* نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم *
تأليف
أبي عبد الله محمد بن محمد المصطفى
المدينة النبوية ، مكتبة المسجد النبوي ، قسم البحث والترجمة
تقريظ :
الشيخ أبي بكر جابر الجزائري
والدكتور : الشيخ أحمد محمود بن عبد الوهاب الشنقيطي
والدكتور : عبد الرحمن بن صالح محي الدين
والدكتور : عبد الكريم بن إبراهيم آل غضية ، حفظهم الله تعالى
1423 هـ(1/1)
( كلمة تقريظ )
بعد حمد الله تعالى ، والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ، أقول : إنما قرره صاحب هذه الرسالة :
( نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم )
الأستاذ الفاضل : أبو عبد الله محمد بن محمد المصطفى ،
هو حق وصدق ، ومن نفاه فقد أخطأ في نفيه ، ودليل ذلك ما في هذه الرسالة من الأدلة الصحيحة القطعية ، على مشروعية العمرة من التنعيم ، وأوضح تلك الأدلة أن العمرة لا تكون ولا تصح من داخل الحرم أبداً ، أما من الحل والتنعيم منه فهي سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبيانه ، ومن أنكر ذلك فقد أخطأ ، والعياذ بالله عز وجل .
المقرظ
المحب : الشيخ أبو بكر جابر الجزائري
المدرس بالمسجد النبوي الشريف ، بالمدينة النبوية
على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم .
بتاريخ 23 / 4 / 1423 هـ(1/1)
{ كلمة تقريظ }
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى آله وصحبه ، وبعد فقد اطلعت على البحث ( نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم ) الذي كتبه الأخ الباحث الكريم أبو عبد الله : محمد بن محمد المصطفى فوجدته قد أجاد فيه وأفاد بجمع أقوال العلماء وأدلتهم وتوثيق ما نقله من مراجعه ، وإني أرى الحاجة إلى نشره ليرى القارئ صحة الاعتمار من التنعيم مطلقاً ، ومشروعية تكرار العمرة لظهور رجحان ذلك مما ساقه الباحث من الأدلة وأقوال الأئمة من الصحابة ومن بعدهم لا سيما وأني لم أرمن تعرض لبحث الموضوع بحثاً مستقلاً قبله ، أسأل الله تعالى أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه .
وكتبه الفقير إلى رحمة ربه .
الدكتور : الشيخ أحمد محمود بن عبد الوهاب الشنقيطي
المدينة النبوية ، الجامعة الإسلامية .
بتاريخ 19 / 6 / 1423 هـ .(1/2)
{ كلمة تقريظ }
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لانبي بعده
فقد اطلعت على البحث الذي كتبه الأخ الفاضل أبو عبد الله محمد بن محمد المصطفى ، والمسمى ( نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم ) فوجدته بحثاً أوفى بالغرض من بيان هذا النسك المبارك والذي سبب تشريعه عائشة الصديقة المباركة رضي الله عنها وأرضاها ، ولولا أن بعض الإخوة وفقهم الله أفتوا بالمنع الآن ما كنت أظن أن أحداً يمنع ذلك ، وقد تواطأ السلف على جواز ذلك لا سيما الأئمة الأربعة ، وقد بوب البخاري رحمه الله في كتابه العظيم الجامع الصحيح باب ما جاء في عمرة التنعيم ، وهذا إشارة إلى جوازها ، أسأل الله أن يتقبل من الجميع وأن يجزي المؤلف خيراً وأن يجعله في موازين حسناته يوم القيامة وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم ، والله الموفق .
كتبه وأملاه
الدكتور: عبد الرحمن بن صالح محي الدين
المدينة النبوية الجامعة الإسلامية
21 / 4 / 1423 هـ(1/2)
{ كلمة تقريظ }
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الأولين والآخرين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، وبعد فقد اطلعت على هذه الرسالة ( نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم ) للشيخ الفاضل أبي عبد الله محمد بن محمد المصطفى ، وفقه الله فوجدت ما قرره ووصل إليه صحيحاً لا غبار عليه ،
أسأل الله لنا وله التوفيق ، وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
كتبه
الدكتور: عبد الكريم بن إبراهيم آل غضية الحسيني الهاشمي
المدرس بالجامعة الإسلامية ، المدينة النبوية
حرر في مكتبة المسجد النبوي
22 / 4 / 1423 هـ(1/3)
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القائل ( اللهم رب جبريل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون أهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم ) (1)
__________
(1) صحيح : أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها في كتاب صلاة المسافرين وقصرها باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه رقم ( 770 ) 1 / 534 ، وأبو داوود في كتاب الصلاة باب ما يستفتح به الصلاة من الدعاء رقم ( 767 ) 1 / 487 ، والنسائي في كتاب قيام الليل باب بأي شيء يستفتح صلاة الليل رقم ( 1624 ) 3 / 234ـ 235 ، والترمذي في كتاب الدعوات باب ما جاء في الدعاء عند استفتاح الصلاة بالليل رقم ( 342 ) 5 / 451 ـ 452 ، وابن ماجة في كتاب إقامة الصلاة والسنة فيها ، باب ما جاء في الدعاء إذا قام الرجل من الليل رقم ( 1357 ) 1 / 431 ـ 432 ، و أحمد رقم ( 25266 ) 6 / 156 ، وابن حبان رقم ( 2600 ) 6 / 335 ـ 336 ، وأبو عوانة 2 / 304 ـ 305 ، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم رقم ( 1760 ) 2 / 367 ، والبغوي في شرح السنة رقم ( 952 ) 4 / 70 ـ 71 ، والحاكم رقم ( 1760) 2 / 367 ، والبيهقي في السنن الكبرى رقم ( 4444 ) 3 / 5 .(1/4)
والقائل : ( من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين ) (1) . وعلى آله وصحبه رضي الله عنهم أجمعين ، واحشرنا في زمرتهم يوم الدين إنك أكرم الأكرمين ، أسأل الله عز وجل أن يفقهنا في دينه وأن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه على كل شيء قدير .
__________
(1) صحيح : أخرجه البخاري من حديث معاوية وابن عباس في كتاب العلم باب من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين رقم ( 71 ) 1 / 24 ، وفي كتاب فرض الخمس باب قوله تعالى فلله خمسه وللرسول رقم ( 3116 ) 2 / 393 ، وفي كتاب الاعتصام باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق وهم أهل العلم رقم ( 7311 ) 4 / 366 ، و مسلم في كتاب الزكاة باب النهي عن المسألة رقم ( 1037 ) 2 / 717 ـ 718 ، وفي كتاب الإمارة ، باب لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم رقم ( 1924 ) 3 / 524 ، وأحمد 4 / 92 ـ 93 ، 95 ـ 99 ، 104 ، والترمذي في كتاب العلم باب إذا أراد الله بعبد خيراً فقهه في الدين رقم ( 2645 ) 4 / 385 ، وابن ماجة في المقدمة باب فضل العلماء رقم ( 220 ـ 221 ) 1 / 80 ، ومالك في الموطإ في كتاب القدر باب جامع ما جاء في القدر 2 / 900 ـ 901 ، والدارمي 1 / 74 ، وابن حبان رقم ( 89 ) 1 / 80 ، ورقم ( 310 ) 2 / 8 ، ورقم ( 3401 ) 8 / 193 ـ 194 ، والبغوي في شرح السنة رقم ( 131 ـ 132 ) 1 / 284 ـ 285 ، والطبراني في الكبير رقم ، ( 729 ، 782 ـ 787 ، 792 ، 797 ، 810 ، 815 ، 860 ، 864 ، 868 ـ 869 ، 871 ، 904 ، 906 ، 911 ـ 912 ، 918 ـ 919 ) ، وابن عبد البر في جامع العلم وفضله 1 / 17 ـ 19.(1/5)
تمهيد :
وبعد لما رأيت من كثرة السؤال عن العمرة من التنعيم : أي : لمن قدم إلى مكة بحج أو عمرة أو غيرهما وطرأت عليه نية العمرة ، فهل يجوز له الاحرام بالعمرة من التنعيم أم لا ؟ هذا السؤال المتردد كثيراً من زوار المسجد النبوي وغيرهم ، واختلاف مشايخنا الأفاضل فيها حفظهم الله
فمنهم من يفتي بالجواز ، ومنهم من يفتي بعدم الجواز ، مما يجعل السائل في حيرة من أمره ، والذين قالوا بعدم الجواز جعلوا ذلك خاصاً بعائشة رضي الله عنها ، فبسبب ذلك : أردت أن ألخص أقوال العلماء فيها وأدلتهم ، أسأل الله عز وجل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به من قرأه إنه ولي ذلك والقادر عليه . قلت : ولا شك أن اختصاص العمرة من التنعيم بعائشة رضي الله عنها ، يحتاج إلى دليل ، وكونها عمرة متيسرة وقريبة من الحرم لا يدل ذلك على عدم المشروعية بل ذلك من فضل الله وتيسيره على عباده ، ولعل هذا من التوفيق والتيسير والخير والبركة التي جعلها الله تعالى للأمة في شخصية عائشة رضي الله عنها في أي أمر نزل بها، كما قال أسيد بن حضير - رضي الله عنه - :
( ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر ) في حديث طويل في قصة نزول آية التيمم ، (1)
وقال أسيد بن حضير أيضا ً لعائشة : ( جزاك الله خيراً ، فوالله ما نزل بك أمر تكرهينه إلا جعل الله ذلك لك وللمسلمين فيه خير اً ) (2) .
__________
(1) 1 ) صحيح : أخرجه البخاري في كتاب التيمم باب 1 رقم ( 334 ) 1 / 125 ، و مسلم في كتاب الحيض باب التيمم رقم ( 367 ) 1 / 279 .
(2) أخرجه البخاري في كتاب التيمم باب إذا لم يجد ماء ولا تراباً رقم ( 336 ) 1 / 126 ، ومسلم في كتاب الحيض باب التيمم رقم ( 367 ) 1 / 279 .(1/6)
وقال أسيد بن حضير - أيضاً - : ( لقد بارك الله للناس فيكم يا آل أبي بكر ما أنتم إلا بركة لهم ) (1)
وعن عبد الله بن أبي مليكة قال : دخل ابن عباس - رضي الله عنه - - رضي الله عنه - على عائشة رضي الله عنها فقال : ( كنت أعظم المسلمين بركة على المسلمين سقطت قلادتك بالأبواء ، فأنزل الله فيك آية التيمم ) (2)
ولا شك أن الأئمة الأربعة وغيرهم من أئمة المسلمين لا تخرج أقوالهم في الغالب عن كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وكلهم يقول إذا رأيت قولي يخالف قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فارم بقولي عرض الحائط ، وقد أشار العلامة المحدث المحقق الشيخ صالح الفلاني لكلامهم في منظومته التي نصر فيها اتباع السنة وترك استحسان الفقهاء لما خالف صريحها بقوله :
قال أبو حنيفة الإمامُ *** لا ينبغي لمن له إسلامُ
أخذ بأقوالي حتى تعرضا *** على الكتاب والحديث المرتضىَ
ومالك إمام دار الهجرةْ *** قال وقد أشار نحو الحجرةْ
كل كلام منه ذو قبولِ *** ومنه مردود سوى الرسولِ
والشافعي قال إن رأيتموا *** قولي مخالفاً لما رويتموُا
من الحديث فاضربوا الجدارا *** بقولي المخالف الأخبارا
وأحمدٌ قال لهم لا تكتبوُا *** ما قلته بل أصل ذلك اطلبُوا
فاسمع مقالات الهداة الأربعة *** واعمل بها فإن فيها منفعة
لقمعها لكل ذي تعصبِ *** والمنصفون يقتدون بالنبيِ
إلى أن قال في رد قول بعضهم :
وقال قومٌ لو أتتني مائةٌ *** من الأحاديث رواها الثقةٌ
وجاءني قول عن الإمامِ *** قدمته ياقبحَ ذا الكلامِ
من استخف عامداً بنص ماَ *** عن النبي جا كفرته العلماَ
__________
(1) أخرجه البخاري من حديث طويل في كتاب تفسير سورة المائدة باب وأنتم حرم رقم ( 4608 ) 3 / 222 ـ 223 ، والبيهقي في السنن الكبرى 1 / 223 ، وابن جرير الطبري في التفسير 5 / 108.
