2 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس عن الفضل أو أحدهما عن الآخر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أراد الحج فليتعجل فإنه قد يمرض المريض وتضل الراحلة وتعرض الحاجة "
- رواه أحمد وابن ماجه وسيأتي قوله عليه السلام " من كسر أوعرج فقد حل وعليه الحج من قابل " (5/6)
3 - وعن الحسن قال " قال عمر بن الخطاب لقد هممت أن أبعث رجالا إلى هذه الأمصار فينظروا كل من كان له جدة ولم يحج فيضربوا عليهم الجزية ما هم بمسلمين "
- رواه سعيد في سننه (5/6)
- حديث ابن عباس الآخر في إسناده إسماعيل بن خليفة العبسي أبو اسرائيل وهو صدوق ضعيف الحفظ . وقال ابن عدي عامة ما يرويه يخالف فيه الثقات وحديث من كسر أو عرج يأتي إن شاء الله تعالي في باب الفوات والاحصار وأثر عمر اخرجه أيضا البيهقي ( وفي الباب ) عن أبي أمامة مرفوعا عند سعيد ابن منصور في سننه وأحمد وأبي يعلى والبيهقي بلفظ " من لم يحبسه مرض أو حاجة ظاهرة أو مشقة ظاهرة أو سلطان جائر فلم يحج فليمت إن شاء الله يهوديا وإن شاء نصرانيا " ولفظ أحمد " من كان ذا يسار فمات ولم يحج " ثم ذكره كما سلف وفي إسناده ليث بن أبي سليم وهو ضعيف وشريك وهو سيء الحفظ وقد خالفه سفيان الثوري فأرسله رواة أحمد عن ابن سابط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكذا رواه ابن أبي شيبة مرسلا وله طريق أخرى عن علي مرفوعا عند الترمذي بلفظ " من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله ولم يحج فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا وذلك لأن الله تعالى قال في كتابه ولله حج البيت من استطاع إليه سبيلا " قال الترمذؤي غريب في إسناده مقال والحرث يضعف وهلال بن عبد الله الراوي له عن أبي إسحاق مجهول . وقال العقيلي لا يتابع عليه وقد روي عن علي موقوفا ولم يرو مرفوعا من طريق أحسن من هذا . وقال المنذري طريق أبي أمامة على ما فيها أصلح من هذه وقد روى من طريق ثالثة عن أبي هريرة رفعه عند ابن عدي بلفظ " من مات ولم يحج حجة الإسلام في غير وجع حابس أو حاجة ظاهرة أو سلطان جائر ليمت أي الميتتين شاء إما يهوديا أو نصرانيا " وهذه الطرق يقوي بعضها بعضا وبذلك يتبين مجازفة ابن الجوزي في عده لهذا الحديث من الموضوعات فإن مجموع تلك الطرق لا يقصر عن كون الحديث حسن لغيره وهو محتج به عند الجمهور ولا يقدح في ذلك قول العقيلي والدارقطني لا يصح في الباب شيء لأن نفي الصحة لا يستلزم نفي الحسن وقد شد من عضد هذا الحديث الموقوف الأحاديث المذكورة في الباب قال الحافظ وإذا انضم هذا الموقوف إلى مرسل ابن سابط علم أن لهذا الحديث أصلا ومحمله على من استحل الترك ويتبين بذلك خطأ من إدعى إنه موضوع انتهى . وقد استدل المصنف بما ذكره في الباب على أن الحج واجب على الفور . ووجه الدلالة من حديث ابن عباس الأول والثاني ظاهرة ووجهها من حديث " من كسر أو عرج " قوله " وعليه الحج من قابل " ولو كان على التراخي لم يعين العام القابل ووجهها من أثر عمر ومن الأحاديث التي ذكرناها ظاهر وغلى القول بالفوري ذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد وبعض أصحاب الشافعي ومن أهل البيت زيد بن علي والهادي والمؤيد بالله والناصر . وقال الشافعي والأوزاعي وأبو يوسف ومحمد . ومن أهل البيت القاسم ابن إبراهيم وأبو طالب أنه على التراخي واحتجوا بأنه صلى الله عليه وآله وسلم حج سنة عشر وفرض الحج كان سنة ست أو خمس وأجيب بأنه قد أختلف في الوقت الذي فرض عليه الحج ومن جملة الأقوال أنه فرض في سنة عشر فلا تأخير ولو سلم أنه فرض قبل العاشرة فتراخيه صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان لكراهة الأختلاط في الحج بأهل الشرك لأنهم كانا يحجون ويطوفون بالبيت عراة فلما طهر الله البيت الحرام منهم حج صلى الله عليه وآله وسلم فتراخيه لعذر ومحل النزاع التراخي مع عدمه (5/6)
باب وجوب الحج على المعضوب إذا أمكنته الاستنابة وعن الميت إذا كان قد وجب عليه (5/7)
1 - عن ابن عباس " أن إمراءة من خثعم قالت يا رسول الله إن أبي أدركته فريضة الله في الحج شيخا كبيرا لا يستطيع أن يستوي على ظهر بعيره قال فحجي عنه "
- رواه الجماعة (5/7)
2 - وعن علي عليه السلام أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته أمراة شابة من خثعم فقالت إن أبي كبير وقد أفند وأدركته فريضة الله في الحج ولا يستطيع أداءها فيجزي عنه أن أؤديها عنه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نعم "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (5/7)
3 - وعن عبد الله بن الزبير قال " جاء رجل من خثعم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أبي أدركه الإسلام وهو شيخ كبير لا يستطيع ركوب الرحل والحج مكتوب عليه أفأحج عنه قال أنت أكبر ولده قال نعم قال أرأيت لو كان على أبيك دين فضيته عنه أكان يجزي ذلك عنه قال نعم قال فأحجج عنه "
- رواه أحمد والنسائي بمعناه (5/8)
- حديث علي أخرجه أيضا البيهقي وحديث ابن الزبير قال الحافظ إن إسناده صالح . قوله " إن فريضة الله أدركت أبي " قد اختلف هل المسؤل عنه رجل أو أمرأة كما وقع الاختلاف في الروايات في السائل ففي بعض الروايات أنه إمرأة وفي بعضها أنه رجل وقد بسط ذلك في الفتح : " شيخا " قال الطيبي هو حال والمعنى أنه وجب عليه الحج بأن أسلم وهو بهذه الصفة : قوله " قال فحجي عنه " في رواية للبخاري قال نعم : قوله " وقد أفند " بهمزة مفتوحة ثم فاء ساكنة بعدها نون مفتوحة ثم دال مهملة قال في القاموس الفند بالتحريك الخرف وإنكار العقل بهرم أو مرض والخطأ في القول والرآي والكذب كالإفناد ولا تقل عجوز مفندة لأنها لم تكن ذات رأي أبدا وفنده تفنيدا أكذبه وعجزه وخطأ رأية كافنده انتهى . : قوله " أنت أكبر ولده " فيه دليل على أن المشروع ان يتولى الحج عن الأب العاجز أكبر أولاده قوله " أرأيت " الخ فيه مشروعة القياس وضرب المثل ليكون أوضح وأوقع في نفس السامع وأقرب إلى سرعة فهمه وفيه تشبيه ما أختلف فيه وأشكل بما أتفق عليه وفيه أنه يستحب التنبيه على وجه الدليل لمصلحة ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز الحج من الولد عن والده إذا كان غير قادر على الحج وقد أدعى بعضهم أن هذه القصة مختصة بالخثعمية كما أختص سالم مولى أبي حذيفة بجواز إرضاع الكبير حكاه ابن عبد البر وتعقب بأن الأصل عدم الخصوص وأماما رواه عبد الملك بن حبيب صاحب الواضحة بإسنادين مرسلين في هذا الحديث في هذا الحديث فزاد حجي عنه وليس لأحد بعده فلا حجة في ذلك لضعف إسنادهما مع الإرسال والظاهر عدم اختصاص جواز ذلك بالابن وقد ادعة جماعة من أهل العلم أنه خاص به . قال في الفتح ولا يخفى أنه جمود وقال القرطبي رأي مالك أن ظاهر حديث الخثعمية مخالف للقرآن فيرجح ظاهر القرآن ولا شك في ترجحه من جهة تواتره انتهى ولكنه يقال هو عموم مخصوص بأحاديث الباب ولا تعارض بين عام وخاص وهذه الأحاديث ترد على محمد بن الحسن حيث قال فمن الحج يقع عن المباشر وللمحجوج عنه أجر نفقته وقد اختلفوا فيما إذا عوفى المعضوب فقال الجمهور لا يجزئه لأنه تبين أنه لم يكن مأيوسا عنه . وقال أحمد وأسحق لانلزمه الإعادة لئلا تفضى إلى إيجاب حجتين وأجيب بأن العبرة بالانتهاء وقد انكشف إن الحجة الأولى غير مجزئة (5/8)
4 - وعن ابن عباس " إن إمرأة من جهينة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت أن أمي نذرت أن تحج فلم تحج حتى ماتت أفأحج عنها قال نعم حجي عنها أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته أقضوا الله فالله أحق بالوفاء "
- رواه البخاري والنسائي بمعناه . وفي رواية لأحمد والبخاري بنحو ذلك وفيها قال " جاء رجل فقال أن أختي نذرت أن تحج " وهو يدل على صحة الحج عن الميت من الوارث وغيره حيث لم يستفصله أوارث هوأم لا وشبهه بالدين (5/8)
5 - وعن ابن عباس قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم رجل فقال إن أبي مات وعليه حجة الإسلام أفاحج عنه قال أرأيت لو أن أباك ترك دينا عليه أقضيته عنه قال نعم قال فأحجج عن أبيك "
- رواه الدارقطني (5/9)
- حديث ابن عباس الآخر أخرجه النسائي والشافعي وابن ماجه : قوله " إن أمي نذرت " الخ قيل إن هذا الحديث مضطرب لأنه قد روى أن هذه المرأة قالت إن أمي ماتت وعليها صوم شهر كما تقدم في الصيام وأجيب بأنه محمول على أن المرأة سألت عن كل من الصوم والحج ويؤيد ذلك ماعند مسلم عن بريدة " أن امرأة قالت أن أمي " وفيه " يا رسول الله إنه كان عليها صوم شهر أفاصوم عنها قال صومي عنها قالت إنها لم تحج أفأحج عنها قال حجي عنها " قوله " قال نعم " فيه دليل على صحة النذر بالحج ممن لم يحج فإذا حج أجزأ عن حجة الإسلام عند الجمهور وعليه الحج عن النذر وقيل يجزيء عن النذر ثم يحج عن حجة الإسلام وقيل يجزيء عنهما ( وفيه دليل ) أيضا على إجزاء الحج عن الميت من الولد وكذلك من غيره ويدل على ذلك قوله " اقضوا الله فالله أحق بالوفاء " وروى سعيد بن منصور وغيره عن ابن عمر بإسناد صحيح أنه لا يحج أحد عن أحد ونحوه عن مالك والليث . وعن مالك أن أوصى بذلك فليحج عنه وإلا فلا : قوله " أكنت قاضيته " فيه دليل على أن من مات وعليه حج وجب على وليه أن يجهز من يحج عنه من رأس ماله كما أن عليه قضاء ديونه وقد أجمعوا على أن دين الآدمي من رأس المال فكذلك ما شبه به في القضاء ويلحق بالحج كل حق ثبت في ذمته من نذر أو كفارة أو زكاة أو غير ذلك : قوله " فالله أحق بالوفاء " فيه دليل على أنه حق الله مقدم على حق الآدمي وهو أحد أقوال الشافعي وقيل بالعكس وقيل سواء : قوله " جاء رجل فقال إن أختي " الخ لامنافاة بين هذه الرواية والأولى لأنه يحتمل أن تكون القصة متعددة وأن تكون متحدة ولكن النذر وقع من الأخت والأم فسأل الأخ عن نذر أخته والبنت عن نذر الأم ( وقد استدل ) المصنف بهذه الرواية على صحة الحج من غير الوارث لعدم استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم للأخ هل هو وارث أولا وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم في المقال كما تقرر في الأصول ( واستدل ) بأحاديث الباب على أنه يصح ممن لم يحج أن يحج نيابة عن غيره لعدم استفصاله صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله عن ذلك وبه قال الكوفيون وخالفهم الجمهور فخصوه بمن حج عن نفسه واستدلوا بحيث ابن عباس الآتي في باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه وسيأتي الكلام فيه . قوله " إن أبي مات وعليه حجة الإسلام " الخ فيه دليل على أنه يجوم للابن أن يحج عن أبيه حجة الإسلام بعد موته وإن لم يقع منه وصية ولا نذر ويدل على الجواز من غير الولد حديث الذي سمعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لبيك عن شبرمة وسيأتي (5/9)
باب اعتبار الزاد والراحلة (5/9)
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله عز و جل { استطاع إليه سبيلا } قال قيل يا رسول الله ما السبيل قال الزاد والراحلة "
- رواه الدارقطني (5/10)
2 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الزاد والراحلة يعني قوله من استطاع إليه سبيلا "
- رواه ابن ماجه (5/10)
- الحديث الأول أخرجه أيضا الحاكم وقال صحيح على شرطهما والبيهقي كلهم من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن أنس مرفوعا قال البيهقي الصواب عن قتادة عن الحسن مرسلا . قال الحافظ وسنده صحيح إلى الحسن ولا أرى الموصول إلا وهما وقد رواه الحاكم من حديث حماد بن سلمة عن قتادة عن أنس أيضا إلا أن الراوي عن حماد هو أبو قتادة عبدالله بن واقد الحراني وهو منكر الحديث كما قال أبو حاتم ولكنه قد وثقه أحمد . والحديث الثاني أخرجه أيضا الدارقطني قال الحافظ وسنده ضعيف . ورواه ابن المنذر من قول ابن عباس ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الشافعي والترمذي وحسنه وابن ماجه والدارقطني وفي إسناده إبراهيم بن يزيد الخوزي بخاء معجمة مضمومة ثم واو ثم زاي معجمة وقد قال فيه أحمد والنسائي متروك الحديث وعن جابر وعلي وابن مسعود وعائشة وعبد الله بن عمر وعند الدارقطني من طرق قال الحافظ كلها ضعيفة . وقد قال عبد الحق أن طرق الحديث كلها ضعيفة . وةقال أبو بكر بن المنذر لا يثبت الحديث في ذلك مسندا والصحيح من الروايات رواية الحسن المرسلة ولا يخفى أن هذه الطرق يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها وبها استدل من قال أن الاستطاعة المذكورة في القرآن هي الزاد والراحلة وقد حكى في البحر عن الأكثر أن الزاد شرط وجوب وهو أن يجد ما يكفيه ويكفي من يعول حتى يرجع . وحكى أيضا عن ابن عباس وابن عمر والثوري والهادوية وأكثر الفقهاء أن الراحلة شرط وجوب وقال ابن الزبير وعطاء وعكرمة ومالك أن الاستطاعة الصحة لا غير . وقال مالك والناصر والمرتضى وهو مروي عن القاسم أن من قدر على المشي لزمه أنه من لم يجد راحلة لقوله تعالى ( يأتوك رجالا ) قال مالك ومن عادته السؤال لزمه وإن لم يجد الزاد وفي كتب الفقه تفاصيل في قدر افستطاعة ليس هذا محل بسطها والذي دل عليه الدليل هو اعتبار الزاد الراحلة (5/10)
باب ركوب البحر للخحج إلا أن يغلب على ظنه الهلاك (5/11)
1 - عن عبد الله بن عمرو " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تركب البحر إلا حاجا أو معتمرا أو غازيا في سبيل الله عز و جل فإن تحت البحر نارا وتحت النار بحرا "
- رواه أبو داود وسعيد بن منصور في سننهما (5/11)
2 - وعن أبي عمران الجوني قال " حدثني بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغزونا نحو فارس فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بات فوق بيت ليس له إجار فوقع فمات فقد برئت منه الذمة ومن ركب البحر عند ارتجاجه فمات برئت منه الذمة "
- رواه أحمد (5/11)
- الحديث الأول أخرجه أيضا البيهقي قال أبو داود رواته مجهولون وقال الخطابي ضعفوا إسناده وقال البخاري ليس هذا الحديث بصحيح ورواه البزار من حديث نافع عن ابن عمر مرفوعا وفي إسناده ليث بن أبي سليم
والحديث الثاني في إسناده زهير بن عبد الله قال الذهبي هو مجهول لا يعرف وأخرج هذا الحديث أبو داود عن عبد الله بن علي يعني شيبان قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من بات على ظهر بيت ليس له حجار فقد برئت منه الذمة " وبوب عليه باب النوم على سطح غير محجر وسكت عنه هو والمنذري . قوله " ليس له أجار " الإجار بهمزة مكسورة بعدها جيم مشددة وآخره راء مهملة هو ما يرد الساقط من البناء من حائط على السطح أو نحوه ورواية أبي داود ليس له حجار كما تقدم قال المنذري هكذا وقع في روايتنا حجار براء مهملة بعد الألف ويدل عليه تبويب أبي داود على هذا الحديث كما تقدم فإنه قال على سطح غير محجر والحجار جمع حجر بكسر الحاء أي ليس عليه شيء يستره يمنعه من السقوط ويقال احتجرت الأرض إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك أو يكون من الحجر أي حظيرة الإبل وحجرة الدار وهو راجع إلى المنع أيضا ورواه البخاري أيضا بالياء حجي وذكر أنه يروى بكسر الحاء وفتحها قال غيره فمن كسر شبهه بالحجي الذي هو العقل لأن الستر يمنع من الفساد ومن فتحه قال الحجي مقصور الطرف والناحية وجمعه أحجاء قال المنذري وقد روى أيضا أحجاب بالباء قوله " عند ارتجاجه " الارتجاج الاضطراب ( والحديث ) الأول يدل على عدم جواز ركوب البحر لكل أحد إلا للحاج والمعتمر والغازي ويعارضه حديث أبي هريرة المتقدم في أول هذا الكتاب لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينكر على الصيادين لما قالوا له " إنا نركب البحر ونحمل معنا القليل من الماء " وروى الطبراني في الأوسط من طريق قتادة عن الحسن عن سمرة قال كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتجرون في البحر وفي سماع الحسن من سمرة مقال معروف وغاية ما في ذلك أن يكون ركوب البحر للصيد والتجارة مما خصص به عموم مفهوم حديث الباب على فرض صلاحيته للاحتجاج ( والحديث الثاني ) يدل على عدم جواز المبيت على سطوح التي ليس لها حائط . وعلى جواز ركوب البحر في أوقات اضطرابه (5/12)
باب النهي عن سفر المرأة للحج وغيره إلا بمحرم (5/12)
1 - عن ابن عباس " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب يقول لا يخلون رجل بإمرأة إلا ومعها ذو محرم ولا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم فقال رجل فقال يا رسول الله إن إمرأتي خرجت حاجة وإني اكتتبت غزوة كذا وكذا قال فانطلق فحج مع إمرأتك " (5/12)
2 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تسافر المرأة ثلاثا إلا ومعها ذو محرم "
- متفق عليهما (5/13)
3 - وعن أبي سعيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نههى أن تسافر المرأة مسيرة يومين أو ليلتين إلا ومعها زوجها أو ذو محرم "
- متفق عليه . وفي لفظ قال " لا يحل لإمرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر سفرا يكون ثلاثة أيام فصاعدا إلا ومعها أبوها أو زوجها أو إبنها أو أخوها أو ذو محرم منها "
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي (5/13)
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحل لإمرأة تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم عليها "
- متفق عليه . في رواية مسيرة يوم . وفي رواية مسيرة ليلة . وفي رواية " لا تسافر امرأة مسيرة ثلاثة أيام إلا مع ذي محرم " رواهن أحمد ومسلم . وفي رواية لأبي داود " بريدا " (5/13)
- قوله " لا يخلون رجل بامرأة " الخ فيه منع الخلوة بالأجنبية وهو إجماع كما قال في الفتح وتجوز الخلوة مع وجود المحرم واختلفوا هل يقوم غير المحرم مقامه في هذا كالنسوة الثقات فقيل يجوز لضعف التهمة وقيل لا يجوز بل لا بد من المحرم وهو ظاهر الحديث
وقوله " ولا تسافر المرأة " أطلق السفر ههنا وقيده في الأحاديث المذكورة بعده . قال في الفتح وقد عمل أكثر العلماء في هذا الباب بالمطلق لاختلاف التقديرات . قال النووي ليس المراد من التحديد ظاهره بل كل ما يسمى سفرا فالمرأة منهية عنه إلا بالمحرم وإنما وقع التحديد عن أمر واقع فلا يعمل بمفهومه . وقال ابن التين وقع الاختلاف في مواطن بحسب السائلين . وقال المنذري يحتمل أن يقال أن اليوم المفرد والليلة المفردة بمعنى اليوم والليلة يعني فمن أطلق يوما أراد بليلته أو ليلة أراد بيومها قال ويحتمل أن يكون هذا كله تمثيلا لأوائل الأعداد فاليوم أول العدد والإثنان أول التكثير والثلاث أول الجمع ويحتمل أنه ذكر الثلاث قبل ذكر ما دونها فيؤخذ بأقل ما ورد من ذلك وأقله الرواية التي فيها ذكر البريد كما في رواية أبي هريرة المذكورة في الباب وقد أخرجها الحاكم والبيهقي وقد ورد من حديث ابن عباس عند الطبراني ما يدل على اعتبار المحرم فيما دون البريد ولفظه " لا تساف ر المرأة ثلاثة أميال إلا مع زوج أو ذي محرم " وهذا هو الظاهر أعني الأخذ بأقل ما ورد لأن ما فوقه منهي عنه بالأولى والتنصيص على ما فوقه كالتنصيص على الثلاث واليوم والليلة واليومين والليلتين لا ينافيه لأ ن الأقل موجود في ضمن الأكثر وغاية الأمر أن النهي عن الأكثر يدل بمفهومه على أن ما دونه غير منهي عنه والنهي عن الأقل منطوق وهو أرجح من المفهوم وقالت الحفية أن المنع ميد بالثلاث لأنه متحقق وما عداه مشكوك فيه فيؤخذ بالمتيقين . ويوض بأن الرواية المطلقة شلملة لكل سفرينبغي الأخذ بها وطرح ما سواها فإنه مشكوك فيه والولى أن يقال أن الرواية المطلقة مقيدة بأقل ما ورد وهي رواية اللأميال إن صحت وإلا فرواية البريد . وقال سفيان يعتبر المحرم في المسافة البعيدة لا القريبة وقال أحمد لا يجب الحج على المرأة إذا لم تجد محرما . وإلى كون المحرم شرطا في الحج ذهبت العترة وأبو حنيفة والنخعي وإسحاق والشافعي في أحد قوليه على خلاف بينهم هل هو شرط أداء أو شرط وجوب . وقال مالك وهو مروى عن أحمد أنه لا عتبر المحرم في سفر الفريضة وروى عن الشافعي وجعلوه مخصوصا من عموم الأحاديث بالإجماع . ومن جملة سفر الفريضة سفر الحج وأجيب بأن المجمع عليه إنما هو سفر الضرورة فلا يقاس عليه سفر الاختيار كذا قال صاحب المغني . وأيضا وقع عند الدارقطني بلفظ " لا تحجن امرأة إلا ومعها زوج " وصححه أبو عوانة . وفي رواية للدارقطني أيضا عن أبي أمامة مرفوعا " لا تسافر المرأة سفر ثلاثة أيام أو تحج إلا ومعها زوجها " فكيف يخص سفر الحج من بقية الأسفار . وقد قيل أن اعتبار المحرم إنما هو في حق من كانت شابة لا في حق العجوز لأنها لا تشتهي . وقيل لا فرق لأن لكل ساقط لاقطا وهو مراعاة للأمر النادر وقد أحتج أيضا من لم يعتبر المحرم في سفر الحج بما في البخاري من حديث عدي بن حاتم مرفوعا بلفظ
يوشك أن تخرج الظعينة من الحيرة تؤم البيت لا جوار معها
وتعقب بأنه يدل على وجود ذلك لا على جوازه وأجيب عن هذا بأنه خبر في سياق المدح ورفع منار الإسلام فيحمل على الجواز والأولى على ما قال المتعقب جمعا بينه وبين أحاديث الباب . قوله " إلا مع ذي محرم " يعني فيحل لها السفر . قال في الفتح وضابط المحرم عند العلماء من محرم عليه نكاحها على التأبيد بسبب مباح لحرمتها خرج بالتأبيد زوج الأخت والعمة وبالمباح أم الموطوءة بشبهة وبنتها وبحرمتها الملاعنة . واستثنى أحمد الأب الكافر فقال لا يكون محرما لإبنته المسلمة لأنه لا يؤمن أن يفتنها عن دينها ومقتضاه إلحاق سائر القرابة الكفار لوجود العلة . وروي عن البعض أن العبد كمالمحرم وقد روى سعيد بن منصور من حديث ابن ابن عمر مرفوعا " سفر المرأة مع عبدها ضيعة " قال الحافظ لكن في إسناده ضعف قال وينبغي لمن قال بذلك ان يقيده بما إذا كانا في قافلة بخلاف ما إذا كانا وحدهما فلا لهذا الحديث : قوله " فحج مع امرأتك " فيه دليل على أن الزوج داخل في مسمى المحرم أو قائم مقامه . قال في الفتح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فأوجب على الزوج السفر مع امرأته إذا لم يكن لها غيره وبه قال أحمد ووهو وجه للشافعي والمشهور أنه لا يلزمه كالولي في الحج عن المريض فلو امتنع إلا بأجرة لزمتها لأنه من سبيلها فصار في حقها كالمؤنة واستدل به على أنه ليس للزوج منع امرأته من حج الفرض وبه قال أحمد وهو وجه للشافعية والأصح عندهم أنه لو منعها لكون الحج على التراخي . وقد روى الداقطني عن ابن عمر مرفوعا في امرأة لها زوج ولها مال ولا يأذن لها في الحج ليس لها أن تنطلق إلا بإذن زوجها وأجيب عنه بأنه محمول على حج التطوع جمعا بين الحديثين ونقل ابن المنذر الإجماع على أن للرجل منع زوجته عن الخروج في الأسفار كلها وإنما اختلفوا فيما إذا كان واجبا وقد استدل ابن حزم بهذا الحديث على أ ه يجوز للمرأة السفر بغير زوج ولا محرم لكونه صلى الله عليه وآله وسلم لم يعب عليها ذلك السفر بعد أن أخبره زوجها وتعقب بأنه لو لم يكن ذلك شرطا لما أمر زوجها بالسفر معها وترك الغزو والذي كتب فيه : قوله " إلا ومعها أبوها " الخ وقع في هذه الرواية بيان بعض المحارم : وقوله " أو ذو محرم منها " من عطف العام على الخاص ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه لا يجب الحج على المرأة إلا إذا كان لها محرم . قال ابن دقيق العيد هذه المسألة تتعلق بالعامين إذا تعارضا فإن قوله تعالى ( ولله على الناس حج البيت ) الآية عام في الرجال والنساء فمقتضاه أن الاستطاعة على السفر إذا وجدت وجب الحج على الجميع . وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تسافر المرأة إلا مع محرم " عام في كل سفر فيدخل فيه الحج فمن أخرجه عن خص الحديث بعموم الآية ومن أدخله فيه خص الآية بعموم الحديث فيحتاج إلى الترجيح من خارج انتهى . ويمكن أن يقال أن أحاديث الباب لا تعارض الآية لأنها تضمنت أن المحرم في حق المرأة من جملة افستطاعة على السفر التي أطلقها القرآن وليس فيها إثبات أمر غير الاستطاعة المشروطة حتى تكون من تعارض العمومين ( لا يقال ) الاستطاعة المذكورة قد بينت بالزاد والراحلة كما تقدم لأنا نقول قد تضمنت أحاديث الباب زيادة على ذلك البيان باعتبار النساء غير منافية فيتعين قبولها على أن التصريح بغير اشتراط المحرم في سفر الحج لخصوصه كما في الرواية التي تقدمت مبطل لدعوى التعارض (5/14)
باب من حج عن غيره ولم يكن حج عن نفسه (5/14)
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سمع رجلا يقول لبيك عن شبرمة قال من شبرمة قال أخ لي أو قريب لي قال حججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمة "
- رواه أبو داود وابن ماجه . وقال " فاجعل هذه عن نفسك ثم احجج عن شبرمة " والدارقطني وفيه قال " هذه نك وحج عن شبرمة " (5/14)
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وصححه البيهقي وقال إسناده صحيح وليس في هذا الباب أصح منه وقد روى موقوفا والرفع زيادة يتعين قبولها إذا جاءت من طريق ثقة وهي ههنا كذلك لأن الذي رفعه عبدة بن سليمان قال الحافظ وهو ثقة محتج به في الصحيحين وقد تابعه محمد بن بشر ومحمد بن عبيد الله الأنصاري وكذا رجح عبد الحق وابن القطان رفعه ورجحه الطحاوي أنه موقوف وقال أحمد رفعه خطأ . وقال ابن المنذر لا يثبت رفعه وقد أطال الكلام صاحب التلخيص ومال إلى صحته : قوله " سمع رجلا " زعم ابن باطيش أن اسم الملبي نبيشة قال الحافظ وهو وهم منه فإنهاسم الملبي عنه فيما زعم الحسن بن عمارة وخالفه الناس فيه فقالوا أنه شبرمة وقد قيل أن الحسن بن عمارة رجع عن ذلك وقد بين الدارقطني في السنن وظاهر الحديث أنه لا يجوز لمن لم يحج عن نفسه أن يحج عن غيره وسواء كان مستطيعا أو غير مستطيع لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يستفصل الرجل الذي سمعه يلبي عن شبرمة وهو ينزل منزلة العموم وإلى ذلك ذهب الشافعي والناصر وقال الثوري والهادي والقاسم أنه يجزي حج من لم يحج عن نفسه ما لم يتضيق عليه واستدل لهم في البحر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " هذه عن نبيشة وحج عن نفسك " فكأنهم جمعوا بين هذا وبين حديث الباب بحمل حديث الباب على من كان مستطيعا ولكن الحديث الذي غستدل لهم به صاحب البحر لا أدرؤي من رواه ولم أقف عليه في شيء من كتب الحديث المعتمدة فينبغي افعتماد على حديث الباب ومن زعم أ ه في السنة ما يعارضه فليطلب منه التصحيح لمدعاه . وقد روى الدارقطني حديث نبيشة موافقا لحديث شبرمة لا مخالفا له كما زعم صاحب البحر وتقدم قول من قال أن اسم شبرمة نبيشة (5/15)
باب صحة حجة الصبي والعبد من غير إيجاب له عليهما (5/15)
1 - عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقي ركبا بالروحاء فقال من القوم قالوا المسلمون فقالوا من أنت فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرفعت إليه امرأة صبيا فقالت ألهذا حج قال نعم ولك أجر "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (5/15)
2 - وعن السائب بن يزيد قال " حج بي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأنا ابن سبع سنين "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وصححه (5/16)
3 - وعن جابر قال " حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومعنا النساء والصبيان فلبينا عن الصبيان ورمينا عنهم "
- رواه أحمد وابن ماجه (5/16)
4 - وعن محمد بن كعب القرظي " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما صبي حج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أدرك فعليه الحج وأيما رجل مملوك ج به أهله فمات أجزأت عنه فإن أعتق فعليه الحج "
- ذكره أحمد بن حنبل في رواية ابنة عبد الله هكذا مرسلا (5/16)
- حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة وفي إسناده أشعث بن سوار وهو ضعيف ورواه الترمذي من هذا الوجه بلفظ آخر قال " كنا إذا حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكنا نلبي عن النساء ونرمي عن الصبيان " قال ابن القطان ولفظ ابن أبي شيبة أشبه بالصواب فإن المرأة لا يلبي عنها غيرها أجمع على ذلك أهل العلم . وأخرج الترمذي أيضا من حديث جابر نحو حديث ابن عباس واستغربه وحديث محمد بن كعب أخرجه أيضا أبو داود في المراسيل وفيه راو مبهم ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البخاري " أنه بعثه صلى الله عليه وآله وسلم في الثقل " بفتح المثلثة والقاف ويجوز إسكانها أي الأمتعة ووجه الدلالة منه أن ابن عباس كان دون البلوغ ( استدل ) بأحاديث الباب من قال أنه يصح حج الصبي ابن بطال أجمع أئمة الفتوى على سقوط الفرض عن الصبي حتى يبلغ إلا أنه إذا حج كان له تطوعا عند الجمهور وقال أبو حنيفة لا يصح إحرامه ولا يلزمه شيء من محظورات الإحرام وإنما يحج به على جهة التدريب وشذ بعضهم فقال إذا حج الصبي أجزأه ذلك عن حجة الإسلام لظاهر قوله صلى الله عليه وآله وسلم " نعم " في جواب قولها ألهذا حج . وإلى مثل ما ذهب إليه أبو حنيفة ذهبت الهادوية وقال الطحاوي لا حجة في قوله صلى الله عليه وآله وسلم نعم على أنه يجزئه عن حجة افسلام بل فيه حجة على من زعم أنه لا حج له قال لأن ابن عباس راوي الحديث قال أيما غلام حج به أهله ثم بلغ فعليه حجة أخرى ثم شاقه بإسناد صحيح وقد أخرج هذا الحديث مرفوعا الحاكم وقال على شرطهما والبيهقي وابن حزم وصححه وقال ابن خزيمة الصحيح موقوفا وأخرجه كذلك قال البيهقي تفرد برفعه محمد بن المنهال ورواه الثوري عن شعبة موقوفا ولكنه قد تابع محمد بن المنهال على رفعه الحرث بن شريح أخرجه كذلك الإسماعيلي والخطيب ويؤيد صحة رفعه ما رواه ابن أبي شيبة عن ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس قال احفظوا عني ولا تقولوا قال ابن عباس فذكره وهو ظاهر في الرفع . وقال أخرج ابن عدي من حديث جابر بلفظ " لو حج صغير حجة لكان عليه حجة أخرى " . ومثل هذا حديث محمد بن كعب المذكور في الباب فيؤخذ من المجموع هذه الأحاديث أنه يصح حج الصبي ولا يجزئه عن حجة افسلام إذا بلغ وهذا هو الحق فيتعين المصير إليه جمعا بين الأدلة . قال القاضي عياض أجمعوا على أنه لا يجزئه إذا بلغ عن فريضة الإسلام إلا فرقة شذت فقالت يجزئه لقوله نعم . وظاهره استقامة كون حج الصبي حجا مطلقا . والحج إذا أطلق تبادر منه إسقاط الواجب ولكن العلماء ذهبوا إلى خلافه ولعل ميتندهم حديث ابن عباس يعني المتقدم فقال وقد ذهبت طائفة من أهل البدع إلى منع الصغير من الحج قال النووي وهو مردود لا يلتفت غليه لفعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه وإجماع الأمة على خلافه انتهى . وقد احتج أصحاب الشافعي بحديث ابن عباس الذي ذكره المصنف رحمة الله على أن الأم تحرم عن الصبي وقال ابن الصباغ ليس في الحديث دلالة على ذلك (5/17)
أبواب مواقيت الإحرام وصفته وإحكامه (5/17)
باب المواقيت المكانية وجواز التقدم عليها (5/17)
1 - عن ابن عباس قال " وقت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل نجد قرن المنازل ولأهل اليمن يلملم قال فهن لهن ولمن أتى عليهن من غير أهلهن لمن كان يريد الحج والعمرة فمن كان دونهن فمهله من أهله وكذلك حتى أهل مكة يهلون منها " (5/18)
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يهل أهل المدينة من ذي الحليفة ويهل أهل الشام من الجحفة ويهل أهل نجد من قرن قال ابن عمر وذكر لي ولم أسمع أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ومهل أهل اليمن من يلملم "
- متفق عليهما زاد أحمد في رواية وقاس الناس ذات عرق بقرن (5/18)
- قوله " وقت " المراد بالتوقيت هنا التحديد ويحتمل أن يريد به تعليق الإحرام بوقت الوصول إلى هذه الأماكن بالشرط المعتبر . وقال القاضي عياض وقت أي حدد قال الحافظ وأصل التوقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة ثم إتسع فيه فأطلق على المكان أيضا قال ابن الأثير التأقيت أن يجعل للشيء وقت يختص به وهو بيان مقدار المدة يقال وقت الشيء بالتشديد يؤقته ووقته بالتخفيف يقته إذا بين مدته ثم اتسع فيه فقيل للموضع ميقات . وقال ابن دقيق العيد أن التأقيت في اللغة تعليق الحكم بالوقت ثم استعمل للتحديد والتعيين وعلى هذا فالتحديد من لوازم الوقت وقد يكون وقت بمعنى أوجب ومنه قوله تعالى { أن الصلاة كانت على المؤمنين كنابا موقوتا } : قوله " لأهل المدينة ذا الحليفة " بالحاء المهملة والفاء مصغرا قال في الفتح مكان معروف بينه وبين مكة مائتا ميل غير ميلين قاله ابن حزم وقال غيره بينهما عشر مراحل . قال النووي بينها وبين المدينة ستة أميال ووهم من قال بينهما واحدوهو ابن الصباغ وبها مسجد يعرف بمسجد الشجرة خراب وفيها بئر يقال لها بئر على انتهى : قوله " الجحفة " بضم الجيم وسكون المهملة قال في الفتح وهي قرية خربة بينها وبين مكة خمس مراحل أوست وفي قول النووي في شرح المهذب ثلاث مراحل نظر وقال في القاموس هي على اثنين وثمانين ميلا من مكة وبها غدير خم كما قال صاحب النهاية . قوله " قرن المنازل " بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون وضبطه صاحب الصحاح بفتح الراء وغلطة صاحب القاموس وحكى النووي الأتفاق على تخطئته وقيل أنه بالسكون الجبل وبالفتح الطريق حكاه عياض عن القابسي قال في الفتح والجبل المذكور بينه وبين مكة من جهة المشرق مرحلتان . قوله " يلملم " بفتح التحتانية واللام وسكون الميم بعدها لام مفتوحة ثم ميم قال في القاموس ميقات أهل اليمن على مرحلتين من مكة وقال في الفتح كذلك وزاد بينهما ثلاثون ميلا : قوله " فهن " أي المواقيت المذكورة وهي ضمير جماعة المؤنث واصله لما يعقل وقد يستعمل فيما لا يعقل لكن فيما دون العشرة كذا في الفتح : قوله " لهن " أي للجماعات المذكورة ويدل عليه ما وقع في رواية في الصحيحين بلفظ " هن لهم أو لأهلهن " على حذف المضاف كما وقع في البخاري بلفظ " هن لاهلن " : قوله " ولمن أتى عليهن " أي على المواقيت من غير أهل البلاد المذكورة فإذا أراد الشامي الحج فدخل المدينة فميقاته ذو الحليفة لاجتيازه عليها ولا يؤخر حتى يأتى الجحفة التي هي ميقاته الأصلي فإن أخر أساء ولزمه دم عند الجمهور وادعى النووي الإجماع على ذلك وتعقب بأن المالكية يقولون يجوز له ذلك وإن كان الأفضل خلافه وبه قالت الحنفية وأبو ثور وابن المنذر من الشافعية وهكذا ما كان من البلد ان خارجا عن البلدان المذكورة فإن ميقات أهلها الميقات الذي يأتون عليه : قوله " فمن كان دونهن " أي بين الميقات ومكة : قوله " فمهله من أهله " أي فميقاته من محل أهله وفي رواية للبخاري " فمن كان دون ذلك فمن حيث أنشأ " أي من حيث أنشأ الأحرام إذا سافر من مكانه إلى مكة قال في الفتح وهذا متفق عليه إلا ما روى عن مجاهد انه قال ميقات هؤلاء نفس مكة ويدخل في ذلك من سافر غير قاصد للنسك فجاوز الميقات ثم بد اله بعد ذلك النسك فإنه يحرم من حيث تجدد له القصد ولا يجب عليه الرجوع إلى الميقات : قوله " يهلون منها " الأهلال رفع الصوت لأنهم كانوا يرفعون أصواتهم بالتلبية عند الأحرام ثم أطلق على نفس الأحرام اتساعا والمراد بقوله يهلون منها أي من مكة ولا يحتاجون إلى الخروج إلى الميقات للأحرام منه وهذا في الحج وأما في العمرة فيجب الخروج إلى أدنى الحل كما سيأتي قال المحب الطبري لا أعلم أحدا جعل مكة ميقاتا للعمرة واختلف في القارن فذهب الجمهور إلى أن حكمه حكم الحاج في الأهلال من مكة . وقال ابن الماجشون يتعين عليه الخروج إلى أدنى الحل قوله " وقاس الناس ذات عرق بقرن " سيأتي الكلام عليه (5/18)
3 - وعن ابن عمر " قال لما فتح هذان المصران أتوا عمر بن الخطاب فقالوا يا أمير المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حد لأهل نجد قرنا وأنه جور عن طريقنا وان أردنا قرنا شق علينا قال فأنظروا حذوها من طريقكم قال فحد لهم ذات عرق "
- رواه البخاري (5/19)
4 - وروى عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت لأهل العراق ذات عرق "
- رواه أبو داود والنسائي (5/19)
5 - وعن أبي الزبير " أنه سمع جابرا سئل عن المهل فقال سمعت أحسبه رفع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال مهل أهل المدينة من ذي الحليفة والطريق الآخر الجحفة ومهل أهل العراق ذات عرق ومهل أهل نجد من قرن ومهل أهل اليمن من يلملم "
- رواه مسلم . وكذلك أحمد وابن ماجه ورفعاه من غير شك (5/19)
- حديث عائشة سكت عنه أبو داود والمنذري وقال في التلخيص هو من رواية القاسم عنها تفرد به المعافي بن عمران عن أفلح عنه والمعافي ثقة . وحديث جابر أخرجه مسلم على الشك في رفعه كما قال المصنف وأخرجه أبو عوانة في مستخرجه كذلك وجزم برفعه أحمد وابن ماجه كما ذكر المصنف ولكن في إسناد أحمد ابن لهيعة وهو ضعيف وفي إسناد ابن ماجه إبراهيم بن يزيد الخوزي وهو غير محتج به ( وفي الباب ) عن الحرث بن عمرو السهمي عند أبي داود . وعن أنس عند الطحاوي . وعن ابن عباس عند ابن عبد البر . وعن عبد الله بن عمرو عند أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهذه الطرق يقوى بعضها بعضا وبها يرد على ابن خزيمة حيث قال في ذات عرق أخبار لا يثبت منها شيء عند أهل الحديث وعلى ابن المنذر حيث يقول لم نجد في ذات عرق حديثا يثبت قال في الفتح لعل من قال أنه غير منصوص لم يبلغه أو رأي ضعف الحديث باعتبار أن كل طريق منا لا يخلو عن مقال قال لكن الحديث بمجموع الطرق يقوى وممن قال بأنه غير منصوص وإنما أجمع عليه الناس طاوس وبه قطع الغزالي والرافعي في شرح السند والنووي في شرح مسلم وكذا وقع في المدونة لمالك . وممن قال بأنه منصوص عليه الحنفية والحنابلة وجمهور الشافعية والرافعي في الشرح الصغير والنووي في شرح المهذب وقد أعله بعضهم بأن العراق لم تكن فتحت حينئذ . قال ابن عبد البرهي غفلة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت المواقيت لأهل النواحي قبل الفتوح لكونه علم أنها ستفتح فلا فرق في ذلك بين الشام والعراق وبهذا أجاب الماوردي وآخرون وقد ورد ما يعارض أحاديث الباب فأخرج أبو داود والترمذي عن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقت لأهل المشرق العقيق " وحسنه الترمذي ولكن في إسناده يزيد بن أبي زياد قال النووي ضعيف باتفاق المحدثين قال الحافظ في نقل الأتفاق نظر يعرف من ترجمته انتهى . ويزيد المذكور أخرج حديثه أهل السنن الأربع ومسلم مقرونا بآخر قال شعبة لا أبالي إذا كتبت عن يزيد أن لا أكتب عن أحد وهو من كبار الشيعة وعلمائها ووصفه في الميزان بسوء الحفظ وقد جمع بين هذا الحديث وبين ماقبله بأوجه . منها ان ذات عرق ميقات الوجوب والعقيق ميقات الاستحباب لأنه أبعد من ذات عرق . منها أن العقيق ميقات لبعض العراقيين وهم أهل المدائن والآخر ميقات لأهل البصرة ووقع ذلك في حديث أنس عند الطبراني وإسناده ضعيف . منها ان ذات عرق كانت أولا في مواضع العقيق الآن ثم حولت وقربت إلى مكة فعلى هذا فذات عرق والعقيق شيء واحد حكى هذه الأوجه صاحب الفتح : قوله " لما فتح هذان المصران " بالبناء للمجهول . وفي رواية للكشميهني " لما فتح هذين المصرين " بالبناء للمعلوم والمصران تثنية مصر والمراد بهما البصرة والكوفة : قوله " أنه جور " بفتح الجيم وسكون الواو بعدها راءاي ميل والجور الميل عن القصد ومنه قوله تعالى { ومنها جائر } : قوله " فانظروا حذوها " أي اعتبروا ما يقابل الميقات من الأرض التي تسلكونها من غير ميل فاجعلوه ميقاتا وظاهره ان عمر حد لهم ذات عرق باجتهاد . ولهذا قال المصنف رحمه الله والنص بتوقيت ذات عرق ليس في القوة كغيره فإن ثبت فيلس ببدع وقوع اجتهاد عمر على وفقه فإنه كان موفقا للصواب انتهى (5/20)
6 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربع عمر في ذي القعدة إلا التي اعتمر مع حجته . عمرته من الحديبية ومن العام المقبل ومن الجعرانة حيث قسم غنائم حنين وعمرته مع حجته " (5/20)
7 - وعن عائشة " قالت نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المحصب فدعا عبد الرحمن بن أبي بكر فقال اخرج بأختك من الحرم فتهل بعمرة ثم لتطف بالبيت وبالصفا والمروة فجئنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في منزله في جوف الليل فقال هل فرغت قلت نعم فإذن في أصحابه بالرحيل فخرج فمر بالبيت فطاف به قبل صلاة الصبح ثم خرج إلى المدينة "
- متفق عليهما (5/20)
8 - وعن أم سلمة " قالت سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من أهل المسجد الأقصى بعمرة أو بحجة غفر له ما تقدم من ذنبه "
- رواه أحمد وأبو داود بنحوه وابن ماجه وذكر فيه العمرة دون الحجة (5/21)
- حديث أم سلمة في إسناده علي بن يحيى بن أبي سفيان الأخنسي قال أبو حاتم الرازي شيخ من شيوخ المدينة ليس بالمشهور وذكره ابن حبان في الثقات وقال ابن كثير في حديث ام سلمة هذا اضطراب : قوله " أربع عمر " ثبت مثل هذا من حديث عائشة وابن عمر عند البخاري وغيره وأخرج البخاري من حديث البراء أنه صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر مرتين والجمع بينه وبين أحاديثهم بأن البراء لم يعد عمرته التي حجته لأن حديثه مقيد بكون ذلك في ذي القعدة والتي في حجته كانت في ذي الحجة وكأنه أيضا لم يعد التي صد عنها وإن كانت وقعت في ذي القعدة أو عدها ولم يعد الجعرانة لخفائها عليه كما خفيت على غيره ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند عبد الرزاق " قال اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث عمر في ذي القعدة " . وعن عائشة عند سعيد بن منصور " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر ثلاث عمر مرتين في ذي القعدة وعمرة في شوال " قال في الفتح وإسناده قوي وقولها في شوال مغاير لقول غيرها . ويجمع بينهما بأن ذلك وقع في آخر شوال وأول ذي القعدة ويؤيده م رواه ابن ماجة بإسناد صحيح عن عائشة بلفظ طلم يعتمر صلى الله عليه وآله وسلم إلا في ذي القعدة " وفي البخاري عن عائشة " أنها لما سمعت ابن عمر يقول اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أربع عمر إحداهن في رجب قالت يرحم الله أبا عبد الرحمن ما اعتمر عمرة إلا وهو شاهده وما اعتمر في رجب قط " وروى الدارقطني عن عائشة أنها قالت " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة في رمضان فأفطر وصمت وقصر وأتممت " الحديث . وقد قدمنا الكلام عليه في قصر الصلاة . قال ابن القيم في الهدى ما اعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في رمضان قط وقال لا خلاف أن عمره صلى الله عليه وآله وسلم لم تزد على أربع فلو كان قد اعتمر في رجب لكانت خمسا ولو كان قد اعتمر في رمضان لكانت ستا إلا أن يقال بعضهن في رجب وبعضهن في رمضان وبعضهن في ذي القعدة وهذا لم يقع وإنما الواقع اعتماره في ذي القعدة كما قال أنس وابن عباس وعائشة : قوله " من الجعرانة " قال في القاموس الجعرانة وقد تكسر العين وتشدد الراء . وقال الشافعي التشديد خطأ موضع بين مكة والطائف سمي بريطة بنت سعد وكانت تلقب بالجعرانة انتهى . قوله " المحصب " هو على ما في القاموس الشعب الذي مخرجه إلى الأبطح وموضع رمى الجمار بمنى : قوله " اخرج بأختك من الحرم " لفظ البخاري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم " وقد وقع الخلاف هل يتعين التنعيم لمن اعتمر من مكة قال الطحاوي ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج وخالفهم آخرون فقالوا ميقات العمرة الحل وإنما أمر عائشة بالإحرام من التنعيم لأنه كان أقرب الحل إلى مكة ثم روى عن عائشة في حديثها أنها قالت فكان أدنانا من الحرم التنعيم فاعتمرت منه قال فثبت بذلك أن التنعيم وغيره سواء في ذلك وقال صاحب الهدى ولم ينقل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا أعتمر بعد الهجرة إلا داخلا إلى مكة ولم يعتمر قط خارجا من مكة إلى الحل ثم يدخل إلى مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ولا ثبت عند أحد من الصحابة فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها قال في الفتح وبعد أن فعلته عائشة بأمره دل على مشروعيته انتهى . ولكنه إنما يدل على المشروعية إذا لم يكن أمره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لأجل تطييب قلبها كما قيل : قوله " من المسجد الأقصى " فيه دليل على جواز تقديم الإحرام على الميقات ويؤيد ذلك ما أخرجه الشافعي في الأم عن عمر والحاكم في المستدرك بإسناد قوي عن علي عليه السلام " أنهما قالا إتمام الحج والعمرة في قوله تعالى { وأتموا الحج والعمرة لله } بأن تحرم لهما من دويرة أهلك " بل قد ثبت ذلك مرفوعا من حديث أبي هريرة قال في الدار المنثور وأخرج ابن عدي والبيهقي عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعال أتمموا الحج والعمرة لله قال إن من تمام الحج أن تحرم من دويرة أهلك وأما قول صاحب المنار أنه لو كان أفضل لما تركه جميع الصحابة فكلام على غير قانون الاستدلال وقد حكى في التلخيص أنه فسره ابن عينية فيما حكاه عنه أحمد بأن ينشئ لهما سفرا من أهله ولكن لا يناسب لفظ إلا هلال الواقع في حديث الباب ولفظ الإحرام الواقع في حديث أبي هريرة وفي تفسير على وعمر وقد قمنا في باب حكم العمرة تفسير آخر للآية (5/21)
باب دخول مكة بغير إحرام بعذر (5/21)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل يوم فتح مكة وعليه عمامة سوداء بغير إحرام "
- رواه مسلم والنسائي (5/22)
2 - وعن مالك عن ابن شهاب عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه جاء رجل فقال ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال أقتلوه قال مالك ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يومئذ محرما "
- رواه أحمد والبخاري (5/22)
- قوله " عمامة سوداء " فيه جواز لبس السواد وإن كان البياض أفضل منه لما سلف في اللباس في الجنائز قوله " وعلى راسه المغفر " زاد أبو عبيد القاسم بن سلام في روايته من حديد وكذا رواه عشرة من أصحاب مالك خارج الموطأ . قال القاضي عياض وجه الجميع بينه وبين قوله " وعلى رأسه عمامة سوداء " إن أول دخوله وعلى رأسه المغفر ثم بعد ذلك كان على راسه العمامة بدليل قوله في بعض الروايات فخطب الناس وعليه عمامة سوداء " قوله " فقال ابن خطل الخ إنما قتله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان ارتد عن الإسلام وقتل مسلما كان يخدمه وكان يهجو النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويسبه وكان له قينتان تغنيان بهجاء المسلمين . واسم أبي خطل عبد العزى وقال محمد بن إسحاق اسمه عبد الله وقال ابن الكلبي اسمه غالب وخطل بخاء معجمة وطاء مهملة مفتوحتين ( والحديثان يدلان ) على جواز دخول مكة للحرب بغير إحرام وقد اعترض عليه بأن القتال في مكة خاص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ثبت في الصحيح " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فإن ترخص أحد لقتال لقتال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها فقولوا إن الله تعالى أذن لرسوله ولم يأذن لكم " فدل على عدم جواز قياس غيره عليه ويجاب بأن غاية ما في هذا الحديث اختصاص القتال به صلى الله عليه وآله وسلم وأما جواز المجاوزة فلا وأمته أسوته في أفعاله وقد اختلف في اختلف في المجاوزة لغير عذر فمنعه الجمهور وقالوا لا يجوز إلا بإحرام من غير فرق بين من دخل لأحد النسكين أو لغيرهما ومن فعل إثم ولزمه دم وروى عن ابن عمر والناصر وهو الأخير من قولي الشافعي وأحد قولي أبي العباس أنه لا يجب الإحرام إلا على من دخل لأحد النسكين لا على من أراد مجرد الدخول ( استدل الأولون ) بقوله تعالى { وإذا حللتم فاصطادوا } وأجيب بأنه تعالى قدم تحريم الصيد عليهم وهم محرمون في قوله تعالى { إلا ما يتلى عليكم غير محلى الصيد وأنتم حرم } وقد علم أنه لا إحرام إلا عن أحد النسكين ثم أخبرهم بإباحة الصيد لهم إذا حلوا فليس في الآية ما يدل على المطلوب واستدلوا ثانيا بحديث ابن عباس عند البيهقي بلفظ " لا يدخل أحد مكة إلا محرما " قال الحافظ وإسناده جيد ورواه ابن عدي مرفوعا من وجهين ضعيفين . وأخرجه ابن أ [ ي شيبة عنه بلفظ " لا يدخل أحد مكة بغير إحرام إلا الحطابين والعمالين وأصحاب منافعها " وفي إسناده طلحة ابن عمرو وفيه ضعف وروى الشافعي عنه أيضا أنه كان يرد من جاوز الميقات غير محرم . وقد اعتذر بعض المتأخرين عن حديث ابن عباس هذا بأنه موقوف على ابن عباس من تلك الطريق التي ذكرها البيهقي ولا حجة فيما عداها ثم عارض ما ظنه موقوفا بما أخرجه مالك في الموطأ أن ابن عمر جاوز الميقات غير محرم فإن صح ما إدعاه من الوقف فليس في غيجاب الإحرام على من أراد المجاوزة لغير النسكين دليل وقد كان المسلمون في عصره صلى الله عليه وآله وسلم يختلفون إلى مكة لحوائجهم ولم ينقل أنه أمر أحدا منهم بإحرام كقصة الحجاج بن علاط وكذلك قصة أبي قتادة لما عقر حمار الوحش داخل الميقات وهو حلال وقد كان أرسله لغرض قبل الحج فجاوز الميقات لا بنية الحج ولا العمرة فقرره صلى الله عليه وآله وسلم ولا سيما مع ما يقضي بعدم الوجوب من استصحاب البراء الأصلية إلى أن يقوم دليل ينقل عنها (5/22)
باب ما جاء في أشهر الحج وكراهة الإحرام به قبلها (5/23)
1 - عن ابن عباس " قال من السنة أن لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج "
- أخرجه البخاري وله عن ابن عمر قال " اشهر الحج شوال وذو القعدة وعشر من ذي الحجة " وللدارقطني مثله عن ابن مسعود وابن عباس وابن الزبير (5/23)
2 - وروى عن أبي هريرة قال " بعثني أبو بكر فيمن يؤذن يوم الحج بمنى لا يحج بعد العام مشرك ولا يطوف بالبيت عريان ويوم الحج الأكبر يوم النحر "
- رواه البخاري (5/23)
3 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات في الحجة التي حج فقال أي يوم هذا فقالوا يوم النحر قال هذا يوم الحج الأكبر "
- رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه (5/24)
- قوله " عن ابن عباس " علقه البخاري ووصله ابن خزيمة والحاكم والدارقطني من طريق الحكم عن مقسم عنه بلفظ " لا يحرم بالحج إلا في أشهر الحج فإن من سنة الحج أن يحرم بالحج في أشهره " ورواه ابن خزيمة من وجه آخر عنه بلفظ " لا يصلح أن يحرم بالحج أحد إلا في أشهر الحج " قوله " وعن ابن عمر " علقه البخاري ووصله الطبري والدارقطني من طريق ورقاء عن عبد الله بن دينار عنه : قوله " ويوم الحج الأكبر يوم النحر " إنما سمي بذلك لأن تمام أعمال الحج يكون فيه أو إشارة بالأكبر إلى الأصغر أعني العمرة ( وقد استدل ) المصنف بهذه الآثار على كراهة الإحرام بالحج قبل أشهر الحج وقد روى مثل ذلك عن عثمان وقال ابن عمر وابن عباس وجابر وغيرهم من الصحابة والتابعين أنه لا يصح الإحرام بالحج إلا فيها وهو قول الشافعي وقد تقرر في الأصول أن قول الصحابي ليس بحجة وليس في الباب إلا أقوال الصحابة إلا أن يصح ما ذكرنا عن ابن عباس من قوله فإن من سنة الحج الخ فإن هذه الصيغة لها حكم الرفع وقد قدمنا في آخر باب المواقيت ما يدل على استحباب الإحرام من دويرة الأهل وظاهره عدم الفرق بين من يفارق دويرة أهله قبل دخول أشهر الحج أو بعد دخولها إلا أنه يقوي المنع من الأحرام قبل أشهر الحج أن الله سبحانه ضرب لأعمال الحج أشهرا معلومة والإحرام عمل من أعمال الحج فمن إدعى أنه يصح قبلها فعليه الدليل ( وقد أجمع العلماء ) على أن المراد بأشهر الحج ثلاثة أولها شوال لكن اختلفوا هل هي بكمالها أو شهران وبعض الثالث فذهب إلى الأول مالك وهو قول للشافعي وذهب غيرهما من العلماء إلى الثاني ثم اختلفوا فقال ابن عمر وابن عباس وابن الزبير وآخرون عشر ليال من ذي الحجة وهل يدخل يوم النحر أو لا فقال أحمد وأبو حنيفة نعم وقال الشافعي في المشهور المصحح عنه لا وقال بعض أتباعه تسع من ذي الحجة ولا يصح في يوم النحر ولا في ليلته وهو شاذ ويرد على من أخرج يوم النحر من أشهر الحج قوله صلى الله عليه وآله وسلم في يوم النحر " هذا يوم النحر الأكبر " كما في حديث ابن عمر المذكور في الباب (5/24)
باب جواز العمرة في جميع السنة (5/24)
1 - عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال عمرة في رمضان تعدجل حجة "
- رواه الجماعة إلا الترمذي لكنه له من حديث أم معقل (5/25)
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر أربعا إحداهن في رجب "
- رواه الترمذي وصححه (5/25)
3 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتمر عمرتين عمرة في ذي القعدة وعمرة في شوال "
- رواه أبو داود (5/25)
4 - وعن علي رضي الله عنه " قال في كل شهر عمرة "
- رواه الشافعي (5/26)
- حديث أم معقل أخرجه أيضا النسائي من طريق معمر عن الزهري عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن امرأة من بني أسد يقال لها أم معقل " قالت أردت الحج فاعتل بعيري فسألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال اعتمري في شهر رمضان فإن عمرة في رمضان تعدل حجة " وقد اختلف في إسناده فرواه مالك عن سمي عن أبي بكر بن عبد الرحمن قالت جاءت امرأة فذكره مرسلا ورواه أبو داود من طريق عمارة بن عمير وغيره عن أبي بكر بن عبد الرحمن عن أبي معقل . ورواه أبو داود من طريق إبراهيم بن مهاجر عن أبي بكر ابن عبد الرحمن عن رسول مروان عن أم معقل ويجمع بين الروايتين بتعدد الواقعة . وأما حديث ابن عباس فقد قدمنا في باب المواقيت ما يخالفه وحدييث عائشة سكت عنه أبو داود ورجال إسناده رجال الصحيح وحديث علي أخرجه البيهقي من طريق الشافعي بإسناد صحيح " قوله " تعدل حجة " فيه دليل على أن العمرة في رمضان تعدل حجة في الثواب لا لأنها تقوم مقامها في إسقاط الفرض للإجماع على أن الاعتمار لا يجزئ عن حج الفرض ونقل الترمذي عن إسحاق بن راهويه أن معنى هذا الحديث نظير ما جاء " أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن " وقال ابن العربي حديث العمرة هذا صحيح وهو فضل من الله ونعمة فقد أدركت العمرة منزلة الحج بانضمام رمضان إليها . وقال ابن الجوزي فيه أن ثواب العمل يزيد بززيادة شرف الوقت كما يزيد بحضور القلب وخلوص المقصد : قوله " اعتمر أربعا " قد تقدم الكلام في عدد عمره صلى الله عليه وآله وسلم والاختلاف في ذلك وقد وقع خلاف هل الأفضل العمرة في رمضان لهذ الحديث أو في أشهر الحج لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يعتمر إلا فيها فقيل أن العمرة في رمضان لغير النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفضل وأما في حقه فما صنعه فهو أفضل لأنه فعله للرد على أهل الجاهلية الذين كانوا يمنعون من الاعتمار في أشهر الحج ( وأحاديث الباب ) وما ورد في معناها مما تقدم تدل على مشروعية العمرة في أشهر الحج وإليه ذهب الجمهور وذهبت الهادوية إلى أن العمرة في أشهر الحج مكروهة وعللوا ذلك بأنها تشغل عن الحج في وقته وهذا من الغرائب التي يتعجب الناظر منها فإن الشارع صلى الله عليه وآله وسلم إنما جعل عمره كلها في أشهر الحج لإبطال ما كانت عليه الجاهلية من منع الاعتمار فيها كما عرفت فما الذي سوغ مخالفة هذه الأدلة الصحيحة والبراهين الصريحة وألجأ إلى مخالفة الشارع ومافقة ما كانت عليه الجاهلية ومجرد كونها تشغل عن أعمال الحج لا يصلح مانعا ولا يحسن نصبه في مقابلة الأدلة الصحيحة وكيف يجعل مانعا وقد اشتغل بها المصطفي في أيام الحج وأمر غيره بالاشتعال بها فيها ثم أي شغل لمن لم يرد الحج أو أراده وقدم مكة من أول شوال لا جرم من لم يشتغل بعلم السنة المطهرة حق افشتغال يقع في مثل هذه المضايق التي هي السم القتال والداء العضال . وحكى في البحر عن الهادي أنها تكره في أيام التشريق قال أبو يوسف ويوم النحر قال أبو حنيفة ويوم عرفة (5/26)
باب من يصنع من أراد الإحرام من الغسل والتطيب ونزع المخيط وغيره (5/26)
1 - عن ابن عباس رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أن النفساء والحائض تغتسل وتحرم وتقضي المناسك كلها غير أن لا تطوف بالبيت "
- رواه أبو داود والترمذي (5/27)
2 - وعن عائشة قالت " كنت أطيب النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند إحرامه بأطيب ما أجد " وفي رواية " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أراد أن يحرم تطيب بأطيب ما يجد ثم أرى وبيض الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك أخرجاهما (5/27)
- حديث ابن عباس في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني كنيته أبو عون . قال المنذري وقد ضعفه غير واحد وقال في التقريب صدوق سيء الحفظ خلط بآخره ورمى بالإرجاء ( وقد استدل ) المصنف بهذا الحديث على أنه يشرع للمحرم الاغتسال عند ابتداء الإحرام وهو محتمل لإمكان أن يكون الغسل لأجل قذر الحيض ولكن في الباب أحاديث تدل على مشروعية الغسل للإحرام وقد تقدمت في أبواب الغسل فليرجع إليها : " قوله عند إحرامه " أي في وقت إحرامه وللنسائي حين أراد أن يحرم . وفي البخاري لإحرامه ولحله " قوله وبيض " بالموحدة المكسورة وبعدها تحتية ساكنة وآخر صاد مهملة وهو البريق . وقال الإسماعيلي أن الوبيص زيادة على البريق وأن المراد به التلألؤ وأنه يدل على وجود عين قائمة لا الريح ( واستدل بالحديث ) على استحباب التطييب عند إرادة الإحرام ولو بقيت رائحته عند الإحرام وعلى أنه لا يضر بقاء رائحته ولونه وإنما المحرم ابتداؤه بعد الإحرام قال في الفتح وهو قول الجمهور وذهب ابن عمر ومالك ومحمد بن الحسن والزهري وبعض أصحاب الشافعي ومن أهل البيت الهادي والقاسم والناصر والمؤيد بالله وأبو طالب إلى أنه لا يجوز التطييب عند الإحرام واختلفوا هل هو محرم أو مكروه وهل تلزم الفدية أولا واستدلوا على عدم الجواز بأدلة منها ما وقع عند البخاري وغيره بلفظ " ثم طاف على نسائه ثم أصبح محرما " والطواف الجماع ومن لازمه الغسل بعده فهذا يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم اغتسل بعد أن تطيب . وأجيب عن هذا بما في البخاري أيضا بلفظ " ثم أصبح محرما ينضح طيبا " وهو ظاهر في أن نضح الطيب وظهور رائحته كان في حال إحرامه ودعوى بعضهم أن فيه تقديما وتأخيرا أو التقدير طاف على نسائه ينضح طيبا ثم أصبح محرما خلاف الظاهر ويرده قول عائشة المذكور ثم ارى وبيص الدهن في رأسه ولحيته بعد ذلك . وفي رواية لها ثم أراه في رأسه ولحيته بعد ذلك . وفي رواية للنسائي وابن حبان " رأيت الطيب في مفرقه بعد ثلاث وهو محرم " وفي رواية متفق عليها " كأني أنظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أيام " ولمسلم " وبيص المسك " وسيأتي ذلك في باب منع المحرم من ابتداء الطيب ومن أدلتهمم نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الثوب الذي مسه الورس والزعفران كما سيأتي في أبواب ما يتجنبه المحرم وأجيب بأن تحريم الطيب على من قد صار محرما مجمع عليه والنزاع إنما هو في التطيب عند إرادة الأحرام واستمرار أثره لا غبتدائهز ومنها أمره صلى الله عليه وآله وسلم للأعرابي بنزع المنطقة وغسلها عن الخلوق وهو متفق عليه ويجاب عنه بمثل الجواب عن الذي قبله ولا يخفي ان غاية هذين الحديثين تحريم لبس ما مسه الطيب . ومحل النزاع تطييب البدنولكنه سيأتي في باب ما يصنع من أحرم في قميص أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن سأله بأنه يغسل الخلوق عن بدنه وسيأتي الجواب عنه
وقد أجاب عن حديث الباب المهلب وأبو الحسن القصار وابو الفرج من المالكية بأن ذلك من خصائصه ويرده ما أخرجه أبو داود وابن أبي شيبة عن عائشة قالت " كنا ننضح وجوهنا بالسك المطيب قبل أن نحرم ثم نحرم فنعرق ويسيل على وجوهنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا ينهانا " وهو صريح في بقاء عين الطيب وفي عدم اختصاصه بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم . وسيأتي الحديث في باب منع المحرم من ابتداء الطيب . قال في الفتح ولا يقال أن ذلك خاصا بالنساء لأنهم أجمعوا أن النساء والرجال سواء في تحريم استعمال الطيب إذا كانوا محرمين وقال بعضهم كان ذلك طيبا لا رائحة له لما وقع في رواية عن عائشة " بطيب لا يشبه طيبكم " قال بعض رواته يعني لا بقاء له أخرجه النسائي . ويرده ما تقدم في الذي قبله وأيضا المراد بقولها لا يشبه طيبكم أي أطيب منه كما يدل على ذلك ما عند مسلم عنها بلفظ " بطيب فيه مسك " وفي أخرى له عنها " كأني أنظر إلى وبيص المسك " وأوضح من ذلك قولها في حديث الباب بأطيب ما نجد ولهم جوابات أخرى غير ناهضة فتركها أولى . والحق أن المحرم من الطيب على المحرم هو ما تطيب به ابتداء بعد إحرامه لا ما فعله عند إرادة الإحرام وبقي أثره لونا وريحا ولا يصح أن يقال لا يجوز استدامة الطيب قياسا على عدم جواز استدامة اللباس لأن استدامة اللبس لبس يخلاف استدامة الطيب فليست بطيب سلمنا استواءهما فهذا قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار (5/27)
3 - وعن ابن عمر في حديث له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد نعلين فليلبس خفين وليقطعهما أسفل من الكعبين "
- رواه أحمد (5/28)
- هذا الحديث ذكره صاحب المذهب عن ابن عمر . قال الحافظ كأنه أخذه من كلام ابن المنذر فإنه ذكره كذلك بغير إسناد وقد بيض له المنذري والنواوي في الكىلام على المذهب ووهم من عزاه إلى الترمذي وقد عزاه المصنف إلى أحمد قال في مجمع الزوائد أخرجه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن وهو ببعض ألفاظه للجماعة كلهم كما سياتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس وهو أيضا متفق على بعض ما فيه من حديث ابن عباس ( وفيه دليل ) على أنه يجوز للمحرم لبس الإزار والرداء والنعلين وفي البخاري من حديث ابن عباس قال " انطلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة بعد ما ترجل وادهن ولبس إزاره ورداءه هو وأصحابه فلم ينه عن شيء من الأردية والأزر تلبس إلا المزعفرات التي تردع على الجلد " قوله " وليقطعهما أسفل الكعبين " الكعبان هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم وهذا هو المعروف عند أهل اللغة واستدل به على اشتراط القطع خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أجاز لبس الخفين من غير قطع واستدل على ذلك بحديث ابن عباس الآتي في باب ما يتجنبه المحرم من اللباس بلفظ " ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين " ويجاب عنه بأن حمل المطلق على المقيد لازم وهو من جملة القائلين به وأجاب الحنابلة بجوابات أخر لعله يأتي ذكر بعضها عند ذكر حديث ابن عباس (5/28)
4 - وعن ابن عمر قال " بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيها ما أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا من عند المسجد يعني مسجد ذي الحليفة " . " متفق عليه " . وفي لفظ ما أهل إلا من عند الشجرة حين قام به بعيره "
- أخرجاه : وللبخاري " إن ابن عمر كان إذا أراد الخروج إلى مكة أدهن بدهن ليس له رائحة طيب ثم يأتي مسجد ذي الحليفة فيصلي ثم يركب فإذا أستوت به راحلته قائمة أحرم ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعل " (5/28)
5 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر ثم ركب راحلته فلما علا على حبل البيداء أهل "
- رواه أبو داود (5/29)
6 - وعن جابر " أن إهلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ذي الحليفة حين أستوت به راحلته "
- رواه البخاري . وقال رواه أنس وابن عباس (5/29)
7 - وعن سعيد بن جبير قال " قلت لابن عباس عجبا لأختلاف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في إهلاله فقال إني لأعلم الناس بذلك إنما كانت منه حجة واحدة فمن هنالك اختلفوا خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حاجا فلما صلى في مسجده في ذي الحليفة ركعيتيه أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتيه فسمع ذلك منه أقوام فحفظوا عنه ثم ركب فلما أستقلت به ناقته أهل فأدرك ذلك منه أقوام فحفظوا عنه وذلك أن الناس إنما كانوا يأتون إرسالا فسمعوه حين استقلت به ناقته يهل فقالوا إنما أهل حين استقلت به ناقته ثم مضى فلما علا على شرف البيداء أهل فأدرك ذاك أقوام فقالوا إنما أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين علا على شرف البيداء وأيم الله لقد أوجب في مصلاه وأهل حين استقلت به راحلته وأهل حين علا شرف البيداء "
- رواه أحمد وأبو داود . ولبقية الخمسة منه مختصرا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل في دبر الصلاة " (5/29)
- حديث أنس الذي عزاه المصنف إلى أبي داود أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح إلى أشعث بن عبد الملك الحمراني وهو ثقة . وحديث ابن عباس الذي رواه عنه سعيد بن جبير في إسناده خصيف بن عبد الرحمن الحراني وهو ضعيف ومحمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث . وقد أخرجه الحاكم من طريق أخر عن عطاء عن ابن عباس وأخرج أيضا ما أخرجه الخمسة من حديثه مختصرا . قوله " بيداؤكم " البيداء هذه فوق علمي على علمي ذي الحليفة لمن صعد من الوادي قاله أبو عبيد البكري وغيره وكان ابن عمر إذا قيل له الإحرام من البيداء أنكر ذلك وقال البيداء الذي تكذبون فيها على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني بقولكم أنه أهل منها وإنما أهل من مسجد ذي الحليفة وهو يشير إلى قول ابن عباس عند البخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم ركب راحلته حتى استوت على البيداء أهل . وإلى حديث أنس المذكور في الباب والتكذيب المذكور المراد به الأخبار عن الشيء على خلاف الواقع وإن لم يقع على وجه العمد : قوله " ادهن بدهن ليست له رائحة طيبة " فيه جواز الأدهان بالأدهان التي ليست لها رائحة طيبة وقد ثبت من حديث ابن عباس عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادهن ولم ينه عن الدهن . قال ابن المنذر أجمع العلماء على أن للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والشيرج وان يستعمل ذلك في جميع بدنه رأسه ولحيته وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا فقياس كون المحرم ممنوعا من استعماله الطيب في رأسه أن يباح له استعمال الزيت في رأسه وقد تقدم الكلام في الطيب : قوله " على حبل البيداء " بالحاء المهملة هو الرمل المستطيل وهو المراد بقوله في الرواية الأخرى " على شرف البيداء " والشرف المكان العالي : قوله " فمن هناك اختلفوا " الخ هذا الحديث بزول به الأشكاك ويجمع بين الروايات المختلفة بما فيه فيكون شروعه صلى الله عليه وآله وسلم في الأهلال بعد الفراغ من صلاته بمسجد ذي الحليفة في مجلسه قبل أن يركب فنقل عنه من سمعه يهل هنالك أنه أهل بذلك المكان ثم أهل لما أستقلت به راحلته فظن من سمع أهلاله عند ذلك أنه شرع فيه في ذلك الوقت لأنه لم سمع أهلاله بالمسجد فقال إنما أهل حين استقلت به راحلته ثم روى كذلك من سمعه يهل على شرف البيداء . وهذا يدل على أن الأفضل لمن كان ميقاته ذا الحليفة أن يهل في مسجدها بعد فراغه من الصلاة ويكرر الأهلال عند ان يركب على راحلته وعندان يمر بشرف البيداء قال في الفتح وقد اتفق فقهاء الأمصار على جواز جميع ذلك وإنما الخلاف في الأفضل (5/30)
باب الاشتراط في الإحرام (5/30)
1 - عن ابن عباس " ان ضباعة بنت الزبير قالت يا رسول الله إني امرأة ثقيلة وأريد الحج فيكف تأمرني أهل فقال أهلي واشترطي أن محلي حيث حبستني قال فأدركت "
- رواه الجماعة إلا البخاري وللنسائي في رواية " وقال فإن لك على ربك ما استثنيت " (5/30)
2 - وعن عائشة قالت " دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على ضباعة بنت الزبير فقال لها لعلك أردت الحج قالت والله ما أجدني إلى وجعة فقال لها حجي واشترطي وقولي اللهم محلى حيث حبستني وكان تحت المقداد ابن الأسود "
- متفق عليه (5/31)
3 - وعن عكرمة عن ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحرمي وقولي أن محلي حيث تحبسني فان حبست أو مرضت فقد حللت من ذلك بشرطك على ربك عز و جل "
- رواه أحمد (5/31)
- حديث عكرمة أخرجه أيضا ابن خزيمة ( وفي الباب ) عن أنس عند البيهقي وعن جابر عنده . وعن ابن مسعود وأم سليم عنده أيضا . وعن أم سلمة عند أحم الطبراني في الكبير وفي إسناده ابن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث وبقية رجاله رجال الصحيح وعن ابن عمر عند الطبراني في الكبير وفيه علي بن عاصم وهو ضعيف قال العقيلي روى عن ابن عباس قصة ضباعة بأسانيد ثابته جياد انتهى : وقد غلط الأصلي غلطا فاحشا فقال إنه لا يثبت في الأشتراط حديث وكأنه ذهل عما في الصحيحين . وقال الشافعي لوثبت حديث عائشة في الأستثناء لم أعده إلى غيره لأنه لا يحل عندي خلاف ما ثبت عن رسول الله . قال البيهقي فقد ثبت هذا الحديث من أوجه . قوله " ضباعة " بضم المعجمة بعدها موحدة قال الشافعي كنيتها أم حكيم وهي بنت عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أبوها الزبير بن عبد المطلب بن هاشم ووهم الغزالي الأسلمية وتعقبه النووي وقال صوابه الهاشمية . قوله " محلى " بفتح الميم وكسر المهملة أن مكان إحلالي ( وأحاديث الباب ) تدل على أن من اشتراط هذا الأشتراط ثم عرض له ما يحبسه عن الحج جاز له التحلل وأنه لا يجوز التحلل مع عدم الاشتراط وبه قال جماعة من الصحابة منهم علي وابن مسعود وعمر وجماعة من التابعين وإليه ذهب أحمد وإسحاق وأبو ثور وهو المصحح للشافعي كما قال النووي . وقال أبو حنيفة ومالك وبعض التابعين وإليه ذهب الهادي أنه لا يصح الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر . قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط وهو مروي عن ابن عمر . قال البيهقي لو بلغ ابن عمر حديث ضباعة لقال به ولم ينكر الأشتراط كما لم ينكره أبوه انتهى . وقد اعتذروا عن هذه الأحاديث بأنها قصة عين وأنها مخصوصة بضباعة وهو يتنزل على الخلاف المشهور في الأصول في خطابه صلى الله عليه وآله وسلم لواحد هل يكون غيره فيه أم لا داعي بعضهم إن الاشتراط منسوخ روى ذلك عن ابن عباس لكن بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك وادعى بعض أنه لم يثبت وقد تقدم الجواب عليه (5/31)
باب التخيير بين التمتع والأفراد والقران وبيان أفضلها (5/32)
1 - عن عائشة قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال من أراد منكم أن يهل بحج وعمرة فليفعل ومن أراد أن يهل بحج فليهل ومن أراد أن يهل بعمرة فليهل قالت وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج وأهل به ناس معه وأهل معه ناس بالعمرة والحج وأهل ناس بعمرة وكنت فيمن أهل بعمرة "
- متفق عليه (5/32)
2 - وعن عمران بن حصين قال " نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى ففعلناها مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم ينزل قرآن بحرمه ولم منه عنها حتى مات "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم " نزلت آية المتعة في كتاب الله تعالى يعني متعة الحج وأمرنا بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم لم تنزل آية تفسخ آية متعة الحج ولم ينه عنها حتى مات " (5/32)
3 - وعن عبد الله بن شقيق " أن عليا كان يأمر بالمتعة وعثمان ينهي عنها فقال عثمان كلمة فقال علي لقد علمت إنا تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال عثمان أجل ولكنا كنا خائفين "
- رواه أحمد ومسلم (5/33)
4 - وعن ابن عباس قال " أهل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعمرة وأهل أصحابه بالحج فلم يحل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا من ساق الهدى من أصحابه وحل بقيتهم "
- رواه أحمد ومسلم . وفي رواية قال " تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر عثمان كذلك وأول من نهى عنها معاوية " . رواه أحمد والترمذي (5/33)
- الرواية الأخرى حسنها الترمذي . قوله " فقال من أراد منكم أن يهل " الخ فيه الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم بالحج إفرادا وقرانا تمتعا . والأفراد هو الاهلال بالحج وحده والاعتمار بعد الفراغ من أعمال الحج لمن شاء ولا خلاف في جوازه والقرآن هو الاهلال بالحج والعمرة معا وهو أيضا متفق على جوازه أو الأهلال بالعمرة ثم يدخل عليها الحج أو عكسه وهذا مختلف فيه والتمتع هو الأعتمال في أشهر الحج ثم التحلل من تلك العمرة والأهلال بالحج في تلك السنة ويطلقة التمتع في عرف السلف على القرآن . قال ابن عبد البر ومن التمتع أيضا القرآن ومن التمتع أيضا فسخ الحج إلى العمرة انتهى . وقد حكى النووي في شرح مسلم الإجماع على جواز الأنواع الثلاثة وتأويل ما ورد من النهي عن التمتع من بعض الصحابة . قوله " وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج " احتج به من قال كان حجه صلى الله عليه وآله وسلم مفردا وأجيب بأنه لا يلزم من أهلاله بالحج أن لا يكون أدخل عليه العمرة ( واعلم ) أنه قد اختلف في حجه صلى الله عليه وآله وسلم هل كان قرانا أو تمتعا أو أفرادا وقد اختلفت الأحاديث في ذلك فروى أنه حج قرانا من جهة جماعة من الصحابة منهم ابن عمر عند الشيخين وعنه عند مسلم وعائشة عندهما أيضا وعنها عند أبي داود وعنها عند مالك في الموطأ وجابر عند الترمذي وابن عباس عند أبي داود وعمر بن الخطاب عند البخاري وسيأتي والبراء بن عازب عند أبي داود وسيأتي وعلى عند النسائي وعنه عند الشيخين وسيأتي . وعمران بن حصين عند مسلم . وأبو قتادة عند الدارقطني . قال ابن القيم وله طرق صحيحة وسراقة بن مالك عند أحمد وسيأتي ورجال إسناده ثقات . وأبو طلحة الأنصاري عند أحمد وابن ماجه في إسناده الحجاج بن ارطأة والهرماس بن زياد الباهلي عند أحمد أيضا وابن أبي أوفى عند البزار بإسناد صحيح . وأبو سعيد عند البزار . وجابر بن عبد الله عند أحمد وفيه الحجاج بن أرطأة وأم سلمة عنده أيضا . وحفصة عند الشيخين وسعد ابن أبي وقاص عند النسائي والترمذي صححه . وأنس عند الشيخين وسيأتي وأما حجة تمتعا فروى عن عائشة وابن عمر عند الشيخين وسيأتي وعلي وعثمان عند مسلم وأحمد كما في الباب وابن عباس عند أحمد والترمذي كما في الباب أيضا . وسعد بن أبي وقاص كما سيأتي وأما حجة افرادا فروي عن عائشة كما في حديث الباب وعنها عند البخاري كما سيأتي . وعن ابن عمر عند أحمد ومسلم كما سيأتي أيضا وابن عباس عند مسلم . وجابر عند ابن ماجه وعنه عند مسلم
( وقد اختلفت ) الأنظار واضطربت الأقوال لاختلاف هذه الأحاديث فمن أهل العلم من جمع بين الروايات كالخطابي فقال ان كلا أضاف إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما أمر به اتساعا ثم رجح أنه صلى الله عليه وآله وسلم أفرد الحج وكذا قال عياض وزاد فقال وأما احرامه فقد تظافرت الروايات الصحيحة بأنه كان مفردا وأما رواية من روى التمتع فمعناه أنه أمر به لأنه صرح بقوله " ولولا أن معي الهدى لاحللت " فصح أنه لم يتحلل . وأما رواية من روى القران فهو أخبار عن آخر أحواله لأنه أدخل العمرة على الحج لما جاء إلى الوادي وقيل قل عمرة في حجة . قال الحافظ وهذا الجمع هو المعتمد وقد سبق إليه قديما ابن المنذر وبينه ابن حزم في حجة الوداع بيانا شافيا ومهده المحب الطبري تمهيدا بالغا يطول ذكره ومحصله ان كل من روى عنه الافراد حمل على ما أهل به في أول الحال كل من روى عنه التمتع أراد ما أمر به وكل من روى عنه القران أراد ما أستقر عليه الأمر وجمع شيخ الإسلام ابن تيمية جمعا حسنا فقال ما حاصله أن التمتع عند الصحابة يتناول القران فتحمل عليه رواية من روى أنه حج تمتعا وكل من روى الأفراذ قد روى أنه حج صلى الله عليه وآله وسلم تمتعا وقرانا فيتعين الحمل على القران وأنه أفرد أعمال الحج ثم فرغ منا وأتى بالعمرة . ومن أهل العلم من صار إلى التعارض فرجح نوعا وأجاب عن الأحاديث القاضية بما يخالفه وهي جوابات طويلة أكثرها متسفة وأورد كل منهم لما اختاره مرجحات أقواها وأولاها مرجحات القران فإنه لا يقاومها شيء من مرجحات غيره . منها أن أحاديثه مشتملة على زيادة على من روى الأفراد وغيره والزيادة مقبولة إذا خرجت مخرج صحيح فكيف إذا ثبتت من طرق كثيرة عن جمع من الصحابة . ومنها أن من روى الأفراد والتمتع اختلف عليه في ذلك لأنهم جميعا روى عنهم أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا . ومنها أن روايات القرآن لا تحتمل التأويل بخلاف روايات الأفراد والتمتع فإنها تحتمله كما تقدم
ومنها أن رواة القران أكثر كما تقدم . ومنها أن فيهم من أخبر عن سماعه لفظا صريحا وفيهم من أخبر عن اخباره صلى الله عليه وآله وسلم بأنه فعل ذلك وفيهم من أخبر عن أمر ربه بذلك . ومنها أنه النسك الذي أمر به كل من ساق الهدى فلم يكن ليأمرهم به إذا ساقوا الهدى ثم يسوق هو الهدى ويخالفه وقد ذكر صاحب الهدى مرجحات غيره هذه ولكنها مرجحات باعتبار أفضلية القران على التمتع والأفراد لا باعتبار أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وهو بحث آخر قد اختلفت فيه المذاهب اختلافا كثيرا فذهب جمع من الصحابة والتابعين وأبو حنيفة وإسحاق ورجحه جماعة من الشافعية منهم النووي والمزني وابن المنذر وأبو إسحاق المروزي وتقي الدين السبكي إلى أن القران أفضل . وذهب جمع من الصحابة والتابعين ومن بعدهم كمالك وأحمد والباقر والصادق والناصر وأحمد بن عيسى وإسماعيل بن جعفر الصادق وأخيه موسى والأمامية إلى أن التمتع أفضل . وذهب جماعة من الصحابة وجماعة من بعدهم وجماعة من الشافعية وغيرهم ومن أهل البيت الهادي والقاسم والأمام يحيى وغيرهم من متأخريهم إلى أن الأفراذ أفضل وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن الأنواع الثلاثة الفضل سواء قال في الفتح وهو مقتضى تصرف ابن خزيمة في صحيحه . وقال أبو يوسف القران والتمتع في الفضل سواء وهما أفضل من الافراد . وعن أحمد من ساق الهدى فالقران أفضل له ليوافق فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن لم يسق الهدى فالتمتع أفضل له ليوافق ما تمناه وأمر به أصحابه زاد بعض أتباعه ومن أراد أن ينشئ لعمرته من بلد سفره فالأفراد أفضل له قال وهذا أعدل المذاهب وأشبهها بموافقة الأحاديث الصحيحة ولكن المشهور عن أحمد أن التمتع أفضل مطلقا وقد احتج القائلون بأن القران أفضل بحجج منها أن الله اختاره لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم . ومنها أن قوله صلى الله عليه وآله وسلم دخلت العمرة في الحج إلىيوم القيامة يقتضى أنها قد صارت جزأ منه أو كالجزء الداخل فيه بحيث لا يفصل بينها وبينه ولا يكون ذلك إلا مع القران . ومنها أن النسك الذي اشتمل على سوق الهدى افضل واستدل من قال بأن التمتع أفضل بما اتفق عليه من حديث جابر وغير أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدى ولجعلتها عمرة " قالوا و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتمنى إلا الأفضل واستمراره في القران إنما كان لاضطرار السوق إليه وهذا هو الحق فإنه لا يظن أن نسكا أفضل من نسك اختاره صلى الله عليه وآله وسلم لافضل الخلق وخير القرون وأما ما قيل من أنه صلى الله عليه وآله وسلم إنما قال كذلك تطبيبا لقلوب أصحابه لحزنهم على فوات موافقته ففاسد لان المقام مقام تشريع للعبادة وهو لا يجوز عليه صلى الله عليه وآله وسلم أن يخبر بما يدل على أن ما فعلوه من التمتع أفضل مما استمر عليه من القران والأمر على خلاف ذلك وهو هذا الا تغرير يتعالى مقام النبوة بالجملة لم يوجد في شيء من الأحاديث ما يدل على أن بعض الأنواع أفضل من بعض غيره هذا الحديث فالتمسك به متعين ولا ينبغي أن يلتفت إلى غيره من الرجحات فإنها في مقابلته ضائعة
( واحتج ) من قال بأن الأفراد أفضل أن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم أفردوا الحج وواظبوا على إفراده فلولم يكن أفضل لم يواظبوا عليه وبأن الافراد لا يجب فيه دم قال النووي بالإجماع وذلك لكماله ويجب الدم في التمتع والقران وهو دم جبران لفوات الميقات وغيره فكان مالا يحتاج إلى جبران أفضل . ومنها أن الأمة أجمعت على جواز الافراد من غير كراهة وكره عمر وعثمان وغيرهما التمتع وبعضهم ويجاب عن هذا كله بأن الافراد لو كان أفضل لفعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو تمنى فعله بعد أن صار ممنوعا بالسوق والكل ممنوع والسند ما سلف من أنه صلى الله عليه وآله وسلم حج قرانا وأظهر أنه كان يود أن يكون حجه تمتعا وهذان البحثان أعني تعيين ما حجه صلى الله عليه وآله وسلم من الأنواع وبيان ما هو الأفضل منها من المضايق ومواطن البسط وفيما حررناه مع كونه في غاية الإيجاز ما يغني اللبيب (5/33)
5 - وعن حفصة أم المؤمنين " قالت قلت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ما شأن الناس حلو ولم تحل من عمر تلك قال أني قلدت هديي ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من الحج "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (5/34)
6 - وعن غنيم بن قيس المازني قال " سألت سعد بن أبي وقاص عن المتعة في الحج فقال فعلناها وهذا يومئذ كافر بالعروش يعني بيوت مكة يعني معاوية "
- رواه أحمد ومسلم (5/34)
7 - وعن الزهري عن سالم عن أبيه قال " تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع بالعمرة إلى الحج وأهدى فساق معه الهدى من ذي الحليفة وبدأ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأهل بالعمرة ثم أهل بالحج وتمتع الناس مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالعمرة إلى الحج فكان من الناس من أهدى فساق الهدى ومنهم من لم يهد فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة قال للناس من كان منكم أهدى فإنه لا يحل من شيء حرم منه حتى يقضي حجه ومن لم يكن منكم أهدى الميطف بالبيت وبالصفا والمروة وليقصر وليحل ثم ليهل بالحج وليهد فمن لم يجد هديا فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله وطاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم مكة فاستلم الركن أول شيء ثم خب ثلاثة أشواط من السبع ومشى أربعة أطواف ثم ركع حين قضي طوافه بالبيت عند المقام ركعتين ثم سلم فانصرف فأتى الصفا فطاف بالصفا والمروة سبعة أطواف ثم لم يتحلل من شيء حرم منه حتى قضى حجة ونحر هدية يوم النحر وأفاض فطاف بالبيت ثم حل من كل شيء حرم منه وفعل مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أهدى فساق الهدى " . وعن عروة عن عائشة مثل حديث سالم عن أبيه " متفق عليه (5/34)
- قوله " ولم تحل " في رواية للبخاري " ولم تحلل " بلامين وهو إظهار شاذ وفيه لغة معروفة . قوله " لبدت " بتشديد الموحدة أي شعر رأسي وهو أن يجعل فيه شيء ملتصق ويؤخذ منه استحباب ذلك للمحرم . قوله " فلا أحل من الحج " يعني حتى يبلغ الهدى محله . واستدل به على أن من اعتمر فساق هدايا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هدية يوم النحر . قوله " بالعروش " جمع عرش يقال لمكة وبيوتها كما في القاموس . قوله " تمتع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ قال المهلب معناه أمر ذلك لأنه كان ينكر على أنس قوله أنه قرن ويقول أ ه كان مفردا . وله " فأهل بالعمرة " قال المهلب معناه أمرهم بالتمتع وهو أن يهلوا بالعمرة أولا ويقدموها قبل الحج قال ولا بد من هذا التأويل لدفع التناقض عن ابن عمر . وقال ابن المنير أن حمل قوله تمتع على معنى أمر من أبعد التأويلات والاستشهاد عليه بقوله رجم وإنما أمر بالرجم من أوهن الاستشهادات لأن الرجم وظيفة الإمام والذي يتولاه إنما يتولاه نيابة عنه وأما أعمال الحج من إفراد وقران وتمتع فإنه وظيفة كل أحد عن نفسه ثم أورد تأويل آخر وهو أن الراوي عهد أن الناس لا يفعلون إلا كفعله لا سيما مع قوله " خذوا عني مناسككم " فلما تحقق أن الناس تمتعوا ظن أنه صلى الله عليه وآله وسلم تمتع فأطلق ذلك . قال الحافظ ولا يتعين هذا أيضا بل يحتمل أن يكون معنى قوله تمتع محمولا على مدلوله اللغوي وهو الانتفاع بإسقاط عمل العمرة والخروج إلى ميقاتها وغيره . قال النووي إن هذا هو المتعين " قوله " بالعمرة إلى الحج . قال المهلب أيضا أي أدخل المرة على الحج . قوله " فإنه لا يحل من شيء حرم عليه " تقدم بيانه : قوله " وليقصر " قال النووي معناه أنه ليفعل الطواف والسعي والتقصير يصير حلالا وهذا دليل على أن الحلق والتقصير نسك وهو الصحيح وقيل استباحة محظور قال وإنما أمره بالتقصير دون الحلق مع أن الحلق أفضل ليبقى له شعر يحلقه في الحج : قوله " وليحل " هو أمر معناه الخبر أي قد صار حلالا فله فعل كل ما كان محظورا عليه في الإحرام : قوله " ثم يهل بالحج " أي يحرم وقت خروجه إلى عرفة ولهذا أتي بثم الدالة على التراخي فلم يرد أنه يهل بالحج عقب احلالا من العمرة : قوله " وليهد " أي هدى التمتع قوله " فمن لم يحل " الخ أي لم يجد الهدى بذلك المكان أو لم يجد ثمنه أو كان يجد هديا ولكن يمتنع صاحبه من بيعه أو يبيعه بغلاء فينتقل إلى الصوم كما هو نص القرآن والمراد بقوله تعالى { في الحج } أي بعد الاحرام به . قال النووي هذا هو الأفضل . وإن صامها قبل الأهلال بالحج أجزأه على الصحيح . وأما قبل التحلل من العمرة فلا على الصحيح . وجوزه الثوري وأهل الرأي : قوله " ثم خب " سيأتي الكلام عليه في الطواف ويأتي الكلام أيضا على صلاة الركعتين والسعي بين الصفا والمروة ونحر الهدى والأفاضة وسوق الهدى ( وقد استدل ) بالأحاديث المذكورة على أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان تمتعا وقد تقدم الكلام على ذلك في أول الباب . قوله " من أهدى فساق الهدى " الموصول فاعل قوله فعل أي فعل من أهدى فساق الهدى مثل ما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وأغرب الكرماني فشرحه على ان فاعل فعل هو ابن عمر راوي الخبر وفصل في رواية أبي الوقت بين قوله فعل وبين قوله من أهدى بلفظ باب قال في الفتح وهذا خطأ شنيع وقال أبو الوليد أمرنا أبو ذران نضرب على هذه الترجمة يعني قوله من أهدى وساق الهدى وذلك لظنه بأنها ترجمة من البخاري فحكم عليها بالوهم (5/35)
7 - وعن القاسم عن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم افرد الحج "
- رواه الجماعة إلا البخاري (5/35)
8 - وعن نافع عن ابن عمر قال " أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج مفردا "
- رواه أحمد ومسلم . ولمسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهل بالحج مفردا " (5/35)
9 - وعن بكر المزني عن أنس قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبي بالحج والعمرة جميعا يقول لبيك عمرة وحجا "
- متفق عليه (5/36)
10 - وعن أنس أيضا " قال خرجنا نصرخ بالحج فلما قدمنا مكة أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نجعلها عمرة وقال لو استقبلت من أمرى ما استدبرت لجعلتها عمرة ولكن سقت الهدى وقرنت بين الحج والعمرة "
- رواه أحمد (5/36)
11 - وعن عمر بن الخطاب قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بوادي العقيق يقول أتاني الليلة آت من ربي فقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة "
- رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود وفي رواية للبخاري " وقل عمرة وحجة " (5/36)
- قوله " أفرد الحج " قد تقدم إن رواية الافراد غير منافية لرواية القران لأن من روى القرآن ناقل للزيادة وغاية الأمر أن يجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أهل أولا بالحج مفردا ثم أضاف إليه العمرة وأما قول ابن عمر أهللنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج مفردا فليس فيه ما ينافي قول من قال أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا أو تمتعا لأنه أخبر عن اهلالهم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يخبر عن أهلاله صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " يقول لبيك عمرة وحجة " هو من أدلة القائلين بأن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وقد رواه عن أنس جماعة من التابعين منهم الحسن البصري وأبو قلابة وحميد بن هلال وحميد بن عبد الرحمن الطويل وقتادة ويحيى بن سعيد الأنصاري وثابت البناتي وبكر ابن عبد الله المزني وعبد العزيز بن صهيب وسليمات ابن أبي إسحاق وزيد بن أسلم ومصعب بن سليم وأبو قدامة عاصم بن حسين وسويد بن حجر الباهلي قوله " خرجنا نصرخ بالحج فيه حجة للجمهور والقائلين أنه يستحب رفع الصوت بالتلبية وقد أخرج مالك في الموطأ وأصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة والحاكم من طريق خلاذ بن السائب عن أبيه مرفوعا جاء في جبريل فأمرني أن آمر أصحابي يرفعون أصواتهم بالاهلال وروى ابن القاسم عن مالك أنه لا يرفع الصوت بالتلبية إلا عند المسجد الحرام ومسجد منى . قوله " لواستقبلت " الخ هو متفق عليه مثل معناه من حديث جابر وبه استدل من قال بأن التمتع أفضل أنواف الحج وقد تقدم البحث عن ذلك . قوله أتاني الليلة آت هن جبريل كما في الفتح : قوله " فقال صل في هذا الوادي المبارك " هو وادي العقيق وهو بقرب العقيق بينه وبين المدينة أربعة أميال وروى الزبير بن بكار في أخبار المدينة أن تبعا لما انحدر في مكان عند رجوعه من المدينة قال هذا عقيق الأرض فسمى العقيق : قوله " وقل عمرة في حجة " برفع عمرة في أكثر الروايات وبنصبها في بعضها باضمار فعل أي جعلتها عرمو وهو دليل على أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وأبعد من قال أن معناه أنه يعتمر في تلك السنة بعد فراغ حجة . وظاهر حديث عمر هذا أن حجة صلى الله عليه وآله وسلم القران كان بأمر من الله فكيف يقول صلى الله عليه وآله وسلم لو استقبلت من ما استدبرت لجعلتها عمرة فينظر في هذا فإن أجيب بأنه إنما قال ذلك تطيبا لخواطر أصحابه فقد تقدم أنه تعزير لا يليق نسبة مثله إلى الشارع (5/37)
12 - وعن مروان بن الحكم " قال شهدت عثمان وعليا وعثمان ينهي عن المتعة وان يجمع بينما فلما رأى ذلك على أهل بهما لبيك بعمرة وحجة وقال ما كنت لأدع سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقول أحد "
- رواه البخاري والنسائي (5/37)
13 - وعن الصبي بن معبد قال " كنت رجلا نصرانيا فأسلمت فاهللت بالحج والعمرة قال فسمعني زيد بن صوخان وسلمان بن ربيعة وأنا أهل بهما فقالا لهذا أضل من بعير أهله فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل فقدمت على عمر بن الخطاب فأخبرته فاقبل عليهما فلامهما وأقبل على فقال هديت لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي (5/37)
- الحديث أخرج نحوه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح . قوله " وان يجمع بينهما " يحتمل أن تكون الواو عاطفة فيكون نهى عن التمتع والقران معا ويحتمل أن يكون عطفا تفسيريا وهو على ما تقدم أن السلف كانوا يطلقون على القران تمتعا فيكون المراد ان يجمع بينهما قرانا أو ايقاعا لها في سنة واحدة بتقديم العمرة على الحج وقد زاد مسلم أن عثمان قال لعلي دعنا عنك فقال علي أني لا أستطيع ان أدعك وقد تقدم في أول الباب أن عثمان قال أجل ولكنا كنا خائفين : قوله " عن الصبي " هو بضم الصاد المهملة وفتح الموحدة بعدها تحتية قال في التقريب صبي بالتصغير ابن معبد التغلبي بالمثناة والمعجمة وكسر اللام ثقة مخضرم نزل الكوفة من الثانية : قوله " زيد بن صوخان " بضم الصاد المهملة بعدها واو ساكنة ثم معجمة مخففة : قوله " فكأنما حمل على بكلمتيهما جبل " يعني أنه ثقل عليه ما سمعه منهما من ذلك اللفظ الغليظ : قوله " هديت لسنة نبيك " هو من أدلة القائلين بتفضيل القران ولا يخفى أنه لا يصح للاستدلال به على الأفضلية لأنه لا خلاف أن الثلاثة الأنواع ثابتة من سنته صلى الله عليه وآله وسلم إما بالقول أو بالفعل ومجرد نسبة بعضها إلى السنة لا يدل على أنه أفضل من غيره مع كونها مشتركة في ذلك (5/38)
14 - وعن سراقة بن مالك قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة قال وقرن رسول الله في حجة الوداع "
- رواه أحمد (5/38)
15 - وعن البراء بن عازب قال " لما قدم على من اليمن على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال وجدت فاطمة قد لبست ثيابا صبيغا وقد نضحت البيت بنضوح فقالت مالك أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد أمر أصحابه فحلوا قال قلت لها إني أهلك باهلال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال فأيتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي كيف صنعت قال قلت فقال لي انحر من البدن سبعا وستين أو ستا وستين وانسك لنفسك ثلاثا وثلاثين أو أربعا وثلاثين وأمسك لي من كل بدنة منها بضعة "
- رواه أبو داود (5/38)
- حديث سراقة في إسناده داود بن يزيد الاودي وهو ضعيف . وقد أخرج نحوه أحمد وأبو داود والنسائي عن ابن عباس . وسيأتي في باب فسخ الحج وحديث البراء أخرجه أيضا النسائي . وفي إسناده يونس بن إسحاق السبيعي . وقد احتج به مسلم . وأخرج له جماعة . وقال الإمام أحمد حديثه فيه زيادة على حديث الناس وقال البيهقي كذا في هذه الرواية وقرنت وليس ذلك في حديث جابر حين وصف قدوم علي واهلاله . وحديث جابر أصح سندا وأحسن سياقة ومع حديث جابر حديث أنس يريد أن حديث أنس ذكر فيه قدوم علي وذكر اهلاله وليس فيه قرنت وهو في الصحيحين : قوله " دخلت العمرة في الحج " قد تقدم أنه يدل على أفضلية القران لمصير العمرة جزأ من الحج أو كالجزء : قوله " صبيغا " فعيل ههنا بمعنى مفعول أي مصبوغات : قوله " وقد نضحت " بفتح النون والضاد المعجمة والحاء المهملة : قوله " بنضوح " بفتح النون وضم الضاد المعجمة بعد الواو حاء مهملة وهي ضرب من الطيب : قوله " فقالت " ههنا كلام محذوف تقديره فانكر عليها صبغ ثيابها ونضج بيتها بالطيب فقالت الخ : قوله " قد أمر أصحابه فحلوا " في رواية لمسلم فوجد فاطمة ممن حلت ولبست صبيغا واكتحلت فأنكر ذلك عليها قالت أمرني أبي بهذا " قوله : " أو ستا وستين " هكذا في سنن أبو داود وكان جملة الهدى الذي قدم به على من اليمن والذي أتى به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مائة كما في صحيح مسلم . وفي لفظ لمسلم " فنحر ثلاثا وستين بيده ثم أعطى عليا فنحر ما غبر " قال النووي والقرطبي ونقله القاضي عن جميع الرواة . إن هذا هو الصواب لا ما وقع في رواية مسلم " ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر وطبخت فأكل هو وعلي من لحمها وشرابها من مرقها " واستدل بحديث سراقة والبراء من قال إن حجه صلى الله عليه وآله وسلم كان قرانا وقد تقدم الكلام على ذلك واستدل بحديث علي على صحة الإحرام معلقا وعلى جواز الأشتراك في الهدى وسيأتي الكلام على ذلك (5/39)
باب إدخال الحج على العمرة (5/39)
1 - عن نافع قال " أراد ابن عمر الحج عام حجة الحرورية في عهد ابن الزبير فقيل له إن الناس كائن بينهم قتال فنخاف أن يصدوك فقال لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة أذن أصنع كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أشهدكم أن قد أوجبت عمرة ثم خرج حتى إذا كان بظاهر البيداء قال ما شأن الحج والعمرة إلا واحد أشهدكم أني قد جمعت حجة مع عمرتي واهدى هديا مقلدا اشتراه بقديد وانطلق حتى قدم مكة فطاف بالبيت وبالصفا ولم يزد على ذلك ولم يحلل من شيء حرم منه حتى يوم النحر فحلق ونحر ورأى أن قد قضى طواف الحج والعمرة بطوافة الأول ثم قال هكذا أصنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه (5/39)
- قوله " حجة الحرورية " هم الخوارج ولكنهم حجوا في السنة التي مات فيها يزيد بن معاوية وأربع وستين وذلك قبل أن يتسمى ابن الزبير بالخلافة ونزل الحجاج بابن الزبير في سنة ثلاث وسبعين وذلك في آخر أيام ابن الزبير فأما أن يحمل على أن الراوي أطلق على الحجاج وأتباعه حرورية لجامع ما بينهم من الخروج على أئمة الحق وأما أن يحمل على تعدد القصة وإن الحرورية حجة سنة اخرى ولكنه يؤيد الأول ما في بعض طرق البخاري من طريق الليث عن نافع بلفظ حين نزل الحجاج بابن الزبير وكذا لمسلم من رواية يحيى القطان : قوله " كما صنع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " في رواية للبخاري " كما صنعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " . قوله " أشهدكم أني قد أوجبت عمرة " يعني من أجل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان أهل بعمرة عام الحديبية . قال النووي معناه أن صددت عن البيت وأحصرت تحللت من العمرة كما تحلل النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من العمرة . وقال عياض يحتمل إن المراد أنه أوجب عمرة كما أوجب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أنه أراد الأمرين من الإيجاب والأحلال . قال الحافظ وهذا هو الأظهر . قوله " ما شأن الحج والعمرة إلا واحد " يعني فيما يتعلق بالاحصار والاحلال : قوله " ولم يزد على ذلك " هذا يقتضي أنه اكتفى بطواف القدوم عن طواف الإفاضة وهو مشكل وسيأتي إن شاء الله تعالى الكلام عليه ( وفي الحديث ) فوائد منا ما بوب له المصنف من جواز ادخال الحج على العمرة وإليه ذهب الجمهور لكن بشرط أن يكون الأدخال قبل الشروع في طواف العمرة وقيل ان كان قبل مضى أربعة أشواط صح وهو قول الحنفية وقيل ولو بعد تمام الطواف وهو قول المالكية ونقل ابن عبد البر أن أبا ثور شذ فمنع ادخال الحج على العمرة قياسا على منع ادخال العمرة على الحج . ومنها أن القارن يقتصر على طواف واحد . ومنها أن القارن بهدى وشذ ابن حزم فقال لا هدى على القارن . ومنها جواز الخروج إلى النسك في الطريق المظنون خوفه إذا رجى السلامة قاله ابن عبد البر . ومنها إن الصحابة كانوا يستعملون القياص ويحتجون به (5/40)
2 - وعن جابر " انه قال أقبلنا مهلين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بحج مفرد وأقبلت عائشة بعمرة حتى إذا كنا بسرف عركت حتى إذا قدمنا مكة طفنا بالكعبة والصفا والمروة فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يحل منا من لم يكن معه هدى فقلنا حل ماذا قال الحل كله فواقعنا النساء وتطيبنا بالطيب ولبسنا ثيابنا وليس بيننا وبين عرفة إلى أربع ليال ثم أهللن يوم التروية ثم دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على عائشة فوجدها تبكي فقال ما شأنك قالت شأني قد حضت وقد حل الناس ولم أحلل ولم أطف بالبيت والناس يذهبون إلى الحج الآن فقال إن هذا أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي ثم أهلي بالحج ففعلت ووقفت المواقف حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجتك وعمرتك جميعا فقالت يا رسول الله اني أجد في نفسي أني لم أطف بالبيت حين حججت قال فأذهب بها يا عبد الرحمن فأعمرها من التنعيم وذلك ليلة الحصبة "
- متفق عليه (5/40)
- قوله " بحج مفرد " استدل به من قال إن حجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان مفردا وليس فيه ما يدل على ذلك لأن غاية ما فيه أنهم أفردوا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وليس فيه إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أفرد الحج ولو سلم أنه يدل على ذلك فهو مؤول بما سلف . قوله " عركت " بفتح العين المهملة والراء أي حاضت يقال عركت تعرك عروكا كقعدت تقعد قعودا " حل ماذا " بكسر الحاء المهملة وتشديد اللام وحذف التنوين للإضافة وما استفهامية أي الحل من أي شيء ذا وهذا السؤال من جهة من جوز أنه حل من بعض الأشياء دون بعض . قوله " الحل كله " أي الحل الذي لا يبقى معه شيء من ممنوعات الأحرام بعد التحلل المأمور به . قوله " ثم أهللنا يوم التروية " هو اليوم الثامن من ذي الحجة قوله " أمر كتبه الله على بنات آدم فاغتسلي " الخ هذا الغسل قيل هو الغسل للاحرام ويحتمل أن يكون الغسل من الحيض . قوله " حتى إذا طهرت " بفتح الهاء وضمها والفتح أفصح . قوله " من حجتك وعمرتك " هذا تصريح بأن عمرتها لم تبطل ولم تخرج منها وإن ما وقع في بعض الروايات من قوله ارفضي عمرتك وفي بعضها دعى عمرتك متأول : قال النووي إن قوله حتى إذا طهرت طافت بالكعبة والصفا والمروة ثم قال قد حللت من حجتك وعمرتك يستنبط منه ثلاث مسائل حسنة . احداها إن عائشة كانت قارنة ولم تبطل عمرتها وإن الرفض المذكور متأول . الثانية إن القارن يكفيه طواف واحد هو مذهب الشافعي والجمهور وقال أبو حنيفة وطائفة يلزمه طوافان وسعيان . الثالثة إن السعي بين الصفا والمروة يشترط وقوعه بعد طواف صحيح . وموضع الدلالة إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمرها أن تصنع ما يصنع الحاج غير الطواف بالبيت ولم تسع كما لم تطف فلو لم يكن السعي متوفقا على تقدم الطواف عليه لما أخرته قال واعلم إن طهر عائشة هذا المذكور كان يوم السبت وهو يوم النحر في حجة الوداع وكان ابتداء حيضها هذا يوم السبت أيضا لثلاث خلون من ذي الحجة سنة إحدى عشرة ذكره أبو محمد بن حزم في كتابه حجة الوداع . قوله " فاذهب بها يا عبد الرحمن " الخ قد تقدم شرح هذا في أول كتاب الحج . والحديث ساقه المصنف رحمه الله ههنا للاستدلال به على جواز ادخال الحج على العمرة وقد تقدم ما فيه من الخلاف والأشتراط وللحديث فوائد يأتي ذكرها في مواضعها (5/40)
باب من أحرم مطلقا أو قال أحرمت بما أحرم به فلان (5/41)
1 - عن أنس " قال قدم علي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال بما أهللت يا علي فقال أهللت باهلال كهلال النبي قال لولا أن معي الهذى لأحلت "
- متفق عليه . رواه النسائي من حديث جابر وقال فقال " لعلي بما أهللت قال قلت اللهم أني أهل بما أهل به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " (5/41)
2 - وعن أبي موسى قال " قدمت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال سقت من هدي قلت لا قال فطف بالبيت وبالصفا والمروة ثم حل قال فطفت بالبيت وبالصفا والمروة ثم أتيت امرأة من قومي فمشطتني وغسلت رأسي "
- متفق عليه . وفي لفظ " قال كيف قلت حين أحرمت قال قلت لبيك باهلال كاهلال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " . وذكره أخرجاه (5/41)
- قوله في حديث علي " لولا معي الهدى لاحللت " قال البخاري زاد محمد ابن بكر عن ابن جريج قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما أهللت يا علي قال بما أهل به النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال فاهد وامكث حراما كما أنت : قوله " ثم أتيت امرأة من قومي " في رواية للبخاري امرأة من قيس والمتبادر من هذا الأطلاق أنها من قيس عيسلان وليس بينهم وبين الأشعري نسبة . وفي رواية من نساء بني قيس قال الحافظ فظهر لي من ذلك أن المراد بقيس أبوه قيس بن سليم والد أبي موسى الأشعري وإن المرأة زوج بعض اخوته فقد كان لأبي موسى من الأخوة أبو رهم وأبو بردة قيل ومحمد ( والحديثان ) يدلان على جواز الاحرام كاحرام شخص يعرفه من أراد ذلك وأما مطلق الاحرام على الابهام فهو جائز ثم يصرفه المحرم إلى ماشاء لكونه صلى الله عليه وآله وسلم يم ينه عن ذلك وإلى ذلك ذهب الجمهور وعن المالكية لا يصح الاحرام على الابهام وهو قول الكوفيين قال ابن المنير وكأنه مذهب البخاري لأنه أشار في صحيحه عند الترجمة لهذين الحديثين إلى أن ذلك خاص بذلك الزمن وأما الآن فقد استقرت الأحكام وعرفت مراتب الاحرام فلا يصح ذلك وهذا الخلاف يرجع إلى قاعدة أصولية وهي هل يكون خطابه صلى الله عليه وآله وسلم لواحد أو لجماعة مخصوصة في حكم الخطاب العام للأمة أولا فمن ذهب إلى الأول جعل حديث علي وأبي موسى شرعا عاما ولم يقبل دعوى الخصوصية الا بدليل ومن ذهب إلى الثاني قال إن هذا الحكم مختص بهما والظاهر الأول (5/42)
باب التلبية وصفتها وأحكامها (5/42)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا استوت به راحلته قائمة عند مسجد ذي الحليفة أهل فقال اللهم لبيك لا شريك لك لبيك إن الحمد والنعمة لك والملك لك لا شريك لك وكان عبد الله يزيد مع هذا لبيك لبيك وسعديك والخير بيديك والرغباء اليك والعمل "
- متفق عليه (5/42)
2 - وعن جابر قال " أهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فذكر التلبية مثل حديث ابن عمر قال والناس يزيدون ذا المعارج ونحوه من الكلام والنبي صلى الله عليه وآله وسلم يسمع فلا يقول لهم شيئا "
- رواه أحمد وأبو داود ومسلم بمعناه (5/43)
3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في تلبيته لبيك اله الحق لبيك "
- رواه أحمد وابن ماجه والنسائي (5/43)
- حديث أبي هريرة صححه ابن حبان والحاكم : قوله " فقال لبيك " قال في الفتح هو لفظ مثني عند سيبويه ومن تبعه وقال يونس هو اسم مفرد وألفه إنما انقلبت ياء لاتصالها بالضمير كلدى وعلى ورد بأنها قلبت ياء مع المظهر وعن الفراء هو منصوب على المصدر وأصله لبالك فثنى على التأكيد أي البابا بعد الباب وهذه التثنية ليست حقيقية بل هي للتكثير والمبالغة ومعناه أجابة بعد إجابة أو إجابة لازمة وقيل معناه غير ذلك . قال ابن عبد البر قال جماعة من أهل العلم معنى التلبية إجابة دعوة إبراهيم حين أذن في الناس بالحج وهذا قد أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة في غير واحد . قال الحافظ والأسانيد إليهم قوية وهذا مما ليس للاجتهاد فيه مسرح فيكون له حكم الرفع : قوله " إن الحمد " بكسر الهمزة على الاستئناف وبفتحها على التعليل قال في الفتح والكسر أجود عند الجمهور قال ثعلب لأن من كسر جعل معناه إن الحمد لك على كل حال ومن فتح قال معناه لبيك لهذا السبب الخاص ومثله قال ابن دقيق العيد . وقال ابن عبد البر معناهما واحد وتعقب ونقل الزمخشري إن الشافعي اختار الفتح وأبا حنيفة اختار الكسر : قوله " والنعمة لك " المشهور فيه النصب ويجوز الرفع على الابتداء ويكون الخبر محذوفا قاله ابن الانباري وكذلك الملك المشهور فيه النصب ويجوز الرفع : قوله " وكان عبد الله " الخ أخرج ابن أبي شيبة من طريق المسور بن مخرمة قال كانت تلبية عمر فذكر مثل المرفوع وزاد " لبيك مرغوبا ومرهوبا إليك ذا النعماء والفضل الحسن " قال الطحاوي بعد أن أخرجه من حديث عمر وابن مسعود وعائشة وجابر وعمرو بن معد يكرب أجمع المسلمون جميعا على ذلك غير أن قوما قالوا لابأس أن يزيد فيها من الذكر لله تعالى ما أحب وهو قول محمد والثوري والأوزاعي واحتجوا بما في الباب من حديث أبي هريرة وجابر وبالآثار المذكورة وخالفهم آخرون فقالوا لا ينبغي أن يزاد على ماعلمه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس وبجواز الزيادة قال الجمهور . وحكى ابن عبد البرعن مالك الكراهة وهو أحد قولي الشافعي وقد اختلف في حكم التلبية فقال الشافعي وأحمد أنها سنة . وقال ابن أبي هريرة واجبة وحكاه ابن قدامة عن بعض المالكية والخطابي عن مالك وأبي حنيفة واختلف هؤلاء في وجوب الدم لتركها وقال ابن شاس من المالكية وصاحب الهداية من الحنفية أنها واجبة يقوم مقامها فعل يتعلق بالحج كالتوجيه على الطريق وحكى ابن عبد البر عن الثوري وأبي حنيفة وابن حبيب من المالكية والزبيري من الشافعية وأهل الظاهر أنها ركن في الأحرام لا ينعقد بدونها وأخرج ابن سعدعن عطاء بإسناد صحيح أنها فرض وحكاه ابن المنذر عن ابن عمر وطاوس وعكرمة (5/43)
4 - وعن السائب بن خلاد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتاني جبريل فأمرني أن آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالاهلال والتلبية "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي رواية " أن جبريل أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال كن عجاجا ثجاجا والعج والتلبية والثج نحر البدن "
- رواه أحمد (5/44)
5 - وعن خزيمة بن ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه كان إذا فرغ من تلبية سأل الله عز و جل رضوانه والجنة واستعاذ برحمته من النار "
- رواه الشافعي والدارقطني (5/44)
6 - وعن القاسم بن محمد قال " كان يستحب للرجل إذا فرغ من تلبيته إن يصلي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه الدارقطني (5/44)
7 - وعن الفضل عن العباس قال كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من جمع إلى مني فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة "
- رواه الجماعة . وعن عطاء عن ابن عباس " قال يرفع الحديث انه كان يمسك عن التلبية في العمرة إذا استلم الحجر "
- رواه الترمذي وصححه (5/45)
8 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال يلبي المعتمر حتى يستلم الحجر "
- رواه أبو داود (5/45)
- حديث السائب بن خلاد أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي عنه وابن حبان والحاكم والبيهقي وصححوه وأخرج نحوه الحاكم عن أبي هريرة مرفوعا وأحمد من حديث ابن عباس . وأخرج ابن أبي شيبة عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال " كان أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرفعون أصواتهم حتى تبح أصواتهم " وأخرج الترمذي وابن ماجة والحاكم من حديث أبي بكر الصديق أفضل الحج العج والثج " واستغر به الترمذي وحكي الدارقطني الاختلاف فيه وأشار الترمذي إلى نحوه من حديث جابر . ووصله أبو القاسم في الترغيب والترهيب ورواية متروك وهو إسحاق بن أبي فروة . وروى ابن المقري في مسند أبي حنيفة عن ابن مسعود نحوه : وأخرجه أبو يعلى . وحديث خزيمة في إسناده صالح ابن محمد بن أبي زائدة وهو مدني ضعيف وفيه أيضا إبراهيم بن أبي يحيى ولكنه قد تابعه عليه عبد الله بن عبيد الله الأموي أخرجه البيهقي والدارقطني . وحديث ابن عباس الأول في إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وفيه مقال وحديثه الثاني قال المنذري أخرجه الترمذي وقال صحيح وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى وقد تكلم فيه جماعة من الأئمة انتهى كلام المنذري . وليس في الترمذي إلا الحديث الأول والذي عزاه إليه المصنف وهو والذي بعده حديث واحد ولكنه لما اختلف لفظهما جعلهما المصنف حديثين . قوله " إن آمر أصحابي " الخ استدل به على استحباب رفع الصوت للرجل بالتلبية بحيث لا يضر نفسه وبه قال ابن رسلان . وخرج بقوله أصحابي النساء فإن المرأة لا نجهر بها بل تقتصر على إسماع نفسها . قال الروياني فإن رفعت صوتها لم يحرم لأنه ليس بعورة على المصحح بل يكون مكروها وكذا قال أبو لطيب وابن الرفعة وذهب داود إلى أن رفع الصوت واجب وهو ظاهر قوله فأمرني أن آمر أصحابي لا سيما وأفعال الحج وأقواله بيان لمجمل واجب هو قول الله تعالى { ولله على الناس حج البيت } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " : قوله " حتى رمى جمرة العقبة " فيه دليل على أن التلبية إذا دخل الحرم وهو مذهب ابن عمر لكن يعاود التلبية إذا خرج من مكة إلى عرفة . وقالت طائفة يقطعها إذا راح إلى المووقف رواه ابن المنذر وسعيد بن منصور بأسانيد صحيحة عن عائشة وسعد ابن أبي وقاص وعلي وبه قال مالك وقيده بزوال الشمس يوم عرفة وهو قول الأوزاعي والليث . وعن الحسن البصري مثله لكن قال إذا صلى الغداة يوم عرفة واختلف الأولون هل يقطع التلبية مع رمى أول حصاة وعند تمام الرمي فذهب جمهور إلى الأول وإلى الثاني أحمد وبعض أصحاب الشافعي ويدل لهم ما روى ابن خزيمة من طريق جعفر بن محمد عن أبيه عن علي بن الحسين عن ابن عباس عن الفضل قال " أفضت عمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من عرفات فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة ويكبر مع كل حصاة ثم قطع التلبية مع آخر حصاة " قال ابن خزيمة هذا حديث صحيح مفسرا لما أبهم في الروايات الأخرى وأن المراد حتى رمي جمرة العقبة أي أتم رميها انتهى . والأمر كما قال ابن خزيمة فإن هذه زيادة مقبولة خارجة من مخرج صحيح غير منافية للمزيد وقبولها متفق عليه كما تقرر في الأصول : قوله " حتى يستلم الحجر " ظاهره أن يلبي في حال دخول المسجد بعد رؤية البيت وفي حال مشية حتى يشرع في الاستلام ويستثنى منه الأوقات التي فيها دعاء مخصوص وقد ذهب إلى ما دل عليه الحديث من ترك التلبية عند الشروع في الاستلام أبو حنيفة والشافعي في الجديد وفال في القديم يلبي ولكنه يخفض صوته وهو قول ابن عباس وأحمد (5/45)
باب ما جاء في فسخ الحج إلى العمرة (5/46)
1 - عن جابر قال " أهللنا بالحج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة فكبر ذلك علينا وضاقت به صدورنا فقال يا أيها الناس أحلوا فلولا الهدى معي لفعلت كما فعلتم قال فأحللنا حتى وطئنا النساء وفعلنا كما يفعل الحلال حتى إذا كان يوم التروية وجعلنا مكة بظهر أهللنا بالحج "
- متفق عليه . وفي رواية " اهللنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالحج خالصا لا يخالطه شيء فقدمنا مكة لأربع ليال خلون من ذي الحجة فطفنا وسعينا ثم أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نحل وقال لولا هديىلحللت ثم قام سراقة بن مالك فقال يا رسول الله أرأيت متعتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد فقال بلى هي للأبد " رواه البخاري وأبو داود ولمسلم معناه (5/46)
2 - وعن أبي سعيد قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نصرخ بالحج صراخا فلما قدمنا مكة أمرنا أن نجعلها عمرة إلا من ساق الهدي فلما كان يوم التروية ورحلنا إلى منى أهللنا بالحج "
- رواه أحمد ومسلم (5/46)
3 - وعن أسماء بنت أبي بكر قالت " خرجنا محرمين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان معه هدي فليقم على إحرامه ومن لم يكن معه هدي فليحلل فلم يكن معي هدي فحللت وكان مع الزبير هدي فلم يحلل "
- رواه مسلم وابن ماجه . ولمسلم في رواية " قدمنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهلين بالحج " (5/47)
- قوله " وجعلنا مكة بظهر " أي جعلناها وراء أظهرنا وذلك عند إرادتهم الذهاب إلى منى : قوله " لا يخالطه شيء " يعني من العمرة ولا القران ولا غيرهما قوله " من ذي الحجة " بكسر الحاء على الأفصح . قوله : " أرأيت متعتنا هذه " أي أخبرني عن فسخنا الحج إلي عمرتنا هذه التي تمتعنا فيها بالجماع والطيب واللبس . قوله : " لعامنا هذا " أي مخصوصة به لا تجوز في غيره أم للأبد أي جميع الإعصار . ( وقد ستدل ) بهذه الأحاديث وبما يأتي بعدها مما ذكره المصنف من قال أنه يجوز فسخ الحج إلى العمرة لكل واحد وبه قال أحمد وطائفة من أهل الظاهر وقال مالك وأبو حنيفة والشافعي قال النووي وجمهور العلماء من السلف والخلف إن فسخ الحج إلى العمرة هو مختص بالصحابة في تلك السنة لا يجوز بعدها قالوا وإنما أمروا به في تلك السنة ليخالفوا ما كانت عليه الجاهلية من تحريم العمرة في أشهر الحج واستدلوا بحديث أبي ذر وحديث الحرث بن بلال عن أبيه وسيأتيان ويأتي الجواب عنهما قالوا ومعنى قوله للأبد جواز الاعتمار في أشهر الحج والقران فهما جائزان إلى يوم القيامة وأما فسخ الحج إلى العمرة فمختص بتلك السنة وقد عارض المجوزون للفسخ ما احتج به المانعون بأحاديث كثيرة عن أربعة عشر من الصحابة قد ذكر المصنف في هذا الباب منها أحاديث عشرة منهم وهم جابر وسراقة بن مالك وأبو سعيد وأسماء وعائشة وابن عباس وأنس وابن عمر والربيع بن سبرة والبراء وأربعة لم يذكر احاديثهم وهم حفصة وعلي وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو موسى . قال في الهدي وروى ذلك عن هؤلاء الصحابة طوائف من كبار التابعين حتى صار منقولا عنهم نقلا يرفع الشك ويوجب اليقين ولا يمكن أحد أن ينكره أو يقول لم يقع وهو مذهب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومذهب حبر الأمة وبحرها ابن عباس وأصحابه ومذهب أبو موسى الأشعري ومذهب أمام أهل السنة والحديث أحمد بن حنبل وأهل الحديث معه ومذهب عبد الله ابن الحسن العنبري قاضي البصرة ومذهب أهل الظاهر انتهى . واعلم إن هذه الأحاديث قاضية بجواز الفسخ . وقول أبي ذر لا يصلح للاحتجاج به عليها إنها مختصة بتلك السنة وبذلك الركب وغاية ما فيه أنه قول صحابي فيما هو مسرح للاجتهاد فلا يكون حجة على أحد على فرض أنه لم يعارضه غيره فكيف إذا عارضه رأي غيره من الصحابة كان عباس فإنه أخرج عنه مسلم أنه كان يقول " لا يطوف بالبيت حاج الاحل " وأخرج عبد الرزاق أنه قال من جاء مهلا بالحج فإن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى فقيل له إن الناس ينكرون ذلك عليك فقال هي سنة نبيهم وإن رغموا وكابى موسى فإنه كان يفتي بجواز الفسخ في خلافة عمر كما في صحيح البخاري على ان قول أبي ذر معارض بصريح السنة كما تقدم في جوابه صلى الله عليه وآله وسلم لسراقة بقوله للأبد لما سأله عن متعتهم تلك بخصوصها مشيرا إليها بقوله متعتنا هذه فليس في المقام متمسك بيد المانعين يعتد به ويصلح لنصبه في مقابلة هذه السنة المتواترة وأما حديث الحرث بن بلال عن أبيه فسيأتي أنه غير صالح للتمسك به على فرض أنفراده فكيف إذا وقع معارضا لأحاديث أربعة عشر صحابيا كلها صحيحة وقد أبعد من قال أنها منسوخة لأن دعوى النسخ تحتاج إلى نصوص صحيحة متأخرة عن هذه النصوص وأما مجرد الدعوى فأمر لا يعجز عنه أحد
وأما ما رواه البزار عن عمر أنه قال " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحل لنا المتعة ثم حرمها علينا " فقال ابن القيم إن هذا الحديث لا سند له ولا متن أما سنده فمما لا تقوم به حجة عند أهل الحديث وأما متنه فإن المراد بالمتعة فيه متعة النساء . ثم استدل على أن المراد ذلك بإجماع الأمة على أن متعة الحج غير محرمة ويقول عمر لو حججت لتمتعت كما ذكره الأثرم في سننه . ويقول عمر لما سئل . هل نهى عن متعة الحج فقال لا أبعد كتاب الله أخرجه عنه عبد الرزاق وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم " بل للأبد " فإن قطع لتوهم ورود النسخ عليها ( واستدل ) على النسخ بما أخرجه أبو داود " أن رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى عمر بن الخطاب فشهد عنده أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه الذي قبض فيه ينهي عن العمرة قبل الحج " وهو من رواية سعيد بن المسيب عن الرجل المذكور وهو لم يسمع من عمر وقال أبو سليمان الخطابي في إسناد هذا الحديث مقال وقد أعتمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل موته وجوز ذلك إجماع اهل العلم ولم يذكر فيه خلافا انتهى . إذا تقرر لك هذا علمت أن هذه السنة عامة لجميع الأمة وسيأتي في أخر هذا الباب بقية متمسكات الطائفتين وقد اختلف هل الفسخ على جهة الوجوب أو الجواز فما بعض إلى انه واجب قال ابن القيم في الهدى بعد أن ذكر الحديث البراء الأتي وغضبه صلى الله عليه وآله وسلم لما لم يفعلوا ما أمرهم به من الفسخ ونحن نشهد الله علينا أنا لو أحرمنا بحج لرأينا فرضا علينا فسخه إلى عمرة تفاديا من غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واتباعا لأمره فوالله ما نسخ هذا في حياته ولا بعده ولا صح حرف واحد يعارضه ولا خص به أصحابه دون من بعدهم بل أجرى الله على لسانة سراقة أن سأله هل ذلك مختص بهم فأجابه بأن ذلك كائن لا بد فما ندري ما يقدم على هذه الأحاديث وهذا الأمر المؤكد الذي غضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على من خالفه انتهى . والظاهر أن الوجوب رأي ابن عباس لقوله فيما تقدم أن الطواف بالبيت يصيره إلى عمرة شاء أم أبى (5/47)
4 - وعن الأسود عن عائشة قالت " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا نرى إلى أنه الحج فلما قدمنا تطوفنا بالبيت وأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن ساق الهدي أن يحل فحل من لم يكن ساق ونساؤه لم يسقن فأحللن قالت عائشة فحضت فلم أطف بالبيت وذكرت قصتها "
- متفق عليه (5/47)
5 - وعن ابن عباس قال " كانوا يرون العمرة في أشهر الحج من أفجر الفجور في الأرض ويجعلون المحرم صفر ويقولون إذا برأ الدبر وعفى الأثر وأنسلخ صفر حلت العمرة لمن اعتمر فقدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه صبيحة رابعة مهلين بالحج فأمرهم أن يجعلوها عمرة فتعاظم ذلك عندهم فقالوا يا رسول الله أي الحل قال حل كله "
- متفق عليه (5/48)
6 - وعنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه عمرة أستمتعنا به فلم يكن عند هدي فليحلل الحل كله فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (5/48)
7 - " وعنه أيضا " أنه سئل عن متعة الحج فقال أهل المهاجرون والأنصار وأزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع وأهللنا فلما قدمنا مكة قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اجعلوا أهلا لكم بالحج عمرة إلا من قلد الهدي فطفنا بالبيت وبالصفا والمروة أتينا النساء ولبسنا الثياب وقال من قلد الهدى فإنه لا يحل له حتى يبلغ الهدي محله ثم أمرنا عشية التروية أن نهل بالحج وإذا فرغنا من المناسك جئنا طفنا بالبيت وبالصفا والمروة فقد تم حجنا وعلينا الهدي كما قال تعالي { فما استيسر من الهدي فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم إلى أمصاركم }
- رواه البخاري (5/48)
- قوله " ولانرى إلى أنه الحج " في لفظ لمسلم ولا نذكر إلا الحج وظاهر هذا أن عائشة مع غيرها من الصحابة كانوا محرمين بالحج وقد تقدم قولها " فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة ومنا من أهل بالحج " فيحتمل أنها ذكرت ما كانوا يعتادونه من ترك الاعتمار في أشهر الحج فخرجوا لا يعرفون إلا الحج ثم بين لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وجوه الأحرام وجوز لهم الأعتمار في أشهر الحج : قوله " ونساؤه لم يسقن " أي الهدي . قوله " وذكرت قصتها " وهي كما في البخاري وغيره " فلما كانت لية الحصبة قلت يا رسول الله يرجع الناس بحجة وعمرة وأرجع أنا بحجة قال وما طفت ليالي قدمنا مكة قلت لافال فاذهبي مع أخيك إلى التنعيم فاهلي بعمرة ثم موعدك كذا وكذا فقالت صفية ما أراني الا حابستهم قال عقرا حلقا أو ما طفت يوم النحر قالت قلت بلى قال لا بأس انفري قالت عائشة فلقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو مصعد من مكة وأنا منهبطة عليها أو أنا مصعدة وهو منهبط منها " قوله من أفجر الفجور هذا من أباطيلهم المستندة إلى غير أصل كسائر أخاواتها قوله " ويجعلون المحرم صفر " قال في الفتح كذا هو في جميع الأصول من الصحيحين قال النووي كان ينبغي أن يكتب بالألف ولكن على تقدير حذفها لا بد من قراءته منصوبا لأنه مصروف بلا خلاف يعني والمشهور في اللغة الربعية كتابة المنصوب بغير الألف فلا يلزم من كتابته بغير ألف أن لا يصرف فيقرأ بالألف وسبقه عياض إلى نفي الخلاف فيه لكن في المحكم كان أبو عبيدة لا يصرفه فقيل لا يمنع الصرف حتى يجتمع علتان فما هما قال المعرفة والساعة وفسره المظفري بأن مراده بالساعة الزمان والأزمنة ساعات والساعات مؤنثة انتهى . وإنما جعلوا المحرم صفرا لما كانوا عليه من النسيء في الجاهلية فكانوا يسمون المحرم صفرا ويحلونه ويؤخرون تحريم المحرم لئلا يتوالى عليهم ثلاثة أشهر محرمة فيضيق عليهم فيها ما يعتادون من المقاتلة والغارة والنهب فضللهم الله عز و جل في ذلك فقال { إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا } قوله " إذا برأ الدبر " بفتح الدال المهملة والموحدة أي ما كان يحصل بظهور الأبل من الحمل عليها ومشقة السفر فإنه كان يبرأ عند انصرافهم من الحج : قوله " وعفا الأثر " أي اندرس أثر الأبل وغيرها في سيرها ويحتمل أثر الدبر المذكور وهذه الالفاظ تقرأ ساكنة الراو لإرادة السجع ووجه تعليق جواز الأعتمار بانسلاخ صفر مع كونه ليس من أشهر الحج أنهم لما جعلوا المحرم صفرا وكانوا لا يستقرون ببلادهم في الغالب ويبرأ دبرابلهم إلى عند انسلاخه ألحقوه بأشهر الحج على طريق التبعية وجعلوا أول أشهر الأعتمار شهر المحرم الذي هو في الأصل صفر والعمرة عندهم في غير أشهر الحج . قوله " قال حل كله " أي الحل الذي يجوز معه كل محظورات الأحرام حتى الوطء للنساء قوله هذه عمرة استمتعنا بها هذا من متمسكات من قال إن حجه صلى الله عليه وآله وسلم كان تمتعا وتأوله من ذهب إلى خلافه بأنه أراد من تمتع من أصحابه كما يقول الرجل الرئيس في قومه فعلنا كذا وهو لم يباشر ذلك وقد تقدم الكلام على حجه صلى الله عليه وآله وسلم . قوله " فإن العمرة قد دخلت في الحج إلى يوم القيامة " قيل معناه سقط فعلها بالدخول في الحد هو على قول من لا يرى العمرة واجبة وأما من يرى أنها واجبة فقال النووي قال أصحابنا وغيرهم فيه تفسير أن أحدهما معناه دخلت أفعال العمرة في الحج في أفعال الحج إذا جمع بينهما بالقران والثاني معناه لا بأس بالعمرة في أشهر الحج . قال الترمذي هكذا قال الشافعي وأحمد وإسحاق وهذه الأحاديث من أدلة القائلين بالفسخ وقد تقدم البحث في ذلك (5/49)
8 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بات بذي الحليفة حتى أصبح ثم أهل بحج وعمرة وأهل الناس بهما فلما قدمنا أمر الناس فحلوا حتى كان يوم التروية أهلوا بالحج قال ونحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم سبع بدنات بيده قياما وذبح بالمدينة كبشين أملحين "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود (5/49)
9 - وعن ابن عمر " قال قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة وأصحابه مهلين بالحج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شاء أن يجعلها عمرة إلا من كان معه الهدى قالوا يا رسول الله أيروج أحدنا إلى مني وذكره يقطر منيا قال نعم وسطعت المجامر "
- رواه أحمد (5/49)
- حديث ابن عمر قال في مجمع الزوائد رجال الصحيح وهو في الصحيح باختصار وهو من احاديث الفسخ التي قال ابن القيم كلها صحاح وهو أحد الأحاديث التي قال أحمد بن حنبل ان عنده في الفسخ أحد عشر حديثا صحاحا قوله " بات بذي الحليفة حتى أصبح " فيه استحباب المبيت بميقات الاحرام " قوله وأهل الناس بهما فيه استحباب أن تكون تلبية الناس بعد تلبية كبير القوم ولفظ أبي داود " ثم أهل الناس بهما " قوله " فحلوا " أي أمر من فسخ الحج إلى العمرة ممن كان معه أن يحل من عمرته : قوله " يوم التروية " هو اليوم الثامن من ذي الحجة كما تقدم : قوله " قياما " فيه استحباب نحر الأبل قائمة : قوله " وذبح بالمدية كبشين " فيه مشروعية الأضحية وسيأتي الكلام عليها إن شاء الله تعالى ويأتي إن شاء الله تعالى تفسير الاملح : قوله " وذكره يقطر منيا " فيه اشارة إلى قرب العهد بوطء النساء وفيه دليل على جواز استعمال الكلام في المبالغة . قوله " وسطعت المجامر " في رواية لابن أبي شيبة عن أسماء بنت أبي بكر ما لفظه " جئنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجاجا فجعلناها عمرة فحللنا الاحلال كله حتى سطعت المجامر بين الرجال والنساء " والمراد انهم تبخروا والبخور نوع من انواع الطيب (5/50)
10 - وعن الربيع بن سبرة عن أبيه قال " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى إذا كان بعسفان قال له سراقة بن مالك المدلجي يا رسول الله اقض لنا قوم كأنما ولدوا اليوم فقال إن الله عز و جل قد أدخل عليكم في حجكم عمرة فإذا قدمتم فمن تطوف بالبيت وبين الصفا والمروة فقد حل الا من كان معه هدي "
- رواه أبو داود (5/50)
11 - وعن البراء بن عازب قال " حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه قال فاحرمنا بالحج فلما قدمنا مكة قال اجعلوا حجكم عمرة قال فقال الناس يا رسول الله قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة قال انظروا ما آمركم به فافعلوا فردوا عليه القول فغضب ثم انطلق حتى دخل علىعائشة وهو غضبان فرأت الغضب في وجهه فقالت من أغضبك أغضبه الله قال ومالي لا أغضب وأنا آمر بالأمر فلا أبتع "
- رواه أحمد وابن ماجه (5/50)
- الحديث الأول سكت عنه أبو داود ورجاله رجال الصحيح والمنذري والحديث الثاني أخرجه أيضا أبو يعلى ورجاله رجال الصحيح كما قال في مجمع الزوائد وهو من الأحاديث في الفسخ التي صححها أحمد وابن القيم : قوله " بعسفان " قرية بين مكة والمدينة على نحو مرحلتين من مكة قال في الموطأ بين مكة وعسفان أربع برد : قوله " اقض لنا قضاء قوم كأنما ولدوا اليوم " أي أعلمنا كأنما وجدوا الآن وفي رواية لأبي داود كأنما وفدوا اليوم أي كأنما وردوا عليك الأن قوله " إلامن كان معه هدي " يعني فإنه لا يحل حتى يبلغ الهدي محله قوله " فغضب " استدل به من قال بوجوب الفسخ لأن الأمر لو كان أمر ندب لكان المأمور مخيرا بين فعله وتركه ولما كان يغضب رسول الله ؟ ؟ عند مخالفته لأنه لا يغضب الا لانتهاك حرمة من حرمات الدين لا لمجرد ما أرشد إليه على جهة الندب ولا سيما وقد قالوا له قد أحرمنا بالحج كيف نجعلها عمرة فقال لهم انظروا ما أمركم به فافعلوا فإن ظاهر هذا إن ذلك أمر حتم لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لو كان أمره ذلك لبيان الأفضل أو لقصد الترخيص لهم بين بعد هذه المراجعة إن ما أمرتكم به هو الأفضل أو قال لهم أني أردت الترخيص لكم والتخفيف عنكم (5/51)
12 - وعن ربيعة بن أبي عبد الرحمن عن الحرث بن بلال عن أبيه " قال قلت يا رسول الله سخ الحج خاصة أم للناس عامة قال بل لنا خاصة "
- رواه الخمسة إلى الترمذي وهو بلال بن الحرث المزني (5/51)
13 - وعن سليم بن الأسود إن أبا ذر كان يقول " فيمن حج ثم فسخها بعمرة لم يكن ذلك إلا للركب الذين كانوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود . ولمسلم والنسائي وابن ماجه عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي ذر " قال كانت المتعة في الحج لأصحاب محمد صلى الله عليه وآله وسلم خاصة " قال أحمد بن حنبل حديث بلال بن الحرث عندي ليس يثبت ولا أقول به ولا يعرف هذا الرجل يعني الحرث بن بلال وقال أرأيت لو عرف الحرث بن بلال الا أن أحد عشر رجلا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرون ما يرون من الفسخ أين يقع الحرث بن بلال منهم . وقال في رواية أبي داود ليس يصح حديث في أن الفسخ كان لهم خاصة وهذا أبو موسى الأشعري يفتي به في خلافة أبي بكر وشطرا من خلافة عمر . قلت ويشهد لما قاله قوله في حديث جابر " بل هي للأبد " وحديث أبي ذر موقوف وق خالفه أبو موسى وابن عباس وغيرهما (5/51)
- أما حديث بلال بن الحرث ففيه ما نقله المصنف عن أحمد . وقال المنذري إن الحرث يشبه المجهول . وقال الحافظ الحرث بن بلال من ثقات التابعين وقال ابن القيم نحن نشهد بالله إن حديث بلال بن الحرث هذا لا يصح عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو غلط عليه قال ثم كيف يكون هذا ثابتا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وابن عباس يفتي بخلافه ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص والعام واصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم متوافرون ولا يقول له رجل واحد منهم هذا كان مختصا بنا ليس لغيرنا انتهى . وقد روى عن عثمان مثل قول أبي ذر في اختصاص ذلك بالصحابة ولكنهما جميعا مخالفان للمروى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن ذلك للأبد بمحض الرأي وقدحمل ما قالاه على محامل . أحدها أنهما أرادا اختصاص وجوب ذلك بالصحابة وهو قول ابن تيمية حفيد المصنف لا مجرد الجواز والاستحباب فهو للأمة إلى يوم القيامة . وثانيهما أنه ليس لأحد بعد الصحابة أن يبتدئ حجا قارنا أو مفردا بلا هدى يحتاج معه إلى الفسخ ولكن فرض عليه أن يفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو التمتع لمن لم يسق الهدى والقران لمن ساقه وليس لأحد بعدهم أن يحرم بحجة مفردة ثم يفسخها أو يجعلها متعة وإنما ذلك خاص بالصحابة وهذان المحملان يعارضان ما حمل المانعون كلامهما عليه من أن المراد أن الجواز مختص بالصحابة إذا لم يكن الثاني منهما مرادا لهم راجحان عليه وأقل الأحوال أن يكون مساويين له فتسقط معارضة الأحاديث الصحيحة به . وأما ما في صحيح مسلم عن أبي ذر من أن المتعة في الحج كانت لهم خاصة فيرده اجماع المسلمين على جوازها إلى يوم القيامة فإن أراد بذلك متعة الفسخ ففيه تلك الاحتمالات ( ومن جملة ) ما احتج به المانعون من الفسخ أن مثل ما قاله عثمان وأبو ذر لا يقال بالرأي ويجاب بأن هذا من مواطن الأجتهاد ومما للرأي فيه مدخل على أنه قد ثبت في الصحيحين عن عمران بن حصين أنه قال " تمتعنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونزل القرآن فقال رجل برأية ما شاء " فهذا تصريح من عمران أن المنع من التمتع بالعمرة إلى الحج من بعض الصحابة إنما هو من محض الرأي فكما أن المنع من التمتع على العموم من قبيل الرأي كذلك دعوى اختصاص التمتع الخاص أعني به الفسخ بجماعة مخصوصة
( ومن جملة ) ماتمسك به المانعون من الفسخ حديث عائشة المتقدم حيث قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فمنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحج حتى قدمنا مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحرم بعمرة ولم يهد فليحل ومن أحرم بعمرة وأهدى فلا يحل حتى ينحر هديه ومن أهل بحج فليتم حجه " وهذا لفظ مسلم وظاهر أنه لم يأمر من حج مفردا بالفسخ بل أمره باتمام حجه . وأجيب عن ذلك بأن هذا الحديث غلط فيه عبد الملك ابن شعيب وأبوه شعيب أو جده الليث أو سيخه عقيل فإن الحديث رواه مالك ومعمر والناس عن الزهري عنها وبينوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر من لم يكن معه هدى إذا طاف وسعى أن يحل وقد خالف عبد الملك جماعة من الحفاظ فرووه على خلاف ما رواه قال في الهدى بعد أن ساق الروايات المخالفة لرواية عبد الملك فإن كان محفوظا يعني حديث عبد الملك فيتعين أن يكون قبل الأمر بالاحلال وجعله عمرة ويكون هذا أمرا زائدا قد طرأ على الأمر بالاتمام كما طرأ على التخيير بين الأفراد والتمتع والقران ويتعين هذا ولابد وإذا كان هذا ناسخا للأمر بالفسخ والأمر بالفسخ ناسخا للأذن في الأفراد فهذا محال قطعا فإنه بعد أن أمرهم بالحل لم يأمرهم بنقيضه والبقاء على الأحرام الأول وهذا باطل قطعا فيتعين ان كان محفوظا أن يكون قبل الأمر لهم بالفسخ لا يجوز غيره هذا البتة انتهى ( ومن متمسكاتهم ) ما في لفظ لمسلم من حديث عائشة أنها قالت " فأما من أهل بعمرة فحل وأما من أهل بحج أو جمع بين الحج والعمرة فلم يحل حتى كان يوم النحر " وأجيب بأن هذا من حديث أبي الأسود عن عروة عنها وقد أنكره عليه الحفاظ قال أحمد بن حنبل بعد أن ساقه أيش في هذا الحديث من العجب هذا خطأ فقلت له الزهري عن عروة عن عائشة بخلافه قال نعم وهشام بن عروة وقد أنكره ابن حزم وأنكر حديث يحيى بن عبد الرحمن ابن حاطب عن عائشة بنحوه عند مسلم وقال لإخفاء في نكرة حديث أبي الأسود ووهنه وبطلانه والعجب كيف جاز علي من رواه قال وأسلم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة أن تخرج روايتهما على أن المراد بقولها إن الذين أهلوا بحج أو بحج وعمرة لم يحلوا أنها عنت بذلك من كانت معه الهدى لأن الزهري قد خالفهما وهو أحفظ منهما وكذلك خالفهما غيره ممن له مزيد اختصاص بعائشة ثم أن حديثيهما موقوفان غير مسندين لأنهما إنما ذكرا عنها فعل من فعل ما ذكرت دون أن تذكر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم أن لا يحلوا ولا حجة في أحد دون النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلو صح ما ذكراه وقد صح أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من لا هدي معه بالفسخ فتمادى المأمورون بذلك ولم يحلوا لكانوا عصاة لله وقد أعاذهم الله من ذلك وبأهم منه قال فثبت يقيينا أن حديث أبي الأسود ويحيى إنما عني فيه من كان معه هدى وهكذا جاءت الأحاديث الصحاح بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أمر من معه الهدي بأن يجمع حجا مع العمرة ثم لا يحل حتى بحل منها جميعا
( ومن جملة ) ما تمسك به المانعون من الفسخ أنه إذا اختلف الصحابة ومن بعدهم في جواز الفسخ فالاحتياط يقتضي المنع منه صيانة للعبادة وأجيب بأن الاحتياط إنما يشرع إذا لم تتبين السنة فإذا ثبت فالاحتياط هوإتباعها وترك ما خالفها فإن الاحتياط نوعان احتياط للخروج من خلاف العلماء واحتياط للخروج من خلاف السنة ولا يخفى رجحان الثاني على الأول . قال في الهدي وأيضا فإن الاحتياط ممتنع فإن للناس في الفسخ ثلاثة أقوال على ثلاثة أنواع . أحدها أنه محرم . الثاني أنه واجب وهو قول جماعة من السلف والخلف . الثالث أنه مستحب فليس الاحتياط بالخروج من خلاف من حرمة أولى بالاحتياط من الخروج من خلاف من أوجبه وإذا تعذر الاحتياط بالخروج من الخلاف تعين الاحتياط بالخروج من خلاف السنة انتهى ومن متمسكاتهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرهم بالفسخ ليبين لهم جواز العمرة في أشهر الحج لمخالفته الجاهلية وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اعتمر قبل ذلك ثلاث عمر في أشهر الحج كما سلف وبأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين لهم جواز الاعتمار عند المبقات فقال من شاء أن يهل بعمرة فليفعل الحديث . في الصحيحين فقد علموا جوازها بهذا القول قبل الأمر بالفسخ ولو سلم أن الأمر بالفسخ لتلك العلة لكان أفضل لأجلها فيحصل المطلوب لأن ما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في المناسك لمخالفة أهل الشرك مشروع إلى يوم القيامة ولا سيما وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم أن عمرة الفسخ للأبد كما تقدم . وقد أطال ابن القيم في الهدي الكلام على الفسخ ورجح وجوبه وبين بطلان ما احتج به المانعون منه فمن أحب الوقوف على جميع ذيول هذه المسألة فليراجعه وإذا كان الموقع في مثل هذا المضيق هو إفراد الحج فالحازم المتحري لدينه الوقت الواقف عند مشتبهات الشريعة ينبغي له أن يجعل حجة من الابتداء تمتعا أو قرانا فرارا مما هو مظة البأس إلى مالا بأس به فإنه وقع في ذلك فالسنة أحق بالإتباع . وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل (5/52)
باب ما يجتنبه من اللباس (5/52)
1 - عن ابن عمر قال " سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يلبس المحرم قال لا يلبس المحرم القميص ولا العمامة ولا البرنس ولا السراويل ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران ولا الخفين إلا أن لا يجد نعلين فليقطعهما حتى يكونا أسفل من الكعبين "
- رواه الجماعة . وفي رواية لأحمد قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول هذا المنبر المحرم من الثياب " (5/52)
- قوله " ما يلبس المحرم قال لا يلبس " الخ قال النووي قال العلماء هذا الجواب من بديع الكلام لأن ما لا يلبس منحصرا فحصل التصريح به وأما الملبوس الجائز فغير منحصر فقال لا يلبس كذا أي ويلبس ما سواه قال البيضاوي سئل عما يلبس فأجاب بما ليس يلبس ليدل بالإلزام من طريق المفهوم على ما يجوز وإنما عدل عن الجواب لأنه أحضر وفيه إشارة إلى أن حق السؤال أن يكون عما لا يلبس لأنه الحكم العارض في الإحرام المحتاج إلى بيانه إذا الجواز ثابت بالأصل معلوم بالاستصحاب وكان اللائق السؤال عما لا يلبس وقال غيره هذا شبه الأسلوب الحكيم ويقرب منه قوله تعالى { يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم } الخ فعدل عن جنس المنفق وهو المسئول عنه إلى جنس المنفق عليه لأنه الأهم . قال ابن دقيق العيد يستفاد منه أن المعتبر في الجواب ما يحصل به المقصود كيف كان ولو بتغيير أو زيادة ولا يشترط المطابقة انتهى . وهذا كله مبني على الرواية التي فيها السؤال عن اللبس وأما على رواية الدارقطني المذكورة فليس من الأسلوب الحكيم وقد رواها كذلك أبو عوانة قال في الفتح وهي شاذة . وأخرجه أحمد وأبو عوانة وابن حبان في صحيحيهما بلفظ " أن رجلا قال يا رسول الله ما يجتنب المحرممن الثياب " وأخرجه أحمد بلفظ " ما يترك " وقد أجمعوا على أن هذا مختص بالرجل فلا يلحق به المرأة قال ابن المنذر أجمعوا على أن للمرأة لبس جميع ذلك وإنا تشترك مع الرجل في منع الثوب الذي مسه الزعفران أو الورس وسيأتي الكلام على ذلك : وقوله " لا يلبس " بالرفع على الخبر الذي في معنى النهي وروى بالجزم على النهي . قال عياض أجمع المسلمون على أن ما ذكر في هذا الحديث لا يلبسه المحرم وقد نبه بالقميص على كل مخيط وبالعمائم والبرنس على غيره وبالخفاف على كل ساتر قوله " ولا ثوبا مسه ورس ولا زعفران " الورس بفتح الواو وسكون الراء بعدها مهملة نبت أصفر طيب الرائحة يصبغ به . قال ابن العربي ليس الورس من الطيب ولكنه نبه به على اجتناب الطيب وما يشبهه في ملايمة الشم فيؤخذ منه تحريم أنواع الطيب على المحرم وهو مجمع عليه فيما يقصد به التطيب وظاهر قوله مسه تحريم ما صبغ كله أو بعضه ولكنه لا بد عند الجمهور ومن أن يكون للمصبوغ رائحة فإن ذهبت جاز لبسه خلافا لمالك : قوله " إلا أن يجد النعلين " في لفظ للبخاري زيادة حسنة بها يرتبط ذكر النعلين بما قبلهما وهي " وليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين فإن لم يجد النعلين فليلبس الخفين وفيه دليل على أن واجد النعلين لا يلبس الخفين المقطوعين وهو قول الجمهور . وعن بعض الشافعية جوازه والمراد بالوجدان القدرة على التحصيل . قوله " فليقطعها حتى يكونا أسفل من الكعبين " هما العظمان الناتئان عند مفصل الساق والقدم وقد تقدم الخلاف في ذلك . وظاهر الحديث أنه لافدية على لبسهما إذا لم يجد النعلين وعن الخنفية تجب وتعقب بأنها لوكانت واجبة لبينها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه وقت الحاجة وتأخير البيان عنه لا يجوز . واستدل به على أن القطع شرط لجواز لبس الخفين خلافا للمشهور عن أحمد فإنه أ ] از لبسهما من غير قطع لإطلاق حديث ابن عباس الآتي وأجاب عنه الجمهور بأن حمل المطلق على المقيد واجب وهو من القائلين به وقد تقدم التنبيه على هذا في باب ما يصنع من أراد الإحرام ويأتي تمام الكلام عليه في شرح حديث ابن عباس (5/53)
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تنتقب المرأة المحرمة ولا تلبس القفازين "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي والترمذي وصححه وفي رواية قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهي النساء في الإحرام عن القفازين والنقاب ومامس الورس والززعفران من الثياب " رواه أحمد وأبو داود وزاد " ولتلبس بعد ذلك ما أحبت من ألوان الثياب معصفرا أو خزا أو حليا أو سراويل أو قميص (5/53)
