4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال العائد في هبته كالعائد يعود في قيئه "
- متفق عليه وزاد أحمد والبخاري " ليس لنا مثل السوء " ولأحمد في رواية قال قتادة ولا أعلم القئ الاحراما (6/80)
5 - وعن طاوس ان ابن عمر وابن عباس رفعاه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده مثل الرجل يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب أكل حتى إذا شبع قاء ثم رجع في قيئه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (6/81)
- حديث طاوس أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه : قوله " العائد في هبته " الخ استدل بالحديث على تحريم الرجوع في الهبة لان القئ حرام فالمشبه به مثله ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره كالكلب يرجع في قيئه وهي تدل على عدم التحريم لان الكلب غير متعبد فالقئ ليس حراما عليه وهكذا قوله في حديث طاوس المذكور كمثل الكلب الخ وتعقب بأن ذلك للمبالغة في الزجر كقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيمن لعب بالنرد " فكأنما غمس يده في لحم خنزير " وأيضا الرواية الدالة على تحريم غير منافية للرواية الدالة على الكراهة على تسليم دلالتها على الكراهة فقط لأن الدال على التحريم قد دل على الكراهة وزيادة وقد قدمنا في باب نهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة عن القرطبي أن التحريم هو الظاهر من سياق الحديث وقدمنا أيضا أن الأكثر حملوه على التنفير خاصة لكونه القئ مما يستقذر ويؤيد القول بالتحريم قوله ليس لنا مثل السوء وكذلك قوله لا يحل للرجل . قال في الفتح وإلى القول بتحريم الرجوع في الهبة بعد أن تقبض ذهب جمهول العلماء إلا هبة الوالد لولده وستأتي : وذهبت الحنفية والهادوية إلى حل الرجوع في الهبة دون الصدقة الا إذا حصل مانع من الرجوع كالهبة لذي رحم ونحو ذلك مما هو مذكور في كتب الفقه من الموانع . قال الطحاوي ان قوله لا يحل لا يستلزم التحريم قال وهو كقوله لا تحل الصدقة لغني وإنما معناه لا يحل له من حيث يحل لغيره من ذوي الحاجة وأراد بذلك التغليظ في الكراهة قال الطبري يخص من عموم هذا الحديث من وهب بشرط الثواب ومن كان والدا والموهوب له ولده والهبة لم تقبض والتي ردها الميراث إلى الواهب لثبوت الأخبار باستثناء كل ذلك وأما ما عدا ذلك كالغني يثيب الفقير ونحو م يصل رحمه فلا رجوع قال ومما لا رجوع فيه مطلقا الصدقة براد ثوب الآخرة قال في الفتح اتفقوا على أنه لا يجوز الرجوع في الصدقة بعد القبض اه وقد أخرج مالك عن عمر أنه قال من وهب هبة يرجو ثوابها فهي رد على صاحبها ما لم يثب منه . ورواه البيهقي عن ابن عمر مرفوعا وصححه الحاكم قال الحافظ صححه الحاكم من رواية ابن عمر عن عمر ورواه عبد الله بن موسى مرفوعا قيل وهو وهم . قال الحافظ صححه الحاكم وابن حزم ورواه ابن حزم أيضا عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ الواهب أحق بهبته ما لم يثب منها . وأخرجه أيضا ابن ماجه والدارقطني ورواه الحاكم من حديث الحسن عن سمرة مرفوعا بلفظ " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع . ورواه الدارقطني من حديث ابن عباس قال الحافظ وسنده ضعيف . قال ابن الجوزي أحاديث ابن عمر وأبي هريرة وسمرة ضعيفة وليس منها ما يصح . وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عباس مرفوعا وهب هبة فهو أحق بها حتى يثاب عليها فإن رجع في هبته فهو كالذي يقئ ويأكل منه فإن صحت هذه الأحاديث كانت مخصصة لعموم حديث الباب فيجوز الرجوع في الهبة قبل الأثابة عليها ومفهوم حديث سمرة يدل على جواز الرجوع في الهبة لغير ذي الرحم قوله " إلا الوالد فيما يعطي ولده " استدل به على أن للأب أن يرجع فيما وهب لابنه وإليه ذهب الجمهور وقال أحمد لا يحل للواهب أن يرجع في هبته مطلقا وحكاه في البحر عن أبي حنيفة والناصر والمؤيد بالله تجريجا له . وحكى في الفتح عن الكوفيين أنه لا يجوز للأب الرجوع إذا كان الابن الموهوب له صغيرا أو كبيرا وقبضها وهذا التفضيل لا دليل عليه واحتج المانعون مطلقا بحديث ابن عباس المذكور في الباب ويرد عليهم الحديث المذكور بعده المقترن بمخصصه . ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور والأحاديث الآتية في الباب الذي بعد هذا المصرحة بأن الولد وما ملك لأبيه فليس رجوعه في الحقيقة رجوعا وعلى تقدير كونه رجوعا فربما اقتضته مصلحة التأديب ونحو ذلك . واختلف في الأم هل حكمها حكم الأب في الرجوع أم لا فذهب أكثر الفقهاء إلى الأول كما قال في صاحب الفتح واحتجوا بأن لفظ الوالد يشملها وحكى في البحر عن الأحكام والمؤيد بالله وأبي طالب والأمام يحيى أنه لا يجوز لها الرجوع إذ رجوع الأب مخالف للقياس فلا يقاس عليه والمالكية فرقوا بين الأب والأم فقالوا للأم أن ترجع إذا كان الأب حيا دون ما إذا مات وقيدوا رجوع الأب بما إذا كان الابن الموهوب له لم يستحدث دينا أو ينكح وبذلك قال إسحاق والحق أنه يجوز للأب بما الرجوع في هبته لولده مطلقا وكذلك الأم إن صح إن لفظ الوالد يشملها لغة أو شرعا لأنه خاص وحديث المنع من الرجوع عام فيبنى العام على الخاص . قال في المصباح الوالد الأب وجمعه بالواو والنون والوالدة الأم جمعها بالأف والتاء والوالدان الأب والأم للتغليب اه وحديث سمرة المتقدم بلفظ " إذا كانت الهبة لذي رحم محرم لم يرجع " مخصص بحديث الباب لأن الرحم على فرض شموله للابن أعم من هذا الحديث مطلقا وقد قيل ان الرحم غلب إلى غير الولد فهو حقيقة عرفية لغوية فيما عداه فإن صح ذلك فلا تعارض (6/81)
باب ما جاء في أخذ الوالد من مال ولده (6/81)
1 - عن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم "
- رواه أخمسة وفي لفظ " ولد الرجل من أطيب كسبه فكلوا من أموالهم هنيئا " رواه أحمد (6/82)
2 - وعن جابر " أن رجلا قال يا رسول الله إن لي مالا وولدا وإن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال أنت ومالك لأبيك "
- رواه ابن ماجه (6/82)
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أبي يريد أن يجتاح مالي فقال أنت ومالك لوالط إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم فكلوه هنيئا "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " إن رجلا أتى النبي ؟ ؟ ؟ فقال إن لي مالا وولدا وإن والدي " الحديث (6/82)
- حديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه والحاكم ولفظ أحمد أخرجه أيضا الحاكم وصححه أبو حاتم وأبو زرعة واعله ابن القطان بأنه من عمارة عن عمته وتارة عن أمه وكلتاهما لا يعرفان . وزعم الحاكم في موضع من مستدركه بعد أن أخرجه من طريق حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة بلفظ " أموالهم لكم إذا احتجتم إليها " أن الشيخين أخرجاه باللفظ الأول الذي فيه الأمر بالأكل من أموال الأولاد ووهم في ذلك فإنهما لم يخرجاه . وقال أبو داود زيادة " إذا احتجتم إليها منكرة " ونقل عن ابن المبارك عن سفيان قال حدثني به حماد ووهم فيه . وحديث جابر قال ابن القطان إسناده صحيح . وقال المنذري رجال ثقات . وقال الدارقطني تفرد به عيسى بن يونس بن أبي إسحاق وطريق أخرى عند الطبراني في الصغير والبيهقي في الدلائل فيها قصة مطولة . وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن الجارود ( وفي الباب ) عن سمرة عند البزار وعن عمر عند البزار أيضا . وعن ابن مسعود عند الطبراني . وعن ابن عمر عند أبي يعلى وبمجموع هذه الطرق ينتهض للاحتجاج فيدل على أن الرجل مشارك لولده في ماله فيجوز له الأكل منه سواء أذن الولد أو لم يأذن يجوز له أيضا أن يتصرف به كما يتصرف بماله ما لم يكن ذلك على وجه السرف والسفه وقد حكى في البحر الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين : قوله " يريد أن يجتاح " بالجيم بعدها فوقية وبعد الألف حاء مهملة وهو الأستئصال كالاجاحة ومن الحائجة للشدة المجتاحة للمال كذا في القاموس : قوله " أنت ومالك لأبيك " قال ابن رسلان اللام للإباحة لا للتمليك فإن مال الولد له وزكاته عليه وهو موروث عنه (6/83)
باب العمري والرقي (6/83)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " العمري ميراث لأهلها أو قال جائزة "
- متفق عليه (6/83)
2 - وعن يزيد بن ثابت قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعمر عمري فهي لمعمره محياه ومماته لا ترقبوا من أرقب شيئا فهي سبيل الميراث "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الرقبى جائزة " . رواه النسائي . وفي لفظ " جعل الرقبى للذي أرقبها " رواه أحمد والنسائي . وفي لفظ " جعل الرقبى للوارث " رواه أحمد (6/84)
3 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم العمري جائزة لمن أعمرها والرقبى جائز لمن أرقبها "
- رواه أحمد والنسائي (6/84)
4 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تعمروا ولا ترقبوا فمن أعمر شيئا أو أرقبه فهو له حياته ومماته "
- رواه أحمد والنسائي (6/84)
5 - وعن جابر قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمري لمن وهبت له " متفق عليه . وفي لفظ " قال أمسكوا عليكم أموالكم ولا تفسدوها فمن أعمر عمري فهي للذي أعمر حيا وميتا ولعقبه " رواه أحمد ومسلم . وفي رواية قال " العمري جائزة لاهلها والرقبى جائزة لاهلها " رواه الخمسة . وفي رواية " من أعمر رجلا عمرى له ولعقبه فقد قطع قوله حقه فيها وهي لمن أعمر وعقبه " رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه . وفي رواية " قال إيما رجل أعمر عمري له ولعقبه فإنها للذي يعطاها لا ترجع إلى الذي أعطاها لأنه أعطى عطاء وقعت فيه المواريث " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه . وفي لفظ عن جابر " إنما العمري التي أجازها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تقول هي لك ولعقبك فأما إذا قال هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها " رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالعمري أن يهب الرجل للرجل ولعقبه الهبة ويستثنى أن حدث بكل حدث ولعقبك فهي إلى وإلى عقبى أنها لمن أعطيها ولعقبه " رواه النسائي (6/85)
5 - وعن جابر أيضا " أن رجلا من الأنصار أعطى أمه حديقة من نخيل حياتها فماتت فجاء أخوته فقالوا نحن فيه شرع سواء قال فأبى فاحتصموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقسمها بينهم ميراثا "
- رواه أحمد (6/85)
- حديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا ابن ماجه وابن حبان وحديث ابن عباس قال الحافظ في الفتح إسناده صحيح وحديث ابن عمر هو من طريق ابن جريج عن عطاء عن حبيب بن أبي ثابت عنه وقد اختلف في سماع حبيب من ابن عمر فصرح به النسائي ورجال إسناده ثقات . وحديث جابر الآخر أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري . وقال ابن رسلان في شرح السنن ما لفظه هذا الحديث رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح اه ويشهد لصحته أحاديث الباب المصرحة بأن المعمر والمرقب يكون أولى بالعين في حياته وورثته من بعده ( وفي الباب ) عن سمرة عند أحمد وأبي داود والترمذي وهو من سماع الحسن عنه وفيه مقال كما تقدم : قوله " العمري " بضم العين المهملة وسكون الميم مع القصر . قال في الفتح وحكى ضم الميم مع ضم أوله وحكى فتح أوله مع السكون وهي مأخوذة من العمر وهو الحياة سميت بذلك لأنهم كانوا في الجاهلية يعطي الرجل الرجل الدار ويقول له أعمرتك أياها أي أبحتا لك مدة عمرك وحياتك فقيل لها عمري لذلك . والرقبي بوزن العمرى مأخوذة من المراقبة لأن كلا منهما يراقب الآخر متى يموت لترجع إليه وكذا ورثته يقومون مقامه هذا أصلها لغة . قال في الفتح ذهب الجمهور إلى أن العمري إذا وقعت كانت ملكا للآخر ولا ترجع إلى الأول الا إذا صرح باشتراط ذلك وإلى أنها صحيحة جائزة وحكى الطبري عن بعض الناس والماوردي عن داود وطائفة وصاحب البحر عن قوم من الفقهاء أنها غير مشروعة ثم اختلف القائلون بصحتها إلى ما يتوجه التمليك فالجمهور أنه يتوجه إلى الرقبة كسائر الهبات حتى لوكان المعمر عبدا فأعتقه الموهوب له نفذ بخلاف الواهب وقيل يتوجه إلى المنفعة دون الرقبة وهو قول مالك والشافعي في القديم وهل يسلك بها مسلك العارية أو الوقف روايتان عند المالكية وعند الحنفية التمليك في العمري يتوجه إلى الرقبة وفي الرقبى إلى المنفعة وعنهم أنها باطلة وقد حصل من مجموع الروايات ثلاثة أحوال . الأول أن يقول أعمرتكها ويطلق فهذا تصريح بأنها للموهوب له وحكمها حكم المؤبدة لا ترجح إلى الواهب وبذلك قالت الهادوية والحنفية والناصر ومالك لأن المطلقة عندهم حكمها حكم المؤبدة وهو أحد قولي الشافعي والجمهور وله قول آخر أنها تكون عارية ترجع بعد الموت إلى المالك وقد قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن المطلقة للمعمر ولورثته من بعده كما في أحاديث الباب . الحال الثاني أن يقول هي لك ما عشت فإذا مت رجعت إلى فهذه عارية مؤقتة ترجع إلى المعيير عند موت المعمر وبه قال أكثر العلماء ورجحه جماعة من الشافعية والأصح عند أكثرهم لا ترجع إلى الواهب واحتجوا بأنه شرط فاصد فيلغى واحتجوا بحديث جابر الأخير فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم على الأنصاري الذي أعطى أمه الحديقة حياتها أن لا ترجع إليه بل تكون لورثتها . ويؤيد هذا الحدي الرواية التي قبله أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في العمري مع الأستثناء بأنها لمن أعطيها ويعارض ذلك ما في حديث جابر أيضا المذكور في الباب بلفظ " فأما إذا قلت هي لك ما عشت فإنها ترجع إلى صاحبها " ولكنه قال معمر كان الزهري يفتي به ولم يذكر التعليل وبين من طريق ابن أبي ذئب عن الزهري أن التعليل من قول أبي سلمة . قال الحافظ وقد أوضحته في كتاب المدرج ( والحاصل ) إن الروايات المطلقة في أحاديث الباب تدل على أن العمري والرقبى تكون للمعمر والمرقب ولعقبه سواء كانت مقيدة بمدة العمر أو مطلقة أو مؤيدة ويؤيد ذلك الروايتان المتقدمتان في دليل من قال إن المقيدة بمدة الحياة لها حكم المؤبدة وهذا الرواية القاضية بالفرق بين التقييد بمدة الحياة وبين الإطلاق والتأييد معلوة بالأدراج فلا تنتهض تقييد المطلقات ولا لمعارضة ما يخالفها . الحال الثالث أن يقول هي لك ولعقبك من بعدك أو يأتي بلفظ يشعر بالتأبيد فهذه حكمها حكم الهبة عند الجمهور وروى عن مالك أنه يكون حكمها حكم الوقف إذا انقرض المعمر وعقبه رجعت إلى الواهب وأحاديث الباب القاضية بأنها ملك للموهوب له ولعقبه ترد عليه . قوله " فهي لمعمره " بضم الميم الأولى وفتح الثانية اسم مفعول من أعمر . قوله " محياه ومماته " بفتح الميمين أي مدة حياته وبعد موته . قوله " لاتعمروا " الخ . قال القرطبي لا يصح حمل هذا النهي على التحريم لصحة الأحاديث المصرحة بالجواز . وقيل أن النهي يتوجه إلى اللفظ الجاهلي لأن الجاهلية كانت تستعملها كما تقدم . وقيل النهي يتوجه إلى الحكم ولا ينافي الصحة وفيه نظر لأن معنى النهي حقيقة التحريم المسلتزم للفساد المرادف للبطلان الا أن يحمل على الكراهة بقرينه قوله صلى الله عليه وآله وسلم العمري جائزة : قوله " فمن أعمر " بضم الهمزة وكذا قوله أو أرقبه " قوله " ولعقبه " بكسر القاف وسكونها للتخفيف والمراد ورثته الذين يأتون بعده : قوله " حديقة " هي البستان يكون عليه الحائط فعليه بمعنى مفعولة لأن الحائط أحدق بها أي أحاط ثم توسعوا حتى أطلقوا الحديقة على البستان وإن كان بغير حائط : قوله " شرع " بفتح الشين المعجمة والراء أي سواء . ذكر معنى ذلك في القاموس (6/85)
باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها ومال زوجها (6/86)
1 - عن عائشة رضي الله عنها قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا انفقت المرأة من طعام زوجها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم من أجر بعض شيئا "
- رواه الجماعة (6/86)
2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أنفقت المرأة من كسب زوجها عن غير أمره فله نصف أجره "
- متفق عليه . ورواه أبو داود وروي أيضا عن أبي هريرة موقوفا " في المرأة تصدق من بيت زوجها قال لا الا من قوتها والأجر بينهما ولا يحل أن تصدق من مال زوجها إلا بأذنه " (6/86)
3 - وعن أسماء بنت أبي بكر أنها " قالت يا رسول الله ليس لي شيء إلا ما ادخل علي الزبير فهل علي جناح أن أرضخ مما يدخل على فقال أرضخي ما أستطعت ولا توعي فيوعى الله عليك "
- متفق عليه . وفي لفظ عنها " أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان الزبير رجل شديد ويأتيني المسكين فأتصدق عليه من بيته بغير أذنه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ارضخي ولا توعي فيوعى الله عليك " رواه أحمد (6/87)
- أثر أبي هريرة الموقوف عليه سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده لا بأس به . ومحمد بن سوار وثقه ابن حبان وقال يغرب ( وفي الباب ) عن أبي أمامة عند الترمذي وحسنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنفق المرأة من بيت زوجها الا بأذنه قيل يا رسول الله ولا الطعام قال ذلك أفضل أموالنا " قوله " إذا انفقت المرأة " الخ قال ابن العربي اختلف السلف فيما إذ تصدقت المرأة من بيت زوجها فمنهم من أجازه لكن في الشيء اليسير الذي لا يؤبه له ولا يظهر به النقصان ومنهم من حمله على ما إذا أذن الزوج ولو بطريق الاجمال وهو اختيار البخاري واما التقييد بغير الأفساد فمتفق عليه . ومنهم من قال المراد بنفقة المرأة والعبد والخازن النفقة على عيال صاحب المال في مصالحه وليس ذلك بأن ينفقوا علي الغرباء بغير أذن . ومنهم من فرق بين المرأة فقال المرأة لها حق مال الزوج والنظر فجاز لها أن تتصدق بخلاف الخادم فليس له تصرف في متاع مولاه فيشترط الأذن فيه . قال الحافظ وهو متعقب بأن المرأة ان استوفت حقها فتصدقت منه فقد تخصصت به وإن تصدقت من غير حقها رجعت المسألة كما كانت قوله " وللخازن " في رواية للبخاري من حديث أبي موسى التقييد بكون الخازن مسلما فأخرج الكافر لكونه لانية له وبكونه أمينا فأخرج الخائن لأنه مأزور وتكون نفسه بذلك طيبة لئلا تعدم النية فيفقد الأجر وهي قيود لا بد منها : قوله " مثل ذلك " ظاهره يقتضي تساويهم في الأجر ويحتمل أن يكون المراد بالمثل حصول الأجر في الجملة وإن كان أجر الكاسب أوفر لكن قوله في حديث أبي هريرة فله نصف أجره يشعر بالتساوي : قوله " لا ينقص بعضهم " الخ المراد عدم المساهمة والمزاحمة في الأجر ويحتمل أن يراد مساواة بعضهم بعضا . قوله " عن غير أمره " ظاهر هذه الرواية أنه يجوز للمرأة أن تنفق من بيت زوجها بغير إذنه ويكون لها أوله نصف أجره على اختلاف النسختين كما سيأتي وكذلك ظاهر رواية أحمد المذكورة في حديث أسماء ولكن ليس فيها تعرض لمقدار الأجر ويمكن أن يقال يحمل المطلق على المقيد ولا يعارض ذلك قول أبي هريرة المذكور في الباب لأن أقوال الصحابة ليست بحجة ولا سيما إذا عارضت المرفوع وإنما يعارضه حديث أبي أمامة الذي ذكرناه فإن ظاهره نهى المرأة عن الانفاق من مال الزوج إلا بأذن والنهي عن حقيقة في التحريم والمحرم لا يستحق فاعله عليه ثوابا ويمكن أن يقال أن النهي للكراهة فقط والقرينة الصارفة إلى ذلك حديث أبي هريرة وحديث أسماء وكراهة التنزيه لا تنافي الجواز ولا تستلزم عدم استحقاق الثواب : قال في الفتح والأولى أن يحمل يعني حديث أبي هريرة على ما إذا أنفقت من الذي يخصها إذا تصدقت به بغير استئذانه فإنه يصدق كونه من كسبه فيؤجر عليه وكونه بغير أمره ويحتمل أن يكون اذن لها بطريق الأجمال لكن انتفى ما كاه بطريق التفصيل قال ولا بد من الحمل على أحد هذين المعنيين وإلا فحيث كان من ماله بغير إذنه لا اجمالا ولا تفصيلا فهي مأزورة بذلك لا مأجورة وقد ورد فيه حديث ابن عمر عند الطيالسي وغيره اه . قوله " فله نصف أجره " هكذا في رواية للبخاري . وفي رواية أخرى " فلها نصف أجره " وعلى النسخة الأولى يكون للرجل الذي تصدقت امرأته من كسبه بغير إذنه نصف أجره على تقدير وقوع الأذن منه لها وعلى النسخة الثانية يكون للمرأة المتصدقة بغير أذن زوجها نصف أجرها على تقدير أذنه له . قال في الفتح أو المعنى بالنصف أن أجره وأجرها إذا جمعا كان لها النصف من ذلك فلكل منهما أجر كامل وهما أثنان فكأنهما نصفان : قوله " إن أرضخ " بالصاد والخاء المعجمتين قال في القاموس رضخ له أعطاه عطاء غير كثير . قوله " ولا توعى فيوعي الله عليك " بالنصب لكونه جواب النهي والمعنى لا تجمعي في الوعاء وتبخلى بالنفقة فتجازى بمثل ذلك (6/87)
4 - وعن سعد قال " لما بايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم النساء قالت امرأة جليلة كأنها من نساء مضر يا نبي الله أنأكل على آبائنا وأبنائنا " قال أبو داود وأرى فيه " وأزواجنا فما يحل لنا من أموالهم قال الرطب تأكلنه وتهدينه "
- رواه أبو داود . وقال الرطب الخبز والبقل والرطب (6/87)
5 - وعن جابر قال شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بلا أذان ولا أقامة ثم قام متوكئا على بلال فأمر بتقوى الله وحثه على طاعته ووعظ الناس وذكرهم ثم مضى حتى أتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين فقالت لم يا رسول الله قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشيرة قالت فجعلن يتصدقن من حلبهن يلقين في ثوب بلال من أقراطهن وخواتيمهن "
- متفق عليه (6/88)
- حديث سعد سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلا محمد بن سوار وقد وثقه ابن حبان وقال يغرب : قوله " قال الرطب " بفتح الراء وسكون الطاء المهملة والرطب المذكور آخرا بضم الراء وفتح الطاء . قال في القاموس الرطب ضد اليابس ثم قال وبضمة وبضمتين الرعي الأخضر م البقل والشجر قل وثمر رطيب مرطب وارطب النخل حاو أوان رطبه ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجوز للمرأة أن تأكل من مال ابنها وأبيها وزوجها بغير أذنهم وتهادي ولكن ذلك مختص بالأمور المأكولة التي لا تدخر فلا يجوز لها أن تهادي بالثياب والدارهم والدنانير والحبوب وغير ذلك وقوله " إناكل " بكسر الهمزة وتشديد النون وكل بفتح الكاف وتشديد اللام خير أن أي نحن عيال عليهم ليس لنا من الأموال ما ننتفع به : قوله " فقامت امرأة " قال الحافظ لم أقف على تسمية هذه المرأة الا أنه يختلج في خاطري أنا أسماء بنت يزيد بن السكن التي تعرف بخطيبة النساء فإنها روت أصل هذه القصة في حديث أخرجه البيهقي والطبراني وغيرهما بلفظ " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء وأنا معهن فقال يامعشر النساء إنكن أكثر حطب جهنم فناديت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكنت عليه جريئة ولم يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنكن تكثرن اللعن وتكفرن العشير " فيبعد أن تكون هي التي أجابته فإن القصة واحدة : قوله " من سطة النساء " أن من خيارهن والسفعاء التي في خذها غبرة وسواد . والعشير المراد به ههنا الزوج ( والحديث ) فيه فوائد منها ما ذكره المصنف ههنا لأجله وهو جواز صدقة المرأة من مالها من غير توقف على أذن زوجها أو على مقدار معين من مالها كالثلث . ووجه الدلالة من القصة ترك الاستفصال عن ذلك كله . قال القرطبي ولا يقال في هذا أن أزواجهن كانوا حضورا لأن ذلك لم ينقل ولو نقل فليس ليه تسليم أزواجهن لهن ذلك فإن من ثبت له حق فالأصل بقاؤه حتى يصرح باسقاطه ولم ينقل أن القوم صرحوا بذلك وسيأتي الخلاف في ذلك قريبا . ومنها أن الصدقة من دوافع العذاب لانه أمرهن بالصدقة ثم علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك . ومنها بذل النصيحة والإغلاظ بها بمن احتيج إلى ذلك في حقه . ومنها جواز طلب الصدقة من الأغنياء للمحتاجين ولو كان الطالب غير محتاج . ومنها مشروعية وعظ النساء وتعليمهن أحكام الأسلام وتذيرهن بما يجب عليهن وحثهن على الصدقة وتخصيصهن بذلك في مجلس منفرد ومحل ذلك كله إذا أمنت الفتنة والمفسدة (6/88)
6 - وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يجوز للمرأة عية الا بأذن زوجها "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود . وفي لفظ " لا يجوز للمرأة أمر في مالها إذا ملك زوجها عصمتها " رواه الخمسة إلا الترمذي (6/88)
- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وقد أخرجه البيهقي والحاكم في المستدرك وفي إسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده وحديثه من قسم الحسن وقد صحح له الترمذي أحاديث ومن دون عمرو بن شعيب هم رجال الصحيح عند أبي داود ( وفي الباب ) عن خيرة امرأة كعب بن مالك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه . قوله " أمر " أي عطية من العطايا ولعله عدل عن العطية إلى الأمر لما بين لفظ المرأة والأمر من الجناس الذي هو نوع من أنواع البلاغة . وقد استدل بهذا الحديث على أنه لا يجوز للمرأة أن تعطي من مالها بغير أذن زوجها ولو كانت رشيدة وقد اختلف في ذلك فقال الليث لا يجوز لها ذلك مطلقا الا في الثلث ولا فيما دونه الا في الشيء التافه . وقال طاوس ومالك أنه يجوز لها أن تعطي مالها . بغير أذنه في الثلث لا فيما فوقه فلا يجوز الا بأذنه وذهب الجمهور إلى أنه يجوز لها مطلقا من غير أذن من الزوج إذا لم تكن سفيهة فإن كانت سفيهة لم يجز . قال في الفتح وأدلة الجمهور من الكتاب والسنة كثيرة انتهى . وقد استدل البخاري في صحيحه على جواز ذلك بأحاديث ذكرها في باب هبة المرأة لغير زوجها من كتاب الهبة ومن جملة أدلة الجمهور حديث جابر المذكور قبل هذا وحملوا حديث الباب على ما إذا كانت سفيهة غير رشيدة وحمل مالك أدلة الجمهور على الشيء اليسير وجعل حده الثلث فما دونه ومن جملة أدلة الجمهور الأحاديث المتقدمة في أول الباب القاضية بأنه يجوز لها التصديق من مال زوجها بغير أذنه وإذا جاز لها ذلك في ماله بغير أذنه فبالأولى الجواز في مالها والأولى أن يقال يتعين الأخذ بعموم حديث عبد الله بن عمرو وما ورد من الواقعات المخالفة له تكون مقصورة على مواردها أو مخصصة لمثل من وقعت له من هذا العموم وأما مجرد الاحتمالات فليست مما تقوم به الحجة (6/89)
باب ما جاء في تبرع العبد (6/89)
1 - عن عمير مولى آبي اللحم قال " كنت مملوكا فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتصدق من مالي مولاي بشيء قال نعم والأجر بينكما "
- رواه مسلم (6/89)
2 - وعنه قال " أمرني مولاي أن أقدر لحما فجاءني مسكين فأطعمته منه فضربني فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت له ذلك فدعاه فقال لم ضربته فقال يعطى طعامي من غير أن آمره فقال الأجر بينكما "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (6/90)
3 - وعن سلمان الفارسي قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطعام وأنا مملوك فقلت هذه صدقة فأمر أصحابه فأكلوا ولم يأكل ثم أتيته بطعام فقلت هذه هدية أهديتها لك أكرمك بها فأني رأيتك لا تأكل الصدقة فأمر أصحابه فأكلوا وأكل معهم "
- رواه أحمد (6/90)
4 - وعن سلمان قال " كنت استأذنت مولاي في ذلك فطيب لي فأحتطبت حطبا فبعته فأشتريت ذلك الطعام "
- رواه أحمد (6/90)
- حديث سلمان الأول في إسناده ابن إسحاق وبقية رجاله رجال الصحيح وحديث سلمان الثاني في إسناده أبو مرة سلمة بن معاوية : قال في مجمع الزوائد ولم أجد من ترجمه انتهى . ويشهد لصحة معناه ما في صحيح البخاري من حديث عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتي بطعام يسأل أهدية أم صدقة فإن قيل صدقة قال لاصحابه كلوا وإن قيل هدية ضرب بيده فأكل معهم " والأحاديث في هذا الباب كثيرة : قوله " قال نعم والأجر بينكما " فيه دليل على أنه يجوز للعبد أن يتصدق من مال مولاه وأنه يكون شريكا للمولى في الأجر وقد بوب البخاري في صحيحه لذلك فقال باب من أمر خادمه بالصدقة ولم يناول بنفسه . وقال أبو موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو أحد المتصدقين ثم أورد حديث عائشة قالت " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أنفقت المرأة من طعام بيتها غير مفسدة كان لها أجرها بما أنفقت ولزوجها أجره بما كسب وللخازن مثل ذلك لا ينقص بعضهم أجر بعض " قال ابن رشد نبه يعني البخاري بالترجمة على أن هذا الحديث مفسر لها لأن كلا من الخازن والخادم والمرأة أمين ليس له أن يتصرف الا بأذن المالك نصا أو عرفا اجمالا أو تفصيلا انتهى . ولكن الرواية الأخرى من الحديث مشعرة بأن يكتب للعبد أجر الصدقة وإن كان بغير أذن سيده لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حكم بأن الأجر بينهما بعد أن قال له سيد العبد أنهي يعطى طعامه من غير أمره : قوله إن أقدر لحما " بفتح الهمزة وسكون القاف وكسر الدال المهملة أي اجعله في القدر والقدير والقادر ما يطبخ في القدر ويطلق على القسمة قال في القاموس قدر الرزق قسمه وقال أيضا قدرته أقدره قدارة هيأت ووقت وآبي اللحم المذكور هو بالمد مزنة فاعل من الاباء وقد قدمنا في هذا الشرح التنبيه على ذلك وإنما أعدناه ههنا لكثرة التباسه (6/91)
كتاب الوقف ( 1 ) (6/91)
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا مات الإنسان انقطع عمله الا من ثلاثة أشياء صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له " . ( 2 ) [ ايراد المصنف لهذا الحديث في الوقف لأن العلماء فسروا الصدقة الجارية بالوقف . وقوله " أو علم ينتفع به " المراد به العلم الأخروي فيخرج مالا ينتفع به كعلم النجوم من حيث أحكام السعادة وضدها ويدخل في العلم النافع تأليف ونشر علم السنة الصحيحة وفقنا الله وإياك بما فيها ]
- رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه
_________
( 1 ) [ هو في اللغة الحبس . يقال كذا بدون الف على اللغة الفصحى أي حبسته . وفي الشريعة حبس الملك في سبيل الله تعالى للفقراء وأبناء السبيل يصرف عليه منافعه ويبقى أصله على ملك الواقف . وألفاظه وقفت وحبست وسبلت وأبدت هذه صرائح ألفاظه وأما كنايته تصدقت واختلفت في حرمت فقيل صريح وقيل غير صريح ] (6/91)
2 - وعن ابن عمر " أن عمر أصاب أرضا من أرض خيبر فقال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني فقال إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها فتصدق بها عمر أن لا تباع ولا توهب ولا تورث في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ويطعم غير متمول " . ( 3 ) [ وفي الحديث فوائد . منها ثبوت صحة أصل الوقف قال النووي وهذا مذهبنا ومذهب الجماهير ويدل عليه أيضا اجماع المسلمين على صحة وقف المساجد والسقايات اه ومنها فضيلة الإنفاق مما يجب : ومنها ذكر فضيلة ظارهة لعمر رضي الله عنه ومنها مشاورة أهل الفضل والصلاح في الأمور وطرق الخير : ومنها فضيلة صلة الأرحام والوق عليهم : والله أعلم . ] وفي لفظ " غير متأثل مالا "
- رواه الجماعة . وفي حديث عمرو بن دينار قال في صدقة عمر " ليس علي الولي جناح أن يأكل ويؤكل صديقا له غير متأثل " قال " وكان ابن عمر هو بلى صدقة عمر ويهدي لناس من أهل مكة كان ينزل عليهم " أخرجه البخاري . وفيه من الفقه أن من وقف شيئا على صنف من الناس وولده منهم دخل فيه (6/92)
3 - وعن عثمان " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة فقال من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة فاشتريتها من صلب مالي "
- رواه النسائي والترمذي . وقال حديث حسن وفيه جواز انتفاع الواقف بوقفه العام (6/92)
- حديث عثمان أخرجه البخاري أيضا تعليقا : قوله " الا من ثلاثة أشياء " فيه دليل على أن ثواب هذه الثلاثة لا ينقطع بالموت قال العلماء معنى الحديث أن عمل الميت ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كاسبها فإن الولد من كسبه وكذا ما يخلفه من العلم كالتصنيف والتعليم وكذا الصدقة الجارية وهي الوقف وفيه الإرشاد إلى فضيلة الصدقة الجارية والعلم الذي يبقى بعد موت صاحبه والتزوج الذي هو سبب حدوث الأولاد وهذا الحديث قد قدمنا الكلام عليه وعلى ما ورد مورده في باب وصول ثواب القراءة المهداة إلى الموتى من كتاب الجنائز . قوله " أرضا بخيبر " هي المسماة بثمغ كما في رواية للبخاري وأحمد وثمغ بفتح المثلثة والميم وقيل بسكون الميم وبعدها غين معجمة . قوله " أنفس منه " النفيس الجيد قال الداودي سمي نفيسا لأنه يأخذ بالنفس قوله " وتصدقت بها " أي بمنفعتها وفي رواية للبخاري " حبس أصلها وسبل ثمرتها " وفي أخرى له " تصدق بثمره وحبس أصله " : قوله " ولا يورث " زاد الدارقطني " حبيس ما دامت السموات والأرض " في رواية للبيهقي تصدق بثمره وحبس أصله لا يباع ولا يورث . قال الحافظ وهذا ظاهر أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف بقية الروايات فإن الشرط فيها ظاهر أنه من كلام عمر . وفي البخاري بلفظ " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره " وفي البخاري أيضا في المزارعة قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمر " تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره فتتصدق به " فهذا صريح أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا منافاة لانه يمكن الجمع بأن عمر شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم به فمن الرواة من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومنهم من وقفه على عمر لوقوعه منه امتثالا للأمر الواقع منه صلى الله عليه وآله وسلم به . قوله " وذوي القربى " قال في الفتح يحتمل أن يكون المراد بهم من ذكر في الخمس ويحتمل أن يكون المراد المراد بهم قربى الواقف وبهذا جزم القرطبي . قوله " والضيف " هو من نزل بقوم بريد القري : قوله " أن يأكل منها بالمعروف " قيل المعروف هنا هو ما ذكر في ولي اليتيم وقد تقدم الكلام على ذلك في باب ما يحل لولي اليتيم من كتاب التفليس . قال القرطبي جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الوقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل لاستقبح ذلك منه والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة وقيل القدر الذي يدفع الشهوة وقيل المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى كذا في الفتح : قوله " غير متمول " أي غير متخذ منها مالا أي ملكا . قال الحافظ والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها : قوله " غير متأثل بمثناة " ثم مثلثة بينهما همزة وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم وأثلة كل شيء أصله . قوله " قال في صدقة عمر " أي في روايته لها عن ابن عمر كما حزم بذلك المزي في الأطراف ورواه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن ابن عمر . قوله " وكان ابن عمر " هو موصول الإسناد كما في رواية الإسماعيلي . قوله " لناس " بين الإسماعيلي أنهم آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص وإنما كان ابن عمر يهدي منه أخذا بالشرط المذكور وهو يؤكل صديقا له ويحتمل أن يكون إنما أطعمهم من نصيبه الذي جعل له أن يأكل منه المعروف فكان يؤخره ليهدي لأصحابه منه . قال في الفتح وحديث عمر هذا أصل في مشروعية الوقف وقد روى أحمد عن ابن عمر قال أول صدقة أي موقوفة كانت في الإسلام صدقة عمر
وروى عمر بن شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال " سألنا عن أول حبس في الإسلام فقال المهاجرون صدقة عمر وقال الأنصار صدقة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وفي إسناده الواقدي . وفي مغازي الواقدي إن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي مخيريق بالمعجمة مصغرا التي أوصى بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوقفها وقد ذهب إلى جواز الوقف ولزومه جمهور العلماء . قال الترمذي لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين وجاء عن شريح أنه أنكر الحبس وقال أبو حنيفة لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا زفر . وقد حكى الطحاوي عن أبي يوسف أنه قال لو بلغ أبا حنيفة لقال به . وأحتج الطحاوي لأبي حنيفة بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم حبس أصلها لا يستلزم التأييد بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره قال في الفتح ولا يخفى ضعف هذا التأويل ولا يفهم من قوله وقفت وحبست إلا التأييد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها حبيس ما دامت السموات والأرض . قال القرطبي راد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه انتهى . ومما يؤيد هنا ما ذهب إليه الجمهور حديث " أما خالد فقد حبس أدراعه وأعتده في سبيل الله " وهومتفق عليه وقد تقدم في الزكاة ومن ذلك حديث أبي هريرة المذكور في أول الباب إن قوله " صدقة جارية " يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة وقد وصفه في الحديث بعدم الإنقطاع . ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يباع ولا يوهب ولا يورث " كما تقدم فإن هذا منه صلى الله عليه وآله وسلم بيان لماهية النحبيس التي أمر بها عمر وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه وإلا لما كان تحبيسا والمفروض أنه تحبيص ومن ذلك حديث أبي قتادة عند النسائي وابن ماجه وابن حبان مرفوعا " خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاث ولد صالح يدعو له وصدقة تجري يبلغه أجرها وعلم يعمل به من بعده " والجري يستلزم عدم جواز النقض من الغير ومن ذلك وقف أبي طلحة الآتي . وقول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له " أرى ان تجعلها في الأقربين " وماروى من حديث أنس عند الجماعة أن حسان باع نصيبه منه فمع كونه فعله ليس بحجة قد روى أنه أنكر عليه ومن ذلك وقف جماعة من الصحابة منهم علي وأبو بكر والزبير . وسعيد وعمرو بن العاص . وحكيم بن حزام وأنس وزيد بن ثابت روى ذلك كله البيهقي ومنه أيضا وقف عثمان لبئر رومة ما في حديث الباب ( واحتج ) لأبي حنيفة ومن معه بما أخرجه البيهقي في الشعب من حديث ابن عباس " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لما نزلت آية الفرائض لا حبس بعد سورة النساء " ويجاب عنه بأن في إسناده ابن لهيعة ولا يحتج بمثله ويجاب أيضا بأن المراد بالحبس المذكور توقيف المال عن وارثه وعدم إطلاقه إلى يده وقد أشار إلى مثل ذلك في النهاية . وقال في البحر أراد حبس الجاهلية للسائبة والوصيلة والحام سلمنا فليس في أية ميراث منع الوقف لافتراقهما انتهى . وأيضا لو فرض أن المراد بحديث ابن عباس الحبس الشامل للوقف لكونه نكرة في سياق النفي لكان مخصصا بالأحاديث المذكورة في الباب
واحتج لهم أيضا على عدم لزوم حكم الوقف بما رواه الطحاوي وابن عبد البر عن الزهري " أن عمر قال لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لرددتها وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره ويجاب عنه بأنه لاحجة في أقوال الصحابة وأفعالهم الا إذا وقع الإجماع منهم ولم يقع ههنا وأيضا هذا الأثر منقطع لان الزهري لم يدرك عمر فالحق أن الوقف من القربات التي لا يجوز نقضها بعد فعلها لا للواقف ولا لغيره وقد حكى في البحر عن محمد وابن أبي ليلى أن الوقف لا ينفذ الا بعد القبض وإلا فللواقف الرجوع لأنه صدقة ومن شرطها القبض ويجاب بانه بعد التحبيس قد تعذر الرجوع والحاقه بالصدقة الحلق مع الفارق : قوله " من يشتري بئر رومة " بضم الراء وسكون الواو . وفي رواية للبغوي في الصحابة من طريق بشر بن الأسلمي عن أبيه أنها كانت للرجل من بني غفار عين يقال لها رومة وكان يبيع منها القرية بمد فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبيعنيها بعين في الجنة فقال يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمس وثلاثين ألف درهم ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أتجعل لي ما جعلت له قال نعم قال قد جعلتها للمسلمين . وللنسائي من طريق الأحنف عن عثمان قال اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك وزاد أيضا في رواية من هذه الطريق أن عثمان قال ذلك وهو محصور وصدقه جماعة منهم علي ابن أبي طالب عليه السلام وطلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص : قوله " فيجعل فيها دلو مع دلاء المسلمين " فيه دليل على أنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبا من الوقف ويؤيده جعل عمر لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره . قال في الفتح ويستنبط منه صحة الوقف على النفس وهو قول ابن أبي ليلى وأبي يوسف وأحمد في الأرجح عنه وقال به ابن شعبان من المالكية وجمهورهم على المنع الا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته . ومن الشافعية ابن سريج وطائفة وصنف فيه محمد بن عبد الله الأنصاري شيخ البخاري جزءا ضخما واستدل له بقصة عمر هذه وبقصة راكب البدنة وبحديث أنس في أنه صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وجعل عتقها صداقها . ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بالشرط اه وقد حكى في البحر جواز الوقف على النفس عن العترة وابن شبرمة والزبيري وابن الصباغ وعن الشافعي ومحمد والناصر أنه لا يصح الوقف على النفس قالوا لانه تمليك فلا يصح أن يتملكه لنفسه من نفسه كالبيع والهبة ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " سبل الثمرة " وتسبيل الثمرة تمليكها للغير . وقال في الفتح وتعقب بأن امتناع ذلك غير مستحيل ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة والفائدة في الوقف حاصلة لأن استحقاقه اياه ملكا غير استحقاقه أياه وقفا اه . ويؤيد صحة الوقف على النفس حديث الرجل الذي " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عندي دينار فقال تصدق به على نفسك " أخرجه أبو داود والنسائي وأيضا المقصود من الوقف تحصيل القربة وهي حاصلة بالصرف إلى النفس (6/92)
باب وقف المشاع والمنقول (6/93)
1 - وعن ابن عمر قال " قال عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن المائة السهم التي لي بخيبر لم أصب مالا قط أعجب الي منها قد اردت أن اتصدق بها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم احبس أصلها وسبل ثمرتها "
- رواه النسائي وابن ماجه (6/93)
2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من احتبس فرسا في سبيل الله إيمانا واحتسابا فإن شبعه وروثه وبوله في ميزان يوم القيامة حسنات "
- رواه أحمد والبخاري (6/93)
3 - وعن ابن عباس " قال أراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحج فقالت امرأة لزوجها احجني مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما عندي ما أحجك عليه قالت احجني على جملك فلان قال ذلك حبيس في سبيل الله فأتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله فقال أما انك لو أحججتها عليه كان في سبيل الله "
- رواه أبو داود . وقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في حق خالد " قد احتبس أدراعه واعتاده في سبيل الله " (6/94)
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا الشافعي ورجال إسناده ثقات وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة كما تقدم وله طرق عند الشيخين . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن خزيمة في صحيحه وأخرجه أيضا البخاري والنسائي مختصرا وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وقد تقدم نحوه من حديث أم معقل الأسدية في باب الصرف في سبيل الله وابن السبيل من كتاب الزكاة . وحديث تحبيس خالد لا دراعه واعتاده قد تقدم أيضا في الباب ما جاء في تعجيل الزكاة من كتاب الزكاة : قوله " إن المائة السهم " الخ استدل المصنف بهذا الحديث على صحة وقف المشاع وقد حكى ذلك في البحر عن الهادي والقاسم والناصر والشافعي وأبي يوسف ومالك واحتج لهم بأن عمر وقف مائة سهم بخيبر ولم تكن مقسومة . وحكى في البحر أيضا عن الأمام يحيى ومحمد أنه لا يصح وقف المشاع لأن من شرطه التعيين وحكى أيضا عن المؤيد بالله أنه يصح فيما قسمته مهايأة لا في غيره لتأديته إلى منع القسمة أو بيع الوقف . وعن أبي طالب يصح فيما قسمته افراز كالأرض المستوية وإلا فلا . وأوضح ما أحتج به من منع من وقف المشاع إن كل جزء من المشترك محكوم عليه بالمملوكية للشريكين فيلزم مع وقف أحد الشريكين أن يحكم عليه بحكمين مختلفين متضادين مثل صحة البيع بالنسبة إلى كونه مملوكا وعدم الصحة بالنسبة إلى كونه موقوفا فيتصف كل جزء بالصحة وعدمها ويتصف بذلك الجملة وأجاب صاحب المنار عن هذا بأنه نظير العتق المشاع وقد صح ذلك هناك كحديث الستة الا عبد كما صح هنا وإذا صح من جهة الشارع بطل هذا الاستدلال . وقد استدل البخاري على صحة وقف المشاع بحديث أنس في قصة بناء المسجد وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ثامنوني حائطكم فقالوا لانطلب ثمنه إلا الي الله عز و جل " وهذا ظاهر في جواز وقف المشاع ولو كان غير جائز لانكر عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم قولهم هذا وبين لهم الحكم . وحكى ابن المنير عن مالك أنه لا يجوز وقف المشاع إذا كان الواقف واحدا لأنه يدخل الضرر على شريكه : قوله " من احتبس فرسا " الخ فيه دليل على أنه يجوز وقف الحيوان وإليه ذهب العترة والشافعي والجمهور . وقال أبو حنيفة لا يصح لعدم دوامه . وقال محمد لا يصح في الخيل فقط إذ هي معروضة للتلف . وحديث الباب يرد عليهما . ويؤيد الصحة حديث عمر بن الخطاب المتقدم في باب النهي المتصدق أن يشتري ما تصدق به من كتاب الزكاة فإن فيه أن عمر حمل على فرس في سبيل الله واطلع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وقرره ونهاه عن شرائه برخص وقد ترجم عليه البخاري في كتاب الوقف باب وقف الدواب والكراع والعروض والصامت ومن أدلة الصحة حديث ابن عباس المذكور وحديث تحبيس خالد يدل على جواز وقف المنقولات وقد تقدم الكلام عليه (6/94)
باب من وقف أو تصدق على أقربائه أو وصى لهم من دخل فيه (6/94)
1 - عن أنس " أن أبا طلحة قال يا رسول الله يقول لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إلى بيرحاء وأنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله فضعها يا رسول الله أرك الله فقال بخ بخ ذلك مال رابح مرتين وقد سمت أرى أن تجعلها في الأقربين فقال أبو طلحة أفعل يا رسول الله فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه "
- متفق عليه . وفي رواية " لما نزلت هذه الآية لو تنالوا البر قال أبو طلحة يا رسول الله أرى لبنا يسألنا من أموالنا فاشهدك أني جعلت أرضي بير حاء لله فقال أجعلها في قرابتك قال فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب " رواه أحمد ومسلم : وللبخاري معناه وقال فيه " اجعلها لفقراء قرابتك " قال محمد بن عبد الله الأنصاري أبو طلحة زيد بن سهل بن الأسود بن حرام بن عمرو بن زيد مناة بن عدي بن عمرو بن مالك بن النجار وحسان بن ثابت بن المنذر بن حرام يجتمعان إلى حرام وهو الأب الثالث وأبي بن كعب بن قيس بن عتيك بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك ابن النجار فعمر ويجمع حسانا وأبا طلحة وأبيا وبين أبي وأبي طلحة ستة أباء (6/95)
2 - وعن أبي هريرة قال " لما نزلت هذه الآية وأنذر عشيرتك الأقربين دعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قريشا فاجتمعوا فعم وخص فقال يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار يا بين عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار يا فاطمة أنقذي نفسكي من النار فأني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سابلها بيلالها "
- متفق عليه ولفظه لمسلم (6/95)
- قوله " بيرحاء " بفتح الموحدة وسكون التحتية وفتح الراء وبالمهملة والمد وجاء في ضبطه أوجه كثيرة جمعها ابن الأثير في النهاية فقال ويروي بفتح الباء وكسرها وبفتح الراء وضمها وبالمد والقصر فهذه ثمان لغات . وفي رواية حماد بن سلمة بريحا بفتح أوله وكسر الراء وتقديمها على التحتانية وهي عند مسلم ورجح هذه صاحب الفائق وقال هي وزن فعيلة من البراح وهي الأرض الظاهرة المنكشفة وعند أبي داود باريحا وهو بإشباع الموحدة والباقي مثله ووهم من ضبطه بكسر الموحدة وفتح الهمزة فإن أريحا من الأرض المقدسة . قال الباجي أفصحها بفتح الباء الموحدة وسكون الياء وفتح الراء مقصورا وكذا جزم به الصغاني . وقال الباجي أيضا أدركت أهل العلم ومنهم أبو ذر يفتحون الراء في كل حال قال الصوري وكذا الباء الموحدة " قوله " بخ بخ " كلاهما بفتح الموجدة وسكون المعجمة وقد ينون مع التثقيل أو التخفيف بالكسر وبالرفع لغات . قال في الفتح وإذا كررت فالأختيار أن تنون وتسكن الثانية وقد يسكنان جميعا كما قال الشاعر بخ بخ لوالده وللمولد . ومعناهما تفخيم الأمر والأعجاب به : قوله " رابح " شك القعنبي هل هو بالتحتانية أو بالموحدة ورواه البخاري عنه بالشك : قوله " في الأقربين " اختلف العلماء في الأقارب فقال أبو حنيفة القرابة كل ذي رحم محرم من قبل الأب أو الأم ولكن يبدأ بقرابة الأب قبل الام . وقال أبو يوسف ومحمد من جمعهم أب منذ الهجرة من قبل أب أو أم من غير تفصيل زاد زفر ويقدم من قرب وهو رواية عن أبي حنيفة وأقل من يدفع له ثلاثة وعند محمد أثنان وعند أبي يوسف واحد ولا يصرف للأغنياء عندهم الا أن شرط ذلك . وقالت الشافعية القريب من اجتمع في النسب سواء قرب أم بعد مسلما كان أو كافرا غنيا أو فقيرا ذكرا أو أنثى وارثا أو غير وارث محرما أو غير محرم واختلفوا في الأصول والفروع على وجهين وقالوا إن وجد جمع محصورون أكثر من ثلاثة استوعبوا . وقيل يقتصل على ثلاثة وان كانوا غير محصورين فنقل الطحاوي الأتفاق على البطلان . قال الحافظ وفيه نظر لأن عند الشاعفية وجها بالجواز ويصرف منهم لثلاثة ولا يجب التسوية وقال أحمد في القرابة كالشافعي الا أنه أخرج الكافر وفي رواية عنه القرابة كل من جمعه والموصي الأب الرابع إلى ما هو أسفل منه . وقال مالك يختص بالعصبة سواء كان يرثه أولا ويبدأ بفقرائهم حتى يغنوا ثم يعطي الأغنياء هكذا في لافتح . وحكى في البحر عن مالك أن ذلك يختص بالوارث وعند الهادوية إن القرابة والأقارب إن ولده جدا أبو الواقف واحتجوا بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل سهم ذوي القربى لبني هاشم وهاشم جد أبيه عبد الله وهذا ظاهر في جد الأب وأما جد الأم فلا بل هو يدل على خلاف المدعي من هذه الحيثية إذ لم يصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم من ينسب إلى جد أمه وأجاب صاحب شرح الاثمار ان خروج من ينتسب إلى جد الأم هنا مخصص من عموم الآية والعموم يصح تخصيصه فلا يلزم إذا خص ههنا أن يخرجوا حيث لم يخص . وقد استدل ايضا على خروج من ينتسب إلى جد الأم بأنهم ليسوا بقرابة لأن القرابة العشيرة والعصبة وليس من كان من قبل الأم بعصبة ولا عشيرة وإن كانوا أرحاما وأصهارا ولهذا قال في البحر وقرابتي أو ذو وأرحامي لمن ولده جد أبيه ما تناسلوا لصرفه صلى الله عليه وآله وسلم سهم ذوي القربى في الهاشميين والمطلبيين وعلل إعطاء المطلبييين بعدم الفرقة لا القرب وهو الظاهر كما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم التصريح بذلك لما سأله بعض بني عبد شمس عن تخصيص المطلبيين بالعطاء دونهم فقال إنهم لم يفارقوني في جاهلية ولا إسلام
ولو كان الصرف إليهم لقرابتي فقط لكان حكمهم وحكم بني عبد شمس واحدا لأنهم متحدون في القرب إليه صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " أفعل " بضم اللام على أنه قول أبي طلحة : قوله " فقسمها أبو طلحة " فيه تعيين أحد الاحتمالين في لفظ أفعل فإنه احتمل أن يكون فاعله أبو طلحة كما تقدم واحتمل أن يكون صيغة أمر وانتفى هذا الاحتمال الثاني بهذه الرواية وذكر ابن عبد البر ان إسماعيل القاضي رواه عن القعنبي عن مالك فقال في روايتة فقسمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أقاربه وبني عمه أي في أقارب أبي طلحة وبني عمه . قال ابن البر اضافة القسم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان شائعا في لسان العرب على معنى أنه الآمر به لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك والصواب رواية من قال ابن عبد البر اضافة القسم إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإن كان شائعا في لسان العرب على معنى أنه الآمر به لكن أكثر الرواة لم يقولوا ذلك والصواب رواية من قال فقسمها أبو طلحة . قوله " في أقاربه وبني عمه " في الرواية الثانية فجعلها في حسان بن ثابت وأبي بن كعب وقد تمسك به من قال أقل من يعطى من الأقارب إذا لم يكونوا منحصرين اثنان وفي نظر لأنه وقع في رواية للبخراي فجعلها أبو طحلة في ذوى رحمه وكان منهم حسان وأبي بن كعب فدل ذلك على أنه أعطى غيرهما معهما وفي مرسل أبي بكر بن حزم فرده على أقاربه أبي بن كعب وحسان بن ثابت وأخيه أو ابن أخيه شداد بن اوس ونبيط بن جابر فتقاوموه فباع حسان حصته من معاوية بمائة ألف درهم . قوله " ابن حرام " بالمهملتين : قوله " ابن زيد مناة " هو بالإضافة : قوله " وبين أبي وأبي طلحة ستة آباء " قال في الفتح هو ملبس مشكل وشرع الدمياطي في بيانه ويغني عن ذلك ما وقع في رواية المستملي حيث قال عقب ذلك وأبي بن كعب هو ابن قيس بن عبيد بن زيد بن معاوية بن عمرو بن مالك بن النجار فعمرو بن مالك يجمع حسانا وأبا طلحة وأبيا اه وفي قصة أبي طلحة هذه فوائد منها إن الوقف لا يحتاج في انعقاده إلى قبول الموقوف عليه ( واستدل ) به الجمهور على أن من أوصى أن يفرق ثلث ماله حيث أرى الله الوصي أنها تصح ويفرقه الوصي في سبيل الخير ولا يأكل منه شيئا ولا يعطى منه وارثا للميت وخالف في ذلك أبو ثور . وفيه جواز التصدق من الحي في غير مرض الموت بأكثر من ثلث ماله لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل أبا طلحة عن قدر ما تصدق به . وقال لسعد بن أبي وقاص في مرضه الثلث كثير . وفيه تقديم الأقرب من الأقارب على غيرهم . وفيه جواز اضافة حب المال إلى الرجل الفاضل العالم ولانقص عليه في ذلك . وقد أخبر الله تعالى عنه الأنسان أنه لحب الخير الشديد والخير هنا المال اتفاقا كما قال صاحب الفتح . وفيه التمسك بالعموم لأن أبا طلحة فهم من قوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } تناول ذلك لجميع أفراده فلم يقف حتى يرد عليه اللبيان عن شيء بعينه بل بادر إلى اتفاق ما يحبه فأقره النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك
وفيه جواز تولى المتصدق لقسم صدقته . وفيه جواز أخذ الغني من صدقة التطوع إذا حصلت له بغير مسألة واستدل على مشروعية الحبس والوقف . قال الحافظ ولا حجة فيه لاحتمال أن تكون صدقة أبي طلحة صدقة تمليك قال وهو ظاهر سياق الماجشون عن إسحاق يعني في رواية البخاري وفيه أنه لا يجب الاستيعاب لأن بني حرام الذي اجتمع فيه أبو طلحة وحسان كانوا بالمدينة كثيرا : قوله " فعم وخص " أي جاء بالعام أولا فنادى بني كعب ثم خص بعض البطون فنادى بني مرة بن كعب وهم بطن من بني كعب ثم كذلك . وفيه دليل على أن جميع من ناداهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطلق عليه لفظ الأقربين لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك ممتثلا لقوله تعالى { وأنذر عشيرتك الأقربين } واستدل به أيضا على دخول النساء في الأقارب لعموم اللفظ ولذكره صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة . وفي رواية للبخاري من حديث أبي هريرة هذا أيضا أنه صلى الله عليه وآله وسلم ذكر عمته صفية . واستدل به أيضا على دخول الفروع وعلى عدم التخصيص بمن يرث ولا بمن كان مسلما . قال في الفتح ويحتمل أن يكون لفظ الأقربين صفة لازمة للعشيرة والمراد قومه وهم قريش . وقد روى ابن مردويه من حديث عدي بن حاتم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكر قريشا فقال وأنذر عشيرتك الأقربين يعني قومه وعلى هذا فيكون قد أمر بإنذار قومه فلا يختص بالأقرب منهم دون الأبعد فلا حجة فيه في مسألة الوقف لأن صورتها ما إذا وقف على قرابته أو على أقرب الناس إليه مثلا والآية تتعلق بإنذار العشيرة : وقال ابن المنير لعله كان هنالك قرينة فهم بها صلى الله عليه وآله وسلم تعميمي الإنذار ولذلك عمهم اه ويحتمل أن يكون أولا خص اتباعا لظاهر القرابة لما عنده من الدليل على التعميم لكونه أرسل إلى الناس كافة : قوله " سأبلها ببلاها " بكسر الباء قال في القاموس بل رحمه بلا وبلابا بالكسر وصلها وكقطام اسم لصلة الرحم اه (6/95)
باب أن الوقف على الولد يدخل فيه ولد الولد بالقرينة لا بالطلاق (6/96)
1 - عن أنس قال " بلغ صفية أن حفصة قالت بنت يهودي فبكت فدخل عليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي تبكي وقالت قالت لي حفصة أنت ابنة يهودي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انك لابنة نبي وإن عمك لنبي وانك لتحت نبي فبم تفتخر عليك ثم قال اتقي الله يا حفصة "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (6/96)
2 - وعن أبي بكرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صعد المنبر فقال ان ابني هذا سيد يصلح الله على يديه بين فئتين عظيمتين من المسلمين يعني الحسن بن علي "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي (6/96)
3 - وفي حديث عن أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي وأما أنت يا علي فختني وأبو ولدي "
- رواه أحمد (6/97)
4 - وعن أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وحسن وحسين على وريه هذان ابناي وابنا ابنتي اللهم أني أحبهما فأحبهما وأحب من يحبهما "
- رواه الترمذي . وقال حديث حسن غريب (6/97)
5 - وعن البراء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنا النبي لا كذب . أنا ابن عبد المطلب "
- وهو في حديث متفق عليه (6/97)
6 - وعن زيد بن أرقم قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول اللهم أغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار "
- رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " أغفر للأنصار ولذرارى الأنصار ولذرارى ذراريهم " . رواه الترمذي وصححه (6/98)
- حديث أنس أخرجه أيضا النسائي . وحديث أسامة بن زيد الأول قد ورد في معنى المقصود منه أحاديث . منها عن عمر بن الخطاب رفعه عند الطبراني بلفظ " كل ولد أم فإن عصبتهم لأبيهم ما خلا ولد فاطمة فأني أنا أبوهم وعصبتهم " وعن ابن عباس عند الخطيب بنحوه . وعن جابر عند الطبراني في الكبير بنحوه أيضا قال السخاوي في رسالته الموسومة بالإسعاف بالجواب على مسألة الإشراف بعد أن ساق حديث جابر بلفظ " إن الله جعل ذرية كل نبي في صلبه وإن الله جعل ذريتي في صلب علي ابن أبي طالب " ما لفظه وقد كنت سئلت عن هذا الحديث وبسطت الكلام عليه وبينت أنه صالح للحجة وبالله التوفيق اه وفي الميزان في حرف العين منه في ترجمة عبد الرحمن بن محمد الحاسب ما لفظه لا يدري من ذا وخبره مكذب وروي الخطيب من طريق عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد عن أبيه عن خزيمة بن حازم حدثني المنصور يعني الدوانيقي حدثني أبي عند أبيه على عن جده قال " كنت أنا وأبي العباس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذ دخل على فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لله أشد حبا لهذا مني إن الله جعل ذرية كل نبي من صلبه وجعل ذريتي في صلب علي " اه وذكر في الميزان أيضا في ترجمة عثمان بن أبي شيبة أحاديث عنه من جملتها حديث " لكل بني أب عصبة ينتمون إليه الا ولد فاطمة أنا عصبتهم " ثم حكى عن العقيلي بعد أن ساق هذا الحديث وغيره أنه قال عبد الله بن أحمد بن حنبل أنكر أبي هذه الأحاديث أنكرها جدا وقال هذه موضوعة مع أحاديث من هذا النحو . قال الذهبي بعد ذلك قلت عثمان بن أبي شيبة لا يحتاج إلى متابع ولا ينكر له أني نفرد بأحاديث لسعة ما روي وقد يغلط . وقد اعتمده الشيخان في صحيحهما اه وحديث أسامة الآخر أخرج نحوه الترمذي أيضا من حديث البراء بدون قوله هذان ابناء ولفظه " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبصر حسنا وحسينا فقال اللهم أني أحبها فأحبهما " وأخرجه أيضا الشيخان من حديثه بلفظ " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والحسن على عاتقه يقول اللهم أني أحبه فأحبه " : قوله " انك لابنة نبي " إنما قال لها ذلك لأنها من ذرية هرون وعمها موسى وبنو قريظة من ذرية هرون فسمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هرون أبا لها وبينها وبينه آباء متعددون وكذلك جعل الحسن ابنا له وهو ابن ابنته وكذلك الحسين كما في سائر الأحاديث ووصف نفسه بأنه ابن عبد المطلب وهو جده وجعل الأنصار حكم الأنصار كله يدل على أن حكم أولاد الأولاد حكم الأولاد فمن وقف على خلاف ومما يؤيد القول بدخول أولاد البنات ما أخرجه البخاري ومسلم والنسائي والترمذي عن أبي موسى الأشعري قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابن أخت القوم منهم " وللأحاديث المذكورة في الباب فوائد خارجة عن مقصود المصنف من ذكرها في هذا الباب والتعرض لذلك يستدعي بسطا طولا لفتقتصر على بيان المطلوب منها ههنا (6/98)
باب ما يصنع بفاضل مال الكعبة (6/98)
1 - عن أبي وائل قال " جلست إلى شيبة في هذا المسجد فقال جلس إلى عمر في مجلسك هذا فقال لقد هممت أن لا أدع فيها صفراء ولا بيضاء الا قسمتها بين المسلمين ما أنت بفاعل قال لم قلت لم يفعله صاحباك فقال هما المرآن يقتدي بهما "
- رواه أحمد والبخاريز (6/99)
2 - وعن عائشة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية أو قال بكفر لانفقت كنز الكعبة في سبيل الله ولجعلت بابها بالأرض ولأدخلت فيها من الحجر "
- رواه مسلم (6/99)
- قول " جلست إلى شيبة " هو ابن عثمان بن طلحة بن عبد العزى بن عثمان بن عبد الله بن عبد الدار بن قصي العبدري الحجبي بفتح المهملة والجيم ثم موحدة نسبة إلى حجابة الكعبة . قوله " فيها " أي في الكعبة والمراد بالصفراء الذهب والبيضاء الفضة قال القرطبي غلط من ظن أن المراد بذلك حلية الكعبة وإنما أراد الكنز الذي بها وهو ما كان يهدي إليها فيدخر ما يزيد عن الحاجة وأما الحلى فمحبسة عليها كالقناديل فلا يجوز صرفها في غيرها . قال ابن الجوزي كانوا في الجاهلية يهدون إلى الكعبة المال تعظيما لها فيجتمع فيها . قوله " هما المرآن " تثنية مرء بفتح الميم ويجوز ضمها والراء ساكنة على كل حال بعدها همزة أي الرجلان قوله يقتدي بهما في رواية للبخاري أقتدي بها قال ابن بطال أراد عمر بذلك لكثرة انفاقه في منافع المسلمين ثم لما ذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعرض له أمسك وإنما ترك ذلك لأن ما جعل في الكعبة وسبل لها يجري مجرى الأوقاف فلا يجوز تغييره عن وجهه وفي ذلك تعظيم للإسلام وترهيب للعدو . قال في الفتح أما التعليل الأول فليس بظاهر من الحديث بل يحتمل أن يكون تركه صلى الله عليه وآله وسلم رعاية لقلوب قريش كما ترك بناء الكعبة على قواعد إبراهيم ثم أيد هذا الاحتمال بحديث عائشة المذكور في الباب ثم قال فهذا هو التعليل المعتمد اه والمصير إلى هذا الاحتمال لا بد منه لنصه صلى الله عليه وآله وسلم عليه فلا يلتفت إلى الاحتمالات المخالفة له وعلى هذا فإنفاقه جائز كما جاز لابن الربير بناء البيت على قواعد إبراهيم لزوال السبب الذي لأجله ترك بناءه صلى الله عليه وآله وسلم . واستدل التقي السبكي بحديث أبي وائل هذا على جواز تحلية الكعبة بالذهب والفضة وتعليق قناديلهما فيها وفي مسجد المدينة فقال هذا الحديث عمدة في مال الكعبة وهو ما يهدي إليها أو ينذر لها قال وأما قول الشافعي لا يجوز تحلية الكعبة بالذهب والفضة ولا تعليق قناديلهما فيها ثم حكى وجهين في ذلك أحدهما الجواز تعظيما كما في المصحف والآخر المنع إذ لم يقل أحد من السلف به فهذا مشكل لأن للكعبة من التعظيم ما لليس لبقية المساجد بدليل تجويز سترها بالحرير والديباج وفي جواز ستر المساجد بذلك خلاف ثم تمسك للجواز بما وقع في أيام الوليد بن عبد الملك من تذهيبه سقوف المسجد النبوي قال ولم ينكر ذلك عمر ابن عبد العزيز ولا أزاله في خلافته ثم استدل للجواز بأن تحريم استعمال الذهب والفضة إنما هو فيما يتعلق بالأواني المعدة للأكل والشرب ونحوهما قال وليس في تحلية المساجد بالقناديل الذهب شيء من ذلك ويجاب عنه بأن حديث أبي وائل لا يصلح للاستدلال به على جواز تحلية الكعبة وتعليق القناديل من الذهب والفضة كما زعم لأنه إن أراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك وقرره فقد عرفت الحامل له صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وإن أراد الإجماع من الصحابة أو ممن بعدهم عليه فممنوع وإن أراد غير ذلك فما هو . وأما القياس على ستر الكعبة بالحرير والديباج فقد تعقب بأن تجويز ذلك قام الإجماع عليه وأما التحلية بالذهب والفضة فلم ينقل عن فعل من يقتدي به كما قال في الفتح وفعل الوليد وترك عمر بن عبد العزيز لا حجة فيهما نعم القول بالتحريم يحتاج إلى دليل ولا سيما مع ما قدمنا من اختصاص تحريم استعمال آنية الذهب والفضة بالأكل والشرب ولكن لا أقل من الكراهة فإن وضع الأموال التي ينتفع بها أهل الحاجات في المواضع التي لا ينفع الوضع فيها آجلا ولا عاجلا مما لا شك في كراهته (6/99)
كتاب الوصايا (6/100)
باب الحث على الوصية والنهي عن الحيف فيها وفضيلة التنجيز حال الحياة (6/100)
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين وله شيء يريد أن يوصي فيه الا ووصيته مكتوبة عند رأسه "
- رواه الجماعة واحتج به من يعمل بالخط إذا عرف (6/100)
- قوله " كتاب الوصايا " قال في الفتح الوصايا جمع وصية كالهدايا وتطلق على فعل الموصى وعلى ما يوصى به من مال أو غيره من عهد ونحوه فتكون بمعنى المصدر وهو الأيصاء وتكون بمعنى المفعول وهو الأسم . وهي في الشرع عهد خاص مضاف إلى ما بعد الموت قال الأزهري الوصية من وصيت الشيء بالتخفيف أصيه إذا وصلته وسميت وصية لأن الميت يصل بها ما كان في حياته بعد مماته ويقال وصية بالتشديد ووصاة بالتخفيف بغير همز وتطلق شرعا أيضا على ما يقع به الزجر عن المنهيات والحث على المأمورات : قوله " ما حقط ما نافية بمعنى ليس والخبر ما بعد إلا . وروى الشافعي عن سفيان بلفظ " ما حق امرئ يؤمن بالوصية " الحديث أي يؤمن بأنها حق كما حكاه ابن عبد البر عن ابن عيينة وروراه ابن عبد البر والطحاوي بلفظ " لا يحل لامرئ مسلم له مال " وقال الشافعي معنى الحديث ما الحزم والاحتياط للمسلم الا أن تكون وصيته مكتوبة عند وكذا قال الخطابي : قوله " مسلم " قال في الفتح هذا الوصف خرج مخرج العالب فلا مفهوم له او ذكر للتهييج لتقع المبادرة إلى الأمتثال لما يشعر به من نفي الإسلام عن ترك ذلك ووصية الكافر جائزة في الجملة وحكى ابن المنذر فيه الإجماع : قوله يبيت صفة لمسلم كما جزم به الطيبي . قوله " ليلتين " في رواية للبيهقي وأبي عوانة ليلة أو ليلتين . لمسلم والنسائي ثلاث ليال . قال الحافظ وكأن ذكر الليلتين والثلاث لرفع الحرج لتزاحم أشغال المرء التي يحتاج إلى ذكرها ففسح له هذا القدر ليتذكر ما يحتاج إليه واختلاف الروايات فيه دال على أنه للتقريب لا للتحديد والمعنى لا يمضي عليه زمان وإن كان قليلا الا ووصيته مكتوبه وفيه اشارة إلى اغتفار الزمن اليسير وكأن الثلاث غاية التأخير ولذلك قال ابن عمر لم أبت ليلة منذ سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ذلك الا ووصيتي عندي . قال الطيبي في تخصيص الليلتين والثلاث بالذكر تسامح في إرادة المبالغة أي لا ينبغي أن يبيت زمنا ما وقد سامحناه في الليلتين والثلاث فلا ينبغي له أن يتجاوز ذلك . قال العلماء لا يندب أن يكتب جميع الأشياء المحقرة ولاما جرت العادة بالخروج منه والوفاء به عن قرب . ( وقد استدل ) بهذا الحديث مع قوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت } الآية على وجوب الوصية وبه قال جماعة من السلف منهم عطاء والزهري وأبو مجلز وطلحة بن مصرف في آخرين وحكاه البيهقي عن الشافعي في القديم وبه قال إسحاق وداود وأبو عوانة الأسفرايني وابن جرير . قال في الفتح وآخرون وذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وليست بواجبة ونسب ابن عبد البر القول بعدم الوجوب إلى الإجماع وهي مجازفة لما عرفت . وأجاب الجمهور عن الآية بأنها منسوخة كما في البخاري عن ابن عباس قال " كان المال للولد وكانت الوصية للوالدين فنسخ الله من ذلك ما أحب فجعل لكل واحد من الأبوين السدس . وأجاب القائلون بالوجوب بأن الذي نسخ الوصية للوالدين والأقارب الذي يرثون وأما من لا يرث فليس في الآية ولا في تفسير ابن عباس ما يقتضي النسخ في حقه وأجاب من قال بعدم الوجوب عن الحديث بأن قوله " ما حق " الخ للحزم والأحتياط لأنه قد يفجؤه الموت وهو على غير وصية . وقيل الحق لغة الشيء الثابت ويطلق شرعا على ما يثبت به الحكم وهو أعم من أن يكون واجبا أو مندوبا وقد يطلق على المباح قليلا قاله القرطبي
وأيضا تفويض الأمر إلى أرادة الموصي يدل على عدم الوجوب ولكنه يبقى الأشكال في الرواية المتقدمة بلفظ " لا يحل لامرئ مسلم " وقد قيل أنه يحتمل ان روايها ذكرها بالمعنى وأراد ينفي الحل ثبوت الجواز بالمعنى الأعم الذي يدخل تحته الواجب والمندوب والمباح وقد اختلف القائلون بالوجوب فقال أكثرهم تجب الوصية في الجملة وقال طاوس وقتادة وجابر بن زيد في آخرين تجب للقرابة الذي لا يرثون خاصة . وقال أبو ثور وجوب الوصية في الآية والحديث يختص بمن عليه حق شرعي يخشى أن يضيع على صاحبه ان لم يوص به كالوديعة والدين ونحوهما قال ويدل على ذلك تقييده بقوله " له شيء يريد أن يوصي فيه " قال في الفتح وحاصله يرجع إلى قول الجمهور ان الوصية غير واجبة بعينها وإنما الواجب بعينه الخروج من الحقوق الواجبة للغير سواء كان بتنجيز أو وصية ومحل وجوب الوصية إنما هو إذا كان عاجزا عن تنجيزه ولم يعلم بذلك غيره ممن يثبت الحق بشهادة فأما إذا كان قادرا أو علم بها غيره فلا وجوب قال وعرف من مجموع ما ذكرنا ان الوصية قد تكون واجبة وقد تكون مندوبة فيمن رجامتها كثرة الأجر ومكروهة في عكسه ومباحة فيمن استوى الأمران فيه ومحرمة فيما إذا كان فيها اضرار كما ثبت عن ابن عباس " الأضرار في الوصية من الكبائر " رواه سعيد بن منصور موقوفا بإسناد صحيح ورواه النسائي مرفوعا ورجاله ثقات . قد استدل من قال بعدم وجوب الوصية بما ثبت في البخاري وغيره عن عائشة أنها انكرت أن يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوصى وقالت متى أوصى وقد مات بين سحري ونحري وكذلك ما ثبت أيضا في البخاري عن ابن أبي أوفى أنه قال " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يوص " وأخرج أحمد وابن ماجه قال الحافظ بسند قوي عن ابن عباس في أثناء حديث فيه أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر أن يصلي بالناس قال في آخره مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يوص قالوا ولو كانت الوصية واجبة لما تركها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأجيب بأن المراد بنفي الوصية منه صلى الله عليه وآله وسلم نفي الوصية بالخلافة لا مطلقا بدليل أنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بعدة أمور كأمره صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه لعائشة بانفاق الذهيبة كما ثبت من حديثها عند أحمد وابن سعد وابن خزيمة . وفي المغازي لابن إسحاق عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال لم يوص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند موته الا بثلاث لكل من الداريين والرهاويين والأشعريين بجاد مائة وسق من خيبر وان لا يترك في جزيرة العرب دينان وأن ينفذ بعث أسامة . وفي صحيحي مسلم عن ابن عباس وأوصى بثلاث أن يجيزوا الوفد بنحوما كنت أجيزهم الحديث . وأخرج أحمد والنسائي وابن سعد عن أنس " كانت غاية وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حضره الموت الصلاة وما ملكت أيمانكم " وله شاهد من حديث علي عند أبي داود وابن ماجه . ومن حديث أم سلمة عند النسائي بسند جيد
والأحاديث في هذا الباب كثيرة أورد منها صاحب الفتح في كتاب الوصايا شطرا صالحا وقد جمعت في ذلك رسالة مستقلة . واستدلوا أيضا على توجيه نفي من نفي الوصية مطلقا إلى الخلافة بما في البخاري عن عمر " قال مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يستخلف " وبما أخرجه أحمد والبيهقي عن علي " أنه لما ظهر يوم الجمل قال يا أيها الناس إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يعهد إلينا في هذه الإمارة شيئا " الحديث . قال القرطبي كانت الشيعة قد وضعوا أحاديث في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوصى بالخلافة لعلي فرد ذلك جماعة من الصحابة وكذا من بعدهم فمن ذلك ما استدلت به عائشة يعني الحديث المتقدم . ومن ذلك إن عليا لم يدع ذلك لنفسه ولا بعد أن ولى الخلافة ولا ذكره لأحد من الصحابة يوم السقيفة وهؤلاء ينتقصون عليا من حيث قصدوا تعظيمه لأنهم نسبوه مع شجاعته العظمى وصلابته إلى المداهنة والتقييد والأعراض عن طلب حقه مع قدرته على ذلك اه ولا يخفى أن نفي عائشة للوصية حال الموت لا يستلزم نفيها في جميع الأوقات فإذا أقام البرهان الصحيح من يدعي الوصاية في شيء معين قبل . قوله " مكتوبة عند رأسه " استدل بهذا على جواز الأعتماد على الكتابة والخط ولو لم يقترن بالشهادة وخص محمد بن نصر من الشافعية ذلك بالوصية لثبوت الخبر فيها دون غيرها من الأحكام . قال الحافظ وأجاب الجمهور بأن الكتابة ذكرت لما فيها من ضبط المشهود به قالوا ومعنى قوله " وصيته مكتوبه عنده " أي بشرطها . وقال المحب الطبري اضمار الأشهاد فيه بعد وأجيب بأنهم استدلوا على اشتراط الاشهاد بأمر خارج كقوله تعالى { شهادة بينكم إذا حضر أحدكم الموت حين الوصية } فإنه يدل على اعتبار الاشهاد في الوصية وقال القرطبي ذكر الكتابة مبالغة في زيادة التوثق وإلا فالوصية المشهود بها متفق عليها ولو لم تكن مكتوبة اه وقد استوفينا الأدلة على جواز العمل بالخط في الاعتراضات التي كتبناها على رسالة الجلال في الهلال فليراجع ذلك فإنه مفيد (6/101)
2 - وعن أبي هريرة " قال جاء رجل فقال يا رسول الله أي الصدقة أفضل أو أعظم أجرا قال أما وأبيك لتفتأن أن تصدق وأنت شحيح صحيح تخشى الفقر وتأمل البقاء ولا تمهل حتى إذا بلغت الحلقوم قلت لفلان كذا ولفلان كذا وقد كان لفلان "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (6/101)
- قوله " أي صدقة أفضل أو أعظم " في رواية للبخاري أفضل وفي أخرى له أعظم . قوله " لتفتأن " بفتح اللام وضم الفوقية وسكون الفاء وبعدها فوقية أيضا ثم همزة مفتوحة ثم نون مشددة وهو من الفتيا وفي نسخة " لتنبأن " بضم التاء وفتح النون بعدها ياء موحدة ثم همزة مفتوحة ثم نون مشددة من النبأ . قوله " أن تصدق " بتخفيف الصاد على حذف إحدى التاءين وأصله أن تتصدق والتشديد على الأدغام : قوله " شحيح " قال صاحب المنتهى الشح بخل مع حرص . وقال صاحب المحكم الشح مثلث الشين والضم أولى . وقال صاحب الجامع كأن الفتح في المصدر والضم في الاسم قال الخطابي فيه ان المرض يقصر يد المالك عن بعض ملكه وإن سخاوته بالمال في مرضه لا تمحو عنه سمة البخل فلذلك شرط صحة البدن في الشح بالمال لانه في الحالتين يجد للمال وقعا في قلبه لما يأمله من البقاء فيحذر معه الفقر . قال ابن بطال وغيره لما كان الشح غالبا في الصحة فالسماح فيه بالصدقة أصدق في النية وأعظم للأجر بخلاف من يئس من الحياة ورأى مصير المال لغيره : قوله " وتأمل " بضم الميم أي تطمع . قوله " ولا تمهل " بالإسكان على أنه نهي وبالرفع على أنه نفي ويجوز النصب . قوله " حتى إذا بلغت الحلقوم " أي قاربت بلوغه إذ لو بلغته حقيقة لم يصح شيء من تصرفاته والحلقوم مجرى النفس . قاله أبو عبيدة . قوله " قلت لفلان كذا " الخ قال في الفتح الظاهر إن هذا المذكور على سبيل المثال . وقال الخطابي فلان الأول والثاني الموصي له فلان الأخير الوارث لأنه إن شاء ابطله وإن شاء أجازه . وقال غيره يحتمل أن يكون المراد بالجمع من يوصي له وإنما أدخل كان في الثالث اشارة إلى تقدير القدر له بذلك . وقال الكرماني يحتمل أن يكون الأول للوارث والثاني الموروث والثالث الموصى له . قال الحافظ ويحتمل أن يكون بعضها وصية وبعضها إقرارا ( والحديث يدل ) على أن تنجيز وفاء الدين والتصدق في حال الصحة أفضل منه حال المرض لأنه في حال الصحة يصعب عليه اخراج المال غالبا لما يخوفه به الشيطان ويزين له من امكان طول العمر والحاجة إلى المال كما قال تعالى { الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء } وفي معنى الحديث قول تعالى { وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت } الآية . وفي معناه أيضا ما أخرج الترمذي بإسناد حسن وصححه ابن حبان عن أبي الدرداء مرفوعا . قال " مثل الذي يعتق ويتصدق عند موته مثل الذي يهدي إذا شبع " وأخرج أبو داود وصححه ابن حبان من حديث أبي سعيد مرفوعا " لأن يتصدق الرجل في حايته وصحته بدرهم خير له من أن يتصدق عند موته بمائة " (6/101)
3 - وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " ان الرجل ليعمل أو المرأة بطاعة الله ستين سنة ثم يحضرهما الموت فيضاران في الوصية فيجب لهما النار ثم قرأ أبو هريرة من بعد وصية يوصي بها أو دين غير مضار وصية من الله إلى قوله وذلك الفوز العظيم "
- رواه أبو داود والترمذي . ولأحمد وابن ماجه معناه وقالا فيه " سبعين سنة " (6/102)
- الحديث حسنه الترمذي وفي إسناده شهر بن حوشب وقد تكلم فيه غير واحد من الأئمة . ووثقه أحمد بن حنبل ويحيى بن معين ولفظ أحمد وابن ماجه الذي أشار إليه المصنف أن الرجل ليعمل بعمل أهل الخير سبعين سنة فإذا أوصى حاف في وصيته فيختم له بشر عمله فيدخل النار وان الرجل ليعمل بعمل أهل الشر سبعين سنة فيعدل في وصيته فيدخل الجنة " وفيه وعيد شديد وزجر بليغ وتهديد لأن مجرد المضارة في الوصية إذا كانت من موجبات النار بعد العبادة الطويلة في السنين المتعددة فلا شك أنها من الذنوب التي لا يقع في مضيقها الا من سبقت له الشقاوة وقراءة أبي هريرة للآية لتأييد معنى الحديث وتقويته لان الله سبحانه قد قيد ما شرعه من الوصية بعدم الضرار فتكون الوصية المشتملة على الضرار مخالفة لما شرعه الله تعالى وما كان كذلك فهو معصية . وقد تقدم قريبا عن ابن عباس مرفوعا وموقوفا بإسناد صحيح ان وصية الضرار من الكبائر وذلك مما يؤيد معنى الحديث فما أحق وصية الضرار بالابطال من غير فرق بين الثلث وما دونه وما فوقه وقد جمعت في ذلك رسالة مشتملة على فوائد لا يستغني عنها (6/102)
باب ما جاء في كراهة مجاوزة الثلث والأيصاء للوارث (6/102)
1 - عن ابن عباس قال " لو أن الناس غضوا من الثلث إلى الربع فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الثلث كثير "
- متفق عليه (6/103)
2 - وعن سعد بن أبي وقاص " انه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعودني من وجع اشتد بي فقلت يا رسول الله اني قد بلغ بي الوجع ما ترى وأنا ذو مال ولا يرثني الا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قلت فالشطر يا رسول الله قال لا قلت فالثلث قال الثلث والثلث كثير أو كبير أنك ان تذر ورثتك أغنياء خير من أن تدعهم عالة يتكففون الناس "
- رواه الجماعة . وفي رواية أكثرهم " جاءني يعودني في حجة الوداع " وفي لفظ " عادني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضي فقال أوصيت قلت نعم قال بكم قلت بمالي كله في سبيل الله قال فما تركت لولدك قال هم أغنياء قال أوص بالعشر فما زال يقول وأقول حتى قال أوص بالثلث والثلث كثير أو كبير " رواه النسائي وأحمد بمعناه الا أنه قال " قلت نعم جعلت مالي كله في الفقراء والمساكين وابن السبيل " وهو دليل على نسخ وجوب الوصية للأقربين (6/103)
3 - وعن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ان الله تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم "
- رواه الدارقطني (6/103)
- حديث أبي الدرداء أخرجه أيضا أحمد وأخرجه أيضا البيهقي وابن ماجه والبزار من حديث أبي هريرة بلفظ " ان الله تصدق عليكم عند موتكم بثلث أموالكم زيادة لكم في أعمالكم " قال الحافظ وإسناده ضعيف وأخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي من حديث أبي أمامة بلفظ " ان الله تصدق لكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعل لكم زكاة في أموالكم " وفي إسناده إسماعيل بن عياش وشيخه عتبة بن حميد وهما ضعيفان . ورواه العقيلي في الضعفاء عن أبي بكر الصديق وفي إسناده خفص بن عمرو بن ميمون وهو متروك وعن خالد بن عبد الله السلمي عند ابن عاصم وابن السكن وابن قانع وأبي نعيم والطبراني وهو مختلف في صحبته رواه عنه ابنه الحرث وهو مجهول وقد ذكر الحافظ في التلخيص حديث أبي الدرداء ولم يتكلم عليه : قوله " غضوا " بمعجمتين أي نقصوا ولو للتمني فلا تحتاج إلى جواب أو شرطية والجواب محذوف ووقع التصريح بالجواب في رواية ابن أبي عمر في مسنده عن سفيان بلفظ " كان أحب إلي " وأخرجه الإسماعيلي من طريق ومن طريق أحمد بن عبدة عن سفيان . وأخرجه من طريق العباس بن الوليد عن سفيان بلفظ " كان أحب إلى رسول الله " قوله " إلى الربع " زاده أحمد في الوصية وكذا ذكر هذه الزيادة الحميدي . قوله " فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هو كالتعليل لما اختاره من النقصان عن الثلث وكأنه أخذ ذلك من وصفه صلى الله عليه وآله وسلم للثلث بالكثرة . قوله " والثلث كثير " في رواية مسلم " كثير أو كبير " بالشك هل هو بالموحدة أو المثلثة والمراد أنه كثير بالنسبة إلى ما دونه وفيه دليل على جواز الوصية بالثلث وعلى أن الأولى أن ينقص عنه ولا يزيد عليه قال الحافظ وهو ما يبتدره الفهم ويحتمل أن يكون لبيان أن التصدق بالثلث هو الأكمل أي كبير أجره ويحتمل أن يكون معناه كثير غير قليل قال الشافعي وهذا أولى معانيه يعني أن الكثرة أمر نسبي وعلى الأول عول ابن عباس كما تقدم والمعروف من مذهب الشافعي استحباب النقص عن الثلث وفي شرح مسلم للنووي ان كان الورثة فقراء استحب ان ينقص منه وان كانوا أغنياء فلا وقد استدل بذلك على انها لا تجوز الوصية بأزيد من الثلث . قال في الفتح واستقر الإجماع على منع بأزيد من الثلث لكن اختلف فيمن ليس له وارث خاص فذهب الجمهور إلى منعه من الزيادة على الثلث وجوز له الزيادة الحنفية وإسحاق وشريك وأحمد في رواية وهو قول علي وابن مسعود واحتجوا بأن الوصية مطلقة في الآية فقيدتها السنة لمن له وارث فبقي من لا وارث له على الأطلاق . وحكاه في البحر عن العترة . قوله " قال الثلث والثلث كثير أو كبير " يعني بالمثلثة أو الموحدة وهو شك من الراوي . قال الحافظ والمحفوظ في أكثر الروايات بالمثلثة قال الثلث بالنصب على الأغراء أو بفعل مضمر نحو عين الثلث وبالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو مبتدأ خبره محذوف . قوله " انك ان تذر " بفتح ان على التعليل وبكسرها على الشرطية قال النووي هما صحيحان وقال القرطبي لا معنى للشرط ههنا لأنه يصير لا جواب له ويبقى خير لا رافع له . وقال ابن الجوزي سمعناه من رواة الحديث بالكسر وأنكره ابن الخشاب وقال لا يجوز الكسر لأنه لا جواب له لخلو لفظ خير عن الفاء وغيرها مما اشترط في الجواب وتعقب بأنه لا مانع من تقديرها كما قال ابن مالك . قوله " ورثتك " قال ابن المنير إنما عبر له صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ الورثة ولم يقل بنتك مع أنه لم يكن له يومئذ الا ابنة واحدة لكون الوارث حينئذ لم يتحقق لان سعدا إنما قال ذلك بناء على موته في ذلك المرض وبقائها بعده حتى ترثه وكان من الجائز ان تمون هي قبله فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بكلام كلي مطابق لكل حالة وهو قول ورثتك ولم يخص بنتا من غيرها . وقال الفاكهي شارح العمدة إنما عبر صلى الله عليه وآله وسلم بالورثة لانه اطلع على أن سعدا سيعيش ويحصل له أولاد غير البنت المذكورة فإنه ولد له بعد ذلك أربعة بنين اه وهم عامر ومصعب ومحمد وعمر وزاد بعضهم إبراهيم ويحيى وإسحاق وزاد ابن سعد عبد الله وعبد الرحمن وعمر أو عمران وصالحا وعثمان وإسحاق الأصغر وعمرا الأصغر وعميرا مصغرا وذكر له من البنات ثنتي عشرة بنتا
قال الحافظ ما معناه أنه قد كان لسعد وقت الوصية ورثة غير ابنته وهم أولاد أخيه عتبة بن أبي وقاص منهم هاشم بن عتبة وقد كان موجودا اذ ذاك . قوله " عالة " أي فقراء وهو جمع عائل وهو الفقير والفعل منه عال يعيل إذا افتقر : قوله " يتكففون الناس " أي يسألونهم باكفهم يقال تكفف الناس واستكف إذا بسط كفه للسؤال أو سأل ما يكف عنه الجوع أو سأل كفافا من طعام قال ابن عبد البر وفي هذا الحديث تقييد مطلق القرآن بالسنة لأنه سبحانه قال { من بعد وصية يوصى بها أو دين } فأطلق وقيدت السنة الوصية بالثلث قال في الفتح وفيه أن خطاب الشارع للواحد يعم من كان يصفته من المكلفين لاطباق العلماء على الأحتجاج بحديث سعد هذا وإن كان الخطاب إنما وقع له بصيغة الأفراد ولقد أبعد من قال إن ذلك يختص بسعد ومن كان في مثل حاله ممن يخلف وارثا ضعيفا أو كان ما يخلفه قليلا . وفي حديث أبي الدرداء وما ورد في معناه دليل على أن الأذن لنا بالتصرف في ثلث أموالنا في أواخر أعمارنا من الألطاف الألهية بنا والتكثير لأعمالنا الصالحة وهو من الأدلة الدالة على اشتراط القربة في الوصية (6/104)
4 - وعن عمرو بن خارجة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب على ناقته وأنا تحت جرانها وهي تقصع بجرتها وان لغامها يسيل بين كتفي فسمعته يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث "
- رواه الخمسة الا أبا داود وصححه الترمذي (6/104)
5 - وعن أبي امامة قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ان الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث "
- رواه الخمسة إلا النسائي (6/104)
6 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تجوز وصية لوارث الا ان يشاء الورثة " (6/105)
7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا وصية لوارث الا أن يجيز الورثة "
- رواهما الدارقطني (6/105)
- حديث عمرو بن خارجه أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي . وحديث أبي أمامة حسنه الترمذي والحافظ وفي إسناده اسمعيل بن عياش وقد قوى حديثه إذا روى عن الشاميين جماعة من الأئمة منهم أحمد والبخاري وهذا من روايته عن الشاميين لأنه رواه عن شرحبيل بن مسلم وهو شامي ثقة وصرح في روايته بالتحديث . وحديث ابن عباس حسنه في التلخيص وقال في الفتح رجاله ثقات لكنه معلول فقد قيلا إن عطاء الذي رواه عن ابن عباس هو الخراساني وهو لم يسمع من ابن عباس . وأخرج نحوه البخاري من طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس موقوفا . قال الحافظ الا انه في تفسير وأخبار بما كان من الحكم قبل نزول القرآن فيكون في حكم المرفوع . وأخرجه أيضا أبو داود في المراسيل عن مرسل عطاء الخراساني ووصله يونس بن راشد عن عطاء عن عكرمة عن ابن عباس قال الحافظ والمعروف المرسل . وحديث عمرو بن شعيب قال في التلخيص إسناده واه ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن ماجه . وعن جابر عند الدارقطني وصوب إرساله وعن علي عنده أيضا وإسناده ضعيف وهو عند ابن أبي شيبة وعن مجاهد مرسلا عند الشافعي قال في الفتح ولا يخلو إسناد كل منهامن مقال لكن مجموعها يقتضي أن للحديث أصلا بل جنح الشافعي في الأم إلى أن هذا المتن متواتر فقال وجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنهم من أهل العلم بالمغازي من قريش وغيرهم لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عام الفتح لا وصية لوارث ويأثرونه عمن حفظوه فيه ممن لقوه من أهل العلم فكان نقل كافة عن كافة فهو أقوى من نقل واحد وقد نازع الفخر الرازي في كون هذا الحديث متواترا قال وعلى تقدير تسليم ذلك فالمشهور من مذهب الشافعي ان القرآن لا ينسخ بالسنة قال الحافظ لكن الحجة في هذا اجماع العلماء على مقتضاه كما صرح به الشافعي وغيره قال والمراد بعدم صحة وصية الوارث عدم اللزوم لأن الأكثر على أنها موقوفة على إجازة الورثة . وقيل أنها لا تصح الوصية لوارث أصلا وهو الظاهر لأن النفي أما أن يتوجه إلى الذات والمراد لا وصية شرعية وأما إلى ما هو أقرب إلى الذات وهو الصحة ولا يصح أن يتوجه ههنا إلى الكمال الذي هو أبعد المجازين . وحديث ابن عباس المذكور وان دل على صحة الوصية لبعض الورثة مع رضا البعض الآخر فهو لا يدل على أن النفي غير متوجه إلى الصحة بل هو متوجه إليها وإذا رضى الوارث كانت صحيحة كما هو شأن بناء العام على الخاص وهكذا حديث عمرو بن شعيب . وحكي صاحب البحر عن الهادي والناصر وأبي طالب وأبي العباس أنها تجوز الوصية للوارث واستدلوا بقوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت ان ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } قالوا في نسخ الوجوب لا يستلزم نسخ الجواز وأجاب الجمهور عن ذلك بأن الجواز أيضا منسوخ كما صرح بذلك حديث ابن عباس المذكور في الباب وقد اختلف في تعيين ناسخ آية الوصية للوالدين والأقربين فقيل آية الفرائض وقيل الأحاديث المذكورة في الباب وقيل دل الإجماع على ذلك وأن لم يتعين دليله هكذا في الفتح . وقد قيل ان الآية مخصوصة لأن الأقربين أعم من أن يكونوا وارثين أم لا فكانت الوصية واجبة لجميهم وخص منها الوارث بآية الفرائض وبأحاديث الباب وبقي حق من لا يرث من الأقربين من الوصية على حاله قاله طاوس وغيره : قوله وأنا تحت " جرانها " بكسر الجيم قال في القاموس جران البعير بالكسر مقدم عنقه من مذبحه إلى منحره : قوله " وهي تقصع بجرتها " الجرة بكسر الجيم وتشديد الراء . قال في القاموس الجرة بالكسر هيئة الجر وما يفيض عنه البعير فيأكله ثانية وقد اجتر واجر واللقمة بها البعير إلى وقت علفه والقصع البلع . قال في القاموس قصع كمنع ابتلع جرع الماء والناقة بجرتها ردتها إلى جوفها أو مضغتها أو هو بعد الدسع وقبل المضغ أو هو أن تملأ بها فاها أو شدة المضغ اه : قوله " وإن لغامها " بضم اللام بعدها غين معجمة وبعد الألف ميم هو اللعاب . قال في القاموس لغم الجمل كمنع رمى بلعابه لزبده . قال والملاغم ما حول الفم : قوله " الا أن يشاء الورثة " في ذلك رد على المزني وداود والسبكي حيث قالوا أنها لا تصح الوصية بما زاد على الثلث ولو أجاز الورثة واحتجوا بالأحاديث الآتية في الباب الذي بعد هذا ولكن في هذا الحديث وحديث عمرو بن شعيب المذكور بعده زيادة يتعين القول بها
قال الحافظ ان صحت هذه الزيادة فهي حجة واضحة واحتجوا من جهة المعنى بأن المنع إنما كان في الأصل لحق الورثة فإذا أجازوه لم يمتنع واختلفوا بعد ذلك في وقت الإجازة فالجمهور على أنهم إن أجازوا في حياة الموصى كان لهم الرجوع متى شاؤا وإن أجازوا بعد نفذ . وفصل المالكية في الحياة بين مرض الموت وغيره فألحقوا مرض الموت بما بعده واستثنى بعضهم ما إذا كان المجيز في عائلة الموصى وخشى من امتناعه انقطاع معروفه عنه لوعاض فإن لمثل هذا الرجوع . وقال الزهري وربيعة ليس لهم الرجوع مطلقا واتفقوا على اعتبار كون الموصي له وارثا يوم الموت حتى لو أوصى لأخيه الوراث حيث لا يكون للموصي ابن ثم ولد له ابن قبل موته صحت الوصية للأخ المذكور ولو أوصى لأخيه وله ابن فمات الابن قبل موت الموصي فهي وصية لوارث (6/105)
باب في أن تبرعات المريض من الثلث (6/106)
1 - عن أبي زيد الأنصاري " أن رجلا أعتق ستة أعبد عند موته ليس له مال غيرهم فأقرع بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعتق اثنين وأرق أربعة "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه وقال فيه " لو شهدته قبل أن يدفن لم يدفن في مقابر المسلمين " (6/106)
2 - وعن عمران بن حصين " أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته لم يكن له مال غيرهم فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجزأهم أثلاثا ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقال له قولا شديدا "
- رواه الجماعة إلا البخاري . وفي لفظ " ان رجلا أعتق عند موته رجة له فجاء ورثته من الأعراب فأخبروا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما صنع قال أو فعل ذلك لو علمنا إن شاء الله ما صلينا عليه فأقرع بينهم فأعتق منهم اثنين وأرق أربعة " رواه أحمد واحتج بعمومه من سوى بين متقدم العطايا ومتأخرها لأنه لم يستفصل هل أعتقهم بكلمة أو بكلمات (6/106)
- حديث أبي زيد أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح : قوله " أعتق ستة أعبد عند موته " قال القرطبي ظاهره أنه نجز عتقهم في مرضه قوله " فأقرع بينهم " هذا نص في اعتبار القرعة شرعا وهو حجة لمالك والشافعي وأحمد والجمهور على أبي حنيفة حيث يقول القرعة من القمار وحكم الجاهلية ويعتق من كل واحد من العبيد ثلثه ويستسعي في باقيه ولا يقرع بينهم وبمثل ذلك قالت الهادوية : قوله " فأعتق اثنين وأرق أربعة " في هذا أيضا حجة على أبي حنيفة ومن معه حيث يقولون يعتقون جميعا . قال ابن عبد البر في هذا القول ضروب من الخطأ والاضطراب . قال ابن رسلان وفيه ضرر كثير لأن الورثة لا يحصل لهم شيء في الحال أصلا وقد لا يحصل في الشهر خمسة دراهم أو أقل وفيه ضرر على العبيد لإلزامهم السعاية من غير اختيارهم قوله " لو شهدته قبل أن يدفن " الخ هذا تفسير للقول الشديد الذي أبهم في الرواية الأخرى وفيه تغليظ شديد وذم متبالغ وذلك لأن الله سبحانه لم يأذن للمريض بالتصرف إلا في الثلث فإذا تصرف في أكثر منه كان مخالفا لحكم الله تعالى ومشابها لمن وهب غير ماله : قوله " فجزأهم " بتشديد الزاي وتخفيفها لغتان مشهورتان أي قسمهم وظاهره أنه اعتبر عدد أشخاصهم دون قيمتهم وإنما فعل ذلك لتساويهم في القيمة والعدد . قال ابن رسلان فلو اختلفت قيمتهم لم يكن بد من تعديلهم بالقيمة مخافة أن يكون ثلثهم في العدد أكثر من ثلث الميت في القيمة : قوله " رجلة " بفتح الراء وسكون الجيم جمع رجل : قوله " ما صلينا عليه " هذا أيضا من تفسير القول الشديد المبهم في الرواية المتقدمة ( والحديثان ) يدلان على تصرفات المريض إنما تنفذ من الثلث ولو كانت منجزة في الحال ولم تضف إلى بعد الموت وقد قدمنا حكاية الإجماع على المنع من الوصية بأزيد من الثلث لمن كان له وارث والتنجيز حال مرض المخوف حكمه حكم الوصية . واختلفوا هل يعتبر ثلث التركة حال الوصية أو حال الموت وهما وجهان للشافعية أصحهما الثاني وبه قال أبو حنيفة وأحمد والهادوية وهو قول علي رضي الله عنه وجماعة من التابعين وقال بالأول مالك وأكثر العراقيين والنخعي وعمر بن عبد العزيز وتمسكوا بأن الوصية عقد والعقود تعتبر بأولها وبأنه لو نذر أن يتصدق بثلث ماله اعتبر ذلك حال النذر اتفاقا وأجيب بأن الوصية ليست عقدا من كل وجه ولذلك لا يعتبر فيها الفورية ولا القبول وبالفرق بين النذر والوصية بأنها يصح الرجوع فيها والنذر يلزم وثمرة هذا الخلاف تظهر فيما لو حدث له مال بعد الوصية واختلفوا أيضا هل يحسب الثلث من جميع المال أو يتقيد بما علمه الموصى دون ما خفي عيله أو تجدد له ولم يعلم به وبالأول قال الجمهور وبالثاني قال مالك . وحجة الجمهور أنه لا يشترط أن يستحضر مقدار المال حال الوصية اتفاقا ولو كان عالما بجنسه فلو كان العلم به شرطا لما جاز ذلك (6/107)
باب وصية الحربي إذا أسلم ورثته هل يجب تنفيذها (6/107)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن العاص بن وائل أوصى أن يعتق عنه مائة رقبة فأعتق ابنه هشام خمسين رقبة فأراد ابنه عمرو أن يعتق عنه الخمسين الباقية فقال يا رسول الله إن أبي أوصى بعتق مائة رقبة وإن هشاما أعتق عنه خمسين رقبة وبقيت خمسون رقبة أفأعتق عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان مسلما فأعتقتم عنه أو تصدقتم عنه أو حججتم عنه بلغه ذلك "
- رواه أبو داود (6/107)
- الحديث سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى الأختلاف في حديث عمرو بن شعيب وقد قدمنا غير مرة أن حديثه عن أبيه عن جده من قسم الحسن . وقد صحح له الترمذي بهذا الإسناد عدة أحاديث والحديث يدل على أن الكافر إذا أوصى بقربة من القرب لم يلحقه ذلك لأن الكفر مانع وهكذا لا يلحقه ما فعله قرابته المسلمون من القرب كالصدقة والحج والعتق من غير وصية منه ولا فرق بين أن يكون الفاعل لذلك ولدا أو غيره وليس في هذا الحديث ما يدل على عدم صحة وصية الكافر إذ لا ملازمة بين عدم قبول ما أوصى به من القرب وعدم صحة الوصية مطلقا نعم فيه دليل أنه لا يجب على قريب الكافر من المسلمين تنفيذ وصيته بالقرب . قال في البحر مسألة ولا تصح يعني الوصية من كافر في معصية كالسلاح لأهل الحرب . وبناء البيع في خطط المسلمين . وتصح بالمباح إذا لا مانع اه (6/108)
باب الإيصاء بما يدخله النيابة من خلافة وعتاقة ومحاكمة في نسب وغيره (6/108)
1 - عن ابن عمر قال " حضرت أبي حين أصيب فأثنوا عليه وقالوا جزاك الله خيرا فقال راغب وراهب قالوا استخلف فقال اتحمل أمركم حيا وميتا لوددت أن حظي منها الكفاف لا على ولالى فإن استخلفمن هو خير مني يعني أبو بكر وأن اترككم فقد ترككم من هو خير مني يعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال عبد الله فعرفت أنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مستحلف "
- متفق عليه (6/108)
2 - وعن عائشة " أن عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاص اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ابن أمة زمعة فقال سعد يا رسول الله أوصاني أخي إذا قدمت أن أنظر ابن أمة زمعة فاقبضه فإنه ابني وقال ابن زمعة أخي وابن أمة أبي ولد على فراش أبي فرأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش واحتجبي منه يا سودة "
- رواه البخاري (6/109)
2 - وعن الشريد بن سويد الثقفي " أن أمة أوصت أن يعتق عنها رقبة مؤمنة فسأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال عندي جارية سوداء فقال أئت بها فدعا بها فجاءت فقال لها من ربك قالت الله قال من أبا قالت أنت رسول الله قال أعتقها فإنها مؤمنة "
- رواه أحمد والنسائي (6/109)
- حديث الشريد رواه النسائي من طريق موسى بن سعيد وهو صدوق لابأس به وبقية رجاله ثقات . وقد أخرجه أبو داود وابن حبان قوله " فقد استخلف من هو خيرا مني " استدل بهذا المصنف على جواز الوصية بالخلافة وقد ذهب الأشعرية والمعتزلة إلى أن طريقها العقد والأختيار في جميع الأزمان وذهب العترة إلى أن طريقها الدعوة وللكلام في هذا محل آخر . قوله " إنه حين ذكر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مستخلف " يعني أنه سيقتدي برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ترك الاستخلاف ويدع الاقتداء بأبي بكر وإن كان الكل عنده جائزا ولكن الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الترك أولى من الاقتداء بأبي بكر في الفعل قوله " وعن عائشة أن عبد بن زمعة " سيأتي الكلام على هذا الحديث في باب أن الولد للفراش ان شاء الله لأن المصنف رحمه الله سيذكره هنالك وهو الموضع الذي يليق به وإنما ذكره ههنا للاستدلال به على جواز الإيصاء بالنيابة في دعوى النسب والمحاكمة . ووجه ذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على سعد بن أبي وقاص دعواه بوصاية أخيه في ذلك ولو كانت النيابة بالوصية في مثله غير جائزة لا نكر عليه . قوله " وعن الشريد بن سويد " الخ استدل به المصنف على جواز النيابة في العتق بالوصية وجهه أنه أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بتلك الوصية ولم يبين أن مثل ذلك لا يجوز ولو كان غير جائز لبينه لما نقرر من عدم جواز تأخر البيان عن وقت حاجة . قوله " فقال لها من ربك " الخ قد اكتفى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمعرفة الله والرسول في كون تلك الرقبة مؤمنة وقد ثبت مثل ذلك في عدة أحاديث . منها حديث معاوية بن الحكم السلمي عند مسلم وغيره . ومنها عن رجل من الأنصار عند أحمد ومنها عن أبي هريرة عند أبي داود وعن حاطب عند أبي أحمد الغسان في كتاب السنة وعن ابن عباس عند الطبراني وغير ذلك (6/109)
باب وصية من لا يعيش مثله (6/110)
1 - عن عمرو بن ميمون قال " رأيت عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل أن يصاب بأيام بالمدينة وقف على حذيفة بن اليمان وعثمان بن حنيف قال كيف فعلتما أتخافا أن تكونا قد حملتما الأرض مالا تطيق قالا حملناها أمرا هي له مطيقة وما فيها كثير فضل قال أنظرا أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق قال قالا لا فقال عمر لئن سلمني الله لأدعن أرامل أهل العراق لا يحتجن إلي رجل بعدي أبدا قال فما أتت عليه رابعة حتى أصيب قال أني لقائم ما بيني وبينه إلا عبد الله بن عباس غداة أصيب وكان إذا مر بين الصفين قال أستووا حتى إذا لم ير فيهن خلل تقدم وكبر وربما قرأ سورة يوسف أو النحل أو نحو ذلك في الركعة الأولى حتى يجتمع الناس فما هو إلا أن كبر فسمعته يقول قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه فطار العلج بسكين ذات طرفين لا يمر على أحد يمينا ولا شمالا إلا طعنه حتى طعن ثلاثة عشر رجلا مات منهم تسعة فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه يرنسا فلما ظن العلج أنه مأخوذ نحر نفسه وتناول عمر يد عبد الرحمن بن عوف فقدمه فمن يلي عمر فقد فقد رأى الذي أرى وأما نواحي المسجد فإنهم لا يدرون غير أنهم قد فقدوا صوت عمر وهو يقول سبحان الله سبحان الله فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة فلما أنصرفوا قال يا ابن عباس انظر من قتلني فجال ساعة ثم جاء فقال غلام المغيرة فقال الصنع قال نعم قال قاتله الله لقد أمرت به معروفا الحمد الله الذي لم يجعل منيتي بين ورجل يدعي الإسلام قد كنت أنت وأبوك أن تكثر العلوج بالمدينة وكان العباس أكثرهم رقيقا فقال إن شئت فعلت أي إن شئت قتليا قال كذبت بعدما تكلموا بلسانكم وصلوا قبلتكم وحجوا حجكم فاحتمل إلى بيته فأنطلقا معه وكأن الناس لم تصبهم مصيبه قبل يومئذ فقائل يقول أخاف عليه فأتى بنبيذ فشربه فخرج من جوفه ثم أتى بلبن فشربه فخرج من جرحه فعلموا أنه ميت فدخلنا عليه وجاء الناس يثنون عليه وجاء رجل شاب فقال أبشر يا أمير المؤمنين ببشرى الله لك من صحبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقدم في الإسلام ما قد علمت ثم وليت فعدلت ثم شهادة فقال وددت ذلك كفافا لا على ولا لي فلما أدبر إذا إزاره يمس الأرض فقال ردوا على الغلام قال يا أخي ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك واتقي لربك يا عبد الله بن عمر أنظر ما على من الدين فحسبوه فوجدوه ستة وثمانون ألفا ونحوه وقال إن وفي له مال آل عمر فأده من أموالهم وإلا فسل في بني عدي بن كعب فإن لم تف أموالهم فسل في قريش ولا تعدهم إلى غيرهم فأدعني هذا المال إنطلق إلى عائشة أم المؤمنين فقل يقرأ عليكم عمر السلام ولا تقل أمير المؤمنين فإني لست اليوم للمؤمنين أمير وقل يستأذن عمر بن الخطاب أن يدفن مع صاحبيه
فسلم وأستأذن ثم دخل عليها فوجدها قاعدة تبكي فقال يقرأ عمر بن الخطاب عليكم السلام ويستأذن أن يدفن مع صاحبيه فقالت كنت أريده لنفسي ولاؤثرنه به اليوم على نفسي فلما أقبل قيل هذا عبد الله بن عمر قد جاء قال أرفعوني فاسنده رجل إليه فقال ما لديك الذي تحب يا أمير المؤمنين أذنت قال الحمد الله ما كان شيء أهم إلي من ذلك فإذا قبضت فأحملوني ثم سلم فقل يستأذن عمر بن الخطاب فإن أذنت لي فأدخلوني وإن رددتني فردوني إلى مقابر الرسول وجاءت أم المؤمنين حفصة والنساء تسير تتبعها فلما رأيناها قمنا فولجت عليه فبكت عنده ساعة وأستأذن الرجال فولجت داخلا لهم فسمعنا بكاءها من الداخل فقالوا أوص يا أمير المؤمنين استخلف فقال ما أجد أحق بهذا الأمر من هؤلاء النفر أو الرهط الذين توفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم وهو عنهم راض فسمى عليا وعثمان والزبير وطلحة وسعدا وعبد الرحمن وقال يشهدكم عبد الله بن عمر وليس له من الأمر شيء كهيئة التعزية له فإن أصابت إلا مرة سعدا فهو ذاك وإلا فليستعن به أيكم ما أمر فإني لم أعز له من عجز ولا خيانة وقال أوصى الخليفة من بعدي بالمهاجرين الأولين أن يعرف لهم حقهم ويحفظ لهم حرمتهم وأوصيه بالأنصار خيرا الذي تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم أن يقبل من محسنهم وأن يعفى عن مسئهم وأوصيه بأهل الأمصار خيرا فهم ردء الإسلام وجباة المال وغيظ العدو وإن لا يؤخذ منهم إلا فضلهم عن رضاهم وأوصيه بالأعراب خيرا فإنهم أصل العرب ومادة الإسلام أن يؤخذ من حواشي أموالهم ويرد في فقرائهم وأوصيه بذمة الله وذمة رسوله أن يوفي لهم بعهدهم وأن يقاتل من ورائهم ولا يكلف إلا طاقتهم فلما قبض خرجنا به فانطلقنا نمشي فسلم عبد الله بن عمر فقال يستأذن عمر بن الخطاب قالت أدخلوه فأدخل فوضع هنالك مع صاحبيه فلما فرغ من دفنه اجتمع هؤلاء الرهط فقال عبد الرحمن اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم فقال الزبير قد جعلت أمري إلى علي فقال طلحة قد جعلت أمري إلى عثمان وقال سعد قد جعلت أمري إلى عبد الرحمن بن عوف فقال عبد الرحمن بن عوف أيكما تبرأ من هذا الأمر فنجعله إليه والله عليه والإسلام ينظرن أفضلهم في نفسه فأسكت الشيخان فقال عبد الرحمن أفتجعلونه إلي والله على أن لا آلو عن أفضلكم قالا نعم فأخذ بيد أحدهم فقال لك من قرابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقدم في الإسلام ما قد علمت فالله عليك لئن أمرتك لتعدلن ولئن أمرت عثمان لتسمعن ولتطيعن ثم خلا بالآخر فقال له مثل ذلك فلما أخذ الميثاق قال أرفع يدك يا عثمان وبايعه على وولج أهل الدار فبايعوه "
- رواه البخاري وقد تمسك به من رأى للوصي والوكيل أن يوكلا (6/110)
- قوله " عن عمرو بن ميمون " هو الأودي وهذا الحديث بطوله رواه عن عمر بن ميمون جماعة : قوله " قبل أن يصاب بأيام " أي أربعة كما بينا فيما بعد : قوله " بالمدينة " أي بعد أن صدر من الحج قوله " أن تكونا حملتما الأرض ما لا تطيق " الأرض المشار إليها هي أرض السواد وكان عمرم بعثهما يضربان عليها الخراج وعلى أهلها الجزية كما بين ذلك أبو عبيد في كتاب الأموال من رواية عمرو بن ميمون المذكور والمراد بقوله انظرا أي في التحميل أو هو كناية عن الحذر لأنه يستلزم النظر : قوله " قال حملناها أمر هي له مطيقة " في رواية ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل عن حصين بهذا الإسناد فقال حذيفة لو شئت لأضعفت أرضي أي جعلت خراجها ضعفين وقال عثمان بن حنيف لقد حملت أرضي أمرا هي له مطيقة وفي رواية له أن عمر قال لعثمان ابن حنيف لئن زدت على كل رأس درهمين وعلى كل جريب درهما وقفيزا من طعام لأطاقوا ذلك قال نعم قوله " إني لقائم " أي في الصف ننتظر صلاة الصبح " قوله قتلني أو أكلني الكلب حين طعنه " في رواية أخرى " فعرض له أبو لؤلؤة غلام المغيرة بن شعبة فناجى عمر غير يعيد ثم طعنه ثلاثة طعنات فرأيت عمر قائلا بيده هكذا يقول دونكم الكلب فقد قتلني واسم أبي لؤلؤة فيروز وروى ابن سعد بإسناد صحيح إلى الزهري قال " كان عمر لا يأذن لسبي قد احتلم في دخول المدينة حتى كتب المغيره بن شعبة وعلى الكوفة يذكر له غلاما عنده صنعا ويستأذنه أن يدخله المدينة ويقول ان عنده أعمالا تنفع الناس أنه حداد نقاش نجار فأذن له فضرب عليه المغيرة كل شهر مائة فشكا إلى عمر شدة الخراج فقال له عمر ما خراجك بكثير في جنب ما تعمل فانصرف ساخطا فلبث عمر ليالي فمر به العبد فقال له ألم أحدثك انك تقول لو أشاء لصنعت رحا تطحن بالريح فالتفت إليه عابسا فقال له لاصنعن لك رحا يتحدث الناس بها فأقبل عمر على من معه فقال توعدني العبد فلبث ليالي ثم اشتمل على خنجر ذي رأسين نصابه وسطه فكمن في زاوية من زوايا المسجد في الغلس حتى خرج عمر يوقظ الناس الصلاة وكان عمر يفعل ذلك فلما دنا منه عمر وثب عليه فطعنه ثلاث طعنات إحداهن تحت السرة قد خرقت الصفاق وهي التي قتلته . قوله " حتى طعن ثلاثة عشر رجلا " في رواية ابن إسحاق أثني عشر رجلا معه وهو ثالث عشر وزاد ابن إسحاق من رواية إبراهيم التيمي عن عمر وبن ميمون وعلى عمر ازار أصفر قد رفعه على صدره فلما طعن قال وكان أمر الله قدرا مقدورا . قوله " مات منهم تسعة " أي وعاش الباقون . قال الحافظ وقفت من أسمائهم على كليب بن البكير الليثي : قوله " فلما رأى ذلك رجل من المسلمين طرح عليه برنسا " وقع في ذيل الاستيعاب لابن فتحون من طريق سعيد بن يحيى الأموي قال حدثنا أبي حدثني من سمع حصين بن عبد الرحمن في هذه القصة قال فلما رأى ذلك رجل من المهاجرين يقال له خطاب التميمي اليربوعي فذكر الحديث . وروى ابن سعد بإسناد ضعيف منقطع قال فأخذ أبا لؤلؤة رهط من قريش منهم عبد الله بن عوف وهاشم بن عتبة الزهريان ورجل من بني تميم وطرح عليه عبد الله بن عوف خمصة كانت عليه . قال الحافظ فإن ثبت هذا حمل على أن الكل اشتركوا في ذلك . قوله " فقدمه " أي للصلاة بالناس . قوله " فصلى بهم عبد الرحمن صلاة خفيفة " في رواية ابن إسحاق بأقصر سورتين في القرآن إنا أعطيناك الكوثر وإذا نصر الله والفتح
زاد في رواية ابن شهاب ثم غلب على عمر النزف فغشى عيله فاحتملته في رهط حتى أدخلته بيته فلم يزل في غشيته حتى اسفر فنظر في وجوهنا فقال أصلي الناس فقلت نعم قال لا اسلام لمن ترك الصلاة ثم توضأ وصلى . وفي رواية ابن سعد من طريق ابن عمر قال فتوضأ وصلى الصبح فقرأ في الأولى والعصر وفي الثانية قل يا أيها الكافرون قال وتساند إلى وجرحه يثعب دما اني لا أضع أصبعي الوسطى فما تسد الفتق . قوله " فلما انصرفوا قال يا بن عباس انظر من قتلني " في رواية ابن إسحاق فقال عمر يا عبد الله بن عباس اخرج فناد في الناس عن ملأ منكم كان هذا فقالوا معاذ الله ماعلمنا ولا اطلعنا . وزاد مبارك بن فضالة فظن عمر أن له ذنبا إلى الناس لا يعلمه فدعا ابن عباس وكان يحبه ويدنيه فقال أحب أن تعلم عن ملأ من الناس كان هذا فخرج لا يمر بملأ من الناس الا وهم يبكون فكأنما فقدوا أبكار أولادهم . قال ابن عباس فرأيت البشر في وجهه . قوله " الصنع " بفتح المهملة والنون وفي رواية ابن فضيل عن حصين عند ابن أبي شيبة وابن سعد الصناع بتخفيف النون قال أهل اللغة رجل صنع اليد واللسان وامرأة صناع . وحكى أبو زيد الصناع والصنع بقعان معا على الرجل والمرأة : قوله " لم يجعل ميتتي " بكسر الميم وسكون التحتانية بعدها مثناة فوقية أي قتلني . وفي رواية الكشميهني منيتي بفتح الميم وكسر النون وتشديد التحتانية . قوله " رجل يدعى الاسلام " في رواية ابن شهاب فقال الحمد لله الذي لم يجعل قاتلي لم يحاجني عند الله لسجدة سجدها له قط وفي رواية مبارك بن فضالة يحاجني يقول الا إله إلا الله . وفي حديث جابر فقال عمر لا تعجلوا على الذي قتلني فقيل إنه قد قتل نفسه فاسترجع عمر فقيل له أنه أبو لؤلؤرة فقال الله أكبر . قوله " قد كنت أنت وأبوك تحبان أن تكثر العلوج بالمدينة " في رواية ابن سعد فقال عمر هذا من عمل أصحابك كنت أريد أن لا يدخلها علج من السبي فغلبتموني . وروى عمر بن شبة من طريق ابن سيرين قال بلغني إن العباس قال لعمر لما قال لا تدخلوا علينا من السبي إلا الوصف ان عمر أهل المدينة شديد لا يستقيم الا بالعلوج . قوله " إن شئت فعلت " الخ قال ابن التين إنما قاله ذلك لعلمه بإن عمر لا يأمره بقتلهم . قوله " كذبت " الخ هو على ما ألف من شدة عمر في الدين لأنه قهم من ابن عباس ان مراده إن شئت قتلناهم فأجابه بذلك وأهل الحجاز يقولون كذبت في موضع أخطأت ولعل ابن عباس إنما أراد قتل من لم يسلم منهم . قوله " فأتى بنبيذ فشربه " زاد في حديث أبي رافع لنظر ما قدر جرحه . قوله " فخرج من جرحه " هذه رواية الكشميهني وهي الصواب ورواية غيره فخرج من جوفه وفي رواية أبي رافع فخرج النبيذ فلم يدر أنبيذ هو أم دم . وفي رواية أيضا فقال لا بأس عليك يا أمير المؤمنين فقال إن يكن القتل بأسا فقد قتلت والمراد بالنبيذ المذكور تمرات نبذن في ماء أن نقعت فيه كانوا يصنعون ذلك لاستعذاب الماء وسيأتي الكلام عليه : قوله " وجاء رجل شاب " في رواية للبخاري في الجنائز وولج عليه شاب من الأنصار وفي إنكار عمر على الشاب المذكور استرسال ازاره مع ما هو فيه من مكابدة الموت أعظم دليل على صلابته في الدين ومراعاته لمصالح المسلمين
قوله " وقدم " بفتح القاف وكسرها فالأول بمعنى الفضل والثاني بمعنى السبق . قوله " ثم شهادة " بالرفع عطفا على ما قد علمت لأنه مبتدأ وخبره لك المتقدم ويجوز عطفه على صحبة فيكون مجرورا ويجوز النصب على أنه مفعول مطلق لمحذوف وفي رواية جرير ثم الشهاة بعد هذا كله : قوله " لا على ولالي " أي سواء بسواء : قوله " انقي لثوبك " بالنون ثم القاف للأكثر وبالموحدة بدل النون للكشميهني قوله " فحسبوه فوجدوه ستة وثمانين الفا " ونحوه نفي حديث جابر ثم قال يا عبد الله أقسمت عليك بحق الله وحق العمر إذا مت فدفنتني أن لا تغسل رأسك حتى بيع من رباع آل عمر بثلاثين الفا فتضعها في بيت مال المسلمين فسأله عبد الرحمن ابن عوف فقال انفقتها في حجج حججتها وفي نوائب كانت تنوبني وعرف بهذا جهة دين عمر . ووقع في أخبار المدينة لمحمد بن الحسن بن زبالة ان دين عمر كان ستة وعشرين الفا وبه جزم عياض قال الحافظ والأول هو المعتمد : قوله " فإن وفى له مال آل عمر " كأنه يريد نفسه ومثله يقع في كلامهم كثيرا ويحتمل أن يريد رهطه : قوله " والأفسل في بني عدي بن كعب " هو البطن الذي هو منهم وقريش قبيلته قوله " لاتعدهم " بسكون العين أي لا تتجاوزهم وقد أنكر نافع مولى بن عمر أن يكون على عمر دين فورى عمر بن شبة في كتاب المدينة بإسناد صحيح إن نافعا قال من أين يكون على عمر دين وقد باع رجل من ورثته ميراثه بمائة ألف اه قال في الفتح وهذا لا ينفي أن يكون عند موته عليه دين فقد يكون الشخص كثير المال ولا يستلزم نفي الدين عنه فلعل نافعا أنكر أن يكون دينه لم يقض : قوله " فأنى لست اليوم للمؤمنين أمير " قال ابن التين إنما قال ذلك عندما أيقن بالموت أشار بذلك إلى عائشة حتى لا تحابيه لكونه أمير المؤمنين وأشار ابن التين أيضا إلى أنه أراد أن تعلم أن سؤاله لها بطريق الطلب لا بطريق الأمر : قوله " ولاؤثر به " استدل بذلك على أنها كانت تملك البيت وفيه نظر بل الواقع أنها كانت تملك منفعته بالسكنى فيه والإسكان ولا بورث عنها وحكم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم كالمعتدات لأنهن لا يتزوجن بعده صلى الله عليه وآله وسلم . قوله " ارفعوني " أي من الأرض كأنه كان مضطجعا فأمرهم أن يقعدوه : قوله " فأسنده رجل إليه " قال الحافظ في الفتح لم أقف على اسمه ويحتمل انه ابن عباس . قوله " فأن أذنت لي فأدخلوني " ذكر ابن سعد عن معن بن عيسى عن مالك أن عمر كان يخشى أن تكون أذنت في حياته حياء منه وأن ترجع عن ذلك بعد موته فأراد أن لا يكرهها على ذلك . قوله " فولجت عليه " أي دخلت على عمر في رواية الكشميهني فبكت . وفي رواية غيره فمكثت وذكر ابن سعد بإسناد صحيح عن المقدام بن معد يكرب إنها قالت يا صاحب رسول الله يا صهير رسول الله يا أمير المؤمنين فقال عمر لا صبر لي على ما أسمع أحرج عليك بما لي من الحق عليك أن تندبيني بعد مجلسك هذا فأما عيناك فلن أملكهما . قوله " فولجت داخلا لهم " أي مدخلا كان في الدار . قوله " أوص يا أمير المؤمنين استخلف " في البخاري في كتاب الأحكام منه إن الذي قال ذلك هو عبد الله بن عمر . قوله " من هؤلاء النفر أو الرهط " شك من الراوي
قوله " فسمى عليلا " الخ قد استشكل اقتصاره على هؤلاء الستة من العشرة المبشرين بالجنة وأجيب بأنه أحدهم وكذلك أبو بكر ومنهم أبو عبيدة وقد مات قبله وأما سعيد بن زيد فلما كان ابن ابن عم عمر لم يسمه فيهم مبالغة في التبرى من الأمر وصرح المدائني باسانيده إن عمر عد سعيد ابن زيد فيمن توفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عنهم راض الا أنه استثناه من أهل الشورى لقرابته منه وقال لا أرب في أموركم فأرغب فيها لاحد من أهلي . قوله " يشهدكم عبد الله بن عمر " الخ في رواية للطبري فقال له رجل استخلف عبد الله بن عمر قال والله ما أردت بهذه وأخرج نحوه ابن سعد بإسناد صحيح من مرسل النخعي ولفظه " فقال عمر قاتلك الله والله ما أردت الله بهذا أستخلف من لم يحسن أن يطلق امرأته " قوله " كهيئة التعزية له " أي لابن عمر لأنه أخرجه من أهل الشورى في الخلافةى أراد جبر خاطره بأن جعله من أهل المشاورة وزعم الكرماني أن هذا من كلام الرواي لامن كلام عمر : قوله " الأمرة " بكسر الهمزة وللكشميهني الإمارة زاد المدارئني وما أظن أن يلي هذا الأمر الا علي وعثمان فإن ولى عثمان فرجل فيه لين وان ولى علي فستختلف عليه الناس . قوله " بالمهاجرين الأولين " هم من صلى للقبلتين . وقيل من شهد بيعة الرضوان قوله " الذين تبوؤا " أي سكنوا المدينة قبل الهجرة وادعى بعضهم أن الإيمان المذكور هنا من أسماء المدينة وهو بعيد . قال الحافظ والراجح أنه ضمن تبوؤا هنا معنى لزموا أو عامل نصبه محذوف تقديره واعتقدوا أو أن الإيمان لشدة ثبوته في قلوبهم كأنه أحاط بهم فكأنهم نزلوه : قوله " فهم ردء الإسلام " أي عون الإسلام الذي يدفع عنه وغيظ العدو أي يغيظون العدو بكثرتهم وقوتهم : قوله " الا فضلهم " أي إلا ما ما فضل عنهم . قوله " من حواشي أموالهم " أي ما ليس يختار والمراد بذمة الله أهل الذمة والمراد بالقتال من ورائهم أي إذا قصدهم عدو : قوله " فانطلقنا " في رواية الكشميهني فانقلبنا أي رجعنا : قوله " فوضع هنالك مع صاحبيه " قد اختلف في صفة الثلاثة المكرمة فالأكثر على أن قبر أبي بكر وراء قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقبر عمر وراء قبر أبي بكر وقيل أن قبره صلى الله عليه وآله وسلم تقدم إلى القبلة وقبر أبي بكر حذاء منكبيه وقبر عمر حذاء منكبي أبي بكر . وقيل قبر أبي بكر عند رجلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقبر عمر عند رجلي أبي بكر . وقيل غير ذلك . قوله " اجعلوا أمركم إلى ثلاثة منكم " أي في الأختيار ليقل الاختلاف كذا قال ابن التين وصرح ابن المدائني في روايته بخلاف ذلك . قوله " والله عليه والإسلام " بالرفع فيهما والخبر محذوف أي عليه رقيب أو نحو ذلك . قوله " أفضلهم في نفسه " أي في معتقده زاد المدائني في روايته فقال عثمان أنا أول من رضى وقال علي أعطني موثقا لتؤثرن الحق ولا تخصن ذا رحم فقال نعم . قوله " فأسكت " بضم الهمزة وكسر الكاف كأن مسكتا أسكتهما ويجوز فتح الهمزة والكاف أو هو بمعنى سكت والمراد بالشيخين علي وعثمان
قوله " فأخذ بيد أحدهما " هو على والمراد بالآخر في قوله ثم خلا بالآخر هو عثمان كما يدل على ذلك سياق الكلام . قوله " والقدم " بكسر القاف وفتحها كما تقدم زاد المدائني أن عبد الرحمن قال لعلي أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنت ترى أحق بها من هؤلاء الرهط قال عثمان ثم قال لعثمان كذلك فقال على وزاد أيا أن سعدا أشار على عبد الرحمن بعثمان وأنه دار تلك الليالي كلها على الصحابة ومن وافي المدينة من أشراف الناس لا يخلو برجل منهم الا أمره بعثمان وفي هذا الأثر دليل على أنه يجوز جعل أمر الخلافة شورى بين جماعة من أهل الفضل والعلم والصلاح كما يجوز الاستخلاف وعقد أهل الحل والعقد . قال النووي وغيره أجمعوا على انعقاد الخلافة بالاستخلاف وعلى انعقادها بعقد أهل الحل والعقد لانسان حيث لا يكون هناك استخلاف غيره وعلي جواز جعل الخلافة شورى بين عدد محصور أو غيره وأجمعوا على أنه يجب نصب خليفة وعلى أن وجوبه بالشرع لا بالعقل وخالف بعضهم كالأصم وبعض الخوراج فقالوا لا يجب نصب الخليفة وخالف بعض المعتزلة فقالوا يجب بالعقل لا بالشرع وهما باطلان وللكلام موضع غير هذا (6/110)
باب أن ولي الميت يقضي دينه إذا علم صحته (6/111)
1 - عن سعد الأطول أن أخاه مات وترك ثلثمائة درهم وترك عيالا قال فأردت أن أنفقها على عياله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان أخاك محتبس بدينه فاقض عنه فقال يا رسول الله قد أديت عنه الا دينارين ادعتهما امرأة وليس لها بينة قال فأعطها فإنها محقة "
- رواه أحمد وابن ماجه (6/111)
- الحديث إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا أبو بكر ابن أبي شيبة قال حدثنا عفان قال حدثنا حماد بن سلمة قال أخبرني عبد الملك أبو جعفر عن أبي نضرة عن سعد الأطول فذكره وعبد الملك هو أبو جعفر ولا يعرف اسم أبيه . وقيل أنه ابن أبي نضره وقد وثقه ابن حبان ومن عداه من رجال الإسناد فهم رجال الصحيح وأخرجه أيضا ابن سعد وعبد بن حميد وابن قانع والبارودي والطبراني في الكبير والضياء في المختارة وهو في مسند أحمد بهذا الإسناد فإنه قال حدثنا عفان فذكره وفيه دليل على تقديم اخراج الدين على ما يحتاج إليه من نفقة أولاد الميت ونحوها ولا أعلم في ذلك خلافا وهكذا يقدم الدين على الوصية . قال في الفتح ولم يختلف العلماء في أن الدين يقدم على الوصية الا في صورة واحده هي ما لو أوصى لشخص بالف مثلا وصدقه الوارث وحكم به ثم ادعى آخر أن له في دمة الميت دينا يستغرف موجوده وصدقه الوارث ففي وجه للشافعية انها تقدم الوصية على الدين في هذه الصورة الخاصة وأما تقديم الوصية على الدين في قوله تعالى { من بعد وصية يوصى بها أو دين } فقد قيل في ذلك ان الآية ليس فيها صيغة ترتيب بل المراد أن المواريث إنما تقع بعد قضاء الدين وانفاذ الوصية وأتى للإباحة وهي كقولك جالس زيدا أو عمرا أي لك مجالسة كل واحد منهما اجتمعا أو افترقا . وإنما قدمت لمعنى اقتضى الأهتمام بتقديمها واختلف في تعيين ذلك المعنى وحاصل ما ذكره أهل العلم من مقتضيات التقديم ستة أمور . أحدهما الخفة والثقل كربيعة ومضر فمضر أشرف من ربيعة لكن لفظ ربيعة لما كان أخف قدم في الذكر وهذا يرجع إلى اللفظ . ثانيهما بحسب الزمان كعاد وثمود . ثالثهما بحسب الطبع كثلاث ورباع رابعها بحسب الرتبة كالصلاة والزكاة لأن الصلاة حق البدن والزكاة حق المال فالبدن مقدم على البدن خامسها تقديم السبب على المسبب كقوله تعالى { عزيز حكيم } . وقال بعض السلف عز فلما عز حكم . سادسها بالشرف والفضل كقوله تعالى { من النبيين والصديقيين } وإذا تقرر ذلك فقد ذكر السهيلي ان تقديم الوصية في الذكر على الدين لأن الوصية إنما تقع على سبيل البر والصلة بخلاف الدين فإنه يقع غالبا بعد الميت بنوع تفريط فوقعت البداءة بالوصية لكونها أفضل . وقال غيره قدمت الوصية لأنها شيء يؤخذ بغير عوض والدين يؤخذ بعوض فكان اخراج الوصية أشق على الوارث من اخراج الدين وكان اداؤها مظنة للتفريط بخلاف الدين فإن الوارث مطمئن بإخراجه فقدمت الوصية لذلك وأيضا فهي حظ فقير ومسكين غالبا والدين غريم يطلبه بقوة وله مقال كما صح عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " ان لصاحب الدين مقالا " وأيضا فالوصية ينشئها الموصي من قبل نفسه فقدمت تحرضا على العمل بها بخلاف الدين . قال الزين بن المنير تقديم الوصية في الذكر على الدين لا يقتضي تقديمها في المعنى لانهما معا قد ذكرا في سياق البعدية لكن الميراث يلي الوصية ولا يلي الدين في اللفظ بل هو بعد بعده فيلزم أن الدين يقدم في الأداء باعتبار القبلية فيقدم على الوصية وباعتبار البعدية فتقدم الوصية على الدين اه وقد اخرج أحمد والترمذي وغيرهما من طريق الحرث الأعور عن علي سلام الله ورضوانه قال قضى محمد أن الدين قبل الوصية وأنتم تقرءون الوصية قبل الدين والحديث وان كان إسناده ضعيفا لكنه معتضد بالأتفاق الذي سلف قال الترمذي إن العمل عليه عند أهل العلم : قوله " قد أديت عنه " فيه دليل على أنه يجوز للوصي أن يستقل بنفسه في قضاء ديون الميت لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر عليه ذلك . قال في البحر مسألة وللوصي استيفاء ديون الميت وايفاؤها اجماعا لنيابته عنه اه : قوله " فإنها محقة " لعله صلى الله عليه وآله وسلم حكم بعلمه أو بوحي (6/111)
كتاب الفرائض (6/112)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعلموا الفرائض وعلموها فإنها نصف العلم وهو ينسي وهو أول شيء ينزع من أمتي "
- رواه ابن ماجه والدارقطني (6/112)
2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال العلم ثلاثة وما سوى ذلك فضل أية محكمة أو سنة قائمة أو فريضة عادلة "
- رواه أبو داود وابن ماجه (6/112)
3 - وعن الأحوص عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تعلموا القرآن وعلموه الناس وتعلموا الفرائض وعلموها فإني امرؤ مقبوض والعلم مرفوع ويوشك أن يختلف اثنان في الفريضة والمسألة فلا يجدان أحدا يخبرهما "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله (6/113)
4 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرحمن أمتي بأمتي أبو بكر وأشدها في دين الله عمر وأصدقها حياء عثمان وأعلمها بالحلال والحرام معاذ بن جبل واقرؤها لكتاب الله عز و جل أبي وأعلمها بالفرائض زيد بن ثابت ولكل أمة أمين وأمين هذه الأمة أبو عبيد بن الجراح "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي (6/113)
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم ومداره على حفص بن عمر بن أبي العطاف وهو متروك وحديث عبد الله بن عمرو في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وقد تكلم فيه غير واحد وفيه أيضا عبد الرحمن بن رافع التنوخي قاضي افريقية وقد غمزه البخاري وابن أبي حاتم . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا النسائي والحاكم والدارمي والدارقطني من رواية عن سليمان بن جابر عنه وفيه انقطاع بين عوف وسليمان ورواه النضر بن شميل وشريك وغيرهما متصلا . وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن عقبة السدوسي وثقه ابن حبان وضعفه أبو حاتم وفيه أيضا سعيد بن أبي بن كعب وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفي إسنادهما من لا يعرف . وأخرج نحوه الطبراني في الأوسط عن أبي بكر والترمذي عن أبي هريرة . وحديث أنس صححه الترمذي والحاكم وابن حبان وقد أعل بالإرسال وسماع أبي قلاة من أنس صحيح الا أنه قيل لم يسمع منه هذا . وقد ذكر الدارقطني الاختلاف على أبي قلابة في العلل ورجح هو والبيهقي والخطيب في المدرج ان الموصول منه ذكر أبي عبيدة والباقي مرسل . ورجح ابن المواق وغيره رواية الموصول وله طريق أخرى عن أنس أخرجها الترمذي ( وفي الباب ) عن جابر عند الطبراني في الصغير بإسناد ضعيف . وعن أبي سعيد عند العقيلي في الضعفاء . وعن ابن عمر عند ابن عدي وفي إسناده كوثر وهو متروك . قوله " الفرائض " جمع فريضة كحدائق جمع حديقة وهي مأخوذة من الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال وقيل هي من الفرض وهو القطع يقال فرضت لفلان كذا أي قطعت له شيئا من المال وقيل هي من فرض القوس وهو الحز الذي في طرفه حيث يوضع الوتر ليثبت فيه ويلزمه ولا يزول كذا قال الخطابي . وقيل الثاني خاص بفرائض الله تعالى وهي ما الزم به عباده لمناسبة اللزوم لما كان الوتر يلزم محله : قوله " فإننه نصف العلم " قال ابن الصلاح لفظ النصف ههنا عبارة عن القسم الواحد وان لم يتساويا . وقال ابن عيينة إنما قيل له نصف العلم لأ ه يبتلي به الناس وفيه الترغيب في تعلم الفرائض وتعليمها والتحريض على حفظها لانها كانت تنسى وكانت أول ما ينزع من العلم كان الأعتناء بحفظها أهم من معرفتها لذلك أقوم . قوله " وما سوى ذلك فضل " فيه دليل على أن العلم الذي ينبغي تعلمه وتعليمه هو الثلاثة المذكورة وما عداها ففضل لا تمس إليه حاجة . قوله " فلا يجدان احدا يخبرهما " فيه الترغيب في طلب العلم خصوصا علم الفرائض لما سلف من أنه ينسي وأول ما ينزع : قوله " وعن أنس " الخ فيه دليل على فضيلة كل واحد من الصحابة المذكورين وان زيد بن ثابت أعلمهم بالفرائض فيكون الرجوع إليه عند الاختلاف فيها أولى من الرجوع إلى غيره ويكون قوله فيها مقدما على أقوال سائر الصحابة ولهذا اعتمده الشافعي في الفرائض (6/113)
باب البداءة بذوي الفروض وإعطاء العصبة ما بقي (6/114)
1 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ألحقوا الفرائض بأهلها فما بقي فهو لأولي رجل ذكر "
- متفق عليه (6/114)
- قوله " ألحقوا الفرائض بأهلها " الفرائض الأنصباء المقدرة وأهلها المستحقون لها بالنص . قوله " فما بقي " أي ما فضل بعد إعطاء ذوي الفروض المقدرة فروضهم وقوله " لأولي " أفعل تفضيل من الولى بمعنى القرب أي لأقرب رجل من الميت . قال الخطابي المعنى أقرب رجل من العصبة . وقال ابن بطال المراد إن الرجال من العصبة بعد أهل الفروض إذا كان فيهم من هو أقرب من الميت استحق دون من هو أبعد فإن استووا اشتركوا . وقال ابن التين المراد به العم مع العمة وابن الأخ مع بنت الأخ وابن العم مع بنت العم فإن الذكور يرثون دون الإناث وخرج من ذلك الأخ مع الأخت لأبوين أو لأب فإنهم يشتركون بنص قوله تعالى { وان كانوا أخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين } وكذلك الأخوة لأم فإنهم يشتركون هم والأخوات لام لقوله تعالى { فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث } قوله " رجل ذكر " هكذا في جميع الروايات ووقع عند صاحب النهاية والغزالي وغيرهما من أهل الفقه فلأولي عصبة ذكر واعترض ذلك ابن الجوزي والمنذري بأن لفظة العصبة محفوظة . وقال ابن الصلاح فيها بعد عن الصحة من حيث اللغة فضلا عن الرواية لأن العصبة اللغة اسم للجمع لا للواحد وتعقب ذلك الحافظ فقال إن العصبة اسم جنس يقع على الواحد فأكثر ووصف الرجل بأنه ذكر زيادة في البيان . وقال ابن التين أنه للتوكيد وتعقبه القرطبي بأن العرب تعتبر حصول فائدة في التأكيد ولا فائدة هنا ويؤيد ذلك ما سرح به أئمة المعاني من أن التأكيد لا بد له من فائدة وهي إما دفع توهم التجوز أو السهو أو عدم الشمول وقيل إن الرجل قد يطلق على مجرد النجدة والقوة في الأمر فيحتاج إلى ذكر ذكر وقيل قد يراد برجل معنى الشخص فيعم الذكر الأنثى وقال ابن العربي فائدته هي أن الإحاطة بالميراث جميعه إنما تكون للذكر لا للأنثى وأما البنت المفردة فأخذها للمال جميعه بسببين الفرض والرد . وقيل احترز به عن الخنثى . وقيل إنه قد يطلق الرجل على الأنثى تغليبا كما في حديث من وجد متاعه عند رجل وحديث " أيما رجل ترك مالا " وقال السهيلي إن ذكر صفة لقوله أولى لا لقوله رجل وأطال الكلام في تقوية ذلك وتضعيف ما عداه وتبعه الكرماني وقيل غير ذلك ( والحديث ) يدل على أن الباقي بعد استيفاء أهل الفروض المقدرة لفروضهم يكون لاقرب العصبات من الرجال لا يشاركه من هو أبعد منه وقد حكى النووي الإجماع على ذلك وقد استدل به ابن عباس ومن وافقه على أن الميت إذا ترك بنتا وأختا وأخا يكون للبنت النصف والباقي للأخت ولا شيء للأخت (6/114)
2 - وعن جابر قال " جاءت امرأة سعد بن الربيع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بابنتها من سعد فقالت يا رسول الله هاتان ابنتا سعد بن الربيع قتل أبوهما معك في أحد شهيدا وأن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالا ولا ينكحان الا بمال فقال يقضي الله في ذلك فنزلت آية الميراث فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى عمهما فقال أعط ابنتي سعد الثلثين وأمهما الثمن وما بقي فهو لك "
- وراه الخمسة إلا النسائي (6/115)
- الحديث حسنه الترمذي وأخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب الهاشمي ولا يعرف الا من حديثه كما قال الترمذي وقد اختلف الأئمة فيه . قال الترمذي هو صدوق سمعت محمدا يقول كان أحمد وإسحاق والحميدي يحتجون بحديثه وروى هذا الحديث أبو داود بلفظ " فقالت يا رسول الله هاتان بنتا ثابت بن قيس قتل معك يوم أحد " قال أبو داود أخطأ فيه بشروهما بنتا سعد بن الربيع وثابت بن قيس قتل يوم اليمامة : قوله " ولا ينكحان الا بمال " يعني أن الأزواج لا يرغبون في نكاحهن الا إذا كان معهن مال وكان ذلك معروفا في العرب : قوله " فنزلت آية الميراث " أي قوله تعالى { يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين فإن كن نساء فوق أثنتين } الآية ( الحديث ) فيه دليل على أن للبنتين الثلثين وإليه ذهب الأكثر . وقال ابن عباس بل للثلاث فصاعدا لقوله تعالى { فوق أثنتين } وحديث الباب نص في محل النزاع ويؤيده أن الله سبحانه جعل للأختين الثلثين والبنتان أقرب إلى الميت منما (6/115)
3 - وعن زيد بن ثابت " أنه سئل عن زوج وأخت لأبوين فأعطى الزوج النصف والأخت النصف وقال حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضى بذلك "
- رواه أحمد (6/115)
4 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما من مؤمن الا أنا أولى به في الدنيا والآخرة وأقرأ وإن شئتم النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم فأيما مؤمن مات وترك مالا فليرثه عصبته من كانوا ومن ترك دينا أو ضياعا فليأتني فأنا مولاه "
- متفق عليه (6/116)
- الحديث الأول في إسناده أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وبقية رجاله رجال الصحيح وفيه دليل على أن الزوج يستحق النصف والأخت النصف من مال الميت الذي لم يترك غيرهما وذلك مصرح به في القرآن الكريم أما الزوج فقال الله تعالى { ولكم نصف ما ترك أزواجكم } الأية . وأما الأخت فقال الله تعالى { ان امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك } : قوله " فليرثه عصبته } في لفظ للبخاري " فلورثته " وفي رواية لمسلم " فهو لورثته " وفي لفظ له " فالى العصبة " : قوله " ومن ترك دينا أو ضياعا " الضياع بفتح المعجمة بعدها تحتانية قال الخطابي هو وصف لمن خلفه الميت بلفظ المصدر أي ترك ذوي ضياع أي لا شيء لهم : قوله " فليأتني " في لفظ آخر " فعلى والى " وقد اختلف هل كان رسول الله يقضي دين المديونين من مال المصالح أو من خالص مال نفسه وقد تقدم في كتاب الحوالة حديث جابر بلفظ " فلما فتح على رسوله " وفي لفظ " فلما فتح الله عليه " وفي ذلك اشعار بأنه كان يقضي من مال المصالح واختلفوا هل كان القضاء واجبا عليه صلى الله عليه وآله وسلم أم لا وقد تقدم بقية الكلام على الحديث في كتاب الحوالة (6/116)
باب سقوط ولا الأب بالأخوة من الأبوين (6/116)
1 - وعن علي رضي الله عنه قال " إنكم تقرؤن هذه الآية من بعد وصية يوصى به أو دين وان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدين قبل الوصية وان أعيان بني الأم يتوارثون دون بني العلات الرجل يرث أخاه لأبيه وامه دون أخيه لأبيه "
- رواه أحمد وابن ماجه . وللبخاري منه تعليقا " قضى بالدين قبل الوصية " (6/117)
- الحديث أخرجه الحاكم وفي إسناده الحرث الأعور وهو ضعيف وقد قال الترمذي إنه لا يعرفه الا من حديثه لكن العمل عليه وكان عالما بالفرائض وقد قال النسائي لا بأس به : قوله " فضى بالدين قبل الوصية " قد تقدم الكلام على هذا في آخر كتاب الوصايا : قوله " وان أعيان بني الأم " الأعيان من الأخوة هم الأخوة من أب وأم . قال في القاموس في مادة عين وواحد الأعيان للأخوة من أب وأم وهذه الأخوة تسمى المعاينة انتهى : قوله " دون بني العلات " هو أولاد الأمهات المتفرقة من أب واحد . قال في القاموس والعلة الضرة وبنو العلات بن أمهات شتى من رجل انتهى . ويقال للأخوة لأم فقط أخياف بالخاء المعجمة والياء التحتية وبعد الألف فاء ( والحديث ) يدل على أنه تقدم الأخوة لأب وأم على الأخوة لأب ولا أعلم في ذلك خلافا (6/117)
باب الأخوات مع البنات عصبة (6/117)
1 - عن هزيل بن شرحبيل قال " سئل أبو موسى عن ابنه وابنة ابن وأخت فقال للابنة النصف وأثت ابن مسعود فسئل ابن مسعود وأخبر بقول أبي موسى فقال لقد ضللت إذا وما أنا من المهتدين أقضى فيها بما قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم للبنت ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين وما بقي فللأخت " روه الجاعة إلا مسلما والنسائيئز وزاد أحمد والبخاري " فأتينا أبا موسى فأخبرناه بقول ابن مسعود فقال لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم " (6/118)
2 - وعن الأسود : أن معاذ بن ورث أختا وابنة جعل لكل منهما النصف وهو باليمين ونبي الله يؤمئذ حي "
- رواه أبو داود قوله " هزيل " قال النووي هو بالزاي اجماعا انتهى
ووقع في كلام كثير من الفقهاء هذيل بالذال المعجمة قال الحافظ وهو تحريف : قوله " سئل أبو موسى " هذا لفظ البخاري ولفظ غيره جاء رجل إلى أبو موسى الأشعري وسلمان بن ربيعة فسألهما عن ابنه وابنة ابن وأخت لأب وأم فقالا للابنة النصف وللأخت لأب ولأم النصف ولم يورثا ابنة الابن شيئا . وبقية الحديث كلفظ البخاري وفيه دليل على أنه الأخت مع البنت عصبة تأخذ الباقي بعد فرضها إن لم يكن معها ابنة ابن كما في حديث معاذ وتأخذ الباقي بعد فرضها وفرض بنت الابن كما في حديث هزيل وهذا مجمع عليه . وقد رجع أبو موسى إلى ما رواه ابن مسعود وكانت هذه الواقعة في أيام عثمان لأن أبا موسى كان وقت السؤال أميرا على الكوفة وسلمان بن ربيعة قاضيا بها وإمارة أبي موسى على الكوفة كانت في ولاية عثمان . قال ابن بطال يؤخذ من هذه القصة أن للعالم أن يجتهد إذا ظن أن لا نص في المسألة ولا يترك الجواب إلى أن يبحث عن ذلك وأن الحجة عند التنازع هي السنة فيجب الرجوع إليها قال ولا خلاف بين الفقهاء فيما رواه ابن مسعود . قال ابن عبد البر لم يخالف في ذلك إلا أبو موسى وسلمان بن ربيعة الباهلي . وقد رجع أبو موسى عن ذلك ولعل سلمان أيضا رجع عن ذلك كأبي موسى انتهى . وقد اختلف في صحبة سلمان المذكور . قوله " لقد ضللت إذا " أي إذا وقعت مني المتابعة لهما وترك ما وردت به السنة : قوله " هذا الحبر " بفتح المهملة وبكسرها أيضا وسكون الموحدة ورجح الجوهري الكسر للمهملة وإنما سمي حبرا لتحبيره الكلام وتحسينه قال أبو عبيد الهروي . وقيل سمي باسم الحبر الذي يكتب به . قال في الفتح وهو بالفتح في رواية جميع المحدثين وأنكر أبو الهيثم الكسر وقال الراغب يسمي العالم حبرا لما يبقي من أثر علومه : قوله " ونبي الله يومئذ حي " فيه أشارة إلى أن معاذ لا يقضي بمثل هذا القضاء في حياته صلى الله عليه وآله وسلم ألا لدليل يعرفه ولو لم يكن لديه دليل لم يعجل بالقضية (6/118)
باب ما جاء في ميراث الجدة والجد (6/118)
1 - عن قبيصة بن دؤيب قال " جاءت الجدة إلى أبي بكر فسألته ميراثها فقال مالك في كتاب الله شيء وما علمت لك في سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا فأرجعي حتى أسأل الناس فسأل الناس فقال المغيرة بن شعبة حضرت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاها السدس فقال هل معك غيرك فقام محمد بن مسلمة الأنصاري فقال مثل ما قال المغيرة بن شعبة فانفذه لها أبو بكر قال ثم جاءت الجدة الأخرى إلى عمر فسألته ميراثها فقال مالك في كتاب شيء ولكن هو ذاك السدس فإن اجتمعما فهو بينكما وأيكما خلت به فهو لها "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي (6/119)
2 - وعن عبادة ابن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى للجدتين من الميراث بالسدس بينهما "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند (6/119)
3 - وعن بريدة " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل للجدة السدس إذا لم يكن دونها أم "
- رواه أبو داود (6/119)
4 - وعن عبد الرحمن بن يزيد " قال أعطى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة جدات السدس ثنتين من قبل الأب وواحدة من قبل الأم "
- رواه الدارقطني هكذا مرسلا (6/120)
5 - وعن القاسم بن محمد قال " جاءت الجدتان إلى أبي بكر الصديق فأراد أن يجعل السدس للتي من قبل الأم فقال له رجل من الأنصار أما أنك تترك التي لو ماتت وهو حي كان إياها يرث فجعل السدس بينهما "
- رواه مالك في الموطأ (6/120)
- حديث قبيصة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم قال الحافظ وإسناده صحيح لثقة رجاله الا أن صورته مرسل فإن قبيصة لا يصح سماعه من الصديق ولا يمكن شهوده القصة قال ابن عبد البر . وقد اختلف في مولده والصحيح أنه ولد عام الفتح فيبعد شهوده القصة وقد أعله عبد الحق تبعا لابن حزم بالإنقطا . وقال الدارقطني في العلل بعد أن ذكر الأختلاف فيه على الزهري يشبه أن يكون الصواب قوله مالك ومن تابعه . وحديث عبادة بن الصامت أخرجه أيضا أبو القاسم بن منده في مستخرجه والطبراني في الكبير بإسناد منقطع لأن إسحاق ابن يحيى لم يسمع من عبادة . وحديث بريدة أخرجه أيضا النسائي وفي إسناده عبيد الله العتكي وهو مختلف فيه وصححه ابن السكن وابن خزيمة وابن الجارود وقواه ابن عدي . وحديث عبد الرحمن بن يزيد هو مرسل كما ذكر المصنف ورواه أبو داود في المراسيل بسند آخر عن إبراهيم النخعي . ورواه الدارقطني والبيهقي من مرسل الحسن أيضا . وأخرج نحوه الدارقطني من طريق أبي الزناد عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه أنه كان يورث ثلاث جدات إذا استوين ثنتان من قبل الأب وواحدة من قبل الأم . ورواه البيهقي من طرق عن زيد بن ثابت . وروى الدارقطني من حديث قتادة عن سعيد بن المسيب عن زيد بلفظ حديث عبد الرحمن المذكور وحديث القاسم بن محمد روه مالك عن يحيى بن سعيد عن القاسم وهو منقطع لأن القاسم لم يدرك جده أبا بكر . ورواه الدارقطني من طريق ابن عيينة وفي الباب عن معقل بن يسار عند أبي القاسم بن منده وقد ذكر القاضي حسين أن الجدة التي جاءت إلى الصديق أم الأم وان التي جاءت إلى عمر أم الأب . وفي رواية ابن ماجه ما يدل له والأحاديث المذكورة في الباب تدل على أن فرض الجدة الواحدة السدس وكذلك فرض الجدتين والثلاث وقد نقل محمد بن نصر من أصحاب الشافعي اتفاق الصحابة والتابعين على ذلك حكى ذلك عنه البيهقي . قال في البحر مسألة فرضهن يعني الجدات السدس وإن كثرن إذا استوين وتستوي أم الأم وأم الأب لافضل بينهما فإن اختلفن سقط الابعد بالأقرب ولا يسقطهن إلا الأمهات والأب ويسقط الجدات من جهته والأم من الطرفين وكل جدة ادرجت أبا بين امين وأما بين الأبوين فهي ساقطة . مثال الأول أم أبي الأم فبينها وبين الميت أب . ومثال الثاني أم أبي أم الأب انتهى . ولأهل الفرائض في الجدات كلام طويل ومسائل متعدده فمن أحب الوقوف على تحقيق ذلك فليرجع إلى كتب الفن (6/120)
6 - وعن عمران بن حصين " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان ابن ابني مات فمالي من ميراثه قال لك السدس فلما أدبر دعاه قال لك سدس آخر فلما أدبر دعاه فقال إن السدس الآخر طعمة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (6/121)
7 - وعن الحسن " أن عمر سأل عن فريضة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجد فقام معقل بن يسار المزني فقال قضي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ماذا قال السدس مع من قال لا أدري قال لادريت فما تغني اذن "
- رواه أحمد (6/121)
- حديث عمران بن حصين هو من رواية الحسن البصري عنه وقد قال علي بن المديني وأبو حاتم الرازي وغيرهما أنه لم يسمع منه . وحديث معقف بن يسار أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه ولكنه منقطع لأن الحسن البصري لم يدرك السماع من عمر فإنه ولد إحدى وعشرين وقتل عمر في سنة ثلاث وعشرين . وقيل سنة أربع وعشرين وذكر أبو حاتم الرازي أنه لم يصح للحسن سماع من معقل بن يسار وقد أخرج البخاري ومسلم في صحيحيما حديث الحسن عن معقل . وحديث عمران يدل على أن الجد يستحق ما فرض له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال قتادة لاندري مع أي شيء ورثه قال وأقل ما يرثه الجد السدس . قيل هذه المسألة انه ترك الميت بنتين وهذا السائل فللبنتين الثلثان والباقي ثلث دفع صلى الله عليه وآله وسلم منه إلى الجد سدسا بالفرض لكونه جدا ولم يدفع إليه السدس الآخر الذي يستحقه بالتعصيب لئلا يظن أن فرضه الثلث وتركه حتى ولى أي ذهب فدعاه وقال لك السدس آخر ثم أخبره إن هذا السدس طعمة أي زائد على السهم المفروض وما زاد على المفروض فليس بلازم كالفرض ( وقد اختلف ) الصحابة في الجد اختلافا طويلا ففي البخاري تعليقا يروى عن علي وعمر وزيد بن ثابت وابن مسعود في الجد قضايا مختلفة . وقد ذكر البيهقي في ذلك آثارا كثيرة وروى الخطابي في الغريب بإسناد صحيح عن محمد بن سيرين قال سألت عبيدة عن الجد فقال ما يصنع بالجد لقد حفظت فيه عن عمر مائة قضية يخالف بعضها بعضا ثم أنكر الخطابي هذا انكارا شديدا وسبقه إلى ذلك ابن قتيبة . قال الحافظ هو محمول على المبالغة كما حكى ذلك البزار وجعله ابن عباس كالأب كما رواه البيهقي عنه وعن غيره وروى أيضا من طريق الشعبي قال كان من رأي أبي بكر وعمر أن الجد أولى من الأخ وكان عمر يكره الكلام فيه ورورى البيهقي أيضا على أنه شبه الجد بالبحر والنهر الكبير والأب بالخليج المأخوذ منه والميت وأخوته كالساقيتين الممتدتين من الخليخ والساقية إلى الساقية أقرب منها إلى البحر الا ترى إذا سدت إحداهما أخذت الأخرى ماءها ولم يرجع إلى البحر وشبهه زيد بن ثابت الأنصاري بساق الشجرة وأصلها والأب كغصن منها والأخوة كغصنين تفرعا من ذلك الغصن وأحد الغصنين إلى الآخر أقرب منه إلى أصل الشجرة الاترى أنه إذا قطع أحدهما امتص الآخر ما كان يمتص المقطوع ولا يرجع إلى الساق هكذا رواه البيهقي . ورواه الحاكم بغير هذا السياق وأخرجه ابن حزم في الأحكام من طريق اسمعيل القاضي عن إسماعيل بن أبي أويس عن أبي الزناد عن أبيه عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه فذكر قصة زيد بن ثابت قال في البحر مسألة على وابن مسعود وزيد بن ثابت والأكثر ولا يسقط الأخوة الجد بل يقاسمهم بخلاف الأب وإن اختلفوا في كيفية المقاسمة أبو بكر وعائشة وابن الزبير ومعاذ والحسن البصري وبشر بن غياث بل يسقط الأخوة كالأب إذ سماه الله أبا فقال { ملة أبيكم إبراهيم } لنا قوله تعالى في الأب { وهو يرثها إن لم يكن لها ولد } وهذا عام لا يخرج منه إلا ما خصه دليل ولولا الإجماع لما سقط مع الأب لهذه الآية وان الأخوة كالبنين بدليل تعصيبهم اخواتهم فوجب أن لا يسقط مع الجد وأما تسمية الجدايا فمجاز فلا يلزمنا قال فرع اختلف في كيفية المقاسمة فقال علي وابن أبي ليلى والحسن ين زياد والأمامية يقاسمهم ما لم تنقصه المقاسمة عن السدس فإن نقصته رد إلى السدس وعن علي أنه يقاسم إلى التسع روته الإمامية قلنا روايتنا أشهر إذ راويها زيد بن علي عن أبيه عن جده وقال ابن مسعود وزيد بن علي والشافعي وأبو يوسف ومحمد والناصر ومالك بل يقاسمهم إلى الثلث فإن نقضته المقاسمة عنه رد إليه ثم استدل لهم بحديث عمران بن حصين المذكور وقال الناصر إن الجد يقاسم الأخوة أبدا وقد روى ابن حزم عن قوم من السلف إن الأخوة يسقطون الجد وقد قيل أن المثل الذي ذكره علي والمثل الذي ذكره ابن مسعود يستلزمان أن يكون الأخوة أولى من الأب ولا قائل به وللأب مزايا منها النص على ميراثه في القرآن وتعصيبه لأخته وأجيب عن الأولى بأن الجد مثله فيها لأنه أب وهو منصوص على ميراثه في القرآن ورد بأن ذلك مجاز لا حقيقة وأجيب بأن الأصل في الإطلاق الحقيقة وأيضا للجد مزايا . منها أنه يرث مع الأولاد . ومنها أنه يسقط الأخوة لأم اتفاقا (6/121)
