مَطَرُ الغمامةِ في المسحِ على العِمامةِ
بسم الله الرحمن الرحيم
.ّ.ّ.ّ.ّ (ـــ مَطَرُ الغمَامَةِ في المسحِ على العِمامةِ ـــ) .ّ.ّ.ّ.ّ
الحمد لله تعالى ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
لا خلاف بين الفقهاء في أن المسح على الرأس فرض من فرائض الوضوء ، لكنهم اختلفوا في جواز المسح على الرأس ، في حال كان عليه حائل كالعمامة(1) إلى فريقين:
* الفريق الأول:
ذهب جمع من العلماء إلى أن المسح على العمامة جائز عند الوضوء:
* منهم من الصحابة:
أبو بكر الصديق، وعمر بن الخطاب ، وأنس بن مالك ، وأبو موسى الأشعري ، وسلمان الفارسي.(2)
* ومن التابعين:
عمر بن عبد العزيز والحسن ،ومكحول ،وقتادة.(3)
* ومن الفقهاء:
الأوزاعي ، وأبو ثور(4)، والحنابلة(5)، والظاهرية(6).
ــــــــــــــ
1- العِمامة : ما يلف على الرأس، اعْتَمَّ الرجل:كور العمامة على رأسه، والجمع:عَمَائِم.(ينظر: المعجم الوسيط).
والعرب تقول للرجل إذا سود قد عمم ؛ وذلك أن العمائم تيجان العرب.( ينظر:تهذيب الأسماء واللغات،للنووي).
2- مصنف ابن أبي شيبة:1/28،الشوكاني،نيل الأوطار:1/165،ابن المنذر،الأوسط:1/467.
3- ابن قدامة ، المغني:1/379،الشوكاني،نيل الأوطار:1/165.
4- ابن حزم،المحلى:1/60،ابن قدامة،المغني:1/379.
5- البهوتي،كشاف القناع:1/12، المرداوي، الإنصاف:1/170،ابن قدامة،المغني:1/379-384
6- ابن حزم،المحلى:1/ 58.
? الفريق الثاني:
وذهب جمع من العلماء كما ذكر أهل العلم إلى أن المسح على العمامة غير جائز عند الوضوء:
*منهم من الصحابة:
علي بن أبي طالب، وجابر بن عبدالله الأنصاري، وعبدالله بن عمر.(1)
?
*ومن التابعين:
عروة بن الزبير، ونافع ، وعطاء ، والشعبي ، والنخعي. (2)
وإلى ذلك ذهب: الحنفية (3)، والمالكية (4)، والشافعية. (5)
ــــــ
1- مصنف عبدالرزاق:1/148، مصنف ابن أبي شيبة:1/29،البيهقي، السنن الكبرى:1/107.(1/1)
2- مصنف ابن أبي شيبة:1/30، ابن قدامة،المغني:1/379.
3- ابن نجيم، البحر الرائق:1/193، ابن عابدين،حاشية رد المحتار:1/66.
4- مدونة الإمام مالك:1/69، موطأ الإمام مالك:47،الباجي،المنتقى:1/57.
5- الشافعي، الأم:1/92،والرسالة:546.
??* الأدلة ومناقشتها:
أولاً: أدلة الفريق الأول:
احتج العلماء الذين ذهبوا إلى أن المسح على العمامة جائز عند الوضوء، بما يلي:
1- ما رواه الإمام البخاري بإسناده عن الْأَوْزَاعِيُّ عَنْ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ:
" رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَمْسَحُ عَلَى عِمَامَتِهِ وَخُفَّيْهِ "(1)
وهذا الحديث الشريف يدل على جواز المسح على العمامة عند الوضوء.(2)
واعترض بما يلي:
1- أُعل هذا الحديث بتفرد الأوزاعي بذكر العمامة حتى قال ابن بطال: " قال الأصيلي : ذكر العمامة في هذا الباب من خطأ الأوزاعي ؛ لأن شيبان وغيره رووه عن يحي بدونها ؛ فوجب تغليب رواية الجماعة على الواحد ".
2- إن هذه الرواية مرسلة لأن أبا سلمة لم يسمع من عمرو .(3)
* وأجيب عن ذلك بما ذكره الحافظ ابن حجر – رحمه الله تعالى -:
1- إن ابن مندة أخرجه من طريق معمر بإثبات ذكر العمامة فيه ، وعلى تقدير تفرد الأوزاعي بذكرها لا يستلزم ذلك تخطئته، لأنها تكون زيادة من ثقة حافظ غير منافية لرواية رفقته فتقبل ولا تكون شاذة ، وقد سبق ابن حزم الحافظ في الإشارة إلى كون الأوزاعي ثقة تقبل زيادته .(1/2)
2- إن سماع أبي سلمة من عمرو ممكن فإنه مات بالمدينة سنة ستين ، وأبو سلمة مدني ولم يوصف بتدليس ، وقد سمع من خلق ماتوا قبل عمرو، وقد روى بكير بن الأشج عن أبي سلمة :أنه أرسل جعفر بن عمرو بن أمية إلى أبيه يسأله عن هذا الحديث ، فرجع إليه فأخبره به ، فلا مانع أن يكون أبو سلمة اجتمع بعمرو بعد فسمعهه منه ، ويقويه توفر دواعيه على الاجتماع في المسجد النبوي.(4)
ـــــ
1- صحيح البخاري،بفتح الباري:1/564.
2- ابن المنذر،الأوسط:1/466، ابن حزم،المحلى:2/58،البهوتي،كشاف القناع:1/112، النجدي،حاشية الروض المربع:1/221،الشوكاني،نيل الأوطار:1/164.
3- ابن عبدالبر،الاستذكار:1/211،ابن حزم،المحلى:2/58، الكاندهلوي،التعليق الممجد:1/287، الشوكاني،نيل الأوطار:1/165.
4- ابن حجر، فتح الباري:2/564،وينظر:المحلى،لابن حزم:2/62،59،الشوكاني،نيل الأوطار:1/165.