(2) انظر : تفسير ابن جرير الطبري 5 / 108.(1/7)
فليحذر المغرور بالتعصبِ *** بفتنة برده قول النبيِ (1) .
وقال الحسن البصري : رأس مال المسلم دينه فلا يخلفه في الرحال ولا يأتمن عليه الرجال ، (2)
وقال ابن شهاب الزهري : من الله الرسالة ، وعلى رسوله - صلى الله عليه وسلم - البلاغ ، وعلينا التسليم ، (3)
وقد اتخذت المنهج التالي :
منهجي في هذا البحث
أ ـ المقدمة .
ب ـ تمهيد ،
ج ــــ خطة البحث .
د ـ أذكر الآيات والأحاديث التي وردت في فضل العمرة .
هـ ـ أذكر مذاهب العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في حكم الإحرام بالعمرة من التنعيم لمن كان بمكة سواء من أهلها أو من غيرهم .
و ـ أذكر لكل مذهب الأدلة التي استدل بها ،
ز ـ أُخرج الأحاديث والآثار مجملة ثم أفصلها وأذكر الحكم عليها بالصحة أو الضعف إن وجد وإلا أكتفيت بعزوها لمن أخرجها ،
ح ـ أذكر الكتاب والباب ورقم الحديث والجزء والصفحة بالنسبة للكتب الستة وأما غيرها فأكتفي برقم الحديث إن وجد والجزء والصفحة فقط .
ط ـ أذكر الآثار الواردة في المسألة عن الصحابة والتابعين كأدلة .
ي ـ أذكر :وجه الدلالة من الأحاديث والآثار .
ك ـ أذكر مناقشة مذاهب العلماء في المسألة وتبيين ما هو الراجح من ذلك بالدليل إن شاء الله ،
ل ـ أذكر مذاهب العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم في حكم تكرار العمرة في العام الواحد أكثر من مرة وأدلتهم في ذلك .
م ـ أ ذكر مناقشة مذاهب العلماء في المسألة وأدلتهم وتبيين ما هو الراجح من ذلك بالدليل إن شاء الله .
ن ـ الخاتمة : وأهم النتائج التي توصلت إليها .
__________
(1) زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم لمحمد حبيب الله بن ما يابى 3 / 279 .
(2) انظر : الاستذكار لابن عبد البر 2 / 28 .
(3) صحيح : أخرجه البخاري في كتاب التوحيد باب قول النبي - صلى الله عليه وسلم - رجل آتاه الله القرآن رقم ( 7529 ) 4 / 412 .(1/8)
خطة البحث :
قسمته إلى مقدمة وتمهيد ومبحث وفيه ثلاث مطالب ،
المقدمة :
التمهيد :
المبحث : نضرة النعيم *** في حكم العمرة من التنعيم :
وفيه ثلاث مطالب :
المطلب الأول : فضل العمرة
المطلب الثاني : حكم العمرة لمن كان بمكة سواء من أهلها أو ممن قدموا عليها وطرأت عليه نية العمرة ومذاهب العلماء في ذلك وأدلتهم .
المطلب الثالث : حكم تكرار العمرة في العام الواحد أكثر من مرة ومذاهب العلماء في ذلك وأدلتهم .
الخاتمة : وأهم النتائج التي توصلت إليها .(1/9)
وإليكَ النصوص الواردة في فضل العمرة ثم أقوال العلماء وأدلتهم في حكم الإحرام بالعمرة من التنعيم ، ثم حكم تكرار العمرة في العام الواحد أكثر من مرة ومذاهب العلماء في ذلك وأدلتهم فأقول - وبالله تعالى التوفيق :
المطلب الأول : فضل العمرة :
قال الله تعالى { وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ } (1) ، وقال : { فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا } (2)
__________
(1) سورة البقرة: من الآية ( 196 )
(2) سورة البقرة : من الآية ( 158)(1/9)
وعن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة ) (1)
وعن عائشة بنت طلحة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت : قلت : يا رسول الله هل على النساء جهاد قال : ( عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة ) (2) .
__________
(1) صحيح : أخرجه البخاري في كتاب العمرة باب العمرة وجوب العمرة وفضلها رقم ( 1773 ) 1 / 537 ، ومسلم في كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة رقم ( 1349 ) 2 / 983 ، والنسائي في كتاب الحج باب فضل الحج المبرور رقم ( 2622 ) 5 / 112 ، وباب فضل العمرة رقم ( 2629 ) 5 / 115 ، وابن ماجة في كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة رقم ( 2888 ) 2 / 964 ، ومالك في الموطإ رقم ( 767 ) 1 / 346 ، وأحمد 3 / 447 ، وابن أبي شيبة رقم ( 12639 ) 3 / 120 ، وأبو يعلى رقم ( 6657 ) 12 / 11 ، وابن خزيمة رقم ( 2513 ) 4 / 131 ، ورقم ( 3072 ) 4 / 359 ، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم رقم ( 3139 ) 4 / 27 ، والطبراني في الأوسط رقم ( 905 ) 1 / 278 ، ورقم ( 1704 ) 2 / 198 ، ورقم ( 4432 ) 4 / 359 ، ورقم ( 4543 ) 5 / 15 ، ورقم ( 6955 ) 7 / 94 ، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة رقم ( 224 ) 8 / 295 ، والبيهقي في السنن الكبرى 5 / 261 ، وابن عبد البر في التمهيد 22 / 38 ، 212 .
(2) صحيح :أخرجه ابن ماجة في كتاب المناسك باب الحج جهاد النساء رقم ( 2901 ) 2 / 968 ، وأحمد 2 / 105 ، 6 / 165 ، وابن أبي شيبة رقم ( 12655 ) 3 / 122 ، وعبد الرزاق في المصنف رقم ( 8811 ) 5 / 8 ، وابن خزيمة رقم ( 3074 ) 4 / 359 ، والبيهقي في السنن الكبرى 4 / 350 ، وابن ماجة رقم ( 2345 ) 2 / 151 .(1/10)
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( الغازي في سبيل الله والحاج والمعتمر وفد الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم ) (1) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( جهاد الكبير والضعيف والمرأة الحج والعمرة ) (2) .
__________
(1) صحيح : أخرجه ابن ماجة في كتاب المناسك باب فضل دعاء الحاج رقم ( 2893 ) 2 / 966 ، وابن حبان رقم ( 4613 ) 10 / 474 ، وقال البوصيري في مصباح الزجاجة : إسناده حسن ، وكذا الألباني في صحيح سنن ابن ماجة وصحيح الترغيب . انظر مصباح الزجاجة 3 / 183 ، وصحيح سنن ابن ماجة رقم ( 2339 ) 2 / 149 ، وصحيح الترغيب رقم ( 1108 ) 2 / 8 ، وذكره المنذري في الترغيب والترهيب والهيثمي في مجمع الزوائد 3 / 211 : من حديث جابر بن عبد الله وقالا : رواه البزار ورجاله ثقات ، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب رقم ( 110 9 ) 2 / 8 .
(2) حسن :أخرجه النسائي في الصغرى في كتاب الحج باب فضل الحج رقم ( 2626 ) 5 / 113 ، وفي السنن الكبرى رقم ( 3605 ) 2 / 321 ، وأحمد 2 / 421 ، و سعيد بن منصور رقم ( 2344 ) 2 / 167 ، والطبراني في الأوسط رقم ( 8751 ) 8 / 319 ـ 320 ، والبيهقي في السنن الكبرى 4 / 350 ، 9 / 23 ، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد 3 / 206 ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم ( 2463 ) 2 / 557 ، وفي صحيح الترغيب رقم ( 1100 ) 2 / 5 .(1/11)
وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال قال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( وفد الله ثلاثة : الغازي ، والحاج ، والمعتمر ) (1) .
__________
(1) صحيح : أخرجه النسائي في الصغرى في كتاب الحج باب فضل الحج رقم ( 2625 ) 5 / 113 ، وفي السنن الكبرى رقم ( 3604 ) 2 / 321 ، ورقم ( 4329 ) 3 / 12 ، وابن حبان رقم ( 3692 ) 9 / 5 ، وابن خزيمة رقم ( 2511 ) 4 / 130 ، ووالحاكم في المستدرك 1 / 608 ، والبيهقي في السنن الكبرى 5 / 262 ، وفي شعب الإيمان رقم ( 4103 ) ، ( 4107 ) 3 / 475ـ 476 ، وصححه الألباني في صحيح سنن النسائي رقم ( 2462 ) 2 / 557 .(1/12)
وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة ) (1) .
وجه الدلالة :
دلت هذه الأحاديث على فضل العمرة وأنها مكفرة لذنوب ما بين العمرتين .
وعلى الترغيب في الإكثار من الحج والعمرة وأنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وأن الحاج والمعتمر من وفود الله الذين دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم ، وأنهما جهاد الكبير والضعيف والمرأة ، وذلك من فضل الله ورحمته بهذه الأمة.
__________
(1) صحيح : أخرجه النسائي في السنن الصغرى في كتاب الحج باب فضل المتابعة بين الحج والعمرة 5 / 115 ـ 116 ، وفي السنن الكبرى رقم ( 3610 ) 2 / 322 ، والترمذي في الحج باب ما جاء في ثواب الحج رقم ( 810 ) 3 / 175 ، وأحمد 1 / 387 ، وابن حبان رقم ( 3693 ) 9 / 6 ، وابن خزيمة رقم ( 2512 ) 4 / 130 ، وابن أبي شيبة رقم ( 12638 ) 3 / 120 ، والشاشي رقم ( 587 ) 2 / 74 ، والبغوي في شرح السنة رقم ( 1843 ) 7 / 6 ـ 7 ، وأبو يعلى رقم ( 4976 ) 8 / 389 ، ورقم ( 5236 ) 9 / 153 ، والطبراني في الكبير رقم ( 10406 ) 10 / 186 ، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي رقم ( 650 ) 1 / 244 ـ 245 ، وفي صحيح سنن النسائي رقم ( 2468 ) 2 / 558 ، وأخرجه ابن ماجة من حديث عبد الله بن عمر في كتاب المناسك باب فضل الحج والعمرة رقم ( 2887 ) 2 / 964 ( بلفظ تابعوا بين الحج والعمرة فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ) ، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجة رقم ( 2334 ) 2 / 148 .(1/13)
المطلب الثاني : العمرة لمن كان بمكة ، سواء من أهلها أو من غيرهم :
اختلف العلماء في حكم الإحرام بالعمرة من التنعيم بعد العمرة أو الحج لمن كان بمكة سواء من أهلها أو ممن قدموا عليها وطرأت عليه نية العمرة وهوبها على قولين :
((القول الأول)) : أن الإحرام بالعمرة من التنعيم جائز ،
وهو قول جمع من الصحابة ، والتابعين : منهم عائشة ، وعلي ، وابن عباس ، وأنس بن مالك ، وأم الدرداء ، وجابر بن عبد الله ، وابن عمر ، وعبد الله بن الزبير ، وعكرمة ، والقاسم بن محمد ، ورواية عن سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء وطاووس ، وروي عن جمع من الصحابة والتابعين ممن كانوا مع عبد الله بن الزبير وقت بنائه للكعبة في أيام خلافته - على ما سيأتي تفصيل ذلك في الأدلة إن شاء الله ، ولم ينقل عن أحد من الصحابة أنه خالفهم في ذلك إلا ما روي عن ابن عمر في رواية ، وقد حكى غير واحد الإجماع على أن ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل - على ما سيأتي بعد عرض أقوال الأئمة إن شاء الله - واتفق الأئمة الأربعة وأصحابهم على جواز الإحرام بالعمرة من التنعيم لمن كان بمكة سواء من أهل مكة أو قادم عليها من الآفاق وطرأت عليه نية العمرة ، وإليك أقوالهم مفصلة
قال أبو حنيفة : ( ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل وأفضله التنعيم لوروده ) ومن ذلك الوقت عرف الناس موضع إحرام العمرة فيخرجون إليه إذا أرادوا الإحرام بالعمرة وهو من جملة ما قيل : ما نزل بعائشة رضي الله عنها أمر تكرهه إلا كان للمسلمين فيه فرج ، (1)
وقال الطحاوي : ذهب قوم إلى أنه لا ميقات للعمرة لمن كان بمكة إلا التنعيم ، ولا ينبغي مجاوزته كما لا ينبغي مجاوزة المواقيت التي للحج ، (2)
__________
(1) انظر : المبسوط 4 / 17 ، 29 ـ 30 ، والهداية شرح البداية 1 / 126، وبدائع الصنائع 2 / 166 ، والبحر الرائق 3 / 43 .
