقاني كعادته فإن كثيرا ن هذه الألفاظ ليس في صحيح البخاري وإنما هي في مستخرج البرقاني من طريق حماد بن سلمة . وكذلك أخرج هذا الحديث بلفظ البرقاني أبو يعلى في مسنده والبغوي في فوائده ولعل الحميدي ذهل عن عزو هذا الحديث إلى البرقاني وعزاه إلى البخاري فتبعه المصنع في ذلط وقد نبه الإسماعيلي على أن حمادا كان يطوله تارة ويرويه تارة مختصرا وقد قدمنا الكلام على بعض فوائد هذا الحديث في المزارعة
قوله : " فلا تصيبوا منهم فوق ذلك فإنه لا يصلح " فيه دليل على أنه لا يجوز للمسلمين بعد وقوع الصلح بينهم وبين الكفار على شيء أن يطلبوا منهم زيادة عليه فإن ذلك من ترك الوفاء بالعهد ونقض العقد وهما محرمان بنص القرآن والسنة (8/133)
باب ما جاء فيمن سار نحو العدو في آخر مدة الصلح بغتة (8/133)
1 - عن سليمان بن عامر قال " كان معاوية يسير بأرض الروم وكان بينه وبينهم أمد فأراد أن يدنو منهم فإذا انقضى الأمد غزاهم فإذا شيخ على دابة يقول الله أكبر الله أكبر وفاء لا غدر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان بينه وبين قوم عهد فلا يحلن عقدة ولا يشدنها حتى ينقضي أمدها أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء فبلغ ذلك معاوية فرجع فإذا الشيخ عمرو بن عبسة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (8/133)
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وقال الترمذي بعد إخراجه حسن صحيح قوله " وكان بينه وبينههم أمد " الخ لفظ أبي داود كانت بين معاوية وبين الروم عهد وكان يسير نحو بلادهم حتى إذا انقشى العهد غزاهم فجاء رجل على فرس أو برذون
قوله : " وفاء لا غدر " أي أن الله سبحانه وتعالى شرع لعباده الوفاء بالعقود والعهود ولم يشرع لهم الغدر فكان شرعه الوفاء لا الغدر
قوله : " فلا يحلن عقدة " استعار عقدة الحبل لما يقع بين المسلمين من المعاهدة ونهي عن حلها أي نقضها وشدها أي تأكيدها بشيء لم يقع التصالح عليه بل الواجب الوفاء بها على الصفة التي كان وقوعها عليها بلا زيادة ولا نقصان
قوله : " أو ينبذ إليهم عهدهم على سواء " النبذ في أصل اللغة الطرح قال في القاموس النبذ طرحك الشيء أمامك أو وراءك أو عام انتهى . والمراد هنا إخبار المشركين بأن الذمة قد انقضت وإيذانهم بالحرب إن لم يسلموا أو يعطزا الجزية عن يدوهم صاغرون
وفي الحديث على ما ترجم به المصنف الباب من أنه لا يجوز المسير إلى العدو في آخر مدة الصلح بغتة بل الواجب الانتظار حتى تنقضي المدة أو النبذ إليهم على سواء (8/134)
باب الكفار يحاصرون فينزلون على حكم رجل من المسلمين (8/134)
1 - عن أبي سعيد " أن أهل قريظة نزلوا على حكم سعد بن معاذ فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى سعد فأتاه على حمار فلما دنا قريبا من المسجد قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوموا إلى سيدكم أو خيركم فقعد عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أن هؤلاء نزلوا على حكمك قال إني أحكم أن تقتل مقاتلتهم وتسمى ذرا ريهم فقال لقد حكمت بما حكم به الملك " وفي لفظ " قضيت بحكم الله عز و جل "
- متفق عليه (8/134)
- قوله " قوموا إلى سيدكم " قد اختلف هل المخاطب بهذا الخطاب الأنصار خاصة أم هم وغيرهم وقد بين ذلك صاحب الفتح في كتاب الاستئذان
قوله : " فإني أحكم " في رواية للبخاري فيهم وفي رواية له أخرى فيه أي في هذا الأمر
قوله : " بما حكم به الملك " بكسر اللام وفي رواية " لقد حكمت اليوم فيهم بحكم الله الذي حكم به من فوق سبع سموات " وفي حديث جابر عن ابن عائذ فقال " احكم فيهم يا عائذ فقال الله ورسوله أحق بالحكم قال قد أمرك الله أن تحكم فيهم " وفي رواية ابن إسحاق " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " والأرقعة بالقاف جمع رقيع وهو من أسماء السماء قيل سميت بذلك لأنها رقعت بالنجوم وهذا كله يدفع ما وقع على الكرماني بحكم الملك بفتح اللام وفسره بجبريل لأنه الذي كان ينزل بالأحكام قال السهيلي من فوق سبع سموات معناه أن الحكم نزل من فوق قال ومثله قول زينب بنت جحش زوجني الله من نبيه من فوق سبع سموات أي نزل تزويجها من فوق
قال ولا يستحيل وصفه تعالى بالفوق على المعنى الذي يليق بجلالته لا على المعنى الذي يسبق إلى الوهم من التحديد الذي يفصي إلى التشبيه
وفي الحديث دليل على أنه يجوز نزول العدو على حكم رجل من المسلمين ويلزمهم ما حكم به عليهم من قتل واسر واسترقاق وقد ذكر ابن إسحاق أن بني قريظة لما نزلوا على حكم سعد حبسوا في دار بنت الحرث
وفي رواية أبي الأسود عن عروة في دار أسامة بن زيد ويجمع بينهما بأنهم جعلوا في البيتين . ووقع في حديث جابر عن ابن عائذ التصريح في أنهم جعلوا في البيتين قال ابن إسحاق فخندقوا لهم خنادق فضربت أعناقهم فجري الدم في الخندق وقسم أموالهم ونساءهم وأبناءهم على المسلمين وأسهم للخيل فكان أول يوم وقعت فيه السهمان لها . وعن أبي سعد عن مرسل حميد بن هلال أن سعد بن معاذ حكم أيضا أن تكون دورهم للمهاجرين دون الأنصار فلامه الأنصار فقال إني أحببت أن يستغنوا عن دوركم واختلف في عدتهم فعند ابن إسحاق أنهم كانوا ستمائة وبه جزم أبو عمر ابن عبد البر في ترجمة سعد بن معاذ وعن ابن عائذ من مرسل قتادة كانوا سبعمائة قال السهيلي المكثر يقول كانوا ما بين الثمانمائة إلى السبعمائة
وفي حديث جابر عند الترمذي والنسائي وابن حبان بإسناد صحيح أنهم كانوا أربعمائة مقاتل فيجمع بإن الباقين كانوا أتباعا وقد حكى ابن إسحاق أنه قيل أنهم كانوا تسعمائة (8/135)
باب أخذ الجزية وعقد الذمة (8/135)
1 - عن عمر أنه لم يأخذ الجزية من المجوس حتى شهد عبد الرحمن بن عوف " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذها محوس هجر "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي . في رواية " أن عمر ذكر المجوس فقال ما أدري كيف أصنع في أمرهم فقال له عبد الرحمن بن عوف أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب " رواه الشافعي وهو دليل على أنهم ليشوا من أهل الكتاب (8/135)
2 - وعن المغيرة بن شعبة أنه قال لعمل كسرى " أمرنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم أن نقاتلكم حتى تعبدوا الله وحده أو تؤدوا الجزية "
- رواه أحمد والبخاري (8/136)
3 - وعن ابن عباس قال " مرض أبو طالب فجاءته قريش وجاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشكوه إلى أبي طالب فقال يا ابن أخي ما تريد من قومك قال أريد منهم كلمة تدين لهم بها العرب وتؤدي غليهم بها العجم الجزية قال كلمة واحدة قولوا لا إله إلا الله قالوا إلها واحدا ما سمعنا بهذا في الملة الآخرة إن هذا إلا اختلاق قال فنزل فيهم القرآن " ص والقرآن ذي الذكر إلى قوله إن هذا إلا اختلاق "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن (8/136)
- حديث عمر وعبد الرحمن ورد بألفاظ من طرق منها ما ذكره المصنف وقد أخرجه الترمذي بلفظ " فجاءنا كتاب عمر انظر مجوس من قبلك فخذ منهم الجزية فإن عبد الرحمن بن عوف أخبرني فذكره " وأخرج أبو داود من طريق ابن عباس قال " جاء رجل من مجوس هجر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما خرج قلت له ما قضاء الله ورسوله فيكم قال شر الإسلام أو القتل " وقال عبد الرحمن بن عوف قبل منهم الجزية
قال ابن عباس فأخذ الناس بقول عبد الرحمن وتركوا وتركوا ما سمعت
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال بسند صحيح عن حذيفة لولا أبي رأيت أصحابي أخذوا الجزية من المجوس ما أخذتها
وفي الموطأ عن جعفر بن محمد عن أبيه أن عمر قال لا أدري ما أصنع بالمجوس فقال عبد الرحمن بن عوف أشهد لسم صلى الله عليه وآله وسلم يقول سنوا بهم سنة أهل الكتاب وهذا منقطع ورجاله ثقات . ورواه الدار قطني وابن المنذر في الغرائب من طريق أبي علي الحنفي عن مالك فزاد فيه عن جده أي جد جعفر بن محمد وهو أيضا منقطع لأن جده علي بن الحسين لم يلحق عبد الرحمن بن عوف ولا عمر فإن كان الضمير في جده يعود إلى محمد بن علي فيكون متصلا لأن جده الحسين ابن عوف وله شاهد من حديث مسلم بن العلاء بن الحضرمي أخرجه الطبراني في آخر حديث بلفظ " سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب " قال ابن عبد البر هذا من الكلام العام الذي أريد به الخاص لأن المراد سنة أهل الكتاب على أنهم ليسوا أهل الكتاب لكن روى الشافعي وعبد الرزاق وغيرهما بإسناد حسن عن علي كان المجوس أهل كتاب يدرسونه وعلم يقرؤنه فشرب أميرهم الخمر فوقع على أخته فلما أصبح دعا أهل الطمع فأعطاهم وقال أن آدم كان ينكح أولاده بناته فأطاعوه وقتل من خالفه فأسري على ما في كتابهم وعلى ما في قلوبهم منه فلم يبق عندهم منه شيء وروى عبد ابن حميد في تفسير سورة البروج بإسناد صحيح عن ابن أبزي لما هزم المسلمون أهل فارس قال عمر اجتمعوا فقال أن المجوس ليسوا أهل كتاب فنضع عليهم ولامن عبدة الأوثان فنجري عليهم أحكامهم فقال علي بل هم أهل كتاب فذكر نحوه لكن قال وقع على ابنته وقال في آخر فوضع الأخدود لمن خالفه فهذا حجة من قال كان لهم كتاب
وأما قول ابن بطال لو كان لهم كتاب ورفع لرفع حكمه ولما أستثنى حل ذبائحهم ونكاح نسائهم فالجواب أن الاستثناء وقع تبعا للأثر الوارد لأن في ذلك شبهة تقتضي حقن الدم بخلاف النكاح فإنه مما يحتاط له وقال ابن المنذر ليس تحريم نكاحهم وذبائحهم متفق عليه ولكن الأكثر من أهل العلم عليه وحديث ابن عباس أخرجه النسائي أيضا وصححه الترمذي والحاكم قوله " حتى تعبدو الله وحده " الخ فيه الإخبار من المغيرة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتال المجوس حتى يؤدوا الجزية زاد الطبراني وإنا والله لا نرجع إلى ذلك الشقاء حتى نغلبكم على ما في أيديكم
قوله : " وتؤدي إليهم بها العجم الجزية " فيه متمسك لمن قال لا تؤخذ الجزية من الكتابي إذا كان عربيا قال في الفتح فأما اليهود والنصارى فهم المراد بأهل الكتاب بالأتفاق وفرق الحنفية فقالوا تؤخذ من مجوس العجم دون مجوس العرب وحكى الطحاوي عنهم أنها تقبل الجزية من أهل الكتاب ومن جميع الكفار العجم ولا يقبل من مشركي العرب إلا الإسلام أو السيف وعن مالك تقبل من جميع الكفار إلا من ارتد وبه قال الأوزاعي وفقهاء الشام وحكى ابن القاسم أنها لا تفبل من قريش وحكى ابن عبد البر الاتفاق على قبولها من المجوس لكن حكى ابن التين عن عبد الملك أنها لا تقبل من اليهود والنصارى فقط ونقل أيضا الاتفاق على أنه لا يحل نكاح نسائهم ولا أكل ذبائحهم وحكى غيره عن أبي ثور حل ذلك قال ابن قدامة وهذا خلاف إجماع من تقدموا قال الحافظ وفيه نظر فقد حكى ابن عبد البر عن سعيد بن المسيب أنه لم يكن يرى بذبيحة المجوسي بأسا إذا أمره المسلم بذبحها وروى ابن أبي شيبة عنه وعن عطاء وطاوس وعمرو بن دينار أنهم لم يكونوا يرون بأسا بالتسرى بالمجوسية وقال الشافعي تقبل من أهل الكتاب عربا كانوا أوعجما ويلتحق بهم المجوس في ذلك قال أبو عبيدة ثبتت الجزية على اليهود والنصارى بالكتاب وعلى المجوس بالسنة
قال العلماء الحكمة في وضع الجزية أن الذي يلحقهم يحملهم على الدخول في الإسلام مع ما في مخالطة المسلمين من الإطلاع على محاسن الإسلام واختلف في السنة التي شرعت فيها فقيل في سنة وثمان وقيل في سنة وتسع (8/136)
4 - وعن عمر بن بن عبد العزيز " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن ان على كل إنسان منكم دينارا كل سنة أو قيمته من الممعاثر يعني أهل الذمة منهم "
- رواه الشافعي في مسنده
وقد سبق هذا المعنى في كتاب الوكاة في حديث لمعاذ (8/137)
5 - وعن عمرو بن عوف الأنصاري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي "
- متفق عليه (8/137)
6 - وعن الزهري قال " قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجزية من أهل البحرين وكانوا مجوسا "
- رواه أبو عبيدة في الأموال (8/137)
7 - وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث خالد بن الوليد إلى أكيد ردومة فأخذوه فأتوا به فحقن دمه وصالح على الجزية "
- رواه أبو داود (8/138)
8 - وهو دليل على أنها لا تختص بالعجم لأن أكيد ردومة عربي من غسان (8/138)
9 - وعن ابن عباس قال " صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل نجران على الفي حلة النصف في صفو والبقية في رجب يؤدونها إلى المسلمون وعارية ثلاثين درعا وثلاثين فرسا وثلاثين بعيرا وثلاثين من كل صنف من أصناف السلاح يغزون بها والميسلمون ضامنون لها حتى يردوها عليهم إن كان باليمن كيد ذات غدر على أن لا يهدم لهم بيعة ولا يخرج لهم قس ولا يفتنوا عن دينهم ما لم يحدثوا حدثا أو يأكلوا الربا "
- أخرجه أبو داود (8/138)
- حديث عمر بن عبد العزيز هو مرسل ولكنه يشهد له ما أشار له المصنف من حديث معاذ وقد سبق في باب صدقة المواشي من كتاب الزكاة ومن كل حالم دينارا أو عدله معافر وقد قدمنا الكلام عليه هنا لك . وحديث الزهري هو أيضا مرسل وقد تقدم ما يشهد له في أول الباب . وحديث أنس أخرجه أيضا وأخرجه أيضا البيهقي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وفيع عنعنة محمد بن إسحاق محديث ابن عباس هو من رواية السدى عنه قال المنذري وفي سماع السدى من عبد الله بن عباس نظر وإنما قيل أنه رآه ورأى ابن عمر وسمع من أنس بن مالك وكذا قال الحافظ أن في سماع السدي منه نظرا لكن له شواهد منها ما أخرجه ابن أبي شيبة عن الشعبي قال " كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل نجران وهم نصارى أن من بايع منكم بالربا فلا ذمة له " وأخرج أيضا عن سالم قال أن أهل نجران قد بلغوا أربعين ألفا وكان عمر رضي الله عنه يخافهم أن يميلوا على المسلمين فتحاسدوا بينهم فأتوا عمر فقالوا أجلنا قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد كتب لهم كتابا أن لا يجلوا فاغتنمها عمر فأجلاهم فندموا فأتوه فقالوا أقلنا فأبى أن يقيلهم فلما قدم علي أتوه فقالوا إنا نسألك بخط يمينك وشفاعتك عند نبيك إلا ما أقلتنا فأبى وقال أن عمر كان رشيد الأمر
قوله : " من المعافر " بعين مهملة وفاء اسم قبيلة وبها سميت الثياب وإليها ينسب البز المعافري
قوله : " الأنصاري " كذا في صحيح البخاري والمعروف عند أهل المغازي أنه من المهاجرين وقد وقع أيضا في البخاري أنه حليف لبني عامر بن لؤي وهو يشعر بكونه من أهل مكة قال في الفتح ويحتمل أن يكون وصفه بالأنصاري بالمعنى الأعم ولامانع أن يكون أصله من الأوس والخزرج نزل مكة وحالف بعض أهلها فبهذا الأعتبار يكون أنصار يا مهاجر يا قال ثم ظهر لي أن لفظة الأنصاري وهم وقد تفرد بها شعيب عن الزهري ورواه أصحاب الزهري عنه بدونها في الصحيحين وغيرهما وهو معدود في أهل بدر باتفاقهم ووقع عند موسى بن عقبة في المغازي أنه عمير بن عوف بالتصغير
قوله : " إلى البحرين " هي البلد المشهور في العراق وهو بين البصرى وهجر . وقوله " يأتي بجزيتها " أي يأتي بجزية أهلها وكان غالب أهلها إذ ذاك المجوس ففيه تقوية للحديث الذي تقدم ومن ثم ترجم عليه النسائي أخذ الجزية من المجوس . وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوى عامل الفرس على البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية
قوله : " وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ كان في ذلك في سنة الوفود سنة تسع من الهجرة
قوله : " إلى أكيدر " بضم الهمزة تصغيرا أكدر قال في التلخيص إن ثبت أن أكيدر كان كنديا ففيه دليل على أن الجزية لا تختص بالعجم من أهل الكتاب لأن أكيدرا كان عربيا اه
قوله : " صالح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل نجران " الخ هذا المال الذي وقعت عليه المصالحة هو في الحقيقة جزية ولكن ما كان مأخوذا على هذه الصفة يختص بذوي الشوكة فيؤخذ ذلك المقدار من أموالهم ولا يضر به [ يضربه ؟ ؟ ] الإمام على رؤوسهم
قوله : " إن كان باليمن كيد ذات غدر " إنما أنث الكيد هنا لأنه أراد به الحرب ولفظ الجامع كيد إذا بغدر
وفي الإرشاد كيدا وغدر وهذا لفظ أبي داود
قوله : " ولا يخرج لهم قس " بفتح القاف وتشديد المهملة بعدها قال في القاموس هو رئيس النصارى في العلم
قوله : " يأكل الربا " زاد أبو داود قال إسماعيل قد أكلوا الربا (8/139)
9 - وعن ابن شهاب قال " أول من أعطى الجزية من أهل الكتاب أهل نجران وكانوا نصارى "
- رواه أبو عبيد في الأموال (8/139)
10 - وعن ابن عباس قال " كانت المرأة تكون مقلاة فتجعل على نفسها إن عاش لها ولد أن تهوده فلما أجليت بنو النضير كان فيهم من أبناء الأنصار فقالوا لا ندع أبناءنا فأنزل الله عز و جل لا إكراه في الدين "
- رواه أبو داود وهو دليل على أن الوثني إذا تهود يقر ويكون كغيره من أهل الكتاب (8/139)
11 - وعن ابن أبي نجيح قال " قلت لمجاهد ما شأن أهل الشام عليهم أربعة دنانير وأهل اليمن عليهم دينار قال جعل ذلك من قبيل اليسار "
- أخرجه البخاري (8/140)
- حديث ابن شهاب مرسل . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وقد رواه أبو داود من ثلاث طرق والنسائي من طريقين وجميع رجاله لا مطعن فيه
قوله : " مقلاة " بكسر الميم وسكون القاف قال في مختصر النهاية هي المرأة التي لا يعيش لها ولد قوله " فأنزل الله عز و جل لا إكراه في الدين " فيه دليل على أنه إذا أختار الوثني الدخول في اليهودية أو النصارانية جاز تقريره على ذلك بشرط أن يلتزم بما وضعه المسلمون على أهل الذمة
قوله : " ما شأن أهل الشام " الخ أشار بهذا الأثر إلى جواز التفاوت في الجزية وأقل الجزية عند الجمهور دينار في كل سنة من كل حالم لحديث معاذ المتقدم وما ورد في معناه وظاهره المساواة بين الغني والفقير وخصته الحنفية بالفقير قالوا وما المتوسط فعليه ديناران وعلى الغني أربعة وهو موافق لأثر مجاهد المذكور وعند الشافعية إن للإمام أن يماكس حتى يأخذها منهم وبه قال أحمد . وحكى في البحر عن الهادي والقاسم والمؤيد بالله وأبي حنيفة وأصحابه أنها تكون في الفقير إثنتي عشرة قفلة ومن الغني ثمانين وأربعين ومن المتوسط أربعا وعشرين وتمسكوا بما رواه أبوا عبيد من طريق أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن عمر أنه بعث عثمان بن حنيف بوضع الجزية على أهل السواد ثمانية وأربعين وأربعة وعشرين وإثني عشر
قال في الفتح وهذا على حساب الدينار بإثني عشر وأخرجه البيهقي من طريق مرسلة بلفظ " إن عمر ضرب الجزية على الغني ثمانية وأربعين درهما وعلى المتوسط أربعة وعشرين وعلى الفقير المكتسب إثني عشر " وأخرج البيهقي عن عمر أنه وضع على أهل الذهب أربعة دنانير وعلى أهل الورق ثمانية وأربعين
وأخرج أيضا عنه أنه قال دينار الجزية إثنا عشر درهما قال ويروى عنه بإسناد ثابت عشرة دراهم قال ووجهه التقويم باختلاف السعر وقال مالك لا يزيد على الأربعين وينقص منها عمن لا يطيق
قال في الفتح وهذا يحتمل أن يكون جعله على حساب الدينار بعشرة والقدر الذي لا بد منه دينار وحكى في البحر عن النفس الزكية وأبي حنيفة والشافعي في قول له أنه لا جزية على فقير وهذا يخالف ما حكاه في الفتح عن الحنفية والشافعية كما قدمنا ولعل ما وقع من عمر وغيره من الصحابة من الزيادة على الدينار لأنهم لم يفهموا من النبي صلى الله عليه وآله وسلم حدا محدودا أو إن حديث ممعاذ المتقدم واقعة عين لا عموم لها وأن الجزية نوع من الصلح كما قدمنا وقد تقدم ما كان يأخذه صلى الله عليه وآله وسلم من أهل نجران وحكى في البحر عن الهادي أن الغني من يملك ألف دينار نقدا وبثلاثة آلاف دينار عروضا ويركب الخيل ويتختم بالذهب
وقال المؤيد بالله إن الغني هو العرفي وقواه المهدى وقال المنصور بالله بل الشرعي قال في الفتح ( واختلف السلف ) في أخذها من الصبي فالجمهور قالوا لا تؤخذ على مفهوم حديث معاذ وكذا لا تؤخذ من شيخ فان ولا زمن ولا امرأة ولا مجنون ولا عاجز عن الكسب ولا أجير ولا من أصحاب الصوامع في قول والأصح عند الشافعية الوجوب على من ذكر آخرا اه
وقد أخرج البيهقي من طريق زيد بن أسلم عن أبيه أن عمر كتب إلى إمرأة الأجناد أن لا تضربوا الجزية إلا على من جرت عليه المواسى وكان لا يضرب على النساء والصبيان ورواه من طريق أخرى بلفظ " ولا تضعوا الجزية على النساء والصبيان " ولكنه قد أخرج أبو عبيد في كتاب الأموال عن عثمان بن صالح عن ابن لهيعة عن أبي الأسود عن عروة قال " كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أهل اليمن أنه من كان على يهوديته أو نصرانيته فإنه لا ينزعها وعليه الجزية على كل حال ذكرا أو أنثى عبد أو أمة دينار واف أو قيمته " ورواه ابن زنجويه في الأموال عن النضر بن شميل عن عوف عن الحسن قال " كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فذكره قال الحافظ وهذان مرسلان يقوي أحدهما الآخر
وروى أبو عبيد أيضا في الأموال عن يحيى بن سعيد عن قتادة عن شقيق العقيلي عن أبي عياض عن عمر قال لا تشتروا رقيق اهل الذمة فإنهم أهل خراج يؤدى بعضهم عن بعض (8/140)
12 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تصلح قبلتان في أرض وليس على مسلم جزية "
- رواه أحمد وأبو داود وقد احتج به على سقوط الجزية بالإسلام وعلى المنع من إحداث بيعة أو كنيسة (8/140)
13 - وعن رجل من بني تغلب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليس على المسلمين عشور إنما العشور على اليهود والنصارى "
- رواه أحمد وأبو داود (8/141)
14 - وعن أنس " إن امرأة يهودية أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها فجيء بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألها عن ذلك فقالت أردت أن أقتلك فقال ما كان الله ليسلطك على ذلك قال فقالوا ألا نقتلها قال لا فما زلت أعرفها في لهوات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ومسلم وهو دليل على أن العهد لا ينتقض بمثل هذا الفعل (8/141)
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود ورجال إسناده موثقون وقد تكلم في قابوس بن الحصين عن جندب ووثقه ابن معين
وقال المنذري أخرجه الترمذي وذكر أنه مرسل ويشهد له ما تقدم أنه صلى الله عليه وآله وسلم " قال المسلم والكافر لا تتراءى ناراهما " وأخرج مالك في الموطأ عن ابن شهاب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يجتمع دينان في جزيرة العرب " قال ابن شهاب ففحص عمر عن ذلك حتى أتاه الثلج واليقين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بهذا فأجلى يهود خيبر قال مالك وقد أجلى عمر يهود نجران وفدك . ورواه مالك في الموطأ أيضا عن إسماعيل بن أبي حكيم أنه سمع عمر بن عبد العزيز يقول بلغني أنه كان من آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قال قاتل الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد لا يبقى دينان بأرض العرب . ووصله صالح بن أبي الأخضر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة أخرجه إسحاق في مسنده . ورواه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد بن المسيب فذكره مرسلا وزاد فقال عمر من كان منكم عنده عهد من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فليأت به وإلا فإني مجليكم . ورواه أحمد في مسنده موصولا عن عائشة ولفظه قالت آخر ما عاهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لا يترك بجزيرة العرب دينان . أخرجه من طريق ابن إسحاق حدثني صالح بن كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها وحديث الرجل من بني تغلب أخرجه البخاري في التاريخ وساق الاضطراب فيه وقال لا يتابع عليه
قال المنذريي وقد فرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم العشور فيما أخرجت الأرض في خمسة أو ساق وقد أخرجه أبو داود أيضا من طريق أخرى من حديث حرب بن عبيد الله عن جده أبي أمه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما العشور على اليهود والنصارى . وليس على المسلمين عشور " ولم يتكلم أبو داود ولا المنذري على إسناده وأخرجه أيضا من طريق أخرى عن حرب بن عبيد الله فقال الخراج مكان العشور
وأخرجه أيضا من طريق أخرى عن رجل من بكر بن وائل عن خاله قال قلت يل رسول الله أعشر قومي قال لإنما العشور على اليهود والنصارى
وقدد سكت أبو داود والمنذري عنه في إسناده الرجل البكري وهو مجهول وخاله أيضا مجهول ولكنه صحابي
قوله : " لا تصلح قبلتنا " سيأتي الكلام عن ذلك في الباب الذي بعد هذا
قوله : " وليس على مسلم جزية " لأنها إنما ضربت على أهل الذمة ليكن بها حقن الدماء وحفظ الإموال والمسلم بإسلامه قد صار محترم الدم والمال
قوله " عشور " هي جمع عشر وهو واحد من عشرة أي ليس عليهم غير الزكاة من الضرائب والمكس ونحوهما
قال في القاموس عشرهم يشعرهم عشرا وعشورا أخذ عشر أموالهم انتهى
وقال الخطابي يريد عشور التجارات دون عشور الصدقات قال والذي يلزم اليهود والنصارى من العشور هو ما صولحوا عليه وإن لم يصالحوا عليه فلا شيء عليهم غير الجزية اتنهى . ولعله يريد على مذهب الشافعي
وأما عند الحنفية والزيدية فإنهم يقولون يؤخذ من تجار أهلالذمة نصف عشر ما يتجرون به هلالذمة نصف عشر ما يتجرون به إذا كان ذلك الإتجالر باماننا ويؤخذ من تجار أهل الحرب مقدار ما يأخذون من تجارنا فإن التبس المقدار وجب الاقتصار على العشر وقد أخرج البيهقي عن محمد بن سيرين أن أنس بن مالك قال له أبعثك على ما بعثني عليه عمر فقال لا أعمل لك عملا حتى تكتب لي عهد عمر الذي كان عهد إليك فكتب لي أن تأخذ لي من أموال المسلمين ربع العشر ومن أموال أهل الذمة إذا اختلفوا للتجارة نصف العشر ومن أموال أهل الحرب العشر
وأخرج سعيد ابن منصور عن زياد بن حدير قال استعملني عمر بن الخطاب على العشور فأمرني أن أخذ من تجار أهل الحرب العشر ومن تجار أهل الذمة يصف العشر ومن تجار المسلمين ربع العشر وأخرج مالك عن ابن شهاب عن سالم عن أبيه كان عمر يأخذ من القبط من الحنطة والزيت نصف العشر يريد بذلك أن يكثر الحمل إلى المدينة ولا يؤخذ ذلك منهم إلا في السنة مرة لظاهر اقترانه بربع العشر الذي على المسلمين وأما اشتراط النصاب والأنتقال بأمان المسلمين كما قاله جماعة من الزيدية فلم أقف في شيء من السنة أو أفعال أصحابه على ما يدل عليه وفعل عمر وإن لم يكن حجة لكنه قد عمل الناس به قاطبة فهو اجماع سكوتي . ويمكن أن يقال لا يسلم الإجماع على ذلك والأصل تحريم أموال أهل الذمة حتى يقوم دليل والحديث محتمل
وقد استنبط المصنف رحمه الله من حديث ابن عباس المذكور في الباب المنع من احداث بيعة أو كنيسة وأخرج البيهقي من طريق حزام بن معاوية قال كتب إلينا عمر أبو الخيل ولا يرفع بين ظهرانيكم الصليب ولا تجاوركم الخنازير وفي إسناده ضعف وأخرجه أيضا الحافظ الحراني وروى ابن عدي عن عمر مرفوعا لا تبني كنيسة في الإسلام ولا يجدد ما خرب منها
وروى البيهقي عن ابن عباس كل مصر مصره المسلمون لا تبني فيه بيعة ولا كنيسة ولا يضرب فيه ناقوس ولا يباع فيه لحم خنزير وفي إسناده حنش وهو ضعيف
وروى أبو عبيد في كتاب الأموال عن نافع عن أسلم أن عمر أمر في أهل الذمة أن تجز نواصيهم وأن يركبوا على الأكف عرضا ولا يركبوا كما يركب المسلمون وأن يوثقوا المناطق
قال أبو عبيد يعني الزنانير وروى البيهقي عن عمر أنه كتب إلى امراء الأجناد أن يختموا رقاب أهل الذمة بخاتم الرصاص وأن تجز نواصيهم وأن تشد المناطق . وحديث أنس المذكور في الباب استدل به المصنف رحمه الله على أن أرادة القتل من الذمي لا ينقض بها عهده لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقتلها بعد أن اعترفت بذلك والقصة معروفة في كتب السير والحديث والخلاف فيها مشهور
وقد جزم بعض أهل العلم بأنه يقتل من سب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أهل الذمة واستدل بأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقتل من كان يشتمه من كفار قريش كما سبق وتعقبه ابن عبد البربان كفار قريش المأمور بقتلهم يوم الفتح كانوا حربيين
وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرت أن أبا عبيدة بن الجراح وأبا هريرة قتلا كتابيين أرادا امرأة على نفسها مسلمة وروى البيهقي من طريق الشعبي عن سويد بن غفلة قال كنا عند عمر وهو أمير المؤمنين بالشام فأتى نبطي مضروب مشجج يستعدى فغضب عمر وقال لصهيب أنظر من صاحب هذا فذكر القصة فجيء به فإذا هو عوف ابن مالك فقال رأيته يسوق بامرأة مسلمة فنخس الحمار ليصرعها فلم تصرع ثم دفعها فخرت عن الحمار فغشيها ففعلت به ما ترى فقال عمر والله ما على هذا عاهدناكم فأمر به فصلب ثم قال يا أيها الناس فوا بذمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم فمن فعل منهم هذا فلا ذمة له
باب منع أهل الذمة من سكني الحجاز (8/141)
1 - عن ابن عباس قال " اشتد برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجعه يوم الخميس وأوصى عند موته بثلاث أخرجوا المشركين من جزيرة العرب وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة "
- متفق عليه والشك من سليمان الاحول (8/142)
2 - وعن عمر " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا خرجن اليهود والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدع فيها إلا مسلما "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه (8/142)
3 - وعن عائشة قال " آخر ما عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن قال لا يترك بجزيرة العرب دينان " (8/142)
4 - وعن أبي عبيدة بن الجراح قال " آخر ما تكلم به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب "
- رواهما أحمد (8/143)
5 - وعن ابن عمر " أن عمر أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وذكر يهود خيبر إلى أن قال أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء "
- رواه البخاري (8/143)
- حديث عائشة قد قدمنا أنه رواه أحمد في مسنده من طريق ابن إسحاق قال حدثني صالح ين كيسان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة عنها وحديث أبي عبيدة أخرجه أيضا البيهقي وهو في مسند مسدد وفي مسند الحميدي أيضا
قوله : " من جزيرة العرب " قال الأصمعي جزيرة العرب ما بين أقصى عدن أبين إلى ريف العراق طولا ومن جدة وما والاها من أطراف الشام عرضا وسميت جزيرة لإحاطة البحار بها يعني بحر الهند وبحر فارس والحبشة . وأضيفت إلى العرب لأنها كانت بأيديهم قبل الإسلام وبها أوطانهم ومنازلهم
قال في القاموس وجزيرة العرب ما أحاط بها بحر الهند وبحر الشام ثم دجلة والفرات أوما بين عدن أبين إلى أطراف الشام طولا ومن جدة إلى ريف العراق عرضا انتهى . وظاهر حديث ابن عباس انه يجب إخراج كل مشرك من جزيرة العرب سواء كان يهوديا أو نصرانيا أو مجوسيا ويؤيد هذا ما في عبيدة ابن الجراح لتصريحهما بأخراج اليهود والنصارى وبهذا يعرف أن ما وقع في بعض ألفاظ الحديث من الأقتصار على الأمر بأخراج اليهود لا ينافي الأمر العام لما تقرر في الأصول أن التنصيص على بعض أفراد العام لا يكون مخصصا للعام المصرح به في لفظ آخر ومانحن فيه من ذلك قوله " ونسيت الثالثة " قيل هي تجهيز أسامة وقيل يحتمل أنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تتخذوا قبري وثنا " وفي الموطأ ما يشير إلى ذلك . وظاهر الحديث أنه يجب أخراج المشركين من كل مكان داخل في جزيرة العرب . وحكى الحافظ في الفتح في كتاب الجهاد عن الجمهور أن الذي يمنع منه المشركون من جزيرة العرب هو الحجاز خاصة قال وهو مكة والمدينة واليمامة وما والاها لا فيما سوى ذلك مما يطلق عليه اسم جزيرة العرب لاتفاق الجميع على أن اليمن لا يمنعون منها مع أنها من جملة جزيرة العرب قال وعن الحنفية يجوز مطلقا إلا المسجد . وعن مالك يجوز دخولهم الحرم للتجارة
وقال الشافعي لا يدخلون الحرم أصلا إلا بأذن الإمام لمصلحة المسلمين انتهى
قال ابن عبد البر في الأستذكار ما لفظه قال الشافعي جزيرة العرب التي أخرج عمر اليهود والنصارى منها مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها فأما اليمن فليس من جزيرة العرب انتهى
قال في البحر مسألة ولا يجوز إقرارهم في الحجاز إذ أوصى صلى الله عليه وآله وسلم بثلاثة أشياء اخراجهم من جزيرة العرب الخبر ونحوه والمراد بجزيرة العرب في هذه الأخبار مكة والمدينة واليمامة ومخاليفها ووج والطائف وما ينسب إليهما وسمى الحجاز حجاز الحجزه بين نجد وتهامة ثم حكى كلام الأصمعي السابق ثم حكى عن أبي عبيدة أنه قال جزيرة العرب هي ما بين حفر أبي موسى وهو قريب من البصرة إلى أقصى اليمن طولا وما بين يبرين إلى السماوة عرضا ثم قال لنا ما روى أبو عبيدة أن آخر ما تكلم به النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرجوا النهود من جزيرة العرب . الخبر وأجلى عمر أهل الذمة من الحجاز فلحق بعضهم بالشام وبعضهم بالكوفة وأجلى أبو بكر قوما فلحقوا بخيبر فاقتضى أن المراد الحجاز لا غير انتهى ولا يخفى أنه لو كان حديث أبي عبيدة باللفظ الذي ذكره لم يدل على أن المراد بجزيرة العرب هو الحجاز فقط ولكنه باللفظ الذي ذكره المصنف فيكون دليلا لتخصيص جزيرة العرب بالحجاز وفيه سيأتي
قال المهدي في الغيث ناقلا عن الشفاء للأمير الحسين إنما قلنا بجواز تقريرهم في غير الحجاز لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال أخرجوهم من جزيرة العرب ثم قال أخرجوهم من الحجاز عرفنا أن مقصوده بجزيرة العرب الحجاز فقط ولا مخصص للحجاز عن سائر البلاد إلا برعاية أن المصلحة في أخراجهم منه أقوى فوجب مراعاة المصلحة إذا كانت في تقريرهم أقوى منها في أخراجهم انتهى
وقد أجيب عن هذا الاستدلال بأجوبة منها أن حمل جزيرة العرب على الحجاز وإن صح مجازا من إطلاق اسم الكل على البعض فهو معارض بالقلب وهو أن يقال المراد بالحجاز جزيرة العرب أما لانحجازها بالأبحار كانحجازها بالحرار الخمس وأما مجاز من إطلاق اسم الجزء على الكل فترجيح أحد المجازين مفتقر إلى دليل ولا دليل إلا ما ادعاه من فهم أحد المجازين ومنها أن في خبر جزيرة العرب زيادة لم تغير حكم الخبر والزيادة كذلك مقبولة . ومنها أن استنباط كون علة التقرير في غير الحجاز هو المصلحة فرع ثبوت الحكم أعني التقرير لما علم من أن المستنبطة إنما تؤخذ من حكم الأصل بعد ثبوته والدليل لم يدل إلى على نفي التقرير لا ثبوته لما تقدم في حديث المسلم والكافر لا تتراءى ناراهما
وحديث لا يترك بجزيرة العرب دينان ونحوهما فهذا الأستنباط واقع في مقابلة النص المصرح فيه بأن العلة كراهة اجتماع دينين فلو فرضنا أنه لم يقع النص إلا على اخراجهم من الحجاز لكان المتعين الحاق بقية جزيرة العرب به لهذه العلة فكيف والنص الصحيح مصرح بالأخراج من جزيرة العرب وأيضا هذا الحديث الذي فيه الأمر بالأخراج من الحجاز فيه الأمر بأخراج أهل نجران كما وقع في حديث الباب وليس نجران من الحجاز فلو كان لفظ الحجاز مخصصا للفظ جزيرة العرب على انفراده أو دالا على أن المراد بجزيرة العرب الحجاز فقط لكان في ذلك أهمال لبعض الحديث وأعمال لبعض وأنه باطل وأيضا غاية ما في حديث أبي عبيدة الذي صرح فيه بلفظ أهل الحجاز مفهومه معارض لمنطوق ما في حديث ابن عباس المصرح فيه بلفظ جزيرة العرب والمفهوم لا يقوى على معارضة المنطوق فكيف يرجح عليه ( فإن قلت ) فهل يخصص لفظ جزيرة العرب المنزلة منزلة العام لماله من الأجزاء بلفظ الحجاز عند من جوز التخصيص بالمفهوم قلت هذا المفهوم من مفاهيم اللقب وهو غير معمول به عند الحنفين من أئمة الأصول حتى قيل أنه لم يقل به إلا الدقاق وقد تقرر عند فحول أهل الأصول إن ما كان من هذا القبيل يجعل من قبيل التنصيص على بعض الأفراد لا من قبيل التخصيص إلا عند أبي ثور
قوله : " أهل الحجاز " قال في القاموس والحجاز مكة والمدينة والطائف ومخاليفها لأنها حجزت بين نجد وتهامة أوبين نجد والسراة أو لأنها احتجزت بالحرار الخمس حرة بني سليم وواقم وليلى وشوران والنار انتهى (8/143)
باب ما جاء في بداءتهم بالتحية وعيادتهم (8/144)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تبدؤا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها "
- متفق عليه (8/144)
2 - وعن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا وعليكم "
- متفق عليه
وفي رواية لأحمد " فقولوا عليكم " بغير واو (8/144)
3 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن اليهود إذا سلم أحدهم إنما يقول السام عليكم فقل عليك "
- متفق عليه
وفي رواية لأحمد ومسلم " وعليك " بالواو (8/145)
4 - وعن عائشة قالت " دخل رهط من اليهود على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا السام عليك قالت عائشة ففهمتها فقلت عليكم السام واللعنة قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهلا يا عائشة إن الله يحب الرفق في الأمر كله فقلت يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا قد قلت وعليكم "
- متفق عليه
وفي لفظ " عليكم " أخرجاه (8/145)
5 - وعن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني راكب غدا إلى يهود فلا تبدؤهم بالسلام وإذا سلموا عليكم فقولوا وعليكم "
- رواه أحمد (8/145)
- قوله " لا تبدؤا اليهود " الخ فيه تحريم ابتداء اليهود والنصارى بالسلام وقد حكاه النووي عن عامة السلف وأكثر العلماء
قال وذهبت طائفة إلى جواز ابتدائنا لهم بالسلام روى ذلك عن ابن عباس وأبي أمامة وابن محيريز وهو وجه لبعض أصحابنا حكاه الماوردي لكنه قال يقول السلام عليك ولا يقول عليكم بالجمع واحتج هؤلاء بعموم الأحاديث الواردة في إفشاء السلام وهو من ترجيح العمل بالعام على الخاص . وذلك مخالف لما تقرر عند جميع المحققين ولا شك أن هذا الحديث الوارد في النهي عن ابتداء اليهود والنصارى بالسلام أخص منها مطلقا والمصير إلى بناء العام على الخاص واجب
وقال بعض أصحاب الشافعي يكره ابتداؤهم بالسلام ولا يحرم وهو مصير إلى معنى النهي المجازي بلا قرينة صارفة إليه . وحكى القاضي عياض عن جماعة أنه يجوز ابتداؤهم به للضرورة والحاجة وهو قول علقمة والنخعي
وروى عن الأوزاعي أنه قال إن سلمت فقد سلم الصالحون وإن تركت فقد ترك الصالحون
قوله : "
وإذا لقيتموهم في طريق فاضطروهم إلى أضيقها " أي ألجؤهم إلى المكان الضيق منها وفيه دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يترك للذمي صدر الطريق وذلك نوع من أنزال الصغار بهم والإذلال لهم
قال النووي وليكن التضييق بحيث لا يقع في وهذه لا يصدمه جدار ونحوه قوله " فقولوا وعليكم " في الرواية الأخرى " فقولوا عليكم " وفي الرواية الثالثة " فقل عليك " فيه دليل على أنه يرد على أهل الكتاب إذا وقع منهم الأبتداء بالسلام ويكون الرد بأثبات الواو وبدونها وبصيغة المفرد والجمع وكذا يرد عليهم لو قالوا السام بحذف اللام وهو عندهم الموت
قال النووي في شرح مسلم أتفق العلماء على الرد على أهل الكتاب إذا سلموا لكن لا يقال لهم وعليكم السلام بل يقال عليكم أو وعليكم فقد جاءت الأحاديث بأثبات الواو وحذفها وأكثر الروايات بأثباتها
قال وعلى هذا في معناه وجهان أحدهما . أنه على ظاهره فقالوا عيلكم الموت فقال وعليكم أيضا أي نحن وأنتم فيه سواء كلنا نموت . والثاني أن الواو هنا للإسئناس لا للعطف والتشريك وتقديره وعليكم ما تستحقونه من الذنب
وأما من حذف الواو فتقديره السام قال القاضي أختار بعض العلماء منهم ابن حبيب المالكي حذف الواو فتقديره بل عليكم السام
وقال غيره بإثباتها
قال وقال بعضهم يقول عليكم السلام بكسر السين أي الحجارة وهذا ضعيف وقال الخطابي عامة المحدثين يروون هذا الحرف وعليكم بالواو وكان ابن عيينة يرويه بغير واو قال وهذا هو الصواب لأنه إذا حذف الواو صار كلامهم بعينه مردودا عليهم خاصة وإذا ثبت الواو أقتضى الشركة معهم فيما قالوه
قال النووي والصواب أن إثبات الواو جائز كما صحت به الروايات وأن الواو أجود ولا مفسدة فيه السام الموت وهو علينا وعليهم فلا ضرر في المجيء بالواو . وحكى النووي بعد أن حكى الإجماع المتقدم عن طائفة من العلماء أنه لا يرد على أهل كتاب السلام
قال وراه ابن وهب وأشهب عن مالك . وحكى الماوردي عن بعض أصحاب الشافعي أنه يجوز أن يقال في الرد عليهم وعليكم السلام ولكن لا يقول رحمة الله
قال النووي وهو ضعيف مخالف للأحاديث
قال ويجوز الابتداء على جمع فيهم مسلمون وكفار أو مسلم وكافر ويقصد المسلمين والحديث الثابت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم سلم على مجلس في أخلاط من المسلمين والمشركين
قوله : " إن الله يحب الرفق في الأمر كله " هذا من عظيم خلقه صلى الله عليه وآله وسلم وكمال حلمه وفيه حث على الرفق والصبر والحلم وملاطفة الناس ما لم تدعو حاجة إلى المخاشنة وفي الحديث أستحباب تغافل أهل الفضل عن سفه المبطلين إذا لم يترتب عليهم مفسدة
قال الشافعي الكيس العاقل هو الفطن المغافل (8/146)
1 - وعن أنس قال " كان غلام يهودي يخدم رسول الله فمرض فأتاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعوده فقعد عند رأسه فقال له أسلم فنظر إلى أبيه وهو عنده فقال له أطع أبا القاسم فأسلم فخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يقول الحمد لله أنقذه بي من النار "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود
وفي رواية لأحمد " إن غلاما يهوديا كان يضع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وضوءه ويناوله نعليه فمرض " فذكر الحديث (8/146)
- قوله " كان غلام يهودي " زعم بعضهم أن أسمه عبد القدوس
وفي الحديث دليل على جواز زيارة تأهل الذمة إذا كان الزائر يرجو بذلك حصول مصلحة دينية كإسلام المريض
قال المنذري قيل يعاد المشرك ليدعى إلى الإسلام إذا رجي إجابته ألا ترى أن اليهودي أسلم حين عرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم الإسلام فأما إذا لم يطمع في الإسلام ولا يرجو إجابته فلا ينبغي عيادته . وهكذا قال ابن بطال أنها إنما تشرع عيادة المشرك إذا رجى أن يجيب إلى الدخول في الإسلام فأما إذا لم يطمع في ذلك فلا
قال الحافظ والذي يظهر أن ذلك يختلف بأختلاف المقاصد فقد يقع بعيادته مصلحة أخرى قال الماوردي عيادة الذمي جائزة والقربة موقوفة على نوع حرمة تقترن بها من جوار أو قرابة
وقد بوب البخاري على هذا الحديث باب عيادة المشرك (8/146)
باب قسمة خمس الغنيمة ومصرف الفيء (8/147)
1 - عن جبير بن مطعم قال " مشيت أنا وعثمان إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا قال إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد قال جبير ولم يقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبني عبد شمس ولا بني نوفل شيئا "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي . وابن ماجه وفي رواية " لما قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذي القربى من خيبر بين بني هاشم وبني المطلب جئت أنا وعثمان بن عفان فقلنا يا رسول الله هؤلاء بنو هاشم لا ينكر فضلهم لمكانك الذي وضعك الله عز و جل منهم أرأيت أخواننا من بني المطلب أعطيتهم وتركتنا وإنما نحن وهم منك بمنزلة واحدة قال إنهم لم يفارقوني في الجاهلية ولا إسلام وإنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد ثم شبك بين أصابعه " . رواه أحمد والنسائي وأبو داود والبرقاني وذكر أنه على شرط مسلم (8/147)
- قوله " مشيت أنا وعثمان " إنما أختص جبير عثمان بذلك لأن عثمان من بني عبد شمس وجبير من بني نوفل وعبد شمس ونوفل وهاشم والمطلب هم بنو عبد مناف فهذا معنى قولهما ونحن وهم منك بمنزلة واحدة أي في الانتساب إلى عبد مناف
قوله : " شيء واحد " بالشين المعجمة المفتوحة الهمزة كذا للأكثر
وقال عياض هكذا في البخاري بغير خلاف
وفي رواية للكشميهني والمستملى بالمهملة المكسورة وبشديد التحتانية وكذا كان يرويه يحيى بن معين
قال الخطابي هو أجود في المعنى . وحكاه عياض رواية خارج الصحيح وقال الصواب رواية الكافة لقوله فيه " وشبك بين أصابعه " وهذا دليل على الاختلاط والامتزاج كالشيء الواحد لا على التمثيل والتنظير . ووقع في رواية أبي زيد المروزي شيء أحد بغير واو وبهمز الألف فقيل هما بمعنى
وقيل الأحد الذي ينفرد بشيء لا يشاركه فيه غيره والواحد أول العدد . وقل الأحد المنفرد بالمعنى والواحد المنفرد بالذات
وقيل الأحد لنفي ما يذكر معه من العدد والواحد اسم لمفتاح العدد ومن جنسه
وقيل لا يقال أحد إلا لله تعالى حكى ذلك جميعه عياض
قوله : " ولم يقسم " الخ هذا أورده البخاري في كتاب الخمس معلقا ووصله في المعازي عن يحيى بن بكير عن الليث عن يونس بتمامه وزاد أبو داود بهذا الإسناد وكان أبو بكر يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم منه وعثمان بعده . وهذه الزيادة مدرجة من كلام الزهري والسبب الذي لأجله أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بني المطلب مع بني هاشم دون غيرهم ما تقدم لهم من المعاضدة لبني هاشم والمناصرة فمن ذلك لما كتبت قرش الصحيفة بينهم وبين بني هاشم وحصروهم في الشعب دخل بنو المطلب مع بني هاشم ولم يدخل بنو نوفل وبنو عبد شمس كما ثبت ذلك في كتب الحديث والسير
وفي هذا الحديث دليل للشافعي ومن وافقه أن سهم ذوي القربى لبني هاشم والمطلب خاصة دون بقية قرابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قريش . وعن عمر بن عبد العزيز هم بنو هاشم خاصة وبه قال زيد بن أرقم وطائفة من الكوفيين وإليه ذهب جميع أهل البيت . وهذا الحديث حجة لأهل القول الأول
وقد قيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما أعطى بني المطلب لعلة الحاجة ورد بأنه لو كان الأمر كذلك لم يخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم قوما دون قوم وأيضا الحديث مصرح بأنه إنما أعطاهم لكونهم هم ذرية هاشم شيء واحد وبمنزلة واحدة لكونهم لم يفارقوه في جاهلية ولا إسلام ( والحاصل ) أن الآية دلت على استحقاق قربى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي متحققة في بني عبد شمس وبني نوفل . واختلفت الشافعية في سبب إخراجهم فقيل العلة القرابة مع النصرة . فلذلك دخل بنو هاشم وبنو المطلب ولم يدخل بنو عبد شمس وبنو نوفل لفقدان جزء العلة أو شرطها
وقيل سبب الأستحقاق القرابة . ووجد في بني عبد شمس ونوفل مانع لكونهم انحازوا عن بني هاشم وحاربوهم
وقيل أن القربى عام خصصته السنة (8/147)
2 - وعن علي رضي الله عنه قال " اجتمعت أنا والعباس وفاطمة وزيد بن حارثة عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله إن رأيت أن توليني حقنا من هذا الخمس في كتاب الله تعالى فأقسمه في حياتك كيلا ينازعني أحد بعدك فأفعل قال ففعل ذلك فقسمته حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ولانيه أبو بكر حتى كانت آخر سنة من سني عمر فإنه أتاه مال كثير "
- رواه أحمد وأبو داود (8/148)
3 - وعن علي رضي الله عنه قال " ولاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس الخمس فوضعته مواضعه حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحياة أبي بكر وحياة عمر "
- رواه أبو داو وهو دليل على أن مصارف الخمس خمسة (8/148)
4 - وعن يزيد بن هرمز " أن نجدة كتب إلى ابن عباس يسأله عن الخمس لمن هو فكتب إليه ابن عباس كتبت تسألني عن الخمس لمن هو فأنا نقول هو لنا فأبى علينا قومنا ذلك "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية أن نجدة الحروري حين خرج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى لمن يراه فقال هو لنا لقربى صلى الله عليه وآله وسلم لهم قسمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم وقد كان عمر عرض علينا شيئا منه رأيناه دون حقنا فرددناه إليه وأبينا أن نقبله وكان الذي عرض عليهم أن يعين ناكحهم وأن يقضي عن غارمهم وأن يعطي فقيرهم وأبى أن يزيدهم على ذلك
- رواه أحمد والنسائي (8/148)
5 - وعن عمر بن الخطاب قال " كانت أموال بني النضير مما أفاء الله على رسوله ممالم يوحف عليه المسلمون بخيل ولا ركاب فكانت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان ينفق على أهله نفقة سنته "
وفي لفظ " يحبس لأهله وقت سنتهم ما بقي في الساح والكراع عدة في سبيل الله "
- متفق عليه (8/149)
- حديث علي الأول في إسناده حسين بن ميمون الخندقي قال أبو حاتم الرازي ليس بقوي الحديث يكتب حديثه
وقال علي بن المديني ليس بمعروف وذكر له البخاري في تاريخه هذا الحديث قال وهو حديث لا يتابع عليه . وزاد أبو داود بعد قوله فإنه أتاه مال كثير ما لفظه فعزل حقنا ثم أرسل إلى فقلت بناعنه العام وبالمسلمين إليه حاجة فاردده عليهم ثم لم يدعني إليه أحد بعد عمر فلقيت العباس بعدما خرجت من عند عمر فقال يا علي حرمتنا الغداة شيئا لا يرد علينا وكان رجلا داهيا . وحديث علي الثاني في إسناده أبو جعفر الرازي عيسى بن ماهان وقيل ابن عبد الله بن ماهان وثقه علي بن المديني وابن معين . ونقل عنهما خلاف ذلك وتكلم فيه غير واحد
قال في التقريب صدوق سيئ الحفظ خصوصا عن مغيرة من كبار السابعة مات في إحدى وستين . وتمام الحديث عند أبي داود فأني بمال يعني عمر فدعاني فقلت خذه قال خذه فأنتم أحق به قلت قد ستغنينا عنه فجعله في بيت المال
قوله : " وعن يزيد بن هرمز " بضم الهاء وسكون الراء وضم الميم وبعد هازاي
قوله : " إن نجدة " بفتح النون وسكون الجيم بعدها دال مهملة وقد تقدم ذكره
قوله : " كانت أموال بني النضير " الخ
قال في البخاري قال الزهري كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر قبل أحد هكذا ذكره معلقا ووصله عبد الرزاق في مصنفه عن معمر عم الزهري أتم من هذا وهو في حديث عن عروة ثم كانت غزوة بني النضير وهم طائفة من اليهود على رأس ستة أشهر من وقعة بدر وكانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزلوا على الجلاء وعلى أن لهم ما أفلت لا بل من الأمتعة والأموال إلا الحلقة يعني السلاح فأنزل الله فيهم ( سبح لله ) إلى قوله ( لأول الحشر ) وقاتلهم حتى صالحهم على الجلاء فأجلاهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما خلا وكان الله كتب عليهم الجلاء ولولا ذلك لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي . وحكى ابن التين عن الداودي أنه رجح ما قال ابن إسحاق من أن غزوة بني النضير كانت بعد بئر معونة مستدلا بقوله تعالى { وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم } قال وذلك في قصة الأحزاب
قال في الفتح وهو استدلال واه فإن الآية نزلت في شأن بني قريظة فإنهم هم الذين ظاهروهم وهم أي من الأحزاب وأما بنو النضير فلم يكن لهم في الأحزاب ذكر بل كان من أعظم الأسباب في جمع الأحزاب ما وقع من اجلائهم فإنه كان من رؤوسهم حيي بن أخطب وهو الذي حسن لبني قريظة الغدر وموافقة الأحزاب حتى كان من هلاكهم ما كان فكيف يصير السابق لاحقا انتهى ( والأحاديث ) المذكورة في الباب فيها دليل على أن من مصارف الخمس قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقدم الخلاف في ذلك
وروى أبو داود في حديث أن أبا بكر كان يقسم الخمس نحو قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير أنه لم يكن يعطي قربى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان عمر يعطيهم أمنه وعثمان بعده وقد استدل من قال أن الإمام يقسم الخمس حيث شاء بما أخرجه أبو داود وغيره عن ضباعة بنت الزبير قالت أصاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبيا فذهبت أنا وأختي فاطمة نسأله فقال سبقتكما يتامى بدر
وفي الصحيح أن فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بسبي فأتته تسأله خادما فذكر الحديث وفيه ألا أدلكما على خير مما سألتما فذكر الذكر عند النوم
قال إسماعيل القاضي هذا الحديث يدل على أن للإمام أن يقسم الخمس حيث يرى لأن الأربعة الأخماس استحقاق للغانمين والذي يختص بالإمام هو الخمس وقد منع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته وأعز الناس عليه من قرابته وصرفه إلى غيرهم وقال بنحو ذلك الطبري والطحاوي
قال الحافظ في الاستدلال بذلك يظر لأنه يحتمل أن يكون ذلك من الفئ قوله " مما أفاء الله على رسوله " قد تقدم الكلام في مصرف الفئ (8/149)
6 - وعن عوف بن مالك " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أتاه الفيء في يومه فأعطى الآهل حظين وأعطى العزب حظا "
- رواه أبو داود وذكره أحمد في رواية أبي طالب وقال حديث حسن (8/149)
7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما أعطيكم ولا أمنعكم أنا قاسم أضع حيث أمرت "
- رواه البخاري ويحتج به من لم ير الفيء ملكا له (8/150)
8 - وعم زيد بن أسلم " أن ابن عمر دخل على معاوية فقال حاجتك يا أبا عبد الرحمن فقال عطاء المحررين فأنى رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ما جاءه شيء بدأ بالمحررين "
- رواه أبو داود (8/150)