- الزييادة التي ذكرها أبو داود أخرجها أيضا الحاكم والبيهقي . قوله " لا تنتقب المرأة " نقل البيهقي عن الحاكم عن أبي على الحافظ أن قوله لا تنتقب من قول ابن عمر أدرج في الخبر وقال صاحب الإمام هذا يحتاج إلى دليل وقد حكى ابن المنذر الخلاف هل هو من قول ابن عمر أو من حديثه وقدر رواه مالك في الموطأ عن نافع عن ابن عمر موقوفا وله طرق في البخاري موصولة ومعلقة والانتقاب لبس غطاء للوجه فيه نقبان على العينين تنظر المرأة منهما . وقال في الفتح النقاب الخمار الذي يشد على الأنف أو تحت المحاجر . قوله " ولا تلبس القفازين " بضم القاف وتشديد الفاء وبعد الألف زاي ما تلبس المرأة في يديها فيغطى أصابعها وكفها عند معاناة الشيء كغزل ونحوه وهو لليد كالخف للرجل . قوله " وما مس الورس " الخ تقدم الكلام عليه في شرح الحديث الذي قبله . قوله " ولتلبس بعد ذلك ما أحبت " الخ ظاهره جواز لبس ما عدا ما اشتمل عليه الحديث من غير فرق بين المخيط وغيره والمصبوغ وغير وقد خالف مالك في المعصفر فقال بكراهته ومنع منه أبو حنيفة ومحمد وشبهاه بالمورس والمزعفر والحديث يرد ذلك ( واختلف العلماء ) أيضا في لبس النقاب فمنعه الجمهور وأجازته الحنفية وهو رواية عند الشافعية والمالكية وهو مردود بنص الحديث . قال في الفتح ولم يختلفوا في منعها من ستر وجهها وكفيها بما سوى النقاب والقفازين . قوله " أو حليا " بفتح الحاء وإسكان اللام وبضم الحاء مع كسر اللام وتشديد الياء لغتان قرئ بهما في السبع وهو ما تتحلى به المرأة من جلجل وسوار وتتزين به من ذهب أو فضة أو غير ذلك (5/53)
3 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يجد نعلين فليلبس خفين ومن لم يجد إزارا فليلبس سراويل "
- رواه أحمد ومسلم (5/54)
4 - وعن ابن عباس قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب بعرفات من لم يجد إزارا فليلبس سراويل ومن لم يجد نعلين فليلبس خفين "
- متفق عليه . وفي رواية عن عمر بن دينار " أن أبا الشعثاء أخبره عن ابن عباس أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يخطب يقول من لم يجد إزارا ووجد سراويل فليلبسها ومن لم يجد نعلين ووجد خفين فليلبسهما قلت ولم يقل قطعهما قال لا " رواه أحمد أحمد وهذا بظاهره ناسخ لحديث ابن عمر بقطع الخفين لأنه قال بعرفات في وقت الحاجة وحديث ابن عمر كان بالمدينة كما سبق في رواية أحمد والدارقطني (5/54)
- قوله " فليلبس خفين " تمسك بهذا الإطلاق أحمد فأجاز للمحرم لبس الخف والسراويل للذي لا يجد النعلين والإزار على حالهما واشترط الجمهور قطع الخف وفتق السراويل ويلزمه الفدية عندهم إذا لبس شيئا منهما على حاله لقوله في حديث ابن عمر المتقدم " فليقطعهما " فيحمل المطلق على المقيد ويلحق النظير بالنظير . قال ابن قدامة الأولي قطعهما عملا بالحديث الصحيح وخروجا من الخلاف . قال في الفتح والأصح عند الشافعية والأكثر جواز لبس السروايل بغير فتق كقول أحمد واشترط الفتق محمد بن الحسن وامام الحرمين وطائفة . وعن أبي حنيفة منع السراويل للمحرم مطلقا ومثله عن مالك ( والحديثان ) المذكوران في الباب يردان عليهما ومن أجاز لبس السراويل على حاله قيده بأن لا يكون على حالة لو فتقه لكان أزارا لأنه في تلك الحال يكون واجا للازار كما قال الحافظ وقد أجاب الحنابلة على الحديث الذي أحتج به الجمهور على وجوب القطع باجوبة منها دعوى النسخ كما ذكر المصنف لأن حديث ابن عمر كان بالمدينة قبل الأحرام وحديث ابن عباس كان بعرفات كما حكى ذلك الدارقطني عن أبي بكر النيسابوري . وأجاب الشافعي في الأم عن هذا فقال كلاهما صادق حافظ وزيادة ابن عمر لا تخالف ابن عباس لاحتمال أن تكون عزبت عنه أو شكل فيها أو قالها فلم ينقلها عنه بعض رواته انتهى . وسلك بعضهم طريقة الترجيح بين الحديثين قال ابن الجوزي حديث ابن عمر اختلف في وقفه ورفعه وحديث ابن عباس لم يختلف في رفعه ورد بأنه لم يختلف على ابن عمر في رفع الأمر بالقطع إلى في رواية شاذة وعورض بأنه اختلف في حديث ابن عباس فرواه ابن أبي شيبة بإسناد صحيح عن سعيد بن جبير عن ابن عباس موقوفا . قال الحافظ ولا يرتاب أحد من المحدثين إن حديث ابن عمر أصح من حديث ابن عباس لان حديث ابن عمر جاء بإسناد وصف بكونه أسح الأسانيد واتفق عليه عن ابن عمر غير واحد من الحفاظ منهم نافع وسالم بخلاف حديث ابن عباس فلم يأت مرفوعا لا من رواية جابر بن زيد عنه حتى قال الأصلي أنه شيخ مصري لا يعرف كذا قال وهو شيخ معروف موصوف بالفقه عند الأئمة . واستدل بعضهم بقياس الخف على السراويل في ترك القطع ورد بأنه مصادم للنص فهو فاسد الأعتبار واحتج بعضهم بقول عطاء ان القطع فساد والله لا يحب الفساد ورد بأن الفساد إنما يكون فيما نهى عنه الشارع لا فيما أذن فيه بل أوجبه . وقال ابن الجوزي يحمل الأمر بالقطع على الأباحة لا على الأشتراط عملا بالحديثين ولا يخفى أنه متكلف والحق أنه لا تعارض بين مطلق ومقيد لإمكان الجمع بينهما بحمل المطلق على المقيد والجمع ما أمكن هو الواجب فلا يصار إلى الترجيح ولو جاز المصير إلى الترجيح لإمكان ترجيح المطلق بأنه ثابت من حديث ابن عباس وجابر كما في الباب ورواية اثنين أرجح من رواية واحد (5/54)
4 - وعن عائشة قالت " كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محرمات فإذا حاذوا بنا سدلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها فإذا جاوزونا كشفناه "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (5/55)
5 - وعن سالم " أن عبد الله يعني ابن عمر كان يقطع الخفين للمرأة المحرمة ثم حدثته حديث صفية بنت أبي عبيد أن عائشة حدثتها أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان قد رخص للنساء في الخفين فترك ذلك "
- رواه أبو داود (5/55)
- الحديث الأول أخرجه ابن خزيمة وقال في القلب من يزيد بن أبي زياد ولكن ورد من وجه أخر ثم أخرج من طريق فاطمة بنت المنذر عن أسماء بنت أبي بكر وهي جدتها نحوه وصححه الحاكم قال المنذري قد أختار جماعة العمل بظاهر هذا الحديث وذكر الخطابي أن الشافعي علق القول فيه يعني على صحته ويزيد بن أبي زياد المذكور قد أخرج له مسلم في الخلاصة عن الذهبي أنه صدوق وقد أعل الحديث أيضا بأنه من رواية مجاهد عن عائشة وقد ذكر يحيى بن سعيد القطان وابن معين أنه لم يسمع منها . وقال أبو حاتم الرازي مجاهد عن عائشة مرسل وقد احتج البخاري ومسلم في صحيحيهما بأحاديث من رواية مجاهد عن عائشة . والحديث الثاني في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال مشهورقد قدمنا ذكره في أول هذا الشرح ولكنه لم يعنعن . قوله " فإذا حاذوا بنا " في نسخ المصنف هكذا فإذا حاذوا بنا . ولفظ أبي داود فإذا جازوا بنا بالزاي مكان الذال وفي التلخيص وغيره فإذا حاذونا . قوله " جلبابها " أي ملحفتها . قوله " من رأسها " تمسك به أحمد فقال إنما لها أن تسدل على وجهها من فوق رأسها ( واستدل ) بهذا الحديث على أنه يجوز للمرأة إذا احتاجت إلى ستر وجهها لمرور الرجال قريبا منها فإنها تسدل الثوب من فوق رأسها على وجهها لأن المرأة تحتاج إلى ستر وجهها فلم يحرم عليها ستره مطلقا كالعورة لكن إذا سدلت يكون الثوب متجافيا عن وجهها بحيث لا يصيب البشرة هكذا قال أصحاب الشافعي وغيرهم . وظاهر الحديث خلافه لأن الثوب المسدول لا يكاد يسلم من إصابة البشرة فلو كان التجافي شرطا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم . قوله " كان يقطع الخفين للمرأة " لعموم حديث ابن عمر المتقدم فإن ظاهره شمول الرجل والمرأة لولا هذا الحديث والإجماع المتقدم . قوله " فترك ذلك " يعني رجع عن فتواه وفيه دليل على أنه يجوز للمرأة أن تلبس الخفين بغير قطع (5/55)
باب ما يصنع من أحرم في قميص (5/56)
1 - عن يعلي بن أمية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءه رجل متضمخ بطيب فقال يا رسول الله كيف ترى في رجل أحرم في جبة بعدما تضمخ بطيب فنظر إليه ساعة فجاءه الوحي ثم سرى عنه فقال أين الذي سألني عن العمرة أنفا فالتمس الرجل فجئ به فقال أما الطيب الذي بك فأغسله ثلاث مرات وأما الجبة فأنزعها ثم أصنع في العمرة كل ما تصنع في حجك "
- متفق عليه . وفي رواية لهم " وهو متضمخ بالخلوق " وفي رواية لأبي داود " فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخلع جبتك فخلعها من رأسه " (5/56)
- قوله جاءه رجل " ذكر ابن فتحون عن تفسير الطرطوشي أن اسمه عطاء بن منية فيكون أخا يعلى بن منية لأنه يقال له يعلى بن منية بالمنية بضم الميم وسكون النون وفتح التحتية وهي أمه وقيل جدته . وقال ابن الملقن يجوز أن يكون هذا الرجل عمرو بن سواد وذكر الطحاوي أن الرجل هو يعلى بن أمية الراوي . قوله " ثم سرى عنه " بضم المهملة وتشديد الراء المكسورة أي كشف عنه . قوله " الذي بك " هو أعم من أن يكون بثوبه أو ببدنه ولكن ظاهر قوله وأما الجبة الخ أنه أراد الطيب الكائن في البدن . قوله " ثم اصنع في العمرة كل ماتصنع في حجك " فيه دليل على أنهم كانوا يعرفون اعمال الحج . قال ابن العربي كأنهم كانوا في الجاهلية يخلعون الثياب ويجتنبون الطيب في الإحرام إذا حجوا وكانوا يتساهلون في ذلك في العمرة فأخبره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن مجراها واحد . وقال ابن المنير قوله واصنع معناه اترك لأن المراد بيان ما يجتنبه المحرم فيؤخذ منه فائدة حسنة وهي أن الترك فعل وأما قول ابن بطال أراد الأدعية وغيرها مما يشترك فيه الحج والعمرة ففيه نظر لأن التروك مشتركة بخلاف الأعمال فإن في الحج أشياء زائدة على العمرة كالوقوف وما بعده . قال النووي كما قال ابن بطال وزاد ويستثنى من الأعمال ما يختص به الحج . وقال الباجي المأمور به غير نزع الثوب وغسل الخلوق لأنه صرح له بهما فلم يبق إلا الفدية كذا قال ولا وجه لهذا الحصر لانه قد ثبت عند مسلم والنسائي في هذا الحديث لفظ " ما كنت صانعا في حجك فقال انزع عني هذه الثياب وأغسل عني هذا الخلوق فقال ما كنت صانعا في حجك فاصنعه في عمرتك " قال الإسماعيلي ليس في حديث الباب أن الخلوق كان على الثوب وإنما فيه أن الرجل كان متصمخا . قوله " اغسل الطيب الذي بك " يوضح أن الطيب لم يكن على ثوبه وإنما كان على بدنه ولو كان على الجبة لكان في نزعها كفاية من جهة الاحرام ( واستدل ) بحديث الباب على منع استدامة الطيب بعد الاحرام للأمر بغسل أثره من الثوب والبدن وهو قول مالك ومحمد بن الحسن وأجاب الجمهور عنه بأن قصة يعلى كانت بالجعرانة وهي في سنة ثمان لا خلاف وقد ثبت عن عائشة أنها طيبت رسول الله بيدها عند احرامها وكان ذلك في حجة الوداع وهي سنة عشر بلا خلاف وإنما يؤخذ بالأمر الآخر فالآخر وبأن المأمور بغسله في قصة يعلى إنما هو الخلوق لا مطلق الطيب فلعل علة الأمر فيه ما خالطه من الزعفران وقد ثبت النهي عن تزعفر الرجل مطلقا محرما وغير محرم . وقد أجاب المصنف بهذا كما سيأتي وقد تقدم الكلام على ما يجوز من الطيب للمحرم ومالا يجوز في باب ما يصنع من أراد الاحرام ( وقد استدل ) بهذا الحديث على ان المحرم ينزع ما عليه من المخيط من قميص أو غيره ولا يلزمه عند الجمهور تمزيقه ولا شقة وقال النخعي والشعبي لا ينزعه من قبل رأسه لئلا يصير مغطيا لرأسه أخرجه ابن أبي شيبة عنهما وعن علي نحوه وكذا عن الحسن وأبي قلابة . ورواية أبي داود المذكورة في الباب ترد عليهم ( واستدل ) بالحديث أيضا على ان من أصاب طيبا في احرامه ناسيا أو جاهلا ثم علم فبادر إلى إزالته فلا كفارة عليه ولهذا قال المصنف رحمه الله تعالى وظاهره أن اللبس جهلا لا يوجب الفدية وقد احتج من منع من استدامة الطيب وإنما وجهه أنه أمره بغسله لكراهة التزعفر للرجل لا لكونه محرما متطيبا انتهى . وقال مالك إن طال ذلك عليه لزمه دم وعن أبي حنيفة وأحمد في رواية يجب مطلقا (5/56)
باب تظلل المحرم من الحر أو غيره والنهي عن تغطية الرأس (5/57)
1 - عن أم الحصين قالت " حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع فرأيت أسامة وبلالا وأحدهما آخذ بخطام ناقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآخر رافع ثوبه يستره من الحر حتى رمى جمرة العقبة " وفي رواية " حججنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجة الوداع فرأيته حين رمى جمرة العقبة وانصرف وهو على راحلته ومعه بلال وأسامة أحدهما يقود به راحلته والآخر رافع ثوبه على رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم يظله من الشمس "
- رواهما أحمد ومسلم (5/57)
2 - وعن ابن عباس " أن رجلا أو قصته راحلته وهو محرم فمات فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغسلوه بماء وسدر وكفنوه في ثوبيه ولا تخمروا وجهه ولا رأسه فإنه يبعث يوم القيامة ملبيا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه (5/57)
- قوله " يستره من الحر " وكذا قوله " يظله من الشمس " فيه جواز تظليل المحرم على رأسه بثوب وغيره من محمل وغيره وإلى ذلك ذهب الجمهور وقال مالك وأحمد لا يجوز ( والحديث ) يردعليهما وأجاب عنه بعض أصحاب مالك بأن هذا المقدار لا يكاد يدوم فهوكما أجاز مالك للمحرم أن يستظل بيده فإن فعل لزمته الفدية عند مالك وأحمد وأجمعوا على أنه لوقعد تحت خيمة أوسقف جاز . وقد احتج مالك وأحمد على منع التظلل بما رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر أنه أبصر رجلا على بعيره وهو محرم قد استظل بينه وبين الشمس فقال اضح لمن أحرمت له " وبما أخرجه البيهقي أيضا بإسناد ضعيف عن جاب مرفوعا " ما منمحرم يضحى للشمس حتى تغرب الا غربت بذنوبه حتى يعود كما ولدته أمه " قوله " واضح " بالضاد المعجمة وكذا يضحي والمراد ابرز للضحي قال الله تعالى { وأنك لا تظمأ فيها ولا يضحي } ويجاب بأن قول ابن عمر لا حجة فيه وبأن حديث جابر مع كونه ضعيفا لا يدل على المطلوب وهو المنع من التظلل ووجوب الكشف لأن غاية ما فيه أنه أفضل على أنه يبعد منه صلى الله عليه وآله وسلم أن يفعل المفضول ويدع الأفضل في مقام التبليغ : قوله " اغسلوه بماء وسدر " قد تقدم الكلام على هذا في كتاب الجنائز وساقه المصنف ههنا للاستدلال به على أنه لا يجوز تغطية رأسه ووجهه لأن التعليل بقوله فإنه يبعث ملبيا يدل على أن العلة الاحرام . قال النووي أما تخمير الرأس في حق المحرم الحي فمجمع على تحريمه . وأما وجهه فقال مالك وأبو حنيفة هو كرأسه وقال الشافعي والجمهور لا احرام في وجهه وله تغطيته وإنما يجب كشف الوجه في حق المرأة والحديث حجة عليهم وهكذا الكلام في المحرم الميت لا يجوز تغطيةرأسه عن الشافعي وأحمد وإسحاق وموافقيهم وكذلك لا يجوز أن يلبس المخيط لظاهر قوله فإنه يبعث ملبيا وخالف في ذلك مالك والأوزاعي وأبو حنيفة فقالوا يجوز تغطية رأسه والباسه المخيط والحديث يرد عليهم . وأماتغطية وجه من مات محرما فيجوز عند من قال بتحريم تغطية رأسه وتأولوا هذا الحديث على أن النهي عن تغطية وجهه ليس وجها أنما ذلك صيانة للرأس فإنهم لو غطوا وجهه لم يؤمن أن يغطوا رأسه وهذا تأويل لا يلجئ إليه ملجئ والكلام على بقية أطراف الحديث قد تقدم في الجنائز (5/58)
باب المحرم يتقلد بالسيف للحاجة (5/58)
1 - عن البراء قال " اعتمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه يدخل مكة حتى قاضاهم لا يدخل مكة سلاحا إلا في القراب " (5/58)
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خرج معتمرا فحال كفار قريش بينه وبين البيت فنحر هديه وحلق رأسه بالحديبية وقاضاهم على أن يعتمر العام المقبل ولا يحمل سلاحا عليهم إلا سيوفا ولا يقيم إلى ما أحبوا فاعتمر من العام المقبل فدخلها كما كان صالحهم فلما أن أقام بها ثلاثة أيام أمروه أن يخرج فخرج "
- رواهما أحمد والبخاري وهو دليل على أن للمحصر نحر هديه حيث أحصر (5/59)
- قوله " إلا في القراب " بكسر القاف هو وعاء يجعل فيه راكب البعير سيفه مغمدا ويطرح فيه الراكب سوطه واداته ويعلقه في الرحب وإنما وقعت المقاضاة بينه صلى الله عليه وآله وسلم وبينهم على أن يكون سلاح النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن معه في القرابات لوجهين ذكرهما أهل العلم . الأول أن لا يظهر منه حال دخوله دخول الغالبين القاهرين لهم . والثاني أنها عرضت فتنة أو غيرها يكون في الأستعداد للقتال بالسلاح صعوبة قاله أبو إسحاق السبيعي ( وفي الحديثين ) دليل على جواز حمل السلاح بمكة للعذر والضرورة لكن بشرط أن يكون في القراب كما فعله صلى الله عليه وآله وسلم فيخصص بهذين الحديثين عموم حديث جابر عند مسلم قال قال صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل لأحدكم أن يحمل بمكة السلاح " فيكون هذا النهي فيما عدا من حمله للحاجة والضرورة وإلى هذا ذهب الجماهير من أهل العلم على حلم السلاح لغير ضرورة ولا حاجة فإن كانت حاجة جاز قال وهذا مذهب الشافعي ومالك وعطاء قال وكرهه الحسن البصري تمسكا بهذا الحديث يعني حديث النهي قال وشذ عكرمة فقال إذا احتاج إليه حمله وعليه الفدية أراد إذا كان محرما وليس المغفرا والدرع ونحوهما فلا يكون مخالفا للجماعة انتهى . والحق ما ذهب إليه الجمهور لأن فيه الجمع بين الأحاديث وهكذا يخصص بحديثي الباب عموم قول ابن عمر المتقدم في كتاب العيد وادخلت الحرم فيكون مراده لم يكن السلاح يدخل الحرم لغير حاجة إلا للحاجة فإنه قد دخل صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة كما في دخوله يوم الفتح هو وأصحابه ودخوله صلى الله عليه وآله وسلم للعمرة كما في حديثي الباب اللذين أحدهما من رواية ابن عمر (5/59)
باب منع المحرم من ابتداء الطيب دون استدامته (5/59)
1 - في حديث ابن عمر " ولا ثوب مسه ورس ولا زعفران " وقال في المحرم الذي مات " لا تحنطوه " (5/60)
2 - وعن عائشة قالت " كأني انظر إلى وبيص الطيب في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعد أيام وهو محرم "
- متفق عليه . ولمسلم والنسائي وأبي داود " كأني أنظر إلى وبيص المسك في مفرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو محرم " (5/60)
3 - وعن عائشة قالت " كنا نخرج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى مكة فتضمد جباهنا بالمسك المطيب عند الاحرام فإذا عرقت أحدانا سال على وجهها فيراه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا ينهانا "
- رواه أبو داود (5/60)
4 - وعن سعيد بن جبير عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ادهن بزيت غير مقتت وهو محرم " (5/61)
5 - رواه أحمد وابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من حديث فرقد السبخي عن سعيد بن جبير وقد تكلم يحيى ين سعيد في فرقد وقد روى عنه الناس (5/61)
- حديث ابن عمر تقدم في باب ما يجتنبه المحرم من اللباس . وقله " لا تحنطوه " تقدم في باب تطييب بدن الميت من كتاب الجنائز . وحديث عائشة الثاني سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده رواته ثقات إلا الحسين بن الجنيد شيخ أبو داود وقد قال النسائي لا بأس به : قوله ابن حبان في الثقات مستقيم الأمر فيما يروى . وحديث ابن عمر في إسناده المقال الذي أشار إليه الترمذي ومن عدا فرقدا فيهم ثقات : قوله " كأني انظر إلى وبيص الطيب " قد تقدم الكلام على هذا تفسيرا وحكما في باب ما يصنع من أراد الاحرام وجزمنا هنالك بأن الحق أنه يحرم على المحرم ابتداء الطيب لا استمراره : قوله " فنضمد " بفتح الضاد المعجمة وتشديد الميم المكسورة أن نلطخ : قوله " بالسك " بضم السين المهملة وتشديد الكاف وهو نوع من الطيب معروف : قوله " فإذا عرقت " بكسر الراء : قوله " ولا ينهانا " سكوته صلى الله عليه وآله وسلم يدل على الجواز لأنه لا يسكت على باطل : قوله " غير مقتت " قال في القاموس زيت مقتت طبخ فيه الرياحين أو خلط بادهان طيبة وفيه دليل على جواز الادهان بالزيت الذي لم يخلط بشيء من الطيب . وقد قال ابن المنذر أنه أجمع العلماء على أنه يجوز للمحرم أن يأكل الزيت والشحم والسمن والشيرج وأن يستعمل ذلك في جميع بدنه سوي رأسه ولحيته قال وأجمعوا على أن الطيب لا يجوز استعماله في بدنه وفرقوا بين الطيب والزيت في هذا وقد تقدم مثل هذا النقل عن ابن المنذر والكلام على هذا الباب قد مر فلا نعيده (5/61)
باب النهي عن أخذ الشعر إلا لعذر وبيان فديته (5/62)
1 - عن كعب بن عجرة قال " كان بي أذى من رأسي فحملت إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والقمل يتناثر على وجهي فقال ما كنت أرى أن الجهد قد بلغ منك ما أرى اتد شاة قلت لا فنزلت الآية ففدية من صيام أو صدقة أو نسك قال هو صوم ثلاثة أيام أو اطعام ستة مساكين نصف صاع نصف صاع طعاما لكل مسكين "
- متفق عليه . وفي رواية " أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية فقال كأن هو ام رأسك تؤذيك فقلت أجل قال فاحلقه واذبح شاة أو صم ثلاثة أيام أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين " . رواه أحمد ومسلم وأبو داود . ولأب داود في رواية " فدعاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لي أحلق رأسك وصم ثلاثة أيام أو أطعم ستة مساكين فرقا من زبيب أو أنسك شاة فحلقت رأسي ثم نسكت " (5/62)
- قوله " ما كنت أرى أن الجهد " بضم الهمزة أي أظن والجهد بالفتح المشقة قال النووي والضم لغة في المشقة أيضا وكذا حكاه القاضي عياض عن ابن دريد وقال صاحب المغنى بالضم الطاقة وبالفتح الكلفة فيتعين الفتح هنا . قوله " قد بلغ منك ما أرى " بفتح الهمزة من الرؤية : قوله " نصف صاع " في رواية عن شعبة نصف صاع طعام وفي أخرى عن أبي ليلى نصف صاع من زبيب . وفي رواية أيضا عن شعبة نصف صاع حنطة قال ابن حزم لا بد من ترجيح إحدى هذه الروايات لأنها قصة واحدة في مقم واحد في حق رجل واحد قال في الفتح المحفوظ عن شعبة أنه قال في الحديث نصف صاع من طعام والاختلاف عليه في كونه تمرا أو حنطة لعله من تصرف الرواة وأما الزبيب فلم أره إلى في رواية الحكم . وقد أخرجه أبو داود وفي إسنادها محمد بن إسحاق وهو حجة في المغازي لا في الأحكام إذا خالف والمحفوظ رواية التمر وقد وقع الجزم عند مسلم وغيره من طريق أبي قلابة كما وقع في الباب حيث قال أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين ولم يختلف على أبي قلابة وكذا أخرجه الطبراني من طريق الشعبي عن كعب وأحمد من طريق سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني ومن طريق شعبة وداود عن الشعبي عن كعب وكذا في حديث عبد الله بن عمر وعند الطبراني وعرف بذلك قوة قول من قال لا فرق في ذلك بين التمر والحنطة وإن الواجب ثلاثة آصع لكل مسكين نصف صاع . قوله " هوام رأسك " الهوام بتشديد الميم جمع هامة وهي ما يدب من الأحناش والمراد بها ما يلازم جسد الإنسان غالبا إذا طال عهده بالتنظيف وقد وقع في كثير من الروايات أنها القمل . قوله ( فرقا ) الفرق ثلاثة آسع كما وقع عند الطبراني من طريق يحيى بن آدم عن ابن عيينة فقال فيه قال سفيان والفرق ثلاثة آصع وفيه إشعار بأن تفسير الفرق مدرج لكنه مقتضي الروايات الأخر كما في رواية سليمان بن قرم عن ابن الأصبهاني عند أحمد بلفظ " لكل مسكين نصف صاع " وفي رواية يحيى بن جعدة عند أحمد أيضا " أو أطعم ستة مساكين مدين " : قوله " أو نسك شاة " لاختلاف بين العلماء إن النسك المذكور في الآية هو شاة لكنه يعكر عليه ما أخرجه أبو داود عن كعب " أنه أصابه أذى فحلق رأسه فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يهدي بقرة " وفي رواية للطبراني " فأمره النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يفتدي فافتدى ببقرة " وكذا لعبد بن حميد وسعيد بن منصور . قال الحافظ وق عارض هذه الروايات ما أصح منها من أن الذي أمر به كعب وفعله في النسك إنما هو شاة وروى سعيد بن منصور وعبد بن حميد عن أبي هريرة " أن كعبا ذبح شاة لاذى كان أصابه " وهذا أصوب من الذي قبله واعتمد ابن بطال على رواية نافع عن سليمان بن يسار قال أخذ كعب بأرفع الكفارات ولم يخالف النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيما أمر به من ذبح الشاة بل وافق وزاد وتعقبه الحافظ بأن الحديث الدال على الزيادة لم يثبت (5/62)
باب ما جاء في الحجامة وغسل الرأس للمحرم (5/63)
1 - عن عبد الله بن بحينة قال " احتجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو محرم بلحى جمل من طريق مكة في وسط رأسه "
- متفق عليه (5/63)
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهومحرم "
- متفق عليه . وللبخاري " احتجم في رأسه وهو محرم من وجع كان به بماء يقال له لحى الجمل " (5/63)
3 - وعن عبد الله بن حنين " إن ابن عباس والمسور بن مخرمة اختلفا بالأبواء ابن عباس فقال ابن عباس يغسل المحرم رأسه وقال المسور لا يغسل المحرم رأسه قال فارسلني ابن عباس إلى أبي أيوب الأنصاري فوجدته يغتسل بين القرنين وهويستر بثوب فسلمت عليه فقال من هذا فقلت أنا عبد الله بن حنين أرسلني إليك ابن عباس يسألك كيف كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يغتسل وهو محرم قال فوضع أبو أيوب يده على الثوب فطأطأه حتى بدا لي رأسه ثم قال لانسان يصب عليه الماء أصبب فصب على رأسه ثم حرك رأسه بيديه فأقبل بهما وأدبر فقال هكذا رأيته صلى الله عليه وآله وسلم يفعل "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (5/64)
- قوله " وهو محرم " زاد في رواية للبخاري بعد قوله محرم لفظ صائم : قوله " بلحى جمل " بفتح اللام وحكى كسرها وسكون المهملة وفتح الجيم والميم موضع بطريق مكة كما وقع مبينا في الرواية الثانية وذكر البكري في معجمه أنه الموضع الذي يقال له بئر جمل وقال غيره هو عقبة الجحفة على سبعة أميال من السقيا ووهم من ظن أن المراد به لحى الجمل الحيوان المعروف وأنه كان آلة الحجم وجزم الحازمي وغيره بأن ذلك كان في حجة الوداع قوله " في وسط " بفتح المهملة أي متوسطه وهو ما فوق اليافوخ فيما بين أعلى القرنين قال الليث كانت هذه الحجامة في فاس الرأس . قال النووي إذا أراد المحرم الحجامة لغير حاجة فإن تضمنت قطع شعر فهي حرام وإن لم تتضمنه جازت عند الجمهور وكرهها مالك وعن الحسن فيها الفدية وإن لم يقطع شعرا فإن كان لضرورة جاز قطع الشعر وتجب الفدية وخص أهل الظاهر الفدية بشعر الرأس . وقال الداودي إذا أمكن مسك المحاجم بغير حلق لم يجز الحلق واستدل بهذا الحديث على جواز الفصد وربط الجرح والدمل وقطع العرق وقلع الضرس وغير ذلك من وجوه التداوي إذا لم يكن في ذلك ارتكاب ما نهى المحرم عنه من تناول الطيب وقطع الشعر ولا فدية عليه في شيء من ذلك . قوله " بالأبواء " أي وهما نازلان بها وفي رواية العرج بفتح أوله واسكان ثانيه قرية جامعة قريبة من الابواء . قوله " بين القرنين " أي قرني البئر : قوله " أرسلني إليك ابن عباس " الخ قال ابن عبد البر الظاهر أن ابن عباس كان عند في ذلك نص من النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذه عن أبي أيوب أو عن غيره ولهذا قال عبد الله بن حنين لأبي أيوب يسألك كيف كان يغسل رأسه ولم يقل هل كان يغسل رأسه أولا على حسب ما وقع فيه اختلاف المسور وابن عباس : قوله " فطأطأه " أي أزاله عن رأسه . وفي رواية للبخاري " جمع ثيابه إلى صدره حتى نظرت إليه " : قوله " لانسان " قال الحافظ لم أقف على اسمه : قوله " فقال هكذا رأيته صلى الله عليه وآله وسلم يفعل " زاد في رواية للبخاري فرجعت إليهما فأخبرتهما فقال المسور لابن عباس لا أماريك أبدا أي لا أجادلك ( والحديث ) يدل على جواز الأغتسال للمحرم وتغطية الرأس باليد حاله قال ابن المنذر أجمعوا على أن للمحرم أن يغتسل من الجنابة واختلفوا فيما عدا ذلك وروى مالك في الموطأ عن نافع أن ابن عمر كان لا يغسل رأسه وهو محرم إلا من الاحتلام وروى عن مالك أنه كره للمحرم أن يغطي رأسه في الماء . وللحديث فوائد ليس هذا موضع ذكرها (5/64)
باب ما جاء نكاح المحرم وحكم وطئه (5/64)
1 - عن عثمان بن عفان " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ينكح المحرم ولا ينكح ولا يخطب "
- رواه الجماعة إلا البخاري وليس للترمذي فيه " ولا يخطب " (5/65)
2 - وعن ابن عمر " أنه سئل عن امرأة أراد أن يتزوجها رجل وهو خارج مكة فأراد أن يعتمر أو يحج فقال لا تتزوجها وأنت محرم نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عنه "
- رواه أحمد (5/65)
3 - وعن أبي غطفان عن أبيه عن عمر " أنه فرق بينهما يعني رجلا تزوج وهو محرم "
- رواه مالك في الموطأ والدارقطني (5/65)
4 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو محرم "
- رواه الجماعة . وللبخاري " تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ميمونة وهو محرم وبني بها وهو حلال وماتت بسرف " (5/66)
5 - وعن يزيد بن الأصم عن ميمونة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج بها حلالا وبنى بها حلالا وماتت بسرف قدفناها في الظلة التي بنى بها فيها "
- رواه أحمد والترمذي . ورواه مسلم وابن ماجه . ولفظهما " تزوجها وهو حلال قال وكانت خالتي وخالة ابن عباس " وأبو داود ولفظه قالت " تزوجني ونحن حلالان بسرف " (5/66)
6 - وعن أبي رافع " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة حلالا وبنى بها حلالا وكنت الرسول بينهما "
- رواه أحمد والترمذي ورواية صاحب القصة والسفير فيها أولى لأنه اخبر وأعرف بها . وروى أبو داود أن سعيد بن المسيب قال وهم ابن عباس في قوله تزوج ميمومة وهو محرم " (5/66)
- حديث ابن عمر في إسناده أيوب بن عتبة وهو ضعيف وقد وثق وحديث أبي رافع قال الترمذي حديث حسن ولا نعلم أحدا أسنده غير حماد بن زيد عن مطر الوراق عن ربيعة قال وروى مالك بن أنس عن ربيعة عن سليمان بن يسار " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تزوج ميمونة وهو حلال " رواه مالك مرسلا وقول سعيد بن المسيب أخرجه أبو داود وسكت عنه هو والمنذري وفي إسناده رجل مجهول . قوله " يا ينكح المحرم ولا ينكح " الأول بفتح الياء وكسر الكاف أي لا يتزوج لنفسه والثاني بضم الياء وكسر الكاف أي لا يزوج امرأة بولاية ولا وكالة في مدة الاحرام : قال العسكري ومن فتح الكاف من الثاني فقد صحف : قوله " ولا يخطب " أي لا يخطب المرأة وهو طلب زواجها وقيل لا يكون خطيبا في النكاح بين يدي العقد والظاهر الأول : قوله " تزوج ميمونة وهو محرم " أجيب عن هذا بأنه مخالف لرواية أكثر الصحابة ولم يروه كذلك إلا ابن عباس كما قال عياض ولكنه متعقب بأنه قد صح من رواية عائشة وأبي هريرة نحوه كما صرح بذلك في الفتح وأجيب ثانيا بأنه تزوجها في أرض الحرم وهو حلال فأطلق ابن عباس على من في الحرم أنه محرم وهو بعيد وأجيب ثالثا بالمعارضة برواية ميمونة نفسها وهي صاحبة القصة وكذلك برواية أبي رافع وهو السفير وهما أخبر بذلك كما أخبر المصنف وغيره لكنه يعارض هذا المرجع أن ابن عباس روايته مصثبتة وهي أولى من النافعية ويجاب بأن رواية ميمونة وأبي رافع أيضا مثبتة لوقوع عقد النكاح والنبي صلى الله عليه وآله وسلم حلال وأجيب رابعا أن غاية حديث ابن عباس أ ه حكاية فعل وهي لا تعارض صريح القول أعني النهي عن أن ينكح المحرم أو ينكح ولكن هذا إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وهو ممكن ههنا على فرض أن رواية ابن عباس أرجح من رواية غيره وذلك بأن يجعل فعله صلى الله عليه وآله وسلم مخصصا له من عموم ذلك القول كما تقرر في الأصول في جواز تخصيص العام المتأخر بالخاص المتقدم كما هو المذهب الحق أو جعل العام المتأخر ناسخا كما ذهب إليه البعض . إذا تقرر هذا فالحق أن يحرم أن يتزوج المحرم أو يزوج غيره كما ذهب إليه الجمهور وقال عطاء وعكرمة ولأخل الكوفة يجوز للمحرم أن يتزوج كنما يجوز له أن يشتري جارية للوطء وتعقب بأنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار . وظاهر النهي عدم الفرق بين من يزوج غيره بالولاية الخاصة أو العامة كالسلطان والقاضي . وقال بعض الشافعية والإمام يحيى أ ه يجوز أن نزوج المحرم بالولاية العامة وهو تخصيص لعموم النص بلا مخصص : قوله " بسرف " بفتح المهملة وكسر الراء موضع معروف : قوله ( في الظلة ) بضم الظاتء وتشديد اللام كل ما أظل من الشمس : قوله " التي بنى فيها " أي التي زفت إليه فيها : قوله " وهم ابن عباس " هذا هو أحد الأجوبة التي أجاب بها الجمهور عن حديث ابن عباس (5/67)
7 - وعن عمر وعلي وأبي هريرة " أنهم سئلوا عن رجل أصاب أهله وهو محرم بالحج فقالوا ينفذان لوجههما حتى يقضيان حجهما ثم عليهما حج قابل والهدي قال علي فإذا أهلا بالحج من عام قابل تفرقا حتى يقضيا حجهما " (5/67)
8 - وعن ابن عباس أنه " سئل عن رجل وقع بأهله وهو بمنى قبل أن يفيض فأمره أن ينحر بدنه "
- والجميع لمالك في الموطأ (5/67)
- أثر عمر وعلي وأبي هريرة هو في الموطأ كما قال المصنف ولكنه ذكره بلاغا عنهم وأسنده البيهقي من حديث عطاء عن عمر وفيه إرسال ورواه سعيد بن منصور عن مجاهد عن عمر وهو منقطع . وأخرجه ابن أبي شيبة أيضا عنه . وعن علي وهو منقطع أيضا بين الحكم وبينه . وأثر ابن عباس رواه البيهقي من طريق أبي بشر عن رجل من بني عبد الدار عنه وفيه أن أبا بشر قال لقيت سعيد بن جبير فذكرت ذلك له فقال هكذا كان ابن عباس يقول ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند أحمد أنه سئل عن رجل وامرأة حاجين وقع عليهما قبل الإفاضة فقال ليحجا قابلا . وعن ابن عمرو بن العاص عن الدارقطني والحاكم والبيهقي نحو قول ابن عمر وقد روى نحو هذه الأثار مرفوعا عند أبي داود في المراسيل من طريق يزيد بن نعيم " أن رجلا من جذام جامع امرأته وهما محرمان فسألا النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اقضيا نسكا واهديا هديا " قال الحافظ رجاله ثقات مع إرساله . ورواه ابن وهب في موطئه من طريق سعيد بن المسيب مرسلا . وأثر على المذكور في الباب في التفريق أخرج نحوه البيهقي عن ابن عباس موقوفا وروى ابن وهب في موطئه عن سعيد بن المسيب مرفوعا مرسلا نحوه وفيه ابن هليعة وهو عند أبي داود في المراسيل بسند معضل : قوله " حتى يقضيا حجهما " استدل به من قال أنه يجب المضي في فاسد الحج وهم الأكثر وقال داود لا يجب كالصلاة . قوله " ثم عليهما حج قابل " استدل به من قال أنه يجب قضاء الحج الذي فسدوهم الجمهور : قوله " والهدي " تمسك به من قال أن كفارة الوطء شاة لأنها أقل ما يصدق عليه الهدي وهو مروي عن أبي حنيفة والناصر ويدل على ما قالاه قوله صلى الله عليه وآله وسلم " واهديا هديا " كما في مرسل أبي داود المذكور . وذهب الجمهور إلى أنها تجب بدنة على الزوج وبدنة على الزوجة ويجب بدنة الزوجة على الزوج أذا كانت مكرهة لا مطاعة . وقال أبو حنيفة ومحمد على الزوج مطلقا . وقال الشافعي في أحد قوليه عليهما هدى واحد لظاهر الخبر و الأثر . وقال الأمام يحيى بدنه المرأة عليها إذا لم يفصل الدليل : قوله " تفرقا حتى يقضيا حجهما " . فيه دليل على مشروعية التفرق وقد حكى ذلك في البحر عن علي وابن عباس وعثمان والعترة وأكثر الفقهاء وأختلفوا هل واجب أم لا فذهب أكثر العترة وعطاء ومالك والشافعي في أحد قوليه إلى الوجوب . وذهب الإمام يحيى والشافعي في أحد قوليه إلى الندب . وقال أبو حنيفة لا يجب ولا يندب ( واعلم ) إنه ليس في الباب من المرفوع ما تقوم به الحجة والموقوف ليس بحجة فمن لم يقبل المرسل ولا رأى حجية أقوال الصحابة فهو في سعة عن التزام هذه الأحكام وله في ذلك سلف صالح كداود الظاهري (5/68)
باب تحريم قتل الصيد وضمانه بنظيره (5/68)
- قال الله تعالى { فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم } الآية (5/68)
1 - وعن جابر قال " جعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الضبع يصيبه المحرم كبشا وجعله من الصيد "
- رواه أبو داود وابن ماجه (5/69)
- الحديث أخرجه أيضا بقية أهل السنن وابن حبان وأحمد والحاكم في المستدرك قال الترمذي سألت عنه البخاري فصصحه وكذا صححه عبد الحق وقد أعل بالوقف وقال البيهقي هو حديث جيد تقوم به الحجة ورواه عن جابر عن عمر وقال لا أراه الا رفعه رواه الشافعي موقوفا وصحح وقفه من هذا الوجه الدارقطني ورواه من وجه آخر هو والحاكم مرفوعا ( وفي الباب ) عن ابن عباس عن الدارقطني والبيهقي قال البيهقي روى موقوفا عن ابن عباس والأية الكريمة أصل أصيل في وجوب الجزاء على من قتل صيدا وهو محرم ويكون الجزاء مماثلا للمقتول ويرجع في ذلك إلى حكم عدلين كما ذهب إليه مالك وهو ظاهر الآية وقيل أنه لا يرجع إلى حكم العدلين إلا فيما لا مثل له وأما فيما له فيرجع فيه إلى ما حكم به السلف وإلا يحكم فيه السلف رجع إلى ما حكم به عدلان واختلف في أي شيء تعتبر المماثلة فقيل في الشكل أو الفعل وقيل في القيمة ( والحديث يدل ) على أن الضبع صيد وإن فيه كبشا (5/69)
2 - وعن محمد بن سيرين " إن رجلا جاء إلى عمر بن الخطاب فقال إني أجريت أنا وصاحب لي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى فقال عمر لرجل بجنبه تعال حتى نحكم أنا وأنت فقال فحكما عليه بعنز فولي الرجل وهو يقول هذا أمير المؤمنين لا يستطيع أن يحكم في ظبي حتى دعا رجلا فحكم معه فسمع عمر قول الرجل فدعاه فسأله هل تقرأ سورة المائدة فقال لا فقال هل تعرف هذا الرجل الذي حكم معي فقال لو أخبرتني أنك سورة المائدة لأوجعتك ضربا ثم قال إن الله عز و جل يقول في كتابه { يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة } وهذا عبد الرحمن بن عوف "
- رواه مالك في الموطأ (5/69)
3 - وعن جابر " إن عمر قضي في الضبع بكبش في الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة "
- رواه مالك في الموطأ (5/70)
4 - وعن الأجلح بن عبد الله عن أبي الزبير عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " في الضبع إذا أصابه المحرم كبش وفي الظبي شاة وفي الأرنب عناق وفي اليربوع جفرة قال والجفرة التي قد أرتعت "
- رواه الدارقطني . قال ابن معين الأجلح ثقة وقال ابن عدي صدوق فقال أبو حاتم لا يحتج بحديثه (5/70)
- الأثر الأول رواه مالك في الموطأ عن عبد الملك بن قريب عن محمد بن سيرين وعبد الملك بن قريب هو الأصمعي وهو ثقة . والأثر الثاني لم يذكر مالك في الموطأ قوله عن جابر بل رواه عن أبي الزبير إن عمر بن الخطاب قضى في الضبع الخ وأخرجه أيضا الشافعي بسند صحيح عن عمر وأخرج البيهقي عن ابن عباس أنه قضى في الأرنب بعناق . وروى عنه الشافعي من طريق الضحاك أنه قضى بالأرنب بشاة . وأخرج البيهقي عن ابن مسعود أنه قضى في اليربوع بجفرة . ورواه الشافعي عنه من طريق مجاهد وروى أبو يعلى عن عمر وقال لا أراه إلا رفعه أنه حكم في الضبع بشاة وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع جفرة وفي الظبي كبش . وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر أنه قضى في الأرنب ببقرة . وروى إبراهيم الحربي في الغريب عن ابن عباس أنه قضى في اليربوع بحمل والحمل ولد الضان الذكر . وحديث جابر أخرجه أيضا البيهقي وأبو يعلى وقالا عن جابر رفعه وأما الدارقطني فرواه من طريق إبراهيم الصائغ عن عطاء عن جابر يرفعه . وكذلك الحاكم . ورواه الشافعي عن مالك عن أبي الزبير موقوفا على جابروصحح وقفه الدارقطني من هذا الوجه كما سلف في أول الباب : قوله " فحكما عليه بعنز " قد وافقهما على ذلك علي وعثمان وابن عباس وابن عمر وجفرة وزيد بن ثابت وابن الزبير وكذلك وافقوا عمر في إيجاب عناق في الأرنب وجفرة في اليربوع كما حكى ذلك المهدي في البحر عنهم وهو موافق لما في حديث جابر المرفوع المذكور في الباب إلا في الظبي فإنه أوجب فهي شاة ولكنها قد تطلق الشاة على المعز . قال في القاموس الشاة الواحدة من الغنم للذكر والأنثى أو يكون من الضان والعز والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش انتهى . قوله " جفرة " الجفرة بفتح الجيم هي الأنثى من ولد الضان التي بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها والعنز بفتح المهملة وسكون النون بعدها زاي الأنثى من المعز الجمع أعنز وعنوز وعناز (5/70)
باب منع المحرم من أكل لحم الصيد إلى إذا لم يصد لاجله ولا أعان عليه (5/71)
1 - عن الصعب بن جثامة أنه اهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حمارا وحشيا وهو بالابواء أو بودان فرده عليه فلما رأى ما في وجهه قال انا لم نرده عليك إلا انا حرم "
- متفق عليه . ولأحمد ومسلم لحم حمار وحش (5/71)
2 - وعن زيد بن أرقم وقال له ابن عباس يستذكره " كيف أخبرتني عن لحم صيد أهدى إلى رسول الله وهو حرام فقال أهدي له عضو من لحم صيد فرده وقال أنا لا نأكله اناحرم "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (5/71)
- قوله " حمارا وحشيا " هكذا رواية مالك ولم تختلف عنه الرواة في ذلك وتابعه على ذلك عامة الرواة عن الزهري وخالفهم ابن عيينة فقال لحم حمار وحش كما وقع في الرواية الأخيرة وبين الحميدي أنه كان يقول حمار وحش ثم صار يقول لحم حمار وحش فدل على اضطرابه فيه . قال في الفتح وقد توبع على قوله لحم حمار وحش من أوجه فيها مقال ثم ساقها ولكنه يقوي ما رواه ابن عيينة حديث ابن عباس المذكور في الباب وقد أخرج مسلم من وجه آخر عن ابن عباس إن الذي أهداه الصعب بن جثامة لحم حمار وأخرجه مسلم أيضا من طريق حبيب ابن أبي ثابت عن سعيد تارة حمار وحش وتارة شق حمار قوله " بالأبواء " بفتح الهمزة وسكون الموحدة وبالمد جبل من أعمال الفرع بضم الفاء والراء بعدها مهملة قيل سمي بالأبواء لوبائه وقيل لأن السيول تتبوؤه أي تحله . قوله " أو بودان " شك من الراوي وهو بفتح الواو وتشديد الدال آخره نون موضع بقرب الجحفة . قوله " فرده " اتفقت الروايات كلها على أنه رده عليه كما قال الحافظ إلا ما رواه ابن وهب والبيهقي من طريقه بإسناد حسن من طريق عمرو بن أمية أن الصعب أهدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عجز حمار وحش وهو بالجحفة فأكل منه وأكل القوم قال البيهقي إن كان هذا محفوظا حمل على أنه رد الحي وقيل اللحم . قال الحافظ وفي هذا الجمع نظر فإن الطرق كلها محفوظة فلعله رده حيا لكونه صيد لأجله ورد اللحم تارة لذلك وقبله أخرى حيث لم يصد لأجله وقد قال الشافعي في الأم أن كان الصعب اهدي له حمارا حيا فليس للمحرم أن يذبح حمار وحش حي وان كان أهدى له لحما فقد يحتمل أن يكون قد علم أنه صيد له انتهى . ويحتمل أن يكون القبول المذكور في حديث عمرو بن أمية في وقت آخر وهو وقت رجوعه صلى الله عليه وآله وسلم من مكة إلى المدينة . قال القرطبي يحتمل أن يكون الصعب أحضر الحمار مذبوحا ثم قطع منه عضوا بحضرة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقدمه له فمن قال أهدى حمارا أراد بتمامه مذبوحا لا حيا ومن قال لحم حمار أراد ما قدمه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحتمل أن يكون من قال حمارا أطلق وأراد بعضه مجازا ويحتمل أنه أهداه له حيا فلما رده عليه ذكاه وأتاه بعضو منه ظانا أنا إنما رده عليه لمعنى يختص بجملته فاعلمه أن حكم الجزء من الصيد حكم الكل والجمع مهما أمكن أولى من توهيم بعض الروايات : قوله " انا لم نرده عليك " قال في الفتح قال القاضي عياض ضبطناه في الروايات بفتح الدال وأبي ذلك المحققون من أهل العربية وقالوا الصواب أنه بضم الدال لأن المضاعف من المجزوم يراعي فيه الواو التي توجبها ضمه الهاء بعدها قال وليس الفتح بغلط بل ذكره ثعلب في الفصيح نعم تعقبوه عليه بأنه ضعيف وأجازوا فيه الكسر وهو أضعف الأوجه وهي لغة حكاها الأخفش عن بني عقيل وإذا وليه ضمير المؤنث نحو درها فالفتح لازم اتفاقا كذا قال النووي : ووقع في رواية الكشميهني لم نردده بفك الأدغام وضم الأولى وسكون الثانية ولا اشكال فيه . قوله " الا أنا حرم " زاد النسائي " لانأكل الصيد " وفي حديث ابن عباس " انا لا نأكله اناحرم " وقد استدل بهذا من قال بتحريم الأكل من لحم الصيد على المحرم مطلقا لأنه أقتصر في التعليل على كونه محرما فدل على أنه سبب الامتناع خاصة وهو قول علي وابن عباس وابن عمر والليث والثوري وإسحاق والهادوية واستدلوا أيضا بعموم قوله تعالى { وحرم عليكم صيد البر } ولكنه يعارض ذلك حديث طلحة وحديث البهزي وحديث أبي قتادة وستأتي هذه الأحاديث . وقال الكوفيون وطائفة من السلف أنه يجوز للمحرم أكل لحم الصيد مطلقا وتمسكوا بالأحاديث التي ستأتي وكلا المذهبين يستلزم اطراح بعض الأحاديث الصحيحة لا موجب والحق ما ذهب إليه الجمهور من الجمع بين الأحاديث المختلفة فقالوا أحاديث القبول محمولة على ما يصيده الحلال لنفسه ثم يهدى منه للحرم وأحاديث الرد محمولة على صاد الحلال لأجل المحرم قالوا والسبب بالأقتصار على الاحرام عند الأعتذار للصعب أن الصيد لا يحرم على المرء إذا صيد له إلا إذا كان محرما فاقتصر عن تبيين الشرط وسكت عما عداه فلم يدل على نفيه ويؤيد هذا الجمع حديث جابر الآتي (5/72)
3 - وعن علي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى ببيض النعام فقال انا قوم حرم أطعموه أهل الحل "
- رواه أحمد (5/72)
4 - وعن عبد الرحمن بن عثمان بن عبد الله التيمي وهو ابن أخي طلحة قال كنا مع طلحة ونحن حرم فأهدى لنا طير وطلحة راقد فمنا من أكل ومنا من تورع فلم يأكل فلما استيقظ طلحة وفق من أكله وقال أكلناه مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (5/72)
- حديث علي أخرجه أيضا البزار وفي إسناده علي بن زيد وفيه كلام وقد وثق وبقية رجاله رجال الصحيح وهو حديث طويل هذا طرف منه : قوله " أطعموه أهل الحل " لا بد من تقييد هذا الأطلاق بما سلف من اعتبار القصد بأن ذلك للمحرم فيحمل هذا على أنه أخذ البيض قاصدا بأن ذلك لأجل المحرمين جمعا بين الأدلة . وكذلك لابد من تقييد حديث طلحة بأن لا يكون من أهدى لهم الطير صاده لأجلهم وقد اختلف فيما يلزم المحرم إذا أصاب بيضة نعام فقال أبو حنيفة وأصحابه والشافعي أنه يجب فيها القيمة وقال مالك في رواية عنه قيمة عشر بدنة وقال الشافعي في رواية عنه قيمة عشر النعامة . وقال الهادي يجب فيها صوم يوم واستدل من قال بأن الواجب القيمة بما أخرجه عبد الرزاق والدارقطني والبيهقي من حديث كعب بن عجرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في بيض نعامة أصابه محرم بقيمته " وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وشيخه حسين بن عبد الله وهما ضعيفان . وأخرجه ابن ماجه والدارقطني من حديث أبي المهزم وهو أضعف منهما . واستدل الهادي بما أخرجه الشافعي وأبو داود والدارقطني والبيهقي من حديث عائشة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حكم في بيض النعام في كل بيضة صيام يوم " قال عبد الحق لا يسند من وجه صحيح وفي إسناد أبي داود رجل لم يسم وأخرج نحوه الدارقطني من حديث أبي هريرة وهو من طريق ابن جريج عن أبي الزناد ولم يسمع منه كما قال أبو حاتم والدارقطني . قوله " ابن عبد الله التيمي " كذا في نسخ المنتقى والصواب ابن عبيد الله مصغرا : قول " وفق من أكله " أي صوبه كذا في شرح مسلم ويحتمل أن يكون معناه دعاله بالتوفيق (5/73)
5 - وعن عمير بن سلمة الضمري عن رجل من بهرز " أنه خرج مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يريد مكة حتى إذا كانوا في بعض وادي الروحاء وجد الناس حمار وحش عقيرا فذكروه للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أقروه حتى يأتي صاحبه فأتى البهزي وكان صاحبه فقال يا رسول الله شأنكم هذا الحمار فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر فقسمه في الرفاق وهم محرمون قال ثم مررنا حتى إذا كنا بالاثاية إذا نحن بظبي حاقف في ظل فيه سهم فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا أن يقف عنده حتى يخبر الناس عنه "
- رواه أحمد والنسائي ومالك في الموطأ (5/73)
- الحديث صحيح ابن خزيمة وغيره كما قال في الفتح : " أقروه " أي اتركره قوله " فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبا بكر " الخ ينبغي أن يقيده هذا الأطلاق بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أن البهزي لم يصده لأجلهم بقرينة حال او مقال للجمع بين الأدلة كم تقدم : قوله " في الرفاق " جمع رفقة : قوله " بالأثاية " بضم الهمزة وكسرها بعدها ثاء مثلثة وبعد الألف تحتية موضع بين الحرمين فيه مسجد نبوي أو بئر دون العرج قال في القاموس هو بضم الهمزة ويثلث : قوله " حاقف " قال في القاموس الحاقف الرابض في حقف من الرمل أو يكون منطويا كالحقف وقد انحنى وتثنى في نومه وهو بين الحقوف انتهى : قوله " فأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ إنما لم يأذن لمن معه بأكله لأمرين . أحدهما أنه حي وهو لا يجوز للمحرم ذبح الصيد الحي . الثاني أن صاحبه الذي رماه صار أحق به فلا يجوز أكله إلا بإذن ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم في حمار البهزي " أقروه حتى يأتي صاحبه للهرب أما لضعف فيه أو لجناية أصابته أن يأمر من يحفظه من أصحابه (5/73)
6 - وعن أبي قتادة قال " كنت يوما جالسا مع رجال من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في منزل في طريق مكة و رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أمامنا والقوم محرمون وأ ا غير محرم علم الحديبية فأبصروا حمارا وحشيا وأنا مشغول أخصف نعلي فلم يؤذونوني وأحبوا لو أني أبصرته فالتفت فأبصرته فقمت إلى الفرس فاسرجته ثم ركبت ثم ركبت ونسيت السوط والرمح فقلت لهم ناولوني السوط والرمح قالوا والله لا نعينك عليه فغضبت فنزلت فأخذتهما ثم ركبت فشددت على الحمار فعقرته ثم جئت به وقد مات فوقعوا فيه يأكلونه ثم أ هم شكوا في أكلهم إياه وهم حرما فرحنا وخبأت العضد معي فأدركنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسألناه عن ذلك فقال هل معكم منه شيء فقلت نعم فناولته العضد فأكلها وهو محرم "
- متفق عليه . ولفظه للبخاري ولهم في رواية " هو حلال فكلوه " ولمسم " هل أشار إليه إنسان أو أمره بشيء قالوا لا قال فكلوه " وللبخاري " قال منكم أحد أمره أن يحمل عليها أو أشار إليها قالوا لا قال فكلوا ما بقي من لحمها " (5/74)
- قوله " أما منا " بفتح الهمزة قوله " عام الحديبية " هذا هو الصواب ووقع في رواية للبخاري " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم خرج حاجا " وهو غلط كما قال الإسماعيلي فإن القصة كانت في العمرة . وقال الحافظ لا غلط في ذلك بل هو من المجاز الشائع وأيضا فالحج في الأصل القصد للبيت فكأنه قال خرج قاصدا للبيت ولهذا يقال للعمرة الحج الأصغر . قوله " والله لا نعنيك " زاد أبو عوانة إنا محرمون وفيه دليل على أنهم قد كانوا علموا أنه يحرم على المحرم الإعانة على قتل الصيد . قوله " وخبأت " وفي رواية للبخاري فحملنا ما بقي من لحم الأتان " قوله " فكلوه " صيغة الأمر هنا للإباحة لا للوجوب لأنها وقعت جوابا عن سؤالهم عن الجواز لا عن الوجوب فوقعت على مقتضى السؤال : قوله " قال منكم أحد " الخ في رواية للبخاري قال أمنكم بزيادة الهمزة ولفظ مسلم هل منكم أحد أمره . فيه دليل على مجرد الأمر من المحرم للصائد بأن يحمل على الصيد والإشارة منه مما يوجب عدم الحل لمشاركته للصائد : قوله " أن يحمل عليها أو أشار إليها " الضمير راجع إلى الإتان لأنه لا يطلق إلا على الأنثى وهي مذكورة في رواية البخاري ولفظه فرأينا حمر وحش فحمل عليها أبو قتادة فعقر منها أتانا فنزلنا فأكلنا من لحمها ثم قلنا أنأكل لحم صيد ونحن محرموم فحملنا ما بقي من لحمها قال منكم أحد أمره الخ والروايات متفقة على إفراد الحمار بالرؤية وأفاد هذه الرواية أن الحمار من جملة حمروان المقتول كان أتانا أي أنثي لقوله فعقر منها أتانا ( والحديث ) في فوائد منها أنه يحل للمحرم لحم ما يصيده الحلال إذ لم يكن صاده لأجله ولم يقع منه إعانة له وقد تقدم الخلاف في ذلكز ومنها أن مجرد محبة المحرم أن يقع بين الحلال الصيد فيأكل منه غير قادحة في إحرامه ولا في حل الأكل منه . ومنها إنعقر الصيد ذكاته وسيأتي الكلام عليه إن شاء الله تعالى . ومنها جواز الاجتهاد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبالقرب منه (5/74)
7 - وعن أبي قتادة قال " خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زمن الحديبية فأحرم أصحابي ولم أحرم فرأيت حمارا فحملت عليه فاصطدته فذكرت شأنه لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكرت أني لم أكن أحرمت وإني إنما اصطدته لك فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه فأكلوا ولم يأكل منه حين أخبرته أني إصطدته له "
- رواه أحمد وابن ماجه بإسناد جيد . قال أبو بكر النيسابوري قوله أني إصطدته لك وأنه لم يأكل منه لا أعلم أحدا قاله في هذا الحديث غير معمر (5/74)
- الحديث أخرجه أيضا الدارقطني والبيهقي وابن خزيمة وقد قال بمثل مقالة النيسابوري التي ذكرها المصنف ابن خزيمة والدارقطني والجوزقي . قال ابن خزيمة إن كانت هذه الزيادة محفوظة أحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم أكل من لحم ذلك الحمار من قبل أن يعلمه أبو قتادة أنه إصطاده من أجله فلما علن امتنع وفي نظر أنه لو كان حراما عليه صلى الله عليه وآله وسلم ما أقره الله تعالى على الأكل حتى يعلمه أبو قتادة لأنه صاده لأجله ويحتمل أن يكون ذلك لبيان الجواز وأن الذي يحرم على المحرم إنما هو الذي يعلم أنه صيد من أجله وأما إذا أتى بلحم لا يدري ألحم صيد أم لا وهل صيد لأجله أم لا فحله على أصل الإباحة فلا يكون حراما عليه عند الأكل ولكنه يبعد هذا ما تقدم من أنه لم يبق إلا العضد . وقال البيهقي هذه الزيادة غريبة يعني قوله أني إصطدته لك قال والذي في الصحيحين أنه أكل منه . وقال النووي في شرح المهذب يحتمل أنه جرى لأبي قتادة في تلك السفرة قصتان قال ابن حزم
لا يشك أحد لأن أبا قتادة لم يصد الحمار إلا لنفسه ولإصحابه وهم محرمون فلم يمنعهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم من أكله وكأنه يقول بأنه يحل صيد الحلال للمحرم مطلقا وهو أحد أقوال السابقة . وقال ابن عبد البركان إصطياد أبي قتادة الحمر لنفسه لا لاصحابه وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجه أبا قتادة على طريق البحر مخافة العدو فلذلك لم يكن محرما عند اجتماعه بأصحابه لأن مخرجهم لم يكن واحدا . قال الأثرم كنت أسمع أصحاب الحديث يتعجبون من هذا الحديث ويقولون كيف جاز لأبي قتادة مجاورة الميقات بلا احرام ولا يدروز ما وجهه حتى رأيته مفسرا في حديث عياض عن أبي سعيد قال خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأحرمنا لما كان مكان كذا وكذا إذا نحن بأبي قتادة كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه في شيء سماه فذكر حديث الحمار الوحشي انتهى . والحديث من جملة أدلة الجمهور القائلين بأنه يحرم صيد الحلال على المحرم إذا صاده لأجله ويحل له إذا لم يصده لأجله ولهذا لما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه صاده لأجله لم يأكل منه وأمر أصحابه بالأكل (5/75)
8 - وعن جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال صيد البر لكم حلال وأنتم حرم مالم تصيدوه أو يصد لكم "
- رواه الخمسة إلى ابن ماجه : وقال الشافعي هذا أحسن حديث روي في هذا الباب وأقيس (5/75)
- الحديث أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي وهو من رواية عمرو بن أبي عمر ومولى المطلب بن عبد الله بن حنطب عن مولاه المطلب عن جابر وعمرو مختلف فيه مع كونه من رجال الصحيحين ومولاه قال الترمذي لا يعرف له سماع من جابر وقال في موضع آخر قال محمد لا أعرف له سماعا من أحد من الصحابة إلى قوله حدثني من شهد خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . وقد رواه الشافعي عن عمرو عن رجل من الأنصار عن جابر . ورواه الطبراني عن عمرو وعن المطلب عن أبي موسى وفي إسناده يوسف بن خالد السمتي وهو متروك ورواه الخطيب عن مالك عن نافع عن ابن عمر وفي إسناده عثمان ابن خالد المخزومي وهو ضعيف جدا ( هذا الحديث ) صريح في التفرقة بين أن يصيده المحرم أو يصيده غيره له وبين أن لا يصيده المحرم ولا يصاد له بل يصيده الحلال لنفسه ويطعمه المحرم ومقيد لبقية الأحاديث المطلقة كحديث الصعب وطلحة وأبي قتادة ومخصص لعموم الآية المتقدمة (5/75)
باب صيد الحرم وشجره (5/76)
1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتح مكة إن هذا البلد حرام لا يعضد شوكه ولا يختلى خلاه ولا ينفر صيده ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف فقال العباس إلا الاذخر فإنه لابد لهم منه فإنه للقيون والبيوت فقال إلا الاذخر " (5/76)
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فتح مكة قال لا ينفر صيدها ولا يختلى شوكها ولا تحل ساقطتها الا لمنشد فقال العباس الاذخر فانا نجعله لقبورنا وبيوتنا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلا الاذخر "
- متفق عليهما . وفي لفظ لهم " لا يعضد شجرها بدل قوله لا يختلى شوكها " (5/76)
- قوله " لا يعضد شوكها " بضم أوله وسكون المهملة وفتح الضاد المعجمة أي لا يقطع . وفي رواية للبخاري " ولا يعضد بها شجرة " قال القرطبي خص الفقهاء الشجر المنهى عنه بما ينبته الله تعالى من غير آدمي فأما ما ينبت بمعالجة آدمي فاختلف فيه الجمهور على الجواز . وقال الشافعي في الجميع الجزاء ورجحه ابن قدامة واختلفوا في جزاء ما قطع من النوع الأول فقال مالك لاجزاء فيه بل يأثم وقال عطاء يستغفر . وقال أبو حنيفة بقيمته هدى . وقال الشافعي في العظيمة بقرة وفيما دونها شاة . قال ابن العربي اتفقوا على تحريم قطع شجر الحرم الا ان الشافعي أجاز قطع السواك من فروع الشجرة كذا نقله أبو ثور عنه وأجاز أيضا أخذ الورق والثمر إذا كان لا يضرها ولا يهلكها وبهذا قال عطاء ومجاهد وغيرهما وأجازوا قطع الشوك لكونه يؤذي بطبعه فأشبه الفواسق ومنعه الجمهور لنهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك كما في حديثي الباب والقياس مصادم لهذا النص فهو فاسد الاعتبار وهوأيضا قياس غير صحيح لقيام الفارق فإن الفواسق المذكورة تقصد بالأذى بخلاف الشجر قال ابن قدامة ولا بأس بالانتفاع بما انكسر من الأغصان وانقطع من الشجر من غير صنيع الآدمي ولا بما يسقط من الورق نص عليه أحمد ولا نعلم فيه خلافا انتهى : قوله " ولا يختلى خلاه " الخلا بالخاء المعجمة مقصور وذكر ابن التين أنه وقع في رواية القابسي بالمد وهو الرطب من النبات واختلاؤه قطعه واحتشاشه واستدل به على تحريم رعيه لكونه أشد من الاحتشاش وبه قال مالك والكوفيون واختاره الطبري وتخصيص التحريم بالرطب اشارة إلى جواز رعي اليابس وجواز اختلائه وهو أصح الوجهين للشافعية لأن اليابس كالصيد الميت . قال ابن قدامة لكن في استثناء الاذخر اشارة إلى تحريم اليابس ويدل عليه إن في بعض طرق حديث أبي هريرة ولا يحتش حشيشها قال وأجمعوا على إباحة أخذ ما استنبته الناس في الحرم من بقل وزرع ومشموم فلا بأس برعيه واختلائه . قوله " ولا ينفر صيده " بضم أوله وتشديد الفاء المفتوحة قيل هو كناية عن الأصطياد وقيل على ظاهره . قال النووي يحرم التنفير وهو الأزعاج عن موضعه فإن نفره عصى تلف أولا وإن تلف في نفارة قبل سكونه ضمن وإلا فلا قال قال العلماء يستفاد من النهي عن التنفير تحريم الاتلاف بالأولى . قوله " ولا تلتقط لقطته إلا لمعرف " وكذلك قوله في الحديث الثاني " ولا تحل ساقطتها إلا المنشد " يأتي الكلام على هذا في اللقطة إن شاء الله تعالى . قوله " إلا الاذخر " بكسر الهمزة وسكون الذال المعجمة وكسر الخاء المعجمة أيضا : قال في الفتح نبت معروف عند أهل مكة طيب الريح له أصل مندفن وقضبان دقاق ينبت في السهل والحزن وأهل مكة يسقفون به البيوت بين الخشب ويسددوه به الخلل بين اللبنات في القبور . ويجوز في قوله إلا الاذخر الرفع على البدل مما قبله والنصب على الأستثناء واستدل به على جواز الأجتهاد منه صلى الله عليه وآله وسلم وعلى جواز الفصل بين المستثني والمستثنى منه والكلام في ذلك معروف في الأصول واستدل به أيضا على جواز النسخ قبل الفعل وهو ليس بواضح كما قال الحافظ : قوله " فإنه للقيون " جمع قين وهو الحداد . قوله " لقبورنا وبيوتنا " قد سلف بيان الانتفاع به في القبور والبيوت (5/77)
3 - وعن عطاء " أن غلاما من قريش قتل حمامة من حمام مكة فأمر ابن عباس أن يفدى عنه بشاة "
- رواه الشافعي (5/77)
- الأثر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبيهقي من طرق . وفي الباب عن جماعة من الصحابة منهم علي عند الشافعي وابن عمر عند ابن أبي شيبة وعن عمر وعثمان عند الشافعي وابن أبي شيبة فهؤلاء قضى كل واحد منهم بشاة في الحمامة وقد روى مثل ذلك عن جماعة من التابعين كعاصم بن عمر رواه عنه الشافعي والبيهقي وسعيد بن المسيب رواه عنه البيهقي وعن نافع ابن عبد الحرث رواه عنه الشافعي وروى عن مالك أنه قال في حمام الحرم الحزاء وفي حمام الحل القيمة (5/77)
باب ما يقتل من الدواب في الحرم والاحرام (5/78)
1 - عن عائشة قالت " أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل خمس فواسق في الحل والحرام الغراب والحدأة والعقرب الفأرة والكلب العقور "
- متفق عليه (5/78)
2 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال خمس من الدواب ليس على المحرم في قتلهن جناح الغراب والحدأة والعقرب والفأرة والكلب العقور "
- رواه الجماعة إلا الترمذي . وفي لفظ " خمس لا جناح على من قتلهن في الحرم والاحرام الفأرة والعقرب والغراب والحديا والكلب العقور " رواه أحمد ومسلم والنسائي (5/78)
3 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر محرما بقتل حية بمنى "
- رواه مسلم (5/79)
4 - وعن ابن عمر وسئل ما يقتل الرجل من الدواب وهو محرم فقال حدثني احدي نسوة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يأمر بقتل الكلب العقور والفأرة والعقرب والحدأة والغراب والحية "
- رواه مسلم (5/79)
5 - وعن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال خمس كلهن فاسقة يقتلهن المحرم ويقتلن في الحرم الفأرة والعقرب والحية والكلب العقور والغراب "
- رواه أحمد (5/79)
- حديث ابن عباس أورده في التخيص وسكت عنه وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي إسناده ليث ابن أبي سليم وهو ثقة ولكنه مدلس : قوله " خمس " ذكر الخمس يفيد بمفهومه نفي هذا الحكم عن غيرها وليس بحجة ولكنه عند الأكثر وعلى تقديره اعتبار فيمكن أن يكون قاله صلى الله عليه وآله وسلم أولا ثم بين بعد ذلك أن غير الخمس تشترك معها في ذلك الحكم فقد ورد زيادة الحية وهي سادسة كما في حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود وحديث ابن عباس المذكور في الباب وزاد أبو داود من حديث أبي سعيد " السبع العادي " وزاد ابن خزيمة وابن المنذر من حديث أبي هريرة الذئب والنمر فصارت تسعاقال في الفتح لكن أفاد ابن خزيمة عن الذهلي أن ذكر الذئب والنمر من تفسير الراوي للكلب العقور قال ووقع ذكر الذئب في حديث مرسل أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وأبو داود من طريق سعيد بن المسيب قال قال صلى الله عليه وآله وسلم " يقتل المحرم الحية والذئب " ورجاله ثقات وأخرج أحمد من طريق حجاج بن أرطأة عن وبرة ابن عمر أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقتل الذئب للمحرم . وحجاج ضعيف وقد خولف وروي موقوفا كما أخرجه ابن أبي شيبة . قوله " خمس فواسق " قال النووي هو بإضافة خمس لا تنوينة وجوز ابن دقيق العيد الوجهين وأشار إلى ترجيح الثاني قال النووي تسميته هذه الخمس فواسق تسمية صحيحة جارية على وفق اللغة فإن أصل الفسق لغة الخروج ومنه فسقت الرطبة إذا خرجت عنها قشرها فوصفت بذلك لخروجها عن حكم غيرها من الحيوان في تحريم قتله أو حل أكله أو خروجها بالإيذاء والإفساد . قوله " في الحل والحرام " ورد في لفظ عند مسلم أمر وعند أبي عوانة ليقتل المحرم وظاهر الأمر الوجوب ويحتمل الندب والإباحة وقد روى البزار من حديث أبي رافع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بقتل العقرب والفأرة والحية والحدأة وهذا الأمر ورد بعد نهي المحرم عن القتل وفي الأمر الوارد بعد النهي خلاف معروف في الأصول حل يفيد الوجوب أولا . وفي لفظ لمسلم أذن وفي لفظ لأبي داود قتلهن حلال للمحرم . قوله " الغراب " هذا الإطلاق مقيد بما عند مسلم من حديث عائشة بلفظ الأبقع وهو الذي في ظهره أو بطنه بياض ولا عذر لمن قال يحمل المطلق على المقيد من هذا وقد اعتذر ابن بطال وابن عبد البر عن قبول هذه الزيادة بأنها لم تصح لأنها من رواية قتادة وهو مدلس وقد تعقب ذلك الحافظ بأن شعبة لا يروي عن شيوخه المدلسين إلا ما هو مسموع لهم وهذه الزيادة من رواية شعبة بل صرح النسائي بسماع قتادة واعتذر بأن قدامة عن هذه الرزيادة بأن الروايات المطلقة أصح وهو اعتذار فاسد لأن الترجيح فرع التعارض ولا تعارض بين مطلق ومقيد ولا بين مزيد وزيادة غير منافية
قال في الفتح وقد اتفق العلماء على إخراج الغراب الصغير الذي يأكل الحب من ذلك ويقال له غراب الزرع وأفتوا بجواز أكله فبقي ما عداع من الغربان ملحقا بالأبقع انتهى . قال ابن المنذر أباح كل من يحفظ عنه العلم قتل الغراب في الإحرام إلا عطاء . قال الخطابي لم يتابع أحد عطاء على هذا : قوله " والحدأة " بكسر الحاء المهملة وفتح الدال بعدها همزة بغير مد على وزن عنبة وحكى صاحب المحكم فيه المد : قوله " والعقرب " قال الفتح هذا اللفظ للذكر والأنثى وقد يقال عقربة وعقرباء وليس منها العقربان بل هي دويبة كثيرة القوائم . قال ابن المنذر لا نعلمهم اختلفوا في جواز قتل العقرب : قوله " والفأرة " بهمزة ساكنة ويجوز فيها التسهيل قال في الفتح ولم يختلف العلماء في جواز قتلها للمحرم إلا ما حكى عن إبراهيم النخعي فإنه قال فيها جزاء إذا قتلها المحرم أخرجه عنه ابن المنذر وقال هذا خلاف السنة وخلاف قول جميع أهل العلم : قوله " والكلب العقور " اختلف في المراد بالكلب العقور فروى سعيد بن منصور عن أبي هريرة بإسناد حسن كما قال الحافظ أنه الأسد وعن زيد بن أسلم أنه قال وأي كلب أعقر من الحية . وقال زفر المراد به هنا الذئب خاصة وقال في الموطأ كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب فهو عقور وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور . وقال أبو حنيفة والمراد به هنا الكلب خاصة ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب ( احتج الجمهور ) بقوله تعالى { وما علمتم من الجوارح } مكلبين فاشتقها من اسم الكلب . وبقوله صلى الله عليه وآله وسلم " اللهم سلط عليه كلبا من كلابك فقتله الأسد " أخرجه الحاكم بإسناد حسن وغاية ما في ذلك الإطلاق لأن اسم الكلب هنا متناول لكل ما يجوز إطلاقه عليه وهو محل النزاع
( فإن قيل ) اللام في الكلب تفيد العموم قلنا بعد تسليم ذلك لا يفيد إلا إذا كان إطلاق الكلب على كل واحد منها حقيقة وهو ممنوع والسند أنه لا يتبادر عند إطلاق لفظ الكلب إلا الحيوان المعروف والتبادر علامة الحقيقة وعدمه علامة المجاز والجمع بين الحقيقة والمجاز لا يجوز نعم إلحاقما عقر من السباع بالكلب العقور بجامع العقر صحيح وأما أنه داخل تحت لفظ الكلب فلا : قوله " من الدواب " بتشديد الباء الموحدة جمع دابة وهي ما دب من الحيوان من غير فرق بين الطير وغيره ومن أخرج الطير من الدواب فهذا الحديث من جملة ما يرد به عليه : قوله " والحدايا " بضم أوله وتشديد الياء التحتانية مقصورا وهي لغة حجازية قال قاسم بن ثابت الوحجه الهمزة وكأنه سهل ثم أضغم : قوله " والحية " قال نافع لما قيل له فالحية قال لار يختلف فيها وفي رواية ومن يشك فيها وتعقبه ابن عبد البر بما أخرجه ابن أبي شيبة عن الحكم وحماد أنهما قالا لا يقتل المحرم الحية ولا العقرب والأحاديث ترد عليهما وعند المالكية خلاف في قتل صغار الحيات والعقارب التي لا تؤذي (5/80)
باب تفضيل مكة على سائر البلاد (5/80)
1 - عن عبد الله بن عدي بن الحمراء " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول وهو واقف بالحزورة في سوق مكة والله إنك لخير أرض الله وأحب أرض الله إلى الله ولولا أني أخرجت منك ما خرجت "
- رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه (5/80)
2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمكة ما أطيبك من بلد وأحبك إلي ولولا أن قومي أخرجوني منك ما سكنت غيرك "
- رواه الترمذي وصححه (5/81)
- قوله " بالحزورة " بالحزورة بفتح الحاء المهملة والزاي وفتح الواو المشددة بعدها راء ثم هاء هي الرابية الصغيرة . وفي القاموس الحزورة كقسورة الناقة المقتلة المذللة والرابية الصغيرة انتهى : قوله " إنك لخير أرض الله " فيه دليل على أن مكة خير أرض الله على الإطلاق وأحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبذلك استدل من قال انها أفضل من المدينة قال القاضي عياض إن موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم أفضل بقاع الأرض وإن مكة والمدينة أفضل بقاع الأرض واختلفوا في أفضلها ما عدا موضع قبره صلى الله عليه وآله وسلم فقال أهل مكة والكوفة والشافعي وابن وهب وابن حبيب المالكيان إن مكة أفضل واليه مال الجمهور وذهب عمر وبعض الصحابة ومالك وأكثر المدنيين إلى أن المدينة أفضل واستدل الأولون بحديث عبد الله بن عدي المذكور في الباب . وقد أخرجه ابن خزيمة وابن حبان وغيرهم . قال ابن عبد البر هذا نص في محل الخلافة فلا ينبغي العدول عنه وقد إدعى القاضي عياض الاتفاق على استثناء البقعة التي قبر فيها صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أنها أفضل البقاع قيل لأنه قد روى أن المرء يدفن في البقعة التي أخذ منها ترابه عندما يخلق كما روى ذلك ابن عبد البر في تمهيده من طريق عطاء الخراساني موقوفا . ويجاب عن هذا بأن أفضلية البقعة التي خلق منها صلى الله عليه وآله وسلم إنما كان بطريق الاستنباط ونصبه في مقابلة النص الصريح الصحيح غير لائ ق على أنه معارض بما رواه الزبري بن بكار أن جبريل أخذ التراب الذي منه خلق صلى الله عليه وآله وسلم من تراب الكعبة فالبقعة التي خلق منها من بقاع مكة وهذا لا يقصر عن الصلاحية لمعارضة ذلك الموقوف لا سيما وفي إسناده عطاء الخراساني نعم إن صح الاتفاق الذي حكاه عياض كان هو الحجة عند من يرى أن الإجماع حجة ( وقد استدل ) القائلون بأفضلية المدينة بأدلة منها حديث " ما بين قبري ومنبري روض من رياض الجنة " كما في البخاري وغيره مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها " وهذا أيضا مع كونه لا ينتهض لمعارضة ذلك الحديث المصرح بالأفضلية هو أخص من الدعوة لأن غاية ما فيه أن ذلك الموضع بخصوصه من المدينة فاضل وأنه غير محل النزاع . وقد أجاب ابن حزم عن هذا الحديث بأن قوله أنها من الحنة مجاز إذ لو كن حقيقة لكانت كما وصف الله الجنة { إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى } وإنما المراد أن الصلاة فيها تؤدي إلى الجنة كما يقال في يوم الطيب هذا من أيام الجنة وكما قال صلى الله عليه وآله وسلم " الجنة تحت ظلال السيوف " قال ثم لو ثبت أنه على الحقيقة لما كان الفضل إلا لتلك البقعة خاصة ( فإن قيل ) إن ماقرب منها أفضل مما بعد لزمهم أن يقولوا إن الجحفة أفضل من مكة ولا قائل به ومن جملة أدلة القائلين بافضلية مكة على المدينة حديث ابن الزبير عند أحمد وعبد بن حميد وابن زنجويه وابن خزيمة والطحاوي والطبراني والبيهقي وابن حبان وصححه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضل من صلاة في مسجدي بمائة صلاة " وقد روى من طريق خمسة عشر من الصحابة . ووجه الاستدلال بهذا الحديث أن أفضلية المسجد لأفضلية المحل الذي هو فيه ( ومن جملة ) ما استدلوا به حديث " اللهم أنهم أخرجوني من أحب البلاد إلي فأسكني في أحب البلاد إليك " أخرجه الحاكم في المستدرك ويجاب بأن النزاع في الأفضل لا فيما هو أحب والمحبة لا تستلزم الأفضلية والاستنباط لا يقاوم النص ( واعلم ) إن الاشتغال ببيان الفاضل من هذين الموضعين الشريفين كالاشتغال ببيان الأفضل من القرآن والنبي صلى الله عليه وآله وسلم والكل من فضول الكلام التي لا تتعلق به فائدة غير الجدال والخصام وقد أفضى النزاع في ذلك وأشباهه إلى فتن وتلفيق حجج واهية كاستدلال المهلب على أفضلية المدينة بأنها هي التي أدخلت مكة وغيرها من القرى في الأسلام فصار الجميع في صحائف أهلها وبأنها تنفي الخبث كما ثبت في الحديث الصحيح واجيب عن الأول بأن أهل المدينة الذين فتحوا مكة معظمهم من أهل مكة فالفضل ثابت للفريقين ولا يلزم من ذلك تفضيل إحدى البقعتين وعن الثاني بأن ذلك إنما هو في خاص من الناس ومن الزمان بدليل قوله تعالى { من أهل المدينة مردوا على النفاق } والمنافق خبيث بلا شك وقد خرج من المدينة بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم معاذ وأبو عبيدة وابن مسعود وطائفة ثم علي وطلحة والزبير وعمار وآخرون وهم من أطيب الخلق فدل على إن المراد بالحديث تخصيص ناس دون ناس ووقت دون وقت على أنه إنما يدل ذلك على أنها فضيلة لا إنها فاضلة (5/81)
باب حرز المدينة وتحريم صيده وشجره (5/81)
1 - عن علي عليه السلام قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة حرم ما بين عير إلأى ثور "
- مختصر من حديث متفق عليه (5/82)
2 - وفي حديث علي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقتطها إلا لمن أشاد بها ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال ولا يصلح أن نقطع فيها شجرة إلا أن يعلف رجل بعيره "
- رواه أحمد وأبو داود (5/82)
3 - وعن عباد بن تميم عن عمه " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إن إبراهيم حرم مكة ودعا لها وأني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة "
- متفق عليه (5/82)
4 - وعن أبي هريرة قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتي المدينة وجعل اثني عشر ميلا حول المدينة حمى "
- متفق عليه (5/83)
5 - وعن أبي هريرة في المدينة قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحرم شجرها أن يخبط أو يعضد "
- رواه أحمد (5/83)
6 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أشرف على المدينة فقال اللهم أني احرم ما بين جبليها مثل ما حرم إبراهيم مكة اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم "
- متفق عليه . وللبخاري عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المدينة حرم من كذا إلى كذا لا يقطع شجرها ولا يحدث فيها حدث من أحدث فيها حدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " ولمسلم عن عاصم الأحوال قال " سألت أنسا أحرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة قال نعم هي حرام ولا يختلى خلاها فمن فعل ذلك لعنة الله والملائكة والناس أجمعين " (5/83)
7 - وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إني حرمت المدينة حرام ما بين مأزميها أن لا يهراق فيها دم ولا يحمل فيها سلاح ولا يخبط فيها شجر إلا لعلف " (5/84)
8 - وعن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إبراهيم حرم مكة وأني حرمت المدينة ما بين لابتيها لا يقطع عضاها ولا يصاد صيدها "
- رواهما مسلم (5/84)
9 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في المدينة حرام ما بين حرتيها وحماها كلها لا يقطع شجره إلا ان يعلف منا "
- رواه أحمد (5/84)
- حديث علي الثاني رجاله رجال الصحيح وأصله في الصحيحين . وحديث جابر الآخر في إسناده ابن لهيعة وحديثه حسن وفي كلام معروف . قوله " ما بين عير إلى ثور " أما عير فهو بفتح العين المهملة واسكان التحتية وأما ثور فهو بفتح المثلثة وسكون الواو بعدها راء ومن الرواة من كنى عنه بكذا ومنهم من ترك مكانه بياضا لأنهم اعتقدوا إن ذكره هنا خطأ . قال المازري قال بعض العلماء ثور هنا وهم من الراوي وإنما ثور بمكة قال والصحيح إلى أحد قال القاضي كذا قال أبو عبيد أصل الحديث من عير إلى أحد انتهى . قال النووي وكذا قال أبو بكر الحازمي الحافظ وغيره من الأئمة أن أصله من عير إلى أحد قال قلت ويحتمل أن ثورا كان اسما لجبل هناك أما احد وإما غيره فيخفى اسمه وقال مصعب الزبيري ليس بالمدينة عير ولا ثور . قال عياض لا معنى لانكار عير بالمدينة فإنه معروف وكذا قال جماعة من أهل اللغة . قال ابن قدامة يحتمل أن يكون المراد مقدار ما بين عير وثور لا أنهما بعينهما في المدينة أو سمي النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجبلين اللذين بطرفي المدينة عيرا وثورا ارتجالا وسبقه إلى الأول أبو عبيدة على ما حكاه ابن الأثير عنه وقال المحب الطبري في الأحكام قد أخبرني الثقة العالم أبو محمد عبد السلام البصري أن حذاء أحد عن يساره جانحا إلى ورائه جبل صغير يقال له ثور وأخبر أنه تكرر سؤاله عنه لطوائف من العرب العارفين بتلك الأرض وما فيها من الجبال فكل أخبر أن ذلك الجبل اسمه ثور وتواردوا على ذلك قال فعلمنا أن ذكر ثور المذكور في الحديث الصحيح صحيح وإن عدم علم أكابر العلماء به لعدم شهرته وعدم بحثهم عنه وهذه فائدة جليلة انتهى . وقد ذكر مثل هذا الكلام في القاموس وقال أبو بكر بن حسين المراغي نزيل المدينة في مختصره لاخبار المدينة ان خلف هل المدينة ينقلون عن سلفهم إن خلف أحد من جهة الشمال جبلا صغيرا إلى الحمرة بتدوير يسمى ثورا قال وقد تحققه بالمشاهدة : قوله " لا يختلى خلاها ولا ينفر صيدها ولا تلتقط لقطتها " قد تقدم تفسير هذه الألفاظ والكلام عليها في باب صيد الحرم وشجره : قوله " إلا لمن أشاد بها " أي رفع صوته بتعريفها أبدالا لسنة كما في غيرها ولعله يأتي في اللقطة الكلام على لقطة مكة والمدينة وغيرهما . قوله " ولا يصلح لرجل أن يحمل فيها السلاح لقتال " قال ابن رسلان هذا محمول عند أهل العلم على حمل السلاح لغير ضرورة ولاحاجة فإن كانت حاجة جاز . قوله " ولا يصلح أن يقطع فيها شجرة " استدل بهذا وبما في الأحاديث المذكورة في الباب من تحريم شجرها وخبطه وعضده وتحريم صيدها وتنفيره الشافعي ومالك وأحمد والهادي وجمهور أهل العلم على أن المدينة حرما كحرم مكة يحرم صيده وشجره . قال الشافعي ومالك فإن قتل صيدا أو قطع شجرا فلا ضمان لأنه ليس بمحل للنسك فاشبه الحمى . وقال ابن أبي ذئب وابن أبي ليلى يجب فيه الجزاء كحرم مكة وبه قال بعض المالكية وهو ظاهر قوله كما حرم إبراهيم وذهب أبوحنيفة وزيد بن علي والناصر إلى أن حرم المدينة ليس يحرم على الحقيقة ولا تثبت له الأحكان من تحريم قتل الصيد وقطع الشجر ( والأحاديث ) ترد عليهم واستدلوا بحديث يا أبا عمير مافعل النغير واجيب عنه بأن ذلك كان قبل تحريم المدينة أو إنه من صيد الحل : قوله " إلا أن يعلف رجل بعيره " فيه دليل على جواز أخذ الأشجار للعلف لا لغيره فإنه لا يحل كما سلف قوله " ما بين لابتي المدينة " قال أهل اللغة اللابتان الحرتان واحدتهما لابة بتخفيف الموحدة وهي الحرة والحرة الحجارة السود وللمدينة لابتان شرقية وغربية وهي بينهما :
قوله " وجعل أثني عشر ميلا " الخ لفظ مسلم عن أبي هريرة قال " حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين لابتي المدينة قال أبو هريرة فلو وجدت الظباء ما بين لابتيها ما ذعرتها وجعل اثني عشر ليلا حول المدينة حمي " انتهى والضمير في قوله جعل راجع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يدل على ذلك اللفظ الذي ذكره المصنف ويدل عليه أيضا ما عند أبي داود من حديث عدي بن زيد الجذامي قال حمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل ناحية من المدينة بريدا بريدا فهذا مثل ما في الصحيحين لأن البريد أربعة فراسخ والفرسخ ثلاثة أميال ( وهذان الحديثان ) فيهما التصريح بمقدار حرم المدينة . قوله " ان يخبط أو يعضد " الخبط ضرب الشجر ليسقط ورقه والعضد القطع كما تقدم زاد أبو داود في هذا الحديث إلا ما يساق به الجمل . قوله " ما بين جبليها " قد ادعى بعض الحنفية إن الحديث مضطرب لأنه وقع التحديد في بعض الروايات بالحرتين وفي بعضها باللابتين وفي بعضها بالجبلين وفي بعضها بعير وثور كما تقدم وفي بعضها بالمأزمين كما سيأتي . قال في الفتح وتعقب بأن الجمع بينهما واضح وبمثل هذا لا ترد الأحاديث فإن الجمع لو تعذر أمكن الترجيح ولا شك أن ما بين لابتيها أرجح لتوارد الرواة عليها ورواية جبليها لا تنافيها فيكون عند كل لابة جبل أو لابتيها من جهة الجنوب والشمال وجبليها من جهة الشرق والغرب وتسمية الجبلين في رواية أخرى لا تضر والمأزم قد يطلق على الجبل نفسه كما سيأتي قوله " اللهم بارك لهم في مدهم وصاعهم " قال عياض البركة هنا بمعنى النماء والزيادة وقال النووي الظاهر أن المراد البركة في نفس الكيل من المدينة بحيث يكفي المدفيها من لا يكفيه في غيرها . قوله " من كذا إلى كذا " جاء هكذا مبهما في روايات البخاري فقيل أن البخاري أبهمه عمدا لما وقع عنده أنه وهم ووقع مسلم إلى ثور فالمراد بهذا المبهم من عير إلى ثور وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " من أحدث فيها حدثا " أي عمل بخلاف السنة كمن ابتدع بها بدعة زاد مسلم وأبو داود في هذا الحديث " أو آوى محدثا " . قوله " فعليه لعنة الله " الخ أي اللعنة المستقرة من الله على الكفار وأضيف إلى الله على سبيل التخصيص والمراد بلغنة الملائكة والناس المبالغة في الأبعاد عن رحمة الله . وقيل المراد باللعن هنا العذاب الذي يستحقه على ذنبه في أول الأمر وليس هو كلعن الكافر واستدل بهذا على أن الحديث في المدينة من الكبائر . قوله " ما بين مأزميها " قال النووي المأزم بهمزة بعد الميم وكسر الزاي وهو الجبل وقيل المضيق بين جبلين ونحوه والأول هو الصواب هنا ومعناه ما بين جبليها انتهى . قوله " الا يهراق فيها دم " فيه دليل على تحريم اراقة الدماء بالمدينة لغير ضرورة : قوله " الا لعلف " هو باسكان اللام مصدر علفت وأما العلف بفتح اللام وهو اسم للحشيش والتبن والشعير ونحوها وفيه جواز أخذ أوراق الشجر للعلف لاخبط الأغصان وقطعها فإنه حرام قوله " عضاهها " العضاه بالقصر وكسر العين الهملة وتخفيف الضاد المعجمة كل شجر فيه شوك وحداتها عضاهة وعضهة : قوله " وحماها كلها " فيه دليل على ان حكم حمى المدينة حكمها في تحريم صيده وشجرة وقد تقدم بيان مقدار الحمى انه من كل ناحية من نواحي المدينة بريد (5/85)
10 - وعن عامر بن سعد عن أبيه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إني أحرم ما بين لا بتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها " (5/85)
11 - وعن عامر بن سعد " أن سعدا ركب إلى قصره بالعقيق فوجد عبدا يقطع شجرا أو يخبطه فسلبه فلما رجع سعد جاءه أهل العبد فكلموه أن يرد على غلامهم أو عليهم ما أخذ من غلامهم معاذ الله أن أرد شيئا نفلنيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبى أن يرد عليهم "
- رواهما أحمد ومسلم (5/85)
12 - وعن سليمان بن عبد الله قال " رأيت سعد بن أ [ ي وقاص أخذ رجلا يصيد في حرم المدينة الذي حرم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسلبه ثيابه فجاء مواليه فقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم هذا الحرم وقال من رأيتموه يصيد فيه شيئا فلكم سلبه فلا أرد عليكم طعمة أطعمنيها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن إن شئتم أعطيكم ثمنه أعطيتكم "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " من أخذ أحدا يصيد فيه فليسلبه ثيابه " (5/86)
- الحديث الأول تقدم الكلام عليه . والحديث الثالث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده سليمان بن عبد الله المذكور قال أبو حاتم ليس بمشهور ولكن يعتبر بحديثه . قال الذهبي تابعي وثق وقد وهم البزار فقال لا يعلم روى هذا الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا سعد ولا عنه إلا عامر وهذا يرد عليه وقد أخرجه أيضا أبو داود من مولى لسعد عنه ووهم أيضا الحاكم فقال في حديث سعد أن الشيخين لم يخرجاه وهو في مسلم كما عرفت : قوله " فسلبه " أي أخذ ما عليه من الثياب : قوله " نفلنيه " أي أعطانيه قال في القاموس نفله النفل ونفله وأنفله أعطاله إياه وقال أيضا النفل محركة الغنيمة والهبة : قوله " طعمة " بضم الطاء وكسرها ومعنى الطعمة الأكلة وأما الكسر فجهة الكسب وهيئته : قوله " فليسلبه ثيابه " هذا ظاهر في أنها تؤخذ ثيابه جميعها . وقال الماوردي يبقى له ما يستر عورته وصححه النووي واختاره جماعة من أصحاب الشافعي . وبقصة سعد هذه احتج من قال أن من صاد من حرم المدينة أو قطع من شجرها أخذ سلبه وهو قول الشافعي في القديم . قال النووي وبهذا قال سعد بن أبي وقاص وجماعة من الصحابة انتهى . وقد حكى ابن قدامة عن أحمد في إحدى الروايتين القول به قال وروى ذلك عن ابن أبي ذئب وابن المنذر انتهى . وهذا يرد على القاضي عياض حيث قال ولم يقل به أحد بعد الصحابة إلا الشافعي في قوله القديم ( وقد اختلف ) في السلب فقيل أنه لمن سلبه . وقيل لمساكين المدينة . وقيل لبيت المال وظاهر الأدلة أنه للسالب وأنه طعمة لكل من وجد فيه أحد يصيد أو يأخذ من شجره (5/86)
باب ما جاء في صيد وج (5/86)
1 - عن محمد بن عبد الله بن شيبان عن أبيه عن عروة بن الزبير عن الزبير " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن صيد وج وعضاهه حرم محرم للخ عز و جل "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه . ولفظه " إن صيد وج حرام " قال البخاري ولا يتابع عليه (5/87)
- الحديث سكت عنه أبو داود وحسنه المنذري وسكت عنه عبد الحق أيضا وتعقب بما نقل عن البخاري أنه لم يصح وكذا قال الأزدي وذكر الذهبي أن الشافعي صححه وذكر الحلال أن أحمد ضعفه وقال ابن حبان محمد بن عبد الله المذكور كان يخطئ ومقتضاه تضعيف الحديث فإنه ليس له غيره فإن كان أخطأ فيه فهو ضعيف وقال العقيلي لا يتابع إلا من جهة تقاربه في الضعف وقال النووي في شرح المهذب إسناده ضعيف قال وقال البخاري لا يصح وذكر الحلال في العلل أن أحمد ضعفه قوله " ابن شيبان " هكذا في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب والصواب ابن الإنسان كما في سنن أبي داود وتاريخ البخاري وكذا قال ابن حبان والذهبي والخزرجي في الخلاصة قال الذهبي في ترجمة محمد بن عبد الله بن شيبان هذا صوابه ابن إنسان وقال في ترجمة عبد الله بن إنسان له حديث في صيد وج قال ولم يرو عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا هذا الحديث . قوله " وج " بفتح الواو وتشديد الجيم قال ابن رسلان هو أرض بالطائف عند أهل اللغة وقال أصحابنا هو واد بالطائف . وقيل كل الطائف انتهى . وقال الحازمي في المؤتلف والمختلف في الأماكن وج اسم لحصون الطائف وقيل لواحد منها وإنما اشتبه وج بوح بالحاء المهملة وهية ناحية النعمان : قوله " وعضاهه " بكسر العين كما سلف . قال الجوهري العضاه كل شجر يعظم وله شوك : قوله " حرم " بفتح الحاء والراء الحرام كقولهم زمن وزمان . قوله " محرم لله تعالى " تأكيد للحرمة ( والحديث ) يدل على تحريم صيد وج وشجره وقد ذهب إلى كراهته الشافعي والإمام يحيى قال الشافعي في الإملاء أكره صيد وج قال في البحر بعد أن ذكر هذا الحديث إن صح فالقياس التحريم لكن منع منه الإجماع انتهى . وفي دعوى الإجماع نظر فإن قد جزم جمهور أصحاب الشافعي بالتحريم وقالوا إن مراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم . قال ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر قول الشافعي في الإملاء وللأصحاب فيه طريقان أصحهما هو الذي أورده الجمهور القطع بتحريمه قالوا ومراد الشافعي بالكراهة كراهة التحريم ثم قال وفيه طريقان أصحهما وهو قول الجمهور يعني من أصحاب الشافعي أنه يأثم فيؤد به الحاكم على فعله ولا يلزمه شيء لأن الأصل عدم الضمان إلا فيما ورد به الشرع ولم يرد في هذا شيء والطريق الثاني حكمه في الضمان حكم المدينة وشجرها وفي وجوب الضمان فيه خلاف انتهى . وقد قدمنا الخلاف في ضمان صيد المدينة وشجرها . وقال الخطابي لست أعلم لتحريمه معنى إلا أن يكون ذلك التحريم إنما كان في وقت معلوم إلى مدة محصورة ثم نسخ قال أبو داود في السنن وكان ذلك يعني تحريم وج قبل نزوله صلى الله عليه وآله وسلم الطائف وحصاره ثقيفا انتهى والظاهر من الحديث تأبيد التحريم ومن دعى النسخ فعليه الدليل لأن الأصل عدم وأما ضمان صيده وشجره على حد ضمان صيد الحرم الملكي فموقوف على ورود دليل يدل على ذلك لأن الأصل براءة الذمة ولا ملازمة بين التحريم والضمان (5/87)
أبواب دخول مكة وما يتعلق به (5/87)
باب من أين يدخل إليها (5/88)
1 - عن ابن عمر قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل مكة دخل من الثنية العليا التي بالبطحاء وإذا خرج خرج من الثنية السفلى "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (5/88)
2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما جاء مكة دخل من أعلاها وخرج من أسفلها " وفي رواية " دخل عام الفتح من كداء التي بأعلى مكة "
- متفق عليهما : وروى الثاني أبو داود وزاد " ودخل في العمنرة من كدى " (5/88)
- قوله " من الثنية العليا " الثنية كل عقبة في طريق أو جبل فإنا تسمى ثنية وهذه الثنية المعروفة بالثنية العليا هي التي ينزل منها إلى باب المعلى مقبرة أهل مكة وهي التي يقال لها الحجون بفتح المهملة وضم الجيم وكانت صعبة المرتقى فسهلها معاوية ثم عبد الملك ثم المهدي على ما ذكره الأزرقي ثم سهلها كلها سلطان مصر الملك المؤيد : قوله " من الثنية السفلى " هي عند باب الشبيكة بقرب شعبة الشاميين من ناحية قعيقعان وعليها باب بني في القرن السابع : قوله " من كداء " بفتح الكاف والمد قال أبو عبيدة لا تصرف وهي الثنية العليا المتقدم ذكرها : قوله " ودخل العمرة من كدا " بضم الكاف والقصر وهي الثنية السفلى المتقدم ذكرها . قال عياض والقرطبي وغيرهما اختلف في ضبط كداء وكدا فالأكثر على أن العلياء بالفتح والمد والسفلي بالقصر والضم وقيل بالعكس قال النووي وهو غلط قالوا واختلف في المعنى الذي لأجله خالف صلى الله عليه وآله وسلم بين طريقيه فقيل ليتبرك به وذكروا شيئا مما تقدم في العيد وقد تقدم بسطه هنالك وبعضه لا يتأتى اعتباره هنا . وقيل الحكمة في ذلك المناسبة نجهة العلو عند الدخول لما فيه من تعظيم المكان وعكسه الإشارة إلى فراقه وقيل لأن إبراهيم لما دخل مكة دخل منها وقيل لأنه صلى الله عليه وآله وسلم خرج منها مختفيا في الهجرة فأراد أن يدخلها ظافرا غالبا . وقيل لأن من جاء من تلك الجهة كان مستقبلا للبيت ويحتمل أن يكون ذلك لكونه دخل منها يوم الفتح فاستمر على ذلك (5/89)
باب رفع اليدين إذا رأى البيت وما يقال عند ذلك (5/89)
1 - عن جابر " وسئل عن الرجل يرى البيت يرفع يديه فقال قد حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يكن يفعل "
- رواه أبو داود والنسائي والترمذي (5/89)
2 - وعن ابن جريج قال حدثت عن مقسم عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ترفع الأيدي في الصلاة وإذا رأى البيت وعلى الصفا والمروة وعشية عرفة وبجمع وعند الجمرتين وعلى الميت " (5/90)
3 - وعن ابن جريج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رأى البيت رفع يديه وقال اللهم زدهذا البيت تشريفا وتعظيما وتكريما ومهابة وزد من شرفه وكرمه ممن حجه واعتمر تشريفا وتعظيما وتكريما وبرا "
- رواهما الشافعي في مسنده (5/90)
- حديث جابر قال الترمذي إنما نعرفه من حديث شعبة وذكر الخطابي إن سفيان الثوري وابن المبارك وأحمد بن حنبل وإسحاق بن راهوية وضعفوا حديث جابر هذا الأن في إسناده مهاجر بن عكرمة المكي وهو مجهول عندهم . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا البيهقي من حديث سفيان الثوري عن أبي سعيد الشامي عن مكحول به مرسلا وأبو سعيد هذا هو المصلوب وهو كذاب . ورواه الأزرقي في تاريخ مكة من حديث مكحول أيضا بزيادة مهابة وبرا في الموضعين وكذا ذكره الغزالي في الوسيط وتعقبه الرافعي بأن البر لا يتصور من البيت وأجاب النووي بأن معناه أكثر برزائريه ورواه سعيد بن منصور في السنن له من طريق برد بن سنان سمعت ابن قسامة يول إذا رأيت البيت فقل اللهم زد فذكره مثله . ورواه الطبراني في مسند حذيفة بن أسيد مرفوعا وفي إسناده عاصم الكورى وهو كذاب وحديث ابن جريح هو معضل فيما بين ابن جريح والنبي صلى الله عليه وآله وسلم وفي إسناده سعيد بن سالم القدح وفيه مقال . قال الشافعي بعد أن أورده ليس في رفع اليدين عند رؤية البيت شيء فلا أكرهه ولا أستحبه . قال البيهقي فكأنه لم يعتمد على الحديث لإنقطاعه ( والحاصل ) أنه ليس في الباب ما يدل على مشروعية رفع اليدين عند رؤية البيت وهو حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل . وأما الدعاء عند رؤية البيت فقد رويت فيه أخبار وآثار منها ما في الباب . ومنها ما أخرجه ابن المغلس أن عمر كان إذا نظر إلى البيت قال اللهم أنت السلام ومنك السلام فحينا ربنا بالسلام . ورواه سعيد بن منصور في السنن عن ابن عيينة عن يحيي بن سعيد ولم يذكر عمر ورواه الحاكم أيضا وكذلك رواه البيهقي عنه (5/90)
باب طواف القدوم والرمل والإضطباع فيه (5/91)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا طاف بالبيت الطواف الأول خب ثلاثا ومشى أربعا وكان يسعي ببطن المسيل إذا طاف بين الصفا والمروة " وفي رواية " رمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الحجر إلى الحجر ثلاثا ومشى أربعا " وفي رواية " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا طاف في الحج والعمرة أول ما يقدم فإنه يسعى ثلاثة أطواف بالبيت ويمشي أربعة "
- متفق عليهن (5/91)
- قوله " الطواف الأول " فيه دليل على أن الرمل إنما يشرع في طواف القدوم لأنه الطواف الأول . قال أصحاب الشافعي ولا يستحب الرمل إلا في طواف واحد في حج او عمرة أما إذا طاف في غير حج أو عمرة فلا رمل . قال النووي بغير خلاف ولا يشرع أيضا في كل طوافات الحج بل إنما يشرع في واحدة منها وفيه قولان مشهوران للشافعي اصحهما طواف الوداع والقول الثاني أنه يشرع إلا في طواف القدوم وسواء أراد بعده أم لا ويشرع في طواف العمرة إذ ليس فيها إلا طواف واحد . قوله " خب ثلاثا ومشى أربعا " الخبب بقتح المعجمة والموحدة بعدها موحدة أخرى هو إسراع المشي مع تقارب الخطا وهو كالرمل . وفيه دليل على مشروعية الرمل في الطواف الأول وهو الذي عليه الجمهور قالوا هو سنة . وقال ابن عباس ليس هو بسنة من شاء رمل ومن شاء لم يرمل ( وفيه أيضا ) دليل على أن السنة أن يرمل في الثلاثة الأول ويمشي على عادته في الأربعة الباقية . قوله " وكان يسعى " الخ سيأتي الكلام على السعي . قوله " من الحجر إلى الحجر " فيه دليل على أنه يرمل في ثلاثة أشواط كاملة قال في الفتح ولا يشرع تدارك الرمل فلو تركه في الثلاثة لم يقضه في الأربعة لأن هيئتها السكينة ولا تتغير وكذا قالت الهادوية قال ويختص بالرجال فلا رمل على النساء ويختص بطواف يتعقبه سعي على المشهور ولا فرق في غستحبابه بين ماشي وراكب ولا دم بتركه عند الجمهور واختلف في ذلك المالكية وقد روى عن مالك أن عليه دما ولا دليل على ذلك ( وأعلم ) أنه قد اختلف في وجوب طواف القدوم فذهبت العترة ومالك وأبو ثور وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه فرض لقوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } ولفعله صلى الله عليه وآله وسلم وقوله : " خذوا عني مناسككم " وقال أبو حنيفة أنه سنة وقال الشافعي هو كتحية المسجد قالا لأنه ليس فيه إلا كفعله صلى الله عليه وآله وسلم وهو لا يدل على الوجوب وأما الاستدلال على الوجوب بالآية فقال شارح البحر أنها لا تدل على طواف القدوم لأنها في طواف الزيارة إجماعا والحق الوجوب لأن فعله صلى الله عليه وآله وسلم مبين لمجمل واجب هو قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت " وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " وقوله " حجوا كما رأيتموني أحج " وهذا الدليل يستلزم وجوب كل فعل فعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجه إلا ما خصه دليل فمن إدعى عدم وجوب شيء من أفعاله في الحج فعليه الدليل على ذلك وهذه كلية فعليك بملاحظتها في جميع الأبحاث التي ستمر بك (5/91)
2 - وعن يعلي بن أمية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف مضطبعا وعليه برد "
- رواه ابن ماجة والترمذي وصححه وأبو داود وقال " ببرد له أخضر " وأحمد ولفظه " لما قدم مكة طاف بالبيت وهو مضطبع ببرد له حضرمي " (5/92)
3 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه اعتمروا من جعرانة فرملوا بالبيت وجعلوا أرديتهم تحت آباطهم ثم قذفوها على عواتقهم اليسرى "
- رواه أحمد وأبو داود
- حديث يعلي بن أمية صححه الترمذي كما ذكره المصنف وسكت عنه أبو داود والمنذري . وحديث ابن عباس أخرج نحوه الطبراني وسكت عنه أيضا أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح وقد صحح حديث الإضطباع النووي في شرح مسلم : قوله " مضطبعا " هو افتعال من الضبع بإسكان الباء الموحدة وهو العضد وهو أن يدخل إزاره تحت إبطه الأيمن ويرد طرفه على منكبه الأيسر ويكون منكبه الأيمن مكشوفا كذا في شرح مسلم للنووي وشرح البخاري للحافظ وهذه الهيئة هي المذكورة في حديث ابن عباس المذكور والحكمة في فعله أنه يعين على إسراع المشي وقد ذهب إلى استحبابه الجمهور سوى مالك قال ابن المنذر قال أصحاب الشافعي وإنما يستحب الإضطباع في طواف يسن فيه الرمل . قوله " ببرد له حضرمي " لفظ أبي داود ببرد أخضر . قوله " تحت آباطهم " قال ابن رسلان المراد أن يجعله تحت عاتقه الأيمن . قوله " ثم قذفوها " أي طرحوا طرفيها قوله " على عواتقهم " العاتق المنكب (5/92)
4 - وعن ابن عباس قال " قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه فقال المشركون إنه يقدم عليكم قوم قد وهنتهم حمى يثرب فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يرملوا الأشواط الثلاثة وأن يمشوا ما بين الركعتين ولم يمنعه أن يأمرهم أن يرملوا الأشواط كلها إلا الإبقاء عليهم "
- متفق عليه (5/92)
5 - وعن ابن عباس قال " رمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجته وفي عمره كلها وأبو بكر وعمر والخلفاء "
- رواه أحمد (5/93)
6 - وعن عمر قال " فيما الرملان الآن والكشف عن المناكب وقد أطى الله الإسلام ونفى الكفر وأهله ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (5/93)
7 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يرمل في السبع الذي أفاض فيه "
- رواه أبو داود وابن ماجه
- حديث ابن عباس الثاني أخرجه أحمد من طريق أبي معاوية عن ابن جريح عن عطاء عنه وذكره في التلخيص وسكت عنه . وأثر عمر أخرجه أيضا البزار والحاكم والبيهقي وأصله في البخاري مالنا وللرمل إنا كنا رأينا المشركين وقد أهلكهم الله تعالى ثم قال شيء صنعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا نحب أن نتركه وعزاه البيهقي إليه ومراده أصله . وحديث ابن عباس الثالث أخرجه أيضا النسائي والحاكم قوله " يقدم " بفتح الدال وأما بضم الدال فمعناه يتقدم . قوله " وهنتم " بتخفيف الهاء وقد يستعمل رباعيا . قال الفراء يقال وهنه الله وأوهنه ومعنى وهنتهم أضعفتهم . قوله " حمى يثرب " هو اسم المدينة في الجاهلية وسميت في الإسلام المدينة وطيبة وطابة . قوله " الأشواط " بفتح الهمزة وسكون المعجمة جمع شوط وهو الجري مرة إلى الغاية والمراد به هنا الطوفة حول الكعبة وهذا دليل على جواز تسمية الطواف شوطا . وقال مجاهد والشعبي أنه يكره تسميته شوطا والحديث يرد عليهما قوله قوله " إلا الإبقاء " بكسر الهمزة وبالموحدة والقاف الرفق والشفقة وهو بالرفع على أنه فاعل لم يمنعه ويجوز بالنصب ( وفي الحديث ) جواز إظهار القوة بالعدة والسلاح ونحو ذلك للكفار أراها بالهم ولا يعد ذلك من الرياء المذموم وفيه جواز المعارض بالفعل كما تجوز بالقول . قال في الفتح وربما كانت بالفعل أولي . قوله " وفي عمره كلها " فيه دليل علة مشروعية الرمل في طواف العمرة . قوله " فيما الرملان " بإثبات الف ما الاستفهامية وهي لغة والأكثر يحذفونها والرملان مصدر رمل . قوله " والكشف عن المناكب " هو الإضطباع . قوله " ومع ذلك لا ندع شيئا كنا نفعله على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زاد الإسماعيلي في آخره ثم رمل ( وحاصله ) أن عمر كان قد هم بترك الرمل في الطواف لأنه عرف سببه وقد انقضى فهم أن يتركه لفقد سببه ثم رجع عن ذلك لاحتمال أن يكون له حكمة ما اطلع عليها فرأى أن الإتباع أولى ويؤيد مشروعية الرمل على الإطلاق ما ثبت في حديث ابن عباس أنهم رملوا في حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقد نفى الله في ذلك الوقت الكفر وأهله عن مكة . والرمل في حجة الوداع ثابت أيضا في حديث جابر الطويل عند مسلم وغيره (5/93)
باب ما جاء في استلام الحجر الأسود وتقبيله وما يقال حينئذ (5/94)
1 - عن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأتي هذا الحجر يوم القيامة له عينان يبصر بهما ولسان ينطق به يشهد لمن استلمه بحق "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي (5/94)
2 - وعن عمر " أنه كان يقبل الحجر ويقول أني لا أعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع ولولا أني رأيت رسول الله صلي الله عليه وآله وسلم يقبلك ما قبلتك "
- رواه الجماعة (5/94)
3 - وعن ابن عمر وسئل عن استلام الحجر فقال " رأيت رسول الله صلى عليه وآله وسلم يستلمه ويقبله "
- رواه البخاري (5/95)
4 - وعن نافع قال " رأيت ابن عمر استلم الحجربيده ثم قبل يده وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه (5/95)
- حديث ابن عباس صححه ابن خزيمة وابن حيان والحاكم وله شاهد من حديث أنس عند الحاكم : قوله " لا تضر ولا تنفع " أخرج الحاكم من حديث أبي سعيد أن عمر لما قال له علي بن أبي طالب أنه لا يضر ولا ينفع وذكر أن الله تعالى لما أخذ المواثيق على ولد آدم كتب ذلك في رق وألقمه الحجر وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بأنى يوم القيامة وله لسان ذلق يشهد لمن استلمه بالتوحيد وفي أسناده أبو هرون العبدي وهو ضعيف جدا ولكنه يشدعضده حديث ابن عباس المتقدم قال الطبري إنما قال عمر ذلك لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام فخشي أن يظن الجهال أن استلام الحجر من باب تعظيم الأحجار كما كانت العرب تفعل في الجاهلية فأراد أن يعلم الناس أن استلامه أتباع لفعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا لأن الحجر يضر وينفع بذاته كما كانت الجاهلية تعبد الأوثان : قوله " ولو لا أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ فيه أستجاب تقبيل الحجر الأسود وإليه ذهب الجمهور من الصحابة والتابعين وسائر العلماء وحكى ابن المنذر عن عمر الخطاب وطاوس والشافعي وأحمد أنه يستحب بعد تقبيل الحجر السجود عليه بالجبهة وبه قال الجمهور وروى عن مالك أنه بدعة واعتراف القاضي عياض بشذوذ مالك في ذلك وقد أخرج الشافعي والبيهاقي عن ابن عباس موقوفا " أنه كان يقبل الحجر الأسود ويسجد عليه "
رواه الحاكم والبيهقي من حديثه مرفوعا . ورواه أبو داود الطياسي والدرامي وابن خزيمه و أبو بكر البراز وأبوعلي ابن السكن والبيهقي من حديث جعفر بن عبد الله الحميدي
وقيل المخزومي بإسناد متصل بابن عباس أنه رأى عمريقبله ويسجد عليه ثم قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل هذا وهذا لفظ الحاكم . قال الحافظ قال العقيلي في حديثه هذا يعني جعفر بن عبد الله وهم واضطراب : قوله " يستلمه ويقبله " فيه دليل علي أنه يستجب الجمع بين استلام الحجر وتقبيله والاستلام المسح باليد والتقبيل لها كما في حديث ابن عمر الأخر والتقبيل يكون بالفم فقط (5/95)
5 - وعن ابن عباس قال " طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع على بعير يستلم الركن بمحجن "
- متفق عليه . وفي لفظ " طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بعير كلما أتى على الركن أشار إليه بشيء في يده ومبر " رواه أحمد والبخاري (5/96)
6 - وعن أبي الطفيل عامر بن واثلة " قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بالبيت ويستلم الحجر بمحجن معه ويقبل المحجن "
- رواه مسلم وأبو داود وابن ماجه (5/96)
7 - وعن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له يا عمر أنك رجل قوي لا تزاحم على الحجر فتؤذي الضعيف إن وجدت خلوة فاستلمه وإلا فاستقبله وهلل وكبر "
- رواه أحمد (5/96)
- حديث عمر في إسناده راو لم يسم : قوله " بمحجن " بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الجيم بعدها نون هو عصا محنية الرأس والحجن الإعوجاج وبذلك سمي الحجون والاستلام افتعال من السلام بالفتح أي التحية قاله الأزهري . وقيل من السلام بالكسر أي الحجارة والمعنى أنه يومي بعصاه إلى الركن حتى يصيبه : قوله " وكبر " فيه دليل على استحلال التكبير حال استلام الركن : قوله " ويقبل المحجن " في رواية ابن عمر المتقدمة أنه استلم الحجر بيده من قبل وقال ما تركته منذ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله . ولسعيد بن منصور من طريق عطاء قال رأيت أبا سعيد وأبا هريرة وابن عمر وجابر إذا استلموا الحجر قبلوا أيديهم قيل وابن عباس قال وابن عباس أحسبه قال كثيرا قال في الفتح ولهذا قال الجمهور أن السنة أن يستلم الركن ويقبل يده فإن لم يستطع أن يستلمه بيده استلمه بشيء في يده وقبل ذلك الشيء فإن لم يستطع أشار إليه واكتفى بذلك . وعن مالك في رواية لا يقبل يده وبه قال القاسم بن محمد بن أبي بكر وفي رواية عند المالكية يضع يده على فمه من غير تقبيل وقد استنبط بعضهم من مشروعية تقبيل الحجر وكذلك تقبيل المحجن جواز تقبيل كل من يستحق التعظيم من آدمي وغيره وقد نقل عن الإمام أحمد أنه سئل عن تقبيل منبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم متقبيل قبره فلم ير به باسا واستبعد بعض أصابه صحة ذلك ونقل عن ابن أبي الصيف اليماني أحد علماء مكة من الشافعية جواز تقبيل المصحف وأجزاء الحديث وقبور الصالحين كذا في الفتح : قوله " قال له عمر إنك رجل قوي " الخ فيه دليل على أنه لا يجوز لمن كان له فضل قوة أن يضايق الناس إذا أجتمعوا على الحجر لما يتسبب عن ذلك من أذية الضعفاء والإضرار بهم ولكنه يستلمه خاليا أن تمكن وإلا أكتفى بالإشارة والتهليل والتكبير مستقبلا له وقد روى الفاكهي من طرق عن ابن عباس كراهة المزاحمة وقال لا يؤذي ولا يؤذى (5/97)
باب استلام الركن اليماني مع الركن الاسود دون الآخرين (5/97)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إن مسح الركن اليماني والركن الأسود يحط الخطايا حطا "
- رواه أحمد والنسائي (5/97)
2 - وعن ابن عمر " قال لم أر النبي صلى الله عليه وآله وسلم يمس من الأركان اليمانيين "
- رواه الجماعة إلا الترمذي لكن له معناه من رواية ابن عباس (5/98)
3 - وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يدع ان يستلم الحجر والركن اليماني في كل طوافه
- رواه أحمد وأبو داود (5/98)
4 - وعن ابن عباس قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه "
- رواه الدارقطني (5/98)
5 - وعن ابن عباس قال " كان النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا استلم الركن اليماني قبله "
- رواه البخاري في تاريخه (5/99)
- حديث ابن عمر الأول في إسناده عطاء بن السائب وهو ثقة ولكنه اختلط وحديثه الثالث في إسناده عبد العزيز بن أبي رواد وفيه مقال قال يحيى بن سليم الطائفي كان يرى الارجاء وقال يحيى القطان هو ثقة لا يترك لرأي أخطأ فيه وقال ابن المبارك كان يتكلم ودموعه تسيل ووثقه ابن معين وأبو حاتم . وقال ابن عدي في أحاديثه مالا يتابع عليه . وحديث ابن عباس الذي فيه أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الركن اليماني ويضع خده عليه رواه أبو يعلى وفي إسناده عبد الله بن مسلم ين هرمز وهو ضعيف قوله " إلا اليمانيين " بتخفيف الياء على المشهور لأن الألف عوض عن ياء النسبة فلو شددت كان جمعا بين العوض والمعوض وجوزه سيبويه وإنما اقتصر صلى الله عليه وآله وسلم على استلام اليمانيين لما ثبت في الصحيحين من قول ابن عمر إنهما على قواعد إبراهيم دون الشاميين ولهذا كان ابن الزبير بعد عمارته للكعبة على قواعد إبراهيم يستلم الأركان كلها كما روى ذلك عنه الأزرقي في كتاب مكة فعلى هذا يكون للركن الأول من الأركان الأربعة فضيلتان كونه الحجر الأسود وكونه على قواعد إبراهيم وللثاني الثانية فقط وليس للآخرين اعني الشاميين شيء منها فلذلك يقبل الأول ويستلم الثاني فقط ولا يقبل الآخران ولا يستلمان على رأي الجمهور . وروى ابن المنذر وغيره استلام الاركان جميعا عن جابر وأنس والحسن والحسين من الصحابة وعن سويد بن غفلة من التابعين وقد أخرج البخاري ومسلم أن عبيد بن جريج قال لابن عمر رأيتك تصنع أربعا لم أر أحدا من أصحابك يصنعها فذكر منها ورأيتك لا تمس من الأركان إلا اليمانيين وفيه دليل على أن الذين رآه عبيد كانوا لا يقتصرون في الاستلام على الركنين اليمانيين قوله ويضع خده فيه مشروعية وضع الخد على الركن اليماني وتقبيله وقد ذهب إلى استحباب تقبيل الركن اليماني بعض أهل العلم كما قال صاحب الفتح تمسكا بما ذكره المصنف من حديث ابن عباس عند البخاري في التاريخ والدارقطني ولكن الثابت في الصحيحين وغيرهما من حديث ابن عمر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يستلمه فقط نعم ليس في اقتصار ابن عمر على التسليم ما ينفي التقبيل فإن صح ما روى عن ابن عباس تعين العمل به (5/99)
باب الطائف يجعل البيت عن يساره ويخرج في طوافه عن الحجر (5/99)
1 - عن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لم قدم مكة أبى الحجر فاستلمه ثم مشى على يمينه فرمل ثلاثا ومشى أربعا "
- رواه مسلم والنسائي (5/100)
2 - وعن عائشة قالت " سألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الحجر أمن البيت هو قال نعم قلت فما لهم لم يدخلوه في البيت قال إن قومك قصرت بهم النفقة فما شأن بابه مرتفعا قال فعل ذلك قومك ليدخلوا من شاؤا ويمنعوا من شاؤا ولولا أن قومك حديث عهد بالجاهيلة فاخاف ان تنكر قلوبهم ان أدخل الحجر في البيت وأن الصق بابه الأرض "
- متفق عليه . وفي رواية قالت " كنت أحب أن أدخل البيت اصلي فيه فأخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي فأدخلني الحجر فقال لي صلي في الحجر إذا أردت دخول البيت فإنم هو قطعة من البيت ولكن قومك استقصروا حين بنوا الكعبة فأخرجون من البيت "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي وفيه إثبات التفل في الكعبة (5/100)
- قوله " أتى الحجر فاستلمه " الخ فيه دليل علي أنه يستحب أن يكون ابتداء الطواف من الحجر الأسود فرض . قوله " ثم مشى على يمينه " استدل به على مشروعية مشى الطوائف بعد استلام الحجر على يمينه جاعلا البيت على يساره . وقد ذهب إلى أن هذه الكيفية شرط لصحة الطواف الأكثر قالوا فلو عكس لم يجزه قال في البحر ولا خلاف إلا عن محمد بن داود الأصفهاني وأنكروا عليه وهموا بقتله انتهى : ولا يخفاك أن الحكم على بعض أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم في الحج بالوجوب لأنها بيان لمجمل واجب وعلى بعضها بعدمه تحكم محض لفقد دليل يدل على الفرق بينها . قوله " أمن البيت هو قال نعم " هذا ظاهر بأن الحجر كله من البيت ويدل على ذلك أيضا قوله في الرواية الثانية " فإنما هو قطعة من البيت " وبذلك كان يفتي ابن عباس فأخرج عبد الرزاق أنه قال لو وليت من البيت ما ولي ابن الزبير لأدخلت الحجر كله في البيت ولكن ما ورد من الروايات القاضية بأنه كله من البيت مقيد بروايات صحيحة منها عند مسلم من حديث عائشة بلفظ " حتى أزيد فيه من الحجر " وله من وجه آخر عنها مرفوعا بلفظ " فإن بدا لقومك أن يبنوه بعدي فهلمي لأرك ما تركوا منه فأراها قريبا من سبعة أذرع وله أيضا عنها مرفوعا بلفظ " وزدت فيها من الحجر سبعة أذرع " وفي رواية للبخاري عن عروة " إن ذلك مقدار ستة أذرع " ولسفيان بن عيينة في جامعه أن ابن الزبير زاد ستة أذرع وله أيضا عنه أنه زاد ستة أذرع وشبرا وهذا ذكره الشافعي في عدد من لقيهم من أهل العلم من قريش كما أخرجه البيهقي في المعرفة عنه . وقد اجتمع من الروايات ما يدل على أن الزيادة فوق ستة أذرع ودون سبعة . وأما ما ورد مسلم عن عطاء عن عائشة مرفوعا بلفظ " لكنت أدخل فيها من الحجر خمسة أذرع " فقال في الفتح هي شاذة والروايات السابقة أرجح لما فيها من الزيادة عن الثقات الحفاظ . قال الحافظ ثم ظهر لي لرواية عطاء وجه أنه أريد بها ما عدا الفرجة التي بين الركن والحجر فتجمع مع الروايات الأخرى فإن الذي عدا الفرجة أربعة أذرع وشيء ولهذا وقع عند الفاكهي من حديث أبي عمرو بن عدي بن حمراء " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعائشة في هذه القصة ولأدخلت فيها من الحجر أربعة أذرع فيحمل هذا على إلغاء الكسر ورواية عطاء على جبره وتحصيل الجمع بين الروايات كلها بذلك : قوله " أن قومك " أي قريشا : قوله " قصرت بهم النفقة " بتشديد الصاد أي النفقة الطبية التي أخرجوها لذلك كما جزم به الأزرقي وغيره وتوضيحه ما ذكره ابن إسحاق في السيرة عن أبي وهب المخزومي أنه قال لقريش لا تدخلوا فيه من كسبكم إلا طيبا ولا تدخلوا فيه مهر بغي ولا بيع ربا ولا مظلمة أحد من الناس : قوله " ليدخلوا من شاؤا " زاد مسلم " فكان الرجل إذا أراد أن يدخلها يدعونه ليرتقي حتى إذا كاد أن يدخل دفعوه فسقط " قوله " حديث عهد " في لفظ للبخاري " حديث عهدهم " بتنوين حديث : قوله " فأخاف أن تنكر قلوبهم " في رواية للبخاري تنفر ونقل ابن بطال عن بعض علمائهم أن النفر التي خشيها صلى الله عليه وآله وسلم أن ينسبوه إلى الفجر دونهم وجواب لولا محذوف وقد رواه مسلم بلفظ " فأخاف أن تنكر قلوبهم لنظرت أن أدخل الحجر " ورواه الإسماعيلي بلفظ " لنظرت فأدخلت " وفيه دليل على أنه يجوز للعالم ترك التعريف ببعض أمور الشريعة إذا خشى نفرة قلوب العامة عن ذلك (5/100)
باب الطهارة والسترة للطواف (5/101)
1 - في حديث أبي بكر الصديق عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يطوف بالبيت عريان " (5/101)
2 - وعن عائشة " أن أول شيء بدأ به النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين قدم أنه توضأ ثم طاف بالبيت "
- متفق عليهما (5/101)
3 - وعن عائشة " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحائض تقضي المناسك كلها إلا الطواف "
- رواه أحمد وهو دليل على جواز السعي مع الحدث (5/102)
4 - وعن عائشة أنها قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نذكر إلى الحج حتى جئنا سرف طمست فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا أبكي فقال مالك لعلك نفست فقالت نعم قال هذا شيء كتبه الله عز و جل على بنات آدم افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري "
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " فأقضي ما يقضي الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تغتسلي " (5/102)
- حديث عائشة الثاني أخرجه باللفظ المذكور ابن أبي شيبة بإسناد صحيح من حديث ابن عمر وأخرج نحوه الطبراني عنه بإسناد فيه متروك وقد تقدم نحوه من حديث ابن عباس في باب ما يصنع من أراد الإحرام . قوله " لا يطوف بالبيت عريان " فيه دليل على أنه يجب ستر العورة في حال الطواف . وقد اختلف هل الستر شرط لصحة الطواف أولا فذهب الجمهور الجمهور إلى أنه شرط وذهبت الحنفية والهادوية إلى أنه ليس بشرط فمن طاف عريانا عند الحنفية أعاد ما دام بمكة فإن خرج لزمه دمز وذكر ابن إسحاق في سب طواف الجاهلية كذلك أن قريشا ابتدعت قبل الفيل أو بعده أن لا يطوف بالبيت أحد ممن يقدم عليهم من غيرهم أول ما يطوف إلا بثياب أحدهم فإن لم يجد طاف عريانا فإن خالف فطاف بثيابه ألقاها إذا فرغ ثم لم ينتفع بها فجاء الإسلام بهدم ذلك . قوله " توضا ثم طاف " لما كان هذا الفعل بيانا لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " صلح للاستدلال به على الوجوب والخلاف في كون الطهارة شرطا أو غير شرط كالخلاف في الستر : قوله " تقتضي المناسك كلها " أي نفعل المناسك كلها وفيه دليل على أن الحائض تسعى . ويؤيده قوله في حديث عائشة المذكور في الباب " افعلي ما يفعل الحاج " الخ ولكنه قد زاد ابن أبي شيبة من حديث ابن عمر الذي أشرنا إليه بعد قوله إلا الطواف ما لفظه وبين الصفا والمروة وكذلك زاد هذه الزيادة الطبراني من حديثه . وقد قال الحافظ أن إسناد ابن أبي شيبة صحيح : وقد ذهب الجمهور إلى أن الطهارة غير واجبة ولا شرط في السعي ولم يحك ابن المنذر القول بالوجوب إلا عن الحسن البصري . قال في الفتح وقد حكى المجد ابن تيمية من الحنابة يعني المصنف رواية عندهم مثله . قوله " نفست " بفتح النون وكسر الفاء الحيض وبضم النون وفتحها الولادة والطمث الحيض أيضا . قوله " حتى تطهري " بفتح التاء والطاء المهملة وتشديد الهاء أيضا وهو على حذف أحد التاءين وأصله تتطهري والمراد بالطهارة الغسل كما وقع في رواية مسلم المذكور في الباب ( والحديث ) ظاهر في نفي الحائض عن الطواف حتى ينقطع دمها وتغتسل والنهي يقتضي الفساد المرادف للبطلان فيكون طواف الحائض باطلا وهو قول الجمهور وذهب جمع من الكوفيين إلى أن الطهارة غير شرط وروي عن عطاء إذا طافت المرأة ثلاثة أطواف فصاعدا ثم حاضت أجزأ عنها (5/102)
باب ذكر الله في الطواف (5/103)
1 - عن عبد الله بن السائب قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول بين الركن اليماني والحجر ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار "
- رواه أحمد وأبو داود وقال " بين الركنين " (5/103)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال وكل به يعني الركن اليماني سبعون ملكا فمن قال اللهم إني أسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار قالوا آمين " (5/103)
3 - وعن أبي هريرة " أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من طاف بالبيت سبعا ولا يتكلم إلا سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله محيت عنه عشر سيآت وكتب له له عشر حسنات ورفع له بها عشر درجات "
- رواهما ابن ماجة (5/104)
4 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا والمروة ورمي الجمار لإقامة ذكر الله تعالى "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه ولفظه " إنما جعل رمي الجمار بين الصفا والمروة لإقامة ذكر الله تعالى " (5/104)
- حديث عبد الله بن السائب أخرجه أيضا النسائي وصححه ابن حبان والحاكم وحديث أبي هريرة الأول في إسناده إسماعيل ابن عياش وفيه مقال وفي إسناده أيضا هشام بن عمار وهو ثقة تغير باخرة . والحديث قد ذكره الحافظ في التلخيص . حديثه الثاني ساقه ابن ماجه هو وحديثه الأول المذكور هنا بإسناد واحد وفيه إسماعيل بن عياش وهشام بن عمار وقد ذكره في التلخيص أيضا وقال . إسناده ضعيف . وحديث عائشة سكت عنه أبو داود وذكر المنذري أن الترمذي قال إنه حديث ضعيف حسن صحيح ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند ابن ماجه والحاكم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يدعو بهذا الدعاء بين الركنين اللهم قنعني بما رزقتني وبارك لي فيه وأخلف على كل غائبة لي بخير " وعن أبي هريررة عند البزار غير ما ذكره المصنف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول اللهم أني أعوذ بك من الشك والشرك والنفاق والشقاق وسوء الأخلاق " وعن عبد الله بن السائب حديث آخر عند ابن عساكر من طريق بن ناجية بسند له ضعيف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقول في ابتداء طوافه بسم الله والله أكبر اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك ووفاء بعهدك واتباعا لسنة نبيك محمد " قال الحافظ لم أجده هكذا وقد ذكره صاحب المهذب من حديث جابر وقد بيض له المذري والنووي ورواه الشافعي عن ابن أبي نحيج . قال أخبرت " ان بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا رسول الله كيف نقول إذا استلمنا قال قولوا بسم الله والله أكبر إيمانا وتصديقا لما جاء به محمد " قال في التلخيص وهو في الأم عن سعيد بن سالم عن ابن جريج ( وفي الباب ) أيضا عن ابن عمر من حديثه " كان إذا استلم الحجر قال بسم الله والله أكبر " وسنده صحيح وروى العقيلي أيضا من حديثه " كان إذا أراد أن يستلم يقول اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك واتباعا لسنة نبيك ثم يصلي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم يستلمه " رواه الواقدي في المغازي مرفوعا . وعن علي عند البيهقي والطبراني من طريق الحرث الأعور " أنه كان إذا مر بالحجر الأسود فرأى عليه زحاما استقبله وكبر ثم قال اللهم إيمانا بك وتصديقا بكتابك لسنة نبيك " وعن عمر عند أحمد وقد تقدم في باب ما جاء في استلام الحجر ( وأحاديث ) الباب تدل على مشروعية الدعاء بما اشتملت عيه في الطواف وقد حكى في البحر عن الأكثر أنه لادم على من ترك مسنونا . وعن الحسن البصري والثوري وابن الماجشون أنه يلزم (5/104)
باب الطواف راكبا لعذر (5/105)
1 - عن أم سلمة " أنها قدمت وهي مرضة فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال طوفي من وراء الناس وأنت راكبة "
- رواه الجماعة إلى الترمذي (5/105)
2 - وعن جابر قال " طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالبيت وبالصفا والمروة في حجة الوداع على راحلته يستلم الحجر بمحجنه لأن يراه الناس وليشرف ويسألوه فإن الناس غشوه "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (5/105)
3 - وعن عائشة " قالت طاف النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع على بعيره يستلم الركن كراهية ان يصرف عنه الناس "
- رواه مسلم (5/106)
4 - وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم مكة وهو يشتكي فطاف على راحلته كلما أتى على الركن استلم الركن بمحجن فلما فرغ من طوافه أناخ فصلى ركعتين "
- رواه أحمد وأبو داود (5/106)
5 - وعن أبي الطفيل " قال قلت لابن عباس أخبرني عن الطواف بين الصفا والمروة راكبا أسنة هو فإن قومك يزعمون أنه سنة قال صدقوا وكذبوا قلت وما قولك صدقوا وكذبوا قال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كثر عليه الناس يقولون هذا محمد هذا محمد حتى العواتق من البيوت قال وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يضرب الناس بين يديه فلما كثروا عليه ركب والمشي والسعي أفضل "
- رواه أحمد ومسلم (5/106)
- حديث ابن عباس الأول في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج به وقال البيهقي في حديث يزيد ين أبي زياد لفظة لم يوافق عليها وهي قوله " وهو يشتكي وقد أنكر الشافعي وقال لا أعلمه اشتكى في تلك الحجة : قوله " طوفي من وراء الناس " هذا يقتضي منع طواف الراكب في المطاف . قال في الفتح لا دليل في طوافه صلى الله عليه وآله وسلم راكبا على جواز الطواف راكبا بغير عذر وكلام الفقهاء يقتضي الجواز إلا أن المشي أولى والركوب مكروه تنزيها قال والذي يترجح المنع لأن طوافه صلى الله عليه وآله وسلم وكذا أم سلمة كان قبل أن يحوط المسجد فإذا حوط امتنع داخله إذ لا يؤمن التلويث فلا يجوز بعد التحويط بخلاف ما قبله فإن كان لا يحرم التلويث كما في السعي : قوله " لأن يراه الناس " الخ فيه بيان العلة التي لأجلها طاف صلى الله عليه وآله وسلم راكبا وكذلك قول عائشة كراهية أن يصرف الناس عنه . وفي رواية لمسلم كراهية أن يضرب بالباء الموحدة . قال النووي وكلاهما صحيح . وكذلك قول ابن عباس وهو يشتكي وقد ترجم عليه البخاري فقال باب المريض يطوف راكبا وكأنه أشار إلى هذا الحديث وكذلك قول ابن عباس في حديثه الأخر فلما كثروا عليه فإن هذه الألفاظ كلها مصرحة بأن طوافه صلى الله عليه وآله وسلم كان لعذر فلا يلحق به من لا عذر . وقد استدل أصحاب مالك وأحمد بطوافه صلى الله عليه وآله وسلم راكبا على طهارة بول ما يؤكل لحمه وروثه قالوا لأنه لا يؤمن ذلك من البعير ولو كان نجسا لما عرض المسجد له ويرد ذلك بوجوه إما أولا فلأنه لم يكن إذ ذاك قد حوط المسجد كما تقدم وأما ثانيا فلأنه ليس من لازم الطواف على البعير أن يبول وأما ثالثا فلأنه يطهر منه المسجد كما أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقر ادخال الصبيان الأطفال المسجد مع أنه لا يؤمن بولهم وأما رابعا فلأنه يحتمل أن تكون راحلته عصمت من التلويث حينئذ كرامة له : قوله " صدقوا وكذبوا " الخ لفظ أبي داود " قال صدقوا وكذبوا قلت ما صدقوا وكذبوا قال صدقوا قد طاف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفا والمروة على بعير وكذبوا ليست بسنة " وحديث ابن عباس هذا يدل على جواز الطواف بين الصفا والمروة للراكب لعذر قال ابن رسلان في شرح السنن بعد أن ذكر حديث ابن عباس هذا مالفظه وهذا الذي قاله ابن عباس مجمع عليه انتهى . يعني ففي كون الطواف بصفة الركوب سنة بل الطواف من الماشي أفضل (5/107)
باب ركعتي الطواف والقراءة فيهما واستلام الركن بعدهما (5/107)
- رواهما ابن عمر وابن عباس وقد سبق (5/107)
1 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما انتهى إلى مقام إبراهيم قرأ واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى فصلى ركعتين فقرأ فاتحة الكتاب وقل يا أيها الكافرون وقل هو الله أحد ثم عاد إلى الركن فاستلمه ثم خرج إلى الصفا "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وهذا لفظه وقيل للزهري أن عطاء يقول " تجزي المكتوبة من ركعتي الطواف فقال السنة أفضل لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسبوعا إلا صلى ركعتين " . أخرجه البخاري (5/108)
- حديث ابن عمر الذي أشار إليه المصنف تقدم في باب استلام الركن اليماني وكذلك تقدم في باب ما جاء في استلام الحجر وحديث ابن عباس المشار إليه تقدم في مواضع منها باب استلام الحجر وكذلك باب استلام الركن اليماني وفي باب الطواف راكبا قوله " واتخذوا " في الروايات بكسر الخاء على الأمر وهي إحدى القراءتين والأخرى بالفتح على الحبر والأمر دال على الوجوب . قال في الفتح لكن انعقد الإجماع على جواز الصلاة إلى جميع جهات الكعبة فدل على عدم التخصيص وهذا بناء على أن المراد بمقام إبراهيم الذي فيه أثر قدميه وهو موجود الآن . وقال مجاهد المراد بمقام إبراهيم الحرم كله والأول أصح : قوله " فقرأ فاتحة الكتاب " الخ فيه استحباب القراءة بهاتين السورتين مع فاتحة الكتاب واستلام الركن بعد الفراغ وقد اختلف في وجوب هاتين الركعتين فذهب أبو حنيفة وهو مروي عن الشافعي في أحد قوليه إلى انهما واجبتان وبه قال الهادي والقاسم واستدلوا بالآية المذكورة وأجيب عن ذلك بأن الأمر فيها إنما هو باتخاذ المصلى لا بالصلاة وقد قال الحسن البصري وغيره إن قوله مصلى أي قبلة وقال مجاهد أي مدعى يدعى عنده . قال الحافظ ولا يصح حمله عن مكان الصلاة لأنه لا يصلي فيه بل عند قال ويترجح قول الحسن بأنه جاز على المعنى الشرعي واستدلوا ثانيا بالأحاديث التي فيها إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى ركعتين بعد فراغه من الطواف ولازم ذلك من جملتها ما ذكره المصنف في الباب قالو وهي قالو وهي بيان مجمل واجب فيكون ما اشتملت عليه واجبا وقال مالك والشافعي في أحد قوليه والناصر انهما سنة لما تقدم في الصلاة من حديث ضمام ابن ثعلبة لما قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد أن أخبره بالصلوات الخمس هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع وقد أسلفنا في الصلاة الجواب عن هذا الدليل . قوله " الاصلي ركعتين " استدل به من قال إنا لا تجزئ المكتوبة عن ركعتي الطواف وتعقب بأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم إلا صلى ركعتين أعم من أن يكون ذلك نفلا أو فرضا لأن الصبح ركعتان (5/108)
باب السعي بين الصفا والمروة (5/108)
1 - عن حبيبة بنت أبي تجراة قالت " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يطوف بين الصفا والمروة والناس بين يديه وهو وراء هم وهو يسعى حتى أرى ركبتيه من شدة السعي تدور به ازاره وهو يقول اسموا فإن الله كتب عليكم السعي (5/109)
2 - وعن صفية بنت شيبة " إن امرأة أخبرتها أنها سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بين الصفا والمروة يقول كتب عليكم السعي فاسعوا "
- رواهما أحمد (5/109)
- الحديث الأول أخرجه الشافعي أيضا وغيره من حديث صفية بنت شيبة عن حبيبة فلعل المرأة المبهمة في حديث صفية هي حبيبة وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف وله طريق أخرى في صحيح ابن خزيمة والطبراني عن ابن عباس . قال في الفتح وإذا انضمت إلى الأولى قويت قال واختلف على صفية بنت شيبة في اسم الصحابية التي أخبرتها به ويجوز أن تكون أخذته عن جماع فقد وقع عند الدارقطني عنها أخبرتني نسوة من بني الدار فلا يضره الاختلاف وحديث صفية بنت شيبة قال في مجمع الزوائد في إسناد موسى بن عبيدة وهو ضعيف والعمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " قوله " تجراه " قال في الفتح يكسر المثناة وسكون الجيم بعدها راء ثم الف ساكنة ثم هاء ( 1 ) [ ( 1 ) قوله في نيل الأوطار بكسر المثناة الخ لكن في القاموس في مادة جزأ بالزاي وحببية بنت أبي نجزأة بضم التاء وسكون الجيم صحايبية اه مصحح ] . وهي إحدى نساء بني عبد الدار : قوله " تدور به إزاره " في لفظ آخر " وإن نئزره ليدور من شدة السعي " والضمير في قوله به يرجع إلى الركبتين أي تدور إزاره بركبتيه . قوله " فإن الله كتب عليكم السعي " استدل به من قال بأن السعي فرض وهم الجمهور وعند الحنفية أنه واجب يجبر بالدم وحكاه في البحر عن العترة وبه قال الثوري في الناسي خلاف العامد وبه قال عطاء وعنه أنه سنة لا يجب بتركه شيء وبه قال أنس فيما نقله عنه ابن المنذر واختلف عن أحمد كهذه الأقوال الثلاثة . وقد أغرب الطحاوي فقال قد أجمع العلماء على أنه لو حج ولم يطف بالصفا والمروة أن حجة قد تم وعليه دم والذي حكاه صاحب الفتح وغيره عن الجمور أنه ركن لا يجبر بالدم ولا يتم الحج بدونه وأغرب ابن العربي فحكى أن السعي ركن في العمرة بالإجماع وإنما الخلاف في الحج وأغرب أيضا المهدي في البحر فحكى الإجماع على الوجوب . قال ابن المنذر إن ثبت يعني حديث حبيبة فهو حجة في الوجوب قال في الفتح العمدة في الوجوب قوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " قلت وأظهر من هذا في الدلالة على الوجوب حديث مسلم " ما أتم الله حج امرئ ولا عمرته لم يلطف بين الصفا والمروة " (5/109)
3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من طوافه أبي الصفا فعلا عليه حتى نظر إلى البيت ورفع بيديه فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء أن يدعو "
- رواه مسلم وابو داود (5/110)
4 - وعن جابر " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم طاف وسعى رمل ثلاثا ومشى أربعا ثم قرأ وإتخذوا من مقام إ براهيم مصلى فصلى سجدتين وجعل المقام بينه وبين الكعبة ثم استلم الركن ثم خرج فقال إن الصفا والمروة من شعائر الله فأبدؤا بما بدأ الله به "
- رواه النسائي . وفي حديث جابر " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما دنا من الصفا قرأ أن الصفا والمروة منشعائر الله أبدأ بما بدأ الله به فبدأ بالصفا فرقى عليه حيى رأى البيت فاستقبل القبلة فوحد الله وكبره وقال لا إله إلا الله وحده لاشريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير لا إله إلا الله وحه أنجز وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده ثم دعا بين ذلك فقال مثل هذا ثلاث مرات ثم نزل إلى المروة حتى إنصبت قدماه فيبطن الوادي حتى إذا صعدنا مشى حتى أتى المروة ففعل على المروة كما فعل على الصفا " . رواه مسلم وكذلك أحمد والنسائي بمعناه (5/110)
- قوله " فعلا عليه " استدل به من قال بأن صعود الصفا واجب وهو أبو حفص بن الوكيل من أصحاب الشافعي وخالفه غيره من الشافعية وغيرهم فقالوا هو سنة وقد تقدم ان فعله صلى الله عليه وآله وسلم بيان لمجمل واجب : قوله " فجعل يحمد الله ويدعو ما شاء " فيه استحباب الحمد والدعاء على الصفا . قوله " طاف وسعى رمل ثلاثا " فيه دليل على أنه يستحب أن يرمل في ثلاثة أشواط ويمشي في الباقي قوله " واتخذوا " الآية قد تقدم أن الروايات بكسر الخاء وهي إحدى القرائتين : قوله " إن الصفا والمروة من شعائر الله " قال الجوهري الشعائر أعمال الحج وكل ما جعل علما لطاعة الله . قوله " فابدؤا بما بدأ الله به " بصيغة الأمر في رواية النسائي وصححه ابن حزم والنووي في شرح مسلم وله طرق عند الدارقطني ورواه مسلم بلفظ " أبدا بصيغة الخبر كما في الرواية المذكورة في الباب ورواه أحمد ومالك وابن الجارود وأبو داود والترمذي وابن ماجه وابن حبان والنسائي أيضا نبدأ بالنون قال أبو الفتح القشيري مخرج الحديث عندهم واحد وقد اجتمع مالك وسفيان ويحيى بن سعيد القطان على رواية نبدأ بالنون التي للجمع قال الحافظ وهم أحفظ من الباقين وقد ذهب الجمهور إلى البداءة بالصفا والختم وبالمروة شرط وقال عطاء يجزي الجاهل العكس وذهب الأكثر إلى ان من الصفا إلى المروة شوط ومنها إليه شوط آخر وقال الصيرفي وابم خيران وابن جرير بل من الصفا شوط ويدل على الأول ما في حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم فرغ من آخر سعيه بالمروة : قوله " لما دنا من الصفا قرأ " الخ فيه دليل على أنها تستحب قراءة هذه الآية عند الدنو من الصفا وأنه يستحب صعود الصفا واستقبال القبلة والتوحيد والتكبير والتهليل وتكرير الدعاء والذكر بين ذلك ثلاث مرات وقال جماعة من أصحاب الشافعي بكرر الذكر ثلاثا والدعاء مرتين فقط قال النووي والصواب الأول : قوله " وهزم الأحزاب وحده " معناه هزمهم بغير قتال من الآدميين ولا سبب من جهتهم والمراد بالأحزاب الذين تحزبوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الخندق وكان الخندق في شوال سنة سنة أربع من الهجرة وقيل سنة خمس : قوله " حتى انصبت قدماء في بطن الوادي " هكذا في جميع نسخ مسلم كما نقله القاضي قال وفيه اسقاط لفظة لا بد منها وهي حتى انصبت قدماه رمل في بطن الوادي فسقطت لفظة رمل ولا بد منها وقد ثبتت هذه اللفظة في غير رواية مسلم وكذا ذكرها الحميدي في الجمع بين الصحيحين وفي الموطأ حتى أنصبت قدماه في بطن الوادي سعى حتى خرج منه وهو بمعنى رمل قال النووي وقد وقع في بعض نسخ صحيح مسلم حتى انصبت قدماه في بطن الوادي سعى كما وقع في الموطأ وغيره ( وفي الحديث ) استباب السعى في بطن الوادي حتى يصعد ثم يمشي باقي المسافة إلى المروة على عادة مشيه وهذا السعي مستحب في كل مرة من المرات السبع في هذا الموضع والمشي مستحب فيما قبل الوادي وبعده ولو مشى في الجميع أو سعى أجزأه وفاتته الفضيلة وبه قال الشافعي ومن وافقه وقال مالك فيمن ترك السعي الشديد في موضعه تجب عليه الإعادة وله رواية أخرى موافقة لقول الشافعي . قوله " إذا صعدنا " بكسر العين : قوله " ففعل على المروة كما فعل على الصفا " فيه دليل على أنه يستحب عليها ما يستحب على الصفا من الذكر والدعاء والصعود (5/110)
باب النهي عن التحلل بعد السعي إلا للمتمتع إذا لم يسبق هديا وبيان متى يتوجه المتمتع إلى منى ومتى يحرم بالحج (5/111)
1 - عن عائشة قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فمنا من أهل بالحج منا من أهل بالعمرة ومنا من أهل بالحج والعمرة وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالحج فأما من أهل بالعمرة فاحلوا حين طافوا بالبيت وبالصفا والمروة وأما من أهل بالحج أو بالحج والعمرة فلم يحلوا إلى يوم النحر " (5/111)
2 - وعن جابر أنه حج مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم ساق البدن معه وقد أهلوا بالحج مفردا فقال لهم أحلوا من إحرامكم بطواف البيت وبين الصفا والمروة وقصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية فأهلوا بالحج فاجعلوا التي قدمتم بها متعة فقالوا كيف نجعلها متعة وقد سمينا الحج فقال افعلوا ما أمرتكم ولكن لا يحل مني حرام حتى يبلغ الهدى محله ففعلوا "
- متفق عليهما . وهو دليل على جوازالفسخ وعلى وجوب السعي وأخذ الشعر للتحلل بالعمرة (5/111)
3 - وعن جابر قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لما أحللنا ان نحرم إذا توجهنا إلى منى فأهللنا من الأبطح "
- رواه مسلم (5/112)
- قوله " وأهل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قد تقدم استدلال من بهذا على إن حجة صلى الله عليه وآله وسلم كان افرادا وتقدم الجواب عن ذلك : قوله " فأ'حلوا حين طافوا بالبيت " فيه دليل المذهب الجمهوران المعتمر لا يحل حتى يطوف ويسعى إلا ما شذ به ابن عباس فقال يحل من العمرة بالطواف ووافقه ابن راهويه ونقل القاضي عياض عن بعض أهل العلم ان بعض الناس ذهب إلى ان المعتمر لا يحل إذا دخل الحرم حل وان لم يطف ولم يسع وله ان يفعل كل ما حرم على المحرم ويكون الطواف والسعى في حقه كالرمي والمبيت في حق الحاج وهذا من شذوذ المذاهب وغريبها وغفل القطب الحلبي فقال فيمن استلم الركن في ابتداء الطواف وأحل حينئذ أنه لا يحصل له التحلل بالإجماع قوله " أحلوا من إحرامكم " أي أجعلوا حجكم عمرة وتحللوا منها بالطواف والسعي : قوله " وقصروا " أمرهم بالتقصير لانهم يهلون بعد قليل باحج فأخر الحلق له لان بين دخولهم وبين يوم التروية أربعت أيام فقط : قوله " متعة " أي ؟ أجعلوا الحجة المفردة التي أهللتم بها عمرة تحللوا منها فتصيروا ومتمتيعين فأطلق على العمرة أنها متعة مجازا والعلاقة بينهما ظاهرة وفي رواية لمسلم " فلما قدمنا مكة أمرنا أن نحل ونجعلها عمرة " ونحوه في رواية البتقر عن جابر وفي الحديث الطويل عن مسلم : قوله " قال أفعلوا ما أمرتكم " فيه بيان ما كان عليه صلى الله عليه وآله وسلم من لطفه بأصحابه وحلمه عنهم : قوله " لا يحل مني الحرام " بكسر الحاء من يحل والمعنى لا يحل مني ما حرم علي . ووقع في مسلم لا يحل مني حراما بالنصب على المفعولية وعلى هذا فيقرأ يحل بضم أوله والفاعل محذوف تقديره لا يحل طول المكث أو نحو ذلك مني شيئا حراما حتىيبلغ الهدى محله أي إذا نحرته يوم مني واستدل به على أن أعتمر فساق هديا لا يتحلل من عمرته حتى ينحر هديه يوم النحر ومثله ما في البخاري من حديث عائشة بلفظ منآحرم بعمرة فأهدي فلا يحل حتى ينحر وت ؟ أول ذلك المالكية والشافعية على أن معناه ومن أحرم بعمرة فأهد فأهل بالحج فلا يحل حتى يحل هديه ولا يخفي مافيه من التعسف : قوله " أن نحرم إذا توجهنا إلى منى " فيه الدليل على من حل من إحرامه يحرم بالحج إذا توجه إلى منى (5/112)
4 - وعن معاوية " قصرت من رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم عند المروة بمشقص "
- متفق عليه ولفظ أحمد " أخذت من أطراف شعر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أيام العشر بمشقص وهو محرم " (5/112)
- قوله " قصرت " أي أخذت من شعر رأسه وهو يشعر بأن ذلك كان في نسك أو في حج أو عمرة وقد ثبت أنه حلق في حجته فتعين أن يكون في عمرة ولا سيما وقد روى مسلمأنذلك كان في المروة وهذا يحتمل أن
يكون في عمرة القضية أو الجعرانة ولكن قوله في الرواية الأخرى في أيام العشر يدل على أن ذلك كان في حجة الوداع لأنه لم يحج غيرها وفيه نظر لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحل حتى بلغ الهدي محله كماتقدم في الأحاديث الثابتة في الصحيحين غيرها وقد بالغ النووي في الرد على من زعم أن ذلك كان في حجة الوداع فقال هذا الحديث محمول على أن معاوية قصر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عمرة الجعرانة لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع كان قارن وثبت أنه حلق بمنى وفرق أو طرحة شعره بين الناس فلا يصح حمل تقصير معاوية على حجة الوداع ولا يصح حمله أيضا على عمرة القضاء الواقعة سنة سبع لأن معاوية لم يكن حينئذ مسلما إنما أسلم يوم الفتح سنة ثمان على الصحيح المشهور ولا يصح قوله من حمله على حجة الوداع وزعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان متمتعا لأن هذا غلط فاحش فقد تظافرت الأحاديث في مسلم وغيرهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قيل لهم ما شأن الناس حلوا من العمرة ولم تحل أنت من عمرتك فقال إني لبدت رأسي وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر " قال الحافظ متعقبا لقوله لا يصح حمله على عمرة القضاء ما لفظه قلت يمكن الجمع بينهما بأنه كان أسلم خفية وكان يكتم إسلامه ولم يتمكن من إظهاره إلا يوم الفتح . وقد أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق في ترجمة معاوية تصريحا بأنه أسلم بين الحديبية والقضية وأنه كان يخفي إسلامه خوفا من أبويه ولا يعارضه قول سعد المتقدم فعلناها يعني العمرة وهذا يعني معاوية كافر بالعروش لأنه أخبر بما استصحبه من حاله ولم يطلع على إسلامه لكونه كان يخفيه ولا ينافيه أيضا ما رواه الحاكم في الإكليل أن الذي حلق رأس النبي صلى الله عليه وآله وسلم في عمرته التي اعتمرها من الجعرانة أبو هند عبد بني بياضة لأنه يمكن الجمع بأن يكون معاوية قصيرة عنه أولا وكان الحلاق غائبا في بعض حاجاته ثم حضر فأمره أن يكمل إزالة الشعر بالحلق لإنه أفضل ففعل ولا يعكر على كون ذلك في عمرة الجعرانة إلا رواية أحمد المذكورة في الباب إن ذلك كان في أيام العشر إلا أنها كما قال ابن القيم معلولة أو وهم من معاوية وقد قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه والناس ينكروا هذه على معاوية . قال ابن القيم وصدق قيس فنحن نحلف بالله أن هذا ما كان في العشر قط . وقال في الفتح أنها شاذة قال وأظن بعض رواتها حدث بها بالمعنى فوقع له ذلك انتهى وأيضا قد ترك ابن الجوزي في جامع المسانيد رواية أحمد هذه وقد ذكر أنه لم يترك فيه من مسند أحمد إلا ما لم يصح وقال بعضهم يحتمل أن يكون في قول معاوية قصرت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حذف تقديره قصرت أنا شعري عن أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتعقب بأنه يرد ذلك قوله في رواية أحمد قصرت عن رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند المروة . وقال ابن حزم يحتمل أن يكون معاوية قصر عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقية شعر لم يكن الحلاق استوفاه يوم النحر وتعقبه صاحب الهدى بأن الحالق لا يبقي شعرا يقصر منه ولا سيما قد قسم النبي صلى الله عليه وآله وسلم شعره بين أصحابه الشعرة والشعرتين وقد وافق النووي على ترجيح كون ذلك في عمرة الجعرانة المحب الطبري وابن القيم قال الحافظ وفيه نظر لأنه جاء أنه حلق في الجعرانة ويجاب عنه بأن الجمع ممكن كما سلف قوله : " بمشقص " بكسر الميم وسكون المعجمة وفتح القاف وآخرح صاد مهملة قال القزاز هو نصل عريض يرمى به الوحش وقال صاحب المحكم هو الطويل من النصال وليس بعريض وكذا قال أبو عبيد (5/113)
5 - وعن ابن عمر " أنه كان يحب إذا استطاع أن يصلي الظهر بمنى من يوم التروية وذلك أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر بمنى "
- رواه أحمد (5/113)
6 - وعن ابن عباس قال " صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الظهر يوم التروية والفجر يوم عرفة بمنى "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وللأحمد في رواية " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى خمس صلوات " (5/113)