??- واحتجوا أيضا بما رواه الإمام مسلم بإسناده من طريق أَبُي مُعَاوِيَةَ (ح) و حَدَّثَنَا إِسْحَقُ أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ يُونُسَ كِلَاهُمَا عَنْ الْأَعْمَشِ عَنْ الْحَكَمِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ بِلَالٍ:
" أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَسَحَ عَلَى الْخُفَّيْنِ وَالْخِمَارِ"
قال الإمام مسلم: وَفِي حَدِيثِ عِيسَى حَدَّثَنِي الْحَكَمُ حَدَّثَنِي بِلَالٌ و حَدَّثَنِيهِ سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا عَلِيٌّ يَعْنِي ابْنَ مُسْهِرٍ عَنْ الْأَعْمَشِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.(1)
قال النووي: يعني بالخمار العمامة ؛ لأنها تخمر الرأس أي تغطيه(2)؛ لهذا استدلوا بهذا الحديث على جواز المسح على العمامة.(3)
* واعترض على الاستدلال بهذا الحديث من وجهين:
الوجه الأول: الطعن في الإسناد ، وذلك لسببين:(1/3)
الأول: وجود الأعمش في إسناده وهو مدلس وقد عنعن.
الثاني: اضطراب الإسناد ، وبيان ذلك فيما يأتي:
إن بلالا سقط من الإسناد عند بعض الرواة واقتصر على ذكر كعب بن عجرة،وعكس ذلك بعضهم فأسقط كعبا واقتصر على بلال ،وبعضهم زاد البراء بين بلال وابن أبي ليلى،وقال النووي:
رواه بعضهم عن علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عن بلال والله أعلم ، وقد نقل البيهقي هذا الاحتجاج على الحديث من الشافعي أيضا.(4)
* وأجيب عن ذلك بما يلي:
أولا: إعلال الحديث بتدليس الأعمش مدفوع بما سبق ذكره : من أن الحديث رواه أبو معاوية وعيسى بن يونس، كلاهما عن الأعمش، وطريق عيسى صرح فيها الأعمش بالتحديث ، والمدلس الثقة إذا صرح بالتحديث تزول العلة.
ثانيا: أما الإعلال بالاضطراب فقد أجيب عنه بما يأتي:
قال النووي: " إن أكثر من رواه رووه كما هو في مسلم "
على أنه يكفي لتصحيحه احتجاج الإمام مسلم به.
وقال الإمام أحمد بن حنبل : قد جاء ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من خمسة أوجه.
وأشار ابن حزم الأندلسي إلى أن إسناد هذا الحديث لا معارض له ولا مطعن فيه.(5)
الوجه الثاني من أوجه الاعتراض:
أولوا الحديث فقالوا : إن بلالا كان بعيدا فمسح النبي صلى الله عليه وسلم على رأسه ولم يضع العمامة على رأسه، فظن بلال أنه عليه الصلاة والسلام مسح على العمامة، أو أراد بلال المجاز إطلاقا لاسم الحال على المحل.
* وأجيب عن ذلك بما ذكره ابن نجيم نقلا عن معراج الدراية:
" أن التأويل بعيد ؛ لأنه حكم يلزمه غير الرأي ، والصواب أن نقول : إذا ثبتت روايته [ يقصد حيث بلال ] سالمة عن المعارض ثبت جواز المسح على العمامة.أهـ".(6)
ــــــ
1- صحيح مسلم بشرح النووي: 3/174.
2- شرح النووي لصحيح مسلم: 3/174.(1/4)
3- ابن المنذر،الأوسط:1/466،ابن حزم،المحلى:2/59،ابن قدامة المغني:1/308،البهوتي، كشاف القناع:1/112،الشوكاني،نيل الأوطار:1/164،النجدي،حاشية الروض المربع:1/221،ابن عثيمين،الشرح الممتع: 1/195.
4- شرح النووي على صحيح مسلم:3/174.
5- الخطابي،اعلام الحديث:1/266، شرح النووي على صحيح مسلم:3/174،ابن قدامة، المغني:1/308،ابن حزم،المحلى:2/58.
6- ابن نجيم،البحر الرائق:1/193.
- واحتجوا بحديث المغيرة ابن شعبة الذي رواه الإمام مسلم:
" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ "(1)
والحديث يدل على جواز المسح على غطاء الرأس. (2)
*وقد اعترض على الاستدلال به بعدة اعتراضات:
الاعتراض الأول:
حديث المغيرة بن شعبة معلول.(3)
* ويجاب عن ذلك بما يأتي:
أ قال الترمذي : " حديث المغيرة بن شعبة حديث حسن صحيح "
وقال التهانوي في إعلاء السنن : " رواية المغيرة بن شعبة صحيحة وذلك لقوة سندها" (4)
ب صحح الإمام مسلم الحديث على شرطه ، وقد أشار ابن حزم إلى أن إسناد حديث المغيرة بن شعبة لا معارض له ولا مطعن فيه.(5)
الاعتراض الثاني:
وهذا الاعتراض آت من القائلين بأنه يكفي مسح بعض الرأس عند الوضوء ، كالشافعية ومن وافقهم.