- حديث عوف بن مالك سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وزاد ابن المصنف فدعينا وكنت أدعي قبل عمار فدعيت فأعطاني حظين وكان لي أهل ثم دعا بعدي عمار بن ياسر فأعطى حظا واحدا . وحديث زيد بن أسلم سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري
وفي إسناده هشام بن سعد وفي مقال
قوله : " فأعطى الآهل " أي من له أهل يعني زوجة
وفيه دليل على أنه ينبغي أن يكون العطاء على مقدار اتباع الرجل الذي يلزم نفقتهم من النساء وغيرهن إذ غير الزوجة مثلها في الأحتياج إلى المؤنة
قوله : " ما أعطيكم " الخ فيه دليل على التفويض وإن النفع لا تأثير فيه لاحد سوى الله جل جلاله . والمراد بقوله أضع حيث أمرت أما الأمر الألهامي أو الأمر الذي طريقه الوحي
وقد استدل به من لم يجعل الفيء ملكا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقد تقدم تفصيل ذلك
قوله : " عطاء المحررين " جمع محرر وهو الذي صار حرا بعد أن كان عبدا وفي ذلك دليل على ثبوت نصيب لهم في الأموال التي تأتي إلى الأئمة وأما نصيبهم من الزكاة فقد تقدم الكلام فيه
وقد أخرج أبو داود من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة قالت عائشة كان أبي يقسم الحر والعبد
قوله : " بدأ بالمحررين " فيه استحباب البداءة بهم وتقديمهم عند القسمة على غيرهم (8/150)
9 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو قد جاءني مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا وهكذا فلم يجيء قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما جاء مال البحرين أمر أبو بكر مناديا فنادى من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دين أو عدة فليأتنا فأتيته فقلت أن رسول اللع صلى الله عليه وآله وسلم قال لي كذا وكذا فحثي لي حثية وقال عدها فإذا هي خمسمائة فقال خذ مثليها "
- متفق عليه (8/151)
10 - وعن عمر بن العزيز أنه " كتب أن من سأل عن مواضع الفيء فهو ما حكم فيه عمر بن الخطاب فرآه المؤمنون عدلا موافقا لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه فرض الأعطية وعقد لأهل الأديان ذمة بما فرض الله عليهم من الجزية ولم يضرب فيها بخمس ولا مغنم "
- رواه أبو داود (8/151)
- حديث عمر بن عبد العزيز فيه راو مجهول وأيضا فيه انقطاع لأن عمر بن عبد العزيز لم يدرك عمر بن الخطاب والمرفوع منه مرسل
وقد أخرج أبو داود من طريق أبي ذر رضي الله عنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله تعالى وضع الحق على لسان عمر يقول به " أخرجه أيضا ابن ماجه وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهور وقد تقدم
قوله : " مال البحرين " هو من الجزية وقد قال ابن بطال يحتمل أن يكون من الخمس أو من الفيء وفي البخاري في باب الجزية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعت أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها أي بجزية أهلها وكان الغالب أنهم إذا ذاك مجوس وقد ترجم النسائي على هذا الحديث باب أخذ الجزية من المجوس وذكر ابن سعد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد قسمة الغنائم بالجعرانة أرسل العلاء إلى المنذر بن ساوي عامل الفرس على البحرين يدعوه إلى الإسلام فأسلم وصالح مجوس تلك البلاد على الجزية
قوله : " أمر أبو بكر مناديا ينادي " قال الحافظ لم أقف على اسمه ويحتمل أن يكون بلالا
قوله : " فحنى لي " بالمهملة والمثلثة
قوله : " حثية " الخ في رواية للبخاري فحنى لي ثلاثا وفي رواية له وجعل سفيان يحثو بكفيه وهذا يقتضي أن الحثية ما يؤخذ باليدين جميعا والذي قاله أهل اللغة أن الحثية ما تملأ الكف والحفنة ما تملأ الكفين ثم ذكر أبو عبيدة الهروي أن الحثية والحفنة بمعنى والحثية من حثي يحثى ويجوز حثوة من حثا يحثو وهما لغتان
قوله : " قد جعل الله الحق على لسان عمر " فيه منقبة ظتاهرة لعمر
قوله : " ولم يضربفيها بخمس " فيه دليل على عدم وجوب الخمس في الجزية وفي ذلك خلاف معروف في الفقه (8/151)
11 - وعن مالك بن أوس قال " كان عمر يحلف على إيمان ثلاث والله ما أحد أحق بهذا المال من أحد وما أنا أحق به من أحد ووالله ما من المسلمين أحد إلا وله في هذا المال نصيب إلا عبدا مملوكا ولكنا على منازلنا من كتاب الله وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالرجل وبلاؤه في الإسلام والرجل وقدمه في الإسلام والرجل وغناؤه في الإسلام والرجل وحاجته ووالله لئن بقيت لهم لأوتين الراعي بجبل صنعاء حظه من هذا المال وهو يرعى مكانه "
- رواه أحمد في مسنده (8/152)
12 - وعن عمر أنه قال يوم الجابية وهو يخطب الناس " إن الله عز و جل جعلني خازنا لهذا المال وقاسما له ثم قال بل الله قاسمه وأنا بادئ بأهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أشرفهم ففرض لأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عشرة آلاف جويرية وصفية وميمونة فقالت عائشة أن رسول الله كان يعدل بيننا بينهن عمر ثم قال أني بادئ بأصحابي المهاجرين الأولين فأنا أخرجنا من ديارنا ظلما وعدوانا ثم أشرفهم ففرض لأصحاب بدر منهم خمسة آلاف ولمن كان شهد بدر من الأنصار أربعة آلاف وفرض لمن شهد أحدا ثلاثة آلاف قال ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء ومن أبطأ الهجرة بطئ في العطاء فلا يلو من رجل إلا مناخ راحلته "
- رواه أحمد (8/152)
- الأثر الأول أخرجه أيضا البيهقي والأثر الآخر قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات والأثران فيهما أن عمر كان يفاضل في العطاء على حسب البلاء في الإسلام والقدم فيه والغناء والحاجة ويفضل من شهد بدرا على غيره ممن لم يشهد وكذلك من شهد أحدا ومن تقدم في الهجرة
وقد أخرج الشافعي في الأم أن أبا بكر وعليا ذهبا إلى التسوية بين الناس في القسمة وأن عمر كان يفضل وروى البزار والبيهقي من طريق أبي معشر عن زيد بن أسلم عن أبيه قال عدم على أبي بكر مال البحرين فقال من كان له على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عدة فليأت فذكر الحديث بطوله في تسويته بين الناس في القسمة وفي تفضيل عمر الناس على مراتبهم
وروى البيهقي من وجه آخر من طريق عيسى ين عبد الله الهاشمي عن أبيه عن جده قال أتت عليا امرأتان فذكر القصة وفيها أني نظرت في كتاب الله فلم أر فضلا لولد إسماعيل على ولد إسحاق وروى البيهقي عن عثمان أيضا أنه كان يفاضل بين الناس كما كان عمر يفاضل
قوله : " وما أنا أحق به من أحد " فيه دليل على أن الإمام كسائر الناس لا فضل له على غيره في تقديم ولا توفير نصيب
قوله : " إلا عبدا مملوكا " فيه دليل على أنه لانصيب للعبد المملوك في المال المذكور ولكن حديث عائشة المتقدم قريبا الذي أخرجه أبو داود عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بظبية فيها خرز فقسمها للحرة والأمة وقول عائشة أن أبا بكر كان يقسم للحر والعبد ولا شك أن أقوال الصحابة لا تعارض المرفوع فمنع العبيد اجتهاد من عمر والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى الأمة ولا فيق بينها وبين العبد ولهذا كان أبو بكر يعطي العبيد
قوله : " ولكنا على منازلنا من كتاب الله تعالى وقسمنا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فيه اشعار بأن التفضيل لم يقع من عمر بمجرد الأجتهاد وأنه فهم ذلك من كتاب العزيز والسنة النبوية
قوله : " وغناؤه " بالغين المعجمة وهو في الأصل الكفاية فالمراد أن الرجل إذا كان له في القيام ببعض الأمور ما ليس لغيره كان مستحقا للتفضيل
قوله : " لئن بقيت لأوتين الراعي " فيه مبالغة حسنة لأن الراعي الساكن في جبل منقطع عن الحي في مكان بعيد إذا نال نصيبه فبالأولى أن يناله القريب من المتولى للقسمة ومن كان معروفا من الناس ومخالطا لهم
قوله : " يوم الجابية " بالجيم وبعد الألف موحدة وهي موضع في دمشق على ما في القاموس وغيره
قوله : " فأنا أخرجنا من ديارنا " هو تعليل للبداءة بالمهاجرين الأولين لأن في ذلك مشقة عظيمة ولهذا جعله الله قرينا لقتل الأنفس وكذلك في بعد العهد بالأوطان مشقة زائدة على مشقة من كان قريب العهد والمهاجرون الأولون قد أصيبوا بالمشقتين فكانوا أقدم من غيرهم ولهذا قال في آخر الكلام ومن أسرع في الهجرة أسرع به في العطاء الخ والمراد بقوله فلا يلومن رجل إلا مناخ راحلته البيان لمن بأخر في العطاء بأنه أتى من قبل نفسه حيث تأخر عن المسارعة إلى الهجرة وأناخ راحلته ولم يهاجر عليها ولكنه كنى بالمناخ عن القعود عن السفر إلى الهجرة والمناخ بضم الميم كما في القاموس (8/152)
13 - وعن قيس بن أبي حازم قال " كان عطاء البدريين خمسة آلاف خمسة آلاف وقال عمر لأفضلنهم على من بعدهم (8/153)
14 - وعن نافع مولى بن عمر أن عمر كان فرض للمهاجرين الأولين أربعة آلاف وفرض لابن عمر ثلاثة آلاف وخمسمائة فقيل له هو من المهاجرين فلم نقصته من أربعة آلاف قال إنما هاجر به أبوه يقول ليس هو كمن هاجر بنفسه (8/153)
15 - وعن أسلم مولى عمر " قال خرجت مع عمر بن الخطاب إلى السوق فلحقت عمر امرأة شابة فقالت يا أمير المؤمنين هلك زوجي وترج صبية صغارا والله ما ينضجون كراعا ولا لهم زرع ولا ضرع وخشيت أن تأكلهم الضبع وأنا ابنة خفاف بن ايماء الغفاري وقد شهد أبي الحديبية مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوقف معها عمر ولم يمض وقال مرحبا بنسب قريب ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما وجعل بينهما نفقة وثيابا ثم ناولها خطامه فقال اقتاديه فلن يفني هذا حتى ياتيكم الله بخير فقال رجل يا أمير المؤمنين أكثرت لها فقال ثكلتك أمك فوالله أني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه فأصبحنا نستفيء سهمانهما فيه "
- أخرجهن البخاري (8/153)
16 - وعن محمد بن علي " أن عمر لما دون الدواوين قال بمن ترون أبدأ قيل له أبدأ بالأقرب فالأقرب بك قال بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الشافعي (8/154)
- قوله " لأفضلنهم على من بعدهم " فيه اشعار بمزية البدريين من الصحابة وأنه لا يلحق بهم من عداهم وإن هاجر ونصر لحديث " إن الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم " وقد تقدم هذا الحديث وشرحه قوله " إنما هاجر به أبوه " فيه دليل على أن الهجرة التي يستحق بها كمال أحر الدين والدنيا وهي التي تكون بأختيار وقصد لا مجرد الأنتقال من المكان إلى المكان فإن ذلك وإن كان هجرة في السورة والحقيقة لكن كمال الأجور يتوقف على ما قدمنا ولهذا جعل عمر هجرة ابنه عبد الله كلا هجرة وقال إنما هاجربه أبوه مع أنه قد كان مميزا وقت الهجرة قوله " ما ينضجون " بضم أوله ثم نون ثم ضاد معجمة ثم جيم أي لم يبلغوا إلى سن من يقدر على الطبخ ومع ذلك فليسوا بأهل أموال يستغلون بغلتها ولا أهل مواش يعيشون بما يحصل بما يحصل من ألبانها وأدهانها وأصوافها
قوله : " الضبع " بضم الباء وسكونها هي مؤنثة اسم لسبع كالذئب معروف ولكن ليس ذلك هو المراد هنا إنما المراد السنة المجدبة قال في القاموس والضبع كرجل السنة المجدبة
قوله : " خفاف " بكسر الخاء المعجمة وفاءين خفيفتين بينهما ألف وإيماء بفتح الهمزة وكسرها والكسر أشهر وسكون الياء
قوله : " فوقف معها عمر " أي لم يجاوز المكان الذي سألته وهو فيه بل وقف حتى سمع منها ثم انصرف بعد ذلك لقضاء حاجتها . والمراد بالنسب القريب الذي يعرفه السامع بلا سرد لكثير من الآباء وذلك إنما يكون في الأشراف المشاهير
قوله : " وجعل بينهما نفقة " أي دراهم قال في القاموس النفقة ما تنفقة من الدراهم ونحوها
قوله : " ثكلتك أمك " قال في القاموس الثكل بالضم الموت والهلاك وفقدان الحبيب أو الولد ويحرك وقد ثكله كفرح فهو ثاكل وثكلان وهي ثاكل وثكلانة قليلة وثكول وأثكلت لزمها الثكل فهي مثكل من مثاكيل انتهى
قوله : " نستفيء " قال في النهاية أي نأخذها لأنفسنا ونقتسمها
قوله : " بل أبدأ بالأقرب فالأقرب برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فيه مشروعية البداءة بقرابة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وتقديمهم على غيرهم (8/154)
أبواب السبق والرمي (8/154)
باب ما يجوز المسابقة عليه بعوض (8/155)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا سبق إلا في خف أو نصل أو حافر "
- رواه الخمسة ولم يذكر فيه ابن ماجه أو نصل (8/155)
2 - وعن ابن عمر " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الخيل فأرسلت التي ضمرت منها وأمدها الحفياء إلى ثنية الوداع والتي لم تضمر أمدها ثنية الوداع إلى المسجد بني زريق "
- رواه الجماعة
وفي الصحيحين عن موسى بن عقبة " أن بين الحفياء إلى ثنية الوداع ستة أميال أو سبعة " . وللبخاري قال سفيان " من الحفياء إلى ثنية الوداع خمسة أميال أو ستة ومن ثنية الوداع إلى مسجد بني زريق ميل (8/155)
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الشافعي والحاكم من طرق وصححه ابن القطان وابن حبان وابن دقيق العيد وحسنه الترمذي وأعله الدارقطني بالوقف ورواه الطبراني وأبو الشيخ من حديث ابن عباس
قوله : " لا سبق " وهو بفتح السين والباء الموحدة مفتوحة أيضا ما يجعل للسابق على سبقه من جعل قاله الخطابي وابن الصلاح . وحكى ابن الدقيق العيد فيه الوجهين وقيل هو بفتح السين وسكون الموحدة مصدر وبفتحها الجعل وهو الثابت في كتب اللغة . وقوله " في خف " كناية عن الأبل والحافر عن الخيل . والنصل عن السهم أي ذي خف أو ذي حافر أو ذي نصل والنصل حديد السهم وفيه دليل على جواز السباق على جعل فإن كان الجعل من غير المتسابقين كالإمام يجعله للسابق فهو بلا خلاف وإن كان من أحد المتسابقين جاز ذلك عند الجمهور كما حكاه الحافظ في الفتح . وكذا إذا كان معهما ثالث محلل بشرط أن لا يخرج من عنده شيئا ليخرج العقد عند صورة القمار وهو أن يخرج كل منهما سبقا فمن غلب أخذ السبقين فإن هذا مما وقع الأتفاق على منعه كما حكاه الحافظ في الفتح . ومنهم من شرط في المحلل أن يكون لا يتحقق السبق وهكذا وقع الأتفاق على جواز المسابقة بغير عوض لكن قصرها مالك والشافعي على الخف والحافر والنصل بعض العلماء بالخيل وأجازه عطاء في كل شيء وقد حكى في البحر عن أبي حنيفة أن عقد المسابقة على مال باطل وحكى عن مالك أيضا أنه لا يجوز أن يكون العوض من غير الإمام وحكى أيضا عن مالك وابن الصباغ وابن خيران أنه لا يصح بذل المال من جهتهما وإن دخل المحلل وروى عن أحمد بن حنبل أنه لا يجوز السبق على الفيلة وروى عن الإمام يحيى وأصحاب الشافعي أنه لا يجوز على الأقدام مع العوض وذكر في البحر أن شروط صحة العقد خمسة الأول كون العوض معلوما والثاني كون المسابقة معلومة الأبتداء والأنتهاء . الثالث كون السلق بسكون الموحدة معلوما يعني المقدار الذي يكون من سبق به مستحقا للجعل . الرابع تعيين المركوبين . الخامس سبق كل منهما فلو علم عجز أحدهما لم يصح إذا القصد الخبرة
قوله : " ضمرت " لفظ البخاري التي أضمرت والتي لم بضمر بسكون الضاد المعجمة والمراد به أن تعلف الخيل حتى تسمن وتقوى ثم يقلل علفها بقدر القوت وتدخل بينا وتغسى بالجلال حتى يحمي فتعرق فإذا جف عرقها خف لحمها وقويت على الجري هطذا في الفتح وذكر مثل معناه في النهاية وزاد في الصحاح وذلك في أربعين يوما
قوله : " الحفياء " بفتح المهملة وسكون الفاء بعدها تحتانية ثم همزة ممدودة ويجوز القصر وحكى الحازمي تقديم التحتانية على الفاء وحكى عياض ضم أوله وخطأء
قوله : " ثنية الوداع " هي قريب المدينة سميت بذلك لأن المودعين يمشون مع حاج المدينة إليها
قوله : " زريق " بتقديم الزاي ( والحديث ) فيه مشروعية المسابقة وأنها ليست من العبث بل من الرياضة المحمودة الموصلة إلى تحصيل المقاصد في الغزو والأنتفاع بها عند الحاجة وهي دائرة بين الأستحباب والأباحة بحسب الباعث على ذلك
قال القرطبي لا خلاف في جواز المسابقة على الخيل وغيرها من الدواب وعلى الأقدام وكذا الرمي بالسهام واستعمال الأسلحة لما في ذلك من التدرب على الجري وفيه جواز تضمير الخيل وبه يندفع قول من قال أنه لا يجوز لما فيه من مشقة سوقها ولا يخفي اختصاص ذلك بالخيل المعدة للغزو
وفيه مشروعية الأعلام بالأبتداء والأنتهاء عند السابقة (8/156)
3 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبق بالخيل وراهن "
وفي لفظ " سبق بين الخيل وأعطى السابق "
- رواهما أحمد (8/156)
4 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبق الخيل وفضل القرح في الغاية "
- رواه أحمد وأبو داود (8/156)
5 - وعن أنس وقيل له أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يراهن قال " نعم والله لقد راهن على فرس يقال له سبحة فسبق الناس فبهش لذلك وأعجبه "
- رواه أحمد (8/157)
6 - وعن أنس قال " كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ناقة تسمى العضباء وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها فأشتد ذلك على المسلمين وقالوا سبقت العضباء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن حقا على الله أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه "
- رواه أحمد والبخاري (8/157)
- حديث ابن عمر الأول أخرجه أيضا ابن أبي عاصم من حديث نافع عنه وقوى إسناده الحافظ
وقال في مجمع الزوائد رواه أحمد بإسنادين رجال أحدهما ثقات ويشهد له ما أخرجه ابن حبان وابن عاصم من حديث ابن عمر بلفط " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سابق بين الخيل وجعل بينهما سبقا " وفي إسناده عاصم بم عمر وهو ضعيف وقد اضطرب فيه رأى ابن حبان فصحح حديثه تارة وقال في الضعفاء لا يجوز الأحتجاج به
وقال في الثقات يخطئ ويخالف . وحديث ابن عمر الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وصححه ابن حبان . وحديث الأول قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا الدرامي والدارقطني والبيهقي من حديث أبي لبيد قال أتينا أنس بن مالك وأخرج نحوه البيهقي من طريق سليمان بن حزم عن حماد بن زيد أو سعيد بن زيد عن واصل مولى أبي عتبة قال حدثني موسى بن عبيد قال كنا في الحجر بعدما صلينا الغداة فلما أسفرنا إذا فينا عبد الله بن عمر فجعل يستقر بنا رجلا رجلا ويقول صليت يا فلان حتى قال أين صليت يا أبا عبيد فقلت ههنا فقال بخ بخ ما يعلم صلاة أفضل عند الله من صلاة الصبح جماعة يوم الجمعة فسألوه أكنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم لقد راهن على فرس يقال لها سبحة فجاءت سابقة
قوله : " سبق " بفتح السين المهملة وتشديد الموحدة بعدها قاف
قوله : " وفضل القرح " بالقاف مضمومة وتشديد الراء بعدها حاء مهملة جمع قارح وهو ما كملت سنه كالبازل من الأبل
قوله : " سبحة " بفتح المهملة وسكون الموحدة حاء مهملة هو من قولهم فرس سباح إذا كان حسن مد اليدين في الجري
قوله : " فبهش " بالباء الموحدة والشين المعجمة أي هش وفرح كذا في التلخيص
قوله : " تسمى العضباء " بفتح العين المهملة وسكون الضاد المعجمة ومد وقد تقدم ضبطها وتفسيرها غير مرة
قوله : " وكانت لا تسبق " زاد البخاري قال حميد أو لا تكاد تسبق شك منه وهو موصول بأسناد الحديث المذكور كما قال الحافظ
قوله : " فجاء اعرابي " قال الحافظ لم أقف على اسم هذا الأعرابي بعد التتبع الشديد
قوله : " على قعود " بفتح القاف وهو ما استحق الركوب من الأبل
وقال الجوهري هو البكر حتى يركب وأقل ذلك أن يكون ابن سنتين إلى أن يدخل في السادسة فيسمى جملاء وقال الأزهري لا يقال إلا للذكور ولا يقال للأنثى قعودة وإنما يقال لها قلوص
قال وقد حكة الكسائي في النوادر قعودة للقلوص وكلام الأكثر على غيره
وقال الخليل القعودة من الأبل ما يقتعده الراعي لحمل متاعه والهاء فيه للمبالغة
قوله : " أن لا يرفع شيئا " الخ في رواية موسى بن إسماعيل أن لا يرتفع وكذلك في رواية للبخاري وفي رواية للنسائي أن لا يرفع شيء نفسه في الدنيا
وفي الحديث اتخاذ الأبل للركوب والمسابقة عليها وفيه التزهيد في الدنيا للإشارة إلى أن كل شيء منها لا يرتفع إلا اتضع وفيه حسن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتواضعه (8/157)
باب ما جاء في المحلل وآداب السبق (8/158)
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أدخل فرسا بين فرسين وهو لا يأمن أن يسبق فلا بأس ومن أدخل فرسا بين فرسين وهو آمن أن يسبق فهو قمار "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (8/158)
2 - وعن رجل من الأنصار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخيل ثلاثة فرس يربطه الرجل في سبيل الله فثمنه أجر وركوبه أجر وعاريته أجر وعلفه أجر . وفرس يغالق فيه الرجل ويراهن فثمنه وزر وعلفه وزر وركوبه وزر . وفرس للبطنة فعسى أن يكون سدادا من الفقر إن شاء الله " (8/158)
3 - وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الخيل ثلاثة فرس للرحمن وفرس للإنسان وفرس للشيطان . فأما فرس الرحمن فالذي يرتبط في سبيل الله فعلفه وروثه وبوله وذكر ما شاء الله
وأما فرس الشيطان فالذي يقامر أويراهم عليه
وأما فرس الإنسان فالفرس يرتبطه الأنسان يلتمس بطنها فهي ستر فقر "
- رواه أحمد ويحملان على المراهنة من الطرفين (8/159)
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم وصححه والبيهقي وابن حزم وصححه وقال الطبراني في الصغير تفرد به سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن المسيب وتفرد به عنه الوليد وتفرد به عنه هشام بن خالد . ورواه أيضا أبو داود عن محمود بن خالد عن الوليد لكنه أبدل قتادة بالزهري . ورواه أبو داود وغيره ممن تقدم من طريق سفيان ابن حسين عن الزهري وسفيان ضعيف في الزهري وقد رواه معمر وشعيب وعقيل عن الزهري عن رجال من أهل العلم . كذا قال أبو داود وقال هذا أصح عندنا
وقال أبو حاتم أحسن أحواله أن يكون موقوفا على سعيد بن المسيب . فقد رواه يحيى بن سعيد عنه وهو كذلك في الموطأ عن سعيد من قوله
وقال ابن أبي خيثمة سألت ابن معين فقال هذا باطل وضرب علي أبي هريرة . وحكى أبو نعيم في الحلية أنه من حديث الوليد عن سعيد بن عبد العزيز
قال الدارقطني والصواب سعيد بن بشير كما عند الطبراني والحاكم وحكى الدارقطني في العلل أن عبيد بن شريك رواه عن هشام بن عمار عن الوليد عن سعيد بن بشير عن قتادة عن ابن المسيب عن أبي هريرة هو وهم أيضا . فقد رواه أصحاب هشام عنه عن الوليد عن سعيد عن الزهري
قال الحافظ وقد رواه عبد أن عن هشام أخرجه ابن عدي مثل ما قال عبيد وقال إنه غلط فتبين بهذا أن الغلط فيه من هشام وذلك أنه تغير حفظه
وأما حديث الرجل من الأنصار وكذلك حديث ابن مسعود فقال في مجمع الزوائد أن حديث الرجل من الأنصار رجال أحمد فيه رجال الصحيح . وحديث ابن مسعود قال أيضا رجال أحمد ثقات وقد تقدم ما يشهد لهما في أوائل كتاب الزكاة قوله " وهو لا يأمن أن يسبق " استدل به من قال أنه يشترط في المحلل أن لا يكون متحقق السبق وإلا كان قمارا وقيل أن الغرض الذي شرع له السباق هو معرفة الخيل السابق منها والمسبوق فإذا كان السابق معلوما فات الغرض الذي شرع لأجله قوله " الخيل ثلاثة " الخ قد سبق شرحه . وشرح ما بعده في كتاب الزكاة
قوله : " يغالق " بالغين المعجمة والقاف من المغالقة
قال في القاموس المغالقة المراهنة فيكون قوله " ويراهن " عطف بيان وهو محمول على المراهنة المحرمة كما سبق تحقيقه قوله " وفرس للبطنة " قال في القاموس أبطن البعير شد كبطنه فلعل المراد هنا الفرس الذي يتخذ للركوب . وتقدم في كتاب الزكاة تقسيم الخيل إلى ثلاثة أقسام منها الخيل المعدة للجهاد وهي الأجر ومنها الخيل المتخذة أشرا وبطرا وهو الوزر ومنها الخيل المتخذة تكرما وتجملا وهي الستر فيمكن أن يكون المراد بالفرس التي للبطنة المذكورة هنا هو المتخذ للتكرم والتجمل . ويؤيد ذلك قوله في حديث ابن مسعود المذكور في الباب
وأما فرس الإنسان فالفرض الذي يرتبطه الإنسان يلتمس بطنها . ويمكن أن يكون المراد ما يتخذ من الأفراس للنتاج
قال في النهاية رجل ارتبط فرسا ليستبطنها أي يطلب ما في بطنها من النتاج
قوله : " فالذي يقامر أو يراهن عليه " قال في القاموس قامره مقامرة وقمارا فقمره كنصره وتقمره راهنه فيكون على هذا قوله " أو يراهن عليه " شكا من الراوي
قوله : " ويحملان على المراهنة من الطرفين " أي بأن يكون الجعل المسابق من المسبوق من غير تعيين (8/159)
4 - وعن عمر أن بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لا جنب ولا جنب يوم الرهان "
- رواه أبو داود (8/159)
5 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا جلب ولا جنب ولا شغار في الإسلام "
- رواه أحمد (8/160)
6 - وروى عن علي رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا علي قد جعلت إليك هذه السبقة بين الناس فخرج علي فدعا سراقة بن مالك فقال يا سراقة إني قد جعلت إليك ما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عنق من هذه السبقة في عنقك فإذا أتيت الميطان
قال أبو عبد الرحمن والميطان مرسلها من الغاية فنصف الخيل ثم ناد هل من مصلح للجام أو حامل لغلام أو طارح لجل فإذا لم يجبك أحد فكبر ثلاثا ثم خلها عند الثالثة يسعد الله بسبقه من شاء من خلقه وكان علي يقعد عند منتهى الغاية ويخط خطا ويقيم رجلين متقابلين عند طرف الخط طرفه بين أبهامي أرجلهما وتمر الخيل بين الرجلين ويقول إذا خرج أحد الفرسين على صاحبه بطرف أذنيه أو أذن أو عذار فأجعلوا السبقة له فإن شككتما فأجعلا سبقهما نصفين فإذا قرنتم ثنتين فأجعلوا الغاية من غاية أصغر الثنتين ولا جلب ولاجنب ولا شغار في الإسلام "
- رواه الدارقطني (8/160)
- حديث عمران بن حصين قد تقدم في كتاب الزكاة وزيادة يوم الرهان إنفرد بها أبو داود . وحديث ابن عمر هو من طريق حميد عن الحسن عنه وقد تقدم بيان ذلك وبيان ما في الباب من الأحاديث في الزكاة ( وفي الباب ) عن ابن عباس مرفوعا " ليس منا من أجلب على الخيل يوم الرهان " رواه أبو يعلى بإسناد صحيح . وعنه أيضا حديث آخر بلفظ " لا جلب في الإسلام " أخرجه الطبراني وفيه أبو شيبة وهو ضعيف . وعن أنس مرفوعا عند الطبراني بإسناد صحيح " لا شغار في الإسلام ولا جلب ولا جنب " وتقدم أيضا هنالك تفسير الجلب والجنب . والمراد بالجلب في الرهان أن يأتي برجل يجلب على فرسه أي يصيح عليه حتى يسبق . والجنب أن يجنب فرسا إلى فرسه حتى إذا فتر المركوب تحول إلى المجنوب
وقال ابن الأثير له تفسيران ثم ذكر معنى في الرهان ومعنى في الزكاة كما سلف وتبعه المنذري في حاشيته . والرهان المسابقة على الخيل كما في القاموس والشغار بالشين والغين معجمتين قد تقدم تفسيره في النكاح . وحديث علي أخرجه البيهقي بإسناد الدارقطني وقال هذا إسناد ضعيف
قوله : " هذه السبقة " بضم السين المهملة وسكون الموحدة بعدها قاف هو الشيء الذي يجعله المتسابقان بينهما يأخذه من سبق منهما
قال في القاموس السبقة بالضم الخطر يوضع بين أهل السباق الجمع أسباق
قوله : " فإذا أتيت الميطان " بكسر الميم
قال في القاموس والميطان بالكسر الغاية قوله " فصف الخيل " هي خيل الحلبة
قال في القاموس الحلبة بالفتح الدفعة من الخيل في الرهان وخيل تجتمع للسباق من كل أوب
قال الجوهري ترتيبها المجلي ثم المصلي ثم المثلي ثم التالي ثم العاطف ثم المرتاح ثم المؤمل ثم الحظي ثم اللطيم ثم السكيت
قال في النهاية وسمي المصلي لأن رأسه عند صلا السابق وهو ما عن يمين الذنب وشماله
قال القتيبي والسكيت مخفف ومشدد وهو بضم السين
قال في الكفاية والمحفوظ المجلى والمصلي والسكيت وباقي الأسماء محدثة انتهى
وقد تعرض بعض الشعراء لضبطها نظما في أبيات منها :
شهدنا الرهان غداة الرهان بمجمعه ضمها الموسم
فجلى الأغر وصل الكميت وسلى فلم يذمم الأدهم
وجاء اللطيم لها تاليا ومن كل ناحية يلطم
وغاب عني بقية النظم وضبطها بعضهم فقال :
سبق المجلي والمصلي بعده ثم المسلي بعد المرتاح
ولعاطف ولحظيها ومؤمل ولطميها وسكيتها أيضاح
والعاشر المنعوت منها فسكل فافهم هديت فما عليك جناح
وجمعها أيضا الإمام المهدي فقال :
مجل مصل مسل لها ومرتاح عاطفها والحظى
ومسحنفر ومؤملها وبعد اللطيم السكيت البطى
قوله " ثم ناد " الخ فيه استحباب التأني قبل إرسال خيل الحلبة وتنبيههم على إصلاح ما يحتاج إلى إصلاحه وجعل علامة على الإرسال من تكبير أو غيره وتأمير أمير يفعل ذلك
قوله : " يسعد الله بسبقه " الخ فيه أن السباق وقد تقدم البحث عن ذلك
قوله : " ويخط خطا " الخ فيه مشروعية التحري فيه تبيين الغاية التي جعل السباق إليها لما يلزم من عدم ذلك من الأختلاف والشقاق والافتراق
قوله : " بطرف أذنيه " الخ فيه دليل على أن السبق يحصل بمقدار يسير من الفرس كطرف الأذنين أو طرف أذن واحدة
قوله : " فإن شككتما " الخ فيه جواز قسمة ما يراهن عليه المتسابقون عند الشك في السبق
قوله : " فإذا قرنتم ثنتين " أي إذا جعل الرهان بين فرسين من جانب وفرسين من الجانب الآخر فلم يحكم لأحد المتراهنين بالسبق بمجرد سبق أكبر الفرسين إذا كانت إحداهما صغرى والأخرى كبرى بل الأعتبار بالصغرى (8/160)
باب الحث على الرمي (8/161)
1 - عن سلمة بن الأكوع قال " مر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفر من أسلم ينتضلون بالسوق فقال ارموا يا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا ارموا وأنا مع بني فلان قال فأمسك أحد الفريقين بأيديهم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لكم لا ترمون قالوا كيف نرمي وأنت معهم فقال ارموا وأنا معكم كلكم "
- رواه أحمد والبخاري (8/161)
- قوله " ينتضلون " بالضاد المعجمة أي يترامون . والنضال الترامي للسبق ونضل فلان فلانا إذا غلبه
قال في القاموس ناضلة مناضلة ونضالا وتنضالا باراه في الرمي ونضلته سبقته فيه
قوله : " وأنا مع بني فلان " في حديث أبي هريرة عند ابن حبان والبزار في مثل هذه القصة وأنا مع ابن الأدرع اه . واسم ابن الأدرع محجن . وعند الطبرابس من حديث حمزة بن عمرو الأسلمي في هذا الحديث وأنا مع وأنا مع محجن بن الأدرع وقيل اسمه سلمة حكاه ابن منده
قال والأدرع لقب واسمه زكوان
قوله : " قالوا كيف نرمي وأنت معهم " ذكر ابن إسحاق في المغازي عن سفيان بن فروة الأسلمي عن اشياخ من قومه من الصحابة قال بينا محجن بن الأردرع يناضل رجل من أسلم يقال له نضلة فذكر الحديث وفيه فقال مضلة وأسلقى قوسه من يده والله لا أرمي معه وأنت معه
قوله : " وأنا معكم كلكم " بكسر اللام تأكيدا للضمير
وفي رواية وأنا مع جماعتكم . والمراد بالمعية معية القصد إلى الخير . ويحتمل أن يكون قام مقام المحلل فيخرج السبق من عنده أولا يخرج وقد خصه بعضهم بالإمام
وفي رواية للطبراني أنهم قالوا من كنت معه فقد غلب . وكذا في رواية ابن إسحاق فهذه هي علة الامتناع ( وفي الحديث ) الندب إلى إتباع خصال الآباء المحمودة والعمل بمثلها وفيه أيضا حسن أدب الصحابة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحسن خلقه معهم والتنويه بفضيلة الرمي (8/161)
2 - وعن عقبة بن عانر " قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ألا إن القوة الرمي إلا إن القوة الرمي " (8/162)
3 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال من علم الرمي ثم تركه فليس منا " (8/162)
5 - رواهما أحمد ومسلم (8/162)
- قوله " ألا إن القوة الرمي " قال القرطبي إنما فسر القوة بالرمي وإن كانت القوة تطهر بإعداد غيره من آلات الحرب لكون الرمي أشد نكاية في العدو وأسهل مؤنة له لأنه قد يرمي راس الكتيبة فيصاب فينهزم من خلفه اه . وكرر ذلك للترغيب في تعلمه وإعداد آلاته
وفيه دليل على مشروعية الاشتغال بتعليم آلات الجهاد والتمرن فيها والعناية في إعدادها ليتمرن بذلك على الجهاد ويتدرب فيه ويمرن أعضاءه
قوله : " فليس منا " قد تقدم الكلام على تأويل مثل هذه العبارة في مواضع
وفي ذلك إشعار بأن من أدرك نوعا من أنواع القتال التي ينتفع بها في الجهاد في سبيل الله ثم تساهل في ذلك حتى تركه كان آثما إثما شديدا لأنه ترك العناية بذلك يدل على ترك العناية بأمر الجهاد وترك العناية بالجهاد يدل على ترك العناية بالدين لكونه سنامه وبه قام (8/163)
4 - وعنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أن الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنة صانعه الذي يحتسب في صنعته الخير والذي يجهز به في سبيل الله والذي يرمي به في سبيل الله
وقال أرموا وأركبوا فإن ترموا خير لكم من أن تركبوا
وقال كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل إلا ثلاثا رميه عن قوسه وتأديبه فرسه وملاعبته أهله فإنهن من الحق "
- رواه الخمسة (8/163)
5 - وعن علي عليه السلام قال " كانت بيد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قوس عربية فقال ما هذه ألقها وعليك بهذه وأشباهها ورماح القنا فإنهما يؤيد الله بهما في الدين ويمكن لكم في البلاد "
- رواه ابن ماجه (8/163)
6 - وعن عمر بن عبسة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من رمى بسهم في سبيل الله قهو عدل محرر "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . ولفظ أبي داود " من بلغ العدو بسهم في سبيل الله فله درجة " وفي لفظ للنسائي " من رمى بسهم في سبيل الله بلغ العدو أو لم يبلغ كان له كعتق رقبة " (8/164)
- الحديث الأول في إسناده خالد بن زيد أو ابن يزيد وفيه مقال وبقية رجاله ثقات
وقد أخرجه الترمذي وابن ماجه من غير طريقه
وأخرجه أيضا ابن حبان وزاد أبو داود ومن ترك الرمي بعدما علمه فإنها نعمة تركها . وحديث علي في إسناده أشعث بن سعيد السمان أبو الربيع النضري وهو متروك
وقد ورد في الترغيب في الرمي أحاديث كثيرة غير ما ذكره المصنف رحمه الله . منها ما أخرجه صاحب مسند الفردوس من طريق ابن أبي الدنيا بإسناده عن مكحول عن أبي هريرة رفعه " تعلموا الرمي فإن ما بين الهدفين روضة من رياض الجنة " وفي إسناد ضعف وانقطاع
وأخرجه البيهقي من حديث جابر " وجبت محبتي على من سعى بين الغرضين " وأخرج الطبراني عن أبي ذر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من مشي بين الغرضين كان له بكل خطوة حسنة " وروى البيهقي من حديث أبي رافع " حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتابة والسباحة والرمي " وإسناده ضعيف
قوله : " يدخل بالسهم الواحد " الخ فيه دليل على أن العمل في آلات الجهاد وإصلاحها وإعدادها كالجهاد في أستحقاق فاعله الجنة لكن بشرط أن يكون ذلك لمحض التقريب إلى الله بإعانة المجاهدين ولهذا قال الذي يحتسب في صنعته الخيرز وأما من يصنع ذلك لما يعطاه من الأجرة فهو من المشغولين بعمل الدنيا لا بعمل الآخرة نعم يثاب مع صلاح النية كمن يعمل بالأجرة التي يستغني بها عن الناس أو يعول بها قرابته ولهذا ثبت في الصحيح أن الرجل يؤجر حتى على اللقمة يضعها في فم إمرأته
قوله : " والذي نجهز به في سبيل الله " أي الذي يعطي السهم مجاهدا يجاهد به في سبيل الله
قوله : " فإن ترموا خير لكم " الخ فيه تصريح بأن الرمي أفضل من الركوب ولعل ذلك من لشدة نكايته في العدو في كل موطن يقوم فيه القتال وفي جميع الأوقات بخلاف الخيل فإنها لا تقابل إلا في المواطن التي يمكن فيها الجولان دون المواضع التي فيها صعوبة لا تتمكن الخيل من الجريان فيها وكذلك المعاقل والحصون
قوله : " كل شيء يلهو به ابن آدم فهو باطل " الخ فيه أن ما صدق عليه مسمى اللهو داخل في حيز البطلان إلا تلك الثلاثة الأمور فإنها وإن كانت في صورة اللهو فهي طاعات مقربة إلى الله عز و جل مع الالتفات إلى ما يترتب علي ذلك الفعل من النفع الديني
قوله : " ما هذه ألقها " فيه دليل على كراهة القوس العجمية واستحباب ملازمة القوس العربية للعلة التي ذكرها صلى الله عليه وآله وسلم من أن الله يؤيد بها وبرماح القنا الدين ويمكن للمسلمين في البلاد وقد كان ذلك فإن الصحابة رضي الله عنهم فتحوا أراضي العجم كالروم وفارس وغيرهما ومعظم سلاحهم تلك السهام والرماح
قوله : " فهو عدل محرر " أي محرر من رق العذاب الواقع على أعداء الدين أو عدل ثواب محرر من الرق أي ثواب من أعتق عبدا
قوله : " بلغ العدو أم لم يبلغ " في هذا دليل على أن الأجر يحصل لمن رمى بسهم في سبيل الله بمجرد الرمي سواء أصاب بذلك السهم أو لم يصب وسواء بلغ إلى جيش العدو أو لم يبلغ تفضلا من الله جل جلاله على عباده لجلالة هذه القربة العظيمة الشأن التي هي لأصل الإسلام أعظم أس وبنيان (8/164)
باب النهي عن صبر البهائم وإخصائها والتحريش بينها ووسمها في الوجه (8/164)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن من اتخذ شيئا فيه الروح غرضا " (8/165)
2 - وعن أنس " أنه دخل دار الحكم بن ايوب فإذا قوم قد نصبوا دجاجة يرمونها فقال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تصبر البهائم "
- متفق عليهما (8/165)
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا "
- رواه الجماعة إلا البخاري (8/165)
4 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن إخصاء الخيل والبهائم ثم قال ابن عمر فيها إنماء الخلق "
- رواه أحمد (8/166)
5 - وعن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن التحريش بين البهائم "
- رواه أبو داود والترمذي (8/166)
6 - وعن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ضرب الوجه وعن وسم الوجه "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه
وفي لفظ " مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال لعن الله الذي وسمه " رواه أحمد ومسلم
وفي لفظ " مر عليه بحمار قد وسم في وجهه فقال أما بلغكم أني لعنت من وسم البهيمة في وجهها أو ضربها في وجهها ونهى عن ذلك " . رواه أبو داود (8/166)
7 - وعن ابن عباس قال " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمارا موسوم الوجه فانكر ذلك قال فوالله لا أسمه إلا في أقصى شيء من الوجه وأمر بحماره فكوى في جاعرتيه فهو أول من كوى الجاعرتين "
- رواه مسلم (8/167)
- حديث ابن عمر الثاني في إسناده عبد الله بن نافع وهو ضعيف
وأخرج البزار بإسناد صحيح من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن صبر الروح وعن إخصاء البهائم نهيا شديدا حديث ابن عباس الثاني في إسناده أبو يحيى القتات وهو ضعيف
قوله : " لعن من إتخذ شيئا فيه الروح غرضا " الغرض بفتح الغين المعجمة والراء وهو المنصوب للرمي واللعن دليل على التحريم
قوله : " أن تصبر البهائم " بضم أوله أي تحبس لترمي حتى تموت وأصل الصبر الحبس قال النووي قال العلماء صبر البهائم أن تحبس وهي حية لتقتل بالرمي ونحوه وهو معنى لا تتخذوا شيئا فيه الروح غرضا أي لا تتخذوا الحيوان الحي غرضا ترمون إليه كالغرض من الجلود وغيرها . وهذا النهي للتحريم ويدل على ذلك ما ورد من لعن من فعل ذلك كما في حديث ابن عمرو لأن الأصل في تعذيب الحيوان وإتلاف نفسه وإضاعة المال التحريم
قوله : " دجاجة " بفتح الدال المهملة وفي القاموس والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث وهذه الرواية مفسرة لما وقع في صحيح مسلم بلفظ نصبوا طيرا
قوله : " عن إخصاء الخيل " الإخصاء سل الخصية قال في القاموس وخصاه خصيا سل خصيته
وفيه دليل على تحريم خصى الحيوانات وقول ابن عمر فيها نماء الخلق أي زيادته إشارة إلى أن الخصي مما تنمو به الحيوانات ولكن ليس كل ما كان جلبا لنفع يكون حلالا بل لا بد من عدم المانع وإيلام الحيوان ههنا مانع لأنه إيلام لم ياذن به الشارع بل نهى عنه
قوله : " عن التحريش بين البهائم " قال في القاموس التحريش الإغراء بين القوم أو الكلاب اه . فجعله مختصا ببعض الحيوانات . وظاهر الإغراء بين ما عدا الكلاب من البهائم يقال له تحريش . ووجه النهي أنه إيلام للحيوان وإتعاب له بدون فائدة بل مجرد عبث
قوله : " وعن وسم الوجه " الوسم بفتح الواو وسكون المهملة كذا قال القاضي عياض
قال النووي وهو الصحيح المعروف في الروايات وكتب الحديث
قال القاضي عياض وبعضهم يقوله بالمهملة وبالمعجمة وبعضهم فرق فقال بالمهملة في الوجه وبالمعجمة في سائر اجسد ( وفيه دليل ) على تحريم وسم الحيوان في وجهه وهو معنى النهي حقيقة . ويؤيد ذلك اللعن الوارد لمن فعل ذلك كما في الرواية المذكورة في حديث الباب فإنه لا يلعن صلى الله عليه وآله وسلم إلا من فعل محرما وكذلك ضرب الوجه
قال النووي وأما الضرب في الوجه فمنهى عنه في كل الحيوان المحترم من الآدمي والحمير والخيل والإبل والبغال والغنم وغيرها لكنه في الآدمي أشد لأنه مجمع المحاسن مع أنه لطيف يظهر فيه أثر الضرب وربما شأنه وربما آذى بعض الحواس
قال وأما الوسم في الوجه فمنهى عنه بالإجماع للحديث ولما ذكرناه فأما الآدمي فوسمه حرام لكرامته ولأنه لا حاجة غليه ولا يجوز تعذيبه وأما غير الآدمي فقال جماعة من أصحابنا يكره وقال البغوي من أصحابنا لا يجوز فاشار إلى تحريمه وهو الأظهر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن فاعله واللعن يقتضي التحريم
وأما وسم غير الوجه من غير الآدمي فجائز بلا خلاف عندنا لكن يستحب في نعم الزكاة والجزية ولا يستحب في غيرها ولا ينهى عنه
قال أهل اللغة الوسم أثر الكية وقد وسمه يسمه وسما وسمة . والميسم الشيء الذي يسم به وهو بكسر الميم وفتح السين وجمعه مياسيم ومواسم وأصله كله من السمة الخير أي علامته وتوسمت فيه كذا أي رأت فيه علامته
قوله : " في جاعرتيه " بالجيم والعين المهملة بعدها راء مهملة . والجاعرتان حرفا الورك المشرفان مما يلي الدبر
قال النووي وأما القائل فوالله لا اسمه إلا في أقصى شيء من الوجه فقد قال القاضي عياض هو العباس بن عبد المطلب كذا ذكره في سنن أبي داود وكذا صرح به في رواية البخاري في تاريخه
قال القاضي وهو في كتاب مسلم مستشكل يوهم أنه من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم . والصواب أنه من قول العباس كما ذكرناه
قال النووي ليس هو بظاهر فيه بل ظاهره انه من كلام ابن عباس وحينئذ فيجوز أن تكون القضية جرت للعباس ولإبنه
قال النووي يستحب أن يسم الغنم في آذانها والإبل والبقر في أصول أفخاذها لأنه موضع صلب فيقل الألم فيه ويخف شعره فيظهر الوسم وفائدة الوسم تمييز الحيوان بعضه من بعض ويستحب ان يكتب في ماشية الجزية جزية أو صغار وفي ماشية الزكاة زكاة أو صدقة
قال الشافعي وأصحابه يستحب أن يكون ميسم الغنم ألطف من ميسم البقر والبقر ألطف من ميسم الإبل وحكى الاستحباب النووي عن الصحابة كلهم وجماهير العلماء بعدهم . ونقل ابن الصباغ وغيره إجماع الصحابة عليه
وقال أبو حنيفة هو مكروه لأنه تعذيب ومثله وقد نهى عن المثلة وحجة الجمهور هذه الأحاديث وغيرها والجواب عن النهي عن المثلة والتعذيب أنه عام وحديث الوسم خاص فوجب تقديمه كما تقرر في الأصول (8/167)
باب ما يستحب ويكره من الخيل واختيار تكثير نسلها (8/167)
1 - عن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم ثم المحجل طلق اليمين فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه (8/168)
2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمن الخيل في شقرها "
- رواه احمد وأبو داود والترمذي (8/168)
3 - وعن أبي وهب الجشمي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليكم بكل كميت أغر محجل أو أشقر أغر محجل أو أدهم أغر محجل "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود (8/168)
4 - وعن أبي هريرة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكره الشكال من الخيل والشكال أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياض وفي يده اليسرى أو في يده اليمنى وفي رجله اليسرى "
- رواه مسلم وابو داود (8/169)
5 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عبدا مأمورا ما اختصنا بشيء دون الناس إلا بثلاث أمرنا أن نسبغ الوضوء وأن لا نأكل الصدقة وأن لا ننزي حمارا على فرس "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه (8/169)
6 - وعن علي عليه السلام قال " أهديت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغلة فقلنا يا رسول الله لو أنزينا الحمر على خيلنا فجاءتنا بمثل هذه فقال إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون "
- رواه أحمد وابو داود (8/169)
7 - وعن علي عليه السلام قال " قال لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا علي أسبغ الضوء وإن شق عليك ولا تأكل الصدقة ولا تنزل الحمر على الخيل ولا تجالس أصحاب النجوم "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند (8/170)
- حديث أبي قتادة له طريقان عند الترمذي أحدهما فيها ابن هليعة عن يزيد ابن أبي حبيب . والثانية عن يحيى بن أيوب عن يزيد بن أبي حبيب وقال هذا حديث حسن غريب صحيح . وحديث ابن عباس الأول قال الترمذي حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه من حديث شيبان وحديث أبي وهب الجشمي سكت عند أبو داود والمنذري وفي إسناده عقيل بن شبيب وقيل ابن سعيد قيل هو مجهول . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الترمذي وقال حسن صحيح . وحديث ابن عباس الثاني
قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح ورواه سفيان الثوري عن أبي جهضم فقال عن عبد الله بن عبيد الله بن عباس عن ابن عباس وسمعت محمدا يقول حديث الثوري غير محفوظ وهم فيه الثوري والصحيح ما رواه إسماعيل بن علية وعبد الوارث بن سعيد عن أبي جهضم عن عبد اللع بن عبيد الله بن عباس عن ابن عباس . وحديث علي الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناد أبي داود ثقات وقد أخرجه النسائي من طرق وأخرجه أيضا ابن ماجه أيضا وأشار غليه الترمذي فقال ( وفي الباب ) عن علي وحديثه الآخر في إسناده القاسم بن عبد الرحمن وهو ضعيف وتشهد له أحاديث إسباغ الوضوء وأحاديث تحريم الصدقة على الآل وأحاديث النهي عن إنزال الحمر على الخيل . وأحاديث النهي عن إتيان المنجمين فإن المجالسة إتيان وزيادة وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم " من أتى كاهنا أو منجما فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم " قوله " الأدهم " هو شديد السواد ذكره في الضياء
قوله : " الأقرح " هو الذي في جبهته قرحة وهي بياض يسير في وسطها
قوله : " الأرثم " هو الذي في شفته العليا بياض
قوله : " طلق اليمين " بضم الطاء واللام أي غير محجلها وكذا في شمس العلوم
قوله : " فكميت " هو الذي لونه أحمر يخالطه سواد ويقال للذكر والأنثى ولا يقال أكمت ولا كمتاء والجمع كمت وقيل أن الكميت أشد الخيل جلودا وأصلبها حوافر
قوله : " على هذه الشية " بكسر الشين المعجمة وتخفيف المثناة التحتية
قال في النهاية الشية كل لون يخالف معظم لون الفرس وغيره واصله من الوشى الهاء عوض عن الواو . يقال وشيت الثوب أشيه وشيا وشية والوشي النقش . أراد على هذه الصفة وهذا اللون من الخيل . وهذا الحديث فيه دليل على أن أفضل الخيل الأدهم المتصف بتلك الصفات . ثم الكميت
قوله : " يمن الخيل في شقرها " اليمن البركة . والأشقر قال في القاموس هو من الدواب الأحمر في مغرة حمرة يحمر منها العرف والذنب اه
وقيل الأشقر من الخيل نحو الكميت إلا أن الأشقر أحمر الذيل والناصية والعرف والكميت أسودها والأدهم شديد السواد كذا في الضياء
قوله : " بكل كميت أغر محجل " في رواية لأبي داود " عليكم بكل شقر أغر محجل أو كميت أغر محجل " في رواية لأبي داود " عليكم بكل شقر أغر محجل أو كميت أغر محجل " فذكر نحوه والأغر هو ما كان له غرة في جبهته بيضاء فوق الدرهم
قوله : " يكره الشكال من الخيل " هو أن يكون الفرس في رجله اليمنى بياش وفي يده اليسرى أو يده اليمنى ورجله اليسرى كما في الرواية المذكورة في الباب
وقيل الشكال أن يكون ثلاث قوائم محجلة وواحدة مطلقة أو الثلاث مطلقة وواحدة محجلة ولا يكون الشكال إلا في رجل
وقال أبو عبيد وقد يكون الشكال ثلاث قوائم مطلقة وواحدة محجلة قال ولا تكون المطلقة من المحجلة إلا الرجل
وقال ابن دريد الشكال أن يكون محجلا من شق واحد في رجله ويده فإن كان مخالفا قيل شكال مخالف
قال القاضي عياض قال أبو عمر الشكال بياض الرجل اليمنى واليد اليمنى
وقيل بياض الرجل اليسرى واليد اليسرى
وقيل بياض اليدين
وقيل بياض الرجلين
وقيل بياض الرجلين ويد واحدة وقيل بياض اليدين ورجل واحدة . كذا في شرح مسلم
وفي شرح مسلم أنه إنما سمي شكالا تشيبها بالشكال الذي يشكل به الخيل فإنه يكون في ثلاثة قوائم غالبا
قال القاضي قال العلماء كره لأنه على صورة المشكول
وقيل يحتمل أن يكون قد جرب ذلك الجنس فلم تكن فيه نجابة قال بعض العلماء إذا كان مع ذلك أغر زالت الكراهية لزوال شبهة الشكال
قوله : " وأن لا ننزي حمارا على فرس " قال الخطابي يشبه أن يكون المعنى فيه والله أعلم أن الحمر إذا حملت على الخيل قل عددها وانقطع نماؤها وتعطلت منافعها والخيل يحتاج إليها للركوب والركض والطلب والجهاد وإحراز الغنائم ولحمها مأكول وغير ذلك من المنافع وليس للبغل شيء من هذه فأحب أن يكثر نسلها ليكثر الانتفاع بها كذا في النهاية (8/170)
باب ما جاء في المسابقة على الأقدام والمصارعة واللعب بالحراب وغير ذلك (8/170)
1 - عن عائشة قالت " سابقني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسبقته فلبثنا حتى إذا أرهقني اللحم سابقني فسبقنيفقال هذه بتلك "
- رواه أحمد وأبو داود (8/171)
2 - وعن سلمة بن الأكوع قال " بينا نحن نسير وكان رجل من الأنصار لا يسبق شدا فجعل يقول ألا مسابق إلى المدينة هل من مسابق فقلت أما تكرم كريما ولا تهاب شريفا قال لا إلا أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال قلت يا رسول الله بأبي أنت وأمي ذرني فلأسابق الرجل قال إن شئت قال فسبقته إلى المدينة "
- مختصرا من أحمد ومسلم (8/171)
3 - وعن محمد بن علي بن ركانة " أن ركانة صارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فصرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود (8/171)
4 - وعن أبي هريرة قال " بينا الحبشة يلعبون عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحرابهم دخل عمر فأهوى إلى الحصباء فحصبهم بها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعهم يا عمر "
- متفق عليه . وللبخاري في رواية في المسجد (8/172)
5 - وعن أنس " لما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة لعبت الحبشة لقدومه بحرابهم فرحا بذلك "
- متفق عليه (8/172)
6 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يتبع حمامة فقال شيطان يتبع شيطانة "
- رواه أحمد وأبو داودوابن ماجه وقال يتبع شيطانا (8/172)
- حديث عائشة أخرجه أيضا الشافعي والنسائي وابن ماجه وابن حبان والبيهقي من حديث هشام بن عروة عن أبيه عنها واختلف فيه على هشام . فقيل هكذا وقيل عن رجل عن أبي سلمة عنها
وقيل عن ابيه وعن أبي سلمة عن عائشة . وحديث محمد بن علي بن ركانة في إسناده أبو الحسن العسقلاني وهو مجهول وأخرجه أيضا الترمذي من حديث أبي الحسن العسقلاني عن أبي جعفر محمد بن ركانة وقال غريب وليس إسناده بالقائم
وروى أبو داود في المراسيل عن سعيد بن جبير قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبطحاء فأتى عليه يزيد بن ركانة أو ركانة بن يزيد ومعه عير له فقال له يا محمد هل لك أن تصارعني فقال ما تسبقني قال شاة من غنمي فصارعه فصرعه فأخذ الشاة فقال ركانة هل لك في العود ففعل ذلك مرارا فقال با محمد ما وضع جنبي أحد إلى الأرض وما أنت بالذي تصرعني فأسلم ورد النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه غنمه
قال الحافظ إسناده صحيح إلى سعيد بن جبير إلا أن سعيدا لم يدرك ركانة
قال البيهقي وروى موصولا وفي كتاب السبق لأبي الشيخ من رواية عبيد الله بن يزيد المصري عن حماد عن عمرو بن دينار عن سعيد بن جبير عن ابن عباس مطولا . ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من حديث أبي أمامة مطولا وإسنادهما ضعيف
وروى عبد الرزاق عن معمر عن يزيد ابن أبي زياد وأحسبه عن عبد الله بن الحرث قال صارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا ركانة في الجاهلية وكان شديدا فقال شاة بشاة فصرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عاودني في أخرى فصرعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عاودني فصرعه صلى الله عليه وآله وسلم الثالثة فق أبو ركانة ماذا أقول لأهلي شاة أكلها الذئب وشاة نشزت فما أقول في الثالثة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما كنا لنجمع عليك أن نصرعك فنغرمك خذ غنمك هكذا وقع فيه أبو ركانة والصواب ركانة . وحديث أبي هريرة الثاني في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة الليثي استشهد به مسلم ووثقه ابن معين ومحمد بن يحيى الذهلي والنسائي وقال ابن عدي ارجوا أنه لا باس به
وقال ابن معين مرة ما زال الناس يتقون حديثه وقال السعدي ليس بالقوي وغمزه الإمام مالك
وقال ابن المديني سألت يحيى القطان عن محمد بن عمر بن علقمة كيف هز قال تريد العفو أو تشدد قلت بل أشدد قال فليس هم ممن تريد