باب ما جاء في ذوي الأرحام والمولى من أسفل ومن أسلم على يد رجل وغير ذلك (6/122)
1 - عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ترك مالا فلورثته وأنا وارث من لا وارث له أعقل عنه وأرث والخال وارث من لا وارث له يعقل عنه ويرثه "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (6/122)
2 - وعن أبي أمامة بن سهل " أن رجلا رمى رجلا بسهم فقتله وليس له وارث الا خال فكتب في ذلك أبو عبيدة بن الجراح إلى عمر فكتب عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الله ورسوله مولى من لا مولى له والخال وارث من لا وارث له "
- رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه المرفوع وقال حديث حسن (6/122)
- حديث المقدام أخرجه ايضا النسائي والحاكم وابن حبان وصححاه وحسنه أبو زرعة الرازي وأعله البيهقي بالاضطراب ونقل عن يحيى بن معين أنه كان يقول ليس فيه حديث قوي . وحديث عمر ذكره في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد حسنه الترمذي كما ذكره المصنف ورواه عن بندار عن أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن عبد الرحمن بن الحرث عن حكيم بن حكيم بن عباد بن حنيف عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف قال كتب عمر بن الخطاب فذكره في الباب عن عائشة عند الترمذي والنسائي والدارقطني من رواية طاوس عنها قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخال وارث لا وارث له " قال الترمذي حسن غريب وأعله النسائي بالاضطراب ورجح الدارقطني والبيهقي وقفه قال الترمذي وقد أرسله بعضهم ولم يذكر فيه عائشة . وقال البزار أحسن إسناد فيه حديث أبي أمامة بن سهل وأخرجه عبد الرزاق عن رجل من أهل المدينة والعقيلي وابن عساكر عن أبي الدرداء وابن النجار عن أبي هريرة كلها مرفوعة . وقد استدل بحديثي الباب وما في معناهما على أن الخال من جملة الورثة . قال الترمذي واختلف أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فورث بعضهم الخال والخالة والعمة وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم في توريث ذوي الأرحام وأما زيد بن ثابت فلم يورثهم وجعل الميراث في بيت المال اه وقد حكى صاحب البحر القول بتوريث ذوي الأرحام عن علي وابن مسعود وأبي الدرداء والشعبي ومسروق ومحمد بن الحنفية والنخعي والثوري والحسن بن صالح وأبي نعيم ويحيى بن آدم والقاسم بن سلام والعترة وأبي حنيفة وإسحاق والحسن ابن زياد قالوا إذا لم يكن معهم أحد من العصبة وذوي السهام وإلى ذلك ذهب فقهاء العراق والكوفة والبصرة وغيرهم وحكى في البحر أيضا عن زيد بن ثابت والزهري ومكحول والقاسم بن إبراهيم والأمام يحيى ومالك والشافعي أنه لا ميراث لهم وبه قال فقهاء الحجاز احتج الأولون بالأحاديث المتقدمة وبحديث عائشة الآتي وبعموم قوله تعالى { وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض } وقوله تعالى { للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون } ولفظ الرجال والنساء والأقربين يشملهم والدليل على مدعي التخصيص . وأجاب الآخرون عن ذلك فقالوا عمومات الكتاب محتملة وبعضها منسوخ والأحاديث فيها ما تقدم من المقال ويجاب عن ذلك بأن دعوى الاحتمال إن كانت لأجل العموم فليس ذلك مما يقدح في الدليل والاستلزام ابطال بكل دليل عام وهو باطل وإن كانت لأمر آخر فما هو . وأما الاعتذار عن أحاديث الباب بما فيها من المقال فقد عرفت من صححها من الأئمة ومن حسنها ولا شك في انتهاض مجموعها للاستدلال إن لم ينتهض الأفراد ( ومن جملة ) ما استدلوا به على ابطال ميراث ذوي الأرحام حديث ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال سألت الله عز و جل عن ميراث العمة والخالة فسارني أن لا ميراث لهما " أخرجه أبو داود في المراسيل والدارقطني من طريق الدراوردي عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار مرسلا وأخرجه النسائي من مرسل زيد بن أسلم ويجاب بأن المرسل لا تقوم به الحجة قالوا وصله الحاكم في المستدرك من حديث أبي سعيد والطبراني ويجاب بأن إسناد الحاكم ضعيف وإسناد الطبراني فيه محمد بن الحرث المخزومي . قالوا وصله أيضا الطبراني من حديث أبي هريرة . ويجاب بأنه ضعفه بمسعدة ابن اليسع الباهلي قالوا وصله الحاكم أيضا من حديث ابن عمر وصححه . ويجاب بإن في إسناده عبد الله بن جعفر المديني وهو ضعيف قالوا روى له الحاكم شاهدا من حديث شريك بن عبد الله ابن أبي نمر عن الحرث بن عبد مرفوعا . ويجاب بإن في إسناده سليمان بن داود الشاذكوني وهو متروك قالوا أخرجه الدارقطني من وجه آخر عن شريك . ويجاب بأنه مرسل ولك هذه الطرق لا تقوم بها حجة وعلى فرض صلاحيتها للاحتجاج فهي واردة في الخالة والعمة فغايتها أنه لاميراث لهما وذلك لا يستلزم ابطال ذوي الأرحام على أنه قد قيل ان المراد بقوله لا ميراث لهما أي مقدور ومما يؤيد ثبوت ميراث ذوي الأرحام ما سيأتي في باب ميراث ابن الملاعنة من جعله صلى الله عليه وآله وسلم ميراثه لورثتها من بعدها وهم أرحام له لا غير ومن المؤيدات لميراث ذوي الأرحام ما أخرجه أبو داود من حديث أبي موسى أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " ابن أخت القوم منهم " وأخرجه النسائي من حديث أنس بلفظ " من أنفسهم " قال المنذري في مختصر السنن وقد أخرج البخاري ومسلم والنسائي والترمذي قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ابن أخت القوم منهم " مختصرا ومطولا . ومن الأجوبة المتعسفة قول ابن العربي أن المراد بالخال السلطان وأما ما يقال من أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الخال وارث من لاوارث له " يدل على انه غير وراث فيجاب عنه بأن المراد من لا وارث له سواه ونظير هذا التركيب كثير في كلام العرب على أن محل النزاع هو إثبات الميراث له وقد أثبته له صلى الله عليه وآله وسلم وهو المطلوب (6/123)
3 - وعن ابن عباس " أن رجلا مات على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يترك وارثا الا عبدا هو أعتقه فأعطاه ميراثه " (6/123)
4 - وعن قبيصة عن تميم الداري قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما السنة في الرجل من أهل الشرك يسلم على يد رجل من المسلمين فقال هو أولى الناس بميحاه ومماته " وهو مرسل قبيصة لم يلق تميما الداري (6/123)
5 - وعن عائشة " أن مولى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خر من عذق نخلة فمات فأتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هل له من نسيب أو رحم قالوا الا قال اعطوا ميراثه بعض أهل قريته "
- رواهن الخمسة إلا النسائي (6/124)
6 - وعن بريدة قال " توفي رجل من الأزد فلم يدع وارثا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ادفعوه إلى أكبر خزاعة "
- رواه أحمد وأبو داود (6/124)
7 - وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بين أصحابه وكانوا يتوارثون بذلك حتى نزلت وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله فتوارثوا بالنسب "
- رواه الدارقطني (6/124)
- حديث ابن عباس الأول حسنه الترمذي وهو من رواية عوسجة عن ابن عباس . قال البخاري عوسجة مولى ابن عباس الهاشمي روى عنه ابن دينار ولم يصح . وقال أبو حاتم ليس بالمشهور . وقال النسائي عوسجة ليس بالمشهور ولا نعلم أحد يروى عنه غير عمرو . وقال أبو زرعة الرازي ثقة . وحديث تميم قال الترمذي لا نعرفه الا من حديث عبد الله بن موهب ويقال ابنوهب عن تميم الداري وقد أدخل بعضهم بين عبد الله بن موهب وتميم الداري قبيصة بن ذؤيب وهو عندي ليس بمتصل اه وقال الشافعي في هذا الحديث ليس بثابت إنما يرويه عبد العزيز بن عمر عن ابن وهب عن تميم الداري وابن وهب ليس بالمعروف عندنا ولا نعلمه لقى تميما . ومثل هذا لا يثبت عندنا ولاعندك من قبل أنه مجهول ولا أعلمه متصلا . وقال الخطابي ضعف أحمد بن حنبل تميم الداري هذا وقال عبد العزيز رواية ليس من أهل الحفظ والاتقان وقال البخاري في الصحيح وختلفوا في صحة هذا الخبر . وقال أبو مسهر عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ضعيف الحديث وقد احتج بعبد العزيز المذكور البخاري في صحيحه وأخرج له هوومسلم وقال يحيى بن معين عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز ثقة . وقال ابن عمار ثقة ليس بين الناس فيه اختلاف . وحديث عائشة حسنه الترمذي وقد عزا المنذري في مختصر السنن حديث عائشة هذا والحديثين اللذين قبله إلى النسائي فينظر في قول المصنف رواهن الخمسة إلا النسائي . وحديث بريدة أخرجه أيضا النسائي مسندا ومرسلا وقال جبريل بن أحمر ليس بالقوي والحديث منكر اه . وقال الموصلي فيه نظر . وقال أبو زرعة الرازي شيخ . وقال يحيى بن معين كوفي ثقة . ولفظ أبي داود عن بريدة قال أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال إن عندي ميراث رجل من الأزد ولست أجد أزديا أدفعه إليه قال فأذهب فالتمس أزديا فالتمس أزديا حولا قال فأتاه بعد الحول فقال يا رسول الله لم أجد أزديا أدفعه إليه قال فانطلق فانظر أول خزاعي تلقاه فادفعه إليه فلما ولى قال على بالرجل فلما جاء قال انظر أكبر خزاعة فادفعه إليه . وفي لفظ له آخر قال مات رجل من خزاعة فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بميراثه فقال " التمسوا وارثا أو ذا رحم فلمن يجدوا له وارثا فقال انظروا أكبر رجل من خزاعة " وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا أبو داود بلفظ " كان الرجل يحالف الرجل ليس بينهما نسب فيرث أحدهما من الآخر فنسخ ذلك الأنفال فقال وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض " وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . وأخرج نحوه ابن سعد عن عروة بن الزبير وفيه فصارت المواريقث بعد للأرحام والقرابة وانقطعت تلك المواريث بالمؤخاة ذكره الأسيوطي في أسباب النزول ومعناه في الدر المنثور : قوله " فأعطاه ميراثه " قيل إن ذلك من باب الصرف لا من باب التوريث : قوله " هو أولى الناس بمحياه ومماته " فيه دليل على أن من أسلم على يد رجل من المسلمين ومات ولا وارث له غيره كان له ميراثه . وقال الناصر والشافعي ومالك والأوزاعي لا وارث له بل بصرف الميراث إلى بيت المال دونه وقالت الحنفية والقاسمية وزيد بن علي وإسحاق أنه يرث الا أن الحنفية والمؤيد بالله يشترطون في إرثه المحالفة : قوله " هل له من نسيب أو رحم " فيه دليل على توريث ذوي الأرحام وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " أعطوا ميراثه بعض أهل قريته " فيه دليل على جواز صرف ميراث من لا وارث له معلوم إلى واحد من أهل بلده وظاهر قوله ادفعوه إلى أكبر خزاعة ان ذلك من باب التوريث لان الرجل إذا كان يجتمع هو وقبيلته في جد معلوم ولم يعلم له وارث منهم على التعيين فأكبرهم سنا أقربهم إليه نسبا لان كبر السن مظنة لعلو الدرجة . قوله " كانوا يتوارثون بذلك " قال في البحر أراد بالآية أن العصبات وذوي السهام أولى بالميراث من الحلفاء والمدعين قال أبو عبيد نسخت ميراثهما وقوله تعالى { إلا أن تفعلوا إلى أوليائكم معروفا } أي إلى حلفائكم . وقال جابر بن زيد ومقاتل ابن محمد وعطاء بل إلى قرابتهم المشركين فاجازوا الوصية لهم للآية قال المهدي وهو ظاهر البطلان لقوله تعالى { لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء } فيكف سماهم أولياء المؤمنين اه (6/125)
باب ميراث ابن الملاعنة والزانية منهما وميراثهم منهم وانقطاعهم من الأب (6/125)
1 - في حديث المتلاعنين الذي يرويه سهل بن سعد " قال وكانت حاملا وكان ابنها ينسب إلى أمه فجرت السنة أنه يرثها وترث منه ما فرض الله "
- أخرجاه (6/125)
2 - وعن ابن عباس " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا مساعاة في الإسلام من ساعي في الجاهلية فقد ألحقته بعصبته ومن ادعى ولدا من غير رشدة فلا يرث ولا يورث "
- رواه أحمد وأبو داود (6/126)
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ايما رجل عاهر بحرة أو أمة فالولد ولد زنا لا يرث ولا يورث "
- رواه الترمذي (6/126)
4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لامه ولورثتها من بعدها "
- رواه أبو داود (6/126)
- حديث ابن عباس في إسناده مجهول في سنن أبي داود وأخرج أبو داود أيضا من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى إن كل ولد زنا لأهل أمه من كانوا حرة أو أمة " وذلك فيما استلحق في أول الإسلام وفي إسناده محمد بن راشد المكحول الشامي وفيه مقال وثقه أحمد وابن معين والنسائي وقال دحيم يذكر بالقدر وحديث عمرو بن شعيب الأول في إسناده أبو محمد عيسى بن موسى القرشي الدمشقي قال البيهقي ليس بمشهور وحديث عمرو بن شعيب الثاني في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف قال الترمذي وروى يونس هذا الحديث عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه . وروى مالك عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ( وفي الباب ) عن وائلة بن الأسقع عند أبي داود والترمذي والنسائي وابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المرأة تحوز ثلاثة مواريث عتيقها ولقيطها وولدها الذي لاعنت عنه " قال الترمذي حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن حرب اه وفي إسناده عمر بن رويبة التغلبي قال البخاري فيه نظر وسئل عنه أبو حاتم الرازي فقال صالح الحديث قيل تقوم به الحجة فقال لا ولكن صالح وقال الخطابي هذا الحديث غير ثابت عند أهل النقل . وقال البيهقي لم يثبت البخاري ولا مسلم هذا الحديث لجهالة بعض رواته اه . وقد صححه الحاكم وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث ابن الملاعنة من الملاعن له ولا من قرابته شيئا وكذلك لا يرثون منه . وكذلك ولد الزنا وهو مجمع على ذلك ويكون ميراثه لأمه ولقرابتها كما يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور وتكون عصبته عصبة أمه . وقد روي نحو ذلك عن علي وابن عباس فيكون للأم سهمها ثم لعصبتها على الترتيب وهذا حيث لم يكن غير الأم وقرابتها من ابن الميت أو زوجة فلو كان له ابن أو زوجة أعطي كل واحد ما يستحقه كما في سائر المواريث : قوله " لا مساعاة في الإسلام " المساعاة الزنا وكان الأصمعي يجعلها في الإماء دون الحرائر لأنهن كن يسعين لمواليهن فيكتسبن لضرائب كانت عليهن يقال ساعت الأمة إذا فجرت وساعاها فلان إذا فجر بها كذا في النهاية (6/127)
باب ميراث الحمل (6/127)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا استهل المولود ورث "
- رواه أبو داود (6/127)
2 - وعن سعيد بن المسيب عن جابر بن عبد الله والمسور ابن مخرمة قالا قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يرث الصبي حتى يستهل "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله (6/128)
- حديث أبي هريرة في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقد روى عن ابن حبان تصحيح الحديث . وحديث جابر اخرجه أيضا الترمذي والنسائي وابن ماجه والبيهقي بلفظ " إذا استهل صلى عليه وورث " وفي إسناده اسمعيل ابن مسلم وهو ضعيف قال الترمذي وروى مرفوعا والموقوف أصح وبه جزم النسائي وقال الدارقطني في العلل لا يصح رفعه . قوله " إذا استهل " قال ابن الأثير استهل المولود إذا بكى عند ولادته وهو كناية عن ولادته حيا وإن لم يستهل بل وجدت منه إمارة تدل علة حياته وقد تقدم الكلام على الاستهلال في كتاب الجنائز ( والحديثان ) يدلان على أن المولود إذا وقع منه الاستهلال أو ما يقوم مقامه ثم مات ورثه قرابته وورث هو منهم وذلك ما لا خلاف فيه . وقد اختلف في الأمر الذي تعلم به حياة المولود فأهل الفرائض قالوا بالصوت أو الحركة وهو ول الكرخي وروى عن علي وزفر والشافعي . وروى عن ابن عباس وجابر بن عبد الله وشريح والنخعي ومالك وأهل المدينة أنه لا يرث مالم يستهل صارخا . وفي شرح الإبانة الاستهلال عند الهادي والفريقين الحركة أو الصوت وعند الناصر ومالك ورواية عن أبي حنيفة وأبي طالب الصوت فقط ويكفي عند الهادوية خبر عدلة بالاستهلال وعند مالك والهادي لابد من عدلتين وعند الشافعي أربع (6/128)
باب الميراث بالولاء (6/128)
1 - صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " الولاء لمن أعتق " وللبخاري في رواية " الولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة " (6/129)
2 - وعن قتادة عن سلمى بنت حمزة " أن مولاها مات وترك ابنته فورث النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته النصف وورث يعلى النصف وكان ابن سلمى "
- رواه أحمد (6/129)
3 - وعن جابر ابن زيد عن ابن عباس " أن مولى لحمزة توفي وتك ابنته حمزة فاعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابنته النصف وابنة حمزة النصف "
- رواه الدارقطني . واحتج أحمد بهذا الخبر في رواية أبي طالب وذهب إليه وكذلك روى عن إبراهيم النخعي ويحيى بن آدم وإسحاق بن راهوية إن المولى كان لحمزة . وقد روى أنه كان لبنت حمزة فروى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن الحكم عن عبد الله بن شداد عن بنت حمزة وهي أخت ابن شداد لامه " قالت مات مولاي وترك ابنته فقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماله بيني وبين ابنته فجعل لي النصف ولها النصف " . رواه ابن ماجه . وابن أبي ليلى فيه ضعف فإن صح هذا لم يقدح في الرواية الأولى فإن من المحتمل تعدد الواقعة ومن المحتمل أنه أضاف مولى الوالد إلى الولد بناء على القول بانتقاله إليه أو توريثه به (6/129)
- الحديث الذي أشار إليه المصنف بقوله صح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد تقدم في باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه من كتاب البيع وتقدم أيضا في باب من شرط الولاء أو شرطا فاسدا من كتاب البيع أيضا وسيأتي أيضا في باب المكاتب وحديث قتادة ذكره الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات الا أن قتادة لم يسمع من سلمي بنت حمزة قال وأخرجه يأسانيد رجال بعضها رجال الصحيح . وحديث جابر بن زيد ذكره أيضا في التلخيص وسكت عنه . وحديث محمد بن عبد الرحمن رواه النسائي من حديث ابنة حمزة أيضا وفي إسناده ابن أبي ليلى المذكور وهو القاضي وهو ضعيف كما قال المصنف وأعل الحديث النسائي بالإرسال وصحح هو والدارقطني الطريق المرسلة وأخرجه أيضا الحاكم وصرح بأن أسمها أمامة وهو يخالف ما في حديث أحمد المذكور في الباب من التصريح بأن اسمها سلمى . وفي مصنف ابن أبي شيبة أنها فاطمة قال البيهقي اتفق الرواة على ان ابنة حمزة هي المعتقة وقال إن قول إبراهيم النخعي إنه مولى حمزة غلط والأولى الجمع بين الروايتين بمثل ما ذكره المصنف رحمه الله . وحديث ابنة حمزة فيه على فرض أنها هي المعتقة دليل على أن المولى الأسفل إذا مات وترك أحدا من ذوي سهامه ومعتقه كان لذوي السهام من قرابته مقدار ميراثهم المفروض والباقي للمعتق ولا فرق بين أن يكون ذكرا أو أنثى ويؤيد ذلك عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الولاء لمن أعتق والولاء لمن أعطى الورق وولى النعمة " وقد وقع الخلاف فيمن ترك ذوي أرحامه ومعتقه فروى عن عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وزيد بن علي والناصر أن مولى العتاق لا يرث الا بعد ذوي أرحام الميت وذهب غيرهم إلى أنه يقدم على ذوي أرحام الميت ويأخذ الباقي بعد ذوي السهام ويسقط مع العصبات والرواية المذكورة عن قتادة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وعصبة مولاه كان لذوي السهام فرضهم والباقي لعصبة المولى . ورواية ابن عباس المذكورة تدل على أن العتيق إذا مات وترك ذوي سهامه وذوي سهام مولاه كان لذوي سهامه نصيبهم والباقي لذوي سهام مولاه والذي جزم به جماعة من أهل الفرائض أن ذوي سهام الميت يسقطون ذوي سهام المعتق ويدل على ذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ميراث الولاء للأكبر من الذكور ولا ترث النساء من الولاء الا ولاء من أعتقن أو أعتقه من أعتقن " وأخرج البيهقي عن علي وعمر وزيد بن ثابت أنهم كانوا لا يورثون النساء من الولاء الا ولاء من أعتقن (6/130)
باب النهي عن بيع الولاء وهبته وما جاء في السائبة (6/130)
1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه نهى عن بيع الولاء وهبته "
- رواه الجماعة (6/130)
2 - وعن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من والى قوما بغير أذن مواليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا "
- متفق عليه وليس لمسلم فيه بغير أذن مواليه لكن له مثله بهذه الزيادة من حديث أبي هريرة (6/131)
3 - وعن هزيل بن شرحبيل قال " جاء رجل إلى عبد الله فقال أني أعتقت عبدا لي وجعلته سائبة فمات وترك مالا ولم يدع وارثا فقال عبد الله ان أهل الإسلام لا يسببون وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون وأنت ولى نعمته ولك ميراثه وإن تأثمت وتحرجت في شيء فنحن نقبله ونجعله في بيت المال "
- رواه البرقاني على شرط الصحيح . وللبخاري منه " إن أهل الإسلام لا يسيبون وإن أهل الجاهلية كانوا يسيبون " (6/131)
- في الباب عن عبد الله بن عمر عند الحاكم وابن حبان وصححه والبيهقي وأعله قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب " : قوله " نهى عن بيع الولاء وعن هبته " فيه دليل على أنه لا يصح بيع الولاء ولا هبته لأنه أمر معنوي كالنسب فلا يتأتى انتقاله قال ابن بطال أجمع العلماء على أنه لا يجوز تحويل النسب وحكم الولاء حكمه لحديث " الولاء لحمة كلحمة النسب " وحكي في البحر عن مالك أنه يجوز بيع الولاء . وقال ابن بطال وغيره جاء عن عثمان جواز بيع الولاء وكذا عن عروة وجاء عن ميمونة جواز هبته قال الحافظ قد أنكر ذلك ابن مسعود في زمن عثمان فأخرج عبد الرزاق عنه أنه كان يقول أيبيع أحدكم نسبه . ومن طريق علي الولاء شعبة من النسب . ومن طريق جابر أنه أنكر بيع الولاء وهبته . ومن طريق ابن عمر وابن عباس أنها كانا ينكران ذلك وسنده صحيح ويغني عن ذلك حديث ابن عمر المذكور في الكتاب وحديثه الثاني الذي ذكرناه فإنه حديث صحيح ويغني عن ذلك كله حديث صحيح وقد جمع أبو نعيم طرقه فرواه عن نحوه من خمسين رجلا من أصحاب عبد الله بن دينار عنه . ورواه أبو جعفر الطبري في تهذيبه والطبراني في الكبير وأبو نعيم أيضا من حديث عبد الله بن أبي أوفى فلا وجه لما قاله البيهقي من أنه يروى بأسانيد كلها ضعيفة : قوله " صرفا ولا عدلا " الصرف التوبة . وقيل النافلة والعدل الفدية وقيل الفريضة ( والحديث ) يدل على أنه يحرم على المولى أن يوالي غيره مواليه لأن اللعن لمن فعل ذلك من الأدلة القاضية بأنه من الذنوب الشديدة . قوله " وجعلته سائبة " قال في القاموس السائبة المهملة والعبد يعتق على أن لا ولاء له انتهى . وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ثم هدمه الإسلام (6/131)
باب الولاء هل يورث أو يورث به (6/132)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " تزوج رباب بن حذيفة بن سعيد بن سهم أم وائل بنت معمر الجمحبة فلدت له ثلاثة فتوفيت أمهم فورثها بنوها رباعها وولاء مواليها فخرج بهم عمرو بن العاص معه إلى الشام فماتوا في طاعون عمواس فورثهم عمرو وكان عصبتهم فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر بن حبيب يخاصمونه في ولاء أختهم إلى عمر بن الخطاب فقال اقضي بينكم بما سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان فقضى لنا به وكتب لنا كتابا فيه شهادة عبد الرحمن بن عوف وزيد بن ثابت "
- رواه ابن ماجه وأبو داود بمعناه . ولأحمد زسطه من قوله " فلما رجع عمرو وجاء بنو معمر إلى قوله فقضى لنا به " قال أحمد في رواية ابنه صالح حديث عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أحرز الوالد أو الولد فهو لعصبته من كان هكذا يرويه عمرو بن شعيب . وقد روى عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أنهم قالوا الولاء للكبر فهذا الذي نذهب إليه وهو قول أكثر الناس فيما بلغنا (6/132)
- الحديث أخرجه أيضا النسائي مسندا ومرسلا وصححه ابن المديني وابن عبد البر وزاد أبو داود بعد قوله وزيد بن ثابت ورجل آخر فلما استخلف عبد الملك اختصموا إلى هشام بن اسمعيل أو إلى اسمعيل بن هشام فرفعهم إلى عبد الملك فقال هذا من القضاء الذي ما كنت أراه قال فقضى لنا بكتاب عمر بن الخطاب فنحن فيه إلى الساعة . وأثر عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود أخرجه أيضا عبد الرزاق والبيهقي وسعيد بن منصور : قوله " رياب " بكسر الراء المهملة وبعدها ياء مثناة تحتية وبعد الألف باء موحدة وذكره صاحب القاموس في مادة المهموز قوله " عمواس " هي قرية بين الرملة وبيت المقدس . قوله " أنهم قالوا الولاء للكبر " الخ أراد أحمد بن حنبل أن مذهب الجمهور ذكر معنى ذلك في نهاية المجتهد . وحديث عمر وفعله يقتضي تقديم البنين ثم رده إلى الأخوة بعدهم وهو مذهب شريح وجماعة وححتهم ظاهر خبر عمر لأن البنين عصبتها ولما كان عمرو بن العاص ليس بعصبة لها رد الولاء إلى أخواتها لأنهم عصبتها وفي ذلك دلالة على أن الولاء لا يورث وإلا لكان عمرو أحق به منهم . قال في البحر مسألة الأكثر ولا يورث يعني الولاء بل تختص العصبات للخبر العترة والفريقان ولا يعصب فيه ذكر أنثى فيختص به ذكور أولاد المعتق وأخوته إذ قد ثبت أن الأعمام لا يعصبون لضعفهم والولاء ضعيف فلم يقع فيه تعصيب بحال شريح وطاوس بل يورث ويعصبون لقوله صلى الله عليه وآله وسلم كلحمة النسب قلت مخصص بالقياس . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يورث " انتهى ومراده بالقياس القياس على عدم تعصيب الأعمام لأخواتهم . ومعنى كون الولاء للكبر أنها لا تجري فيه قواعد الميراث وإنما يختص بارثه الكبر من أولاد المعتق أو غيرهم فإذا خلف رجل ولدين وقد كان أعتق عبدا فمات أحد الولدين وخلف ولدا ثم مات العتيق اختص بولائه ابن المعتق دون ابن ابنه وكذلك لو أعتق رجل عبدا ثم مات وترك أخوين ثم مات أحدهما وترك ابنا ثم مات المعتق فميراثه لأخي المعتق دون ابن أخيه . ووجه الاستدلال بما روي عن هؤلاء الصحابة أنهم لا يخالفون التوريث إلا توقيفا (6/132)
باب ميراث المعتق بعضه (6/133)
1 - عنابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المكاتب يعتق بقدر ما أدري ويقام عليه الحد بقدر ما عتق منه ويورث بقدر ما عتق منه "
- رواه النسائي وكذلك أبو داود والترمذي . وقال حديث حسن ولفظهما " إذا أصاب المكاتب حدا أو ميراثا ورث بحساب ما عتق منه " والدارقطني مثلهما وزاد " وأقيم عليه الحد بحساب ما عتق منه " وقال أحمد في رواية محمد بن الحكم إذا كان العبد نصفه حرا ونصفه عبدا ورث بقدر الحرية كذلك روى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (6/133)
- الحديث رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ في الفتح لكنه اختلف في إرساله ووصله وقد اختلف في حكم المكاتب إذا ادى بعض مال الكتابة فذهب أبو دطالب والمؤيد بالله إلى أنه إذا سلم شيئا من مال الكتابة صار لقدره حكم الحرية فيما يتبعض من الأحكام حيا وميتا كالوصية والميراث والحد والأرش وفيما لا يتبعض كالوقود والرجم والوطء بالملك له حكم العبد . وقال أبو حنيفة والشافعي أنه لا يثبت ه شيء من أحكام الأحرار بل حكمه حكم العبد حتى يستكمل الحرية وحكاه الحافظ في الفتح عن الجمهور . وحكى في البحر عن عمرو وابن عباس وزيد بن ثابت وعائشة وأم سلمة والحسن البصري وسعيد بن المسيب والزهري والثوري والعترة وأبي حنيفة والشافعي ومالك أن المكاتب لا يعتق حتى يوفي ولو سلم الأكثر واحتجوا بما أخرجه أبو داود عن جده مرفوعا " المكاتب قن ما بقي عليه درهم " ورواه النسائي وابن حبان من وجه آخر من حديثه بلفظ " ومن كان مكاتبا على مائة درهم فقضاها إلا أوقية فهو عبد " وروى عن على المكاتب إذا ادى الشطر عتق ويطالب بالباقي وروى عنه أيضا أنه يعتق منه بقدر ما أدى وعن ابن مسعود لو كتابته عتق . وعن شريح إذا ادى ثلثا عتق وما بقي اداه في الحرية . وحديث الباب يدل على ما قاله المؤيد بالله وأبو طالب ويؤيده ما أخرجه النسائي عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية حر وما بقي دية عبد " قال البيهقي قال أبو عيسى فيما بلغني عنه سألت البخاري عن هذا الحديث قال روى بعضهم هذا الحديث عن أيوب عن عكرمة عن علي قال البيهقي ما اختلف عن عكرمة فيه وروى عنه مرسلا . ورواه حماد بن زيد وإسماعيل بن إبراهيم عن أيوب عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وجعله إسماعيل من قول عكرمة وروى موقوفا عن علي أخرجه البيهقي من طرق مرفوعا . وفي مسألة مذهب آخر وهو أن المكاتب يعتق بنفس الكتابة ورجح هذا المذهب بأن الحكم الكتابة حكم البيع لأن المكاتب اشترى نفسه من السيد ورجح مذهب الجمهور لبأنه أحوط لأن ملك السيد لا يزول إلا بعد تسليم ما قد رضي به من المال وإذا لم يمكن الجمع بين الحديثين المذكورين فالحديث الذي تمسك به الجمهور ارجح من حديث الباب وسيأتي حديث عمرو بن شعيب في باب المكاتب من كتاب العتق (6/133)
باب امتناع الأرث باختلاف الدين وحكم من أسلم على ميراث قبل أن يقسم (6/134)
1 - عن أسامة بن زيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي . وفي رواية " قال يا رسول الله أتنزل غدا في دارك بمكة قال وهل ترك لناعقيل من رباع أو دور وكان عقيل ورث أبا طالب هو وطالب ولم يرث جعفر ولا علي شيئا لأنهما كانا مسلمين وكان عقيل وطالب كافرين " أخرجاه (6/134)
2 - وعن عبد الله بن عمرو " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يتوارث أهل ملتين شتى "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وللترمذي مثله من حديث جابر (6/134)
3 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يرث المسلم النصراني الا أن يكون عبده أو أمته "
- رواه الدارقطني ورواه من طريق آخر موقوفا على جابر وقال موقوف وهو محفوظ . وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل قسم قسم في الجاهلية فهو على ما قسم وكل قسم أدركه الإسلام فإنه على ما قسم الإسلام " رواه أبو داود وابن ماجه (6/135)
- حديث أسامة بن زيد هو باللفظ الأول في مسلم لا كما زعم المصنف قال الحافظ وأغرب ابن تيمية في المنتقي فادعى إن مسلما لم يخرجه وكذا ابن الأثير في الجامع ادعى ان النسائي لم يخرجه اه وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه ايضا الدارقطني وابن السكن وسند أبي داود فيه إلى عمرو بن شعيب صحيح . وحديث جابر الأول استغربه الترمذي وفي إسناده ابن أبي ليلى ولفظه " لا يتوارث أهل ملتين " وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا أبو يعلى والضياء في المختارة ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند ابن حبان بنحو حديث عمرو بن شعيب . وعن أبي هريرة عند البزار بلفظ " لاترث ملة من ملة وفيه عمر بن راشد تفرد به وهو لين الحديث وأحاديث الباب تدل على أنه لا يرث المسلم من الكافر ولا الكافر من المسلم قال في البحر إجماعا واختلف في ميراث المرتد فقيل يكون للمسلمين قال في البحر قيل إجماعا إذ هي كموته الأكثر ولا يرث المسلم من الذمي معاذ ومعاوية والناصر والأمامية بل يرث لنا " لاتوارث بين أهل ملتين " قالوا قال صلى الله عليه وآله وسلم " الاسلام يعلو ولا يعلى " قلنا نقول بموجبه والأرث ممنوع بما رويناه قالوا قال صلى الله عليه وآله وسلم نرثهم ولا يرثونا قلنا لعله أراد المرتدين جمعا بين الأخبار ثم قال مسألة الهادي وأبو يوسف ومحمد ويرث المرتد ورثته المسلمون الشافعي لا بل لبيت المال أبو حنيفة ما كسبه قبل الردة فلورثته المسلمين وبعدها لبيت المال لنا قتل على عليه السلام المستورد العجلي حين ارتد وجعل ميراثه لورثته المسلمين ولم يفصل . قالوا لا يرث المسلم الكافر قلنا مخصوص بعمل علي قالا غنم أموال أهل الردة قلنا كان لهم منعة فصاروا حربيين اه كلام البحر . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الاسلام يعلو " هو حديث أخرجه أبو داود والحاكم وصححه . وأما قوله نرث أهل الكتاب ولا يرثونا فليس من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما زعم في البحر بل هو من قول معاوية كما روى ذلك ابن أبي شيبة وقد قال بقول معاوية ومن معه عبد الله بن مغفل ومسروق وسعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي ولكنه اجتهاد مصادم لعموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يرث المسلم الكافر " وما في معناه . ومصادم أيضا لنص حديث جابر المذكور في الباب ولتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لما فعله عقيل ( والحاصل ) أن أحاديث الباب قاضية بأنه لا يرث المسلم من الكافر من غير فرق بين أن يكون حربيا أو ذميا أو مرتدا فلا يقبل التخصيص الا بدليل . وظاهر قوله " لا يتوارث أهل ملتين " أنه أهل ملة كفرية من أهل ملة كفرية أخرى وبه قال الأوزاعي ومالك وأحمد والهادوية وحمله الجمهور على أن المراد بإحدى الملتين الاسلام وبالأخرى الكفر ولا يخفى بعد ذلك . وفي ميراث المرتد أقوال أخر غير ما سلف والظاهر ما قدمنا (6/135)
باب أن القاتل لا يرث وأن دية المقتول لجميع ورثته من زوجة وغيرها (6/135)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يرث القاتل شيئا "
- رواه أبو داود (6/136)
2 - وعن عمر قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ليس لقاتل ميراث "
- رواه مالك في الموطأ وأحمد وابن ماجه (6/136)
3 - وعن سعيد بن المسيب " ان عمر قال الدية للعاقلة لا ترث المرأة من دية زوجها حتى أخبره الضحاك بن سفيان الكلابي إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أن أورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ورواه مالك من رواية ابن شهاب عن عمر وزاد قال ابن شهاب وكان قتلهم أشيم خطأ (6/136)
4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى ان العقل ميراث بين ورثة القتيل على فرائضهم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (6/137)
5 - وعن قرة بن دعموص قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنا وعمي فقلت يا رسول الله عند هذا دية أبي قمره يعطنيها وكان قتل في الجاهلية فقال أعطه دية أبيه فقلت هل لامي فيها حق قال نعم وكانت ديته مائة من الأبل "
- رواه البخاري في تاريخه (6/137)
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله والدارقطني وقواه ابن عبد البر . وحديث عمر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبيهقي وهو منقطع قال البيهقي ورواه محمد بن راشد عن سليمان بن موسى عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا قال الحافظ وكذا أخرجه النسائي من وجه آخر عن عمرو قال أنه خطأ وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من وجه آخر عن عمر أيضا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند الدارقطني بلفظ " لا يرث القاتل شيئا " وفي إسناده كثير بن مسلم وهو ضعيف . وعن ابن عباس أيضا حديث آخر عند البيهقي بلفظ " من قتل قتيلا فإنه لا يرث وإن لم يكن له وارث غيره " وفي لفظ " وإن كان والده أو ولده " وفي إسناد عمرو بن برق وهو ضعيف وعن أبي هريرة عند الترمذي وابن ماجه بلفظ " القاتل لا يرث " وفي إسناده إسحاق بن عبد الله بن أبي فروة تركه أحمد وغيره وأخرجه النسائي في السنن الكبرى وقال إسحاق متروك وعن عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي عند الطبراني في قصة وانه قتل امرأته خطأ فقال صلى الله عليه وآله وسلم " اعقلها ولا ترثها " وعن عدي الجذامي نحوه أخرجه الخطابي وحديث سعيد بن المسيب أخرجه أيضا النسائي وقال الترمذي حسن صحيح زاد أبو داود بعد قوله من دية زوجها فرجع عمرو في رواية " وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعمله على الأعراب " وحديث عمرو بن شعيب هو حديث طويل ساقه أبو داود بطوله في باب ديات الأعضاء وفي إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد اختلف فيه فتكلم فيه غير واحد ووثقه غير واحد . وحديث قرة ابن دعموص يشهد له حديث الضحاك المذكور . وحديث عمرو بن شعيب : قوله " لا يرث القاتل شيئا " استدل به من قال بأن القاتل لا يرث سواء كان القتل عمدا أو خطأ وإليه ذهب الشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وأكثر أهل العلم قالوا ولا يرث من المال ولا من الدية . وقال مالك والنخعي والهادوية إن قاتل الخطأ يرث من المال دون الدية ولا يخفى ان التخصيص لا يقبل الا بدليل . وحديث عمر بن شيبة بن أبي كثير الأشجعي نص في محل النزاع فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ولا ترثها . وكذلك حديث عدي الجذامي الذي اشرنا إليه ولفظه في سنن البيهقي " إن عديا كانت له امرأتان اقتتلنا فرمى احداهما فماتت فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاه فذكر له ذلك فقال له اعقلها ولا ترثها " وأخرج البيهقي أيضا " ان رجلا رمى بحجر فأصاب أمه فماتت من ذلك فأراد نصيبه من ميراثها فقال له أخوته لا حق لك فأرتفعوا إلى علي رضي الله عنه فقال له حقك من ميراثها الحجر أو غرمه الدية ولم يعطه من ميراثها شيئا . وأخرج أيضا عن جابر بن زيد أنه قال " أيما رجل قتل رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث له منهما وأيما امرأة قتلت رجلا أو امرأة عمدا أو خطأ فلا ميراث لها منهما " وقال قضي بذلك عمر بن الخطاب وعلي وشريح وغيرهم من قضاة المسلمين . وقد ساق البيهقي في الباب آثارا عن عمر وابن عباس وغيرهما تفيد كلها أنه لا ميراث للقاتل مطلقا : قوله " اشيم " بفتح الهمزة وسكون الشين المعجمة وفتح الياء المثناة من تحت : قوله " من دية زوجها " فيه دليل على أو الزوجة ترث من دية زوجها كما ترث من ماله وكذلك يدل على ذلك حديث عمرو بن شعيب المذكور لعموم قوله فيه " بين ورثة القتيل " والزوجة من جملتهم . وكذلك قوله في حديث قرة المذكور " هل لامي فيها حق قال نعم " (6/137)
باب في أن الأنبياء لا يورثون (6/138)
1 - عن أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا نورث ما تركناه صدقة " (6/138)
2 - وعن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن بن عوف والزبير وسعد وعلي والعباس " أنشدكم الله الذي بأذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نورث ماتركنا صدقة قالوا نعم " (6/138)
3 - وعن عائشة " أن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين توفى أردن أن يبعثن عثمان إلى أبي بكر يسألنه ميراثهن فقالت عائشة اليس قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا نورث ماتركناه صدقة " (6/139)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتسم ورثتي دينارا ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة "
- متفق عليهن . وفي لفظ لأحمد " لا يقتسم ورثتي دينارا أو لا درهما " (6/139)
5 - وعن أبي هريرة " أن فاطمة رضي الله عنها قالت لأبي بكر من يرثك إذا مت قال ولدي وأهلي قالت فما لنا لانرث النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن النبي لا يورث ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعول وأنفق على من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (6/139)
- قوله " لا نورث " بالنون وهو الذي توارد عليه أهل الحديث في القديم والحديث كما قال الحافظ في الفتح وما تركنا في موضع الرفع بالابتداء وصدقة خبره وقد زعم الرافضة أن لا نورث بالياء التحتانية وصدقة بالنصب على الحال وماتركناه في محل رفع على النيابة والتقدير لا يورث الذي تركناه حال كونه صدقة وهذا خلاف ما جاءت به الرواية ونقله الحافظ وما ذلك بأول تحريف من أهل تلك النحلة ويوضح بطلانه ما في حديث أبي هريرة المذكور في الباب بلفظ " فهو صدقة " وقوله " لا تقتسم ورثتي دينارا " وقوله " أن النبي لا يورث " ومما ينادى على بطلانه أيضا أن أبا بكر أحتج بهذا الكلام على فاطمة رضي الله عنهما فيما ألتمسته منه من الذي خلفه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الأراضي وهما من أفصح الفصحاء وأعلمهم بمدلولات الألفاظ فلوكان اللفظ كما تقرؤه الروافض لم يكن فيما أحتج به أبو بكر حجة ولا كان جوابه مطابقا لسؤالها : قوله " أنشدكم الله " أي اسألك رافعا نشدتي أي صوتي وقد قدمنا الكلام على هذا التركيب ومعناه : قوله " ومؤنة عاملي " اختلف في المراد به فقيل هو الخليفة بعده . قال الحافظ وهذا هو المعتمد . وقيل يريد بذلك العامل على النخل وبه جزم الطبري وابن بطال وأبعده من قال المراد بعامله حافر قبره وقال ابن دحية في الخصائص المراد بعامله خادمه وقيل العامل على الصدقة . وقيل العامل فيها كالأخير ونبه بقوله دينارا بالأدنى على الأعلى وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن الأنبياء لا يورثون وإن جميع ما تركوه من الأموال صدقة ولا يعارض ذلك قوله تعالى { وورث سليمان داود } فإن المراد بالوراثة المذكورة وراثة العلم لا المال كما صرح بذلك جماعة من أئمة التفسير وقد استشكل ما وقع في الباب عن عمر أنه قال لعثمان وعبد الرحمن والزبير وسعد وعلي والعباس " أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا نورث ماتركناه صدقة فقالوا نعم " ووجه الاستشكال ان أصل القصة صريح في أن العباس وعليا قد علما بأنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " لانورث " فإن كانا سمعاه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكيف يطلبانه من أبي بكر وإن كانا إنما سمعاه من أبي بكر أو في زمنه بحيث أفاد عندهما العلم بذلك فكيف يطلبانه بعد ذلك من عمر وأجيب يحمل ذلك على أنهما اعتقدا أن عموم لانورث مخصوص ببعض ما يخلفه دون بعض ولذلك نسب عمر إلى علي والعباس أنهما كانا يعتقدان ظلم من خالفهما كما وقع في صحيح البخاري وغيره . وأما مخاصمتها بعد ذلك عند عمر فقال إسماعيل القاضي فيما رواه الدارقطني من طريقه لم يكن في الميراث إنما تنازعا في ولاية الصدقة وفي صرفها كيف تصرف كذا قال لكن في رواية النسائي وعمر بن شبة من طريق أبي البختري ما يدل على انهما أرادا أن يقسم بينهما على سبيل الميراث ولفظه في آخره " ثم جئتماني الآن تختصمان يقول هذا أريد نصيبي من ابن أخي ويقول هذا أريد نصيبي من امرأتي والله لا أقضي بينكما إلا بذلك " أي إلا بما تقدم من تسليمها لها على سبيل الولاية . وكذا وقع عند النسائي من طريق عكرمة بن خالد عن مالك بن أوس نحوه وفي السنن لأبي داود وغيره أراد أن عمر يقسمها بينهما لينفرد كل منهما بنظر ما يتولاه فامتنع عمر من ذلك وأراد أن لا يقع عليهما اسم القسمة ولذلك أقسم على ذلك وعلى هذا اقتصر أكثر شراح الحديث واستحسنوه وفيه من النظر ما تقدم . وأعجب من ذلك جزم ابن الجوزي والنووي أنهما شرحا اللفظ الوارد في مسلم دون اللفظ الوارد في البخاري . وأما ما ثبت في الصحيح في قول عمر جئتني يا عباس تسألني نصيبك من ابن أخيك فإنما عبر بذلك لبيان قسمة الميراث كيف يقسم بينهم لو كان هناك ميراث لا أنه أراد الغض منهما في هذا الكلام وزاد الإمامي عن ابن شهاب عند عمر بن شبة ما لفظه " فأصلحا أمركما وإلا لم يرجع والله إليكما " : قوله " ولكن أعول من كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعول " الخ فيه دليل على أنه يتوجب على الخليفة القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعول من كان الرسول صلوات الله عليه وآله وسلم يعوله وينفق على من كان الرسول ينفق عليه (6/140)
كتاب العتق (6/140)
باب الحث عليه (6/140)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أعتق رقبة مسلم أعتق الله بكل عضو منه عضوا من النار حتى فرجه بفرجه "
- متفق عليه (6/141)
2 - وعن سالم ابن أبي الجعد عن أبي أمامة وغيره من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أيما أمرئ مسلم أعتق أمرأ مسلم كان فكاكه من النار يجزي كل عضو منه عضوا منه وأيما أمرئ مسلم أعتق امراتين مسلمتين كانتا فكاكه من النار يجزى كل عضو منهما عضوا منه "
- رواه الترمذي وصححه . ولأحمد وأبي داود معناه من رواية كعب بن مرة أو مرة بن كعب السلمي وزاد فيه " وأيما امرأة مسلمة أعتقت امرأة مسلمة كانت فكاكها من النار يجزى بكل عضو من أعضائها عضوا من أعضائها " (6/141)
- حديث كعب بن مرة أخرجه أيضا النسائي وابن ماجة وإسناده صحيح وفي الباب عن عمر بن عبسة عن أبي داود والترمذي . وعن أبي موسى عند أحمد والنسائي . وعن عقبة بن عامر عن الحاكم وعن وائلة عند الحاكم أيضا . وعن مالك بن الحرث عنده أيضا : قوله " كتاب العتق " بكسر العين المهملة وسكون الفوقية وهو زوال الملك وثبوت الحرية . قال في الفتح يقال عتق يعتق عتقا بكسر أوله ويفتح وعتاقا وعتاقه . قال الأزهري هو مشتق من قوله عتق الفرس إذا سبق وعتق الفرخ إذا طار لأن الرقيق يخلص بالعتق ويذهب حيث شاء . قوله " مسلمه " هذا مقيد لباقي الروايات المطلقة فلا يستحق الثواب المذكور إلا من أعتق رقبة مسلمة . ووقع في حديث عمر بن عبسة " من أعتق رقبة مؤمنة " وهو أخص من قيد الإسلام ولا خلاف أن معتق الرقبة الكافر مثاب على العتق ولكنه ليس كثواب الرقبة المؤمنه : قوله " حتى فرجه بفرجه " استشكله بن العربي فقال الفرج لا يتعلق به ذنب يوجب النار إلا الزنا فإن حمل على ما يتعاطاه من الصغائر كالمفاخذة لم يشكل عتقه من النار بالعتق وإلا فالزنا كبيرة لا تكفر إلا بالتوبة قال فيحتمل أن يكون المراد أن العتق يرجح عن الموازاة بحيث يكون مرجحا لحسنات المعتق ترجيحا يوازي سيئة الزنا اه قال الحافظ ولا اختصاص لذلك بالفرج بل يأتي في غيره من الأعضاء كاليد في الغصب مثلا : قوله " أيما امرئ مسلم " فيه دليل على أن هذا الأجر مختص بمن كان من المعتقين مسلما فلا أجر للكافر في عتقه إلا إذا انتهى أمره إلى الإسلام فسيأتي قوله " فكاكه " بفتح الفاء وكسرها لغة أي كانتا خلاصة قوله " يجزى " بضم الياء وفتح الزاي غير مهموز ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على أن العتق من القرب لموجبة للسلامة من النار وإن عتق الذكر أفضل من عتق الأنثى وقد ذهب البعض إلى تفضيل عتق الأنثى على الذكر واستدل على ذلك بأن عتقها يستلزم حرية ولدها سواء تزوجها حر أو عبد ومجرد هذه المناسبة لا يصلح لمعارضة ما وقع التصريح به في الأحاديث من فكاك المعتق إما رجل أو امرأتين وأيضا عتق الأنثى ربما أفضى في الغالب إلى ضياعها لعدم قدرتها على التكسب بخلاف الذكر قال في الفتح وفي قوله أعتق الله بكل عضو عضوا منه إشارة إلى أنه ينبغي أن لا يكون في الرقبة نقصان لتحصيل الاستيعاب وأشار الخطابي إلى أنه يغتفر البعض المجبور بمنفعته كالخصي مثلا واستنكره النووي وغيره وقال لا يشك أن في عتق الخصي وكل ناقص فضيلة ولكن الكامل أولي (6/141)
3 - وعن أبي ذكر قال " قلت يا رسول الله أي الأعمال أفضل قال الإيمان بالله والجهاد في سبيل الله قال قلت أي الرقاب افضل قال أنفسها عند أهلها وأكثرها ثمنا " (6/142)
4 - وعن ميمونة بنت الحرث " أنها أعتقت وليدة لها ولم تستأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما كان يومها الذي يدور عليها فيه قالت أشعرت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أني أعتقت وليدتي قال فعلت قالت نعم قال أما أنك لو أعطيتها أخوالك كان أعظم لأجرك "
- متفق عليهما . وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة بدون إذن زوجها وأن صلة الرحم أفضل من العتق (6/142)
5 - وعن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله أرأيت أمورا كنت أتحنث بها في الجاهلية من صدقة وعتاق وصلة رحم هل لي فيها من أجر قال أسلمت على ما سلف لك من خير "
- متفق عليه . وقد احتج به على أن الحربي ينفذ عتقه ومتى نفذ فله ولائه بالخبر (6/142)
- قوله " الإيمان بالله والجهاد " قال النووي ذكر في هذا الحديث الجهاد بعد الإيمان ولم يذكر الحج وذكر العتق وفي حديث آخر ذكر السلامة من اليد واللسان . قال العلماء اختلاف الأجوبة في ذلك باختلاف الأحوال واحتياج المخاطبين وذكر ما لا يعلمه السائل والسامعون وترك ما علموه . قال في الفتح ويمكن أن يقال أن لفظة من مرادة كما يقال فلان أعقل الناس والمراد من أعقلهم ومنه الحديث " خيركم خيركم لأهله " ومن المعلوم أنه لا يصير بذلك خير الناس اه . قوله " أنفسها عند أهلها " أي اغتباطهم بها أشد فإن عتق مثل ذلك ما يقع غالبا إلا خالصا وهو كقوله تعالى { لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون } . قوله وأكثرها ثمنا " وأكثرها ثمنا " في رواية للبخاري أعلاها ثمنا بالعين المهملة وهي رواية للنسائي أيضا وللكشميهني بالغين المعجمة وكذا النسفي قال ابن قرقول معناهما متقارب ورواية مسلم كما هنا قال النووي محله والله أعلم فيمن أراد أن يعتق رقبة واحدة أما لو كان مع شخص ألف درهم مثلا فأراد أن يشتري بها رقبة يعتقها فوجد فوجد رقبة نفيسة ورقبتين مفضولتين فالرقبتان أفضل وهذا بخلاف الأضحية قال الواحدة السمينة فيها أفضل لأن المطلوب هنا فك الرقبة وهناك طيب اللحم . قال الحافظ والذي يظهر أن باختلاف الأشخاص فرب شخص واحد إذا عتق انتفع بالعتق أضعاف ما يحصل من النفع لعتق أكثر عددا منه ورب محتاج إلى كثرة اللحم لتفرقته على المحاويج الذين ينتفعون به أكثر مما ينتفع به بطيب اللحم فالضابط أن مهما كان أكثر نفعا كان أفضل سواء قل أو كثر . واحتج به لمالك في أن عتق الرقبة الكافرة إذا كانت أعلى ثمنا من المسلمي وقد تقدم تقييده بذلك . قوله " أشعرت " بفتح الشين المعجمة والعين المهملة وهو من الشعور . قوله وفي الثاني دليل على جواز تبرع المرأة الخ قد قدمنا الكلام على ذلك في باب ما جاء في تصرف المرأة في مالها ومال زوجها من كتاب الهبة . قوله " أسلمت على ما سلف لك من خير " فيه دليل على أن ما فعله الكافر حال كفره من القرب يكتب له إذا أسلم فيكون هذا الحديث مخصصا لحديث الإسلام يجب ما قبله وقد تقدم في أوائل كتاب الصلاة وجب ذنب الكافر بالإسلام أيضا مشروط بأن يحسن في الإسلام لما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن مسعود قال " قلنا يا رسول الله أنؤاخذ بما عملنا في الجاهلية قال من أحسن ي الإسلام لم يؤاخذ بما عمل في الجاهلية ومن أساء في الإسلام أوخذ بالأول والآخر " وحديث حكيم المذكور يدل على أنه يصح العتق من الكافر في حال كفره ويثاب عليه إذا أسلم بعد ذلك وكذلك الصدقة وصلة الرحم (6/143)
باب من أعتق عبدا وشرط عليه الخدمة (6/143)
1 - عن سفينة أبي عبد الرحمن قال " أعتقتني أم سلمة وشرطت علي أن أخدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما عاش "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " كنت مملوكا لأم سلمة فقالت أعتقك واشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت لو لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما عشت فأعتقتني وأشترطت علي " رواه أبو داود (6/143)
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وقال لا بأس بإسناده . وأخرجه أيضا الحاكم وفي إسناده سعيد بن جمهان أبو حفص الأسلمي وثقه يحيى بن معين وأبو داود السجستاني . وقال أبو حاتم الرازي شيخ يكتب حديثه ولا يحتج به . وقد استدل بهذا الحديث بصحة العتق المعلق على شرط . قال ابن رشد ولم يختلفوا أن العبد إذا أعتقه سيده على أن يخدمه سنين أنه لا يتم عتقه إلا بخدمته . قال ابن رسلان وقد اختلفوا في هذا فكان ابن سيرين يثبت الشرط في مثل هذا وسئل عنه أحمد فقال يشتري هذه الخدمة من صاحبه الذي اشترط له قيل له يشتري بالدراهم قال نعم اه . وقال الخطابي هذا وعد عبر عنه باسم الشرط ولا يلزم الوفاء به وأكثر الفقهاء لا يصححون إيقاع الشرط بعد العتق لأنه شرط لا يلاقي ملكا أو منافع الحر لا يملكها غيره إلا في إجارة أو في ما معناها . قال في البحر مسألة ومن قال أخدم أولادي في ضيعتهم عشر سنين فإذا مضت فأنت حر عتق باستكمال ذلك إجماعا لحصول الشرط والوقت قبل قلت ولو خدمهم في غير تلك الضيعة إذ القصد الخدمة لا مكانها وكذلك فرق السنين عليهم لم يضر . قال الإمام يحيى وللسيد فيه قبل الوفاء كل تصرف إجماعا . قال في البحر في دعوى الإجماع نظر قال الإمام يحيى وتلزمه الخدمة إجماعا إذ قد وهبها السيد لهم قال الهادي ويعتق بمضي المدة وإن لم يخدم إذ علق يمضيها حيث قال فإذا مضت قال وإذا مات الأولاد قبل الخدمة ومضى السنين بطل العتق لبطلان شرطه وقيل إن كان لهم أولاد عتق بخدمتهم إذ يعم اللفظ لا غيرهم من الورثة (6/144)
باب ما جاء فيمن ملك ذا رحم محرم (6/144)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجزى ولد عن والده إلا أن يجده مملوكا فيشتريه فيعتقه "
- رواه الجماعة إلا البخاري (6/144)
2 - وعن الحسن عن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ملك ذا رحم محرم فهو حر "
- رواه الخمسة إلا النسائي . وفي لفظ لأحمد " فهو عتيق " ولأبي داود عن عمر بن الخطاب موقوفا مثل حديث سمرة . وروى أنس " أن رجالا من الأنصار استأذنوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله ائذن لنا فلنترك لابن أختنا عباس فداءه فقال لا تدعوا منه درهما " رواه البخاري وهو دليل على أنه إذا كان في الغنيمة ذو رحم لبعض الغانمين ولم يتعين له لم يعتق عليه لأن العباس ذو رحم محرم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن علي رضي الله عليه (6/145)
- حديث سمرة قال أبو داود والترمذي لم يروه إلا حماد بن سلمة عن قتادة عن الحسن . ورواه شعبة عن قتادة عن الحسن مرسلا وشعبة أحفظ من حماد ولكن الرفع من الثقة زيادة لولا ما في سماع الحسن بن سمرة من مقال . وقال علي بن المديني هو حديث منكر . وقال البخاري لا يصح . وأثر عمر أخرجه أيضا النسائي وهو من رواية قتادة عنه ولم يسمع منه فإن مولده بعد موت عمر بنيف وثلاثين سنة ( وفي الباب ) عن ابن عمر مرفوعا عند النسائي والترمذي وابن ماجه والحاكم قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ملك ذا رحم محرم فهو حر " . وهو من رواية ضمرة عن الثوري عن عبد الله بن دينار عنه . قال النسائي حديث منكر ولا نعلم أحد رواه عن سفيان غير ضمرة . وقال الترمذي لم يتابع ضمرة ابن ربيعة على هذا الحديث وهو خطأ عند أهل الحديث . وقال البيهقي أنه وهم فاحش وقال الطبراني وهم فيه ضمرة والمحفوظ بهذا الإسناد حديث النهي عن بيع الولاء وعن هبته . وقد رد الحاكم هذا وقال أنه روى من طريق ضمرة الحديثين بالإسناد الواحد وضمرة هذا وثقه يحيى بن معين وغيره ولم يخرج له الشيخان وقد صحح حديثه هذا ابن حزم وعبد الحق وابن قطان : قوله " لا يجزي " بفتح أوله أي لا يكافئه بماله من الحقوق عليه إلا بأن يشتريه فيعتقه وظاهره أنه لا يعتق بمجرد الشراء بل لا بد من العتق وبه قالت الظاهرية وخالفهم غيرهم فقالوا أنه يعتق بنفس الشراء . قوله " ذا رحم " بفتح الراء وكسر الحاء وأصله موضع تكوين الولد ثم استعمل للقرابة فيقع على كل من بينك وبينه نسب يوجب تحريم النكاح : قوله " محرم " بفتح الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الراء المخففة ويقال محرم بضم الميم وفتح الحاء وتشديد الراء المفتوحة . والمحرم من لا يحل نكاحه نكاحه من الأقارب كالأب والأخ والعم ومن في معناهم . قال ابن الأثير الذي ذهب إليه أكثر أهل العلم من الصحابة والتابعين وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأحمد أن من ملك ذا رحم محرم عتق عليه ذكرا كان أو أنثى . وذهب الشافعي وغيره من الأئمة والصحابة والتابعين إلى أنه يعتق عليه الأولاد والآباء والأمهات ولا يعتق عليه غيرهم من قرابته . وذهب مالك إلى أنه يعتق عليه الولد والوالد والأخوة ولا يعتق غيرهم . قال البيهقي وافقنا أبو حنيفة في بني الأعمام أنهم لا يعتقون بحق الملك واستدل الشافعي ومن وافقه بأن غير الوالدين والأولاد قرابة لا يتعلق رد الشهادة ولا تجب بها النفقة مع اختلاف الدين فأسبه فرابة ابن العم وبأنه لا يعصبه فلا يعتق عليه بالقرابة كابن العم وبأنه لو استحق العتق عليه بالقرابة لمنع من بيعه إذا اشتراه وهو مكاتب كالوالد والولد ولا يخفى أن نصب مثل هذه الأقيسة في مقابلة حديث سمرة . وحديث ابن عمر مما لا يلتفت إليه منصف والاعتذار عنهما بما فيهما من المقال المتقدم ساقط لأنهما يتعاضدان فيصلحان للاحتجاج . وحكى في الفتح عن داود الظاهري أنه لا يعتق أحدا على أحد . قوله " لابن أختنا " بالمثناة من فوق والمراد أنهم أخوال أبيه عبد المطلب فإن أم العباس هي نتيلة بالنون والفوقية مصغرا بنت جنان والنون وليست من الأنصار وإنما أرادوا بذلك أن أم عبد المطلب منهم لأنها سلمى بنت عمرو بن أحيجة بمهملتين مصغرا وهي من بني النجار . ومثله ما وقع في حديث الهرة أنه صلى الله عليه وآله وسلم نزل على أخواله بني النجار وأخواله حقيقة غنما هم بنو زهرة وبنو النجار هم أخوال جده عبد المطلب . وقد استدل بحديث أنس هذا من قال أنه لا يعتق ذو الرحم على رحمه وقد ترجم عليه البخاري فقال باب إذا أسر أخو الرجل أو عمه هل يفادي قال في الفتح قيل أنه أشار بهذه الترجمة إلى تضعيف ما ورد فيمن ملك ذا رحم محرم (6/145)
باب أن مثل بعبده عتق عليه (6/145)
1 - عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبد الله بن عمرو " أن زنباعا أبا روح وجد غلاما له مع جارية له فجدع أنفه وجبه فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال من فعل ذلك بك قال زنباع فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما حملك على هذا فقال كان من أمره كذا وكذا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فأنت حر فقال يا رسول الله فمولى من أنا فقال مولى الله ورسوله فأوصى به المسلمين فلما قبض جاء إلى أبا بكر فقال وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال نعم نجري عليك النفقة وعلى عيالك فأجراها عليه حتى قبض فلما استخلف عمر جاءه فقال وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم أين تريد قال مصر قال فكتب عمر إلى صاحب مصر أن يعطيه ارضا يأكلها "
- رواه أحمد . وفي رواية أبي حمزة الصيرفي حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " قال جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم صارخا فقال له مالك سيدي رآني أقبل جارية له فجب مذاكيري فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم علي بالرجل فطلب فلم يقر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بالرجل فطلب فلم يقدر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فأنت حر " رواه أبو داود وابن ماجه وزاد " قال على من نصرتي يا رسول الله قال تقول أرأيت أن استرقني مولاي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل مؤمن أو مسلم وروى أن رجلا أقعد أمه له في مقلى حار فأحرق عجزها فأعتقها عمر وأوجعه ضربا " حكاه أحمد في رواية ابن منصور قال وكذلك أقول (6/146)
- حديث عمر بن شعيب سكت عنه أبو داود وقال الترمذي في إسناده عمرو ابن شعيب وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديثه وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ثقة لكنه مدلس وبقية رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا الطبراني . وأثر عمر أخرجه مالك في الموطأ بلفظ " أن وليدة أتت عمر وقد ضربها سيدها بنار فأصابها بها فأعتقها عليه " وأخرجه أيضا الحاكم في المستدرك وفي الباب عن ابن عمر عند مسلم وأبي داود قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه " وعن سويد بن مقرن عند مسلم وأبي داود قال " كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس لنا إلا خادمة واحدة فلطمها أحدنا فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعتقوها " وفي رواية " أنه قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا خادمة لبني مقرن غيرها قال فليستخدموها فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها " وعن سمرة ابن جندب وأبي هريرة ذكرهما ابن الأثير في الجامع وبيض لهما وكلاهما بلفظ " من مثل بعبده عتق عليه " وعن أبي مسعود البدري عند مسلم وغيره وفيه " كنت أضرب غلاما بالصوت فسمعت صوتا من خلفي إلى أن قال فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام " وفيه قلت يا رسول الله هو حر لوجه الله فقال لو لم تفعل للفحتك النار أو لمستك النار " ( والأحاديث ) تدل على أن المثلة من أسباب العتق وقد اختلف هل يقع العتق بمجردها أم لا فحكى في البحر عن علي الهادي والمؤيد بالله والفريقين أنه لا يعتق بمجردها بل يؤمر السيد بالعتق فإن تمرد فالحاكم . وقال مالك والليث وأبو داود والأوزاعي بل يعتق بمجردها . وحكي في البحر عن الأكثر أن من مثلة بعبده لم يعتق وعن الأوزاعي أنه يعتق ويصمن القيمة للمالك قال النووي في شرح مسلم عند الكلام علي حديث سويد بن مقرن المتقدم أنه أجمع العلماء أن ذلك العتق ليس واجبا وأنما هو مندوب رجاء الكفارة وإزالة أثم اللطم وذكر من أدلتهم على عدم الوجوب إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهم بأن يستخدموها ورد بأن إذنه صلى الله عليه وآله وسلم لهم باستخدامها لا يدل على عدم الوجوب بل الأمر قد أفاد الوجوب والإذن بالاستخدام دل على كونه وجوبا متراخيا إلى وقت الاستغناء عنها ولذا أمره عند الاستغناء بالتخلية لها . ونقل النووي أيضا عن القاضي عياض أنه أجمع العلماء على أنه لا يجب إعتاق بشيء مما يفعله المولى من مثل هذا الأمر الخفيف يعني اللطم المذكور في حديث سويد بن مقرن واختلفوا فيما كثر من ذلك وشنع من ضرب مبرح لغير موجب أو تحرق بنار أو قطع عضو أو إفساده أو نحو ذلك فذهب مالك والأوزاعي والليث إلى عتق العبد بذلك ويكون ولاؤه له ويعاقبه السلطان على فعله وقال سائر العلماء لا يعتق عليه اه وبهذا يتبين أن الاجتماع الذي أطلقه النووي المقيد بمثل ما ذكره القاضي عياض ( واعلم ) أن ظاهر حديث ابن عمر الذي ذكرناه يقتضي أن اللطم والضرب يقتضيان العتق من غير فرق بين القليل والكثير والمشروع وغيره ولم يقل بذلك أحد من العلماء وقد دلت الأدلة على أنه يجوز للسيد أن يضرب عبده للتأديب ولكن يجاوز به عشرة أسواط ومن ذلك حديث إذا ضرب أحدكم خادمه فليجتنب الوجه " فأفاد بأنه يباح ضربه في غيره ومن ذلك الإذن لسيد الأمة يحدها فلا بد من تقييد مطلق الضرب الوارد في حديث ابن عمر هذا بما ورد من الضرب المأذون به فيكون موجب العتق للعتق هو ما عداه (6/146)
باب من أعتق شركا له في عبد (6/146)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أعتق شركا له في عبد وكان له مال يبلغ ثمن العبد قوم العبد عليه قيمة عدل فأعطى شركاءه حصصهم وعتق عليه العبد وإلا فقد عتق عليه ما عتق "
- رواه الجماعة والدارقطني . وزاد " ورق ما بقي " وفي رواية متفق عليها " من أعتق عبدا بينه وبين آخر عليه في ماله قيمة عبد لاوكس ولا شطط ثم عتق عليه في ماله إن كان موسرا " وفي رواية " من أعتق عبا بين اثنين فإن كان موسرا . قوم عليه ثم يعتق " رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " من أعتق شركا له في مملوك ووجب عليه أن يعتق كله إن كان له مال قدر ثمنه يقام قيمة عدل ويعطى شركاءه قيمة المعتق " رواه البخاري . وفي رواية " من أعتق نصيبا له في مملوك أو شركا له في عبد وكان له من مال ما يبلغ قيمته بقيمة العدل فهو عتيق " رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " من أعتق شركا له في عبد عتق ما بقي في ماله إذا كان له ما يبلغ ثمن العبد " رواه مسلم وأبو داود (6/147)
2 - وعن ابن عمر أنه كان يفتى في البعد أو الأمة يكون بين شركاء فيعتق أحدهم نصيبه منه يقول قد وجب عليه عتقه إذا كان للذي أعتق من المال ما يبلغ يقوم من ماله قيمة العدل ويدفع إلى الشركاء انصباءهم ويخلى سبيل المعتق يخبر بذلك ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه البخاري (6/147)
3 - وعن أبي المليح عن أبيه " أن رجلا من قومنا أعتق شقصا له من مملوكه فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل خلاصه عليه في ماله وقال ليس لله عز و جل شريك " ز
- رواه أحمد . وفي لفظ " هو حر كله ليس لله شريك " رواه أحمد ولأبي داود معناه (6/147)
4 - وعن إسماعيل بن أمية عن أبيه عن جده " قال كان لهم غلام يقال له طهمان أو ذكوان فأعتق جده نصفه فجاء العبد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تعتق في عتقك وترق في رقك قال فكان يخدم سيده حتى مات "
- رواه أحمد (6/148)
5 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال من أعتق شقيصا له من مملوكه فعليه خلاصة في ماله فإن لم يكن له مال قوم المملوك قيمة عدل ثم استسعى في نصيب الذي لم يعتق غير مشقوق عليه "
- رواه الجماعة إلا النسائي (6/148)
- حديث أبي مليح أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وقال النسائي أرسله سعيد بن أبي عروبة وساقه عنه مرسلا وقال هشام وسعيد أثبت من همام في قتادة وحديثهما أولى بالصواب وأبو مليح اسمه عامر ويقال عمر ويقال زيد وهو ثقة محتج بحديثه في الصحيحين وأبو أسامة بن عمير هذلي بصري له صحبة ولا يعلم أن أحدا روى عنه غير ابنه أبي المليح وقوى الحافظ في الفتح اسناد حديث أبي مليح قال وأخرجه أحمد بإسناد حسن من حديث سمرة " أن رجلا أعتق شقصا في مملوك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو حر كله وليس لله شريك " وحديث إسماعيل بن أمية قال في مجمع الزوائد هو مرسل ورجاله ثقات . وأخرجه الطبراني ويشهد له ما في حديث ابن عمر المذكور بلفظ " وإلا فقد عنق عليه ما عتق " وما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد حسن عن ابن التلب بالتاء الفوقانية عن أبيه " أن رجلا أعتق نصيبا له من مملوك فلم يضمنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث أبي هريرة قال أبو داود ورواه روح بن عبادة عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكر السعاية اه ورواه يحيى بن سعيد وابن عدي عن سعيد بن أبي عروبة لم يذكرا فيه السعاية . ورواه يزيد بن زريع عن سعيد فذكر فيه السعاية وقال البخاري رواه سعيد عن قتادة فلم يذكر فيه السعاية وقال الخطابي اضطرب سعيد بن أبي عروبة في السعاية مرة يذكرها ومرة لا يذكرها فدل على أنها ليست من متن الحديث عنده وإنما هي من كلام قتادة وتفسيره على ما ذكره همام وبينه قال ويدل ويدل على ذلك حديث ابن عمر يعني الذي فيه وإلا فقد عتق عليه ما عتق . وقال الترمذي روى شعبة هذا الحديث عن قتادة ولم يذكر فيه السعاية . وقال النسائي أثبت أصحاب قتادة شعبة وهمام على خلاف سعيد بن أبي عروبة وصوب روايتهما قال وقد بلغني أن هماما روى هذا الحديث عن قتادة فجعل قوله وإن لم يكن مال الخ من قول قتادة وقال عبد الرحمن بن مهدي أحاديث همام عن قتادة اصح من حديث غيره لأنه كتبه املاء . قال أبو بكر النيسابوري ما أحسن ما رواه همام وضبطه فصل قول قتادة وقال ابن عبد البر الذين لم يذكروا السعاية أثبت ممن ذكرها . وقال البيهقي قد اجتمع ههنا شعبة مع فضل حفظه وعلمه بما سمع من قتادة وما لم يسمع وهشام مع فضل حفظه وهمام مع صحة كتابه وزيادة معرفته بما ليس من الحديث على خلاف سعيد بن أبي عروبة ومن تابعه في إدراج السعاية في الحديث . وذكر أبو بكر الخطيب أبا عبد الرحمن بن يزيد المقري قال رواه همام وزاد فيه ذكر الاستسعاء وجعله من قول قتادة وميزه من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال ابن العربي اتفقوا على أن ذكر الاستسعاء ليس من قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما هو من قول قتادة وقد ضعف أحمد رواية سعيد بن أبي عروبة ولكنه قد تابع سعيد على ذكر افستسعاء جماعة على كما ذكر ذلك البخاري . ومنهم جرير بن حازم ومنهم حجاج بن حجاج عن قتادة . ومنهم أحمد بن حفص أحد شيوخ البخاري عن أبيه عن إبراهيم ابن طهمان عن حجاج وفيها ذكر السعاية ورواه عن قتادة أيضا حجاج بن أرطأ كما روى الطحاوي . ورواه أيضا عن قتادة أبان كما في سنن أبي داود ورواه أيضا موسى بن خلف عن قتادة كما ذكر ذلك الخطيب ورواه ايضا شعبة عن قتادة كما في صحيح مسلم والنسائي . وقد رحج رواية سعيد للسعاية ورفعها جماعة منهم ابن دقيق العيد قالوا لأن سعيد بن أبي عروبة اعرف بحديث قتادة لكثرة ملازمته له وكثرة أخذه عنه وإن كان همام وهشام أحفظ منه لكنه لا يناف ما روياه وإنما اقتصرا من الحديث على بعضه وليس المجلس متحدا حتى يتوقف في زيادة سعيد ولهذا صحح صاحبا الصحيحين كون الجميع مرفوعا قال في الفتح وأما ما أعل به حديث سعيد من كونه اختلط أو تفرد به فمردود لأنه في الصحيحين وغيرهما من رواية من سمع منه قبل الاختلاط كيزيد بن زريع ووافقه عليه أربعة آخرون معهم لا نطيل بذكرهم وهمام هو الذي انفرد بالتفضيل وهو الذي خالف الجميع في القدر المتفق على رفعه فإنه جعله واقعة عين وهم جعلوه حكما عاما فدل على أنه لم يضبطه بشكل كما ينبغي
والعجب ممن طعن في رفع الاستسعاء بكون همام جعله من قول قتادة ولم يطعن فيما يدل على ترك الاستسعاء وهو قوله في حديث ابن عمر " وإلا فقد عتق منه ما عتق بكون أيوب جعله من قول نافع وميزه كما صنع همام سواء فلم يجعلوه مدرجا كما جعلوا حديث همام مدرجا مع كون يحيى بن سعيد وافق أيوب في ذلك وهمام ولم يوافقه أحد وقد جزم بكون حديث نافع مدرجا محمد بن وضاح وآخرون والذي يظهر أن الحديثين صحيحان مرفوعان وفاقا لصاحبي الصحيح . قال ابن المواق والانصاف أن لا يوهم الجماعة بقول واحد مع احتمال آن يكون سمع قتادة يفتي به فليس بين تحديثه به مرة وفتياه أخرى منافاة . ويؤيده أن البيهقي أخرج عن قتادة أنه أفتى به ومما يؤيد الرفع في حديث ابن عمر أعني قوله " وإلا فقد عتق عليه ما عتق " أن الذي رفعه مالك وهو أحفظ لحديث نافع من أيوب وقد تابعه عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب كما قال البيهقي ولا شك أن الرفع زيادة معتبرة لا يليق إهمالها كما تقرر في الأصول وعلم الاصطلاح وما ذهب إليه بعض أهل الحديث من الإعلال لطريق الرفع بالوقف في طريق أخرى لا ينبغي التعويل عليه وليس له مستند ولا سيما بعد الإجماع على قبول الزيادة التي لم تقع منافية مع تعدد مجالس السماع فالواجب قبول الزيادتين المذكورتين في حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة وظاهرهما التعارض والجمع ممكن لا كما قال الإسماعيلي وقد جمع البيهقي بين حديثين بأن معناهما أن المعسر إذا أعتق حصته لم يسر العتق على حصة شريكه بل تبقى حصة شريكه على حالها وهي الرق ثم يستسعي العبد في عتق بقيته فيحصل ثمن الجزء الذي لشريك سيده ويدفعه إليه ويعتق وجعلوه في ذلك كالمكاتب وهو الذي جزم به البخاري قال الحافظ والذي يظهر أنه في ذلك باختياره لقوله " غير مشقوق عليه " فلو كان ذلك على سبيل اللزوم بأن يكلف العبد الاكتساب والطلب حتى يحصل ذلك لحصل له غاية المشقة وهي لا تلزم في الكتابة بذلك عند الجمهور لأنها غير واجبة فهذه مثلها
قال البيهقي لا يبقى بين الحديثين بعد هذا الجمع معارضة أصلا قال الحافظ وهو كما قال إلا أنه يلزم منه أن يبقى الرق في حصة الشريك إذا لم يختر العبد الاستسعاء فيعارضه حديث أبي مليح الذي ذكره المصنف قال ويمكن حمله على ما إذا كان المعتق غنيا أو على ما إذا كان جميعه له فأعتق بعضه واستدل على ذلك بحديث ابن التلب الذي تقدم ثم قال وهو محمول على المعسر وإلا لتعارضا . وجمع بعضهم بطريق أخرى فقال أبو عبد الملك المراد بالاستسعاء أن العبد يستمر في حصة الذي لم يعتق رقيقا فيسعى في خدمته بقدر ماله فيه من الرق قال ومعنى قوله " غير مشقوق عليه " أي من جهة سيده المذكور فلا يكلفه من الخدمة فوق حصة الرق ويؤيد هذا حديث إسماعيل بن أمية الذي ذكره المصنف ولكنه يرد عليه ما وقع في رواية للنسائي وأبي داود في لفظ " واستسعى في قيمته لصاحبه " واحتج من أبطل السعاية بحديث الرجل الذي أعتق ستة مماليك عند موته فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء ثم أقرع بينهم فأعتق اثنين وأرق أربعة وقد تقدم في باب تبرعات المريض من كتاب الوصايا . ووجه الدلالة منه أن الاستسعاء لو كان مشروعا لنجز من كل واحد منهم عتق ثلثه واستسعى في بقية قيمته لورثة الميت وأجاب من أثبت السعاية بأنها واقعة عين فيحتمل أن تكون قبل مشروعية السعاية ويحتمل أن تكون السعاية مشروعة في غير هذه الصورة . وقد أخرج عبد الرزاق بإسناد رجال ثقات " آن رجلا من بني عذرة أعتق مملوكا له عند موته وليس له مال غيره فأعتق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلثه وأمر أن يسعى في الثلثين " واحتجوا أيضا بما أخرجه النسائي عن ابن عمر من حديث وفيه " وليس على العبد شيء " وأجيب بأن ذلك مختص بصورة اليسار لقوله في هذا الحديث " وله وفاء " والسعاية إنما هي في صورة الإعسار . وقد ذهب إلى الأخذ بالسعاية إذا كان المعتق معسرا أبو حنيفة وصاحباه والأوزاعي والثوري وإسحاق وأحمد في رواية وإليه ذهبت الهادوية وآخرون ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق جميعه في الحال ويستسعي العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد ابن أبي ليلى فقال ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما دفعه إلى الشريك . وقال أبو حنيفة وحده يتخير بين السعاية وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ وإليه ذهبت الهادوية وآخرون ثم اختلفوا فقال الأكثر يعتق جميعه في الحال ويستسعي العبد في تحصيل قيمة نصيب الشريك وزاد ابن أبي ليلى فقال ثم يرجع العبد على المعتق الأول بما دفعه إلى الشريك . وقال أبو حنيفة وحده يتخير بين السعاية وبين عتق نصيبه وهذا يدل على أنه لا يعتق عنده ابتداء إلا النصيب الأول فقط وعن عطاء يتخير الشريك بين ذلك وبين إبقاء حصته في الرق وخالف الجميع زفر فقال يعتق كله وتقوم حصة الشريك فتؤخذ إن كان المعتق موسرا وتبقى في ذمته إن كان معسرا وقد حكى في البحر عن الفريقين من الحنفية والشافعية مثل قول زفر فينظر في صحة ذلك
وحكي أيضا عن الشافعي أنه يبقي نصيب شريك المعسر رقيقا وعن الناصر أنه يسعى العبد مطلقا . وعن أبي حنيفة يسعى عن المعسر ولا يرجع عليه والموسر يخير شريكه بين تضمينه أو السعاية أو إعتاق نصيبه كما مر . وعن عثمان البتي أنه لا شيء على العتق إلا أن تكون جارية تراد للوطء فيضمن ما أدخل على شريكه فيها من الضرر . وعن ابن شبرمة أن القيمة في بيت المال وعن محمد بن إسحاق أن هذا الحكم للعبيد دون الإماء . قوله " قيمة عدل " بفتح العين أي لا زيادة فيه ولا نقص : قوله " لاوكس " بفتح الواو وسكون الكاف بعدها سين مهملة أي لا نقص ولا الشطط بشين معجمة ثم طاء مهملة مكررة وهو الجور بالزيادة على القيمة من قولهم شطني فلان إذا شق عليك وظلمك حقك . قوله " أو شركا له في مملوك " الشرك بكسر الشين المعجمة وسكون الراء الحصة والنصيب . قالابن دقيق العيد هو في الأصل مصدر : قوله " شقصا " بكسر الشين المعجمة وسكون القاف . وفي الرواية الثانية شقيصا بفتح الشين وكسر القاف والشقص والشقيص مثل النصف مثل النصف والنصيف وهو القليل من كل شيء وقيل هو النصيب قليلا كان أو كثيرا (6/148)
باب التدبير (6/149)
1 - عن جابر " أن رجلا أعتق غلاما له عن دبر فاحتاج فأخذه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال من يشتريه مني فاشتراه نعيم بن عبد الله بكذا وكذا فدفعه إليه "
- متفق عليه . وفي لفظ " قال أعتق رجل من الأنصار غلاما له عن دبر وكان محتاجا وكان عليه دين فباعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بثمانمائة درهم فأعطاه فقال اقض دينك وأنفق على عيالك " رواه النسائي (6/149)
2 - وعن محمد بن قيس بن الأحنف عن أبيه عن جده " أنه أعتق غلاما له عن دبر وكاتبه فأدى بعضا وبقي بعض ومات مولاه فأتوا ابن مسعود فقال ما أخذ فهو له وما بقي فلا شيء لكم "
- رواه البخاري في تاريخه (6/149)
- حديث جابر أخرجه أيضا الأربعة وابن حبان والبيهقي من طرق كثيرة بألفاظ متنوعة . وفي الباب عن ابن عمر مرفوعا وموقوفا عند البيهقي لفظ " المدبر من الثلث " ورواه الشافعي والحافظ يقفونه على ابن عمر . ورواه الدارقطني مرفوعا بلفظ " المدبر لا يباع ولا يوهب وهو حر من الثلث " وفي إسناده عبيدة بن حسان وهو منكر الحديث . وقال الدارقطني في العلل الأصح وقفه وقال العقيلي لا يعرف غلا بعلي بن بن ظبيان وهو منكر الحديث . وقال أبو زرعة الموقوف أصح . وقال ابن القطان المرفوع ضعيف . وقال البيهقي الصحيح موقوف . وقد روى نحوه عن علي موقوفا عليه . وعن أبي قلابة مرسلا " أن رجلا أعتق عبدا له عن دبر فجعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الثلث " وروى الشافعي والحاكم عن عائشة أنها باعت مدبرة سحرتها : قوله " أن رجلا " في مسلم أنه أبو مذكور الأنصاري والغلام اسمه يعقوب . ولفظ أبي داود " أن رجلا يقال له أبو مذكور أعتق غلاما يقال له يعقوب اه وهو يعقوب القبطي كما في رواية مسلم وابن أبي شيبة : قوله " عن دبر " بضم الدال والموحدة وهو العتق في دبر الحياة كأن يقول السيد لعبده أنت حر بعد موتي أو إذا مت فأنت حر وسمي السيد مدبرا بصيغة اسم الفاعل لأنه دبر أمر دنياه باستخدامه ذلك المدبر واسترقاقه ودبر أمر آخرته بإعتاقه وتحصيل أجر العتق : قوله " فاشتراه نعيم بن عبد الله " في رواية للبخاري نعيم بن النحام بالنون والحاء المهملة المشددة وهو لقب والد نعيم وقيل أنه لقب لنعيم وظاهر الرواية خلاف ذلك ( والحديث يدل على جواز بيع المدبر مطلقا من غير تقييد بالفسق والضرورة وإليه ذهب الشافعي وأهل الحديث ونقله البيهقي في المعرفة عن أكثر الفقهاء
وحكي النووي عن الجمهور أنه لا يجوز بيع المدبر مطلقا والحديث يريد عليهم . وروى عن الحنفية والمالكية أنه لا يجوز بيع الدبر تدبيرا مطلقا لا المدبر تدبيرا مقيدا نحو أن يقول إن مت من مرضي هذا ففلان حر فإنه يجوز بيعه لأنه كالوصية فيجوز الرجوع فيه كما يجوز الرجوع فيها . وقال أحمد يمتنع بيع المدبر دون المدير . وقال الليث يجوز بيعه أن شرط على المشتري عن \ تقه وقال ابن سيرين لا يجوز بيعه إلا من نفسه . وقال مالك وأصحابه لا يجوز بيعه إلا إذا كان على السيد دين فيباع له . قال النووي وهذا الحديث صريح أو ظاهر في الرد عليهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما باعه لينفقه سيده على نفسه ولعله لم يقف على رواية النسائي التي ذكرها المصنف نعم لا وجه لقصر جواز البيع على حاجة قضاء الدين بل يجوز البيع لها ولغيرها من الحاجات والرواية المذكورة قد تضمنت أن الرجل المذكور كان محتاجا للبيع لما كان عليه من الدين ومن نفقة أولاده . وقد ذهب إلى جواز البيع لمطلق الحاجة عطاء والهادي والقاسم والمؤيد بالله وأبو طالب كما حكى ذلك عنهم في البحر وإليه مال ابن دقيق العيد فقال من منع البيع مطلقا كان الحديث حجة عليه لأن المنع الكلي يناقضه الجواز الجزئي ومن أجازه في بعض الصور فله أن يقول قلت بالحديث في الصورة التي ورد فيها فلا يلزمه القول به غير ذلك من الصور وأجاب من أجازه مطلقا بأن قوله في الحديث وكان محتاجا لا مدخل له في الحكم وإنما ذكر لبيان السبب في المبادرة لبيعه ليبين للسيد جواز البيع ولا يخفى أن في الحديث إيماء إلى المقتضى لجواز البيع بقوله فاحتاج وبقوله اقض دينك وأنفق على عيالك ( لا يقال ) الأصل جواز البيع والمنع منه يحتاج إلى دليل ولا يصلح لذلك حديث الباب لأن غايته أن البيع فيه وقع للحاجة ولا دليل على اعتبارها في غيره بل مجرد ذلك الأصل كاف في الجوار لأنا نقول قد عارض ذلك الأصل إيقاع العتق المعلق فصار الدليل بعده على مدعي الجواز ولم يرد الدليل غلا في صورة الحاجة فيبقى ما عداها على أصل المنع . واما ما ذهب إليه الهادوية من جواز بيع المدبر للفسق كما يجوز للضرورة فليس على ذلك دليل إلا ما تقدم عن عائشة من بيعها للمدبرة التي سحرتها وهو مع كونه أخص من الدعوى لا يصلح للاحتجاج به لما قررناه غير مرة من أن قول الصحابي وفعله ليس بحجة ( واعلم ) أنها قد اتفقت طرق هذا الحديث على أن البيع وقع في حياة السيد إلا ما أخرجه الترمذي بلفظ " أن رجلا من الأنصار دبر غلاما له فمات " وكذلك رواه الأئمة احم وإسحاق وابن المديني والحميدي وابن أبي شيبة عن ابن عيينة ووجه البيهقي الرواية المذكورة بأن أصلها أن رجلا من الأنصار أعتق مملوكه إن حديث به حدث فمات فدعا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فباعه من نعيم كذلك رواه مطر الوراق عن عمر . وقال البيهقي فقوله فمات من بقية الشرط أي فمات من ذلك الحدث وليس أخبارا عن أن المدبر مات فحذف من رواية ابن عيينة قوله إن حدث به حدث فوقع الغلط بسبب ذلك اه
( وقد استدل ) بحديث الباب وما في معناه على مشروعية التدبير وذلك مما لا خلاف فيه وإنما الخلاف هل ينفذ من رأس المال أو من الثلث فذهب الفريقان من الشافعية والحنفية ومالك والعترة وهو مروي عن علي وعمر أنه ينفذ من الثلث واستدلوا بما قدمنا من قوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو حر من الثلث وذهب ابن مسعود والحسن البصري وابن المسيب والنخعي وداود ومسروق إلى أنه ينفذ من راس المال قياسا على الهبة وسائر الأشياء التي يخرجها الإنسان من ماله في حال حياته واعتذروا عن الحديث الذي احتج به الأولون بما فيه من المقال المتقدم ولكنه معتضد بالقياس على الوصية ولا شك أنه بالوصية أشبه منه بالهبة لما بينه وبين الوصية من المشابهة التامة . قوله " ما أخذ فهو له وما بقي فلا شيء لكم " استدل به القاضي زيد والهادوية على أن الكتابة لا يبطل بها التدبير ويعتق العبد عندهم بالأسبق منهما وقال المنصور بالله لا تصح الكتابة بعد التدبير لأنها بيع فلا تصلح إلا حيث يصح البيع ورد بإن ذلك تعجيل للعتق مشروط (6/150)
باب المكاتب (6/150)
1 - عن عائشة " أن بريرة جاءت تستعينها في كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها ولم تكن قضت من كتابتها شيئا فقالت لها عائشة ارجعي إلى أهلك فإن أحبوا أن أقضى عنك كتابتك ويكون ولاؤك لي فعلت فذكرت بريرة ذلك لأهلها فأبوا وقالوا إن شاءت أن تحتسب عليك فلتفعل ويكون لنا ولاؤك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله و سلم فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابتاعي فأعتقي فإنما الولاء لمن أعتق ثم قام فقال ما أناس يشترطون شروطا ليست في كتاب الله تعالى من اشترط شرطا ليس في كتاب الله فليس له وإن شرطه مائة مرة شرط الله أحق وأوثق "
- متفق عليه . وفي رواية قالت " جاءت بريرة إني كاتبت أهلي على تسع أوراق في كل عام أوقية " الحديث متفق عليه (6/150)
- قوله " باب المكاتب " بفتح الفوقانية من تقع له الكتابة وبكسرها من تقع منه والكتابة بكسر الكاف وفتحها قال الراغب اشتقاقها من كتب بمني أوجب ومنه قوله تعالى كتب عليكم الصيام أو بمعنى جمع وضم ومنه كتب الخط . قال الحفظ وعلى الأول تكون مأخوذة من معنى الالتزام وعلى الثاني تكون مأخوذة من الخط لوجوده عند عقدها غالبا . قال الروائي الكتابة إسلامية ولم تكن تعرف في الجاهلية وقال ابن التين كانت الكتابة متعارفة قبل الإسلام فأقرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقالابن خزيمة وقد كانوا يكاتبون في الجاهلية بالمدينة قوله " أن بريرة " قد تقدم ضبط هذا الاسم وبيان اشتقاقه في باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه من كتاب البيع وتقدم أيضا رف من شرح هذا الحديث في باب أن من شرط الولاء أو شرط شرطا فاسدا من كتاب البيع أيضا قوله " فإن أحبوا " الخ ظاهره أن عائشة طلبت أن يكون الولاء لها إذا بذلت جميع مال الكتابة ولم يقع ذلك إذ لو وقع لكان اللوم على عائشة بطلبها ولاء من أعتقه غيرها . وقد رواه أبو أساممة بلفظ يزيل الإشكال فقال " ان أعدها لهم عدة واحدة وأعتقك ويكون ولاؤك لي فعلت " وكذلك رواه وهيب عن هشام فعرف بذلك أنها أرادت أن تشتريها شراء صحيحا ثم تعتقها إذ العتق فرع ثبوت الملك ويؤيده قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم " ابتاعي فأعتقي " والمراد بالأهل هنا في قول عائشة ارجعي إلى أهلك السادة والأهل في الأصل الآل وفي الشرع من تلزم نفقته : قوله " إن شاءت أن تحتسب " هو من الحسبة بكسر الحاء المهملة أي تحتسب الأجر عند الله ولا يكون لها ولاء . قوله " فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في رواية للبخاري فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسالني وفي أخرى له فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بلغه . قوله " ابتاعي فأعتقي " هو كقوله في الحديث ابن عمر لا يمنعك ذلك . قوله " على تسع أواق " في رواية معلقة للبخاري " خمي أواق نجمت عليها في خمس سنين " ولكن المشهور رواية التسع قد جزم الإسماعيلي بأن رواية الخمس غلط ويمكن الجمع بأن التسع أصل والخمس كانت بقيت عليها وبهذا جزم القرطبي والمحب الطبري ويعكر عليه ما في تلك الرواية بلفظ " ولم تكن قضت من كتابتها شيئا " وأجيب بأنها كانت حصلت الربع الأواق قبل أن تستعين ثم جاءتها وقد بقيت عليها خمس . وقال القرطبي يجاب بأن الخمس هي التي كانت استحقت عليها بحلول نجمها من جملة التسع الأواق المذكورة ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري ذكرها في أبواب المساجد بلفظ " فقال أهلها إن شئت أعطيت ما يبقى " وقد قدمنا بقية الكلام على هذا الحديث في ذلك الباب من كتاب البيع فليرجع إليه وله فوائد أخر خارجة عن المقصود . قال ابن بطال أكثر الناس من تخريج الوجوه في حديث بربرة حتى بلغوها نحو مائة وجه . وقال النووي صنف فيه ابن خزيمة وابن جرير تصنيفين كبيرين أكثر فيهما من استنباط الفوائد (6/151)
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما عبد كوتب بمائة أوقية فادها إلا عشرة أوقيات فهو رقيق "
- رواه أبو داود (6/151)
3 - وعن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا كان لإحداكن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي ويحمل الأمر بالاحتجاب على الندب (6/151)
4 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يؤدي المكاتب بحصة ما أدى دية الحر وما بقي دية العبد "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه (6/152)
5 - وعن علي عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يؤدي المكاتب بقدر ما أدي "
- رواه أحمد (6/152)
- حديث عمرو بن شعيب باللفظ الأول أخرجه أيضا الحاكم وصححه وقال الترمذي غريب . قال الشافعي لم أجد أحدا روى هذا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا عمرا ولم أر من رضيت من أهل العلم يثبته وعلى هذا فتا المفتين . وأخرجه باللفظ الثاني أيضا النسائي والحاكم وابن حبان وحسن الحافظ إسناده في بلوغ المرام وهو من رواية إسماعيل بن عياش وفيه مقال . وقال النسائي هو حديث منكر وهو عندي خطأ اه وفي إسناده عطاء الخراساني عن عمرو بن شعيب ولم يسمع عنه كما قال ابن حزم . وحديث أم سلمة قال الشافعي لم أر أحدا ممن رضيت من أهل العلم يثبت واحدا من هذين الحديثين قال البيهقي أراد هذا وحديث عمرو بن شعيب يعني الذي قبله اه من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها . وقد صرح معمر بسماع الزهري من نبهان . وقد أخرجه ابن عزيمة عن نبهان من طريق أخرى . وعن ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري وهو عن النسائي مسند ومرسل ورجال إسناده عند أبي داود ثقات . وحديث علي علي عليه السلام أخرجه أيضا أبو داود لأنه قال في السنن بعد إخراجه لحديث ابن عباس ما لفظه ورواه يعني حديث ابن عباس وهيب عن أيوب عن عكرمة عن علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعله إسماعيل بن علية من قول عكرمة وأخرجه البيهقي من طرق : قوله " فهو رقيق " أي تجرى عليه أحكام الرق وفيه دليل على جواز بيع المكاتب لأنه رق مملوك وكل مملوك يجوز بيعه وهبته والوصية به وهو القديم من مذهب الشافعي وبه قال أحمد وابن المنذي قال بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهي مكاتبة ولم ينكر ذلك ففيه أبين بيان أن بيعه جائز قال ولا أعلم خبر يعارضه قال ولا أعلم دليل علي عجزها وقال الشافعي في الجديد ومالك وأصحاب الرأي أنه لا يجوز بيعه وبه قالت العترة قالوا لأنه قد أخرج عن ملكه بدليل تحريم الوطء والاستخدام وتأول الشافعي حديث بريرة على أنها كانت قد عجزت وكان بيعها فسخا لكتابتها وهذا التأويل يحتاج إلى دليل : قوله " فلتحتجب منه " ظاهر الأمر الوجوب إذا كان مع المكاتب من المال ما يكفي بما عليه من مال الكتابة لأنه قد صار حرا وإن لم يكن قد سلمه إلى مولاته وقيل أنه محمول على الندب قال الشافعي يجوز أن يكون أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة بالاحتجاب من مكاتبها إذا كان عنده ما يؤدي لتعظيم أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون ذلك مختصا بهن ثم قال مع هذا فاحتجاب المرأة ممن يجوز له أن يراها واسع وقد أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سودة أن تحتجب من رجل قضى أنه أخوها وذلك يشبه أن يكون للاحتياط وإن الاحتجاب ممن له أن يراها مباح اه والقرينة الخاطئة بحمل هذا الأمر على الندب حديث عمرو بن شعيب المذكور فإنه يقتضي حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكم العبد والعبد يجوز له النظر إلى سيدته كما هو مذهب أكثر السلف لقوله تعالى { وما ملكت أيمانهن } وذهب جماعة من أهل العلم منهم الهادوية إلى أنه لا يجوز للعبد النظر إلى سيدته . ومن متمسكاتهم ما روي عن سعيد بن المسبب أنه قال لا تغرنكم آية النور فالمراد بها الإماء قال في البحر وخصهن بالذكر لتوهم مخالفتهن للحرائر في قوله تعالى { أو نسائهن } اه وقد تمسك بحديث عمرو بن شعيب جمهور أهل العلم من الصحابة وغيرهم فقال حكم المكاتب قبل تسليم جميع مال الكتابة حكم العبد في جميع الأحكام من الأرث والأرش والدية والحد مغير ذلك وتمسك من قال بأنه يعتق من المكاتب بقدر ما أدي من مال الكتابة وتتبعض الأحكام التي يمكن تبعضها في حقه ابن عباس وحديث علي المذكورين وقد قدمنا في باب ميراث المعتق بعضهم من كتاب الفرائض أقوال في المكاتب الذي قد أدى بعض مال كتابته : قوله " يؤدي المكاتب " بضم أوله وفتح الدال المهملة مبنيا للمجهول أي يؤدي الجاني عليه من ديته أو أرشه لما كان منه حر بحساب دية الحر وأرشه ولما كان منه عبدا بحساب دية العبد وأرشه (6/152)
6 - وعن موسى بن أنس " أن سيرين سأل أنس بن مالك المكاتبة وكان كثير المال فأبى فانطلق إلى عمر فقال كاتبه فأبى فضربه عمر بالدرة وتلى عمر فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا "
- أخرجه البخاري (6/153)
7 - وعن أبي سعيد المقبر قال " اشترتني امرأة من بني ليث بسوق ذي المجاز بسبعمائة درهم ثم قدمت فكاتبتني على أربعين ألف درهم فأذهبت إليها عامة المال ثم حملت ما بقي إليها فقلت هذا مالك فاقبضيه حتى آخذه منك شهرا بشهر وسنة بسنة فخرجت به إلى عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فقال عمر ادفعه إلى بيت المال ثم بعث إليها هذا المالك في بيت المال وقد عتق أبو سعيد فإن شئت خذي شهرا بشهر وسنة بسنة قال فأرسلت فأخذته "
- رواه الدارقطني (6/153)
- حديث أبي سعيد المقبري هو من رواية ابنه سعيد بن أبي سعيد وأخرجه ايضا البيهقي وأورده صاحب التلخيص وسكت عنه : قوله " أن سيرين " هو والد محمد ابن سيرين الفقيه المشهور وكنيته أبو عمرة وكان من سبى عين التمر اشتراه أنس في خلافته أبي بكر وروى عن عمر وغيره وذكره ابن حبان في ثقات التابعين وموسى بن أنس الراوي عنه لم يدرك وقت سوال سيرين الكتابة من أنس . وقد رواه عبد الرزاق والطبراني من وجه آخر متصل من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة قال أرادني سيرين على المكاتبة فأبيت فأتى عمر بن الخطاب فذكره نحوه . وقد استدل بالآية المذكورة من قال بوجوب الكتابة وقد نقله ابن حزم عن مسروق والضحاك وزاد القرطبي معهما عكرمة وهو قول للشافعي وبه قالت الظاهرية واختاره ابن جرير الطبري وحكاه في البحر عن عطاء وعمرو ابن دينار . وقالإسحاق بن راهويه أنها واجبة إذا طلبها العبد وذهبت العترة والشافعية والحنفية وجمهور العلماء إلى عدم الوجوب وأجابوا عن الآية بأجوبة منها ما قاله أبو سعيد الأصطخرى أن القرينة الصارفة للأمر المذكور آخر الآية أعني قوله تعالى { إن علمتم فيهم خيرا } فإنه وكل الاجتهاد في ذلك إلى المولى ومقتضاه أنه إذا رأى عدمه لم يجبر عليه فدل على أنه غير واجب . وقال غيره الكتابة عقد غرر فكان الأصل أن لا تجوز فلما وقع الإذن فيها كان أمرا بعد منع والأمر بعد المنع للإباحة ولا يرد على هذا كونها مستحية لأن استحبابها ثبت بأدلة أخرى قال القرطبي لما ثبت أن رقبة العبد وكسبه ملك لسيده دل على أن الأمر بالكتابة غير واجب لن قوله خذ كسبي وأعتقني يصير بمنزلة أعتقني بلا شيء وذلك غير واج اتفاقا . وأجاب عن الآية في البحر بأن القياس على المعاوضات صرفها عن الظاهر كالتخصيص ورد بأن القياس المذكور فاسد الاعتبار لأنه في مقابلة النص ويجاب بأن المراد بالقياس المذكور هو الأصل المعلوم من الأصول المقررة وهو صالح للصرف لا القياس الذي هو إلحاق أصل بفرع حتى يرد بما ذكر واستدل بفعل عمر المذكور في قصة أبي سعيد المقبري من لم يسترط التنجيم في الكتابة وهم أبو حنيفة ومالك والناصر والمؤيد بالله . وذهب الشافعي والهادي وأبو العباس وأبو طالب إلى اشتراط التأجيل والتنجيم واستدلوا على ذلك بأن الكتابة مشتقة من الضم وهو ضم بعض النجوم إلى بعض وأقل ما يحصل به الضم نجمان واحتجوا أيضا بما رواه ابن أبي شيبة عن علي بلفظ " إذا تتابع على المكاتب نجمان فلم يؤد نجومه رد إلى الرق " ولا يخفى أن مثل هذا لا ينتهض للاحتجاج به على الاشتراط أما أولا فلأنه قول الصحابي وأما ثانيا فليس فيه ما يشعر بأن ذلك على جهة الحتم والتأجيل في الأصل إنما جعل لأجل الرفق بالعبد لا بالسيد فإذا قدر العبد على التعجيل وتسليم المال دفعة فكيف يمنع من ذلك . والحاصل أن التنجيم جائز بالاتفاق كما حكي ذلك في الفتح وأما كونه شرطا أو واجبا فلا مستند له : (6/153)
باب ما جاء في أم الولد (6/154)
1 - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من وطئ أمته فولدت له فهي معتقة عن دبر منه "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " أيما امرأو ولدت من سيدها فهي معتقة عن دبر منه أو قال من بعده " رواه أحمد (6/154)
2 - وعن ابن عباس قال " ذكرت أم إبراهيم عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعتقها ولدها "
- رواه ابن ماجه والدارقطني (6/154)
- الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وله طرق وفي إسناده الحسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف جدا وقد رجح جماعة وقفه على عمرو وفي رواية للدارقطني والبيهقي من حديث ابن عباس أيضا أم الولد حرة وإن كان سقطا وإسناده ضعيف . قال الحافظ والصحيح أنه من قول ابن عمر . والحديث الثاني في إسناده أيضا حسين بن عبد الله الهاشمي وهو ضعيف جدا كما تقدم . قال البيهقي وروي عن ابن عباس من قوله قال وله علة ورواه مسروق عن عكرمة عن عمرو عن خصيف عن عكرمة عن ابن عمر قال فعاد الحديث إلى عمر وله طرق أخرى رواه البيهقي من حديث ابن لهيعة عن عبيد الله بن جعفر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لأم إبراهيم أعتقك ولدك وهو معضل وقال ابن حزم صح هذا بسند رواته ثقات عن ابن عباس ثم ذكره من طريق قاسم بن أصبغ عن محمد بن مصعب عن عبيد الله بن عمر عن عبد الكريم الجزري عن عكرمة عن ابن عباس وتعقبه ابن قطان بأن قوله عن محمد بن مصعب خطأ وإنما هو عن محمد وهو ابن وضاح عن مصعب وهو ابن سعيد المصيصي وفيه ضعف ( والحديثان ) يدلان على أن الأمة تصير حرة إذا ولدت من سيدها وسيأتي الكلام على ذلك قريبا والخلاف فيه . وأم الولد هي الأمة التي علقت من سيدها بحمل ووضعته متخلقا وادعاه (6/155)
3 - وعن أبي سعيد قال " جاء رجل من النصار فقال يا رسول الله أنا نصيب سبيا فنحب الأثمان فكيف ترى في العزل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنكم لتفعلون ذلكم لا عليكم أن تفعلوا ذلكم فإنها ليست نسمة كتب الله عز و جل أن تخرج إلا وهي خارجة "
- رواه أحمد والبخاري (6/155)
- الحديث فيه دليل على جواز العزل عن الإماء وسيذكر المصنف حديث أبي سعيد هذا في باب ما جاء في العزل من كتاب الوليمة والبناء ويأتي شرحه إن شاء الله تعالى هنالك فإن الموضع الأليق به وفي مطلق العزل خلاف طويل وكذلك في خصوص العزل عن الحرة أو الأمة أو أم الولد وسيأتي هنالك مبسوطا بمعونة الله ولعل مراد المصنف رحمه الله بإيراد الحديث الاستدلال بقوله فنحب الأثمان على منع بيع الأمهات الأولاد وهو محتمل (6/155)
4 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه نهى عن بيع أمهات الأولاد وقال لا يبعن ولا يوهبن ولا يورثن يستمتع بها السيد ما دام حيا وإذا مات فهي حرة "
- رواه الدارقطني ورواه مالك في الموطا والدارقطني من طريق آخر عن ابن عمر عن عمر من قوله وهو أصح (6/156)
5 - وعن أبي الزبير عن جابر " أنه سمعه يقول كنا نبيع سرارينا أمهات أولادنا والنبي صلى الله عليه وآله وسلم فينا حي لا نرى بذلك بأسا "
- رواه أحمد وابن ماجه (6/156)
6 - وعن عطاء عن جابر " قال بعنا أمهات الأولاد على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر فلما كان عمر نهانا فانتهينا "
- رواه أبو داود . قال بعض العلماء إنما وجه هذا أن يكون ذلك مباحا ثم نهي عنه ولم يظهر النهي لمن باعها ولا علم أبو بكر بمن باع في زمانه لقصر مدته واشتغاله بأهم أمور الدين ثم ظهر ذلك زمن عمر فأظهر النهي والمنع وهذا مثل حديث جابر أيضا في المتعة قال " كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر حتى نهانا عنه عمر في شأن عمرو بن حريث " رواه مسلم وإنما وجه ما سبق لامتناع النسخ بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم (6/156)
7 - وعن الخطاب بن صالح عن أمه قالت " حدثتني سلامة بنت معقل قالت كنت للحباب بن عمر ولي منه غلام فقالت لي امرأته الآن تباعين في دينه فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال من صاحب تركة الحباب بن عمر قالوا أخوه أبو اليسر كعب بن عمر فدعاه فقال لا تبيعوا وأعتقوها فإذا سمعتم برقيق قد جاءني فأتوني أعوضكم ففعلوا فاختلفوا فيما بينهم بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وآل وسلم فقال قوم أم الولد مملوكة لولا ذلك لم يعوضكم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال بعضهم هي حرة قد أعتقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي كان الاختلاف "
- رواه أحمد في مسنده قال الخطابي وليس إسناده لذلك (6/157)
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا البيهقي مرفوعا وموقوفا وقال الصحيح وقفه على عمر وكذا قال عبد الحق . وقال صاحب الإلمام المعروف فيه الوقوف والذي رفعه ثقة قيل ولا يصح مسندا . وحديث جابر الأول أخرجه أيضا الشافعي والبيهقي وحديثه الثاني أخرجه أيضا ابن حبان والحافظ . وحديث سلامة بنت معقل أخرجه أيضا أبو داود وفي إسناده محمد بن إسحاق بن يسار وفيه مقال . وذكر البيهقي أنه أحسن شيء روي في هذا الباب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا بعد أن ذكر أحاديث في أسانيدها مقال ( وفي الباب ) عن أبي سعيد عند الحاكم بنحو حديث جابر الآخر وإسناده ضعيف . قال البيهقي وليس في شيء من الطرق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطلع علي ذلك يعني بيع أمهات الأولاد وأقرهم عليه . وقال الحافظ أنه روى ابن أبي شيبة في مصنفه من طريق أبي سلمة عن جابر ما يدل على ذلك يعني الإطلاع والتقرير : قوله " قال بعض العلماء " قد روى نحو هذا الكلام عن الخطاب فقال يحتمل أن يكون بيع أمهات الأولاد كان مباحا ثم نهى عنه صلى الله عليه وآله وسلم في آخر حياته ولم يشهر ذلك فلما بلغ ذلك عمر نهاهم : قوله ومثل هذا حديث جابر سيأتي الكلام عليه في النكاح إن شاء الله تعالى : قوله " عن الخطاب بن صالح " هو المدني مولى النصار معدود في الثقات توفي سنة ثلاث وأربعين ومائة وسلامة بتخفيف اللام وهي امرأة من قيس عيلان والحباب بضم الحاب المهملة وتخفيف الباء الموحدة وأبو اليسر بفتح التحتية والسين المهملة اسمه كعب يعد في أهل المدينة وهو صحابي أنصاري بدري عقبي . وقد استدل بحديثي ابن عباس المذكورين في الباب وحديث ابن عمر القائلون بأنه لا يجوز بيع أمهات الأولاد وهم الجمهور وقد حكي ابن قدامة إجماع الصحابة على ذلك ولا يقدح في صحة هذه الحكاية ما روي عن علي وابن عباس وابن الزبير من الجواز لأنه قد روي عنهم الرجوع عن المخالفة كما حكي ذلك ابن رسلان في شرح السنن . وأخرج عبد الرزاق عن علي بإسناد صحيح أنه رجه عن رأيه الآخر إلى قول جمهور الصحابة وأخرج أيضا عن معمر عن أيوب عن ابن سيرين عن عبيدة السلماني قال " سمعت عليا يقول اجتمع رأيي ورأي عمر في أمهات الأولاد أن لا يبعن ثم رأيت بعد أن يبعن قال عبيدة فقلت له فرأيك ورأي عمر في الجماعة أحب إلي من رأيك وحدك في الفرقة " وهذا الإسناد معدود في أصح الأسانيد ورواه البيهقي عن طريق أيوب . وأخرج نحوه ابن أبي شيبة وروى ابن قدامة في الكافي أن عليا لم يرجع رجوعا صريحا إنما قال لعبيدة وشريح اقضوا كما كنتم تقضون فإني أكره الخلاف وهذا واضح في أنه لم يرجع عن اجتهاده وإ ما أذن لهم أن يقضوا باجتهادهم الموافق لرأي من تقدم . قال ابن قدامة أيضا وقد روى صالح عن أحمد أنه قال أكره بيعهن وقد باع علي بن أبي طالب قال أبو الخطاب فظاهر هذا أنه يصح مع الكراهة وروى البيهقي من طرق منها عن الثوري عن عبد الله بن دينار قال جاء رجلان إلى ابن عمر فقال من أين أقبلتما قال من قبل ابن الزبير فأحل لنا أشياء كانت تحرم علينا قال ما أحل لكم قالا أحل لنا بيع أمهات الأولاد قال أتعرفان أبا حفص عمر فإنه نهى أن تباع أو تورث يستمتع بها ما كان حيا فإذا مات فهي حرة ومن القائلين بجواز البيع الناصر والباقر والصادق والإمامية وبشر المريسي ومحمد بن المطهر وولده المزني وداود الظاهري قتادة ولكنه إنما يجوزعند الباقر و الصادق و الامامية بشرط أن بيعها في حياة سيدها فإن مات ولها منه ولد باق عتقت عندهم و قد قيل إن هذا مجمع عليه و قد روي في جامع آل محمد عن القاسم بن إبراهيم أن من أدرك من أهله لم يكونوا يثبتون رواية بيع أمهات الأولاد و قد ادعى بعض المتأخرين الإجماع على تحريم بيع أم الولد مطلقا وهو مجازفة ظاهرة
وادعى بعض أهل العلم أن تحريم بيعهن قطعي وهو فاسد لأن القطع بالتحريم إت كان لأجل الأدلة القاضية بالتحريم ففيها ما عرفت من المقال السالف وإن كان لأجل الإجماع المدعي ففيه ما عرفت وكيف يصح الاحتجاج بمثل ذلك والخلاف ما زال منذ أيام الصحابة إلى الآن وقد تمسك القائلون بالجواز بحديثي جابر المذكورين وحديث سلامة وقد عرفت أن حديثي جابر ليس فيهما ما يدل على إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على البيع وتقريره كما تقدم عن البيهقي وأيضا قوله فلا نرى بذلك باسا الرواية فيه بالنون التي للجماعة ولو كانت بالياء التحتية لكان فيه دلالة على التقرير . وأما حديث سلامة فدلالته على عدم الجواز أظهر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهاهم عن البيع وامرهم بالإعتاق وتعويضهم عنها ليس فيه دليل على أنه كان يجوز بيعها لاحتمال أنه عوضهم لما رأى من احتياجهم وهذه المسألة طويلة الذيل . وقد افردها ابن كثير بمصنف مستقل . وحكي عن الشافعي فيها أربعة أقوال وذكر أن جملة ما فيها من الأقوال للعلماء ثمانية ولا شك أن الحكم بعتق أم الولد مستلزم لعدم جواز بيعها فلو صلحت الأحاديث القاضية بأنها تصير حرة بالولادة لكانت دليلا على عدم جواز البيع ولكن فيها ما سلف والأحوط اجتناب البيع لأن أقل أحواله أن يكون من الأمور المشتبهة والمؤمنون واقفون عندها كما أخبرنا بذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه وآله وسلم والله أعلم (6/157)
كتاب النكاح (6/157)
باب الحث عليه وكراهة تركه للقادر عليه (6/158)
1 - عن ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا معشر السباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء "
- رواه الجماعه (6/158)
2 - وعن سعد بن أبي وقاص قال " رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان بن مظعون التبتل ولو أذن له لاختصينا " (6/158)
3 - وعن أنس " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بعضهم لا أتزوج وقال بعضهم أصلي ولا أنام وقال بعضهم أصوم ولا أفطر فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما بال أقوام قالوا كذا وكذا لكني أصوم وأفطر وأصلي وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني "
- متفق عليهما (6/159)
4 - وعن سعيد بن جبير قال " قال لي ابن عباس هل تزوجت قلت لا قال تزوج فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء "
- رواه أحمد والبخاري (6/159)
5 - وعن قتادة عن الحسن عن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن التبتل وقرأ قتادة وقد رسلنا رسلا من قبلك وجعلنا لهم أزواجا وذرية "
- رواه الترمذي وابن ماجه (6/159)
- حديث سمرة قال الترمذي أنه حسن غريب قال وروى الأشعث بن عبد الملك هذا الحديث عن الحسن عن سعد بن هشام عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويقال كلا الحديثين صحيح انتهى . وفي سماع الحسن عن سمرة خلاف مشهور قد ذكرناه فيما تقدم . وحديث عائشة الذي أشار إليه الترمذي أخرجه أيضا النسائي ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الديلمي في مسند الفردوس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حوا تستغنوا وسافروا تصحوا وتناكحوا تكثروا فإني أباهي بكم الأمم " وفي إسناده محمد بن الحرث عن محمد بن عبد الرحمن البيلماني وهما ضعيفان . ورواه البيهقي أيضا عن الشافعي أنه ذكره بلاغا وزاد في آخره حتى بالسقط . وعن أبي أمامة عند البيهقي بلفظ " تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية النصارى " وفي إسناده محمد بن ثابت وهو ضعيف . وعن حرملة بن النعمان عند الدارقطني في المؤتلف وابن قانع في الصحابة بلفظ " امرأة ولود أحب إلى الله من امرأة حسناء لا تلد إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة " قال الحافظ وإسناده ضعيف . وعن عائشة أيضا عند ابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال النكاح من سنتي فمن لم يعمل بسنتي فليس مني وتزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم ومن كان ذا طول فلينحك ومن لم يجد فعليه بالصوم فإن الصوم له وجاء " وفي إسناده عيسى بن ميمون وهو ضعيف . وعن عمرو بن العاص عند مسلم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " حبب إلي من الدنيا النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة " وقد تقدم الكلام على هذا الحديث في باب الاكتحال والأدهان والتطيب من كتاب الطهارة . وعن عائشة أيضا عند الحاكم وأبي داود في المراسيل بلفظ " تزوجوا النساء فإنهن يأتينكم بالمال " وقد اختلف في وصله وغرساله ورجح الدارقطني المرسل على الموصول . وعن أبي هريرة عند الترمذي والحاكم والدارقطني وصححه بلفظ " ثلاثة حق على الله إعانتهم المجاهد في سبيل الله والناكح يريد أن يستعفف والمكاتب يريد الأداء " وعن أنس أيضا عند الحاكم بلفظ " من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الثاني " قال الحافظ وسنده ضعيف . وعنه أيضا " من تزوج امرأة صالحة فقد أعطى نصف العبادة " وفي إسناده زيد العمي وهو ضعيف . وعن ابن عباس عند أبي داود والحاكم بلفظ " ألا أخبركم بخير مما يكنز المرء المرأة الصالحة إذا نظر إليها سرته وإذا غاب عنها حفظته وإذا أمرها أطاعته " وعن ثوبان عند الترمذي نحوه ورجاله ثقات إلا أن انقطاعا
وعن أبي نجيح عند البيهقي والبغوي في معجم الصحابة بلفظ " من كان موسرا فم ينكح فليس منا " قال البيهقي هو مرسل وكذا جزم به أبو داود والدولابي وغيرهما . وعن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم " لم ير للمتحابين مثل التزويج " وعنه أيضا عند أحمد وأبي داود والحاكم وصححه والطبراني " ولا صرورة في الإسلام " وهو من رواية عطاء عن عكرمة عنه . قال ابن طاهر هو ابن وراز وهو ضعيف . وفي رواية الطبراني ابن أبي الجوار وهو موثوق هكذا في التلخيص أنه من رواية عطاء عن عكرمة ولا رواية له ولعله من رواية عمرو بن عطاء بن وراز وهو مجهول من السادسة أو عمرو بن عطاء بن أبي الجوار وهو مقبول من الخامسة وكأنه سقط من التلخيص اسم عمرو . والصرورة بفتح الصاد المهملة الذي لم يتزوج والذي لم يحج . وعن عياض بن غنم عند الحاكم بلفظ " لا تزوجوا عاقرا ولا عجوزا فإني مكاثر بكم الأمم " وإسناده ضعيف . وفيه أيضا عن الصنابح بن الأعسر وسهل بن حنيف وحرملة بن النعمان ومعاوية بن حيدة أشار إلى ذلك الحافظ في الفتح . وفي الباب عن أنس أيضا وعبد الله بن عمرو . ومعقل بن يسار . وأبي هريرة أيضا وجابر وسيأتي ذلك في الباب الذي بعد هذا . قوله " كتاب النكاح " هو في اللغة الضم والتداخل . وفي الشرع عقد بين الزوجين يحل به الوطء وهو حقيقة في العقد مجاز في الوطء وهو الصحيح لقوله تعالى { فانكحوهن بإذن أهلهن } والوطء لا يجوز بالأذن وقال أبو حنيفة هو حقيقة في الوطء مجاز في العقد لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " تناكحوا تكثروا " وقوله " لعن الله ناكح يده " وقال الإمام يحيى وبعض أصحاب أبي حنيفة أنه مشترك بينهما وبه قال أبو القاسم الزجاجي . وقال الفارسي إنه إذا قيل نكح فلانة أو بنت فلان فالمراد به العقد وإذا قيل نكح زوجته فالمراد به الوطء ويدل على القول الأول ما قيل أنه لم يرد في القرآن إلا للعقد كما صرح بذلك الزمخشري في كشافه في أوائل سورة النور ولكنه منتقض لقوله تعالى { حتى تنكح زوجا غيره } وقال أبو الحسين بن فارس إن النكاح لم يرد في القرآن إلا للتزويج إلا قوله تعالى { وابتلوا اليتاما حتى إذا بلغوا النكاح } فإن المراد به الحلم قوله " يا معشر الشباب " المعشر جماعة يشملهم وصف ما والشباب جمع شاب قال الأزهري لم يجمع فاعل علي فعال غيره وأصله الحركة والنشاط . وهو اسم لمن بلغ إلى أن يكمل ثلاثين هكذا أطلق الشافعية حكى ذلك عنهم صاحب الفتح . وقال القرطبي في المفهم يقال له حدث إلى ست عشرة سنة ثم شاب إلى اثنين وثلاثين ثم كهل . قال الزمخشري إن الشباب من لدن البلوغ إلى اثنين وثلاثين . وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين . وقال النووي الأصح المختار إن الشباب من لدن البلوغ إلى اثنين وثلاثي . وقال ابن شاس المالكي في الجواهر إلى أربعين . وقال النووي الأصح المختار أن الشباب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ثم هو شيخ . وقال الروياني وطائفة من جاوز الثلاثين سمي شيخا زاد ابن قتيبة إلى أن يبلغ الخمسين وقال أبو إسحاق الأسفرايني عن الأصحاب المرجع في ذلك اللغة وأما بياض الشعر فيختلف باختلاف الأمزجة هكذا في الفتح : قوله " الباءة " بالهمز وتاء التأنيث ممدودا وفيها لغة أخرى بغير همز ولا مد وقد تهمز وتمد بلا هاء . قال الخطابي المراد بالباء النكاح وأصله الموضع يتبوؤه ويأوي إليه . وقال النووي اختلف العلماء في المراد بالباءة هنا على قولين يرجعان إلى معنى واحد أصحهما أن المراد معناها اللغوي وهو الجماع فتقديره من استطاع منكم الجماع لقدرته على مؤنة وهي مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع الجماع لعجزه عن مؤنة فعليه بالصوم ليدفع شهوته ويقطع شر منية مكا يقطعه الوجاء . والقول الثاني إن المراد بالباءة مؤنة النكاح سميت باسم ما يلازمها وتقديره من استطاع منكم مؤنة النكاح فليتزوج ومن لم يستطع فليصم قالوا والعاجز عن الجماع لا يحتاج إلى الصوم لدفع الشهوة فوجب تأويل الباءة على المؤن . وقال القاضي عياض لا يبعد أن تختلف الاستطاعتان فيكون المراد بقوله من استطاع الباءة أي بلغ الجماع وقدر عليه فليتزوج ويكون قوله " ومن لم يستطع " أي لم يقدر على التزويج وقيل الباءة بالمد القدرة على مؤن النكاح وبالقصر الوطء
قال الحافظ ولا مانع من الحمل على المعنى الأعم بأن يراد بالباءة القدرة على الوطء ومؤن التزويج وقد وقع في رواية عند الإسماعيلي من طريق أبي عوانة بلفظ " من استطاع منكم أن يتزوج فليتزوج " وفي رواية للنسائي " من كان ذا طول فلينكح " ومثله لابن ماجه من حديث عائشة والبزار من حديث أنس . قوله " أغض للبصر " الخ أي أشد غضا وأشد إحصانا له ومنعا من الوقوع في الفاحشة : قوله " فعليه " قيل هذا من اغراء الغائب ولا تكاد العرب تغري إلا الشاهد تقول عليك زيدا ولا تقول عليه زيدا . قال الطيبي وجوابه أنه لما كان الضمير للغائب راجعا إلى لفظة من وهي عبارة عن المخاطبين في قوله " يا معشر الشباب " وبيان لقوله " منكم " جاز قوله عليه لانه بمنزلة الخطاب . وأجاب القاضي عياض بأن الحديث ليس فيه إغراء الغائب بل الخطاب للحاضرين الذي خاطبهم أولا بقوله " من استطاع منكم " وقد استحسنه القرطبي والحافظ والارشاد إلى الصوم لما فيه من الجوع والامتناع عن مثيرات الشهوة ومستدعيات طغيانها : قوله " وجاء " بكسر الواو والمد وأصله الغمز ومنه وجأ في عنقه إذا غمزه وجأه بالسيف إذا طعنه به وجأه الثييه غمزهما حتى رضهما . وتسمية الصيام وجاء استعارة والعلامة المشابهة لأن الصوم لما كان مؤثرا في ضعف شهوة النكاح شبه بالوجاء . وقد استدل بهذا الحديث على أن من لم يستطع الجماع فالمطلوب منه ترك التزويج لإرشاده صلى الله عليه وآله وسلم من كان كذلك إلى مافيه ويضعف داعيه . وذهب بعض أهل العلم إلى أنه مكروه في حقه : قوله " رد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عثمان ابن مظعون التبتل " هو في الأصل الإنقطاع والمراد به هذا الإنقطاع من النكاح وما يتبعه من الملاذ إلى العبادة والمراد بقوله تعالى { وتبتل إليه تبتيلا } انقطع إليه انقطاعا وفسره مجاهد بالإخلاص وهو لازم للإنقطاع . قوله " ولو أذن له لاختصينا " الخصى هو شق الأنثيين وانتزاع البيضتين . قال الطيبي كان الظاهر أن يقول ولو أذن له لتبتلنا لكنه عدل عن هذا الظاهر إلى قوله لاختصينا لإرادة المبالغة أي لبالغنا في التبتل حتى يفضي بنا الأمر إلى الاختصاء ولم يرد به حقيقة الاختصاء لانه حرام وقيل بل هو على ظاهره وكان ذلك قبل النهي عن الاختصاء . وأصل حديث عثمان ابن مظعون أنه قال " يا رسول الله أني رجل يشق على العزوبة فأذن لي في الاختصاء قال لا ولكن عليك بالصيام " الحديث في لفظ آخر " أنه قال يا رسول الله أتأذن لي في الاختصاء قال إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة " وأخرج ذلك من طريق عثمان بن مظعون الطبري : قوله " إن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخ أصل الحديث " جاء ثلاثة رهط إلى بيوت أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما أخبروا كأنهم تقالوها فقالوا وأين نحن من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه ما تأخر فقال بعضهم " الحديث : قوله " لكني أصوم وأفطر " الخ فيه دليل على أن المشروع هو الاقتصاد في الطاعات لأن أتعاب النفس فيها والتشديد عليها يفضي إلى ترك الجميع والدين يسر ولن يشاد أحد الدين الا غلبه والشريعة المطهرة مبنية على التيسير وعدم التنفير : قوله " فمن رغب عن سنتي فليس مني " المراد بالسنة الطريقة . والرغبة الاعراض . وأراد صلى الله عليه وآله وسلم أن التارك لهديه القويم المائل إلى الرهبانية خارج عن الاتباع إلى الابتداع وقد أسلفنا الكلام على مثل هذه العبارة في مواطن من هذا الشرح : قوله " فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء " قيل مراد ابن عباس بخير هذه الأمة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل على ذلك ما وقع عند الطبراني بلفظ " فان خيرنا كان أكثرنا نساء " وعلى هذا فيكون التقييد بهذه الأمة لاخراج مثل سليمان فإنه كان أكثر نساء . وقيل أراد ابن عباس ان خير أمة محمد من كان أكثرها نساء من غيره ممن يساويه فيما عدا ذلك من الفضائل
قال الحافظ والذي يظهر ان مراد ابن عباس بالخير النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالأمة أخصاء أصحابه وكأنه أشار إلى ان ترك التزويج مرجوح إذ لو كان راجحا ما آثر النبي صلى الله عليه وآله وسلم غيره " قوله " نهى عن التبتل " قد استدل بهذا النهي . وبقوله في الحديث الأول " فليتزوج " وبقوله " فمن رغب عن سنتي " وبسائر ما في أحاديث الباب من الأوامر ونحوها من قال بوجوب النكاح . قال في الفتح وقد قسم العلماء الرجل في التزويج إلى أقسام . التائق إليه القادر على مؤنة الخائف على نفسه فهذا يندب له النكاح عند الجميع وزاد الحنابلة في رواية أنه يجب وبذلك قال أبو عوانة الأسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه أنه يجب بذلك قال أبو عوانة الاسفرايني من الشافعية وصرح به في صحيحه ونقله المصعبي في شرح مختصر الجويني وجها وهو قول داود وأتباعه انتهى . وبه قالت الهادوية مع الخشية على النفس من المعصية . قال ابن حزم وفرض على كل قادر على الوطء إن وجد ما يتزوج به أو يتسري ان يفعل أحدهما فإن عجز عن ذلك فليكثر من الصوم وهو قول جماعة من السلف انتهى . والمشهور عن أحمد أنه لا يجب على القادر التائق الا إذا خشي العنت وعلى هذه الرواية اقتصر ابن هبيرة . وقال الماوردي الذي نطق به مذهب مالك أنه مندوب وقد يجب عندنا في حق من لا ينكف عن الزنا الا به . وقال القرطبي المستطيع الذي يخاف الضرر على نفسه ودينه من العزوبة لا يرتفع عنه ذلك الا بالتزويج لا يختلف في وجوب التزويج عليه . وحكى ابن دقيق العيد الوجوب على من خاف العنت عن المازري وكذلك حكى عنه التحريم على من يخل بالزوجة في الوطء والانفاق مع عدم قدرته عليه . والكراهة حيث لا يضر بالزوجة مع عدم التوقان إليه وتزداد الكراهة إذا كان ذلك يفضي إلى الإخلال بشيء من الطاعات التي يعتادها والاستحباب فيما إذا حصل به معنى مقصود من كسر شهوة واعفاف نفس وتحصين فرج ونحو ذلك والأباحة فيما إذا اتفقت الدواعي والموانع . وقد ذهبت الهادوية إلى مثل هذا التفضيل . ومن العلماء من جزم بالأستحباب فمن هذه صفته لما تقدم من الأدلة المقتضية للترغيب في مطلق النكاح . قال القاضي عياض هو مندوب في حق كل من يرجى منه النسل ولو لم يكن له في الوطء شهوة وكذا في حق من له رغبة في نوع من الاستمتاع بالنساء غير الوطء فاما من لانسل له ولا أرب له في النساء ولا في الاستمتاع فهذا مباح في حقه إذا علمت المرأة بذلك ورضيت . وقد يقال انه مندوب أيضا لعموم " لا رهبانية في الإسلام " قال الحافظ لم أره بهذا اللفظ لكن في حديث سعد بن أبي وقاص عند الطبراني إن الله أبدلنا بالرهبانية الحنيفية السمحة (6/160)
باب صفة المرأة التي يستحب خطبتها (6/160)
1 - عن أنس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأمر بالباءة وينهي عن التبتل نهيا شديدا ويقول تزوجوا الودود الولود فإني مكائر بكم الأنبياء يوم القيامة " (6/160)
2 - وعن عبد الله بن عمر ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " انكحوا أمهات الأولاد فأني اباهي بكم يوم القيامة "
- رواهما أحمد (6/161)
3 - وعن معقل بن يسار قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني أصبت امرأة ذات حسب وجمال وأنها لا تلد فاتزوجها قال لا ثم أتاه الثانية فنهاه ثم أتاه الثالثة فقال تزوجوا الودود الولود فأن مكاثر بكم "
- رواه أبو داود والنسائي (6/161)
- حديث أنس أخرجه أيضا ابن حبان وصححه وذكره في مجمع الزوائد في موضعين فقال في أحدهما رواه أحمد والطبراني في الأوسط من طريق حفص بن عمر عن أنس وقد ذكره ابن أبي حاتم وروى عنه جماعة وبقية رجاله رجال الصحيح وقال في موضع آخر وإسناده حسن . وحديث عبد الله بن عمرو أشار إليه الترمذي وقال في مجمع الزوائد وفيه جريربن عبد الله العامري وقد وثق وهو ضعيف . وحديث معقل أخرجه أيضا ابن حبان وصححه الحاكم ( وفي الباب ) أحاديث قد قدمت الإشارة وقد تقدم تفسير التبتل . والولود كثيرة الولد والودود المودودة لما هي عليه من حسن الخلق والتودد إلى الزوج وهو فعول بمعنى مفعول . والمكائرة يوم القيامة إنما تكون بكثرة أمته صلى الله عليه وآله وسلم وهذه الأحاديث وما في معناها تدل على مشروعية النكاح ومشروعية أن تكون المنكوحة ولودا . قال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر بعض أحاديث الباب ما لفظه وهذه الأحاديث وإن كان في الكثير منها ضعف فمجموعها يدل على أن لما يحصل به المقصود من الترغيب في الزويج أصلا لكن في حق من يتأتى منه النسل انتهى . وقد تقدم الكلام على أقسام النكاح (6/161)
4 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له يا جابر تزوجت بكرا أم ثيبا قال ثيبا قال هلا تزوجت بكرا تلاعبها وتلاعبك "
- رواه الجماعة (6/162)
5 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فأظفر بذات الدين تربت يداك "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (6/162)
6 - وعن جابر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن المرأة تنكح على دينها ومالها وجمالها فعليك بذات الدين تربت يداك "
- رواه مسلم والترمذي وصححه (6/162)
- قوله " بكرا " هي التي لم توطأ والثيب هي التي قد وطئت : قوله " تلاعبها وتلاعبك " زاد البخاري في رواية له في النفقات " وتضاحكها وتضاحكك " وفي رواية لأبي عبيد " تداعبها تداعبك " بالدال المهملة مكان اللام وفيه دليل على استحباب نكاح الأبكار الا لمقتض لنكاح الثيب كما وقع لجابر فإنه قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قال له ذلك " هلك أبي وترك سبع بنات أوتسع بنات فتزوجت ثيبا كرهت أن أجيئهن بمثلهن فقال بارك الله لك " هكذا في البخاري في النفقات وفي رواية له ذكرها في المغازي من صحيحه " كن لي تسع أخوات فكرهت أن أجمع إليهن جارية خرقاء مثلهن ولكن امرأة تقوم عليهن وتمشطهن قال أصبت " قوله " تنكح المرأة لأربع " أي لأجل أربع . قوله " لحسبها " بفتح الحاء والسين المهملتين بعدها باء موحدة أي شرفها والحسب في الأصل الشرف بالآباء وبالأقارب مأخوذ من الحساب لأنهم كانوا إذا تفاخروا عدوا مناقبهم ومآثر آبائهم وقومهم وحسبوها فيحكم لمن زاد عدده على غيره . وقيل المراد بالحسب ههنا الأفعال الحسنة وقيل المال وهو مردود بذكره قبله ويؤخذ منه أن الشريف النسيب يستحب له أن يتزوج نسيبة الا أن تعارض نسيبة غير دينة وغير نسيبة دينة فتقدم ذات الدين وهكذا في كل الصفات . وأما ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه " ان أحساب أهل الدنيا الذي يذهبون إليه المال فقال الحافظ يحتمل أن يكون المراد أنه حسب من لا حسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لا نسب له ومنه حديث سمرة رفعه " الحسب المال والكرم التقوى " أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم : قوله " وجمالها " يؤخذ منه استحباب نكاح الجميلة ويلحق بالجمال في الذات الجمال في الصفات : قوله " فاظفر بذات الدين " فيه دليل على أن اللائق بذي الدين والمروءة أن يكون الدين مطمح نظره في كل شيء لا سيما فيما تطول صحبته كالزوجة وقد وقع في حديث عبد الله بن عمرو عند ابن ماجه والبزار والبيهقي رفعه " لا تزوجوا النساء لحسنهن فعسى حسنهن أن يرديهن ولا تزوجهن لأموالهن فعسى أموالهن أن تطغيهن ولكن تزوجوهن على الدين ولامة سوداء ذات دين أفضل " ولهذا قيل إن معنى حديث الباب الاخبار منه صلى الله عليه وآله وسلم بما يفعله الناس في العادة فإنهم يقصدون هذه الخصال الأربع وآخرها عندهم ذات الدين فاظفر أيها المسترشد بذات الدين : قوله " تربت يداك " أي لصقت بالتراب وهي كناية عن الفقر قال الحافظ وهو خبر بمعنى الدعاء لكن لا يراد به حقيقته وبهذا جزم صاحب العمدة وزاد غيره ان صدور ذلك من النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حق مسلم لا يستجاب لشرطه ذلك على ربه . وحكى ابن العربي ان المعنى استغنت ورد بأن المعروف أترب إذا استغنى وترب إذا افتقر . وقيل معناه ضعف عقلك وقيل افتقرت من العلم وقيل فيه شرط مقدر أي وقع لك ذلك لم تفعل ورجحه ابن العربي . وقيل معنى تربت خابت قال القرطبي معنى الحديث ان هذه الخصال الأربع هي التي يرغب في نكاح المرأة لاجلها فهو خير عما في الوجود من ذلك لا انه وقع الأمر به بل ظاهره إباحة النكاح لقصد كل من ذلك قال ولا يظن من هذا الحديث إن هذه الأربع يؤخذ منها الكفاءة أي تنحصر فيها فإن ذلك لم يقل به أحد فيما علمت وإن كانوا اختلفوا في الكفاءة ما هي وسيأتي الكلام على الكفاءة (6/163)
باب خطبة المجبرة إلى وليها والرشيدة إلى نفسها (6/163)
1 - عن عراك عن عروة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب عائشة إلى أبي بكر فقال له أبو بكر إنما أنا أخوك فقال أنت أخي في دين الله وكتابه وهي لي حلال "
- رواه البخاري هكذا مرسلا (6/163)
2 - وعن أم سلمة قالت " لما مات أبو سلمة أرسل إلي النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاطب بن أبي بلتعة يخطبني له فقلت له إن لي بنتا وأنا غيور فقال أما ابنتها فتدعو الله أن يغنيها عنها وأدعو الله أن يذهب بالغيرة "
- مختصر من مسلم (6/164)
- الحديث الأول فيه دليل على أن خطبة المرأة الصغيرة البكر تكون إلى وليها قال ابن بطال وفيه أن النهي عن انكاح البكر حتى تستأمر مخصوص بالمبالغة التي يتصور منها الأذن . وأما الصغيرة فلا أذن لها وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في الإجبار والاستئمار : قوله " وأنا غيور " هذه الصيغة يستوي فيها المذكر والمؤنث فيقول كل واحد منهما أنا غيور والمراد بالغيرة التي وصفت بها نفسها أنها تغار إذا تزود زوجها امرأة أخرى والنبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كان له زوجات قبلها . قال في القاموس واغار أهله تزوج عليها فغارت انتهى . وفيه دليل على أن المرأة البالغة الثيبة تخطب إلى نفسها وسيأتي الكلام على هذا (6/164)
باب النهي أن يخطب الرجل على خطبة أخيه (6/164)
1 - عن عقبة بن عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال المؤمن أخو المؤمن فلا يحل للمؤمن أن يبتاع على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه حتى يذر "
- رواه أحمد ومسلم (6/165)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى ينكح أو يترك "
- رواه البخاري والنسائي (6/165)
3 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يخطب الرجل على خطبة الرجل حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي (6/165)
- قوله " أن يبتاع على بيع أخيه " قد تقدم الكلام على هذا من كتاب البيع قوله " ولا يخطب " الخ استدل بهذا الحديث على تحريم الخطبة على الخطبة لقوله في أول الحديث " لا يحل " وكذلك استدل بالنهي المذكور في حديث أبي هريرة وحديث ابن عمر وفي لفظ للبخاري " نهى أن يبيع بعضكم على بيع بعض أو يخطب " وفي لفظ لأحمد من حديث الحسن عن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه " وقد ذهب إلى هذا الجمهور وجزموا بأن النهي التحريم كما حكى ذلك الحافظ في فتح الباري . وقال الخطابي ان النهي ههنا للتأديب وليس بنهي تحريم يبطل العقد عند أكثر الفقهاء . قال الحافظ ولاملازمة بين كونه للتحريم وبين البطلان عند الجمهور بل هو عندهم للتحريم ولا يبطل العقد وحكى النووي ان النهي فيه للتحريم بالإجماع ولكنهم اختلفوا في شروطه فقالت الشافعية والحنابلة محل التحريم إذا صرحت المخطوبة بالإجابة أو وليها الذي أذنت له وبذلك قال الهادوية فلو وقع التصريح بالرد فلا تحريم وليس في الأحاديث ما يدل على اعتبار الإجابة . وأما ما احتج به من قول فاطمة بنت قيس للنبي صلى الله عليه وآله وسلم إن معاوية وأبا جهم خطباها فلم ينكر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك عليهما بل خطبها لأسامة فليس فيه حجة كما قال النووي لاحتمال أن يكونا خطباها معا أو لم يعلم الثاني بخطبة الأول والنبي صلى الله عليه وآله وسلم أشار بأسامة ولم يخطب كما سيأتي . وعلى تقدير أن يكون ذلك خطبة فلعله كان بعد ظهور رغبتها عنهما . وظاهر حديث فاطمة الآتي قريبا أن أسامة خطبها مع معاوية وأبي جهم قبل مجيئها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن بعض المالكية لا تمتنع الخطبة إلا بعد التراضي على الصداق ولا دليل على ذلك . وقال داود الظاهري إذا تزوجها الثاني فسخ النكاح قبل الدخول وبعده وللمالكية في ذلك قولان فقال بعضهم يفسخ قبله لا بعده قال في الفتح وحجة الجمهور أن المنهي عنه الخطبة وهي ليست شرطا في صحة النكاح فلا يفسخ النكاح بوقوعها غير صحيحة . قوله " لا يخطب الرجل على خطبة الرجل " ظاهره أنه لا يجوز للرجل أن يخطب على خطبة الفاسق ولا على خطبة الكافر نحو أن يخطب ذمية فلا يجوز لمن يجوز نكاحها أن يخطبها ولكنه يقيد هذا الإطلاق بقوله في حديث أبي هريرة " لا يخطب الرجل على خطبة أخيه " فإنه لا أخوة بين المسلم والكافر وبقوله في حديث عقبة " المؤمن أخو المؤمن " الخ فإنه يخرج بذلك الفاسق وإلى المنع من الخطبة على خطبة الكافر والفاسق ذهب الجمهور قالوا والتعبير بالاخ خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له وذهب الأوزاعي وجماعة من الشافعية إلى أنها تجوز الخطبة على خطبة الكافر وهو الظاهر : قوله " حتى يترك " وفي حديث عقبة حتى يذر في ذلك دليل على أنه يجوز للآخر أن يخطب بعد أن علم رغبة الأول عن النكاح وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي هريرة مرفوعا " حتى ينكح أو يدع " قال الحافظ وإسناده صحيح (6/166)
باب التعريض بالخطبة في العدة (6/166)
1 - عن فاطمة بنت قيس " أن زوجها طلقها ثلاثا فلم يجعل لها رسول الله سكنى ولا نفقة قالت وقال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حللت فآذنيني فآذنته فخطبها معاوية وأبو جهم وأسامة بن زيد فقال رسول الله أما معاوية فرجل ترب لامال له وأما أبو جهم فرجل ضراب للنساء ولكن أسامة فقالت بيدها هكذا أسامة أسامة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاعة الله وطاعة رسوله قالت فتزوجته فاغتبطت "
- رواه الجماعة إلا البخاري (6/166)
2 - وعن ابن عباس " فيما عرضتم به من خطبة النساء يقول أني أريد التزويج ولوددت أنه يسر لي امرأة صالحة "
- رواه البخاري (6/167)
3 - وعن سكينة بنت حنظلة قالت " استأذن علي محمد بن علي ولم ينقض عدتي من مهلكه زوجي فقال قد عرفت قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقرابتي من علي وموضعي من العرب قلت غفر الله لك يا أبا جعفر إنك رجل يؤخذ عنك وتخطبني في عدتي فقال إنما أخبرتك بقرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن علي وقد دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أم سلمة وهي متأيمة من أبي سلمة فقال لقد علمت انى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وخيرته من خلقه وموضعي من قومي كانت تلك خطبته "
- رواه الدارقطني (6/167)
- حديث سكينة رواه الدارقطني من طريق عبد الحمن بن سليمان بن الغسيل عنها وهي عمته وهو منقطع لان محمد بن علي هو الباقر ولم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " لا سكنى ولانفقة " سيأتي الكلام على ذلك : قوله " معاوية " اختلف فيه فقيل هو ابن أبي سفيان وقيل غيره . وفي صحيح مسلم بأنه هو : قوله " فرجل ضراب " في رواية " لا يضع عصاه عن عاتقه " وهو كناية عن كثرة ضربه للنساء كما وقع التصريح بذلك في حديث الباب : قوله " فاغتبطت " الغبطة بكسر الغين المعجمة حسن الحال والمسرة كما في القاموس قوله " يقول أني أريد التزويج " هو تفسير التعريض المذكور في الآية . قال الزمخشري التعريض أن يذكر المتكلم شيئا يدل به على شيء لم يذكره وتعقب بأن هذا التعريف لا يخرج المجاز وأجاب سعد الدين بأنه لم يقصد التعريف ثم حقق التعريض بأنه ذكر شيء مقصود بلفظ حقيقي أو مجازي أو كنائي ليدل به على شيء آخر لم يذكر في الكلام مثل أن يذكر المجيء للتسليم ومراده التقاضي فالسلام مقصود والتقاضي عرض أي ميل إليه الكلام عن عرض أي جانب وامتاز عن الكناية فلم يشتمل على جميع أقسامها . والحاصل أنهما يجتمعان ويفترقان فمثل جئت لا سلم عليك كناية وتعريض . ومثل طويل النجاد كناية لا تعريض ومثل آذيتني فستعرف خطايا لغير المؤذى تعريض بتهديد المؤذى لا كناية وقد قيل في تفسير التعريض المذكور في الآية أن يقول لها أني فيك لراغب ولا يستلزم التصريح بالرغبة التصريح بالخطبة . ومن التعريض ما وقع في حديث فاطمة بنت قيس عند أبي داود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها لا تفوتينا بنفسك " . ومنه قول الباقر المذكور في الباب . ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لام سلمة كما في الحديث المذكور . قال في الفتح واتفق العلماء على أن المراد بهذا الحكم من مات زوجها واختلفوا في المعتدة من الطلاق البائن وكذا من وقف نكاحها . وأما الرجعية فقال الشافعي لا يجوز لأحد أن يعرض لها بالخطبة فيها والحاصل أن التصريح بالخطبة حرام لجميع المعتدات والتعرض مباح للأولى وحرام في الأخيرة مختلف فيه في البائن . واختلف فيمن صرح بالخطبة في العدة لكن لم يعقد الا بعد انقضائها فقال مالك يفارقها دخل أو لم يدخل . وقال الشافعي يصح العقد وان ارتكب النهي بالتصريح المذكور لاختلاف الجهة . وقال المهلب علة المنع من التصريح في العدة أن ذلك ذريعة إلى المواقعة في المدة التي هي محبوسة فيها على ماء الميت أو المطلق وتعقب بأن هذه العلة تصلح أن تكون لمنع العقد لا لمجرد التصريح الا أن يقال التصريح ذريعة إلى العقد والعقد ذريعة إلى الوقاع وقد وقع الاتفاق على أنه إذا وقع العقد في العدة لزم التفريق بينهما . واختلفوا هل تحل له بعدذلك فقال مالك والليث والأوزاعي لا يحل نكاحها بعد وقال الباقون بل يحل له إذا انقضت العدة أن يتزوجها إذا شاء (6/167)
باب النظر في الخطوبة (6/168)
1 - في حديث الواهبة المتفق عليه فصعد فيها النظر وصوبه . وعن المغيرة بن شعبة أنه خطب امرأة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظر إليها فإنه أحرم أن يؤدم بينكما "
- رواه الخمسة إلا أبا داود (6/168)
2 - وعن أبي هريرة قال " خطب رجل امرأة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا "
- رواه أحمد والنسائي (6/168)
3 - وعن جابر قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " إذا خطب أحدكم المرأة فقدر أن يرى منها بعض ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل "
- رواه أحمد وأبو داود (6/169)
4 - وعن موسى بن عبد الله عن أبي حميد أو حميدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب أحدكم أحدكم إمرأة فلا جناح عليه أن ينظر منها إذا كان إنما ينظر إليها لخطبة وإن كانت لا تعلم "
- رواه أحمد (6/169)
5 - وعن محمد بن مسلمة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا ألقي الله عز و جل في قلب امرئ خطبة امرأة فلا بأس أن ينظر إليها "
- رواه أحمد وابن ماجة (6/169)
- حديث الواهبة نفسها سيأتي في باب جعل تعليم القرآن صداقا ويأتي الكلام عنه هنالك إن شاء الله . وحديث المغيرة أخرجه أيضا الدارمي وابن حبان وصححه . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا مسلم في صحيحه من حديث أبي حازم عنه ولفظه " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه رجل فأخبره أنه تزوج امرأة من الأنصار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انظرت إليها قال لا قال فاذهب فانظر إليها فإن في أعين الأنصار شيئا " وحديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وعبد الرزاق والبزار والحاكم وصحه . قال الحافظ ورجاله ثقات وفي إسناده محمد بن إسحاق وأعله ابن القطان بواقد بن عبد الرحمن وقال المعروف واقد بن عمرو . ورواية الحاكم فيها واقد بن عمرو وكذلك رواية الشافعي وعبد الرزاق وحديث أبي حميدة أخرجه أيضا الطبراني والبزار وأورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح . وحديث محمد بن سلمة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وسكت عنه الحافظ في التلخيص ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن حبان والدارقطني والحاكم وابن عوانة وصححوه وهو مثل حديث المغيرة . وعنه أيضا عند أحمد والطبراني والحاكم والبيهقي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أم سلمة إلى امرأة فقال انظري إلى عرقوبيها وشمي معاطفها " واستنكره احمد والمشهور فيه من طريق عمارة عن ثابت عنه . ورواه أبو داود في المراسيل عن موسى بن اسمعيل عن حماد مرسلا . قال ورواه محمد بن كثير الصنعاني عن حماد موصولا . وعن محمد بن الحنفية عن عبد الرزاق وسعيد ابن منصور " أن عمر خطب إلى علي ابنته أم كلثوم فذكر له صغرها فقال أبعث بها أليك فإن رضيت فهي امرأتك فارسل بها إليه فكشف عن ساقها فقالت لولا أنك أمير المؤمنين لصككت عينيك " : قوله " أن يؤدم بينكما " أي تحصل الموافقة والملائمة بينكما : قوله " فإن في أعين الأنصار شيسا " قيل عمش وقيل صغر قال في الفتح الثاني وقع في رواية أبي عوانة في مستخرجه فهو المعتمد وأحاديث الباب فيها دليل على أن لا بأس بنظر الرجل إلى المرأة التي يريد أن يتزوجها والأمر المذكور في حديث أبي هريرة وحديث المغيرة وحديث جابر للإباحة بقرينة قوله في حديث أبي حميد فلا جناح عليه وفي حديث محمد بن مسلمة فلا بأس وإلى ذلك ذهب جمهور العلماء . وحكى القاضي عياض كراهته وهو خطأ مخالف للأدلة المذكورة ولأقوال أهل العلم . وقد وقع الخلاف في المواضع الذي يجوز النظر إليه من المخطوبة فذهب الأكثر إلى أنه يجوز إلى الوجه والكفين فقط وقال داود يجوز النظر إلى جميع البدن وقال الأوزاعي ينظر إلى مواضع اللحم وظاهر الأحاديث أن يجوز له النظر إليها سواء كان ذلك بإذنها أم لا وروى عن مالك اعتبار الإذن (6/170)
باب النهي عن الخلوة بالأجنبية والأمر بغض النظر والعفو عن نظر الفجاة (6/170)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامراة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان " (6/170)
2 - وعن عامر بن ربيعة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يخلون رجل بامرأة لا تحل له فإن ثالثهما الشيطان إلا محرم "
- رواهما أحمد . وقد سبق معناه لابن عباس في حديث متفق عليه (6/171)
3 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا تنظر المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في الثوب الواحد ولا المرأة إلى المرأة في الثوب الواحد (6/171)
4 - وعن جرير بن عبد الله قال " سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن نظر الفجأ فقال أصرف بصرك "
- رواهما أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي (6/171)
5 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلي يا علي لا تتبع النظرة النظرة فإ ما لك الأولى وليست لك الآخرة "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي (6/172)
6 - وعن عقبة بن عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار يا رسول الله أفرأيت الحمو فقال الحمو الموت "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه . قال ومعنى الحمو يقال أخو الزوج كأنه كره أن يخلو بها (6/172)
- حديث جابر وعامر يشهد لهما حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وقد تقدم في باب النهي عن سفر المرأة للحج من كتاب الحج وقد أشار الترمذي إلى حديث عامر . وحديث بريدة قال الترمذي حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث شريك وأخرجه بهذا اللفظ من حديث علي البزار والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد ورجال الطبراني ثقات والخلوة بالأ ] نبية مجمع على تحريمها كما حكى ذلك الحافظ في الفتح . وعلى التحريم ما في الحديث من كون الشيطان ثالثهما وحضوره يوقعهما في المعصية وأما مع وجود المحرم فالخلوة بالأجنبية جائزة لامتناع وقوع المعصية مع حضوره واختلفوا هل يقوم غيره مقامه في ذلك كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة . وقيل لا يجوز وهو ظاهر الحديث . حديث أبي سعيد أخرج نحوه أحمد والحاكم من حديث جابر وأخرجه أيضا أحمد وابن حبان والحاكم من حديث ابن عباس وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط من حديث أبي موسى وأخرجه أيضا البزار من حديث سمرة : قوله " لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل " الخ فيه دليل على أنه يحرم على الرجل نظر عورة الرجل وعلى المرأة نظر عورة المرأة وقد تقدم في كتاب الصلاة بيان العورة من الرجل والعورة من المرأة . والمراد هنا العورة المغلظة . فقال في البحر فصل يجب ستر العورة المغلظة من غير له الوطء إجماعا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " احفظ عورتك " الخبر ونحوه انتهى : قوله " ولا يفضي الرجل " الخ فيه دليل على أنه يحرم أن يضطجع الرجل مع الرجل أو المرأة مع المرأ' في ثوب واحد من الإفضاء ببعض البدن لأن ذلك مظنة لوقوع المحرم من المباشرة أو مس العورة أو غير ذلك . وحديث بريدة فيه دليل على أن النظر الواقع فجأة من دون قصد وتعمل لا يوجد اثم الناظر لأن التكليف به خارج عن الاستطاعة وإنما الممنوع منه النظر الواقع على طريقة التعميد أو ترك صرف البصر بعد الفجأة وقد استدل بذلك من قال بتحريم النظر إلى الأ ] نبية ولم يحكه في البحر إلا عن المؤيد بالله وأبي طالب . وحكى في البحر أيضا عن الفقهاء والإمام يحيى أنه يجوز ولو لشهوة وتعقبه صاحب المنار أن كتب الفقهاء ناطقة بالتحريم قال ففي منهاج النووي وهو عمدتهم ويحرم نظر فحل لالغ إلى عورة حرة أجنبية وكذا وجهها وكفيها عند خوف فتنة وكذا عند الأمن على الصحيح ثم قال في نظر الأجنبية إلى الأجنبي كهو اليها . وفي المنتهى من كتب الحنابلة ولشاهد ومعامل نظر وجه مشهود عليها ومن تعامله وكفيها لحاجة والحنفية لا يجيزون النظر إلى الوجه ووالكفين مع الشهوة ولفظ الكنز ولا ينظر من اشتهى . قال الشارح العيني في الشاهد لا يجوز له وقت التحمل أن يننظر إليها لشهوة هذا ما تعقب به صاحب المنار قال بهجة المحافل للعامري الشافعي في حوادث السنة الخامسة ما لفظه . وفيها نزول الحجاب وفيه مصالح جليلة وعوائد في الإسلام جميلة ولم يكن لأحد بعده النظر إلى أجنبية لشهوة أو لغير شهوة وعفى عن نظر الفجأة انتهى . وفي شرح السيلفية للإمام يحيى في شرح الحديث الرابع والعشرين في شرح قوله " إياكم وفضول النظر فإنه يبذر الهوى ويولد الغفلة " التصريح بتحريم النظر إلى النساء الأجانب الشهوة أو الغير شهوة . وقال ابن مظفر في البيان إنه يحرم النظر إلى الأجنبية مع الشهوة اتفاقا . وقال الإمام عز الدين في جواب له والصحيح المعمول عليه رواية شرح الأزهار وهي رواية البحر أن الإمام يحيى ومن يجوزون النظر ولو مع شهوة انتهى . ومن جملة ما استدل به المانعون من النظر مطلقا قوله تعالى { قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم } وقوله تعالى { فاسألوهن من وراء الحجاب } وأجيب بأن ذلك خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه إنما شرع قطعا لذريعة وقوف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته ولا يخفى أن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ( ومن جملة ) ما استدلوا به حديث ابن عباس عند البخاري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردف الفضل بن العباس يوم النحر خلفه وفيه قصة المرأة الوضيئة الخثعمية فطفق الفضل ينظر إليها فأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذقن الفضل فحول وجهه عن النظر إليها " . وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما فعل ذلك لمخافة الفتنة لما أخرجه الترمذي وصححه من حديث علي وفيه فقال العباس لويت عنق ابن عمك فقال رأيت شابا وشابة فلم آمن عليهما الفتنة