قالوا:
" إن حديث المغيرة بن شعبة دل على أن الاقتصار على مسح العمامة لا يجزء ، وإن هذا الحديث يؤكد أن مسح بعض الرأس يكفي في الوضوء ، ولا يشترط مسح جميع الرأس : لأنه لو وجب ذلك لما اكتفى بالعمامة عن الباقي"
وأيد الخطابي ذلك فقال:
" إنما وقع اداء الواجب من مسح الرأس بمسح الناصية ، إذ هي جزء من الرأس،وصارت العمامة تبعا له، وقالوا: بأنه يستحب لمن عليه عمامة أن يمسح بناصيته،ويتم المسح عليها.(6)(1/5)
وقالوا أيضا: الأحاديث التي وردت في المسح على العمامة فقط فيها اختصار، وأن المراد مسح الناصية والعمامة ليكمل سنة الاستيعاب، وهذا ما صرح به في حديث المغيرة بن شعبة،وأشهر من قال بذلك الخطابي والبيهقي. (7)
* ويمكن الإجابة عن ذلك بما قاله ابن حزم:
" رام هؤلاء أن يجعلوا كل ما في خبر المغيرة حكاية عن وضوء وحد "...إلى أن قال:
" بل هو خبر عن عملين متغايرين، هذا ظاهر الحديث ومقتضاه، وكيف وقد رواه جماعة غير المغيرة " أهـ (8)
الاعتراض الثالث:
جاء من القائلين بوجوب مسح جميع الرأس(9)، وهم المالكية ومن وافقهم، وقد نقل القرطبي اعتراضهم في تفسيره فقال:
" أجاب علماؤنا عن الحديث بأن قالوا : لعل النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك لعذر الاستعجال والاختصار، وحذف كثير من الفرائض لأجل المشقات والأخطار، ثم هو لم يكتف بالناصية حتى مسح على العمامة ، فلو لم يكن مسح جميع الرأس واجبا لما مسح على العمامة ،والله أعلم"أهـ (10)
* وقد أجاب ابن القيم – رحمه الله – عن ذلك حيث قال:
" إن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة مقتصرا عليها ومع الناصية، وثبت عنه ذلك فعلا وأمرا في عدة أحاديث ، لكن في قضايا أعيان يحتمل أن تكون خاصة بحال الحاجة والضرورة ، ويحتمل العموم كالخفين، وهو أظهر ،والله أعلم" (11)
ــــــ
1- صحيح مسلم بشرح النووي:2/175.
2- ابن المنذر،الأوسط:1/466، ابن قدامة،المغني:1/308،ابن حزم،المحلى:2/58،البهوتي،كشاف القناع:1/112،المباركفوري، تحفة الأحوذي:1/290،الشوكاني،نيل الأوطار:1/165،ابن عثيمين،الشرح الممتع:1/195.
3- ابن عبد البر،الإستذكار: 1/211،الجصاص،أحكام القرآن:3/357، الكاندهلوي:التعليق الممجد:1/287.ويبدوا لي والله أعلم،أن ابن عبدالبر عندما أشار في كتابه الاستذكار إلى كون حديث المغيرة بن شعبة معلول لم يقصد بذلك أن يعل الرواية التي ذكرها مسلم في(1/6)
- صحيحه،بل حديث المغيرة بن شعبة الذي أتى إسناده من طريق إسماعيل بن علية عن أيوب عن محمد بن سيرين عن عمرو بن وهب ، وما أكد لي أن قصد إعلال هذه الرواية ما وضحه بنفسه في كتابه التمهيد [ 7/277] حيث أعل هذه الرواية؛ لأن بين ابن سيرين،بين عمرو بن وهب رجل، وعندما ذكر في نفس الكتاب الرواية التي صحح بسببها مسلم الحديث لم يعلق عليها ؛ ولذلك أعتقد أن أغلب العلماء الذين أعلوا الحديث لم يقصدوا إعلال رواية مسلم ،والله أعلم وأحكم.
4- الترمذي،سننه:1/157، الخطابي،إعلاء السنن:1/58.
5- صحيح مسلم بشرح النووي:2/175،ابن حزم،المحلى:2/58.
6- الخطابي،معالم السنن:1/102، الشافعي،الأم:1/92،الشيرازي،الم هذب:1/226، شرح النووي على صحيح مسلم:1/176،العيني،البناية:1/ 602،الجصاص،أحكام القرآن:3/357.
7- البيهقي،معرفة السنن والآثار: 1/274،الخطابي،معالم السنن:1/102،واعلاء السنن:1/58.الآلوسي:الأجوبة العراقية:237.
8- ابن حزم،المحلى:2/61.
9- قال القرطبي:
" اختلف العلماء في تقدير مسحه - يقصد الرأس - على أحد عشر قولا ، ثلاثة لأبي حنيفة ، وقولان للشافعي ، وستة أقوال لعلمائنا ، والصحيح منها واحد وهو وجوب التعميم ... وأجمع العلماء على أن من مسح رأسه كله فقد أحسن وفعل ما يلزمه .
وقال - قاصدا قوله تعالى: { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ}(المائدة:6) –:
"والباء مؤكدة زائدة ليست للتبعيض : والمعنى وامسحوا رؤوسكم ، وقيل دخولها هنا كدخولها في التيمم في قوله تعالى : {فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ }(المائدة:6)
فلو كان معناها التبعيض لأفادته في ذلك الموضع ، وهذا قاطع.ينظر:تفسير القرطبي:6/57،القرافي:الذخيرة:1/ 259.
10- تفسير القرطبي:6/54،القرافي،الذخيرة:1/ 259.
11- ابن القيم،زاد المعاد:1/199.
- - واستدلوا بما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
فقد مسح بعض صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم على العمامة.(1)
قال الترمذي:(1/7)
" وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ(2) وَعُمَرُ ..." (3)
وعن عمر بن الخطاب أنه قال:
" إن شئت فامسح على العمامة ، وإن شئت فانزعها " (4).
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله " (5).
وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي غالب قال:
" رأيت أبا أمامة رضي الله عنه يمسح على العمامة "(6)
ــــــــــــ
1- ابن المنذر ، الأوسط: 1/467،إعلاء السنن،الخطابي:1/51، ابن قدامة، المغني: 1/307، ابن حزم، المحلى: 2/60، النووي،المجموع: 1/225، البهوتي، كشاف القناع:1/112، العيني،البناية:1/602، ابن حجر ، فتح الباري:1/570،الشوكاني،نيل الأوطار:1/165، المباركفوري، تحفة الأحوذي:1/291.
2- روى ابن أبي شيبة بإسناده عن عبدالرحمن الصنابجي قال:
" رأيت أبا بكر يمسح على الخمار " ، ينظر:مصنف ابن أبي شيبة:1/28،والمعرفة والتاريخ ،للفسوي:2/130،والأوسط،لابن المنذر:1/467.
3- الترمذي، سننه:1/171.
4- مصنف ابن أبي شيبة:1/28 ،ابن المنذر،الأوسط:1/467،وقد صحح الباكستاني إسناد هذا الأثر،ينظر:ماصح من آثار الصحابة:1/138.
5- ابن حزم،المحلى:2/60،قال ابن حزم" إسناده في غاية الصحة"،وينظر:ما صح من آثار الصحابة ،للباكستاني:1/138.
