بحث مقدم لنيل درجة الماجستير
إلى
جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
الدراسات العليا المعهد العالي للقضاء
نال درجة جيد جدًّا
إعداد
بسم الله الرحمن الرحيم
{ إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } [سورة التوبة:60]
#
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الذي أرسله رحمة للعالمين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فقد من الله علي بالدراسة في المعهد العالي للقضاء ثلاث سنوات على النظام القديم ما بين سنة 93- 1394 هـ إلى سنة 95- 1396 هـ.
وحيث اقتضى نظام المعهد ألا تمنح الشهادة للدارس حتى يكتب بحثا فقد وقع الاختيار على (مصارف الزكاة) التي هي ركن من أركان الإسلام التي لا يقوم إلا عليها والتي هي من أقوى عوامل التكافل الاجتماعي بين أفراد الأمة ومن أهم أسباب المودة والمحبة بينهم، ومع ذلك فقد قصر فيها كثير من الناس لضعف إيمانهم ولشدة محبتهم للمال يبخلون به ويمنعون حق الله فيه، وبعضهم يخرجها إلى غير متسحقيها كعادة ظنا منه أنها تنفعه، وقد يجهلون المصرف الشرعي للزكاة لذا رأيت أن أوضح في هذا البحث مصارف الزكاة الشرعية ومن يستحق أن تدفع له الزكاة ويجوز صرفها إليه، ومن لا يستحقها ولا يجوز أن تصرف له بحسب ما ورد في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم المؤيد بالدليل لأن الحق معرفة الهدى بدليله. ليكون(1/1)
المزكي على بينة من أمره وبصيرة من دينه وليؤدي زكاته المفروضة عليه كما يريده الله منه بالطريقة التي تبرأ بها ذمته ليفوز بعظيم الأجر والثواب المرتب على أداء الزكاة ويسلم من الإثم والعقاب المعد لمن منع الزكاة أو قصر فيها.
ويلاحظ أن هذا البحث هو موضوع رسالتي المعتمدة من مجلس المعهد قبل أن تتحول إلى بحث. وتأخرت في إعداد هذا البحث وتقديمه لظروف صحية وعملية، فمعذرة.
ومن الله وحده استمد العون والتوفيق، وأسأله الهدى والسداد، وأن يعصمنا من الخطأ والزلل في القول والاعتقاد والعمل، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب. وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
#
مخطط البحث
ويشتمل هذا البحث على مقدمة وتمهيد، وبابين وخاتمة:
المقدمة: في أهمية الموضوع وسبب اختياره وبيان طريقتي فيه.
التمهيد: ويشتمل على مباحث:
1- معنى الزكاة لغة وشرعاً.
2- حكم الزكاة في الشريعة الإسلامية وحكم مانعها.
3- الحكمة من مشروعية الزكاة وبيان أهدافها بالنسبة للفرد والمجتمع.
الباب الأول: في مصارف الزكاة، ويشتمل على ما يلي:
المصرف الأول والثاني: للفقراء والمساكين والفرق بينهم ومقدار ما يصرف لهم، وما يشترط لذلك.
المصرف الثالث: للعاملين على الزكاة وذكر مهمتهم وما يشترط فيهم، ومقدار ما يدفع لهم وحكم الإهداء إليهم وقبولها للهدية.
المصرف الرابع: للمؤلفة قلوبهم وذكر أقسامهم ومقدار ما يصرف لهم، وذكر الخلاف في سقوط سهمهم مع الاستدلال والترجيح.
المصرف الخامس: (في الرقاب) ومعنى ذلك وهل يفك الأسير المسلم من سهم الرقاب، ولماذا عبر القرآن عن بعض المصارف بـ (اللام) وبعضها بـ (في).
المصرف السادس: في الغارمين لمصلحة أنفسهم وما يشترط لذلك والغارمين لمصلحة غيرهم ومقدار ما يعطي كل منهم.
المصرف السابع: (في سبيل الله) وذكر ما اتفق عليه الفقهاء واختلفوا فيه من ذلك مع الاستدلال والترجيح.(1/2)
المصرف الثامن: في ابن السبيل، ومقدار ما يعطى من الزكاة وبيان شرط إعطائه منها.
فصل: هل يجب استيعاب الأصناف الثمانية في الدفع إليها من الزكاة، أو يجوز الاقتصار على واحد منها، مع ذكر الخلاف، والاستدلال والترجيح.
الباب الثاني: في الأصناف الذين لا تصرف لهم الزكاة.
1- الأغنياء: وتحديد الغنى المانع من أخذ الزكاة مع ذكر الخلاف والاستدلال والترجيح.
2- الأقوياء المكتسبون: مع ذكر الخلاف والترجيح.
3- الكفار: مع ذكر الخلاف والاستدلال والترجيح.
4- أولاد المزكي ووالداه وزوجته وحكم دفع الزكاة إلى سائر الأقارب.
5- آل النبي صلى الله عليه وسلم وهم بنو هاشم باتفاق وبنو المطلب على خلاف في ذلك مع ذكر الاستدلال والترجيح.
الخاتمة في ذكر خلاصة لأهم النتائج التي توصلت إليها في هذا البحث.
#
تمهيد
يشتمل على ما يلي:
1- تعريف الزكاة.
2- حكم الزكاة في الشريعة الإسلامية.
3- حكم مانع الزكاة.
4- الحكمة في مشروعية الزكاة.
#
تعريف الزكاة
الزكاة لغة من الزكاء وهو: النماء والزيادة يقال: زكا الزرع إذا نما وزاد، قال الراغب: أصل الزكاة: النمو الحاصل عن بركة الله تعالى (1) .
وقال ابن الأثير في النهاية: وأصل الزكاة في اللغة: الطهارة والنماء والبركة والمدح فالزكاة طهرة للأموال وزكاة الفطر طهرة للأبدان (2) .
قال تعالى: { قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا } (سورة الشمس/ 9). أي طهر نفسه من الذنوب.
ومن استعمال الزكاة في المدح قوله تعالى: { فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ } (سورة النجم/ 32) أي: فلا تمدحوها على سبيل الفخر والإعجاب ومن استعمال الزكاة في الصلاح قوله تعالى: { فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً } (سورة الكهف/ 81) أي: صلاحا وتقى.
__________
(1) المفردات في غريب القرآن ص213، والمعجم الوسيط ص 398.
(2) النهاية في غريب الحديث ج 2 ص 307.(1/3)
وسمي المال المخرج زكاة لأنه يزيد في المخرج منه ويقيه الآفات. وأصل التسمية قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } (سورة التوبة/ 103).
وقيل: سميت بذلك لأنها تطهر مؤديها من الإثم وتنمي أجره وقال الأزهري: إنما تنمي الفقراء (1) .
وكل ذلك صحيح في معنى التسمية فهي تزكي وتنمي المعطي والمعطى والمال الذي أخرجت منه.
والزكاة شرعا: حق واجب في مال مخصوص لطائفة مخصوصة في وقت مخصوص (2) .
(شرح التعريف) «حق واجب» مقدر في أبواب الزكاة «في مال مخصوص» وهو سائمة بهيمة الأنعام والخارج من الأرض والأثمان وعروض التجارة. «لطائفة مخصوصة» وهم الأصناف الثمانية المشار إليهم بقوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (سورة التوبة/ 60).
«في وقت مخصوص» وهو تمام الحول في الماشية والأثمان وعروض التجارة وعند اشتداد الحب في الحبوب وعند بدو صلاح الثمرة التي تجب فيها الزكاة (3) .
#
حكم الزكاة في الشريعة الإسلامية
الزكاة ركن من أركان الإسلام الخمسة وفرض من فروضه فهي الركن الثالث من أركان الإسلام ومبانيه التي لا يقوم إلا عليها ودليل فرضيتها كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وإجماع الأمة المحمدية.
فمن أدلة الكتاب العزيز:
__________
(1) انظر: المصباح ج1 ص 272 والمختار من صحاح اللغة ص 218 والمطلع على أبواب المقنع صن 222 والروض المربع ج1 ص 107 والمجموع شرح المهذب ج 5 ص 291.
(2) الإقناع في فقه الإمام ابن حنبل ج1 ص 242.
(3) كشاف القناع عن متن الإقناع ج 2 ص 166.(1/4)
1- قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ } . (سورة البقرة/ 42).
2- قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } (سورة البقرة/ 110).
3- قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلَّا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } (سورة البقرة/ 267).
4- قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } (سورة التوبة/ 103).
5- قوله تعالى: { وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } (سورة النور/ 56).
6- قوله تعالى: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } (سورة المعارج/ 24- 25).
والحق المعلوم هو الزكاة.
7- قوله تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ } (سورة البينة/ 5).
فدلت هذه الآيات الكريمات على وجوب الزكاة للأمر بها والأمر للوجوب، وقد قرنت الزكاة بالصلاة في آيات كثيرة من القرآن مما يدل على أهميتها وعظيم شأنها.
ومن أدلة السنة على وجوب الزكاة: ـ(1/5)
1- عن أبي عبد الرحمن عبد اله بن عمر بن الخطاب –رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وحج البيت وصوم رمضان» رواه البخاري ومسلم (1)
واللفظ للبخاري ولفظ مسلم «وصيام رمضان والحج» بتقديم الصيام على الحج وقال هكذا سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم وهذه الرواية أنسب للترتيب لأن فرض الصوم متقدم على فرض الحج.
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذا رضي الله عنه إلى اليمن فقال: «ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله فإن أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله قد افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوا لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم (2)
وفي رواية للبخاري فأخبرهم أن الله فرض
# عليهم زكاة من أموالهم (3) وهي مبينة للمراد من الصدقة المفروضة في الرواية الأولى أنها الزكاة وقد أفاد الحديثان وجوب الزكاة وفرضيتها وأنها ركن من أركان الإسلام وخص الفقراء بالذكر في حديث ابن عباس من بين بقية الأصناف الثمانية لمقابلة الفقراء بالأغنياء ولأن الفقراء هم الأغلب وحقهم في الزكاة آكد من بقية الأصناف (4) .
__________
(1) صحيح البخاري ج1 ص8 باب "دعاؤكم إيمانكم". ومختصر صحيح مسلم ج1 ص22 باب "بني الإسلام على خمس".
(2) صحيح البخاري ج 2 ص 90 باب "وجوب الزكاة". ومختصر صحيح مسلم ج 1 ص 136 باب "وجوب الزكاة".
(3) صحيح البخاري ج 2 ص 101.
(4) انظر دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين ج4 ص 9 وأحكام الأحكام شرح أصول الأحكام لابن القاسم ج2 ص 5.(1/6)
وأجمع المسلمون على وجوب الزكاة وأنها أحد أركان الإسلام وفريضة من فرائضه. واتفق الصحابة رضي الله عنهم في عهد أبي بكر على قتال مانعيها (1) .
#
حكم مانع الزكاة
من أنكر وجوب الزكاة جهلا به وكان ممن يجهل ذلك لحداثة عهده بالإسلام أو لأنه نشأ ببادية نائية عن الأمصار عرف وجوبها ولا يحكم بكفره لأنه معذور.
وإن كان مسلما ناشئا ببلاد الإسلام بين أهل العلم فهو مرتد تجري عليه أحكام المرتدين ويستتاب ثلاثا فإن تاب وإلا قتل لأن أدلة وجوب الزكاة ظاهرة في الكتاب والسنة وإجماع الأمة فلا تكاد تخفى على أحد ممن هذه حاله فإذا جحدها فلا يكون إلا لتكذيبه الكتاب والسنة وكفره بهما.... (2)
وإن منع الزكاة بخلا بها مع اعترافه بوجوبها لم يكفر بلا خلاف ولكن يعزر وتؤخذ منه قهرا، لما روى بهز بن حكيم عن أبيه عن جده قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون، لا تفرق إبل عن حسابها من أعطاها مؤتجرا (3) فله أجرها ومن منعها فإنا آخذوها وشطر إبله عزمة (4) من عزمات ربنا تبارك وتعالى لا يحل لآل محمد منها شيء» رواه أحمد والنسائي وأبو داود. وقال «وشطر ماله». قال مجد الدين ابن تيمية في (المنتقى) وهو حجة في أخذها من الممتنع ووقوعها موقعها (5) .
فإذا كان مانع الزكاة خارجًا عن قبضة الإمام قاتله لأن الصحابة رضي الله
__________
(1) انظر المغني لابن قدامة مع الشرح الكبير ج2 ص 434 والإفصاح لابن هبيرة ج1 ص 131 والمجموع شرح المهذب ج5 ص 292.
(2) المهذب ج1 ص 140- 141 والمغني مع الشرح الكبير ج2 ص 435.
(3) مؤتجرًا أي طالبًا للأجر.
(4) (شطر أبله) قال في المصباح شطر كل شيء: نصفه وقوله (عزمة) بإسكان الزاي – (من عزمات زينا) بفتحها ومعناه حق لا بد منه.
(5) انظر نيل الأوطار ج4 ص 138.(1/7)
# عنهم قاتلوا مانعيها مع أبي بكر رضي الله عنه. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله» رواه البخاري ومسلم (1) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال (لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر وكفر من كفر من العرب فقال عمر: كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقها وحسابه على الله تعالى» فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر: فوالله ما هو إلا أن رأيت الله قد شرح صدر أبي بكر للقتال فعرفت أنه الحق) رواه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود والنسائي والترمذي لكنه في لفظ مسلم والترمذي وأبي داود «لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه» بدل العناق (2) فهذان الحديثان يدلان دلالة صريحة على أن مانع الزكاة يقاتل حتى يعطيها ولو أقر بالشهادتين. وقد ورد الوعيد الشديد لمانع الزكاة.
ومن ذلك قوله تعالى: { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } (سورة آل عمران، آية 180).
__________
(1) صحيح البخاري ج1 ص 11 وصحيح مسلم ج1 ص 200.
(2) نيل الأوطار ج 4 ص 134- 135 والعناق: الأنثى من أولاد المعز قبل استكمالها الحول. والعقال: الحبل الذي يعقل به البعير.(1/8)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان (1) يطوقه يوم القيامة ثم يأخذ بلهزمتيه –يعني شدقيه- ثم يقول: أنا مالك أنا كنزك ثم تلا: { وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ } » (2) .
وقال تعالى: { وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ } (سورة التوبة 34/ 35). والكنز: كل مال لم تؤد زكاته (3) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار فأحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت له في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار» رواه مسلم وغيره (4) .
وخص الجباه والجنوب والظهور بالكي لأن الغني البخيل إذا رأى الفقير عبس وجهه وزوى ما بين عينيه وأعرض بجنبه فإذا قرب منه ولى بظهره
__________
(1) الشجاع: الذكر من الحيات. والأقرع الأصلع من الشعر والزبيبتان: نقطتان سودواوان فوق عينيه. وقيل: نقطتان منتفختان في شدقيه.
(2) صحيح البخاري ج2 ص 99. والبخل: أن يمنع الإنسان الحق الواجب عليه.
(3) انظر تفسير الطبري ج2 ص 217 و223.
(4) مختصر صحيح مسلم ج1 ص 138.(1/9)
# فعوقب بكى هذه الأعضاء ليكون الجزاء من جنس العمل (1) .
ومما تقدم من وعيد مانع الزكاة وأن ماله يكون عذابًا عليه تارة بالطوق في عنقه وتارة بالكي في جبينه وجنبه وظهره، من هذا يعلم أن منع الزكاة كبيرة من كبائر الذنوب تجب التوبة منها والإقلاع عنها. وبالله التوفيق.
الحكمة في مشروعية الزكاة
الزكاة يؤديها المسلم امتثالا لأمر الله وطلبا لمرضاته ورغبة في ثوابه وخوفا من عقابه ومواساة لإخوانه المحتاجين من الفقراء والمساكين ونحوهم، فأداؤها من باب إعانة الضعيف وإغاثة اللهيف وإقدار العاجز وتقويته على أداء ما افترض الله عليه من التوحيد والعبادات.
والزكاة تطهر نفس المؤدي من أنجاس الذنوب وتزكي أخلاقه بتخلق الجود والكرم وترك الشح إذ أن النفوس مجبولة على محبة المال وإمساكه فتتعود السماحة وترتاض لأداء الأمانات وإيصال الحقوق إلى مستحقيها وقد تضمن ذلك كله قوله تعالى: { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } (سورة
التوبة/ 103).
وقد أنعم الله على الأغنياء وفضلهم بصنوف النعم وبالأموال الفاضلة عن الحوائج الأصلية وخصهم بها فيتمتعون. ويتنعمون بلذيذ العيش فأداء الزكاة من باب شكر نعمة المال فكان فرضا (2) فالزكاة طهارة لنفس الغني من الشح البغيض تلك الآفة النفسية الخطرة التي قد تدفع من اتصف بها إلى الدم فيسفكه أو العرض فيبذله أو الوطن فيبيعه ولن يفلح فرد أو مجتمع سيطر عليه الشح قال تعالى { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (سورة الحشر: 9) (وسورة التغابن: 29).
وقال صلى الله عليه وسلم «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم» رواه مسلم (3) .
__________
(1) الكبائر للذهبي ص 34 ط الاستقامة بالقاهرة.
(2) انظر بدائع الصنائع ج2 ص 811.
(3) مختصر صحيح مسلم ج2 ص 243.(1/10)
والزكاة في الجانب الآخر طهارة لنفس الفقير من الحسد والحقد على ذلك الغني الكانز لمال الله عن عباد الله الذي { جَمَعَ مَالا وَعَدَّدَهُ * يَحْسَبُ أَنَّ مَالَهُ أَخْلَدَهُ } (سورة الهمزة 2- 3) ومن شأن الإحسان أن يستميل قلب الإنسان وقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها وبغض من أساء إليها.
والزكاة طهارة للمجتمع كله أغنيائه وفقرائه من عوامل الهدم والتفرقة والصراع والفتن ثم هي طهارة للمال فإن تعلق حق الفقير بالمال جعله ملوثا لا يطهر إلا بإخراجه منه. ثم هي نماء لشخصية الغني وكيانه المعنوي فإن الإنسان الذي يسدي الخير ويصنع المعروف ويبذل من ذات نفسه ويده لينهض بإخوانه في الدين والإنسانية وليقوم بحق الله عليه يشعر بامتداد في نفسه وانشراح واتساع في صدره ويحس بما يحس به من انتصر في معركة وهو فعلا قد انتصر على نفسه. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل البخيل والمتصدق كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما فجعل المتصدق كلما هم بصدقة انبسطت عنه حتى تغشى أنامله وتعفو أثره وجعل البخيل كلما هم بصدقة قلصت وأخذت كل حلقة بمكانها. قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه فلو رأيته يوسعها ولا تتوسع (1) . رواه البخاري ومسلم (2) .
__________
(1) قوله "وتراقيهما" جمع ترقوة: وهو: العظم الذي بين ثغرة النحر والعاتق "انبسطت عنه" أي انتشرت عنه الجبة، "تغشى" تغطي، "وتعفو أثره" أي أثر مشيه لسبو عنها. "قلصت" أي: تأخرت وانضمت وارتفعت، "وأخذت كل حلقة بمكانها" أي من الجبة "يقول بأصبعه" فيه التعبير بالقول عن الفعل "فلو رأيته يوسعها ولاتتوسع" أي لتعجبت. اهـ. من تعليق محمد فؤاد عبد الباقي على المرجع السابق.
(2) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج1 ص 211- 212.(1/11)
والزكاة أيضا نماء لشخصية الفقير حيث يحس أنه ليس ضائعًا في المجتمع
# ولا متروكا لضعفه وفقره حتى يوديا به ويعجلا بهلاكه كلا إن مجتمعه المسلم ليعمل على إقالة عثرته وحمل أثقاله عنه فيمد له يد المعونة بكل ما يستطيع (1) .