وقد استنبط منه ابن القطان جواز النظر عند أمن الفتنة حيث لم يأمرها بتغطية وجهها فلو لم يفهم العباس أن النظر جائز ما سأل ولو لم يكن ما فهمه جائزا ما أقره عليه . وهذا الحديث أيضا يصلح للاستدلال به على اختصاص آية الحجاب السابقة بزوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن قصة الفضل في حجة الوداع وآية الحجاب في نكاح زينب في السنة الخامسة من الهجرة كما تقدم . وأما قوله تعالى { ولا يبدين زينتهنإلا ما ظهر منها } فروى البيهقي عن ابن عباس أن المراد بما ظهر الوجه والكفان وروى البيهقي أيضا عن عائشة نحوه وكذلك روى الطبراني عنها . وروى الطبراني أيضا عن ابن عباس قال هي الكحل . وروى نحو ذلك عنه البيهقي . وقال في الكشاف الزينة ما تزينت به المرأة من حلي أو كحل أو خضاب فما كان ظاهرا منها كالخاتم والفتخة والكحل والخضاب فلا بأس بابدائه للأجانب وما خفي منها كالسوار والخلخال والدملج والقلادة والأكليل والوشاح والقرط فلا تبديه الا لهؤلاه المذكورين وذكر الزينة دون مواقعها للمبالغة في الأمر بالتصون والتستر لان هذه الزين واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن فنهى عن ابداء الزين نفسها ليعلم أن النظر إليها إذا لم يحل لملابستها تلك المواقع بدليل أن النظر إليها غير ملابسة لها لا مقال في حله كان النظر إلى المواقع أنفسها متمكنا في الحظر ثابت القدم في الحرمة شاهدا على أن النساء حقهن أن يحتطن في سترها ويتقين الله في الكشف عنها انتهى ( والحاصل ) أن المرأة تبدي من مواضع الزينة ما تدعو الحاجة إليه عند مزاولة الأشياء والبيع والشراء والشهادة فيكون ذلك مستثنى من عموم النهي عن إبداء مواضع الزينة وهذا على فرض عدم ورود تفسير مرفوع وسيأتي في الباب الذي الذي بعد هذا ما يدل على أن الوجه والكفين مما يستثني . قوله " الحمو الموت " أي الخوف منه أكثر من غيره كما أن الخوف من الموت أكثر من الخوف من غيره قال الترمذي يقال هو أخو الزوج وروى مسلم عن الليث أنه . قال الحمو أخو الزوج وما أشبهه من أقارب الزوج ابن العم ونحوه . وقال النووي اتفق أهل اللغة على أن الأحماء أقارب زوج المرأة كأبيه وأخيه وابن أخيه وابن عمه ونحوهم وأن الأختان أقارب زوجة الرجل وأن الأصهار تقع على النوعين انتهى (6/172)
باب أن المرأة عورة إلا الوجه والكفين وأن عبدها كمحرمها في نظر ما يبدو منها غالبا (6/173)
1 - عن خالد بن دريك عن عائشة " أن أسماء بنت أبي بكر دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعليها ثياب رقاق فأعرض عنها وقال يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا وأشار إلى وجهه وكفيه "
- رواه أبو داود وقال هذا مرسل خالد بن دريك لم يسمع من عائشة (6/173)
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى فاطمة بعبد قد وهبه لها قال وعلى فاطمة ثوب إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها وإذا غطت به رجليها لم يبلغ رأسها فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما تلقى قال إنه ليس عليك بأس إنما هو أبوك وغلامك "
- رواه أبو داود ويعضد ذلك قوله " إذا كان أحدا كن مكاتب وكان عنده ما يؤدي فلتحتجب منه " (6/173)
- حديث عائشة في إسناده سعيد بن بشير أبو عبد الرحمن النصري نزيل دمشق مولى بني نصر وقد تكلم فيه غير واحد . وذكر الحافظ أبو أحمد الجرجاني هذا الحديث ولا أعلم رواه عن قتادة غير سعيد بن بشير وقال مرة فيه عن خالد بن دريك عن أم سلمة بدل عائشة . وحديث أنس أخرجه أيضا البيهقي وابن مردويه وفي إسناده أبو جميع سالم بن دينار الهجيمي البصري . قال ابن معين ثقة . وقال أبو زرعة الرازي بصري لين الحديث والحديث الذي أشار إليه المصنف وجعله عاضدا لحديث أنس قد تقدم في باب المكاتب من كتاب العتق قوله " دريك " بضم الدال مصغرا وهو ثقة . وقيل بفتح الدال والضم أكثر . قوله " لم يصلح " بفتح الياء وضم اللام : قوله " الا هذا وهذا " فيه دليل لمن قال أنه يجوز نظر الأجنبية . قال ابن رسلان وهذا عند أمن الفتنة مما تدعو الشهوة إليه من جماع أو ما دونه أماعند خوف الفتنة فظاهر إطلاق الآية والحديث عدم اشتراط الحاجة ويدل على تقييده بالحاجة اتفاق المسلمين على منع النساء أن يخرجن سافرات الوجوه لا سيما عند كثرة الفساق . وحكى القاضي عياض عن العلماء أنه لا يلزمها ستر وجهها في طريقها وعلى الرجال غض البصر للآية وقد تقدم الخلاف في أصل المسألة : قوله " إذا قنعت " بفتح النون المشددة سترت وغطت . قوله " إنما هو أبوك وغلامك " فيه دليل على أنه يجوز للعبد النظر إلى سيدته وأنه من محارمها يخلو بها ويسافر معها وينتظر منها ما ينظر إليه محرمها وإلى ذلك ذهبت عائشة وسعيد بن المسيب والشافعي في أحد قوليه وأصحابه وهو قول أكثر السلف وذهب الجمهور إلى أن المملوك كالأجنبي بدليل صحة تزوجها اياه بعد العتق وحمل الشيخ أبو حامد هذا الحديث على أن العبد كان صغيرا لإطلاق لفظ الغلام ولأنها واقعة حال واحتج أهل القول الأول أيضا بحديث الاحتجاب من المكاتب الذي أشار إليه المصنف وبقوله تعالى { أو ماملكت أيمانكم } وقد تقدم ما أجاب به سعيد بن المسيب من أن الآية خاصة بالأماء كما رواه عنه ابن أبي شيبة (6/174)
باب في غير أولى الأربة (6/174)
1 - عن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عندها وفي البيت مخنث فقال لعبد الله بن أبي أمية أخي أم سلمة يا عبد الله إن فتح الله عليكم الطائف فإني أدلك على ابنة غيلان فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يدخلن هؤلاء عليكم "
- متفق عليه (6/174)
2 - وعن عائشة " قالت كان يدخل على أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم مخنث قالت وكانوا يعدونه من غير أولي الأربة فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة قال إذا أقبلت أقبلت بأربع وإذا أدبرت أدبرت بثمان فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أرى هذا يعرف ما هنا لا يدخلن عليكم هذا فاحجبوه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وزاد في رواية له " وأخرجه وكان بالبيداء كل جمعة يستطعم " (6/175)
3 - وعن الاوزاعي في هذه القصة فقيل يا رسول الله إنه إذ يموت من الجوع فأذن له أن يدخل في كل جمعة مرتين فيسأل ثم يرجع "
- رواه أبو داود (6/175)
- قوله " مخنث " بفتح والنون وكسرها والفتح المشهور وهو الذي يلين في قوله ويتكسر في مشيته ويتثنى فيها كالنساء وقد يكون خلقة وقد يكون تصنعا من الفسقة ومن كان ذلك فيه خلقة فالغالب من حاله أنه لا أرب له في النساء ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعددن هذا المخنث من غير أولى الاربة وكن لا يحجبنه إلا أن ظهر منه ما ظهرمن هذا الكلام واختلف في اسمه فقال القاضي الأشهر أن اسمه هيت بكسر الهاء ثم تحتية ثم فوقية وقيل صوابه هنب بالنون والباء الموحدة قاله ابن درستويه وقال أن ماسواه تصحيف وأنه الأحمق المعروف وقيل اسمه ماتع بالمثناة فوق مولى فاختة المخزومية بنت عمرو بن بن عائد . قوله " تقبل بأربع وتدبر بثمان " المراد بالأربع هو العكن جمع عكنة وهي الطية التي تكون في البطن يقال تعكن البطن إذا صار ذلك فيه ولكل عكنة طرفان فإذا رأهن الرائي من جهة البطن وجدهن أربعا وإذا رآهن من جهة الظهر وجدهن ثمانيا . وقال ابن حبيب عن مالك معناه أن أعكانها ينعطف بعضها على بعض وهي في بطنها أربع طرائق وتبلغ أطرافها أي خاصرتها وفي كل جانب أربع . قال الحافظ وتفسير مالك المذكور تبعه فيه الجمهور وحاصله أنه وصفها بأنها مملوءة البدن بحيث يكون لبطنها عكن وذلك لا يكون إلا للسمينة من النساء وجرت عادة الرجال غالبا في الرغبة فمن تكون بتلك الصفة وقيل الأربع هي الشعب التي هي اليدان والرجلان والثمان الكتفان والمتنتان والليتان والساقان ولا يخفي ضعف ذلك لأن كل امرأة فيها ما ذكر فلا وجه لجعله من صفات المدح المقصودة في المقام . قوله " هؤلاء " اشارة إلى جميع المخنثين وروى البيهقي أنه كان المخنثون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة ماتع وهدم وهيت . قوله " من غير أولي الأربة " الأربة والأرب الحاجة والشهوة إلى النساء لكبر أو تخنيث أو عنة : قوله " أرى هذا " الخ بفتح الهمزة الراء قال القرطبي هذا يدل على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئا من أحوال النساء ولا يخطر له ببال ويشبه بأن التخنيث فيه خلقة وطبيعة ولم يعرف إلا ذلك ولهذا كانوا يعدونه من غير الأربة : قوله " وأخرجه " لفظ البخاري " أخرجوهم من بيوتكم قال فأخرج فلانا وفلانا " ورواه البيهقي وزاد وأخرج عمر مخنثا وفي رواية وأخرج أبو بكر أخر . قال العلماء إخراج المخنث ونفيه كان لثلاثة معان أحدها أنه كان يظن أنه من غير أولي الأربة ثم لما وقع منه ذلك الكلام زال الظن . والثاني وصفه النساء ومحاسنهم وعوراتهن بحضرة الرجال وقد نهى أن يصف المرأة زوجها فكيف إذا وصفها غيره من الرجال لسائرهم . الثالث أنه ظهر له منه أنه كان يطلع من النساء وأجسامهن وعوراتهن على مالا يطلع عليه كثير من النساء . قوله " فيسأل ثم يرجع " أي يسأل الناس شيئا ثم يرجع إلى البادية والبيداء بالمد القفر وكل صحراء فهي بيداء كأنها تبيد سالكها أي تكاد تهلكه وفي ذلك دليل على جواز العقوبة بالإخراج من الوطن لما يخاف من الفساد والفسق وجواز الأذن بالدخول في بعض الأوقات للحاجة (6/175)
باب في نظر المرأة للرجل (6/176)
1 - عن أم سلمة قالت " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم وميمونة فأقبل ابن أم مكتوم حتى دخل عليه وذلك بعد أن أمر بالحجاب فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجبا منه فقلنا يا رسول الله أليس أعمى لا يبصرنا ولا يعرفنا فقال أفعميا وأن أنتما ألستما تبصرانه "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (6/176)
2 - وعن عائشة قالت " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسترني بردائه وأنا أنظر إلى الحبشة يلعبون في المسجد حتى أكون أنا الذي أسأمه فاقدروا وأقدر الجارية الحديثة السن الحريصة على اللهو "
- متفق عليه . ولأحمد " أن الحبشة كانوا يلعبون عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم عيد قالت فاطلعت من فوق عاتقه فطأطأ لينكبيه فجعلت أنظر اليهم من فوق عاتقه حتى شبعت ثم انصرفت " (6/176)
- حديث أم سلمة أخرجه أيضا النسائي وابن حبان وفي إسناده نبهان مولى أم سلمة شيخ الزهري وقد وثق . وفي الباب عن عائشة عند مالك في الموطأ أنها احتجبت من أعمى فقيل لها أنه لا ينظر اليك قالت لكني أنظر إليه . وقد استدل بحديث أم سلمة هذا من قال انه يحرم على المرأة نظر الرجل كما يحرم على الرجل نظر المرأة وهو أحد قولي الشافعي وأحمد والهادوية . قال النووي وهو الأصح ولقوله تعالى { وقل للمؤمنات بغضضن من أبصارهن } ولأن النساء أحد نوعي الآدميين فحرم عليهن النظر إلى النوع الآخر قياسا على الرجال ويحققه أن المعنى المحرم للنظر هو خوف الفتنة وهذا في المرأة أبلغ فإنها اشد شهوة وأقل عقلا فتسارع إليها الفتنة أكثر من الرجل واحتج من قال بالجواز فيما عدا ما بين سرته وركبته بحديث عائشة المذكور في الباب ويجاب عنه بأنها كانت يومئذ غير مكلفة على ما تقضي به العبارة المذكورة في الباب ويؤيد هذا احتجابها من الأعمى كما تقدم وقد جزم النووي بأ ن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان ذلك قبل الحجاب وتعقبه الحافظ بأن في بعض طرق الحديث ان ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وان قدومهم كان سنة سبع . ولعائشة يومئذ ست عشرة سنة . واحتجوا ايضا بحديث فاطمة بنت قيس المتفق عليه انه صلى الله عليه وآله وسلم امرها ان تعتد في بيت أم مكتوم وقال انه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده ويجاب بأنه يمكن ذلك مع غض البصر منها ولا ملازمة بين الأجتماع في البيت والنظر واحتجوا أيضا بالحديث الصحيح في مضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النساء في يوم العيد عند الخطبة فدكرهن ومعه بلال فأمرهن بالصدقة وقد تقدم ويجاب أيضا بأن ذلك لا يستلزم النظر منهن لامكان سماع الموعظة ودفع الصدقة مع غض البصر وقد جمع أبو داود بين الأحاديث فجعل حديث أم سلمة مختصا بازواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث فاطمة وما في معناه لجميع النساء . قال الحافظ في التلخيص قلت وهذا جمع حسن وبه جمع المنذري في حواشيه واستحسنه شيخنا انتهى . وجمع في الفتح بأن الأمر بالأحتجاب من ابن أم مكتوم لعله لكون الأعمى مظنة أن ينكشف منه شيء ولا يشعر به فلا يستلزم عدم جواز النظر مطلقا . قال ويؤيد الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قد بالأنتقاب لئلا يراهم النساء فدل على مغايرة الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي . قوله " يلعبون في المسجد " فيه دليل على جواز ذلك في المسجد وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ في القرآن والسنة أما القرآن فقوله تعالى { في بيوت أذن الله أن ترفع } وأما السنة فحديث " جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم " وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما أدعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ . وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث كذا قال في الفتح . وفي الحديث أيضا جواز النظر إلى اللهو المباح وفيه حسن خلقه مع أهله وكرم معاشرته : قوله " حتى شبعت " فيه استعارة الشبع لقضاء الوطر من النظر (6/177)
باب لا نكاح الا بولي (6/177)
1 - عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا نكاح إلا بولي " (6/177)
2 - وعن سليمان بن موسى عن الزهري عن عروة عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل فنكاحها باطل فنكاحها باطل فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له "
- رواهما الخمسة إلا النسائي . وروى الثاني أبو داود الطيالسي ولفظه " لانكاح إلا بولي وأيما امرأة نكحت بغير أذن وليها فنكاحها باطل باطل باطل فإن لم يكن لها ولي فالسلطان ولي من لا ولي له " (6/178)
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تزوج المرأة المرأة ولا تزوج المرأة نفسها فإن الزانية هي التي تزوج نفسها "
- رواه ابن ماجه والدارقطني . وعن عكرمة بن خالد " جمعت الطريق ركبا فجعلت امرأة منهن ثيب أمرها بيد رجل غير ولي فأنكحها فبلغ ذلك عمر فجلد الناكح والمنكح ورد نكاحها " رواه الشافعي والدارقطني . وعن الشعبي " ما كان أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشد في النكاح بغير ولي من علي كان يضرب فيه " رواه الدارقطني (6/178)
- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وذكر له الحاكم طرقا . قال وقد صحت الرواية فيه عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وأم سلمة وزينب بنت جحش ثم سرد تمام ثلاثين صحابيا وقد طرقه الدمياطي من المتأخرين وقد أختلف في وصله وإرساله فرواه شعبة والثوري عن أبي إسحاق مرسلا ورواه اسرائيل عنه فأسنده وأبو إسحاق مشهور بالتدليس وأسند الحاكم من طريق علي بن المديني ومن طريق البخاري والذهلي وغيرهم أنهم صححوا حديث اسرائيل . وحديث عائشة أخرجه أيضا أبو عوانة وابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي وقد أعل بالإرسال وتكلم فيه بعضهم من جهة أن ابن جريج قال ثم لقيت الزهري فسألته عنه فأنكره وقد عد أبو القاسم بن منده عدة من رواه عن ابن جريج فبلغوا عشرين رجلا وذكر أن معمرا وعبيد الله بن زحر تابعا ابن جريج على روايته اياه عن سليمان بن موسى وأن قرة وموسى بن عقبة ومحمد بن إسحاق وأيوب بن موسى وهشام بن سعد وجماعة تابعوا سليمان بن موسى عن الزهري . قال ورواه أبو مالك الجنبي ونوح بن دراج ومندل وجعفر بن برقان وجماعة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة . وقد أعل ابن حبان وابن عدي وابن عبد البر والحاكم وغيره الحكاية عن ابن جريج بإنكار الزهري وعلى تقدير الصحة لا يلزم من نسيان الزهري له أن يكون سليمان بن موسى وهم فيه . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي قال ابن كثير الصحيح وقفه على أبي هريرة وقال الحافظ رجاله ثقات وفي لفظ للدارقطني كنا نقول التي تزوج نفسها هي الزانية . قال الحافظ فتبين أن هذه الزيادة من قول أبي هريرة وكذلك رواها البيهقي وقوفة في طريق ورواها مرفوعة في أخرى ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند أحمد وابن ماجه والطبراني بلفظ " لانكاح إلا بولي " وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف ومداره عليه قال الحافظ وغلط بعض الرواة فرواه عن ابن المبارك عن خالد الحذاء عن عكرمة والصواب حجاج بدل خالد . وعن أبي بردة عند أبي داود الطيالسي بلفظ حديث ابن عباس . وعن غيرهما كما تقدم في كلام الحاكم . قوله " لا نكاح إلا بولي " هذا النفي يتوجه إما إلى الذات الشرعية لأن الذات الموجودة أعني صورة العقد بدون ولي ليست بشرعية أو يتوجه إلى الصحة التي هي أقرب المجازين إلى الذات فيكون النكاح بغير ولي باطل كما هو مصرح بذلك في حديث عائشة المذكور وكما يدل عليه حديث أبي هريرة المذكور لأن النهي يدل على الفساد المرادف للبطلان . وقد ذهب إلى هذا علي وعمر وابن عباس وابن عمر وابن مسعود وأبو هريرة وعائشة والحسن البصري وابن المسيب وابن شبرمة وابن أبي ليلى والعترة وأحمد وإسحاق والشافعي وجمهور أهل العلم فقالوا لا يصح العقد بدون ولي . قال ابن المنذر إنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك . وحكى في البحر عن أبي حنيفة أنه لا يعتبر الولي مطلق لحديث الثيب أحق بنفسها من وليها وسيأتي وأجيب بأن المراد اعتبار الرضى منها جمعا بين الإخبار كذا في البحر . وعن أبي يوسف ومحمد للولي الخيار في غير الكفء وتلزمه الإجازة في الكفء وعن مالك يعتبر الولي في الرفيعة دون الوضيعة وأجيب عن ذلك بأن الأدلة لم تفصل وعن الظاهرية أنه يعتبر في البكر فقط وأجيب عنه بمثل ما أجيب به عن الذي قبله . وقال أبو ثور يجوز لها أن تزوج نفسها بإذن وليها آخذا بمفهوم قوله " أيما امرأة نكحت بغير أذن وليها " ويجاب عن ذلك بحديث أبي هريرة المذكور والمراد بالولي هو الأقرب من العصبة من النسب ثم من السبب ثم من عصبته وليس لذوي السهام ولا لذوي الأرحام ولاية وهذا مذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أن ذوي الأرحام من الأولياء فإذا لم يكن ثم ولى أو كان موجودا وعضل انتقل الأمر إلى السلطان لأنه ولي من لا ولي له كما أخرجه الطبراني من حديث ابن عباس وفي إسناده الحجاج بن أرطاة (6/178)
باب ما جاء في الإجبار والاستئمار (6/179)
1 - عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهي بنت ست سنين وأدخلت عليه وهي بنت تسع سنين ومكثت عنده تسعا "
- متفق عليه . وفي رواية " تزوجها وهي بنت سبع سنين وزفت إليه وهي بنت تسع سنين " رواه أحمد ومسلم (6/179)
- الحديث أورده المصنف للاستدلال به على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بغير استئذانها ولعله أخذ ذلك من عدم ذكر الاستئذان وكذلك صنع البخاري قال الحافظ وليس بواضح الدلالة بل يحتمل أن يكون ذلك قبل ورود الأمر باستئذان البكر وهو الظاهر فإن القصة وقعت بمكة قبل الهجرة . وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز للأب أن يزوج ابنته قبل البلوغ . قال المهلب أجمعوا أنه يجوز للأب تزويج ابنته الصغيرة البكر ولو كانت لا يوطأ مثلها الا أن الطحاوي حكى عن ابن شبرمة منعه فيمن لا توطأ وحكى ابن حزم عن ابن شبرمة مطلقا إن الأب لا يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ وتأذن وزعم أن تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم عائشة وهي بنت ست سنين كان من خصائصة ويقابله تجويز الحسن والنخعي للأب أن يجبر ابنته كبيرة كانت أو صغيرة بكرا كانت أو ثيبا . وفي الحديث أيضا دليل على أنه يجوز تزويج الصغيرة بالكبير وقد بوب لذلك البخاري وذكر حديث عائشة وحكى في الفتح الإجماع على جواز ذلك . قال ولو كانت في المهد لكن لا يمكن منها حتى تصلح للوطء (6/179)
2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الثيب أحق بنفسها من وليها والبكر تستأذن في نفسها وأذنها صمائها "
- رواه الجماعة إلا البخاري وفي رواية لأحمد ومسلم وأبي داود والنسائي " والبكر يستأمرها أبوها " وفي رواية لأحمد والنسائي " واليتيمة تستأذن في نفسها " وفي رواية لأبي داود والنسائي " ليس للولي مع الثيب أمر واليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها " (6/180)
3 - وعن خنساء بنت خدام الأنصارية " إن أباها زوجها وهي ثيب فكرهت ذلك فأتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرد نكاحها "
- أخرجه الجماعة إلا مسلما (6/180)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن قالوا يا رسول الله وكيف أذنها قال أن تسكت "
- رواه الجماعة (6/180)
5 - وعن عائشة " قالت قلت يا رسول الله تستأمر النساء في ابضاعهن قال نعم قلت ان البكر تستأمر فتستحي فتسكت فقال سكاتها أذنها " ز وفي رواية قالت " قال رسول الله البكر تستأذن قلت أن البكر تستأذن وتستحي قال أذنها صماتها "
- متفق عليه (6/181)
6 - وعن أبي موسى " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال تستأمر اليتيمة في نفسها فإن سكتت فقد أذنت وإن أبت لم تكره "
- رواه أحمد (6/181)
7 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تستأمر اليتيمة في نفسها فان سكتت فهو أذنها وان أبت فلا جواز عليها "
- رواه الخمسة الا ابن ماجه (6/181)
8 - وعن ابن عباس " ان جارية بكرا أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ان أباها زوجها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والدارقطني . ورواه الدارقطني أيضا عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وذكر أنه أصح (6/182)
9 - وعن ابن عمر قال " توفي عثمان بن مظعون وترك ابنة له من خولة بنت حكيم بن أمية بن حارثة بن الأوقص وأوصى إلى أخيه قدامة بن مظعون قال عبد الله وهما خالاي فخطبت إلى قدامة بن مظعون ابنة عثمان بن مظعون فزوجنيها ودخل المغيرة بن شعبة يعين إلى أمها فارغبها في المال فحطت إليه وحطت الجارية إلى هوى أمها فأبتا حتى ارتفع أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال قدامة بن مظعون يا رسول الله ابنة أخي أوصى بها إلى فزوجتها ابن عمتها فلم اقصر بها في الصلاح ولا في الكفاءة ولكنها امرأة وإنما حطت إلى هوى امها قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هي يتيمة ولا تنكح إلا بأذنها قال فانتزعت والله مني بعد أن ملكتها فزوجوها المغيرة ابن شبعة "
- رواه أحمد والدارقطني وهو دليل على أن اليتيمة لا يجبرها وصي ولا غيره (6/182)
10 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال آمروا النساء في بناتهن "
- رواه أحمد وأبو داود (6/182)
- حديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وأبو يعلى والدارقطني والطبراني قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وحسنه الترمذي . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن أبي شيبة . قال الحافظ ورجاله ثقات واعل بالإرسال ويتفرد جرير بن حازم عن أيوب ويتفرد حسين عن جرير وأجيب بأن أيوب بن سويد رواه عن الثوري عن أيوب موصولا وكذلك رواه معمر بن سليمان الرقي عن زيد بن حباب عن أيوب موصولا وإذا اختلف في وصل الحديث وإرساله حكم لمن وصله على طريقة الفقهاء وعن الثاني بأن جريرا توبع عن أيوب كما ترى . وعن الثالث بأن سليمان بن حرب تابع حسين بن محمد عن جرير وانفصل البيهقي عن ذلك بأنه محمول على أنه زوجها من غير كفء . وحديث ابن عمر الأول أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات . وحديثه الثاني فيه رجل مجهول ( وفي الباب ) عن جابر عند النسائي وعن عائشة غير ما ذكره المصنف عند النسائي أيضا قوله يستأمرها أبوها الاستئمار طلب الأمر والمعنى لا يعقد عليها حتى يطلب الأمر منها : قوله " خنساء بنت خدام " هي بخاء معجمة ثم نون مهملة على وزن حمراء وأبوها بكسر الخاء المعجمة وتخفيف المهملة كذا في الفتح . قوله " لاتنكح الأيم حتى تستأمر ولا البكر حتى تستأذن " عبر للثيب بالاستئمار والبكر بالاستئذان ويؤخذ منه فرق بينهما من جهة إن الاستئمار يدل على تأكيد المشاورة وجعل الأمر إلى المستأمرة ولهذا يحتاج الولي إلى صريح أذنها فإذا صرحت بمنعه امتنع اتفاقا والبكر بخلاف ذلك والأذن دائر بين القول والسكوت بخلاف الأمر فإنه صريح في القول هكذا في الفتح ويعكر عليه ما في رواية حديث ابن عباس من ان البكر يستأمرها أبوها وان اليتيمة تستأمر وصمتها إقرارها . وفي حديث عائشة ان البكر تستأمر الخ وكذلك في حديث أبي موسى وأبي هريرة : قوله " فحطت إليه " أي مالت إليه وأسرعت بفتح الحاء المهملة وتشديد الطاء المهملة أيضا وقد استدل بأحاديث الباب على اعتبار الرضا من المرأة التي يراد تزويجها وأنه لا بد من صريح الأذن من الثيب ويكفي السكوت من البكر والمراد بالبكر التي أمر الشارع باستئذانها هي البالغة إذ لا معنى لاستئذان الصغيرة لأنها لا تدري ما الأذن . قال ابن المنذر يستحب اعلام البكر أن سكوتها أذن لكن لو قالت بعد العقد ما علمت ان صمتي أذن لم يبطل العقد بذلك عند الجمهور وأبطله بعض المالكية . وقال ابن شعبان منهم يقال لها ثلاثا إن رضيتي فاسكتي وإن كرهتي فانطقي . ونقل ابن عبد البر عن مالك ان سكوت البكر اليتيمة قبل أذنها وتفويضها لا يكون رضا منها بخلاف ما إذا كان بعد تفويضها إلى وليها وخص بعض الشافعية الاكتفاء بسكوت البكر البالغ بالنسبة إلى الأب والجد دون غيرهما لأ ها تستحي منهما أكثر من غيرهما والصحيح الذي عليه الجمهور استعمال الحديث في جميع الابكار وظهر أحاديث الباب ان البكر البالغة إذا زوجت بغير إذنها لم يصح العقد وإليه ذهب الأوزاعي والثوري والعترة والحنفية وحكاه الترمذي عن أكثر أهل العلم وذهب مالك والشافعي والليث وابن أبي ليلى وأحمد وإسحاق إلى أنه يجوز للأب أن يزوجها بغير استئذان ويرد عليهم ما في أحاديث الباب من قوله " وللبكر يستأمرها أبوها " ويرد عليهم أيضا حديث عبد الله بن بريدة الذي سيأتي في باب ما جاء في الكفاءة وأما ما احتجوا به من مفهوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " الثيب أحق بنفسها من وليها " فدل على أن ولي البكر أحق بها منها فيجاب عنه بأن المفهوم لا ينتهض للتمسك به في مقابلة المنطوق وقد أجابوا عن دليل أهل القول الأول بما قاله الشافعي من أن المؤامرة قد تكون على استطابة النفس ويؤيده حديث ابن عمر المذكور بلفظ " وآمروا النساء في بناتهن " قال ولا خلاف انه ليس للأم أمر لكنه على معنى استطابة النفس وقال البيهقي زيادة ذكر الأب في حديث ابن عباس غير محفوظة قال الشافعي زادها ابن عيينة في حديثه وكان ابن عمر والقاسم وسالم يزوجون الأبكار لا يستأمرونهن
قال الحافظ وهذا لا يدفع زيادة الثقة الحافظ انتهى . وأجاب بعضهم بأن المراد بالبكر المذكورة في حديث ابن عباس اليتيمة لما وقع في الرواية الأخرى من حديثه واليتيمة تستأمر فيحمل المطلق على المقيد واجيب بأن اليتيمة هي البكر وأيضا الروايات الواردة بلفظ تستأمرها وتستأذن بضم أوله هي تفيد مفاد قوله يستأمرها أبوها وزيادة بأنه يدخل فيه الأب وغيره فلا تعارض بين الروايات ومما يؤيد ما ذهب إليه الأولون حديث ابن عباس المذكور إن جارية بكرا الخ وأما الثيب فلا بد من رضاها من غير فرق بين أن يكون الذي زوجها هو الأب أو غيره وقد حكى في البحر الاجماع على اعتبار رضاها وحكى أيضا الإجماع على أنه لا بد من تصريحها بالرضا بنطق أو ما في حكمه والظاهر ان استئذان الثيب والبكر شرط في صحة العقد لرده صلى الله عليه وآله وسلم لنكاح خنساء بنت خدام كما في الحديث المذكور وكذلك تخييره صلى الله عليه وآله وسلم للجارية كما في حديث ابن عباس المذكور وكذلك حديث ابن عمر المذكور أيضا ويدل على ذلك أيضا حديث أبي هريرة المذكور لما فيه من النهي . وظاهر قوله الثيب أحق بنفسها أنه لا فرق بين الصغيرة والكبيرة وبين من زالت بكارتها توطء حلال أو حرام وخالف في ذلك أبو حنيفة فقال هي كالبكر واحتج بأن علة الأكتفاء بسكوت البكر هي الحياء وهو باق فيمن زالت بكارتها بزنا لأن المسألة مفروضة فيمن لم يتخذ الزنا ديدنا وعادة وأجيب بأن الحديث نص على أن الحياء يتعلق بالبكر وقابلها بالثيب فدل على أن حكمهما مختلف وهذه ثيب لغة وشرعا وأما بقاء حيائها كالبكر فممنوع (6/183)
باب الابن يزوج أمه (6/183)
1 - عن أم سلمة " أنها لما بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطبها قالت ليس أحد من أوليائي شاهد فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك فقالت لابنها يا عمر قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فزوجه "
- رواه أحمد والنسائي (6/183)
- الحديث قد أعل بأن عمر المذكور كان عند تزوجه صلى الله عليه وآله وسلم بأمه صغيرا له من العمر سنتان لأنه ولد في الحبشة في السنة الثانية من الهجرة وتزوجه صلى الله عليه وآله وسلم بأمه كان في السنة الرابعة . قيل رواية قم يا غلام فزوج أمك فلا أصل لها وقد استدل بهذا الحديث من قال بأن الولد من جملة الأولياء في النكاح وهم الجمهور . وقال الشافعي ومحمد بن الحسن وروى عن الناصر ان ابن المرأة إذا لم يجمعها وأياه جد فلا ولاية له ورد بأن الابن يسمي عصبة اتفاقا وبأنه داخل في عموم قوله تعالى { وأنكحوا الأيامى منكم } لأنه خطاب للأقارب وأقربهم الأبناء وأجاب عن هذا الرد في ضوء النهار بأن ظاهر انكحوا صحة عقد غير الأقارب وإنما خصصهم الإجماع استنادا إلى العادة والمعتادة إنما هو غير الابن كيف والابن متأخر عن التزويج في الغالب والمطلق يقيد بالعادة كما عرف في الأصول والعموم لا يشمل النادر ولان نكاح العاقلة خاصة مفوض إلى نظرها وإنما الولي وكيل في الحقيقة ولهذا لو لم يمتثل الولي أمرها بالعقد لكفء لصح توكيلها غيره والوكالة لا تلزم لمعين ودفع بأن هذا يستلزم أن لا يبقى للولي حق وأنه خلاف الإجماع والتحقيق أنه ليس إلى نظر المكلفة إلا الرضا ويجاب عن دعوى خروج الابن بالعادة بالمنع أن أراد عدم الوقوع وان أراد الغلبة فلا يضرنا ولا ينفعه ومن جملة ما أجاب به القائلون بأنه لا ولاية للابن أن هذا الحديث لا يصح الاحتجاج به لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يفتقر في نكاحه إلى ولي ومن جملة ما يستدل به على عدم ولاية الابن في النكاح قول أم سلمة ليس أحد من أوليائي شاهد مع كون ابنها حاضرا ولم ينكر عليها صلى الله عليه وآله وسلم ذلك (6/184)
باب العضل (6/184)
1 - عن مقعل بن يسار قال " كانت لي أخت تخطب إلى فأتاني ابن عم لي فانحكهتها أياه ثم طلقها طلاقا له رجعة ثم تركها حتى انقضت عدتها فلما خطبت إلى أتاني يخطبها فقلت لا والله لا أنكحكها أبدا . قال ففي نزلت هذه الآية وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فلا تعضلوهن ان ينكحن أزواجهن الآية . قال فكفرت عن يميني وأنكحتها إياه "
- رواه البخاري وأبو داود والترمذي وصححه ولم يذكر التكفير . وفيه رواية للبخاري " وكان رجلا لا بأس به وكانت المرأة تريد أن ترجع إليه " وهو حجة في اعتبار الولي (6/184)
- قوله " كانت لي أخت اسمها جميل " بالضم مصغرا بنت يسار ذكره الطبري وجزم به ابن ماكولا وقيل اسمها ليلى حكاه السهيلي في مبهمات القرآن وتبعه المنذري . وقيل فاطمة ذكره ابن إسحاق ويحمل على التعدد بأن يكون لهما اسمان ولقب أو لقبان واسم : قوله " ففي نزلت هذه الآية " هذا تصريح بنزول هذه الآية في هذه القصة ولا يمنع ذلك كون ظاهر الخطاب في السياق للأزواج حيث وقع فيها وإذا طلقتم النساء لكن قوله فيها نفسها أن ينكحن أزواجهن ظاهر في أن ذلك يتعلق بالأولياء . قوله " فكفرت عن يميني وأنكحتها " في لفظ للبخاري فقلت " الآن أفعل يا رسول الله " قوله " وكان رجلا لا بأس به " . قال ابن التين أي كان جيدا وقد غيرته العامة فكنوا به عمن لا خير فيه ( والحديث ) يدل على أنه يشترط الولي في النكاح ولو لم يكن شرطا لكان رغوب الرجل في زوجته ورغوبها فيه كافيا وبه يرد القياس الذي احتج به أبو حنيفة على عدم الأشتراط فإنه احتج بالقياس على البيع لأن المرأة تستقل به بغير أذن وليها فكذلك النكاح وحمل الأحاديث الواردة في اشتراط الولي المتقدمة على الصغيرة وخص بهذا القياس عمومها ولكنه قياس فاسد الأعتبار لحديث معقل هذا وانفصل بعضهم عن هذا الأيراد بالتزامهم اشتراط الولي ولكن لا يمنع ذلك تزويجها نفسها ويتوقف النفوذ على اجازة الولي كما في البيع وهو مذهب الأوزاعي وكذلك قال أبو ثور ولكنه يشترط أذن الولي لها في تزويج نفسها وتعقب بأن أذن الولي لا يصح الا لمن ينوب عنه والمرأة لا تنوب عنه في ذلك لأن الحق لها ولو أذن لها في انكاح نفسها صارت كمن أذن لها في البيع من نفسها ولا يصح وفي حديث معقل هذا دليل على أن السلطان لا يزوج المرأة إلا بعد أن يأمر وليها بالرجوع عن العضل فأن أحاب فذاك وإن أصر زوجها (6/185)
باب الشهادة في النكاح (6/185)
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البغايا اللاتي ينكحن أنفسهن بغير بينة "
- رواه الترمذي وذكر أنه لم يرفعه غير عبد الأعلى وأنه قد وقفه مرة وأن الوقف أصح وهذا لا يقدح لأن عبد الأعلى ثقة فيقبل رفعه وزيادته وقد يرفع الراوي الحديث وقد يقفه (6/185)
2 - وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لانكاح الا بولي وشاهدي عدل "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنه عبد الله (6/186)
3 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لانكاح الا بولي وشاهدي عدل فإن تشاجروا ( 1 ) [ قوله " فإن تشاجروا " الضمير عائد إلى الأولياء الدال عليه ذكر الولي والسياق والمراد بالأشتجار منع الأولياء عن العقد عليها وهذا هو العضل وبه تنتقل الولاية إلى السلطان ان عضل الأقرب وقيل بل تنتقل إلى الأكبر وانتقالها إلى السلطان مبني على منع الأقرب والأبعد وهو محتمل والله أعلم ] فالسلطان ولي من لا ولي له "
- رواه الدارقطني . ولمالك في الموطأ عن أبي الزبير المكي " أن عمر بن الخطاب أتى بنكاح لم يشهد عليه إلا رجل وامرأة فقال هذا نكاح السر ولا أجيزه ولو كنت تقدمت فيه لرجمت " (6/186)
- حديث ابن عباس قال الترمذي هذا حديث غير محفوظ لا نعلم أحدا رفعه إلا ما روى عن عبد الأعلى عن سعبد عن قتادة مرفوعا . وروى عن عبد الأعلى عن سعبد هذا الحديث موقوفا والصحيح ما روى عن ابن عباس " لانكاح الا ببينة " وهكذا روى غير واحد عن سعيد بن أبي عروبة نحو هذا موقوفا . وحديث عمران ابن حصين أشار إليه الترمذي وأخرجه الدارقطني والبيهقي في العلل من حديث الحسن عنه وفي إسناده عبد الله بن محرز وهو متروك . ورواه الشافعي من وجه آخرعن الحسن مرسلا . وقال هذا وان كان مقطعا فإن أكثر أهل العلم يقولون به . وحديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي من طريق محمد بن أحمد بن الحجاج الرقي عن عيسى بن يونس عن الزهري عن عروة عن عائشة كذلك وقد توبع الرقي عن عيسى . ورواه سعيد بن خالد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان ويزيد بن سنان ونوح بن دراج وعبد الله بن حكيم عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة كذلك وقد ضعف ابن معين كله واقره البيهقي وقد تقدم في باب لانكاح الا بولي طرف منه ( وفي الباب ) عن ابن عباس غير حديثه المذكور عند الشافعي والبيهقي من طريق ابن خيثم عن سعيد بن جبير عنه موقوفا فابلفظ " لانكاح الا بولي مرشد وشاهدي عدل " وقال البيهقي بعد أن رواه من طريق أخرى عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ " لانكاح الا بأذن ولي مرشد أو سلطان " قال والمحفوظ الموقوف ثم رواه من طريق الثوري عن أبي خيثم به ومن طريق عدي بن الفضل عن أبي خيثم بسنده مرفوعا بلفظ " لانكاح الا بولي وشاهدي عدل فإن نكحها ولي مسخوط عليه فنكاحها باطل " وعدي بن الفضل ضعيف . وعن أبي هريرة مرفوعا وموقوفا عند البيهقي بلفظ " لانكاح الا بأربعة خاطب وولي وشاهدين " وفي إسناده المغيرة بن موسى البصري قال البخاري منكر الحديث . وعن عائشة غير حديث الباب عند الدارقطني بلفظ " لابد النكاح من أربعة الولي والزوج والشاهدين " وفي إسناده أبو الخصيب نافع بن ميسرة مجهول وروي نحوه البيهقي في الخلافيات عن ابن عباس موقوفا وصححه وابن أبي شيبة بنحوه عنه أيضا . وعن أنس أشار إليه الترمذي وقد استدل بأحاديث الباب من جعل الأشهاد شرطا وقد حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس والعترة والشعبي وابن المسيب والأوزاعي والشافعي وأبي حنيفة أحمد بن حنبل . قال الترمذي والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعدهم من التابعين وغيرهم قالوا " لانكاح الابشهود " لم يختلفوا في ذلك من مضى منهم الا قوم من المتأخرين من أهل العلم وإنما اختلف أهل العلم في هذا إذا شهد واحد بعد واحد فقال أكثر أهل العلم من الكوفة وغيرهم لا يجوز النكاح حتى يشهد الشاهدان معا عند عقدة النكاح وقد روى بعض أهل المدينة إذا شهد واحد بعد واحد فإنه جائز إذا أعلنوا ذلك وهو قول مالك بن أنس وغيره . وقال بعض أهل العلم يجوز شهادة رجل وامرأتين في النكاح وهو قول أحمد وإسحاق انتهى كلام الترمذي . وحكى في البحر عن ابن عمر وابن الزبير وعبد الرحمن ابن مهدي وداود انه لا يعتبر الاشهاد . وحكى أيضا عن مالك أنه يكفي الاعلان بالنكاح والحق ما ذهب إليه الأولون لأن أحاديث الباب يقوي بعضها بعضا والنفي في قوله لانكاح يتوجه إلى الصحة وذلك يستلزم أن يكون الأشهاد شرطا لأنه قد استلزم عدمه عدم الصحة وما كان كذلك فهو شرط . واختلفوا في اعتبار العدالة في شهود النكاح فذهبت القاسمية والشافعي إلى أنها تعتبر . وذهب زيد بن علي وأحمد بن عيسى وأبو عبد الله الداعي وأبوحنيفة أنها لا تعتبر والحق القول الأول لتقييد الشهادة المعتبرة في حديث عمران بن حصين وعائشة اللذين ذكرهما المصنف وكذلك حديث ابن عباس الذي ذكرناه بالعدالة (6/186)
باب ما جاء في الكفاءة في النكاح (6/187)
1 - عن عبد الله بن بريدة عن أبيه قال " جاءت فتاة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت ان أبي زوجني ابن أخيه ليرفع بي خسيسته قال فجعل الأمر إليها فقالت قد أجزت ما صنع أبي ولكن أردت أن اعلم النساء ان ليس إلى الآباء من الأمر شيء "
- رواه ابن ماجه ورواه أحمد والنسائي من حديث ابن بريدة (6/187)
2 - وعن عائشة وعن عمر قال " لأمنعن تزوج ذوات الأحساب الا من الأكفاء "
- رواه الدارقطني (6/187)
3 - وعن أبي حاتم المزني قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتاكم من ترضون دينه زخلقه فانكحوه الا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير قالوا يا رسول الله وإن كان فيه قال إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فانكحوه ثلاث مرات "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب (6/188)
4 - وعن عائشة " ان أبا حذيفة بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس وكان ممن شهد بدرا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم تبنى سالما وأنكحه ابنة أخيه الوليد بن عتبة ابن ربيعة وهو مولى امرأة من الأنصار "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود (6/188)
5 - وعن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي عن أمه قالت " رأيت أخت عبد الرحمن بن عوف تحت بلال "
- رواه الدارقطني (6/188)
- حديث عبد الله بن بريدة أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح فإنه قل في سننه حدثنا هنا دين السري حدثنا وكيع عن كهمس بن الحسن عن ابن بريدة عن أبيه وأخرجه النسائي من طريق زياد بن أيوب وهو ثقة عن علي بن غراب وهو صدوق عن كهمس بهذا الإسناد ويشهد له ابن عباس في الجارية البكر التي زوجها أبوها وهي كارهة فخيرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك تشهد له الأحاديث الواردة في استئمار النساء على العموم وكذلك حديث خنساء بنت خدام وقد تقدم جميع ذلك في باب ما جاء في الأجبار والاستئمار وإنما ذكر المصنف حديث بريدة ههنا لقولها فيه ليرفع بي خسيسته فإن ذلك مشعر بأنه غير كفؤ لها . وحديث أبي حاتم المزني ذكر المصنف ان الترمذي حسنه ووافقه المناوي على نقل التحسين عن الترمذي ثم نقل البخاري أنه لم يعده محفوظا وعده أبو داود في المراسيل وأعله ابن القطان بالأرسال وضعف رواية وأبو حاتم المزني له صحبة ولا يعرف له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا الحديث وقد أخرج الترمذي أيضا هذا الحديث من حديث أبي هريرة ولفظه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا خطب اليكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه الاتفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " وقال قد خولف عبد الحميد بن سليمان في هذا الحديث ورواه الليث بن سعد عن أبي عجلان عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البخاري وحديث الليث أشبه ولم يعد حديث عبد الحميد محفوظا ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أبي داود " ان أبا هند حجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في اليافوخ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يا بني بياضة أنكحوا أبا هند وأنكحوا إليه " وأخرجه ايضا الحاكم وحسنه الحافظ في التلخيص . وعن علي عند الترمذي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ثلاث لا تؤخر . الصلاة إذا أتت والجنازة إذا حضرت والأيم إذا وجدت لها كفؤا " وعن ابن عمر عند الحاكم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال " العرب اكفاء بعضهم لبعض قبيلة لقبيلة وحي لحي ورجل لرجل الاحائك أو حجام " وفي إسناده رجل مجهول وهو الراوي له عن ابن جريج وقد سأل ابن أبي حاتم اباه عن هذا الحديث فقال هذا كذب لا أصل له وقال في موضع أخر باطل . ورواه ابن عبد البر في التمهيد من طريق أخرى عنه قال الدار قطني في العلل لا يصح انتهى . وفي اسناد ابن عبد البر عمران بن أبي الفضل قال ابن حبان يروي الموضوعات عن الثقات وقال ابن أبي حاتم سألت عنه أبي فقال منكر وقد حدث به هشام بن عبيد الله الرازى فزاد فيه بعد أوحجام او دباغ قال فاجتمع به الدباغون وهموا به . وقال ابن عبد البر هذا منكرموضوع وذكره في العلل المتناهية من طريقين إلى ابن عمر في أحدهما علي بن عروة وقد رماه ابن حبان بالوضع وفي الأخرى محمد بن الفضل بن عطية وهو متروك والأولى في ابن عدي والثانية في الدارقطني وله طريق أخرى عن غير ابن عمر رواها البزار في مسنده من حديث معاذ بن جبل رفعه " العرب بعضها لبعض اكفاء " وفيه سليمان بن أبي الجون . قال ابن القطان لا يعرف ثم هو من رواية خالد بن معدان عن معاذ ولم يسمع منه وفي المتفق عليه من حديث أبي هريرة " خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا " قوله " الامن الأكفاء " جمع كفء بضم أوله وسكون الفاء بعدها همزة وهو المثل والنظير قوله " من ترضون دينه وخلقه " فيه دليل على اعتبار الكفاءة في الدين والخلق وقد جزم بأن اعتبار الكفاءة مختص بالدين مالك . ونقل عن عمر وابن مسعود ومن التابعين عن محمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز ويدل علهي قوله تعالى { إن أكرمكم عند الله اتقاكم } واعتبر الكفاءة في النسب الجمهور
وقال أبو حنيفة قريش أكفاء بعضهم بعضا والعرب كذلك وليس أحد من العرب كفؤا لقريش كما ليس أحد من غير العرب كفؤا للعرب وهو وجه للشافعية . قال في الفتح والصحيح تقديم بني هاشم والمطلب على غيرهم ومن عدا هؤلاء أكفاء بعضهم لبعض . وقال الثوري إذا نكح المولى العربية يفسخ النكاح وبه قال أحمد في رواية وتوسط الشافعي فقال ليس نكاح غير الأكفاء حراما فأردبه النكاح وإنما هو تقصير بالمرأة والأولياء فإذا رضوا صح ويكون حقا لهم تركوه فلو رضوا الاواحدا فله فسخه قال ولم يثبت في اعتبار الكفاءة بالنسب من حديث وأما ما أخرجه البزار من حديث معاذ رفعه " العرب بعضهم أكفاء بعض والموالي بعضهم أكفاء بعض " فإسناده ضعيف واحتج البيهقي بحديث " ان الله اصطفى بني كنانة من بني اسمعيل " الحديث وهو صحيح أخرجه مسلم لكن في الأحتجاج به لذلك نظر وقد ضم إليه بعضهم حديث قدموا قريشا ولا تقدموها ونقل ابن المنذر عن البويطي ان الشافعي قال الكفاءة في الدين وهو كذلك في مختصر البويطي قال الرافعي وهو خلاف المشهور قال في الفتح واعتبار الكفاءة في الدين متفق عليه فلاتحل المسلمة لكافر قال الخطابي إن الكفاءة معتبرة في قول أكثر العلماء بأربعة أشياء الدين والحرية والنسب والصناعة ومنهم من أعتبر السلامة من العيوب وأعتبر بعضهم اليسار ويدل على ذلك ما أخرجه أحمد والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث بريدة رفعه أن احساب أهل الدنيا الذين يذهبون إليه المال وما أخرجه أحمد والترمذي وصححه هو والحاكم من حديث سمرة رفعه " الحسب المال والكرم التقوي " قال في الفتح أن يكون المراد أنه حسب من لاحسب له فيقوم النسب الشريف لصاحبه مقام المال لمن لانسب له أو أن شأن أهل الدنيا رفعة من كان كثير المال ولو كان وضيعا وضعة من كان مقلا ولو كان رفيع النسب كما هو موجود مشاهد فعلى الاحتمال الأول يمكن أن يؤخذ من الحديث اعتبار الكفاءة بالمال لا على الثاني وقد قدمنا الأشارة إلى شيء من هذا في باب صفة المرأة التي تستحب خطبتها . قوله " تبنى سالما " بفتح المثناة الفوقية والموحدة وتشديد النون أي اتخذه ابنا وسالم هو ابن معقل مولى أبي حذيفة ولم يكن مولاه وإنما كان يلازمه بل هو مولى امرأة من الأنصار كما وقع في حديث الباب وهذا الحديث فيه دليل على أن الكفاءة تغتفر برضا الأعلى لا مع الرضا فقد خير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بريرة لما لم يكن زوجها كفؤا لها بعد الحرية وقد قدمنا الخلاف هل كان عبدا أو حرا والراجح أنه كان عبدا كما سيأتي في باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد . قال الشافعي اصل الكفاءة في النكاح حديث بريرة يعني هذا ومن جملة الأمور الموجبة لرفعة المتصف بها الصنائع العالية وأعلاها على الإطلاق العلم لحديث " العلماء ورثة الأنبياء " أخرجه أحمد وأبو داود والترمذي وابن حبان من حديث أبي الدرداء وضعفه الدارقطني في العلل . قال المنذري وهومضطرب الإسناد وقد ذكرنا فمن ذلك قوله تعالى { هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون } وقوله تعالى { يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات } وقوله تعالى { شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم } وغير ذلك من الآيات والاحاديث المتاكثرة منها حديث " خياركم في الجاهلية " وقد تقدم (6/189)
باب استحباب الخطبة وما يدعى به المتزوج (6/189)
1 - عن ابن مسعود قال " علمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التشهد في الصلاة والتشهد في الحاجة وذكر تشهد الصلاة قال والتشهد في الحاجة إن الحمد لله نستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله قال ويقرأ ثلاث آيات ففسرها سفيان الثوري واتقوا الله حق تقاته ولا تموتن الا وأنتم مسلمون اتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا " الآية
- رواه الترمذي وصححه (6/189)
2 - وعن اسمعيل بن اراهيم عن رجل من بني سليم قال " خطبت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمامة بنت عبد المطلب فانكحني من غير أن يتشهد "
- رواه أبو داود (6/190)
3 - وعن أبي هريرة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رفا انسانا إذا تزوج قال بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي (6/190)
4 - وعن عقيل ابن أبي طالب " أنه تزوج امرأة من بني جشم فقالوا بالرفاء والبنين فقال لا تقولوا هكذا ولكن قولوا كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بارك لهم وبارك عليهم "
- رواه النسائي وابن ماجه وأحمد بمعناه . وفي رواية له " لاتقولوا ذلك فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نهانا عن ذلك قولوا بارك الله فيك وبارك لك فيها " (6/190)
- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والحاكم والبيهقي وهو من رواية أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود عن أبيه ولم يسمع منه . وقد رواه الحاكم من طريق أخرى عن قتادة عن عبد ربه عن أبي عياض عن ابن مسعود وليس فيه الآيات . ورواه أيضا من طريق اسرائيل عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة أن عبد الله قال فذكر نحوه ورواه البيهقي من حديث واصل الأحدب عن شقيق عن ابن مسعود بتمامه . وفي رواية للبيهقي " إذا أراد أحدكم أن يخطب لحاجة من النكاح أو غيره فليقل الحمد لله نحمده ونستعينه " الخ وروى المصنف عن الترمذي أنه صحح حديث ابن مسعود والذي رأيناه في نسخة صحيحة منه التحسين فقط وكذلك روى الحافظ عنه في بلوغ المرام والمنذري في مختصر السنن التحسين فقط ولكنه قال الترمذي بعد أن ذرك أن الحديث حسن مالفظه رواه الأعمش عن أبي إسحاق عن أي الأحوص عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكلا الحديثين صحيح لأن اسرائيل جمعهما فقال عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص وأبي عبيدة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث إسماعيل بن اراهيم أخرجه ايضا البخاري في تاريخه الكبير وقال إسناده مجهول ووقع عند في رواية أمامة بنت ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب فكأنها نسبت في رواية أبي داود إلى جدها انتهى . وأما جهالة الصحابي المذكور فغير قادحة كما قررنا في هذا الشرح غير مرة . وحديث أبي هريرة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال الترمذي حسن صحيح وصححه أيضا ابن حبان والحاكم . وحديث عقيل أخرجه أيضا أبو يعلى والطبراني وهو من رواية الحسن عن عقيل قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن الحسن لم يسمع من عقيل فيما يقال ( وفي الباب ) عن هبار عند الطبراني " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شهد نكاح رجل فقال على الخير والبركة والألفة والطائر الميمون والسعة والرزق بارك الله لكم " قوله " إن الحمد لله " جاء في رواية بحذف ان وفي رواية للبيهقي بحذف إن وإثباتها بالشك فقال الحمد لله أو أن الحمد لله وفي آخره قال شعبة قلت لابي إسحاق هذه القصة في خطبة النكاح وفي غيرها قال في كل حاجة . ولفظ ابن ماجه في أول هذا الحديث " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أوتى جوامع الخير وخواتيمه فعلمنا خطبة الصلاة وخطبة الحاجة فذكر خطبة الصلاة ثم خطبة الحاجة قوله " وأشهد أن محمدا عبده ورسوله " زاد أبو داود في رواية " ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما " وفي رواية أخرى بعد قوله " ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئا " وقد استدل بحديث ابن مسعود هذا على مشروعية الخطبة عند عقد النكاح وعند كل حاجة قال الترمذي في سننه وقد قال أهل العلم إن النكاح جائز بغير خطبة وهو قول سفيان الثوري وغيره من أهل العلم انتهى . ويدل على الجواز حديث اسمعيل بن إبراهيم المذكور فيكون على هذا الخطبة في النكاح مندوبة : قوله " رفأ " قال في الفتح بفتح الراء وتشديد الفاء مهموز معناه دعا له . وفي القاموس رفأه ترفئة وترفيا قال له بالرفاء والبنين أي بالالتئام وجمع الشمل انتهى . وذلك لأن الترفئة في الأصل الالتئام يقال رفأ الثوب لأم خرقه وضم بعضه إلى بعضه وكانت هذه ترفئة الجاهلية ثم نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك وأرشد إلى ما في أحاديث الباب : قوله " تزوج امرأة من بني جشم " في جامع الأصول عن الحسن أن عليا هو المتزوج من بني جشم وعزاه إلى النسائي واختلف في علة النهي عن الترفئة التي كانت تفعلها الجاهلية فقيل لأنه لأحمد فيها ولا ثناء ولا ذكر لله . وقيل لما فيه من الإشارة إلى بعض البنات لتخصيص البنين بالذكر وإلا فهو دعاء للزوج بالالتئام والائتلاف فلا كراهة فيه . وقال ابن المنير الذي يظهر أنه صلى الله عليه وآله وسلم كره اللفظ لما فيه من موافقة الجاهلية لأنهم كانوا يقولونه تفاؤلا لادعاء فيظهر أنه لو قيل بصورة الدعاء لم يكره كأن يقول اللهم ألف بينما وارزقهما بنين صالحين (6/191)
باب ما جاء في الزوجين يوكلان واحدا في العقد (6/191)
1 - عن عقبة بن عامر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أترضى أن أزوجك فلانة نعم وقال للمرأة أترضين أن أزوجك فلانا قالت نعم فزوج أحدهما صاحبه فدخل بها ولم يفرض لها صداقا ولم يعطها شيئا وكان ممن شهد الحديبية وكان من شهد الحديبية له سهم بخيبر فلما حضرته الوفاة قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجني فلانة ولم أفرض لا صداقا ولم أعطها شيئا وأني أشهدكم أني أعطيتها من صداقها سهمي بخيبر فأخذت سهمه فباعته بمائة ألف "
- رواه أبو داود وقال عبد الرحمن بن عوف لأم حكيم بنت قارظ " أتجعلين أمرك إلى قالت نعم قال فقد تزوجتك " ذكره البخاري في صحيحه وهو يدل على أن مذهب عبد الرحمن ان من وكل في تزويج أو بيع شيء فله أن يبيع ويزوج من نفسه وأن يتولى ذلك بلفظ واحد (6/191)
- حديث عقبة بن عامر سكت عنه أبو داود والمنذري وفي إسناده عبد العزيز بن يحيى صدوق يهم . وأثر عبد الرحمن ذكره البخاري معلقا ووصله ابن سعد من طريق ابن أبي ذئب عن سعد بن خالج ان أم حكيم ينت قارظ قالت لعبد الرحمن ابن عوف أنه قد خطبني غير واحد فزوجني أيهم رأيت قال وتجعلين ذلك إلي فقالت نعم قال قد تزوجتك قال ابن أبي ذئب فجاز نكاحه . وقد ذكر ابن سعد أم حكيم المذكورة في النساء اللواتي لم يدركن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروين عن أزواجه وهي بنت قارظ بن خالد بن عبيد حليف بني زهرة . وقد استدل بحديث عقبة من قال أنه يجوز أن يتولى طرفي العقد واحد وهو مروى عن الأوزاعي وربيعة والثوري ومالك وأبي حنيفة وأكثر أصحابه والليث والهادوية وأبي ثور وحكى في البحر عن الناصر والشافعي وزفر أنه لا يجوز لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل نكاح لا يحضره أربعة " وقد تقدم . وأجيب بأنه أراد أومن يقوم مقامهم قال في الفتح وعن مالك لو قالت الثيب لوليها زوجني بمن رأيت فزوجها من نفسه أوممن أختار لزمها ذلك ولو لن تعلم عين الزوج . وقال الشافعي يزوجه السلطان أو ولي آخر مثله أو أبعد منه ووافقه زفر وداود وحجتهم إن الولاية شرط في العقد فلا يكون الناكح منكحا كما لا يبيع من نفسه وروى البخاري عن المغيرة تعليقا أنه خطب امرأة هو أولى الناس بها فأمر رجلا فزوجه ووصل هذا الأثر وكيع في مصنفه . وللبيهقي من طريقه عن الثوري عن عبد الملك بن عميران المغيرة بن شعبة أراد أن يتزوج امرأة هو وليها فجعل أمرها إلى رجل المغيرة أولى منه فزوجه . وأخرجه عبد الرزاق عن الثوري وقال فيه فأمر أبعد منه فزوجه . وأخرجه سعيد بن منصور من طريق الشعبي ولفظه أن المغيرة خطب بنت عمه عروة بن مسعود فأرسل إلى عبد الله بن أبي عقيل فقال زوجنيها فقال ما كنت لأفعل أنت أمير البلد وابن عمها فأرسل المغيرة إلى عثمان بن أبي العاص فزوجها منه . والمغيرة هو ابن شعبة بن مسعود من ولد عوف بن ثقيف فهي بنت عمه وعبد الله بن أبي عقيل هو ابن عمها أيضا لأن جده هو مسعود المذكور . وأما عثمان بن أبي العاص فهو وإن كان ثقفيا لكنه لا يجتمع معهم إلا في جدهم الأعلى ثقيف لأنه من ولد جشم ابن ثقيف . وقد استدل محمد بن الحسن على الجواز بأن الله لما عاتب الأولياء في تزويج من كانت من أهل المال والجمال بدون صداقها وعاتبهم على ترك تزويج من كانت قليلة المال والجمال دل على أن الولي يصح منه تزويجها من نفسه إذ لا يعاتب أحدا على ترك ما هو حرام عليه (6/192)
باب ما جاء في نكاح المتعة وبيان نسخه (6/192)
1 - عن ابن مسعود قال " كنا نغزو مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس معنا نساء فقلنا ألا نختصى فنهانا عن ذلك ثم رخص لنا بعد أن تنكح المرأة بالثوب إلى أجل ثم قرأ عبد الله يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم " الآية
- متفق عليه (6/192)
2 - وعن أبي جمرة قال " سألت ابن عباس عن متعة النساء فرخص فقال له مولىله إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة أو نحوه فقال ابن عباس نعم "
- رواه البخاري (6/193)
3 - وعن محمد بن كعب عن ابن عباس قال " إنما كانت المتعة في أول الإسلام كان الرجل يقدم البلدة ليس له بها معرفة فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم فتحفظ له متاعه وتصلح له شأنه حتى نزلت هذه الآية إلا على أزواجهم أوما ملكت أيمانهم قال ابن عباس فكل فرج سواهما حرام "
- رواه الترمذي (6/193)
4 - وعن علي رضي الله عنه " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهل زمن خيبر " وفي رواية " نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الأنسية "
- متفق عليهما (6/193)
5 - وعن سلمة بن الأكوع قال " رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام ثم نهى عنها " (6/194)
6 - وعن سبرة الجهني " أنه غزا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فتح مكة قال فأقمنا بها خمسة عشر فأذن لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في متعة النساء " وذكر الحديث إلى أن قال " فلم أخرج حتى حرمها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وفي رواية " أنه كان مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا أيها الناس أني كنت أذنت لكم في الأستمتاع من النساء وإن الله قد حرم ذلك إلى يوم القيامة فمن كان منهن شيء فليخل سبيله ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئا "
- رواهن أحمد ومسلم . وفي لفظ عن سبرة قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة عام الفتح حين دخلنا مكة ثم لم نخرج منها حتى نهانا عنها "
- رواه مسلم . وفي رواية عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة "
- رواه أحمد وأبو داود (6/194)
- حديث ابن عباس الذي رواه المصنف من طريق أبي جمرة ونسبه إلى البخاري قيل ليس هو في البخاري . قال الحافظ في التلخيص وأغرب المجد بن تيمية يعني المصنف فذكره عن أبي جمرة الضبعي أنه سأل ابن عباس عن متعة النساء فرخص فيه فقال له مولى إنما ذلك في الحال الشديد وفي النساء قلة فقال نعم ورواه البخاري وليس هذا في صحيح البخاري بل استغربه ابن الأثير في جامع الأصول فعزاه إلى رزين وحده ثم قال الحافظ قلت قد ذكره المزي في الأطراف في ترجمة أبي جمرة عن ابن عباس وعزاه إلى البخاري بللفظ الذي ذكره ابن تيمية سواء ثم راجعته من الأصل فوجدته في باب النهي عن نكاح المتعة أخيرا ساقه بهذا الإسناد والمتن فأعلم ذلك . وحديث ابن عباس الثاني الذي رواه المصنف من طريق محمد بن كعب في إسناده موسى بن عبيد الربذي وهو ضعيف . وقد ورى الرجوع عن ابن عباس جماعة منهم محمد بن خلف القاضي المعروف بوكيع في كتابه الغرر من الأخبار بسنده المتصل بسعيد بن جبير قال قلت لابن عباس ما تقول في المتعة فقد أكثر الناس فيها حتى قال فيها الشاعر قال وما قال قال قال
قد قلت للشيخ لما طال محبسه ... يا صاح هل لك في فتوى ابن عباس وهل ترى رخصة الأطراف أنسة ... تكون مثواك حتى مصدر الناس
قال وقد قال في الشاعر قلت نعم قال فكرهها أو نهى عنها . ورواه الخطابي أيضا بإسناده إلى سعيد بن جبير قال قلت لابن عباس قد سارت بفتياك الركبان وقالت فيها الشعراء قال وما قالوا فذكر البيتين فقال سبحان الله والله ما بهذا أفتيت وما هي الا كالميتة لا تحل الا للمضطر . وروى الرجوع أيضا البيهقي وأبو عوانة في صحيحه قال في الفتح بعد أن ساق عن ابن عباس روايات الرجوع وساق حديث سهل بن سعد عند الترمذي بلفظ إنما رخص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المتعة لعزبة كانت بالناس شديدة ثم نهى عنها بعد ذلك ما لفظه فهذه أخبار يقوى بعضها بعضها . وحاصلها أن المتعة إنما رخص فيها بسبب العزبة في حال السفر ثم قال وأخرج البيهقي من حديث أبي ذر بإسناد حسن إنما كانت المتعة لحربنا وخوفنا وروى عبد الرزاق في مصنفه أن ابن عباس يراها حلالا ويقرأ فما استمتعتم به منهن . قال وقال ابن عباس في حرف أبي بن كعب إلى أجل مسمى قال وكان يقول يرحم الله عمر ما كانت المتعة الا رحمة رحم الله بها عباده ولولا نهي عمر لما احتيج إلى الزنا أبدا وذكر ابن عبد البر عن عمارة مولى الشريد سألت ابن عباس عن المتعة اسفاح هي أم نكاح فقال لا نكاح ولاسفاح قلت فما هي قال المتعة كما قال الله تعالى قلت وهل عليها حيضة قال نعم قلت ويتوارثان قال لا وقد روى ابن حزم في المحلى عن جماعة من الصحابة غير ابن عباس فقال وقد ثبت على تحليلها بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من السلف منهم من الصحابة أسماء بنت أبي بكر وجابر بن عبد الله وابن مسعود وابن عباس ومعاوية وعمرو بن حريث وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف . ورواه جابر عن الصحابة مدة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومدة أبي بكر ومدة عمر إلى قرب آخر خلافته وروى عنه إنما أنكرها إذا لم يشهد عليها عد لأن فقط وقال بها من التابعين طاوس وعطاء وسعيد بن جبير وسائر فقهاء مكة انتهى كلامه . ثم ذكر الحافظ في التلخيص بعد أن نقل هذا الكلام عن ابن حزم من روى من المحدثين حل المتعت عن المذكورين ثم قال ومن المشهورين بإباحتها ابن جريج فقيه مكة ولهذا قال الأوزاعي فيما رواه الحاكم في علوم الحديث يترك من قول أهل الحجاز خمس فذكر منها متعة النساء من قول أهل مكة واتيان النساء في أدبارهن من قول أهل المدينة ومع ذلك فقد روى أبو عوانة في صحيحه عن ابن جريج أنه قال لهم بالبصرة اشهدوا أني قد رجعت عنها بعد أن حدثهم فيها ثمانية عشر حديثا أنه لا بأس بها . وممن حكى القول بجواز المتعة عن ابن جريج الإمام المهدي في البحر وحكاه عن الباقر والصادق والأمامية انتهى . وقال ابن المنذر جاء عن الأوائل الرخصة فيها ولا أعلم اليوم أحدا يحيزها الابعض الرافضة ولامعنى لقول يخالف كتاب الله وسنة رسوله . وقال عياض ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها إلا الروافض وأما ابن عباس فروى عنه أنه أباحها وروى عنه أنه رجع عن ذلك . قال ابن بطال روى أهل مكة واليمن عن ابن عباس إباحة المتعة وروى عنه الرجوع بأسانيد ضعيفة وإجازة المتعة عنه أصح وهو مذهب الشيعة قال وأجمعوا على أنه متى وقع الآن أبطل سواء كان قبل الدخول أم بعده إلا قول زفر أنه جعلها كالشروط الفاسدة ويرده قوله صلى الله عليه وآله وسلم " فمن كان عنده شيء فليخل سبيله " وقال الخطابي تحريم المتعة كالإجماع الا عن بعض الشيعة ولا يصح على قاعدتهم في الرجوع في المخالفات إلى على صح عن علي أنها نسخت ونقل البيهقي عن جعفر بن محمد أنه سئل عن المتعة فقال هي الزنا بعينه . وقال ابن دقيق العيد ما حكاه بعض الحنفية عن مالك من الجواز خطأ فقد بالغ المالكية في منع النكاح المؤقت حتى أبطلوا توقيت الحل بسببه فقالوا لوعلق على وقت لا بد من مجيئه وقع الطلاق الآن لأنه توقيت للحل فيكون في معنى نكاح المتعة قال عياض وأجمعوا على أن شرط البطلان التصريح بالشرط فلو نوى عند العقد أن يفارق بعد مدة صح نكاحه إلا الأوزاعي فأبطله واختلفوا هل يحد ناكح المتعة أو يعذر على قولين . وقال القرطبي الروايات كلها متفقة على أن زمن إباحة المتعة لم يطل وأنه حرم ثم أجمع السلف والخلف على تحريمها الا من لا يلتفت إليه من الروافض وجزم جماعة من الأئمة بتفرد ابن عباس بإباحتها ولكن قال ابن عبد البر أصحاب ابن عباس من أهل مكة واليمن على إباحتها ثم اتفق فقهاء الأمصار على تحريمها وقد ذكر الحافظ في فتح الباري بعد ما حكى عن ابن حزم كلامه السالف المتضمن لرواية جواز المتعة عن جماعة من الصحابة ومن بعدهم مناقشات فقال وفي جميع ما أطلقه نظر أما ابن مسعود إلى آخر كلامه فليراجع
وقال الحازمي في الناسخ والمنسوخ بعد أن ذكر حديث ابن مسعود المذكور في الباب مالفظه وهذا الحكم كان مباحا مشروعا في صدر الإسلام وإنما أباحه النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسبب الذي ذكره ابن مسعود وإنما ذلك يكون في أسفارهم ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إباحة لهم وهم في بيوتهم ولهذا نهاهم عنه غير مرة ثم إباحه لهم في أوقات مختلفة حتى حرمه عليهم في آخر أيامه صلى الله عليه وآله وسلم وذلك في حجة الوداع وكان تحريم تأييد لا توقيت فلم يبق اليوم في ذلك خلاف بين فقهاء الأمصار وأئمة الأمة الا شيئا ذهب إليه بعض الشيعة ويروى أيضا عن ابن جرير جوازه انتهى . إذا تقرر لك معرفة من قال بإباحة المتعة فدليلهم على الإباحة ما ثبت من إباحته صلى الله عليه وآله وسلم في مواطن متعددة . منها في عمرة القضاء كما أخرجه عبد الرزاق عن الحسن البصري وابن حبان في صحيحه من حديث سبرة . ومنها في خيبر كما في حديث علي المذكور في الباب . ومنها عام الفتح كما في حديث سبرة بن معبد المذكور أيضا . ومنها يوم حنين رواه النسائي من حديث علي قال الحافظ ولعله تصحيف عن خيبر وذكره الدارقطني عن يحيى بن سعيد بلفظ حنين . ووقع في حديث سلمة المذكور في الباب في عام أوطاس . قال السهيلي هو موافق في رواية من روى عام الفتح فإنهما كانا في عام واحد . ومنها في تبوك رواه الحازمي والبيهقي عن جابر ولكنه لم يبحها لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم هنالك فإن لفظ حديث جابر عند الحازمي " قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى غزوة تبوك حتى إذا كنا عند الثنية مما بلى الشام جاءتنا نسوة تمتعنا بهن يطفن برحالنا فسألنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنهم فأخبرناه فغضب وقام فينا خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ونهى عن المتعة فتوادعنا يومئذ ولم نعد ولا نعود فيها أبدا فلهذا سميت ثنية الوداع " . قال الحافظ وهذا إسناد ضعيف لكن عند ابن حبان من حديث أبي هريرة ما يشهد له وأخرجه البيهقي أيضا وأجيب بما قاله الحافظ في الفتح أنه لا يصح من روايات الأذن بالمتعة شيء بغير علة إلا في غزوة الفتح وذلك لأن الأذن في عمرة القضاء لا يصح لكونه من مراسيل الحسن ومراسيله ضعيفة لأنه كان يأخذ عن كل أحد وعلى تقدير ثبوته فلعله أراد أيام خيبر لأنهما كانا في سنة واحدة كما في الفتح وأوطاس أنهما في غزوة واحدة ويبعد كل البعد أن يقع الأذن في غزوة أوطاس بعد أن يقع التصريح في أيام الفتح قبلها فإنها حرمت إلى يوم القيامة وأما في غزوة خيبر فطريق توجيه الحديث وإن كانت صحيحة ولكنه قد حكى البيهقي عن الحميدي ان سفيان كان يقول أن قوله في الحديث يوم خيبر يتعلق بالحمر الأهلية لا بالمتعة . وذكر السهيلي أن ابن عيينة روى عن الزهري بلفظ نهى عن أكل الحمر الأهلية عام خيبر وعن المتعة بعد ذلك أو في غير ذلك اليوم انتهى
وروى ابن عبد البر أن الحميدي ذكر عن ابن عيينة أن النهي زمن خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فكان في غير يوم خيبر قال ابن عبد البر وعلى هذا أكثر الناس وقال أبو عوانة في صحيحه سمعت أهل العلم يقولون معنى حديث على أنه نهى يوم خيبر عن لحوم الحمر الأهلية وأما المتعة فسكت عنها وإنما نهى عنها يوم الفتح انتهى . قال في الفتح والحامل لهؤلاء على هذا ما ثبت من الرخصة فيها بعد زمن خيبر كما أشار البيهقي ولكنه يشكل على كلام هؤلاء ما في البخاري في الذبائح من طريق مالك بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم خيبر عن متعة النساء وعن لحوم الحمر الأهلية " وهكذا أخرجه مسلم من رواية ابن عيينة . وأما في غزوة حنين فهو تصحيف كما تقدم والأصل خيبر وعلى فرض عدم ذلك التصحيف فيمكن أن يراد ما وقع في غزوة أوطاس لكونها هي وحنين واحدة وأما في غزوة تبوك لم يقع منه صلى الله عليه وآله وسلم أذن بالاستمتاع كما تقدم وإذا تقرر هذا فالأذن الواقع منه صلى الله عليه وآله وسلم بالمتعة يوم الفتح منسوخ بالنهي عنها المؤبد كما في حديث سبرة الجهني وهكذا لو فرض وقوع الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم في موطن من المواطن قبل يوم الفتح كان نهيه عنها يوم الفتح ناسخا له . وأما رواية النهي عنها في حجة الوداع فهو اختلاف على الربيع بن سبرة والرواية عنه بأن النهي في يوم الفتح أصح وأشهر ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد إعادة النهي ليشيع ويسمعه من لم يسمعه قبل ذلك ولكنه يعكر على ما في حديث سبرة من التحريم المؤبد ما أخرجه مسلم وغيره عن جابر قال كنا نستمتع بالقبضة من الدقيق والتمر الأيام على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدرأ من خلافة عمر حتى نهانا عنها عمر في شأن حديث عمر وبن حريث فإنه يبعد كل البعد أن يجهل جمع من الصحابة النهي المؤبد الصادر عنه صلى الله عليه وآله وسلم في جمع كثير من الناس ثم يستمرون على ذلك حياته صلى الله عليه وآله وسلم وبعد موته حتى ينهاهم عنها عمر . وقد اجيب عن حديث جابر هذا بأنهم فعلوا ذلك في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم يبلغه النسخ حتى نهى عنها عمر وأعتقد أن الناس باقون على ذلك لعدم الناقل وكذلك يحمل فهل غيره من الصحابة ولذا ساغ لعمر ان ينهى ولهم الموافقة
وهذا الجواب وإن كان لا يخلو عن تعسف ولكنه أوجب المصير إليه حديث سبرة الصحيح المصرح بالتحريم المؤبد وعلى كل حال فنحن متعبدون بما بلغنا عن الشارع وقد صح لنا عنه التحريم المؤبد ومخالفة طائفة من الصحابة له غير قادحة في حجيته ولا قائمة لنا بالمعذرة عن العمل به كيف والجمهور من الصحابة قد حفظوا التحريم وعملوا به ورووه لنا حتى قال ابن عمر فيما أخرجه عنه ابن ماجه بإسناد صحيح " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن لنا في المتعة ثلاثا ثم حرمها والله لا أعلم أحد تمتع وهو محصن إلا رجمته بالحجارة " وقال أبو هريرة فيما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " هدم المتعة الطلاق العدة والميراث " أخرجه الدارقطني وحسنه الحافظ ولا يمنع من كونه حسنا كون في إسناده مؤمل بن إسماعيل لأن الاختلاف فيه لا يخرج حديثه عن حد الحسن إذا أنضم إليه من الشواهد ما يقويه كما هو الشأن الحسن لغيره وأما ما يقال من أن تحليل المتعة مجمع عليه والمجمع عليه قطعى وتحريمها مختلف فيه المختلف فيه ظني والظني لا ينسخ القطعى فيجاب عنه أولا بمنع هذه الدعوى أعني كون القطعي لا ينسخه الظني فما الدليل عليها ومجرد كونها مذهب الجمهور غير مقنع لمن قام في مقام المنع يسائل خصمه عن دليل العقل والسمع بإجماع المسلمين وثانيا بأن النسخ بذلك الظني إنما هو لاستمرار الحل لا لنفس الحل والاستمرار ظني لا قطعي . وأما قراءة ابن عباس وابن مسعود وأبي بن كعب وسعيد بن جبير { فما استمتعتم به منهن إلى أجل مسمى } فليست بقرآن عند مشترطي التواتر ولا سنة لأجل روايتها قرآنا فيكون من قبيل التفسير للآية وليس ذلك بحجة . وأما عند من لم يشترط التواتر فلا مانع من نسخ ظني القرآن بظني السنة كما تقرر في الأصول (6/194)
باب نكاح المحلل (6/195)
1 - عن ابن مسعود قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحلل والمحلل له "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه والخمسة إلا النسائي من حديث علي مثله (6/195)
2 - وعن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ألا أخبركم بالتيس المستعار قالوا بلى يا رسول الله قال هو المحلل لعن الله المحلل والمحلل له "
- رواه ابن ماجه (6/195)
- حديث ابن مسعود صححه ابن القطان وابن دقيق العيد على شرط البخاري وله طريق أخرى أخرجها عبد الرزاق وطريق ثالثة أخرجها إسحاق في مسنده . وحديث علي صححه ابن السكن وأعله الترمذي فقال روي عن مجالد عن الشعبي عن جابر وهو وهم انتهى . وفي إسناده مجالد وفيه ضعف . وحديث عقبة ابن عامر أخرجه أيضا الحاكم وأعله أبو زرعة وأبو حاتم بالإرسال . وحكى الترمذي عن البخاري أنه استنكره . وقال أبو حاتم ذكرته ليحيى بن بكير فأنكره إنكارا شديدا وسياق إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح المصري قال حدثنا أبي قال سمعت الليث بن سعد يقول قال لي مشرح بن عاهان قال عقبة بن عامر فذكره . ويحيى بن عثمان ضعيف . ومشرح قد وثقه ابن معين ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند ابن ماجه وفي إسناده زمعة بن صالح وهو ضعيف وعن أبي هريرة عند أحمد واسحاق والبيهقي والبزار وابن أبي حاتم في العلل والترمذي في العلل وحسنه البخاري والأحاديث المذكورة تدل على تحريم التحليل لا اللعن إنما يكون على ذنب كبير . قال الحافظ في التلخيص استدلوا بهذا الحديث على بطلان النكاح إذا شرط الزوج أنه إذا نكحها بانت منه أو شرط أنه يطلقها أو نحو ذلك وحملوا الحديث على ذلك ولا شك أن إطلاقه يشمل هذه الصورة وغيرها لكن روى الحاكم والطبراني في الأوسط عن عمر أنه جاء إليه رجل فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا فتزوجها أخ له عن غير مؤامرة ليحلها لأخيه هل تحل للأول إلا بنكاح رغبة كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . قال وقال ابن حزم ليس الحديث على عموم في كل محلل إذ لو كان كذلك لدخل فيه كل واهب وبائع ومزوج فصح أنه أراد به بعض المحللين وهو من أحل حراما لغيره بلا حجة فتعين أن يكون ذلك في من شرط ذلك لأنهم لم يختلفوا في أن الزوج إذا لم ينو تحليلها للأول ونوت هي أنها لا تدخل في اللعن فدل على أن المعتبر الشرط انتهى . ومن المجوزين للتحليل بلا شرط أبو ثور وبعض الحنفية والمؤيد بالله والهادوية وحملوا أحاديث التحريم على ما إذا وقع الشرط أنه نكاح تحليل . قالوا وقد روى عبد الرزاق أن امرأة أرسلت إلى رجل فزوجته نفسها ليحلها لزوجها فأمره عمر بن الخطاب أن يقيم معها ولا يطلقها وأوعده أن يعاقبه إن طلقها فصحح نكاحه ولم يأمره باستئنافه . وروى عبد الرزاق أيضا عن عروة بن الزبير أنه كان لا يرى بأسا بالتحليل إذا لم يعلم أحد الزوجين . قال ابن حزم وهو قول سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد قال ابن القيم في أعلام الموقعين وصح عن عطاء فيمن نكح امرأة محللا ثم رغب فيها فأمسكها قال لابأس بذلك . قال الشعبي لا بأس بالتحليل إذا لم يأمر به الزوج . وقال الليث عن سعد أن تزوجها ثم فارقها فترجع إلى زوجها وقال الشافعي وأبو ثور المحلل الذي يفسد نكاحه هو من تزوجها ليحلها ثم يطلقها فأما من لم يشترط ذلك في عقد النكاح فعقده صحيح لا داخلة فيه سواء شرط عليه ذلك قبل العقد أو لم يشرط نوى ذلك أو لم ينوه . قال أبو ثور وهو مأجور . وروى بشر بن الوليد عن أبي يوسف عن أبي حنيفة مثل هذا سواء . وروى أيضا عن محمد وأبي يوسف عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الثاني والمرأة التحليل للأول لم تحل له بذلك . وروى الحسن بن زياد عن زفر وأبي حنيفة أنه إن شرط عليه في نفس العقد أنه إنما تزوجها ليحلها للأول فإنه نكاح صحيح ويبطل الشرط وله أن يقيم معها فهذه ثلاث روايات عن أبي حنيفة قالوا وقد قال الله تعالى { فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وهذا زوج قد عقد بمهر وولى ورضاها وخلوها عن الموانع الشرعية وهو راغب في ردها إلى زوجها الأول فيدخل في حديث ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا إلانكاح رغبة " وهذا نكاح رغبة في تحليلها للمسلم كما أمر الله تعالى بقوله { حتى تنكح زوجا غيره } والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما شرط في عودها إلى الأول مجرد ذوق العسيلة بينهما فالعسيلة حلت له بالنص
وأما لعنه صلى الله عليه وآله وسلم للمحلل فلا ريب أنه لم يرد كل محلل ومحلل له فإن الولي محلل لما كان حراما قبل العقد والحاكم المزوج محلل بهذا الاعتبار والبائع أمته محلل للمشتري وطأها فإن قلنا العام إذا خصص صار مجملا فلا احتجاج بالحديث وإن قلنا هو حجة فيما عدا التخصيص فذلك مشروط ببيان المراد منه ولسنا ندري المحلل المراد من هذا النص أهو الذي نوى التحليل أو شرطه قبل العقد أو شرطه في صلب العقد أو الذي أحل ما حرمه الله تعالى ورسوله ووجدنا كل من تزوج مطلقة ثلاثا فإنه محلل ولو لم يشترط التحليل أو لم ينوه فإن الحل حصل بوطئه وعقده ومعلوم قطعا أنه لم يدخل في النص فعلم أن النص إنما أراد به من أحل الحرام بفعله أو عقده وكل مسلم لا يشك في أنه أهل للعنة وأما من قصد الإحسان إلى أخيه المسلم ورغب في جمع شمله بزوجته ولم شعثه وشعث أولاده وعياله فهو محسن وما على المحسنين من سبيل فضلا عن أن يلحقهم لعنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفاك أن هذا كله بمعزل عن الجواب بل هو من المجادلة بالباطل البحث ودفعه لا يخفى على عارف (6/196)
باب نكاح الشغار (6/196)
1 - عن نافع عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نى عن الشغار والشغار أن يزوج الرجل ابنته على ان يزوجه ابنته وليس بينهما صداق "
- رواه الجماعة لكن الترمذي لم يذكر تفسير الشغار وأبو داود جعله من كلام نافع وهو كذلك في رواية متفق عليه (6/196)
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا شغار في الإسلام "
- رواه مسلم (6/197)
3 - وعن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الشغار والشغار أن يقول الرجل زوجني ابنتك وأزوجك ابنتي أو زوجني أختك وأزوجك أختي "
- رواه أحمد ومسلم (6/197)
4 - وعن عبد الرحمن بن هرمز الأعرج " أن العباس بن عبد الله بن عباس أنكح عبد الرحمن بن الحكم ابنته وأنكحه عبد الرحمن ابنته وقد كانا جعلاه صداقا فكتب معاوية بن أبي سفيان إلى مروان بن الحكم يأمره بالتفريق بينما وقال في كتابه هذا الشغار الذي نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود (6/197)
5 - وعن عمران بن حصين " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام ومن انتهب فليس منا "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه (6/198)
- حديث معاوية في إسناده محمد بن إسحاق وقد تقدم اختلاف الأئمة في الأحتجاج بحديثه ( وفي الباب ) عن أنس عند أحمد والترمذي وصححه والنسائي وعن جابر عند مسلم وأخرج البيهقي عن جابر أيضا نهى عن الشغار والشغار أن تنكح هذه بهذه بغير صداق بضع هذه صداق هذه وبضع هذه صداق هذه وأخرج عبد الرزاق عن أنس أيضا مرفوعا لا شغار في الاسلام والشغار أن يزوج الرجل الرجل أخته بأخته . وأخرج أبو الشيخ من حديث أبي ريحانة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المشاغرة والمشاغرة أن يقول زوج هذا من هذه وهذه من هذا بلا مهر . وأخرج الطبراني عن أبي بن كعب مرفوعا " لا شغار قالوا يا رسول الله وما الشغار قال انكاح المرأة بالمرأة لا صداق بينهما " قال الحافظ وإسناده وإن كان ضعيفا لكنه يستأنس به في هذا المقام : قوله " الشغار " بمعجمتين الأولى مكسورة : قوله " والشغار ان يزوج " الخ قال الشافعي لا أدري التفسير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن ابن عمر أو عن نافع أو عن مالك هكذا حكى عن الشافعي البيهقي في المعرفة قال الخطيب تفسير الشغار ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما هو من قول مالك وهكذا قال غير الخطيب قال القرطبي تفسير الشغار وصحيح موافق لما ذكره أهل اللغة فإن كان مرفوعا فهو المقصود وإن كان من قول الصحابي فمقبول أيضا لأنه أعلم بالمقال وأقعد بالحال . وللشغار صورتان إحداهما المذكورة في الأحاديث وهي خلو بضع كل منهما من الصداق والثانية أن يشرط كل واحد من الوليين على الآخر أن يزوجه وليته فمن العلماء من اعتبر الأولى فقط فمنعها دون الثانية وليس المقتضي للبطلان عندهم مجرد ترك ذكر الصداق لأن النكاح يصح بدون تسميته بل المقتضى لذلك جعل البضع صداقا واختلفوا فيما إذا لم يصرح بذكر البضع فالأصح عندهم الصحة . قال القفال العلة في البطلان التعليق والتوقيف وكأنه يقول لا ينعقد لك نكاح ابنتي حتى ينعقد لي نكاح ابنتك وقال الخطابي كان ابن أبي هريرة يشبهه برجل تزوج امرأة ويستثني عضوا منها وهذا مما لا خلاف في فساده . قال الحافظ وتقرير ذلك أنه يزوج وليته ويستثني بضعها حيث يجعله صداقا للأخرى وقال المؤيد بالله وأبو طالب العلة كون البضع صار ملكا للأخرى . قال ابن عبد البر أجمع العلماء على أن نكاح الشغار لا يجوز ولكن اختلفوا في صحته فالجمهور على البطلان . وفي رواية عن مالك يفسخ قبل الدخول لا بعده وحكاه ابن المنذر عن الأوزاعي وذهبت الحنفية إلى صحته ووجوب المهر وهو قول الزهري ومكحول والثوري والليث ورواية عن أحمد وإسحاق وأبي ثور هكذا في الفتح قال وهو قوي على مذهب الشافعي لاختلاف الجهة لكن قال الشافعي النساء محرمات إلا ما أحل الله أو ملك يمين فإذا ورد النهي عن نكاح تأكد التحريم انتهى . وظاهر ما في الأحاديث من النهي والنفي إن الشغار حرام باطل وهو غير مختص بالبنات والأخوات قال النووي اجمعوا على ان غير البنات من الأخوات وبنات الأخ وغيرهن كالبنات في ذلك انتهى . وتفسير الجلب والجنب قد تقدم في الزكاة (6/198)
باب الشروط في النكاح وما نهى عنه منها (6/198)
1 - عن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق الشروط أن يوفي به ما استحللتم به الفروج "
- رواه الجماعة (6/199)
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه أويبيع على بيعه ولا تسأل المرأة طلاق أختها لتكتفي ما في صحفتها أو إنائها فإنما رزقها على الله تعالى "
- متفق عليه . وفي لفظ عليه " نهى أن تشترط المرأة طلاق أختها " (6/199)
3 - وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل أن تنكح امرأة بطلاق أخرى "
- رواه أحمد (6/199)
- قوله " أحق الشروط أن يوفى به " في رواية للبخاري " أحق ما أوفيتم من الشروط " وفي أخرى له " أحق الشروط أن توفوا به " قوله " ما استحللتم به الفروج " أي أحق الشروط بالوفاء شروط النكاح لان أمره أحوط وبابه أضيق . قال الخطابي الشروط في النكاح مختلفة فمنها ما يجب الوفاء به اتفاقا وهو ما أمر الله به من أمساك بمعروف أو تسريح بإحسان وعليه حمل بعضهم هذا الحديث ومنها ما لا يوفى به اتفاقا كسؤال المرأة طلاق أختها . ومنها اختلف فيه كاشتراط أن لا يتزوج عليها أو لا يتسرى أو لا ينقلها من منزلها إلى منزله وعند الشافعية الشروط في النكاح على ضربين منها ما يرجع إلى الصداق فيجب الوفاء به وما يكون خارجا عنه فيختلف الحكم فيه " قوله " نهى أن يخطب الرجل على خطبة أخيه " قد تقدم الكلام على هذا في أول الكتاب النكاح : قوله " أو يبيع على بيعه " قد تقدم الكلام عليه في كتاب البيع . قوله " ولا تسأل المرأة طلاق أختها " ظاهر هذا التحريم وهو محمول على ما إذا لم يكن هناك سبب يجوز ذلك لريبة في المرأة لا ينبغي معها أن تستمر في عصمة الزوج ويكون ذلك على سبيل النصيحة المحضة أو لضرر يحصل لها من الزوج أو للزوج منها أو يكون سؤالها ذلك تفويضا وللزوج رغبة في ذلك فيكون كالخلع من الأجنبي إلى غير ذلك من المقاصد المختلفة . وقال ابن حبيب حمل العلماء هذا النهي على الندب فلو فعل ذلك لم يفسخ النكاح وتعقبه ابن بطال بأن نفي الحل صريح في التحريم ولكن لا يلزم منه فسخ النكاح وإنما فيه التغليظ على المرأة أن تسأل طلاق الأخرى ولترض بما قسم الله لها والتصريح بنفي الحل وقع في رواية أحمد المذكورة في الباب ووقع أيضا في رواية للبخاري : قوله " لتكتفي " بفتح التاء المثناة الأولى وسكون الكاف من كفأت الاناء إذا قلبته وأفرغت ما فيه . وفي رواية للبخاري " لتستفرغ ما في صحفتها " وفي رواية له " لتكفأ " وأخرجه أبو نعيم في المستخرج بلفظ " لا يصلح لامرأة أن تشترط طلاق أختها لتكتفيء إناءها " وأخرجه الإسماعيلي وقال " لتكتفيء " وكذا البيهقي وهو بفتح المثناة وسكون الكاف وبالهمزة . وفي رواية للبخاري " لتكفيء " بضم المثناة من أكفأته بمعنى أملته والمراد بقوله ما في صحفتها ما يحصل لها من الزوج وكذلك معنى أوانائها . قوله " طلاق أختها " قال الثوري معنى هذا الحديث نهى المرأة الأجنبية أن تسأل رجلا طلاق زوجته وأن يتزوجها هي فيصير لها من نفقته ومعونته ومعاشرته ما كان للمطلقة فعبر عن ذلك بقوله لتكتفيء ما في صفحتها والمراد بأختها غيرها سواء كانت أختها من النسب أو الرضاع أو الدين . وحمل ابن عبد البر الأخت هنا على الضرة ومن الشروط التي هي من مقتضيات النكاح ومقاصده شرطها عليه العشرة بالمعروف والإنفاق والكسوة والسكنى وأن لا يقصر في شيء من حقها من قسمة ونحوها وشرطه عليها أن لا تخرج إلا بأذنه ولا تمنعه نفسها ولا تتصرف في متاعه إلا برضاه . وأما الشروط التي تنافي مقتضى العقد كأن تشترط عليه أن لا يقسم لضرتها أولا ينفق علياه أولا يتسرى أو يطلق من كانت تحته فلا يجب الوفاء بشيء من ذلك ويصح النكاح . وفي قول للشافعي يبطل النكاح . وقال أحمد وجماعة يجب الوفاء بالشروط مطلقا وقد استشكل ابن دقيق العيد حمل الحديث على الشروط التي هي من مقتضيات النكاح . وقال تلك الأمور لا تؤثر الشروط في ايجادها وسياق الحديث يقتضي الوفاء بها والشروط التي هي من مقتضى العقد مستوية في وجوب الوفاء بها ( واختلف ) أهل العلم في اشتراط المرأة أن لا يخرجها زوجها من بلدها . فحكى الترمذي عن أهل العلم من الصحابة قال ومنهم عمر أنه يلزم قال وبه يقول الشافعي وأحمد واسحاق . وروى ابن وهب بإسناد جيد أن رجلا تزوج امرأة فشرط أن لا يخرجها من دارها فارتفعوا إلى عمر فوضع الشرط وقال المرأة مع زوجها قال أبو عبيدة تضادت الروايات عن عمر في هذا . وحكى الترمذي عن علي أنه قال سبق شرط الله شرطها قال وهو قول الثوري وبعض أهل الكوفة قال أبو عبيدة وقد قال بقول عمر عمرو بن العاص ومن التابعين طاوس وأبو الشعثاء وهو قول الأوزاعي
وقال الليث والثوري والجمهور بقول علي حتى لو كان صداق مثلها مائة مثلا فرضيت بخمسين على أن لا يخرجها فله إخراجها ولا يلزمه إلا المسمى . وقالت الحنفية لها أن ترجع عليه بما نقصت له من الصداق . وقال الشافعي يصح النكاح ويلغو الشرط ويلزمه مهر المثل وعنه يصح وتستحق الكل كذا في الفتح قال أبو عبيدة والذي نأخذ به انا نأمره بالوفاء بشرطه من غير أن نحكم عليه بذلك . قال وقد أجمعوا على أنها لو اشترطت عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك عليه أن لا يطأها لم يجب الوفاء بذلك اشترط فكذلك هذا ومما يقوي حمل حديث عقبة على الندب حديث عائشة في قصة بريرة المتقدم بلفظ " كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل " وقد تقدم أيضا حديث " المسلمون عند شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا " وأخرج الطبراني في الصغير بإسناد حسن عن جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خطب أم مبشر بنت البراء بن معرور فقالت إني شرطت لزوجي أن لا أتزوج بعده فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن هذا لا يصلح " (6/200)
باب نكاح الزاني والزانية (6/200)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزاني المجلود لا ينكح إلا مثله "
- رواه أحمد وأبو داود (6/200)
2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن رجلا من المسلمين أستأذن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في امرأة يقال لها أم مهزول كانت تسافح وتشترط له أن تنفق عليه قال فاستأذن نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أو ذكر له أمرها فقرأ عليه نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك "
- رواه أحمد (6/201)
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن مرثد بن أبي مرثد الغنوي كان يحمل الأساري بمكة وكان بمكة بغي يقال لها عناق وكانت وكانت صديقته قال فجئت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت يا رسول الله أنكح عناقا قال فسكت عني فنزلت والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك فدعاني فقرأها علي وقال لا تنكحها "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي (6/201)
- حديث أبي هريرة قالا لحافظ في بلوغ المرام رجال ثقات . وحديث عبد الله بن عمرو أخرجه أيضا الطبراني في الكبير والأوسط . قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد ثقات وحديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي ( وفي الباب ) عن عمرو بن الأحوص " أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا في النساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا " أخرجه ابن ماجه والترمذي وصححه . وعن ابن عباس عند أبي داود والنسائي قال " جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال غربها قال أخاف أن تتبعها نفسي قال فاستمتع بها . قال المنذري ورجال إسناده يحتج بهم في الصحيحين . وذكر الدارقطني أن الحسن بن واقد تفرد به عن عمارة ابن أبي حفصة وأن الفضل بن موسى السيناني بكسر المهملة ثم التحتية ثم نونين بينهما ألف تفرد به عن الحسن بن واقد وأخرجه النسائي من حديث عبد الله بن عبيد بن عمير عن ابن عباس وبوب عليه في سننه تزويج الزانية . وقال هذا الحديث ليس بثابت وذكر أن المرسل فيه أولى بالصواب وقال الإمام أحمد يدلامس تعطي من ماله قلت فإن أبا عبيد يقول من الفجور قال ليس عندنا إلا أنها تعطى من ماله ولم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليأمره بإمساكها وهي تفجر . وسئل عنه ابن الأعرابي فقال من الفجور . وقال الخطابي معناه الزانية وأنها مطاوعة لمن أراد لا ترد يده . وعن جابر عند البيهقي بنحو حديث ابن عباس : قوله " الزاني المجلود " الخ هذا الوصف خرج مخرج الغالب باعتبار من ظهر منه الزنا وفيه دليل على أنه لا يحل للمرأة أن تتزوج من ظهر منه الزنا وكذلك لا يحل للرجل أن يتزوج بمن ظهر منها الزنا ويدل على ذلك الآية المذكورة في الكتاب لأن في آخرها { وحرم ذلك على المؤمنين } فإنه صرح في التحريم قال في نهاية المجتهد اختلفوا في قوله تعالى { وحرم ذلك على المرمنين } هل خرج مخرج الذم أو مخرج التحريم وهل الإشارة في قوله ذلك على الزنا أو إلى النكاح قال وإنما صار الجمهور إلى حمل الآية على الذم لا على التحريم لحديث ابن عباس الذي قدمناه . وقد حكى في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر وجابر وسعيد بن المسيب وعروة والزهري والعترة ومالك والشافعي وربيعة وأبي ثور أنها لا تحرم المرأة على من زنى بها لقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحرم الحلال الحرام " أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عمر . وحكى عن الحسن البصري أنه يحرم على الرجل نكاح من زنى بها واستدل بالآية . وحكاه أيضا عن قتادة وأحمد الا إذا تابا لارتفاع سبب التحريم وأجاب عنه في البحر بأنه أراد بالآية الزاني المشرك واستدل على ذلك بقوله تعالى { أو مشركة } قال وهي تحرم على الفاسق المسلم بالإجماع . وأراد أيضا الزانية المشركة بدليل قوله أو مشرك وهو يحرم على الفاسقة المسلمة بالإجماع . ولا يخفى ما في هذا الجواب لأن حاصله أن المراد المشرك الزاني والمشركة الزانية وهذا تأويل يفضي إلى تعطيل فائدة الآية إذ منع النكاح مع المشرك والزنا حاصل بغير هذه الآية ويستلزم أيضا امتناع عطف المشرك والمشركة على الزاني والزانية إذ قد ألغى خصوصية الزنا وأيضا قد تقرر في الأصول إن الاعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . قال ابن القيم وأما نكاح الزانية فقد صرح الله بتحريمه في سورة النور وأخبر أن من نكحها فهو زان أو مشرك فهو إما أن يلتزم حكمه تعالى ويعتقد وجوبه عليه أولا فإن لم يعتقده فهو مشرك وإن التزمه واعتقد وجوبه وخالفه فهو زان ثم صرح بتحريمه فقال { وحرم ذلك على المؤمنين } وأما جعل الإشارة في قوله { وحرم ذلك } إلى الزنا فضعيف جدا إذ يصير معنى الآية الزاني لا يزني الا بزانية أو مشركة والزانية لا يزني بها الا زان أو مشرك وهذا مما ينبغي أن يصان عنه القرآن ولا يعارض ذلك حديث عمرو بن الأحوص
وحديث ابن عباس المذكوران فإنهما في الأستمرار على نكاح الزوجة الزانية والآية وحديث أبي هريرة في ابتداء النكاح فيجوز للرجل أن يستمر على نكاح من زنت وهي تحته ويحرم عليه أن يتزوج بالزانية وأما ما ذكره المقبلي في المنار من أنه لا يصح أن يراد به لقوله لا ترد يد لامس الزنا بل عدم نفورها عن الريبة فقصر للفظ المحتمل على أحد المحتملات بغير دليل فالأولى أن ينزل ترك استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم عن مراده بقوله لا ترد يدلامس منزلة العموم ولا ريب أن العرب تكنى بمثل هذه العبارة عن عدم العفة عن الزنا . وأيضا حديث عمرو بن الأحوص من أعظم الأدلة الدالة على جواز إمساك الزانية لقوله فيه " الا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن " الخ فتفسير حديث لا ترد يدلامس بغير الزنا لا يأتي بفائدة باعتبار محل النزاع . وقد حكى صاحب البحر عن الأكثر ان من زنت لم ينفسخ نكاحها . وحكى أيضا عن المؤيد بالله أنه يجب تطليقها ما لم تتب : قوله " إن مرثد " بفتح الميم وسكون الراء وفتح المثلثة بعدها دال مهملة . والغنوى بفتح الغين المعجمة وبعدها نون مفتوحة نسبة إلى غني بفتح الغين وكسر النون وهو غني بن يعصر وقال أعصر بن سعد بن قيس عيلان . عناق بفتح العين المهملة وبعدها نون وبعد الألف قاف . قال المنذري وللعلماء في الآية خمسة أقوال : أحدها أنها منسوخة قاله سعيد بن المسيب وقال الشافعي في الآية القول فيها كما قال سعيد أنها منسوخة وقال غيره الناسخ { وانكحوا الأيامي منكم } فدخلت الزانية في أيامي المسلمين وعلى هذا أكثر العلماء يقولون من زنى بامرأة فله أن يتزوجها ولغيره أن يتزوجها والثاني أن النكاح ههنا الوطء والمراد أن الزاني لا يطاوعه على فعله ويشاركه في مراده إلا زانية مثله أو مشركة لا تحرم الزنا وتمام الفائدة في قوله سبحانه { وحرم ذلك على المؤمنين } يعني الذين امتثلوا الأوامر واجتنبوا النواهي . الثالث أن الزاني المجلود لا ينكح إلا زانية مجلودة أو مشركة وكذلك الزانية . الرابع أن هذا كان في نسوة كان الرجل يتزوج إحداهن على أن تنفق عليه مما كسبته من الزنا واحتج بأن الآية نزلت في ذلك . الخامس أنه عام في تحريم نكاح الزانية على العفيف والعفيف على الزانية انتهى (6/201)
باب النهي عن الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها (6/202)
1 - عن أبي هريرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكح المرأة على عمتها أو خالتها "
- رواه الجماعة . وفي رواية " نهى أن يجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها " رواه الجماعة إلا ابن ماجه والترمذي . ولأحمد والبخاري والترمذي من حديث جابر مثل اللفظ الأول (6/202)
2 - وعن ابن عباس " أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها بعد طلقتين وخلع " (6/202)
3 - وعن رجل من أهل مصر " كانت له صحبة يقال له جبلة أنه جمع بين امرأة رجل وابنته من غيرها "
- رواهما الدارقطني قال البخاري وجمع عبد الله بن جعفر بين ابنة علي وامرأة علي (6/203)
- حديث أبي هريرة قال ابن عبد البر أكثر طرقه متواترة عنه وزعم قوم أنه تفرد به وليس كذلك . وقال البيهقي عن الشافعي إن هذا الحديث لم يروى من وجه يثبته أهل الحديث إلا عن أبي هريرة وروى من وجوه لا يثبتها أهل العلم بالحديث . قال البيهقي هوكما قال جاء من حديث علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعبد الله بن عمرو وأنس وأبي سعيد وعائشة وليس فيها شيء على شرط الصحيح وإنما اتفقا على إثبات حديث أبي هريرة . وأخرج البخاري رواية عاصم عن الشعبي عن جابر وبين الأختلاف علي الشعبي فيه قال والحفاظ يرون رواية عاصم خطأ والصواب رواية ابن عون وداود بن أبي هند انتهى : قال الحافظ وهذا الاختلاف لم يقدح عند البخاري لأن الشعبي أشهر بجابر منه بأبي هريرة وللحديث طريق أخرى عن جابر بشرط الصحيح أخرجها النسائي من طريق ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر . وقول من نقل عنهم البيهقي تضعيف حديث جابر معارض بتصحيح الترمذي وابن حبان وغيرهما له وكفي بتخريج البخاري له موصولا قوة . قال ابن عبد البر كان بعض أهل الحديث يزعم أنه لم يرو هذا الحديث غير أبي هريرة يعني من وجه يصح وكأنه لم يصح حديث الشعبي عن جابر وصححه عن أبي هريرة والحديثان جميعا صحيحان . قال الحافظ وأما من نقل البيهقي أنهم رووه من الصحابة غير هذين فقد ذكر مثل ذلك الترمذي بقوله وفي الباب لكن لم يذكر ابن مسعود ولا ابن عباس ولا أنسا وزاد بدلهم أبا موسى وأبا أمامة وسمرة قال ووقع لي أيضا من حديث أبي الدرداء ومن حديث عتاب بن أسيد ومن حديث سعد بن أبي وقاص ومن حديث زينب امرأة ابن مسعود . قال وأحاديثهم موجودة عند ابن أبي شيبة وأحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وأبي يعلى والبزار والطبراني وابن حبان وغيرهم ولو لا خشية التطويل لأوردها مفصلة قال لكن في لفظ حديث ابن عباس عند أبي داود أنه كره أن يجمع بين العمة والخالة وبين العمتين والخالتين . وفي رواية عند ابن حبان نهى أن تزوج المرأة على العمة والخالة وقال إنكن إذا فعلتن ذلك قطعتن أرحامكن انتهى . وأخرج أبو داود في المراسيل عن عيسى بن طلحة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أن تنكح المرأة على قرابتها مخافة القطيعة " وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأخرج الخلال من طريق إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة عن أبيه عن أبي بكر وعمر وعثمان أنهم كانوا يكرهون الجمع بين القرابة مخافة الضغائن ( وأحاديث الباب ) تدل على تحريم الجمع بين من ذكر في حديث أبي هريرة لأن ذلك هو معنى النهي حقيقة وقد حكاه الترمذي عن عامة أهل العلم وقال لا نعلم بينهم اخلافا في ذلك وكذلك حكاه الشافعي عن جميع المفتين وقال لا اختلاف بينهم في ذلك وقال ابن المنذر لست أعلم في منع ذلك اختلافا اليوم وإنما قال بالجواز فرقة من الخوارج وهكذا حكى الإجماع القرطبي استثنى الخوارج . قال ولا يعتد بخلافهم لأنهم مرقوا من الدين وهكذا نقل الإجماع ابن عبد البر ولم يستثن
ونقله أيضا ابن حزم واستثنى عثمان البتي . ونقله أيضا النووي واستثنى طائفة من الخوارج والشيعة . ونقله ابن دقيق العيد عن جمهور العلماء ولم يعين المخالف وحكاه صاحب البحر عن الأكثر وحكى الخلاف عن البتي وبعض الخوارج والروافض واحتجوا بقوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحملوا النهي المذكور في الباب على الكراهة فقط وجعلوا القرينة ما في حديث ابن عباس من التعليل بلفظ " فإنكن إذا فتلتن ذلك قطعتن أرحامكن " وقد رواه ابن حبان هكذا بلفظ الخطاب للنساء . وفي رواية ابن عدي بلفظ الخطاب للرجال . والمراد بذلك أنه إذا جمع الرجل بينهما صارا من نسائه كارحامه فيقطع بينهما بما ينشأ بين الضرائر من التشاحن فنسب القطع إلى الرجل لأنه السبب وأضيفت إليه الرحم لذلك . وحديث ابن عباس هذا المصرح بالعلة في إسناده أبو حريز بالحاء المهملة ثم الزاي اسمه عبد الله بن حسين وقد ضعفه جماعة ولكنه قد علق له البخاري ووثقه ابن معين وأبو زرعة قال في التلخيص فهو حسن الحديث ويقويه المرسل الذي ذكرنا قالوا ولا شك إن مجرد مخافة القطيعة لا يستلزم حرمة النكاح والالزم حرمة الجمع بين بنات عمين وخالين لوجود علة النهي في ذلك ولا سيم مع التصريح بذلك كما في مرسل عيسى بن طلحة فإنه يعم جميع القرابات وأجيب بأن قطيعة الرحم من الكبائر بالأتفاق فما كان مفضيا إليها من الأسباب يكون محرما وأما الإلزام بتحريم الجمع بين سائر القرابات فيرده الإجماع على خلافه فهو مخصص لعموم العلة أو لقياسها وأما قوله تعالى { وأحل لكم ما وراء ذلكم } فعموم مخصص بأحاديث الباب : قوله " وجمع عبد الله بن جعفر " هذا وصله البغوي في الجعديان وسعيد بن منصور من وجه آخر وبنت علي هي زينب وامرأته هي ليلى بنت مسعود النهتلية وفي رواية سعيد بن منصور أن بنت علي هي أم كلثوم بنت فاطمة ولا تعارض بين الروايتين في زينب وأم كلثوم لأنه تزوجهما عبد الله بن جعفر واحدة بعد أخرى مع بقاء ليلى في عصمته وقد وقع مبينا عند ابن سعد وحكى البخاري عن ابن سيرين أنه قال لا بأس به يعني الجمع بين زوجة الرجل وبنته من غيرها ووصله سعيد بن منصور بسند صحيح والأثر عن الرجل الذي من أهل مصر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة مطولا من طريق أيوب عن عكرمة بن خالد أن عبد الله بن صفوان تزوج امرأة رجل من ثقيف وابنته أي من غيرها . قال أيوب فسئل عن ذلك ابن سيرين فلم ير به بأسا وقال نبئت أن رجلا كان نمصر اسمه جبلة جمع بين امرأة رجل وبنته من غيرها . وروى البخاري عن الحسن البصري أنه كرهه مرة ثم قال لابأس به ووصله الدارقطني وأخرج ابن أبي شيبة عن عكرمة أنه كرهه . وعن سليمان بن يسار ومجاهد والشعبي أنهم قالوا لا بأس به واعتبرت الهادوية في الجمع المحرم أن يكون بين من لو كان أحدهما ذكرا حرم على الآخر من الطرفين وزوجة الرجل وابنته من غيرها التحريم إنما هو طرف واحد لانا لو فرضنا فإنه أجنبي عن البنت ضرورة فتحل له وحكى البخاري عن الحسن بن الحسن بن علي أنه جمع بين ابنتي عمر قال وكره جابر بن زيد القطيعة وليس فيه تحريم لقوله { وأحل لكم ما وراء ذلكم } وحكى في الفتح عن ابن المنذر أنه قال لا أعلم أحدا أبطل هذا النكاح قال وكان يلزم من يقول بدخول القياس في مصل هذا أن يحرمه (6/203)
باب العدد المباح للحر والعبد وما خص به النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك (6/203)
1 - عن قيس بن الحرث قال " أسلمت وعندي ثمان نسوة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلكك له فقال اختر منهن أربعا "
- رواه أبو داود وابن ماجه (6/204)
2 - وعن عمر بن الخطاب قال " ينكح العبد أمرأتين ويطلق تطليقتين وتعتد الأمة حيضتين "
- رواه الداقطني (6/204)
3 - وعن قتادة عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يطوف على نسائه في الليلة الواحدة وله يومئذ تسع نسوة " . وفي رواية " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدور على نسائه في الساعة الواحدة من الليل والنهار وهن إحدى عشرة قلت لأنس وكان يطيقه قال كنا نتحده أنه أعطي قوة ثلاثين "
- رواهما أحمد والبخاري (6/204)
- حديث قيس بن الحرث وفي رواية الحرث بن قيس في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد ضعفه غير واحد من الأئمة . وقال أبو اقاسم البغوي ولا أعلم للحرث بن قيس حديثاغير هذا . وقال أبو عمر النمري ليس له إلا حديث واحد ولم يأت من وجه صحيح . وفي معنى هذا الحديث غيلان الثقفي لما أسلم وتحته عشر نسوة وسيأتي في باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع ويأتي الكلام عليه هنالك وفي الباب عن نوفل بن معاوية عند الشافعي أنه أسلم وتحته خمس نسوة فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمسك أربعا وفارق الأخرى . وفي إسناده رجل مجهول لان الشافعي قال حدثنا بعض أصحابنا عن أبي الزناد عن عبد المجيد بن سهل عن عوف بن الحرث عن نوفل بن معاوية قال أسلمت فذكره . وفي الباب أيضا عن عروة بن مسعود وصفوان بن أمية عند البيهقي وأثر عمر يقويه مارواه البيهقي وابن أبي شيبة من طريق الحكم بن عتيبه أنه أجمع الصحابة على أنه لا ينكح العبد أكثر من أثنتين . وقال الشافعي بعد أن روى عن علي وعمر وعبد الرحمن بن عوف أنه لا يعرف لهم من الصحابة مخالف وأخرجه ابن أبي شيبة عن جماهير التابعين عطاء والشعبي والحسن وغيرهم : قوله " اختر منهن أربعا " استدل به الجمهور على تحريم الزيادة على أربع . وذهبت الظاهرية إلى أنه يحل للرجل أن يتزوج تسعا وحكى ذلك عن ابن الصباغ والعمراني وبعض الشيعة وحكى أيضا عن القاسم بن إبراهيم وأنكر الإمام يحيى الحكاية عنه وحكام صاحب البحر عن الظاهرية وقوم مجاهيل وأجابوا عن حديث غيلان الثقفي بما سيأتي فيه من المقال وكذلك أجابوا عن حديث نوفل بن معاوية بما قدمنا من كون في إسناده مجهول قالوا ومثل هذا الأصل العظيم لا يكتفي فيه بمثل ذلك وولا سيما وقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جمع بين تسع أو إحدى عشرة . وقد قال تعالى { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } وأما دعوى اختصاصه بالزيادة على الأربع فهو محل النزاع ولم يقم عليه دليل وأما قوله تعالى { مثنى وثلاث ورباع } قالوا وفيه للجمع لا للتخيير وأيضا لفظ مثنى معدول به عن اثنين اثنين وهو يدل على تناول ما كان متصفا من الأعداد بصفة الاثنينية وإن كان في غاية الكثرة البالغة إلى ما فوق الألوف فإنك تقول جاءني القوم مثنى أي اثنين اثنين وهكذا ثلاث ورباع وهذا معلوم في لغة العرب لا يشك فيه أحد فالآية المذكورة تدل بأصل الوضع على أنه يجوز للإنسان أن يتزوج من النساء اثنتين اثنتين وثلاثا ثلاثا وأربعا أربعا وليس من شرط ذلك أن لا تأتي الطائفة الأخرى من العدد إلا بعد مفارقته للطائفة التي قبلها فإنه لا شك أنه يصح لغة وعرفا أن يقول الرجل لألف رجل عنده وجاءني هؤلاء اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أو أربعة أربعة . فحينئذ الآية تدل على إباحة الزواج بعدد من النساء . كثير سواء كانت الواو للجمه أو للتخيير لأن خطاب الجماعة بحكم من الأحكام بمنزلة الخطاب به لكل واحد منهم فكأن الله سبحانه قال لكل فرد من الناس انكح ما طاب لك من النساء مثنى وثلاث ورباع ومع هذا فالبراءة الأصلية مستصحبة وهي بمجردها كافية في الحل حتى يوجد ناقل صحيح ينقل عنها . وقد يجاب بأن مجموع الأحاديث المذكورة في الباب لا يقتصر عن رتبة الحسن لغيره فتنتهض بمجموعها للاحتجاج وإ كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال . ويؤيد ذلك كون الأصل في الفروج الحرمة كما صرح به الخطابي فلا يجوز الإقدام على شيء منها إلا بدليل وأيضا هذا الخلاف مسبوق بالإجماع على عدم جواز الزيادة على الأربع كما صرح بذلك في البحر وقال في الفتح اتفق العلماء على أن من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم الزيادة على أربع نسوة يجمه بينهن : قوله " ينكح العبد امرأتين " قد تمسك بهذا من قال أنه لا يجوز للعبد أن يتزوج فوق اثنتين وهو مروي عن علي وزيد بن علي والناصر والحنفية والشافعية
ولا يخفى أن قول الصحابي لا يكون حجة على من لم يقل بحجيته نعم لو صح إجماع الصحابة على ذلك كما أسلفنا لكان دليلا عند القائلين بحجية الإجماع . ولكنه قد روى عن أبي الدرداء ومجاهد وربيعة وأبي ثور والقاسم بن محمد وسالم والقاسمية أنه يجوز له أن ينكح أربعا كالحر حكى ذلك عنهم صاحب البحر فالأولى الجزم بدخوله تحت قوله تعالى { فانكحوا ما طاب لكم من النساء } والحكم له وعليه بما للأحرار وعليهم إلا أن يقوم دليل يقتضي المخالفة كما في المواضع المعروفة بالتخالف بين حكميهما : قوله " ويطلق تطليقتين " سيأتي الكلام على هذا في باب ما جاء في طلاق العبد وكذلك يأتي الكلام على عدة الأمة قوله " تسع نسوة هن " عائشة وسودة وحفصة وأم سلمة وزينب بنت جحش وصفية وجويرية وأم حبيبة وميمونة هؤلاء الزوجات اللاتي مات عنهن واختلف في ريحانة هل كانت زوجة أو سرية وهل ماتت في حياته أو بعده ودخل أيضا بخديجة ولم بتزوج عليها حتى ماتت وبزينب أم المساكين وماتت في حياته قبل أن يتزوج صفية ومن بعدها قال الحافظ في التلخيص . وأما حديث أنس أنه تزوج خمس عشرة امرأة ودخل منهمن بإحدى عشرة ومات عن تسعة فقد قواه الضياء في المختارة . قال وأما من عقد عليها ولم يدخل بها أو خطبها ولم يعقد عليها فضبطنا منهن نحوا من ثلاثين امرأة وقد حررت ذلك في كتابي في الصحابة . وقد ذكر الحافظ في الفتح والتلخيص الحكمة في تكثير نسائه صلى الله عليه وآله وسلم فليراجع ذلك (6/205)
باب العبد يتزوج بغير إذن سيده (6/205)
1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيما عبد تزوج بغير اذن سيده فهو عاهر "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن (6/205)
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه أيضا ابن ماجه من حديث ابن عمر . قال الترمذي لا يصح إنما هو عن جابر وأخرجه أيضا أبو داود من حديث العمري عن نافع عن ابن عمر بلفظ " فنكاحه باطل " وتعقبه بالتضعيف وبتصويب وقفه ورواه ابن ماجه من حديث ابن عمر وفي إسناده مندل بن علي وهو ضعيف وقال أحمد بن حنبل هذا حديث منكر وصوب الدارقطني وقفه على ابن عمر وأخرجه ايضا عبد الرزاق عن ابن عمر موقوفا . وقد استدل بحديث جابر من قال أن نكاح العبد لا يصح إلا بإذن سيده وذلك للحكم عليه بأنه عاهر والعاهر الزاني والزنا باطل وقال الإمام ييى أراد أنه كالعاهر وليس بزان حقيقة لاستناده إلى عقد قال في البحر قلت بل زان إن علم بالتحريم فيحد ولا مهر وقال داود أن نكاح العبد بغير أذن مولاه صحيح لأن النكاح عنده فرض عين وفروض الأعيان لا تحتاج إلى أذن وهو قياس في مقابلة النص واختلفوا هل ينفذ بالإجازة من السيد أم لا فذهبت العترة والحنفية إلى أن عقد العبد بغير أذن مولاه موقوف ينفذ بالإجازة . وقال الناصر والشافعي أنه لا ينفذ بالإجازة بل هو باطل والإجازة لا تلحق العقود الباطلة . وقال مالك أن العقد نافذ وللسيد فسخه ورد بأنه لا وجه لنفوذه مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم باطل كما وقع في رواية من حديث جابر قالت العترة والشافعي ولا يحتاج في طلانه إلى فسخ وخالف في ذلك مالك (6/206)
باب الخيار للأمة إذا عتقت تحت عبد (6/206)
1 - عن القاسم عن عائشة " أن بريرة كانت تحت عبد فلما أعتقها قال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختاري فإن شئت أن تمكثي تحت هذا العبد وإن شئت أن تفارقيه "
- رواه أحمد والدارقطني (6/206)
2 - عن القاسم عن عائشة " أن بريرة خبرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان زوجها عبدا "
- رواه مسلم وأبو داود وابن ماجة (6/207)
3 - وعن عروة عن عائشة " أن بريرة أعتقت وهي عند مغيث عبد لآل أبي أحمد فخيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال إن قربك فلا خيار عليك "
رواه أبو داود وهو دليل على أن الخيار على التراخي ما لم تطأ (6/207)
5 - وعن ابن عباس قال " كان زوج بريرة عبدا أسود يقال له مغيث عبدا لبني فلان كأني أنظر إليه يطوف وراءها في سكك المدينة "
- رواه البخاري . وفي لفظ " أن زوج بريرة كان عبدا أسود لبني مغيرة يوم أعتقت بريرة والله لكأني به في المدينة ونواحيها وإن دموعه لتسيل على لحيته يترضاها لتختاره فلم تفعل " رواه الترمذي وصححه وهو صريح ببقاء عبوديته يوم العتق (6/207)
6 - وعن إبراهيم عن الأسود عن عائشة قالت " كان زوج بريرة حرا فلما أعتقت خيرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختارت نفسها "
- رواه الخمسة . قال البخاري قول الأسود منقطع ثم عائشة عمة القاسم وخالت عروة فروايتهما عنها أولى من رواية أجنبي يسمع من وراء الحجاب (6/208)
- رواية أنه كان عبدا ثابتة أيضا عن طريق ابن عمر عن الدارقطني والبيهقي كان زوج بريرة وفي اسناده ابن أبي ليلى وهو ضعيف ومن طريق صفية بنت أبى عبيد عند النسائي والبيهقي باسناد صحيح . وروى ابن سعد في الطبقات عن عبد الوهاب عن داود بن عطاء عن أبي هند عن عامر الشعبي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لبريرة لما عتقت قد عتق بضعك فاختاري " ووصل هذا المرسل الدارقطني من طريق ابان بن صالح عن هشام عن أبيه وهذه رواية مطلقة ليس فيها ذكر أنه كان عبدا أو حرا . وروى شعبة عن عبد الرحمن أنه قال ما أدرى احرام عبد وهذا شك وهو غير قادح في روايات الجزم وكذلك الرواية المطلقة تحمل على الروايات المقيدة ( والحاصل ) أنه قد ثبت من طريق ابن عباس وابن عمر وصفية بنت أبي عبيد أنه كان عبد ولم يرو عنهم ما يخالف ذلك وثبت عن عائشة من طريق القاسم وعروة أنه كان عبدا ومن طريق الأسود أنه كان حرا ورواية اثنين أرجح من رواية واحد على فرض صحة الجمع فكيف إذا كانت رواية الواحد معلولة بالإنقطاع كما قال البخاري . وروى عن البخاري أيضا أنه قال هي من قول الحكم وقول ابن عباس أنه كان عبدا أصح . وقال البيهقي روينا عن القاسم ابن أخيها وعن عروة ومجاهد وعمرة كلهم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها أن شئت أن تثوي تحت العبد . قال المنذري وروى عن الأسود أنه كان عبدا فاختلف عليهمع أن بعضهم يقول أن لفظ أنه كان حرا من قول إبراهيم وإذا تعارضت الرواية عن الأسود فتطرح ويرجع إلى رواية لجماعة عن عائشة على أنا لو فرضنا أن الروايات عن عائشة متعارضة ليس لبعضها مرجح على بعض كان الرجوع إلى رواية غيرها بعد اطراح روايتها وقد روى غيرها أنه كان عبدا على طريق الجزم فلم يبق حينئذ شك في رجحان عبوديته وقال أحمد بن حنبل إنما يصح أنه كان حرا عن الأسود وحده وما جاء عن غيره فليس بذاك وصح عن ابن عباس وغيره أنه كان عبدا ورواه علماء المدينة وإذا روى علماء المدينة شيئا وعملوا به فهو أصح وقال الدارقطني قال عمران بن جرير عن عكرمة عن عائشة كان حرا وهو وهم في شيئين في قوله كان حرا وفي قوله عن عائشة وإنما هو من رواية عكرمة عن ابن عباس ولم يختلف على ابن عباس أنه كان عبدا وكذا جزم الترمذي عن ابن عمر : وقال ابن القيم في الهدى إن حديث عائشة رواه ثلاثة : الأسود وعروة والقاسم . فأما الأسود فلم يختلف عنه أنه كان حرا . وأما عروة فعنه روايتان صحيحتان متعارضتان إحداهما أنه كان حرا والثانية أنه كان عبدا . وأما عبد الرحمن بن القاسم فعنه روايتان صحيحتان إحداهما أنه كان حرا والثانية الشك انتهى . وقد عرفت مما سلف ما يخالف هذا وعلى فرض صحته فغاية الأمر أن الروايات عن عائشة متعارضة فيرجع إلى رواية غيرها وقد عرفت أنها عرفت أنهات متفقة على الجزم بكونه عبدا . وقد اختلف أهل العلم فيما إذا كان الزوج حرا هل يثبت للزوجة الخيار أم لا فذهب الجمهور إلى أنه لا يثبت وجعلوا العلة في الفسخ عدم الكفاءة لأن المرأة إذا صارت حرة وكان زوجها عبدا لم يكفؤا لها ويؤيد هذا قول عائشة في حديث الباب ولوكان حرا لم يخيرها ولكنه قد تعقب ذلك بأن هذه الزيادة مدرجة من قول عروة كما صرح بذلك النسائي في سننه وبينه أيضا أبو داود في رواية مالك ولو سلم أنه من قولها فهو اجتهاد وليس بحجة . وذهبت العترة والشعبي والنخعي والثوري والحنفية إلى أنه يثبت الخيار ولو كان الزوج حرا وتمسكوا أولا بتلك الرواية التي فيها أنه كان زوج بريرة حرا وقد عرفت عدم صلاحية ذلك للتمسك به ومما يصلح للتمسك به ما وقع في بعض روايات حديث بريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها ملكت نفسك فاختارى " فإن ظاهر هذا مشعر بأن السبب في التخيير هو ملكها لنفسها وذلك مما يستوي فيه الحر والعبد . وقد أجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن المراد من ذلك أنها استقلت بأمر النظر في مصالحها من غير إجبار عليها من سيدها كما كانت من قبل يحبرها سيدها على الزوج
ومن جملة ما يصلح للاحتجاج به على عدم الفسخ إذا كان الزوج حرا ما في سنن النسائي " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما أمة كانت تحت عبد فعتقت فهي بالخيار مالم يطأها زوجها " وفي إسناده حسين بن عمرو بن أمية الضمري وهو مجهول وأخرج النسائي أيضا عن القاسم بن محمد قال " كان لعائشة غلام وجارية قالت فأردت أن أعتقها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أبدئي بالغلام قبل الجارية " قالوا ولم يكن التخيير ممتنعا إذا كان الزوج حرا لم يكن للبداءة بعتق الغلام فائدة فإذا بدأت به عتقت تحت حر فلا يكون لها اختيار وفي إسناد هذا الحديث عبد الله بن عبد الرحمن وهو ضعيف . قال العقيلي لا يعرف الا به قال ابن حزم لا يصح هذا الحديث ولو صح لم يكن فيه حجة لأنه ليس فيه إنهما كانا زوجين ولو كانا زوجين يحتمل أن تكون البدائة بالرجل لفضل عتقه على الأنثى كما في الحديث الصحيح : قوله " وهي عند مغيث " بضم الميم وكسر المعجمة ثم تحتية ساكنة ثم مثلثة . ووقع عند العسكري بفتح المهملة وتشديد التحتية وآخره باء موحدة وجزم ابن ماكولا وغيره بالأول ووقع عند المستغفري في الصحابة ان اسمه مقسم . قال الحافظ وما أظنه الا تصحيفا : قوله " ان قربك فلا خيار لك " فيه دليل على ان خيار من عتقت على التراخي وأنه يبطل إذا مكنت الزوج من نفسها وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وهو قول للشافعي وله قول آخر أنه على الفور . وفي رواية عنه أنه إلى ثلاثة أيام . وقيل بقيامها من مجلس الحاكم وقيل من مجلسها وهذان القولان للحنفية والقول الأول هو الظاهر لإطلاق التخيير لها إلى غاية هي تمكينها من نفسها . ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ " إذا عتقت الأمة فهي بالخيار ما لم يطأها أن تشأ فارقته وان وطئها فلا خيار لها ولا تستطيع فراقه " وفي رواية للدارقطني " ان وطئك فلا خيار لك " (6/208)
باب من أعتق أمة ثم تزوجها (6/208)
1 - عن أبي موسى قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ايما رجل كانت عنده وليدة فعلمها فأحسن تعليمها وأدبها فأحسن تأديبها ثم أعتقها وتزوجها فله أجران وأيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران وأيما رجل مملوك أدى حق مواليه وحق ربه فله أجران "
- رواه الجماعة الا أبا داود فإنما له منه " من أعتق أمته ثم تزوجها كان له أجران " ولأحمد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أعتق الرجل أمته ثم تزوجها بمهر جديد كان له أجران " (6/209)
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وتزوجها فقال له ثابت ما أصدقها قال نفسها أعتقها وتزوجها "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وأبا داود وفي لفظ " أعتق صفية وتزوجها وجعل عتقها صداقها " . رواه البخاري . وفي لفظ " أعتق صفية ثم تزوجها وجعل عتقها صداقها " رواه الدارقطني . وفي لفظ " أعتق صفية وجعل عتقها صداقها " رواه أحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اصطفى صفية بنت يحيى فأتخذها لنفسه وخيرها أن يعتقها وتكونه زوجته أو يلحقها بأهلها فأختارت أن يعتقها وتكون زوجته " رواه أحمد وهو دليل على أن من مجرى عليه ملك المسلمين من السبي يجوز رده إلى الكفار إذا كان على دينه (6/209)
- حديث أبي موسى فيه دليل على مشروعية تعليم الإماء وإحسان تأديبهن ثم اعتاقهن والتزوج بهن وأن ذلك مما يستحق به فاعله أجرين كما أن من آمن من أهل الكتاب يستحق أجرين بإيمانه بالنبي الذي كان على دينه وأجرا بإيمانه بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم وكذلك المملوك الذي يؤدي حق الله وحق مواليه يستحق أجرين وليس في هذا الحديث ما يدل على أنه يصح أن يجعل العتق صداق المعتقة ولكن الذي يدل على ذلك حديث أنس المذكور لقوله فيه " ما أصدقها قال نفسها " وكذلك سائر الألفاظ المذكورة في بقية الروايات . وقد أخذ بظاهر ذلك من القدماء سعيد بن المسيب وإبراهيم النخعي وطاوس والزهري ومن فقهاء الأمصار الثوري وأبو يوسف وأحمد وإسحاق . وحكاه في البحر عن العترة والأوزاعي والشافعي والحسن بن صالح فقالوا إذا أعتق أمته على أن يجعل عتقها صداقها صح العقد والعتق والمهر . وذهب من عدا هؤلاء إلى أنهم لا يصح أن يكون العتق مهرا لم يحك هذا القول في البحر إلا عن مالك وابن شبرمة . وحكى في موضع آخر عن أبي حنيفة ومحمد أنها تستحق مهر النمثل لأنها قد صارت حرة فلا يستباح وطؤها إلا بالمهر . وحكى بعضهم عدم صحة جعل العتق مهرا عن الجمهور وأجابوا عن ظاهر الحديث بأجوبة ذكرها في الفتح الباري . منها أنه أعتقها بشرط أن يتزوجها فوجب له عليها قيمتها وكانت معلومة فتزوجها ولكنه لا يخفى أن ظاهر الروايات أنه جعل المهر نفس العتق لا قيمة المعتقة . ومنها أنه جعل نفس العتق مهرا ولكنه من خصائصه ويجاب عنه بأن دعوى الاختصاص تفتقر إلى دليل . ومنها أن معنى قوله أعتقها وتزوجها أنه أعتقها ثم تزوجها ولم يعلم أنه ساق لها صداقا فقال أصدقها نفسها أي لم يصدقها شيئا فيما أعلم ولم ينف الصداق ويجاب بأنه يبعد أن يأتي الصحابي الجليل بمثل هذه العبارة في مقام التبليغ ويكون مريدا لما ذكرتم فإن هذا لو صح لكان من باب الألغاز والتعمية وقد أيدوا هذا التأويل البعيد بما أخرجه البيهقي من حديث أميمة بنت زريبة عن أمها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعتق صفية وخطبها وتزوجها وأمهرها رزينة وكان أتى بها سبية من بني قريظة والنظير . قال الحافظ وهذا لا يقوم به حجة لضعف اسناده ويعارضه ما أخرجه الطبراني وأبو الشيخ من حديث صفية نفسها قالت " أعتقني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجعل عتقي صداقي " قال الحافظ وهذا موافق لحديث أنس وفيه رد على من قال أن أنسا قال ذلك بناء على ما ظنه . ومنها أنه يحتمل أن يكون أعتقها بشرط أن ينكحها بغير مهر فلزمها الوفاء بذلك ويكون خاصا به صلى الله عليه وآله وسلم ولا يخفى أن هذا تعسف لا مجئ إليه . ومنها ما قاله ابن صلاح من أن العتق حل محل المهر وليس بمهر قال وهذا كقولهم " الجوع زاد من لا زاد له " وجعل هذا أقرب الوجوه إلى لفظ الحديث وتبعه النووي والحامل لمن خالف الحديث على هذه التآويل ظن مخالفته للقياس قالوا لأن العقد إما أن يقع قبل عتقها وهو محال لتناقض حكم الحرية والرق أو بعده وذلك غير لازم لها وأجيب بأن العقد يكون بعد العتق فإذا وقع منها الامتناع لزمتها السعاية بقيمتها ولا محذور في ذلك بالجملة فالدليل قد ورد بهذا ومجرد الاستبعاد لا يصلح لابطال ما صح من الأدلة والأقيسة مطرحة في مقابلة النصوص الصحيحة فليس بيد المانع برهان . ويؤيد الجواز ما أخرجه الطحاوي عن ابن عمران أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل عتق جويرية بنت الحرث المصطلقية صداقها وأخرج نحوه أبو داود من طريق عائشة وقد نسب القول بالجواز ابن القيم في الهدى إلى علي بن أبي طالب وأنس بن مالك والحسن البصري وأبي سلمة قال وهو صحيح والموافق للسنة وأقوال الصحابة والقياس وأطال البحث في المقام بما لا يزيد عليه فليرجع (6/209)
باب ما يذكر في رد المنكوحة بالعيب (6/210)
1 - عن جميل بن زيد قال حدثني شيخ من الأنصار ذكر أنه كانت له صحبة يقال له كعب بن زيد أو زيد بن كعب " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل عليها فوضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر أبصر بكشحها بياضا فانحاز عن الفراش ثم قال خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئا "
- رواه أحمد ورواه سعيد في سننه . وقال زيد بن كعب بن عجرة ولم يشك (6/210)
2 - وعن عمر " أنه قال أيما امرأة غر بها رجل بها جنون أو جزام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها وصداق الرجل على غره "
- رواه مالك في الموطأ والدارقطني . وفي لفظ " قضى عمر في البرصاء والجذماء والمجنونة إذا دخل بها فرق بينهما والصداق لها بمسيسه إياها وهو له على وليها " . رواه الدارقطني (6/210)
- حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب قد اختلف فيه فقيل هكذا وقيل إنه من حديث كعب بن عجرة وقيل من حديث ابن عمر وقد أخرجه أيضا من حديث كعب بن زيد أو زيد بن كعب والبيهقي ومن حديث كعب بن عجرة الحاكم في المستدرك . ومن حديث ابن عمر أبو نعيم في الطب والبيهقي . وجميل بن زيد المذكور هو ضعف وقد اضطرب في هذا الحديث . وأثر عمر أخرجه أيضا سعيد ابن منصور عن هشيم عن يحيى بن سعيدعن ابن المسيب عنه ورواه الشافعي من طريق مالك وابن أبي شيبة عن أبي ادريس عن يحيى قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات ( وفي الباب ) عن علي أخرجه سعيد بن منصور . قوله " امرأة من بني غفار " قيل اسمها الغالية وقيل أسماء بنت النعمان قاله الحاكم يعني الجونية وقال الحافظ الحق أ ها غيرها . ( وقد استدل ) بحديثي الباب على أن البرص والجنون والجذام عيوب يفسخ بها النكاح ولكن حديث كعب ليس بصريح في الفسخ لأن قوله " خذي عليك ثيابك " وفي رواية " الحقي بأهلك " يمكن أن يكون كناية طلاق : وقد ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة فمن بعجهم إلى أنه يفسخ النكاح بالعيوب وأن اختلفوا في تفاصيل ذلك وفي تعيين العيوب التي يفسخ بها النكاح . وقد روى عن علي وعمر وابن عباس أنها لا ترد النساء إلا بأربعة عيوب الجنون والجزام والبرص والدار في الفرج وخالف الناصر في البرص فلم يجعله عيبا يرد به النكاح والرجل يشارك المرأة في الجنون والجذام والبرص وتفسخه المرأة بالجب والعنة . وذهب بعض الشافعية إلى أن المرأة ترد بكل عيب ترد به الجارية في البيع ورجحه ابن القيم واحتج له في الهدى بالقياس على البيع وقال الزهري يفسخ الناكح بكل داء عضال وقال أبو حنيفة وأبو يوسف وهو قول للشافعي أن الزوج لا يرد الزوجة بشيء لأن الطلاق بيده والزوجة لا ترده بشيء إلا الجب والعنة وزاد محمد الجذام والبرص وزادت الهادوية على ما سلف الرق وعدم الكفاءة في الرجل أو المرأة والرتق والعقل والقرن في المرأة والجب والخصاء والسل في الرجل والكلام مبسوط على العيوب التي يثبت بها الرد والمقدار المعتبر منها وتعدادها في الكتب الفقهية ومن أمعن النظر لم يجد في الباب ما يصلح للاستدلال به على الفسخ بالمعنى المذكور عند الفقهاء . أما حديث كعب فلما اسلفنا من كونه غير صريح في محل النزاع لذلك الاحتمال وأما أثر عمر فلما تقرر من أن قول الصحابي ليس بحجة نعم حديث بريرة الذي سلف دليل على ثبوت الفسخ للرق إذا أعتق وأما غير ذلك فيحتاج إلى دليل . قوله " وصداق الرجل على من غره " قد ذهب إلى هذا مالك وأصحاب الشافعي والهادوية فقالوا إنه يرجع الزوج بالمهر على من غرر عليه بأن أوهمه أن المرأة لا عيب فيها فانكشف أنها معيبة بأحد تلك العيوب لكن بشرط أن يعلم بذلك العيب لا إذا جهل وذهب أبو حنيفة والشافعي أنه لا رجوع للزوج على أحد لأنه قد لزمه المهر بالمسيس . وقال المؤيد بالله وأبو طالب أنه يرجع الزوج بالمهر على المرأة ولا يخفي أن قول عمر لا يصلح للاحتجاج به وتضمين الغير بلا دليل لا يحل فإن كان الفسخ بعد الوطء فقد استوفى الزوج ما في مقابلة المهر فلا يرجع به على أحد وإن كان قبل الوطء فالرجوع على المرأة أولى لأنه لم يستوف منها في مقابلة المهر ولا سيما على أصل الهادوية لأن الفسخ بعيب من جهة الزوجة ولا شيء لها عندهم فيما كان كذلك (6/211)
أبواب أنكحة الكفار (6/211)
باب ذكر أنكحة الكفار وإقرارهم عليها (6/211)
1 - عن عروة " أن عائشة أخبرته أن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء فنكاح منها نكاح الناس اليوم يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها ونكاح آخر كان الرجل يقول لأمرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه ويعتزلها زوجها ولا يمسها حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد فكان هذا النكاح يسمى نكاح الاستبضاع . ونكاح آخر يجتمع الرهط فيه دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم فيصيبونها فإذا حملت ووضعت ومر ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها فتقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان فتسمي من أحبت باسمه فيلفحق به ولدها لا يستطيع أن يمتنع عنه الرجل ونكاح رابع يجتمع الناس الكثير فيدخلون على المرأة لا تمتنع ممن جاءها وهن البغايا ينصبن على أبوابهن الرايات وتكون علما فمن أرادهن دخل عليهن فإذا حملت إحداهن ووضعت جمعوا لها ودعوا لها الفاقة ثم ألحقوا ولدها بالذي يرون فالتاط به ودعى ابنه لا يمتنع من ذلك فلما بعث الله محمدا صلى الله عليه وآله وسلم بالحق هدم نكاح الجاهلية كله إلا نكاح الناس اليوم "
- رواه البخاري وأبو داود (6/212)
- قوله " أربعة أنحاء " جمع نحو أي ضرب وزنا ومعنى ويطلق النحو أيضا على الجهة والنوع وعلى العلم المعروف اصطلاحا قال الداودي وغيره بقي عليها أنحاء لم تذكرها الأول نكاح الخدن وهو قوله تعالى { ولا متخذات أخدان } كانوا يقولون ما استثر فلا بأس به وما ظهر فهو لوم . الثاني نكاح المتعة قد تقدم الثالث نكاح البدل وقد أخرج الدارقطني من حديث أبي هريرة كان البدل في الجاهلية أن يقول الرجل للرجل انزلي عن امرأتك وأنزل لك عن امرأتي وإسناده ضعيف جدا قال الحافظ الأول لا يرد لأنها أرادت ذكر بيان نكاح من لا زوج لها أو من أذن لها زوجها في ذلك والثاني يحتمل أن لا يرد لأن الممنوع منه كونه مقدرا بوقت لا أن عدم الولي فيه شرط وعدم ورود الثالث أظهر من الجميع انتهى : قوله " وليته أو ابنته " التخيير للتنويع لا للشك : قوله " فيصدقها " بضم أوله ثم ينكحها أي يعين صداقها ويسمى مقداره ثم يعقد عليها : قوله " من طمثها " بفتح الطاء المهملة وسكون الميم بعدها مثلثة أي حيضها وكأن السر في ذلك أن يسرع علوقها منه : قوله " فاستبضعي منه " بموحدة بعدها ضاد معجمة أي اطلبي منه المباضعة وهو الجماع . ووقع في رواية الدارقطني استرضعي براء بدل الباء الموحدة قال محمد بن إسحاق الصغاني الأول هو الصواب والمعنى اطلبي الجماع منه لتحملي والمباضعة المجامعة مشتقة من البضع وهو الفرج : قوله " في نجابة الولد " لأنهم كانوا يطلبون ذلك من أكابرهم ورؤسائهم في الشجاعة أو الكرم أو غير ذلك : قوله " فهو ابنك يا فلان " هذا إذا كان الولد ذكرا أو تقول هي ابنتك إذا كانت انثى قال في الفتح لكن يحتمل أن لا يفعل ذلك إلا إذا كان ذكرا لما عرف من كراهتهم في البنت وقد كان منهم من يقتل ابنته التي يتحقق أنها ابنته فضلا عمن يكون بمثل هذه الصفة : قوله " علما " بفتح اللام أي علامة . وأخرج الفاكهي من طريق ابن أبي مليكة قال تبرز عمر باجياد فدعا بماء فأتته أم مهزول وهي من البغايا التسع اللاتي كن في الجاهلية فقالت هذا ماء ولكنه في إناء لم يدبغ فقال هلم فإن الله جعل الماء طهورا . وروى الدارقطني أيضا من طريق مجاهد قال في قوله تعالى { الزاني لا ينكح إلا زانية } هن بغاياكن في الجاهلية معلومات لهن رايات يعرفن بها . ومن طريق عاصم بن المنذر عن عروة مثله وزاد كرايات البيطار . وقد ساق هشام بن الكلبي في كتاب المثالب أسامى صواحبات الرايات في الجاهلية فسمى منهن أكثر من عشرة نسوة مشهورات : قوله " القافة " بقاف ثم فاء جمع قائف وهو الذي يعرف شبه الولد بالوالد بالآثار الخفية : قوله " فالتاط به " بالمثناة الفوقية بعدها طاء مهملة أي استلحقه . واصل اللوط بفتح اللام اللصوق : قوله " الا نكاح الناس اليوم " أي الذي بدأت بذكره وهو أن يخطب الرجل فتزوجه وقد احتج بهذا الحديث على اشتراط الولي وتعقب بأن عائشة وهي الراوية كانت تجيز النكاح بغير ولي ويجاب بأن فعلها ليس بحجة (6/212)
باب من أسلم وتحته أختان أو أكثر من أربع (6/212)
1 - عن الضحاك بن فيروز عن أبيه قال " أسلمت وعندي امرأتان أختان فأمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أطلق أحداهما "
- رواه الخمسة إلا النسائي . وفي لفظ الترمذي " اختر أيتهما شئت " . وعن الزهري عن سالم عن ابن عمر قال " أسلم غيلان الثقفي وتحته عشر نسوة في الجاهلية فأسلمن معه فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يختار منهن أربعا " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وزاد أحمد في رواية " فلما كان في عهد عمر طلق نساءه وقسم ماله بين بنيه فبلغ ذلك عمر فقال أني لأظن الشيطان فيما يسترق من السمع وسمع موتك فقذفه في نفسك ولعلك لا تمكث إلا قليلا وأيم الله لتراجعن نساءك ولترجعن مالك أو لأورثهن منك ولآمرن بقبرك أن يرجم كما رجم قبر أبي رغال " قوله " لتراجعن نساءك " دليل على أنه كان رجعيا وهو يدل على أن الرجعية ترث وإن انقضت عدتها في المرض وإلا فنفس الطلاق الرجعي لا يقطع ليتخذ حيلة في المرض (6/213)
- حديث الضحاك أخرجه أيضا الشافعي وصححه ابن حبان والدارقطني والبيهقي وحسنه الترمذي وأعله والعقيلي ( وفي الباب ) عن أم حبيبة عند الشيخين " أنها عرضت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن ينكح أختها فقال لا تحل لي " وحديث ابن عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الثقة عن معمر عن الزهري بإسناده المذكور وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه قال البزرا جوده معمر بالبصرة وأفسده باليمن فأرسله . وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال هذا الحديث غير محفوظ . قال البخاري وأما حديث الزهري عن سالم عن أبيه فإنما هو أن رجلا من ثقيف طلق نساءه فقال له عمر لتراجعن نساءك أولا رجمنك وحكم أبو حاتم وأبو زرعة بأن المرسل أصح . وحكى الحاكم عن مسلم إن هذا الحديث مما وهم فيه معمر بالبصرة قال فإن رواه عنه ثقة خارج البصرة حكمنا له بالصحة . وقد أخذ ابن حبان والحاكم والبيهقي بظاهر الحكم فأخرجوه من طرق عن معمر من حديث أهل الكوفة وأهل خراسان وأهل اليمامة عنه قال الحافظ ولا يفيد ذلك شيئا فإن هؤلاء كلهم إنما سمعوا بالبصرة وعلى تقدير أنهم سمعوا منه بغيرها فديثه الذي حدث به في غير بلد مضطرب لأنه كان يحدث في بلده من كتبه على الصحة وأما إذا رحل فحدث من حفظه بأشياء وهم فيها اتفق على ذلك أهل العلم كابن المديني والبخاري وابن أبي حاتم ويعقوب بن شيبة وغيرهم وحكى الأثرم عن أحمد أن هذا الحديث ليس بصحيح والعمل عليه وأعله بتفرد معمر في وصله وتحديثه به في غير بلده . وقال ابن عبد البر طرقه كلها معلولة . وقد أطال الدارقطني في العلل تخريج طرقه . ورواه ابن عيينة ومالك عن الزهري مرسلا ورواه عبد الرزاق عن معمر كذلك وقد وافق علىوصله بحر كنيز السقاء عن الزهري ولكنه ضعيف وكذا وصله يحيى بن سلام عن مالك ويحيى ضعيف وأما الزيادة التي رواها أحمد عن عمر فأخرجها أيضا النسائي والدارقطني قال الحافظ وإسناده ثقات وهذا الموقوف على عمر هو الذي حكم البخاري بصحته ( وفي الباب ) عن قيس بن الحرث أو الحرث بن قيس وقد تقدم في باب العدد المباح للحر تقدم الكلام في تحريم الزيادة على الأربع هنالك فليرجع إليه . وحديث الضحاك استدل به تحريم الجمع بين الأختين ولا أعرف في ذلك خلافا وهو نص القرآن قال الله تعالى { وان تجمعوا بين الأختين الاماقد سلف } فإذا أسلم كافر وعنده أختان أجبر على تطليق إحداهما وفي ترك استفصاله عن المتقدمة منهما من المتأخرة دليل على أنه يحكم لعقود الكفار بالصحة وان لم توافق الإسلام فإذا أسلموا أجرينا عليهم في الأنكحة أحكام المسلمين . وقد ذهب إلى هذا مالك والشافعي وأحمد وداود . وذهبت العترة وأبوحنيفة وأبو يوسف والثوري والأوزاعي والزهري وأحد قولي الشافعي إلى أنه لا يقر من أنكحة الكفار إلا ما وافق الإسلام فيقولون إذا أسلم الكافر وتحته أختان وجب عليه إرسال من تأخر عقدها وكذلك إذا كان تحته أكثر من خمس أمسك من تقدم العقد عليها منهن وأرسل من تأخر عقدها إذا كانت خامسة أو نحو ذلك وإذا وقع العقد على الأختين أو على أكثر من أربع مرة واحدة بطل وأمسك من شاء من الأختين وأرسل من شاء وأمسك أربعا من الزوجات يختارهن ويرسل الباقيات والظاهر ما قاله الأولون لتركه صلى الله عليه وآله وسلم للاستفصال في حديث الضحاك وحديث غيلان ولما في قوله " أختر أيتهما " وفي قوله " أختر أربعا " من الإطلاق . قوله " قبر أبي رغال " بكسر الراء المهملة بعدها غين معجمة . قال في القاموس في فصل الراء من باب اللام وأبو رغال ككتاب في سنن أبي داود ودلائل النبوة وغيرهما عن ابن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين خرجنا معه إلى الطائف فمررنا بقبر فقال هذا قبر أبي رغال وهو أبو ثقيف وكان من ثمود وكان بهذا الحرم يدفع عنه فلما خرج منه أصابته النقمة التي أصابت قومه بهذا المكان فدفن فيه الحديث وقول الجوهري كان دليلا للحبشة حين توجهوا إلى مكة فمات في الطريق غير معتد به وكذا قول ابن سيده كان عبدا لشعيب وكان عشارا جائرا انتهى . قوله " لتراجعن نساءك " يمكن أن يكون المراد بهذه المراجعة المراجعة اللغوية أعني أرجاعهن إلى نكاحه وعدم الاعتداد بذلك الطلاق الواقع كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم فيمن طلق زوجته أو زوجاته مريدا لإبطال ميراثهن منه أنه لا يقع الطلاق ولا يصح وقد جعل ذلك أئمة الأصول قسما من أقسام المناسب وجعلوا هذا الصورة مثالا له والمصنف رحمه الله لما فهم أن الرجعة هي الاصطلاحية أعني الواقعة بعد طلاق رجعي معتد به جعل ذلك الطلاق والواقع منه رجعيا ثم ذكر أن الرجعية ترث وإن أنقضت عدتها فأردف الإشكال بإشكال (6/213)
باب الزوجين الكافرين يسلم أحدهما قبل الأخر (6/213)
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد ابنته زينب على زوجها أبي العاص ابن الربيع بالنكاح الأول لم يحدث شيئا "
- رواه أحمد وأبو داود . وفي لفظ " رد ابنته زينب على أبي العاص زوجها بنكاحها الأول بعد سنتين ولم يحديث صداقا " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وفي لفظ " رد ابنته زينب على أبي العاص وكان إسلامها قبل إسلامه بست سنين على النكاح الأول ولم يحدث شهادة ولا صداقا " رواه أحمد وأبو داود . وكذلك الترمذي وقال فيه " لم يحدث نكاحا " وقال هذا حديث ليس بإسناده بأس (6/214)
2 - وقد روى بإسناد ضعيف عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رد ابنته على أبي العاص بمهر جديد ونكاح جديد "
- قال الترمذي في إسناده مقال وقال أحمد هذا حديث ضعيف . والحديث الصحيح الذي روي أنه أقرهما على النكاح الأول . وقال الدارقطني هذا حديث لا يثبت والصواب حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ردها بالنكاح الأول " (6/214)
3 - وعن ابن شهاب " أنه بلغه أن ابنة الوليد بن المغيرة كانت تحت صفوان بن أمية فأسلمت يوم الفتح وهرب زوجها صفوان بن أمية من الإسلام فبعث إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمانا وشهد حنيفا والطائف وهو كافر وامرأته مسلمة فلم يفرق صلى الله عليه وآله وسلم بينهما حتى أسلم صفوان واستقرت عنده بذلك النكاح قال ابن شهاب وكان بين إسلام صفوان وبين إسلام زوجته نحو من شهر " مختصر من الموطأ لمالك (6/214)
4 - وعن ابن شهاب " أن أم حكيم ابنة الحرث بن هشام أسلمت يوم الفتح بمكة وهرب زوجها عكرمة بن أبي جهل من الإسلام حتى قدم اليمن فأرتحلت أم حكيم حتى قدمت على زوجها باليمن ودعته إلى الإسلام فأسلم وقدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبايعه فثبتا على نكاحهما ذلك قال ابن شهاب ولم يبلغنا أن امرأة هاجرت إلى الله وإلى رسوله وزوجها كافر مقيم بدار الكفر إلا فرقت هجرتها بينها وبين زوجها إلا أن يقدم مهاجرا قبل أن تنقضي عدتها وأنه لم يبلغنا أن امرأة فرق بينها وبين زوجها إذا قدم وهي في عدتها "
- رواه عنه مالك في الموطأ (6/215)
- حديث ابن عباس صححه الحاكم وقال الخطابي هو أصح من حديث عمرو بن شعيب وكذا قال البخاري . قال ابن كثير في الارشاد هو حديث جيد قوي وهو من رواية ابن إسحاق عن داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس انتهى . الا أن حديث داود بن الحصين عن عكرمة عن ابن عباس نسخه وقد ضعف أمرها علي بن المديني وغيره من علماء الحديث وابن إسحاق فيه مقال معروف وحديث عمرو بن شعيب أخرجه ايضا ابن ماجه وفي إسناده حجاج بن أرطاة وهو معروف بالتدليس وأيضا لم يسمعه من عمرو بن شعيب كما قال أبوعبيدة وإنما حمله عن العرزمي وهو ضعيف وقد ضعف هذا الحديث جماعة من أهل العلم قد تقدم ذكر بعضهم وحديث ابن شهاب الأول هو مرسل وقد أخرجه ابن سعد في الطبقات وحديثه الثاني مرسل ايضا وأخرجه ابن سعد في الطبقات أيضا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البخاري قال " كان المشركون على منزلتين من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن المؤمنين كانوا مشركي أهل حرب يقالتهم ويقاتلونه ومشركي أهل عهد لا يقاتلهم وكان إذا هاجرت المرأة من أهل الحرب لم تخطب حتى تحيض وتطهر فإذا طهرت حل لها النكاح وإن جاء زوجها قبل أن تنكح ردت إليه " وروى البيهقي عن الشافعي عن جماعة من أهل العلم من قريش وأهل المغازي وغيرهم عن عدد مثلهم " ان أبا سفيان أسلم بمر الظهران وامرأته هند بنت عتبة كافرة بمكة ومكة يومئذ دار حرب وكذلك حكيم بن حزم ثم أسلم المرأتان بعد ذلك وأقر النبي صلى الله عليه وآله وسلم النكاح " قوله " بعد سنتين " وفي الرواية الثانية " بست سنين " ووقع في رواية " بعد ثلاث سنين " وأشار في الفتح إلى الجمع فقال المراد بالست ما بين هجرة زينب واسلامه وبالسنتين أو الثلاث ما بين نزول قوله تعالى { لاهن حل لهم } وقدومه مسلما فإن بينهما سنتين وأشهرا . قال الترمذي في حديث ابن عباس أنه لا يعرف وجهه قال الحافظ وأشار بذلك إلى أن ردها إليه بعد ست سنين أو بعد سنتين أو ثلاث مشكل لاستبعاد أن تبقى في العدة هذه المدة قال ولم يذهب أحد إلى جواز تقرير المسلمة تحت المشرك إذا تأخر اسلامه عن اسلامها حتى انقضت عدتها وممن نقل الإجماع في ذلك ابن عبد البر وأشار إلى أن بعض أهل الظاهر قال بجوازه ورده بالاجماع وتعقب بثبوت الخلاف فيه قديما فقد أخرجه ابن أبي شيبة عن علي وإبراهيم النخعي بطرق قوية وأفتى به حماد شيخ أبي حنيفة . وأجاب الخطابي عن الإشكال بأن بقاء العدة تلك المدة ممكن وإن لم تجربه عادة في الغالب ولا سيما إن كان المدة إنما هي سنتان وأشهر فإن الحيض قد يبطئ عن ذات الاقراء لعارض وبمثل هذا أجاب البيهقي قال الحافظ وهو أولى ما يعتمد في ذلك . وقال السهيلي في شرح السيرة ان حديث عمرو بن شعيب هو الذي عليه العمل وأن كان حديث ابن عباس أصح إسنادا لكن لم يقل به أحد من الفقهاء لأن الإسلام قد كان فرق بينهما قال الله تعالى { لاهن حل لهم ولاهم يحلون لهن } ومن جمع بين الحديثين . قال معنى حديث ابن عباس ردها عليه على النكاح الأول في الصداق والحباء ولم يحدث زيادة على ذلك من شرط ولا غيره انتهى . وقد أشار إلى مثل هذا الجمع ابن عبد البر وقيل أن زينب لما أسلمت وبقي زوجها على الكفر لم يفرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ لم يكن قد نزل تحريم نكاح المسلمة على الكافر فلما نزل قوله تعالى { لاهن حل لهم } الآية أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تعتد فوصل أبو العاص مسلما قبل انقضاء العدة فقررها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالنكاح الأول فيندفع الإشكال قال ابن عبد البر وحديث عمرو بن شعيب تعضده الأصول وقد صرح فيه بوقوع عقد جديد والأخذ بالصريح أولى من الأخذ بالمحتمل ويؤيده مخالفة ابن عباس لما رواه كما حكى ذلك عنه البخاري . قال الحافظ وأحسن المسالك في تقرير الحديثين ترجيح حديث ابن عباس كما رجحه الأئمة وحمله على تطاول العدة فيما بين نزول آية التحريم وإسلام أبي العاص ولا مانع من ذلك وأغرب ابن حزم فقال إن قوله ردها إليه بعد كذا مراده جمع بينهما وإلا فاسلام أبي العاص كان قبل الحديبية وذلك قبل أن ينزل تحريم المسلمة على المشرك هكذا زعم
قال الحافظ وهومخالف لما أطبق عليه أهل المغازي ان اسلامه كان بعد نزول آية التحريم . وقال ابن القيم في الهدى ما محصله إن اعتبار العدة لم يعرف في شيء من الأحاديث ولا كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل المرأة هل انقضت عدتها أم لا ولوكان الإسلام بمجرده فرقة لكانت طاقة بائنة ولا رجعة فيها فلا يكون الزوج أحق بها إذا أسلم وقد دل حكمه صلى الله عليه وآله وسلم أن النكاح موقوف فإن أسلم الزوج قبل انقضاء العدة فهي زوجته وإن انقضت عدتها فإنها أن تنكح من شاءت وإن أحبت انتظرته وإذا أسلم كانت زوجته من غير حاجة إلى تجديد نكاح قال ولا نعلم أحدا جدد بعد الإسلام نكاحه البتة بل كان الواقع أحد الأمرين أما افتراقهما ونكاحها غيره واما بقاؤها على النكاح الأول إذا أسلم الزوج وأما تنجيز الفرقة أو مراعاة العدة فلم يعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بواحد منهما مع كثرة من أسلم في عهده وهذا كلام في غاية الحسن والمتانة قال وهذا اختيار الخلال وأبي بكر صاحبه وابن المنذر وابن حزم وهو مذهب الحسن وطاوس وعكرمة وقتادة والحكم . قال ابن حزم وهو قول عمر بن الخطاب وجابر بن عبد الله وابن عباس هم عد آخرين وقد ذهب إلى أن المرأة إذا أسلمت قبل زوجها لم تخطب حتى تحيض وتطهر ابن عباس وعطاء وطاوس والثوري وفقهاء الكوفة ووافقهم أبو ثور واختاره ابن المنذر وإليه جنح البخاري وشرط أهل الكوفة ومن وافقهم أن يعرض على زوجها الإسلام في تلك المدة فيمتنع إن كانا معا في دار الإسلام . وقد روى عن أحمد أن الفرقة تقع بمجرد الإسلام من غير توقف على مضى العدة كسائر أسباب الفرقة من رضاع أو خلع أو طلاق وقال في البحر مسألة المذهب والشافعي ومالك وأبو يوسف والفرقة بإسلام أحدهما فسخ لإطلاق إذ العلة اختلاف الدين كالردة . وقال أبو العباس وأبو حنيفة ومحمد بل طلاق حيث أسلمت وأبي الزوج إذ امتناعه كالطلاق قلنا بل كالردة انتهى : قوله " وكان إسلامها " الخ المراد بإسلامها هنا هجرتها وإلا فهي لم تزل مسلمة منذ بعثه الله تعالى كسائر بناته صلى الله عليه وآله وسلم هجرتها بعد بدر بقليل وبدر في رمضان من السنة الثانية وتحريم المسلمات على الكفار في الحديبية سنة ست في ذي القعدة فيكون مكثها بعد ذلك نحوا من سنتين هكذا قيل وفيه بعض مخالفة لما تقدم (6/215)
باب المرأة تسبى وزوجها بدار الشرك (6/215)
1 - عن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حنين بعث جيشا إلى أوطاس فلقى عدوا فقاتلوهم فظهروا عليهم واصابوا لهم سبايا فكأن ناسا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم تحرجوا من غشيانهن من أجل أزواجهن من المشركين فأنزل الله تعالى في ذلك والمحصنات من النساء إلا ماملكت أيمانكم أي فهن لكم حلال إذا انقضت عدتهن "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود وكذلك وأحمد وليس عنده الزيادة في آخره بعد الآية والترمذي مختصرا ولفظه " أصبنا سبايا يوم أوطاس لهن أزواج في قومهن فذكروا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت { والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم } " (6/216)
2 - وعن عرباض بن سارية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن "
- رواه أحمد والترمذي وهو عام في ذوات الأزواج وغيرهن (6/216)