6- مصنف ابن أبي شيبة:1/28،ابن المنذر،الأوسط:1/467،وقد حسن إسناد هذا الأثر الباكستاني ، ينظر: ما صح من آثار
- - واستدلوا بما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين .
فقد مسح بعض صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم على العمامة.(1)
قال الترمذي:
" وَهُوَ قَوْلُ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ(2) وَعُمَرُ ..." (3)
وعن عمر بن الخطاب أنه قال:
" إن شئت فامسح على العمامة ، وإن شئت فانزعها " (4).(1/8)
وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:
" من لم يطهره المسح على العمامة فلا طهره الله " (5).
وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن أبي غالب قال:
" رأيت أبا أمامة رضي الله عنه يمسح على العمامة "(6)
ــــــــــــ
1- ابن المنذر ، الأوسط: 1/467،إعلاء السنن،الخطابي:1/51، ابن قدامة، المغني: 1/307، ابن حزم، المحلى: 2/60، النووي،المجموع: 1/225، البهوتي، كشاف القناع:1/112، العيني،البناية:1/602، ابن حجر ، فتح الباري:1/570،الشوكاني،نيل الأوطار:1/165، المباركفوري، تحفة الأحوذي:1/291.
2- روى ابن أبي شيبة بإسناده عن عبدالرحمن الصنابجي قال:
" رأيت أبا بكر يمسح على الخمار " ، ينظر:مصنف ابن أبي شيبة:1/28،والمعرفة والتاريخ ،للفسوي:2/130،والأوسط،لابن المنذر:1/467.
3- الترمذي، سننه:1/171.
4- مصنف ابن أبي شيبة:1/28 ،ابن المنذر،الأوسط:1/467،وقد صحح الباكستاني إسناد هذا الأثر،ينظر:ماصح من آثار الصحابة:1/138.
5- ابن حزم،المحلى:2/60،قال ابن حزم" إسناده في غاية الصحة"،وينظر:ما صح من آثار الصحابة ،للباكستاني:1/138.
6- مصنف ابن أبي شيبة:1/28،ابن المنذر،الأوسط:1/467،وقد حسن إسناد هذا الأثر الباكستاني ، ينظر: ما صح من آثار
- ثانياً: أدلة الفريق الثاني:
احتج الفريق الثاني القائل بعدم جواز المسح على العمامة بأدلة منها:
1- قوله تعالى: { وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ } (المائدة:6).
* وجه الدلالة:
أن العمامة ليست برأس ، ومن مسح على العمامة فلم يمسح برأسه (1) .
وقد قال سيبويه : إن الباء للتأكيد ، وذلك يعني : أن المسح يكون على الرأس نفسه (2).
* واعترض على ذلك بما يأتي:
إن لفظ الآية ليس فيه ما يمنع من إرادة المسح على الرأس أو على الغطاء ؛ وذلك:(1/9)
أ الأصل في الباء أنها تفيد الإلصاق ، وهو معنى لا يفارقها ، فلهذا اقتصر عليه سيبويه (3) ، والإلصاق يكون حقيقيا إذا قلت: " أمسكت بزيد " إذا قبضت على شيء من جسمه أو على ما يحبسه من يد أو ثوب ونحوه (4) ، وقد دلنا ذلك على أن من مسح على غطاء الرأس من عمامة أو غيرها ، فهو ماسح على الرأس حقيقة ؛ وعليه فمن قال بأن الآية إنما تدل على المسح على الرأس دون الحائل يلزمه الاتيان بالدليل.
ب إن المسح في الغالب لا يصيب الرأس ، وإنما يمسح على الشعر وهو حائل بين اليد وبينه، فكذلك العمامة فإنه يقال لمن لمس عمامة أو قبَّلها قبَّل رأسه ولمسه.(5)
ــــــــــــ
1- النووي، المجموع:1/226، ابن الكمال، شرح فتح القدير:1/109، الماوردي، الحاوي: 1/119، ابن رشد ، المقدمات:1/52،ابن عبد البر، الاستذكار:1/211.
2- القرافي، الذخيرة:1/268، ابن هشام، مغني اللبيب:115.
3- المرادي، الجنى الداني:36.
4- ابن هشام، مغني اللبيب: 110.
5- الخطابي، اعلاء السنن: 1/52، ابن قدامة،المغني:1/309، ابن حجر، فتح الباري: 1/206، الشوكاني،نيل الأوطار:1/166.
- - واستدلوا بالحديث الذي رواه الشافعي بإسناده عن عطاء:
" أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ، فحسر العمامة عن رأسه ، ومسح مقدم رأسه، أو قال ناصيته بالماء " (1)
* وجه الدلالة :
أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان معتماً فحسر العمامة؛ فدل أن المسح على الرأس دونها. (2)
* واعترض على ذلك بما يلي:
- قال البهوتي:
" وما روي أنه صلى الله عليه وسلم مسح مقدم رأسه فمحمول على أن ذلك مع العمامة كما جاء مفسراً في حديث المغيرة بن شعبة، ونحن نقول به" (3).
* ويمكن أن يعترض أحدٌ ما فيقول:
بأن حديث عطاء مرسل.
وقد يجيب أحدٌ ما عن ذلك فيقول:
أن أبا داود أخرجه في سننه بإسناده موصولا عن أبي معقل عن أنس بن مالك، قال:(1/10)
" رأيت رسول الله صلى الله عليه يتوضأ وعليه عمامة قطرية ، فأدخل يده من تحت العمامة فمسح مقدم رأسه ، ولم ينقض العمامة " (4).
وأبو معقل وإن كان فيه مقال ، لكنه لا يمنع من أن يعتضد به مرسل عطاء فينهض بذلك الحديث للاحتجاج به ، كما ذكر الحافظ في الفتح (5).
* لكن يمكن الاعتراض عليه أيضا بما يلي:
أولا: بما صح عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – بأنه كان يمسح على العمامة مع كونه راوي الحديث السابق.
فقد روى عبدالرزاق بإسناده عن عاصم قال:
"رأيت أنس بن مالك بال ثم قام فتوضأ ، فمسح على خفيه وعلى عمامته ، ثم قام فصلى صلاة مكتوبة" (6).