والزكاة بعد ذلك نماء للمال وبركة فيه فإن هذا الجزء القليل الذي يدفعه يعود عليه أضعافه في الدنيا بالبركة والخلف العاجل وفي الآخرة بالثواب العظيم قال تعالى: { وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ } [سورة سبأ 39]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى «يا ابن آدم أنفق أنفق عليك». رواه البخاري ومسلم (2) . والجزاء من جنس العمل... وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما نقصت صدقة من مال» رواه مسلم (3) . وعنه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقا خلفا ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكا تلفا» رواه البخاري ومسلم (4) . ودعاء الملائكة مستجاب وقال صلى الله عليه وسلم «من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب ولا يصعد إلى الله إلا الطيب فإن الله يتقبلها بيمينه ثم يربيها لصاحبها كما يربي أحدكم فلوه حتى تكون مثل الجبل» رواه البخاري ومسلم (5) .
والزكاة بعد ذلك وسيلة من وسائل الضمان الاجتماعي الذي جاء به الإسلام فإن الإسلام يأبى أن يوجد في مجتمعه من لا يجد القوت الذي يكفيه، والثوب
__________
(1) انظر العبادة في الإسلام للقرضاوي ص 258- 259.
(2) رياض الصالحين للنووي ص 302.
(3) المصدر السابق ص 304.
(4) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج 1 ص 208.
(5) المصدر السابق ص 209، والفلو: المهر وهو ولد الخيل. اهـ. المصباح المنير ج 2 ص 137- 250.(1/12)
# الذي يزينه ويستره ويواريه والمسكن الذي يؤويه فهذه ضروريات وحقوق يجب أن تتوفر لكل من يعيش في ظل الإسلام والمسلم مطالب بأن يحقق هذه الضرورات من جهده وكسبه فإن لم يستطع فالمجتمع المسلم يكفله ويضمنه ولا يدعه فريسة الجوع والعري والمسكنة هكذا علم الإسلام المسلمين في أن يكونوا كالجسد الواحد وكالبينان المرصوص يشد بعضه بعضا. عن أبي موسى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» وشبك بين أصابعه –وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى مه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». رواهما البخاري ومسلم (1) .
والزكاة مورد أساسي لهذه الكفالة الاجتماعية المعيشية التي فرضها الإسلام للعاجزين والمحرومين (2) .
فللزكاة حكم كثيرة وآثار واضحة في المال والفرد المزكي والمجتمع الإسلامي. أما في المال فإنها تطهره وتزيده بركة وتحفظه من الآفات ويمنع الله عنه أسباب التلف والضياع بسببها (3) . وفي الحديث «ما تلف مال في بر ولا بحر إلا بحبس الزكاة» رواه الطبراني في الأوسط (4) .
وأما بالنسبة للفرد فإن الله يغفر ذنبه ويرفع درجاته ويضاعف حسناته ويشفيه من أمراض البخل والشح والطمع والأنانية والاستئثار قال صلى الله عليه وسلم «الصدقة تطفئ الخطيئة كما تطفئ الماء النار» رواه الترمذي من
__________
(1) رياض الصالحين ص 147.
(2) انظر العبادة في الإسلام ص 260- 261 وانظر فقه الزكاة ج 2 ص 857- 880.
(3) الزكاة في الإسلام لحسن أيوب ص 8.
(4) الجامع الصغير للسيوطي ج2 ص 144 ورمز له بالصحة.(1/13)
# حديث معاذ بن جبل وقال: حديث حسن صحيح (1) وأما بالنسبة للمجتمع فإن الزكاة تعالج جانبا خطيرا منه خصوصا إذا عرفنا مصارف الزكاة وأدركنا أن الله تعالى سد بهذه الزكاة جوانب عديدة في المجتمع الإسلامي، فالفقراء والمساكين الذين لا يجدون ما يسد حاجتهم واليتيم الذي لا مال له ولا أهل ينفقون عليه والمديون الذي أعضلته الديون ولا سداد عنده والمسافر المنقطع الذي ليس معه ما يوصله إلى بلده كل هؤلاء ينظرون إلى أموال الأغنياء بنفوس حاقدة إذا لم يعطهم الأغنياء حقهم، أما حين توزع الزكاة على مستحقيها ويستغنى الفقير والمسكين والمحروم وذو الحاجة فإن هؤلاء تصعد إلى الله دعواتهم من أجل هؤلاء الأنبياء الكرماء وقد قنعت نفوسهم ورضيت وطهرت قلوبهم من الحقد والحسد وصاروا عونا للمجتمع الذي يرعاها ويكفلهم (2) وقد قال الله تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ } (سورة التوبة 103).
وقوله تعالى: { وَصَلِّ عَلَيْهِمْ } أي ادع لهم، وقد امتثل صلى الله عليه وسلم هذا الأمر فكان يدعو لمن أتاه بالصدقة. عن عبد الله ابن أبي أوفى قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال «اللهم صل على آل فلان، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صل على آل أبي أوفى» رواه البخاري ومسلم (3) .
ومن هنا استحب الدعاء عند دفع الزكاة من الآخذ والمعطي فيقول دافعها: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما ويحمد الله على التوفيق لأدائها لما روى أبو هريرة قال: قال صلى الله عليه وسلم «إذا أعطيتم الزكاة فلا تنسوا ثوابها أن تقولوا: اللهم اجعلها مغنما ولا تجعلها مغرما» أخرجه ابن
__________
(1) الترغيب والترهيب ج2 ص 134.
(2) انظر الزكاة في الإسلام لحسن أيوب ص 8- 10.
(3) اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج 1 ص 237.(1/14)
# ماجة. ويقول آخذها: آجرك الله فيما أعطيت وبارك لك فيما أبقيت وجعله لك طهورا لما تقدم من الآية والحديث (1) قال ابن القيم رحمه الله تعالى في (زاد الميعاد): وكان هديه صلى الله عليه وسلم في الزكاة أكمل هدي في وقتها وقدرها ونصابها ومن تجب عليه ومصرفها قد راعى فيها مصلحة أرباب الأموال ومصلحة المساكين وجعلها الله سبحانه وتعالى طهرة للمال ولصاحبه وقيد النعمة بها على الأغنياء فما زالت النعمة بالمال على من أدى زكاته بل يحفظه الله عليه وينميه له ويدفع عنه بها الآفات ويجعلها سورا عليه وحصنا له وحارسا له.
فاقتضت حكمته أن جعل في الأموال قدرا يحتمل المواساة ولا يجحف بها ويكفي المساكين ولا يحتاجون معه إلى شيء ففرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء. فوقع الظلم من الطائفتين: الغني يمنع ما وجب عليه، والآخذ يأخذ مالا لا يستحقه فتولد من بين الطائفتين ضرر عظيم على المساكين وفاقة شديدة أوجبت لهم أنواع الحيل والإلحاف في المسألة (2) .
ففي مشروعية الزكاة ابتلاء مدعي محبة الله تعالى بإخراج محبوبه والتنزه عن صفة البخل المهلك وشكر نعمة المال (3) .
إنه بهذا النظام المالي في الإسلام وبهذه الفكرة الإسلامية في ملكية الأموال والإنفاق منها في وجوه الخير يتحاب المؤمنون ويقوى بينهم شعور بالتكافل الاجتماعي والتضامن الإسلامي الذي يحفظ لكل فرد من أفراد المجتمع الإسلامي حقه في العمل والرزق الذي يجعله يحيا حياة إنسانية كريمة. ومن هنا نستطيع أن نؤكد أن المسلمين لو عملوا بما شرعه الله من تحصيل فريضة الزكاة
__________
(1) انظر الشرح الكبير مع الغني ج2 ص 678- 679.
(2) زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم ج1 ص 306- 308.
(3) مختصر منهاج القاصدين ص 30.(1/15)
# وإعطائها لمستحقيها لما بقي محتاج يمد يديه للسؤال (1) فالزكاة من أعظم شعائر الدين وأكبر براهين الإيمان فإنه صلى الله عليه وسلم قال: «والصدقة براهن» رواه مسلم أي دليل على إيمان صاحبها ودينه فمتى وضعت الزكاة في محلها اندفعت الحاجات والضرورات واستغنى الفقراء أو خف فقرهم وقامت المصالح الخاصة والعامة فلو أن الأغنياء أخرجوا زكاة أموالهم ووضعت في محلها لقامت المصالح الدينية والدنيوية وزالت الضرورات واندفعت شرور الفقراء وكان ذلك أعظم حاجز وسد يمنع عبث المفسدين ولهذا كانت الزكاة من أعظم محاسن الإسلام لما اشتملت عليه من جلب المنافع ودفع المضار (2) .
#
الباب الأول
في مصارف الزكاة
المصارف: جمع مصرف والمراد بها هنا: الأصناف الثمانية الذين تصرف لهم الزكاة وهم:
1. الفقراء.
2. المساكين.
3. العاملون عليها.
4. المؤلفة قلوبهم.
5. في الرقاب.
6. الغارمون.
7. في سبيل الله.
8. ابن السبيل.
فصل –هل يجب توزيع الزكاة على الأنصاف الثمانية أم يجوز الاقتصار في الصرف على واحد منهم؟
#
مصارف الزكاة ثمانية لا يجوز صرفها إلى غيرهم وهم المذكورون في قول الله تعالى { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } (سورة التوبة: 60).
__________
(1) انظر: كتاب: من حكم الشريعة وأسرارها ص 55 و62.
(2) انظر الرياض الناضرة للشيخ عبد الرحمن السعدي ص 17- 19.(1/16)
لما ذكر الله تعالى اعتراض المنافقين الجهلة على النبي صلى الله عليه وسلم ولمزهم إياه في قسم الصدقات بين تعالى في هذه الآية أنه هو الذي قسمها وبين حكمها وتولى أمرها بنفسه ولم يكل قسمها إلى أحد غيره (1) . سواء كان عالما أو حاكما أو غيرهما لقصور آراء البشر وعدم أمنهم من الحيف والهوى فجاءت هذه الآية مصدرة بأقوى أدوات الحصر «إنما» وهو إثبات الحكم للمذكور ونفيه عما عداه حصر الصدقات في هذه الأصناف الثمانية وأنها تصرف إليهم ولا تصرف إلى غيرهم فعرف الطامعون من المنافقين وضعفاء الإيمان أنه لا حق لهم فيها وانقطعت مطامعهم فيها. وجاء في الحديث النبوي وهو ما رواه أبو داود عن زياد بن الحارث الصدائي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم
# فباعيته وذكر حديثا طويلا فأتاه رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقة حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك» رواه أبو داود (2) .
ففي هذا الحديث أكد صلى الله عليه وسلم تحديد مصارف الزكاة بهذه الأصناف الثمانية وأعلم السائل بأنه لا يجوز صرفها إلى غيرهم (3) . ومما مضى وبما يأتي من الأدلة تظهر لنا عناية القرآن والسنة بمصارف الزكاة.
#
المصرف الأول والثاني
للفقراء والمساكين
وهم المحتاجون الذين لا يجدون كفايتهم.
والفقراء: جمع فقير وهو ضد الغني قال في مختار القاموس: الفقر ضد الغنى (4) .
__________
(1) تفسير ابن كثير ج2 ص 364.
(2) مختصر سنن أبي داود ج2 ص (5) قال وفي إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي وقد تكلم فيه غير واحد.
(3) انظر رسالة المعاهد العلمية العدد 11 ص 50 وفقه الزكاة ج2 ص 541- 542.
(4) مختار القاموس ص 481.(1/17)
وقال الراغب: الفقر عدم المقتنيات. ومنه قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } (1) والفقير عند الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأحمد: من ليس له مال ولا كسب حلال لائق به يقع موقعا من كفايته من مطعم وملبس ومسكن وسائر ما يحتاج إليه ولا بد له منه لنفسه ولمن تلزمه مؤنته كمن يحتاج إلى عشرة دراهم كل يوم ولا يجد إلا أربعة فأقل (2) وعند أبي حنيفة الفقير: من يملك شيئًا دون النصاب الشرعي في الزكاة زيادة على حوائجه الأصلية (3) .
فالأئمة الثلاثة يدور تعريف الفقير عندهم على ملك الكفاية أو بعضها عند الأحناف على ملك النصاب أو عدمه.
والمسكين لغة مأخوذة من السكون وهو قلة الحركة والاضطراب يقال: سكنت الريح إذا وتوقفت (4) . وأطلق على المحتاج لأن الحاجة سبب سكونه،
# والمسكين في الاصطلاح هو عند الأئمة الثلاثة: من يملك من المال الحلال أو يكتسب من الكسب اللائق به ما يقع موقعا من كفايته ولكن لا تتم به الكفاية.
وحددوه بالنصف فأكثر إلى ما دون الكفاية التامة وذلك مثل من يحتاج إلى عشرة دراهم كل يوم فيجد خمسة فأكثر (5) والمسكين عند أبي حنيفة: من لا يملك شيئا. وهذا هو المشهور عنه (6) . والذي شملته الأدلة في تعريف الفقير والمسكين هو رأي الجمهور كما سيأتي.
__________
(1) المفردات في غريب القرآن ص 383.
(2) انظر: منهاج الطالبين للنووي ص 94 وقوانين الأحكام الشرعية ص 127 والروض المربع شرح زاد المستقنع ج1 ص 119.
(3) انظر شرح فتح القدير ج2 ص 15.
(4) انظر المصباح المنير ج1 ص 303.
(5) انظر مناهج الطالبين ص 94 وفقه الزكاة ج2 ص 547 والروض المربع ج1 ص 119.
(6) شرح فتح القدير ص 15 ج2.(1/18)
واختلف العلماء في صفة الفقير والمسكين والفرق بينهما وهل هما صنف واحد أو صنفان ذهب أبو يوسف صاحب أبي حنيفة وابن القاسم من أصحاب مالك إلى أنهما صنف واحد (1) وقال الجمهور هما صنفان لنوع واحد: وهم أهل العوز والحاجة وما قيل من أنهما صنف واحد ليس بسديد؛ لأن الله عطف أحدهما على الآخر والعطف دليل المغايرة ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «إن الله جزأها ثمانية أجزاء» وإذا قلنا أنهما صنف واحد تكون الأجزاء سبعة لا ثمانية إلا أن العلماء اختلفوا في تحديد مفهوم كل من اللفظين على حده حيث اجتمعا هنا في سياق واحد.
فقال بعضهم: الفقير: المحتاج المتعفف عن المسألة.
والمسكين: المحتاج السائل. وبه قال ابن عباس ومجاهد والحسن البصري.
وقال آخرون: الفقير: هو ذو الزمانة (2) من أهل الحاجة، والمسكين هو الصحيح الجسم منهم وهو قول: قتادة بن دعامة البصري. وقال آخرون: الفقراء
# هم فقراء المهاجرين. والمساكين من لم يهاجر من المسلمين وهو محتاج. وبه قال الضحاك بن مزاحم وسعيد بن جبير.
وقال آخرون: المسكين: الضعيف الكسب.
وقال بعضهم: الفقير من المسلمين والمسكين من أهل الكتاب.
وقال عكرمة بن عبد الله المدني الهاشمي مولى ابن عباس. وقال شيخ المفسرين ابن جرير الطبري: المراد بالفقير: المحتاج المتعفف الذي يسأل، والمسكين المحتاج المتذلل الذي يسأل. ورجح هذا بأن لفظ المسكنة ينبئ عنه ذلك.
__________
(1) انظر حاشية الدسوقي ج 1 ص 492 وفقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 544.
(2) الزمانة: المرض الذي يدوم زمانا طويلا. المصباح ج1 ص 275.(1/19)
قال الله تعالى في شأن اليهود { ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ } (سورة البقرة 61) (1) وما جاء في الحديث الصحيح: «ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذي يتعفف اقرءوا إن شئتم: { لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا } » (سورة البقرة 273).
رواه البخاري ومسلم (2) ليس تفسيرا لغويا لمعنى المسكين وإنما هو من باب «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» رواه البخاري ومسلم (3) قال العلماء: معنى الحديث أن المسكين الكامل المسكنة هو
المتعفف الذي لا يطوف على الناس ولا يسألهم ولا يفطن لحاله، وليس
معناه نفي المسكنة عن الطواف وإنما معناه نفي كمالها واستدلوا على إطلاق اسم المسكنة على الطواف بحديث «ردوا المسكين
# ولو بظلف محرق» رواه أحمد والنسائي بإسناد حسن (4) .
وأجمعوا أن السائل الطواف المحتاج مسكين (5) وفيه دليل على أن المسكين هو الجامع لعدم الغنى وعدم تفطن الناس له لما يظن به من عدم الحاجة لأجل تعففه (6) ولهذا قال الإمام الخطابي في معالم السنن: في الحديث دليل على أن المسكين في الظاهر عندهم المتعارف لديهم هو السائل الطواف وإنما نفي صلى الله عليه وسلم عنه اسم المسكين لأنه بمسألته تأتيه الكفاية. وقد تأتيه الزيادة عليها فتزداد حاجته ويسقط عنه اسم المسكنة إنما تدوم الحاجة والمسكنة بمن لا يسأل ولا يفطن له فيعطى (7) .
__________
(1) انظر تفسير الطبري ج14 ص 305- 309 وفقه الزكاة ج2 ص 545 وتفسير آيات الأحكام للشيخ مناع القطان ص 352 ج3.
(2) طرح التثريب في شرح التقريب ج4 ص 32.
(3) بلوغ المرام ص 302.
(4) الجامع الصغير ج2 ص 24 بلفظ "رادوا السائل" وذكره باللفظ الأول في طرح التثريب ج4 ص 32.
(5) انظر طرح التثريب ج4 ص 32- 33.
(6) انظر بلوغ الأماني شرح الفتح الرباني ج9 ص 53.
(7) معالم السنن ج2 ص 232.(1/20)
واختلف العلماء أي الصنفين أسوأ حالا الفقراء أم المساكين؟ فعند الشافعية والحنابلة: الفقير أسوأ حالا وهو من ليس له مال ولا كسب يقع موقعا من كفايته كما تقدم، والمسكين هو الذي يقدر على ما يقع موقعا من كفايته إلا أنه لا يكفيه فالفقير أسوأ حالا من المسكين.
ومن الناس من قال: لا فرق بين الفقير والمسكين وهو قول ابن القاسم من أصحاب مالك. وبه قال أبو يوسف (1) قالوا: لأن المسكنة لازمة للفقر.
وحجة الشافعي وأحمد فيما ذهب إليه أمور:
الأول: أنه تعالى بدأ بذكر الفقراء وإنما يبدأ بالأهم فالأهم وهو تعالى إنما
# أثبت الصدقات لهؤلاء الأصناف دفعا لحاجتهم وتحصيلا لمصلحتهم وهذا يدل على أن الذي وقع الابتداء بذكره يكون أشد حاجة فلو لم تكن حاجتهم أشد من حاجة المساكين لما بدأ بهم.
الثاني: أن الفقير أصله في اللغة المفقور الذي نزعت فقرة من فقار ظهره (فعيل بمعنى مفعول) فهو ممنوع من التقلب والكسب قال الشاعر:
لما رأى لبد النسور تطايرت ... رفع القوادم كالفقير الأعزل
قال ابن الأعرابي: الفقير في هذا البيت: المكسور الفقار ومعلوم أن لا حال في الإقلال والبؤس آكد من هذه الحال فثبت بهذا أن الفقير إنما سمي فقيرًا لزمانته وحاجته الشديدة.
الثالث: ما روي أنه صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الفقر كما في الصحيحين عن عائشة، وقال: «اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين» رواه الترمذي من حديث أنس فلو كان المسكين أسوأ حالا من الفقير لما تعوذ من الفقر وسأل المسكنة فثبت بهذا أن المسكين أحسن حالا من الفقير.