7 - وعن عبد العزيز بن رفيع قال " سئلت أنسا فقلت أخبرني بشيء عقلته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أين صلى الظهر يوم التروية قال بمنى قلت فأين صلى العصر يوم النفر قال بالأبطخ ثم قال افعل كما يفعل أمراؤك "
- متفق عليه (5/114)
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا في الموطأ لكن موقوفا على ابن عمر وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الترمذي والحاكم وأخرج ابن خزيمة والحاكم عن ابن الزبير قال من سنة الحج أن يصلي الإمام الظهر وما بعدها والفجر بمنى ثم يغدون إلى عرفة . قولهه " من يوم التروية " بفتح المثناة وسكون الراء وكسر الواو وتخفيف التحتانية وإنما سمي بذلك لأنهم كانوا يروون إبلهم فيه ويتروون من الماء لأن تلك الأماكن لم يكن فيها إذ ذاك آبار ولا عيون وأما الآن فقد كثرت جدا واستغنوا عن حمل الماء قوله " يوم النفر " بفتح النون وسكون الفاء . والأبطح البطحاء التي بين مكة ومنى وهي ما انبطح من الوادي واتسع وهي التي يقال لها المحصب والمعرس . وحدها ما بين الجبلين إلى المقبرة : قوله " افعل كما يفعل أمراؤك " لما بين له المكان الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم خشى عليه أن يحرص على ذلك فينسب إلى المخالفة أو تفوته الصلاة مع الجماعة فأمره بأن يفعل كما يفعل أمراؤه إذ كانوا لا يواظبون على صلاة الظهر ذلك اليوم بمكان معين فأشار إلى أن الذي يفعلونه جائز وإن الاتباع أفضل ( وأحاديث الباب ) تدل على أن السنة أن يصلي الحاج الظهر يوم التروية بمنى وهو قول الجمهور . وروى لثوري في جامعه عن عمر وبن دينار قال رأيت ابن الزبير صلى الظهر يوم التروية بمكة وقد تقدم عنه إن السنة أن يصليها بمنى فلعله صلى بمكة للضرورة أو لبيان الجواز . وروى ابن المنذر من طريق ابن عباس قال إذا زاغت الشمس فليرح إلي مني قال ابن المنذر أيضا بعد أن ذكر حديث ابن الزبير السابق به علماء الأمصار قال ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم أنه أوجب على من تخلف عن منى ليلة التاسع شيئا ثم روى عن عائشة أنها لم تخرج من مكة يوم التروية حتى دخل الليل وذهب ثلثه قال أيضا والخروج إلى منى في كل وقت مباح إلا ان الحسن وعطاء قالا لابأس ان يتقدم الحاج إلى منى قبل يوم التروية بيوم او يومين وكرهه مالك وكره الاقامة بمكة يوم التروية حتى يمس إلا أن أدركه وقت الجمعة فعليه أن يصليها قبل أن يخرج وفي الحديث الآخر أيضا متابعة أولى الأمر والأحتراز عن مخالفة الجماعة (5/114)
8 - وفي حديث جابر قال " لما كان يوم التروية توجهوا إلى منى فأهلوا بالحج وركب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصلى بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ثم مكث قليلا حتى طلعت الشمس وأمر بقية من شعر تضرب له منمرة فسار رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا تشك انه واقف عند المشعر الحرام كما كانت قريش تصنع في الجاهلية فأجاز رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى أتى عرفة فوجد القبة قد ضربت له بنمرة فنزل بها حتى إذا زاغت الشمس أمر بالقصوا فرحلت له فأتى بطن الوادي فخطب الناس وقال إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا "
- مختصر من مسلم (5/114)
- قوله " لما كان يوم التروية " الخ قد تقدم الكلام على هذا قوله : " وركب " الخ قال النووي فيه بيان سنن . أحدها ان الركوب في تلك المواضع أفضل من المشي كما أنه في جملة الطريق أفضل من المشي هذا هو الصحيح في الصورتين ان الركوب أفضل وللشافعي قول آخر ضعيف ان المشي أفضل وقال بعض أصحاب الشافعي الأفضل في جملة الحج الركوب الا في مواطن المناسك وهي مكة ومنى ومزد لفة وعرفات والتردد بينها . السنة الثانية ان يصلي بمنى هذه الصلوات الخمس . السنة الثالثة أن يبيت بمنى هذه الليلة وهي ليلة التاسع من ذي الحجة وهذا المبيت سنة ليس بركن ولا واجب فلو تركه فلا دم عليه بالإجماع انتهى . قوله " ثم مكث قليلا " الخ فيه دليل على أن السنة ان لا يخرجوا من منى حتى تطلع الشمس وهذا متفق عليه قوله : " وأمر بقبة " فيه استحباب النزول بنمرة إذا ذهبوا من منى لان السنة ان لا يدخلوا عرفات إلا بعد زوال الشمس وبعد صلاتي الظهر والعصر جميعا فإذا زوال الشمس ساربهم الامام إلى مسجد إبراهيم وخطب بهم خطبتين خفيفتين وتخلف الثانية جدا فإذا فرغ منهما صلى بهم الظهر والعصر جامعا فإذا فرغوا من الصلاة ساروا إلى الموقف . قوله " بنمرة " بفتح النون وكسر الميم ويجوز اسكان الميم وهي موضع بجنب عرفات وليست من عرفات : قوله " ولا تشك قريش " الخ يعني ان قريشا كانت تقف في الجاهلية بالمشعر الحرام وهو جبل بالمزاد لفة يقال له قزح فظنوا ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم سيوافقهم قوله " فاجاز " أي جاوز المزد لفة ولم يقف بها بل توجه إلى عرفات : قوله " أمر بالقصوا " بفتح القاف والقصر ويجوز المد قال ابن الاعرابي القصوا التي قطع اذنها والجدع أكبر منه . وقال أبو عبيدة القصوا المقطوعة الاذن عرضا وهو اسم لناقته صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " فرحلت " بتخفيف الحاء المهملة أي جعل عليها الرحل قوله بطن الوادي هو وادي عرفة بضم العين وفتح الراء بعدها نون . قوله " فخطب " الخ فيه استحباب الخطبة للإمام بالحجيج يوم عرفة في هذا الموضع وهوسنة باتفاق جماهير العلماء وخالف في ذلك المالكية : قوله " ان دماءكم " الخ قد تقدم شرح هذا في باب استحباب الخطبة يوم النحر من أبواب العيد (5/115)
باب المسير من منى إلى عرفة والوقوف بها وأحكامه (5/115)
1 - عن محمد بن أبي بكر بن عوف قال " سألت أنسا ونحن غاديان من منى إلى عرفات عن التلبية كيف كنتم تصنعون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كان يلبي الملبى فلا ينكر عليه ويكبر المكبر فلا ينكر عليه "
- متفق عليه (5/115)
2 - وعن ابن عمر قال " غدا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من منى حين صلى الصبح في صبيحة يوم عرفة حتى أتى عرفة فنزل بنمرة وهي منزل الإمام الذي ينزل به بعرفة حتى إذا كان عند صلاة الظهر راح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مهجرا فجمع بين الظهر والعصر ثم خطب الناس ثم راح فوقف على الموقف من عرفة "
- رواه أحمد وأبو داود (5/116)
3 - وعن عروة بن مضرس بن أوس بن حارثة بن لام الطائي قال " أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمزدلفة حين خرج إلى الصلاة فقلت يا رسول الله إني جئت من جبلي طيئ أكللت راحتي واتعبت نفسي والله ماتركت من جبل غلا وقفت عليه فهل لي من حج فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من شهد صلاتنا هذه ووقف معنا حتى ندفع وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليلا ونهارا فقد تم حجه وقضى تفثه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي وهو حجة في أن نهار عرفة كله وقت للوقوف (5/116)
- حديث ابن عمر في إسناده محمد بن إسحاق وفيه كلام معروف قد تقدم ولكنه قد صرح هنا بالتحديث وبقية رجلا إسناده ثقات وحديث عروة بن مضرس أخرجه ايضا ابن حبان والحاكم والدارقطني وصححه الحاكم والدارقطني والقاضي أبو بكر بن العربي على شرطهما : قوله " ونحن غاديان أي ذاهبان غدوة : قوله " كيف كنتم تصنعون " أي من الذكر . وفي رواية لمسلم ما يقول في التلبية في هذا اليوم قوله " فلا ينكر عليه " بضم أوله على البناء للمجهول وفي رواية للبخاري لا يعيب أحدنا على صاحبه والحديث يدل على التخيير بين التكبير والتلبية لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لهم على ذلك : قوله غدا بالغين المعجمة أي سار غدوة : قوله حين صلى الصبح ظاهره انه توجه من منى حين صلى الصبح بها ولكن قد تقدم في حديث جابر المذكور في الباب الذي قبل هذا انه كان بعد طلوع الشمس . قوله وهي منزل الامام الخ قال ابن الحاج المالكي وهذا الموضع يقال له الاراك قال الماوردي يستحب أن ينزل بنمرة حيث نزل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو عند الصخرة الساقطة بأصل الجبل على يمين الذاهب إلى عرفات : قوله " راح " أي بعد زوال الشمس : قوله " مهجرا " بتشديد الجيم المكسورة قال الجوهري التهجير والتهجير السير في الهاجرة والهاجرة نصف النهار عند اشتداد الحر والتوجه وقت الهاجرة في ذلك اليوم سنة لما يلزم من تعجيل الصلاة ذلك اليوم وقد اشار البخاري إلى هذا الحديث في صحيحه فقال باب التهجير بالرواح يوم عرفة أي من نمرة : قوله " فجمع بين الظهر والعصر " قال ابن المنذر اجمع أهل العلم على ان الامام يجمع بين الظهر والعصر بعرفة وكذلك من صلى مع الامام وذكر أصحاب الشافعي انه لا يجوز الجمع إلا لمن بينه وبين وطنه شتة عشر فرسخا الحاقا له بالقصر قال وليس بصحيح فإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جمع فجمع معه من حضره من المكيين وغيرهم ولم يأمرهم بترك الجمع كما أمرهم بترك القصر فقال أتموا فانا سفر ولوحرم الجمع لبينه لهم إذ لا يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة قال ولم يبلغنا عن أحد من المتقدمين خلاف في الجمع بعرفة والمزدلفة بل وافق عليه من لا يرى الجمع في غيره . قوله " ثم خطب الناس " فيه دليل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطب بعد الصلاة . قوله " ابن مضرس " بضم الميم وفتح الضاد المعجمة وتشديد الراء المكسورة ثم سين مهملة . قوله " ابن لام " هو بوزن جام قوله " من جبلي طييء " هما جبل سلمى وجبل اجا قاله المنذري . وطيئ بفتح الطاء وتشديد الياء بعدها همزة . قوله " أكللت " أي أعييت . قوله " من حبل " بفتح الحاء المهملة واسكان الموحدة أحد حبال الرمل وهو ما اجتمع فاستطال وارتفع قاله الجوهري : قوله " صلاتنا هذه " يعني صلاة الفجر . قوله " ليلا أو نهارا فقد تم حجه " تمسك بهذا بن حنبل فقال وقت الوقوف لا يختص بما بعد الزوال بل وقته ما بين طلوع الفجر يوم عرفة وطلوعه يوم العيد لأن لفظ الليل والنهار مطلقان وأجاب الجمهور عن الحديث بأن المراد بالنهار ما بعد الزوال بدليل أنه صلى الله عليه وآله وسلم والخلفاء الراشدين بعده لم يقفوا إلا بعد الزوال ولم ينقل عن أحد أنه وقف قبله فكأنهم جعلوا هذا الفعل مقيدا لذلك المطلق ولا يخفى ما فيه : قوله " وقضى تفثه " قيل المراد به أنه أتى بما عليه من المناسك والمشهور أن التفث ما يصنعه المحرم عند حله من تقصير شعر أو حلقه وحلق العانة ونتف الأبط وغيره من خصال الفطرة ويدخل في ضمن ذلك نحر البدن وقضاء جميع المناسك لأنه لا يقضي التفث إلا بعد ذلك وأصل التفث الوسخ والقذر (5/116)
4 - وعن عبد الرحمن بن يعمر " أن ناسا من أهل نجد أتوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو واقف بعرفة فسألوه فأمر مناديا ينادي الحج عرفة من جاء ليلة جمع قبل طلوع الفجر فقد أدرك أيام منى ثلاثة أيام فمن تعجل في يومين فلا أثم عليه ومن تأخر فلا أثم عليه وأردف رجلا ينادي بهن "
- رواه الخمسة (5/117)
5 - وعن جابر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نحرت ههنا ومني كلها منحر فانحروا في رحالكم ووقفت ههنا وعرفة كلها موقف ووقفت ههنا وجمع كلها موقف "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود . ولابن ماجه وأحمد أيضا نحوه وفيه " وكل فجاج مكة طريق ومنحر " (5/117)
- حديث عبد الرحمن بن يعمر أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والدارقطني والبيهقي : قوله " فسألوه " أي قالوا كيف حج من لم يدرك يوم عرفة كما بوب عليه البخاري : قوله " الحج عرفة " أي الحج الصحيح حج من أدرك يوم عرفة قال الترمذي قال سفيان الثوري والعمل على حديث عبد الرحمن بن يعمر عند أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وغيرهم أن من لم يقف بعرفات قبل الفجر فقد فاته الحد ولا يجزئ عنه أن جاء بعد طلوع الفجر ويجعلها عمرة وعليه الحج من قال وهو قول الشافعي وأحمد وغيرهما . قوله " من جاء ليلة جمع " أي ليلة المبيت بالمزدلفة ظاهره أنه يكفي الوقوف في جزء من أرض عرفة ولو في لحظة لطيفة في هذا الوقت وبه قال الجمهور وحكى النووي قولا أنه لا يكفي الوقوف ليلا ومن اقتصر عليه فقد فاته الحج والأحاديث الصحيحة ترده : قوله " أيام منى " مرفوع على الابتداء وخبره قوله ثلاثة أيام وهي الأيام المعدودات وأيام التشريق وأيام رمي الجمار وهي الثلاثة التي بعد يوم النحر منها لاجماع الناس على أنه لا يجوز النفر يوم ثاني النحر ولو كان يوم النحر من الثلاث لجاز أن ينفر من شاء في ثانية قوله " فمن تعجل في يومين " أي من أيام التشريق فنفر في اليوم الثاني منها فلا أثم عليه في تعجيله ومن تأخيره . وقيل المعنى ومن تأخر عن الثالث إلى الرابع ولم ينفر مع العامة فلا إثم عليه والتخيير ههنا وقع بين التفاضل والأفضل لأن المتأخر أفضل فإن قيل إنما يخاف الإثم المتعجل فما بال المتأخر الذي أتى بالأفضل ألحق به فالجواب أن المراد من عمل بالرخصة وذهب بعضهم إلى المراد وضع الإثم عن المتعجل دون المتأخر ولكن ذكرا معا والمراد أحدهما . قوله " ينادي بهن " أي بهذه الكلمات : قوله " نحرت ههنا ومنى كلها منحر " يعني كل بقعة منها يصح النحر فيها وهو متفق عليه لكن الأفضل النحر في المكان الذي نحر فيه صلى الله عليه وآله وسلم كذا قال الشافعي ومنحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو عند الجمرة الأولى التي تلي مسجد منى كذا قال ابن التين . وحد منى من وادى محسر إلى العقبة : قوله " في رحالكم " المراد بالرجال المنازل قال أهل اللغة رحل الرجل منزل سواء كان من حجر أو مدرأ وشعر أو وبر : قوله " ووقفت ههنا " يعني عند الصخرات وعرفة كلها موقف يصح الوقوف فيها ( وقد أجمع العلماء ) على أن من وقف في أي جزء كان من عرفات صح وقوفه ولها أربعة حدود . حد إلى جادة طريق المشرق . والثاني إلى حافات الجبل الذي وراء أرضها . والثالث إلى البساتين التي تلي قرنيها على اليسار مستقبل الكعبة . والرابع وادي عرنة بضم العين وبالنون وليست هي ولا نمرة من عرفات ولا من محرم : قوله " وجمع كلها موقف " وجمع بإسكان الميم هي المزدلفة كما تقدم وفيه دليل على أنها كلها موقف كما أن عرفات كلها موفق : قوله " وكل فجاج مكة طريق " الفجاج بكسر الفاء جمع فج وهو الطري الواسعة والمراد أنها طريق من سائر الجهات والأقطار التي يقصدها الناس للزيادرة والإتيان إليها من كل طريق واسع وهذا متفق عليه ولكن الأفضل الدخول إليها من الثنية العليا التي دخل منها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم وهذه الزيادة روارها أبو داود كما رواه أحمد وابن ماجة (5/117)
6 - وعن أسامة بن زيد قال " كنت ردف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات فرفع يديه يدعو فمالت به ناقته فسقط خطامها فتناول الخطام بإحدى يديه وهو رافع يده الأخرى "
- رواه النسائي (5/118)
7 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " كان أكثر دعاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم عرفة لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير "
- رواه أحمد والترمذي ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال خير الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير " (5/118)
- حديث أسامة إسناده في سنن النسائي هكذا أخبرنا يعقوب بن إبراهيم عن هشيم حدثنا عبد الملك عن عطاء قال قال أسامة فذكره هؤلاء كلهم رجال الصحيح وعبد الملك هو ابن عبد العزيز المعروف بابن جريح . وحديث عمرو بن شعيب في إسناده حماد بن أبي حميد وهو ضعيف ( وفي الباب ) عن ابن عمر بنحوه عن العقيلي في الضعفاء وفي إسناده فرج بن فضاله وهو ضعيف وقال البخاري منكر الحديث . وعن علي عليه السلام عند الطبراني في المناسك بنحوه وفي إسناده قيس بن الربيع وأخرجه البيهقي عنه بزيادة " اللهم اجعل ي قلبي نورا وفي بصري نورا اللهم اشرح لي صدري ويسر لي أمري " وفي إسناده موسى بن عبيدة الربذي وهو ضعيف وتفرد به عن أخيه عبد الله عن علي عليه السلام قال البيهقي ولم يدرك عبد الله عليا . وعن طلحى بن عبد الله بن كريز بفتح الكاف وآخره زاي عند مالك في الموطأ مرسلا ورواه البيهقي عن مالك موصولا وضعفه وكذا " ابن عبد البر في التمهيد قوله " فرفع يديه " فيه دليل على أن عرفة من المواطن التي يشرع فيها رفع اليدين عند الدعاء فيخصص به العموم حديث انس المتقدم في صلاة الاستسقاء قوله " وهو رافع يده الأخرى " فيه دليل على أن رفع إحدى اليدين عند الدعاء إذا منع من رفع الأخرى عذر لا بأس به . قوله " دعاء يوم عرفة " رجح المزي جر دعاء ليكون قوله لا إله إلا الله خبرا لخير الدعاء ولخير ما قلت أنا والنبيون ويؤيده ما وقع في الموطأ من حديث طلحة بلفظ " أفضل الدعاء يوم عرفة وأفضل ما قلته أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله " وما وقع عند العقيلي من حديث ابن عمر بلفظ " أفضل دعائي ودعاء الأنبياء قبلي عشية عرفة لا إله إلا الله " ( وأحاديث ) الباب تدل على مشروعية الاستكثار من هذا الدعاء يوم عرفة وأنه خير ما يقال في ذلك اليوم (5/118)
8 - وعن سالم بن عبد الله " أن عبد الله بن عمر جاء إلى الحجاج بن يوسف يوم عرفة حين زالت الشمس وأنا معه فقال الرواح إن كنت تريد السنة قال هذه الساعة قال نعم قال سالم فقلت للحجاج إن كنت تريد تصيب السنة فاقصر الخطبة وعجل الصلاة فقال عبد الله بن عمر صدق "
- رواه البخاري والنسائي (5/119)
9 - وعن جابر قال " راح النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى الموقف بعرفة فخطب الناس الخطبة الأولى ثم أذن بلال ثم أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخطبة الثانية ففرغ من الخطبة وبلال من الأذان ثم أقام بلال فصلى الظهر ثم أقام فصلى العصر "
- رواه الشافعي (5/119)
- حديث جابر أخرجه أيضا لبيهقي وقال تفرد به إبراهيم بن أبي يحيى . وفي حديث جابر الطويل الذي أخرجه مسلم ما يدل على أنه صلى الله عليه وآله وسلم خطب ثم أذن بلال ليس فيه ذكر أخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الخطبة الثانية وهو أصح ويترجح بأمر معقول هو أن المؤذن قد أمر بالإنصات للخطبة فكيف يؤذن ولا يستمع الخطبة . قال المحب الطبري وذكر الملافي سيرته أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ من خطبته اذن بلال وسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلما فرغ بلال من الأذان تكلم بكلمات ثم أناخ راحلته وأقام بلال الصلاة وهذا أولى مما ذكره الشافعي إذ لا يفوت به سماع الخطبة من المؤذن قوله " فأقصر الخطبة " الخ قال ابن عبد البر هذا الحديث يدخل عندهم في المسند لأن المراد بالسنة سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أطلقت ما لم تضف إلى صاحبها كسنة العمرين انتهى . والكلام على ذلك مستوفي في الأصول وقد تقدم حديث ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يروح عند صلاة الظهر " وقدمنا أن ظاهره يخالف حديث جابر الطويل عند النبي أن توجهه صلى الله عليه وآله وسلم من نمرة كانت حين زاغت الشمس والمصنف رحمه الله تعالى اختصر هذه القصة الواقعة بين ابن عمر والحجاج وهي في البخاري أطول من هذا المقدار وكذلك في سنن النسائي (5/119)
باب الدفع إلى مزدلفة ثم منها إلى منى وما يتعلق بذلك (5/120)
1 - عن أسامة بن زيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين أفاض من عرفات كان يسير العنق فإذا وجد فجوة نص "
- متفق عليه (5/120)
2 - وعن الفضل بن عباس وكان رديف النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال في عشية عرفة وغداة جمع للناس حين دفعوا عليكم السكينة هو كاف ناقته حتى دخل محسرا وهو من منى وقال عليكم بحصى الخذف الذي يرمي به الجمرة "
- رواه أحمد ومسلم (5/120)
3 - وفي حدبث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى المزدلفة فصلى بها المغرب والعشاء بأذان واحد وإقامتين ولم يسبح بينهما شيئا ثم إضطجع حتى طلع الفجر فصلى الفججر حين تبين له الصبح بأذان وإقامة ثم ركب القصوا حتى أتى المشعر الحرام فاستقبل القبلة فدعا الله وكبره وهلله ووحده فلم يزل واقفا حتى اسفر جدا فدفع قبل أن تطلع الشمس حتى أتى بطن محسر فحرك قليلا ثم سلك الطريق الوسطي التي خرج على الجمرة الكبرى حتى أتى الجمرة التي عند الشجرة فرماها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة منها حصي الخذف رمى من بطن الوادي ثم انصرف إلى المنحر "
- رواه مسلم (5/121)
- قوله " العنق " بفتح المهملة والنون وهو السير الذي بين الإبطاء والإسراع . وفي المشارق أنه سير سهل في سرعة . وقال القزاز هو سير سريع وقال في القاموس هو الخطوة الفسيح وانتصب العنق على الصدر المؤكد للفظ الفعل . قوله " فجوة " بفتح الفاء وسكون الجيم المكان المتسع . قوله " نص " بفتح النون وتشديد المهملة أي أسرع قال ابن عبد البر في هذا الحديث كيفية السير في الدفع من عرفة إلى المزدلفة لأجل الاستعجال للصلاة لأن المغرب لا تصلى إلا مع العشاء بالمزدلفة فيجمع بين المصلحتين من الوقار والسكينة عند الزحمة ومن الإسراع عند عدم الزحام : قوله " وهو كاف ناقته " الخ هذا محمول على حال الزحام دون غيره بدليل حديث أسامة المتقدم وكذلكيحمل حديث ابن عباس عن أسامة عند أبي داود وغيره " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أردفه حين أفاض من عرفة وقال أيها الناس عليكم بالسكينة أن البر ليس بالإيجاف قال فما رأيت ناقة رافعة يدها حتى أتى جمعا " وقد حمله علة مثل ما ذكر ابن خزيمة قوله " الخذف " بخاء معجمة مفتوحة وذال معجمة ساكنة ثم فاء . قال العلماء حصى الحذف كقدر حبة الباقلا : قوله " فصلى بها المغرب والعشاء " استدل به على جمع التأخير بمزدلفة . قال في الفتح وهو إجماع لكنه عند الشافعية وطائفة بسبب السفر انتهى . وقد قدمنا الجواب عن هذا : قوله " ولم يسبح بينهما " أي لم يتنفل وقد نقل ابن المنذر الإجماع على ترك التطوع بين الصلاتين بالمزدلفة قال لأنهم اتفقوا على أن السنة الجمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة ومن تنفل بينهما لم يصح أنه جمع انتهى . ويشكل على ذلك ما في البخاري عن ابن مسعود أنه صلى بعد المغرب ركعتين ثم دعا بعشائه فتعشى ثم صلى العشاء : قوله " القصوا " قد تقدم ضبطها : قوله " فاستقبل القبلة " الخ فيه استحباب استقبال القبلة بالمشعر الحرام والدعاء والتكبير والتهليل والتوحيد والوقوف به إلى الأسفار والدفع منه قبل طلوع الشمس وقد ذهب جماعة من أهل العلم منهم مجاهد وقتادة والزهري والنوري إلى أن من لم يقف بالمشعر فقد ضيع نسكا وعليه دم وهو قول أبي حنيفة وأحمد وإسحاق وأبي ثور وروى عن عطاء والأوزاعي أنه لا دم عليه وإنما هو منزل من شاء نزل به ومن شاء لم ينزل به . وذهب ابن بنت الشافعي وابن خزيمة إلى أن الوقوف به ركن لا يتم الحج إلا به وأشار ابن المنذر إلى ترجيحه وروى عن علقمة والنخعي واحتج الطحاوي بأن الله عز و جل لم يذكر الوقوف بها بغير ذكر أن حجه تام فإذا كان الذكر المذكور في القرآن ليس من تمام الحج فالمواطن الذي يكون فيه الحج الذكر أحري أن لا يكون فرضا : قوله " حتى أسفر جدا " بكسر الجيم أي أسفارا بليغا وهذا يرد إلى ما ذهب إليه مالك من أن الدفع قبل الإسفار . قوله " محسر " الخ بكسر السين المهملة قبلها حاء مهملة وليس هو من مزدلفة ولا منى بل هو مسيل بينهما وقيل أنه من منى وفيه دليل على أنه يستحب لمن بلغ وادي محسر إن كان راكبا أن يحرك دابته وإن كان ماشيا أسرع في مشيه : قوله " فرماها " الخ سيأتي الكلام على الرمي (5/121)
4 - وعن عمر قال " كان أهل الجاهلية لا يفيضون من جمع حتى تطلع الشمس ويقولون أشرق ثبير فخالفهم النبي ؟ ؟ فأفاض قبل طلوع الشمس "
- رواه الجماعة إلا مسلما لكن في رواية أحمد وابن ماجة " أشرق ثبير كيما نغير " (5/121)
- قوله " لا يفيضون " بضم أوله أي من المزدلفة . قوله " اشرق " بفتح الهمزة فعل أمر من الإشراق أي أدخل في الشروق وظن بعضهم أنه ثلاثي فضبطه بكسر الهمزة من شرق وليس بواضح والمعنى لتطلع عليك الشمس . قوله " ثبير " بفتح المثلثة وكسر الموحدة وسكون التحتية بعدها راء مهملة وهو جبل معروف بمكة وهو أعظم جبالها . قوله " فأفاض قبل طلوع الشمس " الإفاضة الدفعة كما قال الأصمعي . ولفظ أبي داود فدفع قبل طلوع الشمس . قوله " كيما نغير " قال الطبري معناه كيما ندفع وهو من قولهم أغار الفرس إذا أسرع ( والحديث ) فيه مشروعية الدفع من الموقف بالمزدلفة قبل طلوع الشمس عند الأسفار وقد نقل الطبري الإجماع على أن من لم يقف فيها حتى طلعت الشمس فاته الوقوف . قال ابن المنذر وكان الشافعي وجمهور أهل العلم يقولون بظاهر هذا الحديث وما ورد في معناه وكان مالك يرى أن يدفع قبل الإسفار وهو مردود بالنصوص (5/122)
5 - وعن عائشة " قالت كانت سودة امرأة ضخمة ثبطة فاستأذنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تفيض من جمع بليل فأذن لها "
- متفق عليه (5/122)
6 - وعن ابن عباس قال " أنا ممن قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليلة المزدلفة في ضعفه أهله "
- رواه الجماعة (5/122)
7 - وعن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن لضعفه الناس من المزدلفة بليل "
- رواه أحمد (5/123)
8 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أوضع في واد محسر وأمرهم أن يرموا بمثل حصى الحذف "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (5/123)
- قوله " ثبطة " بفتح المثلثة وكسر الموحدة بعدها مهملة خفيفة أي بطيءة الحركة لعظم جسمها . قوله " في ضعفة أهله " الضعفة بفتح الضاد المعجمة والعين المهملة جمع ضعيف وهم النساء والصبيان والخدم : قوله " أوضع " أي أسرع السير بإبله يقال وضع البعير وأوضعه راكبه أي أسرع به السير . قوله " بمثل حصى الحذف " تقدم ضبطه وتفسيره وحديث عائشة وابن عباس وابن عمر فيها دليل على جواز الإفاضة قبل طلوع الشمس وفي بقية جزء من الليل لمن كان من الضعفة . وحديث جابر يدل على أنه يشرع الإسراع بالمشي في واد محسر . قال الأزرقي وهو خمسمائة ذراع وخمسة وأربعون ذراعا وإنما شرع افسراع فيه لأن العرب كانوا يقفون فيه ويذكرون مفاخر آبائهم فاستحب الشارع مخالفتهم وحكى الرافعي وجها ضعيفا أنه لا يستحب الإسراع للماشي (5/123)
باب رمي جمرة العقبة يوم النحر وأحكامه (5/124)
1 - عن جابر قال " رمى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجمرة يوم النحر ضحي وأما بعد فإذا زالت الشمس "
- أخرجه الجماعة (5/124)
2 - وعن جابر قال " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يرمي الجمرة على راحلته يوم النحر ويقول لتأخذوا عني مناسككم فأني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (5/124)
3 - وعن ابن مسعود " أنه انتهى إلى الجمرة الكبرى فجعل البيت عن يساره ومنى عن يمينه ورمى بسبع وقال هكذا رمى الذي انزلت عليه سورة البقرة "
- متفق عليه ولمسلم في رواية جمرة العقبة وفي رواية لأحمد " انه انتهى إلى جمرة العقبة فرماها من بطن الوادي بسبع حصيات وهو راكب يكبر مع كل حصاة وقال اللهم اجعله حجا مبرورا وذنبا مغفورا ثم قال ههنا كان يقوم الذي أنزلت عليه سورة البقرة " (5/125)
- قوله " الجمرة " يعني جمرة العقبة . قوله " يوم النحر ضحي " لاخلاف أن هذا الوقت هو الأحسن لرميها واختلف فيمن رماها قبل الفجر فقال الشافعي يجوز تقدمه من نصف الليل وبه قال عطاء وطاوس والشعبي وقالت الحنفية وأحمد وإسحاق والجمهور أنه لا يرمي جمرة العقبة إلا بعد طلوع الشمس ومن رمى قبل طلوع الشمس وبعد طلوع الفجر جازو أن رماها قبل الفجر أعاد وحكى المهدي في البحر عن العترة والشافعي أن وقت الرمي من ضحى يوم النحر واستدل القائلون بأن وقت الرمي من وقت الضحى بحديث الباب وبحديث ابن عباس الآتي قالوا وإذا كان من رخص له النبي صلى الله عليه وآله وسلم منعه أن يرمي قبل طلوع الشمس فمن لم يرخص له أولى ( واحتج المجوزون ) للرمي قبل الفجر أسماء الآتي ولكنه مختص بالنساء كما سيأتي ولا حاجة إلى الجمع بينه وبين حديث ابن عباس بحمل حديث ابن عباس على الندب كما ذكره صاحب الفتح . قال ابن المنذر السنة أن لا يرمي إلا بعد طلوع الشمس كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يجوز الرمي قبل طلوع الفجر لأن فاعله مخالف للسنة ومن رماها حينئذ فلا اعادة عليه إذ لا أعلم أحدا قال لا يجزئه انتهى . والأدلة تدل على أن وقت الرمي من بعد طلوع الشمس لمن كان لا رخصة له ومن كان له رخصة كالنساء وغيرهن من الضعفة جاز قبل ذلك ولكنه لا يجزئ في أول ليلة النحر اجماعا وسيأتي بقية الكلام على هذا ( واعلم ) أنه قد قيل أن الرمي واجب بالإجماع كما حكى ذلك في البحر واقتصر صاحب الفتح على حكاية الوجوب عن الجمهور وقال انه عند المالكية سنة وحكى عنهم أن رمي جمرة العقبة ركن يبطل الحج بتركه وحكى ابن جرير عن عائشة وغيرها أن الرمي إنما شرع حفظا للتكبير فإن تركه وكبر اجزأه والحق أنه واجب لما قدمنا من أن أفعاله صلى الله عليه وآله وسلم بيان لمجمل واجب هو قوله تعالى { ولله على الناس حج البيت } وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " خذوا عني مناسككم " . قوله " على راحلته " استدل به على أن رمي الراكب لجمرة العقبة أضل من رمي الراجل وبه قالت الشافعية والحنفية والناصر والإمام يحيى وقال الهادي والقاسم إن رمي الراجل أفضل وأجابوا عن الحديث بأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان راكبا لعذر الأزدحام . قوله " لتأخذوا " بكسر اللام قال النووي هي لام ومعناه خذوا مناسككم قال وهكذا وقع في رواية غير مسلم وتقدير الحديث أن هذه الأمور التي أتيت بها في حجتي من الأقوال والأفعال والهيئات هي أمور الحج وصفته والمعنى اقبلوها واحفظوها واعملوا بها وعلموها الناس . قال النووي وغيره هذا الحديث أصل عظيم في مناسك الحج وهو نحو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في الصلاة كما رأيتموني أصلي . قال القرطبي ويلزم من هذين الأصلين أن الأصل في أفعال الصلاة والحج الوجوب إلا ما خرج بدليل كما ذهب إليه أهل الظاهر وحكى عن الشافعي انتهى وقد قدمنا في الصلاة أن مرجع واجباتها إلى حديث المسيء فلا يجب غير ما اشتمل عليه إلا بدليل يخصه وقد قدمنا أن افعال الحج وأقواله الظاهر فيها الوجوب إلا ما خرج بدليل كما قالت الظاهرية وهو الحق قال القرطبي روايتنا لهذا الحديث بلام الجر المفتوحة والنون هي مع الألف ضمير أي يقول لنا خذوا مناسككم فيكون قوله لنا صلة للقول قال وهو الأفصح وقد روى لتأخذوا ماسككم بكسر اللام للامر وبالتاء المثناة من فوق وهي لغة شاذة قرأ بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في قوله تعالى { فبذلك فلتفرحوا } انتهى
والأولى أن يقال انها قليلة لاشاذة لورودها في كتاب الله تعالى وفي كلام نبيه صلى الله عليه وآله وسلم وفي كلام فصحاء العرب وقد قرأ بها عثمان بن عفان وأبي وأنس والحسن وأبو رجاء وابن هرمز وابن سيرين وأبو جعفر المدني والسلمي وقتادة والجحدري وهلال بن يساف والأعمش وعمرو بن قائد والعباس بن الفضل الأنصاري قال صاحب اللوامح وقد جاء عن يعقوب كذلك قال ابن عطية وقرأ بها ابن القعقاع وابن عامر وهي قراءة جماعة من المسلمين كثيرة وما نقله ابن عطية عن ابن عامر هوخلاف قراءته المشهورة : قوله " لعلي لا أحج بعد حجتي هذه " فيه اشارة إلى توديعهم واعلامهم بقرب وفاته صلى الله عليه وآله وسلم ولهذا سميت حجة الوداع . قوله " إلي الجمرة الكبرى " هي جمرة العقبة . قوله " فجعل البيت عن يساره " فيه أنه يستحب لمن وقف عند الجمرة أن يجعل مكة عن يساره وله " ومنى عن يمينه " فيه أنه يستحب أن يجعل منى على جهة يمينه ويستقبل الجمرة بوجهه قوله " ورمى بسبع " فيه دليل على أن رمي الجمرة يكون سبع حصيات وهو يرد قول ابن عمر ما أبالي رميت الجمرة بست أو بسبع وسيأتي في باب المبيت بمنى متمسك لقوله وروى عن مجاهد أنه لاشيء على من رمى بست وعن طاوس يتصدق بشيء وعن مالك والأوزاعي من رمى بأقل من سبع وفاته التدارك يجبره بدم وعن الشافعية في ترك حصاة مد وفي ترك حصاتين مدان وفي ثلاثة فأكثر دم وعن الحنفية أن ترك أقل من نصف الجمرات الثلاث فنصف صاع والاقدم : قوله " سورة البقرة " خصها بالذكر لان معظم أحكام الحج فيها : قوله " سورة البقرة " خصها بالذكر لأن معظم أحكام الحج فيها : قوله " يكبر مع كل حصاة وقد استدل بهذا على اشتراط رمي الجمرات بواحدة بعد واحدة من الحصى لأن التكبير مع كل حصاة يدل على ذلك وروى عن عطاء أنه يجزيء ويكبر لكل حصاة تكبيرة وقال الأصم يجزى مطلقا وقال الحسن البصري يجزىء الجاهل فقط وقال الناصر والحنفية يجزىء عن واحدة مطلقى وقالت الهادوية لا يجزىء بل يستأنف . قوله " وقال اللهم " الخ فيه استحباب هذا الدعاء مع التكبير قال في الفتح وأجمعوا على أن من لم يكبر لا شيء عليه انتهى (5/125)
4 - وعن ابن عباس قال " قدمنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اغيلمة بني عبد المطلب على حمرات لنا من جمع فجعل يلطح أفخاذنا ويقول أبيني لا ترموا حتى تطلع الشمس "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي ولفظه " قدم ضعفة أهلة وقال لا ترموا الجمرة حتى تطلع الشمس " (5/125)
5 - وعن عائشة قالت " أرسل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأم سلمة ليلة النحر فرمت الجمرة قبل الفجر ثم مضت فأفاضت وكان ذلك اليوم الذي يكون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني عندها "
- رواه أبو داود (5/126)
6 - وعن عبد الله مولى أسماء عن أسماء " أنها نزلت ليلة جمع عند المزدلفة فقامت يا بني هل غاب القمر قلت لا فصلت ساعة ثم قالت يابني غاب القمر قلت نعم قالت فارتحلوا فارتحلنا ومضينا حتى رمت الجمرة ثم رجعت فصلت الصبح في منزلها فقلت لها يا هنتاه ما أرانا إلا قد غلسنا قالت يابني ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذن للظعن "
- متفق عليه (5/126)
7 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث به مع أهله إلى منى يوم النحر فرموا الجمرة مع الفجر "
- رواه أحمد (5/126)
- حديث ابن عباس الأول أخرجه أيضا الطحاوي وابن حبان وصححه وحسنه الحافظ في الفتح وله طرق وحديث عائشة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورجاله رجال الصحيح . وحديث ابن عباس الثاني أخرجه أيضا النسائي والطحاوي ولفظه " بعثني النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع أهله وأمرني ان أرمي مع الفجر " وهو في الصحيحين بلفظ " كنت فيمن قدم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ضعفة أهله من مزدلفة إلى منى " . قوله " أغيلمة " منصوب على الاختصاص أو على الندب قال في النهاية تصغير أغلمة بسكون الغين وكسر اللام جمع غلام وهو جائز في القياس ولم يرد في جمع الغلام أغلمة وإنما ورد غلمة بكسر الغين والمراد بالأغيلمة الصبيان ولذلك صغرهم : قوله " على جمرات " بضم الحاء المهملة والميم جمع لحمر وحمر جمع لحمار . قوله " فجعل يلطح " بفتح الياء التحتية والطاء المهملة وبعدها حاء مهملة . قال الجوهري اللطح الضرب اللين على الظهر ببطن الكف انتهى . وإنما فعل ذلك ملاطفة لهم . قوله " أبينى " بضم الهمزة وفتح الباء الموحدة وسكون ياء التصغير وبعدها نون مكسورة ثم ياء النسب المشددة كذا قال ابن رسلان في شرح السنن . وقال في النهاية الا بيني بوزن الأعيمي تصغير الابنا بوزن الأعمى وهو جمع ابن . قوله " حتى تطلع الشمس " استدل بهذا من قال إن وقت رمي جمرة العقبة من بعد طلوع الشمس وقد تقدم الكلام على ذلك . وأما وقت رمي غيرها فسيأتي في باب المبيت بمنى . قوله " فبل الفجر " هذا مختص بالنساء كما أسلفنا فلا يصلح للتمسك به على جواز الرمي لغيرهن من هذا الوقت لورود الأدلة القاضية بخلاف ذلك كما تقدم ولكنه يجوز لمن بعث معهن من الضعفة كالعبيد والصبيان أن يرمي في وقت رميهن كما في حديث أسماء وحديث ابن عباس الآخر : قوله " فأفاضت " أي ذهبت لطواف الإفاضة ثم رجعت إلى منى : قوله " يعني " هو من تفسير أبي داود قوله " عندها " يعني أم سلمة أي في نوبتها من القسم : قوله " فارتحلوا " في رواية مسلم فارحل بي : قوله " ياهنتاه " بفتح الهاء والنون وقدتسكن النون بعدها مثناة فوقية وآخرها هاء ساكنة هذا اللفظ كناية عن شيء لا تذكره باسممه وهو بمعنى يا هذه : قوله " ما أرانا " بضم الهمزة بمعنى الظن وفي رواية مسلم لقد غلسنا بالجزم وفي رواية الموطأ " لقد جئنا بغلس " وفي رواية أبي داود " انا رمينا الجمرة بليل وغلسنا " قوله " اذن للظعن " بضم الظاء المعجمة جمع ظعينة وهي المرأة في الهودج ثم أطلق على المرأة مطلقا ( وفي هذا الحديث ) دليل على أنه يجوز للنساء الرمي لجمرة العقبة في النصف الأخير من الليل وقد تقدم الخلاف في ذلك واستدل به على اسقاط المرور وبالمشعر عن الظعينة ولا دلالة فيه على ذلك لأن غاية ما فيه السكوت عن المرور بالمشعر وقد ثبت في البخاري وغيره عن ابن عمر أنه كان يقدم ضعفة أهله فيقفون عند المشعر الحرام بالمزدلفة بليل ثم يقدمون مني لصلاة الفجر ويرمون : قوله " مع الفجر " فيه دليل على أنه يجوز للنساء ومن معهن من الضعفة الرمي وقت الفجر كما تقدم (5/127)
باب النحر والحلاق والتقصير وما يباح عندهما (5/127)
1 - عن أنس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتى منى فأتى الجمرة فرماها ثم أتى منزلة بمنى ونحر ثم قال للحلاق خذ وأشار إلى جانبه الأيمن ثم الأيسر ثم جعل يعطيه الناس "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (5/127)
2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال اللهم اغفر للمحلقين قالوا يا رسول الله وللمقصرين قال وللمقصرين "
- متفق عليه (5/128)
- قوله " إلى جانبه الأيمن " فيه استحباب البداءة في حلق الرأس بالشق الأيمن من رأس المحلوق وهو مذهب الجمهور وقال أبو حنيفة يبدأ بجانبه الأيسر لأنه على يمين الحالق والحديث يرد عليه والظاهر أن هذا الخلاف يأتي في قص الشارب قوله " ثم جعل يعطيه الناس " فيه مشروعية التبرك بشعر أهل الفضل ونحوه وفيه دليل على طهارة شعر الأدمي وبه قال الجمهور وقد تقدم الكلام على ذلك في أبواب الطهارة قوله : " اللهم اغفر للمحلقين " لفظ أبي داود " ارحم " كذا في رواية البخاري وفيه دليل على الترحم على الحي وعدم اختصاصه بالميت " قوله " وللمقصرين " هو عطف على محذوف تقديره قل وللمقصرين ويسمى عطف التلقين ( والحديث ) يدل على أن الحلق أفضل من التقصير لتكريره صلى الله عليه وآله وسلم الدعاء للمحلقين وترك الدعاء للمقصرين في المرة الأولى والثانية مع سؤالهم له ذلك وظاهر صيغة المحلقين أنه يشرع حلق جميع الرأس لانه الذي تقتضيه الصيغة إذ لا يقال لمن حلق بعض رأسه أنه حلقه الا مجازا وقد قال بوجوب حلق الجميع أحمد ومالك واستحبه الكوفيون والشافعي ويجزىء البعض عندهم واختلفوا في مقداره فعن الحنفية الربع الا أن أبا يوسف قال النصف وعن الشافعي أقل ما يجب حلق ثلاث شعرات وفي وجه لبعض أصحابه شعرة واحدة وهكذا الخلاف في التقصير ( وقد اختلف ) أهل العلم في الحلق هل هو نسك أو تحليل محظور فذهب إلى الأول الجمهور وإلى الثاني عطاء وأبو يوسف ورواية عن أحمد وبعض المالكية والشافعي في رواية عنه ضعيفة وخرجه أبو طالب للهادي والقاسم وقد اختلف أيضا في الوقت الذي قال فيه رسول الله هذا القول فقيل إنه كان يوم الحديبية وقيل في حجة الوداع وقد دلت على الأول أحاديث وعلى الثاني أحاديث أخر وقيل إنه كان في الموضعين أشار إلى ذلك النووي وبه قال ابن دقيق العيد قال الحافظ وهو المتعين لتظافر الروايات بذلك في الموضعين وهذا هو الراجح لأن الروايات القاضية بأن ذلك كان في الحديبية لا تنافي الروايات القاضية بأن ذلك كان في حجة الوداع وكذلك العكس فيتوجه العمل بها في جميعها والجزم بما دلت عليه وقد أطال صاحب الفتح الكلام في تعيين وقت هذا القول فمن أحب الإحاطة بجميع ذيول هذا البحث فليرجع إليه (5/128)
3 - وعن ابن عمر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبد رأسه وأهدى فلما قدم مكة أمر نساءه أن يحللن قلن مالك أنت لم تحل أني قلدت هديى ولبدت رأسي فلا أحل حتى أحل من حجتي وأحلق رأسي "
- رواه أحمد وهو دليل على وجوب الحلق (5/128)
4 - وعن ابن عباس رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس على النساء الحلق إنما على النساء التقصير "
- رواه أبو داود والدارقطني (5/129)
- حديث ابن عمر هو في البخاري عنه عن حفصة ولكن ليس فيه وأحلق رأسي . وحديث ابن عباس أخرجه أيضا الطبراني وقد قوى إسناده البخاري في التاريخ وأبو حاتم في العلل وحسنه الحافظ وأعله ابن قطان ورد عليه ابن المواق فأصابه ( وقد استدل ) بحديث ابن عمر على أنه يتعين الحلق على من لبد رأسه وبه قال الجمهور كما نقله ابن بطال وقالت الحنفية لا يتعين بل إن شاء قصر قال في الفتح وهذا قول الشافعي في الجديد قال وليس للأول دليل صريح انتهى . ولا يخفى أن الحديث الذي ذكره المصنف دليل صريح ويؤيده أن الحلق معلوم من حالة صلى الله عليه وآله وسلم في حجه كم في صحيح البخاري عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلق في حجته " قوله " ليس على النساء الحلق " الخ فيه دليل على أن المشروع في حقهن التقصير وقد حكى الحافظ الإجماع على ذلك قال جمهور الشافعية فإن حلقت حلقت أجزأها قال القاضي أبو الطيب والقاضي حسين لا يجوز وقد أخرج الترمذي من حديث علي عليه السلام نهى أن تحلق المرأة رأسها (5/129)
5 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رميت الجمرة فقد حل لكم كل شيء إلا النساء فقال رجل والطيب فقال ابن عباس أما أنا فقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يضمخ رأسه بالمسك أفطيب ذلك أم لا "
- رواه أحمد (5/129)
6 - وعن عائشة قالت " كنت أطيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبل أن يحرم ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت بطيب فيه مسك "
- متفق عليه . وللنساء " طيب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحرمه حين أحرم ولحله بعدما رمى جمرة العقبة قبل أن يطوف بالبيت " (5/130)
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث الحسن العرب \ ني عنه قال في البدر المنير إسناده حسن كما قال المنذري إلا أن يحيى بن معين وغيره قالوا يقال أن الحسن العرني لم يسمع من ابن عباس ( وفي الباب ) عن عائشة غير حديث الباب عند أحمد وأبي داود والدارقطني والبيهقي مرفوعا بلفظ " إذا رميتم الجمرة فقد حل لكم الطيب والثياب وكل شيء إلا النساء " وفي إسناده الحجاج بن أرطاة وهو ضعيف وعن أم سلمة عند أبي داود والحاكم والبيهقي بنحوه وفي إسناده محمد بن إسحاق ولكنه صرح بالتحديث : قوله " فقد حل لكم كل شيء إلا النساء " استدلت به العترة والحنفية والشافعية على أنه يحل بالرمي لجمرة العقبة كل محظور من محظورات الإحرام إلا الوطء للنساء فإنه لا يحل به بالإجماع قال مالك والطيب . وروى نحوه عن عمر وابن عمر وغيرهما وقال الليث إلا النساء والصيد وأحاديث الباب ترد عليهم ( وقد استدل ) المانعون من الطيب بعد الرمي بما أخرجه الحاكم عن ابن الزبير أنه قال إذا رمى الجمرة الكبرى حل له كل شيء حرم عليه إلا النساء والطيب حتى يزور البيت وقال إن ذلك من سنة الحج وبما أخرجه النسائي عن ابن عرم أنه قال إذا رمى وحلق حل له كل شيء إلا النساء والطيب ولا يخفى أن هذين الأثرين لا يصلحان لمعارضة أحاديث الباب وعلى فرض أن الأول منهما مرفوع فهو أيضا لا يعتد به بجنب الأحاديث المذكورة ولا سيما وهي مثبتة بحل الطيب قوله " أفطيب ذلك أم لا " هذا استفهام تقرير لأن السامع لا بد أن يقول نعم وقد ثبت أن المسك أطيب الطيب كما سلف قوله " قبل أن يحرم " قد تقدم الكلام على هذا مبسوطا . قوله " ويوم النحر قبل أن يطوف بالبيت " أي لأجل إحلاله من إحرامه قبل أن يطوف طواف الإفاضة وذلك بعد أن رمى جمرة العقبة كما وقع في الرواية الأخرى (5/130)
باب الإفاضة من منى للطواف يوم النحر (5/130)
1 - عن ابن عمر " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفاض يوم النحر ثم رجع فصلى الظهر بمنى "
- متفق عليه (5/131)
2 - وفي حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انصرف إلى المنحر فنحر ثم ركب فأفاض إلى البيت فصلى بمكة الظهر "
- مختصر من مسلم (5/131)
- قوله " أفاض " أي طاف بالبيت وفيه دليل على أنه يستحب فعل طواف الإفاضة يوم النحر أول النهار . قال النووي وقد أجمع العلماء أن هذا الطواف وهو طواف الإفاضة ركن من أركان الحج لا يصح الحج إلا به واتفقوا على أنه يستحب فعله يوم النحر بعد الرمي والنحر والحلق فإن أخره عنه وفعله في أيام التشريق وأتى به بعدها أجزأه ولا شئ عليه عند الجمور . وقال أبو حنيفة ومالك إذا تطاول لزم معه دم أنتهى . وكذا حكى الإجماع على فرضية طواف الزيارة وأنه لا يجبره وأن وقته من يوم النحر الإمام المهدي في البحر وطواف الإفاضة وهو المأمور به في قوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } وهو الذي يقال له طواف الزيادة قوله " فصلى الظهر بمنى " وقوله في الحديث الآخر " فصلى بمكة الظهر " ظاهر هذا التنافي وقد جمع النووي بأنه صلى الله عليه وآله وسلم أفاض قبل الزوال وطاف وصلى الظهر بمكة في أول النهار ثم رجع إلى منى وصلى بها الظهر مرة أخرى إماما بأصحابه كما صلى بهم في بطن نخل مرتين مرة بطائفة ومرة بأخرى فروى ابن عمر صلاته بمنى وجابر صلاته بمكة وهما صادقان . وذكر ابن المنذر نحوه ويمكن الجمع بأن يقال أنه صلى بمكة ثم رجع إلى منى فوجد أصحابه يصلون الظهر فدخل معهم متنقلا لأمره صلى الله عليه وآله وسلم بذلك لمن وجد جماعة يصلون وقد صلى (5/131)
باب ما جاء في تقديم النحر والحلق والرمي والإفاضة بعضها على بعض (5/132)
1 - عن عبد الله بن عمر " قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأتاه رجل يوم النحر وهو واقف عند الجمرة فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أرمي قال أرم ولا حرج وأتاه آخر فقال أني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج وأتى آخر فقال أني أفضت إلى البيت قبل ان أرمي فقال ارم ولا حرج " وفي رواية عنه " انه شهد كذا ثم قام آخر فقال كنت أحسب أن كذا قبل كذا حلقت قبل أن أنحر نحرت قبل أن أرمي وأشباه ذلك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم افعل ولا حرج لهن كلهن فما سئل يومئذ عن شيء إلا قال افعل ولا حرج "
- متفق عليه . ولمسلم في رواية " فما سمعته يسئل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل من تقديم بعض الأمور قبل بعض وأشباهها إلا قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم افعلوا ولا حرج " (5/132)
2 - وعن علي عليه السلام قال " جاء رجل فقال يا رسول الله حلقت قبل أن أنحر قال أنحر ولا حرج ثم أتاه آخر فقال يا رسول الله أني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج "
- رواه أحمد . وفي لفظ " قال أني أفضت قبل أن أحلق قال احلق أو قصر ولا حرج قال وجاء آخر فقال يا رسول الله أني ذبحت قبل أن أرمي قال ارم ولا حرج "
- رواه الترمذي وصححه (5/132)
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قيل له في الذبح والحلق والرمي والتقديم والتأخير فقال لا حرج "
- متفق عليه . وفي رواية " سأله رجل فقال حلقت قبل أذبح قال إذبح ولا حرج وقال رميت بعدما أمسيت فقال أفعل ولا حرج " . رواه البخاري وأبو داود وابن ماجه والنسائي . وفي رواية قال " قال رجل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم زرت قبل أن أرمي قال لا حرج قال حلقت قبل أن أذبح قال لا حرج قال ذبحت قبل أن أرمي قال لا حرج "
- رواه البخاري (5/133)
- قوله " في يوم النحر " في رواية للبخاري إن ذلك كان في حجة الوداع وفي له يخطب يوم النحر كما في الباب وفي أخرى له أيضا على راحلته قال القاضي عياض جمع بعضهم بين هذه الروايات بإنه موقف واحد على أن معنى خطب أنه علم الناس لا أنا خطبة من خطب الحج المشروعة قال ويحتمل أن يكون ذلك في موطنين أحدهما على راحلته عند الجمرة ولم يقل في هذا خطب والثاني يوم النحر بعد صلاة الظهر وذلك وقت الخطبة المشروعة من خطب الحج يعلم الإمام فيها الناس ما بقي عليهم من مناسكهم وصوب النووي هذا الاحتمال الثاني فإن قيل لامنافاة بين هذا الذي صوبه وبين ما قبله فإنه ليس في شيء من طرق الأحاديث بيان الوقت الذي خطب فيه الناس فيجاب بأن في رواية حديث ابن عباس التي ذكرها المصنف رميت بعد ما أمسيت وهي تدل على إن هذه القصة كانت بعد الزوال لأن المساء إنما يطلق على ما بعد الزوال وكأن السائل علم إن السنة للحجاج ان يرمي الجمرة أول ما يقدم ضحي فلما أخرها إلى بعد الزوال عن ذلك ( والحاصل ) أنه قد أجتمع من الروايات أن ذلك كان في حجة الوداع يوم النحر بعد الزوال عند الجمرة والرجل المذكور في هذه الأحاديث قال الحافظ في الفتح لم نقف بعد البحث الشديد على أثم أحد ممن سأل في هذه القصة قوله " حلقت قبل أن أرمي " في هذه الرواية قدم السؤال عن الحلق قبل الرمي وفي الرواية الثانية قدم السؤال عن الحلق قبل النحر وكذلك في حديث علي عليه السلام وفي الرواية الأخرى منه قدم الإفاضة قبل الحلق وفي الرواية الثالثة منه قدم الذبح قبل الرمي وفي رواية ابن عباس قدم الحلق قبل الذبح وفي الرواية الأخرى منه قدم الزيارة قبل الرمي ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على جواز تقديم بعض الأمور المذكورة فيها على بعض وهي الرمي والحلق والتقصير والنحر وطواف الإفاضة وهو إجماع كما قال ابن قدامة في المغني قال في الفتح إلا أنهم أختلفوا في وجوب الدم في بعض المواضع قال القرطبي روي عن ابن عباس ولم يثبت عنه أن من قدم شيئا على شيء فعليه دم وبه قال سعيد بن جبير وقتادة والحسن والنخعي وأصحاب الرأي وتعقبه الحافظ بأن نسبة ذلك إلى النخعي أصحاب الرأي فيها نظر وقال أنهم لا يقولون بذلك إلا في بعض المواضع وإنما أوجبوا الدم لأن العلماء قد أجمعوا على أنها مترتبة أولها رمي جمرة العقبة ثم نحر الهدي أو ذبحه ثم الحلق أو التقصير ثم طواف الإفاضة ولم يخالف في ذلك أحد إلا أن ابن جهم المالكي استثنى القارن فقال لا يحلق حتى يطوف ورد عليه النووي بالإجماع فالمراد بإجابهم الدم على من قدم شيئا على شيء يعنون من الأشياء المذكورة في هذا الترتيب المجمع عليه بأن فعل ما يخالفه . وقد روى إيجاب الدم عن الهادي والقاسم
وذهب جمهور العلماء من الفقهاء وأصحاب الحديث إلى الجواز وعدم وجوب الدم قالوا لأن قوله صلى الله عليه وآله وسلم ولا حرج يقتضي رفع الأثم والفدية معا لأن المراد بنفي الحرج نفي الضيق وإيجاب أحدهما فيه ضيق وأيضا لوكان الدم واجبا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز وبهذا يندفع ما قاله الطحاوي من أن الرخصة مختصة بمن كان جاهلا أو ناسيا لا من كان عامدا فعليه الفدية . قال الطببري لم يسقط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الحرج إلا وقد أجزأ الفعل إذ لم يجزئ لأمره بالإعادة لأن الجهل والنسيان لا يضيعان غير أثم الحكم الذي يلزمه بالحج كما لو ترك الرمي ونحوه فإنه لا يأثم بتركه ناسيا أو جاهلا لكن يجب عليه الإعادة قال والعجب ممن يحمل قوله ولا حرج على نفي الإثم فقط ثم يخص ذلك بعض الأمور دون بعض فإن كان الترتيب واجبا يجب بتركه دم فليكن في الجميع وإلا فما وجه تخصيص بعض دون بعض من تعميم الشارع الجميع بنفي الحرج انتهى . وذهب بعضهم إلى تخصيص الرخصة بالناس والجاهل دون العامد واستدل على ذلك لقوله في حديث ابن عمرو فما سمعته يومئذ يسأل عن أمر ينسى أو يجهل الخ وبقوله في رواية للشيخين من حديثه " إن رجلا قال له صلى الله عليه وآله وسلم لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي فقال أرم ولا حرج " وذهب أحمد إلى التخصص المذكور كما حكى ذلك عنه الأثرم وقد قوى ذلك ابن دقيق العيد فقال ما قاله أحمد قوي منجهة أن الدليل دل على وجوب إتباع الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في الحج بقوله " خذوا عني مناسككم " وهذه الأحاديث المرخصة في تقديم ما وقع عنه تأخيره قد قرنت بقول السائل لم أشعر فيختص هذا الحكم بهذه الحالة وتبقى صورة العمد على أصل وجوب الإتباع في الحج وأيضا الحكم إذاىرتب على وصف يمكن أن يكون معتبرا لم يجز أطراحه ولا شك أن عدم الشعور مناسب لعدم المؤاخذة وقد علق به الحكم فلا يجوز إطراحه بالحاق العمد إذ لا يساويه . وأما التمسك بقول الراوي فما سئل عن شئ الخ لاشعاره بأن الترتيب مطلقا غير المراعة فجوابه أن الأخبار من الراوي يتعلق بما وقع السؤال عنه وهو مطلق بالنسبة إلى حال السائل والمطلق لا يدل على أحد الخاصين بعينه فلا يبقى حجة في حال العمد كذا بالفتح . ولا يخفاك أن السؤال له صلى الله عليه وآله وسلم وقع من جماعة كما في حديث أسامة بن شريك عند الطحاوي وغيره كان الأعراب يسألونه ولفظ حديثه عند أبي داود قال " خرجت مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم حاجا فكان الناس يأتونه فمن قائل يا رسول الله سعيت قبل أن أطواف أوقدمت شيئا فكان يقول لا حرج لا حرج ويدل على تعدد السائل قول ابن عمرو في حديثه المذكور في الباب وأتاه آخر فقال أني أفضت الخ وقول علي علىه السلام في حديثه المذكور وأتاه آخر : قوله " وجاء أخر " وتعليق سؤال بعضهم بعدم الشعور لا يستلزم سؤال غيره به حتى يقال أنه يختص الحكم بحالة عدم الشعور ولا يجوز إطراحها بالحاق العمد بها ولهذا يعلم أن التعويل في التخصيص على وصف عدم الشعور المذكور في سؤال بعض السائلين غير مفيد للمطلوب نعم إخبار ابن عمرو عن أعم العام وهو قوله " فما سأل يومئذ عن شيء " مخصص بإخباره مرة أخرى عن أخص منه مطلقا وهو قوله فما سمعته يومئذ يسئل عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل ولكن عند من جوزالتخصيص بمثل هذا المفهوم . قوله " رميت بعدما أمسيت " فيه دليل على أن من رمى بعد دخول وقت المساء وهو الزوال صح رميه ولا حرج عليه في ذلك (5/133)
باب استحباب الخطبة يوم النحر (5/133)
1 - عن الهرماس بن زياد قال " رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يخطب على ناقته العضباء يوم الأضحى بمنى "
- رواه أحمد وأبو داود (5/134)
2 - وعن أبي أمامة قال سمعت خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنى يوم النحر "
- رواه أبو داود (5/134)
3 - وعن عبد الرحمن بن معاذ التيمي قال " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن بمنى ففتحت اسماعنا حتى كنا نسمع ما يقول ونحن في منازلنا فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار فوضع أصبعيه السبابتين ثم قال بحصي الخذف ثم أمر المهاجرين فنزلوا في مقدم المسجد وأمر الأنصار فنزلوا من وراء المسجد ثم نزل الناس بعد ذلك "
- رواه أبو داود والنسائي بمعناه (5/134)
4 - وعن أبي بكر قال " خطبنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر فقال أتدرون أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال أي شهر هذا قلنا الله ورسوله أعلم فسكت حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال أليست البدلة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم عليكم حرام كحرم يوم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا إلى يوم تلقون ربكم ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم أشهد فليبلغ الشاهد الغائب فرب مبلغ أوعى من سامع فلا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض "
- رواه أحمد والبخاري (5/135)
- الأحاديث المذكورة في هذا الباب قد قدمها المصنف رحمه الله تعالى في كتاب العيدين بالفاظها المذكورة ههنا من دون زيادة ولا نقصان ولم تجر له عادة بمثل هذا وقد شرحناها هنالك وذكرنا ما في الباب من الأحاديث التي لم يذكرها وسنذكرها ههنا فوائد لم نتعرض لذكرها هنالك تتعلف بالفاظ هذه الأحاديث . فقوله " العضباء " هي مقطوعة الأذن . قال الأصمعي كل قطع في الأذن جدع فإن جاوز الربع فهي عضباء . وقال أبو عبيدة أن الغضباء التي قطع نصف أذنها فما فوق وقال الخليل هي مشقوقة الأذن قال الحربي الحديث يدل على أن العضباء اسم لها وإن كانت عضباء الأذن فقد جعل اسمها هذا . قوله " يوم الأضحى بمنى " وهذه هي الخطبة الثالثة بعد صلاة الظهر فعلها ليعلم الناس بها المبيت والرمي في أيام التشريق وغير ذلك مما بين أيديهم . قوله " ففتحت " بفتح الثانية وكسر الفوقية بعدها أي اتسع سمع اسماعنا وقوى من قولهم قارورة فتح بضم الفاء والتاء أي واسعة الرأس قال الكسائي ليس لها صمام ولا غلاف وهكذا صارت أسماعهم لما سمعوا صوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا من بركات صوته إذا سمعه المؤمن قوى سمعه واتسع مسلكه حتى صار يسمع الصوت من الأماكن البعيدة ويسمع الأصوات الخفية . قوله " ونحن في منازلنا " فيه دليل على أنهم لم يذهبوا لسماع الخطبة بل وقفوا في رحالهم وهم يسمعونها ولعل هذا كان فيمن له عذر منعه من الحضور لاستماعها وهو الائق بحال الصحابة رضي الله عنهم . قوله " فطفق يعلمهم " هذا انتقال من التكلم إلى الغيبة وهو اسلوب من أساليب البلاغة مستحسن . قوله حتى بلغ الجمار يعني المكان الذي ترمى الجمار والجمار هي الحصى الصغار التي يرمي بها الجمرات : قوله " فوضع أصبعيه السبابتين " زاد في نسخة لأبي داود في أذنيه وإنما فعل ذلك ليكون أجمع لصوته في اسماع خطبته ولهذا كان بلال يضع أصبعيه في صماخ أذنيه في الأذان وعلى هذا ففي الكلام تقديم وتأخير وتقديره فوضع أصبعيه السبابتين في أذنيه حتى بلغ الجمار قوله " ثم قال " يحتمل أن يكون المراد بالقول القول النفسي كما قال تعالى { ويقولون في أنفسهم } ويكون المراد به هنا النية للرمي . قال أبو حبان تراكيب القول الست تدل على معنى الخفة والسرعة فلهذا عبر هنا بالقول . قوله " بحصي الخذف " قد قدمنا في كتاب العيدين أنه بالخاء والذال المعجمتين قال الأزهري حصي الخذف صغار مثل النوى يرمى بها بين أصبعين قال الشافعي حصي الخذف أصغر من الأنملة طولا وعرضا ومنه من قال بقدر الباقلا . وقال النووي بقدر النواة وكل هذه المقادير متقاربة لأن الخذف بالمعجمتين لا يكون إلا بالصغير . قوله " في مقدم المسجد " أي مسجد الخيف الذي بمنى ولعل المراد بالمقدم بالجهة قوله " ثم نزل الناس " برفع الناس على أنه فاعل وفي نسخة من سنن أبي داود ثم نزل الناس بتشديد الزاي ونصب الناس وقد قدمنا شرح حديث أبي بكرة في كتاب العيدين مستكملا (5/135)
باب إكفاء القارن لنسكيه بطواف واحد وسعي واحد (5/135)
1 - عن ابن عمر " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من قرن بين حجة وعمرته أجزأ لهما طواف واحد "
- رواه أحمد وابن ماجه . وفي لفظ " من أحرم بالحج والعمرة أجزأه طواف واحد وسعي واحد منهما حتى يحل منهما جميعا " رواه الترمذي وقال هذا حديث حسن غريب وفيه دليل على وجوب السعي ووقوف التحلل عليه (5/136)
2 - وعن عروة عن عائشة قالت " خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كان معه هدي فليهل بالحج مع العمرة ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعا فقدمت وأنا حائض ولم أطف بالبيت ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إليه فقال انقضى رأسك وامتشطي وأهلي بالحج ودعى العمرة قالت ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال هذه مكان عمرتك قالت فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ثم حلوا طوافا آخر واحدا "
- متفق عليه (5/136)
3 - وعن طاوس عن عائشة " أنها أهلت بالعمرة بالحج فقال لها النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النفر يسعك طوافك وعمرتك فأبت فعثلا بها مع عبد الرحمن إلى تنعيم فاعتمرت بعد الحج "
- رواه أحمد مسلم (5/136)
4 - وعن مجاهد عن عائشة " أ ها حاضت بسرف فتطهرت بعرفة فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يجزي عنك طوافك بالصفا والمروة عن حجك وعمرتك "
- رواه مسلم وفيه تنبيه على وجوب السعي (5/137)
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا سعيد بن منصور مرفوعا بلفظ " من جمع بين الحج والعمرة كفاه لهما طواف واحد " وأعله الطحاوي بأن الدراوردي أخطأ فيه وأن الصواب أنه موقوف وتمسك في تخطئته بما رواه أيوب والليث وموسى ابن عقبة وغير واحد من نافع نحو سياق ما في الباب من أن ذلك وقع لابن عمر وأنه قال أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعل ذلك لأن روى هذا اللفظ عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الفتح وهو تعليل مردود فالدراوردي صدوق وليس ما رواه مخالفا لما رواه غير فلا مانع من أن يكون الحديث عن نافع على الوجهين . وفي الباب عن جابر عند مسلم وأبي داود بلفظ " لم يطف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا أصحابه بين الصفا والمروة وإلا طوافا واحد " وأخرج عبد الرزاق عن طاوس بإسناد صحيح نه حلف ما طاف أحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لحجته وعمرته إلا طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا وأخرج البخاري عن ابن عمر أنه طاف لحجته وعمرته طوافا واحدا بعد أن قال إنه سيفعل كما فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأخرج عنه من وجه آخر أنه رأى أن يقضي طواف الحج والعمرة بطوافه الأول يعني الذي طاف يوم النحر للإفاضة وقال كذلك فعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ( وبهذه الأدلة ) تمسك من قال أنه يكفي القارن لحجته وعمرته واحدوسعي واحد وهو مالك والشافعي وإسحاق وداود وهو محكىعن ابن عمر وجابر وعائشة كذا قال النووي وقال زيد بن علي وابو حنيفة وأصحابه والهادي والناصرقال النووي وهومحكى عن ابن أبي طالب عليه السلام وابن مسعود والشعبي والنخفي انه يلزم القارن طوافان وسعيان واجابواعن حديث ابن عمر . ومنها جوابه عن حديث عائشة بأنها أرادت بقولها جمعوا بين الحج والعمرة جمع متعة لا جمع قران وهذا مما يتعجب منه فإن حديث عائشة مصرح بفصل من تمتع ممن قرن وما يفعله كل واحد منهما كما في حديث الباب المذكور فإنها قالت فطاف الذين كانوا أهلوا بالعمرة ثم قالت وأما الذين جمعوا الخ واستدلوا علي ما ذهبوا بما أخرجه عبد الرزاق والدار قطني وغيرهما عن علي عليه السلام أنه جمع بين الحج والعمرة وطاف لهما طوافين وسعي لهما سعيين ثم قال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الحافظ وطرفة ضعيفة وكذا روى نحوه من حديث ابن مسعود بإسناد ضعيف ومن حديث ابن عمر بإسناد فيه الحسن بن عمارة وهو متروك قال ابن حزم لا يصح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا عن أحد من الصحابة في ذلك أصلا وتعقبه في الفتح بأنه قد روى الطحاوي وغيره مرفوعا عن علي وابن مسعود ذلك باسانيد لا بأس بها انتهى فينبغي ان يصار إلى الجمع كما قال البيهقي ان ثبتت الرواية انه طاف طوافين فيحمل على الطواف القدوم وطواف الإفاضة واما السعي مرتين فلم يثبت انتهى على انه يضعف ماروي عن علي عليه السلام مافي الفتح من انه قد روي آل بيته عنه مثل الجماعة قال جعفر بن محمد الصادق عن ابيه انه كان يحفظ عن علي للقارن طوافا واحدا خلاف مالقول أهل العراق ومما يضعف ما روى عنه من تكرار الطواف ان مثل طرقه عنه رواية عبد الرحمن ابن اذنية عنه وقد ذكر فيها أنه يمنع من ابتداء الاهلال بالحج بان يدخل علبه عمرة وان القارن يطوف طوافين ويسعى سعيين والذين احتجوا بحديثه لا يقولون بامتناع ادخال العمرة على الحج فإن كان الطريق صحيحة عندهم لزمهم العمل بما دلت عليه والافلا حجة فيها ويضعف ايضا ما روى عن ابن عمر من تكرار الطواف انه قد ثبت عنه في الصحيحين وغيرهما من طرق كثيرة الا كتفاء بطواف واحد أبو ثور على الاكتفاء بطواف واحد للقارن بحجة نظرية فقال قد أجزنا للحج والعمرة معا سفرا واحدا واحراما واحد وتلبية واحدة فكذلك يجزى عنهما طواف واحدوسعي واحد حكى هذا عنه ابن المنذر ومن جملة ما يحتج به على انه لهما طواف واحد دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة وهو صحيح وقد تقدم وذلك لانها بعد دخولها فيه لا تحتاج إلى عمل آخر غير عمله والسنة الصحيحة الصريحة أحق بالاتباع فلا يلتفت إلى ما خالفها : قوله " وامتشطى " فيه دليل على انه لا يكره الامتشاط للمحرم . وقيل انه مكروه قال النووي وقد تأول العلماء فعل عائشة هذا على أنها كانت معذورة بأن كان برأسها أذى فأباح لها الامتشاط كما أباح لكعب بن عجرة الحلق للأذى وقيل ليس المراد بالامتشاط هنا حقيقة الأمتشاط بالمشط بل تسريح الشعر بالأصابع عند الفعل للإحرام بالحج لا سيما ان كانت لبدت رأسها كما هو السنة وكما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلا يصح غسلها إلا بإيصال إلى جميع شعرها ويلزم من هذا نقضه . قوله " يسعك " الخ المراد بالوسع هنا الأجزاء كما في الرواية الأخرى (5/137)
باب المبيت بمعنى ليالي منى ورمي الجمار في أيامها (5/137)
1 - عن عائشة " قالت أفاض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أخر يوم حين صلى الظهر ثم رجع إلى منى فمكث بها ليالي أيام التشريق يرمي الجمرة إذا زالت الشمس كل جمرة بسبع حصيات يكبر مع حصاة ويقف عند الأولى وعند الثانية فيطيل القيام ويتضرع ويرمي الثالثة لا يقف عندها "
- رواه أحمد وابو داود (5/138)
2 - وعن ابن عباس " قال استأذن العباس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيت بمكة مني من أجل سقايته فأذن له "
- متفق عليه ولهم مثله من حديث ابن عمر (5/138)
3 - وعن ابن عباس قال " رمى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجمار حين زالت الشمس رمينا "
- رواه البخاري وابن ماجه والترمذي (5/138)
4 - و عن ابن عمر قال " كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا "
- رواه البخاري وابن داود (5/139)
5 - وعن ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا رمى الجمار مشى اليها ذاهبا وراجعا "
- رواه الترمذي وصححه . وفي لفظ عنه " أنه كان يرمي الجمرة يوم النحر راكبا ةسائر ذلك ماشيا ويخبرهم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك " رواه أحمد (5/139)
- حديث عائشة اخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي وأخرج نحوه مسلم في صحيحه من حديث جابر ويؤيده حديث ابن عمر المذكور في الباب عند البخاري وحديث ابن عمر الثاني باللفظ الآخر أخرج نحوه أبو داود عنه بلفظ أنه كان يأتي الجمار في الأيام الثلاثة بعد يوم النحر ماشيا ذاهبا وراجعا ويخبر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يفعل ذلك وقد أخرج الترمذي نحوه عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ أنه كان بمشي إلى الجمار قوله " فمكث بها ليال أيام التشريق " هذا من جملة ما استدل به الجمهور على أن المبيت بمنى واجب وأنه من جملة مناسك الحج ومن أدلتهم على ذلك حديث ابن عباس المذكور في أذنه صلى الله عليه وآله وسلم للعباس . ومنها ما أخرجه أحمد وأصحاب السنن وابن حبان والحاكم عن عاصم بن عدي " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص للرعاء أن يتركوا المبيت بمنى " وسيأتي والتعبير بالرخصة يفضي أن مقابلها عزيمة وأن الأذن وقع للعلة المذكورة وإذ لم توجد أو مافي معناها لم يحصل وقد اختلف في وجوب الدم لتركه فقيل يجب عن كل ليلة دم روى ذلك عن المالكية وقيل صدقة بدرهم وقيل إطعام وعن الثلاث دم هكذا روي عن الشافعي وهو رواية عن أحمد والمشهور عنه وعن الحنفية لا شيء عليه . قوله " يكبر مع كل حصاة " حكى الماوردي عن الشافعي أن صفته الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله والله أكبر الله أكبر ولله الحمد . قوله " ويقف عند الأولى " الخ فيه استحباب الوقوف عند الجمرة الأولى والثانية وهي الوسطى والتضرع عندها وترك القيام عند الثالثة وهي جمرة العقبة : قوله " استأذن العباس " الخ قيل أن جواز ترك المبيت يختص بالعباس وقيل يدخل معه بنو هاشم وقيل كل من أحتاج إلى السقاية وهو جمود يرده حديث عاصم بن العدي الآتي . وقيل يجوز الترك لكل من له عذر يشابه الأعذار التي رخص لأهلها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو قول الجمهور وقيل يختص بأهل السقاية ورعاة الأبل وبه قال أحمد وأختاره ابن المنذر : قوله " حين زالت الشمس " وكذا قوله في حديث عائشة " إذا زالت الشمس " وقوله في حديث ابن عمر " فإذا زالت الشمس رمينا " هذه الروايات تدل على أنه لا يجزي رمي الجمار في غير يوم الأضحى قبل زوال الشمس بل وقته بعد زوالها كما في البخاري وغيره من حديث جابر أنه صلى الله عليه وآله وسلم رمى يوم النحر ضحى ورمى بعد ذلك بعد الزوال وإلى هذا ذهب الجمهور وخالف في ذلك عطاء وطاوس فقالا يجوز الرمي قبل الزوال أعاد إلا في اليوم الثالث فيجزيه والأحاديث المذكورة ترد على الجميع : قوله " نتحين " نتفعل من الحين وهو الزمان أي نراقب الوقت المطلوب : قوله " مشى إليها " أجمعوا على أن اتيان الجمار ماشيا وراكبا جائز ولكن أختلفوا في الأفضل وقد تقدم الخلاف في ذلك في رمي جمرة العقبة وفي غيرها قال الجمهور المستحب المشي وذهب البعض إلى استحباب الركوب يوم النحر والمشي في غيره والذي ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم الركوب لرمي جمرة العقبة يوم النحر والمشي بعد ذلك مطلقا (5/139)
6 - وعن سالم عن ابن عمر " انه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ثم يتقدم فيسهل فيقوم مستقبل القبلة طويلا ويدعو ويرفع يديه ثم يرى الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال فيسهل فيقوم مستقبل القبلة ثم يدعو ويرفع يديه ويقوم طويلا ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ثم ينصرف ويقول هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يفعله "
- رواه أحمد والبخاري (5/140)
7 - وعن عاصم بن عدي " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص لرعاء الأبل في البيتوتة عن منى يرمون يوم النحر ثم يرمون الغداة ومن بعد الغد ليومين ثم يرمون يوم النفر "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي رواية " رخص للرعاء ان يرموا يوما ويدعوا يوما " رواه أبو داود والنسائي (5/140)
8 - وعن سعد بن مالك قال " رجعنا في الحجة مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبعضنا يقول رميت بسبع حصيات وبعضنا يقول رميت بست حصيات ولم يعب بعضهم على بعض "
- رواه أحمد والنسائي (5/140)
- حديث عاصم بن عدي أخرجه مالك والشافعي وابن حبان والحاكم وفي الباب عن ابن عمرو بن العاص عند الدارقطني بإسناد ضعيف ولفظه " رخص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للرعاء أن يرموا بالليل واية ساعة شاؤا من النهار " وعن ابن عمر عند البزار والحاكم والبيهقي بإسناد حسن . وحديث سعد بن مالك سياقه في سنن النسائي هكذا أخبرني يحيى بن موسى البلخي حدثنا سفيان بن عيينه عن ابن أبي نجيح قال مجاهد قال سعد فذكره ورجاله رجال الصحيح . وقد أخرج نحوه النسائي من حديث ابن عباس وأخرج أبو داود عن ابن عباس " أنه سئل عن أمر الجمار فقال ما أدري رماها رسول الله بست أو بسبع " قوله " الجمرة الدنيا " بضم الدال وبكسرها أي القريبة إلى جهة مسجد الخيف وهي أولى الجمرات التي ترمي ثاني يوم النحر : قوله " فيسهل " بضم التحتية وسكون المهلمة أي يقصد السهل من الأرض وهو المكان المستوي الذي لا ارتفاع فيه . قوله " ويرفع يديه " فيه استحباب رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة وروي عن مالك أنه مكروه قال ابن المنذر لا أعلم أحدا أنكر رفع اليدين في الدعاء عند الجمرة إلا ماحكى عن مالك : قوله " ثم يرمي الوسطى ثم يأخذ ذات الشمال أي يمشي إلى جهة الشمال " وفي رواية للبخراي " ثم ينحدر ذات الشمال مما يلي الوادي " قوله " ويقوم طويلا " فيه مشروعية القيام عند الجمرتين وتركه عند جمرة العقبة ومشروعية الدعاء عندهما قال ابن قدامة لا نعلم لما تضمنه حديث ابن عمر هذا مخالفا إلا ما روى عن مالك من ترك رفع اليدين عند الدعاء : قوله " ويدعوا يوما " أي يجوز لهم أن يرموا اليوم الأول من أيام التشريق ويذهبوا إلى أبلهم فيبيتوا عندها ويدعوا يوم النفر الأول ثم يأتوا في اليوم الثالث فيرموا ما فاتهم في اليوم الثاني مع رمي اليوم الثالث وفيه تفسير ثان وهو أنهم يرمون جمرة العقبة ويدعون رمي ذلك اليوم ويذهبون ثم يأتون في اليوم الثاني من التشريق فيرمون ما فاتهم ثم يرمون عن ذلك اليوم كما تقدم وكلاهما جائز وإنما رخص للرعاء لأن عليهم رعي الأبل وحفظها لتشاغل الناس بنسكهم عنها ولا يمكنهم الجمع بين رعيها وبين الرمي والمبيت فيجوز لم ترك المبيت للعذر والرمي على الصفة المذكورة وقد تقدم الخلاف في الحاق بقية المعذورين بهم في أول الباب : قوله " ولم يعب بعضهم على بعض " استدل به من قال أنه يجوز الاقتصار على أقل من سبع حصيات وقد تقدم ذكر القائلين بذلك في باب رمي جمرة العقبة ولكن هذا الحديث لا يكون دليلا بمجرد ترك إنكار الصحابة على بعضهم بعضا إلا أن يثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أطلع على شيء من ذلك وفرره (5/141)
باب الخطبة أوسط أيام التشريق (5/141)
1 - عن سراء بنت نبهان قالت " خطبنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الرؤوس فقال أي يوم هذا قلنا الله ورسوله أعلم قال أليس أوسط أيام التشريق "
- رواه أبو داود . وقال وكذلك قال عم أبي حرة الرقاشي أنه خطب أوسط أيام التشريق (5/141)
2 - وعن ابن أبي نجيح عن أبيه عن رجلين من بني بكر قالا " رأينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخطب بين أوسط أيام التشريق ونحن عند راحلته وهي خطبة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي خطب بمنى "
- رواه أبي داود (5/142)
3 - وعن أبي نضرة " قال حدثني من سمع خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أوسط أيام التشريق فقال يا أيها الناس إلا أن أباكم واحد ألا لافضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى أبلغت قالوا بلغ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد (5/142)
- حديث سراء بنت نبهان سكت عنه أبو داود والمنذري وقال في مجمع الزوائد رجاله ثقات وحديث الرجلين من بني بكر سكت عنه أيضا أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله رجال الصحيح . وحديث أبي نضرة قال في مجمع الزوائد رجاله رجال الصحيح . قوله " سراء " بفتح السين المهملة وتشديد الراء والمد والقيل القصر بنت نبهان الغنوية صحابية لها حديث واحدقاله صاحب التقريب : قوله " يوم الرؤوس " بضم الراء والهمزة بعدها وهو اليوم الثاني من أيام التشريق سمى بذلك لأنهم كانوا يأكلون فيه رؤوس الأضاحي : قوله " أي يوم هذا " سأل عنه وهو عالم به لتكون الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت قوله " أي يوم هذا " سأل عنه وهو عالم به لتكون الخطبة أوقع في قلوبهم وأثبت قوله " الله ورسوله أعلم " هذا من حسن الأدب في الجواب للأكابر والاعتراف بالجهل ولعلهم قالوا ذلك لانهم ظنوا أنه سيسميه بغير اسمه كما وقع في حديث أبي بكرة المتقدم : قوله " عم أبي حرة " بضم الحاء المهملة وتشديد الراء واسم أبي حرة حنيفة وقيل حكيم . والرقاشي بفتح الراء وتخفيف القاف وبعد الألف شين معجمة قوله " أوسط أيام التشريق " هو اليوم الثاني من أيام التشريق : قوله " ألا ان ربكم واحد " الخ هذه مقدمة لنفي فضل البعض على البعض بالحسب والنسب كما كان في زمن الجاهلية لأنه إذا كان الرب واحدا وأبو الكل واحدا لم يق لدعوى الفضل بغير التقوى موجب وفي هذا الحديث حصر الفضل في التقوى ونفيه عن غيرها وانه لافضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى ولا لأسود على أحمر إلا بها ولكنه قد ثبت في الصحيح ان الناس معادن كمعادن الذهب خيارهمه في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا ففيه إثبات الخيار في الجاهلية ولا تقوى هناك وجعلهم الخيار في الإسلام بشرط الفقه في الدين وليس مجرد الفقه في الدين سببا لكونهم خيارا في الإسلام وإلا لما كان لاعتبار كونهم خيارا في الجاهلية معنى ولكان كل فقيه في الدين من الخيار وان لم يكن من الخيار في الجاهلية وليس أيضا سبب كونهم خيارا في الإسلام مجرد التقوى وإلا لما كان لذكر كونهم خيارا في الجاهلية معنى ولكان كل متق من الخيار من غير نظر إلى كونه من خيار الجاهلية فلا شك ان هذا الحديث يدل على ان لشرافة الانساب وكرم النجار مدخلا في كون أهلها خيارا وخيار القوم افاضلهم وان لم يكن لذلك مدخل باعتبار أمر الدين والجزاء الأخروي فينبغي أن يحمل حديث الباب على الفضل الأخروي ( وأحاديث الباب ) تدل على مشروعية الخطبة في أوسط أيام التشريق وقد قدمنا في كتاب العيدين ان من الخطب المستحبة في الحج وبينا هنالك كم يستحب من الخطب في الحج (5/142)
باب نزول المحصب إذا نفر من منى (5/143)
1 - عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء ثم رقد رقدة بالمحصب ثم ركب إلى البيت فطاف به "
- رواه البخاري (5/143)
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالبطحاء ثم هجع هجعة ثم دخل مكة وكان ابن عمر يفعله "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري بمعناه (5/143)
3 - وعن الزهري عن سالم " أن أبا بكر وعمر وابن عمر وكانوا ينزلون الأبطح قال الزهري وأخبرني عروة عن عائشة إنها لم تكن تفعل ذلك وقالت إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان منزلا اسمح لخروجه "
- رواه مسلم (5/144)
4 - وعن عائشة قالت " نزول الأبطح ليس بسنة إنما نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان اسمح لخروجه إذا خرج " (5/144)
5 - وعن ابن عباس قال " التحصيب ليس بشيء إنما هو منزل نزله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفع عليهما (5/144)
- قوله : " بالمحصب " بمهملتين وموحدة على وزن محمد وهو اسم لمكان متسع بين جبلين وهو إلى منى أقرب من مكة سمي بذلك لكثرة ما به من الحصا من جر السيول ويسمى بالأبطح وخيف بني كنانة : قوله " ثم هجع هجعة " أي اضطجع ونام يسيرا قوله " اسمح لخروجه " أي أسهل لتوجهه إلى المدينة ليستوي البطىء والمقتدر ويكون مبيتهم وقيامهم في السحر ورحيلهم بأجمعهم إلى المدينة : قوله " ليس التحصيب بشيء " أن من المناسك التي يلزم فعلها . وقد نقل ابن المنذر الخلاف في استحباب نزول المحصب مع الاتفاق انه ليس من المناسك وقد روى أحمد عن عائشة أنها قالت " والله ما نزلها يعني الحصبة إلا من أجلي " وروى مسلم وأبو داود وغيرهما عن أبي رافع قال " لم يأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أنزل الأبطح حين خرج من منى ولكن جئت فضربت قبته فجاء فنزل " انتهى أن النزول مستحب لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وفعله وقد فعله الخلفاء بعده كما رواه مسلم عن ابن عمر ومما يدل على استحباب التحصيب ما أخرجه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث أسامة بن زيد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال نحن نازلون بخيف بني كنانة حيث قاسمت قريشا على الكفر " يعني المحصب وذلك أن بني كنانة حالفة قريشا على بني هاشم أن لا يناكحوهم ولا يؤوهم ولا يبايعوهم قال الزهري والخيف الوادي . وأخرج البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حين أراد أن ينفر من منى نحن نازلون غدا " فذكر نحوه وحكى النووي عن القاضي عياض أنه مستحب عند جميع العلماء قال في الفتح والحاصل ان من نفى انه سنة كعائشة وابن عباس أراد أنه ليس من المناسك فلا يلزم بتركه شيء ومن اثبته كابن عمر أراد دخوله في عموم التأسي بأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم لا الإلزام بذلك ويستحب أن يصلي به الظهر والعصر والمغرب والعشاء ويبيت به بعض الليل كما دل عليه حديث أنس وابن عمر (5/145)
باب ما جاء في دخول الكعبة والتبرك بها (5/145)
1 - عن عائشة قالت " خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عندي وهو قرير العين طيب النفس ثم رجع إلي وهو حزين فقلت له فقال اني دخلت الكعبة ووددت أن لم أكن فعلت أني أخاف أن أكون أتعبت أمتي من بعدي "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي (5/145)
2 - وعن أسامة بن زيد قال " دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيت فجلس فحمد الله واثنى عليه وكبر وهلل ثم قام إلى ما بين يديه من البيت فوضع صدره عليه وخده ويديه ثم هلل وكبر ودعا ثم فعل ذلك بالأركان كلها ثم خرج فأقبل على القبلة وهو على الباب فقال هذه القبلة هذه القبلة مرتين أو ثلاثة "
- رواه أحمد والنسائي (5/146)
3 - وعن عبد الرحمن بن صفوان قال " لما فتح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مكة انطلقت فوافقته قد خرج من الكعبة وأصحابه قد استلموا البيت من الباب إلى الحطيم وقد وضعوا خدودهم على البيت ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسطهم "
- رواه أحمد وأبو داود (5/146)
4 - وعن إسماعيل بن أبي خالد قال قلت " لعبد الله بن أبي أوفى أدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيت في عمرته قال لا "
- متفق عليه (5/146)
- حديث عائشة أخرجه أيضا وصححه ابن خزيمة والحاكم . وحديث أسامة رجاله رجال الصحيح وأصله في صحيح مسلم بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يصل في البيت ولكنه كبر في نواحيه " وحديث عبد الرحمن بن صفوان في إسناده يزيد بن أبي زياد ولا يحتج بحديثه وقد ذكر الدارقطني أن يزيد بن أبي زياد تفرد به عن مجاهد ولكنه ذكر الذهبي أنه صدوق من ذوي الحفظ وذكر في الخلاصة أنه كان من الأئمة الكبار وقد تقدم الكلام فيه في غير موضع : قوله " وودت أني لم أكن فعلت " فيه دليل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دخل الكعبة في غير عام الفتح لأن عائشة لم تكن معه فيه ايما كانت معه في غيره وقد جزم جمع من أهل العلم أنه لم يدخل إلا في عام الفتح وهذا الحديث يرد عليهم وقد تقرر ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يدخل البيت في عمرته كما في حديث ابن أبي أوفى المذكور في الباب فتعين أن يكون دخله في حجته وبذلك جزم البيهقي . وقد أجاب البعض عن هذا الحديث بأنه يحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم قال ذلك لعائشة بالمدينة بعد رجوعه من غزوة الفتح وهو بعيد جدا . وفيه أيضا دليل على أن دخول الكعبة ليس من مناسك الحج وهو مذهب الجمهور وحكى القرطبي عن بعض العلماء إن دخولها من المناسك وقد ذهب جماعة من اهل العلم إلى أن دخولها مستحب ويدل على ذلك ما أخرج ابن خزيمة والبيهقي من حديث ابن عباس من دخل البيت دخل في جنة وخرج مغفورا له وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وهو ضعيف ومحل استحبابه مالم يؤذ أحدا بدخوله ويدل على الاستحباب أيضا حديث أسامة وعبد الرحمن بن صفوان المذكوران في الباب : قوله " وخده ويديه " فيه استحباب وضع الخد والصدر على البيت وهو ما بين الركن والباب ويقال له الملتزم كما روى الطبراني عن مجاهد عن ابن عباس أنه قال الملتزم ما بين الركن والباب . وأخرجه البيهقي في شعب الأيمان من طريق أبي الزبير عن ابن عباس مرفوعا ورواه عبد الرزاق بإسناد يصح عنه وقوفا وسمى بذلك لأن الناس يلتزمونه : قوله " ثم فعل ذلك بالأركان كلها " فيه دليل على مشروعية وضع الصدر والخد على جميع الأركان مع الهليل والتكبير والدعاء قوله " من الباب إلى الحطيم " هذا تفسير للمكان الذي استلموه من البيت والحطيم هو ما بين الركن والباب كما ذكره محب الدين الطبري وغيره وقال مالك في المدونة الحطيم ما بين الباب إلى المقام وقال ابن حبيب هوما بين الحجر الأسود إلى الباب إلى المقام وقيل هو الشاذروان وقيل هو الحجر الأسود كما يشعر به سياق الحديث وسمى حطيما لأن الناس كانوا يحطمون هنالك بالإيمان ويستجاب فيه الدعاء المظلوم على الظالم وقل من حلف هنالك كاذبا غلا عجلت له العقوبة . وفي كتب الحنفية إن الحطيم هو الموضع الذي فيه الميزاب : قوله " وسطهم " قال الجوهري تقول جلست وسط القوم بالتسكين لأنه ظرف وجلست وسط الدار بالفتح لأنه اسم قال وكل وسط يصلح فيه بين فهو وسط بالاسكان وإن لم يصلح بين فهو وسط بالفتح قال الأزهري كل ما بين بعضه من بعض كوسط الصف والقلادة والسبحة وحلقه الناس فهو بالاسكان وما كان منضما لا يبين بعضه من بعض كالساحة الدار والراحبة فهو وسط بالفتح . قال وقد اجازوا في المفتوح الاسكان ولم يجيزوا في الساكن الفتح : قوله " أدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم البيت في عمرته " بهمزة الاستفهام قال النووي قال العلماء سبب ترك دخوله ما كان في البيت من الأصنام والصور ولم يكن المشركون يتركونه ليغيرها فلما كان في الفتح أمر بإزالة الصور ثم دخلها يعني كما ثبت في حديث ابن عباس عند البخاري وغيره ويحتمل أن يكون دخوله البيت لم يقع في الشرط فلو أراد دخوله لمنعوه كما منعوه من الإقامة بمكة فوق ثلاث (5/147)
باب ما جاء في ماء زمزم (5/147)
1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماء زمزم لما شرب له "
- رواه أحمد وابن ماجه (5/147)
2 - وعن عائشة " أنها كانت تحمل من ماء زمزم وتخبر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يحمله "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (5/148)
3 - وعن ابن عباس " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاء إلى السقاية فاستسقى فقال العباس يا فضل اذهب إلى أمك فأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بشراب من عندها فقال اسقني يا رسول الله انهم يجعلون أيديهم فيه قال اسقني فشرب ثم أتى زمزم وهو يستقون ويعملون فيها فقال اعملوا فإنكم على عمل صالح ثم قال لولا ان تغلبوا لنزلت حتى أضع الحبل يعني على عاتقه وأشار إلى عاتقه "
- رواه البخاري (5/148)
4 - وعن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ان آية ما بيننا وبين المنافقين لا يتضلعون من ماء زمزم "
- رواه ابن ماجه (5/148)
5 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ماء زمزم لما شرب له ان شربته تستشفي به شفاك الله وان شربته يشبعك أشبعك الله به وإن شربته لقطع ظمئك قطعه الله وهي هزمة جبريل وسقيا إسماعيل "
- رواه الدارقطني (5/149)
- حديث جابر أخرجه أيضا ابن أبي شيبة والبيهقي والدارقطني والحاكم وصححه المنذري والدمياطي وحسنه الحافظ وفي إسناده عبد الله بن المؤمل وقد تفرد به كما قال البيهقي وهو ضعيف واعله ابن القطان به وقد رواه البيهقي من طريق اخرى عن جابر وفيها سويد بن سعيد وهو ضعيف جدا وان كان مسلم قد أخرجه له فإنما أخرج له في المتابعات قال الحافظ وأيضا فكان أخذه عنه قبل أن يعمى ويفسد حديثه وكذلك أمر أحمد ابن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه ولما عمي صار يلقن فيتلقن وقال يحيى بن معين لو كان لي فرس ورمح لغزوت سويدا من شدة ما كان يذكر له عنه من المناكير وأخرجه الطبراني من طريق ثالثة . وحديث عائشة أخرجه البيهقي والحاكم وصححه . وحديث ابن عباس الأول أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم من طريق ابن أبي مليكة قال " جاء رجل إلى ابن عباس فقال من أين جئت قال شربت من ماء زمزم قال ابن عباس أشربت منها كما ينبغي قال وكيف ذاك يا ابن عباس قال إذا شربت منا استقبل القبلة واذكر اسم الله وتنفس ثلاثا وتضلع منها فإذا فرغت فاحمد الله فإن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال آية بيننا وبين المنافقين انهم لا يتضلعون من زمزم " وحديثه الثاني أخرجه أيضا الحاكم وزاد الدارقطني على ما ذكره المصنف " وان شربته مستعيذا أعادك الله قال فكان ابن عباس إذا شرب ماء زمزم قال اللهم أني سألت علما نافعا ورزقا واسعا وشفاء من كل داء " . وهذا الحديث هو من طريق محمد بن سعيد الجارودي عن سفيان بن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال في التلخيص والجارودي صدوق الا ان روايته شاذة فقد رواه حفاظ أصحاب ابن عيينة كالحميدي وابن أبي عمر وغيرهما عن ابن عيينة عن ابن أبي نجيح عن مجاهد من قول ابن عباس ومما يقوي الرفع ما أخرجه الدينوري في المجالسة قال كنا عند ابن عيينة فجاء رجل فقال يا أبا محمد الحديث الذي حدثتنا به عن ماء زمزم صحيح قال نعم قال فأني شربته الآن لتحدثني مائة حديث قال اجلس فحدثه مائة حديث ( وفي الباب ) عن أبي ذر مرفوعا عند أبي داود الطيالسي في مسنده قال زمزم مباركة إنها طعام طعم وشفاء سقم وهو بهذا اللفظ في صحيح مسلم . وعن جابر غير حديث الباب عند مسلم " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرب منه " قوله " ماء زمزم لما شرب له " فيه دليل على أن ماء زمزم ينفع الشارب لأي أمر ضربه لاجله سواء كان من أمور الدنيا أو الأخرة لأن ما في قوله لما شرب له من صيغ العموم : قوله " كان يحمله " فيه دليل على أنه لابأس بحمل ماء زمزم إلى المواطن الخارجة عن مكة : قوله " لولا أن تغلبوا " وذلك بأن يظن الناس أن النزع سنة فينزع كل رجال لنفسه فيغلب اهل السقاية عليها وفي هذا الحديث استحباب الشرب من ماء زمزم وما قيل من أن الشرب جبلي فلا يدل على الاستحباب إذا تأسى في الجبلي مدفوع بأن القصد إلى ذلك المحل والأمر بالنزع وإعطاء أسامة الفضلة ليشربها من غير أن يستدعي الماء كما في صحيح مسلم مما يدل على أن الشرب للفضيلة لا للحاجة . قوله " لا يتصلعون " أي لا يرون من ماء زمزم قال في القاموس وتضلع امتلأ شبعا أوريا حتى بلغ الماء أضلاعه انتهى . قوله " هزمه " بالزاي أي حفرة جبريل لأنه ضربها برجله فنبع الماء قال في القاموس هزمه يهزمه غمزه بيده فصارت فيه حفرة ثم قال والهزائم البئار الكبيرة الغزر الماء . قوله " وسقيا اسمعيل " أي أظهره الله ليسقى به اسمعيل في أول الأمر (5/149)
باب طواف الوداع (5/149)
1 - عن ابن عباس قال " كان الناس ينصرفون في كل وجه فقال " رسول الله لا ينفر أحد حتى يكون آخر عهده بالبيت "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود وابن ماجه . وفي رواية " أمر الناس أن كون آخر عهدهم بالبيت لا أنه خفف عن المرأة الحائض " . متفق عليه (5/150)
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص للحائض أن تصدر قبل أن تطوف بالبيت إذا كانت قد طافت في الإفاضة "
- رواه أحمد (5/150)
3 - عن عائشة " قالت حاضت صفية حيى بعدما أفاضت قالت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أحابستنا هي قلت يا رسول الله إنها قد أفاضت وطافت بالبيت ثم حاضت بعد الإفاضة قال فلتنفر إذن "
- متفق عليه (5/150)
- قوله " لا ينفر أحد " الخ فيه دليل على وجوب طواف الوداع قال النووي وهو قول أكثر العلماء ويلزم بتركه دم . وقال مالك وداود وابن المنذر هو سنة لا شيء في تركه . قال الحافظ والذي رأيته لابن المنذر في الأوسط أنه واجب للأمر به إلا إنه لا يجب بتركه شيء انتهى . وقد اجتمع في طواف الوداع أمره صلى الله عليه وآله وسلم به وتهيه عن تركه وفعله الذي هو بيان للمجمل الواجب ولا شك إن ذلك يفيد الوجوب : قوله " أمر الناس " بالبناء على مالم يسم فاعله وكذا قوله حفف : قوله " إذا كانت قد طافت طواف الإفاضة " قال ابن المنذر قال عامة الفقهاء بالأمصار ليس على الحائض التي أفاضت طواف وداع وروينا عن عمر بن الخطاب وابن عمر وزيد بن ثابت أنهم أمروها بالمقام إذا كانت حائضا لطواف الوداع فكأنهم أوجبوه عليها كما يجب عليها طواف الإفاضة إذ لو حاضت قبله لم يسقط عنها قال وقد ثبت رجوع ابن عمر وزيد بن ثابت عن ذلك وبقي عمر فخالفناه لثبوت حديث عائشة . وروى ابن أبي شيبة من طريق القاسم ابن محمد كان الصحابة يقولون إذا أفاضت قبل أن تحيض فقد فرغت الا عمر . وقد روى أحمد وأبو داود والنسائي والطحاوي عن عمر أه قال ليكن آخر عهدها بالبيت وفي رواية كذلك حدثني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم . واستدل الطحاوي بحديث عائشة على نسخ حديث عمر في حق الحائض : وكذلك استدل على نسخه بحديث أم سلمة عند أبي داود الطالسي أنها قالت حضت بعدما طفت بالبيت فأمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن انفر وحاضت صفية فقالت لها عائشة حبستنا فأمرها النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن تنفر . ورواه سعيد بن منصور في كتاب المناسك وإسحاق في مسنده والطحاوي وأصله في البخاري ويؤيد ذلك ما أخرجه النسائي والترمذي وصححه الحاكم عن ابن عمر قال " من حج فليكن آخر عهده بالبيت إلا الحيض لهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " قوله فاتنفر اذن أي فلا حبس علينا حينئذ لانا قد أفاضت فلامانع من التوجه والذي يجب عليها قد فعلته وفي رواية للبخاري فلا بأس انفري وفي رواية له أخرجي وفي رواية فلتنفر ومعانيها متقاربة والمراد بها الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة وتعقب باحتمال أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم أراد بتأخير الرحيل اكرام صفية كما احتبس بالناس على عقد عائشة . وأما ما أخرجه البزار من حديث جابر والثقفي في فوائده من حديث أبي هريرة مرفوعا أميران وليسا باميرين من تبع جنازة فليس ينصرف حتى تدفن أو يأذن أهلها والمرأة تحج أو تعتمر مع قوم فتحيض قبل الطواف الركن فليس لهم أن ينصرفوا حتى تطهر أو تأذن لهم ففي إسناد كل واحد منا ضعيف شديد الضعيف كما قال الحافظ (5/151)
باب ما يقول إذا قدم من حج أو غيره (5/151)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا قفل من غزو أوحج أو عمرة يكبرعلى كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ثم يقول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون . صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده "
- متفق عليه (5/151)
- قوله " شرف " هو المكان العالي كما في القاموس وغيره وفي رواية لمسلم " كان إذا أوفى على ثنية أوفدفد كبر " قوله " آيبون " أي راجعون وهو وما بعده اخبار لمبتدأ مقدر أي نحن آيبون الخ : قوله " صدق الله وعده " أي في إظهار الدين وكون العاقبة للمتقين وغير ذلك مما وعد به سبحانه أن الله لا يخلف الميعاد : قوله " وهزم الأحزاب وحده " أي من غير قتال من الآدمين والمراد بالأحزاب الذي اجتمعوا يوم الخندق وتحزبوا على صلى الله عليه وآله وسلم كما تقدم فأرسل الله عليهم ريحا وجنودا وهذا هو المشهور إن المراد بالأحزاب أحزاب يوم الخندق . قال القاضي عياض ويحتمل ان المراد أحزاب الكفر في جميع الأيام والمواطن ( والحديث ) فيه استحباب التكبير والتهليل والدعاء المذكور عند كل شرف من الأرض يعلوه الراجع إلى وطنه من حج أو عمرة أو غزو (5/152)
باب الفوات والاخصار (5/152)
1 - عن عكرمة عن الحجاج بن عمرو قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من كسر أو عرج فقد حل وعليه حجة أخرى قال فذكرت ذلك لابن عباس وأبي هريرة فقالا صدق "
- رواه الخمسة . وفي رواية لأبي داودوابن ماجه " من عرج أو كسر أومرض " فذكر معناه . وفي رواية ذكرها أحمد في رواية المروزي " من حبس بكسر أو مرض " (5/152)
2 - وعن ابن عمر " أنه كان يقول اليس حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ان حبس أحدكم عن الحج طاف بالبيت والصفا والمروة ثم يحل من كل شيء حتى يحج عاما قابلا فيهدي أو يصوم ان لم يجد هديا "
- رواه البخاري والنسائي (5/153)
3 - وعن عمر بن الخطاب " أنه أمر أبا أيوب صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهبار بن الأسود حين فلهما الحج فاتيا يوم النحر بعمرة ثم يرجعا حلالا ثم يحجا عاما قابلا ويهديا فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله " (5/153)
4 - وعن سليمان بن يسار " إن ابن حزابة المخزومي صرع ببعض طرق مكة وهومحرم بالحج فسأل عن الماء الذي كان فوجد عبد الله بن عمر وعبد الله بن الزبير ومروان ابن الحكم فذكر لهم الذي عرض له وكلهم امره أن يتداوى بمالابد منه ويفتدي فإذا صح اعتمر فحل من احرامه ثم عليه ان يحج قابلا ويهدي " ز (5/153)
5 - وعن ابن عمر " أنه قال من حبس دون البيت بمرض فإنه لا يحل حتى يطوف بالبيت "
- وهذه الثلاثة لمالك في الموطأ (5/154)
6 - وعن ابن عباس قال " لاحصر الا حصر العدو "
- رواه الشافعي في مسنده (5/154)
- حديث الحجاج بن عمر سكت عنه أبو داود والمنذري وحسنه الترمذي . وأخرجه أيضا ابن خزيمة والحاكم والبيهقي . وأثر عمر بن الخطاب أخرجه أيضا البيهقي وأخرج عن عمر أنه أمر من فاته الحج أن يهل بعمرة وعليه الحج من قابل وأخرج أيضا عن زيد بن ثابت مثله . وأخرج نحوه عن عمر من طريق أخرى . والأثر الذي رواه سليمان بن يسار رواه مالك عن يحيى بن سعيد عنه ولكن سليمان بن يسار لم يدرك القصة . وأثر ابن عمر الحافظ إسناده . قوله " من كسر " بضم الكاف وكسر السين . قوله " أو عرج " بفتح المهملة والراء أي أصابه شيء في رجله وليس يخلقة فإذا كان خلقة قيل عرج بكسر الراء . قوله " فقد حل " تمسك بظاهر هذا أبو ثور وداود فقالا أنه يحل في مكانه بنفس الكسر والعرج وأجمع بقية العلماء على انه يحل من كسر أو عرج ولكن اختلفوا فيما به يحل وعلام يحمل هذا الحديث فقال أصحاب الشافعي أنه يحمل على ما إذا شرط التحلل به فإذا وجد الشرط صار حلالا ولا يلزم الدم وقال مالك وغيره يحل بالطواف بالبيت لا يحله غيره ومن خالفه من الكوفيين يقول يحل بالنية والذبح والحلق وسيأتي الكلام على ذلك . قوله " أو مرض " الاحصار لا يختص بالأعذار المذكورة بل كل عذر حكمه حكمها كاعواز النفقة والضلال في الطريق وبقاء السفينة في البحر وبهذا قال كثير من الصحابة قال النخعي والكوفيون الحصر بالكسر والمرض والخوف وقال آخرون منهم مالك والشافعي وأحمد لا حصر الا بالعدو وتمسكوا بقول ابن عباس المذكور في الباب وحكى ابن جرير قولا أنه لا حصر بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم والسبب في هذا الاختلاف أنهم اختلفوا في تفسير الاحصار فالمشهور عن أكثر أهل اللغة منهم الأخفش والكسائي والفراء وأبو عبيدة وابن السكيت وثعلب وابن قتيبة وغيرهم ان الاحصار إنما يكون بالمرض وأما بالعدو فهو الحصر وقال بعضهم ان احصر حصر بمعنى واحد : قوله " سنة نبيكم " قال عياض ضبطناه سنة بالنصب على الاختصاص وعلى اضمار فعل أي تمسكوا وشبهه وخبر حسبكم طاف بالبيت ويصح الرفع على ان سنة خبر حسبكم أو الفاعل وحسبكم بمعنى الفعل ويكون ما بعدهما تفسيرا للسنة . وقال السهيلي من نصب سنة فهو باضمار الامر كانه قال الزموا سنة نبيكم . قوله " طاف بالبيت " أي إذا أمكنه ذلك وقع في رواية عبد الرزاق ان حبس أحدا منكم حابس عن البيت فإذا وصل طاف . قوله " حتى يحج عاما قابلا " استدل به على وجوب الحج من القابل على من أحصر وسيأتي الخلاف فيه . قوله " فيهدي " فيه دليل على وجوب الهدى على المحصر ولكن الاحصار الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما في العمرة فقاس العلماء الحج على ذلك وهو من الالحاق بنفي الفارق وإلى وجوب الهدى ذهب الجمهور وهو ظاهر الأحاديث الثابتة عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه فعل ذلك في الحديبية ويدل عليه قوله تعالى { فإن احصرتم فما استيسر من الهدى } وذكر الشافعي انه لا خلاف في ذلك في تفسير الآية وخالف في ذلك مالك فقال أنه لا يجب الهدى على المحصر وعول على قياس الاحصار على الخروج من الصوم للعذر والتمسك بمثل هذا القياس في مقابل ما يخالفه من القرآن والسنة من الغرائب التي يتعجب من وقوع مثلها من أكابر العلماء . قوله " ابن حزابة " بضم الحاء المهملة وبعدها زاي ثم بعد الألف موحدة . قوله " فسأل على الماء " هكذا في بعض نسخ هذا الكتاب وفي بعضها عن الماء وفي نسخة صححيحة من الموطأ على الماء ومنسخ ( 1 ) [ ( 1 ) هكذا الأصل ولا وعنى ولعله ونسخ بعن أو في نسخة بعن فليحرر ] بعن : قوله " فوجد " هذه اللفظة ثابتة في نسخة من هذا الكتاب وهي ثابتة في الوطأ . وقد استدل بالآثار المذكورة في الباب على وجو ب الهدى وان الاحصار لا يكون الا بالخوف من العدو وقد تقدم البحث عن ذلك وعلى وجوب القضاء وسيأتي (5/154)
باب تحلل المحصر عن العمرة بالنحر ثم الحلق حيث أحصر من حل أو حرم وإنه لاقضا عليه (5/155)
1 - عن المسور ومروان في حديث عمرة الحديبية والصلح " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما فرغ الكتاب قال لأصحابه قوموا فانحروا ثم احلقوا "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود . وللبخاري عن المسور " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر قيل أن يحلق وأمر اصحابه بذلك " (5/155)
2 - وعن المسور ومروان قالا " قلد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الهدى وأشعره بذي الحليفة وأحرم منها بالعمرة وحلق بالحديبية في عمرته وأمر أصحابه بذلك ونحر بالحديبية قبل أن يحلق وأمر أصحابه بذلك "
- رواه أحمد (5/155)
3 - وعن ابن عباس قال " إنما البدل على من نقض حجة التلذذ فأما من حبسه عدو أو غير ذلك فإنه يحل ولا يرجع وإن كان معه هدى وهو محصر نحره إن كان لا يستطيع أن يبعث به وإن استطاع أن يبعث به لم يحل حتى يبلغ الهدى محله "
- أخرجه البخاري وقال مالك وغيره ينحر هديه ويحلق في أي موضع كان ولا قضاء عليه لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه بالحديبية نحروا وحلقوا وحلوا من كل شيء قبل الطواف وقبل أن يصل الهدى إلى البيت ثم لم يذكروا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر أحدا أن يقضوا شيئا ولا يعودوا له والحديبية خارج الحرم " . كل هذا كلام البخاري في صحيحه (5/156)
- قوله " فانحروا ثم احلقوا " فيه دليل على أن المحصر يقدم النحر على الحلق ولا يعاض هذا ما وقع في رواية للبخاري " عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حلق وجامع نساءه ومحر هديه " لأن العطف بالواو إنما هو لمطلق الجمع ولا يدل على الترتيب فإن قدم الحلق على النحر فروى ابن أبي شيبة عن علقمة ان عليه دما وعن ابن عباس مثله والظاهر عدم وجوب الدم لعدم الدليل . قوله " إنما البدل " الخ بفتح الباء الموحدة والمهملة أي القضاء لما أحصر فيه من حج أو عمرة وهذا قول الجمهور كما في الفتح وقال في البحر أن على المحصر القضاء اجماعا في الفرض العترة وأبو حنيفة وأصحابه وكذا في النفل انتهى . وعن أحمد روايتان واحتج الموجبون للقضاء بحديث الحجاج ابن عمر والسالف وهو نص في محل النزاع وبحديث ابن عمر المتقدم لقوله فيه حتى يحج عاما قابلا فيهدى بعد قوله حسبكم سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وبما تقدم من الآثار وقال الذين لم يوجبوا القضاء لم يذكر الله تعالى القضاء ولو كان واجبا لذكره وهذا ضعيف لأن عدم الذكر لا يستلزم العدم قالوا ثانيا قول ابن عباس يدل على عدم الوجوب ويجاب بأن قول الصحابي ليس بحجة إذا انفرد فكيف إذا عارض المرفوع قالوا ثالثا لم يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أحدا ممن أحصر معه في الحديبية بأن يقضي ولو لزمهم القضاء لأمرهم قال الشافعي إنما سميت عمرة القضاء والقضية للمقاضاة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم وبين قريش لا على أنه أوجب عليهم قضاء تلك العمرة وهذا هو الدليل الذي ينبغي التعويل عليه ولكنه يعارضه ما رواه الواقدي في المغازي من طريق الزهري ومن طريق أبي معشر وغيرهما قالوا أمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصحابه ان يعتمروا فلم يتخلف منهم إلا من قتل بخيبر أو مات وخرج جماعة معه معتمرين ممن لم يشهد الحديبية فكانت عدتهم ألفين قال في الفتح ويمكن الجمع بين هذا إن صح وبين الذي قبله بأن الأمر كان على طريق الاستحباب لأن الشافعي جازم بأن جماعة تخلفوا لغير عذر . وقد روى الواقدي أيضا من حديث ابن عمر قال لم تكن هذه العمرة قضاء ولكن كان شرطا على قريش أن يعتمر المسلمون من قابل في الشهر الذي صدهم المشركون فيه انتهى . ويمكن أن يقال أن ترك أمره صلى الله عليه وآله وسلم لا ينتهض لمعارضة ماتقدم مما يدل على وجوب القضاء لان ترك الأمر ربما كان لعلمهم بوجوب القضاء على من احصر بدليل آخر كحديث الحجاج بن عمرو لأن حكم الحج والعمرة واحد بقي ههنا شيء هو إن قوله وعليه الحج من قابل وقوله وعليه حجة أخرى يمكن أن يكون المراد به تأدية الحج المفروض أو ما كان يريد اداءه في عام الاحصار لا أنه القضاء المصطلح عليه لأنه لم يسبق ما يوجبه بل غاية ما هناك أنه منعه عن تأدية ما أراد فعله مانع فعليه فعله ولا يسقط بمجرد عروض المانع وتعيين العام القابل يدل على أن ذلك على الفور : قوله " بالتلذذ " بمعجمتين وهو الجماع . قوله " فأما من حبسه عدو " هكذا في نسخ هذا الكتاب عدو بفتح العين المهملة وضم الدال المهملة أيضا والواو وهي رواية أبي ذر في صحيح البخاري ورواه الأكثر بضم العين وسكون الذال المعجمة والراء مكان الواو : قوله " نحره " قد وقع الخلاف بين الصحابة فمن بعدهم في محل نحر الهدى للمحصر فقال الجمهور وذبح الهدى حيث يحل سواء كان في الحل أو الحرم وقال أبوحنيفة لا يذبحه إلا في الحرم وبه قال جماعة من أهل البيت منهم الهادي وفصل آخرون كما قال ابن عباس قال في الفتح وهو المعتمد قال وسبب اختلافهم في ذلك اختلافهم هل نحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديبية في الحل أو في الحرم وكان عطاء يقول لم ينحر يوم الحديبية إلا في الحرم ووافقه ابن إسحاق وقال غيره من أهل المغازي إنما نحر في الحل
( فائدة ) لم يذكر المصنف رحمه الله تعالى في كتابه هذا زيارة قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان الموطن الذي يحسن ذكرها فيه كتاب الجنائز ولكنها لما كانت تفعل في سفر الحج في الغالب ذكرها جماعة من أهل العلم في كتاب الحج فاحببنا ذكرها ههنا تكميلا للفائدة ( وقد اختلفت ) فيها أقوال أهل العلم فذهب الجمهور إلى أنها مندوبة وذهب بعض المالكية وبعض الظاهرية إلى أنها واجبة وقالت الحنفية إنها قريبة من الواجبات . وذهب ابن تيمية الحنبلي حفيد المصنف المعروف بشيخ الإسلام إلى أنها غير مشروعة وتبعه على ذلك بعض الحنابلة وروى ذلك عن مالك والجوبني والقاضي عياض كما سيأتي ( احتج القائلون ) بإنها مندوبة بقوله تعالى { ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول } الآية ووجه الاستدلال بها أنه صلى الله عليه وآله وسلم حي في قبره بعد موته كما في حديث " الأنبياء أحياء في قبورهم " وقد صححه البيهقي وألف في ذلك جزأ قال الأستاذ أو منصور البغدادي قال المتكلمون المحققون من أصحابنا إن نبينا صلى الله عليه وآله وسلم حي بعد وفاته انتهى . ويؤيد ذلك ما ثبت إن الشهداء أحياء يرزقون في قبورهم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم منهم وإذا ثبت أنه حي في قبره كان المجئ إليه بعد الموت كالمجئ إليه قبله ولكنه قد ورد إن الأنبياء لا يتركون في قبورهم فوق ثلاث وروى فوق أربعين فإن صح ذلك قدع في الاستدلال بالآية ويعارض القول بدوام حياتهم في قبورهم ما سيأتي من أنه صلى الله عليه وآله وسلم ترد إليه روحه عند التسليم عليه نعم حديث " من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي " الذي سيأتي إن شاء الله تعالى إن صح فهو الحجة في المقام واستدلوا ثانيا بقوله تعالى { ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله } الآية والهجرة إليه في حياته الوصول إلى حضرته كذلك الوصول بعد موته ولكنه لا يخفى إن الوصول إلى حضرته في حياته فيه فوائد لا توجد في الوصول إلى حضرته بعد موته منها النظر إلى ذاته الشريفة وتعلم أحكام الشريعة منه والجهاد بين يديه وغير ذلك واستدلوا ثالثا بالأحاديث الواردة في ذلك منها الأحاديث الواردة في مشروعية زيارة القبور على العموم والنبي صلى الله عليه وآله وسلم داخل في ذلك دخولا أوليا وقد تقدم ذكرها في الجنائز
وكذلك الأحاديث الثابتة من فعله صلى الله عليه وآله وسلم في زيارتها . ومنها أحاديث خاصة بزيارة قبره الشريف أخرج الدارقطني عن رجل من آل حاطب عن حاطب قال قال صلى الله عليه وآله وسلم " من زارني بعد موتي فكأنما زارني في حياتي " وفي إسناده الرجل المجهول وعن ابن عمر عند الدارقطني أيضا قال قال فذكر نحوه ورواه أبو يعلى في مسنده وابن عدي في كامله وفي إسناده حفص بن أبو داود وهو ضعيف الحديث وقال أحمد فيه أنه صالح . وعن عائشة عند الطبراني في الأوسط عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله قال الحافظ وفي طريقه من لا يعرف وعن ابن عباس عند العقيلي مثله وفي إسناده فضالة بن سعد المازني وهو ضعيف . وعن ابن عمر حديث آخر عند الدارقطني بلفظ " من زار قبري وجبت له شفاعتي " وفي إسناده موسى بن هلال العبدي قال أبو حاتم مجهور أي العدالة ورواه ابن خزيمة في صحيحه من طريقه وقال إن صح الخبر فإن في القلب من إسناده شيئا وأخرجه أيضا البيهقي وقال العقيلي لا يصح حديث موسى ولا يتابع عليه ولا يصح في هذا الباب شيء وقال أحمد لا بأس به وأيضا قد تابعه عليه مسلمة بن سالم كما رواه الطبراني من طريقه وموسى بن هلال المذكور رواه عن عبيد الله بن عمر عن نافع وهوثقة من رجال الصحيح وجزم الضياء المقدسي والبيهقي وابن عدي وابن عساكر بأن موسى رواه عن عبد الله بن عمر المكبر وهوضعيف ولكنه قد وثقه ابن عدي وقال ابن معين لا بأس به وروى له مسلم مقرونا بآخر . وقد صحح هذا الحديث ابن السكن وعبد الحق وتقي الدين السبكي . وعن ابن عمر عند ابن عدي والدارقطني وابن حبان في ترجمة النعمان بلفظ " من حج ولم يزرني فقد جفاني " وفي إسناده النعمان بن شبل وهو ضعيف جدا ووثقه عمران بن موسى . وقال الدارقطني الطعن في هذا الحديث على ابن النعمان لا عليه ورواه أيضا البزار وفي إسناده إبراهيم الغفاري وهو ضعيف ورواه البيهقي عن عمر قال وإسناده مجهول وعن أنس عند ابن أبي الدنيا بلفظ " من زارني بالمدينة محتسبا كنت له شفيعا وشهيدا يوم القيامة " وفي إسناده سليمان بن زيد الكعبي ضعفه ابن حبان الدارقطني وذكره ابن حبان في الثقات . وعن عمر عند أبي داود الطيالسي بنحوه وفي إسناده مجهول وعن عبد الله بن مسعود عن أبي الفتح الأزدي بلفظ " من حج حجة الأسلام وزار قبري وغزا غزوة وصلى في بيت المقدس لم يسأله الله فيما افترض عليه " وعن أبي هريرة بنحو حديث حاطب المتقدم . وعن ابن عباس عند العقيلي بنحوه وعنه في مسند الفردوس بلفظ " من حج إلى مكة ثم قصدني في مسجدي كتبت له حجتان مبرورتان " وعن علي بن أبي طالب عليه السلام عن ابن عساكر " من زار قبر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان في جواره " وفي إسناده عبد الملك بن هرون بن عنبرة وفيه مقال
قال الحافظ وأصح ما ورد في ذلك ما رواه أحمد وأبو داود عن أبي هريرة مرفوعا " ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام " وبهذا الحديث صدر البيهقي الباب ولكن ليس فيه ما يدل على اعتبار كون المسلم عليه على قبره بل ظاهره أعم من ذلك وقال الحافظ أيضا أكثر متون هذه الأحاديث موضوعة وقد رويت زيارته صلى الله عليه وآله وسلم عن جماعة من الصحابة منهم بلال عن ابن عساكر بسند جيد وابن عمر عند مالك في الموطأ وأبو أيوب عند أحمد وأنس ذكره عياض في الشفاء وعمر عند البزار وعلي عليه السلام عند الدارقطني وغير هؤلاء ولكنه لم ينقل عن أحد منهم أنه شد الرحل لذلك إلا عن بلال لأنه روى نه أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بداريا يقول يقول له ما هذه الفجوة يا بلال أما آن لك أن تزورني روى ذلك ابن عساكر واستدل القائلون بالوجوب بحديث " من حج ولم يزرني فقد جفاني " وقد تقدم قالوا والجفاء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم محرم فتجب الزيارة لءلا يقع في المحرم وأجاب عن ذلك الجمهور بأن الجفاء يقال على ترك المندوب كما في ترك البر والصلة وعلى غلط الطبع كما في حديث " من بدا فقد جفا " وأيضا الحديث على إنفراد مما لا تقوم به الحجة لما سلف واحتج من قال بأنها غير مشروعة بحديث " لا تشد الرحال إلا إلى ثلاث مساجد " وهو في الصحيح وقد تقدم وحديث لا تتخذوا قبري عيدا رواه عبد الرزاق قال النووي في شرح مسلم اختلف العلماء في شد الرحل لغير الثلاثة كالذهاب إلى قبور الصالحين وإلى المواضع الفاضلة فذهب الشيخ أبو محمد الجويني إلى حرمته وأشار عياض إلى اختياره والصحيح عند أصحابنا أنه لا يحرم ولا يكره قالوا والمراد أن الفضيلة الثابتة إنما هي شد الرحل إلى هذه الثلاثة خاصة انتهى . وقد أجاب الجمهور عن حديث شد الرحل بأن القصر فيه إضافي باعتبار المساجد لا حقيقي قالوا والدليل على ذلك أنه قد ثبت بإسناد حسن في بعض ألفاظ الحديث " لا ينبغي للمطي أن يشدر حالها إلى مسجد تبتغي فيه الصلاة غير مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى " فالزيارة وغيرها خارجة عن النهي وأجابوا ثانيا بالإجماع على جواز شد الرحال للتجارة وسائر مطالب الدنيا وعلى وجوبه إلى عرفة للوفوق وغلى منى للمناسك التي فيها والي مزدلفة وإلى الجهاد والهجرة من دار الكفر وعلى استحبابه لطلب العلم وأجابوا عن الحديث " لا تتخذوا قبري عيدا " بأنه يدل على الحث على كثرة الزيارة لا على منعها وأنه لا يهمل حتى لا يزار إلا في بعض الأوقات كالعيدين ويؤيده قوله " لا تجعلوا بيوتكم قبورا " أي لا تتركوا الصلاة فيها كذا قال الحافظ المنذري وقال السبكي معناه أنه لا تتخذوا لها وقتا خصوصا لا تكون الزيارة إلا فيه أو لا تتخذوا كالعيد في العكوف عليه وإظهار الزينة والاجتماع للهو وغيره كما يفعل في الأعياد بل لا يؤتى إلا للزيارة والدعاء والسلام والصلاة ثم ينصرف عنه وأجيب عما روى عن مالك من القول بكراهة زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم بأنه إنما قال بكراهة زيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم قطعا للذريعة وقيل إنما كره إطلاق لفظ الزيارة لأن الزيارة من شاء نعلها ومن شاء تركها وزيارة قبره صلى الله عليه وآله وسلم من السنن الواجبة كذا قال عبد الحق واحتج أيضا من قال بالمشروعية بأنه لم يزل دأب المسلمين القاصدين للحج في جميع الأزمان على تباين الديار واختلاف المذاهب لوصول إلى المدينة المشرفة لقصد زيارته ويعدون ذلك من أفضل الأعمال ولم ينقل أن أحدا أنكر ذلك عليهم فكان إجماعا . ( 1 ) ب ( 1 ) أقول وللعلامة ابن تيمية حفيد المثنف هنا كلام حصل له محن في زمنه لأجله وسجن هو رضي الله عنه وتلميذه ابن القيم رحمهما الله تعالى ومنع شد الرحال لزيارة قبور الأنبياء والصالحين مستد لابقوله صلى الله عليه وآله وسلم ( لا تشد الرحال الا إلى ثلاثة مساجد ) الحديث وبين ضعف احاديث ( من زارنيبعد مماتي فكأنما زارني في حياتي ) ورد عليه العلامة تقي الدين السبكي في مؤلف وأتى بأحاديث الزيارة مروية بسنده إلى اصولها من غير ورد عليه العلامة المقدسى في مؤلف كبير بين ضعف سندها ومتنها بما يكفي ويشفي وسماه الصارم المنكى في الرد على السبكى ( وحاصل ) ما قاله الامام ابن تيمية في رد أحاديث الزيارة ان الاحاديث الواردة في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم
كلها ضعيفة باتفاق أهل العلم بالحديث بل هي موضوعة لم يرو أحد من أهل السنن المعتمدة شيئا منها ولم يحنج أحد من الإئمة بشيء منها بل مالك أمام أهل المدينة النبوية الذين هم أعلم الناس بحكم هذه المسألة كره أن يقول الرجل زرت قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عليه ولو كان هذا اللفظ معروفا عندهم أو مشروعا أو مأثورا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يكرهه عالم المدينة . والإمام أحمد بن حنبل رضي اللع عنه أعلم الناس في زمانه بالسنة لما سئل عن ذلك لم يكن عنده ما يعتمد عليه في ذلك إلا حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال ما من رجل يسلم على إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام " وعلى هذا اعتمد أبو داود في سننه وكذلك مالك في الموطأ . روى عبد الله بن عمر انه كان إذا دخل المسجد قال السلام عليك يا رسول الله السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت ثم ينصرف وفي سنن أبي داود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال ( لاتتخذوا قبري عيدا وصلوا على أينما كنتم فان صلاتكم تبلغني ) وفي سنن سعيد بن منصور أن عبد الله بن حسن بن حسين بن علي بن أبي طالب رأى رجلا يختلف إلى قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويدعو عنده فقال يا هذا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تتخذوقبري عيدا وصلوا على أينما كنتم فإن صلاتكم تبلغني فما أنت ورجل بالأندلس منه إلا سواء . ولما كره الصحابة أن يتخذ قبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم مسجدا دفنوه في حجرة عائشة بخلاف ما اعتادوه من الدفن في الصحراء لئلا يصلى أحد على قبره ويتخذه مسجدا فيتخذ قبره وثنا . ولما كانت الحجرة النبوية منفصلة عن المسجد إلى زمن الوليد بن عبد الملك كان الصحابة والتابعون لا يدخل أحد منهم لا لصلاة هناك ولا لتمسح بالقبر ولا دعاء هناك بل هذا جميهع إنما يفعلونه في المسجد وكان السلف من الصحابة والتابعين إذا سلموا عليه أو أرادوا الدعاء دعوا مستقبليه القبلة ما لم يستقبل القبر وقال أكثر الأئمة بل يستقبل القبر عند السلام خاصة ولم يقل أحد من الإئمة أنه كان يستقبل القبر ند الدعاء الأحكاية مكذوبة تروى عن مالك ومذهبه بخلافها واتفق اللإئمة على أنه لا يتمسح بقبر صلى الله عليه وآله وسلم ولا قال طائفة من السلف في قوله تعالى { وقالوا لا تذرن إلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا } قال هؤلاء كانوا قوما صالحين في قوم نوح فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا على شصورهم تماثيل ثم طال عليهم الأبد فعبدوها من وضع الأحاديث في السفر لزيتارة المشاهد التي على القبور أهل البدع الرافضة ونحوهم الذين يعطلون المساجد ويعظمون المشاهد يشرك فيها ويكذب فيها ويبتدع فيها دين لم ينزل الله به سلطانا فإن الكتاب والسنة إنما فيهما ذكر المساجد دون المشاهد والله أعلم اه من الفتاوى ببعض تصرف وهذا كله في شد الرجال وأما الزيارة فمشروعة بدونه (5/156)
أبواب الهدايا والضحايا (5/156)
باب في إشعار البدن وتقليد الهدي كله (5/157)
1 - عن ابن عباس " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صلى الظهر بذي الحليفة ثم دعا ناقته فأشعرها في صفحة سنامها الأيمن وسلن الدم عنها وقلدها نعلين ثم ركب راحلته فلما استوت به على البيداء أهل بالحج "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود والنسائي (5/157)
2 - وعن المسور بن مخرمة ومروان " قالا خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم من المدينة في بضع عشرة مائة من أصحابه حتى إذا كانوا بذي الحليفة قلد النبي صلى الله عليه وآله وسلم الهدى وأشعره وأحرم بالعمرة "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود (5/157)
3 - وعن عائشة قالت " فتلت قلائد بدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثم أشعرها وقلدها ثم بعث بها إلى البيت فما حرم عليه شيء كان له حلال "
- متفق عليه (5/158)
4 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهدى مرة إلى البيت غنما فقلدها "
- رواه الجماعة (5/158)
- قوله " فأشعرها " الإشعار هو أن يكشط جلد البدنة حتى يسيل دم ثم يسلته فيكون ذلك علامة على كونها هدايا وبكون ذكل في صفحة سنامها الأيمن وقد ذهب إلى مشروعيته الجمهور من السلف والخلف وروى الطحاوي عن أبي حنيفة كراهته والاحاديث ترد عليه وقد خالف الناس في ذلك حتى خالفه صاحبه أبو يوسف ومحمد واحتج على الكراهة بأنه من المثلة . وأجاب الخطابي بمنع كونه منها بل هو باب آخر كالكي وشق أذن الحيوان فيصير علامة وغير ذلك من الوسم وكالختان والحجامة انتهى . على أنه لو كان على المثلة لكان ما فيه من الأحاديث مخصصا له من عموم النهي عنها . وقد روى الترمذي عن النخعي أنه قال بكراهة الإشعار وبهذا يتعقب على الخطابي وابن حزم في جزمهما بأنه لم يقل بالكراهة أحد غير أبي حنيفة : قوله " وقلدها نعلين " فيه دليل على مشروعية تقليد الهدى وبه قال الجمهور قال ابن المنذر أنكر مالك وأصحاب الرأي التقليد للغنم زاد غيره وكأنه لم يبلغهم الحديث انتهى واحتجوا على عدم المشروعية بأنها تضعف عن التقليد وهي حجة أو هي من بيوت العنكبوت فإن مجرد تعليق القلادة مما لا يضعف به الهدي وأيضا أن فرض ضعفها عن بعض القلائد قلدت بما لا يضعفها وأيضا قد وردت السنة بالإشعار وهو لا يترك لكونه مظنة للضعف فيكون بترك ما ليس بمظنة لذلك مع ورود السنة به ( قيل الحكمة ) في تقليد الهدى النعل أن فيه إشارة إلى السفر والجد فيه وقال ابن المنير الحكمة فيه أن العرب تعد النعل مركوبة لكونها تقي صاحبها وتحمل عنه وعر الطريق فكأن الذي أهدى خرج عن مركوبه لله تعالى حيوانا وغيره كما خرج حين أحرم عن ملبوسه ومن ثم استحب تقليد نعلين لا واحدة وقد اشترط الثوري ذلك وقال غيره تجزيء الواحدة وقال آخرون لا تتعين النعل بل كل ما قام مقامها أجزأ . قوله " فتلت قلائد بدون رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " زاد البخاري في رواية عهن كان عندي وفيه رد على من كره القلائد من الأوبار واختار من نبات الأرض وهو منقول عن ربيعة ومالك وقد ترجم البخاري على هذا الحديث باب القلائد عن العهن وهو الصوف . قوله " ثم بعث بها إلى البيت " المهدي له حالان إما أن يقصد النسك ويسوق الهدي معه فيكون التقليد والإشعار عند الإحرام وأما أن يبعث بها ويقيم فيكونان عند البعث بها من المكان الذي هو مقيم به كما في هذا الحديث ولا يحرم عليه بعد البعث بها ما يحرم على المحرم لقولها فما حرم عليه شيء كان له حلا : قوله " غنما فقلدها " فيه دليل على الجواز ان يكون الهدى من الغنم وهو يرد على الحنفية ومن وافقهم ان الهدى لا يجزئ من الغنم ويرد على مالك ومن وافقه حيث قال ان الغنم لا تقلد (5/158)
باب النهي عن ابدال الهدى المعين (5/159)
1 - ان ابن عمر قال " أهدى عمر نجيبا فاعطى بها ثلثمائة دينار فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال يا رسول الله اني أهديت نجيبا ثلثمائة دينار فأبيعها واشتري بثمنها بدنا قال لا انحرها اياها "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه (5/159)
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان وابن خزيمة في صحيحهما : قوله " نجيبا " النجيب والنجيبة الناقة والجمع نجائب . وفي النهاية النجيب الفاضل من كل حيوان والحديث يدل على أنه لا يجوز بيع الهدى لإبدال مثله أو أفضل ثم قال وقد تكررفي الحديث ذكر النجيب من الإبل مفردا ومجموعا وهو القوي منها الخفيف السريع انتهى . وقد جوزت الهادوية ذلك وأجاب صاحب البحر عن حديث الباب بأنه حكاية فعل لا يعلم وجهها فيحتمل أنه صلى الله عليه وآله وسلم رأى نجيبه أفضل و لا يخفي ان رد السنن الفعلية بمثل هذا يستلزم رد أكثر أفعاله يستلزم رد مالا يعلم وجهه من أقوال فيقضي ذلك إلى رد أكثر السنة باطل مخالف للآيات القرأنية القاضية باتباع الرسول والتأمي به والأخذ بما أتى به لانها لم تفرق بين ما علم وجهه وما جهل فمن ادعى العلم فعليه الدليل على ان هذه المقالة قد صارت عصي يتوكأ بها من رام صيانة مذهبه إذا خالفت الثابت من فعله صلى الله عليه وآله وسلم وان كان له وجه أوضح من الشمس ثم انهم يحتجون بأفعاله إذوافقت المذاهب و لا يقيدون الاحتجاج بمثل هذا القيد وما أكثر هذا الصنع في تصرفاتهم لمن اتبع فليأخذ المنصف من ذلك حذره فإن المعذرة الباردة في طرح سنة صحيحة مما ينفق عند اللله و لاسيما إذا كان ذلك لقصد الذب عن محض الرأي . وأما الاحتجاج على الجواز باشراكه صلى الله عليه وآله وسلم عليا عليه السلام في هديه وتصرفه عن العمرة إلى الإحصار فخارج عن محل النزاع لأن ذلك تصرف لا يخرج العين عن كونها ولا يبطل به الحق الذي قد تعلق بها للمصرف وأيضا صحة الاحتجاج بالأشتراك متوقفة على معرفة صلى الله عليه وآله وسلم ساق جميع الهدى الذي أشك علي فيه عن نفسه وهو ممنوع والسند أنه لم يقلد ويشعر من ذلك الهدى الذي وقع فيه الإشراك الاناقة واحدة وأيضا ثبت أنه كان يسوق عن أهله جميعا وعلي عليه السلام منهم نعم ان صح ما إدعاه صاحب ضوء النهار من الاجماع على جواز بدال الأدون بأفضل كان حجة عند من يرى حجية الاجماع على جواز مجرد الإبدال بالأفضل ولكنه ينبغي ان يبحث عن صحة ذلك فأن الشفعي وبعض الحنفية قد احتجوا بالحديث على المنع من مطلق التصرف ولو كان للابدال بأفضل كما حكاه صاحب البحر وأما دعوى أن الواحد النجيب أظهر في تعظيم الشعائر من غيرها وإن كان كثيرا فممنوع والسند ظاهر (5/159)
باب أن البدنة من الأبل والبقر عن سبع شياه وبالعكس (5/160)
1 - عن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتاه رجل فقال إن على بدنة وأنا موسر ولا أجدها فاشتريها فأمره صلى الله عليه وآله وسلم أن يبتاع سبع شياه فيذبحهن "
- رواه أحمد وابن ماجه (5/160)
2 - وعن جابر " قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نشترك في الأبل والبقر كل سبعة منا في بدنة "
- متفق عليه . وفي لفظ قال " لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اشتركوا في الأبل والبقر كل سبعة في بدنة " رواه البرقاني على شرط الصحيحين . وفي رواية قال " اشتركنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحج والعمرة كل سبعة منا في بدنة فقال رجل لجابر ايشترك في البقر ما يشترك في الجزور فقال ما هي إلا من البدن " رواه مسلم (5/160)
3 - وعن حذيفة قال " شرك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجته بين المسلمين في البقرة عن سبعة "
- رواه أحمد . وعن ابن عباس قال " كنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفر فحضر الأضحى فذبحنا البقر عن سبعة والبعير عن عشرة " رواه الخمسة إلا أبا داود (5/161)
- حديث ابن عباس الأول سياق إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا محمد بن عمر حدثنا محمد بن بكر البرساني قال أخبرنا ابن جريج قال قال عطاء الخرساني عن ابن عباس فذكره ورجاله رجال الصحيح ولكن عطاء لم يسمع من ابن عباس ويشهد لصحته ما في صحيح مسلم من حديث جابر " قال نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عام الحديبية البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة " وهو يشهد أيضا لحديث حذيفة المذكور وقد أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رواه أحمد ورجاله ثقات . وحديث ابن عباس الثاني حسنه الترمذي ويشهد له مافي الصحيحين من حديث رافع بن خديج أنه صلى الله عليه وآله وسلم قسم فعدل عشرا من الغنم ببعير : قوله " سبع شياه " وكذا قوله " كل سبعة منا في بدنة " استدل به من قال عدل البدنة سبع شياه وهو قول الجمهور وادعى الطحاوي وابن رشد أنه إجماع ويجاب عنهما بأن الخلاف في ذلك مشهور حكاه الترمذي في سننه عن إسحاق بن راهويه . وكذا في الفتح وقال هو إحدى الروايتين عن سعيد بن المسيب وإليه ذهب ابن خزيمة واحتج له في صحيحه وقواه واحتج له ابن حزم بحديث رافع المتقدم وحكاه في البحر عن العترة وزفر واحتجوا بحديث ابن عباس الثاني المذكور في الباب ويجاب عنه بأنه خارج عن محل النزاع لانه في الاضحية فأن قالوا يقاس الهدى عليها قلنا هوقياس فاسد الاعتبار لمصادمته النصوص واحتجوا أيضا بحديث رافع ويجاب عنه أيضا بمثا هذا الجواب لان ذلك التعديل كان في القسمة وهي غير محل النزاع ويؤيد كون البدنة عن سبعة فقط أمره صلى الله عليه وآله وسلم لمن لم يجد البدنه ان يشتري سبعا فقط ولو كانت تعدل عشرا لأمره بأخراج عشر لان تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز . وظاهر أحاديث الباب جواز الاشتراك في الهدى وهو قول الجمهور من غير فرق بين أن يكون المشتركون مفترضون أو متطوعين أو بعضهم مفترضا وبعضهم متنفلا أو مريدا للحم . وقال أبو حنيفة يشترط في الاشتراك أن يكونوا كلهم متقربين ومثله عن زفر بزيادة أن تكون أسبابهم واحدة . وعن الهادوية بشرط أن يكونوا مفترضين . وعن داود وبعض المالكية يجوز في هدى التطوع دون الواجب . وعن مالك لا يجوز مطلقا وروي عن ابن عمر ذلك ولكنه روى عنه أحمد ما يدل على الرجوع : قوله " ما هي إلا من البدن " يعني البقرة فيه دليل على أنه يطلق على البقرة أنها من البدن . وفي النعاية البدنة تقع على الجمل والناقة والبقرة هي بالإبل أشبه . وفي القاموس والبدنة محركة من الإبل والبقرة . وفي الفتح أن أصل البدن من الإبل والحقت بها البقر شرعا وحكى في البحر عن الهادي والشافعي والمؤيد بالله ان البدنة تختص بالإبل وعن أبي حنيفة وأصحابه والناصر أنها تطلق على البقر وعن بعض أصحاب الشافعي أنها تطلق على الشاة قال ولا وجه له وحكى فيه أيضا أن البقرة عن سبعة والشاة عن واحد إجماعا . قوله " والبعير عن عشرة " فيه دليل على أن البدنة تجزئ في الأضحية عن عشرة وسيأتي الكلام على ذلك (5/161)
باب ركوب الهدي (5/161)
1 - عن أنس قال " رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلا يسوق البدنة فقال أركبها فقال أنها بدنة قال إركبها قال نها بدنة قال إركبها ثلاثا "
- متفق عليه : ولهم من حديث أبي هريرة نحوه (5/162)
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى رجلا يسوق بدنة قد أجهده المشي فقال إركبها قال إنها بدنة قال إركبها وإن كانت بدنة "
- رواه أحمد والنسائي (5/162)
3 - وعن جابر " أنه سئل عن ركوب الهدي فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إركبها بالمعروف إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهرا "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (5/162)
4 - وعن علي عليه السلام " أنه سئل يركب الرجل هديه فقال لا بأس به قد كان النبي الله صلى الله عليه وآله وسلم يمر بالرجال يمشون فيأمرهم بركوب هديه قال لا تتبعون شيئا أفضل من سنة نبيكم صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد (5/163)
- حديث أنس الثاني أخرجه أيضا الجوزقي من طري حميد عن ثابت عن أنس وأبو يعلى من طريق الحسن عن أنس وزاد حافيا وهو عند النسائي من طريق شعبة عن قتادة عن أنس وضعف هذه الطرق الحافظ في الفتح . وحديث علي عليه السلام . قال في الفتح أيضا إسناده صالح وقال في مجمع الزوائد في إسناده محمد بن عبيد الله بن أبي رافع وثقه ابن حبان وضعفه جماعة . وحديث أبي هريرة الذي أشار إليه المصنف لفظه لفظ حديث أنس ولكنه زاد في آخره " اركبها ويلك " قوله " رأى رجلا " قال الحافظ لم أقف على إسمه بعد طول البحث . قوله " يسوق بدنة " في رواية لمسلم مقلدة وكذا في رواية للبخاري وله أيضا من طريق أبي هريرة " فلقد رأيته راكبها يساير النبي صلى الله عليه وآله وسلم والنعل في عنقها " قوله " إنها بدنة " أراد أنها بدنة مهداة إلى البيت الحرام ولو كان مراده الإخبار عن كونها بدنة لم يكن الجواب مفيد الآن كونها من الإبل معلوم فالظاهر أن الرجل ظن أنه خفي على النبي صلى الله عليه وآله وسلم كونها هديا فقال أنها بدنة . قال في الفتح والحق أنه لم يخف ذلك عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لكونها كانت مقلدة ولهذا قال لما زاد في مراجعته ويلك ( وأحاديث الباب ) تدل على جواز ركوب الهدى من غير فرق بين ما كان منه واجبا أو تطوعا لتركه صلى الله عليه وآله وسلم للاستفصال وبه قال عروة بن الزبير ونسبه ابن المنذر إلى أحمد وإسحاق وبه قال أهل الظاهر وجزم به النووي وجماعة من أصحاب الشافعي كالقفال والماوردي وحكى ابن عبد البر عن الشافعي ومالك وأبي حنيفة وأكثر الفقهاء كراهة ركوبه لغير حاجة وحكاه الترمذي أيضا عن أحمد وإسحاق والشافعي وقيد الجواز بعض الحنفية بالاضطرار ونقله بن أبي شيبة عن الشعبي وحكى ابن منذر عن الشافعي أنه يركب إذا اضطر ركوب غير فادح وحكى ابن العربي عن مالك أنه يركب للضرورة فإذا استراح نزل يعني إذا انتهت ضرورته والدليل على اعتبار الضرورة ما في حديث جابر المذكور في الباب من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إركبها بالمعروف إذا لجئت إليها " ونقل ابن العربي عن أبي حنيفة أنه لا يجوز ركوب الهدي مطلقا وكذا نقله المهدي في البح عنه ولكن نقل عن الطحاوي الجواز منع الحاجة ويضمن ما نقص منها بالركوب والطحاوي أقعد بمعرفة مذهب أمامه فقد وافق أبا حنيفة الشافعي على ضمان النقص في الهدي الواجب . ونقل ابن عبد البر عن بعض أهل الظاهر وجوب الركوب تمسكا بظاهر الإمام ولمخالفة ما كانوا عليه في الجاهلية من البحيرة والسائبة ورده بأن الذين ساقوا الهدي في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا كثيرا ولم يأمرأحد منهم بذلك انتهى . فتعقبه الحافظ بحديث علي عليه السلام المذكور في الباب قال وله شاهد مرسل عند سعيد بن منصور بإسناد صحيح رواه أبو داود في المراسيل عن عطاء قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر بالهدي إذا احتاج إليها سيدها أن يحمل عليها أو يركبها غير منهكها ( واختلف ) من أجاز الركوب هل يجوز أن يحمل عليها متاعه فمنعه مالك وأجازه الجمهور وهل يحمل عليها غيره أجازه الجمهور أيضا على التفصيل المتقدم ونقل عياض الإجماع على أ ه لا يؤجرها واختلفوا أيضا في اللبن إذا أحتلب منه شيئا فعند العترة والشافعية والحنفية يتصدق به فإن أكله تصدق بثمنه وقال مالك لا يشرب من لبنه فإن شرب لم يغرم (5/163)
باب الهدى يعطب قبل المحل (5/163)
1 - عن أبي قبيصة ذوئب بن حلحلة قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يبعث معه بالبدن ثم يقول ان عطب منها شيء فخشيت عليها موتا فانحرها ثم اغمس نعلها في دمها ثم اضرب به صفحتها ولا تطعمها أنت ولا أحد من أهل رفقتك "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه (5/164)
2 - وعن ناجية الخزاعي وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " قلت كيف أصنع بما عطب من البدن قال انحره وأغمس نعله في دمه واضرب صفحته وخل بين الناس وبينه فليأكلوه "
- رواه الخمسة إلا النسائي (5/164)
3 - وعن هشام بن عروة عن أبيه " ان صاحب هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا رسول الله كيف أصنع بما عطب من الهدى فقال كل بدنة عطبت من الهدى فانحرها ثم ألق قلائدها في دمها ثم خل بين الناس وبينها يأكلوها "
- رواه مالك في الموطأ عنه (5/164)
- حديث ناجية قال الترمذي حسن صحيح قال والعمل على هذا عند أهل العلم في هدء التطوع إذا عطب لا يأكل هو ولا أحد من أهل زفقته ويخلى بينه وبين الناس يأكلونه وقد أجزأ عنه وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وقالوا ان أكل منه شيئا غرم بقدر ما أكل منه انتهى . قوله " ثم اغمس نعلها " الخ إنما يفعل ذلك لأجل أن يعلم من مر به انه هدى فيأكله . قوله " من أهل رفقتك " قال النووي وفي المراد بالرفقة وجهان لاصحابنا أحدهما أنهم الذي يخالطون المهدي في الاب وغيره دون باقي القافلة والثاني وهو الأصح الذي يقتضيه ظاهر نص الشافعي وجمهور اصحابه ان المراد بالرفقة جميع القافلة لان السبب لذي منعت به الرفقة هو خوف تعطيبهم إياه وهذا موجود في جميع القافلة ( فإن قيل ) إذا لم تجوز والأهل القافلة أكله وقلتم بتركه في البرية كان طعمة للسباع وهذا اضاعة مال قلنا ليس فيه أضاعة بل العادة الغالبة ان سكان البوادي يتتبعون منازل الحجيج لالتقاط ساقطة ونحو ذلك وقد تأتي قافلة في أثر قافلة والرفقة بضم الراء وكسرها لغتان مشهورتان . قوله " وخل بين الناس وبينه " هذا مقيد بمن عدا المالك والرفقة كما في الحديث الأول . قوله " ان صاحب هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " هو ناجية الخزاعي المذكور سابقا وظاهر أحاديث الباب أن الهدى إذا عطب جاز نحره والتخلية بينه وبين الناس يأكلونه غير الرفقة قطعا للذريعة وهي أن يتوصل بعضهم إلى نحره قبل أوانه والظاهر عدم الفرق بين هدى التطوع والفرض وخصصه من تقدم بهدى التطوع ولعل الوجه في ذلك ان الهدى الذي هو السبب هو هدى النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي بعث به وهو هدى تطوع قال النووي ولا يجوز للأغنياء الأكل منه . مطلقا لأن الهدي مستحق للمساكين فلا يجوز لغيرهم انتهى . وقد اختلفت الروايات في مقدار البدن التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففي رواية من حديث ابن عباس عند مسلم أنها ست عشرة بدنة . وفي رواية أخرى أنها ثماني عشرة ويمكن الجمع بتعدد القصة أو يصار إلى ترجيح الرواية المشتملة على الزيادة ان كانت القصة واحدة (5/165)
باب الأكل من دم التمتع والقران والتطوع (5/165)
1 - في صفة حديث جابر " حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ثم انصرف إلى المنحر ثلاثا وستين بدنه بيده ثم اعطي عليا عليه السلام فنحر ماغير وأشركه في هديه ثم أمر من كل بدنة ببضعة فجعلت في قدر فطبخت فأكلا من لحمها وشربا من مرقها "
- رواه أحمد ومسلم (5/165)
2 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حج ثلاث حجج حجتين قبل أن يهاجر وحجة بعد ما هاجر ومعها عمرة فساق ثلاثا وثلاثين بدنة وجاء علي عليه السلام من اليمن ببقيتها فيها جمل لأبي لهب في أنفه برة من فضة فنحرها وأمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كل بدنة ببضعة فطبخت وشرب من مرقها "
- رواه الترمذي وابن ماجه . وقال فيه " جمل لابي جهل " (5/166)
3 - وعن عائشة رضي الله عنها قالت " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لخمس بقين من ذي القعدة ولا نرى إلا الحج فلما دنونا من مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من لم يكن معه هدي إذا طاف وسعى بين الصفا والمروة أن يحل قالت فدخل علينا يوم النحر بلحم بقر فقلت ماهذا فقيل نحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أزواجه "
- متفق عليه . وهو دليل على الأكل من دم القران لأن عائشة كانت قارنة (5/166)
- حديث جابر الثاني رواه الترمذي من طريق عبد الله بن أبي زياد الكوفي في زيد بن حبان عن سفيان عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جابر . وقال هذا حديث غريب من حديث سفيان لا نعرفه الا من حديث زيد بن حبان ورأيت عبد الله ابن عبد الرحمن روى هذا الحديث في كتبه عن عبد الله ابن أبي زياد قال وسألت محمدا عن هذا فلم يعرفه من حديث الثوري عن جعفر عن أبيه عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ورأيته لا يعد هذا الحديث محفوظا . وقال إنما يروي عن الثوري عن أبي إسحاق عن مجاهد مرسل ثم قال حدثنا إسحاق بن منصور حدثنا حبان بن هلال حدثنا همام حدثنا قتادة قلت لانس " كم حج النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال حجة واحجة واعتمر أربع عمر " ثم قال هذا حديث حسن صحيح وحبان بن هلال هو أبو حبيب البصري وثقه يحيى بن سعيد القطان . قوله " فنحر ثلاثا وستين بدنة بيده " في مسند أحمد وسنن أبي داود " أنه صلى الله عليه وآله وسلم نحر ثلاثين بيده وأمره عليها فنحر سائرها " وقد قدمنا الترجيح بين الروايتين : قوله " وأشركه " ظاهره أنه اشركه في نفس الهدى قال القاضي عياض وعندي أنه لم يكن شريكا حقيقة بل أعطاه قدرا يذبحه قال والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر البدن التي جاءت معه من المدينة وكانت ثلاثا وستين كما جاء في رواية الترمذي وأعطى عليا عليه السلام البدن التي جاءت معه من اليمن وهو تمام المائة . قوله " ببضعة " بفتح الباء لاغير وهي القطعة من اللحم . قوله " برة " بضم الباء وفتح الراء مخففة وهي حلقة تجعل في أنفي البعير . قوله " ولانرى إلا الحج " بضم النون أي نظن . قوله " بلحم بقر " قد استدل بهذه الأحاديث على أنه يجوز الأكل للمهد من الهدى الذي يسوقه قال النووي وأجمع العلماء على أن الاكل من هدى التطوع وأضحيته سنة انتهى . والظاهر أن يجوز الاكل منالهدي من غير فرق ما كان تطوعا وما كان فرضا لعموم قوله تعالى { فكوا منا } ولم يفصل التمسك بالقياس على الزكاة في عدم جواز الأكل من الهدى الواجب لا ينتهض لتخصيص هذا العموم لان شرع الزكاة لمواساة الفقراء إلى المالك اخراج لها عن موضوعها وليس شرع الدماء كذلك لأنها اما الجبر نقص أو لمجرد التبرع فلا قياس مع الفارق فلا تخصيص : قوله " لان عائشة كانت قارنة " قد اختلف فيما احرمت به عائشة أولا فقيل أنها عمرة مفردة لما ثبت عنها في الصحيح انها قالت فكنت ممن أهل بعمرة . وقيل انها احرمت بالحج أولا وكانت مفردة لما ثبت عنها في الصحيح " خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا نرى إلا أنه الحج " وقد اطال ابن القيم الكلام على هذا وبين الراجح من القولين ودليل من قال أنها كانت قارنة الحديث المتقدم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها يسعك غير قارنة لما ثبت في الصحيحين " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها وأهلي بالحج ودعى العمرة " وأجاب الجمهور بأنها لم ترفض العمرة لما في صحيح مسلم عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لها بعد أن أمرها أن تهل بالحج ففعلت ووقفت المواقف كلها حتى إذا طهرت طافت بالكعبة وبالصفا والمروة " وكذلك قوله " يسعك طوافك لحجك وعمرتك " وقد قدمنا تأويل قوله دعى العمرة وقد استدل بقول عائشة المذكور " نحر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أزواجه " أن البقرة تجزى عن أكثر من سبعة وقد ثبت في رواية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر عن أزواجه بقرة " أخرجها النسائي وأبو داود وغيرهما وكذا في صحيح مسلم والظاهر أنه لم يتخلف أحد من زوجاته يومئذ وهن تسع ولكن لا يخفى ان مجرد هذا الظاهر لا تعارض به الأحاديث الصريحة الصحيحة السالفة المجمع على مدلولها (5/166)
باب أن من بعث بهدى لم يحرم عليه شيء بذلك (5/167)
1 - عن عائشة قالت " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يهدي من المدينة فافتل قلائد هديه ثم لا يجتنب شيئا مما يجتنب المحرم "