(2) انظر :فتح الباري لابن حجر 3 / 606 ، ونيل الأوطار للشوكاني 5 / 26 .(1/14)
وقال مالك : فأما العمرة من التنعيم فإنه من شاء أن يخرج من الحرم ثم يحرم فإن ذلك مجزىء عنه إن شاء الله ، ولكن الأفضل أن يهل من الميقات الذي وقت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو ما هو أبعد من التنعيم (1) ، وقال : ميقات العمرة لمن كان بمكة الجعرانة أو التنعيم ، (2) وقال ابن عبد البر : ولا تصح العمرة عند الجميع إلا من الحل المكي وغير المكي ، فإن بعد كان أكثر عملاً وأفضل ، ويجزئ أقل الحل وهو التنعيم ، وذلك أن يحرم بها من الحل فأقصاه المواقيت وأدناه التنعيم ، وهذا مما لا خلاف فيه (3).
وقال الشافعي : ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل ، والأفضل أن يحرم من الجعرانة أو التنعيم (4) .
وقال أحمد في رواية الحسن بن محمد وقد سئل : من أين يعتمر الرجل ؟ قال: يخرج إلى المواقيت فهو أحب إلي كما فعل ابن عمر، وابن الزبير، وعائشة ، رضوان الله عليهم فإنهم أحرموا من المواقيت ، فإن أحرم من التنعيم فهو عمرة وذاك أفضل ، وقال : كلما تباعد الإحرام من الحل فهو أعظم للأجر ، وقيل التنعيم أفضل لأنه أقرب الحل إلى مكة (5) .
__________
(1) انظر : الموطأ 1 / 347 ، والاستذكار 11 / 255 .
(2) انظر : المدونة الكبرى 2 / 500 ، وشرح الزقاني 2 / 354 ، والتاج الإكليل للمواق 3 / 28 ، 137 ، والفواكه الدواني للنفراوي 1 / 352 .
(3) انظر : الإستذكار 11 / 256 .
(4) انظر : الأم 2 / 133، والمهذب 1 / 203، والمجموع 7 / 179 ـ 180، وإعانة الطالبين 2 / 303 .
(5) انظر : شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 2 / 330 ـ 332 . والمبدع 3 / 109 ، والإنصاف للمرداوي 4 / 55 ، وكشاف القناع 2 / 401 .(1/15)
وقال ابن قدامة : " مسألة : وأهل مكة إذا أرادوا العمرة فمن الحل وإذا أرادوا الحج فمن مكة ، أهل مكة ومن كان بها سواء كان مقيماً بها أو غير مقيم : لأن كل من أتى على ميقات كان ميقاتاً له وكذلك كل من كان بمكة فهي ميقاته للحج وإن أراد العمرة فمن الحل لا نعلم في هذا خلافاً ، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن أن يعمِّر عائشة من التنعيم " (1) .
وقال الشيخ محمد الأمين بن محمد المختار الشنقيطي : أهل مكة يحرمون بالعمرة من الحل باتفاق الأئمة الأربعة وأصحابهم وحكى عليه غير واحد الإجماع (2) .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية : وإذا أراد المكي وغيره العمرة أهل من الحل ، وأدناه من التنعيم ، قال : وقال القاضي : يستحب الإحرام من الجعرانة ، فإن فاته ذلك أحرم من التنعيم ، فإن فاته فمن الحديبية ، وكذلك ذكر ابن عقيل ، إلا أنه لم يذكر التنعيم هنا وعمدة ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمر من الجعرانة واعتمر عمرة الحديبية ، وأمر عائشة أن تعتمر من التنعيم فخصت هذه بالفضل وكان أفضل هذه المواقيت ، قال : وقال أبو الخطاب : الأفضل أن يحرم من التنعيم (3) .
__________
(1) انظر : المغني 3 / 111 .
(2) انظر : أضواء البيان 5 / 328 .
(3) شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 2 / 327 ، 333 .(1/16)
وقال أيضاً: والواجب عليه إذا وطيء بعد التحلل الأول - فقد قال في رواية أبي الحارث - : يأتي مسجد عائشة فيحرم بعمرة فيكون أربعة أميال ، مكان أربعة أميال ، وعليه دم ، وقال في رواية الميموني ، وابن منصور ، وابن الحكم : إذا أصاب الرجل أهله بعد رمي الجمرة ينتقض إحرامه ويعتمر من التنعيم ويهر يق دم شاة ويجزئه فإذا خرج إلى التنعيم فأحرم فيكون إحرام مكان إحرام ويهريق دماً يذهب إلى قول ابن عباس يأتي بدم ويعتمر من التنعيم وقال في رواية المروذي فيمن وطيء قبل رمي جمرة العقبة : فسد حجه وعليه الحج من قابل ، فإن رمي وحلق وذبح ووطيء قبل أن يزور البيت فعليه دم ، ويعتمر من التنعيم لأن عليه أربعة أميال مكان أربعة ، وكذلك نقل أبو طالب : يعتمر من التنعيم لأنه من منى إلى مكة أربعة أميال ومن التنعيم أربعة أميال : وقال في رواية الفضل بن زياد فيمن واقع قبل الزيارة : يعتمر من التنعيم بعد انقضاء أيام التشريق . (1)
((القول الثاني)) :
أن الإحرام بالعمرة بعد العمرة أو الحج من التنعيم لمن كان بمكة خاص بعائشة رضي الله عنها ، وهو أحد قولي ابن قدامة المقدسي وقول العلامة ابن القيم من الحنابلة ، (2)
__________
(1) شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 3 / 238 ـ 240 .
(2) انظر : المغني لابن قدامة 3 / 90 وزاد المعاد لابن القيم 2 / 94 ـ 95 ، و فتح الباري لابن حجر 3 / 606 ، وشرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 2 / 331 ، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26 / 265 ، وسبل السلام للصنعاني 2 / 187 .(1/17)
ورويت كراهة العمرة بعد الحج أوالعمرة عن ابن عمر ومجاهد وعطاء وطاووس وسعيد بن جبير كلهم في رواية (1) ، وبه يفتي بعض العلماء المعاصرين ، قال ابن قدامة : قال أحمد : إذا اعتمر فلا بد من أن يحلق أو يقصر وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس فظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام وقال في رواية الأثرم إن شاء اعتمر في كل شهر، وقال بعض أصحابنا يستحب الإكثار من الاعتمار وأقوال السلف وأحوالهم تدل على ما قلناه (2) .
__________
(1) انظر : مصنف ابن أبي شيبة رقم ( 13022 ـ 13024 ) 3 / 158 ، و المغني 3 / 90 ، وشرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 2 / 331 ، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26 / 265 ، وسبل السلام للصنعاني 2 / 187 .
(2) انظر : المغني لابن قدامة 3 / 90 .(1/18)
ورُوي عن أحمد بأن أهل مكة ليس عليهم عمرة وإنما عمرتهم طوافهم بالبيت ، قال ابن قدامة : فصل وليس على أهل مكة عمرة نص عليه أحمد ، وقال كان ابن عباس يرى العمرة واجبة ويقول يا أهل مكة ليس عليكم عمرة إنما عمرتكم طوافكم بالبيت وبهذا قال عطاء وطاووس ، قال عطاء ليس أحد من خلق الله إلا عليه حج وعمرة واجبان لا بد منهما لمن استطاع إليهما سبيلاً ، إلا أهل مكة فإن عليهم حجة وليس عليهم عمرة من أجل طوافهم بالبيت ، ووجه ذلك أن ركن العمرة ومعظمها الطواف بالبيت وهم يفعلونه فأجزأ عنهم ، وحمل القاضي كلام أحمد على أنه لا عمرة عليهم مع الحجة : لأنه يتقدم منهم فعلها في غير وقت الحج والأمر على ما قلناه ، فأما الإكثار من الاعتمار والمولاة بينهما فلا يستحب في ظاهر قول السلف الذي حكيناه وكذلك قال أحمد : إذا اعتمر فلا بد من أن يحلق أو يقصر وفي عشرة أيام يمكن حلق الرأس فظاهر هذا أنه لا يستحب أن يعتمر في أقل من عشرة أيام وقال في رواية الأثرم إن شاء اعتمر في كل شهر وقال بعض أصحابنا : يستحب الإكثار من الاعتمار ، قال : وقد اعتمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أربع عمر في أربع سفرات لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة ولا أحد ممن معه ولم يبلغنا أن أحداً منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد معه إلا عائشة حين حاضت فأعمرها من التنعيم : لأنها اعتقدت أن عمرة قرانها بطلت ، ولهذا قالت يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة فأعمرها لذلك ، (1)
__________
(1) انظر : المغني لابن قدامة 3 / 89 ـ 90 .(1/19)
التعقيب على القول بإسقاط العمرة عن أهل مكة :
قلت : القول بأنه ليس على أهل مكة عمرة وإنما عمرتهم الطواف : فيه نظر : لأنه تقدم قول ابن قدامة : أن ميقات العمرة لمن كان بمكة سواء من أهلها أو ممن قدموا عليها : الحل ، وقال : لانعلم في هذا خلافاً ، (1) وكذا ابن عبد البر قال : وهذا مما لا خلاف فيه ، (2) وهذا يعتبر إجماعاً ، وتقدم قول الشيخ محمد الأمين الشنقيطي في أضواء البيان حكى الإجماع غير واحد على أن ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل واتفق الأئمة الأربعة وأصحابهم على أن ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل وأدناه التنعيم أوالجعرانة ، (3) قال ابن عبد البر : قول عطاء هذا بعيد من النظر ولو كانت العمرة ساقطة عن أهل مكة لسقطت عن الآفاق والله أعلم ، (4) قلت : فيحمل كلام ابن عباس وعطاء وطاووس والإمام أحمد أنه ليس على أهل مكة عمرة : أي مع حجهم تمتعاً أو قراناً كما تقدم ذلك عن القاضي أبي يعلى على ما نقله عنه ابن قدامة في المغني ، أنه حمل قول الإمام أحمد على ذلك (5) قلت : وهو اللائق به لئلا يختلف قوله مع إجماع الأمة السابق أن ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل سواء من أهلها أو من غيرهم ممن قدم عليها وطرأت عليه نية العمرة وهو بها .
__________
(1) انظر : المغني 3 / 111 .
(2) انظر : الاستذكار 11 / 256 .
(3) انظر : أضواء البيان 5 / 328 .
(4) انظر :الإستذكار لابن عبد البر 11 / 249 .
(5) انظر : المغني 3 / 111.(1/20)
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي :
الدليل الأول :
عن عمرو بن أوس أن عبد الرحمن بن أبي بكر رضي الله عنهما أخبره : ( أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يردف عائشة ويعمرها من التنعيم ) (1) .