قوله : " حتى إذا أرهقني اللحم " أي كثر لحمي قال في القاموس أرهقه طغيانا غشاه إياه وقال رهقه كفرح غشية
( وفي الحديثين ) دليل على مشروعية المسابقة على الأرجل وبين الرجال والنساء المحارم وإن مثل ذلك لا ينافي الوقار والشرف والعلم والفضل وعلو السن فإنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتزوج عائشة إلا بعد الخمسين من عمره ولا فرق بين الخلاء والملأ في حديث سلمة
قوله : " أن ركامة صارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم " فيه دليل على جواز المصارعة بين المسلم والكافر وهكذا بين المسلمين ولا سيما إذا كان مطلوبا لا طالبا وكان يرجو حصول خصلة من خصال الخير يذلك أو كسر سورة كبر متكبر أو وضع مترفع بإظهار الغلب له وكما روى من مصارعته صلى الله عليه وآله وسلم ركانة روى أنه تصارع هو وأبو جهل قال الحافظ عبد الغني ما روى من مصارعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا جهل لا أصل له وحديث ركانة أمثل أمثل ما روى في مصارعة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " يلعبون عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحرابهم " فيه جواز ذلك في المسجد كما في الرواية الثانية وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع } وأما السنة فحديث " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما إدعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طريق هذا الحديث . واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو
قال المهلب المسجد موضوع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه وفي الحديث جواز النطر إلى اللهو المباح
قوله : " ودخل عمر " الخ قال ابن التين يحتمل أن يكون عمر لم ير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يعلم أنه رآهم أو ظن أنه رآهم واستحيا أن يمنعهم وهذا أولى لقوله في الحديث يلعبون عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل ان يكون إنكاره لهذه شبيها لإنكاره على المغنيتين وكان من شدته في الدين ينكر خلاف الأولى والجد في الجملة أولى من اللعب المباح وأما النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكان بصدد بيان الجواز
قوله : " فقال شيطان " الخ فيه دليل على كراهة اللعب بالحمام وأنه من اللهو الذي لم يؤذن فيه وقد قال بكراهته جمع من العلماء ولا يبعد على فرض انتهاض الحديث تحريمه لأن تسمية فاعلة شيطانا يدل على ذلك وتسمية الحمامة شيطانة أما لأنها سبب إتباع الرجل لها أو أنها تفعل فعل الشيطان حيث يتولع الإنسان بمتابعتها واللعب بها لحسن صورتها وجودة نغمتها (8/173)
باب تحريم القمار واللعب بالنرد وما في معنى ذلك (8/173)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من حلف فقال في حلفه باللات والعزي فليقل لا إله إلا اللع ومن قال لصاحبه تعال أقامرك فليتصدق "
- متفق عليه (8/173)
2 - وعن بريدة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من لعب بالنرد شير فكأنما صبغ يده في لحم خنزير ودمه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (8/174)
3 - وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من لعب بالنرد فقد عصي الله ورسوله "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه ومالك في الموطأ (8/174)
4 - وعن أبي موسى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من لعب بالكعاب فقد عصي الله ورسوله "
- رواه أحمد (8/174)
5 - وعن عبد الرحمن الخطمي قال سمعت أبي يقول " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي "
- رواه أحمد (8/175)
- حدبث أبي موسى الأول رجال إسناده ثقات وأخرجه أيضا الحاكم والدارقطني والبيهقي . وحديث أبي موسى الثانيقال في مجمع الزوائد رواه الطبراني وفي إسناده علي بن زيد وهو متروك . وحديث عبد الرحمن الخطمي قال أحمد حدثنا المكي بن إبراهيم حدثنا الجعيد عن موسى بن عبد الرحمن فذكره وأورده الحافظ في التلخيص من كتاب الشهادات وسكت عنه وقال في مجمع الزوائد فيه موسى ابن عبد الرحمن الخطمي ولم أعرفه وبقية رجال الصحيح
قوله : " فليقل لا إله إلا الله " في الأمر لمن حلف باللات والعزى أن يتكلم بكلمة الشهادة دليل على أنه قد كفر بذلك وسيأتي تحقيق المسألة في كتاب الأيمان إن شاء الله
قوله : " فليتصدق " فيه دليل على المنع من المقامرة لأن الصدقة المأمور بها كفارة عن الذنب قال في القاموس وقامره مقامرة وقمارا فقمره كنصره وتقمره راهنة فغلبه وهو التقامر اه فالمراد بالقمار المذكور هنا الميسر ونحوه مما كانت تفعله العرب وهو المراد بقوله تعالى إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر وكل مالا يخلوا اللاعب فيه من غنم أو غرم فهو ميسر وقد صرح القرآن بوجوب اجتنابه قال الله تعالى { إنما الخمر والميسر } الآية وقد صرحت بتحريمه السنة كما سيأتي في الباب الذي بعد هذا
قوله : " من لعب بالنرد شير " قال النووي النرد شير هو النرد عجمي معرب وشير معناه حلو وكذا في النهاية وقيل هو خشية قصيرة ذات فصوص يلعب بها
وقيل إنما سمي بذلك الاسم لأن واضعه اردشير بن بابك من ملوك الفرس قال النووي وهذا الحديث حجة للشافعي والجمهور في تحريم اللعب بالنرد وقال أبو إسحاق المروزي يكره ولا يحرم قيل وسبب تحريمه أن وضعه على هيئة الفلك بصورة شمس وقمر وتأثيرات مختلفة تحدث عند اقترانات أوضاعه ليدل على أن أقضية الأمور الأمور مقدرة بقضاء الله ليس للكسب فيها مدخل ولهذا ينتظر اللاعب به ما يقضي له به والتمثيل بقوله فكأنما صبغ يده في لحم خنزير الخ في اشارة إلى التحريم لأن التلوث بالنجاسات من المحرمات . وقوله " فقد عصى الله ورسوله " تصريح بما يفيد التحريم
قوله : " من لعب بالكعاب " هي فصوص النرد وقد كرهها عامة الصحابة وروى أنه رخص فيها ابن مغفل وان المسيب على غير قمار واختلف في الشطرنج قال النووي مذهبنا أنه مكروه وليس بحرام وهو مروي عن جماعة من التابعين
وقال مالك وأحمد هو حرام قال مالك هو شر من النرد وألهى وروى ابن كثير في ارشاده أن أول ظهور الشطرنج في زمن الصحابة وضعه رجل هندي يقال له صصة قال وروى البيهقي من حديث جعفر بن محمد عن أبيه أن عليا قال في الشطرنج هو من الميسر قال ابن كثير وهو منقطع جيد وروى عن ابن عباس وابن عمر وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد وعائشة أنهم كرهوا ذلك وروى عن ابن عمر أنه شر من النرد كما قال مالك وحكى في ضوء النهار عن ابن عباس وأبي هريرة وابن سيرين وهشام بن عروة بن الزبير وسعيد ابن المسيب وابن جبير أنهم أباحوه وقد روى في تحريمه أحاديث أخرج الديلمي من حديث واثلة مرفوعا " إن لله في كل يوم ثلثمائة نظرة ولا ينظر فيها إلى صاحب الشاه " وفي لفظ " يرحم بها عباده ليس لأهل الشاه فيها نصيب " يعني الشطرنج وأخرج من حديث ابن عباس يرفعه " إلا أن أصحاب الشاه في النار الذين يقولون قتلت والله شاهك " وأخرج الديلمي أيضا عن أنس يرفعه ملعون من لعب بالشطرنج وأخرج ابن حزم وعبد أن ملعون من لعب الشطرنج والناظر إليهم كالآكل لحم الخنزير من حديث جميع بن مسلم وأخرج الديلمي عن علي مرفوعا يأتي على الناس زمان يلعبون بها ولا يلعب بها إلا كل جبار والجبار في النار
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم عن علي كرم الله وجهه أنه قال النرد والشطرنج من الميسر
وأخرج عنه عبد بن حميد أنه قال الشطرنج ميسر العجم وأخرج عنه ابن عساكر أنه قال لا يسلم على أصحاب النرد شير والشطرنج قال ابن كثير والأحاديث المروية فيه لا يصح منها شيء ويؤيد هذا ما تقدم من أن ظهوره كان في أيام الصحابة وأحسن ما روي فيه ما تقدم عن علي كرم الله وجهه وإذا كان بحيث لا يخلو أحد اللاعبين من غنم أو غرم فهو من القمار وعليه يحمل ما قاله علي أنه من الميسر والمجوزون له قالوا إن فيه فائدة وهي معرفة تدبير الحروب ومعرفة المكايد فأشبه السبق والرمى قالوا وإذا كان على عوض فهو كمال الرهان وقد تقدم حكمه ولا نزاع أنه نوع من اللهو الذي نهى الله عنه ولا ريب أنه يلزم ايغار الصدور وتتأثر عنه العداوات وتنشأ منه المخاصمات فطالب النجاة لنفسه لا يشتغل بما هذا شأنه وأقل أحواله أن يكون من المشتبهات والمؤمنون عند الشبهات
وفي الشفاء للأمير الحسين قبل آخر الكتاب بنحو ثلاث ورق عن علي عليه السلام أنه أمر بحرق رقعة الشطرنج وإقامة كل واحد ممن لعب بها معقولا على فرد رجل إلى صلاة الظهر ثم ذكر غير ذلك (8/175)
باب ما جاء في آلة اللهو (8/175)
1 - عن عبد الرحمن بن غنم قال " حدثني أبو عامر أو أبو مالك الأشعري سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليكونن من أمتي قوم يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف "
- أخرجه البخاري
وفي لفظ " لشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات يخسف الله بهم الأرض ويجعل منهم القردة والخنازير " . رواه ابن ماجه
وقال عن أبي مالك الأشعري ولم يشك والمعازف الملاهي قاله الجوهري وغيره (8/176)
2 - وعن نافع " أن ابن عمر سمع صوت زمارة راع فوضع اصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول يا نافع أتسمع فأقوله نعم فيمضي حتى قلت لا فرفع يده وعدل راحلته إلى الطريق وقال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمع زمارة راع فصنع مثل هذا "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (8/176)
3 - وعن عبد الله بن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة والغبيراء وكل مسكر حرام "
- رواه أحمد وأبو داود
وفي لفظ " إن الله حرم على أمتي الخمر والميسر والمزر والكوبة والقنين " . رواه أحمد (8/176)
- حديث أبي مالك الأشعري باللفظ الذي ساقه ابن ماجه هو من طريق ابن محيريز عن ثابت بن السمط وأخرجه أبو داود وصححه ابن حبان وله شواهد وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه قال أبو علي وهو اللؤلؤي سمعت أبا داود يقول وهو حديث منكر . وحديثه الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص أيضا وفي اسناده الوليد بن عبدة الراوي له عن ابن عمر قال أبو حاتم الرازي هو مجهول
وقال ابن يونس في تاريخ المصريين أنه روى عنه يزيد ابن أبي حبيب
وقال المنذري أن الحديث معلول ولكنه يشهد له ما أخرجه أحمد وأبو داود وابن حبان والبيهقي من حديث ابن عباس بنحوه وسيأتي وأخرجه أحمد من حديث قيس بن سعد بن عبادة قوله " يستحلون " الحر ضبطه ابن ناصر بالحاء المهملة المكسورة والراء الخفيفة وهو الفرج
قال في الفتح وكذا هو في معظم الروايات من صحيح البخاري ولم يذكر عياض ومن تبعه غيره وأغرب ابن التين فقال أنه عند البخاري بالمعجمتين
وقال ابن العربي هو بالمعجمتين تصحيف وإنما رويناه بالمهملتين وهو الفرج والمعنى يستحلون الزنا
قال ابن التين يريد ارتكاب الفرج لغير حله وحكى عياض فيه تشديد الراء والتخفيف هو الصواب ويؤيد الرواية بالمهملتين ما أخرجه ابن المبارك في الزهد عن علي مرفوعا بلفظ " يوشك أن تستحل أمتي فروج النساء والحرير " ووقع عند الداودي بالمعجمتين ثم تعقبه بأنه ليس بمحفوظ لأن كثيرا من الصحابة لبسوه
وقال ابن الأثير المشهور في روايات هذا الحديث بالإعجام وهو ضرب من الابر يسم وقال ابن العربي الخز بالمعجمتين والتشديد مختلف فيه فالأقوى حمله وليس فيه وعيد ولا عقوبة بالإجماع وقد تقدم الكلام على ذلك في كتاب اللباس
قوله : " والمعازف " بالعين المهملة والزاي بعدها فاء جمع معزفة بفتح الزاي وهي آلات الملاهي ونقل القرطبي عن الجوهري إن المعازف الغناء والذي في صحاحه أنها اللهو وقيل صوت الملاهي وفي حواشي الدمياطي المعازف الدفوف وغيرها مما يضرب به ويطلق على الغناء عزف وعلى كل لعب عزف
قوله : " زمارة " قال في القاموس والزمارة كجبانة ما يرمز به كالمزمار
قوله : " فصنع مثل هذا فيه " دليل على أن المشروع لمن سمع الزمارة أن يصنع كذلك واستشكل إذن ابن عمر لنافع بالسماع ويمكن أنه إذ ذاك لم يبلغ الحلم وسيأتي بيان وجه الاستدلال به والجواب عليه
قوله : " والميسر " هو القمار وقد تقدم
قوله : " والكوبة " بضم الكاف وسكون الواو ثم باء موحدة قيل هي الطبل كما رواه البيهقي من حديث ابن عباس وبين أن هذا التفسير من كلام علي بن بذيمة قوله " والغبيراء " بضم الغين المعجمة قال في التلخيص اختلف في تفسيرها فقيل الطنبور وقيل العود وقيل البربط وقيل المزر يصنع من الذرة أو من القمح وبذلك فسره من النهاية
قوله : " والمزر بكسر الميم وهو نبيذ الشعير
قوله : " والقنين " هو لعبة للروم يقامرون بها وقيل هو الطنبور بالحبشية كذا في مختصر النهاية وقد استدل المصنف بهذه الأحاديث على ما ترجم به الباب وسيأتي الكلام على ذلك إن شاء الله تعالى (8/177)
4 - وعن ابن عباس " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله حرم الخمر والميسر والكوبة وكل مسكر حرام "
- رواه أحمد . والكوبة الطبل قاله سفيان عن علي بن بذيمة
قال وقال ابن الأعرابي الكوبة النرد وقيل البربط والقتين هو الطنبور بالحبشية والتقنين الضرب به قال ابن الإعراب (8/177)
5 - وعن عمر أن بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في هذه الأمة خسف ومسخ وقذف فقال رجل من المسلمين يا رسول الله ومتى ذلك قال إذا ظهرت القيان والمعازف وشربت الخمور "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب (8/177)
6 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا اتخذ الفيء دولا والأمانة معنما والزكاة مغرما وتعلم لغير الدين وأطاع الرجل إمرأته وعق أمه وأدنى صديقه وأقصى أباه وظهرت الأصوات في المساجد وساد القبيلة فاسقهم وكان زعيم القوم أرذلهم وأكرم الرجل مخافة شره وظهرت القيان والمعازف وشربت المور ولعن آخر هذه الأمة أولها فليرتقبوا عند ذلك ريحا حمراء وزلزلة وخسفا ومسخا وقذفا وآيات تتابع كنظام بال قطع سلكه فتتابع بعضه بعضا "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب (8/178)
7 - وعن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب ثم يصبحون قردة وخنازير وتبعث على أحياء من أحيائهم ريح فتنسفهم كما نسف من كان قبلكم باستحلالهم الخمر وضربهم بالدفوف وإتخاذهم القينات "
- رواه أحمد في إسناده فرقد السبخي قال أحمد ليس بقوي وقال ابن معين هو ثقة
وقال الترمذي تكلم عنه يحيى بن سعيد وقد روى عنه الناس (8/178)
8 - وعن عبيد الله بن زحر عن علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الله بعثني رحمة وهدى للعالمين وأمرني أن أمحق المزامير والكبارات يعني البرابط والمعازف والأوثان التي كانت تعبد في الجاهلية "
- رواه أحمد قال البخاري عبيد الله بن زحر ثقة وعلي بن يزيد ضعيف والقاسم ابن عبد الرحمن أبو عبد الرحمن ثقة وبهذا الإسناد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تبيعوا القينات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام في مثل هذا أنزلت هذه الآية ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله على آخر الآية "
- رواه الترمذي . ولأحمد معناه ولم يذكر نزول الآية فيه ورواه الحميدي في مسنده ولفظه " لا يحل عن المغنية ولا بيعها ولاشراؤها ولا الأستماع إليها " (8/178)
- حديث ابن عباس قد تقدم أنه أخرجه أيضا أبو داود وابن حبان والبيهقي وحديث عمران بن حصين قال الترمذي بعد أخراجه عن عباد بن يعقوب الكوفي حدثنا عبد الله بن عبد القدوس عن الأعمشي عن هلال بن يساف عن عمران ما لفظه وقد روى هذا الحديث عن الأعمش عن عبد الرحمن بن ساباط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وهذا حديث غريب . وحديث أبي هريرة قال الترمذي بعد أن أخرجه من طريق علي بن حجر حدثنا محمد بن يزيد الواسطي عن المسلم بن سعيد عن رميح الجذامي عنه ما لفظه وفي الباب عن علي وهذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه . وحديث علي هذا الذي أشار إليه هو ما أخرجه في سننه قبل حديث أبي هريرة عن علي بن أبي طالب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء وفيه شربت الخمور وليس الحرير واتخذت القيان والمعازف " وقال بعد تعداد الخصال هذا حديث غريب لا نعرفه من حديث علي إلا من هذا الوجه ولا نعلم أحدا رواه عن يحيى بن سعيد الأنصاري غير الفرج بن فضالة والفرج بن فضالة قد تكلم فيه بعض الحديث وضعفه من قبل حفظه وقد روى وكيع وغير واحد من الأئمة انتهى . وحديث أبي أمامة الأول والثاني قد تكلم المصنف عليهما وحديثه الثالث قال الترمذي بعد أخراجه إنما يعرف مثل هذا من هذا الوجه وقد تكلم بعض أهل العلم في علي بن يزيد وضعفه وهو شامي انتهى
وأخرجه أيضا ابن ماجه وسعيد بن منصور والواحدي وعبيد الله بن زحر قال أبو مسهر أنه صاحب كل معضلة وقال ابن معين ضعيف وقال مرة ليس بشيء وقال ابن المديني منكر الحديث وقال الدارقطني ليس بالقوي
وقال ابن حبان روى موضوعات عن الأثبات وإذا روى عن علي بن يزيد أتى بالطامات ( وفي الباب ) وعن ابن مسعود عند ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أنه قال في قوله { ومن الناس من يشتري لهو الحديث } قال هو والله الغناء
وأخرجه الحاكم والبيهقي وصححاه وأخرجه البيهقي أيضا عن ابن عباس بلفظ هو الغناء وأشباهه ( وفي الباب ) أيضا عن ابن مسعود عند أبي داود والبيهقي مرفوعا بلفظ " الغناء ينبت النفاق في القلب " وفيه شيخ لم يسم ورواه البيهقي موقوفا وأخرجه ابن عدي من حديث أبي هريرة وقال ابن طاهر أصح الأسانيد في ذلك أنه من قول إبراهيم
وأخرج أبو يعقوب محمد ابن إسحاق النيسابوري من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قعد إلى قين يسمع صب في أذنه الآنك " وأخرج أيضا من حديث ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجل يتغنى من الليل فقال لا صلاة له لا صلاة له لا صلاة له " وأخرج أيضا من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال أستماع الملاهي معصية والجلوس عليها فسق والتلذذ بها كفر " وروى ابن غيلان عن علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعثت بكسر المزامير " وقال صلى الله عليه وآله وسلم كسب المغني والمغنية حرام وكذا رواه الطبراني من حديث عمر مرفوعا عن القينة سحت وغناؤها حرام
وأخرج القاسم بن سلام عن علي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ضرب الدف والطبل وصوت المزمار ( وفي الباب ) أحاديث كثيرة وقد وضع جماعة من أهل العلم في ذلك مصنفات ولكنه ضعفها جميعا بعض أهل العلم حتى قال ابن حزم أنه لا يصح في الباب حديث أبدا وكل ما فيه فموضوع . وزعم أن حديث أبي عامر أو أبي مالك الأشعري المذكور في أول الباب منقطع فيما بين البخاري وهشام وقد وافقه على تضعيف أحاديث الباب من سيأتي قريبا
قال الحافظ في الفتح وأخطأ في ذلك يعني في دعوى الإنقطاع من وجوه والحديث الصحيح معروف الأتصال بشرط الصحيح والبخاري قد يفعل مثل ذلك لكونه قد ذكر الحديث في موضع آخر من كتابه وأطال الكلام على ذلك بما يشفى
قوله : " الكبارات " جمع كبار قال في القاموس في مادة ك ب ر والطبل الجمع كبار أو أكبار انتهى . والبربط العود قال في القاموس البربط كجعفر معرب يربط أي صدر الأوز بأنه يشبهه انتهى
وقد اختلف في الغناء مع آلة من آلات الملاهي وبدونها فذهب الجمهور إلى التحريم مستدلين بما سلف . وذهب أهل المدينة ومن وافقهم من علماء الظاهر وجماعة من الصوفية إلى الترخيص في السماع ولو مع العود واليراع وقد حكى الأستاذ أبو منصور البغدادي الشافعي في مؤلفه في السماع أن عبد الله بن جعفر كان لا يرى بالغناء بأسا ويصوغ الألحان لجواريه ويسمعها منهن على أوتاره وكان ذلك في زمن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه . وحكى الاستاذ المذكور مثل ذلك أيضا عن القاضي شريح وسعيد بن المسيب وعطاء بن أبي رباح والزهري والشعبي
وقال امام الحرمين في النهاية وابن أبي الدم نقل الإثبات المؤرخين ان عبد الله بن الزبير كان له جوار عوادات وإن ابن عمر دخل عليه والي جنيه عوج فقال ماهذا يا صاحب رسول الله فناوله أياه فتأمله ابن عمر فقال هذا ميزان شامي قال ابن الزبير يوزن به العقول
وروى الحافظ أبو محمد بن حزم في رسالته في السماع سنده إلى ابن سيرين قال أن رجلا أتى المدينة بجوار فنزل على عبد الله بن عمر وفيهن جارية تضرب فجاء رجل فساومه فلم يهو منهن شيئا قال انطلق إلى رجل هو أمثل لك بيعا من هذا قال من هو قال عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه فأمر جارية منهن فقال لها خذي العود فأخذته فغنت فبايعه ثم جاء إلي ابن عمر إلى آخر القصة
وروى صاحب العقد العلامة الأديب أبو عمر الأندلسي أن عبد الله بن عمر دخل على أبي جعفر فوجد عنده جارية في حجرها عود ثم قال لابن عمر هل ترى بذلك بأسا قال لابأس بهذا وحكى الماوردي عن معاوية وعمرو بن العاص أنهما سمعا العود عند ابن جعفر وروى أبو الفج الأصبهاني أن حسان ابن ثابت سمع من عزة الميلاء الغناء بالمزهر بشعر من شعره . وذكر أبو العباس المبرد نحو ذلك والمزهر عند أهل اللغة العود وذكر الأدفوي أن عمر بن عبد العزيز كان يسمع جواريه قبل الخلافة ونقل ابن السمعاني الترخيص عن طاوس ونقله ابن قتيبة وصاحب الأمتاع عن قاضي المدينة سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن الزهري من التابعين ونقله أبو يعلى الخليلي في الأرشاد عن عبد العزيز بن سلمة الماجشون مفتي المدينة
وحكى الروياني عن القفال أن مذهب مالك بن أنس أباحة الغناء بالمعازف وحكي الأستاذ أبو منصور الفوراني عن مالك جواز العود وذكر أبو طالب المكي في قوت القلوب عن شعبة أنه سمع طنبورا في بيت المنهال ابن عمر والمحدث المشهور . وحكي أبو الفضل بن طاهر في مؤلفه في السماع أنه لا خلاف بين أهل المدينة في إباحة العود
قال ابن النحوي في العمدة قال ابن طاهر هو إجماع أهل المدينة
قال ابن طاهر وإليه ذهبت الظاهرية قاطبة قال الأدفوى لم يختلف النقلة في نسبة الضرب إلى إبراهيم بن سعد المتقدم الذكر وهو ممن أخرج له الجماعة كلهم وحكى الماوردي أباحة العود عن بعض الشافعية وحكاه أبو الفضل ابن طاهر عن أبي إسحاق الشيرازي وحكاه الأسنوي في المهمات عن الروياني والماوردي ورواه ابن النحوي عن الأستاذ أبي منصور وحكاه ابن الملقن في العمدة عن ابن طاهر . وحكاه الأدفوي عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام وحكاه صاحب الأمتاع عن أبي بكر بن العربي وجزم بالأباحة الأدفوي هؤلاء جميعا قالوا بتحليل السماع مع آلة من الآلات المعروفة وأما مجرد الغناء من غير آلة فقال الأدفوي في الأمتاع أن الغزالي في بعض تآليفه الفقهية نقل الأتفاق على حله ونقل ابن طاهر إجماع الصحابة والتابعين عليه ونقل التاج الفزاري وابن قتيبة إجماع أهل الحرمين عليه ونقل ابن طاهر وابن قتيبة أيضا إجماع أهل المدينة عليه وقال الماوردي لم يزل أهل الحجاز يرخصون فيه في أفضل أيام السنة المأمور فيه بالعبادة والذكر قال ابن النحوي في العمدة وقد روى الغناء وسماعه عن جماعة من الصحابة والتابعين فمن الصحابة عمر كما رواه ابن عبد البر وغيره وعثمان كما نقله الماوردي وصاحب البيان والرافعي وعبد الرحمن بن عوف كما رواه ابن أبي شيبة وأبو عبيدة بن الجراح كما أخرجه البيهقي وسعد بن أبي وقاص كما أخرجه ابن قتيبة وأبو مسعود الأنصاري كما أخرجه البيهقي وبلال وعبد الله ابن الأرقم وأسامة بن زيد كما أخرجه البيهقي أيضا وحمزة كما في الصحيح وابن عمر كما أخرجه ابن طاهر والبراء بن مالك كما أخرجه أبو نعيم وعبد الله بن جعفر كما رواه ابن عبد البر
وعبد الله بن الزبير كما نقله أبو طالب المكي وحسان كما رواه أبو الفرج الأصبهاني وعبد الله بن عمر وكما رواه الزبير بن بكار وقرظة بن كعب كما رواه ابن قتيبة وخوات بن جبير ورباح المعترف كما أخرجه صاحب الأغاني والمغيرة بن شعبة كما حكاه أبو طالب المكي وعمرو بن العاص كما حكاه الماوردي وعائشة والربيع كما في صحيح البخاري وغيره
وأما التابعون فسعيد بن المسيب وسالم بن عمرو بن حسان وخارجة بن زيد وشريح القاضي وسعيد بن جبير وعامر الشعبي وعبد الله بن أبي عتيق وعطاء بن أبي رباح ومحمد بن شهاب الزهري وعمر بن عبد العزيز وسعد بن إبراهيم الزهري
وأما تابعوهم فخلق لا يحصون منهم الأئمة الأربعة وابن عيينة وجمهور الشافعية انتهى كلام ابن النحوي واختلف هؤلاء المجوزون فمنهم من قال بكراهته ومنهم من قال باستحبابه قالوا لكونه يرق القلب ويهيج الأحزان والشوق إلى الله قال المجوزون أنه ليس في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في معقولهما من القياس والاستدلال ما يقتضي تحريم مجرد سماع الأصوات الطيبة الموزونة مع آلة من الآلات وأما المانعون من ذلك فاستدلوا بأدلة . منها حديث أبي مالك وأبي عامر المذكور في أول الباب وأجاب المجوزون بأجوبة . الأول ما قاله ابن حزم وقد تقدم وتقدم جوابه الثاني أن في إسناده صجقة بن خالد وقد حكى ابن الجنيد عن يحيى بن معين أنه ليس بشيء
وروى المزي عن أحمد أنه ليس بمستقيم ويجاب عنه بأنه من رجال الصحيح . ثالثها أن الحديث مطرب سندا ومتنا أما الأسناد فللتردد من الراوي في اسم الصحابي كما تقدم وأما متنا فلان في بعض الألفاظ يستحلون وفي بعضها بدونه وعند أحمد وابن أبي شيبة بلفظ ليشربن أناس من أمتي الخمر
وفي رواية الحر بمهملتين وفي أخرى بمعجمتين كما سلف ويجاب عن دعوى الاضطراب في السند بأنه قد رواه أحمد وابن أبي شيبة من حديث أبي مالك بغير شك ورواه أبو داود من حديث أبي عامر وأبي مالك وهي رواية ابن داسة عن أبي داود ورواية ابن حبان أنه سمع أبا عامر وأبا مالك الأسعريين فتبين بذلك أنه من روايتهما جميعا وأما الاضطراب في المتن فيجاب بأن مثل ذلك غير قادح في الاستدلال لأن الراوي قد يترك بعض ألفاظ الحديث تارة ويذكرها أخرى
والرابع أن لفظة المعازف التي هي محل الاستدلال ليست عند أبي داود ويجاب بأنه قد ذكرها غيره وثبتت في الصحيح والزيادة من العدل مقبولة وأجاب المجوزون أيضا على الحديث المذكور من حيث دلالته فقالوا لانسلم دلالته على التحريم وأسندوا هذا المنع بوجوه أحدها أن لفظة يستحلون ليست نصا في التحريم فقد ذكر أبو بكر بن العربي لذلك معنيين أحدهما أن المعنى يعتقدون أن ذلك حلال الثاني أن يكون مجازا عن الأسترسال في استعمال تلك الأمور ويجاب بأن الوعيد على الاعتقاد يشعر بتحريم الملابسة بفحوى الخطاب وأما دعوى التجوز فالأصل الحقيقة ولا ملجئ إلى الخروج عنها وثانيها أن المعازف مختلف في مدلولها كما سلف وإذا كان اللفظ محتملا لأن يكون للآلة ولغير الآلة لم ينتهض للاستدلال لأنه أما أن يكون مشتركا والراجح التوقف فيه أو حقيقة ومجازا ولا يتعين المعنى الحقيقي ويجاب بأنه يدل على تحريم استعمال ما صدق عليه الاسم والظاهر الحقيقة في الكل من المعاني المنصوص عليها من أهل اللغة وليس من قبيل المشترك لأن اللفظ لم يوضع لكل واحد على حدة بل وضع للجميع على أن الراجح جواز استعمال المشترك في جميع معانيه مع عدم التضاد كما تقرر في الأصول وثالثها أنه يحتمل أن تكون المعازف المنصوص على تحريمها هي المقترنة بشرب الخمر كما ثبت في رواية بلفظ " يشربن أناس من أمتي الخمر تروح عليهم القيان وتغدو عليهم المعازف " ويجاب بأن الأقتران لا يدل على أن المحرم هو الجمع فقط والألزام أن الزنا المصرح به في الحديث لا يحرم إلا عند شرب الخمر واستعمال المعازف واللازم باطل بالإجماع فالملزوم مثله وأيضا يلزم في مثل قوله تعالى { أنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين } أنه لا يحرم عدم الإيمان بالله إلا عند عدم الحض على طعام المسكين فإن قيل تحريم مثل هذه الأمور المذكورة في الإلزام قد علم من دليل أخر فيجاب بأن تحريم المعازف قد علم من دليل أخر أيضا كما سلف علي أنه لا ملجئ إلى ذلك حتى يصار إليه ورابعها أن يكون المراد يستحلون مجموع الأمور المذكورة فلا يدل على تحريم واحد منها على الإنفراد وقد تقرر أن النهي عن الأمور المتعددة أو الوعيد على مجموعها لا يدل على تحريم كل فرد منها ويجاب عنه بما تقدم في الذي قبله واستدلوا ثانيا بالأحاديث المذكورة في الباب التي أوردها المصنف رحمه الله تعالى وأجاب عنها المجوزون بما تقدم من الكلام في أسانيدهم ويجاب بأنها تنتهض بمجموعها ولا سيما وقد حسن بعضها فأقل أحوالها أن تكون من قسم الحسن لغيره ولا سيما أحاديث النهي عن بيع القينات المغنيات فإنها ثابتة من طرق كثيرة منها ما تقدم ومنها غيره قد أستوفيت ذلك في رسالة وكذلك حديث أن الغناء ينبت النفاق فإنه ثابت من طرق قد تقدم بعضها وبعضها لم يذكر منه عن ابن عباس عند ابن صصرى في أماليه ومنه عن جابر عند البيهقي ومنه عن أنس عند الديلمي وفي الباب عن عائشة وأنس عند البزار والمقدسي وابن مردويه وأبي نعيم والبيهقي بلفظ صوتان ملعونان في الدنيا والأخرى مزمار عند نعمة ورنة عند مصيبة
وأخرج ابن سعد في السنن عن جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نعمة له ولعب ومزامير الشيطان وصوت عند مصيبة وخمش وجه وشق جيب ورنة شيطان
وأخرج الديلمي عن أبي أمامة مرفوعا أن الله يبغض صوت الخلخال كما يبغض الغناء والأحاديث في هذا كثيرة قد صنف في جمعها جماعة من العلماء كابن حزم وابن طاهر وابن أبي الدنيا وابن حمدان الأربلى والذهبي وغيرهم وقد أجاب المجوزون عنها بأنه قد ضعفها جماعة من الظاهرية والمالكية والحنابلة والشافعية وقد تقدم ما قاله ابن حزم ووافقه على ذلك أبو بكر بن العربي في كتابه الأحكام وقال لم يصح في التحريم شيء وكذلك قال الغزالي وابن النحو في العمدة وهكذا قال ابن طاهر أنه لم يصح منها حرف واحد والمراد ما هو مرفوع منها وإلا فحديث ابن مسعود في تفسير قوله تعالى { ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله } قد تقدم أنه صحيح وقد ذكر هذا الأستثاء ابن حزم فقال أنهم لو أسندوا حديثا واحدا فهو إلى غير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا حجة في أحد دونه كما روى عن ابن عباس وابن مسعود في تفسير قوله تعالى { ومن الناس } الآية أنهما فسرا اللهو بالغناء قال ونص الآية يبطل أحتجاجهم لقوله تعالى { ليضل عن سبيل الله } وهذه صفة من فعلها كان كافرا ولو أن شخصا اشترى مصحفا ليضل به عن سبيل الله ويتخذها هزوا لكان كافرا فهذا هو الذي ذم الله تعالى وما ذم من اشترى لهو الحديث ليروح به نفسه لا يضل به عن سبيل الله انتهى
قال الفاكهاني لم أعلم في كتاب الله ولا في السنة حديثا صحيحا صريحا في تحريم الملاهي وإنما هي ظواهر وعمومات يتأنس لا أدلة قطعية واستدل ابن رشد بقوله تعالى { وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه } وأي دليل على ذلك في تحريم الملاهي والغناء والمفسرين فيها أربعة أقوال الأول أنها نزلت في قوم من اليهود أسلموا فكان اليهود يلقونهم بالسب والشتم ويعرضون عنهم والثاني أن اليهود أسلموا فكانوا إذا سمعوا ما غيره اليهود من التوراة وبدلوا من نعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصفته أعرضوا عنه وذكروا الحق . الثالث أنهم مسلمون إذا سمعوا الباطل لم يلتفتوا إليه . الرابع أنهم ناس من أهل الكتاب لم يكونوا يهودا ولا نصارى وكانوا على دين الله كانوا ينتظرون بعث محمد صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمعوا به بمكة أتوه فعرض عليهم القرآن فأسلموا وكان الكفار من قريش يقولون لهم أف لكم أتبعتم غلاما كرهه قومه وهم أعلم به منكم وهذا الأخير قاله ابن العربي في أحكامه وليت شعري كيف يقوم الدليل من هذه الآية انتهى . ويجاب بأن الأعتبار لعموم اللفظ لا بخصوص السبب واللغو عام وهو في اللغة الباطل من الكلام الذي لا فائدة فيه والآية خارجة مخرج المدح لمن فعل ذلك وليس فيها دلالة على الوجوب ومن جملة ما استدلوا به حديث كل لهو يلهو به المؤمن هو باطل إل ثلاثة ملاعبة الرجل أهله وتأديبه فرسه . ورميه عن قوسه
قال الغزالي قلنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم فهو باطل لا يدل على التحريم بل يدل على عدم الفائدة انتهى
وهو جواب صحيح لأن ما لا فائدة فيه من قسم المباح على أن التلهي بالنظر إلى الحبشة وهم يرقصون في مسجده صلى الله عليه وآله وسلم كما ثبت في الصحيح خارج عن تلك الأمور الثلاثة وأجاب المجوزون عن حديث ابن عمر المتقدم في زمارة الراعي بما تقدم من أنه حديث منكر وأيضا لو كان سماعه حراما لما أباحه صلى الله عليه وآله وسلم لابن عمر ولابن عمر لنافع وانهي عنه وأمر بكسر الآلة لآن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وأما سده صلى الله عليه وآله وسلم لسمعه فيحتمل أنه تجنبه كما كان يتجنب كثير من المباحات كما تجنب أن يبيت في بيته درهم أو دينار وأمثال ذلك لا يقال يحتمل أن تركه صلى الله عليه وآله وسلم للإنكار على الراعي إنما كان لعدم القدرة على التغيير لأنا نقول ابن عمر إنما صاحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالمدينة بعد ظهور الإسلام وقوته فترك الإنكار فيه دليل على عدم التحريم وقد استدل المجوزون بأدلة منها قوله تعالى { ويحل لهم الطيبات ويحرك عليهم الخبائث } ووجهه التمسك أن الطيبات جمع محلى باللام فيشمل كل طيب والطيب يطلق بإذاء المستلذ وهو الأكثر المتبادر إلى الفهم عند التجرد عن القرائن ويطلق بإزاء الطاهر والحلال وصيغة العموم كلية تتناول كل فرد من أفراد العام فتدخل أفراد المعاني الثلاثة كلها ولو قصرنا العام على بعض أفراده لكان قصره على المتبادره الظاهرة وقد صرح ابن عبد السلام في دلائل الأحكام أن المراد في الآية بالطيبات المستلذات ومن جملة ما استدل به المجوزون ما سيأتي في الباب الذي بعد هذا وسيأتي الكلام عليه
ومن جملة ما قاله المجوزون أنا لو حكمنا بتحريم اللهو لكونه لهوا لكان جميع ما في الدنيا محرما لأنه لهو لقوله تعالى إنما الحياة الدنيا لعب ولهو ويجاب بأنه لا حكم على جميع ما يصدق عليه مسمى اللهو لكونه لهوا بل الحكم بتحريم لهو خاص وهو لهو الحديث المنصوص عليه في القرآن لكنه لما علل في الآية بعلة الضلال عن سبيل الله لم ينتهض للاستدلال به على المطلوب وإذا تقرر جميع ما حررناه من حجج الفريقين فلا يخفى على الناظر أن محل النزاع إذا خرج عن دائرة الحرام لم يخرج عن دائرة الاشتباه والمؤمنون وقافةن عند الشبهات كما صرح به الحديث الصحيح ومن تركها فقد استبرأ لعرضه ودينه ومن حال حول الحمى يوشك أن يقع فيه ولا سيما إذا كان مشتملا على ذكر القدود والخدودج والجمال والدلال والهجر والوصال ومعاقرة العقار وخلع العذار والوقار فإن سامع ما كان كذلك لا يخلو عن بلية وإن كان من تصلب في ذات الله على حد يقصر عنه الوصف وكم لهذه الوسيلة الشيطانية من قتيل دمه مطلول وأسير بهموم غرامه وهيامه مكبول نسأل الله السداد والثبات ومن أراد الاستيفاء للبحث في هذه المسالة فعليه بالرسالة التي سميتها أبطال دعوى الإجماع على تحريم مطلق السماع (8/179)
باب ضرب النساء بالدف لقدوم الغائب وما في معناه (8/179)
1 - عن بريدة " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بعض مغازيه فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت يا رسول الله إني كنت نذرت إن ردك الله صالحا أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى قال لها إن كنت نذرت فاضربي وإلا فلا فجعلت تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل على وهي تضرب ثم دخل عثمان وهي تضرب ثم دخل عمر فألقت الدف تحت أستها ثم قعدت عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الشيطان ليخاف منك يا عمر إني كنت جالسا وهي تضرب فدخل أبو بكر وهي تضرب ثم دخل علي وهي تضرب ثم دخل عثمان وهس تضرب فلما دخلت أنت يا عمر ألقت الدف "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (8/179)
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي في الباب عن عبد الله بن عمر وعند أبي داود . وعن عائشة عند الفاكهاني في تاريخ مكة بسند صحيح وقد استدل المصنف بحديث الباب على جواز ما دل عليه الحديث عند القدوم من الغيبة والقائلون بالتحريم يخصون مثل ذلك من عموم الأدلة الدالة على المنع وأما المجوزون فيستدلون به على مطلق الجواز لما سلف وقد دلت الأدلة على أنه لا نذر في معصية الله فالإذن منه صلى الله عليه وآله وسلم لهذه المرأة بالضرب يدل على أن ما فعلته ليس بمعصية في مثل ذلك الموطن وفي بعض ألفاظ الحديث أنه قال لها أوفي بنذرك ومن جملة مواطن التخصيص للهو في العرسات وقد تقدمت الأحاديث في ذلك في كتاب الوليمة من كتاب النكاح . ومن مواطن التخصيص أيضا في الأعياد لما في الصحيحين من حديث عائشة قالت " دخل علي أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيانني بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث وليستا بمغنيتين فقال أبو بكر مزامير للشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في يوم عيد فقال يا أبا بكر لكل قوم عيد وهذا عيدنا " وروى المبرد والبيهقي في المعرفة عن عمر أنه إذا كان داخلا في بيته ترنم بالبيت والبيتين . ورواه المعافي النهرواني في كتاب الجليس والأنيس وابن منده في المعرفة في ترجمة أسلم الحادي
وأخرج النسائي أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لعبد الله بن رواحة حرك بالقوم فاندفع يرتجز (8/180)
كتاب الأطعمة والصيد والذبائح (8/180)
باب في أن الأصل في الأعيان والأشياء الإباحة إلى أن يرد منع أو إلزام (8/180)
1 - عن سعد بن أبي وقاص " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أعظم المسلمين في المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرم على الناس فحرم من أجل مسألته " (8/181)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ذرني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم "
- متفق عليهما (8/181)
3 - وعن سلمان الفارسي قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن السمن والجبن والفراء فقال الحلال ما أحل الله في كتابه والحرام ما حرم الله في كتابه وما سكت عنه فهو مما عفا لكم "
- رواه ابن ماجه والترمذي (8/181)
4 - وعن علي عليه السلام قال " لما نزلت ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا قالوا يا رسول الله في كل عام فسكت فقالوا يا رسول الله في كل عام قال لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل الله يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن (8/182)
- حديث سلمان قيل لم يوجد في سنن الترمذي ويدل على ذلك أنه روى صاحب جامع الإصول شطرا منه من قوله الحلال ما أحل الله الخ ولم ينسبه إلى الترمذي بل بيض له ولكنه قد عزاه الحافظ في الفتح في باب ما يكره من كثرة السؤال إلى الترمذيي كما فعلا لمصنف . والحديث أورده الترمذي في كتاب اللباس وبوب له باب ما جاء في باب لباس الفراء وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك وقد ساقه ابن ماجه بإسناد فيه سيف بن هرون البرجمي وهو ضعيف متروك . وحديث على أخرجه أيضا الحاكم وهو منقطع كما قال الحافظ . وصورة إسناده في الترمذي قال حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا منصور بن زاذان عن علي بن عبد الأعلى عن أبيه عن أبي البختري عن على فذكره قال أبو عيسى الترمذي حديث على حديث غريب واسم أبي البختري سعيد بن أبي عمران وهو سعيد بن فيروز انتهى
وفي الباب عن ابن عباس وأبي هريرة وقد تقدما في أول كتاب الحج ( وفي الباب ) أحاديث ساقها البخاري في باب ما يكره من كثرة السؤال وأخرج البزار وقال سنده صالح والحاكم وصححه من حديث أبي الدرداء رفعه بلفظ " ما أحل الله في كتابه فهو حلال وما حرم فهو حرام وما سكت عنه فهو عفو فاقبلوا من الله عافيته فإن الله لم يمن لينسى شيئا وتلا وما كان ربك نسيا " وأخرج الدارقطني من حديث أبي ثعلبة رفعه " إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة لكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها " وأخرج مسلم من حديث أنس وأصله في البخاري " قال كنا نهينا أن نسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شيء " الحديث وفي البخاري من حديث ابن عمر فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسائل وعابها
وأخرج أحمد عن أبي أمامة قال لما نزلت { يا أيها الذين آمنوا لا تسألوا عن أشياء } الآية كناقد اتقينا أن نساله صلى الله عليه وآله وسلم الحديث . والراجح في تفسير الآية أنها نزلت في النهي عن كثرة المسائل عما كان وعما لم يكن وقد أنكر ذلك جماعة من أهل العلم منهم القاضي أبو بكر ابن العربي فقال أعتقد قوما من الغافلين منع السؤال عن النوازل إلى أن تقع تعلقا بهذه الآية وليس كذلك لأنها مصرحة بأن المنهي عنه ما تقع المساءة في جوابه ومسائل النوازل ليست كذلك قال الحافظ وهو كما قال إلا أن ظاهرها اختصاص ذلك بزمان نزول الوحي ويؤيده حديث سعد المذكور في أول الباب لأنه قد أمن من وقوع التحريم لأجل المسألة ولكن ليس الظاهر ما قاله ابن العربي من الاختصاص لأن المساءة مجوزة في السؤال عن كل أمر لم يقع مأما ما ثبت في الأحاديث من وقوع المسائل من الصحابة فيحتمل أن ذلك قبل نزول الآية ويحتمل أن النهي في الآية لا يتناول ما يحتاج إليه ما تقرر حكمه كبيان ما أجمل أو نحوه ذلك مما وقعت عنه المسائل وقد وردت عن الصحابة آثار كثيرة في المنع من ذلك ساقها الدارمي في أوائل مسنده . منها عن زيد بن ثابت إنه كان إذا سئل عن الشيء يقول هل كان هذا فإن قيل لا قال دعوه حتى يكون
قال في الفتح والتحقيق في ذلك أن البحث عما لا يوجد فيه نص على قسمين أحدهما أن يبحث عن دخوله في دلالة النص على اختلاف وجوهها فهذا مطلوب لا مكروه بل ربما كان فرضا على من تعين عليه من المجتهدين . ثانيهما أن يدقق النظر في وجوه الفرق فيفرق بين متماثلين بفرق ليس له أثر في الشرع من وجود وصف الجمع أو بالعكس بأن يجمع بين مفترقين لوصف طردي مثلا فهذا الذي ذمه السلف وعليه ينطبق حديث ابن مسعود رفعه " هلك المتنطعون " أخرجه مسلم فرأوا أن فيه تضييع الزمان بما لا طائل تحته ومثله الإكثار من التفريغ على مسألة لا أصل لها في الكتاب ولا السنة ولا الإجماع وهي نادرة الوقوع جدا فيصرف فيها زمانا كان صرفه في غيرها أولى ولا سيما إذا لزم من ذلك المقال التوسع في بيان ما يكثر وقوعه وأشد من ذلك في كثرة السؤال البحث عن أمور مغيبة ورد الشرع بالإيمان بها مع ترك كيفيتها
ومنها ما لا يكون له شاهد في عالم الحس كالسؤال عن وقت الساعة وعن الروح وعن مدة هذه الأمة إلى امثال ذلك مما لا يعرف إلا النقل والكثير منه لم يثبت فيه شيء فيجب الإيمان به من غير بحث وأشد من ذلك ما يوقع كثرة البحث عنه في الشك والحيرة كما صح من حديث أبي هريرة رفعه عند البخاري وغيره " لا يزال الناس يتساءلون هذا الله خلق الخلق فمن خلق الله " قال الحافظ فمن سد باب المسائل حتى فاته كثير من الأحكام التي يكثر وقوعها فإنه يقل فهمه وعلمه ومن توسع في تفريغ المسائل وتوليدها ولا سيما فيما يقل وقوعه أو يندر ولا سيما إن كان الحامل على ذلك المباهاة والمغالبة فإنه يذم فعله وهو عين الذي كرهه السلف ومن أمعن البحث عن معاني كتاب الله تعالى محافظا على ما جاء في تفسيره عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعن الصحابة الذين شاهدوا التنزيل وحصل من الأحكام ما يستفاد من منطوقه ومفهومه وعن معاني السنة وما دلت عليه كذلك مقتصرا على ما يصلح للحجة فيها فإنه الذي يجمد وينفع وينتفع به وعلى ذلك يحمل عمل الفقهاء الأمصار من التابعين فمن بعدهم حتى حدثت الطائفة الثانية فعارضتها الطائفة الأولى فكثر بينهم المراء والجدال وتولدت البغضاء وهم من أهل دين واحد والوسط هو المعتدل من كل شيء وإلى ذلك يشير قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث المذكور في الباب " فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم " فإن الاختلاف يجر إلى عدنم الإنقياد وهذ كله من حديث تقسيم المشتغلين بالعلم وأما العلم بما ورد في المتاب والسنة والتشاغل به فقد وقع الكلام في أيهما أولى يعني هل العلم أو العمل والإنصاف أن يقال كل ما زاد على ما هو في حق المكلف فرض عين فالناس فيه على قسمين من وجد من نفسه قوة على الفهم والتحرير فتشاغله ذلك أولى من إعراضه عنه وتشاغله بالعبادة لما فيه من النفع المتعدي ومن وجد من نفسه قصورا فإقباله على العبادة أولى به لعسر اجتماع الأمرين فإن الأول لو ترك العلم لأوشك أن يضيع بعض الأحكام بإعراضه والثاني لو أقبل على العلم وترك العبادة فإنه الأمران لعدم حصول الأول له وإعراضه عن الثاني انتهى
قوله : " إن أعظم المسلمين " الخ هذا لفظ مسلم ولفظ البخاري " إن أعظم الناس جرما " قال الطيبي فيه من المبالغة أنه جعل عظيما ثم فسره بقوله جرما ليدل على أنه نفسه جرم قال وقوله في المسلمين أي في حقهم
قوله :
فحرم
بضم الحاء المهملة وتشديد الراء قال ابن بطال عن المهلب ظاهر الحديث يتمسك به القدرية في أن الله يفعل شيئا من أجل شيء وليس كذلك بل هو على كل شيء قدير فهو فاعل السبب والمسبب ولكن الجديث محمول على التحذير مما ذكره فمعظم جرم من فعل ذلك لكثرة الكارهين لفعله
وقال غيره أهل السنة لا ينكرون إمكان التعليل وإنما ينكرون وجوبه فلا يمتنع أن يكون الشيء الفلاني تتعلق به الحرمة إن سئل عنه فقد سبق القضاء بذلك إلا أن السؤال علة للتحريم
وقال ابن التين قيل الجرم اللاحق به الحاق المسلمين المضرة لسؤاله وهي منعهم التصرف فيما كان حلالا قبل مسألته وقل القاضي عياض المراد بالجزم هنا الحدث على المسلمين لا الذي هو بمعنى الإثم المعاقب عليه لأن السؤال كان مباحا ولهذا قال سلوني وتعقبه النووي فقال هذا الجواب ضعيف أو باطل والصواب الذي قاله الخطابي والتيمي وغيرهما أن المراد بالجرم الإثم والذنب وحملوه على من سأل تكلفا وتعنتا فيما لا حاجة له به إليه وسبب تخصيصه ثبوت الأمر بالسؤال عما يحتاج إليه لقوله تعالى { فاسألوا أهل الذكر } فمن سأل عن نازلة وقعت له لضورته إليها فهو معذور فلا إثم عليه ولا عتب فكل من الأمر بالسؤال والزجر عنه مخصوص بجهة غير الأخرى قال ويؤخذ منه أن من عمل شيئا أضر به غيره كان آثما وأورد الكرماني على الحديث سؤالا فقال السؤال ليس بجريم ولئن كان ليس بكبيرة ولئن كان فليس بأكبر الكبائر
وأجاب أن السؤال عن الشيء بحيث يصير سببا لتحريم شيء مباح هو أعظم الجرم لأنه صار سببا لتضييق الأمر على جميع المكلفين فالقتل مثلا كبيرة ولكن مضرته راجعة إلى المقتول راجعة إلى المقتول وحده أو إلى من هو منه بسبيل بخلاف صورة المسألة فضررها عام للجميع انتهى
وقد روى ما يدل على أنه قد وقع في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم من المسائل ما كان سببا لتحريم الحلال أخرج البزار عن سعد بن أبي وقاص قال كان الناس يتساءلون عن الشيء من الأمر فيسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو حلال فلا يزالون يسألونه على الشيء حتى يحرم عليهم
قوله : " ذروني " في رواية البخاري دعوني ومعناهما واحد
قوله : " ما تركتكم " أي مدة تركي إياكم بغير أمر بشيء ولا نهي عن شيء قال ابن فرج معناه لا تكثروا من الاستفصال عن المواضع التي تكون مفيدة لوجه ما ظاهره ولو كان صالحة لغيره كما أن قوله حجوا وإن كان صالحا للتكرار فينبغي أن يكتفى بما يصدق عليه اللفظ وهو المرة فإن الأصل عدم الزيادة ولا يكثر التعنت عن ذلك فإنه قد يفضي إلى مثل ما وقع لبني اسرائيل في البقرة
قوله : " واختلافهم " يجوز فيه الرفع والجر
قوله : " فإذا نهيتكم " وهذا النهي عام في جميع المناهي ويستثنى من ذلك ما يكره المكلف على فعله وإليه ذهب الجمهور وخالف قوم فتمسكوا بالعموم الإكراه على ارتكاب المعصية لا يبيحها
قوله : " وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم " أي اجعلوه قدر استطاعتكم قال النووي هذا من جوامع الكلم وقواهد الإسلام ويدخل فيه كثير من الأحكام كالصلاة لمن عجز عن ركن منها أو شرط فيأتي بالمقدور وكذا الوضوء وستر العورة وحفظ بعض الفاتحة وإخراج بعض زكاة الفطر لمن لم يقدر على الكل والإمساك في رمضان لمن أفطر بالعذر ثم قدر في أثناء النهار إلى غير ذلك من المسائل التي يطول شرحها واستدل به على أن من أمر بشيء فعجز عن بعضه ففعل المقدور إنه يسقط عنه ما عجز عنه وبذلك استدل المزني على أن ما وجب أداؤه لا يجب قضاؤه ومن ثم كان الصحيح أن القضاء بأمر جديد
واستدل بهذا الحديث على أن اعتناء الشارع بالمنهيات فةق اعتنائه بالمأمورات لأنه أطلق الاجتناب في المنهيات ولو مع المشقة في الترك وقيد في المأمورات بالاستطاعة وهذا منقول عن الإمام أحمد ( فإن قيل ) أن الاستطاعة معتبرة في النهي أيضا إذ لا يكلف الله نفسا إلا وسعها فجوابه أن الاستطاعة تطلق باعتبارين كذا قيل قال الحافظ والذي يظهر أن التقييد في الأمر بالاستطاعة لا يدل على المدعى من الاعتبار بل هو من جهة الكف إذ كل واحد قادر على الكف لولا داعية الشهوة مثلا فلا يتصور عدم الاستطاعة من الكف بل كل مكلف قادر على الترك بخلاف الفعل فإن العجز عن تعاطيه محسوس فمن ثم قيد في الأمر بحسب الاستطاعة دون النهي
قال ابن فرج في شرح الأربعين أن الأمر بالاجتناب على إطلاقه حتى يوجد ما يبيحه كأكل الميتة عند الضرورة وشرب الخمر عند الإكراه والأصل في ذلك جواز التلفظ بكلمة الكفر إذا كان القلب مطمئنا بالإيمان كما نطق به القرآن
قال الحافظ والتحقيق أن المكلف في كل ذلك ليس منهيا في تلك الحال وقال الماوردي أن الكف عن المعاصي ترك وهو سهل وعمل الطاعة فعل وهو شاق فلذلك لم يبح ارتكاب المعصية ولو مع العذر لأنه ترك والترك لا يعجز المعذور عنه وادعى بعضهم أن قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } يتناول امتثال المأمور واجتناب المنهى وقد قيد بالاستطاعة فاستويا فحينئذ تكون الحكمة في تقييد الحديث بالاستطاعة في جانب الأمر دون النهي أن العجز يكثر تصوره في الأمر بخلاف النهي فإن تصور العجز فيه محصور في الاضطرار وهو قوله تعالى { إلا ما اضطررتم إليه } وهو مضطر ولا يرد الإكراه لأنه مندرج في الاضطرار وزعم بعضهم أن قوله تعالى { فاتقوا الله ما استطعتم } نسخ بقوله تعالى { واتقوا الله حق تقاته } قال الحافظ والصحيح أنه لا نسخ بل المراد بحق تقاته امتثال أمره واجتناب نهيه مع القدرة لا مع العجز
قوله : " الفراء " بفتح الفاء مهموز حمار الوحش كذا في مختصر النهاية ولكن تبويب الترمذي الذي ذكرناه سابقا يدل على أن الففراء بكسر الفاء جمع فرو
قوله : " الحلال ما أحل الله في كتابه " الخ المراد من هذه العبارة وأمثالها مما يدل على حصر التحليل والتحريم على الكتاب العزيز هو باعتبار اشتماله على جميع الأحكام ولو بطريق العموم أو الإشارة أو باعتبار الأغلب لحديث " إني أوتيت القرآن ومثله معه " وهو حديث صحيح
قوله : " وعن علي " الخ قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه حديث علي في أول كتاب الحج (8/182)
باب ما يباح من الحيوان الإنسي (8/182)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأذن في لحوم الخيل "
- متفق عليه وهو للنسائي وأبو داود
وفي لفظ " أطعمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحوم الخيل ونهانا عن لحوم الحمر " رواه الترمذي وصححه
وفي لفظ " سافرنا يعني مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكنا نأكل لحوم الخيل ونشرب ألبانها " رواه الدارقطني (8/183)
2 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت " ذبحنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرسا ونحن بالمدينة فأكلناها " (8/183)
5 - متفق عليه . ولفظ أحمد " ذبحنا فرسا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأكلناه نحن وأهل بيته " . وعن أبي موسى قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل لحم دجاج " متفق عليه (8/183)
- قوله " نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية " فيه دليل على تحريمها وسيأتي الكلام على ذلك
قوله : " وأذن في لحوم الخيل " استدل به القائلون بحل أكلها قال الطحاوي ذهب أبو حنيفة إلى كراهة أكل الخيل وخالفه صاحباه وفيرهما واحتجوا بالأخبار المتواترة في حلها ولو كان ذلك مأخوذا من طريق النظر لما كان بين الخيل والحمر الأهلية فرق ولكن الآثار إذا صحت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أولى أن نقول بها مما يوجبه النظر ولا سيما وقد أخبر جاب أنه صلى الله عليه وآله وسلم أباح لهم لحوم الخيل في الوقت الذي منعهم فيه من لحوم الحمر فدل ذلك على اختلاف حكمهما
قال الحافظ وقد نقل الحل بعض التابعين عن الصحابة من غير استثناء أحد فأخرج ابن أبي شيبة بسند صحيح على شرط الشيخين عن عطاء أنه قال لبن جريح لم يزل سلفك يأكلون قال ابن جريح قلت أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال نعم