- رواه الجماعة . وفي رواية " ان زياد بن أبي سفيان كتب إلى عائشة ان عبد الله بن عباس قال من أهدى هديا حرم عليه ما يحرم على الحاج حتى ينحر هديه فقالت عائشة ليس كما قال ابن عباس أنا فعلت قلائد هدى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيدي ثم قلدها بيده ثم بعث بها مع أبي فلم يحرم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيء أحله الله له حتى نحر الهدى " اخرجاه (5/167)
- قوله " ان زياد بن أبي سفيان وقع التحديث بهذا في زمن بني أمية وأما بعدهم فما كان يقال له إلا زياد بن أبيه وقبل استلحاق معاوية له كان يقال له زياد بن عبيد وكانت امه سمية مولاة الحرث بن كلدة الثقفي وهي تحت عبيد المذكور فولدت زيادا على فراشه فكان ينسب إليه فلما كان أيام معاوية شهد جماعة على إقرار أبي سفيان بان زيادا ولده فاستلحقه معاوية بذلك وخالف الحديث الصحيح " أن الولد للفراش وللعاهر الحج " وذلك لغرض دنيوين وقد انكر هذه الواقعة على معاوية من انكرها حتى قيلت فيها الاشعار منها قول القائل
ألا بلغ معاوية بن حرب مغلغلة من الرجل اليماني
أتغضب أن يقال أبوك عف وترضى أن يقال ابوك زاني
وقد أجمع أهل العلم على تحريم نسبته إلى أبي سفيان وماوقع من أهل العلم في زمان بني أمية هوتقية وذكر أهل الأمهات نسبته إلى أبي سفيان في كتبهم مع كونهم لم يألفوها إلا بعد انقراض عصر بني أمية محافظة منهم على الألفاظ التي وقعت من الرواة في ذلك الزمان كما هو دأبهم . وقد وقع في صحيح مسلم ابن زياد مكان زياد وهو وهم نبه عليه الغساني ومن تبعه والصواب زياد . وكذا قال النووي وجميع من تكلم على صحيح مسلم . قوله " بيدي " فيه دفع التجوز بأن يظن ان الفتل وقع باذنها لو قالت فتلت فقط : قوله " مع أبي " بفتح الهمزة وكسر الموحدة الخفيفة يعني أبا بكر الصديق رضي الله عنه واستفيد من ذلك ان وقت البعث كان في سنة تسع عام حجة أبي بكر بالناس ( وقد استدل ) بالحديثين على انه لا يحرم على من بعث بهدي شيء من الأمور التي تحل له وبه قال الجمهور . قال ابن عبد البر خالف ابن عباس في هذا جميع الفقهاء وتعقب بأنه قد قال بمقالته جماعة من الصحابة كانب عمر رواه عنه ابن أبي شيبة وابن المنذر وقيس بن سعد رواه عنه سعيد بن منصور وابن المنذر أيضا وعلي عليه السلام وعمر رضي الله عنه رواه عنهما ابن أبي شيبة وابن المنذر أيضا . ومن غير الصحابة النخعي وعطاء وابن سيرين وآخرون كما قال ابن المنذر ونقل الخطابي عن أصحاب الرأي مثل قول ابن عباس وهو خطأ عنهم ما قال الحافظ وإلى مثل قول ابن عباس ذهبت الهادوية وليس في قول ابن عباس ولا قول غيره من الصحابة حجة ولاسيما إذا عارض الثابت عنه صلى الله عليه وآله وسلم نعم احتجوا بما أخرجه أحمد والطحاوي والبزار من حديث جابر قال " كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقد قميصه من جيبه حتى أخرجه من رجليه وقال أني أمرت ببدني التي بعثت بها أن تقلد اليوم وتشعر على مكان كذا فليست فميصي ونسيت فلم أكن لأخرج قميصي من رأسي " قال في الفتح وهذا لا حجة فيه لضعف إسناده ويجاب عنه بأنه قال في مجمع الزوائد بعد أن ذكره رجال أحمد ثقات وذكره من طريق أخرى وقال رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح وإنما قال هكذا لان أحمد رواه عن عبد الرحمن بن عطاء أنه سمع ابني جابر يحدثان عن أبيهما فذكره . وعبد الرحمن وثقه النسائي وقواه أبو حاتم . وقال البخاري فيه نظر وبهذا يرد على المقبلي حيث قال إن هذا الحديث أخرجه ابن النجار وغالب أحاديثه الضعف والظاهر أنه لا أصل لهذا الحديث انتهى . وقد أخرج النسائي من حديث جابر أنهم كانوا إذا كانوا حاضرين مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعث الهدى فمن شاء أحرم ومن شاء ترك هكذا في جامع الأصول وبه يحصل الجمع بين الأحاديث (5/167)
باب الحث على الأضحية (5/168)
1 - عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " ماعمل ابن آدم يوم النحر عملا أحب إلى الله من هرافة دم وأنه لتأتي يوم القيامة بقرونها وأظلافها وأشعارها وان الدم ليقع من الله عز و جل بمكان قبل أن يقع على الأرض فطيبوا بها نفسا "
- رواه ابن ماجه والترمذي وقال هذا حديث حسن غريب (5/168)
2 - وعن زيد بن أرقم قلت " أوقالوا يا رسول الله ماهذه الأضاحي قال سنة أبيكم إبراهيم قالوا مالنا منا قال بكل شعرة حسنة قالوا فالصوف قال بكل شعرة من الصوف حسنة "
- رواه أحمد وابن ماجه (5/168)
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا "
- رواه أحمد وابن ماجه (5/169)
4 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أنفقت الورق في شئ أفضل من نحيره في يوم عيد " رواه الدار قطني (5/169)
- حديث عائشة رواه الترمذي عن ابن عمر ومسام بن عمر والحذاء المديني عن عبد الله بن نافع الصائغ عن ابن المثنى عن هشام بن عروة عن أبيه عنها . وقال بعد ان أذكر أن هذا الحديث حسن غريب أنه لا يعرف من حديث هشام بن عروة من هذا الوجه . وحدبث زيد بن أرقم أخرجه أيضا الترمذي فقال ويروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال في الأضحية لصاحبها بكل شعرة حسنة ويروى بقرونها انتهى وحديث أبي هريرة صححه الحاكم قال الحافظ في بلوغ المرام لكن رجح الأئمة غيره وقفه . وقال في الفتح رجاله ثقات لكن اختلف في رفعه ووقفه والموقوف أشبه بالصواب قاله الطحاوي وغيره ( وفي الباب ) عن أبي سعيد عند الحاكم " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لفاطمة رضي الله عنها قومي إلى ضحيتك فاشهد بها فإنه بأول قطرة منها يغفر لك ما سلف من ذنوبك " ؤفي إسناده عطية . وقال ابن أبي حاتم في العلل عن أبيه أنه حديث منكر . وعن عمران بن حصين عند الحاكم أيضا مثل حديث أبي سعيد وفي إسناده أبو حمزة الثمالي وهو ضعيف جدا . وعلي رضي الله عنه عند الحاكم والبيهقي مثله وفي إسناده عمرو بن خالد الواسطى وهو متروك . وعن علي رضي الله عنه ايضا من طريق أبي داود النخفى عن علي عنه ايضا من طريق أبي داود النخفى عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن جده عند الطبراني بلفظ " من ضحية طيبة بها نفسه محتسبا بأضحيته كانت له حجابا من النار " وأبو داود النخفي كذاب قال أحمد كان يضع الحديث . قوله " ما هذه الأضاحي " هي جمع أضحية قال الجوهري قال الأصمعي فيها أربع لغات أضحة بضم الهمزة وكسرها وجمعها أضاحي بتشديد الياء وتخفيفها واللغة الثالثة ضحية وجمعها أضاحي والرابعة أضحاة بفتح الهمزة والجمع أضحى كأرطاة وأرطى وبها سمي يوم الأضحى . قال القاضي وقيل سميت بذلك لأنها تغفل في الضحى وهو ارتفاع النهار . قال النووي وفي الأضحى لغتان التذكير لغة قيس والتأنيث لغة تميم : قوله " فلا يقربن مصلانا " هذا الحديث من جملة ما استدل به القائلون بوجوب الضحية وسيأتي الكلام على ذلك ( وأحاديث الباب ) تدل على مشروعية الضحية ولا خلاف في ذلك كما في البحر وأنها أحب الأعمال إلى الله يوم النحر وأنها تأتي يوم القيامة على الصفة التي ذبحت عليها ويقع دمها بمكان من القبول قبل أن يقع على الأرض وانها سنة إبراهيم لقوله تعالى { وفديناه بذبح عظيم } وأن للمضحي بكل شعرة من شعرات أضحيته حسنة وأنه يكره لمن كان ذا سعة تركها وأن الدراهم لم تنفق في عمل صالح افضل من الأضحية ولكن إذا وقعت لقصد التسنن وتجردت عن المقاصد الفاسدة وكانت على الوجه المطابق للحكمة في شرعها وسيأتي إن شاء الله تعالى (5/169)
باب ما احتج به في عدم وجوبها بتضحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته (5/170)
1 - عن جابر قال " صليت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عيد الأضحى فلما انصرف اتى بكبش فذبحه فقال بسم الله والله أكبر اللهم هذا عني وعمن لم يضحي لم يضحي من أمتي "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي (5/170)
2 - وعن علي بن الحسين عن أبي رافع " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ضحى اشترى كبشين سمينين أو قرنين أو ملحين فإذا صلى وخطب الناس أتى باحدهما وهو قائم في مصلاه فذبحه بنفسه بالمدية ثم بقول اللهم هذا عن أمتي جميعا من شهد لك بالتوحيد وشهد لي بالبلاغ ثم يؤتى بالأخر فيذبحه بنفسه ويقول هذا عن محمد وآل محمد فيطعمهما جميعا المساكين ويأكل هو وأهله منهما فمكثنا سنين ليس لرجل من بني هاشم يضحي قد كفاه الله المؤنة برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والغرم "
- رواه أحمد (5/170)
- الحديث الأول قال الترمذي هذا الحديث غريب من هذا الوجه وقال المطلب بن عبد الله بن حنطب يقال أنه لم يسمع من جابر . وقال أبو حاتم الرازي يشبه أن يكون أدركه . والحديث الثاني سكت عنه الحافظ في التلخيص وأخرجه أيضا الطبراني في الكبير والبزار قال في مجمع الزوائد وإسناد أحمد والبزار حسن . وأخرج نحوه أحمد أيضا وابن ماجه والحاكم والبيهقي من حديث أبو هريرة وسيأتي في باب التضحية بالخصى : قوله " أملحين " الأملح هو الأبيض الخالص قال ابن الأعرابي وقال الأصمعي هو الأبيض المشوب بشيء من السواد وقال أبو حاتم هو الذي يخالط بياضه حمرة وقيل الأسود الذي يعلوه حمرة . وقال الكسائي هو الذي فيه بياض وسواد والبياض أكثر وقال الخطابي هو الأبيض الذي في خلل صوفه طبقات سود : قوله " أقرنين " قال النووي أي لكل واحد منهما قرنان حسنان وفيه دليل على استحباب التضحية بالأملح الأقرن . قال النووي وأجمع العلماء على جواز التضحية بالأجم وهو الذي لم يخلق الله له قرنين وأما المكسور فسيأتي الكلام فيه ( والحديثان ) يدلان على أنه يجوز للرجل أن يضحي عنه وعن أتباعه وأهله ويشركهم معه في الثواب وبه قال الجمهور وكرهه الثوري وأبو حنيفة وأصحابه والحديثان يردان عليهم . وقد أخرج مسلم من حديث انس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " كان يقول اللهم تقبل من محمد وآل محمد وعن أمة محمد " وسيأتي في باب الذبح بالمصلى . وأخرج وأيضا ابن ماجه والترمذي وصححه من حديث أبي أيوب ان الرجل كان يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيأتي في باب الاجتزاء بالشاة . وقد تمسك بحديثي الباب وما ورد في معناها من قال أن الأضحية غير واجبة بل سنة وهم الجمهور قال النووي وممن قال بهذا أبو بكر وعمر وبلال وأبو مسعود البدري وسعيد بن المسيب وعلقمة والأسود وعطاء ومالك وأحمد وأبو يوسف وإسحاق وأبو ثور والمزني وابن المنذر وداود وغيرهم انتهى . وحكاه في البحر أيضا عمن ذكر من الصحابة . وعن ابن مسعود وابن عباس وحكاه أيضا عن العترة الشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال ربيعة والأوزاعي وأبو حنيفة والليث وبعض المالكية أنها واجبة على الموسر وحكاه في البحر عن مالك وقال النخعي واجبة على الموسر إلا الحاج بمنى وقال محمد بن الحسن واجب على المقيم بالأمصار والمشهور عن أبي حنيفة أنه قال إنما توجيهها على مقيم يملك نصابا كذا قال النووي قال ابن حزم لا يصح على أحد من الصحابة أنها واجبة وصح أنها غير واجبة عن الجمهور ولا خلاف في كونها من شرائع الدين
( ووجه ) دلالة الحديثين وما في معناهما على عدم الوجوب أن الظاهر إن تضحيته صلى الله عليه وآله وسلم عن أمته وعن أهله تجزأ كل من لم يضح سواء كان متمكنا من الأضحية أو غير متمكن ويمكن أن يجاب عن ذلك بأن حديث " على أهل كل بيت أضحية " وسيأتي في باب ما جاء في الفرع العتيرة ما يدل على وجوبها على أهل كل بيت يجدونها فيكون قرينة على أن تضحية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن غير الواجدين من أمته ولو سلم الظهور المدعي فلا دلالة له على عدم الوجوب لأن محل النزاع من لم يضح عن نفسه ولا ضحى عنه غيره فلا يكون عدم وجوبها على من كان في عصره من الأمة مستلزما لعدم وجوبها على من كان في غير عصره منهم ( فإن قيل ) هذا يستلزم أن تجزأ الشاة الواحدة عن جميع الأمة قلنا هذه المسألة أخرى خارجة عن محل النزاع سيأتي بيانها
ومن أدلة القائلين بعد الوجوب ما أخرجه أحمد عن ابن عباس مرفوعا " أمرت بركعتي الضحى ولم تؤمروا بها وأمرت بالأضحى ولم تكتب عليكم " وأخرجه ايضا البزار وابن عدي والحاكم عنه بلفظ " ثلاث هن على فرائض ولكم تطوع النحر والوتر وركعتا الضحى " وأخرجه أيضا أبو يعلى عنه بلفظ " كتب علي النحر ولم يكتب عليكم وأمرت بصلاة الضحى ولم تؤمروا بها " ويجاب عنه بأن في إسناد أحمد وأبو يعلي جابر الجعفى وهو ضعيف جدا في إسناد البزار وابن عدي والحاكم أن جناب الكلبي وقد صرح الحافظ ضعيف من جميع طرقه : وقد أخرجه الدارقطني بلفظ " ثلاث هن على فريضة وهن لكم تطوع الوتر وركعتا الفجر وركعتا الضحى " وأخرجه البزار بلفظ " أمرت بركعتي الفجر والوتر وليس عليكم " ورواه الدارقطني أيضا وابن شاهين في ناسخه عن أنس مرفوعا " أمرت بالوتر والأضحى ولم يعزم على " وفي إسناده عبد الله بن محرر وهو متروك واستدلوا أيضا بما أخرجه البيهقي عن أبي بكر وعمر أنهما كانا لا يضحيان كراهة أن يظن من رآهما أنها واجبة وكذلك أخرج عن ابن عباس وبلال وأبي مسعود وابن عمر ولا حجة في شيء من ذلك واستدل من قال بالوجوب بقول الله تعالى { فصل لربك وانحر } والأمر للوجوب وأجيب بأن المراد تخصيص الرب بالنحر له لا للأصنام فالأمر متوجه إلى ذلك لأنه القيد الذي يتوجه إليه الكلام ولا شك في وجوب تخصيص الله بالصلاة والنحر على أنه قد روي أن المراد بالنحر وضع اليدين حال الصلاة على الصدر كما سلف في الصلاة واستدلوا أيضا بحديث " من وجد سعة فلم يضح فلا يقربن مصلانا " وقد تقدم ووجه الاستدلال به انه لما نهى من كان ذا سعة عن قربان المصلى إذا لم يضح دل على أنه قد ترك واجبا فكأنه لا فائدة في التقرب مع ترك هذا الواجب قال في الفتح وليس صريحا في الإيجاب واستدلوا أيضا بحديث مخنث بن سليم أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال بعرفات " يا أيها الناس على أهل كل بيت أضحية في كل عام وعتيرة " أخرجه أبو داود وأحمد وابن ماجه والترمذي وحسنه وسيأتي ما عليه من الكلام وأجيب عنه بأنه منسوخ لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا فرع ولاعتيرة " ولا يخفى أن نسخ العتيرة على فرض صحته لا يستلزم نسخ الأضحية . واستدلوا أيضا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من كان ذبح قبل أن يصلي فليذح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله " وهو متفق عليه من حديث جندب بن سفيان البجلي . وبما روى من حديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من كان ذبح قبل الصلاة فليعد " وسيأتي هو وحديث جندب في باب بيان وقت الذبح والأمر ظاهر في الوجوب ولم يأت من قال بعدم الوجوب بما يصلح للصرف كما عرفت نعم حديث أم سلمة الآتي قريبا ربما كان صالحا للصرف لقوله " وأراد أحدكم أن يضحي " لأن التفويض إلى الأرادة يشعر بعدم الوجوب (5/171)
باب ما يجتنبه في العشر من أراد التضحية (5/171)
1 - عن أم سلمة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا رأيتم هلال ذي الحجة وأراد أحدكم أن يضحي فليمسك عن شعره وأظافره "
- رواه الجماعة إلا البخاري . ولفظ أبي داود وهو لمسلم والنسائي أيضا " من كان له ذبح يذبحه فإذا أهل هلال ذي الحجة فلا يأخذن من شعره وأظافره حتى يضحي " (5/171)
- قوله " ذبح " بكسر الذال أي حيوان يريد ذبحه فهو فعل بمعنى مفعول كحمل بمعنى محمول ومنه قوله تعالى { وفديناه بذبح عظيم } الحديث استدل به على مشروعية ترك أخذ الشعر والأظافر بعد دخول عشر ذي الحجة لمن أراد أن يضحي ( وقد اختلف العلماء ) في ذلك فذهب سعيد بن المسيب وربيعة وأحمد وإسحاق وداود وبعض أصحاب الشافعي إلى أنه يحرم عليه أخذ شيء من شعره وأظفاره حتى يضحي في وقت الأضحية وقال الشافعي وأصحابه هو مكروه كراهة تنزيه وليس بحرام وحكى الإمام المهدي في البحر عن الإمام يحيى والهادوية والشافعي إن ترك الحلق والتقصير لمن أراد التضحية لمن أراد التضحية مستحب . وقال أبو حنيفة لا يكره والحديث يرد عليه . وقال مالك في رواية لا يكره وفي رواية يكره وفي رواية يحرم في التطوع دون الواجب ( وأحتج ) من قال بالتحريم بحديث الباب لأن النهي ظاهر في ذلك واحتج الشافعي بحديث عائشة المتقدم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يبعث بهديه ولا يحرم عليه شيء أحله الله له حتى ينحر هديه " فجعل هذا الحديث مقتضيا لحمل حديث الباب على كراهة التنزيه ولا يخفى أن حديث الباب أخص منه مطلقا فيبنى العام على الخاص ويكون الظاهر مع من قال بالتحريم ولكن على من أراد التضحية قال أصحاب الشافعي والمراد بالنهي عن أخذ الظفر والشعر النهي عن إزالة الظفر بقلم أو كسر أو غيره والمنع من إزالة الشعر بحلق أو تقصير أو نتف أو إحراق أو أخذه بنورة أو غير ذلك من شعور بدنه . قال إبراهيم المروزي وغيره من أصحاب الشافعي حكم أجزاء البدن كلها حكم الشعر والظفر ودليله ما ثبت في رواية لمسلم " فلا يمسن من شعره وبشره شيئا " ( والحكمة ) في النهي أن يبقى كامل الأجزاء للعتق من النار . وقيل للتشبه بالمحرم حكي هذين الوجهين النووي وحكي عن أصحاب الشافعي أن الوجه الثاني غلط لأنه لا يعتزر النساء ولا يترك الطيب واللباس وغير ذلك مما يتركه المحرم (5/172)
باب السن الذي يجزئ في الأضحية وما لا يجزئ (5/172)
1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تذبحوا الأمسنة إلا أن يعسر عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن "
- رواه الجماعة إلا البخاري والترمذي (5/172)
2 - وعن البراء بن عازب قال " ضحى خال لي يقال له أبو بردة قبل الصلاة فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شاتك شاة لحم فقال يا رسول الله إن عندي داجنا جذعة من المعز قال إذبحها ولا تصلح لغيرك ثم قال من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصاب سنة المسلمين "
- متفق عليه (5/173)
- قوله " الأمسنة " قال العلماء المسنة هي الثنية من كل شئ من الأبل والبقر و الغنم فما فوقها وهذا تصريح بأنه لا يجوز الجذع ولا يجزئ إلا إذا عسر على المضحى وجودالمسنة . الجذع من الضأن ولا من غير
مطلقا . قال النووي و مذهب العلماء كافة إنه لا يجزئ سواء وجد غيره أم لا وحملوا هذا الحديث على الاستحباب والأفضل وتقديره يستحب لكم أن لا تذبحوا الأمسنة فأن عجزتم فجذعه ضأن وليس فيه تصريح بمنع جذعة الضأن وأنها لا تجزئ بحال وقد أجمعت الأمة على أنه ليس على ظاهره لأن الجمهور يجوزون الجذع من الضأن مع وجود غيره وعدمه وابن عمر والزهري يمنعانه مع وجود غيره وعدمه فيتعين تأويل الحديث على ما ذكرنا من الاستحباب كذا قال النووي ولا يخفي أن قوله " لاتذبحوا " نهى عن التضحية بما عدا المسنة مما دونها وذبح الجذعة مقيد بتعسر المسنة فلا يجزئ مع عدمه ولا بد من مقتض للتأويل المذكور وحديث أبي هريرة وما بعده من الأحاديث المذكورة في هذا الباب تصلح لجعلها قرينة مقتضية للتأويل فيتعين المصير إليه لذلك . قوله " جذعة من الضأن " الجذع من الضأن ماله سنة تامة هذا الأشهر عن أهل اللغة وجمهور أهل العلم من غيرهم . وقيل ماله ستة أشهر . وقيل سبعة . وقيل ثمانية . وقيل عشرة . وقيل أن كان متولدا بين شاتين فستة أشهر وأن كان بين هرمين فثمانية : قوله " شاتك شاة لحم " أي ليست اضحية ولا ثواب فيها بل هو لحم لك تنتفع به : قوله " أن عندي داجنا " الخ الداجن ما يعلف في البيت من الغنم والمعز . وفي رواية لمسلم " أن عندي جذعا " وفيه دليل على ان الجذعة المعز لا تجزئ في الأضحية قال النووي وهذا متفق عليه قوله " من ذبح قبل الصلاة " يأتي شرح هذا أن شاء الله في باب بيان وقت الذبح (5/173)
3 - وعن أبي هريرة قال " سمعت رسول اللله صلى الله عليه وآله وسلم يقول " نعم أو نعمت الأضحية الجذع من الضأن "
- رواه أحمد والترمذي (5/173)
4 - عن أم بلال بنت هلال عن أبيها " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يجوز الجذع من الضأن الضحية "
- رواه أحمد وابن ماجه (5/174)
5 - وعن مجاشع بن سليم " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يقال أن الجذع يوفي مما توفي منه الثنية "
- رواه أبو داود وابت ماجه (5/174)
6 - وعن عقبة بن عامر " قال ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالجذع من الضأن "
- رواه النسائي (5/174)
7 - وعن عقبة بن عامر قال قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه ضحايا فصارت لعقبة جذعة فقلت يا رسول الله أصابني جذع فقال ضح به "
- متفق عليه . وفي رواية للجماعة إلا أبا داود " أن النبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه غنما يقسمها على صحابته ضحايا فبقي عتود فذكره للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح به أنت " قلت العتود من ولد المعز مارعى وقوى وأتى عليه حول (5/175)
- حديث أبو هريرة رواه الترمذي من طريق يوسف بن عيسى عن وكيع عن عثمان بن واقد بن كدمان بن عبد الرحمن بن كبا ش قال " جلبت غنما جذعانا الى المدينة فكسدت علي فلقيت أبا هريرة فسألته فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث . وقال غريب وقد روى موقوفا وذكره الحافظ في التلخيص ولم يزد علي هذا ويشهد له حديث عبادة بن الصامت عند أبي داود وابن ماجه والحاكم والبيهقي مرفرعا بلفظ " خير الصحية الكبش الأقرن " وأخرجه أيضا الترمذي وزاد " وخير الكفن الحلة " وأخرجه بنحو اللفظ الأول أيضا ابن ماجه والبيهقي من حديث أبي أمامة وفي إسناده عفير بن معدان وهو ضعيف قال الترمذي ( وفي الباب ) عن أم بلال بنت هلال عن أبيها وجابر وعقبة بن عامر ورجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم انتهى . وحديث أم بلال أخرجه أيضا ابن جربر الطبري والبيهقي وأشار إاليه الترمذي كما سلف ورجال إسناده كلهم بعضهم ثقة وبعضهم صدوق وبعضهم مقبول . وحديث مجاشع بن سليم في إسناده عاصم بن كليب قال ابن المديني لا يحتج به إذا انفرد . وقال الإمام أحمد لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي صالح وأخرج له مسلم . وحديث عقبة الأول أخرجه أيضا ابن وذكره الحافط في التلخيص وسكت ورجاله إسناده ثقات : قوله " نعمت الاضحية الجذع من الضأن " فيه الدليل على ان التضحية بالضأن أفضل وبه قال مالك وعلل ذلك بأنها أطيب لحما . وذهب الجمهور إلى أفضل الانواع للمنفرد البدنة ثم البقرة ثم الضأن ثم المعز واحتجوا بأن البدنة تجزئ عن سبعة أو عشرة على الخلاف والبقرة تجزئ عن سبعة . وأما الشاة فلا تجزئ إلا واحد بالاتفاق وما كان يجزئ عن الجماعة إذا ضحى به الواحد كان ما يجزئ عن الواحد فقط هكذا حكى النووي الاتفاق على أن الشاى لا تجزئ إلا عن واحد وحكى المهدي في البحر عن الهادي والقاسم أنها تجزئ عن ثلاثة واحتج لهما بتضحيته صلى الله عليه وآله وسلم بالشاة عن محمد وآل محمد وأورد عليه أنه يلزم أن تجزئ عن أكثر من ثلاثة وأجاب بأنه منع من ذلك الإجماع وحكى الترمذي في سننه عن بعض أهل العلم أنها تجزئ الشاة عن أهل البيت وقال وهو قول أحمد وإسحاق واختلف أصحاب مالك فيما بعد الغنم فقبل الإبل أفضل وقيل البقر وهو الأشهر عندهم : قوله " يوفى " الخ أي يجزئ كما تجزئ الثنية . قوله " عتود " بفتح المهملة وضم الفوقية وسكون الواو وقد فسره أهل اللغة بما فسره به المصنف كما نقله النووي عنهم . قال الجوهري وخيره ما بلغ سنة وجمعه أعتدة وعتدان بادغام التاء في الدال . قال البيهقي وغيره من أصحاب الشافعي وغيرهم كانت هذه رخصة لعقبة ابن عامر كما كان مثلها رخصة لأبي بردة بن نيار في الحديث المتقدم ثم روى ذلك بإسناده صحيح عن عقبة قال " أعطاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غنما أقسمها ضحايا بين أصحابي فبقى عتود منها فقال ضح بها أنت ولا رخصة لأحد فيها بعدك " قال وعلى هذا يحمل أيضا ما رويناه عن زيد بن خالد قال " قسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه غنما فأعطاني عتودا جذعا فقال ضح به فضحيت به " وقد أخرج هذا الحديث أيضا أبو داود بإسناد حسن وليس فيه من المعز ذهب الجمهور . وعن عطاء والأوزاعي تجوز مطلقا وهو وجه لبعض الشافعية حكاه الرافعي . وقال النووي هو شاذ أو غلط وأغرب عياض فحكى الاجماع على عدم الأجزاء ( وأحاديث ) الباب تدل على أنها تجوز التضحية بالجذع من الضأن كما ذهب إليه الجمهور فيرد بها على ابن عمرو الزهري حيث قالا أنه لا يجزئ وقد تقدم الكلام في ذلك (5/175)
باب مالا يضحى به لعيبه وما يكره ويستحب (5/175)
1 - عن علي عليه السلام قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يضحي باعضب القري والأذن قال قتادة فذكرت ذلك لسعيد بن المسيب فقال العضب النصف فأكثر من ذلك "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي لكن ابن ماجه لم يذكر قول قتادة إلى آخره (5/176)
2 - وعن البراء بن عازب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أربع لا تجوز في الأضاحي العوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعرجاء البين ضلعها والكسير التي لا تبقي "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (5/176)
3 - وروى يزيد ذو مصر قال " أتيت عتبة بن عبد السلمي فقلت يا أبا الوليد أني خرجت التمس الضحايا فلم أجد شيئا يعجبني غير ثرمافما تقول قال ألا جئتني أضحي بها قال سبحان الله تجوز عنك ولا تجوز عني قال نعم إنك تشك ولا أشك إنما نهي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المصفرة والمستأصلة والبخقاء والمشيعة والكسراء فالمصفرة التي تستأصل أذنها حتى يبدو صماخها . والمستأصلة التي ذهب قرنها من أصله والبخقاء التي تبخق عينها والمشيعة التي لا تتبع الغنم عجفا وضعفا والكسراء التي لا تنقي "
- رواه أحمد وأبو داود والبخاري في تاريخه ويزيد ذو مصر بكسر الميم وبالصاد المهملة الساكنة (5/176)
- حديث علي عليه السلام صححه الترمذي كما ذكر المصنف وسكت عنه أبو داود والمنذري وحديث البراء أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم والبيهقي وصححه النووي وادعى الحاكم في كتاب الضحايا ان مسلما أخرجه وأنه مما أخذ عليه لأنه من رواية سليمان بن عبد الرحمن عن عبيد بن فيروز وقد اختلف الناقلون فيه انتهى . وهذا خطأ منه فان مسلما لم يخرجه في صحيحه وقد ذكره علي الصواب في أواخر كتاب الحج فقال صحيح ولم يخرجاه وحديث عتبة بن عبد السلمي أخرجه أيضا الحاكم وسكت عنه أبو داود والمنذري : قوله " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يضحى باعضب القرن " الخ فيه دليل على أنها لا تجزئ التضحية باعضب القرن والأذن وهو ما ذهب نصف قرنه أو أذنه وذهب أبو حنيفة والشافعي والجمهور إلى أنها تجزئ التضحية بمكسور القرن مطلقا وكرهه مالك إذا كان مدمي وجعله عيبا وقال في البحر أن أعضب القرن المنهى عنه هو الذي كسر قرنه أوعضب من أصله حتى يرى الدماغ لا دون ذلك فيكره فقط ولا يعتبر الثلث فيه بخلاف ألاذن وفي القاموس أن العضباء الشاة المكسورة القرن الداخل فالظاهر ان مكسورة القرن لا تجوز التضحية بها الا أن يكون الذاهب من القرن مقدارا يسيرا بحيث لا يقال لها عضباء لأجله أو يكون دون النصف أن صح ان التقدير بالنصف المروى عن سعيد بن المسيب لغوي أو شرعي ولا يلزم تقييد هذا الحديث بما في حديث عتبة من النهي عن المستأصلة وهي ذاهبة القرن من أصله لان المستأصلة عضباء وزيادة وكذلك لا تجزى التضحية باعضب الأذن وهو ما صدق عليه اسم العضب لغة أو شرعا ولكن تفسير المصفرة المذكورة في حديث عتبة بالتي تستأصل أذنها كما ذكره المصنف ومثلة ذكر صاحب النهاية يدل على أن عضب الأذن المانع من الأجزاء هو ذلك لا دونه وهذا بعد ثبوت اتحاد مدلول عضباء الأذن والمصفرة والظاهر أنهما مختلفان فلا تجزئ عضباء الأذن وهو ذاهبة نصف الأذن أو مشقوقتها أو التي جاوز القطع ربعها على حسب الخلاف فيها بين أهل اللغة ولا المصفرة وهي ذاهبة جميع الأذن لانها عضباء وزيادة وقد قيل أن المصفرة هي المهزولة حكى ذلك صاحب النهاية واقتصر عليه صاحب التلخيص . ووجه التفسير الأول أن صماخها صار صفرا من الأذن . ووجه الثاني انها صارت صفرا من السمن أي خالية منه : قوله " أربع لا تجوز " الخ فيه دليل على أن متبينة العور والعرج والمرض لا يجوز التضحية بها إلا ما كان من ذلك يسيرا غير بين وكذلك الكثير التي لا تنقى بضم الفوقية واسكان النون وكسر القاف أي التي لا نفي لها بكسر النون واسكان القاف وهو المخ وفي رواية الترمذي والنسائي والعجفاء بدل الكسير . قال النووي وأجمعوا على ان العيوب الأربعة المذكورة في حديث البراء وهي المرض العجف والعور والعرج البينات لا تجزئ التضحية وكذا ما كان في معناها أو أقبح منا كالعمى وقطع الرجل وشبهه انتهى : قوله " عن المصفرة " بضم الميم واسكان الصاد المهملة وفتح الفاء وقد تقدم تفسيرها : قوله " والبخقاء " بفتح الموحدة وسكون الخاء العجمة بعدها قاف قال في النهاية البخق أن يذهب البصر وتبقى العين قائمة وفي القاموس البخق محرك أقبح العور وأكثره غمصا أو أن لا يلتقي شفر عينه على حدقته بخق كفرح وكنصر والعين البخقاء والباخقة والبخيق والبخيقة العوراء ورجل بخيق كامير وباخق العين ومبخوقها ابخق وبخق عينه كمنع عورها وابخقها فقأها والعين نذرت انتهى . قوله " والمشيعة " قال في القاوس ونهى صلى الله عليه وآله وسلم عن المشيعة في الأضاحي بالفتح أي التي تحتاج إلى من يشيعها أي يتبعها الغنم وبالكسر وهي التي تشيع الغنم أي تتبعها لعجفها انتهى ( وهذه الأحاديث ) تدل على أنه لا يجزئ في الأضحية ما كان في أحد العيوب المذكورة ومن ادعى أنه يجزئ مطلقا أو يجزئ مع الكراهية احتاج إلى إقامة دليل يصرف النهى عن معناه الحقيقي وهو التحريم المستلزم لعدم الأجزاء ولا سيما بعد التصريح في حديث البراء الجواز (5/177)
4 - وعن أبي سعيد قال " اشتريت كبشا اضحى به نعدا الذئب فأخذ الالية قال فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح به "
- رواه أحمد . وهو دليل علي ان العيب الحادث بعد التعين لا يضر (5/177)
5 - وعن علي عليه السلام قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نستشرف العين والأذن وأن لا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (5/177)
6 - وعن أبي أمامة ابن سهل قال " كما نسمن الأضحية بالمدينة وكان المسلمون بسنون "
- أخرجه البخاري (5/178)
7 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال دم عفراء أحب إلى الله من دم سوادين "
- رواه أحمد والعفراء التي بياضها ليس بناصع (5/178)
8 - وعن أبي سعيد قال " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبش أقرن فحيل يأكل في سواد ويمشي في سواد وينظر في سواد "
- رواه أحمد وصححه الترمذي (5/178)
- حديث أبي سعيد الأول أخرجه ابن ماجه والبيهقي وفي إسناده جابر الجعفى وهو ضعيف جدا وفيه أيضا محمد بن قرظة بفتح القاف والراء قال في التلخيص غير معروف وقال في التقريب مجهول وقد قيل أنه وثقه ابن حيان ويقال انه لم يسمع من أبي سعيد قال البيهقي ورواه حماد بن سلمة عن الحجاج بن أرطاة عن عطية عن أبي سعيد " أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شاة قطع ذنبه يضحى بها قال ضح بها " والحجاج ضعيف . وحديث علي عليه السلام أخرجه أيضا البزار وابن حيان والحاكم والبيهقي وأعله الدار قطني . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورواه الطبراني فب الكبير من حديث ابن عباس بلفظ " دم الشاة البيضاء عند الله أزكى من دم السواوين " وفيه حمزة النصيبي قد اتهم بوضع الحديث ورواه الطبراني أيضا وأبو نعيم من حديث كبيرة بنت سفيان نحو الأول . ورواه موقوفا على أبي هريرة ونقل عن البخاري ان رفعه لا يصح . وحديث أبي سعيد الثاني صححه ابن حيان أيضا وهوعلى شرط مسلم قاله صاحب الاقتراح وأخرج مسلم من حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكبش اقرن يطأ في سواد وينظر في سواد ويبرك في سواد فأتى به ليضحي به فقال يا عائشة هلمي المدية ثم قال اشحذيها بحجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه الحديث : قوله " فقال ضح به " فيه دليل على ذهاب الالية ليس عيبا في الضحية من غير فرق بين أن يكون ذلك بعد التعيين أو قبله كما يدل على ذلك رواية البيهقي التي ذكرناها وقالت الهادوية الامام يحيى أن ذهاب الالية عيب وتمسكوا بالقياس على ذهاب الأذن والقرن وفي فاسد الاعتبار : قوله " أن نستشرف العين والأذن " أي نشرف عليهما ونتأملهما كي لا يقع فيهما نقص وعيب . وقيل ان ذلك مأخوذ من الشرف بضم الشين وهو خيار المال أي أمرنا أن نتخيرهما . وقال الشافعي معناه أن نضحي بواسع العينين طويل الأذنين قوله " بمقابلة " بفتح الموحدة قال في القاموس هي شاة قطعت أنها من قدام وتركت معلقة ومثله في النهاية إلا أنه لم يقيد بقدام . قوله " ولا مدابرة " بفتح الموحدة أيضا هي التي قطعت أنها من جانب . وفي القاموس ما لفظه وهو مقابل ومدابر محض من أبويه وأصله من الإقبالة والإدبارة وهو شق في الأذن ثم يفتل ذلك فإن أقبل به فهو إقبالة وإن أدبر به فإدبارة والجلدة المعلقة من الأذن هي الإقبالة والإدبارة كأنها زنمة والشاة مدابرة ومقابلة وقد دابرها وقابلها انتهى : قوله " ولا شرقاء " هي مشقوقة الأذن طولا كما في القاموس . قوله " ولاخرقاء " قال في النهاية الخرقاء التي في اذنها خرق مستدير . قوله " كنا نسمن " الخ فيه استحباب تسمين الأضحية لأن الظاهر إطلاع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ذلك وحكى القاضي عياض عن بعض أصحاب مالك كراهة ذلك يتشبه باليهود قال النووي وهذا قول باطل : قوله " دم عفراء " الخ فيه استحباب التضحية بالأعفر من الظباء ما يعلوا بيضه حمرة وأقرانه بيض والأبيض ليس بالشديد البياض انتهى . وحكي في البحر عن الإمام يحيى أنه قال الأفضل الأبيض ثم الأعفر ثو الأملح والأشمر الأطيب إجماعا لقوله { ومن يعظم شعائر الله } وما غلا لنفاسته أفضل مما رخص انتهى : قوله " بكبش أقرن " قد تقدم الكلام على ذلك " قوله " فحيل " فيه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحى بالفحيل كما ضحى بالخصي : قوله " يأكل في سواد " الخ معناه أن فمه أسود وقوائمه وحول عينيه وفيه دليل على أنها تستحب التضحية بما كان على هذه الصفة (5/179)
باب التضحية بالخصي (5/179)
1 - عن أبي رافع قال " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحين موجوأين خصيين " (5/179)
2 - وعن عائشة قالت " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين سمينين عظيمين أملحين أقرنين موجوأين "
- رواهما أحمد (5/180)
3 - وعن أبي سلمة عن عائشة وعن أبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أراد أن يضحي اشترى كبشين عظيمين سمينين أقرنين أملحين موجوئين فذبح أحدهما عن أمته فلمن شهد بالتوحيد وشهد له بالبلاغ وذبح الآخر عن محمد وىل محمد "
- رواه ابن ماجه (5/180)
- حديث أبي رافع أخرجه أيضا الحاكم قال في مجمع الزوائد وإسناده حسن . وحديث عائشة أيضا أخرجه ابن ماجة والبيهقي والحاكم من حديثهما وحديث أبي هريرة ومدار طرقه كلها على عبد الله بن محمد بن عقيل وفيه مقال وفي إسناده حديث أبي هريرة وعائشة عيسى بن عبد الرحمن بن فروة وهو ضعيف ( وفي الباب ) عن جابر عند الحاكم من طريق ابنعقيل وله شاهد من حديث جابر أيضا من طريق أخرى عند أبي داود والبيهقي وعن أبي الدرداء عند أحمد والطبراني . قوله " أملحين " قد تقدم تفسير الأملح والأقرن . والموجوء المنزوع الأنثيين كما ذكره الجوهري وغيره . وقيل هو المشقوق عرق الأنثيين والخصيتان بحالهما . قوله " : سمينين " فيه استحباب التضحية بالأقرن الأملح وقد حكى النووي الاتفاق على ذلك وقد تقدم حديث دم عفراء أحب عند الله من دم سوداوين وقد تقدم أن الأملح خالص البياض أو المشوب بحمرة والأعفر كذلك وتقدم أن مسلوب القرن لا تجوز التضحية به ( واستدل ) بأحاديث الباب على استحباب التضحية بالموجوء به قالت الهادوية والظاهر أنه لا مقتضى للاستحباب لأنه قد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم التضحية بالفحيل كما مر في حديث أبي سعيد فيكون الكل سواء . واستدل بحديث أبي هريرة على أنها تجزئ الشاة عن العدد الكثير وسيأتي الخلاف في ذلك (5/180)
باب الاجتزاء بالشاة لأهل البيت الواحد (5/181)
1 - عن عطاء بن يسار قال " سألت أبا أيوب الأنصاري كيف كانت الضحايا فيكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال كان الرجل في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته فيأكلون ويطعمون حتى تباهي الناس فصار كما ترى "
- رواه ابن ماجه والترمذي وصححه (5/181)
2 - وعن الشعبي عن أبي سريحة قال " حملني أهلي على الجفاء بعد ما علمت من السنة كان أهل البيت يضحون بالشاة والشاتين والآن يبخلنا جيراننا " ( 1 ) [ من التبخيل أي البخل والشح أن أكتفينا بالواحدة وبالإثنتين ]
- رواه ابن ماجه (5/181)
- الحديث الأول أخرجه أيضا مالك في الموطأ وأخرجه الترمذي من طريق يحيى بن موسى عن أبي بكر الحنفي عن الضحاك بن عثمان عن عمارة بن عبد الله قال سمعت عطاء بن يسار يقول سألت أبا أيوب فذكره وقال هذا حديث حسن صحيح وعمارة بن عبد الله هو مديني وقد رواه عنه مالك بن أنس والعمل على هذا عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق واحتجا بحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ضحى بكبش فقال هذا عمن لم يضح من أمتي . وقال بعض أهل العلم لا تجزئ الشاة إلا عن نفس واحدة وهو قول عبد اله بن المبارك وغيره من أهل العلم انتهى . وحديث أبي سريحة إسناده في سنن ابن ماجه إسناد صحيح . قوله " يضحي بالشاة عنه وعن أهل بيته " فيه دليل على أن الشاة تجزئ عن أهل البيت لأن الصحابة كانوا يفعلون ذلك في عهده صلى الله عليه وآله وسلم والظاهر إطلاعه فلا ينكر عليهم ويدل على ذلك أيضا حديث " على كل أهل بيت في كل عام أضحية " وسيأتي في باب ما جاء في الفرع والعتيرة وبه قال من تقدم ذكره . وقال الهادي والقاسم تجزئ الشاة عن ثلاثة وقيل تجزئ عن واحد فقط وبه قال من السلف . وقد زعم النووي أنه متفق عليه وهو غلط وقد وافقه على دعوى الإجماع ابن رشد وكذلك زعم المهدي في البحر أنه لا قائل بأن الشاة تجزئ عن أكثر من ثلاثة وهو أيضا غلظ والحق أنها تجزئ عن أهل البيت وإن كانوا مائة نفس أو أكثر كما قضت بذلك السنة ولعل متمسك من قال أنها تجزئ عن واحد فقط القياس على الهدي وهو فاسد الاعتبار وأما من قال أنها تجزئ عن ثلاثة فقط فقدج استدل لهم صاحب البحر بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " عن محمد وآل محمد " ثم قال ولا قائل بأكثر من ثلاثة فاقتصر عليهم انتهى . ولا يخفاك أن الحديث حجة عليه لا له وأن نفي القائل بأكثر من ثلاثة ممنوع والسند ما سلف وقد اختلف في البدنة فقالت الشافعية والحنفية والجمهور أنها تجزئ عن سبعة وقالت العترة وإسحاق بن راهويه وابن خزيمة أنها تجزئ عن عشرة وهذا هو الحق هنا لحديث ابن عباس المتقدم في باب أن البدنة من الإبل والبقر عن سبع شياه والأول هو الحق في الهدي للأحاديث المتقدمة هنالك . وأما البقر فتجزئ عن سبعة فقط اتفاقا في الهدي والأضحية : قوله " فصار كما ترى " في نسخة من هذا الكتاب فصاروا كما ترى ولفظ الترمذي فصارت كما ترى (5/182)
باب الذبح بالمصلى والتسمية والتكبير على الذبح والمباشرة له (5/182)
1 - عن نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أ ه كان يذبح وينحر بالمصلى "
- رواه البخاري والنسائي وابن ماجه وأبو داود (5/182)
2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتى به ليضحي به فقال لها يا عائشة هلمي المدية ثم قال إشحذيها على حجر ففعلت ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه ثم قال بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد ثم ضحى "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (5/183)
3 - وعن أنس قال " ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بكبشين أملحين أقرنين فرأيته واضعا قدميه على صفاحهما يسمي ويكبر فذبحهما بيده "
- رواه الجماعة (5/183)
4 - وعن جابر " قال ضحى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم عيد بكبشين فقال حين وجههما وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفا وما أنا من المشركين إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين اللهم منك ولك عن محمد وأمته "
- رواه ابن ماجه (5/183)
- حديث جابر أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي وفي إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال تقدم وفي إسناده أيضا أبو عياش قال في التلخيص لا يعرف : قوله " كان يذبح وينحر بالمصلى " فيه استحباب أن يكون الذبح والنحر بالمصلى وهو الجبانة ( والحكمة ) في ذلك أن يكون بمرأى من الفقراء فيصيبون من لحم الأضحية : قوله " يطأ في سواد " الخ أي بطنه وقوائمه وما حول عينيه سواد كما تقدم : قوله " هلمي المدية " أي هاتيها والمدية بضم الميم وكسرها وفتحها وهي السكين . قوله " اشحذيها " بالشين المعجمة والحاء المهملة المفتوحة وبالذال المعجمة أي حدديها وفيه استحباب إحسان الذبح وكراهة التعذيب كأن يذبح بما في حده ضعف . قوله " وأخذ الكبش " الخ هذا الكلام فيه تقديم وتأخير وتقديره فأضجعه ثم أخذ في ذبحه قائلا بسم الله الخ مضحيا وفيه استحباب إضجاع الغنم في الذبح وأنها لا تذبح قائمة ولا باركة بل مضجعة لأنه أرفق بها وبهذا جاءت الأحاديث وأجمع عليه المسلمون كما قال النووي واتفق العلماء على أن إضجاعها يكون على جانبها الأيسر حكي ذلك النووي أيضا لأنه أسهل على الذابح في أخذ السكين باليمين وإمساك رأسها باليسار . وفيه استحباب قولا لمضحي بسم الله زكذلك تستحب التسمية في سائر الذبائح وهو مجمع عليه ولكن وقع الخلاف في وجوبها . قوله " ويكبر " فيه دليل على استحباب التكبير مع التسمية فيقول بسم الله والله أكبر . والصفحة جانب العنق وإنما فعل ذلك ليكون أثبت له وأمكن لئلا تضطرب الذبيحة برأسها فتمنعه من إكمال الذبح أو تؤذيه قال النووي وهذا أصح من الحديث الذي جاء بالنهي عن ذلك . قوله " فذبحهما بيده " فيه استحباب تولي الإنسان ذبح أضحيته بنفسه فإن استناب قال النووي جاز بلا خلاف وإن استناب كتابيا كره كراهة تنزيه وأجزأه ووقعت التضحية عن الموكل هذا مذهبنا ومذهب العلماء كافة إلا مالكا في إحدى الروايتين عنه فلم يجوزها ويجوز أن يستنيب صبيا وامرأة حائضا لكن يكره توكيل الصبي وفي كراهة توكيل الجائض وجهان انتهى . ومذهب الهادوية اشترط أن يكون الذابح مسلما فلا تحل عندهم ذبيحة الكافر ولا يجوز توكيله بالذبح : قوله " فقال حين وجههما وجهت " الخ فيه استحباب تلاوة هذه الآية عند توجيه الذبيحة للذبح وقد تقدم ذكرها في دعاء الاستفتاح في الصلاة (5/184)
باب نحر الإبل قائمة معقوله يدها اليسرى (5/184)
1 - قال الله تعالى { فاذكروا اسم الله عليها صواف } قال البخاري قال ابن عباس صواف قياما . وعن ابن عمر " أنه أتى على رجل قد أناخ بدنته ينحرها فقال ابعثها قياما مقيدة سنة محمد صلى الله عليه وآله وسلم "
- متفق عليه (5/184)
2 - وعن عبد الرحمن بن سابط " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كانوا ينحرون البدنة معقولة اليسرى قائمة على ما بقي من قوائمها "
- رواه أبو داود وهو مرسل (5/185)
- حديث عبد الرحمن بن سابط هو في سنن أبي داود من حديث جابر بن عبد الله فلا إرسال وهكذا ذكره الحافظ في الفتح من حديث جابر وعزاه إلى أبي داود وقد سكت عنه هو والمنذري ورجاله رجال الصحيح وتفسير ابن عباس الذي ذكره البخاري معلقا قد وصله سعيد بن منصور وعبد بن حميد : قوله " صواف " بالتشديد جمع صاف أي مصطفة في قيامها ووقع في مستدرك الحاكم من وجه آخر عن ابن عباس في قوله صواف صوافن أي قياما على ثلاث قوائم معقولة وهي قراءة ابن مسعود والصوافن جمع صافنة وهي التي رفعت إحدى يديها بالعقل لئلا تضطرب : قوله " إبعثها " أي أثرها يقال بعثت الناقة أي أثرتها : وقوله " قياما " مصدر بمعنى قائمة ووقع في رواية الإسماعيلي " انحرها قائمة " : قوله " سنة محمد " بنصب سنة بعامل مضمر كالاختصاص أو التقدير متبعا سنة محمد ويجوز الرفع وفي رواية الحربي فإنه سنة محمد وفي هذا الحديث والذي بعده استحباب نحر افبل على الصفة المذكورة . وعن الحنفية يستوي نحرها قائمة وباركة في الفضيلة وفي الباب عن أنس عند البخاري أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحر بيده سبع بدن قياما (5/185)
باب بيان وقت الذبح (5/185)
1 - عن جندب بن سفيان البجلي " أنه صلى الله عليه وآله وسلم يوم أضحى قال فانصرف فإذا هو باللحم وذبائح الأضحى تعرف فعرف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه ذبحت قبل أن يصلي فقال من كان ذبح قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى ومن لم يكن ذبح حتى صلينا فليذبح باسم الله "
- متفق عليه (5/186)
2 - وعن جابر قال " صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر بالمدينة فتقدم رجال فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نحر فأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان نحر قبله أن يعيد بنحر آخر ولا ينحروا حتى ينحر النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد ومسلم (5/186)
3 - وعن أنس قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم النحر من كان ذبح قبل الصلاة فليعد "
- متفق عليه . وللبخاري " من ذبح قبل الصلاة فإنما يذبح لنفسه ومن ذبح بعد الصلاة فقد تم نسكه وأصحاب سنة المسلمين " (5/186)
- وفي الباب عن البراء عند الجماعة كلهم بلفظ " من ذبح قبل الصلاة فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء " وقد تقدم بنحو هذا اللفظ : قوله " من ذبح قبل أن يصلى " في مسلم " قبل أن يصلي أو نصلي " الأولى بالياء التحتية والثانية بالنون وهو شك من الراوي . ورواية النون موافقة لقوله في أول الحديث " أنها ذبحت قبل أن يصلي " فإن المراد صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وموافقة أيضا لقوله في آخر الحديث " ومن لم يكن ذبح حتى صلينا " وهذا يدل على أن وقت الأضحية بعد صلاة الإمام لا بعد صلاة غيره فيكون المراد بقوله في حديث أنس " من كان ذبح قبل الصلاة " الصلاة المعهودة وهي صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وصلاة الأئمة بعد إنقضاء عصر النبوة ويؤيد هذا ما أخرجه الطحاوي من حديث جابر وصححه ابن حبان " أن رجلا ذبح قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنهي أن يذبح أحد قبل الصلاة " وظاهر قوله في حديث جابر " فنحروا وظنوا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد نحر " الخ أن الاعتبار بنحر الأمام وأنه لا يدخل وقت التضحية إلا بعد نحره ومن نحره ومنفعل قبل ذلك أعاد كما هو صريح الحديث ويجمع بين الحديثين بأن وقت النحر يكون لمجموع صلاة الامام ونحره . وقد ذهب إلى أن مالك فقال لا يجوز ذبحها قبل صلاة الامام وخطبته وذبحه وقال أحمد لا يجوز قبل صلاة الامام ويجوز بعدها قبل ذبح الامام وسواء عنده أهل القري والأمصار ونحوه عن الحسن والأوزاعي وإسحاق . وقال الثوري يجوز بعد صلاة المام قبل خطبته وفي أثنائها . وقال الشافعي وداود وآخرون ان وقت التضحية من طلوع الشمس فإذا طلعت ومضى قدر صلاة العيد وخطبته أجزأ الذبح بعد ذلك سواء صلى أم لا وسواء صلى المضحي أم لا وسواء كان من أهل القرى والبوادي أو منأهل الأمصار أو من المسافرين . وقال أبو حنيفة يدخل وقتها في حق أهل القرى والبوادي إذا طلع الفجر ولا يدخل في حق أهل الأمصار حتى يصلي الإمام ويخطب فإذا ذبح قبل ذلك لم يجزه . وقالت الهادوية ان وقتها يدخل بعد صلاة المضحي سواء صلى الإمام أم لا فإذا لم يصلي المضحى وكانت الصلاة واجبة عليه كان وقتها من الزوال وان كانت الصلاة غير واجبة عليه لعذر من الأعذار أو كان ممن لا تلزمه صلاة العيد فوقتها من فجر النحر ولا يخفى أن مذهب مالك هو الموافق لأحاديث الباب وبعضها يرد على بعضها . قال ابن المنذر وأجمعوا على أنها لا تجوز التضحية قبل طلوع الفجر وأما إذا لم يكن ثم إمام فالظاهر أنه يعتبر لكل مضح بصلاته . وقالربيعة فمن لا إمام له ان ذبح قبل طلوع الشمس لا تجزئه وبعد طلوعها تجزئه وآما أخر وقت التضحية فسيأتي بيانه . وقد تأول أحاديث الباب ولم يعتبر صلاة الامام وذبحه بان المراد بها الزجر عن التعجيل الذي يؤدي إلى فعلها قبل وقتها وبأنه لم يكن في عصره صلى الله عليه وآله وسلم من يصلى قبل صلاته فالتعليق بصلاته في هذه الأحاديث ليس المراد به إلا التعليق بصلاة المضحي نفسه لكنها لما كانت تقع صلاتهم مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير متقدمة ولا متأخرة وقع التعليق بصلاته صلى الله عليه وآله وسلم بخلاف العصر الذي بعد عصره فإنها تصلى صلاة العيد في المصر الواحد جماعات متعدة ولا يخفى بعد هذا فإنه لم يثبت أن أهل المدينة ومن حولهم كانوا لا يصلون العيد الا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا يصلح للتمسك لمن جوز الذبح من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر ما ورد من أن يوم النحر يوم ذبح لأنه كالعام وأحاديث الباب خاصة فيبنى العام على الخاص : قوله " فليذبح باسم الله " والجار والمجرور متعلق بمحذوف أي قائلا باسم الله (5/187)
4 - وعن سليمان بن موسى عن جبير بن مطعم عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " كل أيام التشريق ذبح "
- رواه أحمد وهو للدارقطني من حديث سليمان ابن موسى عن عمرو بن دينار . وعن نافع بن جبير عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحوه (5/187)
- حديث جبير بن مطعم أخرجه ابن حبان في صحيحه والبيهقي وذكر الأختلاف في إسناده . ورواه ابن عدي من حديث أبي هريرة وفي إسناده معاوية بن يحيى الصدفي وهو ضعيف وذكره ابن أبي حاتم من حديث أبي سعيد وذكر عن أبيه أنه موضوع . قال ابن القيم في الهدى إن حديث جبير بن مطعم منقطع لا يثبت وصله ويجاب عنه بأن ابن حبان وصله وذكره في صحيحه كما سلف ( وقد استدل ) الحديث على أن أيام التشريق كلها أيام ذبح وهي يوم النحر وثلاثة أيام بعده وقد تقدم الخلاف فيها في كتاب العيدين وكذلك روى في الهدى عن علي عليه السلام أنه قال أيام النحر يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده وكذا حكاه النووي عنه في شرح مسلم وحكاه أيضا عن جبير ابن مطعم وابن عباس وعطاء والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز وسليمان بن موسى الأسدي فقيه أهل الشام ومكحول والشافعي وداود الظاهري وحكاه صاحب الهدى عن عطاء والأوزاعي وابن المنذر ثم قال وروى من وجهين مختلفين يشد أحدهما الآخر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " كل مني منحر وكل أيام التشريق ذبح " وروى من حديث جبير بن مطعم وفيه انقطاع . ومن حديث أسامة بن زيد عن عطاء عن جابر قال يعقوب بن سفيان أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون انتهى . وقال أبو جنيفة ومالك وأحمد إن وقت الذبح يوم النحر ويومان بعده . قال النووي وروى هذا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وعلي عليه السلام وابن عمر وانس وحكى ابن القيم عن أحمد أنه قال هو قول غير واحد م أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورواه الاثرم عن ابن عباس وكذا حكاه عنه في البحر واليه ذهبت الهادوية والناصر . وقال ابن سيرين ان وقته يوم النحر خاصة وقال سعيد بن جبير وجابر بن زيدان وقته يوم النحر فقط لاهل الأمصار وأيام التشريق لاهل القرى . وحكى القاضي عياض عن بعض العلماء أن وقته في جميع ذي الحجة فهذه خمسة مذاهب أرجحها المذهب الأول للأحاديث المذكورة في الباب وهي تقوى بعضه بعضا وقد أجاب عن ذلك صاحب البحر بجواب في عابة السقوط فقال قلنا لم يعمل به يعني حديث جبير أحد من الصحابة وقد عرفت أنه قول جماعة من الصحابة على أن مجرد ترك الصحابة من غير تصريح منهم بعدم الجواز لا يعد قادحا وأشف ما جاء به من منع من الذبح في اليوم الرابع الحدث الآتي في النهي عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث قالوا فيه دليل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط لانه لا يجوز الذبح في وقت لا يجوز فيه الأكل ونسخ تحريم الأكل لا يستلزم نسخ وقت الذبح وقد أجاب عنه ابن القيم بأنه لا يدل على أن أيام الذبح ثلاثة فقط لأن الحديث دليل على نهي الذابح أن يؤخر شيئا فوق ثلاثة أيام من يوم ذبحه فلو أخر الذبح إلى اليوم الثالث لجاز له الأدخار ما بينه وما بين ثلاثة أيام وسيأتي بقية الكلام على الحديث ( ووقع الخلاف ) في جواز التضحية في ليالي أيام الذبح . فقال أبو حنيفة والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور والجمهور أنه يجوز مع كراهة . وقال مالك في المشهور عنه وعامة أصحابه ورواية عن أحمد أنه لا يجزئ بل يكون شاة لحم ولا يخفى أن لقول بعدم الاجزاء وبالكراهية يحتاج إلى دليل ومجرد ذكر الأيام في حديث الباب وان دل على اخراج الليالي بمفهوم اللقب لكن التعبير بالأيام عن مجموع الأيام والليالي والعكس مشهور متداول بين أهل اللغة لا يكاد يتبادر غيره عن الإطلاق وأما ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن الذبح ليلا ففي إسناده سليمان الخبايري وهو متروك وذكره عبد الحق من حديث عطاء يسار مرسلا وفيه مبشرين عبيد وهو أيضا متروك وفي البيهقي عن الحسن نهى عن جذاذ الليل وحصاده والأصحى بلليل وهو وأن كانت الصيغة مقتضية للرفع مرسل (5/187)
باب الأكل والاطعام بالأضحية وجواز ادخار لحمها ونسخ النهي عنه (5/188)
1 - عن عائشة قالت " دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ادخروا ثلاثا ثم تصدقوا بما بقي بعد ذلك قالوا يا رسول الله ان الناس يتخذون الاسقية من ضحاياهم يحملون فيها الودك فقال وما ذاك قالوا نهيت أن تؤكل الأضاحي بعد ثلاث فقال إنما بينكم من أجل الدافة فكلوا وادخروا وتصدقوا "
- متفق عليه (5/188)
2 - وعن جابر قال " كنا لا نأكل كل من لحوم بدننا فوق ثلاث منى فرخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال كلوا وتزودوا "
- متفق عليه . وفي لفظ " كنا نتزود لحوم الأضاحي على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى المدينة أخرجاه " وفي لفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن أكل لحوم الضحايا بعد ثلاث ثم قال بعد كلوا وتزودوا وادخروا " رواه مسلم والنسائي (5/188)
3 - وعن سلمة بن الأكوع قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ضحى منكم فلا يصحن بعد ثالثة وفي بيته منه شيء فلما كان في العام المقبل قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا في عام الماضي قال كلوا واطعموا وادخروا فإن ذلك العام كان بالناس جهد فاردت أن تعينوا فيها "
- متفق عليه (5/189)
4 - وعن ثوبان قال " ذبح رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أضحيته ثم قال يا ثوبان اصلح لي لحم هذه فلم أزل أطعمه حتى قدم المدينة "
- رواه أحمد ومسلم (5/189)
5 - وعن أبي سعيد " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال يا أهل المدينة لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن لهم عيالا وحشما وخدما فقال كلوا وأطعموا واحبسوا وادخروا "
- رواه مسلم (5/189)
6 - وعن بريدة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنت نهيتكم عن لحوم الأضاحي فوق ثلاثة لتسع ذوو الطول على من لا طول له فكلوا ما بدالكم وأطعموا وادخروا "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي وصححه (5/190)
- وفي الباب عن نبيشة الهذلي عند أحمد وأبي داود وزاد بعد قوله " وادخروا وائتجروا " أي اطلبوا الأجر بالصدقة . قوله " دف " بفتح الدال المهملة وتشديد الفاء أي جاء قال أهل اللغة الدافة بتشديد الفاء قوم يسيرون جميعا سيرا خفيفا ودافة الاعراب من يريد منهم المصر والمراد هنا من ورد من ضعفاء الأعراب للمواساة . قوله " حضرة " بفتح الحاء وضمها وكسرها والضاد ساكنة فيها كلها وحكى فتحها وهو ضعيف وإنما تفتح إذا حذفت الهاء يقال يحضر فلان كذا قال النووي . قوله " ويجعلون " بفتح الياء وسكون الجيم مع كسر الميم وضمها ويقال بضم الياء مع كسر الميم يقال جملت الدهن اجمله بكسر الميم واجمله بضمها جملا واجملته أجمله اجمالا أي أذبته : قوله " بعد ثلاث " قال القاضي عياض يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث من يوم ذبح الأضحية وان ذبحت بعد يوم النحر ويحتمل أن يكون من يوم النحر وان تأخر الذبح عنه قال وهذا اظهر ورجع ابن القيم الأول وهذا الخلاف لا يتعلق به فائدة عند من قال بالنسح الا باعتبار ما سلف من الاحتجاج بذلك إلى يوم الرابع ليس من أيام الذبح . قوله " إنما نهيتكم من أجل الدافة فكلوا " الخ هذا وما بعده تصريح بالنسخ لتحريم أكل لحوم الأضاحي بعد الثلاث وادخارها وإليه ذهب الجماهير من علماء الأمصار من الصحابة والتابعين فمن بعدهم . وحكى النووي عن علي عليه السلام وابن عمر أنهما قالا يحرم للحوم الأضاحي بعد ثلاث وان حكم التحريم باق وحكاه الحازمي في الاعتبار عن علي عليه السلام أيضا والزبير وعبد الله بن واقد بن عبد الله بن عمر ولعلهم لم يعلموا بالناسخ ومن علم حجة علي من لم يعلم وقد أجمع على جواز الأكل والادخار بعد الثلاث من بعد عصر المخالفين في ذلك ولا أعلم أحدا بعدهم ذهب إلى ما ذهبوا إليه . قوله " كلوا " استدل بهذا الأمر ونحوه من الأوامر المذكورة في الباب من قال بوجوب الأكل من الأضحية وقد حكاه النووي عن بعض السلف وأبي الطيب بن سلمة من أصحاب الشافعي ويؤيد قوله تعالى { فكلوا منها } وحمل الجمهور هذه الأوامر على الندب والأباحة لورودها بعد الحظر وهو عند الجماعة للإباحة . وحكى النووي عن الجمهور أنه للوجوب والكلام في ذلك مبسوط في الأصول : قوله " وأطعموا " وفي حديث عائشة " وتصدقوا " فيه دليل على وجوب التصدق من الأضحية وبه قالت الشافعية إذا كانت أضحية تطوع قالوا والواجب ما يقع اسم الاطعام والصدقة ويستحب أن يكون بمعظمها قالوا وأدنى الكمال أن يأكل الثلث ويتصدق بالثلث ويهدى الثلث وفي قول لهم يأكل النصف ويتصدق بالنصف ولهم وجه أنه لا يجب التصدق بشيء وقال القاسم بن إبراهيم أنه يتصدق بالبعض غير مقدر قال في البحر وفي جواز أكلها جميعها وجهان عن الأمام يحيى أصحهما لا يجوز اذ يبطل به القربة وهي المقصود وقيل يجوز والقربة تعلقت باهراق الدم فان فعل لم يضمن شيئا عند الجميع إذ لا دليل قلت وفي كلام الامام يحيى نظر مع القول بأنها سنة انتهى . قوله " فأردت أن تعينوا فيها " بالعين المهملة من الاعانة هذا لفظ البخاري ولفظ مسلم " أن يفش فيهم " بالفاء والشين المعجمة أي يشيع لحم الأضاحي في الناس وينتفع به المحتاجون . قال القاضي عياض في شرح مسلم الذي في مسلم أشبه وقال في المشارق كلاهما صحيح والذي في البخاري أوجه . والجهد هنا بفتح الجيم وهو المشقة والفاقة . قوله " أصلح لي لحم هذه " الخ فيه تصريح بجواز ادخار لحم الأضحية فوق ثلاث وجواز التزود منه وان التزود منه في الأسفار لا يقدح في التوكل ولا يخرج المتزود عنه وان الأضحية مشروعة للمسافر كما تشرع للمقيم وبه قال الجمهور . وقال النخعي وأبو حنيفة لا ضحية على المسافر قال النووي وروى هذا عن علي رضي الله عنه . وقال مالك وجماعة لا تشرع للمسافر بمنى ومكة والحديث يرد عليهم . قوله " حشما " قال أهل اللغة الحشم بفتح الحاء المهملة والشين المعجمة هم اللائذون بالانسان يخدمونه ويقومون باموره . وقال الجوهري هم خدم الرجل ومن يغضب له سموا بذلك لانهم يغضبون له والحشمة الغضب ويطلق على الاستحياء ومنه قولهم فلان لا تحتشم أي لا يستحي ويقال حشمته وأحشمته إذا أغضبته وإذا أخجلته فاستحي لخجله قال النووي وكأن الحشم أعم من الخدم فلهذا جمع بينهما في هذا الحديث وهو من باب ذكر الخاص بعد العام . وفي القاموس الحشمة بالكسر والحياء والانقباض احتشم منه وعنه وحشمه و أحشمه وكفرح وغضب وكسمعه أغضبه كاحشمه وحشمه . وحشمة الرجل وحشمة محركتين واحشامه خاصته الذي يغضبون له من أهل وعبيد أو جيرة والحشم محركة للواحد وهو العيال والقرابة أيضا انتهى : قوله " فكلوا ما بدا لكم " فيه دليل على عدم تقدير الأكل بمقدار وان للرجل أن يأكل من أضحيته ما شاء وان كثر مالم يستغرق بقرينة قوله وأطعموا (5/190)
باب الصدقة بالجلود والجلال والنهي عن بيعها (5/190)
1 - عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وان أتصدق بلحومها وجلودها وأجلتها وان لا أعطي الجازر منا شيئا وقال نحن نعيه من عندنا "
- متفق عليه (5/191)
2 - وعن أبي سعيد " أن قتادة بن النعمان أخبره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام فقال أني كنت أمرتكم أن لا تأكلوا لحوم الأضاحي فوق ثلاثة أيام ليسعكم وأني أحله لكم فكلوا ماشئتم ولا تبيعوا لحوم الهدى والأضاحي وكلوا وتصدقوا واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها وان أطعمتم من لحومها شيئا فكلوا أني شئتم
- متفق عليه (5/191)
- حديث قتادة ذكره صاحب الفتح ولم يتعقبه مع جرى عادته بتعقب ما في ضعف . وقال في مجمع الزوائد أنه مرسل صحيح الإسناد انتهى . قوله " أن أقوم على بدنه " أي عند نحرها للاحتفاظ بها ويحتمل أن يريد ما هو أعم من ذلك أي على مصالحها في علفها ورعيها وسقيها وغير ذلك . ولم يقع في هذه الرواية عدد البدن . ووقع في رواية أخرى للبخاري وغيره أنها مائة بدنة وقد تقدم ما روى من أنه صلى الله عليه وآله وسلم نحر ثلاثين بدنة كما في رواية أبي داود أو ثلاثا وستين كما في رواية مسلم وهي الأصح : قوله " واجلتها " جمع جلال بضم الجيم وتخفيف اللام وهو ما يطرح على ظهر البعير من كساء ونحوه ويجمع أيضا على جلال بكسر الجيم قوله " وان لا أعطي الجازر منها شيئا " فيه دليل على أنه لا يعطى الجازر شيئا البتة وليس ذلك المراد به المراد أنه لا يعطى لأجل الجزارة لا لغير ذلك . وقد بين النسائي ذلك في روايته من طريق شعيب بن إسحاق عن ابن جريج قال ابن خزيمة والمراد أنه يقسمها كلها على المساكين إلا ما أمره به من أن يأخذ من كل بدنة بضعة كما في حديث جابر الطويل عند مسلم ( والحديث ) يدل على أنه لا يجوز إعطاء الجازر من لحم الهدى الذي نحره على وجه الأجرة وقال القرطبي ولم يرخص في إعطاء منها لأجل إلا الحسن البصري وعبد الله بن عبيد بن عمير انتهى . وقد روى ابن خزيمة والبغوي انه يجوز إعطؤه منها إذا كان فقيرا بعد توفير أجرته من غيرها . وقال غيرهما ان القياس ذلك لولا إطلاق الشارع المنع وظاهره عدم جواز الصدقة والهدية كما لا تجوز الأجرة وذلك لانها قد تقع مسامحة من الجازر في الأجرة لاجل ما يعطاه من اللحم على وجه الصدقة أو الهدية وقد استدل به على نمع بيع الجلد والجلال قال القرطبي فيه دليل على ان جلود الهدى وجلالها لاتباع لعفهما على اللحم وإعطئهما حكمه وقد اتفقوا على أن لحمها لا يباع فكذلك الجلود والجلال . وأجازه الأوزاعي وأحمد وإسحاق وأبو ثور وهو وجه عند الشافعية قالوا ويصرف ثمنه مصرف الأضحية . قوله " ماشئتم " فيه إطلاق المقدار الذي يأكله المضحي من أضحيته وتفويضه إلى مشيئته : قوله " ولا تبيعوا لحوم الأضاحي " فيه دليل على منع بيع لحوم الأضاحي وظاهره التحريم وقد بين الشارع وجوه الانتفاع في الأضحية من الاكل والتصدق والادخار والائتجار : قوله " واستمتعوا بجلودها ولا تبيعوها " فيه رد على الأوزاعي ومن معه وفيه أيضا الأذن بالانتفاع بها بغير البيع . وقد روى عن محمد بن الحسن ان له ان يشتري بمسكها غربالا أو غيرها من آلة البيت لا شيئا من المأكول . وقال الثوري لا يبيعه ولكن يجعله سقائ وشنا في البيت وهو ظاهر الحديث . قوله وان أطعمتم " الخ فيه دليل على أنه يجوز لمن أطعمه غيره من لحم الأضحية ان يأكل كيف شاء وان كان غنيا ؟ (5/191)
باب من أذن في انتهاب أضحيته (5/192)
1 - عن عبد الله بن قرط " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال أعظم الأيام عند الله يوم النحر ثم يوم القر وقرب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خمس بدنات أو ست ينحرهن فطفقن يزدلفن إليه أيتهن يبدأ بها فلما وجبت جنوبها قال كلمة خفية لم أفهمها فسألت بعض من يليني ما قال قالوا قال من شاء اقتطع "
- رواه أحمد وأبو داود وقد احتج به من رخص في نثار العروس ونحوه (5/192)
- الحديث أخرجه أيضا النسائي وابن حبان في صحيحه وسكت عنه أبو داود والمنذري : قوله " ابن قرط " بضم القاف وآخره طاء مهملة : قوله " يوم النحر " هو يوم الحج الأكبر على الصحيح عند الشافعية ومالك وأحمد لما في البخاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم وقف يوم النحر بين الجمرات وقال هذا يوم الحج الأكبر ( وفي الحديث ) دلالة على أنه أفضل أيام السنة ولكنه يعارضه حديث خير يوم طلعت فيه الشمس يوم الجمعة وقد تقدم في أبواب الجمعة وتقدم الجمع ويعارضه أيضا ما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما من يوم أفضل عند الله من يوم عرفة ينزل الله تعالى إلى سماء الدنيا فيباهي بأهل الأرض أهل السماء فلم ير يوم أكثر عتقا من النار من يوم عرفة " وقد ذهبت الشافعية إلى أنه أفضل من يوم النحر ولا يخفى الباب ليس فيه إلا أن يوم النحر أعظم وكونه أعظم وان كان مستلزما لكونه أفضل لكنه ليس كالتصريح بالأفضلية كما في حديث جابر اذ لا شك أن الدلالة المطابقية أقوى من الالتزامية فإن أمكن الجمع بحمل أعظمية يوم النحرعلى غير الأفضلية فذاك وإلا يمكن فدلالة حديث جابر على أفضلية يوم عرفة أقوى من دلالة حديث عبد الله بن قر على أفضلية يوم النحر : قوله " يوم القرط بفتح القاف وتشديد الراء وهو اليوم الذي يلي يوم النحر سمى بذلك لأن الناس يقرون فيه بمنى وقد فرغوا من طواف الإفاضة والنحر فاستراحوا ومعنى قروا واستقروا ويسمى يوم النفر الأول ويوم الأكارع قوله يزدلفن " أي يقترين واصل الدال تاء ثم أبدلت منه ومنه المزدلفة لاقترابها إلى عرفات ومنه قوله تعالى { وأزلفت الجنة للمتقين } وفي هذه معجزة ظاهرة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حيث تسارع إليه الدواب التي لا تعقل لأراقة دمها تبركا به فيالله العجب من هذا النوع الإنساني كيف يكون هذا النوع البهيمي أهدى من أكثره وأعرف تقرب إليه هذه العجم لإزهاق أرواحها . وفرى أوداجها وتتنافس في ذلك وتتسابق إليه ومع كونها لا ترجو جنة ولا تخاف نارا ويبعد ذلك الناطق العاقل عنه مع كونه ينال بالقرب منه النعيم الأجل والعاجل ولا يصيبه ضرر في نفس ولا مال حتى قال القائل مظهرا لندة حرصه على قتل المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم أين محمد لانجوت إن نجا وأراق الآخر دمه وكسر ثنيته فانظر إلى هذا التفاوت الذي يضحك منه ابليس ولأمر ما كان الكافر شر الدواب عند الله : قوله " فلما وجبت جنوبها " أي سقط إلى الأرض جنوبها والوجوب السقوط : قوله " من شاء اقتطع " أي من شاء أن يقطع منها فليقتطع هذا محل الحجة على جواز انتهاب الهدي والأضحية واستدل به على جواز انتهاب نثلر العروس كما ذكره المصنف . ومن جملة من استدل به البغوي ووجه الدلالة قياس انتهاب النثار على انتهاب الأضحية وقد رويت في النثار وانتهابه أحاديث لا يصح منها شيء وليس هذا محل ذكرها وقد ذهب بعض أهل العلم إلى كراهة انتهاب النثار وروى ذلك عن ابن مسعود وإبراهيم النخعي وعكرمة وتمسكوا بما ورد في النهي عن النهبي وهو يعم كل ما صدق عليه أنه انتهاب ولا يخرج منه إلا ما خص بمخصص صالح (5/192)
كتاب العقيقة وسنة الولادة (5/193)
1 - عن سلمان بن عامر الضبي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع الغلام عقيقة فاهريقوا عنه دما وأميطوا عنه الأذى "
- رواه الجماعة إلا مسلما (5/193)
2 - وعن سمرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كل غلام وهينة بعقيقة تذبح عنه يوم سابعه ويسمى فيه ويحلق رأسه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (5/193)
3 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة "
- رواه أحمد والترمذي وصححه . وفي لفظ " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن نعق عن الجارية شاة وعن الغلام شاتين " رواه أحمد وابن ماجه (5/194)
4 - وعن أم كرز الكعبية " أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال نعم عن الغلام شاتان وعن الأنثى واحدة ولا يضركم ذكرانا كن أو أناثا "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (5/194)
- حديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه عبد الحق وهو من رواية الحسن عن سمرة والحسن مدلسة لكنه روى البخاري في صحيحه من طريق الحسن أنه سمع حديث العقيقة من سمرة . قال الحافظ كأنه عنى هذا وقد تقدم قوله من قال أنه لم يسمع منه غيره . وحديث عائشة أخرجه أيضا ابن حبان والبيهقي وحديث أم كرز أخرجه أيضا النسائي وابن حبان والحاكم والدارقطني . قال في التلخيص له طرق عند الأربعة والبيهقي : قوله " مع الغلام عقيقه " العقيقة الذبيحة التي تذبح للمولود والعق في الأصل الشق والقطع . وسبب تسميتها بذلك أنه يشق حلقها بالذبح وقد يطلق اسم العقيقة على شعر المولود وجعله الزمخشري الأصل والشاة مشتقة منه : قوله " فاهر يقوا عنه دما " تمسك بهذا وببقية الأحاديث القائلون بأنها واجبة وهم الظاهرية والحسن البصري وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى انها سنة وذهب أبو حنيفة إلى أنها ليست فرضا ولا سنة وقيل أنها عند تطوع ( احتج الجمهور ) بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " من أحب أن ينسك عن ولده فليفعل " وسيأتي ذلك يقتضي عدم الوجوب لتفويضه إلى الاختيار قرينة صارفة للأوامر ونحوها عن الوجوب إلى الندب وبهذا الحديث احتج أبو حنيفة على عدم الوجوب والسنية ولكنه لا يخفى أنه لا منافاة بين التفويض إلى الأختيار وبين كون الفعل الذي وقع فيه التفويض سنة . وذهب محمد بن الحسن إلى أن العقيقة كانت في الجاهلية وصدر الإسلام فنسخت بالاضحية وتمسك بما سيأتي ويأتي الجواب عنه . وحكى صاحب البحر عن أبي حنيفة أن العقيقة جاهلية محاها الاسلام وهذا ان صح عنه حمل على انها لم بتلغه الأحاديث الواردة في ذلك . قوله " وأميطوا عنه الأذى " المراد احلقوا عنه شعر رأسه كما في الحديث الذي بعده . ووقع عند أبي داود عن ابن سيرين أنه قال ان إن لم يكن الأذى حلق الرأس وإلا فلا أدرى ما هو . وأخرج الطحاوي عنه أيضا قال لم أجد من يخبرني عن تفسير الأذى وقد جزم الأصمعي بأنه حلق الرأس . وأخرجه أبو داود بإسناد صحيح عن الحسن كذلك . ووقع في حديث عائشة عند الحاكم بلفظ " وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى " قال في الفتح ولكن لا يتعين ذلك في حلق الرأس فالأولى حمل الأذى على ما هو أعم من حلق الرأس ويؤيد ذلك أن في بعض طرق حديث عمرو بن شعيب ويماط عنه اقذارةه رواه أبو الشيخ قوله " كل غلام رهينة بعقيقته "
قال الخطابي اختلف الناس في معنى هذا فذهب أحمد بن حنبل إلى أن معناه أنه إذا مات وهو طفل ولم يعق عنه لم يشفع لابويه وقيل المعنى أن العقيقة لازمة لابد منها فشبه لزومها للمولود بلزوم الرهن للمرهون في يد المرتهن . وقيل أنه مرهون بالعقيقة بمعنى أنه لا يسمى ولا يحلق شعره إلا بعد ذبحها وبه صرح صاحب المشارق والنهاية : قوله " يذبح عنه يوم سابعه " بضم الياء من قوله يذبح وبناء الفعل للمجهول وفيه دليل على أنه يصح أن يتولى ذلك الأجنبي كما يصح أن يتولاه القريب عن قريبه والشخص عن نفسه وفيه أيضا دليل على أن وقت العقيقة سابع الولادة وأنها تفوت بعده وتسقط ان مات قبله وبذلك قال مالك وحكى عنه ابن وهب انه قال ان فات السابع الأول فالثاني ونقل الترمذي عن أهل العلم أنهم يستحبون أن تذبح العقيقة في السابع فان لم يمكن ففي الرابع عشر فان لن يمكن فيوم أحد وعشرين وتعقبه الحافظ بأنه لم ينقل ذلك صريحا الا عن أبي عبد الله البوشنجي ونقله صالح بن أحمد عن أبيه . ويدل على ذلك ما أخرجه البيهقي عن عبد الله بن بريدة عن ابيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال العقيقة تذبح لسبع ولأربع عشرة ولإحدى وعشرين " وعند الحنابلة في اعتبار الأسابيع بعد ذلك روايات . وعن الشافعية ان ذكر السابع للاختيار لا للتعين : ونقل الرافعي انه يدخل وقتها بالولادة وقال الشافعي ان معناه انها لا تؤخر عن السابع اختيارا فان تأخرت إلى البلوغ سقطت عمن كان يريد أن يعق عنه لكن ان أراد هو أن يعق عن نفسه فعل . ونقل صاحب البحر عن الامام يحيى انها لا تجزي قبل السابع ولا بعده اجماعا ودعوى الاجماع مجازفة لما عرفت من الخلاف المذكور . قوله " ويسمى فيه " في رواية يدعى وقال أبو داود انها وهم من همام . وقال ابن عبد البر هذا الذي تفرد به همام ان كان حفظه فهو منسوخ . وقد سئل قتادة عن معنى قوله يدمى فقال إذا ذبحت العقيقة أخذت منها صوفة واستقبلت بها أو داجها صم توضع على يافوخ الصبي حتى يسيل عن رأسه مثل الخيط ثم يعلق ثم يغسل رأسه بعد ويحلق . وقد كره الجمهور التدمية واستدلوا عن ذلك بما أخرجه ابن حبان في صحيحه عن عائشة " قالت كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا بطنه بدم العقيقة فإذا حلقوا رأس المولود وضعوها على رأسه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اجعلوا مكان الدم خلوقا " زاد أبو الشيخ " ونهى ان يمس رأس المولود بدم " وأخرج ابن ماجه عن يزيد بن عبد الله المزني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يعق عن الغلام ولا يمس رأسه بدم " وهذا مرسل لأن يزيد لا صحبة له وقد وصله البزار من هذه الطريق وقال عن أبيه ومع هذا فقد قيل إنه عن أبيه مرسل وسيأتي حديث بريدة الأسلمي ونقل ابن حزم عن ابن عمر وعطاء واستحباب التدمية وحكاه في البحر عن الحسن البصري وقتادة . وفي قوله ويسمى دليل على استحباب التسمية في اليوم السابع وحمل ذلك بعضهم على التسمية عند المذبح واستدل بما أخرجه ابن أبي شيبة من طريق همام عن قتادة قال يسمى على المولود ما يسمى على الأضحية بسم الله عقيقة فلان ومن طريق سعيد عن قتادة نحوه وزاد " اللهم منك ولك عقيقة فلان بسم الله والله أكبر " . ولا يخفى بعده لان قوله " ويسمى فيه مشعر " بأن المراد تسمية المولود في ذلك اليوم ولو كان المراد ما ذكره ذلك البعض لقال ويسمي عليها . قوله " مكافئتان " قال النووي بكسر الفاء بعدها همزة هكذا صوابه عند أهل اللغة والمحدثون يقولونه بفتح الفاء قال أبو داود في سننه أي مستويتان أو متقاربتان وكذا قال أحمد قال الخطابي والمراد التكافؤ في السن فلا تكون إحداهما مسنة والأخرى غير مسنة . وقيل معناه أن يذبح إحداهما مقابلة للأخرى وفي هذا الحديث وحديث أم كرز المذكور بعده وكذلك حديث بريدة وابن عباس وأبي رافع وسيأتي دليل على أن المشروع في العقيقة شاتان عن الذكر وبه قال الشافعي وأحمد وأبو ثور وداود والإمام يحيى وحكاه للمذهب . وحكاه في الفتح عن الجمهور . وقال مالك أنها شاة عن الذمر والأنثى قال في البحر وهو المذهب . واستدل على ذلك في حديث بريدة الآتي بلفظ " كنا نذبح شاة " الخ وبحديث ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين عليهما السلام كبشا كبشا ويجاب عن ذلك بان أحاديث الشاتين مشتملة على الزيادة فهي من هذه الحيثية أولى بالقبول . وأما حديث ابن عباس فسيأتي أيضا في رواية منه أنه عق عن كل واحد بكبشين وأيضا القول أرجح من الفعل وقيل أن في اقتصاره صلى الله عليه وآله وسلم على شاة دليلا على أن الشاتين مستحبة فقط وليست بمتعينة والشاة جائزة غير مستحبة . وقيل أنه لم يتيسر إلا شاة وأما الأنثى فالمشروع في العقيقة عنها شاة واحدة إجماعا كما في البحر . قوله " ولا يضر كم ذكرانا كن أو أناثا " فيه دليل على أنه لافرق بين ذكور الغنم واناثها (5/194)
5 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العقيقة فقال لا أحب العقوق وكأنه كره الاسم فقالوا يا رسول الله إنما نسألك عن أحدنا يولد له قال من أحب منكم أن ينسك عن ولده فليفعل عن الغلام شاتان مكافأتان وعن الجارية شاة "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (5/195)
6 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر بتسمة المولود يوم سابعه ووضع الأذى عنه والعق "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (5/195)
7 - وعن بريدة الأسلمي قال " كنا في الجاهلية إذا ولد لاحدنا غلام ذبح شاة ولطخ رأسه بدمها فلما جاء الله بالإسلام كنا نذبح شاة ونحلق رأسه ونلطخه بزعفران "
- رواه أبو داود (5/195)
8 - وعن ابن عباس " ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عق عن الحسن والحسين كبشا كبشا "
- رواه أبو داود والنسائي وقال " بكبشين كبشين " (5/196)
- حديث عمرو بن شعيب الأول سكت عنه أبو داود وقال المنذري في إسناده عمرو بن شعيب وفيه مقال يعني في روايته عن أبيه وجده وقد سلف بيان ذلك . وحديثه الثاني أخرجه الحاكم وحديث بريدة أخرجه ايضا أحمد والنسائي قال في التلخيص وإسناده صحيح انتهى . وفيه نظر لان في إسناده علي بن الحسين بن وافد وفيه مقال وقد أخرج نحو حديث بريدة هذا ابن حبان وصححه وابن السكن وصححه من حديث عائشة والطبراني في الصغير من حديث أنس والبيهقي من حديث فاطمة والترمذي والحاكم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده والبيهقي من حديث علي عليه السلام وحديث ابن عباس صححه عبد الحق وابن دقيق العيد وأخرج نحوه ابن حبان والحاكم والبيهقي من حديث عائشة بزيادة يوم السابع وسماهما وأمر أن يماط عن رؤوسهما الأذى : قوله " وكأنه كره الأسم " وذلك لأن العقيقة التي هي الذبيحة والعقوق للأمهات مشتقان من العق الذي هو الشق والقطع فقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا أحب العقوق " بعذ سؤاله عن العقيقة للاشارة إلى كراهة اسم العقيقة لما كانت هي والعقوق يرجعان إلى أصل واحد ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم " من أحب منكم أن ينسك " ارشادا منه إلى مشروعية تحويل العقيقة إلى النسيكة وما وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم من قوله مع الغلام عقيقة وكل غلام مرتهن بعقيقته ورهينة بعقيقته فمن البيان للمخاطبين بما يعرفونه لان ذلك اللفظ هو المتعارف عند العرب ويمكن الجمع بأنه صلى الله عليه وآله وسلم تكلم بذلك لبيان الجواز وهو لا ينافي الكراهة التي اشعر بها قوله " لا أحب العقوق " : قوله " من أحب منكم " قد قدمنا ان التفويض إلى المحبة يقتضي رفع الوجوب وصرف ما أشعر به إلى الندب . قوله " مكافأتان " قد تقدم ضبطه وتفسيره . قوله " أمر بتسمية المولود " الخ فيه مشروعية التسمية في اليوم السابع والرد على من حمل التسمية في حديث سمرة السابق على التسمية عند الذبح وفيه أيضا مشروعية وضع الأذى عنه وذبح العقيقة في ذلك اليوم . قوله " فلما جاء الله بالاسلام " الخ فيه دليل على تلطيخ رأس المولود بالدم من عمل الجاهلية وانه منسوخ كما تقدم وأصرح منه في الدلالة على النسخ حديث عائشة عند ابن حبان وابن السكن وصححاه كما تقدم بلفظ " فأمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يجعلوا مكان الدم خلوقا " : قوله " ونلطخه بزعفران " فيه دليل على استحباب تلطيخ رأس الصبي بالزعفران أو غيره من الخلوق كما في حديث عائشة المذكور . قوله " عق عن الحسن والحسين " فيه دليل على أنها تصح العقيقة من غير الأب مع وجوده وعدم امتناعه وهو يرد ما ذهبت إليه الحنابلة من أنه يتعين الأب الا ان يموت أو يمتنع . وروى عن الشافعي ان العقيقة تلزم من تلزمه النفقة ويجوز أن يعق الانسان عن نفسه ان صح ما أخرجه البيهقي عن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عق عن نفسه بعد البعثة " ولكنه قال انه منكر وفيه عبد الله بن محرر بمهملات وهو ضعيف جدا كما قال الحافظ وقال عبد الرزاق إنما تكلموا فيه لاجل هذا الحديث . قال البيهقي وروى من وجه آخر عن قتادة عن انس وليس بشيء . وأخرجه أبو الشيخ من وجه آخر عن أنس وأخرجه أيضا ابن أيمن في مصنفه والخلال من طريق عبد الله بن المثني عن ثمامة بن عبد الله عن أنس عن أبيه به وقال النووي في شرح المهذب هذا حديث باطل وأخرجه أيضا الطبراي والضياء من طريق فيها ضعف وقد احتج بحديث أنس هذا من قال أنها تجوز العقيقة عن الكبير وقد حكاه ابن رشد عن بعض أهل العلم (5/196)
9 - وعن أبي رافع " أن حسن بن علي رضي الله عنهما لما ولد أرادت أمه فاطمة رضي الله عنها أن تعق عنه بكبشين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تعقي عنه ولكن احلقي شعر رأسه فتصدقي بوزنه من الورق ثم ولد حسين رضي الله عنه فصنعت مثل ذلك "
- رواه أحمد (5/196)
10 - وعن أبي رافع قال " رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أذن في أذن الحسين حين ولدته فاطمة بالصلاة "
- رواه أحمد وكذلك أبو داود والترمذي وصححه وقالا " الحسن " (5/197)
11 - وعن أنس " أن أم سليم ولدت غلاما قال فقال لي أبو طلحة احفظه حتى تأتي به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتاه به وأرسلت معه بتمرات فأخذها الني صلى الله عليه وآله وسلم فمضغها ثم أخذها من فيه فجعلها في الصبي وحنكه به وسماه عبد الله " (5/197)
12 - وعن سهل بن سعد قال " أتي بالمنذر بن أسيد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين ولد فوضعه على فخذه وأبو أسيد جالس فلهي النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشيء بين يديه فأمر أبو أسيد بابنه فاحتمل من فخذه فاستفاق النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اين الصبي فقال أبو أسيد قلبناه يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال ما اسمه قال فلان ولكن اسمه المنذر فسماه يومئذ المنذر "
- متفق عليهما (5/197)
- حديث أبي رافع الأول أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده ابن عقيل وفيه مقال وقال البيهقي أنه تفرد به ويشهد له ما أخرجه مالك وأبو داود في المراسيل والبيهقي من حديث جعفر بن محمد زاد البيهقي عن أبيه عن جده " أن فاطمة رضي الله عنها وزنت شعر الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم رضي الله عنهم فتصدقت بوزنه فضة " وأخرجه الترمذي والحاكم من حديث محمد بن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر عن محمد بن علي بن الحسين عن أبيه عن علي رضي الله عنهم قال " عق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الحسن شاة وقال يا فاطمة احلقي رأسه وتصدقي بزنة شعره فضة فوزناه فكان وزنه درهما أو بعض درهم . وروى الحاكم من حديث علي رضي الله عنه قال " أمر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاطمة فقال زنى شعر الحسين وتصدقي بوزنه فضة وأعطى القابلة رجل العقيقة " ورواه أبو داود في سننه من طريق حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن أبيه مرسلا . وحديث أبي رافع الثاني أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي ورواه أبو نعيم والطبراني من حديثه بلفظ " اذن في أذن الحسن والحسين رضي الله عنهما " ومداره علي عاصم بن عبيد الله وهو ضعيف . قال البخاري منكر الحديث وأخرج ابن السني من حديث الحسين بن علي رضي الله عنهما مرفوعا بلفظ " من ولد له مولود فأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى لم تضره أم الصبيان " وام الصبيان هي التابعة من الجن هكذا أورد الحديث في التلخيص ولم يتكلم عليه : قوله " لا تعقي عنه " قيل يحمل هذا على أنه قد كان صلى الله عليه وآله وسلم عق عنه وهذا متعين لما قدمنا في رواية الترمذي والحاكم عن علي عليه السلام : قوله " من الورق " قال في التلخيص الروايات كلها متفقة على التصدق بالفضة وليس في شيء منها ذكر الذهب وقال الرافعي انه يتصدق بوزن شعره ذهبا وان لم يفعل ففضة . وقال المهدي في البحر أنه يتصدق بوزن شعره ذهبا أو فضة ويدل على ذلك ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن ابن عباس قال " سبعة من السنة في الصبي يوم السابع يسمى ويختن ويماط عنه الأذى وتثقب أذنه ويعق عنه ويحلق رأسه ويلطخ بدم عقيقه ويتصدق بوزن شعر رأسه ذهبا أو فضة " وفي إسناده رواد بن الجراح وهو ضعيف وبقية رجاله ثقاة وفي لفظه ما ينكر وهو ثقب الأذن والتلطيخ بدم العقيقة : قوله " أذن في أذن الحسين عليه السلام " الخ فيه استحباب التأذين في أذن الصبي عند ولادته وحكى في البحر استحباب ذلك عن الحسن البصري واحتج على الاقامة في اليسرى بفعل عمر بن عبد العزيز وهو توقيف وقد روى ذلك ابن المنذر عنه أنه كان إذا ولد له أذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى قال الحافظ لم أره عنه مسندا انتهى . وقد قدمنا نحو هذا مرفوعا . قوله " فمضغها " أي لاكها في فيه . قوله " وحنكه " بفتح المهملة بعدها نون مشددة والتحنيك ان يمضع المحنك التمر أو نحوه حتى يصير مائعا بحيث يبتلع ثم يفتح فم المولود ويضعها في فمه ليدخل شيء منا جوفه قال النووي اتفق العلماء على اسباب تحنيك المولود عند ولادته بتمر فإن تعذر فما في معناه أو قريب منه من الحلوا قال ويستحب ان يكون من الصالحين وممن يبرك به رجلا كان او امرأة فان لم يكن حاضرا عند المولود حمل إليه ( وفيه استحباب ) التسمية بعبد الله قال النووي وإبراهيم وسائر الأنبياء الصالحين قال في البحر وعبد الرحمن واستحباب تفويض التسمية إلى أهل الصلاح . قوله " أسيد " بفتح الهمزة على المشهور وحكى عياض عن أحمد الضم وكذا عن عبد الرزاق ووكيع : قوله " فلهى " روى بفتح الهاء وكسرها مع الياء والأولى لغة طئ والثانية لغة الأكثر ومعناه اشتغل بذلك الشيء قاله أهل الغريب والشراح : قوله " استفاق " أي فرغ من ذلك الأشتغال : قوله " قلبناه " أي رددناه وصرفناه وفي الحديث استحباب التسمية بالمنذر
( فائدة ) قد وقع الخلاف في ابحاث تتعلق بالعقيقة الأول هي يجزئ منا غير الغنم أم لا فقيل لا يجزئ وقد نقله ابن المنذر في حفصة بنت عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنه . وقال البوشنجي لا نص للشافعي في ذلك وعندي لا يجزئ غيرها انتهى . ولعل وجه ذلك ذكرها في الأحاديث دون غيرها ولا يخفى ان مجرد ذكرها لا ينفي اجزاء واختلف قول مالك في الاجزاء وأما الأفضل عند فالكبش مثل الأضحية كما تقدم والجمهور على اجزاء البقر والغنم . ويدل عليه ما عند الطبراني وأبي الشيخ من حديث أنس مرفوعا بلفظ " يعق عنه من الأبل والبقر والغنم " ونص أحمد على أنها تشترط بدنة أو بقرة كاملة . وذكر الرافعي أنه يجوز اشتراك سبعة في الأبل والبقر كما في الأضحية ولعل من جوز اشتراك عشرة هناك يجوز هنا . الثاني هل يشترط فيها ما يشترط في الأضحية وفيه وجهان للشافعية . وقد استدل بإطلاق الشاتين على عدم الأشتراط وهو الحق لكن لا لهذا الإطلاق بل لعدم ورود ما يدل ههنا على تلك الشروط والعيوب المذكورة في الأضحية وهي أحكام شرعية لا تثبت بدون دليل . وقال المهدي في البحر مسألة الامام يحيى ويجزيء عنها ما يجزئ أضحية بدنة أو بقرة شاة وسنها وصفتها والجامع التقرب باراقة الدم انتهى ولا يخفى أنه يلزم علىمقتضى هذا القياس ان تثبت أحكام الأضحية في كل دم متقرب به ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس والمندوب في كل دم متقرب به ودماء الولائم كلها مندوبة عند المستدل بذلك القياس والمندوب متقرب به فيلزم ان يعتبر فيها أحكام الأضحية بل روى عن الشافعي في أحد قوليه ان وليمة العرس واجبة . وذهب أهل الظاهر إلى وجوب كثير من الولائم ولا أعرف قائلا يقول بأنه يشترط في ذبائح شيء من هذه الولائم ما يشترط في الأضحية فقد استلزم هذا القياس ما لم يقل به أحد وما استلزم الباطل باطل الثالث . في مبدأ وقت ذبح العقيقة وقد اختلف أصحاب مالك في ذلك فقيل وقتها الضحايا وقد تقدم الخلاف فيه هل هو من بعد الفجر أو من طلوع الشمس أو من وقت الضحى أو غير ذلك . وقيل أنها تجيء في الليل . وقيل لا على حسب الخلاف السابق في الأضحية وقيل يجزئ في كل وقت وهو الظاهر لما عرفت من عدم الليل على انه يعتبر فيها ما يعتبر في الأضحية (5/198)
باب ما جاء في الفرع والعتيرة ونسخهما (5/198)
1 - عن مخنف بن سليم قال " كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعرفات فسمعه يقول يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة هل تدرون ما العتيرة هي التي تسمونها الرجبية "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي . وقال هذا حديث حسن غريب (5/198)
2 - وعن أبي رزين العقيلي أنه " قال يا رسول الله ان كنا نذبح في رجب ذبائح فنأكل منا ونطعم من جاءنا فقال له لا بأس بذلك " (5/199)
3 - وعن الحرث بن عمرو " أنه لقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع قال فقال رجل يا رسول الله الفرائع والعتائر فقال من شاء فرع ومن شاء لم يفرع ومن شاء عتر ومن شاء لم يعتر في الغنم أضحية "
- رواهما أحمد والنسائي (5/199)
4 - وعن نبيشة الهذلى قال " قال رجل يا رسول الله انا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا قال اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا الله عز و جل وأطعموا قال فقال رجل آخر يا رسول الله انا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا قال فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في كل سائمة من الغنم فرع تغذوه غنمك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه على ابن السبيل فان ذلك هو خير "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (5/199)
- حديث مخنف أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وفي إسناده أبو رملة واسمه عامر . قال الخطابي هو مجهول والحديث ضعيف المخرج . وقال أبو بكر المعافري حديث مخنف بن سليم ضعيف لا يحتج به . وحديث أبي زرين العقيلي أخرجه أيضا البيهقي وأبو داود وصححه ابن حبان بلفظ " أنه قال يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم انا كنا نذبح في الجاهلية ذبائح في رجب فنأكل منها ونطعم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا بأس بذلك " وحديث الحرث بن عمرو أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححاه . وحديث نبيشة صححه ابن المنذر وقال النووي أسانيده صححه ( وفي الباب ) عن عائشة عند أبي داود والحاكم والبيهقي قال النووي بإسناده صحيح قال " أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة " وفي رواية " من كل خمسين شاة شاة " وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود قال " سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الفرع فقال الفرع حق وأن تتركون حتى يكون بكرا أو ابن مخاض أو ابن لبون فتعطيه أرملة أو تحمل عليه في سبيل الله خير من أن تذبحه فيلزق بحمه بوبره وتكفأ إناءك وتوله ناقتك " يعني ان ذبحه يذهب لبن الناقة ويفجعها قوله " في كل عام أضحية " هذا من جملة الأدلة التي تمسك بها من قال بوجوب الأضحية وقد تقدم الكلام على ذلك . قوله " وعتيرة " بفتح العين المهملة وكسر الفوقية وسكون التحتية بعدها راء وهي ذبيحة كانوا يذبحونها في العشر الأول من رجب ويسمونها الرجبية كما وقع في الحديث المذكور . قال النووي اتفق العلماء على تفسير العتيرة بهذا : قوله " الفرائع " جمع فرع بفتح الفاء والراء ثم عين مهملة ويقال فيه الفرعة بالهاء هو أول نتاج البهيمة كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها هكذا فسره أكثر أهل اللغة وجماعة من أهل العلم منهم الشافعي وأصحابه وقيل هو أول النتاج للأبل وهكذا جاء تفسيره في البخاري ومسلم وسنن أبي داود والترمذي وقالوا كانا يذبحونه لآلهتهم فالقول الأول باعتبار أو نتاج الدابة على انقرادها والثاني باعتبار نتاج الجميع وان لم يكن أول ماتنتجه أمه وقيل هو أول النتاج لمن بلغت ابله مائة يذبحونه . قال شمر قال أبو مالك كان الرجل إذا بلغت ابله مائة قدم بكر افنحره لصنمه ويسمونه فرعا . قوله " حتى إذا استحمل " في رواية لأبي داود عن نصر بن علي استحمل للحجيج أي إذا قدر الفرع على ان يحمله من أراد الحج تصدقت بلحمه على ابن السبيل ( وأحاديث ) الباب تدل على بعضها على وجوب العتيرة والفرع وهو حديث مخنف وحديث نبيشة وحديث عائشة وحديث عمرو ابن شعيب . وبعضها يدل على مجرد الجواز من غير وجوب وهو حديث الحرث بن عمرو وأبي رزين فيكون هذان الحديثان كالقرينة الصارفة للأحاديث المقتضية للوجوب إلى الندب ( وقد اختلف ) في الجمع بين الأحاديث المذكورة والأحاديث الآتي القاضية بالمنع من الفرع والعتيرة فقيل إنه يجمع بينها بحمل هذا الأحاديث على الندب وحمل الأحاديث الآتية على عدم الوجوب ذكر ذلك جماعة منهم الشافعي والبيهقي وغيرهما فيكون المراد بقوله لا فرع ولاعتيرة أي لافرع واجب ولا عتيرة واجبة وهذا لا بد منه مع عدم العلم بالتاريخ لان المصير إلى الترجيح مع امكان الجمع لا يجوز كما تقرر في موضعه . وقد ذهب جماعة من أهل العلم إلى ان هذه الأاحاديث منسوخة بالأحاديث الآتية وادعة القاضي عياض ان جماهير العلماء عن ذلك ولكنه لا يجوز الجزم به الا بعد ثبوت أنها متأخرة ولم يثبت (5/200)
5 - وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا فرع ولاعتيرة والفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحونه والعتيرة في رجب "
- متفق عليه . وفي لفظ " لاعتيرة في الاسلام ولافرع " رواه أحمد . وفي لفظ " انه نهى عن الفرع والعتيرة " وراه أحمد والنسائي (5/200)
6 - وعن ابن عمر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا فرع ولا عتيرة "
- رواه أحمد (5/200)
- حديث ابن عمر رضي الله عنه متنه متن حديث أبي هريرة المتفق عليه شاهد لصحته ولم يذكره في مجمع الزوائد بل ذكر حديث ابن عمر الآخران النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في العتيرة هي حق وفي بعض نسخ المتن رواه ابن ماجه مكان قوله رواه أحمد . قوله " لا فرع ولاعتيرة " قد تقرر ان النكرة الواقعة في سياق النفي تعم فيشعر ذلك بنفي كل فرع وكل عتيرة والخبر محذوف وقد تقرر في الأصول ان المقتضى لا عموم له فيقدر واحد وهو الصقها بالمقام وقد تقدم ان المحذوف هو لفظ واجب وواجبة ولكن إنما حسن المصير إلى أن المحذوف هو ذلك الحرص على الجمع بين الأحاديث ولولا ذلك لكان المناسب تقدير ثابت في الاسلام أو مشروع أو حلال كما يرشد إلى ذلك التصريح بالنهي في الرواية الأخرى ( وقد استدل ) بحديثي الباب من قال بأن الفرع والعتيرة منسوخان وهم من تقدم ذكره وقد عرفت ان النسخ لا يتم إلا بعد معرفة تأخر تاريخ ما قيل إنه ناسخ فأعدل الأقوال الجمع بين الأحاديث بما سلف ولا يعكر على ذلك رواية النهي لأن معنى النهي الحقيقي وان كان هو التحريم لكن إذا وجدت قرينة أخرجته عن ذلك ويمكن أن يجعل النهي موجها إلى ما كانوا يذبحونه لاصنامهم فيكون على حقيقته ويكون غير متناول لما ذبح من الفرع والعتيرة لغير ذلك مما فيه وجه قربة . وقد قيل إن المراد بالنفي المذكور نفي مساواتهما للاضحية في الثواب أو تأكد الاستحباب وقد استدل الشافعي بما روى عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال " اذبحوا لله في أي شهر كان " كما تقدم في حديث نبيشة على مشروعية الذبح في كل شهر ان أمكن قال في سنن حرملة أنها ان تيسرت كل شهر كان حسنا
وإلى هنا انتهى النصف الأول من نيل الأوطار شرح منتقي الأخبار بمعونة العزيز الغفار وصلى الله على نبيه المختار وآله الأخيار . بك اللهم أستعين على نيل الأوطار من أسرار منتقي الأخبار متوسلا إليك بنبيك المختار قال المصنف رحمه الله تعالى (5/201)
كتاب البيوع (5/201)
أبواب ما يجوز بيعه وما لا يجوز (5/201)
باب ما جاء في بيع النجاسة وآلة المعصية وما لا نفع فيه (5/202)
1 - عن جابر " أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام فقيل يا رسول الله أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى به السف ويدهن بها الجلود ويستصبح بها الناس فقال هو حرام ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عند ذلك قاتل الله اليهود إن الله لما حرم شحومها جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه " ( 1 ) [ أي هذا الكتاب في ذكر الأحاديث التي يستنط منها أحكام البيوع . ولما فرغ من بيان العبادات المقصود منها التحصيل الأخروى شرع في بيان المعاملات المقصود منها التحصيل الدنيوي . فقدم العبادات لاهتمامها ثم ثنى بالمعاملات لأنها ضرورية . وأخر النكاح لأن شهوته متأخرة عن الأكل والشرب ونحوهما . وأخر الجنايات والمخاصمات لأن وقوع ذلك في الغالب إنما هو بعد الفراغ من شهوتي البطن والفرج . وصدر الصنف المبحث بلفظ كتاب لأنه مشتمل على أبواب كثيرة في أنواع البيوع . وجمع البيوع وإن كان مصدرا لاختلاف أنواعه . فالمطلق ان كان ببيع بالثمن كالثوب بالدراهم . والمقايضة بالياء التحتية إن كان عينا بعين كالثوب بالعبد . والسلم إن كان بيع الدين بالعين والصرف إن كان بيع الثمن بالثمن . والمرابحة إن كان بالثمن مع زيادة . والتولية إن لن يكن مع زيادة . والوضعية إن كان بالنقصان واللازم إن كان تاما وغير اللازم إن كان بالخيار . والصحيح والباطل والفاسد والمكروه . وللبيع تفسير لغة وشرعا وركن وشرط ومحل وحكم وحكمة . أما معناه لغة فمطلق المبادلة وهو ضد الشراء ويطلق البيع على الشراء أيضا فلفظ البيع والشراء يطلق كل منهما على ما يطلق عليه الآخر فهما من الألفاظ المشتركة بين المعاني المتضادة وشرعا هو مبادلة مال بمال على سبيل التراضي . وأما ركنه فإيجاب وقبول . وأما شرطه فاهلية المتعاقدين . وأما محله فهو المال . وأما حكمه فهو ثبوت الملك للمشتري في المبيع وللبائع في الثمن إذا كان تاما وعند الاجازة إذا كان موقوفا . وأما حكمته على ما ذكره الحافظ في الفتح إن حاجة الانسان تتعلق بما في يد صاحبه غالبا وصاحبه قد لا يبذله ففي شرعية البيع وسيلة إلى بلوغ الغرض من غير حرج اه اقول قد ذكر العلماء للبيع حكما كثيرة منا اتساع أمور المعاش والبقاء . ومنا اطفاء نار المنازعات والنهب والسرق والخيانات والحيل المكروهة . ومنها بقاء نظام المعاش وبقاء العالم لان المحتاج يميل إلى ما في يد غيره فبغير المعاملة يفضي إلى التقاتل والتنازع وفناء العالم واختلال نظام المعاش وغير ذلك ومشروعيته ثابتة بالكتاب والسنة والإجماع : والله أعلم ]
- رواه الجماعة (5/202)
2 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها وإن الله إذا حرم على قوم أكل شيء حرم عليهم ثمنه "
- رواه أحمد وأبو داود وهو حجة في تحريم بيع الدهن النجس (5/202)
- حديث ابن عباس في التنفير عنها وأما تحريم بيعها على أهل الذمة فمبني على الخلاف في خطاب الكافر بالفروع : قوله " والميتة " بفتح الميم وهي مازالت عنها الحياة لا بذكاة شرعة . ونقل ابن المنذر أيضا الإجماع على تحريم بيع الميتة والظاهر أنه تحريم بيعها بجميع اجزائها قيل ويستثنى من ذلك السمك والجراد ومالا تحله الحياة . قوله " والخنزير " فيه دليل على تحريم بيعه بجميع أجزائه وقد حكى صاحب الفتح الإجماع على ذلك . وحكى ابن المنذر عن الأوزاعي وأبي يوسف وبعض المالكية الترخيص في القليل من شعره والعلة في تحريم بيعه وبيع الميتة هي النجاسة عند جمهور العلماء فيتعدى ذلك إلى كل نجاسة ولكن المشهور عن مالك طهارة الخنزير : قوله " والأصنام " جمع صنم قال الجوهري هو الوثن وقال غيره الوثن ما له جثة والصنم ما كان مصورا فبينهما على هذا عموم وخصوص من وجه ومادة اجتماعهما إذا كان الوثن مصورا والعلة في تحريم بيعها عدم المنفعة المباحة فإن كان ينتفع بها بعد الكسر جاز بيعها عند البعض ومنعه الأكثر . قوله " أرأيت شحوم الميتة " الخ أي فهل بيعها لما ذكر من المنافع فإنها مقتضية لصحة البيع كذا في الفتح : قوله " ويسصبح بها الناس " الاستصباح استفعال من المصباح وهو السراج الذي يشتعل منه الضوء . قوله " لا هو حرام الأكثر على أن الضمير راجع إلى البيع وجعله بعض العلماء راجعا إلى الانتفاع فقال يحرم الأنتفاع بها وهو قول أكثر العلماء فلا ينتفع من الميتة بشيء إلا ما خصه دليل كالجلد المدبوغ والظاهر أن مرجع الضمير البيع لأنه المذكور صريحا والكلام فيه ( 1 ) [ من قال ان الضمير يرجع إلى البيع يقول بجواز الانتفاع بالنجس مطلقا ويحرم بيعه ويستدل أيضا بالإجماع على جواز اطعام الميتة الكلاب : وإذا كان التحريم للبيع جاز الانتفاع بشحوم الميتة والأدهان المتنجسة في كل شيء غير أكل الآدمي ودهن بدنه فيحرمان كحرمة أكل الميتة والترطب بالنجاسة . وإلى هذا ذهب الشافعي ونقله القاضي عياض عن مالك وأكثر أصحابه وأبي حنيفة وأصحابه والليث . والله أعلم . ] ويؤيد ذلك قوله في آخر الحديث " فباعوها " وتحريم الانتفاع يؤخذ من دليل آخر كحديث " لاتنتفعوا من الميتة بشيء " وقد تقدم والمعنى لا تظنوا إن هذه المنافع مقتضية لجواز بيع الميتة فإن بيعها حرام . قوله " جملوه " بفتح الجيم والميم أي أذابوه يقال جملة إذا أذابه والجميل الشحم المذاب . وفي رواية للبخاري " جملوها ثم باعوها " وحديث ابن عباس فيه دليل على ابطال الحيل والوسائل إلى المحرم وإن كان ما حرمه الله على العباد فبيعه حرام لتحريم ثمنه فلا يخرج من هذه الكلية إلا ما خصة دليل والتنصيص على تحريم بيع الميتة في حديث الباب مخصص لعموم مفهوم قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إنما حرم من الميتة أكلها " وقد تقدم : وقوله " لعن الله اليهود " زاد في سنن أبي داود ثلاثا (5/203)
3 - وعن أبي حنيفة " أنه اشترى حجاما فأمر فكسرت محاجمه وقال إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حرم ثمن الدم وثمن الكلب وكسب البغي ولعن الواشمة والمستوشمة وآكل الربا وموكله ولعن المصورين "
- متفق عليه (5/203)
4 - وعن أبي مسعود عقبة بن عمرو قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب ومهر البغي وحوان الكاهن "
- رواه الجماعة (5/203)
5 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب وقال إن جاء يطلب ثمن الكلب فاملأ كفه ترابا "
- رواه أحمد وأبو داود (5/204)
6 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الكلب والسنور "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (5/204)
- حديث ابن عباس سكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجاله ثقات لأن أبا داود رواه من طريق عبيد الله بن عمرو الواقي وهو من رجال الجماعة عن عبد الكريم بن مالك الجزري وهو كذلك عن قيس بن حبتر بفتح الحاء المهملة واسكان الموحدة وفتح الفوقية وهو من ثقات التابعين كم قال ابن حبان . وحديث جابر هو في مسلم بلفظ " سألت جابرا عن ثمن الكلب والسنور فقال زجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " وقد أخرجه أبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن ثمن الهر " وقال الترمذي غريب وقال النسائي هذا حديث منكر اه وفي إسناده عمر بن زيد الصنعاني قال ابن حبان يتفرد بالمناكير عن المشاهير حتى خرج عن حد الأحتجاج به . وقال الخطابي قد تكلم بعض العلماء في إسناد هذا الحديث وزعم أنه غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وقال ابن عبد البر حديث بيع السنور لا يثبت رفعه . وقال النووي الحديث صحيح رواه مسلم وغيره انتهى . ولم يخرجه مسلم من طريق عمر بن زيد المذكور بل رواه من حديث معقل بن عبد الله الجزري عن أبي الزبير قال " سألت جابرا " وقد أخرج الحديث أيضا أبو داود والترمذي من طريق أخرى ليس فيها عمر ابن زيد الصنعاني باللفظ الذي ذكره المصنف ولكن في إسناده اضطراب كما قال الترمذي : قوله " حرم ثمن الدم " اختلف في المراد به فقيل أجرة الحجامة فيكون دليلا لمن قال بأنها غير حلال وسيأتي الكلام على ذلك في باب ما جاء في كسب الحجام من أبواب الأجارة . وقيل المراد به ثمن الدم نفسه فيدل على تحريم بيعه وهو حرام اجماعا كم في الفتح . قوله " وثمن الكلب " فيه دليل على تحريم بيع الكلب ( 1 ) وظاهره عدم الفرق بين العلم وغيره سواء كان مما يجوز اقتناؤه أو مما لا يجوز وإليه ذهب الجمهور . وقال أبو حنيفة يجوز وقال عطاء والنخعي يجوز بيع كلب الصيد دون غيره
ويدل عليه ما أخرجه النسائي من حديث جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن الكلب إلاكلب صيد " قال في الفتح ورجال إسناده ثقات إلا أنه طعن في صحته وأخرج نحوه الترمذي من حديث أبي هريرة لكن من رواية أبي المهزم وهو ضعيف فينبغي حمل المطلق على المقيد ويكون المحرم بيع ما عدا كلب الصيد ان صلح المقيد للاحتجاج به وقد اختلفوا أيضا هل تجب القيمة على متلفه فمن قال بتحريم بيعه قال بعدم الوجوب ومن قال بجوازه قال بالوجوب ومن فصل في البيع فصل في لزوم القيمة وروى عن مالك أنه لا يجوم بيعه وتجب القيمة وروى عنه أن بيعه مكروه فقط . قوله " وكسب البغي " في الرواية الثانية ومهر البغي ( 2 ) والمراد ما تأخذه الزانية على الزنا وهو مجمع على تحريمه والبغي بفتح الموحدة وكسر المعجمة تشديد التحتانية
وأصل البغي الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في الفساد واستدل به على أن الأمة إذا أكرهت على الزنا فلا مهرها وفي وجه للشافعية يجب للسيد الحكم . قوله " ولعن الواشمة والمستوشمة " سيأتي الكلام على هذا في باب ما يكرهه من تزين النساء من كتاب الوليمة إن شاء الله . قوله " وآكل الربا وموكله يأتي إن شاء الله الكلام على هذا في باب التشديد في الربا من أبواب الربا قوله " ولعن المصورين " فيه أن المصور من أشد المحرمات لأن اللعن لا يكون إلا على ما هو كذلك وقد تقدم ما يحرم من التصوير ومالا يحرم في أبواب اللباس . قوله " وحلوان الكاهن " الحلوان بضم الحاء المهملة ومصدر حلوته إذا أعطيته . قال في الفتح وأصله من الحلاوة شبه بالشي الحلو من حيث أنه يؤخذ سهلا بلا كلفة ولا مشقة الحلوان أيضا الرشوة والحلوان أيضا ما يأخذه الرجل من مهر ابنته لنفسه . والكاهن قال الخطابي هو الذي يدعى مطالعة علم الغيب ويخبر الناس عن الكوائن قال في الفتح حلوان الكاهن حرام بالإجماع لما فيه من أخذ العوض على أمر باطل وفي معناه التنجيم والضرب بالحصى وغير ذلك مما يتعاناه العرافون من استطلاع الغيب . قوله " فاملأ كفه ترابا " كناية عن منعه من الثمن كما يقال للطالب الخائب لم يحصل في كفه غير التراب وقيل المراد التراب خاصة حملا للتحديث على ظاهره وهذا جمود لا ينبغي التعويل عليه ومثله حمل من حمل حديث " احثوا التراب في وجوه المداحين " على معناه الحقيقي . قوله " والسنور " بكسر السين المهملة وفتح النون المشددة وسكون الواو بعدها راء وهو الهر وفيه دليل على تحريم بيع الهروبه قال أبو هريرة ومجاهد وجابر وابن زيد حكى ذلك عنهم ابن المنذر وحكاه المنذري أيضا عن طاوس وذهب الجمهور إلى جواز بيعه وأجابوا عن هذا الحديث بما تقدم من تضعيفه وقد عرفت دفع ذلك وقيل إنه يحمل النهي على كراهة التنزيه وأن بيعه ليس من مكارم الأخلاق ولامن المروآت ولا يخفى أن هذا إخراج للنهي عن معناه الحقيقي بلا مقتض
_________
( 1 ) أقول ما ذكره الشارح من أن قوله في الحديث " وثمن الكلب " يدل على تحريم بيعه إنما هو باللزوم لا بالنص لأن الحديث دل على تحريم ثمن الكلب بالنص وعلى تحريم بيعه باللزوم أفهم
( 2 ) وسمي مهرا مجازا في حكمه تفاصيل ترجع إلى كيفية أخذه والذي اختاره العلامة ابن القيم رحمه الله تعالى أنه في جميع كيفياته يجب التصدق به ولا يرد إلى الدافع لأنه دفعه باختياره في مقابل عوض ولا يمكن صاحب العوض استرجاعه فهو كسب خبيث يجب التصدق به ولا يعان صاحب المعصية بحصول غرضه ورجوع ماله إليه : والله أعلم (5/204)
باب النهي عن بيع فضل الماء (5/205)
1 - عن إباس بن عبد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع فضل الماء "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه وصححه الترمذي (5/205)
2 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله
- رواه أحمد وابن ماجه (5/205)
- حديث إباس قال القشيري هو على شرط الشيخين وحديث جابر هو صحيح [ 1 ] [ وقد ذهب إلى هذا العموم العلامة ابن القيم في زاد المعاد وقال إنه يجوز دخول الأرض المملوكة لاخذ الماء والكلأ لأن له حقا في ذلك ولا يمنعه استعمال ملك الغير وقال أنه نص أحمد على جواز الرعي في أرض غير مباحة للراعي . قال الصنعاني في سبل السلام وإلى مثله ذهب المنصور بالله والإمام يحيى في الحطب والحشيش : والله أعلم ] مسلم ولفظه لفظ حديث إباس وكذا أخرجه النسائي ( والحديثان ) يدلان على تحريم بيع فضل الماء وهو الفاضل عن كفاية صاحبه والظاهر أنه لافرق بين الماء الكائن في أرض مباحة أو في أرض مملوكة وسواء كان للشرب أو لغيره وسواء كان لحاجة الماشية أو الزرع وسواء كان في فلاة أو في غيرها وقال القرطبي ظاهر هذا اللفظ النهي عن نفس بيع الماء الفاضل الذي يشرب فإنه السابق إلى الفهم وقال النووي وحاكيا عن أصحاب الشافعي أنه يجب بذل الماء في الفلاة بشروط . أحدها أن لا يكون ماء أخر يستغنى به . الثاني أن يكون البذل لحاجة الماشية لا لسقي الزرع . الثالث أن لا يكون مالكه محتاجا إليه ويؤيد ما ذكرنا من دلالة الحديثين على المنع من بيع الماء على العموم حديث أبي هريرة عند الشيخين مرفوعا بلفظ " لا يمنع فضل الماء ليمنع به فضل الكلأ " وذكره صاحب جامع الأصول بلفظ " لا يباع فضل الماء " وهو لفظ مسلم وسيأتي هذا الحديث وما في معناه في باب النهي عن منع فضل الماء من كتاب إحياء الموات ويؤيد المنع من البيع أيضا أحاديث " الناس شركاء في ثلاث في الماء والكلأ والنار " وستأتي في باب " الناس شركاء في ثلاث " من كتاب إحياء الموات أيضا وقد حمل الماء المذكور في حديثي الباب على ماء الفحل وهو مع كونه خلاف الظاهر مردود بما في حديث جابر الذي أشار إليه المصنف فإنه في صحيح مسلم بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع فضل الماء وعن منع ضراب الفحل وقد خصص من عموم حديثي المنع من البيع للماء ما كان منه محرزا في الآنية فإنه يجوز بيعه قياسا على جواز بيع الحطب إذا أحرزه الحاطب لحديث الذي أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالاحتطاب ليستغني به عن المسألة وهو متفق عليه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في الزكاة وهذا القياس بعد تسليم صحته إنما يصح على مذهب من جوز التخصيص بالقياس والخلاف في ذلك معروف في الأصول ولكنه يشكل على النهي عن بيع الماء على الأطلاق ما ثبت في الحديث الصحيح من أن عثمان اشترى نصف بئر رومة من اليهودي وسبلها للمسلمين بعد أن سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول " من يشتري بئر رومة فيوسع بها على المسلمين وله الجنة وكان اليهودي يبيع ماءها " الحديث فإنه كما يدل على جواز بيع البئر نفسها وكذلك العين بالقياس عليها يدل على جواز بيع الماء لتقريره صلى الله عليه وآله وسلم لليهودي على البيع ويجاب بأن هذا كان في صدر الإسلام وكانت شوكة اليهود في ذلك الوقت قوية والنبي صلى الله عليه وآله وسلم صالحهم في مبادئ الأمر على ما كانوا ثم استقرت الأحكام وشرع لامته تحريم بيع الماء فلا يعارضه ذلك التقرير وأيضا الماء هنا دخل تبعا لبيع البئر ولا نزاع في جواز ذلك (5/206)
باب النهي عن ثمن عسب الفحل (5/206)
1 - عن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ثمن عسب الفحل "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وأبو داود (5/206)
2 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع ضراب الفحل "
- رواه مسلم والنسائي (5/207)
3 - وعن أنس " أن رجلا من كلاب سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن عسب الفحل فنهاه فقال يا رسول الله أنا نطرق الفحل فنكرم فرخص له في الكرامة "
- رواه الترمذي وقال حديث حسن غريب (5/207)
- وفي الباب عن أنس غير حديث الباب عند الشافعي وعن علي عليه السلام عند الحاكم في علوم الحديث وابن حبان والبزار وعن البراء عند الطبراني وعن ابن عباس عند أيضا : قوله " عسب الفحل " بفتح العين المهملة وإسكان السين المهملة أيضا وفي آخره موحدة ويقال له العسيب أيضا والفحل الذكر من كل حيوان فرسا كان أوجملا أو تيسا أو غير ذلك . وقد روى النسائي من حديث أبي هريرة نهى عن عسيب التيس واختلف فيه فقيل هو ماء الفحل وقيل أجرة الجماع ويؤيد الأول حديث جابر المذكور في الباب ( وأحاديث الباب ) تدل على أن بيع ماء الفحل واجارته حرام لأنه غير متقوم ولامعلوم ولا مقدور على تسليمه وإليه ذهب الجمهور وفي وجه للشافعية والحنابلة وبه قال الحسن وابن سيرين وهو مروي عن مالك أنها تجوز إجارة الفحل للضراب مدة معلومة وأحاديث الباب ترد عليهم لأنها صادقة على الأجارة قال صاحب الأفعال أعسب الرجل عسبا اكترى منه فحلا ينزيه ولا يصح القياس على تلقيح النخل لأن ماء الفحل صاحبه عاجز عن تسليمه بخلاف التلقيح قال في الفتح وأما عارية ذلك فلا خلاف في جوازه . قوله " فرخص له في الكرامة " فيه دليل أن المعير إذا أهدى إليه المستعير هدية بغير شرط حلت له وقد ورد الترغيب في اطراق الفحل . أخرج ابن حبان في صحيحه من حديث أبي كبشة مرفوعا " من اطرق فرسا فاعقب كان له كاجر سبعين فرسا " (5/207)
باب النهي عن بيوع الغرر (5/208)
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر "
- رواه الجماعة إلا البخاري (5/208)
2 - وعن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تشتروا السمك في الماء فإنه غرر "
- رواه أحمد (5/208)
3 - وعن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حبل الحبلة "
- رواه أحمد ومسلم والترمذي . وفي رواية " نهى عن بيع حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم تحمل التي نتجت " . رواه أبو داود وفي لفظ " كان أهل الجاهلية يبتاعون لحوم الجزور إلى حبل الحبلة وحبل الحبلة أن تنتج الناقة ما في بطنها ثم يحمل التي نتجت فنهاهم صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " متفق عليه . وفي لفظ " كانوا يبتاعون الجزور إلى حبل الحبلة فنهاهم صلى الله عليه وآله وسلم عنه " رواه البخاري (5/209)
- حديث ابن مسعود في إسناده يزيد بن أبي زياد عن المسيب بن رافع عن ابن مسعود قال البيهقي فيه إرسال بين المسيب وعبد الله والصحيح وقفه وقال الدارقطني في العلل اختلف فيه والموقوف أصح وكذلك قال الخطيب وابن الجوزي وقد روى أبو بكر ابن أبي عاصم عن عمران بن حصين حديثا مرفوعا وفيه النهي عن بيع السمك في الماء فهو شاهد لهذا . قوله " نهى عن بيع الحصاة " اختلف في تفسيره فقيل وهو أن يقول بعتك من هذا الأثواب ما وقعت عليه هذه الحصاة ويرمي الحصاة أو من هذه الأرض ما انتهت إليه في الرمي وقيل هو أن يشرط الخيار إلى أن يرمي الحصاة وقيل هو أن يجعل نفس الرمي بيعا ويؤيده ما أخرجه البزار من طريق حفص بن عاصم عنه أنه قال يعني إذا قذف الحصاة فقد وجب البيع : قوله " وعن بيع الغرر " بفتح المعجمة وبراءين مهملتين وقد ثبت النهي عنه في أحاديث . منها المذكور في الباب . ومنها عن ابن عمر عند أحمد وابن حبان . ومنها عن ابن عباس عند ابن ماجه . ومنها عن سهل بن سعد الطبراني ومن جملة بيع الغرر بيع السمك في الماء كما في حديث ابن مسعود ومن جملته بيع الطير في الهواء وهو مجمع على ذلك والمعدوم والمجهول والآبق وكل ما دخل فيه الغرر بوجه من الوجوه . قال النووي النهي عن بيع الغرر أصل من أصول الشرع يدخل تحته مسائل كثيرة جدا ويستثنى من بيع الغرر أمران . أحدهما ما يدخل في المبيع تبعا بحيث لو أفرد لم يصح بيعه . والثاني ما يتسامح بمثله أما لحقارته أو للمشقة في تمييزه أو تعيينه ومن جملة ما يدخل تحت هذين الأمرين بيع أساس البناء واللبن في ضرع الدابة والحمل في بطنها والقطن الحشو في الجبة : قوله " حبل الحبلة " الحبل بفتح الحاء المهملة والباء وغلط عياض من سكن الباء وهو مصدر حبلت تحبل والحبلة بفتحهما أيضا جمع حابل مثل ظلمة وظالم وكتبة وكاتب والهاء فيه للمبالغة وقيل هو مصدرسمي به الحيوان والأحاديث المذكورة في الباب تقضي البيع لأن النهي يستلزم ذلك كما تقرر في الأصول . واختلف في تفسير حبل الحبلة فمنهم من فسره بما وقع في الرواية من تفسير ابن عمر كما جزم به ابن عبد البر . وقال الإسماعيلي والخطيب هو من كلام نافع ولا منافاة بين الروايتين ومن جملة الذاهبين إلى هذا التفسير مالك والشافعي وغيرهما وهو أن يبيع لحم الحزور بثمن مؤجل إلى أن يلد ولد الناقة وقيل إلى أن يحمل ولد الناقة ولا يشترط وضع الحمل وبه جزم أبو أسحق في التنبيه وتمسك بالتفسيرين المذكورين في الباب فإنه ليس فيهما ذكران يلد الولد ولكنه وقع في رواية متفق عليها بلفظ " كان الرجل يبتاع إلى أن تنتج الناقة ثم تنتج التي في بطنها وهو صريح في اعتبار ان يلد الولد ومشتمل على زيادة فيرجح . وقال أحمد وإسحاق وابن حبيب المالكي والترمذي وأكثر أهل اللغة منهمه أبو عبيدة وأبو عبيد هو بيع ولد الناقة الحامل في الحال فتكون علة النهي على القول الأول جهالة الأجل وعلى القول الثاني بيع الغرر لكونه معدوما ومجهولا وغير مقدور على تسليمه ويرجح الأول قوله في حديث الباب " لحوم الجزور " وكذلك قوله " يبتاعون الجزور " قال ابن التين محصل الخلاف هل المراد البيع إلى أجل أو بيع الحبين وعلى الأول هل المراد بالأجل ولادة الأم أم ولادة ولدها وعلى الثاني هل المراد بيع الجنين الأول أو جنين الجنين فصارت أربعة أقوال كذا في الفتح : قوله " ان تنتج " بضم أوله وسكون ثانيه وفتح ثالثه والفاعل الناقة قال في الفتح وهذا الفعل وقع في لغة العرب على صيغة الفعل المسند إلى المفعول : قوله " الجزور " بفتح الجيم وضم الزاي وهو البعير ذكرا كان أو أنثى (5/209)
4 - وعن شهربن حوشب عن أبي سعيد قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شراء ما في بطون الأنعام حتى تضع وعن بيع ما في ضروعها إلا بكيل وعن شراء العبد وهو آبق وعن شراء المغانم حتى تقسم وعن شراء الصدقات حتى تقبض وعن ضربة الغائص "
- رواه أحمد وابن ماجه وللترمذي منه شراء المغانم وقال غريب (5/209)
5 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع المغانم حتى تقسم "
- رواه النسائي (5/210)
6 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مثله
- رواه أحمد وأبو داود (5/210)
7 - وعن ابن عباس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم أو صوف على ظهر أو لبن في ضرع أو سمن في لبن "
- رواه الدارقطني (5/210)
- حديث أبي سعيد أخرجه أيضا البزار والدارقطني وقد ضعف الحافظ إسناده وشهربن حوشب فيه مقال تقدم وقد حسن الترمذي ما أخرجه منه ويشهد لأكثر الأطراف التي اشتمل عليها أحاديث أخر منها أحاديث النهي عن بيع الغرر وما ورد في النهي عن بيع الملاقيح والمضامين وما ورد في حبل الحبلة على أحد التفسيرين وحديث أبي هريرة في إسناد أبي داود رجل مجهول وحديث ابن عباس الآخر أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده عمر بن فروخ قال البيهقي تفرد به وليس بالقوي انتهى . ولكنه قد وثقه ابن معين وغيره وقد رواه عن وكيع مرسلا أبو داود في المراسيل وابن أبي شيبة في مصنفه قال ووقفه غيره على ابن عباس وهو المحفوظ . وأخرجه ايضا أبو داود من طريق أبي إسحاق عن عكرمة والشافعي من وجه آخر عن ابن عباس والطبراني في الأوسط من طريق عمر المذكور وقال لا يروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا بهذا الإسناد وفي الباب عن عمران بن حصين مرفوعا عند أبي بكر بن أبي عاصم بلفظ " نهى عن بيع ما في ضروع الماشية قبل أن تحلب وعن الجنين في بطون الأنعام وعن بيع السمك في الماء وعن المضامين والملاقيح وحبل الحبلة وعن بيع الغرر " قوله " عن شراء ما في بطون الأنعام " فيه دليل على أنه لا يصح شراء الحمل وهو مجمع عليه والعلة الغرر وعدم القدرة على التسليم : قوله " وعن بيع ما في ضروعها " هو أيضا مجمع على عدم صحة بيعه قبل انفصاله لما فيه من الغرر والجهالة الا أن يبيعه منه كيلا نحو أن يقول بعت منك صاعا من حليب بقرتي فإن الحديث يدل على جوازه لارتفاع الغرر والجهالة . قوله " وعن شراء العبد الآبق " فيه دليل على أنه لا يصح بيعه وقد ذهب إلى ذلك الهادي والشافعي . وقال أبو حنيفة وأصحابه والمؤيد بالله وأبو طالب أنه يصح موقوفا على التسليم واستدلوا بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } وهو من التمسك بالعام في مقابلة ما هو أخص منه مطلقا وعلة النهي عدم القدرة على التسليم إن كانت عين العبد الآبق معلومة ولا فجموع الجهالة والغرر وعدم القدرة على التسليم . قوله " وشراء المغانم " مقتضى النهي عدم صحة بيعها قبل القسمة لأنه لا ملك على ماهو الاظهر من قول الشافعي وغيره لاحد من الغانمين قبلها فيكون ذلك من أكل أموال الناس بالباطل : قوله " وعن شراء الصدقات " فيه دليل على أنه لا يجوز للمتصدق عليه بيع الصدقة قبل قبضها لأنه لا يملكها الا به وقد خصص من هذا العموم المصدق فقيل يجوز له بيع الصدقات قبل قبضها وهو غير مقبول إلا بدليل يخص هذا العموم وجعل التخلية إليه بمنزلة القبض دعوى مجردة وعلى تسليم قيامها القبض فلا فرق بينه وبين غيره . قوله " وعن ضربة الغائص " المراد بذلك أن يقول من يعتاد الغوص في البحر لغيره ما أخرجته في هذه الغوصة فهو لك بكذا من الثمن فإن هذا لا يصح لما فيه من الغرر والجهالة . قوله " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يباع ثمر حتى يطعم " سيأتي الكلام على هذا في باب النهي عن بيع قبل بدو صلاحه : قوله " أو صوف على ظهر " فيه دليل على عدم صحة بيع الصوف ما دام على ظهر الحيوان وإلى ذلك ذهب العترة والفقهاء والعلة الجهالة والتأدية إلى الشجار في موضع القطع : قوله " أو سمن في لبن " يعني لما فيه من الجهالة والغرر (5/211)
8 - وعن أبي سعيد قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الملامسة والنابذة في البيع والملامسة لمس الرجل ثوب الآخر بيده بالليل أو بالنهار ولا يقلبه والمنابذة أن ينبذ الرجل إلى الرجل بثوبه وينبذ الآخر بثوبه ويكون ذلك بيعهما من غير نظر ولا تراض "
- متفق عليه (5/211)
9 - وعن أنس قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن المحالفة والمخاضرة والمنابذة والملامسة والمزابنة "
- رواه البخاري (5/211)
- قوله " عن الملامسة والمنابذة " هما مفسران بما ذكر في الحديث ذكر البخاري ذلك في اللباس عن الزهري وقد فسر ابان الملامسة أن يمس الثوب ولا ينظر إليه والمنابذة أن يطرح الرجل ثوبه بالبيع إلى الرجل قبل أن يقلبه وينظر إليه وهو كالتفسير الأول . قال في الفتح ولأبي عوانة عن يونس أن يتبايع القوم السلع لا ينظرون إليها ولا يخبرون عنها أو يتنابذ القوم السلع كذلك فهذا من أبواب القمار وفي رواية لابن ماجه من طريق سفيان عن الزهري المنابذة أن يقول الق إلى مامعك والقي إليك ما معي والنسائي من حديث أبي هريرة الملامسة أن يقول الرجل للرجل ابيعك ثوبي بثوبك ولا ينظر احدمنها إلى ثوب الآخر ولكن يلمسه لمسا . والمنابذة أن يقول انبذ ما معي وتنبذ ما معك فيشتري كل واحد منهما من الآخر ولا يدري كم مع الآخر . وروى أحمد عن معمر أنه فسر المنابذة بأن يقول إذا نبذت هذا الثوب فقد وجب البيع . والملامسة أن يلمس بيده ولا ينشره ولا يقلبه إذا مسه وجب البيع . ولمسلم عن أبي هريرة الملامسة أن يلمس كل واحد منهما ثوب صاحبه بغير تأمل . والمنابذة أن ينبذ كل واحد منهما ثوبه إلى الآخر لم ينظر واحد منهما إلى ثوب صاحبه . قال الحافظ وهذا التفسير الذي في حديث أبي هريرة أقعد بلفظ الملامسة والمنابذة لأنها مفاعلة فتستدعي وجود الفعل من الجانبين قال واختلف العلماء في تفسير الملامسة على ثلاث صور هي أوجه للشافعية أصحها أن يأتي بثوب مطوى أو في ظلمة فيلمسه المستام فيقول له صاحب الثوب بعتكه بكذا بشرط أن يقوم لمسك مقام نظرك ولا خيار لك إذا رأيته وهذا موافق للتفسير الذي في الأحاديث . الثاني أن يجعلا نفس اللمس بيعا بغير صيغة زائدة . الثالث أن يجعلا اللمس شرطا في قطع خيار المجلس والبيع على التأويلات كلها باطل . ثم قال واختلفوا في المنابذة على ثلاثة أقوال وهي ثلاثة أوجه للشافعية أصحها أن يجعلا نفس النبذ بيعا كما تقدم في الملامسة وهو الموافق للتفسير المذكور في الأحاديث والثاني أن يجعلا النبذ بيعا بغير صيغة . والثالث أن يجعلا النبذ قاطعا للخيار هكذا في الفتح . والعلة في النهي عن الملامسة والمنابذة الغرر والجهالة وابطال خيار المجلس وحديث أنس يأتي الكلام علي ما اشتمل عليه من المحاقلة والمزابنة في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه وأما المخاضرة المذكورة فيه فهي بالخاء والضاد المعجمتين وهي بيع الثمرة خضراء قبل بدو صلاحها وسيأتي الخلاف في ذلك (5/212)
باب النهي عن الاستثناء في البيع الا أن يكون معلوما (5/212)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والثنيا الا ان تعلم "
- رواه النسائي والترمذي وصححه (5/212)
- الحديث أخرجه مسلم بلفظ " نهى عن الثنيا " وأخرجه أيضا بزيادة " الا أن تعلم " النسائي وابن حبان في صحيحه وغلط ابن الجوزي فزعم ان هذا الحديث متفق عليه وليس الأمر كذلك فإن البخاري لم يذكر في كتابه الثنيا وهو يدل على تحريم الحاقلة والمزابنة وسيأتي الكلام عليهما شيئا والثنيا بضم المثلثة وسكون النون المراد بها الاستثناء في البيع نحو أن يبيع الرجل شيئا ويستثنى بعضه فإن كان الذي استثناه معلوما نحو أن يستثني واحدة من الأشجار أو منزلا من المنازل أو موضعا معلوما من الأرض صح بالاتفاق وإن كان مجهولا نحو أن يستثني شيئا غير معلوم لم يصح البيع وقد قيل أنه يجوز أن يستثني مجهول العين إذا ضرب لاختياره مدة معلومة لانه بذلك صار كالمعلوم وبه قالت الهادوية وقال الشافعي لا يصح لما في الجهالة حال البيع من الغرر وهو الظاهر لدخول هذه الصورة تحت عموم الحديث واخراجها يحتاج إلى دليل ومجرد كون مدة الاختيار معلومة وإن صار به على بصيرة في التعيين بعد ذلك لكنه لم يصر به على بصيرة حال العقد وهو المعتبر ( والحكمة ) في النهي عن استثناء المجهول ما يتضمنه من الغرر مع الجهالة (5/213)
باب بيعتين في بيعة (5/213)
1 - عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من باع بيعين في بيعة فله أو كسهما أو الربا "
- رواه أبو داود . وفي لفظ " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيعتين في بيعة " رواه أحمد والنسائي والترمذي وصححه (5/213)
2 - وعن سماك عن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن صفقتين في صفقة قال سماك هو الرجل يبيع البيع فيقول هو بنسا بكذا وهو ينقد بكذا وكذا "
- رواه أحمد (5/214)
- حديث أبي هريرة باللفظ الأول في إسناده محمد بن عمرو بن علقمة وقد تكلم فيه غير واحد قال المنذري والمشهور عنه من رواية الدراوردي ومحمد بن عبد الله الأنصاري أنه صلى الله عليه وآله وسلم " نهى عن بيعتين في بيعة " انتهى وهو باللفظ الثاني عند من ذكره المصنف وأخرجه أيضا الشافعي ومالك في بلاغاته وحديث ابن مسعود أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات وأخرجه أيضا البزار والطبراني في الكبير والأوسط وفي الباب عن ابن عمر عند الدارقطني وابن عبد البر قوله " من باع بيعتين " فسره سماك بما رواه الصنف عن أحمد عنه وقد وافقه على مثل ذلك الشافعي فقال بان يقول بعتك بألف نقدا أو ألفين إلى سنة فخذ أيهما شئت أنت وشئت أنا ونقل أن الرفعة عن القاضي إن المسألة مفروضة على أنه قبل على الأبهام اما لو قال قبلت بألف نقدا أو بألفين بالنسيئة صح ذلك . وقد فسر ذلك الشافعي بتفسير آخر فقال هو أن يقول بعتك ذا العبد بألف على أن تبيعني دارك كذا أي إذا وجب لك عندي وجب لي عندك وهذا يصلح تفسير اللرواية الأخرى من حديث أبي هريرة لا للأولى فإن قوله فله أوكسهما يدل على أنه باع الشيء الواجد بيعتين بيعة بأقل وبيعة بأكثر . وقيل في تفسير ذلك هو أن يسلفه دينارا في قفيز حنطة إلى شهر فلما حل الأجل وطالبه بالحنطة قال بعني القفيز الذي لك على إلى شهرين بقفيزين فصار ذلك بيعتين في بيعة لأن البيع الثاني قد دخل على الأول فيرد إليه أوكسهما وهو الأول كذا في شرح السنن لابن رسلان . قوله " فله أوكسهما " أي انقصهما قال الخطابي لا أعلم أحدا قال بظاهر الحديث وصحح البيع باوكس الثمنين إلا ما حكى عن الأوزاعي وهو مذهب فاسد انتهى . ولا يخفى إن ماقاله هو ظاهر الحديث لأن الحكم له بالاوكس يستلزم صحة البيع به : قوله " أو الربا " يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه في الربا المحرم إذا لم يأخذ الأوكس بل أخذ الأكثر وذلك ظاهر في التفسير الذي ذكره ابن رسلان وأما في التفسير الذي ذكره أحمد عن سماك وذكره الشافعي ففيه متمسك لمن قال يحرم بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لاجل النساء وقد ذهب إلى ذلك زين العابدين بن علي بن الحسين والناصر والمنصور بالله والهادوية والامام يحيى . وقالت الشافعية والحنفية وزيد بن علي والمؤيد بالله والجمهور إنه يجوز لعموم الأدلة القاضية بجوازه وهو الظاهر لان ذلك المتمسك هو الرواية الأولى من حديث أبي هريرة وقد عرفت ما في راويها من المقال ومع ذلك فالمشهور عنه اللفظ الذي رواه غيره وهو النهي عن بيعتين في بيعة ولا حجة فيه على المطلوب ولو سلمنا أن تلك الرواية التي تفرد بها ذلك الراوي صالحة للاحتجاج لكان احتمالها لتفسير خارج عن محل النزاع كما سلف عن ابن رسلان قادحا في الاستدلال بها على المتنازع فيه على أن غاية ما فيها الدلالة على المنع من البيع إذا وقع على هذه الصورة وهي أن يقول نقدا بكذا ونسيئة كذا الا إذا قال من أول الأمر نسيئة بكذا فقط وكان أكثر من سعر يومه مع أن المتمسكين بهذه الرواية يمنعون من هذه الصورة ولا يدل الحديث على ذلك فالدليل أخص من الدعوى وقد جمعنا رسالة في هذه المسألة وسميناها شفاء الغلل في حكم زيادة الثمن لمجرد الأجل وحققناها تحقيقا لم نسبق إليه والعلة في تحريم بعتين في بيعة عدم استقرار الثمن في صورة بيع الشيء الواحد بثمنين والتعليق بالشرط المستقبل في صورة بيع هذا على أن يبيع منه ذاك ولزوم الربا في صورة القفيز الحنطة : قوله " أو صفقتين في صفقة " أي بيعتين في بيعة (5/214)
النهي عن بيع العربون (5/214)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع العربان "
- رواه أحمد والنسائي وأبو دواد وهو لمالك في الموطأ (5/215)
- الحديث منقطع لانه من رواية مالك أنه بلغه عن عمرو بن شعيب ولم يدركه فبينهما راو لم يسم وسماه ابن ماجه فقال عن مالك عن عبد الله بن عامر الأسلمي وعبد الله لا يحتج بحديثه وفي إسناده ابن ماجه هذا أيضا حبيب كاتب الإمام مالك وهو ضعيف لا يحتج به . وقد قيل أن الرجل الذي لم يسم هو ابن هليعة ذكر ذلك ابن عدي وهو أيضا ضعيف . ورواه الدارقطني . والخطيب عن مالك عن عمرو ابن الحرث عن عمرو بن شعيب وفي إسنادهما الهيثم ابن اليمان وقد ضعفه الأزدي وقال أبو حاتم صدوق ورواه موصولا من غير طريق مالك وأخرجه عبد الرزاق في مصنفه عن زيد بن أسلم أنه سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العربان في البيع فاصله " وهو مرسل وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف : قوله " العربان " بضم العين المهملة وإسكان الراء ثم موحدة مخففة ويقال فيه عربون بضم العين والياء ويقال بالهمزة مكان العين . قال أبو داود قال مالك وذلك فيما نرى والله أعلم أن يشتري الرجل العبد أو يتكار الدابة ثم يقول أعطيك دينارا على أني أن تركت السلعة و الكراء فما أعطيتك لك انتهى . وبمثل ذلك فسره عبد الرزاق عن زيد بن أسلم والمراد أنه إذا لم يختر السلعة أو اكترى الدابة كان الدينار أو نحوه للمالك بغير شيء وإن اختارهما أعطاه بقية القيمة أو الكراء ( وحديث ) الباب يدل على تحريم البيع مع العربان وبه قال الجمهور وخالف في ذلك أحمد فأجازه وروى نحوه عن عمر وابنه . ويدل على ذلك حديث زيد بن أسلم المتقدم وفيه المقال المذكور والأولى ما ذهب إليه الجمهور لأن حديث عمر بن شعيب قد ورد من طرق يقوي بعضها بعضا ولأنه يتضمن الحظر وهو أرجح من الإباحة كما تقرر في الأصول . والعلة في النهي عنه اشتماله على شرطين فاسدين . أحدهما شرط كون ما دفعه إليه يكون مجانا إن اختار ترك السلعة . والثاني شرط الرد على البائع إذا لم يقع منه الرضا بالبيع (5/215)
باب تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وكل بيع أعان على معصية (5/215)
1 - عن أنس " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحامله والمحمول إليها وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشتري لها والمشتراة له "
- رواه الترمذي وابن ماجة (5/216)
2 - وعن ابن عمر قال " لعنت الخمرة على عشرة وجوه لعنت الخمرة بعينها وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحموله إليه وآكل ثمنها "
- رواه أحمد وابن ماجة وأبو داود بنحوه ولكنه لم يذكر وآكل ثمنها ولم يقل عشرة (5/216)
- الحديث الأول قال الحافظ في التلخيص ورواته ثقات والحديث الثاني في إسناده عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي أمير الأندلس قال يحيى لا أعرفه وقال قوم هو معروف وصححه ابن السكن ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أبي داود وعن ابن عباس عند ابن حبان وعن ابن مسعود عند الحاكم وعن بريدة عند الطبراني في الأوسط من طريق محمد بن أحمد بن أبي خيثمة بلفظ " من حبس العنب أيام القطف حتى يبيعه من يهودي أو نصراني أو ممن يتخذه خمرا فقد نقحم النار على بصيرة " حسنه الحافظ في بلوغ المرام . وأخرجه البيهقي بزيادة " أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا " وقد استدل المصنف رحمه الله بحديثي الباب على تحريم بيع العصير ممن يتخذه خمرا وتحريم كل بيع أعان على معصية قياسا على ذلك وليس في حديثي الباب تعرض لتحريم بيع العنب ونحوه ممن يتخذه خمرا لأن المراد بلعن بائعها وآكل ثمنها بائع الخمر وآكل ثمن الخمر وكذلك بقية الضمائر المذكورة هي للخمر ولو مجازا كما في عاصرها ومعتصرها فإنه يؤل المعصور إلى الخمر والذي يدل على مراد المصنف حديث بريدة الذي ذكرناه لترتيب الوعيد الشديد على من باع العنب إلى من يتخذه خمرا ولكن قوله حبس وقوله أو ممن يعلم أن يتخذه خمرا يدلان على اعتبار القصد والتعمد للبيع لمن يتخذه خمرا ولا خلاف في التحريم مع ذلك وأما مع عدمه فذهب جماعة من أهل العلم إلى جوازه منهم الهادوية مع الكراهة ما لم يعلم أنه يتخذه لذلك ولكن الظاهر أن البيع من اليهودي والنصراني لا يجوز لأنه مظنة لجعل الخمر خمرا ويؤيد المنع مع من البيع مع ظن استعمال المبيع في معصية أما ما أخرجه الترمذي وقال غريب من حديث أبي أمامة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " ولا تبيعوا القينات المغنيات ولا تشتروهن ولا تعلموهن ولا خير في تجارة فيهن وثمنهن حرام " (5/216)
باب النهي عن بيع ما لا يملكه ليمض فيشتريه ويسلمه (5/217)
1 - عن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ياتيني الرجل فيسألني عن البيع ليس عندي ما أبيعه منه ثم أبتاعه من السوق فقال لا تبع ما ليس عندك "
- رواه الخمسة (5/217)
- الحديث أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حسن صحيح وقد روى من غير وجه عن حكيم انتهى . وفي بعض طرقه عبد الله بن عصمة زعم عبد الحق أنه ضعيف جدا ولم يتعقبه ابن القطان بل نقل عن ابن حزم أنه مجهول . قال الحافظ وهو جرح مردود وقد روى عنه ذلك ثلاثة كما في التلخيص وقد احتج به النسائي ( وفي الباب ) عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عند أبي داود والترمذي وصححه والنسائي وابن ماجه قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ماليس عندك " قوله " ما ليس عندك " أي ماليس في ملكك وقدرتك والظاهر أنه يصدق على العبد المغصوب الذي لا يقدر لى انتزاعه ممن هو في يده وفي الآبق الذي لا يعرف مكانه والطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه ويدل على ذلك معنى عند لغة قال الرضى أنها تستعمل في الحاضر القريب وما هو في حوزتك وإن كان بعيدا انتهى . فيخرج عن هذا ما كان غائبا خارجا عن الملك أو داخلا عن الحوزو وظاهره أنه يقال لما كان حاضرا وإن كان خارجا عن الملك . فمعنى قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تبع ماليس عندك " أي ماليس حاضرا عندك ولا غائبا في ملكك وتحت حوزتك . قال البغوي النهي في هذا الحديث عن بيوع الأعيان التي لا يملكها أما بيع شيء موصوف في ذمته فيجوز فيه السلم بشروطه فلو باع شيئا موصوفا في ذمته عام الوجود عند المحل المشروط في البيع جاز وإن لم يكن البيع موجودا في ملكه حالة العقد كالسلم قال وفي معنى بيع ما ليس عنده في الفساد بيع الطير المنفلت الذي لا يعتاد رجوعه إلى محله فإن اعتاد الطائر أن يعود ليلا لم يصح أيضا عند الأكثر إلا النحل فإن الأصح فيه الصحة كما قال النووي في زيادات الروضة وظاهر النهي تحريم مالم يكن في ملك الأنسان ولا داخلا تحت مقدرته وقد استثنى من ذلك فتكون أدلة جوازه مخصصة لهذا العموم وكذلك إذا كان المبيع في ذمة المشتري إذ هو كالحاضر المقبوض (5/217)
باب من باع سلعة من رجل ثم من آخر (5/218)
1 - عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أيما إمرأة زوجها وليان فهي للأول منهما وأيما رجل باع بيعا من رجلين فهو للأول منهما "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجه لم يذكر فيه فصل النكاح وهو يدل بعمومه على فساد بيع البائع المبيع وإن كان في مدة الخيار (5/218)
- الحديث هو من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه خلاف قد تقدم وقد حسنه الترمذي وصححه أبو زرعة وأبو حاتم والحاكم . قال الحافظ وصحته متوقفة على ثبوت سماع الحسن من سمرة ورجاله ثقات ورواه الشافعي وأحمد والنسائي من طريق قتادة عن الحسن عن عقبة بن عامر قال الترمذي الحسن عن سمرة في هذا أصح : قوله " فهي للأول منها " فيه دليل أن المرأة إذا عقد لها ولين لزوجين كانت لمن عقد له أول الوليين من الزوجين وبه قال الجمهور وسواء كان دخل بها الثاني أم لا وخالف في ذلك مالك وطاوس والزهري . وروى عن عمر فقالوا أنها تكون للثاني إذا كان قد دخل بها لأن الدخول أقوى والخلاف في تفاصيل هذه المسألة بين المفرعين طويل قوله " وأيما رجحل باع " الخ فيه دليل أن من باع شيئا من رجل ثم باعه من آخر لم يكن للبيع الآخر حكم بل هو باطل لأنه باع غير ما يملك إذ قد صار في ملك المشتري الأول ولا فرق بين أن يكون البيع الثاني وقع في مدة الخيار أو بعد أنقراضها الأن المبيع قد خرج عن ملكة بمجرد البيع (5/218)
باب النهي عن بيع الدين بالدين وجوازه بالعين ممن هو عليه (5/219)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ "
- رواه الدارقطني (5/219)
2 - وعن ابن عمر قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلت إني أبيع الإبل بالبقيع فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم وأبيع بالدراهم ووآخذ الدنانير فقال لا بأس أن تأخذ بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء "
- رواه الخمسة . وفي لفظ بعضهم " أبيع بالدنانير وآخذ مكانها الورق وأبيع بالورق وآخذ مكانها الدنانير " وفيه دليل على جواز التصرف في الثمن قبل قبضه وإن كان في مدة الخيار وعلى أن خيار الشرط لا يدخل الصرف (5/219)
- الحديث الأول صححه الحاكم على شرط مسلم وتعقب بأنه تفرد به موسى بن عبيدة الربذي كما قال الدارقطني وابن عدي . وقد قال فيه أحمد لا تحل الرواية عنه عندي ولا أعرف هذا الحديث عن غيره وقال ليس في هذا أيضا حديث يصح ولكن إجماع الناس على أنه لا يجوز بيع دين بدين وقال الشافعي أهل الحديث يوهنون هذا الحديث اه . ويؤيده ما أخرجه الطبراني عن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع كالئ دين بدين " ولكن في إسناده موسى المذكور فلا يصلح شاهدا والحديث الثاني صححه الحاكم وأخرجه ابن حبان والبيهقي وقال الترمذي لا نعرفه مرفوعا إلا من حديث سماك بن حرب وذكر أنه روى عن ابن عمر موقوفا واخرجه النسائي موقوفا عليه ايضا قال البيهقي والحديث تفرد برفعه سماك بن حرب وقال شعبة رفعه لنا سماك وأنا أفرقه : قوله " الكالئ بالكالئ " هو مهموز قال الحاكم عن أبي الوليد حسان هو بيع النسيئة كذا نقله أبو عبيد في الغريب وكذا نقله الدارقطني عن أهل اللغة وروى البيهقي عن نافع قال هو بيع الدين بالدين . وفيه دليل على عدم جواز بيع الدين بالدين وهو إجماع كما حكاه أحمد في كلامه السابق وكذا لا يجوز بيع كل معدوم بمعدوم . قوله " بالبقيع " قال الحافظ بالباء الموحدة كما وقع عند البيهقي في بقيع الغرقد . قال النووي ولم يكن إذ ذاك قد كثرت فيه القبور . وقال ابن باطيش لم أر من ضبطه والظاهر أنه بالنون حكى ذلك عنه في التلخيص وابن رسلان في شرح السنن : قوله " لا بأس " خ فيه دليل على جواز الاستبدال عن الثمن الذي في الذمة بغيره وظاهره إنهما غير حاضرين جميعا بل الحاضر أحدهما وهو غير اللازم فيدل على أن ما في الذمة كالحاضر : قوله " مالم تفترقا وبينكما شيء " فيه دليل على أن جواز الاستبدال مقيد بالتقابض في المجلس لان الذهب والفضة مالان ربويان فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر الا بشرط وقوع التقابض في المجلس وهو محكى عن عمر وابنه عبد الله رضي الله عنهما والحسن والحكم وطاوس والزهري ومالك والشافعي وأبي حنيفة . والثوري والأوزاعي وأحمد وغيرهم وروى عن ابن مسعود وابن عباس وسعيد بن المسيب وهو أحد قولي الشافعي أنه كروه أي الاستبدال المذكور والحديث يرد عليهم ( واختلف ) الأولون فمنهم من قال يشترط أن يكون بسعر يومها كما وقع في الحديث وهو مذهب أحمد وقال أبو حنيفة والشافعي أنه يجوز بسعر يومها وأغلى وأرخص وهو خلاف ما في الحديث من قوله " بسعر يومها " وهو أخص من حديث " إذا أختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد " فيبني العام على الخاص (5/220)
باب نهي المشتري عن بيع ما اشتراه قبل قبضه (5/220)
1 - عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا ابتعت طعاما فلا تبعه حتى تستوفيه "
- رواه أحمد ومسلم (5/220)
2 - وعن أبي هريرة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يشتري الطعام ثم يباع حتى يستوفي "
- رواه أحمد ومسلم . ولمسلم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من اشترى طعاما فلا يبيعه حتى يكتاله " (5/221)
3 - وعن حكيم بن حزام قال " قلت يا رسول الله أني أشتري بيوعا فما يحل لي منها وما يحرم على قال إذا اشتريت شيئا فلا تبعه حتى تقبضه "
- رواه أحمد (5/221)