وهذا يعضد ما قاله البهوتي سابقا حيث قال:
" ما روي أنه صلى الله عليه وسلم مسح مقدم رأسه فمحمول على أن ذلك مع العمامة كما جاء مفسراً في حديث المغيرة بن شعبة ، ونحن نقول به"
وحديث المغيرة بن شعبة هو :
" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ ".
ثانياً: حتى إذا نهض الحديث ليكون حجة ، فإنه لا يقوى على إلقاء دلالة الأحاديث الصحيحة الصريحة التي ورد فيها أن الرسول صلى الله عليه وسلم مسح على العمامة كما سبق.
ـــــــــــ
1- مسند الشافعي: 10/317، مصنف ابن أبي شيبة: 1/30،مصنف عبد الرزاق: 1/148، البهقي، سننه: 1/106، ومعرفة السنن والآثار : 1/ 160.
2- الشافعي، الأم : 1/92،الخطابي،اعلاء السنن:1/45، الشيباني، الحجة:1 /39، الماوردي، الحاوي الكبير: 1/356، ابن رشد، المقدمات: 1/52، ، النووي، المجموع:1/226.
3- البهوتي،كشاف القناع:1/98.
4- أبو داود،سننه :29، ابن ماجة،سننه: 146، ابن عبد البر، التمهيد: 7/278، البيهقي،سننه:1/106و 161.
5- ابن حجر، فتح الباري:1/293.
6- مصنف عبدالزاق:1/148، مصنف ابن أبي شيبة:1/29، الباكستاني: ما صح من آثار الصحابة في الفقه: 1/138.(1/11)
- - وقد استدلوا بما ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين ، ومن ذلك:
- - ما ورد عن جابر – رضي الله عنه - :
فقد روى الترمذي بإسناده عن أبي عبيدة ، قال: سألت جابر بن عبدالله عن المسح على الخفين ؟ فقال السنة يا ابن أخي. قال: وسألته عن المسح على العمامة ؟ فقال :
" أمس الشعر الماء " (1).
2- وروى ابن أبي شيبة بإسناده عن نافع عن ابن عمر:
" أنه كان لا يمسح على العمامة " (2).
* ويمكن الإجابة على ذلك بما يأتي:
أولا: ورد أثر جابر رضي الله عنه في رواية الترمذي المذكورة سابقا عندما سأله السائل عن المسح على العمامة بلفظ:
" أمس الشعر الماء "
لكن الأثر ورد في موطأ الإمام مالك بلفظ:
" لا ، حتى يمسح الشعر بالماء "
ورواه محمد في الموطأ ، و البيهقي في كتابه معرفة السنن والآثار بلفظ:
" لا ، حتى يمس الشعر الماء"
وكما هو معلوم فإن دلالة اللفظ الأول وهو:
" أمس الشعر الماء "
مغايرة لدلالة اللفظ الثاني ،وهي:
" لا، حتى يمس الشعر الماء "
فالمفهوم من اللفظ الثاني :
لا تمسح على العمامة حتى يمس الشعر الماء. (3)
ثانيا: أما ما ورد عن عبدالله بن عمر ليس فيه إلا أنه لم يمسح على العمامة، ولم يصرح بأن المسح على العمامة غير جائز ، والمسح على العمامة ليس بفرض لا يجزىء غيره، والله أعلم وأحكم.(4)
ـــــــــ
1 - الترمذي،سننه:1/158،مالك،الموطأ :47،الشيباني،الموطأ:70 ،ابن المنذر، الأوسط:1/470،مصنف ابن أبي شيبة:1/29،البيهقي،سننه:1/106،م عرفة السنن والآثار:1/161،وصحح إسناد الأثر الباكستاني، ينظر:ماصح من آثار الصحابة في الفقه:1/140.
2- مصنف ابن أبي شيبة:1/29،ابن المنذر،الأوسط:1/470،البيهقي،سن نه:1/1/106،ومعرفة السنن والآثار:1/161، وصحح الأثر الباكستاني، ينظر: ما صح من آثار الصحابة في الفقه:1/139.
3- وهذا يذكرني بما ورد في حديث المغيرة بن شعبة:(1/12)
" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ ".
4- قال ابن المنذر:
" المسح على العمامة ليس بفرض لا يجزىء غيره، وكن المتطهر بالخيار، إن شاء مسح برأسه ، وإن شاء على عمامته " الأوسط: 1/469.
- وهذا يذكرني بما ورد في حديث المغيرة بن شعبة:
" أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَوَضَّأَ فَمَسَحَ بِنَاصِيَتِهِ وَعَلَى الْعِمَامَةِ وَعَلَى الْخُفَّيْنِ ".
(*) فلفظ المتن هو: " لا ، حتى يمس الشعر بالماء " ، وقد كان هذا اللفظ عبارة عن جواب لسؤال ، وتقدم الجواب [ لا ] النافية ، ومن أوجه لا النافية أن تكون جوابا مناقضا لـ [ نعم ] ، وهذه تحذف الجمل بعدها كثيرا ، فهي تكون نائبة مناب الجملة، لذلك فالجملة المقدرة ستكون هنا
[ لا تمسح العمامة ، حتى يمس الشعر الماء ] ،ينظر: مغني اللبيب، لابن هشام:243.
- واحتجوا بدعوى النسخ فقالوا:
إن المسح على العمامة كان ثم ترك ، أي أنه نسخ، وأشهر من قال بهذا الإمام محمد بن الحسن في الموطأ. (1).
* وقد علق اللكنوي على ما ذكره فقال:
" لم نجد إلى الآن ما يدل على كون المسح على العمامة منسوخا ، لكن ذكروا أن بلاغات محمد مسندة ،فلعل عنده وصل بإسناده " أهـ (2).
* و اعترض المباركفوري على ذلك فقال:
" لابد لمن يدعي أن المسح على العمامة كان فترك، أن يأتي بالحديث الناسخ الصحيح الصريح ، لا يثبت النسخ بمجرد قول الإمام محمد المذكور ، كما لا يخفى على العالم المنصف " (3).