وأما ما نقل في ذلك عن ابن عباس من كراهتها فأخرجه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق بسندين ضعيفين وسيأتي في الباب الذي بعد هذا عن ابن عباس أنه استدل لحل الحمر الأهلية بقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي } الآية وذلك يقوي أنه من القائلين بالحل وأخرج الدارقطني عنه بسند قوي " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وأمر بلحوم الخيل " قال في الفتح وصح القول بالكراهية عن الحكم ابن عتيبة ومالك وبعض الحنفية وعن بعض المالكية والحنفية التحريم قال الفاكهاني المشهور عند المالكية الكراهية والصحيح عند المحققين منهم التحريم وقد صحح صاحب المحيط والهداية والذخيرة عن أبي حنيفة التحريم وإليه ذهبت العترة كما حكاه في البحر ولكنه حكى الحل عن زيد بن علي واستدل القائلون بالتحريم بما رواه الطحاوي وابن حزم من طريق عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة عن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر والخيل والبغال " قال الطحاوي أهل الحديث يضعفون عكرمة بن عمار قال الحافظ لا سيما في يحيى بن أبي كثير فإن عكرمة وإن كان مختلفا في توثيقه قد أخرج له مسلم لكن إنما أخرج له من غير روايته عن يحيى بن أبي كثير وقال يحيى بن سعيد القطان أحاديثه عن يحيى بن أبي كثير ضعيفة وقال البخاري حديثه عن يحيى مضطرب وقال النسائي ليس به بأس إلا في يحيى وقال أحمد حديثه من غير اياس بن سلمة مضطرب . وعلى تقدير صحة هذه الطريق فقد اختلف على عكرمة فيها فإن الحديث عند أحمد والترمذي من طريقه ليس فيه للخيل ذكر وعلى تقدير أن يكون أظهر إتصالا وأتقن رجالا وأكثر عددا ومن أدلتهم ما رواه في السنن من حديث خالد ابن الوليد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن لحوم الخيل "
وتعقب بأنه شاذ منكر لأن في سياقه أنه شهد خيبر وهو خطأ لأنه لم يسلم إلا بعدها على الصحيح وقد روى الحديث من طريق أخرى عن خالد وفيها مجهول ولا يقال أن جابرا أيضا لم يشهد خيبر كما أعل الحديث بذلك بعض الحنفية لأنا نقول ذلك ليس بعلة مع عدم التصريح بحضوره فغايته أن يكون من مراسيل الصحابة
وأما الرواية الثانية عنه المذكورة في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطعمهم لحوم الخيل وفي الأخرى أنهم سافروا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فليس في ذلك تصريح بأنه كان في خيبر فيمكن أن يكون في غيرها ولو فرضنا ثبوت حديث خالد وسلامته عن العلل لم ينتهض لمعارضة حديث جابر وأسماء المتفق عليهما مع أنه قد ضعف حديث خالد أحمد والبخاري وموسى بن هرون والدارقطني والخطابي وابن عبد البر وعبد الحق وآخرون . ومن جملة ما استدل به القائلون بالتحريم قوله تعالى { والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة } وقد تمسك بها أكثر القائلين بالتحريم وقرروا ذلك بأن اللام للتعليل فدل على أنها لم تخلق لغير ذلك لأن العلة المنصوصة تفيد الحصر فإباحة أكلها تقتضي خلاف الظاهر من الآية وقرره أيضا بأن العطف يشعر بالاشتراك في الحكم وبأن الآية سيقت مساق الامتنان فلو كان ينتفع بها في الأكل لكان الامتنان به أعظم وأجيب إجمالا بأن الآية مكية اتفاقا والإذن كان بعد الهجرة وأيضا ليست نصا في منع الأكل والحديث صريح في الحل وأجيب أيضا تفصيلا بأنا لو سلمنا أن اللام للعلة لم نسلم إفادته الحصر في الركوب والزينة فإنه ينتفع بالخيل في غيرهما وفي غير الأكل اتفاقا ونظير ذلك حديث البقرة المذكور في الصحيحين حين خاطبت راكبها فقالت إنا لم نخلق لهذا إنما خلقنا للحرث فإنه مع كونه أصرح في الحصر لكونه بأنما مع اللام لا يستدل به على تحريم أكلها وإنما المراد الأغلب من المنافع وهو الركوب في الخيل والتزين بها والحرث في البقر وأيضا يلزم المستدل بالآية أنه لا يجوز حمل الأثقال على الخيل والبغال والحمير ولا قائل بها
وأما الاستدلال بالعطف فغايته دلالة اقتران وهي من الضعف بمكان
وأما الاستدلال بالامتنان فهو باعتبار غالب المنافع
قوله : " ذبحنا فرسا " لفظ البخاري نحرنا فرسنا وقد جمع بين الروايتين بحمل النحر على الذبح مجازا وقد وقع ذلك مرتين
قوله : " يأكل لحم دجاج " هو اسم جنس مثلث الدال ذكره المنذري وابن مالك وغيرهما ولم يحك النووي أن ذلك مثلث وقيل أن الضم ضعيف قال الجوهري دخلتها التاء للوحدة مثل الحمامة وقال إبراهيم الحربي أن الدجاجة بالكسر اسم للذكر دون الإناث والواحد منها ديك وبالفتح الإناث دون الذكر أن والواحدة دجاجة بالفتح أيضا
وفي القاموس والدجاجة معروف للذكر والأنثى وتثلث اه وقد تقدم نقله
وفي الحديث قصة وهو أن رجلا امتنع من أكل الدجاج وحلف على ذلك فأفتاه أبو موسى بأنه يكفر عن يمينه ويأكل وقص له الحديث (8/184)
باب النهي عن الحمر الإنسية (8/184)
1 - عن أبي ثعلبة الخشني قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحوم الحمر الأهلية "
- متفق عليه وزاد أحمد ولحم كل ذي ناب من السباع (8/184)
2 - وعن البراء بن عازب قال " نهانا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن لحوم الحمر الإنسية نضيجا ونيا " (8/185)
3 - وعن ابن عمر قال " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الحمر الأهلية "
- متفق عليهما (8/185)
4 - وعن ابن أبي أوفى قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر "
- رواه أحمد والبخاري (8/185)
5 - وعن زاهر الأسلمي وكان ممن شهد الشجرة قال " إني لأوقد تحت القدور بلحوم الحمر إذ نادى مناد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهاكم عن لحوم الحمر " (8/186)
6 - وعن عمرو بن دينار قال " قلت لجابر بن زيد يزعمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الحمر الأهلية قال قد كان يقول ذلك الحكم بن عمرو الغفاري عندنا بالبصرة ولكن أبى ذلك البحر بن عباس وقرأ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما "
- رواهما البخاري (8/186)
7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم يوم خيبر كل ذي ناب من السباع والمجثمة والحمار الإنسي "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (8/186)
8 - وعن ابن أبي أوفى قال " أصابتنا مجاعة ليالي خيبر فلما كان يوم خيبر وقعنا في الحمر الأهلية فانتحرناها فلما غلت بها القدور نادى منادي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أكفؤا القدور لا تأكلوا من لحوم الحمر سيئا فقال ناس إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنها لم تخمس وقال آخرون نهى عنها البتة "
- متفق عليه
وقد ثبت النهي من رواية علي وأنس وقد ذكرا (8/187)
- قوله " الأنسية " قال في الفتح بكسر الهمزة وسكون النون منسوبة إلى الأنس ويقال فيه إنسية بفتحتين وزعم ابن الأثير أن في كلام أبي موسى المديني ما يقتضي أنها بالضم ثم السكون وقد صرح الجوهري أن الإنس بالفتحتين ضد الوحشة ولم يقع في شيء من روايات الحديث بضم ثم سكون مع احتمال جوازه نعم زيف أبو موسى الرواية بكسر أوله ثم السكون فقال ابن الأثير إن أراد من جهة الرواية وإلا فهو ثابت في اللغة والمراد بالإنسية الأهلية كما وقع في سائر الروايات ويؤخذ من التقييد بها جوازا أكل الحمر الوحشية ولعله يأتي البحث عنها إن شاء الله
قوله : " إذ نادى مناد " وقع عند مسلم أن الذي ناد بذلك أبو طلحة ووقع عند مسلم أيضا أن بلالا نادى بذلك وعند النسائي أن المنادي بذلك عبد الرحمن بن عوف ولعل عبد الرحمن نادى أولا بالنهي مطلقا ثم نادى أبو طلحة وبلال بزيادة على ذلك وهو قوله فإنها رجس
قوله : " وقرأ قل لا أجد " الآية هذا الاستدلال إنما يتم في الأشياء التي لم يرد النص بتحريمها وأما الحمر الإنسية فقد تواترت النصوص على ذلك والتنصيص على التحريم مقدم على عموم التحليل وعلى القياس وأيضا الآية مكية وقد روى عن ابن عباس أنه قال إنما حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحمر الأهلية مخافة قلة الظهر . رواه ابن ماجه والطبراني وإسناده ضعيف وفي البخاري في المغازي أن ابن عباس تردد هل كان النهي لمعنى خاص أو للتأبيد وعن بعضهم إنما نهى عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنها كانت تأكل العذرة وفي حديث ابن أبي أو في المذكور في الباب فقال ناس إنما نهى عنها لأنها لم تخمس
قال الحافظ وقد أزال هذه الاحتمالات من كونها لم تخمس أو كانت جلالة أو غيرخما حديث أنس حيث جاء فيه فإنها رجس وكذلك الأمر بغسل الإناء في حديث سلمة اه والحديثان متفق عليهما وقد تقدما في أول الكتاب في باب نجاسة لحم الحيوان الذي لا يؤكل إذا ذبح من كتاب الطهارة
قال القرطبي ظاهره أن الضمير في أنها رجس عائد على الحمر لأنها المتحدث عنها المأمور بإكفائها من القدور وغسلها وهذا حكم النجس فيستفاد منه تحريم أكلها لعينها لا لمعنى خارج وقال ابن دقيق العيد الأمر بإكفاء القدور ظاهر أنه سبب تحريم لحم الحمر
قال الحافظ وقد وردت علل أخر إن صح وفع شيء منها وجب المصير إليه لكن لا مانع أن يعلل الحكم بأكثر من علة . وحديث أبي ثعلبة صريح في التحريم فلا معدل عنه وأما التعليل بخشية قلة الظهر فأجاب عنه الطحاوي بالمعارضة بالخيل فإن في حديث جابر النهي عن الحمر والإذن في الخيل مقرونان فلو كانت العلة لأجل الحمولة لكانت الخيل أولى بالمنع لقلتها عندهم وعزتها وشدة حاجتهم إليها قال النووي قال بتحريم الحمر الأهلية أكثر العلماء من الصحابة فمن بعدهم ولم نجد عن أحد من الصحابة في ذلك خلافا إلا عن ابن عباس وعنده الك ثلاث روايات ثالثها الكراهة
وقد أخرج أبو داود عن غالب بن أبجر قال أصابتنا سنة فلم يكن في مالي ما أطعم أهلي الأسمان حمر قأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت أنك حرمت لحوم الحمر الأهلية وقد أصابتنا سنة قال أطعم أهلك من سمين حمرك فإنما حرمتها من أجل جوال القرية بفتح الجيم والواو وتشديد اللام مع جمع جالة مثل سوام جمع سامة بتشديد الميم وهوام جمع هامة يعني الجلالة وهي التي تأكل العذرة ( والحديث ) لا تقوم به حجة قال الحافظ إسناده ضعيف والمتن مخالف للأحاديث الصحيحة فلا اعتماد عليه
وقال المنذري اختلف في إسناده كثيرا وقال البيهقي إسناده مضطرب قال ابن عبد البر روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحريم الحمر الأهلية علي عليه السلام وعبد الله بن عمر وعبد الله عمرو وجابر البراء وعبد الله بن أبي أوفى وأنس وزاهر الأسلمي بأسانيد صحاح وحسان . وحديث غالب بن أبجر لا يعرج على مثله مع ما يعارضه ويحتمل أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لهم في مجاعتهم وبين علة تحريمها المطلق بكونها تأكل العذرات
وأما الحديث الذي أخرجه الطبراني عن أم نصر المحاربية أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحمر الأهلية فقال أليس ترعى الكلأ وتأكل الشجر قال نعم قال فاصب من لحومها
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق رجل من بني مرة قال سألت فذكر نحوه فقال الحافظ في السندين مقال ولو ثبتا احتمل أن يكون قبل التحريم
قال الطحاوي لولا تواتر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتحريم الحمر الأهلية لكان النظر يقتضي حلها لأن كل ما حرم من الأهلي أجمع على تحريمه إذا كان وحشيا كالخنزير وقد أجمع على حل الوحشي فكان النظر يقتضي حل الحمار الأهلي
قال في الفتح وما أدعاه من الإجماع مردود فإن كثيرا من الحيوان الأهلي مختلف في نظيره من الحيوان الوحشي كالهر
قوله : " كل ذي ناب من السباع " سيأتي الكلام فيه
قوله : " المجثمة " بضم الميم وفتح الجيم وتشديد المثلثة على صيغة اسم المفعول وهي كل حيوان ينصب ويقتل إلا أنها قد كثرت في الطير والأرنب وما يجثم في الأرض أي يلزمها والجثم في الأصل لزوم المكان أو الوقوع على الصدر أو التلبد بالأرض كما في القاموس فالتجثيم نوع من المثلة (8/187)
باب تحريم كل ذي ناب من السباع ومخلب من الطير (8/187)
1 - عن أبي ثعلبة الخشنى " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كل ذي ناب من السباع فأكله حرام "
- رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود (8/188)
2 - وعن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كل ذي ناب من السباع ولك ذي مخلب من الطير "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي (8/188)
3 - وعن جابر قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني يوم خيبر لحوم الحمر الانسية ولحوم البغال وكل ذي ناب من السباع ولك ذي مخلب من الطير "
- رواه أحمد والترمذي (8/188)
4 - وعن عرباض ابن سارية " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم يوم خيبر كل ذي مخلب من الطير ولحوم الحمر الأهلية والخلسة والمجثمة "
- رواه أحمد والترمذي وقال نهى بدل لفظ التحريم وزاد في رواية قال أبو عاصم المجثمة أن ينصب الطير فيرمى . والخلسة الذئب أو السبع يدركه الرجل فيأخذ منه يعني الفريسة فتموت في يده قبل أن يذكيها (8/189)
- حديث جابر أصله في الصحيحن كما سلف وهو بهذا اللفظ بسند لابأس به كما قال الحافظ في الفتح وكذلك حديث العرباض بن سارية لا بأس بأسناده قوله " كل ذي ناب " الناب السن الذي خلف الرباعية جمعه أنياب قال ابن سينا لا يجتمع في حيوان واحد ناب وقرن معا وذو الناب من السباع كالأسد والذئب والنمر والفيل والقرد وكل ماله ناب يتقوي به ويصطاد قال في النهاية وهو ما يفترض الحيوان ويأكل قسرا كالأسد والنمر والذئب ونحوها وقال في القاموس والسبع بضم الباء وفتحها المفترس من الحيوان اه ووقع الخلاف في جنس السباع الحرمة فقال أبو حنيفة كل ما أكل اللحم فهو سبع حتى الفيل والضبع واليربوع والسنور وقال الشافعي يحرم من السباع ما يعدو على الناس كالأسد والنمر والذئب وأما الضبع والثعلب فيحلان عنده لأنهما لا يعدوان
قوله : " وكل ذي مخلب " المخلب بكسر الميم وفتح اللام قال أهل اللغة المخلب للطير والسباع بمنزلة الظفر للإنسان
وفي الحديث دليل على تحريم ذي الناب من السباع وذي المخلب من الطير وإلى ذلك ذهب الجمهور . وحكى ابن عبد الحكم وابن وهب عن مالك مثل قول الجمهور وقال ابن العربي المشهور عنه الكراهة قال ابن رسلان ومشهور مذهبه على إباحة ذلك وكذا قال القرطبي وقال ابن عبد البر اختلف فيه عن ابن عباس وعائشة وجاء عن ابن عمر من وجه ضعيف وهو قول الشعبي وسعيد بن جبير يعني عدم التحريم واحتجوا بقوله تعالى { قل لا أجد فيما أوحي إلي } الآية وأجيب بأنها مكية وحديث التحريم بعد الهجرة وأيضا هي عامة والأحاديث خاصة وقد تقدم الجواب عن الأحتجاج بالآية مفصلا وعن بعضهم أن آية الأنعام خاصة ببهيمة الأنعام لأنه تقدم قبلها حكاية عن الجاهلية أنهم كانوا يحرمون أشياء من الأزواج الثمانية بآرائهم فنزلت الآية { قل لا أجد } أي من المذكورات ويجاب عن هذا أن الأعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
قوله : " ولحوم البغال " فيه دليل على تحريمه وبه قال الأكثر وخالف في ذلك الحسن البصري كما حكاه عنه في البحر
قوله : " والخلسة " بضم الخاء وسكون اللام بعدها سين مهملة وهي ما وقع التفسير به في المتن
قوله : " والمجثمة " قد تقدم ضبطها وتفسيرها (8/189)
باب ما جاء في الهر والقنفذ (8/189)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل الهر وأكل ثمنها "
- رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي (8/190)
2 - وعن عيسى نميلة الفزاري عن أبيه قال " كنت عند ابن عمر فسئل عن أكل القنفذ فتلا هذه الآية { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما } الآية فقال شيخ عنده سمعت أبا هريرة يقول ذكر عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال خبيثة من الخبائث فقال ابن عمر إن كان قاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو كما قال "
- رواه أحمد وأبو داود (8/190)
- حديث جابر في إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال المنذري وابن حبان لا يحتج به
وقال ابن رسلان في شرح السنن لم يرو عنه غير عبد الرزاق وقد أخرج النهي عن أكل ثمن الكلب والسنور مسلم في صحيحه . وحديث عيسى بن نميلة قال الخطابي ليس إسناده بذاك وقال البيهقي إسناده غير قوي ورواه شيخ مجهول وقال في بلوغ المرام إسناده ضعيف
وقد استدل بالحديث الأول على تحريم أكل الهر وظاهره عدم الفرق بين الوحشي والأهلي ويؤيد التحريم أنه من ذوات الأنياب وللشافعية وجه في حل الهر الوحشي كحمار الوحش إذا كان وحشي الأصل لا إن كان أهليا ثم توحش
قوله : " عن عيسى بن نميلة " بضم النون وتخفيف الميم مصغر نملة ذكره ابن حبان في الثقات
قوله : " القنفذ " هو واحد القنافذ والأنثى الواحدة قنفذة وهو بضم القاف وسكون النون وضم الفاء وبالذال المعجمة وقد تفتح الفاء وهو نوعان قنفذ يكون بأرض مصر قدر الفار الكبير وأخر يكون بأرض الشام في قدر الكلب وهو مولع بأكل الأفاعي ولا يتألم بها كذا قال ابن رسلان في شرح السنن
وقد استدل بالحديث على تحريم القنفذ لأن الخبائث محرمة بنص القرآن وهو مخصص لعموم الآية الكريمة كما سلف في مثل ذلك
وقد حكى التحريم في البحر عن أبي طالب والإمام يحيى قال ابن رسلان راويا عن القفال أنه قال إن صح الخبر فهو حرام وإلا رجعنا إلى العرب والمنقول عنهم أنهم يستطيبونه وقال مالك وأبو حنيفة القنفذ مكروه ورخص فيه الشافعي والليث وأبو ثور اه وحكى الكراهة في البحر أيضا عن المؤيد بالله والراجح أن الأصل الحل حتى يقوم دليل ناهض ينقل عنه أو يتقرر أنه مستخبث في غالب الطباع ويؤيد القول بالحل ما أخرجه أبو داود عن ملقام بن تلب عن أبيه قال صحبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم أسمع لحشرات الأرض تحريما وهذا يؤيد الأصل وإن كان عدم السماع لا يستلزم عدم ورود دليل ولكن قال البيهقي إن إسناده غير قوي وقال النسائي ينبغي أن يكون ملقان بن التلب ليس بالمشهور قال ابن رسلان أن حشرات الأرض كالضب والقنفذ واليربوع وما أشبهها وأطال في ذلك (8/190)
باب ما جاء في الضب (8/191)
1 - عن ابن عباس عن خالد بن الوليد أنه أخبره أنه " دخل مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ميمونة وهي خالته وخالة ابن عباس فوجد عندها ضبا محنوذا قدمت به أختها حفيدة بنت الحرث من نجد فقدمت الضب لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأهوى بيده إلى الضب فقالت امرأة من النسوة الحضور أخبرن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما قدمتن له قلن هو الضب يا رسول الله فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يده فقال خالد ابن الوليد أحرام الضل يا رسول الله قال لا ولكن لم يكن بأرض قومي فأجدني أعافه قال خالد فاجتررته فأكلته و رسول الله ينظر فلم ينهني "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (8/191)
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الضب فقال لا أكله ولا أحرمه "
- متفق عليه
وفي رواية عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان معه ناس فيهم سعد فأتوا بلحم ضب فنادت امرأة من نسائه إنه لحم ضب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كلوا فإنه حلال ولكنه ليس من طعامي " . رواه أحمد ومسلم (8/191)
3 - وعن جابر " أن عمر بن الخطاب قال في الضب أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرمه وأن عمر قال إن الله لينفع به غير واحد وإنما طعام عامة الرعاة منه ولو كان عندي طعمته "
- رواه مسلم وابن ماجه (8/192)
4 - وعن جابر قال " أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بضب فأبى أن يأكل منه وقال لا أدري لعله من القرون التي مسخت " (8/192)
5 - وعن أبي سعيد " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقال إني في غائط مضبة وأنه عامة طعام أهلي قال فلم يجبه فقلنا عاوده فعاوده فلم يجبه ثلاثة ثم ناداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الثالثة يا أعرابي إن الله لعن أو غضب على سبط من بني اسرائيل فمسخهم دواب يدبون في الأرض ولا أدري لعل هذا منها فلم أكلها ولا أنهى عنها "
- رواهما أحمد ومسلم
وقد صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أن الممسوخ لا نسل له والظاهر أنه لم يعلم ذلك إلا بوحي وإن تردده في الضب كان قبل الوحي بذلك . والحديث يرويه ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت عنده القردة قال مسعر وأراه قال والخنازير قبل ذلك
وفي رواية أن رجل قال يا رسول الله القردة والخنازير هي مما مسخ الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يهلك أو يعذب قوما فيجعل لهم نسلا " روى ذلك أحمد ومسلم (8/192)
- قوله " فوجد عندها ضبا " هو دويبة تشبه الحرذون ولكنه أكبر منه قليلا ويقال للأنثى ضبة
قال ابن خالويه أنه يعيش سبعمائة سنة وأنه لا يشرب الماء ويبول في كل أربعين يوما قطرة ولا يسقط له سن ويقال بل أسنانه قطعة واحدة
قوله : " محنوذا " بحاء مهملة ونون مضمومة وآخره ذال معجمة أي مشويا بالحجارة المخماة ووقع في رواية بضب مشوي
قوله : " أختها حفيدة " بمهملة مضمومة بعدها فاء مصغرة قوله " لم يكن بأرض قومي " قال ابن العربي اعترض بعض الناس على هذه اللفظة وقال أن الضباب موجودة بأرض الحجاز فإن كان أراد تكذيب الخبر فقد كذب هو فإنه ليس بأرض الحجاز منها شيء وربما أنها حدثت بعد عصر النبوة وكذا أنكر ذلك ابن عبد البر ومن تبعه قال الحافظ ولا يحتاج إلى شيء من هذا بل المراد بقوله صلى الله عليه وآله وسلم بأرض قومي قريش فقط فيختص النفي بمكة وما حولها ولا يمنع ذلك أن تكون موجودة بسائر بلاد الحجاز
قوله : " فأجدني أعافه " أي أكره أكله يقال عفت الشيء أعافه
قوله : " فاجتررته " بجيم وراءين مهملتين هذا هو المعروف في كتب الحديث وضبطه بعد شراح المهذب بزاي قبل الراء وقد غلطه النووي
قوله : " لا آكله ولا أحرمه " فيه جواز أكل الضب قال النووي وأجمع المسلمون على أن الضب حلال ليس بمكروه إلا ما حكي عن أصحاب أبي حنيفة من كراهته وإلا ما حكاه القاضي عياض عن قوم أنهم قالوا هو حرام وما أظنه يصح عن أحد فإن صح عن أحد فمحجوج بالنصوص وإجماع من قبله اه قال الحافظ قد نقله ابن المنذر عن علي رضي الله عنه فاين يكون الإجماع مع مخالفته ونقل الترمذي كراهته عن بعض أهل العلم
وقال الطحاوي في معاني الآثار كره قوم أكل الضب منهم أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه نهى عن أكل لحم الضب أخرجه أبو داود من حديث عبد الرحمن بن شبل
قال الحافظ في الفتح وإسناده حسن فإنه من رواية إسماعيل ابن عياش عن ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد عن أبي راشد الحبراني عن عبد الرحمن بن شبل . وحديث ابن عياش عن الشاميين قوي وهؤلاء شاميون ثقات ولا يغتر بقول الخطابي ليس إسناده بذاك . وقول ابن حزم فيه ضعفاء ومجهولون وقول البيهقي تفرد به إسماعيل بن عياش وليس بحجة وقول ابن الجوري لا يصح ففي كل ذلك تساهل لا يخفى فإن رواية إسماعيل عن الشاميين قوية عند البخاري وقد صحح الترمذي بعضها
وأخرج أحمد وأبو داود وصححه ابن حبان والطحاوي وسنده على شرط الشيخين من حديث عبد الرحمن بن حسنة نزلنا أرضا كثيرة الضباب الحديث وفيه أنهم طبخوا منها فقال صلى الله عليه وآله وسلم إن أمة من بني إسرائيل مسخت دواب فأخشى أن تكون هذه فأفؤها
ومثله حديث أبي سعيد المذكور في الباب
قال في الفتح والأحاديث وإن دلت على الحل تصريحا وتلويحا نصا وتقريرا فالجمع بيها وبين الحديث المذكور حمل النهي فيه على أول الحال عند تجويز أن يكون مما مسخ . وحينئذ أمر بإكفاء القدور ثم توقف فلم يأمر به ولم ينه عنه . وحمل الإذن فيه على ثاني الحال لما علم أن الممسوخ لا نسل له وبعد ذلك كان يستقذره فلا يأكله ولا يحرمه وأكل على مائدته بإذنهفدل على الإباحة . وتكون الكراهة للتنزيه في حق من يتقذره وتحمل أحاديث الإباحة على من لا يتقذره
وقد استدل على الكراهة بما أخرجه الطحاوي عن عائشة . أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ضب فلم ياكله فقام عليهم سائل فأرادت عائشة أن تعطيه فقال لها أتعطينه ما لا تأكلين
قال محمد بن الحسن دل ذلك على كراهته لنفسه ولغيره . وتعقبه الطحاوي باحتمال ان يكون ذلك من جنس ما قال الله تعالى { ولستم بآخذيه إلا أن تغمضوا فيه } ثم ساق الأحاديث الدالة على كراهة التصدق بحشف التمر وكحديث البراء كانوا يحبون الصدقة باردأ تمرهم فنزلت { أنفقوا من طيبات ما كسبتم } قال فلهذا المعنى كره لعائشة أن تصدق بالضب لا لكونه حراما . وهذا يدل على أن الطحاوي فهم عن محمد أن الكراهة فيه للتحريم . والمعروف عن أكثر الحنفية فيه كراهة التنزيه . وجنح بعضهم إلى التحريم
وقال اختلفت الأحاديث وتعذرت معرفة المتقدم فرجحنا جانب التحريم ودعوى التعذر ممنوعة بما تقدم
قوله : " في غائط مضبة " قال النووي فيه لغتان مشهورتان إحداهما فتح الميم والضاد والثانية ضم الميم وكسر الضاد والأول أشهر وأفصح . والمراد ذات ضباب كثيرة والغئط الأرض المطمئنة
قوله : " يدبون " بكسر الالدال
قوله " ولا أدري لعل هذا منها " قال القرطبي إنما كان ذلك ظنا منه من قبل أن يوحى إليه أن الله لم يجعل لمسخ نسلا فلما أوحى إليه بذلك زال التظنن وعلم أن الضب ليس مما مسخ كما في الحديث المذكوز في الباب . ومن العجيب أن ابن العربي قال أن قولهم الممسوخ لانسل له دعوى فإنه أمر لا يعرف بالفعل وإنما طريقه النقل وليس فيه أمر يعول إليه وكأنه لم يستحضره من صحيح مسلم ثم قال وعلى تقدير كون الضب ممسوخا فذلك لا يقتضي تحريم أكله لأن كونه آدميا قد زال حكمه ولم يبق له أثر أصلا وإنما كره النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأكل منه لما وقع عليه من سخط الله كما كره الشرب من مياه ثمود اه . ولا منافاة بين كونه صلى الله عليه وآله وسلم عاف الضب وبين ما ثبت أنه كان لا يعيب الطعام لأن عدم العيب إنما هو فيما صنعه الآدمي لئلا ينكسر خاطره وينسب إلى التقصير فيه وأما الذي خلق ذلك فليس نفور الطبع منه ممتنعا (8/193)
باب ما جاء في الضبع والأرنب (8/193)
1 - عن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة قال قلت لجابر " الضبع أصيد هي قال نعم قلت آكلها قال نعم قلت آكلها قال نعم قلت أقاله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . ولفظ أبي داود عن جابر " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضبع فقال هي صيد ويجعل فيه كبش إذا صاده المحرم " (8/193)
2 - وعن أنس قال " أنفجنا أرنبا بمر الظهران فسعى القوم فلغبوا وأدركتها فأخذتها فأتيت بها أبا طلحة فذبحها وبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بوركها وفخذها فقبله "
- رواه الجماعة . ولفظ أبي داود " صدت أرنبا فشويتها فبعث معي أبو طلحة بعجزها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتيته بها " (8/194)
3 - وعن أبي هريرة قال " جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأرنب قد شواها ومعها صنابها وأدمها فوضعها بين يديه فأمسك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يأكل وأمر أصحابه أن يأكلوا "
- رواه أحمد والنسائي (8/194)
4 - وعن محمد بن صفوان " أنه صاد أرنبين فذبحهما بمروتين فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمره بأكلهما "
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه (8/194)
- حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي عمارة أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وصححه أيضا البخاري وابن حبان وابن خزيمة والبيهقي وأعله ابن عبد البر بعبد الله المذكور وهو وهم فإن وثقه أبو زرعة والنسائي ولم يتكلم فيه أحد ثم أنه لم ينفرد به . وحديث أبي هريرة قال في الفتح رجاله ثقات إلا أنه اختلف فيه علي موسى بن طلحة اختلافا كثيرا . وحديث محمد بن صفوان أخرجه أيضا بقية أصحاب السنن وابن حبان والحاكم
قوله : " الضبع " هو الواحد الذكر والأنثى ضبعان ولا يقال ضبعة . ومن عجيب أمره أنه يكون سنة ذكرا وسنة أنثى فيلقح في حال الذكورة ويلد في حال الأنوثة وهو مولع بنبش القبور لشهوته للحوم بني آدم
قوله : " قال نعم " فيه دليل على جواز أكل الضبع . وإليه ذهب الشافعي وأحمد قال الشافعي ما زال الناس يأكلونها ويبيعونها بين الصفا والمروة من غير نكير ولأن العرب تستطيبه وتمدحه . وذهب الجمهور إلى التحريم واستدلوا بما تقدم في تحريم كل ذي ناب من السباع . ويجاب بأن حديث الباب خاص فيقدم على حديث كل ذي ناب واستدلوا أيضا بما أخرجه الترنذي من حديث خزيمة بن جزء قال سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضبع فقال أو يأكل الضبع أحد
وفي رواية ومن يأكل الضبع فيجاب بأن هذا الجديث ضعيف لأن في إسناده عبد الكريم بن أمية وهو متفق على ضعفه والراوي عنه إسماعيل بن مسلم وهو ضعيف قال ابن رسلان وقد قيل أن الضبع ليس لها ناب وسمعت من يذكر أن جميع أسنانها عظم واحد كصفيحة نعل الفرس فعلى هذا لا يدخل في عموم النهي اه
قوله : " ويجعل فيه كبش " فيه دليل على أن الكبش مثل الضبع
وفيه أن المعتبر في المثلية بالتقريب في الصورة لا بالقيمة ففي الضبع الكبش سواء كان مثله في القيمة أو أقل أو أكثر
قوله : " أنفجنا أرنبا " بنون ثم فاء مفتوحة وجيم ساكنة أي أثرنا . يقال نفخ لأرنب إذا ثار وأنقجته أي أثرته من موضعه ويقال الانتفاج الإقشعرار ووارتغاف الشعر وانتفاشه . والأرنب دويبة معروفة تشبه العناق ولكن في رجليها طول بخلاف يديها والأرنب اسم جنس للذكر والأنثى
قوله : " بمر الظهران " اسم موقع على مرحلة من مكة والراء من قوله بمر مشددة
قوله : " فلغبوا " بمعجمة وموحدة أي تعبوا وزنا ومعني
قوله : " صنابها " بالصاد المهملة بعدها نون
قال في القاموس الصناب ككتاب اه . وهو صبغ يتخذ من الخردل والزبيب ويؤتدم به فعلى هذا عطف أدمها عليه للتفسير . ويمكن أن يكون من عطف العام على الخاص
قوله : " بوركها " الورك بكسر الراء وبكسر الواو وسكون الراء وهما ركنان فوف الفخذين كالكتفين فوق العضدين كذا في المصباح
قوله : " وأمر أصحابه أن يأكلوا " في دليل على جواز أكل الأرنب
قال في الفتح وهو يقول العلماء كافة . إلا ما جاء في كراهتها عن عبد الله بن عمر بن العاص من الصحابة وعن عكرمة من التابعين وعن محمد بن أبي ليلى من الفقهاء
واحتجوا بحديث خزيمة بن جزء قال قلت يا رسول الله قال نبئت أنها تدمي
قال الحافظ وسنده ضعيف ولو صح لم يكن فيه دلالة على الكراهة وله شاهد عن عبد الله بن عمرو بن العاص بلفظ " جيء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يأكلها ولم ينه عنها وزعم أنها تحيض " أخرجه أبو داود وله شاهد أيضا عند إسحاق بن راهويه في مسنده وهذا يضا عند إسحاق بن راهويه في مسنده وهذا إذا صح الاحتجاج به على كراهة التنزيه لا على التحريم . والمحكى عن عبد الله بن عمر والتحريم كما شرح ابن رسلان للسنن . وحكى الرافعي عن أبي حنيفة أنه حرمها وغلطه النووي في النقل عنأبي حنيفة
وقد حكى في البحر عن العترة الكراهة يعني كراهة التنزيه وهو القول الراجح (8/195)
باب ما جاء في الجلالة (8/195)
1 - عن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شرب لبن الجلالة "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي (8/195)
2 - وفي رواية " نهى عن ركوب الجلالة "
- رواه أبو داود (8/196)
3 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أكل الجلالة وألبانها "
- رواه الخمسة إلا النسائي (8/196)
4 - وفي رواية " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الجلالة في الإبل أن يركب عليها أو يشرب من ألبانها "
- رواه أبو داود (8/196)
5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لحوم الحمر الأهلية وعن الجلالة عن ركوبها وأكل لحومها "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود (8/197)
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه أيضا ابن دقيق العيد ولفظه وعن أكل الجلالة وشرب ألبانها . وحديث ابن عمرحسنه الترمذي
وقد اختلف في حديث ابن عمر على ابن أبي نجيح فقيل عن مجاهد عنه وقيل عن مجاهدمرسلا وقيل عن مجاهد عن ابن عباس . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا الحاكم والدارقطني والبيهقي
وفي الباب عن أبي هريرة مرفوعا وفيه النهي عن الجلالة وهي التي تأكل العذرة
قال في التلخيص إسناده قوي
قوله : " عن شرب لبن الجلالة " بفتح الجيم وتشديد اللام من أبنية المبالغة وهي الحيوان الذي يأكل العذرة والجلة بفتح الجيم هي البعرة
وقال في القاموس الجلة مثلثة البعر أو البعرة اه . وتجمع على جلالات على لفظ الواحدة وجوال كدابة ودواب يقال جلت الدابة الجلة وأجلتها فهي جالة وجلالة . وسواء في الجلالة البقر والغنم والإبل وغيرها كالدجاج والإوز وغيرهما . وادعى ابن حزم أنها لا تقع إلا على ذات الأربع خاصة ثم قيل أن كان أكثر علفها النجاسة فهي جلالة وإن كان أكثر علفها الطاهر فليست جلالة وجزم به النووي في تصحيح التنبيه
وقال في الروضة تبعا للرفاعي الصحيح أنه لا اعتداد بالكثرة بل بالرائحة والنتن فإن تغير ريح مرقها أو لحمها أو طعمها أو لونها فهي جلالة . والنهي حقيقة في التحريم . فأحاديث الباب ظاهرها تحريم أكل لحم الجلالة وشرب لبنها وركوبها
وقد ذهبت الشافعية إلى تحريم أكل الجلالة . وحكاه في البحر عن الثوري وأحمد بن حنبل
وقيل يكره فقط كما في اللحم المذكى إذا أنتن
قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام لو غذى شاة عشر سنين بأكل حرام لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره . وهذا أحد احتمالي البغوي ولإذا قلنا بالتحريم أو الكراهة فإن علفت طاهرا فطاب لحمها حل لأن علة النهي التغير وقد زالت
قال ابن رسلان ونقل الإمام فيه الاتفاق قال الخطابي كرهه أحمد وأصحاب الرأي والشافعي وقالوا لا تؤكل حتى تحبس أيامنا
وفي حديث أن البقر تعلف أربعين يوما ثم يؤكل لحمها . وكان ابن عمر يحبس الدجاجة ثلاثا ولم ير بأكلها بأسا مالك من دون حبس اه
قال ابن رسلان في شرح السنن وليس للحبس مدة مقدرة . وعن بعضهم في الإبل والبقر أربعين يوما وفي الغنم سبعة أيام وفي الدجاج ثلاثة . واختاره في المهذب والتحرير
قال الإمام المهدي في البحر فإن لم تحبس وجب غسل أمعائها مالم يستحل ما فيه استحالة تامة
قوله : " نهى عن ركوب الجلالة " على النهي أن تعرق فتلوث ما عليها بعرقها وهذا ما لم تحبس فإذا حبست جاز ركوبها عند الجميع كذا في شرح السنن
وقد اختلف في طهارة لبن الجلالة فالجمهور على الطهارة لأن النجاسة تستحيل في باطنها فيطهر بالاستحالة كالدم يستحيل في أعضاء الحيوانات لحما ويصير لبنا (8/197)
باب ما استفيد تحريمه من الأمر بقتله أو النهي عن قتله (8/197)
1 - عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس فواسق يقتلن في الحل والحرام الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي (8/198)
2 - وعن سعد بن أبي وقاص " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الوزغ وسماه فويسقا "
- رواه أحمد ومسلم وللبخاري منه الأمر بقتله (8/198)
3 - وعن أم شريك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الوزغ "
- متفق عليه زاد البخاري قال وكان ينفخ على إبراهيم عليه السلام (8/198)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قتل وزغا في أول ضربة كتب له مائة حسنة وفي الثانية دون ذلك وفي الثالثة دون ذلك "
- رواه أحمد ومسلم ولبن ماجه والترمذي معناه (8/199)
5 - وعن ابن عل \ باس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل أربع من الدواب النملة والنحلة والهدهد والصرد "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (8/199)
6 - وعن عبد الرحمن بن عثمان قال " ذكر طبيب عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دواء وذكر الضفدع يجعل فيه فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الضفدع "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (8/199)
7 - وعن أبي لبابة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن قتل الجنان التي تكون في البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنهما اللذان يخطفان البصر ويتبعان ما في بطون النساء "
- متفق عليه (8/200)
8 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لبيوتكم عمار فحرجوا عليهن ثلاثا فإن بدا لكم بعد ذلك شيء فاقتلوه "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي
وفي لفظ لمسلم " ثلاثة أيام " (8/200)
- حديث ابن عباس قال الحافظ رجاله رجال الصحيح
وقال البيهقي هو أقوى ما ورد في هذا الباب . ثم رواه من حديث سهل بن سعد وزاد فيه والضفدع
وفيه عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد وهو ضعيف . وحديث عبد الرحم بن عثمان أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي قال البيهقي ما ورد في النهى ( 1 ) [ هكذا الأصل المطبوع ولعل فيه سقطا تقديره ما ورد في النهي عن الضفدع من الأحاديث ضعيف والله أعلم ] وروى البيهقي من حديث أبي هريرة النهي عن قتل الصرد والضفدع والنملة والهدهد وفي إسناده إبراهيم بن الفضل وهو متروك
وروى البيهقي أيضا من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص موقوفا لا تقتلوا الضفادع فإن نقيقها تسبيح ولا تقتلوا الخفاش فإنه لما خرب بيت المقدس قال يا رب سلطني على البحر حتى أغرقهم
قال البيهقي إسناده صحيح
قال الحافظ وإن كان إسناده صحيحا لكن عبد الله بن عمرو كان يأخذ عن الإسرائيليات . ومن جملة ما نهى عن قتله الخطاف . أخرج أبو داود في المراسيل من طريق عباد بن إسحاق عن أبيه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتل الخطاطيف " ورواه البيهقي معضلا أيضا من طريق ابن أبي الحويرث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عباس وفيه الأمر بقتل العنكبوت
وفيع عمرو بن جميع وهو كذاب
وقال البيهقي روى فيه حديث مسند وفيه حمزة النصيبي وكان يرمي بالوضع . ومن ذلك الرخمة أخرج ابن عدي والبيهقي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل الرخمة
وفي إسناده خارجة بن مصعب وهو ضعيف جدا ومن ذلك العصفور أخرج الشافعي وأبو داود والحاكم من حديث عبد الله بن عمر وقال صحيح الإسناد مرفوعا " ما من إنسان يقتل عصفورا فما فوقها بغير حقا إلا سأل الله عنها قال يا رسول الله وما حقها قال يذبحها ويأكلها ولا يقطع رأسها ويطرحها " وأعله ابن قطان بصهيب مولى ابن عباس الراوي عن عبد الله فقال لا يعرف حاله . ورواه الشافعي وأحمد والنسائي وابن حبان عن عمرو بن الشريد عن أبيه مرفوعا " من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله به يوم القيامة يقول يا رب أن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة " قوله " خمس فواسق " الخ هذا الحديث قد تقدم الكلام عليه في كتاب الحج
قوله " أمر بقتل الوزغ " قال أهل اللغة هي من الحشرات المؤذيات وجمعه أوزاغ وسام أبرص جنس منه وهو كباره وتسميته فويسقا كتسمية الخمس فواسق وأصل الفسق الخروج والوزغ والخمس المذكور خرجت عن خلق معظم الحشرات ونحوها بزيادة الضر والأذى
قوله : " وكان ينفخ على إبراهيم " أي في النار وذلك لما جبل عليه طبعها من عداوة نوع الأنسان
قوله : " في أول ضربة كتب له مائة حسنة " في رواية أخرى سبعون قال النووي مفهوم العدد لا يعمل به عند جمهور الأصوليين فذكر سبعين لا يمنع المائة فلا معارضة بينهما ويحتمل أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر بالسبعين ثم تصدق الله بالزيادة إلى الماءة فأعلم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين أوحى إليه بعد ذلك . ويحتمل أن ذلك يختلف باختلاف قاتل الوزغ بحسب نياتهم وإخلاصهم وكمال أحوالهم ونقصها لتكون المائة للكامل منهم والسبعون لغيره
وأما سبب تكثير الثواب في قتله بأول ضربة ثم ما يليها فالمقصود به الحث على المبادرة بقتله والاعتناء به وتحريض قاتله على أن يقتله بأول ضربة فإنه إذا أراد أن يضربه ضربات ربما انفلت وفات قتله
قوله : " والصرد " هو طائر فوق العصفور . وأجاز مالك أكله
وقال ابن العربي إنما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن قتله لأن العرب كانت تشاءم به فنهى عن قتله ليزول ما في قلوبهم من اعتقاد التشاؤم
وفي قول للشافعي مثل مالك لأنه أوجب فيه الجزاء على المحرم إذا قتله
وأما النمل فلعله إجماع على المنع من قتله
قال الخطابي إن النهي الوارد في قتل النمل المراد به السليماني أي لانتفاء الأذى منه دون الصغير وكذا في شرح السنة
وأما النحلة فقد روى إباحة أكلها عن بعض السلف
وأما الهدهد فقد روى أيضا حل أكله وهو مأخوذ من قول الشافعي أنه يلزم في قتله الفدية
قوله : " فنهى عن قتل الضفدع " فيه دليل على تحريم أكلها بعد تسليم أن النهي عن القتل يستلزم تحريم الأكل
قال في القاموس الضفدع كزبرج وجندب ودرهم وهذا أقل أو مردود دابة نهرية
قوله : " ينهى عن قتل الجنان " هو بجيم مكسورة ونون مشددة وهي الحيات جمع جان وهي الحية الصغيرة
وقيل الدقيقة الخفيفة
وقيل الدقيقة البيضاء
قوله " إلا الأبتر " هو قصير الذنب
وقال النضر بن شميل هو صنف من الحيات أزرق مقطوع الذنب لا تنظر إليه حامل إلا ألقت ما في بطنها . وهو المراد من قوله " يتبعان ما في بطون النساء " أي يسقطان قوله " وذا الطفيتين " هو بضم الطاء المهملة وإسكان الفاء وهما الخطان الأبيضان على ظهر الحية وأصل الطفية خوصة المقل وجمعها طفي شبه الخطين على ظهرها نحو صتي المقل
قوله : " يخطفان البصر " أي يطمسانه بمجرد نظرهما إليه لخاصية جعلها الله تعالى في بصرهما إذا وقع على بصر الإنسان
قال النووي قال العلماء وفي الحيات نوع يسمى الناظر إذا وقع بصره على عين إنسان مات من ساعته
قوله : " فحرجوا عليهن ثلاثا " بحاء مهملة ثم راء مشددة ثم جيم والمراد به الإنذار
قال المازري والقاضي لا تقتلوا حيات مدينة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بإنذار كما جاء في هذه الأحاديث فإذا أنذرها ولم تنصرف قتلها وأما حيات غير المدينة في جميع الأرض والبيوت والدور فيندب قتلها من غير إنذار لعموم الأحاديث الصحيحة في الأمر بقتلها ففي الصحيح بلفظ " اقتلوا الحيات " ومن ذلك حديث الخمس الفواسق المذكورة في أول الباب
وفي حديث الحية الخارجة بمنى أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتلها ولم يذكر إنذارا ولا نقل أنهم أنذروها فأخذ بهذه الحاديث في استحباب قتل الحيات مطلقا وخصت المدينة بالإنذار للحديث الوارد فيها وسببه ما صرح به في صحيح مسلم وغيره أنه أسلم طائفة من الجن بها وذهبت طائفة من العلماء إلى عموم النهي في حيات البيوت بكل بلد حتى تنذر
وأما ما ليس في البيوت فيقتل من غير إنذار قال مالك يقتل ما وجد منها في المساجد قال القاضي وقال بعض العلماء الأمر بقتل الحيات مطلقا مخصوص بالنهي عن حيات البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين فإنه يقتل على كل حال سواء كان في البيوت أم غيرها وإلا ما ظهر منها بعد الإنذار قالوا ويخص من النهي عن قتل حيات البيوت إلا الأبتر وذا الطفيتين اه وهذا هو الذي يقتضيه العمل الصولي في مثل أحاديث الباب فالمصير إليه أرجح
وأما صفة الاستئذان فقال القاضي روى ابن حبيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه يقول أنشدكن بالعهد الذي أخذه عليكن سليمان بن داود أن تؤذننا وإن تظهرن لنا وقال مالك يكفيه أن يقول أحرج عليك بالله واليوم الآخر أن تبدو لنا ولا تؤذننا ولعل مالكا أخذ لفظ التحريج من لفظ الحديث المذكور . وتبويب الكصنف في هذا الباب فيه إشارة إلى أن الأمر بالقتل والنهي عنه من أصول التحريم
قال المهدي في البحر أصول التحريم أما نص الكتاب أو السنة أو الأمر بقتله كالخمسة وما ضر من غيرها فمقيس عليها أو النهي عن قتله كالهدهد والخطاف والنحلة والوزغ والحرباء والجعلان وكالذباب والبعوض والزنبور والقمل والكتان والنامس والبق والبرغوث لقوله تعالى { يحرم عليهم الخبائث } وهي مستخبثة عندهم والقرآن نزل بلغتهم فكان استخباثهم طريق تحريم فإن استخبثه البعض اعتبر الأكثر والعبرة باستطابة هل السعة لا ذوي الفاقة اه . والحاصل أن الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة المذكورة في أول الكتاب وغيرها قد دلت على أن الأصل الحل وأن التحريم لا يثبت إلا إذا ثبت الناقل عن الأصل النعلوم وهو أحد الأمور المذكورة فما لم يرد فيه ناقل صحيح فالحكم بحله هو الحق كائنا ما كان وكذلك إذا حصل التردد فالمتوجه الحكم بالحل لأن الناقل غير موجود مع التردد ومما يؤيد أصالة الحل بالأدلة الخاصة استصحاب البراءة الأصلية (8/200)
[ تتمة كتاب الأطعمة والصيد والذبائح ] (9/1)
أبواب الصيد (9/1)
باب ما يجوز فيه اقتناء الكلب وقتل الكلب الأسود البهيم (9/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اتخذ كلبا إلا كلب صيد أو زرع أو ماشية انتقص من أجره كل يوم قيراط "
- رواه الجماعة (9/2)
2 - وعن سفيان بن أبي زهير قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من اقتنى كلبا لا يغنى عنه زرعا ولا ضرعا نقص من عمله كل يوم قيراط "
- متفق عليه (9/2)
3 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل الكلاب إلا كلب صيد أو كلب ماشية "
- رواه مسلم والنسائي وابن ماجه والترمذي وصححه (9/2)
4 - وعن عبد الله بن المغفل قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها فاقتلوا منها الأسود البهيم "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (9/3)
5 - وعن جابر قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل كل الكلاب حتى أن المرأة تقدم من البادية بكلبها فنقتله ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتلها وقال عليكم بالأسود البهيم ذي النقطتين فإنه شيطان "
- رواه أحمد ومسلم (9/3)
- قوله " أو زرع " زيادة الزرع أنكرها ابن عمر كما في صحيح مسلم أنه قيل لبن عمر أن أبا هريرة يقول أو كلب زرع فقال ابن عمر إن لأبي هريرة زرعا ويقال إن ابن عمر أراد بذلك أن سبب حفظ أبي هريرة لهذه الرواية أنه صاحب زرع دونه زمن كان مشتغلا بشيء احتاج إلى تعرف أحكامه وهذا هو الذي ينبغي حمل الكلام عليه
وفي صحيح مسلم أيضا قال سالم وكان أبو هريرة يقول أو كلب حرث وكان صاحب الجرث
وقد وافق أبو هريرة على ذكر الزرع سفيان بن أبي زهير وعبد الله بن المغفل
قوله : " أو ماشية " أو للتنويع لا للتردد وهو ما يتخذ من الكلاب لحفظ الماشية عند رعيها . والمراد بقوله ولا ضرعا الماشية أيضا
قوله : " وقال عليكم بالأسود البهيم " أي الخالص السواد والنقتطان هما الكائنتان فوق العينين
قال ابن عبد البر في هذه الأحاديث إباحة اتخاذ الكلب للصيد والماشية وكذلك للزرع لأنها زيادة حافظة وكراهة اتخاذها لغير ذلك إلا أنه يدخل في معنى الصيد وغيره مما ذكر إتخاذها لجلب المنافع ودفع المضار قياسا فتمحض كراهة اتخاذها لغير حاجة لما فيه من ترويع الناس وامتناع دخول الملائكة إلى البيت الذي الكلاب فيهز والمراد بقوله " نقص من عمله " أي من أجر عمله
وقد استدل بهذا على جواز اتخاذها لغير ما ذكر وأنه ليس بمحرم لأن ما كان اتخاذه محرما امتنع اتخاذه على جواز اتخاذها لغير ما ذكر وأنه ليس بمحرم لأن ما كان اتخاذه محرما امتنع اتخاذه على كل حال سواء نقص الأجر أم لا . فدل ذلك على أن اتخاذها مكروه لا حرام
قال ابن عبد البر أيضا ووجه الحديث عندي أن المعاني المتعبد بها في الكلاب من غسل الإناء سبعا لا يكاد يقوم بها المكلف ولا يتحفظ منها فربما دخل عليه باتخاذها ما ينقص أجره من ذلك
وروى أن المنصور بالله سال عمرو بن عبيد عن سبب هذا الحديث فلم يعرفه فقال المنصور لأنه ينبح الضيف ويروع السائل اه
قال في الفتح وما أدعاه من عدم التحريم واستدل له بما ذكره ليس يلازم بل يحتمل أن تكون العقوبة تقع بعدم التوفيق للعمل بمقدار قيراط مما كان يعمله من الخير لو لم يتخذ كلبا ويحتمل أن يكون الإتخاذ حراما . والمراد بالنقص إذا الإثم الحاصل باتخاذه يوازن قدر قيراط أو قيراطين من أجر فينتقص من ثواب عمل المتخذ قدره ما يترتب عليه من الإثم باتخاذه وهو قيراط أو قيراطان
وقيل سبب النقصان امتناع الملائكة من دخول بيته أو ما يلحق المارين من الأذى أو لأن بعضها شياطين أو عقوبة لمخالفة النهي أو لو لوغها في الأواني عند غفلة صاحبها فربما ينجس الطاهر منها فإذا استعمل في العبادة لم يقع موقع الطاهر
وقال ابن التين المراد أنه لو لم يتخذه لكان عمله كاملا فإذا اقتناه نقص من ذلك العمل ولا يجوز أن ينقص من عمل مضي وإنما أراد أنه ليس في الكمال كعمل من لم يتخذ اه
قال في الفتح وما ادعاه من عدم الجواز منازع فيه . فقد حكى الروياني في البحر اختلافا في الأجر هل ينقص من العمل الماضي أو المستقبل وفي محل نقصان القيراطين خلاف : فقيل من عمل النهار قيراط ومن عمل الليل آخر
وقيل من الفرض قيراط ومن النفل آخر . واخختلفوا في اختلاف الروايتين في القيراطين كما في صحيح البخاري والقيراط كما في أحاديث الباب . فقيل الحكم للزائد لكونه حفظ ما لم يحفظ الآخر أو أنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أولا بنقص قيراط واحد فسمعه الراوي الأول ثم أخبر ثانيا بنقص قيراطين زيادة في التأكيد والتنفير من ذلك فسمع الراوي الثاني
وقيل ينزل على حالين فنقص القيراطين باعتبار كثرة الأضرار باتخاذها ونقص القيراط باعتبار قلته
وقيل يختص نقص القيراطين بمن اتخذها بالمدينة الشريفة خاصة والقيراط بما عداها
وقيل غير ذلك واختلف في القيراطين المذكورين هنا هل هما كالقيراطين المذكورين في الصلاة على الجنازة واتباعها فقيل بالتسوية
وقيل اللذان في الجنازة من باب الفضل واللذان هنا من باب العقوبة وباب الفضل أوسع من غيره والأصح عند الشافعية إباحة اتخاذ الكلب لحفظ الدروب الحاقا للمنصوص بما في معناه كما أشار إليه ابن عبد البر واتفقوا على أن المأذون في اتخاذه ما لم يحصل الاتفاق على قتله وهو الكلب العقور
وأما غير العقور فقد اختلف هل يجوز قتله مطلقا أم لا واستدل ( بأحاديث الباب ) على طهارة الكلب المأذون باتخاذه لأن في ملابسته مع الاحتراز عنه مشقة شديدة فالإذن باتخاذه إذن بمكملات مقصود كما أن المنع من اتخاذه مناسب للمنع منه وهو استدلال قوي كما قال الحافظ لا يعارضه إلا عموم الخبر في الأمر بغسل ما لوغ فيه الكلب من غير تفصيل وتخصيص العموم غير مستنكر إذا سوغه الدليل (9/3)
باب ما جاء في صيد الكلب المعلم والبازي ونحوهما (9/4)
1 - عن أبي ثعلبة الخشني قال " قلت يا رسول الله أنا بأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي المعلم وبكلبي الذي ليس بمعلم فما يصلح لي فقال ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل " (9/4)
2 - وعن عدي بن حاتم قال " قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أرسل الكلاب المعلمة فيمسكن علي واذكر اسم الله قال إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله علي فكل ما أمسك عليك قلت وإن قتلن قال وإن قتلن ما لم ما لم يشركها كلب ليس معها قلت له فإني أرمي بالمعراض الصيد فأصيد قال إذا رميت بالمعراض فخزق فكله وإن أصابه بعرضه فلا تأكله "
وفي رواية " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أرسلت كلبك فاذكر اسم الله فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله فإن أخذ الكلب ذكاة "
- متفق عليهن . وهو دليل على الإباحة سواء قتله الكلب جرحا أو خنقا (9/4)
3 - وعن عدي بن حاتم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك قلت وإن قتل قال ولإن قتل ولم يأكل منه شيئا فإنما أمسكه عليك "
- رواه أحمد وأبو داود (9/5)
- حديث عدي بن حاتم الآخر أخرجه أيضا البيهقي وهو من رواية مجالد عن الشعبي عنه قال البيهقي تفرد مجالد بذكر الباز فيه وخالف الحفاظ
قوله : " ما صدت بقوسك " سيأتي الكلام عن الصيد بالقوس
قوله : " وما صدت بكلبك المعلم " المراد بالمعلم الذي إذا أغراه صاحبه على الصيد طلبه وإذا زجره أنزجر وإذا أخذ الصيد حبسه على صاحبه وفي اشتراط الثالث خلاف . واختلف متى يعلم ذلك منها فقال البغوي في التهذيب أقله ثلاث مرات وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين
وقال الرافعي لا تقدير لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف
قوله : " فذكرت اسم الله عليه " فيه اشتراط التسمية وسيأتي الكلام عليه . ( وأحاديث الباب ) تدل على إباحة الصيد بالكلاب المعلمة وإليه ذهب الجمهور من غير تقييد واستثنى أحمد وإسحاق الأسود وقالا لا يحل الصيد به لأنه شيطان . ونقل عن الحسن وإبراهيم وقتادة نحو ذلك