- حديث العرباض رجال إسناده ثقات وقد أخرج الترمذي نحوه من حديث وريفع بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره " وحسنه الترمذي وأخرجه أيضا أبو داود وسيأتي في باب استبراء الأمة إذا ملكت من كتاب العدة ولأبي داود من حديث " لا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها " وسيأتي أيضا في ذلك الباب من حديث أبي سعيد في سبى أوطاس بلفظ " لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة " وسيأتي أيضا هنالك من حديث أبي الدرداء المنع من وطء الحامل والكلام على هذه الأحايث يأتي هنالك مستوفي إن شاء الله تعالى وإنما ذكر المصنف رحمه الله ما ذكره في هذا الباب للاستدلال به على أن البغايا حلال من غير فرق بين ذوات الأزواج وغيرهن وذلك مما لاخلاف فيه فيما أعلم ولكن بعد مضي العدة المعتبرة شرعا قال الزمخشري في تفسير الآية المذكورة { إلا ماملكت أيمانكم } يريد ماملكت أيمانكم من اللاتي سببن ولهن أزواج في دار الكفر فهن حلال لغزاة المسلمين وإن كن محصنات وفي معناه قول الفرزدق
وذات حليل انكحتها رماحنا ... حلال لمن يبني بها لم تطلق (6/216)
كتاب الصداق (6/217)
باب جواز التزويج على القليل والكثير واستحباب القصد فيه (6/217)
1 - عن عامر بن ربيعة " أن امرأة من بني فزارة تزوجت على نعلين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرضيت من نفسك ومالك بنعلين قالت نعم فأجازه "
- رواه أحمد وابن ماحه والترمذي وصححه (6/217)
2 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أن رجلا أعطى امرأة صداقا ملء يديه طعاما كانت له حلالا "
- رواه أحمد وأبو داود بمعناه (6/218)
3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى على عبد الرحمن بن عوف أثر صفرة فقال ماهذا قال تزوجت امرأة على وزهن نواة من ذهب قال بارك الله لك أو لم ولو بشاة "
- رواه الجماعة ولم يذكر فيه أو داود " بارك الله لك " (6/218)
- حديث عامر بن ربيعة قال الحافظ في بلوغ المرام بعد أن حكى تصحيح الترمذي له أنه خولف في ذلك . وحديث جابر في إسناده موسى بن مسلم وهو ضعيف هكذا في مختصر المنذري وقال في التلخيص في إسناده مسلم بن رومان وهو ضعيف انتهى . قال أبو داود إن بعضهم رواه موقوفا ورواه أبو عاصم عن صالح بن رومان عن أبي الزبير عن جابر قال " كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نستمتع بالقبضة من الطعام على معنى المتعة " قال ورواه ابن جريج على أبي الزبير عن جابر على معنى أبي عاصم وهذا الذي ذكره أبو داود معلقا قد أخرجه مسلم في صحيحه من حديث ابن جريج عن أبي الزبير قال " سمعت جابرا يقول كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق الأيام على عقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر البيهقي وهذا وإن كان في نكاح المتعة ونكاح المتعة صار منسوخا فإنما فسخ منه شرط الأجل فأما ما يجعلونه صداقا فإنه لم يرد فيه نسخ : قوله " وزن نواة من ذهب " في رواية للبخاري " نواة من ذهب " ورجحها الداودي استنكر رواية من روى وزن نواة . قال الحافظ واستنكاره المنكر لأن الذين جزموا بذلك أئمة حفاظ قال عياض لا وهم في الرواية لأنها إن كانت واة تمر أو غيره كان للنواة قدر معلوم صح أن يقال في كل ذلك وزن نواة فقيل المراد واحدة نوى التمر وإن القيمة عنها يومئذ كانت خمسة دراهم . وقيل كان قدرها يومئذ ربع دينار ورد بأن نوى التمر يختلف في الوزن فكيف يجعل معيارا لما يوزن به وقيل لفظ النواة من ذهب عبارة عما قيمته خمسة دراهم من الورق وجزم به الخطابي واختاره الأزهري ونقله عياض عن أكثر العلماء . ويؤيده أن في رواية للبيهقي وزن نواة من ذهب قومت خمسة دراهم وقيل وزنها من الذهب خمسة دراهم حكاه ابن قتيبة وجزم به ابن فارس وجعله البيضاوي الظاهر . ووقع في رواية للبيهقي قومت ثلاثة دراهم وإسناده ضعيف ولكن جزم به أحمد وقيل ثلاثة ونصف . وقيل ثلاثة وربع . وعن بعض المالكية النواة عند أهل المدينة ربع دينار ووقع في رواية للطبراني قال أنس حزرناها ربع دينار . وقال الشافعي ربع النش والنش نصف أوقية والأوقية أربعون درهما فيكون خمسة دراهم . وكذا قال أبو عبيد أن عبد الرحمن دفع خمسة دراهم وهي تسمى نواة كما تسمى الأربعون أوقية وبه جزم أبو عوانة وآخرون ( والأحاديث ) المذكورة تدل على أنه يجوز أن يكون المهر شيئا حقيرا كالنعلين والمد من الطعام ووزن نواة من ذهب قال القاضي عياض الإجماع على أن مثل الشيء الذي لا يتمول ولاله قيمة لا يكون صداقا ولا يحل به النكاح فإن ثبت نقله فقد خرق هذا الإجماع أبو محمد ابن حزم فقال يجوز بكل شيء ولو كان حبة من شعير ويؤيد ما ذهب إليه الكافة قوله صلى الله عليه وآله وسلم " التمس ولو خاتما من حديد " كما سيأتي لأنه أورده مورد التقليل بالنسبة فما فوقه ولا شك أن الخاتم من الحديد له قيمة وهو أعلى خطرا من النواة وحبة الشعير . وكذلك حكى في البحر الإجماع على أنه لا يسمح تسمية ما لا قيمة له . قال الحافظ وقد وردت أحاديث في أقل الصداق لا يثبت منها شيء وذكر منها حديث عامر بن ربيعة وحديث جابر المذكورين في الباب وحديث أبي لبيبة مرفوعا عند ابن أبي شيبة " من استحل بدرهم في النكاح فقد استحل " وحديث أبي سعيد عند الدارقطني في أثناء حديث في المهر " ولو على سواك من أراك " قال وأقوى شيء في ذلك حديث جابر عند مسلم . كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم ذكر كلام البيهقي الذي قدمناه ( وقد اختلف ) في أقل المهر فحكى في البحر عن العترة جميعا وأبي حنيفة وأصحابه أن أقله عشرة دراهم أو ما يوازيها واستدلوا بما أخرجه الدارقطني من حديث جابر بلفظ " لا مهر أقل من عشرة دراهم " وهذا الوصح لكان معارضا لما تقدم من الأحاديث الدالة على أنه يصح أن يكون المهر دونها ولكنه لم يصح فإن في إسناده مبشر بن عبيد وحجاج بن أرطاة وهم ضعيفان وقد اشتهر حجاج بالتدليس ومبشر متروك كما قال الدارقطني وغيره وقال البخاري منكر الحديث
وقال أحمد روى عنه بقية أحاديث كذب وقد روى الحديث البيهقي من طرق منها عن علي عليه السلام وفي إسناده داود الأودي وهذا الاسم يطلق على اثنين أحدهما داود ابن زيد وهو ضعيف لا خلاف والثاني داود بن عبد الله وقد وثقه أحمد واختلفت الرواية فيه عن يحيى بن معين . ومنها عن جابر قال البيهقي بعد اخراجه هو حديث ضعيف بمرة وروى أيضا عن علي عليه السلام من طريق فيها أبو خالد الواسطي فهذه طرق ضعيفة لا تقوم لها حجة وعلى فرض أنها يقوى بعضها بعضا فهي لا تبلغ بذلك إلى حد الأعتبار لا سيما وقد عارضها ما في الصحيحين وغيرهما عن جماعة من الصحابة مثل حديث الخاتم الذي سيأتي وحديث نواة الذهب وسائر الأحاديث التي قدمناها وحكى في البحر أيضا عن عمر وابن عباس والحسن البصري وابن المسيب وربيعة والأوزاعي والثوري وأحم وإسحاق والشافعي ان أقله ما يصح ثمنا أو أجرة وهذا مذهب راجح وقال سعيد بن جبير أقله خمسون درهما وقال النخعي أربعون وقال ابن شبرمة خمسة دراهم وقال مالك ربع دينار وليس على هذه الأربعة الأقوال دليل يدل على أن الأقل هو أحدها لا دونه ومجرد موافقة مهر من المهور الواقعة في عصر النبوة لواحد مها كحديث النواة من الذهب فإنه موافق لقوله ابن شبرمة ولقول مالك على حسب الأختلاف في تفسيرها لا يدل على أنه المقدر الذي لا يجزى دونه الا مع التصريح بأنه لا يجزى دون ذلك المقدار ولا تصريح . فلاح من هذا التقريران كل ماله قيمة صح أن يكون مهرا وسيأتي في باب جعل تعليم القرآن صداقا زيادة تحقيق للمقام (6/218)
4 - وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن أعظم النكاح بركة أيسره مؤنة "
- رواه أحمد (6/219)
5 - وعن أبي هريرة قال " كان صداقنا إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر أواقى "
- رواه النسائي وأحمد وزاد " وطبق بيديه وذلك أربعمائة " (6/219)
6 - وعن أبي سلمة قال " سألت عائشة كم كان صداق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالت كان صداقه لا زواجه اثنتي عشرة أوقية ونشا قالت أتدري ما النش لا قالت نصف أوقية فتلك خمسمائة درهم "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي (6/219)
7 - وعن أبي العجفاء قال " سمعت عمر يقول لا تغلوا صدق النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى في الآخرة كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية "
- رواه الجماعة وصححه الترمذي (6/220)
8 - وعن أبي هريرة قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اني تزوجت امرأة من الأنصار فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل نظرت إليها فإن في عيون الانصار شيئا قال قد نظرت إليها قال علي كم تزوجتها قال على أربع أواق فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أربع أواق كأنما تنحتون الفضة من عرض هذا الجبل ماعندنا ما نعطيك ولكن عيسى أن نبعثك في بعث تصيب منه قال فبعث بعثا إلى بني عيسى بعث ذلك الرجل فيهم "
- رواه مسلم (6/220)
9 - وعن عروة بن أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوجها وهي بأرض الحبشة زوجها النجاشي وأمهرها أربعة آلاف وجهزها من عنده وبعث بها مع شرحبيل بن حسنة ولم يبعث إليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشيء وكان مهر نسائه أربعمائة درهم "
- رواه أحمد والنسائي (6/220)
- حديث عائشة الأول أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط بلفظ " أخف النساء صداقا أعظمهن بركة " وفي إسناده الحرث بن شبل وهو ضعيف وأخرج أيضا الطبراني في الكبير والأوسط بنحوه . وأخرج نحوه أبو داود والحاكم وصححه عن عقبة بن عامر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير الصداق أيسره " وحديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات . وحديث أبي العجفاء صححه ايضا ابن حبان والحاكم وأبو العجفاء اسمه هرمز بن نسيب قال يحيى بن معين بصرى ثقة وقال البخاري في حديثه نظر . وقال أبو أحمد الكرابيسي حديثه ليس بالقائم . وحديث أم حبيبة أخرجه أيضا أبو داود بلفظ " أنه زوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع شرحبيل بن حسنة " وأخرج أبو داود أيضا عن الزهري مرسلا " أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيل بمائتي دينار : قوله " أسره مؤنة " فيه دليل على أفضلية النكاح مع قلة المهر وأن الزواج بمهر قليل مندوب إليه لأن المهر إذا كان قليلا لم يستصعب النكاح من يريده فيكثر الزواج المرغب فيه ويقدر عليه الفقراء ويكثر النساء الذي هو أهم مطالب النكاح بخلاف ما إذا كان المهر كثيرا فإنه لا يتمكن منه إلا أرباب الأموال فيكون الفقراء الذين هم الأكثر في الغالب غير مزوجين فلا تحصل المكاثرة التي ارشد إليها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سلف في أول النكاح : قوله " وذلك أربعمائة " أي درهم لأن الأوقية كانت قديما عبارة عن أربعين درهما كما صرح به صاحب النهاية . قوله " كان صداقه لأزواجه " الخ ظاهره أن زوجات النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهن كان صداقهن ذلك المقدار وليس الأمر كذلك وإنما هو محمول على الأكثر فإن أم حبيبة أصدقها المقدار وليس الأمر كذلك وإنما هو محمول على الأكثر فإن أم حبيبة أصدقها النجاشي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم المقدار المتقدم . وقال ابن إسحاق عن أبي جعفر أصدقها أربعمائة دينار أخرجه ابن أبي شيبة م طريقه وأخرج الطبراني عن أنس أنه أصدقها مائتي دينار وإسناده ضعيف وصفية كان عتقها صداقها وخديجة وجويرية لم يكونا كذلك كما قال الحافظ . قوله " ونش " بفتح النون بعدها شين معجمة وقع مرفوعا في هذا الكتاب والصواب ونشا بالنصب مع وجود لفظ كان كما في غير هذا الكتاب أو الرفع مع عدمها كما في رواية أبي داود قوله " لاتغلوا صدق النساء " الخ ظاهر النهي التحريم . وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه قال " لا تغالوا في مهر النساء فقالت امرأة ليس ذلك لك يا عمر ان الله تعالى يقول { وآتيتم احداهن قنطارا من ذهب } كما في قراءة ابن مسعود فقال عمر امرأة خاصمت عمر فخصمته " وأخرجه الزبير بن بكار بلفظ " امرأة أصابت ورج أخطأ " وأخرجه أبو يعلى مطولا وقد وقع الإجماع على أن المهر لأحد لأكثره بحيث تضير الزيادة على ذلك الحد باطلة للآية . وقد اختلف في تفسير القنطار المذكور في الآية فقال أبو سعيد الخدري هو ملء مسك ثور ذهبا وقال معاذ الف ومائتا أوقية ذهبا وقيل سبعون ألف مثقال وقيل مائة رطل ذهبا قوله " زوجها النجاشي " فيه دليل على جواز التوكيل من الزوج لمن يقبل عنه النكاح وكانت أم حبيبة المذكورة مهاجرة بأرض الحبشة مع زوجها عبد الله بن جحش فمات بتلك الأرض فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وأم حبيبة هي بنت أبي سفيان وقد تقدم اختلاف الروايات في مقدار صداقها (6/221)
باب جعل تعليم القرآن صداقا (6/221)
1 - عن سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقال يا رسول الله زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هل عندك من شيء تصدقها اياه فقال ما عندي إلا إزاري هذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن أعطيتها إزارك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا ألتمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل معك من القرآن شيء قال نعم سورة كذا وسورة كذا لسور يسميها فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زوجتها بما معك من القرآن "
- متفق عليه . وفي رواية متفق عليها " قد ملكتكها بما معك من القرآن " وفي رواية متفق عليها " فصعد فيها النظر وصوبه " (6/221)
2 - وعن أبي النعمان الأزدي " قال زوج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امراة على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لأحد بعدك مهرا "
- رواه سعيد في سننه وهو مرسل (6/222)
- حديث أبي النعمان مع إرساله قال الفتح فيه لا يعرف . وفي الباب عن أبي هريرة عند أبي داود والنسائي . وعن ابن مسعود عند الدارقطني . وعن ابن عباس عند أبي الشيخ وأبي عمر بن حيويه في فوائده . وعن ضمير جد حسين بن عبد الله عند الطبراني . وعن أنس عند البخاري والترمذي . وعن أبي أمامة عند تمام في فوائده وعن جابر عند أبي الشيخ . قوله " جاءته امرأة " قال الحافظ هذه المرأة لم أقف على اسمها ووقع في الأحكام لابن الطلاع أنها خولة بنت حكيم أو أم شريك وهذا نقل من اسم الواهبة الواردة في قوله تعالى { وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي } صلى الله عليه وآله وسلم ولكن هذه غيرها . قوله " وهبت نفسي " هو على ذف مضاف أي امر نفسي لأن رقبة الحر لا تملك قوله " فقام رجل " قال الحافظ لم أقف على اسمه ووقع في رواية للطبراني فقام رجل أحسبه من الأنصار . قوله " ولو خاتما " وفي رواية " ولو خاتم " بالرفع على تقدير حصل . ولو في قوله ولو خاتما تعليلية . قال عياض ووهم من زعم خلاف ذلك ووقع في رواية عند الحاكم والطبراني من حديث سهل زوج رجلا بخاتم من حديد فصه فضة . قوله " هل معك من القرآن شيء " المراد هنا بالمعية الحفظ عن ظهر قلبه . وقد وقع في رواية " أتقرؤهن على ظهر قلبك " بعد قوله سورة كذا ومعي سورة كذا وكذلك في رواية الثوري عند الإسماعيلي بلفظ " قال عن ظهر قلبك قال نعم " . قوله " سورة كذا وسورة كذا " وقع في رواية من حديث أبي هريرة " سورة البقرة أو التي تليها " كذا عند أبي داود والنسائي ووقع في حديث ابن مسعود " نعم سورة البقرة وسورة من المفصل " وفي حديث ضميرة " زوج صلى الله عليه وآله وسلم رجلا على سورة البقرة لم يكن عنده شيء " وفي حديث أبي أمامة " زوج صلى الله عليه وآله وسلم رجلا من أصحابه امرأة على سورة من المفصل جعلها مهرا وأدخلها عليه وقال علمها " وفي حديث أبي هريرة " فعلمها عشرين آية وهي امرأتك " وفي حديث ابن عباس " أزوجها منك على أن تعلمها أربع أو خمس سور من كتاب الله " وفي حديث ابن عباس وجابر " هل تقرأ من القرآن شيئا قال نعم إنا أعطيناك الكوثر قال اصدقها اياها " قال الحافظ ويجمع بين هذه الألفاظ بأن بعض الرواة حفظ ما لم يحفظ بعض أو أن القصص متعددة ( والحديث يدل ) على جواز جعل المنفعة صداقا ولو كانت تعليم القرآن قال المازري هذا ينبني على أن الباء للتعويض كقولك بعتك ثوبي بدينا وقال وهذا هو الظاهر وإلا لو كانت بمعنى اللام على معنى تكرمه لكونه حاملا للقرآن لصارت المرأة بمعنى الموهوبة والموهوبة خاصة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقال الطحاوي والأبهري وغيرهما بأن هذا خاص بذلك الرجل لكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يجوز له نكاح الواهبة فكذلك يجوز له إنكاحها من شاء بغير صداق واحتجوا على هذا بمرسل أبي النعمان المذكور لقوله فيه " لا يكون لأحد بعدك مهر " وأجيب عنه بما تقدم من إرساله وجهالة بعض رجال اسناده . وأخرج أبو داود من طريق مكحول قال ليس هذا لأحد بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج أبو عوانة من طريق الليث بن سعد نحوه ولا حجة في أقوال التابعين قال عياض يحتمل قوله بما معك من القرآن وجهين أظهرهما أن يعلمها ما معه من القرآن أو مقدارا معينا منه ويكون ذلك صداقها وقد جاء هذا التفسير عن مالك ويؤيده قوله في بعض طرقه الصحيحة فعلمها من القرآن وعين في حديث أبي هريرة مقدار ما يعلمها وهو عشرون آية ويحتمل أن تكون الباء بمعنى اللام أي لأجل ما معك من القرآن فأكرمه بأن زوجه المرأة بلا مهر لأجل كونه حافظا للقرآن أو لبعضه ونظيره قصة أبي طلحة مع أم سليم فقالت والله ما مثلك يرد ولكنك كافر وأ ا مسلمة ولا يحل لي أن أتزوجك فإن تسلم فذلك مهري ولا أسألك غيره فكان ذلك مهرها " وأخرج النسائي أيضا نحوه من طريق أخرى ويؤيده الاحتمال الأول ابن أبي شيبة والترمذي من حديث أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل رجلا من أصحابه يا فلان هل تزوجت قال لا وليس عندي ما أتزوج به قال أليس معك قل هو الله أحد " وأجاب بعضهم عن الحديث بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوجها أياه لأجل ما معه من القرآن الذي حفظه وسكت عن المهر فيكون ثابتا في ذمته إذا أيسر كنكاح التفويض ويؤيده ما في حديث ابن عباس حيث قال فيه فإذا رزقك اللع فعوضها قال في الفتح لكنه غير ثابت وأجاب البعض باحتمال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوجه لأجل ما حفظه من القرآن وأصدق عنه كما كفر عن الذي واقع امرأه في رمضان ويكون ذكر القرآن وتعليمه على سبيل التحريض على تعلم القرآن وتعليمه والتنويه بفضل أهله وأجيب بما تقدم من التصريح بجعل التعليم عوضا . وقد ذهب إلى جواز جعل المنفعة صداقا الشافعي وإسحاق والحسن بن صالح وبه قالت العترة وعند المالكية فيه خلاف ومنعه الحنفية في الحر وأجازوه في العبد إلا في الإجارة في تعليم القرآن فمنعوه مطلقا بناء على أصلهم في أن أخذ الأجرة على تعلم القرآن لا يجوز وقد تقدم الكلام على ذلك وقد نقل القاضي عياض جواز الاستئجار لتعليم القرآن عن العلماء كافة إلا الحنفية وقال ابن العربي من العلماء من قال زوجه علي أن يعلمها من القرآ فكأنها كانت إجارة وهذا كرهه مالك ومنعه أبو حنيفة . وقال ابن القاسم يفسخ قبل الدخول ويثبت بعده قال والصحيح جوازه بالتعليم . وقال القرطبي قوله علمها نص في الأمر بالتعليم والسياق يشهد بأن ذلك لأجل النكاح فلا يلتفت لقول من قال أن ذلك كان إكراما للرجل ولا مساقا ( وفي الحديث ) فوائد منها ثبوت ولاية الإمام على المرأة التي لا قريب لها وقد أطال الكلام على ما يتعلق بالحديث من فوائد في الفتح وذكر أكثر من ثلاثين فائدة فمن أحب الوقوف على ذلك فليرجع إليه (6/222)
باب من تزوج ولم يسم صداقا (6/222)
- عن علقمة قال أتى عبد الله في امرأة تزوجها رجل ثم مات عنها ولم يفرض لها صداقا ولم يكن دخل بها قال فاختلفوا إليه فقال أرى لها مثل مهر نسائها ولها الميراث وعليها العدة فشهد معقل بن سنان الأشجعي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في بروع ابنة واشق بمثل ما قضى "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (6/223)
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان وصححه أيضا ابن مهدي . وقال ابن حزم لا مغمرز [ مغمز ؟ ؟ ] فيه لصحة إسناده وقال الشافعي لا أحفظه من وجه يثبت مثله ولو ثبت حديث بروع لقلت به وقد قيل ان في راوي الحديث اضطرابا فروي مرة عن مقعل بن سنان ومرة عن رجل من أشجع أو ناس من أشجع وقيل غير ذلك : قال البيهقي قد سمي فيه ابن سنان وهو صحابي مشهور والاختلاف فيه لا يضر فإن جميع الروايات فيه صحيحة وفي بعضها ما دل على أن جماعة من أشجع شهدوا بذلك . وقال ابن أبي حاتم قال أبو زرعة الذي قال معقل بن سنان أصح وروى الحاكم في المستدرك عن حرملة بن يحيى أنه قال شيخنا أبو عبيد الله لوحضرت الشافعي لقمت على رؤوس الناس وقلت بن عامر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة رجلا فدخل بها ولم يفرض لها صداقها فحضرته الوفاة فقال أشهدكم ان سهمي بخيبر لها ( والحديث ) فيه دليل على أن المرأة تستحق بموت زوجها بعد العقل قبل فرض الصداق جميع المهر وان لم يقع منه دخول ولاخلوة وبه قال ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وأبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد . وعن علي عليه السلام وابن عباس وابن عمر ومالك والأوزاعي والليث والهادي وأحد قولي الشافعي وإحدى الروايتين عن القاسم أنها لا تستحق إلا الميراث فقط ولا تستحق مهرا ولامتعة لأن المتعة لم ترد إلا للمطلقة والمهر عن الوطء ولم يقع من الزوج وأجابوا عن حديث الباب بالاضطراب ورد بما سلف قالوا روي عن علي أنه قال لا نقبل قول أعرابي بوال على عقبيه فيما يخالف كتاب الله وسنة نبيه ورد بأن ذلك لم يثبت عنه من وجه صحيح ولم سلم ثبوته فلم ينفرد بالحديث معقل المذكور بل روى من طريق غيره بل معه الجراح كما وقع عند أبي داود والترمذي وناس من أشجع كما سلف وأيضا الكتاب والسنة إنما نفيا مهر المطلقة قبل المس والفرض لا مهر من مات عنها زوجها وأحكام الموت غير أحكام الطلاق . وفي رواية عن القاسم أن لها المتعة : قوله " ولها الميراث " هو مجمع على ذلك كما في البحر وإنما اتفق على أنها تستحقه لأنه يجب لها بالعقد إذ هو سببه لا الوطء : قوله " بروع " قال في القاموس كجدول ولا يكسر بنت وأشق صحابية وفي المغني بفتح الباء عند أهل اللغة وكسرها عند أهل الحديث (6/223)
باب تقدمة شيء من المهر قبل الدخول والرخصة في تركها (6/223)
1 - عن ابن عباس " قال لما تزوج علي فاطمة قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطها شيئا قال عندي شيء قال أين درعك الحطمية "
- رواه أبو داود والنسائي . وفي رواية " أن عليا لما تزوج فاطمة أراد أن يدخل بها فمنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى يعطيها شيئا فقال يا رسول الله ليس لي شيء فقال له أعطها درعك الحطمية فأعطاها درعه ثم دخل بها " رواه أبو داود وهو دليل على جواز الامتناع من تسليم المرأة ما لم تقبض مهرها (6/224)
2 - وعن عائشة قالت " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أدخل امرأة على زوجها قبل أن يعطيها شيئا "
- رواه أبو داود وابن ماجه (6/224)
- حديث ابن عباس صححه الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري والرواية الثانية منه هي في سنن أبي داود عن محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل عن ابن عباس كما في الرواية الأولى . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري إلا أن أبا داود قال خثيمة لم يسمع من عائشة انتهى . وفي شريك مقال . وقال البيهقي وصله شريك وأرسله غيره ( وقد استدل ) بحديث ابن عباس من قال أنه يجوز الامتناع من تسليم المرأة حتى يسلم الزوج مهرها وكذلك للمرأة الامتناع حتى يسمي الزوج مهرها وقد تعقب بأن المرأة إذا كانت قد رضيت بالعقد بلا تسمية أو أجازته فقد نفذ وتعين به مهر المثل ولم يثبت لها الامتناع وإن لم يكن رضيت به بغير تسمية ولا إجازة فلا عقد رأسا فضلا عن الحكم بجواز الامتناع وكذلك يجوز للمرأة أن تمتنع حتى يعين الزوجمهرها ثم حتى يسلمه قيل وظاهر الحديث أن المهر لم يكن مسمى عند العقد وتعقب بأنه يحتمل أنه كان مسمى عند العقد ووقع التأجيل به ولكنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره بتقديم شيء منه كرانة للمرأة وتأنيسا . وحديث عائشة المذكور يدل على أنه لا يشترط في صحة النكاح أن يسلم الزوج إلى المرأة مهرها قبل الدخول ولا أعرف في ذلك خلافا . قوله " الحطمية " بضم الحاء المهملة وفتح الطاء المهملة أيضا منسوبة إلى الحطم سميت بذلك لأنها تحطم السيوف وقيل منسوبة إلى بطن من عبد قيس يقال له حطمة بن محارب كانوا يعملون الدروع كذا في النهاية (6/224)
باب حكم هدايا الزوج للمرأة وأوليائها (6/225)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إيما امرأة نكحت على صداق أو حباء أو عدة قبل عصمة النكاح فهو لها وما كان بعد العصمة النكاح فهو لمن أعطيه وأحق ما يكرم عليه الرجل ابنته وأخته "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (6/225)
- الحديث سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى أنه من رواية عمرو بن شعيب وفيه مقال معروف قد تقدم بيانه في أوائل هذا الشرح ومن دون عمرو بن شعيب ثقات وفيه دليل على أن المرأة تستحق جميع ما يذكر قبل العقد من صداق أو حباء وهو العطاء أو عدة بوعد ولو كان ذلك الشيء مذكورا لغيرها وما يذكر بعد عقد النكاح فهو لمن جعل له سواء كان وليا أو غير ولي أو المرأة نفسها . وقد ذهب إلى هذا عمر بن عبد العزيز والثوري وأبو عبيد ومالك والهادوية . وقال أبو يوسف أن ذكر قبل العقد لغيرها استحقه . وقال الشافعي إذا سمي لغيرها كانت التسمية فاسدة وتستحق مهر المثل وقد وهم صاحب الكافي فقالف أنه لم يقل بالقول الأول إلا الهادي وإن ذلك القول خلاف الإ ] ماع قال والصحيح أن ما شرطه الولي لنفسه سقط وعليه عامة السادة والفقهاء وقد عرفت من قال بذلك وأنه الظاهر من الحديث . قوله " وأحق ما يكرم عليه " الخ فيه دليل على مشروعية صلة أقارب الزوجة وإكرامهم والإحسان إليهم وأن ذلك حلال لهم وليس من قبيل الرسوم المحرمة إلا أن يمتنعوا من التزويج إلا به (6/225)
كتاب الوليمة والبناء على النساء وعشرتهن (6/226)
باب استحباب الوليمة بالشاة فأكثر وجوازها بدونها (6/226)
1 - قال صلى الله عليه وآله وسلم لعبد الرحمن " أولم ولو بشاة " (6/226)
2 - وعن أنس قال " ما أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شيء من نسائه ما أولم على زينب أولم بشاة "
- متفق عليه (6/227)
3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أولم على صفية بتمر وسويق "
- رواه الخمسة إلا النسائي (6/227)
4 - وعن صفية بنت شيبة أنها " قالت أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بعض نسائه بمدين من شعير "
- أخرجه البخاري هكذا مرسلا (6/227)
5 - وعن أنس في قصة صفية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعل وليمتها التمر والأقط والسمن "
- رواه أحمد ومسلم . وفي رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام بين خيبر والمدينة ثلاث ليال يبني بصفية فدعون المسلمين إلى وليمنته ما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها الا أن أمر بالأنطاع فالقي عليها ما كان فيها من خبز ولا لحم وما كان فيها إلا أن أمر بالإنطاع فبسطت فالقي عليها التمر والأقط والسمن فقال المسلمون إحدى أمهات المؤمنين أو ما ملكت يمينه فقالوا أن حجبها فهي إحدى أمهات المؤمنين وإن لم يحجبها فهي مما ملكت يمينه فلما ارتحل وطأ لها خلفه ومد الحجاب " متفق عليه
حديث " أولم ولو بشاة " قد تقدم في أول كتاب الصداق . وحديث أنس الثاني أخرجه أيضا ابن حبان . قوله " أولم " قال الأزهري الوليمة مشتقة من الولم وهو الجمع لأن الزوجين يجتمعان . وقال ابن الأعرابي أصلها تمام الشيء واجتماعه وتقع على كل طعام يتخذ لسرور وتستعمل في وليمة الأعراس بلا تقييد وفي غيرها مع التقييد فيقال مثلا وليمة مأدبة هكذا . قال بعض الفقهاء وحكاه في الفتح عن الشافعي وأصحابه وحكى ابن عبد البر عن أهل اللغة وهو المنقول عن الخليل وثعلب وبه جزم الجزهري وابن الأثير أن الوليمة هي الطعام في العرس خاصة قال ابن رسلان وقول أهل اللغة أقوى لأنهم اللسان وهو أعرف بموضوعات اللغة وأعلم بلسان العرب انتهى . ويمكن أن يقال الوليمة في اللغة وليمة العرس فقط وفي الشرع للولائم المشروعة . وقال في القاموس طعام العرس أوكل طعام صنع لدعوة وغيرها وأولم صنعها . وقال صاحب المحكم الوليمة طعام العرس والأملاك وسيأتي تفسير الولائم وظاهر الأمر الوجوب وقد روى القول به القرطبي عن مذهب مالك وقال مشهور المذهب أنها مندوبة وروى ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب مالك وقال مشهور المذهب أنها مندوبة وروى ابن التين الوجوب أيضا عن مذهب أحمد لكن الذي في المغنى أنها سنة وكذلك حكي الوجوب في البحر عن أحد قولي الشافعي وحكاه ابن الحزم عن أهل الظاهر وقال سليم الرازي أنه ظاهر نص الأم ونقله أبو إسحاق الشيرازي عن النص وحكاه في الفتح أيضا عن بعض الشافعية وبهذا يظهر ثبوت الخلاف في الوجوب لا كما قال ابن بطال ولا أعلم أحدا أوجبها وكذا قال صاحب المغني ومن جملة ما استدل به من أوجبها ما أخرجه الطبراني من حديث وحشي بن حرب رفعه " الوليمة حق " وفي مسلم " شر الطعام طعام الوليمة ثم قال وهو حق " وفي رواية لأبي الشيخ والطبراني في الأوسط من حديث أبي هريرة رفعه " الوليمة حق وسنة فمن دعى إليها فلم يجب فقد عصى " وأخرج أحمد من حديث بريدة قال لما خطب على فاطمة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا بد للعروس من وليمة قال الحافظ وسنده لا بأس به قال ابن بطال قوله حق أي ليست بباطل بل يندب إليها وهي سنة فضيلة وليس لمراد بالحق الوجوب وأيضا هو طعام لسرور حادث فأشبه سائر الأطعمة والأمر محمول على الاستحباب ولكونه أمر بشاة وهي غير واجبة اتفاقا . قال في الفتح وقد اختلف السلف وفي وقتها هل هو عند العقد أو عقبة أو عند الدخول أو عقبة أو يوسع من ابتداء العقد إلى انتهاء الدخول على أقوال قال النووي اختلفوا فحكي القاضي عياض أن الأصح عند المالكية استحبابها بعد الدخول وعن جماعة منهم عند العقد . وعن ابن جندب عند العقد وبعد الدخول قال السبكي والمنقول من فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أ ها بعد الدخول انتهى . وفي حديث أنس عند البخاري وغيره التصريح بأنها بعد الدخول لقوله أصبح عروسا بزينب فدعا القوم : قوله " ولو بشاة " لو هذه ليست إلا متناعية وإنما هي التي للتقليل ( وفي الحديث ) دليل على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة عن الموسر ولولا ثبوت أنه صلى الله عليه وآله وسلم أو لم على بعض نسائه بأقل من الشاة لكان يمكن أن يستدل به على أن الشاة أقل ما يجزي في الوليمة مطلقا ولكن هذا الأمر من خطاب الواحد وفي تناوله لغيره خلاف في الأصول معروف
قال القاضي عياض وأجمعوا على أنه لأحد لأكثر ما يولم به وأما أقله فكذلك ومهما تيسير أجزأ والمستحب أنها على قدر حال الزوج : قوله " ما أولم النبي صلى الله عليه وآله وسلم على شيء من نسائه " الخ هذا محمول على ما انتهى إليه علم أنس أو لما وقع من البركة في وليمتها حيث أشبع خبزا ولحما من الشاة الواحدة وإلا فالذي يظهر أنه أو لم على ميمونة بنت الحرث التي تزوجها في عمرة القضية بمكة وطلب من أهل مكة أن يحضروا وليمتها فامتنعوا أن يكون ما أولم به عليها أكثر من شاة لوجود التوسعة عليه في تلك الحال لأن ذلك كان بعد فتح خيبر وقد وسع الله على المسلمين في فتحها عليهم هكذا في الفتح وما ادعاه من الظهور ممنوع لأن كونه دعا أهل مكة لا يستلزم أن تكون تلك الوليمة بشاة أو بأكثر منها بل غايته أن يكون فيها طعام كثير يكفي من دعاهم مع أنه يمكن أن يكون في تلك الحال الطعام الذي دعاهم إليه قليلا ولكنه يكفي الجميع بتبريكه صلى الله عليه وآله وسلم عليه فلا تدل كثرة المدعوين على كثرة الطعام ولا سيما وهو في تلك الحال مسافر فإن السفر مظنة لعدم التوسعة في الوليمة الواقعة فيه فيعارض هذا مظنة التوسعة لكون الوليمة واقعة بعد فتح خيبر . قال ابن بطال لم يقع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم القصد إلى تفضيل بعض النساء على بعض بل باعتبار ما اتفق وأنه لو وجد الشاة في كل منهن لأولم بها لأنه كان أجود الناس ولكن كان لا يبالغ فيما يتعلق بأمور الدنيا في التأنق وقال غيره يجوز أن يكون فعل ذلك لبيان الجواز وقال الكرماني لعل السبب في تفضيل زينب في الوليمة على غيرها كان الشكر لله على ما أنعم به عليه من تزويجه أياها بالوحي . وقال ابن المنير يؤخذ من تفضيل بعض النساء على بعض في الوليمة جواز تخصيص بعضهن دون بعض في الأتحاف والألطاف : قوله " وعن صفية بنت شيبة " صفية هذه ليست بصحابية وحديثها مرسل وقد رواه البعض عنها عن عائشة ورجح النسائي قوله من لم يقل يقل عن عائشة ولكنه قد روى البخاري عنها في كتاب الحج أنها قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وقد ضعف ذلك المزي بأنه مروى من طريق أبان بن صالح زكذلك صرح بتضعيفه ابن عبد البر في التمهيد ويجاب بأنه قد وثقه ابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وغيرهم حتى قال الذهبي في مختصر التهذيب ما رأيت أحدا ضعف إبان بن صالح ومما يدل على ثبوت صحبتها ما أخرجه أبو داود وابن ماجه من حديثها " قالت طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم على بعير يستلم الحجر بمحجن وأنا أنظر إليه " قال المزي هذا يضعف قول من أنكر أن يكون لها رؤية فإن إسناده حسن فيحتمل أن يكون مراد من أطلق أنه مرسل يعني من مراسيل الصحابة لأنها ما حضرت قصة زواج المرأة المذكورة في الحديث لأنها كانت بمكة طفلة أو لم تولد بعد والتزوج كان بالمدينة قوله " على بعض نسائه " قال الحافظ لم أقف على تعيين اسمها صريحا وأقرب ما يفسر به أم سلمة فقد أخرج ابن سعد عن شيخة الواقدي بسنده إلى أم سلمة " قالت لما خطبني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر قصة تزويجه قالت فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة فإذا جرة فيها شيء من شعير فأخذته فطحنته ثم عصدته في البرمة وأخذت شيئا من إهالة فادمته فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
وأخرج ابن سعد أيضا بإسناد صحيح إلى أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث إن أم سلمة أخبرته فذكرت قصة خطبتها وقصة الشعير : قوله " يبني بصفية " أصله يبنى خباء جديدا مع صفية أو بسببها ثم استعمل البناء في الدخول بالزوجة يقال بني الرجل بالمرأة أي دخل بها ( وفيه دليل ) على أنها تؤثر المرأة الجديدة ولو في السفر : قوله " التمر والأقط والسمن " هذه الأمور الثلاثة إذا خلط بعضها بعض سميت حيسا : قوله " بالانطاع " جمع نطع بفتح النون وكسرها مع فتح الطاء واسكانها أفصحهن كسر النون مع فتح الطاء والأقط بفتح الهمزة وكسر القاف وقد تسكن بعدها طاء مهملة وقد تقدم تفسيره في الفطرة وفي هذه القصة دليل على اختصاص الحجاب بالحرائر من زوجاته صلى الله عليه وآله وسلم لجعل الصحابة رضي الله عنهم الحجاب أمارة كونها حرة (6/228)
باب إجابة الداعي (6/228)
1 - عن أبي هريرة قال " شر الطعام طعام الوليمة تدعي لها الأغنياء وتترك الفقراء ومن لم يجب الدعوة فقد عصى الله ورسوله "
- متفق عليه . وفي رواية قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شر الطعام طعام الوليمة يمنعها من يأتيها ويدعى إليها من يأباها ومن لم يجب فقد عصي الله ورسوله " رواه مسلم (6/228)
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أجيبوا هذه الدعوة إذا دعيتم لها وكان ابن عمر يأتي الدعوة في العرص وغير العرس ويأتيها وهو صائم "
- متفق عليه . وفي رواية " إذا دعى أحدكم إلى الوليمة فليأتها " متفق عليه ورواه أبو داود وزاد " فإن كان مفطر فليطعم وإن كان صائما فليدع " وفي رواية " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دعى فلم يجب فقد عصى الله لفظ " إذا دعا أحدكم أخاه فليجب " رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي لفظ " إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " وفي لفظ " من دعى إلى عرس أو نحوه فليجب " رواهما مسلم وأبو داود (6/229)
3 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم إلى طعام فليجب فإن شاء طعم وإن شاء ترك "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه وقال فيه " وهو صائم " (6/229)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم فليجب فإن كان صائما فليصل وإن كان مفطرا فليطعم "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود . وفي لفظ " إذا دعي أحدكم إلى الطعام وهو صائم فليقل أني صائم " رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي (6/229)
5 - وعن أبي هريرة عن " النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعى أحدكم إلى الطعام فجاء مع الرسول فذلك له أذن "
- رواه أحمد وأبو داود (6/230)
- الرواية التي أنفرد بها أبو داود بلفظ " ومن دخل على غير دعوة دخل سارقا " الخ في إسنادها أبان بن طارق البصرى سئل عنه أبو زرعة الرازي فقال شيخ مجهول وقال أبو أحمد بن عدي وابان بن طارق لا يعرف الا بهذا الحديث وهذا الحديث معروف به وليس له أنكر من هذا الحديث . وفي إسناده أيضا درست بن زياد ولا يحتج بحديثه ويقال هو درست بن حممزة وقيل بل هما أثنان ضعيفان . وحديث أبي هريرة الآخر رجال إسناده ثقات لكنه قال أبو داود يقال قتادة لم يسمع من أبي رافع شيئا . قوله " شر الطعام طعام الوليمة " إنما سماه شرا لما ذكره عقبه فكأنه قال شر الطعام الذي شأنه كذا . وقال الطيبي اللام في الوليمة للعهد إذ كان من عادة الجاهلية أن يدعوا الأغنياء ويتركوا الفقراء وقوله " يدعي " الخ استنئاف وبيان لكونها شر الطعام وقال البيضاوي من مقدرة كما يقال شر الناس من أكل وحده أي من شرهم : قوله " تدعى " الخ الجملة في موضع الحال . ووقع في رواية للطبراني من حديث ابن عباس " بئس الطعام طعام الوليمة يدعى إليه الشبعان ويحبس عنه الجيعان " قوله " فقد عصى الله ورسوله " احتج بهذا من قال بوجوب الإجابة إلى الوليمة لأن العصيان لا يطلق إلا على ترك الواجب وقد نقل ابن عبد البر والقاضي عياض والنووي الاتفاق على وجوب الإجابة لوليمة العرس . قال في الفتح وفيه نظر نعم المشهور من أقوال العلماء الوجوب وصرح جمهور الشافعية والحنابلة بأنها فرض عين ونص عليه مالك . وعن بعض الشافعية والحنابلة أنها مستحبة وذكر اللخمي من المالكية أنه المذهب وعن بعض الشافعية والحنابلة هي فرض كفاية . وحكى في البحر عن العترة والشافعية أن الإجابة إلى وليمة العرس مستحبة كغيرها ولم يحك الوجوب إلا عن أحد قولي الشافعي فانظركم التفاوت بين من حكى الإجماع على الوجوب وبين من لم يحكه إلا عن قول لبعض العلماء الظاهر الوجوب للأوامر الواردة بالإجابة من غير صارف لها عن الوجوب ولجعل الذي لم يجب عاصيا وهذا في وليمة شرعا كما سلف في أول الباب كانت الإجابة إليها واجبة " لا يقال " ينبغي حمل مطلق الوليمة على الوليمة المقيدة بالعرس كما وقع في رواية حديث ابن عمر المذكور بلفظ " إذا دعى أحدكم إلى وليمة عرس فليجب " ( لانا نقول ) ذلك غير ناتج للتقييد لما وقع في الرواية المتعقبة لهذه الرواية بلفظ من دعى إلى عرس أو نحوه وأيضا قوله " من لم يجب الدعوة فقد عصيي الله " يدل على وجوب الإجابة إلى غير وليمة العرس . قال في الفتح وأما الدعوة فهي أعم من الوليمة وهي بفتح الدال على المشهور وضمها قطرب في مثلثاته وغلطوه في ذلك على ما قال النووي . وقال في الفتح أيضا في باب آخر والذي يظهر من اللام في الدعوة للعهد من الوليمة المذكورة أولا . قال وقد تقدم أن الوليمة إذا اطلقت حملت على طعام العرس بخلاف سائر الولائم فإنها تقيد انتهى . ويجاب أولا بأن هذا مصادرة على المطلوب لأن الوليمة المطلقة هي محل النزاع وثانيا بأن في أحاديث الباب ما يشعر بالإجابة إلى كل دعوة ولا يمكن فيه ما ادعاه في الدعوة وذلك نحو ما في رواية ابن عمر بلفظ " من دعى فلم يجب فقد عصى الله " وكذلك قوله " من دعى إلى عرص أو نحوه فليجب " وقد ذهب إلى وجوب الإجابة مطلقا بعض الشافعية ونقله عبد البر عن عبيد الله بن الحسن العنبري قاضي البصرة وزعم ابن حزم أنه قال جمهور الصحابة والتابعين
وجزم بعدم الوجوب في غير وليمة النكاح المالكية والحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية وبالغ السرخسي منهم فنقل فيه الإجماع وحكاه البحر عن العترة ولكن الحق ما ذهب إليه الأولون لما عرفت قال في الفتح بعد أن حكى وجوب الإجابة إلى وليمة العرس إن شرط وجوبها أن يكون الداعي مكلفا حرا رشيدا وأن لا يختص الأغنياء دون الفقراء وأن لا يظهر قصد التودد لشخص لرغبة فيه أو رهبة منه وأن يكون الداعي مسلما على الأصح وأن يختص باليوم الأول وعلى المشهور وأن لا يسبق فمن سبق تعينت الإجابة له دون الثاني وأن لا يكون هناك ما يتأذى بحضوره من منكر أو غيره وأن لا يكون له عذر وسيأتي البحث عن أدلة هذه الأمور إن شاء الله تعالى : قوله " دخل سارقا وخرج مغيرا " بضم الميم وكسر الغين المعجمة اسم فاعل من أغار يغير إذا نهب مال غيره فكأنه شبه دخوله على الطعام الذي لم يدع إليه بدخول السارق الذي يدخل بغير أرادة المالك لأنه اختفى بين الداخلين وشبه خروجه بخروج من نهب قوما وخرج ظاهرا بعد ما أكل بخلاف الدخول فإنه دخل مختفيا خوفا من أن يمنع وبعد الخروج قد قضي حاجته فلم يبق له حاجة إلى التستر " قوله فإن شاء طعم " بفتح الطاء وكسر العين أي أكل . قوله " وإن شاء ترك " فيه دليل على إن نفس الأكل لا يجب على المدعي في عرس أو غيره وإنما الواجب الحضور وصحح النووي وجوب الأكل ورجحه أهل الظاهر ولعل متمسكه ما في الرواية الأخرى من قوله " وإن كان مفطرا فليطعم " قوله " فإن كان صائما فليصل " وقع في رواية هشام بن حسان في آخره والصلاة الدعاء ويؤيده ما وقع عند أبي داود من طريق أبي أسامة عن عبيد الله بن عمر بن نافع في آخر الحديث المرفوع " فإن كان مفطرا فليطعم وإن كان صائما فليدع " وهو يرد قول بعض الشراح أنه محمول على ظاهره وإن المراد فليشتغل بالصلاة ليحصل له فضلها ويحصل لأهل المنزل والحاضرين بركتها ويرده أيضا حديث " لا صلاة بحضرة طعام " ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجب الحضور على الصائم ولا يجب عليه الأكل ولكن هذا بعد أن يقول للداعي أني صائم ما في الرواية الأخرى فإن عذره من الحضور بذلك وإلا حضر وهل يستحب له أن يفطر ان كان صومه تطوعا قال أكثر الشافعية وبعض الحنابلة إن كان يشق على صاحب الدعوة صومه فالأفضل الفطر وإلا فالصوم واطلق الروباني استحباب الفطر وهذا على رأي من يجوز الخروج من صوم النفل وأما من يوجب الأستمرار فيه بعد التلبس به فلا يجوز قوله " فذلك أذن له " فيه دليل على أنه لا يجب الأستئذان على المدعو إذا كان معه رسول الداعي وإن كون الرسول معه بمنزلة الأذن (6/230)
باب ما يصنع إذا اجتمع الداعيان (6/230)
1 - عن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أجتمع الداعيان فأجب أقربهما بابا فإن أقربهما بابا أقربهما جوارا فإذا سبق أحدهما فأجب الذي سبق "
- رواه أحمد وأبو داود (6/231)
2 - وعن عائشة " أنها سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت إن لي جارين فإلى أيهما أهدي فقال إلى أقربهما منك بابا "
- رواه أحمد والبخاري (6/231)
- الحديث الأول في إسناده أبو خالد يزيد بن عبد الرحمن المعروف بالدالاني وقد وثقه أبو حاتم الرازي وقال الإمام أحمد لا بأس به . وقال ابن معين ليس به بأس . وقال ابن حبان لا يجوز الأحتجاج به . وقال ابن عدي في حديثه لين الا أنه يكتب حديثه وحكى عن شريك أنه قال كان مرجئا وقال في التلخيص إن إسناد هذا الحديث ضعيف ورواه أبو نعيم في معرفة الصحابة من رواية حميد بن عبد الرحمن عن أبيه وقد جعل الحافظ حديث عائشة المذكور شاهدا للحديث الأول ووجه ذلك إن ايثار الأقرب بالهدية يدل على أنه أحق من الأبعد في الإحسان إليه فيكون أحق منه بإجابة دعوته مع اجتماعهما في وقت واحد فإن تقدم أحدهما كان أولى بالإجابة من الآخر سواء كان السابق هو الأقرب أو الأبعد فالقرب وإن كان سببا للإيثار ولكنه لا يعتبر الا مع عدم السبق فإن وجد السبق فلا اعتبار بالقرب فإن وقع الأستواء في قرب الدار وبعدها مع الأجتماع في الدعوة فقال الإمام يحيى يقرع بينهما وقد قيل أن من مرجحات الإجابة لأحد الداعيين كونه رحما أو من أهل العلم أو الورع أو القرابة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم (6/231)
باب إجابة من قال لصاحبه ادع من لقيت وحكم الإجابة في اليوم الثاني والثالث (6/232)
1 - عن أنس قال " تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بأهله فصنعت أمي أم سليم حيسا فجعلته في تور فقالت يا أنس أذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذهبت به قال ضعه ثم قال أذهب فادع لي فلانا وفلانا ومن لقيت فدعوت من سمي ومن لقيت "
- متفق عليه ولفظه لمسلم (6/232)
- قوله " حيسا " بفتح الحاء المهملة وسكون التحتية بعدها سين مهملة وهو ما يتخذ من الأقط والسمن وقد يجعل عوض الأقط الدقيق . قوله " في تور " يفتح الفوقية وسكون الواو وآخره راء مهملة وهو إناء من نحاس أوغيره ( والحديث ) فيه دليل على جواز الدعوة إلى الطعام على الصفة التي أمر بها صلى الله عليه وآله وسلم من دون تعيين المدعو وفيه جواز إرساله الصغير إلى من يريد المرسل دعوته إلى طعامه وقبول الهدية من المرأة الأجنبية ومشروعية هدية الطعام وفيه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنه قد روى إن ذلك الطعام كفى جميع من حضر إليه وكانوا جميعا كثيرا مع كونه شيئا يسيرا كما يدل على ذلك قوله فجعلته في تور وكون الحامل له ذلك الصغير (6/232)
2 - وعن قتادة عن الحسن عن عبد الله بن عثمان الثقفي عن رجل من ثقيف يقال أن له معروفا وأثني عليه قتادة إن لم يكن اسمه زهير بن عثمان فلا أدري ما اسمه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الوليمة أول يوم حق واليوم الثاني معروف واليوم الثالث سمعة ورياء "
- رواه أحمد وأبو داود ورواه الترمذي من حديث ابن مسعود وابن ماجه من حديث أبي هريرة (6/233)
- الحديث الأول أخرجه أيضا النسائي والدارمي والبزار وأخرجه البغوي في معجم الصحابة فيمن اسمه زهير قال ولا أعلم له غيره وقال ابن عبد البر في إسناده نظر يقال أنه مرسل وليس له غيره وذكر البخاري هذا الحديث في تاريخه الكبير في ترجمة زهير بن عثمان وقال لا يصح إسناده ولا يعرف له صحبة ووهم ابن قانع فذكره في الصحابة فيمن اسمه معروف وذلك أنه وقع في السنن والسمند عن رجل من ثقيف كان يقال له معروفا أي يثني عليه وحديث ابن مسعود استغر به الترمذي . وقال الدارقطني تفرد به زياد بن عبد الله عن عطاء بن السائب عن أبي عبد الرحمن السلمي عنه قال الحافظ وزياد مختلف في الأحتجاج به ومع ذلك فسماعه عن عطاء بعد الأختلاط . وحديث أبي هريرة في في إسناده عبد الملك بن حسين النخعي الواسطي قال الجافظ ضعيف وفي الباب عن أنس عند البيهقي وفي إسناده بكر بن خنيس وهو ضعيف وذكر ابن أبي حاتم والدارقطني في العلل من حديث الحسن عن أنس ورجحا رواية من أرسله عن الحسن ( وفي الباب ) أيضا عن وحشي بن حرب عند الطبراني بإسناد ضعيف وعن ابن عباس عنده أيضا بإسناد كذلك ( الحديث ) فيه دليل على مشروعية الوليمة في اليوم الأول وهو من متمسكات من قال بالوجوب كما سلف وعدم كراهتها في اليوم الثاني لأنها معروف والمعروف ليس بمنكر ولا مكروه وكراهتها في اليوم الثالث لأن الشيء إذا كان للسمعة والرياء لم يكن حلالا . قال النووي إذا أولم ثلاثا فالإجابة في اليوم الثالث مكروهة وفي الثاني لا تجب قطعا ولا يكون استحبابها فيه كاستحبابها في اليوم الأول انتهى . وذهب بعض العلماء إلى الوجوب في اليوم الثاني وبعضهم إلى الكراهة وإلى كراهة الإجابة في اليوم الثالث ذهبت الشافعية والحنابلة والهادوية وأخرج ابن أبي شيبة من طريق حفصة بنت سيرين قالت لما تزوج أبي دعا الصحابة سبعة أيام فلما كان يوم الانصار دعا أبي بن كعب وزيد بن ثابت وغيرهما فكان أبي صائما فلما طعموا دعا أبي . وأخرجه عبد الرزاق وقال فيه ثمانية أيام . وقد ذهب إلى استحباب الدعوة إلى سبعة أيام المالكية كما حكى ذلك القاضي عياض عنهم وقد أشار البخاري إلى ترجيح هذا المذهب فقال باب إجابة الوليمة والدعوة ومن أولم سبعة أيام ولم يؤقت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوما ولا يومين انتهى ولا يخفى أن أحاديث الباب يقوى بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها على أن الدعوة بعد اليومين مكروهة (6/233)
باب من دعي فرأى منكرا فلينكره وإلا فليرجع (6/233)
1 - قد سبق قوله " من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه " (6/234)
2 - وعن علي رضي الله عنه قال " صنعت طعاما فدعوت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فجاء فرأى في البيت تصاوير فرجع "
- رواه ابن ماجه (6/234)
3 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن مطعمين عن الجلوس على مائدة يشرب عليها الخمر وأن يأكل وهو منبطح "
- رواه أبو داود (6/234)
4 - وعن عمر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدخل الحمام الا بازار ومن كانت تؤمن بالله واليوم الآخر فلا دخل الحمام "
- رواه أحمد . ورواه البخاري بمعناه من رواية جابر وقال حديث حسن غريب قال أحمد وقد خرج أبو أيوب حين دعاه ابن عمر فرأي البيت قد ستر ودعي حذيفة فخرج وإنما رأى شيئا من زي الأعاجم . قال البخاري ورأى ابن مسعود صورة في البيت فرجع (6/235)
- الحديث الأول الذي أشار المصنف إليه قد سبق في باب خطبة العيد وأحكامها من كتاب العيدين . وحديث علي أخرجه ابن ماجه بإسناد رجاله رجال الصحيح وسياقه هكذا حدثنا أبو كريب قال حدثنا وكيع عن هشام الدستوائي عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن علي فذكره . وتشهد له أحاديث قد تقدمت في الباب حكم مافيه صورة من الثياب من كتاب اللباس . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا النسائي والحاكم وهو من رواية جعفر بن برقان عن الزهري ولم يسمع منه وقد أعل الحديث بذلك أبو داود والنسائي وأبو حاتم ولكنه قد روى أحمد والنسائي والترمذي والحاكم عن جابر مرفوعا " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقعد على مائدة يدار عليها الخمر " وأخرجه أيضا الترمذي من طريق ليث بن أبي سليم عن طاوس عن جابر . وهذا الحديث هو الذي أشار إليه المصنف وقد حسنه الترمذي وقال الحافظ جيد . وأما الطريق الأخرى التي أنفرذ بها الترمذي فإسنادها ضعيف . وأخرج نحوه البزار من حديث أبي سعيد والطبراني من حديث ابن عباس وعمران بن حصين . وحديث عمر إسناده ضعيف كما قاله الحافظ في التلخيص وأثر أبي أيوب رواه البخاري في صحيحه معلقا بلفظ " ودعا ابن عمر أبا أيوب فرأى في البيت سترا فقال غلبنا عليه النساء فقال من كنت أخشي عليه فلم أكن أخشى عليك والله لا أطعم لكم طعاما فرجع " وقد وصله أحمد في كتاب الورع ومسدد في مسنده والطبراني وأثر ابن مسعود قال الحافظ كذا في رواية المستملى والأصيلي والقابسي . وفي رواية الباقين أبو مسعود والأول تصحيف فيما أظن فأني لم أر الأثر المعلق الا عن أبي مسعود عقبة بن عمرو أخرجه البيهقي من طريق عدي بن ثابت عن خالد بن سعد عن أبي مسعود وسنده صحيح وخالد بن سعد هومولى أبي مسعود الأنصاري ولا أعرف له عن عبد الله بن مسعود رواية ويحتمل أن يكون ذلك وقع لعبد الله بن مسعود أضا لكن لم أقف عليه . وأخرج أحمد في كتاب الزهد من طريق عبد الله بن عتبة قال " دخل ابن عمر بيت رجل دعاه إلى عرس فإذا بيته قد ستر بالكرور فقال ابن عمر يافلان متى تحولت الكعبة في بيتك فقال لنفر معه من أصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم ليهتك كل رجل ما يليه " ( وأحاديث ) الباب وآثاره فيها دليل على أنه لا يجوز الدخول في الدعوة يكون فيها منكر مما نهى الله ورسوله عنه لما في ذلك اظهار الرضا بها . قال في الفتح وحاصله ان كان هناك محرم وقدر على إزالته فإزاله فلا بأس وإن لم يقدر فليرجع وإن كان مما يكره كراهة تنزيه فلا يخفى الورع . قال وقد فصل العلماء في ذلك فإن كان هناك لهو مما اختلف فيه فيجوز الحضور والأولى الترك وإن كان هناك حرام كشرب الخمر نظر فإن كان المدعو ممن إذا حضر رفع لاجله فليحضر وان لم يكن كذلك ففيه للشافعية وجهان أحدهما يحضر وينكر بحسب قدرته وإن كان الأولى أن لا يحضر قال البيهقي وهو ظاهر نص الشافعي وعليه جرى العراقيون من أصحابه وقال صاحب الهداية من الحنفية لا بأس أن يقعد ويأكل إذا لم يقتدي به فإن كان ولم يقدر على منعهم فليخرج لما فيه من شين الدين وفتح باب المعصية وحكى عن أبي حنيفة أنه قعد وهو محمول على أنه وقع له ذلك قبل أن يصير مقتدى به قال وهذا كله بعد الحضور فإن علم قبله لم يلزمه الإجابة . والوجه الثاني للشافعية تحريم الحضور لأنه كالرضا بالمنكر وصححه المروزي فإن لم يعلم حتى حضر فلينههم فإن لم ينتهوا فليخرج الا أن خاف على نفسه من ذلك وعلى ذلك جرى الحنابلة وكذا اعتبر المالكية في وجوب الأجاب أن لا يكون هناك منكر وكذلك الهادوية وحكى ابن بطال وغيره عن مالك أن الرجل إذا كان من أهل الهيبة لا ينبغي له أن يحضر موضعا فيه لهو أصلا ويؤيد منع الحضور حديث عمران بن حصين " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن إجابة طعام الفاسقين " أخرجه الطبراني في الأوسط
قوله " فلا يدخل الحمام " الخ قد تقدم الكلام على ذلك في باب ما جاء في دخول الحمام من كتاب الغسل قوله " فرأى البيت قد ستر " اختلف العلماء في حكم ستر البيوت والجدران فجزم جمهور الشافعية بالكراهة . وصرح الشيخ نصر الدين المقدسي منهم بالتحريم واحتج بحديث عائشة عند مسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين وجذب الستر حتى هتكه " قال البيهقي هذه اللفطة تدل على كراهة ستر الجدر وان كان في بعض الفاظ الحديث ان المنع كان بسبب الصورة وقال غيره ليس في السياق ما يدل على التحريم وإنما فيه نفي الأمر بذلك ونفي الأمر لا يستلزم ثبوت النهي لكن يمكن أن يحتج بفعله صلى الله عليه وآله وسلم في هتكه . وقد جاء عن ستر الجدر صريحا منها في حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره " لا تستروا الجدر بالثياب " وفي إسناده ضعيف وله شاهد مرسل عن علي بن الحسين أخرجه ابن وهب ثم البيهقي من طريقه وعند سعيد بن منصور من حديث سلمان موقوفا أنه أنكر ستر البيت وقال أمحموم بيتكم وتحولت الكعبة عندكم ثم قال لا أدخله حتى يهتك . وأخرج الحاكم والبيهقي من حديث محمد بن كعب عن عبد الله بن يزيد الخطمي أنه رأى بيتا مستورا فقعد وبكى وذكر حديثا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه " كيف بكم إذا سترتم بيوتكم " الحديث وأصله في النسائي (6/235)
باب حجة من كره النثار والانتهاب منه (6/235)
1 - عن زيد بن خالد " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهي عن النهبة والخلس "
- رواه أحمد (6/236)
2 - وعن عبد الله بن يزيد الأنصاري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المثلة والنهبي "
- رواه أحمد والبخاري (6/236)
3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من انتهب فليس منا "
- رواه أحمد والترمذي وصححه وقد سبق من حديث عمران بن حصين مثله (6/236)
- حديث زيد بن خالد قال في مجمع الزوائد أخرجه أحمد والطبراني وفي إسناده رجل لم يسم . وحديث عمر ان قد تقدم وتقدم في شرحه الكلام عليه وعلى النثار ( والحاصل ) إن أحاديث النهي عن النهبي ثابتة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم من طريق جماعة من الصحابة في الصحيح وغيره وهي تقتضي تحريم كل انتهاب ومن جملة ذلك انتهاب النثار ولم يأت ما يصلح لتخصيصه ولو صح حديث جابر الذي أورده الجويني وصححه وأورده الغزالي والقاضي حسين من الشافعية لكان مخصصا لعموم النهي عن النهبي ولكنه لم يثبت عند أئمة الحديث المعتبرين حتى قال الحافظ أنه لا يوجد ضعيفا فضلا عن صحيح والجويني وإن كان من أكابر العلماء فليس هو من علماء الحديث وكذلك الغزالي والقاضي حسين وإنما هم من الفقهاء الذي لا يميزون بين الموضوع وغيره كما يعرف ذلك من له أنسة بعلم السنة واطلاع على مؤلفات هؤلاء . ولفظ حديث جابر عندهم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حضر في أملاك فأتى بأطباق فيها جوز ولوز فنثرت فقبضنا أيدينا فقال مال كم لا تأخذون فقالوا إنك نهيت عن النهبى فقال إنما نهيتكم عن نهبى العساكر خذوا على اسم الله فتجاذبناه " ولكنه قد روى هذا الحديث البيهقي من حديث معاذ بن جبل بإسناد ضعيف منقطع ورواه الطبراني من حديث عائشة عن معاذ وفيه بشر بن إبراهيم المفلوح قال ابن عدي هو عندي ممن يضع الحديث وساقه العقيلي من طريقه ثم قال لا يثبت في الباب شيء وأورده ابن الجوزي في الموضوعات ورواه أيضا من حديث أنس وفي إسناده خالد بن اسمعيل قال ابن عدي يضع الحديث وقال غيره كذاب . وقد روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن الحسن والشعبي أنهما كانا لا يريان به بأسا وأخرج كراهيته . عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة قال في البحر فصل والنثار بضم النون وكسرها ما ينثر في النكاح أو غيره مسألة الحسن البصري في القاسم وأبو حنيفة وأبو عبيد وابن المنذر من أصحاب الشافعي وهو مباح إذ ما نثره مالكه إلا إباحة له ؟ ؟ الأمام يحيى ؟ ؟ ولا قول للهادي فيه لا نصا ولا تخريجا عطاء وعكرمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة ثم الشافعي ومالك بل يكره لمنافاته المروءة والوقار الصميري يندب ويكره الانتهاب لذلك قلت ندبهما لخير جابر انتهى . وقد تقدم في باب من أذن في انتهاب أضحيته من أبواب الضحايا حديث جعله المصنف حجة لمن رخص في النثار (6/237)
باب ما جاء في إجابة دعوة الختان (6/237)
1 - عن الحسن قال " دعي عثمان ابن أبي العاص إلى ختان فأبي أن يجيب فقيل له فقال انا كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولاندعي له "
- رواه أحمد (6/237)
- الأثر هو في مسند أحمد بإسناد لا مطعن فيه الا أن فيه ابن إسحاق وهوثقة ولكنه مدلس وقد أخرجه الطبراني في الكبير بإسناد أحم وأخرجه ايضا بإسند آخر في حمزة العطار وثقه ابن أبي حاتم وضعفه غيره . وقد استدل به على عدم مشروعية إجابة وليمة الختان لقوله " كنا لا نأتي الختان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وقد قدمنا إن مذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وجوب الإجابة إلى سائر الولائم وهي على ما ذكره القاضي عياض والنووي ثمان . الأعذار بعين مهملة وذال معجمة للختان . والعقيقة للولادة . والخرس بضم المعجمة وسكون الرء بعدها السين المهملة لسلامة المرأة من الطلق وقيل هو طعام الولادة . والعقيقة مختص بيوم السابع . والنقيعة لقدوم المسافر مشتقة من النقع وهو الغبار . والوكيرة للمسكن المتجدد مأخوذ من الوكير وهو المأوى . والمستقر والوضيمة . بضاد معجمة لما يتخذ عند المصيبة . والمأدبة لما يتخذ بلا سبب ودالها مضمومة ويجوز فتحها انتهى . وقد زيد وليمة الاملاك وهو التزوج ووليمة الدخول وهو العرس وقل من غاير بينهما ومن الولائم الأحذاق بكسر الهمزة وسكون المهملة وتخفيف الذال المعجمة وآخره قاف الطعام الذي يتخذ عند حذق الصبي ذكره ابن الصباغ في الشامل وقال ابن الرفعة هو الذي يصنع عند ختم القرآن . وذكر المحاملي في الولائم العتيرة بفتح المهملة ثم مثناة مكسورة وهي شاة تذبح في أول رجب وتعقب بأنها في معنى الأضحية فلامعنى لذكرها مع الولائم قيل ومن جملة الولائم تحفة الزائر (6/238)
باب الدف واللهو في النكاح (6/238)
1 - عن محمد بن حاطب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصل ما بين الحلال والحرام الدف والصوت في النكاح "
- رواه الخمسة إلا أبا داود . وعن عائشة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أعلنوا هذا النكاح وأضربوا عليه بالغربال " روه ابن ماجه . 3 - وعن عائشة " أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما معكم من لهو فإن الأنصار يعجبهم اللهو "
- رواه أحمد والبخاري (6/238)
4 - وعن عمرو بن يحيى المازني عن جده أبي حسن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره نكاح السر تى يضرب بدف ويقال أتيناكم أتيناكم فحيونا نحييكم "
- رواه عبد الله بن أحمد وفي المسند (6/239)
5 - وعن ابن عباس قال " أنكحت عائشة ذات قرابة لها من الأنصار فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أهديتكم الفتاة قالوا نعم قال أرسلتم معها من يغني قالت لا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الأنصار قوم فيها غزل فلو بعثتم معها من يقول أتيناكم أتيناكم فحيانا وحياكم "
- رواه ابن ماجه (6/239)
6 - وعن خالد بن ذكوان عن الربيع بنت معوذ قالت " دخل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم غداة بني علي فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويرات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائي يوم بدر حتى قالت إحداهن وفينا نبي يعلم ما في غد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقولي هكذا وقولي كما كنت تقولين "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي (6/239)
- حديث محمد بن حاطب حسنه الترمذي قال ومحمد بن حاطب قد رأي النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو صغير وأخرجه الحاكم . وحديث عائشة في إسناده خالد بن الياس وهو متروك وقد أخرجه أيضا الترمذي بلفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعلنوا هذا النكاح واجعلوه في المساجد واضربوا عليه بالدفوف " قال الترمذي هذا حديث غريب وعيسى بن ميمون الأنصاري يضعف في الحديث وعيسى بن ميمون الذي يروي عن ابن أبي نجيح هو ثقة انتهى . وقد روى الترمذي هذا الحديث من طريق الأول . وأخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده خالد بن الياس وهو منكر الحديث . وحديث عمرو بن يحيى سياقه في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا إسحاق بن منصور أخبرنا جعفر بن عون أخبرنا الأجلح عن أبي الزبير عن ابن عباس فذكره والأجلح وثقه ابن معين العجلي وضعفه النسائي وبقية رجال الإسناد رجال الصحيح يشهد له حديث ابن عباس المذكور : وحديث ابن عباس في إسناده الحسين بن عبد الله بن ضميرة قال في مجمع الزوائد وهو متروك وأخرجه أيضا الطبراني وابو الشيخ ( وفي الباب ) عن عامر بن سعد قال دخلت على قرظة بن كعب وأبي مسعود الأنصاري في عرس " وإذا جوار يغنين فقلت أي صاحبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أهل بدر يفعل هذا عندكم فقالا أجلس إن شئت فاستمع معنا وإن شئت فأذهب فإنه قد رخص لنا اللهو عند العرس " أخرجه النسائي والحاكم وصححه وأخرج الطبراني من حديث السائب بن يزيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في ذلك " قوله الدف والصوت أي ضرب الدف ورفع الصوت . وفي ذلك دليل على أنه يجوز في النكاح ضرب الأدفاف ورفع الأصوات بشيء من الكلام نحو أتيناكم ونحوه لا بالأغاني المهيجة للشرور المشتملة على وصف الجمال والفجور ومعاقرة الخمور فإن ذلك يحرم في النكاح كما يحرم . في غيره وكذلك سائر الملاهي المحرمة . قال في البحر الأكثر وما يحرم من الملاهي في غير النكاح يحرم في لعموم النهي النخعي وغيره يباح في النكاح لقوله صلى الله عليه وآله وسلم واضربوا عليه بالدفوف فيقاس المزمار وغيره قال قلنا هذا لا ينافي عموم قوله صلى الله عليه وآله وسلم إنما نهيت عن صوتين أحمقين الخبر ونحوه فيحمل على ضربة غير ملهية قال الإمام يحيى دف الملاهي مدور جلده من رق أبيض ناعم في عرضه سلاسل يسمى الطار له صوت يطرب لحلاوة نغمته وهذا لا إشكال في تحريمه وتعلق النهي به وأما دف العرب فهو على شكل الغربال خلا أنه لا خروق فيه وطوله إلى أربعة أشباب فهو الذي أراده صلى الله عليه وآله وسلم لأنه المعهود حينئذ وقد حكى أبو طالب عن الهادي إنه محرم أيضا إذ هو آلة لهو وحكى المؤيد بالله عن الهادي أنه يكره فقط وهو الذي في الأحكام . وقال أبو العباس وأبو حنيفة وأصحابه بل مباح لقوله صلى الله عليه وآله وسلم الله واضربوا عليه بالدفوف وهذا هو الظاهر للأحاديث المذكورة في الباب بل لا يبعد أن يكون ذلك مندوبا ولأن ذلك أقل ما يفيده الأمر في قوله أعلنوا هذا النكاح الحديث ويؤيد ذلك ما في حديث المازني المذكور ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يكره نكاح السر حتى يضرب بدف : قوله " ما كان معكم لهو " قال في الفتح في رواية شريك فقال فهل بعثتم جارية تضرب بالدف وتغني قلت تقول ماذا قال تقول
أتيناكم أتيناكم ... فحيانا وحياكم
ولولا الذهب الأحم ... ر ماحلت بواديكم
ولولا الحنطة السمرا ... ء ما سمنت عذاريكم
قوله " بني على " أي تزوج بي : قوله " كمجلسك " بكسر اللام أي مكانك قال الكرماني هو محمول على أن ذلك كان من وراء حجاب أو كان قبل نزول الآية الحجاب أو عند الأمن من الفتنة قال الحافظ والذي صح لنا بالأدلة القوية أن من خصائصه صلى الله عليه وآله وسلم جواز الخلوة بالأجنبية والنظر إليها . قال الكرماني ويجوز أن تكون الرواية كمجلسك بفتح اللام . قوله " يندبن " من الندبة بضم النون وهي ذكر أوصاف الميت بالثناء عليه قال المهلب وفي هذا الحديث اعلان النكاح بالدف وبالغناء المباح وفي اقبال الامام إلى العرس وإن كان فيه لهو ما لم يخرج عن حد المباح وسيأتي الكلام في الغناء وآلات الملاهي مبسوطا في أبواب السبق إن شاء الله تعالى (6/240)
باب الأوقات التي يستحب فيها البناء على النساء وما يقول إذا زفت إليه (6/240)
1 - عن عائشة قالت " تزوجني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شوال وبني بي في شوال فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان أحظى عنده مني وكانت عائشة تستحب أن يدخل نساؤها في شوال "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (6/240)
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا افاد أحدكم امرأة أو خادما أو دابة فليأخذ بناصيتها وليقل اللهم أي أسألك من خيرها وخير ما جبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ماجبلتها عليه "
- رواه ابن ماجه وأبو داود بمعناه (6/241)
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود ورجال إسناده إلى عمرو بن سعيد ثقات وقد تقدم اختلاف الأئمة في حديث عمرو بن شعيب ولفظه في سنن أبي داود " إذا تزوج أحدكم امرأة أو اشترى خادما فليقل اللهم أني أسألك خيرها وخير ماجبلتها عليه وأعوذ بك من شرها وشر ما جبلتها عليه وإذا اشترى بعيرا فليأخذ بذروة سنامه وليقل مثل ذلك " وفي رواية " ثم ليأخذ بناصيتهما " يعني المرأة والخادم وليدع بالبركة ( استدل ) المصنف بحديث عائشة على استحباب البناء بالمرأة في شوال وهو إنما يدل على ذلك إذا تبين ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قصد ذلك الوقت لخصوصية له لا توجد في غيره لا إذا كان وقوع ذلك منه صلى الله عليه وآله وسلم على طريق الأتفاق وكونه بعض أجزاء الزمان فإنه لا يدل على الأستحباب لأنه حكم شرعي يحتاج إلى دليل وقد تزوج صلى الله عليه وآله وسلم بنسائه في أوقات مختلفة على حسب الأتفاق ولم يتحر وقتا مخصوصا ولو كان مجرد الوقوع يفيد الأستحاب لكان كل وقت من الأوقات التي تزوج فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يستحب البناء فيه وهو غير مسلم . والحديث الثاني فيه استحباب الدعاء بما تضمنه الحديث عند تزوج المرأة وملك الخادم والدابة وهو دعاء جامع لأنه إذا لقي الإنسان الخير من زوجته أو خادمه أو دابته وجنب الشر من تلك الأمور كان في ذلك جلب النفع واندفاع الضرر : قوله " إذا أفاد أحدكم " قال في القاموس أفدت المال استفدته وأعطيته انتهى والمراد هنا الأول (6/241)
باب ما يكره من تزين النساء به ومالا يكره (6/241)
1 - عن أسماء بنت أبي بكر قالت " أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم امرأة فقالت يا رسول الله ان لي ابنة عريسا وأنه أصحابها حصبة فتمرق شعرها أفاصله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن الله الواصلة والمستوصلة "
- متفق عليه متفق على مثله من حديث عائشة (6/242)
2 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة " (6/242)
3 - عن ابن مسعود أنه قال " لعن الله الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى وقال مالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " (6/242)
4 - وعن معاوية أنه قال " وتناول قصة من شعر سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهي عن مثل هذه ويقول إنما هلكت بنو اسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم "
- متفق عليهن (6/243)
5 - وعن معاوية قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما امرأة أدخلت في شعرها من شعر غيرها فإنما تدخله زورا "
- رواه أحمد . وفي لفظ " أيما امرأة زادت في شعرها شعرا ليس منه فإنه زور تزيد فيه " رواه النسائي ومعناه متفق عليه (6/243)
6 - وعن ابن مسعود قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينهي عن النامصة والواشرة والواصلة والواشمة الا من داء " (6/243)
7 - وعن عائشة قالت " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يلعن القاشرة والمقشورة والواشمة والموشومة والواصلة والموصولة "
- رواهما أحمد والنامصة ناتفة الشعر من الوجه والواشرة التي تشر الأسنان حتى تكون لها أشر أي تحدد ورقة تفعله المرأة الكبيرة تتشبه بالحديثة السن والواشمة التي تغرز من اليد بارة ظهر الكف والمعصم ثم تحشى بالكحل أو بالنؤر وهو دخان الشحم حتى يخضر والمنتمصة والمؤتشرة والمستوشمة اللاتي يفعل بهن ذلك بأذنهن وأما القاشرة والمقشورة فقال أبو عبيد نراه أراد هذه الغمرة التي يعالج بها النساء وجوههن حتى ينسحق أعلى الجلد ويبدو ما تحته من البشرة وهو شبيه بما جاء في النامصة (6/244)
- حديث عائشة الثاني قال في مجمع الزوائد وفيه من لم أعرفه من النساء ( وفي الباب ) عن ابن عباس قال " لعنت الواصلة والمستوصلة والنامصة والمنتمصة والواشمة والمستوشمة غير داء " أخرجه أبو داود وعن جابر عند مسلم " زجر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المرأة أن تصل شعرها بشيء " وعن معقل بن يسار عند أحمد والطبراني . وعن أبي أمامة عند الطبراني بإسناد صحيح . وعن ابن عباس أيضا حديث آخر عند الطبراني : قوله " عريسا " بضم العين وفتح الراء وتشديد الياء المكسورة تصغير عروس والعروس يقع على المرأة والرجل في وقت الدخول : قوله " حصبة " بفتح الحاء واسكان الصاد المهملتين ويقال أيضا بفتح الصاد وكسرها ثلاث لغات حكاهن جماعة والاسكان أشهر وهي بئر تخرج في الجلد تقول منه حصب جلده بكسر الصاد يحصب : قوله " فتمرق " بالراء المهملة بمعنى تساقط هكذا حكى القاضي عياض في المشارق عن جمهور الرواة وحكى عن جماعة من رواة صحيح مسلم أنه بالزاي قال وهذا وإن كان قريبا من معنى الأول ولكنه لا يستعمل في الشعر في حال المرض قوله : الواصلة هي التي تصل شعر امرأة بشعر امرآة أخرى لتكثر به شعر المرأة والمستوصلة هي التي تستدعي أن يفعل بها ذلك ويقال لها موصولة كما في الرواية الأخرى والواشمة فاعلة الوشم وهو أن يغرز في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة حتى يسيل الدم ثم يحشي ذلك الموضع بالكحل أو النؤر فيخضر ذلك الموضع وهو مما تستحسنه الفساق والنؤر الذي ذكره المصنف قال المصنف قال في القاموس كصبور وهو دخان الشحم كما ذكر وقد يطلق على أشياء أخر كما في القاموس وقد يكون الوشم بدارات ونقوش وقد يكثر وقد يقلل والوصل حرام لأن اللعن لا يكون على أمر غير محرم قال النووي وهذا هو الظاهر المختار قال وقد فصله أصحابنا فقالوا إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف وسواء كان شعر رجل أو امرأة وسواء شعر المحرم والزوج وغيرهما بلا خلاف لعموم الأدلة ولأنه يحرم الأنتفاع بشعر الآدمي وسائر اجزائه لكرامته بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزائه وان وصلته بشعر غير آدمي فإن كان شعرا نجسا وهو شعر الميتة وشعر مالا يؤكل لحمه إذا انفصل في حياته فهو حرام أيضا للحديث ولأنه حمل نجاسة في صلاتها وغيرها عمدا وسواء في هذين النوعين المزوجة وغيرها من النساء والرجال وأما الشعر الطاهر من غير الآدمي فإن لم يكن لها زوج ولا سيد فهو حرام أيضا وان كان فثلاثة أوجه أحدها لا يجوز لظاهر الأحاديث والثاني يجوز وأصحها عندهم إن فعلته بأذن الزوج أو السيد جاز ولا فهو حرام انتهى وقال القاضي عياض اختلف العلماء في المسألة فقال مالك والطبري وكثيرون أو الأكثرون الوصل ممنوع بكل شيء سواء وصلته بشعر أو صوف أو خرق واحتجوا بحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زجر أن تصل المرأة برأسها شيئا . وقال الليث بن سعد النهي مختص الوصل بالشعر ولا بأس بوصله بصوف وخرق وغيرهما . وقال الإمام المهدي أن وصل شعر النساء بشعر الغنم لا وجه لتحريمه ويرده عموم حديث جابر المذكور فإنه شامل للشعر والصوف والوبر وغيرها . وحكى النووي عن عائشة أنه يجوز الوصل مطلقا قال ولا يصح عنها بل الصحيح عنها كقول الجمهور . قال القاضي عياض فأما ربط خيوط الحرير الملونة ونحوها مما لا يشبه الشعر فليس بمنهي عنه لأنه ليس بوصل ولا هو في معنى مقصود الوصل وإنما هو للتجمل والتحسين ويجاب بأن يخصيص عموم حديث جابر لا يكون الا لدليل فما هو وذهبت الهادوية إلى جواز الوصل بشعر المحرم ويجاب بأن تحريم مطلق الوصل يستلزم تحريم الوصل بشعر المحرم وكذلك عموم حديث جابر وحديث معاوية وقال الإمام يحيى إنما يحرم على غير ذوات الأزواج ويجاب بحديث أسماء المذكور فإنه مصرح بأن الوصل فيه للعروس ولم يجزء صلى الله عليه وآله وسلم فهو حرام أيضا لما تقدم
قال أصحاب الشافعي هذا الموضع الذي وشم يصير نجسا فإن أمكن إزالته بالعلاج وجب إزالته وإن لم يكن الا بالجرح فإن خافت منه التلف أو فوات عضو أو منفعته أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته وإذا تابت لم يبق عليها أثم وإن لم تخف شيئا من شيء ونحوه لزمها إزالته وتعصى بتأخيره وسواء في هذا كله الرجل والمرأة : قوله " والمتنمصات " بالتاء الفوقية ثم النون ثم الصاد المهملة جمع متنمصة وهي التي تستدعي نتف الشعر من وجهها ويروى بتقديم النون على التاء قال النووي والمشهور تأخيرها والنامصة المزيلة له من نفسها أو من غيرها وهو حرام قال النووي وغيره الا إذا نبت للمرأة لحية أو شوارب فلا تحرم إزالتها بل تستحب وقال ابن جرير لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها . قوله " والمتفلجات " بالفاء والجيم جمع متفلجة وهي التي تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات وهو من الفلج بفتح الفاء واللام وهو الفرجة بين الثنايا والرباعيات تفعل ذلك العجوز ومن قاربها في السن اظهارا للصغر وحسن الأسنان لان هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغائر فإذا عجزت المرأة كبرت سنها فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر وتوهم كونها صغيرة . قال النووي ويقال له الوشر وهذا الفعل حرام على الفاعلة والمفعول بها : قوله " قصة " بضم القاف وتشديد الصاد المهملة وهو القطعة من الشعر من قصصت الشعر أي قطعته . قال الأصمعي وغيره وهو شعر مقدم الرأس المقبل على الجبهة وقيل شعر الناصية : قوله " عن مثل هذه " أي عن التزين بمثل هذه القصة من الشعر : قوله " إنما هلكت بنو اسرائيل " الخ هذا تهديد شديد لأن كون مثل هذا الذنب كان سببا لهلاك مثل تلك الأمة يدل على أنه من أشد الذنوب قال القاضي عياض قيل يحتمل أنه كان محرما عليهم فعوقبوا باستعماله وهلكوا بسببه وقيل يحتمل أن ذلك الهلاك كان به وبغيره مما ارتكبوه من المعاصي فعند ظهور ذلك فيهم هلكوا وفيه معاقبة العامة بظهور المنكر انتهى : قوله " الا من داء " ظاهره ان التحريم المذكور وإنما هو فيما إذا كان القصد التحسين لا لداء وعلة فإنه ليس بمحرم وظاهر قوله المغيرات خلق الله أنه لا يجوز تغيير شيء من الخلقة عن الصفة التي هي عليها . قال أبو جعفر الطبري في هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز تغيير شيء مما خلق الله المرأة عليه بزيادة أو نقص التماسا للتحسين لزوج أو غيره كما لوكان لها سن زائدة أو عضو زائد فلا يجوز لها قطعه ولا نزعه لأنه من تغيير خلق الله وهكذا لو كان لها أسنان طوال فأرادت تقطيع أطرافها وهكذا قال القاضي عياض وزاد أن تكون هذه الزوائد مؤلمة وتتضرر بها فلا بأس بنزعها قيل وهذا إنما هو في التغيير الذي يكون باقيا فأما ما لا يكون باقيا كالكحل ونحوه من الخضابات فقد أجازه مالك وغيره من العلماء . وقوله " هذه الغمرة " بفتح الغين المعجمة وسكون الميم بعدها راء طلاء من الورس وفي القاموس في مادة الغمر وبالضم الزعفران كالغمرة (6/244)
8 - وعن عائشة قالت " كانت امرأة عثمان بن مظعون تخضب وتطيب فتركته فدخلت علي فقلت أمشهد أم مغيب فقالت مشهد قالت عثمان لا يريد الدنيا ولا يريد النساء قالت عائشة فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بذلك فلقى عثمان فقال يا عثمان تؤمن بما نؤمن به قال نعم يا رسول الله قال قال فأسوة مالك بنا " (6/244)
9 - وعن كريمة بنت همام قالت " دخلت المسجد الحرام فأخلوه لعائشة فسألتها امرأة ما تقولين يا أم المؤمنين في الحناء فقالت كان حبيبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه لونه ويكره ريحه وليس بمحرم عليكن بين كل حيضتين أو عند كل حيضة "
- رواها أحمد (6/245)
10 - وعن أنس قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال " وفي رواية " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء وقال أخرجوهم من بيوتكم فأخرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلانة وأخرج عمر فلانا "
- رواهما أحمد والبخاري (6/245)
- حديث عائشة الأول أخرجه أحمد من طرق مختلفة متعددة هذه المذكورة هنا أحدها قال في مجمع الزوائد وأسانيد أحمد رجالها ثقات وقد تقدم ما يشهد له في أول كتاب النكاح وحديثها الثاني أيضا تقدم ما يشهد له في كتاب الطهارة : قوله " أمشهد أم مغيب " أو أزوجك شاهد أم غائب والمراد أن ترك الخضاب والطيب إن كان لأجل غيبة الزوج فذاك وإن كان لأمر آخر مع حضوره فما هو فأخبرتها إن زوجها لا حاجة له بالنساء فهي في حكم من لا زوج لها واستنكار عائشة عليها ترك الخضاب والطيب يشعر بأن ذوات الأزواج يحسن منهن التزين للأزواج بذلك وكذلك قوله في الحديث الآخر وليس بمحرم عليكن بين كل حيضتين يدل على أنه لا بأس بالأختضاب بالحناء وقد تقدم الكلام في الخضاب في الطهارة وقد ذكر في البحر أنه يستحب الخضاب للنساء . قوله " لعن الله المتشبهين من الرجال " الخ فيه دليل على أنه يحرم على الرجال التشبه بالنساء وعلى النساء التشبه بالرجال في الكلام واللباس والمشي وغير ذلك والمترجلات من النساء المتشبهات بالرجال وقد تقدم الكلام على المخنثين ضبطا وتفسيرا وذكر من أخرجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم . وقد أخرج أبو داود من حديث أبي هريرة قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بال هذا قالوا يتشبه بالنساء فأمر به فنفي إلى النقيع بالنون فقيل يا رسول الله الا تقتله : فقال أني نهيت أن أقتل المصلين " وروى البيهقي أن أبا بكر خرج مخنثا وأخرج عمر واحدا وأخرج الطبراني من حديث وائلة بن الأسقع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخرج الخنيث (6/245)
باب التسمية والتستر عند الجماع (6/246)
1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أن أحدكم إذا أتى أهله قال بسم الله جنبنا الشيطان وجنب الشيطان ما رزقنا فإن قدر بينهما في ذلك ولد لن يضر ذلك الولد الشيطان أبدا "
- رواه الجماعة إلا النسائي (6/246)
2 - وعن عتبة بن عبد السلمى " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتى أحدكم أهله فليستتر ولا يتجردا تجرد العيرين "
- رواه ابن ماجه (6/246)
2 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أياكم والتعري فإن معكم من لا يفارقكم الا عند الغائط وحين يفضي الرجل إلى أهله فاستحيوهم وأكرموهم "
- رواه الترمذي وقال هذا حديث غريب (6/247)
- زاد الترمذي بعد قوله حديث غريب لا نعرفه الا من هذا الوجه . وحديث عتبة في إسناده رشدين بن سد وهوضعيف . وكذلك في إسناده الأحوص بن حكيم وهو أيضا ضعيف ولكنه قد تابع رشدين بن سعد عبد الأعلى بن عدي وهو ثقة ويشهد لصة الحديثين حديث عتبة بن عبد السلمي وحديث ابن عمر الأحاديث الواردة في الأم بستر العورة والمبالغة في ذلك منها حديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال " قلت يا نبي الله عوراتنا ما نأتي منها وما نذر قال احفظ عورتك إلا من زوجتك أو ما ملكت يمينك قلت يا رسول الله إذا كان القوم بعضهم في بعض قال إن استطعت ان لا يراها أحد فلا يراها قال قلت إذا كان أحدنا خاليا قال فالله أحق أن يستحيا من الناس " هذا لفظ الترمذي وقال حديث حسن ففي هذا الحديث الأمر بستر العورة في جميع الأحوال والأذن بكشف ما لا بد منه للزوجات والمملوكات حال الجماع ولكنه ينبغي الاقتصار على كشف المقدار الذي تدعو الضرورة إليه حال الجماع ولا يحل التجرد كما في حديث عتبة المذكور . قوله " إذا أتى أهله " في رواية للبخاري حين يأتي أهله " وفي رواية للإسماعيلي " حين يجامع أهله " وذلك ظاهر في أن القول يكون مع الفعل . وفي رواية لأبي داود إذا أراد أن يأتي أهله وهي مفسرة لغيرها من الروايات فيكون القول قبل الشروع ويحمل ما عدا هذه الرواية على المجاز كقوله تعالى { وإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله } أي إذا أردت القراءة . قوله " جنبنا " في رواية للبخاري بالأفراد قوله " فإن قدر بينهما في ذلك ولد " في رواية للبخاري " فإن قضى الله بينهما ولدا " قوله " لن يضر ذلك الولد الشيطان " في رواية لمسلم وأحمد " لم يسلط عليه الشيطان ولفظ البخاري " لم يضره شيطان " واللفظ الذي ذكره المصنف لأحمد واختلف في الضرر المنفي بع الأتفاق على عدم الحمل على العموم في أنواع الضرر على ما نقل القاضي عياض وإن كان ظاهرا في الحمل على عموم الأحوال من صيغة النفي مع التأييد وكأنه سبب ذلك الأتفاق ما ثبت في الصحيح إن كل بني آدم يطعن الشيطان في بطنه حين يولد الا من استثنى فإن هذا الطعن نوع من الضرر ثم اختلفوا فقيل المعنى لم يسلط عليه من أجل بركة التسمية بل يكون من جملة العباد الذين قبل فيهم إن عبادي ليس لك عليهم سلطان وقيل المراد لم يطعن في بطنه وهو بعيد لمنابذته لظاهر الحديث المتقدم وليس تخصيصه بأولى من تخصيص هذا وقيل المراد لم يصرعه وقيل لم يضره في بدنه . وقال ابن دقيق العيد يحتمل أن لا يضره في دينه أيضا ولكن يبعده انتفاء العصمة لاختصاصها بالأنبياء وتعقب بأن اختصاص من خص بالعصمة بطريق الوجوب لا بطريق الجواز فلا مانع أن يوجد من لا يصدر منه معصية عمدا وإن لم يكن ذلك واجبا له . وقال الداودي بمعنى لم يضره أي لم يفتنه عن دينه إلى الكفر وليس المراد عصمته منه عن المعصية . وقيل لم يضره بمشاركة أبيه في جماع أمه كما جاء عن مجاهد ان الذي يجامع ولا يسمى يلتف الشيطان على إحليله فيجامع معه (6/247)
باب ما جاء في العزل (6/247)
1 - عن جابر قال " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقرآن ينزل "
- متفق عليه . ولمسلم " كذا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغه ذلك فلم يهنا " (6/248)
2 - وعن جابر " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل وأنا لوف عليها وأكره أن تحمل فقال أعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (6/248)
3 - وعن أبي سعيد قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة بني المصطلق فأصبنا سبيا من العرب فأشتهينا النساء وأشتدت العزبة وأحببنا العزل فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز و جل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة "
- متفق عليه (6/248)
4 - وعن أبي سعيد قال " قالت اليهود العزل الموؤدة الصغرى فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كذبت يهود أن الله عز و جل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن يصرفه "
- رواه أحمد وأبو داود (6/249)
5 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العزل أنت تخلقه أنت ترزقه أقره قراره فإنما ذلك القدر " (6/249)
- رواه أحمد (6/249)
6 - وعن أسامة بن زيد " أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني أعزل عن امرأتي فقال له صلى الله عليه وآله وسلم لم تفعل ذلك فقال له الرجل اشفق على ولدها أو على أولادها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو كان ضارا ضر فارس والروم "
- رواه أحمد ومسلم (6/250)
7 - وعن جذامة بنت وهب الأسدية قالت " حضرت رسول الله في أناس وهو يقول لقد هممت ان أنهي عن الغيلة فنظرت في الروم وفارس فإذا هم يغيلون أولادهم فلا يضر أولادهم شيئا ثم سألوه عن العزل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك الوأد الخفي وهي وإذا الموؤدة سئلت "
- رواه أحمد ومسلم (6/250)
8 - وعن عمر بن الخطاب " قال نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يعزل عن الحرة الا بأذنها "
- رواه أحمد وابن ماجه وليس إسناده بذلك (6/250)
- حديث أبي سعيد الثاني أخرجه أيضا الترمذي والنسائي . قال الحافظ ورجاله ثقات وقال في مجمع الزوائد البزار وفيه موسى بن وردان وهو ثقة وقد ضعف وبقية رجاله ثقات . وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر وأبي هريرة وجزم الطحاوي بكونه منسوخا وعكسه ابن حزم . وحديث عمر بن الخطاب في إسناده ابن لهيعة وفيه مقال معروف ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس قال " نهى عن عزل الحرة إلا بأذنها " وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته وروى البيهقي عن ابن عمر مثله ( ومن أحاديث ) هذا الباب عن أنس عند أحمد والبزار وابن حبان وصححه " أن رجلا عن العزل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لو أن الماء الذي يكون منه الولد أهرقته على صخرة لاخرج الله منها ولد " وله شاهدان في الكبير للطبراني عن ابن عباس وفي الأوسط له عن ابن مسعود : قوله " كنا نعزل " العزل النزع بعد الأيلاج لينزل خارج الفرج : قوله " والقرآن ينزل " فيه جواز الاستدلال بالتقرير من الله ورسوله على حكم من الأحكام لأنه لو كان ذلك الشيء حراما لم يقررا عليه ولكن بشرط أن يعلمه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقد ذهب الأكثر من أهل الأصول على ما حكاه في الفتح إلى أن الصحابي إذا أضاف الحكم إلى زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان له حكم الرفع قال لان الظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على ذلك واقره لتوفر دواعيهم على سؤالهم اياه عن الأحكام قال وقد وردت عدة طرق تصرح باطلاعه على ذلك وأخرج مسلم من حديث جابر قال " كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فبلغ ذلك نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم ينهنا " ووقع في حديث الباب المذكور الأذن له بالعزل فقال اعزل عنها ان شئت " قوله " ما عليكم ان لا تفعلوا " وقع في رواية في البخاري وغيره " لا عليكم ان لا تفعلوا " قال ابن سيرين هذا أقرب إلى النهي وحكى ابن عون عن الحسن أنه قال والله لكان هذا زجرا قال القرطبي كأن هؤلاء فهموا من لا النهي عما سألواعنه فكأنه قال لا تعزلوا وعليكم ان لا تفعلوا ويكون قوله وعليكم إلى آخره تأكيدا للنهي وتعقب بأن الأصل عدم هذا التقدير وإنما معناه ليس عليكم أن تتركوا وهو الذي يساوي ان لا تفعلوا وقال غيره معنى لا عليكم ان لا تفعلوا أي لا حرج عليكم ان لا تفعلوا ففيه نفي الحرج عن عدم الفعل فأفهم ثبوت الحرج في فعل العزل ولو كان المراد نفي الحرج عن الفعل لقال لا عليكم أن تفعلوا الا أنيدعى ان لازائدة فيقال الأصل عدم ذلك ( وقد اختلف ) السلف في حكم العزل فحكى في الفتح عن ابن عبد البر انه قال لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة الا بأذنها لأن الجماع من حقها ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل . قال الحافظ ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة قال وتعقب بأن المعروف عند الشافعية أنه لاحق للمرأة في الجماع وهو أيضا مذهب الهادوية فيجوز عندهم العزل عن الحرة بغير أذنها على مقتضى قولهم أنه لا حق لها في الوطء ولكنه وقع التصريح في كتب الهادوية بأنه لا يجوز العزل عن الحرة الا برضاها ويدل على اعتبار الأذن من الحرة حديث عمر المذكور ولكن فيه ما سلف وأما الأمة فإن كانت زوجة فحكمها حكم الحرة واختلفوا هل يعتبر الأذن منها أو من سيدها وإن كانت سرية فقال في الفتح يجوز بلا خلاف عندهم الا في وجه حكاه الروياني في المنع مطلقا كمذهب ابن حزم وإن كانت السرية مستولدة فالراجح الجواز فيها مطلقا لأنها ليست راسخة في الفراش وقيل حكمها حكم الأمة المزوجة
قوله " كذبت يهود " فيه دليل على جواز العزل ومثله ما أخرجه الترمذي وصححه عن جابر قال " كانت لنا جوار وكنا نعزل فقالت اليهود ان تلك الموؤدة الصغرى فسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم يستطع رده " وأخرج نحوه النسائي من حديث أبي هريرة ولكنه يعارض ذلك ما في حديث جذامة المذكور من تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بأن الوأد الخفي فمن العلماء من جمع بين هذا الحديث وما قبله فحمل هذا على التنزيه وهذه طريقة البيهقي ومنهم من ضعف حديث جزامة هذا لمعارضته لما هو أكثر منه طرقا قال الحافظ وهذا دفع للأحاديث الصحيحة بالتوهم والحديث صحيح لا ريب فيه والجمع ممكن ومنهم من أدعى أنه منسوخ ورد بعدم معرفة التاريخ وقال الطحاوي يحتمل أن يكون حديث جذامة على وفق ما كان عليه الأمر أولا من موافقة أهل الكتاب فيما لم ينزل عليه ثم أعلمه الله بالحكم فكذب اليهود فيم كانوا يقولونه وتعقبه ابن رشد وابن العربي بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحرم شيئا تبعا لليهود ثم يصرح بتكذيبهم فيه ومنهم من رجح جذامة بثبوته في الصحيح وضعف مقابله بالأختلاف في إسناده والاضطراب قال الحافظ ورد بأنه إنما يقدح في حديث لا فيما يقوي بعضه بعضا فإنه يعمل به وهو هنا كذلك والجمع ممكن ورجح ابن حزم العمل بحديث جذامة بأن أحاديث غيرها موافقة لأصل الإباحة وحديثها يدل على المنع قال فمن ادعى انه ابيح بعد أن منع فعليه البيان وتعقب من حديثها ليس بصريح في المنع إذ لا يلزم من تسميته وأدا خفيا على طريق التشبيه أن يكون حراما وجمع ابن القيم فقال الذي كذب فيه صلى الله عليه وآله وسلم اليهود هو زعمهم ان العزل لا يتصور معه الحمل أصلا وجعلوه بمنزلة قطع النسل بالوأد فاكذبهم وأخبر أنه لا يمنع الحمل إذا شاء الله خلقه وإذا لم يرد خلقه لم يكن وأدا حقيقة وإنما سماه وأدا خفيا في حديث جذامة لأن الرجل إنما يعزل هربا من الحمل فأجرى قصده لذلك مجرى الوأد لكن الفرق بينهما ان الوأد ظاهر بالمباشرة اجتمع فيه القصد والفعل والعزل يتعلق فقط فلذلك وصفه بكونه خفيا وهذا الجمع قوي وقد ضعف أيضا حديث جذامة أعني الزيادة التي في آخره بأنه تفرد بها سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود ورواه مالك ويحيى بن أيوب عن أبي الأسود فلم يذكرها وبمعارضتها لجميع أحاديث الباب وقد حذف هذه الزيادة أهل السنن الأربع وقد احتج بحديث جذامة هذا من قال بالمنع من العزل كابن حبان : قوله " اشفق علي ولدها " هذا أحد الأمور التي تحمل على العزل ومنها الفرار من كثرة العيال والفرار من حصولهم من الأصل ومنها خشية علوق الزوجة الأمة لئلا يصير الولد رقيقا وكل ذلك لا يغني شيئا لاحتمال أن يقع الحمل بغير الأختيار : قوله " ان انهي عن الغيلة " بكسر الغين المعجمة بعدها تحتية ساكنة ويقال لها الغيل بفتح الغين والياء والغيال بكسر الغين المعجمة والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضع . وقال ابن السكيت هي أن ترضع المرأة وهي حامل وذلك لما يحصل على الرضيع من الضرر بالحبل حال إرضاعه فكان ذلك سبب همه صلى الله عليه وآله وسلم بالنهي ولكنه لما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الغيلة لا تضر فارس والروم ترك النهي عنها (6/251)
باب نهي الزوجين عن التحدث بما يجري حال الوقاع (6/251)
1 - عن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ان من شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة يفضي إلى المرأة وتفضي إليه ثم ينشر سرها "
- رواه أحمد ومسلم (6/251)
2 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سلم أقبل عليهم بوجهه فقال مجالسكم هل منكم الرجل إذا أتى أهله أغلق بابه وأرخى ستره ثم يخرج فيحدث فيقول فعلت بأهلي كذا وفعلت بأهلي كذا فسكتوا فأقبل على النساء فقال هل منكم من تحدث فجثت فتاة كعاب على إحدى ركبتيها وتطاولت ليراها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويسمع كلامها فقالت أي والله أنهم يتحدثون وأنهن ليتحدثن فقال هل تدرون مامثل من فعل ذلك أن مثل من فعل مثل شيطان وشيطانة لقى أحدهما صاحبه بالسكة فقضى حاجته منها والناس ينظرون إليه "
- رواه أحمد وأبو داود . ولأحمد نحوه من حديث أسماء بنت يزيد (6/252)
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي والترمذي وحسنه وقال الا أن الطفاوي لانعرفه إلا في هذا الحديث ولا نعرف اسمه . وقال أبو الفضل محمد بن طاهر والطفاوي مجهول . وقد رواه أبو داود من طريقه فقال عن أبي نضرة قال حدثني شيخ من طفاوة : قوله " إن من شر الناس " لفظ مسلم " أشر " قال القاضي عياض وأهل النحو يقولون لا يجوز أشر وأخيرو وإنما يقال هو خير منه وشر منه قال وقد جاءت الأحاديث الصحيحة باللغتين جميعا وهي حجة في جواز الجميع قوله " كعاب " على وزن سحاب وهي الجارية المكعب ( والحديثان ) يدلان على تحريم إفشاء أحد الزوجين لما يقع بينهما من أمور الجماع وذلك لأن كون الفاعل لذلك من أشر الناس وكونه بمنزلة شيطان لقي شيطانة فقضى حاجته منها والناس ينظرون من أعظم الأدلة الدالة على تحريم نشر أحد الزوجين للأسرار الواقعة بينما الراجعة إلى الوطء ومقدماته فإن مجرد فعل المكروه لا يصير به فاعله من الأشرار فضلا عن كونه من شرهم وكذلك الجماع بمرأى من الناس لا شك في تحريمه وإنما خص النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث أبي سعيد الرجل فجعل الزجر المذكور خاصا به ولم يتعرض للمرأة لأن وقوع ذلك الأمر في الغالب من الرجال قيل وهذا التحريم إنما هو في نشر أمور الأستمتاع ووصف التفاصيل الراجعة إلى الجماع وإنشاء ما يجري من المرأة من قول أو فعل حالة الوقاع وأما مجرد ذكر نفس الجماع فإن لم يكن فيه فائدة ولا إليه حاجة فمكروه لأنه خلاف المروأة من التكلم بما لا يعني ومن حسن اسلام المرء تركه مالا يعنيه وقد ثبت في الصحيح عنه صلى الله عليه وآله وسلم " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت " فإن كان إليه حاجة أو ترتيب عليه فائدة فلاكرهة في ذكره وذلك نحو أن تنكر المرأة نكاح الزوج لها وتدعي عليه العجز عن الجماع أو نحو ذلك كما روى أن الرجل الذي دعت عليه امرأته العنة قال يا رسول الله أني لانفضها نفض الأديم ولم ينكر عليه وما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال أني لافعله أنا وهذه وقال لأبي طلحة أعرستم الليلة ونحو ذلك كثير (6/252)
باب النهي عن اتيان المرأة في دبرها (6/252)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ملعون من أتى امرأة في دبرها "
- رواه أحمد وأبو داود . وفي لفظ " لا ينظر الله إلى رجل جامع امرأته في دبرها " . رواه أحمد وابن ماجه (6/253)
2 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أتى حائضا أو امرأة في دبرها أو كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد والترمذي وأبو دواد وقال " فقد بريء مما أنزل " (6/253)
3 - وعن خزيمة بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يأتي الرجل امرأته في دبرها "
- رواه أحمد وابن ماجه (6/253)
4 - وعن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تأتوا النساء في اعجازهن أو قال في أدبارهن " (6/254)
5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الذي يأتي امرأته في دبرها هي اللوطية الصغرى "
- رواهما أحمد (6/254)
6 - وعن علي بن طلق قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا تأتوا النساء في استاههن فإن الله لا يستحي من الحق "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن (6/254)
7 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ينظر الله إلى رجل أتى رجلا أو امرأة في الدبر "
- رواه الترمذي وقال حديث غريب (6/255)
- حديث أبي هريرة الأول أخرجه أيضا بقية أهل السنن والبزار وفي إسناده الحرث بن مخلد . قال البزار ليس بمشهور وقال ابن القطان لا يعرف حاله وقد اختلف فيه على سهيل بن أبي صالح فرواه عنه إسماعيل بن عياش عن محمد بن المنكدر عن جابر كما أخرجه الدارقطني وابن شاهين ورواه عمر مولى عفرة عن سهيل عن أبيه عن جابر كما أخرجه ابن عدي بإسناد ضعيف قال الحافظ في بلوغ المرام إن رجال حديث أبي هريرة هذا ثقات لكن أعل بالإرسال . وحديث أبي هريرة الثاني هو من رواية أبي تميمة عن أبي هريرة قال الترمذي لا نعرفه الا من حديث أبي تميمة عن أبي هريرة وقال البخاري لا يعرف لأبي تميمة سماع عن أبي هريرة وقال البزار هذا حديث منكر وفي الإسناد أيضا حكيم الأثرم قال البزار لا يحتج به وما تفرد به فليس بشيء ولأبي هريرة حديث ثالث نحو حديثه الأول أخرجه النسائي من رواية الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة وفي إسناده عبد الملك بن محمد الصنعاني وقد تكلم فيه دحيم وأبو حاتم وغيرهما ولأبي هريرة ايضا حديث رابع أخرجه النسائي من طريق بكر بن خنيس عن ليث عن مجاهد عن أبي هريرة بلفظ " من أتى شيئا من الرجال والنساء في الأدبار فقد كفر " وفي إسناده بكر بن خنيس وليث ابن أبي سليم وهم ضعيفان . ولأبي هريرة أيضا حديث خامس رواه عبد الله بن عمر بن ابان عن مسلم بن خالد الزنجي عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة بلفظ " ملعون من أتى النساء في أدبارهن " وفي إسناده مسلم بن خالد وهو ضعيف . وحديث خزيمة بن ثابت أخرجه الشافعي أيضا بنحوه وفي إسناده عمر بن أحيحة وهو مجهول واختلف في إسناده اختلافا كثيرا ورواه النسائي من طريق أخرى وفيها هرمى بن عبد الله ولا يعرف حاله وأخرجه أيضا من طريق هرمي أحمد وابن حبان وحديث الأمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال في مجمع الزوائد ورجاله ثقات وحديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا النسائي وأعله قال الحافظ والمحفوظ عن عبد الله بن عمرو من قوله كذا أخرجه عبد الرزاق وغيره وحديث علي بن طلق قال الترمذي بعد أن حسنه سمعت محمدا يقول لا أعرف لعلي بن طلق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير هذا الحديث الواحد ولا أعرف هذا الحديث الواحد من حديث طلق بن علي السحيمي وكأنه رأى أن هذا آخر من اصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والبزار وقال لا نعلمه يروى عن ابن عباس بإسناد حسن وكذا قال ابن عدي ورواه النسائي عن هناد بن وكيع عن الضحاك موقوفا وهو أصح عندهم من المرفوع ولابن عباس حديث آخر من طريق أخرى موقوفة رواها عبد الرزاق إن رجلا سأل ابن عباس عن اتيان المرأة في دبرها فقال سألتني عن الكفر . وأخرجه النسائي بإسناد قوي وفي الباب عن جماعة من الصحابة منها ما سيأتي ومنها عن أبي بن كعب عند الحسن بن عرفة بإسناد ضعيف . وعن ابن مسعود عند ابن عدي بإسناد واه وعن عقبة بن عامر عند أحمد بإسناد فيه ابن لهيعة وعن عمر عند النسائي والبزار بإسناد فيه زمعة بن صالح وهو ضعيف ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من قال أنه يحرم اتيان النساء في أدبارهن وقد ذهب إلى ذلك جمهور أهل العلم وحكى ابن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال لم يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في تحريمه ولا في تحليله شيء والقياس أنه حلال . وقد أخرجه عنه ابن أبي حاتم في مناقب الشافعي وأخرجه الحاكم في مناقب الشافعي عن الأصم عنه وكذلك رواه الطحاوي عن ابن عبد الحكم عن الشافعي
وروى الحاكم عن محمد بن عبد الله بن عبد الحكم عن الشافعي أنه قال سألني محمد بن الحسن فقلت له إن كنت تريد المكابرة وتصحيح الروايات وإن لم تصح فأنت أعلم وإن تكلمت بالمناصفة كلمتك قال علي المناصفة قلت فبأي شيء حرمته قال يقول الله عز و جل { فأتوهن من حيث أمركم الله } وقال { فأتوا حرثكم أنى شئتم } والحرث لا يكون الا في الفرج قلت أفيكون ذلك محرما لما سواه قال نعم قلت فما تكون لو وطئها بين ساقيها أو في أعكانها أو تحت إبطيها أو أخذت ذكره بيدها أو في ذلك حرث قال لا قلت فيحرم ذلك قال لا قلت فلم تحتج بمالا حجة فيه قال فإن الله قال { والذين هم لفروجهم حافظون } الآية قال فقلت له هذا مما يحجون به للجواز إن الله أثنى على من حفظ فرجه من غير زوجته وماملكت يمينه فقلت له أنت تتحفظ من زوجتك وما ملكت يمينك انتهى . وقد أجيب عن هذا بأن الأصل التحريم المباشرة إلا ما أحل الله بالعقد ولا يقاس عليه غيره لعدم المشابهة في كونه مثله محلا للزرع وأما تحليل الاستمتاع فيما عدا الفرج فهو مأخوذ من دليل آخر ولكنه لا يخفى ورود ما أورده الشافعي على من استدل بالآية وأما دعوى أن الأصل تحريم المباشرة فهذا محتاج إلى دليل ولو سلم فقوله تعالى { قأتوا حرثكم أنى شئتم } رافع للتحريم المستفاد من ذلك الأصل فيكون الظاهر بعد هذه الآية الحل ومن ادعى تحريم الأتيان في محل مخصوص طولب يخصص عموم هذه الآية ولا شك إن الأحاديث المذكورة في الباب القاضية بتحريم اتيان النساء في أدبارهن يقوي بعضها بعضا فتنتهض لتخصيص الدبر من ذلك العموم وأيضا الدبر في أصل اللغة اسم لخلاف الوجه ولا اختصاص له بالمخرج كما قال الله تعالى { ومن يولهم يومئذ دبره } فلا يبعد حمل ما ورد من الأدبار على الأستمتاع بين الأليتين وأيضا قد حرم الله الوطء في الفرج لأجل الأذى فما الظن بالحش الذي هو موضع الأذى اللازم مع زيادة المفسدة بالتعرض لانقطاع النسل الذي هو العلة الغائية في مشروعية النكاح والذريعة القريبة جدا الحاملة على الانتقال من ذلك إلى أدبار المرد . وقد ذكر ابن القيم لذلك مفاسد دينية ودنيوية فليراجع وكفى مناديا على خساسته أنه لا يرضى أحد من أن ينسب إليه ولا إلى إمامه تجويز ذلك إلاما كان من الرافضة مع أنه مكروه عندهم وأوجبوا للزوجة فيه عشرة دنانير عوض النطفة وهذه المسألة هي إحدى مسائلهم التي شذوا بها وقد حكى الإمام المهدي في البحر عن العترة جميعا وأكثر الفقهاء أنه حرام قال الحاكم بعد أن حكى عن الشافعي ما سلف لعل الشافعي كان يقول ذلك في القديم فأما الجديد فالمشهور أنه حرمه . وقد روى الماوردي في الحاوي وأبو نصر بن الصباغ في الشامل وغيرهما عن الربيع أنه قال كذب والله يعني ابن عبد الحكم فقد نص الشافعي على تحريمه في ستة كتب وتعقبه الحافظ في التلخيص فقال لا يعني لها التكذيب فإن عبد الحكم لم يتفرد بذلك بل قد تابعه عليه عبد الرحمن بن عبد الله أخوه عن الشافعي ثم قال أنه لاخلاف في ثقة ابن عبد الحكم وأمانته وقد روى الجواز أيضا عن مالك قال القاضي أبو الطيب في تعليقه أنه روى ذلك عنه أهل مصر وأهل المغرب ورواه عنه أيضا ابن رشد في كتاب البيان والتحصيل وأصحاب مالك العراقيون لم يثبتوا هذه الرواية وقد رجع متأخر وأصحابه عن ذلك وأفتوا بتحريمه وقد استدل للمجوزين بما رواه الدارقطني عن ابن عمر أنه لما قرأ قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم } فقال ما تدري يا نافع فيما أنزلت هذا الآية قال قلت لا قال لي في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك فأنزل الله تعالى نساؤكم حرث لكم قال نافع فقلت لابن عمر من دبرها في قبلها قال لا الا في دبرها وروى نحو ذلك عنه الطبراني والحاكم وأبو نعيم وروى النسائي والطبراني من طريق زيد بن أسلم عن ابن عمر نحوه ولم يذكر قوله " لا الا في دبرها " وأخرج أبو يعلى وابن مردوية في تفسيره والطبري والطحاوي من طرق عن أبي سعيد الخدري أن رجلا أصاب امرأته في دبرها فأنكر الناس ذلك عليه فأنزل الله نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وسيأتي بقية الأسباب في نزول الآية (6/255)
8 - وعن جابر " أن يهود كانت تقول إذا أتيت المرأة في دبرها ثم حملت كان ولدها أحول قال فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم "
- رواه الجماعة إلا النسائي وزاد مسلم " إن شاء مجبية وإن شاء غير مجيبة غير أن ذلك في صمام واحد " (6/255)
9 - وعن أم سلمة " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى { نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم } يعني صمام واحدا "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن (6/256)
10 - وعنها أيضا قالت " لما قدم المهاجرون المدينة على الأنصار تزوجوا من نسائهم وكان المهاجرون يجبون وكانت الأنصار لا تجبى فأراد رجل امرأته من المهاجرين على ذلك فأبت عليه حتى تسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فأته فاستحيت أن تسأله فسألته أم سلمة فنزلت نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقال لا الا في صمام واحد "
- رواه أحمد ولأبي داود هذا المعنى من رواية ابن عباس (6/256)
11 - وعن ابن عباس قال " جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله هلكت قال وما الذي أهلكت قال حولت رحلي البارحة فلم يرد عليه بشيء قال فأوحى الله إلى رسوله هذه الآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم أقبل وأدبر واتقوا الدبر والحيضة "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن غريب (6/256)
12 - وعن جابر " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال استحيوا فإن الله لا يستحي من الحق لا يحل مأتاك النساء في حشوشهن "
- رواه الدارقطني (6/257)
- حديث أم سلمة أورده في التلخيص وسكت عنه ويشهد له حديث ابن عباس الذي أشار إليه المصنف وهو من رواية محمد بن إسحاق عن ابان بن صالح عن مجاهد عن ابن عباس وفيه إنما كان هذا الحي من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحي من يهود وهم أهل كتاب وكانوا يرون لهم فضلا عليهم من العلم وكانوا يقتدون بكثير من فعلهم وكان من أمر أهل الكتاب لا يأتون النساء إلا على حرف فكان هذا الحي من الأنصار قد أخذ بذلك من فعلهم وكان هذا الحي من قريش يشرخون النساء شرخا منكرا ويتلذذون منهن مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلما قدم المهاجرون المدينة تزوج رجل امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فانكرته عليه وقالت إنما كنا نؤتى على حرف فاصنع ذلك وإلا فاجتننبني فسرى أمرهما حتى بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله عز و جل نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم مقبلات ومستلقيات يعني بذلك موضع الولد وحديث ابن عباس الثاني في قصة عمر لعله الحديث الذي تقدمت الإشارة إليه من طريق عمر نفسه وقد سبق ما فيه وحديث جابر الآخر قد قدمنا في أول الباب الإشارة إليه بضم من الاختلاف على سهيل بن أبي صالح وقد أخرجه من تقدم ذكره : قوله مجبية بضم الميم وبعدها جيم مفتوحة ثم موحدة أي باركة والتجبية الإنكباب على الوجه وأخرج الإسماعيلي من طريق يحيى بن أبي زائدة عن سفيان الثوري بلفظ باركة مدبرة في فرجها من ورائها وهذا يدل على أن المراد بقولهم إذا أتيت من دبرها يعتني في قبلها ولا شك أن ذلك هو المراد ويزيد ذلك وضحوحا قوله عقب ذلك ثم حملت فإن الحمل لا يكون إلا من الوطء في القبل : قوله " غير أن ذلك في صمام واحد " هذه الزيادة تشبه أن تكون من تفسير الزهري لخلوها من رواية غيره من أصحاب ابن المنكدر مع كثرتهم كذا قيل وهو الظاهر ولو كانت مرفوعة لما صح قول البزار في الوطء في الدبر لا أعلم في هذا الباب حديثا صحيحا لا في الحصر ولا في الإطلاق وكذا روى نحو ذلك الحاكم عن أبي علي النيسابوري ومثله عن النسائي وقاله قبلهما البخاري كذا قال الحافظ والصمام بكسر الصاد المهملة وتخفيف الميم وهو في الأصل سدادة القارورة ثم سمى به المنفذ كفرج المرأة وهذا أحد الأسباب في نزول الآية وقد ورد ما يدل على أن ذلك هو السبب من طرق عن جماعة من الصحابة في بعضها التصريح بأنه لا يحل إلا في القبل وفي أكثره الارد على اعتراض اليهود وهذا أحد الأقوال والقول الثاني أن السبب النزول اتيان الزوجة في الدبر وقد تقدم ذلك عن ابن عمر وأبي سعيد والثالث أنها نزلت في الأذن بالعزل عن الزوجة وروى ذلك عن ابن عباس أخرجه عنه جماعة منهم ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وروى ذلك أيضا عن ابن عمر أخرجه عنه ابن أبي شيبة قال فأتوا حرثكم اني شئتم أن شاء عزل وأن شاء لم يعزل وروى عن سعيد بن المسيب أخرجه عنه ابن أبي شيبة القول الرابع أن أني شئتم بمعنى إذا شئتم روى ذلك عبد بن حميد عن محمد بن الحنفية عليه السلام (6/257)
باب احسان العشرة وبيان حق الزوجين (6/257)
1 - عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن المرأة كالضلع أن ذهب تقيمها كسرتها وأن تركتها استمتعت بها على عوج " وفي لفظ " استوصوا بالنساء فإن المرأة خلقت من ضلع وإن اعوج شيء في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء "
- متفق عليه (6/258)
2 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقا رضي منها آخر "
- رواه أحمد ومسلم (6/258)
- قوله " كالضلع " بكسر الضاد وفتح اللام ويسكن فليلا والأكثر الفتح وهو واحد الأضلاع والفائدة في تشبيه المرأة بالضلع التنبيه على أنها معوجة الأخلاق لا تستقيم أبدا فمن حاول حملها على الأخلاق المستقيمة أفسدها ومن تركها على ما هي عليه من الأعوجاج انتفع بها كما أن الضلع المعوج ينكسر عند إرادة جعله مستقيما وإزالة اعوجاجه فإذا تركه الإنسان على ما هو عليه انتفع به وأراد بقوله وأن أعوج شيء في الضلع أعلاه المبالغة في الإعوجاج والتأكيد لمعنى الكسر بأن تعذر الإقامة في الجهة العليا أمره أظهر وقيل يحتمل أن يكون ذلك مثلا لا على المرأة لأن أعلاها رأسها وفيه لسانها وهو ينشأ منه الإعوجاج قيل وأعوج ههنا من باب الصفة لا من التفضيل لأن أفعل التفضيل لا يضاع من الألوان والعيوب وأجيب بأن الظاهر ههنا أنه من التفضيل وقد جاء ذلك على قلة مع عدم الالتباس بالصفة والضمير في قوله فإن ذهبت تقيمه يرجع إلى الضلع لا إلى أعلاه وهو يذكر ويؤنث ولهذا قال الرواية الأولي تقيمها وفي هذه تقيمه . قوله " استوصوا بالنساء " أي أقبلوا الوصية والمعنى أني أوصيكم بهن خيرا فاقبلوا أو بمعنى ليوص بعضكم بعضا بهن . قوله " خلقت من ضلع " أي من ضلع آدم الذي خلقت منه حواء . قال الفقهاء أنها خلقت من ضلع آدم ويدل على ذلك قوله { خلقكم من نفس واحدة منها زوجها } وقد روى ذلك من حديث ابن عباس عند ابن إسحاق وروى من حديث مجاهد مرسلا عند ابن أبي حاتم قوله " لا يفرك " بالفاء ساكنة بعدها راء وهو البغض قال في القاموس الفرك بالكسر ويفتح البغضة عامة كالفروك والفركان أو خاص ببغضة الزوجين فركها وفركته كسمع فيهما وكنصر شاذ فركا وفروكا فهي فارك ورجل مفرك كمعظم تبغضه النساء ومفركة يبغضها الرجال انتهى ( والحديث ) الأول فيه الإرشاد إلى ملاطفة النساء والصبر على ما لا يستقيم من أخلاقهن والتنبيه على أنهن خلقن على تلك الصفة التي لا يفيد معها التأديب ولا ينجع عندها النصح فلم يبق إلا الصبر والمحاسنة وترك التأنيب والمخاشنة ( والحديث ) الثاني فيه الإرشاد إلى حسن العشرة والنهي عن البغض للزوجة بمجرد كراهة خلق من أخلاقها فإنها لا تخلوا مع ذلك عن أمر يرضاه منها وإذا كانت مشتملة على المحبوب والمكروه فلا ينبغى ترجيح مقتضى الكراهة على مقتضى المحبة . قال النووي ضبط بعضهم قوله استمتعت بها على عوج بفتح العين وضبطه بعضهم بكسرها ولعل الفتح أكثر وضبطه ابن عساكر وآخرون بالكسر قال وهو الأرجح ثم ذكر كلام أهل اللغة في تفسير معنى المكسور والمفتوح وهو معروف وقد صرح صاحب المطالع بأن أهل اللغة يقولون في الشخص المرئي عوج بالفتح وفيما ليس بمرئي كالرأي والكلام عوج بالكسر قال وانفرد أبو عمرو الشيباني فقال كلاهما بالكسر ومصدرهما بالفتح وكسرها طلاقها . وقد حقق صاحب الكشاف الكلام في ذلك في تفسير قوله تعالى { لا ترى فيها عوجا ولا أمتا } (6/258)
3 - وعن عائشة قال " كنت ألعب بالبنات عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته وهن اللعب وكان لي صواحب يلعبن معي وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل ينقمعن منه فيسر بهن إلي فيلعبن معي "
- متفق عليه (6/259)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخوخياركم خياركم لنسائهم "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (6/259)
5 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خيركم خيركم لأهله وأنا خيرك لأهلي "
- رواه الترمذي وصححه (6/259)
- قوله " بالبنات " قال في القاموس والبنات التماثيل الصغار يلعب بها انتهى : قوله " للعب " بضم اللام جمع لعبة قال في القاموس واللعبة بالضم التمثال وما يلعب به كالشطرنج ونحوه والأحمق يسخر به . قوله " ينقمعن " قال في القاموس انقمع دخل البيت مستخفيا . ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجوز تمكين الصغار من اللعب بالتماثيل وقد روى عن مالك أنه كرهه للرجل أن يشتري لبنته ذلك . وقال القاضي عياض أن اللعب بالبنات للبنات الصغار رخصة وحكى النووي عن بعض العلماء أن إباحة اللعب لهن بالبنات منسوخة بالأحاديث الواردة في تحريم التصوير ووجوب تغييره . قوله لإ " فيسر بهن " بضم حرف المضارعة وفتح السين المهملة وكسر الراء المشددة بعدها موحدة والتسرب الدخول . قال في القاموس وانسرب في جحره وتسرب دخل والمراد أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يدخل البنات إلى عائشة ليلعبن معها . قوله " أكمل المؤمنين " الخ فيه دليل على أن من ثبت له مزية حسن الخلق كان من أهل الإيمان الكامل فإن كان أحسن الناس خلقا كان أكمل الناس إيمانا وأن خصلة يختلف حال الأيمان باختلافها لخليقة بأن ترغب إليها نفوس المؤمنين . قوله " وخياركم خياركم لنسائهم " وكذلك قوله في الحديث الآخر " خيركم خيركم لأهله " في ذلك تنبيه على أعلى الناس رتبة في الخير وأحقهم بالاتصاف به هو من كان خير الناس لأهله فإن الأهل هم الأحقاء بالبشر وحسن الخلق والإحسان وجلب النفع ودفع الضر فإذا كان الرجل كذلك فهو خير الناس وإن كان على العكس من ذلك فهو في الجانب الآخر من الشر وكثيرا ما يقع الناس في هذه الورطة فترى الرجل إذا لقي أهله كان أسوأ الناس أخلاقا وأشحهم نفسا وأقلهم خيرا وإذا لقي غير الأهل من الأجانب لانت عريكته وانبسطت أخلاقه وجادت نفسه وكثر خيره ولا شك أن من كان كذلك فهو محروم التوفيق زائغ عن سواء الطريق نسأل الله السلامة (6/260)
6 - وعن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ايما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة "
- رواه ابن ماجة والترمذي وقال حديث حسن غريب (6/260)
7 - وعن أبي هريرة قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح "
- متفق عليه (6/260)
8 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن (6/261)
9 - وعن أنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ولو صلح لبشر ان يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنجبس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه "
- رواه أحمد . وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ولو أن رجلا أمر أمرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ومن جبل أسود إلى جبل أحمر لكان نوالها أن تفعل " . رواه أحمد وابن ماجه (6/261)
11 - وعن عبد الله بن أبي أوفى قال " لما تقدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ما هذا يا معاذ قال أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فرددت في نفسي أن أفعل ذلك لك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا تفعلوا فإني لو كنت آمر أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه "
- رواه أحمد وابن ماجه (6/261)
- حديث أم سلمة ذكر المصنف أن الترمذي قال فيه حديث حسن غريب والذي وقفنا عليه في نسخه صحيحة هذا حديث غريب وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي واللفظ الذي ذكره المصنف هو في الترمذي بعد الحديث الذي قبل هذا وهو حديث طلق بن علي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور " قال الترمذي هذا حديث حسن غريب . وحديث أبي هريرة الثاني ذكر المصنف أن الترمذي حسنه والذي وجدناه في نسخة صحيحة ما لفظه قال أبو عيسى حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة انتهى . وحديث أنس وعائشة وعبد الله بن أبي أوفى أشار إليها الترمذي لأنه قال في جامعه بعد إخراج حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه ( وفي الباب ) عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك ابن جعشم وعائشة وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وطلق بن علي وأسامة بن زيد وأنس وابن عمر انتهى . وقد روى حديث أبي هريرة المذكور البزار بإسناده فيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف وروى البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح عن أبي سعيد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " حق الزوج على زوجته لو كان به قرحة فلحستها أو أنتن منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه " وأخرج مثل هذا اللفظ البزار من حديث أبي هريرة وأخرج قصة معاذ المذكورة في الباب البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح وأخرجها ايضا البزار والطبراني بإسناد آخر وفيه النهاس بن قهم وهو ضعيف وأخرجها ايضا البزار والطبراني بإسناد آخر رجاله ثقات وقضية السجود ثابتة من حديث ابن عباس عند البزار ومن حديث سراقة عند الطبراني ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجة ومن حديث عصمة عند الطبراني وعن غير هؤلاء . وحديث عائشة الذي ذكره المصنف ساقه ابن ماجه بإسناد فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه مقال وبقية إسناده من رجال الصحيح . وحديث عبد الله ابن أبي أوفى ساقه ابن ماجه بإسنادصالح فإن ازهر بن مروان والقاسم الشيباني صدوقان فهذه أحاديث في أنه لو صلح السجود لبشر لأمرت به الزوجة لزوجها يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا . ويؤيد أحاديث الباب ما أخرجه أبو داود عن قيس بن سعد . قال " أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فقلت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحق أن يسجد له قال فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت أني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك قال أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له قال قلت لا قال فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق " وفي إسناده شريك بن عبد الله القاضي وقد تكلم فيه غير واحد وأخرج له مسلم في المتابعات . قوله " دخلت الجنة " فيه ترغيب العظيم إلى طاعة الزوج وطلب مرضاته وأ ها واجبة للجنة . قوله " إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه قال ابن أبي حمزة الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله الولد للفراش أي لمن يطأ في الفراش الوكناية عن الأشياء التي يستحيا منها كثيرة في القرآن والسنة وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله حتى تصبح وكأن السر فيه تأكيد ذلك لا أنه يجوز لها الامتناع في النهار وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك
قال في الفتح وقد وقع في رواية يزيد ابن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ " والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها " ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه " ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة العبد الآبق حتى يرجع والسكران حتى يصحو والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى " فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار . قوله فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها " المعصية منها تتحق بسبب الغضب منه بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة أما لأنه عذرها وإما لأنه ترك حقه من ذلك وقد زقع في رواية للبخاري " غذ باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها " وليس لفظ المفاعلة على ظاهره بل المراد أنها هي التي هجرت وقد تأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ولا يتجه إليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجرة فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تتنصل من ذنبها وهجرته أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا ووقع في رواية مسلم " إذا باتت المرأة هاجرة " قوله " لعنتها الملائكة حتى تصبح " في رواية للبخاري " حتى ترجع " وهو كما قال الحافظ أكثر فائدة قال والأولى محمولة على الغالب كما تقدم وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث عمر مرفوعا " اثنان لا تجاوز صلاتهما رؤوسهما عبد آبق وامرأة عصت زوجها حتى ترجع " قال في الفتح حاكيا عن المهلب ( وفي الحديث ) جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب عليه لئلا يواقع الفعل فإذا واقعه فإنما يدعي له بالتوبة والهداية . قال الحافظ ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى قال وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال لهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين وفيه نظر . والحق أن الذي منع اللعن أراد به المعنى اللغوي وهو الإبعاد من الرحمة وهذا لا يليق أن يدعي به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب قال ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر . وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جواز على الإطلاق . ( وفي الحديث ) دليل على أن الملائكة تدعو على المغاضبة لزوجها الممتنعة من إجابته إلى فراشه وأما كونها تدعو على أهل المعاصي على الإطلاق كما قال في الفتح فإن كان من هذا الحديث فليس فيه إلا الدعاء على فاعل هذه المعصية الخاصة وإن كان من دليل آخر فذاك وأما الاستدلال بهذا الحديث على أنهم يدعون لأهل الطاعة كما فعل أيضا في الفتح ففاسد فإنه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة وغايته أنه يدل بالمفهوم على أن غير العاصية لا تلعنها الملائكة فمن أين أن المطيعة تدعو لها الملائكة بل من أين أن كل صاحب طاعة يدعون له نعم قول الله تعالى { ويستغفرون للذين آمنوا } يدل على أنهم يدعون للمؤمنين بهذا الدعاء الخاص . وحكي في الفتح عن ابن أبي جمرة أنه قال وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم يحتمل الأمرين . قال الحافظ يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك ويرشد إلى التعميم ما في رواية لمسلم بلفظ " لعنتها الملائكة الذي في السماء " فإن المراد به سكانها وإخبار الشارع بأن هذه المعصية يستحق فاعلها لعن ملائكة السماء يدل أعظم دلالة على تأكيد وجوب طاعة الزوج وتحريم عصيانه ومغاضبته . قوله " قرحة " أي جرح : قوله " تنجبس " بالجيم والسين المهملة . قال في القاموس بجس الماء والجرح يبجسه شقه قال وبجسه تبجيسا فجره فانبجس وتبجس . قوله " بالقيح " قال في القاموس القيح المدة لا تخالطها دم قاح الجرح يقيح كقاح يقوح . والصديد ماء الجرح الرقيق على ما في القاموس . قوله " نولها " بفتح النون وسكون الواو أي حظها وما يجب عليها أن تفعل والنوول العطاء في الأصل قوله " لاساقفتهم " الأسقف من النصارى العالم الرئيس والبطريق الرجل العظيم ( وفي هذا ) الحديث دليل على أن من سجد جاهلا لغير الله لم يكفر (6/262)
12 - وعن عمرو بن الأحوص " أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فحمد الله وأثنى عليه وذكر ووعظ ثم قال استوصوا بالنساء خيرا فإنما هن عندكم عوان ليس تملكون منهن شيئا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربا غير مبرح فإن اطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا أن لكم من نسائكم حقا ولنسائكم عليكم حقا فأما حقكم على نسائكم فلا توطئن فرشكم من تكرهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون إلا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن " رواه ابن ماجه والترمذي وصححه وهو دليل على أن شهادته عليها بالزنا لا تقبل لأنه شهد لنفسه بترك حقه والجناية عليه (6/262)
13 - وعن معاوية القشيري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأله رجل ما حق المرأة على الزوج قال تطعمها إذا طعمت وتكسوها إذا اكتسيت ولا تضرب الوجه ولا تقبح ولا تهجر إلا في البيت "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (6/262)
14 - وعن معاذ بن جبل " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأله قال انفق على عيالك من طولك ولا ترفع عنهم عصاك ادبا وأخفهم في الله "
- رواه أحمد (6/263)
15 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد إلا بإذنه "
- متفق عليه . وفي رواية " لا تصوم امرأة وزوجها شاهد يوما من غير رمضان إلا بإذنه " رواه إلا النسائي وهو حجة لمن يمنعها من صوم النذر وإن كان معينا إلا بإذنه (6/263)
- حديث عمر بن الأحوص أخرجه أيضا بقية أهل السنن . وحديث معاوية القشيري أخرجه النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري وصححه الحاكم وابن حبان . وحديث معاذ أخرج نحوه الطبراني في الصغير والأوسط عن ابن عمر مرفوعا ولفظه " لاترفع العصا عن أهلك وأخفهم في الله عز و جل " قال في مجمع الزوائد وإسناده جيد : قوله " عوان " جمع عانية والعاني الأسير : قوله " فإن فعلن فاهجروهن " الخ في صحيح مسلم في حديث " فإن فعلن فاضربوهن ضربا غير مبرح " وظاهر حديث الباب أنه لا يجوز الهجر في المضجع والضرب إلا إذا أتين بفاحشة مبينة لا بسبب غير ذلك . وقد ورد النهي عن ضرب النساء مطلقا فأخرج أحمد وأبو داود والنسائي وصححه ابن حبان والحاكم من حديث اياس بن عبد الله بن أبي ذياب بضم الذال المعجمة وبموحدتين مرفوعا بلفظ " لا تضربوا اماء الله فجاء عمر فقال قد ذئر النساء على أزواجهن فإذن لهم فضربوهن فاطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نساء كثيرة فقال لقد أطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سبعون امرأة كلهن يشكين أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم " ولفظ أبي داود " لقد طاف بأل محمد نساء كثيرة يشكون أزواجهن ليس أولئك بخيارهم " وله شاهد من حديث ابن عباس في صحيح ابن حبان وآخر مرسل من حديث أم كلثوم بنت أبي بكر عند البيهقي . وذئر النساء بفتح الذال المعجمة وتكسر الهمزة بعدها راء أن نشزن وقيل عصين . قال الشافعي يحتمل أن يكون قبل نزول الآية بضربهن يعني قوله تعالى { واضربوهن } ثم أذن بعد نزولها فيه ومحل ذلك أن يضربها تأديبا إذا رأى منها ما يكره فيما يجب عليها فيه طاعته فإن أكتفى بالتهديد ونحوه كان أفضل ومهما أمكن الوصول إلى الغرض بالإبهام لا يعدل إلى الفعل لما في وقوع ذلك من النفرة المضادة لحسن المعاشرة المطلوبة في الزوجية إلا إذا كان في أمر يتعلق بمعصية الله وقد أخرج النسائي عن عائشة قالت " ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم امرأة له ولا خادما ولا ضرب بيده شيئا قط إلا في سبيل الله أو تنتهب محارم الله فينتقم لله " وفي الصحيحين " لا يجلد أحدكم امرأته جلد العبد ثم يجامعها في أخر اليوم " وفي رواية " من أخر الليلة " وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه عن عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يسئل الرجل فيم ضرب امرأته " قوله " فلا يوطئن فراشكم من تركهون ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون " هذا محمول على عدم العلم برضا الزوج أما لو علمت رضاه بذلك فلا حرج عليها كما جرت عادته بإدخال الضيفان موضعا معدا لهم فيجوز إدخالهم سواء كان حاضرا أو غائبا فلا يفتقر ذلك إلى الأذن من الزوج وقد أخرج مسلم من حديث أبي هريرة بلفظ " ولا يأذن في بيته إلا بأذنه " وهو يفيد أن حديث الباب مقيد بعدم الأذن : قوله " ولا تضرب الوجه " فيه دليل على وجوب اجتناب الوجه عند التأديب : قوله " ولا تقبح " أي لا تقول لامرأتك قبحها الله " : قوله " ولا تهجر إلا في البيت " المراد أنه إذا رابه منها أمر فيهجرها في المضجع ولا يتحول عنها إلى دار أخرى أو يحولها إليها ولكنه قد ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هجر نساءه وخرج إلى مشربة له : قوله " ولا ترفع عنهم عصاك " فيه أنه ينبغي لمن كان له عيال أن يخوفهم فيحذرهم الوقوع فيما لا يليق ولا يكثر تأنيسهم ومداعبتهم فيفضي ذلك إلى الأستخفاف به ويكون سببا لتركهم للآداب المستحسنة وتخلقهم بالأخلاق السيئة :
قوله " لا يحل للمرأة أن تصوم وزوجها شاهد " أي حاضر ويلحق بالزوج السيد بالنسبة إلى أمته التي يحل له وطؤها . ووقع في رواية للبخاري " وبعلها حاضر " وهي أفيد لأن ابن حزم نقل عن أهل اللغة أن البعل اسم للزوج والسيد فإن ثبت وإلا كان السيد ملحقا بالزوج للاشتراك في المعنى : قوله " إلا بأذنه " يعني في غير صيام أيام رمضان وكذا سائر الصيامات الواجبة ويدل على اختصاص ذلك بصوم التطوع قوله في حديث الباب من غير رمضان وما أخرجه عبد الرزاق من طريق الحسن بن علي بلفظ " لا تصوم المرأة غير رمضان " وأخرج الطبراني من حديث ابن عباس مرفوعا في اثناء حديث " ومن حق الزوج على زوجته أن لا تصوم تطوعا إلا بأذنه فإن فعلت لم يقبل منها " والحديث يدل على تحريم صوم التطوع على المرأة بدون أذن زوجها الحاضر وهو قول الجمهور وقال بعض أصحاب الشافعي يكره . قال النووي والصحيح الأول قال فلو صامت بغير أذنه صح وأثمت لاختلاف الجهة وأمر القبول إلى الله . قال النووي أيضا ويؤكد التحريم ثبوت الخبر بلفظ النهي ووروده بلفظ الخبر لا يمنع ذلك بل هو أبلغ لأنه يدل على تأكيد الأمر فيه فيكون على التحريم قال وسبب هذا التحريم أن للزوج حق الاستمتاع بها في كل وقت وحقه واجب على الفور فلا تفوته بالتطوع وإذا أراد الأستمتاع بها جاز ويفسد صومها وظاهر التقييد بالشاهد أنه يجوز لها التطوع إذا كان الزوج غائبا فلو صامت وقدم في أثناء الصيام قيل فله إفساد صومها ذلك من غير كراهة وفي معنى الغيبة أن يكون مريضا بحيث لا يستطيع الجماع . وحمل المهلب النهي المذكور على التنزيه فقال هو من حسن المعاشرة ولها أن تفعل من غير الفرائض بغير أذنه ما لا يضره وليس له أن يبطل شيئا من طاعة الله إذا دخلت فيه بغير أذنه . قال الحافظ وهو خلاف ظاهر الحديث (6/263)
باب نهي المسافر أن يطرق أهله بقدومه ليلا (6/264)
1 - عن أنس قال " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يطرق أهله ليلا وكان يأتيهم غدوة أو عشية " (6/264)
2 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا أطال أحدكم الغيبة فلا يطرق أهله ليلا " (6/264)
3 - وعن جابر قال " كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في غزوة فلما قدمنا ذهبنا لندخل فقال أمهلوا حتى ندخل ليلا أي عشاء لكي تمتشط الشعثة وتستحد المغيبة "
- متفق عليهما (6/265)
4 - وعن جابر قال " نهى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق الرجل أهله ليلا يتخونهم أو يطلب عثراتهم "
- رواه مسلم . قوله " كان لا يطرق " قال أهل اللغة بالضم المجيء بالليل من سفر أو غيره على غفلة لكل أت بالليل طارق ولا يقال في النهار إلا مجازا . وقال بعض أهل اللغة أصل الطروق الدفع والضرب وبذلك سميت الطريق لأن المارة تدفعها بأرجلها وسمي الأتي بالليل طارقا لأنه محتاج غالبا إلى دق الباب وقيل أصل الطروق السكون ومنه أطرق رأسه فلما كان الليل يسكن فيه سمى الأتي فيه طارقا . قوله " إذا أطال أحدكم الغيبة " فيه إشارة إلى أن علة النهي إنما توجد حينئذ فالحكم يدور مع علته وجودا وعدما فلما كان الذي يخرج لحاجته مثلا نهارا ويرجع ليلا لا يتأتى له ما يحذر من الذي يطيل الغيبة قيد الشارع النهي عن الطروق بالغيبة الطويلة والحكمة في النهي عن الطروق أن المسافر ربما وجد أهله مع الطروق وعدم شعورهم بالقدوم على غير أهبة من التنظيف والتزين المطلوب من المرأة فيكون ذلك سبب النفرة بينهما وقد اشار إلى ذلك في الحديث الذي بعده وقد أخرج ابن خزيمة في صحيحه عن ابن عمر " قال قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من غزوة فقال لا تطرق النساء وأرسل من يؤذن للناس أنهم قادمون وأخرج ابن خزيمة أيضا من حديث ابن عمر " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يطرق النساء ليلا فطرق رجل فوجد مع امرأته ما يكره " وأخرج نحوه من حديث ابن عباس وقال " رجلان فكيلاهما وجد مع امرأته رجلا وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن جابر " أن عبد الله بن رواحة أتى امرأته ليلا وعندها امرأة تمشطها فظنها رجلا فأشار إليه بالسيف فلما ذكر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك نهى أن يطرق الرجل أهله ليلا " قوله " حتى تدخل ليلا " ظاهره المعارضة بما تقدم من النهي عن الطروق ليلا وقد جمع المراد بالليل ههنا أوله وبالنهي الدخول في أثناءه فيكون أول الليل إلى وقت العشاء مخصصا من عموم ذلك النهي والأولي في الجمع أن الأذن في الدخول ليلا لمن كان قد أعلم أهله بقدومه فأستعدوا له والنهي لمن لم يكن قد أعلنه . قوله " الشعثة " بفتح المعجمة وكسر العين المهملة بعدها مثلثة وهي التي لم تدهن شعرها وتمشطه . قوله " وتستحد " بحاء مهملة أي تستعمل الحديدة وهي الموسي والمغيبة بضم الميم وكسر المعجمة بعدها تحتانية ساكنة ثم موحدة أي التي غاب عنها زوجها والمراد إزالة الشعر عنها وعبر بالأستحداد لأن الغالب استعماله في إزالة الشعر وليس فيه منع من الإزالة بغير الموسى . قوله " يتخونهم أو يطالب عثراتهم " هكذا بالشك قال سفيان لا أدري هكذا في الحديث أم لا يعني يتخونهم أو يطلب عثراتهم والتخون أن يظن وقوع الخيانة من أهله وعثراتهم بفتح المهملة والمثلثة جمع عثرة وهي الزلة ووقع في حديث جابر عند أحمد والترمذي بلفظ " لا تجلوا على المغيبات فإن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم " (6/265)
باب القسم للبكر والثيب الجديدتين (6/265)
1 - عن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما تزوجها أقام عندها ثلاثة أيام وقال أنه ليس بك هوان على أهلك فإن شئت سبعت لك وإن سبعت لك سبعت لنسائي "
- رواه أحمد ومسلموأبو داود وابن ماجه . ورواه الدارقطني ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها حين دخل بها ليس بك على أهلك هوان إن شئت أقمت عندك ثلاثا خالصة لك وإن شئت سبعت لك وسبعت لنسائي قالت تقيم معي ثلاثا خالصة " (6/266)
2 - وعن أبي قلابة عن أنس قال " من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعا ثم قسم وإذا تزوج الثيب أقام عندها ثلاثا ثم قسم قال أبو قلابة ولو شئت لقلت أن أنسا رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- أخرجها (6/266)
3 - وعن أنس قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول للبكر سبعة أيام وللثيب ثلاث ثم يعود إلى نسائه "
- رواه الدارقطني (6/266)
4 - وعن أنس قال " لما أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم صفية أقام عندها ثلاثا وكانت ثيبا "
- رواه أحمد وأبو داود (6/267)
- لفظ الدارقطني في حديث أم سلمة في إسناده الواقدي وهو ضعيف جدا وحديث أنس الآخر في الإقامة عند صفية أخرجه أيضا النسائي ورجال أبي داود رجال الصحيح . قوله " سبعت لك " في رواية لمسلم " وإن شئت ثلثت ثم درت قالت ثلث " وفي رواية للحاكم أنها أخذت بثوبه مانعة له من الخروج من بيتها فقال لها إن شئت الحديث وفي حديث أم سلمة دليل على أن الزوج إذا تعدى السبع للبكر والثلاث للثيب بطل الإيثار ووجب قضاء سائر الزوجات مثل تلك المدة بالنص في الثيب والقياس في البكر ولكن إذا وقع من الزوج تعدي تلك المدة بأذن الزوجة ومعنى قوله " ليس بك على أهلك هوان " أن لا يلحقك هوان ولا يضيع من حقك قال القاضي عياض المراد بأهلك هنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم نفسه أي أني لا أفعل فعلا به هوانك قوله " قال أبو قلابة " الخ قال ابن دقيق العيد قول أبي قلابة يحتمل وجهين . أحدهما أن يكون ظن أنه سمعه عن أنس مرفوعا لفظا فتحرز عنه تورعا والثاني أن يكون رآي أن قول أنس من السنة في حكم المرفوع فلو عبرعنه بأنه مرفوع على حسب اعتقاده لصح لأنه في حكم المرفوع قال والأول أقرب لأن قوله من السنة يقتضي أن يكون مرفوعا بطريق اجتهادي محتمل . وقوله أنه رفعه نص في رفعه وليس للراوي أن ينقل ما هو ظاهر محتمل إلى ما هو نص في رفعه وبهذا يندفع ما قاله بعضهم من عدم الفرق بين قوله من السنة كذا وبين رفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقد روى هذا الحديث جماعة عن أنس وقالوا فيه قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما في البيهقي ومستخرج الإسماعيلي وصحيح أبي عوانة وصحيح ابن خزيمة وصحيح ابن حبان والدارمي والدارقطني وأحاديث الباب تدل على أن البكر تؤثر بسبع والثيب قيل وهذا في حق من كان له زوجة قبل الجديدة وقال ابن عبد البر حاكيا عن جمهور العلماء أن ذلك حق للمرأة بسبب الزفاف وسواء كان عند زوجة أم لا وحكى النووي أنه يستحب إذا لم يكن عند غيرها وإلا فيجب . قال في الفتح وهذا يوافق كلام أكثر الأصحاب وأختار النووي أن لا فرق وإطلاق الشافعي يعضده ويمكن التمسك بقول من أشترط أن يكون عند زوجة قبل الجديدة بقوله في حديث أنس المذكور " إذا تزوج البكر على الثيب " ويمكن الاستدلال لمن لم يشترط بقوله في حديث أنس أيضا للبكر سبع وللثيب ثلاث . قال الحافظ لكن القاعدة أن المطلق محمول على المقيد قال وفيه يعني حديث أنس المذكور حجة على الكوفيين في قولهم أن البكر والثيب سواء في الثلاث وعلى الأوزاعي في قوله للبكر ثلاث وللثيب يومان وفيه حديث مرفوع عن عائشة أخرجه الدارقطني بسند ضعيف جدا انتهى . وحكى في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والحكم وحماد أنها تؤثر البكر على الثيب بذلك المقدار تقديما ويقتضي البواقي مثله وحكى في البحر أيضا عن الحسن البصري وابن المسيب أنها تؤثر البكر بليلتين والثيب بليلة . قال في الفتح تنبيه يكره أن يتأخر في السبع أو الثلاث عن الصلاة وسائر أعمال البر قال وعن ابن دقيق العيد أنه قال أفرط بعض الفقهاء فجعل مقامه عندها عذرا في إسقاط الجمعة وبالغ في التشنيع وأجيب بأنه قياس قول من يقول بوجوبا المقام عندها وهو قول الشافعية ورواه ابن قاسم عن مالك وعنه يستحب وهو وجه للشافعية فعلى الأصح يتعارض عنده الواجبان فيقدم حق الآدني فليس بشنيع وإن كان مرجوحا انتهى . ولا يخفى أن مثل هذا لا يرد به على تشنيع ابن دقيق لأنه شنع على القائل كائن من كان وهو قول شنيع كما ذكر فكيف يجاب عنه بأن هذا قد قال به فلان وفلان اللهم إلا أن يكون ابن دقيق العيد في وجوب المقام بلا استثناء (6/267)
باب ما يجب فيه التعديل بين الزوجات وما لا يجب (6/267)
1 - عن أنس قال " كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم تسع نسوة وكان إذا قسم بيهن لا ينتهي إلى المرأة الأولى إلى تسع فكن يجتمعن كل ليلة في بيت التي يأتيها "
- رواه مسلم (6/268)
2 - وعن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا امرأة امرأة فيدنو ويلمس من غير مسيس حتى يفضي إلى التي هو يومها فيبيت عندها "
- رواه أحمد وأبو داود بنحوه . وفي لفظ " كان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فيدنو من إحداهن " . متفق عليه (6/268)
3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من كانت له امرأتان يميل لإحداهما على الأخرى جاء يوم القيامة يجر أحد شقيه ساقطا أو مائلا "
- رواه الخمسة (6/268)
- حديث عائشة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه ولفظ أبي داود في رواية " كان لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا وكان ما من يوم إلا وهو يطوف علينا جميعا فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ التي هو يومها فيبيت عندها " وحديث أبي هريرة أخرجه الدارمي وابن حبان والحاكم قال واسناده على شرط الشيخين واستغر به الترمذي مع تصحيحه وقال عبد الحق هو خير ثابت لكن علته أن هماما تفرد به وأن هشاما رواه عن قتادة فقال كان يقال وأخرج أبو نعيم عن أنس نحوه . قوله " الي تسع " فيه دليل على أن القسمة كانت بين تسع ولكن المشهور أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقسم بين ثمان من نسائه فقط فكان يجعل لعائشة يومين يومها ويوم سودة الذي وهبته لها ولكن واحدة يوما وفيه دليل على أنه لا يشترط في العدل بين الزوجات أن يفرض لكل واحدة ليلة بحيث لا يجتمع فيها مع غيرها بل يجوز مجالسة غير صاحبة النوبة ومحادثتها ولهذا كن يجتمعن كل ليلة في بيت صاحبة النوبة وكذلك يجوز للزوج دخول غير صاحبة النوبة والدنو منها واللمس إلا الجماع كما في حديث عائشة المذكور : قوله " يميل لأحداهما " فيه دليل على تحريم الميل إلى إحدى الزوجتين دون الأخرى إذا كان ذلك في أمر يملكه الزوج كالقسمة والطعام والكسوة ولا يجب على الزوج التسوية بين الزوجات فيما لا يملكه كالمحبة ونحوها لحديث عائشة الآتي وقد ذهب أكثر الأئمة إلى وجوب القسمة بين الزوجات . وحكى في البحر عن قوم مجاهيل أنه يجوز لمن له زوجتان أن يقف مع احداهما ليلة ومع الأخرى ثلاثا لأن له أن ينكح أربعا وله أيثار أيهما شاء بالليلتين ومثله عن الناصر لكن حمله أصحابه على الحكاية دون أن يكون مذهبه ولا شك إن مثل هذا يعد من الميل الكلي والله يقول { فلا تميلوا كل الميل } (6/269)
4 - وعن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل ويقول اللهم هذا قسمى فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك "
- رواه الخمسة الا أحمد (6/269)
5 - وعن عمر " قال قلت يا رسول الله لو رأيتني ودخلت على حفصة فقلت لها لا يغرنك إن كانت جارتك أوضأ منك وأحب إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يريد عائشة فتبسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه (6/269)
6 - وعن عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسأل في مرضه الذي مات فيه أين أنا غدا يريد يوم عائشة فأذن له أزواجه يكون حيث شاء فكان في بيت عائشة حتى مات عندها متفق عليه " (6/270)
7 - وعن عائشة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين أزواجه فأيتهن خرج سهمها خرج بها معه "
- متفق عليه (6/270)
- حديث عائشة أخرجه أيضا الدرامي وصححه ابن حيان والحاكم ورجح الترمذي إرساله فقال رواية حماد بن زيد عن ايوب عن أبي قلابة مرسلا أصح وكذا أعله النسائي والدارقطني . وقال أبو زرعة لا أعلم أحدا تابع حماد بن سلمة على وصله : قوله " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم فيعدل " استدل به من قال ان القسم كان واجبا عليه وذهب بعض المفسرين والأصطخري والمهدي في البحر إلى أنه لا يجب عليه واستدلوا بقوله تعالى { ترجي من تشاء منهن " الآية وذلك من خصائصه : قوله " فلا تلمني فيما تملك ولا أملك قال الترمذي يعني به الحب والمودة كذلك فسره أهل العلم وقد أخرج البيهقي من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله " ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء " قال في الحب والجماع وعند عبيدة بن عمر والسلماني مثله : قوله " إن كانت جارتك " بالفتح للهمزة وبالكسر كما في الفتح والمراد بالجارة ههنا الضرة أو هو على حقيقته لأنها كانت مجاورة لها قال في الفتح والأولى أن يحمل هنا على معنييه لصلاحيته لك منهما والعرب تطلق على الضرة جارة لتجاورهما المعنوي لكونهما عند شخص واحد وإن لم يكن حسيا . قوله " أوضأ منك والوضاءة " ووقع في رواية معمر أوسم من الوسامة والمراد أجمل كأن الجمال وسمة أي علامة . قوله " يريد يوم عائشة " فيه دليل على أنه مجرد أرادة الزوج أن يكون عند بعض نسائه في مرضه أو في غيره لا يكون محرما عليه بل يجوز له ذلك ويجوز للزوجات الأذن له بالوقوف مع واحدة منهن : قوله " إذا أراد أن يخرج سفرا " مفهومه اختصاص القرعة بحالة السفر وليس على عمومه بل لتعين القرعة من يسافر بها ويجري القرعة أيضا فيما إذا أراد أن يقسم بين نسائه فلا يبدأ بأيتهن شاء بل يقرع بينهن فيبدأ بالتي تخرج لها القرعة إلا أن يرضين بتقديم من أختاره جاز بلا قرعة . قوله " أقرع " استدل بذلك على مشروعية القرعة في القسمة بين الشركاء وغير ذلك والمشهور عن الحنفية والمالكية عدم اعتبار القرعة . قال القاضي عياض هو مشهور عن مالك وأصحابه لأنها من باب الخطر والقمار وحكى عن الحنفية إجازتها انتهى (6/270)