ـــــــــــــــــــ
1- الشيباني،الموطأ:1/287، ابن عابدين، حاشيته:1/293، ابن الكمال، شرح فتح القدير: 1/109.
2- اللكنوي، التعليق الممجد: 1/ 287.
3- المباركفوري، تحفة الأحوذي:1/295.(1/13)
الذي يظهر لي والله أعلم وأحكم ، أن المسح على العمامة جائز ، وهو ما ذهب إليه الفريق الأول ؛ لأنه المذهب الذي تؤيده أدلة الشرع من الكتاب والسنة الصحيحة الصريحة ، وقد صح عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنهم مسحوا على العمامة،ولم يثبت أن أحدا منهم يرى أن المسح على العمامة غير جائز
وفيما يلي سأعرض الأمور والشروط التي يجب أن تُراعى من قبل الماسح على عمامته بإذن الله تعالى
? وللمسح على العمامة شروط :
1- أن تكون محنكة وهي : التي يدار منها تحت الحنك(1) لوث(2) ، أو لوثان ونحوه.
* واستدل من قال بهذا الشرط بأدلة منها:
أ أن عمة المسلمين كانت هكذا على عهده صلى الله عليه وسلم ، وهذا الذي جرت العادة بلبسه عند العرب . (3)
2- واشترط البعض أن تكون العمامة ذات ذُؤَابة (4)؛ وذلك:
أ- لأن إرخاء الذؤابة من السنة ؛ لما روي عن ابن عمر ، قال:
" أمر عبد الرحمن بن عوف يتجهز لسرية بعثه عليها ، وأصبح عبد الرحمن قد اعتم بعمامة من كرابيس (5) سوداء ، فأدناه النبي صلى الله عليه وسلم ثم نقضه وعممه بعمامة بيضاء ، وأرسل من خلفه أربع أصابع أو نحو ذلك وقال : " [ هكذا يا ابن عوف اعتم فإنه أعرب (6) وأحسن ] "(7).
وعارض شيخ الإسلام ابن تيمية وغيره هذين الشرطين ؛ وذلك لأنه لا دليل يؤيدهما.
بل النص جاء " على عمامته " ، ولم يذكر – صلى الله عليه وسلم قيدا آخر ، فمتى ثبتت العمامة جاز المسح عليها. (8)
وقال الشيخ محمد بن صالح العثيمين:
" الحكمة من المسح على العمامة لا تتعين في مشقة النزع ، بل قد تكون الحكمة أنه لو حركها ربما تنفل أكوارها؛ ولأنه لو نزع العمامة ، فإن الغالب أن الرأس قد أصابه العرق فإذا نزعها ، فقد يصاب بضرر بسبب الهواء ؛ ولهذا رخص له المسح عليها"(9).
ـــــــــ(1/14)
1- الحنك من الإنسان والدابة باطن أعلى الفم من داخله ، وقيل: هو الأسفل في طرف مقدم اللحيين من أسفلهما، وهو المراد هنا،ينظر:لسان العرب،لابن منظور:3/364.
2- اللوث:اللي، ينظر:لسان العرب،لابن منظور:12/351.
3- ابن قدامة،المغني:1/309،ابن مفلح، المبدع:1/148،النجدي،حاشية الروض المربع:1/222.
4- الذُؤَابة:هي الشعر المضفور من الرأس، وقفد الرجل تعمم القفداء إذا لم يسدل ذؤابة. ينظر: النهاية،لابن الأثير:2/151،الزبيدي،تاج العروس:9/63.
5- الكرابيس: القطن، ينظر: النهاية،لابن الأثير: 4/161، ابن منظور،لسان العرب:6/195.
6- الإعراب: بمعنى الإبانة والإيضاح،ينظر: النهاية،لابن الأثير:3/200،الفيومي، المصباح المنير:2/400.
7- الحاكم،المستدرك:4/583،الطبراني ،الأوسط:5/61،وقال الهيثمي:"رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن"، ينظر:مجمع الزوائد:5/120.
8- البعلي،الاختيارات:14، ابن حزم،المحلى:2/58، ابن عثيمين،الشرح الممتع:1/195.
9- ابن عثيمين،الشرح الممتع:1/195.
??- أن تكون ساترة لجميع الرأس إلا ما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس، وجوانبه والأذنين ؛ لأنه يشق التحرز عن ذلك فعفي عنه . (1)
ويظهر من هذا الشرط أن الفقهاء أرادوا أن يصدق على العمامة صفة التخمير للرأس .
*وهنا لابد من الإشارة إلى أمر ، وهو إذا كانت العمامة تغطي بعض الجبهة ، فهل يصح أن يمسح عليها ، مع أن هذا الجزء يتبع الوجه والوجه مغسول ؟
الذي يظهر لي والله أعلم وأحكم ، أنه عند غسل الوجه لابد أن يُحرص على تعميمه بالغسل ، ويتأكد من وصول الماء إلى الشعر ، وهذا ما أراد جابر رضي الله عنه الإشارة إليه ، عندما قال للذي سأله عن المسح على العمامة:
" أمس الشعر الماء ".(1/15)
وهذا ما أشار ابن تيمية إليه أيضا عندما اشترط أن تمسح المرأة بعضا من شعرها مع مسحها على خمار رأسها(2)،حيث أن خمار المرأة كما هو معروف لابد أن يغطي جزء من جبهتها في الغالب ، وكما هو معلوم فابن تيمية يرى أن الواجب هو مسح الرأس كله عند الوضوء، أي أنه لم يقصد أن مسح بعض الرأس يكفي لأداء الفرض عند الوضوء.
وكان الحسن البصري يقول:
" المرأة تمسح على ناصيتها وعلى خمارها " (3)
ــــ
1- المبدع في شرح المقنع:1/148،المباركفوري، تحفة الأحوذي: 1/102، ابن عثيمين، الشرح الممتع:1/195و197.
??2- ابن تيمية ،مجموع الفتاوى:21/218.
3- أخرجه ابن أبي شيبة في كتاب الطهارة:1/31، وقد أخرج ابن أبي شيبة ما رواه بإسناده عن الحسن البصري عن أمه عن أم سلمة: " أنها كانت تمسح على الخمار " ، وأخرجه المنذر في الأوسط:1/468، وقد أشار ابن حزم الأندلسي إلى ثبوت هذا الأثر عن أم سلمة رضي الله عنها.ينظر: المحلى،ابن حزم:2/63.