قوله : " فكل ما أمسك عليك " فيه جواز أكل ما أمسكه الكلب بالشروط المذكورة في الأحاديث وهو مجمع عليه
قوله : " ما لم يشركها كلب ليس معها " فيه دليل على أنه لا يحل أكل ما يشاركه كلب آخر في اصطياده ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل ثم ينظر فإن كان أرسلهما معا فهو لهما وإلا فللأول ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله " فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره " فإنه يفهم منه أن المرسل لو سمي على الكلب لحل ووقع في رواية بيان عن الشعبي وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل فيؤخذ منه أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاه حل لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على إمساك الكلب ويؤيده ما في حديث الباب وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل
قوله : " بالمعراض " بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة
قال الخليل وتبعه جماعة هو سهم لا ريش له ولا نصل
وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده هو سهم طويل له أربه قذذ رقاق فإذا رمي به اعترض
وقال الخطابي المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة وقيل عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وقيل خشبة ثقيلة آخرها عصاة محدد رأسها وقد لا يحدد وقوى هذا الأخير النووي تبعا لعياض
وقال القرطبي أنه المشهور وقال ابن التين المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي بها الصائد فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل وما أصاب بغير حده فهو وقيذ
قوله : " فخزق " بفتح الخاء المعجمة والزاي بعدها قاف أي نفذ يقال سهم خازق أي نافذ ويقال بالسين المهملة بدل الزاي وقيل الخزق بالزاي زقدج تبدل سينا الخدش
قال في الفتح وحاصله أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد حل وكانت تلك ذكاته وإذا أصاب بعرضه لم يحل لأنه في معتى الخشبة الثقيلة أو الحكر ونحو ذلك من المثقل
قوله : " بعرضه " بفتح العين المهملة أي بغير طرفه المحدد وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور وعن الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام يحل مطلقا وسيأتي لهذا زيادة بسط إن شاء الله
قوله : " ولم يأكل منه " فيه دليل على تحريم ما أكل منه الكلب من الصيد ولو كان الكلب معلما وقد علل في الحديث بالخوف من أنه إنما أمسك على نفسه وهذا قول الجمهور وقال مالك وهو قول الشافعي في القديم ونقل عن بعض الصحابة أنه يحل
واحتجوا بما ورد في حديث عمر و بن شعيب عن أبيه عن جده " إن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فأفتني في صيدها فقال كل مما أمسك عليك وإن أكل منه " أخرجه أبو داود قال الحافظ ولا بأس بإسناده وسيأتي هذا الحديث في الباب الذي بعد هذا
وقال سلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا منها للقائلين بالتحريم . الأولي حمل حديث الأعرابي على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه والثانية الترجيح . فرواية عدي في الصحيحين ورواية الأعرابي في غير الصحيحين ومختلف في تضعيفها وأيضا فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل ولطاهر القرآن أيضا وهو قوله تعالى { فكلوا مما أمسكن عليكم } فإن مقتضاه أن الذي تمسكه من غير إرسال لا يباح ويتقوى أيضا بالشواهد من حديث ابن عباس عند أحمد " إذا أرسلت الكلب فأكل الصيد فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه فإذا أرسلته فقتله ولم يأكل فكل فإنما أمسك على صاحبه " وأخرجه البزار من وجه آخر على ابن عباس وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع نحوه بمعناه ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما أحتيج إلى زيادة عليكم في الآية وأما القائلون بالإباحة فحملوا حديث عدي على كراهة التنزيه . وحديث الأعرابي على بيان الجواز قال بعضهم ومناسبة ذلك أن عديا كان موسرا فاختير له الحمل على الأولي بخلاف أبي ثعلبة فإنه كان بعكسه ولا يخفى ضعف هذا التمسك مع التصريح بالتعليل في الحديث لخوف الإمساك على نفسه
وقال ابن التين قال بعض أصحابنا هو عام فيحمل على الذي أدركه ميتا من شدة العدو أو من الصدمة فأكل منه لآنه صار على صفة لا يتعلق بها الإرسال والإمساك على صاحبه
قال ويحتمل أن يكون معنى قوله قان أكل فلا تأكل إن لا يوجد منه غير الأكل دون إرسال الصائد له وتكون هذه الجملة مقطوعة عما قبلها ولا يخفى تتعسف هذا وبعده وقال ابن القصار مجرد إرسالنا الكلب إمساك علينا لأن الكلب لا نية له وإنما يتصيد بالتعلم فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا أو على نفسه واختلف الحكم في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية وهو مرسله فإذا أرسله فقد أمسك عليه وإذا لم يرسله فلم يمسك عليه كذا قال ولا يخفى بعده ومصادمته لسياق الحديث
وقد قال الجمهور إن معنى قوله أمسكن عليكم صدن لكم وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه لالصاحبه فلا يعدل عن ذلك وقد وقع في رواية لبن أبي شيبة إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلم ما علمته وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله دجل على أنه ليس يعلم التعليم المشترط وسلك بعض المالكية الترجيح فقال هذه القطعة ذكرها الشعبي ولم يذكرها همام وعارضها حديث الأعرابي المعروف بأبي ثعلبة
قال الحافظ وهذا ترجيح مردود لما تقدم وتمسك بعضهم بأن الإجماع على جواز أكله إذا أخذه الكلب بفيه وهم بأكله فأدركه قبل أن يأكل منه يدل على أنه يحل ما أكل منه لآن تناوله بفيه وشروعه في أكله مثل الأكل في أن كل واحد منهما يدل على أنه إنما أمسكه على نفسه
قوله : " فإن أخذ الكلب ذكاة " فيه دليل على أن إمساك الكلب للصيد بمنزلة التذكية إذا لم يدركه الصائد إلا بعد الموت لا إذا أدركه قبل الموت فالتذكية واجبة لقوله في الحديث فإن أدركته حيا فاذبحه
قوله : " فكل ما أمسك عليك " استدل به على أنه لو أرسل كلبه على صيد فاصطاد غيره حل للعموم الذي في قوله " ما أمسك عليك " وهذا قول الجمهور وقال مالك لا يحل وهو رواية البويطي عن الشافعي (9/5)
باب ما جاء فيما إذا أكل الكلب من الصيد (9/5)
1 - عن عدي بن حاتم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه "
- متفق عليه (9/6)
2 - وعن إبراهيم عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أرسلت الكلب فأكل من الصيد فلا تأكل فإنما أمسكه على نفسه فإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل فإنما أمسكه على صاحبه "
- رواه أحمد (9/6)
3 - وعن أبي ثعلبة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صيد الكلب إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه وكل ما ردت عليك يدك "
- رواه أبو داود (9/6)
4 - وعن عبد الله بن عمرو " أن أبا ثعلبة الخشني قال يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة فافتني في صيدها قال إن كانت لك كلاب مكلبة فكل مما أمسكت عليك فقال يا رسول الله ذكي وغير ذكي قال ذكي وغير ذكي قال وإن أكل منه قال يا رسول الله أفتني في قوسي قال كل مما أمسك عليك قوسك قال ذكي وغير ذكي قال ذكي وغير ذكي قال ف'ن تغيب عني قال وإن تغيب عنك ما لم يصل يعني يتغير أو تجد فيه أثر غير سهمك "
- رواه أحمد وأبو داود (9/7)
- حديث ابن عباس قد تقدم في الباب الذي قبل هذا ذكر طرقه وما يشهد له . وحديث أبي ثعلبة الأول قد تقدم أن الحافظ قال لا بأس بإسناده انتهى
وفي إسناده داود بن عمر والأودي الدمشقي عامل واسط قال أحمد بن عبد الله العجلي ليس بالقوي وقال أبو زرعة الرازي هو شيخ وقال يحيى بن معين ثقة وقال أبو زرعة لا بأس به
وقال ابن عدي لا أرى برواياته بأسا قال ابن كثير وقد طعن في حديث أبي ثعلبة وأجيب بأنه صحيح لا شك فيه على أنه قد روى الثوري عن سماك بن حرب عن عدي عنه صلى الله عليه وآله وسلم مثل حديث أبي ثعلبة إذا كان الكلب ضاريا وروى عبد الملك بن حبيب حدثنا اسد بن موسى عم أبي زائدة عن الشعبي عن عدي بمثله فوجب حمل حديث عدي يعني على نحو ما تقدم في حديث الباب الأول . وحديث أبي ثعلبة الثاني أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وأعله البيهقي وقد تقدم الكلام على حديث ابن عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده
قوله : " إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل " قد تقدم البحث عن هذا وما عارضه من حديث أبي ثعلبة المذكور مبسوطا في الباب الذي قبل هذا فليرجع إليه
قوله : " وكل ما ردت عليه يدك " أي كل كل ما صدته بيدك لا بشيء من الجوارح ونحوها قوله " كلابا مكلبة " يحتمل أن يكون مشتقا من الكلب بسكون اللام اسم العين فيكون حجة لمن خص ما صاده الكلب بالحل لإذا وجد ميتا دون ما عداه من الوارح كما قيل في قوله تعالى { مكلبين } ويحتمل أن يكون مشتقا من الكلب بفتح العين وهو مصدر بمعنى التكليب وهو التضرية ويقوي هذا عموم قوله من الجوارح مكلبين فإن الجوارح المراد بها الكواسب على أهلها وهو عام
قوله : " ذكي وغير ذكي " فيه دليل على أنه يحل ما وجد ميتا من صيد الكلاب المعلمة فيما عداه من السباع كالفهد والنمر وغيرهما وكذلك الطيور فذهب مالك إلى أنها مثل الكلاب وحكاه ابن شعبان عن فقهاء الأمصار وهو مروي عن ابن عباس وقال جماعة ومنهم مجاهد لا يحل ما صادوه غير الكلب إلا بشرط إدراك ذكاته وبعضهم خص البازي بحل ما قتله لحديث ابن عباس المتقدم في الباب الأول
قوله : " وأن تغيب عنك " سيأتي الكلام عليه
قوله : " ما لم يصل " بفتح حرف المضارعة وكسر الصاد المهملة وتشديد اللام أي يتغير
قوله : " أو تجد فيه أثر غير سهمك " سيأتي أيضا الكلام عليه إن شاء الله تعالى (9/7)
باب وجوب التسمية (9/7)
1 - عن عدي بن حاتم قال " قلت يا رسول الله إني أرسل كلبي وأسمي قال إن أرسلت كلبك وسميت فأخذ فقتل فكل وإن أكل منه فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه قلت إني أرسل كلبي أجد معه كلبا آخر لا أدري أيهما أخذه قال فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره " (9/8)
2 - وفي رواية " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أرسلت كلبك فاذكر ايم الله فإن وجدت معه كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله "
- متفق عليهما وهو دليل على أنه إذا أوحاه أحدهما وعلم بعينه فالحكم له لأنه قد علم أنه قاتله (9/8)
- قوله " وسميت " استدل به على مشروعية التسمية وهو مجمع على ذلك إنما الخلاف في كونها شرطا في حل الأكل فذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد وإليه ذهبت القاسمية والناصر والثوري والحسن بن صالح إلى أنها شرط وذهب ابن عباس وأبو هريرة وطاوس والشافعي وهو مروى عن مالك وأحمد إلى أنها سنة فمن تركها عندهم عمدا أو سهوا لم يقدح في حل الأكل . ومن أدلة القائلين بأن التسمية شرط قوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } فهذه الآية فيها النهي عن أكل ما لم يسم عليه
وفي حديث الباب إيقاف الإذن في الأكل عليها والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم والشرط أقوى من الوصف ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة وما أذن فيه منها تراعي صفته فالمسمى عليها وافق الوصف وغير المسمى باق على أصل التحريم واختلفوا إذا تركها ناسيا فعند أبي حنيفة ومالك والثوري وجماهير العلماء ومنهم القاسمية والناصر أن الشرطية إنما هي في حق الذاكرة فيجوز أكل ما تركت التسمية عليه سهوا لا عمدا وذهب داود والشعبي وهو مروى عن مالك وأبي ثور أنها شرط مطلق لأن الأدلة لم تفصل واختلف الأولون في العمد هل يحرم الصيد ونحوه أم يكره فعند الحنفية يحرم . وعند الشافعية في العمد ثلاثة أوجه أصحها يكره الأكل وقيل خلاف الأولي وقيل يأثم بالترك ولا يحرم الأكل والمشهور عن أحمد التفرقة بين الصيد والذبيحة فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث . وحجة القائلين بعدم وجوب التسمية مطلقا ما سيأتي في باب الذبح إن شاء الله تعالى
قوله : " فإن وجدت مع كلبك " الخ فيه دليل على أن من وجد الصيد ميتا ومع كلبه كلب آخر وحصل اللبس عليه أيهما القاتل أنه لا يحل الصيد لأنه لم يسم إلا على كلبه بخلاف ما لو وجده حيا فإنه يذكيه ويحل أكله بالتذكية . وسيأتي الخلاف في الصيد إذا غاب وسبب الاختلاف حصول اللبس المذكور هنا
قوله : " على أنه أوحاه " بالحاء المهملة بمعنى أنها إلى حركة المذبوح وليس لأوجاه بالجيم هنا معنى (9/8)
باب الصيد بالقوس وحكم الرمية إذا غابت أو وقعت في الماء (9/9)
1 - عن عدي قال " قلت يا رسول الله إنا قومي نرمي فما يحل لنا قال يحل لكم ما ذكيتم وما ذكرتم اسم الله عليه وخزقتكم فكلوا منه "
- رواه أحمد وهو دليل على أن ما قتله السهم بثقله لا يحل (9/9)
2 - وعن أبي ثعلبة الخشني " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا رميت سهمك فغاب ثلاثة أيام وأدركته فكله ما لم ينتن "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (9/9)
3 - وعن عدي بن حاتم قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الصيد قال إذا رميت سهمك فاذكر اسم الله فإن وجدته قل قتل فكل إلا أن تجده قد وقع في ماء فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك "
- متفق عليه وهو دليل على أن السهم إذا أوحاه أبيح لأنه قد علم أن سهمه قتله (9/10)
4 - وعن عدي " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل إن شئت وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل "
- رواه مسلم والنسائي وفي رواية أنه قال " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنا نرمي الصيد فنقتفي أثره اليومين والثلاثة ثم تجده ميتا وفيه سهمه قال يأكل إن شاء " . رواه البخاري (9/10)
5 - وفي رواية قال " يالت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قلت إن أرضنا أرضيد فيرمي أحدنا الصيد فيغيب عنه ليلة أو ليلتين فيجده وفيه سهمه قال إذا وجدت سهمك ولم تجد فيه أثر غيره وعلمت أن سهمك قتله فكله "
- رواه أحمد والنسائي (9/10)
6 - وفي رواية قال قلت " يا رسول الله أرمي الصيد فأجد فيه سهمي من الغد قال إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل "
- رواه الترمذي وصححه (9/11)
- حديث عدي الأول له طرق هذه أحدها وقد تقدم بعضها والرواية الأخرى من حديث عدي أخرجها أيضا أبو داود
قوله : " يحل لكم ما ذكيتم وما ذكرتم اسم الله عليه " فيه دليل على أن التسمية واجبة لتعليق الحل عليها وقد تقدم الخلاف في ذلك وسيأتي له مزيد
قوله : " فكله ما لم ينتن " جعل الغاية أن ينتن الصيد فلو وجده في دونها مثلا بعد ثلاث ولم ينتن حل فلو وجده دونها وقد أنتن فلا هذا ظاهر الحديث . وأجاب النووي بأن النهي عن أكله إذا أنتن للتنزيه وظاهر الحديث التحريم ولكنه سيأتي في باب ما جاء في السمك أن الجيش أكلوا من الحوت التي القاها البحر نصف شهر وأهدوا عند قدومهم للنبي صلى الله عليه وآله وسلم منه فأكله واللحم لا يبقى في الغالب مثل هذه المدة بلا نتن لا سيما في الحجاز مع شدة الحر فلعل هذا الحديث هو الذي استدل به النووي على كراهة التنزيه ولكنه يحتمل أن يكونوا ملحوه وقددوه فلم يدخله النتن
وقد حرمت المالكية المنتن مطلقا وهو الظاهر
قوله : " إلا أن تجده وقع في ماء " وجهه أنه يحصل حينئذ التردد هل قتله السهم أو الغرق في الماء فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم حل أكله
قال النووي في شرح مسلم إذا وجد الصيد في الماء غريقا حرم بالاتفاق انتهى
وقد صرح الرافعي بأن محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح فإن انتهى إليها كقطع الحلقوم مثلا فقد تمت ذكاته ويؤيده ما قاله بعد ذلك فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك فدل على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله أنه يحل
قوله : " إذا أوحاه " قد تقدم ضبطه وتفسيره في الباب الذي قبل هذا
قوله : " ليس به إلا أثر سهمك " مفهومه أنه إن وجد فيه أثر غير سهمه لا يؤكل وهو نظير ما تقدم في الكلب من التفصيل فيما إذا خالط الكلب الذي أرسله الصائد كلب آخر لكن التفصيل في مسألة الكلب فيما إذا شارك الكلب في قتله كلب آخر وهنا الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد وقد جاءت فيه زيادة كما في الرواية الآخرة في الباب بلفظ " ولم تر فيه أثر سبع " قال الرفاعي يؤخذ منه أنه لو جرحه ثم غاب ثم وجده ميتا أنه لا يحل وهو ظاهر نص الشافعي في المختصر وقال النوويي الحل أصح دليلا وحكي البيهقي في المعرفة عن الشافعي أنه قال في قول ابن عباس كل ما أصميت ودع ما أنميت معنى ما أصميت ما قتله الكلب وأنت تراه وما أنميت ما غاب عنك مقتله قال وهذا لا يجوز عندي غيره إلا أن يكون جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه شيء فيسقط كل شيء خلف أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يقوم معه رأي ولا قياس
قال البيهقي وقد ثبت الخبر يعني المذكور في الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي
وقد استدل بما في الباب على أن الرمي لو أخر طلب الصيد عقب الرمي إلى أن يجده أنه يحل بالسروط المتقدمة ولا يحتاج إلى استفصال عن سبب غيبته عنه
قوله : " فيقتفي أثره " بفاء ثم مثناة تحتية ثم قاف ثم مثناة فوقية ثم فاء . أي يتبع قفاه حتى يتمكن منه
قوله : " اليومين والثلاثة " فيه زيادة على الرواية التي قبلها وهي قوله . " بعد يوم أو يومين " وفي الرواية الآخرة فيغيب عنه الليلة والليلتين (9/11)
باب النهي عن الرمي بالبندق وما في معناه (9/11)
1 - عن عبد الله بن المغفل " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الخذف وقال أنها لا تصيد صيدا ولا تنكأ عدوا ولكنها تكسر السن وتفقأ العين "
- متفق عليه (9/12)
2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل عصفورا بغير حقه سأله الله عنه يوم القيامة قيل يا رسول الله وما حقه قال أن تذبحه ولا تأخذ بعنقه فتقطعه "
- رواه أحمد والنسائي (9/12)
3 - وعن إبراهيم عن عدي بن حاتم قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رميت فسميت فخزقت فكل وإن لم تخزق فلا تأكل ولا تأكل من المعراض إلا ما ذكيت ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت "
- رواه أحمد وهو مرسل إبراهيم لم يلق عديا
حديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الحاكم وصححه وأعله ابن القطان بصهيب مولى ابن عباس الراوي عن عبد الله فقال لا يعرف حاله وله طريق أخرى عند الشافعي وأحمد والنسائي وابن حبان عن عمرو بن الشريد عن أبيه مرفوعا من قتل عصفورا عبثا عج إلى الله يوم القيامة يقول يا رب إن فلانا قتلني عبثا ولم يقتلني منفعة " وقد تقدم ذكر هذا الحديث . وحديث عدي المذكور في الباب وإن كان مرسلا كما ذكره لكن معناه صحيح ثابت عن عدي في الصحيحين كما تقدم
قوله : " نهى عن الخذف " بالخاء المعجمة وآخره فاء وهو الرامي بحصاة أو نواة بين سبابتيه أو بين الإبهام والسبابة أو على ظاهر الوسطى وباطن الإبهام وقال ابن فارس حذفت الحصاة رميتها بين إصبعيك وقيل في حصى الخذف أن تجعل الحصاة بين السبابة من اليمنى والإبهام من اليسرى ثم تقذفها بالسبابة اليمنى
وقال ابن سيده خذف بالشيء يخذف قال والمخذفة التي يوضع فيها الحجر ويرمى بها الطير ويطلق على المقلاع أيضا قال في الصحاح والمراد بالبندقة المذكورة في ترجمة الباب هي التي تتخذ من الطين وتيبس فيرمى بها
قال ابن عمر في المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن كذا في البخاري وأخرج ابن أبي شيبة عن سالم بن عبد الله بن عمر والقاسم بن محمد بن أبي بكر أنهما كانا يكرهان البندقة إلا ما أدركت ذكاته
قوله : " إنها لا تصيد صيدا " قال المهلب أباح الله الصيد على صفة فقال { تناله أيديكم ورماحكم } وليس الرمي بالبندقة ونحوها من ذلك وإنما هو وقيذ وأطلق الشارع أن الحذف لا يصاد به وقد اتفق العلماء إلا من شذ منهم على تحريم أكل ما قتلته البندقة والحجر وإنما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحدة كذا في الفتح
قوله : " ولا تنكأ عدوا " قال عياض الرواية بفتح الكاف وبهمزة في آخره وهي لغة والأشهر بكسر الكاف بغير همزة وقال في شرح مسلم لا تنكأ بفتح الكاف مهموزا وروى لا تنكى بكسر الكاف وسكون التحتانية وهو أوجه لأن المهموز نكأت القرحة وليس هذا موضعه فوليس هذا موضعه فن من النكاية لكن قال في العين نكأه لغة في نكيت فعلى هذا تتوجه هذه الرواية قال ومعناه المبالغ في الأذى
وقال ابن سيده نكى العدو نكاية أصاب منه ثم قال نكأت العدو انكؤهم لغة في نكيتهم فظهر أن الرواية صحيحة ولا معنى لتخطئتها وأغرب ابن التين فلم يعرج على الرواية التي بالهمز أصلا بل شرحه على التي بكسر الكاف بغير همز ثم قال ونكأت القرحة بالهمز
قوله : " ولكنها تكسر السن " أي الرمية وأطلق السن ليشمل سن المرمى وغيره من آدمي وغيره
قوله : " وتفقأ العين " قد تقدم ضبطه وتفسيره وأطلق العين لما ذكرنا في السن
قوله : " بغير حقه " فيه دليل على تحريم قتل العصفور وما شاكله لمجرد العبث وعلى غير الهيئة المذكورة ولأن تعذيب الحيوان قد ورد النهي عنه في غير حديث
قوله : " فخزقت فكل " فيه أن الخزق شرط الحل وقد تقدم وكذلك تقدم الكلام عن المعراض (9/12)
باب الذبح وما يجب له وما يستحب (9/13)
1 - عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لعن الله من ذبح لغير الله ولعن الله من آوى محدثا ولعنن الله من لعن والديه ولعن الله من غير تخوم الأرض "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (9/13)
2 - وعن عائشة " أن قوما قالوا يا رسول الله إن قوما يأتوننا باللحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا فقال سموا عليه أنتم وكلوا وكانوا حديثي عهد بالكفر "
- رواه البخاري والنسائي وابن ماجه وهو دليل على أن التصرفات والأفعال تحمل على حال الصحة والسلامة إلى أن يقوم دليل الفساد (9/13)
3 - وعن ابن كعب ابن مالك عن أبيه " أنه كانت لهم غنم ترعى بسلع فأبصرت جارية لنا بشاة من غنمنا موتا فكسرت حجرا فذبحتها به فقال لهم لا تأكلوا حتى أسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أرسل إليه من يسأله عن ذلك وأنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وأرسل إليه فأمره بأكلها "
- رواه أحمد والبخاري قال وقال عبيد الله يعجبني أنها أمة وأنها ذبحت بحجر (9/14)
4 - وعن زيد بن ثابت " أن ذئبا نيب في شاة فذبحوها بمروة فرخص لهم رسول الله في أكلها "
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه (9/14)
5 - وعن عدي بن حاتم قال " قلت يا رسول الله انا نصيد الصيد فلا نجد سكينا إلا الظرار وسقة العصا فقال صلى الله عليه وآله وسلم أمر الدم بما شئت واذكر اسم الله عليه "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (9/14)
- حديث زيد بن ثابت رجاله الصحيح إلا حاضر بن المهاجر فقيل هو مجهول وقيل مقبول
وقد أخرج معناه أحمد والبزار والطبراني في الأوسط عن ابن عمر بإسناد صحيح . وحديث عدي بن حاتم أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان ومداره على سماك بن حرب عن مرى بن قطري عنه
قوله : " لعن الله من ذبح لغير الله " المراد به أن يذبح لغير الله تعالى كمن ذبح للصنم أو الصليب أو لموسى أو لعيسى عليهما السلام وللكعبة ونحو ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو كافرا . وإليه ذهب الشافعية وأصحابه فإن قصد مع ذلك تعظيم المذبوح له غير الله تعالى والعبادة له كان ذلك كفرا فإن كان الذابح مسلما قبل ذلك صار بالذبح مرتدا . وذكر الشيخ إبراهيم المروزي من أصحاب الشافعي أن ما يذبح عند استقبال السلطان تقربا إليه أفتى أهل بخاري بتحريمه لأنه مما أهل به لغير الله
قال الرافعي هذا إنما يذبحونه استبشارا بقدومه فهو كذبح العقيقة لولادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " محدثا " بكسر الدال هو من يأتي لما فيه فساد في الأرض من جناية على غيره أو غير ذلك والمؤوى له المانع له من القصاص ونحوه ولعن الوالدين من الكبائر وتخوم الأرض بالتاء المثناة من فوق والخاء المعجمة وهي الحدود والمعالم وظاهره العموم في جميع الأرض وقيل معالم الحرم خاصة وقيل في الأملاك وقيل أراد المعالم التي يهتدي بها في الطرقات
قوله : " إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال في الفتح لم أقف على تعيينهم
قوله : " فقال سموا عليه أنتم " قال المهلب هذا الحديث أصل في أن التسمية ليست فرضا فلما نابت تسميتهم عن التسمية على الذبح دل على أنها سنة لأن السنة لا تنوب عن فرض هذا على أن الأمر في حديث عدي وابن ثعلبة محمول على التنزيه من أجل أنهما كانا يصيدان على مذهب الجاهلية فعلمهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الصيد والذبح فرضه ومنذوبه لئلا يوافقا شبهة في ذلك وليأخذا بأكمل الأمور وأما الذين سألوا عن هذه الذبائح فإنهم سألوا عن أمر قد وقع لغيرهم نعرفهم بأصل الحل فيه
وقال ابن التين يحتمل أن يراد التسمية هنا عند الأكل وبذلك جزم النووي قال ابن التين وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم فلا تكليف عليهم فيه وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها ل ما لم تعلموا أذكروا اسم الله عليه أم لا إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمي ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين لأن الغلب أنهم عرفوا التسمية وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر فقال إن ما ذبحه المسلم يؤكل ويحمل على أنه سمي لأن المسلم لا يظن به في كل شيء إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك وعكس هذا الخطابي فقال فيه دليل على أن التسمية غير شرط على الذبيحة لأنها لو كانت شرطا لم تستبيح الذبيحة بالأمر المشكوك فيه كما لو عرض الشك في نفس الذبيحة فلم يعلم هل وقعت الذكاة المعتبرة أم لا وهذا هو المتبادر من سياق الحديث حيث وقع الجواب فيه سموا أنتم كأنه قيل لهم لا تهتموا بذلك بل الذي يهمكم أنتم أن تذكروا اسم الله وتأكلوا وهذا من الأسلوب الحكيم كما نبه عليه الطيبي ومما يدل على عدم الاشتراط قوله تعالى { وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم } فاباح الأكل من ذبائحهم مع وجود الشك في أنهم سموا أم لا
قوله : " وكانوا حديثي عهد بالكفر " في رواية لمالك وذلك في أوائل الإسلام وقد تعلق بهذه الزيادة قوم فزعموا أن هذا الجواب كان قبل نزول قوله تعالى { ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه } قال ابن عبد البر وهو تعلق ضعيف
وفي الحديث نفسه ما يرده لأنه أمرهم فيه بالتسمية عند الأكل فدل على أن الآية كانت نزلت بالأمر بالتسمية وأيضا فقد اتفقوا على أن الأنعام مكية وأن هذه القصة جرت بالمدينة وأن الأعراب المشار إليهم في الحديث هم بادية أهل المدينة
قوله " جارية " في رواية أمة وفي رواية امرأة ولا تنافي بين الروايات لأن الرواية الأخيرة أعم فيؤخذ بقول من زاد في روايته صفة وهي كونها أمة
قوله : " فأمره بأكلها " فيه دليل على أنها تحل ذبيحة المرأة وإليه ذهب الجمهور
وقد نقل محمد بن عبد الحكم عن مالك كراهته وفي المدونة جوازه وفي وجه للشافعية يكره ذبح المرأة الأضحية وعند سعيد بن منصور بسند صحيح عن إبراهيم الخنعي أنه قال في ذبيحة المرأة والصبي لابأس إذا أطاق الذبيحة وحفظ التسمية وفيه جواز ما ذبح بغير إذن مالكه وإليه ذهب الجمهور وخالف في ذلك طاوس وعكرمة وإسحاق وأهل الظاهر وإليه جنح البخاري ويدل لما ذهبوا إليه ما أخرجه أحمد وأبو داود بسند قوي من طريق عاصم بن كليب عن أبيه في قصة الشاة التي ذبحتها المرأة بغير إذن صاحبها فامتنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أكلها لكنه قال أطعموها الأسارى ولو لم تكن مذكاة لما أمر بإطعام الأسارى لأنه لا يبيح لهم إلا ما يحل
قوله : " فذبحوها بمروة " أي بحجر أبيض وقيل هو الذي تقدح به النار
قوله : " إلا الظرار " بالمعجمة بعدها راآن مهملتان بينهما ألف جمع ظرر وهي الحجارة كذا في النهاية
قال في القاموس الظر بالكسر والظرر والظررة الحجر أو المدور المحدد منه الجمع ظرار وظرار قال والمظرة بالكسر الحجر تقدح به النار وبالفتح كسر الحجر ذي الحد
قوله : " وشقة العصا " بكسر الشين المعجمة أي ما يشق منها ويكون محددا
قوله : " أمر الدم " بفتح الهمزة وكسر الميم وبالراء مخففة من أمار الشيء ومار إذا جرى وبكسر الهمزة وسكون الميم من مرى الضرع إذا مسحه ليدر
قال الخطابي المحدثون يروونه بتشديد الراء وهو خطأ إنما هو بتخفيفها من مريت الناقة إذا حلبتها قال ابن الأثير ويروى أمرر براين مظهرين من غير إدغام ومكذا في التلخيص إنه براءين مهملتين الأولى مكسورة ثم نقل كلام الخطابي قال وأجيب بأن التثقيل لكونه أدغم أحد الراءين في الأخرى على الرواية الأولى (9/15)
6 - وعن رافع بن خديج قال قلت " يا رسول الله إنا نلقى العدو غدا وليس معنا مدى فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا مالم يكن سنا أو ظفرا وسأحدثكم عن ذلك أما السن فعظم وأما الظفر فمدي الحبشة "
- رواه الجماعة (9/15)
7 - وعن شداد بن أوس " عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه (9/15)
8 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر أن تحد الشفار وأن توارى عن البهائم وقال إذا ذبح أحدكم فليجهز "
- رواه أحمد وابن ماجه (9/16)
9 - وعن أبي هريرة قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج مني إلا أن الذكاة في الحلق واللبة ولا تجعلوا الأنفس أن تزهق وأيام مني أيام أكل وشرب وبعال "
- رواه الدارقطني (9/16)
- حديث ابن عمر في إسناده عند ابن ماجه ابن اهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له الحديث الذي قبله . وحديث أبي هريرة في إسناده سعيد بن سلام العطار قال أحمد كذاب وقد تقدم ما يشهد له في صلاة العيد
قوله : " أنا نلقى العدو غدا " لعله عرف ذلك بخبر أو قرينة
قوله : " وليس معنا مدى " بضم الميم مخفف مقصور جمع مدية بسكون الدال بعدها تحتانية وهي السكين سميت بذلك لأنها تقطع مدى الحيوان أي عمره والرابط بين قوله نلقى العدو وليس معنا مدى يحتمل أن يكون مراده أنهم يحتاجون ذبح ما يأكلونه ليتقووا به على العدو إذا لقوه
قوله : ما أنهر الدم أي أساله وصبه بكثرة شبهه بجري الماء في النهر قال عياض هذا هو المشهور في الروايات بالراء وذكره أبو ذر بالزاي وقال النهز بمعنى الدفع وهو غريب وما موصوله في موضع رفع بالابتداء وخبرها فكلوا والتقدير ما أنهر الدم فهو حلال فكلوا ويحتمل أن تكون شرطية . ووقع في رواية إسحاق عن الثوري كل ما أنهر الدم ذكاة وما في هذا موصوفة
قوله : " وذكر اسم الله عليه " فيه دليل على اشتراط التسمية لأنه علق الأذن بمجموع الأمرين وهما الأنهار والتسمية والمعلق على شيئين لا يكتفي فيه إلا باجتماعهما وينتفي بانتفاء أحدهما وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : " وسأحدثكم " اختلف في هذا هل هو من جملة المرفوع أو المدرج
قوله : " أما السن فعظم "
قال البيضاوي هو قياس حذفت منه المقدمة الثانية لشهرتها عندهم والتقدير أما السن فعظم وكل عظم لا يحل الذبح به وطوى النتيجة لدلالة الآستثناء عليها
وقال ابن الصلاح في مشكل الوسيط هذا يدل على أنه عليه السلام كان قد قرر كون الذكاة لا تحصل بالعظم فلذلك اقتصر على قوله " فعظم " قال ولم أر بعد البحث من نقل للمنع من الذبح بالعظم معنى يعقل وكذا وقع في كلام ابن عبد الاسلام
وقال النووي معنى الحديث لا تذبحوا بالعظام فإنها تنجس بالدم وقد نهيتم عن تنجيسها لأنها زاد إخوانكم من الجن
وقال ابن الجوزي في المشكل هذا يدل على أن الذبح بالعظم كان معهودا عندهم أنه لا يجزي وقررهم الشارع على ذلك
قوله : " وأما الظفر فمدي الحبشة " أي وهو كفار وقد نهيتم عن التشبه بهم قال ابن الصلاح وتبعه النووي
وقيل نهي عنهما لأن الذبح بهما تعذيب للحيوان ولا يقع به غالبا إلا الخنق الذي هو على صورة الذبح . واعترض على الأول بأنه لو كان كذلك لامتنع الذبح بالسكين وسائر ما يذبح به الكفار وأجيب أن الذبح بالسكين هو الأصل
وأما ما يلتحق بها فهو الذي يعتبر فيه التشبه ومن ثم كانوا يسألون عن جواز الذبح بغير السكين وروي عن الشافعي أنه قال السن إنما يذكي بها إذا كانت منتزعة فأما وهي ثابتة فلو ذبح بها لكانت منخنقة يعني فدل على جواز التذكية بالسن المنتزعة بخلاف ما نقل عن الحنفية من جوازه بالسن المفصلة
قال وإما الظفر فلو كان المراد به ظفر الإنسان لقال فيه ما قال في السن لكن الظاهر أنه أراد به الظفر الذي هو طيب من بلاد الحبشة وهو لا يقوى فيكون في معنى الخنق
قوله : " فأحسنوا القتله " بكسر القاف وهي وهي الهيئة والحالة
قوله : " فأحسنوا الذبح " قال النووي في شرح مسلم وقع في كثير من النسخ أو أكثرها فأحسنوا الذبح بفتح الذال بغير هاء وفي بعضها الذبحة بكسر الذال وبالهاء كالقتلة وهي الهيئة والحالة
قوله : " وليحد " بضم الياء يقال أحد السكين وحددها واستحدها بمعنى وليرح ذبيحته بإحداد السكين وتعجيل إمرارها وغير ذلك
قوله : " وأن توارى عن البهائم " قال النووي ويستحب أن لا يحدد السكين بحضرة الذبيحة وأن لا يذبح واحدة بحضرة أخرى ولا يجرها إلى مذبحها
قوله : " فليجهز " بالجيم والزاي أي يسرع في الذبح قوله " واللبة " هي المنحر من البهائم وهي بفتح اللام وتشديد الموحدة
قوله : " ولا تعجلوا الأنفس أن تزهق " بالزاي أي لا تسرعوا في شيء من الأعمال المتعلقة بالذبيحة قبل أن تموت (9/16)
10 - وعن ابن عباس وأبي هريرة قالا " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شريطة الشيطان وهي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج "
- رواه أبو داود (9/17)
11 - وعن أسماء ابنة أبي بكر قالت " نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرسا فأكلناه "
- متفق عليه (9/17)
12 - وعن أبي العشراء عن أبيه قال " قلت يا رسول الله أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة قال لو طعنت في فخذها لأجزأك "
- رواه الخمسة وهذا فيما لم يقدر عليه (9/17)
13 - وعن رافع بن خديج قال " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فند بعير من إبل القوم ولم يكن معهم خيل فرماه رجل بسهم فحبسه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما فعل منها هذا فافعلوا به كذلك "
- رواه الجماعة (9/18)
- حديث ابن عباس وأبي هريرة قال المنذري في إسناده عمرو بن عبد الله الصنعاني وقد تكلم فيه غير واحد . وحديث أبي العشراء قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث حماد بن سلمة ولا يعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث
قال الخطابي وضعفوا هذا الحديث لأن رواته مجهولون وأبو العشراء لا يدري من هو أبوه ولم يرو عنه غير حماد بن سلمة
قال في التلخيص وقد تفرد حماد بن سلمة بالرواية عنه يعني أبا العشراء على الصحيح وهو لا يعرف حاله
قوله : " عن شريطة الشيطان " أي ذبحته وهي المذكورة في الحديث والتفسير ليس من الحديث بل زيادة رواها الحسن بن عيسى أحد رواته كما صرح به أبو داود في السنن قال في النهاية شريطة الشيطان قيل هي الذبيحة التي لا يقطع أوداجها ولا يستقصى ذبحها وهو من شرط الحجام وكان أهل الجاهلية يقطعون بعض حلقها ويتركونها حتى تموت وإنما أضافها إلى الشيطان لأنه هو الذي حملهم على ذلك وحسن هذا الفعل لديهم وسوله لهم انتهى
قوله : " عن أبي العشراء " بضم العين المهملة وفتح الشين المعجمة قال أبو داود واسمه عطارد بن بكرة ويقال ابن قهطم ويقال اسمه عطارد بن مالك بن قهطم
قوله : " لو طعنت في فخذها " الخ قال أهل العلم بالحديث هذا عند الضرورة كالتردي في البئر وأشباهه وقال أبو داود بعد إخراجه هذا لا يصح إلا في المتردية والنافرة والمتوحشة
قوله : " تحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرسا " فيه أن النحر يجزئ في الخيل كما يجزئ في الإبل
قال ابن التين الأصل في الإبل النحر وفي الشاة ونحوها الذبح وأما البقر فجاء في القرآن ذكر ذبحها وفي السنة ذكر نحرها واختلف في ذبح ما ينحر ونحر ما يذبح فأجازه الجمهور ومنع منه ابن القاسم
قوله : " فند بعير " أي نفر وهو بفتح النون وتشديد الدال
قوله : " فحبسه " أي أصابه السهم فوقف قوله " أوابد " جمع آبدة بالمد وكسر الموحدة أي غريبة يقال جاء فلات بآبدة أي بكلمة أو فعلة منفردة يقال أبدت بفتح الموحدة تأبد بضمها ويجوز الكسر زيقال تأبدت أي توحشت والمراد أن لها توحشا ( وفي الحديث ) جواز أكل ما رمى بالسهم فجرى في أي موضع كان من جسده بشرط أن يكون وحشيا أو متوحشا وإليه ذهب الجمهور وروى عن مالك والليث وسعيد بن المسيب وربيعة أنه لا يحل الأكل لما توحش إلا بتذكية في حلقه أو لبته (9/18)
باب ذكاة الجنين بذكاة أمه (9/18)
1 - عن أبي سعيد " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في الجنين ذكاته ذكاة أمه "
- رواه أحمد والترمذي وابن ماجه
وفي رواية " قلنا يا رسول الله ننحر النافة وتذبح البقرة والشاة وفي بطنها الجنين أنلقيه أم نأكل قال كلوه إن شئتم فإن ذكاته ذكاة أمه " رواه أحمد وأبو داود (9/19)
- الحديث أخرجه أيضا الدار قطني وابن حبان وصححه وضعفه عبد الحق وقال لا يحتج بأسانيده كلها وذلك لأن في بعضها مجالدا ولكن أقل أحولا الحديث أن يكون حسنا لغير لكثرة طرقه ومجالد ليس إلا في الطريق التي أخرجها الترمذي وأبو داود منها
وقد أخرجه أحمد من طريق ليس فيها ضعيف والحاكم أخرجه من طريق فيها عطية عن ابن سعيد وعطية فيه لين وقد صححه مع ابن حبان ابن دقيق العيد وحسنه الترمذي وقال وفي الباب عن علي عليه السلام وابن مسعود وأبي أيوب والبراء وابن عمر وابن عباس وكعب بن مالك وزاد في التلخيص عن جابر وأبي أمامة وأبي الدرداء وأبي هريرة . أما حديث علي فأخرجه الدارقطني بإسناد فيه الحرث الأعور وموسى بن عمر الكوفي وهما ضعيفان
وأما حديث ابن مسعود فأخرجه أيضا الدارقطني بسند رجاله ثقات إلا أحمد بن الحجاج ابن الصامت فإنه ضعيف جدا
وأما حديث أبي أيوب فأخرجه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وهو ضعيف
وأما حديث البراء فأخرجه البيهقي
وأما حديث ابن عمر فأخرجه الحاكم والطبراني في الأوسط وابن حبان وفي بعض طرقه عنعنة محمد بن إسحاق وفي بعضها أحمد بن عصام وهو ضعيف وهو في الموطأ موقوف وهو أصح
وأما حديث ابن عباس فرواه الدارقطني وفي إسناده موسى بن عثمان العبدي وهو مجهول
وأما حديث كعب بن مالك فأخرجه الطبراني في الكبير وفي اسناده إسماعيل ابن مسلم وهو ضعيف
وأما حديث جابر فأخرجه الدارمي وأبو داود وفي إسناده عبد الله بن أبي الزناد القداح عن أبي الزبير والقداح ضعيف وله طرق أخر
وأما حديث أبي أمامة وأبي الدرداء فأخرجهما الطبراني من طريق راشد بن سعد وفيه ضعف وانقطاع
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه الدارقطني وفي إسناده عمر بن قيس وهو ضعيف
قوله : " ذكاة الجنين ذكاة أمه " مرفوعان بالابتداء والخبر والمراد الإخبار عن ذكاة الجنين بأنها ذكاة أمه فيحل بها كما تحل الأم بها ولا يحتاج إلى تذكية وإلب \ يه ذهب الثوري والشافعي والحسن بن زياد وصاحبا أبي حنيفة وإليه ذهب أيضا مالك واشترط أن يكون قد أشعر لما في بعض روايات الحديث عن أبي عمر بلفظ " إذا أشعر الجنين فذكاته ذكاة أمه " وقد تفرد به أحمد بن عصام كما تقدم والصحيح أنه موقوف فلا حجة فيه . وأيضا قد روى من طريق ابن أبي ليلى مرفوعا " ذكاة الجنين ذكاة أمه أشعر أو لم يشعر " وفيه ضعف كما تقدمت الإشارة إليه . وأيضا قد روي من طرق ابن عمر نفسه مرفوعا وموقوفا كما رواه البيهقي أنه قال " أشعر أو لم يشعر " وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى تحريم الجنين إذا خرج ميتا وأنها لا تغني تذكية الأم عن تذكيته محتجين بعموم قوله تعالى { حرمت عليكم الميتة } وهو من ترجيح العام على الخاص وقد تقرر في الأصول بطلانه ولكنهم اعتذروا عن الحديث بما لا يغني شيئا فقالوا المراد ذكاة الجنين كذكاة أمه ورد أنه لو كان المعني على ذلك لكان منصوبا بنزع الخافض والرواية بالرفع ويؤيده أنه روى بلفظ ذكاة الجنين في ذكاة أمه أي كائنة أو حاصلة في ذكاة أمه وروى " ذكاة الجنين بذكاة أمه " والباء للسببية قال في التلخيص فائدة قال ابن المنذر أنه لم يرو عن أحد من الصحابة ولا من العلماء أن الجنين لا يؤكل إلا باستئناف الذكاة فيه إلا ما روي عن أبي حنيفة اه وظاهر الحديث أنه يحل بذكاة الأم الجنين مطلقا سواء خرج حيا أو ميتا فالتفصيل ليس عليه دليل (9/19)
باب ما أبين من حي فهو ميت (9/19)
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما قطع من بهيمة وهي حية فما قطع منها فهو ميتة "
- رواه ابن ماجه (9/20)
2 - وعن أبي واقد الليثي قال " قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وبها ناس يعمدون إلى إليات الغنم وأسنمة الإبل يجبونها فقال ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة "
- رواه أحمد والترمذي . ولأبي داود منه الكلام النبوي فقط (9/20)
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا البزار والطبراني في الأوسط من حديث هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عنه واختلف فيه علي زيد بن أسلم وقد روي عن زيد بن أسلم مرسلا الدارقطني المرسل أشبه بالصواب وله طرق أخرى عن ابن عمر أخرجها الطبراني في الأوسط وفيها عاصم بن عمرو وهو ضعيف . وحديث أبي واقد أخرجه أيضا الدارمي والحاكم من حديث عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن زيد بن أسلم عنه وأخرجه أيضا الحاكم من حديث سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري مرفوعا قال الدارقطني والمرسل أصح وأخرجه البزار من طريق المسور بن الصلت عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري وقال تفرد به ابن الصلت وخالفه سليمان بن بلال فقال عن زيد عن عطاء مرسلا وكذا قال الدارقطني وقد وصله الحاكم كما تقدم . وتابع المسور وغيره عليه خارجة بن مصعب أخرجه بن عدي في الكامل وأبو نعيم في الحلية وأخرجه ابن ماجه والطبراني وابن عدي من طريق تميم الداري وإسناده ضعيف كما قال الحافظ
قوله : " فما قطع منها " المجئ بهذه الجملة لزيادة الإيضاح وألا فقد أغنى عنها ما قبلها
قوله : " فهو ميتة " فيه دليل على أن البائن من الحي حكمه حكم الميتة في تحريم أكله ونجاسته وفي ذلك تفاصيل ومذاهب مستوفاة في كتب الفقه
قوله : " غلى أليات " جمع ألية والجب القطع والأسنمة جمع سنام (9/20)
باب ما جاء في السمك والجراد وحيوان البحر (9/21)
قد سبق قوله في البحر " هو الحل ميتته " (9/21)
1 - عن ابن أبي أوفى قال " غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبع غزوات نأكل معه الجراد "
- رواه الجماعة إلا ابن ماجه (9/21)
2 - وعن جابر قال " غزونا جيش الحبط وأميرنا أبو عبيدة فجعلنا جوعا شديدا فألقى البحر حوتا ميتا لم نر مثله يقال له العنبر فأكلنا منه نصف شهر فأخذ أبو عبيدة عظما من عظامه فمر الراكب تحته قال فلما قدمنا المدينة ذكرنا ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلوا رزقا أخرجه الله عز و جل لكم اطعمونا إن كان معكم فأتاه بعضهم بشيء فأكلة "
- متفق عليه (9/22)
3 - وعن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحل لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالحوت والجراد وأما الدمان فالكبد والطحال "
- رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني وهو للدارقطني أيضا من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم عن أبيه باسناده قال أحمد وابن المديني عبد الرحمن بن زيد ضعيفوأخوه عبد الله ثقة (9/22)
4 - وعن أبي شريح من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم "
- رواه الدارقطني وذكره البخاري عن أبي شريح موقوفا . وعن أبي بكر الصديق قال الطافي حلال . وعن عمر في قوله تعالى " أحل لكم صيد البحر " قال صيده ما اصطيد وطعامه ما رمي به
وقال ابن عباس " طعامه ميتته إلا ما قذرت منها قال ابن عباس كل من صيد البحر صيد يهودي أو نصراني أو مجوسي وركب الحسن على سرج من جلود كلاب الماء ذكرهن البخاري في صحيحه (9/22)
- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله قد سبق هو أول حديث في كتابه هذا وقد مر الكلام عليه . وحديث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي ورواه الدارقطني أيضا من رواية سليمان بن بلال عن زيد بن أسلم موقوفا وقال هو أصح وكذا صحح الموقوف أبو زرعة وأبو حاتم وعبد الرحمن ابن زيد ضعيف كما نقله المصنف عن أحمد وابن المديني وفي رواية عن أحمد أنه قال حديثه هذا منكر وقال البيهقي رفع هذا الحديث أولاد زيد بن أسلم عبد الله وعبد الرحمن وأسامة وقد ضعفهم ابن معين وكان أحمد بن حنبل يوثق عبد الله وكذا روى عن ابن المديني قال الحافظ قلت رواه الدار قطني وابن عدي من رواية عبد الله بن زيد بن أسلم قال ابن عدي الحديث يدور على هؤلاء الثلاثة قال الحافظ وقد تابعهم شخص هو أضعف منهم وهو أبو هاشم كثير بن عبد الله الإبلي أخرجه ابن مردويه في تفسير سورة الإنعام من طريقه عن زيد بن أسلم بلفظ " يحل من الميتة إثنان ومن الدم إثنان فأما الميتة فالسمك والجراد وأما الدم فالكبد والطحال " ورواه المسور بن الصلت أيضا عن زيد بن أسلم لكنه خالف في إسناده قال عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد مرفوعا أخرجه الخطيب وذكره الدارقطني في العلل والمسور كذاب نعم الرواية الموقوفة التي صححها أبو حاتم وغيره هي في حكم المرفوع لأن قول الصحابي أحل لنا كذا وحرم علينا كذا مثل قوله أمرنا بكذا ونهينا عن كذا فيحصل الاستدلال بهذه الرواية لأنها في معنى المرفوع كذا قال الحافظ
قوله : " سبع غزوات " في رواية البخاري أو ستا . ووقع في توضيح ابن مالك سبع غزوات أو ثماني وتكلم عليه فقال الأجود أن يقال ثمانيا بالتنوين لأن لفظ ثماني وإن كان كلفظ جواري أو ثالث حروفه ألف بعدها حرفان ثانيهما ياء فهو يخالفه في أن جواري جمع وثماني ليس بجمع وقال أطال الكلام على ذلك ثم وجه ترك التنوين بتوجيهات . منها أن يكون حذف المضاف إليه وأبقى المضاف على ما كان عليه قبل الحذف
قال الحافظ ولم أر لفظ ثماني في شيء من كتب الحديث قال وهذا الشك في عدد الغزوات من شعبة
قوله " نأكل معه الجراد " يحتمل أن يراد بالمعية مجرد الغزو دون ماتبعه من أكل الجراد ويحتمل أن يريد مع أكله ويدل على الثاني ما وقع في رواية أبي نعيم بلفظ " ويأكل معنا " وهذا يرد على الصيمري من الشافعية حيث زعم أنه صلى الله عليه وآله وسلم عافه كما عاف الضب
وقد أخرج أبو داود عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حيث سلمان أنه قال " لا آكله ولا أحرمه " والصواب أنه مرسل . ولابن عدي في ترجمة ثابت بن زهير عن نافع عن ابن عمر " أنه صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الضب فقال لا آكله ولا أحرمه وسئل عن الجراد فقال مثل ذلك قال الحافظ هذا ليس ثابتا لأن ثابتا قال فيه النسائي ليس بثقة . ونقل النووي الإجماع على حل أكل الجراد . وفصل ابن العربي في شرح الترمذي بين جراد الحجاز وجراد الأندلس فقال في جراد الأندلس لا يؤكل لأنه ضرر محض وهذ إن نثبت يضر أكله بأن تكون فيه سمية تخصه دون غيره من جراد البلاد تعين استثناؤه وذهب الجمهور إلى حل أكل الجراد حتى لو مات بغير سبب وعند المالكية اشتراط التذكية وهي هنا أن يكون موته بسبب آدمي إما أن يقطع رأسه أو بعضه أو يسلق أو يرمى في النار حيا فإن مات حتف أنفه أو في وعاء لم يحل
واحتج الجمهور بحديث ابن عمر المذكورفي الباب . ولفظ الجراد جنس يقع على الذكر والأنثى ويميز واحده بالتاء وسمي جرادا لأنه يجرد ما ينزل عليه أو لأنه أجرد أي أملس وهو من صيد البر وإن كان أصله بحريا عند الأكثر وقيل أنه بحري بدليل حديث أبي هريرة أنه قال " خرجنا مه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حج أو عمرة فاستقبلنا رجل رجل من جراد فجعلنا نضربهن بنعالنا وأسواطنا فقال صلى الله عليه وآله وسلم كلوه فإنه من صيد البحر " أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه بإسناد ضعيف
وأخرج نحوه أبو داود والترمذي من طريق أخرى عن أبي هريرة وفي إسناده أبو المهزم بضم الميم زكسر الزاي وفتح الهاء وهو ضعيف . وأحرج ابن ماجه من حديث أنس مرفوعا " أن الجراد نثرة حوت من البحر " أي عطسته
قوله " الخبط " بالتحريك وهو ما يسقط من الورق عند خبط الشجر
قوله : " فأكله " بهذا تتم الدلالة وإلا مجرد أكل الصحابة منه وهم في حال المجاعة قد يقال أنه للإضرار ولا سيما وقد ثبت عن أبي عبيدة في رواية عند مسلم بلفظ " وقدج اضطررتم فكلوه "
قال في الفتح وحاصل قول أبي عبيدة أنه بنى أولا على عموم تحريم الميتة ثم ذكر تخصيص المضطر بإباحة أكلها إذا كان غير باغ ولا عاد وهم بهذه الصفة لأنهم في سبيل الله وفي طاعة رسول الله وقد تبين من آخر الحديث أن حمله كونها حلالا ليس لسبب الاضطرار بل لكونها من صيد البحر لأكله صلى الله عليه وآله وسلم منها لأنه لم يكن مضطرا وقد ذهب الجمهور إلى إباحة ميتة البحر سواء ماتت بنفسها أو ماتت بالإصطياد . وعن الحنفية والهادي والقاسم والإمام يحيى والمؤيد بالله في أحد قوليه أنه لا يحل إلا ما مات بسبب آدمي أو بإلقاء الماء له أو جزره عنه وأما ما مات أو قتله حيوان غير آدمي فلا يحل واستدلوا بحديث أبي الزبير عن جابر مرفوعا بلفظ " " ما ألقاه البحر أو جزره عنه فكلوه وما مات فيه وطفا فلا تأكلوه " أخرجه أبو داود مرفوعا من رواية يحيى بن سليم الطائفي عن أبي الزبير عن جابر وقد أسنده من وجه آخر عن ابن أبي ذئب عن أبي الزبير عن جابر مرفوعا وقال الترمذي سألت البخاري عنه فقال ليس بمحفوظ ويروى عن جابر خلافه انتهى . ويحيى بن سليم صدوق سيء الحفظ
وقال النسائي ليس بالقوي
وقال يعقوب إذا حدث من كتابه فحديثه حسن وإذا حدث حفظا ففي حديثه ما يعرف وينكر
وقال أبو حاتم لم يكن بالحافظ
وقال ابن حبان في الثقات كان يخطئ وقد توبع على رفعه أخرجه الدارقطني من رواية أبي أحمد الزبيري عن الثوري مرفوعا لكن قال خالفه وكيع وغيره فوقفوه على الثوري وهو الصواب وروى عن ابن أبي ذئب وإسماعيل بن أمية مرفوعا ولا يصح والصحيح موقوف
قال الحافظ وإذا لم يصح إلا موقوفا فقد عارضه قول أبي بكر وغير يعني المذكور في الباب
وقال أبو داود روى هذا الحديث سفيان الثوري وأيوب وحماد عن أبي الزبير أوقفوه على جابر قال المنذري وقد أسند هذا الحديث من وجه ضعيف وأخرجه ابن ماجه قال الحافظ أيضا والقياس يقتضي حله لأنه لو مات في البر لأكل بغير تذكية ولو نضب عنه الماء فمات لأكل فكذلك إذا مات وهو في البحر ولا خلاف بين العلماء في حل السمك على اختلاف أنواعه وإنما اختلفوا فيما كان على صورة حيوان البر كالآدمي والكلب والخنزير فعند الحنفية وهو قول الشافعية أنه يحرم والأصح عند الشافعية الحل مطلقا وهو قول المالكية إلا الخنزير في رواية
وحجتهم عموم قوله تعالى { أحل لكم صيد البحر } وحديث " هو الطهور ماؤه والحل ميتته " أخرجه مالك وأصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهما وقد تقدم في أول الكتاب
وروي عن الشافعي أنه يحل ما يؤكل نظيره في البر وما لا فلا وإليه ذهبت الهادوية واستثنت الشافعية ما يعيش في البر والبحر وهو نوعان النوع الأول ما ورد في منع أكله شيء يخصه كالضفدع وكذا استثناه أحمد للنهي عن قتله كما ورد ذلك من حديث عبد الرحمن بن عثمان التيمي أخرجه أبو داود والنسائي وصححه الحاكم وله شاهد من حديث ابن عمر عند أبي عاصم وآخر عن عبد الله بن عمر وأخرجه الطبراني في الأوسط وزاد فإن نقيقها تسبيح . وذكر الأطباء أن الضفدع نوعان بري وبحري ومن المستثنى التمساح والقرش والثعبان والعقرب والسرطان والسلحفاة للاستخباث والضرر اللاحق من السم . النوع الثاني ما لم يرد فيه مانع فيحل لكن بشرط التذكية كالبط وطير الماء
قوله : " إن الله ذبح ما في البحر لبني آدم " لفظ البخاري " كل شيء في البحر مذبوح " وقد أخرجه الدارقطني وأبو نعيم في الصحابة مرفوعا قال الحافظ والموقوف أصح وأخرجه ابن أبي عاصم في الأطعمة من طريق عمرو بن دينار سمعت شيخا كبيرا يحلف بالله ما في البحر دابة إلا قد ذبحها الله لبني آدم