4 - وعن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن تباع السلع حيث تبتاع حتى يحوزها التجار إلى رحالهم "
- رواه أبو داود والدارقطني (5/221)
5 - وعن ابن عمر قال " كانوا يتبايعون الطعام حزافا با على السوق فنهاهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيعوه حتى ينقلوه "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وابن ماجه وفي لفظ في الصحيحين " حتى يحولوه " للجماعة إلا الترمذي " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يقبضه " ولأحمد " من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه " ولأبي داود والنسائي " نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه " (5/222)
6 - وعن ابن عباس " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يستوفيه قال ابن عباس ولا أحسب كل شيء إلا مثله "
- رواه الجماعة إلا الترمذي وفي لفظ في الصحيحين " من ابتاع طعاما فلا يبعه حتى يكتاله " (5/222)
- حديث حكيم بن حزام أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وفي إسناده العلاء ابن خالد الواسطي وثقه ابن حبان وضعفه موسى بن إسماعيل وقد أخرج النسائي بعضه وهو طرف من حديثه المتقدم في باب النهي عن بيع مالا يملكه . وحديث زيد بن ثابت أخرجه أيضا الحاكم وصححه وابن حبان وصححه أيضا : قوله " إذا ابتعت طعاما " وكذا قوله في الحديث الثاني " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الخ وكذا قوله " من اشترى طعاما " وكذلك بقية ما فيه التصريح بمطلق الطعام في حديث الباب في جميعها دليل على أنه لا يجوز لمن اشترى طعاما أن يبيعه حتى يقبضه من غير فرق بين الجزاف وغيره وإلى هذا ذهب الجمهور وروى عن عثمان التبى أنه يجزم بيع كل شيء قبل قبضه والأحاديث ترد عليه فإن النهي يقتضي التحريم بحقيقته ويدل على الفساد المرادف للبطلان كما تقرر في الأصول وحكى في الفتح عن مالك في المشهور عنه الفرق بين الجزاف وغيره فأجاز بيع الجزاف قبل قبضه وبه قال الأوزاعي وإسحاق واحتجوا بان الجزاف يرى فيكفي فيه التخلية والاستيفاء إنما يكون في مكيل أو موزون . وقد روى أحمد من حديث ابن عمر مرفوعا " من اشترى طعاما بكيل أو وزن فلا يبعه حتى يقبضه " رواه أبو داود والنسائي بلفظ " نهى أن يبيع أحد طعاما اشتراه بكيل حتى يستوفيه " كما ذكره المصنف والدارقطني من حديث جابر " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع البائع وصاع المشتري " ونحوه للبزار من حديث أبي هريرة قال في الفتح بإسناد حسن قالوا وفي ذلك دليل على أن القبض إنما سيكون شرطا في المكيل والموزون دون الجزاف واستدل الجمهور بإطلاق أحاديث الباب وبنص حديث ابن عمر فإنهم صرح فيه بأنهم كانوا يبتاعون جزافا الحديث . ويدل لما قالوا حديث حكيم بن جزام المذكور لأنه يعم كل مبيع ويجاب عن حديث ابن عمر وجابر اللذين احتج بهما مالك ومن معه بأن التنصيص على كون الطعام المنهي عن بيعه مكيلا أو موزونا لا يستلزم عدم ثبوت الحكم في غيره نعم لو لم يوجد في الباب إلا الأحاديث التي فيها إطلاق لفظ الطعام لأمكن أن يقال أنه يحمل المطلق على المقيد بالكيل والوزن وأما بعد التصريح بالنهي عن بيع الجزاف قبل قبضه كما في حديث ابن عمر فيحتم المصير إلى أن حكم الطعام متحد من غير فرق بين الجزاف وغيره ورجح صاحب ضوء النهار أن هذا الحكم أعني تحريم بيع الشيء قبل قبضه مختص بالجزاف دون المكيل والموزون وسائر المبيعات من غير الطعام وحكي هذا عن مالك ويجاب عنه بما تقدم من إطلاق الطعام والتصريح بما هو أعم منه كما في حديث حكيم والتنصيص على تحريم بيع المكيل من الطعام والموزون كما في حديث ابن عمر وجابر وما حكاه عن مالك خلاف ما حكاه عنه غيره فإن صاحب الفتح حكى عنه ما تقدم وهو مقابل لما حكاه عنه . وكذلك روى عن مالك ما يخالف ذلك ابن دقيق العيد وابن القيم وابن رشد في بداية المجتهد وغيرهم وقد سبق صاحب ضوء النهار إلى هذا المذهب ابن المنذر ولكنه لم يخصص بعض الطعام دون بعض بل سوى بين الجزاف وغيره ونفى اعتبار القبض عن غير الطعام وقد حكى ابن القيم في بدائع الفوائد عن أصحاب مالك كقول ابن المنذر ويكفي في رد هذا المذهب حديث حكيم فإنه يشتمل بعمومه غير الطعام وحديث زيد بن ثابت فإنه صرح بالنهي في السلع وقد استدل من خصص هذا الحكم بالطعام بما في البخاري من حديث ابن عمر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى من عمر بكرا كان ابنه راكبا عليه ثم وهبه لابنه قبل قبضه " ويجاب عن هذا بانه خارج عن محل النزاع لان البيع معاوضة بعوض وكذلك الهبة إذا كانت بعوض وهذه الهبة الواقعة من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليست على عوض وغاية ما في الحديث جواز التصرف في المبيع قبل قبضه بالهبة بغير عوض ولا يصح الالحاق للبيع وسائر التصرفات بذلك لأنه مع كونه فاسد الاعتبار قياس مع الفارق وأيضا قد تقرر في الأصول أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أمر
الأمة أو نهاها أمرا أو نهيا خاصا بها ثم فعل ما يخالف ذلك ولم يقم دليل يدل على التأسي في ذلك الفعل بخصوصه كان مختصا به لأن هذا الأمر أو النهي الخاصين بالأمة في مسألة مخصوصة هما أخص من أدلة التأسي العامة مطلقا فيبني العام على الخاص وذهب بعض المتأخرين إلى تخصيص إلى تخصيص التصرف الذي نهى عنه قبل القبض بالبيع دون غيره قال فلا يحل البيع ةيحل غيره من التصرفات وأراد بذلك الجمع بين أحاديث الباب وحديث شرائه صلى الله عليه وآله وسلم للبكر ولكنه يعكر عليه أن ذلك يستلزم الحاق جميع التصرفات التي بعوض وبغير عوض بالهبة بغير عوض وهو إلحاق مع الفارق وأيضا الحاقها بالهبة المذكورة دون البيع الذي وردت بمعنه الأحاديث تحكم والأولى الجمع بالحاق التصرفات بعوض بالبيع فيكون نعلها قبل القبض غير جائز والحاق التصرفات التي لا عوض فيها بالهبة المذكورة وهذا هو الراجح ولا يشكل عليه ما قدمنا من أن ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزل مع ذلك الفعل مختص بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن ذلك إنما هو على طريق التنزيل مع ذلك القائل بعد فرض أن فعله صلى الله عليه وآله وسلم يخالف ما دلت عليه أحاديث الباب وقد عرفت أنه لا مخالفة فلا اختصاص ويشهد لما ذهبنا إليه إجماعهم على صحة الوقف والعتق قبل القبض ويشهد له أيضا ما علل به النهي فإنه أخرج البخاري عن طاوس قال قلت لابن عباس كيف ذاك قال دراهم بدراهم والطعام مرجأ استفهمه عن سبب النهي فأجابه بأنه إذا باعه المشتري قبل القبض وتأخر المبيع في يد البائع فكأنه باع دراهم بدراهم ويبين ذلك ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه قال لما ساله طاوس ألا تراهم يتباعدون بالذهب والطعام مرجأ وذلك لأنه إذا اشترى طعاما بمائة دينار ودفعها للبائع ولم يقبض منه الطعام ثم باع الطعام إلى آخر بمائة وعشرين مثلا فكأنه اشترى بذهبه ذهبا أكثر منه ولا يخفى ان مثل هذه العلة لا ينطبق على ما كان من التصرفات بغير عوض وهذا التعليل أجود ما علل به النهي لأن الصحابة أعرف بمقاصد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ولا شك أن المنع من كل تصرف قبل القبض من غير فرق بين ما كان بعوض وما لا عوض فيه لا دليل عليه إلا الالحاق لسائر التصرفات بالبيع وقد عرفت بطلان الحاق مالا عوض فيه بما فيه عوض ومجرد صدق اسم التصرف على الجميع لا يجعله مسوغا للقياس عارف بعلم الأصول : قوله " حتى يحوزها التجار إلى رحالهم " فيه دليل على أنه لا يكفي مجرد القبض بل لابد من تحويله إلى المنزل الذي يسكن فيه المشتري أو يضع فيه بضاعته وكذلك يدل على هذا قوله في الرواية الأخرى " حتى يحولوه " وكذلك ما وقع في بعض طرق مسلم عن ابن عمر بلفظ " كنا نبتاع الطعام فبعث علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يأمرنا بانتقاله من المكان الذي ابتعناه فيه إلى مكان سواه قبل أن نبيعه " وقد قال صاحب الفتح أنه لا يعتبر الإيواء إلى الرحال لأن الأمر به خرج مخرج الغالب ولا يخفى أن هذه دعوى تحتاج إلى برهان لأنه مخالفة لما هو الظاهر ولا عذر لمن قال إنه يحمل المطلق على المقيد من المصير إلى ما دلت عليه هذه الروايات : قوله " جزافا " بتثليث الجيم والكسر أفصح من غيره وهو مالم يعلم قدره على التفصيل . قال ابن قدامة يجوز بيع الصبرة جزافا لا نعلم فيه خلافا إذا جهل البائع والمشتري قدرها : قوله " ولا أحسب كل شيء الا مثله " استعمل ابن عباس القياس ولعله لم يبلغه النص المقتضى لكون سائر الأشياء كالطعام كما سلف : قوله " حتى يكتاله " قيل المراد بالاكتيال القبض والاستيفاء كما في سائر الروايات ولكنه لما كان الأغلب في الطعام ذلك صرح بلفظ الكيل وهو خلاف الظاهر كما عرفت والظاهر أن من اشترى شيئا مكايلة أو موازنة فلا يكون قبضه الا بالكيل أو الوزن فإن قبضه جزافا كان فاسدا وبهذا قال الجمهور كما حكاه الحافظ عنهم في الفتح ويدل عليه حديث اختلاف الصاعين (5/222)
باب النهي عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان (5/223)
1 - عن جابر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الطعام حتى يجري فيه الصاعان صاع للبائع وصاع للمشتري "
- رواه ابن ماجه والدارقطني (5/223)
2 - وعن عثمان قال " كنت ابتاع التمر من بطن اليهود يقال لهم بنو قينقاع وأبيعه وإذا بعت فكل "
- رواه أحمد والبخاري منه بغير اسناد كلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم (5/223)
- حديث جابر أخرجه ايضا البيهقي وفي إسناده ابن أبي ليلى قال البيهقي وقد روى من وجه آخر ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند البزار بإسناد حسن . وعن أنس وابن عباس عند ابن عدي بإسنادين ضعيفين جدا كما قال الحافظ . وحديث عثمان أخرجه عبد الرزاق ورواه الشافعي وابن أبي شيبة والبيهقي عن الحسن عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا . قال البيهقي روى موصولا من أوجه إذا ضم بعضها إلى بعض قوي . وقال في مجمع الزوائد إسناد حسن واستدل بهذه الأحاديث على أن من اشترى شيئا مكايلة وقبضه ثم باعه إلى غيره لم يجز تسليمه بالكيل الأول حتى بكيله على من اشتراه ثانيا وإليه ذهب الجمهور كما حكاه في الفتح عنهم : قال وقال عطاء يجوز بيعه بالكيل الأول مطلقا وقيل إن باعه بنقد جاز بالكيل الأول وإن باعه بنسيئة لم يجز الأول والظاهر ما ذهب إليه الجمهور من غير فرق بين بيع وبيع للأحاديث المذكورة في الباب التي تفيد بمجموعها ثبوت الحجة وهذا إنما هو إذا كان الشراء مكايلة وأما إذا كان جزافا فلا يعتبر الكيل المذكور عند أن يبيعه المشتري (5/224)
باب ما جاء في التفريق بين ذوي المحارم (5/224)
1 - عن أبي موسى قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من فرق بين والدة وولدها فرق الله بينه وبين أحبته يوم القيامة "
- رواه أحمد والترمذي (5/224)
2 - وعن علي عليه السلام " قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبيع غلامين أخوين فبعتهما وفرقت بينهما فذكرت ذلك له فقال أدركهما فأرجعتهما ولا تبعهما إلا جميعا "
- رواه أحمد . وفي رواية " وهب لي النبي صلى الله عليه وآله وسلم غلامين أخوين فبعت أحدهما فقال لي يا علي ما فعل غلامك فأخبرته فقال رده رده " رواه الترمذي وابن ماجه (5/225)
3 - وعن أبي موسى قال " لعن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من فرق بين الوالد وولده وبين الأخ وأخيه "
- رواه ابن ماجه والدارقطني (5/225)
4 - وعن علي عليه السلام " أنه فرق بين جارية وولدها فنهاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك ورد البيع "
- رواه أبو داود والدارقطني (5/225)
- حديث أبي أيوب أخرجه أيضا الدارقطني والحاكم وصححه وحسنه الترمذي وفي إسناده حي بن عبد الله المعافري وهو مختلف فيه وله طريق أخرى عند البيهقي وفيها غنقطاع لأنها من رواية العلاء بن كثير الإسكندراني عن أبي أيوب ولم يدركه . وله طريق أخرى عند الدارمي . وحديث أبي موسى إسناده لا بأس به فإن محمد بن عمر بن الهياج صدوق وطليق بن عمران مقبول . وحديث علي الأول رجال إسناده ثقات كما قال الحافظ وقد صححه ابن خزيمة وابن الجارود وابن حبان والحاكم والطبراني وابن القطان وحديثه الثاني هو من رواية ميمون بن أبي شبيب عنه وقد أعله أبو داود بالإنقطاع بينهما وأخرجه الحاكم وصحح إسناده ورجحه البيهقي لشواهده ( وفي الباب ) عن أنس عند ابن عدي بلفظ " لا يولهن والد عن ولده " وفي إسناده مبشر بن عبيد وهو ضعيف ورواه من طريق أخرى فيها إسماعيل بن عياش عن الحجاج بن ارطأة وقد تفرد به إسماعيل وهو ضعيف في غير الشاميين . وعن أبي سعيد عند الطبراني بلفظ " لا توله والدة بولدها " وأخرجه البيهقي بإسناد ضعيف عن الزهري مرسلا ( والأحاديث ) المذكورة في الباب فيها دليل على تحريم التفريق بين الوالدة والولد وبين الأخوين أما بين الوالدة وولدها فقد حكي في البحر عن الإمام يحيى أنه إجماع حتى يستغني الولد بنفسه وقد اختلف في إنعقاد البيه فذهب الشافعي إلى أنه لا ينعقد . وقال أبو حنيفة وهو قول للشافعي أنه ينعقد . وقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه لا يحرم التفريق بين الأب والابن وأجاب عليه صاحب البحر بأنه مقيس على الأم ولا يخفى أن حديث أبي موسى المذكور في الباب يشمل الأب فالتعويل عليه أن صح أولى من التعويل على القياس وأما بقية القرابة فذهبت الهادوية والحنفية إلى أنه يحرم التفري بينهم قياسا وقال الإمام يحيى والشافعي لا يحرم والذي يدل عليه النص هو تحريم التفريق بين الأخوة وأما بين من عداهم من الأرحام فالحاقه بالقياس فيه نظر لأنه لا تصل منهم بالمفارقة مشقة كما تحصل بالمفارقة بين الوالد والولد وبين الأخ وأخيه فلا الحاق لوجود الفارق فينبغي الوقوف على ما تناوله النص وظاهر الأحاديث أنه يحرم التفريق سواء كان بالبيع أو بغيره مما فيه مشقة تساوي مشقة التفريق بالبيع إلا التفريق الذي لا اختيار فيه للمفرق كالقسمة والظاهر أيضا أنه لا يجوز التفريق بين من ذكر لا قبل البلوغ ولا بعده وسيأتي بيان ما استدل به على جوازه بعد البلوغ (5/226)
5 - وعن سلمة بن الأكوع قال " خرجنا مع أي بكر أمره علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فغزونا فزارة فلما دنونا من الماء أمرنا أبو بكر فعرسنا فلما صلينا الصبح أمرنا أبو بكر فشننا الغارة فقتلنا على الماء من قتلنا ثم نظرت إلى عنق من الناس فيه الذرية والنساء نحوالجبل وأنا أعدو في أثرهم فخشيت أن يسبقوني إلى الجبل فرميت بسهم فوقع بينهم وبين الجبل قال فجئت بهم اسوقهم إلى أبي بكر وفيهم امرأة من فزارة عليها قشع من أدم ومعها ابنة لها من أحسن العرب وأجمله فنفلني أبو بكر فلم أكشف لها ثوبا حتى قدمت المدينة ثم بت فلم أكشف لها ثوبا فلقيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم في السوق فقال يا سلمة هب لي المرأة فقلت يا رسول الله لقد اعجبتني وما كشفت لها ثوبا فسكت وتركني حتى إذا كان من الغد لقيني في السوق فقال يا سلمة هب المرأة لله أبوك فقلت هي لك يا رسول الله قال فبعث بها إلى مكة وفي أيديهم أسارى من المسلمين ففداهم بتلك المرأة "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (5/226)
- قوله " فعرسنا " التعريس النزول آخر الليل للاستراحة قوله " شننا الغارة " شن الغارة هو اتيان العدو من جهات متفرقة قال في القاموس شن الغارة عليهم صبها من كل وجه كاشنها . قوله " عنق " أي جماعة من الناس قال في القاموس العنق بضم وبضمتين وكأمير وصرد الجيد ويؤنث الجمع اعناق والجماعة من الناس والرؤساء قوله " قشع من أدم " أي نطع قال في القاموس القشع بالفتح الفر والخلق ثم قال ويثلث والنطع أو قطعة من نطع : قوله " فلم أكشف لها ثوبا " كناية عن عدم الجماع وقد استدل بهذا الحديث على جواز التفريق وبوب عليه أبو داود بذلك لأن الظاهر إن البنت قد كانت بلغت قال المصنف رحمه الله وهو حجة في جوز التفريق بعد البلوغ وجواز تقديم القبول بصيغة الطلب على الإيجاب في الهبة ونحوها وفيه أن ماملكه المسلمون من الرقيق يجوز رده إلى الكفار في الفداء اه . وقد حكى في الغيث الاجماع على جواز التفريق بعد البلوغ فإن صح فهو المستند لا هذا الحديث لأن كون بلوغها هو الظاهر غير مسلم الا أن يقال أنه حمل الحديث على ذلك للجمع بين الأدلة وقد روى عن المنصور بالله والناصر في أحد قوليه أن حد تحريم التفريق إلى سبع وقد استدل على جواز التفريق بين البالغين بما أخرجه الدارقطني والحاكم من حديث عبادة بن الصامت بلفظ " لاتفرق بين الأم وولدها قيل إلى متى قال حتى يبلغ الغلام وتحيض الجارية " وهذا نص على المطلوب صريح لولا إن في إسناده عبد الهل بن عمرو الواقفي وهو ضعيف وقد رماه على ابن المديني بالكذب ولم يروه عن سعيد بن عبد العزيز غيره وقد استدل له الدارقطني بحديث سلمة المذكور ولا شك إن مجموع ما ذكر من الإجماع وحديث سلمة وهذا الحديث منتهض للاستدلال به على التفرقة بين الكبير والصغير (5/226)
باب النهي ان يبيع حاضر لباد (5/227)
1 - عن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيع حاضر لباد "
- رواه البخاري والنسائي (5/227)
2 - وعن جابر " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يبيع حاضر لباد دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض "
- رواه الجماعة إلا البخاري (5/227)
3 - وعن أنس قال " نهينا أن يبيع حضر لباد وإن كان أخاه لأبيه وأمه "
- متفق عليه . ولأبي داود والنسائي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وإن كان اباه وأخاه " (5/228)
4 - وعن ابن عباس " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تلقوا الركبان ولا يبع حاضر لباد فقيل لابن عباس ما قوله لا يبع حاضر لباد قال لا يكون له سمسارا "
- رواه الجماعة إلا الترمذي (5/228)
- قوله " حاضر لباد " الحاضر ساكن الحضر والبادي ساكن البادية قال في القاموس الحضر والحاضرة والحضارة وتفتح خلاف البادية والحضارة الأقامة في الحضر ثم قال والحاضر خلاف البادي . وقال البدو والبادية والبادات والبداوة خلاف الحضر وتبدي أقام بها وتبادي تشبه بأهلها والنسبة بداوى وبدوي وبدا القوم خرجوا إلى البادية انتهى . قوله " دعوا الناس " الخ في مسند أحمد من طريق عطاء بن السائب عن حكيم بن أبي يزيد عن أبيه حدثني أبي قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإذا استنصح الرجل فلينصح له " ورواه البيهقي من حديث جابر مثله . قوله " لاتلقوا الركبان " سيأتي الكلام عليه . قوله " سمسارا " بسينين مهملتين قال في الفتح وهو في الأصل القيم بالأمر والحافظ ثم استعمل في متولى البيع والشراء لغيره ( وأحاديث الباب ) تدل على أنه لا يجوز للحاضر أن يبيع للبادي من غير فرق بين أن يكون البادي قريبا له أو أجنبيا وسواء كان في زمن الغلاء أولا وسواء كان يحتاج إليه أهل البلد أم لا وسواء باعه له على التدريج أم دفعة واحدة . قالت الحنفية انه يختص المنع من ذلك بزمن الغلاء وبما يحتاج إليه أهل لمصر وقالت الشافعية والحنابلة أن الممنوع إنما هو أن يجيء البلد بسلعة يريد بيعها بسعر الوقت في الحال فيأتيه الحاضر فيقول ضعه عندي لأبيعه لك على التدريج بأغلى من هذا السعر قال في الفتح فجعلوا الحكم منوطا بالبادي ومن شاركه في معناه قالوا وإنما ذكر البادي في الحديث لكونه الغالب فألحق من شاركه في عدم معرفة السعر من الحاضرين وجعلت المالكية البداوة قيدا . وعن مالك لا يلتحق بالبدوي في ذلك إلى من كان يشبهه فأما أهل القرى الذين يعرفون أثمان السلع والأسواق فليسوا داخلين في ذلك . وحكى ابن المنذر عن الجمهور ان النهي للتحريم إذا كان البائع عالما والمبتاع مما تعم الحاجة إليه ولم يعضه البدوي على الحضري ولا يخفى أن تخصيص العموم بمثل هذه الأمور من التخصيص بمجرد الاستنباط وقد ذكر ابن دقيق العيد فيه تفصيلا حاصله أنه يجوز التخصيص به حيث يظهر المعنى لا حيث يكون خفيا فاتباع اللفظ أولى ولكنه لا يطميئن الخاطر إلى التخصيص به مطلقا فالبقاء على ظواهر النصوص هو الأولى فيكون بيع الحاضر للبادي محرما على العموم وسواء كان بأجرة أم لا . وروى عن البخاري أنه حمل النهي على البيع بأجة لا بغير أجرة فإنه من باب النصيحة . وروى عن عطاء ومجاهد وأبي حنيفة أنه يجوز بيع الحاضر للبادي مطلقا وتمسكوا بأحاديث النصيحة . وروى مثل ذلك عن الهادي وقالوا إن أحاديث الباب منسوخة واستظهروا على الجواز بالقياس على توكيل البادي للحاضر فإنه جائز ويجاب عن تمسكهم بأحاديث النصيحة بأنها عامة مخصصة بأحاديث الباب ( فإن قيل ) إن أحاديث النصيحة وأحاديث الباب بينها عموم وخصوص من وجه لأن بيع الحاضر للبادي قد يكون على غير وجه النصيحة فيحتاج فيحتاج حينئذ إلى الترجيح من خارج كما هو شأن الترجيح بين العمومين المتعارضين فيقال المراد بيع الحاضر للبادي الذي جعلناه أخص مطلقا هو البيع الشرعي بيع المسلم للمسلم الذي بينه الشارع للأمة وليس بيع الغش والخداع داخلا في مسمى هذا البيع الشرعي كما أنه لا يدخل فيه بيع الربا وغيره مما لا يحل شرعا فلا يكون البيع باعتبار ما ليس بيعا شرعيا أعم من وجه حتى يحتاج إلى طلب مرجح بين العمومين لأن ذلك ليس هو البيع الشرعي ويجاب عن دعوى النسخ بأنها إنما تصح عند العلم بتأخر الناسخ ولم ينقل ذلك . وعن القياس بأنه فاسدا لاعتبار لمصادمته النص على أن أحاديث الباب أخص من الأدلة القاضية بجواز التوكيل مطلقا فيبني العام على الخاص ( واعلم ) أنه كما لا يجوز أن يبيع الحاضر للبادي كذلك لا يجوز أن يشتري له وبه قال ابن سيرين والنخعي . وعن مالك روايتان ويدل لذلك ما أخرجه أبو داود عن أنس بن مالك أنه قال كان يقال لا يبع حاضر لباد وهي كلمة جامعة لا يبيع له شيئا ولا يبتاع له شيئا ولكن في إسناده أبو هلال محمد بن سليم الراسبي وقد تكلم فيه غير واحد . وأخرج أبو عوانة في صحيحه عن ابن سيرين قال لقيت أنس بن مالك فقلت لا يبع حاضر لباد أنهيتم أن تبيعوا أو تبتاعوا لهم قال نعم قال محمد صدق أنها كلمة جامعة ويقوى ذلك العلة التي نبه عليها صلى الله عليه وآله وسلم بقوله دعوا الناس يرزق الله بعضهم من بعض فإن ذلك يحصل بشراء من لا خبرة له بالأثمان كما يحصل ببيعه وعلى فرض عدم ورود نص يقضي بأن الشراء حكمه البيع فقد تقرر إن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ البيع يطلق على الشراء وأنه مشترك بينهما كما أن لفظ الشراء يطلق على البيع لكونه مشتركا بينهما والخلاف في جواز استعمال المشترك في معنيه أو معانييه معروف في الأصول والحق الجواز إن لم يتناقضا (5/228)
باب النهي عن النجش (5/229)
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى أن يبيع حاضر لباد وان يتناجشوا " (5/229)
2 - وعن ابن عمر قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن النجش "
- متفق عليهما (5/229)
- قوله " النجش بفتح النون وسكون الجيم بعدها معجمة قال في الفتح وهو في اللغة تنفير الصيد واستثارته من مكان ليصاد يقال نجشت الصيد أنجشه بالضم نجشا وفي الشرع الزيادة في السلعة ويقع ذلك بمواطأة البائع فيشتركان في الأثم ويقع ذلك بغير علم البائع فيختص بذلك الناجش وقد يختص به البائع كمن يخبر بأنه اشترى سلعة بأكثر مما اشتراها به ليغر غيره بذلك . وقال ابن قتيبة النجش الختل والخديعة ومنه قيل للصائد ناجش لأنه يختل الصيد ويحتال له قال الشافعي النجش أن تحضر السلعة تباع فيعطى بها الشيء وهو لا يريد شراءها ليقتدي به السوام فيعطون بها أكثر مما كانوا يعطون لو لم يسمعوا سومه . قال ابن بطال أجمع العلماء على أن الناجش عاص بفعله واختلفوا في البيع إذا وقع على ذلك ونقل ابن المنذر عن طائفة من أهل الحديث فساد ذلك البيع إذا وقع على ذلك وهو قول أهل الظاهر ورواية عن مالك وهو المشهور عند الحنابلة إذا كان بموطأه البائع أو صنعته والمشهور عند المالكية في مثل ذلك ثبوت الخيار وهو وجه للشافعية قياسا على المصراة والأصح عندهم صحة البيع مع الأثم وهو قول الحنفية والهادوية وقد اتفق أكثر العلماء على تفسير النجش في الشرع بما تقدم وقيد ابن عبد البر وابن حزم وابن العربي التحريم بأن تكون الزيادة المذكورة فوق ثمن المثل ووافقهم على ذلك بعض المتأخرين من الشافعية وهو تقييد للنص بغير مقتض للتقييد وقد ورد ما يدل على جواز لعن الناجش فأخرج الطبراني عن ابن أبي أوفى مرفوعا " الناجش آكل ربا خائن ملعون " وأخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور موقوفا مقتصرين على قوله " آكل الربا خائن " (5/230)
باب النهي ن تلقي الركبان (5/230)
1 - عن ابن مسعود قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع "
- متفق عليه (5/230)
2 - وعن أبي هريرة قال نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتلقى الجلب قال تلقاه انسان فابتاعه فصاحب السلعة فيها بالخياء إذا ورد السوق "
- رواه الجماعة إلا البخاري وفيه دليل على صحة البيع (5/231)
- في الباب عن ابن عمر عند الشيخين وعن ابن عباس عندهما أيضا : قوله " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تلقي البيوع " فيه دليل على أن التلقي محرم وقد اختلف في هذا النهي هل يقتضي الفساد أم لا فقيل يقتضي الفساد وقيل لا وهو الظاهر لأن النهي ههنا لأمر خارج وهو لا يقتضيه كما تقرر في الأصول وقد قال بالفساد المرادف للبطلان بعض المالكية وبعض الحنابلة وقال غيرهم بعدم الفساد لما سلف . ولقوله صلى الله عليه وآله وسلم " فصاحب السلعة فيها بالخيار " فإنه يدل على انعقاد البيع ولو كان فاسدا لم ينعقد وقد ذهب إلى الأخذ بظاهر الحديث الجمهور فقالوا لا يجوز تلقي الركبان واختلفوا هل هو محرم أو مكروه فقط حكى ابن المنذر عن أبي حنيفة أنه أجاز التلقي وتعقبه الحافظ بأن الذي في كتب الحنفية أنه يكره التلقي في حالتين أن يضر بأهل البلد وأن يلبس السعر على الواردين اه . والتنصيص على الركبان في بعض الروايات خرج مخرج الغالب في أن من يجلب الطعام يكون في الغالب راكبا وحكم الجالب الماشي حكم الراكب ويدل على ذلك حديث أبي هريرة المذكور فإن فيه النهي عن تلقي الجلب من غير فرق . وكذلك حديث ابن مسعود المذكور فإن فيه النهي عن تلقي البيوع قوله " الجلب " بفتح اللام مصدر بمعنى اسم المفعول يقال جلب الشيء جاء به من بلد إلى بلد للتجارة . قوله " بالخيار " اختلفوا هل يثبت له الخيار مطلقا أو بشرط أن يقع له في البيع عين . ذهبت الحنابلة إلى الأول وهو الأصح عند الشافعية وهو الظاهر وظاهره أن النهي لأجل صنعة البائع وازالة الضرر عنه وصيانته ممن يخدعه . قال ابن المنذر وحمله مالك على نفع أهل السوق لا على نفع رب السلعة وإلى ذلك جنح الكوفيون والأوزاعي قال والحديث حجة للشافعي لأنه أثبت الخيار للبائع لا لأهل السوق اه . وقد احتج مالك ومن معه بما وقع في رواية من النهي عن تلقي السلع حتى تهبط الأسواق وهذا لا يكون دليلا لمدعاهم لأنه يمكن أن يكون ذلك رعاية لمنفعة البائع لأنها إذا هبطت الأسواق عرف مقدار السعر فلا يخدع ولا مانع من أن يقال العلة في النهي مرعاة نفع البائع ونفع أهل السوق ( واعلم ) أنه لا يجوز تلقيهم للبيع منهم كما لا يجوز للشراء منهم لأن العلة التي هي مراعاة نفع الجالب أو أهل السوق أو الجميع حاصلة في ذلك ويدل على ذلك ما في رواية للبخاري بلفظ " لا بيع " فإنه يتناول البيع لهم والبيع منهم وظاهر النهي المذكور في الباب عدم الفرق بين أن يبتدئ المتلقي الجالب بطلب الشراء أو البيع أو العكس وشرط بعض الشافعية في النهي أن يكون المتلقي هو الطالب وبعضهم اشترط أن يكون المتلقي قاصدا لذلك فلو خرج للسلام على الجالب أو للفرجة أو لحاجة أخرى فوجدهم فبايعهم لم يتناوله النهي ومن نظر إلى المعنى لم يفرق وهو الأصح عند الشافعي وشرط الجويني في النهي أن يكذب المتلقي في سعر البلد ويشتري منهم باقل من ثمن المثل . وشرط المتولى من أصحاب الشافعي أن يخبرهم بكثرة المؤنة عليهم في الدخول وشرط أبو إسحاق الشيرازي أن يخبرهم بكساد ما معهم والكل من هذه الشروط لا دليل عليه والظاهر من النهي أيضا أنه يتناول المسافة القصيرة والطويلة وهو ظاهر إطلاق الشافعية . وقال بعض المالكية ميل . وقال بعضهم أيضا فرسخان . وقال بعضهم يومان . وقال بعضهم مسافة قصر وبه قال الثوري وأما ابتداء التلقي فقيل الخروج من السوق وإن كان في البلد وقيل الخروج من البلد وهو قول الشافعية وبالأول قال أحمد وإسحاق والليث والمالكية (5/231)
باب النهي عن بيع الرجل على بيع أخيه وسومه إلا في المزايدة (5/231)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا بيع أحدكم على بيع أخيه ولا يخطب أحدكم على خطبة أخيه لا أن يأذن له "
- رواه أحمد . وللنسائي " لا بيع أحدكم على بيع أخيه حتى يبتاع أو يذر " وفيه بيان أنه أراد بالبيع الشراء (5/232)
2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يخطب الرجل على خطبة أخيه ولا يسوم على سومه " . وفي لفظ " لا يبيع الرجل على بيع أخيه ولا يخطب على خطبة أخيه "
- متفق عليه (5/232)
3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم باع قدحا وحلسا فيمن يزيد "
- رواه أحمد والترمذي (5/232)
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا باللفظ الأول مسلم وأخرجه ايضا البخاري في النكاح بلفظ " نهى أن يبيع الرجل على بيع أخيه وأ يخطب الرجل على خطبة أخيه حتى يترك الخاطب قبله أو يأذن له الخاطب " وأخرج نحو الرواية الثانية من حديثه ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني وزادوا " إلا الغنائم والمواريث " وحديث أنس أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وحسنه الترمذي وقال لا نعرفه إلا من حديث الأخضر بن عجلان عن أبي بكر الحنفي عنه وأعله ابن قطان بجهل حال أبي بكر الحنفي ونقل عن البخاري أنه قال لم يصح حديثه . ولفظ الحديث عند أبي داود وأحمد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نادى على قدح وجلس لبعض أصحابه فقال رجل هما علي بدرهم ثم قال آخر هما علي بدرهمين " وفيه " أن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة " وقد تقدم ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الشيخين وعن عقبة بن عامر عند مسلم : قوله " لا يبيع " الأكثر بإثبات الياء على أن لا نافية ويحتمل أن تكون ناهية وأشبعت الكسرة كقراءة من قرأ ( أنه من يتقي ويصبر ) وهكذا ثبتت الياء في بقية ألفاظ الباب : قوله " إلا أن يأذن له " يحتمل أن يكون استثناء من الحكمين ويحتمل أن يختص بالأخير والخلاف في ذلك وبيان الراجح مستوفى في الأصول ويدل على الثاني في خصوص هذا المقام رواية للبخاري التي ذكرناها : قوله " لا يخطب الرجل " الخ سيأتي الكلام على الخطبة في النكاح إن شاء الله قوله " ولا يسوم " صورته أن يأخذ شيئا ليشتريه فيقول المالك رده لأبيعك خيرا منه بثمنه أو يقول للمالك غسترده لأشتريه منك بأكثر وإنما يمنع من ذلك بعد استقرار الثمن وركون أحدهما إلى الآخر فإن كان ذلك تصريحا فقال في الفتح لا خلاف في التحريم وإن كان ظاهرا ففيه وجهان للشافعية وقال ابن حزم إن لفظ الحديث لا يدل على اشتراط الرون وتعقب أنه لا بد من أمر مبين لموضع التحريم في السوم لأن السوم في السلعة التي تباع فيمن يزيد لا يحرم اتفاقا كما حكاه في الفتح عن ابن عبد البرفتعين أن السوم المحرم ما وقع فيه قدر زائد على ذلك . وأما صورة البيع على البيع والشراء على الشراء فهو أن يقول لمن اشترى سلعة في زمن الخيار افسخ لأبيعك بأنقص أو يقول للبائع افسخ لأشتري منك بأزيد قال في الفتح وهذا مجمع عليه وقد اشترى بعض الشافعية في التحريم أن لا يكون المشتري مغبونا غبنا فاحشا وإلا جاز البيع على البيع والسوم على السوم لحديث الدين النصيحة وأجيب عن ذلك أن النصيحة لا تنحصر في البيع على البيع والسوم على السوم لأنه يمكن أن يعرفه أن قيمتها كذا فيجمع بذلك بين المصلحتين كذا في الفتح وقد عرفت أن أحاديث النصيحة أعم مطلقا من الأحاديث القاضية بتحريم أنواع من البيع فيبني العام على الخاص واختلفوا في صحة البيع المذكور فذهب الجمهور إلى صحته مه الأثم . وذهبت الحنابلة والمالكية إلى فساده في إحدى الروايتين عنهم وبه جزم ابن حزم والخلاف يرجع إلى ما تقرر في الأصول من أن النهي المقتضى للفساد هو النهي عن الشيئ لذاته ولوصف ملازم لا لخارج : قوله " وحلسا " بكسر الحاء المهملة وسكون اللام كساء رقيق يكون تحت برذعه البعير قال الجوهري . والحلس البساط أيضا ومنه حديث " كن حلس بيتك حتى يأتيك يد خاطئة أو ميتة قاضية " كذا في النهاية : قوله " فيمن يزيد " فيه دليل على على جواز بيع المزايدة وهو البيع على الصفة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما سلف وحكى البخاري عن عطاء أنه قال أدركت الناس لا يرون بأسا في بيع المغانم فيمن يزيد ووصله ابن أبي شيبة ن عطاء ومجاهد وروى هو وسعيد بن منصور عن مجاهد قال لا بأس بيع من يزيد وكذلك كانت تباع الأخماس . وقال الترمذي عقب حديث أنس المذكور والعمل على هذا عند بعض أهل العلم لم يروا بأسا ببيع من يزيد في الغنائم والمواريث . قالابن العربي لا معنى للاختصاص الجواز بالغنيمة والميراث فإن الباب واحد والمعنى مشترك اه ولعلهم جعلوا تلك الزيادة التي زادها ابن خزيمة وابن الجارود والدارقطني قيدا لحديث أنس المذكور ولكن لم ينقل أن الرجل الذي باع عنه صلى الله عليه وآله وسلم القدح والحلس كانا معه من ميراث أو غنيمة فالظاهر الجواز مطلقا أما لذلك وأما لإلحاق غيرهما بهما ويكون ذكرهما خارجا مخرج الغالب لأنهما الغالب على ما كانوا يعتادون البيع فيه مزايدة وممن قال باختصاص الجواز بهما الأوزاعي وإسحاق وروى عن النخعي أنه كره بيع المزايدة واحتج بحديث جابر الثابت في الصحيح أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في مدبر " من يشتريه منى فاشتراه نعيم ابن عبد الله بثمانمائة درهم " واعترضه الإسماعيلي فقال ليس في قصة لمدبر بيع المزايدة فإن بيع المزايدة أن يعطي به واحد ثمنا ثم يعطي به غيره زيادة عليه نعم يمكن الاستدلال بما أخرجه البزار من حديث سفيان بن وهب قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينهى عن بيع المزايدة " ولكن في إسناده ابن هليعة وهو ضعيف (5/233)
باب البيع بغير إشهاد (5/233)
1 - عن عمارة بن خزيمة " أن عمه حدثه وكان من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه ابتاع فرسا من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليقضيه ثمن فرسه فأسرع النبي صلى الله عليه وآله وسلم المشي وأبطأ الأعرابي فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس لا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ابتاعه فنادى الأعرابي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن كنت مبتاعا هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم حين سمع نداء الأعرابي أوليس قد ابتعته منك قال الأعرابي لا والله ما بعتك فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلى قد بعته فطفق الأعرابي يقول هلم شهيدا قال خزيمة أنا أشهد أنك قد ابتعته فأقبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم علىخزيمة فقال بم تشهدد فقال بتصديقك يا رسول الله فجعل شهادة خزيمة شهادة رجلين "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود (5/233)
- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده عند أبي داود ثقات . وأخرجعه أيضا الحاكم في المستدرك : قوله " ابتاع فرسا " قيل هذا الفرس هو المرتجز المذكور في أفراس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سمي بذلك لحسن صهيله كأنه بصهيله ينشد رجز الشعر الذي هو أطيبه وكان أبيض وقيل هو الطرف بكسر الطاء وقيل هو النجيب : قوله من " أعرابي " قيل هو سواء بن الحرث وقال الذهبي هو سواء بن قيس المحاربي : قوله " فاستتبعه " السين للطلب أي أمره أن يتبعه إلى مكانه فاستخدمه إذا أمره أن يخدمه وفيه شراء السلعة وإن لم يكن الثمن حاضرا وجواز تأجيل البائع بالثمن إلى أن يأتي إلى منزله : قوله " فطفق " بكسر الفاء على اللغة المشهورة بفتحها على اللغة القليلة : قوله " بالفرس " الباء زائدة في المفعول لأن المساومة تتعدى بنفسها تقول سمت الشيئ . قوله " لا يشعرون " الخ أي لم يقع من الصحابة السوم النهي عنه بعد استقرار البيع والنهي إنما يتعلق بمن علم لأن العلم شرط التكليف قوله " لا والله ما بعتك " قيل إنما أنكر هذا الصحابي البيع وحلف على ذلك لأن بعض المنافقين كان حاضرا فأمره بذلك وأعلمه أن البيع لم يقع صحيحا وأنه لا إثم عليه في الحلف على أنه ما باعه فاعتقد صحة كلامه لأنه لم يظهر له نفاقه ولو علمه لما أغتر به وهذا وإن كان هو اللائق بجال من كان صحابيا ولكن لا مانع من أن يقع مثل ذلك من الذين لم يدخل حب الا يمان في قلوبهم وغير مستنكر أن يوجد في ذلك الزمان من يؤثر العاجلة فإنه قد كان بهذه المثابة جماعة منهم كما قال تعالى { منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة } والله يغفر لنا ولهم : قوله " هلم " هلم بضم اللام وبناء الآخر على الفتح لأنه اسم فعل وشهيدا منصوب به وهو فعيل بمعنى فاعل أي هلم شاهدا زاد النسائي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد ابتعته منك فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم والأعرابي وهما يتراجعان وطفق الأعرابي يقول هلم شاهدا أني قد بعتكه : قوله " بم تشهد " أي بأي شيء تشهد عل ىذلك ولم تك حاضرا عند وقوعه . وفي رواية للطبراني بم تشهد ولم تكن حاضرا ( والحديث ) استدل به المصنف على جواز البيع بغير إشهاد قال الشافعي لو كان الإشهاد حتما لم يتبايع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني الأعرابي من غير حضور شهادة ومراده أن الأمر في قوله تعالى { واشهدوا إذا تبايعتم } ليس على الوجوب بل هو على الندب لأن فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم قرينة صارفة للأمر من الوجوب إلى الندب . وقيل هذه الآية منسوخة بقوله تعالى { فإن أمن بعضكم بعضا } وقيل محكمة والأمر على الوجوب قال ذلك أبو موسى الأشعري وبن عمرو الضحاك وابن المسيب وجابر بن زيد ومجاهد وعطاء والشعبي والنخعي وداود بن علي وابنه أبو بكر والطبري قال الضحاك هي عزيمة من الله ولو على باقة بقل قال الطبري لا يحل لمسلم إذا باع أو اشترى أن يترك الإشهاد وإلا كان مخالفا لكتاب الله قال ابن العربي وقول العلماء كافة أنه على الندب وهو الظاهر وقد ترجم أبو داود على هذا الحديث باب إذا علم الحاكم صدق الشاهد الواحد يجوز له أن يحكم به وبه يقول شريح وفي البخاري أن مروان قضى بشهادة ابن عمر وحده وأجاب عنه الجمهور بأن شهادة ابن عمر كانت على جهة الإخبار ويجاب أيضا عن شهادة خزيمة بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعلها بمثابة شهادة رجلين فلا يصح الاستدلال بها على قبول شهادة الواحد . وذكر ابن التين أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال لخزيمة لما جعل شهادته بشهادتين لا تعد أي تشهد على ما لم تشاهده . وقد أجيب عن ذلك باستدلال بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما حكم على الأعرابي بعلمه وجرت شهادة خزيمة في ذلك مجرى التوكيد . وقد تمسك بهذا الحديث جماعة من أهل البدع فاستحلوا الشهادة لمن كان معروفا بالصدق على كل شيء ادعاه وهو تمسك باطل لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنزلة لا يجوز أن يحكم لغيره بمقاربتها فضلا عن مساوتها حتى يصح الإلحاق (5/234)
أبواب بيع الأصول والثمار (5/234)
باب من باع نخلا مؤبرا (5/234)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من باع نخلا بعد أن يؤبر فثمرتها للذي باعها الا أن يشترط المبتاع ومن ابتاع عبدا فماله للذي باعه الا أن يشترط المبتاع "
- رواه ابن ماجه (5/235)
2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن ثمرة النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع وقضى أن ثمرة النخل لمن أبرها الا أن يشترط المبتاع وقضى أن مال المملوك لمن باعه إلا أن يشترط المبتاع "
- رواه ابن ماجه وعبد الله بن أحمد في المسند (5/235)
- حديث عبادة في إسناده انقطاع لانه من رواية إسحاق بن يحيى بن الوليد بن عبادة بن الصامت عن عبادة ولم يدركه : قوله " نخلا " اسم جنس ذكر ويؤنث والجمع نخيل : قوله " بعد أن يؤبر " التأبير التشقيق والتلقيح ومعناه شق طلع النخلة الأنثى ليذر فيها شيء من طلع النخلة الذكر . وفيه دليل على أن من باع نخلا وعليها ثمرة مؤبرة لم يدخل الثمرة في البيع بل تستمر على ملك البائع ويدل بمفهومه على أنها إذا كانت غير مؤبرة تدخل في البيع وتكون للمشترى وبذلك قال جمهور العلماء وخالفهم الأوزاعي وأبو حنيفة فقالا تكون للبائع قبل التأبير وبعده . وقال ابن أبي ليلى تكون للمشتري مطلقا وكلا الإطلاقين مخالف لحديثي الباب الصحيحين وهذا إذا لم يقع شرط من المشتري بأنه اشترى الثمرة ولا من البائع بأنه استثنى لنفسه الثمرة فإن وقع ذلك كانت الثمرة للشارط من غير فرق بين أن تكون مؤبرة أو غير مؤبرة . قال في الفتح لا يشترط في التأبير أن يؤبره أحد بل لوتأبر بنفسه لم يختلف الحكم عند جميع القائلين به : قوله " إلا أن يشترط المبتاع " أي المشتري بقرينة الإشارة إلى البائع بقوله " من باع " وظاهره أنه لا يجوز له أن يشترط بعضها أو كلها . وقال ابن القاسم لا يجوز اشتراط بعضها ووقع الخلاف فيما إذا باع نخلا بعضه قد أبر وبعضه لم يؤبر فقال الشافعي الجميع للبائع . وقال أحمد الذي قد أبر للبائع والذي لم يؤبر للمشتري وهو الصواب : قوله " من ابتاع عبدا " الخ فيه دليل على أن العبد إذا ملكه سيده مالا ملكه وبه قال مالك والشافعي في القديم . وقال في الجديد وأبو حنيفة والهادوية أن العبد لا يملك شيئا أصلا . والظاهر الأول لأن نسبة المال إلى المملوك تقتضي أنه يملك وتأويله بأن المراد أن يكون شيئا في يد العبد من مال سيده وأضيف إلى العبد للاختصاص والانتفاع لا للملك كما يقال الجل للفرس خلاف الظاهر . واستدل بالحديثين على أن مال العبد لا يدخل في البيع حتى الحلقة التي في أذنه والخاتم الذي في إصبعه والنعل التي في رجله والثياب التي على بدنه ( وقد اختلف ) في الثياب على ثلاثة أقوال الأول أنه لا يدخل شيء منها وهو الذي نسبه الماوردي إلى جميع الفقهاء وصححه النووي قال الماوردي لكن العادة جارية بالعفو عنها فيما بين التجار . الثاني أنها تدخل في مطلق البيع للعادة وبه قال أبو حنيفة وكذلك قالت الهادوية في ثياب البذلة . الثالث يدخل قدر ما يستر العورة
والمذهب الأول هو الأولى والتخصيص بالعادة مذهب مرجوح : قوله " أن مال المملوك " فيه التسوية بين العبد والأمة ( واعلم ) ان ظاهر حديثي الباب يخالف الأحاديث التي ستأتي في النهي عن بيع الثمرة قبل صلاحها لأنه يقضي بجواز بيع الثمرة قبل التأبير وبعده قال في الفتح والجمع بين حديث التأبير وحديث النهي عن بيع الثمرة قبل بدو الصلاح سهل وهو أن الثمرة في بيع النخل تابعه للنخل وحديث النهي مستقلة وهذا واضح جدا . اه (5/235)
باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه (5/236)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها نهى البائع والمبتاع "
- رواه الجماعة إلا الترمذيز وفي لفظ " نهى عن بيع النخل حتى تزهو وعن بيع السنبل حتى يبيض ويأمن العاهة " رواه الجماعة إلا البخاري وابن ماجه (5/236)
2 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تتبايعوا الثمار حتى يبدو صلاحها "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي وابن ماجه (5/236)
3 - وعن انس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع العنب حتى يسود وعن بيع الحب حتى يشتد "
- رواه الخمسة إلا النسائي (5/237)
4 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمرة حتى قالوا وما تزهي قال تحمر وقال إذا منه الله الثمرة فيم تستحل مال أخيك "
- أخرجاه (5/237)
- حديث أنس الأول أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححه : قوله " يبدو " بغير همزة أي يظهر والثمار بالمثلثة جمع ثمرة بالتحريك وهي أعم من الرطب وغيره . قوله " صلاحها " أي حمرتها وصفرتها . وفي رواية لمسلم " ما صلاحه قال تذهب عاهنه " ( واختلف السلف ) هل يكفي بدو الصلاح في جنس الثمار حتى لو بدا الصلاح في بستان من البلد مثلا جاز بيع جميع البساتين أو لا بد من بدو الصلاح في كل بستان على حدة أو لا بد من بدو الصلاح في كل جنس عل ىحده أو في كل شجرة على حدة على أقوال . والأول قول الليث وهو قول المالكية بشرط أن يكون متلاحقا . والثاني وقول أحمد والثالث قول الشافعية . والرابع رواية عن أحمد . قوله " نهى البائع والمبتاع " أما البائع فلئلا يأكل مال أخيه بالباطل وأكا المشتري فلئلا يضيع ماله ويساعده البائع على الباطل : قوله " تزهو " يقال زها النخل يزهو إذا ظهرت ثمرته وأزهى يزهي إذا احمر أو اصفر هكذا في الفتح وقال الخطابي أنه لا يقال في النخل تزهو إنما يقال تزهي لا غير وهذه الرواية ترد عليه . قوله " عن بيع السنبل حتىيبيض " بضم السين وسكون النون وضم الباء الموحدة سنابل الزرع . قال النووي معناه يشتد حبه وذلك بدو صلاحه . قوله " ويأمن العاهة " هي الآفة تصيبه فيفسد لنه إذا أصيب بها كان أخذ ثمنه من أكل أموال الناس بالباطل . وقد أخرج أبو داود عن أبي هريرة مرفوعا " إذا طلع النجم صباحا رفعت العاهة عن كل البلد " وفي رواية " رفعت العاهة عن الثمار " النجم هو الثريا وطلوعها صباحا يقع في أو فصل الصيف وذلك عند اشتداد الحر في بلاد الحجاز وابتداء نضج الثمار . واخرج أحمد من طريق عثمان بن عبد الله بن سراقة سألت ابن عمر عن بيع الثمار فقال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمار حتى تذهب العاهة قلت ومتى ذلك قال حتى تطلع الثريا " قوله " حتى يسود " زاد مالك في الموطأ " فإنه إذا أسود ينجو من العاهة والآفة " واشتداد الحب قوته وصلابته : قوله " إذا منع الله الثمرة " الخ صرح الدارقطني بأن هذا مدرج من قول أنس وقال رفعه خطأ ولكنه قد ثبت مرفوعا من حديث جابر عن مسلم بلفظ " إن بعت من أخيك ثمرا قأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق " وسيأتي وفيه دليل على وضع الجوائح لأن معناه أن الثمر إذا تلف كان الثمن المدفوع بلا عوض فكيف يأكله البائع بغير عوض وسيأتي الكلام على وضع الجوائح ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل على أنه لا يجوز بيع الثمر قبل بد وصلاحها . وقد اختلف في ذلك على أقوال الأول أنه باطل مطلقا وهو قول ابن أبي ليلى والثوري وهو ظاهر كلام الهادي والقاسم قال في الفتح ووهم من نقل الإجماع فيه . الثاني أنه إذا شرط القطع لم تبطل وإلا بطل وهو قول الشافعي وأحمد ورواية عن مالك ونسبه الحافظ إلى الجمهور وحكاه في البحر عن المؤيد بالله . الثالث أنه يصح أن لم يشترط البقية وهو قول أكثر الحنفية قالوا والنهي محمول على بيع الثمار قبل أن توجد أصلا . وقد حكى صاحب البحر الإجماع على عدم جواز بيع الثمر قبل خروجه . وحكى أيضا الأتفاق على عدم جواز بيعه قبل صلاحه بشرط البقاء وحكى أيضا عن الإمام يحيى أنه صخ جواز البيع بشرط القطع الإجماع وحكى عنه أيضا أنه يصح البيع بشرط القطع إجماعا ولا يخفى مافي دعوى بعض هذه الإجماعات من المجازفة وحكى في البحر عن زيد بن علي والمؤيذ بالله والإمام يحيى وأبي حنيفة والشافعي أنه يصح بيع الثمار قبل الصلاح تمسكا بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } قال أبو حنيفة ويؤمر بالقطع والمشهور من مذهب الشافعي هوماقدمنا فأما البيع بعد الصلاح فيصح مع شرط القطع إجماعا ويفسد مع شرط البقاء إجماعا ان جهلت المدة كذا في البحر . قال الامام يحيى فإن علمت صح عند القاسمية إذا لاغرر . وقال المؤيد بالله لا يصح النهي عن بيع شرط
( واعلم ) إن ظاهر أحاديث الباب وغيرها المنع من بيع الثمر قبل الصلاح وإن وقوعه في تلك الحالة باطل كما هو مقتضى النهي ومن ادعى إن مجرد شرط القطع يصحح البيع قبل الصلاح فهومحتاج إلى دليل يصلح لتقييد أحاديث النهي ودعوى الإجماع على ذلك لا صحة لها لما عرفت من أن أهل القول الأول يقولون بالبطلان مطلقا وقد عول المجوزون مع شرط القطع في الجواز على علل مستنبطة فجعلوها مقيدة للنهي وذلك مما لا يفيد من لم يسمح بمفارقة النصوص لمجرد خيالات عارضة وشبه واهية تنهار بأيسر تشكيك فالحق ماقاله الأولون من عدم الجواز مطلقا وظاهر النصوص أيضا أن البيع بعد ظهور الصلاح صحيح سواء شرط البقاء أم لم يشرط لان الشارع قد جعل النهي ممتد إلى غاية بدو الصلاح وما بعد الغاية مخالف لما قبلها ومن ادعى ان شرط البقاء مفسد فعليه الدليل ولا ينفعه في المقام ما ورد من النهي عن بيع وشرط لأنه يلزمه في تجويزه للبيع قبل الصلاح مع شرط القطع وهو بيع وشرط وايضا ليس كل شرط في البيع منهيا عنه فإن اشتراط جابر بعد بيعه للجمل أن يكون له ظهره إلى المدينة قد صححه الشارع كما سيأتي وهو شبيه بالشرط الذي نحن بصدده وتقدم ايضا جواز البيع مع الشرط في النخل والعبد لقوله إلا أن يشترط المبتاع وأما دعوى الإجماع على الفساد بشرط البقاء كما سلف فدعوى فاسدة فإنه قد حكى صاحب الفتح عن الجمهور أنه يجوز البيع بعد الصلاح بشرط البقاء ولم يحك الخلاف في ذلك إلا عن أبي حنيفة وأما بيع الزرع أخضر وهو الذي يقال له القصيل فقال ابن رسلان في شرح السنن اتفق العلماء المشهورون على جواز بيع القصيل بشرط القطع وخالف سفيان الثوري وابن أبي ليلى فقالا لا يصح بيعه بشرط القطع وقد اتفق الكل على أنه لا يصح بيع القصيل من غير شرط القطع وخالف ابن حزم الظاهري فأجاز بيعه بغير شرط تمسكا بان النهي إنما ورد عن السنبل قال ولم يأت في منع بيع الزرع مذ نبت إلى أن يسنبل نص أصلا . وروى عن أبي إسحاق الشيباني قال سألت عكرمة عن بيع القصيل فقال لابأس فقلت إنه يسنبل فكرهه اه كلام ابن رسلان ( والحاصل ) إن الذي في الأحاديث النهي عن بيع الحب حتى يشتد وعن بيع السنبل حتى يبيض فما كان من الزرع قد سنبل أو ظهر فيه الحب كان بيعه اشتداد حبه غير جائز وأما قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل فإن صدق على بيعه حينئذ إنه مخاضرة كما قال البعض إنها بيع الزرع قبل أن يشتد لم يصح بيعه لورود النهي عن المخاضرة كما تقدم في باب النهي عن بيوع الغرر لأن التفسير المذكور صادق على الزرع الأخضر قبل أن يظهر فيه الحب والسنابل وهو الذي يقال له القصيل ولكن الذي في القاموس إن المخاضرة بيع الثمار قبل بدو صلاحها وكذا من شروح الحديث فلا يتناول الزرع لأن الثمار حمل الشجر كما في القاموس وسيأتي في تفسير المحاقلة عند البعض ما يرشد إلى انها بيع الزرع قبل أن تغلظ سوقه فان صح ذلك فذاك وإلا كان الظاهر ماقاله ابن حزم من جواز بيع الفصيل مطلقا (5/237)
5 - وعن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمعاومة والمخابرة " وفي لفظ بدل المعاومة " وعن بيع السنين " (5/238)
6 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع الثمر حتى يبدو صلاحه " وفي رواية " حتى يطيب " وفي رواية " حتى يطعم " (5/238)
7 - وعن زيد بن أبي أنيسة عن عطاء عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة وأن يشتري النخل حتى يشقه وإلا شقاه أن يحمر أو يصفر أو يؤكل منه شيء والمحاقلة أن يباع الحقل بكيل من الطعام معلوم والمزابنة أن يباع النخل با وساق من التمر والمخابرة الثلث والربع وأشباه ذلك قال زيد قلت لعطاء أسمعت جابرا يذكر هذا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال نعم "
- متفق على جميع ذلك إلا الأخير فإنه ليس لأحمد (5/238)
- قوله " المحاقلة " قد اختلف في تفسيرها فمنهم من فسرها بما في الحديث فقال هي بيع الحقل بكيل من الطعام معلوم وقال أبو عبيد هي بيع الطعام في سنبله والحقل الحرث وموضع الزرع . وقال الليث الحقل الزرع إذا تشعب من قبل أن تغلظ سوقه وأخرج الشافعي في المختصر عن جابر أن الحاقلة أن يبيع الرجل الرجل الزرع بمائة فرق من الحنطة . قال الشافعي وتفسير المحاقلة والمزابنة في الأحاديث يحتمل أن يكون عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأن يكون من رواية من رواه . وفي النسائي عن رافع ابن خديج والطبراني عن سهل بن سعد أن الحاقلة مأخوذة من الحقل جمع حقلة . قال الجوهري وهي الساحات جمع ساحة . والزرع قد تشعب ورقه وظهر وكثر أو إذا استجمع خروج نباته أو مادام أخضر وقد أحقل في الكل والمحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث أو الربع أو أقل أو أكثر واكتراء الأرض بالحنطة اه وقال مالك المحاقلة أن تكرى الأرض ببعض ما ينبت منها وهي المخابرة ولكنه يبعد هذا عطف المخابرة عليها في الأحاديث قوله " والمزابنة " بالزاي والموحدة والنون . قال في الفتح هي مفاعلة من الزبن بفتح الزاي وسكون الموحدة وهو الدفع الشديد ومنه سميت الحرب الزبون لشدة الدفع فيها : وقيل للبيع المخصوص مزابنة كأن كل واحد من المتبايعين يدفع صاحبه عن حقه أو لأن أحدهما إذا وقف على ما فيه من الغبن أراد دفع البيع لفسخه وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع اه وقد فسرت بما في الحديث أعني بيع النخل باوساق من التمر وفسرت بهذا وبيع العنب بالزبيب كما في الصحيحين وهذا أصل المزابنة وألحق الشافعي بذلك كل بيع مجهول أو معلوم من جنس يجري الربا في نقده وبذلك قال الجمهور . ووقع في البخاري عن ابن عمر أن المزابنة أن يبيع الثمر بكيل أن زاد فلى وأن نقص فعلي . وفي مسلم عن نافع المزابنة أن يبيع الثمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي . وفي مسلم عن نافع المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب كيلا وبيع الزرع بالحنطة كيلا وكذا في البخاري . وقال مالك أنها بيع كل شيء من الجزاف لا يعلم كيله ولا وزنه ولا عدده إذا بيع بشيء مسمى من الكيل وغير سواء كان يجري فيه الربا أم لا قال ابن عبد البر نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة وهي المدافعة . قال في الفتح وفسر بعضهم المزابنة بأنها بيع الثمر قبل بدو صلاحه وهو خطأ قال والذي تدل عليه الأحاديث في تفسيرها أولى . وقيل أن المزابنة المزارعة وفي القاموس الزبن بيع كل ثمر على شجرة بتمر كيلا قال والمزابنة بيع الرطب في رؤوس النخل بالتمر . وعن مالك كل جزاف لا يعلم كيله ولا عدده ولا وزنه أو بيع مجهول من جنسه أو هي بيع المغابنة في الحنس الذي لا يجوز فيه الغين اه : قوله " والمعاومة " هي بيع الشجر أعواما كثيرة وهي مشتقة من العام كالمشاهرة من الشهر . وقيل هي غكتراء الأرض سنين وكذلك بيع السنين هو أن يبيع ثمر النخلة لأكثر من سنة في عقد واحد وذلك لنه بيع غرر لكونه بيع مالم يوجد وذكر الرافعي وغيره لذلك تفسيرا آخر وهو أن يقول بعتك هذا سنة على أنه إذا انقضت السنة فلا يبيع بيننا وأرد أنا الثمن وترد أنت المبيع : قوله " والمخابرة " سيأتي تفسيرها والكلام عليها في كتاب المساقاة والمزارعة : قوله " حتى يطيب " هذه الرواية وما بعدها من قوله حتى يطعم ينبغي أن يقيد بهما سائر الروايات المذكورة : قوله " حتى يشقه " بضم أوله ثم شين معجمة ثم قاف . وفي رواية للبخاري يشقح وهي الأصل والهاء بدل من الحاء وإشقاح النخل إحمراره وإصفراره كما في الحديث والاسم الشقحة بضم الشين المعجمة وسكون القاف بعدها مهملة ( وقد استدل ) بأحاديث الباب ونحوها على تحريم المحاقلة والمزابنة وما شاركهما في العلة قياسا وهي إما مظنة الربا لعدم علم التساوي أو الغرر وعلى تحريم بيع السنين وعلى تحريم بيع الثمر قبل صلاحه وقد تقدم الكلام عليه وقد وقع الاتفاق على تحريم بيع الرطب بالتمر في غير العرايا وعلى تحريم بيع الحنطة في سنابلها بالحنطة منسلة وعلى تحريم بيع العنب بالزبيب ولا فرق عند جمهور أهل العلم بين الرطب والعنب على الشجر وبين ما كان مقطوعا منهما وجوز أبو حنيفة بيع الرطب المقطوع بخرصه من اليابس (5/239)
باب الثمرة المشتراة يلحقها جائحة (5/239)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وضع الجوائح "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود . وفي لفظ لمسلم " أمر بوضع الجوائح " . وفي لفظ قال " أن بعت من أخيك تمرا فأصابتها جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك بغير حق " رواه مسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجه (5/239)
- وفي الباب عن عائشة عند البيهقي بنحوه وفي إسناده حارثة ابن أبي الرجال وهو ضعيف ولكنه في الصحيحين عنها مختصر وعن أنس وقد تقدم في باب بيع الثمرة قبل بدو صلاحها : قوله " الجوائح " جمع جائحة وهي الآفة التي تصيب الثمار فتهلكها يقال جاحهم الدهر واجتاحهم بتقديم الجيم على الحاء فيهما إذا أصابهم بمكروه عظيم ولا خلاف أن البرد والقحط والعطش شجائحة وكذلك كل ما كان آفة سماوية وأما ما كان من الآدميين كالسرقة ففيه خلاف منهم من لم يره جائحة تشبيها بالآفة السماوية ( وقد اختلف ) أهل العلم في وضع الجوائح إذا بيعت الثمرة بعد بدو صلاحها وسلمها البائع للمشتري بالتخلية ثم تلفت بالجائحة قبل أوان الجذاذ فقال الشافعي وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والليث لا يرجع المشتري على البائع بشيء قالوا وإنما ورد وضع الجوائح فيما إذا بيعت الثمرة قبل بدو صلاحها بغير شرط القطع فيحمل مطلق الحديث في رواية جابر على ما قيد به في حديث أنس المتقدم . واستدل الطحاوي على ذلك بحديث أبي سعيد " أصيب رجل في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تصدقوا عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك " أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال فلما لم يبطل دين الغرماء بذهاب الثمار بالعاهات ولم يأخذ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ممن باعها منه دل على أن وضع الجوائح ليس على عمومه . وقال الشافعي في القديم هي ضمان البائع فيرجع المشتري عليه بنا دفعه من الثمن وبه قال أحمد وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم قال القرطبي وفي الأحاديث دليل واضح على وجوب اسقاط ما اجتيح من الثمرة عن المشتري ولا يلتفت إلى قول من قال إن ذلك لم يثبت مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم من قول أنس بل الصحيح رفع ذلك من حديث جابر وأنس وقال مالك ان أذهبت الجائحة دون الثلث لم يجب الوضع وان كان الثلث فأكثر وجب لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الثلث والثلث كثير " قال أبو داود لم يصح في الثلث شيء عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو رأي أهل المدينة . والراجح الوضع مطلقا من غير فرق بين القليل والكثير وبين البيع قبل بدو الصلاح وبعده وما أحتج به الأولون من حديث أنس المتقدم يجاب عنه بأن التنصيص على الوضع مع البيع قبل الصلاح لا ينافي الوضع مع البيع بعده ولا يصلح مثله لتخصيص ما دل على وضع الجوائح ولا لتقييده . وأما ما احتج به الطحاوي فغير صالح للاستدلال به على محل النزاع لأنه تصريح فيه بأن ذهاب ثمرة ذلك الرجل كان بعاهات سماوية وأيضا عدم نقل تضمين الثمرة لا يصلح للاستدلال به لانه قد نقل ما يشعر بالتضمين على العموم فلا ينافيه عدم النقل في قضية خاصة وسيأتي أحاديث أبي سعيد في كتاب التفليس ويأتي في شرحه بقية الكلام على الوضع (5/240)
أبواب الشروط في البيع (5/240)
باب اشتراط منفعة المبيع وما في معناها (5/240)
1 - عن جابر " أنه كان يسير على جمل له قد أعيا فأراد أن يسيبه قال ولحقني النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدعا لي وضبه فسار سيرا لم يسر مثله فقال بعنيه فقلت لا ثم قال بعنية فبعته واستثنيت حملانه إلى أهلي "
- متفق عليه . وفي لفظ لأحمد والبخاري " وشرطت ظهره إلى المدينة " (5/241)
- قوله " أعيا " الأعياء التعب والعجز عن السير : قوله " بعنيه " زاد في رواية متفق عليها " بوقية " وفي أخرى بخمس أواق . وفي أخرى أيضا بأوقيتين ودرهم أو درهمين وفي بعضها بأربعة دنانير . وفي بعضها بثمانمائة . وفي بعضها بعشرين دينارا . وقد جمع بين هذه الروايات بما لا يخلو عن تكلف . واستدل بهذا على جواز طلب البيع من المالك قبل عرض المبيع للبيع : قوله " حملانه " بضم الحاء المهملة والمراد الحمل عليه وتمام الحديث في الصحيحين " فلما بلغت أتيته بالجمل فنقدني ثمنه ثم رجعت فأرسل في أثري فقال أتراني ما كستك لا آخذ جملك خذ جملك ودراهمك فهو لك " وللحديث ألفاظ فيها اختلاف كثير وفي بعضها طول وهو يدل على جواز البيع مع استثناء الركوب وبه قال الجمهور وجوزه مالك إذا كانت مسافة السفر قريبة وحدها بثلاثة أيام . وقال الشافعي وأبو حنيفة وآخرون لا يجوز ذلك سواء قلت المسافة أو كثرت واحتجوا بحديث النهي عن بيع وشرط وحديث النهي عن الثنيا وأجابوا عن حديث الباب بأنه قصة عين تدخلها الاحتمالات ويجاب بأن حديث النهي عن بيع وشرط مع ما فيه من المقال هو أعم من حديث الباب مطلقا فيبني العام على الخاص . وأما حديث النهي عن الثنيا فقد تقدم تقييده بقوله " الا أن يعلم " وللحديث فوائد مبسوطة في مطولات شروح الحديث (5/241)
أبواب النهي عن جمع شرطين من ذلك (5/241)
1 - عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحل سلف ولا شرطان في بيع ولا ربح مالم يضمن ولا بيع ما ليس عندك "
- رواه الخمسة الا ابن ماجه فإن له منه " ربح مالم يضمن وبيع ما ليس عندك " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (5/242)
- الحديث صححه أيضا ابن خزيمة والحاكم وأخرجه ابن حبان والحاكم أيضا بلفظ " لا يحل سلف وبيع ولا شرطان في بيع " وهو عند هؤلاء كلهم من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ووجد في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب عن عبد الله بن عمر بدون واو والصواب إثباتها . وأخرجه ابن حزم في المحلى والخطابي في المعالم والطبراني في الأوسط والحاكم في علوم الحديث من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " نهى عن بيع وشرط " وقد استغربه النووي وابن أبي الفوارس : قوله " لا يحل سلف وبيع " قال البغوي المراد بالسلف هنا القرض . قال أحمد هو أن يقرضه قرضا ثم يبايعه عليه بيعا ويزداد عليه وهو فاسد لانه إنما يقرضه على أن يجابيه في الثمن وقد يكون السلف بمعنى السلم وذلك مثل أن يقول أبيعك عبدي هذا بألف على أن تسلفني مائة في كذا وكذا أو يسلم إليه في شيء ويقول لم يتهيأ المسلم فيه عندك فهو بيع لك وفي كتب جماعة من أهل البيت عليهم السلام أن السلف والبيع صورته أن يريد الشخص أن يشتري السلعة بأكثر من ثمنها لأجل النساء وعنده ان ذلك لا يجوز فيحتال فيستقرضه الثمن من البائع ليعجله إليه حيلة والأولى تفسير الحديث بما تقتضيه الحقيقة الشرعية أو اللغوية أو العرفية أو المجاز عند تعذر الحمل على الحقيقة لا بما هو معروف في بعض المذاهب غير معروف في غيره وقد عرفت الكلام في جواز بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء : قوله " ولاشرطان في بيع " قال البغوي هو أن يقول بعتك هذا العبد بألف نقدا أو بألفين فهذا بيع واحد تضمن شرطين يختلف المقصود فيه باختلافهما ولا فرق بين شرطين وشروط وهذا التفسير مروي عن زيد بن علي وأبي حنيفة وقيل معناه أن يقول بعتك ثوبي بكذا وعلى قصارته وخياطته فهذا فاسد عند أكثر العلماء وقال أحمد أنه صحيح وقد أخذ بظاهر الحديث بعض أهل العلم فقال إن شرط في البيع شرطا واحدا صح وإن شرط شرطين أو أكثر لم يصح فيصح مثلا أن يقول بعتك ثوبي على أن أخيطه ولا يصح أن يقول على أن أقصره وأخيطه . ومذهب الأكثر عدم الفرق بين الشرط والشرطين واتفقوا على عدم صحة ما فيه شرطان : قوله " ولا ربح مالم يضمن " يعني لا يجوز أن يأخذ ربح سلعة لم يضمنها مثل أن يشتري متاعا ويبيعه إلى آخر قبل قبضه من البائع فهذا البيع باطل وربحه لا يجوز لأن المبيع في ضمان البائع الأول وليس في ضمان المشتري منه لعدم القبض . قوله " ولا بيع ماليس عندك " وقد قدمنا الكلام عليه في باب النهي عن بيع مالا يملكه (5/242)
باب من اشترى عبدا بشرط أن يعتقه (5/242)
1 - عن عائشة " أنها أرادت أن تشتري بريرة للعتق فاشترطوا ولاءها فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال اشتريها وأعتقيها فإنما الولاء لمن أعتق "
- متفق عليه ولم يذكر البخاري لفظة أعتقيها (5/243)
- قوله " بريرة " هي بفتح الباء الموحدة وبراءين بينهما تحتية بوزن فعيلة مشتقة من البرير وهو ثم الأراك وقيل أنها فعلية من البر بمعنى مفعولة أي مبرورة أو بمعنى فاعلة كرحيمة أي بارة وكانت لناس من الأنصار كما وقع عند أبي نعيم وقيل لناس من بني هلال قاله ابن عبد البر . وقد ذكر المصنف رحمه الله ههنا هذا الطرف من الحديث للاستدلال به على جواز البيع بشرط العتق وسيأتي الحديث بكماله قريبا قال النووي قال العلماء الشرط في البيع أقسام . أحدها يقتضيه إطلاق العقد كشرط تسليمه . الثاني شرط فيه مصلحة كالرهن وهما جائزان اتفاقا . الثالث اشتراط العتق في العبد وهو جائز عند الجمهور لهذا الحديث . الرابع ما يزيد على مقتضى العقد ولا مصلحة فيه للمشتري كاستثناء منفعته فهو باطل (5/243)
باب أن من شرط الولاء أو شرطا فاسدا لغا وصح العقد (5/243)
1 - عن عائشة " قالت دخلت علي بريرة وهي مكاتبة فقالت اشتريني فأعتقيني قلت لا يبيعوني حتى يشترطوا ولائي قلت لا حاجة لي فيك فسمع بذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو بلغه فقال ما شأن بريرة فذكرت عائشة ما قالت فقال اشتريها فأعتقيها ويشترطوا ماشاؤا قالت فاشتريتها فأعتقتها واشترط أهلها ولاءها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الولاء لمن أعتق وان اشترطوا مائة شرط "
- رواه البخاري . ولمسلم معناه . وللبخاري في لفظ آخر " خذيها واشترطي لهم الولاء فإنما الولاء لمن أعتق " (5/244)
2 - وعن ابن عمر " ان عائشة أرادت أن تشتري جارية تعتقها فقال أهلها نبيعكها على ان ولاءها لنا فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإن الولاء لمن أعتق "
- رواه البخاري والنسائي وأبو داود وكذلك مسلم لكن قال فيه عن عائشة جعله من مسندها (5/244)
3 - وعن أبي هريرة قال " أرادت عائشة أن تشتري جارية تعتقها فأبي أهلها الا ان يكون الولاء لهم فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يمنعك ذلك فإن الولاء لمن أعتق "
- رواه مسلم (5/244)
- قوله " اشتريها " في ذلك دليل على جواز بيع المكاتب إذا رضي لولم يعجز نفسه وبه قال أحمد وربيعة والأوزاعي والليث وأبو ثور ومالك والشافعي في احد قوليه واختاره ابن جرير وابن المنذر وغيرهما على تفاصيل لهم في ذلك كذا في الفتح وإلى مثل ذلك ذهب الهادي وأتباعه . وقال أبو حنيفة والشافعي في أصح القولين عنه وبعض المالكية أنه لا يجوز بيعه مطلقا ويروى عن ابن مسعود وأجابوا عن حديث الباب بأن بريرة عجزت نفسها بدليل استعانتها لعائشة كما في كثير من الروايات ويجاب بأنه ليس في استعانتها لعائشة ما يستلزم العجز : قوله " ويشترطوا ماشاؤا " فيه دليل على أن شرط البائع للعبد أن يكون الولاء له لا يصح بل الولاء لمن أعتق باجماع المسلمين : قوله " وان اشترطوا مائة شرط " قال النووي أي لو اشترطوا مائة مرة توكيدا فالشرط باطل وإنما حمل ذلك على التوكيد لأن الدليل قد دل على بطلان جميع الشروط التي ليست في كتاب الله فلا حاجة إلى تقييدها بالمائة فإنها لو زاد عليها كان الحكم كذلك . قوله " واشترطي لهم الولاء " استشكل صدور الأذن منه صلى الله عليه وآله وسلم بشرط فاسد في البيع واختلف العلماء في ذلك فمنهم من أنكر الشرط في الحديث فروى الخطابي في المعالم بسنده إلى يحيى بن أكثم نه أنكر ذلك وعن الشافعي في الأم الاشارة إلى تضعيف هذه الرواية التي فيها الأذن بالاشتراط لكونه انفرد بها هشام بن عروة دون أصحاب أبيه وأشار غيره إلى أنه روي بالمعنى الذي وقع له وليس كما ظن وأثبت الرواية آخرون وقالوا هشام ثقة حافظ والحديث متفق على صحته فلا وحه لرد ثم اختلفوا في توجيه ذلك فقال الطحاوي أن اللام في قولهم " لهم " بمعنى على كقوله تعالى ( وإن أسأتم فلها ) وقد أسند هذا البيهقي في المعرفة عن الشافعي وجزم به الخطابي عنه وهو مشهور عن المزني . وقال النووي أن هذا تأويل ضعيف وكذلك قال ابن دقيق العيد وقال آخرون الأمر في قوله " اشترطي " للإباحة أي اشترطي لهم أولا فإن ذلك لا ينفعهم ويقوي هذا قوله " وبشترطوا ما شاؤا " وقيل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد كان أعلم الناس أن اشتراط الولاء باطل واشتهر ذلك بحيث لا يخفى على أهل بريرة فلما أرادوا أن يشترطوا ما تقدم لهم العلم ببطلانه أطلق الأمر مريدا به التهديد كقوله تعالى { اعملوا ما شئتم } فكأنه قال اشترطي لهم الولاء فسيعلمون أن ذلك لا ينفعهم ويؤيد هذا ما قال صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك " ما بال رجال يشترطون شروطا " الخ فوبخهم بهذا القول مشيرا إلى أنه قد تقدم منه بيان إبطال إذ لو لم يتقدم منه ذلك لبدأ ببيان الحكم لا بالتوبيخ بعدم المقتضى له إذ هم يتمسكون بالبراءة الأصلية وقال الشافعي أنه أذن في ذلك لقصدان يعطل عليهم شروطهم ليرتدعوا عن ذلك ويرتدع به غيرهم وكان ذلك من باب الأدب وقيل معنى اشتراطي اتركي مخالفتهم فيما يشترطونه ولا تظهري نزاعهم فيما دعوا إليه مراعاة لتنجيز العتق لتشوف الشرع إليه . وقال النووي أقوى الأجوية أن هذا الحكم خاص بعائشة في هذه القصة وأن سببه المبالغة في الزجر عن هذا الشرط لمخالفته حكم الشرع وهو كفسخ الحج إلى العمرة كان خاصا بتلك الحجة مبالغة في إزالة ما كانوا عليه من منع العمرة في أشهر الحج ويستفاد منه ارتكاب أخف المفسدتين إذا استلزم إزالة أشدهما وتعقب بأ ه استدلال بمختلف فيه على مختلف فيه وتعقبه ابن دقيق العيد بأن التخصيص لا يثبت إلا بدليل . وقال ابن الجوزي ليس في الحديث أن اشتراط الولاء والعتق كان مقارنا للعقد فيحمل على أنه كان سابقا للعقد فيكون الأمر بقوله " اشترطي " مجرد وعد لا يجب الوفاء به وتعقب باستبعاد أن يأمر النبي صلى الله عليه وآله وسلم شخصا أن يعد مع علمه بأنه لا يفي بذلك الوعد . وقال ابن حزم كان الحكم ثابتا لجواز اشتراط الولاء لغير المعتق فوقع الأمر باشتراطه في الوقت الذي كان ذلك جائزا فيه ثم نسخ بخطبته صلى الله عليه وآله وسلم وهو بعيد : قوله " فإنما الولاء لمن أعتق " فيه إثبات الولاء للمعتق ونفيه عما عداه كما تقتضيه إنما الحصرية واستدل بذلك على أنه لا ولاء لمن أسلم على يديه رجل أو وقع بينه وبين رجل محالفة . ولا للملتقط وسيأتي الكلام على بقية هذا الحديث في كتاب العتق إن شاء الله تعالى (5/245)
باب شرط السلامة من الغبن (5/245)
1 - عن ابن عمر قال ذكر " رجل لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنه يخدع في البيوع فقال من بايعت فقل لا خلابة "
- متفق عليه (5/245)
2 - وعن أنس " أن رجلا عل ىعهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يبتاع وكان في عقدته يعني في عقله ضعف فأتى أهله لنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله احجر على فلان فإنه يبتاع وفي عقدته ضعف فدعاه ونهاه فقال يا نبي الله إني لا أصبر عن البيع فقال إن كنت غير تارك للبيع ها وها ولا خلابة "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفيه صحة الحجر على السفيه لأنهم سألوه أياه وطلبوه منه وأقرهم عليه ولو لم يكن معروفا عندهم لما طلبواه ولا أنكر عليهم (5/246)
3 - وعن ابن عمر " أن منقذا سفع في رأسه في الجاهلية مأمومة فحبلت لسانه فكان إذا بايع يخدع في البيع فقال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بايع وقل لا خلابة ثم أنت بالخيار ثلاثا قال ابن عمر فسمعته يبايع ويقول لا خذابة لا خذابة "
- رواه الحميدي في مسنده فقال حدثنا سفيان عن محمد بن إسحاق عن نافع عن ابن عمر فذكره (5/246)
4 - وعن محمد بن يحيى ابن حبان قال هو جدي منقذ بن عمر وكان رجلا قد اصابته آمة في رأسه فكسرت لسانه وكان لا يدع ذلك التجارة فكان لا يزال يغبن فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فقال إذا أنت بايعت فقل لا خلابة ثم أنت في كل سعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال إن رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها "
- رواه البخاري في تاريخه وابن ماجه والدارقطني (5/246)
- حديث أنس أخرجه أيضا الحاكم . وحديث ابن عمر الثاني أخرجه أيضا البخاري في تاريخه والحاكم في مستدركه وفي إسناده محمد بن إسحاق ( وفي الباب ) عن عمر بن الخطاب عند الشافعي وابن الجارود والحاكم والدارقطني وفيه أن الرجل اسمه حبان بن منقذ أخرجه أيضا عنه الدارقطني والطبراني في الأوسط وقيل أن القصة لمنقذ والد حبان كما في حديث الباب . قال النووي وهو الصحيح وبه جزم عبد الحق وجزم ابن طلاع بأنه حبان بن منقذ وتردد الخطيب في المبهمات وابن الجوزي في التنقيح قال ابن الصلاح وأما رواية افشتراط فمنكرة لا أصل لها : قوله " لا خلابة " بكسر المعجمة وتخفيف اللام أي لا خديعة قال العلماء لقنه النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذا القول ليتلفظ به عند البيع فيطلع به صاحبه على أنه ليس من ذوي البصائر في معرفة السلع ومقادير القيمة ويرى له ما يرى لنفسه والمراد أنه لو ظهر غبن رد الثمن واسترد المبيع واختلف العلماء في هذا الشرط هل كان خاصا بهذا الرجل أم يدخل فيه جميع من شرط هذا الشرط فعند أحمد ومالك في رواية عنه والمنصور بالله ووالإمام يحيى أنه يثبت الرد لكل من شرط هذا الشرط ويثبتون الرد بالغبن لمن لم يعرف قيمة السلع وقيده بعضهم بكون الغبن فاحشا وهو ثلث القيمة عنده قالوا بجامع الخدع الذي لأجله أثبت النبي صلى الله عليه وآله وسلم لذلك الرجل الخيار وأجيب بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما جعل لهذا الرجل الخيار للضعف الذي كان في عقله كما في حديث أنس المذكور فلا يلحق به إلا من كان مثله في ذلك بشرط أن يقول هذه المقالة ولهذا روى أنه كان إذا غبن يشهد رجل من الصحابة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد جعله بالخيار ثلاثا فيرجع في ذلك وبهذا يتبين أنه لا يصح الاستدلال بمثل هذه القصة على ثبوت الخيار لكل مغبون وإن كان صحيح العقل ولا ثبوت الخيار لمن كان ضعيف العقل إذا غبن ولم يقل هذه المقالة وهذا مذهب الجمهور وهو الحق واستدل بهذه القصة على ثبوت الخيار لمن قال لا خلابة سواء وجد غشا أو عيؤبا أم لا ولا يؤيده حديث ابن عمر الآخر والظاهر أنه لا يثبت الخيار إلا إذا وجدت خلابة إلا إذا لم توجد لأن السبب الذي ثبت الخيار لأجله هو موجود ما نفاه منها فإذا لم يوجد فلا خيار واستدل بذلك أيضا على جواز الحجر للسفه كما أشار إليه المصنف وغيره وهو استدلال صحيح لكن بشرط أن يطلب ذلك من الإمام أو الحاكم قرابة من كان في تصرفه سفه كما في حديث أنس : قوله " في عقدته " العقدجة العقل كما يشعر بذلك التفسير المذكور في الحديث وفي التلخيص العقدة الرأي وقيل هي العقدة في اللسان كما يشعر بذلك ما في رواية ابن عمر أنها خبلت لسانه وكذلك قوله فكسرت لسانه وعدم افصاحه بلفظ الخلابة حتى كان يقول لا خذابة بابدال اللام ذالا معجمة . وفي رواية لمسلم أنه كان يقول لاخنابة بابدال اللام نونا ويدل على ذلك أيضا قوله تعالى { واحلل عقدة من لساني } ولم يذكر في القاموس الا عقدة اللسان : قوله " سفع " بالسين المهملة ثم الفاء ثم العين المهملة أي ضرب والمأمومة التي بلغت أم الرأس وهي الدماغ أو الجلدة الرقيقة التي عليه " قوله " ثم أنت بالخيار ثلاثا " استدل به على أن مدة هذا الخيار ثلاثة أيام من دون زيادة قال في الفتح لانه حكم ورد على خلاف الأصل فيقتصر به على أقصى ما ورد فيه ويؤيده جعل الخيار في المصراة ثلاثة أيام واعتبار الثلاث في غير موضع واغرب بعض المالكية فقال إنما قصره على ثلاث لأن معظم بيعه كان في الرقيق وهذا يحتاج إلى دليل ولا يكفي فيه مجرد الاحتمال انتهى . قوله " وعن محمد بن يحيى بن حبان " بفتح الحاء المهملة وهو غير صاحب الصحيح المعروف بابن حبان بكسر الحاء (5/247)
باب إتيان خيار المجلس (5/247)
1 - عن حكيم بن حزام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البيعان بالخيار ما لم يفترقا أو قال حتى يفترقا فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما " (5/247)
2 - وعن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال المتبايعان بالخيار ما لم يفترقا أو يقول أحدهما لصاحبه أختر وربما قال أو يكون بيع الخيار " وفي لفظ " إذا تبايع الرجلان فكل واحد منهما بالخيار ما لم يتفرقا وكانا جميعا أويخير أخدهما الآخر فإن خير أحدهما الآخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع "
- متفق على ذلك كله . وفي لفظ " كل بيعين لا بيع حتى يتفرقا الا بيع الخيار " متفق عليه أيضا . وفي لفظ المتبايعان كل واحد منهما بالخيار على صاحبه ما لم يتفرقا الا بيع الخيار " . وفي لفظ " إذا تبايع المتبايعان بالبيع فكل واحد منهما بالخيار من بيعه ما لم يتفرقا أو يكون بيعهما عن خيار فإذا كان بيعهما عن خيار فقد وجب قال نافع وكان ان عمر رحمه الله إذا بايع رجلا فأراد أن لا يقيله قام فمشى هنية ثم رجع " . أخرجاهما (5/248)
- قوله " البيعان " بتشديد التحتانية يعني البائع والمشتري والبيع هو البائع أطلق على المشتري على سبيل التغليب أو لأن كل واحد من اللفظين يطلق على الآخر كما سلف : قوله " بالخيار " بكسر الخاء المعجمة اسم من الاختيار أو التخيير وهو طلب خير الأمرين من امضاء البيع أو فسخه والمراد بالخيار هنا خيار المجلس . قوله " مالم يفترقا " قد اختلف هل المعتبر التفرق بالأبدان أو بالأقوال فابن عمر حمله على التفرق بالأبدان كما في الرواية المذكورة عنه في الباب وكذلك حمله أبو برزة الأسلمي حكى ذلك عنه أبو داود : قال صاحب الفتح ولا يعلم لهما مخالف من الصحابة قال أيضا ونقل ثعلب عن الفضل بن سلمة أنه يقال افترقا بالكلام وتفرقا بالأبدان ورده ابن العربي بقوله " وماتفرق الذي أوتوا الكتاب " فإنه ظاهر في التفريق بالكلام لأنه بالاعتقاد وأجيب بأنه من لازمه في الغالب لان من خالف آخر في عقيدته كان مستدعيا لمفارقته اياه ببدنه ولا يخفى ضعف هذا الجواب والحق حمل كلام الفضل على الاستعمال بالحقيقة وإنما استعمل أحدهما في موضع الآخر اتساعا انتهى . ويؤيد حمل التفرق على تفرق الأبدان ما رواه البيهقي من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده بلفظ " حتى يتفرقا من كانهما " وروايات حديث الباب بعضها بلفظ التفرق وبعضها بلفظ الأفتراق كم عرفت فإذا كان حقيقة كل واحد منهما مخالفة لحقيقة الآخر مكا سلف فينبغي أن يحمل أحدهما على المجاز توسعا وقد دل الدليل على إرادة حقيقة التفرق بالابدان فيحمل ما دل على التفرق بالأقوال على معناه المجازي ومن الأدلة الدالة على إرادة التفرق بالأبدان قوله في حديث ابن عمر المذكور مالم يتفرقا وكانا جميعا . وكذلك قوله وإن تفرقا بعد أن تبايعا ولم يترك واحد منهما البيع فقد وجب البيع فإن فيه البيان الواضح إن التفرق بالبدن . قال الخطابي وعلى هذا وجدنا أمر الناس في عرف اللغة وظاهر الكلام فإذا قيل تفرق الناس كان المفهوم منه التميز بالأبدان قال ولو كان المراد تفرق الأقوال كما يقول أهل الرأي لخلا الحديث عن الفائدة وسقط معناه وذلك ان العلم محيط بأن يشتري ما لم يوجد منه قبول المبيع فهو بالخيار وكذلك البائع خياره في ملكه ثابت قبل أن يعقد البيع وهذا من العلم العام الذي استقر بيانه قال وثبت ان المتبايعين هما المتعاقدان والبيع من الأسماء المشتقة من أفعال الفاعلين ولا يقع حقيقة الا بعد حصول الفعل منهم كقولهم زان وسارق وإذا كان كذلك فقدصح أن المتبايعين هما المتعاقدان وليس بعد العقد تفرق إلا التمييز بالأبدان انتهى
فتقرر ان المراد بالتفرق المذكور في الباب تفرق الأبدان وبهذا تمسك من أثبت خيار المجلس وهم جماعة من الصحابة منهم علي صلوات الله عليه وأبو برزة الأسلمي وابن عمر وابن عباس وأبو هريرة وغيرهم من التابعين شريح والشعبي وطاوس وعطاء وابن أبي مليكة نقل ذلك عنهم البخاري . ونقل ابن المنذر القول به أيضا عن سعيد بن المسيب والزهري وابن أبي ذئب من أهل المدينة وعن الحسن البصري والأوزاعي وابن جريج وغيرهم وبالغ ابن حزم فقال لا تعرف لهم مخالف من التابعين إلا النخعي وحده ورواية مكذوبة عن شريح والصحيح عنه القول به ومن أهل البيت الباقر والصادق وزين العابدين وأحمد بن عيسى والناصر والإمام يحيى نقل ذلك عنهم صاحب البحر . وحكاه أيضا عن الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور وذهبت المالكية الا ابن حبيب والحنفية كلهم وإبراهيم النخعي إلى انها إذا وجبت الصفقة فلا خيار وحكاه صاحب البحر عن الثوري والليث . والأمامية وزيد بن علي والقاسمية والعنبري . قال ابن حزم لهم سلفا الا إبراهيم وحده وهذا الخلاف إنما خهو بعد التفرق بالأقوال وأما قبله فالخيار ثابت اجماعا ما في البحر . ولأهل القول الآخر أجوبة عن الأحاديث القاضية بثبوت خيار المجلس فمنهم من رده لكونه معارضا لما هو أقوى منه نحو قوله تعالى { وأشهدوا إذا تبايعتم } قالوا ولو ثبت خيار المجلس لكانت الآية غير مفيدة لأن الاشهاد إن وقع قبل التفرق لم يطابق الأمر وإن وقع بعد التفرق لم يصادف محلا . وقوله تعالى { تجارة عن تراض } فإنا تدل على أنه بمجرد الرضا يتم البيع وقوله تعالى { أوفوا بالعقود } لأن الراجع عن موجب العقد قبل التفرق لم يف به ومن ذلك قوله صلى الله عليه وآله وسلم " المسلمون على شروطهم " والخيار بعد العقد يفسد الشرط . ومنه حديث التحالف عند اختلاف المتبايعين لاقتضائه الحاجة إلى اليمين وذلك يستلزم لزوم العقد ولو ثبت خيار المجلس لكان كافيا في رفع العقد لا يخفى إن هذه الأدلة على فرض شمولها لمحل النزاع أعم مطلقا فيبنى العام على الخاص والمصير إلى الترجيح مع امكان الجمع غير جائز كما تقرر في موضعه ومن أهل القول الثاني من أجاب عن أحاديث خيار المجلس بأنها منسوخة بهذه الأدلة
قال في الفتح ولا حجة في شيء من ذلك لأن النسخ لا يثبت بالاحتمال والجمع بين الدليلين مهما أمكن لا يصار معه إلى الرجيح والجمع هنا ممكن بين الأدلة المذكورة بغير تعسف ولا تكلف انتهى . وأجاب بعضهم بأن إثبات خيار المجلس مخالف للقياس الجلي في الحاق ما قبل التفرق بما بعده وهو قياس فاسد الأعتبار لمصادمته النص . وأجاب بعضهم بأن التفرق بالأبدان محمول على الأستحباب تحسينا للمعاملة مع المسلم ويجاب عنه بأنه خلاف الظاهر فلا يصار إليه إلا الدليل وهذا يجاب عن قول من قال إنه محمول على الاحتياط للخروج من الخلاف وقيل أنه يحمل التفرق المذكور في الباب على التفرق في الأقوال كما في عقد النكاح والاجارة . قال في الفتح وتعقب بأنه قياس مع ظهور الفارق لأن البيع ينقل منه ملك رقبة المبيع ومنفعته بخلاف ماذكر . وقيل المراد بالمتبايعين المتساومان قال في الفتح ورد بأنه مجاز فالحمل على الحقيقة أو ما يقرب منها أولى . وقد احتج الطحاوي على ذلك بآيات وأحاديث استعمل فيها المجاز وتعقب بأنه لا يلزم من استعمال المجاز في موضع استعماله في كل موضع . قال البيضاوي ومن نفى خيار المجلس ارتكب مجازين لحمله التفرق على الأقوال وحمله للمتبايعين على المتساومين وأيضا فكلام الشارع يصان عن الحمل عليه لأنه يصير تقديره إن المتساومين إن شاآ عقده البيع وإن شاآ لم يعقداه وهو تحصيل حاصل لأن كل أحد يعرف ذلك . ولأهل القول الآخر أجوبة غير هذه فمنها ما سيأتي في آخر الباب ومنها غيره وقد بسطها صاحب الفتح وأجاب عن كل واحد منها وقد ذكرنا هنا ما كان تحتاج منها إلى الجواب وتركنا ما كان ساقطا فمن أحب الاستفاء ليرجع إلى المطولات وقد اختلف القائلون بأن المراد بالتفرق تفرق بالأبدان هل له حد ينتهي إليه أم لا والمشهور الراجح من مذاهب العلماء على ماذكره الحافظ أن ذلك موكولا إلى العرف فكل ما عد في العرف تفرقا حكم به وما لا فلا : قوله " فإن صدقا وبينا " أي صدق البائع في إخبار المشتري وبين العيب إن كان في السلعة وصدق المشتري في قدر الثمن وبين العيب إن كان في الثمن ويحتمل أن يكون الصدق والبيان بمعنى واحد وذكر أحدهما تأكيدا للأخر : قوله " محقت بركة يبعهما " يحتمل أن يكون على ظاهره وأن شؤم التدليس والكذب وقع في ذلك العقد فمحق بركته وإن كان مأجورا والكاذب مأزورا ويحتمل أن يكون ذلك مختصا بمن وقع منه التدليس بالعيب دون الأخر ورجحه ابن أبي حمزة : قوله " أو يقول أحدهما لصاحبه أختر " وربما قال أو يكون بيع الخيار قد اختلف العلماء في المراد بقوله ألا بيع الخيار فقال الجمهور هو استثناء من امتداد الخيار إلى التفرق والمراد أنهما إن اختارا مضاء البيع قبل التفرق فقد لزم البيع حنئذ وبطل اعتبار التفرق فالتقدير ألا البيع الذي جرى فيه التخاير وقيل استثناء من انقطاع الخيار بالتفرق والمراد بقوله أو يخير أحدهما الأخر أي فيشترط الخيار مدة معينة فلا ينقضي الخيار بالتفرق بل يبقى حتى تمضي المدة حكاه ابن عبد البر عن أبي ثور ورجح الأول بأنه أقل في الإضمار ولا يخفى أن قوله في هذا الحديث فإن خير احدهما الأخر فتبايعا على ذلك فقد وجب البيع معين للاحتمال الأول وكذلك قوله في الرواية الأخرى فإن كان بيعهما عن خيار فقد وجب وفي رواية للنسائي إلا أن يكون البيع كان عن خيار فإن كان البيع عن خيار وجب البيع وقيل هو استثناء من إثبات خيار المجلس والمعني أو خير أحدهما الأخر فيختار عدم ثبوت خيار المجلس فينتفي الخيار قال الفتح وهذا أضعف هذه الاحتمالات وقيل المراد بذلك أنهما بالخيار ما لم يتفرقا إلا أن يتخايرا ولو قبل التفرق وإلا أن يكون البيع بشرط الخيار ولو بعد التفرق قال في الفتح وهو قول يجمع التأويلين الأولين ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري في لفظ " إلا اليبع الخيار او يقول لصاحبه اختر إن حملت أو علي التقسيم لا على الشك " قوله " أو يخير بإسكان الراء عطفا على قوله مالم يتفرقا ويحتمل نصب الراء على أن أو بمعنى الا أن كما قيل انها كذلك في قوله أو يقول أحدهما لصاحبه اختر : قوله " قال نافع وكان ابن عمر " وهو موصول بإسناد الحديث ورواه مسلم من طريق ابن جريج عن نافع وهو ظاهر في إن ابن عمر كان يذهب إلى أن التفرق المذكور بالأبدان كما تقدم (5/248)
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال البيع والمبتاع بالخيار حتى يتفرقا إلا أن يكون صفقة خيار ولا يحل له ان يفارقه خشية أن يستقيله "
- رواه الخمسة إلا ابن ماجة . ورواه الدارقطني وفي لفظ " حتى يتفرقا من مكانهما (5/248)
4 - وعن ابن عمر قال " بعت من أمير المؤمنين عثمان مالا بالوادي بمال له بخيبر فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادني البيع وكانت السنة أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا "
- رواه البخاري . وفيه دليل على أن الرؤية حال العقد لا تشترط بل تكفي الصفة أو الرؤية المتقدمة (5/249)
- حديث عمرو بن شعيب أخرجه أيضا البيهقي وحسنه الترمذي وفي الباب عن أبي بزرة عند أبي داود وابن ماجة بإسناد رجاله ثقات " أن رجلا باع فرسا بغلام ثم أقاما بقية يومهما وليلتهما يعني البائع والمشتري فلما أصبح من الغد حضر الرحيل فقام الرجل إلى فرسه يسرجه فندم فأتى الرجل وأخذه بالبيع فأبى الرجل أن يدفعه إليه فقال بيني وبينك أبو بزرة صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاتيا أبا بزرة فقال اترضيان ان أقضي بينكما بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيعان بالخيار ما لم يفترقا " زاد في رواية أنه قالم ما أراكما افترقتما ( وفي الباب ) أيضا عن سمرة عند النسائي وعن ابن عباس عند ابن حبان والحاكم والبيهقي وعن جابر عند البزار والحاكم وصححه : قوله " صفقة خيار " بالرفع على ان كان تامة وصفقة فاعلها والتقدير الا أن توجد أو تحدث صفقة خيار والنصب على إن كان ناقصة واسمها مضمر وصفته خبر والتقدير الا أن تكون الصفقة صفقة خيار والمراد أن المتبايعين إذا قال أحدهما لصاحبه أختر إمضاء البيع أو فسخه فاختار أحدهما تم البيع وإن لم يتفرقا كما تقدم : قوله " خشية أن يستقيله " بالنصب على أنه مفعول له واستدل بهذا أنه القائلون بعدم ثبوت خيار المجلس وقد تقدم ذكرهم قالوا لأن في هذا الحديث دليلا على أن صاحبه لا يملك الفسخ إلا من جهة الاستقالة وأجيب بان الحديث حجة عليهم لا لهم ومعناه لا يحل له أن يفارقه بعد البيع خشية أن يختار فسخ البيع فالمراد بالاستقالة فسخ النادم منهما للبيع وعلى هذا حمله الترمذي وغيره من العلماء قالوا ولو كانت الفرقة بالكلام لم يكن له خيار بعد البيع ولو كان المراد حقيقة الاستقالة لم تمنعه من المفارقة لأنها لا تختص بمجلس العقد وقد أثبت في أول الحديث الخيار ومده إلى غاية التفرق ومن المعلوم أن من له الخيار لا يحتاج إلى الاستقالة فتعين حملها على الفسخ وحملوا نفي الحل على الكراهة لأنه لا يليق بالمرء وحسن معاشرة المسلم لا أن اختيار الفسخ حرام : قوله " رجعت على عقبي " الخ قيل لعله لم يبلغ ابن عمر حديث عمرو بن شعيب المذكور في الباب ويمكن أن يقال أنه بلغه ولكنه عرف أنه لا يدل على التحريم كما تقدم . والمراد بقوله بالوادي وادي القرى قوله " أن يرادني " بتشديد الدال وأصله يراددني أي يطلب منه استرداده قوله " وكانت السنة " الخ يعني أن هذا هو السبب في خروجه من بيت عثمان وأنه فعل ليجب البيع ولا يبقى لعثمان خيار في فسخه (5/249)
أبواب الربا (5/249)
- قال الزمخشري في الكشاف كتبت بالواو على لغة من يفخم كما كتبت الصلاة والزكاة وزيدت الألف بعدها تشبيها بواو الجمع . وقال في الفتح الربا مقصور وحكى مده وهو شاذ وهو من ربا يربو فيكتب بالألف ولكن وقع في خط المصاحف بالواو اه قال الفراء إنما كتبوه بالواو لأن أهل الحجاز تعلموا الخط من أهل الحيرة ولغتهم الربو فعلموهم الخط على صورة لغتهم قال وكذا قرأه أبو سماك العدوي بالواو وقراه حمزة والكسائي بالإمالة بسبب كسرة الراء وقرأه الباقون بالتفخيم لفتحة الباء قال ويجوز كتبه بالألف والواو والياء اه . وتثنيته ربو أن وأجاز الكوفيون كتابة تثنيته بالياء بسبب الكسر في أوله وغلطهم البصريون . قال في الفتح وأصل الزيادة إما في نفس الشيء كقوله تعالى { اهتزت وربت } وأما في مقابلة كدرهم بدرهمين فقيل هو درهمين فقيل هو حقيقة فيهما . وقيل حقيقة في الأول مجازو في الثاني حقيقة شرعية ويطلق الربا على كل مبيع محرم اه ولا خلاف بين المسلمين في تحريم الربا وإن اختلفوا في تفاصيله (5/250)
باب التشديد فيه (5/250)
1 - عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعن آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي غير أن لفظ النسائي آكل الربا ومؤكله وشاهديه وكاتبه إذا علموا ذلك ملعونون على لسان محمد صلى الله عليه وآله وسلم يوم القيامة " (5/250)
2 - وعن عبد الله بن حنطلة عسيل الملائكة قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " درهم ربا يأكله الرجل وهو يعلم أشد من ست وثلاثين زنية "
- رواه أحمد (5/251)
- حديث ابن مسعود أخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه وأخرجه مسلم من حديث جابر بلفظ " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعن آكل الربا وموكله وشاهديه هم سواء " وفي الباب عن علي عليه السلام عند النسائي وعن أبي جحفة تقدم في أول البيع وحديث عبد الله بن حنظلة وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط والكبير قال في مجمع الزوائد ورجال أحمد رجال الصحيح ويشهد له حديث البراء عند ابن جرير بلفظ " الربا إثنان وستون بابا أدناها مثل إتيان الرجل امه " وحديث أبي هريرة عند البيهقي بلفظ " الربا سبعون بابا أدناها الذي يقع على أمه " وأخرج عنه جرير نحوه وكذلك أخرج عنه نحوه ابن أبي الدنيا وحديث عبد الله بن مسعود عند الحاكم وصححه بلفظ " الربا ثلاثة وسبعون بابا أيسرها مثل أن ينكح أمه وان اربى الربا عرض الرجل السلم " قوله " آكل الربا " بمد الهمزة ومؤكله بسكون الهمزة بعد الميم ويجوز إبدالها واوا أي ولعن مطعمه غيره وسمي آخذ المال آكلا ودافعه مؤكلا لأن المقصود منه الأكل وهو أعظم منافعه وسببه إتلاف أكثر الأشياء : قوله " وشاهديه " رواية أبي داود بالافراد والبيهقي وشاهديه أو شاهده : قوله وكاتبه فيه دليل على تحريم كتابة الربا إذا علم ذلك وكذلك الشاهد لا يحرم عليه الشهادة إلا مع العلم فأما من كتب أو شهد غير عالم فلا يدخل في الوعيد ( ومن جملة ) ما يدل على تحريم كتابة الربا وشهادته وتحليل الشهادة والكتابة في غيره قوله تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } وقوله تعالى { واشهدوا إذا تبايعتم } فأمر بالكتابة والإشهاد فيما أحله وفهم منه تحريمهما فيما حرمه : قوله " أشد من ست وثلاثين " الخ يدل على أن معصية الربا من أشد المعاصي لأن المعصية التي تعدل معصية الزنا التي هي في غاية الفظاعة والشناعة بمقدار العدد المذكور بل أشد منها لا شك أنها تجاوزت الحد في القبح وأقبح منها استطالة الرجل في عرض أخيه المسلم ولهذا جعلها الشارع أربى الربا وبعد الرجل يتكلم بالكلمة التي لا يجد لها لذة ولا تزيد في ماله ولا جاهه فيكون أثمه عند الله أشد من إثم من زنا ست وثلاثين زنية هذا ما لا يصنعه بنفسه عاقل نسأل الله تعالى السلامة آمين آمين (5/251)
باب ما يجري فيه الربا (5/251)
1 - عن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل ولا تشفوا بعضها على بعض ولا تبيعوا منهما غائبا بناجز "
- متفق عليه . وفي لفظ " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى الآخذ والمعطى فيه سواء " رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " لاتبيعوا الذهب بالذهب ولا الورق بالورق إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء " رواه أحمد ومسلم (5/252)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الذهب بالذهب وزنا بوزن مثلا بمثل والفضة بالفضة وزنا بوزن مثلا بمثل "
- رواه أحمد ومسلم والنسائي (5/252)
3 - وعن أبي هريرة أيضا عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " التمر بالتمر والحنطة بالحنطة والشعير بالشعير والملح بالملح مثلا بمثل يدا بيد فمن زاد أو استزاد فقد أربى إلا ما اختلفت ألوانه "
- رواه مسلم (5/252)
4 - وعن فضالة بن عبيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا وزنا بوزن "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود (5/253)
- قوله " الذهب بالذهب " يدخل في الذهب جميع أنواعه من مضروب ومنقوش وجيد ورديء وصحيح ومكسر وحلى وتبر وخالص ومغشوش . وقد نقل النووي وغيره الاجماع على ذلك . قول " إلا مثل بمثل " هو مصدر في موضع الحال أي الذهب يباع بالذهب موزونا بموزون أو مصدر مؤكد أي يوزن وزنا بوزن . وقد جمع بين المثل والوزن في رواية مسلم المذكورة : قوله " ولا تشفوا " بضم أوله وكسر الشين المعجمة وتشديد الفاء رباعي من أشف والشف بالكسر الزيادة ويطلق على النقص والمراد هنا لا تفضلوا قوله " بناجز " بالنون والجيم والزاي أي لا تبيعوا مؤجلا بحال . ويحتمل أن يراد بالغائب أعم من المؤجل كالغائب عن المجلس مطلقا مؤجلا كان أو حالا والناجز الحاضر : قوله " والفضة بالفضة " يدخل في ذلك جميع أنواع الفضة كما سلف في الذهب : قوله " والبر بالبر " بضم الباء وهو الحنطة والشعير بفتح أوله ويجوز الكسر وهو معروف وفيه رد على من قال أن الحنطة والشعير صنف واحد وهو مالك والليث والأوزاعي وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الطعام بالطعام " كما سيأتي ويأتي الكلام على ذلك : قوله " فمن زاد " الخ فيه التصريح بتحريم ربا الفضل وهو مذهب الجمهور للأحاديث الكثيرة في الباب وغيرها فإنها قاضية بتحريم بيع هذه الأجناس بعضها بعض متفاضلا . وروى عن ابن عمر أنه يجوز ربا الفضل ثم رجع عن ذلك . وكذلك روى عن ابن عباس واختلف في رجوعه فروى الحاكم انه رجع عن ذلك لما ذكر له أبو سعيد حديثه الذي في باب واستغفر الله وكان ينهي عنه أشد النهي . وروى مثل قولهما عن أسامة ابن زيد وابن الزبير وزيد بن أرقم وسعيد بن المسيب وعروة بن الزبير واستدلوا على جواز ربا الفضل بحديث أسامة عند الشيخين وغيرهما بلفظ " إنما الربا في النسيئة " زاد مسلم في رواية عن ابن عباس " لا ربا فيما كان يدا بيد " وأخرج الشيخان والنسائي عن أبي المنهال قال سألت زيد بن أرقم والبراء بن عازب عن الصرف فقالا نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الذهب بالورق دينا . وأخرج مسلم عن أبي نضرة قال سألت ابن عباس عن الصرف فقال إلا يدا بيد قلت نعم قال فلا بأس فأخبرت ابا سعيد فقال أو قال ذلك انا سنكتب إليه فلا يفتيكموه وله من وجه آخر عن أبي نضرة سألت ابن عمر وابن عباس عن الصرف فلم يريا به بأسا وأني لقاعد عند أبي سعيد فسألته عن الصرف فقال مازاد فهو ربا فأنكرت ذلك لقولهما فذكر الحديث قال فحدثني أبو صهبا أنه سأل ابن عباس عنه فكرهه . قال في الفتح واتفق العلماء على صحة حديث أسامة واختلفوا في الجمع بينه وبين حديث أبي سعيد . فقيل أن حديث أسامة منسوخ لكن النسخ لا يثبت بالاحتمال
وقيل المعنى في قوله " لا ربا " الربا الأغلظ الشديد التحريم المتوعد عليه بالعقاب الشديد كما تقول العرب لا عالم في البلد إلا زيد مع أن فيها علماء غيره وإنما القصد نفى الأكمل الأصل وأيضا نفى تحريم ربى الفضل من حديث أسامة إنما هو المفهوم فيقدم عليه حديث أبي سعيد لأن دلالته بالمنطوق ويحمل حديث أسامة عام لأنه يدل على نفي ربا الفضل عن كل شيء سواء كان من الأجناس المذكورة في أحاديث الباب أم لا فهو أعم منها مطلقا . فيخصص هذا المفهوم بمنطوقها . وأما ما أخرجه مسلم عن ابن عباس أنه لا ربا فيما كان يدا بيد كما تقدم فليس ذلك مرويا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى تكون دلالته على نفي ربا الفضل منطوقه ولو كان مرفوعا لما رجع ابن عباس واستغفر لما حدثه أبو سعيد بذلك كما تقدم وقد روى الحازمي رجوع ابن عباس واستغفاره عند ان سمع عمر بن الخطاب وابنه عبد الله يحدثان عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما يدل على تحريم ربا الفضل وقال حفظتما من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما لم أحفظ وروى عنه الحازمي أيضا أنه قال كان ذلك برأيي وهذا أبو سعيد الخدري يحدثني عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فتركت رأيي إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى تسليم أن ذلك الذي قاله ابن عباس مرفوع فهو عام مخصص بأحاديث الباب لأنها أخص منها مطلقا . وأيضا الأحاديث القاضية بتحريم ربا الفضل ثابتة عن جماعة من الصثحابة في الصحيحين وغيرهما قال الترمذي بعد أن ذكر حديث أبي سعيد وفي الباب عن أبي بكر وعمر وعثمان وأبي هريرة وهشام بن عامر والبراء وزيد بن أرقم وفضالة بن عبيد وأبي بكرة وابن عمر وأبي الدرداء وبلال اه . وقد ذكر المصنف بعض ذلك في كتابه هذا وخرج الحافظ في التلخيص بعضها فلو فرض معارضة حديث أسامة لها من جميع الوجوه وعدم إمكان الجمع أو الترجيح بما سلف لكان الثابت عن الجماعة أرجح من الثابت عن الواحد : قوله " ولا الورق بالورق " بفتح الواو وكير الراء وبإسكانها على المشهور ويجوز فتحهما كذا في الفتح وهو الفضة وقيل بكسر الواو المضروبة وبفتحها المال . والمراد هنا جميع أنواع الفضة مضروبة وغير مضروبة : قوله " إلا وزنا بوزن مثلا بمثل سواء بسواء " الجمع بين هذه الألفاظ لقصد التأكيد أو للمبالغة . قوله " إلا ما اختلفت ألوانه " المراد أنه ما اختلفا في اللون اختلافا يصير به كل واحد منهما جنسا غير جنس مقابله فمعناه معنى ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " إذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم " وسنذر إن شاء الله ما يستفاد منه (5/253)
5 - وعن أبي بكرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الفضة بالفضة والذهب بالذهب والأسواء بسواء وأمرنا أن نشتري الفضة بالذهب كيف شئنا ونشتري الذهب بالفضة كيف شئنا "
- أخرجاه وفيه دليل على جواز الذهب بالفضة مجازفة (5/253)
6 - وعن عمر بن الخطاب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذهب بالورق ربا الاهاء وهاء والبر بالبر ربا الاهاء وهاء والشعير بالشعير ربا الاهاء وهاء والتمر بالتمر ربا إلا هاء وهاء "
- متفق عليه (5/254)
7 - وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح سواء بسواء يدا بيد فإذا اختلفت هذه الأصناف فبيعوا كيف شئتم إذا كان يدا بيد "
- رواه أحمد ومسلم . وللنسائي وابن ماجه وأبو داود نحوه في آخره " وأمرنا أن نبيع البر بالشعير والشعير بالبر يدا بيد كيف شئنا " وهو صريح في كون البر والشعير جنسين (5/254)
8 - وعن معمر بن عبد الله قال " كنت أسمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول الطعام بالطعام مثلا بمثلا وكان طعامنا يومئذ الشعير "
- رواه أحمد ومسلم (5/254)
9 - وعن الحسن عن عبادة وأنس بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ما وزن مثلا بمثل إذا كان نوعا واحدا وما كيل فمثل ذلك فإذا اختلف النوعان فلا بأس به "
- رواه الدارقطني (5/255)
- حديث أنس وعبادة أشار إليه في التلخيص ولم يتكلم عليه وفي إسناده الربيع بن صبيح وثقه أبو زرعة وغيره وضعفه جماعة . وقد أخرج هذا الحديث البزار أيضا ويشهد لصحته حديث عبادة المذكور أولا وغيره من الأحاديث : قوله " كيف شئنا " هذا الإطلاق مقيد بما في حديث عبادة من قوله " إن كان يدا بيد " فلا يد في بيع الربويات ببعض من التقابض ولا سيما في الصرف وهو بيع الدارهم بالذهب وعكسه فإنه متفق على اشتراطه . وظاهر هذا الإطلاق والتفويض إلى المشيئة انه يجوز بيع الذهب بالفضة والعكس وكذلك سائر الأجناس الربوية إذا بيع بعضها ببعض من غير تقييد بصفة من الصفات غير صفة القبض ويدخل في ذلك بيع الجزاف وغيره : قوله " الا هاء وهاء " بالمد فيهما وفتح الهمزة وقيل بالكسر وقيل بالسكون وحكى القصر بغير همز وخطأها الخطابي ورد عليه النووي وقال هي صحيحة لكن قليلة . والمعنى خذ وهات وحكى بزيادة كاف مكسورة ويقال هاء يكسر الهمزة بمعنى هات وبفتحها بمعنى خذ . وقال ابن الأثير هاء وهاء هو أن يقول كل واحد من البيعين هاء فيعطيه ما في يده وقيل معناهما خذ وأعط قال وغير الخطابي يجيز فيه السكون . وقال ابن مالك هاء اسم فعل بمعنى خذ . وقال الخليل هاء كلمة تستعمل عند المناولة والمقصود من قوله هاء وهاء أن يقول كل واحد من المتعاقدين لصاحبه هاء فيتقابضان في المجلس قال فالتقدير لا تبيعوا الذهب بالورق الا مقولا بين المتعاقدين هاء وهاء : قوله " فإذا اختلفت هذه الأصناف " الخ ظاهر هذا انه لا يجوز بيع جنس ربوي بجنس آخر الا مع القبض ولا يجوز مؤجلا ولو اختلفا في الجنس والتقدير كالحنطة والشعير بالذهب والفضة وقيل يجوز مع الأختلاف المذكور وإنما يشترط التقابض في الشيئين المختلفين جنسا المتفقين تقديرا كالفضة بالذهب والبر بالشعير إذ لا يعقل التفاضل والاستواء الا فيما كان كذلك ويجاب بأن مثل هذا لا يصلح لتخصيص النصوص وتقييدها وكون التفاضل والاستواء لا يعقل في المختلفين جنسا وتقديرا ممنوع والسند أن التفاضل معقول لو كان الطعام يوزن أو النقود تكال ولو في بعض الأزمان والبلد ان ثم انه قد يبلغ ثمن الطعام إلى مقدار من الدراهم كثير عند شدة الغلاء بحيث يعقل أن يقال الطعام أكثر من الدراهم وما المانع من ذلك وأما الاستدلال على جواز ذلك بحديث عائشة عند البخاري ومسلم وغيرهما قالت " اشترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من يهودي طعاما بنسيئة وأعطاه درعا له رهنا " فلا يخفى أن غاية ما فيه أن يكون مخصصا للنص المذكور لصورة الرهن فيجوز في هذه الصورة لا في غيرها لعدم صحة الحاق مالا عوض فيه عن الثمن بما فيه عوض عنه وهو الرهن نعم ان صح الإجماع الذي حكاه المغربي في شرح بلوغ المرام فإنه قال واجمع العلماء على جواز بيع الربوي بربوي لا يشاركه في العلة متفاضلا أو مؤجلا كبيع الذهب بالحنطة وبيع الفضة بالشعير وغيره من المكيل اه كان ذلك هو الدليل على الجواز عند من كان يرى حجية الإجماع وأما إذا كان الربوي يشارك مقابله في العلة فإن كان بيع الذهب بالفضة أو العكس فقد تقدم أنه يشترط التقابض إجماعا إن كان في غير ذلك من الأجناس كبيع البر بالشعير أو بالتمر أو العكس فظاهر الحديث عدم الجواز وإليه ذهب الجمهور
وقال أبو حنيفة وأصحابه وابن علية لا يشترط والحديث يرد عليه . وقد تمسك مالك بقوله " إلا يدا بيد " وبقوله الذهب بالورق وبالا هاء وهاء على أنه يشترط القبض في الصرف عند الإيجاب بالكلام ولا يجوز التراخي ولو كان في المجلس . وقال الشافعي وأبو حنيفة والجمهور ان المعتبر التقابض في المجلس وان التراخي عن الإيجاب والظاهر الأول ولكنه أخرج عبد الرزاق وأحمد وابن ماجه عن ابن عمر " انه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال اشتر الذهب بالفضة فإذا أخذت واحدا منهما فلا تفارق صاحبك وبينكما لبس " فيمكن أن يقال أن هذه الرواية تدل على اعتبار المجلس : قوله " ان يبيع البر بالشعير " الخ فيه كما قال المصنف تصريح بان البر والشعير جنسان وهو مذهب الجمهور وحكى عن مالك والليث والأوزاعي كما تقدم أنما جنس واحد وبه قال معظم علماء المدينة وهو محكي عن عمر وسعد وغيرهما من السلف وتمسكوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم الطعام بالطعام كما في حديث معمر بن عبد الله المذكور ويجاب عنه بما في آخر الحديث من قوله " وكان طعامنا يومئذ الشعير " فإنه في حكم التقييد لهذا المطلق وأيضا التصريح بجواز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا كما في حديث عبادة وكذلك عطف أحدهما على الآخر كما في غيره من أحاديث الباب مما لا يبقي معه ارتياب في انهما جنسان ( واعلم ) أنه قد اختلف هل يلحق بهذه الأجناس المذكورة في الأحاديث غيرها فيكون حكمه حكمها في تحريم التفاضل والنساء مع الأتفاق في الجنس وتحريم النساء فقط مع الأختلاف في الجنس والاتفاق في العلة فقالت الظاهرية إنه لا يلحق بها غيرها في ذلك . وذهب من عداهم من العلماء إلى أنه يلحق بها ما يشاركها في العلة ثم اختلفوا في العلة ماهي فقال الشافعي هي الاتفاق في الجنس والطعم فيما عدا النقدين وأماهما فلا يلحق بهما غيرهما من الموزونات واستدل على اعتبار الطعم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الطعام بالطعام " وقال مالك في النقدين كقول الشافعي وفي غيرهما العلة الجنس والتقدير والاقتيات وقال ربيعة بل اتفاق الجنس ووجوب الزكاة
وقالت العترة جميعا بل العلة في جميعها اتفاق الجنس والتقدير بالكيل والوزن واستدلوا على ذلك بذكره صلى الله عليه وآله وسلم للكيل والوزن في أحاديث الباب ويدل على ذلك أيضا حديث أنس المذكور فإنه حكم فيه على كل موزون مع اتحاد نوعه وعلى كل مكيل كذلك بأنه مثل بمثل فاشعر بان الأتفاق في أحدهما مع اتحاد النوع موجب لتحريم التفاضل بعموم النص لا بالقياس وبه يرد على الظاهرية لأنهم إنما منعوا من الألحاق لنفيهم للقياس . ومما يؤيد ذلك ما سيأتي في حديث أبي سعيد وأبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في الميزان مثل ماقال في المكيل على ما سيبينه المصنف إن شاء الله تعالى وإلى مثل ما ذهبت إليه العترة ذهب أبو حنيفة وأصحابه كما حكى ذلك عن المهدي في البحر وحكى عنه أنه يقول العلة في الذهب الوزن وفي الأربعة الباقية كونها مطعومة موزونة أو مكيلة ( والحاصل ) أنه قد وقع الاتفاق بين من عدا الظاهرية بأن جزء العلة الأتفاق في الجنس واختلفوا في تعيين الجزء الآخر على تلك الأقوال ولم يعتبر أحد منهم العدد جزأ من العلة مع اعتبار الشارع له كما في رواية من حديث أبي سعيد " ولادرهمين بدرهم " وفي حديث عثمان عند مسلم " لاتبيعوا الدينار بالدينارين " (5/255)
10 - وعن أبي سعيد وأبي هريرة " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم استعمل رجلا على خيبر فجاءهم بتمر جنيب فقال أكل تمر خيبر هكذا قال انا لنأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة فقال لا تفعل بع الجمع بالدراهم ثم ابتع بالدراهم جنيبا وقال في الميزان مثل ذلك "
- رواه البخاري (5/255)
- الحديث أخرجه أيضا مسلم . قوله " رجلا صرح أبو عوانة والدارقطني ان اسمه سواد بن غزية بمعجمة فزاي فياء مشددة كعطية : قوله " جنيب " بفتح الجيم وكسر النون وسكون التحتية وآخره موحدة اختلف في تفسيره فقيل هو الطيب وقيل الصلب . وقيل ما أخرج منه حشفه وريئه وقبل مالا يختلط بغيره . وقال في القاموس ان الجنيب تمر جيد . قوله " بع الجمع " بفتح الجيم وسكون الميم قال في الفتح هو التمر المختلط بغيره . وقال في القاموس هو الدقل أو صنف من التمر ( والحديث ) يدل على أنه لا يجوز بيع ردئ الجنس بجيده متفاضلا وهذا أمر مجمع عليه لاخلاف بين أهل العلم فيه وأما سكوت الرواة عن فسخ البيع المذكور فلا يدل على عدم الوقوع أما ذهولا وإما اكتفاء بان ذلك معلوم . وقد ورد في بعض طرق الحديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال هذا هو الربا فرده كما بنه على ذلك في الفتح وقد استدل أيضا بهذا الحديث على جواز بيع العينة لان النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمره أن يشتري بثمن الجمع جنيبا ويمكن أن يكون بائع الجنيب منه هو الذي اشترى منه الجمع فيكون قد عادت إليه الدراهم التي هي عين ماله لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يأمره بأن يشتري الجنيب من غير من باع منه الجمع وترك الاستفصال ينزل منزلة العموم . قال في الفتح وتعقب بأنه مطلق والمطلق لا يشمل فإذا عمل به في صورة سقط الأحتجاج به في غيرها فلا يصح الاستدلال به على جواز الشراء ممن باع منه تلك السلعة بعينها انتهى . وسيأتي الكلام على بيع العينة . قوله " وقال في الميزان مثل ذلك " أي مثل ما قال في المكيل من أنه لا يجوز بيع بعض الجنس منه ببعضه متفاضلا وان اختلفا في الجودة والرداءة بل يباع رديئه بالدراهم ثم يشتري بهذا الجيد والمراد بالميزان هنا الموزون . قال المصنف رحمه الله وهو حجة في جريان الربا في الموزونات كلها لان قوله في الميزان أي في الموزون وإلا فنفس الميزان ليست من أموال الربا انتهى (5/256)
باب في ان الجهل بالتساوي كالعلم بالتفاضل (5/256)
1 - عن جابر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الصبرة من التمر لا يعلم كيلها باليكل المسمى من التمر "
- رواه مسلم والنسائي وهو يدل بمفهومه على انه لو باعها بجنس غير التمر لجاز (5/256)
- قوله " الصبرة " قال في القاموس والصبرة بالضم ما جمع من الطعام بلا كيل ووزن انتهى . قوله " لا يعلم كيلها " صفة كاشفة للصبرة لأنه لا يقال لها صبرة إلا إذا كانت مجهولة الكيل ( والحديث ) فيه دليل على أنه لا يجوز أن يباع جنس بجنسه وأحدهما مجهول المقدار لأن العلم بالتساوي مع الأتفاق في الجنس شرط لا يجوزالبيع بدونه ولا شك أن الجهل بكلا البدلين أو بأحدهما فقط مظنة للزيادة والنقصان وما كان مظنة للحرام وجب تجنبه وتجنب هذه المظنة إنما يكون بكيل المكيل ووزن الموزون من كل واحد من البدلين (5/257)
باب من باع ذهبا وغيره بذهب (5/257)
1 - عن فضالة بن عبيد قال " اشتريت قلادة يوم خيبر بأثني عشر دينارا فيها ذهب وخرز ففصلتاه فوجدت فيها أكثر من أثني عشر دينارا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لا يباع حتى يفصل "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود والترمذي وصححه . وفي لفط " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أتى بقلادة فيها ذهب وخرز ابتاعها رجل بتسعة دنانير أو سبعة دنانير فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا حتى تميز بينه وبينه فقال إنما أردت الحجارة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا حتى تميز بينهما قال فرده حتى ميز بينهما " . رواه أبو داود (5/257)
- الحديث قال في التلخيص له عند الطبراني في الكبير طرق كثيرة جدا في بعضها قلادة فيها خرز وذهب . وفي بعضها ذهب وجوهر . وفي بعضها خرز وذهب . وفي بعضها حرز معلقة بذهب وفي بعضها بأثني عشر دينارا . وفي بعضها بتسعة دنانير . وفي أخرى بسبعة دنانير . وأجاب البيهقي عن هذا الاختلاف بأنها كانت بيوعا شهدها فضالة . قال الحافظ والجواب المسدد عندي أن هذا الاختلاف لا يوجب ضعفا بل المقصود من الاستدلال محفوظ لا اختلاف فيه وهو النهي عن بيع مالم يفصل وأما جنسها وقدر ثمنها فلا يتعلق به بهذه الحال ما يوجب الحكم بالاضطراب وحينئذ ينبغي الترجيح بين رواتها وإن كان الجميع ثقات فيحكم بصحة رواية أحفظهم وأضبطهم فيكون رواية الباقين بالنسبة إليه شاذة انتهى . وبعض هذه الروايات التي ذكرها الطبراني في صحيح مسلم وسنن أبي داود : قوله " ففصلتها " بتشديد الصاد ( الحديث ) استدل به على أنه لا يجوز بيع الذهب مع غيره بذهب حتى يفصل من ذلك الغير ويميز عنه ليعرف مقدار الذهب المتصل بغيره ومثله الفضة مع غيرها بفضة وكذلك سائر الأجناس الربوية لاتحادها في العلة وهي تحريم بيع الجنس بجنسه متفاضلا . ومما يرشد إلى استواء الأجناس الربوية في هذا ماتقدم من النهي عن بيع الصبرة من التمر بالكيل المسمى من التمر . وكذلك نهيه عن بيع التمر بالرطب حرصا لعدم التمكن من معرفة التساوي على التحقيق وكذلك في مثل مسألة القلادة يتعذر الوقوف على التساوي من دون فصل ولا يكفي مجرد الفصل بل لابد من معرفة مقدار المفصول والمقابل له من جنسه . وإلى العمل بظاهر الحديث ذهب عمر بن الخطاب وجماعة من السلف والشافعي وأحمد وإسحاق ومحمد بن الحكم المالكي وقالت الحنفية والثوري والحسن بن صالح والعترة أنه لا يجوز إذا كان الذهب المنفرد أكثر من الذي في القلادة ونحوها لامثله ولا دونه . وقال مالك يجوز إذا كان الذهب تابعا لغيره بأن يكون الثلث فما دون . وقال حماد بن أبي سليمان أنه يجوز بيع الذهب مع غيره بالذهب مطلقا سواء كان المنفصل مثل المتصل أو أقل أو أكثر وأعتذرت الحنفية ومن قال بقولهم عن الحديث بأن الذهب كان أكثر من المنفصل واستدلوا بقوله ففصلتها فوجدت فيها أكثرمن أثني عشر دينار والثمن إما سبعة أو تسعة وأكثر ما روي أنه أثنا عشر . وأجيب عن ذلك ماتقدم عن البيهقي من أن القصة التي شهدها فضالة كانت متعددة فلا يصح التمسك بما وقع في بعضها واهدار البعض الآخر وأجيب أيضا بأن العلة هي عدم الفصل وظاهر ذلك عدم الفرق بين المساوي والأقل والأكثر والغنيمة وغيرها وبهذا يجاب عن الخطابي حيث قال أن سبب النهي كون تلك القلادة كانت من الغنائم مخافة أن يقع المسلمون في بيعها وقد أجاب الطحاوي عن الحديث بأنه مضطرب . قال السبكي وليس ذلك باضطراب قادح ولا ترد الأحاديث الصحيحة بمثل ذلك انتهى . وقد عرفت مماتقدم أنه لا اضطراب في محل الحجة والاضطراب في غيره لا يقدح فيه وبهذا يجاب أيضا على ما قاله مالك . وأما ما ذهب إليه حماد بن أبي سليمان فمردود في الحديث على جميع التقادير ولعله يتعذر عنه بمثل ما قال الخطابي أو لم يبلغه . قوله " حتى تميز " بضم تاء المخاطب في أوله وتشديد الياء المكسورة بعد الميم . قوله " إنما أردت الحجارة " يعني الخرز الذي في القلادة ولم أرد الذهب (5/258)
باب مرد الكيل والوزن (5/258)
1 - عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال المكيال مكيال أهل المدينة والوزن وزن أهل مكة "
- رواه أبو داود والنسائي (5/258)
- الحديث سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرجه أيضا البزار وصححه ابن حبان والدارقطني وفي رواية لأبي داود عن ابن عباس مكان ابن عمر . قوله " المكيال مكيال أهل المدينة " الخ فيه دليل على أنه يرجع عند الاختلاف في الكيل إلى مكيال المدينة وعند الاختلاف في الوزن إلى ميزان مكة . أما مقدار ميزان مكة فقال ابن حزم بحثت غاية البحث عن كل من وثقت بتمييزه فوجدت كلا يقول أن دينار الذهب بمكة وزنه اثنتان وثمانون حبة وثلاثة أعشار حبة بالحب من الشعير والدرهم سبعة أعشار المثقال فوزن الدرهم سبع وخمسون حبة وستة أعشار حبة وعشر عشر حبة فالرطل مائة وثمانية وعشرون درهما بالدرهم المذكور وأما مكيال المدينة فقد قدمنا تحقيقه في الفطرة . ووقع في رواية لأبي داود من طريق الوليد بن مسلم عن حنظلة ابن أبي سفيان الجمحي قال وزن المدينة ومكيال مكة والرواية المذكورة في الباب من طريق سفيان الثوري عن حنظلة عن طاوس عن ابن عمر وهي أصح . وأما الرواية التي ذكرها أبو داود عن ابن عباس فرواها أيضا الدارقطني من طريق أبي أحمد الزبيري عن سفيان عن حنظلة عن طاوس عن ابن عباس ورواه من طريق أبي نعيم عن الثوري عن حنظلة عن سالم بدل طاوس عن ابن عباس قال الدارقطني أخطأ أبو أحمد فيه (5/259)
باب النهي عن بيع كل رطب من حب أو تمر بيابسه (5/259)
1 - عن ابن عمر قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المزابنة أن يبيع الرجل تمر حائطه إن كان بتمر كيلا وإن كان كرما أن يبيعه بزبب كيلا وإن كان زرعا أن يبيعه بكيل طعام نهى عن ذلك كله "
- متفق عليه (5/259)
2 - ولمسلم في رواية " وعن كل ثمر بخرصه " (5/260)
3 - وعن سعد بن أبي وقاص قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسأل عن اشتراء التمر بالرطب فقال لمن حوله أينقص الرطب إذا يبس قالوا نعم فنهى عن ذلك "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي (5/260)
- حديث سعد أخرجه أيضا ابن خزيمة وابن حبان والحاكم وصححوه أيضا ابن المديني وأخرجه الدارقطني والبيهقي وقد أعله جماعة منهم الطحاوي والطبري وابن حزم وعبد الحق بان في إسناده زيد أبا عياش وهو مجهول . قال في التلخيص والجواب ان الدارقطني قال أنه ثقة ثبت . وقال المنذري وقد روى عنه ثقات واعتمده مالك مع شدة نقده وقال الحاكم لا أعلم أحدا طعن فيه : قوله " عن المزابنة " قد تقدم ضبطها في باب النهي عن بيع التمر قبل بدو صلاحه : قوله " ثمر حائطه " بالمثلثة وفتح الميم قال في الفتح المراد به الرطب خاصة . قوله " بتمر كيلا " بالمثناة من فوق وسكون الميم والمراد بالكرم العنب قال في الفتح وهذا أهل المزابنة وألحق الجمهور بذلك كل بيع مجهول بمجهول أو بمعلوم من جنس يجري فيه الربا . قال فأما من قال اضمن لك صبرتك هذه بعشرين صاعا مثلا فما زاد فلي ومانقص فعلي فهو من القمار وليس من المزابنة وتعقبه الحافظ بأنه قد ثبت في البخاري عن ابن عمر تفسير المزابنة ببيع التمر بكيل إن زاد فلي وإن نقص فعلي قال فثبت أن من صور المزابنة هذه الصورة من القمار ولا يلزم من كونها قمارا أن لا تسمى مزابنة . قال ومن صور المزابنة بيع الزرع بالحنطة بما أخرجه مسلم في تفسير المزابنة عن نافع بلفظ " المزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا وبيع العنب بالزبيب وبيع الزرع بالحنطة كيلا . وقد أخرج هذا الحديث البخاري كما ذكره المصنف ههنا ولم ينفرد به مسلم وقد قدمنا مثل هذا في باب النهي عن بيع الثمر قبل بدو صلاحه وقدمنا أيضا ما فسر به مالك المزابنة قوله " أينقص " الاستفهام ههنا ليس المراد به حقيقته أعني طلب الفهم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان عالما بأنه ينقص إذا يبس بل المراد تنبيه السامع بأن هذا الوصف الذي وقع عنه الأستفهام هو علة النهي ومن المشعرات بذلك الفاء في قوله فنهى عن ذلك ويستفاد من هذا عدم جواز بيع الرطب بالرطب لأن نقص كل واحد منهما لا يحصل العلم بأنه نقص الآخر وما كان كذلك فهو مظنة للربا . وقد ذهب إلى ذلك الشافعي وجمهور أصحابه وعبد الملك بن الماجشون وأبو حفص العكبري من الحنابلة وذهب مالك وأبو حنيفة وأحمد في المشهور عنه والمزني والروياني من أصحاب الشافعي إلى أنه يجوز . قال ابن المنذر إن العلماء اتفقوا على جواز ذلك ألا الشافعي ويدل على عدم الجواز أن الإسماعيلي في مستخرجه على البخاري روى حديث ابن عمر بلفظ " نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمرة بالثمرة " وذلك يشمل بيع الرطب بالرطب (5/260)
باب الرخصة في بيع العرايا (5/261)
1 - عن رافع بن خديج وسهل ابن أبي حثمة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزابنة بيع الثمر بالتمر الا أصحاب العرايا فإنه قد أذن لهم "
- رواه أحمد والبخاري والترمذي وزاد فيه وعن بيع العنب بالزبيب وعن كل ثمر بخرصه " (5/261)
2 - وعن سهل بن أبي حثمة قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الثمر بالتمر ورخص في العرايا أن يشتري بخرصها يأكلها أهلها رطبا "
- متفق عليه . وفي لفظ " عن بيع الثمر بالتمر وقال ذلك الربا تلك المزابنة الا أنه رخص في بيع العرية النخلة والنخلتين يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا " متفق عليه (5/261)
3 - وعن جابر قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول حين أذن لأهل العرايا أن يبيعوها بخرصها يقول الوسق والوسقين والثلاثة والأربعة "
- رواه أحمد (5/262)
4 - وعن زيد بن ثابت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا أن تباع بخرصها كيلا "
- رواه أحمد والبخاري . وفي لفظ " رخص في العرية يأخذها أهل البيت بخرصها تمرا يأكلونها رطبا " متفق عليه . وفي لفظ آخر " رخص في بيع العرية بالرطب أو بالتمر ولم يرخص في غير ذلك " أخرجاه . وفي لفظ " بالتمر وبالطب " رواه أبو داود (5/262)
- حديث جابر أخرجه أيضا الشافعي وصححه ان خزيمة وابن حبان والحاكم ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند الشيخين " إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رخص في بيع العرايا بخرصها فيما دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق " قوله : " بيع الثمر بالتمر " الأول بالمثلثة وفتح الميم والثاني بالمثناة الفوقية وسكون الميم والمراد بالأول ثمر النخلة وقد صرح بذلك مسلم في رواية فقال " ثم النخلة " وليس المراد الثمر من غير النخل لأنه يجوز بيعه بالتمر بالمثناة والسكون : قوله " الا أصحاب العرايا " جمع عرية قال في الفتح وهي في الأصل عطية ثمر النخل دون الرقبة كانت العرب في الجدب تتطوع بذلك على من لا ثمر له كما يتطوع صاحب الشاة أو الأبل بالمنيحة وهي عطية اللبن الرقبة ويقال عريت النخلة بفتح العين وكسر الراء تعرى إذا افردت عن حكم اخواتها بأن أعطاها المالك فقيرا قال مالك العرية أن يعري الرجل الرجل الخلة أي يهبها له أو يهب له ثمرها ثم يتأذى بدخوله عليه ويرخص الموهوب له للواهب أن يشتري رطبها منه بتمر يابس هكذا علقه البخاري عن مالك ووصله ابن عبد البر من رواية ابن وهب . وروى الطحاوي عن مالك ان العرية النخلة للرجل في حائط غيره فيكره صاحب النخل الكثير دخول الآخر عليه فيقول أنا أعطيك بخرص نخلة تمرا فيرخص له في ذلك فشرط العرية عند مالك أن يكون لأجل التضرر من المالك بدخول غيره إلى حائطه أو لدفع الضررعن الآخر لقيام صاحب النخل بما يحتاج إليه . وقال الشافعي في الأم وحكاه عنه البيهقي ان العرايا ان يشتري الرجل ثمر النخلة بخرصه من التمر بشرط التقابض في الحال واشترط مالك أن يكون التمر مؤجلا . وقال ابن إسحاق في حديثه عن ابن عمر عند أبي داود والبخاري تعليقا ان يعري الرجل الرجل أي يهب له في ماله النخلة والنخلتين فيشق عليه أن يقوم عليها فيبيعها بمثل خرصها . وأخرج الإمام أحمد عن سفيان بن حسين ان العريا نخل كانت توهب للمساكين فلا يستطعيون أن ينتظروا بها فرخص لهم أن يبيعوها بما شاؤا من التمر . وقال يحيى بن سعيد الأنصاري العرية أن يشتري الرجل ثمر النخلات لطعام أهله رطبا بخرصها تمرا قال القرطبي كأن الشافعي اعتمد في تفسير العرية على قول يحيى بن سعيد . وأخرج أبو داود عن عبد ربه ابن سعيد الأنصاري وهو أخو يحيى المذكور أنه قال العرية الرجل يعري الرجل النخلة أو الرجل يستثني من ماله النخلة يأكلها رطبا فيبيعها تمرا . وأخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن وكيع قال سمعنا في تفسير العرية إنها النخلة يعريها الرجل للرجل ويشتريها في بستان الرجل . وقال في القاموس وأعراه النخلة وهبه ثمرة علمها والعرية النخلة المعراة والتي أكل ما عليها . وقال الجوهري هي النخلة التي يعريها صاحبها رجلا محتاجا بأن يجعل له ثمرها عاما من عراه إذا قصده قال في الفتح صور العرية كثيرة . منها أن يقول رجل لصاحب النخل يعني ثمر نخلات باعيانها بخرصها من التمر فيخرصها ويبيعها ويقبض منه التمر ويسلم له النخلات بالتخلية فينتفع برطبها
ومنها أن يهب صاحب الحائط لرجل نخلات أو ثمر نخلات معلومة من حائطه ثم يتضرر بدخوله عليه فيخرصها ويشتري رطبها بقدر خرصه بتمر معجل . ومنها أن يهبه اياها فيتضرر الموهوب له بانتظار صيرورة الرطب تمرا ولا يحب أكلها ربا لاحتياجه إلى التمر فيبيع ذلك الرطب بخرصه من الواهب أو من غيره بتمر يأخذه معجلا . ومنها أن يبيع الرجل ثمر حائطه بعد بدو صلاحه ويستثني منه نخلات معلومة يبقيها لنفسه أو لعياله وهي التي عفى له خرصها في الصدقة وسميت عرايا لأنا أعريت عن أن تخرص في الصدقة فرخص لأهل الحاجة الذين لانقدلهم وعنده فضول من تمر قوتهم أن يبتاعوا بذلك التمير من رطب تلك النخلات بخرصها ومما يطلق عليه اسم العرية ان يعري رجلا ثمر نخلات يبيح له أكلها والتصرف فيها وهذ هبة محضة . ومنها أن يعري عامل الصدقة لصاحب الحائط من حائطه نخلات معلومة لا يخرصها في الصدقة وهاتان الصورتان من العرايا لابيع فيهما وجميع هذه الصور صحيحة عند الشافعي والجمهور وقصر مالك العرية في البيع على الصورة الثانية . وقصرها أبو عبيد على الصورة الأخيرة من صور البيع وأراد به رخص لهم أن يأكلوا الرطب ولا يشترونه لتجارة ولا ادخار ومنع أبو حنيفة صور البيع كلها وقصر العرية على الهبة ويه أن يعري الرجل الرجل ثمر نخلة من نخله ولا يسلم ذلك ثم يبدو له أن يرتجع تلك الهبة فرخص له أن يحتبس ذلك ويعطيه بقدر ما وهبه له من الرطب يخرصه تمرا وحمله على ذلك أخذه بعموم النهي عن بيع الثمر بالتمر وتعقب بالتصريح باستثناء العرايا في الأحاديث قال ابن المنذر الذي رخص في العرية هو الذي نهى عن بيع الثمر بالتمر في لفظ واحد من رواية جماعة من الصحابة . قال ونظير ذلك الأذن في السلم مع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا تبع ماليس عندك " قال ولو كان المراد الهبة لما استثنيت العرية من البيع ولأنه عبر بالرخصة والرخصة لا تكون الا في شيء ممنوع والمنع إنما كان في البيع لا الهبة وبأنها قيدت بخمسة أوسق والهبة التتقيد
وقد احتج أبي حنيفة لمذهبه بأشياء تدل على أن العرية ولا حجة في شيء منه . لأنه لا يلزم من كون أصل العرية العطية أن لا تطلق شرعا على صور أخرى . وقالت الهادوية وهو وجه في مذهب الشافعي أن رخصة العرايا مختصلة بالمحاويج الذين لا يجدون رطبا فيجوز لهم أن يشتروا منه بخرصه تمرا واستدلوا بما أخرجه الشافعي في مختلف الحديث عن زيد بن ثابت أنه سمي رجالا محاجين من الأنصارى شكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا نقد في أيديهم يبتاعون به رطبا ويأكلون مع الناس وعندهم فضول قوتهم من التمر فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها من التمر ويجاب عن دعوى اختصاص العرايا بهذه الصورة أما أولا فبالقدح في هذا الحديث فإنه انكره محمد بن داود الظاهري على الشافعي وقال ابن حزم لم يذكر الشافعي له إسنادا فبطل . وأم ثانيا فعلى تسليم صحته لا منافاة بينه وبين الأحاديث الدالة على أن العرية أعم من الصورة التي اشتمل عليها ( والحاصل ) أن كل صورة من سور العرايا ورد بها حديث صحيح أو ثبتت عن أهل الشرع أو أهل اللغة فهي جائزة لدخولها تحت مطلق الأذن والتنصيص في بعض الأحاديث على بعض الصور لا ينافي ما ثبت في غيره : قوله " بخرصه " بفتح الخاء المعجمة وأشار ابن التين إلى جواز كسرها وجزم ابن العربي بالكسر وانكر الفتح وجوزهما النووي وقال الفتح أشهر قال ومعناه بقدر مافيه إذا صار تمرا فمن فتح قال هو اسم الفعل ومن كسر قال هو اسم للشيء المخروص قال في الفتح والخرص هو التخمين والحدس : قوله " يقول الوسق والوسقين " الخ استدل بهذا من قال أنه لا يجوز في بيع العرايا الا دون خمسة أوسق وهو الشافعية والحنابلة وأهل الظاهر قالوا لأن الأصل التحريم وبيع العرايا رخصة فيؤخذ بما يتحقق فيه الجواز ويلقي ما وقع فيه الشك ولكن مقتضى الاستدلال بهذا الحديث أن لا يجوز مجاوزة الأربعة الأوسق مع أنهم يجوزونها إلى دون الخمسة بمقدار يسير . والذي يدل على ما ذهبوا إليه حديث أبي هريرة الذي ذكرناه لقوله فيه دون خمسة أوسق أو في خمسة أوسق فيلقي الشك وهو الخمسة ويعمل بالمتيقن وهو ما دونها وقد حكى هذا القول صاحب البحر عن أبي حنيفة ومالك والقاسم وأبي العباس وقد عرفت ما سلف من تحقيق مذهب أبي حنيفة في العرايا وحكى في الفتح أن الراحج عند المالكية الجواز في الخمسة عملا برواية الشك واحتج لهم بقول سهل ابن أبي حثمة إن العرية ثلاثة أوسق أو أربعة أو خمسة قال في الفتح ولا حجة فيه لأنه موقوف وحكى الماوردي عن ابن المنذر أنه ذهب إلى تحديد ذلك بالأربعة الأوسق وتعقبه الحافظ بأن ذلك لم يوجد في شيء من كتب ابن المنذر . وقد حكى هذا المذهب ابن عبد البر عن قوم وهو ذهاب إلى ما فيه حديث جابر من الأقتصار على الأربعة وقد ترجم ابن حبان الاحتياط لا يزيد على أربعة أوسق . قال الحافظ وهذا الذي قاله يتعين المصير إليه وأما جعله حدا لا يجوز تجاوزه فليس بالواضح اه وذلك لان دون الخمسة المذكورة في حديث أبي هريرة يقضي بجواز الزيادة على الأربعة الا أن يجعل الدون مجملا مبينا بالأربعة كان واضحا ولكنه لا يخفى أنه لا إجمال في قوله " دون خمسة أوسق " لأنها تتناول ما صدق عليه الدون لغة وتما كان كذلك لا يقال له مجمل ومفهوم العدد في الأربعة لا يعارض المنطوق الدال على جواز الزيادة عليها : قوله " ولم يرخص في غير ذلك " فيه دليل على أنه لا يجوز شراء الرطب على رؤوس النخل بغير التمر والرطب . وفيه أيضا دليل على جواز الرطب المخروص على رؤوس النخل بالرطب المخروص على الأرض وهو رأي بعض الشافعية منهم ابن خيران . وقيل لا يجوز وهو رأي الاصطخري منهم وصححه جماعة وقيل إن كانا نوعا واحدا لم يجز إذ لا حاجة إليه وإن كانا نوعين جاز وهو رأي أبي إسحاق وصححه ابن أبي عصرون . وهذا كله فيما إذا كان أحدهما على النخل والآخر على الأرض وأما في غير ذلك فقد قدمنا الكلام عليه في الباب قبل هذا (5/262)
باب بيع اللحم بالحيوان (5/263)
1 - عن سعيد بن المسيب " إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن بيع اللحم بالحيوان " ز
- رواه مالك في الموطأ (5/263)
- الحديث أخرجه أيضا الشافعي مرسلا من حديث سعيد وأبو داود في المراسيل ووصله الدارقطني في الغريب عن مالك عن الزهري عن سهل بن سعد وحكم بضعفه وصوب الرواية المرسلة المذكورة وتبعه ابن عبد البر وله شاهد من حديث ابن عمر عند البزار في إسناده ثابت بن زهير وهو ضعيف . وأخرجه أيضا من رواية أبي أمية بن يعلى عن نافع أيضا وأبو أمية ضعيف وله شاهد أقوى منه من رواية الحسن عن سمرة عند الحاكم والبيهقي وابن خزيمة وقد اختلف في صحة سماعه منه وروى الشافعي عن ابن عباس ان جزورا نحرت على عهد أبي بكر فجاء رجل بعناق فقال أعطوني منها فقال أبو بكر لا يصلح هذا وفي إسناده إبراهيم بن أبي يحيى وهو ضعيف ولا يخفى إن الحديث ينتهض للاحتجاج بمجموع طرقه فيدل على عدم جواز بيع اللحم بالحيوان وإلى ذلك ذهبت العترة والشافعي إذا كان الحيوان مأكولا وإن كان غير مأكول جاز عند العترة ومالك وأحمد والشافعي في أحد قوليه لاختلاف الجنس . وقال الشافعي في أحد قوليه لا يجوز لعموم النهي . وقال أبو حنيفة يجوز مطلقا واستدل على ذلك بعموم قوله تعالى { وأحل الله البيع } وقال محمد بن الحسن الشيباني إن غلب اللحم جاز ليقابل الزائد منه الجلد (5/263)
باب جواز التفاضل والنسيئة في غير المكيل والموزون (5/264)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى عبدا بعبدين "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي ولمسلم معناه (5/264)
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى صفية بسبعة أرؤس من دحية الكلبي "
- رواه أحمد ومسلم وابن ماجه (5/264)
- قوله " ولمسلم معناه " ولفظه عن جابر قال " جاء عبد فبايع النبي صلى الله عليه وآله وسلم على الهجرة ولم يشعر أنه عبد فجاء سيده يريده فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعنيه واشتراه بعدبدين أسودين ثم لم يبايع أحدا بع حتى يسأله أعبد هو " وفي الحديثين دليل على جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلا إذا كان يدا بيد وهذا مما خلاف فيه وإنما الخلاف في بيع الحيوان بالحيوان نسيئة وسيأتي . وقصة صفية أشار إليها البخاري في البيع وذكرها في غزوة خيبر (5/265)
3 - وعن عبد الله بن عمرو قال " أمرني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أبعث جيشا على إبل كانت عندي قال فحملت الناس عليها حتى نفدت الأبل وبقيت بقية من الناس قال فقلت يا رسول الله الأبل قد نقدت وقد بقيت بقية من الناس لا ظهر لهم فقال بي ابتع علينا ابلا بقلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى تنفذ هذا البعث قال وكنت أبتاع البعير بقلوصين وثثلاث قلائص من إبل الصدقة إلى محلها حتى نفذت ذلك البعث فلما جاءت إبل الصدقة أداها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أحمد وأبو داود والدارقطني بمعناه (5/265)
4 - وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " أنه باع جملا يدعى عصيفيرا بعشرين بعيرا إلى أجل "
- رواه مالك في الموطأ والشافعي في مسنده (5/265)
5 - وعن الحسن عن سمرة قال " نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وروى عبد الله بن أحمد مثله من رواية جابر بن سمرة (5/266)
- حديث ابن عمرو في إسناده محمد بن إسحاق وفيه مقال معروف وقوى الحافظ في الفتح إسناده وقال الخطابي في إسناده مقال ولعله يعني من أجل محمد بن إسحاق ولكن قد رواه البيهقي في سننه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . وأثر علي عليه السلام هو م طريق الحسن بن محمد بن علي عن علي عليه السلام وفيه انقطاع بين الحسن وعلي . وقد روى عنه ما يعارض هذا فأخرج عبد الرزاق من طريق ابن المسيب عنه أنه كره بعيرا ببعيرين نسيئة . وروى ابن أبي شيبة عنه نحوه وحديث سمرة صححه ابن الجارود ورجاله ثقات كما قال في الفتح الا أنه اختلف في سماع الحسن من سمرة . وقال الشافعي هو غير ثابت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم . وحديث جابر بن سمرة عزاه صاحب الفتح إلى زيادات المسند لعبد الله بن أحمد كما فعل المصنف وسكت عنه ( وفي الباب ) عن ابن عباس عند البزار والطحاوي وابن حبان والدارقطني بنحو حديث سمرة قال في الفتح ورجاله ثقات الا انه اختلف في وصله وإرساله فرجح البخاري وغير واحد إرساله انتهى . قال البخاري حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة من طريق عكرمة عن ابن عباس رواه الثقات عن ابن عباس موقوفا . وعن عكرمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا ( وفي الباب ) أيضا عن ابن عمر عند الطحاوي والطبراني وعنه أيضا عند مالك في الموطأ والشافعي أنه اشترى راحلة بأربعة أبعرة يوفيها صاحبها بالربذة . وذكره البخاري تعليقا وعنه أيضا عند عبد الرزاق وابن أبي شيبة إنه سئل عن بعير بيعيرين فكرهه . وروى البخاري تعليقا عن ابن عباس ووصله الشافعي أنه قال قد يكون خيرا من البعيرين . وروى البخاري تعليقا أيضا عن رافع بن خديج ووصله عبد الرزاق أنه اشترى بعيرا ببعيرين فأعطه أحدهما وقال آتيك بالآخر غدا . وروى البخاري أيضا عن مالك وابن أبي شيبة عن ابن المسيب أنه أنه قال لا ربا في الحيوان . وروى البخاري أيضا وعبد الرزاق عن ابن سيرين أنه قال لا بأس ببعيرين . قوله " حتى نفدت الأبل " بفتح النون وكسر الفاء وفتح الدال المهملة وآخره تاء التأنيث . قوله " بقلائص " قال ابن رسلان جمع قلوص وهي الناقة الشابة : قوله " حتى نفدت ذلك البعث " بفتح النون وتشديد الفاء بعدها دال معجمة ثم تاء المتكلم أي حتى تجهز ذلك الجيش وذهب إلى مقصده والأحاديث والآثار المذكورة في الباب متعارضة كما ترى فذهب الجمهور إلى جواز بيع الحيوان بالحيوان نسيئة متفاضلا مطلقا وشرط مالك أن يختلف الجنس ومنع من ذلك مطلقا مع النسيئة أحمد بن حنبل وأبو حنيفة وغيره من الكوفيين والهادوية وتمسك الأولون بحديث ابن عمرو وما ورد في معناه من الآثار وأجابوا عن حديث سمرة بما فيه من المقال . وقال الشافعي المراد به النسيئة من الطرفين لأن اللفظ يحتمل ذلك كما يحتمل النسيئة من طرف وإذ كانت النسيئة من الطرفين فهي من بيع الكاليء بالكاليء وهو لا يصح عند الجميع واحتج المانعون بحديث سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وما في معناها من الآثار وأجابوا عن حديث ابن عمرو بأنه منسوخ ولا يخفى ان النسخ لا يثبت الا بعد نقرر تأخر الناسخ ولم ينقل ذلك فلم يبق ههنا إلا الطلب لطريق الجمع إن أمكن ذلك أو المصير إلى التعارض قيل وقد أمكن الجمع بما سلف عن الشافعي ولكنه متوقف على صحة إطلاق النسيئة على بيع المعدوم بالمعدوم فإن ثبت ذلك في لغة العرب أو في اصطلاح الشرع فذاك وإلا فلا شك أن أحاديث النهي وإن كان كل واحد منها لا يخلو عن مقال لكنها ثبتت من طريق ثلاثة من الصحابة سمرة وجابر بن سمرة وابن عباس وبعضها يقوي بعضا فهي أرجح من حديث واحد غير خال عن المقال وهو حديث عبد الله بن عمرو ولا سيما وقد صحح الترمذي وابن الجارود حديث سمرة فإن ذلك مرجح آخر . وأيضا قد تقرر في الأصول إن دليل التحريم أرجح من دليل الإباحة وهذا أيضا مرجح ثالث . وأما الآثار الواردة عن الصحابة فلا حجة فيها وعلى فرض ذلك فهي مختلفة كما عرفت (5/266)
باب أن من باع سلعة بنسيئة لا يشتريها أقل مما باعهاز (5/266)
1 - عن ابن إسحاق السبيعي عن امرأته " أنها دخلت على عائشة فدخلت معها أم ولد زيد بن أرقم فقالت يا أم المؤمنين أني بعت غلاما من زيد بن أرقم بثمانمائة درهم نسيئة وأني ابتعته منه بستمائة نقدا فقالت لها عائشة بئس ما اشتريت وبئس ما شريت إن جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد بطل إلا أن يتوب "
- رواه الدارقطني (5/267)
- الحديث في إسناده الغالية بنت أيفع وقد روى عن الشافعي أنه لا يصح وقرر كلامه ابن كثير في إسناده وفيه دليل على أنه لا يجوز لمن باع شيئا بثمن نسيئة أن يشتريه من المشتري بدون ذلك الثمن نقدا قبل قبض الثمن الأول إما إذا كان المقصود التحيل لأخذ النقد في الحال ورد أكثر منه بعد أيام فلا شك إن ذلك من الربا المحرم الذي لا ينفع في تحليله الحيل الباطلة وسيأتي الخلاف في بيع العينة في الباب الذي بعد هذا . والصورة المذكورة هي صورة بيع العينة وليس في حديث الباب ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن هذا البيع ولكن تصريح عائشة بأن مثل هذا الفعل موجب لبطلان الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدل على أنها قد علمت تحريم ذلك بنص من الشارع إما على جهة العموم كالأحاديث القاضية بتحريم الربا الشامل لمثل هذه الصورة أو على جهة الخصوص كحديث العينة الآتي ولا ينبغي أن يظن بها أنها قالت هذه المقالة من دون أن تعلم بدليل على التحريم لأن مخالفة الصحابي لرأي صحابي آخر لا تكون من جهة الموجبات للإحباط (5/267)
باب ما جاء في بيع العينة (5/267)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا ضن الناس بالدينار والدرهم وتبايعوا بالعينة واتبعوا أذناب البقر وتركوا الجهاد في سبيل الله أنزل الله بهم بلاء فلا يرفعه حتى يراجعوا دينهم "
- رواه أحمد وأبو داود . ولفظه " إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم " (5/268)
- الحديث أخرجه أيضا الطبراني وابن القطان وصححه . قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات . وقال في التلخيص وعندي إن إسناد الحديث الذي صححه ابن القطان معلول لأنه لا يلزم من كون رجاله ثقات أن يكون صحيحا لأن الأعمش مدلس ولم يذكر سماعه من عطاء وعطاء يحتمل أن يكون عطاء الخراساني فيكون فيه تدليس التسوية باسقاط نافع بين عطاء وابن عمر انتهى . وإنما قال هكذا لأن الحديث رواه أحمد والطبراني من طريق أبي بكر بن عياش عن الأعمش عن عطاء عن ابن عمر ورواه أحمد وأبو داود من طريق عطاء الخراساني عن نافع عن ابن عمر . وقال المنذري في مختصر السنن مالفظه في إسناده إسحاق بن أسيد أبو عبد الرحمن الخراساني نزيل مصر لا يحتج بحديثه وفيه أيضا عطاء الخراساني وفيه مقال انتهى . قال الذهبي فيل الميزان إن هذا الحديث مناكيره وقد ورد النهي عن العينة من طرق عقد لها البيهقي في سننه بابا ساق فيه جميع ما ورد في ذلك وذكر علله . وقال روى حديث العينة من وجهين ضعيفين عن عطاء بن أبي رياح عن عبد الله بن عمر بن الخطاب قال ورورى عن ابن عمر موقوفا أنه كره ذلك . قال ابن كثير وروى من وجه ضعيف أيضا عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا وبعضده حديث عائشة يعني المتقدم في الباب الذي قبل هذا وهذه الطرق يشد بعضها بعضا : قوله " بالعينة " بكسر العين المهملة ثم ياء تحتية ساكنة ثم نون . قال الجوهري العينة بالكسر السلف . وقال في القاموس وعين أخذ بالعينة بالكسر أي السلف أو أعطى بها قال والتاجر باع سلعته بثمن لي أجل ثم اشتراها منه بأقل من ذلك الثمن انتهى . قال الرافعي وبيع العينة هو أن يبيع شيئا من غيره بثمن مؤجل ويسلمه إلى المشتري ثم يشتريه قبل قبض الثمن بثمن نفد أقل من ذلك القدر انتهى . قال ابن رسلان في شرح السنن وسميت هذا المبايعة عينة لحصول النقد لصاحب العينة لأن العين هو المال الحاضر والمشتري إنما يشتريها ليبيعها بعين حاضرة تصل إليه من فوره ليصل به إلى مقصورده اه . وقد ذهب إلى عدم جواز بيع العينة مالك وأبو حنيفة وأحمد والهادوية وجوز ذلك الشافعي وأصحابه مستدلين على الجواز بما وقع من ألفاظ البيع التي لا يراد بها حصول مضمونه وطرحوا الأحاديث المذكورة في الباب واستدل ابن القيم على عدم جواز العينة بما روى عن الأوزاعي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال يأتي على الناس زمان يستحلون الربا بالبيع قال وهذا الحديث وإن كان مرسلا فإنه صالح للاعتضاد به بالأتفاق وله من المسندات ما يشهد له وهي الأحاديث الدالة على تحريم العينة فإنه من المعلوم إن العينة عند من يستعملها إنما يسميها بيعا وقد اتفقا على حقيقة الربا الصريح قبل العقد ثم غير اسمها إلى المعاملة وصورتها إلى التبايع الذي لا قصد لهما فيه البتة وإنما هو حيلة ومكر وخديعة لله تعال فمن أسهل الحيل على من أراد فعله أن يعطيه مثلا ألفا الا درهما باسم القرض ويبيعه خرقة تساوي درهما بخمسمائة درهم : وقوله صلى الله عليه وآله وسلم " إنما الأعمال بالنيات " أصل في إبطال الحيل فإن من أراد أن يعامله معاملة يعطيه فيها ألفا بألف وخمسمائة أنما نوى بالأقراض تحصيل الربح الزائد الذي أظهر أنه ثمن الثوب فهو في الحقيقة أعطاه الفا حالة بالف وخمسمائة مؤجلة وجعل صورة القرض وصورة البيع محللا لهذا المحرم ومعلوم إن هذا لا يرفع التحريم ولا يرفع المفسدة التي حرم الربا لاجلها بل يزيدها قوة وتأكيدا من وجوه عديدة منها أنه يقدم على مطالبة الغريم المحتاج من جهة السلطان والحكام اقداما لا يفعله المربى لأنه واثق بصورة العقد الذي تحيل به . هذا معنى كلام ابن القيم