__________
(1) صحيح : أخرجه اليخاري في كتاب الحج باب عمرة التنعيم رقم ( 1784 ) 1 / 540 ، ومسلم في كتاب الحج باب بيان وجوب الإحرام ، وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران ، وجواز إدخال العمرة على الحج ، ومتى يحل القارن من نسكه رقم ( 1212 ) 2 / 880 ، وأحمد 1 / 197 ، وأبو داوود في كتاب الحج باب المهلة بالعمرة تحيض فيدركها الحج فتنقض عمرتها رقم ( 1995 ) 2 / 206 ، وابن ماجة في كتاب الحج باب عمرة التنعيم رقم ( 299 ) 2 / 997 ، وابن أبي شيبة رقم ( 12939 ) 3 / 149 ، والحميدي رقم ( 563 ) 1 / 256 .(1/21)
الدليل الثاني :
عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت : خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان معه هدي فليهلل بالحج والعمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً ) قالت : فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم أحلوا ثم طافوا طوافا آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين أهلوا بالحج وجمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافا واحدا قالت : فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة ، قالت : ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال :( هذه مكان عمرتك ) (1).
__________
(1) صحيح : أخرجه البخاري في كتاب الحيض باب امتشاط المرأة عند غسلها من الحيض رقم ( 316 ) 1 / 118 ، وباب كيف تهل الحائض بالحج والعمرة رقم ( 319 ) 1 / 119 ـ 120، وفي كتاب الحج باب كيف تهل الحائض والنفساء رقم ( 1556 ) 1 / 479 ـ 480 ، وباب طواف القارن رقم ( 1638 ) 1 / 502 ، وفي كتاب المغازي باب حجة الوداع رقم ( 4395 ) 3 / 172، ومسلم في كتاب الحج باب بيان وجوه الاحرام رقم ( 1211 ) 2 / 870 ـ 880 ، وأبو داوود في كتاب الحج باب إفراد الحج رقم ( 1778 ـ 1779 ) 2 / 152 ـ 153 ، والنسائي في السنن الصغرى في كتاب الطهارة باب ذكر الأمر بذلك للحائض عند الاغتسال للإحرام رقم ( 242 ) 1 / 144 ـ 145 ، وفي كتاب المناسك باب إباحة فسخ الحج بعمرة لمن لم يسق الهدي رقم ( 2802 ) 5 / 195 وابن ماجة في كتاب الحج باب العمرة من التنعيم رقم ( 3000 ) 2 / 998 ، وأحمد 6 / 122 ، 163 ،177 ، 191 ، 266 ، 273 ، ومالك في الموطإ رقم ( 924 ) 1 / 410 ، وابن حبان رقم ( 3912 ) 9 / 220 ـ 221 ورقم ( 3917 ) 9 / 225 ، وابن خزيمة رقم ( 2788 ) 4 / 242 ، وابن أبي شيبة رقم ( 36271 ) 7 / 300 ، والطيالسي رقم ( 1413 ) ص 201 ، وأبو يعلى رقم ( 4504 ) 7 / 480 ، والبيهقي في السنن الكبرى 1 / 182 ، 5 / 109 ، والطحاوي في شرح معاني الآثار 2 / 199 .(1/22)
الدليل الثالث :
عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا رسول الله يصدر الناس بنسكين وأصدر بنسك ، فقيل لها : ( انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي ثم ائتينا بمكان كذا ، ولكنها على قدر نفقتك ونصبك ) (1)
الدليل الرابع :
قال يحيى بن يحيى الليثي : حدثني عن مالك عن هشام بن عروة عن أبيه أنه رأى عبد الله بن الزبير أحرم بعمرة من التنعيم ، قال : ثم رأيته يسعى حول البيت الأشواط الثلاثة .(2)
الدليل الخامس :
عن ابن جريج قال : لما كان أهل الشام في الجيش الأول جيش الحصين بن نمير حرق الرجل من نحو باب بني جمح والمسجد يومئذ ملأ خياماً وأبنية فسار الحريق حتى أحرق البيت فأحرق كل شىء عليه ويحرد حتى إذا طائراً ليقع عليه فتنتثر حجارته قال ابن جريج قال لي رجل من قريش يقال له محمد بن المرتفع ، (3)
__________
(1) أخرجه البخاري في كتاب العمرة باب أجر العمرة على قدر النصب رقم ( 1787 ) 1 / 541 ، ومسلم في كتاب الحج باب بيان وجوه الإحرام وأنه يجوز إفراد الحج والتمتع والقران ( 1211 ) 2 / 876 ـ 877 ، والنسائي في الكبرى رقم ( 4233 ) 2 / 473 ، وأحمد 6 / 43 ، وابن أبي شيبة رقم ( 13015 ) 3 / 157 ، وابن خزيمة رقم ( 3027 ) 4 / 339 ، وأبو نعيم في المسند المستخرج رقم ( 2808 ) 3 / 308 ـ 309 ، والبيهقي في السنن الكبرى 4 / 331 ـ332 .
(2) صحيح : أخرجه مالك في الموطأ رقم ( 813 ) 1 / 365 ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية في أحداث بناء عبد الله بن الزبير للكعبة في أيام خلافته .
(3) محمد بن المرتفع العبدي من بني عبد الدار القرشي المكي ، قال البخاري : سمع ابن الزبير وروى عنه ابن جريج ، وابن عيينة ، من بني عبد الدار ، وثقه أحمد ،وابن أبي حاتم ، وابن حبان ، وابن شاهين ، وابن سعد .
انظر : التاريخ الكبير رقم ( 692 ) 1 / 220 ، والجرح والتعديل رقم ( 422 ) 8 / 98 ، والثقات لابن حبان رقم ( 5196 ) 5 / 359 ، وتاريخ أسما الثقات لابن شاهين رقم ( 1248 ) ص 207 ، والطبقات الكبرى لابن سعد 5 / 478 .(1/23)
قال : فوالله إنا لنصلي ذات ليلة العشاء وراء ابن الزبير إذا رأيت في جوف البيت ورأينا من خل الباب فلما انصرف ابن الزبير قال هل رأيتم قلنا نعم قال فأجمع ابن الزبير لهدمه وبنائه فأرسل إلى كذا وكذا بعيراً يحمل الورس من اليمن وذكر أربعة آلاف بعير وشيئاً سماه يريد أن يجعله مدراً للبيت ثم قيل له إن الورس يعفن ويرفت فقسم الورس في نساء قريش وقواعدهن وبنى بالقصة ، فأرسل إليه ابن عباس - لما أحضر حاجته - : إن كنت فاعلا فلا تدع الناس لا قبلة لهم ، إجعل على زواياها صواري ، واجعل عليها ستورا يصلي الناس إليها ، ففعل ، حتى إذا كان يوم الأحد صعد على المنبر ثم قال يا أيها الناس ما ترون في هدم البيت فلم يختلف عليه أحد ، فقالوا : نرى أن لا تهدمه فسكت عنهم حتى إذا انتفد رأيهم قال يظل أحدكم يسد أسه على رأسه وأنتم ترون الطائر يقع عليه فتنتثر حجارته ألا إني هادم غداً ووافق ذلك جنازة رجل من بني بكر فاتبعها من كان يريد اتباعها ومن كان لا يريد اتباعها، وكسرت له وسادة عند المقام ، ثم علاه رجال من وراء الستور ، وفرغ الناس من جنازتهم فالذاهب في منى ، والذاهب في بئر ميمون ، لا يرون إلا أنه سيصيبهم صاخة من السماء فلما أتي الناس ، فقيل : ادخلوا ، فقد والله هدم ، دخل الناس ، وحفر حتى هدمها عن ربض في الحجر ، فإذا هو آخذ بعضه ببعض لا يستحق ، فدعا كُبرة قريش ، فأراهم إياه ، وأخذ ابن مطيع العتلة من شق الربض الذي يلي دار بني حميد فأنفضه أجمع أكتع ، ثم بناها ، حتى سماها وجعل لها بابين موضوعين في الأرض ، شرقياً ، وغربياً ، يدخل الناس من هذا الباب ، ويخرجون من هذا ، فبناها ، فلما فرغ من بنائها ،كان في المسجد حفرة منكرة ، وجراثيم وقعاد ، فندب الناس إلى بطحه ، فجعل الرجل يبطح على مائة بعير ، وادي من ذلك ، حتى أن الرجل ليخرج في حلته ، وقميصه إلى ذي طوى فيأتي في طرف ردائه ببطحاء ، يحتسب في ذلك الخير ، حتى إذا مل الناس أخذ يقوته ، فبطح حتى استوى ،(1/24)
فقال: ( يا أيها الناس إني أرى أن تعتمروا من التنعيم مشاة ) فمن كان موسراً بجزور نحرها ، وإلا فبقرة ، وإلا فشاة ، قال : فذكرت يوم القيامة من كثرة الناس ، دبت الأرض سهلها وجبلها ، ناساً كباراً ، وناساً صغاراً ، وعذارى ، وثيباً ، ونساءً ، والخلق ، قال :فأتينا البيت فطفنا معه ، وسعينا بين الصفا والمروة ، ثم نحرنا وذبحنا فما رأيت الروؤس ، والكرعان ، والأذرع في مكان أكثر منها يومئذ (1) .
الدليل السادس :
عن ابن عون عن ابن سيرين قال : حُد للناس خمسة لأهل المدينة ذا الحليفة ، ولأهل مكة التنعيم ، ولأهل الشام الجحفة ، ولأهل اليمن يلملم ، ولأهل نجد قرن أو قال لأهل العراق قرن ، فلما كان بعد قالوا لابن عباس ليس لنا طريق على قرن قال : أزاءه ذات عرق (2) .
الدليل السابع :
قال الحافظ ابن حجر : روى الفاكهي وغيره من طريق محمد بن سيرين قال بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت لأهل مكة التنعيم ومن طريق عطاء قال : من أراد العمرة ممن هو من أهل مكة أو غيرها فليخرج إلى التنعيم أو إلى الجعرانة فليحرم منها ، وأفضل ذلك أن يأتي وقتا - أي ميقاتا - من مواقيت الحج ، (3)
الدليل الثامن:
قال ابن أبي شيبة :حدثنا ابن عيينة عن الوليد بن هشام المعيطي قال : سألت أم الدرداء عن العمرة بعد الحج فأمرتني بها ، (4)
__________
(1) صحيح : أخرجه عبد الرزاق في المصنف رقم ( 9147 ) 5 / 124 ـ127 ، وذكره ابن كثير في البداية والنهاية مختصراً في أحداث بناء عبد الله بن الزبير للكعبة .
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم ( 14075 ) 3 / 266 .
(3) انظر : فتح الباري : 3 / 606 .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (13016) 3 / 157 ، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 26 / 265 ـ 266.(1/25)
الدليل التاسع :
روى قتادة عن علي بن عبد الله البارقي أن رجلاً وامرأةً أتيا ابن عمر قضيا المناسك كلها ما خلا الطواف فغشيها ، فقال ابن عمر : عليهما الحج عاماً قابلاً فقال : أنا إنسان من أهل عمان ، وإن دارنا نائية ، فقال : وإن كنتما من أهل عمان وكانت داركما نائية ، حجا عاماً قابلاً فأتيا ابن عباس فأمرهما : أن يأتيا التنعيم فيهلا منه بعمرة فيكون أربعة أميال مكان أربعة أميال ، وإحرام مكان إحرام وطواف مكان طواف ، رواه سعيد بن أبي عروبة في المناسك عنه (1) .
الدليل العاشر :
وسئل عطاء عن عمرة التنعيم فقال : هي تامة ومجزئة وعن القاسم بن محمد : قال عمرة المحرم تامة ، (2)
__________
(1) انظر : شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 3 / 238 ـ 240 .
(2) انظر : المغني 3 / 90 ، ومجموع فتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26 / 265 ـ 266 .(1/26)
الدليل الحادي عشر :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع عن سفيان عن حجاج قال : سألت عطاء عن العمرة في الشهر مرتين قال : لا بأس (1) .
الدليل الثاني عشر :
عن أبي هريرة أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (2) .
الدليل الثالث عشر :
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة ) (3) .
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12732 ) 3 / 129 ، وذكره ابن قدامة في المغني 3 / 90 .