وأخرج الدارقطني من حديث عبد الله بن سرجس رفعه أن الله قد ذبح كل ما في البحر لبني آدم وفي سنده ضعيف . والطبراني من حديث ابن عمر ورفعه نحوه وسنده ضعيف
وأخرج عبد الرزاق بسندين جديدين عن عمر ثم عن علي بلفظ " الحوت ذكي كله " قال عطاء أما الطير فأرى أن تذبحه
قوله : " الطافي حلال " وصله أبو بكر ابن أبي شيبة والطحاوي والدارقطني من رواية عبد الملك بن أبي يشير عن عكرمة عن ابن عباس والطافي بغير همز من طفا يطفو إذا علا على الماء ولم يرسب
قوله : " صيده ما اصطيد وطعامه ما رمي به " وصله البخاري في التاريخ وعبد بن حميد
قوله : " طعامه ميتة إلا ما قدرت " وصله الطبراني
قوله : " كل من صيد البحر صيد يهودي " الخ وصله البيهقي قال ابن التين مفهومه أن صيد البحر لا يؤكل إن صاده غير هؤلاء وهو كذلك عند قوم وإخراج ابن أبي شيبة بسند صحيح عن عطاء وسعيد بن جبير كراهية صيد المجوسي
وأخرج أيضا بسند آخر عن علي عليه السلام مثل ذلك
قوله : " وركب الحسن على سرج " قيل أنه الحسن بن علي وقيل البصري والمراد أن السرج متخذ من جلود الكلاب المعروفة بكلاب الماء التي في البحر كما صرح به في الرواية (9/23)
باب الميتة للمضطر (9/23)
1 - عن أبي واقد الليثي قال " قلت يا رسول الله أنا بأرض تصيبنا مخمصة فما يحل لنا من الميتة فقال إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفؤا بها بقلا فشأنكم بها "
- رواه أحمد (9/23)
2 - وعن جابر بن سمرة أن أهل بيت كانوا بالحرة محتاجين قال فماتت عندهم ناقة لهم أو لغيرهم فرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أكلها قال فعصمتهم بقية شتائهم أو سنتهم "
- رواه أحمد
وفي لفظ " أن رجلا نزل الحرة ومعه أهله وولده فقال رجل إن ناقة لي ضلت فأن وجدتها فامسكها فوجدها فلم يجد صاحبها فمرضت فقالت إمرأته انحرها فأبى فنفقت فقالت اسلخها نقدر شحمها لحمها ونأكله فقال حتى أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه فسأله فقال هل عندك غني يغنيك قال لا قال فكلوه فجاء صاحبها فأخبره الخبر فقال هلا كنت نحرتها قال استحييت منك "
- رواه أبو داود وهو دليل على إمساك الميتة للمضطر (9/24)
- حديث أبي واقد في مجمع الزوائد أخرجه الطبراني ورجاله ثقات انتهى . وحديث جابر بن سمرة سكت عنه أبو داود والمنذري وليس في إسناده مطعن لأن أبا داود رواه من طريق موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن سماك بن حرب عن جابر بن سمرة وفي الباب عن الفجيع العامري أنه " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما يحل لنا الميتة قال ما طعامكم قلنا نغتبق ونصطبح قال أبو نعيم وهو الفضل بن دكين فسره لي عقبة قدح غدوة وقدح عشية قال ذاك وأبى الجوع فأحل لهم الميتة على هذا الحال " قال أبو داود الغبوق من آخر النهار والصبوح من أول النهار وفي إسناده عقبة بن وهب العامري
قال يحيى بن معين صالح وقال علي بن المديني قلت لسفيان ابن عيينة عقبة بن وهب فقال ما كان ذاك فيدري ما هذا الأمر ولا كان شأنه الحديث انتهى
قوله : " إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا قال ابن رسلان في شرح السنن الإصطباح ههنا أكل الصبوح وهو الغداء والغبوق أكل العشاء انتهى
وقد تقدم شرح الصبوح والغبوق وهما بفتح أولهما الأول شرب اللبن أول النهار والثاني شرب اللبن آخر النهار ثم استعملا في الأكل للغداء والعساء وعليهما يحمل ما في حديث أبي واقد الليثي المذكور ولعل اغلمراد بهما في حديث الفجيع مجرد شرب اللبن لأنه لو كان المراد بهما أكل الطعام في الوقتين لم يصح ما في آخر الحديث وهو قوله ذاك وأبى الجوع إذ لا جوع حينئذ
قوله : " ولم تحتفؤا بها بقلا " بفتح المثناتين من فوق بينهما حاء مهملة وبعدها فاء مكسورة ثم همزة مضمومة من الحفاء وهو البردى بضم الموحدة نوع من جيد التمر وضعفه بعضهم بأن البردي ليس من البقول
قال أبو عبيد هو أصل البردي الأبيض الرطب وقد يؤكل
قال أبو عبيد معنى الحديث أنه ليس لكم أن تصطبحوا وتغتبقوا وتجمعوهما مع الميتة فإن الأزهري أنكر هذا على أبي عبيد وفسر أنه أراد إذا لم تجدوا البينة تصطبحونها أو شربا تغتبقونه ولم تجدوا بعد عدم الصبوح والغبوق بقلة تأكلونها حلت لكم الميتة قال وهذا هو الصحيح
قال الخطابي القدح من اللبن بالغداة والقدح بالعشي يمسك الرمق ويقيم النفس وإن كان لا يغدو البدن ولا يشبع الشبع التام وقد أباح لهم من ذلك الميتة فكان دلالته أن تتناول الميتة إلى أن تأخذ النفس جاجتها من القوت كما ذهب إليه مالك والشافعي في أحد قوليه والقول الراجح عند الشافعي هو الاقتصار على سد الرمق كما نقله المزني وصححه الرافعي والنووي وهو قول أبي حنيفة وإحدى الروايتين عن مالك والهادوية . ويدل عليه قوله " هل عندك غني يغنيك " إذا كان يقال لمن وجد سد رمقه مستغنيا لغة وشرعا . واستدل به بعضهم على القول الأول قال لأنه سأله عن الغنى ولم يسأله عن خوفه على نفسه والآية الكريمة قد دلت على تحريم الميتة واستثنى ما وقع الإضرار إليه فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء ولا شك أن سد الرمق يدفع الضرورة وقيل أنه يجوز أكل المعتاد للمضطر في أيام عدم الاضطرار
قال الحافظ وهو الراجح لإطلاق الآية واختلفوا في الحالة التي يحل بها الوصف بالاضطرار ويباح عندها الأكل . فذهب الجمهور إلى أنها الحالة التي يصل به الجوع فيها إلى حد الهلاك أو إلى مرض يفضي إليه . وعن بعض المالكية تحديد ذلك بثلاثة أيام
قال ابن أبي جمرة الحكمة في ذلك أن في الميتة سمية شديدة فلو أكلها ابتداء لأهلكته فشرع له أن يجوع ليصير في بدنه بالجوع سمية هي أشد من سمية الميتة
قوله : " كانوا بالحرة " بفتح الحاء والراء المشدة مهملتين أرض بظاهر المدينة بها حجارة سود
قوله : " فنفقت " بفتح النون والفاء والقاف أي ماتت يقال نفقت الدابة نفوقا مثل قعدت المرأة قعودا إذا ماتت
قوله : " حتى نقدر " بفتح النون وسكون القاف وضم الدال بعده راء مهملة هكذا في النسخ الصحيحة قال قدر اللحم يقدره طبخه في القدر
وفي سنن أبي داود " نقدد اللحم " بدال مهملة مكان الراء وعلى ذلك شرح ابن رسلان فإنه قال أي نجعله قديدا قوله " غني يغنيك " أي تستغني به ويكفيك ويكفي أهلك وولدك عنها
قوله : " استحييت منك " بيائين مثناتين من تحت . ولغة تميم وبكر بن وائل استحيت بفتح الحاء وحذف غحدى الياءين
وقد دلت أحاديث الباب على أنه يجوز للمضطر أن يتناول من الميتة ما يكفيه على خلاف السابق في مقدارما يتناوله ولا أعلم خلافا في الجواز وهو نص القرآن الكريم وهل يجب على المضطر أن يتناول من الميتة حفظا لنفسه قال في البحر في ذلك وجهان . يجب لوجوب دفع الضرر ولا ( 1 ) [ قوله ولا إيثار للورع . أي لا يجب إيثار للورع . ] إيثار للورع واختلفوا في المراد بقوله تعالى { غير باغ } فقيل أي غير متلذذ ولا مجاوز لدفع الضرر وقيل أي غير عاص فمنعوا العاصي من أكل الميتة . وحكى الحافظ في الفتح عن الجمهور أنهم جعلوا من البغي العصيان قالوا وطريقه أن يتوب ثم يأكل وجوزه بعضهم مطلقا ولعله يعني بالبعض القائل بالتفسير الأول (9/24)
باب النهي أن يؤكل طعام الإنسان بغير إذنه (9/24)
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه أيحب أحدكم أن تؤتى مشربته فينتثل طعامه وإنما تخزن لهم ضروع مواشيهم أطعمتهم فلا يحلبن أحد ماشية أحد إلا بإذنه "
- متفق عليه (9/25)
2 - وعن عمرو بن يثربي قال " شهدت خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمني وكان فيما خطب به أن قال ولا يحل لإمرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه قال فلما سمعت ذلك قلت يا رسول الله أرأيت لو لقيت في موضع غنم ابن عمي فأخذت منها شاة فاجتزرتها هل علي في ذلك شيء قال إن لقيتها نعجة تحمل شفرة وأزنادها فلا تمسها " (9/25)
3 - وعن عمير مولى آبي اللحم قال " أقبلت مع سادتي نريد الهجرة حتى إذا دنونا من المدينة قال فدخلوا وخلفوني في ظهرهم فأصابتني مجاعة شديدة قال فمر بي بعض من يخرج من المدينة فقالوا لو دخلت المدينة فأصبت من تمر حوائطها قال فدخلت حائطا فقطعت منه قنوين فأتاني صاحب الحائط وأتى بي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبره خبوي وعلى ثوبان فقال لي أيهما أفضل فأشرت إلى أحدهما فقال خذه وأعط صاحب الحائط الآخر فخلى سبيلي "
- رواهما أحمد (9/25)
- حديث عمر بن اليثربي في إسناده حاتتم بن إسماعيل وفيه خلاف عن عبد الملك بن حسين الجاري فإن يكن هو الكوفي النخعي فضعيف بمرة وإلا فليس من رجال الأمهات . وحديث عمير مولى آبي اللحم في إسناده عبد الرحمن بن إسحاق عن محمد بن زيد وقد قال العجلي يكتب حديثه وليس بالقوي زكذا قال أبو حاتم ونحوه عن البخاري وقال النسائي وابن خزيمة ليس به بأس وقال في مجمع الزوائد إن حديث عمير هذا أخرجه أحمد بإسنادين في أحدهما ابن لهيعة وفي الآخر أبو بكر بن زيد بن المهاجر ذكره ابن أبي حاتم ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلا وبقية رجاله ثقات
قوله : " مشربته " قال في القاموس والمشربة وتضم الراء أرض لينة دائمة النبات والغرفة والعلية والصفة والمشرعة انتهى . والمراد هنا الغرفة التي يجمع بها الطعام شبه صلى الله عليه وآله وسلم ضروع المواشي في حفظها لما فيها من اللبن بالمشربة في حفظها لما فيها من الطعام فكما أن هذه يحفظ فيها الإنسان طعامه فتلك تحفظ له شرابه وهو لبن ماشيته وكما أن الإنسان يكره دخول غير إلى مشربته لأخذ طعامه كذلك يكره حلب غيره لماشيته فلا يحل الجميع إلا بإذن المالك
قوله : " فينتثل طعامه " النثل الاستخراج أي فيستخرج طعامه قال في القاموس نثل الركية ينثلها استخرج ترابها وهي الشيلة والنثالة والكنانة استخرج نبلها ونثرها ودرعه ألقاها عنه واللحم في القدر وضعه فيها مقطعا وامرأة نثول تفعل ذلك كثيرا وعليه درعه صبها انتهى
قوله : " فاجتزرتها " بزاي ثم راء
قوله : " إن رأيتها نعجة تحمل شفرة وأزنادا " هذا فيه مبالغة في المنع من أخذ ملك الغير بغير إذنه وإن كان على حاله مشعرة بأن تلك الماشية معدة للذبح حاملة لما تصلح به من آلة الذبح وهي الشفرة وألة الطبخ وهو الأزناد وهي جمع زند وهو العود الذي يقدح به النار قال في القاموس والجمع زناد وأزانيد وأزناد . ونعجة منصوبة على الحال أي لقيتها حال كونها نعجة حاملة لشفرة وأزناد
قوله : " مولى آبي اللحم " قد تقدم غير مرة أن آبي اللحم اسم فاعل من أبى يأبى فهو آب
قوله : " في ظهرهم " أي في دوابهم التي يسافرون بها ويحملون عليها أمتعتهم
قوله : " وأعط صاحب الحائط الآخر " فيه دليل على تغريم السارق قيمة ما أخذه مما لا يجب فيه الحد وعلى أن الحاجة لا تبيح الإقدام على مال الغير مع وجود ما يمكن الانتفاع به أو بقيمته ولو كان مما تدعو حاجة الإنسان إليه فإنه هنا أخذ أحد ثوبيه ودفعه إلى صاحب النخل (9/26)
باب ما جاء من الرخصة في ذلك لابن السبيل إذا لم يكن حائط ولم يتخذ خبنة (9/26)
1 - عن ابن عمر " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من دخل حائطا فليأكل ولا يتخذ خبنة "
- رواه الترمذي وابن ماجه (9/26)
2 - وعن عبد الله بن عمر قال " سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يدخل الحائط فقال يأكل غير متخذ خبنة "
- رواه أحمد (9/27)
3 - وعن الحسن عن سمرة بن جندب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أتى أحدكم على ماشية فإن كان فيها صاحبها فليستأذنه فإن لم يجبه أحد فليحتلب وليشرب ولا يحمل "
- رواه أبو داود والترمذي وصححه
وقال ابن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح (9/27)
4 - وعن أبي نضرة عن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أتى أحدكم بابل فأراد أن يشرب من ألبانها فليناد يا صاحب الإبل أو يا راعي الإبل فإن أجابه وإلا فليشرب "
- رواه أحمد وابن ماجه (9/27)
- حديث ابن عمر الأول والثاني هما حديث واحد ولكن المصنف أوردهما هكذا اختلاف اللفظ
وقال الترمذي بعد إخراجه في البيوع غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه وحديث سمرة قال الترمذي بعد إخراجه حديث سمرة حسن صحيح غريب والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وبه يقول أحمد وإسحاق وقال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وقد تكلم بعض أهل الحديث في رواية الحسن عن سمرة وقالوا إنما يحدث عن صحيفة سمرة انتهى . وحديث أبي سعيد أخرجه أيضا أبو يعلى وابن حبان والحاكم والمقدسي
وفي الباب عن رافع عند الترمذي وأبي داود قال " كنت أرمي نخل الأنصار فأخذوني فذهبوا بي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رافع لم ترمي نخلهم قال قلت يا رسول الله الجوع قال لا ترم وكل ما وقع أشبعك وأرواك " وعند أبي داود والنسائي من حديث شرحبيل بن عباد في قصة مثل قصة رافع وفيها " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لصاحب الحائط ما علمت إذا كان جاهلا ولا أطعمت إذا كان جائعا " قوله . " في ترجمة الباب " إذا لم يكن حائط قال في النهاية الحائط البستان منه النخيل إذا كان عليه حائط وهو الجدار وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب مخالف لما قيد به المصنف الترجمة فلعله أراد بقوله إذا لم يكن حائط أي جدار يمنع الدخول إليه بحرزو طرقه لما في ذلك من الأشعار بعدم الرضا وكأنه حمل الأحاديث على ما ليس كذلك ولا ملجئ إلى هذا بل الظاهر الإطلاق وعدم التقييد
قوله : " ولا يتخذ خبنة " بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وبعدها نون وهي ما تحمله في حضنك كما في القاموس وهذا الإطلاق في حديث ابن عمر مقيد بما في حديث أبي سعيد المذكور من الأمر بالنداء ثلاثا . وحديث سمرة في الماشية ليس فيه إلا مجر بالاستئذان بدون تقييد بكونه ثلاثا وكذلك حديث أبي سعيد فإنه لم يذكر في الماشية إلا مجرد النداء ولم يقيده بكونه ثلاثا ( وظاهر أحاديث ) الباب جواز الأكل من حائط الغير والشرب من ماشيته بعد النداء المذكور من غير فرق بين أن يكون مضطرا إلى الأكل أم لا لأنه إنما قال إذا دخل وإذا أراد أن يأكل ولم يقيد الأكل بحد ولا خصه بوقت فالظاهر جواز تناول الكفاية والممنوع إنما هو الخروج بشيء من ذلك من غير فرق بين القليل والكثير
قال العلامة المقبلي في الأبحاث بعد ذكر حديث أبي سعيد ما لفظه وفي معناه عدة أحاديث تشهد لصحته ووجه موافقته للقانون الشرعي ظاهر فيمن له حق الضيافة كابن السبيل وفي ذي الحاجة مطلقا وسياقات الحديث تشعر بالاختصاص بمن هو كذلك فهو المتيقن وأما الغني الذي ايس له حق الضيافة فمشكوك فيه فيبقى على المنع الأصلي فإن صحت إرادته بدليل خاص كقضية فيها ذلك كان مقبولا وتكون مناسبته ما في اللبن والفاكهة من الندرة إذ لا يوجد في كل حال مع مسارع النفس إليها والعرف شاهد بذلك حتى أنه يذم من ضن بهما ويبخل وهو خاصة الوجوب فهو من حق المال غير الصدقة وهذا يرجح بقاء الحديث على عمومه إذ لا معنى للاقتصار مع ظهور العموم وفي المنتهى من فقه الحنابلة ومن مر بثمرة بستان لاحائط عليه ولا ناظر فله الأكل ولو بلا حاجة مجانا لا صعود شجرة أو رميه بشيء ولا يحمل ولا يأكل من جني مجموع إلا بضرورة وكذا زرع قائم وشرب لبن ماشية وألحق جماعة بذلك باقلا وحمصا أخضر من المنفتح وهو قوي انتهى ( وأحاديث الباب ) مخصصة للحديث المذكور في الباب الأول ومخصصة أيضا لحديث ليس في المال حق سوى الزكاة وهو من حديث فاطمة بنت قيس مع أنه قد ثبت في الترمذي من حديثها بلفظ " في المال حق سوى الزكاة " بدون لفظ ليس . ومن جملة المخصصات لحديث " ليس في المال حق سوى الزكاة " ما ورد في الضيافة وفي سد رمق المسلم ومنها وآتوا حقه يوم حصاده (9/28)
باب ما جاء في الضيافة (9/28)
1 - عن عقبة بن عامر قال " قلت يا رسول الله إنك تبعثني فننزل بقوم لا يقرونا فما ترى فقال إن نزلتم بقوم فأمروا لكم بما ينبغي للضيف فاقبلوا وإن لم يفعلوا فخذوا منهم حق الضيف الذي ينبغي لهم " (9/28)
2 - وعن أبي شريح الخزاعي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه جائزته قالوا وما جائزته يا رسول الله قال يوم وليلة والضيافة ثلاثة أيام فما كان وراء ذلك فهو صدقة ولا يحل له أن يثوي عنده حتى بحرجه "
- متفق عليهما (9/29)
3 - وعن المقدام أبي كريمة أنه سمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " ليلة الضيف واجبة على كل مسلم فإن أصبح بفنائه محروما كان دينا له عليه إن شاء اقتضاه وإن شاء تركه " وفي لفظ " من نزل بقوم فعليهم أن يقروه فإن لم يقروه فله أن يعقبهم بمثل قراه "
- رواهما أحمد وأبو داود (9/29)
4 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أيما ضيف نزل بقوم فأصبح الضيف محروما فله أن يأخذ بقدر قراه ولا حرج عليه "
- رواه أحمد (9/29)
- حديث المقدام سكت عنه أبو داود هو والمنذري قال الحافظ في التلخيص وإسناده على شرط الصحيح وله أيضا من حديثه " أيما رجل أضاف قوما فاصبح الضيف محروما فإن نصره حق على كل مسلم حتى يأخذ بقرى ليلة من زرعه وماله " قال الحافظ وإسناده صحيح . وعن أبي هريرة عند أبي داود والحاكم بسند صحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال الضياف ثلاثة أيام فما سوى ذلك فهو صدقة " وعن شقيق بن سلمة عند الطبراني في الأوسط قال " دخلنا على سلمان فدعا بماء كان في البيت وقال لولا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التكلف للضيف لتكلفت لكم . وحديث أبي هريرة المذكور في الباب قال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات ( وفي الباب ) عن عائشة أشار إليه الترمذي
قوله : " لا يقرونا " بفتح أوله من القرى أي لا يضيفونا
قوله : " بما ينبغي للضيف " أي من الإكرام بما لا بد منه من طعام وشراب وما يلتحق بهما
قوله : " فخذوا منهم حق الضيف " الخ قال الخطابي إنما كان يلزم ذلك في زمنه صلى الله عليه وآله وسلم حيث لم يكن بيت مال وأما اليوم فأرزاقهم في بيت المال لا حق لهم في أموال المسلمينز وقال ابن بطال قال أكثرهم أنه كان هذا في أول الإسلام حيث كانت المواساة واجبة وهو منسوخ بقوله جائزته كما في حديث الباب الواو الجائزة تفضل لا واجب قال ابن رسلان قال بعضهم المراد أن لكم أن تأخذوه من أعراض من لم يضيفكم بألسنتكم وتذكروا للناس لؤمهم والعيب عليهم وهذا من المواضع التي يباح فيها الغيبة كما أن القادر المماطل بالدين مباح عرضه وعقوبته وحمله بعضهم على أن هذا كان في أول الإسلام وكانت المواساة واجبة فلما اتسع الإسلام نسخ ذلك
قال النووي وهذا تأميل ضعيف أو باطل لأن هذا الذي إدعاه قائله لا يعرف انتهى
وقد تقدم ذكر قائله قريبا فتعليل لضعف أو البطلان بعدم معرفة القائل ضعيف أو باطل بل الذي ينبغي عليه التعويل في ضعف هذا التأويل هو أن تخصيص ما شرعه صلى الله عليه وآله وسلم لأمته بزمن من الأزمان أو حال من الأحوال لا يقبل إلا بدليل ولم يقم ههنا دليل على تخصيص هذا الحكم بزمن النبوة وليس فيه مخالفة للقواعد الشرعية لأن مؤنة الضيافة بعد شرعتها قد صارت لازمة للمضيف لكل نازل عليه فللنازل مطالبة بهذا الحق الثابت شرعا كالمطالبة بسائر الحقوق فإذا أساء إليه واعتدى عليه بإهمال حقه كان له مكافأته بما أباحه له الشارع في هذا الحديث وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدي عليكم
قوله : " ما كان يؤمن بالله " الخ قيل المراد من كان يؤمن الإيمان الكامل المنجي من عذاب الله الموصل إلى رضوانه ويؤمن بيوم القيامة الآخر استعد له واجتهد في فعل ما يدفع به أهواله ومكارهه فيأمر بما أمر به وينتهي عما نهى عنه . ومن جملة ما أمر به إكرام الضيف وهو القادم من السفر النازل عند المقيم وهو يطلق على الواحد والجمع والذكر والأنثى
قال ابن رسلان والضيافة من مكارم الأخلاق ومحاسن الدين وليست واجبة عند عامة العلماء خلافا لليث بن سعد فإنه أوجبها ليلة واحدة وحجة الجمهور لفظ جائزته المذكورة فإن الجائزة هي العطية والصلة التي أصلها على الندب وقلما يستعمل هذا اللفظ في الواجب قال العلماء معنى الحديث الاهتمام بالضبف في اليوم والليلة وإتحافه بما يمكن من برو الطاف انتهى
والحق وجوب الضيافة لأمور
الأول إباحة العقوبة بأخذ المال لمن ترك ذلك وهذا لا يكون في غير واجب
والثاني التأكد البالغ يجعل ذلك فرع الإيمان بالله واليوم الآخر ويفيد أن فعل خلافه فعل من لا يؤمن بالله واليوم الآخر ومعلوم أن فروع الإيمان مأمور بها ثم تعليق ذلك بالإكرام وهو أخص من الضيافة فهو دال على لزومها بالأولي
والثالث قوله فما كان وراء ذلك فهو صدقة فإنه صريح إن ما قبل ذلك غير صدقة بل واجب شرعا
قال الخطابي يريد أن يتكلف له في اليوم الأول ما اتسع له من بر وألطاف ويقدم له في اليوم الثاني ما كان بحضرته ولا يزيد على عادته فما جاوز الثلاث فهو معروف وصدقة إن شاء فعل وإن شاء ترك
وقال ابن الأثير الجائزة العطية أي يقري ضيفه ثلاثة أيام ثم يعطيه ما يجوز به مسافة يوم وليلة
والرابع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليلة الضيف حق واجب " فهذا تصريح بالوجوب لم يأت ما يدل على تأويله
والخامس قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث المقدام الذي ذكرناه " فإن نصره حق على كل مسلم " فإن ظاهر هذا وجوب النصرة وذلك فرع وجوب الضيافة إذا تقرر هذا تقرر ضعف ما ذهب إليه الجمهور وكانت أحاديث الضيافة مخصصة لأحاديث حرمة الأموال إلا بطيبة الأنفس . ولحديث " ليس في المال حق سوى الزكاة "
ومن التعسفات حمل أحاديث الضيافة على سد الرمق فإن هذا مما لم يقم عليه دليل ولا دعت إليه حاجة وكذلك تخصيص الوجوب بأهل الوبر دون أهل المدن استدلالا بما يروى أن الضيافة على أهل الوبر
قال النووي وغيره من الحفاظ أنه حديث موضوع لا أصل له
قوله : " أن يثوي " بفتح أوله وسكون المثلثة أي يقيم
قوله : " حتى يحرجه " بضم أوله وسكون الحاء المهملة أي يوقعه في الحرج وهو الإثم لأنه قد يكدره فيقول هذا الضيف ثقيل أو ثقل علينا بطول إقامته أو يتعرض له بما يؤذيه أو يظن به ما لا يجوز قال النووي وهذا كله محمول على ماذا أقام بعد الثلاث بغير استدعائه وأما إذا استدعاه وططلب منه إقامته أو علم أو ظن منه محبة الزيادة على الثلاث أو عدم كراهته فلا بأس بالزيادة لأن النهي إنما جاء لأجل كونه يؤثمه فلو شك في حال المضيف هل تكره الزيادة ويلحقه بها حرج أم لا لم يحل له الزيادة على الثلاث لظاهر الحديث
قوله : " ليلة الضيف " أي ويومه بدليل الحديث الذي قبله
قوله : " بفنائه " بكسر الفاء وتخفيف النون ممدودا وهو المتسع أمام الدار وقيل ما امتد من جوانب الدار جمعه أفنية
قوله : " فله أن يعقبهم " الخ قال الإملم أحمد في تفسير ذلك أي للضيف أن يأخذ من أرضهم وزرعهم بقدر ما يكفيه بغير إذنهم وعنه رواية أخرى . أن الضيافة على أهل القرى دون الأمصار . وإليه ذهبت الهادوية وقد تقدم تحقيق ما هو حق (9/30)
باب الأدهان تصيبها النجاسة (9/30)
1 - عن ميمونة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال ألقوها وما حولها وكلوا سمنكم "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي
وفي رواية سئل عن الفأرة تقع في السمن " فقال إن كان جامدا فألقوها وما حولها وإن كان مائعا فلا تقربوه " . رواه أبو داود والنسائي (9/30)
2 - وعن أبي هريرة قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن فأرة وقعت في سمن فماتت فقال إن كان جامدا فخذوها وما حولها ثم كلوا ما بقي وإن كان مائعا فلا تقربوه "
- رواه أحمد وأبو داود (9/31)
- حديث أبي هريرة قال الترمذي هو حديث غير محفوظ سمعت محمد بن إسماعيل يعني البخاري يقول هذا خطأ قال والصحيح حديث الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس عن ميمونة يعني الحديث الذي قبله
قال في الفتح وجزم الذهلي بأن الطريقين صحيحان وقد قال أبو داود في روايته عن الحسن بن علي قال الحسن وربما حدث به معمر عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس عن ميمونة وأخرجه النسائي عن خشيش بن أصرم عن عبد الرزاق . وذكر الإسماعيلي أن الليث رواه عن الزهري عن سعيد بن المسيب قال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن فارة وذكر الحديث
وأما الزيادة في حديث ميمونة التي زادها أبو داود والنسائي فصححها ابن حبان وغيره
قال " فماتت " استدل بهذا الحديث لإحدى الروايتين عن أحمد أن المائع إذا حلت فيه النجاسة لا ينجس إلا بالتغير وهو اختيار البخاري ووجه الاستدلال ما قاله ابن العربي متمسكا بقوله وما حولها على أنه كان جامدا قال لأنه لو كان مائعا لم يكن له حول لأنه لو نقل من جانب خلفه غيره في الحال فيصير مما حوله فيحتاج إلى إلقائه كله فما بقي إلا اعتبار ضابط كلي في المائع وهو لتغير ولكنه يدفع هذا ما في الرواية الأخيرة من حديث ميمونة وما في حديث أبي هريرة المذكور من التفرقة بين الجامد والمائع وتبيين حكم كل واحد منهما وضابط المائع عند الجمهور أن يتراد بسرعة إذا أخذ منه شيء واستدل بقوله فماتت على أن تأثيرها إنما يكون بموتها فيه وإذا وقعت فيه وخرجت بلا موت لم يضر وما عدا الفارة ملحق بها وكذلك ما يشابه السمن ملحق فلا عمل بمفهومهما . وجمد ابن حزم على عادته قال فلو وقع غير جنس الفارة من الدواب في مائع لم ينجس إلا بالتغير ولم يرد في طريق صحيحة تقدير ما يلقى
وقد أخرج ابن أبي شيبة من مرسل عطاء بن يسار أنه يكون قدر الكف وسنده جيد لولا إرساله
وأما ما أخرجه الطبراني عن أبي الدرداء مرفوعا من التقييد في المأخوذ منه بثلاث غرفات بالكفين فسنده ضعيف ولو ثبت لكان ظاهرا في المائع . واستدل بقوله في لمائع فلا تقربوه على أنه لا يجوز الانتفاع به في غير الأكل كالشافعية أو أجاز بيعه كالحنفية إلى الجواب عن الحديث فإنهم احتجوا به في التفرقة بين الجامد والمائع
وأما الاحتجاج بما عند البيهقي من حديث ابن عمر بلفظ " إن كان السمن مائعا انتفعوا به ولا تأكلوه " وعنده من رواية ابن جريح مثله فالصحيح أنه موقوف وعند البيهقي أيضا عن ابن عمر في فارة وقعت في زيت فقال استصبحوا به وادهنوا به أدمكم وهذا السند على شرط الشيخين لأنه من طريق الثوري عن أيوب عن نافع عنه إلا أنه موقوف . واستدل بالحديث على أن الفارة طاهرة العين وأغرب ابن العربي فحكى عن الشافعي وأبي حنيفة أنها نجسة (9/31)
باب آداب الأكل (9/31)
1 - عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أكل أحدكم طعاما فليقل بسم الله على أوله وآخره "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه (9/32)
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وهو من حديث عبد الله بن عبيد عن امرأة منهم يقال لها أم كلثوم عن عائشة ولم يقل الترمذي عن امرأة منهم إنما قال عن أم كلثوم ووقع في بعض رواياته أم كلثوم الليثية وهو الأشبه لأن عبيد بن عمير ليثي
وقد أخرج أبو بكر بن أبي شيبة هذا الحديث في مسنده عن عبد الله بن عبيد بن عمير عن عائشة ولم يذكر فيه أم كلثوم
وفي الباب عن جابر عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إذا دخل الرجل بيته فذكر الله عند دخوله وعند طعامه قال الشيطان لآمبيت لكم ولا عشاء إذا وإذا دخل ولم يذكر الله عند دخوله قال الشيطان أدركتم المبيت فإذا لم يذكر الله عند طعامه قال أدركتم المبيت والعشاء " وعن حذيفة بن اليمان عند مسلم وأبي داود والنسائي قال " كنا إذا حضرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما لم يضع أجدنا يده في الطعام حتى يبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنا حضرنا معه طعاما فجاء أعرابي كأنما يدفع فذهب ليضع يده في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده ثم جاء جارية كأنما تدفع فذهبت لتضع يدها في الطعام فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدها وقال إن الشيطان ليستحل الطعام الذي لم يذكر اسم الله عليه وإنه جاء بهذا الأعرابي ليستحل بيده فأخذت بيده وجاء بهذه الجارية ليستحل بيدها فأخذت بيدها والذي نفسي بيده إن يده لفي يدي مع أيديهما " وأخرج الترمذي عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل طعاما في ستة من أصحابه فجاء أعرابي فأكل بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إما أنه لو سمى لكفى لكم " وقال حديث حسن وأخرج ابن السني عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نسي أن يذكر الله في أول طعامه فليقل حين يذكر بسم الله أوله وآخره فإنه يستقبل طعاما جديدا ويمنع الخبيث مما كان يصيب منه
وفي الباب أيضا عن عمر بن أبي سلمة وسيأتي
وفي هذه الأحاديث دليل على مشروعية التسمية للأكل وإن نسي بقول في أثنائه بسم الله على أوله وآخره وكذا التارك لتسمية عمدا يشرع له التدارك في أثنائه
قال في الهدي والصحيح وجوب التسمية عند الأكل وهو أحد الوجهين لأصحاب أحمد وأحاديث الأمر بها صحيحة صريحة لامعارض لها ولا إجماع يسوغ مخالفتها ويخرجها عن ظاهرها وتاركها يشركه الشيطان في طعامه وشرابه اه . والذي عليه الجمهور من السلف والخلف من المحدثين وغيرهم أن أكل الشيطان محمول على ظاهره وأن للشيطان يدين ورجلين وفيهم ذكر وأنثى وأنه يأكل حقيقة بيده إذا لم يدفع وقيل إن أكلهم على المجاز والاستعارة وقيل أن أكلهم شم واسترواح ولا ملجئ إلى شيء من ذلك
وقد ثبت في الصحيح كما سيأتي أن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله وروى عن وهب بن منبه أنه قال الشياطين أجناس فخالص الجن لا يأكلون ولا يشربون ولا يتناكحون وهم ريح ومنهم جنس يفعلون ذلك كله ويتوالدون وهم السعالى والغيلان ونحوهم (9/32)
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يأكل أحدكم بشماله ولا يشرب بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (9/32)
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البركة تنزل في وشط الطعام فكلوا من حافتيه ولا تأكلوا من وسطه "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه (9/33)
4 - وعن عمر أن أبي سلمة قال كنت غلاما في حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي " يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك "
- متفق عليه (9/33)
5 - وعن أبي جحيفة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما أنا فلا آكل متكئا "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي (9/33)
- قوله " لا يأكل أحد بشماله " فيه النهي عن الأكل والشرب بالشمال والنهي حقيقة في التحريم كما قرر في الأصول ولا يكون لمجرد الكراهة إلا مجازا مع قيام صارف
قال النووي وهذا إذا لم يكن عذر فإن كان عذر بمنع الأكل أو الشرب باليمين من مرض أو جراحة أو غير ذلك فلا كراهة في الشمال
قوله : " فإن الشيطان يأكل " الخ إشارة إلى أنه ينبغي اجتناب الأفعال التي تشبه أفعال الشيطان وقد تقدم الخلاف هل ذلك على الحقيقة أم على المجاز
قوله : " البركة تنزل في وسط الطعام " لفظ أبي داود " إذا أكل أحدكم طعاما فلا يأكل من أعلى الصفحة ولكن ليأكل من أسفلها فإن البركة تنزل من أعلاها " وفيه مشروعية الأكل من جوانب الطعام قبل وسطه قال الرافعي وغيره يكره أن يأكل من أعلى الثريد ووسط القصعة ويأكل مما يلي أكيله ولا بأس بذلك في الفواكه . وتعقبه الأسنوي بأن الشافعي نص على التحريم فإن لفظه في الأم فإن أكل مما يليه أو من رأس الطعام أثم بالفعل الذي فعله إذا كان عالما واستدل بالنهي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأشار إلى هذا الحديث قال الغزالي وكذا لا يأكل من وسط الرغيف بل من استدارته إلا إذا قل الخبز فليكسر الخبز والعلة في ذلك ما في الحديث من كون البركة تنزل في وسط الطعام
قوله : " تطيش " بكسر الطاء وبعدها مثناة تحتية ساكنة أي تتحرك وتمتد إلى نواحي الصفحة ولا تقتصر على موضع واحد
قال النووي والصفحة دون القصعة وهي ما تسع ما يشبع خمسة والقصعة ما تشبع عشرة كذا قال الكسائي فيما حكاه الجوهري وغيره عنه
وقيل الصفحة كالقصعة وجمعها صحاف
قال النووي أيضا وفي هذا الجديث ثلاث سنن من سنن الأكل . وهي التسمية . والأكل باليمين وقد سبق بيانهما . والثالثة الأكل مما يليه لأن أكله من موضع يد صاحبه سوء عشرة وترك مروءة قد يتقذر صاحبه ولا سيما في الأمراق وشبهها وهذا في الثريد والأمراق وشبههما فإن كان تمرا وأجناسا فقد نفلوا إباحة اختلاف الأيدي في الطبق ونحوه والذي ينبغي تعميم النهي حاملا للنهي على عمومه حتى يثبت دليل مخصص والله أعلم
قوله : " أما أنا فلا آكل متكئا " سبب هذا الحديث قصة الأعرابي المذكور في حديث عبد الله بن يسر عند ابن ماجه والطبراني بإسناد حسن قال " أهديت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم شاة فجثى على ركبتيه يأكل فقال له الأعرابي ما هذه الجلسة فقال إن الله جعلني عبدا كريما ولم يجعلني جبارا عنيدا " قال ابن بطال إنما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك تواضعا لله . ثم ذكر من طريق أيوب عن الزهري قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ملك لم يأته قبلها فقال إن ربك يخيرك بين أن تكون عبدا نبيا أو ملكا نبيا قال فنظر إلى جبريل كالمستشير له فأموأ إليه أن تواضع فقال بل عبدا نبيا قال فما أكل متكئا " اه وقال الحافظ وهذا مرسل أو معضل وقد وصله النسائي من طريق الزبيدي عن الزهري عن محمد بن عبد الله بن عباس قال كان ابن عباس يحدث فذكر نحوه
وأخرج أبو داود من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص قال ما رؤي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل متكئا قط
وأخرج ابن أبي شيبة عن مجاهد قال ما أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم متكئا إلا مرة ثم نزع فقال " اللهم إني عبدك ورسولك " وهذا مرسل ويمكن الجمع بأن تلك المرة التي في أثر مجاهد ما اطلع عليها عبد الله بن عمرو
وقد أخرج ابن شاهين في ناسخه من مرسل عطاء بن يسار أن جبريل رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل متكئا فنهاه
ومن حديث أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما نهاه جبريل عن الأكل متكئا لم يأكل متكئا بعد ذلك واختلف في صفة الإتكاء فقيل أن يتمكن في الجلوس للأكل على أي صفة كان وقيل أن يميل على أحد شقيه وقيل أن يعتمد على يده اليسرى من الأرض
قال الخطابي يحسب العامة أن المتكئ هو الآكل على أحد شقيه وليس كذلك بل هو المعتمد على الوطأ عند الأكل لأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال إني أذم من يستكثر من الطعام فإني لا آكل إلا البلغة من الزاد فلذلك أقعد مستوفزا
وفي حديث أنس " أنه صلى الله عليه وآله وسلم أكل تمرا وهو مقع " والمراد الجلوس على وركيه غير متمكن
وأخرج ابن عدي بسند ضعيف " زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يعتمد الرجل على يده اليسرى عند الأكل " قال مالك هو نوع من الإتكاء
قال الحافظ وفي هذا إشارة من مالك إلى كراهة ما يعد الآكل فيه متكئا ولا يختص بصفة بعينها . وجزم ابن الجوزي في تفسير الإتكاء بأنه الميل على أحد الشقين ولم يلتفت لإنكار الخطابي ذلك وحكى ابن الأثير أن من فسر الإتكاء بالميل على أحد الشقين تأويله على مذهب الطب بأنه لا ينحدر في مجاري الطعام سهلا ولا يسيغه هنيئا . واختلف السلف في حكم الأكل متكئا فزعم ابن القاص أن ذلك من الخصائص النبوية وتعقبه البيهقي فقال يكره لغيره ايضا لأنه من فعل المتعظمين وأصله مأخوذ من ملوك العجم قال فإن كان بالمرء مانع لا يتمكن معه الآكل إلا متكئا لم يكن في ذلك كراهة ثم ساق عن جماعة من السلف أنهم أكلوا كذلك وأشار إلى حمل ذلك عنهم على الضرورة وفي الحمل نظر
وقد أخرج ابن أبي شيبة عن ابن عباس وخالد بن الوليد وعبيدة السلماني ومحمد بن سيرين وعطاء بن يسار والزهري جواز ذلك مطلقا وإذا ثبت كونه مكروها أو خلاف الأولي فالمستحب في صفة الجلوس للأكل أن يكون جاثيا على ركبتيه وظهور قدميه أو ينصب الرجل اليمنى ويجلس على اليسرى واستثنى الغزالي من كراهة الأكل مضطجعا أكل البقل واختلف في علة الكراهة وأقوى ما ورد في ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق إبراهيم النخعي قالوا كانوا يكرهون أن يأكلوا تكأة مخافة أن تعظم بطونهم وإلى ذلك تشير بقية ما ورد من الأخبار . ووجه الكراهة فيه ظاهر وكذلك ما أشار إليه ابن الأثير من وحه الطب (9/34)
6 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا طعم طعاما لعق أصابعه الثلاث وقال إذا وقعت لقمة أحدكم فليمط عنها الأذي وليأكلها ولا يدعها للشيطان وأمرنا أن نسلت القصعة وقال إنكم لا تدرون في أي طعامكم البركة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (9/34)
7 - وعن المغيرة بن شعبة قال " ضفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة فأمر بجنب فشوى قال فأخذ الشفرة فجعل يحتز لي بها منه "
- رواه أحمد (9/34)
8 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى بعض حجر نسائه فدخل ثم أذن لي فدخلت فقال فقال هل من غداء فقالوا نعم فأتى بثلاثة أقرصة فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قرصا فوضعه بين يديه وأخذ قرصا آخر فوضعه بين يدي ثم أخذ الثالث فكسره باثنتين فجعل نصفه بين يديه ونصفه بين يدي ثم قال هل من أدم قالوا لا إلا شيء من خل قال هاتوه فنعم الأدم هو "
- رواه أحمد ومسلم (9/35)
- حديث المغيرة بن شعية أخرجه أيضا أبو داود والترمذي وابن ماجه ولفظ أبي داود في باب ترك الوضوء مما مست النار عن المغيرة بن شعبة قال " ضفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ليلة فأمر بجنب فشوى فأخذ الشفرة فجعل يحز لي بها منه قال فجاء بلال فآذنه بالصلاة قال فالقى السكين وقال ماله تربت يداه وقام يصلي " زاد الأنباري " وكان بشاربي وفاء فقصه على سواك أو قال أقصه لك على سواك "
قوله : " لعق أصابعه " فيه استحباب لعق الأصابع محافظة على بركة الطعام وتنظيفا وسيأتي تمام الكلام على ذلك
وفيه استحباب الأكل بثلاث أصابع ولا يضم إليا الرابعة والخامسة إلا اعذر بأن يكون مرقا أو غيره مما لا يمكن بثلاث وغير ذلك من الأعذار
قوله : " فليمط عنها الأذى " فيه مشروعية أكل اللقمة الساقطة بعد مسح أذى يصيبها هذا إذا لم تقع على موضع نجس ولا بد من غسلها إن أمكن فإن تعذر قال النووي أطعمها حيوانا ولا يتركها للشيطان
قوله : " أن نسلت القصعة " قال الخطابي سلت القصعة تتبع ما يبقى فيها من الطعام وفيه أن لعق القصعة مشروع والعلة في ذلك ما ذكرناه عقبه أنهم لا يدرون في أي طعامهم البركة أي أن الطعام الذي يحضر الإنسان فيه بركة ولا يدري هل البركة فيما أكل أو فيما بقي على أصابعه أو فيما بقي في أسفل القصعة أو في اللقمة الساقطة فينبغي أن يحافظ على هذا كله لتحصل البركة وأصل البركة الزيادة وثبوت الخير والإمتاع به
قوله : " ضفت النبي صلى الله عليه وآله وسلم " بكسر الضاد المعجمة من ضاف يضيف مثل باع يبيع وقال في النهاية ضفت الرجل إذا نزلت به في ضيافته
وقال في الضياء إذا تعرض به ليضيفه قال في النهاية وأضفته إذا أنزلته وتضيفه إذا نزلت به
قوله : " فأخذ الشفرة فجعل يحتز لي بها " فيه دليل على جواز قطع اللحم بالسكين
وقد أخرج أبو داود عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقطعوا اللحم بالسكين فإنه من صنع الأعاجم وانهشوه فهو أهنأ وأمرأ " ويؤيد حديث الباب ما رواه البخاري وغيره من حديث عمرو بن أمية الضمري أنه " رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحتز من كتف شاة فدعي إلى الصلاة فألقى السكين فصلى ولم يتوضأ " على أن حديث عائشة المذكور في إسناده أبو معشر السندي المدني واسمه نجيح كان يحيى بن سعيد القطان لا يحدث عنه ويستضعفه جدا ويضحك إذا ذكره غيره
قال المنذري وتكلم فيه غير واحد من الأئمة وقال النسائي أبو معشر له أحاديث مناكير منها هذا . ومنها عن أبي هريرة ما بين المشرق والمغرب قبلة وأما أحمد بن حنبل فقال صدوق وعلى كل حال فحديث عائشة لا يعادل ما عارضه من حديث عمرو بن أمية وحديث الباب ويروي عن الإمام أحمد أنه سئل عن حديث عائشة فقال ليس بمعروف
قوله : " فأخذ قرصا " الخ فيه استحباب التسوية بين الحاضرين على الطعام وإن كان بعضهم أفضل من بعض
قوله : " هل من أدم " قال أهل اللغة الإدام بكسر الهمزة ما يؤتدم به قال أدم الخبز يأدمه بكسر الدال وجمع الأدام أدم بضم الهمزة كأهاب وأهب وكتاب وكتب والأدام بإسكان الدال مفرد كالأدام كذا قال النووي قال الخطابي والقاضيي عياض معنى الحديث مدح الاقتصار في المأكل ومنع النفس عن ملاذ الأطعمة تقديره ائتدموا بالخل وما في معناه مما تخف مؤنته ولا يعز وجوده ولا تتأنقوا في الشهوات فإنها مفسدة للدين مقسمة للبدن
قال النووي والصواب الذي ينبغي أن يجزم به أنه مدح للخل نفسه
وأما الاقتصار في المطعم وترك الشهوات فمعلوم من قواعد أخر
قال وأما قول جابر فما زلت أحب الخل مذ سمعتها من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهو كقول أنس ما زلت أحب الدباء وهذا يؤيد ما قلناه في معنى الحديث أنه مدح للخل نفسه وقد كررنا مرات أن تأويل الراوي إذا لم يخالف الظاهر يتعين المصير إليه والعمل به عند جماهير العلماء من الفقهاء والأصوليين وهذا كذلك بل تأويل الراوي هنا هو ظاهر اللفظ فيتعين اعتماده اه وقيل وهو الصواب أنه ليس فيه تفضيل على اللحم واللبن والعسل والمرق وإنما هو مدح له في تلك الحال التي حضر فيها ولو حضر لحم أو لبن لكان أولى بالمدح منه (9/35)
9 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو " أن رجلا من قومه يقال له أبو شعيب صنع للنبي صلى الله عليه وآله وسلم طعاما فأرسل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أئتنى أنت وخمسة معك قال فبعث إليه أن إئذن لي في سادس "
- متفق عليه (9/35)
10 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أكل أحدكم طعاما فلا يمسح يده حتى يلعقها أو يلعقها "
- متفق عليه ورواه أبو داود وقال فيه بالمنديل (9/36)
11 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بلعق الأصابع والصحفة وقال إنكم لا تدرون في إي طعامكم بركة "
- رواه أحمد ومسلم (9/36)
12 - وعن نبيشة الخير " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي (9/36)
13 - وعن جابر أنه سئل عن الوضوء مما مسته النار فقال لا " لقد كنا في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نجد مثل ذلك من الطعام إلا قليلا فإذا نحن وجدناه لم يكن لنا مناديل إلا أكفنا وسواعدنا وأقدامنا ثم نصلي ولا نتوضأ "
- رواه البخاري وابن ماجه (9/37)
14 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بات وفي يده غمر ولم يغسله فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه "
- رواه الخمسة إلا النسائي (9/37)
- حديث نبيشة الخير رواه الترمذي من طريق نصر بن علي الجهضمي قال أخبرنا أبو اليمان المعلى بن راشد قال حدثتني جدتي أم عاصم وكانت أم ولد لسنان ابن سلمة قالت دخل علينا نبيشة الخير ونحن نأكل في قصعة فحدثنا " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أكل في قصعة ثم لحسها استغفرت له القصعة " قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث المعلى بن راشد وقد روى يزيدج بن هرون وغير واحد من الأئمة عن المعلى بن راشد هدا الحديث اه وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح وأخرجه الترمذي معلقا وأخرجه الضياء من حديث سعيد المقبري عن ابن هريرة وقال غريب
وأخرجه أيضا من حديث الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة وقال حسن غريب لا نعرفه من حديث الأعمش إلا من هذا الوجه
قوله : " فبعث إلي أن أتأذن لي في السادس " فيه أن المدعو إذا تبعه رجل من غير استدعاء ينبغي له أن لا يأذن له ولا ينهاه وإذا بلغ باب دار صاحب الطعام أعلمه به ليأذن له أو يمنعه وإن صاحب الطعام يستحب له أن يأذن له إن لم يترتب على حضوره مفسدة بأن يؤذي الحاضرين أو يشيع عنهم ما يكرهونه أو يكون جلوسه معهم مزريا بهم لشهرته بالفسوق ونحو ذلك فإن خيف من حضوره شيء من هذا لم يأذن له ويجب أن يتلطف في رده ولو بإعطائه شيئا من الطعام إن كان يليق به ليكون ردا جميلا كذا قال النووي
قوله : " فلا يمسح يده " يحتمل أن يكون أطلق اليد على الأصابع الثلاث لما تقدم من حديث أنس بلفظ " لعق أصابعه الثلاث " وفي مسلم من حديث كعب بن مالك بلفظ " يأكل بثلاث أصابع فإذا فرغ لعقها " ويحتمل أن يطلق على جميع أصابع اليد لأن الغالب إتصال شيء من آثار الطعام بجميعها ويحتمل أن يكون المراد باليد الكف كلها
قال الحافظ وهو الأولي فيشمل الحكم من أكل بكفه كلها أو بأصابعه فقط أو ببعضها وقال ابن العربي في شرح الترمذي يدل على الأكل بالكف كلها أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعرق العظم وينهش اللحم ولا يمكن ذلك عادة إلا بالكف كلها قيل وفيه نظر لأنه يمكن بالثلاث سلمنا لكن هو ممسك بكفه كلها لا آكل بها سلمنا لكن محل الضرورة لا يدل على عموم الأحوال ويؤخذ من حديث كعب بن مالك أن السنة الأكل بثلاث أصابع وإن كان الأكل بأكثر منها جائزا
وقد أخرج سعيد بن منصور عن سفيان عن عبيد الله بن يزيد أنه رأى ابن عباس إذا أكل لعق أصابعه الثلاث
قال عياض والأكل بأكثر منها من الشره وسوء الأدب وتكبير اللقم ولأنه غير مضطر إلى ذلك لجمعه اللقمة وإمساكها من جهاتها الثلاث فإن اضطر إلى ذلك لخفة الطعلم وعدم تلفيفه بالثلاث فيدعمه بالرابعة أو الخامسة
قوله : " حتى يلعقها أو يلعقها " الأول بفتح حرف المضارعة والثاني بضمها أي يلعقها زوجته أو جاريته أو خادمه أو ولده وكذا من كان في معناهم كتلميذ يعتقد البركة بلعقها وكذا لو ألعقها شاة ونحوها
وقال البيهقي أن قوله أو يلعقها شك من الراوي ثم قال فإن كانا جميعا محفوظين فإنما أراد أن يلعقها صغيرا أو من يعلم أنه لا يتقذر بها ويحتمل أن يكون أراد أن يلعق إصبعه فمه فيكون بمعنى يلعقها فتكون للشك
قال ابن دقيق العيد جاءت علة هذا مبينة في بعض الروايات أنه لا يدري في أي طعامه البركة وقدد يعلل أن مسحها قبل ذلك فيه زيادة تلويث لما يمسح به مع الاستغناء عنه بالريق لكن إذا صح الحديث بالتعليل لم يعدل عنه وقد عرفت أنه في صحيح مسلم كما في الباب
قوله : " وقال فيه بالمنديل " هو أيضا في صحيح مسلم بلفظ " فلا يمسح يده بالمنديل حتى يلعق أصابعه " وفي حديث جابر أنهم لم يكن لهم مناديل ومفهومه يدل على أنها لو كانت لهم مناديل لمسحوا بها
قوله : " استغفرت له القصعة " فيه أن ذلك من القرب التي ينبغي المحافظة عليها لأن استغفار القصعة دليل على كون الفعل مما يثاب عليه الفاعل
قوله : " إلا أكفنا وسواعدنا " فيه الأخبار بما كان عليه الصحابة رضي الله عنهم من التقلل من الدنيا والزهد فيها والانتفاع بالأكف والسواعد كما ينتفع غيرهم بالمناديل وقد تقدم الكلام على الوضوء مما مست النار
قوله : " غمر " بفتح الغين المعجمة والميم معا هو ريح دسم اللحم وزهومته كالوضر من السمن ذكر معنى ذلك في النهاية
قوله : " ولم يغسله " إطلاقا يقتضي حصول السنة بمجرد الغسل بالماء قال ابن رسلان والأولى غسل اليد منه بالأشنان والصابون وما في معناهما
قوله : " وأصابه شيء " في رواية للطبراني من بات وفي يده ريح غمر فأصابه برص قوله " فلا يلومن إلا نفسه " أي لأنه الذي فرط بترك الغسل فأتي الشيطان فلحس يده فوقع بها البرص وأخرج الترمذي عن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الشيطان حساس لحاس فاحذروه على أنفسكم من بات وفي يده غمر فأصابه شيء فلا يلومن إلا نفسه " وقد جاء في الحديث تخصيص غسل اليد بأكل اللحم فأخرج أبو يعلى بإسناد ضعيف من حديث ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أكل من هذه اللحوم شيئا فليغسل يده من ريح وضره " (9/37)
15 - وعن أبي أمامة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفع مائدته قال الحمد لله كثيرا طيبا مباركا فيه غير مكفى ولا مودع ولا مستغني عنه ربنا "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه وفي لفظ " كان إذا فرغ من طعامه قال الحمد لله الذي كفانا وأروانا غير مكفي ولا مكفور " رواه البخاري (9/38)
16 - وعن أبي سعيد قال " كان إذا أكل أو شرب قال الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه (9/38)
17 - وعن معاذ بن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أكل طعاما فقال الحمد الذي أطعمني هذا ورزقنيه من غير حول مني ولا قوة غفر الله له ما تقدم من ذنبه "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن غريب (9/38)
18 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس شيء يجزي مكان الشراب والطعام غير اللبن "
- رواه الخمسة إلا النسائي (9/39)
- حديث أبي سعيد أخرجه أيضا النسائي وذكره البخاري في تاريخه الكبير وساق اختلاف الرواة فيه وقد سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده إسماعيل بن رباح السلمي وهو مجهول . وحديث معاذ بن أنس أخرجه الترمذي من طريق محمد بن إسماعيل قال حدثنا عبد الله بن يزيد المقبري حدثنا سعيد بن أيوب حدثني أبو مرحوم وهو عبد الرحمن بن ميمون عن سهل بن معاذ بن أنس عن أبيه وساق الحديث ثم قال هذا حديث حسن غريب . وحديث ابن عباس وغيره ولكن لفظ أبي داود " إذا أكل أحدكم طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيرا منه وإذا سقي لينا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه فإنه ليس شيء يجزي من الطعام والشراب إلا اللبن " ولفظ الترمذي " من أطعمه الله طعاما فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خير منه ومن سقاه الله لبنا فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس شيء يجزي مكان الطعام والشراب غير اللبن " وقد حسن هذا الحديث الترمذي ولكن في إسناده علي بن يزيد بن جدعان عن عمر بن حرملة وقد ضعف علي بن زيد جماعة من الحفاظ . وعمر بن حرملة سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال بصري لا أعرفه إلا في هذا الحديث
قوله : " إذا رفع مائدته " قد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يأكل على خوان قط كما في حديث أنس والمائدة هي خوان عليه طعام فأجاب بعضهم بأن إنسا ما رأى ذلك ورآه غيره والمثبت يقدم على النافي
قال في الفتح وقد تطلق المائدة ويراد بها نفس الطعام
وقد نقل عن البخاري أنه قال إذا أكل الطعام على شيء ثم رفع قيل رفعت المائدة
قوله : " غير مكفي " بفتح الميم وسكون الكاف وكسر الفاء وتشديد التحتانية قال ابن بطال يحتمل أن يكون من كفأت الإناء فالمعنى غير مردود عليه إنعامه ويحتمل أن يكون من الكفاية أي أن الله غير مكفي رزق عباده لأنه لا يكفيهم أحد غيره
وقال ابن التين أي غير محتاج إلى أحد لكنه هو الذي يطعم عباده ويكفيهم هذا قول الخطابي
وقال القزاز معناه أنا غير مكتف بنفسي عن كفايته وقال الداودي معناه لم أكتف من فضل الله ونعمته قال ابن التين وقول الخطابي أولى لأن مفعولا بمعنى مفتعل فيه بعد وخروج عن الظاهر
قال في الفتح وهذا كله على أن الضمير لله ويحتمل أن يكون الضمير للحمد وقال إبراهيم الحربي الضمير للطعام ومكفي بمعنى مقلوب من الإكفاء وهو القلب . وذكر ابن الجوزي عن أبي منصور الجواليقي أن الصواب غير مكافأ بالهمز أي أن نعمة الله لا تكافأ اه
وقد ثبت هكذا في حديث أبي هريرة ويؤيد هذا لفظ : كفانا الواقع . في الرواية الأخرى لأن الضمير فيه يعود إلى الله تعالى بلا ريب إذ هو تعالى هو الكافي لا المكفي وكفانا هو من الكفاية وهو أعم من الشبع والري وغيرهما فأروانا على هذا من الخاص بعد العام ووقع في رواية ابن السكن وآوانا بالمد من الإيواء قوله " زلا مودع " بفتح الدال الثقيلة أي غير متروك ويحتمل أنه حال من القائل أي غير تارك
قوله : " ولا مستغنى عنه " بفتح النون وبالتنوين
قوله : " ربنا " بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أي هو ربنا أو على أنه مبتدأ وخبره متقدم عليه ويجوز النصب على المدح أو الاختصاص أو إضمار أعني
قال ابن التين ويجوز الجر على أنه بدل من الضمير في عنه وقال غيره على البدل من الاسم في قوله الحمد لله
وقال ابن الجوزي ربنا بالنصب على النداء مع حذف أداة النداء
قوله : " ولا مكفور " أي مجحود فضله ونعمته وهذا أيضا مما يقوي أن الضمير لله تعالى
قوله : " إذا أكل أو شرب " لفظ أبي داود " كان إذا فرغ من طعامه " زالمذكور في الباب لفظ الترمذي
وفي حديث أبي هريرة عند النسائي والحاكم وقال صحيح على شرط مسلم مرفوعا " الحمد لله الذي أطعم من الطعام وسقى من الشراب وكسا من العري وهدى من الضلال وبصر من العمى وفضل على كثير ممن خلق تفضيلا " قوله " وزدنا منه " هذا يدل على الروايات التي ذكرناها أنه ليس في الأطعمة والأشربة خير من اللبن وظاهره أنه خير من العسل الذي هو شفاء لكن قد يقال أن اللبن باعتبار التغذي والري خير من العسل ومرجح عليه والعسل باعتباره التداوي من كل داء وباعتبار الحلاوة مرجح على اللبن ففي كل منهما خصوصية يترجح بها ويحتمل أن المراد وزدنا لبنا من جنسه وهو لبن الجنة كما في قوله تعالى { هذا الذي رزقنا من قبل } قوله " فإنه ليس يجزي " بضم أوله من الطعام أي بدل الطعام كقوله تعالى أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة أي بدلها (9/39)