قوله " واتبعوا أذناب البقر " المراد الاشتغال بالحرث . وفي الرواية الأخرى " وأخذتم أذناب البقر ورضيتم بالزرع " وقد حمل هذا على الأشتغال بالزرع في زمن يتعين فيه الجهاد . قوله " وتركوا الجهاد " أي المتعين فعله . وقد روى الترمذي بإسند صحيح عن ابن عمر " كنا بمدينة الروم فأخرجوا إلينا صفا عظيما من الروم فخرج إليهم من المسلمين مثلهم أو أكثر وعلى أهل مصر عقبة بن عامر وعلى الجماعة فضالة بن عبيد فحمل من المسلمين على صف الروم حتى دخل بينهم فصاح المسلمون وقالوا سبحان الله يلقى بيده إلى التهلكة فقام أبو أيوب فقال يا أيها الناس إنكم لتأولون هذا التأويل وإنما نزلت هذه الآية لما أعز الله الكلام وكثر ناصروه فقال بعضنا لبعض سرا أن أموالنا قد ضاعت وإن الله قد أعز الإسلام وكثر ناصروه فلو أقمنا في أموالنا وأصلحنا ما ضاع منا فأنزل الله على نبيه ما يرد علينا فقال { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } فكانت التهلكة الأموال واصلاحها وترك الغزو : قوله " ذلا " بضم الذال المعجمة وكسرها أي صغارا ومسكنة . ومن أنواع الذل الخراج الذي يسلمونه كل سنة لملاك الأرض وسبب هذا الذل والله أعلم أنهم لما تركوا الجهاد في سبيل الله الذي فيه عز الاسلام وإظهاره على كل دين عاملهم الله بنقيضه وهو انزال الذلة بهم فصاروا يمشون خلف أذناب البقر بعد أن كانوا يركبون على ظهور الخيل التي هي أعز مكان : قوله " حتى ترجعوا إلى دينكم " فيه زجر بليغ لأنه نزل الوقوع في هذه الأمور منزلة الخروج من الدين وبذلك تمسك من قال بتحريم العينة وقيل إن دلالة الحديث على تحريم غير واضحة لأنه قرن العينة بالأخذ بأذناب البقر والأشتغال بالزرع وذلك غير محرم وتوعد عليه بالذل وهو لا يدل على التحريم ولكنه لا يخفى ما في دلالة الاقتران من التضعف ولانسلم إن الوعد بالذل لا يدل على التحريم لان طلب أسباب العزة الدينية وتجنب أسباب الذلة المنافية للدين واجبان على كل مؤمن وقد توعد على ذلك بإنزال البلاء وهو لا يكون إلا لذنب شديد وجعل الفاعل لذلك بمنزلة الخارج من الدين المرتد على عقبه وصرحت عائشة بأنه من المحبطات للجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما في الحديث السالف وذلك إنما هو شأن الكبائر (5/268)
باب ما جاء في الشبهات (5/268)
1 - عن النعمان بن بشير " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهة فمن ترك ما يشتبه عليه من الأثم كان لما استبان أترك وم أجترأ على ما يشك فيه من الأثم أو شك أو يواقع ما استبان والمعاصي حمي الله من يرتع حول الحمى يوشك أن يواقعه "
- متفق عليه (5/269)
- قوله " الحلال بين " الخ فيه تقسم للأحكام إلى ثلاثة أشياء وهو تقسيم صحيح لان الشيء إما أن ينص الشارع على طلبه مع الوعيد على تركه أو ينص على تركه مع الوعيد على فعله أو لانيص على واحد منهما . فالأول الحلال البين . والثاني الحرام البين . والثالث المشتبه لخفائه فلا يدري احلال هو أم حرام وما كان هذا سبيله ينبغي اجتنابه لانه إن كان في نفس الأمر حراما فقد برئ من التبعة وإن كان حلالا فقد استحق الأجر على الترك لهذا القصد لأن الأصل مختلف فيه حظرا وإباحة . وهذا التقسيم قد وافق قول من قال ممن سيأتي إن المباح والمكروه من المشبهات ولكنه يشكل عليه المندوب فإنه لا يدخل في قسم الحلال البين على ما زعمه صاحب هذا التقسيم والمراد بكون كل واحد من القسمين الأولين بينا أنه مما لا يحتاج إلى بيان أو مما يشترك في معرفته كل أحد وقد يرد أن جميعا أي ما يدل على الحل والحرمة فإن علم المتأخر منهما فذاك وإلا كان ما ورد فيه القسم الثالث : قوله " أمور مشتبهة " أي شبهت بغيرها مما لم يتبين فحكمه على التعيين زاد في رواية للبخاري " لا يعلمها كثير من الناس " أي لا يعلم حكمها وجاء واضحا في رواية للترمذي ولفظه " لا يدري كثير من الناس أمن الحلال هي أم من الحرام " ومفهوم قوله كثير أن معرفة حكمها ممكن لكن للقليل من الناس وهم المجتهدون فالشبهات على هذا في حق غيرهم وقد تقع لهم حيث لا يظهر لهم ترجيح أحد الدليلين . قوله " والمعاصي حمى الله " في رواية للبخاري وغيره " ألا أن حمى الله تعالى في أرضه محارمه " والمراد بالمحارم والمعاصي فعل المنهى المحرم أوترك المأمور الواجب والحمي المحمي أطلق المصدر على اسم المفعول . وفي اختصاص التمثيل بالحمى نكتة وهي إن ملوك العرب كانوا يحمون لمراعي مواشيهم أماكن مخصبة يتوعدون من رعى فيها بغير إذنهم بالعقوبة الشديدة فمثل لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بما هو مشهور عندهم فالخائف من العقوبة المراقب لرضا الملك يبعد عن ذلك الحمى خشية أن تقع مواشيه في شيء منه فبعده أسلم له وغير الخائف المراقب يقرب منه ويرعى من جوانبه فلا يأمن أن يقع الخصب في الحمى فال يملك نفسه أن يقع فيه فالله سبحانه هو الملك حقا وحماه محارمه ( وقد اختلف ) في حكم الشبهات فقيل التحريم وهو مردود وقيل الكراهة . وقيل الوقف وهو كالخلاف فيما قبل الشرع واختلف العلماء أيضا في تفسير الشبهات . فمنهم من قال إنها ما تعارضت فيه الأدلة . ومنهم من قال إنها ما اختلف فيه العلماء وهو منتزع من التفسير الأول . ومنهم من قال إن المراد بها قسم المكروه لأنه يجتذبه جانبا الفعل والترك ومنهم من قال هي المباح ونقل ابن المنير عن بعض مشايخه أنه كان يقول المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام والمباح عقبة بينه وبين المكروه فمن استكثر من تطرق إلى المكروه . ويؤيد هذا ما وقع في رواية لابن حبان من الزيادة بلفظ " اجعلوا بينكم وبين الحرام سترة من الحلال من فعل ذلك استبرأ لعرضه ودينه " قال في الفتح بعد أن ذكر التفاسير للمشتبهات التي قدمناها ما لفظه والذي يظهر لي رجحان الوجه الأول قال ولا يبعد أن يكون كل من الأوجه مرادا ويختلف ذلك باختلاف الناس فالعالم الفطن عليه تمييز الحكم فلا يقع له ذلك إلا في الاستكثار من المباح أو المكروه وم دونه تقع له الشبهة في جميع ما ذكر بحسب اختلاف الأحوال ولا يخفى أن المستكثر من المكروه تصير فيه جراءة على ارتكاب المنهي في الجملة أو يحمله اعتياده لارتكاب المنهي غير المحرم على ارتكاب المنهي المحرم أو يكون ذلك لسر فيه وهو أن من تعاطي مانهى عنه يصير مظلم القلب لفقدان نور الورع فيقع في الحرام ولو لم يختر الوقوع فيه ولهذا قال صلى الله عليه وآله وسلم " فمن ترك ما يشتبه عليه من الإثم " الخ . ( وأعلم أن العلماء ) قد عظموا أمر هذا الحديث فعدوه رابع أربعة تدور عليها الأحكام كما نقل عن أبي داود وغيره وقد جمعها من قال
عمدة الدين عندنا كلمات مسندات من قول خير البرية
اترك الشبهات وازهد ودع ما ليس بعينيك واعملن بنية
والإشارة بقوله ازهد إلى حديث " ازهد فيما في أيدي الناس " أخرجه ابن ماجه وحسن إسناده الحافظ وصححه الحاكم عن سهل بن سعد مرفوعا بلفظ " ازهد في الدنيا يحبك الله وازهد فيما عند الناس يحبك الناس " وله شاهد عند أبي نعيم من حديث أنس ورجاله ثقات . والمشهور عن أبي داود عد حديث " ما نهيتكم عنه فاجتنبوه " مكان حديث " ازهد " المذكور . وعد حديث الباب بعضهم ثالث ثلاثة وحذف الثاني وأشار ابن العربي أنه يمكن أن ينزع منه وحده جميع الأحكام قال القرطبي لأنه اشتمل على التفصيل بين الحلال وغيره وعلى تعلق جميع الأعمال بالقلب فمن هناك يمكن أن ترد جميع الأحكام إليه . وقد ادعى أبو عمر الداني أن هذا الحديث لم يروه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم غير النعمان بن بشير فمن أراد من وجهه صحيح فمسلم وان أراد على الإطلاق فمردود فإنه في الأوسط للطبراني من حديث ابن عمر وعمار وفي الكبير له من حديث ابن عباس وفي الترغيب للأصبهاني من حديث وائلة وفي أسانيدها مقال كما قال الحافظ (5/269)
2 - وعن عطية السعدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذرا لما به البأس "
- رواه الترمذي (5/269)
3 - وعن أنس قال " ان كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليصيب التمرة فيقول لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها "
- متفق عليه (5/270)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دخل أحدكم على أخيه المسلم فأطعمه طعاما فليأكل من طعامه ولا يسأله عنه وإن سقاه شربا من شرابه فليشرب من شرابه ولا يسأله عنه "
- رواه أحمد (5/270)
5 - وعن أنس بن مالك " قال إذا دخلت على مسلم لا يتهم فكل من طعامه واشرب من شرابه "
- ذكره البخاري في صحيحه (5/270)
- حديث عطية السعدي حسنه الترمذي وأخرج ابن أبي الدنيا في كتاب التقوى عن أبي الدرداء نحوه ولفظه " تمام التقوى أن يتقي الله حتى يترك ما يرى أنه حلال خشية أن يكون حراما " . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي ضعفه الجمهور وقد وثق قال في مجمع الزوائد وبقية رجال أحمد رجال الصحيح . هذه الأحاديث ذكرها المصنف رحمه الله للإشارة إلى ما فيه شبهة كحديث أنس وإلى ما لا شبهة فيه كحديث أبي هريرة وقد ذكر البخاري في تفسير الشبهات حديث عقبة بن الحرث في الرضاع لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " كيف وقد قيل " وحديث عائشة في قصة ابن وليدة زمعة لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " واحتجبي منه يا سودة " فإن الظاهر أن الأمر بالمفارقة في الحديث الأول والاحتجاب في الثاني لأجل الاحتياط وتوقي الشبهات وفي ذلك نزاع يأتي بيانه إن شاء الله تعالى . قال الخطابي ما شككت فيه فالورع اجتنابه وهو على ثلاثة أقسام واجب ومستحب ومكروه فالواجب اجتناب ما يستلزم ارتكاب المحرم والمندوب اجتناب معاملة من أكثر ماله حرام والمكروه اجتناب الرخص المشروعة اه . وقد أرشد الشارع إلى اجتناب ما لا يتيقن المرء حله بقوله ما يريبك غل ىما لا يريبك واخرجه الترمذي والنسائي وأحمد وابن حبان والحاكم من حديث الحسن بن علي رضي الله عنهما ( وفي الباب ) عن أنس عند أحمد . وعن ابن عمر عند الطبراني وعن أبي هريرة ووائلة بن الأسقع . ومن قول ابن عمر وابن مسعود وغيرهما . وروى البخاري وأحمد وأبو نعيم عن حسان بن أبي سنان البصري أحد العباد في زمن التابعين أنه إذا شككت في امر فاتركه . ولأبي نعيم من وجه آخر أنه اجتمع يونس ابن عبيد وحسان بن أبي سنان فقال يونس ما عالجت شيئا أهون علي منه قال كيف قال حسان تركت ما يريبني إلى ما لا يريبني فاسترحت . قال الغزالي الورع أقسام ورع الصديقين وهو ترك ما لم يكن عليه ببنية واضحة . وورع المتقين وهو ترك ما لا شبهة فيه ولكن يخشى أن يجر إلى الحرام . وورع الصالحين وهو ترك ما يتطرق إليه احتمال التحريم بشرط أن يكون لذلك الاحتمال موقع فإن لم يكن فهو روع الموسوسين . قال ووراء ذلك ورع الشهود وهو ترك ما يسقط الشهادة أي أعم من أن يكون ذلك متروك حراما أم لا اه . وقد أشار البخاري إلى أن الوساوس ونحوها ليست من الشبهات . فقال باب من لم ير الوساوس ونحوها من الشبهات . قال في الفتح هذه الترجمة معقودة لبيان ما يكره من التنطيع في الورع (5/271)
أبواب أحكام العيوب (5/271)
باب وجوب تبيين العيب (5/271)
1 - عن عقبة بن عامر قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول المسلم أخو المسلم لا يحل لمسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه له "
- رواه ابن ماجه (5/272)
2 - وعن واثلة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يحل لاحد أن يبيع شيئا الا بين مافيه ولا يحل لأحد يعلم ذلك الا بينه "
- رواه أحمد (5/272)
3 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر برجل يبيع طعاما فادخل يده فيه فإذا هو مبلول فقال من غشنا فليس منا "
- رواه الجماعة إلا البخاري والنسائي (5/272)
4 - وعن العداء بن خالد بن هوذة قال " كتب لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتابا هذا ما اشترى العداء بن خالد بن هوذة من محمد رسول الله اشترى منه عبدا أو أمة لاداء ولا غائلة ولا خبثة بيع المسلم المسلم "
- رواه ابن ماجه والترمذي (5/273)
- حديث عبقة أخرجه أيضا أحمد والدارقطني والحاكم والطبراني من حديث أبي شماسة عنه على يحيى بن أيوب وتابعه ابن لهيعة قال في الفتح وإسناده حسن وحديث واثلة أخرجه أيضا ابن ماجه والحاكم في المستدرك وفي إسناد أحمد أبو جعفر الرازي وأبو سباع والأول مختلف فيه والثاني قيل إنه مجهول . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا الحاكم وفيه قصة وادعى أن مسلما لم يخرجها فلم يصب . وقد أخرج نحوه أحمد والدارمي من حديث ابن عمر وابن ماجه من حديث أبي الحمراء والطبراني وابن حبان في صحيحه من حديث ابن مسعود وأحمد من حديث أبي بردة بن نيار والحاكم من حديث عمير بن سعيد عن عمه . وحديث العداء أخرجه أيضا النسائي وابن الجارود وعلقه البخاري . قوله " لا يحل لمسلم " الخ وكذلك قوله " لا يحل لأحد " الخ فيهما دليل على تحريم كتم اليب ووجوب تبيينه للمشتري . قوله " فليس منا " لفظ مسلم " فليس مني " قال النووي كذا في الأصول ومعناه ليس ممن اهتدى بهدبي واقتدى بعلمي وعملي وحسن طريقتي كما يقول الرجل لولده إذا لم يرض فعله لست مني وهكذا في نظائره مثل قوله " من حمل علينا السلاح فليس منا " وكان سفيان ابن عيينة يكره تفسير مثل هذا ويقول بئس مثل القول بل يمسك عن تأويله ليكون أوقع في النفوس وأبلغ في الزجر اه وهو يدل على تحريم الغش وهو مجمع على ذلك قول " العداء " بفتح العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا وآخره همزة بوزن الفعال وهوذة هو ابن ربيعة بن عمرو بن عامر أبو صعصعة والعداء صحابي قليل الحديث أسلم بعد حنين . قوله " لاداء " قال المطرزي المراد به الباطن سواء ظهر منه شيء أم لا كوجع الكبد والسعال . وقال ابن المنير لا داء أي يكتمه البائع وإلا فلو كان بالعبد داء وبينه البائع كان من بيع المسلم للمسلم ( ومحصله ) إنه لم يرد بقوله لا داء نفي الداء مطلقا بل نفى داء مخصوص وهو مالم يطلع عليه . قوله " ولا غائلة " قيل المراد بها إلا باق . وقال ابن بطال هو من قولهم اغتالني فلان إذا احتال بحيلة سلب بها مالي . قوله " ولا خبثة " بكسر المعجمة وبضمها وسكون الموحدة وبعدها مثلثة قيل المراد الاخلاق الخبيثة كالاباق . وقال صاحب العين هي الدنية وقيل المراد الحرام كما عبر عن الحلال بالطيب وقيل الداء كان في الخلق بفتح الخاء والخبثة ما كان في الخلق بضمها والغائلة سكوت البائع عن بيان من مكروه في المبيع قاله ابن العربي (5/273)
باب أن الكسب الحادث لا يمنع الرد بالعيب (5/273)
1 - عن عائشة " ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى أن الخراج بالضمان "
- رواه الخمسة . وفي رواية " أن رجلا ابتاع غلاما فاستغله ثم وجد به عيبا فرده بالعيب فقال البائع غلة عبدي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الغلة بالضمان " رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . وفيه حجة لمن يرى تلف العبد المشتري قبل القبض من المشتري (5/274)
- الحديث أخرجه أيضا الشافعي وأبو داود الطيالسي وصححه الترمذي وابن حبان وابن الجارود والحاكم وابن القطان ( ومن جملة ) من صححه ابن خزيمة كما حكى ذلك عنه في بلوغ المرام وحكى عنه في التلخيص أنه قال لا يصح وضعفه البخاري . ولهذا الحديث في سنن أبي داود ثلاث طرق اثنتان رجالهما رجال الصحيح والثالثة قال أبو داود إسنادها ليس بذاك ولعل سبب ذلك أن فيه مسلم بن خالد الزنجي شيخ الشافعي وقد وثقه يحيى بن معين وتابعه عمر بن علي المقدمي وهو متفق على الأحتجاج به : قوله " إن الخراج بالضمان " الخراج هو الدخل والمنفعة أي يملك المشتري الخراج الحاصل من المبيع بضمان الأصل الذي عليه أي بسببه فالباء سببية فإذا أشترى الرجل أرض فاستغلها أو ذآبة فركبها أو عبدا فاستخدمه ثم وجد به عيبا قديما فله الرد ويستحق الغلة في مقابلة الضمان للمبيع الذي كان عليه . وظاهر الحديث عدم الفرق بين الفوائد الأصلية والفرعية وإلى ذلك ذهب الشافعي وفصل مالك فقال يستحق المشتري الصوف والشعر دون الولد وفرق أهل الرأي والهادوية بين الفوائد الفرعية والأصلية فقالوا يستحق المشتري الفرعية كالكراء دون الأصلية كالولد والثمر وهذا الخلاف إنما هو مع انفصال الفوائد عن المبيع وأما إذا كانت متصلة وقت الرد ردها الإجماع قيل إن هذا الحكم مختص بمن له ملك في العين التي انتفع بخراجها كالمشتري الذي هو سبب ورود الحديث وإلى ذلك مال الجمهور . وقالت الحنفية إن الغاصب كالمشتري قياسا ولا يخفى ما في هذا القياس لان الملك فارق يمنع الالحاق والأولى أن يقال أن الغاصب داخل تحت عموم اللفظ ولا عبرة بخصوص السبب كما تقرر في الأصول : " قوله فاستغله " بالغين المعجمة وتشديد اللام أي أخذ غلته (5/274)
باب ما جاء في المصراة (5/274)
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا تصروا الأبل والغنم فمن ابتاعها بعد ذلك فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها ان رضيها أمسكها وإن سخطها ردها وصاعا من تمر "
- متفق عليه . وللبخاري وأبي داود " من اشترى غنما مصراة فاحتلبها فإن رضيها أمسكها وإن سخطها ففي حلبتها صاع من تمر وهو دليل على أن الصاع من التمر في مقابلة اللبن وأنه أخذ قسطا من الثمن " . وفي رواية " إذا ما اشترى أحدكم لقحة مصراة أو شاة مصراة فهو بخير النظرين بعد أن يحلبها أما هي وإلا فليردها وصاعا من تمر " رواه مسلم وهو دليل على أنه يمسك بغير أرش . وفي رواية " من اشترى مصراة فهو منها بالخيار ثلاثة أيام إن شاء أمسكها وإن شاء ردها ومعها صاعا من تمر لا سمراء " رواه الجماعة إلا البخاري (5/275)
2 - وعن أبي عثمان النهدي قال " قال عبد الله من اشترى محفلة فردها فليرد معها صاعا "
- رواه البخاري والبرقاني على شرطه وزاد " من تمر " (5/275)
- قوله " لاتصروا " بضم أوله وفتح الصاد المهملة وضم الراء المشددة من صربت اللبن في الضرع إذا جمعته وظن بعضهم أنه من صروت فقيده بفتح أوله وضم ثانيه . قال في الفتح والأول أصح قال لأنه لو كان من صررت لقيل مصرورة أو مصررة لا مصراة على أنه سمع الأمر إن في كلام العرب ثم استدل على ذلك بشاهدين عربيين ثم قال وضبطه بعضهم بضم أوله وفتح ثانيه بغير واو على البناء للمجهول والمشهور الأول اه . قال الشافعي التصرية هي ربط اخلاف الشاة أو الناقة وترك حلبها حتى يجتمع لبنها فيكثر فيظن المشتري أن ذلك عادتها فيزيد في ثمنها لما يرى من كثرة لبنها . وأصل التصرية حبس الماء يقال منه صريت الماء إذا حبسته قال أبو عبيدة وأكثر أهل اللغة التصرية حبس اللبن في الضرح حتى يجتمع وإنما اقتصر على ذكر الأبل والغنم دون البقر لأن غالب مواشيهم كانت من الأبل والغنم والحكم واحد خلافا لداود : قوله " فمن ابتاعها بعد ذلك " أي اشتراها بعد التصرية : قوله " بعد أن يحلبها " ظاهره إن الخيار لا يثبت الا بعد الحلب والجمهور على أنه إذا علم بالتصرية ثبت له الخيار على الفور ولو لم يجلب لكن لما كانت التصرية لا يعرف غالبها الا بعد الحلب جعل قيدا في ثبوت الخيار قوله " إن رضيها أمسكها " استدل بهذا على صحة بيع المصراة مع ثبوت الخيار : قوله " وصاعا من تمر " الواو عاطفة على الضمير في ردها ولكنه يعكر عليه إن الصاع مدفوع ابتداء لامر دود ويمكن أن يقال أنه مجاز عن فعل يشمل الأمرين نحو سلمها أو أدفعها كما في قول الشاعر علقتها تبنا وماء باردا . أي ناولتها ويمكن أن يقدر قبل آخر يناسب المعطوف أي ردها وسلم أو أعط صاعا من تمر كما قيل أن التقدير في قول الشاعر المذكور وسقيتها ماء باردا . وقيل يجوز أن تكون الواو بمعنى مع ولكنه يعكر عليه قول جمهور النحاة إن شرط المفعول معه إن يكون فاعلا في المعنى نحو جئت أنا وزيدا . وقمت أنا وزيدا نعم جعله مفعولا معه صحيح عند من قال بجواز مصاحبته للمفعول به وهم القليل : وقد استدل بالتنصيص على الصاع من التمر على أنه لا يجوز رد اللبن ولو كان باقيا على صفته لم يتغير ولا يلزم البائع قبوله لذهاب طراوته واختلاطه بما تجدد عند المشتري : قوله " لقحة " هي الناقة الحلوب أو التي نتجت . قوله " ثلاثة أيام " فيه دليل على امتداد الخيار هذا المقدار فتقيد بهذه الرواية الروايات القاضية بأن الخيار بعد الحلب على الفور كما في قوله " بعد أن يحلبها " وإلى هذا ذهب الشافعي والهادي والناصر وذهب بعض الشافعية إلى أن الخيار على الفور وحملوا ورواية الثلاث على ما إذا لم يعلم إنها مصراة قبل الثلاث قالوا وإنما وقع التنصيص عليها لأن الغالب أنه لا يعلم بالتصرية فيما دونها
واختلفوا في ابتداء الثلاث فقيل من وقت بيان التصرية وإليه ذهبت الحنابلة وقيل من حين العقد وبه قال الشافعي . وقيل من وقت التفرق قال في الفتح ويلزم عليه أن يكون الفور أوسع من الثلاث في بعض الصور وهو ما ذا تأخر ظهور التصريح إلى آخر الثلاث ويلزم عليه أن تحسب المدة قبل التمكن من الفسخ وأن يفوت المقصود من التوسع بالمدة اه : قوله " من تمر لاسمراء " لفظ مسلم وأبي داود " من طعام لاسمراء " وينبغي أن تحمل الطعام على التمر المذكور في هذه الرواية وفي غيرها من الروايات ثم لما كان المتبادر من لفظ الطعام القمح نفاه بقوله لا سمراء ويشكل على هذا الجمع مافي رواية للبزار بلفظ " صاع من بر لا سمراء " وأجيب عن ذلك بأنه يحتمل أن يكون على وجه الرواية بالمعنى لما ظن الراوي أن الطعام مساو للبر عبر عنه بالبر لان المتبادر من الطعام البركما سلف في الفطرة ويشكل على ذلك الجمع أيضا ما في مسند أحمد بإسناد صحيح كما قال الحافظ عن رجل من الصحابة بلفظ " صاعا من طعام أو صاعا من تمر " فإن التخيير يقتضي المغايرة : وأجاب عنه في الفتح باحتمال أن يكون شكا من الراوي والاحتمال قادح في الاستدلال فينبغي الرجوع إلى الروايات التي لم تختلف . ويشكل أيضا ما أخرجه أبو داود من حديث ابن عمر بلفظ " ردها ورد معها مثل أو مثلي لبنها قمحا " وأجاب عن ذلك الحافظ بأن إسناد الحديث ضعيف قال وقال ابن قدامة أنه متروك الظاهر بالأتفاق : قوله " محفلة " بضم الميم وفتح الحاء المهملة والفاء المشددة من التحفيل وهو التجمع قال أبو عبيده سميت بذلك لكون اللبن يكثر في ضرعها وكل شيء كثرته فقد حفلته . تقول ضرع حافل أي عظيم واحتفل القوم إذا كثر جمعهم ومنه سمي المحفل . وقد أخذ بظاهر الحديث الجمهور وقال في الفتح وافتي به ابن مسعود وأبو هريرة ولا مخالف لهما في الصحابة . وقال به من التابعين ومن بعدهم لا يحصى عدده ولم يفرقوا بين أن يكون اللبن الذي احتلب قليلا كان أو كثيرا ولا بين أن يكون التمر قوت تلك البلد أم لا وخالف في أصل المسألة أكثر الحنفية وفي فروعها آخرون أما الحنفية فقالوا لا يرد بعيب التصرية ولا يجب رد الصاع من التمر وخالفهم زفر فقال بقول الجمهور إلا أنه قال مخير بين صاع من التمر أو نصف صاع من بر . وكذا قال ابن أبي ليلى وأبو يوسف في رواية إلا أ هما قالا لا يتعين صاع التمر بل قيمته . وفي رواية عن مالك وبعض الشافعية كذلك ولكن قالوا يتعين قوت البلد قياسا على كل زكاة الفطر . وحكى البغوي أنه لا خلاف في مذهب الشافعية أنهما لو تراضيا بغير التمر من قوت أو غيره كفى وأثبت ابن كج الخلاف في ذلك . وحكى الماوردي وجهين فيما إذا عجز عن التمر هل يلزمه قيمته ببلد أو بأقرب البلاد التي فيها التمر إليه وبالثاني قالت الحنابلة اه كلام الفتح : والهادوية يقولون أن الواجب رد اللبن إن كان باقيا وإن كان تالفا فمثله وإن لم يوجد المثل فالقيمة
وقد اعتذر الحنفية عن حديث المصراة بأعذار بسطها صاحب فتح الباري وسنشير إلى ما ذكره باختصار ونزيد عليه ما لا يخلو عن فائدة العذر الأول الطعن في الحديث بكون راوية أبا هريرة وقالوا لم يكن كابن مسعود وغيره من فقهاء الصحابة فلا يؤخذ بما يرويه إذا كان مخالفا للقياس الجلي وبطلان هذا العذر أوضح من أن يشتغل ببيان وجهه فإن أبا هريرة رضي الله عنه من أحفظ الصحابة وأكثرهم حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له بالحفظ كما ثبت في الصحيحين وغيرهما في قصة بسطه لردائه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن كان بهذه المنزلة لا ينكر عليه تفرده بشيء من الأحكام الشرعية . وقد اعتذر رضي الله عنه عن تفرده بكثير مما لا يشاركه فيه غيره بما ثبت عنه في الصحيح من قوله أن أصحابي من المهاجرين كان يشغلهم الصفق بالأسواق وكنت ألزم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأشهد إذا غابوا وأحفظ إذا نسوا . وأيضا لو سلم ما ادعوه من أنه ليس كغيره في الفقه لم يكن ذلك قادحا في الذي يتفرد به لأن كثيرا من الشريعة بل أكثرها وارد من غير طريق المشهورين بالفقه من الصحابة فطرح حديث أبي هريرة يستلزم طرح شطر الدين على أن أبا هريرة لم ينفرد برواية هذا الحكم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بل رواه معه ابن عمر كما أخرج ذلك من حديثه أبو داود والطبراني وأنس كما أخرجه ذلك من حديثه أو يعلى وعمرو بن عوف المزني كما أخرج ذلك عنه البيهقي ورجل من الصحابة لم يسم كما أخرجه أحمد بإسناد صحيح وابن مسعود كما أخرجه الإسماعيلي وإن كان قد خالفه الأكثر ورووه موقوفا عليه كما فعل البخاري وغيره وتبعهم المصنف ولكن مخالفة ابن مسعود للقياس الجلي مشعرة بثبوت حديث أبي هريرة . قال ابن عبد البر ونعم ما قال ان هذا الحديث مجمع على صحته وثبوته من جهة النقل واعتل من لم يأخذ به بأشياء لا حقيقة لها . العذر الثاني من أعذار الحنفية الاضطراب في متن الحديث قالوا لذكر التمر فيه تارة والقمح أخرى واللبن أخرى واعتبار الصاع تارة والمثل أو المثلين أخرى وأجيب بأن الطرق الصحيحة لا اختلاف فيها والضعيف لا يعل به الصحيح . العذر الثالث أنه معارض لعموم قوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وأجيب بأنه من ضمان المتلفات لا العقوبات ولو سلم دخوله تحت العموم فالصاع مثل لأنه عوض المتلف وجعله مخصوصا بالتمر دفا للشجار ولو سلم عدم صدق المثل عليه فعموم الآية مخصص بهذا الحديث اما على مذهب الجمهور فظاهر وأما على مذهب غيرهم فلأنه مشهور وهو صالح لتخصيص العمومات القرآنية . العذر الرابع أن الحديث منسوخ وأجيب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال ولو كفى ذلك لرد من شاء ما شاء واختلفوا في تعيين الناسخ فقال بعضهم هو حديث ابن عمر عند ابن ماجه في النهي عن بيع الدين بالدين وذلك لأن لبن المصراة قد صار ينافي ذمة المشتري فإذا ألزم بصاع من تمر صار دينا بدين كذا قال الطحاوي وتعقب بأن الحديث ضعيف باتفاق المحدثين ولو سلمت صلاحيته فكون ما نحن فيه من بيع الدين بالدين ممنوع لأنه يرد الصاع من الصراة حاضرا لا نسيئة من غير فرق بين أن يكون اللبن موجودا أو غير موجود ولو سلم أنه من بيع الدين بالدين فحديث الباب مخصص لعموم ذلك النهي لأنه أخص منه مطلقا . وقال بعضهم أن ناسخه حديث الخراج بالضمان وقد تقدم وذلك لأن اللبن فضلة من فضلات الشاة ولو تلفت لكانت من ضمان المشتري فتكون فضلاتها له وأجيب بأن المغروم هو ما كان فيها قبل البيع لا الحادث وأيضا حديث الخراج بالضمان بعد تسليم شمولة المحل النزاع عام مخصوص بحديث الباب فكيف يكون ناسخا
وايضا لم ينقل تأخره والنسخ لا يتم بدون ذلك ثم لو سلمنا مع عدم العلم بالتاريخ جواز المصير إلى التعارض وعدم لزوم بناء العام على الخاص لكان حديث الباب أرجح لكونه في الصحيحين وغيرهما ولتأيده بما ورد في معناه عن غير واحد من الصحابة . وقال بعضهم ناسخة الأحاديث الوادرة في رفع العقوبة بالمال هكذا قال عيسى بن ابان وتعقبه الطحاوي بأن التصرية إنما وجدت من البائع فلو كان من ذلك الباب لكانت العقوبة له والعقوبة في حديث المصراة للمشتري فافترقا وأيضا عموم الأحاديث القاضية بمنع العقوبة بالمال على فرض ثبوتها مخصوصة بحديث المصراة وقد قدمنا البحث في التأديب بالمال مبسوطا في كتاب الزكاة . وقال بعضهم ناسخه حديث " البيعان بالخيار ما لم يفترقا " وقد تقدم بذلك أجاب محمد بن شجاع . ووجه الدلالة أن الفرقة قاطعة للخيار من غير فرق بين المصراة وغيرها . وأجيب بأن الحنفية لا يثبتون خيار المجلس كما سلف فكيف يحتجون بالحديث المثبت له . وأيضا بعد تسليم صحة احتجاجهم به هو مخصص بحديث الباب . وأيضا قد أثبتوا خيار العيب بعد التفريق وما هو جوابهم فهو جوابنا . العذر الخامس أن الخبر من الآحاد وهي لا تفيد إلا الظن وهو لا يعلم به إذا خالف قياس الأصول وقد تقرر أن المثلى يضمن بمثله والقيمى بقيمته من أحد النقدين فكيف يضمن بالتمر على الخصوص وأجيب بأن التوقف في خبر الواحد إنما هو إذا كان مخالفا للأصول لا لقياس الأصول والأصول الكتاب والسنة والإجماع والقياس والأولان هما الأصل والآخران مردودان إليهما فكيف يرد الأصل بالفرع ولو سلم أن الآحادي يتوقف فيه على الوجه الذي زعموا فلا أقل لهذا الحديث الصحيح من صلاحيته تخصيص ذلك القياس المدعي . وقد أجيب عن هذا العذر بأجوبة غير ما ذكر ولكن أمثلها ما ذكرناه . ومن جملة ما خالف فيه هذا الحديث القياس عندهم أن الأصول تقتضي أن يكون الضمان بقدر التالف وهو مختلف وقد قد ههنا بمقدار معين وهو الصاع وأجيب بمنع التعميم في جميع المضمونات فإن الموضحة أرشها مقدار مع اختلافها بالكبر والصغر وكذلك كثير من الجنايات . والغرة مقدرة في الجنين مع اختلافه
( والحكمة ) في تقدير الضمان ههنا بمقدار واحد لقطع التشاجر لما كان قد اختلط اللبن الحادث بعد العقد باللبن الموجود قبله فلا يعرف مقداره حتى يسلم المشتري نظيره
( والحكمة ) في التقدير بالتمر أنه أقرب الأشياء إلى اللبن لأنه كان قوتهم إذ ذاك كالتمر ( ومن جملة ) ما خالف به الحديث القياس عندهم أنه جعل الخيار فيه ثلاثا مع أن خيار العيب لا يقدر بالثلاث وكذلك خيار الرؤية والمجلس وأجيب بأن حكم المصراة تفرد بأصله عن مماثلة فلا يستغرب أن ينفرد بوصف يخالف غيره وذلك لأن هذه المدة هي التي يتبين بها لبن الغرر بخلاف خيار والمجلس فلاج مدة
( ومن جملة ) ما خالف به القياس عندهم أنه يلزم من الأخذ به الجمع بين العوض والمعوض فيما إذا كان قيمة الشاة صاعا من تمر فإنها ترجع إليه مع الصاع الذي هو مقدار ثمنها وأجيب بأن التمر عوض اللبن لاعوض الشاة فلا يلزم ما ذكر
( ومن جملة ) ما خالف به القياس عندهم أنه إذا استرد مع الشاة صاعا وكان ثمن الشاة صاعا كان قد باع شاة وصاع بصاع فيلزم الربا وأجيب بأن الربا إنما يعتر في العقود لا في الفسوخ بدليل أنهما لو تبايعا ذهبا بفضة لم يجز أن يتفرقا قبل القبض ولو تقابلا في هذا العقد بعينه جاز التفرق قبل القبض . ( ومن جملة ) المخالفة أنه يلزم من الأخذ به ضمان الأعيان مع بقائها فيما إذا كان اللبن موجودا وأجيب بأنه تعذر رده لاختلاطه باللبن الحادت وتعذر تميزه فأشبه الآبق بعد الغصب فإنه يضمن قيمته مع بقاء عينة لتعذر رده ومنهما أنه يلزم من الأخذ به إثبات الرد بغير عيب ولا شرط وأجيب بأن اسباب الرد بالتدليس وقد أثبت به الشارع الرد في الركبان إذا تلقفوا كما سلف ولا يخفى على منصف أن هذه القواعد التي جعلوا هذا الحديث مخالفا لها لو سلم أنها قد قامت عليها الأدلة لم يقصر الحديث عن الصلاحية لتخصيصها فيالله العجب من قوم يبلغون في المحاماة عن مذاهب اسلافهم وإيثارها على السنة المطهرة الصريحة الصحيحة إلى هذا الحد الذي يسر به ابليس وينفق في حصول مثل هذه القضية التي قل طعمه في مثلها لا سيما من علماء الإسلام النفس والنفيس وهكذا ففلتكن ثمرات التمذهبات وتقليد الرجال في مسائل الحرام والحلال . العذر السادس أن الحديث محمول على صورة مخصوصة وهي ماذا اشترى شاة بشرط أنها تحلب مثلا خمسة ارطال وشرط فيها الخيار فالشرط فاسد فإن اتفقا على اسقاطه في مدة الخيار صح العقد وإن لم يتفقا بطل ووجب رد الصاع من التمر لأنه كان قيمة اللبن يومئذ وأجيب بأن الحديث معلق بالتصرية وما ذكروه يقتضي تعليقه بفساد الشرط سواء وجدت تصرية أم لا فهو تأويل متعسف . وأيضا لو سلم أن ما ذكروه من جملة صور الحديث فالقصر على صورة معينة هي فرد من أفراد الدليل لا بد من إقامة دليل عليه
قال في الفتح واختلف القائلون بالحديث في أشياء . منها لو كان عالما بالتصرية هل يثبت له الخيار فيه وجه للشافعية قال . ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه للشافعية قال . ومنها لو صار لبن المصراة عادة واستمر على كثرته هل له الرد فيه وجه لهم أيضا خلافا للحنابلة في المسئلتين . ومنها لو تصرت بنفسها أو صراها المالك لنفسه ثم بدا له فباعها فهل يثبت ذلك الحكم فيه خلاف فمن نظر إلى المعني لأن العيب يثبت الخيار ولا يشترط فيه تدليس ومن نظر إلى أن حكم التصرية خارج عن القياس خصه بمورده وهو حاله العمد فإن النهي إنما يتناولها فقط . ومنها لو كان الضرع مملوءا لحما فظنه المشترى لبنا فاشتراها على ذلك ثم ظهر له أنه لحم هل يثبت له الخيار فيه وجهان حكاهما بعض المالكية . ومنها لو اشترى غير مصراة ثم اطلع على عيب بها بعد حلبها فقد نص الشافعي على جواز الرد مجانا لأنه قليل غير معتني بجمعه . وقيل يرد بدل اللبن كالمصراة . وقال البغوي يرد صاعا من تمر انتهى . والظاهر عدم ثبوت الخيار مع علم المشترى بالتصرية لأنتفاء الغرر الذي هو السبب للخيار . وأما كون سبب الغرر حاصلا من جهة البائع فيمكن أن يكون معتبرا لأن حكمة صلى الله عليه وآله وسلم بثيوت الخيار بعد النهي عن التصرية مشعر بذلك وأيضا المصراة المذكورة في الحديث اسم مفعول وهو يدل على أن التصرية وقعت عليها من جهة الغير لأن اسم المفعول هو لمن وقع عليه فعل الفاعل ويمكن أن لا يكون معتبرا لأن تصري الدابة من غير قصد وكون ضرعها ممتلئا لحما يحصل به من الغرر ما يحصل بالتصرية عن قصد فينظر . قال ابن عبد البر هذا الحديث أصل في النهي عن الغش وأصل في ثبوت الخيار لمن دلس عليه بعيب . وأصل في أنه لا يفسد أصل البيع وأصل في أن مدة الخيار ثلاثة أيام . وأصل في تحريم التصرية وثبوت الخيار بها (5/275)
باب النهي عن التسعير (5/276)
1 - عن أنس قال " غلا السعر على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله لو سعرت فقال إن الله هو القابض الباسط الرازع المسعر وأني لارجو ان القي الله عز و جل ولا يطلبني أحد بمظلمة ظلمتها إياه في دم ولا مال "
- رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي (5/276)
- الحديث أخرجه أيضا الدارمي والبزار وأبو يعلى قال الحافظ وإسناده على شرط مسلم وصححه أيضا ابن حبان ( وفي الباب ) عن أبي هريرة عند أحمد وأبي داود قال " جاء رجل فقال يا رسول الله سعر فقال بل ادعو الله ثم جاء آخر فقال يا رسول الله سعر فقال بل الله يخفض ويرفع " قال الحافظ وإسناده حسن . وعن أبي سعيد عند ابن ماجه والبزار والطبراني نحو حديث أنس ورجاله رجال الصحيح وحسنه الحافظ . وعن علي عليه السلام عند البزار نحوه . وعن ابن عباس عند الطبراني في الصغير . وعن أبي جحيفة عنده في الكبير : قوله " لوسعرت " التسعير هو أن يأمر السلطان أو نوابه أو كل من ولى من أمور المسلمين أمرا أهل السوق أن لا يبيعوا أمتعتهم الا بسعر كذا فيمنع من الزيادة عليه أو النقصان لمصلحة : قوله " المسعر " فيه دليل على أن المسعر من أسماء الله تعالى وإنها لا تنحصر في التسعة والتسعين المعروفة . وقد استدل بالحديث وما ورد في معناه على تحريم التسعير وأنه مظلمة . ووجهه أن الناس مسلطون على اموالهم والتسعير حجر عليهم والإمام مأمور برعاية مصلحة المسلمين وليس نظره في مصلحة المشتري برخص الثمن أولي من نظره في مصلحة البائع بتوفير الثمن وإذا تقابل الأمران وجب تمكين الفريقين من الأجتهاد ولانفسهم وإلزام صاحب السلعة أن يبيع بما لا يرضي به مناف لقوله تعالى { الا أن تكون تجارة عن تراض } وإلى هذا ذهب جمهور العلماء وروى عن مالك أنه يجوز للإمام التسعير وأحاديث الباب ترد عليه . وظاهر الأحاديث أنه لافرق بين حالة الغلاء وحالة الرخص ولا فرق بين المجلوب وغيره وإلى ذلك مال الجمهور . وفي وجه للشافعية جواز التسعير في حالة الغلاء وهو مردود . وظاهر الأحاديث عدم الفرق بين ما كان قوتا للآدمي ولغيره من الحيوانات وبين ما كان من غير ذلك من الادامات وسائر الأمتعة وجوز جماعة من متأخري أئمة الزيدية جواز التسعير فيما عدا قوت الآدمي والبهيمة كما حكى ذلك منهم صاحب الغيث . وقال شارح الاثمار إن التسعير في غير القوتين لعله اتفاق والتخصيص يحتاج إلى دليل والمناسب الملغى لا ينتهض لتخصيص صرائح الأدلة بل لا يجوز العمل به على فرض عدم وجود دليل كما تقرر في الأصول (5/276)
باب ما جاء في الأحتكار (5/277)
1 - عن سعيد بن المسيب عن معمر بن عبد الله العدوي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يحتكر الا خاطئ وكان سعيد يحتكر الزيت "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود (5/277)
2 - وعن معقل بن يسار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة " (5/277)
3 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من احتكر حكرة يريد أن يغري بها على المسلمين فهو خاطئ "
- رواهما أحمد (5/278)
4 - وعن عمر " قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس "
- رواه ابن ماجه (5/278)
- حديث معمر أخرجه أيضا الترمذي وغيره . وحديث معقل أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وفي إسناده زيد بن مرة أبو المعلى . قال في مجمع الزائد ولم أجد من ترجمه وبقية رجاله رجال الصحيح . وحديث أبي هريرة خرجه أيضا الحاكم وزاد وقد برئت منه ذمة الله وفي إسناد حديث أبي هريرة أبو معشر وهو ضعيف وقد وثق . وحديث عمر في إسناده الهيثم بن رافع قال أبو داود روى حديثا منكرا . قال الذهبي هو الذي خرجه ابن ماجه يعني هذا وفي إسناده أيضا أبو يحيى المكي وهو مجهول ولبقية أحاديث الباب شواهد . منها حديث ابن عمر عند ابن ماجه والحاكم وإسحاق بن راهوية والدارمي وأبي يعلى والعقيلي في الضعفاء بلفظ " الجالب مرزوق والمحتكر ملعون " وضعف الحافظ إسناده . ومنها حديث آخر عند ابن عمر أيضا عند أحمد والحاكم وابن أبي شيبة والبزار وأبي يعلى بلفظ " من أحتكر الطعام أربعين ليلة فقد بريء من الله وبرئ الله منه " زاد الحاكم " وأيما أهل عرصة اصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله " وفي إسناده أصبغ بن زيد وكثير بن مرة والأول مختلف فيه والثاني قال ابن حزم إنه مجهول وقال غيره معروف ووثقه ابن سعد وروى عنه جماعة واحتج به النسائي . قال الحافظ ووهم ابن الجوزي فأخرج هذا الحديث في الموضوعات وحكى ابن أبي حاتم عن أبيه أنه منكر ولا شك أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها للاستدلال على عدم جواز الاحتكار لو فرض عدم ثبوت شيء منها في الصحيح فكيف وحديث معمر المذكور في صحيح مسلم والتصريح بأن المحتكر خاطئ كاف في إفادة عدم الجواز لأن الخاطئ المذنب العاصي وهو اسم فاعل من خطئ بكسر العين وهمز اللام خطأ بفتح العين وبكسر الفاء وسكون العين إذا أثم في فعله قال أبو عبيدة وقال سمعت الأزهري يقول خطئ إذا تعمد وأخطأ إذا لم يتعمد : قوله " بعظم " بضم العين المهملة وسكون الظاء المعجمة أي بمكان عظيم من النار : قوله " حكرة " بضم الحاء المهملة وسكون الكاف وهي حبس السلع عن البيع . وظاهر أحاديث الباب أن الاحتكار محرم من غير فرق بين قوت الآدمي والدواب وبين غير والتصريح بلفظ " الطعام " في بعض الروايات لا يصلح لتقييد بقية الروايات المطلقة بل هو من التنصيص على فرد من الأفراد التي يطلق عليها المطلق وذلك لأن نفي الحكم عن غير الطعام إنما هو لمفهوم اللقب وهو غير معمول به عند الجمهور وما كان كذلك لا يصلح للتقييد على ما تقرر في الأصول وذهبت الشافعية إلى أن المحرم إنما هو احتكار الأقوات خاصة لا غيرها ولا مقدار الكفاية منها وغلى ذلك ذهبت الهادوية
قال ابن رسلان في شرح السنن ولا خلاف في أن ما يدخره الإنسان من قوت ولا يحتاجون إليه من سمن وعسل وغير ذلك جائز لا بأس به انتهى . ويدل على ذلك ما ثبت أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يعطي كل واحدة من زوجاته مائة وسق من خيبر . قال ابن رسلان في شرح السنن وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدخر لأهله قوت سنتهم من تمر وغيره . قال أبو داود قيل لسعيد يعنس ابن المسيب فإنك تحتكر قال ومعمر كان يحتكر وكذا في صحيح مسلم . قال ابن عبد البر وآخرون إنما كانا يحتكران الزيت وحملا الحديث على احتكار القوت عند الحاجة إليه وكذلك حمله الشافعي وأبو حنيفة وآخرون . ويدل على اعتبار الحاجة وقصد إغلاء السعر على المسلمين قوله في حديث معقل " من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم " وقوله في حديث أبي هريرة " يريد أن يغلي بها على المسلمين " قال أبو داود سألت أحمد ما الحكرة قال ما فيه عيش الناس أي حياتهم وقوتهم وقال الأثرم سمعت أبا عبد الله يعني أحمد بن حنبل يسئل عن أي شيء الاحتكار فقال إذا كان من قوت الناس فهو الذي يكره وهذا قول ابن عمر . وقال الأوزاعي المحتكر من يعترض السوق أي ينصب نفسه للتردد إلى الأسواق ليشتري منها الطعام الذي يحتاجون إليه ليحتكره قال السبكي الذي ينبغي أن يقال في ذلك أنه ان منع غيره من الشراء وحصل به ضيق حرم وإن كانت الأسعار رخيصة وكان القدر الذي يشتريه لا حاجة بالناس إليه فليس لمنعه من شرائه وادخاره إلى وقت حاجة الناس إليه معنى . قال القاضي حسين والروياني وربما يكون هذا حسنه لأنه ينفع به الناس وقطع المحاملي في المقنع باستحبابه قال أصحاب الشافعي الأولى بيع الفاضل عن الكفاية قال السبكي أما إمساكه حالة استغناء أهل البلد عنه رغبة في أن يبيعه إليهم وقت حاجتهم إليه فينبغي أن لا يكره بل يستحب ( والحاصل ) إن العلة إذا كانت هي الإضرار بالمسلمين لم يحرم الاحتكار الا على وجه يضر بهم ويستوي في ذلك القوت وغيره لأنهم يتضررون بالجميع . قال الغزالي في الأحياء ما ليس بقوت وولا معين عليه فلا يتعدى النهي إليه وإن كان مطعوما وما يعين على القوت كاللحم والفواكه وما يسد مسد شيء من القوت في بعض الأحوال وإن كان لا يمكن المداومة عليه فهو في محل النظر فمن العلماء من طرد التحريم في السمن والعسل ووالشيرج والجبن والزيت وما يجري مجراه . وقال السبكي إذا كان في وقت قحط كان في إدخار العسل والسمن والشيرج وأمثالها إضرار فينبغي أن يقضي بتحريمه وإذا لم يكن إضرار فلا يخلوا احتكار الأقوات عن كراهة . وقال القاضي حسين إذا كان الناس يحتاجون الثياب ونحوها لشدة البرد أو لستر العورة فيكره لمن عنده ذلك امساكه . قال السبكي إن أراد كراهة تحريم فظاهر وان أراد كراهة تنزيه فبعيد . وحكى أبو داود عن قتادة أنه قال ليس في التمر حكرة . وحكى أيضا عن سفيان أنه سئل عن كبس القت فقال كانوا يكرهون الحكرة والكبس بفتح الكاف واسكان الموحدة والقت بفتح القاف وتشديد التاء الفوقية وهي اليابس من القضب . قال الطيبي ان التقييد بالأربعين اليوم غير مراد به التحديد انتهى . ولم أجد من ذهب إلى العمل بهذا العدد (5/278)
باب النهي عن كسر سكة المسلمين إلا من بأس (5/279)
1 - عن عبد الله بن عمرو المازني قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن تنكسر سكة المسلمين الجائزة بينهم إلا من بأس "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (5/279)
- الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وزاد " نهى ان تكسر الدراهم فتجعل فضة وتكسر الدنانير فتجعل ذهبا " وضعفه ابن حبان ولعل وجه الضعف كونه في إسناده محمد بن فضاء بفتح الفاء والضاد المعجمة الأزدي الحمصي البصري المعبر للرؤيا قال المنذري لا يحتج بحديثه : قوله " سكة " بكسر السين المهملة أي الدراهم المضروبة على السكة الحديد المنقوشة التي تطبع عليها الدراهم والدنانير . قوله " الجائزة " يعني النافقة في معاملتهم : قوله " الا من بأس " كأن تكون زيوفا وفي معنى كسر الدراهم كسر الدنانير والفلوس التي عليها سكة الإمام لا سيما إذا كان التعامل بذلك جاريا بين المسلمين كثيرا ( والحكمة ) في النهي ما في الكسر من ضرر بإضاعة المال لما يحصل من النقصان في الدراهم ونحوها إذا كسرت وأبطلت المعاملة بها . قال ابن رسلان لو ابطل السلطان المعاملة التي ضربها السلطان الذي قبله وأخرج غيرها جار كسر تلك الدراهم التي ابطلت وسبكها لإخراج الفضة التي فيها وقد يحصل في سبكها وكسرها ربح كثير لفاعله انتهى . ولا يخفى أن الشارع لم يأذن في الكسر إلا إذا كان بها بأس ومجرد الإبدال لنفع البعض ربما أفضى إلى الضرر بالكثير من الناس فالجزم بالجواز من غير تقييد بانتفاء الضرر لا ينبغي . لاقال أبو العباس بن سريج أنهم كانوا يقرضون أطراف الدراهم والدنانير بالمقرض ويخرجونهما عن السعر الذي يأخذونهما به ويجمعون من تلك القراضة شيئا كثيرا بالسبك كما هو معهود في المملكة الشامية وغيرها وهذه الفعلة هي التي نهى الله عنها قوم شعيب بقوله { ولا تبخسوا الناس أشياءهم } فقالوا انتهانا أن نفعل في اموالنا يعني الدراهم والدنانير ما نشاء من القرد ولم ينتهوا عن ذلك فأخذتهم الصيحة
( فائدة ) قال في البحر مسألة الإمام يحيى لو باع بنقد ثم حرم السلطان التعامل به قبل قبضه فوجهان يلزم ذلك النقد إذ عقد عليه . الثاني يلزم قيمته إذا صار لكساده كالعرض انتهى . قال في المنار وكذلك لو صار كذلك يعني النقد لعارض آخر وكثير ما وقع هذا في زمننا لفساد الضربة لإهمال الولاة النظر في المصالح والأظهر أن اللازم القيمة لما ذكره المصنف انتهى (5/279)
باب ما جاء في اختلاف المتبايعين (5/280)
1 - عن ابن مسعود قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا اختلف البيعان وليس بينهما بينة فالقول ما يقول صاحب السلعة أو يترادان "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي وزاد فيه ابن ماجه " والبيع قائم بعينه " وكذلك أحمد في رواية " والسلعة كما هي " وللدارقطني عن أبي وائل عن عبد الله قال " إذا اختلف البيعان والبيع مستهلك فالقول قول البائع " ورفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ولأحمد والنسائي عن أبي عبيدة " وأتاه رجلان تبايعا سلعة فقال هذا أخذت بكذا وكذا قال هذا بعت بكذا وكذا فقال أبو عبيدة أتى عبد الله في مثل هذا فقال حضرت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في مثل هذا فأمر بالبائع بأن يستحلف ثم يخير المبتاع إن شاء أخذ وإن شاء ترك " (5/280)
- الحديث روي عن عبد الله بن مسعود من طرق بألفاظ ذكر المصنف رحمه الله بعضها . وقد أخرجه أيضا الشافعي من طريق سعيد بن سالم عن ابن جريج عن إسماعيل بن أمية عن عبد الملك بن عمير عن أبي عبيدة عن أبيه عبد الله بن مسعود قد اختلف فيه على اسمعيل بن أميه ثم على ابن جريج . لقد اختلف في صحة سماع أبي عبيدة من أبيه . ورواه من طريق أبي عبيدة أحمد والنسائي والدارقطني وقد صححه الحاكم وابن السكن . ورواه أيضا الشافعي من طريق سفيان بن عجلان عن عون بن عبد الله بن عتبة عن ابن مسعود وفيه ايضا انقطاع لأن عونا لم يدرك ابن مسعود . ورواه الدارقطني من طريق القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن جده : وفيه اسمعيل بن عياش عن موسى بن عقبة . ورواه أبو داود من طريق عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده عن ابن مسعود . وأخرجه أيضا من طريق محمد بن أبي ليلى عن القاسم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن مسعود عن أبيه عن ابن مسعود ومحمد بن أبي ليلى لا يحتج به وعبد الرحمن لم يسمع من أبيه . ورواه ابن ماجه والترمذي من طريق عون بن عبد الله ايضا عن ابن مسعود وقد سبق أنه منقطع . قال البيهقي وأصح إسناد روي في هذا الباب رواية أبي العميس عن عبد الرحمن بن قيس بن محمد بن الأشعث بن قيس عن أبيه عن جده ورواه أيضا الدارقطني من طريق القاسم ابن عبد الرحمن : قال الحافظ ورجاله ثقات إلا أن عبد الرحمن اختلف في سماعه من أبيه . ورواية التراد زواها أيضا مالك بلاغا والترمذي وابن ماجه بإسناد منقطع ورواه أيضا الطبراني بلفظ " البيعان إذا اختلفا في البيع ترادا " قال الحافظ رواته ثقات لكن اختلف في عبد الرحمن بن صالح يعني الراوي له عن فضيل بن عياض عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن ابن مسعود قال وما أظنه حفظه فقد حزم الشافعي أن طرق هذا الحديث عن ابن مسعود ليس فيها شيء موصول . ورواه أيضا النسائي والبيهقي والحاكم من طريق عبد الرحمن بن قيس بالإسناد الذي رواه عنه أبو داود كما سلف وصححه من هذا الوجه الحاكم وحسنه البيهقي ورواه عبد الله بن أحمد في زيادات المسند من طريق القاسم بن عبد الرحمن عن جده بلفظ " إذا اختلف المتبايعان والسلعة قائمة ولا بينة لأحدهما تحالفا " ورواه من هذا الوجه الطبراني والدارمي وقد انفرد بقوله " والسلعة قائمة " محمد بن أبي ليلى ولا يحتج به كما عرفت لسوء حفظه . قال الخطابي إن هذه اللفظة يعني والسلعة قائمة لا تصح من طريق النقل مع احتمال أن يكون ذكرها من التغليب لأن أكثر ما يعرض النزاع حال قيام السلعة كقوله تعالى { في حجوركم } ولم يفرق أكثر الفقهاء في البيوع الفاسدة بين القائم والتالف انتهى
وأبو وائل الراوي لقوله والبيع مستهلك كما في حديث الباب هو عبد الله بن بحير شيخ عبد الرزاق الصنعاني القاص وثقه ابن معين وقال ابن حبان يروى العجائب التي كأنها معمولة لا يحتج به وليس هذا المذكور عبد الله بن بحير ابن ريشان فإنه ثقة وعلى هذا فلا يقبل ما تفرد به أبو وائل المذكور . وأما قوله فيه تحالفا فقال الحافظ لم يقع عند أحد منهم وإنما عندهم والقول قول البائع أو يتراد ان البيع انتهى . قال ابن عبد البر أن هذا الحديث منقطع إلا أنه مشهور الأصل عند جماعة تلقوه بالقبول وبنوا عليه كثيرا من فروعه وأعله ابن حزم بالإنقطاع وتابعه عبد الحق وأعله هو وابن القطان بالجهالة في عبد الرحمن وأبيه وجده . وقال الخطابي هذا حديث قد اصطلح الفقهاء على قبوله وذلك يدل على أن له أصلا وإن كان في إسناده مقال كما اصطلحوا على قبول لا وصية لوارث وإسناده فيه ما فيه انتهى . قوله " البيعان " أي البائع والمشتري كما تقدم في الخيار ولم يذكر الأمر الذي فيه الاختلاف وحذف المتعلق مشعر بالتعميم في مثل هذا المقام على ما تقرر في علم المعاني فيعم الأختلاف في المبيع والثمن وفي كل أمر فرجع إليهما وفي سائر الشروط المعتبرة والتصريح بالأختلاف في الثمن في بعض الروايات كما وقع في الباب لا ينافي هذا العموم المستفاد من الحذف . قوله " صاحب السلعة " هو البائع كما وقع التصريح به في سائر الروايات فلا وجه لما روى عن البعض إن رب السلعة في الحال هو المشتري . وقد استدل بالحديث من قال إن القول : قول البائع إذا وقع الأختلاف بينه وبين المشتري في أمر من الأمور المتعلقة بالعقد ولكن مع يمينه كما وقع في الرواية الآخرة وهذا إذا لم يقع التراضي على التراد فإن تراضيا على ذلك جاز بلا خلاف فلا يكون لهما خلاص عن النزاع إلا التفاسخ أو حلف البائع والظاهر عدم الفرق بين بقاء المبيع وتلفه لما عرفت من عدم انتهاض الرواية المصرح فيها باشتراط بقاء المبيع للاحتجاج والتراد مع التلف ممكن بأن يرجع كل واحد منهما بمثل المثلى وقيمة القيمي إذا تقرر لك ما يدل عليه هذا الحديث من كون القول قول البائع من غير فرق فاعلم أنه لم يذهب إلى العمل به في جميع صور الأختلاف أحد فيما أعلم بل اختلفوا في ذلك اختلافا طويلا على حسب ما هو مبسوط في الفروع ووقع الأتفاق في بعض الصور والأختلاف في بعض وسبب الاختلاف في ذلك ما سيأتي من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " لأنه يدل بعمومه على ان اليمين على المدعى عليه والبينة على المدعي من غير فرق بين أن يكون أحدهما بائعا والآخر مشتريا أولا
وحديث الباب يدل على أن القول قول البائع مع يمينه والبينة على المشتري من غير فرق بين أن يكون البائع مدعيا أو مدعى عليه فبين الحديثين عموم وخصوص من وجه فيتعارضان باعتبار مادة الأتفاق وهي حيث يكون البائع مدعيا فينبغي أن يرجع في الترجيح إلى الأمور الخارجية وحديث أن اليمين على المدعى عليه عزاه المصنف في كتاب الأقضية إلى أحمد ومسلم وهو أيضا في صحيح البخاري في الرهن وفي باب اليمين على المدعى عليه وفي تفسير آل عمران . وأخرجه الطبراني بلفظ " البينة على المدعي واليمين على المدعى عليه " وأخرجه الإسماعيلي بلفظ " ولكن البينة على الطالب واليمين على المطلوب " وأخرجه البيهقي بلفظ " لو يعطى الناس بدعواهم لا دعى رجال أموال قوم ودماءهم ولكن البينة على المدعي واليمين على من أنكر " وهذه الألفاظ كلها في حديث ابن عباس ممن رام الترجيح بين الحديثين لم يصعب عليه ذلك بعد هذا البيان ومن أمكنة الجمع بوجه مقبول فهو المتعين (5/280)
كتاب السلم (5/281)
1 - عن ابن عباس " قال قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنة والسنتين فقال من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم "
- رواه الجماعة وهو حجة في السلم في منقطع الجنس حالة العقد (5/281)
- قوله " كتاب السلم " هو بفتح السين المهملة واللام كالسلف . وزنا ومعنى وحكى في الفتح عن الماوردي أن السلف لغة أهل العراق والسلم لغة أهل الحجاز وقيل السلف تقديم رأس المال والسلم تسليمه في المجلس فالسلف أعم . قال في الفتح والسلم شرعا بيع موصوف في الذمة وزيد في الحد ببدل يعطى عاجلا وفيه نظر لأنه ليس داخلا في حقيقته . قال واتفق العلماء على مشروعيته إلا ما حكى عن ابن المسيب واختلفوا في بعض شروطه واتفقوا على أنه يشترط له ما يشترط للبيع وعلى تسليم رأس المال في المجلس واختلفوا هل هو عقد غرر جوز للحاجة أم لا اه قوله " يسلفون " بضم أوله قوله " السنة والسنتين " في رواية للبخاري عامين أو ثلاثة " والسنة " بالنصب على الظرفية أو على المصدر وكذلك لفظ سنتين وعامين " قوله " في كيل معلوم " احترز بالكيل عن السلم في الأعيان وبقوله معلوم عن المجهول من المكيل والموزون وقد كانوا في المدينة حين قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسلمون في ثمار نخيل بأعيانها فنهاهم عن ذلك لما فيه من الغرر إذا قد تصاب تلك النخيل بعاهة فلا تثمر شيئا قال الحافظ واشتراط تعيين الكيل فيما يسلم فيه من المكيل متفق عليه من أجل اختلاف المكاييل الا أن يكون في البلد سوى كيل واحد فإنه ينصرف إليه عند الإطلاق : قوله " إلى اجل معلوم " فيه دليل على اعتبار الأجل في السلم وإليه ذهب الجمهور وقالوا لا يجوز السلم حالا وقالت الشافعية يجوز قالوا لأنه إذا جاز مؤجلا مع الغرر فجوازه حالا أولى وليس ذكر الأجل في الحديث لأجل الأشتراط بل معناه إن كان لأجل فليكن معلوما وتعقب بالكتابة فإن التأجيل شرط فيها . وأجيب بالفرق لأن الأجل في الكتابة شرع لعدم قدرة العبد غالبا واستدل الجمهور على اعتبار التأجيل بما أخرجه الشافعي والحاكم وصححه عن ابن عباس أنه قال أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه ثم قرأ { يا أيها الذين آمنوا إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } ويجاب بأن هذا يدل على جواز السلم إلى أجل ولا يدل على أنه لا يجوز إلا مؤجلا وبما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن عباس أنه قال " لاتسلف إلى العطاء ولا إلى الحصاد واضرب أجلا " ويجاب بأن هذا ليس بحجة لأنه موقوف عليه . وكذلك يجاب عن قول أبي سعيد الذي علقه البخاري ووصله عبد الرزاق بلفظ " السلم بما يقوم به السعر ربا ولكن السلف في كيل معلوم إلى أجل " وقد اختلف الجمهور في مقدار الأجل فقال أبو حنيفة لا فرق بين الأجل القريب والبعيد وقال أصحاب مالك لا بد من أجل تتغير فيه الأسواق واقله عندهم ثلاثة أيام وكذا عند الهادوية وعند ابن القاسم خمسة عشر يوما وأجاز مالك السلم إلى العطاء والحصاد ومقدم الحاج ووافقه أبو ثور واختار ابن خزيمة تأقيته إلى الميسرة واحتج بحديث عائشة إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " بعث إلى يهودي أبعث إلى ثوبين إلى الميسرة " وأخرجه النسائي وطعن ابن المنذر في صحته وليس في ذلك دليل على المطلوب لأن التنصيص على نوع من أنواع الأجل لا ينفي غيره . وقال المنصور بالله أقله أربعون يوما وقال الناصر أقله ساعة والحق ما ذهبت إليه الشافعية من عدم اعتبار الأجل لعدم ورود دليل يدل عليه فلا يلزم التعبد بحكم بدون دليل . وأما ما يقال من أنه يلزم مع عدم الأجل أن يكون بيعا للمعدوم ولم يرخص فيه إلا في السلم ولا فارق بينه وبين البيع إلا الأجل فيجاب عنه بأن الصيغة فارقة وذلك كاف ( واعلم ) أن للسلم شروطا غير ما اشتمل عليه الحديث مبسوطة في كتب الفقه ولا حاجة لنا في التعرض لما لا دليل عليه الا أنه وقع الإجماع على اشتراط معرفة صفة الشيء المسلم فيه على وجه يتميز بتلك المعرفة عن غيره (5/281)
2 - وعن عبد الرحمن بن أبزي وعبد الله بن أبي أوفى قالا " كنا نصيب المغانم مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكان يأتينا انباط من انباط الشام فنسلفهم في الحنطة والزيت إلى أجل مسمى قيل أكان لهم زرع أو لم يكن قالا ما كنا نسألهم عن ذلك "
- رواه أحمد والبخاري . وفي رواية " كنا نسلف على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأي بكر وعمر في الحنطة والشعير والزيت والتمر ومانراه عندهم "
- رواه الخمسة إلا الترمذي (5/282)
3 - وعن أبي سعيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره "
- رواه أبو داود وابن ماجه (5/282)
4 - وعن ابن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من اسلف شيئا وفا يشرط على صاحبه غير قضائه "
- وفي لفظ " من أسلف في شيء فلا يأخذ إلا ما أسلف فيه أو رأس ماله " رواهما الدارقطني دليل امتناع الرهن والضمين فيه والثاني بمنع الاقالة في البعض (5/282)
- حديث أبي سعيد في إسناده عطية بن سعد العوفي قال المنذري لا يحتج بحديثه قوله " بن أبزي " بالموحدة الزاي على وزن علي وزن أعلى وهو الخزاعي أحد صغار الصحابة ولأبيه أبزي صحبة . قوله " انباط " جمع نبيط وهم قوم معروفون كانوا ينزلون بالبطائح من العراقين قاله الجوهي وأصلهم قوم من العرب دخلوا في العجم واختلطت أنسابهم وفسدت السنتهم ويقال لهم النبط بفتحتين والنبيط بفتح أوله وكسر ثانيه وزيادة تحتانية وإنما سموا بذلك لمعرفتهم بانباط الماء أي استخراجه لكثرة معالجتهم الفلاحة وقيل هم نصارى الشام وهم عرب دخلوا في الروم ونزلوا بوادي الشام ويدل على هذا قوله من انباط الشام . وقيل هم طائفتان طائفة اختلطت العجم ونزلوا البطائح وطائفة اختلطت بالروم ونزلوا الشام : قوله فنسلفهم بضم النون واسكان السين المهملة وتخفيف اللام من الاسلاف وقد تشدد اللام مع فتح السين من التسليف : قوله " ما كنا نسألهم عن ذلك " فيه دليل على أنه لا يشترط في المسلم فيه أن يكون عند المسلم إليه وذلك مستفاد من تقريره صلى الله عليه وآله وسلم لهم مع ترك الاستفصال . قال ابن رسلان وأما المعدوم عند المسلم إليه وهو موجود عند غيره فلا خلاف في جوازه . قوله " ومانراه عندهم " لفظ أبي داود الي قوم ما هو عندهم أي ليس عندهم أصل من الأصول الحنطة والشعير والتمر والزبيب . وقد اختلف العلماء في جواز السلم فيما ليس بموجود في وقت السلم إذا امكن وجوده في وقت حلول الأجل فذهب إلى جوازه الجمهور قالوا ولا يضر انقطاعه قبل الحلول . وقال أبوحنيفة لا يصح فيما ينقطع قبله بل لا بد أن يكون موجودا من العقد إلى المحل ووافقه الثوري والأوزاعي فلو أسلم في شيء فانقطع في محله لم ينفسخ عند الجمهور وفي وجه للشافعية ينفسخ . واستدل أبو حنيفة ومن معه بما أخرجه أبو داود عن ابن عمر " أن رجلا أسلف رجلا في نخل فلم يخرج تلك السنة شيئا فاختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال بم نستحل ماله اردد عليه ماله ثم قال لا تسلفوا في النخل حتى يبدو صلاحه " وهذا نص في التمر وغيره قياس عليه ولو صح هذا الحديث لكان المصير إليه أولى لأنه صريح في الدلالة على المطلوب بخلاف حديث عبد الرحمن بن أبزي وعبد الله بن أبي أوفى فليس فيه الا مظنة التقرير منه صلى الله عليه وآله وسلم مع ملاحظة تنزيل ترك الاستفصال منزلة العموم ولكن حديث ابن عمر هذا في إسناده رجل مجهول فإن أبا داود رواه عن محمد بن كثير عن سفيان عن أبي إسحاق عن رجل نجراني عن ابن عمر ومثل هذا لا تقوم به حجة . ( قال القائلون ) بالجواز ولو صح هذا الحديث لحمل على بيع الأعيان أو على السلم الحال عند من يقول به أو على ما قرب أجله قالوا ومما يدل على الجواز ماتقدم من أنهم كانوا يسلفون في الثمار السنتين والثلاث ومن المعلوم إن الثمار لا تبقى هذه المدة ولو اشترط الوجود لم يصح السلم في الرطب إلى هذه المدة وهذا أولى ما يتمسك به في الجواز . قوله " فلا يصرفه إلى غيره " الظاهر أن الضمير راجع إلى المسلم فيه لا إلى ثمنه الذي هو رأس المال والمعنى أنه لا يحل جعل المسلم فيه ثمنا لشيء قبل قبضه ولا يجوز بيعه قبل القبض أي لا يصرفه إلى شيء غير عقد السلم . وقيل الضمير راجع إلى رأس مال السلم . وعلى ذلك حمله ابن رسلان في شرح السنن وغيره أي ليس له صرف رأس المال في عوض آخر كأن يجعله ثمنا لشيء آخر فلا يجوز له ذلك حتى يقبضه وإلى ذلك ذهب مالك وأبو حنيفة والهادي والمؤيد بالله . وقال الشافعي وزفر يجوز ذلك لأنه عوض من مستقر في الذمة فجاز كما لو كان قرضا ولانه مال عاد إليه بفسخ العقد على فرض تعذر المسلم فيه فجاز أخذ العوض عنه كالثمن في المبيع إذا فسخ العقد قوله " فلا يشرط على صاحبه غير قضائه " فيه دليل على أنه لا يجوز شيء من الشروط في عقد السلم غير القضاء واستدل به المصنف على امتناع الرهن وقد روى عن سعيد بن جبير أن الرهن في السلم هو الربا المضمون : وقد روى نحو ذلك عن ابن عمر والأوزاعي والحسن وهو إحدى الروايتين عن أحمد ورخص فيه الباقون واستدلوا بما في الصحيح من حديث عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى طعاما من يهودي نسيئة ورهنه درعا من حديد " وقد ترحم عليه البخاري باب الرهن في السلم وترجم عليه أيضا في كتاب السلم باب الكفيل في السلم واعترض عليه الإسماعيلي بأنه ليس في الحديث ماترجم به ولعله أراد الحاق الكفيل بالرهن لأنه حق ثبت الرهن به فجاز أخذ الكفيل به والخلاف في الكفيل كالخلاف في الرهن : قوله " فلا يأخذ إلا ما سلف فيه " الخ فيه دليل لمن قال أنه لا يجوز صرف رأس المال إلى شيء آخر وقد تقدم الخلاف في ذلك (5/283)
كتاب القرض (5/283)
باب فضيلته (5/283)
1 - عن ابن مسعود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما من مسلم يقرض مسلما قرضا مرتين الا كان كصدقتها مرة "
- رواه ابن ماجه (5/284)
- الحديث في إسناده سليمان بن بشير وهو متروك قال الدارقطني والصواب أنه موقوف على ابن مسعود وفي الباب عن أنس عند ابن ماجه مرفوعا " الصدقة بعشرة أمثالها والقرض بثمانية عشر " وفي إسناده خالد بن يزيد بن عبد الرحمن الشامي قال النسائي ليس بثقة . وعن أبي هريرة عند مسلم مرفوعا " من نفس عن أخيه كربة من كرب الدينا نفس الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ما كان في عون أخيه " وفي فضيلة القرض أحاديث وعمومات الأدلة القرآنية والحديثية القاضية بفضل المعاونة وقضاء حاجة المسلم وتفريج كربته وسد فاقته شاملة له ولاخلاف بين المسلمين في مشروعيته . قال ابن رسلان ولاخلاف في جواز سؤاله عند الحاجة ولانقص على طالبه ولو كان فيه شيء من ذلك لما استسلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال في البحر وموقعه أعظم من الصدقة إذ لا يفترض إلا محتاج اه . ويدل على هذا حديث أنس المذكور وفي حديث الباب دليل على أن قرض الشيء مرتين يقوم مقام التصدق به مرة (5/284)
باب استقراض الحيوان والقضاء من الجنس فيه وفي غيره (5/284)
1 - عن أبي هريرة قال " ما استقرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سنا فأعطى سنا خيرا من سنه وقال خياركم أحاسنكم قضاء "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (5/285)
2 - وعن أبي رافع قال " استلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا فجاءته إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره فقلت إني لم أجد في الأبل إلا جملا خيارا رباعيا فقال أعطه أياه فأن من خير الناس أحسنهم قضاء "
- رواه الجماعة إلا البخاري (5/285)
3 - وعن أبي سيعد قال " جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتقاضاه دينا كان عليه فأرسل إلى خولة بنت قيس فقال لها إن كان عندك تمر فأقرضينا حتى يأتينا تمر فنقضيك "
- مختصر لابن ماجه (5/285)
- حديث أبي هريرة هو في الصحيحين بلفظ " كان لرجل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حق فأغلظ له فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا فقال لهم اشتروا له سنا فأعطوه أياه فقالوا إنا لانجد إلا سنا هو خير سنه قال فاشتروه واعطوه أياه فإن من خيركم أو أخيركم أحسنكم قضاء " وسيأتي ( وفي الباب ) عن العرباض بن سارية عند النسائي والبزار قال " بعث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا وأتيته أتقاضاه فقلت أقضي ثمن بكري فقال لا أقضيك إلا نجيبة فدعاني فأحسن قضائي ثم جاء أعرابي فقال أقض بكرى فقضاه بعيرا " وحديث أبي سعيد في إسناده عند ابن ماجه ابن أبي عبيده عن أبيه وهما ثقتان وبقية إسناده ثقات : قوله " أحاسنكم قضاء " جمع أحسن . ورواية الصحيحين " أحسنكم " كما سلف وهو الفصيح . ووقع في رواية لأبي داود محاسنكم بالميم كمطلع ومطالع : قوله " بكرا " بفتح الباء الموحدة وهو الفتى من الأبل . قال الخطابي هو من الأبل بمنزلة الغلام من الذكور والقلوص بمنزلة الجارية من الإناث : قوله " رباعيا " بفتح الراء وتخفيف الموحدة وهوالذي استكمل ست سنين ودخل في السابعة ( وفي الحديثين ) دليل على جواز الزيادة على مقدار القرض من المستقرض وسيأتي الكلام على ذلك . قال الخطابي وفي حديث أبي رافع من الفقه جواز تقديم الصدقة قبل محلها وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا تحل له الصدقة فلا يجوز أن يقضي من إبل الصدقة شيئا كان استسلفه لنفسه فدل على أنه استسلفه لأهل الصدقة من أرباب المال وهذا استدلال الشافعي ( وقد اختلف ) العلماء في جواز تقديم الصدقة عن محل وقتها فأجازه الأوزاعي وأبو حنيفة وأصحابه وابن حنبل وابن راهويه . وقال الشافعي يجوز أن يعجل الصدقة سنة واحدة وقال الشافعي لا يجوز أن يخرجها قبل حلول الحول وكرهه سفيان النوري وقد تقدم في الزكاة ذكر ما يدل على الجواز ( وفي الحديثين ) أيضا جواز قرض الحيوان وهو مذهب الجمهور ومنع ذلك الكوفيون والهادوية قالوا لأنه نوع من البيع مخصوص وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن بيع الحيوان كما سلف . ويجاب بأن الاحاديث متعارضة في المنع من بيع الحيوان بالحيوان والجواز وعلى تسليم أن المنع هو الراجح فحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض بن سارية مخصصة لعموم النهي ( وأما الاستدلال ) على المنع بأن الحيوان مما يعظم فيه التفاوت فممنوع وقد استثنى مالك والشافعي وجماعة من العلماء قرض الولائد فقالوا لا يجوز لأنه يؤدي إلى عارية الفرج وأجاز ذلك مطلقا داود والطبري والمزني ومحمد بن داود وبعض الخراسانيين وأجازه بعض المالكية بشرط أن يرد غيره ما استقرضه . وأجازه بعض أصحاب الشافعي وبعض المالكية فيمن يحرم وطؤه على المستقرض وقد حكى إمام الحرمين عن السلف والغزالي عن الصحابة النهي عن قرض الولائد . وقال ابن حزم ما نعلم في هذا أصلا من كتاب ولا رواية صحيحة ولا سقيمة ولا من قول صاحب ولا إجماع ولا قياس اه وحديث أبي سعيد المذكور فيه دليل على أنه يجوز لمن عليه دين أن يقضيه بدين آخر ولا خلاف في جواز ذلك فيما أعلم (5/286)
باب جواز الزيادة عند الوفاء والنهي عنها قبله (5/286)
1 - عن أبي هريرة قال " كان لرجل على النبي صلى الله عليه وآله وسلم سن من الإبل فجاء يتقاضاه فقال اعطوه فطلبوا سنه فلم يجدوا إلا سنا فوقها فقال أعطوه فقال أوفيتني أوفاك الله فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إن خيركم أحسنكم قضاء " (5/286)
2 - وعن جابر قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان لي عليه دين فقضاني وزادني "
- متفق عليه (5/287)
3 - وعن أنس " وسئل الرجل منا يقرض أخاه المال فيهدي إليه فقال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أقرض أحدكم قرضا فاهدي إليه أو حمله على الدابة فلا يركبها ولا يقبله الا أن يكون جرى بينه وبينه قبل ذلك "
- رواه ابن ماجه (5/287)
4 - وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أقرض فلا يأخذ هدية "
- رواه البخاري في تاريخه (5/287)
5 - وعن بن أبي موسى قال " قدمت المدينة فلقيت عبد الله ابن سلام فقال لي إنك بأرض فيها الربا فاش فإذا كان لك على رجل حق فأهدي إليك حمل تبن أو حمل شعير أو حمل قت فلا تأخذه فإنه ربا "
- رواه البخاري في صحيحه (5/288)
- حديث أنس في إسناده يحيى بن أبي إسحاق الهنائي وهو مجهول وفي إسناده أيضا عتبة بن حميد الضبي وقد ضعفه أحمد والراوي عنه إسماعيل بن عياش وهو ضعيف قوله " سن " أي جمل هل سن معين وفي حديث أبي هريرة دليل على جواز المطالبة بالدين إذا حل أجله وفيه أيضا دليل على حسن خلق النبي صلى الله عليه وآله وسلم وتواضعه وانصافه . وقد وقع في بعض ألفاظ الصحيح " أن الرجل أغلظ على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فهم به أصحابه فقال دعوه فإن لصاحب الحق مقالا " كما تقدم وفيه دليل على جواز قرض الحيوان وقد تقدم الخلاف في ذلك . وفيه جواز رد ما هو أفضل من المثل المقترض إذا لم تقع شرطية ذلك في العقد وبه قال الجمهور وعن المالكية إن كانت الزيادة بالعدد لم يجز وإن كانت بالوصف جازت وبرد عليهم حديث جابر المذكور في الباب فإنه صرح بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زاده والظاهر أن الزيادة كانت في العدد وقد ثبت في رواية للبخاري إن الزيادة كانت قيراطا وأما إذا كانت الزيادة مشروطة في العقد فتحرم اتفاقا ولا يلزم من جواز الزيادة في القضاء على مقدار الدين جواز الهدية ونحوها قبل القضاء لأنها بمنزلة الرشولة فلا تحل كم يدل على ذلك حديثا أنس المذكوران في الباب وأثر عبد الله بن سلام ( والحاصل ) أن الهدية والعارية ونحوهما إذا كانت لأجل التنقيس في أجل الدين أو لأجل رشوة صاحب الدين أو لأجل أن يكون لصاحب الدين منفعة في مقابل دينه فذلك محرم لأنه نوع من الربا أو رشوة وإن كان ذلك لأجل عادة جارية بين المقرض والمستقرض قبل التداين فلا بأس وإن لم يكن ذلك لغرض أصلا فالظاهر المنع لإطلاق النهي عن ذلك وأما الزيادة على مقدار الدين عند القضاء بغير شرط ولا اضمار فالظاهر الجواز من غير فرق بين الزيادة في الصفة والمقدار والقليل والكثير لحديث أبي هريرة وأبي رافع والعرباض وجابر بل مستحب . قال المحاملي وغيره من الشافعية يستحب للمستقرض أن يرد أجود مما أخذ للحديث الصحيح في ذلك يعين قوله " إن خيركم أحسنكم قضاء " ومما يدل على عدم حل القرض الذي يجر إلى المقرض نفعا ما أخرجه البيهقي في المعرفة عن فضالة بن عبيد موقوفا بلفظ " كل قرض جر منفعة فهو وجه من وجوه الربا " ورواه في السنن الكبرى عن ابن مسعود وأبي بن كعب وعبد الله بن سلام وابن عباس موقوفا عليهم . ورواه الحرث بن أبي أسامة من حديث علي عليه السلام بلفظ " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن قرض جر منفعة " وفي رواية " كل قرض حر منفعة فهو ربا " وفي إسناده سوار بن مصعب وهو متروك قال عمر بن زيد في المغنى لم يصح فيه شيء ووهم إمام الحرمين والغزالي فقالا أنه صح ولاخبرة لهما بهذا الفن وأما إذا قضى المقترض المقرض دون حقه وحلله من البقية كان ذلك جائزا وقد استدل البخاري على جواز ذلك بحديث جابر في دين أبيه وفيه " فسألهم أن يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي " وفي رواية للبخاري أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل له غريمه في ذلك " قال ابن بطال لا يجوز أن يقضي دون الحق بغير محاللة ولو حلله من جميع الدين جاز عند العلماء فكذلك إذا حلله من بعضه اه قوله " أوحمل قت " بفتح القاف وتشديد التاء المثناة وهو الجاف من النبات المعروف بالفصفصة بكسر الفاءين وأهمال الصادين فما دام رطبا فهو الفصفصة فإذا جف فهو القت والفصفصة هي القضب المعروف وسمي بذلك لانه يجز ويقطع والقت كلمة فارسية عربت فإذا الفصفصة كبست وضم بعضها على بعض إلى أن تجف وتباع لعلف الدواب كما في بلاد مصر ونواحيها (5/288)
كتاب الرهن (5/288)
1 - عن أنس قال " رهن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم درعا عند يهودي بالمدينة وأخذ منه شعيرا لأهله "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي وابن ماجه (5/289)
2 - وعن عائشة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اشترى طعاما من يهودي إلى أجل ورهنه درعا من حديد " وفي لفظ " توفي ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين صاعا من شعير "
- أخرجاهما . ولأحمد والنسائي وابن ماجه مثله من حديث ابن عباس وفيه من الفقه جواز الرهن في الحضر ومعاملة أهل الذمة (5/289)
- حديث ابن عباس أخرجه ايضا الترمذي وصححه . وقال صاحب الاقتراح هو على شرط البخاري : قوله " رهن " الرهن بفتح أوله وسكون الهاء في اللغة الأحتباس من قولهم رهن الشيء إذا دام وثبت ومنه { كل نفس بما كسبت رهينة } وفي الشرع جعل مال وثيقة على دين ويطلق أيضا على العين المرهونة تسمية للمفعول به باسم المصدر . وأما الرهن بضمتين فالجمع ويجمع أيضا على رهان بكسر الراء ككتب وكتاب وقرئ بهما . قوله " عند يهودي " هو أبو الشحم كما بينه الشافعي والبيهقي من طريق جعفر بن محمد عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رهن درعا له عند أبي الشحم اليهودي رجل من بني ظفر في شعير " اه وأبو الشحم بفتح المعجمة وسكون المهملة كنيته وظفر بفتح الظاء والفاء بطن من الأوس وكان حليفا لهم وضبطه بعض المتأخرين بهمزة ممدودة وموحدة مكسورة اسم فاعل من الأباء وكأنه التبس عليه بأبي اللحم الصحابي : قوله " بثلاثين صاعا من شعير " في رواية الترمذي والنسائي من هذا الوجه بعشرين ولعله صلى الله عليه وآله وسلم رهنه أول الأمر في عشرين ثم استزاده عشرة فرواه الراوي تارة على ما كان الرهن عليه أولا وتارة على ما كان عليه آخرا . وقال في الفتح لعله كان دون الثلاثين فجبر الكسر تارة والغى الجبر أخرى : ووقع لابن حبان عن أنس أن قيمة الطعام كانت دينارا وزاد أحمد في رواية فما وجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ما يفتكها به حتى مات ( والأحاديث ) المذكورة فيها دليل على مشروعية الرهن وهو مجمع على جوازه وفيها أيضا دليل على صحة الرهن في الحضر وهو قول الجمهور والتقييد بالسفر في الآية خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له لدلالة الأحاديث على مشروعيته في الحضر وأيضا السفر مظنة فقد الكاتب فلا يحتاج إلى الرهن غالبا الا فيه . وخالف مجاهد والضحاك فقالا لا يشرع الا في السفر حيث لا يوجد الكاتب وبه قال داود وأهل الظاهر والأحاديث ترد عليهم وقال ابن حزم إن شرط المرتهن الرهن في الحضر لم يكن له ذلك وإن تبرع به الراهن جاز وحمل أحاديث الباب على ذلك وفيها أيضا دليل على جواز معاملة الكفار فيما لم يتحقق تحريم العين المتعامل فيها وجواز رهن السلاح عند أهل الذمة لا عند أهل الحرب بالأتفاق وجواز الشراء بالثمن المؤجل وقد تقدم تحقيق ذلك . قال العلماء والحكمة في عدوله صلى الله عليه وآله وسلم عن معاملة سير الصحابة إلى معاملة اليهود إما بيان الجواز أو لانهم لم يكن عندهم إذ ذاك طعام فاضل عن حاجتهم أو خشي أنهم لا يأخذون منه ثمنا أو عوضا فلم يرد التضييق عليهم (5/289)
3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه كان يقول الظهر يركب بنفقته إذا كان مرهونا ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا وعلى الذي يركب ويشرب النفقة "
- رواه الجماعة إلا مسلما والنسائي . وفي لفظ " إذا كانت الدابة مرهونة فعلى المرتهن علفها ولبن الدر يشرب وعلى الذي يشرب نفقته " رواه أحمد (5/290)
- الحديث له ألفاظ منا ما ذكره المصنف . ومنها بلفظ " الرهن مركوب ومحلوب " رواه الدارقطني والحاكم وصححه من طريق الأعمش عن أبي صالح عن أبي هريرة مرفوعا . قال الحاكم لم يخرجاه لأن سفيان وغيره وقفوه على الأعمش وقد ذكر الدارقطني الاختلاف فيه على الأعمش وغيره ورجح الموقوف وبه جزم الترمذي وقال ابن أبي حاتم قال أبي رفعة يعني أبا معاوية مرة ثم ترك الرفع بعد روجح البيهقي أيضا الوقف : قوله " الظهر " أي ظهر الدابة . قوله " يركب " بضم أوله على البناء للمجهول لجميع الرواة كما قال الحافظ وكذلك يشرب وهو خبر في معنى الأمر كقوله تعالى { والولدات يرضعن } وقد قيل إن فاعل الركوب والشرب لم يتعين فيكون الحديث مجملا وأجيب بأنه لا إجمال بل المراد المرتهن بقرينة إن انتفاع الراهن بالعين المرهونة لأجل كونه مالكا والمراد هنا الانتفاع في مقابلة النفقة وذلك يختص بالمرتهن كما وقع التصريح بذلك في الرواية الأخرى . ويؤيده ما وقع عند حماد بن سلمة في جامعه بلفظ " إذا أرتهن شاة شرب المرتهن من لبنها بقدر علفها فإن استفصل من اللبن بعد ثمن العلف فهو ربا " ففيه دليل على أنه يجوز للمرتهن الأنتفاع بالرهن إذا قام بما يحتاج إليه ولو لم يأذن المالك وبه قال أحمد وإسحاق والليث والحسن وغيرهم وقال الشافعي وأبو حنيفة ومالك وجمهور العلماء لا ينتفع المرتهن من الرهن بشيء بل الفوائد للراهن والمؤن عليه قالوا والحديث رد على خلاف القياس من وجهين أحدهما التجويز لغير المالك أن يركب ويشرب بغير أذنه . والثاني تضمينه ذلك بالنفقة لا بالقيمة . قال ابن عبد البر هذا الحديث عند جمهور الفقهاء ترده أصول مجمع عليها وآثار ثابتة لا يختلف في صحتها ويدل على نسخه حديث ابن عمر عند البخاري وغيره بلفظ " لاتحلب ماشية امرئ بغير إذنه " ويجاب عن دعوى مخالفة هذا الحديث الصحيح للأصول بأن السنة الصحيحة من جملة الأصول فلا ترد الا بمعارض أرجح منها بعد تعذر الجمع . وعن حديث ابن عمر بأنه عام وحديث الباب خاص فيبنى العام على الخاص والنسخ لا يثبت إلا بدليل يقضي بتأخر الناسخ على وجه يتعذر معه الجمع لا بمجرد الاحتمال مع الإمكان . وقال الأوزاعي والليث وأبو ثور أنه يتعين حمل الحديث على ما إذا امتنع الراهن من الأتفاق على المرهون فيباح حينئذ للمرتهن وأجود ما يحتج به للجمهور حديث أبي هريرة الآتي وستعرف الكلام عليه : قوله " الدر " بفتح الدال المهملة وتشديد الراء مصدر بمعنى الدارة أي لبن الدابة ذات الضرع . وقيل هو ههنا من إضافة الشيء إلى نفسه كقوله تعالى { حب الحصيد } (5/290)
4 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لا يغلق الرهن من صاحبه الذي رهنه له غنمه وعليه غرمه "
- رواه الشافعي والدارقطني وقال هذا إسناد حسن متصل (5/290)
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم والبيهقي وابن حبان في صحيحه وأخرجه أيضا ابن ماجه من طريق أخرى وصحح أبو داود والبزار والدارقطني وابن القطان إرساله عن سعيد بن المسيب بدون ذكر أبي هريرة . قال في التلخيص وله طرق في الدارقطني والبيهقي كلها ضعيفة وقال في بلوغ المرام إن رجاله ثقات الا أن المحفوظ عند أبي داود وغيره إرساله اه وساقه ابن حزم من طريق قاسم بن أصبغ قال حدثنا محمد بن إبراهيم حدثنا يحيى بن أبي طالب الأنطاكي وغيره من أهل الثقة حدثنا نصر بن عاصم الأنطاكي حدثنا شبابة عن روقاء عن ابن أبي ذئب عن الزهري عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة بن عبد الرحمن عن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يغلق الرهن الرهن لمن رهنه له غنمه وعليه غرمه " قال ابن حزم هذا إسناد حسن وتعقبه الحافظ بأن قوله نصر بن عاصم تصحيف وإنما هو عبد الله بن نصر الأصم الأنطاكي وله أحاديث منكرة . وقد رواه الدارقطني عبد الله بن نصر المذكور وصحح هذه الطريق عبد الحق وصحح أيضا وصله ابن عبد البر وقال هذه اللفظة يعني له غنمه وعليه غرمه اختلف الرواة في رفعها ووقفها فرفعها ابن أبي ذئب ومعمر وغيرهما ووقفها غيرهم . وقد روى ابن وهب هذا الحديث فجوده وبين إن هذه اللفظة من قول سعيد بن المسيب . وقال أبو داود في المراسيل قوله " له غنمه وعليه غرمه من كلام سعيد بن المسيب نقله عنه الزهري . قوله " لا يغلق الرهن " يحتمل أن تكون لانافية ويحتمل أن تكون ناهية . قال في القاموس غلق الرهن استحقه المرتهن وذلك إذا لم يفتكه في الوقت المشروط اه وقال الأزهري الغلق في الرهن ضد الفك فإذا فك الراهن الرهن فقد أطلقه من وثاقه عند مرتهنه . وروى عبد الرزاق عن معمر أنه فسر غلاق الرهن بما إذا قال الرجل إن لم آتك بما لك فالرهن لك قال ثم بلغني عنه أنه قال إن هلك لم يذهب حق هذا إنما هلك من رب الرهن له غنمه وعليه غرمه . وقد روى أن المرتهن في الجاهلية كان يتملك الرهن إذ لم يؤد الراهن إليه ما يستحقه في الوقت المضروب فأبطله الشارع : قوله " له غنمه وعليه غرمه " فيه دليل لمذهب الجمهور المتقدم لأن الشارع قد جعل الغنم والغرم للراهن ولكنه قد اختلف في وصله وإرساله ورفعه ووقفه وذلك مما يوجب عدم انتهاضه لمعارضة ما في صحيح البخاري وغيره كما سلف (5/291)
كتاب الحوالة والضمان (5/291)
باب وجوب قبول الحوالة إلى الملئ (5/291)
1 - عن أبي هريرة قال " مطل الغني ظلم وإذا اتبع أحدكم على ملئ فليتبع "
- رواه الجماعة . وفي لفظ لأحمد " ومن أحيل على ملئ فليحتمل " (5/292)
2 - وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " مطل الغني ظلم وإذا أحلت على ملئ فاتبعه "
- رواه ابن ماجه (5/292)
- حديث ابن عمر إسناده في سنن ابن ماجه هكذا حدثنا إسماعيل بن توبة حدثنا هشيم عن يونس بن عبيد عن نافع عن ابن عمر فذكره . وإسماعيل بن توبة قال ابن أبي حاتم صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح وقد أخرجه أيضا الترمذي وأحمد . قوله " الحوالة " هي بفتح الحاء المهملة وقد تكسر قال في الفتح مشتقة من التحويل أو من الحول يقال حال عن العهد إذا انتقل عنه حولا وهي عند الفقهاء نقل دين من ذمة إلى ذمة اختلفوا هل هي بيع دين بدين رخص فيه فاستثنى من النهي عن بيع الدين بالدين أو هي استيفاء وقيل هي عقد إرفاق ويشترط في صحتها رضا المحيل لا خلاف والمحتال عند الأكثر والمحال عليه عند بعض . ويشترط أيضا تماثل النقدين في الصفات وأن يكون في شيء معلوم ومنهم من خصها بالنقدين ومنعها في الطعام لأنها بيع طعام قل أن يستوفي اه . قوله " مطل الغني " من إضافة المصدر إلى الفاعل عند الجمهور والمعنى أنه يحرم على الغني القادر أن يمطل صاحب اليد بخلاف العاجز وقيل هو من إضافة المصدر إلى المفعول أي يجب على المستدين أن يوفي صاحب الدين ولو كان المستحق للدين غنيا فإن مطله ظلم فكيف إذا كان فقيرا فإنه يكون ظلما بالأولى ولا يخفى بعد هذا كما قال الحافظ والمطل في الأصل المد وقال الأزهري المدافعة . قال في الفتح والمراد هنا تأخير ما استحق أداؤه بغير عذر : قوله " وإذا اتبع " باسكان التاء المثناة الفوقية على البناء للمجهول . قال النووي هذا هو المشهور في الرواية واللغة . وقال القرطبي أما أتبع فبضم الهمزة وسكون التاء مبنيا لما لم يسم فاعله عند الجميع وأما فليتبع فالأكثر على التخفيف وقيده بعضهم بالتشديد والأول أجود وتعقب الحافظ ما ادعاه من الاتفاق بقول الخطابي إن أكثر المحدثين يقولونه يعني أتبع بتشديد التاء والصواب التخفيف والمعنى إذا أحيل فليحتل كما وقع في الرواية الأخرى . قوله " على ملئ " قيل هو بالهمز وقيل بغير همز ويدل على ذلك قول الكرماني الملى كالغني لفظا ومعنى . وقال الخطاب إنه في الأصل بالهمز ومن رواه بتركها فقد سهله : قوله " فاتبعه " قال في الفتح هذا بتشديد التاء بلا خلاف ( والحديثان ) يدلان على أنه يجب على من أحيل بحقه على ملئ أن يحتال وإلى ذلك ذهب أهل الظاهر وأكثر الحنابلة وأبو ثور وابن جرير وحمله الجمهور على الاستحباب . قال الحافظ ووهم من نقل فيه الإجماع . ( وقد اختلف ) هل المطل مع الغني كبيرة أم لا وقد ذهب الجمهور إلى أنه موجب للفسق واختلفوا هل يفسق بمرة أو يشترط التكرار وهل يعتبر الطلب من المستحق أم لا . قال في الفتح وهو يتصف بالمطل من ليس القدر الذي عليه حاضرا عنده لكنه قادر على تحصيله بالتكسب مثلا أطلق أكثر الشافعية عدم الوجوب وصرح بعضهم بالوجوب مطلقا وفصل آخرون بين أن يكون أصل الدين وجب بسبب يعصى به فيجب وإلا فلا اه . والظاهر الأول لأن القادر على التكسب ليس بمليء والوجوب إنما هو عليه فقط لان تعليق الحكم بالوصف مشعر بالعلية (5/292)
باب ضمان دين الميت المفلس (5/293)
1 - عن سلمة بن الأكوع قال " كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأتي بجنازة فقالوا يا رسول الله عليها قال هل ترك شيئا قالوا لا فقال هل عليه دين قالوا ثلاثة دنانير قال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة صل عليه يا رسول الله وعلى دينه فصلى عليه "
- رواه أحمد والبخاري والنسائي . وروى الخمسة الا أبا داود هذه القصة من حديث أبي قتادة وصححه الترمذي . وقال فيه النسائي وابن ماجه " فقال أبو قتادة أنا أتكفل به " وهذا صريح في إن الانشاء لا يحتمل الأخبار بما مضى (5/293)
2 - وعن جابر قال " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم لا يصلي على رجل مات عليه دين بميت فسأل عليه دين قالوا نعم ديناران قال صلوا على صاحبكم فقال أبو قتادة هما علي يا رسول الله فصلى عليه فلما فتح الله على رسوله قال أنا أولى بكل مؤمن من نفسه فمن ترك دين فعلى ومن ترك مالا فلورثته "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (5/293)
- حديث أبي قتادة أخرجه أيضا ابن حبان وحديث جابر أخرجه أيضا ابن حبان والدارقطني والحاكم وفي الباب عن أبي سعيد عند الدارقطني والبيهقي بأسانيد قال الحافظ ضعيفة بلفظ " كنا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في جنازة فلما وضعت قال صلى الله عليه وآله وسلم هل على صاحبكم من دين قالوا نعم درهمان قال صلوا على صاحبكم فقال علي عليه السلام يا رسول الله هما علي وأنا لهما ضامن فقام يصلي ثم أقبل على علي عليه السلام فقال جزاك الله عن الإسلام خيرا وفك رهانك كما فككت رهان أخيك ما من مسلم فك رهان أخيه الا فك الله رهانه يوم القيامة فقال بعضهم هذا لعلي رضي الله عنه خاصة أم للمسلمين عامة فقال بل للمسلمين عامة " . وعن أبي هريرة عند الشيخين وغيرهما أنه صلى الله عليه وآله وسلم قال في خطبته " من خلف مالا أو حقا فلورثته ومن خلف كلا أو دينا فكله إلي ودينه علي " وعن سلمان عند الطبراني بنحو حديث أبي هريرة وزاد " وعلى الولاة من بعدي من بيت مال المسلمين " وفي إسناده عبد الله بن سعيد الأنصاري متروك ومتهم . وعن أبي أمامة عن ابن حبان في ثقاته : قوله " ثلاثة دنانير " في الرواية الأخرى " ديناران " وفي رواية لابن ماجه وابن حبان من حديث أبي قتادة " سبعة عشر درهما " وفي رواية لابن حبان من حديثه " ثمانية عشر " وهذان دون دينارين وفي رواية لابن حبان أيضا من حديثه ديناران وفي رواية له أيضا من حديث أبي أمامة نحو ذلك . وفي مختصر المازني من حديث أبي سعيد الخدري إن الدينكان درهمين ويجمع بين رواية الدينارين والثلاثة بأن الدين كان دينارين وشطرا فمن قال ثلاثة جبر الكسر ومن قال ديناران الغاه أو كان أصلهما ثلاثة فوقي قبل موته دينارا وبقي عليه ديناران فمن قال ثلاثة فباعتبار الأصل ومن قال ديناران فباعتبار ما بقي من الدين والأول اليق كذا في الفتح ولا يخفى ما في ذلك من التعسف والأولى الجمع بين الروايات كلها بتعدد القصة ( وأحاديث الباب ) تدل على أنها تصح الضمانة عن الميت ويلزم الضمين ما ضمن به وسواء كان الميت غنيا أو فقيرا وإلى ذلك ذهب الجمهور وأجاز مالك للضامن الرجوع على مال الميت إذا كان له مال وقال أبو حنيفة لا تصح الضمانة إلا بشرط أن يترك الميت وفاء دينه وإلا لم يصح ( والحكمة ) في ترك النبي صلى الله عليه وآله وسلم الصلاة على من عليه دين تحريض الناس على قضاء الديون في حياتهم والتوصل إلى البراء لئلا تفوتهم صلاة النبي صلى الله عليه وآله وسلم . قال في الفتح وهل كانت صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على من عليه دين محرمة عليه أو جائزة وجهان . قال النووي الصواب الجزم وبجوازها مع وجود الضامن كما في حديث مسلم . وحكى القرطبي أنه ربما كان يمتنع من الصلاة على من أدان دينا غير جائز وأما من استدان لأمر هو جائز فما كان يمتنع وفيه نظر لأن في حديث أبي هريرة ما يدل على التعميم حيث قال في رواية للبخاري من توفي وعليه دين ولو كان الحال مختلفا لبينه صلى الله عليه وآله وسلم نعم جاء في حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما امتنع من الصلاة على من عليه دين جاءه جبريل عليه السلام فقال إنما الظالم في الديون التي حملت في البغي والأسراف فأما المتعفف وذوالعيال فأنا ضامن له أؤدي عنه فصلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد ذلك وقال من ترك ضياعا الحديث . قال الحافظ وهو ضعيف وقال الحازمي بعد أن أخرجه لا بأس به في المتابعات وليس فيه أن التفصيل المذكور كان مستمرا وإنما فيه إنه طرأ بعد ذلك وأنه السبب في قوله صلى الله عليه وآله وسلم من ترك دينا فعلى وفي صلاته صلى الله عليه وآله وسلم على من عليه دين بعد أن فتح الله عليه اشعار بأنه كان يقضيه من مال المصالح . وقيل بل كان يقضيه من خالص ملكه وهل كان القضاء واجبا عليه أم لا فيه وجهان قال ابن بطال وهكذا يلزم المتولي لأمر المسلمين أن يفعله بمن مات وعليه دين فإن لم يفعل فالأثم عليه إن كان حق الميت في بيت المال يفي بقدر ما عليه وإلا فبقسطه . قوله " فعلى " قال ابن بطال هذا ناسخ لترك الصلاة على من مات وعليه دين وقد حكى الحازمي اجماع الأمة على ذلك (5/294)
باب في أن المضمون عنه إنما يبرأ بأداء الضامن لا بمجرد ضمانه (5/294)
1 - عن جابر قال " توفى رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقلنا تصلي عليه فخطى خطوة ثم قال أعليه دين قلنا ديناران فأنصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال أبو قتادة الديناران على فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد أوفى الله حق الغريم وبرئ منه الميت قال نعم فصلى عليه ثم قال بعد ذلك اليوم ما فعل الديناران إنما مات أمس قال فعاد إليه من الغد فقال قد قضيتهما فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الآن بردت علهي جلده "
- رواه أحمد وإنما أراد بقوله والميت منهما برئ دخوله في الضمان متبرعا لا ينوي به رجوعا بحال (5/294)
- الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي والدارقطني وصححه ابن حبان والحاكم : قوله " أتينا به النبي صلى الله عليه وآله وسلم " زاد الحاكم " ووضعناه حيث توضع الجنائز عند مقام جبريل عليه السلام " : قوله " فانصرف " لفظ البخاري في حديث أبي هريرة " فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم صلوا على صاحبكم " وتقدم نحوه في حديث سلمة . قوله " الآن بردت عليه " فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه لا بمجرد التحمل بلفظ الضمانة ولهذا سارع النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى سؤال أبي قتادة في اليوم الثاني عن القضاء وفيه دليل على أنه يستحب للإمام أن يخص من تحمل حمالة عن ميت على الأسراع بالقضاء . وكذلك يستحب لسائر المسلمين لأنه من المعاونة على الخير وفيه أيضا دليل على صحة التبرع بالضمانة عن الميت وقد تقدم الكلام على ذلك (5/295)
باب في أن ضمان درك المبيع على البائع إذا خرج مستحقا (5/295)
1 - عن الحسن عن سمرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجد عين ماله عند رجل فهو أحق به ويتبع البيع من باعه "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي . وفي لفظ " إذا سرق من الرجل متاع أو ضاع منه فوجده بيد رجل بعينه فهو أحق به ويرجع المشتري على البائع بالثمن " . رواه أحمد وابن ماجه (5/295)
- سماع الحسن من سمرة فيه خلاف قد ذكرناه وبقية الاسناد رجاله ثقات لأن أبا داود رواه عن عمرو بن عوف الواسطي الحافظ شيخ البخاري عن هشيم عن موسى بن السائب وثقه أحمد عن قتادة عن الحسن : قوله " من وجد عين ماله " يعني المغصوب أو المسروق عند رجل أو امرأة فهو أحق به من كل أحد إذا ثبت أنه ملكه بالبينة أوصدقة من في يده العين ثم إن كانت العين بحوزه فله مع أخذ العين المطالبة بمنفعتها مدة بقائها في يده سواء انتفع بها من كانت في يده أم لا وإذا كانت العين قد نقصت بغير استعمال كتعثث الثوب ( 1 ) [ العثة بوزن الحقة السوسة التي تلحس الصوف ] وعمي العبد وسقوط يده بآفة فقيل يجب أخذ الأرش مع أجرته سليما لما قبل النقص وناقصا لما بعده وكذلك لو كان النقص بالاستعمال : قوله " البيع " بتشديد التحتية مكسورة وهو المشتري أي يرجع على من باع تلك العين منه ولا يرجع عند الهادوية إلا إذا كان تسليم المبيع إلى مستحقه بأذن البائع أو بحكم الحاكم بالبينة أو بعلمه لا إذا كان الحكم مستندا إلى إقرار المشتري أو نكوله فلا يرجع على البائع ثم إن كان المشتري علم بأن تلك العين مغصوبة فيتوجه عليه من المطالبة كل ما يتوجه إليه على الغاصب من الأجر والأرش وإن جهل لغصب ونحوه كانت يده عليها يد أمانه كالوديعة وقيل يد ضمانة ولكن يرجع بما غرم على البائع . قوله " بالثمن " يعني الذي دفعه إلى البائع (5/296)
كتاب التفليس (5/296)
باب ملازمة المليئ وإطلاق المعسر (5/296)
1 - عن عمرو بن الشريد عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لي الواجد ظلم يحل عرضه وعقوبته "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . قال أحمد قال وكيع عرضه شكايته وعقوبته حبسه (5/297)
- الحديث أخرجه أيضا البيهقي والحاكم وابن حبان وصححه وعلقه البخاري قال الطبراني في الأوسط لا يروى عن الشريد إلا بهذا الإسناد تفرد به ابن أبي دليلة قال في الفتح وإسناده حسن : قوله " التفليس " هو مصدر فلسه أي نسبته إلى الإفلاس والمفلس شرعا من يزيد دينه على موجوده سمي مفلسا لأنه صار ذا فلوس بعد أن كان ذا دراهم ودنانير إشارة إلى أنه صار لا يمكل إلا أدنى الأموال وهي الفلوس أو سمي بذلك لأنه يمنع التصرف إلآ في الشيء التافه كالفلوس لأنهم ما كانوا يتعاملون بها في الأشياء الخطيرة أو أنه صار إلى حالة لا يملك فيها فلسا فعلى هذا فالهمزة في أفلس للسلب : قوله " ليالواجد " اللي بالفتح وتشديد الياء المطل والواجد بالجيم الغني من الوجد بالضم بمعنى القدرة قوله " يحل " بضم أوله أي يجوز وصفه بكونه ظالما . وروى البخاري والبيهقي عن سفيان مثل التفسير الذي رواه المصنف عن أحمد عن وكيع . واستدل بالحديث على جواز حبس من عليه الدين حتى يقضيه إذا كان قادرا على القضاء تأديبا له وتشديدا عليه لا إذا لم يكن قادرا لقوله " الواجد " فإنه يدل أيضا على أن المعسر لا يحل عرضه ولا عقوبته وإلى جواز الحبس للواجد ذهبت الحنفية وزيد بن علي . وقال الجمهور يبيع عليه الحاكم لما سيأتي من حديث معاذ وأما غير الواجد فقال الجمهور لا يحبس لكن قال أبو حنيفة يلازمه من له الدين وقال شريح يحبس والظاهر قول الجمهور ويؤيده قوله تعالى ( فنظرة إلى ميسرة ) وقد اختلف هل يفسق الماطل أم لا واختلف أيضا في تقدير ما يفسق به والكلام في ذلك مبسوط في كتب الفقه (5/297)
2 - وعن أبي سعيد قال " أصيب رجل على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ثمار ابتاعها فكثر دينه فقال تصدقوا عليه فتصدق الناس عليه فلم يبلغ ذلك وفاء دينه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لغرمائه خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذلك "
- رواه الجماعة إلا البخاري (5/297)
- قوله " في ثمار ابتاعها " هذا يدل على أن الثمار إذا أصيبت مضمونة على المشتري وقد تقدم في باب وضع الحوائج ما يدل على أنه يجب على البائع أن يضع عن المشتري بقدر ما أصابته الجائحة وقد جمع بينهما بأن وضع الجوائح محمول على الاستحباب . وقيل أنه خاص بما بيع من الثمار قبل بدو صلاحه . وقيل أنه يؤول حديث أبي سعيد هذا بأن التصدق على الغريم من باب الاستحباب وكذلك قضاؤه دين غرمائه من باب التعرض لمكارم الأخلاق وليس التصدق على جهة العزم ولا القضاء للغرماء على جهة الحتم وهذا هو الظاهر . ويدل عليه قوله في حديث وضع الجوائح " لا يحل لك أن تأخذ منه شيئا بم تأخذ مال أخيك " فإنه صريح في وجوب الوضع لا في استحبابه وكذلك قوله في هذا الحديث " وليس لكم إلا ذلك " فإنه يدل على أن الدين غير لازم ولو كان لازما لما سقط الدين بمجرد الإعسار بل كان اللازم الإنظار إلى ميسرة وقد قدمنا في باب وضع الجوائح عدم صلاحية حديث أبي سعيد هذا للاستدلال به على عدم وضع الجوائح لوجهين ذكرناهما هنالك . وقد استدل الحديث على أن المفلس إذا كان له من المال دون ما عليه من الدين كان الواجب عليه لغرمائه تسليم المال ولا يجب عليه لهم شيء غير ذلك وظاهره أن الزيادة ساقطة عنه ولو أيسر بعد ذلك لم يطالب بها (5/298)
باب من وجد سلعة باعها من رجل عنده وقد أفلس (5/298)
1 - عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من وجد متاعه عند مفلس بعينه فهو أحق به "
- رواه أحمد (5/298)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من أدرك ماله بعينه عند رجل أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق به من غيره " ز
- رواه الجماعة . وفي لفظ قال في الرجل الذي يعدم " إذا وجد عنده المتاع ولم يفرقه أنه لصاحبه الذي باعه " رواه مسلم والنسائي وفي لفظ " أيما رجل أفلس فوجد رجل عنده ماله ولم يكن اقتضى من ماله شيئا فهو له " رواه أحمد (5/299)
3 - وعن أبي بكر بن عبد الرحمن بن الحرث بن هشام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال أيما رجل باع متاعا فأفلس الذي ابتاعه ولم يقبض الذي باعه ثمنه شيئا فوجد متاعه بعينه فهو أحق به وإن مات المشتري فصاحب المتاع اسوة الغرماء "
- رواه مالك في الموطأ وأبو داود وهو مرسل . وقد أسنده أبو داود من وجه ضعيف (5/299)
- حديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود قال في الفتح وإسناده حسن وهو من رواية الحسن البصري عنه وفي سماعه منه خلاف معروف قد قدمنا الكلام فيه ولكنه يشهد لصحته حديث أبي هريرة المذكور بعده ويشهد لصحته أيضا ما أخرجه الشافعي وأبو داود وابن ماجه والحاكم وصححه عن أبي هريرة أنه قال في مفلس أتوه به " لاقضين فيكم بقضاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أفلس أ
مات فوجد الرجل متاعه بعينه فهو أحق به " وفي إسناده أبو المعتمر . قال أبو داود الطحاوي وابن المنذر وهو مجهول ولم يذكر له ابن أبي حاتم إلا راويا واحدا وذكره ابن حبان في الثقات وهو للدارقطني والبيهقي من طريق أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب . وحديث أبي بكر بن عبد الرحمن هو مرسل كما ذكره المصنف لأن أبا بكر تابعي لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم . ووصله أبو داود من طريق أخرى فقال عن أبي بكر المذكور عن أبي هريرة وهي ضعيفة كما قال المصنف وذلك لأن فيها اسمعيل ابن عياش وهو ضعيف غذ روى عن غير أهل الشام ولكنه ههنا روى عن الحرث الزبيدي وهو شامي قال الحافظ وقد اختلف على اسمعيل فأخرجه ابن الجارود من وجه عنه عن موسى بن عقبة عن الزهري موصولا . وقال الشافعي حديث أبي المعتمر أولى من هذا وهذا منقطع . وقال البيهقي لا يصح وصله ووصله عبد الرزاق في مصنفه . وذكر ابن حزم أن عراك بن مالك رواه أيضا عن أبي هريرة في غرائب مالك . وفي التمهيد أن بعض أصحاب مالك وصله . قال أبو داود والمرسل أصح وقد روى الشيخان بلفظ " من أدرك مال [ ماله ؟ ؟ ] بعينه عند رجل قد أفلس أو إنسان قد أفلس فهو أحق من غيره ووصله ابن حبان والدارقطني وغيرهما من طريق الثوري عن أبي بكر عن أبي هريرة بنحو لفظ الشيخين : قوله " بعينه " فيه دليل على أن شرط الاستحقاق أن يكون المال باقيا بعينه لم يتغير ولم يتبدل فإن تغيرت العين في ذاتها بالنقص مثلا أو في صفة من صفاتها فهي أسوة للغرماء ويؤيد ذلك قوله في الرواية الثانية ولم يفرقه وذهب الشافعي والهادوية إلى أن البائع أولى بالعين بعد التغير والنقص : قوله " فهو أحق به " أي من غيره كائن من كان وارثا أو غريما وبهذا قال الجمهور
وخالفت الحنفية في ذلك فقالوا لا يكون البائع أحق بالعين المبيعة التي في يد المفلس وتأولوا الحديث بأنه خبر واحد مخالف للأصول لأن السلعة صارت بالبيع ملكا للمشتري ومن ضمانه واستحقاق البائع أخذها منه نقض لملكه وحملوا الحديث على صورة وهي ماذا كان المتاع وديعة أو عارية أو لقطة
وتعقب بأنه لو كان كذلك لم يقيد بالأفلاس ولا جعل أحق بها لما تقتضيه صيغة أفعل من الأشتراك وأيضا يرد ما ذهبوا إليه قوله في حديث أبي بكر " أيما رجل باع متاعا " فإن فيه التصريح بالبيع وهو نص في محل النزاع وقد أخرجه أيضا سفيان في جامعه وابن حسان وابن خزيمة عن أبي بكر عن أبي هريرة بلفظ " إذا ابتاع رجل سلعة ثم أفلس وهي عنده بعينها " وفي لفظ لابن حبان " إذا أفلس الرجل فوجد البائع سلعته " وفي لفظ لمسلم والنسائي " أنه لصاحبه الذي باعه " كما ذكر المصنف وعند عبد الرزاق بلفظ " من باع سلعة من رجل " قال الحافظ فظهر بهذا أن الحديث وارد في صورة البيع ويلتحق به القرض وسائر ما ذكر يعني من العانية والوديعة بالأولى والأعتذار بأن الحديث خبر واحد مردود بأنه مشهور من غير وجه من ذلك ما تقدم عن سمرة وأبي هريرة وأبي بكر بن عبد الرحمن ومن ذلك ما أخرجه ابن حبان بإسناد صحيح عن ابن عمر مرفوعا بنحو أحاديث الباب وقد قضى به عثمان كما رواه البخاري والبيهقي عنه حتى قال ابن المنذر لا نعرف لعثمان مخالفا في الصحابة والاعتذار بأنه مخالف للأصول اعتذار فاسد لما عرفناك من أن السنة الصحيحة هي من جملة الأصول فلا يترك العمل بها إلا لما هو أنهض ولم يرد في المقام ما هو كذلك وعلى تسليم أنه ورد ما يدل على أن السلعة تصير بالبيع ملكا للمشتري فما ورد في الباب أخص مطلقا فيبنى العام على الخاص وحمل بعض الحنفية الحديث على ما [ ؟ ؟ ] إذا أفلس المشتري قبل أن يقبض السلعة وتعقب بقوله في حديث سمرة عند مفلس . وبقوله في حديث أبي هريرة عند رجل . وفي لفظ لابن حبان ثم أفلس وهي عنده وللبيهقي " إذا افلس الرجل وعنده متاع " وقال جماعة إن هذا الحكم أعني كةن البائع أولى بالسلعة التي بقيت في يد المفلس مختص بالبيع دون القرض . وذهب الشافعي وآخرون إلى أن المقرض أولى من غيره واحتج الأولون بالروايات المتقدمة المصرحة بالبيع قالوا فتحمل الروايات المطلقة عليها ولكنه لا يخفى أن التصريح بالبيع لا يصلح لتقييد الروايات المطلقة لأنه إنما يدل على أن غير البيع بخلافه بمفهوم اللقب وما كان كذلك لا يصح للتقييد إلا على قول أبي ثور كما تقرر في الأصول وربما يقال أن المصرح به هنا هو الوصف فلا يكون من مفهوم اللقب . قوله " ولم يكن أقتضي من ماله شيئا " فيه دليل لما ذهب إليه الجمهور من أن المشتري إذا كان قد قضى بعض الثمن لم يكن البائع أولى بما لم يسلم المشتري ثمنه من المبيع بل يكون أسوة الغرماء
وقال الشافعي والهادوية إن البائع أولى به والحديث يرد عليهم : قوله " وإن مات المشتري " الخ فيه دليل على أن المشتري إذا مات والسلعة التي لم يسلم المشتري ثمنها باقية لا يكون البائع أولى بها بل يكون اسوة الغرماء وإلى ذلك ذهب مالك وأحمد . وقال الشافعي البائع أولى بها واحتج بقوله في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه من أفلس أو مات الخ ورجحه الشافعي على المرسل المذكور في الباب قال ويحتمل أن يكون آخره من رأي أبي بكر بن عبد الرحمن لأن الذين وصلوه عنه لم يذكروا قضية الموت وكذلك الذين رووه عن أبي هريرة غيره لم يذكروا ذلك بل صرح بعضهم عن أبي هريرة بالتسوية بين الإفلاس والموت كما ذكرنا قال في الفتح فتعين المصير إليه لأنها زيادة مقبولة من ثقة قال وجزم ابن العربي بأن الزيادة التي في مرسل مالك من قول الراوي وجمع الشافعي أيضا بين الحديثين بحمل مرسل أبي بكر على ما إذا مات مليئا وحمل حديث أبي هريرة على ما إذ مات مفلسا وقد استدل بقوله في حديث أبي هريرة " أو مات " على أن صاحب السلعة أولى بها ولو أراد الورثة أن يعطوه ثمنها لم يكن لهم ذلك ولا يلزمه القبول وبه قال الشافعي وأحمد . وقال مالك يلزمه القبول وقالت الهادوية إن الميت إذا خلف الوفاء لم يكن البائع أولى بالسلعة وهو خلاف الظاهر لأن الحديث يدل على أن الموت من موجبات استحقاق البائع للسلعة ويؤيد ذلك عطفه على الإفلاس . واستدل بأحاديث الباب على حلول الدين المؤجل بالإفلاس . قال في الفتح من حيث أن صاحب الدين أدرك متاعه بعينه فيكون أحق به ومن لوازم ذلك أنها تجوز له المطالبة بالمؤجل وهو قول الجمهور لكن الراجح عند الشافعية أن المؤجل لا يحل بذلك لأن الأجل حق مقصود له فلا يفوت وهو قول الهادوية . واستدل أيضا بأحاديث الباب على أن لصاحب المتاع أن يأخذه من غير حكم حاكم قال في الفتح وهو الأصح من قول العلماء وقيل يتوقف على الحكم (5/299)
باب الحجر على المدين وبيع ماله في قضاء دينه (5/300)
1 - عن كعب بن مالك " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حجر على معاذ ماله وباعه في دين كان عليه "
- رواه الدارقطني (5/300)
2 - وعن عبد الرحمن بن كعب قال " كان معاذ بن جبل شابا سخيا وكان لا يمسك شيئا فلم يزل يدان حتى غرق ماله كله في الدين فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلو تركوا لأحد لتركوا لمعاذ لأجل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فباع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لهم ماله حتى قام معاذ بغير شيء "
- رواه سعيد في سننه هكذا مرسلا (5/300)
- حديث كعبأخرجه أيضا البيهقي والحاكم وصححه ومرسل عبد الرحمن بن كعب أخرجه أيضا أبو داود وعبد الرزاق قال عبد الحق المرسل أصح وقال ابن الطلاع في الأحكام هو حديث ثابت وقد أخرج الحديث الطبراني . ويشهد له ما عند مسلم وغيره من حديث أبي سعيد قال " أصيب رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وقد تقدم . وقد استدل بحجره صلى الله عليه وآله وسلم على معاذ على أنه يجوز الحجر على كل مديون وعلى أنه يجوز للحاكم بيع مال المديون لقضاء دينه من غير فرق بين من كان ماله مستغرقا بالدين ومن لم يكن ماله كذلك وقد حكى صاحب البحر هذا عن العترة والشافعي ومالك وأبي يوسف ومحمد وقيدوا الجواز بطلب أهل الدين للحجر من الحاكم وروى عن الشافعي أنه يجوز قبل الطلب للمصلحة وحكى في البحر أيضا عن زيد بن علي والناصر وأبي حنيفة أنه لا يجوز الحجر على المديون ولا بيع ما له بل يحبسه الحاكم حتى يقضي واستدل لهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم " الحديث وهو مخصص بحديث معاذ المذكور . وأما ما أدعاه إمام الحرمين حاكبا لذلك عن العلماء وتبعه الغزالي أن حجر معاذ لم يكن من جهة غستعاء غرمائه بل الأشبه أنه جرى باستدعائه فقال الحافظ إنه خلاف ما صح من الروايات المشهورة ففي المراسيل لأبي داود التصريح بأن الغرماء التمسوا ذلك . قال وأما ما رواه الدارقطني أن معاذا أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فكلمه ليكلم غرماءه فلا حجة فيه أن ذلك لالتماس الحجر وإنما فيه طلب معاذ الرفق منهم وبهذا تجتمع الروايات انتهى . وقد روى الحجر على المديون وإعطاء الغرماء ماله من فعل عمر كما في الموطأ والدارقطني وابن أبي شيبة والبيهقي وعبد الرزاق ولم ينقل أنه أنكر ذلك عليه أحد من الصحابة (5/301)
باب الحجر على المبذر (5/301)
1 - عن عروة بن الزبير " قال ابتاع عبد الله بن جعفر بيعا فقال علي رضي الله عنه لآتين عثمان فلأحجرن عليك فاعلم ذلك ابن جعفر الزبير فقال أنا شريكك في بيعتك فأتى عثمان رضي الله عنهما قال تعال احجر على هذا فقال الزبير أنا شريكه فقال عثمان احجر على رجل شريكه الزبير "
- رواه الشافعي في مسنده
هذه القصة رواها الشافعي عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف القاضي عن هشام بن هروة عن أبيه وأخرجها أيضا البيهقي . وقال يقال أن أبا يوسف تفرد به وليس كذلك ثم أخرجها من طريق الزهري المدني القاضي عن هشام نحوه . ورواها أبو عبيد في كتاب الأموال عن عفان بن مسلم عن حماد بن زيد عن هشام بن حسان عن أبي سيرين قال قال عثمان لعلي عليه السلام ألا تأخذ على يد ابن أخيك يعني عبد الله بن جعفر وتحجر عليه اشترى سبخة ( 1 ) [ بفتح السين والمهملة وكسر الموحدة بعدها معجمة أي ذات سباخة وهي الأرض التي لا تنبت ] بستين ألف درهم ما يسرني أنها لي بنعلي وقد ساق القصة البيهقي فقال اشترى عبد الله بن جعفر أرضا سبخة فبلغ ذلك عليا عليه السلام فعزم على أن يسأل عثمان الحجر عليه فجاء عبد الله بن جعفر إلى الزبير فذكر له فقال الزبير أنا شريكك فلما سأل علي عثمان الحجر على عبد الله بن جعفر قال كيف أحجر على من شريكه الزبير وفي رواية للبيهقي أن الثمن ستمائة ألف . وقال الرافعي الثمن ثلاثون ألفا . قال الحافظ لعله من غلط الناسخ والصواب بستين يعني ألفا انتهى . وروى القصة ابن حزم فقال بستين ألفا . وقد استدل بهذه الواقعة من أجاز الحجر على من كان سيء التصرف وبه قال علي عليه السلام وعثمان وعبد الله بن الزبير وعبد الله بن جعفر وشريح وعطاء والشافعي ومالك وأبو يوسف ومحمد هكذا في البحر قال في الفتح والجمهور على جواز الحجر على الكبير . وخالف أبو حنيفة بعض الظاهرية ووافق أبو يوسف ومحمد قال الطحاوي ولم ار عن أحد من الصحابة منع الحجر على الكبير ولا عن التابعين إلا عن إبراهيم وابن سيرين ثم حكى صاحب البحر عن العترة أنه لا يجوز مطلقا وعن أبي حنيفة أنه لا يجوز أن يسلم إليه ماله بعد خمس وعشرين سنة ولهم أن يجيبوا عن هذه القصة بأنها وقعت عن بعض من الصحابة والحجة إنما هو إجماعهم والأصل جواز التصرف لكل مالك من غير فرق بين نواع التصرفات فلا يمنع منها إلا ما قام الدليل على منعه ولكن الظاهر أن الحجر على من كان في تصرفه سفه مكان أمرا معروفا عند الصحابة مألوفا بينهم ولو كان غير جائز لأنكره بعض من اطلع على هذه القصة ولكان الجواب من عثمان رضي الله عنه عن علي عليه السلام بأن هذا غير جائز وكذلك الزبير وعبد الله بن جعفر لو كان مثل هذا الأمر غير جائز لكان لهما عن تلك الشركة مندوحة والعجب من ذهاب العترة إلى عدم الجواز مطلقا وهذا إمامهم وسيدهم أمير المؤمنين على كرم الله وجهه يقول بالجواز مع كون أكثرهم يجعل حجة متبعة تجب المصير إليها وتصلح لمعارضة المرفوع وأما اعتذار صاحب البحر عن ذلك بأن عليا عليه السلام لم يفعل ذلك ففي غاية من السقوط فإن الحجر لو كان غير جائز لما ذهب إلى عثمان وسأل منه ذلك وأما اعتذاره أيضا بأن ذلك اجتهاد فمخالف لما تمشى عليه في كثير من الأبحاث من الجزم وبأن قول على حجة من غير فرق بين ما كان للاجتهاد فيه مسرح وما ليس كذلك على أن ما لا مجال للاجتهاد فيه لا فرق فيه بين قول علي عليه السلام وغيره من الصحابة أن له حكم الرفع وإنما محل النزاع بين أهل البيت عليهم السلام وغيرهم فيما كان مواطن الاجتهاد وكثيرا ما ترى جماعة من الزيدية في مؤلفاتهم يجزمون بحجية قوله عليه السلام إن وافق ما يذهبون إليه ويعتذرون عنه إن خالف بأنه اجتهاد لا حجة فيه كما يقع منهم ومن غيرهم إذا وافق قول أحد من الصحابة ما يذهبون إليه فإنهم يقولون لا مخالف له من الصحابة فكان إجماعا ويقولون إن خالف ما يذهبون إليه : قول صحابي لا حجة فيه . وهكذا يحتجون بأفعاله صلى الله عليه وآله وسلم إن كانت موافقة للمذهب ويعتذرون عنها إن خالفت بأنها غبر معمولة الوجه الذي لأجله وقعت فلا تصلح للحجة فليكن هذا منك على ذكر فإنه من المزالق التي يتبين عندها الإنصاف والاعتساف . وقد قدمنا التنبيه على مثل هذا وكررناه لما فيه من التحذير عن الاغترار بذلك
ومن الأدلة الدالة على جواز الحجر على من كان بعد البلوغ سيء التصرف قول الله تعالى { ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } قال في الكشاق السفهاء المبذرون أموالهم الذين ينفقونها فيما لا ينبغي ولا يدي لهم بإصلاحها وتثميرها والتصرف فيها والخطاب للأولياء وأضاف الأموال إليهم لأنها من جنس ما يقيم به الناس معايشهم كما قال ولا تقتلوا أنفسكم . فمما ملكت إيمانكم من فتياتكم المؤمنات والدليل على أنه خطاب للأولياء في أموال اليتامى قوله { وارزقوهم فيها واكسوهم } ثم قال في تفسير قوله تعالى { وارزقوهم فيها } واجعلوها مكانا لرزقهم بأن تتحروا فيها وتتربحوا حتى تكون نفقتهم من الأرباح لا من صلب المال فلا يأكلها الإنفاق وقيل هو أمر لكل أحد أن لا يخرج ماله إلى أحد من السفهاء قريب أو أجنبي رجل أو امرأة يعلم أنه يضعه فيما لا ينبغي ويفسده انتهى . وقد عرفت بهذا عدم اختصاص السفهاء المذكورين بالصبيان كما قال في البحر فإنه تخصيص لما تدل عليه الصيغة بلا مخصص . ومما يؤيد ذلك نهيه صلى الله عليه وآله وسلم عن الإسراف بالماء ولو على نهر جار . ومن المؤيدات عدم إنكاره صلى الله عليه وآله وسلم على قرابة حبان لما سألوه أن يحجر عليه أن صح ثبوت ذلك وقد تقدم الحديث بجميع طرقه في البيع وقد استدل على جواز الحجر على لاسفيه أيضا برده صلى الله عليه وآله وسلم صدقة الرجل الذي تصدق بأحد ثوبيه كما أخرجه أصحاب السنن وصححه الترمذي وابن خزيمة وابن حبان وغيرهم من حديث أبي سعيد وأخرجه الدارقطني من حديث جابر . وبما أخرجه أبو داود وصححه ابن خزيمة من حديث جابر أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رد البيضة على من تصدق بها ولا مال له غيرها وبرده صلى الله عليه وآله وسلم عتق من أعتق عبد له عن دبر ولا مال له غيره كما أشار إلى ذلك البخاري وترجم عليه باب من رد أمر السفيه والضعيف العقل وإن لم يكن حجر عليه الإمام ( ومن جملة ) ما استدل به على الجواز قول ابن عباس وقد سئل متى ينقضي يتم اليتيم فقال لعمري أن الرجل لتنبت لحيته وأنه لضعيف الأخذ لنفسه ضعيف العطاء فإذا أخذ لنفسه من صالح ما أخذ الناس فقد ذهب عنه اليتيم حكاه في الفتح والحكمة في الحجر على السفيه أن حفظ الأموال حكمة لأنها مخلوقة للانتفاع بها بلا تبذير ولهذا قال تعالى { أن المبذرين كانوا إخوان الشياطين } قال في البحر ( فصل ) والسفه المقتضي للحجر عند من أثبته هو صرف المال في الفسق أو فيما لا مصلحة فيه ولا غرض ديني ولا دنيوي كشراء ما يساوي درهما بمائة لا صرفه في أكل طيب ولبس نفيس وفاخر المشموم قوله تعالى { قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده } الآية وكذا لو أنفقه في القرب انتهى (5/301)
باب علامات البلوغ (5/302)
1 - عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه " حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يتم بعد احتلام ولاصمات يوم إلى الليل "
- رواه أبو داود (5/302)
2 - وعن ابن عمر قال " عرضت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة فأجازني "
- رواه الجماعة (5/302)
3 - وعن عطية قال " عرضنا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم قريظة فكان من أنبت قتل ومن لم ينبت خلى سبيله وكنت ممن لم ينبت فخلى سبيلي "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي . وفي لفظ " فمن كان محتلما أو أنبت عانته قتل ومن لا ترك " رواه أحمد والنسائي (5/303)
4 - وعن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم والشرخ الغلمان الذي لم ينبتوا "
- رواه الترمذي وصححه (5/303)
- حديث علي عليه السلام في إسناده يحيى بن محمد المدني الجاري منسوب إلى الجار بالجيم والراء المهملة بلدة على الساحل بالقرب من مدينة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . قال البخاري يتكلمون فيه . وقال ابن حبان يجب التنكب عما انفرد به من الروايات . وقال العقيلي لا يتابع يحيى المذكور على هذا الحديث . وفي الخلاصة أنه وثقه العجلي وابن عدي . قال المنذري وقد روى هذا الحديث من رواية جابر ابن عبد الله وأنس بن مالك وليس فيها شيء يثبت . وقد أعل هذا الحديث أيضا عبد الحق وابن القطان وغيرهما وحسنه النووي متمسكا بسكوت أبي داود عليه ورواه الطبراني في الصغير بسند آخر عن عليه عليه السلام . ورواه أبو داود الطيالسي في مسنده وأخرج نحوه الطبراني في الكبير عن حنظلة بن حذيفة عن جده وإسناده لا بأس به . وأخرج نحوه أيضا ابن عدي عن جابر وحديث ابن عمر زاد فيه البيهقي وابن حبان في صحيحه بعد قوله " لم يجزني ولم يرني بلغت " وبعد قوله " فأجازني ورآني بلغت " وقد صحح هذه الزيادة أيضا ابن خزيمة . وحديث عطية القرظي صححه أيضا ابن حبان والحاكم وقال على شرط الصحيحين . قال الحافظ وهو كما قال إلا أنهما لم يخرجا لعطية وماله الا هذا الحديث الواحد وقد أخرج نحو حديث عطية الشيخان من حديث أبي سعيد بلفظ " فكان يكشف عن مؤتزر المراهقين فمن أنبت منهم قبل ومن لم ينبت جعل في الذراري " وأخرج البزار من حديث سعيد بن أبي وقاص " حكم على بني قريظة أن يقتل منهم كل منجرت عليه المواسي " وأخرج الطبراني من حديث أسلم بن بحير الأنصاري قال " جعلني النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أساري قريظة فكنت أنظر في فرج الغلام فإن رأيته قد أنبت ضربت عنقه وإن لم أره قد أنبت جعلته في مغانم المسلمين " قال الطبراني لا يروى عن أسلم الا بهذا الإسناد . قال الحافظ وهو ضعيف . وحديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود وهو من رواية الحسن عن سمرة وفي سماعه منه مقال قد تقدم ( وفي الباب ) عن أنس عند البيهقي بلفظ " إذا استكمل المولود خمس عشرة سنة كتب ماله وما عليه وأقيمت عليه الحدود " قال في التلخيص وسنده ضعيف . وعن عائشة عند أحمد وأبي داود والنسائي وابن ماجه وابن حبان والحاكم بلفظ " رفع القلم عن ثلاثة عن الصبي حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق "
وأخرجه أيضا أبو داود والنسائي وأحمد والدارقطني والحاكم وابن حبان وابن خزيمة عن علي عليه السلام من طرق وفيه قصة جرت له مع عمر علقها البخاري فمن الطرق عن أبي ظبيان عنه بالحديث والقصة ومنها عن أبي ظبيان عن ابن عباس وهي من رواية جرير بن حازم عن الأعمش عنه وذكره الحاكم عن شعبة عن الأعمش كذلك لكنه وقفه . وقال البيهقي تفرد برفعه جرير بن حازم . قال الدارقطني في العلل وتفرد به عن جرير عبد اللهبن وهب وخالفه ابن فضيل ووكيع عن الأعمش موقوفا وكذا قال أبو حصين عن أبي ظبيان وخالفهم عمار بن رزيق فرواه عن الأعمش ولم يذكر فيه ابن عباش وكذا قال عطاء بن السائب عن أبي ظبيان عن علي وعمر رضي الله عنهما مرفوعا . قال الحافظ وقول وكيع وابن فضيل أشبه بالصواب . وقال النسائي حديث أبي حصين أشبه بالصواب . ورواه أيضا أبو داود من حديث أبي الضحى عن علي عليه السلام بالحديث دون القصة وأبو الضحي . قال أبو رزعة حديثه عن علي مرسل . ورواه ابن ماجه من حديث القاسم بن يزيد عن علي . قال أبو زرعة وهو مرسل أيضا . وراه الترمذي من حديث الحسن البصري قال أبو زرعة أيضا وهو مرسل لم يسمع الحسن من علي شيئا
وروى الطبراني عن أبي أدريس الخولاني قال أخبرني غير واحد من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثوبان ومالك بن شداد وغيرهما فذكر نحوه وفي إسناده برد بن سنان وهو مختلف فيه . قال الحافظ وفي إسناده مقال في اتصاله . ورواه الطبراني أيضا من طريق مجاهد عن ابن عباس وإسناده ضعيف كما قال الحافظ : قوله " لا يتم بعد احتلام " استدل به على أن الاحتلام من علامات البلوغ . وتعقب بأنه بيان لغاية مدة اليتم وارتفاع اليتم لا يستلزم البلوغ الذي هو مناط التكليف لأن اليتم يرتفع عند ادراك الصبي لمصالح دنياه والتكليف إنما يكون عند إدراكه لمصالح آخرته والأولى الاستدلال بما وقع في رواية لأحمد وأبي داود والحاكم من حديث علي عليه السلام بلفظ " وعن الصبي حتى يحتلم " ويؤيد ذلك قوله في حديث عطية " فمن كان محتلما " وقد حكى صاحب البحر الإجماع على أن الأحتلام مع الأنزال من علامات البلوغ في الذكر ولم يجعله المنصور بالله في الأنثى . قوله " ولاصمات " الخ الصمات السكوت قال في القاموس وماذقت صماتا كسحاب شيئا ولا صمت يوم إلى الليل أي لاصمت يوم تام انتهى . قوله " فلم يجزني " وقوله " فأجازني " المراد بالإجازة الأذن بالخروج للقتال من أجازه إذا أمضاه وأذن له لا من الجائزة التي هي العطية كما فهمه صاحب ضوء النهار وقد استدل بحديث ابن عمر هذا من قال ان مضى خمس عشرة سنة من الولادة يكون بلوغا في الذكر والأنثى وإليه ذهب الجمهور وتعقب ذلك الطحاوي وابن القصار وغيرهما بأنه لا دلالة في الحديث على البلوغ لأنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يتعرض لسنه وإن فرض خطور ذلك ببال ابن عمر ويرد هذا التعقب ما ذكرنا من الزيادة في الحديث أعني قوله " ولم يرني بلغت " وقوله " ورآني بلغت " والظاهر أن ابن عمر لا يقول هذا بمجرد الظن من دون أن يصدر منه صلى الله عليه وآله وسلم ما يدل على ذلك . وقال أبو حنيفة بل مضى ثمان عشرة سنة للذكر وسبع عشرة للأنثى : قوله " فكان من أنبت " الخ : استدل به من قال إن الإنبات من علامات البلوغ وإليه ذهبت الهادوية وقيدوا ذلك بأن يكون الإنبات بعد التسع وتعقب بأن قتل من أنبت ليس لأجل التكليف بل لرفع ضرره لكونه مظنة للضرر كقتل الحية ونحوها ورد هذا التعقب بأن القتل لمن كان كذلك ليس الا لأجل الكفر لا لدفع الضرر لحديث " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله " وطلب الإيمان وإزالة المانع منه فرع التكليف ويؤيد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يغزو إلى البلاد البعيدة كتبوك ويأمر بغزو أهل الأقطار النائية مع كون الضرر ممن كان كذلك مأمونا وكون قتال الكفار لكفرهم هو مذهب طائفة من أهل العلم وذهبت طائفة أخرى إلى أن قتالهم لدفع الضرر والقول بهذا المقالة هو منشأ ذلك التعقب ومن القائلين بهذا شيخ الإسلام ابن تيمية حفيد المصنف وله في ذلك رسالة . قوله " شرخهم " بفتح الشين المعجمة وسكون الراء المهملة بعدها خاء معجمة . قال في القاموس هو أول الشباب انتهى . وقيل هم الغلمان الذي لم يبلغوا وحمله المصنف على من لم يثبت من الغلمان ولابد من ذلك للجمع بين الأحاديث وإن كان أول الشباب يطلق على من كان في أول الانبات والمراد بالإنبات المذكور في الحديث هو ابنات الشعر الأسود المتجعدة في العانة لا إنبات مطلق الشعر فإنه موجود في الأطفال (5/303)
باب ما يحل لولي اليتيم من ماله بشرط العمل والحاجة (5/304)
1 - عن عائشة رضي الله عنها في قوله تعالى { ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف } إنها نزلت في ولي اليتيم إذا كان فقيرا أنه يأكل منه مكان قيامه عليه بالمعروف . وفي لفظ " أنزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلح ماله إن كان فقيرا أكل منه بالمعروف "
- أخرجاهما (5/304)
2 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن رجلا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال أني فقير ليس لي شيء ولي يتيم فقال كل من مال يتيمك غير مسرف ولا مبادر ولا متأثل "
- رواه الخمسة إلا الترمذي . وللأثرم في سننه عن ابن عمر " أنه كان يزكي مال اليتيم ويستقرض منه ويدفعه مضاربة " (5/304)
- حديث عمرو بن شعيب سكت عنه أبو داود وأشار المنذري إلى أن في إسناده عمرو بن شعيب وفي سماع أبيه من جده مقال قد تقدم التنبيه عليه . وقال في الفتح إسناده قوي والآية المذكورة تدل على جواز نأكل ولي اليتيم من ماله بالمعروف إذا كان فقيرا ووجوب الاستعفاف إذا كان غنيا وهذا إن كان المراد بالغني والفقير في الآية ولي اليتيم على ما هو المشهور . وقيل المعنى في الآية اليتيم أي إن كان غنيا فلا يسرف في الإنفاق عليه وإن كان فقيرا فليطعمه من ماله بالمعروف فلا يكون على هذا في الآية دلالة على الأكل من مال اليتيم أصلا هذا التفسير رواه ابن التين عن ربيعة ولكن المتعين المصير إلى الأول لقول عائشة المذكور . وقد اختلف أهل العلم في هذه المسألة فروى عن عائشة أنه يجوز للولي أن يأخذ من مال اليتيم قدر عمالته وبه قال عكرمة والحسن وغيرهم وقيل لا يأكل منه إلا عند الحاجة ثم اختلفوا فقال عبيدة بن عمرو وسعيد بن جبير ومجاهد إذا أكل ثم أيسر قضى وقيل لا يجب القضاء وقيل إن كان ذهبا أو فضة لم يجز له أن يأخذ منه شيئا الا على سبيل القرض وإن كان غير ذلك جاز بقدر الحاجة وهذا أصح الأقوال عن ابن عباس وبه قال الشعبي وأبو العالية وغيرهما أخرج جميع ذلك ابن جرير في تفسيره وقال هو بوجوب القضاء مطلقا وانتصر له وقال الشافعي يأخذ أقل الأمرين من أجرته ونفقته ولا يجب الرد على الصحيح عنده والظاهر من الآية والحديث جواز الأكل مع الفقر بقدر الحاجة من غير اسراف ولا تبذير ولا تأثل والأذن بالأكل يدل إطلاقه على عدم وجوب الرد عند التمكن ومن ادعى الوجوب فعليه الدليل : قوله " غير مسرف ولا مبادر " هذا مثل قوله تعالى { ولا تأكلوها اسرافا وبدارا } أي مسرفين ومبادرين كبر الأيتام أو لا سرافكم ومبادرتكم كبرهم . يفرطون في انفاقها ويقولون تنفق كما تشتهي قبل أن يكبر اليتامى فينتزعوها من أيدينا . ولفظ أبي داود غير مسرف ولا مبذر : قوله " ولامتأثل " قال في القاموس أثل ماله تأثيلا زكاه وأصله وملكه عظمه والأهل كساهمه أفضل كسوة وأحسن إليهم والرجل كثر ماله انتهى . والمراد هنا أنه لا يدخر من مال اليتيم لنفسه ما يزيد على قدر ما يأكله . قال في الفتح المتأثل بمثناة ثم مثلثة مشددة بينهما همزة هو المتخذ والتأثيل اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم واثله اصله . قوله " أنه كان يزكي مال اليتيم " الخ فيه إن ولي اليتيم يزكي ماله ويعامله بالقرض والمضاربة وما شابه ذلك (5/305)
باب مخالطة الولي اليتيم في الطعام والشراب (5/305)
1 - عن ابن عباس قال " لما نزلت ولا تقربوا مال اليتيم الا بالتي هي أحسن عزلوا أموال اليتامى حتى جعل الطعام يفسد واللحم ينتن فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فنزلت { وإن تخالطوهم فأخوانكم والله يعلم المفسد من المصلح قال فخالطوهم "
- رواه أحمد والنسائي وأبو داود (5/305)
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده عطاء بن السائب وقد تفرد بوصله وفيه مقال . وقد أخرج له البخاري مقرونا . وقال أيوب ثقة وتكلم فيه غير واحد . وقال الإمام أحمد من سمع منه قديما فهو صحيح ومن سمع منه حديثا لم يكن بشيء ووافقه على ذلك يحيى بن معين وهذا الحديث من رواية جرير بن عبد الحميد عنه وهو ممن سمع منه حديثا ورواه النسائي من وجه آخر عن عطاء موصولا وزاد فيه " وأحل لهم خلطهم " ورواه عبد بن حميد عن قتادة مرسلا ورواه الثوري في تفسيره عن سعيد بن جبير مرسلا أيضا . قال في الفتح وهذا هو المحفوظ مع إرساله وروى عبد بن حميد من طريق السدى عمن حدثه عن ابن عباس قال المخالطة أن تشرب من لبنه ويشرب من لبنك وتأكل من قصعته ويأكل من قصعتك والله يعلم المفسد من المصلح من يتعمد أكل مال اليتيم وم يتجنبه . وقال أبو عبيد المراد بالمخالطة أن يكون اليتيم بين عيال الوالي فيشق عليه إفراز طعامه فيأخذ من مال اليتيم قدر ما يرى أنه كافيه بالتحري فيخلطه بنفقة عياله ولما كان ذلك قد تقع في الزيادة والنقصان خشوا منه فوسع الله لهم وقد ورد التنفير عن أكل أموال اليتامى والتشديد فيه قال الله تعالى { إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما إنما يأكلون في بطونهم نارا وسيصلون سعيرا } وثبت في الصحيح أن أكل مال اليتيم أحد السبع الموبقات فالواجد على من ابتلى بيتيم أن يقف على الحد الذي أباحه له الشارع في الأكل من ماله ومخالطته لأن الزيادة عليه ظلم يصلى به فاعله سعيرا ويكون من الموبقين نسأل الله السلامة (5/306)
كتاب الصلح ( 1 ) وأحكام الجوار (5/306)
باب جواز الصلح عن المعلوم والمجهول والتحليل منهما (5/306)
1 - عن أم سلمة قالت " جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مواريث بينما قد درست ليس بينهما بينة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنكم تختصمون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنما أنا بشر ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض وإنما أقضي بينكم على نحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار يأتي بها اسطاما في عنقه يوم القيامة فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لاخي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما ثم توخيا الحق ثم استهما ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه "
- رواه أحمد وأبو داود " وفي رواية لأبي داود . وإنما أقضي بينكم برأيي فيما لم ينزل على فيه "
_________
( 1 ) [ قال الحافظ في الفتح والصلح أقسام : صلح المسلم مع الكافر . والصلح بين الزوجين . والصلح بين الفئة الباغية والعادلة . والصلح بين المتغاضبين كالزوجين والصلح في الجراح كالعفو على مال . والصلح لقطع الخصومة إذا وقعت المزاحمة أما في الأملاك أو في المشتركات كالشوارع وهذا الأخير هو الذي يتكلم فيه أصحاب الفروع اه ] (5/307)
- الحديث أخرجه أيضا ابن ماجه وسكت عنه أبو داود والمنذري . وفي إسناده أسامة بن زيد بن أسلم المدني مولى عمر قال النسائي وغيره ليس بالقوي . واصل هذا الحديث في الصحيحين وسيأتي في باب إن حكم الحاكم ينفذ ظاهر الا باطنا من كتاب الأقضية : قوله " إنكم تختصمون إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " يعني في الأحكام . قوله " وإنما أنا بشر " البشر يطلع على الواحد كما في الحديث وعلى الجمع نحو قوله تعالى { نذيرا للبشر } والمراد إنما أنا مشارك لغيري في البشرية وإن كان صلى الله عليه وآله وسلم زائدا عليهم بما أعطاه الله تعالى من المعجزات الظاهرة والاطلاع على بعض الغيوب الحصر ههنا مجازي أي باعتبار علم الباطن . وقد حققه علماء المعاني وأشرنا إلى طرف من تحقيقه في كتاب الصلاة : قوله " ألحن " أي أفطن وأعرف ويجوز أن يكون معناه أفصح تعبيرا عنها أظهر احتجاجا فربما جاء بعبارة تخيل إلى السامع أنه محق وهو في الحقيقة مبطل والأظهر أن يكون معناه أبلغ كما في رواية في الصحيحين أي أحسن ايرادا للكلام وأصل اللحن الميل عن جهة الاستقامة يقال لحن فلان في كلامه إذا مال عن صحيح النطق ويقال لحنت لفلان إذا قلت له قولا يفهمه ويخفى على غيره لأنه بالتورية ميل كلامه عن الواضح المفهوم . قوله " وإنما أقضي " الخ فيه دليل على أن الحاكم إنما يحكم بظاهر ما يسمع من الألفاظ مع جواز كون الباطن خلافه ولم يتعبد بالبحث عن البواطن باستعمال الأشياء التي تفضي في بعض الأحوال إلى ذلك كأنواع السياسة والمداهاة قوله " فلا يأخذه " فيه ان حكم الحاكم لا يحل به الحرام كما زعم بعض أهل العلم قوله " قطعة " بكسر القاف أي طائفة : قوله " اسطاما " بضم الهمزة وسكون السين المهملة . قال في القاموس السطام بالكسر المسعار لحديدة مفطوحة تحرك بها النار ثم قال والاسطام المسعار اه . والمراد هنا الحديدة التي تسعر بها النار أي يأتي يوم القيامة حاملا لها مع أثقاله : قوله " حقي لأخي " فيه دليل على صحة هبة المجهول وهبة المدعي قبل ثبوته وهبة الشريك لشريكه : قوله " أما إذا قلتما " لفظ أبي داود " أما إذا فعلتما ما فعلتماه فاقتسما " قال في شرح السنن أما بتخفيف الميم يحتمل أن يكون بمعنى حقا وإذ للتعليل : قوله " فاقتسما " فيه دليل على أنه الهبة إنما تملك بالقبول لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمرها بالاقتسام بعد أن وهب كل واحد نصيبه من الآخر . قوله " ثم توخيا " بفتح الواو والخاء المعجمة . قال في النهاية أي اقصدا الحق فيما تصنعان من القسمة يقال توخيت الشيء أتوخاه توخيا إذا قصدت إليه وتعمدت فعله : قوله " ثم استهما " أي ليأخذ كل واحد منكما ماتخرجه القرعة من القسمة ليتميز سهم كل واحد منكما عن الآخر . وفيه الأمر بالقرعة عند المساواة أو المشاحة وقد وردت القرعة في كتاب الله في موضعين . أحدهما قوله تعالى { إذ يلقون أقلامهم } والثاني قوله تعالى { فساهم فكان من المدحضين } وجاءت في خمسة أحاديث من السنة الأول هذا الحديث . الثاني حديث أنه صلى الله عليه وآله وسلم " كان إذا أراد سفرا أقرع بين نسائه " الثالث أنه صلى الله عليه وآله وسلم " أقرع في ستة مملوكين " الرابع قوله صلى الله عليه وآله وسلم " لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول لاستهموا عليه " الخامس حديث الزبير " أن صفية جاءت بثوبين لتكفن فيهما حمزة فوجدنا إلى جنبه قتيلا فقلنا لحمزة ثوب وللانصاري ثوب فوجدنا أحد الثوبين أوسع من الآخر فأقرعنا عليهما ثم كفنا كل واحد في الثوب الذي خرج له " والظاهر أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع على على هذا وقرره لأنه كان حاضرا هنالك ويبعد أن يخفي عليه مثل ذلك في حق حمزة وقد كانت الصحابة تعتمد القرعة في كثير من الأمور كما روي " أنه تشاح الناس يوم القادسية في الأذان فأقرع يبنهم سعد " : قوله " ثم ليحلل " الخ أي ليسأل كل واحد منكما صاحبه أن يجعله في حل من قبله بابراء ذمته وفيه دليل على أنه يصح الابراء من المجهول لان الذي في ذمة كل واحد ههنا غير معلوم وفيه أيضا صحة الصلح بمعلوم عن مجهول ولكن لا بد مع ذلك من التحليل . وحكى في البحر عن الناصر والشافعي أنه لا يصح بمعلوم عن مجهول : قوله " برأيي " هذا مما استدل به أهل الأصول على جواز العمل بالقياس وإنه حجة وكذا استدلوا بحديث بعث معاذ المعروف (5/307)
2 - وعن عمرو بن عوف " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الصلح جائز بين المسلمين الا صلحا حزم حلالا أو أحل حراما "
- رواه أبو داود وابن ماجه والترمذي وزاد " المسلمون على شروطهم الا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما " قال الترمذي هذا حديث حسن صحيح (5/307)
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وابن حبان وفي إسناده كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه وهو ضعيف جدا . قال فيه الشافعي وأبو داود هو ركن من أركان الكذب وقال النسائي ليس بثقة . وقال ابن حبان له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة وتركه أحمد . وقد نوقش الترمذي في تصحيح حديثه قال الذهبي أما الترمذي فروى من حديثه الصلح جائز بين المسلمين وصححه فلهذا لا يعتمد العلماء على تصحيحه . وقال ابن كثير في إرشاده قد نوقش أبو عيسى يعني الترمذي في تصحيحه هذا الحديث وماشاكله اه . واعتذر له الحافظ ( 1 ) [ قال في بلوغ المرام وكأنه اعتبره بكثرة طرقه وقد صححه ابن جبان من حديث أبي هريرة اه . ] فقال وكأنه اعتبره بكثرة طرقه وذلك لأنه رواه أبو داود والحاكم من طريق كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة قال الحاكم على شرطهما وصححه ابن حبان وحسنه الترمذي . وأخرجه أيضا الحاكم من حديث أنس . وأخرجه أيضا من حديث عائشة وكذلك الدارقطني . وأخرجه أحمد من حديث سليمان بن بلال عن العلاء عن أبيه عن أبي هريرة وأخرجه ابن أبي شيبة عن عطاء مرسلا . وأخرجه البيهقي موقوفا علي عمر كتبه إلى أبي موسى . وقد صرح الحافظ بأن إسناد حديث أنس وإسناد حديث عائشة واهيان وضعف ابن حزم حديث أبي هريرة وكذلك ضعفه عبد الحق . وقد روى من طريق عبد الله بن الحسين المصيصي وهو ثقة وكثير بن زيد المذكور قال أبو زرعة صدوق ووثقه ابن معين والوليد بن رباح صدوق أيضا ولا يخفى ان الأحاديث المذكورة والطرق يشهد بعضها لبعض فاقل أحوالها أن يكون المتن الذي اجتمعت عليه حسنا : قوله " الصلح جائز " ظاهر هذه العبارة العموم فيشمل كل صلح الاما استثنى ومن ادعى عدم جواز صلح زائد على ما استثناه الشارع في هذا الحديث فعليه الدليل . وإلى العموم ذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد والجمهور . وحكى في البحر عن العترة والشافعي وابن أبي ليلى أنه لا يصح الصلح عن أنكار وقد استدل لهم بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال أمرئ مسلم الا بطيبة من نفسه " وبقوله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ويجاب بأن الرضا بالصلح مشعر بطيبة النفس فلا يكون أكل المال به من أكل أموال الناس بالباطل ( 2 ) [ وقد جمع بين الأدلة بجمع حسن صاحب السبل قال ومعنى عدم صحته أنه لا يطيب مال الخصم مع انكار المصالح وذلك حيث يدعى عليه آخر عينا أو دينا فيصالح ببعض العين او الدين مع انكار خصمه فإن الباقي لا يطيب له بل يجب عليه تسليمه لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيبة من نفس " وقوله تعالى { عن تراض } وأجيب بأنها قد وقعت طيبة النفس بالرضى وعند الصلح قد صار في حكم عقد المعاوضة فيحل له ما بقي . قلت الأولى أن يقال إن كان المدعي يعلم إن حقا عند خصمه جاز له قبض ما صولح به والمدعى عليه إن كان عنده حق يعلمه جاز له إعطاء جزء من ماله في دفع شجار غريم وأذيته وحرم على المدعي أخذه وبهذا تجتمع الادلة فلا يقال الصلح على الإنكار لا يصلح ولا أنه يصح على الإطلاق بل يفصل فيه اه . ] واحتج لهم في البحر بأن الصلح معاوضة فلا يصح مع الإنكار كالبيع . وأجيب بأنه لا معنى للإنكار في البيع لعدم ثبوت حق لاحدهما على الآخر يتعلق به الإنكار قبل صدور البيع فلا يصح القياس . وقله " بين المسلمين " هذا خرج مخرج الغالب لأن الصلح جائز بين الكفار وبين المسلم والكافر . ووجه التخصيص إن المخاطب بالأحكام في الغالب هم المسلمون لأنهم هم المنقادون لها : قوله " الا صلحا " بالنصل على الأستثناء . وفي رواية لأبي داود والترمذي بالرفع . والصلح الذي يحرم الحلال كمصالحة الزوجة للزوج على ان لا يطلقها أو لا يتزوج عليها أو لا يبيت عند ضرتها والذي يحلل الحرام كأن مصالحه على وطء أمة لا يحل له وطؤها أو أكل مال لا يحل له أكله أو نحو ذلك : قوله " المسلمون على شروطهم " ( 1 ) [ وفي الاتيان بعلى ووصفهم بالاسلام والإيمان دلالة على علو مرتبتهم وأنهم لا يخلون بشروطهم فهلا يتنبه لذلك أهل هذا العصر ويقتدون بسلفهم وبما جاءت به شريعتهم لا سيما أهل العلم منهم ومن كان حائزا للشهادة والوظيفة نسأل الله التوفيق ] أي ثابتون عليها لا يرجعون عنها . قال المنذري وهذا في الشروط الجائزة دون الفاسدة ويدل على هذا قوله " الا شرطا حرم حلالا " الخ ويؤيده ماثبت في حديث بريرة من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " كل شرك ليس في كتاب الله فهو باطل " وحديث " من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد والشرط الذي يحل الحرام كأن يشرط نصرة الظالم أو الباغي أو غزو المسلمين والذي يحرم الحلال كأن يشرط عليه أن لا يطأ أمته أو زوجته أو نحو ذلك (5/308)
3 - وعن جابر " أن أباه قتل يوم أحد شهيدا وعليه دين فاشتد الغرماء في حقوقهم قال فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فسألهم ان يقبلوا ثمرة حائطي ويحللوا أبي فأبوا فلم يعطهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم حائطي وقال سنغدو عليك فغدا علينا حين أصبح فطاف في النخل ودعا في ثمرها بالبركة فجددتها فقضيتهم وبقي لنا من ثمرها " . وفي لفظ " أن أباه توفي وترك عليه ثلاثين وسقا لرجل من اليهود فاستنظره جابر فابى أن ينظره فكلم جابر رسول الله يشفع له إليه فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكلم اليهودي ليأخذ ثمرة نخله بالذي له فأبى فدخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم النخل فمشى فيها ثم قال لجابر جدله فأوف له الذي له فجده بعد ما رجع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأوفاه ثلاثين وسقا وفضلت سبعة عشر وسقا "
- رواهما البخاري (5/308)
- قوله " فجددتها " بالجيم ودالين مهملتين والجداد صرام النخل . والحديث فيه دليل على جواز المصالحة بالمجهول عن المعلوم وذلك لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سأل الغريم أن يأخذ ثمر الحائط وهو مجهول القدر في الأوساق التي له وهي معلومة ولكنه ادعى في البحر الإجماع على عدم الجواز فقال ما لفظه مسألة ويصح بمعلوم عن معلوم إجماعا بمجهول إجماعا ولوعن معلوم كأن يصالح بشيء عن شيء أو عن ألف بما يكسبه هذا العام اه . فينبغي أن ينظر في صحة هذا الإجماع فإن الحديث مصرح بالجواز . وقال المهلب لا يجوز عند أحد من العلماء أن يأخذ من له دين تمر تمرا مجازفة بدينه لما فيه من الجهل والغرر وإنما يجوز أن يأخذ مجازفة في حقه أقل من دينه إذا علم الآخذ بذلك رضي اه . وهكذا قال الدمياطي وتعقبهما ابن المنير فقال بيع المعلوم بالمجهول موابنة فإن كان تمرا نحوه فمزابنة وربا لكن اغتفر ذلك في الوفاء وتبعه الحافظ على ذلك فقال أنه يغتفر في القضاء من المعاوضة مالا يغتفر ابتداء لأن بيع الرطب بالتمر لا يجوز في غير العرايا ويجوز في المعاوضة عند الوفاء قال وذلك بين في حديث الباب انتهى . والحاصل أن هذا الحديث مخصص للعمومات المتقدمة في البيع القاضية بوجوب معرفة مقدار كل واحد من البدلين المتساوينن جنسا وتقديرا فيجوز القضاء مع الجهالة إذا وقع الرضا ويؤيد هذا حديث أم سلمة السالف فإنها وقعت فيه المصالحة بمعلوم عن مجهول . والمواريث الدارسة تطلق على الأجناس الربوية وغيرها فهو يقضي بعمومه أنها تجوز المصالحة مع جهالة أحد العوضين وإن كان المصالح به والمصالح عنه ربوين ولكن لابد من وقوع التحليل كما هو مصرح به في الحديثين وقد استدل المقبلي في الأبحاث بهذا الحديث على جواز صرف الفضة بالفضة مع التصريح بتطييب الزائد وأنه لا يلزم من ذلك إبطال المقصد الشرعي في الربا لأن كل حيلة توصل بها إلى السلامة من الإثم فهي جائزة وإنما المحرم الحيلة التي توصل بها إلى إبطال مقصد شرعي قال فعلى هذا يجوز الصرف للقروش بالمحلقة وهما ضربتان كبيرة وصغيرة ونحو ذلك مما دعت الضرورة إليه قال ولنحو ذلك رخص في بيع العرية وإلا فكان يمكن بيع التمر بالدراهم ثم شراء رطب بالدراهم أما لو كان الغرض طلب التجارة والأرباح كالصيارفة فلا يجوز إلى آخر كلامه . وصرح أيضا بأنه لا حاجة في الصرق إلى تكليف شراء سلعة ثم بيعها كما في حديث تمر الجمع والجنيب السالف قال لأن ذلك يلحق بالممتنع للضرورة إليه في أكثر الأحوال وغالبها ففيه غاية المشقة وأنت خبير بأن الحديث ورد على خلاف ما تقتضيه الأصول فلا يجوز أن يجاوز به مورده وهو صورة القضاء فلا يصح القياس وهذا على فرض عدم صحة الإجماع على خلاف ما يقتضيه الحديث فإن صح فالعمل به في تلك الصورة المخصوصة لا يجوز فكيف يصح إلحاق غيرها بها وأيضا خبر القلادة السالف مشعر بعدم جواز بيع الفضة بالفضة وإن وقعت المرضاة والكباراة فهذا القياس الذي عول عليه فاسد الاعتبار فإن قال إن صرف الدراهم بالقروش يحتاج إليه كل أحد وتدعو الضرورة إليه بخلاف بيع الفضة التي ليست بمضروبة بمثلها فنقول هذا تخصيص بمجرد الحاجة والمشقة ومثل ذلك لا ينتهض لتخصيص النصوص ولا سيما مع إمكان التخلص عن تلك الورطة بأن يشتري بأحد البدلين عينا ويبيعها بالنقد الآخر كما أرشد إليه الشارع في قضية تمر الجمع والجنيب فإن بهذه الوسيلة تنتفي الضرورة الحاملة على ارتكاب ما لا يحل ولو كان مجرد حصول المشقة مجوز المخالفة الدليل ومسوغا للمحرم لكان في ذلك معذرة لمن لا رغبة له القيام بالواجبات لأن كثيرا منها مصحوب بالمشقة كالحج والجهاد ونحوهما (5/308)