(2) أخرجه البخاري في كتاب العمرة باب العمرة وجوب العمرة وفضلها رقم ( 1773 ) 1 / 537 ، ومسلم في كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة رقم ( 1349 ) 2 / 983 ، والنسائي في كتاب الحج باب فضل الحج المبرور رقم ( 2622 ) 5 / 112 ، وباب فضل العمرة رقم ( 2629 ) 5 / 115 ، وابن ماجة في كتاب الحج باب فضل الحج والعمرة رقم ( 2888 ) 2 / 964 ، ومالك في الموطإ رقم ( 767 ) 1 / 346 ، وأحمد 3 / 447 ، وابن أبي شيبة رقم ( 12639 ) 3 / 120 ، وأبو يعلى رقم ( 6657 ) 12 / 11 ، وابن خزيمة رقم ( 2513 ) 4 / 131 ، ورقم ( 3072 ) 4 / 359 ، وأبو نعيم في المسند المستخرج على صحيح مسلم رقم ( 3139 ) 4 / 27 ، والطبراني في الأوسط رقم ( 905 ) 1 / 278 ، ورقم ( 1704 ) 2 / 198 ، ورقم ( 4432 ) 4 / 359 ، ورقم ( 4543 ) 5 / 15 ، ورقم ( 6955 ) 7 / 94 ، والضياء المقدسي في الأحاديث المختارة رقم ( 224 ) 8 / 295 ، والبيهقي في السنن الكبرى 5 / 261 ، وابن عبد البر في التمهيد 22 / 38 ، 212 .
(3) سبق تخريجه في المطلب الأول : فضل العمرة .(1/27)
الدليل الرابع عشر :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا يحيى بن سعيد عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر أنه سئل عن العمرة بعد الحج أيام التشريق فلم ير بها بأساً وقال : ليس فيها هدي (1) .
الدليل الخامس عشر :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن فضيل عن ليث عن مجاهد قال سئل عن العمرة بعد الحج فقال هي خير من لا شيء ، وسئلت عائشة فقالت على قدر النفقة والمشقة ، وسئل علي فقال : هي خير من مثقال ذرة (2) .
الدليل السادس عشر :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن علية عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قال قال علي - رضي الله عنه - : في كل شهر عمرة (3) .
الدليل السابع عشر :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا عبدة بن سليمان عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال كانت عائشة تعتمر في آخر ذي الحجة (4) .
الدليل الثامن عشر :
قال الشافعي : أخبرنا بن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال :كنا مع أنس بن مالك بمكة فكان إذا حمم رأسه خرج فاعتمر(5) .
الدليل التاسع عشر :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن عيينة عن ابن أبي حسين عن بعض ولد أنس بن مالك قال : كان النضر بن مالك يقيم ها هنا بمكة فلما حمل رأسه خرج فاعتمر (6) .
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (13017) 3 / 158.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (13018) 3 / 158، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 26 / 268 .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم ( 12725 ) 3 / 158، وذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 26 / 268 .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (13019) 3 / 158.
(5) أخرجه الشافعي في مسنده 1 / 113 ، وفي الأم 2 / 135 ، والبيهقي في السنن الكبرى 4 / 344 .
(6) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12727 ) 3 / 129 .(1/28)
الدليل العشرون :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا ابن فضيل عن حصين قال : سألت سعيد بن جبير عن العمرة بعد الحج بستة أيام فقال : اعتمر إن شئت . (1)
الدليل الحادي والعشرون :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا حميد بن عبد الرحمن الرواسي عن أبيه عن جعفر بن نجيح قال سأل رجل طاوساً فقال إني تعجلت في يومين فأعتمر قال نعم(2) .
الدليل الثاني والعشرون :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا حفص عن ليث عن طاووس أنه سئل عن العمرة فقال إذا مضت أيام التشريق فاعتمر متى شئت إلى قابل (3) .
الدليل الثالث والعشرون :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا عباد عن سعيد عن قتادة عن عكرمة قال اعتمر ما أمكنك (4) .
الدليل الرابع والعشرون :
قال عكرمة : يعتمر إذا أمكن الموسى من شعره (5) .
الدليل الخامس والعشرون :
قال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - : يعتمر في كل شهر مرة ، وروي أنه كان يعتمركل يوم (6)
الدليل السادس والعشرون :
روي عن ابن عمر أنه كان يعتمر كل يوم من أيام ابن الزبير ، وروي عنه أنه اعتمر ألف عمرة (7)
قال الحطاب بعد نقله عن ابن عمر - رضي الله عنه - هذا الأثر : مدافعاً عن المذهب في تكرار العمرة في السنة الواحدة : يحتمل أنه فعل ذلك قضاء لنذر أو لوجه آخر رآه (8) .
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم (13020) 3 / 158.
(2) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف رقم ( 13021 ) 3 / 158.
(3) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12724 ) 3 / 129 .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12726 ) 3 / 129 .
(5) انظر : المغني 3 / 90
(6) انظر : المغني 3 / 90 ، ومواهب الجليل شرح خليل للحطاب 2 / 467 .
(7) انظر : مواهب الجليل 2 / 467 .
(8) انظر : مواهب الجليل 2 / 467 .(1/29)
الدليل السابع والعشرون :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا علي بن مسهر عن قتادة عن عبادة عن معاوية عن عائشة قالت : حلت العمرة الدهر إلا ثلاثة أيام يوم النحر ويومين من أيام التشريق . (1)
وجه الدلالة :
دلت هذه الأحاديث والآثار على الآتي :
1 - أن ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل وأفضله التنعيم : لأمر النبي صلى الله عليه وسلم عائشة بذلك ، وقوله صلى الله عليه وسلم : ( انتظري فإذا طهرت فاخرجي إلى التنعيم فأهلي ) يدل على أن التنعيم ميقات للعمرة لمن كان بمكة ، سواء من أهلها أو من غيرهم وطرأت عليه نية العمرة وهو بها كما هو حال عائشة رضي الله عنها لأنها لم تكن من أهل مكة وإنما كانت آفاقية قدمت من المدينة لأجل الحج وطرأت عليها نية العمرة .
2 - الترغيب في الإكثار من الاعتمار وأنه كفارة لما بين العمرتين .
3 - جواز تكرارها بعد فريضة الحج أو العمرة كما فعلت عائشة رضي الله عنها : فإنها اعتمرت من التنعيم بعد تحللها من الحج والعمرة معاً : لأنها كانت قارنة .
4 - الترغيب في الإكثار من الحج والعمرة وأنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وأنهما من مكفرات الذنوب .
قال الحافظ ابن حجر : وبعد أن فعلته عائشة بأمره صلى الله عليه وسلم دل ذلك على مشروعيته (2) .
5 - أن الأجر على قدر النصب والنفقة ، وأن وقتها الدهر إلا ثلاثة أيام يوم النحر ويومي التشريق : وهذا بالنسبة للحاج ، وأما غير الحاج فوقتها الدهر كله .
6 - قال اللخمي : لا أرى أن يُمنع أحد من أن يتقرب إلى الله بشيء من الطاعات ولا من الازدياد من الخيرفي موضع لم يأت بالمنع منه نص (3) .
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12723 ) 3 / 128 .
(2) انظر : فتح الباري لابن حجر 3 / 606 ، ونيل الأوطار للشوكاني 5 / 26 .
(3) انظر : مواهب الجليل شرح خليل للحطاب 2 / 467 .(1/30)
قال الحافظ : وقال النووي : ظاهر الحديث أن الثواب والفضل في العبادة يكثر بكثرة النصب والنفقة وهو كما قال لكن ليس ذلك بمطرد فقد يكون بعض العبادة أخف من بعض وهو أكثر فضلا وثوابا بالنسبة إلى الزمان كقيام ليلة القدر بالنسبة لقيام ليال من رمضان غيرها وبالنسبة للمكان كصلاة ركعتين في المسجد الحرام بالنسبة لصلاة ركعات في غيره وبالنسبة إلى شرف العبادة المالية والبدنية كصلاة الفريضة بالنسبة إلى أكثر من عدد ركعاتها ، أو أطول من قراءتها ونحو ذلك من صلاة النافلة وكدرهم من الزكاة بالنسبة إلى أكثر منه من التطوع أشار إلى ذلك ابن عبد السلام في القواعد قال وقد كانت الصلاة قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وهي شاقة على غيره وليست صلاة غيره مع مشقتها مساوية لصلاته مطلقا (1) .
استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي :
الدليل الأول :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا أبو الأحوص عن أبي يعفور قال سألت ابن عمر عن العمرة بعد الحج فقال إن ناساً يفعلون ذلك ولأن اعتمر في غير ذي الحجة أحب إلي من أن اعتمر في ذي الحجة ، (2)
الدليل الثاني :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا عبد السلام بن حرب عن خصيف عن عطاء وطاوس ومجاهد قالوا : لا عمرة إلا عمرة ابتدأت بها من أهلك ولا بعد الصدور قال سعيد بن جبير : إن رجع إلى ميقات أهله فاعتمر رجوت أن يكون عمرة (3) .
الدليل الثالث :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا حفص عن ليث عن عطاء وطاوس ومجاهد أنهم كرهوا العمرة بعد الحج قالوا : لا يجزي ولا هي وقالوا : الطواف بالبيت والصلاة أفضل . (4)
__________
(1) انظر : فتح الباري 3 / 611 .
(2) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 13022 ( 3 / 158 .
(3) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 13023 ) 3 / 158 .
(4) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 13024 ) 3 / 158 .(1/31)
الدليل الرابع :
قال ابن قدامة : وقد اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم أربع عمر في أربع سفرات لم يزد في كل سفرة على عمرة واحدة ولا أحد ممن معه ولم يبلغنا أن أحداً منهم جمع بين عمرتين في سفر واحد معه إلا عائشة حين حاضت فأعمرها من التنعيم لأنها اعتقدت أن عمرة قرانها بطلت ولهذا قالت يا رسول الله يرجع الناس بحج وعمرة وأرجع أنا بحجة فأعمرها لذلك ولو كان في هذا فضل لما اتفقوا على تركه ، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم ينقل عنهم الموالاة بينهما وإنما نقل عنهم إنكار ذلك والحق في اتباعهم (1) .
الدليل الخامس :
قال ابن القيم : أنه لم ينقل أنه - صلى الله عليه وسلم - اعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ولا اعتمر بعد الهجرة إلا داخلاً إلى مكة ولم يعتمر قط خارجاً من مكة إلى الحل ثم يدخل مكة بعمرة كما يفعل الناس اليوم ، ولا ثبت عن أحد من الصحابة أنه فعل ذلك في حياته إلا عائشة وحدها (2) .
الدليل السادس :
قال طاووس : ( الذين يعتمرون من التنعيم ما أدري يؤجرون عليها أو يعذبون قيل له : فلم يعذبون ؟ قال : لأنه يدع الطواف بالبيت ويخرج إلى أربعة أميال ويجيء وإلى أن يجيء من أربعة أميال قد طاف مائتي طواف ، وكلما طاف بالبيت كان أفضل من أن يمشي في غير شيء ) (3)
***
__________
(1) انظر : المغني 3 / 89 ـ 90 .
(2) زاد المعاد 2 / 94 ـ 95 ، و فتح الباري 3 / 606 .
(3) انظر : المغني 3 / 91 ، وشرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية 2 / 331 ، ومجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيمية 26 / 265 ، وسبل السلام للصنعاني 2 / 187 .(1/32)
وجه الدلالة :
دلت هذه الآثار على كراهة العمرة بعد الحج أو الموالات بين العمرة والعمرة ، قال ابن القيم : أ ن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتمر مدة إقامته بمكة قبل الهجرة ، ولم يعتمر بعد الهجرة إلا داخلاً إلى مكة ، ولم يعتمر قط خارجاً من مكة إلى الحل ، ولم يفعل ذلك أحد من الصحابة سوى عائشة ، فتبين بهذا أن ذلك خاص بعائشة رضي الله عنها ، ودل كلام طاووس على أن الذي يترك الطواف بالبيت ويذهب إلى التنعيم للعمرة قد لا يؤجر على ذلك وأن الأفضل له الطواف بالبيت أو البقاء عنده ، من الذهاب إلى العمرة .
***(1/33)
المناقشة والترجيح :
بعد النظر في أدلة أصحاب القولين تبين لي ما يأتي :
الأول : أن ما استدل به أصحاب القول الأول صحيح وصريح وهو نص في محل النزاع .