باب المرأة تهب يومها لضرتها أو تصالح الزوج على إسقاطه (6/271)
1 - عن عائشة " أن سودة بنت زمعة وهبت يومها لعائشة وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقسم لعائشة يومها ويوم سودة "
- متفق عليه (6/271)
2 - وعن عائشة في قوله تعالى { وإن عائشة } " في قوله تعالى { وإن امرأة خافت من بعلها نشوزا أو إعراضا } قالت هي المرأة تكون عند الرجل لا يستكثر منها فيريد طلاقها ويتزوج غيرها تقول له أمسكني ولا تطلقني ثم تزوج غيري وأنت في حل من النفقة علي والقسم لي فذلك قوله تعالى { فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما صلحا والصلح خير } وفي رواية " قالت هو الرجل يرى من امرأته ما لا يعجبه كبرا أو غيره فيريد فراقها فتقول أمسكني وأقسم لي ما شئت قالت فلا بأس إذا تراضيا "
- متفق عليهما (6/271)
3 - وعن عطاء عن ابن عباس قال " كان عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسع وكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة قال عطاء التي لا يقسم لها صفية بن حيي بن أخطب "
- رواه أحمد ومسلم والتي ترك القسم لها يحتمل أن يكون عن صلح ورضا منها ويحتمل أنه كان مخصوصا بعدم وجوبه عليه لقوله تعالى { ترجى من تشاء منهن الآية } (6/272)
- قوله " إن سودة " قال في الفتح هي زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان تزوجها وهو بمكة بعد موت خديجة ودخل عليها بها وهاجرت معه . ووقع لمسلم من طريق شريك عن هشام في آخر حديث الباب قالت عائشة وكانت امرأة تزوجها بعدي ومعناه عقد عليها بعد أن عقد على عائشة وأما الدخول بعائشة فكان بعد سودة بالأتفاق وقد نبه على ذلك ابن الجوزي قوله " وهبت يومها " في لفظ البخاري في الهبة يومها وليلتها وزاد في آخره تبتغي بذلك رضا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولفظ أبي داود " ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت وخافت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله يومي لعائشة فقيل ذلك منها ففيها وأشباهها نزلت وان امرأة خافت من بعلها نشوزا " الآية ورواه أيضا ابن سعد وسعيد بن منصور والترمذي وعبد الرزاق . قال الحافظ في الفتح فتواردت هذه الروايات على أنها خشيت الطلاق فوهبت قال وأخرج ابن سعد بسند رجاله ثقات من رواية القاسم بن أبي برة مرسلا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلقها فقعدت له على طريقه فقالت والذي بعثك بالحق مالي في الرجال حاجة ولكن أحب أن أبعث مع نسائك يوم القيامة فأنشدك الذي أنزل عليك الكتاب هل طلقتني لموجدة وجدتها على قال لا قالت فأنشدك لما راجعتني فراجعها قالت فأني قد جعلت يومي وليلتي لعائشة حبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قوله " يومها ويوم سودة " لا نزاع أنه يجوز إذا كان يوم الواهبة واليا ليوم الموهوب لها بلا فصل أن يوالي الزوج بين اليومين للموهوب لها وأما إذا كان بينهما نوبة زوجة أخرى أو زوجات فقال العلماء أنه لا يقدمه عن رتبته في القسم الا برضا من بقي وهل يجوز للموهوب لها أن تمتنع عن قبول النوبة الموهوبة فإن كان قد قبل الزوج لم يجز لها الامتناع وإن لم يكن قد قبل لم يكره على ذلك حكى ذلك في الفتح عن العلماء قال وإن وهبت يومها لزوجها ولم تتعرض للضرة فهل له أن يخص واحدة إن كان عنده أكثر من أثنتين أو يوزعه بين من بقي قال وللواهبة في جميع الأحوال الرجوع عن ذلك متى أحبت لكن فيما يستقبل لا فيما مضى . قال في البحر وللواهبة الرجوع متى شاءت فيقضيها ما فوت بعد العلم برجوعها لا قبله . وحديث عائشة يدل على أنه يجوز للمرأة أن تهب يومها لضرتها وهو مجمع عليه كما في البحر والآية المذكورة تدل على أنه يجوز للمرأة أن تصالح زوجها إذا خافت منه أن يطلقها بما تراضيا عليه من اسقاط نفقته أو اسقاط قسمها أو هبة نوبتها أو غير ذلك مما يدخل تحت عموم الآية : قوله قال عطاء التي لا يقسم لها صفية . قد ذكر ابن القيم في أول الهدى عن الكلام على هديه صلى الله عليه وآله وسلم في النكاح والقسم ان هذا غلط وإن صفية إنما اسقطت نوبتها من القسمة مرة واحدة وقالت هل لك أن تطيب نفسك عني وأجعل يومي لعائشة أي ذلك اليوم بعينه في تلك المرة هذا معنى كلامه فليراجع فإنه لم يحضرني وقت الرقم (6/272)
( كتاب الطلاق ) (7/1)
( باب جوازه للحاجة وكراهته مع عدمها وطاعة الوالد فيه ) (7/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
- 1 - عن عمر بن الخطاب " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلق حفصة ثم راجعها "
- رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه وهو لأحمد من حديث عاصم بن عمر (7/1)
2 - وعن لقيط بن صبرة قال " قلت يا رسول الله إن لي امرأة فذكر من بذائها قال طلقها قلت إن لها صحبة وولدا قال مرها أو قل لها فإن يكن فيها خير ستفعل ولا تضرب ظعينتك ضربك أمتك "
- رواه أحمد وأبو داود (7/2)
3 - وعن ثوبان قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " أبغض الحلال إلى الله عز و جل الطلاق "
- رواه أبو داود وابن ماجه (7/2)
5 - وعن ابن عمر قال " كانت تحتي امرأة أحبها وكان أبي يكرهها فأمرني أن أطلقها فأبيت فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا عبد الله بن عمر طلق امرأتك "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي (7/2)
- حديث عمر بن الخطاب سكت عنه أبو داود والمنذري وحديث لقيط أخرجه أيضا البيهقي ورجاله رجال الصحيح . وحديث ثوبان حسنه الترمذي وذكر أن بعضهم لم يرفعه . وحديث ابن عمر الأول أخرجه أيضا الحاكم وصححه ورواه أيضا أبو داود وفي اسناد أبي داود يحيى بن سليم وفيه مقال والبيهقي مرسلا ليس فيه ابن عمر ورجح أبو حاتم والدارقطني المرسل وفي اسناده عبيد الله بن الوليد الوصافي وهو ضعيف ولكنه قد تابعه معرف بن واصل ورواه الدارقطني عن معاذ بلفظ " ما خلق الله شيئا أبغض إليه من الطلاق " قال الحافظ وإسناده ضعيف ومنقطع
وأخرج ابن ماجه وابن حبان من حديث أبي موسى مرفوعا " ما بال أحدكم يلعب بحدود الله يقول قد طلقت قد راجعت " وحديث ابن عمر الثاني قال الترمذي بعد اخراجه هذا حديث حسن صحيح إنما نعرفه من حديث ابن أبي ذئب انتهى
قوله : " طلق حفصة " قال في الفتح الطلاق في اللغة حل الوثاق مشتق من الإطلاق وهو الإرسال والترك وفلان طلق اليد بالخير أي كثير البذل وفي الشرع حل عقدة التزويج فقط وهو موافق لبعض أفراد مدلوله اللغوي
قال إمام الحرمين هو لفظ جاهلي ورد الشرع بتقريره وطلقت المرأة بفتح الطاء وضم اللام وبفتحها أيضا وهو أفصح وطلقت أيضا بضم أوله وكسر اللام الثقيلة قال خففت فهي خاص بالولادة والمضارع فيهما بضم اللام والمصدر في الولادة طلقا ساكنة اللام فهي طالق فيهما ثم الطلاق قد يكون حراما ومكروها وواجبا ومندوبا وجائزا أما الأول ففيما إذا كان بدعيا وله صور
وأما الثاني ففيما إذا وقع بغير سبب مع استقامة الحال
وأما الثالث ففي صور منها الشقاق إذا رأى ذلك الحكمان
وأما الرابع ففيما إذا كانت غير عفيفة
وأما الخامس فنفاه النووي وصوره غيره بما إذا كان لا يريدها ولا تطيب نفسه أن يتحمل مؤنتها من غير حصول غرض الاستمتاع فقد صرح الإمام أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره انتهى
وفي حديث عمر هذا دليل على أن الطلاق في هذه الصورة لا يكره انتهى
وفي حديث عمر هذا دليل على أن الطلاق يجوز للزوج من دون كراهة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما يفعل ما كان جائزا من غير كراهة ولا يعارض هذا حديث " أبغض الحلال إلى الله " الخ لأن كونه أبغض الحلال لا يستلزم أن يكون مكروها كراهة أصولية
قوله : " طلقها " فيه يحسن طلاق من كانت بذية اللسان ويجوز امساكها ولا يحل ضربها كضرب الأمة وقد تقدم الكلام على ذلك
قوله : " فحرام عليها رائحة الجنة " فيه دليل على أن سؤال المرأة الطلاق من زوجها محرم عليها تحريما شديدا لأن من لم يرح رائحة الجنة غير داخل لها أبدا وكفى بذنب يبلغ بصاحبه إلى ذلك المبلغ مناديا على فظاعته وشدته
قوله : " أبغض الحلال إلى الله " الخ فيه دليل على أن ليس كل حلال محبوبا بل ينقسم إلى ما هو محبوب وإلى ما هو مبغوض
قوله : " طلق امرأتك " دليل صريح يقتضي أنه يجب على الرجل إذا أمره أبوه بطلاق زوجته أن يطلقها وإن كان يحبها فليس ذلك عذرا له في الإمساك ويلحق بالأب الأم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين أن لها من الحق على الولد ما يزيد على حق الأب كما في حديث " من أبر يا رسول الله فقال أمك ثم سأله فقال أمك ثم سأله فقال أمك وأباك " وحديث " الجنة تحت أقدام الأمهات " وغير ذلك (7/3)
( باب النهي عن الطلاق في الحيض وفي الطهر بعد أن يجامعها ما لم يبن حملها ) (7/3)
1 - عن ابن عمر " أنه طلق امرأته وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا "
- رواه الجماعة إلا البخاري (7/3)
- وفي رواية عنه " أنه طلق امرأة له وهي حائض فذكر ذلك عمر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فتغيظ فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم قال ليراجعها ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة كما أمر الله تعالى " وفي لفظ " فتلك العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " رواه الجماعة إلا الترمذي فإن له منه إلى الأمر بالرجعة . ولمسلم والنسائي نحوه وفي آخره قال ابن عمرو " قرأ النبي صلى الله عليه وآله وسلم { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } وفي رواية متفق عليها " وكان عبد الله طلق تطليقة فحسبت من طلاقها " وفي رواية " كان ابن عمر إذا سئل عن ذلك قال لأحدهم أما إن طلقت امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرني بهذا وإن كنت طلقت ثلاثا فقد حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله عز و جل فيما أمرك به من طلاق امرأتك " رواه أحمد ومسلم والنسائي
وفي رواية " أنه طلق امرأته وهي حائض تطليقة فانطلق عمر فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت فليتركها حتى تحيض فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها فإنها العدة التي أمر الله أن يطلق لها النساء " رواه الدارقطني وفيه تنبيه على تحريم الوطء والطلاق قبل الغسل (7/4)
2 - وعن عكرمة قال " قال ابن عباس الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فأما اللذان هما حلال فأن يطلق الرجل امرأته طاهرا من غير جماع أو يطلقها حاملا مستبينا حملها وأما اللذان هما حرام فأن يطلقها حائضا أو يطلقها عند الجماع لا يدري اشتمل الرحم على ولد أم لا "
- رواه الدارقطني (7/4)
- قوله " طلق امرأته " اسمها أمنة بنت غفار كما حكاه جماعة منهم النووي وابن باطش . وغفار بكسر الغين المعجمة وتخفيف الفاء وفي مسند أحمد أن اسمها النوار
قوله : " وهي حائض " في رواية " وهي في دمها حائض " وفي أخرى للبيهقي " أنه طلقها في حيضها " قوله " فذكر ذلك عمر " قال ابن العربي سؤال عمر محتمل لأن يكون ذلك لكونهم لم يروا قبلها مثلها فسأله ليعلم ويحتمل أن يكون لما رأى في القرآن { فطلقوهن لعدتهن } ويحتمل أن يكون سمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم النهي فجاء ليسأل عن الحكم بعد ذلك
قوله : " مره فليراجعها " قال ابن دقيق العيد يتعلق بذلك مسألة أصولية وهي أن الأمر بالأمر بالشيء هل هو أمر بذلك الشيء أو لا فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لعمر مره والمسألة معروفة في كتب الأصول والخلاف فيها مشهور
وقد ذكر الحافظ في الفتح أن من مثل بهذا الحديث لهذه المسألة فهو غالط فإن القرينة واضحة في أن عمر في هذه الكائنة كان مأمورا بالتبليغ ولهذا وقع في رواية أيوب عن نافع فأمره أن يراجعها إلى آخر كلام صاحب الفتح . وظاهر الأمر الوجوب فتكون مراجعة من طلقها زوجها على تلك الصفة واجبة وقد ذهب إلى ذلك مالك وأحمد في رواية والمشهور عنه وهو قول الجمهور الاستحباب فقط قال في الفتح واحتجوا بأن ابتداء النكاح لا يجب فاستدامته كذلك لكن صحح صاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة والحجة لمن قال بالوجوب ورود الأمر بها ولأن الطلاق لما كان محرما في الحيض كانت استدامة النكاح فيه واجبة واتفقوا على أنه لو طلق قبل الدخول وهي حائض لم يؤمر بالمراجعة إلا ما نقل عن زفر وحكى ابن بطال وغيره الاتفاق إذا انقضت العدة أنه لا رجعة والاتفاق أيضا على أنه إذا طلقها في طهر قد مسها فيه لم يؤمر بالمراجعة وتعقب الحافظ ذلك بثبوت الخلاف فيه كما حكاه الحناطي من الشافعية وجها
قوله : " ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا " ظاهره جواز الطلاق حال الطهر ولو كان هو الذي يلي الحيضة التي طلقها فيها وبه قال أبو حنيفة وهو إحدى الروايتين عن أحمد وأحد الوجهين عن الشافعية وذهب أحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعية في الوجه الآخر وأبو يوسف ومحمد إلى المنع وحكاه صاحب البحر عن القاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وفيه نظر فإن الذي في كتب الحنفية هو ما ذكرناه من الجواز عن أبي حنيفة والمنع عن أبي يوسف ومحمد واستدل القائلون بالجواز بظاهر الحديث وبأن المنع إنما كان لأجل الحيض فإذا طهرت زال موجب التحريم فجاز الطلاق في ذلك الطهر كما يجوز في غيره من الأطهار واستدل المانعون بما في الرواية الثانية من حديث الباب المذكور بلفظ " ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض فتطهر " الخ وكذلك قوله في الرواية الأخرى " مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت " الخ
قوله : " فتغيظ " قال ابن دقيق العيد تغيظ النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما لأن المعنى الذي يقتضي المنع كان ظاهرا فكان مقتضى الحال التثبت في ذلك أو لأنه كان مقتضى الحال مشاورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك إذا عزم عليه
قوله : " ثم يمسكها " أي يستمر بها في عصمته حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر
وفي رواية للبخاري " ثم ليدعها حتى تطهر ثم تحيض حيضة أخرى فإذا طهرت فليطلقها " قال الشافعي غير نافع إنما روي " حتى تطهر من الحيضة التي طلقها فيها ثم إذا شاء أمسكها وإن شاء طلق " رواه يونس ابن جبير وابن سيرين وسالم
قال الحافظ وهو كما قال لكن رواية الزهري عن سالم موافقة لرواية نافع وقد نبه على ذلك أبو داود والزيادة من الثقة مقبولة ولا سيما إذا كان حافظا ( وقد اختلف ) في الحكمة في الأمر بالإمساك كذلك فقال الشافعي يحتمل أن يكون أراد بذلك أي بما في رواية نافع أن يستبرئها بعد الحيضة التي طلقها فيها بطهر تام ثم حيض تام ليكون تطليقها وهي تعلم عدتها إما بحمل أو بحيض أو ليكون تطليقها بعد علمه بالحمل وهو غير جاهل بما صنع أو ليرغب في الحمل إذا انكشفت حاملا فيمسكها لأجله
وقيل في الحكمة في ذلك أن لا تصير الرجعة لغرض الطلاق فإذا أمسكها زمانا يحل له فيه طلاقها ظهرت فائدة الرجعة لأنه قد يطول مقامه معها فيجامعها فيذهب ما في نفسه فيمسكها
قوله : " قبل أن يمسها " استدل بذلك على أن الطلاق في طهر جامع فيه حرام وبه صرح الجمهور وهل يجبر على الرجعة إذا طلقها في طهر وطئها فيه كما يجبر إذا طلقها حائضا قال بذلك بعض المالكية والمشهور عندهم الإجبار إذا طلق في الحيض لا إذا طلق في طهر وطئ فيه وقال داود يجبر إذا طلقها حائضا نفساء قال في الفتح واختلف الفقهاء في المراد بقوله طاهرا هل المراد انقطاع الدم أو التطهر بالغسل على قولين وهما روايتان عن أحمد والراجح الثاني لما أخرجه النسائي بلفظ " مر عبد الله فليراجعها فإذا اغتسلت من حيضتها الأخرى فلا يمسها حتى يطلقها وإن شاء أن يمسكها فليمسكها " وهذا مفسر لقوله ( فإذا طهرت ) فليحمل عليه وقد تمسك بقوله أو حاملا من قال بأن طلاق الحامل سني وهم الجمهور
وروي عن أحمد أنه ليس بسني
قوله : " فحسبت من طلاقها " بضم الحاء المهملة من الحسبان
وفي لفظ البخاري حسبت علي بتطليقة وأخرجه أبو نعيم كذلك وزاد يعني حين طلق امرأته فسأل عمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تمسك بذلك من قال بأن الطلاق البدعي يقع وهم الجمهور . وذهب الباقر والصادق وابن حزم وحكاه الخطابي عن الخوارج والروافض إلى أنه لا يقع . وحكاه ابن العربي وغيره عن ابن عليه يعني إبراهيم ابن إسماعيل بن علية وهو من فقهاء المعتزلة
قال ابن عبد البر لا يخالف في ذلك إلا أهل البدع والضلال
قال وروي مثله عن بعض التابعين وهو شذوذ وقد أجاب ابن حزم عن قول ابن عمر المذكور بأنه لم يصرح بمن حسبها عليه ولا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأنه مثل قول الصحابة أمرنا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكذا فإنه في حكم المرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحافظ وعندي أنه لا ينبغي أن يجيء فيه الخلاف الذي في قول الصحابي أمرنا بكذا فإن ذلك محله حيث يكون اطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم عل ذلك ليس صريحا وليس كذلك في قصة ابن عمر هذه فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو الآمر بالمراجعة وهو المرشد لابن عمر فيما يفعل إذا أراد طلاقها بعد ذلك وإذا أخبر عمر أن الذي وقع منه حسب عليه بتطليقة كان احتمال أن يكون الذي حسبها عليه غير النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعيدا جدا مع احتفاف القرائن في هذه القصة بذلك وكيف يتخيل أن ابن عمر يفعل في القصة شيئا برأيه وهو ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تغيظ من صنعه حيث لم يشاوره فيما يفعل في القصة المذكورة . واستدل الجمهور أيضا بما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هي واحدة
قال في الفتح وهذا نص في محل النزاع يجب المصير إليه وقد أورده بعض العلماء على أن ابن حزم فأجابه بأن قوله هي واحدة لعله ليس من كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فألزمه بأنه نقض أصله لأن الأصل لا يدفع بالاحتمال وقد أجاب ابن القيم عن هذا الحديث بأنه لا يدري أقاله يعني قوله هي واحدة ابن وهب من عنده أم ابن أبي ذثب أم نافع فلا يجوز أن يضاف إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لا يتيقن أنه من كلامه ولا يخفى أن هذا التجويز لا يدفع الظاهر المتبادر من الرفع ولو فتحنا باب دفع الأدلة بمثل هذا ما سلم لنا حديث فالأولى في الجواب المعارضة لذلك بما سيأتي ( ومن حجج ) الجمهور ما أخرجه الدارقطني أيضا " أن عمر قال يا رسول الله أفتحتسب بتلك التطليقة قال نعم " ورجاله إلى شعبة ثقات كما قال الحافظ وشعبة رواه عن أنس بن سيرين عن ابن عمر واحتج الجمهور أيضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم راجعها فإن الرجعة لا تكون إلا بعد طلاق وأجاب ابن القيم عن ذلك بأن الرجعة قد وقعت في كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ثلاثة معان : أحدها بمعنى النكاح قال الله تعالى { فإن طلقها فلا جناح عليهما أن يتراجعا } ولا خلاف بين أحد من أهل العلم أن المطلق ههنا هو الزوج الثاني وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول وذلك كابتداء النكاح وثانيها الرد الحسن إلى الحالة الأولى التي كانت عليها أو لا كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لأبي النعمان بن بشير لما أنحل ابنه غلاما خصه به دون ولده " أرجعه " أيرده فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة . والثالث الرجعة التي تكون بعد الطلاق ولا يخفى أن الاحتمال يوجب سقوط الاستدلال ولكنه يؤيد حمل الرجعة هنا على الرجعة بعد الطلاق ما أخرجه الدارقطني عن ابن عمر " أن رجلا قال إني طلقت امرأتي البتة وهي حائض فقال عصيت ربك وفارقت امرأتك قال فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر ابن عمر أن يراجع امرأته قال إنه أمر ابن عمر أن يراجعها بطلاق بقي له وأنت لم تبق ما ترتجع به امرأتك
قال الحافظ وفي هذا السياق رد على من حمل الرجعة في قصة ابن عمر على المعنى اللغوي ولكنه لا يخفى أن هذا على فرض دلالته على ذلك لا يصلح للاحتجاج به لأن مجرد فهم ابن عمر لا يكون حجة وقد تقرر أن معنى الرجعة لغة أعم من المعنى الاصطلاحي ولم يثبت أنه ثبت فيها حقيقة شرعية يتعين المصير إليها . ومن حجج القائلين بعدم الوقوع أثر ابن عباس المذكور في الباب ولا حجة لهم في ذلك لأنه قول صحابي ليس بمرفوع ومن جملة ما احتج به القائلون بعدم وقوع الطلاق البدعي ما أخرجه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عمر بلفظ " طلق عبد الله بن عمر امرأته وهي حائض قال عبد الله فردها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يرها شيئا " قال الحافظ وإسناد هذه الزيادة على شرط الصحيح وقد صرح ابن القيم وغيره بأن هذا الحديث صحيح لأنه رواه أبو داود عن أحمد بن صالح عن عبد الرزاق عن ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير " أنه سمع عبد الرحمن بن أيمن مولى عزة يسأل ابن عمر كيف ترى في رجل طلق امرأته حائضا فقال ابن عمر طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأل عمر عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أن عبد الله طلق امرأته وهي حائض قال عبد الله فردها علي ولم يرها شيئا " الحديث فهؤلاء رجال ثقات أئمة حفاظ وقد أخرجه أحمد عن روح ابن عبادة عن ابن جريج ولكنه قد أعل هذا الحديث بمخالفة أبي الزبير لسائر الحفاظ قال أبو داود روى هذا الحديث عن ابن عمر جماعة وأحاديثهم على خلاف ما قال أبو الزبير وقال ابن عبد البر قوله ولم يرها شيئا منكر لم يقله غير أبي الزبير وليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف إذا خالفه من هو أوثق منه ولو صح فمعناه عندي والله أعلم ولم يرها شيئا مستقيما لكونها لم تكن عن السنة
وقال الخطابي قال أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا وقد يحتمل أن يكون معناه ولم يرها شيئا تحرم معه المراجعة أو لم يرها شيئا جائزا في السنة ماضيا في الاختيار
وقد حكى البيهقي عن الشافعي نحو ذلك ويجاب بأن أبا الزبير غير مدفوع في الحفظ والعدالة وإنما يخشى من تدليسه فإذا قال سمعت أو حدثني زال ذلك وقد صرح هنا بالسماع وليس في الأحاديث الصحيحة ما يخالف حديث أبي الزبير حتى يصار إلى الترجيح ويقال قد نخالفه الأكثر بل غاية ما هناك الأمر بالمراجعة على فرض استلزامه لوقوع الطلاق وقد عرفت اندفاع ذلك على أنه لو سلم ذلك الاستلزام لم يصلح لمعارضة النص الصريح أعني ولم يرها شيئا على أنه يؤيد رواية أبي الزبير ما أخرجه سعيد بن منصور من طريق عبد الله بن مالك عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس ذلك بشيء وقد روى ابن حزم في المحلى بسنده المتصل إلى ابن عمر من طريق عبد الوهاب الثقفي عن عبيد الله ابن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض لا يعتد بذلك وهذا إسناد صحيح وروى ابن عبد البر عن الشعبي أنه قال إذا طلق امرأته وهي حائض لم يعتد بها في قول ابن عمر
وقد روي زيادة أبي الزبير الحميدي في الجمع بين الصحيحين وقد التزم أن لا يذكر فيه إلا ما كان صحيحا على شرطهما
وقال ابن عبد البر في التمهيد أنه تابع أبا الزبير على ذلك أربعة عبد الله بن عمر ومحمد بن عبد العزيز ابن أبي داود ويحيى بن سليم وإبراهيم بن أبي حسنة ولا شك أن رواية عدم الاعتداد بتلك الطلقة أرجح من رواية الاعتداد المتقدمة فإذا صرنا إلى الترجيح بناء على تعذر الجمع فرواية عدم الاعتداد أرجح لما سلف ويمكن أن يجمع بما ذكره ابن عبد البر ومن معه كما تقدم
قال في الفتح وهو متعين وهو أولى من تغليط بعض الثقات وقد رجح ما ذهب إليه من قال بعدم الوقوع بمرجحات منها قوله تعالى { يأيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } والمطلق في حال الحيض أو الطهر الذي وطئ فيه لم يطلق بتلك العدة التي أمر الله بتطليق النساء لها كما صرح بذلك الحديث المذكور في الباب وقد تقرر في الأصول أن الأمر بالشيء نهي عن ضده والمنهي عنه نهيا لذاته أو لجزئه أو لوصفه اللازم يقتضي الفساد والفاسد لا يثبت حكمه . ومنها قول الله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } ولا أقبح من التسريح الذي حرمه الله ومنها قوله تعالى { الطلاق مرتان } ولم يرد إلا المأذون فدل على أن ما عداه ليس بطلاق لما في هذا التركيب من الصيغة الصالحة للحصر أعني تعريف المسند إليه باللام الجنسية . ومنها قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وهو حديث صحيح شامل لكل مسألة مخالفة لما عليه أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومسألة النزاع من هذا القبيل فإن الله لم يشرع هذا الطلاق ولا أذن فيه فليس من شرعه وأمره وممن ذهب إلى هذا المذهب أعني عدم وقوع البدعي شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم وأطال الكلام عليها في الهدى والحافظ محمد ابن إبراهيم الوزير وألف فيها رسالة طويلة في مقدار كراستين في القطع الكامل وقد جمعت فيها رسالة مختصرة مشتملة على الفوائد المذكورة في غيرها (7/4)
( باب ما جاء في طلاق البتة وجمع الثلاث واختيار تفريقها ) (7/5)
1 - عن ركانة ابن عبد الله " أنه طلق امرأته سهيمة البتة فأخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك فقال والله ما أردت إلا واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله ما أردت إلا واحدة قال ركانة والله ما أردت إلا واحدة فردها إليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وطلقها الثانية في زمان عمر بن الخطاب والثالثة في زمن عثمان "
- رواه الشافعي وأبو داود والدارقطني
وقال قال أبو دواد هذا حديث حسن صحيح (7/5)
- الحديث أخرجه أيضا الترمذي وصححه أيضا ابن حبان والحاكم قال الترمذي لا يعرف إلا من هذا الوجه وسألت محمدا عنه يعني البخاري فقال فيه اضطراب انتهى
وفي إسناده الزبير بن سعيد الهاشمي وقد ضعفه غي واحد وقيل إنه متروك وذكر الترمذي عن البخاري إنه يضطرب فيه تارة يقال فيه ثلاثا وتارة قيل واحدة وأصحها أنها طلقها البتة وأن الثلاث ذكرت فيه على المعني
قال ابن كثير لكن قد رواه أبو داود من وجه آخر وله طرق أخر فهو حسن إن شاء الله
وقال ابن عبد البر في التمهيد تكلموا في هذا الحديث انتهى . وهو مع ضعفه مضطرب ومعارض أما الاضطراب فكما تقدم وقد أخرج أحمد أنه طلق ركانة امرأته في مجلس واحد ثلاثا فحزن عليها وروى ابن إسحاق عن ركانة أنه قال " يا رسول الله إني طلقتها ثلاثا قال قد علمت أرجعها ثم تلا إذا طلقتم النساء " الآية أخرجه أبو داود وأما معارضته فبما روى ابن عباس أن طلاق الثلاث كان واحدة وسيأتي وهو أصح إسنادا وأوضح متنا
وروى النسائي عن محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان ثم قال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى قام رجل فقال يا ر سول الله ألا أقتله " قال ابن كثير إسناده جيد
وقال الحافظ في بلوغ المرام رواته موثقون (7/5)
- ( وفي الباب ) عن ابن عباس " قال طلق أبو ركانة أم ركانة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم راجع امرأتك فقال إني طلقتها ثلاثا قال قد علمت راجعها " أخرجه أبو داود ورواه أحمد والحاكم وهو معلول بابن إسحاق فإنه في سنده (7/6)
- ( والحديث ) يدل على أن من طلق بلفظ البتة وأراد واحدة كانت واحدة وإن أراد ثلاثا كانت ثلاثا ورواية ابن عباس التي ذكرناها أنه أعني ركانة طلقها ثلاثا فأمره صلى الله عليه وآله وسلم بمراجعتها يدل على أن من طلق ثلاثا دفعة كانت في حكم الواحدة وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ما هو الحق
قوله : " فقال صلى الله عليه وآله وسلم والله ما أردت إلا واحدة " الخ فيه دليل على أنه لا يقبل قول من طلق زوجته بلفظ البتة ثم زعم أنه أراد واحدة إلا بيمين ومثل هذا كل دعوى يدعيها الزوج راجعة إلى الطلاق إذا كان له فيها نفع (7/6)
2 - وعن سهل بن سعد " قال لما لاعن أخو بني عجلان امرأته قال يا رسول الله ظلمتها إن أمسكتها هي الطلاق وهي الطلاق وهي الطلاق "
رواه أحمد (7/6)
3 - وعن الحسن " قال حدثنا عبد الله بن عمر أن طلق امرأته تطليقة وهي حائض ثم أراد أن يتبعها بتطليقتين آخرتين عند القرءين فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا ابن عمر ما هكذا أمرك الله تعالى إنك قد أخطات السنة والسنة أن تستقبل الطهر فتطلق لكل قرء وقال فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فراجعتها ثم قال إذا هي طهرت فطلق عند ذلك أو أمسك فقلت يا رسول الله أرايت لو طلقتها ثلاثا أكان يحل لي أن أراجعها قال لا كانت تبين منك وتكون معصية "
- رواه الدارقطني (7/7)
- حديث سهل بن سعد هو عند الجماعة إلا الترمذي بلفظ " فلما فرغا قال عويمر كذبت عليك يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكانت سنة المتلاعنين " وسيأتي في كتاب اللعان والغرض من إيراده ههنا أن الثلاث إذا وقعت في موقف واحد وقعت كلها وبانت الزوجة وأجاب القائلون بأنها لا تقع إلا واحدة فقط عن ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما سكت عن ذلك لأن الملاعنة تبين بنفس اللعان فالطلاق الواقع من الزوج بعد ذلك لا محل له فكأنه طلق أجنبية ولا يجب انكار مثل ذلك فلا يكون السكوت عنه تقريرا . وحديث الحسن في اسناده عطاء الخرساني وهو مختلف فيه وقد وثقه الترمذي وقال النسائي وأبو حاتم لا بأس به وكذبه سعيد بن المسيب وضعفه غير واحد
وقال البخاري ليس فيمن روى عنه مالك من يستحق الترك غيره
وقال شعبة كان نسيا
وقال ابن حبان كان من خيار عباد الله غير أنه كان كثير الوهم سيء الحفظ يخطئ ولا يدري فلما كثر ذلك في روايته بطل الاحتجاج به وأيضا الزيادة التي هي محل الحجة أعني قوله " أرايت لو طلقتها " الخ مما تفرد به عطاء وخالف فيها الحفاظ فانهم شاركوه في أصل الحديث ولم يذكروا الزيادة وأيضا في إسنادها شعيب بن زريق الشامي وهو ضعيف
وقد استدل القائلون بأن الثلاث تقع بأحاديث من جملتها هذا الحديث وأجاب عنه القائلون بأنها تقع واحدة فقط بعدم صلاحيته للاحتجاج لما سلف على أن لفظ الثلاث محتمل (7/7)
4 - وعن حماد بن زيد قال " قلت لأيوب هل علمت أحد قال في أمرك بيدك أنها ثلاث إلا الحسن قال لا ثم قال اللهم غفرا إلا ما حدثني قتادة عن كثير مولى ابن سمرة عن أبي سلمة عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاث قال أيوب فلقيت كثيرا مولى ابن سمرة فسألته فلم يعرفه فرجعت إلى قتادة فأخبرته فقال نسي "
رواه أبو داود والترمذي وقال هذا حديث لا نعرفه إلا من حديث سليمان بن حرب عن حماد بن زيد (7/7)
5 - وعن زرارة بن ربيعة عن أبيه عن عثمان " في أمرك بيدك القضاء ما قضت "
- رواه البخاري في تاريخه (7/8)
6 - وعن علي " قال الخلية والبرية والبتة والبائن والحرام ثلاثا لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره "
- رواه الدارقطني (7/8)
7 - وعن ابن عمر " أنه قال في الخلية والبرية ثلاثا ثلاثا "
- رواه الشافعي (7/8)
8 - وعن يونس بن يزيد قال " سألت ابن شهاب عن رجل جعل أمر امرأته بيد أبيه قبل أن يدخل بها فقال أبوه هي طالق ثلاثا كيف السنة في ذلك فقال أخبرني محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان مولى بن عامر بن لؤي أن محمد بن اياس بن بكر الليثي وكان أبوه شهد بدرا أخبره أن أبا هريرة قال بانت عنه فلا تحل له حتى تنكح زوجا غيره وأنه سأل ابن عباس عن ذلك فقال مثل قول أبي هريرة وسأل عبد الله بن عمرو بن العاص فقال مثل قولهما "
- رواه أبو بكر البرقاني في كتابه المخرج على الصحيحين (7/9)
9 - وعن مجاهد قال " كنت عند ابن عباس فجاءه رجل فقال أنه طلق امرأته ثلاثا فسكت حتى ظننت أنه رادها إليه ثم قال ينطلق أحدكم فيركب الحموقة ثم يقول يا ابن عباس يا ابن عباس وإن الله قال { ومن يتق الله يجعل له مخرجا } وإنك لم تتق الله فلم أجد لك مخرجا عصيت ربك فبانت منك امرأتك وإن الله قال { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن }
- رواه أبو داود (7/9)
10 - وعن مجاهد عن ابن عباس " أنه سئل عن رجل طلق امرأته مائة قال عصيت ربك وفارقت امرأتك لم تتق الله فيجعل لك مخرجا " (7/9)
11 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أن رجلا طلق امرأته ألفا قال يكفيك من ذلك ثلاث وتدع تسعمائة وسبعا وتسعين " (7/10)
12 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس " أنه سئل عن رجل طلق امرأته عدد النجوم فقال أخطأ السنة وحرمت عليه امرأته "
- رواهن الدارقطني (7/10)
- وهذا كله يدل على إجماعهم على صحة وقوع الثلاث بالكلمة الواحدة
وقد روى طاوس عن ابن عباس قال " كان الطلاق على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة فقال عمر بن الخطاب إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية عن طاوس " أن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من هناتك ألم يكن طلاق الثلاث على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر واحدة قال قد كان ذلك فلما كان في عهد عمر تتابع الناس في الطلاق فأجازه عليهم "
- رواه مسلم
وفي رواية " أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر قال ابن عباس بلى كان الرجل إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدرا من إمارة عمر فلما رأى الناس قد تتابعوا فيها قال أجيزوهن عليهم "
- رواه أبو داود (7/10)
- حديث حماد بن زيد أخرجه أيضا النسائي . وحكى الترمذي عن البخاري أنه قال إنما هو عن أبي هريرة موقوفا ولم يعرف حديث أبي هريرة مرفوعا
وقال النسائي هذا حديث منكر وأما إنكار الشيخ أنه حدث بذلك فإن كان على طريقة الجزم كما وقع في رواية أبي داود بلفظ قال أيوب فقدم علينا كثير فسألته فقال ما حدثت بهذا قط فذكرته لقتادة فقال بلى ولكنه نسي انتهى . فلا شك أنه علة قادحة وإن لم تكن على طريقة الجزم بل عدم معرفة ذلك الحديث وعدم ذكر الجملة والتفصيل بدون تصريح بالإنكار كما في الرواية المذكورة في الباب فليس ذلك مما يعد قادحا في الحديث وقد بين هذا في علم اصطلاح الحديث وقد استدل بهذا الحديث على أن من قال لامرأته أمرك بيدك كان ذلك ثلاثا وقد اختلف في قول الرجل لزوجته أمرك بيدك وأمرك إليك هل هو تصريح تمليك للطلاق أو كناية فحكى في البحر عن الحنفية والشافعية ومالك أنه صريح فلا يقبل قول الزوج بعد ذلك أنه أراد التوكيل وذهب المؤيد بالله والهادوية إلى أنه كناية تمليك فيقبل قول الزوج أنه أراد التوكيل
قوله : " قال الخلية " الخ هذه الألفاظ من ألفاظ الطلاق الصريح وأما كونها بمنزلة إيقاع ثلاث تطليقات فقد تقدم في لفظ البتة ما يدل على أنه بمنزلة الطلاق الثلاث إلا أن يحلف الزوج أنه ما أراد به إلا واحدة فيمكن أن يكون علي رضي الله عنه ألحق به بقية الألفاظ المذكورة وأما لفظ الحرام فسيأتي الكلام عليه في باب من حرم زوجته أو أمته من كتاب الظهار قوله " فطلقوهن في قبل عدتهن " هذا الأثر إسناده صحيح كما قال صاحب الفتح وأخرج له أبو داود متابعات عن ابن عباس وذكر نحو الآثار التي عزاها المصنف إلى الدارقطني وقد أخرج عبد الرزاق عن عمر أنه رفع إليه رجل طلق امرأته ألفا فقال له عمر أطلقت امرأتك قال لا إنما كنت ألعب فعلاه عمر بالدرة وقال إنما يكفيك من ذلك ثلاث
وروى وكيع عن علي رضي الله عنه وعثمان نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق والبيهقي عن ابن مسعود أنه قيل له إن رجلا طلق امرأته البارحة مائة قال قلتها مرة واحدة قال نعم قال تريدان تبيين منك امرأتك قال نعم قال هو كما قلت وأتاه آخر فقال رجل طلق امرأته عدد النجوم قال قلتها مرة واحدة قال نعم قال تريدان تبيين منك امرأتك قال نعم قال هو كما قلت والله لا تلبسون على أنفسكم وتتحمله عنكم
قوله : " أناة " في الصحاح أنه على وزن قناة وفي القاموس والأناة كقناة الحلم والوقار
قوله : " من هناتك " جمع هن كأخ وهو الشيء يقول هذا هنك أي شيئك هذا معنى ما في القاموس فكأن أبا الصهباء قال لابن عباس هات من الأشياء العلمية التي عندك
قوله : " تتابع الناس " بتاءين فوقيتين بعد الألف مثناة تحتية بعدها عين مهملة وهو الوقوع في الشر من غير تماسك ولا توقف واعلم أنه قد وقع الخلاف في الطلاق الثلاث إذا أوقعت في وقت واحد هل يقع جميعها ويتبع الطلاق الطلاق أم لا فذهب جمهور التابعين وكثير من الصحابة وأئمة المذاهب الأربعة وطائفة من أهل البيت منهم أمير المؤمنين علي رضي الله عنه والناصر والإمام يحيى حكى ذلك عنهم في البحر وحكاه أيضا عن بعض الامامية إلى أن الطلاق يتبع الطلاق وذهبت طائفة من أهل العلم إلى أن الطلاق لا يتبع الطلاق بل يقع واحدة فقط
وقد حكى ذلك صاحب البحر عن أبي موسى ورواية عن علي عليه السلام وابن عباس وطاوس وعطاء وجابر بن زيد والهادي والقاسم والباقر والناصر وأحمد بن عيسى وعبد الله بن موسى بن عبد الله ورواية عن زيد بن علي وإليه ذهب جماعة من المتأخرين منهم ابن تيمية وابن القيم وجماعة من المحققين وقد نقله ابن مغيث في كتاب الوثائق عن محمد بن وضاح ونقل الفتوى بذلك عن جماعة من مشايخ قرطبة كمحمد بن بقي ومحمد بن عبد السلام وغيرهما ونقله ابن المنذري عن أصحاب ابن عباس كعطاء وطاوس وعمرو بن دينار وحكاه ابن مغيث أيضا في ذلك الكتاب عن علي رضي الله عنه وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف والزبير وذهب بعض الامامية إلى أنه لا يقع بالطلاق المتتابع شيء لا واحدة ولا أكثر منها وقد حكى ذلك عن بعض التابعين
وروى عن ابن عليه وهشام ابن الحكم وبه قال أبو عبيدة وبعض أهل الظاهر وسائر من يقول أن الطلاق البدعي لا يقع لأن الثلاث بلفظ واحد أو ألفاظ متتابعة منه وعدم وقوع البدعي هو أيضا مذهب الباقر والصادق والناصر وذهب جماعة من أصحاب ابن عباس وإسحاق بن راهويه أن المطلقة إن كانت مدخولة وقعت الثلاث وإن لم تكن مدخولة فواحدة ( استدل القائلون ) بأن الطلاق يتبع الطلاق بأدلة منها قوله تعالى { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وظاهرها جواز إرسال الثلاث أو الثنتين دفعة أو مفرقة ووقوعها قال الكرماني إن قوله { الطلاق مرتان } يدل على جواز جمع الثنتين وإذا جاز جمع الثنتين دفعة جاز جمع الثلاث وتعقبه الحافظ بأنه قياس مع الفارق لأن جمع الثنتين لا يستلزم البينونة الكبرى بخلاف الثلاث
وقال الكرماني إن التسريح بإحسان عام يتناول إيقاع الثلاث دفعة وتعقب بأن التسريح في الآية إنما هو بعد إيقاع الثنتين فلا يتناول إيقاع الثلاث دفعة
وقد قيل إن هذه الآية من أدلة عدم التتابع لأن ظاهرها أن الطلاق المشروع لا يكون بالثلاث دفعة بل على الترتيب المذكور وهذا أظهر واستدلوا أيضا بظواهر سائر الآيات القرآنية نحو قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } وقوله تعالى { وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن } وقوله تعالى { ولا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن } وقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف }
ولم يفرق في هذه الآيات بين إيقاع الواحدة والثنتين والثلاث وأجيب بأن هذه عمومات مخصصة وإطلاقات مقيدة بما ثبت من الأدلة الدالة على المنع من وقوع فوق الواحدة واستدلوا أيضا بحديث سهل بن سعد المتقدم في قضية عويمر العجلاني وقد قدمنا الجواب عن ذلك واستدلوا أيضا بالحديث المذكور بعده فيما تقدم من رواية الحسن وقد تقدم أيضا الجواب عنه واستدلوا أيضا بما أخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن يحيى بن العلاء عن عبد الله بن الوليد الوصافي عن إبراهيم بن عبد الله بن عبادة بن الصامت قال " طلق جدي امرأة له ألف تطليقة فانطلق إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر له ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما اتقى الله جدك أما ثلاث فله وأما تسعمائة وسبع وتسعون فعدوان وظلم إن شاء عذبه وإن شاء غفر له " وفي رواية " إن أباك لم يتق الله ليجعل له مخرجا بانت منه بثلاث على غير السنة وتسعمائة وسبع وتسعون إثم في عنقه " وأجيب بأن يحيى بن العلاء ضعيف وعبيد الله بن الوليد هالك وإبراهيم بن عبيد الله مجهول فأي حجة في رواية ضعيف عن هالك عن مجهول ثم والد عبادة بن الصامت لم يدرك الإسلام فكيف بجده واستدلوا أيضا بما في حديث ركانة السابق أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استحلفه أنه ما أراد إلا واحدة وذلك يدل على أنه لو أراد الثلاث لوقعت ويجاب بأن أثبت ما روي في قصة ركانة أنه طلقها البتة لا ثلاثا وأيضا قد تقدم في رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لها أرجعها بعد أن قال له أنه طلقها ثلاثا . وأيضا قد تقدم فيه من المقال ما لا ينتهض معه للاستدلال
( واستدل القائلون ) بأنه لا يقع من المتعدد إلا واحدة بما وقع في حديث ابن عباس عن ركانة " أنه طلق امرأته ثلاثا في مجلس واحد فحزن عليها حزنا شديدا فسأله النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف طلقتها فقال ثلاثا في مجلس واحد فقال له صلى الله عليه وآله وسلم إنما تلك واحدة فارتجعها " أخرجه أحمد وأبو يعلى وصححه وأجيب عن ذلك بأجوبة منها أن في إسناده محمد بن إسحاق ورد بأنهم قد احتجوا في غير واحد من الأحكام بمثل هذا الإسناد ومنها معارضته لفتوى ابن عباس المذكورة في الباب ورد بأن المعتبر روايته لا رأيه ومنها أن أبا داود رجح أن ركانة إنما طلق امرأته البتة كما تقدم ويمكن أن يكون من روى ثلاثا حمل البتة على معنى الثلاث وفيه مخالفة للظاهر والحديث نص في محل النزاع ( واستدلوا ) أيضا بحديث ابن عباس المذكور في الباب أن الطلاق كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى آخره وقد أجيب عنه بأجوبة منها ما نقله المصنف رحمه الله في هذا الكتاب بعد إخراجه له ولفظه وقد اختلف الناس في تأويل هذا الحديث فذهب بعض التابعين إلى ظاهره في حق من لم يدخل بها كما دلت عليه رواية أبي داود وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق بأن يقول أنت طالق أنت طالق أنت طالق فإنه يلزمه واحدة إذا قصد التوكيد وثلاث إذا قصد تكرير الإيقاع فكان الناس في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر على صدقهم وسلامتهم وقصدهم في الغائب الفضيلة والاختيار ولم يظهر فيهم خب ولا خداع وكانوا يصدقون في إرادة التوكيد فلما رأى عمر في زمانه أمور ظهرت وأحوالا تغيرت وفشا إيقاع الثلاث جملة بلفظ لا يحتمل التأويل ألزمهم الثلاث في صورة التكرير إذ صار الغالب عليهم قصدها وقد أشار إليه بقوله أن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة
وقال أحمد بن حنبل كل أصحاب ابن عباس رووا عنه خلاف ما قال طاوس سعيد بن جبير ومجاهد ونافع عن ابن عباس بخلافه وقال أبو داود في سننه صار قول ابن عباس فيما حدثنا أحمد بن صالح قال حدثنا عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ومحمد بن عبد الرحمن بن ثوبان عن محمد بن اياس أن ابن عباس وأبا هريرة وعبد الله بن عمرو بن العاص سئلوا عن البكر يطلقها زوجها ثلاثا فكلهم قال لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره انتهى كلام المصنف . وقوله وتأوله بعضهم على صورة تكرير لفظ الطلاق الخ هذا البعض الذي أشار إليه هو ابن سريج وقد ارتضى هذا الجواب القرطبي وقال النووي أنه أصح الأجوبة ولا يخفى أن من جاء بلفظ يحتمل التأكيد وادعى أنه نواه يصدق في دعواه ولو في آخر الدهر فكيف بزمن خير القرون ومن يليهم وإن جاء بلفظ لا يحتمل التأكيد لم يصدق إذا ادعى التأكيد من غير فرق بين عصر وعصر ويجاب عن كلام أحمد المذكور بأن المخالفين لطاوس من أصحاب ابن عباس إنما نقلوا عن ابن عباس رأيه وطاوس نقل عنه روايته فلا مخالفة وأما ما قاله ابن المنذر من أنه لا يظن بابن عباس أن يحفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ويفتي بخلافه فيجاب عنه بأن الاحتمالات المسوغة لترك الرواية والعدول إلى الرأي كثيرة منها النسيان ومنها قيام دليل عند الراوي لم يبلغنا ونحن متعبدون بما بلغنا دون ما لم يبلغ . وبمثل هذا يجاب عن كلام أبي داود المذكور (7/11)
- ( ومن الأجوبة ) من حديث ابن عباس المذكور ما نقله البيهقي عن الشافعي أنه قال يشبه أن يكون ابن عباس علم شيئا نسخ ويجاب بأن النسخ إن كان بدليل من كتاب أو سنة فما هو وإن كان بالإجماع فأين هو على أنه يبعد أن يستمر الناس أيام أبي بكر وبعض أيام عمر على أمر منسوخ وإن كان الناسخ قول عمر المذكور فحاشاه أن ينسخ سنة ثابتة بمحض رأيه وحاشا أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يجيبوه إلى ذلك . ومن الأجوبة دعوى الاضراب كما زعمه القرطبي في المفهم وهو زعم فاسد لا وجه له . ومنها ما قاله ابن العربي أن هذا حديث مختلف في صحته فكيف يقدم على الإجماع ويقال أين الإجماع الذي جعلته معارضا للسنة الصحيحة ومنها أنه ليس في سياق حديث ابن عباس أن ذلك كان يبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يقرره والحجة إنما هي في ذلك وتعقب بأن قول الصحابة كنا نفعل كذا في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حكم المرفوع على ما هو الراجح وقد علمتم بمثل هذا في كثير من المسائل الشرعية والحاصل أن القائلين بالتتابع قد استكثروا من الأجوبة على حديث ابن عباس وكلها غير خارجة عن دائرة التعسف والحق أحق بالإتباع فإن كانت تلك المحاماة لأجل مذاهب الأسلاف فهي أحقر وأقل من أن تؤثر على السنة المطهرة وإن كانت لأجل عمر بن الخطاب فأين يقع المسكين من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أي مسلم من المسلمين يستحسن عقله وعلمه ترجيح قول صحابي على قول المصطفى (7/11)
- ( واحتج القائلون ) بأنه لا يقع شيء لا واحدة ولا أكثر منها بقوله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } فشرط في وقوع الثالثة أن تكون في حال يصح من الزوج فيها الإمساك إذ من حق كل مخير بينهما أن يصح كل واحد منهما وإذا لم يصح الإمساك إلا بعد المراجعة لم تصح الثالثة إلا بعدها لذلك وإذا لزم في الثالثة لزم في الثانية كذا قيل وأجيب بمنع كون ذلك يدل على أنه لا يقع الطلاق إلا بعد الرجعة ومن الأدلة الدالة على عدم وقوع شيء الأدلة المتقدمة في الطلاق البدي واستدلوا أيضا بحديث " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وهذا الطلاق ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأجيب بتخصيص هذا العموم بما سبق من أدلة القولين الأولين من الحكم بوقوع الطلاق المثلث لأنا وإن منعنا وقوع المجموع لم نمنع من وقوع الفرد والقائلون بالفرق بين المدخولة وغيرها أعظم حجة لهم حديث ابن عباس فإن لفظه عند أبي داود أما علمت أن الرجل كان إذا طلق امرأته ثلاثا قبل أن يدخل بها جعلوها واحدة الحديث ووجهوا ذلك بأن غير المدخول بها تبين إذا قال لها زوجها أنت طالق فإذا قال ثلاثا لغا العدد لوقوعه بعد البيتوتة ويجاب بأن التقييد يقبل الدخول لا ينافي صدق الرواية الأخرى الصحيحة على المطلقة بعد الدخول وغاية ما في هذه الرواية أنه وقع فيها التنصيص على بعض أفراد مدلول الرواية الصحيحة المذكورة في الباب وذلك لا يوجب الاختصاص بالبعض الذي وقع التنصيص عليه وأجاب القرطبي عن ذلك التوجيه بأن قوله أنت طالق ثلاثا كلام متصل غير منفصل فكيف يصح جعله كلمتين وتعطي كل كلمة حكما هذا حاصل ما في هذه المسألة من الكلام وقد جمعت في ذلك رسالة مختصرة (7/11)
( باب ما جاء في كلام الهازل والمكره والسكران بالطلاق وغيره ) (7/12)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث جدهن جد وهزلهن جد النكاح والطلاق والرجعة "
- رواه الخمسة إلا النسائي وقال الترمذي حديث حسن غريب (7/12)
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وأخرجه الدارقطني وفي إسناده عبد الرحمن بن حبيب بن أزدك وهو مختلف فيه قال النسائي منكر الحديث ووثقه غيره قال الحافظ فهو على هذا حسن ( وفي الباب ) عن فضالة بن عبيد عند الطبراني بلفظ " ثلاث لا يجوز فيهن اللعب الطلاق والنكاح والعتق " وفي إسناده ابن لهيعة وعن عبادة بن الصامت عند الحرث بن أبي أسامة في مسنده رفعه بلفظ " لا يجوز اللعب فيهن الطلاق والنكاح والعتاق فمن قالهن فقد وجبن " وإسناده منقطع . وعن أبي ذر عند عبد الرزاق رفعه " من طلق وهو لاعب فطلاقه جائز ومن أعتق وهو لاعب فعتقه جائز ومن نكح وهو لاعب فنكاحه جائز " وفي إسناده انقطاع أيضا . وعن علي موقوفا عند عبد الرزاق أيضا وعن عمر موقوفا عنده أيضا (7/12)
- ( والحديث ) يدل على أن من تلفظ هازلا بلفظ نكاح أو طلاق أو رجعة أو عتاق كما في الأحاديث التي ذكرناها وقع منه ذلك أما في الطلاق فقد قال بذلك الشافعية والحنفية وغيرهم وخالف في ذلك أحمد ومالك فقال إنه يفتقر اللفظ الصريح إلى النية وبه قال جماعة من الأئمة منهم الصادق والباقر والناصر واستدلوا بقوله تعالى { وإن عزموا الطلاق } فدلت على اعتبار العزم والهازل لا عزم منه وأجاب صاحب البحر بالجمع بين الآية والحديث فقال يعتبر العزم في غير الصريح لا في الصريح فلا يعتبر والاستدلال بالآية على تلك الدعوى غير صحيح من أصله فلا يحتاج إلى الجمع فإنها نزلت في حق المولى (7/13)
2 - وعن عائشة قالت " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا طلاق ولا عتاق في إغلاق "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (7/13)
3 - وفي حديث بريدة في قصة ماعز أنه فال " يا رسول الله طهرني قال مم أطهرك قال من الزنا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبه جنون فأخبر أنه ليس بمجنون فقال أشرب خمرا فقام رجل فاستنكهه فلم يجد منه ريح خمر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أزنيت قال نعم فأمر به فرجم "
- رواه مسلم والترمذي وصححه
وقال عثمان ليس لمجنون ولا لسكران طلاق
وقال ابن عباس طلاق السكران والمستكره ليس بجائز
وقال ابن عباس فيمن يكرهه اللصوص فيطلق فليس بشيء
وقال علي كل الطلاق جائز إلا طلاق المعتوه
- ذكرهن البخاري في صحيحه (7/13)
3 - وعن قدامة بن إبراهيم " أن رجلا على عهد عمر بن الخطاب تدلى يشتار عسلا فأقبلت امرأته فجلست على الحبل فقالت ليطلقها ثلاثا وإلا قطعت الحبل فذكرها الله والإسلام فأبت فطلقها ثلاثا ثم خرج إلى عمر فذكر ذلك له فقال ارجع إلى أهلك فليس هذا بطلاق "
- رواه سعيد بن منصور وأبو عبيد القاسم بن سلام (7/14)
- حديث عائشة أخرجه أيضا أبو يعلى والحاكم والبيهقي وصححه الحاكم وفي إسناده محمد بن عبيد بن أبي صالح وقد ضعفه أبو حاتم الرازي ورواه البيهقي من طريق ليس هو فيها لكن لم يذكر عائشة وزاد أبو داود وغيره ولا عتاق
قوله : " في إغلاق " بكسر الهمزة وسكون الغين المعجمة وآخره قاف فسره علماء الغريب بالإكراه روى ذلك في التلخيص عن ابن قتيبة والخطابي وابن السيد وغيرهم وقيل الجنون واستبعده المطرزي وقيل الغضب وقع ذلك في سنن أبي داود وفي رواية ابن الأعرابي وكذا فسره أحمد ورده ابن السيد فقال لو كان كذلك لم يقع على أحد طلاق لأن أحدا لا يطلق حتى يغضب وقال أبو عبيدة الإغلاق التضييق وقد استدل بهذا الحديث من قال إنه لا يصح طلاق المكره وبه قال جماعة من أهل العلم حكى ذلك في البحر عن علي وعمر وابن عباس وابن عمر والزبير والحسن البصري وعطاء ومجاهد وطاوس وشريح والأوزاعي والحسن بن صالح والقاسمية والناصر والمؤيد بالله ومالك والشافعي وحكى أيضا وقوع طلاق المكره عن النخعي وابن المسيب والثوري وعمر بن عبد العزيز وأبي حنيفة وأصحابه والظاهر ما ذهب إليه الأولون لما في الباب ويؤيد ذلك حديث " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " أخرجه ابن ماجه وابن حبان والدارقطني والطبراني والحاكم في المستدرك من حديث ابن عباس وحسنه النووي وقد أطال الكلام عليه الحافظ في باب شروط الصلاة من التلخيص فليراجع
واحتج عطاء بقوله تعالى { إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان } وقال الشرك أعظم من الطلاق أخرجه سعيد بن منصور عنه بإسناد صحيح
قوله : " أبه جنون " لفظ البخاري " أبك جنون " وهذا طرف من حديث يأتي إن شاء الله تعالى في الحدود وفيه دليل على أن الإقرار من المجنون لا يصح وكذا سائر التصرفات والانشاآت ولا أحفظ في ذلك خلافا
قوله : " فقال أشرب خمرا " فيه دلي أيضا على أن إقرار السكران لا يصح وكأن المصنف رحمه الله تعالى قاس طلاق السكران على إقراره وقد اختلف أهل العلم في ذلك فأخرج ابن أبي شيبة بأسانيد صحيحة عدم وقوع طلاق السكران عن أبي الشعثاء وعطاء وطاوس وعكرمة والقاسم بن محمد وعمر بن عبد العزيز
قال في الفتح وبه قال ربيعة والليث وإسحاق والمزني واختاره الطحاوي واحتج بأنهم أجمعوا على أن طلاق المعتوه لا يقع قال والسكران معتوه بسكره وقال بوقوعه طائفة من التابعين كسعيد بن المسيب والحسن وإبراهيم والزهري والشعبي وبه قال الاوزاعي والثوري ومالك وأبو حنيفة وعن الشافعي قولان المصحح منهما وقوعه والخلاف عند الحنابلة وقد حكى القول بالوقوع في البحر عن علي وابن عباس وابن عمر ومجاهد والضحاك وسليمان بن يسار وزيد بن علي والهادي والمؤيد بالله وحكى القول بعدم الوقوع عن عثمان وجابر بن زيد ورواية عن ابن عباس والناصر وأبي طالب والبتي وداود ( احتج ) القائلون بالوقوع بقوله تعالى { ولا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى } ونهيهم حال السكر عن قربان الصلاة يقتضي عدم زوال التكليف وكل مكلف يصح منه الطلاق وغيره من العقود والانشاآت وأجيب بأن النهي في الآية المذكورة إنما هو من أصل السكر الذي يلزم منه قربان الصلاة كذلك
وقيل إنه نهي يشمل الذي يعقل الخطاب وأيضا قوله في آخر الآية { حتى تعلموا ما تقولون } دليل على أن السكران يقول ما لا يعلم ومن كان كذلك فكيف يكون مكلفا وهو غير فاهم شرط التكليف كما تقرر في الأصول
( واحتجوا ) ثانيا بأنه عاص بفعله فلا يزول عنه الخطاب بالسكر ولا الاثم لأنه يؤمر بقضاء الصلوات وغيرها مما وجب عليه قبل وقوعه في السكر وأجاب الطحاوي بأنها لا تختلف أحكام فاقد العقل بين أن يكون ذهاب عقله بسبب من جهته أو من جهة غيره إذ لا فرق بيم من عجز عن القيام في الصلاة بسبب من قبل الله أو من قبل نفسه كمن كسر رجل نفسه فإنه يسقط عنه فرض القيام وتعقب بأن القيام انتقل إلى بدل وهو القعود فافترقا وأجاب ابن المنذر عن الاحتجاج بقضاء الصلوات بأن النائم يجب عليه قضاء الصلاة ولا يقع طلاقه لأنه غير مكلف حال نومه بلا نزاع واحتجوا ثالثا بأن ربط الأحكام بأسبابها أصل من الأصول المأنوسة في الشريعة والتطليق سبب للطلاق فينبغي ترتيبه عليه وربطه به وعدم الاعتداد بالسكر كما في الجنايات وأجيب بالاستفسار عن السبب للطلاق هل هو إيقاع لفظه مطلقا إن قلتم نعم لزمكم أن يقع من المجنون والنائم والسكران الذي لم يعص بسكره إذا وقع من أحدهم لفظ الطلاق وإن قلتم أنه إيقاع اللفظ من العاقل الذي يفهم ما يقول فالسكران غير عاقل ولا فاهم فلا يكون إيقاع لفظ الطلاق منه سببا ( واحتجوا ) رابعا بأن الصحابة رضي الله عنهم جعلوه كالصاحي ويجاب بأن ذلك محل خلاف بين الصحابة كما بينا ذلك في أول الكلام وكما ذكره المصنف عن عثمان وابن عباس فلا يكون قول بعضهم حجة علينا كما لا يكون حجة على بعضهم بعضا واحتجوا خامسا بأن عدم وقوع الطلاق من السكران مخالف للمقاصد الشرعية لأنه إذا فعل حراما واحدا لزمه حكمه فإذا تضاعف جرمه بالسكر وفعل الحرام الآخر سقط عنه الحكم مثلا لو أنه ارتد بغير سكر لزمه حكم الردة فإذا جمع بين السكر والردة لم يلزمه حكم الردة لأجل السكر ويجاب بأنا لم نسقط عنه حكم المعصية الواقعة منه حال السكر لنفس فعله للمحرم الآخر وهو السكر فإن ذلك مما لا يقول به عاقل وإنما أسقطنا عنه حكم المعصية لعدم مناط التكليف وهو العقل وبيان ذلك أنه لو شرب الخمر ولم يزل عقله كان حكمه حكم الصاحي فلم يكن فعله لمعصية الشرب هو المسقط . ومن الأدلة الدالة على عدم الوقوع ما في صحيح البخاري وغيره أن حمزة سكر وقال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دخل عليه هو وعلي وهل أنتم إلا عبيد لأبي في قصة مشهورة فتركه صلى الله عليه وآله وسلم وخرج ولم يلزمه حكم تلك الكلمة مع أنه لو قالها غير سكران لكان كفرا كما قال ابن القيم وأجيب بأن الخمر كانت إذ ذاك مباحة والخلاف إنما هو بعد تحريمها . وحكى الحافظ في الفتح عن ابن بطال أنه قال الأصل في السكران العقل والسكر شيء طرأ على عقله فمهما وقع منه من كلام مفهوم فهو محمول على الأصل حتى يثبت فقدان عقله انتهى ( والحاصل ) أن السكران الذي لا يعقل لا حكم لطلاقه لعدم المناط الذي تدور عليه الأحكام وقد عين الشارع عقوبته فليس لنا أن نجاوزها برأينا ونقول يقع طلاقه عقوبة له فيجمع له بين غرمين ( لا يقال ) إن ألفاظ الطلاق ليست من الأحكام التكليفية بل من الأحكام الوضعية وأحكام الوضع لا يشترط فيها التكليف لأنا نقول الأحكام الوضعية تقيد بالشروط كما تقيد الأحكام التكليفية وأيضا السبب الوضعي هو طلاق العاقل لا مطلق الطلاق بالاتفاق وإلا لزم وقوع طلاق المجنون
قوله : وقال عثمان الخ علقه البخاري ووصله ابن أبي شيبة
قوله : وقال ابن عباس الخ وصله ابن أبي شيبة أيضا وسعيد بن منصور وأثر على وصله البغوي في الجعديات وسعيد بن منصور وقد ساق البخاري في صحيحه آثارا عن جماعة من الصحابة والتابعين . وأثر عمر بن الخطاب في قصة الرجل الذي تدلى ليشتار عسلا إسناده منقطع لأن الراوي له عن عمر عبد الملك بن قدامة بن محمد بن إبراهيم بن حاطب الجمحي عن أبيه قدامة وقدامة لم يدرك عمر وقد روي ما يعارضها أخرج العقيلي من حديث صفوان بن عمر أن الطائي " أن امرأة أخذت المدية ووضعتها على نحر زوجها وقالت إن لم تطلقني نحرتك بهذه فطلقها ثم استقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الطلاق فقال صلى الله عليه وآله وسلم لا قيلولة في الطلاق " وقد تفرد به صفوان وحمله بعضهم على من نوى الطلاق (7/14)
( باب ما جاء في طلاق العبد ) (7/14)
1 - عن ابن عباس قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال يا رسول الله سيدي زوجني أمته وهو يريد أن يفرق بيني وبينها قال فصعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المنبر فقال يا أيها الناس ما بال أحدكم يزوج عبده أمته ثم يريد أن يفرق بينهما إنما الطلاق لمن أخذ بالساق "
- رواه ابن ماجه والدارقطني (7/15)
2 - وعن عمر بن معتب " أن أبا حسن مولى بني نوفل أخبره أنه استفتى ابن عباس في مملوك تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا هل يصح له أن يخطبها قال نعم قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي
وفي رواية " بقيت لك واحدة قضى بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " . رواه أبو داود
وقال ابن المبارك ومعمر لقد تحمل أبو حسن هذا صخرة عظيمة وقال أحمد بن حنبل في رواية ابن منصور في عبد تحته مملوكة فطلقها تطليقتين ثم عتقا يتزوجها ويكون على واحدة على حديث عمر بن معتب وقال في رواية أبي طالب في هذه المسألة يتزوجها ولا يبالي في العدة عتقا أو بعد العدة قال وهو قول ابن عباس وجابر بن عبد الله وأبي سلمة وقتادة (7/15)
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني وابن عدي وفي إسناد ابن ماجه ابن لهيعة وكلام الأئمة فيه معروف وفي إسناد الطبراني يحيى الحماني وهو ضعيف وفي إسناد ابن عدي والدارقطني عصمة بن مالك كذا قيل وفي التقريب إنه صحابي وطرقه يقوي بعضها بعضا
وقال ابن القيم أن حديث ابن عباس وإن كان في إسناده ما فيه فالقرآن يعضده وعليه عمل الناس وأراد بقوله القرآن يعضده نحو قوله تعالى { إذا نكحتم المؤمنات ثم طلقتموهن } وقوله تعالى { إذا طلقتم النساء } الآية . وحديث عمر بن معتب أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه وقد ذكر أبو الحسن المذكور بخير وصلاح ووثقه أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان غير أن الراوي عنه عمر بن معتب وقد قال علي بن المديني إنه منكر الحديث وسئل عنه أيضا فقال مجهول لم يرو عنه غير يحيى بن أبي كثير وقال النسائي ليس بالقوي وقال الأمير أبو نصر منكر الحديث وقال الذهبي لا يعرف . ومعتب بضم الميم وفتح العين المهملة وتشديد المثناة الفوقية وكسرها وبعدها باء موحدة
وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور من قال إن طلاق امرأة العبد لا يصح إلا منه لا من سيده وروى ابن عباس أنه يقع طلاق السيد على عبده والحديث المروي من طريقه حجة عليه وابن لهيعة ليس بساقط الحديث فإنه إمام حافظ كبير ولهذا أورده الذهبي في تذكرة الحفاظ وقال أحمد بن حنبل من كان مثل ابن لهيعة بمصر في كثرة حديثه وضبطه وإتقانه
وقال أحمد بن صالح كان ابن لهيعة صحيح الكتاب طلابا للعلم وقال يحيى بن القطان وجماعة إنه ضعيف
وقال ابن معين ليس بذاك القوي وهذا جرح مجمل لا يقبل عند بعض أئمة الجرح والتعديل
وقد قيل إن السبب في تضعيفه احتراق كتبه وأنه بعد ذلك حدث من حفظه فخلط وإن من حدث عنه قبل احتراق كتبه كابن المبارك وغيره حديثهم عنه قوي وبعضهم يصححه وهذا التفصيل هو الصواب وقال الذهبي إنها تؤدى أحاديثه في المتابعات ولا يحتج به
وأما يحيى الحماني فقال في التذكرة وثقه يحيى بن معين وقال ابن عدي أرجو أنه لا بأس به
وقال ابن حبان يكذب جهارا ويسرق الأحاديث واستدل أيضا بحديث ابن عباس الثاني أيضا أن العبد يملك من الطلاق ثلاثا كما يملك الحر وقال الشافعي إنه لا يملك من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة وقال أبو حنيفة والناصر إنه لا يملك في الأمة إلا اثنتين لا في الحرة فكالحر . واستدلوا بحديث ابن مسعود الطلاق بالرجال والعدة بالنساء عند الدارقطني والبيهقي وأجيب بأنه موقوف
قالوا أخرج الدارقطني والبيهقي أيضا عن ابن عباس نحوه وأجيب بأنه موقوف أيضا وكذلك روى نحوه أحمد من حديث علي وهو أيضا موقوف قالوا أخرج ابن ماجه والدارقطني والبيهقي من حديث ابن عمر مرفوعا " طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضتان " وأجيب بأن في إسناده عمر بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان
وقال الدارقطني والبيهقي الصحيح إنه موقوف قالوا في السنن نحوه من حديث عائشة وأجيب بأن في إسناده مظاهر بن أسلم قال الترمذي حديث عائشة هذا حديث غريب لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول سفيان الثوري والشافعي وإسحاق انتهى . ( لا يقال ) هذه الطرق تقوى على تخصيص عموم الطلاق مرتان وغيرها من العمومات الشاملة للحر والعبد لأنا لا نقول قد دل على أن ذلك العموم مراد غير مخرج منه العبد حديث ابن عباس المذكور في الباب فهو معارض لما دل على أن طلاق العبد اثنتان (7/15)
( باب من علق الطلاق قبل النكاح ) (7/16)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تذر لابن آدم فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا عتق له فيما لا يملك ولا طلاق له فيما لا يملك "
- رواه أحمد والترمذي وقال حديث حسن وهو أحسن شيء روي في هذا الباب وأبو داود وقال فيه " ولا وفاء نذر إلا فيما يملك " ولابن ماجه منه " لا طلاق فيما لا يملك " (7/16)
2 - وعن مسور بن مخرمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا طلاق قبل نكاح ولا عتق قبل ملك "
- رواه ابن ماجه (7/16)
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه بقية أهل السنن والبزاز والبيهقي وقال هو أصح شيء في هذا الباب وأشهر . وحديث المسور حسنه الحافظ في التلخيص ولكنه اختلف فيه على الزهري فروى عنه عن عروة عن المسور وروى عنه عن عروة عن عائشة وفي الباب عن أبي بكر الصديق وأبي هريرة وأبي موسى الأشعري وأبي سعيد الخدري وعمران بن حصين وغيرهم ذكر ذلك البيهقي في الخلافيات ( وفي الباب ) أيضا عن جابر مرفوعا بلفظ " لا طلاق إلا بعد نكاح ولا عتق إلا بعد ملك " أخرجه الحاكم في المستدرك وصححه وقال وأنا متعجب من الشخين كيف أهملاه وقد صح على شرطهما من حديث ابن عمر وعائشة وعبد الله بن عباس ومعاذ بن جبل وجابر انتهى
وحديث ابن عمر أخرجه أيضا ابن عدي ووثق إسناده الحافظ وقال ابن صاعد غريب لا أعرف له علة . وحديث عائشة قال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه حديث منكر . وحديث ابن عباس في إسناده عند الحاكم من لا يعرف وله طريق أخرى عند الدارقطني وفي إسناده ضعيف . وحديث معاذ أعل بالإرسال وله طريق أخرى عند الدارقطني وفيها انقطاع وفي إسناده أيضا يزيد بن عياض وهو متروك . وحديث جابر صحح الدارقطني إرساله وأعله ابن معين وغيره وفي الباب أيضا عن علي عند البيهقي وغيره ومداره على جوبير وهو متروك ورواه ابن الجوزي من طريق أخرى عنه وفيها عبد الله بن زياد بن سمعان وهو متروك وله طريق أخرى في الطبراني وقال ابن معين لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا طلاق قبل نكاح " وأصح شيء فيه حديث ابن المنكدر عمن سمع طاوسا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا
وقال ابن عبد البر في الاستذكار روي من وجوه إلا أنها عند أهل العلم بالحديث معلولة انتهى
ولا يخفى عليك أن مثل هذه الروايات التي سقناها في الباب من طريق أولئك الجماعة من الصحابة مما لا يشك منصف أنها صالحة بمجموعها للاحتجاج وقد وقع الإجماع على أنه لا يقع الطلاق الناجز على الأجنبية وأما التعليق نحو أن يقول إن تزوجت فلانة فهي طالق فذهب جمهور الصحابة والتابعين ومن بعدهم إلى أنه لا يقع . وحكى عن أبي حنيفة وأصحابه والمؤيد بالله في أحد قوليه إنه لا يصح التعليق مطلقا وذهب مالك في المشهور عنه وربيعة والثوري والليث والأوزاعي وابن أبي ليلى إلى التفصيل وهو أنه إن جاء بحاصر نحو أن يقول كل امرأة أتزوجها من بني فلان أو بلد كذا فهي طالق صح الطلاق ووقع وإن عمم لم يقع شيء وهذا التفصيل لا وجه له إلا مجرد الاستحسان كما أنه لا وجه للقول بإطلاق الصحة والحق أنه لا يصح الطلاق قبل النكاح مطلقا للأحاديث المذكورة في الباب وكذا العتق قبل الملك والنذر بغير الملك (7/17)
( باب الطلاق بالكنايات إذا نواه بها وغير ذلك ) (7/17)
1 - عن عائشة قالت " خيرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاخترناه فلم يعدها شيئا "
- رواه الجماعة
وفي رواية " قالت لما أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتخيير أزواجه بدأ بي فقال إني ذاكر لك أمرأ فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمر أبويك قالت وقد علم أن أبوي لم يكونا ليأمراني بفراقه قالت ثم قال إن الله عز و جل قال لي يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا الآية وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة الآية قالت فقلت في هذا أستأمر أبوي فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة قالت ثم فعل أزواج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مثل ما فعلت " . رواه الجماعة إلا أبو داود (7/17)
- قوله " خيرنا " في لفظ لمسلم " خير نساءه " قوله " فلم يعدها شيئا " بتشديد الدال المهملة وضم العين من العدد
وفي رواية " فلم يعدد " بفك الإدغام وفي أخرى " فلم يعتد " بسكون العين وفتح المثناة وتشديد الدال من الاعتداد
وفي رواية لمسلم " فلم يعده طلاقا " وفي رواية للبخاري أفكان طلاقا على طريقة الاستفهام الإنكاري
وفي رواية لأحمد فهل كان طلاقا وكذا للنسائي
وقد استدل بهذا من قال إنه لا يقع بالتخيير شيء إذا اختارت الزوج وبه قال جمهور الصحابة والتابعين وفقهاء الأمصار لكن اختلفوا فيما إذا اختارت نفسها هل يقع طلقة واحدة رجعية أو بائنة أو يقع ثلاثا فحكى الترمذي عن علي عليه السلام أنها إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية وعن زيد بن ثابت إن اختارت نفسها فثلاث وإن اختارت زوجها فواحدة بائنة . وعن عمرو بن مسعود إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وعنهما رجعية وإن اختارت زوجها فلا شيء ويؤيد قول الجمهور من حيث المعنى أن التخيير ترديد بين شيئين فلو كان اختيارها لزوجها طلاقا لاتحدا فدل على أن اختيارها لنفسها بمعنى الفراق واختيارها لزوجها بمعنى البقاء في العصمة وقد أخرج ابن أبي شيبة من طريق زاذان قال " كنا جلوسا عند علي عليه السلام فسئل عن الخيار فقال سألني عنه عمر فقلت إن اختارت نفسها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت نفسها فواحدة بائنة وإن اختارت زوجها فواحدة رجعية قال ليس كما قلت إن اختارت زوجها فلا شيء قال فلم أجد بدا من متابعته فلما وليت رجعت إلى ما كنت أعرف قال علي وأرسل عمر إلى زيد بن ثابت قال فذكر مثل ما حكاه عنه الترمذي وأخرج ابن أبي شيبة من طريق علي نظير ما حكاه عنه زاذان من اختياره وأخذ مالك بقول زيد بن ثابت واحتج بعض أتباعه لكونها اختارت نفسها يقع ثلاثا بأن معنى الخيار بث أحد الأمرين إما الأخذ أو الترك فلو قلنا إذا اختارت نفسها يكون طلقة رجعية لم يعمل بمقتضى اللفظ لأنها تكون بعد في أسر الزوج وتكون كمن خير بين شيئين فاختار غيرهما وأخذ أبو حنيفة بقول عمر وابن مسعود فيما إذا اختارت نفسها فواحدة بائنة وقال الشافعي التخيير كناية فإذا خير الزوج امرأته وأراد بذلك تخييرها بين أن تطلق منه وبين أتستمر في عصمته فاختارت نفسها وأرادت بذلك الطلاق طلقت فلو قالت لم أرد باختيار نفسي الطلاق صدقت
وقال الخطابي يؤخذ من قول عائشة فاخترناه فلم يكن ذلك طلاقا أنها لو اختارت نفسها لكان ذلك طلاقا ووافقه القرطبي في المفهم فقال في الحديث إن المخيرة إذا اختارت نفسها أن نفس ذلك الاختيار يكون طلاقا من غير احتياج إلى نطق بلفظ يدل على الطلاق قال وهو مقتبس من مفهوم قول عائشة المذكور قال الحافظ لكن الظاهر من الآية أن ذلك بمجرده لا يكون طلاقا بل لا بد من انشاء الزوج الطلاق لأن فيها { فتعالين أمتعكن وأسرحكن } أي بعد الاختيار ودلالة المنطوق مقدمة على دلالة المفهوم واختلفوا في التخيير هل هو بمعنى التمليك أو بمعنى التوكيل وللشافعي فيه قولان المصحح عند أصحابه أنه تمليك وهو قول المالكية بشرط المبادرة منها حتى لو تراخت بمقدار ما ينقطع القبول عن الإيجاب ثم طلقت لم يقع وفي وجه لا يضر التأخير ما دام المجلس وبه جزم ابن القاص وهو الذي رجحته المالكية والحنفية والهاودية وهو قول الثوري والليث والاوزاعي وقال ابن المنذر الراجح أنه لا يشترط فيه الفور بل متى طلقت نفذ وهو قول الحسن والزهري وبه قال أبو عبيدة ومحمد بن نصر من الشافعية والطحاوي من الحنفية واحتجوا بما في حديث الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعائشة إني ذاكر لك أمرا فلا عليك أن لا تعجلي حتى تستأمري أبويك وذلك يقتضي عدم اشتراط الفور في جواب التخيير
قال الحافظ ويمكن أن يقال يشترط الفور إلا أن يقع التصريح من الزوج بالفسحة لأمر يقتضي ذلك فيتراخي كما وقع في قصة عائشة ولا يلزم من ذلك أن يكون كل خيار كذلك (7/18)
2 - وعن عائشة " أن ابنة الجون لما أدخلت على عهد رسول صلى الله عليه وآله وسلم ودنا منها قالت أعوذ بالله منك فقال لها لقد عذت بعظيم الحقي بأهلك "
- رواه البخاري وابن ماجه والنسائي وقال الكلابية بدل ابنة الجون
وقد تمسك به من يرى لفظة الخيار والحقي بأهلك واحدة لا ثلاثا لأن جمع الثلاث يكره فالظاهر أنه عليه السلام لا يفعله (7/18)
3 - وفي حديث تخلف كعب بن مالك قال " لما مضت أربعون من الخمسين واستلبث الوحي وإذا رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتيني فقال إن رسول الله يأمرك أن تعتزل امرأتك فقلت أطلقها أم ماذا أفعل قال بل اعتزلها فلا تقربنها قال فقلت لامرأتي الحقي بأهلك "
- متفق عليه
ويذكر فيمن قال لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بأصابعه (7/18)
4 - ما روي عن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الشهر هكذا وهكذا يعني ثلاثين ثم قال وهكذا وهكذا وهكذا يعني تسعا وعشرين يقول مرة ثلاثين ومرة تسعة وعشرين "
- متفق عليه (7/19)
5 - ويذكر في مسألة من قال لغير مدخول بها أنت طالق وطالق أو طالق ثم طالق ما روى حذيفة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان وقولوا ما شاء الله ثم شاء فلان "
- رواه أحمد وأبو داود . ولابن ماجه معناه (7/19)
6 - وعن قتيلة بنت صيفي قالت " أتى حبر من الأخبار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا محمد نعم القوم أنتم لولا أنكم تجعلون لله ندا قال سبحان الله وما ذاك قال تقولون ما شاء الله وشئت قال فأمهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ثم قال إنه قد قال فمن قال ما شاء الله فليفصل بينهما ثم شئت "
- رواه أحمد (7/19)
7 - وعن عدي بن حاتم " إن رجلا خطب عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بئس الخطيب أنت قل ومن يعص الله ورسوله "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (7/20)
8 - ويذكر فيمن طلق بقلبه ما روى أبو هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن الله تجاوز لأمتي عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل به أو تكلم به "
- متفق عليه (7/20)
- حديث حذيفة أخرجه أيضا النسائي وابن أبي شيبة والطبراني والبيهقي وقد ساقه الحازمي في الاعتبار بإسناده وذكر فيه قصة وهي " إن رجلا من المسلمين رأى في النوم أنه لقي رجلا من أهل الكتاب فقال نعم القوم أنتم لولا أنكم تشركون قال تقولون ما شاء الله وشاء محمد فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لهم والله إن كنت لأعرفها لكم قولوا ما شاء الله ثم شاء محمد " وأخرج أيضا بإسناده إلى الطفيل بن سخيرة أخي عائشة لأمها " أنه قال رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت على رهط من اليهود فقلت من أنتم فقالوا نحن اليهود فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون عزير بن الله قالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد ثم أتيت على رهط من النصارى فقلت من أنتم فقالوا نحن النصارى فقلت إنكم لأنتم القوم لولا أنكم تقولون المسيح بن الله فقالوا وأنتم القوم لولا أنكم تقولون ما شاء الله وشاء محمد فلما أصبح أخبر بها من أخبر ثم أخبر بها النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال هل أخبرت بها أحدا قال نعم فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيبا فحمد الله وأثنى عليه ثم قال أما بعد فإن طفيلا رأى رؤيا فأخبر بها من أخبر منكم وأنكم لتقولون الكلمة يمنعني الحياء منكم أن أنهاكم عنها فلا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد " وأخرج أيضا بإسناده المتصل بابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا حلف أحدكم فلا يقول ما شاء الله وشئت ولكن ليقل ما شاء الله ثم شئت " وأخرج أيضا بإسناده إلى عائشة أنها قالت " قالت اليهود نعم القوم قوم محمد لولا أنهم يقولون ما شاء الله وشاء محمد فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تقولوا ما شاء الله وشاء محمد ولكن قولوا ما شاء الله وحده " قوله " إن ابنة الجون " قيل هي الكلابية واختلف في اسمها فقال ابن سعد اسمها فاطمة بنت الضحاك بن سفيان وروى عن الكلبي أنها عالية بنت ظبيان بن عمرو وحكى ابن سعد أيضا إلى أنها واحدة اختلف في اسمها
قال الحافظ والصحيح أن التي استعاذت منه هي الجونية واسمها أميمة بنت النعمان بن شراحيل وذكر ابن سعد أنها لم تستعذ منه امرأة غيرها
قال ابن عبد البر أجمعوا على أن التي تزوجها هي الجونية واختلفوا في سبب فراقه لها فقال قتادة لما دخل عليها دعاها فقالت تعال أنت فطلقها وقيل كان بها وضح وزعم بعضهم إنها قالت أعوذ بالله منك فقال قد عذت بمعاذ وقد أعاذك الله مني فطلقها قال وهذا باطل إنما قال له هذا امرأة من بني العنبر وكانت جميلة فخاف نساؤه أن تغلبهن عليه فقلن لها إنه يعجبه أن يقال له نعوذ بالله منك ففعلت فطلقها قال الحافظ وما أدري لم حكم ببطلان ذلك مع كثرة الروايات الواردة فيه وثبوته في حديث عائشة في صحيح البخاري
قوله " الحقي بأهلك " بكسر الهمزة من الحقي وفتح الحاء وفيه دليل على أن من قال لامرأته الحقي بأهلك وأراد الطلاق طلقت فإن لم يرد الطلاق لم تطلق كما وقع في حديث تخلف كعب المذكور فيكون هذا اللفظ من كنايات الطلاق لأن الصريح لا يفتقر إلى النية على ما ذهب إليه الشافعية والحنفية وأكثر العترة . وذهب الباقر والصادق والناصر ومالك إلى أنه يفتقر إلى نية . وحديث ابن عمر في إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بعدد الشهر قد تقدم في باب ما جاء في يوم الغيم والشك من كتاب الصيام وتقدم شرحه هنالك . وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على صحة العدد بالإشارة بالأصابع واعتباره من دون تلفظ باللسان . فإذا قال الرجل لزوجته أنت طالق هكذا وأشار بثلاث من أصابعه كان ذلك ثلاثا عند من يقول إن الطلاق يتبع الطلاق
وأورد حديث حذيفة وحديث قتيلة للاستدلال بهما على أن من قال لزوجته التي لم يدخل بها أنت طالق وطالق كان كالطلقة الواحدة لأن المحل لا يقبل غيرها فتكون الثانية لغوا بخلاف ما لو قال أنت طالق ثم طالق وقعت عليها الطلقة الأولى في الحال ووقعت عليها الثانية بعد أن تصير قابلة لها وذلك لأن الواو لمطلق الجمع فكأنه إذا جاء بها موقع لمجموع الطلاقين عليها في حالة واحدة بخلاف ثم فإنها للترتيب مع تراخ فيصير الزوج في حكم الموقع لطلاق بعده طلاق متراخ عنه . ولهذا قال الشافعي في سبب نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن قول الرجل ما شاء الله وشئت وأذنه له بأن يقول ما شاء الله ثم شاء فلان أن المشيئة إرادة الله تعالى قال الله عز و جل { وما تشاؤون إلا أن يشاء الله } قال فأعلم الله خلقه أن المشيئة له دون خلقه وأن مشيئتهم لا تكون إلا أن يشاء الله فيقال لرسوله ما شاء الله ثم شئت ولا يقال ما شاء الله وشئت انتهى . ولكنه يعارض هذا الاستنباط حديث عدي بن حاتم الذي ذكره المصنف في الرجل الذي خطب بحضرته صلى الله عليه وآله وسلم فإنه أنكر عليه الجمع بين الضميرين وأرشده إلى أن يقول ومن يعص الله ورسوله فدل على أن توسيط الواو بين الله ورسوله له حكم غير حكم قوله ومن يعصهما ولو كانت الواو لمطلق الجمع لم يكن بين العبارتين فرق
وقد قدمنا الكلام على علة هذا النهي عند الكلام على حديث ابن مسعود في باب اشتمال الخطبة على حمد الله من أبواب الجمعة هذا ما ظهر في بيان وجه استدلال المصنف بحديثي المشيئة وحديث الخطبة ويمكن أن يكون مراد المصنف بإيراد الأحاديث المذكورة مجرد التنظير لا الاستدلال وقد قدمنا أن الطلاق المتعدد سواء كان بلفظ واحد أو ألفاظ من غير فرق بين أن يكون العطف بثم أو بالواو أو بغيرهما يكون طلقة واحدة سواء كانت الزوجة مدخولة أو غير مدخولة وأورد حديث أبي هريرة للاستدلال به على أن من طلق زوجته بقلبه ولم يلفظ بلسانه لم يكن لذلك حكم الطلاق لأن خطرات القلب مغفورة للعباد إذا كانت فيما فيه ذنب فكذلك لا يلزم حكمها في الأمور المباحة فلا يكون حكم خطور الطلاق بالقلب أو إرادته حكم التلفظ به وهكذا سائر الانشاآت قال الترمذي بعد إخراج هذا الحديث ما لفظه : والعمل على هذا عند أهل العلم أن الرجل إذا حدث نفسه بالطلاق لم يكن شيء حتى يتكلم به انتهى . وحكى في البحر عن عكرمة أنه يقع بمجرد النية (7/20)
( كتاب الخلع ) (7/21)
1 - عن ابن عباس قال " جاءت امرأة ثابت بن قيس بن شماس إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إني ما أعتب عليه في خلق ولا دين ولكني أكره الكفر في الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقبل الحديقة وطلقها تطليقة "
- رواه البخاري والنسائي (7/21)
2 - وعن ابن عباس " أن جميلة بنت سلول أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت والله ما أعتب على ثابت في دين ولا خلق ولكني أكره الكفر في الإسلام لا أطيقه بغضا فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتردين عليه حديقته قالت نعم فأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يأخذ منها حديقته ولا يزداد "
- رواه ابن ماجه (7/21)
3 - وعن الربيع بنت معوذ " أن ثابت بن قيس بن شماس ضرب امرأته فكسر يدها وهي جميلة بنت عبد الله بن أبي فإني أخوها يشتكيه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى ثابت فقال له خذ الذي لها عليك وخل سبيلها قال نعم فأمرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تتربص حيضة واحدة وتلحق بأهلها "
- رواه النسائي (7/22)
4 - وعن ابن عباس " أن امرأة ثابت ابن قيس اختلعت من زوجها فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تعتد بحيضة "
- رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن غريب (7/22)
5 - وعن الربيع بنت معوذ " أنها اختلعت على عهد رسول الله فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو أمرت أن تعتد بحيضة "
- رواه الترمذي وقال حديث الربيع الصحيح أنها أمرت أن تعتد بحيضة (7/22)
6 - وعن أبي الزبير " أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده عبد الله بن أبي بن سلول وكان أصدقها حديقة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتردين عليه حديقته التي أعطاك قالت نعم وزيادة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أما الزيادة فلا ولكن حديقته قالت نعم فأخذها له وخلى سبيلها فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال قد قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الدارقطني بإسناد صحيح وقال سمعه أبو الزبير من غير واحد (7/23)
- حديث ابن عباس الثاني رواه ابن ماجه من طريق أزهر بن مروان وهو صدوق مستقيم الحديث وبقية إسناده من رجال الصحيح
وقد أخرجه النسائي وأخرجه البيهقي . وحديث الربيع بنت معوذ الأول إسناده في سنن النسائي هكذا حدثنا أبو علي محمد بن يحيى المروزي أخبرني شاذان بن عثمان أخو عبدان حدثنا أبي حدثنا علي بن المبارك عن يحيى عن أبي كثير أخبرني محمد بن عبد الرحمن أن الربيع بن معوذ بن عفراء أخبرته أن ثابت بن قيس الحديث ومحمد بن يحيى ثقة وشاذان هو عبد العزيز بن عثمان بن جبلة وهو من رجال الصحيح هو وأبوه وكذلك علي بن المبارك ويحيى بن أبي كثير
وأما محمد بن عبد الرحمن فقد روى النسائي عن جماعة من التابعين اسمهم محمد بن عبد الرحمن وكلهم ثقات . فالحديث على هذا صحيح وقد أخرجه أيضا الطبراني . وحديث ابن عباس الثالث قد ذكر أنه مرسل ورواه الترمذي مسندا . وحديث الربيع الثاني أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه من طريق محمد بن إسحاق قال حدثني عبادة بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن الربيع بنت معوذ قال اختلعت من زوجي فذكرت قصة وفيها أن عثمان أمرها أن تعتد حيضة قال وتبع عثمان في ذلك قضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في امرأة ثابت بن قيس (7/23)
- وحديث أبي الزبير أخرجه أيضا البيهقي وإسناده قوي مع كونه مرسلا
قوله : كتاب الخلع بضم الحاء المعجمة وسكون اللام هو في اللغة فراق الزوجة على مال مأخوذ من خلع الثوب لأن المرأة لباس الرجل معنى وأجمع العلماء على مشروعيته إلا بكر بن عبد الله المزني التاجي فإنه قال لا يحل للزوج أن يأخذ من امرأته في مقابل فراقها شيئا لقوله تعالى { فلا تأخذوا منه شيئا } وأورد عليه { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فادعى نسخها بآية النساء روى ذلك ابن أبي شيبة وتعقب بقوله تعالى { فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه } وبقوله { فلا جناح عليهما أن يصالحا } الآية ( وبأحاديث الباب ) وكأنها لم تبلغه وقد انعقد الإجماع بعده على اعتباره . وأن آية النساء مخصوصة بآية البقرة وبآيتي النساء الآخرتين وهو في الشرع فراق الرجل زوجته ببدل يحصل له
قوله : " امرأة ثابت بن قيس " وقع في رواية ابن عباس والربيع أن اسمها جميلة ووقع في رواية لأبي الزبير أن اسمها زينب والرواية الأولى أصح لإسنادها وثبوتها من طريقين . وبذلك جزم الدمياطي
وأما ما وقع في حديث ابن عباس المذكور أنها بنت سلول وفي حديث الربيع وأبي الزبير المذكورين أنها بنت عبد الله بن أبي بن سلول ووقع في رواية للبخاري أنها بنت أبي فقيل إنها أخت عبد الله كما صرح به ابن الأثير وتبعه النووي وجزما بأن قول من قال إنها بنت عبد الله وهم وجمع بعضهم باتحاد اسم المرأة وعمتها وأن ثابتا خالع الثنتين واحدة بعد الأخرى
قال الحافظ ولا يخفى بعده ولاسيما مع اتحاد المخرج وقد كثرت نسبة الشخص إلى جده إذا كان مشهورا والأصل عدم التعدد حتى يثبت صريحا . ووقع في حديث الربيع عند النسائي وابن ماجه أن اسمها مريم وإسناده جيد
قال البيهقي اضطرب الحديث في تسمية امرأة ثابت ويمكن أن يكون الخلع تعدد من ثابت انتهى
وروى مالك في الموطأ عن حبيبة بنت سهل أنها تحت ثابت بن قيس بن شماس وأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج إلى صلاة الصبح فوجدها عند بابه فقال من هذه قالت أنا حبيبة بنت سهل قال ما شأنك قالت لا أنا ولا ثابت بن قيس الحديث أخرجه أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من هذا الوجه وأخرجه أبو داود من حديث عائشة أن حبيبة بنت سهل كانت عند ثابت
وأخرج البزار من حديث ابن عمر نحوه قال ابن عبد البر اختلف في امرأة ثابت بن قيس فذكر البصريون أنها جميلة بنت أبي وذكر المدنيون أنها حبيبة بنت سهل قال الحافظ الذي يظهر لي أنهما قصتان وقعتا لامرأتين لشهرة الخبرين وصحة الطريقين واختلاف السياقين بخلاف ما وقع في الاختلاف في تسمية جميلة ونسبتها فإن سياق قصتها متقارب فأمكن رد الاختلاف فيه إلى الوفاق انتهى . ووهم ابن الجوزي فقال إنها سهلة بنت حبيب وإنما هي حبيبة بنت سهل ولكنه انقلب عليه ذلك
قوله : " إني ما عتب عليه " بضم الفوقية ويجوز كسرها والعتب هو الخطاب بالادلال
قوله : " في خلق " بضم الخاء المعجمة واللام ويجوز اسكانها أي لا أريد مفارقته لسوء خلقه ولا لنقصان دينه
قوله : " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي كفران العشير والتقصير فيما يجب له بسبب شدة البغض له ويمكن أن يكون مرادها أن شدة كراهتها له قد يحملها على إظهار الكفر لينفسخ نكاحها منه ووقع في الرواية الثانية لا أطيقه بغضا له وظاهر هذا مع قولها ما أعتب عليه في خلق ولا دين أنه لم يضع بها شيئا يقتضي الشكوى منه ويعارضه ما وقع في حديث الربيع المذكور أنه ضربها فكسر يدها وأجيب بأنها لم تشكه لذلك بل لسبب آخر وهو البغض أو قبح الخلقة كما وقع عند ابن ماجه من حديث عمر وابن شعيب عن أبيه عن جده وعند عبد الرزاق من حديث ابن عباس قوله " حديقته قوله " الحديقة البستان قوله " أقبل الحديقة " قال في الفتح هو أمر ارشاد واصلاح لا إيجاب ولم يذكر ما يدل على صرف الأمر عن حقيقته وفي ذلك دليل على أنه يجوز للرجل أخذ العوض من المرأة إذا كرهت البقاء معه
وقال أبو قلابة ومحمد بن سيرين أنه لا يجوز له أخذ الفدية منها إلا أن يرى على بطنها رجلا روى ذلك عنهما ابن أبي شيبة واستدلا بقوله تعالى { ولا يحل لكم أن تأخذوا مما أتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله } مع قوله تعالى { إلا أن يأتين بفاحشة مبينة } وتعقب بأن آية البقرة فسرت المراد بالفاحشة وأحاديث الباب الصحيحة من أعظم الأدلة على ذلك ولعلها لم تبلغهما وحمل الحافظ كلامهما على ما إذا كانت الكراهة من قبل الرجل فقط ولا يخالف ذلك أحاديث الباب لأن الكراهة فيها من قبل المرأة وظاهر أحاديث الباب أن مجرد وجود الشقاق من قبل المرأة كاف في جواز الخلع واختار ابن المنذر أنه لا يجوز حتى يقع الشقاق وتمسك بظاهر الآية وبذلك طاوس والشعبي وجماعة من التابعين وأجاب على ذلك جماعة منهم الطبري لأن المراد أنها إذا لم تقم بحقوق الزوج كان ذلك مقتضيا لبغض الزوج لها فنسبت المخالفة إليهما بذلك ويؤيد عدم اعتبار ذلك من جهة الزوج أنه صلى الله عليه وآله وسلم يستفسر ثابتا عن كراهته لها عند اعلامها بالكراهة له
قوله : " تتربص حيضة " استدل بذلك من قال إن الخلع فسخ لإطلاق
وقد حكى ذلك في البحر عن ابن عباس وعكرمة والناصر في أحد قوليه وأحمد بن حنبل وطاوس وإسحاق وأبي ثور وأحد قولي الشافعي وابن المنذر وحكاه غيره أيضا عن الصادق والباقر وداود والإمام يحيى بن حمزة وحكى في البحر أيضا عن علي عليه السلام وعمر وعثمان وابن مسعود وزيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وابن أبي ليلى وأحد قولي الشافعي أنه طلاق بائن ووجه الاستدلال بحديث ابن عباس وحديث الربيع أن الخلع لو كان طلاقا لم يقتصر صلى الله عليه وآله وسلم على الأمر بحيضة وأيضا لم يقع فيهما الأمر بالطلاق بل بتخلية السبيل
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير إنه بحث عن رجال الحديثين معا فوجدهم ثقات واحتجوا أيضا لكونه فسخا بقوله تعالى { الطلاق مرتان } ثم ذكر الافتداء ثم عقبه بقول تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره } قالوا كان الافتداء طلاقا لكان الطلاق الذي لا تحل له فيه إلا بعد زوج هو الطلاق الرابع . وبحديث حبيبة بنت سهل عند مالك في الموطأ أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم يا رسول الله كل ما أعطاني عندي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لثابت خذ منه فأخذ وجلست في أهلها ولم يذكر فيه الطلاق ولا زاد على الفرقة وأيضا لا يصح جعل الخلع طلاقا بائنا ولا رجعيا أما الأول فلأنه خلاف الظاهر لأنها تطليقة واحدة وأما الثاني فلأنه إهدار لمال المرأة الذي دفعته لحصول الفرقة ( واحتج القائلون ) بأنه طلاق بما وقع في حديث ابن عباس المذكور من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لثابت بالطلاق وأجيب بأنه ثبت من حديث المرأة صاحبة القصة عند أبي داود والنسائي ومالك في الموطأ بلفظ " خل سبيلها " وصاحب القصة أعرف بها وأيضا ثبت بلفظ الأمر بتخلية السبيل من حديث الربيع وأبي الزبير كما ذكره المصنف ومن حديث عائشة عند أبي داود بلفظ " وفارقها " وثبت أيضا من حديث الربيع أيضا عند النسائي بلفظ " وتلحق بأهلها "
ورواية الجماعة أرجح من رواية الواحد وأيضا قد روي عن ابن عباس هذا الحديث بدون ذكر الطلاق من طريقين كما في الباب وأيضا ابن عباس من جملة القائلين بأنه فسخ ويبعد منه أن يذهب إلى خلاف ما يرويه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد حكي ذلك عن ابن عباس ابن عبد البر ولكنه ادعى شذوذ ذلك عنه قال إذ لا يعرف أحد نقل عنه أنه فسخ وليس بطلاق إلا طاوس
قال في الفتح وفيه نظر لأن طاوسا ثقة حافظ فقيه فلا يضر تفرده وقد تلقى العلماء ذلك بالقبول ولا أعلم من ذكر الاختلاف في المسألة إلا وجزم أن ابن عباس كان يراه فسخا انتهى
وقال الخطابي في معالم السنن أنه احتج ابن عباس على أنه ليس بطلاق يقول الله تعالى { الطلاق مرتان } انتهى
وأما الاحتجاج بقول الله تعالى { والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء } فيجاب عنه أولا بمنع اندراج الخلع تحت العموم لما قررناه من كونه ليس بطلاق وثانيا بأنا لو سلمنا إنه طلاق لكان ذلك العموم مخصصا بما ذكرنا من الأحاديث فيكون بعد ذلك التسليم طلاقا عدته حيضة واحتجوا أيضا على كونه طلاقا بأنه قول أكثر أهل العلم كما حكى ذلك الترمذي فقال قال أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن عدة المختلعة عدة المطلقة انتهى . ويجاب بأن ذلك مما لا يكون حجة في مقام النزاع بالإجماع لما تقرر أن الأدلة الشرعية إما الكتاب أو السنة أو القياس أو الإجماع على خلاف في الأخيرين . وأيضا قد عارض حكاية الترمذي حكاية ابن القيم فإنه لا يصح عن صحابي أنه طلاق البتة قال ابن القيم أيضا والذي يدل على أنه ليس بطلاق أنه تعالى رتب على الطلاق بعد الدخول ثلاثة أحكام كلها منتفية عن الخلع أحدها أن الزوج أحق بالرجعة فيه . الثاني أنه محسوب من الثلاث فلا تحل بعد استيفاء العدد إلا بعد دخول زوج واصابة . الثالث أن العدة ثلاثة قروء وقد ثبت بالنص والاجماع أنه لا رجعة في الخلع انتهى
قال الحافظ محمد بن إبراهيم الوزير في بحث له وقد استدل أصحابنا يعني الزيدية على أنه طلاق بثلاثة أحاديث ثم ذكرها وأجاب عنها بوجوه حاصلها أنها مقطوعة الأسانيد وأنها معارضة بما هو أرجح وأن أهل الصحاح لم يذكروها وإذا تكرر لك رجحان كونه فسخا . فاعلم أن القائلين به لا يشترطون فيه أن يكون للسنة فيجوز عندهم أن يكون في حال الحيض ويقول بوقوعه منهم من لم يقل بوقوع الطلاق البدعي لأنه لا يعد من جملة الطلاق الثلاث التي جعله الله للأزواج . والدليل على عدم الاشتراط عدم استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم كما في أحاديث الباب وغيرها ويمكن أن يقال إن ترك الاستفصال لسبق العلم به
وقد اشترط في الخلع نشوز الزوجة الهاودية
وقال داود والجمهور ليس بشرط وهو الظاهر لأن المرأة اشترت الطلاق بمالها فلذلك لم تحل فيه الرجعة على القول بأنه طلاق قال العلامة محمد بن إبراهيم الوزير أن الأمر اشترط فيه أن لا يقيما حدود الله هو طيب المال للزوج لا الخلع وهو الظاهر من السياق في قوله تعالى { فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به } قوله " أما الزيادة فلا " استدل بذلك من قال أن العوض من الزوجة لا يكون إلا بمقدار ما دفع إليها الزوج لا بأكثر منه ويؤيد ذلك ما عند ابن ماجه والبيهقي من حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يأخذ منها ولا يزداد " وفي رواية عبد الوهاب عن سعيد قال أيوب لا أحفظ فيه ولا يزداد
وفي رواية النووي وكره أن يأخذ منها أكثر مما أعطى ذكر ذلك كله البيهقي قال ووصله الوليد بن مسلم عن ابن جريج عن ابن عباس رضي الله عنهما
وقال أبو الشيخ هو غير محفوظ يعني الصواب إرساله وبما ذكرناه يعتضد مرسل أبي الزبير ولاسيما وقد قال الدارقطني أنه سمعه أبو الزبير من غير واحد كما ذكره المصنف قال الحافظ فإن كان فيهم صحابي فهو صحيح وإلا فيعتضد بما ورد في معناه وأخرج عبد الرزاق عن علي أنه قال لا يأخذ منها فوق ما أعطاها وعن طاوس وعطاء والزهري مثله وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق والهادوية وعن ميمون بن مهران من أخذ أكثر مما أعطي لم يسرح بإحسان وأخرج عبد الرزاق بسند صحيح عن سعيد بن المسيب
قال ما أحب أن يأخذ منها ما أعطاها ليدع لها شيئا . وذهب الجمهور إلى أنه يجوز للرجل أن يخالع المرأة بأكثر مما أعطاها
قال مالك لم أر أحدا ممن يقتدى به يمنع ذلك لكنه ليس من مكارم الأخلاق
وأخرج ابن سعد عن الربيع قالت كان بيني وبين ابن عمي كلام وكان زوجها قالت فقلت له لك كل شيء وفارقني قال قد فعلت فأخذ والله كل فراشي فجئت عثمان وهو محصور فقال الشرط أملك خذ كل شيء حتى عقاص رأسها
وفي البخاري عن عثمان أنه أجاز الخلع دون عقاص رأسها
وروى البيهقي عن أبي سعيد الخدري قال كانت أختي تحت رجل من الأنصار فارتفعا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لها أتردين حديقته قالت وأزيده فخلعها فردت عليه حديقته وزادته وهذا مع كون إسناده ضعيفا ليس فيه حجة لأنه ليس فيه أنه قررها صلى الله عليه وآله وسلم على دفع الزيادة في أمرها برد الحديقة فقط ويمكن أن يقال أن سكوته بعد قولها وأزيده تقرير . ويؤيد الجواز قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } فإنه عام للقليل والكثير ولكنه لا يخفى أن الروايات المتضمنة للنهي عن الزيادة مخصصة لهذا العموم ومرجحة علىتلك الرواية المتضمنة للتقرير لكثرة طرقها وكونها مقتضية للحصر وهو أرجح من الإباحة عند التعارض على ما ذهب إليه جماعة من أئمة الأصول ( وأحاديث الباب ) قاضية بأنه يجوز الخلع إذا كان ثم سبب يقتضيه فيجمع بينها وبين الأحاديث القاضية بالتحريم بحملها على ما إذا لم يكن ثم سبب يقتضيه
وقد أخرج أصحاب السنن وصححه ابن خزيمة وابن حبان من حديث ثوبان " أيما امرأة سألت زوجها الطلاق فحرام عليها رائحة الجنة " وفي بعض طرقه من غير ما بأس وقد تقدم الحديث وأخرج أحمد والنسائي من حديث أبي هريرة " المختلعات هن المنافقات " وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه نظر (7/23)
( كتاب الرجعة والإباحة للزوج الأول ) (7/24)
1 - عن ابن عباس " في قوله تعالى { والمطلقات يتربص بأنفسهن ثلاثة قروء ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } الآية وذلك أن الرجل كان إذا طلق امرأته فهو أحق برجعتها وإن طلقها ثلاثا فنسخ ذلك الطلاق مرتان " الآية
- رواه أبو داود والنسائي (7/24)
2 - وعن عروة عن عائشة قالت " كان الناس والرجل يطلق امرأته ما شاء أن يطلقها وهي امرأته إذا ارتجعها وهي في العدة وإن طلقها مائة مرة أو أكثر حتى قال رجل لأمرأته والله لا أطلقك فتبينيمني ولا أويك أبدا قالت وكيف ذلك قال أطلقك فكلما همت عدتك أن تنقضي راجعتك فذهبت المرأة حتى دخلت على عائشة فأخبرتها فسكتت عائشة حتى جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فسكت النب صلى الله عليه وآله وسلم حتى نزل القرآن { الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } قالت عائشة فاستأنف الناس الطلاق مستقبلا من طلق ومن لم يكن طلق "
- رواه الترمذي ورواه أيضا عن عروة مرسلا وذكر أنه أصح (7/24)
- حديث ابن عباس في اسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال . وحديث عائشة المرفوع من طريق قتيبة عن يعلى بن شبيب عن هشام بن عروة عن أبيه عنها والموقوف من طريق أبي كريب عن عبد الله بن ادريس عن هشام بن عروة عن أبيه ولم يذكر فيه عائشة
قال الترمذي وهذا أصح من حديث يعلى بن شبيب
قوله : تعالى " { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } " فسره مجاهد بالحيض والحمل
وأخرج الطبري عن طائفة أن المراد به الحيض وعن ابن جرير الحمل والمقصود من الآية أن أمر العدة لما دار على الحيض والطهر والاطلاع على ذلك يقع من جهة النساء غالبا جعلت المرأة مؤتمنة على ذلك
وقال إسماعيل القاضي ذلت الآية أن المرأة المعتدة مؤتمنة على رحمها من الحمل والحيض إلا أن تأتي من ذلك بما يعرف به كذبها فيه والمنسوخ من هذه الآية هو قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } فإن ظاهره أن للرجل مراجعة المرأة مطلقا سواء طلقها ثلاثا أو أكثر أو أقل فنسخ من ذلك مراجعة من طلقها زوجها ثلاثا فأكثر فإنه لا يحل له مراجعتها بعد ذلك وأما إذا طلقها واحدة رجعية أو اثنتين كذلك فهو أحق برجعتها
قال في الفتح وقد أجمعوا على أن الحر إذا طلق الحرة بعد الدخول بها تطليقة أو تطليقتين فهو أحق برجعتها ولو كرهت المرأة ذلك فإن لم يراجع حتى انقضت العدة فتصير أجنبية فلا تحل له إلا بنكاح مستأنف ( واختلف السلف ) فيما يكون به الرجل مراجعا فقال الأوزاعي إذا جامعها فقد راجعها . ومثله أيضا روى عن بعض التابعين وبه قال مالك وإسحاق بشرط أن ينوي به الرجعة وقال الكوفيون كالأوزاعي وزادوا ولو لمسها لشهوة أو نظر إلى فرجها لشهوة
وقال الشافعي لا تكون الرجعة إلا بالكلام وحجة الشافعي أن الطلاق يزيل النكاح وإلى ذلك ذهب الامام يحيى والظاهر ما ذهب إليه الأولون لأن العدة مدة خيار والاختيار يصح بالقول والفعل وأيضا قوله تعالى { وبعولتهن أحق بردهن } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " مره فليراجعها " أنها تجوز الرجعة بالفعل لأنه لم يخص قولا من فعل ومن ادعى الاختصاص فعليه الدليل وقد حكى في البحر عن العترة ومالك أن الرجعة بالوطء ومقدماته محظورة وإن صحت ثم قال قلت إن لم ينو به الرجعة فنعم لعزمه على قبيح وإلا فلا لما مر
وقال أحمد بن حنبل بل مباح لقوله تعالى { إلا على أزواجهم } والرجعية زوجة بدليل صحة الإيلاء انتهى . وحديث عائشة فيه دليل على تحريم الضرار في الرجعة لأنه منهي عنه بعموم قوله تعالى { ولا تضاروهن } والمنهي عنه فاسد فسادا يرادف البطلان ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى { إن أرادوا اصلاحا } فكل رجعة لا يراد بها الاصلاح ليست برجعة شرعية
وقد دل الحديثان المذكوران في الباب على أن الرجل كان يملك من الطلاق لزوجته في صدر الاسلام الثلاث وما فوقها إلى ما لا نهاية ثم نسخ الله الزيادة على الثلاث بالآية المذكورة
قوله : " من كان طلق " أي لم يعتد من ذلك الوقت بما قد وقع منه من الطلاق بل حكمه حكم من لم يطلق أصلا فيملك ثلاثا كما يملكها من لم يقع منه شيء من الطلاق (7/25)
3 - وعن عمران بن حصين " أنه سئل عن الرجل يطلق امرأته ثم يقع بها ولم يشهد على طلاقها ولا على رجعتها فقال طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة أشهد على طلاقها وعلى رجعتها ولا تعد "
- رواه أبو داود وابن ماجه ولم يقل ولا تعد (7/25)
- الأثر أخرجه أيضا البيهقي والطبرني وزاد " واستغفر الله " قال الحافظ في بلوغ المرام وسنده صحيح وقد استدل به من قال بوجوب الاشهاد على الرجعة وقد ذهب إلى عدم رجوع الإشهاد في الرجعة أبو حنيفة وأصحابه والقاسمية والشافعي في أحد قوليه . واستدل لهم في البحر بحديث ابن عمر السالف فإن فيه أنه صلى الله عليه وآله وسلم " مره فليراجعها " ولم يذكر الاشهاد وقال مالك والشافعي والناصر أنه يجب الاشهاد في الرجعة واحتج في نهاية المجتهد للقائلين بعدم الوجوب بالقياس على الأمور التي ينشئها الانسان لنفسه فإنه لا يجب فيها الاشهاد . ومن الأدلة على عدم الوجوب أنه قد وقع الاجماع على عدم وجوب الاشهاد في الطلاق كما حكاه الموزعي في تيسير البيان والرجعة قرينته فلا يجب فيها كما لا يجب فيه والاحتجاج بالأثر المذكور في الباب لا يصلح للاحتجاج لأنه قول صحابي في أمر من مسارح الاجتهاد وما كان كذلك فليس بحجة لولا ما وقع من قوله طلقت لغير سنة وراجعت لغير سنة
وأما قوله تعالى { وأشهدوا ذوي عدل منكم } فهو وارد عقب قوله { فأمسكوهن بمعروف } الآية وقد عرفت الاجماع على عدم وجوب الاشهاد على الطلاق والقائلون بعدم الوجوب يقولون بالاستحباب (7/25)
4 - وعن عائشة قالت " جاءت امرأة رفاعة الفرظي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت كنت عند رفاعة فطلقني فبت طلاقي فتزوجت بعده عبد الرحمن بن الزبير وإنما معه مثل هدية الثوب فقال أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك "
- رواه الجماعة . لكن لأبي داود معناه من غير تسمية الزوجين (7/26)
5 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال العسيلة هي الجماع "
- رواه أحمد والنسائي (7/26)
6 - وعن ابن عمر قال " سئل نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الرجل يطلق امرأته ثلاثا ويتزوجها آخر فيغلق الباب ويرخي الستر ثم يطلقها قبل أن يدخل بها هل تحل للأول قال لا حتى يذوق العسيلة "
- رواه أحمد والنسائي وقال " قال لا تحل للأول حتى يجامعها الآخر (7/26)
- حديث عائشة الثاني أخرجه أيضا أبو نعيم في الحلية قال الهيثمي فيه أبو عبد الملك لم أعرفه وبقية رجاله رجال الصحيح . وحديث ابن عمر هو من رواية سفيان الثوري عن علقمة بن مرئد عن رزين بن سليمان الأحمري عن ابن عمر وروى أيضا من طريق شعبة عن علقمة بن مرئد عن سالم بن رزين سلم بن عبد الله عن سعيد بن المسيب عن ابن عمر
قال النسائي والطريق الأولى أولى بالصواب الحافظ وإنما قال ذلك لأن الثوري أتقن وأحفظ من شعبة وروايته أولى بالصواب من وجهين أحدهما أن شيخ علقمة هو رزين بن سليمان كما قال الثوري لا سالم بن رزين كما قال شعبة فقد رواه جماعة عن شعبة كذلك منهم غيلان بن جامع أحد الثقات ثانيهما أن الحديث لو كان عند سعيد بن المسيب عن ابن عمر مرفوعا لم يخالفه سعيد ويقول بغيره كما سيأتي ( وفي الباب ) عن عائشة غير حديث الباب عند أبي داود بنحو حديث ابن عمر وعن ابن عباس نحوه عند النسائي . وعن أبي هريرة عند الطبراني وابن أبي شيبة بنحوه . وعن أنس عند الطبراني أيضا والبيهقي بنحوه أيضا . وعن عائشة أيضا حديث آخر عند الطبراني بإسناد رجاله ثقات " أن عمرو بن حزم طلق العميصاء فنكحها رجل فطلقها قبل أن يمسها فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا حتى يذوق الآخر عسيلتها وتذوق عسيلته " قوله " امرأة رفاعة القرظي " قيل اسمها تميمة وقيل سهيمة وقيل أميمة . والقرظي بضم القاف وفتح الراء والظاء المعجمة نسبة إلى بني قريظة
قوله : عبد الرحمن بن الزبير بفتح الزاي من الزبير
قوله : " هدية الثوب " بفتح الهاء وسكون المهملة بعدها باء موحدة مفتوحة هي طرف الثوب الذي لم ينسج مأخوذ من هدب العين وهو شعر الجفن هكذا في الفتح
وفي القاموس الهدب باضم وبضمتين شعر أشفار العين وخمل الثوب واحدتهما بهاء وكذا في مجمع البحار نقلا عن النووي أنها بضم هاء وسكون دال وأرادت أن ذكره يشبه الهدية في الاسترخاء وعدم الانتشار واستدل به على أن وطء الزوج الثاني لا يكون محللا ارتجاع الزوج الأول للمرأة إلا إذا كان حال وطئه منتشرا فلو لم يكن كذلك أو كان عنينا أو طفلا لم يكف على الاصح من قولي أهل العلم
قوله : " حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك " العسيلة مصغرة في الموضعين واختلف في توجيهه فقيل هو تصغير العسل لأن العسل مؤنث جزم بذلك القزاز
قال وأحسب التذكير لغة وقال الازهري يذكر ويؤنث وقيل لأن العرب إذا حقرت الشيء أدخلت فيه هاء التأنيث
وقيل المراد قطعة من العسل والتصغير للتقليل اشارة إلى أن القدر القليل كاف في تحصيل ذلك بأن يقع تغييب الحشفة في الفرج وقيل معنى العسيلة النطفة وهذا يوافق قول الحسن البصري وقال جمهور العلماء ذوق العسيلة كناية عن الجماع وهو تغييب حشفة الرجل في فرج المرأة . وحديث عائشة المذكور في الباب يدل على ذلك وزاد الحسن البصري حصول الإنزال
قال ابن بطال شذ الحسن في هذا وخالف سائر الفقهاء وقالوا يكفي ما يوجب الحد ويحصن الشخص ويوجب كمال الصداق ويفسد الحج والصوم
وقال أبو عبيدة العسيلة لذة الجماع والعرب تسمي كل شيء تستلذه عسلا (7/27)
- ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه لا بد قيمن طلقها زوجها ثلاثا ثم تزوجها زوج آخر من الوطء فلا تحل للأول إلا بعده
قال ابن المنذر أجمع العلماء على اشتراط الجماع لتحل للأول إلا سعيد بن المسيب ثم ساق سنهد الصحيح عنه ما يدل على ذلك قال ابن المنذر وهذا القول لا نعلم أحذا وافقه عليه إلا طائفة من الخوارج ولعله لم يبلغه الحديث فأخذ بظاهر القرآن
وقد نقل أبو جعفر النحاس في معاني القرآن وعبد الوهاب المالكي في شرح الرسالة عن سعيد بن جبيرمثل قول سعيد بن المسيب وكذلك حكى ابن الجوزي عن داود أنه وافق في ذلك قال القرطبي ويستفاد من الحديث على قول الجمهور أن الحكم يتعلق بأقل ما ينطلق عليه الاسم خلافا لمن قال لا بد من حصول جميعه واستدل بإطلاق الذوق لهما على اشتراط علم الزوجين به حتى لو وطئها نائمة أو مغمى عليها لم يكف ذلك ولو أنزل هو . وبالغ ابن المنذر فنقله عن جميع الفقهاء ( واستدل ) بأحاديث الباب على جواز رجوعها إلى زوجها الأول إذا حصل الجماع من الثاني ويعقبه الطلاق منه لكن شرط المالكية ونقل عن عثمان وزيد بن ثابت أن لا يكون في ذلك مخادعة من الزوج الثاني ولا إرادة تحليلها للأول وقال الأكثر إن شرط ذلك في العقد فسد وإلا فلا وقد قدمنا الكلام على التحليل ومما يستدل بأحاديث الباب عليه أنه لا حق للمرأة في الجماع لأن هذه المرأة شكت أن زوجها لا يطؤها وأن ذكره لا ينتشر وأنه ليس معه ما يغني عنها ولم يفسخ النبي صلى الله عليه وآله وسلم نكاحها وفي ذلك خلاف معروف (7/27)
( كتاب الإيلاء ) (7/27)
1 - عن الشعبي عن مسروق عن عائشة " قالت آلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من نسائه وحرم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين الكفارة "
- رواه ابن ماجه والترمذي وذكر أنه قد روي عن الشعبي مرسلا وأنه أصح (7/28)
2 - وعن ابن عمر قال " إذا مضت أربعة أشهر يوقف حتى يطلق ولا يقع عليه الطلاق حتى يطلق يعني المولي "
- أخرجه البخاري وقال ويذكر ذلك عن عثمان وعلي وأبي الدرداء وعائشة واثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم
وقال أحمد بن حنبل في رواية أبي طالب قال عمر وعثمان وعلي وابن عمر يوقف المولي بعد الأربعة فإما أن يفيء وإما أن يطلق (7/28)
3 - وعن سليمان بن يسار قال " أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كلهم يقفون للمولى "
- رواه الشافعي والدارقطني (7/28)
4 - وعن سهيل بن أبي صالح عن أبيه " أنه قال سألت اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن رجل يولي قالوا ليس عليه شيء حتى تمضي أربعة أشهر فيوقف فإن فاء وإلا طلق "
- رواه الدارقطني (7/29)
- حديث الشعبي قال الحافظ في الفتح رجاله موثقون ولكنه رجح الترمذي إرساله على وصله . وأثر عمر ذكره البخاري موصولا عن طريق إسماعيل بن أبي أويس عن أخيه أبي بكر بن حميد بن أبي أويس . وأثر عثمان وصله الشافعي وابن أبي شيبة وعبد الرزاق بلفظ " يوقف المولي فإما أن يقيء وإما أن يطلق " وهو من رواية طاوس عنه وفي سماعه منه نظر لكن أحرجه الإسماعيلي من وجه آخر منقطع عنه أنه كان لا يرى الإيلاء شيئا وإن مضت أربعة أشهر حتى يوقف
وأخرج عبد الرزاق والدارقطني عنه خلاف ذلك ولفظه قال عثمان إذا مضت أربعة أشهر فهي تطليقة بائنة وقد رجح أحمد رواية طاوس عنه . وأثر علي وصله الشافعي وابن أبي شيبة وسنده صحيح وكذلك روى عنه مالك أنه إذا مضت الأربعة أشهر لم يقع عليه طلاق حتى يوقف فإما أن يطلق وإما أن يفيء وهو منقطع لأنه من رواية جعفر بن محمد عن أبيه عنه
وأخرج نحوه عن سعيد بن منصور باسناد صحيح . وأثر أبي الدرداء وصله ابن أبي شيبة ولفظه أن أبا الدرداء قال يوقف في الإيلاء عند انقضاء الأربعة فإما أن يطلق وإما أن يفيء واسناده صحيح . وأثر عائشة وصله عبد الرزاق مثل قول أبي الدرداء وهو منقطع لأنه من رواية قتادة عنها ولكنه أخرج عنها سعيد بن منصور أنها كانت لا ترى الإيلاء شيئا حتى يةقف واسناده صحيح
وأخرج الشافعي عنها نحوه باسناد صحيح أيضا
وأما الآثار الواردة عن اثني عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخرجها البخاري في التاريخ موصولة . وأثر سليمان بن يسار أخرجه أيضا إسماعيل القاضي من طريق يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركت بضعة عشر رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قالوا الإيلاء لا يكون طلاقا حتى يوقف . وأثر سهيل بن أبي صالح اسناده في سنن الدارقطني هكذا أخبرنا أبو بكر النيسابوري أخبرنا أحمد بن منصور أخبرنا ابن أبي مريم أخبرنا يحيى بن أبي أيوب عن عبيد الله ابن عمر عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه فذكره ويشهد له ما تقدم وأخرج إسماعيل القاضي عن يحيى بن سعيد عن سليمان بن يسار قال أدركنا الناس يقفون الإيلاء إذا ما مضت الأربعة ( وفي الباب ) من المرفوع عن أنس عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم آلى على نسائه الحديث . وعن أم سلمة عند البخاري بنحوه وعن ابن عباس عنه أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقسم أن لا يدخل عليهن شهرا . وعن جابر عند مسلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتزل نساءه شهرا
قوله : " آلى " الإيلاء في اللغة الحلف وفي الشرع الحلف الواقع من الزوج أن لا يطأ زوجته ومن أهل العلم من قال الإيلاء الحلف على ترك كلامها أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك ونقل عن الزهري أنه لا يكون الإيلاء ايلاء إلا أن يلف المرء بالله فيما يريد أن يضار به امرأته من اعتزالها فإذا لم يقصد الاضرار لم يكن ايلاء وروي عن علي وابن عباس والحسن وطائفة أنه لا ايلاء إلا في غضب فأما من حلف أن لا يطأها بسبب الخوف على الولد الذي يرضع منها من الغيلة فلا يكون ايلاء
وروي عن القاسم بن محمد وسالم فيمن قال لامرأته إن كلمتك سنة فأنت طالق قالا إن مضت أربعة أشهر ولم يكلمها طلقت وإن كلمها قبل سنة فهي طالق
وروي عن يزيد بن الأصم أن ابن عباس قال له ما فعلت امرأتك فعهدي بها سيئة الخلق فقال لقد خرجت وما أكلمها قال أدركها قبل أن تمضي أربعة أشهر فإن مضت فهي تطليقة
قوله : " وحرم " في الصحيحين أن الذي حرمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفسه هو العسل وقيل تحريم مارية وسيأتي
وروى ابن مردويه من طريق عائشة ما يفيد الجمع بين الروايتين وهكذا الخلاف في تفسير قوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } الآية
ومدة ايلائه صلى الله عليه وآله وسلم من نسائه شهر كما ثبت في صحيح البخاري . واختلف في سبب الإيلاء فقيل سببه الحديث الذي أفشته حفصة كما في صحيح البخاري من حديث ابن عباس واختلف أيضا في ذلك الحديث الذي أفشته وقد وردت في بيانه روايات مختلفة وقد اختلف في مقدار مدة الإيلاء فذهب الجمهور إلى أنها أربعة أشهر فصاعدا قالوا فإن حلف على أنقص منها لم يكن موليا
وقال إسحاق إن حلف أن لا يطأها يوما فصاعدا ثم لم يطأها حتى مضت أربعة أشهر فصاعدا كان ايلاء وجاء عن بعض التابعين مثله . وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وابن سيرين وابن أبي ليلى وقتادة والحسن البصري والنخعي وحماد بن عيينة أنهينعقد بدون أربعة أشهر لأن القصد مضارة الزوجة وهي حاصلة في دونها ( واحتج الأولون ) بقوله تعالى { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } وأجاب الأخرون عنها بأن المراد بها المدة التي تضرب للمولي فإن فاء بعدها وإلا طلق حتما لا أنه لا يصح الإيلاء بدون هذه المدة . ويؤيد ما قالوه ما تقدم من ايلائه صلى الله عليه وآله وسلم من نسائه شهرا فإنه لو كان ما في القرآن بيانا لمقدار المدة التي لا يجوز الإيلاء بدونها لم يقم منه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك . وأيضا الاصل أن من حلف على شيء لزمه حكم اليمين فالحالف من وطء زوجته يوما أو يومين موال
وأخرج عبد الرزاق عن عطاء أن الرجل إذا حلف أن لا يقرب امرأته سمى أجلا أو لم يسمه فإن مضت أربعة أشهر ألزم حكم الإيلاء وأخرج سعيد بن منصور عن الحسن البصري أنه إذا قال لامرأته والله لا أقربها الليلة فتركها أربعة أشهر من أجل يمينه تلك فهو ايلاء
وأخرج الطبراني والبيهقي من حديث ابن عباس قال كان ايلاء الجاهلية السنة والسنتين فوقت الله لهم أربعة أشهر فمن كان ايلاؤه أقل من أربعة أشهر فليس بايلاء
قوله : " فإما أن يفيء " الفيء الرجوع قاله أبو عبيدة وإبراهيم النخعي في رواية الطبري عنه قال الفيء الرجوع باللسان . ومثله عن أبي قلابة وعن سعيد بن المسيب والحسن وعكرمة الفيء الرجوع بالقلب لمن به مانع عن الجماع وفي غيره بالجماع . وحكى ذلك في البحر عن العترة والفريقين . وحكاه صاحب الفتح عن أصحاب ابن مسعود . وعن ابن عباس الفيء الجماع . وحكي مثله عن مسروق وسعيد بن جبير والشعبي
قال الطبري اختلافهم في هذا من اختلافهم في تعريف الإيلاء فمن خصه بترك الجماع قال لا يفيء إلا بفعل الجماع ومن قال الإيلاء الحلف على ترك كلام المرأة أو على أن يغيظها أو يسوءها أو نحو ذلك لم يشترط في الفيء الجماع بل رجوعه بفعل ما حلف أنه لا يفعله
قال في البحر فرع ولفظ الفيء ندمت على يميني ولو قدرت الآن لفعلت أو رجعت عن يميني ونحوه انتهى
وقد ذهب الجمهور إلى أن الزوج لا يطالب بالفيء قبل مضي الأربعة أشهر
وقال ابن مسعود " زيد ابن ثابت وابن أبي ليلى والثوري وأبو حنيفة إنه يطالب فيها لقراءة ابن مسعود { فإن فاؤوا فيها } قالوا وإذا جاز الفيء جاز الطلب إذ هو تابع ويجاب بمنع الملازمة وبنص { للذين يؤلون من نسائهم تربص أربعة أشهر } فإن الله سبحانه شرع التربص هذه فلا يجوز مطالبة الزوج قبلها واختياره للفيء قبلها إبطال لحقه من جهة نفسه فلا يبطل بابطال غيره . وذهب الجمهور إلى أن الطلاق الواقع من الزوج في الإيلاء يكون رجعيا وهكذا عند من قال إن مضي المدة يكون طلاقا وإن لم يطلق
وقد أخرج الطبري عن علي وابن مسعود وزيد بن ثابت أنها إذا مضت أربعة أشهر ولم يفيء طلقت طلقة بائنة
وأخرج أيضا عن جماعة من التابعين من الكوفيين وغيرهم كابن الحنفية وقبيصة بن ذؤئب وعطاء والحسن وابن سيرين مثله
وأخرج أيضا من طريق سعيد بن المسيب وأبي بكر بن عبد الرحمن وربيعة ومكحول والزهري والاوزاعي أنها تطلق طلقة رجعية
وأخرج سعيد بن منصور عن جابر بن زيد أنها تطلق بائنا
وروى إسماعيل القاضي في أحكام القرآن بسند صحيح عن ابن عباس مثله وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود مثله (7/29)
( كتاب الظهار ) (7/29)
1 - عن سلمة بن صخر قال " كنت امرأ قد أوتيت من جماع النساء ما لم يؤت غيري فلما دخل رمضان ظاهرت من امرأتي حتى ينسلخ رمضان فرقا من أن أصيب في ليلتي شيئا فأتتابع في ذلك إلى أن يدركني النهار وأنا لا أقدر أن أنزع فبينا هي تخدمني من الليل إذ تكشف إلي منها شيء فوثبت عليها فلما أصبحت غدوت على قومي فأخبرتهم خبري وقلت لهم انطلقوا معي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بأمري فقالوا والله لا نفعل نتخوف أن ينزل فينا قرآن أو يقول فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مقالة يبقى علينا عارها ولكن اذهب أنت واصنع ما بدا لك فخرجت حتى أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته خبري فقال لي أنت بذاك فقلت أنا بذاك فقال أنت بذاك قلت أنا بذاك فقال أنت بذاك قلت نعم ها أنا ذا فأمض في حكم الله عز و جل فأنا صابر له قال أعتق رقبة فضربت صفحة رقبتي بيدي وقلت لا والذي بعثك بالحق ما أصبحت أملك غيرها قال فصم شهرين متتابعين قال قلت يا رسول الله وهل أصابني ما أصابني إلا في الصوم قال فتصدق قال قلت والذي بعثك بالحق لقد بتنا ليلتنا وحشا ما لنا عشاء قال اذهب إلى صاحب صدقة بني زريق فقل له فليدعها إليك فأطعم عنك منها وسقا من تمر ستين مسكينا ثم استعن بسائره عليك وعلى عيالك قال فرجعت إلى قومي فقلت وجدت عندكم الضيق وسوء الرأي ووجدت عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم السعة والبركة وقد أمر لي بصدقتكم فادفعوها إلي قال فدفعوها إلي "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن (7/30)
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه ابن خزيمة وابن الجارود وقد أعله عبد الحق بالانقطاع وأن سليمان بن يسار لم يدرك سلمة
وقد حكى ذلك الترمذي عن البخاري وفي إسناده أيضا محمد بن إسحاق
قوله : " ظاهرت من امرأتي " الظهار بكسر الظاء المعجمة اشتقاقه من الظهر وهو قول الرجل لامرأته أنت علي كظهر أمي
قال في الفتح وإنما خص الظهر بذلك دون سائر الأعضاء لأنه محل الركوب غالبا ولذلك سمي المركوب ظهرا فشبهت الزوجة بذلك لأنها مركوب الرجل
وقد ذهب الجمهور إلى أن الظهار يختص بالأم كما ورد في القرآن
وفي حديث خولة التي ظاهر منها أوس فلو قال كظهر أختي لم يكن ظهارا وكذا لو قال كظهر أبي وفي رواية عن أحمد أنه ظهار وطرده في كل من يحرم عليه وطؤه حتى في البهيمة . وحكي في البحر عن أبي حنيفة وأصحابه والاوزاعي والثوري والحسن بن صالح وزيد بن علي والناصر والإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إنه يقاس المحارم على الأم ولو من رضاع إذ العلة التحريم المؤبد . وعن ابن القاسم من أصحاب الشافعي ولو من الرجال . وعن مالك وأحمد والبتي وغير المؤبد فيصح بالأجنبيات
قوله : " فرقا " بفتح الفاء والراء
قوله : " فأتتابع " بتاءين فوقيتين وبعد الألف ياء وهو الوقوع في الشر
قوله : " فقال لي أنت بذاك " لعل هذا التكرير للمبالغة في الزجر لا إنه شرط في إقرار المظاهر ومن ههنا يلوح أن مجرد الفعل لا يصح الاستدلالبه على الشرطية كما سيأتي في الإقرار بالزنا
قوله : " أعتق رقبة " ظاهره عدم اعتبار كونها مؤمنة وبه قال عطاء والنخعي وزيد بن علي وأبو حنيفة وأبو يوسف وقال مالك والشافعي وأكثر العترة لا يجوز ولا يجزئ اعتاق الكافر لأن هذا مطلق مقيد بما في كفارة القتل من اشتراط الإيمان . وأجيب بأن تقييد حكم بما في حكم آخر مخالف له لا يصح وتحقيق الحق في ذلك محرر في الأصول ولكنه يؤيد اعتبار الاسلام حديث معاوية بن الحكم السلمي فإنه لما سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن اعتاق جاريته عن الرقبة التي عليه قال لها أين الله فقالت في السماء فقال من أنا فقالت رسول الله قال فأعتقها فإنها مؤمنة ولك يستفصله عن الرقبة التي عليه وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل بمنزلة العموم في المقال وظاهر إطلاق الرقبة أنها تجزئ المعيبة وقد حكاه في البحر عن أكثر العترة وداود وحكى عن المرتضى والفريقين ومالك أنها لا تجزي . قوله " فصم شهرين " ظاهره أن حكم العبد حكم الحر في ذلك وقد نقل ابن بطال الاجماع على أن العبد إذا ظاهر لزمه وأن كفارته بالصيام شهران كالحر واختلفوا في الاطعام والعتق فقال الكوفيون والشافعي والهادوية لا يجزيه إلا الصيام فقط وقال ابن القاسم عن مالك إذا أطعم بإذن مولاه أجزأه قال وما ادعاه ابن بطال من الاجماع مردود فقد نقل الشيخ الموفق في المغني عن بعضهم أنه لا يصح ظهار العبد لأن الله تعالى قال فتحرير رقبة والعبد لا يملك الرقاب وتعقب بأن تحرير الرقبة إنما هو على من يجدها كالمعسر ففرضه الصيام
وأخرج عبد الرزاق عن معمر عن قتادة عن إبراهيم أنه لو صام العبد شهرا أجزأ عنه
قوله : " وحشا " لفظ أبي داود وحشين قال في النهاية يقال رجل وحش بالسكون إذا كان جائعا لا طعام له وقد أوحش إذا جاع
قوله : " بني زريق " بتقديم الزاي على الراء قوله " ستين مسكينا " فيه دليل على أنه يجزى من لم يجد رقبة ولم يقدر على الصيام لعلة أن يطعم ستين مسكينا وقد حكى صاحب البحر الاجماع على ذلك وحكى أيضا الاجماع على أن الكفارة في الظهار واجبة على الترتيب وظاهر الحديث أنه لا بد من اطعام ستين مسكينا ولا يجزي اطعام دونهم وإليه ذهب الشافعي ومالك والهادوية وقال زيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والناصر أنه يجزى اطعام واحد ستين يوما
قوله : " فأطعم عنك منها وسقا " في رواية " فأطعم عرقا من تمر ستين مسكينا " وسيأتي الاختلاف في العرق في حديث خولة
وقد أخذ بظاهر حديث الباب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والهادوية والمؤيد بالله فقالوا الواجب لكل مسكين صاع من تمر أو ذرة أو شعير أو زبيب أو نصف صاع من بر وقال الشافعي وهو مروي عن أبي حنيفة أيضا أن الواجب لكل مسكين مد وقد تمسكوا بالروايات التي فيها ذكر العرق وتقديره بخمسة عشر صاعا وسيأتي واختلفت الرواية عن مالك وظاهر الحديث أن الكفارة لا تسقط بالعجز عن جميع أنواعها لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعانه بما يكفر به بعد أن أخبره أنه لا يجد رقبة ولا يتمكن من اطعام ولا يطيق الصوم وإليه ذهب الشافعي وأحمد في رواية عنه وذهب قوم إلى السقوط وذهب آخرون إلى التفصيل فقالوا تسقط كفارة صوم رمضان لا غيرها من الكفارات (7/30)
2 - وعن سلمة بن صخر " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المظاهر يواقع قبل أن يكفر قال كفارة واحدة "
- رواه ابن ماجه والترمذي (7/30)
3 - وعن أبي سلمة عن سلمة بن صخر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه أعطاه مكتلا فيه خمسة عشر صاعا فقال أطعمه ستين مسكينا وذلك لكل مسكين مد "
- رواه الدارقطني والترمذي معناه (7/31)
4 - وعن عكرمة عن ابن عباس " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ظاهر من امرأته فوقع عليها فقال يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فوقعت عليها قبل أن أكفر فقال ما حملك على ذلك يرحمك الله قالت رأيت خلخالها في ضوء القمر قال فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله "
- رواه الخمسة لإلا أحمد وصححه الترمذي وهو حجة في تحريم الوطء قبل التكفير بالاطعام وغيره . ورواه أيضا النسائي عن عكرمة مرسلا وقال فيه " فاعتزلها حتى تقضي ما عليك " وهو حجة في ثبوت كفارة الظهار في الذمة (7/31)
- حديث سلمة الأول حسنه الترمذي . وحديث الثاني أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي من طريق محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان وأبي سلمة بن عبد الرحمن أن سلمة بن صخر البياضي الحديث . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الحاكم وصححه قال الحافظ ورجاله ثقات لكن أعله أبو حاتم والنسائي بالإرسال
وقال ابن حزم رواته ثقات ولا يضره إرسال من أرسله وأخرج البزار شاهدا له من طريق خصيف عن عطاء عن ابن عباس " أن رجلا قال يا رسول الله إني ظاهرت من امرأتي فرأيت ساقها في القمر فواقعتها قبل أن أكفر فقال كفر ولا تعد " وقد بالغ أبو بكر بن العربي فقال ليس في الظهار حديث صحيح . قوله " قال كفارة واحدة " قال الترمذي والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم وهو قول سفيان الثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وقال بعضهم إذا واقعها قبل أن يكفر فعليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي
قوله : " فلا تقربها حتى تفعل ما أمرك الله " فيه دليل على أنه يحرم على الزوج الوطء قبل التكفير وهو الإجماع وأن الكفارة واجبة عليه لا تسقط بالوطء قبل إخراجها
وروى سعيد بن منصور عن الحسن وإبراهيم أنه يجب على من وطئ قبل التكفير ثلاث كفارات وذهب الزهري وسعيد بن جبير وأبو سف إلى سقوط الكفارة بالوطء وروى عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه يجب عليه كفارتان وهو قول عبد الرحمن بن مهدي كما سلف وذهب الجمهور إلى أن الواجب كفارة واحدة مطلقا وهو مذهب الأئمة الأربعة وغيرهم كما تقدم ( واختلف ) في مقدمات الوطء هل تحرم مثل الوطء إذا أراد أن يفعل شيئا منها قبل التكفير أم لا فذهب الثوري والشافعي في أحد قوليه إلى أن المحرم هو الوطء وحده لا المقدمات وذهب الجمهور إلى أنها تحرم كما يحرم الوطء واستدلوا بقوله تعالى { من قبل أن يتماسا } وهو يصدق على الوطء ومقدماته وأجاب من قال بأن حكم المقدمات مخالف لحكم الوطء بأن المسيس كناية عن الجماع وقد قدمنا الكلام على ذلك في أبواب الوضوء واعلم أنها تجب الكفارة بعد العود إجماعا لقوله تعالى { ثم يعودون لما قالوا } واختلفوا هل العدة في وجوبها العود أو الظهار فذهب إلى الأول ابن عباس وقتادة والحسن وأبو حنيفة وأصحابه والعترة وذهب إلى الثاني مجاهد والثوري وقال الزهري وطاوس ومالك وأحمد بن حنبل وداود والشافعي بل العلة مجموعهما وقال الإمام يحيى إن العود شرط كالإحصان مع الزنا واختلفوا في العود ما هو فقال قتادة وسعيد بن جبير وأبو حنيفة وأصحابه والعترة إنه أراد المس لما حرم بالظهار لأنه إذا أراد فقد عاد عن عزم الترك إلى عزم الفعل سواء فعل أم لا وقال الشافعي بل هو إمساكها بعد الظهار وقتا يسع الطلاق ولم يطلق إذ تشبيهها بالأم يقتضي إبانتها وإمساكها نقيضه وقال مالك وأحمد بل هو العزم على الوطء فقط وإن لم يطأ وقال الحسن البصري وطاوس والزهري بل هو الوطء نفسه وقال داود وشعبة با إعادة لفظ الظهار (7/31)
5 - وعن خولة بنت مالك بن ثعلبة " قالت ظاهر مني أوس بن الصامت فجئت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشكو إليه ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجادلني فيه ويقول اتقي الله فلإنه ابن عمك فما برح حتى نزل القرآن قد سمع الله التي تجادلك في زوجها إلى الفرض فقال يعتق رقبة قالت لا يجد قال فيصوم شهرين متتابعين قالت قالت يا رسول الله إنه شيخ كبير ما به من صيام قال فليطعم ستين مسكينا قالت ما عنده من شيء يتصدق به قال فأتي ساعئذ بعرق من تمر قالت يا رسول فإني سأعينه بعرق آخر قال قد أحسنت اذهبي فأطعمي بهما عنه ستين مسكينا وارجعي إلى ابن عمك والعرق ستون صاعا "
- رواه أبو داود ولأحمد معناه لكنه لم يذكر قدر العرق وقال فيه فليطعم ستين مسكينا وسقا من تمر " ولأبي داود في رواية أخرى " والعرق مكتل يسع ثلاثين صاعا " وقال هذا أصح . وله عن عطاء عن أوس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه خمسة عشر صاعا من شعير اطعام ستين مسكينا " وهذا مرسل قال أبو داود عطاء لم يدرك أوسا (7/32)
- حديث خولة سكت عنه أبو داود والمنذري وفي اسناده محمد بن إسحاق وسيأتي تمام الكلام على الاسناد
وأخرج ابن ماجه والحاكم نحوه من حديث عائشة " قالت تبارك الذي وسع سمعه كل شيء إني لأسمع كلام خولة بنت ثعلبة ويخفى علي بعضه وهي تشتكي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فذكرت الحديث وأصله في البخاري من هذا الوجه لإلا أنه لم يسمها
وأخرج أيضا أبو داود والحاكم عن عائشة من وجه آخر قالت كانت جميلة امرأة أوس بن الصامت وكان امرأ به لمم فإذا اشتد لممه ظاهر من امرأته . وحديث أوس أعله أبو داود بالإرسال كما ذكر المصنف
قوله : " خولة بنت مالك " وقع في تفسير أبي حاتم خولة بنت الصامت قال الحافظ وهو وهم والصواب زوج ابن الصامت ورجح غير واحد أنها خولة بنت الصامت بن ثعلبة وروى الطبراني في الكبير والبيهقي من حديث ابن عباس أن المرأة خولة بنت خويلد وفي اسناده أبو حمزة اليماني وهو ضعيف وقال يوسف بن عبد الله بن سلام أنها خويلد وروى أنها بنت دليح كذا في الكاشف
وفي رواية عائشة المتقدمة أنها جميلة
قوله : " والعرق ستون صاعا " هذه الرواية تفرد بها معمر بن عبد الله بن حنظلة قال الذهبي لا يعرف ووثقه ابن حبان وفيها أيضا محمد بن إسحاق وقد عنعن والمشهور عرفا أن العرق يسع خمسة عشر صاعا كما روى ذلك الترمذي باسناد صحيح من حديث سلمة نفسه والكلام على ما يتعلق بحديث خولة من الفقه قد تقدم (7/32)
( باب من حرم زوجته أو أمته ) (7/32)
1 - عن ابن عباس قال " إذا حرم الرجل امرأته فهي يمين يكفرها وقال لقد لكم في رسول الله أسوة حسنة "
- متفق عليه
وفي لفظ " أنه أتاه رجل فقال إني جعلت امرأتي علي حراما فقال كذبت ليست عليك بحرام ثم تلا يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك عليك أغلظ الكفارة عتق رقبة " . رواه النسائي (7/33)
2 - وعن ثابت عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كانت له أمة يطؤهافلم تزل به وعائشة وحفصة حتى حرمها على نفسه فأنزل الله عز و جل يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك " إلى آخر الآية
- رواه النسائي (7/33)
- الرواية الثانية من حديث ابن عباس أخرجها ابن مردويه من طريق سالم الأفطس عن سعيد بن جبير عنه . وحديث أنس قال الحافظ سنده صحيح وهو أصح طرق سبب نزول الآية وله شاهد مرسل عند الطبراني بسند صحيح عن زيد بن أسلم التابعي المشهور قال أصاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أم إبراهيم ولده في بيت بعض نسائه فقالت يا رسول الله في بيتي وعلى فراشي فجعلها عليه حراما فقالت يا رسول الله كيف تحرم على نفسك الحلال فحلف لها بالله لا يصيبها فنزلت يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ( وفي الباب ) عن عائشة عند الترمذي وابن ماجه بسند رجاله ثقات قالت آلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وحرم فجعل الحرام حلالا وجعل في اليمين كفارة وقد تقدم في كتاب الإيلاء . وعن ابن عباس غير حديث الباب عند البيهقي بسند صحيح عن يوسف بن ماهك أن أعرابيا أتى ابن عباس فقال إني جعلت امرأتي حراما قال ليست عليك بحرام قال أرايت قول الله تعالى كل الطعام كان حلا لبني اسرائيل إلا ما حرم اسرائيل على نفسه الآية فقال ابن عباس أن اسرائيل كان به عرق الانسي فجعل على نفسه إن شفاه الله أن لا يأكل العروق من كل شيء وليست بحرام يعني على هذه الأمة ( وقد اختلف ) العلماء فيمن حرم على نفسه شيئا فإن كان الزوجة فقد اختلف فيه أيضا على أقوال بلغها القرطبي المفسر إلى ثمانية عشر قولا
قال الحافظ وزاد غيره عليها وفي مذهب مالك فيها تفاصيل يطول استيفاؤها قال القرطبي قال بعض علمائنا سبب الاختلاف أنه لم يقع في القرآن صريحا ولا في السنة نص ظاهر صحيح يعتمد عليه في حكم هذه المسألة فتجاذبها العلماء فمن تمسك بالبراءة قال لا يلزمه شيء ومن قال إنها يمين أخذ بظاهر قوله تعالى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } بعد قوله { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } ومن قال تجب الكفارة وليست بيمين بناء على أن معناه معنى اليمين فوقعت الكفارة على المعنى ومن قال يقع به طلقة رجعية حمل اللفظ على أقل وجوهه الظاهرة وأقل ما تحرم به المرأة طلقة ما لم يرتجعها ومن قال بائنة فلاستمرار التحريم بها ما لم يجدد العقد ومن قال ثلاثا حمل اللفظ على منتهى وجوهه ومن قال ظهار نظر إلى معنى التحريم وقطع النظر عن الطلاق فانحصر الأمر عنده في الظهار انتهى . ومن المطولين للبحث في هذه المسألة الحافظ ابن القيم فإنه تكلم عليها في الهدى كلاما طويلا وذكر ثلاثة عشر مذهبا أصولا تفرعت لإلى عشرين مذهبا وذكر في كتابه المعروف باعلام الموقعين خمسة عشر مذهبا وسنذكر ذلك على طريق الاختصار ونزيد عليه فوائد . المذهب الأول أن قول القائل لامرأته أنت علي حرام لغو وباطل لا يترتب عليه شيء وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس وبه قال مسروق وأبو سلمة بن عبد الرحمن وعطاء والشعبي وداود وجميع أهل الظاهر وأكثر أصحاب الحديث وهو أحد قولي المالكية واختار أصبغ بن الفرج منهم واستدلوا بقوله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } وبقوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } وسبب نزول هذه الآية ما تقدم وبالحديث الصحيح وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد " وقد تقدم في كتاب الصلاة . القول الثاني أنها ثلاث تطليقات وهو قول أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وزيد بن ثابت وابن عمر والحسن البصري ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وحكاه في البحر عن أبي هريرة واعترض ابن القيم الرواية عن زيد بن ثابت وابن عمر وقال الثابت عنهما مارواه ابن حزم أنهما قالا عليه كفارة يمين ولم يصح عنهما خلاف ذلك
وروى ابن حزم عن علي عليه السلام الوقف في ذلك . وعن الحسن أنه قال إنه يمين واحتج أهل هذا القول بأنها لا تحرم عليه إلا بالثلاث فكان وقوع الثلاث من ضرورة كونها حراما . الثالث أنها بهذا القول حرام عليه قال ابن حزم وابن القيم في اعلام الموقعين صح عن أبي هريرة والحسن وخلاس بن عمرو وجابر بن زيد وقتادة قال لم يذكر هؤلاء طلاقا بل أسروه باجتنابها فقط قال وصح أيضا عن علي عليه السلام فإما أن يكون عنه روايتان أو يكون أراد تحريم الثلاث وحجة هذا القول أن لفظه إنما اقتضى التحريم ولم يتعرض لعدد الطلاق فحرمت عليه بمقتضى تحريمه . الرابع الوقف فيها قال ابن القيم صح ذلك عن علي عليه السلام وهو قول الشعبي وحجة هذا القول أن التحريم ليس بطلاق والزوج لا يملك تحريم الحلال إنما يملك السبب الذي تحرم به وهو الطلاق وهذا ليس بصريح في الطلاق ولا هو مما له عرف الشرع في تحريم الزوجة فاشتبه الأمر فيه . الخامس إن نوى به الطلاق فهو طلاق وإن لم ينوه كان يمينا وهو قول طاوس والزهري والشافعي ورواية عن الحسن وحكاه أيضا في الفتح عن النخعي وإسحاق وابن مسعود وابن عمر وحجة هذا القول أنه كناية في الطلاق فإن نواه كان طلاقا وإن لم ينوه كان يمينا لقوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } إلى قوله { تحلة أيمانكم } . السادس أنه إن نوى الثلاث فثلاث وإن نوى واحدة فواحدة بائنة وإن نوى يمينا فهو يمين وإن لم ينو شيئا فهو كذبة لا شيء فيها قاله سفيان وحكاه النخعي عن أصحابه وحجة هذا القول أن اللفظ محتمل لما نواه من ذلك فتتبع نيته . السابع مثل هذا إلا أنه إذا لم ينو شيئا فهو يمين يكفرها وهو قول الاوزاعي وحجة هذا القول ظاهر قوله تعالى { قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم } فإذا نوى به الطلاق لم يكن يمينا فإذا أطلق ولم ينو شيئا كان يمينا
الثامن مثل هذا أيضا إلا أنه إن لم ينو شيئا فواحدة بائنا إعمالا للفظ التحريم هكذا في اعلام الموقعين ولم يحكه عن أحد وقد حكاه ابن حزم عن إبراهيم النخعي . التاسع إن فيه كفارة ظهار قال ابن القيم صح عن ابن عباس وأبي قلابة وسعيد بن جبير ووهب بن منبه وعثمان البتي وهو إحدى الروايات عن أحمد . وحجة هذا القول أن الله تعالى جعل التشبيه بمن تحرم عليه ظهارا فالتصريح منه بالتحريم أولى قال ابن القيم وهذا أقيس الأقوال ويؤيده أن الله تعالى لم يجعل للمكلف التحليل والتحريم وإنما ذلك إليه تعالى وإنما جعل له مباشرة الأقوال والأفعال التي يترتب عليها التحريم فإذا قال أنت علي كظهر أمي أو أنت علي حرام فقد قال المنكر من القول والزور وكذب على الله تعالى فإنه لم يجعلها عليه كظهر أمه ولا جعلها عليه حراما فقد أوجب بهذا القول المنكر والزور أغلظ الكفارتين وهي كفارة الظهار . العاشر أنها تطليقة واحدة وهو إحدى الروايتين عن عمر بن الخطاب وقول حماد بن أبي سليمان شيخ أبي حنيفة وحجة هذا القول أن تطليق التحريم لا يقتضي التحريم بالثلاث بل يصدق بأقله والواحدة متيقنة فحمل اللفظ عليها . الحادي عشر أنه ينوي ما أراد من ذلك في إرادة أهل الطلاق وعدده وإن نوى تحريما بغير طلاق فيمين مكفرة
قال ابن القيم وهو قول الشافعي وحجة هذا القول أن اللفظ مباح لذلك كله فلا يتعين واحدة منها إلا بالنية وقد تقدم أن مذهب الشافعي هو القول الخامس وهو الذي حكاه عنه في فتح الباري بل حكاه عنه ابن القيم نفسه . الثاني عشر إنه ينوي أيضا ما شاء من عدد الطلاق إلا أنه إذا نوى واحدة كانت بائنة وإن لم ينو شيئا فإيلاء وإن نوى الكذب فليس بشيء وهو قول أبي حنيفة وأصحابه هكذا قال ابن القيم
وفي الفتح عن الحنفية أنه إذا نوى اثنتين فهي واحدة بائنة وإن لم ينو طلاقا فهو يمين ويصير موليا وفي رواية عن أبي حنيفة أنه إذا نوى الكذب دين ولم يقبل في الحكم ولا يكون مظاهرا عنده نواه أو لم ينوه ولو صرح به فقال أعني به الظهار لم يكن مظاهرا وحجة هذا القول اختمال اللفظ . الثالث عشر إنه يمين يكفره ما يكفر اليمين على كل حال قال ابن القيم صح ذلك عن أبي بكر وعمر بن الخطاب وابن عباس وعائشة وزيد بن ثابت وابن مسعود وعبد الله بن عمر وعكرمة وعطاء وقتادة والحسن والشعبي وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وجابر بن زيد وسعيد بن جبير ونافع والأوزاعي وأبي ثور وخلق سواهم وحجة هذا القول ظاهر القرآن فإن الله ذكر فرض تحلة الأيمان عقب تحريم الحلال فلابد أن يتناوله يقينا الرابع عشر إنه يمين مغلظة يتعين بها عتق رقبة قال ابن القيم صح أيضا عن ابن عباس وأبي بكر وعمر وابن مسعود وجماعة من التابعين وحجة هذا القول إنه لما كان يمينا مغلظة غلظت كفارتها . الخامس عشر أنه طلاق ثم إنها إن كانت غير مدخول بها فهو ما نواه من الواحدة فما فوقها وإن كانت مدخولا بها فهو ثلاث وإن نوى أقل منها وهو إحدى الروايتين عن مالك ورواه في نهاية المجتهد عن علي وزيد بن ثابت وحجة هذا القول أن اللفظ لما اقتضى التحريم وجب أن يترتب عليه حكمه وغير المدخول بها تحريم بواحدة والمدخول بها لا تحرم إلا بالثلاث ( واعلم ) أنه قد رجح المذهب الأول من هذه المذاهب جماعة من العلماء المتأخرين وهذا المذهب هو الراجح عندي إذا أراد تحريم العين وأما إذا أراد به الطلاق فليس في الأدلة ما يدل على امتناع وقوعه به أما قوله تعالى { ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال وهذا حرام } وكذلك قوله تعالى { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك } فنحن نقول بموجب ذلك فمن أراد تحريم عين زوجته لم تحرم وأما من أراد طلاقها بذلك اللفظ فليس في الأدلة ما يدل على اختصاص الطلاق بألفاظ مخصوصة وعدم جوازه بما سواها وليس في قوله تعالى { فإن طلقها فلا تحل له من بعد } ما يقضي بانحصار الفرقة في لفظ الطلاق وقد ورد الأدن بما عداه من ألفاظ الفرقة كقوله صلى الله عليه وآله وسلم لابنة الجون " الحقي بأهلك " قال ابن القيم وقد أوقع الصحابة الطلاق بأنت حرام وأمرك بيدك واختاري ووهبتك لأهلك وأنت خلية وقد خلوت مني وأنت برية وقد أبرأتك وأنت مبرأة وحبلك على غاربك انتهى . وأيضا قال الله تعالى { فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان } وظاهره أنه لو قال سرحتك لكفى في إفادة معنى الطلاق وقد ذهب أهل العلم إلى جواز التجوز لعلاقة مع قرينة في جميع الألفاظ إلا ما خص فما الدليل على امتناعه في باب الطلاق وأما إذا حرم الرجل على نفسه شيئا غير زوجته كالطعام والشراب فظاهر الأدلة أنه لا يحرم عليه شيء من ذلك لأن الله لم يجعل إليه تحريما ولا تحليلا فيكون التحريم الواقع منه لغوا وقد ذهب إلى مثل هذا الشافعي وروى عن أحمد أن عليه كفارة يمين (7/33)
( كتاب اللعان ) (7/34)
1 - عن نافع عن ابن عمر " أن رجلا لاعن امرأته وانتفى من ولدها ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وألحق الولد بالمرأة "
- رواه الجماعة (7/34)
2 - وعن سعيد بن جبير " أنه قال لعبد الله بن عمر يا أبا عبد الرحمن المتلاعنان أيفرق بينهما قال سبحان الله إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان قال يا رسول الله أرايت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم كلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك قال فسكت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلم يجبه فلما كان بعد ذلك أتاه فقال إن الذي سألتك عنه ابتليت به فأنزل الله عز و جل هؤلاء الآيات في سورة النور والذين يرمون أزواجهم ولم يكن شهداء فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال لا والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها ثم دعاها فوعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقالت لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما " (7/34)
2 - وعن ابن عمر قال " فرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أخوي عجلان وقال الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما من تائب ثلاثا "
- متفق عليه (7/35)
3 - وعن سهل بن سعد أن عويمر العجلاني أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أرايت رجلا وجد مع امرأته رجلا أيقتله فتقتلونه أم ماذا يفعل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد نزل فيك وفي صاحبتك فاذهب فأت بها قال سهل فتلاعنا وأنا مع الناس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغ قال عويمر كذبت عليها يا رسول الله إن أمسكتها فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ابن شهاب فكانت سنة المتلاعنين "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
وفي رواية متفق عليها " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذاكم التفريق بين كل متلاعنين " وفي لفظ لأحمد ومسلم " وكان فراقه إياها سنة في المتلاعنين " (7/35)
- قوله " لاعن امرأته " قال في الفتح اللعان مأخوذ من اللعن لأن الملاعن يقول في الخامسة لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين واختير لفظ اللعن دون الغضب في التسمية لأنه قول الرجل وهو الذي بدئ به في الآية وهو أيضا يبدأ به وقيل سمى لعانا لأن اللعن الطرد والإبعاد وهو مشترك بينهما وإنما خصت المرأة بلفظ الغضب لعظم الذنب بالنسبة إليها ثم قال وأجمعوا على أن اللعان مشروع وعلى أنه لا يجوز مع عدم التحقق واختلف في وجوبه على الزوج وظاهر أحاديث الباب أن اللعان إنما يشرع بين الزوجين وكذلك قوله تعالى { والذين يرمون أزواجهم } الآية فلو قال أجنبي لأجنبية يا زانية وجب عليه حد القذف قوله " ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما " استدل به من قال إن الفرقة بين المتلاعنين لا تقع بنفس اللعان حتى يوقعها الحاكم وأجاب من قال إن الفرقة تقع بنفس اللعان إن ذلك بيان حكم لا إيقاع فرقة واحتجوا بما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم في رواية بلفظ " لا سبيل لك عليها " وتعقب بأن الذي وقع جواب لسؤال الرجل عن ماله الذي أخذته منه وأجيب بأن العبرة بعموم اللفظ وهو نكرة في سياق النفي فيشمل المال والبدن ويقتضي نفي تسلطه عليها بوجه من الوجوه ووقع في حديث لأبي داود عن ابن عباس " وقضى أن ليس عليه قوت ولا سكنى من أجل أنهما يفترقان بغير طلاق ولا متوفى عنها " وهو ظاهر في أن الفرقة وقعت بينهما بنفس اللعان وسيأتي تمام الكلام في الفرقة في الباب الذي بعد هذا
قوله : " وألحق الولد بالمرأة " قال الدارقطني تفرد مالك بهذه الزيادة وقال ابن عبد البر ذكروا أن مالكا تفرد بهذه اللفظة وقد جاءت من أوجه أخر وقد جاءت في حديث سهل بن سعد عند أبي داود بلفظ " فكان الولد ينسب إلى أمه " ومن رواية أخرى " وكان الولد يدعى إلى أمه " ومعنى قوله ألحق الولد بأمه أي صيره لها وحدها ونفاه عن الزوج فلا توارث بينهما وأما الأم فترث منه ما فرض الله لها
وقد وقع في رواية من حديث سهل بن سعد بلفظ " وكان ابنها يدعى لأمه " ثم جرت السنة في ميراثها أنها ترثه ويرث منها ما فرض الله لهما وقيل معنى إلحاقه بأمه أنه صيرها له أبا وأما فترث جميع ماله إذا لم يكن له وارث آخر من ولد ونحوه وهو قول ابن مسعود ومائلة ؟ وطائفة ورواية عن أحمد وروى أيضا عن ابن القاسم وقيل إن عصبة أمه تصير عصبة له وهو قول علي وابن عمر وهو المشهور عن أحمد وبه قالت الهادوية وقيل ترثه أمه وأخته منها بالفرض والرد وهو قول أبي عبيد ومحمد بن الحسن ورواية عن أحمد قال فإن لم يرثه ذو فرض بحال فعصبته عصبة أمه واستدل بحديث ابن عمر المذكور على مشروعية اللعان لنفي الولد
وعن أحمد ينتفي الولد بمجرد اللعان وإن لم يتعرض الرجل لذكره في اللعان
قال الحافظ وفيه نظر لأنه لو استلحقه لحقه وإنما يؤثر اللعان دفع حد القذف عنه وثبوت زنا المرأة