4 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو شيء فليتحلل منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيآت صاحبه فحمل عليه "
- رواه البخاري وكذلك أحمد والترمذي وصححه وقالا فيه " مظلمة من مال أو عرض " (5/309)
- قوله " مظلمة " بكسر اللام على المشهور وحكى ابن قتيبة وابن التين والجوهري فتحها وأنكره ابن القوطية وحكى القزاز الضم . قوله " أو شيء " هو من عطف العام على الخاص فيدخل فيه المال بأصنافه والجراحات حتى اللطمة ونحوها : قوله " قبل أن لا يكون دينار ولا درهم " أي يوم القيامة كما ثبت في رواية الإسماعيلي قوله " أخذ من سيآت صاحبه " أي صاحب المظلمة فحمل عليه " أي على الظالم " . وفي رواية مالك " فطرحت عليه " وقد أخرج هذا الحديث مسلم من وجه آخر وهو أوضح سياقا من هذا . ولفظه " المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وسفك دم هذا وأكل مال هذا فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه وطرح في النار . ولا تعارض بين هذا وبين قوله تعالى { ولا تزر وازرة وزر أخرى } لأنه إنما يعاقب بغير جناية منه بل بجنايته فقوبلت الحسنات بالسيئات على ما اقتضاه عدل الله تعالى في عباده ( وفي الحديث ) دليل على صحة الأبراء من المجهول لإطلاقه . وزعم ابن بطال إن في هذا الحديث دليل على اشتراك التعيين لأن قوله مظلمة يقتضي أن تكون معلومة القدر مشار إليها . قال الحافظ ولا يخفى ما فيه . قال ابن المنير إنما وقع في الحديث التقدير حيث يقتص المظلوم من الظالم حتى يأخذ منه بقدر حقه وهذا متفق عليه والخلاف إنما هو فيما إذا أسقط المظلوم حقه في الدنيا هل يشترط أن يعرف قدره أم لا وقد أطلق ذلك في الحديث نعم قام الإجماع على صحة التحليل من المعين المعلوم فإن كانت العين موجودة صحت هبتها دون الإبراء منها . وفي الحديث أيضا دليل على أن من حلل خصمه من مظلمة لا رجوع له في ذلك أما المعلوم فلا خلاف فيه . وأما المجهول فعند من يجيزه قال في الفتح وهو فيما مضى باتفاق وأما فيما سيأتي ففيه الخلاف (5/309)
باب الصلح عن دم العمد بأكثر من الدية وأقل (5/309)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل متعمدا دفع إلى أولياء المقتول فإن شاؤا قتلوا وإن شاؤا أخذوا الدية وهي ثلاثون حقه وثلاثون جذعة وأربعون خلفة وذلك عقل العمد وما صالحوا عليه فهو لهم وذلك تشديد العقل "
- رواه أحمد وابن ماجه والترمذي (5/310)
- الحديث حسنه الترمذي وفي إسناده أحمد على بن زيد بن جدعان وفيه مقال عن يعقوب السدوسي ويقال فيه عقبة بن أوس عن ابن عمرو وروى البيهقي بإسناده إلى ابن خزيمة قال حضرت مجلس المزني يوما وسأله سائل من العراقيين عن شبه العمد فقال السائل إن الله وصف القتل في كتابه صنفين عمدا وخطأ فلم قلتم أنه ثلاثة أصناف فاحتج المزني بحديث ابن عمرو فقال له ناظره أتحتج بعلي بن زيد بن جدعان فسكت المزني فقلت لناظره قد روى هذا الحديث عن غير علي بن زيد فقال من رواه غيره فقلت أيوب السختياني وجابر الحذاء قال لي فمن عقبة بن أوس قلت رجل من أخل البصرة روى عنه ابن سيرين على جلالته فقال للمزني أنت تناظر أم هذا فقال إذا جاء الحديث فهو يناظر لأنه أعلم به مني اه فدل كلام ابن خزيمة هذا على أن علي بن زيد قد توبع . وايضا الترمذي رواه عن أحمد بن سعيد الدارمي عن حبان بن هلال عن محمد بن راشد عن سليمن بن موسى عن عمرو بن شعيب : قوله " خلفة " أي حاملة . ووقع في رواية أربعون خلفة في بطونها أولادها واستشكل ذلك لأن الخلفة هي التي في بطنها ولدها وأجيب بأن هذا التفسير لا تقييد وقيل تأكيد وأيضاح وقيل غير ذلك والحديث يأتي الكلام على ما اشتمل عليه في أبواب الديات وإنما ساقه المصنف ههنا للاستدلال بقوله فيه " وما صالحوا عليه فهو لهم " فإنه يدل على جواز الصلح في الدماء بأكثر من الدية (5/310)
باب ما جاء في وضع الخشب في جدار الجار وإن كره (5/310)
1 - ن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع جار جاره أن يغرز خشبه في جداره ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها معرضين والل لأرمين بها بين أكتافكم "
- رواه الجماعة إلا النسائي (5/311)
2 - وعن ابن عباس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا ضرر ولا ضرار وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره وإذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع " (5/311)
3 - وعن عكرمة بن سلمة بن ربيعة " أن أخوين من بني المغيرة أعتق أحدهما أن لا يغرز خشبا في جداره فلقيا مجمع بن زيد الأنصاري ورجالا كثيرا فقالوا نشهد أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع جار جاره فقال الحالف أي أخي قد علمت أنك مقضي لك على وقد حلفت فاجعل اسطوانا دون جداري ففعل الآخر فغرز في الأسطوان خشبه "
- رواهما أحمد وابن ماجه (5/311)
- أما حديث ابن عباس فأخرجه أيضا ابن ماجه والبيهقي والطبراني وعبد الرزاق قال ابن كثير أما حديث " لا ضرر ولا ضرار " فرواه ابن ماجه عن عبادة بن الصامت . وروى من حديث ابن عباس وأبي سعيد الخدري وهو حديث مشهور اه . وهو أيضا عند أبو ماجه والدارقطني والحاكم والبيهقي من حديث أبي سعيد وعند البيهقي أيضا من حديث عبادة . وعند الطبراني في الكبير وأبي نعيم من حديث ثعلبة بن مالك القرظي وما فيه من جعل الطريق سبعة أذرع ثابت في الصحيحين من حديث أبي هريرة كما سيأتي . وأما حديث مجمع فأخرجه ابن ماجه والبيهقي وسكت عنه الحافظ في التلخيص . وعكرمة بن سلمة بن ربيعة المذكور المجهول : قوله " لا يمنع " بالجزم على النهي : قوله " خشبه " قال القاضي عياض رويناه في مسلم وغيره من الأصول بصيغة الجمع والإفراد ثم قال وقال عبد الغني بن سعيد كل الناس تقول بالجمع إلا الطحاوي فإنه قال عن روح بن الفرج سألت أبا زيد والحرث بن بكير ويونس بن عبد الأعلى عنه فقالوا كلهم خشبة بالتنوين ورواية مجمع تشهد لمن رواه بلفظ الجمع ويؤيدها أيضا ما رواه البيهقي من طريق شريك عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس بلفظ " إذا سأل أحدكم جاره أن يدعم جذوعه على حائطه فلا يمنعه " قال القرطبي وإنما اعتنى هؤلاء الأئمة بتحقيق الرواية في هذا الحرف لأن أمر الخشبة الواحدة يخف على الجار الماسحة به بخلاف الأخشاب الكثيرة . ( والأحاديث ) تدل على أنه لا يحل للجار أن يمنع جاره من غرز الخشب في جداره ويجبره الحاكم إذا امتنع وبه قال أحمد وإسحاق وابن حبيب من المالكية والشافعي في القديم وأهل الحديث . وقالت الحنفية والهادوية ومالك والشافعي في أحد قوليه والجمهور أنه يشترط إذن المالك ولا يجبر صاحب الجدار إذا امتنع وحملوا النهي على التنزيه جمعا بينه وبين الأدلة القاضية بأنه لا يحل مال إمرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه " وتعقب بأن هذا الحديث أخص من تلك الأدلة مطلقا فيبني العام على الخاص قال البيهقي لم نجد في السنن الصحية ما يعارض هذا الحكم إلا عمومات لا يستنكرأن يخصها وحمل بعضهم الحديث على ما إذا تقدم استئذان الجار كما وقع في رواية لأبي داود بلفظ " إذا استأذن أحدكم أخاه " وفي رواية لأحمد " من سأله جاره " وكذا في رواية لابن حبان فإذا تقدم الاستئذان لم يكن للجار المنع لا إذا لم يتقدم : قوله " في جداره " الظاهر عود الضمير إلى المالك أي في جدار نفسه وقيل الصمير يعود على الجار الذي يريد الغرز أي لا يمنعه من وضع خشبه على جدار نفسه وإن تضرر به من جهة منع الضوء مثلا . ووقع لأبي عوانة من طريق زياد بن سعد عن الزهري أنه يضع جذعه على جدار نفسه ولو تضرر به جاره والظاهر الأول ويؤيده قوله في حديث ابن عباس " في حائط جاره " وكذا قوله في يالحديث الآخر " فاجعل اسطوانا دون جداري "
قيل وهذا الحكم كشروط عند القائلين بأنه يجب ذلك على الجار بحاجة من يريد الغرز إليه وعدم تضرر المالك فإن تضرر لم يقدم حاجة جاره على حاجته ولكنه لا يخفي أن إطلاق الأحاديث قاض بعدم اعتبار عدم تضرر المالك ولكنه يجب على من يريد الغرز أن يتوقى الضرر بما أمكن فإن لم يمكن إلا بضرر وجب على الغارز إصلاحه وذلك كما يقع عند فتح الجدار لغرز الجذوع وأما اعتبار حاجة الغارز إلى الغرز فأمر لا بد منه : قوله " ما لي أراكم عنها معرضين " أي عن هذه المقالة التي جائت بها السنة أو عن هذه الوصية أو الموعظة : قوله " والل لأرمين بها بين أكتافكم " بالتاء الفوقية أي لأقر عنكم بها كما يضرب الإنسان بالشيء بين كتفيه ليستيقظ من غفلته . قال القاضي عياض وابن عبد البر وقد رواه بعض رواة الموطأ أكنافكم بالنون والكنف الجانب ونونه مفتوحة والمعنى لأصرخن بها بين جماعتكم ولا أكتمها أبدا . وقال الخطابي معناه أن لم تقبلوا هذا الحكم وتعملوا به راضين لأجعلنها أس الخشبة على رقابكم كارهين أراد بذلك المبالغة . وفي تعليق القاضي حسين أن أبا هريرة قال ذلك حين كان متوليا بمكة أو المدينة وكأنه قال لما رآهم تةقفوا عن قبول هذا الحكم كما وقع في رواية لأبي داود أنهم نكسوا رؤوسهم لما سمعوا ذلك : قوله " لا ضرر ولا ضرار " هذا فيه دليل على تحريم الضرار على أي صفة كان من غير فرق بين الجار وغيره فلا يجوز في صورة من الصور إلا بدليل يخص به هذا العموم فعليك بمطالبة من جوز المضارة في بعض الصور بالدليل فإن جاء به قبلته وإلا ضربت بهذا الحديث وجهه فإنه قاعدة من قواعد الدين تشهد له كليات وجزئيات . وقد ورد الوعيد لمن ضار غيره فأخرج أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه من حديث أبي صرمة بكسر الصاد المهملة مالك بن قيس الأنصاري وهو ممن شهد بدرا وما بعدها من المشاهد قال ابن عبد البر بلا خلاف قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من ضار أضر الله به ومن شاق شاق الله عليه " واختلفوا في الفرق بين الضر والضرار فقيل أن الضر فعل الواحد والضرار فعل الاثنين فصاعدا . وقيل الضرار أن تضره من غير أن تنتفع والضر أن تضره وتنتفع أنت به . وقيل الضرار الجزاء على الضر والضر الابتداء وقيل هما بمعنى قوله " وللرجل أن يضع خشبه في حائط جاره " فيه دليل على جواز وضع الخشبة في جدار الجار وإذا جاز الغرز جاز الوضع بالأولى لأنه أخف منه . قوله " فاجعلوه سبعة أذرع " هذا محمول على الطريق التي هي مجرى عامة للمسلمين بأحمالهم ومواشيهم فإذا تشاجر من له أرض يتصل مع من له فيها حق جعل عرضها سبعة أذرع بالذراع المتعارف في ذلك البلد بخلاف بنيات الطريق فإن الرجل إذا جعل في بعض أرضه طريقا مسبلة للمارين كان تقديرها إلى خيرته والأفضل توسيعها وليس هذه الصورة مراد الحديث لأن المفروض أن هذه لا مدافعة فيها ولا اختلاف وسيأتي تمام الكلام على الطريق في الباب الذي بعد هذا . قوله " أعتق أحدهما " أي حلف بالعتق (5/312)
باب في الطريق إذا اختلفوا فيه كم تجعل (5/312)
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إذا اختلفتم في الطريق فاجعلوه سبعة أذرع "
- رواه الجماعة إلا النسائي . وفي لفظ لأحمد " إذا اختلفوا في الطريق رفع من بينهم سبعة أذرع " (5/312)
2 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في الرحبة تكون في الطريق ثم يريد أهلها البنيان فيها فقضى أن يترك الطريق سبعة أذرع وكانت تلك الطريق تسمى الميتاء "
- رواه عبد الله بن أحمد في مسند أبيه (5/313)
- حديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني بلفظ " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطريق الميتاء " الحديث والراوي له عن عبادة إسحاق بن يحيى ولم يدركه ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ " إذا اختلفتم في الطريق الميتاء فاجعلوها سبعة أذرع " وما أخرجه ابن عدي من حديث أنس بلفظ " قضى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الطريق الميتاء التي تؤتى من كل مكان " فذكر الحديث . قال في الفتح وفي كل من الأسانيد الثلاثة مقال اه ولكنه يقوي بعضها بعضا فتصلح للاحتجاج بها كما لا يخفى : قوله " إذا اختلفتم " في لفظ للبخاري " إذا تشاجروا " وللإسماعيلي " إذا اختلف الناس في الطريق " وزاد المستملي بعد ذكر الطريق فقال " الميتاء " قال الحافظ ولم يتابع عليه وليست محفوظة في حديث أبي هريرة وإنما ذكرها البخاري في الترجمة مشيرا بها إلى الأحاديث الني ذكرناها كما جرت بذلك قاعدته : قوله " سبعة أذرع " قال في الفتح الذي يظهر أن المراد بالذراع ذراع الآدمي فيعتبر ذلك بالمعتدل . وقيل المراد ذراع البنيان المتعارف ولكن هذا المقدار إنما هو في الطريق التي هي مجرى عامة المسلمين للجمال وسائر المواشي كما أسلفنا لا الطريق المشروعة بين الأملاك والطرق التي يمر بها بنو آدم فقط ويدل على ذلك التقييد بالميتاء كما في الأحاديث المذكورة والميتاء بميم مكسورة وتحتانية ساكنة وبعدها فوقانية ومد بوزن مفعال من الإتيان والميم زائدة . قال أبو عمر والشيباني الميتاء أعظم الطرق وهي التي يكثر مرور الناس فيها . وقال غيره هي الطرق الواسعة وقيل العامرة . وحكى في البحر عن الهادي أنه إذا التبس عرض الطريق الواسعة بين الأملاك أو كان حوليها ارض موات بقي لما تجتازه العماريات أثنا عشر ذراعا ولدونه سبعة وفي المنسدة مثل أعرض باب فيها انتهى . وبهذا التفصيل قالت الهادوية " والحكمة ) في ورود الشرع بتقدير الطريق سبعة أذرع هي أن تسلكها الأحمال والأثقال دخولا وخروجلا وتسع ما لا بد منه كما يطرح عند الأبواب . قوله " الرحبة " بفتح الحاء المهملة وتسكن على ما في القاموس وهي المكان بناحية ومتسعه ومن الوادي مسيل مائة من جانبيه . والمراد هنا المكان بجانب الطريق كما في الحديث (5/313)
باب إخراج ميازيب المطر إلى الشارع (5/313)
1 - عن عبد الله بن عباس قال " كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة وقد كان ذبح للعباس فرخان فلما وافى الميزاب صب ماء بدم الفرخين فأمر عمر بقلعه ثم رجع فطرح ثيابه ولبس ثيابه ثم فصلى بالناس فأتاه العباس فقال والله إنه للموضع الذي وضعه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عمر للعباس وأنا أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ففعل ذلك العباس " (5/314)
- الحديث لم يذكر المصنف من أخرجه كما في النسخ الصحيحة من هذا الكتاب وفي نسخة أنه أخرجه أحمد وهو في مسند أحمد بلفظ " كان للعباس ميزاب على طريق عمر فلبس ثيابه يوم الجمعة فأصابه منه ماء بدم فأتاه العباس فقال والله إنه للموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال أعزم عليك لما صعدت على ظهري حتى تضعه في الموضع الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " وذكر ابن أبي حاتم أنه سأل أباه عنه فقال هو خطأ . ورواه البيهقي من وجه آخر ضعيفة أو منقطعة ولفظ أحدهما " والله ما وضعه حيث كان إلا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده " وأورده الحاكم في المستدرك وفي إسناده عبد الرحمن بن زيد بن أسلم وهو ضعيف . قال الحاكم ولم يحتج الشيخان بعبد الرحمن ورواه أبو داود في المراسيل من حديث أبي هرون المذني قال كان في دار العباس ميزاب فذكره ( والحديث ) فيه دليل هلى جواز إخراج الميازيب إلى الطريق لكن بشرط أن لا تكون محدثة تضر بالمسلمين فإن كانت كذلك منعت لأحاديث المنع من الضرار قال في البحر مسألة العترة ويمنع في الطريق الغرس والبناء والحفر ومرور احمال الشوك ووضع الحطب والذبح فيها وطرح القمامة والرماد وقشر الموز واحداث السواحل والميازيب وربط الكلاب الضارية لما فيها من الأذى اه ثم حكى في البحر أيضا عن أبي حنيفة والهادوية أنها لا تضيق قرار السكك النافذة ولا هواؤها بشء وإن اتسعت إذا الهواء تابع للقرار في كونه حقا كتبعية هواء الملك لقراره . وعن الشافعي والمؤيد بالله في أحد قوليه إنما حق المار في القرار لا الهواء فيجوز الروشن والساباط حيث لا ضرر وكذلك الميزاب قال المؤيد بالله ويجوز تضييق النافذة المسبلة بما لا ضرر فيه لمصلحة عامة باذن الإمام . وكذلك يجوز تضييق هوائها بالأولى وإلى مثل ما ذهب إليه المؤيد ذهب الهادوية وقالوا يجوز أيضا التضيق لمصلحة خاصة في الطرق المشروعة بين الأملاك (5/314)
4 - وعن سمرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم والشرخ الغلمان الذي لم ينبتوا " (5/314)
كتاب الشركة والمضاربة (5/315)
1 - عن أبي هريرة رفعه قال " إن الله يقول إنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه فإذا خانه خرجت من بينهما "
- رواه أبو داود (5/315)
- الحديث صححه الحاكم وأعله ابن القطان بالجهل بحال سعيد بن حيان وقد ذكره ابن حبان في الثقات وأعله أيضا ابن القطان بالإرسال فلم يذكر فيه أبا هريرة وقال أنه الصواب ولم يسنده غير أبي همام محمد بن الزبرقان . وسكت أبو داود والمنذري عن هذا الحديث وأخرج نحوه أبو القاسم الأصبهاني في الترغيب والترهيب عن حكيم بن حزام : قوله " كتاب الشركة " بكسر الشين وسكون الراء وحكى ابن باطيش فتح الشين وكسر الراء وذكر صاحب الفتحفيها أربع لغات فتح الشين وكسر الراء وكسر الشين وسكون الراء وقد تحذف الهاء وقد يفتح أوله من ذلك : فوله " والمضاربة " هي مأخوذة من الضرب في الأرض وهو السفر والمشي والعامل مضارب بكسر الراء . قال الرافعي ولم يشتق للمالك منه اسم فاعل لأن العامل يختص بالضرب في الأرض فعلى هذا تكون المضاربة من المفاعلة التي تكون من واحد مثل عاقبت اللص : قوله " أنا ثالث الشريكين " المراد إن الله جل جلاله يضع البركة للشريكين في مالهما مع عدم الخيانة ويمدهما بالرعاية والمعونة ويتولى الحفظ لما لهما قوله " خرجت من بينهم " أي نزعت البركة من المال زاد رزين " وجاء الشيطان " ورواية الدارقطني " فإذا خان أحدهما صاحبه رفعها عنهما " يعني البركة (5/315)
2 - وعن السائب بن أبي السائب أنه قال " للنبي صلى الله عليه وآله وسلم كنت شريكي في الجاهلية فكنت خير شريك لا تداريني ولا تماريني "
- رواه أبو داود وابن ماجه ولفظه " كنت شريكي ونعم الشريك كنت لا تدراي ولا تماري " (5/316)
- الحديث أخرجه أيضا النسائي والحاكم وصححه . وفي لفظ لأبي داود وابن ماجه " أن السائب المخزومي كان شريك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل البعثة فجاء يوم الفتح فقال مرحبا بأخي وشريكي لا تداري ولا تماري " وفي لفظ أن السائب قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعلوا يثنون على ويذكرونني فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا أعلمكم به فقلت صدقت بأبي أنت وأمي كنت شريكي فنعم الشريك لا تداري ولا تماري " ورواه أبو نعيم في المعرفة والطبراني في الكبير من طريق قيس بن السائب وروى أيضا عن عبد الله بن السائب قال أبو حاتم في العلل وعبد الله ليس بالقوي . وقد اختلف هل كان الشريك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم السائب المذكور أو ابنه عبد الله . واختلف أيضا في اسلام السائب وصحبته . قال ابن عبد البر هو من المؤلفة قلوبهم وممن حسن اسلامه وعاش إلى زمن معاوية وروى ابن هشام عن ابن عباس أنه ممن هاجر مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعطاه يوم الجعرانة من غنائم حنين . وقال ابن إسحاق أنه قتل يوم بدر كافرا وقيل إن اسمه السائب بن يزيد وهو وهم ويقال السائب بن نميلة . قاله " لا تدارين ولا تماريني " أي لا تمانعني ولا تحاورني ( وفي الحديث ) بيان ما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم من حسن المعاملة والرفق قبل النبوة وبعدها وفيه جواز السكوت من الممدوح عند سماع من يمدحه بالحق (5/316)
3 - وعن أبي المنهال " أن زيد بن أرقم والبراء بن عازب كانا شريكين فاشتريا فضة بنقد ونسيئة فبلغ النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأمرهما أن ما كان ينقد فأجيزوه وما كان بيسيئة فردوه "
- رواه أحمد والبخاري بمعناه (5/316)
- لفظ البخاري " ما كان يدا بيد فخذوه وما كان نسيئة فردوه " والحديث استدل به على جواز تفريق الصفقة فيصح منها ويبطل ما لا يصح وتعقب باحتمال أن يكونا عقدا مختلفين ويؤيده ما في البخاري في باب الهجرة إلى المدينة عن أبي المنهال المذكور فذكر هذا الحديث . وفيه " قدم النبي صلى الله عليه وآله وسلم المدينة ونحن نتبايع هذا البيع فقال ما كان يدا بيد فليس به بأس وما كان نسيئة فلا يصلح " فمعنى قوله ما كان يدا بيد فخذوه أي ما وقع لكم فيه التقابض في المجلس فهو صحيح فامضوه ومالم يقع لكم فيه التقابض فليس بصحيح فاتركوه ولا يلزم من ذلك أن يكونا جميعا في عقد واحد واستدل بهذا الحديث أيضا على جواز الشركة في الدراهم والدنانير وهو اجماع كما قال ابن بطال لكن لا بد أن يكون نقد كل واحد منهما مثل نقد صاحبه ثم يخلطا ذلك حتى لا يتميز ثم يتصرفا جميعا الا أن يقيم كل واحد منهما الآخر مقام نفسه . وقد حكى أيضا ابن بطال إن هذا الشرط مجمع عليه واختلفوا إذا كانت الدنانير من أحدهما والدراهم من الآخر فمنعه الشافعي ومالك في المشهور عنه والكوفيون إلا الثوري . واختلفوا أيضا هل تصح الشركة في غير النقدين فذهب الجمهور إلى الصحة في كل ما يتملك وقيل يختص بالنقد المضروب والأصح عند الشافعية اختصاصها بالمثلى . وحديث اشتراك الصحابة في أزوادهم في غزوة الساحل كما في حديث جابر عند البخاري وغيره يرد على من قال باختصاص الشركة بالنقد لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قررهم على ذلك . وكذلك حديث سلمة بن الأكوع عند البخاري وغيره أنهم جمعوا أزوادهم ودعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم لهم فيها بالبركة ويرد على الشافعية حديث أبي عبيدة الآتي . وحديث رويفع والحاصل ( أن الأصل ) الجواز في جميع أنواع الأموال فمن ادعى الأختصاص بنوع واحد أو بأنواع الشرك المفصلة في كتب الفقه فلا نقبل دعوى الأختصاص بالبعض الا بدليل (5/317)
4 - وعن أبي عبيدة عن عبد الله قال " اشتركت أنا وعمار وسعد فيما نصيب يوم بدر قال فجاء سعد باسيرين ولم أجيء أنا وعمار بشيء "
- رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه . وهو حجة في شركة الأبدان وتملك المباحات (5/317)
5 - وعن رويفع بن ثابت قال " إن كان أحدنا في زمن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليأخذ نضو أخيه على أنه له النصف مما يغنم ولنا النصف وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح "
- رواه أحمد وأبو داود (5/317)
- الحديث الأول منقطع لأن أبا عبيدة لم يسمع من أبيه عبد الله بن مسعود . والحديث الثاني في إسناده أبو داود شيبان بن أمية القتباني وهو مجهول وبقية رجاله ثقات وقد أخرجه النسائي من غير طريق هذا المجهول بإسناد رجاله كلهم ثقات . قوله " النضو " هو المهزول من الأبل . والنصل حديدة السهم . والريش هو الذي يكون على السهم . والقدح بكسر القاف السهم قبل أن يراش وينصل . ( استدل ) بحديث أبي عبيدة على جواز شركة الأبدان كما ذكره المصنف وهي أن يشترك العاملان فيما يعملانه فيوكل كل واحد منهما صاحبه أن يتقبل ويعمل عنه في قدرمعلوم ما استؤجر عليه ويعينان الصنعة وقد ذهب إلى صحتها مالك بشرط اتحاد الصنعة وإلى صحتها ذهبت العترة وأبو حنيفة وأصحابه . وقال الشافعي شركة الأبدان كلا باطلة لأن كل واحد منهما متميز ببدنه ومنافعه فيختص بفوائده وهذا كما لو اشتركا في ماشيتهما وهي متميزة ليكون الدر والنسل بينهما فلا يصح . وأجابت الشافعية عن هذا الحديث بأن غنائم بدر كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدفعها لمن يشاء وهذا الحديث حجة على أبي حنيفة وغيره ممن قال إن الوكالة في المباحات لا تصح . والحديث الثاني يدل على جواز دفع أحد الرجلين إلى الآخر راحلته في الجهاد على أن تكون الغنيمة بينهما والأحتجاج بهذين الحديثين إنما هو على فرض أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اطلع وقرر وعلى فرض عدم الأطلاع والتقرير لا حجة في أفعال الصحابة وأقوالهم الا أن يصح إجماعهم على أمر (5/318)
6 - وعن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " انه كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالامقارضة يضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به بطن مسيل فإن فعلت شيئا من ذلك فقد ضمنت مالي "
- رواه الدارقطني (5/318)
- الأثر أخرجه أيضا البيهقي وقوى الحافظ إسناده وفي تجويز المضاربة آثار عن جماعة من الصحابة منها عن علي عليه السلام عند عبد الرزاق أنه قال في المضاربة الوضيعة على المال والربح على ما اصطلحوا عليه . وعن ابن مسعود عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين أنه أعطى زيد بن جليدة ما لا مقارضة وأخرجه عنه أيضا البيهقي . وعن ابن عباس عن أبيه العباس أنه كان إذا دفع مالا مضاربة فذكر قصة وفيها أنه وقع الشرط إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأجازه أخرجه البيهقي بإسناد ضعيف والطبراني وقال تفرد به محمد بن عقبة عن يونس بن أرقم عن أبي الجارود . وعن جابر عند البيهقي أنه سئل عن ذلك فقال لا بأس به . وفي إسناده ابن لهيعة . وعن عمر عند الشافعي في كتاب اختلاف العراقيين أنه أعطى مال يتيم مضاربة وأخرجه أيضا البيهقي وابن أبي شيبة وعن عبد الله وعبيد الله ابني عمر " أنهما لقيا أبا موسى الأشعري بالبصرة منصرفهما من غزوة نهاوند فتسلفا منه مالا وابتاعا منه متاعا وقدما به المدينة فباعاه وربحا فيه وأراد عمر أخذ رأس المال والربح كله فقالا لو كان تلف كان ضمانه علينا فكيف لا يكون ربحه لنا فقال يا أمير المؤمنين لو جعلته قراضا فقال قد جعلته قراضا وأخذ منهما الصف الربح " أخرجه مالك في الموطأ والشافعي والدارقطني قال الحافظ إسناده صحيح قال الطحاوي يحتمل أن يكون عمر شاطر هما فيه كما شاطر عماله أموالهم . وقال البيهقي تأول الترمذي هذا القصة بأنه سألهما لبره الواجب عليهما أن يجعلاه كله للمسلمين فلم يجيباه فلما طلب النصف أجاباه عن طيب أنفسهما وعن عثمان عند البيهقي إن عثمان أعطى مالا مضاربة فهذه الآثار تدل على أن المضاربة كان الصحابة يتعاملون بها من غير نكير فكان ذلك اجماعا منهم على الجواز وليس فيها شيء مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا ما أخرجه ابن ماجه من حديث صهيب قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث فيهن البركة البيع إلى أجل والمقارضة واخلاط البر بالشعير للبيت لا للبيع " لكن في إسناده نصر بن القاسم عن عبد الرحيم بن داود وهما مجهولان وقد بوب أبو داود في سننه للمضاربة وذكر حديث عروة البارقي الذي سيأتي ولا دلالة فيه على جوازها لأن القصة المذكورة فيه ليست من باب المضاربة كما ستعرف ذلك قريبا قال ابن حزم في مراتب الإجماع كل أبواب الفقه فلها أصل من الكتاب والسنة حاشا القراض فما وجدنا له أصلا فيهما البتة ولكنه إجماع صحيح مجرد والذي يقطع به إنه كان في عصر النبي صلى الله عليه وآله وسلم فعلم به وأقره ولولا ذلك لما جاز انتهى . وقال في البحر إنها كانت قبل الأسلام فاقرها انتهى . وأحكام المضاربة مبسوطة في كتب الفقه فلا نشتغل بالتطويل بها لأن موضوع هذا الشرح الكلام على ما يتعلق بالحديث " قوله " أن لا تجعل مالي في كبد رطبة " أي لا تشتري به الحيوانات إنما نهاه عن ذلك لأن ما كان له روح عرضة للهلاك بطرو الموت عليه (5/318)
( كتاب الوكالة ) (6/1)
باب ما يجوز التوكيل فيه من العقود وإيفاء الحقوق وأخراج الزكوات واقامة الحدود وغير ذلك (6/1)
1 - قال أبو رافع " استسلف النبي صلى الله عليه وآله وسلم بكرا فجاءت إبل الصدقة فأمرني أن أقضي الرجل بكره " (6/1)
2 - وقال ابن أبي أوفى " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بصدقة مال أبي فقال اللهم صل علي آل أبي أوفي " (6/2)
3 - وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " إن الخازن الأمين الذي يعطي ما أمر به كاملا موفرا طيبة به نفسه حتى يدفعه إلى الذي أمر له به أحد المتصدقين " (6/2)
4 - وقال " واغديا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها " (6/2)
5 - وقال علي عليه السلام " أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أقوم على بدنه وأقسم جلودها وجلالها " (6/3)
6 - وقال أبو هريرة " وكلني النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حفظ زكاة رمضان وأعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عقبة بن عامر غنما يقسمها بين أصحابه " (6/3)
- هذه الأحاديث لم يذكر المصنف في هذا الموضع من خرجها . وحديث أبي رافع قد تقدم في باب استقراض الحيوان من كتاب القرض وأورده ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في قضاء القرض . وحديث ابن أبي أوفى تقدم في باب تفرقة الزكاة في بلدها من كتاب الزكاة وذكره المصنف ههنا للاستدلال به على جواز توكيل صاحب الصدقة من يوصلها إلى الامام . وحديث الخازن ذكره المصنف في باب العاملين على الصدقة من كتاب الزكاة وسيذكر الأحاديث الواردة في تصرف المرأة في مال زوجها والعبد في مال سيده والخازن في مال من جعله خازنا في آخر كتاب الهبة والعطية . وذكر حديث الخازن ههنا للاستدلال به على جواز التوكيل في الصدقة لقوله فيه " الذي يعطي ما أمر به كاملا " وقوله " اغديا أنيس " سيأتي في كتاب الحد ودوفيه دليل على أنه يجوز للامام توكيل من يقيم الحد على من وجب عليه . وحديث علي عليه السلام تثدم في باب الصدقة بالجلود من أبواب الضحايا والهدايا وفيه دليل على جواز توكيل صاحب الهدى لرجل أن يقسم جلودها وجلالها . وحديث أبي هريرة هو في صحيح البخاري وغيره وقد أورده في كتاب الوكالة وبوب عليه باب إذا وكل رجل رجلا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وان أقرضه إلى أجل مسمى جاز وذكر فيه مجيء السارق إلى أبي هريرة وأنه شكا إليه الحاجة فتركه يأخذ فكأنه أسلفه إلى أجل وهو وقت أخراج زكاة الفطر . وحديث عقبة بن عامر تقدم في باب السن الذي يجزيء في الأضحية وفيه دليل على جواز التوكيل في قسمة الضحايا ( وهذه الأحاديث ) تدل على صحة الوكالة وهي بفتح الواو وقد تكسر التفويض والحفظ تقول وكلت فلانا إذا استحفظته ووكلت الأمر إليه بالتخفيف إذا فوضته إليه وهي في الشرع إقامة الشخص غيره مقام نفسه مطلقا وقد استدل على جواز الوكالة من القرآن بقوله تعالى { فابعثوا أحدكم بورقكم } وقوله تعالى { اجعلني على خزائن الأرض } وقد دل على جوازها أحاديث كثيرة منها ما ذكر المصنف في هذا الكتاب وقد أورد البخاري في كتاب الوكالة ستة وعشرين حديثا ستة معلقة والباقية موصولة . وقد حكى صاحب البحر الإجماع على كونها مشروعة وفي كونها نيابة أو ولاية وجهان فقيل نيابة لتحريم المخالفة وقيل ولاية لجواز المخالفة إلى الأصلح كالبيع بمعجل وقد أمر بمؤجل (6/3)
7 - وعن سليمان بن يسار " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعث أبا رافع مولاه ورجلا من الأنصار فزوجاه ميمونة بنت الحرث وهو بالمدينة قبل أن يخرج "
- رواه مالك في الموطأ . وهو دليل على أن تزوجه بها سبق احرامه وأنه خفي على ابن عباس (6/4)
8 - وعن جابر قال " أردت الخروج إلى خيبر فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أتيت وكيلي فخذ منه خمسة عشر وسقا فإن ابتغى منك آية فضع يدك على ترقوته "
- رواه أبو داود والدارقطني (6/4)
9 - وعن يعلى بن أمية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إذا أتتك رسلي فاعطهم درعا وثلاثين بعيرا فقال له العارية مؤداة يا رسول الله قال نعم "
- رواه أحمد وأبو داود وقال فيه " قلت يا رسول الله عارية مضمومة أو عارية مؤداة قال بل مؤداة " (6/4)
- الحديث الأول أخرجه أيضا الشافعي وأحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه وقد أعله ابن عبد البر بالإنقطاع بين سليمان بن يسار وأبي رافع لأنه لم يسمع منه وتعقب بأنه قد وقع التصريح بسماعه في تاريخ ابن أبي خيثمة نزول الأبطح ورجح ابن القطان اتصاله ورجح ان مولد سليمان سنة سبع وعشرين ووفاة أبي رافع سنة ست وثلاثين فيكون سنه عند موت أبي رافع ثمان سنين وقد تقدم الكلام على زواجه صلى الله عليه وآله وسلم بميمونة واختلاف الأحاديث في ذلك في كتاب الحج في باب ما جاء في نكاح المحرم وفيه دليل على جواز التوكيل في عقد النكاح من الزوج والحديث الثاني علق البخاري طرفا منه في الخمس وحسن الحافظ في التلخيص إسناده ولكنه من حديث محمد بن إسحاق قوله فإن ابتغى منك آية علامة . قوله ترقوته بفتح المثناة من فوق وضم القاف وهي العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق وهما ترقوتان من الجانبين ( وفي الحديث ) دليل على صحة الوكالة وإن الامام له أن يوكل ويقيم عاملا على الصدقة في قبضها وفي دفعها إلى مستحقها وإلى من يرسله إليه بإمارة . وفيه أيضا دليل على جواز العمل بالأمارة أي العلامة وقبول قول الرسول إذا عرف المرسل إليه صدقه وهل يجب الدفع إليه قيل لا يجب لأن الدفع إليه غير مبرئ لاحتمال أن ينكر الموكل أو المرسل إليه وبه قال الهادي واتباعه وقيل يجب مع التصديق بأمارة أو نحوها لكن له الامتناع من الدفع إليه حتى يشهد عليه بالقبض وبه قال أبو حنيفة ومحمد ( وفي الحديث ) أيضا دليل على استحباب اتخاذ علامة من الوكيل موكله لا يطلع عليها غيرهما ليعتمد الوكيل عليها في الدفع لأنها أسهل من الكتابة فقد لا يكون أحدهما ممن يحسنها ولان الخط يشتبه . والحديث الثالث أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص . وقال ابن حزم أنه أحسن ما ورد في هذا الباب وقد ورد في معناه أحاديث يأتي ذكرها في العارية عند الكلام على حديث صفوان إن شاء الله وفيه دليل على جواز التوكيل من المستعير لقبض العارية : قوله " العارية مؤداة " سيأتي الكلام على هذا في العارية إن شاء الله تعالى (6/5)
باب من وكل في شراء شيء فاشترى بالثمن أكثر منه وتصرف في الزيادة (6/5)
1 - عن عروة بن أبي الجعد البارقي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطاه دينارا ليشتري به له شاة فاشترى له به شاتين فباع أحدهما بدينار وجاءه بدينار وشاة فدعا له بالبركة في بيعه وكان لو اشترى التراب لربح فيه "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود (6/5)
2 - وعن حبيب بن أبي ثابت عن حكيم بن حزام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعثه ليشتري له أضحية بدينار فاشترى أضحية فاربح فيها دينارا فاشترى أخرى مكانها فجاء بالأضحية والدينار إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال ضح بالشاة وتصدق بالدينار "
- رواه الترمذي وقال لانعرفه الا من هذا الوجه وحبيب بن أبي ثابت لم يسمع عندي من حكيم . ولأبي داود نحوه من حديث أبي حصين عن شيخ من أهل المدينة عن حكيم (6/6)
- الحديث الأول أخرجه أيضا الترمذي وابن ماجه والدارقطني . وفي إسناد من عدا البخاري سعيد بن زيد أخو حماد وهو مختلف فيه عن أبي لبيد لمازة بن زبار . وقد قيل أنه مجهول لكنه قال الحافظ أنه وثقه ابن سعد . وقال حرب سمعت أحمد يثني عليه . وقال في التقريب أنه ناصبي جلد . قال المنذري والنووي إسناده صحيح لمجيئه من وجهين وقد رواه البخاري من طريق ابن عيينة عن شبيب بن غرقد سمعت الحي يحدثون عن عروة ورواه الشافعي عن ابن عيينة وقال إن صح قلت به . ونقل المزني عنه أنه ليس بثابت عنده قال البيهقي إنما ضعفه لأن الحي غير معروفين وقال في موضع آخر هو مرسل لأن شبيب بن غرقد لم يسمعه من عروة وإنما سمعه من الحي وقال الرافعي هو مرسل قال الحافظ الصواب أنه متصل في إسناده منهم . والحديث الثاني منقطع في الطريق الأولى لعد سماع حبيب من حكيم وفي الطريق الثانية في إسناده مجهول قال الخطابي إن الخبرين معا غير متصلين لأن في أحدهما وهو خبر حكيم رجلا مجهولا لا يدرى من هو وفي خبر عروة إن الحي حدثوه وما كان هذا سبيله من الرواية لم تقم به الحجة . وقال البيهقي ضعف حديث حكيم من أجل هذا الشيخ ( وفي الحديثين ) دليل على أنه يجوز للوكيل إذا قال له المالك اشتري بهذا الدينار شاة ووصفها ان يشتري به شاتين بالصفة المذكورة لأن مقصود الموكل قد حصل وزاد الوكيل خيرا ومثل هذا لو أمره أن يبيع شاة بدرهم فباعها بدرهمين أو بان يشتريها بدرهم فاشتراها بنصف درهم وهو الصحيح عند الشافعية كما نقله النووي في زيادات الروضة : قوله " فباع أحدهما بدينار " فيه دليل على صحة بيع الفضولي وبه قال مالك وأحمد في إحدى الروايتين عنه والشافعي في القديم وقواه النووي في الروضة وهو مروي عن جماعة من السلف منهم علي عليه السلام وابن عباس وابن مسعود وابن عمر وإليه ذهبت الهادوية وقال الشافعي في الجديد وأصحابه والناصر إن البيع الموقوف والشراء الموقوف باطلان للحديث المتقدم في البيع أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تبع ماليس عندك " وأجابوا عن حديثي الباب بما فيهما من المقال وعلى تقدير الصحة فيمكن أنه كان وكيلا بالبيع بقرينة فهمها منه صلى الله عليه وآله وسلم . وقال أبو حنيفة أنه يكون البيع الموقوف صحيحا دون الشراء والوجه أن الأخراج عن ملك المالك مفتقر إلى أذنه بخلاف الأدخال ويجاب بأن الأدخال للمبيع في الملك يستلزم الأخراج من الملك للثمن وروي عن مالك العكس من قول أبي حنيفة فإن صح فهو قوي لأن فيه جمعا بين الأحاديث قوله " فاشترى أخرى مكانها " فيه دليل على أن الأضحية لا تصير أضحية بمجرد الشراء وأنه يجوز البيع لا بدال مثل أو أفضل : قوله " وتصدق بالدينار " جعل جماعة من أهل العلم هذا أصلا فقالوا من وصل إليه مال من شبهة وهو لا يعرف له مستحقا فإن يتصدق به : ووجه الشبهة ههنا أنه لم يأذن لعروة في بيع الأضحية ويحتمل أن يتصدق به لأنه قد خرج عنه للقربة لله تعالى في الأضحية فكره أكل ثمنها (6/6)
باب من وكل في التصديق بماله فدفعه إلى ولد الموكل (6/6)
1 - عن معن بن يزيد قال " كان أبي خرج بدنانير يتصدق لها فوضعها عند رجل في المسجد فجئت فأخذتها فأتيته بها . فقال والله ما إياك أردت بها فخاصمه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال لك مانويت ما نويت يا يزيد ولك يا معن ما أخذت "
- رواه أحمد والبخاري (6/7)
- قوله " عند رجل " قال في الفتح لم أقف على اسمه : قوله " فأتيته بها " أي أتيت أبي بالدنانير المذكورة : قوله " والله ما إياك أردت " يعني لو أردت انك تأخذها لاعطيتك اياها من غير توكيل وكأنه كان يرى أن الصدقة على الولد لا تجزئ أو تجزيء ولكن الصدقة على الأجنبي أفضل : قوله " لك ما نويت " أي أنك نويتت أن تتصدق بها على من يحتاج إليها وابنك محتاج فقد وقعت موقعها وإن كان لم يخطر ببالك أنه يأخذها ولابنك ما أخذ لأنه أخذها محتاجا إليها واستدل بالحديث على جواز دفع الصدقة إلى كل أصل وفرع ولو كان ممن تلزمه نفقته قال في الفتح ولا حجة فيه لأنها واقعة حال فاحتمل أن يكون معن كان مستقلا لا يلزم اباه نفقته والمراد بهذه الصدقة صدقة التطوع لا صدقة الفرض فإنه قد وقع الإجماع على أنها لا تجزئ في الولد كما تقدم في الزكاة . وفي الحديث جواز التوكيل في صرف الصدقة ولهذا الحكم ذكر المصنف هذا الحديث ههنا (6/7)
كتاب المساقاة والمزارعة (6/7)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل أهل خيبر بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع "
- رواه الجماعة . وعنه أيضا " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما ظهر على خيبر سألته اليهود أن يقرهم بها على أن يكفوه عملها ولهم نصف الثمرة فقال لهم نقركم بها على ذلك ما شئنا " متفق عليه . وهو حجة في أنها عقد جائز . وللبخاري " أعطى يهود خيبر أن يعملوها وبزرعوها وهم شطر ما يخرج منها " ولمسلم وأبي داود والنسائي " دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعملوها من أموالهم ولرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شطر ثمرها " قلت وظاهر هذا أن البذر منهم وان تسمية نصيب العامل تغني عن تسمية نصيب رب المال ويكون الباقي له (6/8)
2 - وعن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عامل يهود خيبر على أن نخرجهم متى شئنا "
- رواه أحمد والبخاري بمعناه (6/8)
3 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دفع خيبر ارضها ونخلها مقاسمة على النصف "
- رواهأحمد وابن ماجه (6/8)
4 - وعن أبي هريرة قال " قالت الأنصار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم اقسم بيننا وبين أخواننا النخل قال لا فقالوا تكفونا العمل ونشرككم في الثمرة فقالوا سمعنا وأطعنا "
- رواه البخاري (6/9)
5 - وعن طاوس أن معاذ بن جبل أكرى الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان على الثلث والربع فهو يعمل به إلى يومك هذا "
- رواه ابن ماجه . قال البخاري وقال قيس بن مسلم عن أبي جعفر قال ما بالمدينة أهل بيت الهجرة إلا يزرعون على الثلث والربع وزارع علي عيه السلام وسعد ابن مالك وابن مسعود وعمر بن عبد العزيز والقاسم وعروة وآل أبي بكر وآل علي وآل عمر . قال وعامل عمر الناس على أن جاء عمر بالبذر من عنده فله الشطر وإن جاءوا بالبذر فلهم كذا (6/9)
- حديث ابن عباس رواه ابن ماجه من طريق إسماعيل بن توبة وهو صدوق وبقية رجاله رجال الصحيح . وحديث معاذ رجال إسناده رجال الصحيح ولكن طاوس لم يسمع من معاذ وفيه نكارة لأن معاذ مات في خلافة عمر ولم يدرك أيام عثمان : قوله كتاب المساقاة والمزارعة المساقاة ما كان في النخل والكرم وجميع الشجر الذي يثمر بجزء معلوم من الثمرة للأجير وإليه ذهب الجمهور وخصها الشافعي في قوله الجديد بالنخل والكرم وخصها داود بالنخل وقال مالك لا تجوز في الزرع والشجر ولا تجوز في البقول عند الجمع . وروى عن ابن دينار أنه أجازها فيها ( والحاصل ) أن من قال أنها واردة على خلاف القياس قصرها على مورد النص ومن قال أنها واردة على القياس الحق بالمنصوص غيره . والمزارعة مفاعلة من الزراعة قال المطرزي . وقال صاحب الإقليد من الزرع . والمخابرة مشتقة من الخبير على وزن العليم وهو الإكار بهمزة مفتوحة وكاف مشددة وراء مهملة وهو الزارع والفلاح الحراث وإلى هذا الاشتقاق ذهب أبو عبيد والأكثرون من أهل اللغة والفقهاء . وقال آخرون هي مشتقة من الخبار بفتح الخاء المعجمة وتخفيف الباء الموحدة وهي الأرض الرخوة وقيل من الخبر بضم الخاء وهو النصيب من سمك أو لحم وقال ابن الأعرابي هي مشتقة من خبير لأن أول هذه المعاملة فيها . وفسر أصحاب الشافعي المخابرة بأنها العمل على الأرض ببعض ما يخرج منها والبذر من العامل . وقيل أن المساقاة والمزارعة والمخابرة بمعنى واحد وإلى ذلك يشير كلام الشافعي فإنه قال في الأم في باب المزرعة وإذا دفع رجل إلى رجل أرضا بيضاء على أن يزرعها المدفوع إليه ما خرج منها من شيء فله منه جزء من الأجزاء فهذه المحاقلة والمخابرة والمزارعة التي ينهى عنها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اه . وإلى نحو ذلك يشير كلام البخاري وهو وجه للشافعية . وقال في القاموس المزارعة المعاملة على الأرض ببعض ما يخرج منها ويكون البذر من مالكها . وقال المخابرة أن يزرع على النصف ونحوه اه . قوله " بشطر ما يخرج " فيه جواز المزارعة بالجزء المعلوم من نصف أو ربع أو ثمن أو نحوها والشطر هنا بمعنى النصف وقد يأتي بمعنى النحو والقصد . ومنه قوله تعالى { فول وجهك شطر المسجد الحرام } أي نحوه : قوله " نقركم بها على ذلك ما شئنا " المراد أنا نمكنكم من المقام إلى ان نشاء إخراجكم لأنه صلى الله عليه وآله وسلم كان عازما على إخراجهم من جزيرة العرب كما أمر بذلك عند موته . واستدل به على جواز المساقاة مدة مجهولة وبه قال أهل الظاهر وخالفهم الجمهور وتأولوا الحديث بأن المراد مدة العهد وأن لنا إخراجكم بعد إنقضائها ولا يخفى بعده . وقيل أن ذلك كان في أول الأمر خاصة للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وهذا يحتاج إلى دليل : قوله " ما بالمدينة أهل بيت هجرة " الخ هذا الأثر أورده البخاري ووصله عبد الرزاق : قوله " وزارع علي عليه السلام " الخ أما أثر علي عليه السلام فوصله ابن أبي شيبة وأما أثر عمر بن عبد العزيز فوصله ابن أبي شيبة أيضا . وأما أثر القاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر فوصله عبد الرزاق . وأما أثر عروة وهو ابن الزبير فوصله ابن أبي شيبة . وأما أثر آل أبي بكر وآل علي وآل عمر فوصله ابن أبي شيبة أيضا وعبد الرزاق . وأما أثر عمر في معاملة الناس فوصله ابن أبي شيبة أيضا والبيهقي وقد ساق البخاري في صحيحه عن السلف غير هذه الآثار ولعله أراد بذكرها الإشارة إلى أن الصحابة لم ينقل عنهم الخلاف في الجواز خصوصا أهل المدينة
وقد تمسك بالأحاديث المذكورة في الباب جماعة من السلف . قال الحازمي روى عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وعبد الله بن مسعود وعمار بن ياسر وسعيد بن المسيب ومحمد بن سيرين وعمر بن عبد العزيز وابن أبي ليلى وابن شهاب الزهري ومن أهل الرأي أبو يوسف القاضي ومحمد بن الحسن فقالوا تجوز المزارعة والمساقاة بجزء من الثمر أو الزرع قالوا ويجوز العقد على المزارعة والمساقاة مجتمعتين فتساقيه على النخل وتزارعه على الأرض كما جرى في خيبر ويجوز العقد على كل واحدة منهما منفردة وأجابوا عن الأحاديث القاضية بالنهي عن المزارعة بأنها محمولة على التنزيه وقيل أنها محمولة على ما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها معينة . وقال طاوس وطائفة قليلة لا يجوز كراء الأرض مطلقا لا بجزء من الثمر والطام ولا بذهب ولا بفضة ولا بغير ذلك وذهب إليه ابن حزم وقواه واحتج له بالأحاديث المطلقة في ذلك وستأتي وقال الشافعي وأبو حنيفة والعترة وكثيرون أنه يجوز كراء الأرض بكل ما يجوز أن يكون ثمنا في المبيعات من الذهب والفضة والعروض بالطعام سواء كان من جنس ما يزرع في الأرض أو غيره لا يجزء من الخارج منها وقد أطلق ابن المنذر أن الصحابة أجمعوا على جواز كراء الأرض بالذهب والفضة ونقل ابن بطال اتفاق فقهاء الأمصار عليه وتمسكوا بما سيأتي من النهي عن المزارعة بجزء من الخارج وأجابوا عن أحاديث الباب بأن خيبر فتحت عنوة فكان أهلها عبيدا له صلى الله عليه وآله وسلم فما أخذه من الخارج منها فهو له وما تركه فهو له وروى الحازمي هذا المذهب عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس ورافع بن خديج وأسيد بن حضير وأبي هريرة ونافع قال وإليه ذهب مالك والشافعي ومن الكوفيين أبو حنيفة اه . وقال مالك أنه يجوز كراء الأرض بغير طعام والثمر لأبهما لئلا يصير من بيع الطعام بالطعام وحمل النهي على ذلك هكذا حكى عنه صاحب الفتح . قال ابن المنذر ينبغي أن يحمل ما قاله مالك على ما إذا كان المكري به من الطعام جزأ مما يخرج منها فأما إذا اكتراها بطعام معلوم في ذمة المكتري أو بطعام حاضر يقضيه المالك فلا مانع من الجواز . وقال أحمد بن حنبل يجوز إجارة الأرض بجزء من الخارج منها إذا كان البذر من رب الأرض حكى ذلك عن الحازمي وأعلم أنه قد وقع لجماعة ولا سيما من المتأخرين في نقل المذاهب في هذه المسألة حتى أفضي ذلك إلى أن بعضهم يروي عن العالم الواحد الأمرين المتناقضين وبعضهم يروي قولا لعالم آخر ويروي عنه نقيصة ولا جرم فالمسألة باعتيار اختلاف المذاهب فيها وتعيين راجحها من مرجوحها من المعضلات وقد جمعت فيها رسالة مستقلة وسيأتي تحقيق ما هو الحق وتفصيل بعض المذاهب والإشارة إلى حجة كل طائفة ودفعها (6/9)
باب فساد العقد إذا شرط أحدهما لنفسه التبن أو بقعة بعينها ونحوه (6/10)
1 - عن رافع بن خديج قال " كنا أكثر الأنصار حقلا فكنا نكري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه فربما أخرجت هذه ولم تخرج هذه فنهانا عن ذلك فأما الورق فلم ينهنا "
- أخرجاه . وفي لفظ " كنا أكثر أهل الأرض مزدرعا كنا نكري الأرض بالناحية منها تسمى لسيد الرض قال فربما يصاب ذلك وتسلم الأرض وربما تصاب الأرض ويسلم ذلك فنهينا فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ " رواه البخاري . وفي لفظ " قال إنما كان الناس يؤاجرون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما على الماذيانات وأقبال الجداول وأشياء من الزرع فيهلك هذا ويسلم هذا ويسلم هذا ويهلك هذا ولم يكن للناس كرى إلا هذا فلذلك زجر عنه فأما لاشيء معلوم مضمون فلا بأس به " رواه مسلم وأبو داود والنسائي . وفي رواية عن رافع " قال حدثني عمامي أنهما كانا يكريان الأرض على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بما ينبت على الأربعاء وبشيء يستثنيه صاحب الأرض قال فنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن ذلك " رواه أحمد والبخاري والنسائي . وفي رواية عن رافع " أن الناس كانوا يكرون المزارع في زمان النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالماذيانات وما يسقي الربيع وشيء من التبن فكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كرى المزارع بهذا ونهى عنها " رواه أحمد (6/10)
- قوله " حقلا " أي أهل مزارعة قال في القاموس المحاقل المزارع والمحاقلة بيع الزرع قبل بدو صلاحه أو بيعه في سنبله بالحنطة أو المزارعة بالثلث والربع أو أقل أو أكثر وإكراء الأرض بالحنطة اه قوله " فنهانا عن ذلك " أي عن كري الأرض على أن لنا هذه ولهم هذه " فيصلح التمسك بهذا المذهب من قال أن النهي عنه إنما هو هذا النوع ونحوه من المزارعة . وقد حكى في الفتح عن الجمهور أن النهي محمول على الوجه المفضي إلى الغرر والجهالة لا عن إكرائها مطلقا حتى بالذهب والفضة قال ثم اختلف الجمهور في جواز إكرائها بجزء مما يخرج منها فمن قال بالجواز حمل أحاديث النهي على التنزيه قال ومن لم يجز إجارتها بجزء مما يخرج قال النهي عن كرائها محمول علىما إذا اشترط صاحب الأرض ناحية منها أو شرط ما ينبت على النر لصاحب الأرض لما في كل ذلك من الغرر والجهالة اه : قوله " فأما الورقفلم ينهنا " لا منافاة بين هذه الرواية وبين الرواية الثانية أعني قوله فأما الذهب والورق فلم يكن يومئذ لأن عدم النهي عن الورق لا يستلزم وجوده ولا وجود المعاملة به وفي رواية عن نافع عند البخاري أنه قال ليس بها بأس بالدينار والدرهم . قال في الفتح يحتمل أن يكون رافع قال ذلك باجتهاده ويحتمل أن يكون علم ذلك بطريق التنصيص على جوازه أو علم أن النهي عن كري الأرض ليس على إطلاقه بل بما إذا كان بشيء مجهول ونحو ذلك فاستنبط من ذلك جواز الكري بالذهب والفضة ويرجح كونه مرفوعا بما أخرجه أبو داود والنسائي بإسناد صحيح عنه قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة وقال إنما يزرع ثلاثة رجل له ارض ورجل منح أرضا ورجل اكترى أرضا بذهب أو فضة " لكن بين النسائي كم وجه آخر أن المرفوع منه النهي عن المحاقلة والمزابنة وأن بقيته مدرج من كلام سعيد بن المسيب . وقد أخرج أبو داود والنسائي ما هو أظهر في الدلالة على الرفع من هذا وهو حديث سعد بن أبي وقاص الآتي : قوله " بما على الماذيانات " بذال معجمة مكسورة ثم مثناة تحتية ثم ألف ثم نون ثم ألف ثم مثناة فوقية هذا هو المشهور . وحكى القاضي عياض عن بعض الرواة فتح الذال في غير صحيح مسلم وهو ما ينبت على حافة النهر ومسايل الماء وليست عربية لكنها سوادية وهي في الأصل مسايل المياه فتسمية لنا بت عليها باسمها كما وقع في بعض الروايات بلفظ يؤاجرون على الماذيانات مجاز مرسل والعلاقة المجاورة أو الحالية والمحلية : قوله " وإقبال الجادول " بفتح الهمزة وسكون القاف وتخفيف الموحدة أي أوائل . والجداول السواقي جمع جدول وهو النهر الصغير : قوله " واشياء من الزرع " يعني مجهول المقدار ويدل على ذلك قوله في آخر الحديث فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به : قوله " فيهلك " بكسر اللام أي فربما يهلك . قوله " زجر عنه " على البناء للمجهول أي نهى عنه وذلك لما فيه من الغرر المؤدي إلى التشاجر وأكل أموال الناس بالباطل : قوله " على الأربعاء " جمع ربع وهو النهر الصغير كنبي وأنبياء ويجمه أيضا ربعان كصبي وصبيان
قوله يستثنيه " من الاستثناء كأنه يشير إلى استثناء الثلث والربع كذا قال في الفتح واستدل على أن هذا هو المراد برواية أخرى ذكرها البخاري ولكنه ينافي هذا التفسير قوله في الرواية الأولى " فأما شيء معلوم مضمون فلا بأس به " وهذا الحديث يدل على تحريم المزارعة على ما يفضي إلى الغرر والجهالة ويوجب المشاجرة وعليه تحمل الأحاديث الواردة في النهي عن المخابرة كما هو شأن حمل المطلق على المقيد ولا يصح حملها على المخابرة التي فعلها النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر لما ثبت من أنه صلى الله عليه وآله وسلم استمر عليها إلى موته واستمر على مثل ذلك جماعة من الصحابة ويؤيد هذا تصريح رافع في هذا الحديث بجواز المزارعة على شيء معلوم مضمون ولا يشكل على جواز المزارعة بجزء معلوم حديث أسيد بن ظهير الآتي فإن النهي فيه ليس بمتوجه إلى المزارعة بالنصف والثلث والربع فقط بل إلى ذلك مع اشتراط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع ولا شك أن مجموع ذلك غير المخابرة التي أجازها صلى الله عليه وآله وسلم وفعلها في خيبر نعم حديث رافع عند أبي داود والنسائي وابن ماجه بلفظ " من كانت له أرض فليزرعها أو ليزرعها ولا يكارها بثلث ولا ربع ولا بطعام مسمي " وكذلك حديثه أيضا عند أبي داود بإسناد فيه بكر بن عامر البجلي الكوفي وهو متكلم فيه " قال أنه زرع أرضا فمر به النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يسقيها فسأله لمن الزرع ولمن الأرض فقال زرعي ببذري وعملي ولي الشطر ولبنى فلان الشطر فقال أربيتما فرد الأرض على أهلها وخذ نفقتك " ومثله حديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المخابرة قلت وما المخابرة قال أن يأخذ الأرض بنصف أو ثلث أو ربع " فيها دليل على المنع من المخابرة بجزء معلوم ومثل هذه الأحاديث حديث أسيد الآتي على فرض أنه نهى عن المزارعة بجزء معلوم وعدم تقييده بما فيه من كلام أسيد كما سيأتي ولكنه لا سبيل إلى جعلها ناسخة لما فعله صلى الله عليه وآله وسلم في خيبر لموته وهو مستمر على ذلك وتقريره لجماعة من الصحابة عليه ولا سبيل إلى جعل هذه الأحاديث المشتملة على النهي منسوخة بفعله صلى الله عليه وآله وسلم لصدور النهي عنه في أثناء مدة معاملته ورجوع جماعة من الصحابة إلى رواية من روى النهي والجمع ما أمكن هو الواجب وقد أمكن هنا بحمل النهي على معناه المجازي وهو الكراثة ولا يشكل على هذا قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أربيتما " في حديث رافع المذكور وذلك بأن يقال قد وصف النبي صلى الله عليه وآله وسلم هذه المعاملة بأنها ربا والربا حرام بالإجماع فلا يمكن الجمع بالكراهة لانا نقول الحديث لا ينتهض للاحتجاج به للمقال الذي فيه ولا سيما مع معارضته للأحاديث الصحيحة الثابتة من طرق متعددة الواردة بجواز المعاملة بجزء معلوم وكيف يصح أن يكون ذلك ربا وقد مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومات عليه جماعة من أجلاء الصحابة بل يبعد أن يعامل النبي صلى الله عليه وآله وسلم المعاملة المكروهة وبموت عليها ولكنه ألجأنا إلى القول بذلك الجمع بين الأحاديث وهذا ما نرجحه في هذه المسألة ولا يصح الأعتذار عن الأحاديث القاضية بالجواز بأنها مختصة به صلى الله عليه وآله وسلم لما تقرر من أنه صلى الله عليه وآله وسلم إذا نهى عن شيء نهيا مختصا بالأمة وفعل ما يخالفه كان ذلك الفعل مختصا به لانا نقول أولا النهي غير مختص بالأمة وثانيا أنه صلى الله عليه وآله وسلم قرر جماعة من الصحابة على مثل معاملته في خيبر إلى عند موته . وثالثا أنه قد استمر على ذلك بعد موته صلى الله عليه وآله وسلم جماعة من أجلاء الصحابة ويبعد كل البعد أن يخفى عليهم مثل هذا ومن أوضح ما استدل به على كراهة المزارعة بجزء معلوم حديث ابن عباس الآتي (6/10)
2 - وعن أسيد بن ظهير قال " كان أحدنا إذا استغنى عن أرضه أو افتقر إليه أعطاها بالنصف والثلث والربع ويشترط ثلاث جداول والقصارة وما يسقى الربيع وكان يعمل فيها عملا شديدا ويصيب منها منفعة فاتانا رافع بن خديج فقال نهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أمر كان نافعا وطاعة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خير لكم نهاكم عن الحقل "
- رواه أحمد وابن ماجه والقصارة بقية الحب في السنبل بعدما يداس (6/11)
- الحديث أخرجه أيضا أبو داود والنسائي بدون كلام أسيد بن ظهير ورجال إسناد الحديث رجال الصحيح . قوله " والقصارة " قال في القاموس والقصارة بالضم والقصرى بالكسر والقصر والقصرة محركتين والقصرى كبشرى ما يبقى في المنخل بعد الأنتخال أو ما يخرج من القت بعد الدوسة الأولى والقشرة العليا من الحبة اه . قوله " عن الحقل " بفتح الحاء المهملة واسكان القاف أصله كما قال الجوهري الحقل الزرع إذا تشعب ورقه قبل أن تغلظ سوقه فالحقل القراح الطيب يعني من الأرض الصالحة للزراعة والمحاقل مواضع الزراعة كما أن المزارع مواضعها . وقد بين البخاري المحاقل التي نهى عنها صلى الله عليه وآله وسلم من رواية رافع قال فيه " ماتصنعون بمحاقلكم قالوا نؤاجرها على الربع وعلى الأوسق من التمر والشعير قال لا تفعلوا " ( والحديث ) يدل على عدم جواز مطلق المزارعة ولكنه ينبغي أن يقيد بما في أوله من كلام أسيد من ضم الأشتراط المقتضي للفساد وعلى فرض عدم تقييده بذلك فيحمل على كراهة التنزيه لما أسلفنا " ز (6/11)
3 - وعن جابر قال " كنا نخابر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنصيب من القصرى ومن كذا ومن كذا فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم من كان له أرض فليزرعها وليحرثها أخاه وإلا فليدعها "
- رواه أحمد ومسلم والقصرى القصارة (6/11)
- قوله " والقصرى " قد سبق ضبطه وتفسيره . قوله " فليزرعها " بفتح التحتية والراء أي بنفسه : قوله " أو ليحرثها " بضم التحتية وكسر الراء أي يجعلها مزرعة لاخيه بلا عوض وذلك بأن يعيره أياها ويشهد لهذا المعنى الرواية الآتية بلفظ " لان يمنح أحدكم أخاه " أي يجعلها منحة له والمنحة العارية وفيه دليل على المنع من مؤاجرة الأرض مطلقا لقوله " وإلا فليدعها " ولكن ينبغي أن يحمل هذا المطلق على المقيد بما سلف في حديث رافع أو يكون الأمر للندب فقط لما أسلفنا ولما سيأتي وقد كره بعض العلماء تعطيل الأرض عن الزراعة لأن فيه تضييع المال وقد نهى صلى الله عليه وآله وسلم عن اضاعة المال وقدم في هذا الحديث زراعة الأرض من المالك بنفسه لما في ذلك من الفضيلة فإن الاشتغال بالعمل فيها والاستغناء عن الناس بما يحصل من القرب العظيمة مع ما في ذلك من الأشتغال عن الناس والتنزه عن مخالطتهم التي هي لا سيما في مثل هذا الزمان سم قاتل وشغل عن الرب جل جلاله شاغل إذا لم يكن في الاقبال على الزراعة تثبط عن شيء من الأمور الواجبة كالجهاد وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا في فضل الزرع والغرس وترجم عليه باب فضل الزرع والغرس وروه مسلم من حديث أنس (6/12)
4 - وعن سعد بن أبي وقاص " أن أصحاب المزارع في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يكرون مزارعهم بما يكون على السواقي وما سعد بالماء مما حول النبت فجاؤا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاختصموا في بعض ذلك فنهاهم أن يكروا بذلك وقال أكروا بالذهب والفضة "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي وما ورد من النهي المطلق عن المخابرة والمزارعة يحمل على مافيه مفسدة كما يبنته هذه الأحاديث أويحمل على اجتنابها ندبا واستحبابا فقد جاء ما يدل على ذلك فروى عمرو بن دينار قال قلت لطاوس لو تركت المخابرة فانهم يزعمون أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنها فقال أن أعلمهم يعني ابن عباس أخبرني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم ينه عنها وقال لان يمنح أحدكم أخاه خير له من أن يأخذ عليها خراجا معلوما " رواه أحمد والبخاري وابن ماجه وأبو داود (6/12)
5 - وعن ابن عباس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم بعض " رواه الترمذي وصححه (6/12)
6 - وعن أبي هريرة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كانت له أرض فليزرعها أو ليحرثها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه "
- أخرجاه بالإجماع تجوز الأجارة ولا تجب الأعارة فعلم أنه أراد الندب (6/13)
- حديث سعد سكت عنه أبو داود والمنذري . قال في الفتح ورجاله ثقات الا أن محمد بن عكرمة المخزومي لم يرو عنه الا إبراهيم بن سعد . قوله " وما سعد " بفتح السين وكسر العين المهملتين قيل معناه بما جاء من الماء سيحا لا يحتاج إلى ساقية وقيل معناه ما جاء من الماء من غير طلب . وقال الأزهري والسعيد النهر مأخوذ من هذا وسواعد النهر التي تنصب إليه مأخوذة من هذا وفي رواية ما صعد بالصاد بدل السين أي ما ارتفع من النبت بالماء دون ما سفل منه : قوله " بالذهب والفضة " فيه رد على طاوس حيث كره اجارة الأرض بالذهب والفضة كما روى عنه مسلم والنسائي عن طريق حماد بن زيد عن عمرو بن دينار قال كان طاوس يكره أن يؤاجر أرضه بالذهب والفضة ولا يرى بالثلث والربع بأسا فقال له مجاهدا ذهب إلى ابن رافع بن خديج فاسمع حديثه عن أبيه فقال لو أعلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عنه لم أفعله ولكن حدثني من هو أعلم منه ابن عباس فذكر الحديث الذي ذكره المصنف . وللنسائي أيضا من طريق عبد الكريم عن مجاهد قال أخذت بيد طاوس فأدخلته إلى ابن رافع ابن خديج فحدثه عن أبيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض فأبى طاوس وقال سمعت ابن عباس لا يرى بذلك بأسا " وهذه الرواية عن طاوس تدل على أنه كان لا يمنع من كراء الأرض مطلقا وقد حكى صاحب الفتح عنه أنه يمنع مطلقا كما قدمنا . واستدل بهذا الحديث من جوز كراء الأرض بالذهب والفضة وقد تقدم ذكرهم وألحقوا بهما غيرهما من الأشياء المعلومة لأنهم رأوا أن محل النهي فيما لم يكن معلوما ولا مضمونا وفي هذا الحديث أيضا رد على من منع كراء الأرض مطلقا كما تقدم . قوله " وما ورد من النهي " الخ مثل حديث جابر عند أبي داود بلفظ " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من لم يذر المخابرة فليؤذن بحرب من الله ورسوله " وحديث زيد بن ثابت عند أبي داود قال " نهى رسول الله عن المخابرة " وقد تقدم . ومثل حديث جابر أيضا عند مسلم وأبي داود وابن ماجه بلفظ " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن المحاقلة والمزابنة والمخابرة " الحديث . ومثل حديث ثابت من الضحاك عند مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن المزارعة " وحديث رافع عند أبي داود " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كراء الأرض " وأصله في الصحيحين ونحو هذه الأحاديث الواردة بالنهي على الأطلاق وقد ذكر المصنف في هذا الباب طرفا منها وأوردنا بعضا من ذلك فيما سلف وكلام المصنف هذا كلام حسن ولا بد من المصير إليه للجمع بين الأحاديث المختلفة وهو الذي رجحناه فيما سلف . قوله " لم ينه عنها " هذا لا ينافي رواية من روى النهي عنه صلى الله عليه وآله وسلم لأن المثبت مقدم على النافي ومن علم حجة على من لم يعلم ولكن قوله " لأن يمنح أحدكم أخاه خير له " الخ يصلح جعله قرينة لصرف النهي عن التحريم إلى الكراهة كما سلف . وقوله " يمنح " بفتح التحتية وسكون الميم وفتح النون بعدها حاء مهملة ويجوز كسر النون والمراد بجعلها منيحة أي عطية وعارية كما تقدم وهكذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم على حقيقته ما في الرواية الثانية عن ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يحرم المزارعة ولكن أمر أن يرفق بعضهم ببعض : قوله " فليزرعها أو ليحرثها " قد تقدم الكلام على هذا : قوله " فليمسك أرضه " قد قدمنا أن بعض العلماء كره تعطيل الأرض عن الزراعة لما ورد من النهي عن إضاعة المال وهذه الرواية والتي سلفت في حديث جابر يدلان على جواز ترك الأرض بغير زراعة وقد جمع بين الرواية القاضية بالنهي عن ذلك وبين ما هنا بحمل النهي عن الإضاعة على إضاعة عين المال أو المنفعة التي لا يخلفها منفعة والأرض إذا تركت بغير زرع لم تتعطل منفعتها فإنها تنبت من الحطب والحشيش وسائر الكلأ ما ينفع في الرعي وغيره وعلى تقدير أن لا يحصل ذلك فقد يكون التأخير للزرع عن الأرض اصلاحا لها فتخلف في السنة التي تليها ما لعله فات في سنة الترك وهذا كله ان حمل النهي على عمومه فاما لوحمل على ما كان مألوفا لهم من الكراء بجزء مما يخرج منها ولا سيما إذا كان غير معلوم فلا يستلزم ذلك تعطيل الانتفاع بها في الزراعة بل يكريها بالذهب أو الفضة كما تقرر ذلك . قوله " وبالاجماع تجوز الأجارة " الخ استدل المصنف رحمه الله بهذا على ما ذكره من الندب لأن العارية إذا لم تكن واجبة بالإجماع من غير فرق بين المزارعة وغيرها لم يجب على الأنسان أن يزرع أرضه بنفسه أو يعيرها أو يعطلها بل يجوز له أمر رابع وهو الأجارة لأنها بالإجماع والعارية لا تجب بالإجماع فلا تجب عليه وإذا انتفى الوجوب بقي الندب (6/13)
أبواب الإجارة (6/13)
باب ما يجوز الاستئجار عليه من النفع المباح (6/14)
1 - عن عائشة في حديث الهجرة قالت " واستأجر النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر من بني الديل هاديا خريتا والخريت الماهر بالهداية وهو على دين كفار قريش وأمناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال فاتاهما براحلتيمها صبيحة ليال ثلاث فارتحلا "
- رواه أحمد والبخاري (6/14)
- قوله " واستأجر " الواو ثابتة في نفس الحديث الطويل لأن هذه القصة معطوفة على قصة قبلها وقد ساقها البخاري مستوفاة في الهجرة . قوله " الديل " بالكسر للدال حي من عبد القيس ذكره صاحب القاموس في مادة دول وذكر في مادة دأل أنه يطلق على قبائل وأنه يأتي بفتح الدال وبضمها وكعنب : قوله " خريتا " بكسر العجمة وتشديد الراء بعدها تحتانية ساكنة بفتح الهمزة وكسر الميم المخففة ضد الخيانة : قوله " غار ثور " هو الغار المذكور في التنزيل وثور جبل بمكة وليس هو الجبل الذي في المدينة المذكور في الحديث الصحيح إن المدين حرام ما بين عير إلى ثور وقد سبق الاختلاف فيه في كتاب الحج ( والحديث ) فيه دليل على جواز استئجار المسلم للكافر على هداية الطريق إذا أمن إليه وقد ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب الاجارة وترجم عليه باب استئجار المشركين عند الضرورة وإذا لم يوجد أهل الأسلام فكأنه أراد الجمع بين هذا وبين قوله صلى الله عليه وآله وسلم " أنا لا أستعين بمشرك " أخرجه مسلم وأصحاب السنن قال ابن بطال الفقهاء يجيزون استئجارهم يعني المشركين عند الضرورة وغيرها لما في ذلك من الذلة لهم وإ ما الممتنع أو يؤجر المسلم نفسه من المشرك لما فيه من الإذلال (6/14)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم فقال أصحابه وأنت قال نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة "
- رواه أحمد الإسماعيلي وقد صوب ابن الجوزي وابن ناصر لتفسير الذي ذكره إبراهيم الحربي لكن رجح تفسير سويد بأن أهل مكة لا يعرفون بها يقال له قراريط وقد روى النسائي من حديث نصر بن حزن بفتح المهملة وسكون الزاي بعدها نون قال " افتخر أهل الإبل والغنم فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بعث موسى وهو راعي غنم وبعث داود وهو راعي غنم وبعثت أنا راعي غنم أهلي بجياد " وزعم بعضهم أن في هذه الرواية ردا لتأويل سويد بن سعيد لأنه ما كان يرعى بالأجرة لأهله فيتعين أنه أراد المكان فعبر تارة بقراريط وتعقب بأنه لا مانع من الجمع وأنه كان يرعى لأهله بغير أجرة ولغيرهم بأجرة وهم المراد بقوله " أهل مكة " . ويؤيد تفسير سويد قوله على قراريط فإن المجيء بعلى يدل على ما قاله وينافي ذلك جعلها بمعنى الباء التي للسببية وأما جعلها بمعنى الباء التي للظرفية فبعيد . قال العلماء الحكمة في الهام رعي الغنم قبل النبوة أن يحصل لهم التمرين برعيها على ما سيكلفونه من اقيام بأمر أمتهم لأن في مخالطتهم ما يحصل الحلم والشفقة لأنهم إذا صبروا على رعيها وجمعها بعد تفريقها في الرعي وتفريقها في الرعي ونقلها من مسرح إلى مسرح ودفع عدوها من سبع وغيره كالسارق وعلموا اختلاف طباعها وتفاوت عقولها فجبروا كسرها وورفقوا بضعيفها وأحسنوا التعاهد لها فيكون تحملهم لمشقة ذلك أسهل مما لو كلفوا القيام به من أول وهلة لما يحصل لهم من التدرج وبذلك وخصت الغنم بذلك لكونها أضعف من غيرها ولأن تفرقها أكثر من تفرق الإبل والبقر لإمكان ضبط الإبل والبقر دونها ( وفي الحديث ) دليل على جواز الإجارة على رعي الغنم ويلحق بها في الجواز غيرها من الحيوانات (6/15)
3 - وعن سويد بن قيس قال " جلبت أنا ومخرمة العبدي بزامن هجر فأتينا به مكة فجائنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يمشي فساومنا سراويل فبعناه وثم رجل يزن بالأجر فقال له زن وأرجح "
- رواه الخمسة وصححه الترمذي وفيه دليل على أن من وكل رجلا في إعطاء شيء لآخر ولم يقدر جاز ويحمل على ما يتعارفه الناس في مثله ويشهد لذلك حديث جابر في بيعه جملة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال يا بلال إقضه وزده فأعطاه أربعة دنانير وزاده قيراطا " . رواه البخاري ومسلم (6/15)
4 - وعن رافع بن رفاعة قال " نهانا النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الأمة إلا ما عملت بيدها وقال هكذا بإصابعه نحو الخبز والغزل والنقش "
- رواه أحمد وأبو داود (6/15)
- حديث سويد بن قيس سكت عنه أبو داود والمنذري وأخرج نحوه أبو داود والنسائي وابن ماجه عن أبي صفوان بن عمير . وقد تقدم في كتاب اللباس وحديث رافع بن رفاعة اسناده ثقات ولكنه قال أبو القاسم الدمشقي الحافظ في افشراق عقب هذا الحديث رافع هذا غير معروف وقال غيره هو مجهول وقد أخرجه أبو داود وغيره من حديث أبي هريرة لكن بدون قوله " إلا ما عملت بيدها " الخ : قوله " ومخرمة " بفتح الميم وسكون المعجمة وفتح الراء وهو حليف بني عبد شمس : قوله " بزا " بفتح الباء الموحدة بعدها زاي مشددة وهو الثياب وهجر بفتح الهاء والجيم وهي مدينة قرب البحرين بينها وبينها عشر مراحل . قوله " سراويل " معرب جاء على لفظ الجمع وهو واحد أشبه مالا ينصرف : قوله " بالأجر " أي بالأجرة وفيه دليل على جواز الاستئجار على الوزن لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أمر الوزان أن يزن ثمن السراويل . قال أصحاب الشافعي وأجرة وزان الثمن على المشتري كما أن أجرة وازن السلعة إذا احتيج إليه على البائع : قوله " وأرجح " بفتح الهمزة وكسر الجيم أي أعطه راجحا وفيه وفي حديث جابر الذي بعده دليل على استحباب ترجيح المشتري في وزن الثمن ويقاس عليه ترجيح البائع في وزن المبيع أو كيله وفيهما أيضا دليل على جواز هبة المشاع وذلك لأن مقدار الرجحان هبة منه للبائع وهو غير متميز من الثمن وفيهما أيضا جواز التوكيل في الهبة المجهولة ويحمل على ما يتعارفه الناس كما قال المصنف وقد ذكر ههنا طرفا من حديث جابر وقد تقدم طرف منه في البيع : قوله " عن كسب الأمة " الكسب في الأصل مصدر تقول كسبت المال أكسبه كسبا والمراد به ههنا المكسوب وفي الموطأ عن عثمان أنه خطب فقال لا تكلفوا الأمة غير ذات الصنعة فإنكم متى ما كلفتموها ذلك كسبت بفرجها ولا تكلفوا الصغير الكسب فإنه إذا لم يجد سرق . وفي حديث " أنه صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كسب الأمة مخافة أن تبغي " وقد كانت الجاهلية تجعل عليهن ضرائب فيوقعهن ذلك في الزنا وربما أكرهوهن عليه فلما جاء الإسلام نهى عن ذلك ونزل قوله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } الآية : قوله " وقال هكذا بأصابعه " يعني الثلاث والخبز بفتح الخاء وسكون الباء بعدها زاي يعني عجن العجين وخبزه والغزل غزل الصوف والقطن والكتان والشعر وقد روى الطبراني في الأوسط عن عائشة قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا تنزلوهن الغرف ولا تعلموهن الكتابة وعلموهن الغزل وسورة النور " وفي إسناده محمد بن إبراهيم الشامي قال الدارقطني كذاب . وأخرج الطبراني أيضا عن هند بنت المهلب بن أبي صفرة وهي امرأة الحجاج بن يوسف ان زياد بن عبد الله القرشي دخل عليها وبيدها مغزل تغزل به فقال لها تغزلين وأنت امرأة أمير فقالت سمعت أمي تحدث عن جدي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول أطولكن طاقة أعظمكن أجرا " والمراد بالطاقة طاقة الغزل من الكتان أو القطن وفي إسناده يزيد بن مروان الخلال قال ابن معين كذاب . قوله " والنفش " بفتح النون وسكون الفاء . بعدها شين معجمة والمراد به نفش الصوف والشعر وندف القطن والصوف ونحو ذلك . وفي رواية النقش بالقاف وهو التطريز (6/16)
باب ما جاء في كسب الحجام (6/16)
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن كسب الحجام ومهز البغى وثمن الكلب "
- رواه أحمد (6/16)
2 - وعن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال كسب الحجام خبيث ومهر البغى خبيث وثمن الكلب خبيث "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه النسائي ولفظه " شر المكاسب ثمن الكلب وكسب الحجام ومهر البغي " (6/17)
3 - وعن محيصة بن مسعود أنه كان له غلام حجام فزجره النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن كسبه فقال لا أطعمه أيتامالى قال لا قال أفلا أتصدق به قال لا فرخص له أن يعلفه ناضحه "
- رواه أحمد . وفي لفظ " أنه استأذن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ي اجارة الحجام فنهاه عنها ولم يزل يسأله فيها حتى قال أعلفه ناضحك أو اطعمه رفيقك " رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال حديث حسن (6/17)
- حديث أبي هريرة قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح . وأخرجه أيضا الطبراني في الأوسط وأخرجه ايضا الحازمي في الناسخ والمنسوخ بلفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من السحت مهر البغى وأجرة الحجام " ويشهد له ما أخرجه الحازمي أيضا عن ابن مسعود عقبة بن عمرو قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن كسب الحجام " وحديث رافع أخرجه أيضا مسلم وحديث محيصة أخرجه أيضا مالك وابن ماجه قال في الفتح ورجاله ثقات وأخرج نحوه أحمد في مسنده من حديث جابر ولفظه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سئل عن الحجام فقال أطعمه ناضحك " وقال في مجمع الزوائد أنه أخرج محديث محيصة المذكور أهل السنن الثلاث باختصار والطبراني في الأوسط قال في مجمع الزوائد أيضا ورجال أحمد رجال الصحيح : وقال في حديث جابر الذي ذكرناه أن رجاله رجال الصحيح . قوله " البغى " بفتح الموحدة وكسر المعجمة وتشديد الياء فعيل بمعنى فاعلة أو مفعولة وهي الزانية ومنه قوله تعالى { ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء } أي على الزنا وأصل البغى الطلب غير أنه أكثر ما يستعمل في طلب الفساد والزنا والمراد ماتكتسبه الأمة بالفجور لا بالصنائع الجائزة وقد قدمنا في أول كتاب البيع أنه مجمع على تحريم مهر البغى . قوله " وثمن الكلب " قد تقدم الكلام عليه في أول البيع وقد استدل بأحاديث الباب من قال بتحريم كسب الحجام وهو بعض أصحاب الحديث كما في البحر لأن النهي حقيقة في التحريم والخبيث حرام ويؤيد هذا تسمية ذلك سحتا كما في حديث أبي هريرة الذي ذكرناه وذهب الجمهور من العترة وغيرهم إلى انه حلال وأحتجوا بحديث أنس وابن عباس الآتيين وحملوا النهي على التنزيه لأن في كسب الحجام دناءة والله يحب معالي الأمور ولأن الحجامة من الاشياء التي تجب للمسلم على المسلم للاعانة له عند الأحتياج إليها ويؤيد هذا أذنه صلى الله عليه وآله وسلم لما سأله عن الجرة الحجامة أن يطعم منها ناضحه ورقيقه ولو كانت حراما لما جاز الانتفاع بها بحال . ومن أهل هذا القول من زعم أن النهي منسوخ وجنح إلى ذلك الطحاوي وقد عرفت إن صحة النسخ متوقفة على العلم بتأخر الناسخ وعدم امكان الجمع بوجه والأول غير ممكن هنا والثاني ممكن بحمل النهي على كراهة التنزيه بقرينة أذنه صلى الله عليه وآله وسلم بالانتفاع في بعض المنافع وبإعطائه صلى الله عليه وآله وسلم الأجر لمن حجمه ولو كان حراما لما مكنه منه ويمكن أن يحمل النهي عن كسب الحجام على ما يكتسبه من بيع الدم فقد كانوا في الجاهلية يأكلونه ولا يبعد ان يشتروه للأكل فيكون ثمنه حراما ولكن الجمع بهذا الوجه بعيد فتيعين المصير إلى الجمع بالوجه الأول ويبقى الإشكال في صحة إطلاق اسم الخبث والسحت على المكروه وتنزيها . قال في القاموس الخبيث ضد الطيب وقال السحت بالضم وبضمتين الحرام أو ما خبث من المكاسب فلزم عنه العار انتهى وهذا يدل على جواز إطلاق اسم الخبث والسحت على المكاسب الدنية وإن لم تكن محرمة والحجامة كذلك فيزول الإشكال . وجمع ابن العربي بين الأحاديث بأن محل الجواز إذا كانت الأجرة على عمل معلوم ومحل الزجر على ما إذا كانت على عمل مجهول . وحكى صاحب الفتح عن أحمد وجماعة الفرق بين أخر والعبد فكرهوا للحر الاحتراف بالحجامة وقالوا يحرم عليه الانفاق على نفسه منها ويجوز له الانفاق على الرقيق والدواب منها وأباحوها للعبد مطلقا وعمدتهم حديث محيصة لأنه أذن له صلى الله عليه وآله وسلم أن يعلف منه ناضحه . والناضح اسم للبعير والبقرة التي ينطح عليها من البئر أو النهر ورواية الموطأ وأطعمه نضاحك بضم النون وتشديد الضاد جمع ناضح . قال ابن حبيب النضاح الذين يسقون النخيل واحده ناضح من الغلمان ومن الأبل وإنما يفترقون في الجمع فجمع الأبل نواضح والغلمان نضاح (6/17)
3 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم حجمه أبو طيبة وأعطاه صاعين من طعام وكلم مواليه فحففوا عنه "
- متفق عليه . وفي لفظ " دعا غلاما منا حجمه فأعطاه أجره صاعا أو صاعين وكلم مواليه أن يخففوا عنه من ضريبته " رواه أحمد والبخاري (6/18)
4 - وعن ابن عباس " قال احتجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعطى الحجام أجره ولو كان سحتا لم يعطه "
- رواه أحمد والبخاري ومسلم . ولفظه " حجم النبي صلى الله عليه وآله وسلم عبد لبني بياضة فأعطاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أجره وكلم سيده فخفف عنه من ضريبته ولو كان سحتا لم يعطه النبي صلى الله عليه وآله وسلم " (6/18)
- قوله " أبو طيبة " بفتح الطاء المهملة وسكون التحتية بعدها موحدة واسمه نافع : قوله " وأعطاه صاعين من طعام " في الرواية الأخرى صاعا أو صاعين . وفي رواية أبي داود " فأمر له بصاع من تمر " وفي رواية لمسلم " فأمر له بصاع أو مد أو مدين " على الشك : قوله " وكلم مواليه " في رواية أبي داود " فأمر أهله " والمراد بمواليه ساداته وجمع لكونه كان مملوكا لجماعة كما يدل على ذلك رواية مسلم " حجم النبي عبد لبنى بياضة " . قوله " فخفقوا عنه " في الكلام حذف والتقدير كلم مواليه أن يخففوا عنه فخففوا عنه كما في الرواية الأخرى . ولفظ أبي داود " فأمر أهله أن يخففوا عنه من خراجه " وفيه جواز للشفاعة للعبد إلى مواليه في تخفيف الخراج عنه : قوله " ولو كان سحتا " قد تقدم ضبطه وتفسير معناه في شرح الأحاديث التي قبل هذا . وفي رواية للبخاري " لو علم كراهة لم يعطه " يعني كراهة تحريم . وفي رواية له أيضا " ولو كان حراما لم يعطه " وذلك ظاهر في الجواز : قوله " من ضريبته " الضريبة تطلق على أمور منها غلة العبد كما في القاموس وهي بفتح المعجمة فعليه بمعنى مفعولة وجحعها ضرائب . ويقال لها خراج وغلة وأجر ( والحديثان ) يدلان على أن أجرة الحجامة حلال وقد قدمنا الخلاف في ذلك وما هو الحق (6/18)
باب ما جاء في الأجرة على القرب (6/19)
1 - عن عبد الرحمن بن شبل عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اقرؤا القرآن ولا تغلوا فيه ولا تجفوا عنه ولا تأكلوا به ولا تستكثروا به "
- رواه أحمد (6/19)
2 - وعن عمران بن حصين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " اقرؤا القرآن واسألوا الله به فإن من بعدكم قوما يقرؤن القرآن يسالون به الناس "
- رواه أحمد والترمذي (6/19)
3 - وعن أبي بن كعب قال " علمت رجلا القرآن فأهدى لي قوسا فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن أخذتها أخذت قوسا من نار فرددتها "
- رواه ابن ماجه . ولأبي داود وابن ماجه نحو ذلك من حديث عبادة بن الصامت " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعثمان بن أبي العاص لا تتخذ مؤذنا يأخذ على أذانه أجرا " (6/20)
- أما حديث عبد الرحمن بن شبل فقال في مجمع الزوائد رجال أحمد ثقات . وأخرجه أيضا البزار ويشهد له أحاديث . منها حديث عمران بن حصين وأبي بن كعب المذكور أن الباب . ومنها حديث جابر عند أبي داود قال " خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ونحن نقرأ القرآن وفينا الأعرابي والعجمي فقال اقرؤا فكل حسن وسيجيء أقوام يقيمونه كما يقام القدح يتعجلونه ولا يتأجلونه " ومنها حديث سهل ابن سعد عند أبي داود أيضا وفيه " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال اقرؤه قبل أن يقرأه قوم يقيمونه كما يقام السهم يتعجل أجره ولا يتأجله " وأما حديث عمران بن حصين فقال الترمذي بعد اخراجه هذا حديث حسن ليس اسناده بذاك . وأما حديث أبي ابن كعب فأخرجه أيضا البيهقي والروياني في مسنده قال البيهقي وابن عبد البر هو منقطع يعني بين عطية الكلاعي وأبي بن كعب . وكذلك قال المزي وتعقبهم الحافظ بأن عطية ولد في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعله ابن القطان بالجهل بحال عبد الرحمن بن سلم الراوي عن عطية وله طرق عن أبي قال ابن القطان لا يثبت منها شيء قال الحافظ وفيما قال نظر وذكر المذى في ألأطراف له طرقا . منها أن الذي أقرأه أبي هو الطفيل بن عمرو ويشهد له ما أخرجه الطبراني في الأوسط عن الطفيل بن عمرو الدوسى قال " أقرأني أبي بن كعب القرآن فأهديت إليه قوسا فغدا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وقد تقلدها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم تقلدها من جهنم قلت يا رسول الله انا ربما حضر طعامهم فأكلنا فقال أما ما عمل لك فإنما تأكله بخلاقك وأما ما عمل لغيرك فحضرته فأكلت منه فلا بأس " وما أخرجه الأثرم في سننه عن أبي قال " كنت أختلف إلى رجل مسن قد أصابته علة قد احتبس في بيته أقرئه القرآن فيؤتى بطعام لا آكل مثله بالمدينة فحاك في نفسي شيء فذكرته للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن كان ذلك الطعام طعامه وطعام أهله فكل منه وإن كان بحقك فلا تأكل " وأما حديث عبادة الذي أشار إليه المصنف فلفظه " قال علمت ناسا من أهل الصفة الكتاب والقرآن فأهدى إلي رجل منهم قوسا فقلت ليس بمال وارمي عليها في سبيل الله عز و جل لأتينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلا سألته فأتيته فقلت يا رسول الله إنه رجل أهدى إلي قوسا ممن كنت أعلمه الكتاب والقرآن وليست بمال وأرمى عليها في سبيل الله فقال إن كنت تحب أن تطوق طوقا من نار فاقبلها " وفي إسناده المغيرة بن زياد أبو هاشم الموصلي وقد وثقه وكيع ويحيى بن معين وتكلم فيه جماعة . وقال الإمام أحمد ضعيف الحديث حدث بأحاديث مناكير وكل حديث رفعه فهو منكر . وقال أبو زرعة الرازي لا يحتج بحديثه ولكنه قد روي عن عبادة من طريق أخرى عند أبي داود بلفظ " فقلت ما ترى فيها يا رسول الله فقال جمرة بين كتفيك تقلدتها أو تعلقتها " وفي هذه الطريق بقية من الوليد وقد تكلم فيه جماعة ووثقه الجمهور إذا روى عن الثقات . وقد أورد الحافظ حديث عبادة هكذا في كتاب النفقات من التلخيص وتكلم عليه فليراجع ( وفي الباب ) عن معاذ عند الحاكم والبزار بنحو حديث أبي وعن أبي الدرداء عند الدارمى بإسناد على شرط مسلم بنحوه أيضا . وأما حديث عثمان بن أبي العاص فقد تقدم الكلام عليه في الأذان . وقد استدل بأحاديث الباب من قال أنها لا تحل الأجرة على تعليم القرآن وهو أحمد بن حنبل وأصحابه وأبو حنيفة والهادوية وبه قال عطاء والضحاك بن قيس والزهري وإسحاق وعبد الله بن شقيق وظاهره عدم الفرق بين أخذها على تعليم من كان صغيرا و كبيرا وقالت الهادوية إنما يحرم أخذها على تعليم الكبير لأجل وجوب تعليمه القدر الواجب وهو غير متعين ولا يحرم على تعليم الصغير لعدم الوجوب عليه وذهب الجمهور إلى أنها تحل الأجرة على تعليم القرآن وأجابوا عن أحاديث الباب بأجوبة . منها أن حديث أبي وعبادة قضيتان في عين فيحتمل أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم علم أنهما فعلا ذلك خالصا لله فكره أخذ العوض عنه . وأما من علم القرآن على أنه لله وأن يأخذ من المتعلم ما دفعه إليه بغير سؤال ولا استشراف نفسه فلا بأس به . وأما حديث عمران بن حصين فليس فيه إلا تحريم السؤال بالقرآن وهو غير إتخاذ الأجر على تعليمه وأما حديث عيد الرحمن بن شبل فهو أخص من محل النزاع لأن المنع من التأكل بالقرآن لا يستلزم المنع من قبول ما دفعه المتعلم بطيبة من نفسه
وأما حديث عثمان بن أبي العاص فالقياس للتعلم عليه فاسد الاعتبار لما سيأت هذا غاية ما يمكن أن يجاب به عن أحاديث الباب ولكنه لا يخفى أن ملاحظة مجموع ما تقضي به يفيد ظن عدم الجواز وينتهض للاستدلال به على المطلوب وإن كان في كل طريق من طرق هذه الأحاديث مقال فبعضها يقوي بعضا ويؤيد ذلك أن الواجبات إنما تفعل لوجوبها والمحرمات إنما تترك لتحريمها فمن أخذ على شيء من ذلك أجرا فهو من الآكلين لأموال الغير بالباطل لأن الإخلاص شرط ومن أخذ الأجرة غير مخلص والتبليغ للأحكام الشرعية واجب على كل فرد من الأفراد قبل قيام غيره به . ومن جملة ما أجاب به المجوزون دعوى النسخ بحديث ابن عباس الآتي وسيأتي الجواب عن ذلك واستدلوا على الجواز أيضا بما أخرجه الشيخان وغيرهما عن سهل بن سعد " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جاءته امرأة فقالت يا رسول الله إني قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا فقام رجل فقل يا رسول الله زوجينها إن لم يكن لك بها حاجة فقال صلى الله عليه وآله وسلم هل عندك من شيء تصدقها إياه فقال ما عندي إلا ازرارى هذه فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن أعطيتها أزارك جلست لا إزار لك فالتمس شيئا فقال ما أجد شيئا فقال التمس ولو خاتما من حديد فالتمس فلم يجد شيئا فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم هل معك من القرآن شيء فقال نعم سورة كذا وسورة كذا يسميها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد زوحتكها بما معك من القرآن " وفي رواية " قدملكتكها بما معك من القرآن " ولمسلم " زوجتهكا تعلمها من القرآن " وفي رواية لأبي داود " علمها عشرين آية وهي امرأتك " ولأحمد " قد انكحتكها على ما معك من القرآن " وقد أجاب المانعون من الجواز عن هذا الحديث بأجوبة منها أنه زوجها به بغير صداق إكراما له لحفظه ذلك المقدار من القرآن ولم يجعل التعليم صداقا وهذا مردود برواية مسلم وأبي داود المذكورة . ومنها أن هذا مختص بتلك المرأة وذلك الرجل ولا يجوز لغيرهما ويدل على ذلك ما أخرجه سعيد بن منصور عن أبي النعمان الأزدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة على سورة من القرآن ثم قال لا يكون لأحد بعدك مهرا " ومنها أنه صلى الله عليه وآله وسلم لم يسم لها مهرا ولم يعطها صداعا وأوصى لا بذلك عند موته ويؤيده ما أخرجه أبو داود من حديث عقبة بن عامر " أنه صلى الله عليه وآله وسلم زوج رجلا امرأة ولم يفرض لها مهرا ولم يعطها شيئا فأوصى لها عند موته بسهمه من خيبر فباعته بمائة الف . ومنها أنها قضية فعل لا ظاهر لها . ومن حملة ما احتجوا به على الجواز حديث عمر بن الخطاب المتقدم في الزكاة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ولا اشراف نفس فخذه " الحديث ويجاب عنه بأنه عموم مخصص بأحاديث الباب (6/20)
4 - وعن ابن عباس " أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم مروا بماء فيهم لديغ أو سليم فعرض لهم رجل من أهل الماء فقال هل فيكم من راق فإن في الماء رجلا لديغا أو سليما فانطلق رجل منهم فقرأ بفاتحة الكتاب على شاء فجاء بالشء إلى أصحابه فكرهوا ذلك وقالوا أخذت على كتاب الله أجرا حتى قدموا المدينة فقالوا يا رسول الله أخذ على كتاب الله اجرا فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله "
- رواه البخاري (6/20)
5 - وعن أبي سعيد قال " انطلق نفر من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم في سفرة سافروها حتى نزلوا حي من أحياء العرب فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم فلدغ سيد ذلك الحي فسعوا له بكل شيء فقال بعضهم لوأتيتم هؤلاء الرهط الذين نزلوا لعلهم أن يكون عندهم بعض الشيء فأتوهم فقالوا يا أيها الرهط أن سيدنا لدغ وسعينا بكل شيء لا ينفعه فهل عند أحد منكم من شيء قال بعضهم إني والله لارقي ولكن واللذه لقد استضفناكم فلم تضيفونا فما أنا براق لكم حتى تجعلوا لنا جعلا فصالحوهم على قطيع من غنم فانطلق يتفل عليه ويقرأ الحمد لله رب العالمين فكأنما نشط من عقال فانطلق يمشي وما به قلبة قال فأوفوهم جعلهم الذي صالحوهم عليه فقال بعضهم اقتسموا فقال الذي رقي لا تفعلوا حتى نأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنذكر له الذي كان فننظر الذي يأمرنا فقدموا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكروا له ذلك فقال وما يدريك أنها رقية ثم قال قد أصبتم اقتسموا واضربوا لي معكم سهما وضحكالنبي صلى الله عليه وآله وسلم " . رواه الجماعة إلا النسائي وهذا لفظ البخاري وهو أتم (6/21)
- قوله " فيهم لدغ " اللديغ بالدال المهملة والغين المعجمة هو اللسيع وزنا ومعنى واللدغ اللسع وأما اللذع بالذال المعجمة والعين المهملة فهو الإحراق الخفيف واللدغ المذكور في الحديث هو ضرب ذات الحمة من حية أو عقرب أو غيرهما وأكثر ما يستعمل في العقرب وقد صرح الأعمش في روايته بالعقرب . قوله " أو سليم " هو اللديغ أيضا قوله " أن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله " استدل به الجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن وأجيب عن ذلك بأن المراد بالأجر هنا الثواب ويرد بأن سياق القصة يأبى ذلك وادعى بعضهم نسخة بالأحاديث السابقة وتعقب بأن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وبأن الأحاديث القاضية بالمنع وقائع أعيان محتملة للتأويل لتوافق الأحاديث الصحيحة كحديثي الباب وبأنها مما لا تقوم به الحجة فلا تقوى على معارضة ما في الصحيح وقد عرفت مما سلف أنها تنتهض للاحتجاج بها على المطلوب والجمع ممكن أما بحمل الأجر المذكور ههنا على الثواب كما سلف وفيه ما تقدم أو المراد أخذ الأجرة على الرقية فقط كما يشعر به السياق فيكون مخصصا للأحاديث القاضية بالمنع أو بحمل الأجر هنا على عمومه فيشمل الأجر على الرقية والتلاوة والتعليم ويخص أخذها على التعليم بالأحاديث المتقدمة ويجوز ما عداه وهذا أظهر وجوه الجمع فينبغي المصير إليه قوله " فاستضافوهم " أي طلبوا منهم الضيافة . وفي رواية للترمذي أنهم ثلاثون رجلا : قوله " فلم يضيفوهم " بالتشديد للأكثر وبكسر الضاد المعجمة مخففا . قوله " فسعوا له بكل شيء " أي مما جرت العادة أن يتداوى به من اللدغة . قوله " إني والله لارقى " ضبطه صاحب الفتح بكسر القاف والرقية كلام يستشفى به من كل عارض . قال في القاموس والرقية بالضم العوذة الجمع رقي ورقاه رقيا ورقيا ورقيه نفث في عوذته . قوله " جعلا " بضم الجيم وسكون المهملة ما يعطي على عمل . قوله " على قطيع " قال ابن التين هو طائفة من الغنم وتعقب بأن القطيع هو الشيء المنقطع من غنم كان أو من غيرها : قال بعضهم الغالب استعماله فيما بين العشرة والأربعين . وفي رواية للبخاري " انا نعطيكم ثلاثين شاة " وهو مناسب لعدد الرهط المذكور سابقا فكأنهم جعلوا لكل رجل شاة : قوله " يتفل " بضم الفاء وكسرها وهو نفخ معه قليل بزاق وقد سبق تحقيقه في الصلاة قال ابن أبي جمرة محل التفل في الرقية يكون بعد القراءة لتحصل بركة القراءة في الجوارح التي يمر عليها الريق . قوله " ويقرأ الحمد لله رب العالمين " فيرواية " أنه قرأها سبع مرات " وفي أخرى " ثلاث مرات " والزيادة أرجح قوله " نشط " بضم النون وكسر المعجمة من الثلاثي كذا لجميع الرواة : قال الخطابي وهو لغة والمشهور نشط إذا عقد وأنشط إذا حل واصله الأنشوطة بضم الهمزة والمعجمة بينهما نون ساكنة وهي الحبل والعقال بكسر المهملة بعدها قاف هو الحبل الذي يشد به ذراه البهيمة . قوله " وما به قلبة " بفتح القاف واللام أي علة وسميت العلة قلبة لأن الذي تصيبه يقلب من جنب إلى جنب ليعلم موضع الداء قاله ابن الأعرابي . ومنه قول الشاعر . وقد برئت فما بالصدر من قلبه . وحكي عن ابن الأعرابي أن القلبة داء مأخوذ من القلاب يأخذ البعير فيؤلمه قلبه فيموت من يومه قوله " فقال الذي رقى " بفتح القاف : قوله " وما يدريك أنها رقية " قال الداودي معناه وما أدراك وقد روى كذلك ولعله هو المحفوظ لأن ابن عيينة قال إذا قال وما يدريك فلم يعلم وإذا قال وما أدراك فقد علم وتعقبه ابن التين بأن ابن عيينه إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن وإلا فلا فرق بينهما في اللغة في نفي الدراية وهي كلمة تقال عند التعجب من لاشيء وتستعمل في تعظيم الشيء أيضا وهو لائق هنا كما قال الحافظ . وفي رواية بعد قوله " وما يدر بك أنها رقية قلت القي في روعي " وللدارقطني " قلت با رسول الله القي في روعي " وذلك ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقي بالفاتحة : قوله " ثم قال قد أصبتم " يحتمل أن يكون صوب فعلهم في الرقية ويحتمل أن يكون ذلك في توقفهم عن التصرف في الجعل حتى استأذنوه ويحتمل ما هو أعم من ذلك : قوله " واضربوا لي معكم سهما " أي إجعلوا منه نصيبا وكأنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد المبالغة في تأنيسهم كما وقع في قصة الحمار الوحشي وغير ذلك ( وفي الحديث ) دليل على جواز الرقية بكتاب الله تعالى ويلتحق بما كان بالذكر والدعاء المأثور وكذا غير المأثور مما لا يخالف ما في المأثور : وأما الرقي بغير ذلك فليس في الأحاديث ما يثبته ولاما ينفيه إلا ما سيأتي في حديث خارجة . وفي حديث أبي سعيد مشروعية الضيافة على أهل البوادي والنزول على مياه العرب وطلب ما عندهم على سبيل القرى أو الشراء وفيه مقابلة من امتنع من المكرمة بنظير صنعه وفيه الأشتراك في العطية وجواز طلب الهدية ممن يعلم رغبته في ذلك واجابته إليه (6/21)
6 - وعن خارجة بن الصلت عن عمه " أنه أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثم أقل راجعا من عنده فمر على قوم عندهم رجل مجنون موثق بالحديد فقال أهله أنا قد حدثنا ان صاحبكم هذا قد جاء بخير فهل عندك شيء تداويه وقال فرقيته فاتحة الكتاب ثلاثة أيام كل يوم مرتين فبرأ فأعطوني مائتي شاة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فقال خذها فلعمري من أكل برقية باطل فقد أكلت برقية حق "
- رواه أحمد وأبو داود . وقد صح " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج امرأة رجلا على أن يعلمها سورا من القرآن " ومن ذهب إلى الرخصة لهذه الأحاديث حمل حديث أبي وعبادة على أن التعليم كان قد يتعين عليهما وحمل فيما سواهما من الأمر والنهي على الندب والكراهة (6/21)
- حديث خارجة أخرجه أيضا النسائي وسكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده رجال الصحيح الا خارجة المذكور وقد وثقه ابن حبان . وأخرجه أيضا ابن حبان والحاكم وصححاه . وحديث تزويج المرأة قد ذكرناه في أول الباب . قوله " عن عمه " هو علاقة بن صحار بضم الصاد وتخفيف الحاء المهملة التميمي الصحاب وقال خليفة هو عبد الله بن عثير بكسر العين المهملة وسكون المثلثة بعدها مثناة تحتية مفتوحة ثم راء مهملة . وقيل اسمه علاثة ويقال سحار بالسين والأول أكثر : قوله " ثلاثة أيام " لفظ أبي داود ثلاثة أيام غدوة وعشية كلما ختمها جمع بزاقه ثم تفل : قوله " فلعمري " اقسم بحياة نفسه كما اقسم الله بحياته والعمر والعمربفتح العين وضمها واحد الا أنهم خصوا القسم بالمفتوح لا يثار الأخف وذلك لأن الحلف كثير الدور على ألسنتهم ولذلك حذفوا الخبر وتقديره لعمرك مما أقسم كما حذفوا الفعل في قولك بالله : قوله " برقية باطل " أي برقية كلام باطل فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه والرقى الباطلة المذمومة هي التي كلامها كفر أو التي لا يعرف معناها كالطلاسم المجهولة المعنى : قوله " على أن يعلمها سورا من القرآن " قد تقدم الجواب عن الاستدلال بهذا الحديث وتحقيق ماهو الحق والأحاديث المذكورة في هذا الباب تدل على أنه يجوز للانسان ان يسترقي ويحمل الحديث الوارد في الذين يدخلون الجنة بغير حساب وهم الذي لا يرقون ولا يسترقون على بيان الأفضلية واستحباب التوكل والاذن لبيان الجواز ويمكن أن يجمع بحمل الأحاديث الدالة ترك الرقية على قوم كانوا يعتقدون نفعها وتأثيرها بطبعها كما كانت الجاهلية يزعمون في أشياء كثيرة (6/22)
باب النهي أن يكون النفع والأجر مجهولا وجواز استئجار الأجير بطعامه وكسوته (6/22)
1 - عن أبي سعيد قال " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن استئجار الاجير حتى يبين له أجره وعن النجش واللمس وإلقاء الحجر "
- رواه أحمد (6/22)
2 - وعن أبي سعيد أيضا قال " نهى عن عسب الفحل وعن قفيز الطحان "
- رواه الدارقطني وفسر قوم فقيز الطحان بطحن الطعام بجزء منه مطحونا لما فيه من استحقاق طحن قدر الأجرة لكل واحد منهما على الآخر وذلك متناقض . وقيل لا بأس بذلك مع العلم بقدره وإنما المنهي عنه طحن الصبرة لا يعلم كلها بقفيز منها وإن شرط حبا لان ماعداه مجهول فهو كبيعها الا قفيزا منها (6/23)
3 - وعن عتبة بن الندر " فقال كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقرأ طس حتى بلغ قصة موسى عليه السلام فقال إن موسى أجر نفسه ثمان سنين أو عشر سنين على عفة فرجه وطعام بطنه "
- رواه أحمد وابن ماجه (6/23)
- حديث أبي سعيد الأول قال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح الا أن إبراهيم النخعي لم يسمع من أبي سعيد فيما احسب اه وأخرجه أيضا البيهقي وعبد الرزاق وإسحاق في مسنده وأبو داود في المراسيل والنسائي في الزراعة غير مرفوع ولفظ " من استأجر أجيرا فليسم له أجرته " وحديثه الثاني أخرجه أيضا البيهقي وفي إسناده هشام أبو كليب قال ابن القطان لا يعرف . وكذا قال الذهبي وزاد وحديثه منكر . وقال مغلطاي هو ثقة وأورده ابن حبان في الثقات . وحديث عتبة بن الندر بضم النون وتشديد المهملة في إسناده مسلمة بن علي الحسني وهو متروك وقيل اسمه مسلم والأول أصح : قوله " حتى يبين له أجره " فيه دليل لمن قال إنه يجب تعيين قدر الأجرة وهم العترة والشافعي وأبو يوسف ومحمد وقال مالك وأحمد بن حنبل وابن شبرمة لا يجب للعرف واستحسان المسلمين . قال في البحر قلنا لانسلم بل الإجماع على خلافه اه ويؤيد القول الأول القياس على ثمن المبيع : قوله " وعن النجش " إلى آخر الحديث قد تقدم الكلام على ذلك في البيع وإلقاء الحجر هو بيع الحصاة الذي تقدم تفسيره وإذا أخذ النهي عن النجش على عمومه صح الاستدلال به على عدم جواز الاستئجار عليه ولكنه يبعد ذلك عطف اللمس وإلقاء الحجر عليه . قوله " نهى عن عسب الفحل " قد سبق ضبطه وتفسيره في البيع والمراد به الكراهة كما قال الجوهري يقال عسبت الرجل أي أعطيته الكراء وقيل ماء الفحل نفسه لقول زهير
ولولا عسبه لتركتموه ... وشر منيحة فحل معار
وقد ذهبت الشافعية والحنفية والعترة إلى أنه لا يجوز تأخير الفحل للضراب . وقال مالك وابن أبي هريري يصح كالاعارة وهو قياس فاسد الأعتبار . قوله " وعن قفيز الطحان " حكى الحافظ في التلخيص عن ابن المبارك أحد رواة الحديث بأن صورته أن يقال للطحان اطحن بكذاوكذا وزيادة قفيز من نفس الطحين وقد استدل بهذا الحديث أبو حنيفة والشافعي ومالك والليث والناصر على أنه لا يجوز أن تكون الأجرة بعض المعمول بعد العمل . وقالت الهادوية والامام يحيى والمزني أنه يصح بمقدار منه معلوم وأجابوا عن الحديث بأن مقدار القفيز مجهول أو أنه كان الاستئجار على طحن صبة بقفيز منها بعد طحنها وهو فاسد عندهم : قوله " وطعام بطنه " فيه متمسك لمن قال بجواز الاستئجار بالنفقة ومثلها الكسوة وهو أبو حنيفة والامام يحيى . وقال الشافعي وأبو يوسف ومحمد والهادوية والمنصور بالله لا يصح للجهالة (6/23)
باب الاستئجار على العمل مياومة أو مشاهرة أو معاومة أو معاددة (6/24)
1 - عن علي رضي الله عنه قال " جعت مرة جوعا شديدا فخرجت لطلب العمل في عوالي المدينة فإذا أنا بامرأة قد جمعت مدرا فطننتها تريد بله فقاطعتها كل ذنوب على تمرة فمددت ستة عشر ذنوبا حتى مجلت يداي ثم أتيتها فعدت لي ست عشرة تمرة فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته فأكل معي منها "
- رواه أحمد (6/24)
2 - وعن أنس " لما قدم المهاجرون من مكة المدينة قدموا وليس بأيديهم شيء فكانت الأنصار أهل الارض والعقار فقاسمهم الأنصار على ان أعطوهم نصف ثمار أموالهم كل عام ويكفوهم العمل والمؤنة "
- أخرجاه قال البخاري وقال ابن عمر أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم خيبر بالشطر فكان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأبي بكر وصدر من خلافة عمر ولم يذكر أن أبا بكر وعمر جددا الأجارة بعد ما قبض النبي صلى الله عليه وآله وسلم (6/24)
- حديث عليه عليه السلام جود الحافظ إسناده وأخرجه ابن ماجه بسند صححه ابن السكن . وأخرج البيهقي وابن ماجه من حديث ابن عباس بلفظ " أن عليا عليه السلام أجر نفسه من يهودي يسقي له كل دلو بتمرة وعندهما إن عدد التمر سبعة عشر " وفي إسناده حنش راوية عن عكرمة وهو ضعيف : قوله " ذنوبا " هو لدلو مطلقا أو التي فيها ماء أو الممتلئة أو التي هي غير ممتلئة أفاد معنى ذلك في القاموس . وقد قدمنا تحقيقه في أول هذا الشرح : قوله " مجلت " بكسر الجيم أي غلطت وتنفطت وبفتح الجيم غلظت فقط . قال في القاموس مجلت يده كنصر وفرح مجلا ومجولا نفطت من العمل فمرنت كامجلت وقد أمجلها العمل أو المجل أن يكون بين الجلد واللحم ماء أو المجلة جلدة رقيقة يجتمع فيها ماء من أثر العمل . وحديث علي عليه السلام فيه بيان ما كانت الصحابة عليه من الحاجة وشدة الفاقة والصبر على الجوع وبذل الأنفس واتعابها في تحصيل القوام من العيش للتعفف عن السؤال وتحمل المتنن وان تأجير النفس لا يعد دناءة وإن كان المستأجر غير شريف أو كافرا والأجير من أشراف الناس وعظمائهم . وأورده المصنف للاستدلال به على جواز الاجارة معاددة يعني ان يفعل الأجير عددا معلوما من العمل بعدد معلوم من الأجرة وإن لم يبين في الأبتداء مقدار جميع العمل والأجرة . وحديث أنس فيه دليل على جواز اجارة الأرض بنصف الثمرة الخارجة منها في كل عام وكذلك حديث ابن عمر وقد تقدم بسط الكلام على اجارة الأرض وما يصح منها ومالا يصح في المزارعة (6/25)
باب ما يذكر في عقد الأجارة بلفظ البيع (6/25)
1 - عن سعيد بن ميناء عن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال من كان له فضل أرض فيزرعها أو لزرعها أخاه ولا تبيعوها قيل لسعيد مالا تبيعوها يعني الكراء قال نعم "
- رواه أحمد ومسلم
- قد تقدم الكلام على ما اشتمل عليه الحديث في المزارعة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال له على صحة إطلاق لفظ البيع على الأجارة وهو مجاز من باب إطلاق الحكم على الشيء وهو لما هو من الأشياء التابعة له كإطلاق البيع هنا على الأرض وهو لمنفعتها (6/25)
باب الأجير على عمل متى يستحق الأجرة وحكم سراية عمله (6/26)
1 - عن أبي هريرة " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الله عز و جل ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة ومن كنت خصمه خصمته رجل أعطى بي ثم غدر ورجل باع حرا وأكل ثمنه ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يوفه أجره "
- رواه أحمد والبخاري (6/26)
2 - وعن أبي هريرة في حديث له عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه يغفر لامته في آخر ليلة من رمضان قيل يا رسول الله أهي ليلة القدر قال لا ولكن العامل إنما يوفى أجره إذا قضى عمله "
- رواه أحمد (6/26)
3 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من تطبب ولم يعلم منه طب فهو ضامن "
- رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه (6/27)
- حديث أبي هريرة الثاني أخرجه أيضا البزار وفي إسناده هشام بن زياد أبو المقدام وهو ضعيف . وحديث عمرو بن شعيب قال أبو داود بعد إخراجه هذا لم يروه إلا الوليد بن مسلم لا يدري هو صحيح أم لا . وأخرجه النسائي مسندا ومنقطعا ( وفي الباب ) عن عبد العزيز بن عمر بن عبد العزيز قال حدثني بعض الوفد الذين قدموا على أبي قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أيما طبيب تطبب على قوم لا يعرف له تطبب قبل ذلك فأعنت فهو ضامن " أخرجه أبو داود وفي إسناده مجهول لا يعلم هل له صحبة أم لا : قوله " ثلاثة أنا خصمهم " قال ابن التين هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين الا أنه أراد التشديد على هولاء بالتصريح والخصم يطلق على الواحد والاثنين وعلى أكثر من ذلك . وقال الهروي الواحد بكسر أوله قال الفراء الأول قول الفصحاء ويجوز في الاثنين خصمان وفي الثلاثة خصوم . وقوله " ومن كنت خصمه خصمته " هذه الزيادة ليست في صحيح البخاري ولكنه أخرجها أحمد وابن حبان وابن خزيمة والإسماعيلي . قوله " أعطى بي ثم غدر " المفعول محذوف والتقدير أعطى يمينه بن أي عاهد وحلف بالله ثم لم يف : قوله " باع حرا وأكل ثمنه " خص الأكل لأنه أعظم مقصود وفي رواية لأبي داود ورجل اعتبد محررهوهو أعم من الأول في الفعل وأخص منه في المفعول . قال الخطابي اعتباد الحر يقع بأمرين أن يعتقه ثم يكتم ذلك أو يجحده والثاني أن يستخدمه كرها بعد العتق والأول أشدهما قال في الفتح والأول أشد لأن فيه مع كتم الفعل أو جحده العمل بمقتضى ذلك مع البيع وأكل الثمن فمن ثم كان الوعيد عليه أشد . قال المهلب وإنما كان إثمه شديدا لأن المسلمين اكفاء بالحرية فمن بباع حرا فقد منعه التصرف فيما أباح الله له والزمه الذي أنقذه الله منه . وقال ابن الجوزي الحر عبد الله فيمن جني عليه فخصمه سيده قال ابن المنذر لم يختلفوا في أن من باع حرا أنه لا يقطع عليه يعني إذا لم يسرقه من حرز مثله إلا ما يروى عن علي عليه السلام أنه تقطع يد من باع حرا قال وكان في جواز بيع الحر خلاف قديم ثم ارتفع فروى عن علي رضي الله عنه أنه قال من أقر على نفسه بأنه عبد فهو عبد . وروى ابن أبي شيبة من طريق قتادة أن رجلا باع نفسه فقضى عمر بأنه عبد وجعل ثمنه في سبيل الله . ومن طريق زرارة ابن حزم أن الحر كان يباع في الدين حتى نزلت { وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة } ونقل عن الشافعي مثل ذلك ولا يثبت أكثر أصحابه . وقد استقر الإجماع على المنع . قوله " ولم يوفه أجره " هو في معنى من باع حرا وأكل ثمنه لأنه استوفى منفعته بغير عوض فكأنه أكلها ولأنه استخدمه بغير أجرة فكأنه استعبده . قوله " إنما يوفى أجره إذا قضي عمله " فيه دليل على أن الأجرة تستحق بالعمل وأما الملك فعند العترة وأبي حنيفة وأصحابه إنما تملك بالعقد فتتبعها أحكام الملك . وعند الشافعي وأصحابه أنها تستحق بالعقد وهذا في الصحيحة وأما الفاسدة فقال في البحر لا تحب بالعقد إجماعا وتجب بالاستيفاء إجماعا : قوله " فهو ضامن " فيه دليل على أن متعاطي الطب يضمن ما حصل من الجناية بسبب علاجه وأما من علم منه أنه طبيب فلا ضمان عليه وهو من يعرف العلة ودوائها وله مشايخ في هذه الصناعة شهدوا له بالحذق فيها وأجازوا له المباشرة (6/27)
كتاب الوديعة والعارية (6/27)
1 - عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا ضمان على مؤتمن "
- رواه الدارقطني (6/28)
- الحديث قال الحافظ في إسناده ضعف وأخرجه الدارقطني من طريق أخرى عنه بلفظ " ليس على المستعير غير المغل ضمان ولا على المستودع غير المغل ضمان " وقال إنما نروي هذا عن شريح غير مرفوع . قال الحافظ وفي اسناده ضعيفان . قوله " الوديعة " هي في اللغة مأخوذة من السكون يقال ودع الشيء يدع إذا سكن فكأنها ساكنة عند المودع وقيل مأخوذة من الدعة وهي خفض العيش لأنها غير مبتذلة بالانتفاع . وفي الشرع العين التي يضعها مالكها عند آخر ليحفظها وهي مشروعة إجماعا . والعارية بتشديد الياء قال في النهاية كأنها منسوبة إلى العار لأن طلبها عار ويجمع على عوارى مشددا . وفي الشرع إباحة منافع العين بغير عوض وهي أيضا مشروعة إجماعا . قوله " لا ضمان على مؤتمن " فيه دليل على أنه لا ضمان على من كان أمينا على عين من الأعيان كالوديع والمستعير أما الوديع فلا يضمن قيل إجماعا إلا لجناية منه على العين . وقد حكى في البحر الإجماع على ذلك وتأول ما حكي عن الحسن البصري أن الوديع لا يضمن إلا بشرط الضمان بأن ذلك محمول على ضمان التفريط لا الجناية المتعمدة والوجه في تضمينه الجناية أنه صار بها خائنا والخائن ضامن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم " ولا على المستودع غير المغل ضمان " والمغل هو الخائن وهكذا يضمن الوديع إذا وقع منه تعد في حفظ العين لأنه نوع من الخيانة وأما العارية فذهبت العترة والحنفية والمالكية إلى أنها غير مضمونة على المستعير إذا لم يحصل منه تعد . وقال ابن عباس وأبو هريرة وعطاء والشافعي وأحمد وإسحاق وعزاه صاحب الفتح إلى الجمهور أنها إذا تلفت في يد المستعير ضمنها إلا فيما إذا كان ذلك على الوجه المأذون فيه . وعن حسن البصري والنخعي والأوزاعي وشريح والحنفية أنها غير مضمونة . وأن شرط الضمان وعند العترة وقتادة والعنبري أنه إذا شرط الضمان كانت مضمونة وحكى في البحر عن مالك والبتي أن غير الحيوان مضمون أو الحيوان غير مضمون واستدل من قال أنه لا ضمان على غير المعتدي بما تقدم من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس على المستعير غير المغل ضمان " وبقوله " لا ضمان على مؤتمن " وبما أخرجه ابن ماجه عن ابن عمرو بلفظ " من أودع وديعة فلا ضمان عليه " وفي إسناده المثنى ابن الصباح وهو متروك وتابعه ابن لهيعة فيما ذكره البيهقي . وبما أخرجه أبو داود وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان من حديث أبي أمامة أنه سمع النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول في حجة الوداع العارية مؤداة والزعيم غارم وتعقب بأن التصريح بضمان الزعيم لا يدل على عدم ضمان المستعير . واستدل من قال بالضمان بحديث سمرة الآتي وبقوله تعالى { إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها } ولا يخفى أن الأمر بتأدية الأمانة لا يستلزم ضمانها إذا تلفت . واستدل من فرق بين الحيوان وغيره بحديث صفوان الآتي ولا يخفى أن دلالته على أن غير الحيوان مضمون لا يستفاد منها أن حكم الحيوان بخلافه (6/28)
2 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك "
- رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن (6/28)
- الحديث أخرجه أيضا الحاكم وصححه وفي إسناده طلق بن غنام عن شريك واستشهد له الحاكم بحديث أبي التياح عن أنس . وفي إسناده أيوب بن سويد مختلف فيه وقد تفرد به كما قال الطبراني وقد استنكر حديث الباب أبو حاتم الرازي . وأخرجه أيضا البيهقي ومالك ( وفي الباب ) عن أبي بن كعب عند ابن الجوزي في العلل المتناهية وفي إسناده من لا يعرف . وأخرجه أيضا الدارقطني . وعند أبي أمامة عند البيهقي والطبراني بسند ضعيف . وعن أنس عند الدارقطني والطبراني والبيهقي وأبي نعيم . وعن رجل من الصحابة عند أحمد وأبي داود والبيهقي وفي إسناده مجهول آخر غير الصحابي لأن يوسف ابن ماهك رواه عن فلان عن آخر وقد صححه ابن السكن . وعن الحسن مرسلا عند البيهقي . قال الشافعي هذا الحديث ليس ثابت . وقال ابن الجوزي لا يصح من جميع طرقه . وقال أحمد هذا حديث باطل لا أعرفه من وجه يصح ولا يخفى أن وروده بهذه الطرق المتعددة مع تصحيح إمامين من الأئمة المعتبرين لبعضها وتحسين أمام ثالث منهم مما يصير به الحديث منتهضا للاحتجاج . قوله " ولا تخن من خانك " فيه دليل على أنه لا يجوز مكافأة الخائن بمثل فعله فيكون مخصصا لعموم قوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } وقوله تعالى { وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به } وقوله تعالى { ومن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } ( والحاصل ) أو الأدلة القاضية بتحريم مال الآدمي ودمه وعرضه عمومها مخصص بهذه الثلاث الآيات . وحديث الباب مخصص لهذه الآيات فيحرم من مال الآدمي وعرضه ودمه ما لم يكن عن طريق المجازاة فإنها حلال إلا الخيانة لأنها لا تحل ولكن الخيانة إنما تكون في الأمانة كما يشعر بذلك كلام القاموس فلا يصح الاستدلال بهذا الحديث على أنه لا يجوز لمن تعذر عليه استيفاء حقه حبس حق خصمه على العموم كما فعله صاحب البحر وغيره إنما يصح الاستدلال به على أنه لا يجوز للإنسان إذا تعذر عليه استيفاء حقه أن يحبس عنده وديعة لخصمه أو عارية مع أن الخيانة إنما تكون على جهة الخديعة والخفية وليس محل نزاع من ذلك ومما يؤيد الجواز اذنه صلى الله عليه وآله وسلم لامرأة أبي سفيان أن تأخذ لها ولولدها من مال زوجها ما يكفيها كما في الحديث الصحيح . وقد اختلف في مسألة الحبس المذكورة فذهب الهادي إلى أنه لا يجوز مطلقا لا من الجنس ولا من غيره . قال المؤيد بالله أن قول الهادي مسبوق بالإجماع وقال الشافعي والمنصور بالله يجوز من الجنس وغيره . وقال أبو حنيفة والمؤيد بالله يجوز من الجنس فقط . وقال الإمام يحيى يجوز من الجنس ثم من غيره لتعذره دينا . قال في البحر بعد حكاية الخلاف قلت الأقرب اشتراط الحاكم حيث يمكن للخبر يعني حديث الباب فإن تعذر جاز الحبس وغيره لئلا تضيع الحقوق ولظواهر الآى (6/29)
3 - وعن الحسن عن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال على اليد ما أخذت حتى تؤديه "
- رواه الخمسة إلا النسائي زاد أبو داود والترمذي قال قتادة ثم نسي الحسن فقال هو أمينك لا ضمان عليه يعني العارية (6/29)
- الحديث صححه الحاكم وسماع الحسن من سمرة فيه خلاف مشهور قد تقدم وفيه دليل على أنه يجب على الإنسان رد ما أخضته يده من مال غيره باعارة أو اجارة أو غيرهما حتى يرده إلى مالكه وبه استدل من قال بأن الوديع والمستعير ضامنان وقد تقدم الخلاف في ذلك وهو صالح للاحتجاج به على التضمين لأن المأخوذ إذا كان على اليد الآخذة حتى ترده فالمراد أنه في ضمانها كما يشعر لفظ على من غير فرق بين مأخوذ ومأخوذ . وقال المقبلي في المنار يحتجون بهذا الحديث في مواضع على التضمين ولا أراه صريحا لأن اليد الأمينة أيضا عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة
ومستخبر عن سر ليلى تركته بعمياء من ليلى بغير يقين
يقولون خبرنا فأنت أمينها وما أنا أن خبرتهم بأمين
إنما كلامنا هل يضمنها لو تلفت بغير جناية وليس الفرق بين المضمون وغير المضمون إلا هذا . وأما الحفظ فمشترك وهو الذي تفيده على فعلي هذا لم ينس الحسن كما زعم قتادة حين قال هو أمينك لا ضمان عليه بعد رواية الحديث اه ولا يخفى عليك ما في هذا الكلام من قلة الجدوى وعدم الفائدة وبيان ذلك أن قوله لأن اليد الأمينة عليها ما أخذت حتى ترد وإلا فليست بأمينة يقتضي الملازمة بين عدم الرد وعدم الأمانة فيكون تلف الوديعة والعارية بأي وجه من الوجوه قبل الرد مقتضيا لخروج الأمين عن كونه أمينا وهو ممنوع فإن المقتضى لذلك إنما هو التلف بخيانة أو جناية ولا نزاع في أن ذلك موجب للضمان إنما النزاع في تلف لا يصير به الأمين خارجا عن كونه أمينا كالتلف بأمر لا يطاق دفعه أو بسبب سهو أو نسيان أو بآفة سماوية أو سرقة أو ضياع بلا تفريط فإنه يوجد التلف في هذه الأمور مع بقاء الأمانة . وظاهر الحديث يقتضي الضمان وقد عارضه ما أسلفنا . وقال في ضوء النهار إن الحديث إنما يدل على وجوب تأدية غير التالف والضمان عبارة عن غرامة التالف اه ولا يخفى أن قوله في الحديث " على اليد ما أخذت " من المقتضى الذي يتوقف فهم المراد منه على مقدر وهو إما الضمان أو الحفظ أو التأدية فيكون معنى الحديث على اليد ضمان ما أخذت أو حفظ ما أخذت أو تأدية ما أخذت ولا يصح ههنا تقدير التأدية لأنه قد جعل قوله حتى تؤديه غاية لها والشيء لا يكون غاية لنفسه . وأما الضمان والحفظ فكل واحد منهما صالح للتقدير ولا يقدران معالما تقرر من أن المقتضى لا عموم له فمن قدر الضمان أوجبه على الوديع والمستعير ومن قدر الحفظ أوجبه عليهما ولم يوجب الضمان إذا وقع التلف مع الحفظ المعتبر وبهذا تعرف أن قوله إنما يدل الحديث على وجوب التأدية لغير التالف ليس على ما ينبغي وأما مخالفة رأي الحسن لروايته فقد تقرر في الأصول أن العمل بالرواية لا بالرأي (6/29)
4 - وعن صفوان بن أمية " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم استعار منه يوم حنين أدرعا فقال أغصبا يا محمد قال بل عارية مضمونة قال قضاع بعضها فعرض عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يضمنها له فقال أنا اليوم في الإسلام أرغب "
- رواه أحمد وأبو داود (6/30)
5 - وعن أنس بن مالك قال " كان فزع بالمدينة فاستعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم فرسا من أبي طلحة يقال له المندوب فركبه فلما رجع قال ما رأينا من شيء وان وجدناه لبحرا "
- متفق عليه (6/30)
- حديث صفوان أخرجه أيضا النسائي والحاكم وأورد له شاهدا من حديث ابن عباس ولفظه " بل عارية مؤداة " وفي رواية لأبي داود " أن الأدراع كانت ما بين الثلاثين إلى الأربعين " ورواه البيهقي عن أمية بن صفوان مرسلا وبين أن الأدراع كانت ثمانين . ورواه الحاكم من حديث جابر وذكر أنها مائة درع " وأعل ابن حزم وابن القطان طرق هذا الحديث يعلي بن أمية وقد تقدم في كتاب الوكالة : قوله " أغصبا " معمول لفعل مقدر هو مدخول الهمزة أي أتأخذها غصبا لا تردها علي فأجاب صلى الله عليه وآله وسلم بقوله بل عارية مضمونة فمن استدل بهذا الحديث على أن العارية مضمونة جعل لفظ مضمونة صفة كاشفة لحقيقة العارية أي أن شأن العارية الضمان جعل لفظ مضمونة صفة مخصصة أي استعيرها منك عارية متصفة بأنها مضمونة لا عارية مطلقة عن الضمان : قوله " فعرض عليه أن يضمنها " فيه دليل على أن الضياع من أسباب الضمان لا على أن مطلق الضياع تفريط وأنه يوجب الضمان على كل حال لاحتمال أن يكون تلف ذلك البعض وقع فيه تفريط . قوله " فزع " أي خوف من عدو وأبو طلحة المذكور هو زيد بن سهل زوج أم أنس قوله " يقال له المندوب " قيل سمي بذلك من الندب وهو الرهن عند السباق . وقيل لندب كان في جسمه وهو أثر الجرح : قوله " وان وجدناه لبحرا " قال الخطابي ان هي النافية واللام بمعنى الا أي ما وجدناه الا بحرا . قال ابن التين هذا مذهب الكوفيين وعند البصرين ان ان مخففة من الثقيلة واللام زائدة قال الأصمعي . يقال للفرس بحر إذا كان واسع الجري أو لأن جريه لا ينفد كما لا ينفد البحر ويؤيده ما وقع في رواية للبخاري بلفظ " فكان بعد ذلك لا يجارى " (6/30)
6 - وعن ابن مسعود قال " كنا نعد الماعون على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عارية الدلو والقدر "
- رواه أبو داود (6/31)
- الحديث سكت عنه أبو داود وحسنه المنذري . وروى عن ابن مسعود وابن عباس أنهما فسرا قوله تعالى { وينعون الماعون } أنه متاع البيت الذي يتعاطاه الناس بينهم من الفاس والدلو والحبل والقدر وما أشبه ذلك . وعن عائشة المعاون الماء والنار والملح وقيل المعاون الزكاة قال الشاعر :
قوم على الاسلام لما يمنعوا ... ماعونهم ويضيعوا التهليلا
قال في الكشاف وقد يكون منع هذه الأشياء محظورا في الشريعة إذا استعيرت عن اضطرار وقبيح في المروءة في غير حال الضرورة . وأخرج أبو داود والنسائي عن بهيسة بضم الموحدة وفتح الهاء وسكون الياء التحتية بعدها سين مهملة الفزارية عن أبيها قالت " أستأذن أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فدخل بينه وبين قميصة فجعل يقبله ويلتزم ثم قال يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك " . وسيأتي حديث بهيسة هذا في باب اقطاع المعادن من كتاب احياء الموات . ورورى ابن أبي حاتم عن قرة بن دعموس النميري " أنهم وفدوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالوا يا رسول الله ما تعهد إلينا قال لا تمنعوا الماعون قالوا يا رسول الله وما الماعون قال في الحجر والحديد وفي الماء قالوا فأي الحديد قال قدوركم النحاس وحديد الفأس الذي تمتهون به قالوا وما الحجر قال قدوركم الحجارة " وهذا حديث غريب . وروري عن عكرمة " أن رأس الماعون زكاة المال وأدناه المنخل والدلو والأبرة " وروى ابن أبي حاتم أن الماعون العواري واصل الماعون من المعن وهو الشيء القليل فسمي الزكاة ماعونا لأنها قليل من كثير وكذلك الصدقة وغيرها وهذه التفاسير ترجع كلها إلى شيء واحد وهو المعاونة بمال أو منفعة ولهذا قال محمد بن كعب الماعون المعروف . وفي الحديث " كل معروف صدقة " (6/31)
7 - وعن عائشة " أنها قالت وعليها درع قطري ثمن خمسة دراهم كان لي منهن درع على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما كانت امرأة تقين بالمدينة إلا أرسلت إلي تستعيره "
- رواه أحمد والبخاري (6/31)
- قوله " درع " الدرع قميص المرأة وهو مذكر . قال الجوهري ودرع الحديد مؤنثه وحكى أبو عبيدة أنه أيضا يذكر ويؤنث . قوله " قطري " بكسر القاف وسكون المهملة بعداها راء وفي رواية المستملي والسرخسي بضم القاف وسكون المهملة وآخره نون والقطري نسبة إلى القطر وهي ثياب من غليظ القطن وغيره . وقيل من القطن خاصة تعرف بالقطرية فيها حمة قال الأزهري الثياب القطرية منسوبة إلى قطر قرية من البحرين فكسروا القاف للنسبة وخففوا . قوله " ثمن خمس دارهم " بنصب ثمن بتقدير فعل وخمسة بالخفض على الأضافة أبو برفع ثمن وخمسة على حذف الضمير والتقدير ثمنه خمسة . وروى بضم أوله وتشديد الميم على لفظ الماضي ونصب خمسة على نزع الخافض أي قوم بخمسة دراهم . قوله " تقين " بالقاف والتحتانية المشددة أي تزين من قال الشيء قيانة أي أصلحه والقنية يقال للماشطة وللمغنية . وحكى ابن التين أنه روى تفنن بالفاء أي تعرض وتجلى على زوجها . قال في الفتح ولم يضبط ما بعد الفاء ورأيته بخط بعض الحفاظ بمثناة فوقانية . قال ابن الجوزي أرادت عائشة أنهم كانوا أولا في حال ضيق فكان الشيء المحتقر عندهم أذ ذاك عظيم القدر وفي الحديث إن عارية الثياب للعرس أمر معمول به مرغب فيه وأنه لا يعد من التشيع (6/32)
4 - وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال مامن صاحب إبل ولا بقر ولاغنم لا يؤدي حقها الا اقعد لها يوم القيامة بقاع قرقر تطؤه الظلف بظلفها وتنطحه ذات القرن ليس فيها يؤمئذ جماء ولا مكسورة القرن قلنا يا رسول الله وما حقها قال اطراق فحلها واعارة دلوها ومنحتها وحلبها على الماء وحمل عليها في سبيل الله "
- رواه أحمد ومسلم (6/32)
- الحديث قد سبق شرح بعض ألفاظه في أول كتاب الزكاة : قوله " اطراق فحلها " أي عارية الفحل لمن أراد أن يستعيره من مالكه ليطرق به على ما شيته : قوله " واعارة دلوها " أي من حقوق الماشية أن يعير صاحبها الدلو الذي يسقيها به إذا طلبه منه من يحتاج إليه : قوله " ومنحتها " بالنون والمهملة والمنحة في الأصل العطية قال أبو عبيدة المنحة عند العرب على وجهين أحدهما أن يعطي الرجل صاحبه فيكون له والآخر أن يعطيه ناقة أو شاة ينتفع بحلبها ووبرها زمنائم يردها والمراد بها هنا عارية ذوات الألبان ليؤخذ لبنها ثم ترد لصاحبها : قال القزاز قيل لا تكون المنيحة الاناقة أو شاة والأول أعرف : قوله " وحلبها على الماء " بالحاء المهملة في جميع الروايات وأشار الداودي إلى أنه رورى بالجيم وقال أراد أنها تساق إلى موضع سقيها وتعقب بأنه لو كان كذلك يقال وحلبها إلى الماء لا على الماء وإنما المراد حلبها هناك لنفع من يحضر من المساكين . قوله " حمل عليها " الخ أي من حقها أن يبذلها المالك لمن أراد أن يستعيرها لينتفع بها في الغزو (6/32)
كتاب إحياء الموات (6/33)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أحيا أرضا ميتة فهي له "
- رواه أحمد والترمذي وصححه . وفي لفظ " من أحاط حائطا على أرض فهي له " رواه أحمد وأبو داود . ولأحمد مثله من رواية سمرة (6/33)
2 - وعن سعيد بن زيد قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحيا أرضا ميتة فهي له وليس لعرق ظالم حق " رواه أحمد وأبو داود والترمذي (6/33)
3 - وعن عائشة قالت " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من عمر ارضا ليست لأحد فهو أحق بها "
- رواه أحمد والبخاري (6/34)
4 - وعن أسمر بن مضرس قال " أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبايعته من سبق إلى مالم يسبق إليه مسلم فهو له قال فخرج الناس يتعادون يتخاطون "
- رواه أبو داود (6/34)
- حديث جابر أخرجه بنحوه النسائي وابن حبان . وحديث سمرة أخرجه أيضا أبو داود والطبراني والبيهقي وصححه ابن الجارود وهو من رواية الحسن عنه وفي سماعه منه خلاف ولفظه منأحاط حائطا على الأرض فهي له . وحديث سعيد أخرجه أيضا النسائي وحسنه الترمذي وأعله بالإرسال فقال وروى مرسلا ورجح الدارقطني إرساله أيضا . وقد اختلف مع ترجيح الإرسال من هو الصحابي الذي روى من طريقه فقيل جابر . وقيل عائشة . وقيل عبد الله بن عمر ورجح الحافظ الأول وقد اختلف فيه على هشام بن عروة اختلافا كثيرا . ورواه أبو داود الطيالسي من حديث عائشة وفي إسناده زمعة وهو ضعيف ورواه ابن أبي شيبة وإسحاق بن راهويه في مسنديهما من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن أبيه عن جده وعلقه البخاري زحديث أسمر بن مضرس صححه الضياء في المختارة وقال البغوي لا أعلم بهذا الإسناد غير هذا الحديث . قوله " من أحيا أرضا ميتة " الأرض الميتة هي التي لم تعمر شبهت عمارتها بالحياة وتعطيلها بالموت والإحياء أن يعمد شخص إلى أرض لم يتقدم ملك عليها لأحد فيحيها بالسقي أو الزرع أو الغرس أو البناء فتصير بذلك ملكه كما يدل عليه أحاديث الباب وبه قال الجمهور وظاهر الأحاديث المذكورة أنه يجوز الإحياء سواء بإذن الإمام أو بغير إذنه . وقال أبو حنيفة لا بد من إذن الإمام وعن مالك يحتاج إلى اذن الإمام فيما لأهل القرية إليه حاجة من مرعى ونحوه وبمثله قالت الهادوية . قوله " من أحاط حائطا " فيه أن التحويط على الأرض من جملة ما يستحق به ملكها والمقدار المعتبر ما يسمى حائطا في اللغة : قوله " وليس لعرق ظالما حق " قال في الفتح رواية الأكثر بتنوين عرق وظالم نعت له وهو راجع إلى صاحب العرق أي ليس لذي عرق ظالم أو إلى العرق أي ليس لعرق ذي ظالم . ويروى بالإضافة ويكون الظالم صاحب العرق ويكون المراد بالعرق الأرض ويا لاول جزم مالك والشافعي والأزهري وابن فارس وغيرهم وبالغ الخطابي فغلط رواية الإضافة . وقال ربيعة العرق الظالم يكون ظاهر أو يكون باطنا فالباطن ما احتفره الرجل من الآبار . واستخرجه من المعادن والظاهر ما بناه أو غرسه . وقا لغيره العرق الظالم من غرس أو زرع أو بنى أو حفر في أرض غيره بغير حق ولا شبهة : قوله " من عمر أرضنا " بفتح العين وبتخفيف الميم ووقع في البخاري من أعمر بزيادة الهمزة في أوله وخطئ راويها . وقال ابن بطال يمكن أن يكون اعتمر فسقطت التاء من النسخة وقال غيره قد سمع فيه الرباعي يقال أعمر الله بك منزلك . ووقع في رواية أبي ذر من أعمر بضم الهمزة أي أعمره بغيره . قال الحافظ وكأن المراد بالغير الإمام . قوله " يتعادون " يتخاطون المعاداة الإسراع بالسير والمراد بقوله يتخاطون يعلمون على الأرض علامات بالخطوط وهي تسمى الخطط واحدتها خطة بكسر الخاء وأصل الفعل يتخاططون فأدغمت الطاء في الطاء والتقييد بالمسلم في حديث أسمرة يشعر بأن المراد بقوله في حديث عائشة " ليست لأحد " أي من المسلمين فلا حكم لتقدم الكافر أما إذا كان حربيا فظاهر وأما الذمي ففيه خلاف معروف (6/34)
باب النهي عن منع فضل الماء (6/35)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا تنعوا فضل الماء لتمنعوا به الكلأ "
- متفق عليه . ولمسلم " لا يباع فضل الماء ليباع به الكلأ " . وللبخاري " لا تمنعوا فضل الماء لتمنعوا به فضل الكلأ " (6/35)
2 - وعن عائشة قالت " نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يمنع نقع البئر "
- رواه أحمد وابن ماجه (6/35)
3 - وعن مرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال منع فضل مائة أو فضل منعه الله عز و جل فضله يوم القيامة "
- رواه أحمد (6/36)
4 - وعن عبادة بن الصامت " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قضى بين أهل المدينة في النخل أن لا يمنع نقع بئر وقضي بين أهل البادية أن لا يمنع فضل ماء ليمنع به الكلأ "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند (6/36)
- حديث عمرو بن شعيب في إسناده محمد بن راشد الخزاعي وهو ثقة وقد ضعفه بعضهم لكن حديث أبي هريرة يشهد لصحة الأحاديث المذكورة بعده ومما يشهد لصحتها حديث جابر عند مسلم " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نهى عن فضل بيع الماء " وحديث إياس بن عبد عند أهل السنن بنحوه وصححه الترمذي . وقال أبو الفتح القشيري هو على شرطهما ولكن حديث عمرو بن شعيب في إسناده ليث بن أبي سليم وقد رواه الطبراني في الصغير من حديث الأعمش عن عمرو بن شعيب ورواه في الكبير من حديث وائلة بلفظ آخر وإسناده ضعيف وحديث عائشة رواه ابن ماجه من طريق عبد الله بن إسماعيل وهو ابن أبي خالد الكوفي قال أبو حاتم مجهول وكذا قال في التقريب قوله " فضل الماء " المراد به ما زاد على الحاجة ويؤيد ذلك ما أخرجه أحمد من حديث أبي هريرة بلفظ " ولا يمنع فضل ماء بعد أن يستغنى عنه " قال في الفتح وهو محمول عند الجمهور على ماء البئر المحفورة في الأرض المملوكة . وكذلك في الموات إذا كان لقصد التملك والصحيح عند الشافعية ونص عليه في القديم وحرملة أن الحافر يملك ماءها وأما البءر المحفورة في الموات لقصد الارتفاق لا التملك فإن الحافر لا يملك ماءها بل يكون أحق به إلى أن يرتحل . وفي الصورتين يجب عليه بذل ما يفضل عن حاجته والمراد حاجة نفسه وعياله وزرعه وماشيته هذا هو الصحيح عند الشافعية وخص المالكية هذا الحكم بالموات وقالوا في البئر التي لا تملك لا يجب عليه بذل فضلها وأما الماء المحرز في الإناء فلا يجب بذل فضله لغير المضطر على الصحيح اه . قال في البحر والماء على أضرب . حق إجماعا كالأنهار غير المستخرجة والسيول . وملك إجماعا كماء يحرز في الجرار ونحوها . ومختلف فيه كماء الآبار والعيون والقنا المحتفرة في الملك اه والقنا هي في الفتح القاف الكظامة التي تحت الأرض وسيأتي ذكر الخلاف في ذلك . قالابن بطال لا خلاف بين العلماء إن صاحب الحق أحق بمائه حتى يروى . قال الحافظ وما نفاه من الخلاف هو على القول بإن الماء يملك فكأن الذين يذهبون إلى أنه يملك وهم الجمهور هم الذين لا خلاف عندهم في ذلك وقد استدل بتوجه النهي إلى الفضل على جواز بيع الماء الذي لا فضل فيه وقد تقدم الكلام على ذلك في البيع . قوله " ليمنع به الكلأ " بفتح الكاف والام بعدها همزة مقصورة وهو النبات رطبة ويابسة والمعنى أن يكون حول البءر كلأ ليس عنده ماء غيره ولا يمكن أصحاب المواشي رعيه إلا إذا مكنوا من سقي بهائمهم من تلك البئر لئلا يتضرروا بالعطش بعد الرعي فيستلزم منعهم من الماء منعم من الرعي وإلى هذا التفسير ذهب الجمهور وعلى هذا يختص البذل بمن له ماشية ويلحق به الرعاة إذا احتاجوا إلى الشرب لأنه إذا منعهم من الشرب امتنعوا من الرعي هناك ويحتمل أن يقال يمكنهم حمل الماء لأنفسهم لقلة ما يحتاجون إليه منه بخلاف البهائم والصحيح الأول ويلتحق بذلك الزرع عند مالك والصحيح عند الشافعية وبه قالت الحنفية الاختصاص بالماشية وفر الشافعي فيما حكاه المزني عنه بين المواشي والزرع بأن الماشية ذات أرواح يخشى من عطشها موتها بخلاف الزرع وبهذا أجاب النووي وغيره واستدل لمالك بحديث جابر المتقدم لإطلاقه وعدم تقييده وتعقب بأنه يحمل على المقيد وعلى هذا لو لم يكن هناك كلأ يرعى فلا منع من المنع لانتقاء العلة . قال الخطابي والنهي عند الجمهور للتنزيه وهو محتاج إلى دليل صرف النهي عن معناه الحقيقي وهو التحريم . قال في الفتح وظاهر الحديث وجوب بذله مجانا وبه قال الجمهور وقيل لصاحبه طلب القيمة من المحتاج إليه كما في طعام المضطر وتعقب بأنه يلزم منه جواز البيع حالة امتناع المحتاج من بذل القيمة ورد بمنع الملازمة فيجوز أن يقال يجب عليه البذل وتثبت له القيمة في ذمة المبذول له فيكون له أخذ القيمة منه متى أمكن ولكنه لا يخفى أن رواية لا يباع فضل الماء ورواية النهي عن بيع فضل الماء يدلان على تحريم البيع ولو جاز له العوض لجاز له البيع . قوله " نقع البئر " أي الماء الفاضل فيها عن حاجة صاحبها . وفيه دليل على أنه لا يجوز منع فضل الماء الكائن في البئر كما لا يجوز منع فضل ماء النهر وأنه لا فرق بينهما والنقع بفتح النون وسكون القاف بعدها عين مهملة (6/36)
باب الناس شركاء في الثلاث وشرب الأرض العليا قبل السفلى إذا قل الماء أو اختلفوا فيه (6/37)
1 - عن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لا يمنع الماء والنار والكلأ "
- رواه ابن ماجه (6/37)
2 - وعن أبي خراش عن بعض أصحابة النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المسلمون شركاء في ثلاثة في الماء والكلأ والنار "
- رواه أحمد وأ [ و داود ورواه ابن ماجة من حديث ابن عباس وزاد فيه " وثمنه حرام " (6/37)
- حديث أبي هريرة قال الحافظ إسناده صحيح وحديث بعض الصحابة رواه أبو نعيم في الصحابة في ترجمة أبي خراش لم يدرك النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الحافظ وهو كما قال فقد سماه أبو داود في روايته حبان بن زيد وهو الشرعبي تابعي معروف . قال الحافظ في بلوغ المرام ورجاله ثقات . وحديث ابن عباس فيه عبد الله بن خراش وهو متروك وقد صححه ابن السكن ( وفي الباب ) عن ابن عمر عند الخطيب وزاد والملح وفيه عبد الحكيم بن ميسرة ورواه الطبراني بسند حسن \ عن زيد بن جبير عن ابن عمرو له عنده طريق أخرى وعن بهيسة عن أبيها عند أبي داود وقد تقدم لفظه في شرح حديث ابن مسعود من كتاب الوديعة والعارية وسيأتي في باب اقطاع المعادن . وعن عائشة عند ابن ماجة " أنها قالت يا رسول الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح والماء والنار " الحديث . وإسناده ضعيف كما قال الحافظ . وعن أنس عند الطبراني في الصغير بلفظ " خصلتان لا يحل منعهما الماء والنار " قال أبو حاتم في العلل هذا حديث منكر . وعن عبد الله بن سرجس عند العقيلي في الضعفاء نحو حديث بهيسة : قوله " الماء " فيه دليل على أن الناس شركة في جميع أنواع الماء من غير فرق بين المحرز وغيره وقد تقدم في الباب الأول أن الماء المحرز في الجرار ونحوها ملك إجماعا ومن لازم الملك الاختصاص وعدم الاشتراك بين غيره منحصرين كما يقضي به الحديث فإن صح هذا الإجماع كان مخصصا لأحاديث الباب . وأما ماء الأنهار فقد تقدم أنه حق بالإجماع واختلف في ماء الآبار والعيون والكظائم فعند الشافعية والحنفية وأبي العباس وأبي طالب أنه حق لا ملك واستدلوا بأحاديث الباب . وقال الإمام يحيى والمؤيد بالله في أحد قوليه وبعض أصحاب الشافعي أنه ملك وقاسوه على الماء المحرز في الجرار ونحوها فورد بأنه بالسيول أشبه منه بماء الجرة ونحوها قال في البحر فصل ومن احتفر بئرا أو نهرا فهو أحق بمائة إجماعا وإن بعدت منه أرضه وتوسط غيرها اه واختلف في ماء البرك فقيل حق وقيل ملك : قوله " والنار " قيل المراد بها الشجر الذي يحبطه الناس وقيل المراد بها الاستصباح منها والاستضاءة بضوئها . وقيل المراد بها الحجارة التي توري النار إذا كانت في موات الأرض وإذا كان المراد بها الضوء فلا خلاف أنه لا يختص به صاحبه وكذلك إذا كان المراد بها الحجارة المذكورة وإن كان المراد بها الشجر فالخلاف بيه كالخلاف في الحطب وسيأتي : قوله " والكلأ " قد تقدم تفسيره في الباب الذي قبل هذا وهو أعم من الخلا والحشيش لأن الخلا مختص بالرطب من النبات والحشيش مختص باليابس والكلأ يعمهما قيل المراد بالكلأ هنا هو الذي يكون في المواضع المباحة كالأودية والجبال والأراضي التي لا ملك لها . وأما ما كان قد أحرز بعد قطعه فلا شركة فيه بالإجماع كما قيل . وأما النابت في الأرض المملوكة والمتحجرة ففيه خلاف فقيل مباح مطلقا وإليه ذهبت الهادوية وقيل تابع للأرض فيكون حكمه حكمها وإليه ذهب المؤيد بالله ( واعلم ) أن أحاديث الباب تنتهض بمجموعها فتدل على الاشتراك في الأمور الثلاثة مطلقا ولا يخرج شيء من ذلك إلا بدليل يخص به عمومها إلا بما هو أعم منها مطلقا كالأحاديث القاضية بأنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة نفسه " لأنها مع كونها إنما تصلح للاحتجاج بها بعد ثبوت الملك وثبوته في الأمور الثلاثة محل النزاع (6/38)
3 - وعن عبادة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في شرب النخل من السبيل أن الأعلى يشرب قبل الأسفل ويترك الماء إلى الكعبين ثم يرسل الماء إلى الأسفل الذي يليه وكذا حتى تنقضي الحوائط أو يفنى الماء "
- رواه ابن ماجة وعبد الله ابن أحمد (6/38)
4 - وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى في سيل مهزور أن يمسك حتى يبلغ الكعبين ثم يرسل الأعلى إلى الأسفل "
- رواه أبو داود ابن ماجه (6/38)
- حديث عبادة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني وفيه انقطاع وحديث عمرو ابن شعيب في إسناده عبد الرحمن بن الحرث المخزومي المدني تكلم فيه الإمام أحمد وقال الحافظ في الفتح إن إسناد هذا الحديث حسن ورواه الحاكم في المستدرك من حديث عائشة أنه قضى صلى الله عليه وآله وسلم في سيل مهزور أن الأعلى يرسل إلى الأسفل ويحبس قدر الكعبين وأعله الدارقطني بالوقف وصححه الحاكم ورواه ابن ماجه وأبو داود من حديث ثعلبة بن أبي مالك ورواه عبد الرزاق في مصنفه عن أبي حاتم القرظي عن أبيه عن جده أنه سمع كبراءهم يذكرون " أن رجلا من قريش كان له سهم في بني قريظة فخاصم إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مهزور السيل الذين يقسمون ماءه فقضى بينهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن الماء إلى الكعبين لا يحبس إلا على الأسفل " قوله " مهزور " بفتح الميم وسكون الهاء بهدعا زاي مضمومة ثم واو ساكنة ثم راء وهو وادي بن قريظة بالحجاز . قال البكري في المعجم هو واد من أودية المدينة . وقيل موضع سوق المدينة وكان قد تصدق به رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على المسلمين فأقطعه عثمان الحرث بن الحكم أخامر وأقطع مروان فدك . وقال ابن الأثير والمنذري أما مهزور بتقديم الراء على الزاي فموضع سوق المدينة ( وأحاديث الباب ) تدل على أن الأعلى تستحق أرضه الشرب بالسيل والغيل وماء البئر قبل الأرض التي تحتها وأن الأعلى يمسك الماء حتى يبلغ إلى الكعبين أي كعبي رجل الإنسان الكائنين عند مفصل الساق والقدم ثم يرسله بعد ذلك . وقال في البحر أن الماء إذا كان قليلا فحده أن يعم أرض الأعلى إلى الكعبين في النخيل وإلى الشراك في الزرع لقضائه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك في خبرة عبادة يعني المذكور في الباب قال وأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم للزبير " اسق أرضك حتى يبلغ الجدر " فقيل عقوبة لخصمه وقيل بل هو المستحق وكان أمره صلى الله عليه وآله وسلم بالتفضيل فإن كانت الأرض بعضها مطمئن فلا يبلغ في بعضها الكعبين إلا وهو في المطمئن إلى الركبتين قدم المطمئن إلى الكعبين ثم حبسه وسقى باقيها . وقال أبو طالب العبرة بالكفاية للأعلى اه وهو المختار عند الهادوية . قال ابن التين الجمهور على أن الحكم أن يمسك إلى الكعبين وخصه ابن كنانة بالنخل والشجر قال وأما الزرع فالى الشراك وقال الطبري الأراضي مختلفة فيمسك لكل ارض ما يكفيها وسيأتي بقية الكلام على هذه المسألة في شرح حديث الزبير أن شاء الله تعالى وقد أورده المصنف رحمه الله في باب النهي عن الحكم في حال الغضب من كتاب الأقضية (6/39)
باب الحمى لدواب بيت المال (6/39)
1 - عن ابن عمر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع للخيل خيل المسلمين "
- رواه أحمد . والنقيع بالنون موضع معروف (6/39)
2 - وعن الصعب بن جثامة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع وقال لا حمى إلا لله ولرسوله "
- رواه أحمد وأبو داود وللبخاري منه " لا حمى إلا لله ولرسوله وقال بلغنا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمى النقيع وأن عمر حمى شرف والربذة " (6/40)
3 - وعن أسلم مولى عمر " أن عمر استعمل مولى له يدعى هنيا على الحمي فقال يا هني أضمم جناحك على المسلمين واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مستجابة وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة وإياي ونعم بن عوف ونعم بن عفان فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع ورب الصريمة ورب الغنيمة إنما تهلك ماشيتهما يأتيني ببنية يقول يا أمير المؤمنين أفتاركهم أنا لا أبا لك فالماء والكلأ أيسر على من الذهب والورق وأيم الله أنهم ليرون أني قد ظلمتهم أنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليم من بلادهم شيئا "