الثاني : أن ما استدل به أصحاب القول الثاني لا ينتهض للاحتجاج لعدة أمور :
الأول منها : لأن الآثار التي استدلوا بها على كراهة العمرة بعد الحج أوكراهة الموالات بين العمرة والعمرة ، عن ابن عمر وعطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير روي عنهم خلاف ذلك من جواز العمرة من التنعيم بعد الحج ومن تكرارها كل يوم كما روي ذلك عن ابن عمر، وقد تقدم ذلك عنهم في أدلة أصحاب القول الأول : وهو الذي يوافق حديث عائشة رضي الله عنها وغيره من النصوص الصحيحة الصريحة في جواز الموالات بين العمرة والعمرة ، والعمرة والحج ، فكان أولى .
الثاني : أن قولي ابن قدامة وابن القيم : أنه لم ينقل عن أحد من الصحابة غير عائشة فيه نظر : لأنه قد ثبتت العمرة من التنعيم -كما تقدم - عن جمع من الصحابة والتابعين ، منهم : علي ، وعائشة ، وابن عباس ، وجابر ، وعبد الله بن الزبير، وأنس بن مالك ، وعكرمة ، وغيرهم وجمع كبير من الصحابة والتابعين ممن كانوا مع عبد الله بن الزبير وقت بنائه للكعبة في أيام خلافته ، والقاسم بن محمد ، ورواية عن عطاء وطاووس ومجاهد وسعيد بن جبير ، وروي تكرارها كل يوم عن ابن عمر كما تقدم .(1/33)
التعقيب على ابن قدامة رحمه الله في قوليه السابقين :
الأول ـ قوله : ( ولأن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه لم ينقل عنهم الموالات بينهما وإنما نقل عنهم إنكار ذلك والحق في اتباعهم )
والثاني ـ قوله : ( ولو كان في هذا فضل لما اتفقوا على تركه )
الجواب عن الأول : أنه لم ينقل عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نهى عن الموالات بين العمرة والعمرة ولا إنكار ذلك ، بل رغب في الإكثار من الإعتمار بقوله ( العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما ) (1)
وبقوله ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد ) (2) وأمر بالموالات بين العمرتين بأمره - صلى الله عليه وسلم - لعائشة رضي الله عنها أن تعتمر من التنعيم بعد عمرتها التي كانت قارنة بها مع الحج (3) . وهذا صريح في جواز الموالات بين العمرة والعمرة، والحق في اتباعه .
وأما الثاني : وهو قوله : (ولو كان في هذا فضل لما اتفقوا على تركه ) الجواب عنه : أنه اتضح بما سبق أنه لا يوجد اتفاق على ترك العمرة من التنعيم ، بل الكل متفق على الجواز : لأن الذين قالوا بالكراهة متفقون على الجواز ، والكراهة لا تنافي الجواز ، ولعل موفق الدين ابن قدامة رحمه الله يقصد بقوله ( اتفقوا على تركه ) : أي تركه أنه نسك من مناسك الحج ، والله أعلم .
وعلى افتراض عدم نقله عن الصحابة ، لا يدل على نفيه ، ولا تعارض به السنة الصحيحة الصريحة الثابتة لأنها حجة بذاتها ، ولاتحتاج إلى عمل أحد كائناً من كان : لأنها كلام المعصوم صلى الله عليه وسلم الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى .
__________
(1) سبق تخريجه في المطلب الأول : فضل العمرة .
(2) سبق تخريجه في المطلب الأول : فضل العمرة .
(3) سبق تخريجه في أدلة المطلب الثاني : حكم الإحرام بالعمرة من التنعيم .(1/34)
الثالث : أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر عائشة بالعمرة من التنعيم ولم يقل أنها خاصة بها كما قال لصاحب الأضحية ولن تجزئ عن أحد بعدك ، والخصوصية لا تثبت بالاحتمال ولا بالإجتهاد .
الرابع : أن ميقات العمرة لمن كان بمكة الحل بالإجماع كما تقدم والتنعيم من أقرب الحل وقد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم أنه محل إحرام للعمرة كما في حديث عائشة وغيره من الآثار فما هو المانع الشرعي من ذلك ؟.
الخامس : إقرار العلامة ابن القيم في كلامه أن ذلك من فعل الناس اليوم : أي في وقته ، وهذا قد يكون إجماعاً أو اتفاقاً من غير نكير وهذا مما يحتج به لأصحاب القول الأول .
قال النووي : واحتج الشافعي والأصحاب وابن المنذر وخلائق على جواز تكرار العمرة : بما ثبت في الحديث الصحيح أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بعمرة عام حجة الوداع، فحاضت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بحج ففعلت، وصارت قارنة ووقفت المواقف، فلما طهرت طافت وسعت فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حللت من حجك وعمرتك، فطلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعمرها عمرة أخرى، فأذن لها فاعتمرت من التنعيم عمرة أخرى» (1) فدل هذا على جواز تكرار العمرة بعد العمرة مطلقاً من غير تحديد للزمن ، وقال الشافعي : من قال لا يعتمر في السنة إلاّ مرة واحدة مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم : يعني حديث عائشة رضي الله عنه (2) .
__________
(1) انظر : المجموع للنووي 7 / 116 .
(2) انظر : المجموع للنووي 7 / 117 .(1/35)
قال أبو عمر ابن عبد البر : لا أعلم لمن كره العمرة في السنة مرارا حجة من كتاب ولا سنة يجب التسليم لمثلها والعمرة فعل خير وقد قال الله عز : { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون َ } (1) فواجب استعمال عموم ذلك والندب إليه حتى يمنع منه ما يجب التسليم به (2) .
قال اللخمي : لا أرى أن يُمنع أحد من أن يتقرب إلى الله بشيء من الطاعات ولا من الازدياد من الخير في موضع لم يأت بالمنع منه نص (3)
__________
(1) سورة الحج من الآية ( 77 ) .
(2) انظر : التمهيد 20 / 20 .
(3) انظر : مواهب الجليل شرح خليل للحطاب 2 / 467 .(1/36)
السادس : تفضيل الطواف بالبيت والبقاء عنده على الذهاب إلى الإحرام بالعمرة من التنعيم كما نص عليه طاووس في روايته ، وجعله حجة على كراهة العمرة من التنعيم ، يحتاج إلى دليل ،
قال السيوطي : ومسألة التفضيل بين الطواف والعمرة مختلف فيها ، وألف فيها المحب الطبري كتاباً قال فيه : ذهب قوم من أهل عصرنا إلى تفضيل العمرة ورأوا أن الاشتغال بها أفضل من الطواف وذلك خطأ ظاهر وأدل دليل على خطئه مخالفة السلف الصالح فإنه لم ينقل تكرار العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة والتابعين ، وقد روى الأزرقي أن عمر بن عبدالعزيز سأل أنس بن مالك الطواف أفضل أم العمرة فقال : الطواف ، وقد ذهب أحمد إلى كراهة تكرارها في العام ولم يذهب أحد إلى كراهة تكرار الطواف بل أجمعوا على استحبابه ، وهذا الذي اختاره من يفضل الطواف عليها هو الذي نصره ابن عبد السلام وأبو شامة وحكى بعضهم في التفضيل بينهما احتمالات . ثالثها إن استغرق زمان الاعتمار فالطواف أفضل وإلا فهي أفضل ، وقال : يحتمل أن يقال إن حكاية الخلاف في التفضيل لا تتحقق فإنه إنما يقع بين متساويين في الوجوب والندب فلا تفضيل بين واجب ومندوب ، ولا شك أن العمرة لا تقع من المتطوع إلا فرض كفاية ، والكلام في الطواف المسنون نعم إن قلنا إن إحياء الكعبة يحصل بالطواف كما يحصل بالحج والاعتمار وقع الطواف أيضا فرض كفاية لكنه بعيد ، قال : وقال المحب الطبري : والمراد بكون الطواف أفضل الإكثار منه دون أسبوع واحد فإنه موجود في العمرة وزيادة قلت : ونظيره ما في شرح المهذب أن قولنا الصلاة أفضل من الصوم المراد به الإكثار منها بحيث تكون غالبة عليه وإلا فصوم يوم أفضل من صلاة ركعتين بلا شك (1)
__________
(1) انظر : الأشباه والنظائر للسيوطي 1 / 412 ـ 413 .(1/37)
التعقيب على كلام المحب الطبري في قوله : ( لم ينقل تكرار العمرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة والتابعين )
قلت :
فيه نظر : لأن الأحاديث الصحيحة الصريحة المتقدمة في أمره - صلى الله عليه وسلم - لعائشة بالإعتمار من التنعيم بعد تحللها من الحج والعمرة التي كانت قارنة معه ، والآثار الكثيرة المتقدمة عن الصحابة والتابعين الدالة على جواز الموالات بين العمرة والعمرة ، والعمرة والحج : فهي صريحة في تكرار العمرة مطلقاً ، وهوخلاف ما ذهب إليه المحب الطبري في كلامه المتقدم .
وأما ترجيحه لأفضلية الطواف أو البقاء عند البيت على العمرة فغير واضح ، لأن التفضيل يحتاج إلى دليل ، ولا مجال فيه للرأي ولا الإجتهاد .
ولا شك أن كون المسلم محرماً بالنسك ومتلبساً بالعبادة أفضل من كونه حلالاً يطوف بالبيت أو باقياً عنده ، لأن في ذهابه إلى الميقات وإيابه متلبساً بنسك العمرة زيادة عمل في طاعة وزد على ذلك باقي أعمال العمرة من طواف وسعي وحلق ، فبهذا : الذي يترجح عندي هو أن العمرة أفضل من الطواف أو البقاء عند البيت خلافاً لما ذهب إليه المحب الطبري في كلامه المتقدم وذلك : لأن الأرض لا تقدس أحداً كما قال سلمان لأبي الدرداء لما كتب له يقول : هلم إلى الأرض المقدسة فكتب إليه سلمان ( إن الأرض لا تقدس أحداً ولا تطهره من ذنوبه ولا ترفعه إلى أعلى الدرجات ، وإنما يقدس الإنسان عمله الصالح في أي مكان ) (1) .
وبهذا يتبين لي رجحان : ما ذهب إليه أصحاب القول الأول : من جواز الإحرام بالعمرة من التنعيم لمن كان بمكة سواء من أهلها أو ممن قدم إليها من الآفاق وطرأت عليه نية العمرة وهو بها كما هو الحال في غيرها من الحل الذي دون المواقيت فإنه يحرم من مكانه الذي طرأت عليه فيه نية العمرة ، للأدلة الصحيحة الصريحة التي استدلوا بها والله تعالى أعلم .
__________
(1) انظر: صفوة الصفوة لابن الجوزي 1 / 548 ، وشرح الزرقاني 4 / 93 ، ومجموع فتاوى ابن تيمية 27 / 45 ، ومغني المحتاج للشربيني 4 / 372 .(1/38)
المطلب الثالث : حكم تكرار العمرة في العام الواحد أكثر من مرة :
اختلف العلماء فيه على قولين ،
القول الأول : أن تكرار العمرة في السنة جائز روي ذلك عن جمع من الصحابة والتابعين وغيرهم ، منهم : علي ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأنس ، وعائشة ، وعطاء ، وطاووس ، وعكرمة ، (1) وهو مذهب أبي حنيفة ، (2) والشافعي ، (3) وأحمد ، (4) وجمهور العلماء من السلف والخلف، (5) ورواية عن مالك وهو اختيار مطرف وابن الماجشون وابن المواز ، وابن حبيب من المالكية ، وقال ابن حبيب : لا بأس بها في كل شهر (6)
القول الثاني :
يكره تكرار العمرة في السنة الواحدة أكثر من مرة ، روي ذلك عن الحسن البصري ، ومحمد بن سيرين ، (7) وهو المشهور من مذهب مالك ، (8) .
استدل أصحاب القول الأول بما يأتي :
الدليل الأول :
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة (9) .
__________
(1) المغني لابن قدامة 3 / 90 ، والمجموع للنووي 7 / 116 .