وقال الشافعي إن نفى الولد في الملاعنة انتفى وإن لم يتعرض له فله أن يعيد اللعان لانتفائه ولا إعادة على المرأة وإن أمكنه الرفع إلى الحاكم فأخر بغير عذر وحتى ولدت لم يكن له أن ينفيه كما في الشفعة واستدل به أيضا على أنه لا يشترط في نفي الولد التصريح بأنها ولدته من زنا ولا بأنه استبرأها بحيضة وعن المالكية يشترط ذلك
قوله : " أرايت لو وجد أحدنا " أي أخبرني عن حكم من وقع له ذلك
قوله : " على فاحشة " اختلف العلماء فيمن وجد مع امرأته رجلا وتحقق وجود الفاحشة منهما فقتله هل يقتل به أم لا فمنع الجمهور الإقدام وقالوا يقتص منه إلا أن يأتي ببينة الزنا أو يعترف المقتول بذلك بشرط أن يكون محصنا وقيل بل يقتل به لأنه ليس له أن يقيم الحد بغير أذن الإمام وقال بعض السلف لا يقتل أصلا ويعذر فيما فعله إذا ظهرت أمارات صدقه وشرط أحمد وإسحاق ومن تبعهما أن يأتي بشاهدين أنه قتله بسبب ذلك ووافقهم ابن القاسم وابن حبيب من المالكية لكن زاد أن يكون المقتول قد أحصن وعند الهادوية أنه يجوز للرجل أن يقتل من وجده مع زوجته وأمته وولده حال الفعل وأما بعده فيقاد به إن كان بكرا
قوله : " ووعظه وذكره " فيه دليل على أنه يشرع للإمام موعظة المتلاعنين قبل اللعان تحذيرا لهما من الوقوع في المعصية
قوله : " فبدأ بالرجل " فيه دليل على أنه يبدأ الإمام في اللعان بالرجل وقد حكى الإمام المهدي في البحر الإجماع على أن السنة تقديم الزوج واختلف في الوجوب فذهب الشافعي ومن تبعه وأشهب من المالكية ورجحه ابن العربي إلى أنه واجب وهو قول المؤيد بالله وأبي طالب وأبي العباس والإمام يحيى . وذهبت الحنفية ومالك وابن القاسم إلى أنه لو وقع الابتداء بالمرأة صح واعتد به واحتجوا بأن الله تعالى عطف في القرآن بالواو وهو لا يقتضي الترتيب ( واحتج الأولون ) أيضا بأن اللعان يشرع لدفع الحد عن الرجل ويؤيده قوله صلى الله عليه وآله وسلم لهلال " البينة وإلا حد في ظهرك " وسيأتي فلو بدأ بالمرأة لكان دفعا لأمر لم يثبت
قوله : " بين أخوي بني عجلان " بفتح العين المهملة وسكون الجيم وهو ابن حارثة بن ضبعة من بني بكر ابن عمرو والمراد بقوله أخوي الرجل وامرأته واسم الرجل عويمر كما في الرواية المذكورة واسم المرأة خولة بنت عاصم بن عدي العجلاني قاله ابن منده في كتاب الصحابة وأبو نعيم وحكى القرطبي عن مقاتل بن سليمان أنها خولة بنت قيس وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم المذكور والرجل الذي رمى عويمر امرأته به هو شريك بن سحماء بن عم عويمر وفي صحيح مسلم من حديث أنس أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا البراء بن مالك لأمه وسيأتي وكان أول رجل لاعن في الإسلام
قال النووي في شرح مسلم السبب في نزول آية اللعان قصة عويمر العجلاني واستدل على ذلك بقوله صلى الله عليه وآله وسلم له " قد أنزل الله فيك وفي صاحبتك قرآنا " وقال الجمهور السبب قصة هلال بن أمية لما تقدم من أنه كان أول من لاعن في الإسلام وقد حكى أيضا الماوردي عن الأكثر من أن قصة هلال أسبق نت قصة عويمر
وقال الخطيب والنووي وتبعهما الحافظ يحتمل أن يكون هلال سأل أولا ثم سأل عويمر فنزلت في شأنهما معا
وقال ابن الصباغ في الشامل قصة هلال بن أمية نزلت فيها الآية وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم لعويمر " إن الله قد أنزل فيك وفي صاحبتك " فمعناه ما نزل في قصة هلال لأن ذلك حكم عام لجميع الناس واختلف في الوقت الذي وقع فيه اللعان فجزم الطبري وأبو حاتم وابن حبان أنه كان في شهر شعبان سنة تسع وقيل كان في السنة التي توفي فيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما وقع في البخاري عن سهل بن سعد أنه شهد قصة المتلاعنين وهو ابن خمس عشرة سنة وقد ثبت عنه أنه قال توفي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا ابن خمس عشرة سنة وقيل كانت القصة في سنة عشر ووفاته صلى الله عليه وآله وسلم في سنة إحدى عشرة قوله " فطلقها ثلاثا " وفي رواية أنه قال " فهي الطلاق فهي الطلاق فهي الطلاق " وقد استدل بذلك من قال إن الفرقة بين المتلاعنين تتوقف على تطليق الرجل كما تقدم نقله عن عثمان البتي
وأجيب بما في حديث سهل نفسه من تفريقه صلى الله عليه وآله وسلم بينهما . وبما في حديث ابن عمر كما ذكر ذلك المصنف فإن ظاهرهما أن الفرقة وقعت بتفريق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما طلقها عويمر لظنه أن اللعان لا يحرمها عليه فأراد تحريمها بالطلاق فقال هي طالق ثلاثا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا سبيل لك عليها أي لا ملك لك عليها فلا يقع طلاقك
قال الحافظ وقد توهم أن قوله لا سبيل لك عليها وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم عقب قول الملاعن هي طالق . وإنه موجود في كذلك في حديث سهل . وإنما وقع في حديث ابن عمر عقب قول الله يعلم أن أحدكم كاذب لا سبيل لك عليها انتهى
وقد قدمنا في باب ما جاء في طلاق البتة الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث على أن الطلاق المتتابع يقع
قوله : " فكانت سنة المتلاعنين " زاد أبو داود عن القعنبي عن مالك فكانت تلك وهي اشارة إلى الفرقة وفي الرواية الأخرى المذكورة ذاكم التفريق بين كل متلاعنين وقال مسلم إن قوله وكان فراقه إياها سنة بين المتلاعنين مدرج . وكذا ذكر الدارقطني في غريب مالك اختلاف الرواة على ابن شهاب ثم على مالك في تعيين من قال فكان فراقهما سنةهل هو من قول سهل أو من قول ابن شهاب . وذكر ذلك الشافعي وأشار إلى نسبته إلى ابن شهاب لا تمنع نسبته إلى سهل . ويؤيد ذلك ما وقع في رواية لأبي داود عن سهل قال فطلقها ثلاث تطليقات عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان ما صنع عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنة وسيأتي قريبا
وفي نسخة الصغاني قال أبو عبد الله قوله ذلك تفريق بين المتلاعنين من قول الزهري وليس من الحديث (7/35)
( باب لا يجتمع المتلاعنان أبدا ) (7/36)
1 - عن ابن عمر " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للمتلاعنين حسابكما على الله أحدكما كاذب لا سبيل لك عليها قال يا رسول الله مالي قال لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها وإن كنت كذبت عليها فذلك أبعد لك منها "
- متفق عليه وهو حجة في أن كل فرقة بعد الدخول لا تؤثر في اسقاط المهر (7/36)
2 - وعن سهل بن سعد في خبر المتلاعنين قال " فطلقها ثلاث تطليقات فأنفذه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان ما صنع عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم سنة قال سهل حضرت هذا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فمضت السنة بعد في المتلاعنين أن يفرق بينهما ثم لا يجتمعان أبدا "
- رواه أبو داود (7/36)
3 - وعن سهل بن سعد في قصة المتلاعنين " ففرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وقال لا يجتمعان أبدا " (7/37)
4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المتلاعنان إذا تفرقا لا يجتمعان أبدا (7/37)
5 - وعن علي وابن مسعود " قالا مضنت السنة أن لا يجتمع المتلاعنان "
- رواهن الدارقطني (7/37)
- حديث سهل بن سعد الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الصحيح . وحديث الثاني في اسناده عياض بن عبد الله قال في التقريب فيه لين ولكنه قد أخرج له مسلم . وحديث ابن عباس أخرج نحوه أبو داود في قصة طويلة في اسنادها عباد بن منصور وفيه مقال . وحديث علي وابن مسعود أخرجهما أيضا عبد الرزاق وابن أبي شيبة ( وفي الباب ) عن عمر نحو حديثهما أخرجه أيضا عبد الرزاق وابن أبي شيبة
قوله : " أحدكما كاذب " قال عياض إنه قال هذا الكلام بعد فراغهما من اللعان فيؤخذ منه عرض التوبة على المذنب بطريق الإجمال وأنه يلزم من كذب التوبة من ذلك
وقال الداودي قال ذلك قبل اللعان تحذيرا لهما منه قال الحافظ والأول أظهر وقد تقدمت الإشارة إلى ذلك
قوله : " لا سبيل لك عليها " فيه دليل على أن المرأة تستحق ما صار إليها من المهر بما استحق الزوج من فرجها وقد تقدم أن هذه الصيغة تقتضي العموم لأنها نكرة في سياق النفي وأراد بقوله مالي الصداق الذي سلمه إليها يريد أن يرجع به عليها فأجابه صلى الله عليه وآله وسلم بأنها قد استحقته بذلك السبب وأوضح لها استحقاقها له بذلك التقسيم على فرض صدقه وعلى فرض كذبه لأنه مع الصدق قد استوفى منها ما يوجب استحقاقها له وعلى فرض كذبه مع كونه قد ظلمها برميها بما رماها به وهذا مجمع عليه في المدخولة
وأما في غيرها فذهب الجمهور إلى أنها تستحق النصف كغيرها من المطلقات قبل الدخول وقال حماد والحكم وأبو زناد أنها تستحقه جميعه
وقال الزهري ومالك لا شيء لها
قوله : " فطلقها " قد تقدم الكلام عليه
قوله : " لا يجتمعان أبدا " فيه دليل على تأبيد الفرقة . وإليه ذهب الجمهور وروى عن أبي حنيفة ومحمد أن اللعان لا يقتضي التحريم المؤبد لأنه طلاق زوجة مدخولة بغير عوض لم ينو به التثليث فيكون كالرجعي . ولكن المروي عن أبي حنيفة أنها إنما تحل له إذا أكذب نفسه لا إذا لم يكذب نفسه فإنه يوافق الجمهور كما ذكره صاحب الهدى عنه . وعن محمد وسعيد بن المسيب والأدلة الصحيحة الصريحة قاضية بالتحريم المؤبد وكذلك أقوال الصحابة وهو الذي يقتضيه حكم اللعان ولا يقتضي سواه فإن لعنة الله وغضبه قد حلت بأحدهما لا محالة وقد وقع الخلاف هل اللعان فسخ أو طلاق فذهب الجمهور إلى أنه فسخ وذهب أبو حنيفة ورواية عن محمد إلى أنه طلاق (7/38)
( باب إيجاب الحد بقذف الزوج وأن اللعان يسقطه ) (7/38)
1 - عن ابن عباس " أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشريك بن سحماء فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم البينة أو حد في ظهرك فقال يا رسول الله إذا رأى أحدنا على امرأته رجل ينطلق يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول البينة وإلا حد في ظهرك فقال هلال والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فنول جبريل وأنزل عليه { والذين يرمون أزواجهم } فقرأ حتى بلغ { إن كان من الصادقين } فانصرف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأرسل إليهما فجاء هلال فشهدوا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب ثم قامت فشهدت فلما كان عند الخامسة وقفوها فقالوا إنها موجبة فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ثم قالت لا أفضح قومي سائر اليوم فمضت فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم انظروها فإن جاءت به أكحل العينين سابغ الاليتين خدلج الساقين فهو لشريك بن سحماء فجاءت به كذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لولا ما مضى من كتاب الله لكان لي ولها شأن "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي (7/38)
- قوله " البينة أو حد في ظهرك " فيه دليل على أن الزوج إذا قذف امرأته بالزنا وعجز عن إقامة البينة وجب عليه حد القاذف وإذا وقع اللعان سقط وهو قول الجمهور . وذهب أبيو حنيفة وأصحابه إلى أن اللزم بقذف الزوج إنما هو اللعان فقط ولا يلزمه الحد والحديث وما في معناه حجة عليه
قوله : " فنزل جبريل . " الخ فيه التصريح بأن الآية نزلت في شأن هلال وقد تقدم الخلاف في ذلك
قوله : " إن الله يعلم " الخ فيه مشروعية تقديم الوعظ للزوجين قبل اللعان كما يدل على ذلك قوله " ثم قامت " فإن ترتيب القيام على ذلك مشعر بما ذكرنا وقد تقدم الاشارة إلى الخلاف
قوله : " وقفوها " أي أشاروا عليها بأن ترجع وأمروها بالوقف عن تمام اللعان حتى ينظروا في أمرها فتلكأت وكادت أن تعترف ولكنها لم ترض بفضيحة قومها فاقتحمت وأقدمت على الأمر المخوف الموجب للعذاب الآجل مخافة من العار لأنه يلزم قومها من إقرارها العار بزناها ولم يردعها عن ذلك العذاب العاجل وهو حد الزنا
وفي هذا دليل على أن مجرد التلكيء من أحد الزوجين والتكلم بما يدل على صدق الآخر دلالة ظنية لا يعمل به بل المعتبر هو التصريح من أحدهما بصدق الآخر والاعتراف المحقق بالكذب إن كان الزوج أو الوقوع في المعصية إن كانت المرأة
قوله : " انظروها فإن جاءت به " الخ فيه دليل على أن المرأة كانت حاملا وقت اللعان
وقد وقع في البخاري التصريح بذلك وسيأتي التصريح به أيضا في باب ما جاء في اللعان على الحمل
قوله : " أكحل العينين " الأكحل الذي منابت أجفانه سود كأن فيها كحلا
قوله : " سابغ الاليتين " بالسين المهملة وبعد الألف باء موحدة ثم غين معجمة أي عظيمهما
قوله : " خدلج الساقين " بفتح الخاء والدال المهملة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين والذراعين
قوله : " فجاءت به كذلك " في رواية للبخاري فجاءت به على الوجه الكروه وفي أخرى " فجاءت به على النعت الذي نعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وفي ذلك روايات ستأتي
قوله : " لولا ما مضى من كتاب الله " وفي رواية للبخاري " من حكم الله " والمراد أن اللعان يدفع الحد عن المرأة ولولا ذلك لأقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليها الحد من أجل ذلك الشبه الظاهر الذي رميت به ويستفاد منه أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحكم بالاجتهاد فيما لم ينزل عليه فيه وحي خاص فإذا نزل الوحي بالحكم في تلك المسألة قطع النظر وعمل بما نزل وأجرى الأمر على الظاهر ولو قامت قرينة تقتضي خلاف الظاهر (7/39)
( باب من قذف زوجته برجل سماه ) (7/39)
1 - عن أنس " أن هلال بن أمية قذف امرأته بشريك بن سحماء وكان أخا لبراء بن مالك لأمه وكان أول رجل لاعن في الاسلام قال فلاعنها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبصروها فإن جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية وإن جاءت به أكحل جعد أحمش الساقين فهو لشريك بن سحماء قال فأنبئت أنها جاءت به أكحل جعد أحمش الساقين "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي
وفي رواية أن أول لعان كان في الاسلام أن هلال بن أمية قذف شريك بن السحماء بامرأته فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربعة شهداء وإلا فحد في ظهرك يردد عليه ذلك مرارا فقال له هلال والله يا رسول الله إن الله عز و جل ليعلم أني لصادق ولينزلن الله عليك ما يبرئ ظهري من الحد فبينما هم كذلك إذ نزلت عليه آية اللعان { والذين يرمون أزواجهم } إلى آخر الآية وذكر الحديث
- رواه النسائي (7/39)
- الرواية الأخرى من هذا الحديث رجالها رجال الصحيح ويشهد لصحتها حديث ابن عباس المتقدم في الباب الذي قبل هذا فإن سياقه وسياق هذا الحديث متقاربان
قوله : " وكان أول رجل لاعن في الاسلام " قد تقدم الكلام على هذا
قوله : " سبطا " بفتح السين المهملة وسكون الباء الموحدة بعدها طاء مهملة وهو المسترسل من الشعر وتام الخلق من الرجال
قوله : " قضيء العينين " بفتح القاف وكسر الضاد المعجمة بعدها همزة على وزن حذر وهو فاسد العينين والاكحل قد تقدم الكلام عليه . والجعد بفتح الجيم وسكون المهملة بعدها دال مهملة أيضا : قال في القاموس الجعد من الشعر خلاف السبط أو القصير منه
قوله : " حمش الساقين " بالحاء المهملة ثم معجمة وهو لغة في أحمش : قال في القاموس حمش الرجل حمشا وحمشا صار دقيق الساقين فهو أحمش الساقين وحمشهما ببالفتح وسوق حماش وقد حمشت الساق كضرب وكرم حموشة انتهى
قوله : " إن أول لعان كان في الاسلام " قد تقدم الكلام على ذلك وظاهر الحديث أن حد القذف يسقط باللعان ولو كان قذف الزوجة برجل معين (7/40)
( باب في أن اللعان يمين ) (7/40)
1 - عن ابن عباس قال " جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين خلفوا فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا فذكر حديث تلاعنهما إلى أن قال ففرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وقال إن جاءت به أصيهب أربسح حمش الساقين فهو لهلال وإن جاء به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فهو الذي رميت به فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الاليتين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لولا الإيمان لكان لي ولها شأن "
- رواه أحمد وأبو داود (7/40)
- الحديث أورده أبو داود مطولا وفي اسناده عباد بن منصور وقد تكلم فيه غير واحد
وقد قيل إنه كان قدريا داعية
قوله : " أصيهب " تصغير الأصهب وهو من الرجال الأشقر ومن الإبل الذي يخالط بياضه حمرة
قوله : " أريسح " تصغير الأرسح بالسين والحاء المهملتين وروي بالصاد المهملة بدلا من السين ويقال الأرصع بالصاد والعين المهملتين وهو خفيف لحم الفخذين والاليتين
وقد تقدم تفسير حمش الساقين والجعد وخدلج الساقين وسابغ الاليتين
قوله : " أورق " هو الأسمر
قوله : " جماليا " بضم الجيم وتشديد الميم هو العظيم الخلق كأنه الجمل
قوله : " لولا الإيمان " استدل به من قال إن اللعان يمين وإليه ذهبت العترة والشافعي والجمهور وذهب أبو حنيفة وأصحابه ومالك والامام يحيى والشافعي في قول إنه شهادة
واحتجوا بقوله تعالى { فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله } وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم في حديث ابن عباس السابق في الباب الأول " فجاء هلال فشهد ثم قامت فشهدت " وقيل إن اللعان شهادة فيها شائبة يمين وقيل بالعكس
وقال بعض العلماء ليس بيمين ولا شهادة حكى هذه الثلاثة المذاهب صاحب الفتح
وقال الذي تحرر لي إنها من حيث الجزم بنفي الكذب وإثبات الصدق يمين لكن أطلق عليها شهادة لاشتراط أن لا يكتفى في ذلك بالظن بل لا بد من وجود علم كل منهما بالأمرين علما يصح معه أن يشهد (7/41)
( باب ما جاء في اللعان على الحمل والاعتراف به ) (7/41)
1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لاعن على الحمل "
- رواه أحمد
وفي حديث سهل " وكانت حاملا وكان ابنها ينسب إلى أمه " وقد ذكرناه
وفي حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لاعن بين هلال بن أمية وامرأته وفرق بينهما وقضى أن لا يدعى ولدها لأب ولا يرمي ولدها ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد
قال عكرمة فكان بعد ذلك أميرا على مصر . وما يدعى لأب " . رواه أحمد وأبو داود
وقد أسلفنا في حديث أن تلاعنهما قبل الوضع (7/41)
2 - وعن قبيصة بن ذؤيب قال " قضى عمر بن الخطاب في رجل أنكر ولد أمرأته وهو في بطنها ثم اعترف به وهو في بطنها حتى إذا ولد أنكره فأمر به عمر فجلد ثمانين جلدة لفريته عليها ثم ألحق به ولدها "
- رواه الدارقطني (7/42)
- حديث ابن عباس الأول هو بمعناه في الصحيحين من حديثه بلفظ " لاعن بين هلال بن أمية وزوجته وكانت حاملا ونفى الحمل " . وحديث سهل هو في البخاري كما قدمنا ولم يذكره المصنف فيما سلف صريحا . وحديث ابن عباس الثاني هو من حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود وفي اسناده عباد بن منصور كما تقدم وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وحسن الحافظ اسناده . ( وقد استدل بأحاديث ) الباب من قال إنه يصح اللعان قبل الوضع مطلقا ونفي الحمل
وقد حكاه في الهدى عن الجمهور وهو الحق للأدلة المذكورة وذهبت الهادوية وأبو يوسف ومحمد إلى أنه لا يصح قبل الوضع مطلقا لاحتمال أن يكون الحمل ريحا . ورد بأن هذا احتمال بعيد لأن للحمل قرائن قوية يظن معها وجوده ظناقويا وذلك كاف في اللعان كما جاز العمل بها في إثبات عدة الحامل وترك قسمة الميراث ولا يدفع الأمر المظنون بالاحتمال البعيد . وذهب أبو حنيفة والمزني وأبو طالب إلى أنه لا يصح اللعان والنفي قبل الوضع إلا مع الشرط لعدم اليقين ورد بأنه مشروط إن لم يتلفظ به . وأثر عمر المذكور استدل به من قال أنه لا يصح نفي الولد بعد الإقرار به وهم العترة وأبو حنيفة وأصحابه ويؤيده أنه لو صح الرجوع بعده لصح عن كل إقرار فلا يتقرر حق من الحقوق والتالي باطل بالاجماع فالمقدم مثله (7/42)
( باب الملاعنة بعد الوضع لقذف قبله وإن شهد الشبه لأحدهما ) (7/42)
1 - عن ابن عباس " أنه ذكر التلاعن عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عاصم بن عدي في ذلك قولا ثم انصرف فأتاه رجل من قومه يشكو إليه أنه وجد مع أهله رجلا فقال عاصم ما بتليت بهذا إلا لقولي فيه فذهب به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بالذي وجد عليه امرأته وكان ذلك الرجل مصفرا قليل اللحم سبط الشعر وكان الذي ادعى عليه أنه وجد عند أهله خدلا آدم كثير اللحم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم بين فوضعت شبيها بالذي ذكر زوجها أنه وجده عندها فلاعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بينهما فقال رجل لابن عباس في المجلس أهي التي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لو رجمت أحدا بغير بينة رجمت هذه فقال ابن عباس لا تلك امرأة كانت تظهر الاسلام السوء "
- متفق عليه (7/43)
- قوله " فقال عاصم في ذلك قولا " أي كلاما لا يليق به كالمبالغة في الغيرة وعدم الرجوع إلى إرادة الله وقدرته
وقال الحافظ إن المراد بالقول المذكور هو ما وقع في حديث سهل بن سعد أنه سأل عن الحكم الذي أمره عويمر أن يسأل عنه
قوله : " فأتاه رجل من قومه " قال في الفتح هو عويمر ولا يمكن تفسيره بهلال بن أمية لأنه لا قرابة بينه وبين عاصم
قوله : " ما ابتليت بهذا إلا لقولي " أي بسؤالي عما لم يقع فكأنه عرف أنه عوقب بذلك وإنما جعله ابتلاء لأن امرأة عويمر هي بنت عاصم المذكور واسمها خولة بنت عاصم كما ذكره الكلبي وذكر ابن مردويه أنها بنت أخي عاصم
وروى ابن أبي حاتم في التفسير عن مقاتل بن حبان أن الزوج وزوجته والرجل الذي رمي بها ثلاثتهم بنو عم عاصم
قوله : " مصفرا " بضم أوله وسكون الصاد المهملة وفتح الفاء وتشديد الراء أي قوي الصفرة وهذا لا يخالف ما في حديث سهل أنه كان أحمر أو أشقر لأن ذلك لونه الأصلي والصفرة عارضة والمراد بقليل اللحم نحيف الجسم والسبط قد تقدم تفسيره قوله " خدلا " بالخاء المعجمة والدال المهملة قال في القاموس الخدل الممتلئ وساق خدلة بينة الخدل محركة ثم قال والخدلة المرأة الغليظة الساق وممتلئة الأعضاء لحما في رقة عظام انتهى
وقال في الفتح خدلا بفتح المعجمة وتشديد اللام أي ممتلئ الساقين
وقال أبو الحسن بن فارس ممتلئ الأعضاء وقال الطبري لا يكون إلا مع غلظ العظم مع اللحم
قوله : " آدم " بالمد أي لونه قريب من السواد
قوله : " كثير اللحم " أي في جميع جسده
قال في الفتح يحتمل أن يكون صفة شارحة لقوله خدلا بناء على أن الخدل الممتلئ البدن
قوله : " اللهم بين " قال ابن العربي ليس معنى هذا الدعاء طلب ثبوت صدق أحدهما فقط بل معناه أن تلد ليظهر الشبه ولا يمتنع ولادتها بموت الولد مثلا فلا يظهر البيان والحكمة في البيان المذكور ردع من شاهد ذلك عن التلبس بمثل ما وقع لما يترتب عليه من القبح قوله " فلاعن " الخ ظاهره أن الملاعنة تأخرت إلى وضع المرأة وعلى ذلك بوب المصنف وقد تقدم في حديث سهل أن اللعان وقع بينهما قبل أن تضع . ورواية ابن عباس هذه هي القصة التي في حديث سهل كما تقدم فعلى هذا تكون الفاء في قوله فلاعن لعطف لاعن على فأخبره بالذي وجد عليه امرأته ويكون ما بينهما اعتراضا
قوله : " فقال رجل لابن عباس " هو عبد الله بن شداد بن الهاد وهو ابن خالة ابن عباس سماه أبو الزناد كما ذكره البخاري في الحدود قوله " كانت تظهر في الاسلام السوء " أي كانت تعلن بالفاحشة ولكنه لم يثبت ذلك عليها ببينة ولا اعتراف قال الداودي فيه جواز من يسلك مسالك السوء وتعقب بأنه لم يسمها فإن أراد اظهار الغيبة على طريق الابهام فمسلم (7/43)
( باب ما جاء في قذف الملاعنة وسقوط نفقتها ) (7/43)
1 - عن ابن عباس في قصة الملاعنة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن لا قوت لها ولا سكنى من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ولا متوفى عنها "
- رواه أحمد وأبو داود (7/44)
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " قال قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ولد المتلاعنين أنه يرث أمه وترثه أمه ومن رماها به جلد ثمانين ومن دعاه ولد زنا جلد ثمانين "
- رواه أحمد (7/44)
- حديث ابن عباس هو طرف من حديثه الطويل الذي ساقه أبو داود وفي اسناده عباد بن منصور وفيه مقال كما تقدم . وحديث عمرو بن شعيب أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد قدمنا الاختلاف في حديثه
وقال في مجنع الزوائد في اسناده ابن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله ثقات
قوله : " أن لا قوت ولا سكنى " فيه دليل على أن المرأة المفسوخة باللعان لا تستحق في مدة العدة نفقة ولا سكنى لأن النفقة إنما تستحق في عدة الطلاق لا في عدة الفسخ وكذلك السكنى ولاسيما إذا كان الفسخ بحكم الملاعنة ومن قال إن اللعان طلاق كأبي حنيفة وإحدى الروايتين عن محمد فلعله يقول بوجوب النفقة والسكنى والحديث حجة عليه
قوله : " إنه يرث أمه وترثه " فيه دليل على أن قرابة الولد المنفى قرابة أمه وقد قدمنا الكلام على ذلك في أول كتاب اللعان
قوله : " ومن رماها به جلد ثمانين " فيه دليل على أنه يجب الحد على من رمى المرأة التي لاعنها زوجها بالرجل الذي اتهمها به وكذلك يجب على من قال لولدها إنه ولد زنا وذلك لأنه لم يتبين صدق ما قاله الزوج والأصل عدم الوقوع في المحرم ومجرد وقوع اللعان لا يخرجها عن العفاف والأعراض محمية عن الثلب ما لم يحصل اليقين (7/44)
( باب النهي أن يقذف زوجته لأن ولدت ما يخالف لونهما ) (7/45)
1 - عن أبي هريرة قال " جاء رجل من بني فزازة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت ولدت امرأتي غلاما أسود وهو حينئذ يعرض بأن ينفيه فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل لك من إبل قال نعم قال فال فما ألوانها قال حمر قال هل فيها من أورق قال إن فيها لورقا قال فأنى أتاها ذلك قال عسى أن يكون نزعه عرق قال فهذا عسى أن يكون نزعه عرق ولم يرخص له في الانتفاء منه "
- رواه الجماعة . ولأبي داود في رواية " إن امرأتي ولدت غلاما أسود وإني أنكره " (7/45)
- قوله " جاء رجل " اسمه ضمضم بن قتادة
قوله : " يعرض أن ينفيه " وجه التعريض أنه قال غلام أسود أي وأنا أبيض فكيف يكون مني وفيه دليل على أن التعريض بالقذف لا يكون قذفا وإليه ذهب الجمهور . وعن المالكية يجب به الحد إذا كانوا يفهمونها وكذلك قالت الهادوية إلا أنهم اشترطوا أن يقر بأن قصده القذف وأجابوا عن حديث الباب بأنه لا حجة فيه لأن الرجل لم يرد قذفا بل جاء سائلا مستفتيا عن الحكم بما وقع له من الريبة فلما ضرب له المثل أذعن
وقال المهلب إذا كان على سبيل السؤال لا حد فيه وإنما يجب الحد في التعريض إذا كان على سبيل المواجهة
وقال ابن المنير الفرق بين الزوج والأجنبي في التعريض أن الأجنبي يقصد الأذية المحضة والزوج يعذر بالنسبة إلى صيانة النسب
قوله : " من أورق " هو الذي يميل إلى الغبرة ومنه قيل للحمامة ورقاء قوله " فأنى ذلك " بفتح النون الثقيلة أي من أين أتاها اللون الذي خالفها هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها أو لأمر آخر
قوله : " نزعه عرق " المراد بالعرق الأصل من النسب تشبيها بعرق الشجرة ومنه قولهم فلان عريق في الأصالة أي أن أصله متناسب وكذا معرق في الكرم وهو ضرب مثل لتعريف السائل وتوضيح البيان بتشبيه المجهول بالمعلوم وهو من قياس التشبيه كما قال الخطابي
قال ابن العربي فيه دليل على صحة القياس والاعتبار بالنظير وتوقف فيه ابن دقيق العيد فقال هو تشبيه في أمر وجودي والنزاع امنا هو في التشبيه في الاحكام الشرعية من طريق واحدة قوية ( وفي الحديث ) دليل على أنه لا يجوز للأب أن ينفي ولده بمجرد كونه مخالفا له في اللون وقد حكى القرطبي وابن رشد الاجماع على ذلك وتعقبهما الحافظ بأن الخلاف في ذلك ثابت عند الشافعية فقالوا إن لم ينضم إلى المخالفة في اللون قرينة زنا لم يجز النفي فإن اتهمها فأتت بولد على لون الرجل الذي اتهمها به جاز النفي على الصحيح عندهم وعند الحنابلة يجوز النفي مع القرينة مطلقا (7/45)
( باب أن الولد للفراش دون الزاني ) (7/46)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الولد للفراش وللعاهر الحجر "
- رواه الجماعة إلا أبا داود
وفي لفظ للبخاري " لصاحب الفراش " (7/46)
2 - وعن عائشة قالت " اختصم سعد بن أبي وقاص وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال سعد يا رسول الله ابن أخي عتبة بن أبي وقاص عهد إلي أنه ابنه انظر إلى شبهه وقال عبد بن زمعة هذا أخي يا رسول الله ولد على فراش أبي فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى شبهه فرأى شبها بينا بعتبة فقال هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر واحتجبي منه يا سودة بنت زمعة قال فلم ير سودة قط "
- رواه الجماعة إلا الترمذي
وفي رواية أبي داود ورواية للبخاري " هو أخوك يا عبد " (7/46)
3 - وعن ابن عمر " أن عمر قال ما بال رجال يطؤن ولائدهم ثم يعتزلونهن لا يأتين وليدة يعترف سيدها أن قد ألم بها إلا ألحقت به ولدها فاعزلوا بعد ذلك أو اتركوا "
- رواه الشافعي (7/47)
- حديث " الولد للفراش " مروي من طريق بضعة وعشرين نفسا من الصحابة كما أشار إليه الحافظ
قوله : " الولد للفراش " اختلف في معنى الفراش فذهب الأكثر إلى أنه اسم للمرأة وقد يعبر به عن حالة الافتراش وقيل إنه اسم للزوج روي ذلك عن أبي حنيفة وأنشد ابن الاعرابي مستدلا على هذا المعنى قول جرير ... بانت تعانقه وبات فراشها ... وفي القاموس أن الفراش زوجة الرجل قيل ومنه { فرش مرفوعة } والجارية يفترشها الرجل انتهى . قوله " وللعاهر الحجر " العاهر الزاني يقال عهر أي زنى قيل ويختص ذلك بالليل قال في القاموس عهر المرأة كمنع عهرا ويكسر ويحرك وععهارة بالفتح وعهورا وعهورة وعاهرها عهارا أتاها ليلا للفجور أو نهارا انتهى . ومعنى له الحجر اخيبة أي لا شيء له في الولد والعرب تقول له الحجر وبفيه الترب يريدون ليس له إلا الخيبة
وقيل المراد بالحجر أنه يرجم بالحجارة إذا زنى ولكنه لا يرجم بالحجارة كل زان بل المحصن فقط . وظاهر الحديث أن الولد إنما يلحق بالأب بعد ثبوت الفراش وهو لا يثبت إلا بعد إمكان الوطء في النكاح الصحيح أو الفاسد وإلى ذلك ذهب الجمهور وروي عن أبي حنيفة أنه يثبت بمجرد العقد واستدل له بأن مجرد المظنة كافية ورد بمنع حصولها بمجرد العقد بل لا بد من إمكان الوطء ولا شك أن اعتبار مجرد العقدفي ثبوت الفراش جمود ظاهر فإنه قد حكى ابن القيم عن أبي حنيفة أنه يقول بأن نفس العقد وإن علم أنه لم يجتمع بها بل لو طلقها عقبه في المجلس تصير به الزوجة فراشا وهذا يدل على أنه لا يلاحظ المظنة أصلا ويؤيد ذلك أنه روى عنه في الغيث أنه يقول بثبوت الفراش ولحوق الولد وإن علم أنه ما وطىء بأن يكون بينه وبين الزوجة مسافة طويلة لا يمكن وصوله إليها في مقدار مدة الحمل وذهب ابن تيمية إلى أنه لا بد من معرفة الدخول المحقق وذكر أنه أشار إليه أحمد ورجحه ابن القيم وقال وهل يعد أهل اللغة والعرف المرأة فراشا قبل البناء بها وكيف تأني الشريعة بإلحاق نسب من لم يبن بإمرأته ولا دخل بها ولا اجتمع بها بمجرد إمكان ذلك وهذا الامكان قد قطع بانتفائه عادة فلا تصير المرأة فراشا إلا بدخول محقق انتهى . وأجيب بأن معرفة الوطء المحقق متعسرة فاعتبارها يؤدي إلى بطلان كثير من الأنساب وهو يحتاط فيها واعتبار مجرد الامكان يناسب ذلك الاحتياط ولا بد في ثبوت نسب الولد أن تأتي المرأة به بعد مضي أقل مدة الحمل من وقت إمكان الوطء عند الجمهور أو العقد عند أبي حنيفة أو معرفة الوطء المحقق عند ابن تيمية وهذا مجمع عليه فلو ولدت قبل مضيها حصل القطع بأن الولد من قبل فلا يلحق . وظاهر الحديث أيضا أن فراش الأمة كفراش الحرة لأنه يدخل تحت عموم الفراش وحديث عائشة المذكور نص في ذلك فإن النزاع بين عبد بن زمعة وسعد بن أبي وقاصفي ابن وليدةزمعة وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يعتبر في ثبوت فراش الأمة الدعوة وروي عن أبي حنيفة والثوري وهو مذهب الهادوية أن الأمة لا يثبت فراشها إلا بدعوة الولد ولا يكفي الإقرار بالوطء فإن لم يدعه كان ملكا له وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ألحق ولد زمعة به ولم يستفصل هل ادعاه زمعة أم لا بل جعل العلة في الإلحاق أنه صاحب الفراش وأما قولهم أنه لم يلحقه بعبد بن زمعة على أنه أخ له وإنما جعله مملوكا له كما في قوله هو لك يا عبد بن زمعة واللام للتمليك ويؤيد ذلك ما في آخر الحديث من أمره صلى الله عليه وآله وسلم لسودة بالاحتجاب منه ولو كان أخا لها لم تؤمر بالاحتجاب منه وما وقع في رواية احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك فقد أجيب عنه بأن اللام في قوله صلى الله عليه وآله وسلم هو لك للاختصاص لا للتمليك ويؤيد ذلك ما في الرواية الأخرى المذكورة بلفظ هو أخوك يا عبد وبأن أمره لسودة بالاحتجاب على سبيل الاحتياط والورع والصيانة لأمهات المؤمنين لما رآه من الشبه بعتبة بن أبي وقاص كما في حديث كيف وقد قيل
قال ابن القيم بعد ذكر هذا الجواب أو يكون مراعاة للشيئين وإعمالا للدليلين فإن الفراش دليل لحوق النسب والشبه بغير صاحبه دليل نفيه فأعمل أمر الفراش بالنسبة إلى المدعي وأعمل الشبه بعتبة بالنسبة إلى ثبوت المحرمية بينه وبين سودة وهذا من أحسن الأحكام وأبينها وأوضحها ولا يمنع ثبوت النسب من وجه دون وجه انتهى
وأما الرواية التي فيها احتجبي منه فإنه ليس بأخ لك فقد طعن البيهقي في اسنادها وقال فيها جرير وقد نسب في آخر عمره إلى سوء الحفظ وفيها يوسف مولى آل الزبير وهو غير معروف
قوله : اختصم سعد وعبد بن زمعة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يذكر ما وقع فيه الاختصام ولعل هذا اللفظ أحد الألفاظ التي روي بها هذا الحديث وفي بقية الألفاظ في الصحيحين وغيرهما التصريح بأن الاختصام وقع في غلام
قوله " وقال عبد بن زمعة " الخ فيه دليل على أنه يجوز لغير الأب أن يستلحق الولد مثل استلحاق عبد بن زمعة للأخ وكذلك للوصي الاستلحاق لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على سعد الدعوى المذكورة وقد أجمع العلماء على أن للأب أن يستلحق واختلفوا في الجد
قوله : " فرأى شبها بينا بعتبة " سيأتي الكلام على العمل بالشبه والقافة قريبا
قوله : " يعترف سيدها أن قد ألهبها " فيه تقوية لمذهب الجمهور من أنه لا يشترط في فراش الأمة الدعوة بل يكفي مجرد ثبون الفراش (7/47)
( باب الشركاء يطؤن الأمة في طهر واحد ) (7/47)
1 - عن زيد بن أرقم قال " أتى أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وهو باليمن في ثلاثة وقعوا على امرأة في طهر واحد فسأل اثنين فقال أتقران لهذا بالولد قالا لا ثم سأل اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا فجعل كلما سأل اثنين أتقران لهذا بالولد قالا لا فأقرع بينهم فألحق الولد بالذي أصابته القرعة وجعل عليه ثلثي الدية فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فضحك حتى بدت نواجذه "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . ورواه النسائي وأبو داود موقوفا على علي باسناد أجود من اسناد المرفوع . وكذلك رواه الحميدي في مسنده وقال فيه " فأغرمه ثلثي قيمة الجارية لصاحبيه " (7/48)
- الحديث في إسناده يحيى بن عبد الله الكندي المعروف بالاجلج
قال المنذري لا يحتج بحديثه وقال في الخلاصة وثقه يحيى بن معين والعجلي
وقال ابن عدي يعد في الشيعة مستقيم الحديث وضعفه النسائي قال المنذري ورواه بعضهم مرسلا وقال النسائي هذا صواب وقال الخطابي وقد تكلم في اسناد حديث زيد بن أرقم انتهى
وقد رواه أبو داود من طريقين الأولى من طريق عبد الله بن الخليل عن زيد بن أرقم عنه والثانية من طريق عبد خير من زيد عنه قال المنذري أما حديث عبد خير فرجال اسناده ثقات غير أن الصواب فيه الإرسال انتهى . وعلى هذا لم تخل كل واحدة من الطريقين من علة فالأولى فيها الاجلج والثانية معلولة بالإرسال والمراد بالإرسال ههنا الوقف كما عبر عن ذلك المصنف لا ما هو الشائع في الاصطلاح من أنه قول التابعي قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . والحديث يدل على أن الابن لا يلحق بأكثر من أب واحد قاله الخطابي وقال أيضا وفيه إثبات القرعة في إلحاق الولد انتهى
وقد أخذ بالقرعة مطلقا مالك والشافعي وأحمد والجمهور حكى ذلك عنهم ابن رسلان في كتاب العتق من سنن أبي داود وقد ورد العمل بها في مواضع منها في الرجل الذي أعتق ستة أعبد فجزأهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاثة أجزاء وأقرع بينهم كما في حديث عمر أن بن حصين عند مسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجه . ومنها في تعيين المرأة من نسائه التي يريد أن يسافر بها كما في حديث عائشة عند البخاري ومسلم وهكذا ثبت اعتبار القرعة في الشيء الذي وقع فيه التاعي إذا تساوت البنتان وفي قسمة المواريث مع الالتباس لأجل إفراز الحصص بها وفي مواضع أخرفمن العلماء من اعتبر القرعة في جميعها ومنهم من اعتبرها في بعضها وممن قال بظاهر حديث الباب إسحاق بن راهويه وقال هذه السنة في دعوى الولد حكى ذلك عنه الخطابي وقال أنه كان الشافعي يقول به في القديم وقيل لأحمد في حديث زيد بن أرقم هذا فقال حديث القافة أحب إلي وسيأتي قريبا ويأتي الكلام على الجمع بينهما وقد قال بعضهم إن حديث القرعة منسوخ وقال المقبلي في الأبحاث أن حديث الإلحاق بالقرعة إنما يكون بعد انسداد الطرق الشرعية انتهى . ومن المخالفين في اعتبار القرعة الحنفية . وكذلك الهادوية وقالوا إذا وطئ الشركاء الأمة المشتركة في طهر واحد وجاءت بولد وادعوه جميعا ولا مرجح للالحاق بأحدهم كان الولد ابنا لهم جميعا يرث كل واحد منهم ميراث ابن كامل ومجموعهم أب يرثونه ميراث أب واحد (7/48)
( باب الحجة في العمل بالقافة ) (7/48)
1 - عن عائشة قالت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل إلي مسرورا تبرق أسارير وجهه فقال ألم ترى أن مجززا نظر أنفا إلى زيد بن حارثة وأسامة بن زيد فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض "
- رواه الجماعة
وفي لفظ أبي داود وابن ماجه ورواية لمسلم والنسائي والترمذي " ألم ترى أن مجززا المدلجي رأى زيدا وأسامة قد غطيا رؤوسهما بقطيفة وبدت أقدمهما فقال إن هذه الأقدام بعضهما من بعض "
وفي لفظ " قالت دخل قائف والنبي صلى الله عليه وآله وسلم شاهد وأسامة بن زيد وزيد بن حارثة مضطجعان فقال إن هذه الأقدام بعضها من بعض فسر بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعجبه وأخبر به عائشة " . متفق عليه قال أبو داود " كان أسامة أسود وكان زيد أبيض " (7/49)
- قوله " تبرق أسارير " الأسارير جمع سرر أو سرارة بفتح أولهما ويضمان وهما في الأصل خطوط الكف كما في القاموس أطلق على ما يظهر على وجهه من سره أمر من الإضاءة والبريق
قوله : " أن مجززا " هو بضم الميم وفتح الجيم الزاي الأولى اسم فاعل من الجز لأنه جز نواصي قوم هكذا قيده جماعة من الأئمة وذكر الدارقطني وعبد الغني عن ابن جريج أنه محرز بالحاء المهملة بعدها راء ثم زاي على صيغة اسم الفاعل
قال الخطابي في هذا الحديث دليل على ثبوت العمل بالقافة وصحة الحكم بقولهم في إلحاق الولد وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يظهر السرور إلا بما هو حق عنده وكان الناس قد ارتابوا في زيد بن حارثة وابنه أسامة وكان زيد أبيض وأسامة أسود كما وقع في الرواية المذكورة فتمارى الناس في ذلك وتكلموا بقول كان يسوء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما سمع قول المدلجي فرح به وسرى عنه وقد أثبت الحكم بالقافة عمر بن الخطاب وابن عباس وعطاء والأوزاعي ومالك والشافعي وأحمد وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا يعمل بقول القائف بل يحكم بالولد الذي ادعاه اثنان لهما
واحتج لهم صاحب البحر بحديث الولد للفراش وقد تقدم . ووجه الاستدلال به أن تعريف المسند إليه واللام الداخلة على المسند للاختصاص يفيد أن الحصر ويجاب بأن حديث الباب بعد تسليم الحصر المدعى مخصص لعمومه فيثبت به النسب في مثل الأمة المشتركة إذا وطئها المالكون لها وروي عن الإمام يحيى أن حديث القافة منسوخ ويجاب بأن الأصل عدم النسخ ومجرد دعواه بلا برهان كما لا ينفع المدعي لا يضر خصمه
وأما ما قيل من أن حديث مجزز لا حجة فيه لأنه إنما يعرف القائف بزعمه أن هذا الشخص من ماء ذاك لا أنه طريق شرعي فلا يعرف إلا بالشرع فيجاب بأن في استبشاره صلى الله عليه وآله وسلم من التقرير ما لا يخالف فيه مخالف ولو كان مثل ذلك لا يجوز في الشرع لقال له إن ذلك لا يجوز ( لا يقال ) إن أسامة قد ثبت فراش أبيه شرعاوإنما لما وقعت القافة بسبب اختلاف اللون وكان قول المدلجي المذكور دافعا لها لاعتقادهم فيه الإصابة وصدق المعرفة استبشر صلى الله عليه وآله وسلمبذلك فلا يصح التعلق بمثل هذا التقرير على إثبات أصل النسب لأنا نقول لو كانت القافة لا يجوز العمل بها إلا في مثل هذه المنفعة مع مثل أولئك الذين قالوا مقالة السوء لما قرره صلى الله عليه وآله وسلم على قوله " هذه الأقدام بعضها من بعض " وهو في قوله هذا ابن هذا فإن ظاهره أنه تقرير للالحاق بالقافة مطلقا لا إلزام للخصم بما يعتقده . ولاسيما والنبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينقل عنه انكار كونها طريقا يثبت بها النسب حتى يكون تقريره لذلك من باب التقرير على مضي كافر إلى كنيسة ونحوه مما عرف منه صلى الله عليه وآله وسلم انكاره قبل السكوت عنه ومن الأدلة المقوية للعمل بالقافة حديث الملاعنة المتقدم حيث أخبر صلى الله عليه وآله وسلم بأنها إن جاءت به على كذا فهو لفلان وإن جاءت به على كذا فهو لفلان فإن ذلك يدل على اعتبار المشابهة لا يقال لو كان ذلك معتبرا لما لاعن بعد أن جاءت بالولد مشابها لأحد الرجال وتبين له صلى الله عليه وآله وسلم ذلك حتى قال لولا الأيمان لكان لي ولها شأن لأنا نقول أن النسب كان ثابتا بالفراش وهو أقوى ما يثبت به فلا تعارضه القافة لأنها إنما تعتبر مع الاحتمال فقط ولاسيما بعد وجود الأيمان التي شرعها الله تعالى بين المتلاعنين ولم يشرع في اللعان غيرها ولهذا جعلها صلى الله عليه وآله وسلم مانعة من العمل بالقافة وفي ذلك اشعار بأنه يعمل بقول القائف مع عدمها
ومن المؤيدات للعمل بالقافة ما تقدم من جوابه صلى الله عليه وآله وسلم على أم سليم حيث قالت أو تحتلم المرأة فقال " فيم يكون الشبه " وقال " إن ماء الرجل إذا سبق ماء المرأة كان الشبه له " الحديث المتقدم لا يقال أن بيان سبب الشبه لا يدل على اعتباره في الالحاق لأنا نقول أن إخباره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك يستلزم له مناط شرعي وإلا لما كان للأخبار فائدة يعتد بها وأما عدم تمكينه صلى الله عليه وآله وسلم لمن ذكر له أن ولده أسود من اللعان كما تقدم فلمخالفته لما يقتضيه الفراش الذي لا يعارضه العمل بالشبه إذا تقرر هذا فاعلم أنه لا معارضة بين حديث العمل بالقافة وحديث العمل بالقرعة الذي تقدم لأن كل واحد منهما دل على أن ما اشتمل عليه طريق شرعي فإيهما حصل وقع به الالحاق فإن حصلا معا فمع الاتفاق لا إشكال ومع الاختلاف الظاهر أن الاعتبار بالأول منهما لأنه طريق شرعي يثبت به الحكم ولا ينقضه طريق آخر يحصل بعده . قوله " دخل قائف " قال في القاموس والقائف من يعرف الآثار الجمع قافة وقاف أثره تبعه كقفاه واقتفاه انتهى (7/49)
( باب حد القذف ) (7/49)
1 - عن عائشة " قالت لما أنزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المنبر فذكر ذلك وتلا القرآن فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا أحدهم "
- رواه الخمسة إلا النسائي (7/50)
2 - وعن أبي هريرة قال " سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم يقول من قذف مملوكه يقام عليه الحد يوم القيامة إلا أن يكون كما قال "
- متفق عليه (7/50)
3 - وعن أبي الزناد " أنه قال جلد عمر بن عبد العزيز عبدا في فرية ثمانين قال أبو الزناد فسألت عبد الله بن عامر بن ربيعة عن ذلك فقال أدركت عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والخلفاء هلم جرا فما رأيت أحدا جلد عبدا في فرية أكثر من أربعين "
- رواه مالك في الموطأ عنه (7/50)
- حديث عائشة حسنه الترمذي وقال لا يعرف إلا من ححديث محمد بن إسحاق قال المنذري وقد أسنده ابن إسحاق مرة وأرسله أخرى وانتهى
وقد عنعن ههنا وقد قدمنا أنه لا يحتج بعنعنته لتدليسه
وقد أشار إلى الحديث البخاري في صحيحه . والأثر الذي رواه أبو الزناد عن عبد الله بن عامر بن ربيعة أخرجه أيضا البيهقي ورواه أيضا الثوري في جامعه
قوله : " لما أنزل عذري " أي براءتي مما نسب أهل الإفك . والمراد قوله تعالى { إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة } إلى قوله { رزق كريم } هكذا رواه ابن أبي حاتم والحاكم من مرسل سعيد بن المسيب
وفي البخاري إلى قوله تعالى { والله يعلم وأنتم لا تعلمون } وعن الزهري إلى قوله تعالى { والله غفور رحيم } قوله " أمر برجلين وامرأة " الرجلان حسان بن ثابت ومسطح والمرأة حمنة بنت جحش
وأخرج الحاكم في الإكليل أن من جملة من حده النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة الإفك عبد الله بن أبي رأس المنافقين ( والحديث ) يرد على الماوردي حيث قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحد قذفة عائشة ولا مستند له إلا توهم أن الحد إنما يثبت بالبينة أو الإقرار وغفل عن النص القرآني المصرح بكذبهم وصحة الكذب تستلزم ثبوت الحد . ( وقد أجمع العلماء ) على ثبوت حد القذف وأجمعوا أيضا على أن حده ثمانون جلدة لنص القرآن الكريم بذلك . واختلفوا هل ينصف الحد للعبد أم لا فذهب الأكثر إلى الأول . وذهب ابن مسعود والليث والزهري والأوزاعي وعمر بن عبد العزيز وابن حزم إلى أنه لا ينصف لعموم الآية . وأجاب الأولون بأن العبد مخصص منذلك العموم بالقياس على حد الزنا ويؤيده فعل أكابر الصحابة رضي الله عنهم وقد تعقب القياس المذكور بأن حد الزنا إنما نصف ففي العبد لعدم أهليته للعفة وحيلولة الملك بينه وبين التحصن بخلاف الحر وبأن القذف حق لآدمي وهو أغلظ واعلم أنه لا فرق بين قاذف الرجل والمرأة في وجوب حد القذف عليه . ولا يعرف في ذلك خلاف بين أهل العلم وقد نازع الجلال في وجوبه على قاذف الرجل واستدل على عدم الوجوب بما تقدم عنه صلى الله عليه وآله وسلم في اللعان أنه لم يحد هلال بن أمية لقذفه شريك بن سحماء ولم يحد أهل الإفك إلا لعائشة فقط لا لصفوان بن المعطل ولو كان يجب على قاذف الرجل لحد أهل الإفك حدين
وقد أطال الكلام على ذلك في ضوء النهار والبسط ههنا يقود إلى تطويل يخرج عن المقصود
قوله : " يقام عليه الحد يوم القيامة " فيه دليل على أنه لا يحد من قذف عبده لأن تعليق ايقاع الحد عليه بيوم القيامة مشعر بذلك
وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يحد قاذف العبد مطلقا . وحكى صاحب البحر عن داود أنه يحد . وأجاب عليه بأنه مخالف للإجماع وذهب الجمهور أيضا إلى أنه لا يحد قاذف أم الولد إلحاقا لها بالقن
وقال مالك يحد مطلقا
وقال محمد يحد إن كان معها ولد . ولعل مالكا يجعل المحصنات المذكورات في الآية هن العفائف لا الحرائر (7/51)
( باب من أقر بالزنا بامرأة لا يكون قاذفا لها ) (7/51)
1 - عن نعيم بن هزال قال " كان ماعز بن مالك يتيما في حجر أبي فأصاب جارية من الحي فقال له أبي ائت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأخبره بما صنعت لعله يستغفر لك فأتاه فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه فعاد فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فأعرض عنه ثم أتاه الثالثة فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله ثم أتاه الرابعة فقال يا رسول الله إني زنيت فأقم علي كتاب الله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنك قد قلتها أربع مرات فيمن قال بفلانة قال ضاجعتها قال نعم قال جامعتها قال نعم فأمر به أن يرجم فخرج به إلى الحرة فلما رجم فوجد مس الحجارة جزع فخرج يشتد فلقيه عبد الله بن أنيس وقد أعجز أصحابه فنزع بوظيف بعير فرماه به فقتله ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فقال هلا تركتموه لعله يتوب فيتوب الله عليه "
- رواه أحمد وأبو داود (7/51)
- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وحسنه الحافظ وفي صحبة نعيم بن هزال خلاف
وروى أبو داود من طريق محمد بن إسحاق قال ذكرت لعاصم بن قتادة قصة ماعز بن مالك فقال لي حدثني حسن بن محمد بن علي بن أبي طالب قال حدثني ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فهلا تركتموه من شئتم من رجال أسلم ممن لا أتهم قال ولا أعرف الحديث قال ففجئت جابر بن عبد الله فقلت إن رجالا من أسلم يحدثون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم حين ذكروا له جزع ماعز من الحجارة حين أصابته ألا تركتموه وما أعرف الحديث قال يا ابن أخي أنا أعلم الناس بهذا الحديث كنت فيمن رجم الرجل إنا لما خرجنا به فرجمناه فوجد مس الحجارة صرخ بنا يا قوم ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإن قومي قتلوني وغروني من نفسي وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير قاتلي فلم ننزع عنه حتى قتلناه فلما رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخبرناه قال فهلا تركتموه وجثتموني به ليستثبت رسول الله منه فأما لترك حد فلا قال فعرفت وجه الحديث " وأخرجه النسائي وفي اسناده محمد بن إسحاق وقد اتفق الشيخان على طرف من هذا الحديث وسيأتي الكلام على حديث ماعز هذا في أبواب حد الزاني إن شاء الله تعالى وإنما أورده المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يلزم من أقر بالزنا حد القذف إذا قال زنيت بفلانة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب منه تعيين من زنى بها فعينها ثم لم يحد للقذف وإلى ذلك ذهبت الشافعية والحنفية والهادوية وقال مالك يحد والحديث يرد عليه وسيأتي تمام الكلام وتحقيق ما هو الحق في باب من أقر أنه زنى بامرأة فجحدت من أبواب الحدود
قوله : " بوظيف " بفتح الواو وكسر الظاء المعجمة ثم ياء تحتية ساكنة بعدها فاء وهو دقيق الساق من الجمال والخيل وفي النهاية خف الجمل هو الوظيف وسيأتي في باب ما يذكر في الرجوع عن الإقرار من حديث أبي هريرة بلفظ " فر يشتد حتى مر برجل مععه لحي جمل فضربه به وضربه الناس حتى مات " (7/52)
( كتاب العدد ) (7/52)
( باب أن عدة الحامل بوضع الحمل ) (7/52)
1 - عن أم سلمة أن امرأة من أسلم يقال لها سبيعة كانت تحت زوجها فتوفي عنها وهي حبلى فخطبها أبو السنابل بن بعكك فأبت أن تنكحه فقال والله ما يصلح أن تنكحي حتى تعتدي آخر الأجلين فمكث قريبا من عشر ليال ثم نفست ثم جاءت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أنكحي
- رواه الجماعة إلا أبو داود وابن ماجه . وللجماعة إلا الترمذي معناه من رواية سبيعة وقالت فيه ( فأفتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي ) (7/53)
2 - وعن ابن مسعود في المتوفى عنها زوجها وهي حامل قال ( أتجعلون عليها التغليظ ولا تجعلون عليها الرخصة أنزلت سورة النساء القصرى بعد الطولى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ) رواه البخاري والنسائي (7/53)
3 - وعن أبي بن كعب قال ( قلت يا رسول الله وأولات الأحمال أن يضعن حملهن للمطلقة ثلاثا وللمتوفى عنها فقال هي للمطلقة ثلاث وللمتوفى عنها )
- رواه أحمد والدارقطني
وعن الزبير بن العوام ( أنها كانت عنده أم كلثوم بنت عقبة فقالت له وهي حامل طيب نفسي بتطليقة فطلقها تطليقة ثم خرج إلى الصلاة فرجع وقد وضعت فقال ما لها خدعتني خدعها الله ثم أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال سبق الكتاب أجله اخطبها إلى نفسها ) . رواه ابن ماجه (7/53)
- حديث أبي بن كعب أخرجه أيضا أبو يعلى والضياء في المختارة وابن مروديه وقال في مجمع الزوائد في اسناده المثنى بن الصباح وثقه ابن معين وضعفه الجمهور انتهى
وأخرج نحوه عنه من وجه آخر ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مروديه والدارقطني . وحديث الزبير اسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن عمر بن هياج حدثنا قبيصة بن عقبة حدثنا سقيان عن عمرو بن ميمون عن أبيه عن الزبير فذكره وكلهم من رجال الصحيح إلا محمد بن عمر بن هياج وهو صدوق لا بأس به وفيه انقطاع لأن ميمونا هو بن مهران ولم يسمع من الزبير قوله " العدد " جمع العدة قال في الفتح العدة اسم لمدة تتربص بها المرأة عن التزويج بعد وفاة زوجها أو فراقه لها إما بالولادة أو بالاقراء أو الأشهر
قوله : " سبيعة " بضم السين المهملة تصغير سبع وقد ذكرها ابن سعد في المهاجرات وهي بنت أبي برزة الأسلمي
قوله : " كانت تحت زوجها " هو سعد بن خولة العامري من بني عامر بن لؤي وقيل إنه من حلفائهم
قوله : " فتوفى عنها " نقل ابن عبد البر الاتفاق أنه توفي في جحة الوداع وقد قيل أنه قتل في ذلك وهي رواية شاذة
قوله : " أبو السنابل " بمهملة ونون ثم موحدة جمع سنبلة وقد اختلف في اسمه فقيل عمرو وقيل عامر حبة بمهملة ثم موحدة وقيل أصرم وقيل عبد الله وبعكك بموحدة فمهملة فكافين بوزن بوزن جعفر وهو ابن الحرث وقيل ابن الحجاج من بني عبد الدار
قوله : " فقال والله ما يصلح أن تنكحي " الخ
قال سعياض والحديث مبتور نقص منه قولها " فنفست بعد ليال فخطبت " الخ
قال الحافظ وقد ثبت المحذوف في رواية ابن ملحان عن يحيى بن بكير شيخ البخاري ولفظه " فمكثت قريبا من عشرين ليلة ثم نفست " وقد وقع للبخاري اختصار المتن في طريق بأخصر من هذه الطريق ووقع له في تفسير سورة الطلاق مطولا بلفظ " أن سبيعة بنت الحرث أخبرته أنها كانت تحت سعد بن خولة فتوفي عنها في حجة الوداع وهي حامل فلم تنشب أن وضعت حملها فلم تعلت من نفاسها تجملت للخطاب فدخل عليها أبو السنابل بن بعكك رجل من بني عبد الدار فقال مالي أراك تجملت للخطاب فإنك والله ما أنت بناكح حتى تمرعليك أربعة أشهر وعشر قالت سبيعة فلما قال لي ذلك جمعت علي ثيابي حين أمسيت فأتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألته عن ذلك فافتاني بأني قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج " وظاهر هذا يخالف ما في حديث الباب حيث قال فمكثت قريبا من عشر ليال ثم جاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فان قولها قال لي ذلك جمعت على ثيابي حين أمسيت يدل علي أنها توجهت الي النبي صلي الله عليه وآله وسلم في مساء ذلك اليوم الذي قال لها فيه أبو السنابل ما قال ويمكن الجمع بينهما بحمل قولها حين أمسيت علي إرادة وقت توجهها ولا يلزم منه أن يكون ذلك اليوم الذي قال لها فيه ماقال
قوله : " ثم نفست " بضم النون وكسر الفاء أي ولدت قوله " قريبا من عشر ليال " وفي رواية لأحمد " فلم أمكث إلا شهرين حتى وضعت " وفي رواية للبخاري " فوضعت بعد موته بأربعين ليلة " وفي أخرى للنسائي " بعشرين ليلة أو خمس عشرة " وفي رواية للترمذي والنسائي " فوضعت بعد بعد وفاة زوجها بثلاثة وعشرين يوما " ولابن ماجه " بضع وعشرين " وفي ذلك روايات أخر مختلفة
قال في الفتح بعد أن ساقها والجمع بين هذه الروايات متعذر لاتحاد القصة ولعل هذا هو السر في ابهام من أبهم المدة إذ محل الخلاف أن تضع لدون أربعة أشهر وعشر وهنا كذلك فأقل ما قيل في هذه الروايات نصف شهر وأما ما وقع في بعض الشروح أن في البخاري عشر ليال وفي رواية للطبراني ثمان أو سبع فهو في مدة إقامتها بعد الوضع إلى أن استفتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مدة بقية الحمل وأكثر ما قيل فيه بالتصريح شهران وبغيره دون أربعة أشهر
وقد ذهب جمهور أهل العلم من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار إلى أن الحامل إذا مات عنها زوجها تنقضي عدتها بوضع الحمل
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد بن علي بسند صحيح أنها تعتد بآخر الأجلين . ومعناه أنها إن وضعت قبل مضي أربعة أشهر وعشر تربصت إلى انقضائها وإن انقضت المدة قبل الوضع تربصت إلى الوضع وبه قال ابن عباس وروي عنه أنه رجع وروي عن ابن أبي ليلى أنه أنكر على ابن سيرين القول بانقضاء عدتها بالوضع وأنكر أن يكون ابن مسعود قال بذلك وقد ثبت عن ابن مسعود من عدة طرق أنه كان يوافق الجمهور حتى كان يقول من شاء لاعنته على ذلك
وقد حكى صاحب البحر عن الشعبي والقاسمية والمؤيد بالله والناصر موافقة علي على اعتبار آخر الأجلين وأما أبو السنابل فهو وإن كان في حديث الباب ما يدل على أنه يذهب اعتبار آخر الأجلين لكنه قد روي عنه الرجوع عن ذلك وقد نقل المازري وغيره عن سحنون من المالكية أنه يقول يقول علي قال الحافظ وهو مردود لأنه احداث خلاف بعد استقرار الإجماع والسببب الذي حمل القائلين باعتبار آخر الأجلين الحرص على العمل بالآيتين أعني قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا } فإن ظاهر ذلك أنه عام في كل من مات عنها زوجها سواء كانت حاملا أو غير حامل . وقوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } عام يشمل المطلقة والمتوفى عنها فجمعوا بين العمومين بقصر الآية الثانية على المطلقة بقرينة ذكر عدد المطلقات كالآيسة الصغيرة قبلها ولم يهملوا ما تناولته من العموم فعملوا بها وبالتي قبلها في حق المتوفى عنها
قال القرطبي هذا نظر حسن فإن الجمع أولى من الترجيح باتفاق أهل الأصول لكن حديث سبيعة وسائر الأحاديث المذكورة في الباب نص بأنها تنقضي عدة المتوفى عنها بوضع الحملوفي ذلك أحاديث أخر . منها ما أخرجه عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد والبخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن مردويه عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال " كنت أنا وابن عباس وأبو هريرة فجاء رجل فقال أفتني في امرأة ولدت بعد زوجها بأربعين ليلة فقال ابين عباس تعتد آخر الأجلين وقلت أنا { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } قال ابن عباس ذلك في الطلاق
وقال أبو سلمة أرأيت لو أن امرأة أخرت حملها سنة فما عدتها قال ابن عباس آخر الأجلين قال أبو هريرة أنا مع ابن أخي يعني أبا سلمة فأرسل ابن عباس غلامه كريبا إلى أم سلمة يسألها هل مضت في ذلك سنة فذكرت أن سبيعة الأسلمية وضعت بعد موت زوجها بأربعين ليلة فخطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن مردويه من حديث أبي السنابل أن سبيعة وضعت بعد موت زوجها بثلاثة وعشرين يوما فقال صلى الله عليه وآله وسلم قد حل أجلها وأخرج ابن أبي شيبة وابن مردويه من حديث سبيعة نحوه
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد من حديث المسور بن مخرمة نحو ذلك وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأبو داود والنسائي وابن ماجه عن ابن مسعود أنه بلغه أن عليا يقول تعتد آخر الأجلين فقال من شاء لاعنته أن الآية التي في سورة النساء القصرى نزلت بعد سورة البقرة بكذا وكذا شهرا
وأخرج عبد بن حميد عنه أنها نسخت ما في البقرة
وأخرج ابن مردويه عنه أنها نسخت سورة النساء الصغرى كل عدة
وأخرج ابن مردويهعن أبي سعيد الخدري قال نزلت سورة النساء بعد التي في البقرة بسبع سنين
( وهذه الأحاديث ) والآثار مصرحة بأن قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } عامة في جميع العدد وإن عموم آية البقرة مخصص بها ( والحاصل ) أن الأحاديث الصحيحة الصريحة حجة لا يمكن التخلص عنها بوجه من الوجوه على فرض عدم اتضاح الأمر باعتبار ما في الكتاب العزيز وأن الآيتين من باب تعارض العمومين مع أنه قد تقرر في الأصول أن الجموع المنكرة لا عموم فيها فلا تكون آية البقرة عامة لأن قوله ويذرون أزواجا من هذا القبيل فلا إشكال . وحديث أبي بن كعب والزبير بن العوام يدلان على أنها تنقضي عدة المطلقة بالوضع للحمل من الزوج وهو مجمع عليه حكى ذلك في البحر لدخولها تحت عموم قوله تعالى { وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن } وإنما تعتد بوضعه حيث لحق وإلا فلا عند الشافعي والهادي وقال أبو حنيفة بل تعتد بوضعه ولو كان من زنا لعموم الآية (7/54)
( باب الاعتداد بالإقراء وتفسيرها ) (7/54)
1 - عن الأسود عن عائشة قالت " أمرت بريرة أن تعتد بثلاث حيض "
- رواه ابن ماجه (7/54)
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خير بريرة فاختارت نفسها وأمرها أن تعتد عدة الحرة "
- رواه الدارقطني
وقد أسلفنا قوله صلى الله عليه وآله وسلم في المستحاضة تجلس أيام إقرائها (7/55)
3 - وروى عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال طلاق الأمة تطليقان وعدتها حيضتان "
- رواه الترمذي وأبو داود
وفي لفظ " طلاق العبد اثنتان وقرء الأمة حيضتان " ورواه الدارقطني (7/55)
4 - وروى عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال طلاق الأمة اثنتان وعدتها حيضان "
- رواه ابن ماجه والدارقطني واسناد الحديث ضعيف والصحيح عن ابن عمر قوله " عدة الحرة حيض وعدة الأمة حيضتان " (7/55)
- حديث عائشة الأول قال الحافظ في بلوغ المرام رواته ثقات لكنه معلول . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط
قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح ويشهد له ما أخرجه أحمد من حديث بريرة بنحوه والحديث الذي أشار إليه المصنف في المستحاضة تقدم في أبواب الحيض وتقدم في معناه أحاديث . وحديث عائشة الثاني أخرجه أيضا البيهقي قال أبو داود هو حديث مجهول وقال الترمذي حديث غريب ولا نعرفه مرفوعا إلا من حديث مظاهر بن أسلم ومظاهر لا يعرف له في العلم غير هذا الحديث اه . وحديث ابن عمر أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي وفي اسناده عمرو بن شبيب وعطية العوفي وهما ضعيفان وصحح الدارقطني الموقوف
وقد ذكر المصنف هذه الأحاديث للاستدلال بها على أن عدة المطلقة ثلاثة أقراء وعلى أن الأقراء هي الحيض أما الأول فهو صريح قوله تعالى { والمطلقات يتربضن بأنفسهن ثلاثة قروء } وإنما وقع الخلاف في الأقراء المذكورة في الآية هل هي الأطهار أو الحيض فظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم تعتد بثلاث حيض . وقوله تجلس أقرائها وقوله وعدتها حيضتان أن الأقراء هي الحيض وقراءة الجمهور قروء بالهمز . وعن نافع بتشديد الواو بغير همز قال الأخفش أقرأت المرأة إذا صارت ذات حيض . وعن أبي عبيد أن القرء يكون بمعنى الطهر وبمعنى الضم والجمع وجزم به ابن بطال وفي القاموس القرء ويضم الحيض والطهر انتهى . وزعم كثير أن القرء مشترك بين الحيض والطهر وقد أنكر صاحب الكشاف إطلاقه على الطهر
وقال ابن القيم أن لفظ القرء لم يستعمل في كلام الشارع إلا للحيض ولم يجيء عنه في موضع واحد استعماله للطهر فحمله في الآية على المعهود المعروف من خطاب الشارع أولى بل يتعين فإنه قد قال للمستحاضة دعي الصلاة أيام أقرائك وهو صلى الله عليه وآله وسلم المعبر عن الله وبلغة قومه نزل القرآن فإذا أورد المشترك في كلامه على أحد معنييه وجب حمله في سائر كلامه عليه إذا لم يثبت إرادة الآخر في شيء من كلامه البتة ويصير هو لغة القرآن التي خوطبنا بها وإن كان له معنى آخر في كلام غيره وإذا ثبت استعمال الشارع للقرء في الحيض علم أن هذا لغته فيتعين حمله عليها في كلامه ويدل على ذلك ما في سياق الآية من قوله تعالى { ولا يحل لهن أن يكتمن ما خلق الله في أرحامهن } وهذا هو الحيض والحمل عند عامة المفسرين والمخلوق في الرحم إنما هو الحيض الوجودي وبهذا قال السلف والخلف ولم يقل أحد أنه الطهر وأيضا فقد قال سبحانه { واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } فجعل كل شهر بإزاء حيضة وعلق الحكم بعدم الحيض لا بعدم الطهر والحيض وقد أطال الكلام ابن القيم وأطاب فليراجع . وحكى في البحر عن العترة أن القرء بفتح القاف وضمها حقيقة في الحيض مجاز في الطهر . وعن بعض أصحاب الشافعي عكس ذلك . وعن الأكثر أنه مشترك وعن الأخفش الصغير أنه اسم لانقضاء الحيض ثم قال في البحر ولا خلاف أن المراد بالآية أحدهما لا مجموعهما
قال فعن أمير المؤمنين علي وابن مسعود وأبي موسى والعترة والحسن البصري والأوزاعي والثوري والحسن بن صالح وأبي حنيفة وأصحابه المراد به في الآية الحيض . وعن ابن عمر وزيد بن ثابت وعائشة والصادق والباقر والإمامية والزهري وربيعة ومالك والشافعي وفقهاء المدينة ورواية عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه أنه الأطهار ثم رجح القول الأول واستدل له وقد أخذ بظاهر حديث عائشة وابن عمر المذكورين في الباب الشافعي فقال لا يملك العبد من الطلاق إلا اثنتين حرة كانت زوجته أو أمة
وقال الناصر وأبو نيفة إلا اثنتان في الأمة لا في الحرة فكالحر وقالوا كلهم عدة الحرة منه ثلاثة قروء وعدة الأمة قرءان . وذهبت الهادوية وغيرهم أن العبد يملك من الطلاق ما يملكه الحر والعدة منه كالعدة من الحر مطلقا . وتمسكوا بعموم الأدلة الواردة في ذلك فإنها شاملة للحر والعبد ويجاب بأن ما في الباب مخصص لذلك العموم ويؤيده ما أخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث ابن مسعود وابن عباس مرفوعا الطلاق بالرجال والعدة بالنساء والإعلال بالوقف غير قادح لأن الرفع زيادة . وأيضا قد روى أحمد عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه نحو ذلك (7/56)
( باب إحداد المعتدة ) (7/56)
1 - عن أم سلمة " أن امرأة توفي زوجها فخشوا على عينها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذنوه في الكحل فقال لا تكتحل كانت إحداكن تمكث في شر أحلاسها أو شر بيتها فإذا كان حول فمر كلب رمت ببعرة فلا حتى تمضي أربعة أشهر وعشر "
- متفق عليه (7/56)
2 - وعن حميد بن نافع عن زينب بنت أم سلمة " أنها أخبرته بهذه الأحاديث الثلاثة قالت دخلت على أم حبيبة حين توفي أبوها أبو سفيان فدعت أم حبيبة بطيب فيه صفرة خلوق أو غيره فدهنت منه جارية ثم مست بعارضيها ثم قالت والله بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قالت زينب ثم دخلت على زينب بنت جحش حين توفي أخوها فدعتت بطيب فمست منه ثم قالت والله ما لي بالطيب من حاجة غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا قالت زينب وسمعت أمي أم سلمة تقول جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفي عنها زوجها وقد اشتكت عينها أفتكحلها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا مرتين أو ثلاثا كل ذلك يقول لا ثم قال إنما هي أربعة أشهر وعشر وقد كانت إحداكن في الجاهلية ترمي بالبعرة على رأس الحول قال حميد فقلت لزينب وما ترمي بالبعرة على رأس الحول فقالت زينب كانت المرأة إذا توفي عنها زوجها دخلت حفشا ولبست شر ثيابها ولم تمس طيبا ولا شيئا حتى تمر بها سنة ثم تؤتى بدابة حمار أو شاة أو طير فنقتض به فقلما تفتض بشيء إلا مات ثم تخرج فتعطى بعرة فتلامي بها ثم تراجع بعد ما شاءت من طيب أو غيره "
- أخرجاه (7/57)
3 - وعن أم سلمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل لامرأة مسلمة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تحد فوق ثلاث أيام إلا على زوجها أربعة أشهر وعشرا "
- أخرجاه
واحتج به من لم ير الإحداد على المطلقة " ) (7/57)
- قوله " أن امرأة " هي عاتكة بنت نعيم بن عبد الله كما أخرجه ابن وهب عن أم سلمة والطبراني أيضا
قوله : " لا تكتحل " فيه دليل على تحريم الاكتحال على المرأة في أيام عدتها من موت زوجها سواء احتاجت إلى ذلك أم لا وجاء في حديث أم سلمة في الموطأ وغيره اجعليه بالليل وامسحيه بالنهار . ولفظ أبي داود ( فتكتحلين بالليل وتغسلينه بالنهار " قال في الفتتح ووجه الجمع بينهما أنها إذا لم تحتج إليه لا يحل وإذا احتاجت لم يجز بالنهار ويجوز بالليل مع أن الأولى تركه فإذا فعلت مسحته بالنهار وتأول بعضهم حديث الباب على أنه لم يتحقق الخوف على عينها وتعقب بأن في حديث الباب المذكور فخشوا على عينها
وفي رواية لابن منده وقد خشيت على بصرها
وفي رواية لابن حزم إني أخشى أن تنفقئ عينها قال لا وإن انفقأت
قال الحافظ وسنده صحيح ولهذا قال مالك في رواية عنه بمنعه مطلقا وعنه يجوز إذا خافت على عينها بما لا طيب فيه وبه قالت الشافعية مقيدا بالليل وأجابوا عن قصة المرأة باحتمال أنه كان يحصل لها البرء بغير الكحل كالتضميد بالصبر ومنهم من تأول النهي على كحل مخصوص وهو ما يقتضي التزين به لأن التداوي قد يحصل بما لا زينة فيه فلم ينحصر فيما فيه زينة وقالت طائفة من العلماء يجوز ذلك ولو كان فيه طيب وحملوا النهي على التنزيه جمعا بين الأدلة
قوله : " في شر أحلاسها " المراد بالأحلاس الثياب وهي بمهملتين جمع حلس بكسر ثم سكون وهو الثوب أو الكساء الرقيق يكون تحت البرذعة
قوله : " أو شر بيتها " هو أضعف موضع فيه كالأمكنة المظلمة فيه ونحوها والشك من الراوي
قوله : " فمر كلب رمت ببعرة " البعرة بفتح الباء الموحدة وسكون العين المهملة ويجوز فتحها
وفي رواية مطرف وابن ماجشون عن مالك " ترمي ببعرة من بعر الغنم أو الإبل " فترمى بها أمامها فيكون ذلك إحلالا لها . وظاهر رواية الباب أن رميها بالبعرة يتوقف على مرور الكلب سواء طال زمن انتظار مروره أم قصر وبه جزم بعض الشراح
وقيل ترمى بها من عرض من كلب أو غيره ترى من حضرها أن مقامها حولا أهون عليها من بعرة ترمي بها كلبا أو غيره . واختلف في المراد برمي البعرة فقيل هو اشارة على أنها رمت العدة رمي البعرة
وقيل اشارة إلى أن الفعل الذي فعلته من التربص والصبر على البلاء الذي كانت فيه كان بمنزلة البعرة التي رمتها استحقارا له وتعظيما لحق زوجها
وقيل بل ترميها على سبيل التفاؤل لعدم عودها إلى مثل ذلك
قوله : " حتى تمضي أربعة أشهر وعشر " قيل الحكمة في ذلك أنها تكمل خلقة الولد وينفخ فيه الروح بعد مضي مائة وعشرين يوما وهي زيادة على أربعة أشهر لنقصان الأهلة فجبر الكسر إلى العقد على طريق الاحتياط وذكر العشر مؤنثا لإرادة الليالي والمراد مع أيامها عند الجمهور فلا تحل حتى تدخل الليلة الحادية عشرة . وعن الأوزاعي وبعض السلف تنقضي بمضي الليالي العشر بعد الأشهر وتحل في أول اليوم العاشر واستثنيت الحامل كما تقدم شرح حالها ويعارض أحاديث الباب ما أخرجه أحمد وابن حبان وصححه من حديث أسماء بنت عميس قال دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر بن أبي طالب فقال لا تحدي بعد يومك هذا وسيأتي
قال العراقي في شرح الترمذي ظاهره أنه لا يجب الإحداد على المتوفى عنها بعد اليوم الثالث لأن أسماء بنت عميس كانت زوج جعفر بالاتفاق وهي والدة أولاده
قال بل ظاهر النهي أن الإحداد لا يجوز وأجاب بأن هذا الحديث شاذ مخالف للأحاديث الصحيحة وقد أجمعوا على خلافه . وأجاب الطحاوي بأنه منسوخ وأن الإحداد كان على المعتدة في بعض عدتها في وقت ثم وقع الأمر بالإحداد أربعة أشهر وعشرا واستدل على النسخ بأحاديث الباب وليس فيها ما يدل على ذلك وقيل المراد بالإحداد للقيد بالثلاث قدر زائد على الإحداد المعروف فعلته أسماء مبالغة في حزنها فنهاها عن ذلك بعد الثلاث ويحتمل أنها كانت حاملا فوضعت بعد ثلاث فانقضت عدتها و يحتمل أنه أبانها بالطلاق قبل استشهاده فلم يكن عليها إحداد و قد أعل البيهقي الحديث بالانقطاع فقال لم يثبت سماع عبد الله بن شداد من أسماء و تعقب بأنه قد صححه أحمد و قد ورد معنى حديث أسماء من حديث ابن عمر بلفظ " لا إحداد فوق ثلاث " قال أحمد هذا منكر و المعروف عن ابن عمر من رأيه ويحتمل أن يكون هذا لغير المرأة المعتدة فلا نكارة فيه بخلاف حديث أسماء : قوله " لا يحل " استدل بذلك علي غير الزوج وهو ظاهر وعلى وجوب الإحداد على المرأة التي مات زوجها وتعقب بأن الاستثناء وقع بعد النفي وهو يدل على مجرد الجواز لا الوجوب ورد بأن الوجوب استفيد من دليل آخر كالإجماع وتعقب بأن المنقول عن الحسن البصري أن الإحداد لا يجب كما أخرجه عنه ابن أبي شيبة وروي أيضا عن الشعبي أنه كان لا يعرف الإحداد وقيل إن السياق دال على الوجوب قوله " لامرأة " تمسك بمفهومه الحنفية فقالوا لا يجب الإحداد على الصغيرة وخالفهم الجمهور فأوجبوه عليها كالعدة وأجابوا عن التقييد بالمرأة بأنه خرج مخرج الغالب وظاهر الحديث عدم الفرق بين المدخولة وغيرها والحرة والأمة
قوله : " تؤمن بالله واليوم الآخر " استدل به الحنفية وبعض المالكية على عدم وجوب الإحداد على الذمية وخالفهم الجمهور وأجابوا بأنه ذكر للمبالغة في الزجر فلا مفهوم له وقال النووي التقييد بوصف الإيمان لأن المتصف به هو الذي ينقاد للشرع ورجح ابن دقيق العيد الأول وقد أجاب ابن القيم في الهدى عن هذا التقييد بما فيه كفاية فراجعه
قوله : " تحد " بضم أوله وكسر ثانيه من الرباعي ويجوز بفتح أوله وضم ثانيه من الثلاثي قال أهل اللغة أصل الإحداد المنع ومنه تسمية البواب حدادا لمنعه الداخل وتسمية حدا لأنها تردع عن المعصية قال ابن درستويه معنى الإحداد منع المعتدة نفسها الزينة وبدنها الطيب ومنع الخطاب خطبتها
وحكى الخطابي أنه يروى بالجيم والحاء والحاء أشهر وهو بالجيم مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته فكأن المرأة انقطعت عن الزينة : قوله " على ميت " استدل به من قال إنه لا إحداد على امرأة المفقود لعدم تحقق وفاته خلافا للمالكية وظاهره أنه لا إحداد على المطلقة فأما الرجعية فإجماع وأما البائنة فلا إحداد عليها عند الجمهور وقال أبو حنيفة وأبو عبيد وأبو ثور وبعض المالكية والشافعية وحكاه أيضا في البحر عن أمير المؤمنين علي وزيد بن علي والمنصور بالله والثوري والحسن بن صالح أنه يلزمها الإحداد وألحق الاقتصار على مورد النص عملا بالبراءة الأصلية فيما عداه فمن ادعى وجوب الإحداد على غير المتوفى عنها فعليه الدليل وأما المطلقة قبل الدخول فقال في الفتح إنه لا إحداد عليها اتفاقا
قوله : " فوق ثلاث " فيه دليل على جواز الإحداد على غير الزوج من قريب ونحوه ثلاث ليال فما دونها وتحريمه فيما زاد عليها وكأن هذا القدر أبيح لأجل حظ النفس ومراعاتها وغلبة الطباع البشرية وأما ما أخرجه أو داود في المراسيل من حديث عمر وابن شعيب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رحص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام وعلى من سواه ثلاثة أيام فلو صح لكان مخصصا للأب من هذا العموم لكنه مرسل وأيضا عمرو بن شعيب ليس من التابعين حتى يدخل حديثه في المرسل وقال الحافظ يحتمل أن أبا داود لا يخص المرسل برواية التابعين
قوله : " والله ما لي بالطيب من حاجة " اشارة إلى أن آثار الحزن باقية عندها لكنها لم يسعها إلا امتثال الأمر
قوله : " وقد اشتكت عينها " قال ابن دقيق العيد يجوز فيه وجهان ضم النون على الفاعلية على أن تكون العين هي المشتكية وفتحها على أن يكون في اشتكت ضمير الفاعل ويرجح الأول أنه وقع في مسلم عيناها وعليها اقتصر النووي
قوله : " أفنكحلها " بضم الحاء
قوله : " حفشا " بكسر الحاء المهملة وسكون الفاء بعدها معجمة فسره أبو داود في روايته من طريق مالك أنه البيت الصغير
قوله : " فتقتض به " بفاء ثن مثناة من فوق ثم قاف ثم مثناة فوقية ثم ضاد معجمة فسره مالك بأنها تمسح بها جلدها وفي النهاية فرجها وأصل القض الكسر أي تكسر ما كانت فيه وتخرج منه بما فعلت بالدابة وفي رواية للنسائي تقبض بعد القاف باء موحدة ثم صاد مهملة والقبض الأخذ بأطراف الأنامل قال الأصبهاني وابن الأثير هو كناية عن الاسراع أي تذهب بسرعة إلى منزل أبويها لكثرة جفائها بقبح منظرها أو لشدة شوقها إلى الأزواج لبعد عهدها قال ابن قتيبة سألت الحجازيين عن الاقتضاض فذكروا أن المعتدة كانت لا تمس ماء ولا تقلم ظفرا ولا تزيل شعرا ثم تخرج بعد الحول بأقبح منظر ثم تقتض أي تكسر ما كانت فيه من العدة بطائر تمسح به قبلها فلا يكاد يعيش ما تقتض به
قال الحافظ وهذا لا يخالف تفسير مالك لكنه أخص منه لأنه أطلق الجلد فتبين أن المراد به جلد القبل والافتضاض بالفاء الاغتسال بالماء العذب لازالة الوسخ حتى تصير بيضاء نقية كالفضة (7/57)
( باب ما تجتنب الحادة وما رخص لها فيه ) (7/58)
1 - عن أم عطية قالت " كنا ننهي إن نحد على ميت فوق ثلاث إلا على زوج أربعة أشهر وعشرا ولا نكتحل ولا نتطيب ولا نلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب وقد رخص لنا عند الطهر إذا اغتسلت إحدانا من محيضها في نبذة من كست أظافرها "
- أخرجاه
وفي رواية قالت " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر تحد فوق ثلاث إلا على زوج فإنها لا تكتحل ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب ولا تمس طيبا إلا إذا طهرت نبذة من قسط أو أظفار " متفق عليه
وقال فيه أحمد ومسلم " لا تحد على ميت فوق ثلاث إلا المرأة فإنها تحد أربعة أشهر وعشرا " (7/58)
2 - وعن أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " المتوفي عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب ولا الممشقة ولا الحلي ولا تختضب ولا تكتحل "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (7/58)
3 - وعن أم سلمة " قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين توفى أبو سلمة وقد جعلت على صبرا فقال ما هذا يا أم سلمة فقلت إنما هو صبر يا رسول الله ليس فيه طيب فقال إنه يشيب الوجه فلا تجعليه إلا بالليل وتنزعينه بالنهار ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء فإنه خضاب قالت قلت بأي شيء أمتشط يا رسول الله قال بالسدر تغلفين به رأسك "
- رواه أبو داود والنسائي (7/59)
4 - وعن جابر قال " طلقت خالتي ثلاثا فخرجت تجد نخلا لها فلقيها رجل فنهاها فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له فقال اخرجي فجدي نخلك لعلك إن تصدقي منه أو تفعلي خيرا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه والنسائي (7/59)
5 - وعن أسماء بنت عميس قالت " لما أصيب جعفر أتانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال تسلبي ثلاثا ثم اصنعي ما شئت " وفي رواية " قالت دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اليوم الثالث من قتل جعفر فقال لا تحد بعد يومك هذا "
- رواهما أحمد وهو متأول على المبالغة في الإحداد والجلوس للتعزية (7/59)
- حديث أم سلمة الأول قال البيهقي روى موقوفا والمرفوع من رواية إبراهيم بن طهمان وهو موثوق من رجال الصحيحين وقد ضعفه ابن حزم ولا يلتفت إلى ذلك فإن الدار قطني قد جزم بأن تضعيف من ضعفه إنما هو من قبل الإرجاء
وقد قيل انه رجع عن ذلك . وحديثها الثاني أخرجه الشافعي وفي إسناده المغيرة بن الضحاك عن أم حكيم بنت أسيد عن أمها عن مولى لها عن أم سلمة وقد أعله عبد الحق والمنذري بجهالة حال المغيرة ومن فوقه قال الحافظ وأعل بما في الصحيحين عن زينب بنت أم سلمة سمعت أم سلمة تقول " جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت يا رسول الله إن ابنتي توفى عنها زوجها وقد اشتكت عينها " الحديث وقد تقدم وحسن إسناده وحديثها المذكور في الباب الحافظ في بلوغ المرام . وحديث أسماء بنت عميس أخرجه ابن جبان وصححه وقد تقدم الكلام عليه في الباب الذي قبل هذا
قوله : " ننهي " بضم أوله
قوله : " ولا نكتحل " قد تقدم الكلام عليه
قوله : " ولا نتطيب " فيه تحريم الطيب على المعتدة وهو كل ما يسما طيبا ولا خلاف في ذلك وقد استثنى صاحب البحر اللينوفر والبنفسج والعرار وعلل ذلك بأنها ليست بطيب ثم قال أما البنفسج ففيه نظر
قوله : " ولا تلبس ثوبا مصبوغا إلا ثوب عصب " بمهملتين مفتوحتين ثم ساكنة ثم موحدة وهو بالإضافة برود اليمن يعب غزلها أي يربط ثم يصبغ ثم ينسج معصوبا فيخرج موشي لبقاء ما عصب منه أبيض لم ينصبغ وإنما ينصبغ السدى دون اللحمة
وقال السهيلي إن العصب نبات لا ينبت إلا باليمن وهو غريب وأغرب منه قول الداودي إن المراد بالثوب العصب الخضرة وهي الحبرة
قال ابن المنذر أجمع العلماء أنه لا يجوز للحادة لبس الثياب المعصفرة ولا المصبغة إلا ما صبغ بسواد فرخص فيه مالك والشافعي لكونه لا يتخذ للزينة بل هو من لباس الحزن
وقال الإمام يحيى لها لبس البياض والسواد وإلا كهب وما بلى صبغه والخاتم والزقر والودع . وكره عروة العصب أيضا وكره مالك غليظه قال النووي الأصح عند أصحابنا تحريمه مطلقا والحديث حجة عليهم
قال النووي ورخص أصحابنا ما لا يتزين به ولو كان مصبوغا وأختلف في الحرير فالأصح عند الشافعية منعه مطلقا مصبوغا أو غير مصبوغ لأنه من ثياب الزينة وهي ممنوعة منها قال في البحر مسألة ويحرم من اللباس المصبوغ للزينة ولو بالمغرة والحرير وما في منزلته لحسن صنعته والمطرز والمنقوش بالصبغ والحلي جميعا
قال في الفتح وفي التحلي بالذهب والفضة واللؤلؤ ونحوه وجهان الأصح جوازه وفيه نظر لأنه من الزينة ويصدق عليه أيضا اسم الحلي المنهى عنه في حديث أم سلمة المذكور
قوله : " في نبذة " بضم النون وسكون الموحدة بعدها معجمه وهي القطعة من الشيء وتطلق على الشيء اليسير قوله " من كست أظفار " بضم الكاف وسكون المهملة وبعدها مثناة فوقية وفي رواية من قسط بقاف مضمومة كما في الرواية الأخرى المذكورة وهو بالإضافة إلى أظفار وفي الرواية الأخرى من قسط أو أظفار وهو أصوب وخطأ القاضي عياض رواية الإضافة
قال النووي القسط والأظفار نوعان معروفان من البخور وليسا من مقصود الطيب رخص فيه للمغتسلة من الحيض لإزالة الرائحة الكريهة تتبع به أثر الدم لا للتطيب وقال البخاري القسط والكست مثل الكافور والقافور انتهى وروي كسط بالطاء بإبدال الكاف من القاف
قال في النهاية وقد تبدل الكاف من القاف وقد استدل بهذا على أنه يجوز للمرأة استعمال ما فيه منفعة من جنس ما منعت منه
قوله : " ولا الممشقة " أي المصبوغة بالمشق وهو المغرة
قوله : " يشيب الوجه " بفتح أوله وضم الشين المعجمة أي يجمله . وظاهر حديث أم سلمة هذا أنه يجوز للمرأة المعتدة عن موت إن تجعل على وجهها الصبر بالليل وتنزعه بالنهار لأنه يحسن الوجه فلا يجوز فعله في الوقت الذي تظهر فيه الزينة وهو النهار ويجوز فعله بالليل لأنها لا تظهر فيه
قوله " ولا تمتشطي بالطيب ولا بالحناء " فيه دليل على أنه لا يجوز للمرأة إن تمتشط بشيء من الطيب أو بما فيه زينة كالحناء ولكنها تمتشط بالسدر
قوله : " تغلفين به رأسك " الغلاف في الأصل الغشاوة وتغليف الرأس إن يجعل عليه من الطيب أو السدر ما يشبه الغلاف
قال في القاموس تغلف الرجل واغتلف حصل له غلاف
قوله : " تحد " بفتح أوله وضم الجيم بعدها دال مهملة أي تقطع نخلا لها وظاهر أذنه صلى الله عليه وآله وسلم لها بالخروج لجد النخيل يدل على أنه يجوز لها الخروج لتلك الحاجة أو ما يشابهها بالقياس
وقد بوب النووي لهذا الحديث فقال باب جواز خروج المعتدة البائن من منزلها في النهار للحاجة إلى ذلك ولا يجوز لغير حاجة وقد ذهب إلى ذلك على رضي الله عنه وأبو حنيفة والقاسم والمنصور بالله ويدل على اعتبار الغرض الديني أو الدنيوي تعليله صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بالصدقة أو فعل الخير ولا معارضة بين هذا الحديث وقوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن } الآية بل الحديث مخصص لذلك العموم المشعور به من النهي فلا يجوز الخروج إلا للحاجة لغرض من الأغراض . وذهب الثورى والليث ومالك والشافعي وأحمد وغيرهم إلى أنه يجوز لها الخروج في النهار مطلقا وتمسكوا بظاهر الحديث وليس فيه ما يدل على اعتبار الحاجة وغايته اعتبار إن يكون الخروج لقربه من القرب كما يدل على ذلك آخر الحديث ومما يؤيد مطلق الجواز في النهار القياس على المتوفي عنها كما سيأتي
قوله : " تسلبي " بفتح أوله وبعده سين مهملة مفتوحة وتشديد اللام أي البسي السلاب وهو ثوب الإحداد وقيل هو ثوب أسود تغطي به رأسها وقد قدمنا الكلام على حديث أسماء هذا وكيفية الجمع بينه وبين الأحاديث القاضية بوجوب الإحداد (7/60)
( باب أين تعتد المتوفي عنها ) (7/60)
1 - عن فريعة بنت مالك قالت " خرج زوجي في طلب اعلاج له فأدركهم في طرف القدوم فقتلوه فأتاني نعيه وأنا في دار شاسعة من دور أهلي فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكرت ذلك له إن نعي زوجي أتاني في دار شاسعة من دور أهلي ولم يدع نفقة ولا مالا ورثته وليس المسكن له فلو تحولت إلي أهلي واخوتي لكان أرفق لي في بعض شأني قال تحولي فلما خرجت إلى المسجد أو إلى الحجرة دعاني أو أمر بي فدعيت فقال امكثي في بيتك الذي أتاك فيه نعي زوجك حتى يبلغ الكتاب أجله قالت فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرا قالت وأرسل إلى عثمان فأخبرته فأخذ به "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي ولم يذكر النسائي وابن ماجه إرسال عثمان (7/60)
2 - وعن عكرمة عن ابن عباس " في قوله تعالى { والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج } نسخ ذلك بآية الميراث بما فرض الله لها من الربع والثمن ونسخ أجل الحول إن جعل أجلها أربعة أشهر "
- رواه النسائي وأبو داود (7/61)
- حديث فريعة أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي والطبراني وابن حبان والحاكم وصححاه وأعله ين حزم وعبد الحق بجهالة حال زينب بنت كعب بن عجرة الرواية له عن الفريعة وأجيب بأن زينب المذكورة وثقها الترمذي وذكرها ابن فتحون وغيره في الصحابة وأما ما روي عن علي بن المديني بأنه لم يروعنها غير سعد بن أسحق فمردود بما في مسند أحمد من رواية سليمان بن محمد بن كعب ابن عجرة عن عمته زينب في فضل الإمام علي رضي الله عنه وقد أعل الحديث أيضا بأن في إسناده سعد بن إسحاق وبعقبه ابن القطان بأنه قد وثقه النسائي وابن حيان انتهى . ووثقه أيضا يحيى بن معين والدارقطني وقال أبو حاتم صالح الحديث وروى عنه جماعة من أكابر الأئمة ولم يتكلم فيه بجرح وغاية ما قاله فيه ابن حزم وعبد الحق أنه غير مشهور وهذه دعوى باطلة فإن من يروي عنه مثل سفيان الثوري وحماد بن زيد ومالك بن أنس ويحيى بن سعيد والدراوردى وابن جريح والزهري مع كونه أكبر منه وغير هؤلاء الأئمة كيف يكون غير مشهور . وحديث ابن عباس سكت عنه أبو داود وفي إسناده علي بن الحسين بن واقد وفيه مقال ولكنه قد رواه النسائي من غير طريقه
قوله : " عن فريعة " بضم الفاء وفتح الراء وبعدها تحتية ساكنة ثم عين مهملة ويقال لها الفارعة وهي بنت مالك بن سنان أخت آبى سعيد الخدري وشهدت بيعة الرضوان وقد استدل بحديثها هذا علي إن المتوفي عنها تعتد في المنزل الذي بلغها نعي زوجها وهي فيه ولا تخرج منه إلى غيره وقد ذهب إلى ذلك جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم وقد أخرج ذلك عبد الرزاق عن عمر وعثمان وابن عمر وأخرجه أيضا سعيد بن منصور عن أكثر أصحاب ابن مسعود والقاسم بن محمد وسالم بن عند الله وسعيد بن المسيب وعطاء وأخرجه حماد عن ابن سيرين وإليه ذهب مالك وأبو حنيفة والشافعي وأصحابهم والأوزاعي وإسحاق وأبو عبيد قال ابن عبد البر وقد قال بحديث الفريعة جماعة من فقهاء الأمصار بالحجاز والشام والعراق ومصر ولم يطعن فيه أحد منهم وقد روي جواز خروج المتوفي عنها للعذر عن جماعة منهم عمر أخرج عنه ابن أبي شيبة أنه رخص للمتوفى عنها إن تأتي أهلها بياض يومها . وان زيد بن ثابت رخص لها في بياض يومها وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان له ابنة تعتد من وفاة زوجها فكانت تأتيهم بالنهار فتحدث إليهم فإذا كان الليل أمرها إن ترجع إلى بيتها
وأخرج أيضا عن ابن مسعود في نساء نعى إليهن أزواجهن وتشكين الوحشة فقال ابن مسعود يجتمعن بالنهار ثم ترجع كل امرأة منهن إلى بيتها بالليل
وأخرج سعيد بن منصور عن علي رضي الله عنه انه جوز للمسافرة الانتقال
وروى الحجاج بن منهال إن امرأة سألت أم سلمة بأن أباها مريض وأنها في عدة وفاة فأذنت لها في وسط النهار
وأخرج الشافعي وعند الرزاق عن مجاهد مرسلا إن رجالا استشهدوا بأحد فقال نساؤهم يا رسول الله إنا نستوحش في بيوتنا أفنبيت عند إحدانا فأذن لهن أن يتحدثن عند إحداهن فإذا كان وقت النوم تأوي كل واحدة إلى بيتها وحكى في البحر عن علي رضي الله عنه وابن عباس وعائشة وجابر والقاسمية أنه يجوز لها الخروج من موضع عدتها لقوله ( يتربصن ) ولم يخص مكانا والبيان لا يؤخر عن الحاجة . وعن زيد بن على والشافعية والحنفية أنه لا يجوز ثم قال فرع ولها الخروج نهارا ولا تبيت إلا في منزلها إجماعا انتهى . وحكاية الإجماع راجعة إلى مبيتها في منزلها لا إلى الخروج نهارا فإنه محل الخلاف كما عرفت . وحديث فريعة لم يأت من يخالفه بما ينتهض لمعارضته فالتمسك به متعين ولا حجة في أقوال أفراد الصحابة ومرسل مجاهد لا يصلح للاحتجاج به على فرض انفراده عند من لم يقبل المراسيل مطلقا وأما إذا عارضه مرفوع أصح منه كما في مسألة النزاع فلا يحل التمسك به بإجماع من يعتد به من أهل العلم وقد استدل بحديث ابن عباس المذكور في الباب من قال إن المتوفي عنها لا تستحق السكنى والنفقة والكسوة قال الشافعي حفظت عمن أرضي به من أهل العلم إن نفقة المتوفي عنها زوجها وكسوتها حولا منسوختان بآية الميراث ولم أعلم مخالفا في نسخ نفقة المتوفي عنها وكسوتها سنة أو أقل من سنة ثم قال ما معناه أنه يحتمل إن يكون حكم السكنى حكمهما لكونها مذكورة معهما ويحتمل أنها تجب لها السكنى وقال الشافعي أيضا في كتاب العدد الاختيار لورثة الميت إن يسكنوها لان قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حديث فريعة امكثي في بيتك وقد ذكرت أنه لا بيت لزوجها يدل على وجوب سكناها في بيت زوجها إذا كان له بيت بالطريق الأولى وأجيب الاستدلال بحديث ابن عباس بأن نسخ بعض المدة إنما يستلزم نسخ نفقة المنسوخ وكسوته وسكناه دون ما لم ينسخ وهو أربعة أشهر وعشر وأجيب عن الاستدلال بحديث فريعة بأنه مخلف للقياس لأنها قالت وليس المسكن له ولم يدع نفقة ولا مالا فأمرها بالوقوف فيما لا يملكه زوجها وملك الغير لا يستحق غيره الوقوف فيه فيكون ذلك قضية عين موقوفة
وقد حكى في البحر القول بوجوب نفقة المتوفي عنها عن ابن عمر والهادي والقاسم والناصر والحسن بن صالح وعدم الوجوب عند الشافعية والحنفية ومالك والوجوب للحامل لا الحائل عن مولانا علي رضى الله عنه وابن مسعود وأبي هريرة وشريح وابن أبي ليلى . وحكي أيضا القول بوجوب السكني عن ابن عمر وأم سلمة ومالك والإمام يحيى والشافعي وعدمه عن مولانا علي رضي الله عنه وعمر وابن مسعود وعثمان وعائشة وأبي حنيفة وأصحابه
وقد أخرج أحمد والنسائي من حديث فاطمة بنت قيس إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة " وفي لفظ آخر " وإنما النفقة والسكني للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم يكن عليها رجعة فلا نفقة ولا سكني " وسيأتي هذا الحديث في باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية وهو نص في محل النزاع والقرآن والسنة وإنما دلا على انه يجب على المتوفي عنها لزومها لبيتها وذلك تكليف لها . وحديث الفريعة إنما دل على هذا فهو واضح في إن السكنى والنفقة ليستا من تكليف الزوج ويؤيد هذا إن الذي في القرآن في سورة الطلاق هو إيجاب النفقة لذات الحمل لا غير وفي البقرة إيجابها للمطلقات وقد خرج من عمومهن البائنة بحديث فاطمة بنت قيس إلا إن تكون حاملا لذكر ذلك في حديثها كما سيأتي وخرجت أيضا المطلقة قبل الدخول بآية الأحزاب فخرجت المتوفي عنها من ذلك وكذلك لا سكنى لها لأن قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } وقوله { أسكنوهن من حيث سكنتم } في الرجعيات لظاهر السياق كما سيأتي تحقيق ذلك إذا تقرر هذا علمت أنه لم يكن في القرآن ما يدل على وجوب النفقة والسكنى للمتوفى عنها كما علمت إن السنة قاضية بعدم الوجوب
وأما حديث الفريعة وحديث ابن عباس فقد استدل بهما من قال بعدم الوجوب كما استدل بهما من قال بالوجوب لما فيهما من الاحتمال والمحتمل لا تقوم به الحجة وقد أطال صاحب الهدي الكلام في هذه المسألة وحرر فيها المذاهب تحريرا نفسيا فمن رام الوقوف على تفاصيلها فليراجعه (7/61)
( باب ما جاء في نفقة المبتوتة وسكناها ) (7/61)
1 - عن الشعبي عن فاطمة بنت قيس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المطلقة ثلاثا قال " ليس لها سكني ولا نفقة "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية عنها قالت " طلقني زوجي ثلاثا فلم يجعل لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سكنى ولا نفقة " . رواه الجماعة إلا البخاري
وفي رواية عنها أيضا قالت " طلقني زوجي ثلاثا فآذن لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أعتد في أهلي " . رواه مسلم (7/62)
2 - وعن عروة ابن الزبير أنه قال لعائشة " ألم تري إلى فلانة بنت الحكم طلقها زوجها البتة فخرجت فقالت بئسما صنعت فقال ألم تسمعي إلى قول فاطمة فقالت أما أنه لا خير لها في ذلك "
- متفق عليه
وفي رواية " إن عائشة عابت ذلك أشد العيب وقالت إن فاطمة كانت في مكان وحش فخيف على ناحيتها فلذلك أرخص لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " . رواه البخاري وابن داود وابن ماجه (7/62)
3 - عن فاطمة بنت قيس قالت " قلت يا رسول الله زوجي طلقني ثلاثا وأخاف إن يقتحم على فأمرها فتحولت "
- رواه مسلم والنسائي (7/62)
4 - وعن الشعبي انه حدث بحديث فاطمة بنت قيس " إن رسول الله عليه وآله وسلم لم يجعل لها سكني ولا نفقة فأخذ الأسود بن يزيد كفا من حصى فحصبه به وقال ويلك تحدث بمثل هذا قال عمر لا نترك كتاب الله وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت "
- رواه مسلم (7/63)
5 - وعن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال " أرسل مروان قبيصة بن ذؤيب إلى فاطمة فسألها فأخبرته أنها كانت عند أبي حفص بن المغيرة وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه على بعض اليمن فخرج معه زوجها فبعث إليها بتطليقة كانت بقيت لها وأمر عياش ابن أبي ربيعة والحرث بن هشام إن ينفقا عليها فقالا والله لا تكون لها نفقة إلا إن تكون حاملا فاتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا نفقة لك إلا إن تكوني حاملا واستأذنته في الانتقال فأذن لها فقالت أين أنتقل يا رسول الله فقال عند أم مكتوم وكان أعمى تضع ثيابها عنده ولا يبصرها فلم تزل هناك حتى مضت عدتها فأنكحها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسامة فرجع قبيصة إلى مروان فأخبره ذلك فقال مروان لم نسمع هذا الحديث إلا من امرأة فسنأخذ بالعصمة التي وجدنا الناس عليها فقالت فاطمة حين بلغها ذلك بيني وبينكم كتاب الله قال الله فطلقوهن لعدتهن حتى قال لا ندري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا فأي أمر يحدث بعد ثلاث "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي ومسلم بمعناه (7/63)
- قوله " ألم ترى إلى فلانة بنت الحكم " اسمها عمرة بنت عبد الرحمن بن الحكم فهي بنت أخي مروان بن الحكم ونسبها عروة في هذه الرواية إلى جدها قوله " بئسما صنعت " في رواية أخرى " بئسما صنع " أي زوجها في تمكينها من ذلك أو أبوها في موافقتها
قوله : " أما أنه لا خير لها في ذلك " كأنها تشير إلى إن سبب الإذن في انتقال فاطمة ما في الرواية الثانية المذكورة من أنها كانت في مكان وحش أو إلي ما وقع في رواية لأبي داود إنما كان ذلك من سوء الخلق
قوله : " وحش " بفتح الواو وسكون المهملة بعدها معجمة أي مكان لا أنيس به ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من قال إن المطلقة بائنا لا تستحق على زوجها شيئا من النفقة والسكنى وقد ذهب إلى ذلك أحمد وإسحاق وأبو ثور وداود وأتباعهم وحكاه في البحر عن ابن عباس والحسن البصري وعطاء والشعبي وابن أبي ليلى والأوزاعي والأمامية والقاسم وذهب الجمهور كما حكى ذلك صاحب الفتح عنهم إلى أنه لا نفقة لها ولها السكنى واحتجوا لإثبات السكنى بقوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } ولإسقاط النفقة بمفهوم قوله تعالى { وان كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن } فإن مفهومه إن غير الحامل لا نفقة لها وإلا لم يكن لتخصيصها بالذكر فائدة . وذهب عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز والثوري وأهل الكوفة من الحنفية وغيرهم والناصر والإمام يحيى إلى وجوب النفقة والسكنى واستدلوا بقوله تعالى { يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن واحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن } فإن آخر الآية وهو النهي عن إخراجهن يدل على وجوب النفقة والسكنى ويؤيده قوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } الآية وذهب الهادي والمؤيد بالله وحكاه في البحر عن أحمد بن حنبل إلى أنها تستحق النفقة دون السكنى واستدلوا على وجوب النفقة بقوله تعالى { وللمطلقات متاع بالمعروف } الآية وبقوله تعالى { لا تضاروهن } وبأن الزوجة المطلقة بائنا محبوسة بسبب الزوج واستدلوا على عدم وجوب السكنى بقوله تعالى { اسكنوهن من حيث سكنتم } فأنه أوجب إن تكون حيث الزوج وذلك لا يكون في البائنة وأرجح هذه القوال الأول لما في الباب القول الصحيح الصريح وأما ما قيل أنه مخالف القرآن فوهم فإن الذي فهمه من قوله تعالى { لا تخرجوهن من بيوتهن } هو ما فهمته فاطمة من كونه في الرجعية لقوله في آخر الآية { لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا } لأن الأمر الذي يرجى أحداثه هو الرجعة لا سواه وهو الذي حكاه الطبري عن قتادة والحسن والسدى والضحاك ولم يحك عن غيرهم خلافه قال في الفتح وحكى غيره إن المراد بالأمر ما يات من قبل الله تعالى من نسخ أو تخصيص أو نحو ذلك فلم ينحصر انتهى . ولو سلم العموم في الآية لكان حديث فاطمة المذكور مخصصا له وبذلك يظهر إن العمل به ليس يترك للكتاب العزيز كما قال عمر فيما أخرجه عنه مسلم لما أخبر بقول فاطمة المذكور لانترك كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أم نسيت ( فإن قلت ) إن قوله وسنة نبينا يدل على أنه قد حفظ في ذلك شيئا من السنة يخالف قول فاطمة لما تقرر إن قول الصحابي من السنة كذا له حكم الرفع قلت صرح الأمة بانه لم يثبت شيء من السنة يخالف قول فاطمة وما وقع في بعض الروايات عن عمر أنه قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها السكنى والنفقة " فقد قال الأمام أحمد لا يصح ذلك عن عمر وقال الدار قطني السنة بيد فاطمة قطعا وأيضا تلك الروية عن عمر من طريق إبراهيم النخعي ومولده بعد عمر بسنتين قال العلامة ابن القيم ونحن نشهد بالله شهادة نسئل عنها إذا لقيناه إن هذا كذب على عمر وكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وينبغي إن لا يحمل الانسان فرط الانتصار للمذاهب والتعصب على معارضتة السنن النبوية الصريحة الصحيحة بالكذب البحت فلو يكون هذا عند عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لخرست فاطة وذووها ولم ينبزوا بكلمة ولا دعت فاطة إلى المناظرة انتهى ( فان قلت ) إن ذلك القول من عمر يتضمن الطعن على رواية فاطمة لقوله لقول امرأة لا ندري لعلها حفظت أو نسيت قلت هذا مطعن باطل باجماع المسلمين للقطع بانه لم ينقل عن أحد من العلماء أنه رد خبر المرأة لكونها امرأة فكم من سنة قد تلقتها الأمة بالقبول عن امرأة واحدة من الصحابة وهذا لا ينكره من له أدنى نصيب من علم السنة ولم ينقل أيضا عن أحد من المسلمين أنه يرد الخبر بمجرد تجويز نسيان ناقله ولو كان ذلك مما يقدح به لم يبقى حديث من الحاديث النبوية إلا وكان مقدوحا فيه لان تجويز النسيان لا يسلم منه أحد فيكون ذلك مفضيا إلى تعطيل السنن بأسرها مع كون فاطمة المذكورة من المشهورات بالحفظ كما يدل على ذلك حيثها الطويل في شأن الدجال ولم تسمعه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا مرة واحدة يخطب به على المنبر فوعته جميعه فكيف يظن بها إن تحفظ مثل هذا وتنسى أمرا متعلقا بها مقترنا بفراق زوجها وخروجها من بيته
واحتمال النسيان امر مشترك بينها وبين من أعترض عليها فإن عمر قد نسي تيمم الجنب وذكره عمارة فلم يذكر ونسى قوله تعالى { وأتيتم إحداهن قنطارا حتى ذكرته امرأة ونسى أنك ميت وأنهم ميتون } حتى سمع أبا بكر يتلوها وهكذا يقال في انكار عائشة وهكذا قول مروان سنأخذ بالعصمة وهكذا انكار الأسود بن يزيد على الشعبى لما سمعه يحدث بذلك ولم يقل أحد منه إن فاطمة كذبت في خبرها وأما دعوى إن سبب خروجها كان لفحش في لسانها كما قال مروان لما حدث بحديثها إن كان بكم شر فحسبكم ما بين هذين من الشر يعني إن خروج فاطمة كان لشر في لسانها فمع كون مروان ليس من أهل الانتقاد على أجلاء الصحابة والطعن فيهم فقد أعاذ الله فاطمة عن ذلك الفحش الذي رماها به فلها من خيرة نساء الصحابة فضلا وعلما ومن المهاجرات الأولات ولهذا ارتضاها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحبه وابن حبه أسامة وممن لا سحملها رقة الدين على فحش اللسان الموجب لاخراجها من دارها ولوصح شيء من ذلك لكان أحق الناس بإنكار ذلك عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
قوله : " لانفقة لك إلا إن تكونى حاملا " فيه دليل على وجوب النفقة للمطلقة بائنا إذا كانت حاملا ويدل بمفهومه على أنها لا تجب لغيرها ممن كان على صفتها في البينونة فلا يرد ما قيل انه يدخل تحت هذا المفهوم المطلقة الرجعية إذا تكن حاملا ولو سلم الدخول لكان الاجماع علي وجوب نفقة الرجعية مطلقا مخصصا لعموم ذلك المفهوم
قوله : " واستأذنته في الانتقال فاذن لها " فيه دليل على انه يجوز للمطلقة بائنا الانتقال من المنزل الذي وقع عليها الطلاق البائن وهى فيه فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى ( ولا يخرجن ) كما خصص ذلك حديث جابر المتقدم في باب ما تجتنب الحادة ولا يعارض هذا حديث الفريعة المتقدم لانه في عدة الوفاة وقد قدمنا الخلاف في جواز الخروج وعدمه للمطلقة بائنا (7/63)
( باب النفقة والسكنى للمعتدة الرجعية ) (7/64)
1 - عن فاطمة بنت قيس قالت " أتيت النبى صلى الله عليه وآله وسلم فقلت إن زوجي فلانا أرسل إلى بطلاق وأنى سألت أهله النفقة والسكنى فابوا على قالوا يا رسول الله انه أرسل اليها بثلاث تطليقات قالت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما النفقة والسكنى للمرأة إذا كان لزوجها عليها الرجعة "
- رواه أحمد والنسائى وفي لفظ " إنما النفقة والسكنى للمرأة على زوجها ما كانت له عليها رجعة فإذا لم تكن عليها رجعة فلا نفقة ولاسكنى "
- رواه أحمد (7/64)
- الحديث تفرد برفعه مجالد بن سعيد وهو ضعيف كما بينه الخطيب في المدرج وقد تابعه في رفعه الرواة قال في الفتح ولكنه أضعف من مجالد وهو في أكثر الروايات موقوف عليها والرفع زيادة يتعين قبولها كما بيناه في غير موضع ورواية الضعيف مع الضعيف توجب الارتفاع عن درجة السقوط إلى درجة الاعتبار ( والحديث ) يدل بمنطوقه علي وجوب النفقة والسكنى على الزوج للمطلقة رجعيا وهو مجمع عليه بمفهومه علي عدم وجوبهما لمن عداها إلا إذا كانت حاملا لما تقدم في الباب الأول وقد قدمنا تحقيق ذلك فلا نعيده (7/64)
( باب استبراء الأمة إذا ملكت ) (7/65)
1 - عن أبى سعيد " إن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال في سبي أوطاس لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة "
- رواه أحمد وأبو داود (7/65)
2 - وعن أبى الدرداء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " انه أتى على امرأة مجح على باب فسطاط فقال لعله يريد إن يلم بها فقالوا نعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقد هممت إن العنه لعنة تدخل معه قبره كيف يورثه وهو لا يحل له كيف يستخدمه وهو لا يحل له "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داودو ورواه أبو داود الطيالسي وقال " كيف يورثه وهو لا يحل له وكيف يسترقه وهو لا يحل له " والمجح هي المرأة الحامل المقرب (7/65)
- حديث أبي سعيد أخرجه أيضا الحاكم وصححه واسناده حسن وهو عند الدارقطني من حديث ابن عباس وأعل بالإرسال . وعند الطبراني من حديث أبي هريرة باسناد ضعيف
وأخرج الترمذي من حديث العرباض بن سارية " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم وطء السبايا حتى يضعن ما في بطونهن " وأخرجه أيضا ابن شيبة من حديث علي بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن توطأ حامل حتى تضع ولا حائل حتى تستبرأ بحيضة " وفى إسناده ضعف وانقطاع
قوله : " أوطاس " هو واد في ديار هوازن قال القاضى عياض وهو موضع الحرب بحنين وبه قال بعض أهل السير
قال الجاحظ والراجح إن وادي أوطاس غير وادي حنين وهو ظاهر كلام ابن إسحاق في السيرة
قوله : " مجح " بضم الميم ثم جيم مكسورة ثم حاء مهملة وهى الحامل التى قد قاربت الولادة على ما فسره المصنف ( والحديثان ) يدلان على أنه يحرم على الرجل إن يطأ الأمة المسبية إذا كانت حاملا حتى تضع حملها . والحديث الأول منهما يدل أيضا على أنه يحرم على الرجل إن يطأ الامة المسبية إذا كانت حائلا حتى تستبرأ بحيضة وقد ذهب الي ذلك العترة والشافعية والحنفية والثوري والنخعى ومالك . وظاهر قوله ولا غيرحامل انه يجب الستبراء للبكر ويؤيده القياس على العدة فانها تجب مع العم ببراءة الرحم . وذهب جماعة منأهل العلم إلى إن الاستبراء إنما يجب في حق من لم تعلم براءة رحمها وأما من علمت براءة رحمها فلا استبراء في حقها وقد روى عند الرزاق عن ابن عمر انه قال إذا كانت الامة عذراء لم يستبرئها إن شاء وهو في صحيح البخاري عنه وسيأتي ويؤيد هذا حديث الآتي فإن قوله فيه فلا ينكحن ثيبا من السبايا حتى تحيض يرشد الي ذلك ويؤيده أيضا حديث على الآتى قريبا فيكون هذا مخصصا لعموم قوله ولا غير حامل أو مقيدا له
وقد روى ذلك عن مالك قال المازرى من المالكية القول الجامع في ذلك إن كل أمة أمن عليها الحمل فلا يلزم فيها الاستبراء وكل من غلب على الظن أنها حامل أو شك في حملها أو تردد فيه فالاستبراء لازم فيها وكل من غلب على الظن براءة رحمها لكنه يجوز حصوله فإن المذهب فيه على وجهين في ثبوت الاستبراء وسقوطه ومن القائلين بان الاستبراء إنما هو للعلم ببراءة الرحم فحيث تعلم البراءة لا يجب وحيث لا يعلم ولا يظن يجب أبو العباس بن سريج وأبو العباس بن تيمية وابن القيم ورجحه جماعة من المتأخرين منهم الجلال والمقبلى والمغربي والامير وهو الحق لان العلة معقولة فإذا لم توجد المئنة كالحمل ولا المظنة كالمرأة المزوجة فلا وجه لإيجاب الاستبراء والقول بان الاستبراء تعبدى وانه يجب في حق الصغيرة وكذا في حق البكر والآيسة ليس علنه دليل (7/66)
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقعن رجل على امرأة وحملها لغيره "
- رواه أحمد (7/66)
2 - وعن رويفع بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يسقى ماءه ولد غيره "
- رواه احمد والترمذى وأبو داود وزاد " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يقع على امرأة من السبى حتى يستبرئها "
وفي لفظ " من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا ينكحن ثيبا من السبايا حتى تحيض "
- رواه أحمد ومفهومه إن البكر لا تستبرأ
وقال ابن عمر إذا وهبت الوليدة التى توطأ أو بيعت أو أعتقت فلتستبرأ بحيضة ولا تستبرأ العذراء حكاه البخاري في صحيحه وقد جاء في حديث عن على رضى الله عنه ما الظاهر حمله على مثل ذلك فروى بريدة قال بعث " رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عليا إلى خالد يعني إلى اليمن ليقبض الخمس فاصطفى على منه سبية فأصبح وقد اغتسل فقلت لخالد ألا ترى إلى هذا وكنت أبغض عليا فلما على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذكرت له ذلك فقال يا بريدة أتبغض عليا فقلت نعم فقال لا تبغضه فإن له في الخمس أكثرمن ذلك
- رواه أحمد والبخاري
وفي رواة قال أبغضت عليا بغضا لم أبغضه
وأحببت رجلا من قريش لم أحببه إلا على بغضه عليا قال فبعث ذلك الرجل على خيل فصحبته فاصبنا سبايا قال فكتب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ابعث الينا من يخمسه قال فبعث الينا عليا وفي السبي وصيفة هي من أفضل السبى قال فخمس وقسم فخرج ورأسه يقطر فقلنا يا أبا الحسن ما هذا قال ألم تروا إلى الوصفة التى كانت في السبى فانى قسمت وخمست فصارت في الخمس ثم صارت في أهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم صارت في آل علي ووقعت بها قال فكتب الرجل إلى نبى الله صلي الله علية وآله وسلم فقلت ابعثني مصدقا فجعلت أقرأ الكتاب وأقول فامسك يدي والكتاب وقال أتبغض عليا قلت نعم قال فلا تبغضه وان كنت تحبه فازدد له حبا فوالذى نفس محمد بيده لتصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة قال فما كان من الناس أحد بعد قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحب الي من علي " رواه أحمد وفيه بيان إن بعض الشركاء يصح توكيله في قسمة مال الشركة والمراد بآل على علي رضى الله عنه نفسه (7/66)
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا الطبراني واسناده ضعيف كما تقدمت الاشارة إلى ذلك
قال في مجمع الزوائد في اسناده بقية والحجاج بن ارطأة وكلاهما مدلس ولكنه يشهد لصحته حديث رويفع المذكور بعده والأحاديث المذكورة قبله . وحديث رويفع أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والدارمى والطبراني والبيهقي والضياء المقدسي وابن حبان وصححه والبزار وحسنه واللفظ الآخر أخرجه أيضا الطحاوى ( وفى الباب ) عن ابن عباس عند الحاكم " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى يوم خيبر عن بيع المغانم حتى قال لا تسق ماءك زرع غيرك " وأصله في النسائى . وعن رجل من الانصار عند أبى داود قال تزوجت امرأة بكرا في سترها فدخلت عليها فإذا هي حبلى فذكر الحديث قال ففرق النبي صلى الله عليه وآله وسلم بينهما وقد استدل من قال بوجوب الاستبراء للمسبية إذا كانت حاملا أو حائلا يجوز عليها الحمل فقط لا مع عدم التجويز كالبكر والصغيرة بحديث أبي هريرة ورويفع المذكورين وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل بالاثر المذكور عن ابن عمر من قال بوجوب الاستبراء على واهب الامة وبائعها وقد حكى ذلك عى البحر عن الهادي والناصر والنخعى والثوري ومالك ولم يفرقوا بين إن يكون البائع أو الواهب رجلا أو امرأة وبين كون المبيعة بكرا أو ثيبا صغيرة أو كبيرة وقال الشافعي والمؤيد بالله وزيد بن على والامام يحيى لا يجب وقال أبو حنيفة يستحب فقط : استدل القائلون بالوجوب بالقياس على عدة الزوجة بجامع ملك الوطء فلا يملكه غيره إلا بعد الأسبراء وأجيب بالفرق بين الأصل والفرع بوجوه أحدها إن العدة إنما تكون بعد الطلاق وهذا الأستبراء قبل البيع ومنها تنافي أحكام الملك والنكاح والألزام لا يصح الجمع بين الأختين في الملك قياسا على عدم صحة الملك . ومنها إن العدة تجب على المرأة لا على الزوج
ومنها إن العدة تجب على المرأة بعد الدخول أو الخلوة ويجب الأستبراء عندهم في الأمة مطلقا فالحق إن مثل هذا القياس المبني على غير أساس لا يصلح لإثبات تكليف شرعي على جميع الناس وكما أنه لا وجه للأيجاب لاوجه للأستحباب لأن كل واحد منها حكم شرعي والبراءة الأصلية مستصحبة حتى ينقل عنها ناقل صحيح وليس في كلام ابن عمر المذكور ما يدل على إن الأستبراء على البائع ونحوه بل ظاهره أنه على المشتري ولو سلم فليس في كلامه حجه على أحد واختلف في وجوب الأستبراء على المشتري والمهب ونحوهما فذهب الجمهور إلى الوجوب وأحتجبوا بالقياس على المسبية بجامع تجدد الملك في الأصل والفرع وذهب داود والبتى إلى أنه لا يجب الأستبراء في غير السبي اما داود فلأنه لا يقول بثبوت الحكم الشرعي بمجرد القياس واما البتي فلأنه جعل تجدد الملك بالشراء والهبه كابتداء النكاح وهو لا يجب على من تزوج امرأة إن يستبرأها بعد العقد ورد بالفرق بين النكاح والملك فإن النكاح لا يقتضي ملك الرقبة كذا في البحر ولا يخفي إن ملك الرقبة مما لادخل له في محل النزاع فلا يقدح به في القياس واستدل في البحر للجمهور بقول علي رضي الله عنه من اشترى جارية فلا يقربها حتى تستبرأ بحيضة قال ولم يظهر خلافه وقد عرفناك غير مرة إن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يدل على الموافقة لعدم وجوب الانكار فيها على المخالف والأولى التعويل في الاستدلال للموجبين علي عموم حديث رويفع وأبي هريرة فإن ظاهرهما شامل للمسبية والمستبرأة ونحوهما والتصريح في آخر الحديث بقوله فلا ينكحن ثيبا من السبايا ليس من باب التقييد للمطلق أو التخصيص للعام بل من التنصيص على بعض افراد العام ويمكن إن يقال إن قوله في الحديث من السبايا مفهوم صفة فلا يكون من التنصيص المذكور إلا عند من لم يعمل به وأوضح من ذلك حديث أبي سعيد المتقدم فإن قوله لا توطأ حامل حتى تضع ولا غير حامل حتى تحيض حيضة يشمل المستبرأة ونحوها وكون السبب في ذلك سبايا أوطاس لا يدل على قصر اللفظ العام عليهن لما تقرران العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فيكون ذلك عاما لكل من لم تجوز خلو رحمها لا من كان رحمها خاليا بيقين كالصغيرة والبكر كما تقدم تحقيق ذلك حديث رويفع وما قبله انه لا فرق بين الحامل من زنا وغيرها فيجب استبراء الامة التى كانت قبل ثبوت الملك عليها تزنى إن كانت حاملا فبالوضع وان كانت غير حامل فبحيضة
ويؤيد هذا حديث الرجل من الانصار الذى ذكرناه في أول الباب
قوله : " فاصطفى على منه سبية " الخ يمكن حمل هذا على إن السبية التى أصابها كانت بكرا أو صغيرة أو كان قد مضى عليها من بعد السبى مقدار مدة الاستبراء لانها قد دخلت في ملك المسلمين من وقت السبى والمصير الي مثل هذا متعين للجمع بينه وبين الاحاديث المذكورة في الباب وظاهر هذا الحديث وسائر أحاديث الباب انه لا يشترط في جواز وطء المسبية الاسلام ولو كان شرطا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يبينه ولا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة وذلك وقتها ولا سيما وفي المسلمين في يوم حنين وغيره من هو حديث عهد بالاسلام يخفى عليهم مثل هذا الحكم وتجويز حصول الاسلام من جميع السبايا وهي في غاية الكثرة بعيد جدا فإن اسلام مثل عدد المسبيات في أوطاس دفعة واحدة من غير اكراه لا يقول بانه يصح تجويزه عاقل ومن اعظم المؤيدات لبقاء المسبيات على دينهن ما ثبت من رده صلى الله عليه وآله وسلم لهن بعد إن جاء إليه جماعة من هوازن وسألوه إن يرد أليهم ما أخذ عليهم من الغنيمة فرد أليهم السب فقطوقد ذهب إلى جواز وطء المسبيات الكافرات بعد الاستبراء المشروع جماعة منهم طاوس وهو الظاهر لما سلف وفي الحديث الآخر منقبة ظاهرة لعلي رضي الله عنه ومنقبة لبريدة لمصير على أحب الناس إليه وقد صح أنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق كما في صحيح مسلم وغيره (7/67)
كتاب الرضاع (7/67)
باب عدد الرضعات المحرمة (7/67)
1 - عن عائشة " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تحرم المصة ولا المصتان "
- رواه الجماعة إلا البخاري (7/68)
2 - وعن أم الفضل " إن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتحرم المصة فقال لا تحرم الرضعة والرضعتان والمصة والمصتان "
وفي رواية " قالت دخل اعرابي على نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيتي فقال يا نبي الله اني كانت لي امرأة فتزوجت عليها أخرى فزعمت امرأتي الأولى أنها ارضعت امراتي الحدثى رضعة أو رضعتين فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تحرم الإملاجة أو الإملاجتان "
- رواهما أحمد ومسلم (7/68)
3 - وعن عبد الله بن الزبير " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تحرم من الرضاعة المصة والمصتان "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي (7/68)
- حديث عبد الله بن الزبير أخرجه أيضا ابن حبان وقال الترمذي الصحيح عن أهل الحديث من رواية ابن الزبير عن عائشة كما في الحديث الأول وأعله ابن جرير الطبري بالاضطراب فانه روى عن ابن الزبير عن أبيه وجمع ابن حبان بينهما بامكان إن يكونابن الزبير سمعه من كل منهم وفي الجمع بعد كما قال الحافظ . ورواه النسائي من حديث أبو هريرة وقال ابن عبد البر لا يصح مرفوعا
قوله : " الرضعة " هي المرة من الرضاع كضربة وجلسة وأكلة فمتى التقم الصبى الثدي فامتص منه ثم تركه باختياره لغير عارض كان ذلك رضعة وفى القاموس رضع أمه كسمع وضرب رضعا ويحرك ورضاعا ورضاعة ويكسران ورضعا ككتف فهو راضع الي إن قال امتص ثديها ثم قال في مادة مصصته أنه بمعنى شربته شربا رفيقا وفى الضياء إن المصة الواحدة من المص وهى أخذ اليسير من الشيء
قوله : " الإملاجة ولا الإملاجتان " الإملاجة الإرضاعة الواحدة مثل المصة وفى القاموس ملج الصبي أمه كنصر وسمع تناول ثديها بادني فمه وامتلج اللبن امتصه وأملجه أرضعه والمليج الرضيع انتهى والاحاديث المذكورة تدل على إن الرضعة الواحدة والرضعتين والمصة الواحدة والمصتين والإملاجة والإملاجتين لا يثبت بها حكم الرضاع الموجب للتحريم وتدل هذه الاحاديث بمفهومها على إن الثلاث من الرضعات أو المصات تقتضي التحريم وقد حكى صاحب البحر هذا المذهب عن زيد بن ثابت وأبي ثور وابن المنذر انتهى . وحكاه في البدر التمام عن أبي عبيدة وداود الظاهرى واحمد في رواية ولكنه يعارض هذا المفهوم القاضي بان ما فوق الاثنتين يقتضي التحريم ما سيأتي من إن الرضاع المقتضي للتحريم هو الخمس الرضعات وسيأتي تحقيق ذلك وذكرمن قال به نعم هذه الاحاديث دافعة لقول من قال إن الرضاع المقتضي للتحريم هو الواصل إلى الجوف ولا شك إن المصة الواحدة تصل إلى الجوف فكيف ما فوقها وسيأتي ذكر ما تمسكوا به (7/69)
4 - وعن عائشة " أنها قالت كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن " ثم نسخن بخمس معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهن فيما يقرأ من القرآن
- رواه مسلم وأبو داود والنسائي
وفي لفظ قالت " وهي تذكر من الرضاعة نزل في القرآن عشر رضعات معلومات ثم نزل أيضا خمس معلومات " رواه مسلم
وفي لفظ " أنزل في القرآن عشر رضعات معلومات فنسخ من ذلك خمس رضعات إلى خمس رضعات معلومات فتوفى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والأمر على ذلك " رواه الترمذي
وفي لفظ " كان فيما أنزل الله عز و جل من القرآن ثم سقط لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس معلومات " رواه ابن ماجه (7/69)
5 - " وعن عائشة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر امرأة أبي حذيفة فأرضعت سالما خمس رضعات وكان يدخل عليها بتلك الرضاعة "
- رواه أحمد
وفي رواية " إن أبي حذيفة تبنى سالما وهو مولى لامرأة من الأنصار كما تبنى النبي صلى الله عليه وآله وسلم زيدا وكان من تبنى رجلا في الجاهلية دعاه الناس ابنه وورث ميراثه حتى أنزل الله عز و جل ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فاخوانهم في الدين ومواليكم فرد والى آبائهم فمن لم يعلم له أب فمولى وأخ في الدين فجاءت سهلة فقالت يا رسول الله كنا نرى سالما ولدا يأوي معي ومع أبى حذيفة ويراني فضلى وقد أنزل الله عز و جل ما قد علمت فقال ارضعيه خمس رضعات فكان بمنزلة ولده من الرضاعة " رواه مالك في الموطأ وأحمد (7/69)
- حديث عائشة في قصة سالم أخرج الرواية الأولى منه النسائي عن جعفر بن ربيعة عن الزهري كتابة عن عروة عنها ورواه الشافعي في الام عن مالك عن الزهرى عن عروة مرسلا ورواه أيضا عبد الرزاق
وأخرج الرواية الثانية عنها أبو داود وأخرجها أيضا البخاري في المغازي من صحيحه من طريق عقيل عن الزهري عن عروة عنها إلى قوله فجائت سهلة النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فذكر الحديث ولم يسق بقيته وساقها البيهقي في سننه من هذا الوجه كرواية أبي داودو رواها أيضا البخاري من رواية شعيب بن أبي حمزة عن الزهري عنها وساق منها إلى قوله وقد أنزل الله فيه ما قد علمت
قوله : معلومات فيه اشارة إلى أنه لا يثبت حكم الرضاع إلا بعد العلم بعدد الرضعات وانه لا يكف الظن بل يرجع معه ومع الشك إلى الأصل وهو العدم
قوله : وهن فيما يقرأ بضم الياء وفيه أشارة إلى أنه تأخر إنزال الخمس رضعات فتوفى صلى الله عليه وآله وسلم وهن قرآن يقرأ
قوله : فضلى بضم الفاء والضاد المعجمة قال الخطابى أي مبتذلة في ثياب مهنتها انتهى والفضل من الرجال والنساء الذي عليه ثوب واحد بغيرإزار
وقال ابن وهب أي مكشوف الرأس وقد استدل بأحاديث الباب من قال انه لا يقتضي التحريم من الرضاع الاخمس رضعات معلومات وقد تقدم تحقيق الرضعة والى ذلك ذهب ابن مسعود وعائشة وعبد الله بن الزبير وعطاء وطاوس وسعيد بن جبير وعروة ابن الزبير والليث بن سعد والشافعي وأحمد في ظاهر مذهبه وإسحاق وابن حزم وجماعة من أهل العلم
وقد روى هذا المذهب من الامام علي بن أبي طالب رضى الله عنه . وذهب الجمهور إلى إن الرضاع الواصل إلى الجوف يقتضى التحريم وان قل وقد حكاه صاحب البحر عن الامام علي رضي الله عنه وابن عباس وابن عمر والثوري والعترة وأبى حنيفة وأصحابه ومالك وزيد بن أوس انتهى
وروى أيضا عن سعيد بن المسيب والحسن والزهري وقتاده والحكم وحماد والاوزاعي
قال المغربي في البدر وزعم الليث بن سعد إن المسلمين أجمعوا على إن قليل الرضاع وكثيره يحرم منه ما يفطر الصائم وهو رواية عن الامام أحمد انتهى . حكى ابن القيم عن الليث انه لا يحرم إلا خمس رضعات كما قدمنا ذلك فينظر في المروى عنه من حكاية الاجماع فانه يبعد كل البعد إن يحكي العالم الاجماع في مسألة ويخالفها وقد اجاب اهل القول الثاني عن أحاديث الباب التي استدل بها أهل القول الأول بأجوبة منها انها متضمنة لكون الخمس الرضعات قرآن والقرآن شرطه التواتر ولم يتواتر محل النزاع وأجيب بان كون التواتر شرط ممنوع والسند ما أسلفنا عن أئمة القراآت كالجزرى وغيره في باب الحجة في الصلاة بقراءة ابن مسعود وأبي من أبواب صفة الصلاة فانه نقل هو وجماعة من أئمة القراآت الاجماع على ما يخالف هذه الدعوى ولم يعارض نقله ما يصلح لمعارضته كما بينا ذلك هنالك وأيضا اشتراط التواتر فيما نسخ لفظه على رآي المشترطين ممنوع وأيضا انتفاء قرآنيته لا يستلزم انتفاء حجيته على فرض شرطية التواتر لان الحجة ثبتت بالظن ويجب عنده العمل وقد عمل الائمة بقراءة الآحاد في مسائل كثيرة منها قراءة ابن مسعود فصيام ثلاثة أيام متتابعات وقراءة أبي وله أخ أو أخت من أم ووقع الاجماع على ذلك ولا مستند له غيرها وأجابوا أيضا بان ذلك لو كان قرآنا لحفظ لقوله تعالى { انا نحن نزلنا الذكر وانا له لحافظون } وأجيب بان كونه غير محفوظ ممنوع بل قد حفظه الله برواية عائشة له وأيضا المعتبر حفظ الحكم ولو سلم انتفاء قرآنيته على جميع التقادير لكان سنة لكون الصحابي راويا له عنه صلى الله عليه وآله وسلم لوصفه له بالقرآنية وهو يستلزم صدوره عن لسانه وذلك كاف في الحجية لما تقرر في الأصول من إن المروى آحاد إذا انتقى عنه وصف القرآنية لم ينتف وجوب العمل به كما سلف واحتجوا أيضا بقوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم } وإطلاق الرضاع يشعر بأنه يقع بالقليل والكثير ومثل ذلك حديث يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ويجاب بأنه مطلق مقيد بما سلف واحتجوا بما ثبت في الصحيحين عن عقبة بن الحرث إنه تزوج أم يحيى بنت أبي اهاب الذى سيأتي في باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل عن الكيفية ولا سأل عن العدد ويجاب أيضا بأن أحاديث الباب اشتملت على زيادة على ذلك المطلق المشعور به من ترك الاستفصال فيتعين الأخذ بها على أنه يمكن إن يكون ترك الاستفصال لسبق البيان منه صلى الله عليه وآله وسلم للقدر الذي يثبت به التحرير ( فإن قلت ) فحديث لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء يدل على عدم اعتبار الخمس لأن الفتق يحصل بدونها
قلت سيأتي الجواب عن ذلك في شرح الحديث فالظاهر ما ذهب إليه القائلون باعتبار الخمس وأما حديث لا تحرم الرضعة أو الرضعتان وكذلك سائر الأحاديث المتقدمة في الباب الأول وقد سبق ذكر من ذهب إلى العمل بها فمفهومها يقتضي إنما زاد عليها يوجب التحريم كما إن مفهوم أحاديث الخمس إن ما دونها لا يقتضي التحريم فيتعارض المفهومان ويرجع إلى الترجيح ولكنه ثبت عند ابن ماجه بلفظ لا يحرم إلا عشر رضعات أو خمس كما ذكره المصنف وهذا مفهوم حصر وهو أولى من مفهوم العدد وأيضا قد ذهب بعض علماء البيان كالزمخشرى إلى إن الأخبار بالجملة الفعلية المضارعية يفيد الحصر والاخبار عن الخمس الرضعات بلفظ يحرمن كذلك ولو سلم استواء المفهومين وعدم انتهاض أحدهما كان المتوجه تساقطهما وحمل ذلك المطلق على الخمس لا على ما دونها إلا إن يدل عليه دليل ولا دليل يقتضي إن ما دون الخمس يحرم إلا مفهوم قوله لا تحرم الرضعة والرضعتان والمفروض أنه قد سقط نعم لابد من تقبيد الخمس الرضعات بكونها في زمن المجاعة لحديث عائشة الآتي في الباب الذي بعد هذا
وأما حديث ابن مسعود عند أبي داود مرفوعا " لا رضاع إلا ما أنشر العضم وأنبت اللحم " فيجاب بأن الإنبات والإنشار إن كانا يحصلان بدون الخمس ففي حديث الخمس زيادة يجب قبولها والعمل بها وان كانا لا يحصلان إلا بزيادة عليها فيكون حديث الخمس مقيد بهذا الحديث لولا انه من طريق أبي موسى الهلالي عن أبيه عن ابن مسعود وقد قال أبو حاتم إن ابوموسى واباه مجهولان وقد اخرجه البيهقي من حديث أبي حصين عن أبي عطية قال جاء رجل إلى أبي موسى فذكره بمعناه وهذا على فرض انه يفيد ارتفاع الجهالة عن أبي موسى لا يفيد ارتفاعها عن أبيه فلا ينتهض الحديث لتقييد احاديث الخمس بانشار العظم وانبات اللحم وفي حديث عائشة المذكور في قصة سالم على إن إرضاع الكبير يقتضي التحريم وسيأتي تحقيق ذلك (7/70)
باب ما جاء في رضاعة الكبير (7/70)
1 - عن زينب بنت أم سلمة قالت " قالت أم سلمة لعائشة انه يدخل عليك الغلام الأيفع الذي ما أحب إن يدخل علي فقالت عائشة أمالك في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أسوة حسنة وقالت إن امرأة أبي حذيفة قالت يا رسول الله إن سالما يدخل علي وهو رجل وفي نفس أبي حذيفة منه شيء فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرضعيه حتي يدخل عليك "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية عن زينب عن امها أم سلمة " انها قالت أبي سائر أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن يدخلن عليهن أحدا بتلك الرضاعة وقلن لعائشة ما نرى هذا إلا رخصة أرخصها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لسالم خاصة فما هو بداخل علينا أحد بهذه الرضاعة ولا رائينا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائى وابن ماجه (7/70)
- هذا الحديث قد رواه من الصحابة أمهات المؤمنين وسهلة بنت بنت سهيل وهي من المهاجرات وزينب بنت أم سلمة وهي ربيبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورواه من التابعين القاسم بن محمد وعروة بن الزبير وحميد بن نافع ورواه عن هؤلاء الزهرى وابن مليكة وعبد الرحمن ويحيى بن سعيد الانصاري وربيعة ثم رواه عن هؤلاء أيوب السختياني وسفيان الثوري وسفيان بن عنة وشعبة ومالك وابن جريح وشعيب ويونس وجعفر بن ربيعة ومعمر وسليمان بن بلال وغيرهم وهؤلاء هم أئمة الحديث المرجوع اليهم في أعصارهم ثم رواه عنهم الجم الغفير والعدد الكثير وقد قال بعض أهل العلم إن هذه السنة بلغت طرقها نصاب التواتر وقد استدل بذلك من قال إن إرضاع الكبير يثبت به التحريم وهو مذهب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضى الله عنه كما حكاه عنه ابن حزم وأما ابن عبد البر فانكر الرواية عنه في ذلك وقال لا يصح واليه ذهبت عائشة وعروة بن الزبير وعطاء بن أبي رباح والليث بن سعد وابن علية وحكاه النووي عن داود الظاهري واليه ذهب ابن حزم ويؤيد ذلك الإطلاقات القرآنية كقوله تعالى { وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم واخواتكم من الرضاعة } وذهب الجمهور إلى إن حكم الرضاع إنما يثبت في الصغير وأجابوا عن قصة سالم بانها خاصة به كما وقع من أمهات المؤمنين لما قالت لهن عائشة بذلك محتجة به وأجيب بان دعوى الاختصاص تحتاج إلى دليل وقد اعترفن بصحة الحجة التى جاءت بها عائشة ولا حجة في ابائهن لها كما انه لا حجة في أقوالهن ولهذا سكتت أم سلمة لما قالت لها عائشة أمالك في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسوة حسنة ولو كانت هذه السنة مختصة بسالم لبينها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما بين اختصاص أبي بردة بالتضحية بالخدع من المعز واختصاص خزيمة بان شهادته كشهادة رجلين وأجيب أيضا بدعوى نسخ قصة سالم المذكورة واستدل على ذلك بانها كانت في أول الهجرة عند نزول قوله تعالى { ادعوهم لآبائهم } وقد ثبت اعتبار الصغر من حديث ابن عباس ولم يقدم المدينة إلا قبل الفتح ومن حديث أبي هريرة ولم يسلم إلا في فتح خيبر بانهما لم يصرحا بالسماع من النبي وأيضا حديث ابن عباس مما لا تثبت به الحجة كما سيجئ ولو كان النسخ صحيحا لما ترك التشبث به أمهات المؤمنين ومن أجوبتهم أيضا حديث لا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام وحديث إنما الرضاعة من المجاعة وسيأتي الجواب عن ذلك كما سيأتي الجواب عن حديث إلا ما كان في الحولين وقد اختلفوا في تقدير المدة التي يقتصي الرضاع فيها التحريم على أقوال الأول انه لا يحرم منه إلا ما كان في الحولين وقد حكاه في البحر عن عمر وابن عباس وابن مسعود والعترة والشافعي وأبي حنيفة والثوري والحسن بن صالح ومالك وزفر ومحمد اه وروى عن أبي هريرة وابن عمروأحمد وأبي يوسف وسعيد بن المسيب والشعبي وابن شبرمة وإسحاق وأبي عبيد وابن المنذر . القول الثاني إن الرضاع المقتضى للتحريم ما كان قبل الفطام واليه ذهبت أم سلمة
وروى عن على ولم يصح عنه
وروى عن ابن عباس وبه قال الحسن والزهرى والاوزاعى وعكرمة وقتادة . القول الثالث إن الرضاع في حال الصغر يقتضي التحريم ولم يحده القائل بحد وروى ذلك عن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما خلا عائشة . وعن ابن عمر وسعيد بن المسيب . والقول الرابع ثلاثون سهرا وهو رواية عن أبي حنيفة وزفر . القول الخامس في الحولين وما قاربهما روى ذلك عن مالك وروى عنه إن الرضاع بعد الحولين لا يحرم قليقله ولا كثيره كما في الموطأ . القول السادس ثلاث سنين وهو مروي عن جماعة من أهل الكوفة وعن الحسن بن صالح . القول السابع سبع سنين روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز . القوا الثامن حولان واثنا عشر يوما روى عن ربيعة . القول التاسع إن الرضاع يعتبر فيه الصغر إلا فيما دعت إليه الحاجة كرضاع الكبير الذى لا يستغني عن دخوله على المرأة وبشق احتجابها منه واليه ذهب شيخ الاسلام ابن تيمية وهذا هو الراجح عندى وبه يحصل الجمع بين الاحاديث وذلك بان تجعل قصة سالم المذكورة مخصصة لعموم إنما الرضاع من المجاعة ولا رضاع الافي الحولين ولا رضاع إلا ما فتق الامعاء وكان قبل الفطام ولا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم وهذه طريق متوسطة بين طريقة من استدل بهذه الاحاديث على انه لاحكم لرضاع الكبير مطلقا وبين من جعل رضاع الكبير كرضاع الصغير مطلقا لما لا يخلو عنه كل واحدة من هاتين الطريقتين من التعسف كما سيأتي بيانه ويؤيد هذا إن سؤال سهلة امرأة أبى حذيفة كان بعد نزول آية الحجاب وهى مصرحة بعدم جواز ابداء الزينة لغير من في الآية فلا يخص منها غير من استثناه الله تعالى إلا بدليل كقضية سالم وما كان مماثلا لها في العلة التى هي الحاجة إلى رفع الحجاب من غير أني يقيد ذلك بحاجة مخصوصة من الحاجات المقاضية لرفع الحجاب ولا بشخص من الاشخاص وبمقدار من عمر الرضيع معلوم
وقد ثبت في حديث سهلة أنها قالت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن سالما ذو لحية فقال أرضعيه " وينبغي إن يكون الرضاع خمس رضعات لما تقدم في الباب الأول
قوله : " الغلام إلا يفع " هو من راهق عشرين سنة على على ما في القاموس (7/71)
2 - وعن أم سلمة قالت " قال صلى الله عليه وآله وسلم لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الأمعاء في الثدي وكان قبل الفطام "
- رواه الترمذي وصححه (7/71)
3 - وعن ابن عيبنة عن عمر بن دينار عن ابن عباس قال " قال رسول صلى الله عليه وآله وسلم لا رضاع إلا ما كان في الحولين "
- رواه الدار قطني وقال لم يسنده عن ابن عيبنة غير الهيثم بن جميل وهو ثقة حافظ " (7/71)
4 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا رضاع بعد فصال ولا يتم بعد احتلام "
- رواه أبو داود الطيالسي في مسنده (7/72)
5 - وعن عائشة قالت " دخل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعندي رجل فقال من هذا قلت أخي من الرضاعة قال يا عائشة انظرن من أخوانكن فإنما الرضاعة من المجاعة "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (7/72)
- حديث أم سلمة أخرجه أيضا الحاكم وصححه وأعل بالانقطاع لأنه من رواية فاطمة بنت المنذر بن الزبير الأسدية عن أم سلمة وولم تسمع منها شيء لصغرسنها إذ ذاك . وحديث ابن عباس رواه أيضا سعيد بن منصور والبيهقي وابن عدي وقال يعرف بالهيثم وغيره وكان يغلط وصحح البيهقي وقفه ورجح ابن عدي الموقوف ووقال ابن كثير في الأرشاد رواه مالك في الموطأ عن ثور بن يزيد عن ابن عباس موقوفا وهو أصح وكذا رواه غير ثور عن ابن عباس . وحديث جابر قد قدمنا في باب علامات البلوغ في كتاب التفليس عند الكلام على حديث علي رضي الله عنه بلفظ حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يتم بعد احتلام " الحديث إن المنذري قال وقد روى هذا الحديث يعني حديث علي من رواية جابر بن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت اه وهو يشير برواية جابر بن عبد الله إلى حديثه هذا ولا يخفي إن حديث ابن عباس المذكور ههنا يشهد له وكذلك يشهد له حديث عي المتقدم هناك
قوله : " إلا ما فتق الأمعاء " أي سلك فيها والفتق الشق والأمعاء جمع المعا بفتح الميم وكسرها
قوله : " في الثدي " أي في زمن الثدي وهو لغة معروفة فإن العرب تقول مات فلان في الثدي أي زمن الرضاع قبل الفطام كما وقع التصريح بذلك في آخر الحديث
قوله :
انظرن من أخوانكن
هو أمر التأمل فيما وقع من الرضاع هل هو رضاع صحيح مستجمع للشروط المعتبرة قال المهلب المعني انظرن ما سبب هذه الاخوة فان حرمة الرضاع إنما هي في الصغر حيث تسد الرضاعة المجاعة وقال أبو عبيد معناه أن الذي إذا جاع كان طعامه الذي يشبعه من الرضاع هو الصبي لا حيث يكون الغذاء بغير الرضاع
قوله : " فإنما الرضاعة من المجاعة " هو تعليل للباعث على امعان النظر والتفكر بأن الرضاعة التي تثبت بها الحرمة هي حيث تكون الرضيع طفلا يسد اللبن جوعه وأما من كان يأكل ويشرب فرضاعه لا عن مجاعة لان في الطعام والشراب ما يسد جوعته بخلاف الطفل الذي لا يأكل الطعام . ومثل هذا المعنى حديث " لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم " فإن انشار العظم وانبات اللحم إنما يكون لمن كان غذاؤه اللبن وقد احتج بهذه الاحاديث من قال ان رضاع الكبير لا يقتضي التحريم مطلقا وهم من تقدم ذكره عن هذه الاحاديث فقالوا أما حديث " لا يحرم من الرضاع إلا ما فتق الامعاء " فأجابوا عنه بأنه منقطع كما تقدم ولا يخفى أن تصحيح الترمذي والحاكم لهذا الحديث يدفع علة الانقطاع فانهما لا يصححان ما كان منقطعا إلا وقد صح لهما اتصاله لما تقررفي علم الاصطلاح أن المقطع من قسم الضعيف . وأجابوا عن حديث " لا رضاع إلا ما كان في الحولين " بأنه موقوف كما تقدم ولا حجة في الموقوف وبما تقدم من اشتهار الهيثم بن جميل بالغلط وهو المنفرد برفعه ولا يخفى أن الرفع زيادة يجب المصير اليها على ما ذهب إليه أئمة الأصول وبعض أئمة الحديث إذا كانت ثابتة من طريق ثقة والهيثم ثفة كما قاله الدارقطنى مع كونه مؤيدا بحديث جابر المذكور . وأجابوا عن حديث " فإنما الرضاعة من المجاعة بأن شرب الكبير يؤثر في دفع مجاعته قطعا كما يؤثر في دفع مجاعة الصغير أو قريبا منه وأورد عليهم أن الامر إذا كان كما ذكرتم من استواء الكبير والصغير فما الفائدة في الحديث وتخلصوا عن ذلك بأن فائدته ابطال تعلق التحريم بالقطرة من اللبن والمصة التي لا تغني من جوع ولا يخفي ما في هذا من التعسف ولا ريب أن سد الجوعة باللبن الكائن في ضرع المرضعة أنما يكون لمن لم يجد طعاما ولا شرابا غيره وأما من كان يأكل ويشرب فهو لا تسد جوعته عند الحاجة بغير الطعام والشراب وكون الرضاع مما يمكن أن يسد به جوعة الكبير أمر خارج عن محل النزاع فانه ليس النزاع فيمن يمكن أن تسد جوعته به أنما النزاع فيمن لا تسد جوعته إلا به وهكذا أجابوا عن الاحتجاج بحديث " لا رضاع إلا ما أنشر العظم وأنبت اللحم " فقالوا إنه يمكن أن الرضاع كذلك في حق الكبير ما لم يبلغ أرذل العمر ولا يخفي ما فيه من التعسف والحق ما قدمنا من أن قضية سالم مختصة بمن حصل له ضرورة بالحجاب لكثرة الملابسة فتكون هذه الأحاديث مخصصة بذلك النوع فتجتمع حينئذ الاحاديث يندفع التعسف من الجانبين وقد أحتج القائلون باشتراط الصغر بقوله تعالى { والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة } قالوا وذلك بيان للمدة التي تثبت فيها أحكام الرضاع ويجاب بان هذه الآية مخصصة بحديث قصة سالم الصحيح (7/72)
باب يحرم الرضاعة ما يحرم من النسب (7/73)
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أريد على ابنة حمزة فقال انها لا تحل لي انها ابنة أخي من الرضاعة ويحرم من الرضاعة ما يحرم من الرحم " وفي لفظ " من النسب "
- متفق عليه (7/73)
2 - وعن عائشة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يحرم من الرضاعة ما يحرم من الولادة "
- رواه الجماعة ولفظ ابن ماجه من النسب (7/73)
3 - وعن عائشة " ان أفلح أخا أبى القعيس جاء يستأذن عليها وهو عمها من الرضاعة بعد أن نزل الحجاب قالت فأبيت أن آذن له فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخبرته بالذي صنعت فأمرني أن آذن له "
- رواه الجماعة (7/74)
4 - وعن الامام علي رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان الله حرم من الرضاع ما حرم من النسب "
- رواه أحمد والترمذي (7/74)
- قوله " اريد " بضم الهمزة الذي أراد من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ان يتزوجها هو علي رضي الله عنه كما في صحيح مسلم وقد اختلف في اسم ابنة حمزة على أقوال . أمامة وسلمى وفاطمة عائشة وأمة الله وعمارة ويعلى وأنما كانت ابنة أخي النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم رضع من ثويبة وقد كانت أرضعت حمزة
قوله : " أفلح " بالفاء والحاء المهملة وهو مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقيل مولى أم سلمة والقيس بضم القاف وبعين وسين مهملتين مصغرا ( وقد استدل ) بأحاديث الباب على انه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب وذلك بالنظر إلى أقارب المرضع لانهم أقارب للرضيع وأما أقارب الرضيع فلا قرابة بينهم وبين المرضع والمحرمات من الرضاع سبع الأم والأخت بنص القرآن والبنت والعمة والخالة وبنت الأخ وبنت الأخت لأن هؤلاء الخمس يحرمن من النسب وقد وقع الخلاف هل يحرم بالرضاع ما يحرم من الصهار وابن القيم قد حقق ذلك في الهدى بما فيه كفاية فليرجع إليه
وقد ذهب الأئمة الأربعة إلى أنه يحرم نظير المصاهرة بالرضاع فيحرم عليه أم امرأته من الرضاعة وامرأة أبيه من الرضاعة ويحرم الجمع بين الأختين من الرضاعة وبين المرأة وعمتها وبنتها وبين خالتها من الرضاعة وقد نازعهم في ذلك ابن تيمية كما حكاه صاحب الهدى وحديث عائشة في دخول أفلح عليها فيه دليل على ثبوت حكم الرضاع في حق زوج المرضعة وأقاربه كالمرضعة وقد ذهب جمهور أهل العلم من الصحابة والتابعين وسائر العلماء وقد وقع التصريح بالمطلوب في رواية لأبي داود بلفظ قالت عائشة " دخل علي أفلح فاستترت منه فقال أتستترين مني وأنا عمك قلت من أين قال أرضعتك امرأة أخي قلت إنما أرضعتني المرأة ولم يرضعني الرجل فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فحدثته فقال إنه عمك فليلج عليك " وروي عن عائشة وابن عمر وابن الزبير ورافع بن خديج وزينب بنت أم سلمة وسعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن والقاسم بن محمد وسالم وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والشعبي والنخعي وأبي قلابة واياس بن معاوية القاضي أنه لا يثبت حكم الرضاع للزوج حكي ذلك عنهم ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وعبد الرزاق وابن المنذر وروى أيضا هذا القول عن ابن سيرين وابن علية والظاهرية وابن بنت الشافعي وقد روى ما يدل على أنه قول جمهور الصحابة فأخرج الشافعي عن زينب بنت أبي سلمة انها قالت كان يدخل علي وأنا امتشط أرى انه أبي وان ولده أخوتي لان امرأته أسماء أرضعتني فلما كان بعد الحرة ارسل إلى عبد الله بن الزبير يخطب ابنتي أم كلثوم على أخيه حمزة بن الزبير وكان للكلبية فقلت وهل تحل له فقال انه ليس لك بأخ إنما اخوتك من ولدت أسماء دون من ولد الزبير من غيرها قالت فأرسلت فسألت والصحابة متوافرون وأمهات المؤمنين فقالوا ان الرضاع لا يحرم شيئا من قبل الرجل فانكحتها اياه وأجيب بان الاجتهاد من بعض الصحابة والتابعين لا يعارض النص ولا يصح دعوى الإجماع لسكوت الباقين لأنا نقول نحن نمنع أولا أن هذه الواقعة بلغت كل المجتهدين منهم وثانيا أن السكوت في المسائل الاجتهادية لا يكون دليلا على الرضى وأما عمل عائشة بخلاف ما روت فالحجة روايتها لا رأيها وقد تقرر في الأصول أن مخالفة الصحابي لما رواه لا تقدح في الرواية وقد يصح عن على القول بثبوت حكم الرضاع للرجل وثبت أيضا عن ابن عباس كما في البخاري (7/74)
باب شهادة المرأة الواحدة بالرضاع (7/75)
1 - عن عقبة بن الحرث " أنه تزوج أم يحيى بنت أبي اهاب فجاءت أمة سوداء فقالت قد أرضعتكما قال فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعرض عني قال قتنحيت فذكرت ذلك له فقال وكيف وقد زعمت أنها قد أرضعتكما فنهاه عنها "
- رواه أحمد والبخاري وفي رواية " دعها عنك " رواه الجماعة إلا مسلما وابن ماجه (7/75)
- في رواية للبخاري " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم كيف وقد قيل ففارقها عقبة ونكحت زوجا غيره " قوله " أم يحيى " اسمها غنية بفتح الغين المعجمة وكسر النون بعدها تحتية مشددة
وقيل اسمها زينب وأهاب بكسر الهمزة وآخره باء موحدة وقد استدل بالحديث على قبول شهادة المرضعة ووجوب العمل بها وحدها وهو مروى عن عثمان وابن عباس والزهري والحسن والاوزاعي وأحمد بن حنبل وأبي عبيد ولكنه قال يجب العمل على الرجل بشهادتها فيفارق زوجته ولا يجب الحكم على الحاكم وروى عن مالك وفي رواية عنه انه لا يقبل في الرضاع إلا شهادة امرأتين وبه قال جماعة من أصحابه
وقال جماعة منهم بالأول وذهبت العترة والحنفية إلى أنه لا بد من رجلين أو رجل وأمرأتين كسائر المور ولا تكفي شهادة المرضعة وحدها بل لا تقبل عند الهادوية لان فيها تقريرا لفعل المرضعة ولا تقبل عندهم الشهادة إذا كانت كذلك مطلقا ولكنه حكى في البحر عن الهادوية والشافعية والحنفية انه يجب العمل بالظن الغالب في النكاح تحريما ويجب على الزوج الطلاق ان لم تكمل الشهادة واستدل لهم على ذلك بهذا الحديث
وقال الإمام يحيى الخبر محمول على الاستحباب ولا يخفى ان النهي حقيقة في التحريم كما تقرر في الأصول فلا يخرج عن معناه الحقيقي إلا لقرينة صارفة والاستدلال على عدم قبول المرأة المرضعة بقوله تعالى { واستشهدوا شهيدين من رجالكم } لا يفيد شيئا لأن الواجب بناء العام على الخاص ولا شك أن الحديث أخص مطلقا وأما ما أجاب به عن الحديث صاحب ضوء النهار من أنه مخالف للأصول فيجاب عنه بالاستفسار عن الأصول فان أراد القاضية باعتبار شهادة عدلين أو رجل وأمرأتين فلا مخالفة لان هذا خاص وهي عامة وان أراد غيرها فما هو
وأما ما رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس والمغيرة أنهم امتنعوا من التفرقة بين الزوجين بذلك فقد تقرر ان أقوال بعض الصحابة ليست بحجة على فرض عدم معارضتها لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فكيف إذا عارضت ما هو كذلك وأما ما قيل من أمره صلى الله عليه وآله وسلم له من باب الاحتياط فلا يخفى مخالفته لما هو الظاهر ولا سيما بعد أن قرر السؤال أربع مرات كما في بعض الروايات والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول له في جميعها كيف وقد قيل وفي بعضها دعها عنك كما في حديث الباب وفي بعضها لاخير لك فيها مع أنه لم يثبت في رواية أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمره بالطلاق ولو كان ذلك من باب الاحتياط لأمره به فالحق وجوب العمل بقول المرأة المرضعة كانت أو أمة حصل الظن بقولها أو لم يحصل لما ثبت في رواية أن السائل قال وأظنها كاذبة فيكون هذا الحديث الصحيح هادما لتلك القاعدة المبنية على غير أساس أعني قولهم أنها لا تقبل شهادة فيها تقرير لفعل الشاهد ومخصصا لمعلومات الادلة كما خصصها دليل كفاية العدلة في عورات النساء عند أكثر المخالفين (7/75)
باب ما يستحب أن تعطى المرضعة عند الفطام (7/76)
1 - عن حجاج بن حجاج رجل من أسلم قال " قلت يا رسول الله ما يذهب عني مذمة الرضاع قال غرة عبد أو أمة "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه ابن الترمذي (7/76)
- الحديث سكت عنه أبو داود وقال المنذري إنه الحجاج بن الحجاج بن مالك الأسلمي سكن المدينة
وقيل كان ينزل العرج ذكره أبو القاسم البغوي وقال لا أعلم للحجاج بن مالك غير هذا الحديث وقال أبو عمر النمري له حديث واحد وقال الترمذي بعد إخراجه هذا حديث حسن صحيح هكذا رواه يحيى بن سعيد القطان وحاتم بن إسماعيل وغير واحد عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وراه سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه عن حجاج بن حجاج عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث ابن عيينة غير محفوظ والصحيح ما رواه هؤلاء عن هشام بن عروة وهشام بن عروة يكنى أبا المنذر وقد أدرك جابر بن عبدالله وابن عمر وفاطمة بنت المنذر بن الزبير بن العوام هي أم هشام بن عروة انتهى كلامه