__________
(1) انظر تفسير القرطبي ج8 ص 170 وبلوغ الأماني ج9 ص 54.(1/21)
الرابع: قوله تعالى { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ } (سورة الكهف: 70) فقد وصف بالمسكنة من له سفينة من سفن البحر ولم نجد في كتاب الله تعالى ما يدل على أن الفقير يملك شيئًا فكان الفقير أسوأ حالا من المسكين (1) .
الخامس: قوله تعالى: { لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ } (سورة الحشر 8) فصح أن الفقير لا مال له أصلا لأن الله تعالى أخبر أنهم أخرجوا من ديارهم وأموالهم ولا يجوز أن يحمل ذلك على بعض أموالهم (2) .
نوقش الاستدلال بآية { أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ } (الكهف: 79) بأن ذكر المساكين للترحم وبأنه تحتمل أن تكون مستأجرة لهم. وأجيب بأن هذه المناقشة مخالفة للآية وقد أثبت السفينة لهم بسلام الملك.
ونوقش الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: «اللهم أحيني مسكينا وتوفني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين» بأنه لم يسأل قلة المال وإنما معناه التواضع الذي لا جبروت فيه ولا كبرياء (3) .
وأجيب عن ذلك بأنه يكفي في تفضيل المسكنة على الفقر سؤال المسكنة والاستعاذة من الفقر.
__________
(1) انظر تفسير الخازن ج 2 ص 234 وتفسير القرطبي ج8 ص 169. وتفسير آيات الأحكام للسايس ج3 ص 33- 34 والشرح الكبير مع المغني ج2 ص 690، والمجموع شرح المهذب ج6 ص 205.
(2) انظر المحلى لابن حزم ج6 ص 212.
(3) تفسير القرطبي ج8 ص 170.(1/22)
ومذهب الحنفية والمالكية أن المسكين أسوأ حالا من الفقير فالفقير كما ذكر الحنفية هو من يملك شيئًا دون النصاب الشرعي في الزكاة أو يملك ما قيمته نصابا أو أكثر من الأثاث والأمتعة والثياب والكتب ونحوها مما هو محتاج إليه لاستعماله والانتفاع به في حوائجه الأصلية والمسكين عندهم من لا يملك شيئًا (1) .
وذكر المالكية وغيرهم أن الفقر والمسكنة يرجعان إلى عدم ملك الكفاية والمراد بالكفاية عند المالكية والحنابلة كفاية السنة من مطعم وملبس ومسكن وسائر ما
# لا بد منه لنفسه ولمن تلزمه نفقته من غير إسراف ولا تقتير، فلا يخرج الفقير أو المسكين من فقره ومسكنته أن يكون له مسكن لا ئق به محتاج إليه ولا يكلف بيعه لينفق منه. ومثل المسكن ثيابه المناسبة له التي يملكها وكتب العلم التي يحتاج إليها وآلات الحرفة والصنعة التي يستخدمها في حرفته وصنعته (2) .
واستدل أصحاب هذا المذهب على أن المسكين أسوأ حالا من الفقير بوجوه:
الأول: ما نقل عن الأصمعي وأبي عمرو بن العلاء وغيرهما من أئمة اللغة أن المسكين أسوأ حالا من الفقير.
الثاني: قوله تعالى { أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } (سورة البلد 16) أي ألصق جلده بالتراب ليواري به جسده ولصق به بطنه لفرط الجوع فإنه يدل على شدة المخمصة وغاية الضرر ولم يوصف الفقير بذلك.
الثالث: أن المسكين من أسكنه الفقر ومن يسكن حيث يحل لأنه لا بيت له يسكن فيه وذلك يدل على نهاية البؤس (3) .
الرابع: أن الله جعل الكفارات للمساكين فلو لم يكن المسكين أشد حاجة من غير ه لما جعلها له.
الخامس: احتجوا أيضا بقول الراعي:
__________
(1) انظر تنوير الأبصار وشرح الدر المختار وحاشية ابن عابدين رد المحتار ج2 ص 339، وشرح فتح القدير ج2 ص 15 وتفسير القرطبي ج8 ص 169 -171.
(2) تفسير آيات الأحكام للشيخ مناع القطان ج3 ص 353- 354.
(3) تفسير آيات الأحكام للسايس ج3 ص 34.(1/23)
أما الفقير الذي كانت حلوبته ... وفق العيال فلم يترك له سيد
أي لها لبن وفق عياله لا فضل فيه فسماه فقيرًا مع وجود الحلوبة (1) ورجح بعض العلماء الرأي الأول. وهو الصحيح إن شاء الله، أي بأن المسكين أحسن حالا من الفقير لما تقدم من الأدلة ولما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي
# الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ليس المسكين بهذا الطواف الذي يطوف على الناس، فترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان ولكن المسكين الذي لا يجد غني يغنيه ولا يفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس» رواه البخاري ومسلم (2) فهذا يرجح أن المسكين أحسن حالا من الفقير وأنه يتعفف عن المسألة (3) . وإنما نفي المسكنة عنه مع وجودها فيه حقيقة مبالغة في إثباتها في الذي لا يسأل الناس كما قال عليه الصلاة والسلام «ليس الشديد بالصرعة إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب» وأشباه ذلك (4) .
وأجيب عن أدلة الفريق الثاني القائلين بأن المسكين أشد حاجة من الفقير بما يأتي:
أما قوله تعالى { أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ } (سورة البلد 16) فهو حجة لمن قال إن الفقير أسوأ حالا لأنه قيد المسكين المذكور هنا بكونه ذا متربة فدل على أنه يوجد مسكين لا بهذه الصفة وإلا لم يبق لهذا القيد فائدة.
والجواب عن جعل الكفارات للمساكين: أن المسكين هو الفقير الذي لصق جلده بالتراب من شدة المسكنة وإذا أطلق المسكين دخل فيه الفقير كما تقدم.
__________
(1) انظر تفسير الخازن ج2 ص 234 ومختار القاموس ص 287.
(2) نيل الأوطار ج4 ص 178.
(3) تفسير آيات الأحكام للشيخ مناع القطان ج3 ص 354- 355.
(4) الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 691.(1/24)
والجواب عن الاستدلال ببيت الراعي أنه ذكر الفقير وحده فكل فقير أفرد بالاسم جاز إطلاق المسكين عليه فسقط الاستدلال به. وما نقل عن الأصمعي فهو معارض بما تقدم من الأدلة على أن المسكين أحسن حالا من الفقير فسقط الاستدلال به (1) .
وبالجملة فالفقر والمسكنة عبارتان عن شدة الحاجة وضعف الحال وعلى كل حال فقد اتفق الرأيان على أن الفقراء والمساكين صنفان وهذا بخلاف ما ذهب إليه أبو يوسف من أصحاب أبي حنيفة وابن القاسم من أصحاب مالك من أنهما صنف واحد ولا فرق بين الفقير والمسكين (2) . محل الخلاف: إنما هو عند ذكر اللفظين معًا أو ذكر أحدهما مع نفي الآخر أما إذا ذكر أحدهما مفردا دخل فيه الآخر كما تقدم لأن الفقير والمسكين مثل الإسلام والإيمان من الألفاظ التي قال العلماء فيها إذا اجتمعا افترقا أي كون لكل واحد منهما معنى خاص وإذا افترقا اجتمعا أي إذا ذكر أحدهما مفردا دخل فيه الآخر وهما هنا في مصارف الزكاة قد اجتمعا والخلاف في ذلك لا يظهر له فائدة لأنه يجوز عند الجمهور صرف الزكاة إلى صنف واحد (3) بل إلى شخص واحد ولكن تظهر للخلاف فائدة في الوصية للفقراء دون المساكين أو العكس، وفيمن أوصى بألف للفقراء وبمائة للمساكين مثلا، أما إذا ذكر أحدهما ولم ينف الآخر كما إذا قال أوصيت للفقراء بكذا فلا خلاف في أنه يجوز أن يعطي المساكين (4) .
مقدار ما يعطى الفقير والمسكين من الزكاة
الفقراء والمساكين أول من جعل الله لهم سهما في الزكاة وهذا دليلنا على أن الهدف الأول من الزكاة هو القضاء على الفقر.
__________
(1) انظر تفسير الخازن ج2 ص 234.
(2) انظر تفسير آيات الأحكام للشيخ مناع ج3 ص 355.
(3) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 192 والشرح الكبير مع المغني ج2 ص 707 – 708.
(4) انظر تفسير القرطبي ج8 ص 171 وتفسير آيات الأحكام للسايس ج3 ص 33.(1/25)
ومن مقاصد الزكاة وأهدافها كفاية الفقير فيعطي من الصدقة القدر الذي يخرجه من الفقر إلى الغنى ومن الحاجة إلى الكفاية وذلك يختلف باختلاف
# الأحوال والأشخاص واختلف الفقهاء في مقدار ما يعطي الفقير والمسكين من الزكاة:
فعند الشافعة وبعض الحنابلة (1) يعطي كل من الفقير والمسكين كفاية العمر وهو ما تزول به الحاجة وتحصل به الكفاية على الدوام.
واستدلوا على ذلك بحديث قبيصة بن المخارق الهلالي رضي الله عنه بـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل المسألة إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه (2) لقد أصابت فلانا فاقة فجلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال: سدادا من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا» (رواه مسلم في صحيحه) (3) .
قالوا: فأجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم له المسألة حتى يصيب ما يسد حاجته فدل على ما ذكرنا.
قال الخطابي معلقا على حديث قبيصة: وفيه أن الحد الذي ينتهي إليه العطاء في الصدقة هو الكفاية التي يكون بها قوام العيش وسداد الخلة وذلك يعتبر في كل إنسان بقدر حاله ومعيشته ليس فيه حد معلوم يحمل عليه الناس كلهم مع اختلاف أحوالهم. اهـ. (4)
وهذا المذهب موافق لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال «إذا أعطيتم فأغنوا» فكان عمر يعمل على إغناء الفقير بالزكاة لا مجرد سد جوعته بلقيمات أو إقالة عثرته بدريهمات (5) .
__________
(1) انظر الأنصاف ج3 ص 238 والمجموع شرح المهذب ج6 ص 203.
(2) الحجا: العقل.
(3) مختصر صحيح مسلم ج1 ص 154.
(4) معالم السنن ج2 ص 238.
(5) انظر فقه الزكاة ج2 ص 566- 567.(1/26)
ورجح هذا المذهب أبو عبيد القاسم بن سلام في كتاب الأموال (1) .
المذهب الثاني: يعطى كل من الفقير والمسكين كفاية سنة له ولمن يعوله من الزكاة وبه قال المالكية وجمهور الحنابلة لأنها في العادة أوسط ما يطلبه الفرد من ضمان العيش له ولأهله وفي هدي رسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك أسوة حسنة فقد صح أنه ادخر لأهله قوت سنة كما ثبت في الصحيحين (2) ولأن أموال الزكاة غالبها حولية فلا داعي لإعطاء كفاية العمر (3) .
الترجيح
وما ذهب إليه المالكية والحنابلة من إعطاء الفقير من الزكاة كفاية سنة جميل جدًا وعادل لموافقته جباية الزكاة ومصلحة المحتاجين، وأكرم البشر صلى الله عليه وسلم لم يدخر لنفسه أكثر من قوت سنة. وهذا هو الذي ترجحه الأدلة وهو الصحيح إن شاء الله لأن وجوب الزكاة يتكرر في كل سنة فينبغي أن يأخذ ما يكفيه إلى مثلها...
الكفاية المعتبرة
قال النووي رحمه الله في المجموع في تحديد الكفاية
قال أصحابنا يعني الشافعية: والمعتبر في قولنا: يقع موقعا من كفايته
# المطعم والملبس والمسكن وسائر ما لا بد له منه على ما يليق بحاله بغير إسراف ولا إقتار لنفس الشخص ولمن تلزمه مؤنته (4) .
__________
(1) انظر كتاب الأموال ص 676- 678.
(2) انظر اللؤلؤ والمرجان فيما ا تفق عليه الشيخان ج2 ص 207.
(3) انظر فقه الزكاة ج2 ص 567.
(4) المجموع ج6 ص 199.(1/27)
(علاج المرضى من تمام الكفاية) ومما لا بد منه أن يتيسر له سبيل العلاج إذا مرض هو أو أحد أفراد عائلته ولا يترك للمرض يفترسه ويفتك به فهذا قتل للنفس وإلقاء باليد إلى التهلكة قال تعالى: { وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } (سورة النساء 29 وقال تعالى: { وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ } (سورة البقرة 195). وقال صلى الله عليه وسلم «ما أنزل الله داء إلا أنزل له شفاء» (1) فيعطي الفقير من الزكاة ما يتعالج به أو يعالج به أحد أفراد أسرته وفي الصحيحين «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه» (2) وإذا ترك المسلم أخاه أو ترك المجتمع المسلم فردا منه فريسة للمرض دون أن يعالجه فقد أسلمه وخذله بلا شك (3) .
الزواج من تمام الكفاية:
ومن تمام الكفاية ما يأخذه الفقير من الزكاة ليتزوج به إذا لم تكن له زوجة واحتاج للنكاح (4) .
وقد أمر الإسلام بالزواج كل قادر عليه مستطيع لمؤنته قال تعالى: { وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ } (الآية 32 سورة النور) وقال صلى الله عليه وسلم
# «يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض لبصر وأحصن للفرج» (5)
وأمر الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز من ينادي في الناس كل يوم: أين المساكين؟ أين الغارمون؟ أين الناكحون؟ (6) أي الذين يريدون النكاح، وذلك ليقضي حاجة كل واحد منهم من بيت مال المسلمين.
كتب العلم من الكفاية:
__________
(1) صحيح البخاري ج7 ص 106.
(2) رياض الصالحين ص 150.
(3) انظر مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ص 106.
(4) انظر الروض المربع بحاشية العنقري ج1 ص 400.
(5) رواه البخاري في كتاب الصوم من صحيحه ج3 ص 24.
(6) البداية والنهاية لابن كثير ج9 ص 200.(1/28)
ويعطي المتفرغ لطلب العلم من الزكاة ما يعينه على طلبه لأن طلب العلم فرض كفاية (1) ويجوز أن يأخذ من الزكاة لشراء ما يحتاج إليه من كتب العلم التي لا بد لمصلحة دينه ودنياه منها (2) قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «يجوز للفقير الأخذ من الزكاة لشراء كتب يحتاجها» (3) .
شروط إعطاء الفقراء والمساكين من الزكاة
وردت السنة باعتبار شروط لهذا المصرف:
1- أن يكون من يعطي الزكاة مسلما فلا يجوز دفع شيء من الزكوات إلى كافر لقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم وغيرهما (4) يعني أغنياء المسلمين وفقراءهم.
2- ألا يكونوا من بني هاشم ومواليهم.
3- ألا يكونوا ممن تلزم المزكي نفقته كالوالدين والأولاد والزوجات.
4- ألا يكون قويًّا مكتسبًا لأنه صلى الله عليه وسلم قال: «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي» رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال صلى الله عليه وسلم: «لا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب» رواه أحمد وأبو داود والنسائي (5) .
__________
(1) انظر المجموع للنووي 6 ص 198.
(2) حاشية الروض المربع ج1 ص 400.
(3) انظر الإنصاف ج3 ص 165، والاختيارات الفقهية ص 105.
(4) نيل الأوطار ج4 ص 130.
(5) نيل الأوطار ج4 ص 179.(1/29)
ويأتي في الباب الثاني مزيد تفصيل لهذه الشروط، هذا وبعد معرفة كل من الفقير والمسكين نقول من الأولى بالعطاء من الزكاة المتعففون أو السائلون فكثير من الناس يرى أن الفقراء والمساكين هم أولئك المتسولون الذي تعتبر المسألة عند بعضهم حرفة من الحرف وذلك ناتج عن سوء فهم وقلة علم وبصيرة وإلا فلو فكر الإنسان قليلا لعلم أن الفقراء المستحقون للمعونة هم المتسترون الذين يعانون آلام الجوع والفقر في صبر وسكوت ومهما كان المتسولة محتاجا فلا بد أن يجد ما يشبعه بل سيجد ما يغنيه. قال صلى الله عليه وسلم «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان إنما المسكين الذي يتعفف اقرؤوا إن شئتم { لا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا } »، وفي رواية «ولكن المسكين الذي لا يجد ما يغنيه ولا يتفطن له فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس» رواه البخاري ومسلم (1) ففي هذا الحديث الشريف والآية الكريمة يتبين لنا من هو الأولى بالعطاء من الزكاة.
#
المصرف الثالث من مصارف الزكاة
للعاملين عليها
وهم الذين يوليهم الإمام أو نائبه عملا من أعمال الزكاة من جمع أوحفظ أو تفريق كالسعاة لتحصيلها والخزنة والكتاب والحاسبين والحراس والقائمين على نقلها ورعايتها وتوزيعها وغيرهم من العاملين في شئونها وكل من يحتاج إليه فيها. وفي جعل الله نصيبا من الزكاة للعاملين عليها دليل على وجوب بعث السعادة لتحصيلها وجمعها وتفريقها وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة لجباية الزكاة، فقد بعث عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب وأبا موسى الأشعري وابن اللتبية وغيرهم لأخذ الزكاة ودفعها إلى مستحقيها (2) .
مقدار ما يُعطَي العامل من الزكاة
وقد اختلف الفقهاء فيما يأخذه العاملون على الزكاة:
__________
(1) المصدر السابق ج4 ص 177.
(2) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 694.(1/30)
فقيل يعطون سهمهم من الزكاة وهو الثمن. وهو قول مجاهد والشافعي وهو عنده مبني على رأيه في التسوية بين الأصناف الثمانية فإن كان أجرهم أكثر من الثمن أعطوا من غير الزكاة من بيت المال (1) ويرى الجهور أنهم يعطون عمالتهم من الزكاة وإن كان أكثر من الثمن وروى ذلك عن ابن عمرو وأبي حنيفة وهو قول مالك. وإذا استغرقت كفايتهم في الأجرة أكثر من النصف فالحنفية لا يزيدونهم على النصف (2) . ويرى الإمام مالك أن ذلك راجع إلى اجتهاد الإمام.
# قال مالك: ليس للعامل على الصدقات فريضة مسماة إلا على قدر ما يرى الإمام (3) .
وقيل يعطون من بيت المال وروي عن مالك وهو بعيد لأن الله تعالى قد أخبر بأن لهم نصيبا من الزكاة مقابل عملهم فكيف يمنعون منه ويعطون من غيره (4) والراجح هو رأي الجمهور لدلالة القرآن والسنة على ذلك وهو اختيار إمام أهل التفسير ابن جرير الطبري حيث قال: وأولى الأقوال في ذلك بالصواب قول من قال يعطي العامل عليها على قدر عملاته وأجر مثله (5) .
ويعطى العامل من الزكاة ولو كان غنيًّا لأنه إنما يأخذ أجرا على عمل أداه لا معونة لحاجة أصابته. وقد روى أبو داود عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله أو لعامل عليها.. » الحديث (6)
__________
(1) انظر فقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 590.
(2) انظر تفسير القرطبي ج8 ص 177.
(3) موطأ مالك بشرح السيوطي ج1 ص 257.
(4) انظر تفسير آيات الأحكام للشيخ مناع ج3 ص 359.
(5) انظر تفسير الطبري ج14 ص 312.