(2) انظر : حاشية ابن عابدين 2 / 585 ، والمبسوط 4 / 178 وفتح القدير 3 / 137 .
(3) انظر : الأم 2 / 135 ، والمجموع 7 / 116 ، ومغني المحتاج 1 / 472 .
(4) انظر : المغني 3 / 90 ، وكشاف القناع 2 / 520 .
(5) انظر : المجموع 7 / 116 .
(6) انظر : مواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب 2 / 467 .
(7) انظر: مصنف ابن أبي شيبة رقم ( 12733 ) و ( 12729 ) 3 / 129 ، والمغني لابن قدامة 3 / 90 ، والمجموع للنووي 7 / 116 .
(8) انظر : مواهب الجليل 2 / 467 ـ 478 ، وحاشية العدوي 1 / 650 .
(9) سبق تخريجه في المطلب الأول فضل العمرة .(1/39)
الدليل الثاني :
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة وليس للحجة المبرورة ثواب دون الجنة ) (1)
وجه الدلالة إن هذين الحديثين دلا على الترغيب في الإكثار من الحج والعمرة وأن ذلك ينفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة ، وأن فعل العمرة بعد العمرة مكفراً لما بينهما من الذنوب ، ولم يبين تحديد الزمن الذي يكون بين العمرتين ، ولم يقيد العمرتين بزمان : فدل ذلك على أنه غير معتبر وإنما العبرة بالعمرة بعد العمرة والاكثار من الاعتمار . الدليل الثالث : عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع فأهللنا بعمرة ، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
( من كان معه هدي فليهلل بالحج والعمرة ، ثم لا يحل حتى يحل منهما جميعاً ) قالت فطاف الذين أهلوا بالعمرة بالبيت وبين الصفا والمروة ، ثم أحلوا ثم طافوا طوافاً آخر بعد أن رجعوا من منى لحجهم وأما الذين أهلوا بالحج وجمعوا بين الحج والعمرة فإنما طافوا طوافاً واحداً قالت : فقدمت مكة وأنا حائض لم أطف بالبيت ، ولا بين الصفا والمروة فشكوت ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : انقضي رأسك ، وامتشطي ، وأهلي بالحج ، ودعي العمرة ، قالت : ففعلت فلما قضينا الحج أرسلني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع عبد الرحمن بن أبي بكر إلى التنعيم فاعتمرت فقال : ( هذه مكان عمرتك ) (2)
***
__________
(1) سبق تخريجه في المطلب الأول : فضل العمرة .
(2) سبق تخريجه في المطلب الثاني حكم العمرة من التنعيم .(1/40)
وجه الدلالة :
دل هذا الحديث على جواز تكرار العمرة ، قال ابن قدامة : لأن عائشة رضي الله عنها اعتمرت في شهر مرتين بأمر النبي صلى الله عليه وسلم عمرة مع قرانها وعمرة بعد حجها (1) .
قال النووي : واحتج الشافعي والأصحاب وابن المنذر وخلائق على جواز تكرار العمرة : بما ثبت في الحديث الصحيح أن عائشة رضي الله عنها أحرمت بعمرة عام حجة الوداع، فحاضت، فأمرها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تحرم بحج ففعلت، وصارت قارنة ووقفت المواقف، فلما طهرت طافت وسعت فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - قد حللت من حجك وعمرتك، فطلبت من النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يعمرها عمرة أخرى، فأذن لها فاعتمرت من التنعيم عمرة أخرى» (2) فدل هذا على جواز تكرار العمرة مطلقاً من غير تحديد للزمن .
قال الشافعي : من قال لا يعتمر في السنة إلاّ مرة واحدة مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حديث عائشة ، (3)
__________
(1) انظر : المغني لابن قدامة 3 / 90 .
(2) انظر : المجموع للنووي 7 / 116 .
(3) انظر : المجموع للنووي 7 / 117 .(1/41)
قال أبو عمر ابن عبد البر : لا أعلم لمن كره العمرة في السنة مراراً حجة من كتاب ولا سنة يجب التسليم لمثلها والعمرة فعل خير وقد قال الله عز وجل : { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (1) فواجب استعمال عموم ذلك والندب إليه حتى يمنع منه ما يجب التسليم به (2) . قال اللخمي : لا أرى أن يُمنع أحد من أن يتقرب إلى الله بشيء من الطاعات ولا من الإزدياد من الخير في موضع لم يأت بالمنع منه نص (3) . الدليل الرابع : قال ابن عبد البر : أخبرنا ابن عيينة عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال اعتمرت عائشة في سنة ثلاث مرات من الجحفة مرة ومرة من التنعيم ومرة من ذي الحليفة (4) .
الدليل الخامس :
قال النووي : واحتج أيضاً بالقياس على الصلاة فقالوا : عبادة غير مؤقتة ، فلم يكره تكرارها في السنة كالصلاة (5) .
استدل أصحاب القول الثاني بما يأتي :
الدليل الأول :
لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في السنة مرتين مع قدرته على ذلك (6)
الدليل الثاني :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا يحيى بن سعيد عن عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر أنه كان يعتمر في كل سنة عمرة إلا عام القتال فإنه اعتمر في شوال وفي رجب (7) .
الدليل الثالث :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا أزهر السمان عن ابن عون عن محمد ( بن سيرين ) قال كان لا يرى العمرة إلا في السنة مرة (8) .
__________
(1) سورة الحج من الآية ( 77 ) .
(2) انظر : التمهيد لابن عبد البر 20 / 20 .
(3) انظر : مواهب الجليل شرح خليل للحطاب 2 / 467 .
(4) التمهيد 20 / 19 .
(5) انظر : المجموع للنووي 7 / 117 .
(6) انظر : التمهيد لابن عبد البر 20 / 19 ، ومواهب الجليل شرح مختصر خليل للحطاب 2 / 467 ، والمغني لابن قدامة 3 / 90 .
(7) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12728 ) 3 / 129 .
(8) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12729 ) 3 / 129 ، والتمهيد 20 / 19 .(1/42)
الدليل الرابع :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا وكيع عن سفيان عن منصور عن إبراهيم النخعي قال ما كانوا يعتمرون في السنة إلا مرة واحدة (1) .
الدليل الخامس :
قال ابن أبي شيبة : حدثنا حفص بن غياث عن عمرو قال كان الحسن البصري لا يرى العمرة إلا في كل سنة (2) .
الدليل السادس :
قال ابن عبد البر: ومن حجته أيضا في ذلك : أي مالك في كراهة تكرار العمرة في السنة الواحدة : أن عائشة رضي الله عنها كانت في آخر أمرها إذا حجت بقيت بمكة حتى يهل المحرَّم ثم تخرج من مكة إلى الميقات فتهل منه بعمرة فكان يقع حجها في عام واحد وعمرتها في عام آخر (3)
الدليل السابع :
القياس على الحج : لأنها عبادة تشتمل على الطواف والسعي فلا تفعل في السنة إلامرة واحدة كالحج ، (4)
***
وجه الدلالة :
دلت هذه الآثار وغيرها من الأدلة على كراهة تكرار العمرة في السنة الواحدة أكثر من مرة .
***
__________
(1) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12731 ) 3 / 129 .
(2) أخرجه ابن أبي شيبة رقم ( 12733 ) 3 / 129 .
(3) انظر : التمهيد 20 / 19 .
(4) انظر : المجموع للنووي 7 / 116 .(1/43)
المناقشة والترجيح :
بعد النظر في أدلة أصحاب القولين تبين لي ما يأتي :
الأول : أن ما استدل به أصحاب القول الأول صريح وهو نص في محل النزاع .
الثاني : أن ما استدل به أصحاب القول الثاني من أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في العام الواحد إلا مرة واحدة ، قال الصنعاني : وأجيب عنه بأنه علم من أحواله صلى الله عليه وسلم أنه كان يترك الشيء وهو يستحب فعله ليرفع المشقة عن الأمة ، وقد ندب إلى ذلك بالقول في قوله ( العمرة إلى العمرة ) دليل على تكرار العمرة وأنه لا كراهة في ذلك ولا تحديد بوقت وظاهر الحديث عموم الأوقات في شرعيتها (1) .
قال الشافعي : من قال لا يعتمر في السنة إلاّ مرة واحدة مخالف لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني حديث عائشة (2) .
__________
(1) انظر : سبل السلام 2 / 178 .
(2) انظر : المجموع للنووي 7 / 117 .(1/44)
قال أبو عمر ابن عبد البر : لا أعلم لمن كره العمرة في السنة مراراً حُجةً من كتاب ولا سنة يجب التسليم لمثلها والعمرة فعل خير وقد قال الله عز وجل : { وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } (1) فواجب استعمال عموم ذلك والندب إليه حتى يمنع منه ما يجب التسليم به ، (2) قلت : ولأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي أمر عائشة رضي الله عنها بالإعتمار مرتين في عام واحد بل في وقت واحد ليس بينهما إلا التحلل ،(3) ورغب في الإكثار من الاعتمار بقوله (العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما) (4) وأما استدلالهم بقياس العمرة على الحج فلا ينتهض للاحتجاج : لأنه قياس مع الفارق وفي مقابل النص وهو فاسد الاعتبار ، ومن الفوارق بين الحج والعمرة : أن الحج مقيد بزمن معين والعمرة بخلاف ذلك ، وأما الآثار التي رويت عن ابن عمر وإبراهيم النخعي ومحمد بن سيرين والحسن البصري من كراهية تكرار العمرة في السنة الواحدة ، فلا حجة فيها أيضاً لعدة أمور : منها أن ابن عمر تقدم عنه خلاف ذلك من اعتماره كل يوم في أيام ابن الزبير ، ومن جواز تكرار العمرة عنده في السنة أكثر من مرة ،
الثاني : أن قول محمد بن سيرين والحسن البصري وإبراهيم النخعي رحمهم الله بكراهة تكرير العمرة في السنة الواحدة أكثر من مرة لاتعارض به السنة الصحيحة الصريحة في ترغيبه صلى الله عليه وسلم في الإكثار من الاعتمار ، والسنة حجة بذاتها فلا تعارض بعمل أحد كائناً من كان : لأنها كلام المعصوم الذي ما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ، ولهذا جرى عمل الصحابة وأكثر التابعين وجمهور الأمة من السلف والخلف كما تقدم على جواز تكرار العمرة في السنة الواحدة أكثر من مرة .
__________
(1) سورة الحج من الآية ( 77 ) .
(2) التمهيد 20 / 20 .
(3) سبق تخريجه في المطلب الثاني : حكم العمرة من التنعيم .
(4) سبق تخريجه في المطلب الأول : فضل العمرة .(1/45)
وبهذا يتبين لي رجحان ما ذهب إليه أصحاب القول الأول من جواز تكرار العمرة في السنة الواحدة أكثر من مرة للأدلة الصحيحة الصريحة التي استدلوا بها والله تعالى أعلم .
وإلى هنا انتهى ما أردت جمعه :
وهو بحث ( نضرة النعيم *** في حكم العمرة من التنعيم )
أسأل الله عز وجل أن يرينا الحق حقاً ويرزقنا اتباعه والباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه ، وأن يجعله خالصاً لوجهه الكريم وأن ينفع به من قرأه إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
جمعه وكتبه
أبو عبد الله
محمد بن محمد المصطفى
المدينة النبوية ، مكتبة المسجد النبوي ، قسم البحث والترجمة .
16/ 6 / 1423 هـ(1/46)
الخاتمة :
وأهم النتائج التي توصلت إليها هي الآتية :
أ ـ فضل العمرة وأنها من مكفرات الذنوب لما بين العمرتين ، وأنها جهاد الكبير والضعيف والمرأة ،
ب ـ الترغيب في الإكثار من الحج والعمرة وأنهما ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد والذهب والفضة .
ج ـ أن المعتمر من وفود الله الذين دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم .
د ـ جواز الإحرام بالعمرة من التنعيم لمن كان بمكة سواء من أهلها أو ممن قدموا عليها من الآفاق وطرأت عليه نية العمرة .