- رواه البخاري (6/40)
- حديث ابن عمر أخرجه أيضا ابن حبان وحديث الصعب أخرجه أيضا الحاكم قال البيهقي أن قول حمى النقيع من قول الزهري وروى الحديث النسائي فذكره الموصول فقط أعني قوله " لا حمى إلا لله ولرسوله " ويؤيد ما قاله البيهقي أن أبا داود أخرجه من حديث ابن وهب عن يونس عن الزهري فذكره وقال في آخره قال ابن شهاب وبلغني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم حمي النقيع وقدورهم الحاكم فزعم أن حديث لا حمى إلا لله متفق عليه وهو من إفراد البخاري وتبع الحاكم في وهمه أبو الفتح القشيري في الإلمام وابن الرفعة في المطلب . وأثر عمر أخرجه أيضا الشافعي عن الدراوردي عن زيد بن أسلم عن أبيه مثله . وأخرجه عبد الرزاق عن معمر عن الزهري مرسلا . قوله " حمي النقيع " أصل الحمى عند العرب أن الرئيس منهم كان إذا نزل مخصبا استعوى كلبا على مكان عال فالى حيث انتهى صوته حماه من كل جانب فلا يرعى فيه غيره ويرعى هو مع غيره فيما سواه والحمى هو المكان المحمي . وهو خلاف المباح ومعناه أن يمنع من الإحياء في ذلك الموات ليتوفر فيه الكلأ وترعاه مواش مخصوصة ويمنع غيرها والنقيع هو بالنون كما ذكر المصنف وحكى الخطابي أن بعضهم صحفه فقال بالموحدة وهو على عشرين فرسخا من المدينة وقدره ميل في ثمانية أميال ذكر ذلك ابن وهب في موطئه وأصل النقيع كل موضع يستنقع فيه الماء وهذا النقيع المذكور في هذا الحديث غير نقيع الخضمات الذي جمع فيه اسعدين زرارة بالمدينة على المشهور كما قال الحافظ . وقال ابن الجوزي إن بعضهم قال إنهما واحد قال والأول أصح : قوله " لا حمي الا لله ولرسوله " قال الشافعي يحتمل معنى الحديث شيئين أحدهما ليس لأحد أن يحمي المسلمين إلا ما حماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم والآخر معناه الا على ما حماه عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم . فعلى الأول ليس لأحد من الولاة بعده أن يحمي وعلى الثاني يختص الحمى بمن قام مقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو الخليفة خاصة . قال في الفتح وأخذ أصحاب الشافعي من هذا إن له في المسألة قولين والراجح عندهم الثاني والأول أقرب إلى ظاهر اللفظ اه ومن أصحاب الشافعي من الحق بالخليفة ولاه الأقاليم . قال الحافظ ومحل الجواز وطلقا أن لا يضر بكافة المسلمين اه وظاهر قوله في الحديث الأول للخيل خيل المسليمن أنه لا يجوز للامام على فرض الحاقة بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يحمي لنفسه وإلى ذلك ذهب مالك والشافعية والحنفية والهادوية قالوا بل يحمي لخيل المسلمين وسائر أنعامهم ولا سيما أنعام من ضعف منهم من الانتجاع كما فعله عمر في الأثر المذكور . وقد ظن بعضهم أن بين الأحاديث القاضية بالمنع من الحمى والأحاديث القاضية بجواز الأحياء معارضة ومنشأ هذا الظن عدم الفرق بينهما وهو فاسد فإن الحمى أخص من الأحياء مطلقا . قال ابن الجوزي ليس بين الحديثين معارضة فالحمى المنهى عنه ما يحمى من الموات الكثيرة العشب لنفسه خاصة كفعل الجاهلية والاحياء المباح مالا منفعة للمسلمين فيه شاملة فافترقا قال وإنما تعد أرض الحمى مواتا لكونها لم يتقدم فيها ملك لأحد لكنها تشبه العامرة لما فيها من المنفعة العامة . قوله " وإن عمر حمى شرف " لفظ البخاري الشرف بالتعريف قال في الفتح والشرف بفتح المعجمة والراء بعدها فاء في المشهور . وذكر عياض أنه عند البخاري بفتح المهملة وكسر الراء . وقال في الموطأ ابن وهب بفتح المهملة والراء قال وكذا رواه بعض رواة البخاري أو أصلحه وهو الصواب . وأما سرف فهو موضع بقرب مكة ولا يدخله الالف واللام : قوله " والربذة " بفتح الراء والموحدة بعدها ذال معجمة موضع معروف بين مكة والمدينة . وروى ابن أبي شيبة بإسناد صحيح أن عمر حمى الربذة لنعم الصدقة : قوله " هنيا " بضم الهاء وفتح النون وتشديد التحتية : قوله " الصربمة " تصغير صرمة وهي ما بين العشرين إلى الثلاثين من الأبل أو من العشر إلى الأربعين منها (6/40)
باب ما جاء في اقطاع المعادن (6/41)
1 - عن ابن عباس قال أقطع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بلال بن الحرث المزني معادن القبلية جلسيها وغوريها وحيث يصلح الزرع من قدس ولم يعطه حق مسلم "
- رواه أحمد وأبو داود وروياه أيضا من حديث عمرو بن عوف المزني (6/41)
2 - وعن أبيض بن حمال " أنه وفد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم استقطعه الملح فقطع له فلما أن ولي قال رجل أتدري ما أقطعت له إنما أقطعته الماء العد قال فانتزعه منه قال وسأله عما يحمي من الأراك فقال ما لم تنله خفاف الأبل "
- رواه الترمذي وأبو داود . وفي رواية له " أخفاف الأبل " قال محمد بن الحسن المخزومي يعني أن الأبل تأكل منتهى رؤوسها ويحمى ما فوقه (6/41)
3 - وعن بهيسة قالت استأذن أبي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فجعل يدنو منه ويلتزمه ثم قال يا نبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الماء قال يانبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال الملح قال يانبي الله ما الشيء الذي لا يحل منعه قال أن تفعل الخير خير لك "
- رواه أحمد وأبو داود (6/42)
- حديث ابن عباس في إسناده أبو أويس عبد الله بن عبد الله أخرج له مسلم في الشواهد وضعفه غير واحد . قال أبو عمر هو غريب من حديث ابن عباس ليس يرويه عن أبي أويس غير ثور . وحديث عمرو بن عوف الذي أشار إليه المصنف في إسناده ابن انبه كثير بن عبد الله بن عوف عن أبيه عن جده وقد تقدم أنه لا يحتج بحديثه . وحديث أبيض بن حمال أخرجه أيضا ابن ماجه والنسائي وحسنه الترمذي وصححه ابن حابن وضعفه ابن القطان ولعل وجه التضعيف كونه في إسناده السبائي المازني قال ابن عدي أحاديثه مظلمة منكرة . وحديث بهيسة أعله عبد الحق والقطان بأنها لا تعرف وتعقب بأنه ذكرها ابن حبان وغيره في الصحابة ولحديثه شواهد قد تقدمت في كتاب الوديعة والعارية عند الكلام على حديث ابن مسعود في الماعون : قوله " القبلية " منسوبة إلى قبل بفتح القاف والموحدة وهي ناحية من ساحل البحر بينها وبين المدينة خمسة أيام . وفي رواية لأبي داود معادن القبلية وهي من ناحية الفرع وقد تقدم مثل هذا التفسير في باب ما جاء في الزرع والمعدن من كتاب الزكاة لأن حديث اقطاع بلال تقدم هنالك بلفظ غير ما هنا . وقال في القاموس والقبل محركة نشر من الأرض يستقبلك أو رأس كل أكمة أو جبل أو مجتمع رمل والمحجة الواضحة اه قوله " جلسيها " بفتح الجيم وسكون اللام وكسر السين المهملة بعدها ياء النسب والجلس كل مرتفع من الأرض ويطلق على أرض نجد كما في القاموس . قوله " وغوريها " بفتح الغين المعجمة وسكون الواو وكسر الراء نسبة إلى غور قال في القاموس إن الغور يطلق على ما بين ذات عرق إلى البحر وكل ما انحدر مغربا عن تهامة وموضع منخفض بين القدس وحوران مسيرة ثلاثة أيام في عرض فرسخين وموضع في ديار بني سليم وماء لبني العدوية اه والمراد ههنا المواضع المرتفعة والمنخفضة من معادن القبلية . قوله " من قدس " بضم القاف وسكون الدال المهملة بعدها سين مهملة وهو جبل عظيم بنجد كما في القاموس . وقيل الموضع المرتفع الذي يصلح للزرع كما في النهاية . قوله " العد " بكسر العين المهملة وتشديد الدال المهملة أيضا قال في القاموس الماء الذي له مادة لا تنقطع كماء العين اه وجمعه أعداد وقيل العد ما يجمع ويعد ورده الأزهري ورجح الأول ( وأحاديث ) الباب تدل على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولمن بعده من الأئمة اقطاع المعادن والمراد بالاقطاع جعل بعض الأراضي الموات مختصة ببعض الأشخاص سواء كان ذلك معدنا أو أرضا لما سيأتي فيصير ذلك البعض أولى به من غيره ولكن بشرط أن يكون من الموات التي لا يختص بها أحد وهذا أمر متفق عليه . وقال في الفتح حكى عياض ان الاقطاع تسويغ الامام من مال الله شيئا لمن يراه أهلا لذلك وأكثر ما يستعمل في الأرض وهو أن يخرج منها لمن يراه ما يحوزه إما بأنيملكه اياه فيعمره وإما أن يجعل له غلته مدة . قال السبكي والثاني هو الذي يسمى في زماننا هذا اقطاعا ولم أر أحدا من أصحابنا ذكره وتخرجه على طريق فقهي مشكل قال والذي يظهر أنه يحصل للمقطع بذلك اختصاص كاختصاص المتحجر ولكنه لا يملك الرقبة بذلك وبهذا جزم الطبري وادعى الأذرعي نفى الخلاف في جواز تخصيص الامام بعض الجند بغلة أرضه إذا كان مستحقا لذلك هكذا في الفتح . وحكى صاحب الفتح أيضا عن ابن التين أنه إنما يسمى اقطاعا إذا كان من أرض أو عقار وإنما يقطع من الفئ ولا يقطع من حق مسلم ولا معاهد قال وقد يكون الاقطاع تمليكا وتغير تمليك وعلى الثاني يحمل اقطاعه صلى الله عليه وآله وسلم الدور بالمدينة . قال الحافظ كأنه يشير إلى ما أخرجه الشافعي مرسلا ووصله الطبري إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع يعني أنزل المهاجرين في دور الأنصار برضاهم : قوله " قال محمد ابن الحسن " الخ ذكر الخطابي وجها آخر فقال إنما يحمى من الاراك ما بعد عن حضرة العمارة فلا تبلغه الأبل الرائحة إذا أرسلت في الرعي اه وحديث بهيسة يدل على أنه لا يحل منع الماء والملح وقد تقدم الكلام في الماء وأما الملح فظاهر الحديث عدم الفرق بين ما كان في معدنه أو قد أنفصل عنه ولا فرق بين جميع أنواعه الصالحة للانتفاع بها (6/42)
باب إقطاع الأراضي (6/42)
1 - عن أسماء بنت أبي بكر في حديث ذكرته قالت " كنت أنقل النوي من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رأسى وهو مني على ثلثي فرسخ "
- متفق عليه . وهو حجة في سفر المرأة اليسير بغير محرم (6/43)
2 - وعن ابن عمر قال " اقطع النبي صلى الله عليه وآله وسلم الزبير حضر فرسه وأجرى الفرس حتى قام ثم رمى بسوطه فقال اقطعوه حيث بلغ السوط "
- رواه أحمد وأبو داود (6/43)
3 - وعن عمرو بن حريث قال " خط لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دارا بالمدينة بقوس وقال أزيدك "
- رواه أبو داود (6/43)
4 - وعن وائل بن حجر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قطعه أرضا بحضرموت وبعث معاوية ليقطعها اياه "
- رواه الترمذي وصححه (6/44)
5 - وعن عروة بن الزبير " أن عبد الرحمن بن عوف قال اقطعني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا فذهب الزبير إلى آل عمران فاشترى نصيبه منهم فأتى عثمان بن عفان فقال أن عبد الرحمن بن عوف زعم أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقطعه وعمر بن الخطاب أرض كذا وكذا وإني اشتريت نصيب آل عمر فقال عثمان عبد الرحمن جائز الشهادة له وعليه "
- رواه أحمد (6/44)
6 - وعن أنس قال " دعا النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأنصار ليقطع لهم البحرين فقالوا يا رسول الله إن فعلت فأكتب لأخواننا في قريش بمثلها فلم يكن ذلك عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال إنكم سترون بعدي أثرة فأصبروا حتى تلقوني "
- رواه أحمد والبخاري (6/44)
- حديث ابن عمر في إسناده عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب وفيه مقال وهو أخو عبيد الله بن عمر العمري وحديث عمرو بن حريث سكت عنه أبو داود والمنذري وحسن إسناده الحافظ . ولفظ أبي داود " أزيدك أزيدك " مرتين . وحديث وائل بن حجر أخرجه أيضا أبو داود والبيهقي وابن حبان والطبراني . وحديث عروة بن الزبير لم أجد لغيره أحمد ولم أجده في باب الاقطاع من مجمع الزوائد مع أنه يذكر كل حديث لأحمد خارج عن الأمهات الست . قوله " من أرض الزبير " الخ يمكن أن تكون هذه الأرض هي المذكورة في حديث ابن عمر المذكور بعده في البخاري في أخر كتاب الخمس من حديث أسماء " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم اقطع الزبير أرضا من أموال بني النضير " وفي سنن أبي داود عن أسماء " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اقطع الزبير نخلا " قوله " حضر فرسه " بضم الحاء المهملة وإسكان الضاد المعجمة وهو العدو . قوله " وبعث معاوية " أي النبي صلى الله عليه وآله وسلم : قوله " ليقطع لهم البحرين " قال الخطابي يحتمل أنه أراد الموات منها ليتملكوه بالأحياء ويحتمل أنه أراد العامر منها لكن في حقه من الخمس لأنه كان ترك أرضها فلم يقسمها وتعقب بأنها فتحت صلحا وضربت على أهلها الجزية فيحتمل أن يكون المراد أنه أراد أن يخصهم بتناول جزيتها وبه جزم إسماعيل القاضي . ووجهه ابن بطال بأن أرض الصلح لا تقصم فلا تملك . قال في الفتح والذي يظهر لي أنه صلى الله عليه وآله وسلم أراد أن يخص الأنصار بما يحصل من البحرين أما الناجز يوم عرض ذلك عليهم لأنهم كانوا صالحوا عليها وأما بعد ذلك إذا وقعت الفتوح فخراج الأرض أيضا وقد وقع منه صلى الله عليه وآله وسلم ذلك في عدة أراض بعد فتحها وقبل فتحها . منها إقطاعه تميما الدار ببت إبراهيم فلما فتحت في عهد عمر نجز ذلك لتميم واستمر في أيدي ذريته من ابنته رقية وبيدهم كتاب من النبي صلى الله عليه وآله وسلم بذلك وقصته مشهورة ذكرها ابن سعد وأبو عبيد في كتاب الأموال وغيرها . قوله " فلم يكن عنده ذلك " يعني بسبب قلة الفتوح وأغرب ابن بطال فقال معناه أنه لم يرد فعل ذلك لأنه أقطع المهاجرين ارض بني النضير . قوله " أثرة " بفتح الهمزة والمثلثة على المشهور وأشار صلى الله عليه وآله وسلم بذلك إلى ما وقع من استئثار الملوك من قريش على الأنصار بالأموال والتفضيل بالعطاء وغير ذلك فهو من أعلام نبوته وفيه ما كانت فيه الأنصار من الإيثار على أنفسهم كما وصفهم بذلك فقال { يؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة } وأحاديث الباب فيها دليل على أنه يجوز للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن بعده من الأئمة إقطاع الأراضي وتخصيص بعض دون بعض بذلك إذا كان فيه مصلحة وقد ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الإقطاع غير أحاديث هذا الباب والباب الذي قبله . منها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقطع صخر بن أبي العيلة البجلي الأحمسي ماء لبني سليم لما هربوا عن الإسلام وتركوا ذلك الماء ثم رده إليهم في قصة طويلة مذكورة في سنن أبي داود . ومنها ما أخرجه أبو داود عن سبرة بن معبد الجهني أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم نزل في موضع المسجد تحت دومة فأقام ثلاثا ثم خرج إلى تبوك وأن جهينة لحقوه بالرحبة فقال لهم من أهل ذي المروة فقالوا بنو رفاعة من جهينة فقال قد أقطعتها لبني رفاعة فاقتسموها فمنهم من باع ومنهم من أمسك فعمل . ومنها عند أبي داود عن قيلة بنت مخرمة قالت " قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وتقدم صاحبي يعني حريث بن حسان وافد بكر بن وائل فبايعه على الإسلام عليه وعلى قومه ثم قال يا رسول الله اكتب بيننا وبين بني تميم بالدهناء أن لا يجاوزها إلينا منهم أحد إلا مسافر أو مجاور فقال اكتب له يا غلام بالدهناء فلما رأيته قد أمر له بها شخص بي وهي وطني وداري فقلت يا رسول الله إنه لم يسألك السوية من الأرض اذ سألك إنما هذه الدهناء عندك مقيد الجمل ومرعى الغنم ونساء بني تميم وأبناؤها وراء ذلك فقال أمسك يا غلام صدقت المسكينة المسلم أخو المسلم يسعهما الماء والشجر ويتعاونان على الفتان " يعني الشيطان . وأخرجه أيضا الترمذي مختصرا . ومنها ما أخرجه البيهقي والطبراني " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة أقطع الدور وأقطع ابن مسعود فيمن اقطع " وإسناده قوي (6/45)
باب الجلوس في الطرقات المتسعة للبيع وغيره (6/45)
1 - عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إياكم والجلوس في الطرقات فقالوا يا رسول الله ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال إذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقها قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر "
- متفق عليه (6/45)
2 - وعن الزبير بن العوام " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لأن يحمل أحدكم حبلا فيحتطب ثم يجيء فيضعه في السوق فيبيعه ثم يستغني به فينفقه على نفسه خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه "
- رواه أحمد (6/46)
- حديث الزبير أخرجه البخاري أيضا بنحو ما هنا وقد اتفق الشيخان على مثل معناه من حديث أبي هريرة وقد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين والمسألة من أبواب الزكاة : قوله " إياكم والجلوس " بالنصب على التحذير : قوله " ما لنا من مجالسنا بد " فيه دليل على أن التحذير للإرشاد لا للوجوب إذ لو كان للوجوب لم يراجعوه كما قال القاضي عياض وفيه متمسك لمن يقول أن سد الذراع بطريق الأولى لا على الحتم لأنه نهى أولا عن الجلوس حسما للمادة فلما قالوا مالنا من مجالسنا بد ذكر لهم المقاصد الأصلية للمنع فعرف أن النهي الأول للإرشاد إلى الأصلح ويؤخذ منه أن دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة وذلك أن الاحتياط في طلب السلامة آكد من الطمع في الزيادة . قال الحافظ ويحتمل أنهم رجوا وقوع النسخ تخفيفا لما شكوا من شدة الحاجة إلى ذلك يعني فيكون قولهم المذكور دليلا على أن التحذير الذي في قوة الأمر للإرشاد قال ويؤيده أن فيي مرسل يحيى بن يعمر ون القوم أنها عزيمة : قوله " إذا أبيتم إلا المجالس " في رواية للبخاري " فإذا أتيتم إلى المجلس " قوله " غض البصر " الخ زادأبو داود في حديث أبي هريرة " وإرشاد السبيل وتمشيت العاطس إذا حمد " وزاد الطبراني من حديث عمر " وإغاثة الملهوف " وزاد البزار من حديث ابن عباس " وأعينوا على الحمولة " وزاد الطبراني من حديث ابن سهل بن حنيف " وذكر الله كثيرا " وزاد الطبراني أيضا من حديث وحشي بن حرب " واهدوا الأغبياء واعينوا المظلوم " وجاء في حديث أبي طلحة من الزيادة " وحسن الكلام " وقد نظم الحافظ هذه الآداب فقال
جمعت آداب من رام الجلوس على الطريق من قول خير الخلق إنسانا
افش السلام وأحسن في الكلام وشمت عاطسا وسلاما رد إحسانا
في الحمل عاون ومظلوما أعن واغث ... لهفان واهد سبيلا واهد حيرانا
بالعرف مروانة عن نكر وكف أذى ... وغض طرفا وأكثر ذكر مولانا
والعلة في التحذير من الجلوس على الطريق ما فيه من التعرض للفتنة بالنظر إلى من يحرم النظر إليه وللحقوق لله وللمسلمين التي لا تلزم غير الجالس في ذلك المحل . وقد أشار في حديث الباب بغض النظر إلى السلامة من الاحتقار والغيبة وبرد السلام إلى اكرام المارو بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلى استعمال جميع ما يشرع وترك جميع مالا يشرع . وعلى هذا النمط بقية الآداب التي أشرنا إليها ولكل منها شاهد صحيح أو حسن . وقد استوفى ذلك الحافظ في الفتح في كتاب الأستئذان . وحديث الزبير قد سبق شرح ما اشتمل عليه في كتاب الزكاة ذكره المصنف ههنا لقوله فيه فيضعه في السوق فيبيعه فإن فيه دليل على جواز الجلوس في السوق للبيع ولا تخلو غالب الأسواق من كثرة الطرق فيه (6/46)
باب من وجد دابة قد سيبها أهلها رغبة عنها (6/46)
1 - عن عبيد الله بن حميد بن عبد الرحمن الحميري عن الشعبي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من وجد دابة قد عجز عنها أهلها أن يعلفوها فسببوها فأخذها فاحياها فهي له . قال عبيد الله فقلت له عمن هذا فقال عن غير واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم "
- رواه أبو داود والدارقطني (6/47)
2 - وعن الشعبي يرفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ترك دابة بمهلكة فاحياها رجل فهي لمن احياها "
- رواه أبو داود (6/47)
- الحديث الأول في إسناده عبيد الله بن حميد وقد وثق وحكى ابن أبي حاتم عن يحيى بن معين أنه سئل عنه فقال لا أعرفه يعني لا أعرف تحقيق امره وأما جهالة الصحابة الذين أبهمهم الشعبي فغير قادحة في الحديث لان مجهولهم مقبول على ما هو الحق وقد حققنا ذلك في رسالة مستقلة . والشعبي قد لقي جماعة من الصحابة حكى الذهبي أنه سمع من ثمانية وأربعين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وحكى منصور بن عبد الرحمن عن الشعبي أنه قال أدركت خمسمائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقولون علي وطلحة والزبير في الجنة والحديث الثاني مع إرساله فيه عبيد الله بن حميد المذكور : قوله " فسيبوها " وكذلك قوله " من ترك دابة " يؤخذ من الإطلاق أنه يجوز لمالك الدابة التسييب في الصحراء إذا عجز عن القيام بها وقد ذهبت العترة والشافعي وأصحابه إلى أنه يجب على مالك الدابة أن يعلفها أو يبيعها أو يسيبها في مرتع فان تمرد اجبر . وقال أبو حنيفة وأصحابه بل يؤمر استصلاحا لا حتما كالشجر وأجيب بأن ذات الرح تفارق الشجر . والأولى إذا كانت الدابة مما يؤكل لحمه أن يذبحها مالكها ويطعمها المحتاجين . قال ابن رسلان : وأما الدابة التي عجزت عن الاستعمال لزمن ونحوه فلا يجوز لصاحبها تسييبها بل يجب عليه نفقتها : قوله " فأحياها " يعني بسقيها وعلفها وخدمتها وهو من باب المجاز كقوله تعالى { ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا } قوله " فهي له " أخذ بظاهره أحمد والليث والحسن وإسحاق فقالوا من ترك دابة بمهلكة فأخذها انسان فأطعمها وسقاها وخدمها إلى أن قويت على المشي والحمل وعلى الركوب ملكها الا أن يكون مالكها تركها لا لرغبة عنها بل ليرجع إليها أو ضلت عنه وإلى مثل ذلك ذهبت الهادوية وقال مالك هي لمالكها الأول ويغرم ما أنفق عليها الآخذ . وقال الشافعي وغيره : إن ملك صاحبها لم يزل عنها بالعجز وسبيلها سبيل اللقطة فإذا جاء ربها وجب على واجدها ردها عليه ولا يضمن ما أنفق عليها لأنه لم يأذن فيه : قوله " بمهلكة " بضم الميم وفتح اللام اسم لمكان الاهلاك وهي قراءة الجمهور في قوله تعالى { ما شهدنا مهلك أهله } وقرأ حفص بفتح الميم وكسر اللام (6/47)
كتاب الغصب والضمانات (6/48)
باب النهي عن جده وهزله (6/48)
1 - عن السائب بن يزيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " لا يأخذن أحدكم متاع أخيه جادا ولا لاعبا وإذا أخذ أحدكم عصا أخيه فليردها عليه "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي (6/48)
2 - وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " لا يحل مال امرئ مسلم الا بطيب نفسه "
- رواه الدارقطني . وعمومه حجة الساحة الغصب يبنى عليها والعين تتغير صفتها أنها لا تملك (6/49)
3 - وعن عبد الرحمن بن ليلى قال حدثنا أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنهم كانوا يسيرون مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فنام منهم فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه ففزع فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما "
- رواه أبو داود (6/49)
- حديث السائب حسنه الترمذي . وقال غريب لا نعرفه الامن حديث ابن أبي ذئب اه وقد سكت عنه أبو داود والمنذري . وأخرجه أيضا البيهقي وقال إسناده حسن وحديث أنس في إسناده الحارث بن محمد الفهري وهو مجهول وله طريق أخرى عند الدارقطني أيضا عن حميد عن أنس وفي إسنادها داود بن الزبرقان وهو متروك . ورواه أحمد والدارقطني من حديث أبي حرة الرقاشي عن عمه وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وفيه ضعف وأخرجه الحاكم من حديث ابن عباس من طريق عكرمة وأخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس أيضا من طريق مقسم وفي إسناده العرزمي وهو ضعيف ورواه البيهقي وابن حبان والحاكم في صحيحيهما من حديث أبي حميد الساعدي بلفظ " لا يحل لامرئ أن يأخذ عصا أخيه بغير طيب نفس منه " قال البيهقي وحديث أبي حميد أصح ما في الباب وحديث ابن أبي ليلى سكت عنه أبو داود والمنذري وإسناده ل بأس به : قوله " متاع أخيه " المتاع على ما في القاموس المنفعة والسلعة وما تمتعت به من الحوائج الجمع أمتعة : قوله " ولا لاعبا " فيه دليل على عدم جواز أخذ متاع الإنسان على جهة الهزل والمزح . قوله " لا يحل مال امرئ مسلم " الخ هذا أمر مصرح به في القرآن الكريم قال الله تعالى { ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل } ولا شك أن من أكل مال مسلم بغير طيب نفسه آكل له بالباطل ومصرح به في عدة أحاديث . منها حديث " إنما أموالكم ودماؤكم عليكم حرام " وقد تقدم . ومجمع عليه عند كافة المسلمين ومتوافق على معناه العقل والشرع وقد خصص هذا العموم بأشياء منها أخذ الزكاة كرها والشفعة وإطعام المضطر والقريب المعسر والزوجة وقضاء الدين وكثير من الحقوق المالية . قوله " لا يحل لمسلم أن يروع مسلما " فيه دليل على أنه لا يجوز ترويع المسلم ولو بما صورته صورة المزح (6/49)
باب إثبات غصب العقار (6/50)
1 - عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من ظلم شبرا من الأرض طوقه الله من سبع أرضين "
- متفق عليه (6/50)
2 - وعن سعيد بن زيد قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من أخذ شبرا من الأرض ظلما فإنه يطوقه يوم القيامة من سبع أرضين "
- منفق عليه . وفي لفظ لأحمد " من سرق " (6/50)
3 - وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " من اقتطع شبرا من الأرض بغير حقه طوقه الله يوم القيامة من سبع أرضين "
- رواه أحمد (6/51)
4 - وعن ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " من أخذ من الأرض شيئا بغير حقه خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين "
- رواه أحمد والبخاري (6/51)
- حديث أبي هريرة هو في صحيح مسلم . وفي الباب عن يعلى بن مرة عند أبي حبان في صحيحه وابن أبي شيبة في مسنده وأبي يعلى . وعن المسور بن مخرمة عند العقيلي في تاريخ الضعفاء وعن شداد بن أوس عن الطبراني في الكبير وعن سعد بن أبي وقاص عند الترمذي . وعن أبي مالك الأشعري عند ابن أبي شيبة بإسناد حسن . وعن الحكم بن حرث السلمي عن الطبراني وأبو يعلى . وعن أبي شريح الخزاعي عند الطبراني أيضا . وعن ابن مسعود عنده أيضا وأحمد . وعن ابن عباس عند الطبراني أيضا : قوله " من ظلم شبرا " في رواية للبخاري " قيد شبر " بكسر القاف وسكون التحتانية أي قدر شبر وكأنه ذكر الشبر إذارة إلى استواء القليل والكثير في الوعيد كذا في الفتح : قوله " يطوقه " بضم أوله على البناء للمجهول : قوله " من سبع أرضين " بفتح الراء ويجوز إسكانها . قال الخطابي له وجهان . أحدهما أن معناه أنه يكلف نقل ما ظلم منها في القيامة إلى المحشر ويكون كالطوق في عنقه لا أنه طوق حقيقة . الثاني أن معناه أ يعاقب بالخسف إلى سبع أرضين أي فتكون كل أرض في تلك الحالة طوقا في عنقه اه ويؤيد الوجه الثاني حديث ابن عمر المذكور وقيل معناه كالأول لكن بعد أن ينقل جميعه يجعل كله في عنقه ويعظم قدر عنقه حتى يسع ذلك كما ورد في غلظ جلد الكافر ونحو ذلك . ويؤيده حديث يعلى بن مرة المشار إليه سابقا بلفظ " ايما رجل ظلم شبرا من الأرض كلفه الله أن يحفره حتى يبلغ آخر مبلغ سبع ارضين ثم يطوقه يوم القيامة حتى يقضى بين الناس " وحديث الحكم السلمي المشار إليه أيضا قال الحافظ وإسناده حسن ولفظه " من أخذ من طريق الميلمين شبرا جاء يوم القيامو يحمله من سبع أرضين " : قال في الفتح ويحتمل أن يكون المراد يقوله يطوقه يكلف أن يجعله طوقا ولا يستطيع ذلك فيعذب به كما جاء في حق " من كذب في منامه كلف أن يعقد شعيرة " ويحتمل أن يكون التطويق تطويق الإثم والمراد به أن الظلم المذكور لازم له في عنقه لزوم الأثم . ومنه قوله تعالى { ألزمناه طائره في عنقه } ويحتمل أن تتنوع هذه الصفات لصاحب هذه المعصية أو تنقسم بين من تلبس بها فيكون بعضهم معذبا ببعض وبعضهم بالبعض الآخر بحسب قوة المفسدة وضعفها هذا جملة ما ذكر من الوجوه في تفسير الحديث : قوله " من اقتطع " فيه استعارة شبه من أخذ ملك غيره ووصله إلى ملك نفسه بمن اقتطع قطعة من شيئ يجري فيه القطع الحقيقي . وأحاديث الباب تدل على تغليظ عقوبة الظلم والغصب وأن ذلك من الكبائر وتدل على أن تخوم الأرض تملك فيكون للمالك منع من رام أن يحفر تحتها حفيرة . قال في الفتح أن الحديث يدل أن من ملك أرضا ملك أسفلها إلى منتهى الأرض وله أن يمنع من حفر تحتها سربا أو بئرا بغير رضاه وأن من ملك ظاهر الأرض ملك باطنها بما فيه من حجارة وأبنية ومعادن وغير ذلك وإن له أن ينزل بالحفر ما شاء ما لم يضر بمن يجاوره . وفيه أن الأرضين السبع متراكمة لم يفتق بعضها من بعض لأنها لو فتقت لاكتفى في حق هذا الغاصب بتطويق التي غصبها لإنفصالها عما تحتها أشار إلى ذلك الداودي وفيه أن الأرضين السبع كالسموات وهو ظاهر قوله تعالى { ومن الأرض مثلهن } خلافا لمن قالأن المراد بقوله " سبع أرضين " سبعة أقاليم لأنه لو كان كذلك لم يطوق الغاصب شبرا من اقليم آخر قال ابن التين وهو الذي قبله مبني على أن العقوبة متعلقة بما كان سببها وإلا فمع قطع النظر عن ذلك لا تلازم بين ما ذكروه اه (6/51)
5 - وعن الأشعث بن قيس " أن رجلا من كندة ورجلا من حضرموت اختصما إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم في أرض باليمن فقال الحضرمي يا رسول الله أرضي اغتصبها هذا وأبوه فقال الكندي يا رسول الله أرضي ورثتها من أبي فقال الحضرمي يا رسول الله استحلفه أنه ما يعلم أنها أرضي وأرض والدي اغتصبها أبوه فتهيأ الكندي لليمين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إنه لا يقتطع عبد أو رجل بيمينه مالا إلا لقي الله يوم يلقاه وهو أجذم فقال الكندي هي أرضه وأرض والده "
- رواه أحمد (6/52)
- الحديث رواه الطبراني في الأوسط وفي إسناده محمد بن سلام المسبحي له غرائب وبقية رجاله رجال الصحيح . وللأشعث أيضا حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير والأوسط وإسناده ضعيف وقصة الحضرمي والكندي ذكرها في باب استحلاف المنكر من كتاب الأقضية من حديث وائل بن حجر عند مسلم في صحيحه والترمذي وصححه بنحو ما هنا ولعله يأتي الكلام عليه هنالك إن شار الله . قال في التلخيص والحضرمي هو وائل بن حجر والكندي هو امرؤ القيس بن عابس واسمه ربيعة اه وفيه نظر فإنه سيأتي عن وائل بن حجر في كتاب الأقضية بلفظ " جاء رجل من حضرموت ورجل من كندة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الخ وهذا يشعر بأن الحضرمي غير وائل وأيضا قال في البدر المنير اسم الحضرمي ربيعة بن عبدان وكذا جاء مبينا في إحدى روايتي صحيح مسلم وعبدان بكسر المهملة وبعدها موحدة ( والحديث ) فيه دليل على أنها إذا طلبت يمين العلم وجبت وعلى أن يستحب للقاضي أن يعظ من رام الحلف . قوله " أنه لا يقتطع عبدا " الخ لفظ الصحيحين من حديث الأشعث " من حلف على يمين يقتطع بها مال امرئ مسلم فيها فاجر لقي الله وهو عليه غضبان " وسيأتي في كتاب الأقضية (6/52)
باب تملك زرع الغاصب بنفقته وقلع غرسه (6/52)
1 - عن رافع بن خديج " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته "
- رواه الخمسة إلا النسائي وقال البخاري هو حديث حسن (6/53)
2 - وعن عروة بن الزبير " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال من أحيا أرضا فهي له وليس لعرق ظالم حق قال ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث ان رجلين اختصما إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر فقضى لصاحب الأرض بأرضه وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها قال فلقد رأيتها وأنها لتضرب أصولها بالفؤس وأنها لنخل عم "
- رواه أبو داود والدارقطني (6/53)
- حديث رافع ضعفه الخطابي ونقل عن البخاري تضعيفه وهو خلاف ما نقله الترمذي عن البخاري من تحسينه . وضعفه أيضا البيهقي وهو من طريق عطاء بن أبي رباح عن رافع قال أبو زرعة لم يسمع عطاء من رافع وكان موسى بن هرون يضعف هذا الحديث ويقول لم يروه غير شريك ولا رواه عن عطاء غير أبي إسحاق ولكن قد تابعه قيس بن الربيع وهو شيء الحفظ . وقد أخرج هذا الحديث أيضا البيهقي والطبراني وابن أبي شيبة والطيالسي وابن ماجه وأبو يعلى . وحكى ابن المنذر عن أحمد بن حنبل أنه قال ان أبا إسحاق زاد في هذا الحديث زرع بغير أذنهم وليس غيره يذكر هذا الحرف . وحديث عروة سكت عنه أبو داود والمنذري وحسن الحافظ في بلوغ المرام إسناده . وفي رواية لأبي داود فقال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأكثر ظني أنه أبو سعيد الخدري فانا رأيت الرجل يضرب في أصول النخل . وأول حديث عروة هذا قد تقدم في أول كتاب الأحياء من حديث سعيد بن زيد . وأخرج أبو داود من حديث جعفر بن محمد بن علي عن أبيه الباقر عن سمرة بن جندب أنه كانت له عضد من نخل في حائط رجل من الأنصار قال ومع الرجل أهله قال وكان سمرة يدخل إلى نخلة فيتأذى به الرجل ويشق عليه فطلب إليه أن يناقله فأبى فأتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فذكر ذلك له فطلب إليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يبيعه فأبى فطلب إليه أن يناقله فأبى قال فهبه لي ولك كذاوكذا أمرا رغبه فيه فأبى فقال أنت مضار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للانصاري اذهب فاقلع نخله . وفي سماع الباقر من سمرة بن جندب فقد نقل من مولده ووفاة سمرة ما يتعذر معه سماعه . قوله " فليس له من الزرع شيء " فيه دليل على أن من غصب أرضا وزرعها كان الزرع للمالك للأرض وللغاصب ما غرمه في الزرع يسلمه له مالك الأرض قال الترمذي والعمل على هذا الحديث عند بعض أهل العلم وهو قول أحمد وإسحاق . قال ابن رسلان وقد استدل به كما قال الترمذي أحمد على أن من زرع بذرا في أرض غيره واسترجعها صاحبها فلا يخلو اما ان يسترجعها مالكها ويأخذها بعد حصاد الزرع أو يسترجعها والزرع قائم قبل أن يحصد فإن أخذها مستحقها بعد حصاد الزرع فإن الزرع لغاصب الأرض لا يعلم فيها خلافا وذلك لأنه نماء ماله وعليه أجرة الأرض إلى وقت التسليم وضمان نقص الأرض وتسوية حفرها وان أخذ الأرض صاحبها من الغاصب والزرع قائم فيها لم يملك إجبار الغاصب على قلعه وخير المالك بين أن يدفع نفقته ويكون الزرع له أو يترك الزرع للغاصب وبهذا قال أبو عبيد . وقال الشافعي وأكثر الفقهاء ان صاحب الأرض يملك إجبار الغاصب على قلعه واستدلوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس لعرق ظالم حق " ويكون الزرع لمالك البذر عندهم على كل حال وعليه كراء الأرض ( ومن جملة ) ما استدل به الأولون ما أخرجه أحمد وأبو داود والطبراني وغيرهم " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى زرعا في أرض ظهير فأعجبه فقال ما أحسن زرع ظهير فقالوا أنه ليس لظهير ولكنه لفلان قال فخذوا زرعكم وردوا عليه نفقته " فدل على أن الزرع تابع للأرض ولا يخفى ان حديث رافع بن خديج أخص من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " ليس لعرق ظالم حق " مطلقا فيبنى العام على الخاص وهذا على فرض أن قوله " ليس لعرق ظالم حق " يدل على ان الزرع لرب البذر فيكون الراحج ما ذهب إليه أهل القول الأول من أن زرع لصاحب الأرض إذا استرجع أرضه والزرع فيها وأما إذا استرجعها بعد حصاد الزرع فظاهر الحديث أنه أيضا لرب الأرض ولكنه إذا صح الإجماع على أنه للغاصب كان مخصصا لهذه الصورة وقد روى عن مالك وأكثر علماء المدينة مثل ما قاله الأولون وفي البحر ان ماكا [ سماكا ؟ ؟ ] والقاسم يقولان الزرع لرب الأرض واحتج لما ذهب إليه الجمهور من أن الزرع للغاصب بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " الزرع للزارع وإن كان غاصبا " ولم أقف على هذا الحديث فينظر فيه
وقال ابن رسلان أن حديث ليس لعرق ظالم حق ورد في الغرس الذي له عرق مستطيل في الأرض وحديث رافع ورد في الزرع فيجمع بين الحديثين ويعمل بكل واحد منهما في موضعه ولكن ما ذكرناه من الجمع أرجح لان بناء العام على الخاص أولى من المصير إلى قصر العام على السبب من غير ضرورة والمراد بقوله وله نفقته ما أنفقه الغاصب على الزرع من المؤنة في الحرث والسقي وقيمة البذر وغير ذلك . وقيل المراد بالنفقة قيمة الزرع فتقدر قيمته ويسلمها المالك والظاهر الأول . قوله " وليس لعرق ظالم حق " قد تقدم ضبطه وتفسيره في أول كتاب الاحياء . قوله " وأمر صاحب النخل " الخ فيه دليل على أنه يجوز الحكم على من غرس في أرض غيره غروسا بغير أذنه بقطعها . قال ابن رشد في النهاية أجمع العلماء على أن من غرس نخلا أو ثمرا وبالجملة نباتا في غير أرضه أنه يؤمر بالقلع ثم قال إلا ما روى عن مالك في المشهور من زرع فله زرعه وكان على الزارع كراء الأرض . وقد روى عنه ما يشبه قول الجمهور ثم قال وفرق قوم بين الزرع والثمار إلى آخر كلامه : قوله " عم " بضم المهملة وتشديد الميم جمع عميمة وهي الطويلة وفي القاموس ما يدل على أنه يجوز فتح أوله لأنه قال بعد تفسيره بالنخل الطويل ويضم (6/53)
باب ما جاء فيمن غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها (6/54)
1 - عن عاصم بن كليب " أن رجلا من الأنصار أخبره قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فلما رجع استقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم فاكلوا فنظر آباؤنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلوك لقمة في فمه ثم قال أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها فقالت المرأة يا رسول الله أني أرسلت إلى البقيع يشتري لي شاة فلم أجد فأرسلت إلى بها فقال رسول الله " أطعميه الأساري "
- رواه أحمد وأبو داود والدارقطني . وفي لفظ له " ثم قال : أني لأجد لحم شاة ذبحت بغير أذن أهلها فقالت : يا رسول الله وأنا من أعز الناس عليه ولو كان خيرا منها لم يغير على وعلى أن أرضيه بأفضل منها فأبى أن يأكل منها وأمر بالطعام للاساري (6/54)
- الحديث في إسناده عاصم بن كليب قال علي بن المديني لا يحتج به إذا انفرد . وقال الأمام أحمد لا بأس به وقال أبو حاتم الرازي صالح . وقد أخرج له مسلم . وأما جهالة الرجل الصحابي فيغر قادحة لما قررناه غير مرة من أن مجهول الصحابة مقبول لان عموم الأدلة القاضية بأنهم خير الخليفة من جميع الوجوه أقل أحوالها أن تثبت لهم بها هذا المزية أعني قبول مجاهيلهم لاندراجهم تحت عمومها . ومن تولى الله ورسوله تعديله فالواجب حمله على العدالة حتى ينكشف خلافها ولا انكشاف في المجهول . قوله " يلوك " قال في القاموس الوك أهون المضغ أو مضغ صلب : قوله " لقمة " بضم اللام وسكون القاف ويجوز فتح اللام . قال في القاموس اللقمة وتفتح ما يهبأ للفم " قوله " فلم يوجد " بضم أوله وسكون الواو وكسر الجيم أي لم يعطني ما طلبته وفي القاموس أوجده أغناه وفلانا مطلوبه أظفره به " والحديث " فيه دليل على مشروعية إجابة الداعي وان كان امرأة والمدعو رجلا أجنبيا إذا لم يعارض ذلك مفسدة مساوية أو راجحة وفيه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ظاهر لعدم اساغته لذلك اللحم وأخباره بما هو الواقع من أخذها بغير أذن أهلها وفي تجنب ما كان من المأكولات حراما أو مشتبها وعدم الانكار على تجويز أذن مالكه بعد أكله . وفيه أيضا أن يجوز صرف ما كان كذلك إلى من يأكله كالأسارى ومن كان على صفتهم . وقد أورد المصنف هذا الحديث للاستدلال به على حكم من غصب شاة فذبحها وشواها أو طبخها كما وقع في الترجمة وقد اختلف العلماء في ذلك فحكى في البحر عن القاسمية وأبي حنيفة أن مالك مخير بين طلب القيمة وبين أخذ العين كما هي وعدم لزوم الأرش لأن الغاصب لم يستهلك ما ينفرد بالتقويم . وحكى عن المؤيد بالله والناصر والشفعي ومالك أنه يأخذ العين مع الأرش كما لو قطع الأذن ونحوها وعن محمد أنه بخير بين القيمة أو العين مع الأرش (6/54)
باب ما جاء في ضمان المتلف بجنسه (6/55)
1 - عن أنس قال " أهدت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وآله وسلم إليه طعاما في قصعة فضربت عائشة القصعة بيدها فالقت ما فيها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم طعام بطعام وإناء بإناء "
- رواه الترمذي وصححه وهو بمعنى لسائر الجماعة إلا مسلما (6/55)
2 - وعن عائشة أنها قالت " ما رأيت صانعة طعاما مثل صفية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم إناء من طعام فما ملكت نفسي أن كسرته فقلت يا رسول الله ما كفارته : قال إناء كإناء وطعام كطعام "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (6/55)
- الحديث الأول لفظه في البخاري " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان عند بعض نسائه فأرسلت غحدى أمهات المؤمنين مع خادم لها بقصعة فيها طعام فضربت بيدها فكسرت القصعة فضمها وجعل فيها الطعام وقال كلوا ودفع القصعة الصحيحة للرسرل وحبس المكسورة " هذا أ د ألفاظ البخاري وله ألفاظ أخر وليس فيه تسمية الضاربة وهي عائشة كما وقع في رواية الترمذي التي ذكرها المصنف . والحديث الثاني في إسناده افلت بن خليفة أبو حسان . ويقال فليت العامري قال الإمام أحمد ما رأى به بأسا . وقال أبو حاتم الرازي شيخ . وقال الخطابي في إسناد الحديث مقال وقال في الفتح أن إسناده حسن : قوله " بعض أزواج النبي " هي زينب بنت جحش كما رواه ابن حزم في المحلي عن أنس ووقع فريب من ذلك لعائشة مع أم سلمة كما روى النسائي عنها " أنها أتت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بطعام في صحفة فجاءت عائشة متزرة بكساء ومعها فهر ففلقت به الصحفة " الحديث . والرواية المذكورة في الباب عن عائشة تشعر بأنه قد وقع لها مثل ذلك مع صفية وقد روى الدارقطني عن أنس من طريق عمران بن خالد نحو ذلك قال عمران أكثر ظني أنها حفصة يعني التي كسرت عائشة صحفتها قال في الفتح ولم يصب عمران في ظنه أنها حفصة بل هي أم سلمة ثم قال نعم وقعت القصة لحفصة أيضا وذلك فيما رواه ابن أبي شيبة وابن ماجه من طريق رجل من بني سوأة غير مسمى عن عائشة قال " كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أصحابه فصنعت له طعاما وصنعت له حفصة طعاما فسبقتني فقلت للجارية انطلقي فاكفيء قصعتها فاكفأتها فانكسرت وانتشر الطعام فجمعه على النطع فاكلوه ثم بعث بقصعتي إلى حفصة فقال خذوا ظرفا مكان ظرفكم " وبقية رجاله ثقات . قال الحافظ وتحرر من ذلك إن المراد بمن أبهم في حديث الباب هي زينب لمجئ الحديث من مخرجه وهو حميد عن أنس وما عدا ذلك فقصص أخرى لا تليق بمن تحقق أن يقول في مثل هذا قيل المرسلة فلانة وقيل فلانة من غير تحرير : قوله " أناء باناء " فيه دليل على أن القيمى يضمن بمثله ولا يضمن بالقيمة الا عند عدم المثل ويؤيده ما في رواية البخاري المتقدمة بلفظ " ودفع القصعة الصحيحة للرسول " وبه احتج الشافعي والكوفيون وقال مالك ان القيمي يضمن بقيمته مطلقا وفي رواية عنه كالمذهب الأول . وفي رواية عنه أخرى ما صنعه الآدمي فالمثل وأما الحيوان فالقيمة . وعنه أيضا ما كان مكيلا أو موزونا فالقيمة وإلا فالمثل قال في الفتح وهو المشهور عندهم وقد ذهب إلى ما قاله مالك من ضمان القيمى بقيمته مطلقا من أهل العلم منهم الهادوية ولا خلاف في أن المثلى يضمن بمثله وأجاب القائلون بالقول الثاني عن حديث الباب وما في معناه بما حكاه البيهقي من أن القصعتين كانتا للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في بيتي زوجتيه . فعاقب الكاسرة بجعل القصعة المكسورة في بيتها وجعل الصحيحة في بيت صاحبتها ولم يكن هناك تضمين وتعقب بما وقع في رواية لابن أبي حاتم بلفظ " من كسر شيئا فهو له وعليه مثله " وبهذا يرد على من زعم أنها واقعة عين لا عموم فيها ومن جملة ما أجابوا به عن حديث الباب وما في معناه بأنه يحتمل أن يكون في ذلك الزمان كانت العقوبة فيه بالمال فعاقب الكاسرة بإعطاء قصعتها للاخرى وتعقب بأن التصريح بقوله اناء باناء يبعد ذلك : قوله " طعام بطعام " قيل أن الحكم بذلك من باب المعونة والإصلاح دون بت الحكم بوجوب المثل فيه لانه ليس له مثل معلوم . قال الحافظ وفي طرق الحديث ما يدل على أن الطعامين كانا مختلفين : قوله " فما ملكت نفسي أن كسرته " لفظ أبي داود " فأخذني أفكل " بفتح الهمزة واسكان الفاء وفتح الكاف ثم لام وزنه أفعل والمعنى أخذتني رعدو الا فكل وهي الرعدة من برد أو خوف والمراد هنا أنها لما رأت حسن الطعام غارت وأخذتها مثل الرعدة (6/56)
باب جناية البهيمة (6/56)
1 - قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم " العجماء جرحها جبار " . 2 - وعن أبي هريرة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال الرجل جبار " /
- رواه أبو داود (6/56)
3 - وعن حرام بن محيصة ان ناقة البراء بن عازب دخلت حائطا فافسدت فيه فقضى نبي الله صلى الله عليه وآله وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالنهار وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه (6/57)
4 - وعن النعمان بن بشير قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وقف دابة في سبيل من سبل المسلمين أو في سوق من أسواقهم فاوطأت بيد أو رجل فهو ضامن "
- رواه الدارقطني وهذا عند بعضهم فيما إذا وقفها في طريق ضيق أو حيث تضر المار (6/57)
- حديث العجماء جرحها أخرجه الجماعة من حديث أبي هريرة وقد تقدم في باب ما جاء في الركاز والمعدن من كتاب الزكاة . وحديث أبي هريرة أخرجه أيضا النسائي . وقال الدارقطني لم يروه غير سفيان بن حسن وخالفه الحفاظ عن الزهري منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج وعقيل وليث بن سعد وغيرهم كلهم رووه عن الزهري فقالوا العجماء والبئر جبار والمعدن جبار ولم يذكروا الرجل وهو الصواب . وقال الخطابي قد تكلم الناس في هذا الحديث وقيل أنه غير محفوظ وسفيان بن حسين معروف بسوء الحفظ وقد روى آدم بن أبي اياس عن شعبة عن محمد بن زياد عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الرجل جبار " قال الدارقطني تفرد به آدم بن أبي اياس عن شعبة وسفيان بن حسين المذكور قد استشهد به البخاري وأخرج له مسلم في المقدمة ولم يحتج به واحد منهما وتكلم فيه غير واحد . وحديث حرام بن محيصة أخرجه أيضا مالك في الموطأ والشافعي والنسائي والدارقطني وابن حبان وصححه الحاكم والبيهقي . قال الشافعي أخذنا به لثبوته واتصاله ومعرف رجاله . قال الحافظ ومداره علي الزهري واختلف عليه فقيل عن الزهري عن ابن محيصة . ورواه معن بن عيسى عن مالك فزاد فيه عن جده محيصة ورواه معمر عن الزهري عن حرام عن أبيه ولم يتابع عليه . ورواه الأوزاعي وإسماعيل بن أمية وعبد الله بن عيسى كلهم عن الزهري عن حرام عن البراء قال عبد الحق وحرام لم يسمع من البراء وسبقه إلى ذلك ابن حزم ورواه النسائي من طريق محمد بن أبي حفصة عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن البراء ورواه ابن عيينة عن الزهري عن حرام وسعيد بن المسيب ان البراء . ورواه ابن جريج عن الزهري أخبرني أو أسامة بن سهل أن ناقة البراء . ورواه ابن أبي ذئب عن الزهري قال بلغني أن ناقة البراء . وحديث النعمان قال في الجامع الكبير رواه البيهقي وضعفه : قوله " جبار " بضم الجيم أي هدر قال في القاموس هو الهدر والباطل وظاهره أن جناية البهائم غير مضمونة ولكن المراد إذا فعلت ذلك بنفسها ولم تكن عقورا ولا فرط مالكها في حفظها حيث يجب عليه الحفظ وذلك في الليل كما يدل عليه حديث حرام بن محيصة وكذلك في أسواق المسلمين وطرقهم ومجامعهم كما يدل عليه حديث النعمان بن بشير : قوله " الرجل " بكسر الراء وسكون الجيم يعني أنه لاضمان فيما جنته الدابة برجلها ولكن بشرط أن لا يكون ذلك بسبب من مالكها كتوقيفها في الأسواق والطرق والمجامع وطردها في تلك الأمكنة كما يدل على ذلك حديث النعمان وبشرط أن لا يكون ذلك في الأوقات التي يجب على المالك حفظها فيها كالليل وهذا الحديث وان كان فيه المقال المتقدم ولكنه يشهد له ما في الحديث المتفق عليه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " جرحها جبار " فإن عمومه يقتضي عدم الفرق بين جنايتها برجلها أو بغيرها والكلام في ذلك مبسوط في الكتب الفقهية : قوله " ضامن على أهلها " أي مضمون على أهلها . وفي حديث البراء " وإن حفظ الماشية بالليل على أهلها وان على أهل الماشية ما أصابت ما شيتهم بالليل " وقد استدل بذلك من قال أنه لا يضمن مالك البهيمة ما جنته بالنهار ويضمن ماجنته بالليل وهو مالك والشافعي والهادوية . وذهب أبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا ضمان على أهل الماشية مطلقا واحتجوا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " جرحها جبار " ولا شك أنه عموم مخصوص بحديث حرام بن محيصة والنعمان بن بشير . قال الطحاوي الا ان تحقيق مذهب أبي حنيفة أنه لا ضمان إذا أرسلها مع حافظ وأما إذا أرسلها من دون حافظ ضمن انتهى . ولا دليل على هذا التفصيل . وذهب الليث وبعض المالكية إلى أنه يضمن مالكها ما جنته ليلا أو نهارا وهو اهدار للدليل العام والخاص وروى عن عمر أنه لا تفصيل لا دليل عليه ولا يشكل على المذهب الأول قوله تعالى { إذ نفشت فيه غنم القوم } في قصة داود وسليمان علي القول بأن شرع من قبلنا يلزمنا لان النفش إنما يكون بالليل كما جزم بذلك الشعبي وشريح ومسروق روى ذلك البيهقي عنهم (6/57)
باب دفع الصائل وان أدي إلى قتله وإن المصول عليه يقتل شهيدا (6/58)
1 - عن أبي هريرة قال " جاء رجل فقال يا رسول الله أرأيت إن جاء رجل يريد أخذ مالي قال فلا تعطه مالك قال أرأيت ان قاتلني قال قاتله قال أرأيت إن قتلني قال فأنت شهيد قال أرأيت إن قتلته قال هو في النار "
- رواه مسلم وأحمد وفي لفظه " يا رسول الله أرأيت إن عدى على مالي قال انشد الله قال فإن أبوا علي قال أنشد الله قال فإن أبوا علي قال قاتل فإن قتلت ففي الجنة وإن قتلت ففي النار " فيه من الفقه أنه يدفع بالأسهل فالأسهل (6/58)
2 - وعن عبد الله بن عمرو " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من قتل دون ماله فهو شهيد "
- متفق عليه . وفي لفظ " من أريد ماله بغير حق فقاتل فهو شهيد " رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه (6/58)
3 - وعن سعيد بن زيد قال " سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول من قتل دون دينه فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد ومن قتل دون ماله فهو شهيد ومن قتل دون أهله فهو شهيد "
- رواه أبو داود والترمذي وصححه (6/59)
- حديث سعيد بن زيد أخرجه أيضا بقية أهل السنن وابن حبان والحاكم وقد أخرج أحمد والنسائي وأبو داود والبيهقي وابن حبان من حديث أبي هريرة من رواية قتادة عن النضر ابن أنس عن بشير بن نهيك عنه بلفظ " ولا قصاص ولا دية " وفي رواية للبيقهي من حديث ابن عمر " ما كان عليه فيه شيء " وقد تعقب الحافظ في صلاة الخوف من التلخيص من زعم أن حديث ابن عمرو بن العاص متفق عليه وقال أنه من إفراد البخاري وفي هذا التعقب نظر فإن الحديث في صحيح مسلم وفيه قصة وقد اعترف الحافظ في الفتح في كتاب المظالم والغصب بأن مسلما أخرج هذا الحديث من طريق ابن عمرو وذكر القصة ( وأحاديث ) الباب فيها دليل على أنها تجوز مقاتلة من أراد أخذ مال انسان من غير فرق بين القليل والكثير إذا كان الأخذ بغير حق وهو مذهب الجمهور كما حكاه النووي والحافظ في الفتح . وقال بعض العلماء ان المقاتلة واجبة . وقال بعض المالكية لا تجوز إذا طلب الشيء الخفيف ولعل متمسك من قال بالوجوب ما في حديث أبي هريرة من الأمر بالمقاتلة والنهي عن تسليم المال إلى من رام غصبه وأما القاتل بعدم الجواز في الشيء الخفيف فعموم أحاديث الباب يرد عليه ولكنه ينبغي تقديم الأخف فالأخف فلا يعدل المدافع إلى القتل مع امكان الدفع بدونه ويدل على ذلك امره صلى الله عليه وآله وسلم بانشاد الله قبل المقاتلة وكما تدل الأحاديث المذكورة على جواز المقاتلة لمن أراد أخذ المال تدل على جواز المقاتلة لمن أراد إراقة الدم والفتنة في الدين والأهل . وحكى ابن المنذر عن الشافعي أنه قال من أريد ماله أو نفسه أو حريمه فله المقاتلة وليس عليه عقل ولا دية ولا كفارة . قال ابن المنذر والذي عليه أهل العلم ان اللرجل أن يدفع عما ذكر إذا أريد ظلما تفصيل الا أن كل من يحفظ عنه من علماء الحديث كالمجمعين على استثناء السلطان للآثار الورادة بالأمر بالصبر على جوره وترك القيام عليه انتهى . ويدل على لزوم القود والدية في قتل من كان على الصفة الذكورة ما ذكرنا من حديث أبي هريرة . وحمل الأوزاعي أحاديث الباب على الحالة التي للناس فيها امام وأما حالة الفرقة والأختلاف فليستسلم المبغي على نفسه او ماله ولا يقاتل أحدا قال في الفتح ويرد عليه حديث أبي هريرة عند مسلم يعني حديث الباب وأحاديث الباب مصرحة بان المقتول دون ماله ونفسه وأهله ودينه شهيد ومقاتله إذا قتل في النار لأن الأول محق والثاني مبطل : قوله " دون ماله " قال القرطبي دون في أصلها ظرف مكان بمعنى تحت وتستعمل للخلفية على المجاز ووجهه إن الذي قاتل عن ماله غالبا إنما يجعله خلفه أو تحته ثم يقال عليه اه ولكنه يشكل على هذا قوله في حديث سعيد بن زيد دون دينه دون دمه (6/59)
باب في أن الدفع لا يلزم المصول عليه ولا يلزم الغير مع القدرة (6/59)
1 - عن عبد الله بن عمر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما يمنع أحدكم إذا جاء من يريد قتله أن يكون مثل ابني آدم القاتل في النار والمقتول في الجنة "
- رواه أحمد (6/60)
2 - وعن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " أنه قال أفي الفتنة كسروا فيها قسيكم وقطعوا أوتاركم وأضربوا بسيوفكم الحجارة فإن دخل على أحدكم بينه فليكن كخير ابني آدم "
- رواه الخمسة إلى النسائي (6/60)
3 - وعن سعد بن بي وقاص " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال إنها ستكون فتنة القاعد فيها خير من القائم والقائم خير من الماشي والماشي خير من الساعي قال أرأيت إن دخل على بيتي فبسط يده إلي ليقتلني قال كن كابن آدم "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي (6/60)
4 - وعن سهل بن حنيف عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من أذل عنده مؤمن فلم ينصره وهو يقدر على أن ينصره أذله الله عز و جل على رؤوس الخلائق يوم القيامة "
- رواه أحمد (6/61)
- حديث ابن عمر أورده الحافظ في التلخيص وسكت عنه وأخرج نحوه أبو داود من حديثه بلفظ " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول من مشى إلى رجل من أمتي ليقتله فليقل هكذا أي فليمد رقبته فالقاتل في النار والمقتول في الجنة " وحديث أبي موسى أخرجه ايضا ابن حبان وصححه القسيري في الأقتراح على شرط الشيخين وقال الترمذي حسن غريب اه وفي إسناد عبد الرحمن بن ثروان تكلم فيه بعضهم ووثقه يحيى بن معين واحتج به البخاري . وحديث سعبد بن أبي وقاص حسنه الترمذي وسكت عنه أبو داود والمنذري والحافظ في التلخيص ورجال إسناده ثقات لا حسين بن عبد الرحمن الأشجعي وقد وثقه ابن حبان . وحديث سهل بن حنيف أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده ابن لهيعة وبقية رجاله ثقات يشهد لصحته حديث البراء بن عازب عن البخاري وغيره وفيه الأمر بسبع والنهي عن سبع ومن السبع المأمور بها نصر المظلوم وحديث أبي موسى عند البخاري وغيره بلفظ " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعه بعضا " وحديث " انصر أخاك ظالما أو مظلوما " أخرجه البخاري وغيره ( وفي الباب ) عن أبي بكرة بنحو حديث سعد عند أبي داود . وعن أبي هريرة بنحوه أيضا عند البخاري ومسلم . وعند ابن مسعود بنحوه عند أبي داود . وعن خريم بن فاتك بنحوه أيضا عند أبي داود . وعن أبي ذر عند أبي داود والترمذي بلفظ " قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا أبا ذر قلت لبيك وسعديك قال كيف أنت إذا رأيت أحجار الزيت قد غرقت بالدم قلت ما خار الله لي ورسوله قال عليك بمن أنت منه قلت يا رسلول الله أفلا آخذ سيفي فاشعه على عاتقي قال شاركت القوم إذن فقلت فما تأمرني قال تلزم بيتك قلت فإن دخل على بيتي قال فإن خشيت أن يبهرك شعاع السيف فالق ثوبك على وجهك يبوء باثمك وأثمة : وعن المقداد بن الأسود عند أبي داود قال " أيم الله لقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ثلاثا إن السعيد لمن جنب الفتن ولمن ابتلى فصبر فواها التلهيف . وعن أبي بكرة غير الحديث الأول عند الشيخين وأبي داود والنسائي قال " سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول إذا تواجه المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار قال يا رسول الله هذا القائل فما بال المقتول قال إنه أراد قتل صاحبه " وعن خالد بن عرقطة عند أحمد والحاكم والطبراني وابن نافع بلفظ " ستكون بعدي فتنة واختلاف فإن استطعت أن تكون عبد الله بن المقتول لا القاتل فافعل " وفي إسناده علي بن زيد بن جدعان وهو ضعيف وقد أخرجه الطبراني من حديث حذيفة ومن حديث خباب . وعن أبي واقد وخرشة أشار إلى ذلك الترمذي : قوله " كسر وافيها قسيكم " قيل المراد الكسر حقيقة ليسد عن نفسه باب هذا القتال وقيل هو مجاز والمراد ترك القتال : ويؤيده الأول واضربوا بسيوفكم الحجارة قال النووي والأول أصح . قوله " القاعد فيها خير من القائم " الخ معناه بيان عظم خطر الفتنة والحث على تجنبها والهرب منها ومن التسبب في شيء من أسبابها فإن شرها وفتنها يكون على حسب التعلق بها . قوله " كن كابن آدم " يعني الذي قال لأخيه لما أراد قتله { لئن بسطت إلى يدك لتقتلني ما أنا باسط يدي إليك لأقتلك } كما حكى الله ذلك في كتابه ( والأحاديث ) المذكورة في الباب تدل غللا مشروعية ترك المقاتلة وعدم وجوب المدافعة عن النفس والمال وقد اختلف العلماء في ذلك فقالت طائفة لا يقاتل في فتن المسلمين وإن دخلوا عليه بيته وطلبوا قتله ولا تجوز له المدافعة عن نفسه لان الطالب متأول وهذا مذهب أبي بكرة الصحابي وغيره وقال ابن عمر وعمران بن الحصين وغيرهما لا يدخل فيها لكن إن قصد دفع عن نفسه
قال النووي فهذان المذهبان متفقان على ترك الدخول في جميع فتن المسلمين . قال القرطبي اختلف السلف في ذلك فذهب سعد ابن أبي وقاص وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة وغيرهم إلى أنه يجب الكف عن المقاتلة فمنم من قال يجب عليه أن يلزم بيته وقالت طائفة يجب عليه التحول عن بلد الفتنة أصلا . ومنهم من قال يترك المقاتلة حتى لو أراد لم يدفعه عن نفسه . ومنهم من قال يدافع عن نفسه وعن ماله وعن أهله وهو معذور أن قتل أو قتل وذهب جمهور الصحابة والتابعين إلى وجوب نصر الحق وقتال الباغين وكذا قال النووي وزاد أنه مذهب عامة علماء الأسلام واستدلوا بقوله تعالى { فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله } قال النووي وهذا هو الصحيح وتتأول الأحاديث على من لم يظهر له المحق او على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منهما قال ولو كان كما قال الأولون لظهر الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون اه . وقال بعضهم بالتفصيل وهو أنه إذا كان القتال بين طائفتين لا إمام لهم فالقتال ممنوع يومئذ وتنزل الأحاديث من يقدر عليه فمن أعان المحق أصاب ومن أعان المخطئ أخطأ وان أشكل الأمر فهي الحالة التي ورد النهي عن القتال فيها وذهب البعض إلى أن الأحاديث وردت في حق ناس مخصوصين وإن النهي مخصوص بمن خوطب بذلك وقيل إن النهي إنما هو في آخر الزمان حيث يحصل التحقق إن المقاتلة إنما هي في طلب الملك وقد أتى هذا في حديث ابن مسعود فأخرج أيام الهرج وهو حيث لا يأمن الرجل جليسه ويؤيد ما ذهب إليه الجمهور قول الله تعالى { فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم } وقوله تعالى { وجزاء سيئة سيئة مثلها } ونحو ذلك من الآيات والأحاديث وتؤيده أيضا الآيات والأحاديث الواردة في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وسيأتي للمقام زيادة تحقيق في باب ما جاء في توبة القاتل من كتاب القصاص . وحديث سهل بن حنيف وما ورد في معناه يدل على أنه يجب نصر المظلوم ودفع من أراد اذلاله بوجه من الوجوه وهذا ممالا أعلم فيه خلافا وهو مندرج تحت أدلة النهي عن المنكر (6/61)
باب ما جاء في كسر أواني الخمر (6/61)
1 - عن أنس عن أبي طلحة " أنه قال يا رسول الله أني اشتريت خمرا لا يتام في حجري فقال أهرق الخمر واكسر الدنان "
- رواه الترمذي والدارقطني (6/62)
2 - وعن ابن عمر قال " أمرني النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن آتيه بمدية وهي الشفرة فاتيته بها فأرسل بها فأرهفت ثم أعطانيها وقال اغد علي بها ففعلت فخرج بأصحابه إلى أسواق المدينة وفيها زقاق الخمر قد جابت من الشام فأخذ المدية مني فشق ما كان من تلك الزقاق تحضرته ثم أعطانيها وأمر الذين كانوا معه أن يمضوا معي ويعاونوني وأمرني أن آتي الأسواق كلها فلا أجد فيها زق خمر إلا شققته ففعلت فلم أترك في أسواقها زقا إلا شققته "
- رواه أحمد (6/62)
3 - وعن عبد الله بن أبي الهذيل قال " كان عبد الله يحلف بالله ان التي أمر بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حين حرمت الخمر أن تكسر دنانه وإن تكفأ لمن التمر الذبيب "
- رواه الدارقطني (6/62)
- حديث أنس عن أبي طلحة رجال إسناده ثقات وأصله في صحيح مسلم وأخرجه أحمد وأبو داود والترمذي من حديث أنس قال الترمذي وهو أصح . وحديث ابن عمر أشار إليه الترمذي وذكره الحافظ في الفتح وعزاه إلى أحمد كما فعل المصنف ولم يتكلم عليه وقال في مجمع الزوائد أنه رواه أحمد بإسنادين في احدهما أبو بكر بن أبي مريم وقد اختلط وفي الآخر أبو طعمة وقد وثقه محمد بن عبد الله بن عمار الموصلي وبقية رجاله ثقاتز وحديث عبد الله رواه الدارقطني من طريق شيخه العباس بن العباس بن المغيرة الجوهري بإسناد رجاله ثقات وقد أشار إليه الترمذي أيضا ( وفي الباب ) عن جابر وأبي سعيد ( وأحاديث الباب ) تدل على جواز اهراق الخمر وكسر دنانها وشق ازقاقها وإن كان مالكها غير مكلف وقد ترجم البخاري في صحيحه لهذا فقال باب هل تكسر الدنان التي فيها خمر وتخرق الزقاق قال في الفتح لم يثبت الحكم لأن المعتمد فيه التفصيل فإن كان الاوعية بحيث يراق ما فيها فإذا غسلت طهرت واتتفع بها لم يجز اتلافها وإلا جاز ثم ذكر أنه أشار البخاري بالترجمة إلأى حديث أبي طلحة وابن عمر وقال إن الحديثين ان ثبتا فإنما أمر بكسر الدنان وشق الزقاق عقوبة لاصحابها وإلا فالانتفاع بها بعد تطهيرها ممكن كما دل عليه حديث سلمة المذكور في البخاري وغيره في غسل القدور التي طبخت فيها الخمر واذنه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك بعد أمره بكسرها قال ابن الجوزي أراد التغليظ عليهم في طبخهم مانهى عن أكله فلما رأى أذعانهم اقتصر على غسل الأواني وفيه رد على من زعم أن دنان الخمر لا سبيل إلى تطهيرها لما يداخلها من الخمر فإن الذي دخل القدور من الماء الذي طبخت به الخمر نظيره وقد أذن صلى الله عليه وآله وسلم في غسلها فدل على إمكان تطهيرها (6/63)
كتاب الشفعة (6/63)
1 - عن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفقة "
- رواه أحممد والبخاري . وفي لفظ " إنما جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم الشفعة " الحديث . رواه أحمد والبخاري وأبو داود وابن ماجه : وفي لفظ " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة " رواه الترمذي وصححه (6/63)
2 - وعن أبي هريرة " قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا قسمت الدار وحدت فلا شفعة فيها " رواه أبو داود وابن ماجه بمعناه (6/64)
3 - وعن جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة في كل شركة لم تقسم ربعة أو حائط لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه فإن شاء أخذ وإن شاء ترك فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به "
- رواه مسلم والنسائي وأبو داود (6/64)
- حديث أبي هريرة رجال إسناده ثقات . قوله " قضي بالشفعة " قال في الفتح الشفعة بضم المعجمة وسكون الفاء وغلط من حركها وهي مأخوذة لغة من الشفع وهو الزوج وقيل من الزيادة وقيل من الإعانة . وفي الشرع انتقال حصة شريك إلى شريك كانت انتقلت إلى أجنبي بمثل العوض المسمى ولم يختلف العلماء في مشروعيتها إلا ما نقل عن أبي بكر الأصم من إنكارها اه . قوله " في كل ما لم يقسم " طاهر هذا العموم ثبوت الشفعة في جميع الأشياء وأنه لا فرق بين الحيوان والجماد والمنقول وغيره . وقد ذهب إلى ذلك العترة ومالك وأبو حنيفة وأصحابه
وسياتي تفصيل الخلاف في ذلك : قوله " فإذا وقعت الحدود " أي حصلت قسمة الحدود في المبيع واتضحت بالقسمة مواضعها : قوله " وصرفت " بضم الصاد وتخفيف الراء المكسورة وقيل بتشديدها أي بينت مصارفها وكأنه من التصريف والتصرف . قال ابن مالك معناه خلصت وبانت وهو مشتق من الصرف عنه الخلط فعلى هذا صرف مخفف الراء وعلى الأول أي التصريف والتصرف مشدد . قوله " فلا شفعة " استدل به من قال أن الشفعة لا تثبت إلا بالخلطة لا بالجوار وقد حكى في البحر هذا القول عن علي وعمر وعثمان وسعيد بن المسيب وسليمان بن يسار وعمنر بن عبد العزيز وربيعة ومالك والأوزاعي وأحمد وإسحاق وعبيد الله بن الحسن والإمامية وحكى في البحر أيضا عن العترة وأبي حنيفة وأصحابة والثوري وابن أبي ليلى وابن سيرين ثبوت الشفعة بالجوار وأجابوا عن حديث جابر بمن قاله أبو حاتم أن قوله " إذا وقعت الحدود " الخ مدرج من قوله ورد ذلك بأن الأصل أن كل ما ذكر في الحديث فهو منه حتى يثبت الإدراج بدليل ورود ذلك في حديث غيره مشعر بعدم الإدراج بعدم إخراج مسلم لتلك الزيادة ويجاب عنه بأنه قد يقتصر بعض الأئمة على ذكر بعض الحديث والحكم للزيادة لا سيما وقد أخرجها مثل البخاري على أن معنى هذه الزيادة التي أدعى أهل القول الثاني ادراجها هو معنى قوله في كل ما لم يقسم ولا تفاوت إلا بكون دلالة أحدهما على هذا المعنى بالمنطوق والآخر بالمفهوم ( احتج ) أهل القول الثاني بالأحاديث الواردة في إثبات الشفعة بالجوار كحديث سمرة والشريد ابن سويدج وأبي رافع وجابر وستأتي . وأما الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة لمطلق الشريك كما في حديث جابر المذكور من قوله في كل شركة وكما في حديث عبادة بن الصامت الآتي فلا تصلح للاحتجاج بها على ثبوت الشفعة للجار إذ لا شركة بعد القسمة وقد أجاب أهل القول الأول عن الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار بأن المراد بها الجار الأخص وهو الشريك المخالط لأن كل شيء قارب شيئا يقال له جار كما قيل لامرأة الرجل جارة لما بينهما من المخالطة وبهذا يندفع ما قيل أنه ليس في اللغة ما يقتضي تسمية الشريك جارا . قال ابن المنير ظاهر حديث أبي رافع الآتي أنه كان يملك بيتين من جملة دار سعد لا شقصا شائعا من منزل سعد ويدل على ذلك ما ذكره عمر بن شبة أن سعدا كان اتخذ دارين بالبلاط متابلتين بينهما عشرة أذرع وكانت التي على اليمين المسجد منهما لأبي رافع فاشتراها سعد منه ثم ساق الحديث الآتي فاقتضى كلامه أن سعدا كان جارا لابي رافع قبل أن يشتري منه داره لا شريكا كذا قال الحافظ . وقال أيضا ذكر بعض الحنفية أنه يلزم الشافعية القائلين بحمل اللفظ على حقيقته ومجازه أن يقولوا بشفعة الجار لأن الجار حقيقة لأن الجار حقيقة في المجاور مجاز في الشريك . وأجيب بأن محل ذلك عند التجريد وقد قامت القرينة هنا على المجاز فاعتبر الجمع بين حديثي جابر وأبي رافع فحديث جابر صريح في اختصاص الشفعة بالشريك وحديث أبي رافع مصروف الظاهر اتفاقا لأنه يقتضي أن يكون الجار أحق من كل أحد حتى من الشريك والذين قالوا بشفعة الجوار قدموا الشريك مطلقا ثم المشارك في الشرب ثم المشارك في الطريق ثم الجار على من ليس بمجاور وأجيب بأن المفضل عليه مقدر أي الجار أحق من المشتري الذي لا جوار له . قال في القاموس الجار المجاور والذي أجرته من أن يظلم والمجير ووالمستجير والشريك في التجارة وزوج المرأة وما قرب من المنازل والمقاسم والحليف والناصر اه
( والحاصل ) أن الجار المذكور في الأحاديث الآتية إن كان يطلق على الشريك في الشيء والمجاور له بغير شركة كانت مقتضية بعمومها لثبوت الشفعة لهما جميعا وحديث جابر وأبي هريرة المذكوران يدلان على عدم ثبوت الشفعة للجار الذي لا شركة له فيخصصان عموم أحاديث الجار ولكنه يشكل على هذا الحديث الشريد بن سويد فإن قوله ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار مشعر بثبوت الشفعة لمجرد الجوار وكذلك حديث سمرة لقوله فيه " جار الدار أحق بالدار " فإن ظاهره أن الجوار المذكور جوار لا شركة فيه ويجاب بأن هذين الحديثين لا يصلحان لمعارضة ما في الصحيح على أنه يمكن الجمع بما في حديث جابر الآتي بلفظ " إذا كان طريقهما واحد " فإنه يدل على أن الجوار لا يكون مقتضيا للشفعة إلا مع اتحاد الطريق لا بمجرده ولا عذر لمن قال بحمل المطلق على المقيد من هذا أن قال بصحة هذا الحديث وقد قال بهذا أعني ثبوت الشفعة للجار مع اتحاد الطريق بعض الشافعية ويؤيده أن شرعية الشفعة إنما هي لدفع الضرر وهو إنما يحصل في الأغلب مع المخالط في الشيء المملوك أو في طريقه ولا ضرر على جار لم يشارك في أصل ولا طريق إلا نادرا واعتبار هذا النادر يستلزم ثبوت الشفعة للجار مع عدم الملاصقة لأن حصول الضرر قد يقع في نادر الحالات كحجب الشمس والإطلاع على العورات ونحوهما من الروائح الكريهة التي يتأذى بها ورفع الأصوات وسماع بعض المنكرات ولا قائل بثبوت الشفعة لمن كان كذلك والضرر النادر غير معتبر لأن الشارع علق الأحكام بالأمور الغالبة فعلى فرض أن الجار لغة لا يطلق إلا على من كان ملاصقا غير مشارك ينبغي تقييد الجوار باتحاد الطريق ومقتضاه أن تثبت الشفعة بمجرد الجوار وهو الحق وقد زعم صاحب المنار أن الأحاديث تقتضي ثبوت الشفعة للجار والشريك ولا منافاة بينها . ووجه حديث جابر بتوجيه بارد والصواب ما حررناه . قوله " في كل شركة " في مسلم وسنن أبي داود في كل شرك وهو بكسر الشين المعجمة وإسكان الراء من أشركته في البيع إذا جعلته لك شريكا ثم خفف المصدر بكسر الأول وسكون الثاني فيقال شرك وشركة كما يقال كلم وكلمة . قوله " ربعة " بفتح الراء وسكون الموحدة تأنيث ربع وهو المنزل الذي يرتبعون فيه في الربيع ثم سمى به الدار والمسكن : قوله " لا يحل له أن يبيع " الخ ظاهره أنه يجب على الشريك إذا أراد البيع أن يؤذن شريكه وقد حكى مثل ذلك القرطبي عن بعض مشايخه وقال شرح الإرشاد الحديث يقتضي أنه يحرم البيع قبل العرض على الشريك . قال ابن الرفعة ولم أظفر به عن أحد من أصحابنا ولا محيد عنه وقد قال الشافعي إذا صح الحديث فاضربوا بقولي عرض الحائط . وقال الزركشي أنه صرح به الفارقي . قال الأذرعي أنه الذي يقتضيه نص الشافعي وحمله الجمهور من الشافعية وغيرهم على الندب وكراهة ترك الأهلام قالوا لأنه يصدق على المكروه أنه ليس بحلال وهذا إنما يتم إذا كان اسم الحلال مختصا بما كان مباحا أو مندوبا أو واجبا وهو ممنوع فإن المكروه من أقسام الحلال كما تقرر في الأصول : قوله " فإن باعه ولم يؤذنه فهو أحق به " فيه دليل على ثبوت الشفعة للشريك الذي لم يؤذنه شريكه بالبيعع وأما إذا أعلمه الشريك بالبيع فأذن فيه فباع ثم أراد الشريك أن يأخذه بالشفعة فقال مالك والشافعي وأبو حنيفة والهادوية وابن أبي ليلى والبتي وجمهور أهل العلم أن له أن يأخذه بالشفعة ولا يكون مجرد الأذن مبطلا لها . وقال الثوري والحكم وأبو عبيد وطائفة من أهل الحديث ليس له أن يأخذه بالشفعة بعد وقوع الإذن منه بالبيع وعن أحمد روايتان كالمذهبين ودليل الآخرين مفهوم الشرط فإنه يقتضي عدم ثبوت الشفعة مع الإيذان مع البائع . ودليل الأولين الأحاديث الواردة في سفعة الشريك والجار من غير تقييد وهي منطوقات لا يقاومها ذلك المفهوم ويجاب بأن المفهوم المذكور صالح لتقييد تلك المطلقات عند من عمل بمفهوم الشرط من أهل العلم والترجيح إنما يصار إليه عند تعذر الجمع وقد أمكن ههنا بحمل المطلق عل المقيد (6/64)
4 - وعن عبادة بن الصامت " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قضى بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والدور "
- رواه عبد الله بن أحمد في المسند ويحتج بعمومه من أثبتها للشريك فيما تضره القسمة (6/65)
5 - وعن سمرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " جار الدار أحق بالدار من غيره "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (6/65)
6 - وعن الشريد بن سويد قال " قلت يا رسول الله أرض ليس لأحد فيها شرك ولا قسم إلا الجوار فقال الجار أحق بسقبه ما كان "
- رواهأحمد والنسائي وابن ماجه ولابن ماجه مختصر " الشريك أحق بسقبه ما كان " (6/65)
- حديث عبادة أخرجه أيضا الطبراني في الكبير وهو من رواية إسحاق عن عبادة ولم يدركه وتشهد لصحته الأحاديث الواردة في ثبوت الشفعة فما هو أعم من الأرض والدار كحديث جابر المتقدم وكحديث ابن عباس عند البيهقي مرفوعا بلفظ " الشفعة في كل شيء " ورجاله ثقات الا أنه أعل بالإرسال . وأخرج الطحاوي له شاهدا من حديث جابر بإسناد لا بأس بروايه كما قال الحافظ ويشهد لحديث عبادة أيضا الأحاديث الواردة بثبوت الشفعة في خصوص الأرض كحديث شريد بن سويد المذكور في خصوص الدار كحديث سمرة المذكور أيضا وهكذا تشهد له الأحاديث القاضية بثبوت الشفعة للجار على العموم وحديث سمرة أخرجه أيضا البيهقي والطبراني والضياء وفي سماع الحسن عن سمرة مقال معروف قد تقدم التنبيه عليه ولكنه أخرج هذا الحديث أبو بكر ابن أبي خيثمة في تاريخه والطحاوي وأبو يعلى والطبراني في الأوسط والضياء عن أنس وأخرجه ابن سعد عن الشريد بن سويد بلفظ حديث سمرة المذكور وحديث الشريد بن سويد أخرجه أيضا عبد الرزاق والطيالسي والدارقطني والبيهقي قال في المعالم إن حديث الجار أحق بسقيه لم يروه أحد غير عبد الملك بن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وتكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث قال وقد تكلم الناس في إسناد هذا الحديث واضطراب الرواة فيه فقال بعضهم عن عمرو بن الشريد عن أبي رافع وقال بعضهم عن أبيه عن أبي رافع وأرسله بعضهم والأحاديث التي جاءت في نقيضه أسانيدها جياد ليس في شيء منا اضطراب : قوله " جار الدار أحق " قال في شرح السنة هذه اللفظة تستعمل فيمن لا يكون غيره أحق منه والشريك بهذه الصفة أحق من غيره وليس غيره أحق منه وقد استدل بهذا القائلون بثبوت الشفعة للجار وأجاب المانعون بأنه محمول على تعهده بالأحسان والبر بسبب قرب داره كذا قال الشافعي ولا يخفى بعده ولكنه ينبغي أن يقيد بما سيأتي من اتحاد الطريق ومقتضاه عدم ثبوت الشفعة بمجرد الجوار : قوله " أحق بسقبه " بفتح السين المهملة ويجوز فتح القاف واسكانها وهو القرب والمجاورة . وقد استدل بهذا الحديث القائلون بثبوت شفعه الجار وأجاب المانعون بما سلف قال البغوي ليس في هذا الحديث ذكر الشفعة فيحتمل أن يكون المراد به الشفعة ويحتمل أن يكون أحق بالبر والمعونة اه ولا يخفى بعد هذا الحمل لاسيما بعد قوله " ليس لأحد فيها شرك " والأولى الجواب بحمل هذا المطلق على المقيد الآتي من حديث جابر ( لا يقال ) ان نفي الشرك فيها يدل على عدم اتحاد الطريق فلا يصح تقييده بحديث جابر الآتي لانا نقول إنما الشرك عن الأرض لا عن طريقها ولو سلم عدم صحة التقييد باتحاد الطريق فأحاديث إثبات الشفعة بالجوار مخصصة بما سلف ولو فرض عدم صحة التخصيص للتصريح بنفي الشركة فهي مع مافيها من المقال لا تنتهض لمعارضة الأحاديث القاضية بنفي شفعة الجار الذي ليس بمشارك كما تقدم (6/66)
7 - وعن عمرو بن الشريد قال " وقفت على سعد بن أبي وقاص فجاء المسور ابن مخرمة ثم جاء أبو رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ياسعد ابتع مني بيتي في دارك فقال سعد والله ما أبتاعها فقال المسور والله لتبتاعنها فقال سعد والله ما أزيدك على أربعة آلاف منجمة أو مقطعة قال أبو رافع لقد أعطيت بها خمسمائة دينار ولولا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول الجار أحق بسقبه ما أعطيتكها بأربعة آلاف وأنا أعطي بها خمسمائة دينار فأعطاها أياه "
- رواه البخاري (6/66)
- قوله " ابتع بيتي " بلفظ التثنية أي البيتين الكائنين في دارك . قوله " فقال المسور " في رواية ان أبا رافع سأل المسوران يساعده على ذلك . قوله " منجمة أو مقطعة " شك من الراوي والمراد مؤجله على أقساط معلومة . قوله " أربعة آلاف " في رواية للبخاري في كتاب ترك الحيل من صحيحه أربع مائة مثقال وهو يدل على أن المثقال إذ ذاك كان بعشرة دراهم والحديث فيه مشروعية العرض على الشريك وقد تقدم الكلام على ذلك وفيه أيضا ثبوت الشفعة بالجوار وقد سلف بيانه . قال المصنف رحمه الله ومعنى الخبر والله أعلم أنما هو الحث على عرض المبيع قبل البيع على الجار وتقديمه على غيره من الزبون كما فهمه الراوي فإنه أعرف بما سمع اه الربن الدفع ويطلق على بيع المزابنة وقد تقدم وعلى بيع المجهول بالمجهول من جنسه وعلى بيع المغابنة في الجنس الذي لا يجوز فيه الغبن أفاد معنى ذلك في القاموس (6/66)
8 - وعن عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر " قال قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وان كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا "
- رواه الخمسة إلا النسائي (6/67)
- الحديث حسنه الترمذي قال ولانعلم أحدا روى هذا الحديث غير عبد الملك ابن أبي سليمان عن عطاء عن جابر وقد تكلم شعبة في عبد الملك من أجل هذا الحديث وعبد الملك هو ثقة مأمون عند أهل الحديث اه وقال الشافعي نخاف أن لا يكون محفوظا وقال الترمذي سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال لا أعلم أحدا رواه عن عطاء غير عبد الملك تفرد به ويروى عن جابر خلاف هذا اه قال المصنف رحمه الله تعالى وعبد الملك هذا ثقة مأمون ولكن قد أنكر عليه هذا الحديث قال شعبة سها فيه عبد الملك فإن روى حديثا مثله طرحت حديثه ثم ترك شعبة التحديث عنه وقال أحمد هذا الحديث منكر وقال ابن معين لم يروه غير عبد الملك وقد أنكروه عليه قلت ويقوى ضعفه رواية جابر الصحيحة المشهورة المذكورة في أول الباب اه ولا يخفى أنه لم يكن في شيء من كلام هؤلاء الحفاظ ما يقدح بمثله وقد احتج مسلم في صحيحه بحديث عبد الملك بن أبي سليمان وأخرج له أحاديث واستشهد به البخاري ولم يخرجا له هذا الحديث . قوله " ينتظر بها " مبني للمفعول قال ابن رسلان يحتمل انتظار الصبي بالسفعة حتى يبلغ وقد أخرج الطبراني في الصغير والأوسط عن جابر أيضا قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على شفعته حتى يدرك فإذا أدرك فإن شاء أخذ وإن شاء ترك وفي إسناده عبد الله بن بزيع : قوله " وان كان غائبا " فيه دليل على أن شفعة الغائب لا تبطل وان تراخى وظاهره انه لا يجب عليه السير متى بلغه للطلب أو البعث برسول كما قال مالك وعند الهادوية انه يجب عليه ذلك إذا كان مسافة غيبته ثلاثة أيام فما دونها وإن كانت المسافة فوق ذلك لم يجب . قوله " إذا كان طريقهما واحدا " فيه دليل على أن الجوار بمجرده لا تثبت به الشفعة بل لا بد معه من اتحاد الطريق ويؤيد هذا الأعتبار قوله في حديث جابر وأبي هريرة المتقدمين فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة . وقد أسلفنا الكلام على الشفعة بمجرد الجوار
( فائدة ) من الأحاديث الواردة في الشفعة حديث ابن عمر عند ابن ماجه والبزار بلفظ " لاشفعة لغائب ولا لصغير والشفعة كحل عقال " وفي إسناده محمد بن عبد الرحمن البيلماني وله مناكير كثيرة . وقال الحافظ في إسناده ضعيف جدا وضعفه ابن عدي وقال ابن حبان لا أصل له . وقال أبو زرعة منكر . وقال البيهقي ليس بثابت وروى هذا الحديث ابن حزم عن ابن عمر أيضا بلفظ " الشفعة كحل العقال فإن قيدها مكانه ثبت حقه وإلا فاللوم عليه " وذكره عبد الحق في الأحكام عنه تعقبه ابن القطان بأنه لم يروه في المحلى ولعله في غير المحلى . وأخرج عبد الرزاق من قول شريح إنما الشفعة لمن واثبها وذكره قاسم بن ثابت في دلائله ورواه القاضي أبو الطيب وابن الصباغ والماوردي بلا إسناد بلفظ " الشفعة لمن واثبها " أي بادر إليها ويروى " الشفعة كنشط عقال " (6/67)
كتاب اللقطة (6/67)
1 - عن جابر قال " رخص لنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في العصا والسوط والحبل وأشباهه يلتقطه الرجل ينتفع به "
- رواه أحمد وأبو داود (6/68)
2 - وعن أنس " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مر بتمرة في الطريق فقال لولا أني أخاف أن تكون من الصدقة لأكلتها "
- أخرجاه . وفيه إباحة المحقرات في الحال (6/68)
- حديث جابر في إسناده المغيرة بن زياد قال المنذري تكلم فيه غير واحد وفي التقريب صدوق له أوهام وفي الخلاصة وثقه وكيع وابن معين وابن عدي وغيرهم وقال أبو حاتم شيخ لا يحتج به . قوله " اللقطة " بضم اللام وفتح القاف على المشهور لا يعرف المحدثون غيره كما قال الأزهري وقال عياض لا يجوز غيره . وقال الخليل هي بسكون القاف وأما بالفتح فهو كثير الألتقاط قال الأزهري هذا الذي قاله هو القياس ولكن الذي سمع من العرب وأجمع عليه أهل اللغة والحديث الفتح وقال الزمخشري في الفائق بفتح القاف والعامة تسكنها قال في الفتح وفيها لغتان أيضا لقاطة بضم اللام ولقطة بفتحهما : قوله " واشباهه " يعني كل شيء يسير : قوله " ينتفع به " فيه دليل على جواز الأنتفاع بما يوجد في الطرقات من المحقرات لا يحتاج إلى تعريف وقيل أنه يجب التعريف بها ثلاثة ايام لما أخرجه أحمد والطبراني والبيهقي والجوزجاني واللفظ لأحمد من حديث يعلى بن مرة مرفوعا من ألتقط لقطة يسيرة حبلا أو درهما أو شبه ذلك فليعرفها ثلاثة أيام فإن كان فوق ذلك فليعرفه ستة أيام زاد الطبراني فإن جاء صاحبها وإلا فليتصدق بها وفي إسناده عمر بن عبد الله بن يعلى وقد صرح جماعة بضعفه ولكنه قد أخرج له ابن خزيمة متابعة وروى عنه جماعات وزعم ابن جزم أنه مجهول وزعم هو وابن القطان أن يعلى وحكيمة التي روت هذا الحديث عن يعلى مجهولان . قال الحافظ وهو عجب منهما لأن يعلى صحابي معروف الصحبة قال ابن رسلان ينبغي أن يكون هذا الحديث معمول به لأن رجال إسناده ثقات وليس فيه معارضة للأحاديث الصحيحة بتعريف سنة لأن التعريف سنة هو الأصل المحكوم به عزيمة وتعريف الثلاث رخصة تيسيرا للملتقط لأن الملتقط اليسير والرخصة لا تعارض العزيمة بل لا تكون إلا مع بقاء حكم الأصل كما هو مقرر في الأصول ويؤيد تعريف الثلاث ما رواه عبد الرزاق عن أبي سعيد أن عليا جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بدينار جده في السوق فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم عرفه ثلاثا ففعل فلم يجد أحد يعرفه فقال كله اه وينبغي يضا أن تقيد مطلق الانتفاع المذكور في حديث الباب بالتعريف بالثلاث المذكور فلا يجوز للملتقط أن ينتفع بالحقير إلا بعد التعريف به ثلاثا حملا للمطلق على المقيد وهذا إذا لم يكن ذلك الشيء الحقير مأكولا جاز أكله ولم يجب التعريف به أصلا كالتمرة ونحوها لحديث أنس المذكور لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد بين أنه لم يمنعه من كل التمرة إلا خشية أن تكون من الصدقة ولولا ذلك لأكلها وقد روى ابن أبي شيبة عن ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أ ها وجدت تمرة فأكلتها وقالت لا يحب الله الفساد . قال في الفتح يعني أنها لو تركتها فلم تؤخذ فتؤكل لفسدت قال وجواز الأكل هو المجزوم به عند الأكثر اه ويمكن أن يقال أنه يقيد حديث تمرة بحديث التعريف ثلاثا كما قيد به حديث الانتفاع ولكنها لم تجر للمسلمين عادة بمثل ذلك وأيضا الظاهر من قوله صلى الله عليه وآله وسلم لأكلتها بعد التعريف بها ثلاثا وقد اختلف أهل العلم في مقدار التعريف بالحقير فحكى في البحر عن زيد بن على والناصر والقاسمية والشافعي أن يعرف به سنة كالكثيرين وحكي عن المؤيد بالله والإمام يحيى وأصحاب أبي حنيفة أنه يعرف به ثلاثة أيام ( واجتج ) الأولون بقوله صلى الله عليه وآله وسلم " عرفها سنة " قالوا ولم يفصل واحتج الآخرون بحديث يعلى بن مرة وحديث على جعلوهما مخصصين لعموم حديث التعريف سنة وهو الصواب لما سلف قال الإمام المهدي قلت الأقوى تخصيصه بمامر للحرج اه يعني تخصيص حديث السنة بحديث التعريف ثلاثا (6/68)
3 - وعن عياض بن حمار قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من وجد لقطة فليشهد ذوي عدل أو ليحفظ عفاصها ووكاءها فإن صاحبها فلا يكتم فهو أحق بها وأن لم يجيء صاحبها فهو مال الله يؤتيه من يشاء "
- رواه أحمد ومسلم (6/69)
5 - وعن زيد بن خالد " قال سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن اللقطة الذهب والورق فقال أعرف وكاءها وعفاصها ثم عرفها سنة فإن لم تعرف فاستنفقها ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها يوما من الدهر فأدها إليه وساله عن ضالة الإبل فقال مالك ولها دعها فإ معها حذاءها وسقاءها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها وسأله عن الشاة فقال له خذها فإنما هي لك ولأخيك أو للذئب "
- متفق عليه . ولم يقل فيه أحمد الذهب أو الورق وهو صريح في التقاط الغنم : وفي رواية " فإن جاء صاحبها فعرف عصافها وعددها ووكاءها فأعطها اياه وإلا فهي لك " رواه مسلم . وهو دليل على دخوله في ملكه وإن لم يقصد (6/69)
6 - وعن أبي بن كعب في حديث اللقطة " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال عرفها فإن جاء أحد يخبرك بدتها ووعائها ووكائها فأعطها اياه وإلآ فاستمتع بها "
- مختصر من حديث أحمد ومسلم والترمذي . وهو دليل وجوب الدفع بالصفة (6/69)
- حديث عياض بن حمار أخرجه أيضا أبو داود والنسائي وابن حبان ولفظه " ثم لا يكتم ولا يغيب فإن جاء صاحبها فهو أحق بها وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وفي لفظ للبيهقي " ثم لا يكتم وليعرف " ورواه الطبراني وله طرق ( وفي الباب ) عن مالك بن عمير عن أبيه أخرجه أبو موسى المديني في الذيل : قوله " فليشهد " ظاهر الأمر يدل على وجوب الأشهاد وهو أحد قولي الشافعي وبه قال أبو حنيفة وفي كيفية الاشهاد قولان أحدهما يشهد أنه وجد لقطة ولا يعلم بالعفاص ولا غيره لئلا يتوصل بذلك الكاذب إلى أخذها . والثاني يشهد على صفاتها كلها حتى إذا مات لم يتصرف فيها الوارث واشار بعض الشافعية إلى التوسط بين الوجهين فقال لا يستوعب الصفات ولكن يذكر بعضها قال النووي وهو الأصح والثاني من قولي الشافعي أنه لا يجب الأشهاد وبه قال مالك وأحمد وغيرهما قالوا وإنم يستحب احتياطا لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأمر به في حديث زيد بن خالد ولو كان واجبا لبينه . قوله " عفاصها " بكسر العين المهملة وتخفيف الفاء وبعد الألف صاد مهملة وهو الوعاء الذي تكون فيه النفقة جلدا كان أو غيره وقيل له العفاص أخذا من العفص وهو الثني لأن الوعاء على ما فيه . وقد وقع زوائد المسند لعبد الله بن أحمد في حديث أبي " وخرقتها " بدل عفاصها والعفاص أيضا الجلد الذي يكون على رأس القارورة وأما الذي يدخل فم القارورة من جلدا وغيره فهو الصمام بكسر الصاد المهملة فحيث يذكر العفاص مع الوعاء فالمراد الثاني وحيث يذكر العفاص مع الوكاء فالمراد به الأول كذا في الفتح . والوكاء بكسر الواو والمد الخيط الذي يشد به الوعاء التي تكون في النفقة يقال أوكيته ايكاء فهو موكأ ومن قال الوكا بالقصر فهو وهم : قوله " فلا يكتم " أي لا يجوز كتم اللقطة إذا جاء لها صاحبها وذكر من أوصافها ما يغلب الظن بصدقه . قوله " يؤتيه من يشاء " استدل به من قال أن الملتقط يملك اللقطة بعد أن يعرف بها حولا وهو أبو حنيفة لكن بشرط أن يكون فقيرا وبه قالت الهادوية واستدلوا على اشتراط الفقر بقوله في هذا الحديث فهو مال الله قالوا وما يضاف إلى الله إنما يتملكه من يستحق الصدقة وذهب الجمهور إلى أنه يجوز له أن يصرفها في نفسه بعد التعريف سواء كان غنيا أو فقيرا لإطلاق الأدلة الشاملة للغني والفقير كقوله " فاستمتع بها " وفي لفظ فهي كيل مالك . وفي لفظ فاستنفقها وفي لفظ " فهي لك " وأجابوا عن دعوى أن الأضافة تدل على الصرف إلى الفقير بأن ذلك لا دليل عليه فإن الأشياء كلها تضاف إلى الله قال الله تعالى { وآتوهم من مال الله الذي آتاكم } قوله " لا يأوي الضالة " الخ في نسخة يؤوي وهو مضارع آوى بالمد والمراد بالضال من ليس بمهتد لأن حق الضالة أن يعرف بها فإذا أخذها من دون تعريف كان ضالا وسيأتي بقية الكلام على هذا في آخر الباب . قوله " أعرف عفاصها ووكاءها " الغرض من هذه المعرفة معرفة الآلات التي تحفظ فيها اللقطة ويلتحق بما ذكر حفظ الجنس والصفة والقدر هو الكيل فيما يكال والوزن فيما يوزن والزرع فيما يزرع وقد اختلفت الروايات ففي بعضها معرفة العفاص والوكاء قبل التعريف كما في الرواية المذكورة في الباب
وفي بعضها التعريف مقدم على معرفة ذلك كما في رواية للبخاري بلفظ " عرفها ثم عرف عفاصها ووكاءها " قال النووي يجمع بين الروايتين بأن يكون مأمورا بالمعرفة في حالتين فيعرف العلامات وقت الالتقاط حتى يعلم صدق واصفها إذا وصفها ثم يعرفها مرة أخرى بعد تعريفها سنة إذا أراد أن يتملكها ليعلم قدرها وصفتها إذا جاء صاحبها بعد ذلك فردها إليه . قال الحافظ ويحتمل أن تكون ثم في الروايتين بمعنى الواو فلا تقتضي تربيبا فلا تقضي تخالفا يحتاج إلى الجمع ويقويه كون المخرج واحدا والقصة واحدة وإنما يحسن الجمع بما تقدم لوكان المخرج مختلفا أو تعددت القصة وليس الغرض الا أن يقع التعرف والتعريف مع قطع النظرعن أيهما يسبق . قال واختلف العلماء في هذه المعرفة على قولين أظهرهما الوجوب لظاهر الأمر وقيل يستحب . وقال بعضهم يجب عند الالتقاط ويستحب بعده . قوله " ثم عرفها " بتشديد الراء وكسرها أي اذكرها للناس : قال في الفتح قال العلماء محل ذلك المحافل كأبواب المساجد والأسواق ونحو ذلك يقول من ضاعت له نفقة ونحو ذلك من العبارات ولا يذكر شيئا من الصفات . قوله " سنة " الظاهر أن تكون متوالية ولكن على وجه لا يكون على جهة الاستيعاب فلا يلزمه التعريف بالليل ولا استيعاب الأيام بل على المعتاد فيعرف في الأبتداء كل يوم مرتين في طرفي النهار ثم في كل يوم مرة ثم في كل أسبوع مرة ثم في كل شهر ولا يشترط أن يعرفها بنفسه بل يجوز له توكيل غيره ويعرفها في مكان وجودها وفي غيره كذا قال العلماء وظاهره أيضا وجوب التعريف لأن الأمر يقتضي الوجوب ولا سيما وقد سمي صلى الله عليه وآله وسلم من لم يعرفها ضالا كما تقدم وفي وجوب المبادرة إلى التعريف خلاف مبناء هل الأمر يقتضي الفور أم لا وظاهره أيضا أنه لا يجب التعريف بعد السنة وبه قال الجمهور وادعى في البحر الإجماع على ذلك . ووقع في رواية من حديث أبي عند البخاري وغيره بلفظ " وجدت صرة فيها مائة دينار فأتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال عرفها حولا فعرفتها فلم أجد من يعرفها ثم أتيته ثانيا فقال عرفها حولا فلم أجد ثم أتيته ثالثا فقال أحفظ وعاءها وعددها ووكاءها فإن جاء صاحبها وإلا فاستمتع بها فأستمتعت فلقيته بعد بمكة فقال لا أدري ثلاثة أحوال أو حولا واحدا " هكذا في البخاري وذكر البخاري الحديث في موضع أخر من صحيحه فزاد " ثم أتيته الرابعة فقال أعرف وعاءها " الخ قال في الفتح القائل فلقيته بعد بمكة هو شعبة والذي قال لا أدري هو شيخه سلمة بن كهيل وهو الرواي لهذا الحديث عن سويد عن أبي بن كعب قال شعبة فسمعته بعد عشر سنين يقول عرفها عاما واحدا وقد بين أبو داود الطيالسي في مسنده القائل فلقيته والقائل لا أدري فقال في أخر الحديث قال شعبة فلقيت سلمة بعد ذلك فقال لا أدري ثلاثة أحوال أوحولا واحدا . وبهذا يتبين بطلان ما قاله ابن بطال ان الذي شك هو أبي بن كعب والقائل هو سويد بن غفلة وقد رواه عن شعبة عن سلمة بن كهيل بغير شك جماعة وفيه ثلاثة أحوال الا حماد بن سلمة فإن في حديثه عامين أو ثلاثة وجمع بعضهم بين حديث أبي هذا وحديث زيد بن خالد المذكور فيه سنة فقط بأن حديث أبي محمول على مزيد الورع عن التصرف في اللقطة والمبالغة في التعفف عنها . وحديث زيد على مالا بد منه وجزم ابن جزم وابن الجوزي بأن الزيادة في حديث أبي غلط
قال ابن الجوزي والذي يظهر لي أن سلمة أخطأ فيها ثم ثبت واستمر على عام واحد ولا يؤخذ إلا بما لم يشك فيه لا بما يشك فيه رواية . وقال أيضا يحتمل أن يكون صلى الله عليه وآله وسلم عرف أن تعريفها لم يقع على الوجه الذي ينبغي فأمر ثانيا بإعادة التعريف كما قال للمسئ صلاته " ارجع فصل فإنك لم تصل " قال الحافظ ولا يخفى بعد هذا على مثل أبي مع كونه من فقهاء الصحابة وفضلائهم قال المنذري لم يقل أحد من أئمة الفتوى أن اللقطة تعرف ثلاثة أعوام إلا شريح عن عمر وقد حكاه الماوردي عن شواذ من الفقهاء وحكى ابن المنذر عن عمر أربعة أقوال يعرف بها ثلاثة أحوال . عاما واحدا : ثلاثة أشهر . ثلاثة أيام وزاد ابن حزم عن عمر قولا خامسا وهو أربعة أشهر قال في الفتح ويحمل ذلك على عظم اللقطة وحقارتها : قوله " فإن لم تعرف فاستنفقها " الخ قال يحيى بن سعيد الأنصاري لا أدري هذا في الحديث أم هو شيء من عند يزيد مولى المنبعث يعني الراوي عن زيد بن خالد كما حكى ذلك البخاري عن يحيى قال في الفتح شك يحيى بن سعيد هل قوله " ولتكن وديعة عنده مرفوع أم لا " وهو القدر المشار إليه بهذا دون ما قبله لثبوت ما قبله في أكثر الروايات وخلوها عن ذكر الوديعة وقد جزم يحيى بن سعيد برفعه مرة أخرى كما في صحيح مسلم بلفظ " فاستنفقها ولتكن وديعة عندك " وكذلك حزم برفعها خالد بن مخلد عن سليمان عن ربيعة عند مسلم وقد أشار البخاري إلى رجحان رفعها فترجم باب إذا جاء صاحب اللقطة ردها عليه لأنها وديعة عنده والمراد بكونها وديعة أنه يجب ردها فتجور بذكر الوديعة عن وجوب رد بدلها بعد الاستنفاق لا أنها وديعة حقيقة يجب أن تبقى عينها لأن المأذون في استنفاق لا تبقى عينه كذا قال ابن دقيق العيد قال ويحتمل أن تكون الواو في قوله ولتكن وديعة بمعنى أواى أما أن تستنفقها وتغرم بدلها وأما أن تتركها عندك على سبيل الوديعة حتى يجيء صاحبها فتعطيها اياه ويستفاد من تسميتها وديعة أنها لو تلفت لم يكن عليه ضمانها قال في الفتح وهو اختيار البخاري تبعا لجماعة من السلف : قوله " فإن معها حذاءها وسقاءها " الحذاء كسر المهملة بعدها ذال معجمة مع المد أي خفها والمراد بالسقاء جوفها وقيل عنقها وأشار بذلك إلى استغنائها عن الحفظ لها بما ركب في طباعها من الجلادة على العطش وتناول المأكول بغير تعب لطول عنقها فلا تحتاج إلى ملتقط : قوله " لك أو لأخيك أو للذئب " فيه إشارة إلى جواز أخذها كأنه قال هي ضعيفة لعدم الاستقلال معرضة للهلاك مترددة بين أن تأخذها أنت أو أخوك قال الحافظ والمراد به ماهو أعم من صاحبها أو من ملتقط آخر
والمراد بالذئب جنس ما يأكل الشاة من السباع وفيها حث على أخذها لأنه إذا علم أنها إذا لم تؤخذ بقيت . للذئب كان ذلك أدعى له إلى أخذها وفيه رد على ما روى عن احمد في رواية إن الشاة لا تلتقط وتمسك به مالك في أنه يملكها بالأخذ ولا تلزمه غرامة ولو جاء صاحبها واحتج على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سوى بين الذئب والملتقط والذئب لا غرامة عليه فكذلك الملتقط وأجيب بأن اللام ليست للتمليك لأن الذئب لا يملك وقد أجمعوا على أنه لو جاء صاحبها قبل أن يأكلها الملتقط كان له أخذها فدل على أنها باقية على ملك صاحبها ولا فرق بين قوله في اللقطة شأنك بها أو خذها وبين قوله هي لك أو لأخيك أو للذئب بل الأول أشبه بالتمليك لأنه لم يشرك معه ذئبا ولا غيره : قوله " فإن جاء أحد يخبرك " الخ فيه دليل على أنه يجوز للملتقط أن يرد اللقطة إلى من وصفها بالعلامات المذكورة من دون إقامة البينة وبه قال المؤيد بالله والامام يحيى وبعض أصحاب الشافعي وأبو بكر الرازي الحنفي قالوا لأنه يجوز العمل بالظن لاعتماده في أكثر الشريعة إذا لا تفيد البينة إلا الظن وبه قال مالك وأحمد وحكى في البحر عن القاسمية والحنفية والشافعية أن اللقطة لا ترد للواصف وإن ظن الملتقط صدقه إذ هو مدع فلا تقبل . وحكى في الفتح عن أبي حنيفة والشافعي أنه يجوز له الرد إلى الواصف إن وقع في نفسه صدقه ولا يجبر على ذلك الا ببينة قال الخطابي إن صحت هذه الفظة يعني قوله فإن جاء صاحبها يخبرك الخ لم يجز مخالفتها وهي فائدة قوله أعرف عفاصها إلى آخره وإلا فالأحتياط مع من لم يرى الرد إلا بالبينة قال ويتأولون قوله أعرف عفاصها على أنه أمره بذلك لئلا تختلط بماله أو لتكون الدعوة فيها معلومة وذكر غيره من فوائد ذلك أيضا أن يعرف صدق المدعي من كذبه وإن فيها تنبيها على حفظ المال وغيره وهو الوعاء لأن العادة جرت بإلقائه إذا أخذت النفقة وأنه إذا نبه على حفظ الوعاء كان فيه تنبيه على حفظ النفقة من باب الأولى قال الحافظ قد صحت هذه الزيادة فتعين المصير إليها اه وهذا هو الحق فترد اللقطة لمن وصفها بالصفات التي أعتبرها الشارع وأما إذا ذكر صاحب اللقطة بعض الأوصاف دون بعض كأن يذكر العفاص دون الوكاء أو العفاص دون العدد فقد أختلف في ذلك فقيل لا شيء له إلا بمعرفة جميع الأوصاف المذكورة وقيل تدفع إليه إذا جاء ببعضها وظاهر الحديث الأول وظاهره أيضا أن مجرد الوصف يكفي ولا يحتاج إلى اليمين وهذا إذا كانت اللقطة لها عفاص ووكاء وعدد فإن كان لها البعض من ذلك فالظاهر أنه يكفي ذكره وإن لم يكن لها شيء من ذلك فلا بد من ذكر أوصاف مختصة بها تقوم مقام وصفها بالأمور التي أعتبرها الشارع
قوله " وإلا فاستمتع بها " الأمر فيه للإباحة وكذا في قوله " فاستنفقها " وقد اختلف العلماء فيما إذا تصرف الملتقط في اللقطة بعد تعريفها سنة ثم جاء صاحبها هل يضمنها له أم لا فذهب الجمهور إلى وجوب الرد إن كانت العين موجودة أو البدل إن كانت استهلكت وخالف في ذلك الكرابيسي صاحب الشافعي ووافقه صاحباه البخاري وداود بن علي امام الظاهرية لكن وافق داود الجمهور إذا كانت العين قائمة ومن أدلة قول الجمهور ماتقدم بلفظ " ولتكن وديعة عندك فإن جاء طالبها " الخ وكذلك قوله " فإن صاحبها فلا تكتم فهو أحق بها " الخ وفي رواية للبخاري من حديث زيد بن خالد " فاعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء صاحبها فأدها " إليه أي بدلها لأن العين لا تبقى بعد أكلها وفي رواية لأبي داود " فإن جاء باغيها فأدها إليه وإلا فأعرف عفاصها ووكاءها ثم كلها فإن جاء باغيها فأدها إليه " فأمر بأدائها إليه قبل الأذن في أكلها وبعده . وفي رواية لأبي داود أيضا " فإن جاء صاحبها دفعتها إليه وإلا عرفت وكاءها وعفاصها ثم أقبضها في مالك فإن جاء صاحبها فأدفعها إليه " والمراد بقوله أقبضها في مالك أجعلها من جملة مالك وهو بالقاف وكسر الباء من الإقباض . قال ابن رشد اتفق فقهاء الأمصار مالك والثوري والأوزاعي وأبو حنيفة والشافعي أن له أن يتصرف فيها ثم قال مالك والشافعي له أن يتملكها وقال أبو حنيفة ليس له إلا أن يتصدق بها . وروي مثل قوله عن علي وابن عباس وجماعة من التابعين وقال الأوزاعي إن كان مالا كثيرا جعله في بيت المال وروي مثل قول مالك والشافعي عن عمر وابن مسعود وابن عمر وكلهم متفق على أنه إن أكلها ضمنها لصاحبها إلا أهل الظاهر اه . قال في البحر مسألة ولا يضمن الملتقط إجماعا إلا لتفريق أو جناية إذا هو أمين حيث لم يأخذ لغرض نفسه فإن جني أو فرط فالأكثر يضمن وداود والكرابيي لا يضمن لقوله صلى الله عليه وآله وسلم فإن جاء صاحبها الخبر ولم يذكر وجوب البدل قلنا أمر علي عليه السلام بغرامة الدينار في الخبر المشهور وخبركم محمول على من آيس من معرفة صاحبها اه
وحديث علي الذي أشار إليه أخرجه أبو داود عن بلال عن يحيى العبسي عنه أنه " التقط دينارا فاشترى به دقيقا فعرفه صاحب الدقيق فرد عليه الدينار فأخذه علي فقطع منه قيراطين فاشترى به لحما قال المنذري في سماع بلال بن يحيى من على نظر . وقال الحافظ إسناده حسن ورواه أيضا أبو داود عن أبي سعيد الخدري أن علي بن أبي طالب وجد دينارا فأتى به فاطمة فسألت عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال هو رزق الله فأكل منه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأكل علي وفاطمة فلما كان بعد ذلك أتته امرأة تنشد الدينار فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يا علي أد الدينار " وفي إسناده رجل مجهول وأخرجه أبو داود أيضا من وجه آخر عن أبي سعيد وذكره مطولا وفي إسناده موسى بن يعقوب الزمعي وثقه ابن معين . وقال ابن عدي لا بأس به وقال النسائي ليس بالقوي وروى هذا الحديث الشافعي عن الدارا وردي عن شريك بن أبي نمر عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد وزاد أنه أمره أن يعرفه ورواه عبد الرزاق من هذا الوجه فجعل أجل الدينار وشبهه ثلاثة أيام وفي إسناد هذه الزيادة أبو بكر بن أبي سبرة وهو ضعيف جدا وقد أعل البيهقي هذه الروايات لاضطرابها ولمعارضتها لأحاديث اشتراط السنة في التعريف قال ويحتمل أن يكون آثما أباح له الأكل قبل التعريف للاضطرار . وعن عبد الرحمن بن عثمان قال نهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن لقطة الحاج . رواه أحمد ومسلم وقد سبق قوله في بلد مكة ولا يحل لقطتها إلا لمعرف واحتج بهما من قال لا تملك لقطة الحرم بحال بل تعرف أبدا . الحديث الثاني قد سبق في باب صيد الحرم وشجره من كتابا الحج : قوله " نهى عن لقطة الحاج " هذا النهي تأوله الجمهور بأن المراد به النهي عن التقاط ذلك للملك وأما للإنشاد بها فلا بأس ويدل على ذلك قوله في الحديث الآخر " ولا تحل لقطتها إلا لمعرف " وفي لفظ آخر " ولا تحل ساقطتها إلا لمنشد " قوله " إلا لمعرف " قد استشكل تخصيص لقطة الحاج بمثل هذا مع أن التعريف لا بد منه في كل لقطة من غير فرق بين لقطة الحاج وغيره وأجيب عن هذا الإشكال بأن المعنى أن لقطة الحاج لا تحل إلا لمن يريد التعريف فقط من دون تملك فأما من أراد أن يعرفها ثم أن يتملكها فلا . وقد ذهب الجمهور إلى أن لقطة مكة لا تلتقط للتملك بل للتعريف خاصة . قال في الفتح وإنما اختصت بذلك عندهم لا مكان إيصالها إلى أربابها لافها إن كانت للمكي فظاهر وإن كانت للآفاق فلا يخلوا أفق غالبها من وارد إليها فإذا عرفها واجدها في كل عام سهل التوصل إلى معرفة صاحبها قال ابن بطال وقال أكثر المالكية وبعض الشافعية هي كغيرها من البلاد وإنما تختص مكة بالمبالغة في التعريف بأن الحاج يرجع إلى بلده وقد لا يعود فاحتاج الملتقط لها إلى المبالغة في التعريف واحتج ابن منير لمذهبه بظاهر الاستثناء لأنه نفى الحل واستثنى المنشد فدل على أن الحل ثابت للمنشد لأن الاستثناء من النفي إثبات قال ويلزم على هذا أن مكة وغيرها سواء والسياق يقتضي تخصيصها قال الحافظ والجواب أن التخصيص إذا وافق الغالب لم يكن له مفهوم والغالب إن لقطة مكة بيأس ملتقطها من صاحبها وصاحبها من وجدانها لتفرق الخلق في الآفاق البعيدة فربما داخل الملتقط الطمع في تملكها من أول وهلة ولا يعرفها فنهى الشارع عن ذلك وأمر أن لا يأخذها الا من عرفها . وقال إسحاق بن راهوية معنى قوله في الحدث " الا لمنشد " أي من سمع ناشدا يقول من رأى كذا فحينئذ يجوز لواجد اللقطة أن يرفعها ليردها على صاحبها وهو أضيق من قول الجمهور لانه قيده بحالة للمعروف دون حالة ويرد عليه قوله الا لمعرف والحديث يفسر بعضه بعضا . وقد حكى في البحر عن العترة وأبي حنيفة وأصحابه وأحد قولي الشافعي أنه لافرق بين لقطة الحرم وغيره واحتج لهم بأن الأدلة لم تفصل (6/70)
7 - وعن منذر بن جرير " قال كنت مع أبي جرير بالبوازيج في السواد فراحت البقر فرأى بقرة أنكرها فقال ما هذه البقرة قالوا بقرة لحقت بالبقر فأمر بها فطردت حتى توارت ثم قال سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول لا يأوي الضالة الا ضال "
- رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه . ولمالك في الموطأ عن ابن شهاب قال " كانت ضوال الأبل في زمن عمر بن الخطاب ابلا مؤبلة تتناتج لا يمسكها أحد حتى إذا كان عثمان أمر بمعرفتها ثم تباع فإذا جاء صاحبها أعطي ثمنها " (6/70)
- حديث منذر أخرجه أيضا النسائي وأبو يعلى والطبراني في الكبير والضياء في المختارة ويشهد له ما في صحيح مسلم من حديث زيد بن خالد بلفظ " لا يأوي الضالة الا ضال " وقد تقدم : قوله " عن منذر بن جرير " يعني ابن عبد الله البجلي . وقد أخرج لمنذر مسلم في الزكاة والعلم من صحيحه . قوله " بالبوازيج " بفتح الباء الموحدة وبعد الألف زاي معجمة بعدها تحتية ثم جيم كذا ضبطه البكري في معجم البلدان ثم قال كذا اتفقت الروايات فيه عند أبي داود قال ولا أعلم هذا الاسم ورد الا في هذا الحديث وصوابه عندي الموازج بالميم وهو المحفوظ قال والموائج من ديار هذيل وهي متصلة بنواحي المدينة . وقال ابن السمعاني بوازيج بالباء الموحدة وبعد الالف زاي بلدة قديمة فوق بغداد خرج منها جماعة من العلماء قديما وحديثاه . وقال المنذري بوازيج الأنبار فتحها جرير بن عبد الله وبها قوم من مواليه وليست بوازيج الملك التي بين تكريت واربل . قوله " لا يأوي الضالة " الخ قد تقدم ضبطه وتفسيره والمراد بالضالة هنا ما يحمي نفسه من الأبل والبقر ويقدر على الأبعاد في طلب المرعى والماء بخلاف الغنم فالحيوان الممتنع من صغار السباع لا يجوز التقاطه سواء كان لكبر جثته كالأبل والخيل والبقر أو يمنع نفسه بطيرانه كالطيور المملوكة أن بنابه كالفهود ولا يجوز لغير الامام ونائبه أخذها ويمكن أن يقيد مطلق هذا الحديث بما تقدم في حديث زيد بن خالد لقوله فيه مالم يعرفها ويكون وصف الذي يأوي الضالة بالضلال مقيدا بعدم التعريف وأما التقاط الأبل ونحوها فقد استفيد المنع منه من قوله صلى الله عليه وآله وسلم " مالك ولها دعها " . قوله " مؤبلة " كمعظمة أي كثيرة متخذة للقنية . وفي هذا الأثر جواز التقاط الأبل للامام وجواز بيعها وإذا جاء مالكها ذفع إليه الامام ثمنها (6/70)
كتاب الهبة والهدية (6/71)
باب افتقارها إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس (6/71)
1 - عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم " قال لو دعيت إلى كراع أو ذراع لاجبت ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت "
- رواه البخاري (6/71)
2 - وعن أنس قال " قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لوأهدى إلي كراع لقبلت ولو دعيت عليه لاجبت "
- رواه أحمد والترمذي وصححه (6/72)
- في الباب عن أم حكيم الخزاعية عند الطبراني قالت " قلت يا رسول الله تكره رد اللطف قال ما أقبحه لو أهدى إلى كراع لقبلت " قال في القاموس اللطف بالتحريك اليسير من الطعام : قوله " كتاب الهبة " بكسر الهاء وتخفيف الموحدة قال في الفتح تطلق بالمعنى الأعم على الأنواع الأبراء وهو هبة الدين ممن هو عليه والصدقة وهي هبة ما يتمحض به طلب ثواب الآخرة والهدية وهي ما يلزم به المرهون له عوعوضه ومن خصها بالحياة اخرج الوصية وهي تكون إيضا بالأنواع الثلاثة وتطلق الهبة بالمعنى الأخص على ما لا يقصد له بدل وعليه ينطبق قول من عرف الهبة بأنها تمليك للا عوض اه : قوله " والهدية " بفتح الهاء وكسر الدال المهملة بعدها ياء مشددة ثم تاء تأنيث قال في القاموس الهدية كغنيمة ما أتحف به : قوله " إلى كراع " هو ما دون الكعب من الدابة . وقيل هو اسم مكان قال الحافظ ولا يثبت ويرده حديث أنس وحديث أم حكيم المذكوران وخص الكراع والذراع بالذكر ليجمع بين الحقير والخطير لأن الذراع كانت أحب إليه من غيرها والكراع لا قيمة له وفي المثل اعط العبد كراعا يطلب ذراعا هكذا في الفتح والظاهر أن مراده صلى الله عليه وآله وسلم الحض على إجابة الدعوة ولو كانت إلى شيء حقير كالكراع والذراع وعلى قبول الهدية ولو كانت شيئا حقيرا من كراع أو ذراع وليس المراد الجمع بين الحقير وخطير فإن الذراع لا يعد على الإنفراد خطيرا ولم تجر عادة بالدعوة إليه ولا بإهدائه فالكلام من باب الجمع بين حقيرين وكون أحدهما أحقر من الآخر لا يقدح في ذلك ومحبته صلى الله عليه وآله وسلم للذراع لا يستلزم أن تكون في نفسها خطيرة ولا سيما في خصوص هذا المقام ولو كان ذلك مرادا له صلى الله عليه وآله وسلم لقابل الكراع الذي هو أحقر ما يهدي ويدعي إليه بأخطر ما يهدي ويدعى إليه الشاة وما فوقها ولا شك أن مراده صلى الله عليه وآله وسلم الترغيب في إجابة الدعوة وقبول الهدية وإن كانت إلى أمر حقير وفي شيء يسير . وقد ترجم البخاري لهذا الحديث فقال باب القليل من الهدية وفي الحديثين المذكورين دليل على اعتبار القبول لقوله صلى الله عليه وآله وسلم لقبلت وسيأتي الخلاف في ذلك (6/72)
3 - وعن خالد بن عدي " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال من جاءه من أخيه معروف من غير إشراف ولا مسألة فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه "
- رواه أحمد (6/72)
4 - وعن عبد الله بن بسر قال " كانت أختي ربما تبعثني بالشيء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم تطرفه إياه فيقبله مني " . وفي لفظ " كانت تبعثني إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالهدية فيقبلها "
- رواهما أحمد وهو دليل على قبول الهدية برسالة الصبي لأن عبد الله بن بسر كان كذلك مدة حياة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (6/73)
5 - وعن أم كلثوم بنت أبي سلمة قالت " لما تزوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم أم سلمة قال لها إني قد أهديت إلى النجاشي حلة وألقي من مسك ولا ارى النجاشي إلا قد مات ولا أرى هديتي إلا مردودة فإن ردت علي فهيلك قالت وكان كمل قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وردت عليه هديته فأعطى كل إمرأة من نسائه أوقية مسك وأعطى أن سلمة بقية المسك والحلة "
- رواه أحمد
حديث خالد بني عدي قد تقدم في باب ما جاء في الفقير والمسكين من كتاب الزكاة وأعاده المصنف ههنا للاستدلال به على أن الهدية تفتقر إلى القبول لقوله فيه فليقبله . وحديث عبد الله بن بسر أخرجه أيضا الطبراني في الكبير قال في مجمع الزوائد ورجالهما يعني أحمد والطبراني رجال الصحيح وله حديث آخر أخرجه الطبراني في الكبير وفي إسناده الحكم بن الوليد ذكره ابن عدي في الكامل وذكر له هذا الحديث وقال لا أعرف هذا عن عبد الله بن بسر إلا الحكم هكذا هذا معنى كلامه قال في مجمع الزوائد وبقية رجاله ثقات . وحديث أم كلثوم أخرجه أيضا الطبراني وفي إسناده مسلم بن خالد الزنجي وثقه ابن معين وغيره وضعفه جماعة . وفي إسناده أيضا أم موسى بنت عقبة قال في مجمع الزوائد لا أعرفها وبقية رجاله رجال الصحيح . قوله في حديث خالد فليقبله فيه الأمر بقبول الهدية والهبة ونحوهما من الأخ في الدين لأخيه والنهي عن الرد لما في ذلك من جلب الوحشة وتنافر الخواطر فإن التهادي من الأسباب المؤثرة للمحبة لما أخرجه البخاري في الأدب المفرد والبيهقي وابن طاهر في مسند الشهاب من حديث محمد بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن موسى بن وردان عن أبي هريرة عنه صلى الله عليه وآله وسلم " تهادوا تحابوا " قال الحافظ وإسناده حسن وقد اختلف فيه على ضمام فقيل عنه عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمر أورده ابن طاهر ورواه في مسند الشهاب من حديث عائشة بلفظ " تهادوا تزادوا حبا " وفي إسناده محمد بن سليمان قال ابن طاهر لا أعرفه وأورده أيضا من وجه آخر عن أم حكيم بنت وداع الخزاعية وقال اسناده غريب وليس بحجة وروى مالك في الموطأ عن عطاء الخراساني رفعه " تصافحوا يذهب الغل وتهادوا وتحابوا وتذهب الشحناء " وفي الأوسط للطبراني من حديث عائشة " تهادوا تحابوا وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا واقيلوا الكرام عثراتكم " قال الحافظ وفي إسناده نظر وأخرج في الشهاب عن عائشة " تهادوا فإن الهدية تذهب الضغائن " ومداره على محمد بن عبد النور عن أبي يوسف الأعشى عن هشام عن أبيه عنها والراوي له عن محمد هو أحمد بن الحسن المقري قال الدارقطني ليس بثقة وقال ابن طاهر لا أصل له عن هشام ورواه ابن حبان في الضعفاء من طريق بكر بن بكار عن عائذ بن شريح عن أنس بلفظ " تهادوا فإن الهدية قلت أو كثرت تذهب السخيمة " وضعفه بعائذ قال ابن طاهر تفرد به عائذ وقد رواه عنه جماعة قال ورواه كوثر بن حكيم عن مكحول عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسلا وكوثر متروك وروى الترمذي من حديث أبي هريرة " تهادوا فإن الهدية تذهب وحر الصدر " وفي إسناده أبو معشر المدني تفرد به وهو ضعيف ورواه ابن طاهر في أحاديث الشهاب من طريق عصمة بن مالك بلفظ " الهدية تذهب بالسمع والبصر " ورواه ابن حبان في الضعفاء من حديث ابن عمر بلفظ " تهادوا فإن الهدية تذهب الغل " رواه محمد ابن غيزغة وقال لا يجوز الأحتجاج به قال في البخاري منكر الحديث وروى أبو موسى المديني في الذيل في ترجمة زعبل بالزاي والعين المهملة والباء الموحدة يرفعه " تزاوروا وتهادوا فإن الزيارة تثبت الوداد والهدية تذهب السخيمة " قال الحافظ وهو مرسل وليس لزعبل صحبة : قوله " فإنما هو رزق ساقه الله إليه " فيه دليل على أن الأشياء الواصلة إلى العباد على أيدي بعضهم هي من الأرزاق الألهية لمن وصلت إليه وإنما جعلها الله جارية على أيدي العباد لاثابة من جعلها على يده فالمحمود على جميع ما كان من هذا القبيل هو الله تعالى : قوله " تطرفه اياه " بالطاء المهملة والراء بعدها فاء . قال في القاموس الطرفة بالضم : الاسم من الطريف والطارف والمطرف للمال المستحدث . قال والغريب من الثمر وغيره
قوله " فيقبلها " فيه دليل على اعتبار القبول ولأجل ذلك ذكره المصنف وكذلك حديث أم كلثوم فيه دليل على أيضا على اعتبار القبول لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قبض الهدية التي بعث بها إلى النجاشي بعد رجوعها دل ذلك على أن الهدية لا تملك بمجرد الأهداء بل لابد من القبول ولوكانت ثملك بمجرد ذلك لما قبضها صلى الله عليه وآله وسلم لأنها قد صارت ملكا للنجاشي عند بعثه صلى الله عليه وآله وسلم بها فإذا مات بعد ذلك وقبل وصولها إليه صارت لورثته وإلى اعتبار القبول في الهبة ذهب الشافعي ومالك والناصر والهادوية والمؤيد بالله في أحد قوليه وذهب بعض الحنفية والمؤيد بالله في أحد قوليه إلى أن الأيجاب كاف وقد تمسك بحديث أم كلثوم أحمد وإسحاق فقالا في الهدية التي مات من أهديت إليه قبل وصولها إن كان حاملها رسول المهدي رجعت إليه وإن كان حاملها رسول المهدي إليه فهي لورثته وذهب الجمهور إلى أن الهدية لا تنتقل إلى المهدى إليه الا بأن يقبضها هو أو وكيله . وقال الحسن أيهما مات فهي لورثة المهدى له إذا قبضها الرسول . قال ابن بطال وقول مالك كقول الحسن . وروى البخاري عن أبي عبيدة تفصيلا بين أن تكون الهدية قد انفصلت أم لا مصيرا منه إلى أن قبض الرسول يقوم مقام قبض المهدى إليه . وحديث أم كلثوم هذا أخرجه أيضا الطبراني والحاكم وحسن صاحب الفتح إسناده : قوله " ولا أرى النجاشي الا قد مات " قد سبق في صلاة الجنازة ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعلم أصحابه بموت النجاشي على جهة الجزم وصلى هو وهم عليه وتقدم أنه رفع له نعشه حتى شاهده وكل ذلك يخالف ما وقع من تظننه صلى الله عليه وآله وسلم في هذه الرواية (6/73)
6 - وعن أنس قال " أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمال من البحرين فقال انثروه في المسجد وكان أكثر مال أتى به النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذ جاءه العباس فقال يا رسول الله اعطني فأني فاديت نفسي وعقيلا قال خذ فحثى في ثوبه ثم ذهب يقله فلم يستطع فقال مر بعضهم يرفعه إلى قال لا قال ارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم ذهب يقله فلم يرفعه قال مر بعضهم يرفعه على قال لا قال ارفعه أنت على قال لا فنثر منه ثم احتمله على كاهله ثم انطلق فما زال النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتبعه وبصره حتى خفي علينا عجبا من حرصه فما قام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وثم منها درهم "
- رواه البخاري وهو دليل على جواز التفضيل في ذوي القربى وغيرهم وترك تخميس الفيء وأنه متى كان في الفنيمة ذو رحم لبعض الغانمين لم يعتق عليه (6/73)
7 - وعن عائشة " أن أبا بكر الصديق كان نحلها جاد عشرين وسقا من ماله بالغاية فلما حضرته الوفاة قال يا بنية أني كنت نحلتك جاد عشرين وسقا ولو كنت جددته واخترثته كان لك وإنما هو اليوم مال وارث فاقتسموه على كتاب الله "
- رواه مالك في الموطأ (6/74)
- حديث عائشة رواه مالك من طريق ابن شهاب عن عروة عن عائشة . وروى البيهقي من طريق ابن وهب عن مالك وغيره عن ابن شهاب . وعن حنظلة بن أبي سفيان عن القاسم بن محمد نحوه : قوله " بمال من البحرين " روى ابن أبي شيبة من طريق حميد بن هلال مرسلا أنه كان مائة ألف وأنه أرسل به العلاءبن الحضرمي من خراج البحرين قال وهو أول خراج حمل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وروى البخاري في المغازي من حديث عمرو بن عوف إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي وبعث أبا عبيدة بن الجراح إليهم فقدم أبو عبيدة بمال فسمعت الأنصار بقدومه الحديث فيستفاد منه تعيين الآتي بالمال لكن في كتاب الردة للواقدي أن رسول العلاء بن الحضرمي بالمال هو العلاء بن حارثة الثقفي فلعله كان رفيق أبي عبيدة . وأحاديث جابر " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال له قد جاء مال البحرين أعطيتك " وفيه " فلم يقدم مال البحرين حتى مات النبي صلى الله عليه وآله وسلم " الحديث فهو صحيح والمراد به أنه لم يقدم في السنة التي مات فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأنه كان مال خراج أو جزية فكان يقدم في كل سنة : قوله " انثروه " أي صبوه : قوله " وفاديت عقيلا " أي ابن أبي طالب وكان أسر مع عمه العباس في غزوة البدر ويقال إنه أسر معهما الحرث بن نوفل بن الحرث بن عبد المطلب وأن العباس افتداه أيضا وقد ذكر بن إسحاق كيفية ذلك . قوله " فحثى " بمهملة ثم مثلثة مفتوحة والضمير في ثوبه يعود على العباس . قوله " يقله " بضم أوله من الاقلال وهو الرفع والحمل . قوله " مر بعضهم " بضم الميم وسكون الراء وفي رواية أؤمر بالهمز : قوله " يرفع " بالجزم لأنه جواب الأمر ويجوز الرفع أي فهو يرفعه والكاهل بين الكتفين : قوله " يتبعه " بضم أوله من الأتباع . قوله " وثم منها درهم " بفتح المثلثة أي هناك وفي هذا الحديث بين كرم النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعدم التفاته إلى المال قل أو كثر وإن الإمام ينبفي له ان يفرق مال المصالح في مستحقيها وأنه يجوز للامام أن يضع في المسجد ما يشترك فيه المسلمون من صدقة ونحوها . واستدل به ابن بطال على جواز إعطاء بعض الاصناف من الزكاة . قال الحافظ ولا دلالة فيه لأن المال لم يكن من الزكاة وعلى تقدير كونه فالعباس ليس من أهل الزكاة ( فإن قيل ) إنما أعطاه من سهم الغارمين كما أشار إليه الكرماني فقد تعقب ولكن الحق إن المال المذكور كان من الخراج أو الجزية وهما من مال المصالح انتهى . قوله " لم يعتق عليه " يريد أن العباس وعقيلا قد كان غنمهما النبي صلى الله عليه وآله وسلم والمسلمون وهما رحمان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ولعلي رضي الله عنه ولم يعتقا وسيأتي ما يدل على أن هذا مراد المصنف رحمه الله في كتاب العتق في باب ما جاء فيمن ملك ذارحم محرم ولا يظهر لذكر هذا الحديث في هذا الموضع وجه مناسبة فإن المصنف ترجم لافتقار الهبة إلى القبول والقبض وأنه على ما يتعارفه الناس فإن أراد أن قبض العباس قام مقام القبول فغير طاهر لأن تقدم سؤاله يقوم مقامه على أن المال المذكور في الحديث لم يكن للنبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى يكون الدفع منه إلى العباس وإلى غيره من باب الهبة بد هو من مال الخراج أو الجزية كم عرفت والنبي صلى الله عليه وآله وسلم إنما تولى قسمته بين مصارفه . قوله " جاد عشرين وسقا " بجيم وبعد الألف دال مهملة مشددة أي أعطاها مالا يجد عشرين وسقا والمراد أنه يحصل من ثمرته ذلك والجد صرام النخل وهذا الأثر يدل على أن الهبة إنما تملك بالقبض لقوله " لو كنت جددته واحترثته كان لك " وذلك لأن قبض الثمرة يكون بالجداد وقبض الأرض بالحرث . وقد نقل ابن بطال اتفاق العلماء أن القبض في الهبة هو غاية القبول قال الحافظ وغفل عن مذهب فإن الشافعية يشترطون القبول في الهبة دون الهدية (6/74)
باب ما جاء من قبول هدايا الكفار والأهداء لهم (6/74)
1 - عن علي رضي الله عنه قال " أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقبل منه وأهدى له قيصر فقبل واهدت به الملوك فقبل منها "
- رواه أحمد والترمذي (6/75)
2 - وفي حديث عن بلال المؤذن قال " انطلقت حتى أتيته يعني النبي صلى الله عليه وآله وسلم وإذا أربع وكائب مناخات عليهن أحمالهن فأستأذنت فقال لي أبشر فقد جاءك الله بقضائك قال ألم تر الركائب المناخات الأربع فقلت بلى فقال إن لك رقابهن وما عليهن فإن عليهن كسوة طعام اهداهن إلى عظيم فدك فأقبضهن واقض دينك ففعلت "
- مختصر لأبي داود (6/75)
- حديث علي أخرجه أيضا البزار وأورده في التلخيص ولم يتكلم عليه ولم يذكره صاحب مجمع الزوائد في باب هدايا الكفار وقد حسنه الترمذي وفي إسناده نوير بن أبي فاختة وهو ضعيف . وحديث بلال سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات وهوحديث طويل أورده أبو داود في باب الامام يقبل هدايا المشركين من كتاب الخراج وفيه " ان بلالا كان يتولى نفقة النبي صلى الله عليه وآله وسلم وكان إذا أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم انسان مسلما عاريا يأمر بلالا أن يستقرض له البرد حتى لزمته ديون فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالأربع الركائب وما عليها ( وفي الباب ) عن عبد الرحمن بن علقمة الثقفي عند النسائي قال لما قدم وفد ثقيف قدموا معهم بهدية فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أهدية أم صدقة فإن كانت هدية فإنما ينبغي بها وجه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقضاء الحاجة وإن كانت صدقة فإنما ينبغي بها وجه الله قالوا الأبل هدية فقبلها منهم . وعن أنس عند الشيخين " إن أكيدر دومة أهدى لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جبة سندس " . ولأبي داود أن ملك الروم " أهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مستقة سندس فلبسها " الحديث . والمستقة بضم الفوقانية وفتحها الفروة الطويلة الكمين وجمعها مساتق . وعن أنس أيضا عند أبي داود أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيرا فقبلها . وعن علي أيضا عند الشيخين إن أكيدر دومة الجندل أهدى إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ثوب حرير فأعطاه عليا فقال شققه خمرا بين الفواطم . وعن أبي حميد الساعدي عند البخاري قال غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبوك وأهدى ابن العلماء للنبي صلى الله عليه وآله وسلم بردا وكتب له ببحرهم وجاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاحب ايلة كتاب وأهدى إليه بغلة بيضاء . الحديث وفي مسلم أهدى فروة الجذامى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بغلة بيضاء ركبها يوم حنين . وعن بريدة عند إبراهيم الحربي وابن خزيمة وابن أبي عاصم ان أمير القبط أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جاريتين وبغلى فكان يركب البغلة بالمدينة وأخذ إحدى الجاريتين لنفسه فولدت له إبراهيم ووهب الأخرى لحسان وفي كتاب الهدايا لأبراهيم الحربي أهدى يوحنا ابن رؤبة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بغلته البيضاء . وعن أنس أيضا عند البخاري وغيره أن يهودية أتت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بشاة مسمومة فأكل منها الحديث . والأحاديث المذكورة في الباب تدل على جواز قبول الهدية من الكافر ويعارضها حديث عياض بن حمال الآتي وسيأتي الجمع بينها وبين (6/75)
3 - وعن أسماء بنت أبي بكر " قالت أتتني أمي راغبة في عهد قريش وهي مشركة فسألت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أصلها قال نعم "
- متفق عليه زاد البخاري . قال ابن عيينة " فأنزل الله فيها لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين " ومعني راغبة أي طامعة تسألني شيئا (6/76)
4 - وعن عامر بن عبد الله بن الزبير " قال قدمت قتيلة ابنة عبد العزي بن سعد على ابنتها أسماء بهدايا ضباب واقط وسمن وهي مشركة فأبت أسماء أن تقبل هديتها وتدخلها بيتها فسألت عائشة النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين إلى آخر الآية فأمرها أن تقبل هديتها وأن تدخلها بيتها "
- رواه أحمد (6/76)
- حديث عامر بن عبد الله بن الزبير ذكره المصنف هكذا مرسلا ولم يقبل عن أبيه وقد أخرجه ابن سعد وأبو داود الطيالسي والحاكم من حديث عبد الله بن الزبير وأخرجه أيضا الطبراني كأحمد وفي إسنادهما مصعب بن ثابت ضعفه أحمد وغيره ووثقه ابن حبان : قوله " أتتني أمي " في رواية للبخاري في الأدب مع ابنها وذكر الزبير إن اسم ابنها المذكور الحرث بن مدرك بن عبيد بن عمر بن محروم : قوله " راغبة " اختلف في تفسيره فقيل ما ذكره المصنف من أنها راغبة في شيء تأخذه من بنتها وهي على شركها وقيل راغبة في الاسلام وتعقب بأن الرغبة لوكانت في الإسلام لم يحتج إلى الأستئذان . وقيل معناه راغبة عن ديني وقيل راغبة في القرب مني ومجاورتي ووقع في رواية لأبي داود راغمة بالميم أي كارهة للاسلام ولم تقدم مهاجرة . قوله " قال نعم " فيه دليل على جواز الهدية للقريب الكافر والآية المذكورة تدل على جواز الهدية للكافر مطلقا من القريب وغيره ولامنافاة ما بين ذلك وما بين قوله تعالى { لاتجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله } الآية فإنها عامة في حق من قاتل ومن لم يقاتل والآية المذكورة خاصة بمن لم يقاتل وأيضا البر والصلة والإحسان لا تستلزم التحاب والتواد المنهى عنه ومن الأدلة القاضية بالجواز قوله تعالى { وإن جاهداك على أن تشرك بي ماليس لك به علم فلاتطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا } ومنها أيضا حديث ابن عمر عند البخاري وغيره أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كسا عمر حلة فأرسل بها إلى أخ له م أهل مكة قبل أن يسلم : قوله " قال ابن عيينة " الخ لا ينافي هذا ما رواه ابن أبي حاتم عن السدي أنها نزلت في ناس من المشركين كانوا الين جانبا للمسلمين وأحسن أخلاقا من سائر الكفار لأن السبب خاص واللفظ عام فيتناول كل من كان في معنى والدة أسماء كذا قال الحافظ ولا يخفى ما فيه لأن محل الخلاف تعيين سبب النزول وعموم اللفظ لا يرفعه وقيل إن هذه الآية منسوخة بالأمر بقتل المشركين حيث وجدوا : قوله " قتيلة " بضم القاف وفتح الفوقية وسكون التحتية مصغرا ووقع عند الزبيري بن بكار أن اسمها قيلة بفتح القاف وسكون التحتية وضبطه ابن ماكولا بسكون الفوقية : قوله " ضباب واقط " في رواية غير احمد زبيب وسمن وقرظ . ووفع في نسخة من هذا الكتاب قرظ مكان اقط . قوله " فأمرها أن تقبل هديتها " الخ فيه دليل على جواز قبول هدية المشرك كما دلت على ذلك الأحاديث السالفة وعلى جواز إنزاله منازل المسلمين (6/76)
5 - وعن عياض بن حمار " أنه أهدى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هدية أو ناقة فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم أسلمت قال لا قال أني نهيت عن زيد المشركين "
- رواه أحمد وأبو داود والترمذي وصححه (6/77)
- الحديث صححه أيضا ابن خزيمة . وفي الباب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك عند موسى بن عقبة في المغازي أن عامر بن مالك الذي يدعى ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو مشرك فأهدي له فقال اني لا أقبل هدية مشرك . الحديث قال في الفتح رجاله ثقات الا أنه مرسل وقد وصله بعضهم ولا يصح قوله " زبد المشركين " بفتح الزاي وسكون الموحدة بعدها دال . قال في الفتح هو الرقد انتهى يقال زبده بالكسر وأما بزبده بالضم فهو اطعام الزبد قال الخطابي يشبه ان يكون هذا الحديث منسوخا لانه صلى الله عليه وآله وسلم قد قبل هدية غير واحد من المشركين وقيل إنما ردها ليغيظه فيحمله ذلك على الاسلام وقيل ردها لان للهدية موضعا من القلب ولا يجوز أن يميل إليه بقلبه فردها قطعا لسبب الميل وليس مناقضا لقبول هدية النجاشي وأدكيدر دومة والمقوقس لأنهم أهل كتاب كذا في النهاية وجمع الطبراني بين الأحاديث فقال الامتناع فيما أهدى له خاصة والقبول فيما أهدى للمسلمين وفيه نظر لأن من جملة أدلة الجواز السابقة ما وقعت الهدية فيه له صلى الله عليه وآله وسلم خاصة وجمع غيره بأن الامتناع في حق من يريد بهديته التودد والموالاة والقبول في حق من يرجى ذلك تأنيسه وتأليفه على الأسلام قال الحافظ وهذا أقوى من الذي قبله وقيل يمتنع ذلك لغيره من الأمراء ويجوز له خاصة . وقال بعضهم أن أحاديث الجواز منسوخة بحديث الباب عكس ماتقدم عن الخطابي ولا يخفى أن النسخ لا يثبت بمجرد الاحتمال وكذا الأختصاص وقد أورد البخاري في صحيحه حديثا استنبط منه جواز قبول هدية الوثني ذكره في باب قبول الهدية من المشركين من كتاب الهبة والهدية . قال الحافظ في الفتح وفيه فساد قول من حمل الهدية على الوثنى دون الكتابي وذلك . لأن الواهب المذكور في ذلك الحديث وثني (6/77)
باب الثواب على الهدية والهبة (6/77)
1 - عن عائشة قالت " كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقبل الهدية ويثيب عليها "
- رواه أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي (6/78)
2 - وعن ابن عباس " أن أعرابيا وهب للنبي صلى الله عليه وآله وسلم هبة فأثابه عليها قال رضيت قال لا فزاده قال أرضيت قال فلا فزاده قال أرضيت قال لا فزاده قال أرضيت قال نعم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لقد هممت ألا أتهب هبة الا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي "
- رواه أحمد (6/78)
- حديث ابن عباس أخرجه أيضا ابن حبان في صحيحه . وقال في مجمع الزوائد رجال أحمد رجال الصحيح وأخرجه أبو داود والنسائي من حديث أبي هريرة بنحوه وطوله الترمذي ورواه من وجه آخر وبين أن الثواب كان ست بكرات وكذا رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم : قوله " ويثيب عليها " أي يعطي المهدي بدلها والمراد بالثواب المجازات وافله ما يساوي قيمة الهدية ولفظا ابن أبي شيبة ويثيب ما هو خير منها وقد أمل حديث عائشة المذكور بالأرسال قال البخاري لم يذكر وكيع ومحاضر عن هشام عن أبيه عن عائشة وفيه اشارة إلى أن عيسى بن يونس تفرد بوصله عن هشام وقال الترمذي والبزار لانعرفه الا من حديث عيسى بن يونس وقال أبو داود تفرد بوصله عيسى بن يونس وهو عند الناس مرسل انتهى . وقد استدل بعض المالكية بهذا الحديث على وجوب المكافأة على الهدية . إذا اطلق المهدي وكان ممن مثله يطلب الثواب كالفقير للغني بخلاف ما يهبه الأعلى للأدنى . ووجه الدلالة منه مواضبته صلى الله عليه وآله وسلم ومن حيث المعنى إن الذي أهدى قصد أن يعطي أكثر مما أهدي فلا أقل أن يعوض بنظير هديته وبه قال الشافعي في القديم والهادوية ويجاب بأن مجرد الفعل لا يدل على الوجوب ولو وقعت المواهبة كما تقرر في الأصول وذهبت الحنفية والشافعي في الجديد إن الهبة للثواب باطلة لا تنعقد لأنها بيع مجهول ولأن موضع الهبة التبرع : قوله " الا من قرشي " الخ لفظ أبي داود " وايم الله لا أقيل هدية بعد يومي هذا من أحد الا أن يكون مهاجريا أو قرشيا أو أنصاريا أو روسيا أو ثقفيا " وسبب همه صلى الله عليه وآله وسلم بذلك ما رواه الترمذي من حديث أبي هريرة قال " أهدى رجل من فزارة إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ناقة من أبله فعوضه منها بعض العوض فتسخطه فسمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول على المنبر أن رجالا من العرب يهدى أحدهم الهدية فأعوضه عنها بقدر ماعندي فيظل يسخط علي " الحديث وقد كان بعض أهل العلم والفضل يمتنع هو وأصحابه من قبول الهدية من أحد أصلا لا من صديق ولا من قريب ولاغيرهما وذلك لفساد النيات في هذا الزمان حكى ذلك ابن رسلان (6/78)
باب التعديل بين الأولاد في العطية والنهي أن يرجع أحد في عطيته إلا الوالد (6/79)
1 - عن النعمان بن بشير قال " قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم اعدلوا بين أبنائكم "
- رواه أحمد وأبو داود والنسائي (6/79)
2 - وعن جابر قال " قالت امرأة بشير انحل ابني غلاما وأشهد لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال إن ابنة فلان سألتني أن انحل ابنها غلامي فقال له أخوة قال نعم قال فكلهم أعطيت مثل ما أعطيته قال لا قال فليس يصلح هذا وأني لا أشهد إلا على حق "
- رواه أحمد ومسلم وأبو داود ورواه أحمد من حديث النعمان بن بشير وقال فيه " لا تشهدني على جور أن لبنيك عليك من الحق أن تعدل بينهم " (6/79)
3 - وعن النعمان بن بشير " أن أباه أتى به رسول الله فقال اني نحلته ابني هذا غلاما كان لي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أكل ولدك نحلته مثل هذا فقال لا فقال فارجعه "
- متفق عليه ولفظ مسلم قال " تصدق علي أبي ببعض ماله فقالت أمي عمرة بنت رواحة لا أرضى حتى تشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانطلق أبي إليه يشهده علي صدقتي فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفعلت هذا بولدك كلهم قال لا فقال اتقوا الله واعدلوا في أولادكم فرجع أبي في تلك الصدقة " وللبخاري مثله لكن ذكره بلفظ العطية لا بلفظ الصدقة (6/80)
- حديث النعمان بن بشير الأول سكت عنه أبو داود والمنذري ورجال إسناده ثقات إلا المفضل بن المهلب بن أبي صفرة وهو صدوق ( وفي الباب ) عن ابن عباس عن الطبراني والبيهقي وسعيد بن منصور بلفظ " سووا بين أولادكم في العطية ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت النساء " وفي إسناده سعيد بن يوسف وهو ضعيف وذكر ابن عدي في الكامل أنه لم يرله أنكر من هذا وقد حسن الحافظ في الفتح إسناده : قوله " اعدلوا بين أولادكم " تمسك به من أوجب التسوية بين الأولاد في العطية وبه صرح البخاري وهو قول طاوس والثوري وأحمد وإسحاق وبعض المالكية قال في الفتح والمشهور عن هؤلاء أنها باطلة وعن أحمد تصح ويجب أن يرجع وعنه يجوز التفاضل إن كان له سبب كأن يحتاج الولد لزمانته أو دينه أو نحو ذلك دون الباقين
وقال أبو يوسف تجب التسوية إن قصد بالتفضيل الأضرار
وذهب الجمهور إلى أن التسوية مستحبة فإن فضل بعضا صح وكره وحملوا الأمر على الندب وكذلك حملوا النهي الثابت في رواية لمسلم بلفظ " أيسرك أن يكونوا لك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن " على التنزيه
وأجابوا عن حديث النعمان بأجوبة عشرة ذكرها في فتح الباري وسنوردها ههنا مختصرة مع زيادات مفيدة فقال
أحدها إن الموهوب للنعمان كان جميع مال والده حكاه ابن عبد البر وتعقبه بأن كثيرا من طرق الحديث مصرحة بالبعضية كما في حديث الباب إن الموهوب كان غلاما وكما في لفظ مسلم المذكور قال " تصدق على أبي ببعض ماله "
الجواب الثاني إن العطية المذكورة لم تنجز وإنما جاء بشير يستشير النبي صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك فأشار عليه بأن لا يفعل فترك حكاه الطبري ويجاب عنه بأن أمره صلى الله عليه وآله وسلم له بالارتجاع يشعر بالتنجيز وكذلك قول عمرة لا أرضى حتى تشهد اله
الجواب الثالث إن النعمان كان كبيرا ولم يكن قبض الوهوب جاز لأبيه الرجوع ذكره الطحاوي . قال الحافظ وهو خلاف ما في أكثر طرق الحديث خصوصا قوله ارجعه فإنه يدل على تقدم وقوع القبض والذي تظافرت عليه الروايات أنه كان صغيرا وكان أبوه قابضا له لصغره فأمره برد العطية المذكورة بعدما كانت في حم المقبوض
الرابع إن قوله ارجعه دليل الصحة ولو لم تصح الهبة لم يصح الرجوع وإنما أمره الرجوع لأن للوالد أن يرجع فيما وهب لولده وإن كان الأفضل خلاف ذلك لكن استحباب التسوية رجح على ذلك فلذلك أمره به قال في الفتح وفي الأحتجاج بذلك نظر والذي يظهر أن معنى قوله أرجعه أي لا تمض الهبة المذكورة ولا يلزم من ذلك تقدم صحة الهبة
الخامس أن قوله أشهد على هذا غيري أذن بالأشهاد على ذلك وإنما امتنع من ذلك لكونه الامام وكأنه قال لا أشهد لان الأمام ليس من شأنه أن يشهد وإنما من شأنه أن يحكم حكاه الطحاوي وارتضاه ابن القصار وتعقب بأنه لا يلزم من كون الامام ليس من شأنه أن يشهد أن يمتنع من تحمل الشهادة ولا من أدائها إذا تعينت عليه والأذن المذكور مراد به التوبيخ لما تدل عليه بقية ألفاظ الحديث . قال الحافظ وبذلك صرح الجمهور في هذا الموضع وقال ابن حبان قوله أشهد صيغة أمر والمراد به نفي الجواز وهي كقوله لعائشة " اشترطي لهم الولاء " اه ويؤيد هذا تسميته صلى الله عليه وآله وسلم لذلك جورا كما في الرواية المذكورة في الباب
السادس التمسك بقوله ألا سويت بينهم على أن المراد بالأمر الاستحباب وبالنهي التنزيه قال الحافظ وهذا جيد لولا ورود تلك الألفاظ الزائدة على هذه اللفظة ولاسيما رواية سو بينهم
السابع قالوا المحفوظ في حديث النعمان " قاربوا بين أولادكم " لا سووا وتعقب بأنكم لا توجبون المقاربة كما لا توجبون التسوية
الثامن في التشبيه الواقع بينهم في التسوية بينهم بالتسوية منهم في البر قرينة تدل على أن الأمر للندب ورد بأن إطلاق الجور على عدم التسوية والنهي عن التفضيل يدلان على الوجوب فلا تصلح تلك القرينة لصرفهما وإن صلحت لصرف الأمر
التاسع ما تقدم عن أبي بكر من نحلته لعائشة . وقوله لها فلو كنت احترثته كما تقدم في أول كتاب الهبة وكذلك ما رواه الطحاوي عن عمر أنه نحل ابنه عاصما دون سائر ولده ولو كان التفضيل غير جائز لما وقع من الخليفتين . قال في الفتح وقد أجاب عروة عن قصة لعائشة بأن اخوتها كانوا راضين ويجاب بمثل ذلك عن قصة عاصم اه على أنه لا حجة في فعلهما لا سيما إذا عارض المرفوع
العاشر ان الإجماع انعقد على جواز عطية الرجل ماله لغير ولده فإذا جاز له أن يخرج جميع ولده من ماله لتمليك الغير جاز له أن يخرج بعض أولاده بالتمليك لبعضهم ذكره ابن عبد البر . قال الحافظ ولا يخفى ضعفه لأنه قياس مع وجود النص اه
فالحق أن التسوية واجبة وان التفضيل محرم
واختلف الموجبون في كيفية التسوية فقال محمد بن الحسن وأحمد وإسحاق وبعض الشافعية والمالكية العدل أن يعطي الذكر حظين كالميراث واحتجوا بأن ذلك حظه من المال لو مات عنه الواهب وقال غيرهم لا فرق بين الذكر والأنثى وظاهر الأمر بالتسوية معهم ويؤيده حديث ابن عباس المتقدم . قوله " وعن النعمان بن بشير أن أباه " الخ قد روى هذا الحديث عن النعمان عدد كثير من التابعين منهم عروة بن الزبير عند مسلم والنسائي وأبي داود وأبو الضحى عند النسائي وابن حبان وأحمد والطحاوي والمفضل بن المهلب عند أحمد وأبي داود والنسائي وعبد الله بن عتبة بن مسعود عند أحمد وعون بن عبد الله عند أبي عوانة والشعبي عند الشيخين وأبي داود وأحمد والنسائي وابن ماجه وابن حابن وغيرهم وقد رواه النسائي من مسند بشيء والد النعمان فشذ بذلك : قوله " نحلت ابني هذا " بفتح النون والحاء المهملة أي أعطيت والنحلة بكسر النون وسكون المهملة العطية بغير عوض . قوله " غلاما " في رواية لابن حبان والطبراني عن الشعبي أن النعمان خطب بالكوفة فقال ان والدي بشير بن سعد أتى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال ان عمرة بنت رواحة نفست بغلام وأني سميته النعمان وأنها أبت أن تربيه حتى جعلت له حديثة من أفضل مال هو لي وأنها قالت أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وفيه قوله لا أشهد على جور وجمع ابن حبان بين الروايتين بالحمل على واقعتين احداهما عند ولادة النعمان وكانت العطية حديقة والأخرى بعد أن كبر النعمان وكانت العطية عبدا قال في الفتح وهو جمع لا بأس به الا أنه يعكر عليه أنه يبعد أن ينسى بشير بن سعد مع جلالته الحكم في المسألة حتى يعود إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيستشهده على العطية الثانية بعد أن قال له في الأولى لا أشهد على جور وجوز ابن حبان أن يكون بشير ظن نسخ الحكم وقال غيره يحتمل أن يكون حمل الأمر الأول على كراهة التنزيه أو ظن أنه لا يلزم من الامتناع في الحديقة الامتناع في العبد لأن ثمن الحديقة في الأغلب أكثر من ثمن العبد . قال الحافظ ثم ظهر وجه آخر من الجمع يسلم من هذا الخدش ولا يحتاج إلى جوابه وهو أن عمرة لما امتنعت من تربيته الا أن يهب له شيئا يخصه به وهبه الحديثة المذكورة تطيبا لخاطرها ثم بدا له فارتجعها لأنه لم يقبضها منه غيره فعاودته عمرة في ذلك فمطلها سنة أو سنتين ثم طابت نفسه أن يهب له بدل الحديقة غلاما ورضيت عمرة بذلك الا أنها خشيت ان يرتجعه أيضا فقالت له أشهد على ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تريد بذلك تثبيت العطية وان تأمن رجوعه فيها ويكون مجيئه للاشهاد إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرة واحدة وهي الأخيرة وغاية ما فيه ان بعض الرواة حفظ مالم يحفظ غيره أو كان النعمان يقص بعض القصة تارة وبعضها أخرى فسمع كل ما رواه فاقتصر عليه اه ولا يخفى ما في هذا الجمع من التكلف وقد وقع في رواية عند ابن حبان عن النعمان قال سألت أمي أبي بعض الموهبة لي من ماله زاد مسلم والنسائي من هذا الوجه فالتوى بها سنة أي مطلها وفي رواية لابن حبان أيضا بعد حولين ويجمع بينهما بأن المدة كانت سنة وشيئا فجبر الكسر تارة وألغاه أخرى
وفي رواية له قال فأخذ بيدي وأنا غلام ولمسلم انطلق بن أبي يحملني إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ويجمع بينهما بأنه أخذ بيده فمشي معه بعض الطريق وحمله في بعضها لصغر سنه : قوله " فقال ارجعه " لفظ مسلم أردده وله أيضا النسائي فرجع فرد عطيته . ولمسلم أيضا فرد تلك الصدقة زاد في رواية لابن حبان لا تشهدني على جور ومثله لمسلم وقد تقدم لابن حبان أيضا والطبراني مثل ذلك وذكر هذا اللفظ البخاري تعليقا في الشهادات . وفي رواية لابن حبان من طريق أخرى لا تشهدني أذن فأني لا أشهد على جور . وله في طريق أخرى أيضا فأني لا أشهد على جور أشهد على هذا غيري وله وللنسائي من طريق أخرى فأشهد على هذا غيري ولعبد الرزاق عن طاوس مرسلا لا أشهد لا على الحق لا أشهد بهذه . وللنسائي فكره أن يشهد له . وفي رواية لمسلم اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر . ولأحمد أيسرك أن يكونوا اليك في البر سواء قال بلى قال فلا أذن . ولأبي داود ان لهم عليك من الحق أن تعدل بينهم كما لك عليهم أن يبروك . وللنسائي ألا سويت بينهم . وله ولابن حبان سو بينهم . قال الحافظ واختلاف الألفاظ في هذه القصة الواحدة يرجع إلى معنى واحد . قوله " أفعلت هذا بولدك كلهم : قال مسلم أما معمل ويونس فقالا أكل بينك وأما الليث وان عيينة فقالا أكل ولدك قال الحافظ ولا منافاة بينهما لأن لفظ الولد يشمل الذكور والإناث وأما لفظ البنين فإن كانوا ذكورا فظاهر وإن كانوا إناثا وذكورا فعلى سبيل التغليب (6/80)