(6) مختصر سنن أبي داود للمنذري ج2 ص 235.(1/31)
وظاهر هذا الحديث أنه يجوز الصرف من الزكاة على العامل سواء كان هاشميا أو غير هاشمي لكنه مخصص بحديث المطلب بن ربيعة «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد» رواه مسلم فإنه يدل على تحريم الصدقة على العامل الهاشمي ويؤيده حديث أبي رافع في تحريم الصدقة على موالي بني هاشم فإنه صلى الله عليه وسلم لم يجوز له أن يصحب من بعثه على الصدقة لكونه من موالي بني هاشم رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه (1) .
#
شروط العاملين على الزكاة
يشترط في العامل على الزكاة ما يلي:
1- أن يكون مسلما: لأنها ولاية على المسلمين وشئونهم الدينية فاشترط لها الإسلام كسائر الولايات فلا يجوز أن يتولاها كافر. وعن أحمد رواية أخرى: أنه لا يشترط إسلام العامل على الزكاة لعموم لفظ «العاملين عليها» فيدخل فيه الكافر والمسلم ولأنه إجارة على عمل فجاز أن يتولاها الكافر لأن ما يأخذه من العمالة أجرة عمله فلا مانع من أخذه كسائر الإجارات.
والراجح هو الأول لأنه عمل يشترط له الأمانة فاشترط له الإسلام كالشهادة.
ب- ولأن الكافر ليس بأمين ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه «لا تأمنوهم وقد خونهم الله»: وأنكر على أبي موسى تولية الكتابة نصرانيا فالزكاة التي هي ركن الإسلام أولى.
ج- ولأن من ليس من أهل الزكاة لا يجوز أن يتولى العمالة كالعربي (2) .
2- أن يكون العامل مكلفا: أي بالغا عاقلا لأن جباية الزكاة ولاية والبلوغ والعقل شرطان في الولاية.
3- أن يكون أمينا لأنه مؤتمن على أموال المسلمين فلا يجوز أن يكون
#
فاسقا خائنا. والخائن يذهب بمال الزكاة ويضيعه.
__________
(1) نيل الأوطار ج4 ص 195.
(2) انظر المغني والشرح الكبير ج2 ص 695.(1/32)
4- العلم بأحكام الزكاة لأنه إذا كان جاهلا بذلك لم تكن له كفاية لعمله وكان خطؤه أكثر من صوابه (1) وذكر بعضهم أنه لا يشترط ذلك إذا كتب له ما يأخذه وحد له أو بعث معه من يعرفه ذلك كما كتب النبي صلى الله عليه وسلم لعماله فرائض الصدقة وكذلك كتب أبو بكر الصديق لعماله ولعل هذا القول أولى بالصواب (2) .
5- الكفاية للعمل بأن يكون كافيا لعمله أهلا للقيام به قادرا على أعبائه.
قال تعالى { إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ } (سورة القصص/ 26) ولذا قال يوسف عليه السلام للملك: { اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ } (سورة يوسف 55) فالحفظ يعني الأمانة والعلم يعني الكفاية والخبرة وهما أساس كل عمل ناجح.
6- واشترط بعض العلماء أن يكون العامل ذكرا ولم يجوزوا اشتغال المرأة بالعمالة لأنها ولاية على الصدقات لقوله صلى الله عليه وسلم «لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة» (3) والمرأة عورة. والقواعد العامة التي توجب على المرأة الاحتجاب والاحتشام والبعد عن مزاحمة الرجال والاختلاط بهم لغير حاجة تجعل الرجل أولى بهذا العمل من المرأة إلا في نطاق محدود كأن تستخدم المرأة لإيصال الزكاة إلى الأرامل من النساء ونحو ذلك مما تكون المرأة فيه أقدر وأنفع من الرجل.
7- واشترط بعضهم أن يكون العامل حرا لا عبدا لأن هذا ولاية وأمانة والعبد ليس من أهل الولاية والأمانة (4) .
__________
(1) انظر المجموع للنووي ج6 ص 167 وشرح غاية المنتهى ج2 ص 137 وفقه الزكاة ج2 ص 586.
(2) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 695.
(3) رواه البخاري في كتاب الفتن والمغازي من صحيحه من حديث الحسن البصري عن أبي بكر انظر صحيح البخاري ج9 ص 47.
(4) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 167.(1/33)
ورد ذلك غيرهم لما رواه أحمد والبخاري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة» ولأنه يحصل منه المقصود فأشبه الحر (1) . وهذا هو الأرجح إن شاء الله للحديث
المتقدم.
الهدية للعمال رشوة
كما لا يجوز للموظف العامل على الزكاة أن يكتم منها شيئًا وإن قل فلا يجوز له أن يقبل لنفسه من أصحاب الأموال إعطاء يعطونه إياه فإنه رشوة ولو أخذه باسم الهدية لأنه يأخذ أجرته وكفايته من الدولة فلا يحل له أن يزيد عليها شيئًا من دافعي الزكاة فإنه أكل لأموال الناس بالباطل وهو ذريعة إلى التساهل مع الأغنياء على حساب الفقراء والمستحقين وأقل ما فيه أنه يعرض الآخذ للتهمة ومن وضع نفسه مواضع التهم فلا يلومن من أساء الظن به (2) .
وعن أبي حميد الساعدي، قال: استعمل النبي صلى الله عليه وسلم رجلا من الأزد يقال له ابن اللتبية على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا أهدى إلي قال: فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أما بعد: فإني أستعمل الرجل منكم على العمل مما ولاني الله فيأتي فيقول: هذا لكم وهذا هدية أهديت إلي، أفلا جلس في بيت أبيه وأمه حتى تأتيه هديته إن كان صادقا والله لا يأخذ أحد منكم شيئًا بغير حقه إلا لقي الله يحمله يوم القيامة فلا
# أعرفن أحدا منكم لقي الله تعالى يحمل بعيرا له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر (3) ثم رفع يديه حتى رؤي بياض أبطيه يقول: «اللهم هل بلغت» رواه البخاري ومسلم وأبو داود (4) .
__________
(1) انظر فقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 589 والشرح الكبير مع المغني ج2 ص 595.
(2) فقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 591- 592.
(3) تيعر: تصيح.
(4) الترغيب والترهيب ج2 ص 84.(1/34)
قال في الأحكام السلطانية: ولا يجوز للعامل أن يأخذ رشوة أرباب الأموال ولا يقبل هداياهم. قال صلى الله عليه وسلم «هدايا العمال غلول» رواه الإمام أحمد والبيهقي عن أبي حميد الساعدي (1) والفرق بين الرشوة والهدية: أن الرشوة ما أخذت طلبا والهدية ما بذلت عفوا (2) .
#
المصرف الرابع من مصارف الزكاة
للمؤلفة قلوبهم
وهم السادة المطاعون في عشائرهم ممن يرجي إسلامه، أو كف شره أو يرجى بعطيته قوة إيمانه أو إسلام نظيره أو جباية الزكاة ممن لا يعطيها أو الدفع عن المسلمين (3) . وهم قسمان: كفار ومسلمون، فالكفار ضربان: أحدهما: من يرجى إسلامه فيعطى لتقوى نيته في الإسلام وتميل نفسه إليه فسلم (4) وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى قوما من الكفار يتألف قلوبهم ليسلموا ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى صفوان بن أمية من غنائم حنين وصفوان يومئذ كافر (5) .
وعن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قسم غنائم حنين للمتألفين من قريش وفي سائر العرب وجد هذا الحي من الأنصار في أنفسهم وأنه قال لهم «أوجدتم في أنفسكم يا معشر الأنصار في لعاعة من الدنيا تألفت بها أقواما ليسلموا ووكلتكم إلى ما قسم الله لكم من الإسلام» (6) .
__________
(1) انظر الفتح الرباني مع شرحه بلوغ الأماني ج9 ص 86 والأحكام السلطانية للماوردي
ص 145.
(2) انظر الأحكام السلطانية لأبي يعلى ص 134.
(3) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 696- 697.
(4) انظر المصدر السابق ص 697.
(5) مختصر صحيح مسلم ج1 ص 140.
(6) مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص 161 للشيخ محمد بن عبد الوهاب واللعاعة: نبت ناعم أول ما ينبت يريد أنها قليلة البقاء كالنبات الأخضر.(1/35)
والضرب الثاني من الكفار: من يخشى شره فيرجى بعطيته كف شره وكف شر غيره معه فروى ابن عباس أن قوما كانوا يأتون النبي صلى الله عليه وسلم فإن أعطاهم مدحوا الإسلام وإن منعهم ذموا وعابوا (1) .
واختلف العلماء في إعطاء الكفار من سهم المؤلفة قلوبهم من الزكاة –فروي عن الحسن وأبي ثور وأحمد: أنهم يعطون، وهو قول عند المالكية.
وذهب الحنفية والشافعية وأكثر أهل العلماء أن إعطاءهم إنما كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أول الإسلام وفي حالة قلة عدد المسلمين وكثرة عدوهم وقد أعز الله الإسلام وأهله واستغنى بهم عن تألف الكفار (2) ولذلك فإن الخلفاء الراشدين رضي الله عنهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعطوهم. وقال عمر رضي الله عنه أنا لا نعطي على الإسلام شيئًا فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر (3) .
وأجابوا عن الاستدلال بإعطاء النبي صلى الله عليه وسلم بعض الكفار بأنه صلى الله عليه وسلم إنما أعطاهم من خمس الخمس وكان ملكا له خالصا يعطي منه ما يشاء، أما الزكاة فلا حظ للكفار فيها (4) .
الترجيح
وإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قد أعطى للمؤلفة قلوبهم من الكفار من الزكاة فالراجح والله أعلم القول بإعطائهم منها وإذا كانت كلمة (المؤلفة قلوبهم) تشمل الكافر والمسلم ففيها دليل على جواز تأليف الكافر وإعطائه من الزكاة وإنما تمنع اختصاصه بها. قال في الشرح الكبير مؤيدا ما ذهب إليه أحمد ومن معه من إعطاء الكفار من سهم المؤلفة قلوبهم للتأليف على
__________
(1) انظر تفسير الطبري ج14 ص 313.
(2) انظر حاشية ابن عابدين ج2 ص 342 والمجموع شرح المهذب ج6 ص 202 والشرح الكبير مع المغني ج2 ص 697.
(3) انظر تفسير آيات الأحكام للسايس ج3 ص 38.
(4) المرجع السابق وانظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 697.(1/36)
# الإسلام ولنا قول الله تعالى { وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ } وهذه الآية في سورة براءة وهي من آخر ما نزل من القرآن وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى المؤلفة من المشركين والمسلمين. ومخالفة كتاب الله تعالى وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم واطراحهما بلا حجة لا يجوز ولا يثبت النسخ بترك عمر وعثمان وعلي إعطاءه ولعلهم لم يحتاجوا له فتركوا ذلك لعدم الحاجة إلى إعطائه لا لسقوط سهمه ومثل هذا لا يثبت به النسخ (1) .
ولا عجب أن يعطى كافر من صدقات المسلمين تأليفا لقلبه على الإسلام أو تمكينا له في صدره فإن هذا كما ذكر القرطبي ضرب من الجهاد فالمشركون ثلاثة أصناف: صنف يرجع عن كفره بإقامة البرهان، وصنف بالقهر والسنان وصنف بالعطاء والإحسان والإمام الناظر للمسلمين يستعمل مع كل صنف ما يراه سببا لنجاته وتخليصه من الكفر (2) .
والمؤلفة قلوبهم من المسلمين أصناف:
1- منهم من دخل حديثا في الإسلام فيعطى إعانة له على الثبات عليه، لأن من دخل حديثا في الإسلام وهجر دين قومه يتعرض كثيرا لأذى عشيرته ويهدد في رزقه فهو جدير بالتشجيع والتثبيت والمعونة.
2- ومنهم قوم من سادات المسلمين وزعمائهم لهم نظراء من الكفار فإذا أعطوا رجي إسلام نظرائهم كإعطاء أبي بكر رضي الله عنه عدي بن حاتم والزبرقان بن بدر مع حسن إسلامهما لمكانتهما في أقوامهما.
3- ومنهم زعماء ضعفاء الإيمان من المسلمين مطاعون في أقوامهم فيرجى
__________
(1) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 697.
(2) انظر فقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 597- 598 وتفسير القرطبي ج8 ص 179.(1/37)
# بإعطائهم تثبيتهم وقوة إيمانهم ومناصحتهم في الجهاد كالذين أعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم العطايا الكثيرة من غنائم هوازن وهم بعض الطلقاء من أهل مكة الذين أسلموا ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى أبا سفيان بن حرب وصفوان بن أمية والأقرع بن حابس وعيينة بن حصن لكل واحد منهم مائة من الإبل (1) . وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئًا على الإسلام إلا أعطاه قال فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة قال فرجع إلى قومه فقال «يا قوم أسلموا فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفاقة» رواه أحمد بإسناد صحيح (2) .
4- ومنهم قوم من المسلمين في الثغور (3) وحدود بلاد الأعداء يعطون لما يرجى من دفاعهم عمن وراءهم من المسلمين إذا هاجمهم العدو.
5- ومنهم قوم إذا أعطوا جبوا الزكاة ممن لا يعطيها وحملوها إلى الإمام. فكل هؤلاء يجوز الدفع إليهم من الزكاة لأنهم من المؤلفة قلوبهم فيدخلون في عموم الآية (4) .
ويدفع للمؤلفة قلوبهم من الزكاة ما يحصل به تأليفهم لأنه المقصود قليلا كان أو كثيرا عند الحاجة إليهم.
هل سقط سهم المؤلفة قلوبهم بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم اختلف العلماء في ذلك وسبب اختلافهم: هل إعطاء المؤلفة قلوبهم خاص بالنبي
__________
(1) مختصر صحيح مسلم ج1 ص 140.
(2) نيل الأوطار ج4 ص 186.
(3) الثغور: جمع ثغر، وهو الموضع الذي يخاف منه هجوم العدو فهو كالثلمة في الحائط يخاف هجوم السارق منها. المصباح المنير ج1 ص 90.
(4) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 697- 698 والمجموع شرح المهذب ج6 ص 207 وتفسير ابن كثير ج2 ص 365 وتفسير آيات الأحكام للسايس ج3 ص 38.(1/38)
# صلى الله عليه وسلم أو عام له ولسائر الأمة فمن قال إنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم قال: انقطع سهمهم ومن قال إنه عام له ولسائر الأمة: حكم ببقائه. وإلا ظهر أنه عام (1) .
فذهب الحنفية إلى أن سهم المؤلفة قلوبهم قد سقط بعد وفاته صلى الله عليه وسلم سواء كانوا من الكفار أو من المسلمين لأن المعنى الذي لأجله كانوا يعطون قد زال بإعزاز الإسلام واستغنائه عن تأليف القلوب واستمالتها إلى الدخول فيه وهو مشهور مذهب مالك والمتأخرين من أصحاب الشافعي. وعلى هذا يكون عدد الأصناف سبعة لا ثمانية.
واختلف القائلون بسقوط سهم المؤلفة في توجيه رأيهم: فمنهم من قال: إنه من قبيل انتهاء الحكم بانتهاء علته كانتهاء جواز الصوم بانتهاء وقته وهو النهار وقد أعز الله الإسلام فلا حاجة إلى تأليف القلوب.
ومنهم من قال: إن سقوطه بانعقاد إجماع الصحابة على ذلك في خلافة الصديق رضي الله عنه فيكون هذا الإجماع ناسخا للآية في صنف المؤلفة قلوبهم فإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ما أعطيا المؤلفة قلوبهم شيئًا من الصدقات ولم ينكر ذلك أحد من الصحابة رضي الله عنهم (2)
وذهب الإمام أحمد وأصحابه ومالك في إحدى الروايتين عنه والشافعي في المنقول عنه وعن أصحابه المتقدمين إلى أن حكم المؤلفة قلوبهم لا يزال معمولا به وهو باق لم يلحقه نسخ ولا تبديل وبهذا قال الزهري وأبو جعفر الباقر والآية في ظاهرها تشهد لهم. وهو الراجح إن شاء الله.
__________
(1) انظر بداية المجتهد لابن رشد ج1 ص 261- 262.
(2) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 124. وفقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 600 وتفسير القرطبي ج8 ص 181 وتفسير الطبري ج14 ص 315.(1/39)
قال في المغني مؤيدًا ما ذهب إليه الجمهور في بقاء سهم المؤلفة قلوبهم في مصارف الزكاة: ولنا كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإنه الله تعالى سمى المؤلفة قلوبهم في الأصناف الذين سمى الصدقات لهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله تعالى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء» وكان يعطي المؤلفة كثيرا في أخبار مشهورة ولم يزل كذلك حتى مات، ولا يجوز ترك كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم إلا بنسخ، والنسخ لا يثبت بالاحتمال. ثم إن النسخ إنما يكون في حياة النبي صلى الله عليه وسلم لأن النسخ إنما يكون بنص ولا يكون بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وانقراض زمن الوحي، ثم إن القرآن لا ينسخ إلا بالقرآن وليس في القرآن نسخ لذلك ولا في السنة فكيف يترك الكتاب والسنة بمجرد الآراء والتحكم أو بقول صحابي أو غيره أن المخالفين لا يرون قول الصحابي حجة يترك بها قياس فكيف يتركون به الكتاب والسنة.
وقال الزهري: لا أعرف شيئًا نسخ حكم المؤلفة قلوبهم على أن ما ذكروه من المعنى لا خلاف بينه وبين الكتاب والسنة فإن الغني عنهم لا يوجب رفع حكمهم وإنما يمنع عطيتهم حال الغنى عنهم فمتى دعت الحاجة إلى إعطائهم أعطوا فكذلك جميع الأصناف إذا عدم منهم صنف في بعض الأزمان سقط حكمه في ذلك الزمن خاصة وإذا وجد عاد كذا ههنا. اهـ. (1)
والقول ببقاء سهم المؤلفة قلوبهم هو اختيار أبي عبيد في (الأموال) قال: لأن الآية محكمة لا نعلم لها ناسخا من كتاب ولا سنة وهذا هو الذي يجب المصير إليه فإن الآية مطلقة لم تؤقت وجود هذا النصف بوقت ولا بشرط (2) .
قال أبو عبيد: فإذا كان قوم هذه حالهم لا رغبة لهم في الإسلام إلا للنيل (3)
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 527.
(2) الأموال ص 722.
(3) النيل: العطاء، وإدراك المقصود.(1/40)
# وكان في ردتهم ومحاربتهم إن ارتدوا ضرر على الإسلام لما عندهم من العز والأنفة فرأى الإمام أن يرضخ لهم من الصدقة فعل ذلك لخلال ثلاث:
إحداهن: الأخذ بالكتاب والسنة. ... ثانيهما: البقاء على المسلمين.
الثالثة: أنه ليس بيائس منهم، إن تمادى بهم الإسلام أن يفقهوه وتحسن فيه رغبتهم (1) .
قال أبو حيان: وقال كثير من أهل العلم: المؤلفة قلوبهم موجودن إلى يوم القيامة (2) .
ودعوى النسخ بفعل عمر كما يقول الأحناف ومن تابعهم لا دليل علهيا فالنسخ لم يقع والحاجة إلى تأليف القلوب لم تنقطع فإن النسخ إبطال حكم شرعه الله وإنما يملك الإبطال من يملك التشريع وليس ذلك إلا لله عز وجل عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم الموحى إليه ولهذا لا نسخ إلا في عصر الرسالة ونزول الوحي فكيف يدعي نسخ حكم نصت عليه آية صريحة من تاب الله من أواخر ما نزل من القرآن وانقضى عهد الرسالة وهو محكم معمول به؟
أما قولهم إن الحاجة إلى تأليف القلوب قد زالت بانتشار الإسلام وغلبته فهذه دعوى مردودة لأن العلة في إعطاء المؤلف من الزكاة ليست إعانة لنا حتى يسقط ذلك بفشو الإسلام وغلبته بل المقصود من دفعها إليه ترغيبه في الإسلام انقاذا له من النار. وتقييد التأليف بأن يكون عند ضعف الإسلام وأهله تقييد للنصوص المطلقة بلا حجة ومخالفة لحكم الشرع بلا مبرر (3) .