وقد بوب أبو داود على هذا الحديث باب في الرضخ عند الفصال وبوب عليه الترمذي باب ما يذهب مذمة الرضاع وقد استدل الحديث على استحباب العطية للمرضعة عند الفطام وأن يكون عبدا أو أمة والمراد بقوله ما يذهب عني مذمة الرضاع أي ما يذهب عني الحق الذي تعلق بي للمرضعة لأجل إحسانها لي بالرضاع فأني إن لم أكافئها على ذلك صرت مذموما عند الناس بسبب عدم المكافأة والله أعلم (7/76)
كتاب النفقات (7/77)
باب نفقة الزوجة وتقديمها على نفقة الأقارب (7/77)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دينار أنفقته في سبيل الله ودينار أنفقته في رقبة ودينار تصدقت به على مسكين ودينار أنفقته على أهلك أعظمها أجرا الذي أنفقته على أهلك "
- رواه أحمد ومسلم (7/77)
2 - وعن جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لرجل أبدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء لأهلك فإن فضل عن أهلك شيء فلذى قرابتك فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (7/78)
3 - وعن أبي هريرة قال " رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تصدقوا قال رجل عندي دينار قال تصدق به على نفسك قال عندي دينار آخر قال تصدق به على زوجتك قال عندي دينار آخر قال تصدق به على ولدك قال عندي دينار آخر قال تصدق به إلى خادمك قال عندي دينار آخر قال أنت أبصر به "
- رواه أحمد والنسائي ورواه أبو داود لكنه قدم الولد على الزوجة واحتج به أبو عبيد في تحديد الغني بخمسة دنانير ذهبا تقوية بحديث ابن مسعود في الخمسين درهما (7/78)
- حديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم قال ابن حزم اختلف يحيى القطان والثوري فقدم يحيى الزوجة على الولد وقدم سفيان الولد على الزوجة فينبغي أن لا يقدم أحدهما على الآخر بل يكونان سواء لأنه قد صح أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا تكلم تكلم ثلاث فيحتمل أن يكون في إعادته إياه مرة قدم الولد ومرة قدم الزوجة فصارا سواء ولكنه يمكن ترجيح تقدم الزوجة على الولد بما وقع من تقديمها في حديث جابر المذكور في الباب وهكذا قال الحافظ في التلخيص . وحديث أبي هريره الأول فيه دليل على أن الإنفاق على أهل الرجل أفضل من الإنفاق في سبيل الله ومن الإنفاق في الرقاب ومن التصدق على المساكين . وحديث جابر فيه دليل على أنه لا يجب على الرجل أن يؤثر زوجته وسائر قرابته بما يحتاج إليه في نفقة نفسه ثم إذا فضل عن حاجة نفسه شيء فعليه إنفاقه على زوجته وقد انعقد الإجماع على وجوب نفقة الزوجة ثم إذا فضل عن ذلك شئ فعلى ذوي قرابته ثم إذا فضل عن ذلك شئ فيستحب له التصدق بالفاضل والمراد بقوله هكذا وهكذا أي يمينا وشمالا كناية عن التصدق واعلم أنه قد وقع الإجماع على أنه يجب على الولد الموسر مؤنة الأبوين المعسرين كما حكى ذلك في البحر واستدل له بقوله تعالى { وبالوالدين إحسانا } ثم قال ولو كانا كافرين لقوله تعالى { وإن جاهداك } " وأنت ومالك لأبيك " ثم حكى بعد حكاية الإجماع المتقدم عن العنرة والفريقين أن الأم المعسرة كالأب في وجوب نفقتها ( واستدل ) بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " أمك ثم أمك " الخبر وحكي عن مالك الخلاف في ذلك لعدم الدليل وأجاب عليه بأن هذا الخبر دليل وعلى فرض عدم الدليل فبالقياس على الأب ثم قال وكذا الخلاف في الجد أب الأب ثم حكي عن عمرو بن أبو ليلى والحسن بن صالح والعترة وأحمد بن حنبل وأبي ثور أنها تجب النفقة لكل معسر على كل موسر إذا كانت ملتهما واحدة وكانا يتوارثان واستدل لذلك بقوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } اللام للجنس . وحكي عن أبي حنيفة وأصحابه أنها إنما تلزم للرح المحرم فقط . وعن الشافعي وأصحابه لا تجب إلا للأصول والفصول فقط . وعن مالك لا تجب إلا للولد والوالد فقط وقد أجيب عن الاستدلال بالآية المذكورة بمنع دلالتها على المطلوب ودعوى أن الإشارة بقوله ذلك إلى عدم المضارة وعلى التسليم فالمراد وارث الأب بعد موته والأولى أن يقال لفظ الوارث فيه احتمالات . أحدها أن يراد المولود له المذكور في صدر الآية وهو المولود وقد قال بهذا قبيصة بن ذؤيب . الثاني أن يراد وارث المولود وبه قال الجمهور من السلف وأحمد وإسحاق وأبو ثور . الثالث أن يراد به الباقي من الآبوين بعد الآخر وبه قال سفيان وغيره فحينئذ لفظ الوارث مجمل لا يحل حمله على أحد هذه المعاني إلا بدليل مع أنه لا يصح الاستدلال بالآية على وجوب نفقة كل معسر على من يرثه من قرابته الموسرين لأن الكلام في الآية في رزق الزوجات وكسوتهن ولكنه يدل على المطلوب عموم فلذي قرابتك
قوله : " تصدق به إلى ولدك فيه دليل على انه يلزم الأب نفقة ولده المعسر فإن كان الولد صغيرا فذلك اجماع كما حكاه صاحب البحر وإن كان كبيرا فقيل نفقته على الأب وحده دون الأم وقيل عليهما حسب الأرث ويأتي بقية الكلام على نفقة الاقارب في باب النفقة على الاقارب
قوله : " تصدق به على خادمك " فيه دليل على وجوب نفقة الخادم وسيأتي الكلام على ذلك في باب نفقة الرقيق
قوله : " بخمسة دنانير ذهبا " وقد قدمنا الكلام على هذا في الزكاة (7/78)
باب اعتبار حال الزوج في النفقة (7/79)
1 - عن معاوية القشيري قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فقلت ما تقول في نسائنا قال أطعموهن مما تأكلون واكسوهن مما تكتسون ولا تضربوهن ولا تقبحوهن "
- أبو داود (7/79)
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والحاكم وابن حبان وصححاه وعلق البخاري طرفا منه وصححه الدار قطني في العلل وقد ساقه أبو داود في سننه من ثلاث طرق في كل واحدة منها بهز بن حكيم عن أبيه عن جده وهو معاوية القشيري المذكور قال المنذري وقد أختلف الأئمة في الأحتجاج بهذه النسخة يعني نسخة بهز بن حكيم عن أبيه عن جده فمنهم من احتج بها ومنهم من أبى ذلك وخرج الترمذي منها شيئا وصححه ( وفي الحديث ) دليل على أنه يجب على الزوج أن يطعم أمرأته مما يأكل ويكسوها مما يكتسي وأنه لا يجوز له ضربها ولا بقبيحها وقد تقدم الحديث وشرحه في باب إحسان العشرة وقد استدل المصنف بهذا الحديث على أن العبرة بحال الزوج في النفقة ويؤيد ذلك أيضا قوله تعالى { لينفق ذو سعة من سعته } وإلى ذلك ذهبت العترة الشافعية وبعض الحنفية وذهب أكثر الحنفية ومالك إلى أن الاعتبار بحال الزوجة واستدلوا بقصة هند امرأة سفيان الآتية وأجيب عن ذلك بأنه أمرها بالأخذ بالمعروف ولم يطلق لها الأخذ على مقدار الحاجة (7/79)
باب المرأة تنفق من مال الزوج بغير علمه إذا منعها الكفاية (7/80)
1 - عن عائشة " أن هند قالت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبا سفيان رجل شحيح وليس يعطيني ما يكفيني أنا وولدي ألا ما أخذت منه وهو لا يعلم فقال خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (7/80)
- قوله " ان هندا " هي بنت بن ربيعة والرواية بالصرف ووقع في رواية للبخاري بالمنع وأبو سفيان اسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف
قوله : " شحيح " أي بخيل صريص وهو أعم من البخل لأن البخل مختص بمنع المال والشح يعم منع كل شيء في جميع الاحوال كذا في الفتح
قوله : " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " قال القرطي هذا إباحة بدليل ما وقع في رواية للبخاري بلفظ " لا حرج " والمراد بالمعروف الذي عرف بالعادة أنه الكفاية قال هذه الإباحة وإن كانت مطلقة لفظا فهي مقيدة كأنه قال إن صح ما ذكرت ( والحديث ) فيه دليل على وجوب نفقة الزوجة وهو مجمع عليه كما سلف وعلى وجوب نفقة الولد على الأب وانه يجوز لمن وجبت له النفقة شرعا على شخص أن يأخذ من ماله ما يكفيه إذا لم يقع منه الامتثال وأصر على التمرد وظاهره أنه لا فرق في وجوب نفقة الأولاد على أبيهم بين الصغير والكبير لعدم الاستفصال وهو ينزل منلة العموم وأيضا قد كان في أولادها في ذلك الوقت من هو مكلف كمعاوية رضي الله عنه فانه أسلم عام الفتح وهو ثمان وعشرين سنة فعلى هذا يكون مكلفا من قبل هجرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة وسؤال هند كان في عام الفتح وذهبت الشافعية إلى اشتراط الصغر أو الزمانة وحكاه ابن المنذر عن الجمهور والحديث يرد عليهم ولم يصب من أجاب عن الاستدلال بهذا الحديث على وجوب نفقة الأولاد بأنه واقعة عين لا عموم لها لأن خطابالواحد كخطاب الجماعة كما تقرر في الأصول
وفي رواية متفق عليها " ما يكفيك ويكفي وليدك " وقد أجيب عن الحديث أيضا بأنه من باب الفتيا لا من القضاء وهو فاسد لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لا يفتي إلا بحق . واستدل بالحديث أيضا من نفقة الزوجة بالكفاية وبه قالالجمهور وقال الشافعي أنها تقدر بالأمداد فعلى الموسر كل يوم مدان والمتوسط مد ونصف والمعسر مد
وروى نحو ذلك عن مالك والحديث حجة عليهم كما أعترف بذلك التووي وللحديث فوائد لا يتعلق غالبها بالمقام وقد استوفاها في فتح الباري واستوفى طرق الحديث واختلاف ألفاظه (7/80)
باب إثبات الفرقة للمرأة إذا تعذرت النفقة بإعسار ونحوه (7/81)
1 - عن ابن هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال خير الصدقة ما كان منها عن ظهر غنى واليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول . فقيل من أعول يا رسول الله قال امرأتك ممن تعول تقول أطعمني وإلا فارقني جاريتك تقول اطعمني وأستعملني . ولدك يقول الي من تتركني "
- رواه أحمد والدارقطني باسناد صحيح وأخرجه الشيخان في الصحيحين وأحمد من طريق آخر وجعلوا الزيادة للفسرة فيه من قول أبي هريرة (7/81)
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الرجل لا يجد ما ينفق على امرأته قال يفرق بينهما "
- رواه الدارقطني (7/81)
- حديث أبي هريرة الأول حسن اسناده الحافظ وهو من رواية عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة وفي حفظ عاصم مقال . ولفظ الحديث الذي أشار إليه الصنف في البخاري عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فضل الصدقة ما كان عن ظهر غنى واليد السفلى وابدأ بمن تعول تقول المرأة إما أن تطعمني وأما أن تطلقني . ويقول العبد اطعمني واستعملني . ويقول الابن أطعمني وإلى من تدعني
قالوا يا أبا هريرة سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لاهذا من كيس أبي هريرة . وحديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضا البيهقي من طريق عاصم القاري عن أبي صالح عن أبي هريرة وأعله أبو حاتم
وفي الباب عن سعيد بن المسيب عند سعيد بن منصور والشافعي وعبد الرزاق في الرجل لا يجد ما ينفق على أهله قال يفرق بينهما قال أبو الزناد قلت لسعيد سنة قال سنة وهذا مرسل قوي . وعن عمر عند الشافعي وعبد الرزاق وابن المنذر انه كتب إلى أمراء الاجناد في رجال غابوا عن نسائهم أما أن ينفقوا وإما أن يطلقوا ويبعثوا نفقة ما حبسوا
قوله : " ما كان عن ظهر غنى " فيه دليل على أن صدقة من كان غير محتاج لنفسه إلى ما تصدق به بل مستغنيا عنه أفضل من صدقة المحتاج إلى ما تصدق به ويعارضه حديث أبو هريرة عند أبو داود والحاكم يرفعه أفضل الصدقة جهد من مقل
وقد فسره في النهاية بقدر ما يحتمله حال قليل المال . وحديث أبو هريرة أيضا عند النسائي وابن خزيمة وابن حبان في صحيحه واللفظ له والحاكم وقال على شرط مسلم قال " قال رسول الله الله صلى الله عليه وآله وسلم سبق درهم مائة ألف درهم فقال رجل وكيف ذاك يا رسول الله قال رجل له مال كثير أخذ من عرضه مائة ألف درهم فتصدق بها ورجل ليس له إلا درهمان فأخذ أحدهما فتصدق بها فهذا تصدق بنصف ماله " الحديث ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى { ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } ويؤيد الأول قوله تعالى { ولا تجعل يدك مغلولة إلى غنقك ولا تبسطها كل البسط } ويمكن الجمع بأن الأفضل لمن كان يتكفف الناس إذا تصدق بجميع ماله أن يتصدق عن ظهر غنى والأفضل من يصبر على الفاقة أن يكون متصدقا بما يبلغ إليه جهده وإن لم يكن مستغنيا عنه ويمكن أن يكون المراد بالغنى غنى النفس كما في حديث أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما " ليس الغني عن كثرة العرض ولكن الغنى غنى النفس "
قوله : اليد العليا هي يد المتصدق واليد السفلى يد المتصدق عليه هكذا في النهاية . وسيأتي في باب النفقة على الأقارب ما يدل على هذا التفسير
قوله : " وأبدأ بمن تعول " أي بمن تجب عليك نفقته
قال في الفتح يقال عال الرجل أهله إذا مانهم أي قام بما يحتاجون إليه من قوت وكسوة
وفيه دليل على وجوب نفقة الأولاد مطلقا
وقد تقدم الخلاف في ذلك على وجوب نفقة الأرقاء وسيأتي
قوله : " تقول أطعمني وإلا فارقني " . استدل به وبحديث أبي هريرة الآخر على أن الزوج إذا أعسر عن نفقة امرأته واختارت فراقه فرق بينهما . وإليه ذهب جمهور العلماء كما حكاه في فتح الباري وحكاه صاحب البحر عن الإمام علي رضي الله عنه وعمر وأبي هريرة والحسن البصري وسعيد بن المسيب وحماد وربيعة ومالك وأحمد بن حنبل والشافعي والإمام يحيى
وحكى صاحب الفتح عن الكوفيين أنه يلزم المرأة الصبر وتتعلق النفقة بذمة الزوج . وحكاه في البحر عن عطاء والزهري والثوري والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي ومن جملة ما احتج به الأولون قوله تعالى { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } وأجاب الآخرون عن الأحاديث المذكورة بما سلف من إعلالها وأما ما في الصحيحين فهومن قول أبي هريرة كما وقع التصريح به منه حيث قال أنه من كيسه بكسر الكاف أي من استنباطه من المرفوع وقد وقع في رواية الأصيلي بفتح الكاف أي من فطنته وأما قول عمر فليس مما يحتج به وأجابوا عن الآية بأن ابن عباس وجماعة من التابعين قالوا نزلت فيمن كان يطلق فإذا كادت العدة تنقضي راجع ويجاب عن ذلك بأن الأحاديث المذكورة يقوي بعضها بعضا مع أنه لم يكن فيها قدح يوجب الضعف فضلا عن السقوط والآية المذكورة وإن كان سببها خاصا كما قيل فالأعتبار بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وأما استدلال الآخرين بقوله تعالى { لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها } قالوا وإذا أعسر ولم يجد سببا يمكنه به تحصيل النفقه فلا تكليف عليه بدلالة الآية فيجاب عنه بأنا لم نكلفه النفقة حال إعساره بل دفعنا الضرر عن امرأته وخلصناها من حباله لتكتسب لنفسها أو يتزوجها رجل آخر واحتجوا أيضا بما في صحيح مسلم من حديث جابر أنه دخل أبو بكر وعمر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجداه حول نساؤه واجما ساكتا وهن يسألنه النفقة فقام كل واحد منهما إلى إبنته أبو بكر إلى عائشة وعمر إلى حفصة فوجاآ أعناقهما فأعتزلهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك فضربهما لابنتيهما في حضرته صلى الله عليه وآله وسلم لأجل مطالبتهما بالنفقة التي لا يجدها يدل على عدم التفرقة لمجرد الاعسار عنها قالوا ولم يزل الصحابة فيهم الموسر والمعسر ومعسروهم أكثر ويجاب عن الحديث المذكور بأن زجرهما عن المطالبة بما ليس عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يدل على عدم جواز الفسخ لاجل الاعسار ولم يرواتهن طلبنه ولم يجبن إليه كيف وقد خيرهن صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك فاخترنه وليس النزاع جواز المطالبة للمعسر بما ليس عنده وعدمها بل محله هل يجوز الفسخ عند التعذر أم لا وقد أجيب عن هذا الحديث بأن أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعد من النفقة بالكلية لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد استعاذ من الفقر المدقع ولعل ذلك إنما كان فيما زاد على قوام البدن مما يعتاد الناس النزاع في مثله وهكذا يجاب عن الاحتجاج بما كان عليه الصحابة من ضيق العيش . وظاهر الأدلة أنه يثبت الفسخ للمرأة بمجرد عدم وجدان الزوج لنفقتها بحيث يحصل عليها ضررمن ذلك وقيل انه يؤجل الزوج مدة فروى من مالك أنه يؤجل شهرا وعن الشافعية ثلاثة أيام ولها الفسخ في أول اليوم الرابع
وروى عن حماد أن الزوج يؤجل سنة ثم يفسخ قياسا على العنين وهل تحتاج المرأة إلى الرفع إلى الحاكم روى عن المالكية في وجه لهم أنها ترافعه إلى الحاكم ليجبره على الإنفاق أو يطلق عنهوفي وجه لهم آخر أنه ينفسخ النكاح بالأعسار لكن بشرط أن بثبت إعساره عند الحاكم والفسخ بعد ذلك إليها
وروي عن أحمد أنها إذا اختارت الفسخ رافعته إلى الحاكم والخيار إليه بين أن يجبره على الفسخ أو الطلاق وروي عن عبد الله بن الحسن العنبري أن الزوج إذا أعسر عن النفقة حبسه الحاكم حتى يجدها وهو في غاية الضعف لأن تحصيل الرزق غير مقدور له إذا كان من الذين أعوزته المطالب وأكدت عليه جميع المكاسب اللهم إلا أن يتقاعد عن طلب أسباب الرزق والسعي له مع تمكنه من ذلك فلهذا القول وجه وذهب ابن حزم إلا أنه يجب على المرأة الموسرة إنفاق زوجها المعسر ولا ترجع عليه إذا أيسر . وذهب ابن القيم إلى التفصيل وهو إذا تزوجت به عالمة بإعساره أو كان حال الزواج موسرا ثم أعسر فلا فسخ لها وإن كان هو الذي غرها عند الزواج بأنه موسر ثم تبين لها إعساره كان لها الفسخ ( واعلم ) أنه لا فسخ لأجل الإعسار بالمهر على ما ذهب إليه الجمهور . وذهب بعض الشافعية وهو مروى عن أحمد إلى أنه يثبت الفسخ لأجل ذلك والظاهر الأول لعدم الدليل الدال على ذلك وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم بأن النساء عوان في يد الأزواج كما تقدم أي حكمهن حكم الإسراء لأن العاني الأسير والأسير لا يملك لنفسه خلاصا من دون رضا الذي هو في أسره فهكذا النساء ويؤيد هذا الحديث " الطلاق لمن أمسك بالساق " فليس للزوجة تخليص نفسها من تحت زوجها إلا إذا دل الدليل على جواز ذلك كما في الإعسار عن النفقة ووجود العيب المسوغ للفسخ وهكذا إذا كانت المرأة تكره الزوج كراهة شديدة وقد قدمنا الخلاف في ذلك (7/82)
باب النفقة على الأقارب ومن يقدم منهم (7/82)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رجل يا رسول الله أي الناس أحق مني بحسن الصحبة قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أمك قال ثم من قال أبوك "
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " من أبر قال أمك " (7/82)
2 - وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال " قلت يا رسول الله من أبر قال أمك قال قلت ثم من قال أمك قال قلت يارسول الله ثم من قال أمك قال قلت ثم من قال أباك ثم الأقرب فالأقرب "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي (7/83)
3 - وعن طارق المحاربي قال " قدمت المدينة فإذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم على المنبر يخطب الناس وهو يقول يد المعطي العليا وابدأ بمن تعول أمك وأباك وأختك وأخاك ثم أدناك أدناك "
- رواه النسائي (7/83)
4 - وعن كليب بن منفعة عن جده أنه " أتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله من أبر قال أمك وأباك وأختك وأخاك ومولاك الذي يلي ذاك حق واجب ورحم موصولة "
- رواه أبو داود (7/83)
- حديث بهز بن حكيم أخرجه أيضا الحاكم وحسنه أبو داود وحديث طارق المحابي أخرجه أيضا ابن حيان والدارقطني وصححاه وحديث كليب بن منفعة أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وقد أخرجه البغوي وابن قانع والطبراني في الكبير والبيهقي ورجال اسناد أبي داود لابأس بهم ( وفي الباب ) عن المقدام ابن معد يكرب عند البيهقي باسناد حسن " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول أن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بآبائكم ثم بالأقرب فالأقرب " وأخرج البخاري في الأدب المفرد وأحمد وابن حبان والحاكم وصححاه بلفظ " إن الله يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم بأمهاتكم ثم يوصيكم الأقرب فالأقرب " وأخرج الحاكم من حديث أبي رمثة بلفظ " أمك أمك وأباك ثم أختك وأخاك ثم أدناك أدناك " قوله " أمك " فيه دليل على أن الأم أحق بحسن الصحبة من الأب وأولى منه بالبر حيث لا يتسع مال الابن الالنفقة واحد منهما وإليه ذهب الجمهور كما حكاه القاضي عياض فانه قال ذهب الجمهور إلى أن الأم تفضل في البر على الأب وقيل انهما سواء وهو مروي عن مالك وبعض الشافعية
وقد حكى الحارث المحاسبي الاجماع على تفضيل الأم على الأب قوله " ثم الأقرب فالأقرب " فيه دليل على وجوب نفقة الأقارب سواء كانوا وارثين أم لا وقد قدمنا تفضيل الخلاف في ذلك واستدل من اعتبر الميراث بقوله تعالى { وعلى الوارث مثل ذلك } قوله ( يد المعطي العليا ) هو تفسير للحديث المتقدم بلفظ " اليد العليا خير من اليد السفلى " قوله " وابدأ بمن تعول " قد تقدم تفسيره قوله " ثم أدناك أدناك " هو مثل قوله " ثم الأقرب فالأقرب " وفي ذلك دليل على أن القريب الأقرب أحق بالبر والانفاق من القريب الابعد وان كانا جميعا فقيرين حيث لم يكن في مال المنفق إلا بمقدار ما يكفي أحدهما فقط بعد كفايته قوله " ومولاك الذي يلي ذاك " قيل أراد بالمولى هنا القريب ولعل وجه ذلك أنه جعله واليا للأم والأب والأخت والأخ ولا بد أن يكون الوالى لهم من في قرابة النسب . والظاهر أن المراد بالمولي هو المولي لغة وشرعا وجعله لمن ذكر لا يستلزم أن يكون من جنسهم في القرابة بل المراد أنه يليهم في استحقاق النفقة حيث لم يوجد معهم من هو مقدم عليه ولا يلزم من قوله بعد ذلك ورحم موصولة أن تكون الرحامة موجودة في جميع المذكورين بل يكفي وجودها في البعض كالأم والأب والأخت والأخ (7/84)
باب من أحق بكفالة الطفل (7/84)
1 - عن البراء بن عازب " أن ابنة حمزة اختصم فيها علي وجعفر وزيد فقال علي أنا أحق بها هي إبنة عمي وقال جعفر بنت عمي وخالتها تحتى وقال زيد ابنة أخي فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخالتها وقال الخالة بمنرلة الأم
- متفق عليه ورواه أحمد أيضا من حديث علي وفيه " والجارية عند خالتها فإن الخالة والدة (7/84)
- حديث علي رضي الله عنه أخرجه أيضا أبو داود والحاكم والبيهقي بمعناه " قوله " وخالتها تحتى " الخالة المذكورة هي أسماء بنت عميس قوله " وقال زيد ابنة أخي " إنما سمى حمزة أخاه لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم آخى بينه وبينه قوله " الخالة بمنزلة الأم " فيه دليل على أم الخالة في الحضانة بمنزلة الأم وقد ثبت بالإجماع أن الأم أقدم الحواضن فمقتضى التشبيه أن تكون الخالة أقدم من غيرها من آمهات الأم وأقدم من الأب والعمات . وذهبت الشافعية والهادي الي تقديم الأب على الخالة . ذهب الشافعي والهادوية إلى تقدم أم الأم وأم الأب على الخالة أيضا . وذهب الناصر والمؤيد بالله وأكثر أصحاب الشافعي وهو رواية عن أبي حنيفة إلى الأخوات أقدم من الخالة . والأولى تقديم الخالة بعد الأم على سائر الحواضن لنص الحديث وفاء بحق التشبيه المذكور وإلا كان لغوا
وقد قيل إن الأب أقدم من الخالة بالإجماع وفيه نظر فإن صاحب البحر قد حكى عن الأصطخري أن الخالة أولى منه ولم يحكي القول بتقديم الأب عليها إلا عن الهادي والشافعي وأصحابه
وقد طعن ابن حزم في حديث البراء المذكور بأن في إسناده اسرائيل وقد ضعفه علي بن المديني وردعليه بأنه قد وثقه سائر أهل الحديث وتعجب أحمد من حفظه وقال ثقة
وقال أبو حاتم هو أتقن أصحاب أبي اسحاق وكفى باتفاق الشيخين على إخراج هذا الحديث دليلا . واستشكل كثير من الفقهاء وقوع القضاء منه صلى الله عليه وآله وسلم لجعفر وقالوا إن كان القضاء له فليس بمحرم لها وهو وعلي سواء في قرابتها وإن كان القضاء للخالة فهي مزوجة وسيأتي ان زواج الأم مسقط لحقها من الحضانة فسقوط حق الخالة بالزواج أولى . وأجيب عن ذلك بأن القضاء للخالة والزواج لا يسقط حقها من الحضانة مع رضا الزوج كما ذهب إليه أحمد والحسن البصري والإمام يحيى وابن حزم وقيل أن النكاح إنما يسقط حضانة الأم وحدها حيث كان المنازع لها الأب ولا يسقط حق غيرها ولا حق الأم حيث كان المنازع لها غير الأب و يجمع بين حديث الباب وحديث " أنت أحق به ما لم تنكحي " الآتي واليه ذهب ابن جريج (7/85)
2 - وعن عبد الله بن عمرو بن العاص " أن امرأة قالت يا رسول الله إن ابني هذا كان بطني له وعاء وحجري له حواء وثديي له سقاء وزعم أبوه أنه ينزعه مني فقال أنت أحق به ما لم تنكحي "
- رواه أحمد وأبو داود لكن في لفظه " وأن أباه طلقني وزعم أن ينتزعه مني " (7/85)
- الحديث أخرجه أيضا البيهقي وصححه وهو من حديث عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده قوله " وعاء " بفتح الواو والمد وقد يضم وهو الظرف وقرأ السبعة { قبل وعاء أخيه } بالكسر . والحواء بكسر الحاء والمد اسم لكل شيء يحوي غيره أي يجمعه . والسقاء بكسر السين أي يسقي منه اللبن . ومراد الأم بذلك أنها أحق به لاختصاصها بهذه الأوصاف دون الأب . قوله " أنت أحق به " فيه دليل على أن الأم أولى بالولد من الأب ما لم يحصل مانع من ذلك كالنكاح لتقييده صلى الله عليه وآله وسلم للأحقية بقوله " ما لم تنكحي " وهو مجمع على ذلك كما حكاه صاحب البحر فإن حصل منها النكاح بطلت حضانتها وبه قال مالك والشافعية والحنفية والعترة
وقد حكى ابن المنذر الاجماع عليه
وروي عن عثمان أنها لا تبطل بالنكاح وإليه ذهب الحسن البصري وابن حزم واحتجوا بما روي أن أم سلمة تزوجت بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم وبقي ولدها في كفالتها وبما تقدم في حديث ابنة حمزة . ويجاب عن الأول بأن مجرد البقاء مع المنازع لا يصلح للاحتجاج به على محل النزاع لاحتمال أنه لم يبق له قريب غيرها . وعن الثاني بأن ذلك في الخالة ولا يلزم في الأم مثله
وقد ذهب أبو حنيفة والهادوية إلى أن النكاح إذا كان بذي رحم محرم للمحضون لم يبطل به حق حضانتها
وقال الشافعي يبطل مطلقا لأن دليل لم يفصل وهو الظاهر وحديث ابنة حمزة لا يصلح للتمسك به لأن جعفرا ليس بذي رحم محرم لابنة حمزة
وأما دعوى دلالة القياس على ذلك كما زعمه صاحب البحر فغير ظاهر
وقد أجاب ابن حزم عن حديث الباب بأن في أسناده عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ولم يسمع أبوه من جده وإنما هو صحيفة كما سبق تحقيقه ورد بأن حديث عمرو بن شعيب قبله الأئمة وعملوا به ( وقد استدل ) لمن قال بأن النكاح إذا كان بذي رحم للمحضون لم يبطل حق المرأة من الحضانة بما رواه عبد الرزاق عن أبي سلمة بن عبد الرحمن " أنها جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت أن أبي أنكحني رجلا لا أريده وترك عم ولدي فأخذ مني ولدي فدعا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أباها ثم قال لها اذهبي فانكحي عم ولدك " وهذا مع كونه مرسلا في إسناده رجل مجهول ولم يقع التصريح فيه بأنه أرجع الولد اليها عند أن زوجها بذي رحم له (7/85)
3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خير غلاما بين أبيه وأمه " رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه . في رواية " أن امرأة جاءت فقالت يا رسول الله إن زوجي يريد أن يذهب بابني وقد سقاني من بئر أبي عنبة وقد نفعني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استهما عليه فقال زوجها من يحاقني في ولدي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا أبوك وهذه أمك فخذ بيد أيهما شئت فأخذ بيد أمه فانطلقت به "
- رواه أبو داود وكذلك النسائي ولم يذكر " فقال استهما عليه " ولأحمد معناه لكنه قال فيه " جاءت امرأة قد طلقها زوجها " ولم يذكر فيه قولها قد سقاني ونفعني (7/86)
4 - وعن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري عن جده " أن جده أسلم وأبت امرأته أن تسلم فجاء بابن له صغير لم يبلغ قال فأجلس النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأب ههنا والأم ههنا ثم خيره وقال اللهم أهده فذهب إلى أبيه "
- رواه أحمد والنسائي وفي رواية عن عند الحميد بن جعفر " قال أخبرني أبي عن جدي رافع بن سنان أنه أسلم وأبت امرأته أن تسلم فأتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت ابنتي وهي فطيم أو شبهه وقال رافع ابنتي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقعد ناحية وقال لها اقعدي ناحية فأقعد الصبية بينهما ثم قال ادعوها فمالت إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اهدها فمالت إلى أبيها فأخذها "
- رواه أحمد وأبو داود وعبد الحميد بن جعفر بن عبد الله بن رافع بن سنان الأنصاري (7/86)
- حديث أبي هريرة رواه باللفظ الأول أيضا أبو داود ورواه بنحو اللفظ الثاني بقية أهل السنن وابن أبي شيبة وصححه الترمذي وابن حبان وابن القطان . وحديث عبد الحميد باللفظ الآخر أخرجه أيضا النسائي وابن ماجه والدارقطني وفي اسناده اختلاف كثير وألفاظه مختلفة ورجح ابن القطان رواية عبد الحميد بن جعفر وقال ابن المنذر لا يثبته أهل النقل وفي إسناده مقال ولكنه قد صححه الحاكم وذكر الدارقطني أن البنت المخيرة اسمها عميرة وقال ابن الجوزي رواية من روى أنه كان غلاما أصح
وقال ابن القطان لو صح رواية من روى أنها بنت لأحتمل أنهما قصتان لاختلاف الخرجين
قوله : " خير غلاما " الخ فيه دليلعلى أنه إذا تنازع الأب والأم في ابن لهما كان الواجب هو تخييره فمن اختاره ذهب به
وقد أخرج البيهقي عن عمر أنه خير غلاما بين أبيه وأمه
وأخرج أيضا هم علي أنه خير عمارة الجذامي بين أمه وعمته وكان ابن سبع أو ثمان سنين وقد ذهب إلى هذا الشافعي وأصحابه وإسحاق بن راهويه وقال أحب أن يكون مع الأم إلى سبع سنين ثم يخير وقيل إلى خمس . وذهب أحمد إلى أن الصغير دون سبع سنين أنه أولى به وان بلغ سبع سنين فالذكر فيه ثلاث روايات . يخير وهو المشهور عن أصحابه وإن لم يختر أقرع بينهما . والثانية أن الأب أحق به . والثالثة أن الأب أحق بالذكر والأم أحق بالأنثى إلى تسع ثم يكون الأب أحق بها . والظاهر من أحاديث الباب أن التخيير في حق من بلغ من الأولاد إلى سن التمييز هو الواجب من غير فرق بين الذكر والأنثى . وحكى في البحر عن مذهب الهادوية وأبي طالب وأبي حنيفة وأصحابه ومالك أنه لا تخيير بل متى استغنى بنفسه فالأب أولى بالذكر والأم بالأنثى . وعن مالك الأنثى للأم حتى تزوج وتدخل والأب للذكر حتى يبلغ . وحد الاستعناء عند أبي حنيفة وأصحابه وأبي العباس وأبي طالب أن يأكل ويشرب ويلبس . وعند الشافعي والمؤيد بالله والإمام يحيى هو بلوغ السبع . وتمسك النافون للتخيير بحديث " أنت أحق ما لم تنكحي " ويجاب عنه بأن الجمع ممكن وهو أن يقال المراد بكونها أحق به فيما قبل السن التي يخير فيها لا فيما بعدها بقرينة أحاديث الباب
قوله : " استهما عليه " فيه دليل على أن القرعة طريق شرعية عند تساوي الأمرين وأنه يجوز الرجوع اليها كما يجوز الرجوع إلى التخيير
وقد قيل إنه يقدم التخيير عليها وليس في حديث أبي هريرة المذكور ما يدل على ذلك بل ربما دل على عكسه لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهما أولا بالاستهام ثم لما لم يفعلا خير الولد
وقد قيل إن التخيير أولى لاتفاق ألفاظ الحديث عليه وعمل الخلفاء الراشدين به . وقوله " من يحاقني " الحقاق والحتقاق الخصام والاختصام كما في القاموس أي من يخاصمني في ولدي قوله " فمالت إلى أمها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اهدها " استدل بذلك على جواز نقل الصبي إلى من اختار ثانيا وقد نسبه صاحب البحر إلى القائلين بالتخيير واستدل بحديث عبد الحميد المذكور على ثبوت الحضانة للأم لأن التخيير دليل ثبوت الحق وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وأبو ثور . وذهب الجمهور إلى أنه لا حضانة للكافرة على ولدها المسلم وأجابوا عن الحديث بما تقدم من المقال وبما فيه من الاضطراب ويجاب بأن الحديث صالح للاحتجاج به والاضطراب ممنوع باعتبار محل الحجة
وأما احتجاجهم بمثل قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } وبنحو حديث " الإسلام يعلو " فغير نافع لأنه عام وحديث الباب خاص . وأعلم أنه ينبغي قبل التخيير والاستهام ملاحظة ما فيه مصلحة للصبي فإذا كان أحد الأبوين أصلح للصبي من الآخر قدم عليه من غيرقرعة ولا تخيير هكذا قال ابن القيم واستدل بأدلة عامة نحو قوله تعالى { يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا } وزعم أن قول من قال بتقديم التخيير أو القرعة مقيد بهذا وحكى عن شيخه ابن تيمية أنه قال تنازع أبوان صبيا عند الحاكم فخير الولد بينهما فاختار أباه فقالت أمه سله لأي شيء يختاره فسأله فقال أمي تبعثني كل يوم للكاتب والفقيه يضرباني وأبي يتركني ألعب مع الصبيان فقضى به للأم ورجح هذا تيمية . واستدل له بنوع من أنواع المناسب ولا يخفى أن الأدلة المذكورة في خصوص الخضانة خالية عن مثل هذا الاعتبار مفوضة حكم الأحقية إلى محض الاختيار فمن جعل المناسب صالحا لتخصيص الأدلة أو تقييدها فذاك ومن أبى ووقف علي مقتضاها كان في تمسكه وموافقته له أسعد من غيره (7/86)
باب نفقة الرقيق والرفق بهم (7/87)
1 - عن عبد الله بن عمرو " أنه قال لقهرمان له هل أعطيت الرقيق قوتهم قال لا قال فانطلق فأعطهم فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كفى بالمرء إنما أن يحبس عمن يملك قوته "
- رواه مسلم (7/87)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " للمملوك طعامه وكسوته ولا يكلف من العمل ما لا يطيق "
- رواه أحمد ومسلم (7/87)
3 - وعن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " هم اخوانكم وخولكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل وليلبسه مما يلبس ولا تكلفوهم ما يغلبهم فأن كلفتموهم فأعينوهم عليه "
- متفق عليه (7/88)
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أتي أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه منه فليناوله لقمة أو لقمتين أو أكلة أو أكلتين فانه ولى حره وعلاجه "
- رواه الجماعة (7/88)
5 - وعن أنس قال " كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حضرته الوفاة وهو يغرغر بنفسه الصلاة وما ملكت أيمانكم " - رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (7/88)
- حديث أنس أخرجه أيضا النسائي وابن سعد وله عند النسائي أسانيد منها مارجاله رجال الصحيح وله شاهد من حديث علي عند أبي داود وابن ماجه زاد فيه " الزكاة بعد الصلاة " (7/89)
- ( وأحاديث الباب ) فيها دليل على وجوب نفقة المملوك وكسوته وهو مجمع على ذلك كما حكاه صاحب البحر وغيره وظاهر حديث عبد الله ابن عمرو وحديث أبي هريرة أنه لا يتعين على اطعامه مما يأكل بل الواجب الكفاية بالمعروف وظاهر حديث أبي ذر يجب على السيد إطعامه مما يأكل وكسوته مما يلبس وهو محمول على الندب والقرينة الصارفة إليه الاجماع على أنه لا يجب على السيد ذلك وذهبت العترة والشافعي إلى أن الواجب الكفاية بالمعروف كما وقع في رواية فلا يحوز التقتير الخارج عن العادة ولا يجب بذل فوق المعتاد قدرا وجنسا وصفة قوله " ولا يكلف من العمل ما لا يطيق " فيه دليل على تحريم تكليف العبيد والاماء فوق ما يطيقونه من الأعمال وهذا مجمع عليه قوله " إذا أتى أحدكم خادمه بنصب أحدكم ورفع خادمه " والخادم يطلق على الذكرو الأنثى وهو أعم من الحر والمملوك قوله " فان لم يجلسه " أي لم يجلس المخدوم الخادم قوله " لقمة أو لقمتين " بضم اللام وهي العين المأكولة من الطعام وروي بفتح اللام والصواب الأول إذا كان المراد العين وهو ما يلتقم والثاني إذا كان المراد الفعل وهكذا قوله " أكلة أو أكلتين " وهو شك من الراوي وفي هذا دليل على أنه لا يجب اطعام المملوك من جنس ما يأكله المالك بل ينبغي أن يناوله منه ملء فمه للعلة المذكورة آخرا وهي توليه لحره وعلاجه ويدفع إليه ما يكفيه من أي طعام أحب على حسب ماتقتضيه العادة لما سلف من الاجماع وقد نقله ابن المنذر فقال الواجب عند جميع أهل العلم اطعام الخادم من غالب القوت الذي يأكل منه مثله في تلك البلد وكذلك الادام والكسوة وللسيد أن يستأثر بالنفيس من ذلك وان كان الأفضل المشاركة وقال الشافعي بعد أن ذكر الحديث هذا عندنا على وحهين الأول أن أجلاسه معه أفضل فإن لم يفعل فليس بواجب الثاني أنه يكون الخيار إلى السيد بين أن يجلسه أو يناوله ويكون اختيارا غير حتم
قوله : " كانت عامة وصية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " فيه دليل على وقوع الوصية منه صلى الله عليه وآله وسلم وقد قدمنا الكلام على ذلك في كتاب الوصايا
قوله : " يغرغر " بغينين معجمتين وراءين مهملتين مبني للمجهول . قوله " الصلاة وما ملكت أيمانكم " أي حافظوا على الصلاة وأحسنوا إلى المملوكين (7/89)
باب نفقة البهائم (7/89)
1 - عن ابن عمر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عذبت امرأة في هرة سجنتها حتى ماتت فدخلت فيها النار لاهي أطعمتها وسقتها إذ حبستها ولاهي تركتها تأكل من حشائش الأرض "
- وروى أبو هريرة مثله (7/90)
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش فوجد بئرا فنزل فيها فشرب ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش فقال الرجل لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ مني فنزل البئر فملأ خفه ماء ثم أمسكه بفيه حتى رقى فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له قالوا يا رسول الله وإن لنا في البهائم أجرا فقال في كل كبد رطبة أجر "
- متفق عليهن (7/90)
3 - وعن سراقة بن مالك قال " سألت النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الضالة من الإبل تغشى حياضي قد لطنها للإبل هل لي من أجر في شأن ما أسقيها قال نعم في كل ذات كبد حراء أجر "
- رواه أحمد (7/90)
- حديث سراقة أخرجه أيضا ابن ماجه وأبو يعلي والبغوي والطبراني في الكبير والضياء في المختارة
قوله : " عذبت امرأة " قال الحافظ لم أقف على اسمها ووقع في رواية أنها حميرية وفي أخرى أنها من بني اسرائيل كما في مسلم والجمع ممكن لأن طائفة من حمير دخلوا في اليهودية فيكون نسبتها إلى بني اسرائيل لأنهم أهل دينها وإلى حمير لأنهم قبيلتها قوله " في هرة " أي بسبب هرة والهرة أنثى السنور قوله " خشاش الأرض " بفتح الخاء المعجمة ويجوز ضمها وكسرها وبعدها معجمتان بينهما ألف والمراد هوام الأرض وحشراتها قال النووي وروي بالحاء المهملة والمراد نبات الأرض قال وهو ضعيف أو غلط
وفي رواية من حشرات الأرض وقد استدل بهذا الحديث على تحريم حبس الهرة وما يشابهها من الدواب بدون طعام ولاشراب لأن ذلك من تعذيب خلق الله وقد نهى عنه الشارع
قال القاضي عياض يحتمل أن تكون عذبت في النار صحيحة أو بالحساب لأن من نوقش الحساب عوقب ولا يخفى أن قوله فدخلت فيها النار يدل على الاحتمال الأول وقد قيل أن المرأة كانت كافرة فدخلت النار بكفرها وزيد في عذابها لأجل الهرة قال النووي وإلا ظهر أنها كانت مسلمة وإنما دخلت النار بهذه المعصية
قوله : " يلهث " قال في القاموس اللهثان العطشان وبالتحريك العطش كاللهث واللهاث وقد لهث كسمع وكغراب حر العطش وشدة الموت قال ولهث كمنع لهثا ولهاثا بالضم أخرج لسانه عطشا أو تعبا أو إعياء كاللهث واللهثة بالضم التعب والعطش انتهى
قوله : " الثرى " هو التراب الندي كما في القاموس قوله " في كل كبد رطبة " الرطب في الأصل ضد اليابس وأريد به هنا الحياة للأن الرطوبة في البدن تلازمها وهي كذلك الحرارة في الأصل ضد البرودة وأريد بها هنا الحياة لأن الحرارة تلازمها وقد استدل باحاديث الباب على وجوب نفقة الحيوان على مالكه وليس فيها ما يدل على الوجوب المدعى أما حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة الأول الذي أشار إليه المصنف فليس فيهما إلا وجوب انفاق الحيوان المحبوس على حابسه وهو أخص من الدعوى اللهم إلا أن يقال إن مالك الحيوان حابس له في ملكه فيجب الإنفاق على كل مالك لذلك ما دام حابسا له إلا إذا سيبه فلا وجوب عليه لقوله في الحديث " ولا هي تركتها تأكل من خشاش الأرض " كما وقع التصريح بذلك في كتب الفقه ولكن لا يبرأ بالتسييب إلا إذا كان في مكان معشب يتمكن الحيوان فيه من تناول ما يقوم بكفايته وأما حديث أبو هريرة الثاني فليس فيه إلا أن المحسن إلى الحيوان عند الحاجة إلى الشراب ويلحق به الطعام مأجور وليس النزاع في استحقاق الأجر بما ذكر إنما النزاع في الوجوب وكذلك حديث سراقة بن مالك ليس فيه مجرد الأجر للفاعل وهو يحصل بالمندوب فلا يستفاد منه الوجوب غاية الأمر إن الإحسان إلى الحيوان المملوك أولى من الإحسان إلى غيره لأن هذه الأحاديث مصرحة بأن الإحسان إلى غير المملوك موجب للأجر وفحوى الخطاب يدل على أن المملوك أولى بالإحسان لكونه محبوسا عن منافع نفسه بمنافع مالكه وأما إن المحسن إليه أولى بالأجر من المحسن إلى غير المملوك فلا فأولى ما يستدل به على وجوب إنفاق الحيوان المملوك حديث الهرة لأن السبب في دخول تلك المرأة النار ليس مجرد ترك الإنفاق بل مجموع الترك والحبس فإذا كان هذا الحكم ثابتا في مثل الهرة فثبوته في مثل الحيوانات التي تملك أولى لانها مملوكة محبوسة مشغولة بمصالح المالك
وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى أن مالك البهيمة إذا تمرد عن علفها أو بيعها أو تسييبها أجبر كما يجبر مالك العبد بجامع كون كل منهم مملوكا ذا كبد رطب مشغولا بمصالح مالكه محبوسا عن مصالح نفسه وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أن مالك الدابة يؤمر بأحد تلك الأمور استصلاحا لا حتما قالوا إذ لا يثبت لها حق ولا خصومة ولا ينصب عنها فهي كالشجرة وأجيب بأنها ذات روح محترم فيجب حفظه كالآدمي وأما الشجر فلا يجبر على إصلاحه اجماعا لكونه ليس بذي روح فافترقا والتخيير بين الأمور المذكورة إنما هو في الحيوان الذي دمه محترم وأما الحيوان الذي يحل أكله فيخير المالك بين تلك الأمور الثلاثة أو الذبح قوله " قد لطتها " بضم اللام وبالطاء المهملة وهو في الأصل اللزوم والستر والالصاق كما حققه صاحب القاموس والمراد هنا اصلاح الحياض يقال لاط حوضه يليطه إذا أصلحه بالطين والمدر ونحوها ومنه قيل اللائط لمن يفعل الفاحشة (7/91)
كتاب الدماء (7/91)
باب إيجاب القصاص بالقتل العمد وأن مستحقه بالخيار بينه وبين الدية (7/91)
1 - عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا اله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة "
- رواه الجماعة (7/92)
2 - وعن عائشة " لا يحل دم امرئ مسلم الامن ثلاثة إلا من زنى بعدما أحصن أو كفر بعدما أسلم أو قتل نفسا فقتل بها "
- رواه أحمد والنسائي ومسلم بمعناه وفي لفظ " لا يحل قتل مسلم إلا في إحدى ثلاث خصال زان محصن فيرجم ورجل يقتل مسلما متعمدا ورجل يخرج من الاسلام فيحارب الله عز و جل ورسوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض "
- رواه النسائي وهو حجة في أنه لا يؤخذ مسلم بكافر (7/92)
- حديث عائشة باللفظ الآخر أخرجه أيضا أبو داود والحاكم وصححه قوله " امرئ مسلم " فيه دليل على أن الكافر يحل دمه لغير الثلاث المذكورة لأن التوصيف بالمسلم يشعر بأن الكافر يخالفه في ذلك ولا يصح أن تكون المخالفة إلى عدم حل دمه مطلقا
قوله : " يشهد أن لا اله إلا الله " الخ هذا وصف كاشف لأن المسلم لا يكون مسلما إلا إذا كان يشهد تلك الشهادة
قوله : " إلا بإحدى ثلاث " مفهوم هذا يدل على أنه لا يحل بغير هذه الثلاث وسيأتي ما يدل على أنه يحل بغيرها فيكون عموم هذا المفهوم مخصصا بما ورد من الأدلة الدالة على أنه يحل دم المسلم بغير الأمور المذكورة قوله " الثيب الزاني " هذا مجمع عليه على ما سيأتي بيانه إن شاء الله قوله " والنفس بالنفس " المراد به القصاص وقد يستدل به من قال أنه يقتل الحر بالعبد والرجل بالمرأة والمسلم بالكافر لما فيه من العموم وسيأتي تحقيق الخلاف وما هو الحق في هذه المواطن قوله " والتارك لدينه " ظاهره أن الرد من موجبات قتل المرتد لأي نوع من أنواع الكفر كانت و المراد بمفارقة الجماعة مفارقة جماعة الإسلام ولا يكون ذلك إلا بالكفر لا بالبغي والابتداع ونحوهما فإنه وإن كان في ذلك مخالفة للجماعة فليس فيه ترك للدين إذ المراد الترك الكلي ولا يكون إلا بالكفر لا مجرد ما يصدق عليه اسم الترك وإن كان لخصلة من خصال الدين للإجماع على أنه لا يجوز قتل العاصي بترك أي خصلة من خصال الإسلام اللهم إلا أن يراد أنه يجوز قتل الباغي ونحوه دفعا لا قصدا ولكن ذلك ثابت في كل فرد من الأفراد فيجوز لكل فرد من أفراد المسلمين أن يقتل من بغى عليه مريدا لقتله أو أخذ ماله ولا يخفى أن هذا غير مراد من حديث الباب بل المراد بالترك للدين والمفارقة للجماعة الكفر فقط كما يدل على ذلك قوله في الحديث الآخر " أو كفر بعدما أسلم " وكذلك قوله " أو رجل يخرج من الإسلام " قوله يخرج من الإسلام هذا مستثنى من قوله مسلم باعتبارما كان عليه لا باعتبار الحال الذي قتل فيه فإنه صار كافرا فلا يصدق عليه أنه امرؤ مسلم
قوله : " فيقتل أو يصلب أو ينفى " هذه الأفعال أوائلها مضمومة مبنية للمجهول وفيه دليل على أنه يجوز أن يفعل بمن كفر وحارب أي نوع من هذه الأنواع الثلاث ويمكن أن يراد بقوله ورجل يخرج من الإسلام المحارب ووصفه بالخروج عن الإسلام بقصد المبالغة ويدل على إرادة هذا المعنى تعقيب الخروج عن الإسلام بقوله " فيحارب الله ورسوله " لما تقرر من أن مجرد الكفر يوجب القتل وإن لم ينضم إليه المحاربة ويدل على إرادة ذلك المعنى أيضا ذكر حد المحارب عقب ذلك بقوله فيقتل أو يصلب أو ينفى من الأرض فأن هذا هو الذي أمر الله به في حق المحاربين بقوله { إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادا أن يقتلوا أو يصلبوا أو تقطع أيديهم أرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض } (7/92)
3 - وعن أبي هريرة " أن التبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل له قتيل فهو بخير النظرين إما أن يفتدي وإما أن يقتل "
- رواه الجماعة لكن لفظ الترمذي " إما أن يعفو وإما أن يقتل " (7/93)
4 - وعن أبي شريح الخزاعي " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أصيب بدم أو خبل والخبل الجراح فهو بالخيار بين إحدى ثلاث إما أن يقتص أو يأخذ العقل أويعفو فإن أراد رابعة فخذوا على يديه "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (7/93)
5 - وعن ابن عباس قال " كان في بني اسرائيل القصاص ولم يكن فيهم الدية فقال الله تعالى لهذه الأمة كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر الآية فمن عفى له من أخيه شيء قال فالعفو أن يقبل في العمد الدية والإتباع بالمعروف يتبع الطالب بمعروف ويؤدى إليه المطلوب بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة فيما كتب على من كان قبلكم "
- رواه البخاري والنسائي والدار قطني (7/93)
- حديث أبو شريح الخزاعي في إسناده محمد بن إسحاق وقد أورده معنعنا وهو معروف بالتدليس فإذا عنعن ضعف حديثه كما تقدم تحقيقه غير مرة وفي إسناده أيضا سفيان بن أبي العرجاء السلمى قال أبو حاتم الرازي ليس بالمشهور وقد أخرج الحديث المذكور النسائي وأصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة بمعناه كما في حديثه المذكور وأبو شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وسكون التحتية وبعدها حاء مهملة اسمه خويلد بن عمرو ويقال كعب بن عمرو ويقال هانئ ويقال عبد الرحمن بن عمرو وقيل غير ذلك والأول هو المشهور
قوله : " بخير النظرين " " إما أن يفتدي وإما أن يقتل " ظاهره أن الخيار إلى الأهل الذين هم الوارثون للقتيل سواء كانوا يرثونه بسبب أو نسب وهذا مذهب العترة والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه
وقال الزهري ومالك يختص بالعصبة إذ شرع لنفي العار كولاية النكاح فإن عفوا فالدية كالتركة
وقال ابن سيرين يختص بالورثة من النسب إذ شرع للتشفي والزوجية ترتفع بالموت فلا تشفى وأجيب بأنه شرع لحفظ الدماء لقوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } وظاهر الحديث أن القصاص والدية واجبان على التخيير وإليه ذهبت الهادوية والناصر وأبو حامد والشافعي في قول له وقال مالك وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي في أحد قوليه والناصر والداعي والطبري إن الواجب بالقتل هو القصاص لا الدية فليس للولي اختيارها لقوله تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى } ولم يذكر الدية ويجاب بأن عدم الذكر في الآية لا يستلزم عدم الذكر مطلقا فإن الدية قد ذكرت في حديثي الباب وأيضا تقدير الآية فمن اقتص فالحر بالحر ومن عفى له من أخيه شيء فالدية ويدل على ذلك تفسير ابن عباس المذكور . وظاهر الحديث أيضا أن الولي إذا عفا عن القصاص لم تسقط الدية بل يجب على القاتل تسليمها وروى عن مالك وأبي حنيفة والشافعي في قول له والمؤيد بالله في قول له أيضا أنها تتبع القصاص في السقوط ويؤيد عدم السقوط قوله تعالى { فمن عفى له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } وأجاب القائلون بالسقوط بأن المعروف والإحسان التفضل لا الوجوب كما تقتضيه العبارة لأن الوجوب يقتضي العقاب على الترك والمعروف والإحسان لا يقتضيان ذلك بدليل قوله تعالى { ذلك من ربكم ورحمة } ورد بأن التخفيف المذكور هو بالتخيير بين القصاص والدية لهذه الأمة بعد أن كان الواجب على بني اسرائيل هو القصاص فقط ولم يكن فيهم الدية ولا شك أن التخيير بين أمرين أوسع وأخف من تعيين واحد كما في كلام ابن عباس المذكور في الباب ويدل على عدم سقوط الدية بسقوط القصاص حديث أبي هريرة وأبي شريح المذكوران وقد أخرج الترمذي وابن ماجة حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " من قتل متعمدا أسلم إلى أولياء المقتول فإن احبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل ثلاثين حقة وثلاثين جذعة وأربعين خلفة في بطونها أولادها " وفي الكشاف في تفسير الآية المذكورة ما لفظه فأبتاع بالمعروف فليكن اتباع أو بالأمر اتباع وهذه توصية للمعفو عنه العافي جميعا فليتبع الولي القاتل بالمعروف بأن لا يعنف عليه وأن لا يطالبه إلا مطالبة جميلة وليؤد إليه القاتل بدل دم المقتول اداء بإحسان بأن لا يمطله ولا يبخسه ذلك الحكم المذكور من العفو والدية تخفيف من ربكم ورحمة لأن أهل التوراة كتب عليهم القصاص البتة وحرم العفو وأخذ الدية وعلى أهل الأنجيل العفو وحرم القصاص والدية وخيرت هذه الامة بين الثلاث القصاص والدية والعفو توسعة عليهم وتيسيرا انتهى . والمراد بقوله في حديث أبي شريح فإن أراد رابعة فخذوا على يديه أي إذا أراد زيادة على القصاص أو الدية أو العفو ومن ذلك قوله تعالى { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } (7/94)
باب ما جاء لا يقتل مسلم بكافر والتشديد في قتل الذمي وما جاء في الحر بالعبد (7/94)
1 - عن أبي جحيفة قال " قلت لعلي هل عندكم شيء من الوحي ما ليس في القرآن فقال والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهما يعطيه الله رجلا في القرآن ومافي هذه الصحيفة قلت وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل مسلم بكافر "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود والترمذي (7/94)
2 - وعن علي رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ويسعى بذمتهم أدناهم ألا لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود وهو حجة في أخذ الحر بالعبد (7/95)
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن لا يقتل مسلم بكافر "
- رواه أحمد وابن ماجة والترمذي
وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده "
- رواه أحمد وأبو داود (7/95)
- حديث علي الآخر أخرجه أيضا الحاكم وصححه وحديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود والمنذري وصاحتب التلخيص ورجالة رجال الصحيح إلى عمرو بن شعيب " وفي الباب " عن ابن عمر عند ابن حبان في صحيحه وأشار إليه الترمذي وحسنه . وعن ابن عباس عند ابن ماجة وروي الشافعي من حديث عطاء وطاوس ومجاهد والحسن مرسلا " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يوم الفتح لا يقتل مؤمن بكافر " وروى البيهقي من حديث عمران بن حصين نحو ما في الباب وكذلك رواه البزار من حديثه وروى أبو داود والنسائي والبيهقي من حديث عائشة نحوه وقال الحافظ في الفتح بعد أن ذكر حديث علي الآخر وحديث عمرو بن شعيب وحديث عائشة وابن عباس لأن طرقها كلها ضعيفة إلا الطريق الأولى والثانية فإن سند كل منهما حسن انتهى
وروى عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سالم عن أبيه أن مسلما قتل رجلا من أهل الذمة فرفع إلى عثمان فلم يعتله وغلظ عليه الدية
قال ابن حزم هذا في غاية الصحة فلا يصح عن أحد من الصحابة شيء غير هذا إلا ما رويناه عن عمر أنه كتب في مثل ذلك أن يقاد به ثم ألحقه كتابا فقال لا تقتلوه ولكن أعتقلوه
قوله : " هل عندكم " الخطاب لعلي ولكنه غلبه على غيره من أهل البيت لحضوره وغيبتهم أو للتعظيم قال الحافظ وإنما سأله أبو جحيفة عن ذلك لأن جماعة من الشيعة كانوا يزعمون أن لأهل البيت لا سيما علي اختصاصا بشيء من الوحي لم يطلع عليه غيرهم وقد سأل عليا عن هذه المسألة قيس بن عبادة والأشتر النخعي قال والظاهر أن المسؤل عنه هنا ما يتعلق بالأحكام الشرعية من الوحي الشامل للكتاب والسنة فإن الله سبحانه سماها وحيا إذا فسر قوله تعالى وما ينطق من الهوى بما هو أعم من القرآن ويدل على ذلك قوله وما في هذه الصحيفة فإن المذكور فيها ليس من القرآن بل من أحكام السنة وقد أخرج أحمد والبيهقي أن عليا كان يأمر بالأمر فيقال قد فعلناه فيقول صدق الله ورسوله فلا يلزم منه نفي من ينسب إلى علي من علم الجفر ونحوه أو يقال هو مندرج تحت قوله الافهما يعطيه الله تعالى رجلا في القرآن فإنه ينسب إلى كثير ممن فتح الله عليه بأنواع العلوم أنه يستنبط ذلك من القرآن . ومما يدل على اختصاص علي بشيء من الأسرار دون غيره حديث المخدج المقتول من الخوارج يوم النهروان كما في صحيح مسلم وسنن أبي داود يومئذ التمسوا فيهم المخدج . يعني في القتلى فلم يجدوه فقام الإمام علي بنفسه حتى أتى أناسا قد قتل بعضهم على بعض فقال أخرجوهم فوجدوه مما يلي الأرض فكبر وقال صدق الله وبلغ رسوله فقام إليه عبيدة السلماني فقال يا أمير المؤمنين والله الذي لا اله إلا هو لقد سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أي والله الذي لا اله ألاهو حتى استحلفه ثلاثا وهو يحلف . والمخدج المذكور هو ذو الثدية وكان في يده مثل ثدي المرأة على رأسه حلمة مثل حلمة الثدي عليه شعرات مثل سبالة السنور
قوله : " إلا فهمها " هكذا في رواية بالنصب على الاستثناء
وفي رواية بالرفع على البدل والفهم بمعنى المفهوم من لفظ القرآن أو معناه
قوله : " وما في هذه الصحيفة " أي الورقة المكتوبة والعقل الدية وسميت بذلك لأنهم كانوا يعطون الإبل ويربطونها بفناء دار المقتول بالعقال وهو الحبل
وفي رواية الديات أي تفصيل أحكامها
قوله : " وفكاك الأسير " بكسر الفاء وفتحها أي أحكام تخليص الأسير من يد العدو والترغيب فيه
قوله : " وأن لا يقتل مسلم بكافر " دليل على أن المسلم لا يقاد بالكافر أما الكافر الحربي فذلك إجماع كما حكاه صاحب البحر الذمي فذهب فذهب إليه الجمهور لصدق اسم الكافر عليه وذهب الشعبي والنخعي وابن حنيفة وأصحابه إلا أنه يقتل المسلم بالذمي واستدلوا بقوله في حديث علي وعمرو بن شعيب " ولا ذو عهد في عهده " ووجهه أنه معطوف على قوله مؤمن فيكون التقدير ولا ذو عهد في عهده بكافر كما في المعطوف عليه والمراد بالكافر المذكور في المعطوف هو الحربي فقط بدليل جعله مقابلا للمعاهد لأن المعاهد يقتل بمن كان معاهدا مثله من الذميين اجماعا
فيلزم أن يقيد الكافر في المعطوف عليه بالحربى كما قيد في المعطوف لأن الصفة بعد متعددة ترجع إلى الجميع اتفاقا فيكون التقدير لا يقتل مؤمن بكافر حربي ولا ذو عهد في عهده بكافر حربي وهو يدل بمفهومه على أن المسلم يقتل بالكافر الذمي ويجاب أولا بأن هذا مفهوم صفة والخلاف في العمل به مشهور بين أئمة الأصول ومن جملة القائلين بعدم العمل فيه أبو حنيفة فكيف يصح احتجاجهم به وثانيا بأن الجملة المعطوفة أعني قوله ولا ذو عهد في عهده لمجرد النهي عن قتل المعاهد فلا تقدير فيها أصلا ورد بأن الحديث مسوق لبيان القصاص لا للنهي عن القتل فإن تحريم قتل المعاهد معلوم من ضرورة أخلاق الجاهلية فضلا عن الإسلام وأجيب عن هذا الرد بأن الأحكام الشرعية إنما تعرف من كلام الشارع وكون تحريم قتل المعاهد معلوما من أخلاق الجاهلية لا يستلزم معلوميته في شريعة الإسلام كيف والأحكام الشرعية جاءت بخلاف القواعد الجاهلية فلا بد من معرفة أن الشريعة الإسلامية قررته ويؤيد ذلك أن السبب في خطبته صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح بقوله " لا يقتل مسلم بكافر " ما ذكره الشافعي في الأم حيث قال وخطبته يوم الفتح كانت سبب القتيل الذي قتلته خزاعة وكان له عهد فخطب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت " لو قتلت مسلما بكافر لقتلته به " وقال " لا يقتل مؤمن بكافر ولا ذو عهد في عهده " فأشار بقوله لا يقتل مسلم بكافر إلى تركه الاقتصاص من الخزاعي بالمعاهد الذي قتله وبقوله ولا ذو عهد في عهده إلى النهي عن الإقدام على ما فعله القاتل المذكور فيكون قوله ولا ذو عهد في عهده كلاما تاما لا يحتاج إلى تقدير ولا سيما وقد تقرر أن التقدير خلاف الأصل فلا يصار إليه إلا لضرورة ولا ضرورة كما قررناه ويجاب ثالثا بأن الصحيح المعلوم من كلام المحققين من النحاة وهو نص عليه الرضى أنه لا يلزم أشتراك المعطوف والمعطوف عليه إلا في الحكم الذي لأجله وقع العطف وهو هنا النهي عن القتل مطلقا من غير نظر إلى كونه قصاصا أو غير قصاص فلا يستلزم كون إحدى الجملتين في القصاص أن تكون الآخرى مثلها حتى يثبت ذلك التقدير المدعي وأيضا تخصيص العموم بتقدير ما أضمر في المعطوف ممنوع لو سلمنا صحة التقدير المتنازع فيه كما صرح بذلك صاحب المنهاج وغيره من أهل الأصول " ومن جملة " ما أحتج به القائلون بأنه يقتل المسلم بالذمي عموم قوله تعالى { النفس بالنفس } ويجاب بأنه مخصص بأحاديث الباب ومن أدلتهم ما أخرجه البهيقي من حديث عبد الرحمن بن البيلماني " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتل مسلما بمعتهد وقال أنا أكرم من وفى بذمته " وأجيب عنه بأنه مرسل ولا تثبت بمثله حجة وبأن ابن البيلماني المذكور ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث فكيف إذا أرسله كما قال الدار قطني قال أبو عبيد القاسم بن سلام هو حديث ليس بمسند ولا يجعل به إماما تسفك به دماء المسلمين
وأما ما وقع في رواية عمار بن مطر عن ابن البيلماني عن ابن عمر فقال البهيقي هو خطأ من وجهين أحدهما وصله بذكر ابن عمر والآخر أنه رواه عن إبراهيم عن ربيعة وإنما رواه أبراهيم عن ابن المنكدر والحمل فيه على ابن عمار ابن مطر الرهاوي فقد كان يقلب الأسانيد ويسرق الأحاديث حتى كثر ذلك في رواياته وسقط عن حد الاحتجاج به وروي عن البهيقي أنه قال لم يسنده غير أبي يحيى يعني إبراهيم المذكور وقد ذكرناه في غير موضع من هذا الشرع أنه لا يحتج بمثله لكونه ضعيفا جدا وقد قال علي بن المديني إن هذا الحديث إنما يدور عن إبراهيم ابن أبي يحيى وقيل أن كلام المديني هذا غير مسلم فإن أبا داود أخرجه في المراسيل وكذلك الطحاوي من طريق سليمان بن بلال عن ربيعة عن أبي البيلمان فلم يكن دائر على إبراهيم ويجاب بأن ابن المديني إنما أراد أن الحديث المسند بذكر ابن عمر يدور على إبراهيم بن أبي يحيى فقط ولم يرد أن المسند والمرسل يدوران عليه فلا استدراك وقد أجاب الشافعي في الأم عن حديث ابن البيلماني المذكور بأن كان في قصة المستأمن الذي قتله عمرو بن أمية فلو ثبت لكان منسوخا لأن حديث لا يقتل مسلم بكافر خطب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح كما في رواية عمرو بن شعيب وقصة عمرو بن أمية متقدمة على ذلك بزمان واستدلوا بما أخرجه الطبراني " أن عليا أتى برجل من المسلمين قتل رجل من أهل الذمة فقامت عليه البينة فأمر بقتله فجاء أخوه فقال إني قد عفوت قال فلعلهم هددوك وفرقوك وقرعوك قال لا ولكن قتله لا يرد علي أخي وعرضوا لي ورضيت قال أنت أعلم من كان له ذمتنا فدمه كدمنا وديته كديتنا وهذا مع كونه قول صحابي ففي إسناده أبو الجنوب الأسدي وهو ضعيف الحديث كما قال الدار القطني
وقد روى علي رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه لا يقتل مسلم بكافر كما في حديث الباب والحجة إنما هي في روايته وروي عن الشافعي في هذه القضية إنه قال مادلكم إن عليا يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شيئا ويقول بخلافه واستدلوا أيضا بما رواه البيهقي عن عمر في مسلم قتل معاهدا فقال إن كانت طيرة في غضب فعلى القاتل أربعة آلاف وإن كان القاتل لصا عاديا فيقتل ويجاب عن هذا أولا بأنه قول صحابي ولاحجة فيه وثانيا بأنه لا دلالة فيه على محل النزاع لأنه رتب القتل على كون القاتل لصا عاديا وذلك خارج عن محل النزاع وأسقط القصاص عن القاتل في غضب وذلك غير مسقط لو كان القصاص واجبا وثالثا بأنه قال الشافعي في القصص المروية عن عمر في القتل بالمعاهد أنه لا يعمل بحرف منها لأن جميعها منقطعات أو ضعاف أو تجمع الأنقطاع والضعف وقد تمسك بما روي عن عمر مما ذكرنا مالك والليث فقالا يقتل المسلم بالذمي إذا قتله قال والغيلة أ يضجعه فيذبحه ولامتمسك لهما في ذلك لما عرفت إذا تقرر هذا علم أن الحق ما ذهب إليه الجمهور ويؤيده قوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } ولو كان للكافر أن يقتص من المسلم لكان في ذلك أعظم سبيل وقد نفى الله تعالى أن يكون له عليه السبيل نفيا مؤكدا وقوله تعالى { لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة }
ووجهه أن الفعل الواقع في سياق النفي يتضمن النكرة فهو في قوة الاستواء فيعم كل أمر من الأمور إلا ما خص ويؤيد ذلك أيضا قصة اليهودي الذي لطمه المسلم لما قال لا والذي اصطفى موسى على البشر فلطمه المسلم فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يثبت له الاقتصاص كما في الصحيح وهو حجة على الكوفيين لأنهم يثبتون القصاص باللطمة . ومن ذلك حديث الإسلام يعلو ولا يعلى عليه وهو وإن كان فيه مقال لكنه قد علقه البخاري في صحيحه . وقوله " المؤمنون تتكافأ دماؤهم " أي تتساوى في القصاص والديات . والكفء النظير والمساوى ومنه الكفاءة في النكاح أنه لا فرق بين الشريف والوضيع في الدم بخلاف ما كان عليه الجاهلية من المفاضلة وعدم المساواة
قوله : " وهم يد على من سواهم " أي هم مجتمعين على أعدائهم لا يسعهم التخاذل بل يعاون بعضهم بعضا
قوله : " ويسعى بذمتهم أدناهم " يعني أنه إذا أمن المسلم حربيا كان أمانه أمانا من جميع المسلمين ولو كان ذلك المسلم امرأة بشرط أن يكون مكلفا فيحرم النكث من أحدهم من بعد أمانه (7/95)
4 - وعن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاما "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه (7/96)
5 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إلا من قتل نفسا معاهدة لها ذمة الله وذمة رسوله فقد أخفر ذمة الله ولا يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين خريفا "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه (7/96)
- حديث أبي هريرة قال الترمذي بعد أن قال إنه حسن إنه قد روي عن أبي هريرة من غير وجه مرفوعا
قوله : " معاهدا " المعاهد هو الرجل من أهل دار الحرب يدخل إلى دار الإسلام بأمان فيحرم على المسلمين قتله بلا خلاف بين أهل الإسلام حتى يرجع إلى مأمنه ويدل على ذلك قوله تعالى { وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه }
قوله : " لم يرح رائحة الجنة " بفتح الأول من يرح وأصله راح الشيء أي وجد ريحه ولم يرحه أي لم يجد ريحه ورائحة الجنة نسميها الطيب وهذا كناية عن عدم دخول من قتل معاهدا الجنة لأنه إذا لم يشم نسيمها وهو يوجد من مسيرة أربعين عاما لم يخلها قوله " فقد أخفر ذمة الله " بالخاء والفاء والراء أي نقض عهده وغدر ( والحديثان ) اشتملا على تشديد الوعيد على قاتل المعاهد لدلالتهما على تخليده في النار وعدم خروجه عنها وتحريم الجنة عليه مع أنه قد وقع الخلاف بين أهل العلم في قاتل المسلم هل يخلد فيها أم يخرج عنها فمن قال أنه يخلد تمسك بقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا فجزاؤه جهنم خالدا فيها } الآية ومن قال بعدم خليده على الدوام قال الخلود في اللغة اللبث الطويل ولا يدل على الدوام وسيأتي الكلام عليه وأما قاتل المعاهد فالحديثان مصرحان بأنه لا يجد رائحة الجنة وذلك مستلزم لعدم دخولها أبدا وهذان الحديثان وأمثالهما ينبغي أن يخصص بهما عموم الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار ودخولهم الجنة بعد ذلك
وقال في الفتح أن المراد بهذا النفي إن كان عاما التخصيص بزمان ما لتعاضد الأدلة العقلية والنقلية أن من مات مسلما وكان من أهل الكبائر فهو محكوم بإسلامة غير مخلد في النار ومآله إلى الجنة ولو عذب قبل ذلك انتهى
وقد ثبت في الترمذي من حديث أبي هريرة بلفظ " سبعين خريفا " ومثله روى أحمد عن رجل من الصحابة وفي رواية للطبراني من حديث أبي هريرة بلفظ " مائة عام " وفي أخرى له عن أبي بكرة بلفظ " خمسمائة عام " ومثله في الموطأ
وفي رواية في مسند الفردوس من حديث جابر بلفظ " ألف عام " وقد جمع صاحب الفتح بين هذه الأحاديث (7/96)
6 - وعن الحسن عن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل عبده قتلناه ومن جدع عبده جدعناه "
- رواه الخمسة
وقال الترمذي حديث حسن غريب وفي رواية لأبي داود والنسائي " ومن خصى عبده خصيناه " قال البخاري قال علي بن المديني سماع الحسن من سمرة صحيح وأخذ بحديثه من قتل عبده قتلناه وأكثر أهل العلم على أنه لا يقتل السيد بعبده وتأولوا الخبر على أنه أراد من كان عبده لئلا يتوهم تقدم الملك مانعا "
وقد روى الدار قطني بإسناده عن إسماعيل بن عياش عن الأوزاعي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " إن رجلا قتل عبده متعمدا فجلده النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به وأمره أن يعتق رقبة " وإسماعيل بن عياش فيه ضعف إلا أحمد قال ما روي عن الشاميين صحيح وما روي عن أهل الحجاز فليس صحيح وكذلك قول البخاري فيه (7/97)
- حديث سمرة قال الحافظ في بلوغ المرام أن الترمذي صححه والصواب ما قاله المصنف هنا فانا لم نجد في نسخ من الترمذي إلا لفظ حسن غريب كما قال المصنف . والزيادة التي ذكرها أبو داود والنسائي صححها الحاكم وفي اسناد الحديث ضعف لأنه من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف طويل فقال يحيى بن معين أنه لم يسمع منه شيئا
وقال علي بن المديني إن سماعه منه صحيح كما حكى ذلك المصنف عنه وعن بعض أهل العلم أنه لم يسمع منه إلا حديث العقيقة المتقدم فقط وقد قدمنا الخلاف في سماعه وعدمه بما هو أطول من هذا
وقد روى أبو دارد عن قتادة باسناد شعبة أن الحسن نسي هذا الحديث فكان يقول لا يقتل حر بعبده ( وحديث الباب ) مروى من طريق قتادة عنه . وحديث إسماعيل بن عياش رواه عن الأوزاعي كما ذكره المصنف والأوزاعي شامي دمشقي وإسماعيل قوى في الشاميين لكن دونه محمد بن عبد العزيز الشامي قال فيه أبو حاتم لم يكن عندهم بالمحمود وعنده غرائب ( وفي الباب ) عن عمر عند البيهقي وابن عدي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يقاد مملوك من مالك ولا ولد من والده " وفي اسناده عمر بن عيسى الأسلمي وهو منكر الحديث كما قال البخاري . وعن ابن عباس عند الدار قطني والبيهقي مرفوعا " لا يقتل حر بعبد " وفيه جويبر وغيره من المتروكين . وعن ابن علي قال " من السنة لا يقتل حر بعبد " ذكره صاحب التلخيص وأخرجه البيهقي
وفي اسناده جابر الجعفي وهو ضعيف
وأخرجه البيهقي عن علي قال " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برجل قتل عبده متعمدا فجلده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مائة ونفاه سنة ومحا سهمه من المسلمين ولم يقده به " وهو شاهد لحديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب
وأخرج البيهقي أيضا من حديث عبد الله بن عمرو في قصة زنباع لماجب عبده وجدع أنفه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من مثل بعبده أو حرفه بالنار فهو حر وهو مولى الله ورسوله فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يقتص من سيده " وفي اسناده المثني بن الصباح وهو ضعيف لا يحتج به وله طريق أخرى فيها الحجاج بن أرطأة وهو أيضا ضعيف . وله أيضا طريق ثالثة فيها سواد بن حمزة وليس بالقوى
وفي سنن أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " جاء رجل مستصرخ إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال حادثه لي يا رسول الله فقال ويحك مالك فقال شر أبصر لسيده جارية فغار فجب مذاكيره فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم علي بالرجل فطلب فلم يقدر عليه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذهب فأنت حر فقال يا رسول الله على من نصرتي قال على كل مؤمن أو قال على كل مسلم " وأخرج أحمد وابن أبي شيبة عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن أبا بكر وعمر كانا لا يقتلان الحر بالعبد " وأخرج البيهقي عن أبي جعفر عن بكيرأنه قال " مضت السنة بأن لا يقتل الحر بالعبد وإن قتله عمدا " وكذلك أخرج عن الحسن وعطاء والزهري من قولهم ( وقد اختلف ) أهل العلم في قتل الحر بالعبد . وحكى صاحب البحر الاجماع على أنه لا يقتل السيد بعبده إلا عن النخعي وهكذا حكى الخلاف عن النخعي وبعض التابعين الرمذي وأما قتل الحر بعبد غيره فحكاه في البحر عن أبي حنيفة وأبي يوسف وحكاه صاحب الكشاف عن سعيد والشعبي والنخعي وقتادة والثوري وأبي حنيفة وأصحابه . وحكى الترمذي عن الحسن البصري عطاء بن أبي رباح وبعض أهل العلم انه ليس بين الحر والعبد قصاص لا في النفس ولا فيما دون النفس
قال وهو قول أحمد وإسحاق وحكاه صاحب الكشاف عن عمر بن عبد العزيز والحسن وعطاء عكرمة ومالك والشافعي . وحكاه في البحر عن علي وعمر وزيد بن ثابت وابن الزبير والعترة جميعا فقال وقال بعضهم إذا قتل عبده لا يقتل به وإذا قتل عبد غيره قتل به وهو قول سفيان الثوري انتهى ( وقد احتج ) المثبتون للقصاص بين الحر والعبد بحديث سمرة المذكور وهو نص في قتل السيد بعبده ويدل بفحوى الخطابعلى أن غير السيد بالعبد بالأولى وأجاب عنه النافون أولا بالمقال الذي تقدم فيه وثانيا بالأحاديث القاضية بأنه لا يقتل حر بعبد فإنها قد رويت من طرق متعددة يقوى بعضها بعضا فتصاح للاحتجاج وثالثا بأنه خارج مخرج التحذير ورابعا بأنه منسوخ ويؤيد دعوى النسخ فتوى الحسن بخلافه وخامسا بأن النهي أرجح من غيره كما تقرر في الأصول ( والأحاديث ) المذكورة في أنه لا يقتل حر بعبد مشتملة عليه وسادسا بأنه يفهم من دليل الخطاب في قوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد } أنه لا يقتل الحر بالعبد ولا يخفى أن هذه الأجوبة يمكن مناقشة بعضها وقد عكس دعوى النسخ المثبتون فقالوا إن الآية المذكورة منسوخة بقوله تعالى { النفس بالنفس } واستدلوا أيضا بالحديث المتقدم في أول الباب عن علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المؤمنون تتكافأ دماؤهم ويجاب عن الاحتجاج بالآية المذكورة أعني قوله { النفس بالنفس } بأنها حكاية لشريعة بني اسرائيل لقوله تعالى في أول الآية { وكتبنا عليهم أن النفس بالنفس } بخلاف قوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد } فإنها خطاب لأمة محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشريعة من قبلنا إنما تلزمنا إذا لم يثبت في شرعنا ما يخالفها وقد ثبت ما هو كذلك على أنه اختلف في التعبد بشرع من قبلنا من الأصل كما ذلك معروف في كتب الأصول ثم أنا لو فرضنا أن الآيتين جميعا تشريع لهذه الأمة لكانت آية البقرة مفسرة لما أبهم في آية المائدة أو تكون آية المائدة مطلقة وآية البقرة مقيدة والمطلق يحمل على المقيد وقد أيد بعضهم عدم ثبوت القصاص بأنه لا يقتص من الحر بأطراف العبد إجماعا فكذا النفس وأيد آخر ثبوت القصاص فقال إن العنق يقارن المثلة فيكون جناية على حر في التحقيق حيث كان الجاني سيده ويجاب عن هذا بأنه إنما يتم على فرض بقاء المجني عليه بعد الجناية زمنا يمكن فيه أن يتعقب الجناية العتق ثم يتعقبه الموت لأنه لا بد من تأخر المعلول عن العلة في الذهن وإن تقارنا في الواقع وعلى فرض أن العبد يعتق بنفس المثلة لا بالمرافعة وهو محل خلاف
وقد أجاب صاحب المنحة عن هذا الإشكال فقال إنه يتم في صورة جدعه وخصيه لا في صورة قتله انتهى . وهذا وهم لأن المراد بالمثلة في كلام المورد للتأييد هي المثلة بالعبد الموجبة لعتقه بالضرب واللطم ونحوهما لا المثلة المخصوصة التي سرى ذهن صاحب المنحة إليها وقد أورد على المستدلين بقوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد } إنه يلزم على مقتضى ذلك أن لا يقتل العبد بالحر وأجيب بأن قتل العبد بالحر مجمع عليه فلا يلزم التساوي بينهما في ذلك . وأورد أيضا بأنه يلزم أن لا يقتل الذكر بالأنثى ولا الأنثى بالذكر وسيأتي الجواب عن ذلك (7/97)
باب قتل الرجل بالمرأة والقتل بالمثقل وهل يمثل بالقاتل إذا مثل أم لا (7/97)
1 - عن أنس " أن يهوديا رض رأس جارية بين حجرين فقيل لها من فعل بك هذا فلان أو فلان حتى سمى اليهودي فأومأت برأسها فجيء به فأعترف فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرض رأسه بحجرين "
- رواه الجماعة (7/98)
- قوله " رض رأس جارية " في رواية لمسلم " فقتلها بحجر فجيء بها إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبها رمق "
وفي رواية أخرى " قتل جارية من الأنصار على حلى لها ثم ألقاها في قليب ورضح رأسها بالحجارة فأمر به أن يرجم حتى يموت فرجم حتى مات " والحديث يدل على أنه يقتل الرجل بالمرأة وإليه ذهب الجمهور وحكى ابن المنذر الإجماع عليه إلا رواية عن علي و عن الحسن وعطاء ورواه البخاري عن أهل العلم وروي في البحر عن عمر بن عبد العزيز والحسن البصري وعكرمة وعطاء ومالك وأحد قولى الشافعي أنه لا يقتل الرجل بالمرأة وإنما تجب الدية وقد رواه أيضا عن الحسن البصري أبو الوليد الباجي والخطابي وحكى هذا القول صاحب الكشاف عن الجماعة الذين حكاه صاحب البحر عنهم ولكنه قال وهو مذهب مالك والشافعي ولم يقل وهو أحد قولي الشافعي كما قال صاحب البحر وقد أشار السعد في حاشيته على الكشاف إلى أن الرواية التي ذكرها الزمخشري وهم محض قال ولا يوجد في كتب المذهبين يعني مذهب مالك والشافعي تردد في قتل الذكر بالأنثى انتهى
وأخرج البيهقي عن أبي الزناد أنه قال كان من أدركته من فقهائنا الذين ينتهي إلى قولهم منهم سعيد بن المسب وعروة بن الزبير والقاسم بن محمد وأبو بكر بن عبد الرحمن وخارجة بن زيد بن ثابت وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وسليمان بن يسار في مشيخة جلة من سواهم من نظرائهم أهل فقه وفضل إن المرأة تقاد من الرجل عينا بعين وأذنا بأذن وكل شيء من الجراح على ذلك وإن قتلها قتل بها ورويناه عن الزهري وغيره وعن النخاعي والشعبي وعمر بن عبد العزيز قال البيهقي وروينا عن الشعبي وإبراهيم خلافه فيما دون النفس وأختلف الجمهور هل يتوفى ورثة الرجل من ورثة المرأة أم لا فذهب الهادي والقاسم والناصر وأبو العباس وأبو طالب إلى أنهم يتوفون نصف دية الرجل وحكاه البيهقي عن عثمان البتى وحكاه أيضا السعد في حاشية الكشاف عن مالك وذهبت الشافعية والحنفية وزيد بن على والمؤيد بالله والإمام يحيى إلى أنه يقتل الرجل بالمرأة ولا توفية وقد احتج القائلون بثبوت القصاص بقوله تعالى { النفس بالنفس } ويجاب عن ذلك بما قدمنا في الباب الأول من أن هذه الآية حكاية عن بني اسرائيل كما يدل على ذلك قوله تعالى { وكتبنا عليهم فيها } أي في التوراة
وقد صرح صاحب الكشاف بأنها واردة لحكاية ما كتب في التوراة على أهلها فتكون هذه الآية مفسرة أو مقيدة أو مخصصة بقوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى } وهذه الآية تدل على اعتبار الموافقة ذكورة وأنوثة وحرية وقد أجاب عن هذا في حاشيته على الكشاف بوجوه . الأول أن القول بالمفهوم إنما هو على تقدير أن لا يظهر للقيد فائدة وههنا الفائدة أن الآية إنما نزلت لذلك . والثاني أنه لو أعتبر ذلك لزم أن لا تقتل الأنثى بالذكر نظرا إلى مفهوم بالأنثي قال وهذا يرد على ما ذكرنا أيضا ويدفع بأنه يعلم بطريق الأولى . والثالث أنه لا عبرة بالمفهوم في مقابلة المنطوق الدال على قتل النفس بالنفس كيفما كانت ( لا يقال ) تلك حكاية عما في التوراة لا بيان للحكم في شريعتنا لأنا نقول شرائع من قبلنا لا سيما إذا ذكرت في كتابنا حجة وكم مثلها في أدلة أحكامنا حتى يظهر الناسخ وما ذكرنا هنا يعني في البقرة يصلح مفسرا أفلا يجعل ناسخا وأما أن تلك يعني آية المائدة ليست ناسخة لهذه فلأنها مفسرة بهافلا تكون هي منسوخة بها . ودليل آخر على عدم النسخ أن تلك أعني النفس بالنفس حكاية لما في التوراة وهذه أعني الحر بالحر الخ خطاب لنا وحكم علينا فلا ترفعها تلك وغلى ذلك أشار يعني الزمخشري بقوله
ولأن تلك عطفا على مضمون قوله ويقولون هي مفسرة لكنهم يقولون أن الحكي في كتابنا من شريعة من قبلنا بمنزلة المنصوص المقرر فيصلح ناسخا وما ذكرنا من كونه مفسرا إنما يتم لو كان قولنا النفس بالنفس مبهما ولا إبهام بل هو عام والتنصيص على بعض الأفراد لا يدفع العموم سيما والخصم يدعى تأخر العام حيث يجعله ناسخا لكن يرد عليه أنه ليس فيه رفع شيء من الحكم السابق بل إثبات زيادة حكم آخر اللهم إلا أن يقال أن في قوله الحر بالحر الآية دلالة على وجوب المساواة في الحرية والذكورة دون الرق والأنوثة انتهى كلام السعد ( الحاصل ) إن الاستدلال بالقرآن على قتل الحر بالعبد أو عدمه أو قتل الذكر بالأثثى أو عدمه لا يخلو عن إشكال في عضد الظن الحاصل بالاستدلال فالأولي التعويل على ما سلف من الأحاديث القاضية بأنه لا يقتل الحر بالعبد وعلى ما ورد من الأحاديث والآثار القاضية بأنه يقتل الذكر بالأنثى منها حديث الباب وإن كان لا يخلو عن إشكال لأن قتل الذكر الكافر بالأنثى المسلمة لا يستلزم قتل الذكر المسلم بها لما بينهما من التفاوت ولو لم يكن إلا ما أسلفنا من الأدلة القاضية بأنه لا يقتل المسلم بالكافر . ومنها ما أخرجه مالك والشافعي من حديث عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتب في كتابه إلى أهل اليمن أن الذكر يقتل بالأنثى وهو عندهما عن عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه أن في الكتاب الذي كبه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم أن الذكر يقتل بالأنثى ووصله نعيم بن حماد عن ابن المبارك عن معمر عن عبد الله بن أبي بكر بن حزم عن أبيه عن جده وجده محمد بن عمرو بن حزم ولد في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولكن لم يسمع منه كما قال الحافظ . وكذا أخرجه عبد الرزاق عن معمر ومن طريقه الدارقطني . ورواه أبو داود والنسائي من طريق ابن وهب عن يونس عن الزهري مرسلا . ورواه أبو داود في المراسيل عن ابن شهاب قال " قرأة في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم حين بعثه إلى نجران وكان الكتاب عند أبي بكر بن حزم " . ورواه النسائي وابن حبان والحاكم والبهيقي موصولا مطولا من حديث الحكم بن موسى عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن داود حدثني الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده وفرقة الدارمى في مسنده عن الحكم مقطعا
قال الحافظ وقد اختلف أهل الحديث في صحة هذا الحديث فقال أبو داود في المراسيل قد أسند هذا الحديث ولا يصح والذي في إسناده سليمان بن داود وهم إنما هو سليمان بن أرقم وقال في موضع آخر لا أحدث به وقد وهم الحكم بن موسى في قوله سليمان بن داود وقد حدثني محمد بن الوليد الدمشقي أنه قرأفي أصل يحيى بن حمزة سليمان بن أرقم وهكذا قال أبو زرعة الدمشقي أنه الصواب وتبعه صالح بن محمد جزرة وأبو حسن الهروى وغيرهما
وقال صالح جزرة حدثنا دحيم قال قرأت في كتاب يحيى بن حمزة حديث عمرو بن حزم فإذا هو عن سليمان بن أرقم قال صالح كتب عني هذه الحكاية مسلم بن الحجاج
قال الحافظ أيضا ويؤيد هذه الحكاية ما رواه النسائي عن الهيثم بن مروان عن محمد بن بكار عن يحيى بن حمزة عن سليمان بن أرقم عن الزهري وقال هذا أشبه بالصواب
وقال ابن حزم في المحلى صحيفة عمرو بن حزم منقطعة لا تقول بها حجة وسليمان بن داود الذي يروي هذه النسخة عن الزهري ضعيف ويقال أنه سليمان بن أرقم وتعقبه ابن عدي فقال هذا خطأ إنما هو سليمان بن داود وقد جوده الحكم بن موسى وقال أبو زرعة عرضت على أحمد فقال سليمان بن داود اليمامي ضعيف وسليمان بن داود الخولاني ثقة وكلاهما يروي عن الزهري والذي روى حديث الصدقات هو الخولاني فمن ضعفه فإنما ظن أن الراوي هو اليمامي وقد أثنى على سليمان بن داود الخولاني هذا أبو زرعة وأبو حاتم وعثمان بن سعيد وجماعة من الحفاظ . وحكى الحاكم عن أبي حاتم أنه سئل عن عمرو بن حزم فقال سليمان بن داود عندنا ممن لا بأس به وقد صحح هذا الحديث ابن حبان والحاكم والبهيقي ونقل عن أحمد أنه قال أرجو أن يكون صحيحا وصححه أيضا من حيث الشهرة لا من حيث الإسناد جماعة من الأئمة منهم الشافعي فإنه قال في رسالته لم يقبلوا هذا الحديث حتى ثبت عندهم أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال ابن عبد البر هذا كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم يستغني بشهرته عن الإسناد لأته أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول والمعرفة
قال ويدل على شهرته ما روى ابن وهب عن مالك عن الليث ابن سعد عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال وجد كتاب عند آل حزم يذكرون أنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم
وقال العقيلي هذا حديث ثابت محفوظ إلا أنا نرى أنه كتاب غير مسموع عمن فوق الزهري
وقال يعقوب ابن أبي سفيان لا أعلم في جميع الكتب المنقولة كتابا أصح من كتاب عمرو بن حزم هذا فإن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والتابعين يرجعون إليه ويدعون رأيهم
قال الحاكم قد شهد عمر بن عبد العزيز وأمام عصره الزهري بالصحة لهذا الكتاب ثم ساق ذلك بسنده إليهما وسيأتي لفظ هذا الحديث في أبواب الديات هذا غاية ما يمكن الاستدلال به للجمهور . ومما يقوي ما ذهبوا إليه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " وهم يقتلون قاتلها " وسيأتي في باب أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء . ووجهه ما فيه من العموم الشامل للرجل والمرأة . ومما يقوي ما ذهبوا إليه أيضا أنا قد علمنا أن الحكمة في شرعية القصاص هي حقن الدماء وحياة النفوس كما يشير إلى ذلك قوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } وترك الاقتصاص للأنثى من الذكر يفضي إلى إتلاف نفوس الإناث لأمور كثيرة . منها كراهية توريثهن
ومنها مخافة العار لاسيما عند ظهور أدنى شيء منهن لما بقي في القلوب من حمية الجاهلية التي نشأ عنها الوأد ومنها كونهن مستضعفات لا يخشى منرام القتل لهن أن يناله من المدافعة ما يناله من الرجال فلا شك ولا ريب أن الترخيص في ذلك من أعظم الذرائع المفضية إلى هلاك نفوسهن ولا سيما في مواطن الأعراب المتصفين بغلط القلوب وشدة الغيرة والأنفة اللاحقة بما كانت عليه الجاهلية ( يلزم مثل هذا في الحر إذا قتل عبدا لأن الترخيص في القود يفضي إلى مثل ذلك الأمر لأنا نقول هذه المناسبة إنما تعتبر مع عدم معارضتها لما هو مقدم عليها من الأدلة فلا يعمل بها في الاقتياد للعبد من الحر لما سلف من الأدلة القاضية بالمنع ويعمل بها في الاقتياد للأنثى من الذكر لأنها لم تعارض ما هو كذلك بل جاءت مظاهرة للأدلة القاضية بالثبوت ( وفي حديث الباب ) دليل على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وسيأتي بيان الخلاف فيه
وفيه أيضا دليل على أنه يجوز القود بمثل ما قتل به المقتول وإليه ذهب الجمهور ويؤيد ذلك عموم قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى { فاعتدوا عليه بمثل ما أعتدي عليكم } وقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وما أخرجه البيهقي والبزار عنه صلى الله عليه وآله وسلم من حديث البراء وفيه " ومن حرق حرقناه ومن غرق غرقناه "
قال البهيقي في إسناده بعض من يجهل وإنما قاله زياد في خطبته وهذا إذا كان السبب الذي وقع القتل به مما يجوز فعله لا إذا كان لا يجوز كمن قتل غيره بإبجاره الخمر أو اللواط به . وذهبت العترة والكوفيون ومنهم أبو حنيفة وأصحابه إلى أن الاقتصاص لا يكون إلا بالسيف . واستدلوا بحديث النعمان بن بشير عند ابن ماجه والبزار والطحاوي والطبراني والبيهقي بألفاظ مختلفة . منها لاقود إلا بالسيف وأخرجه ابن ماجه أيضا والبزار والبيهقي من حديث أبي بكرة
وأخرجه الدارقطني والبيهقي من حديث أبي هريرة
وأخرجه الدارقطني من حديث علي
وأخرجه البيهقي والطبراني من حديث ابن مسعود
وأخرجه ابن أبي شيبة عن الحسن مرسلا وهذه الطرق كلها لا تخلو واحدة منها من ضعيف أو متروك حتى قال أبو حاتم حديث منكر
وقال عبد الحق وابن الجوزي طرقه كلها ضعيفة
وقال البيهقي لم يثبت له إسناده . ويؤيد معنا هذا الحديث الذي يقوي بعض طرقه بعضا حديث شداد بن أوس عند مسلم وأبي داود والنسائي وابن ماجه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة " وإحسان القتل لا يحصل بغير ضرب العنق بالسيف كما يحصل به ولهذا كان صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بضرب عنق من أراد قتله حتى صار ذلك هو المعروف في أصحابه فإذا رأوا رجلا يستحق القتل قال قائلهم يا رسول الله دعني أضرب عنقه حتى قيل إن القتل بغير ضرب العنق بالسيف مثلة وقد ثبت النهي عنها كما سيأتي
وأما حديث ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يقتل القاتل ويصبر الصابر " أخرجه البيهقي والدارقطني وصححه ابن قطان . بالأشهر فيه رواية معمر عن إسماعيل بن أمية مرسلا
وقد قال الدارقطني الإرسال فيه أكثر
وقال البيهقي الموصول غير المحفوظ
وأما حديث أنس المذكور في الباب فقد أجيب عنه بأنه فعل لا ظاهر له فلا يعارض ما ثبت من الأقوال في الأمر بإحسان القتلة والنهي عن المثلة وحصر القود في السيف (7/98)
2 - وعن حمل بن مالك قال " كنت بين امرأتين فضربت إحداهما الأخرى بمسطح فقتلتها وجنينها فقضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في جنينها بغرة وأن تقتل بها "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (7/98)
3 - وعن أنس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحث في خطبته على الصدقة وينهي عن المثلة "
- رواه النسائي (7/99)
4 - وعن عمران بن حصين قال " ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة "
- رواه أحمد . وله مثله من رواية سمرة (7/99)
- الحديث الأول أصله في الصحيحين من حديث أبي هريرة والمغيرة بن شعبة ولكن بدون زيادة قوله " وأن تقتل بها " التي هو المقصود من ذكر الحديث ههنا وقد قال المنذري أن هذه الزيادة لم تذكر في غير هذه الرواية . وحديث أنس رجال إسناده ثقات فإن النسائي قال أخبرنا محمد بن المثني حدثنا عبد الصمد حدثنا هشام عن قتادة عن أنس فذكره . وحديث عمر أن ابن حصين في مجمع الزوائد رواه الطبراني في الكبير وفيه من لم أعرفهم انتهى . وأحاديث النهي عن المثلة أيضا أصلها في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن يزيد الأنصاري وفي غيره من حديث ابن عباس قال الترمذي وفي الباب يعني في النهي عن المثلة عن عبد الله بن مسعود وشداد بن أوس وسمرة والمغيرة ويعلى بن مرة وأبي ايوب انتهى
قوله : " بمسطح " بكسر الميم وسكون السين المهملة وفتح الطاء المهملة أيضا بعدها حاء مهملة
قال أبو داود قال النضربن شميل المسطح هو الصولج انتهى . والصولج الذي يرققبه الخبز وقال أبو عبيد هو عود من أعواد الخباء
وقد استدل المصنف رحمه الله بحديث حمل بن مالك المذكور على أنه يثبت القصاص في القتل بالمثقل وإليه ذهب الجمهور ومن أدلتهم أيضا حديث أنس المذكور أول الباب . وحكى في البحر عن الحسن البصري والشعبي والنخعي وأبي حنيفة أنه لا قصاص بالمثقل واحتجوا بما أخرجه البهيقي من حديث النعمان بن بشير قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل شيء خطا إلا السيف ولكل خطأ أرش " وفي لفظ " كل شيء سوي الحديدة خطأ أرش " وهذا الحديث يدور على جابر الجعفي وقيس بن الربيع ولا يحتج بهما وأيضا هذا الدليل أخص من الدعوى فإن أبا حنيفة يوجب القصاص بالمحدد ولو كان حجرا أو خشبا ويوجبه أيضا بالمنجنيق لكونه معروفا بقتل الناس وبالإلقاء في النار فالراجح ما ذهب إليه الجمهور لأن المقصود بالقصاص صيانة الدماء من الأهدار والقتل بالمثقل كالقتل بالمحدد في إتلاف النفوس فلو لم يجب به القصاص كان ذلك ذريعة إلى إزهاق الأرواح والأدلة الكلية القاضية بوجوب القصاص كتابا وسنة وردت مطلقة غير مقيدة بمحدد أو غيره وهذا إذا كانت الجناية بشيء يقصد به القتل في العادة وكان الجاني عامدا لالو كانت بمثل العصا والسوط والبندقة ونحوها فلا قصاص فيها عند الجمهور وهي شبه العمد على ما سيأتي تحقيقه وسيأتي أيضا بقية الكلام على حديث حمل بن مالك في باب دية الجنين من أبواب الديات ( وقد استدل ) بالأحاديث المذكورة في النهي عن المثلة القائلون بأنه لا يجوز الاقتصاص بغير السيف وقد قدمنا الخلاف في ذلك
قال الترمذي وكره أهل العلم المثلة (7/99)
باب ما جاء في شبه العمد (7/100)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عقل شبه العمد مغلظ مثل عقل العمد ولا يقتل صاحبه وذلك أن ينزو الشيطان بين الناس فتكون دماء في غير ضغينة ولا حمل سلاح "
- رواه أحمد وأبو داود (7/100)
2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إلا أن قتيل الخطأ شبه العمد قتيل السوط أو العصا فيه مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . ولهم من حديث عبد الله بن عمر مثله (7/100)
- حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد يكلم فيه غير واحد ووثقه غير واحد . والحديث الثاني أخرجه أيضا البخاري في التاريخ وساق اختلاف الرواة فيه وأخرجه الدار قطني في سننه وساق أيضا فيه الاختلاف وقد صححه ابن حبان
وقال ابن القطان هو صحيح ولا يضره الاختلاف . وحديث عبد الله بن عمر الذي أشار إليه المصنف لفظه في سنن أبو داود قال " خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الفتح على درجة البيت لأو الكعبة " وذكر مثل الحديث الذي قبله وذكر له طرقا في بعضها على بن يزيد بنجدعان ولا يحتج بحديثه وسيأتي في باب أجناس مال الدية حديث عقبة بن أوس عن رجل من الصحابة وهو مثل حديث عبد الله بن عمرو الثاني ( وفي الباب ) عن علي عند أبي داود أنه قال في شبه العمد أثلاثا ثلاث وثلاثون حقة . وثلاث وثلاثون جذعة . وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها كلها خلفة
وفي أسناده عاصم بن ضمرة وقد تكلم فيه غير واحد . وعن علي أيضا عند أبي داود " قال في الخطأ أرباعا خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض " . وعن عثمان بن عفان وزيد بن ثابت عند أبي داود قالا في المغلظة أربعون جذعة خلفة وثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وفي الخطأ ثلاثون حقة وثلاثون بنات لبون وعشرون بني لبون ذكورا وعشرون بنات مخاض
وأخرج أبو داود عن علقة والأسود أنهما قالا قال عبد الله في شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من قال إن القتل على ثلاثة أضرب : عمد . وخطأ وشبه عمد . وإليه ذهب زيد بن علي والشافعية والحنفية والأوزاعي والثوري وأحمد وإسحاق وأبو ثور وجماهير من العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم فجعلوا في العمد القصاص
وفي الخطأ الدية التي سيأتي تفصيلها
وفي شبه العمد وهو ما كان بما مثله لا يقتل في العادة كالعصا والسوط والأبرة مع كونه قاصدا للقتل دية مغلظة وهي مائة من الأبل أربعون منها في بطونها أولادها
وقال ابن أبي ليلى إن قتل بالحجر أو العصا فإن كرر ذلك فهو عمد وإلا فخطأ
وقال عطاء وطاوس شرط العمد أن يكون بسلاح
وقال الجصاص القتل ينقسم إلى عمد وخطأ وشبه العمد وجار مجرى الخطأ وهو ما ليس انهاء كفعل الصلحاء
قال الإمام يحيى ولا ثمرة للخلاف إلا في شبه العمد
وقال مالك والليث والهادي والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب إن القتل ضربان عمد وخطأ فالخطأ ما وقع بسبب من الأسباب أو من غير مكلف أو غير قاصد للمقتول أو للقتل بما مثله لا يقتل في العادة والعمد ما عداه والأول لا قود فيه
وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك والثاني فيه القود . ولا يخفى أن أحاديث الباب صالحة للاحتجاج بها قسم ثالث وهو شبه العمد وإيجاب دية مغلظة على فاعله وسيأتي تفصيل الديات وذكر أجناسها إن شاء الله تعالى (7/101)
باب من أمسك رجلا وقتله آخر (7/101)
1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أمسك الرجل الرجل وقتله الآخر يقتل الذي قتل ويحبس الذي أمسك "
- رواه الدارقطني (7/101)
2 - وعن على رصي الله عنه " أنه قضى في رجل قتل رجلا متعمدا وأمسكه آخر قال يقتل القاتل ويحبس الآخر في السجن حتى يموت "
- رواه الشافعي (7/102)
- حديث ابن عمر أخرجه الدارقطني من طريق الثوري عن إسماعيل بن أمية عن نافع عن ابن عمر ورواه معمر وغيره عن إسماعيل
قال الدارقطني والإرسال أكثر
وأخرجه أيضا البيهقي ورجح المرسل وقال إنه موصول غير محفوظ
قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات وصححه ابن القطان
وقد روى أيضا عن إسماعيل عن سعيد بن المسيب مرفوعا والصواب عن إسماعيل قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث . ورواه ابن المبارك عن معمر عم سفيان عن إسماعيل يرفعه قال اقتلوا القاتل وأصبروا الصابر يعني احبسوا الذي أمسك . وأثر علي رضي الله عنه هو من طريق سفيان عن جابر عن عامر عنه ( والحديث ) فيه دليل على أن الممسك للمقتول حال قتل القاتل له لا يلزمه القود ولا يعد فعله مشاركة حتى يكون ذلك من باب قتل الجماعة بالواحد بل الواجب حبسه فقط
وقد حكى صاحب البحر هذا القول عن العترة والفريقين يعني الشافعية والحنفية ( وقد استدل ) لهم بالحديث والأثر المذكورين وبقوله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وحكى في البحر أيضا عن النخعي ومالك والليث أنه يقتل الممسك كالمباشر للقتل لأنهما شريكان إذ ذلك تسبيب مع مباشرة ولا حكم له معها والحق العمل بمقتضى الحديث المذكور لأن إعلاله بالإرسال غير قادح على ما ذهب إليه أئمة الأصول وجماعة من أئمة الحديث وهو الراجح لأن الإسناد زيادة مقبولة يتحتم الأخذ بها والحبس المذكور جعله الجمهور موكولاغلى نظر الإمام في طول المدة وقصرها لأن الغرض تأديبه وليس بمقصود استمراره إلى الموت وقد أخذ بما روى عن علي رضي الله عنه من الحبس إلى الموت ربيعة (7/102)
باب القصاص في كسر السن (7/102)
1 - عن أنس " أن الربيع عمته كسرت ثنية جارية فطلبوا إليها العفو فأبوا فعرضوا الأرش فأبوا فأتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأبوا إلا القصاص فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالقصاص فقال أنس بن النضر يا رسول الله أتكسر ثنية الربيع لا والذي بعثك بالحق لا تكسر ثنيتها فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أنس كتاب الله القصاص فرضي القوم فعفو فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبره "
- رواه البخاري والخمسة إلا الترمذي (7/103)
- قوله " الربيع " بضم الراء وهي بنت النضر
قوله : " فطلبوا إليها العفو أي طلب أهل الجانية إلى المجني عليها العفو فأبى أهل الجني عليها
وفي رواية للبخاري فطلبوا إليهم العفو فأبوا أي إلى أهل المجني عليها
قوله : " فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الخ فيه دليل على وجوب القصاص في السن وقد حكى صاحب البحر الاجماع على ذلك وهو نص القرآن وظاهر الحديث وجوب القصاص ولو كان ذلك كسرا لا قلعا ولكن بشرط أن يعرف مقدار المكسور ويمكن أخذ مثله من سن الكاسر فيكون الأقتصاص بأن تبرد سن الجاني إلى الحد الذاهب من سن المجني عليه كما قال أحمد بن حنبل وقد حكى الاجماع على أنه لاقصاص في العظم الذي يخاف منه الهلاك وحكى عن الليث والشافعي والحنفية أنه لاقصاص في العظم الذي ليس بسن لان المماثلة متعذرة لحيلولة اللحم والعصب والجلد قال الطحاوي اتفقوا على أنه لاقصاص في عظم الرأس فيلحق به سائر العظام وتعقب بأنه مخالف لحديث الباب فيكون فاسد الاعتبار وقد تأول من قال بعدم القصاص في العظم مطلقا إذا كسر هذا الحديث بأن المراد بقوله كسرت ثنية جارية أي قلعتها وهو تعسف
قوله : " لا والذي بعثك بالحق " الخ قيل لم يرد بهذا القول رد حكم الشرع وإنما أراد التعريض بطلب الشفاعة وقيل أنه وقع منه ذلك قبل علمه بوجوب القصاص إلا أن يختار المجني عليه أو ورثته الدية أو العفو وقيل غير ذلك وجميع ما قيل لا يخلو من بعد ولكنه يقر به ما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من الثناء عليه بأنه ممن أبر الله ولو كان مريدا بيمينه رد ما حكم الله به لكان مستحقا لأوجع القول وأفظعه
قوله : " كتاب الله " الأشهر فيه الرفع على أنه مبتدا والقصاص خبره ويجوز فيه النصب على المصدرية لفعل محذوف كما في صبغة الله ووعد الله ويكون القصاص مرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف وأشار صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إلى قوله تعالى { والجروح قصاص } وقيل إلى قوله تعالى { والسن بالسن } وهو الظاهر (7/103)
باب من عض يد رجل فانتزعها فسقطت ثنيته (7/103)
1 - عن عمران بن حصين " إن رجلا عض يد رجل فنزع يده من فيه فوقعت ثنيتاه فاختصموا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يعض أحدكم يد أخيه كما يعض الفحل لا دية لك "
- رواه الجماعة إلا أبا داود (7/104)
2 - وعن يعلى بن أمية قال " كان لي أجير فقاتل انسانا فعض أحدهما صاحبه فانتزع أصبعه فأندر ثنيته فسقطت فأيطلق إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأهدر ثنيته وقال أيدع يده في فيك تقضمها كما يقضم الفحل "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (7/104)
- في رواية مسلم عن عمر إن بن حصين إنه قال " قاتل يعلى بن أمية رجلا فعض أحدهما صاحبه " ظاهر يخالف ما في حديث يعلى المذكور من قوله " كان لي أجير فقاتل انسانا " وسيأتي الجمع
قوله : " عض يد رجل " في رواية لمسلم " عض ذراع رجل " وفي رواية للبخاري " فعض أصبع صاحبه " وقد جمع بتعدد القصة وقيل رواية الذراع أرجح من رواية الأصبع لأنها من طريق جماعة كما حقق ذلك صاحب الفتح
قوله : " ثنيتاه " هكذا في رواية البخاري عند الأكثر
وفي رواية للكشميهني ثناياه بصيغة الجمع
وفي رواية بصيغة الافراد كما وقع في حديث يعلي ويجمع بين ذلك بأنه أريد بصيغة الأفراد الجنس وجعل صيغة الجمع مطابقة لصيغة التثنية عند من يجيز إطلاق صيغة الجمع على المثني ولكنه وقع في رواية للبخاري إحدى ثنيتيه وهي مصرحة بالأفراد والجمع بتعدد الواقعة بعيد
قوله : " فاختصموا " في رواية بصيغة التثنية
قوله : " يعض أحدكم " بفتح أوله وبفتح العين المهملة بعدها ضاد معجمة مشددة لأن أصله عضض بكسر الضاد الأولى يعضض بفتحها ثم أدغمت ونقلت الحركة التي عليها إلى ما قبلها والمراد بالفحل الذكر من الأبل
قوله : " فعض أحدهما صاحبه " لم يصرح بالفاعل وقد ورد في بعض الروايات أن رجلا من بني تميم قاتل رجلا فعض يده ويعلى هو من بني تميم ويدل على ذلك رواية مسلم المتقدمة واستبعد القرطبي وقوع مثل ذلك من مثل يعلى وأجيب باحتمال أن يكون ذلك في أول الإسلام قال النووي إن الرواية الأولى من صحيح مسلم تدل على أن المعضوض يعلى
وفي الرواية الثانية والثالثة منه أن المعضوض أجير يعلى وقد رجح الحافظ أن المعضوض أجير يعلى قال ويحتمل أنهما قصتان وقعتا ليعلى ولأجيره في وقت أو وقتين وقد تعقب الزين العراقي في شرح الترمذي ما قاله النووي بأنه ليس في رواية مسلم ولا غيره من الكتب السنة ولا غيرها ما يدل على أن يعلى هو المعضوض لا صريحا ولا إشارة قال فيتعين أن يكون يعلى هو العاض انتهى . ولكنه يشكل على ذلك ما في حديث يعلى المذكور في الباب من أن المقاتلة وقعت بين أجيره وإنسان آخر فلا بد من الجمع بتعدد القضة كما سلف
قوله : " فاندر " بالنون والدال المهملة والراء أي أزال ثنيته
قوله : " يقضمها " بسكون القاف وفتح الضاد المعجمة على الأفصح وهو الأمساك باطراف الأسنان ( والحديثان ) يدلان على أن الجناية إذا وقعت على المجني عليه بسبب منه كالقصة المذكورة وما شابهها فلا قصاص ولا أرش وإليه ذهب الجمهور ولكن بشرط أن يتمكن المعضوض مثلا من إطلاق يده أو نحوها بما هو أيسر من ذلك وأن يكون ذلك العض مما يتألم به المعضوض وظاهر الدليل عدم الاشتراط وقد قيل أنه من باب التقييد بالقواعد الكلية وفي وجه للشافعية أنه يهدر مطلقا
وروى عن مالك أنه يجب الضمان في مثل ذلك وهو محجوج بالدليل الصحيح وقد تأول أتباعه ذلك الدليل بتأويلات في غاية السقوط وعارضوه بأقيسة باطلة . وما أحسن ما قال بن يحيى بن يعمر لو بلغ مالكا هذا الحديث لم يخالفه وكذا قال ابن بطال (7/104)
باب من اطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم (7/105)
1 - عن سهل بن سعد " أن رجلا اطلع في حجر في باب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مدري يرجل به رأسه فقال له لو أعلم إنك تنظر طعنت به في عينك إنما جعل الأذن من أجل البصر " (7/105)
2 - وعن أنس " أن رجلا اطلع في بعض حجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمشقص أو بمشاقص فكأ في أنظر إليه يختل الرجل ليطعنه " (7/105)
3 - وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " لو أن رجلا اطلع بغير أذن فخذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح "
- متفق عليهن (7/106)
4 - وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤا عينه "
- رواه أحمد ومسلم
وفي رواية " من اطلع في بيت قوم بغير إذنهم ففقؤا عينه فلا دية له ولا قصاص "
- رواه أحمد والنسائي (7/106)
- اللفظ الآخر من حديث أبي هريرة الآخر أخرجه أيضا ابن حيان وصححه
قوله : " مدرى " للمدرى بكسر الميم وسكون الدال المهملة عود يشبه أحد أسنان المشط وقد يجعل من حديد
قوله : " بمشقص " بكسر الميم وسكون الشين المعجمة وفتح القاف بعدها صاد
قال في القاموس المشقص كمنبر نصل عريض أو سهم فيه ذلك والنصل الطويل أو سهم فيه ذلك يرمى به الوحش
قوله : " يختل " بفتح الياء التحتية وسكون الخاء المعجمة بعدها مثناة مكسورة وهو الخدع والاختفاء على ما في القاموس
قوله : " ليطعنه " بضم العين وقد تفتح
قوله : " فخذفته " الخذف بالخاء المعجمة الرمي الحصاة وأما بالحاء المهملة فهو بالعصا لا بالحصا ( وقد استدل ) بأحاديث الباب من قال إن من قصد النظر إلى مكان لا يجوز له الدخول إليه بغير إذن جاز للمنظور إلى مكانه أن يفقأ عينه ولا قصاص ولا دية للتصريح بذلك في الحديث الآخر ولقوله " فقد حل لهم أن يفقؤا عينه " ومقتضى الحل أنه لا يضمن ولا يقتص منه ولقوله " ما كان عليك من جناح " وإيجاب القصاص أو الدية جناح ولأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم المذكور لو أعلم إنك تنظر طعنت به في عينك يدل على الجواز
وقد ذهب إلى مقتضى هذه الأحاديث جماعة من العلماء منهم الشافعي . وخالفت المالكية هذه الأحاديث فقالت إذا فعل صاحب المكان بمن اطلع عليه ما أذن به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجب عليه القصاص أو الدية وساعدهم على ذلك جماعة من العلماء وغاية ما عولوا قولهم إن المعاصي لا تدفع بمثلها وهذا من الغرائب التي يتعجب المنصف من الاقدام على التمسك بمثلها في مقابلة تلك الأحاديث الصحيحة فإن كل عالم يعلم أن ما أذن فيه الشارع ليس بمعصية فكيف يجعل فقء عين المطلع من باب مقابلة المعاصي بمثلها ومن جملة ما عولوا عليه قولهم إن الحديث وارد على سبيل الغليظ والارهاب ويجاب عنه بالمنع والسند ان ظاهر ما بلغنا عنه صلى الله عليه وآله وسلم محمول على التشريع إلا لقرينة تدل على إرادة البالغة وقد تخلص بعضهم عن الحديث بأنه مؤول بالإجماع على أن من قصد النظر على عورة غيره لم يكن ذلك مبيحا لفقء عينه ولا سقوط ضمانها ويجاب أولا بمنع الإجماع وقد نازع القرطبي في ثبوته وقال إن الحديث يتناول كل مطلع قال لان الحديث المذكور إنما هو لمظنة الاطلاع على العورة فبالأولى نظرها المحقق ولو سلم الاجماع المذكور لم يكن معارضا لما ورد به الدليل لانه في امر آخر فأن النظر إلى البيت ربما كان مفضيا إلى النظر إلى الحرم وسائر ما يقصد صاحب البيت ستره عن أعين الناس : وفرق بعض الفقهاء بين من كان من الناظرين في الشارع وفي خالص ملك المنظور إليه فرق بين من رمى الناظر قبل الإنذار وبعده وظاهر أحاديث الباب عدم الفرق ( والحاصل ) أن لاهل العلم في هذه الأحاديث تفاصيل وشروطا واعتبارات يطول استيفاؤها وغالبها مخالف لظاهر الحديث وعاطل عن دليل خارج عنه وما كان هذا سبيله فليس في الاشتغال ببسطه ورده كثير فائدة وبعضها مأخوذ من فهم المعنى المقصود بالأحاديث المذكورة ولا بد أن يكون ظاهر الإرادة واضح الاستفادة وبعضها مأخوذ من القياس وشرط تقييد الدليل به أن يكون صحيحا معتبرا على سنن القواعد المعتبرة في الأصول (7/106)
باب النهي عن الاقتصاص في الطرف قبل الإندمال (7/107)
1 - عن جابر " إن رجلا جرح فأراد أن يستقيد فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يستقاد من الجارح حتى يبرأ المجروح "
- رواه الدارقطني (7/107)
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلا طعن رجلا بقرن في ركبته فجاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أقدني فقال حتى تبرأ ثم جاء إليه فقال أقدني فأقاده ثم جاء إليه فقال يا رسول الله عرجت قال قد نهيتك فعصيتني فأبعدك الله وبطل عرجك ثم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يقتص من جرح حتى يبرأ صاحبه "
- رواه أحمد والدارقطني (7/107)
- حديث جابر أيضا أبوبكر بن أبي شيبة ابن علية عن أيوب عن عمرو بن دينار عنه
وأخرجه أيضا عثمان بن أبي شيبة بهذا الإسناد وقال أبو الحسن الدارقطني أخطأ فيه ابنا أبي شيبة وخالفهما أحمد بن حنبل وغيره فرووه عن ابن علية عن أيوب عن عمرو مرسلا وكذلك قال أصحاب عمرو بن دينار عنه وهو المحفوظ يعني المرسل وأخرجه أيضا البيهقي من حديث جابر مرسلا باسناد آخر
وقال تفرد به عبد الله الأموي عن ابن جريج وعنه يعقوب ابن حميد وأخرجه أيضا من وجه آخر عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تقاس الجراحات ثم يتأنى بها ثم يقضي فيها بقدر ما انتهت إليه " وفي اسناده ابن لهيعة رواه جماعة من الضعفاء عن أبي الزبير من وجهين آخرين عن جابر ولم يصح شيء من ذلك وحديث عمرو بن شعيب
قال الحافظ في بلوغ المرام وأعل بالإرسال وقد تقدم الخلاف في سماع عمرو بن شعيب واتصال اسناده
وأخرجه أيضا الشافعي والبيهقي من طريق عمرو بن دينار عن محمد بن طلحة ( واستدل ) بالحديثين المذكورين من قال إنه يجب الانتظار إلى أن يبرأ الجرح ويندمل ثم يقتص المجروح بعد ذلك وإليه ذهبت العترة وأبو حنيفة ومالك وذهب الشافعي إلى أنه يندب فقط وتمسك بتمكينه صلى الله عليه وآله وسلم الرجل المطعون بالقرن المذكور في حديث الباب من القصاص قبل البرء . واستدل صاحب البحر على الوجوب بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اصبروا حتى يسفر الجرح " . وأصله " أن رجلا طعن حسان بن ثابت فاجتمعت الأنصار ليأخذ لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم القصاص فقال انتظروا حتى يبرأ صاحبكم ثم أقتص لكم فبرئ حسان ثم عفا " . وهذا الحديث إن صح فحديث عمرو بن شعيب قرينة لصرفه من معناه الحقيقي إلى معناه المجازي كما أنه قرينة لصرف النهي المذكور في حديث جابر إلى الكراهة
وأما ما قيل من أن ظهور مفسدة التعجيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قرينة أن أمره الأنصار بالانتطار للوجوب لأن دفع المفاسد واجب كما قال في ضوء النهار فيجاب عنه بأن محل الحجة هو اذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتصاص قبل الاندمال وهو لا يأذن إلا بما كان جائزا وظهور المفسدة غير قادح في الجواز المذكور وليس ظهورها بكلى ولا أكثرى حتى تكون معلومة عند الاقتصاص قبل الاندمال أو مظنونة فلا يجب ترك الإذن دفعا للمفسدة الناشئة منه نادرا نعم قوله " ثم نهى أن يقتص من جرح " الخ يدل على تحريم الاقتصاص قبل الاندمال لأن لفظ ثم يقتضي الترتيب فيكون النهى الواقع بعدها ناسخا للاذن الواقع قبلها (7/108)
باب في أن الدم حق لجميع الورثة من الرجال والنساء (7/108)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن يعقل عن المرأة عصبتها من كانوا ولا يرثوا منها إلا ما فضل عن ورثتها وان قتلت فعقلها بين ورثتها وهم يقتلون قاتلها "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (7/108)
2 - وعن عائشة " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وعلى المقتتلين أن ينحجزوا الأول فالأول وإن كانت امرأة "
- رواه أبو داود والنسائي . وأراد بالمقتتلين أولياء المقتول الطالبين القود وينحجزوا أي ينكفوا عن القود بعفو أحدهم ولو كان امرأة . وقوله " الأول فالأول " أي الأقرب فالأقرب (7/109)
- حديث عمر بن شعيب في اسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد وثقه غير واحد وتكلم فيه غير واحد وهو حديث طويل هذا طرف منه وقد بسطه أبو داود في سننه وحديث عائشة في اسناده حصن بن عبد الرحمن ويقال ابن محصن أبو حذيفة الدمشقي
قال أبو حاتم الرازي لا أعلم روى عنه غير الأوزاعي ولا أعلم أحدا نسبه
قوله : " ان يعقل " العقل الدية والمراد ههنا بقوله أن يدفع عن المرأة ما لزمها من الدية عصبتها والعصبة محركة الذين يرثون الرجل عن كلالة من غير والد ولا ولد فأما في الفرائض فكل من لم تكن له فريضة مسماة فهو عصبة إن بقي بعد الفرض أحد وقوم الرجل الذين يتعصبون له كذا في القاموس
قوله : " أن ينحجزوا " بحاء مهملة ثم جيم ثم زاي وقد فسره أبو داود بما ذكره المصنف وقد استدل المصنف بالحديثين المذكورين على أن المستحق للدم جميع ورثة القتيل من غير فرق بين المذكر والأنثى والسبب والنسب فيكون القصاص إليهم جميعا وإليه ذهبت العترة والشافعي وأبو حنيفة وأصحابه وذهب الزهري ومالك إلى أن ذلك يختص بالعصبة قالا لانه مشروع لنفي العار كولاية النكاح فإن وقع العفو من العصبة فالدية عندهما كالتركة وقال ابن سيرين انه يختص بدم المقتول الورثة من النسب إذ هو مشروع للتشفي والزوجية ترتفع بالموت ورد بأنه شرع لحفظ الدماء واستدل لذلك في البحر بقوله تعالى { ولكم في القصاص حياة } وبقول عمر حين عفت أخت المقتول عتق عن القتل قال ولم يخالف وسيأتي في باب ما تحمله العاقلة بيان كيفية العفو واختلاف الأدلة في ثبوته إن شاء الله تعالى (7/109)
باب فضل العفو عن الأقتصاص والشفاعة في ذلك (7/109)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال ما عفا رجل عن مظلمة إلا زاده الله بها عزا "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه (7/110)
2 - وعن أنس " قال ما رفع إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمر فيه القصاص إلا أمر فيه بالعفو "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (7/110)
3 - وعن أبي الدرداء قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ما من رجل يصاب بشيء في جسده فيتصدق به إلا رعفه الله به درجة وحط به عنه خطيئة "
- رواه ابن ماجه والترمذي (7/110)
4 - وعن عبد الرحمن بن عوف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ثلاث والذي نفس محمد بيده ان كنت لحالفا عليهن لا ينقص مال من صدقة فتصدقوا ولا يعفوعبد عن مظلمة يبتغي بها وجه الله عز و جل إلا زاده الله بها عزا يوم القيامة ولا يفتح عبد باب مسألة إلا فتح الله عليه باب فقر "
- رواه أحمد (7/111)
- حديث أنس سكت عنه أبو داود والمنذري واسناده لا بأس به . وحديث أبي الدرداء هو من رواية أبي السفر عن أبي الدرداء قال الترمذي هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه ولا أعرف لأبي السفر سماعا من أبي الدرداء وأبو السفر اسمه سعيد بن أحمد ويقال ابن محمد الثوري وحديث عبد الرحمن بن عوف أخرجه أيضا أبو يعلى والبزار وفي اسناده رجل لم يسم
وأخرجه البزار من طريق أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف عن أبيه وقال أن الرواية هذه أصح ويشهد لصحته ما ورد من الأحاديث في الترغيب في الصدقة والتنفير عن المسألة وقد تقدمت وأما فضل العفو وأما فضل العفو المذكور فيه فهو مثل حديث أبي هريرة المذكور في الباب والترغيب في العفو ثابت بالأحاديث الصحيحة ونصوص القرآن الكريم ولا خلاف في مشروعية العفو في الجملة وإنما وقع الخلاف فيما هو الأولى للمظلوم هل العفو عن ظالمه أو الترك فمن رجح الأول قال إن شاء الله سبحانه لا يندب عباده إلى العفو إلا ولهم فيه مصلحة راجحة على مصلحة الأنتصاف من الظالم فالعافي له من الأجر بعفوه عن ظالمه فوق ما يستحقه من العوض عن تلك المظلمة من أخذ أجرأ ووضع وزر لو لم يعف عن ظالمه ومن رجح الثاني قال انا لا نعلم هل عوض المظلمة أنفع للمظلوم أم أجر العفو ومع التردد في ذلك ليس إلى القطع بأولوية العفو طريق ويجاب بأن غاية هذا عدم الجزم بأولوية العفو لا الجزم بأولوية الترك الذي هو الدعوى ثم الدليل قائم على أولوية العفو لأن الترغيب في الشيء يستلزم راجحيته ولا سيما إذا نص الشارع على أنه من موجبات رفع الدرجات وحط الخطيئات وزيادة العز كما وقع في أحاديث الباب ونحن لا ننكر أن المظلوم الذي لم يعف عن ظلامته عوضا عنها فيأخذ من حسنات ظالمه أو يضع عليه من سيآته ولكنه لا يساوي الأجر الذي يستحقه العافي لأن الندب إلى العفو والأرشاد إليه والترغيب فيه يستلزم ذلك وإلا لزم أم يكون ما هو الصفة مساويا أو مفضولا فلا يكون للدعاء إليه فائدة على فرض المساواة أو يكون مضرا بالعافي على فرض أن العفو مفضول لأنه كان سببا في نقصان ما يستحقه من عوض المظلمة واللازم باطل فالملزوم مثله (7/111)
باب ثبوت القصاص بالإقرار (7/111)
1 - عن وائل بن حجر قال " أني لقاعد مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاء رجل يقود آخر بنسعة فقال يا رسول الله هذا قتل أخي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقتلته فقال إنه لو لم يعترف أقمت عليه البينة قال نعم قتلته قال كيف قتلته قال كنت أنا وهو نحتطب من شجرة فسبني فأغضبني فضربته بالفأس على قرنه فقتلته فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل لك من شيء تؤديه عن نفسك قال مالي مال الإكسغائي وفأسي قال فترى قومك يشترونك قال أنا أهون على قومي من ذاك فرمى إليه نسعته وقال دونك صاحبك قال فانطلق به الرجل فلما ولى قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن قتله فهو مثله فرجع فقال يا رسول الله بلغني أنك قلت إن قتله فهو مثله وأخذته بأمرك فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك فقال يا نبي الله لعله قال بلى قال فإن ذلك كذلك فرمى بنسعته وخلى سبيله " رواه مسلم والنسائي وفي رواية " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحبشي فقال إن هذا قتل أخي قال كيف قتله قال ضربت رأسه بالفأس ولم أرد قتله قال وهل لك مال تؤدي ديته قال لا أفرأيت أن أرسلتك تسأل الناس تجمع ديته قال لا قال فمواليك يعطونك ديته قال لا قال للرجل خذه فخرج به ليقتله فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما إنه إن قتله كان مثله فبلغ به الرجل حيث سمع قوله فقال هوذا فمر فيه ما شئت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أرسله يبوء بإثم صاحبه وإثمه فيكون من أصحاب النار "
- رواه أبو داود (7/112)
- هذه الرواية الآخرة سكت عنها أبو داود والمنذري وعزاها إلى مسلم والنسائي ولعله باعتبار اتفاقها في المعني هي والرواية الأولى
وفي رواية أخرى من حديث وائل بن حجر أخرجها أبو داود والنسائي
قال " كنت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه النسعة قال فدعا ولي المقتول فقال أتعفو قال لا قال أفتأخذ الدية قال لا قال أفتقتل قال نعم قال فاذهب به فلما كان في الرابعة قال أما أنك إن عفوت عنه فإنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه قال فعفا عنه قال فأنا رأيته يجر النسعة " قوله : " بنسعه " بكسر النون وسكون السين بعدها عين مهملة
قال في القاموس النسع بالكسر سير ينسج عريضا على هيئة أعنة البغال تشد به الحال والقطعة منه نسعة وسمي نسا لطوله الجمع نسع بالضم ونسع بالكسر كعنب وأنساع ونسوع
قوله : " نحتطب " من الاحتطاب . ووقع في نسخة نختبط من الاختباط
قوله : " إن قتله فهو مثله " قد استشكل هذا بعد إذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالاقتصاص وإقرار القاتل بالقتل على الصفة المذكورة والأولى حمل هذا المطلق على المقيد بأنه لم يرد قتله بذلك الفعل
قال المصنف رحمة الله تعالى وقال ابن قتيبة في قوله إن قتله فهو مثله لم يرد أنه مثله في المأثم وكيف يريده والقصاص مباح ولكن أحب له العفو فعرض تعريضا أوهمه به أنه إن قتله كان مثله في الإثم ليعفو عنه وكان مراده أنه يقتل نفسا كما أن الأول قتل نفسا وإن كان الأول ظالما والآخر مقتصا
وقيل كان معناه كان مثله في حكم البواء فصارا متساويين لا فضل للمقتص إذا استوفى على المقتص منه
وقيل أراد ردعه عن قتله لأن القاتل إدعى أنه لم يقصد قتله فلو قتله الولى كان في وجوب القود عليه مثله لو ثبت منه قصد القتل يدل عليه ما روى أبو هريرة قال " قتل رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدفع القايل إلى وليه فقال القاتل يا رسول الله والله ما أردت قتله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إما أنه إن كان صادقا فقتلته دخلت النار فخلاه الرجل وكان مكتوفا بنسعة فخرج يجر نسعته قال قال فكان يسمي ذا النسعة " رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وصححه انتهى
وأخرج هذا الحديث أيضا النسائي وهو مشتمل على زيادة وهي تقييد الإقرار بأنه لم يرد القتل بذلك الفعل فيتعين قبولها ويحمل المطلق على المقيد كما تقدم فيكون عدم قصد القتل إنما يصير القتل من جنس الخطأ إذا كان بما مثله لا يقتل في العادة لا إذا كان مثله يقتل في العادة فإنه بكون عمدا وإن يقصد به القتل وغلى هذا ذهبت الهادوية والحديث يرد عليهم ( لا يقال الحديث ) مشكل من جهة أخرى وهي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أذن لولي المجني عليه بالاقتصاص ولو كان القتل خطأ لم يأذن له بذلك إذ لا قصاص في قتل الخطأ إجماعا كما حكاه صاحب البحر وهو صريح القرآن والسنة لأنا نقول لم يمنعه صلى الله عليه وآله وسلم من الاقتصاص بمجرد تلك الدعوى لاحتمال أن يكون المدعي كاذبا فيها بل حكم علي القاتل بما هو ظاهر الشرع ورهب ولي الدم عن القود بما ذكره معلقا لذلك على صدقة
قوله : " أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك " أما كون القاتل يبوء بإثم المقتول فظاهر وأما كونه يبوء بإثم وليه فلانه لما قتل قريبه وفرق بينه وبينه كان جانيا عليه جناية شديدة اما جرت به عادة البشر من التألم لفقد القريب والتأسف على فراق الحبيب ولا سيما إذا كان ذلك بقتله ولا شك أن ذلك ذنب شديد ينضم إلى ذنب القتل فإذا عفا ولى الدم عن القاتل كانت ظلامته بقتل قريبه وإحراج صدره باقية في عنق القاتل فينتصف منه يوم القيامة بوضع ما يساويها من ذنوبه عليه فيبوء بإثمه
قوله : " قال يا بني الله لعله " أي لعله أن لا يبوء بإثمي وإثم صاحبي فقال صلى الله عليه وآله وسلم بلى يبوء بذلك
وأما قوله في الرواية الأخرى بإثم صاحبه وإثمه فلا أشكال فيه وهو مثل ما حكاه الله في القرآن عن ابن آدم حيث قال { إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك } . والمراد بالبواء الاحتمال
قال في القاموس وبذنبه بوأو بواء أحتمله أو اعترف به وذمه بدمه عدله وبفلان قتل به فقاومه انتهى
وقد استدل المصنف رحمه الله بحديث وائل بن حجر على أنه يثبت القصاص على الجاني بإقراره وهو مما لا أحفظ فيه خلافا إذا كان الإقرار صحيحا متجردا عن الموانع (7/112)
باب ثبوت القتل بشاهدين (7/112)
1 - عن رافع بن خديج قال " أصبح رجل من الأنصار بخيبر مقتولا فإنطلق أولياؤه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا ذلك له فقال لكم شاهد أن يشهدان على قتل صاحبكم فقالوا يا رسول الله لم يكن ثم أحد من المسلمين وإنما هم يهود قد يجترئون على أعظم من هذا قال فاختاروا منهم خمسين فاستحلفوهم فوداه النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود (7/113)
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن ابن محيضة الأصغر أصبح قتيلا على أبواب خيبر فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقم شاهدين على من قتله أدفعه إليكم برمته فقاليا رسول الله ومن أين أصيب شاهدين وإنما أصبح قتيلا على أبوابهم قال فتحلف خمسين قسامة فقال يا رسول الله فكيف أحلف على ما لم أعلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستحلف منهم خمسين قسامة فقال يا رسول الله كيف نستحلفهم وهم اليهود فقسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ديته عليهم وأعلنهم بنصفها "
- رواه النسائي (7/113)
- الحديث الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجاله رجال الحصيح
إلا الحسن بن علي بن راشد وقد وثق . والحديث الثاني في إسناده عمرو بن شعيب وقد تقدم الكلام عليه والراوي عنه عبيد الله بن الأخنس وقد حسن الحافظ في الفتح إسناد هذا الحديث والكلام على ما أشتمل عليه الحديثان من أحكام القسامة يأتي في بابها وأوردها المصنف ههنا للاستدلال بهما على أنه يثبت القتل بشهادة شاهدين ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه يقول باشتراط زيادة على شهادة شاهدين في القصاص ولكنه وقع الخلاف في قبول شهادة النساء في القصاص كالمرأتين مع الرجل فحكى صاحب البحر عن الأوزاعي والزهري أن القصاص كالأموال فيكفي فيه شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وظاهر اقتصاره على حكاية ذلك عنهما فقط أن من عداهما يقول بخلافه والمعروف من مذهب الهادوية أنها لا تقبل في القصاص إلا شهادة رجلين أصلين لافرعين والمعروف في مذهب الشافعية أنه يكفي في الشهادة على المال والعقود المالية شهادة رجلين أو رجل وامرأتين وفي عقوبة لله تعالى كحد الشرب وقطع الطريق أو لآدمي كالقصاص رجلان قال النووي في المنهاج مالفظه ولمال وعقد مالي كبيع وحوالة وضمان وحق مالي كخيار رجلان أو رجل وامرأتان ولغير ذلك من عقوبة لله تعالى أو لآدمي وما يطلع عليه رجال غالبا كنكاح وطلاق ورجعة وإسلام وردة وجرح وتعديل وموت وإعسار ووكالة ووصاية وشهادة على شهادة رجلان انتهى . واستدل الشارح المحلى للأول بقوله تعالى ( واستشهدوا شهيدين من رجالكم فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ) قال عموم الأشخاص مستلزم لعموم الأحوال المخرج منه ما يشترط فيه الأربعة ومالا يكتفي فيه بالرجل والمرأتين واستدل للثاني بما رواه مالك عن الزهري قال مضت السنة أنه لا يجوز شهادة النساء في الحدود ولا في النكاح والطلاق وقال وقيس على الثلاثة باقي المذكورات بجامع أنها ليست بمال ولا يقصد منها مال والقصد من الوكالة والوصاية الراجعتين إلى المال الولا ية والخلافة لا المال انتهى
وقد أخرج قول الزهري المذكور ابن أبي شيبة بإسناد فيه الحجاج ابن أرطأة وهو ضعيف مع كون الحديث مرسلا لا تقوم بمثله الحجة فلا يصلح لتخصيص عموم القرآن باعتبار ما دخل تحت نصه فضلا عما لم يدخل تحته بل ألحق به بطريق القياس وأما الحديثان المذكوران في الباب فليس فيهما إلا مجرد التنصيص على شهادة الشاهدين في القصاص وذلك لا يدل على عدم قبول شهادة رجل وامرأتين وغاية الأمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طلب ما هو الأصل الذي لا يجزى عنه غيره إلا مع عدمه كما يدل عليه قوله تعالى { فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان } والأصل مع إمكانه متعين لا يجوز العدول إلى بدله مع وجوده فذلك هو النكثة في التنصيص في حديثي الباب على شهادة الشاهدين
قوله : " إن ابن محيصة " بضم الميم وفتح الحاء المهملة وكسر التحتانية وتشديدها وفتح الصاد المهملة
قوله : " برمته " بضم الراء وتشديد الميم وهي الحبل الذي يقاد به
قوله : " فقسم ديته عليهم " هو مخالف لما في المتفق عليه الآتي وسيأتي الكلام على ذلك (7/113)
باب ما جاء في القسامة (7/114)
1 - عن أبي سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الأنصار " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (7/114)
2 - وعن سهل ابن أبي حثمة قال " انطلق عبد الله بن سهل ومحيصه بن مسعود إلى خيبر وهو يومئذ صلح فتفرقا فأتى محيصة إلى عبد الله بن سهل وهو يتشحط في دمه قتيلا فدفنه ثم قدم المدينة فانطلق عبد الرحمن بن سهل ومحيصة وحويصة ابنا مسعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذهب عبد الرحمن يتكلم فقال كبر كبر وهو أحدث القوم فسكت فتكلما قال أتحلفون وتستحقون قاتلكم أو صاحبكم فقالوا وكيف نحلف ولم نشهد ولم نر قال فتبرئكم يهود بخمسين يمينا فقالوا كيف نأخذ إيمان قوم كفار فعقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده "
- رواه الجماعة (7/114)
3 - وفي رواية متفق عليها " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته فقلوا أمر لم نشهده كيف نحلف قال فتبرئكم يهود بإيمان خمسين منهم قالوا يا رسول الله قوم كفار " وذكر الحديث بنحوه وهوحجة لمن قال لا يقسمون على أكثر من واحد (7/115)
4 - وفي لفظ لأحمد " فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تسمون قاتلكم ثم تحلفون عليه خمسين يمينا ثم نسلمه " وفي رواية متفق عليها " فقال لهم تأتون بالبينة على من قتله قالوا مالنا من بينة قالفيحلفون قالوا لا نرضى بإيمان اليهود فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبطل دمه فوداه بمائة من إبل الصدقة (7/115)
- قوله " ما جاء في القسامة " بفتح القاف وتخفيف السين المهملة وهي مصدر أقسم والمراد بها الأيمان وأشتقاق القسامة من القسم كاشتقاق الجماعة من الجمع وقد حكى إمام الحرمين أن القسامة عند الفقهاء اسم للأيمان وعند أهل اللغة اسم للحالفين وقد صرح بذلك في القاموس وقال في الضياء أنها الأيمان
وقال في المحكم أنها في اللغة الجماعة ثم أطلقت على الأيمان
قوله : " أقرأ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية " القسامو في الجاهلية قد أخرج البخاري والنسائي صفتها عن ابن عباس أن أول قسامة كانت في الجاهلية لفينا بني هاشم كان رجل من بني هاشم استأجره رجل من قريش من فخذ أخرى فانطلق معه في إبله فمر به رجلمن بني هاشم قد انقطعت عروة جوالقه فقال أغثني بعقال أشد به عروة جوالقي لا تنفر الإبل فأعطاه عقالا فشد به عروة جوالقه فلما نزلوا عقلت الإبلإلا بعيرا واحدا فقال الذي استأجره ما بال هذا البعير لم يعقل من بين الإبلقال ليس له عقال قال فأين عقاله فخذفه بعصا كان فيه أجله فمر به رجل من أهل اليمن فقال أتشهد الموسم قال ما أشهده وربما شهدته قال هل أنت مبلغ عني رسالة مرة من الدهر قال نعم فإذا شهدت فناد يا قريش فإذا أجابوك فناد ياآل بني هاشم فإن أجابوك فسل عن أبي طالب فأخبره أن فلانا قتلني في عقال ومات المستأجر فلما قدم الذي استأجره أتاه أبو طالب فقال ما فعل صاحبنا قال مرض فأحسنت القيام عليه ووليت دفنه قال قد كان أهل ذاك منك فمكث حينا ثم أن الرجل الذي أوصى أليه أن يبلغ عنه وافى الموسم فقال يا قريش قالوا هذه قريش قال يا آل بني هاشم قالوا هذه بنو هاشم قال أين أبو طالب قالوا هذا أبو طالب قال أمرني فلان أن أبلغك رسالة أن فلانا قتله في عقال فأناه أبو طالب فقال اختر منا إحدى ثلاث إن شئت أن تؤدي مائة من الإبل فإنك قتلت صاحبنا وإن شئت حلف خمسون من قومك أنك لم تقتله فإن أبيت قتلناك به فأتى قومه فأخبرهم فقلوا نحلف فأتته امرأة من بني هاشم كانت تحت رجل منهم كانت قد ولدت منه فقالت يا أبا طالب أحب أن تجير ابني هذا برجل من الخمسين ولا تصير يمينه الأيمان ففعل فأتاه رجل منهم فقال يا أبا طالب أردت خمسين رجلا أن يحلفوا مكان مائة من الإبل فيصيب كل رجل بعيران هذان البعيران فاقبلهما مني ولا تصير يميني حيث تصير الأيمان فقبلها وجاء ثمانية وأربعون فحلفوا قال ابن عباس فوالذي نفسي بيده ما حال الحول ومن الثمانية والأربعين عين تطرف انتهى
وقد أخرج البيهقي من طريق سليمان بن يسار عن أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن القسامة كانت في الجاهلية قسامة الدم فأقرها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما كانت عليه في الجاهلية وقضى بها بين أناس من الأنصار من بني حارثة إدعوا إلى اليهود
قوله : " عن سهل بن أبي حثمة قال انطلق " هكذا في كثير من روايات البخاري ومسلم وفي رواية لمسلم " عن رجال من كبراء قومه " قوله " محيصة " قد تقدم ضبطه في الباب الذي قبل هذا وهو ابن عم عبد الله بن سهل
قوله : " يتشحط في دمه " بالشين المعجمة والحاء المهملة المشددة بعدها طاء مهملة أيضا وهو الاضطراب في الدم . كما في القاموس
قوله : " حويصة " بضم الحاء المهملة وفتح الواو وتشديد الياء مصغرا وقد روي التخفيف فيه وفي محيصة
قوله : " كبر كبر " أي دع من هو أكبر منك سنا يتكلم هكذا في رواية يحيى بن سعيد أن الذي تكلم هو عبد الرحمن بن سهل وكان أصغرهم
وفي رواية أن الذي تكلم هو محيصة وكان أصغر من حويصة
قوله : " أتحلفون وتستحقون صاحبكم " فيه دليل على مشروعية القسامة وإليه ذهب جمهور الصحابة والتابعين والعلماء من الحجاز والكوفة والشام حكى ذلك القاضي عياض ولم يختلف هؤلاء في الجملة إنما اختلفا في التفصيل على ما سيأتي بيانه روى القاضي عياض عن جماعة من السلف منهم أبو قلابة وسالم بن عبد الله والحكم بن عتيبة وقتادة وسليمان بن يسار وإبراهيم بن علية ومسلو بن خالد وعمر بن عبد العزيز في رواية عنه أن القسامة غير ثابتة لمخالفتها لأصول الشريعة من وجوه . منها أن البينة على المدعي واليمين على المنكر في أصل الشرع
ومنها أن اليمين لا يجوز إلا على ما علمه الإنسان قطعا بالمشاهدة الحسية أو ما يقوم مقامها وأيضا لم يكن في حديث الباب حكم بالقسامة وإنما كانت القسامة من أحكام الجاهلية فتلطف لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليريهم كيف بطلانها وغلى عدم ثبوت القسامة أيضا ذهب الناصر كما حكاه عنه صاحب البحر . وأجيب بأن القسامة أصل من أصول الشريعة مستقل لورود الدليل بها فتخصص بها الدلة العامة وفيها حفظ للدماء وزجر للمعتدين ولا يحل طرح سنة خاصة لأجل سنة عامة وعدم الحكم في حديث سهل ابن أبي حثمة لا يستلزم عدم الحكم مطلقا فإنه صلى الله عليه وآله وسلم قد عرض على المتخاصمين اليمين وقال إما أن يدوا صاحبكم وأما أن يأذنوا بحرب كما في رواية متفق عليها وهو لا يعرض إلا ما كان شرعا وأما دعوى أنه قال ذلك للتلطف بهم وإنزالهم من حكم الجاهلية فباطلة كيف وفي حديث أبي سلمة المذكور في الباب أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقد قدمنا صفة الواقعة التي وقعت لأبي طالب مع قاتل الهاشمي
وقد أخرج أحمد والبيهقي عن أبي سعيد قال وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قتيلا بين قريتين فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذرع ما بينهما فوجد أقرب إلى أحد الجانبين بشير فألقى ديته عليهم قال البيهقي تفرد به أبو اسرائيل عن عطية ولا يحتج بهما وقال العقيلي هذا الحديث ليس له أصل
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن الشعبي أن قتيلا وجد بين وادعة وشاكر فأمرهم عمر بن الخطاب ان يقيسوا ما بينهما فوجدوه إلى وادعة أقرب فأحلفهم عمر خمسين يمينا كل رجل ما قتله ولا علمت قاتلا ثم أغرمهم الدية فقالوا يا أمير المؤمنين لا أيماننا دفعت عن أموالنا ولا أموالنا دفعت عن أيماننا فقال عمر كذلك الحق
وأخرج نحو الدارقطني والبيهقي عن سعيد بن المسيب وفيه أن عمر قال إنما قضيت عليكم بقضاء نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم قال البيهقي رفعه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم منكر وفيه عمر ابن صبيح أجمعوا على تركه وقال الشافعي ليس بتكذيب إنما رواه الشعبي عن الحرث الأعور وقال البيهقي روي عن مجالد عن الشعبي عن مسروق عن عمر
وروى عن مطرف عن أبي إسحاق عن الحرث بن الأزمع لكن لم يسمعه أبو إسحاق من الحرث وأخرج مالك والشافعي وعبد الرزاق والبيهقي عن سليمان بن يسار وعراك ابن مالك أن رجلا من بني سعد بن ليث أجرى فرسا فوطئعلى أصبع رجل من جهينة فمات فقال عمر للذين أدعى عليهم أتحلفون خمسين يمينا ما مات منها فأبوا فقال لآخرين احلفوا أنتم فأبوا فقضى عمر بشطر الدية على السعديين وسيأتي حكمة صلى الله عليه وآله وسلم على اليهود بالدية
قوله : " فيدفع برمته " قد تقدم ضبط الرمة وتفسيرها في الباب الأول وقد استدل بهذا من قال أنه يجي القود بالقسامة وإليه ذهب الزهري وربيعة وأبو الزناد ومالك والليث والأوزاعي والشافعي في أحد قوليه وأحمد وإسحاق وأبو ثور وداود ومعظم الحجايين
وحكاه مالك عن ابن الزبير واختلف في ذلك على عمر بن عبد العزيز وحكى في البحر عن أمير المؤمنين رضي الله عنه ومعاوية والمرتضى والشافعي في أحد قوليه أنه لا يجب القود بالقسامة وإليه ذهب أبو حنيفة وأصحابه وسائر الكوفيين وكثير من البصريين وبعض المدنيين والثورى والأوزاعي والهادوية بل الواجب عندهم جميعا اليمين فيحلف خمسون رجلا من أهل القرية خمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا قاتله ولا يمين على المدعي فإن حلفوا لزمتهم الدية عند جمهورهم وقد أخرج ابن أبي شيبة عن الحسن أن أبا بكر وعمر والجماعة الأولى لم يكونوا يقتلون بالقسامة
وأخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي عن عمر أن القسامة إنما توجب العقل ولا تشيط الدم وقال عبد الرزاق في مصنفه قلت لعبيد الله بن عمر العمري أعلمت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أقاد بالقسامة قال لا قلت فأبو بكر قال لا قلت فعمر قال لا قلت فلم تجترؤن عليها فسكت
وقد استدل بقوله صلى الله عليه وآله وسلم يقسم خمسون منكم على رجل منهم فيدفع برمته أحمد ومالك في المشهور عنه أن القسامة إنما تكون على رجل واحد وقال الجمهور يشترط أن تكون على معين سواء كان واحد أو أكثر وأختلفوا هل يختص القتل بواحد من الجماعة المعينين أو يقتل الكل وقال أشهب لهم أن يحلفوا على جماعة ويختاروا واحد للقتل ويسجن الباقون عاما ويضربون مائة مائة قال الحافظ وهو قول لم يسبق إليه
وقال جماعة من أهل العلم أن شرط القسامة أن تكون على غير معين واستدلوا على ذلك بحديث سهل بن أبي حثمة المذكور فإن الدعوى فيه وقعت على أهل خيبر من غير تعيين . ويجاب عن هذا إبان غايته أن القسامة تصح على غير معين وليس فيه ما يدل على اشتراط كونها على غير معين ولا سيما وقد ثبت أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرر القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية وقد قدمنا أن أول قسامة كانت في الجاهلية قسامة أبي طالب وهي دعوى على معين كما تقدم ( فإن قيل ) إذا كانت على معين كان الواجب في العمد القود وفي الخطأ الدية فما وجه إيجاب القسامة فيقال لما لم يكن على ذلك المعين بينة ولم يحصل منه مصادقة كان ذلك مجرد لوث فإن اللوث في الأصل هو ما يثمر صدق الدعوى وله صور ذكرها صاحب البحر . منها وجود القتيل في بلد يسكنه محصورون فإن كان يدخله غيرهم اشترط عداوة المستوطنين للقتيل كما في قصة أهل خيبر ومنها وجوده في صحراء وبالقرب منه رجل في يده سلاح مخضوب بالدم ولم يكن هناك غيره . ومنها وجوده بين صفي القتال ومنها وجوده ميتا بين مزدحمين في سوق أو نحوه ومنها كون الشهاد على القتل نساء أو صبيانا لا يقدر تواطؤهم على الكذب هذا معنى كلام البحر ومن صور اللوث أن يقول المقتول في حياته دمي عند فلان أو هو قتلني أو نحو ذلك فإنها تثبت القسامة بذلك عند مالك والليث وادعى مالك أن ذلك مما أجمع عليه الأئمة قديما وحديثا واعترض هذه الدعوى ابن العربي وفي الفتح أنه لم يقل بذلك غيرهما ومنها إذا كان الشهود غير عدول أو كان الشاهد واحد فإنها تثبت القسامة عند مالك والليث ولم يحك صاحب البحر اشتراط اللوث إلا عن الشافعي وحكى عن القاسمية والحنفية أنه لا يشترط ورد بأن عدم الاشتراط غفلة عن أن الاختصاص بموضع الجناية نوع من اللوث والقسامة لا تثبت بدونه
قوله : " فتبرئكم يهود بأيمان خمسين منهم " أي يخلصونكم عن الأيمان بأن يحلفوا فإذا حلفوا انتهت الخصومة فلم يجب عليهم شيء وخلصتم أنتم من الأيمان والجمع بين هذه الرواية والرواية الأخرى التي فيهاتقدم طلب البينة على اليمين حيث قال يأتون بالبينة على من قتله قالوا ما لنا بينة بأن يقال أن الرواية الأخرى مشتملة على زيادة هي طلب البينة أولا ثم اليمين ثانيا
ولا وجه لما زعمه بعضهم من كون طلب البينة وهم في الرواية المذكورة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد علم أن خيبر حينئذ لم يكن بها أحد من المسلمين
قال الحافظ إن سلم أنه لم يسكن مع اليهود أحد من المسلمين خرجوا يمتارون تمرا فيجوز أن يكون طائفة أخرى خرجوا لمثل ذلك ثم قال وقد وجدنا لطلب البينة في هذه القصة شاهدا وذكر حديث عمرو بن شعيب وحديث رافع بن خديج المتقدمين في الباب الأول
قوله : " أن يبطل دمه " في رواية للبخاري " أن يطل دمه " بضم أوله وفتح الطاء وتشديد اللام أي يهدر
قوله : " فوداه بمائة من إبل الصدقة " في الرواية الأولى فعقله أي أعطى ديته وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى عقله والعقل الدية كما تقدم وقد زعم بعضهم أن قوله من إبل الصدقة غلط من سعيد بن عبيد لتصريح يحيى بن سعيد بقوله فعقله النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عنده وجمع بعضهم بين الروايتين باحتمال أن يكون النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشتراها من إبل الصدقة بمال دفعه من عنده أو المراد بقوله من عنده أي من بيت المال المرصد للمصالح وأطلق عليه صدقة باعتبار الانتفاع به مجانا وحمله بعضهم على ظاهره وقد حكى القاضي عياض عن بعض العلماء جواز صرف الزكاة في المصالح العامة واستدل بهذا الحديث وغيره قال القاضي عياض وذهب من قال بالدية إلى تقديم المدعى عليهم في اليمين إلا الشافعي وأحمد فقالا بقول الجمهور يبدأ بالمدعين وردها إن أبوا على المدعى عليهم وقال بعكسه أهل الكوفة وكثير من أهل البصرى وبعض أهل المدينة وقال الأوزاعي يستحلف من أهل القرية خمسون رجلا جمسين يمينا ما قتلناه ولا علمنا من قتله فإن حلفوا برئوا وإن نقصت قسامتهم عن عدد أو نكول حلف المدعون على رجل واحد واستحقوا دمه فإن نقصت قسامتهم عادت دية وقال عثمان البتى يبدأ المدعى عليهم بالأيمان فإن حلفوا فلا شيء عليهم وقال الكوفيون إذا حلفوا وجبت عليهم الدية قال في الفتح واتفقوا كلهم على أنها لا تجب القسامة بمجرد دعوى الأولياء حتى يقترنوا بها شبهة يغلب على الظن الحكم بها واختلفوا بتصوير الشبهة على سبعة أوجه ثم ذكرها وذكر الخلاف في كل واحدة منها وهي ما أسلفناه في بيان صور اللوث
قال في الفتح بعد أن ذكر السابعة من تلك الصور وهي أن يوجد القتيل في محلة أو قبيلة أنه لا يوجب القسامة عند الثوري والأوزاعي وأبي حنيفة وأتباعهم إلا هذه الصورة ولا يجب فيما سواها . وبهذا يتبين لك أن عدم اشتراط اللوث مطلقا بعد الاتفاق على تفسيره بما سلف غير صحيح ومن شروط القسامة عند الجميع إلا الحنفية أن يوجد بالقتيل أثر والحاصل أن أحكام القسامة مضطربة غاية الاضطراب والأدلة فيها واردة على أنحاء مختلفة ومذاهب العلماء في تفاصيلها متنوعة إلى أنواع ومتشعبة إلى شعب فمن رام الإحاطة بها فعليه بكتب الخلاف ومطولات شروح الحديث (7/115)
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال البينة على المدعي اليمين على من أنكر إلا في القسامة "
- رواه الدارقطني (7/116)
4 - وعن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن يسار عن رجل من الأنصار " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لليهود وبدأهم يحلف منكم خمسون رجلا فأبوا فقال للأنصار استحقوا فقالوا أنحلف على الغيب يا رسول الله فجعلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية على اليهود لأنه وجد بين أظهرهم "
- رواه أبو داود
الحديث الأول أخرجه أيضا ابن عبد البر والبيهقي من حديث مسلم بن خالد عن ابن جريح عن عمرو بن شعيب به قال البخاري أن ابن جريج لم يسمع من عمرو بن شعيب وقد روي عن عمرو مرسلا من طريق عبد الرزاق وهو أحفظ من مسلم بن خالد وأوثق ورواه ابن عدي والدارقطني من حديث عثمان بن محمد بن سالم عن ابن جريج عن عطاء عن أبي هريرة مرفوعا بلفظ الحديث المذكور قال الحافظ في التلخيص وهو ضعيف . والحديث الثاني الراوي له عن أبي سلمة وسليمان هو الزهري قال المنذري في مختصر السنن بعد ذكره قال بعضم وهذا ضعيف لا يلتفت إليه
وقد قيل للأمام الشافعي ما منعك أن تأخذ بحديث ابن شهاب يعني هذا فقال مرسل والقتيل أنصاري والأنصاريون بالعناية أولى بالعلم به من غيرهم إذ كان كل ثقة وكل عندنا بنعمة الله ثقة قال البيهقي وأظنه أراد بحديث الزهري ما روي عنه معمر عن أبي سلمة وسليمان بن يسار عن رجال من الأنصار وذكر هذا الحديث وقد استدل بالحديث الأول على أن أحكام القسامة مخالفة لما عليه سائر القضايا من إيجاب البينة على المدعى واليمين على على المدعى عليه فيندفع به ما أورده النافون للقسامة من مخالفتها لما عليه سائر الأحكام الشرعية وقد تقدم تفضيل ذلك . واستدل بالحديث الثاني من قال بإيجاب الدية على من وجد القتيل بين أظهرهم ويعارضه حديث عمرو بن شعيب المتقدم في الباب الأول فان فيه أنه اعانهم بنصف الدية ويعارض الجميع ما في المتفق عليه من حديث سهل بن أبي حثمة ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقله من عنده فان أمكن حمل ذلك على قصص متعددة فلا أشكال وإن لم يمكن وكان الخرج متحدا فالمصير إلى ما في الصحيحين هو المتعين ولا سيما مع ما في حديث أبي سلمة المذكور في الباب . وحديث عمرو ابن شعيب المذكور في الباب الأول من الحكم بالدية بدون أيمان
قوله : " فقال للأنصار استحقوا " فقال في القاموس استحقه استوجبه اهو المراد ههنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الأنصار بان يستوجبوا الحق الذي يدعونه على اليهود بأيمانهم فأجابوا بأنهم لا يحلفون على الغيب (7/116)
باب هل يستوفي القصاص والحدود في الحرم أم لا (7/116)
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاءه رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال اقتلوه " (7/117)
2 - وعن أبي هريرة قال " لما فتح الله على رسوله مكة قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه ثم قال إن الله حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله والمسلمين وأنها لم تحل لأحد قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار وإنها لا تحل لأحد بعدي " (7/117)
3 - وعن أبي شريح الخزاعي " أنه قال لعمرو بن سعيد وهو يبعث البعوث إلى مكة أئذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الغد من يوم الفتح سمعته أذناي ووعاه قلبي وأبصرته عيناي حين تكلم به حمد الله وأثنى عليه ثم قال إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس فلا يحل لإمرىء يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرة فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقولوا له إن الله قد أذن لرسوله ولم يأذن لكم وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس فليبلغ الشاهد الغائب فقيل لأبي شريح ماذا قال لك عمرو قال قال أنا أعلم بذلك منك يا أبا شريح أن الحرم لا يعيذ عاصيا ولا فارا بدم ولا فارا بخربة " (7/117)
4 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرام حرمه الله يوم خلق السموات والأرض فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة وأنه لم يحل القتال فيه لأحد قبلي ولم يحل لي إلا ساعة من نهار فهو حرام بحرمة الله إلى يوم القيامة "
- متفق على أربعتهن (7/118)
5 - وعن عبد الله بن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أن أعدي الناس على الله عز و جل من قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أو قتل بذحول الجاهلية "
- رواه أحمد وله من حديث أبي شريح الخزاعي نحوه وقال ابن عمر " لو وجدت قاتل عمر في الحرم ما هجته " وقال ابن عباس في الذي يصيب حدا ثم يلجأ إلى الحرم يقام عليه الحد إذا خرج من الحرم حكاهما أحمد في رواية الأثرم (7/118)
- حديث عبد الله بن عمر أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وحديث أبي شريح الآخر الذي أشار إليه المصنف أخرجه أيضا الدارقطني والطبراني والحاكم ورواه الحاكم والبيهقي من حديث عائشة بمعناه
وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس مرفوعا " أبغض الناس إلى الله ثلاث ملحد في الحرم ومتبع في الإسلام سنة جاهلية ومطلب دم بغير حق ليهريق دمه " والملحد في الأصل هو الماثل عن الحق
وأخرجه عمر بن شيبة عن عطاء بن يزيد قال قتل رجل بالمزدلفة يعني في غزوة الفتح فذكر القصة وفيها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال وما أعلم أحدا أعتى على الله من ثلاثة رجل قتل في الحرم أو قتل غير قاتله أم قتل بذحل في الجاهلية
قوله : " عن أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة " الخ قد نقدم هذا الحديث وشرحهفي باب دخول مكة من غير إحرام من أبواب الحج