??]- وهناك من اشترط من العلماء أن يلبس الخمار أو العمامة على طهارة؛ حتى يصح المسح عليه. (1)
واستدل من قال بهذا الشرط:
بالقياس، حيث قاسوا مسح الخمار على مسح الخفين، ومن شروط المسح على الخف أن يلبس على طهارة. (2)
وأجيب عن ذلك:
بأنه ليس هناك علة جامعة بين حكم المسح على الخمار، و حكم المسح على الخفين،وإنما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يلبس الخف على طهارة شرطاً لصحة المسح عليه ، ولم ينص على ذلك فيما يخص الخمار. (3)
والراجح والله أعلم: أن هذا الشرط غير معتبر؛ لأن قياس الخمار على الخف قياس مع الفارق. (4)
ـــ
(1) الشوكاني، نيل الأوطار: 1/165.
(2) الشوكاني، نيل الأوطار: 1/165.
(3) ابن حزم، المحلى: 2/64.
(4) حيث إن المسح على الخف يكون بدل غسل الرجل، فكان المسح بدل الغسل،أما في حالة المسح على الخمار، فالمسح هو الطريقة الوحيدة لتطهير المحل في كلتا الحالتين .(1/16)
??]- واشترط بعض العلماء التوقيت في المسح على الخمار، فيمسح المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام بلياليهن. (1)
واستدلوا على ذلك:
[ أ ] بما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه:
(( كان يمسح على الخفين والعمامة ثلاثاً في السفر، ويوماً وليلة في الحضر)) (2)
[ وجه الدلالة] :
أن المسح على الخمار يكون للمقيم يوماً وليله، وللمسافر ثلاثة أيام بلياليهن. (3)
ويجاب عن ذلك:
بأن هذا الحديث ضعيف ولا ينهض ليكون حجة يعتمد عليها لتوقيت المسح على الخمار، فقد سئل الإمام أحمد بن حنبل عن هذا الحديث فقال: ليس بصحيح. (4)
[ب] واستدلوا بالقياس:
فقاسوا الخمار على الخف، وبما أن الخف وقت المسح عليه بيوم وليلة للمقيم، وثلاثة أيام بلياليهن للمسافر من قبل الشارع، وكلاهما الخف والخمار مسموح على وجه الرخصة، فيوقت الخمار بذلك كالخف. (5)
وأجيب عن ذلك:
بأن النبي (صلى الله عليه وسلم) مسح على العمامة والخمار، ولم يوقت ذلك بوقت، (6) وهذا فيما صح عنه (صلى الله عليه وسلم).(7)
وكما ذكر سابقاً من أن قياس الخمار على الخف قياس مع الفارق، والقول بالتوقيت بلا دليل تحكم.
فالراجح والله أعلم: أنه لا توقيت في المسح على الخمار.
) ابن قدامة، المغني: 1/312.
(2) أخرجه الطبراني، المعجم الكبير: 8/122، بإسناده من طريق مروان أبو سلمة عن شهر بن حوشب عن أبي أسامة رضي الله عنه، وقد بين المباركفوري درجة هذا الحديث فقال: " في إسناده شهر بن حوشب الأشعري الشامي، مولى أسماء بنت يزيد بن السكن، صدوق، كثير الإرسال والأوهام... وفي إسناده: مروان أبو سلمة، وقد عرفت أن البخاري قال: إنه منكر الحديث، وقال ابن أبي حاتم: ليس بالقوي، وقد عرفت أيضا أنه سئل أحمد بن حنبل عن هذا الحديث، فقال: ليس بصحيح" فيظهر بذلك ضعف هذا الحديث، ينظر:المباركفوري، تحفة الأحوذي: 1/364 .
(3) ابن قدامة، المغني: 1/312.
(4) المباركفوري، تحفة الأحوذي: 1/364 .(1/17)
(5) ابن قدامة، المغني: 1/312.
(6) ابن حزم، المحلى: 2/65.
(7) المباركفوري، تحفة الأحوذي: 1/364 .
? وهناك أمورا ذكرها العلماء يلزم الماسح أو الماسحة على الخمار معرفتهاو هي:
[ أ ]- هل تبطل طهارة الماسح على الخمار بعد نزعه؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
[ الأول]: إن طهارة الماسح تبطل إذا انقض خماره الذي مسح عليه؛ وذلك قياساً على الخف. (1)
[ الثاني]: لا ينتقض وضوء الماسح على الخمار بنزعه؛ وذلك قياساً على الشعر الممسوح عليه. (2)
والقول الراجح والله أعلم وأحكم: هو أن وضوء الماسح على الخمار لا ينتقض بنزعه؛ لأن قياسه على الخف لا يصح كما ذكر، و قياسه على الشعر الممسوح أولى من قياسه على الخف، لأن الشعر نابت عن الرأس ومسحه يجزئ عن مسح جلدة الرأس، وكذلك العمامة نابت عما استتر(3)، وقال ابن تيمية: "وهو مذهب الحسن البصري... على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور" (4)
ـــــ
(1) ابن قدامة، المغني: 1/310.
(2) ابن تيمية، الاختيارات: 15، النجدي، الروض المربع: 1/236.
(3) ابن قدامة، المغني: 1/310.
(4) ابن تيمية، الاختيارات: 15.
? وهناك أمورا ذكرها العلماء يلزم الماسح أو الماسحة على الخمار معرفتهاو هي:
[ أ ]- هل تبطل طهارة الماسح على الخمار بعد نزعه؟ اختلف العلماء في ذلك على قولين:
[ الأول]: إن طهارة الماسح تبطل إذا انقض خماره الذي مسح عليه؛ وذلك قياساً على الخف. (1)
[ الثاني]: لا ينتقض وضوء الماسح على الخمار بنزعه؛ وذلك قياساً على الشعر الممسوح عليه. (2)
والقول الراجح والله أعلم وأحكم: هو أن وضوء الماسح على الخمار لا ينتقض بنزعه؛ لأن قياسه على الخف لا يصح كما ذكر، و قياسه على الشعر الممسوح أولى من قياسه على الخف، لأن الشعر نابت عن الرأس ومسحه يجزئ عن مسح جلدة الرأس، وكذلك العمامة نابت عما استتر(3)، وقال ابن تيمية: "وهو مذهب الحسن البصري... على الصحيح من مذهب أحمد وقول الجمهور" (4)
ـــــ(1/18)
(1) ابن قدامة، المغني: 1/310.