__________
(1) انظر الأموال لأبي عبيد ص 722.
(2) انظر تفسير البحر المحيط ج5 ص 58.
(3) انظر فقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 606.، وتفسير آيات الأحكام للشيخ مناع القطان ج3 ص 366.(1/41)
# قال شيخ المفسرين الإمام أبو جعفر بن جرير الطبري بعد ما ذكر الخلاف في إعطاء المؤلفة قلوبهم: والصواب من القول في ذلك عندي أن الله جعل الصدقة في معنيين: أحدهما: سد خلة المسلمين، والآخر: معونة الإسلام وتقويته. فما كان في معونة الإسلام وتقوية أسبابه فإنه يعطاه الغني والفقير لأنه لا يعطاه من يعطاه للحاجة منه إليه وإنما يعطاه معونة للدين وذلك كما يعطى الذي يعطاه في الجهاد في سبيل الله فإنه يعطى ذلك غنيًّا كان أو فقيرًا للغزو لا لسد خلته وكذلك المؤلفة قلوبهم يعطون ذلك وإن كانوا أغنياء استصلاحا بإعطائهموه أمر الإسلام وطلب تقويته وتأييده وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى من المؤلفة قلوبهم بعد أن فتح الله عليه الفتوح وفشا الإسلام وعز أهله فلا حجة لمحتج بأن يقول: لا يتألف اليوم على الإسلام أحد لامتناع أهله بكثرة العدد ممن أرادهم وقد أعطى النبي صلى الله عليه وسلم من أعطى منهم في الحال التي وصفت. اهـ (1) .
وبناء على ما تقدم يترجح القول بأن سهم المؤلفة قلوبهم باق لأن الإمام ربما احتاج أن يتألف على الإسلام في بعض الأوقات ومرد ذلك إلى رأي ولي الأمر العادل وتقدير أهل الرأي بما فيه مصلحة الإسلام وأهله (2) . ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم والخلفاء هم الذين يتولون ذلك فالتأليف من شأن رئيس الدولة أو من ينيبه عنه أو أهل الحل والعقد في الأمانة فهؤلاء هم الذين يستطيعون إثبات الحاجة إلى تأليف القلوب أو نفيها وتحديد صفات من يؤلفون ومدى ما يبذل له وفق مصلحة الإسلام وحاجة المسلمين (3) .
أين يصرف سهم المؤلفة قلوبهم في عصرنا؟
وإذا كان حكم المؤلفة قلوبهم وإعطائهم من الزكاة باقيا محكما لم يلحقه نسخ
# ولا إلغاء فكيف نصرف هذا السهم المخصص له في عصرنا وأين نصرفه.
__________
(1) تفسير الطبري ج14 ص 316.
(2) انظر تفسير آيات الأحكام للشيخ مناع ج3 ص 366.
(3) انظر فقه الزكاة ج4 ص 594.(1/42)
إن الجواب عن هذا واضح من بيان الهدف الذي قصده الشارع الحكيم من وراء هذا السهم وهو استمالة القلوب إلى الإسلام أو تثبيتها عليه أو تقوية الضعفاء فيه أو كسب أنصار له أو كف شر عن دعوته ودولته.
وقد يكون ذلك بإعطاء مساعدات لبعض الحكومات غير المسلمة لتقف في صف المسلمين أو معونة بعض الهيئات والجمعيات والقبائل ترغيبا لها في الإسلام أو مساندة أهله أو استمالة أصحاب الأقلام والألسنة للدفاع عن الإسلام وقضايا أمته ضد المفترين عليه (1) .
وعلى كل حال فيصرف إلى المؤلفة قلوبهم من الزكاة ما يحصل به
تأليفهم.
#
المصرف الخامس من مصارف الزكاة
في الرقاب
الرقاب: جمع رقبة، والمراد بها في القرآن: العد أو الأمة والكلام على تقدير مضاف محذوف والمعنى: وتصرف الزكاة في فك الرقاب. واختلف العلماء في معناه: فقال بعضهم: وهم الجمهور: هم المكاتبون: جمع مكاتب وهو العبد المملوك الذي اشترى نفسه من سيده بأقساط مؤجلة بمبلغ من المال يؤديه فيصير بأدائه حرا حيث أمر الله بمساعدة المكاتبين في قوله تعالى: { وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ } (سورة النور/ 33).
__________
(1) انظر فقه الزكاة ج2 ص 609.(1/43)
ثم فرض لهم في مال الزكاة سهما يعملون منه ما يعينهم على تحرير رقابهم بأداء ما التزموا به في قوله في هذه الآية { وَفِي الرِّقَابِ } وإلى هذه الطريقة في فك الرقاب ذهب أبوحنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم والليث بن سعد وجمهور العلماء (1) . واحتجوا بما روي عن ابن عباس أنه قال في قوله تعالى { وَفِي الرِّقَابِ } يريد المكاتب وتأكد هذا بقوله تعالى: { وَآَتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آَتَاكُمْ } (2) .
وقال آخرون من العلماء المراد بقوله تعالى: { وَفِي الرِّقَابِ } وهو أن يشتري الرجل من زكاة ماله عبدًا أو أمة فيعتقها أو يشترك هو وآخرون في شرائها وعتقها أو يشتري ولي الأمر من مال الزكاة عبيدًا أوإماء فيعتقها وبهذا قال ابن عباس أيضا وهو المشهور عن مالك وأحمد وإسحاق (3) .
قال ابن جرير الطبري: والصواب من القول في ذلك عندي قول من قال: عني بالرقاب في هذا الموضع المكاتبون لإجماع الحجة على ذلك فإن الله جعل الزكاة حقا واجبا على من أوجبها عليه في ماله يخرجها منه ولا يرجع إليه منها نفع من عرض الدنيا ولا عوض، والمعتق رقبة منها راجع إليه ولاء من أعتقه وذلك نفع يعود إليه منها (4) .
واحتج المالكية ومن معهم على أن المراد بقوله تعالى: { وَفِي الرِّقَابِ } العتق أن الرقاب جمع رقبة وكل موضع ذكرت فيه الرقبة فالمراد عتقها والعتق والتحرير لا يكون إلا في القن كما في الكفارات فلا بد من عتق رقبة كاملة (5) .
واحتجوا:
أ- بأنها لو اختصت بالمكاتب لدخل في حكم الغارمين لأنه غارم.
__________
(1) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 210- 211 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص 125 والشرح الكبير مع المغني ج2 ص 698.
(2) انظر التفسير الكبير للفخر الرازي ج16 ص 112.
(3) انظر فقه الزكاة ج2 ص 616- 617.
(4) انظر تفسير الطبري ج14 ص 317.
(5) انظر تفسير آيات الأحكام للسايس ج3 ص 40.(1/44)
ب- وبأن شراء الرقبة لتعتق أولى من أمانة المكاتب لأنه قد يعان ولا يعتق لأن المكاتب عبد ما بقي عليه درهم والزكاة لا تصرف للعبد.
ج- ولأن الشراء يتيسر في كل وقت بخلاف الكتابة (1) .
قال ابن العربي: والصحيح أن شراء الرقاب وعتقها هو ظاهر القرآن فإن الله حيث ذكر الرقبة في كتابه إنما هو العتق، ولو أراد المكاتبين لذكرهم باسمهم الأخص فلما عدل إلى الرقبة دل على أنه أراد العتق، وتحقيقه أن المكاتب قد دخل في جملة الغارمين بما عليه من دين الكتابة فلا يدخل في الرقاب وربما دخل في المكاتب بالعموم ولكن في آخر نجم يعتق به (2) .
فإذا كان للرقاب سهم من الزكاة كان له أن يشتري رقبة فيعتقها، ولا خلاف بين أهل العلم أن للرجل أن يشتري الفرس فيحمل عليه في سبيل الله فإذا كان له أن يشتري فرسا بالكمال من الزكاة جاز أن يشتري رقبة بالكمال لا فرق بين ذلك (3) . وروى أبو عبيد عن ابن عباس قال: أعتق من زكاة مالك.
وعن الحسن أنه كان لا يرى بأسا أن يشتري الرجل من زكاة ماله نسمة فيعتقها. قال أبو عبيد وقول ابن عباس أعلى ما جاءنا في هذا الباب، وهو أولى بالاتباع وأعلم بالتأويل وقد وافقه الحسن على ذلك وعليه كثير من أهل العلم (4) .
ومما يقوي هذا المذهب: أن المعتق وإن خيف عليه أن يصير ميراث عتيقه إليه بالولاء فإنه لا يؤمن أن يجني جنايات يلحقه وقومه عقلها (5) فيكون أحدهما بالآخر (6) .
__________
(1) انظر فتح الباري ج3 ص 332 ونيل الأوطار ج4 ص 188.
(2) أحكام القرآن لابن العربي القسم الثاني ص 967.
(3) انظر الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج8 ص 182.
(4) الأموال لأبي عبيد ص 722- 723.
(5) عقلها: ديتها.
(6) انظر الأموال لأبي عبيد ص 723- 724.(1/45)
ونوقش هذا الاستدلال بأن الرقبة تطلق على العبد القن وعلى المكاتب جميعا وإنما خصص في الكفارة بالعبد القن بقرينة وهي أن التحرير لا يكون إلا في القن وقد قال الله تعالى { فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ } ولم توجد هذه القرينة في هذه المسألة فحملت على المكاتبين.
وأما قولهم: لوأراد المكاتبين لذكرهم باسمهم الخاص فالجواب: أن هذا منتقض بقوله عز وجل { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } فإن المراد به بعضهم وهم المتطوعون الذين لا حق لهم في الديوان ولم يذكورا باسمهم الخاص.
وأما قولهم: لو أراد المكاتبين لاكتفى بالغارمين فإنهم منهم فالجواب: أنه لا
# يفهم أحد الصنفين من الآخر ولأنه جمع بينهما للإعلام بأنه لا يجوز الاقتصار على أحدهما وأن لكل صنف منهما سهما مستقلا كما جمع بين الفقراء المساكين وإن كان كل واحد منهما يقوم مقام الآخر في غير الزكاة (1) .
والحق أن الآية تشمل الأمرين جميعا معونة المكاتبين وعتق الرقاب كما قال ابن عباس ومحمد بن شهاب الزهري وبه جزم ابن حزم في (المحلى) ومجد الدين ابن تيمية في (المنتقى) (2) .
وقد ورد حديث ينص على ذلك عن البراء بن عازب قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: دلني على عمل يقربني إلى الجنة ويبعدني من النار فقال: «أعتق النسمة» وفك الرقبة قال يا رسول الله: أوليسا واحدا؟ قال: «لا، عتق النسمة: أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة: أن تعين في ثمنها» رواه أحمد والدارقطني. قال في مجمع الزوائد ورجاله ثقات (3) فوجه الدلالة من الحديث. أن عتق النسمة هو تحريرها من الرق بالعتق وفك الرقبة: إعانة المكاتب في دين الكتابة حتى ينتهي وينفك عنه وهذا هو اختيار الدكتور يوسف القرضاوي (4) .
هل يفك الأسير المسلم من سهم الرقاب من الزكاة؟
__________
(1) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 211- 212.
(2) انظر نيل الأوطار 4 ص 187 والمحلى لابن حزم ج6 ص 214.
(3) نيل الأوطار ج4 ص 187- 188.
(4) انظر فقه الزكاة ج2 ص 617.(1/46)
وإذا كانت كلمة «الرقاب» عند إطلاقها تنصرف إلى العبيد فهل يصح أن تشمل بعمومها رقبة الأسير المسلم الذي يتحكم فيه الكفرة تحكم السيد في الرقيق وهو معرض للاسترقاق أيضًا؟
والمروي في مذهب الإمام أحمد: أن ذلك جائز فيصح أن يفك من الزكاة الأسير المسلم:-
أ- لأن فيه فك رقبة من الأسر فهو كفك رقبة العبد من الرق.
ب- ولأن فيه إعزازا لدين فهو كصرفه إلى المؤلفة قلوبهم.
ج- ولأن ما يدفعه إلى الأسير في فك رقبته أشبه ما يدفعه إلى الغارم لفك رقبته من الدين (1) .
د- ولأنه يخاف عليه القتل أو الردة لحبسه في أيدي العدو فهو أشد من حبس القن في الرق (2) .
وقال القرطبي واختلفوا في فك الأسارى منها أي من الزكاة فقال أصبغ: لا يجوز: وهو قول ابن القاسم.
وقال ابن حبيب: يجوز لأنها رقبة ملكت بملك الرق فهي تخرج من الرق إلى عتق وكان ذلك أحق وأولى من فكاك الرقاب التي بأيدينا لأنه إذا كان فك المسلم عن رق المسلم عبادة وجائزا من الصدقة فأحرى وأولى أن يكون ذلك في فك المسلم عن رق الكافر وذله (3) .
وإذا كان الرق قد ألغي فإن الحروب ما زالت قائمة والصرع بين الحق والباطل لم يزل مستمرا وبذلك يظل في هذا السهم متسع لفداء الأسارى من المسلمين (4) وبما تقدم يترجح جواز فك الأسير المسلم من الزكاة.
لماذا عبر القرآن الكريم عن بعض المصارف
(باللام) وبعضها بـ (في)؟
اشتملت آية مصارف الزكاة على أصناف ثمانية فالأربعة الأولون جعلت
# الصدقات لهم: «إنما الصدقات للفقراء، والمساكين، والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم». والأربعة الآخرون جعلت الصدقات فيهم « وفي الرقاب، والغارمين، وفي سبيل الله وابن السبيل».
__________
(1) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 698.
(2) انظر حاشية المقنع ج1 ص 344.
(3) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج8 ص 183.
(4) انظر فقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 620.(1/47)
فما السر في هذه المغايرة ولماذا عبر عن استحقاق الأولين للصدقة (باللام) التي هي في الأصل للتمليك. وعبر عن استحقاق هؤلاء لها بحرف (في) التي هي للظرفية. فما الحكمة في ذلك؟
لقد أجاب النسفي في تفسيره بقوله: وعدل عن (اللام) على (في) في الأربعة الأخيرة للإيذان بأنهم أرسخ في استحقاق التصدق عليهم ممن سبق ذكره لأن (في) للوعاء فنبه على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلون مظنة لها وتكرير (في) في قوله (وفي سبيل الله وابن السبيل) فيه فضل وترجيح لهذين على الرقاب والغارمين ا. هـ. (1)
وقال في تفسير الخازن: فلا بد لهذا الفرق من فائدة وهي أن الاصناف الاربعة المتقدم ذكرها يدفع إليهم نصيبهم من الصدقات فيصرفون ذلك فيما شاءوا، وأما الرقاب فيوضع نصيبهم في تخليص رقابهم من الرق ولا يدفع إليهم ولا يمكنون من التصرف فيه، وكذا القول في الغارمين فيصرف نصيبهم في قضاء ديونهم وفي الغزاة ويصرف نصيبهم فيما يحتاجون إليه في الغزو وكذا ابن السبيل فيصرف إليه ما يحتاج إليه في سفره إلى بلوغ غرضه.اهـ (2) .
وقال في(مغني المحتاج) وأضاف في الآية الكريمة الصدقات إلى الأصناف الأربعة الأولى بـ (لام) الملك، والأربعة الأخيرة بـ(في) الظرفية: للإشعار بإطلاق الملك في الأربعة الأولى وتقييده في الأربعة الأخيرة حتى إذا لم يحصل الصرف في مصارفها استرجع بخلافه في الأولى.اهـ (3) .
والحاصل: أن الأصناف الأرعبة الأولى يصرف المال إليهم حتى يتصرفوا فيه كما شاءوا. وفي الأربعة الأخيرة لا يصرف المال إليهم بل يصرف إلى جهات الحاجات المعتبرة في الصفات التي لأجلها استحقوا الزكاة (4) .
وبناء على ما تقدم قال الموفق في المغني بـ:
__________
(1) تفسير النسفي بهامش الخازن ج2 ص 236.
(2) تفسير الخازن ج2 ص 236 وانظر فقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 612.
(3) مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج ج3 ص 106.
(4) تفسير الرازي ج16 ص 112.(1/48)
وأربعة أصناف يأخذون أخذا مستقرا ولا يراعى حالهم بعد الدفع وهم الفقراء والمساكين والعاملون عليها والمؤلفة قلوبهم فمتى أخذوها ملكوها ملكا دائما ومستقرا لا يجب عليهم ردها بحال. وأربعة منهم وهم الغارمون وفي الرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل فإنهم يأخذون أخذا مراعى فإن صرفوه في الجهة التي استحقوا الأخذ لأجلها وإلا استرجع منهم.
والفرق بين هذه الأصناف والتي قبلها أن هؤلاء أخذوا لمعنى لم يحصل بأخذهم للزكاة والأولون حصل المقصود بأخذهم لها، وهو غنى الفقراء والمساكين وتأليف المؤلفين وأداء أجر العاملين. اهـ. (1)
المصرف السادس من مصارف الزكاة
في الغارمين
الغارمون: جمع غارم: وهم الذين تحملوا الديون وتعين عليهم أداؤها وأصل الغرم في اللغة: اللزوم، والغرام: العذاب اللازم، ومنه قوله تعالى: { إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا } (سورة الفرقان: 65) ومنه سمي الغارم لأن الدين قد لزمه، ويطلق الغريم على الدائن لملازمته المدين، وقد يطلق على المدين وسمي كل منهما غريما لملازمته صاحبه. (2)
والغارمون عند الأئمة الثلاثة –مالك والشافعي وأحمد- نوعان: غارم لمصلحة نفسه في مباح، وغارم في مصلحة المجتمع المسلم ولكل منهما حكمه (3) .
النوع الأول: غارم استدان لمصلحة نفسه في مباح كأن يستدين في نفقة أو كسوة أو زواج أو علاج مرض أو بناء مسكن أو شراء أثاث لابد له منه أو أتلف شيئًا على غيره خطأ أو سهوا أو نحو ذلك فهذا يعطي ما يقضي به دينه إذا كان في حاجة إلى ما يقضي به الدين لفقره كان قد استدان في طاعة أو أمر مباح (4) .
شروط إعطاء الغارم لنفسه
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 530.
(2) المفردات في غريب القرآن ص 360 ومختار القاموس ص 454 والمصباح المنير ج2 ص 99.
(3) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 669- 700 والمجموع شرح المهذب ج6 ص 217- 218 وتفسير القرطبي ج8 ص 183- 184.
(4) فقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص 623.(1/49)
يشترط لإعطاء الغارم لنفسه ما يقضي به دينه شروط:
الشرط الأول:أن يكون محتاجا إلى ما يقضي به الدين فلو كان غنيًّا قادرا
# على سداده بنقود أو عروض عنده لم يعط من الزكاة.
وفي قول للشافعي أنه يعطى مع الغنى لأنه غارم فأشبه الغارم لذات البين والصحيح الأول لأنه يأخذ لحاجته لا لحاجتنا إليه كالفقير والمسكين والمكاتب.
الشرط الثاني: أن يكون قد استدان في طاعة أو أمر مباح أما لو استدان في معصية كالخمر والزنا والقمار والغناء ونحوه لم يدفع إليه شيء قبل التوبة لأنه إعانة له على معصية الله فإن تاب من المعصية فقيل يدفع إليه لأن بقاء الدين في الذمة ليس من المعصية بل يجب تفريغها والإعانة على الواجب قربة لا معصية.