كتاب الأشربة (9/39)
باب تحريم الخمر ونسخ إباحتها المتقدمة (9/40)
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها في الآخرة "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (9/40)
2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدمن الخمر كعابد وثن "
- رواه ابن ماجه (9/40)
3 - وعن أبي سعيد قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول يا أيها الناس إن الله يبغض الخمر ولعل الله سينزل فيها أمر فمن كان عنده منها شيء فليبعه ولينتفع به قال فما لبثنا إلا يسيرا حتى قال صلى الله عليه وآله وسلم إن الله حرم الخمر فمن أدركته هذه الآية وعنده منها شيء فلا يشرب ولا يبيع قال فاستقبل الناس بما عندهم منها طرق المدينة فسفكوها "
- رواه مسلم (9/41)
4 - وعن ابن عباس قال " كان لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صديق من ثقيف ودوس فلقيه يوم الفتح براحلة أو راوية من الخمر يهديها إليه فقال يا فلان أما علمت أن الله حرمها فأقبل الرجل على غلامه فقال اذهب فبعها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الذي حرم شربها حرم بيعها فأمر بها فأفرغت في البطحاء "
- رواه أحمد مسلم والنسائي
وفي رواية لأحمد " أن رجل خرج والخمر حلال فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راوية خمر فذكر نحوه وهو دليل على أن الخمور المحرمة وغيرها تراق ولا تستصلح بتخليل ولا غيره (9/41)
5 - وعن أبي هريرة " أن رجلا كان يهدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم راوية خمر فأهداها إليه عاما وقد حرمت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنها قد حرمت فقال الرجل أفلا أبيعها فقال إن الذي حرم شربها حرم بيعها قال أفلا أكارم بها اليهود قال إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود قال فكيف أصنع بها قال شنها على البطحاء "
- رواه الحميدي في مسنده (9/41)
6 - وعن ابن عمر قال " نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء نزلت يسألونك عن الخمر والميسر الآية فقيل حرمت الخمر فقيل يا رسول الله ننتفع بها كما قال الله عز و جل فسكت عنهك ثم نزلت هذه الآية { لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } فقيل حرمت الخمر بعينها فقالوا يا رسول الله إنا لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت { يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان } الآية فقالت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرمت الخمر "
- رواه أبو داود والطيالسي في مسنده (9/42)
7 - وعن علي عليه السلام قال " صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاما فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا وقد حضرت الصلاة فقدموني فقرأت قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ونحن نعبد ما تعبدون قال فأنزل الله عز و جل { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون } "
- رواه الترمذي وصححه (9/42)
- حديث أبي هريرة الأول إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة ومحمد بن الصباح قالا حدثنا محمد بن سليمان الأصبهاني عن سهيل ابن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة فذكره ورجال إسناده ثقات إلا محمد بن سليمان فصدوق لكنه يخطيء وقد ضعفه النسائي وقال أبو حاتم لا بأس به وليس بحجة . وحديث علي عليه السلام سيأتي الكلام عليه آخر البحث
قوله : " من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حرمها " بضم المهملة وكسر الراء الخفيفة من الحرمان والمراد بقوله لم يتب منها أي من شربها فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه
قال الخطابي والبغوي في شرح السنة معنى الحديث لا يدخل الجنة لأن الخمر شراب أهل الجنة فإذا حرم شربها دل على أنه لا يدخل الجنة
وقال ابن عبد البر هذا وعيد شديد يدل على حرمان دخول الجنة لأن الله تعالى أخبر أن في الجنة أنهارا من خمر لذة للشاربين وأنهم لا يصدعون عنها ولا ينزفون فلو دخلها وقد علم أن فيها خمرا أو أنه حرمها عقوبة له لزم وقوع الهم والحزن والجنة لا هم فيها ولا حزن وإن لم يعلم بوجودها في الجنة ولا أنه حرمها عقوبة له لم يكن عليه في فقدها ألم فلهذا قال بعض من تقدم أنه لا يدخل الجنة أصلا قال وهو مذهب غير مرضي قال ويحمل الحديث عند أهل السنة على أنه لا يدخلها ولا يشرب الخمر فيها إلا إن عفا الله عنه كما في بقية الكبائر وهو في المشيئة فعلى هذا معنى الحديث جزاؤه في الآخرة أن يحرمها لحرمانه دخول الجنة إلا أن عفا الله عنه قال وجائز أن يدخل الجنة بالعفو ثم لا يشرب فيها خمرا ولا تشتهيها نفسه وإن علم بوجودها فيها ويؤيده حديث أي سعيد مرفوعا من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة وإن دخل الجنة لبسه أهل الجنة ولم يلبسه وقد أخرجه الطبراني وصححه ابن حبان وقريب منه حديث عبد الله بن عمرو رفعه " من مات من أمتي وهو يشرب الخمر حرم الله عليه شربها في الجنة " أخرجه أحمد بسند حسن وقد زاد عياض على ما ذكره ابن عبد البر احتمالا وهو أن المراد بحرمانه شربها أنه يحبس عن الجنة مدة إذا أراد الله عقوبته ومثله الحديث الآخر لم يرح رائحة الجنة قال ومن قال لا يشربها في الجنة بأن ينساها أو لا يشتهيها يقول ليس عليه في ذلك حسرة ولا يكون ترك شهوته إياها عقوبة في حقه بل هو نقص نعم بالنسبة إلى من هو أتم نعيما منه كما تختلف درجاتهم ولا يلحق من هو أنقص درجة بمن هو أعلى درجة منه استغناء بما أعطى واغتباطا به
وقال ابن المغربي ظاهر الحديثين أنه لا يشرب الخمر في الجنة ولا يلبس الحرير فيها وذلا لأنه استعجل ما أمر بتأخيره ووعد به فحرمه عند ميقاته وفصل بعض التأخرين بين من شربها مستحلا فهو الذي لا يشربها أصلا لأنه لا يدخل الجنة أصلا وعدم الدخول يستلزم حرمانها ومن شربها عالما بتحريمها فهو محل الخلاف وهو الذي يحرم شربها مدة ولو في حال تعذيبه ان عذب أو المعنى أن ذاك جزاؤه أن جوزي وفي الحديث أن التوبة تكفر المعاصي الكبائر وذلك في التوبة من الكفر قطعي وفي غيره من الذنوب خلاف بين أهل السنة هل هو قطعي أو ظني قال النووي الأقوى أنه ظني وقال القرطبي من استقرأ الشريعة علم أن الله يقبل توبة الصادقين قطعا وللتوبة والصادقة شروط مدونة في مواطن ذلك ظاهر الوعيد أنه يتناول من شرب الخمر أن لم يحصل له السكر لأنه رتب الوعيد في الحديث على مجرد الشرب من غير تقييد
قال في الفتح وهو مجمع عليه في الخمر المتخذ من عصير العنب وكذا فيما يسكر من غيرها وأما ما لا يسكر من غيرها فالأمر فيه كذلك عند الجمهور
قوله : " مدمن الخمر كعابد وثن " هذا وعيد شديد وتهديد ما عليه مزيد لأن عابد الوثن أشد الكافرين كفرا فالتشبيه لفاعل هذه المعصية بفاعل العبادة للوثن من أعظم المبالغة والزجر لمن كان له قلب أو ألقي السمع وهو شهيد
قوله " إن الله حرم الخمر " اختلف في بيان الوقت الذي حرمت فيه الخمر فقال الدمياطي في سيرته بأنه كان عام الحديبية والحديبية كانت سنة ست وذكر ابن إسحاق أنه كان في وقعة بني النضير وهي بعد أحد وذلك سنة أربع على الراجح
قوله : " فمن أدركته هذه الآية " لعله يعني قوله تعالى { إنما الخمر والميسر }
قوله : " أفلا أكارم بها اليهود " قال في القاموس كارمه فكرمه كنصره غلبه فيه اه ولعل المراد هنا المهاداة قال في النهاية المكارمة قال في النهاية المكارمة أن تهدي لإنسان شيئا ليكافئك عليه وهي مفاعلة من الكرم اه
قوله : " ثم نزلت إنما الخمر والميسر " أخرج أبو داود عن ابن عباس أن قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } وقوله تعالى { يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما أثم كبير ومنافع للناس } نسختهما التي في المائدة إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . ووجه النسخ أن الآية الآخرة فيها الأمر بمطلق الأجتناب وهو يستلزم أن لا ينتفع بشيء معه من الخمر في حال من حالاته في غير وقت الصلاة وفي حال السكر وحال عدم السكر وجميع المنافع في العين والثمن
قوله : " وعن علي رضي الله عنه قال صنع لنا عبد الرحمن " الخ هذا الحديث صححه الترمذي كما رواه المصنف رحمه الله وأخرجه أيضا النسائي وأبو داود وفي أسناده عطاء بن السائب لا يعرف إلا من حديثه وقد قال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه وفرق مرة ين حديثه القديم وحديثه الحديث ووافقه على التفرقة الإمام أحمد
وقال أبو بكر البذار وهذا الحديث لا نعلمه يرمي عن علي رضي الله عنه متصل الإسناد إلا من حديث عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن يعني السلمي وإنما قبل ذلك قبل أن تحرم الخمر فحرمت من أجل ذلك قال المنذرى وقد أختلف في اسناده ومتنه فأما الاختلاف في إسناده فرواه سفيان الثوري وأبو جعفر الرازي عن عطاء ابن السائب فأرسلوه وأما الاختلاف في متنه ففي كتاب أبو داود والترمذي أن الذي صلى بهم علي عليه السلام وفي كتاب النسائي وأبو جعفر النحاس أن المصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وفي كتاب أبي بكر البذار أمروا رجلا فصلى بهم ولم يسمه
وفي حديث غيره فتقدم بعض القوم اه
وأخرج الحاكم في تفسير سورة النساء عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن عن علي رضي الله عنه دعانا رجل من الأنصار قبل تحريم الخمر فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ يا أيها الكافرون فالبس عليه فنزلت لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى ثم قال صحيح قال وفيهذا الحديث فائدة كبيرة وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب دون غيره وقد برأه الله فإنه راوي الحديث (9/42)
باب ما يتخذ منه الخمر وإن كل مسكر حرام (9/43)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخمر من هاتين الشجرتين النخل والعنب "
- رواه الجماعة إلا البخاري (9/43)
2 - وعن أنس قال " إن الخمر حرمت والخمر يومئذ الالبسر والتمر "
- متفق عليه وفي لفظ قال " حرمت علينا حين حرمت ولا نجد خمر الأعناب إلا قليلا وعامة خمرنا البسر والتمر " رواه البخاري وفي لفظ " لقد أنزل الله هذه الآية التي حرم فيها الخمر وما في المدينة شراب إلا من تمر " رواه مسلم (9/43)
3 - عن أنس قال " كنت أسقي أبا عبيدة وأبي ابن كعب من فضيخ زهو وتمر فجاءهم آت فقال إن الخمر حرمت فقال أبو طلحت قم يا أنس فأهرقها فأهرقتها "
- متفق عليه (9/44)
4 - وعن ابن عمر قال " نزل تحريم الخمر وإن بالمدينة يومئذ خمسة أشربة ما فيها شراب العنب "
- رواه البخاري (9/44)
5 - وعن ابن عمر " أن عمر قال عن منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما بعد أيها الناس إنه نزل تحريم الخمر وهي من خمسة من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والخمر ما خامر العقل "
- متفق عليه (9/44)
6 - وعن النعمان بن بشير قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن من الحنطة خمرا ومن الشعير خمرا ومن الزبيب خمرا ومن التمر خمرا ومن العسل خمرا "
- رواه الخمسة إلا النسائي . زاد أحمد وأبو داود وأنا أنهي عن كل مسكر (9/45)
7 - وعن أبي عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مسكر خمر وبكل مسكر حرام "
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
وفي رواية " كل مسكر خمر وكل مسكر حرام " رواه مسلم والدارقطني (9/45)
8 - وعن عائشة قالت " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن البتع وهو نبيذ العسل وكان أهل اليمن يشربونه فقال صلى الله عليه وآله وسلم كل شراب أسكر فهو حرام " (9/45)
9 - وعن أبي موسى قال " قلت يا رسول الله أفتنا في شرابين كنا نصنعهما باليمن البتع وهو من العسل ينبذ حتى يشتد والمزر وهو من الذرة والشعير ينبذ حتى يشتد قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أعطى جوامع الكلام بخواتمه فقال كل مسكر حرام "
- متفق عليهما (9/46)
10 - وعن جابر " أن رجلا من جيشان وجيشان من اليمن سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شراب يشربونه في أرضهم من الذرة يقال له المزر فقال أمسكر هو قال نعم فقال كل مسكر حرام إن على الله عهدا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قالوا يا رسول الله وما طينة الخبال قال عرق أهل النار أو عصارة أهل النار "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (9/46)
11 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " كل مخمر خمر وكل مسكر حرام "
- رواه أبو داود (9/46)
12 - وعن أبي هريرة وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " كل مسكر حرام "
- رواه أحمد والنسائي وابن ماجه وصححه الترمذي ولابن ماجه مثله في حديث ابن مسعود وحديث معاوية (9/47)
- حديث النعمان ابن بشير في إسناده إبراهيم بن المهاجر البجلي الكوفي قال المنذري قد تكلم فيه غير واحد من الأئمة وقال الترمذي بعد إخراجه غريب اه قال ابن المديني لإبراهيم بن المهاجر نحو أربعين حديثا وقال أحمد لا بأس به وقال النسائي والقطان ليس بالقوي . وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وهو من طريق محمد بن رافع النيسابوري شيخ الجماعة سوى ابن ماحه قال حدثنا إبراهيم ابن عمر الصنعاني وهو أيضا ثقة يقول طاوس عن ابن عباس لحديث وتمامه عند أبي داود " ومن شرب مسكر بخست صلاته أربعين صباحا قال فإن تاب الله عليه فإن عاد الرابعة كان حق على الله أن يسقيه من طينة الخبال قيل ما طينة الخبال قيل و ما طينة الخبال يا رسول الله قال صديد أهل النار ومن سقاه صغيرا لا يعرف حلاله من حرامه كان حقا على الله أن يسقيه من طينة الخبال " وحديث جابر المذكور في الباب أخرجه أيضا أبو داود بلفظ " ما أسكر كثيره فقليله حرام " وقد حسنه الترمذي قال المنذري في إسناد داود بن بكر بن أبي فرات الأشجعي مولاهم المدني سئل عنه ابن المعين فقال ثقة وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به ليس بالمتين
قال المنذري أيضا وقد روى عنه هذا الحديث من رواية الأمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمرو وعبد الله بن عمر وعائشة وخوات بن جبير . وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسنادا فإن النسائي رواه في السنن عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير
وقد احتج به البخاري ومسلم في الصحيحين عن الضحاك بن عثمان وقد احتج به مسلم في صحيحه عن بكير بن عبد الله الأشج عن عامر بن سعد بن أبي وقاص وقد احتج البخاري ومسلم بهما في الصحيحين قال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا يعلم روي عن سعد إلا من هذا الوجه ورواه عن أبي الضحاك وأسنده جماعة عنه منهم الدراوردي والوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني انتهى
قال المنذري أيضا وتابع محمد بن عبد الله بن عمار أبو سعيد عبد الله بن الأشج وهو ممن اتفق عليه البخاري ومسلم واحتجا به
وحديث أبي هريرة لم يذكر الترمذي لفظه إنما ذكر حديث عائشة المذكور في الباب ثم حديث ابن عمر بلفظ " كل مسكر حرام " ثم قال وفي الباب عن علي وعمر وابن مسعود وأنس وأبي سعيد وأبي موسى والأشج وديلم وميمونة وابن عباس وقيس بن سعد والنعمان بن بشير ومعاوية ووائل بن حجر وقرة المزني وعبد الله بن مغفل وأم سلمة وبريدة وأبي هريرة وعائشة قال هذا حديث حسن وقد روي عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه وكلاهما صحيح . ورواه غير واحد عن محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة وعن أبي سلمة عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث ابن مسعود ومعاوية اللذين أشار إليهما المصنف هما في سنن ابن ماجه كما قال أما حديث ابن مسعود فلم يكن في إسناده إلا أيوب ابن هانئ وهو صدوق وربما يخطئ وهو بلفظ " كل مسكر حرام " وأما حديث معاوية ففي إسناده سليمان بن عبد الله بن الزبرقان وهو لين الحديث ولفظه كل مسكر حرام على كل مؤمن
قوله : " النخلة والعنبة " لفظ أبي داود يعني النخلة والعنبة وهو دليل على أن تفسير الشجرتين ليس من الحديث فيحتمل رواية من عدا أبا داود على الإدراج وليس في هذا نفي الخمرية عن نبيذ الحنطة والشعير والذرة وغير ذلك فقد ثبتفيه أحاديث صحيحة في البخاري وغيره قد ذكر بعضها المصنف كما ترى وإنما خص بالذكر هاتين الشجرتين لأن أكثر الخمر منهما وأعلى الخمر وأنفسه عند أهله منهما وهذا نحو قولهم المال الإبل أي أكثره وأعمه والحج عرفات ونحو ذلك فغاية ما هنالك أن مفهوم الخمر المدلول عليه باللام معارض بالمنطوقات وهي أرجح بلا خلاف
قوله " وعامة خمرنا البسر والتمر " أي الشراب الذي يصنع منهما
وأخرج النسائي والحاكم وصححه من رواية محارب بن دثار عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الزبيب والتمر هو الخمر وسنده صحيح وظاهره الحصر
قال أن مراد أنس الرد على من خص اسم الخمر بما يتخذ من العنب وقيل مراده أن التحريم لا يختص بالخمر المتخذة من العنب بل يشركها في التحريم كل شراب مسكر
قال الحافظ وهذا أظهر قال والمجمع على تحريمة عصير العنب إذا اشتد فإنه يحرم تناوله بالاتفاق . وحكى ابن قتيبة عن قوم من مجان أهل الكلام أن النهي عنها للكراهة وهو قول مجهول لا يلتفت إلى قائله وحكى أبو جعفر النحاس عن قوم أن الحرام ما أجمعوا عليه وما اختلفوا فيه فليس بحرام قال وهذا عظيم من القول يلزم منه القول بحل كل شيء اختلف في تحريمه ولو كان الخلاف واهيا ونقل الطحاوي في اختلاف العلماء عن أبي حنيفة أن الخمر حرام قليلها وكثيرها والسكر من غيرها حرام وليس كتحريم الخمر والنبيذ المطبوخ لا بأس به من أي شيء كان وعن أبي يوسف لابأس بالنقيع من كل شيء وإن غلا إلا الزبيب والتمر قال كذا حكاه محمد عن أبي حنيفة وعن محمد ما أسكر كثيره فأحب إلي أن لا أشربه ولا أحرمه قال الثوري أكره نقيع التمر وتقيع الزبيب إذا غلا قال ونقيع العسل لا باس به انتهى . والبسر بضم الموحدة من تمر النخل معروف
قوله : " من فضيخ " بالفاء ثم معجمتين وزن عظيم اسم للبسر إذا شدخ ونبذ
وأما الزهو بفتح الزاي وسكون الهاء بعدها واو وهو البس الذي يحمر أو يصفر قبل أن يترطب وقد يطلق الالفضيخ على خليط البسر والتمر ويطلق على البسر وحده وعلى التمر وحده
قوله : " فأهرقها " الهاء بدل من الهمزة والأصل اراقها وقد تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاءء معا كما وقع هنا وهو نادر
قوله " وهي من خمسة من العنب " قال في الفتح هذا الحديث أورده أصحاب المسانيد والأبواب في الأحاديث المرفوعة لأن لهم عندهم حكم الرفع لأنه خبر صحابي شهد التنزيل وأخبر عن سبب وقد خطب به عمر على المنبر بحضرة كبار الصحابة وغيرهم فلم ينقل عن أحد منهم إنكاره وأراد عمر بنزول تحريم الخمر نزول قوله تعالى إنما الخمر والميسر الآية فأراد عمر التنبيه على أن المراد بالخمر في هذه الآية ليس خاصا بالمتخذ من العنب بل يتناول المتخذ من غيرها انتهى . ويؤيده حديث النعمان بن بشير المذكور في الباب وفي لفظ منه عند أصحاب السنن وصححه ابن حبان قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الخمر من العصير والزبيب والتمر والحنطة والشعير والذرة ولأحمد من حديث أنس بسند صحيح قال الخمر من العنب والتمر والعسل والحنطة والشعير والذرة بضم المعجمة وتخفيف الراء من الحبوب معروفة
قوله " والخمر ما خامر العقل " أي غطاه أو خالطه فلم يتركه على حاله وهو مجاز والعقل هو آلة التمييز فلذلك حرم ما غطاه أو غيره لأن بذلك يزول الإدراك الذي طلبه الله من عباده ليقوموا بحقوقه
قال الكرماني هذا تعريف بحسب اللغة وأما بحسب العرف فهو ما يخامر العقل من عصير العنب خاصة قال الحافظ وفيه نظر لأن عمر ليس في مقام تعريف اللغة بل هو في مقام تعريف الحكم الشرعي فكأنه قال الخمر الذي وقع في تحريمه في لسان الشرع هو ما خامر العقل على أن عند أهل اللغة اختلافا في ذلك كما قدمته ولو سلم أن الخمر في اللغة يختص بالمتخذ من العنب فالاعتبار بالحقيقة الشرعية وقد تواترت الأحاديث على أن المسكر من المتخذ من غير العنب يسمى خمرا والحقيقة الشرعية مقدمة على اللغوية وقد ثبت في صحيح مسلم عن أبي هريرة " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة " وقد تقدم
وقد جعل الطحاوي هذا الحديث معارضا لحديث عمر المذكور
وقال البيهقي ليس المراد الحصر في الأمرين المذكورين في حديث أبي هريرة لأنه يتخذ الخمر من غيرها وقد تقدم الكلام على ذلك قال الحافظ أنه يحمل حديث أبي هريرة على إرادة الغالب لأن أكثر ما يتخذ الخمر من العنب والتمر ويحمل حديث عمرو من وافقه على إرادة استيعاب ذكر ما عهد حينئذ أنه يتخذ منه الخمر
قال الراغب في مفردات القرآن سمي الخمر لكونه خامرا للعقل إي ساترا له وهو عند بعض الناس اسم لكل مسكر وعند بعضهم للمتخذ من العنب خاصة وعند بعضهم للمتخذ من العنب والتمر وعند بعضهم لغير المطبوخ ورجحه أنه لكل شيء ستر العقل وكذا قال غير واحد من أهل اللغة منهم الدينوري والجوهري ونقل عن ابن الأعرابي قال سميت الخمر لأنها تركت حتى اختمرت واختمارها تغير رائحتها ويقال سميت بذلك لمخامرتها العقل نعم جزم ابن سيده في المحكم أن الخمر حقيقة إنما هي للعنب وغيرها من المسكرات يسمى خمرا مجازا
وقال صاحب الفائق من حديث إياكم والغبيراء فإنها خمر العالم هي نبيذ الحبشة تتخذ من الذرة سميت الغبيراء لما فيها من الغبرة وقال خمر العالم أي هي مثل خمر العالم لا فرق بينها وبينها
وقيل أراد أنها معظم خمر العالم
وقال صاحب الهداية من الحنفية الخمر ما اعتصر من ماء العنب إذا اشتد وهو المعروف عند أهل اللغة وأهل العلم
قال وقيل هو اسم لكل مسكر لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل مسكر خمر " ولأنه من مخامرة العقل وذلك موجود في كل مسكر قال أطباق أهل اللغةعلى تخصيص الخمر بالعنب ولهذا اشتهر استعمالها فيه ولأن تحريم الخمر قطعي وتحريم ما عدا المتخذ من العنب ظني قال وإنما يسمى الخمر خمرا لتخميرلا لمخامرة العقل قال ولا ينافي ذلك كون الاسم خاصا فيه كما في النجم فإنه مشتق من الظهور ثم هو خاص بالثريا انتهى
قال في الفتح والجواب عن الحجة الأولى ثبوت النقل عن بعض أهل اللغة بأن غير المتخذ من العنب يسمى خمرا وقال الخطابي زعم قوم أن العرب لا تعرف الخمر إلا من العنب فيقال لهم إن الصحابة الذين سموا غير المتخذ من العنب خمرا عرب فصحاء فلو لم يكن هذا الاسم صحيحا لما أطلقوه
وقال ابن عبد البر قال الكوفيون الخمر من العنب لقوله تعالى { أعصر خمرا } قال فدل على أن الخمر هو ما يعصر لا ما ينبذ قال ولا دليل فيه على الحصر قال أهل المدينة وسائر الحجازيين وأهل الحديث كلهم كل مسكر خمر وحكمه حكم مما اتخذ من العنب ومن الحجة لهم أن القرآن لما نزل بتحريم الخمر فهم الصحابة وهو أهل اللسان أن كل شيء يسمى خمرا يدخل في النهي ولم يخصوا ذلك بالمتخذ من العنب . وعلى تقدير التسليم فإذا ثبت تسمية كل مسكر خمرا من الشرع كان حقيقة شرعية وهي مقدمة على الحقيقة اللغوية والجواب عن الحجة الثانية أن اختلاف مشركين في الحكم لا يلزم منه افتراقهما في التسمية كالزاني مثلا فإنه يصدق على من وطئ أجنبية وعلى من وطئ امرأة جاره والثاني أغلظ من الأول وعلى من وطئ محرما له وهو أغلظ من غيره أن لا يكون حراما بل يحكم بتحريمه وكذا تسميته خمرا وعن الثالثة ثبوت النقل عن أعلم الناس بلسان العرب كما في قول عمر الخمر ما خامر العقل وكان مستنده ما إدعاه من اتفاق أهل اللغة فيحمل قول عمر على المجاز لكن اختلف قول أهل اللغة في سبب تسمية الخمر خمرا فقال ابن الأنباري لأنها تخامر العقل أي تخالطه وقيل لأنها تخمر العقل أي تستره ومنه خمار المرأة لأنه يستر وجهها وهذا أخص من التفسير الأول لأنه لا يلزم من المخالطة التغطية وقيل سميت خمرا لأنها تخمر أي تترك كما يقال خمرت العجين أي تركته ولا مانع من صحة هذه الأقوال كلها لثبوتها عن أهل اللغة وأهل المعرفة باللسان قال ابن عبد البر الأوجه كلها موجودة في الخمر
وقال القرطبي الأحديث الواردة عن أنس وغيره على صحتها وكثرتها تبطل مذهب الكوفيين القائلين بأن الخمر لا يكون إلا من العنب وما كانت من غيره فلا تسمى خمرا ولا يتناولها اسم الخمر وهو قول مخالف للغة العرب والسنة الصحيحة وللصحابة لأنهم لما نزل تحريم الخمر فهو من الأمر باجتناب الخمر تحريم كل مسكر ولم يفرقوا بين ما يتخذ من العنب وبين ما يتخذ من غيره بل سووا بينهما وحرموا كل نوع منهما ولم يتوقفوا ولا استفصلوا ولم يشكل عليهم شيئا من ذلك بل بادروا إلى إتلاف ما كان من غير عصير العنب وهم أهل اللسان وبلغتهم نزل القرآن فلو كان عندهم فيه تردد لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا ويستفصلوا ويتحققوا التحريم لما كان قد تقرر عندهم من النهي عن أضاعة المال فلما لم يفعلوا ذلك بل بادروا إلى إتلاف الجميع علمنا أنهم فهموا التحريم ثم إنضاف إلى ذ لك خطبة عمر بما يوافق ذلك ولم ينكر عليه أحد من الصحابة وقد ذهب إلى التعميم علي عليه السلام وعمر وسعد وابن عمر أبو موسى وأبو هريرة وابن العباس وعائشة ومن التابعين ابن المسيب وعروة والحسن وسعيد بن جبير وآخرون وهو قول مالك والأوزاعي والثورى وابن المبارك والشافعي وأحمد وإسحاق وعامة أهل الحديث
قال في الفتح ويمكن الجمع بأن من أطلق ذلك على غير المتخذ من العنب حقيقة يكون أراد الحقيقة الشرعية ومن نفى أراد الحقيقة اللغوي وقد أجاب بهذا ابن عبد البر وقال أن الحكم إنما يتعلق بالاسم الشرعي دون اللغوي وقد تقرر أن نزول تحريم الخمر وهي من البسر إذ ذاك فيلزم من قال أن الخمر حقيقة . في ماء العنب مجاز في غيره أن يجوز إطلاق اللفظ الواحد على حقيقته ومجازه لأن الصحابة لما بلغهم تحريم الخمر أراقوا كل ما يطلق عليه لفظ الخمر حقيقة ومجازا وهو لا يجوز ذلك فصح أن الكل خمر حقيقة ولا نفكاك عن ذلك وعلى تقدير إرخاء العنان والتسليم بإن الخمر حقيقة في ماء العنب خاصة فإنما ذلك من حيث الحقيقة للغوية فأما من حيث الحقيقة اللغوية فإما من حيث الحقيقة الشرعية فالكل خمر حقيقة لحديث كل مسكر خمر فكل ما اشتد كان خمرا وكل خمر يحرم قليلة وكثيره وهذا يخالف قولهم وبالله التوفيق
قال الخطابي إنما عد عمر الخمسية المذكورة لاشتهار أسمائها في زمانه ولم تكن كلها توجد بالمدينة الوجود العام فإن الحنطة كانت بها غزيرة وكذا العسل بل كان أعز فعد عمر ما عرف منها وجعل ما في معناه مما يتخذ من الأرز وغيره خمرا إن كان مما يخامر العقل وفي ذلك دليل على جواز إحداث الاسم بالقياس وأخذه من طريق الاشتقاق وذكر ابن حزم أن بعض الكوفيين احتج بما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عمر بسند جيد قال أما الخمر فحرام لا سبيل إليها وأما ما عداها من الأشربة فكل مسكر حرام قال وجوابه إن ثبت عن ابن عمر وأنه قال كذا مسكر خمر فلا يلزم من تسمية المتخذ من العنب خمرا انحصار اسم الخمر يه وكذا احتجوا بحديث ابن عمر وأيضا حرمت الخمر وما بالمدينة منها شيء مراده المتخذ من العنب ولم يرد أن غيرها لا يسمى خمرا
قوله : " من العنب والتمر " هذان مما وقع الإجماع على تحريمهما حيث لم يطبخ حتى يذهب ثلثاه
قوله " والعسل " هو الذي يسمى البتع وهو خمر أهل اليمن
قوله : " والشعير " بفتح الشين المعجمة وكسرها لغة وهو المسمى بالمزر زاد أبو داود والذرة وهي بضم الذال المعجمة وتخفيف الراء المهملة كما سبق ولامها محذوفة والأصل ذرو أو ذري فحذفت لام الكلمة وعوض عنها الهاء
قوله : " عن البتع " بكسر الموحدة وسكون المثناة فوق وهو ما ذكره في الحديث قوله " كل شراب أسكر فهو حرام " هذا حجة للقائلين بالتعميم من غير فرق بين خمر العنب وغيره لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله السائل عن البتع قال كل شراب أسكر فهو حرام فعلمنا أن المسألة إنما وقعت على ذلك الجنس من الشراب وهو البتع ودخل فيه كل ما كان في معناه مما يسمى شرابا مسكرا من أي نوع كان فإن قال أهل الكوفة إن قوله صلى الله عليه وآله وسلم كل شراب أسكر يعني به الجزء الذي يحدث عقبه السكرفهو حرام فالجواب أن الشراب اسم جنس فيقتضي أن يرجع التحريم إلى الجنس كله كما يقال هذا الطعام مشبع والماء مرو يريد به الجنس وكل جزء منه يفعل ذلك الفعل فاللقمة تشبع العصفور وما هو أكبر منها يشبع ما هو أكبر من العصفور زكذلك جنس الماء يروي الحيوان على هذا الحد فكذلك النبيذ
قال الطبري يقال لهم أخبرونا عن الشربة التي يعقبها السكر أهي التي أسكرت صاحبها دون ما تقدمها من الشراب أم أسكرت باجتماعها مع ما تقدم وأخذت كل شربة بحظها من الإسكار فإن قالوا إنما حدث له السكر من الشربة الآخرة التي وجد خبل العقل عقبها قيل لهم وهل هذه التي أحدثت له ذلك إلا كبعض ما تقدم من الشربات قبلها في أنها لو انفردت دون ما قبلها كانت غير مسكرة وحدها وإنها إنما أسكرت باجتماعها واجتماع عملها فحدث عن الجميع السكر
قوله " والمزر " بكسر الميم بعدها زاي ثم راءز قوله " من جيشان " بفتح الجيم وسكون الياء تحتها نقطتان وبالشين المعجمة وبالنون وهو جيشان بن عيدان بن حجر بن ذي رعين قاله في الجامع
قوله : " من طينة الخبال " بفتح الخاء المعجمة والموحدة المخففة يعني يوم القيامة . والخبال في الأصل الفساد وه يكون في الأفعال والأبدان والعقول . والخبل بالتسكين الفساد (9/47)
13 - وعن عائشة قالت " قالت قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل مسكر حرام وما أسكر الفرق منه فملء الكف منه حرام "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي
وقال حديث حسن (9/47)
14 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ما أسكر كثيره فقليله حرام "
- رواه أحمد وابن ماجه والدارقطني وصححه . ولأبي داود وابن ماجه والترمذي مثله سواء من حديث جابر وكذا الأحمد والنسائي وابن ماجه من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وكذا الدار قطني من حديث الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (9/48)
15 - وعن سعد بن أبي وقاص " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قليل ما أسكر كثيره "
- رواه النسائي والدار قطني (9/48)
16 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه قوم فقالوا يا رسول الله أنا ننبذ النبيذ فنشربه على غذائنا وعشائنا فقال اشربوا فكل مسكر حرام فقالوا يا رسول الله إنا نكسره بالماء فقال حرام قليل ما أسكر كثيره "
- رواه الدارقطني (9/48)
17 - وعن ميمونة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت ولا في النقير ولا في الجرار وقال كل مسكر حرام "
- رواه أحمد (9/49)
18 - وعن أبي مالك الأشعري " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليشربن أناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها "
- رواه أحمد وأبو داود وقد سبق (9/49)
19 - وعن عبادة بن الصامت قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لتستحلن طائفة من أمتي الخمر باسم يسمونها إياه "
- رواه أحمد وابن ماجه وقال تشرب مكان تستحل (9/49)
20 - وعن أبي أمامة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تذهب اليالي والأيام حتى تشرب طائفة من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها "
- رواه ابن ماجه (9/50)
21 - وعن ابن محيرز عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يشرب ناس من أمتي الخمر ويسمونها بغير اسمها "
- رواه النسائي (9/50)
- حديث عائشة رواته كلهم محتج بهم في الصحيح سوى أبي عثمان عمرو ويقال عمر بن سالم الأنصاري مولاهم المدني ثم الخراساني وهو مشهور ولي القضاء بمرو ورأى عبد الله بن عمر بن الخطاب وعبد الله بن عباس وسمع من القاسم بن محمد ابن أبي بكر الصديق
وروى عنه غير واحد
قال المنذري لم أر أحد قال فيه كلاما وقال الحاكم هو معروف بكنيته
وأخرجه أيضا ابن حبان وأعله الدارقطني بالوقف . وحديث جابر الذي أشار إليه المصنف حسنه الترمذي وقال الحافظ رجاله ثقات انتهة
وفي إسناده داود بن بكر بن أبي فرات الأشجعي مولاهم المدني سئل عنه ابن معين فقال ثقة
وقال أبو حاتم الرازي لا بأس به ليس بالمتين . وحديث عمرو بن شعيب وما بعده أشار إلى البعض منها الترمذي قال بعد إخراج حديث جابر ( في الباب ) عن سعد وعائشة وعبد الله بن عمرو وابن عمر وخوات بن جبير وقال المنذري بعد الكلام على حديث جابر ما نصه
وقد روى هذا الحديث من رواية الإمام علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرو . وحديث سعد بن أبي وقاص أجودها إسنادا قال النسائي رواه في سننه عن محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وهو أحد الثقات عن الوليد بن كثير وقد احتج به البخاري ومسلم في الصحيحين عن الضحاك بن عثمان
وقد احتج به مسلم في صحيحه عن بكير بن عبد الله الأشج عن عامر بن سعد بن أبي وقاص
وقد احتج البخاري ومسلم بهما في الصحيحين وقال أبو بكر البزار وهذا الحديث لا نعلمه روي عن سعد إلا من هذا الوجه ورواه عن الضحاك وأسنده جماعة منهم الدراوردي والوليد بن كثير ومحمد بن جعفر بن أبي كثير المدني انتهى . وتابع محمد بن عبد الله ابن عمار أبو سعبد عبد الله بن سعيد الأشج وهو ممن اتفق البخاري ومسلم على الاحتجاج به وأخرجه أيضا البزار وابن حبان
قال الحافظ في التلخيص حديث علي في الدارقطني وحديث خوات في المستدرك وحديث سعد في النسائي وحديث ابن عمرو في ابن ماجه والنسائي . وحديث ابن عمر في الطبراني . وحديث ميمونة في إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل وحديثه حسن وفيه ضعف
قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله رجال الصحيح وستأتي الأحاديث الواردة في معناه في باب الأوعية المنهى عن الانتباذ فيها وإنما ذكره المصنف ههنا لقوله في آخره " كل مسكر حرام " . وحديث أبي مالك الأشعري تقدم في باب ما جاء في آلة اللهو وقد صححه ابن حبان قال في الفتح وله شواهد كثيرة ثم ساق من ذلك عدة أحاديث منها حديث أبي أمامة المذكور في الباب وسكت عنه ومنها حديث ابن محيريز المذكور أيضا وقد أخرجه أيضا أحمد وابن ماجه من وخه آخر بسند صحيح . وحديث عبادة في إسناده عند ابن ماجه الحسين بن أبي السري العسقلاني وهو مجهول . وحديث أبي أمامة رواه ابن ماجه من طريق العباس بن الوليد الدمشقي وهو صدوق وقد ضعف عن عبد السلام بن عبد القدوس وهو ضعيف وبقية رجال إسناده ثقات . وحديث ابن محيريز إسناده عند النسائي صحيح قال أخبرنا محمد بن عبد الأعلى عن خالد وهو ابن الحرث عن شعبة قال سمعت أبا بكر بن حفص يقول سمعت ابن محيريز يذكره ولعل الرجل المبهم من الصحابة هو عبادة بن الصامت فإن ابن ماجه روى حديث عبادة المتقدم من طريق ابن محيريز والأحاديث الواردة في هذا المعنى يقوي بعضها بعضا
قوله : " الفرق " بفتح الراء وسكونها والفتح أشهر وهو مكيال يسع ستة عشر رطلا وقيل هو بفتح الراء كذلك فإذا سكنت فهو مائة وعشرون رطلا
قوله : " فملء الكف منه حرام " في رواية الإمام أحمد في الأشربة بلفظ " فالأوقية منه حرام " وذكر ملء الكف أو الأوقية في الحديث على سبيل التمثيل وإنما العبرة بأن التمثيل شامل للقطرة ونحوها
قوله : " ما أسكر كثيره فقليله حرام " قال ابن رسلان في شرح السنن أجمع المسلمون على وجوب الحد على شاربها سواء شرب قليلا أو كثيرا ولو قطرة واحدة قال وأجمعوا على أنه لا يقتل شاربها وإن تكرر قوله " لا تنبذوا في الدباء " إلى آخر الحديث سيأتي تفسير هذه الألفاظ في باب الأوعية المنهى عن الانتباذ فبها
قوله : " ليشربن " الداذي بدال مهملة وبعد الألف ذال معجمة قال الأزهري هو حب يطرح في النبيذ فيشتد حتى يسكر أو يسمونها بالطلاء
وقد تقدم الكلام على هذا في باب ما جاء في آله اللهو (9/50)
باب الأوعية المنهي عن الانتباذ فيها ونسخ تحريم ذلك (9/51)
1 - عن عائشة " أن وفد عبد القيس قدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألوه عن النبيذ فنهاهم أن ينبذوا في الدباء والنقير والمزفت والحنتم " (9/51)
2 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عما ينبذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت " (9/51)
3 - وعن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت " (9/52)
4 - وعن ابن أبي أوفى قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن نبيذ الجر الأخضر " (9/52)
5 - وعن الإمام علي رضي الله عنهقال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تنبذوا في الدباء والمزفت "
- متفق على خمستهن (9/52)
6 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تنبذوا في الدباء ولا في المزفت " وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزفت والحنتم والنقير " قيل لأبي هريرة ما الحنتم قال الجرار الخضر (9/53)
7 - وعن أبي سعيد " أن وفد عبد القيس قالوا يا رسول الله ماذا يصلح لنا من الأشربة قال لا تشربوا في النقير فقالوا جعلنا الله فداك أو تدري ما النقير قال نعم الجذع ينقر في وسطه ولا في الدباء ولا في الحنتم وعليكم بالموكى "
- رواهن أحمد ومسلم (9/53)
8 - وعن ابن عمر وابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الدباء والحنتم والمزفت " (9/53)
9 - وعن أبي هريرة قال " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لوفد عبد القيس أنهاكم عن الدباء والحنتم والنقير والمقير والمزادة المجبوبة ولكن اشرب في سقائك وأوكه "
- رواهما مسلم والنسائي وأبو داود (9/54)
10 - عن ابن عمر وابن عباس قالا " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نبيذ الجر "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (9/54)
11 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الختمة وهي الجرة ونهى عن الدباء وهي القرعة ونهى عن النقير وهي أصل النخل ينقر نقرا وينسخ نسخا ونهى عن المزفت وهو المقير وأمر أن ينبذ في الأسقية "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي والترمذي وصححه (9/54)
12 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنت نهيتكم عن الأشربة إلا في ظروف الأدم فاشربوا في وعاء غير أن لا تشربوا مسكرا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي
وفي رواية " نهيتكم عن الظروف وإن ظرفا لا يحل شيئا ولا يحرمه وكل مسكر حرام " رواه الجماعة إلا البخاري وأبا داود (9/55)
13 - وعن عبد الله بن عمر قال لما نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الأوعية فيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس كل الناس يجد سقاء فرخص لهم في الجر غير المزفت "
- متفق عليه (9/55)
14 - وعن أنس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن النبيذ في الدباء والنقير والحنتم والمزفت ثم قال بعد ذلك ألا نهيتم عن النبيذ في الأوعية فاشربوا فيما شئتم ولا تشربوا مسكرا من شاء أوكى سقاءه على أثم " (9/55)
15 - وعن عبد الله بن مغفل قال " أنا شهدت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين نهي عن نبيذ الجر وأنا شهدته حين رخص فيه وقال واجتنبوا كل مسكر "
- رواهما أحمد (9/56)
- حديث أنس أخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفي إسناده يحيى بن عبد الله الجابري ضعفه الجمهور وقال أحمد لا بأس به وبقية رجاله ثقات . وحديث عبد الله بن مغفل رجال إسناده ثقات
وفي أبي جعفر الرازي كلام لا يضر وقد أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط في الباب عن الجماعة من الصحابة غير من ذكره المصنف قوله " في الدباء " بضم الدال المهملة وتشديد الباء وهو القرع وهو من الآنية التي يسرع الشراب في الشدة إذا وضع فيها
قوله : " النقير " هو فعيل بمعنى مفعول من نقر ينقر وكانوا يأخذون أصل النخلة فينقرونه في جوفه ويجعلونه إناء ينتبذون فيه لأن له تأثيرا في شدة الشراب
قوله : " والمزفت " اسم مفعول وهو الإناء المطلي بالزفت وهو نوع من القار
قوله : " والحنتم " بفتح الحاء المهملة جرار خضر مدهونة كانت تحمل الخمر فيها إلى المدينة ثم اتسع فيها فقيل للخزف كله حنتم واحدها حنتمة وهي أيضا مما تسرع فيه الشدة
قوله : " عن نبيذ الجر " بفتح الجيم وتشديد الراء جمع جرة كتمر جمع تمرة وهو بمعنى الجرار الواحدة جرة ويدخل فيه جميع أنواع الجرار من الحنتم وغيره
وروى أبو داود عن سعيد بن جبير أنه قال لابن عباس ما الجر فقال كل شيء يصنع من المدر فهذا تصريح إن الجر يدخل فيه جميع أنواع الجرار المتخذة من المدر الذي هو التراب والطين يقال ندرت الحوض أمدره إذا أصلحته بالمدر وهو الطين من التراب
قوله : " والمقير " بضم الميم وفتح القاف والياء المشددة وهو المزفت أي المطلى بالزفت وهو نوع من القار كما تقدم
وروى عن ابن عباس أنه قال المزفت هو المقير حكى ذلك ابن رسلان في شرح السنن وقال أنه صح ذلك عنه
قوله : " والمزادة " هي السقاء الكبير سميت بذلك لأنه يزاد فيها على الجلد الواحد كذا قال النسائي . والمجبوبة بالجيم بعدها موحدتين بينهما واو قال عياض ضبطناه في جميع هذه الكتب بالجيم والباء الموحدة المكررة ورواه بعضهم المخنوثة بخاء معجمة ثم نون وبعدها ثاء مثلثة كأنه أخذ من اختناث الأسقية المذكورة في حديث آخر ثم قال وهذه الرواية ليست بشيء والصواب الأول إنها بالجيم وهي التي قطع رأسها فصارت كالدن مشتقة من الجب وهو القطع لكون رأسها يقطع حتى لا يبقي لها رقبة توكي
وقيل هي التي قطعت رقبتها وليس لها عزلاء أي فم من أسفلها يتنفس الشراب منها فيصير شرابها مسكرا ولا يدري به
قوله : " وأوكه " بفتح الهمزة أي وإذا فرغت من صب الماء واللبن الذي من الجلد فأوكه أي سد رأسه بالوكاء يعني بالخيط لئلا يدخله حيوان أو يسقط فيه شيء
قوله : " ينسح نسحا " بالحاء المهملة عند أكثر الشيوخ وفي كثير من نسخ مسلم عن ابن ماهان بالجيم وكذا في الترمذي وهو تصحيف ومعناه القشر ثم الحفر
قوله : " إلا في ظروف الأدم " بفتح الهمزة والدال جمع أديم ويقال أدم بضمهما وهو القياس ككثيب وكثب وبريد وبرد والأديم الجلد المدبوغ
قوله : " فاشربوا في كل وعاء " فيه دليل على نسخ النهي عن الانتباذ في الأوعية المذكورة
قال الخطابي ذهب الجمهور إلى أن النهي إنما كان أولا ثم نسخ وذهب جماعة إلى أن النهي عن الانتباذ في هذه الأوعية باق منهم ابن عمر وابن عباس وبه قال مالك وأحمد وإسحاق كذا أطلق قال والأول أصح والمعنى في النهي أن العهد بإباحة الخمر كان قريبا فلما لاشتهر التحريم أبيح لهم الانتباذ في كل وعاء بشرط ترك شرب المسكر وكأن من ذهب إلى استمرار النهي لم يبلغه الناسخ وقال الحازمي لمن نصر قول مالك أن يقول ورد النهي عن الظروف كلها ثم نسخ منها ظروف الأدم والجرار غير المزفتة واستمر ما عداها على المنع ثم تعقب ذلك بما ورد من التصريح في حديث بريدة عند مسلم كما في حديثث الباب قال وطريق الجمع أن يقال لما وقع النهي عاما شكوا إليه الحاجة فرخص لهم في ظروف الأدم ثم شكوا إليه أن كلهم لا يجد ذلك فرخص لهم في الظروف كلها وقال ابن بطال النهي عن الأوعية إنما كان قطعا للذريعة فلما قالوا لا نجد بدا من الانتباذ في الأوعية قال انتبذوا وكل مسكر حرام وهكذا الحكم في كل شيء نهى عنه بمعنى النظر إلى غيره فإنه يسقط للضرورة كالنهي عن الجلوس في الكرقات فلما قالوا لا بد لنا منها قال " وأعطوا الطريق حقها " (9/56)
باب ما جاء في الخليطين (9/56)
1 - عن جابر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " أنه نهى أن ينبذ التمر والزبيب جميعا ونهى أن ينبذ الرطب والبسر جميعا "
- رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه فصل الرطب والبسر (9/57)
2 - وعن أبي قتادة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنبذوا الزهو والرطب جميعا ولا تنبذوا الزبيب والرطب جميعا ولكن انبذوا كل واحد منهما على حدته "
- متفق عليه لكن للبخاري ذكر التمر بدل الرطب وفي لفظ " أن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن خليط التمر والبسر وعن خليط الزبيب والتمر وعن خليط الزهو والرطب وقال انتبذوا كل واحد على حدته " . رواه مسلم وأبو داود (9/57)
3 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التمر والزبيب أن يخلط بينهما وعن التمر والبسر أن يخلط بينهما يعني في الانتباذ "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي
وفي لفظ " نهانا أن نخلط بسرا بتمر أو زبيبا بتمر أو زبيبا ببسر وقال من شربه منكم فليشربه زبيبا فردا وتمرا فردا أو بسرا فردا " رواه مسلم والنسائي (9/57)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنبذوا التمر والزبيب جميعا ولا تنبذوا التمر والبسر جميعا وانبذوا كل واحد منهن وحده "
- رواه أحمد ومسلم (9/58)
5 - وعن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخلط التمر والزبيب جميعا وأن يخلط البسر والتمر جميعا " (9/58)
6 - وعنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يخلط البلح بالزهو "
- رواهما مسلم والنسائي (9/58)
7 - وعن المختار بن فلفل عن أنس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجمع بين شيئين فينبذا يبغى أحدهما على صاحبه قال وسألته عن الفضيح فنهانى عنه قال كان يكره المذنب من البسر مخافة أن يكون شيئين فكنا نقطعه "
- رواه النسائي (9/59)
8 - وعن عائشة قالت " كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سقاء فنأخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فنطرحهما ثم نصب عليه الماء فننبذه غدوة فيشربه عشية وننبذه عشية فيشربه غدوة "
- رواه ابن ماجة (9/59)
- حديث أنس رواه النسائي من طريق سويد بن نصر وهو ثقة عن عبد الله ابن المبارك الإمام الكبير عن ورقاء وهو صدوق عن المختار بن فلفل وهو ثقة عن أنس
وقد أخرجه أيضا أحمد بن حنبل من طريق المختار بن فلفل عنه . وحديث عائشة رجاله عند ابن ماجه رجال الصحيح إلا تبالة بنت يزيد الراوية له عن عائشة فإنها مجهولة وقد أخرجه أيضا ابن داود عن صفية بنت عطية قالت دخلت مع نسوة من عبد القيس على عائشة فسألناها عن التمر والزبيب فقالت كنت آخذ قبضة من تمر وقبضة من زبيب فالقيه في إناء فأمرسه ثم أسقيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي إسناده أبو بحر عبد الرحمن بن عثمان البكراوي البصري قال المنذري ولا يحتج بحديثه
قال أبو حاتم وليس هو بالقوي
وأخرج أبو داود أيضا عن مرأة من بني أسد عن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان ينتبذ له زبيب فيلقى فيه تمرا وتمر فيلقي فيه الزبيب " وفيه هذه المرأة المجهولة
قوله : " باب ما جاء في الخليطين " أصل الخلط تداخل أشياء الأشياء بعضها في بعض
قوله : " والبسر " بضم الموحدة نوع من ثمر النخل معروف
قوله : " الزهو " بفتح الزاي وضمها لغتان مشهورتان قال الجوهري أهل الحجاز يضمون يعني وغيرهم بفتح والزهو هو البسر الملون الذي بدا فيه حمرة أو صفرة وطاب وزهت تزهى زهوا وأزهت تزهى وأنكر الأصمعي أزهت بالألف وأنكر غيره زهت بلا ألف ورجحت الجمهور زهت وقال ابن الأعرابي زهت ظهرت وأزهت أحمرت أو أصفرت والأكثرون على خلافه
قوله : " على حدته " بكسر الحاء وفتح الذال أي وحدته فحذفت الواو من أوله والمراد أن كل واحد منهما ينبذ منفردا عن الآخر قوله " البلح " بفتح الموحدة وسكون اللام ثم حاء مهملة وفي القاموس وشمس العلوم بفتحها هو أول ما يرطب من البسر واحده بلحة
قوله : " وسألته عن الفضيخ قد تقدم ضبطه وتفسيره
قوله : " كان يكره المذنب " بذال معجمة فنون مشددة مكسورة ما بدا فيه الطيب من ذنبه أي طرفه ويقال له أيضا التذويب
قوله : " نقطعه " أي نفصل بين البسر وما بدا فيه واختلف في سبب النهي عن الخليطين فقال النووي ذهب أصحابنا وغيرهم من العلماء إلى أن سبب النهي عن الخليط أن الإسكار يسرع إليه بسبب الخلط قبل أن يشتد فيظن الشارب أنه لم يبلغ حد الإسكار وقد بلغه قال ومذهب الجمهور أن النهي في ذلك للتنزيه وإنما يحرم إذا صار مسكرا ولا تخفى علامته
وقال بعض المالكية هو للتحريم واختلف في خلط نبيذ البسر الذي لم يشتد مع نبيذ التمر الذي لم يشتد عند الشرب هل يمتنع أو يختص النهي عن الخلط بالانتباذ فقال الجمهور لا فرق
وقال الليث لا باس بذلك عند الشرب ونقل ابن التين عن الداودي أن المنهى عنه خلط النبيذ بالنبيذ لا إذا نبذا معا ( واختلف ) في الخليطين من الأشربة غير النبيذ فحكى ابن التين عن بعض الفقهاء أنه كره أن يخلط للمريض الأشربة
قال ابن العربي لنا أربع صور أن يكون الخليطان منصوصين فهو حرام أو منصوص ومسكوت عنه فإن كان كل منهما لو انفرد اسكر فهو حرام قياسا على المنصوص أو مسكوت عنهما وكل منهما لو انفرد لم يسكر جاز إلى آخر كلامه
وقال الخطابي ذهب إلى تحريم الخليطين وإن لم يكن الشراب منهما مسكرا جماعة عملا بظاهر الحديث وهو قول مالك وأحمد وإسحاق وظاهر مذهب الشافعي وقالوا من شرب الخليطين أثم من جهة واحدة فإن كان بعد الشدة أثم من جهتين وخص الليث النهي بما إذا انتبذا معا وخص ابن حزم النهي بخمسة أشياء التمر والرطب والزهو والبسر والذبيب قال سواء خلط أحدها في الآخر منها أو في غيرها فأما لو خلط واحد من غيرها في واحد من غيرها فلا مانع كالتين والعسل مثلا . وحديث أنس المذكور في الباب يرد عليه
وقال القرطبي النهي عن الخليطين ظاهر في التحريم وهو قول جمهور فقهاء الأمصار وعن مالك يكره فقط وشذ من قال لا بأس به لأن كلا منهما يحل منفردا فلا يكره مجتمعا قال وهذه مخالفة للنص بقياس مع وجود الفارق فهو فاسد ثم هو منتقض بجواز كل واحدة من الأختين منفردة وتحريمهما مجتمعتين (9/59)
باب النهي عن تخليل الخمر (9/60)
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الخمر يتخذ خلا فقال لا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (9/60)
2 - وعن أنس " أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أيتام ورثوا خمرا قال أهرقها قال أفلا نجعلها خلا قال لا "
- رواه أحمد وأبو داود (9/60)
3 - وعن أبي سعيد " قال قلنا لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما حرمت الخمر إن عندنا خمرا ليتيم لنا فأمرنا فأهرقناها "
- رواه أحمد (9/61)
4 - وعن أنس أن يتيما كان في حجر أبي طلحة فاشترى له خمرا فلما حرمت سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتتخذ خلا قال لا "
- رواه أحمد والدارقطني (9/61)
- حديث أنس الأول قال الترمذي بعد إخراجه حديث حسن صحيح . وحديثه الثاني عزاه المنذري في مختصر السنن إلى مسلم وهو كما قال في صحيح مسلم ورجال إسناده في سنن أبي داود ثقات
وأخرجه الترمذي من طريقين وقال الثانية أصح . وحديث أبي سعيد أشار إليه الترمذي قال وفي الباب عن جابر وعائشة وأبي سعيد وابن مسعود وابن عمر
وفي لفظ للترمذي عن أنس عن أبي طلحة أنه قال يا نبي الله
وفي لفظ آخر كما في الكتاب
قوله : " قال لا " فيه دليل للجمهور على أنه لا يجوز تخليل الخمر ولا تطهر بالتخليل هذا إذا خللها بوضع شيء فيها أما إذا كان التخليل بالنقل من الشمس إلى الظل أو نحو ذلك فأصح وجه عن الشافعية أنها تحل وتطهر وقال الأوزاعي وأبو حنيفة تطهر إذا خللت بإلقاء شيء فيها وعن مالك ثلاث روايات أصحها أن التخليل حرام فلو خللها عصي وطهرت
قال القرطبي كيف يصح لأبي حنيفة القول بالتخليل مع هذا الحديث ومع سببه الذي خرج عليه إذ لو كان جائزا لكان قد ضيع على الأيتام مالهم ولوجب الضمان على من أراقها عليهم وهو أبو طلحة
قوله : " أهرقها " بسكون القاف وكسر الراء فيه دليل على أن الخمر لا تملك بل يجب إراقتها في الحال ولا يجوز لأحد الانتفاع بها إلا بالإراقة
قال القرطبي وقال بعض أصحابنا تملك وليس بصحيح . ولفظ أحمد في رواية له " أن أبا طلحة سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عندي خمور لأيتام فقال أرقها قال ألا أخللها قال لا " (9/61)
باب شرب العصير ما لم يغل أو يأت عليه ثلاث وما طبخ قبل غليانه فذهب ثلثاه (9/62)
1 - عن عائشة قالت " كنا ننبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في سقاء يوكي أعلاه وله عزلاء ننبذه غدوة فيشربه عشيا وننبذه عشيا فيشربه غدوة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي (9/62)