(2) ابن تيمية، الاختيارات: 15، النجدي، الروض المربع: 1/236.
(3) ابن قدامة، المغني: 1/310.
(4) ابن تيمية، الاختيارات: 15.
? ب] وإذا كان بعض الرأس مكشوفاً وخارجاً عن حدود الخمار، مما جرت العادة بكشفه كمقدم الرأس ونحوه، فهل يمسح عليه مع الخمار ؟
قال العلماء: يستحب أن يمسح عليه، لأنه ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم)أنه مسح بناصيته. (1)
ويمكن أن يجاب عن ذلك:
بأن مسح الخمار وما ظهر من الرأس واجب ؛ لأن العمامة نابت عما استتر فبقي الباقي على مقتضى الأصل، ولو أن الحكم تعلق بالعمامة فقط، لما مسح (صلى الله عليه وسلم)على ناصيته ثم أكمل على العمامة(2).
والراجح والله أعلم: أنه يجب أن يعمم الرأس بالمسح كما هو مفروض، ويكون الرأس هو المقياس في المسح وليس الخمار0
ـــــ
(1) ابن قدامة، المغني: 1/310.
(2) ابن قدامة، المغني: 1/310.
? ج] إذا كانت أذن الماسح أو الماسحة مغطاة بالخمار، فهل يلزم المسح عليهما مع المسح على الخمار؟
الذين أجازوا المسح على الخمار وهم الحنابلة قالوا:
إن مسح جميع الرأس هو الواجب في الوضوء، والأذنان من الرأس (1) وتمسحان وجوباً على الصحيح من مذهبهم. (2)
وبما أنهم يرون أن الأذنين من الرأس هذا يعني أن المرأة، والتي يغطي خمارها الشرعي أذنيها، لا يجب عليها أن تمسح الأذن عند مسحها على الخمار؛لأن أذنيها جزء من رأسها، فيجزئ مسح الخمار عن مسح الأذن، لأنها من الرأس، أما إذا كانت الأذن خارج الخمار كما في حالة الرجل فمسحها يكون واجباً بالنسبة لهم، ولا يسقط مسحها بمسح العمامة أو الخمار، أما عند الحنفية (3) والمالكية،(4) والشافعية (5) والظاهرية (6) فمسح الأذنين من سنن الوضوء فيصح الوضوء من غير مسحهما.
*وبعد هذا كله لا بد من ذكر أمر قاله الحنابلة وهو أن المسح على الخمار رخصة (7).
والرخصة عند الحنابلة شرعاً:(1/19)
" ما ثبت خلاف دليل شرعي لمعارض راجح، وضدها العزيمة" (8).
وإذا كان الحنابلة قد رأوا أن المسح على الخمار رخصة، تندرج تحت هذا التعريف ففي ذلك إشكال؛ حيث إننا إذا تتبعنا أدلة مشروعية المسح على الخمار أو العمامة فسنرى أن المسح على الخمار ثبت في القرآن والسنة، وليس هناك تعارض بين دليلين أصلاً، وهذا بعد البحث في الأدلة .
لذلك يظهر لي: أن المسح على الخمار رخصة لكن ليس كما عرفها الحنابلة، بل هي أمر يسر الله به على خلقه ووسع عليهم به، والمسلم يؤدي فرض مسح رأسه في الوضوء ،بالمسح على جلد رأسه إن كان أقرع أو على شعره أو على الخمار، وهذا ما أيده القرآن والسنة والحقيقة العرفية و اللغوية (9).
وقد قال ابن المنذر: " المسح على العمامة ليس بفرض لا يجزئ غيره، ولكن المتطهر بالخيار، إن شاء مسح برأسه وإن شاء على عمامته"(10)(11)
ــــ
(1) قال الترمذي:
"والعمل على هذا عند أكثر أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعدهم: أن الأذنين من الرأس" [ ينظر: سنن الترمذي: 1/110] ،واعتقد أن أم سلمة بمسحها على خمارها، دخلت بعملها هذا مع من أشار إليهم الترمذي، حيث إنه لم ينقل إلينا أنها مسحت على أذنيها مع ذلك، مع أن الأمر يستدعي توضيحاً من مولاتها أم الحسن التي نقلت عنها مسحها على خمارها عند الوضوء، ولبينة الحسن البصري الذي روى عن أمه ما رأته، وتجدر الإشارة إلى أن الحسن البصري يقول أيضاً بأن الأذنين من الرأس. [ينظر: مصنف ابن أبي شيبة: 1/24] .
(2) المرداوي، الإنصاف: 1/123.
(3) ابن عابدبن، حاشية رد المحتار: 1/131.
(4) الدسوقي، حاشيته: 1/159.
(5) النووي، المجموع: 1/229.
(6) ابن حزم، المحلى: 2/55.
(7) ابن قدامة، المغني: 1/312، النجدي، الروض المربع: 1/228.
(8) البهوتي، كشاف القناع: 1/110.
(9) ينظر: إلى صـ 144 و صـ 145.
(10) ابن المنذر، الأوسط: 1/469.،(1/20)
(11) وينظر كتاب: فقه الصحابيات ممن قل نقل الفتيا عنهن،دراسة تطبيقية مقارنة في العبادات ،أمل جمعه سيف عبيد السويدي:103.
?
? اللهم تقبل عملي خالصا لوجهك الكريم، اللهم اغفر لي ولوالديّ ولأشقائي وشقيقاتي، وللمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات، اللهم اجعلني ووالديّ وأشقائي وشقيقاتي ،ممن طال عمره وحسن عمله ، واحفظنا بحفظك ،وقربنا من الصالحين وابعدنا عن الطالحين(1/21)