وقيل: لا يدفع إليه كما لو لم يتب لأنه لا يؤمن أن يعود إلى الاستدانة للمعاصي ثقة منه بأن دينه يقضى عنه. وإنما لم يعط الغارم في المعصية لأن في إعطائه إعانة له على معصية الله وإغراء لغيره بمتابعته في عصيانه.
الشرط الثالث: أن يكون الدين حالا فإن كان مؤجلا فقد اختلف فيه: قيل: يعطى لأنه يسمى غارما فيدخل في عموم النص. وقيل لا يعطى لأنه غير محتاج إليه الآن.
قال النووي في (المجموع): وهو الأصح.
وقيل: إن كان الأجل يحل تلك السنة أعطي وإلا فلا يعطى من صدقات تلك السنة (1) . وهذا القول أنسب الأقوال.
الشرط الرابع: أن يكون الدين مما يحبس فيه فيدخل فيه دين الولد على والده والدين والمعسر، ويخرج دين الكفارات والزكاة لأن الدين الذي يحبس فيه ما كان لآدمي وأما الكفارات والزكوات فهي لله.
الشرط الخامس: أن يكون الغارم مسلمًا فإن كان كافرًا لم يدفع إليه لأنه
ليس من أهل الزكاة ولذلك لم يدفع إلى فقيرهم ومكاتبهم (2) .
النوع الثاني من الغارمين: الغارم لمصلحة غيره:
__________
(1) انظر المجموع للنووي ج6 ص 217- 221 والشرح الكبير مع المغني ج2 ص 699-700 وفقه الزكاة ج2 ص 624- 626.
(2) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 700.(1/50)
وهم الذين يغرمون لإصلاح ذات البين وذلك بأن يقع بين الحيين أو أهل القريتين عداوة وتشاجر في دماء وأموال ويحدث بسببه الشحناء ويتوقف صلحهم على من يتحمل ذلك فيتوسط بالصلح بينهم ويلتزم في ذمته مالا عوضًا عما بينهم فهذا قد أتى معروفًا عظيمًا فكان من المعروف حمله عنه من الصدقة لئلا يجحف ذلك بسادات القوم المصلحين ويوهن عزائمهم فجاء الشرع بإباحة المسألة فيها وجعل لهم نصيبًا من الزكاة ولو كانوا أغنياء عن قبيصة بن مخارق الهلالي قال. تحملت حمالة فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أسأله فيها فقال: «أقم حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» ثم قال: «يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة (1) اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سدادا من عيش ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش أو قال سداد من عيش فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحت يأكلها صاحبها سحتا» رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (2) (3)
__________
(1) الجائحة: ما اجتاح المال، وأتلفه إتلافا ظاهرا كالسيل والحريق.
(2) نيل الأوطار ج4 ص 189. (والحمالة) بفتح الحاء: وهي ما يتحمله الإنسان ويلتزمه في ذمته بالاستدانة ليدفعه في إصلاح ذات البين. (القوام) بكسر القاف: وهو ما تقوم به حاجته ويستغنى به و(السداد) بكسر السين ما تسد به الحاجة والخلل. و(الحجا) بكسر الحاء: العقل: و(الفاقة) الفقر. و(السحت) بضم السين: الحرام. وسمي سحتا لأنه يسحت أي يمحق البركة والأجر. انظر نيل الأوطار ج4 ص 189.
(3) انظر الشرح الكبير مع المغني ج3 ص 700 والمجموع ج6 ص 217 -218 وتفسير القرطبي –ج8 ص 184 وفقه الزكاة ج2 ص 630.(1/51)
وفي الحديث دليل على مشروعية إعطاء الغارمين من الزكاة وإن كانوا أغنياء، وعلى تحريم المسألة لغير حاجة، وأن من سأل لغير حاجة فإنما يأكل سحتا أي حرامًا.
قال الخطابي: وفيه أن الحد الذي ينتهي إليه العطاء في الصدقة هو الكفاية التي يكون بها قوام العيش وسداد الخلة وذلك يعتبر في كل إنسان بقدر حاله ومعيشته ليس فيه حد معلوم يحمل عليه الناس كلهم من اختلاف أحوالهم (1) .
والغارم في مذهب أبي حنيفة: من عليه دين ولا يملك نصابًا فاضلا عن دينه، واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» (2) فإن هذا يدل على أن الصدقة لا تعطى إلا للفقراء وهم من لا يملكون مائتي درهم عند الأحناف (3) قالوا: وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم الناس قسمين:
قسمًا يؤخذ منهم وقسمًا بصرف إليهم، فلو جاز صرف الصدقة إلى الغني لبطلت القسمة وهذا لا يجوز وأجيب عن ذلك بما يلي:
1- أنه صلى الله عليه وسلم خص الفقراء في حديث معاذ لكونهم الغالب ولأنهم أكثر من تدفع إليهم الصدقة وحقهم آكد من غيرهم (4) .
2- أن حديث «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» عام مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة -وذكر منهم- الغارم» رواه أبو داود (5) .
3- أن تقييد إعطاء كل من يأخذ الزكاة بالفقر إبطال لحق بقية الأصناف المنصوص عليها في آية الصدقات.
__________
(1) معالم السنن ج2 ص 239.
(2) رواه البخاري ومسلم وغيرهما. نيل الأوطار ج4 ص 130.
(3) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 126 وبدائع الصنائع ج2 ص 906 وفتح القدير ج2 ص 17.
(4) انظر سبل السلام ج2 ص 161 وشرح أصول الأحكام ج2 ص 5 لابن قاسم.
(5) مختصر سنن أبي داود ج2 ص235 فقد نفى في هذا الحديث حل الصدقة للغني واستثنى الغارم ومن معه والاستثناء من النفي إثبات.(1/52)
4- أن قوله صلى الله عليه وسلم في حديث قبيصة المتقدم «لا تحل الصدقة إلا لأحد ثلاثة -وذكر منهم- رجلا تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك» دليل على أنه غني لأن الفقير ليس عليه أن يمسك (1) .
5- أن الغارم يأخذ من الزكاة لحاجتنا إليه فأشبه العامل والمؤلف في جواز أخذهم من الزكاة وإن كانوا أغنياء.
6- أن الغارم لإصلاح ذات البيت إنما يوثق بضمانه إذا كان مليئا ولا ملاءة مع الفقر (2) .
هل يجوز قضاء دين الميت من الزكاة؟
اختلف العلماء في ذلك.
فذهب الإمام أحمد إلى أنه لا يقضى من الزكاة دين الميت لأن الغارم هو الميت ولا يمكن الدفع إليه وإن دفعها إلى غريمه وهو صاحب الدين صار الدفع إلى الغريم لا إلى الغارم (3) . وذكر الإمام النووي في ذلك وجهين في مذهب الشافعي: أحدهما: لا يجوز قال وهو مذهب النخعي وأبي حنيفة وأحمد.
والثاني: يجوز لعموم الآية؛ ولأنه يصح التبرع لقضاء دينه كالحي (4) .
وقال القرطبي: قال علماؤنا وغيرهم: يقضي منها دين الميت لأنه من الغارمين قال صلى الله عليه وسلم «أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، من ترك مالا
# فلأهله ومن ترك دينًا أو ضياعًا فإلي وعلي» رواه البخاري ومسلم.
والضياع: العيال (5) .
الترجيح:
والذي أرجحه هو قضاء دين الميت من الزكاة لما تقدم من عموم الآية في الغارمين فالغارم لا يشترط تمليكه وعلى هذا يجوز الوفاء عنه جعل الزكاة فيهم ولم يجعلها لهم.
وهذا ما اختاره وأفتى به شيخ الإسلام ابن تيمية والدكتور يوسف القرضاوي (6) .
__________
(1) تفسير القرطبي ج8 ص 184
(2) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 704
(3) انظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 527
(4) المجموع شرح المهذب ج6 ص 224
(5) تفسير القرطبي ج8 ص 185 وانظر نيل الأوطار ج4 ص 27.
(6) انظر الفتاوى الكبرى لشيخ الإسلام ابن تيمية ج1 ص 299وفقه الزكاة للقرضاوي ج2 ص633.(1/53)
قال أبو حيان: والجمهور على أنه يقضى منها دين الميت إذ هو غارم (1) .
#
المصرف السابع من مصارف الزكاة
في سبيل الله
السبيل الطريق وسبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته من العلم والعمل. وقد عرفه ابن الأثير في (النهاية) بقوله: السبيل: في الأصل: الطريق و(سبيل الله) عام:يقع على كل عمل خالص سلك به طريق التقرب إلى الله عز وجل بأداء الفرائض والنوافل وأنواع الطاعات وإذا أطلق فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى صار لكثرة الاستعمال كأنه مقصور عليه (2) .
واختلف العلماء رحمهم الله في تحديد المراد الشرعي في هذا المصرف على ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المقصود في ذلك الغزاة في سبيل الله، وقد قال بهذا القول جمهور العلماء من المفسرين والمحدثين والفقهاء قال أبو الحسن المباركفوري: اختلفوا في المراد في سبيل الله في آية المصارف فقيل: المراد به الغزاة وعليه الجمهور قال الباجي: هو الغزو والجهاد قاله مالك وجمهور الفقهاء.
وقال الخرقي: وسهم «في سبيل الله» هم الغزاة قال ابن قدامة: هذا الصنف السابع من أصناف الزكاة ولا خلاف في استحقاقهم ولا خلاف في أنهم الغزاة في سبيل الله لأن سبيل الله عند الإطلاق هو الغزو.اهـ.
ثم اختلف أهل هذا القول فقال الأكثر: إنهم يعطون ما ينفقون في غزوهم وإن كانوا أغنياء. #
وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرًا منقطعًا به.
__________
(1) تفسير البحر المحيط ج5 ص 60.
(2) النهاية في غريب الحديث ج2 ص 338.(1/54)
قال الحافظ: أما سبيل الله فالأكثر على أنه يختص بالغازي غنيًّا كان أو فقيرًا. إلا أن أبا حنيفة قال: يختص بالغازي المحتاج ثم ذكر الأقوال الأخرى في المراد بقوله تعالى: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } ثم قال: والقول الراجح عندي هو ما ذهب إليه الجمهور من أن المراد به الغزو والجهاد خاصة لأن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه. قال ابن العربي في أحكام القرآن: قوله: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } قال مالك: سبل الله كثيرة ولكني لا أعلم خلافًا في أن المراد بسبيل الله ههنا: الغزو لحديث عطاء بن يسار الذي نحن في شرحه وهو حديث صريح مفسر لقوله تعالى: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } فيجب حمله عليه ولم أر عنه جوابا شافيا من أحد وإليه ذهب ابن حزم إذ قال: وأما سبيل الله فهو الجهاد بحق ثم ذكر حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد من طريق أبي داود (1) . وهو الذي رجحه ابن قدامة حيث قال:
وهذا أصح لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد، فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد الجهاد إلا اليسير، فيجب أن يحمل ما في هذه الآية على ذلك لأن الظاهر إرادته به. انتهى.
هو الذي صححه الخازن في تفسيره حيث قال: والقول الأول هو الصحيح لإجماع الجمهور عليه ورجحه أيضًا العلامة القنوجي في تفسيره إذ قال: والأول أولى لإجماع الجمهور عليه وبه فسر الشوكاني في فتح القدير ورجحه واختاره غيرهم من المفسرين. اهـ (2) .
#
__________
(1) حديث عطاء بن يسار" لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة.. " الحديث وقد تقدم ذكره.
(2) مجلة البحوث الإسلامية ج1 عدد 2 ص 29- 30.(1/55)
1- هذا وقد ذهب جمهور الحنفية: إلا أن المراد بسهم سبيل الله المذكور في الآية: ما يصرف على الغزاة الفقراء الذين عجزوا عن اللحوق بجيش الإسلام لفقرهم وجعلوا الفقر قيدًا لمصرف هذا السهم على المجاهدين (1) .
واستدلوا قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن «أعلمهم أن الله قد افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم وغيرهما وتقدم كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم «لا تحل الصدقة لغني» رواه الخمسة إلا ابن ماجة والنسائي (2) .
وأجيب عن ذلك بما يلي:
أولا: أن حديث «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» عام مخصوص بقوله صلى الله عليه وسلم «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة» وذكر منهم الغازي في سبيل الله.
ثانيًا: أن الله تعالى جعل الفقراء والمساكين صنفين وعد بعدهما ستة أصناف ولم يشترط فيهم الفقر فيجوز لهم الأخذ مع الغنى بظاهر الآية قال القرطبي وأبو حيان وهوقول أكثر العلماء (3) .
ثالثًا: إن هذا القيد يبطل كون مصرف «في سبيل الله» صنفًا مستقلا لأنه بهذا يرجع إلى الصنف الأول «الفقراء».
قال القرطبي: وقال أبو حنيفة وصاحباه: لا يعطى الغازي إلا إذا كان فقيرًا منقطعًا به. وهذه زيادة على النص (4) .
والزيادة عنده على النص نسخ والنسخ لا يكون إلا بقرآن أو خبر متواتر، وذلك معدوم هنا، بل في صحيح السنة خلاف ذلك، من قوله عليه السلام «لا تحل الصدقة لغني إلا لخسمة: لغاز في سبيل الله... » الحديث فكان هذا الحديث مفسرًا لمعنى الآية وأنه يجوز لبعض الأغنياء أخذها (5) .
__________
(1) انظر (بدائع الصنائع) ج2 ص 907 و(شرح فتح القدير) ج2 ص 18 وحاشية ابن عابدين ج2 ص 343.
(2) نيل الأوطار ج4 ص 179.
(3) انظر تفسير القرطبي ج 8 ص 158، والبحر المحيط ج 5 ص 60.
(4) يعني اشتراط الفقر في الغازي.
(5) تفسير القرطبي ج8 ص 186.(1/56)
ويرى الأحناف: أن الزكاة لا بد أن تملك لشخص. ويجاب عن ذلك بأن الصرف في سبيل الله يصرف في مصلحة الجهاد قبل أن يكون لأشخاص المجاهدين حيث عبر عنه بحرف «في» لا بـ «لام» التمليك (1) .
2- وقال المالكية: المراد بـ«سبيل الله» الغزو وما يلزم المجاهد والمرابط من آلة الجهاد وعدته، ولو كان غنيًّا لأنه يأخذ بوصف الجهاد لا بوصف الفقر (2) .
3- وقال الشافعية: «سبيل الله» هم الغزاة المتطوعون الذين لا سهم لهم في الديوان أي لا يتقاضون راتبًا من الحكومة فيعطى الغازي النفقة والكسوة مدة الذهاب والرجوع فقيرًا كان أو غنيًّا، ومدة المقام بالثغر وإن طال. وما يشتري به الفرس إن كان المقاتل فارسًا وما يشتري به السلاح وآلات القتال (3) .
4- وذهب الحنابلة إلى أن المراد بـ «سبيل الله» الغزاة المتطوعة الذين ليس لهم راتب أو لهم دون ما يكفيهم فيعطى المجاهد منهم ما يكفيه لغزوه ولو كان غنيًّا وإن لم يغز بالفعل رد ما أخذه، والرباط على الثغور كالغزو، وكلاهما في سبيل الله (4) . #
وبذلك يتبين أن الجهاد داخل في سبيل الله قطعًا عند المذاهب الأربعة.
أدلة الجمهور على أن مصرف «في سبيل الله» هو الغزو والجهاد لإعلاء كلمة الله:
__________
(1) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 127.
(2) انظر تفسير القرطبي ج8 ص 185- 186.
(3) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 225- 226 ومغني المختار ج3 ص 111.
(4) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 700- 701.(1/57)
1- أن سبيل الله إذا أطلق في عرف الشرع فهو في الغالب واقع على الجهاد حتى كأنه مقصور عليه لأن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير، فيجب أن يحمل قوله تعالى: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } عليه لأن الظاهر أرادته، قال تعالى: { وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ } (سورة البقرة آية/ 244) وقال تعالى: { إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ }
(الصف/ 4).
2- بأن حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل... » الحديث، وهو حديث صريح مفسر لقوله تعالى: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } فيجب حمله عليه.
3- بما ورد في الآثار الدالة على أن المقصود بسبيل الله هو الجهاد ومن ذلك ما ذكره الطبري في تفسيره قال: حدثني يونس قال أخبرني ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله تعالى: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } قال الغازي في سبيل الله (1) .
وما ذكره السيوطي في تفسيره (الدر المنثور) قال أخرج بن أبي حاتم عن مقاتل في قوله { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } قال: هم المجاهدون وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد في قوله { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } قال: الغازي في سبيل الله (2) .
القول الثاني: أن المراد بـ «سبيل الله» هم الغزاة والحجاج والعمار:-
# وبهذا القول قال جماعة من العلماء، فيعطى الفقير من الزكاة ما يحج به حجة الإسلام أو يعينه فيها.
واستدلوا على ذلك:
__________
(1) جامع البيان عن تأويل آي القرآن ج14 ص 319.
(2) الدر المنثور في التفسير بالمأثور ج3 ص 252. ومجلة البحوث الإسلامية المجلد الأول/ العدد الثاني/ ص 34.(1/58)
1- بحديث أم معقل. قالت: لما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع وكان لنا جمل فجعله أبو معقل في سبيل الله وأصابنا مرض وهلك أبو معقل وخرج النبي صلى الله عليه وسلم فلما فرغ من حجته جئته فقال: «يا أم معقل ما منعك أن تخرجي» قالت: لقد تهيأنا فهلك أبو معقل وكان لنا جمل هو الذي نحج عليه فأوصى به أبو معقل في سبيل الله. قال: «فهلا خرجت عليه فإن الحج من سبيل الله» رواه أبو داود.
2- وعن أم معقل: أن زوجها جعل بكرًا في سبيل الله وأنها أرادت العمرة، فسألت زوجها البكر فأبى فأتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت له، فأمره أن يعطيها، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الحج والعمرة في سبيل الله» رواه أحمد.
3- وعن أبي لاس الخزاعي قال: «حملنا النبي صلى الله عليه وسلم على إبل من الصدقة إلى الحج» رواه أحمد، وذكره البخاري تعليقًا (1) .
قال الشوكاني: وهذه الأحاديث تدل على أن الحج والعمرة في سبيل الله، وأن من جعل شيئًا من ماله في سبيل الله جاز له صرفه في تجهيز الحجاج والمعتمرين.
وتدل أيضًا على أنه يجوز صرف شيء من سهم «سبيل الله» من الزكاة على قاصدي الحج والعمرة (2) .
وإلى هذا ذهب الإمام أحمد في إحدى الروايتين عنه: #
أن الفقير يعطى ما يحج به الفرض أو يستعين به فيه. واستظهر القاضي من الحنابلة جوازه في الفرض والنفل معًا، لأن الكل في سبيل الله، ولأن الفقير لا فرض عليه، فالفرض منه كالتطوع فعلى هذا يجوز أن يدفع له ما يحج به حجة كاملة وما يعينه في حجه (3) .
وقد روي هذا عن ابن عباس وابن عمر ومحمد بن الحسن من الحنفية (4) .
__________
(1) انظر هذه الأحاديث في نيل الأوطار ج4 ص 191- 192.
(2) المصدر السابق ج 4 ص 192.
(3) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 701- 702.