2 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينبذ له أول الليل فيشربه إذا أصبح يومه ذلك والليلة التي تجيء والغد والليلة الأخرى والغد إلى العصر فإذا بقي شيء سقاه الخدام أو أمر به فصب "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية " كان ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة ثم يأمر به فيسقي الخادم أو يهراق " رواه أحمد ومسلم وأبو داود
وقال معنى يسقي الخادم يبادر به الفساد
وفي رواية " كان ينبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيشربه يومه ذلك والغد واليوم الثالث فإن بقي شيء منه أهرلقه أو أمر به فأهريق " رواه النسائي وابن ماجه (9/62)
3 - وعن أبي هريرة قال " علمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يصوم فتحينت فطره بنبيذ صنعته في دباء ثم أتيته ه فإذا هو ينش فقال اضرب بهذا الحائط فإن هذا شراب من لا يؤمن بالله واليوم الآخر "
- رواه أبو داود والنسائي
وقال ابن عمر في العصير أشربه ما لم يأخذه شيطانه قيل وفي كم يأخذه شيطانه قال في ثلاث حكاه أحمد وغيره (9/63)
4 - وعن أبي موسى " أنه كان يشرب من الطلاء ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه "
- رواه النسائي وله مثله عن عمر وأبي الدرداء وقال البخاري رأى عمر وأبو عبيدة ومعاذ شرب الطلاء على الثلث وشرب البراء وأبو جحيفة على النصف
وقال أبو داود سألت أحمد عن شرب الطلاء إذا ذهب ثلثاه وبقس ثلثه فقال لا بأس به فقلت إنهم يقولون يسكر قال لا يسكر لو كان يسكر ما أحله عمر رضي الله عنه (9/63)
- حديث عائشة تقدم في باب ما جاء في الخليطين
وأخرج أبو داود أيضا عن عائشة أنها كانت تنبذ لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غدوة فإذا كان من العشاء فتعشى شرب على عشائه وإن فضل شيء صبته أو فرغته ثم تنبذ له بالليل فإذا اصبح تغدى فشرب على غدائه قالت نغسل السقاء غدوة وعشية فقال لها أي مرتين في يوم قالت نعم . وحديث أبي هريرة أخرجه ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وقد اختلف في هشام بن عمار ولكنه قد أخرج له البخاري
وأما قوله وله مثله عن عمر فهو ما أخرجه النسائي من طريق عبد الله بن يزيد الخطمي قال كتب عمر اطبخوا شرابكم حتى يذهب نصيب الشيطان اثنين ولكم واحد وصحح هذا الحافظ في الفتح وأخرج مالك في الموطأ من طريق محمود بن لبيد الأنصاري أن عمر بن الخطاب حين قدم الشام شكى إليه أهل الشام وباء الأرض وثقلها وقالوا لا يصلحنا إلا هذا الشراب فقال عمر اشربوا العسل قالوا ما يصلحنا العسل فقال رجل من أهل الأرض هل لك أن تجعل من هذا الشراب شيئا لا يسكر فقال نعم فطبخوا حتى ذهب منه الثلثان وبقي الثلث فأتوا به عمر فأدخل فيه إصبعه ثم رفع يده فتبعها يتمطط فقال هذا الطلاء مثل طلاء الإبل فأمرهم عمر أن يشربوه وقال اللهم إني لا أحل لهم شيئا حرمته عليهم
وأخرج سعيد بن منصور من طريق أبي مجلز عن عامر بن عبد الله قال كتب عمر إلى عمار أما بعد فإنه جاءني عير تحمل شرابا أسودا كأنه طلاء الإبل فذكروا أنهم يطبخونهم حتى يذهب ثلثاه الاخبثان ثلث بريحه وثلث ببغيه فمر من قبلك أن يشربوه . ومن طريق سعيد بن المسيب أن عمر أحل من الشراب ما يطبخ فذهب ثلثاه وبقي ثلثه . وأثر أبي عبيدة ومعاذ أخرجه أبو مسلم الكجي وسعيد بن منصور بلفظ يشربون من الطلاء ما يطبخ على الثلث وذهب ثلثاه قال في الفتح وقد وافق عمر ومن ذكر معه على الحكم المذكور أبو موسى وأبو الدرداء أخرجه النسائي عنهما وعلى وأبو أمامة وخالد من الوليد وغيرهم أخرجها ابن أبي شيبة وغيره ومن التابعين ابن المسيب والحسن وعكرمة ومن الفقهاء الثوري والليث ومالك وأحمد والجمهور وشرط تناوله عندهم ما لم يسكر وكرهه طائفة تورعا . وأثر البراء أخرجه ابن أبي شيبة من رواية عدي بن ثابت عنه أنه كان يشرب الطلاء على النصف أي إذا طبخ فصار على النصف . وأثر أبي جحيفة أخرجه أيضا ابن أبي شيبة ووافق البراء وأبا حنيفة جرير ومن التابعين ابن حنيفة وشريح واطلق الجميع على أنه إن كان حرم قال أبو عبيدة بلغني أن النصف يسكر فإن كان كذلك فهو حرام والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف أعناب البلاد فقد قال ابن حزم أنه شاهد العصير ما إذا طبخ إلى الثلث ينعقد ولا يصير مسكرا أصلا ومنه ما إذا طبخ إلى النصف كذلك ومنه ما إذا طبخ إلى الربع كذلك بل قال أنه شاهد منه مالو طبخ لا يبقى غير ربعه لا ينفك عنه السكر قال وجب أن يحمل ما ورد عن الصحابة من أمر الطلاء على مالا يسكر بعد الطبخ وأخرج النسائي من طريق عطاء عن ابن عباس بسند صحيح أنه قال أن النار لا تحل شيء ولا تحرمه
وأخرج النسائي أيضا من طريق أبي ثابت الثعلبي قال كنت عند ابن عباس فجاءه رجل يسأله عن العصير فقال إشربه ما كان طريا قال إني طبخت شرابا وفي نفسي قال كنت شاربه قبل أن تطبخه قال لا قال فإن النار لا تحل شيئا قد حرم
قال الحافظ وهذا يقيد ما أطلق في الآثار الماضية وهو أن الذي يطبخ إنما هو اعصير الطري قبل أن يتخمر أما لو صار خمرا فطبخ فإن الطبخ لا يحله ولا يطهره إلا على رأي من يجيز تخليل الخمر والجمهور على خلافه
وأخرج ابن أبي شيبة والنسائي من طريق سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي اشربوا العصير ما لم يغل . وعن الحسن البصري ما لم يتغير وهذا قول كثير من السلف أنه إذا بدا فيه التغيريمتنع وعلامة ذلك أن يأخذ في الغليان وبهذا قال أبو يوسف
وقيل إذا انتهى غليانه وابتدأ في الهدو بعد الغليان
وقيل إذا سكن غليانه
وقال أبو حنيفة لا يحرم عصير العنب إلى أن يغلي ويقذف بالزبد فإذا إلى وقذف بالبد حرم
وأما المطبوخ حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه فلا يمتنع مطلقا ولو إلى وقذف بالزبد بعد الطبخ
وقال مالك والشافعي والجمهور يمتنع إذا صار مسكرا شرب قليله وكثيره سواء غلا أم لا لأنه يجوز أن يبلغ حد الإسكار بأن يغلي ثم يسكن غليانه بعد ذلك وهو مراد من قال حد منع شربه أن يتغير
وأخرج مالك بإسناد صحيح أن عمر قال إني وجدت من فلان ريح شراب فزعم أنه شرب الطلاء وإني سائل عما شرب فإن كان يسكر جلدته فجلده عمر الحد تاما
وفي السياق حذف والتقدير سأل عنه فوجده يسكر فجلده
وأخرج سعيد بن منصور عنه نحوه
وفي هذا رد على من احتج بعمر في جواز المطبوخ إذا ذهب منه الثلثان ولو أسكر بأن عمر أذن بشربه ولم يفصل وتعقب بأن الجمع بين الأثرين ممكن بأن يقال سأل ابنه فاعترف بأنه شرب كذا فسأل غيره عنه فأخبره أنه يسكر أو سأل ابنه فاعترف أنه يسكر
وقال أبو ليث السمرقندي شارب المطبوخ إذا كان يسكر أعظم ذنبا من شارب الخمر لأن شارب الخمر يشربها وهو عالم أنه عاص بشربها وشارب المطبوخ يشرب المسكر ويراه حلالا وقد قام الإجماع على أن قليل الخمر وكثيره . حرام وثبت قوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل مسكر حرام " ومن استحل ما هو حرام بالإجماع كفر قوله " يوكي " أي يشد بالوكاء وهو غير مهموز
قوله : " وله عزلاء " بفتح العين المهملة وإسكان الزاي وبالمد وهو الثقب الذي يكون في أسفل المزادة والقربة
قوله " فيشربه عشاء " قال النووي وهو بكسر العين وفتح الشين وضبطه بعضهم بفتح العين وكسر الشين وزيادة ياء مشددة
قال القرطبي هذا يدل على أن أقصى زمان الشرب ذلك المقدار فإنه لا تخرج حلاوة التمر أو الزبيب في أقل من ليلة أو يوم ( والحاصل ) أنه يجوز شرب النبيذ ما دام حلوا غير أنه إذا اشتد الحر أسرع إليه التغير في زمان الحر دون زمان البرد
قوله : " غلى مساء الثالثة قال النووي مساء الثالثة يقال بضم الميم وكسرها لغتان مشهورتان والضم أرجح . فوله " فيسقي الخادم " هذا محمول على أنه لم يكن قد بلغ إلى حد السكر لأن الخادم لا يجوز أن يسقى المسكر كما لا يجوز له شربه بل تتوجه إراقته
قوله : " أو يهراق " بضم أوله لأنه إذا صار مسكرا حرم شربه وكان نجسا فيراق قوله " فتحينت فطره " أي طلبت حين فطره
قوله : " صنعته في دباء " أي قرع
قوله : " ينش " بفتح الياء التحتية وكسر النون أي إذا إلى يقال نشت الخمر تنش نشيشا إذا غلت
قوله : " اضرب بهذا الحائط " أي أصببه وأرقه في البستان وهو الحائط قوله " في ثلاث " فيه دليل على أن النبيذ بعد الثلاث قد صار مظنة لكونه مسكرا فيتوجه اجتنابه قوله " من الطلاء " بكسر المهملة والمد شبه بطلاء لإبل وهو في تلك الحال غالبا لا يسكر (9/63)
باب آداب الشرب (9/64)
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاثا "
- متفق عليه
وفي لفظ " كان يتنفس في الشراب ثلاثا ويقول إنه أروى وأبرأو أمرأ " رواه أحمد ومسلم (9/64)
2 - وعن أبي قتادة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا شرب أحدكم فلا يتنفس في الإناء "
- متفق عليه (9/64)
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يتنفس في الإناء أو ينفخ فيه "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي (9/65)
4 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن النفخ في الشراب فقال رجل القذاة أراها في الإناء فقال أرقها فقال لإني لا اروى من نفس واحد قال فأبن القدح إذا عن فيك "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (9/65)
- قوله " كان يتنفس في الإناء ثلاثا " حمل بعضهم هذه الرواية على ظاهرها وأنه يقع التنفس في الإناء ثلاثا وقال فعل ذلك ليبين به جواز ذلك . ومنهم من علل جواز ذلك في حقه عليه السلام بأنه لم يكن يتقذر فيه شيء بل الذي يتقذر من غيره يستطاب منه فإنهم كانوا إذا بزق أو تنخع يدلكون بذلك وإذا توضأ اقتتلوا على فضلة وضوئه إلى غير ذلك مما في هذا المعنى
قال القرطبي وحمل هذا الحديث على المعنى ليس بصحيح بدليل بقيته فإنه قال إنه أروى وأمرأ
وفي لفظ لأبي داود وأبرأ . وهذه الثلاثة أمور إنما تحصل بأن يشرب ثلاثة أنفاس خارج القدح فأما إذا تنفس في الماء وهو يشرب فلا يأمن الشرق وقد لا يروى وعلى هذا المعنى حمل الحديث الجمهور نظرا إلى المعنى ولبقية الحديث وللنهي عن التنفس في الإناء في حديث أبي قتادة . وحديث ابن عباس ولقوله في حديث أبي سعيد فأبن القدح إذا ولا شك هذا من مكارم الأخلاق ومن باب النظافة وما كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بشيء ثم لا يفعله وإن كان لا يستقذر منه وأهنأ وأمرأ من قوله تعالى { فكلوه هنيئا مريئا } ومعنى الحديث كان إذا شرب تنفس في الشراب من الإناء ثلاثا . ومعنى أروى أكثر ريا وأبرأ مهموز أي أسلم من مرض أو أذى يحصل بسبب الشرب في نفس واحد وأمرأ أي أكمل انسياغا وقيل إذا نزل من المرئ الذي في رأس المعدة إليها فيمرئ في الجسد منها وفي رواية لأبي داود بزيادة أهنأ وكل ما لم يأت بمشقة ولا عناء فهو هنئ ويقال هنأني الطعام فهو هني أي لا إثم فيه ويحتمل أن يكون أهنأ في هذه الرواية بمعنى أروى
قال ابن رسلان في شرح السنن وفي هذا الحديث إشارة إلى ما يدعى للشارب به عقب الشراب فيقال له عقب الشراب هنيئا مريئا وأما قولهم في الدعاء للشارب صحة بكسر الصاد فلم أجد لها أصلا في السنة مسطورا بل نقل لي بعض طلبة الدمشقيين عن بعض مشايخه أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال للتي شربت دمه أو بوله صحة فإن ثبت هذا فلا كلام انتهى
قوله : " فلا يتنفس في الإناء " النهي عن التنفس في الذي يشرب منه لئلا يخرج من الفم بزاق يستقذره من شرب بعده منه أو تحصل فيه رائحة كريهة تتعلق بالماء أو الإناء وعلى هذا فإذا لم يتنفس في الإناء فليشرب في نفس واحد قال عمر بن عبد العزيز وأجازه جماعة منهم ابن المسيب وعطاء بن أبي رباح ومالك بن أنس وكره ذلك جماعة منهم ابن عباس ورواية عكرمة وطاوس وقالوا هو شرب الشيطان . والقول الأول أظهر لقوله في حديث الباب للذي قال له أنه لا يروى من نفس واحدة أبن القدح عن فيك وظاهره أنه أباح له الشرب في نفس واحد إذا كان يروى منه وكما لا يتنفس في الإناء لا يتجشأ فيه بل ينحيه عن فيه مع الحمد لله ويرده إلى فيه مع التسمية فيتنفس ثلاثا يحمد الله في آخر كل نفس ويسمي الله في أوله
قوله : " أو ينفخ فيه " أي في الإناء الذي يشرب منه والإناء يشمل إناء الطعام والشراب فلا ينفخ في الإناء ليذهب ما في الإناء لتبريد الكعام الحار بل يصبر إلى أن يبرد كما تقدم ولا يأكله حارا فإن البركة تذهب منه وهو شراب أهل النار (9/65)
5 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الشرب قائما "
- رواه أحمد ومسلم (9/66)
6 - وعن قتادة عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زجر عن الشرب قائما قال قتادة فقلنا فالأكل قال ذاك شر وأخبث "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي (9/66)
7 - وعن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يشربن أحد منكم قائما فمن نسي فليستقيء "
- رواه مسلم (9/66)
8 - وعن ابن عباس قال " شرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما من زمزم "
- متفق عليه (9/67)
9 - وعن الإمام علي رضي الله عنه " أنه في رحبة الكوفة شرب وهو قائم قال إن ناسا يكرهون الشرب قائما وإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صنع مثل ما صنعت "
- رواه أحمد والبخاري (9/67)
10 - وعن ابن عمر قال " كنا نأكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نمشي ونشرب ونحن قيام "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه (9/67)
- ظاهر النهي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن الشرب من قيام حرام ولا سيما بعد قوله " فمن نسي فليستقئ " فإنه يدل على التشديد في المنع والمبالغة في التحريم ولكن حديث ابن عباس وحديث علي يدلان على جواز ذلك ( وفي الباب ) أحاديث غير ما ذكره المصنف منها ما أخرجه أحمد وصححه ابن حبان عن أبي هريرة بلفظ " لو يعلم الذي يشرب وهو قائم لستقاء " . ولأحمد من وجه آخر عن أبي هريرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم " رأي رجلا يشرب قائما فقال قه قال لمه قال أيسرك أن يشرب معك الهر قال لا قال قد شرب معك من هو شر منه الشيطان " وهو من رواية شعبة عن أبي زياد الطحان مولى الحسن بن علي عنه رضي الله عنهما وأبو زياد لا يعرف اسمه وقد وثقه يحيى بن معين ومنها عند مسلم عن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زجر عن الشرب قائما
قال المازري اختلف الناس في هذا فذهب الجمهور إلى الجواز وكرهه قوم فقال بعض شيوخنا لعل النهي منصرف لمن أتى أصحابه بماء فبادر بشربه قائما قبلهم استبدادا به وخروجا معن كون ساقي القوم آخرهم شربا قال وأيضا فإن الحديث تضمن المنع من الأكل قائما ولا خلاف في جواز الأكل قائما قال والذي يظهر لي أن أحاديث شربه قائما يدل على الجواز وأحاديث النهي تحمل على الاستحباب والحث على ما هو أولى وأكمل قال ويحمل الأمر بالقئ على أن الشرب قائما يحرك خلطا يكون القيء دواءه ويؤيده قول النخعي إنما نهى عن ذلك لداء البطن
وقد تكلم عياض على أحاديث النهي وقال أن مسلما أخرج حديث أبي سعيد وحديث أنس من طريق قتادة وكان شعبة يتقي من حديث قتادة ما لا يصرح فيه بالتحدث قال واضطراب قتادة فيه مما يعله مع مخالفة الأحاديث الأخرى والأئمة له
وأما حديث أبي هريرة ففي سنده عمر بن حمزة ولا يتحمل منه مثل هذا المخالفة غيره له والصحيح أنه موقوف انتهى . ملخصا قال النووي ما ملخصه هذه الأحاديث اشكل معناها على بعض العلماء حتى قال فيها أقوالا باطلة وزاد حتى نجاسر ورام أن يضعف بعضها ولا وجه لإشاعة الغلطات بل يذكر الصواب ويشار إلى التحذير عن الغلط وليس في الأحاديث إشكال ولا فيها ضعف بل الصواب أن النهي فيها محمول على التنزيه وشربه قائما لبيان الجواز وأما من زعم نسخا أو غيره فقد غلط فإن النسخ لا يصار إليه مع إمكان الجمع لو ثبت التاريخ وفعله صلى الله عليه وآله وسلم لبيان الجواز لا يكون في حقه مكروها أصلا فإنه كان يفعل الشيء للبيان مرة أو مرات ويواظب على الأفضل والأمر بالاستقاء محمول على الاستحباب فيستحب لمن يشرب قائما أن يستقئ لهذا الحديث الصحيح فإن الأمر إذا تعذر حمله على الوجوب يحمل على الاستحباب وأما قول عياض لا خلاف بين أهل العلم أن من شرب قائما ليس عليه أن يتقيأ وأشار به إلى تضعيف الحديث فلا يلتفت إلى إشارته وكون أهل العلم لم يوجبوا الاستقاء لا يمنع من الاستحباب فمن ادعى منع الاستحباب بالإجماع فهو مجازف وكيف تترك السنة الصحيحة بالتوهمات والدعاوي والترهات
قال الحافظ ليس في كلام عياض التعرض للاستحباب . أصلا بل ونقل الاتفاق المذكور إنما هو في كلام المازري كما مضى وأما تضعيف عياض للأحاديث فلم يتشاغل النووي بالجواب عنه قال فأما إشارته إلى تضعيف حديث أنس بكون قتادة مدلسا فيجاب عنه بأنه صرح في نفس هذا الحديث بما يقتضي السماع فإنه قال قلنا لأنس فالأكل الخ وأما تضعيف حديث أبي سعد بأن أبا عباس غير مشهور فهو قول سبق إليه ابن المديني لأنه لم يرو عنه إلا قتادة لكن وثقه الطبري وابن حبان ودعواه اضطرابه مردودة فقد تابعه الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة كما رواه أحمد وابن حبان فالحديث بمجموع طرقه صحيح قال النووي والعراقي في شرح الترمذي أن قوله فمن نسي لا مفهوم له بل يستحب ذلك للعامد أيضا بطريق الأولى وإنما خص الناسي بالذكر لكون المؤمن لا يقع ذلك منه بعد النهي غالبا إلا نسيانا قال القرطبي في المفهم لم يصر أحد إلى أن النهي فيه للتحريم وإن كان القول به جاريا في أصول الظاهرية وتعقب بأن ابن حزم منهم جزم بالتحريم وتمسك من لم يكن بالأحاديث المذكورة في الباب ( وفي الباب ) عن سعد بن أبي وقاص أخرجه الترمذي . وعن عبد الله بن أنيس أخرجه الطبراني . وعن أنس أخرجه البزار والأثرم . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أخرجه الترمذي وحسنه وعن عائشة أخرجه البزار وأبو علي الطوسي في الأحكام . وعن أم سليم أخرجه ابن شاهين . وعن عبد الله بن السائب أخرجه ابن أبي حاتم وثبت الشرب قائما عن عمر أخرجه الطبري
وفي الموطأ أن عمر وعثمان وعلي كانوا يشربون قياما وكان سعد وعائشة لا يريان بذلك بأسا وثبتت الرخصة عن جماعة من التابعين وسلك العلماء في ذلك مسالك . أحدها الترجيح وأن أحاديث الجواز أثبت من أحادبث النفي وعن طريقه أبي بكر الأثرم فقال حديث أنس يعني في النهي جيد الإسناد ولكن قد جاء عنه خلافه يعني في الجواز قال ولا يلزم من كون الطريق إليه في النهي أثبت من الطريق إليه في الجواز أن لا يكون الذي يقابله أقوى لأن الثبت قد يروي من هو دونه الشيء فيرجح عليه فقد رجح نافع على سالم في بعض الأحاديث عن ابن سالم مقدم على نافع في التثبيت وقدم شريك على الثوري في الحديثين وسفيان مقدم عليه في جملة أحاديث . ويروى عن أبي هريرة أنه قال لا بأس بالشرب قائما قال فدل على أن الرواية عنه في النهي ليست بثابتة وإلا لما قال لا بأس به بالشرب قائما قال ويدل على وهانة أحاديث النهي أيضا اتفاق العلماء على أنه ليس على أحد شرب أن يستقئ . المسلك الثاني دعوى النسخ وإليها جنح الأثرم وابن شاهين فقررا أن أحاديث النهي على تقدير ثبوتها منسوخة بأحاديث الجواز بقرينة عمل الخلفاء الراشدين ومعظم الصحابة والتابعين بالجواز وقد عكس ابن حزم فادعى نسخ أحاديث الجواز بأحاديث النهي متمسكا بأن الجواز على وفق الأصل . وأحاديث النهي مقررة لحكم الشرع فمن ادعى الجواز بعد النهي فعليه البيان فإن النسخ لا يثبت بالاحتمال وأجاب بعضهم بأن أحاديث الجواز متأخرة لما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع كما تقدم ذكره في حديث الباب عن ابن عباس وإذا كان ذلك الآخر من فعله صلى الله عليه وآله وسلم دل على الجواز ويتأيد بفعل الخلفاء الراشدين
المسلك الثالث الجمع بين الأخبار بضرب من التأويل قال أبو فرج الثقفي المراد بالقيام هنا المشي يقال قمت في الأمر إذا مشيت فيه وقمت في حاجتي إذا سعيت فيها وقضيتها ومنه قوله تعالى { إلا ما دمت عليه قائما } أي مواظبا بالمشي عليه وجنح الطحاوي إلى تأويل آخر وهو حمل النهي على من لم يسم عند شربه وهذا إن سلم له في بعض ألفاظ الأحاديث لم يسلم له في بقيتها وسلك آخرون في الجمع بحمل أحاديث النهي على كراهة التنزيه وأحاديث الجواز على بيانه وهي طريقة الخطابي وابن بطال في آخرين قال الحافظ وهذا أحسن المسالك وأسلمها وأبعدها من الاعتراض وقد أشار الأثرم إلى ذلك آخر فقال أن ثبتت الكراهة حملت على الإرشاد والتأديب لا على التحريم وبذلك جزم الطبري وأيده بأنه لو كان جائزا ثم حرمه أو كان حراما ثم جوزه لبين النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بيانا واضحا فلما تعارضت الأخبار في ذلك جمعنا بينها بهذا
وقيل أن النهي عن ذلك إنما هو من جهة الطب مخافة وقوع ضرر به فإن الشرب قاعدا أمكن منه من شرب قائما
قوله : " شرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قائما من زمزم " وفي رواية لبن ماجه من وجه آخر عن عاصم فذكرت ذلك لعكرمة فحلف أنه ما كان حينئذ إلا راكبا
وعند أبي داود من وجه آخر عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيره ثم أناخه بعد طوافه فصلى ركعتين فلعله حينئذ شرب من زمزم قبل أن يعود إلى بعيره ويخرج إلى الصفا بل هذا هو الذي يتعين المصير إليه لأن عمدة عكرمة في إنكاره كونه شرب قائما إنما هو ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف على بعيره وخرج إلى الصفا على بعيره وسعى كذلك لكن لا بد من تخلل ركعتي الطواف بين ذلك وقد ثبت أنه صلاهما على الأرض فما المانع من كونه شرب حينئذ من سقاية زمزم قائما كما حفظه الشعبي عن ابن عباس
قوله : " في رحبة الكوفة " الرحبة بفتح الراء المهملة وفتح الموحدة المكان المتسع والرحب بسكون المهملة المتسع أيضا
قال الجوهري ومنه أرض رحبة أي متسعة ورحبة المسجد بالتحريك وهي ساحته
قال ابن التين فعلى هذا يقرأ الحديث بالسكون ويحتمل أنها صارت رحبة الكوفة بمنزلة رحبة المسجد فيقرأ بالتحريك وهذا هو الصحيح
قوله : " صنع كما صنعت " أي من الشرب قائما وصرح به الإسماعيلي في روايته فقال شرب فضلة وضوئه قائما كما شربت (9/68)
11 - وعن ابن سعيد " قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اختناث الأسقية أن يشرب من أفواهها "
- متفق عليه
وفي رواية . واختناثها أن يقلب رأسها ثم يشرب منه أخرجاه (9/68)
12 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يشرب من في السقاء "
- رواه البخاري وأحمد . وزاد قال أيوب فأنبئت أن رجلا شرب من في السقاء فخرجت حية (9/68)
13 - وعن ابن عباس قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن شرب من في السقاء "
- رواه الجماعة إلا مسلما (9/69)
14 - وعن عبد الرحمن بن أبي عمرة عن جدته كبشة قالت " دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فشرب من في قربة معلقة قائما فقمت إلى فيها فقطعته "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه (9/69)
15 - وعن أم سليم " قالت دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي البيت قربة معلقة فشرب منها وهو قائم فقطعت فاها فإنه لعندي "
- رواه أحمد (9/69)
- حديث أم سلمة أخرجه أيضا ابن شاهين والترمذي في الشمائل والطبراني والطحاوي في معاني الآثار ( وفي الباب ) عند عبد الله بن أنيس عند أبي داود والترمذي قوله " عن اختناث الأسقية " بالخاء المعجمة ثم المثناة من فوق بعدها نون وبعد الألف مثلثة أفتعال من الخنث بالخاء المعجمة النون والمثلثة وهو في الأصل الإنطواء والتكسر والإنثناء . والأسقية جمع يقاء والمراد به المتخذ من الأدم صغيرا كان أو كبيرا وقيل القربة قد تكون صغيرة وقد تكون كبيرة والسقاء لا يكون إلا صغيرا
قوله : " واختناثها " الخ وهو مدرج وقد جزم الخطابي أن تفسير الاختناث من كلام الزهري
قوله : " وزاد " فقال أيوب الخ هذه الزيادة زادها أيضا ابن أبي شيبة ولفظ " شرب رجل من سقاء فانساب في بطنه حيتان فنهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " وكذا أخرجه الإسماعيلي
قوله : " من في السقاء " قال النووي اتفقوا على أن النهي هنا للتنزيه لا للتحريم كذا قال وفي الاتفاق نظر فقد نقل ابن التين وغيره عن مالك أنه أجاز الشرب من أفواه القرب وقال لم يبلغني فيه نهي
قال الحافظ لم أر في الحاديث المرفوعة ما يدل على الجواز إلا من فعله صلى الله عليه وآله وسلم وأحاديث النهي كلها من قوله فهي أرجح وإذا نظرنا إلى علة النهي عن ذلك فإن جميع ما ذكره العلماء في ذلك يقتضي أنه مأمون منه صلى الله عليه وآله وسلم أما أولا فلعصمته وطيب نكهته وأما دخول شيء في فم الشارب فهو يقتضي أنه لو ملأ السقاء وهو يشاهد الماء الذي يدخله فيه ثم ربطه ربطا محكما ثم شرب منه لم يتناوله النهي
وقد أخرج الحاكم من حديث عائشة بسند قوي بلفظ " نهى أن يشرب من في السقاء لأن ذلك ينتنه " وهذا يقتضي أن يكون النهي خاصا بمن يشرب فيتنفس داخل السقاء أو باشر بفمه باطن السقاء أما من صب من الفم إلى داخل فمه من غير مماسة فلا . ومن جملة ما علل به النهي أن الذي يشرب من فم السقاء قد يغلبه الماء فينصب منه أكثر من حاجته فلا يأمن أن يشرق به أو يبل ثيابه
قال ابن العربي واحدة من هذه العلل تكفي في ثبوت الكراهة وبمجموعها تقوي الكراهة جدا
قال ابن أبي جمرة الذي يقتضيه الفقه أنه لا يبعد أن يكون النهي لمجموع هذه الأمور وفيها ما يقتضي الكراهة وفيها ما يقتضي التحريم والعادة من مثل ذلك ترجيح ما يقتضي التحريم
وقد جزم ابن حزم بالتحريم لثبوت النهي وحمل أحاديث الالرخصة على أصل الإباحة . وأطلق أبو بكر الأثرم صاحب أحمد أن أحاديث النهي ناسخة للإباحة لأنهم كانوا أولا يفعلون ذلك حتى وقع دخول الحية في بطن الذي شرب من فم السقاء فنسخ الجواز
قال العراقي لو فرق بين ما يكون لعذر كأن تكون القربة معلقة ولم يجد المحتاج إلى الشرب إناء ولم يتمكن من التناول بكفه فلا كراهة حينئذ وعلى هذا تحمل الأحاديث المذكورة وبين ما يكون لغير عذر فتحمل عليه أحاديث النهي
قال الحافظ ويؤيده أن أحاديث الجواز كلها فيها أن الفربة كانت معلقة والشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب من مطلق القربة ولا دلالة في إخبار الجواز على الرخصة مطلقا بل على تلك الصورة وحدها وحملها على حال الضرورة جمعا بين الخبرين أولى من حملها على النسخ والله أعلم
قال وقد سبق ابن العربي أن ما أشار إليه العراقي فقال ويحتمل أن يكون شربه صلى الله عليه وآله وسلم في حال ضرورة أما عند الحرب وإما عند عدم الإناء أو مع وجوده لكن لا يمكن تفريغ السقاء في الإناء ثم قال ويحتمل أن يكون شرب من أداوة والنهي محمول على ما إذا كانت القربة كبيرة لأنها مظنة وجود الهوام
قال الحافظ والقربة الصغيرة لا يمتنع وجود شيء من الهوام فيها والضرر يحصل به ولو كان حقيرا اه
وقد عرفت أن كبشة وأم سليم صرحتا بأن ذلك كان في البيت وهو مظنة وجود الآنية وعلى فرض عدمها فأخذ القربة من مكانها وإنزالها والصب منها إلى الكفين أو أحدهما ممكن فدعوى أن تلك الحالة ضرورية لم يدل عليها دليل ولا شك أن الشرب من القربة المعلقة أخص من الشرب مطلقا ولكن لا فرق في تجويز العذر وعدمه بين المعلقة وغيرها وليست المعلقة مما يصاحبها العذر دون غيرها حتى يستدل بالشرب منها على اختصاصة بحال الضرورة وعلى كل حال فالدليل أخص من الدعوى فالأولى الجمع بين الأحاديث بحمل الكراهة على التنزيه ويكون شربه صلى الله عليه وآله وسلم بيانا للجواز (9/70)
16 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شرب لبنا فتمضمض وقال إن له رسما "
- رواه أحمد والبخاري (9/70)
17 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتي بلبن قد شيب بماء وعن يمينه أعرابي وعن يساره أبو بكر فشرب ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن "
- رواه الجماعة إلا النسائي (9/70)
18 - وعن سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بشراب فشرب منه وعن يمينه غلام وعن يساره الأشياخ فقال للغلام أتأذن لي أن أعطي هؤلاء فقال الغلام والله يا رسول الله لا آثرت بنصيبي منك أحدا فتله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يده "
- متفق عليه (9/71)
19 - وعن أبي قتادة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ساقي القمو آخرهم شربا "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه (9/71)
- حديث أبي قتادة أخرجه أيضا أبو داود قال المنذري ورجال إسناده ثقات وقد أخرج مسلم في حديث أبي قتادة الأنصاري الطويل قلت لا أشرب حتى يشرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن الساقي آخرهم . قزله " فمضمض " فيه مشروعية المضمضة بعد شراب اللبن
وقد روى أبو جعفر الطبري من طريق غقيل عن ابن شهاب بلفظ " تمضمضوا من شرب اللبن والعلة الدسومة الكائنة في اللبن " والتعليل بذلك يشعر بأن ما كان له دسومة من مأكول أو مشروب فإنه تشرع له المضمضة قوله " قد شيب بالماء " أي مزج بالماء وإنما كانوا يمزجونه بالماء لذلك
قوله : " ثم أعطى الأعرابي وقال الأيمن فالأيمن " يجوز أن يكون قوله الأيمن مبتدأ خبره محذوف أي الأيمن مقدم أو أحق ويجوز أن يكون منصوبا على تقدير قدموا الأيمن أو أعطوا
وفيه دليل على أنه يقدم من على يمين الشارب في الشرب وهلم جرا وهو مستحب عند الجمهور
وقال ابن حزم يجب ولا فرق بين شراب اللبن وغيره كما في حديث سهيل بن سعد وغيره ونقل عن مالك أنه خصه بالماء قال ابن عبد البر لا يصح عن مالك وقال عياض يشبه أن يكون مراده أن السنة ثبتت نصا في الماء خاصة وتقدم الأيمن في غير شرب الماء يكون بالقياس قال ابن العربي كان اختصاص الماء بذلك لكونه قد قيل أنه يملك بخلاف سائر المشروبات ومن ثم اختلف هل يجري الربا فيهوهل يقطع في سرقته اه . ولا يخفى أن حديث أنس نص في اللبن . وحديث سهيل بن سعد يعم الماء وغيره فتأويل قول مالك بأن السنة ثبتت في الماء لا يصح
قوله : " أتأذن لي أن أعطي هؤلاء " ظاهر في أنه لو أذن له لأعطاهم ويؤخذ منه جواز الإيثار بمثل ذلك وهو مشكل على ما اشتهر من أنه لا إيثار بالقرب . وعبارة أمام الحرمين في هذا لا يجوز التبرع في العبادات ويجوز في غيرها وقد يقال أن القرب أعم من العبادة
وقد أورد على هذه القاعدة تجويز جذب واحد من الصف الأول ليصلي معه فإن خروج المجذوب من الصف الأول لقصد تحصيل فضيلة للجذب وهي الخروج من الخلاف في يطلان صلاته ويمكن الجواب بأنه لا إيثار إذ حقيقة الإيثار إعطاء ما استحقه لغيره وهذا لم يعط الجاذب شيئا وإنما رجح مصلحته لأن مساعدة الجاذب على تحصيل مقصودة ليس فيها إعطاؤه ما كان يحصل للمجذوب لو لم يوافقه
قوله : " فتله " بفتح المثناة من فوق وتشديد اللام أي وضعه
وقال الخطابي وضعه بعنف . وأصله من الرمي على التل وهو المكان العالي المرتفع ثم استعمل في كل شيء رمي به وفي كل إلقاء
وقيل هو من التلتل بلام ساكنة بين المثناتين المفتوحتين وآخره لام وهو العنق . ومنه وتله للجبن أي صرعه فالقي عنقه وجعل جبينه إلى الأرض والتفسير الأول اليق بمعنى حديث الباب وقد أنكر بعضهم تقييد الخطابي الوضع بالعنف . وظاهر هذا أن تقديم الذي على اليمين ليس لمعنى فيه بل لمعنى من جهة اليمين وه فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه إن ذلك ليس لمعنى فيه بل لمعنى من جهة اليمين وهو فضلها على جهة اليسار فيؤخذ منه إن ذلك ليس ترجيحا لمن هو على اليمين بل هو ترجيح لجهة اليمين وقد يعارض حديث أنس وسهل المذكورين حديث سهل بن أبي حثمة الذي تقدم في القسامة بلفظ " كبر كبر " وكذلك حديث ابن عباس الذي أخرجه أبو يعلى بسند قوي قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا سقي قال إبدؤا بالأكبر " ويجمع بأنه محمول على الحالة التي يجلسون فيها متساوين أما بين يدي الكبير أو عن يساره كلهم أو خلفه
قال ابن المنير يؤخذ من هذا الحديث أنها إذا تعارضت فضيلة الفاضل وفضيلة الوظيفة أعتبرت فظيلة الوظيفة
قوله : " ساقي القوم آخرهم شربا " فيه دليل على أنه يشرع لمن تولى سقاية قوم أن يتأخر في الشرب حتى يفرغوا عن آخرهم وفيه إشارة إلى أن كل من ولي من أمور المسلمين شيئا يجب عليه تقديم إصلاحهم على ما يخص نفسه وأن يكون غرضه إصلاح حالهم وجر المنفعة إليهم ودفع المضار عنهم والنضر لهم في دق أمورهم وجلها وتقديم مصلحتهم على مصلحته . وكذا من يفرق على القوم فاكهة فيبدأ بسقي كبير القوم أو بمن عن يمينه إلى آخرهم وما بقي شربه ولا معارضة بين هذا الحديث وحديث أبدأ بنفسك لأن ذاك عام وهذا خاص فيبني العام على الخاص (9/71)
أبواب الطب (9/72)
باب إباحة التداوي وتركه (9/72)
1 - عن أسامة بن شريك قال " جاء أعرابي فقال يا رسول الله أنتداوى قال نعم فإن الله لم ينزل داء إلا وأنزل له شفاءعلمه من علمه وجهله من جهله "
- رواه أحمد
وفي لفظ " قالت الأعراب يا رسول الله ألا نتداوى قال نعم عباد الله تداووا إن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء إلا داء واحد قالوا يا رسول الله وما هو قال الهرم " رواه ابنماجه وأبو داود والترمذي وصححه (9/72)
2 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لكل داء دواء فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى "
- رواه أحمد ومسلم (9/73)
3 - وعن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من يعلمه وجهله من جهله "
- رواه أحمد (9/73)
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء "
- رواه أحمد والبخاري وابن ماجه (9/73)
5 - وعن أبي خزامة قال " قلت يا رسول الله أرأيت رقي نسترقيها ودواء نتداوى به وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا قال هي من قدر الله "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال حديث حسن ولا يعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث (9/74)
6 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفا بغير حساب هم الذين لا يسترقون ولا يتطيرون ولا يكتوون وعلى ربهم يتوكلون " (9/74)
7 - وعن ابن عباس " أن امرأة سوداء أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إني أصرع وأني اتكشف فادع الله لي قال إن شئت صبرت ولك الجنة وأن شئت دعوت الله أن يعافيك فقالت أصبر وقالت إني أتكشف غادع الله أن لا أتكشف فدعا لها "
- متفق عليهما (9/74)
- حديث أسامة أخرجه أيضا النسائي والبخاري في الأدب المفرد وصححه أيضا ابن خزيمة والحاكم . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم . وحديث أبو خزامة وهو بمعجمة مكسورة وزاي خفيفة أخرجه ايضا الترمذي من طريقين . أحدهما عن ابن أبي عمر عن سفيان عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه والثانية عن سعيد بن عبد الرحمن عن سفيان عن الزهري عن ابن أبي خزامة عن أبيه
وقال قد روي عن ابن عيينة كلتا الروايتين وقال بعضهم عن أبي خزامة عن أبيه وقال بعضهم عن ابن أبي خزامة عن أبيه قال وقد روى هذا الحديث غير ابن عيينة عن الزهري عن أبي خزامة عن أبيه وهذا أصح ولا يعرف لأبي خزامة عن أبيه غير هذا الحديث اه كلامه وقد صرح بأنه حديث حسن وهو كما قال
قوله : " فإن الله لم ينزل داء " المراد بالإنزال إنزال علم ذلك على لسان الملك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم مثلا أو المراد به التقدير
قوله : " عباد الله تداووا " لفظ الترمذي قال نعم يا عباد الله تداووا والداء والدواء كلاهما بفتح الدال المهملة بالمد وحكى كسر دال الدواء
قوله : " والهرم " استثناه لكونه شبيها بالموت والجامع بينهما تقضى الصحة أو لقربه من الموت أو إفضائه إليه ويحتمل أن يكون الاستثناء منقطعا والتقدير لكن الهرم لا دواء له وفي لفظ السام بمهملة مخففا وهو الموت ولعل التقدير الأداء السام أي المرض الذي قدر على صاحبه الموت
قوله : " علمه من علمه " فيه إشارة إلى أن بعض الأدوية لا يعلمه كل واحد ( وفي أحاديث الباب ) كلها إثبات الأسباب وإن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله وبتقديره وأنها لا تنجع بذواتها بل بما قدره الله فيها وإن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك وإليه الإشارة في حديث جابر حيث قال بإذن الله فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافي دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بالعافية ودفع المضار وغير ذلك
قوله : " وجهله من جهله " فيه دليل على أن لا بأس بالتداوي لمن كان به داء قد اعترف الأطباء بأنه لا دواء له وأقرووا بالعجز عنه
قوله : " رقي نسترقيها " الخ سيأتي الكلام على الرقية
قوله : " وتقاة نتقيها " أي ما نتقي به ما يريد علينا من الأمور التي لانريد وقوعها بنا
قوله : " قال هيمن قدر الله " أي لا مخافة بينهما لأن الله هو الذي خلق تلك الأسباب وجعل لها خاصية في الشفاء
قوله : " لا يسترقون " الخ سيأتي الكلام على الرقية والكي . والما التطهير فهو من الطيرة بكسر الطاء المهملة وفتح المثناة التحتية وقد تسمن وهي التشاؤم بالشي وكان ذلك يصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وابطله ونهى عنه ( والأحاديث ) في الطيرة متعارضة وقد وضعت فيها رسالة مستقلة
وقد استدلبهذا الحديث والذي بعده على أنه يكره التداوي وأجيب عن ذلك بأجوبة قال النووي لامخالفة بل المدح في ترك الرقي المراد بها الرقي التي هي من كلام الكفار والرقي المجهولة والتي بغير العربية ومالا يعرف معناه فهذه مذمومة لاحتمال أن معناه كفر أو قريب منه أو مكروه وأما الرقي بآيات القرآن وبالإذكار المعروفة فلا نهي فيه بل هو سنة ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين أن الوارد في ترك الرقي للأفضلية وبيان التوكل وفي فعل الرقي لبيان الجواز مع أن تركها أفضل وبهدا قال ابن عبد البر وحكاه عمن حكاه والمختار الأول وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقي بالآيات وإذكار الله تبارك وتعالى
قال المازري جميع الرقي جائزة إذا كانت بكتاب الله أو بذكره ومنهي عنها إذا كانت باللغة الأعجمية أو بما لا يدري معناه لجواز أن يكون فيه كفر وقال الطبري والمازري وطائفة أنه محمول على من يعتقد أن الأدوية تنفع بطبعها كما كان أهل الجاهلية يعتقدون
قال عياض الحديث يدل على أن للسبعين ألفا مزرية على غيرهم وفضيلة انفردوا بها عنمن يشاركهم في أصل الفضل والديانة ومن كان يعتقد أن الأدوية تؤثر بطبعها أو يستعمل رقي أهل الجاهلية ونحوها فليس مسلما فلم يسلم هذا الجواب وأجاب الداودي وطائفة أن المراد بالحديث الذين يجتنبون فعل ذلك في الصحة خشية وقوع الداء وأما من يستعمل الدواء بعد وقوع الداء فلا . وأجاب الحلمي بأنه يحتمل أن يكون المراد بهؤلاء المذكورين في الحديث من غفل عن أحوال الدنيا وما فيها من الأسباب المعدة لدفع العوارض فهم لا يعرفون الاكتواء ولا الاسترقاق وليس لهم ملجأ فيما يعتر بهم إلا الدعاء والاعتصام بالله والرضا بقضائه فهم غافلون عن الطب الأطباء ورقي الرقاة ولا يخشون من ذلك شيئا وأجاب الخطابي ومن تبعه بأن المراد بترك الرقي والكي الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره لا القدح في جواز ذلك وثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة . وعن السلف الصالح لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب
قال ابن الأثير هذا من صفة الأولياء المعرضين عن الدنيا وأسبابها ومرافقها وهؤلا هم خواص الأولياء ولا يرد عليه وقوع مثل ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلا وأمرا لأنه كان في أعلى مقامات العرفان ودرجات التوكل فكان ذلك منه للتشريع وبيان الجواز ومع ذلك فلا ينقص من توكله لأنه كان كامل التوكل يقينا فلا يؤثر فيه تعاطي الأسبابب شيئا بخلاف غيره ولو كان كثيرا التوكل فكان من ترك الأسباب وفوض وأخلص أرفع مقاما قال الطبري قيل لا يستحق اسم التوكل إلا من لم يخالط قلبه خوف من شيء البتة حتى السبع الضاري والعدو العادي ولا يسعى في طلب رزقه ولا في مداواة ألم . والحق من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب إتباعا لسنته وسنة رسوله فقد ظاهر صلى الله عليه وآله وسلم بين درعين ولبس على رأسه المغفر وأقعد الرماة على فم الشعب وخندق حول المدينة وأذن في الهجرة إلى الحبشة وغلى المدينة وهاجر هو وتعاطى أسباب الأكل والشرب وإدحر لأهله قوتهم ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك وقال للذي سأله ايعقل ناقته أو يتوكل أعقلها وتوكل فأشار أن الاحتراز لا يدفع التوكل
قوله " فقالت إني أصرع " الصرع نعوذ بالله منه علة تمنع الأعضاء الرئيسة عن استعمالها منعا غير تام وسببه ريح غليظة تنحبس في منافذ الدماغ أو بخار رديء يرتفع إليه من بعض الأعضاء وقد يتبعه تشنج في الأعضاء ويقذف المصروع بالزبد لغلظ الرطوبة وقد يكون الصرع من الجن ويقع من النفوس الخبيثة منهم إما لاستحسان بعض الصور الإنسية وإما لإيقاع الأذية به والأول هو الذي يثبته جميع الأطباء ويذكرون علاجه والثاني يجحده كثير منهم وبعضهم يثبته ولا يعرف له علاج إلا بجذب الأرواح الخيرة العلوية لدفع آثار الأرواح الشريرة السفلية وتبطيل أفعالها وممن نص على ذلك بقراط فقال بعد ذكر علاج المصروع إنما ينتفع في الذي سببه أخلاط وأما الذي يكون من الأرواح فلا
قوله : " وإني أتكشف " بمثناة من فوق وتشديد الشين المعجمة من التكشف وبالنون الساكنة المخففة من الإنكشاف والمراد أنها خشيت أن تظهر عورتها وهي لا تشعر
وفيه أن الصبر على بلايا الدنيا يورث الجنة وأن الأخذ بالشدة أفضل من الأخذ بالرخصة لمن علم من نفسه الطاقة ولم يضعف عن الالتزام الشدة وفيه دليل على جواز ترك التداوي وإن التداوي بالدعاء مع الالتجاء إلى الله أنجع وأنفع من العلاج بالعقاقير ولكن إنما ينجع بامرين أحدهما من جهة العليل وهو صدق القصد والآخر من جهة المداوي وهو توجه قلبه إلى الله وقوته بالتقوى والتوكل على الله نعالى (9/75)
باب ما جاء بالتداوي بالمحرمات (9/75)
1 - عن وائل بن حجر " أن طارق بن سويد الجعفي سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الخمر فنهاه عنها فقال إنما أصنعها للدواء قال إنه ليس بدواء ولكنه داء "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه (9/75)
2 - عن أبي الدرداء قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء فتداووا ولا تداووا بحرام "
- رواه أبو داود وقال ابن مسعود في المسكر " أن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم " ذكره بخاري (9/76)
3 - وعن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الدواء الخبيث يعني السم "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه والترمذي
وقال الزهري في أبوال الإبل " قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بها بأسا " رواه بخاري (9/76)
- حديث أبي الدرداء في إسناده إسماعيل بن عياش قال المنذري وفيه مقال انتهى
وقد عرفت غير مرة أنه إذا حدث عن أهل الشام فهو ثقة وإنما يضعف في الحجازيين وهو ها هنا حدث عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي وهو شامي ذكره ابن حبان في الثقات عن أبي عمران الأنصاري مولى أن الدرداء وقائدها وهو أيضا شامي
قوله : " ليس بدواء ولكنه دواء " فيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء فيحرم التداوي بها كما يحرم شربها وكذلك سائر الأمور النجسة أو المحرمة وإليه ذهب الجمهور
قوله : " ولا تداووا بحرام " . أي لا يجوز التداوي بها حرمه الله من النجاسات وغيرها مما حرمه الله ولو لم يكن نجسا
قال ابن رسلان في شرح السنن والصحيح من مذهبنا يعني الشافعية جواز التداوي بجميع النجاسات سوى المسكر لحديث العرنيين في الصحيحين حيث أمرهم صلى الله عليه وآله وسلم بالشراب من أبوال الإبل للتداوي قال ( وحديث الباب ) محموله على عدم الحاجة بأن يكون هناك دواء غيره يغني عنه ويقوم مقامه من الطاهرات . ويقول البيهقي هذان الحديثان إن صحا محمولان على النهي عن التداوي بالمسكر والتدوي بالحرام من غير ضرورة ليجمع بينها وبين حديث العرنيين . ولا يخفى ما بين هذا الجمع من التعسف فإن أبوال الإبل الخصم يمنع إنصافها بكونها حراما أو نجسا وعلى فرض التسليم فالواجب الجمع بين العام وهو تحريم التداوي بالحرام وبين الخاص وهو الإذن بالتداوي بأبوال الإبل بأن يقال يحرم التداوي بكل حرام إلا أبوال الإبل هذا هو القانون الأصولي
قوله : " عن الدواء الخبيث " ظاهره تحريم التداوي بكل خبيث والتفسير بالسم مدرج لا حاجة فيه ولا ريب أن الحرام والنجس خبيثان قال الماوردي وغيره السموم على أربع أضراب منها ما يقتل كثيره وقليله فآكله حرام للتداوي ولغيره قوله تعالى { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } ومنها ما يقتل كثيره دون قليله فآكل كثيره الذي يقتل حرام للتداوي وغيره والقليل منه إن كان مما ينفع في التداوي جاز أكله تداويلا ومنها ما يقتل في الأغلب وقد يجوز أن لا يقتل فحكمه كما قبله ومنه ما لا يقتل في الأغلب وقد يجوز أن يقتل فذكر الشافعي في موضع إباحة أكله وفي موضع تحريم أكله فجعل بعض أصحابه على حالين فحيث أباح أكله فهو إذا كان للتداوي وحيث حرم أكله فهو إذا كان غير منتفع بع في التداوي (9/76)
باب ما جاء في الكي (9/77)
1 - عن جابر قال " بعث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي بن كعب طبيبا فقطع منه خرقا ثم كواه "
- رواه أحمد ومسلم (9/77)
2 - عن جابر أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كوى سعد بن معاذ في أكحله مرتين "
- رواه ابن ماجه ومسلم بمعناه (9/77)
3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كوى أسعد بن زرارة من الشوكة "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (9/78)
4 - وعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال من اكتوى أو أسترقى فقد برئ من التوكل "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه (9/78)
5 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الشفاء في ثلاثة في شرطة محجم أو شربة عسل أو كية بنار وأنهي أمتي عن الكي "
- رواه أحمد والبخاري وابن ماجه (9/78)
6 - وعن عمران بن حصين " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الكي فاكتوينا فما أفلحن ولا نجعن "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وقال فما أفلحنا ولا أنجعنا (9/79)
- حديث أنس أخرجه الترمذي عن طريق حميد بن مسعدة حدثنا بريدة بن زريع أخبرنا معمر عن الزهري عن أنس وإسناده حسن كما قال . وحديث المغيرة صححه أيضا ابن حيان والحاكم
قوله : " فقطع منه عرقا " استدل بذلك على أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده ابن رسلان وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه فمتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق
وقد روى ابن عدي في الكامل من حديث عبد الله بن جواد قطع العروق مسقمة كما في الترمذي وابن ماجة ترك العشاء مهرمة وإنما كواه بعد القطع لينقطع الدم الخارج من العرق المقطوع
قوله : " كوى سعد بن معاذ " الكي هو أن يحمى حديد ويوضع على عضو معلول ليحرق ويحبس دمه ولا يخرج أو لينقطع العرق الذي خرج منه الدم
وقد جاء النهي عن الكي وجاءت الرخصة فيه والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر لأن الكي فيه تعذيب بالنار ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار وهو الله تعالى ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش وهذان نوعان من أنواع الكي الأربعة وهما النهي عن الفعل وجوازه والثالث الثناء على من تركه كحديث السبعين الفا الذين يدخلون الجنة وقد تقدم والرابع عدم محبته كحديث الصحيحين " وما أحب أن أكتوي " فعدم محبته يدل على أن الأولى عدم فعله والثناء على تركه يدل على أن تركه أولى فتبين أنه لا تعارض بين الأربعة
قال الشيخ أبو محمد بن حمزة علم من مجموع كلامه في الكي أن فيه نفعا وأن فيه مضرة فلما نهى عنه علم أن جانب المضرة فيه أغلب وقريب منه أخبار الله تعالى أن في الخمر منافع ثم حرمها لأن المضار التي فيها أعظم من المنافع انتهى ملخصا
قوله : " من الشوكة " هي داء معروف كما في القاموس
قال في النهاية هي حمرة تعلو الوجه والجسد يقال منه شيك فهو مشوك وكذلك إذا دخل في جسمه شوكة ومنه الحتديث إذا شيك فلا انتقش أي إذا شاكته فلا يقدر على انتقاشها وهو أخراجها بالنقاش
قوله : " فقد برئ من التوكل " قال في الهدى أحاديث الكي التي في هذا الباب قد تضمنت أربعة أشياء أحدها فعله
ثانيها عدم محبته ثالثها الثناء على من تركه . رابعها النهي عنه ولا تعارض فيها بحمد الله فإن فعله يدل على جوازه وعدم محبته لا يدل على المنع منه والثناء على تاركيه يدل على أن تركه أفضل والنهي عنه إما على سبيل الأختيار من دون علة أو عن النوع الذي يحتاج معه إلى الكي انتهى
وقيل الجمع بين هذه الأحاديث أن المنهى عنه هو الأكتواء ابتداء قبل حدوث العلة كما يفعله الأعاجم والمباح هو الأكتواء بعد حدوث العلة
قوله : " في شرطة محجم " بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم
قوله : " أو شربة عسل " قال في الفتح العسل يذكر ويؤنث واسماؤه تزيد على المائة وفيه من المنافع ما لخصه الموفق البغدادي وغيره فقالوا يجلي الأوساخ التي في العروق والأمعاء ويدفع الفضلات ويغسل المعدة ويسخنها تسخينا معتدلا ويفتح أفواه العروق ويشد المعدة والكبد والكلي والمثانة وفيه تحليل للرطوبات أكلا وطلاء وتغذية وفيه حفظ للمعجونات وأذهاب لكيفية الأدوية المستكرهة وتنقية للكبد والصدر وادرار البول والطمس وينفع للسعال الكائن من البلغم والأمزجة الباردة وإذا أضيف إليه الخل نفع أصحاب الصفراء ثم هو غذاء من الأغذية ودواء من الأدوية وشراب من الأشربة وحلوا من الحلاوات وطلاء من الأطلية . ومفرح من المفرحات . ومن منافعه أنه إذا شرب حارا بدهن الورد نفع من نهش الحيوان وإذا شرب وحده بماء نفع من عضة الكلب الكلب وإذا جعل فيه اللحم الطري حفظ طراوته ثلاثة أشهر وكذا الخيار والقرع والباذنجان والليمون ونحو ذلك وإذا لطخ به البدن للقمل قتل القمل والصئبان وطول الشعر وحسنه ونعمه وإن أكتحل به جلا ظلمة البصر وإن استن به صقل الأسنان وحفظ صحتها وهو عجيب في حفظ جثة الموتى فلا يسرع إليها البلا وهو مع ذلك مأمون الغائلة قليل المضرة ولم يكن يعول قدماء الأطباء في الأدوية المركبة إلا عليه ولا ذكر للسكر في أكثر كتبهم أصلا
وقد أخرج أبو نعيم في الطب النبوي بسند ضعيف من حديث أبي هريرة رفعه وابن ماجه بسند ضعيف من حديث جابر رفعه " من لعق العسل ثلاث غدوات من كل شهر لم يصبه عظيم من البلاء "
قوله " وأنهى أمتي عن الكي " قال النووي هذا الحديث من بديع الطب عند أهله لأن الأمراض الامتلائية دموية أو صفراوية أو سوداوية أو بلغمية فإن كانت دموية فشفاؤها أخراد الدم وإن كانت من الثلاثة الباقية فشفاؤها بالأسهال بالمسهل اللائق بكل خلط منها فكأنه نبه صلى الله عليه وآله وسلم بالعسل على المسهلات وبالحجامة على أخراج الدم بها وبالفصد ووضع العلق وما في معناها وذكر الكي لأنه يستعمل عند عدم نفع الأدوية المشروبة ونحوها فآخر الطب الكي والنهي عنه اشارة إلى تأخير العلاج بالكي حتى يضطر إليه لما في استعجال الألم الشديد في دفع ألم قد يكون أضعف من ألم الكي
قوله : " نهى عن الكي فاكتويتا " قال ابن رسلان هذه الرواية فيها اشارة إلى أنه يباح عند الضرورة بالأبتلاء بالأمراض المزمنة التي لا ينجع فيها إلا الكي ويخاف الهلاك عند تركه الاتراه كوى سعدا لما لم ينقطع الدم من جرحه وخاف عليه الهلاك من كثرة خروجه كما يكوى من تقطع يده أو رجله ونهى عمران بن حصين عن الكي لأنه كان به باسور وكان موضعه خطرا فنهاه عن كيه فتعين أن يكون خاصا بمن به مرض مخوف ولأن العرب كانوا يرون أن الشافي لما لا شفاء له بالدواء هو الكي ويعتقدون أن من لم يكتو هلك فنهاهم عنه لأجل هذه النية فإن الله تعالى هو الشافي
قال ابن قتيبة الكي جنسان كي الصحيح لئلا يعتل فهذا الذي قيل فيه لم يتوكل من اكتوى لأنه يريد أن يدفع القدر عن نفسه والثاني كي الجرح إذا لم ينقطع دمه باحراق ولا غيره والعضو إذا قطع ففي هذا الشفاء بتقدير الله وأما إذا كان الكي للتداوي الذي يجوز أن ينجح ويجوز أن لا ينجح فإنه إلى الكراهة أقرب
وقد تضمنت ( أحاديث الكي ) أربعة أنواع كما تقدم
قوله " فما أفلحن ولا أنجحن " هكذا الرواية الصحيحة بنون الأناث فيها يعني تلك الكيات التي اكتويناهن وخالفنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في فعلهن وكيف يفلح أو ينجح شيء خولف فيه صاحب الشريعة وعلى هذا فالتقدير فاكتوينا كيات لأوجاع فما أفلحن ولا أنجحن وهو أولى من أن يكون المحذوف الفاعل على تقدير فما أفلحن الكيات ولا أنجحن لأن حذف المفعول الذي هو فضلة أقوى من حذف الفاعل الذي هو عمدة ورواية الترمذي كما ذكره المصنف رحمه الله فيكون الفلاح والنجاح مسندا فيها إلى المتكلم ومن معه
وفي رواية لابن ماجه " فما أفلحت ولا أنجحت " بسكون تاء التأنيث بعد الحاء المفتوحة (9/79)