قوله : " إن الله حبس عن مكة الفيل " هو الحيوان المشهور وأشار بحبسه عن مكة إلى قضية الحبشة وهي مشهورة ساقها ابن إسحاق مبسوطة . وحاصل ما ساقه أن أبرهة الحبشي لما غلب على اليمن وكان نصرانيا بنى كنيسة وألزم الناس بالحج إليها فعمد بعض العرب فاستغفل الحجبة وتغوط وهرب فغضب أبرهة وعزم على تخريب الكعبة فتجهز في جيش كثيف واسطحب معه فيلا عظيما فلما قرب من مكة خرج إليه عبد المطلب فأعظمه وكان جميل الهيئة فطلب منه أن يرد عليه إبل نهبت فاستقصر همته وقال لقد ظننت أنك لا تسألني إلا في الأمر الذي جئت فيه يقال إن لهذا البيت ربا سيحميه فأعاد إليه إبله وتقدم أبرهة بجيوشه فتقدموا الفيل فأرسل الله عليهم طيرا مع كل واحدة ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره فألقتها عليهم فلم يبق منهم أحد إلا أصيب
وأخرج ابن مردوية بسند حسن عن عكرمة عن ابن عناس قال جاء أصحاب الفيل حتى نزلوا الصفاح وهو بكسر المهملة ثم فاء ثم مهملة موضع خارج مكة من جهة طريق اليمن فأتاهم عبد المطلب فقال إن هذا بيت الله لم يسلط عليه أحدا فقالوا لا نرجع حتى نهدمه فكانوا لا يقدمون الفيل قبلهم ألا تأخر فدعا الله الطير إلا بابيل فأعطاها حجارة سودا فلما حاذتهم رمتهم فما بقي منهم أحد إلا أخذته الحكة فكان لا يحك أحدهم جلده إلا تساقط لحمه
قال ابن إسحاق حدثني يغوث بن عتبة قال حدثت أن أول ما وقعت الحصبة والجدري بأرض العرب يومئذ . وعند الطبري بسند صحيح عن عكرمة أنها كانت طيرا خضرا خرجت من البحر لها رؤوس كرؤوس السباع . ولابن أبي حاتم من طريق عبيد بن عمير بسند قوي بعث الله عليهم طيرا أنشأها من البحر كأمثال الخطاطيف فذكر نحو ما تقد
قوله : " لعمرو بن سعيد " هو المعروف بالأشدق وكان أميرا على دمشق من جهة عبد الملك بن مروان فقتله عبد الملك وقصته مشهورة
قوله : " ولا يعضد بها شجرة " قد تقدم ضبطه وتفسيره في الحج
قوله : " فإن أحد ترخص بقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها " أي استدل بقتاله صلى الله عليه وآله وسلم فيها على أن القتال فيها لغيه مرخص فيه
قوله : " إن الحرم لا يعيذ عاصيا " هذا من عمرو المذكور معارضته لحديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم برأيه وهو مصادم للنص ولا جرم فالمذكور من عتاة الأمة النابين عن الحق
قوله : " ولا فارا بخربة " بضم الخاء ويجوز فتحها وسكون الراء بعدها باء موحدة وهي في الأصل سرقة الإبل وفي البخاري أنها الخيانة
وقال الترمذي قد روى بخزية بالزاي والياء التحتية أي بجريمة يستحي منها
قوله : " أن أعدي الناس " في رواية " أن أعتى الناس " وهما تفضيل أي الزائد في التعدي أو العتو على غيره والعتو التكبر والتجبر
وقد أخرج البيهقي عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده أنه قال وجد في قائم سيف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاب أن أعدى الناس على الله الحديث
وأخرجه من حديث سليمان بلفظ " إن أعتى الناس على الله " وأخرج أيضا حديث أبي شريح بلفظ " إن أعتى الناس على الله الحديث "
قوله : " بذحول الجاهلية " جمع ذحل بفتح الذال المعجمة وسكون الحاء المهملة وهو الثار وطلب المكافاة والعداوة أيضا والمراد هنا من كان له دم في الجاهلية بعد دخوله في الإسلام والمراد أن هؤلاء الثلاثة أعتى أهل المعاصي وأبغضهم إلى الله وإلا فالشرك أبغض إليه من كل معصية كذا قال المهلب وغيره
وقد استدل بحديث أنس المذكور على أن الحرم لا يعصم من إقامة واجب ولا يؤخر لأجله عن وقته كذا قال الخطابي وقد ذهب إلى ذلك مالك والشافعي وهو اختيار ابن المنذر ويؤيد ذلك عموم الأدلة القاضضية باستيفاء الحدود في كل مكان وزمان . وذهب الجمهور من الصحابة والتابعين ومن بعدهم والحنفية وسائر أهل العراق وأحمد ومن وافقه من أهل الحديث والعترة إلا أنه لا يحل لأحد أن يسفك بالحرم دما ولا يقيم به حدا حتى يخرج عنه من لجأ إليه . واستدلوا على ذلك بعموم حديث أبي هريرة وأبي شريح وابن عباس . عبد الله بن عمرو وعموم قوله تعالى { ومن دخله كان آمنا } وهو الحكم الثابت قبل الإسلام وبعده فإن الجاهلية كان يرى أحدهم قاتل إبنه فلا يهيجه وكذلك في الإسلام كما قال ابن عمر في الأثر المذكور كما روى الإمام أحمد عن عمر بن الخطاب أنه قال لو وجدت فيه قاتل الخطاب ما مسسته حتى يخرج منه وهكذا روى عن ابن عباس أنه قال لو وجدت قاتل أبي في الحرم ما هجته
وأما الاستدلال بحديث أنس المذكور فوهم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل ابن خطل في الساعة التي أحل له الله القتال بمكة وقد أخبرنا بأنها لم تحل لأحد قبله ولا لأحد بعده وأخبرنا أن حرمتها قد عادت بعد تلك الساعة كما كانت وأما الاستدلال بعموم القاضية بلاستيفاء الحدود فيجاب أولا بمنع عمومها لكل مكان وكل زمان لعدم التصريح بهما وعلى تسليم العموم فهو محصص بأحاديث الباب لأنها قاضية بمنع ذلك في مكان خاص وهي متأخرة فإنها في حجة الوداع بعد شرعية الحدود هذا إذا ارتكب ما يوجب حدا أو قصاصا في الحرم فذهب بعض العترة إلى أنه يخرج من الحرم ويقام عليه الحد . روى أحمد عن ابن عباس أنه قال من سرق أو قتل في الحرم أقيم عليه في الحرم . ويؤئد ذلك قوله تعالى { ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه فإن قاتلوكم فاقتلوهم } ويؤيده أيضا أن الجاني في الحرم هاتك لحرمته بخلاف الملتجئ إليه وأيضا لو ترك الحد والقصاص على من فعل ما يوجبه في الحرم لعظم الفساد في الحرم . وظاهر أحاديث الباب المنع المطلقا من غير فرق بين اللاجئ إلى الحرم والمرتكب لما يوجب حدا أو قصاصا في داخله وبين قتل النفس أو قطع العضو والآية التي فيها الإذن بمقاتلة من قاتل عند المسجد الحرام لا تدل إلا على جواز المدافعة لمن قاتل حال المقاتلة كما يدل على ذلك التقييد بالشروط وقد اختلف العلماء في كون هذه الآية منسوخة أو محكمة حتى قال أبو جعفر في كتاب الناسخ والمنسوخ أنها من أصعب ما في الناسخ والمنسوخ فمن قال بأنها محكمة مجاهد وطاوس وأنه لا يجوز الابتداء بالقتال في الحرم تمسكا بظاهر الآية وبأحاديث الباب
وقال في جامع البيان أن هذا قول الأكثر ومن القائين بالنسخ قتادة قال والناسخ لهما قوله تعالى { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة } وقيل بآية التوبة كما ذكره النجري قال أبو جعفر وهذا قول أكثر أهل النظر وأن المشركين يقاتلون في الحرم وغيره بالرآن والسنة قال الله تعالى { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم } وبراءة نزلت بعد البقرة بسنتين وقال تعالى { وقاتلوا المشركين كافة } وأما السنة فما روى أنه صلى الله عليه وآله وسلم " دخل وعلى رأسه المغفر فقتل ابن خطل " وقد اختار صاحب تيسير البيان القول الأول وقرره ورد دعوى النسخ أما بالآية براءة فلأن قوله تعالى في المائدة { لا تحلوا شعائر الله ولا الشهر الحرام } موافق لآية البقرة والمائدة نزلت بعد براءة في قول أكثر أهل العلم بالقرآن ثم أن كلنة حيث تدل على المكان فهي عامة في إفراد الأمكنة وآية البقرة نص في النهي عن القتال في مكان مخصوص وهو المسجد الحرام فتكون مخصصة لآية براءة ويكون التقدير فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم إلا أن يكونوا في المسجد الحرام فلا تقتلوهم حتى يقاتلوكم فيه
وأما قوله تعالى { قاتلوهم حتى لا تكون فتنة } فهو مطلق في الأمكنة والأزمنة والأحوال وآية البقرة مقيدة ببعض الأمكنة فيكون ذلك المطلق مقيدا بها وإذا أمكن الجمع فلا نسخ هذا معنى كلامه وهو طويل ولكن في كون العام المتأخر يخصص بالخاص المتقدم خلاف بين أهل الأصول والراجح والتخصيص وفي كون عموم الأشخاص لا يستلزم عموم الأحوال والأمكنة والأزمنة خلاف أيضا معروف بين أهل الأصول (7/118)
باب ما جاء في توبة القاتل والتشديد في القتل (7/119)
1 - عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء "
- رواه الجماعة إلا أبا داود (7/119)
2 - وعن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تقتل نفسا ظلما إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها لأنه كان أول من سن القتل "
- متفق عليه (7/119)
3 - وعن أبي هريرة " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقى الله عز و جل مكتوب بين عينيه آيس منرحمة الله "
- رواه أحمد وابن ماجة (7/120)
4 - وعن معاوية قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل ذنب عسى الله يغفره إلا الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا "
- رواه أحمد والنسائي . ولأبي داود من حديث أبي الدرداء كذلك (7/120)
- حديث أبي هريرة أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده يزيد بن أبي زياد وهو ضعيف وقد روى عن الزهري مرسلا أخرجه البيهقي من طريق فرح بن فضالة عن الضحاك عن الزهري يرفعه وفرح ضعيف وقد قواه أحمد . وبالغ ابن الجوزي فذكر الحديث في الموضوعات وسبقه إلى ذلك أبو حاتم فإنه قال في العلل أنه باطل موضوع
وقد رواه أبو نعيم في الحلية من طريق حكيم بن نافع عن خلف بن حوشب عن الحكم بن عتيبة عن سعيد بن المسيب سمعت عمر فذكره وقال تفرد به حكيم عن خلف . ورواه الطبراني من حديث ابن عباس نحوه وأورده ابن الجوزي من طريق أخرى عن أبي سعيد الخدري بلفظ " يجيء القاتل يوم القيامة مكتوبا بين عينيه آيس من رحمة الله " وأعله بعطية ومحمد بن عثمان بن أبي شيبة قال الحافظ ومحمد لا يستحق أن يحكم على أحاديثه بالوضع فأما عطية فضعيف لكن حديثه يحسنه الترمذي إذا توبع . وحديث معاوية جميع رجال إسناده ثقات ويشهد له مافي هذا الباب من الأحاديث القاضية بعدم المغفرة للقاتل . وحديث أبي الدرداء الذي أشار إليه المصنف لفظه قال أبو الدرداء " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا من مات مشركا أو مؤمن قتل مؤمنا متعمدا " وروى أبو داود أيضا عن عبادة بن الصامت أنه روى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " من قتل مؤمنا فاغتبط بقتله لم يقبل الله منه صرفا ولا عدلا " قال الخطابي فاغتبط أي فقتله بغير سبب وفسره بحيى بن يحيى الغساني بأنه الذي يقتل صاحبه في الفتنة فيرى أنه على هدى لا يستغفر الله من ذلك . وهذان الحديثان سكت عنهما أبو داود والمنذري في مختصر السنن ورجال إسناده كل واحد منهما موثقون
قوله : " أول ما يقضي بين الناس " الخ فيه دليل على عظم ذنب القتل لأن الابتداء إنما يكون بالأهم وعائد الموصول محذوف والتقدير أول ما يقضى فيه ويجوز أن تكون مصدرية ويكون تقديره أول قضاء في الدماء أو يكون المصدر بمعنى اسم المفعول أي أول مقتضىفيه الدماء
وقد استشكل الجمع بين هذا الحديث وبين الحديث الذي أخرجه أصحاب السنن عن أبي هريرة بلفظ " أول ما يحاسب العبد عليه صلاته " وأجيب بأن الأول يتعلق بمعاملات العباد والثانيي بمعاملات الله
قال الحافظ على أن النسائي أخرجهما في حديث واحد أورده من طريق أبي وائل عن مسعود رفعه " أول ما يحاسب العبد به الصلاة وأول ما يقضى بين الناس في الدماء " وقد استدل بحديث ابن مسعود الأول المذكور على أن القضاء يختص بالناس ولا يكون بين البهائم وهو غلط لأن مفاده حصر الأولية في القضاء بين الناس وليس فيه نفي القضاء بين البهائم مثلا بعد القضاء ين الناس
قوله : " على بن آدم الأول " وهو قابيل عند الأكثر وعكس القاضي جمال الدين من واصل في تاريخه فقال اسم المقتول قابيل اشتق من قبول قربانه وقيل اسمه قابن بنون بدل اللام بغير ياء وقيل قبن مثله بغير ألف . وعن الحسن لم يكن ابن آدم المذكور وأخوه المقتول من صلب آدم وإنما كانا من بني إسرائيل أخرجه الطبري . وعن مجاهد أنهما كانا ولدي آدم لصلبه وهذا هو المشهور وهو الظاهر من حديث الباب لقوله " الأول " أي أول من ولد لآدم ويقال أنه لم يولد لآدم في الجنة غيره وغير توأمته ومن ثم فخر على أخيه هابيل فقال نحن من أولاد الجنه وأنتم من أولاد الأرض ذكر ذلك ابن إسحاق في المبتدأ
قوله : " كفل من دمها " بكسر الكاف وسكون الفاء وهو النصيب وأكثر ما يطلق على الأجر كقوله تعالى { كفلين من رحمته } ويطلق على الاسم كقوله تعالى { من يشفع شفاعة سيئة يكون له كفل منها } . قوله " لأنه أول من سن القتل " فيه دليل على أن من سن شيئا كتب له أو عليه وهو أصل في أن المعونة على ما لا يحل حرام وقد أخرج مسلم من حديث جرير " من سن في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة " وهو محمول على من لم يتب عن ذلك الذنب
قوله : " بشطر كلمة " قال الخطابي قال ابن عيينة مثل أن يقول اق من قوله اقتل وفي هذا من الوعيد الشديد ما لا يقادر قدره فإذا كان شطر الكلمة موجبا لكتب الإياس من الرحمة بين عيني قائلها فكيف بمن أراق دم المسلم ظلما وعدوانا بغير حجة نيرة وقد استدل بهذا الحديث وبحديث معاوية وأبي الدرداء المذكورين بعده على أنها لا تقبل التوبة من قاتل العمد وسيأتي بيان ما هو الحق إن شاء الله (7/120)
5 - وعن أبي بكرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا تواجه المسلمان بسيفهما فقتل أحدهما صاحبه فالقاتل والمقتول في النار فقيل هذا القاتل فما بال المقتول قال قد أراد قتل صاحبه "
- متفق عليه (7/121)
6 - وعن جندب البجلي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " كان ممن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكينا فخز بها يده فمارقأ الدم حتى مات قال الله تعالى بادرني عبدي بنفسه حرمت عليه الجنة "
- أخرجاه (7/121)
7 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأبها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا ومن تردى من جبل فقتل نفسه فهو متردفي نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا " (7/121)
8 - وعن المقداد بن أسود أنه قال " يا رسول الله أرأيت أن لقيت رجل من الكفار فقاتلني فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ثم لاذمني بشجرة فقال أسلمت لله أفأقتله يا رسول الله بعد أن قالها قال لا تقتله قال فقلت يا رسول الله إنه قطع يدي ثم قال ذلك بعد أن قطعها أفأقتله قال لا تقتله فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله وأنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال "
- متفق عليه (7/122)
9 - وعن جابر قال " لما هاجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة هاجر إليه الطفيل بن عمرو وهاجر معه رجل من قومه فاجتووا المدينة فمرض فجزع فأخذ مشاقص فقطع بها برامجه فخشبت يداه حتى مات فرآهالطفيل بن عمرو في منامه وهيئته حسنة ورآه مغطيا يديه فقال له ما صنع بك ربك قال غفر لي بهجرتي إلى نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فقال مالي أراك مغطيا يديك قال قيل لي لن نصلح منك ما أفسدت فقصها الطفيل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وليديه فاغفر "
- رواه أحمد ومسلم (7/122)
- قوله " فالقاتل في النار " قال في الفتح قال العلماء معني كونهما في النار إنهما يستحقان ذلك ولكن أمرهما إلى الله إن شاء عاقبهما ثم أخرجهما من النار كسائر الموحدين وإن شاء الله عفا عنهما أصلا
وقيل هو محمول على من استحل ذلك ولا حجة فيه للخوارج ومن قال من المعتزلة بأن أهل المعاصي مخلدون في النار لأنه لا يلزم من قوله القاتل والمقتول في النار استمرار بقائهما فيها وأحتج به من لم ير القتال في الفتنة وهم كل من ترك القتال مع على في حروبه كسعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بكرة وغيرهم وقالوا يجب الكف حتى لو أراد قتله لم يدفعه عن نفسه ومنهم من قال لا يدخل في الفتنة فأن أحد أراد قتله دفع عن نفسه انتهى . ويدل على القول الآخر حديث أبي هريرة عند أحمد ومسلم وقد تقدم في باب دفع الصائل من كتاب الغصب وفيه أرايت ان قاتلني قال قاتله ويدل على القول الأول ما تقدم من الأحاديث في باب الدفع لا يلزم المصول عليه من ذلك الكتاب
قوله : في الفتح وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصرة الحق وقتال الباغين وحمل هؤلاء الأحاديث الواردة في ذلك على من ضعف عن القتال أو قصر عن معرفة صاحب الحق قال واتفق أهل السنة على وجوب منع الطعن على أحد من الصحابة بسبب ماوقع لهم من ذلك ولو عرف المحق منهم لأنهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلا عن اجتهاد وقد عفا الله عن المخطئ في الاجتهاد بل ثبت أنه يؤجر أجرا واحدا وأن المصيب يؤجر أجرين قال الطبري لو كان الواجب في كل اختلاف يقع بين المسلمين الهرب منه بلزوم المنازل وكسر السيوف لما أقيم حق ولا أبطل باطل ولوجد أهل الفسوق سبيلا إلى ارتكاب المحرمات من أخذ الاموال وسفك الدماء وسبي الحريم بأن يحاربوهم ويكف المسلمون أيديهم ويقولوا هذه فتنة وقد نهينا عن القتال فيها وهذا مخالف للأمر بالأخذ على أيدي السفهاء اه
وقد أخرج البزار زيادة في هذا الحديث تبين المراد وهي " إذا اقتتلتم على الدنيا فالقاتل والمقتول في النار " ويؤيده ما أخرجه مسلم بلفظ " لا تذهب الدنيا حتى يأتي على الناس زمان لا يدري القاتل فيم قتل ولا المقتول فيم قتل فقيل كيف يكون ذلك قال الهرج القاتل والمقتول في النار " قال القرطبي فبين هذا الحديث أن القتال إذا كان على جهل من طلب دنيا أو اتباع هوى فهو الذي أريد بقوله القاتل والمقتول في النار
قال الحافظ ومن ثم كان الذين توقفوا عن القتال في الجمل وصفين أقل عددا من الذين قاتلوا وكلهم متأول مأجور إن شاء الله بخلاف من جاء بعدهم ممن قاتل على طلب الدنيا اه . وهذا يتوقف على صحة نيات جميع المقتتلين في الجمل وصفين وأرادة كل واحد منهم الدين لا الدنيا وصلاح أحوال الناس لامجرد الملك ومناقشة بعضهم لبعض مع علم بعضهم بأنه المبطل وخصمه المحق ويبعد ذلك طل البعد ولا سيما في حق من عرف منهم الحديث الصحيح انها تقتل عمارا الفئة الباغية فإن إصراره بعد ذلك على مقاتلة من كان معه عمار معاندة للحق وتماد في الباطل كما لا يخفى على منصف وليس هذا منامحبة لفتح باب المثالب على بعض الصحابة فانا كما علم الله من أشد الساعين في سد هذا الباب والمنفرين للخاص والعام عن الدخول فيه حتى كتبنا في ذلك رسائل وقعنا بسببها مع المتظهرين بالرفض والمحبين له بدون تظهر في أمور يطول شرحها حتى رمينا تارة بالنصب وتارة بالإنحراف عن مذاهب أهل البيت وتارة بالعداوة للشيعة وجاءتنا الرسائل المشتملة على العتاب من كثير من الأصحاب والسباب من جماعة من غير ذوي الألباب . ومن رأي مالأهل عصرنا من الجوابات على رسالتنا التي سميناها ارشاد الغبي إلى مذهب أهل البيت في صحب النبي وقف على بعض أخلاق القوم وماجبلوا عليه من عداوة من سلك مسلك الأنصاف وآثر نص الدليل على مذاهب الأسلاف وعداوة الصحابة الأخيار وعدم التقييد بمذاهب الأل الأطهار فانا قد حكينا في تلك الرسالة اجماعهم على تعظيم الصحابة رضي الله عنهم وعلى برك السب لأحد منهم من ثلاث عشرة طريقا وأقمنا الحجة على من يزعم أنه من أتباع أهل البيت ولا يتقيد بمذاهبهم في مثل هذا الأمر الذي هو مزلة أقدام المقصرين فلم يقابل ذلك بالقبول والله المستعان وأقول
أني بليت بأهل الجهل في زمن قاموا به ورجال العلم قد قعدوا
اه
ومما يؤيد ما تقدم من التأويل للحديث المذكور ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة يرفعه من قاتل تحت راية عمية فغضب لغضبه أو يدعو إلى عصبية أو ينصر عصبية فقتل فقتله جاهلية وقد قدمنا ما هو أبسط من هذا الكلام في باب دفع الصائل وباب أن الدفع لا يلزم المصول عليه من كتاب الغضب فراجعة
قوله : " فقيل هذا القاتل فما بال المقتول " القائل هو أبو بكرة كما وقع مبينا في رواية مسلم ومعنى ذلك أن هذا القاتل قد استحق النار بذنبه وهو الإقدام على قتل صاحبه فما بال المقتول أي فما ذنبه
قوله : " قال قد أراد قتل صاحبه في لفظ للبخاري في كتاب الأيمان إنه كان حريصا على قتل صاحبه " وقد استدل " بذلك من ذهب إلى المؤاخذة بالعزم وإن لم يقع الفعل وأجاب من لم يقل بذلك أن في ذلك فعلا وهو المواجهة بالسلاح ووقوع القتال ولا يلزم من كون القاتل والمقتول في النار أن يكونا في مرتبة واحدة فالقاتل يعذب على القتال والقتل والمقتول يعذب على القتال فقط فلم يقع التعذيب على العزم المجرد ويؤيد هذا حديث أن الله تجاوز لأمتى ما حدثت به نفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا
قال في الفتح والحاصل أن المراتب ثلاث الهم والمجرد وهو يثاب عليه ولا يؤاخذ به واقتران الفعل بالهم أو بالعزم ولا نزاع في المؤاخذة به والعزم وهو أقوى من الهم وفيه النزاع
قوله : " يتوجأ " أي يضرب بها نفسه وحديث جندب البجلي وأبي هريرة يدلان على أن من قتل نفسه من المخلدين في النار فيكون عموم أخراج الموحدين مخصصا بمثل هذا وما ورد في معناه كما حققنا ذلك مرارا . وظاهر حديث جابر المذكور يخالفهما فإن الرجل الذي قطع براجمه بالمشاقص ومات من ذلك أخبر بعد موته الرجل الذي رآه في المنام بأن الله تعالى غفر له ووقع منه صلى الله عليه وآله وسلم التقرير لذلك بل دعاله ويمكن الجمع بأنه لم يرد قتل نفسه بقطع البراجم وإنما حمله الضجر وما حل به من المرض على ذلك بخلاف الرجل المذكور في حديث جندب فإنه قطع يده مريد القتل نفسه وعلى هذا فتكون الأحاديث الواردة في تخليد من قتل نفسه في النار وتحريم الجنة عليه مقيدة بأن يكون مريدا للقتل
وقد أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة قال " شهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لرجل ممنيدعي الإسلم هذا من أهل النار فلما حضر القتال قاتل قتالا شديدا فأصابه جراح فقيل يا رسول الله الذي قلت آنفا أنه من أهل النار قد قاتل قتالا شديدا وقد مات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى النار فكاد بعض المسلمين يرتاب فبينما هم على ذلك إذ قيل له أنه لم يمت ولكن به جراح شديدة فلما كان من الليل لم يصبر على الجراح فأخذ ذباب سيفه فتحامل عليه فقتل نفسه فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الله أكبر أشهد أني عبد الله ورسوله ثم أمر بلالا فنادى في الناس أنه لا يدخل الجنة إلا نفس مسلمة وإن الله تعالى ليؤيد هذا الدين بالرجال الفاجر
وأخرج أبو داود من حديث جابر بن سمرة قال أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم برجل قتل نفسه فقالا لا أصلى عليه
قوله : " أرأيت إن لقيت رجلا " في رواية للبخاري " أني لقيت كافرا فأقتتلنا فضرب يدي فقطعها " وظاهرها أن ذلك وقع والذي في نفس الأمر بخلافه وإنما سأل المقداد عن الحكم في ذلك لو وقع كما في حديث الباب
وفي لفظ للبخاري في غزوة بدربلفظ " أرأيت أن لقيت رجلا من الكفار " الحديث
قوله " ثم لاذمني بشجرة " أي التجأ إليها
وفي رواية للبخاري " ثم لاذ بشجرة " قوله " فقال أسلمت لله " أي دخلت في الإسلام
قوله : " فإن قتلته فإنه بمنزلتك قبل أن تقتله " قال الكرماني القتل ليس سببا لكون كل منها بمنزلة الآخر لكنه عند النحاة مؤول بالأخبار أي هو سبب لإخباري لك بذلك وعند البيانيين المراد لازمه
قوله : " وأنت بمنزلته قبل أن يقول كلمته " قال الخطابي معناه أن الكافر مباح الدم بحكم الدين قبل أن يسلم فإذا أسلم صار مصان الدم كالمسلم فإن قتله المسلم بعد ذلك صار دمه مباحا بحق القصاص كالكافر بحق الدين وليس المراد الحاقه به في الكفر كما يقوله الخوارج من تكفير المسلم بالكبيرة وحاصله اتحاد المنزلتين مع أختلاف المأخذ أي أنه مثلك في صون الدم وأنك مثله في الهدر . ونقل ابن التين عن الداودي أن معناه أنك صرت قاتلا كما كان هو قاتلا وهذا من المعاريض لأنه أراد الإغلاظ بظاهر اللفظ دون باطنه وإنما أراد أن كلا منهما قاتل ولم يرد أنه صار كافرا بقتله إياه ونقل ابن بطال عن المهلب أن معناه أنك بقصدك لقتله عمدا آثم كما كان هو بقصده لقتلك آثما فأنتما في حالة واحدة من العصيان
وقيل المعني أنت عنده حلال الدم قبل أن يسلم كما كان عندك حلال الدم قبل ذلك وقيل معناه أنه مغفورله بشهادة التوحيد كما أنك مغفور لك بشهادة بدر ونقل ابن بطال عن ابن القصار أن معنى قوله وأنت بمنزلته أي في إباحة الدم وإنما قصد بذلك ردعه وزجره عن قتله لأن الكافر إذا قال أسلمت حرم قتله وتعقب بأن الكافر مباح الدم والمسلم الذي قتله إن لم يتعمد قتله ولم يكن عرف أنه مسلم وإنما قتله متأولا فلا يكون بمنزلته في إباحة الدم
وقال القاضي عياض معناه أنه مثله في مخالفة الحق وارتكاب الأثم وإن اختلف النوع في كون أحدهما كفر أو الآخر معصية واستدل بهذا الحديث على صحة اسلام من قال أسلمت لله ولم يزد على ذلك
وقد ورد في بعض طرق الحديث " انه قال لا اله إلا الله " كما في صحيح مسلم
قوله : " فاجتووا المدينة " أي استوخموها
قوله " فأخذ مشاقص " جمع مشقص وقد تقدم تفسيره في باب من أطلع في بيت قوم مغلق عليهم بغير إذنهم وقد تقدم أيضا في الحج قوله " براجمه " جمع برجمة بضم الموحدة وسكون الراء وضم الجيم
قال في القاموس وهي المفصل الظاهر أو الباطن من الأصابع والأصبع الوسطى من كل طائر أو هي الأصابع كلها أو ظهور العصب من الأصابع أو رؤوس السلاميات إذا قبضت كفك نشزت وارتفعت اه
قوله : " فشخبت " بفتح الشين والخاء المعجمتين والباء الموحدة أي انفجرت يداه دما قوله " لن يصلح منك ما أفسدت " فيه دليل على أن من أفسد عضوا من أعضائه لم يصلح يوم القيامة بل يبقى على الصفة التي هي عليها عقوبة له (7/122)
10 - وعن عبادة بن الصامت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيدكم ولا تعصوا في معروف فمن وفى منكم فأجره على الله ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله أن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه فبايعناه على ذلك " وفي لفظ " فلا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق " (7/123)
11 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسا فسأل عن أعلم أهل الأرض فدل على راهب فأتاه فقال أنه قد قتل تسعة وتسعين نفسا فهل له من توبة فقال لا فقتله فكمل به مائة ثم سأل عن أعلم أهل الأرض فدل على رجل عالم فقال أنه قتل مائة نفس فهل له من توبة فقال نعم من يحول بينك وبين التوبة إلى أرض كذا وكذا فإن بها اناسا يعبدون الله فاعبد الله معهم ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء فأنطلق حتى إذا نصف الطريق أتاه الموت فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب فقالت ملائكة الرحمة جاء تائبا مقبلا فقبله الله وقالت ملائكة العذاب إنه لم يعمل خيرا قط فأتاهم ملك في صورة آدمي فجعلوه بينهم فقال قيسوا من بين الأرضين فإلى أيهما كان أدنى فهو له فقاسوا فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد فقبضته ملائكة الرحمة "
- متفق عليهما (7/123)
12 - وعن واثلة بن الأسقع قال " أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في صاحب لنا أوجب يعني النار بالقتل فقال أعتقوا عنه يعتق الله بكل عضو منه عضوا منه من النار "
- رواه أحمد وأبو داود (7/123)
- حديث واثلة أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم . قوله " وحوله عصابة " بفتح اللام على الظرفية . والعصابة بكسر العين الجماعة من العشرة إلى الأربعين ولا واحد لها من لفظها وقد جمعت على عصائب وعصب
قوله : " بايعوني " المبايعة هنا عبارة عن المعاهدة سميت بذلك تشبيها بالمعارضة المالية كما في قوله تعالى { أن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة } قوله " ولا تقتلوا أولادكم " قال محمد بن إسماعيل التيمي وغيره خص القتل بالأولاد لأنه قتل وقطيعة رحم فالعناية بالنهي عنه آكد ولأنه كان شائعا فيهم وهو وأد البنات أو قتل البنين خشية الأملاق أو خصهم بالذكر لأنهم بصدد أن لا يدفعوا عن أنفسهم
قوله : " ولا تأتوا ببهتان " البهتان الكذب الذي يبهت سامعه وخص الأيدي والأرجل بالافتراء لأن معظم الأفعال يقع بهما إذا كانت هي العوامل والحوامل للمباشرة والسعي ولذا يسمون الصنائع الأيادي وقد يعاقب الرجل بجناية قولية فيقال هذا بما كسبت يداك ويحتمل أن يكون المراد لا تبهتوا الناس كفاحا وبعضكم شاهد بعضا كما يقول قلت كذا بين يدي فلان قال الخطابي وقد تعقب بذكر الأرجل وأجاب الكرماني بأن المراد الأيدي وذكر الأرجل للتأكيد ( ومحصله ) إن ذكر الأرجل إن لم يكن مقتضيا فليس بمانع ويحتمل أن يكون المراد بما بين الأرجل والأيدي القلب لأنه هو الذي يترجم اللسان عنه فلذلك نسب إليه الافتراء وقال أبو محمد بن أبي جمرة يحتمل أن يكون قوله بين أيديكم أي في الحال . وقوله وأرجلكم أي في المستقبل لأن السعي من أفعال الأرجل وقال غيره أصل هذا كان في بيعة النساء وكني به كما قال الهروي عن نسبة المرأة الولد الذي تزني به أو تلقطه إلى زوجها ثم لما استعمل هذا اللفظ في بيعة الرجال أحتيج إلى حمله على غير ما ورد فيه أولا
قوله : " ولا نعصوا في معروف " هو ما عرف من الشارع حسنه نهيا وأمرا قال النووي يحتمل أن يكون المراد ولا تعصوني ولا أحدا ولى الأمر عليكم في المعروف فيكون التقييد بالمعروف متعلقا بشيء بعده وقال غيره نبه بذلك على أن طاعة المخلوق إنما تجب فيما كان غير معصية لله فهي جديرة بالتوقي في معصية الله
قوله : " فمن وفى منكم " أي ثبت على العهد ولفظ وفي بالتخفيف وفي رواية بالتشديد وهما بمعنى
قوله : " فأجره على الله " هذا على سبيل التفخيم لأنه لما ذكر المبالغة المقتضية لوجود العوض أثبت ذكر الأجر وقد وقع التصريح في رواية في الصحيحين بالعوض فقال في الجنة
قوله : " ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به فهو " أي العقاب كفارة له قال النووي عموم هذا الحديث مخصوص بقوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به } فالمرتد إذا قتل على ارتداده لا يكون القتل له كفارة
قال الحافظ وهذا بناء على أن قوله من ذلك شيئا يتناول جميع ما ذكر وهو ظاهر
وقد قيل يحتمل أن يكون المراد ما ذكر بعد الشرك بقرينة أن المخاطب بذلك المسلمون فلا يدخل حتى يحتاج إلى إخراجه ويؤيده رواية مسلم من طريق أبي الأشعث عن عبادة في هذا الحديث ومن أتى منكم حدا إذ القتل على الشرك لا يسمى حدا ويجاب بأن خطاب المسلمين لا يمنع التحذير لهم من الإشراك
وأما كون القتل على الشرك لا يسمى حدا فإن أراد لغة أو شرعا فممنوع وإن أراد عرفا فذلك غير نافع فالصواب ما قاله النووي وقال الطيبي الحق أن المراد بالشرك الأصغر وهو الرياء ويدل عليه تنكير شيئا أي شركا أياما كان وتعقب بأن عرف الشارع إذا أطلق الشرك إنما يريد به ما يقابل التوحيد وقد تكرر هذا اللفظ في الكتاب والأحاديث حيث لا يراد به إلا ذلك
وقال القاضي عياض ذهب أكثر العلماء إلى أن الحدود كفارات واستدلوا بالحديث
ومن العلماء من وقف لأجل حديث أبي هريرة الذي أخرجه الحاكم في المستدرك والبزار من رواية معمر عن ابن أبي ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا أدري الحدود كفارة لاهلها أم لا " قال الحافظ وهو صحيح على شرط الشيخين وقد أخرجه أحمد عن عبد الرزاق عن معمر وذكر الدارقطني أن عبد الرزاق تفرد بوصله وأن هشام بن يوسف رواه عن معمر فأرسله
وقد وصله الحاكم من طريق آدم بن أبي اياس عن ابن أبي ذئب فقويت رواية معمر قال القاضي عياض لكن حديث عبادة أصح إسنادا ويمكن الجمع بينهما أن يكون حديث أبي هريرة ورد أولا قبل أن يعلمه الله ثم أعلمه بعد ذلك وهذا جمع حسن لولا أن القاضي ومن تبعه جازمون بأن حديث عبادة المذكور كان بمكة ليلة العقبة لما بايع الأنصار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيعة الأولى بمنى وأبو هريرة إنما أسلم بعد ذلك بسبع سنين عام خيبر فكيف يكون حديثه متقدما ويمكن أن يجاب بأن أبا هريرة لم يسمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإنما سمعه من صحابي آخر كان سمعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم قديما ولم يسمع من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك أن الحدود كفارة كما سمع عبادة ولا يخفى ما في هذا من التعسف على انه يبطله أن أبا هريرة صرح بسماعه من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن الحدود لم تكن نزلت إذ ذاك ورجح الحافظ أن حديث عبادة المذكور لم يقع ليلة العقبة وإنما وقع في ليلة العقبة ما ذكره ابن إسحاق وغيره من أهل المغازي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لمن حضر من الأنصار أبايعكم على أن تمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم فبايعوه على ذلك وعلى أن يرحل إليهم هو وأصحابه " وقد ثبت في الصحيح من حديث عبادة أنه قال : " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره " الحديث ساقه البخاري في كتاب الفتن من صحيحه وأخرج أحمد والطبراني من وجه آخر عن عبادة أنها جرت له قصة مع أبي هريرة عند معاوية بالشام فقال يا أبا هريرة إنك لم تكن معنا إذ بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على السمع والطاعة والنشاط والكسل وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعلى أن نقول بالحق ولا نخاف في الله لومة لائم وعلى أن ننصر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قدم علينا يثرب فنمنعه مما نمنع به أنفسنا وأزواجنا وأبناءنا ولنا الجنة الحديث
قال الحافظ والذي يقوي أن هذه البيعة المذكورة في حديث عبادة وقعت بعد فتح مكة بعد أن نزلت الآية التي في الممتحنة وهو قوله تعالى { يا أيها النبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك } ونزول هذه الآية متأخر بعد قصة الحديبية بلاخلاف والدليل على ذلك ما عند البخاري في كتاب الحدود في حديث عبادة هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما بايعهم قرأ الآية كلها وعنده في تفسير الممتحنة من هذا الوجه قال قرأ النساء . ولمسلم من طريق معمر عن الزهري قال فتلا علينا آية النساء قال " أن لا يشركن بالله شيئا " وللطبراني من هذا الحديث " بايعنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ما بايع عليه النساء يوم الفتح " ولمسلم " أخذ علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أخذ على النساء " فهذه أدلة ظاهرة في هذه البيعة إنما صدرت بعد نزول الآية بل بعد صدور البيعة بل بعد فتح مكة وذلك بعد اسلام أبي هريرة بمدة وقد أطال الحافظ في الفتح الكلام في كتاب الإيمان على هذا فمن رام الاستكمال فليراجعه ( وأعلم ) إن عبادة بن الصامت لم يتفرد برواية هذا المعنى بل روى ذلك على ابن أبي طالب وهو في الترمذي وصححه الحاكم وفيه " من أصاب ذنبا فعوقب به في الدنيا فالله فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده في الآخرة " وهو عند الطبراني بإسناد حسن ولفظه من أصاب ذنبا أقيم عليه حد ذلك الذنب فهو كفارة له . وللطبراني عن ابن عمر مرفوعا " ما عوقب رجل على ذنب إلا جعله الله كفارة لما أصيب من ذلك الذنب " قال ابن التين يريد بقوله فعوقب به أي بالقطع في السرقة والجلد أو الرجم في الزنا وأما قتل الولد فليس له عقوبة معلومة إلا أن يريد قتل النفس فكني عنه
وفي رواية الصنابحي عن عبادة في هذا الحديث ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق ولكن قوله في حديث الباب فعوقب بع هو أعم من أن تكون العقوبة حدا أو تعزيرا قال ابن التين وحكى عن القاضي إسماعيل وغيره أن قتل القاتل إنما هو إرداع لغيره وأما في الآخرة فالطلب للمقتول قائم لأنه لم يصل إليه حق
قال الحافظ بل وصل إليه حق وأي حق فإن المقتول ظلما تكفر عنه ذنوبه بالقتل كما ورد في الخبر الذي صححه ابن حبان أن السيف محاء للخطايا
وروى الطبراني عن ابن مسعود قال إذا جاء القتل محا كل شيء وللطبراني أيضا عن عن الحسن بن علي نحوه . وللبزار عن عائشة مرفوعا لا يمر القتل بذنب إلا محاهفلولا القتل ما كفرت ولو كان حد القتل إنما شرع للإرداع فقط لم يشرع العفو عن القاتل ويستفاد من الحديث أن إقامة الحد كفارة للذنب ولو لم يتب المحدود
قال في الفتح وهو قول الجمهور وقيل لا بد من التوبة وبذلك جزم بعض التابعين وهو قول المعتزلة ووافقهم ابن حزم ومن المفسرين البغوي وطائفة يسيرة
قوله : " فهو إلى الله " قال المازرى فيه رد على الخوارج الذين يكفرون بالذنوب ورد على المعتزله الذين يوجبون تعذيب الفلسق إذا مات بلا توبة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبرنا بأنه تحت المشيئة ولم يقل لابد أن يعذبه وقال الطيبي فيه إشارة إلى الكف عن الشهادة بالنار على أحد أو بالجنة لأحد إلا من ورد النص فيه بعينه
قوله " إن شاء عفا عنه وإن شاء عاقبه " يشمل من تاب من ذلك ومن لم يتب وغلى ذلك ذهبت طائفة وذهب الجمهور إلى أن من تاب لا يبقى عليه مؤاخذة ومع ذلك لا يأمن من مكر الله لأنه لا إطلاع له هل قبلت توبته أم لا وقيل يفرق بين ما يجب فيه الحد وما لا يجب
قوله : " انطلق إلى أرض كذا وكذا " الخقال العلماء في هذا استحباب مفارقة التائب للمواضع التي أصاب بها الذنوب والأخدان المساعدين له على ذلك ومقاطعتهم ما داموا على حالهم وأن يستبدل بهم صحبة الخير والصلاح والمتعبدين الورعين
قوله : " نصف الطريق " هو بتخفيف الصاد أي بلغ نصفها كذا قال النووي
قوله : " فقال قيسوا ما بين الأرضين " هذا محمول على أن الله أمرهم عند اشتباه الأمر عليهم واختلافهم فيه أن يحكموا رجلا يمر بهم فمر الملك في صورة رجل فحكم بذلك
وقد استدل بهذا الحديث على قبول توبة القاتل عمدا
قال النووي هذا مذهب أهل العلم وإجماعهم ولم يخالف أحد منهم إلا ابن عباس وأما ما نقل عن بعض السلف من خلاف هذا فمراد قائله الزجر والتورية لا إنه يعتقد بطلان توبته وهذا الحديث وإن كان شرع من قبلنا وفي الاحتجاج به خلاف فليس هذا موضع الخلاف وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقديره فإن ورد كان شرعنا لنا بلا شك وهذا قد ورد شرعنا به وذلك قوله تعالى { والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس } إلى قوله { إلا من تاب } الآية وأما قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها " فقال النووي في شرح مسلم إن الصواب في معناها أن جزاءه جهنم فقد يجازى بذلك وقد يجازى بغيره وقد لا يجازى بل يعفى عنه فإن قتل عمدا مستحلا بغير حق ولا تأويل فهو كافر مرتد يخلد في جهنم بالإجماع وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة جزاؤها جهنم خالدا فيها وكن تفضل الله تعالى وأحبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها فلا يخلد هذا وكن قد يعفى عنه ولا يدخل النار أصلا وقد لا يعفى عنه بل يعذب كسائر عصاة الموحدين ثم يخرج معهم إلى الجنة ولا يخلد في النار قال فهذا هو الصواب في معنى الآية ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم وإنما فيها أنها جزاؤه أي يستحق أن يجازى بذلك وقد وردت الآية في رجل بعينه وقيل المراد بالخلود طول المدة لا الدوام وقيل معناها هذا جزاؤه أن جازاه وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية ثم قال فالصواب حقيقة ما قدمناه اه كلام النووي . وينبغي أن نتكلم أولا في معنى الخلود ثم نبين ثانيا الجمع بين هذه الآية وما خالفها فنقول معنى الخلود الثبات الدائم قال في الكشاف عند الكلام على قوله تعالى { ولهم فيها أزواج مطهرة وهم فيها خالدون } ما لفظه . والخلد الثبات الدائم والبقاء اللازم الذي لا ينقطع قال الله تعالى { وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون } وقال أمرؤ القيس ألا أنعم صباحا أيها الطل البالي وهل ينعمن من كان في العصر الخالي وهل ينعمن إلا سعيد مخلد قليل الهموم لا يبيت على حال
اه
وقال في القاموس وخلد خلودا دام اه وأما بيام الجمع بين هذه الآية وما خالفها فنقول لا نزاع أن قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا } من صيغ العموم الشاملة للتائب وغير التائب بل للمسلم والكافر والاستثناء المذكور في آية الفرقان أعني قوله تعالى { إلا من تاب } بعد قوله تعالى { ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق } مختص بالتائبين فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا } إلا على ما هو المذهب الحق من أنه ينبني العام على الخاص مطلقا تقدم أو تأخر أو قارن فظاهر وأما على مذهب من قال أن العام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم فإذا سلمنا تأخر قوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا } على آية الفرقان فلا نسلم تأخرها عن العمومات القاضية بأن القتل مع التوبة من جملة ما يغفر الله كقوله تعالى { يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله أن الله يغفر الذنوب جميعا } وقوله تعالى { إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } ومن ذلك ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من تاب قبل طلوع الشمس من مغربها تاب الله عليه } وما أخرجه الترمذي وصححه من حديث صفوان بن عسال قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم باب من قبل المغرب يسير الراكب في عرضه أربعين أو سبعين سنة خلقه الله تعالى يوم خلق السموات والأرض مفتوح للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس من مغربها
وأخرج الترمذي أيضا عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أن الله عز و جل يقبل توبة العبد ما لم يغرغر " وأخرج مسلم من حديث أبي موسى { أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أن الله عز و جل يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها } ونحو هذه الأحاديث مما يطول تعداده ( لا يقال ) إن هذه المعلومات مخصصة بقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية . لأنا نقول الآية أعم من وجه وهو شمولها للتائب وغيره وأخص من وجه وهو كونها في القاتل وهذه العمومات أعم من وجه وهو شمولها لمن كان ذنبه القتل ولمن كان ذنبه غير القتل وأخص من وجه وهو كونها في التائب وإذا تعارض عمومان لم يبق إلا الرجوع إلى الترجيح ولا شك أن الأدلة القاضية بقبول التوبة مطلقا أرجح لكثرتها وهكذا أيضا يقال أن الأحاديث القاضية بخروج الموحدين من النار وهي متواترة المعني كما يعرف ذلك من له المام بكتب الحديث تدل على خروج كل موحد سواء كان ذنبه القتل أو غيره والآية القاضية بخروج من قتل نفسا هي أعم من أن يكون القاتل موحدا أو غير موحد فيتعارض عمومان وكلاهما ظني الدلالة
ولكن عموم آية القتل قد عورض بما سمعته بخلاف أحاديث خروج الموحدين فإنها إنما عورضت بما هو أعم منها مطلقا كآيات الوعيد للعصاة الدالة على الخلود الشاملة للكافر والمسلم ولا حكم لهذه المعارضة أو بما هو أخص منها مطلقا كالأحاديث القاضية بتخليد بعض أهل المعاصي نحو من قتل نفسه وهو يبني العام على الخاص وبما قررناه يلوح لك انتهاض القول بقبول توبة القاتل إذا تاب وعدم خلوده في النار إذا لم يتب ويتبين لك أيضا أنه لا حجة فيما احتج به ابن عباس من أن آية الفرقان مكية منسوخة بقوله تعالى { ومن يقتل مؤمنا متعمدا } الآية كما أخرج ذلك عنه البخاري ومسلم وغيرهما وكذلك لا حجة له فيهما أخرجه النسائي والترمذي عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " يجيء المقتول متعلقا بالقاتل يوم القيامة ناصيته ورأسه بيده وأوداجه تشخب دما يقول يا رب قتلني هذا حتى يدنيه من العرش " وفي رواية للنسلئي " فيقول أي رب سل هذا فيما قتلني " لأن غاية ذلك وقوع المنازعة بين يدي الله عز و جل وذلك لا يستلزم أخذ التائب بذلك الذنب ولا تخليده في النار على فرض عدم التوبة والتوبة النافعة ههنا هي الاعتراف بالقتل عند الوارث إن كان له وارث أو السلطان إن لم يكن له وارث والندم عن ذلك الفعل والعزم على ترك العود إلى مثله لا مجرد الندم والعزم بدون اعتراف وتسليم للنفس أو الدية إن اختارها مستحقها لأن حق الآدمي لا بد فيه من أمر زائد على حقوق الله وهو تسليمه أو تسليم عوضه بعد الاعتراف به ( فإن قلت ) فعلام تحمل حديث أبي هريرة وحديث معاوية المذكورين في أول الباب فإن الأول يقضي بأن القاتل أو المعين على القتل ياقى الله مكتوبا بين عينيه الإياس من الرحمة والثاني يقضي بأن ذنب القتل لا يغفره الله . قلت هما محمولان على عدم صدور التوبة من القاتل والدليل على هذا التأويل ما في الباب من الأدلة القاضية بالقبول عموما وخصوصا واو لم يكن من ذلك إلا حديث الرجل القاتل للمائة التي تنازعت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب . وحديث عبادة بن الصامت المذكور قبله فإنهما يلجئان إلى المصير إلى ذلك اليأويل ولا سيما مع ما قدمنا من تأخر تاريخ حدبث عبادة ومع كون الحديثين في الصحيحين بخلاف حديث أبي هريرة و معاوية وأيضا في حديث معاوية نفسه ما يرشد إلى هذا التأويل فإنه جعل الرجل القاتل عمدا مقترنا بالرجل الذي يموت كافرا ولا شك أن الذي يموت كافرا مصرا على ذنبه غير تائب من المخلدين في النار فيستفاد من هذا التقييد أن التوبة تمحو ذنب الكفر فيكون ذلك القرين الذي هو القتل أولى بقبولها
وقد قال العلامة الزمخشري في الكشلف أن هذه الآية يعني قوله { ومن يقتل مؤمنا } فيها من التهديد والإيعاد والإبراق والإرعاد أمر عظيم وخطب غليظ قال ومن ثم روى عن ابن عباس ما روى من أن توبة قاتل المؤمن عمدا غير مقبولة . وعن سفيان كان أهل العلم إذا سئلوا قالوا لا توبة له وذلك محمول منهم على الاقتداء بسنة الله في التغليظ والتشديد وإلا فكل ذنب ممحو بالتوبة وناهيك بمحو الشرك دليلا ثم ذكر حديث " لزوال الدنيا أهون على الله من قتل رجل مسلم " وهو عند النسائي من حديث بريدة . وعند ابن ماجه من حديث البراء . وعند النسائي أيضا من حديث ابن عمر
وأخرجه أيضا الترمذي
وأما حديث وائلة بن الأسقع الذي ذكره المصنف في الرجل الذي أوجب على نفسه النار بالقتل فأمرهم صلى الله عليه وآله وسلم بأن يعتقوا عنه فهو من أدلة قبول توبة القاتل عمدا ولا بد من حمله على التوبة فإذا تاب القاتل عمدا فإنه يشرع له التفكير لهذا الحديث وهو دليل على ثبوت الكفارة في قتل العمد كما ذهب إليه الشافعي وأصحابه . ومن أهل البيت القاسم والهادي والمؤيد بالله والإمام يحيى وقد حكى في البحر عن الهادي عدم الوجوب في العمد ولكنه نص في الأحكام والمنتخب على الوجوب فيه وهذا إذا عفى عن القاتل أو رضي الوارث بالدية وأما إذا اقتص منه فلا كفارة عليه بل القتل كفارته لحديث عبادة المذكور في الباب . ولما أخرجه أبو نعيم في المعرفة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال القتل كفارة " وهو من حديث خزيمة بن ثابت وفي إسناده ابن لهيعة قال الحافظ لكنه من حديث ابن وهب عنه فيكون حسنا . ورواه الطبراني في الكبير عن الحسن بن علي موقوفا عليه
وأما الكفارة في قتل الخطأفهي واجبة بالإجماع وهو نص القرآن الكريم (7/124)
باب دية النفس وأعضائها ومنافعها (7/124)
1 - عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتب إلى أهل اليمن كتابا وكان في كتابه أن من اعتبط مؤمناقتلا عن بينة فإنه قود إلا أن يرضي أولياء المقتول وأن في النفس الدية مائة من الإبل وأن في الأنف إذا أوعب جدعه الدية وفي اللسان الدية وفي الشفتين الدية وفي البيضتين الدية وفي الذكر الدية وفي الصلب الدية وفي العينين الدية وفي الرجل الواحدة نصف الدية وفي المأمومة ثلث الدية وفي المنقلة خمسة عشرمن الإبل وفي كل إصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل وفي السن خمس من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل وأن الرجل يقتل بالمرأة وعلى أهل الذهب ألف دينار "
- رواه النسائي
وقال وقد روى هذا الحديث يونس عن الزهري مرسلا (7/124)
- الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبار وابن الجارود والحاكم والبيهقي موصولا
وأخرجه أيضا أبو داود في المراسيل وقد صححه جماعة من أئمة الحديث منهم أحمد والحاكم وابن حبان والبيهقي وقد قدمنا بسط الكلام عليه واختلاف الحفاظ فيه في باب قتل الرجل بالمرأة
قوله : " من اعتبط " بعين مهملة فمثناة فوقية فموحدة فطاء مهملة وهو القتل بغير سبب موجب وأصله من اعتبط الناقة إذا ذبحها من غير مرض ولا داء فمن قتل مؤمنا كذلك وقامت عليه البينة بالقتل وجب عليه القود إلا أن يرضي أولياء المقتول بالدية أو يقع منهم العفو
قوله : " وإن في النفس مائة من الإبل " الاقتصار على هذا النوع من أنواع الديةيدل على أنه الأصل في الوجوب كما ذهب إليه الشافعي ومن أهل البيت القاسم بن إبراهيم قالا وبقية الأصناف كانت مصالحة لا تقديرا شرعيا
وقال أبو حنيفة وزفر والشافعي قي قوله له بل هي من الإبلللنص ومن النقدين تقويما إذ هما قيم المتلفات وما سواهما صلح وذهب جماعة من أهل العلم إلى أن الدية من الإبلمائة ومن البقر مائتان ومن الغنم ألفان ومن الذهب ألف مثقال واختلفوا في الفضة الهادي والمؤيد بالله إلى أنها عشرة آلاف درهم وذهب مالك والشافعي في قوله له إلى أنها إثني عشر ألف درهم
قال زيد بن علي والناصر أو مائتا حلة الحلة إزار ورداء أو قميص وسراويل وستأتي أدلة هذه الأقوال في باب أجناس الدية وسيأتي أيضا الخلاف في صفة الإبل وتنوعها
قوله : " وإن في الأنف إذا أوعب جدعه الدية " بضم الهمزة من أوعب على البناء للمجهول أي قطع جميعه وفي هذا دليل على أنه يجب في قطع الأنف جميعه الدية قال في البحر فصل والأنف مركبة من قصبة ومارن وأرنبة وروثة وفيها الدية إذا استؤصلت من أصل القصبة إجماعا ثم قال فرع قال الهاديوفي كل واحد من الأربع حكومة وقال الناصر والفقهاء بل في المارن وفي بعض حصته وأجاب عن ذلك بأن المارن وحده لا يسمى أنفا وإنمار الدية في الأنف ورد بما رواه الشافعي عن طاوس أنه قال عندنا في كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفي النف إذا قطع مارنه مائة من الإبل
وأخرج البيهقي من حديث عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده قال " قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا جدعت ثندوة الأنف بنصف الفقل خمسون من الإبل وعدلها من الذهب والورق "
قال في النهاية أراد بالثندوة هنا روثة الأنف وهي طرفه ومقدمه اه . وإنما قال أراد بالثندوة هنا لأنها في الأصل لحم الثدي أواصله على ما في القاموس وفي القاموس أيضا أن المارن الأنف أو طرفه أو ما لان منه وفيه أن الأرنبة طرف الأيف وفيه أيضا أن الروث طرف الأرنبة قال في البحر فرع فإن قطع الأرنبة وهي الغضروف الذي يجمع المنخرين ففيه الدية إذ هو زوج كالعينين وفي الوترة حكومة وهي الحاجزة بين المنخرين وفي إحداهما نصف الدية وفي الحاجز حكومة فإن قطع المارن والقصبة أو المارن والجلدة التي تحته لزومت دية وحكومة اه والوترة هي الوتيرة
قال في القاموس وهي حجاب ما بين المنخرين
قوله : " وفي اللسان الدية " فيه دليل على أن الواجب في اللسان إذا قطع جميعه الدية
وقد حكى صاحب البحر الإجماع على ذلك قال فإن جنى ما أبطل كلامه فدية أبطل بعضه فحصته ويعتبر بعدد الحروف وقيل بعدد حروف اللسان فقط وهي ثمانية عشر حرفا لا بما عداها واختلف في لسان الأخرس إذا قطعت فذهب الأكثر إلى أنها يجي فيها حكومة فقط وذهب النخعي إلى أنها يجب فيها دية
قال " وفي الشفتين الدية " إلى هذا ذهب جمهور أهل العلم وقيل إنه مجمع عليه قال في البحر وحدهما من تحت المنخرين إلى منتهى الشدقين في عرض الوجه ولا فضل لأحدهما على الأخرى عند أبي حنيفة والشافعي والناصر والهادوية . وذهب زيد بن ثابت إلى أن دية العليا ثلث والسفلى ثلثان ومثله في المنتخب قال في البحر إذ منافع السفلى أكثر للجمال والإمساك يعني للطعام والشراب وأجاب عنه بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " وفي الشفتين الدية " ولم يفصل ولا يخفي أن غاية ما في هذا أنه يجب في المجموع دية وليس ظاهرا في أن لكل واحدة نصف دية حتى يكون ترك الفصل منه صلى الله عليه وآله وسلم مشعرا بذلك ولا شك أن في السفلى نفعا زائدا على النفع الكائن في العليا ولو لم يكن إلا الإمساك للطعام والشراب على فرض الاستواء في الجمال
قوله " وفي البيضتين الدية " وفي رواية " وفي الأنثيين الدية " ومعناهما ومعنى البيضتين واحد كما في الصحاح والضياء والقاموس . وذكر في الغيث أن الأنثيين هما الجلدتان المحيطتان بالبيضتين فينظر في أصل ذلك فإن كتب اللغة على خلافه وقد قيل أن وجوب الدية في البيضتين مجمع عليه وذهب الجمهور إلى أنه الواجب في كل واحدة نصف الدية وحكى في البحر عن علي عليه السلام أن في اليسرى ثلثي الدية إذ النسل منها وفي اليمنى ثلثها وروي نحو ذلك عن سعيد بن المسيب
قوله : " وفي الذكر الدية " هذا مما لا يعرف فيه خلاف بين أهل العلم وظاهر الدليل عدم الفرق بين ذكر الشاب والشيخ والصبي كما صرح به الشافعي والإمام يحيى أما ذكر العنين والخصى فذهب الجمهور إلى أن فيه حكومة وذهب البعض إلى أن فيه الدية إذ لم يفصل الدليل
قوله : " وفي الصلب الدية " قال في القاموس الصلب بالضم وبالتحريك عظم من لدن الكاهن إلى العجب اه ولا أعرف خلافا في وجوب الدية فيه وقد قيل المراد بالصلب هنا هو ما في الجدول المنحدر من الدماغ لتفريق الرطوبة في الأعضاء لانفس المتن بدليل ما رواه ابن المنذر عن علي عليه السلام أنه قال في الصلب الدية إذا منع من الجماع هكذا في ضوء النهار والأولي حمل الصلب في كلام الشارع على المعنى اللغوي وعلى فرض صلاحية قول علي لتقييد ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فليس من لازمه تفسير الصلب بغير المتن بل غايته أن يعتبر مع كسر المتن زيادة وهي الإفضاء إلى منع الجماع لا مجرد الكسر مع إمكان الجماع
قوله : " وفي العينين الدية " هذا مما لا أعرف فيه خلافا بين أهل العلم وكذلك لا يعرف الخلاف بينهم في أن الواجب في كل عين نصف الدية وإنما أختلفوا في عين الاعور فحكي في البحر عن الأوزاعي والنخعي والعترة والحنفية والشافعية أن الواجب فيها نصف الدية إذا لم يفصل الدليل . وحكي أيضا عن علي عليه السلام وعمر وابن عمر والزهري ومالك والليث وأحمد وأسحق أن الواجب فيها دية كاملة لعماه بذهابها . وأجاب عنه بأن الدليل لم يفصل وهو الظاهر ثم حكي أيضا عن العترة والشافعية والحنفية أنه يقتص من الأعور إذا أذهب عين من له عينان وخالف في ذلك أحمد بن حنبل والظاهر ما قاله الأولون
قوله : " وفي الرجل الواحدة نصف الدية " هذا أي أيضا مما لا أعرف فيه خلافا وهكذا لا خلاف في أن في اليدين دية كاملة
قال في البحر وحد موجب الدية مفصل الساق واليدان كالرجلين بلا خلاف والحد الموجب للدية من الكوع كما حكاه صاحب البحر عن العترة وأبي حنيفة والشافعي فإن قطعت اليد من المنكب أو الرجل من الركبة ففي كل واحدة منها نصف دية وحكومة عند أبي حنيفة ومحمد والقاسمية والمؤيد بالله وعند أبي يوسف والشافعي في قول له أنه يدخل الزائد على الكوع ومفصل الساق في دية اليد والرجل فلا تجب حكومة لذلك :
قوله " وفي المأمومة ثلث الدية " هي الجناية البالغة أم الدماغ وهو الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليه كما حكاه صاحب القاموس وإلى إيجاب ثلث الدية فقط في المأمومة ذهب علي وعمر والحنفية والشافعية وذهب بعض أصحاب الشافعي إلى أنه يجب مع ثلث الدية حكومة لغشاوة الدماغ . وحكى ابن المنذر الإجاع على أنه يجب في المأمومة ثلث الدية إلا عن مكحول فإنه قال يجب الثلث مع الخطأ والثلثان مع العمد
قوله : " وفي الجائفة ثلث الدية " قال في القاموس الجائفة هي الطعنة التي تبلغ الجوف أو تنفذه ثم فسر الجوف بالبطن
وقال في البحر هي ما وصل جوف العضو من ظهر أو صدر أو ورك أو عنق أو ساق أو عضد مما له جوف وهكذا في الانتصار وفي الغيث أنها ما وصل الجوف وهو من ثغرة النحر إلى المثانة اه . وهذا هو المعروف عند أهل العلم والمذكور في كتب اللغة . وإلى وجوب ثلث الدية في الجائفة ذهب الجمهور وحكى في نهاية المجتهد الإجماع على ذلك
قوله : " وفي المنقلة خمسة عشر من الأبل " في رواية " خمس عشرة " قال في القاموس هي الشجة التي ينقل منها فراش العظام وهي قشور تكون على العظم دون اللحم وفي النهاية إنها التي تخرج صغار العظام وتنتقل عن أماكنها وقيل التي تنقل العظم أي تكسره وقد حكى صاحب البحر القول بإيجاب خمس عشرة ناقة عن علي وزيد بن ثابت والعترة والفريقين يعني الشافعية والحنفية
قوله : " وفي كل أصبع من أصابع اليد والرجل عشر من الإبل " هذا مذهب الأكثرين وروي عن عمر أنه كان يجعل في الخنصر ستا من الإبل وفي البنصر تسعا وفي الوسطى عشرا وفي اسبابة اثنتي عشرة وفي الإبهام ثلاث عشرة ثم روي عنه الرجوع عن ذلك وروي عن مجاهد أنه قال في الإبهام خمس عشرة وفي التي تليها عشر وفي الوسطى عشر وفي التي تليها ثمان وفي الخنصر سبع وهو مردود بحديث الباب وبما سيأتي قريبا من حديث أبي موسى وعمرو بن شعيب وذهبت الشافعية والحنفية والقاسمية إلى أن في كل أنملة ثلث دية الأصبع إلا أنملة الإبهام ففيها النصف وقال مالك بل الثلث
قوله : " وفي السن خمس من الإبل " ذهب إلى هذا جمهور العلماء . وظاهر الحديث عدم الفرق بين الثنايا والأنياب والضروس لأنه يصدق على كل منها أنه سن
وروي عن علي أنه يجب في الضرس عشر من الأبل وروي عن عمر وابن عباس أنه يجب في كل ثنية خمسون دينارا وفي الناجذ أربعون وفي الناب ثلاثون وفي كل ضرس خمسة وعشرون
وروى مالك والشافعي عن عمران في كسر الضرس جملا قال الشافعي وبه أقول لانى لا أعلم له مخالفا من الصحابة وفي قول للشافعي في كل سن خمس من الإبل ما لم يزد على دية النفس وإلا كفت في جميعها دية وأجاب عنه في البحر بأنه خلاف الإجماع ورد بأنه لا وجه للحكم بمخالفة الإجماع لاختلاف الناس في دية الأسنان وسيأتي قريبا ما يدل على أن جميع الأسنان مستوية قوله " وفي الموضحة خمس من الإبل " هي التي تكشف العظم بلا هشم وقد ذهب إلى إيجاب الخمس في الموضحة الشافعية والحنفية والعترة وجماعة من الصحابة وروي عن مالك أن الموضحة إن كانت في الأنف أو اللحى الأسفل فحكومة وإلا فخمس من الإبل . ذهب سعيد بن المسيب إلى أنه يجب في الموضحة عشر الدية وذلك عشر من الإبل وتقدير أرش الموضحة المذكورة في الحديث إنما هو في موضحة الرأس والوجه لا موضحة ما عداهما من البدن فأنها على النصف من ذلك كما هو المختار لمذهب الهادوية وكذلك الهاشمية والمنقلة والدامية وسائر الجنايات وحكى في البحر عن الإمام يحيى أن الموضحة والهاشمة والمنقلة إنما إرشدها المقدر في الرأس وفيها في غيره حكومة وقيل بل البدن لحصول معناها حيث وقعت
قال في البحر وهو الأقرب للمذهب لكن ينسب العضو قياسا على الرأس ففي الموضحة نصف عشر دية ما هي فيه اه وحكى في البحر أيضا في موضع آخر عن الإمام يحيى والقاسمية وأحد قولي الشافعي أن في الموضحة ونحوها في غير الرأس حكومة إذا لم يقدر الشرع أرشها إلا فيه وحكى الشافعي في قول له أن الحكم واحد قال الإمام يحيى وهو غير بعيد إذا لم يفصل الخبر اه وهو يستفاد أيضا من العموم المستفاد من تحلية الموضحة بالالف واللام وأخرج البيهقي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن أبا بكر وعمر قالا في الموضحة في الوجه والرأس سواء
وأخرج البيهقي أيضا عن سليمان بن يسار نحو ذلك
قوله : " وإن الرجل يقتل بالمرأة " قد تقدم الكلام على هذا مبسوطا
قوله : " وعلى أهل الذهب ألف دينار " فيه دليل لمن جعل الذهب من أنواع الدية الشرعية كما سلف (7/125)
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الأنف إذا جدع كله بالعقل كاملا وإذا جدعت أرنبته فنصف العقل وقضي في العين نصف العقل والرجل نصف العقل واليد نصف العقل والمأمومة ثلث العقل والمنقلة خمسة عشر من الإبل "
- رواه أحمد . ورواه أبو داود وابن ماجه ولم يذكرا فيه العين ولا المنقلة (7/125)
3 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " هذه وهذه سواء يعني الخنصر والبنصر والإبهام "
- رواه الجماعة إلا مسلما
وفي رواية قال " دية أصابع اليدين والرجلين سواء عشر من الإبل لكل أصبع " . رواه الترمذي وصححه (7/125)
4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الإسنان سواء الثنية والضرس سواء "
- رواه أبو داود وابن ماجه (7/126)
5 - وعن أبي موسى " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الأصابع بعشر عشر من الإبل "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (7/126)
6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل أصبع عشر من الإبل وفي كل سن خمس من الإبل والإصابع سواء والأسنان سواء "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (7/126)
7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في المواضح خمس خمس من الإبل "
- رواه الخمسة (7/127)
8 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في العين العوراء السادة لمكانها إذا نزعت بثلث ديتها "
- رواه النسائي . ولأبي داود منه " قضى في العين القائمة السادة لمكانها بثلث الدية (7/127)
9 - وعن عمر بن الخطاب " أنه قضى في رجل ضرب رجلا فذهب سمعه وبصره ونكاحه وعقله بأربع ديات
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية أبي الحرث وابنه عبد الله (7/127)
- حديث عمرو بن شعيب الأول في اسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد تكلم فيه جماعة من أهل العلم ووثقه جماعة ولفظ أبي داود " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الأنف إذا جدع الدية كاملة وإن جدعت ثندوته فنصف العقل خمسون من الإبل أو عدلها من الذهب أو الورق أو مائة بقرة أو ألف شاة وفي اليد إذا نصف العقل وفي الرجل نصف العقل وفي المأمومة ثلث العقل ثلاث وثلاثون وثلث أو قيمتها من الذهب أو الورق أو البقر أو الشاة والجائفة مثل ذلك وفي الأصابع في كل أصبع عشر من الإبل " وهو حديث طويل وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا التزار وابن حبان ورجال اسناده رجال الصحيح . وحديث أبي موسى أخرجه أيضا ابن حبان وابن ماجة وسكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده لابأس به وحديث عمرو بن شعيب الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وصاحب التلخيص ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثفات . وحديثه الثالث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن الجارود وصححاه . وحديثه الرابع سكت عنه أبو داود والنسائي ورجال إسناده إلى عمرو بن شعيب ثقات . وأثر عمر أخرجه أيضا ابن شيبة عن خالد عن عوف سمعت شيخا في زمن الحاكم وهو ابن المهلب عم أبي قلابة قال رمى رجل رجلا بحجر في رأسه في زمن عمر فذهب سمعه وبصره وعقله وذكره فلم يقرب النساء فقضي عمر فيه بأربع ديات وهو حي وقدمنا الكلام المتعلق بفقه أكثر هذه الأحاديث في شرح حديث عمرو بن حزم المذكور في أول الباب ونتكلم الآن على ما لم يذكر هنا لك
قوله : " فنصف العقل " أي الدية
قوله : " هذه وهذه سواء " الخ هذا نص صريح يرد القول بالتفاضل بين الأصابع ولا أعرف مخالفا من أهل العلم لما يقضيه إلا ما روي عن عمر ومجاهد وقد قدمنا أنه روي عن عمر الرجوع
قوله : " الأسنان سواء " هذه جملة مستقلة لفظ الأسنان فيها مبتدأ ولفظ سواء وإنما تعرضنا لمثل هذا مع وضوحه لأنه ربما ظن أن سواء الأولي بمعني غير وأن الخبر عن الأسنان هو سواء الثانية ويكون التقدير الأسنان غير الثنية والضرس سواء ولا شك أن هذا غير مراد بل المراد الحكم على جميع الأسنان التي يدخل تحتها الثنية والضرسإنما هو لدفع توهم عدم دخولهما تحت الأسنان ولهذا أقتصر في الرواية الثانية على قوله الأسنان سواء وبهذا يندفع قول من ذهب إلى تفضيل الثنية والضرس من الصحابة وغيرهم وقول من حكم في الأسنان بأحكام مختلفة كما سلف
قوله : " قضى قي العين العوراء السادة لمكانها " أي الباقية التي لم يذهب إلا نورها والمراد بالطمس ذهاب جرمها وإنما وجب فيها ثلث دية دية العين الصحيحة لأنها كاتن بعد ذهاب بصرها باقية الجمال فإذا قلعت أو فقئت ذهب ذلك
قوله : " وفي اليد الشلاء " الخ هي التي لا نفع فيها وإنما وجب فيها ثلث دية الصحيحة لذهاب الجمال أيضا
قوله : " وفي السن السوداء " الخ نفع السن السوداء باق وإنما ذهب منها مجرد الجمال فيكون على هذا التقدير ذهاب النفع كذهاب الجمال وبقاؤه فقط كبقائه وحده قال في البحر مسألة وإذا اسود السن وضعف ففيه الدية لذهاب الجمال والمنفعة ولقول علي عليه السلام إذا اسودت فقد تم عقلها أي ديتها فإن لم تضعف فحكومة وقال الناصر وزفر وكذا لو اصفرت أو احمرت وقيل لا شيء في الاصفرار إذ أكثر الأسنان كذلك قلنا إذا لم يحصل بجناية اه
قوله : " بأربع ديات " فيه دليل على أنه يجب في كل واحد من الأربعة المذكورة دية عند من يجعل قول الصحابي حجة وقد استدل بها صاحب البحر ةزعم أنه لم ينكره أحد من الصحابة فكان إجماعا وقد قال الحافظ ابن حجر في التلخيص أنه وجد في حديث معاذ في السمع الدية قال وقد رواه البيهقي من طريق قتادة عن ابن المسيب عن علي رضي الله عنه وقد زعم الرافعي أنه ثبت في حديث معاذ أنه في البصر الدية
قال الحافظ لم أجدهوروى البيهقي من حديث معاذ في العقل الدية وسنده ضعيف
قال البيهقي وروينا عن عمر وعن زيد بن ثابت مثله
وقد زعم الرفاعي أن ذلك في حديث عمر بن حزم وهو غلط
وأخرج البيهقي عن زيد من أسلم بلفظ " مضت السنة في أشياء من الإنسان إلى أن قال وفي اللسان الدية وفي الصوت إذا انقطع الدية "
والحاصل أنه قد وردالنص بإيجاب الدية فيبعض الحواس الخمس الظاهرة كما عرفت ويقاس ما لم يرد فيه نص منها على ما ورد فيه وقد قيل أنها تجب الدية في ذهاب القول بغير قطع اللسان فياس على السمع بجامع فوات القوة والأولى التعويل على النص المذكور في حديث زيد بن مسلم وأما ذهاب النكاح فيمكن أن يستدل لإيجاب الدية فيه بالقياس على سلس البول فإنه قد روى محمد بن منصور بإسناده عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي أنه قضي بالدية لمن ضرب حتى سلس بوله والجامع ذهاب القوة ولكن هذا على القول بحجية قول علي عليه السلام قال في البحر وفي إبطال مني الرجل بحيث لا يقع منه حمل دية كاملة إذ هو إبطال منفعة كانلة كالشلل ويخالف مني المرأة ولبنها ففيهما حكومة إذ يطرأ ويزول بخلافه من الرجل فيستمر وإذا انقطع لم يرجع اه وهذا إذا كان ذهاب النكاح بغير قطع الذكر أو الأنثيين فإن كان بذلك دخلت ديته في دية ذلك المقطوع وهكذا ذهاب البصر إذا كان بغير قلع العينين أوفقئها وإلا وجبت الدية للعينين ولا شيء لذهابه وهكذا السمع لو ذهب بقطع الأذنين (7/128)
باب دية أهل الذمة (7/128)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عقل الكافر نصف دية المسلم "
- رواه أحمد والنسائي والترمذي
وفي لفظ " قضي أن عقل أهل الكتابين نصف عقل المسلمين وهم اليهود والنصارى " . رواه أحمد والنسائي وابن ماجه
وفي رواية " كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانمائة دينار وثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب يومئذ النصف من دية المسلم قال وكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال إن الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق إثني عشر ألفا وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة قال وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية " . رواه أبو داود (7/128)
2 - وعن سعيد بن المسيب قال " كان عمر يجعل دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف والمجوسي ثمانمائة "
- رواه الشافعي والدارقطني (7/129)
- حديث عمرو بن شعيب حسنه الترمذي وصححه ابن الجارود . وأثر عمر أخرجه أيضا البيهقي وأخرج ابن حزم في الإيصال من طريق ابن لهيعة عن يزيد بن حبيب عن أبي الخير عن عقبة بن عامر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال دية ثمانمائة درهم " وأخرجه أيضا الطحاوي وابن عدي والبيهقي وإسناده ضعيف من أجل ابن لهيعة وروى البيهقي عن ابن مسعود وعلي عليه السلام إنهما كانا يقولان في دية المجوسي ثمانمائة درهم
وفي إسناده ابن لهيعة
وأخرج البيهقي أيضا عن عقبة بن عامر نحوه وفيه أيضا ابن لهيعة وروي نحو ذلك ابن عدي والبيهقي والطحاوي عن عثمان وفيه ابن لهيعة
قوله : " عقل الكافر نصف دية المسلم " أي دية الكافر نصف دية المسلم فيه دليل على أن دية الكافر الذمي نصف دية المسلم وإليه ذهب مالك وذهب الشافعي والناصر إلى أن دية الكافر أربعة آلاف درهم والذي في منهاج النووي أن دية اليهودي والنصراني ثلث دية المسلم ودية المجوسي ثلثا عشر دية المسلم قال شارحه المحلي أنه قال بالأول عمر وعثمان وبالثاني عمر وعثمان أيضا وابن مسعود . ثم قال النووي في المنهاج وكذا وثني له امان يعني أن ديته دية مجوسي ثم قال والمذهب أن من لم يبلغه الإسلام إن تمسك بدين لم يبدل فديته دية دينه وإلا فكمجوسي وحكى في البحر عن زيد بن علي والقاسمية وأبي حنيفة وأصحابه إن دية المجوسي كالذمي وعن الناصر والإمام يحيى والشافعي ومالك إنها ثمانمائة درهم . وذهب الثوري والزهري وزيد بن علي وأبو حنيفة وأصحابه والقاسمية إلى أن دية الذمي كدية المسلم وروي عن أحمد أن ديته مثل دية المسلم إن قتل عمدا وإلا فنصف دية احتج من قال إن ديته ثلث دية المسلم بفعل عمر المذكورمن عدم رفع دية أهل الذمة وإنها كانت في عصره أربعة آلاف درهم ودية المسلم أثني عشر ألف درهم ويجاب عنه . بأن فعل عمر ليس بحجة على فرض عدم معارضته لما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم فكيف وهو هنا معارض للثابت قولا وفعلا وتمسكوا في جعل دية المجوسي ثلثي عشر دية المسلم بفعل عمر المذكور في الباب ويجاب عنه بما تقدم ويمكن الاحتجاج لهم بحديث عقبة بن عامر الذي ذكرناه فإنه موافق لفعل عمر لأن ذلك المقدار هو ثلثا عشر الدية إذ هي اثنا عشر ألف درهم وعشرها اثنا عشر ومائة وثلثا عشرها ثمانمائة ويجاب بأن اسناده ضعيف كما أسلفنا فلا يقوم بمثله حجة ( لا يقال ) أن الرواية لأنه لم يدرك عمر ولا عثمان
قوله : " فإنه لو مات وديته " في هذا الحديث دليل على أنه إذا مات رجل بحد من الحدود لم يلزم الإمام ولا نائبه الأرش ولا القصاص إلا حد الشرب
وقد أختلف أهل العلم في ذلك فذهب الشافعي وأحمد بن حنبل والهادي والقاسم والناصر وأبو يوسف ومحمد إلى أنه لا شيء فيمن مات بحد أو قصاص مطلقا من غير فرق بين حد الشرب وغيره وقد حكى النووي الإجماع على ذلك وفيه نظر فإنه قد قال أبو حنيفة وابن أبي ليلى أنها تجب الدية على العاقلة كما حكاه في البحر وأجابا بأن عليا لم يرفع هذه المقالة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بل أخرجها مخرج الاجتهاد وكذلك يجاب عن رواية عبيد بن عمير أن عليا وعمر قالا من مات من حد أو قصاص فلا دية له الحق قتله ورواه بنحوه ابن المنذر عن أبي بكر واحتجا بأن اجتهاد بعض الصحابة لا يجوز به أهدار دم امرئ مسلم مجمع على أنه لا يهدر وقد أجيب عن هذا بأن الهدر ما ذهب بلا مقابل له ودم المحدود مقابل للذنب ورد بأن المقابل للذنب عقوبة لا تفضي إلى القتل وتعقب هذا الرد بأنه تسبب بالذنب إلى ما يفضي إلى القتل في بعض الأحوال فلا ضمان وأما من مات بتعزيز فذهب الجمهور إلى أنه يضمنه الأمام وذهبت الهادوية إلى أنه لا شئ فيه كالحد . وحكى النووي عن الجمهور من العلماء أنه لا ضمان فيمن مات بتعزيز لا على الإمام ولا على عاقلته ولا في بيت المال وحكى عن الشافعي أنه يضمنه الإمام ويكون على عاقلته
قوله " لم يسنه " قد قدمنا الجمع بين هذا وبين روايته السابقة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جلد أربعين
قوله : " فجلده ثمانين " هذا يخالف ما تقدم في أول الباب أن عليا أمر بجلده أربعين وظاهر هذه الرواية أنه جلده بنفسه وأن جملة الجلد ثمانون وقد جمع المصنف بين الروايتين بما ذكره من رواية أبي جعفر ولا بد من الجمع بمثل ذلك لأن حمل ذلك على تعدد الواقعة بعيد جدا فإن المحدود في القصتين واحد وهو الوليد بن عقبة وكان ذلك بين يدي عثمان في حضرة علي
قوله : " نشوان " بفتح النون وسكون الشين قال في القاموس " رجل نشوان " ونشيان سكران بين النشوة انتهى
قوله : " في دباءة " بضم الدال وتشديد الباء الموحدة واحدة الدباء وهي الآنية التي تتخذ منه
قوله : " نهز " بضم النون وكسر الهاء بعدها زاي وهو الدفع باليد قال في القاموس نهزه كمنعه ضربه ودفعه
قوله : " ونهى عن الزبيب والتمر " يعني أن يخلطا العامريين دية الحر المسلم وكان لهما عهد " وأخرج أيضا من وجه آخر أنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل دية المعاهدين دية المسلم
وأخرج أيضا عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودى ذميا دية مسلم " ويجاب عن حديث ابن عباس بأن في اسناده أبا سعيد البقال واسمه سعيد بن المرزبان ولا يحتج بحديثه والراوي عنه أبو بكر ابن عياش . وحديث الزهري مرسل ومراسيله قبيحة لانه حافظ كبير لا يرسل إلا لعلة . وحديث ابن عباس الآخر في اسناده أيضا أبو سعيد البقال المذكور وله طريق أخرى فيها الحسن بن عمارة وهو متروك وحديث ابن عمر في اسناده أبو كرز وهو أيضا متروك ومع هذه العلل فهذه الأحاديث معارضة بحديث الباب وهو أرجح منها من جهة صحته وكونه قولا وهذه فعلا والقول أرجح من الفعل وهو سلمنا صلاحيتها للاحتجاج وجعلناها مخصصة لعموم حديث الباب كان غاية ما فيها اخراج المعاهد ولا ضير في ذلك فإن بين الذمي والمعاهد فرقا لأن الذمي ذل ورضي بما حكم به عليه من الذلة بخلاف المعاهد فلم يرض بما حكم عليه به منها فوجب دمه وماله الضمان الاصلي الذي كان بين أهل الكفر وهو الدية الكاملة التي ورد الإسلام بتقريرها ولكنه يعكر على هذا ما وقع في رواية من حديث عمرو بن شعيب عند أبي داود بلفظ " دية المعاهد نصف دية الحر " وتخلص عن هذا بعض المتأخرين فقال أن لفظ المعاهد يطلق على الذمي فيحمل ما وقع في حديث عمرو بن شعيب عليه ليحصل الجمع بين الأحاديث ولا يخفى ما في ذلك من التكلف والراجح العمل بالحديث الصحيح وطرح ما يقابله ممالا أصل له في الصحة وأما ما ذهب إليه أحمد من التفصيل باعتبار العمد والخطأ فليس عليه دليل (7/129)
باب المرأة في النفس وما دونها (7/129)
1 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عقل المرأة مثل عقل الرجل حتى يبلغ الثلث من الدية "
- رواه النسائي والدارقطني (7/130)
2 - وعن ربيعة ابن أبي عبد الرحمن " أنه قال لسعيد بن المسيب كم في أصبع المرأة قال عشر من الإبل قلت في أصبعين قال عشرون من الإبل قلت فكم في ثلاث أصابع قال ثلاثون من الإبل قلت فكم في أربع أصابع قال عشرون من الإبل قلت حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها قال سعيد أعراقي أنت قلت بل عالم متثبت أو جاهل متعلم قال هي السنة يا ابن أخي "
- رواه مالك في الموطأ عنه (7/130)
- حديث عمرو بن شعيب هو من رواية إسماعيل بن عياش عن ابن جريج عنه وقد صحح هذا الحديث ابن خزيمة كما حكى ذلك عنه في بلوغ المرام . وحديث سعيد ابن المسيب أخرجه أيضا البيهقي وعلى تسليم أن قوله من السنة يدل على الرفع فهو مرسل وقد قال الشافعي فيما أخرجه عنه البيهقي أن قول سعيد من السنة يشبه أن يكون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو عن عامة من أصحابه ثم قال وقد كنا نقول إنه على هذا المعنى ثم وقفت عنه واسأل الله الخير لا ناقد نجد منهم من يقول السنة نفاذا إنها عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والقياس أولى بنافيها
وروي صاحب التلخيص عن الشافعي أنه قال كان مالك يذكر أنه السنة وكنت أتابعه عليه وفي نفسي منه شيء ثم علمت أنه يريد أنه سنة أهل المدينة فرجعت عنه . ( وفي الباب ) عن معاذ بن جبل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال دية المرأة نصف دية الرجل " قال البيهقي إسناده لا يثبت مثله
وقد أخرج علي عليه السلام أنه قال دية المرأة على النصف من دية الرجل في الكل وهو من رواية إبراهيم النخعي عنه وفيه انقطاع
وأخرجه ابن أبي شيبة من طريق الشعبي عنه
وأخرجه أيضا من وجه آخر عنه . وعن عمر قوله " عقل المرأة مثل عقل الرجل في الجراحات التي لا يبلغ أرشها إلى ثلث دية الرجل وفيما بلغ أرشه إلى مقدار الثلث من الجراحات يكون أرشها فيه كنصف أرش الرجل لحديث سعيد بن المسيب المذكور . وغلى ذلك ذهب الجمهور من أهل المدينة منهم مالك وأصحابه وهو مذهب سعيد بن المسيب كما تقدم في رواية مالك عنه . ورواه أيضا عن عروة بن الزبير وهو مروى عن عمر وزيد بن ثابت وعمر بن عبد العزيز وبه قال أحمد وإسحاق والشافعي في قول وصفة التقدير أن يكون على الصفة المذكورة في حديث الباب عن سعيد بن المسيب فإنه جعل أرش إصبعها وأرش الإصبعين عشرين وأرش الثلاثة ثلاثين لإنها ثلث دية الرجل فلما سأله السائل عن أرش الأربع الأصابع جعفلها عشرين من الإبل لإنها لما جاوزت ثلث دية الرجل ولما كان أرش الأصابع الأربع من الرجل أربعين من الإبل كان أرش الأربع من المرأة عشرين وهذا كما قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن إن المرأة حين عظم جرحها واشتدت مصيبتها نقص عقلها والسبب في ذلك أن سعيدا جعل التصنيف بعد بلوغ الثلث من دية الرجل راجعا إلى جميع الأرش ولو جعل التنصيف باعتبار المقدار الزائد على الثلث لا باعتبار ما دونه فيكون مثلا في الإصبع الرابعة من المرأة خمس من الإبل لأنها هي التي جاوزت الثلث ولا يحكم في التنصيف في الثلاث الأصابع فإذا قطعت من المرأة أربع أصابع كان فيها خمس وثلاثون ناقة لم يكن في ذلك إشكال ولم يدل حديث عمر بن شعيب المذكور إلا على أن أرشها الثلث فما دون مثل أرش الرجل وليس في ذلك دليل على أنها إذا حصلت المجاوزة للثلث لزم تنصيف ما لم يجاوز الثلث من الجنايات على فرض وقوعها متعددة كالأصابع والأسنان وأما لو كانت جناية واحدة مجاوزة للثلث من دية الرجل فيمكن أن يقال باستحقاق نصف أرش الرجل في الكل فإن كان ما أفتى به سعيد مفهوما من مثل حديث عمرو بن شعيب فغير مسلم وإن كان حفظ ذلك التفصيل من السنة التي أشار إليها فإن أراد سنة أهل المدينة كما تقدم عن الشافعي فليس في ذلك حجة وإن أراد السنة الثابتة عنه صلى الله عليه وآله وسلم فنعم ولكن مع الاحتمال لا ينتهض إطلاق تلك السنة للاحتجاج به ولا سيما بعد قول الشافعي أنه علم أن سعيدا أراد سنة أهل المدينة ومع ذلك فالمرسل لا تقوم به حجة فالأولى أن يحكم في الجنايات المتعددة بمثل أرش الرجل في الثلث فما دون وبعد المجاوزة يحكم بتنصيف الزائد على الثلث فقط لئلا يقتحم الإنسان في مضيق مخالف للعدل والعقل والقياس بلا حجة نيرة وحكى صاحب البحر عن ابن مسعود وشريح أن أرش المرأة يساوي أرش الرجل حتى يبلغ أرشها خمسا من الإبل ثم ينصف
قال في المجتهد أن الأشهر عن ابن مسعود وعثمان وشريح وجماعة أن دية جراحة المرأة مثل دية جراحة الرجل إلا الموضحة فإنها على النصف وحكي في البحر أيضا عن زيد بن ثابت وسليمان بنيسار أنهما يستويان حتى يبلغ أرشها خمس عشرة من الإبل . وعن الحسن البصري يستويان إلى النصف ثم ينصف وهذه الأقوال لا دليل عليها وذهب علي وابن أبي ليلى وابن شبرمة والليث والثوري والعترة والشافعية والحنفية كما حكى عنهم صاحب البحر إلى أن أرش المرأة نصف أرش الرجل في القليل والكثير واستدلوا بحديث معاذ الذي ذكرناه وهو مع كونه لا يصلح للاحتجاج به لما سلف يمكن الجمع بينه وبين حديث الباب إما بحمله على الدية الكاملة كما هو ظاهر اللفظ . وذلك مجمع عليه كما حكاه في البحر في موضعين . حكي في أحدهما بعد حكاية الإجماع خلافا للأصم وابن علية أن ديتها مثل دية الرجل ويمكن الجمع بوجه آخر على فرض أن لف الدية يصدق على دية النفس وما دونها وهو أن يقال هذا العموم مخصوص بحديث عمرو بن شعيب المذكور فتكون ديتها كنصف دية الرجل فيما جاوز الثلث فقط (7/130)
باب دية الجنين (7/131)
1 - عن أبي هريرة قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتا بغرة عبد أو أمة ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن ميراثها لبنيها وزوجها وإن العقل على عصبتها " وفي رواية " لاقتتلت امرأتان من هذيل فرمت إحداهما الأخرى بحجر فقتلتها وما في بطنها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقضى أن دية جنينها غرة عبد أو وليدة وقضى بدية المرأة على عاتقها "
- متفق عليهما وفيه دليل على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة (7/131)
2 - وعن المغيرة بن شعبة عن عمر " أنه استشارهم في أملاص المرأة فقال المغيرة قضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه بالغرة عبد أو أمة فشهد محمد بن مسلمة أنه شهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى به "
- متفق عليه (7/131)
3 - وعن المغيرة " أن امرأة ضربتها ضرتها بعمود فسطاط فقتلتها وهي حبلى فأتى فيها النبي ؟ ؟ ؟ فقضى فيها على عصبة القاتلة بالدية بالجنين غرة فقال عصبتها أندى مالا طعم ولا شراب ولا صاح ولا استهل مثل ذلك يطل فقال سجع مثل سجع الأعراب "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي . وكذلك الترمذي ولم يذكر اعتراض العصبة وجوابه (7/132)
4 - وعن ابن عباس في قصة حمل بن مالك قال " فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا وماتت المرأة فقضي على العاقلة بالدية فقال عمها إنها قد اسقطت يا نبي الله غلاما قد نبت شعره فقال أبو القاتلة إنه كاذب أنه والله ما استهل ولا شرب فمثله يطل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسجع الجاهلية وكهانتها ؟ أد في الصبي غرة "
- رواه أبو داود والنسائي وهو دليل على أن الأب من العاقلة (7/132)
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن ماجه وابن حبان والحاكم وصححاه
قوله : " في جنين امرأة " الجنين بفتح الجيم وبعده نونان بينهما ياء تحتية ساكنة بوزن عظيم وهو حما المرأة ما دام في بطنها سمي كذلك لاستتاره فإن خرج حيا فهو ولد أو ميتا فهو سقط
وقد يطلق عليه جنين
قال الباجي في شرح رجال الموطأ الجنين ما ألقته المرأة مما يعرف أنه ولد سواء كان ذكر أم أنثى ولم يستهل صارخا
قوله " بغرة " بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وأصلها البياض في وجه الفرس قال الجوهري كأنه عبر الغرة عن الجسم كله كما قالوا أعتق رقبة
وقوله : " عبد وأمة " تفسير للغرة وقد اختلفهل لفظ غرة مضاف إلى عبد أو منون قال الإسماعيلي قرأه العامة بالإضافة وغيرهم بالتنوين وحكى القاضي عياض الاختلاف وقال التنوين أوجه . لأنه بيان للغرة ما هي وتوجيه الإضافة أن الشيء قد يضاف إلى نفسه لكنه نادر يحتمل أن تكون أو شكا من الراوي في تلك الواقعة المخصوصة . ويحتمل أن تكون للتنويع وهو الأظهر
قال في الفتح قيل المرفوع من الحديث قوله بغرة
وأما قوله عبد أو أمة فشك من الراوي في المراد بها وروى عن عن أبي عمر وبن العلاء أنه قال الغرة عبد أبيض أو أمة بيضاء فلا يجزى عنده في دية الجنين الرقبة السواد
وقال مالك الحمر أن أولي من السودان قال في الفتح وفي رواية ابن أبي عاصم ماله عبد ولا أمة قال عشر من الإبل أو مائة شاة . ووقع في حديث أبي هريرة قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الجنين بغرة عبد أو أمة أو فرس أو بغل وكذا وقع عند عبد الرزاق عن حمل بن النابغة " قضر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالدية في المرأة والجنين غرة عبد أو أمة أو فرس " . وأشار البيهقي أن ذكر الفرس في المرفوع وهم وأن ذلك أدرج من بعض رواته على سبيل التفسير للغرة وذكر أنه في رواية حماد بن زيد عن عمرو بن دينار عن طاوس بلفظ " فقضى أن في الجنين غرة " قال طاوس الفرس غرة وكذا أخرج الإسماعيلي عن عروة قال الفرس غرة وكأنهما رأيا أن الفرس أحق بإطلاق الغرة من الآدمي . ونقل ابن المنذر والخطابي عن طاوس ومجاهد وعروة بن الزبير الغرة عبدا أو أمة أو فرس . وتوسع داود ومن تبعه من أهل الظاهر فقالوا يجزي كل ما وقع عليه اسم غرة . وحكى في الفتح عن الجمهور أن أقل ما يجزى من العبد والأمة ما سلم من العيوب التي يثبت بها الرد في البيع لأن المعيب ليس من الخيار واستنبط الشافعي من ذلك أن يكون منتفعا به بشرط أن لا ينقص عن سبع سبين لأن من لم يبلغها لا يستقل غالبا بنفسه فيحتاج إلى التعهد بالتربية فلا يجبر المستحق على أخذه ووافقه على ذلك القاسمية وأخذ بعضهم من لفظ الغلام المذكور في رواية أن لا يزيد على خمس عشرة ولا تزيد الجارية على عشرين
وقال ابن دقيق العيد إنه يجزي ولو بلغ الستين وأكثر منها ما لم يصل إلى سن الهره ورجحه الحافظ وذهب الباقر والصادق والناصر في أحد قوليه إلى أن الغرة عشر الدية وخالفهم في ذلك الجمهور وقالوا الغرة ما ذكر في الحديث
قال في الفتح وتطلق الغرة على الشيء النفيس آدميا كان أم غيره ذكرا أم أنثى
وقيل أطلق على الآدمي غرة لأنه أشرف الحيوان فإن محل الغرة الوجه وهو أشرف الأعضاء قال في البحر واشتقاقها من غرة الشيء أي خياره وفي القاموس والغرة بالضم العبد والأمة
قوله : " ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة توفيت " . في الرواية الثانية " فقتلتها وما في بطنها " وفي رواية المغيرة المذكورة " فقتلتها وهي حبلى " وفي حديث ابن عباس المذكور " فأسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا وماتت المرأة " ويجمع بين هذه الروايات بأن موت المرأة تأخر عن تأخر عن موت ما في بطنها فيكون قوله " فقتلتها وما في بطنها " إخبار بنفس القتل وسائر الروايات يدل على تأخر موت المرأة
قوله : " في أملاص المرأة " وقع تفسير الأملاص في الاعتصام من البخاري هو أن تضرب المرأة في بطنها فتلقي جنينها وهذا التفسير أخص من قول أهل اللغة أن الإملاص أن تزلقه المرأة قبل الولادة أي قبل حين الولادة هكذا نقله أبو داود في السنن عن ابن عبيد وهو كذلك في الغريب له وقال الخليل أملصت الناقة إذا رمت ولدها وقال ابن القطاع أملصت الحامل ألقت ولدها ووقع في بعض الروايات ملاص بغير ألف كأنه اسم فعل الولد فحذف وأقيم المضاف مقامه أو اسم لتلك الولادة كالخداج وروى الإسماعيلي عن هشام أنه قال الملاص الجنين
وقال صاحب البارع الإملاص الإسقاط قوله " فشهد محمد بن سلمة " زاد البخاري في رواية فقال عمر من يشهد معك فقام محمد بن سلمة فشهد له
وفي رواية له أن عمر قال للمغيرة لا تبرح حتى تجيء بالمخرج مما قلت قال فخرجت فوجدت محمد بن سلمة فجئت به فشهد معي أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى به
قوله : " فسطاط " هو الخيمة
قوله : " قضى فيها على عصبة القاتلة " في حديث أبي هريرة المذكور " وقضى بدية المرأة على عاقلتها " وفي حديث ابن عباس المذكور أيضا " فقضى على العاقلة بالدية " وظاهر هذه الروايات يخالف ما في الرواية الأولى من حديث أبي هريرة حيث قال ثم أن المرأة التي قضى عليها بالغرة ويمكن الجمع بأن نسبة القضاء إلى كونه على المرأة باعتبار أنها هي المحكوم عليها بالجنابة في الأصل فلا ينافي ذلك الحكم على عصبتها بالدية والمراد بالعاقلة المذكورة هي العصبة وهم من عدا الولد وذوي الأرحام ووقع في رواية عن البيهقي فقال أبوها إنما يعقلها بنوها فاختصموا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال الدية على العصبة وفي حديث أبي هريرة المذكور " فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن ميراثها لزوجها وبنيها وأن العقل على عصبتها وسيأتي الكلام على العاقلة وضمانها لدية الخطأ في باب العاقلة وما تحمله ( وقد استدل ) المصنف بحديث أبي هريرة المذكور على أن دية شبه العمد تحملها العاقلة وسيأتي تكميل الكلام عليه : قوله " مثل ذلك بطل " بضم أوله وفتح الطاء المهملة وتشديد اللام أي يبطل ويهدر يقال طل القتل يطل فهو مطلفول وروى بالباب الموحدة وتخفيف اللام على أنه فعل ماض من البطلان
قوله : " فقال سجع مثل سجع الأعراب " استدل بذلك على ذم السجع في الكلام ومحل الكراهية إذا كان ظاهر التكلف وكذا لو كان منسجما لكنه في إبطال حق أو تحقيق باطل فأما لو كان منسجما وهو حق أو في مباح فلا كراهية بل ربما كان في بعضه ما يستحب مثل أن يكون فيه إذعان مخالف للطاعة وعلى هذا يحمل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذا عن غيره من السلف الصالح
قال الحافظ والذي يظهر لي أن الذي جاء من ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكن عن قصد إلى التسجيع و'نما جاء اتفاقا لعظم بلاغته وأما من بعده فقد يكون ذلك وقد يكون عن قصد وهو الغالب ومراتبهم في ذلك متفاوتة جدا
وفي قوله في حديث ابن عباس المذكور " اسجع الجاهلية ومكانتها " دليل على أن المذموم من السجع إنما هو ما كان من ذلك القبيل الذي يراد به إبطال شرع أو إثبات باطل أو كان متكلفا وقد حكى النووي عن العلماء أن المكروه منه إنما هو ما كان كذلك لا غير
قوله : " حمل بن مالك " بفتح الحاء المهملة والميم وفي بعض الروايات حمل بن النابغة وهو نسبة إلى جده وإلا فهو حمل بن مالك بن النابغة
قوله : " فقال أبو القاتلة " في رواية لمسلم وأبي داود فقال حمل بن النابغة وهو زوج القاتلة
وفي رواية للبخاري فقال ولي المرأة
وفي حديث أبي هريرة المذكور فقال عصبتها
وفي رواية للطبراني فقال أخوها العلاء بن مسروح
وفي رواية للبيهقي من حديث أسامة بن عمير فقال أبوها ويجمع بين الروايات بأن كل واحد من أبيها وأخيها وزوجها قال ذلك لأنهم كلهم من عصبتها بخلاف المقتولة فإن في حديث أسامة بن عمير أن المقتولة عامرية والقاتلة هذلية فيبعد أن تكون عصبة إحدى المرأتين عصبة للأخرى مع اختلاف القبيلة ( وقد استدل ) بأحاديث الباب على أنه يجب في الجنين على قاتله الغرة إن خرج ميتا
وقد حكي في البحر الإجماع على أن المرأة إذا ضربت فخرج جنينها بعد موتها ففيها القود أو الدية
وأما الجنين فقد ذهبت العترة والشافعي إلى أن فيه الغرة وهو ظاهر أحاديث الباب . وذهب أبو حنيفة ومالك إلى أنه لا يضمن وأما إذا مات الجنين بقتل أمه ولم ينفصل فذهبت العترة والحنفية والشافعية إلى أنه لا شيء فيه وقال الزهري أن سكنت حركته ففيه الغرة ورد بأنه يجوز بأن يكون غير آدمي فلا ضمان مع الشك
قال في الفتح وقد شرط الفقهاء في وجوب الغرة انفصال الجنين ميتا بسبب الجناية فلو انفصل حيا ثم مات وجب فيه القود أو الدية كاملة انتهى . فإن أخرج الجنين رأسه ومات ولم يخرج الباقي فذهبت الحنفية والشافعية والهادوية إلى أن فيه الغرة أيضا وذهب مالك إلى أنه لا يجب فيه شيء
قال ابن دقيق العيد ويحتاج من اشترط الإنفصال إلى تأويل الرواية وحملها على أنه انفصل وإن لم يكن في اللفظ ما يدل عليه وتعقب بما في حديث ابن عباس المذكور أنها أسقطت غلاما قد نبت شعره ميتا فإنه صريح في الإنفصال وبما في حديث أبي هريرة المذكور في الباب بلفظ " سقط ميتا " وفي لفظ للبخاري فطرحت جنينها وقيل هذا الحكم مختص بولد الحرة لأن القصة وردت في ذلك وما وقع في الأحاديث بلفظ إملاص المرأة ونحوه فهو وإن كان فيه عموم لكن الراوي ذكر أنه شهد واقعة مخصوصة
وقد ذهب الشافعية والهادوية وغيرهم إلى أن في جنين الأمة كما أن الواجب في جنين الحرة عشر ديتها (7/132)
باب من قتل في المعترك من يظنه كافرا فبان مسلما من أهل دار الإسلام (7/133)
1 - عن محمود بن لبيد قال " اختلفت سيوف المسلمين على اليمان أبي حذيفة يوم أحد ولا يعرفونه فقتلوه فأراد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يديهفتصدق أبو حذيفة بديته على المسلمين "
- رواه أحمد (7/133)
2 - وعن عروة بن الزبير قال " كان أبو حذيفة اليمان شيخا كبيرا فرفع في الآطام مع النساء يوم أحد فخرج يتعرض للشهادة فجاء من ناحية المشركين فأبتدره المسلمون فتوشقوه بأسيافهم وحذيفة يقول أبي أبي فلا يسمعونه من شغل الحرب حتى قتلوه فقال حذيفة غفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فقضى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بديته "
- رواه الشافعي (7/133)
- حديث محمود بن لبيد في إسناده محمد بن إسحاق وهو مدلس وبقية رجاله رجال الصحيح . وأصل الحديثين في صحيح البخاري وغيره عن عروة عن عائشة قالت لما كان أحد هزم المشركون فصاح ابليس أي عباد الله أخراكم فرجعت أولادهم فاجتلدت هي وأخراهم فنظر حذيفة فإذا هو بأبيه اليمان فقال أي عباد الله أبي أبي قالت فوالله ما احتجزوا حتى قتلوه قال حذيفة غفر الله لكم قال عروة فما زلت في حذيفة منه بقية خير حتى لحق بالله " وقد أخرج أبو إسحاق الفزاري قي السيرة عن الأوزاعي عن الزهري قال أخطأ المسلمون بأبي حذيفة يوم أحد حتى قتلوه فقال حذيفة يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين فبلغت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوداه من عنده
وأخرج أبو عباس السراج في تاريخه من طريق عكرمة أن والد حذيفة قتل يوم أحد قتله بعض المسلمين وهو يظن أنه من المشركين فوداه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في الفتح ورجاله ثقات مع إرساله انتهى . وهذان المرسلان يقويان مرسل عروة المذكور في الباب في دفع أصل الدية وإن كان حديث عروة يدل على أنه لم يحصل منه صلى الله عليه وآله وسلم إلا مجرد القضاء بالدية ومرسل الزهري وعكرمة يدلان على أنه صلى الله عليه وآله وسلم وداه من عنده . وحديث محمود بن لبيد المذكور يدل على أن حذيفة تصدق بدية أبيه على المسلمين ولا تعارض بينه وبين تلك المرسلات لأن غاية ما فيها أنه وقع القضاء منه صلى الله عليه وآله وسلم بالدية أو وقع منه الدفع لها من بيت المال وليس فيها أن حذيفة قبضها وصيرها من جملة ماله حتى ينافي ذلك تصدقه بها عليهم . ويمكن الجمع أيضا بين تلك المرسلات بأنه وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم القضاء بالدية ثم الدفع لها من بيت المال ثم تعقب ذلك التصدق بها من حذيفة ( وقد استدل ) المصنف رحمه الله تعالى بما ذكره على الحكم فيمن قتله قاتل في المعركة وهو يظن أنه كافرا ثم انكشف مسلما مقد ترجم البخاري على حديث عائشة الذي ذكرناه فقال فقال باب إذا مات من الزحام وترجم عليه في باب آخر فقال باب العفو في الخطأ بعد الموت
قال ابن بطال اختلف على عمر وعلي عليه السلام هل تجب الدية في بيت المال أولا وبه قال إسحاق أي بالوجوب وتوجيهه أنه مسلم مات بفعل قوم من المسلمين فوجبت ديته في بيت مال المسلمين
وروى مسدد في مسنده من طريق يزيد بن مذكور أن رجلا زحم يوم الجمعة فمات فوداه على رضي الله تعالى عنه من بيت مال المسلمين
وقال الحسن البصري إن ديته تجب على جميع من حضروه إلى ذلك ذهبت الهادوية
وقال الشافعي ومن وافقه أنه يقال لولي المقتول أدع عليمن شئت وأحلف فإن حلفت استحقفت الدية وإن نكلت حلف المدعى عليه على النفي وسقطت المطالبة وتوجيهه أن الدم لا يجب إلا بالطلب ومنها قول مالك دمه هدر وتوجيهه إن لم يعلم قاتله بعينه أستحال أن يؤخذ به أحد
قوله : " الآطام " جمع أطم وهو بناء مرتفع كالحصن
قوله : " توشقوه " بالشين المعجمة وبعدها قاف أي قطعوه بأسيافهم ومنه الوشيقة وهي اللحم يغلى ثم يقدد (7/134)
باب ما جاء في مسألة الزبية والقتل بالسبب (7/134)
1 - عن حنش بن المعتر عن علي رضوان الله عليه قال " بعثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى اليمن فانتهينا إلى قوم قد بنوا زبية للأسد فبينما هم كذلك يتدافعون إذ سقط رجل فتعلق بآخر ثم تعلق الرجل بآخر حتى صاروا فيها أربعة فجرحهم الأسد فانتدب له رجل بحربة فقتله وماتوا من جراحتهم كلهم فقام أولياء الأول إلى أولياء الآخر فأخرجوا السلاح ليقتتلوا فأتاهم علي رضوان الله عليه على تفئة ذلك فقال تريدون أن تقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حي إني أقضي بينكم قضاء إن رضيتم به فهو القضاء وإلا حجر بعضكم على بعض حتى تأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيكون هو الذي يقضي بينكم فمن عدا بعد ذلك فلا حق له اجمعوا من قبائل الذين حضروا البئر ربع الدية وثلث الدية ونصف الدية والدية كاملة فللأول ربع الدية لأنه هلك من فوقه ثلاثة وللثاني ثلث الدية وللثالث نصف الدية وللرابع الدية فأبوا أن يرضوا فأتوا النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند مقام إبراهيم فقصوا عليه القصة فأجازه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ورواه بلفظ آخر نحو هذا وفيه " وجعل الدية على قبائل الذين ازدحموا (7/134)
2 - وعن علي بنرياح اللخمي " أن أعمى كان ينشد في الموسم في خلافة عمر بن الخطاب وهو يقول
يا أيها الناس لقيت منكرا هل يعقل الأعمى الصحيح المبصرا
خرا معا كلاهما تكسرا
وذلك أن أعمى كان يقوده بصير فوقعا في بئر فوقع الأعمى على البصير فمات البصير فقضى عمر بعقل البصير على الأعمى "
- رواه الدارقطني
وفي الحديث " أن رجلا أتى أهل أبيات فاستسقاهم فلم يسقوه حتى مات فأغرمهم عمر الدية " حكاه أحمد في رواية ابن المنصور وقال أقول به (7/135)
- حديث حنش بن المعتمر أخرجه أيضا البيهقي والبزار قال ولانعلمه يروي إلا عن علي ولا نعلم له إل هذه الطريقة وحنش ضعيف وقد وثقه أبو داود قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله رجال الصحيح . وأثر علي بن رياح أخرجه أيضا البيهقي وهو من رواية موسى بن علي بن رياح عن أبيه قال الحافظ وفيه انقطاع ولفظه " فقضي عمر بعقل البصير على الأعمى فذكر أن الأعمى كان ينشد ثم ذكر الأبيات "
قوله : " زبية للأسد " بضم الزاي وسكون الموحدة بعدها تحتية وهي حفرة الأسد وتطلق أيضا على الرابية بالراء قال في القاموس الزبية بالضم الرابية لا يعلوها ماء ثم قال وحفرة للأسد انتهى . والمقصود هنا الحفرة التي يحفرها الناس ليقع فيها الأسد فيقتلونه ومن أطلاق الزبية على المحل المرتفع قول عثمان بن عفان يخاطب علي بن أبي طالي رضي الله عنه أيام حصره في الدار قد بلغ السيل الزبى ونالني ما حسبي به وكفى
قوله : " على تفئة ذلك " يالتاء الفوقية المفتوحة وكسر الفاء ثم همزة مفتوحة
قال في القاموس تفئة الشيء حينه وزمانه ( وقد استدل ) بهذا القضاء الذي قضى به أمير المؤمنين وقرره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أن دية المتجاذبين في البئر تكون على الصفة المذكورة فيؤخذ من قوم الجماعة الذين ازدحموا على البئر وتدافعوا ذلك المقدار ثم يقسم على تلك الصفة فيعطى الأول من المتردين ربع الدية ويهدر من دمه ثلاثة أرباع لأنه هلك بفعل المزدمين وبفعل نفسه وهو جذبه لمن بجنبه فكأن موته وقع بمجموع الإزدحام ووقوع الثلاثة الأنفار عليه ونزل الإزدحام منزلة سبب واحد من الأسباب التي كان بها موته ووقوع الثلاثة عليه منزلة ثلاثة أسباب فهدر من ديته ثلاثة أرباع واستحق الثاني ثلث الدية لأنه هلك بمجموع الجذب المتسبب عن الإزدحام ووقوع الاثنين عليه ونزل الإزدحام منزلة سبب واحد ووقوع الاثنين عليه منزلة سببين فهدر من دمه الثلثان لأن وقوع الاثنين عليه كان بسببه واستحق الثالث نصف الدية لأنه هلك بمجموع الجذب ممن تحته المتسبب عن الإزدحام وبوقوع من فوقه عليه وهو واحد وسقط نصف ديته ولزم نصفها والرابع كان هلاكه بمجرد الجذب له فقط فكان مستحقا للدية كاملة ولم يجعل للجناية التي وقعت من الأسد عليهم حكم جناية من تضمن جنايته حتى ينظر في مقدار ما شاركها من الوقوع الذي كان هلاك الواقعين بمجموعها والمعروف في كتب الفقه أنه إذا تجاذب جماعة في بئر بأنه سقط الأول ثم جذب من بجنبه فوقع عليه ثم كذلك حتى صار الواقعون في البئر مثلا أربعة فإنه يهدر من الأول سقوط الثاني عليه لأنه بسببه وهو ربع الدية ويضمن الحافر ربع ديته والثالث والرابع نصفها ويهدر من الثاني سقوط الثالث عليه وحصته ثلث ديته ويضمن الأول ثلث ديته والثالث ثلثها ويهدر من الثالث وقوع الرابع عليه وحصته نصف الدية ويضمن الباقي نصفها ويضمن الثالث جميع دية الرابع هذا إذا هلكوا بمجموع الوقوع في البئر وصدم بعضهم لبعض وأما إذا لم يتصادموا بل تجاذبوا ووقع كل واحد منهم بجانب من البئر غير جانب صاحبه فإنها تكون دية الأول على الحافر ودية الثاني على الأول ودية الثالث على الثاني ودية الرابع على الثالث
وأما إذا تصادموا في البئر ولم يتجاذبوا فربع دية الأول على الحافر وعلى الثلاثة ثلاثة أرباع ونصف دية الثاني على الثالث والنصف الآخر على الرابع ودية الثالث على الرابع وبهدر الرابع وهذا إذا كان الموت وقع بمجرد المصادمة من دمن أن يكون للهوى تأثير وإلا كان على الحافر من الضمان بقدر ذلك ويكون الضمان في صورة التصادم والتجاذب على عاقلة الحافر
وفي أموال المتجاذبين المتصادمين وفي صورة التجاذب فقط كذلك
وأما في صورة التصادم فقط فعلى عواقلهم فقط وأما إذ لم يكن تجاذب ولا تصادم فالديات كلها على عاقلة الحافر ( والحاصل ) أن من كان جانيا على غيره خطأ فما لزم بالجناية على عاقلته ومن كان جانيا عمدا فمن ماله وتحمل قصة الأعمى المذكورة في الباب على أنه لم يقع على البصير بجذبه له وإلا كان هدرا
قوله : " فاستسقاهم فلم يسقوه " الخ فيه دليل على أن من منع من غيره ما يحتاج إليه من طعام أو شراب مع قدرته على ذلك فمات ضمنه لأنه متسبب بذلك لموته وسد الرمق واجب وقد ذهب بعض أهل العلم إلى أنه إذا مات الشخص بسبب ومباشر يكون الضمان على المباشر فقط
قال في البحر مسألة ومن سقط في بئر فجر آخر فماتا بالتصادم والهوى ضمن الحافر نصف دية الأول فقط وهدر نصف إذ مات بسببين منه ومن الحافر
وقيل لا شيء على الحافر إذ هو فاعل سبب والجذب مباشرة وأما المجذوب فعلى الجاذب قولا واحدا إذ هو المباشر انتهى (7/135)
باب أجناس مال الدية وأسنان إبلها (7/135)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن من قتل خطأ فديته مائة من الإبل ثلاثون بنت مخاض وثلاثون بنت لبون وثلاثون حقه وعشرة بني لبون "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (7/136)
2 - وعن الحجاج بن أرطأة عن زيد بن جبيرعن خشف بن مالك الطائي عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في دية الخطأ عشرون حقة وعشرون جذعة وعشرون بنت مخاض وعشرون بنت لبون وعشرون ابن مخاض ذكرا "
- رواه الخمسة وقال ابن ماجة في اسناده عن الحجاج حدثنا زيد بن جبير قال أبو حاتم الرازي الحجاج يدلس عن الضعفاء فإذا قال حدثنا فلان فلا يرتاب به (7/136)
- الحديث الأول سكت عنه أبو داود وقال المنذري في اسناده عمر وبن شعيب وقد تقدم الكلام عليه ومن دون عمرو بن شعيب ثقات إلا محمد بن راشد المكحولي وقد وثقه أحمد وابن معين والنسائي وضعفه ابن حبان وأبو زرعة
قال الخطابي هذا الحديث لا أعرف أحدا قال به من الفقهاء . والحديث الثاني أخرجه أيضا اليزار والبيهقي والدارقطني وقال عشرون بنو لبون مكان قوله عشرون ابن مخاض . رواه كذلك من طريق أبي عبيدة عن أبيه بن مسعود موقوفا وقال هذا اسناد حسن . وضعف الأول من أوجه عديدة وتعقبه البيهقي بأن الدارقطني وهم فيه والجواد قد يعثر
قال رأيته في جامع سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم عن عبد الله وعن ابن إسحاق عن علقمة عن عبد الله وعن عبد الرحمن بن مهدي عن يزيد بن هرون عن سليمان التيمي عن أبي مجلز عن أبي عبيدة عن عبد الله وعند الجميع بنو مخاض
قال الحافظ وقدره يعني البيهقي على نفسه بنفسه فقال وقد رأيته في كتاب ابن خزيمة وهو إمام من رواية وكيع عن سفيان فقال بنو لبون كما قال الدارقطني فانتفى أن يكون الدارقطني عثر وقد تكلم الترمذي على حديث ابن مسعود المذكور فقال لا نعرفه مرفوعا إلا من هذا الوجه وقد روي عن عبد الله موقوفا وقال أبو بكر وهذا الحديث لا نعلمه روى عن عبد الله مرفوعا إلا بهذا الإسناد . وذكر الخطابي أن خشف بن مالك مجهول لا يعرف إلا بهذا الحديث وعدل الشافعي عن القول به لهذه العلة ولأن فيه بني مخاض ولا مدخل لبني المخاض في شيء من أسنان الصدقات
وقد روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة القسامة أنه ودى قتيل خيبر بمائة من الإبل الصدقة وليس في أسنان الصدقة ابن مخاض وقال الدارقطني هذا حديث ضعيف غير ثابت عند أهل المعرفة بالحديث وبسط الكلام في ذلك
وقال لا نعلمه رواه إلا خفش بن مالك عن ابن مسعود وهو رجل مجهول لم يرو عنه إلا زيد بن جبير ثم قال لا نعلم أحدا رواه عن زيد بن حبير الاحجاج بن أرطأة وهو رجل مشهور بالتدليس وبأنه يحدث عمن لم يلقه ولم يسمع منه ثم ذكر أنه قد اختلف فيه على الحجاج بن أرطأة وقال البيهقي خشف بن مالك مجهول وقال الموصلي خشف بن مالك ليس بذلك وذكر له هذا الحديث
قال المنذري بعد أن ذكر الخلاف فيه على الحجاج والحجاج غير محتج به وكذا قال البيهقي والصحيح أنه موقوف على عبد الله كما سلف ( وقد اختلف العلماء ) في دية الخطأ من الإبل بعد الأتفاق على أنها مائة فذهب الحسن البصري والشعبي والهادي والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنها تكون أرباعا ربعا جذاعا وربعا حقافا وربعا بنات لبون وربعا بنات مخاض وقد قدمنا تفسير هذه الأسنان في كتاب الزكاة . واستدلوا بحديث ذكره الأمير الحسين في الشفاء عن السائب ابن يزيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال دية الانسان خمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون حقة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض
وقد أخرجه أبو داود موقوفا على علي رضي الله عنه من طريق عاصم بن ضمرة قال في الخطأ أرباعا فذكره وأخرجه أيضا أبو داود عن ابن مسعود موقوفا من طريق علقمة والأسود قالا قال عبد الله في الخطأ شبه العمد خمس وعشرون حقة وخمس وعشرون جذعة وخمس وعشرون بنات لبون وخمس وعشرون بنات مخاض ولم أجد هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتاب حديثي فلينظر فيما ذكره صاحب الشفاء . وذهب ابن مسعود والزهري وعكرمة والليث والثوري . وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن يسار ومالك والحنفية والشافعية إلى أن الدية تكون أخمسا خمسا جذاعا وخمسا حقاقا وخمسا بنات لبون وخمسا بنات مخاض وخمسا أبناء لبون . وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن النوع الخامس يكون أبناء مخاض وهو موافق لحديث الباب عن ابن مسعود مرفوعا والأول موافق للموقوف عن ابن مسعود كما ذكرنا وذهب عثمان بن عفان وزيد بن ثابت إلى أنها تكون ثلاثين جذعة وثلاثين حقة وعشرين ابن لبون وعشرين بنت مخاض وهذا الخلاف في دية الخطأ المحض وأما في دية العمد وشبهه نقد تقدم طرف من الخلاف في ذلك سيأتي الكلام عليه قريبا إن شاء الله تعالى (7/136)
3 - وعن عطاء ابن أبي رياح " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى " وفي رواية عن عطاء عن جابر قال " فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الدية على أهل الإبل مائة من الإبل وعلى أهل البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاء ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة "
- رواه أبو داود . وعن عمر وبن شعيب عن أبيه عن جده قال " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن منكان عقله في البقر على أهل البقر مائتي بقرة ومن كان عقله في الشاء ألفي شاة "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (7/137)
- حديث عطاء رواه أبو داود مسندا بذكر جابر ومرسلا وهو من رواية محمد ابن إسحاق عنه وقد عنعن وهو ضعيف إذا عنعن لما اشتهر عنه من التدليس فالمرسل فيه علتان الإرسال وكونه من طريقه والمسند أيضا فيه علتان العلة الأولى كونه في إسناده محمد بن إسحاق المذكور والعلة الثانية كونه قال فيه ذكر عطاء عن جابر ابن عبد الله ولم يسم من حدثه عن عطاء فهي رواية عن مجهول . وحديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الدمشقي المكحولي وقد تكلم فيه غير واحد ووثفه جماعة وهذا الذي ذكره المصنف ههنا بعض من الحديث وهو حديث طويل ساقه يجميعه أبو داود في سننه وقد استدل بحديثي الباب من قال أن الدية من الإبل مائة ومن البقر مائتان ومن الشاة ألفان ومن الحلل مائتان كل حلة ازار ورداء وقميص وسراويل وفيهما رد على من قال إن الأصل في الدية وبقية الأصناف مصالحة لا تقدير شرعي وقد قدمنا تفصيل الخلاف في ذلك في أول أبواب الديات ويدل على أن الدية من الذهب ألف دينار ماتقدم في حديث عمرو بن حزم بلفظ " على أهل الذهب ألف دينار " ويدل على أنها من الفضة اثنا عشر ألف درهم ما سيأتي قريبا وهو ما أخرجه أبو داود عن عكرمة عن ابن عباس أن رجلا من بني عدي قتل فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديته إثني عشر ألفا قال أبو داود رواه ابن عيينة عن عمرو عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يذكر عن ابن عباس
وأخرجه الترمذي مرفوعا ومرسلا وأرسله النسائي ورواه ابن ماجه مرفوعا قال الترمذي ولا نعلم أحدا يذكر في هذا الحديث عن ابن عباس غير محمد ابن مسلم انتهى . ومحمد بن مسلم هذا هو الطائفي
وقد أخرج له البخاري في المتابعات ومسلم في الاستشهاد ووثقه يحيى بن معين
وقال مرة إذا حدث من حفظه يخطئ وإذا حدث من كتابه فليس به بأس وضعفه الإمام أحمد وقد أخرجه النسائي عن محمد بن ميمون عن ابن عيينة وقال فيه سمعنا مرة يقول عن ابن عباس وأخرجه الدارقطني في سننه عن أبي محمد بن صاعد وقال فيه عن ابن عباس
وقال فيه عن ابن عباس
وقال الدارقطني قال ابن ميمون وإنما قال لنا فيه عن ابن عباس مرة واحدة وأكثر ذلك كان يقول عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وذكره البيهقي من حديث الطائفي موصولا وقال رواه أيضا سفيان عن عمر بن دينار موصولا ومحمد بن ميمون المذكور هو أبو عبد الله المكي الخياط روى عن ابن عيينة وغيره قال النسائي صالح
وقال أبو حاتم الرازي كان أميا مغفلا ذكر لي منه أنه روي عن أبي سعيد مولى بني هاشم عن شعبة حديثا باطلا وما يبعد أن يكون وضع للشيخ فإنه كان أميا
وقال في الخلاصة وثقه ابن حبان ويعارض هذا الحديث ما أخرجه أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال كانت قيمة الدية على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمانمائة دينار أو ثمانية آلاف درهم ودية أهل الكتاب على النصف من دية المسلمين قال فكان ذلك كذلك حتى استخلف عمر فقام خطيبا فقال إلا أن الإبل قد غلت قال ففرضها عمر على أهل الذهب ألف دينار وعلى أهل الورق اثني عشر ألفا وعلى البقر مائتي بقرة وعلى أهل الشاة ألفي شاة وعلى أهل الحلل مائتي حلة وترك دية أهل الذمة لم يرفعها فيما رفع من الدية . ولا يخفى أن حديث ابن عباس فيه إثبات أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرضها اثني عشر ألفا وهو مثبت فيقدم على النافي كما تقرر في الأصول وكثرة طرقه تشهد لصحته والرفع زيادة إذا وقعت من طريق ثقة تعين الأخذ بها (7/137)
5 - وعن عقبة بن أوس عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم " خطب يوم فتح مكة فقال الأوان قتيل خطأ العمد بالسوط العصا والحجر دية مغلظة مائة من الإبل منها أربعون من ثنية إلى بازل عامها كلهن خلفة "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (7/137)
6 - وعن عكرمة عن ابن عباس " أن رجل قتل فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ديته إثنى عشر ألفا "
- رواه الخمسة إلا أحمد وروي ذلك عن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وهو أصح وأشهر (7/138)
- الحديث الأول أخرجه أيضا البخاري في تاريخه الكبير وساق اختلاف الرواة فيه وأخرجه أيضا الدارقطني وساق أيضا الاختلاف ويشهد له ما أخرجه أبو داود عقبه من حديث ابن عمر بنحوه وقد قدمنا ما يشهد لذلك أيضا في باب ما جاء في شبه العمد . والحديث الثاني قد تقدم الكلام عليه وعلى فقهه في شرح الحديث الذي قبل حديث عقبة بن أوس المذكور وتقدم أيضا الخلاف في شبه العمد وأن القتل ينقسم إلى عمد وشبه عمد وخطأ في باب ما جاء في شبه العمد مستوفى
قوله : " خلفة " بفتح الخاء المعجمة وكسر اللام بعدها فاء وهي الحامل وتجمع على خلفات وخلائف
وقد ذهب الشافعي إلى تغليظ الدية أيضا على من قتل في الحرم أو قتل محرما أو في الأشهر الحرم قال لأن الصحابة رضي الله عنهم غلظوا في هذه الأحوال وإن أختلفوا في كيفية التغليظ ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة فكان إجماعا ومن جملة من ذهب إلى التغليظ من السلف على ما حكاه في البحر عمر وعثمان وابن عباس والزهري وقتادة وداود وابن المسيب وعطاء وجابر بن زيد ومجاهد وسليمان بن يسار والنخعي والأوزاعي وأحمد وإسحاق وغيرهم
وقد أخرج البيهقي من طريق مجاهد عن عمر أنه قضى فيمن قتل في الحرم أو في الشهر الحرام أو وهو محرم بالدية وثلث الدية وهو منقطع وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف
قال البيهقي وروي عن عكرمة عن عمر بن الخطاب ما يدل على التغليظ في الشهر الحرام
وقال ابن المنذر روينا عن عمر بن الخطاب أنه قال من قتل في الحرم أو قتل محرما أو قتل في الشهر الحرام فعليه الدية وثلث الدية وروى الشافعي والبيهقي عن عمر أيضا من طريق ابن أبي نجيح عن أبيه أن رجلا أوطأ امرأة بمكة فقتلها فقضي فيها بثمانية آلاف درهم دية وثلث
وروى البيهقي وابن حزم وعن ابن عباس من طريق نافع بن جبير عنه قال يزاد في دية المقتول في الأشهر الحرم أربعة آلاف وفي دية المقتول في الحرم أربعة آلاف
وروى ابن حزم عنه " أن رجلا قتل في البلد الحرام في الشهر الحرام فقال ابن عباس جديته اثنا عشر ألفا وللشهر الحرام والبلد الحرام أربعة آلاف " وذهبت العترة وأبو حنيفة إلى عدم التغليظ في جميع ما سلف إلا في شبه العمد فإن أبا حنيفة يغلظ فيه (7/138)
باب العاقلة وما تحملة (7/138)
1 - صح عنه عليه السلام " أنه قضى بدية المرأة المقتولة ودية جنينها على عصبة القاتلة " وروى جابر قال " كتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على كل بطن عقولة ثم كتب أنه لا يحل أن يتوالي مولي رجل مسلم بغير إذنه "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (7/139)
2 - وعن عبادة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الجنين المقتول بغرة عبد أو أمة قال فورثها بعلها وبنوها قال وكان من امرأتيه كلتيهما ولد فقال أبو القاتلة المقضى عليه يا رسول الله كيف أغرم من لا صاح ولا استهل ولا شرب ولا أكل فمثل ذلك بطل فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا من الكهان "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند (7/139)
3 - وعن جابر " أن امرأتين من هذيل قتلت احداهما الأخرى ولكل واحدة منهما زوج وولد فجعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دية المقتولة على عافلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها قال فقال عاقلة المقتولة ميراثها لنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ميراثها لزوجها وولدها "
- رواه أبو داود وهو حجة في أن ابن المرأة ليس من عاقلتها (7/139)
- الحديث الأول الذي أشار إليه المصنف بقوله صح عنه أنه قضى الخ قد تقدم قي باب دية الجنين . وحديث عبادة قد تقدم ما يشهد له في باب دية الجنين أيضا . وحديث جابر أخرجه أيضا ابن ماجه وصححه النووي في الروضة وفي اسناده مجالد وهو ضعيف لا يحتج بما انفرد به ففي تصحيحه ما فيه
وقد تكلم جماعة من الأئمة في مجالد بن سعيد وقد اختلفت الاحاديث ففي بعضها ما يدل على أن لكل واحدة من المرأتين المقتتلتين زوجا غير زوج الأخرى كما في حديث جابر المذكور في الباب وكما في حديث أبي هريرة عند الشيخين بلفظ " إن امرأتين من هذيل اقتتلتا لكل واحدة منهما زوج فبرأ الزوج والولد ثم ماتت القاتلة فجعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميراثها لبنيها والعقل على العصبة
وفي بعض الاحاديث ما يدل على أن المرأتين المقتتلتين زوجهما واحد كما في حديث الباب وكما أخرجه الطبراني من طريق أبي المليح بن أسامة بن عمر الهذلى عن أبيه قال كان فينا رجل يقال له حمل بن مالك له امرأتان احداهما هذلية والأخرى عامرية فضربت الهذلية بطن العامرية وأخرجه الحرث من طريق أبي المليح فأرسله لم يقل عن أبيه ولفظه " أن حمل بن النابغة كان له امرأتان مليكة وامرأة منا يقال لها أم عفيف بنت مسروح تحت حمل بن النابغة فضربت أم عفيف مليكة وفي رواية لابن عباس عند أبي داود احداهما مليكة والأخرى أم عطيف
قوله : " باب العاقلة " بكسر القاف جمع عاقل وهو دافع الدية وسميت الدية عقلا تسمية بالمصدرلأن الإبل كانت تعقل بفناء ولي المقتول ثم كثر الاستعمال حتى أطلق العقل على الدية ولو لم تكن إبلا وعاقلة الرجل قرابته من قبل الأب وهم عصبته وهم الذين كانوا يعقلون الإبل على باب ولي المقتول وتحميل العاقلة الدية ثابت بالسنة وهو إجماع أهل العلم كما حكاه في الفتح وتضمين العاقلة مخالف لظاهر قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } فتكون الأحاديث يتضمين العاقلة مخصصة لعموم لما في ذلك من المصلحة لأن القاتل لو أخذ بالدية لأوشك أن تأتي على جميع ماله لأن تتابع الخطا لا يؤمن ولو ترك بغير تغريم لأهدر دم المقتول . وعاقلة الرجل عشيرته فيبدأ بفخذه الأدنى فإن عجزوا ضم إليهم الأقرب فالأقرب المكلف الذكر الحر من عصبة الذكر ثم من بيت المال
وقال الناصر أنها تجب على العصبة ثم السبب ثم أهل الديوان يعني جند السلطان وقال أبو حنيفة أنها تجب على أهل الديوان ولا شيء على الورثة لأن عمر جعلها على أهل الديوان دون أهل الميراث ولم ينكر هذا في البحر ولا يخفى ما في ذلك من المخالفة للأحاديث الصحيحة
وقد حكي عن الأعصم وابن علية وأكثر الخوارج أن الدية الخطا في مال القاتل ولا تلزم العاقلة . وحكي عن غلقمة وابن أبي ليلى وابن شبرمة والبتى وأبي ثور أن الذي يلزم العاقلة هو الخطا المحض وعمد الخطأ ي مال القاتل
قوله : " على كل بطن عقولة " بضم العين المهملة والقياس في مصدر عقل أن يأتي على العقل أو العقول وإنما دخلت الهاء لإفادة المرة الواحدة
قوله : " لا يحل ان يتولى مولى رجل " الخ فيه تحريم ان يتولى موالي رجل مولى رجل آخر وليس المراد بقوله بغير إذنه أنه يجوز ذلك مع الإذن بل المراد التأكيد كقوله تعالى { لا تأكلوا الربا أضعافا مضاعفة } قوله " قضى في الجنين المقتول بغرة " الخ قد تقدم تفسير الجنين والغرة وما يتعلق بهما في باب دية الجنين
قوله : " وبرأ زوجها وولدها " فيه دليل على أن الزوج والولد ليسا من العاقلة وإليه ذهب مالك والشافعي وذهبت العترة إلى أن الولد من جملة العاقلة وقد تقدم كلام في ذلك (7/140)
4 - وعن عمران بن حصين " ان غلام لأناس فقراء قطع أذن غلام لأناس أغنياء فاتى أهله إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا نبي الله إنا أناس فقراء فلم يجعل عليه شيئا "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفقهه أن ما تحمله العاقلة يقط عنهم بفقرهم ولا يرجع على القاتل (7/140)
- الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وصحح الحافظ إسناده وهو عند أبي داود من رواية أحمد بن حنبل عن معاذ بن هشام عن أبيه عن قتادة عن أبي نضرة عن عمران بن حصين وهذا إسناد صحيح ( وفي الحديث ) دليل على أن الفقير لا يضمن أرش ما جناه ولا يضمن عاقلته ايضا ذلك
قال البيهقي إن كان المراد فيه الغلام المملوك فإجماع أهل العلم على أن جناية العبد في رقبته وقد حمل الخطابي على أن الجاني كان حرا وكانت الجناية خطأ وكانت عاقلته فقراء فلم يجعل عليهم شيئا إما لفقرهم وإما لأنهم لا يعقلون الجناية الواقعة من العبد على العبد على فرض أن الجاني كان عبدا وقد يكون الجاني غلاما حرا وكانت الجناية عمدا فلم يجعل أرشها على عاقلته وكان فقيرا فلم يجعل في الحال عليه شيئا أو رآه على عاقلته فوجدهم فقراء فلم يجعل عليهم شيئا لفقرهم لا عليه لكون جنايته في حكم الخطأ هذا معنى كلا الخطابي وقد ذهب أكثر العترة إلى أن جناية الخطأ تلزم العاقلة وإن كانوا فقراء قالوا إذا شرعت لحقن دم الخاطئ الخاطئ نعم الوجوب وقال الشافعي لا تلزم الفقير وقال أبو حنيفة إذا كان له حرفة وعمل وقد ذهب الشافعي في أحد قوليه إلى ان عمد الصغير تلزم الفقير في ماله وكذلك المجنون ولا يلزم العاقلة . وذهبت العترة وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه إلى أن عمد الصبي والمجنون على عاقلتهما واستدل لهم في البحر بما روى عن علي عليه السلام أنه قال لا عمد للصبيان والمجانين قال وهو توقيف أو اجتهاد اشتهر ولم ينكر ولا بد من تأويل لفظ الغلام بما سلف لما تقدم من الإجماع وسيأتي أيضا حديث ان العاقلة لا تعقل جناية العبد (7/140)
5 - وعن عمر بن الأحوص " أنه شهد حجة الوداع مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يجني جان إلا على نفسه لا يجني والد على ولده ولا مولود على والده "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وصححه (7/141)
6 - وعن الخشخاش العنبري قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعي ابن لي فقالت ابنك هذا فقلت نعم قال لا يجني عليك و لا تجني عليه "
- رواه أحمد وابن ماجه (7/141)
7 - وعن أبي رمثة قال " خرجت مع أبي حتى أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرأيت برأسه ردع حناء وقال لأبي هذا ابنك قال نعم قال أما أنه لا يجني عليك ولا تجني عليه وقرأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تزر وازرة وزر أخرى "
- رواه أحمد وأبو داود (7/141)
8 - وعن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يؤخذ الرجل بجريرة أبيه ولا بجريرة أخيه "
- رواه النسائي (7/142)
9 - وعن رجل من بني يربوع قال " أتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو يكلم الناس فقام إليه الناس فقالوا يا رسول الله هؤلاء بنو فلان الذين قتلوا فلانا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تجن نفس على نفس "
- رواه أحمد والنسائي (7/142)
- حديث عمرو بن الأحوص أخرجه أيضا أبو داود كما روى ذلك عنه صاحب التلخيص ورجال إسناده ثقات إلا سليمان بن عمرو بن الحوص وهو مقبول . وحديث الخشخاش أورده في التلخيص وسكت عنه وله طرق رجال أسانيدها ثقات وروى نحوه الطبراني مرسلا بإسناده رجال ثقات . وحديث أبي رمثة أخرجه أيضا النسائي والترمذي وحسنه وصححه ابن خزيمة وابن الحارود والحاكم
قال الحافظ و أخرج نحوه أحمد والنسائي من رواية ثعلبة بن زهدم . وللنسائي وابن ماجه وابن حبان من رواية طارق المحاربي . ولابن ماجه من رواية أسامة بن شريك انتهى . وحديث ابن مسعود أخرجه أيضا البزار ورجاله رجال الصحيح . وحديث الرجل من بني يربوع رجال أحمد رجال الصحيح . وأحاديث الباب يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا والثلاثة الأحاديث الأولة تدل على أنه لا يضمن الولد من جناية أبيه شيئا ولا يضمن الوالد من جناية ابنه شيئا أما عدم ضمان الولد فهو مخصوص من ضمان العاقلة بما سلف من حديث جابر
وأما الأب فقد استدل بهذه الأحاديث على أنه لا يضمن جناية ابنه كما أن الابن لا يضمن جناية الأب وإلى ذلك ذهب مالك والشافعي في الابن والأب كما تقدم وجعلا هذه الأحاديث مخصصة لعموم الأحاديث القاضية بضمان العاقلة على العموم فلا يكون الأب والابن من العاقلة التي تضمن الجناية الواقعة على جهة الخطأ وخالفتهما في ذلك العترة كما سلف ويمكن الاستدلال لهم بأن هذه الأحاديث قاضية بعدم ضمان البن لجناية الأب والأب لجناية الابن سواء كانت عمدا أو خطأ فتكون مخصصة بالأحاديث القاضية بضمان العاقلة وهذا وإن سلم فلا يتم باعتبار الابن لأنه خرج من عموم العاقلة بما تقدم من حديث جابر من أنه صلى الله عليه وآله وسلم جعل دية المقتول على عاقلة القاتلة وبرأ زوجها وولدها ( والحاصل ) أنه قد تعارض ههنا عمومان لأن الأحاديث القاضية بضمان العاقلة هي أعم من الأب وغيره من الأقارب كما سلف والأحاديث المذكورة هي أعم من جناية العمد والخطأ والقسامة ليس من تحمل عقوبة الجناية وإنما هو من باب النصرة والمعاضدة فيما بين الأقارب فلا معارصة بين هذه الأحاديث وأحاديث ضمان العاقلة وقد تقدم في باب دية الجنين من حديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأبي القاتلة أد في الصبي غرة " وجعله المصنف دليلا على أن الأب من العاقلة كما سلف
وأما حديث ابن مسعود وحديث الرجل الذي من بني يربوع فإنهما يدلان على أنه لا يؤاخذ أحد بذنب أحد في عقوبة ولا ضمان ولكنهما مخصصان بأحاديث ضمان العاقلة المتقدمة لأنهما أعم مطلقا كما خصص بها العموم قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } وقد قدمنا أن ضمان العاقلة لجناية الخطأ مجمع عليه على ما حكاه صاحب الفتح وقد حمل المصنف رحمه الله هذه المعلومات على جناية العمد كما سيأتي
قوله : " وعن خشخاش " بخائين معجمتين مفتوحتين وشينين معجمتين الأولى ساكنة
قوله : " عن أبي رمثة " بكسر الراء المهملة وبعدها ميم ساكنة وثاء مثلثة وتاء تأنيث واسمه رفاعة بن يثربي بفتح التحتية بعدها مثلثة ساكنة ثم راء مكسورة ثم باء موحدة ثم ياء النسبة وفي اسمه اختلاف كثير
قوله : " ردع " بفتح الراء وسكون الدال المهملة بعدها عين مهملة وهو لطخ من زعفران أو دم أو حناء أو طيب أو غير ذلك وهو هنا من حناء كما وقع مبينا في الرواية
قوله : " بجزيرة أبيه " بجيم فراء فتحتية فراء فهاء تأنيث قال في القاموس والجزيرة والذنب والجناية (7/142)
10 - وعن عمر قال العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة "
- رواه الدارقطني وحكى أحمد عن ابن عباس مثله
وقال الزهري مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئا من الدية إلا أن يشاؤا رواه عنه مالك في الموطأ . وعلى هذا وأمثاله تحمل العمومات المذمورة (7/143)
- أثر عمر أخرجه أيضا البيهقي قال الحافظ وهو منقطع وفي إسناده عبد الملك ابن حسين وهو ضعيف قال البيهقي والمحفوظ أنه عن عامر الشعبي من قوله . وأثر ابن عباس أخرجه أيضا البيهقي ولفظه " لا تحمل العاقلة عمدا ولا صلحا ولا اعترافا ولا ما جنى الملوك " وقول الزهري روى معناه البيهقي عن أبي الزناد عن الفقهاء من أهل المدينة وفي الباب عن عبادة بن الصامت عند الدارقطني والطبراني " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تجعلوا على العاقلة من دية المعترف شيئا " وفي إسناده محمد بن سعيد المصلوب وهو كذاب
وفيه أيضا الحرث بن نبهان وهو منكر الحديث
وقد تمسك بما في الباب من قال إن العاقلة لا تعقل العمد ولا العبد ولا الصلح ولا الاعتراف وقد اختلف في المجني عليه إذا كان عبدا فذهب الحكم وحماد والعترة وأبو حنيفة والشافعي في أحد قوليه إلى أن العاقلة تحمل العبد كالحر . وذهب مالك والليث وأحمد وإسحاق وأبو ثور إلى أنها لا تحمله وقد أجيب عن قول عمر مع كونه مما لا يحتج به لكون أقوال الصحابة لا تكون حجة إلا إذا أجمعوا أن المراد أن العاقلة لا تعقل الجناية الواقعة من العبد على غيره كما يدل على ذلك قول ابن عباس الذي ذكرناه بلفظ " ولا ما جنى المملوك " ( والحاصل ) أنه لم يكن في الباب ما ينبغي إثبات الأحكام الشرعية بمثله فالمتوجه الرجوع إلى الأحاديث القاضية بضمان العاقلة مطلقا لجناية الخطأ ولا يخرج عن ذلك إلا ما كان عمدا وظاهره عدم الفرق بين كون الجناية الواقعة على جهة العمد من الرجل على غيره أو على نفسه وإليه ذهبت العترة والحنفية والشافعية وذهب الأوزاعي وأحمد وإسحاق إلى أن جناية العمد على نفس الجاني مضمونة على عاقلتة واعلم أنه قد وقع الإجماع على أن دية الخطأ مؤجلة على العاقلة ولكن اختلفوا فيمقدار الأجل فذهب الأكثر إلى أن الأجل ثلاث سنين
وقال ربيعة إلى خمس وحكى في البحر عن بعض الناس بعد حكايته للإجماع السابق إنها تكون حالة إذلم يرو عنه صلى الله عليه وآله وسلم تأجيلها
قال عمر وابن عباس ولم ينكر انتهى
قال الشافعي في المختصر لا أعلم مخالفا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدية على العاقلة في ثلاث سنين قال الرافعي تكلم أصحابنا في ورود الخبر بذلك فمنهم من قال ورد ونسبه إلى رواية علي عليه السلام ومنهم من قال ورد أنه صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالدية على العاقلة وأما التأجيل فلم يرد به الخبر وأخذ ذلك من إجماع الصحابة
وقال ابن المنذر ما ذكره الشافعي لا نعرفه أصلا من كتاب ولا سنة وقد سئل عن ذلك أحمد بن حنبل فقال لا نعرف فيه شيئا فقيل أن أبا عبد الله يعني الشافعي رواه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لعله سمعه من ذلك المدني فإنه كان حسن الظن به يعني إبراهيم بن أبي يحيى وتعقبه ابن الرفعة بأن من عرف حجة علي من لم يعرف
وروى البيهقي من طريق ابن لهيعة عن يحيى ابن سعيد عن سعيد بن المسيب قال من السنة أن تنجم الدية في ثلاث سنين وقد وافق الشافعي على نقل الإجماع الترمذي في جامعه وابن المنذر فحكى كل واحد منهما الإجماع
وقد روى التأجيل ثلاث سنين ابن أبي شيبة وعبد الرزاق والبيهقي عن عمر وهو منقطع لأنه من رواية الشعبي عنه . رواه عبد الرزاق أيضا عن ابن جريج عن أبي وائل قال أن عمر بن الخطاب جعل الدية الكاملة في ثلاث سنين وجعل نصف الدية في سنتين وما دون النصف في سنة وروى البيهقي التأجيل المذكور عن أمير المؤمنين على رضوان الله تعالى عليه وهو منقطع وفي إسناده ابن لهيعة (7/143)
كتاب الحدود (7/143)
باب ما جاء في رجم الزاني المحصن وجلد البكر وتغريبها (7/144)
1 - عن أبي هريرة وزيد بن خالد أنهما " قالا أن رجلا من الأعراب أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله أنشدك الله إلا قضيت لي بكتاب الله وقال الخصم الآخر وهو أفقه منه نعم فاقض بيننا بكتاب الله وائذن لي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قل قال أن ابني كان عسيفا على هذا فزنى بأمرأته وأني أخبرت أن على ابني الرجم فافتديت منه شاة ووليدة فسألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام وأن على امرأة هذا الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله الوليدة والغنم رد وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام واغد يا أنيس لرجل من أسلم الي امرأة هذا فإن أعترفت فارجمها قال فغدا عليها فاعترفت فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجمت "
- رواه الجماعة
قال مالك العسيف الأجير ويحتج به من يثبت الزنا بالإقرار مرة يقتصر على الرجم (7/144)
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى فيمن زنى ولم يحصن بنفي عام وإقامة الحد عليه " (7/144)
3 - وعن الشعبي " أن عليا رضي الله عنه حين رجم المرأة ضربها يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة وقال جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواهما أحمد والبخاري (7/145)
4 - وعن عبادة بن الصامت قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلا البكر بالبكر جلد مائة ونفى سنة والهثيب بالثيب جلد مائة والرجم "
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي (7/145)
5 - وعن جابر بن عبد الله " أن رجلا زنى بامرأة فأمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجلد الحد ثم أخبر أنه محصن فأمر به فرجم "
- رواه أبو داود (7/145)
6 - وعن جابر بن سمرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجم ماعز بن مالك ولم يذكر جلدا "
- رواه أحمد (7/146)
- حديث جابر بن عبد الله سكت عنه أبو داود والمنذري وقد قدمنا في أول الكتاب أن ما سكتنا عنه فهو صالح للاحتجاج به وقد أخرجه أبو داود عنه من طريقين ورجال اسناده رجال الصحيح
وأخرجه أيضا النسائي . وحديث جابر ابن سمرة أخرجه أيضا البيهقي وأورده الحافظ في التلخيص ولم يتكلم عليه وقد أخرجه أيضا البزار قال في الزوائد في اسناده صفوان بن المغلس لم أعرفه وبقية اسناده ثقات . وحديثه أصله في الصحيح وسيأتي " كتاب الحدود " الحد لغة المنع ومنه سمى البواب حدادا وسميت عقوبات المعاصي حدودا لأنها تمنع العاصي من العود إلى تلك المعصية التي حد لأجلها في الغالب . وأصل الحد الشيء الحاجز بين الشيئين ويقال على ما ميزا الشيء عن غيره ومنه حدود الدار والأرض ويطلق الحد أيضا على نفس المعصية ومنه ( وتلك حدود الله فلا تقربوها )
وفي الشرع عقوبة مقدرة لأجل حق الله فيخرج التعزيز لعدم تعديره والقصاص لأنه حق لآدمي
قوله : " أنشدك الله " بفتح الهمزة وسكون النون وضم المعجمة أي أذكرك الله
قوله : " إلا قضيت لي بكتاب الله أي لا أسألك إلا القضاء بكتاب الله فالفعل مؤول بالمصدر للضرورة أو بتقدير حرف المصدر فيكون الاستثناء مفرغا . والمراد بكتاب الله ما حكم الله على عباده سواء كان من القرآن أو على لسان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وقيل المراد به القرآن فقط
قوله : " وهو أفقه منه " لعل الراوي عرف ذلك قبل الواقعة أو استدل بما وقع منه في هذه القضية على أنه أفقه من صاحبه
قوله : " قال إن ابني هذا " الخ القائل هو الآخر الذي وصفه الراوي بأنه أفقه كما يشعر بذلك السياق
وقال الكرماني أن القائل هو الأول ويدل على ذلك ما وقع في كتاب الصلح من صحيح البخاري بلفظ " فقال الأعرابي إن ابني " بعد قوله في الحديث " جاء اعرابي " قال الحافظ والمحفوظ ما في سائر الطرق
قوله : " عسيفا على هذا " بفتح العين المهملة وكسر السين المهملة أيضا وتحتية وفاء كالأجير وزنا ومعني وقد وقع تفسير ذلك في صحيح البخاري مدرجا كما أشار إليه المصنف ووقع في رواية للنسائي بلفظ " كان ابني اجيرا لامرأته " ويطلق العسيف على السائل والعبد والخادم . العسف في اصل اللغة الجور وسمي الأجير بذلك لأن المستأجر يعسفه على العمل أي يجور عليه . ومعنى قوله على قوله هذا عند هذا
قوله : " وأني أخبرت " على البناء للمجهول
قوله : " جلد مائة " بالإضافة في رواية الأكثرين وقريء بتنوين جلد ونصب مائة
قال الحافظ ولم يثبت رواية
قوله : " والغنم رد " أي مردود
وقد استدل بذلك على عدم حل الأموال المأخوذة في الصلح مع عدم طيبة النفس
قوله : " وعلى ابنك جلد مائة " حكمه صلى الله عليه وآله وسلم بالجلد دون سؤال عن الإحصان يشعر بأنه عالم بذلك من قبل
ووقع في رواية بلفظ " وابني لم يحصن " قوله " يا أنيس " بضم الهمزة بعدها نون ثم تحتية ثم سين مهملة مصغرا
قال ابن عبد البر هو ابن الضحاك الأسلمي وقيل ابن مرشد
وقال ابن السكن في كتاب الصحابة لم أدر من هو ولا ذكر إلا في هذا الحديث غلط بعضهم فقال أنه أنس بن مالك وليس الأمر كذلك فإن أنس بن مالك أنصاري وهذا أسلمى كما وقع التصريح بذلك في حديث الباب
قوله : " فإن اعترفت فارجمها " فيه دليل لمن قال إنه يكفي الإقرار مرة وسيأتي الخلاف في ذلك وبيان ماهو الحق وقد استشكل بعثه صلى الله عليه وآله وسلم إلى المرأة مع أمره لمن أتى الفاحشة بالستر وأجيب بأن بعثه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليها لم يكن لأجل إثبات الحد عليها بل لأنها لما قذفت بالزنا بعث إليها لتنكر فتطالب بحد القذف أو تقر بالزنا فيسقط حد القذف
قوله : " فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرجمت " في رواية الأكثرين فأعترفت فرجمها
وفي رواية مختصرة " فغدا عليها فرجمها "
وفي رواية وأما امرأة هذا فترجم والرواية المذكورة في الباب أتم من سائر الروايات لاشعارها بأن انيسا أعاد جوابها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأمر بها فرجمها
قال الحافظ والذي يظهر أن أنيسا لما اعترفت أعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم مبالغة في الاستثبات مع كونه كان علق له رجمها على اعترفها ولكنه لابد من أن يقال أن أنيسا أعلم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه غيره ممن يصح أن يثبت بشهادة حد الزنا لكنه اختصر ذلك في الرواية وإن كان قد استدل به البعض بأنه يجوز للحاكم أم يحكم بإقرار الزاني من غير أن يشهد عليه غيره وأنيس قد فوض إليه صلى الله عليه وآله وسلم الحكم وقد يجاب عنه بانها واقعة عين ويحتمل أن يكون أنيس قد أشهد قبل رجمها
وقد حكى القاضي عياض عن الشافعي في قوله وأبي ثور أنه يجوز للحاكم في الحدود أن بحكم بما أقربه الخصم عنده وأبى ذلك الجمهور . " قوله بنفى عام " في هذا الحديث
وفي حديث أبي هريرة المذكور قبله
وفي حديث عبادة بن الصامت المذكور بعده دليل على ثبوت التغريب ووجوبه على من كان غير محصن
وقد ادعى محمد بن نصر في كتاب الإجماع الاتفاق على نفي الزاني البكر إلا عن الكوفيين
وقال ابن المنذر أقسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قصة العسيف أنه يقضي بكتاب الله تعالى ثم قال إ عليه جلد مائة وتغريب عام وهو المبين لكتاب الله تعالى وخطب عمر بذلك على رؤوس المنابر وعمل به الخلفاء الراشدون ولم ينكره أحد فكان إجماعا
وقد حكى القول بذلك صاحب البحر عن الخلفاء الأربعة وزيد بن علي والصادق وابن أبي ليلى والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق والإمام يحيى وأحد قولي الناصر . وحكى عن القاسمية وأبي حنيفة وحماد أنه التغريب والحبس غير واجبين واستدل لهم بقوله إذ لم يذكرا في آية الجلد وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها " الحديث وهذا الاستدلال من الغرائب فأن عدم ذكر التغريب في آية الجلد لا يدل على مطلق العدم وقد ذكر التغريب في الأحاديث الصحيحة الثابتة باتفاق أهل العلم بالحديث من طريق جماعة من الصحابة بعضها ذكره المصنف في الباب وبعضها لم يذكر وليس بين هذا الذكر وبين عدمه في الآية منافاة وما أشبه هذا الاستدلال بما استدل به الخوارج على عدم ثبوت رجم المحصن فقالوا لأنه لم يذكر في كتاب الله وأغرب من هذا استدلاله بعدم ذكر التغريب في قوله " إذا زنت أمة أحدكم " ( والحاصل ) أن أحاديث التغريب قد جاوزت حد الشهرة المعتبرة عند الحنفية فيما ورد من السنة زائدا على القرآن فليس لهم معذرة عنها بذلك وقد عملوا بما هو دونها بمراحل كحديث نقض الوضوء بالقهقهة وحديث جواز الوضوء بالنبيذ وهما زيادة على ما في القرآن وليس هذه الزيادة مما يخرج بها المزيد عليه عن أن يكون مجزئا حتى تتجه دعوى النسخ وقد أجاب صاحب البحر عن أحاديث التغريب بأنه عقوبة لاحد ويجاب عن ذلك بالقول بموجبه فإن الحدود كلها عقوبات والنزاع في ثبوته لا في مجرد التسمية وأما الاستدلال بحديث سهل بن سعد عند أبي داود أن رجلا من بكر بن ليث أقر للنبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه زنى بامرأة وكان بكرا فجلده النبي صلى الله عليه وآله وسلم مائة وسأله البينة على المرأة إذ كذبته فلم يأت بشيء فجلده حد الفرية ثمانين جلدة قالوا ولو كان التغريب واجبا لما أخل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيجاب عنه باحتمال ان يكون ذلك قبل مشروعية التغريب غاية الأمر احتمال تقدمه وتأخره على أحاديث التغريب والمتوجه عند ذلك المصير إلى الزيادة التي لم تقع منافيه للمزيد ولا يصلح ذلك للصرف عن الوجوب إلا على فرض تأخره ولم يعلم وهكذا يقال في حديث " إذا زنت أمة أحدكم " المتقدم وبه يندفع ما قاله الطحاوي من أنه ناسخ للتغريب معللا ذلك بأنه إذا سقط عن الأمة سقط عن الحرة لأنها في معناها قال ويتأكد ذلك بأحاديث " لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم " وقد تقدمت قال وإذا انتفى عن النساء انتفى عن الرجال قال وهو مبني على أن العموم إذا خص سقط الاستدلال به وهو مذهب ضعيف انتهى . وغاية الأمر أنا لو سلمنا تأخر حديث الأمة عن أحاديث التغريب كان معظم ما يستفاد منه أن التغريب في حق الأماء ليس بواجب ولا يلزم ثبوت مثل ذلك في حق غيرها أو يقال أن حديث الأمة المذكور مخصص لعموم أحاديث التغريب مطلقا على ما هو الحق من أنه يبني العام على الخاص تقدم أو تأخر أو قارن ولكن ذلك التخصيص باعتبار عدم الوجوب في الخاص لا باعتبار عدم الثبوت مطلقا فإن مجرد الترك لا يفيد مثل ذلك وظاهر أحاديث التغريب أنه ثابت في الذكر والأنثى وإليه ذهب الشافعي وقال مالك والأوزاعي لا تغريب عن المرأة لانها عورة وهو مروي عن أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وظاهرها أيضا أنه لا فرق بين الحر والعبد وإليه ذهب الثوري وداود والطبري والشافعي في قول له والإمام يحيى ويؤيده في قوله تعالى { فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب }
وقد ذهب بعضهم إلى أنه ينصف في حق الأمة والعبد قياسا على الحد وهو قياس صحيح
وفي قول للشافعي إنه لا ينصف فيهما وذهب مالك وأحمد بن حنبل وإسحاق والشافعي في قول له وهو مروي عن الحسن إلى أنه لا تغريب للرق واستدلوا بحديث " إذا زنت أمة أحدكم " المتقدم وقد تقدم الجواب عن ذلك وسيأتي الحديث أيضا في باب السيد يقيم الحد على رقيقه . وظاهر الأحاديث المذكورة في الباب أن التغريب هو نفي الزاني عن محله سنة وإليه ذهب مالك والشافعي وغيرهما ممن تقدم ذكره . والتغريب يصدق بما يطلق عليه اسم الغربة شرعا فلا بد من إخراج الزاني عن المحل الذي لا يصدق عليه اسم الغربة فيه قيل وأقله مسافة قصر . وحكي في البحر عن علي وزيد بن علي والصادق والناصر في أحد قوليه إن التغريب هو حبس سنة وأجاب عنه بأنه خالف لوضع التغريب وتعقبه صاحب ضوء النهار أن مخالفة الوضع لا تنافي التجوز وهما مشتركان في فقد الأنيس قال ومنه " بدا الدين غريبا وسيعود غريبا " وجعل قرينة المجاز حديث النهي عن سفر المرأة مع غير محرم ويجاب عن هذا التعقب بأن الواجب حمل الأحكام الشرعية على ما هي حقيقة فيه في لسان الشارع ولا يعدل عن ذلك إلى المجاز إلا المجيء ولا ملجئ هنا فأن التغريب المذكور في الأحاديث شرعا هو اخراج الزاني عن موضع اقامته بحيث يعد غريبا والمحبوس في وطنه لا يصدق عليه ذلك الاسم وهذا المعنى هو المعروف عند الصحابة الذين هم أعرف بمقاصد الشارع فقد غرب عمر من المدينة إلى الشام وغرب عثمان إلى مصر وغرب ابن عمر أمته إلى فدك
وأما النهي عن سفر المرأة فلا يصلح جعله قرينة على أن المراد بالتغريب هو الحبس . أما أولا فلأن النهي مقيد بعدم المحرم
وأما ثانيا فلانه عام مخصوص بأحاديث التغريب
وأما ثالثا فلان أمر التغريب إلى الإمام لا إلى المحدود ونهى المرأة عن السفر إذا كانت مختارة له وأما مع الإكراه من الإمام فلا نهى يتعلق بها قوله " جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله " في هذا الحديث وكذلك في حديث عبادة المذكور بعده . وحديث جابر بن عبد الله دليل على أنه يجمع للمحصن بين الجلد والرجم . أما الرجم فهو مجمع عليه وحكى في البحر عن الخوارج أنه غير واجب وكذلك حكاه عنهم أيضا ابن العربي وحكاه أيضا عن بعض المعتزلة كالنظام وأصحابه ولا مستند لهم إلا أنه لم يذكر في القرآن وهذا باطل فإنه قد ثبت بالسنة المتواترة المجمع عليها . وأيضا هو ثابت بنص القرآن لحديث عمر عند الجماعة أنه قال كان مما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آية الرجم فقرأناها ووعيناها ورجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورجمنا بعده ونسخ التلاوة لا يستلزم نسخ الحكم كما أخرجه أبو داود من حديث ابن عباس
وقد أخرج أحمد والطبراني في الكبيرمن حديث أبي أمامة بن سهل عن خالته العجماء أن فيما أنزل الله من القرآن الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة
وأخرجه ابن حبان في صحيحه من حديث أبي بن كعب بلفظ " كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها آية الرجم الشيخ والشيخة " الحديث
وأما الجلد فقد ذهب إلى إيجابه على المحصن مع الرجم جماعة من العلماء منهم العترة وأحمد وإسحاق وداود الظاهري وابن المنذر تمسكا بما سلف وذهب مالك والحنفية والشافعية وجمهور العلماء إلى لا أنه يجلد المحصن بل يرجم فقط وهو مروي عن أحمد بن حنبل وتمسكوا بحديث سمرة في أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يجلد ماعزا بل اقتصر على رجمه قالوا وهو متأخر عن أحاديث الجلد فيكون ناسخا لحديث عبادة بن الصامت المذكور ويجاب بمنع التأخر المدعى فلا يصلح ترك جلد ماعز للنسخ لأنه فرع التأخر ولم يثبت ما يدل على ذلك ومع عدم ثبوت تأخره لا يكون ذلك الترك مقتضيا لإبطال الجلد الذي أثبته القرآن على كل من زنى ولا ريب أنه يصدق على المحصن أنه زان فكيف إذا انضم إلى ذلك من السنة ما هو صريح في الجمع بين الجلد والرجم للمحصن كحديث عبادة المذكور ولا سيما وهو صلى الله عليه وآله وسلم في مقام البيان والتعليم لأحكام الشرع على العموم بعد أن أمر الناس في ذلك المقام بأخذ ذلك الحكم عنه فقال خذوا عني خذوا عني
فلا يصلح الاحتجاج بعد نص الكتاب والسنة بسكوته صلى الله عليه وآله وسلم في بعض المواطن أو عدم بيانه لذلك أو إهماله للأمر به وغاية ما في حديث سمرة أنه لم يتعرض لذكر جلده صلى الله عليه وآله وسلم لماعز ومجرد هذا لا ينتهض لمعارضة ما هو في رتبته فكيف بما بينه وبينه ما بين السماء والأرض وقد تقرر أن المثبت أولى من النافي ولا سيما كون المقام مما يجوز فيه أن الراوي ترك ذكر الجلد لكونه معلوما من الكتاب والسنة وكيف يليق بعالم أن يدعي نسخ الحكم الثابت كتابا وسنة بمجرد ترك الراوي لذلك الحكم في قضية عين لا عموم لها وهذا أمير المؤمنين على ابن أبي طالب رضي الله عنه يقول بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم بعدة من السنين لما جمع لتلك المرأة بين الرجم والجلد جلدتها بكتاب الله ورجمتها بسنة رسول الله فكيف يخفى على مثله الناسخ وعلي من بحضرته من الصحابة الأكابر ( وبالجملة ) أنا لو فرضنا أنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر بترك جلد ماعز وصح لنا ذلك لكان على فرض تقدمه منسوخا وعلي فرض التباس المتقدم بالمتأخر مرجوحا ويتعين تأويله بما يحتمله من وجوه التأويل وعلى فرض تأخره غاية ما فيه أنه يدل على أن الجلد لمن استحق الرجم غير واجب لا غير جائز ولكن أين الدليل على التأخر قال ابن المنذر عارض بعضهم الشافعي فقال الجلد ثابت على البكر بكتاب الله والرجم ثابت بسنة رسول الله كما قال أمير المؤمنين علي رضي الله عنه وقد ثبت الجمع بينهما في حديث عبادة وعمل به أمير المؤمنين علي ووافقه أبي وليس في قصة ماعز ومن ذكر معه تصريح بسقوط الجلد عن المرجوم لاحتمال أن يكون ترك ذكره لوضوحه وكونه الأفضل انتهى
وقد استدل الجمهور أيضا بعدم ذكر الجلد في رجم الغامدية وغيرها قالوا وعدم ذكره يدل على عدم وقوعه وعدم وقوعه يدل على عدم وجوبه ويجاب بمنع كون عدم الذكر يدل على عدم الوقوع لم لا يقال أن عدم الذكر لقيام أدلة الكتاب والسنة القاضية بالجلد وأيضا عدم الذكر لا يعارض صرائح الأدلة القاضية بالإثبات وعدم العلم ليس علما بالعدم ومن علم حجة على من لم يعلم (7/146)