(4) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 127 وبدائع الصنائع للكاساني ج2 ص 907 وشرح فتح القدير ج2 ص 17.(1/59)
والرواية الثانية عن أحمد أنه لا يصرف من الزكاة في الحج وبه قال مالك وأبو حنيفة والثوري والشافعي وأبو ثور وجمهور أهل العلم. قال ابن قدامة: وهي أصح لأن سبيل الله عند الإطلاق إنما ينصرف إلى الجهاد فإن كل ما في القرآن من ذكر سبيل الله إنما أريد به الجهاد إلا اليسير فيجب أن يحمل ما في آية الزكاة على ذلك لأن الظاهر إرادته به ولأن الزكاة إنما تصرف إلى أحد رجلين: محتاج إليها كالفقراء والمساكين وفي الرقاب والغارمين لقضاء ديونهم، أو من يحتاج إليه المسلمون كالعامل والغازي والمؤلف، والغارم لإصلاح ذات البين، والحج للفقير لا نفع للمسلمين فيه ولا حاجة بهم إليه ولا حاجة به أيضًا لأن الفقير لا فرض عليه فيسقطه ولا مصلحة له بإيجابه عليه وتكليفه مشقة قد أرفقه الله منها وخفف عنه إيجابها وتوفير هذا القدر على ذوي الحاجة من سائر الأصناف أو دفعه في مصالح المسلمين أولى.اهـ (1) .
وأما الأحاديث الواردة في ذلك فحديث أم معقل من رواية محمد بن إسحاق وقال فيه «عن» وهو مدلس، والمدلس إذا قال «عن» لا يحتج به بالاتفاق (2) ، ولا يمتنع أن يكون الحج في سبيل الله ولكن الآية محمولة على
# الغزو. وحديث أبي لاس، قال الحافظ ابن حجر: ورجاله ثقات إلا أن فيه عنعنة ابن إسحاق وقد عرفت ما قيل في المعنعن، ولهذا توقف ابن المنذر في ثبوته (3) . قال البغوي: ولا يجوز صرف شيء من الزكاة إلى الحج عند أكثر أهل العلم (4)
القول الثالث: أن المراد بـ «سبيل الله» جميع وجوه البر لأن اللفظ عام: فلا يجوز قصره على بعض أفراده إلا بدليل صحيح ولا دليل على ذلك. وبهذا قال جماعة من العلماء.
__________
(1) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 701.
(2) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 226.
(3) نيل الأوطار ج4 ص 192.
(4) شرح السنة ج6 ص 94.(1/60)
ففسره الكاساني في (البدائع) بجميع القرب والطاعات فيدخل فيه كل من سعى في طاعة الله تعالى وفي سبيل الخيرات إذاكان محتاجًا كما هو المدلول الأصلي للفظ (1) .
وذكر الرازي في تفسيره أن ظاهر اللفظ في قوله تعالى { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } لا يوجب القصر على الغزاة.
ثم قال: فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى وبناء الحصون وعمارة المساجد لأن قوله { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } عام في الكل (2) .
ونسب ابن قدامة في المغني هذا الرأي إلى أنس بن مالك والحسن البصري فقد قال: ما أعطيت في الجسور والطريق فهو صدقة ماضية (3) .
وقال شيخ المفسرين (الطبري) وأما قوله { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } فإنه يعني وفي
# النفقة في نصرة دين الله وطريقه وشريعته التي شرعها لعباده بقتال أعدائه وذلك هو غزو الكفار (4) .
والعبارة الأولى من هذا التعريف تشمل كل نفقة في نصرة الإسلام وتأييد شريعته.
وقال صاحب المنار في تفسير آية المصارف: والتحقيق أن سبيل الله هنا: مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، وأن حج الأفراد ليس منها لأنه واجب على المستطيع دون غيره، ثم قال وسبيل الله يشمل سائر المصارف الشرعية العامة التي هي ملاك أمر الدين والدولة وأولها وأولاها بالتقديم الاستعداد للحرب كشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية وكذا الخيرية العامة، وإشراع الطرق وتعبيدها ومد الخطوط الحديدية العسكرية.
__________
(1) بدائع الصنائع ج2 ص 907.
(2) تفسير الفخر الرازي ج16 ص 113.
(3) انظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 527.
(4) تفسير الطبري ج14 ص 319.(1/61)
ومن أهم ما ينفق في سبيل الله في زماننا: إعداد الدعاة إلى الإسلام وإرسالهم إلى بلاد الكفار من قبل جمعيات منظمة تمدهم بالمال الكافي كما يفعل الكافر في تبشير دينهم) (1)
وكذا فسر الشيخ محمود شلتوت «سبيل الله» بأنه المصالح العامة التي لا ملك فيها لأحد، والتي لا يختص بالانتفاع بها أحد فملكها لله ومنفعتها لخلق الله. وأولاها وأحقها التكوين الحربي الذي ترد به الأمة البغي وتحفظ الكرامة فيشمل العدد والعدة على أحدث المخترعات البشرية، ويشمل المستشفيات عسكرية ومدنية ويشمل تعبيد الطرق، ويشمل الإعداد القوي الناضج لدعاة إسلاميين
# يظهرون جمال الإسلام وسماحته ويفسرون حكمته ويبلغون أحكامه، ويتعقبون مهاجمة الخصوم لمبادئه بما يرد كيدهم إلى نحورهم.
وكذلك يشمل العمل على دوام الوسائل التي يستمر بها حفظه القرآن الذين تواتر –ويتواتر- بهم نقله كما أنزل من عهد وحيه إلى اليوم وإلى يوم الدين إن شاء الله.اهـ (2) . وفي (الروضة الندية) للشيخ صديق حسن خان وهو على مذهب أهل الحديث المستقلين قال أما سبيل الله فالمراد هنا: الطريق إليه عز وجل، والجهاد –وإن كان أعظم الطرق إلى الله عز وجل لكن لا دليل على اختصاص هذا السهم به بل يصح صرف ذلك في كل ما كان طريقًا إلى الله عز وجل هذا معنى الآية لغة، والواجب الوقوف على المعاني اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعًا –ثم قال- ومن جملة سبيل الله: الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية فإن لهم في مال الله نصيبا سواء كانوا أغنياء أو فقراء بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين وبهم تحفظ بيضة الإسلام وشريعة سيد الأنام).اهـ (3) .
«أدلة أصحاب القول الثالث»
وقد استدل أصحاب هذا القول على قولهم بما يأتي:
__________
(1) تفسير المنار ج10 ص 585 و587.
(2) الإسلام عقيدة وشريعة ص 97- 98.
(3) الروضة الندية ج2 ص 206- 207.(1/62)
1- أن اللفظ «في سبيل الله» عام فلا يجوز قصره على بعض أفراده دون سائرها إلا بدليل ولا دليل على ذلك وما قيل بأن حديث عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري: «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لغاز في سبيل الله... » الحديث، يعيّن أن سبيل الله هو الغزو غير صحيح ذلك أن غاية ما يدل عليه الحديث هو المجاهد يعطى من سهم سبيل الله ولو كان غنيًّا وسبل الله كثيرة لا تنحصر في الجهاد.
#
2- جاءت الأحاديث والآثار بتطبيق العموم في مدلول قوله تعالى: { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } فقد اعتبرت السنة الحج والعمرة من سبيل الله يتضح ذلك بما تقدم من حديث أبي لاس وحديث أم معقل وحديث ابن عباس الذي رواه أبو داود وفيه: «أما إنك لو احججتها عليه كان في سبيل الله» (1) . وقد جاءت الآثار عن بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم باعتبار الحج سبيلا من سبل الله فقد ذكر أبو عبيد في كتاب (الأموال) بإسناده إلى ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان لا يرى بأسًا أن يعطي الرجل من ماله للحج وما أخرجه أبو عبيد بإسناد صحيح إلى ابن عمر أنه سئل عن امرأة أوصت بثلاثين درهمًا في سبيل الله فقيل له تجعل في الحج؟ قال: أما أنه من سبل الله (2) .
3- كما اعتبرت السنة إشاعة الألفة بين المسلمين وتطييب خواطرهم وحفظ حقوقهم سبيلا من سبل الله ففي صحيح البخاري في باب القسامة في قصة الصحابي الذي قتله اليهود في خيبر فأنكروا ذلك فكره النبي صلى الله عليه وسلم أن يبطل دمه فواده من إبل الصدقة (3) .
__________
(1) مختصر سنن أبي داود ج2 ص 422.
(2) انظر الأموال ص 722- 724.
(3) صحيح البخاري ج9 ص 8.(1/63)
4- أن تعبير النبي صلى الله عليه وسلم بـ «من» التبعيضية في حديث أم معقل في قوله «فإن الحج من سبيل الله» يشعر أن سبيل الله الوارد في آية مصارف الزكاة علىعمومه وأنه يتناول مجموعة من الأمور وأن الحج منها (1) .
وقد أجيب عن القول بعموم اللفظ بأجوبة منها ما ذكره أبو الحسن المباركفوري حيث قال (وأما القول الثالث فهو أبعد الأقوال لأنه لا دليل عليه من كتاب ولا من سنة صحيحة أو سقيمة ولا من إجماع ولا من رأي صحابي ولا
# من قياس صحيح أو فاسد بل هو مخالف للحديث الصحيح وهو حديث أبي سعيد (2) ولم يذهب إلى هذا التعميم أحد من السلف إلا ما حكاه القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء المجاهيل والقاضي عياض عن بعض العلماء غير المعروفين.
قال صاحب تفسير المنار: أما عموم مدلول اللفظ فهو يشمل كل أمر مشروع أريد به مرضاة الله تعالى بإعلاء كلمته وإقامة دينه وحسن عبادته ومنفعة عباده ولا يدخل فيه الجهاد بالمال والنفس إذا كان لأجل الرياء والسمعة وهذا العموم لم يقل به أحد من السلف ولا الخلف ولا يمكن أن يكون مرادًا هنا لأن الإخلاص الذي يكون للعمل في سبيل الله أمر باطن لا يعلمه إلا الله تعالى فلا يمكن أن يناط به حقوق مالية دولية.
__________
(1) نيل الأوطار ج4 ص 191. وانظر مجلة البحوث الإسلامية ج1 عدد2 ص 48- 49.
(2) حديث أبي سعيد الذي رواه أبو داود "لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: "لغاز في سبيل الله..." الحديث. وتقدم.(1/64)
وإذا قيل إن الأصل في كل طاعة من المؤمن أن تكون لوجه الله تعالى فيراعى هذا في الحقوق عملا بالظاهر اقتضى هذا أن يكون كل مصل وصائم ومتصدق وتال للقرآن وذاكر الله تعالى ومميط الأذى عن الطريق مستحق بعمله هذا للزكاة الشرعية فيجب أن يعطى منها، ويجوز له أن يأخذ منها وإن كان غنيًّا وهذا ممنوع بالإجماع أيضًا وإرادته تنافي حصر المستحقين في الأصناف المنضوضة لأن هذا الصنف لا حد لجماعته فضلا عن أفراده وإذا وكل أمره إلى السلاطين والأمراء تصرفوا فيه بأهوائهم تصرفًا يذهب حكمة فرضية الصدقة من أهلها.. انتهى وما يذكر للاحتجاج بذلك من رواية البخاري في دية الأنصاري الذي قتل بخيبر مائة من إبل الصدقة فهو مخالف لما روى البخاري أيضًا في قصته أنه وداه من عنده وجمع بين الروايتين بأنه اشتراه من أهل الصدقة بعد أن ملكوها ثم دفعها تبرعا إلى أهل القتيل حكاه النووي عن الجمهور، وعلى هذا فلا حجة فيه لمن ذهب إلى التعميم.
وحديث أبي سعيد ينافي التعميم لكونه كالنص في أن المراد بسبيل الله
# المطلق في الآية هم الغزاة والمجاهدون خاصة فيجب الوقوف عنده (1) .
وهذا ما رجحه الشيخ يوسف القرضاوي في «فقه الزكاة» حيث قال: إن الذي أرجحه أن المعنى العام لسبيل الله لا يصلح أن يراد هنا لأنه بهذا العموم يتسع لجهات كثيرة لا تحصر أصنافها فضلا عن أشخاصها وهذا ينافي حصر المصارف في ثمانية كما هو ظاهر الآية وكما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم «إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها فجزأها ثمانية أجزاء» كما أن سبيل الله بالمعنى العام يشمل إعطاء الفقراء والمساكين وبقية الأصناف في الأخرى لأنها جميعها من البر وطاعة الله فما الفرق إذًا بين هذا المصرف وما سبقه وما يلحقه.
__________
(1) انظر مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ج3 ص 118- 119 ومجلة البحوث الإسلامية ج1 عدد 2 ص 49- 51.(1/65)
إن كلام الله البليغ المعجز يجب أن ينزه عن هذا التكرار بغير فائدة، فلا بد أن يراد به معنى خاص يميزه عن بقية المصارف. وهذا ما فهمه المفسرون والفقهاء من أقدم العصور فصرفوا معنى «سبيل الله» إلى الجهاد وقالوا: إنه المراد عند إطلاق اللفظ ولهذا قال ابن الأثير: إنه صار لكثرة الاستعمال فيه كأنه مقصور عليه (1) .
وهذا ما رجحته هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في القرار الآتي:
قرار رقم (24) وتاريخ 21/ 8/ 1394 هـ الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده محمد وآله وصحبه وبعد، فقد جرى اطلاع هيئة كبار العلماء في دورتها الخامسة المعقودة بمدينة الطائف بين يوم 5/ 8/ 1394 هـ ويوم 22/8/1394 هـ على ما أعدته اللجنة للبحوث العلمية والإفتاء من بحث في المراد بقول الله تعالى في آية مصارف الزكاة «وفي
__________
(1) انظر فقه الزكاة ج2 ص 655 – 656.(1/66)
# سبيل الله» هل المراد بذلك الغزاة في سبيل الله وما يلزم لهم أم عام في كل وجه من وجوه الخير؟ وبعد دراسة البحث المعد والاطلاع على ما تضمنه من أقوال أهل العلم في هذا الصدد ومناقشة أدلة من فسر المراد بسبيل الله في الآية: بأنهم الغزاة وما يلزم لهم وأدلة من توسع في المراد بالآية ولم يحصرها في الغزاة فأدخل فيه بناء المساجد والقناطر وتعليم العلم وتعلمه وبث الدعاة والمرشدين وغير ذلك من أعمال البر. رأى أكثرية أعضاء المجلس الأخذ بقول جمهور العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء من أن المراد بقوله تعالى { وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ } الغزاة المتطوعون بغزوهم وما يلزم لهم من استعداد، وإذا لم يوجدوا صرفت الزكاة كلها للأصناف الأخرى ولا يجوز صرفها في شيء من المرافق العامة إلا إذا لم يوجد لها مستحق من الفقراء والمساكين وبقية الأصناف المنصوص عليهم في الآية الكريمة وبالله التوفيق، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم (1) .
هيئة كبار العلماء
هذا وإذا كان العلماء قد اتفقوا على أن المراد بـ «سبيل الله» هو الجهاد فإن وسائل الجهاد تتجدد من عصر لعصر ونحن نرى في عصرنا الحاضر الغزو الفكري الذي يفد من الشرق تارة ومن الغرب أخرى يجتاح بموجاته العارمة الشخصية الإسلامية المتميزة بسماتها لينهار كيان أمة الإسلام من قواعدها، فلم يعد المفهوم الحربي للحفاظ على الأمة قاصرا على الحرب الدموية في القتال وعدته بل أصبح بمفهومه العام أملا للتعبئة الفكرية، وصد هجمات المغرضين، ودرء شبه الغازين، ورد الدعوات الوافدة والمذاهب الدخيلة، وهذا كله يحتاج إلى إعداد فكري للدعوة لا يقل أثرًا عن عدة الحرب في السلاح وتكوين جند للدعوة يحمل لواءها ويذود عن حماها بالقلم واللسان والبيان كما يذود عنها بالصاروخ والمدفع (2) .
__________
(1) مجلة البحوث الإسلامية المجلد الأول العدد الثاني ص 56- 57.
(2) تفسير آيات الأحكام للشيخ مناع القطان ج3 ص 374.(1/67)
وكل هذه الأنواع من الجهاد تحتاج إلى الإمداد والتمويل، المهم أن يتحقق الشرط الأساسي لذلك كله وهو أن يكون: «في سبيل الله» أي في نصرة الإسلام، وإعلاء كلمته في الأرض فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله أيًّا كان نوع هذا الجهاد وسلاحه.
إن الجهاد في الإسلام لا ينحصر في الغزو الحربي والقتال بالسيف فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» رواه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن (1) . قال المنذري بعد غزوه لكل من النسائي وابن ماجة: إسناده صحيح (2) .
وروى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل» (3) . وقال صلى الله عليه وسلم «جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم» رواه أبو داود بإسناد صحيح (4) .
وبناء على ما تقدم قال الشيخ يوسف القرضاوي:
أن ما ذكرناه من أنواع الجهاد والنشاط الإسلامي لو لم يكن داخلا في معنى الجهاد بالنص لوجب إلحاقة به بالقياس فكلاهما عمل بقصد به نصرة الإسلام والدفاع عنه ومقاومة أعدائه، وإعلاء كلمته في الأرض. وبذلك يكون ما
__________
(1) رياض الصالحين ص 130.
(2) الترغيب والترهيب ج4 ص 4.
(3) مختصر صحيح مسلم ج1 ص16.
(4) رياض الصالحين ص 574.(1/68)
# اخترناه هنا في معنى « سبيل الله» هو رأي الجمهور مع بعض التوسعة في مدلوله. ومن أهم ما ينطبق عليه معنى الجهاد في عصرنا هو العمل لتحرير الأرض الإسلامية من حكم الكفار الذين استولوا عليها وأقاموا فيها حكمهم بدل حكم الله سواء كان هؤلاء الكفار يهودًا أو نصارى أو وثنيين أو ملحدين لا يدينون بدين، فالكفر كله ملة واحدة. ويجب أن يعلم أن الحرب إنما تكون في سبيل الله إذا ارتبطت بدوافع إسلامية وأهداف إسلامية أعني أن تكون حربًا لنصرة دين الله وإعلاء كلمته والدفاع عن دار الإسلام وكرامة الإسلام لتكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، وهذا هو الذي يميز الحرب الإسلامية عن غيرها.
عن أبي موسى قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل يقاتل شجاعة ويقاتل حمية ويقاتل رياء فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال «من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله» رواه البخاري ومسلم وغيرمها (1) . والمراد بكلمة الله: دعوة الله إلى الإسلام، فهذا هو المعيار الفاصل بين جهاد الإسلام ومعارك الجاهلية، وهذا هو الفارق بين سبيل الله وسبيل الطاغوت (2)
صور متنوعة للجهاد الإسلامي في عصرنا
1- إن إنشاء مراكز للدعوة إلى الإسلام الصحيح وتبليغ رسالته إلى غير المسلمين في كافة القارات في هذا العالم الذي تتصارع فيه الأديان والمذاهب جهاد في سبيل الله.
2- وإن إنشاء مراكز إسلامية واعية في داخل بلاد الإسلام نفسها تحتضن الشباب المسلم وتقوم على توجيهه الوجهة الإسلامية السليمة وحمايته من الإلحاد في العقيدة والانحراف في الفكر والانحلال في السلوك وتعده لنصرة الإسلام ومقاومة أعدائه جهاد في سبيل الله.
__________
(1) رياض الصالحين ص 572.
(2) انظر فقه الزكاة ج2 ص 657- 665.(1/69)
3- وإن إنشاء صحيفة إسلامية خالصة تقف في وجه الصحف الهدامة والمضللة لتعلي كلمة الله وتصدع بقول الحق وترد عن الإسلام أكاذيب المفترين وشبهات المضللين وتعلم هذا الدين لأهله خاليًا من الشوائب جهاد في سبيل الله.
4- وإن نشر كتاب إسلامي أصيل يحسن عرض الإسلام أو جانب منه ويكشف عن مكنون جواهره ويبرز جمال تعاليمه ونصاعة حقائقه كما يفضح أباطيل خصومه وتعميم مثل هذه الكتب على نطاق واسع جهاد في سبيل الله.