هـ ـ ثبوت الإحرام بالعمرة من التنعيم عن جمع من الصحابة والتابعين وغيرهم من العلماء والرد على من نفى ذلك .
و ـ جواز تكرار العمرة في السنة الواحدة أكثر من مرة والرد على من كره ذلك .(1/46)
فهرس الموضوعات
لكتاب نضرة النعيم في ** حكم العمرة من التنعيم
تقاريظ لبعض المشايخ الأفاضل ============= ص 1 ـ 4 .
المقدمة : ======================= ص 5 ــ 6 .
التمهيد : ======================= ص 7 ـ 11 .
المنهج المتبع في البحث : ============== ص 11 ـ 12 .
خطة البحث : ======================= ص 13 .
المطلب الأول : فضل العمرة والنصوص الواردة في ذلك == ص 14 .
المطلب الثاني : حكم الإحرام بالعمرة من التنعيم لمن كان بمكة سواء من أهل مكة أو من غيرهم ومذاهب العلماء في ذلك وأدلتهم == ص 19 .
التعقيب : على من قال : بإسقاط العمرة عن أهل مكة === ص 26 .
أدلة أصحاب القول الأول : ============ ص 27 ـ 42 .
أدلة أصحاب القول الثاني : ============ ص 43 ـ 46 .
التعقيب : على ابن قدامة في الموالات بين العمرتين = ص 47 ـ 48 .
مناقشة : أدلة الفريقين وتبيين ما هو الراجح من ذلك= ص 46 ـ 54 .
المفاضلة بين الطواف والذهاب إلى العمرة : ===== ص 52 ـ 53 .
التعقيب : على المحب الطبري في كراهة تكرار العمرة ، وتفضيل الطواف على العمرة . ==================== ص 53 ـ 54 .
المطلب الثالث : حكم تكرار العمرة في العام الواحد أكثر من مرة ومذاهب العلماء في ذلك وأدلتهم ========= ص 55 ـ 56 .
أدلة أصحاب القول الأول : ============ ص 56 ـ 61 .
أدلة أصحاب القول الثاني : ============= ص 61 ـ 63 .
مناقشة أدلة الفريقين وتبيين ما هو الراجح ===== ص 64 ـ 66 .
الخاتمة : وأهم النتائج التي توصلت إليها ========== ص 67 .
قائمة: بأسماء المراجع التي رجعت إليها ======= ص 70 ـ 76 .(1/47)
((قائمة بأسماء مصادر كتاب نضرة النعيم في حكم العمرة من التنعيم مرتبة على حروف الهجاء))
الأحاديث المختارة للضياء المقدسي ، بيروت ، ط 4 ، دار خضير 1421 هـ
الأربعون للنووي ، بيروت ، ط 7 ، مؤسسة الرسالة 1400 هـ .
إرواء الغليل للألباني ، بيروت ، المكتب الإسلامي 1399 هـ .
الاستذكار لابن عبد البر ،ط1 ، دمشق ، دار قتيبة 1414 هـ
الاستيعاب لابن عبد البر،بيروت ، دار الجيل 1412هـ
الأشباه والنظائر ، للسيوطي ، ط ، الأولى ، بيروت ، دار الكتب العلمية 1403 هـ .
الإصابة لابن حجر ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ، الرياض ، المطابع الأهلية 1403 هـ
الأم للشافعي ، بيروت ، ط 2 ، دار المعرفة 1393 هـ(1/47)
الإنصاف للمرداوي ، القاهرة ، مطبعة السنة المحمدية 1374 هـ .
بدائع الصنائع للكاساني ، بيروت ، دار الكتب 1418 هـ
البداية والنهاية لابن كثير ، بيروت ، ط 2 ، دار الكتب العلمية 1418 هـ
البناية شرح الهداية للعيني ، بيروت ، دار الفكر .
التاج والإكليل للمواق ، القاهرة ، مطبعة السعادة 1328 هـ
تاريخ أسماء الثقات لابن شاهين ، الكويت ، الدار السلفية 1404 هـ
تاريخ واسط لبحشل ، بيروت ، عالم الكتب 1406 هـ
التاريخ الكبير للبخاري ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
الترغيب والترهيب للمنذري ، القاهرة ، إدارة الطباعة المنيرية .
تلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني ، القاهرة ، مؤسسة قرطبة 1416 هـ
التمهيد لابن عبد البر ، الرباط ، ط 2 ، وزارة الأوقاف 1402 هـ .
الثقات لابن حبان ، حيد آباد ، دائرة المعارف العثمانية .
جامع العلم وفضله لابن عبد البر ، بيروت ، دار الكتب العلمية ، 1398 هـ
جامع البيان ( تفسير ابن جرير الطبري ) القاهرة ، دار المعارف 1400 هـ
الجرح والتعديل لابن أبي حاتم بيروت ، دار الكتب العلمية 1371 هـ
حاشية ابن عابدين ، القاهرة ، مطبعة بولاق 1299 هـ
حاشية البناني على الزرقاني ، بيروت ، دار الفكر ، 1307 هـ
حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، القاهرة ،المطبعة الأزهرية 1345 هـ
الخرشي على مختصر خليل ، بيروت ، دار الكتب العلمية 1417 هـ
روضة الطالبين للنووي ، بيروت المكتب الإسلامي 1412 هـ
زاد المسلم فيما اتفق عليه البخاري ومسلم لمحمد حبيب الله بن ما يأبى ، بيروت دار إحياء التراث العربي .
زاد المعاد لابن القيم ، بيروت ، ط 8 ، مؤسسة الرسالة 1405 هـ .
السنة لابن أبي عاصم ، بيروت ، المكتب الإسلامي 1400 هـ
سنن ابن ماجة ، بيروت ، دار إحياء التراث العربي 1395 هـ
سنن أبي داوود ، بيروت ، ط 1 ، دار ابن حزم 1418 هـ .(1/48)
سنن الترمذي ، القاهرة ، ط 2 ، مكتبة الحلبي 1398 هـ .
سنن الدار قطني ، بيروت ، ط2 ، عالم الكتب 1403 هـ .
سنن الدار مي ، بيروت ، دار إحياء السنة .
سنن سعيد بن منصور ، الرياض ، دار العصيمي 1414 هـ
السنن الكبرى للبيهقي ، بيروت ، دار المعرفة 1413 هـ
السنن الكبرى للنسائي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة 1421 هـ
سنن النسائي ، ( المجتبى ) ، بيروت ، دار المعرفة 1411 هـ .
شرح الزرقاني على الموطأ ، بيروت ، دار المعرفة 1409 هـ .
شرح السنة للبغوي ، بيروت ، المكتب الإسلامي 1390 هـ
شرح معاني الآثار للطحاوي ، القاهرة ، مطبعة الأنوار المحمدية .
شرح العمدة لشيخ الإسلام ابن تيمية ، الرياض ، مكتبة العبيكان ، ط ، الأولى 1413 هـ
شعب الإيمان للبيهقي ، بيروت ، دار الكتب العلمية 1410 هـ
الطبقات الكبرى لابن سعد ، بيروت ، دار صادر .
صحيح ابن حبان ، بيروت ، ط 1 ، مؤسسة الرسالة 1408 هـ
صحيح ابن خزيمة ، بيروت ، المكتب الإسلامي 1400 هـ
صحيح البخاري ، القاهرة ، ط 1 ، المطبعة السلفية 1403 هـ
صحيح الجامع للألباني ، بيروت ، ط 3 ، المكتب الإسلامي 1408 هـ
صحيح سنن ابن ماجة للألباني ، الرياض ، مكتبة المعارف 1419 هـ
صحيح سنن النسائي للألباني ، الرياض ، مكتبة المعارف 1419 هـ
صحيح مسلم ، القاهرة ، ط 1 ، دار الحديث ، 1412 هـ
صفة الصفوة لابن الجوزي ، بيروت ، دار المعرفة ، ط 3 ، 1405 هـ
ضعيف سنن أبي داوود للألباني ، بيروت ، المكتب الإسلامي 1412 هـ
ضعيف سنن ابن ماجة للألباني ، بيروت ، مكتب التربية ، 1408 هـ
ضعيف سنن الترمذي للألباني ، بيروت ، المكتب الإسلامي 1411 هـ
ضعيف سنن النسائي للألباني ، بيروت ، المكتب الإسلامي 1411 هـ
الفردوس بمأثور الخطاب للديلمي ، بيروت ، دار الكتب العلمية 1406 هـ
الفواكه الدواني للنفراوي ، بيروت ، دار الفكر .
فيض القدير للمناوي ، بيروت ، دار المعرفة 1404 هـ(1/49)
كشاف القناع للبهوتي ، الرياض ، مكتبة النصر الحديثة .
المبدع شرح المقنع لابن مفلح ، دمشق ، المكتب الإسلامي 1399 هـ
المبسوط للسرخسي ، بيروت ، ط 3 ، دار المعرفة 1398 هـ
مجمع البحرين للهيثمي ، الرياض ، مكتبة الرشد 1413 هـ
مجمع الزوائد للهيثمي ، بيروت ، ط 3، دار الكتاب العربي 1402 هـ
المجموع شرح المهذب للنووي ، بيروت ، دار الفكر 1417 هـ
مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ، الرباط ، مكتبة المعارف 1401 هـ
المحلى لابن حزم ، بيروت ، دار الفكر .
المدونة الكبرى لمالك بن أنس ، بيروت ، دار صادر .
المسائل الفقهية لأبي يعلى ، الرياض ، مكتبة المعارف 1405 هـ
المستدرك للحاكم ، بيروت ، دار الكتب العلمية .
مسند أبي عوانة ، بيروت ، دار المعرفة .
مسند أبي يعلى ، دمشق ، ط 1 ، دار المأمون للتراث 1404 هـ
مسند أحمد بيروت ، ط 2 بيروت ، المكتب الإسلامي 1398 هـ
مسند الروياني ، القاهرة ، مؤسسة قرطبة 1416 هـ
مسند الشاشي ، المدينة المنورة ، مكتبة العلوم والحكم 1414 هـ
مسند الشاميين للطبراني ، بيروت ، مؤسسة الرسالة 1416 هـ
مسند الشافعي بيروت ، دار الكتب العلمية ، ط الأولى 1400 هـ
مسند الشهاب للقضاعي ، بيروت ، مؤسسة الرسالة 1405 هـ
مسند الطيالسي ، بيروت ، دار الكتاب اللبناني
المسند المستخرج على مسلم لأبي نعيم ، بيروت ، دار الكتب العلمية 1417 هـ
مشكاة المصابيح للخطيب التبريزي ، بيروت ، المكتب الإسلامي
المصنف لابن أبي شيبة ، الرياض ، مكتبة الرشد 1409 هـ
المصنف لعبد الرزاق بن همام ، بيروت ، ط ، الأولى المكتب الإسلامي 1403 هـ
المعجم الأوسط للطبراني ، القاهرة ، دار الحرمين 1415 هـ
المعجم الكبير للطبراني ، بغداد ، ط1 ، وزارة الأوقاف 1398 هـ
المعجم الصغير للطبراني ، المدينة النبوية ، المكتبة السلفية 1388 هـ .
معرفة السنن والآثار للبيهقي ، القاهرة ، دار الوفاء 1412 هـ(1/50)
المغني لابن قدامة ، الرياض ، مكتبة الرياض الحديثة .
المقدمات لابن رشد ، الدوحة ، إدارة إحياء التراث 1407 هـ
المنتقى لابن الجارود ، بيروت ، مؤسسة الكتب 1408 هـ
المنتقى شرح موطأ الإمام مالك للباجي ، القاهرة ، مطبعة السعادة 1332 هـ
المهذب للشيرازي ، دمشق ، دار القلم ، 1412 هـ
الموطأ للإمام مالك ، بيروت ، مؤسسة الرسالة 1412 هـ .
نهاية المحتاج للرملي ، القاهرة ، المكتبة الإسلامية 1358 هـ
نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار للشوكاني ، الرياض ، دار المغني 1419
الهداية شرح البداية للمرغياني ، بيروت ، المكتبة الإسلامية .(1/51)