5- وإن تفريغ رجال أقوياء أمناء مخلصين للعمل في المجالات السابقة بهمة وغيرة وتخطيط لخدمة هذا الدين ومد نوره في الآفاق ورد كيد أعدائه المتربصين به وإيقاظ أبنائه النائمين عنه، ومقاومة موجات التبشير والإلحاد والإباحية جهاد في سبيل الله.
6- وإن معاونة الدعاة إلى الإسلام الحق الذين تتآمر عليهم القوى المعادية للإسلام في الخارج مستعينة بالطغاة والمرتدين من الداخل فتكيل لهم الضربات وتسلط عليهم ألوان العذاب تقتيلا وتعذيبًا وتشريدًا وتجويعًا إن معانة هؤلاء على المقاومة والثبات في وجه الكفر والطغيان جهاد في سبيل الله.
7- وإن الصرف على هذه المجالات المتعددة لهو أولى ما ينبغي أن يدفع فيها المسلم زكاته وفوق زكاته فليس للإسلام بعد الله إلا أبناء الإسلام وخاصة في عصر غربة الإسلام (1) . هذا ما قرره الدكتور يوسف القرضاوي وإنني أضم صوتي إلى صوته مؤيدًا ما قاله مرجحًا لما رجحه والله ولي التوفيق.
#
المصرف الثامن من مصارف الزكاة
في ابن السبيل
ابن السبيل هو المسافر الذي يجتاز من بلد إلى بلد، والسبيل: الطريق، ونسب المسافر إليها لملازمته إياها ومروره عليها، كما تفعل العرب تسمي الملازم لشيء يعرف به ابنه.
__________
(1) فقه الزكاة ج2 ص 668- 669.(1/70)
والمراد به الذي انقطعت به الأسباب في سفره عن بلده ومستقره وماله فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بلده وإن كان غنيًّا في بلده (1) . الحديث «لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله» الحديث وروى الطبري عن مجاهد قال: لابن السبيل حق من الزكاة وإن كان غنيًّا إذا كان منقطعًا به. وعن ابن زيد قال: ابن السبيل: المسافر، سواء كان غنيًّا أو فقيرًا إذا أصيبت نفقته أو فقدت أو أصابها شيء أم لم يكن معه شيء فحقه واجب (2) .
واختلف العلماء فيمن ينطبق عليه «ابن السبيل» على قولين:
الأول: وهو قول جمهور العلماء: إنه المسافر المنقطع به في سفره فيعطى ما يرجع به إلى بلده. هذا قول الأحناف والمالكية والحنابلة (3) .
والقول الثاني: للشافعي: أنه يشمل الغريب المنقطع والمنشئ للسفر من بلده، ويدفع إليهما ما يحتجان إليه لذهابهما ولعودهما؛ لأنه يريد السفر لغير معصية فأشبه المجتاز (4) .
وأجيب عن هذا بأن المنشئ للسفر لا يدخل في وصف «ابن السبيل»؛ لأن السبيل هو الطريق وابن السبيل: الملازم للطريق الكائن فيها فمن لم يحصل في الطريق لا يكون ابن السبيل ولا يصير كذلك بالعزيمة كما لا يكون مسافرًا بالعزيمة (5) .
ولأنه لا يفهم من «ابن السبيل» إلا الغريب دون من هو في وطنه ومنزله، فوجب أن يحمل المذكور في الآية على الغريب دون غيره، وإنما يعطى وله اليسار في بلده لأنه عاجز عن الوصول إليه والانتفاع به فهو كالمعدوم في
حقه (6) .
شروط إعطاء ابن السبيل من مال الزكاة
__________
(1) انظر المفردات في غريب القرآن ص 223 والمصباح المنير ج1 ص 284 والمطلع على أبواب المقنع ص 134.
(2) تفسير الطبري ج14 ص 320- 321.
(3) انظر شرح فتح القدير ج2 ص 18 والشرح الصغير ج1 ص 663 والمقنع لابن قدامة مع حاشيته ج1 ص 346.
(4) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 228- 229.
(5) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 128.
(6) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 702.(1/71)
وقد اشترط العلماء لإعطاء ابن السبيل من مال الزكاة شروطًا:
1- أن يكون محتاجًا إلى ما يوصله إلى وطنه لأن المقصود إنما هو الإيصال إلى بلده، ولا يمنع من ذلك غناؤه في بلده لقوله صلى الله عليه وسلم «لا تحل الصدقة لغني إلا في سبيل الله أو ابن السبيل» الحديث رواه أبو داود وابن ماجة من حديث أبي سعيد (1) .
2- أن يكون سفره في غير معصية كمن يسافر لقتل نفس معصومة أو لتجارة محرمة كالخمر لأن السفر إلى المعصية معصية، والقصد من إعطائه إعانته ولا يعان بمال المسلمين على معصية الله وذلك بأن يكون سفره سفر طاعة كالحج والعمرة والجهاد وطلب العلم أو لزيارة مندوبة كزيارة الوالدين والأقارب فإنه يعطى من مال الزكاة اتفاقًا لأن الإعانة على الطاعة مطلوبة شرعًا وكذلك إذا كان سفره سفرًا مباحًا كالسفر للتجارة وطلب الزرق فإنه يعطى كذلك عند
# الجمهور لأن فيه إعانة له على حوائج دنياه المباحة وبلوغ غرضه الصحيح. وللشافعية في هذا وجهان:
أحدهما: لا يعطى قالوا لأنه غير محتاج إلى هذا السفر، وهذا القول ضعيف حيث إن المباح يحتاج إليه لمصالح المعاش.
والثاني: يعطى لأن الرخص التي أناطها الشرع بالسفر لم تفرق بين سفر الطاعة والسفر المباح كقصر الصلاة والفطر في رمضان وهذا هو الراجح.
وأما السفر للنزهة والفرجة فقد اختلف العلماء فيه هل يعطى من الزكاة على وجهين:
أحدهما: يدفع إليه لأنه في غير معصية.
والثاني: لا يعطى لأنه لا حاجة به إلى هذا السفر فهو نوع من الفضول.
__________
(1) نيل الأوطار ج4 ص 190.(1/72)
قال ابن قدامة: ويقوى عندي أنه لا يجوز الدفع للسفر إلى غير بلده لأنه لو جاز ذلك جاز للمنشئ للسفر من بلده، ولأن هذا السفر إن كان الجهاد يدفع إليه من سهم سبيل الله وإن كان حجًّا فغيره أهم منه وإن لم يجز الدفع في هذين ففي غيرهما أولى، وإنما ورد الشرع بالدفع لرجوعه إلى بلده لأنه أمر تدعو حاجته إليه ولا غنى به عنه فلا يجوز إلحاق غيره به لأنه ليس في معناه فلا يصح قياسه عليه (1) .
ولأنه لا نص فيه فلا يثبت جوازه لعدم النص والقياس.
الشرط الثالث: لإعطاء ابن السبيل من الزكاة: أن لا يجد من يقرضه في ذلك الموضع الذي هو فيه وهذا فيمن له مال في يده يقدر على سداد القرض منه. وهذا الشرط إنما اشترطه بعض المالكية والشافعية. وخالفهم آخرون من علماء المذهبين... وقد رجح القرطبي في تفسيره أن ابن السبيل يعطى من الزكاة ولو
# وجد من يقرضه قال: لأنه لا يلزمه أن يدخل تحت منة أحد وقد وجد منة الله تعالى (2) .
وقال النووي: لو وجد ابن السبيل من يقرضه كفايته لم يلزمه أن يقترض منه بل يجوز صرف الزكاة إليه.
وهذا هو الراجح إن شاء الله لأن الله أمر بإعطائه ولم يرد ما يمنع من ذلك ولو وجد من يقرضه.. (3)
مقدار ما يعطى ابن السبيل من الزكاة
ويعطى ابن السبيل من النفقة والكسوة والأجرة في مضيه إلى مقصده ورجوعه إلى بلده لأن فيه إعانة على السفر المباح لبلوغ الغرض الصحيح.
وأما ما أنفقه ابن السبيل مدة إقامته في البلد الذي قصده فإن للشافعية فيه تفصيل، قالوا: إذا كانت إقامته دون أربعة أيام أعطي لها لأنه في حكم المسافر وله القصر والفطر وسائر الرخص، وإن كانت أربعة أيام فأكثر لم يعط لها لأنه خرج عن كونه مسافرًا ابن سبيل.
وقال بعضهم: يعطى ابن السبيل وإن طال مقامه إذا كان مقيمًا لحاجة يتوقع تنجزها.
__________
(1) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 703
(2) انظر تفسير القرطبي ج8 ص 187.
(3) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 229.(1/73)
وهو الراجح إن شاء الله ما دام محتاجًا ولم ينو إقامة طويلة تخرجه عن كونه ابن السبيل.
وإذا رجع ابن السبيل من سفره وقد فضل معه شيء مما دفع إليه من الزكاة استرجع منه سواء قتر على نفسه أم لا.
وقيل: إن قتر على نفسه بحيث لو لم يقتر لم يفضل لم يرجع بالفاضل... والراجح الأول لأنه يأخذ لحاجته وقد زالت (1) .
#
(فصل)
هل يجب توزيع الزكاة على الأصناف الثمانية
أم يجوز صرفها إلى واحد منهم؟
اختلف العلماء في ذلك:
فذهب الشافعية إلى أنه يجب أن يسوى بين الأصناف الثمانية في السهام ولا يفضل صنف على نصف لأن الله تعالى سوى بينهم وهو رواية عن أحمد..
وذهب الجمهور إلى أنه لا يجب استيعاب الصدقة في جميع الأصناف بل يجوز الاقتصار على واحد منهم. وهو ما نقل عن الأئمة الثلاثة أبي حنيفة ومالك وأحمد وكثير من السلف والخلف. وحكى إجماع الصحابة عليه وأنه لا يعلم لهم مخالف فيه قال ابن جرير: وهو قول عامة أهل العلم بل قالوا: له صرفها إلى شخص واحد من أحد الأصناف. واستحب مالك صرفها إلى أمسهم حاجة، وقال إبراهيم النخعي: إن كانت الزكاة قليلة جاز صرفها إلى جنس واحد وإلا وجب استيعاب الأصناف (2) .
(سبب الخلاف):
__________
(1) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 228- 231 وتفسير القرطبي ج8 ص 187، والشرح الكبير مع المغني ج2 ص 702- 703 وفقه الزكاة ج 2 ص 678- 679 وتفسير آيات الأحكام للشيخ مناع ج3 ص 375- 376.
(2) انظر تفسير الطبري ج 14 ص 322 وتفسير القرطبي ج8 ص 167- 168، والشرح الكبير مع المغني ج2 ص 707- 708.(1/74)
وسبب اختلاف الفقهاء هذا: يرجع إلى معارضة اللفظ للمعنى فإن اللفظ يقتضي القسمة بين جميعهم، والمعنى يقتضي أن يؤثر بها أهل الحاجة إذ أن المقصود من صرف الزكاة سد خلة المحتاج فكان تعدادهم في الآية إنما هو لتمييز الجنس وأن الزكاة لا تخرج عنهم إلى غيرهم لا إيجابًا لقسمتها بين الأصناف الثمانية. والأول أظهر من جهة اللفظ والثاني أظهر من جهة المعنى (1) .
أدلة الشافعية
استدل الشافعية على إيجاب قسمة الزكاة بين الأصناف الثمانية بما يلي:-
1- أن الآية اشتملت على جمعين: جمع بالواو وجمع بالصيغة فينبغي أن تبقى على ظاهرها في الجمعين معًا فتصرف جميع الصدقات الواجبة وزكاة الأموال إلى الأصناف الثمانية حيث أضافت الآية جميع الصدقات إليهم بلام التمليك وشركت بينهم بواو التشريك فدلت على أن الصدقات كلها مملوكة لهم مشتركة بينهم، فإن كان مفرق الزكاة هو المالك أو وكيله سقط نصيب العامل فوجب صرفها إلى الأصناف السبعة بالسوية لا يرجح صنف على صنف إن وجد وإلا فللموجود منهم، ولا يجوز أن يصرف لأقل من ثلاثة أشخاص من كل صنف لأن أقل الجمع ثلاثة وإن كان مفرقها الإمام أو نائبه وجب استيعاب الأصناف كلها.
ب- ولما في الآية من الحصر «إنما» الذي يقتضي وقوف الصدقات على الأصناف الثمانية.
جـ- ولحديث زياد بن الحارث الصدائي عند أبي داود قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فبايعته فأتى رجل فقال: أعطني من الصدقة فقال له «إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقات حتى حكم فيها هو فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك» (2) ،. ووجه الدلالة من هذا الحديث هو أن الزكاة حق ثابت لكل صنف من الأصناف الثمانية.
__________
(1) انظر بداية المجتهد ج1 ص 266.
(2) مختصر سنن أبي داود ج2 ص 230.(1/75)
ونوقش بأن هذا أخذ بظاهر الحديث وعدم النظر إلى المعنى مع أن العبرة في أخذ الأحكام الشرعية للمعاني (1) .
أدلة الجمهور
واستدل الجمهور على عدم وجوب استيعاب الأصناف الثمانية في توزيع الزكاة عليهم بما يلي:
1- قول الله تعالى { إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } (سورة البقرة/ 271) فخص الفقراء بإيتائها إليهم والصدقة تطلق على الواجبة كما تطلق على المندوبة فاقتضت الآية صرف جميع الصدقات إلى صنف واحد من المذكورين وهم الفقراء.
2- قوله تعالى: { وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ } (المعارج: 24- 25) وذلك يقتضي إعطاء الصدقة لهذين دون غيرهما وينفي وجوب قسمتها على الثمانية (2) .
3- قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم (3) . وهو حديث صحيح وعموم ذلك يقتضي جواز دفع جميع الصدقات إلى الفقراء وهم صنف واحد من الأصناف المذكورة وهذا نص لذكر أحد الأصناف الثمانية قرآنًا وسنة فلم يذكر في الآية والحديث إلا صنفًا واحدًا. وأمر صلى الله عليه وسلم بني زريق بدفع صدقتهم إلى سليمة بن صخر، وقال لقبيصة: «أقم يا قبيصة حتى تأتينا الصدقة فنأمر لك بها» رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (4) .
ولو وجب صرفها إلى جميع الأصناف لم يجز صرفها إلى واحد.
4- ولأنه لا يجب صرفها إلى جميع الأصناف إذا فرقها الساعي فكذلك المالك.
__________
(1) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 231- 232 وكتاب (دراسات في فقه الكتاب والسنة) ج2 ص 103.
(2) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 139- 140.
(3) نيل الأوطار ج4 ص 130.
(4) المصدر السابق ج4 ص 189 و192 وانظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 140.(1/76)
5- ولأنه لا يجب عليه تعميم أهل كل صنف بها فجاز الاقتصار على واحد (1) . وأجيب على أدلة الفريق الأول بما يأتي:
1- أن (اللام) في آية المصارف لبيان المصارف حتى تعرف وأي صنف أعطيت منها أجزأك.
2- وما في الآية من الحصر إنما هو لبيان الصرف والمصرف لا لوجوب استيعاب الأصناف الثمانية.
3- وحديث زياد بن الحارث الصدائي في إسناده عبد الرحمن بن زياد بن أنعم الإفريقي وهو ضعيف تكلم فيه غير واحد (2) .
ولما تقدم من الأدلة فإن الراجح عدم وجوب استيعاب الأصناف الثمانية في توزيع الزكاة ولكنه مستحب لظاهر الآية وخروجًا من الخلاف، بحسب ما يراه الإمام أو نائبه أو صاحب الزكاة نفسه.
ومما يدل على ذلك ما روي عن حذيفة قال: إنما ذكر الله هذه الصدقات لتعرف، وأي صنف منها أعطيت أجزأك وما روي عن ابن عباس ترجمان القرآن قال: في أيها وضعت أجزأ عنك.
وقال مالك: الأمر عندنا في قسم الصدقات أن ذلك لا يكون إلا على وجه الاجتهاد من الوالي فأي الأصناف كانت فيه الحاجة أوثر ذلك الصنف بقدر ما يرى الوالي وعلى هذا أدركت من أرضى من أهل العلم (3) .
وقال أبو عبيد: الإمام مخير في الصدقة في التفريق فيهم جميعا وفي أن يخص بها بعضهم دون بعض إذا كان ذلك على وجه الاجتهاد ومجانبة الهوى والميل عن الحق، وكذلك من سوى الإمام بل هو لغيره أوسع إن شاء الله (4) .
__________
(1) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 707- 708.
(2) انظر تفسير آيات الأحكام للشيخ مناع ج3 ص 349- 351.
(3) موطأ مالك بشرح السيوطي ج1 ص 257.
(4) الأموال لأبي عبيد ص 693.(1/77)
# وقال الشيخ صديق حسن خان في (الروضة الندية): أن الله سبحانه جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية غير سائغة لغيرهم، واختصاصها بهم لا يستلزم أن تكون موزعة بينهم على السوية، ولا أن يقسط كل ما حصل من قليل أو كثير عليهم، بل المعنى أن جنس الصدقات لجنس هذه الأصناف، فمن وجب عليه شيء من جنس الصدقة ووضعه في جنس الأصناف فقد فعل ما أمره الله به وسقط عنه ما أوجبه الله عليه، ولو قيل: إنه يجب على المالك إذا حصل له شيء تجب فيه الزكاة تقسيطه على جميع الأصناف الثمانية على فرض وجودهم جميعًا لكان ذلك مع ما فيه من الحرج والمشقة مخالفًا لما فعله المسلمون سلفهم وخلفهم وقد يكون الحاصل شيئًا حقيرًا لو قسم على جميع الأصناف لما انتفع كل
صنف بما حصل له ولو كان نوعًا واحدًا فضلا عن أن يكون
عددا. اهـ (1) .
#
الباب الثاني
في الأصناف الذين لا تصرف لهم الزكاة
الزكاة عبادة مالية أوجبها الله في أموال الأغنياء للفقراء والمساكين ومن ذكر معهم وحددت مصارفها في الكتاب والسنة بحسب الحاجة والمصلحة فليس لأحد أن يصرف منها لغير أهلها سواء كان رب المال أو الحاكم أو نائبه العامل، وليس لأحد أن يأخذ منها ما لم يكن من أهلها ومن هنا جاءت السنة بتحريم صرف الزكاة إلى بعض الأصناف واشترط الفقهاء أن لا يكون آخذ الزكاة من الأصناف الذين جاءت السنة بتحريمها عليهم، وهؤلاء الأصناف الذين حرمت عليهم الزكاة هم:
1- الأغنياء.
2- الأقوياء المكتسبون.
3- الكفار والمشركون.
4- أولاد المزكي ووالداه وزوجته أما باقي الأقارب ففيهم خلاف وتفصيل يأتي.
5- آل النبي صلى الله عليه وسلم وهم: بنوهاشم باتفاق وبنو المطلب على خلاف في ذلك.
وإليك التفصيل فيما يلي:
#
1- الأغنياء
اتفق الفقهاء على أنه لا يعطى في الزكاة من سهم الفقراء والمساكين غني لأن الله تعالى جعلها للفقراء والمساكين والغني غير داخل فيهم، واستدلوا على ذلك:
__________
(1) الروضة الندية ج1 ص 207 - 208.(1/78)
بقوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ حين بعثه إلى اليمن «أعلمهم أن الله تعالى افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» رواه أحمد والبخاري وغيرهم والمراد بالصدقة: الزكاة... ويعني أغنياء المسلمين وفقراءهم.
وقال صلى الله عليه وسلم «لاحظ فيها لغني» رواه أحمد وأبو داود والنسائي.
وقال: «لا تحل الصدقة لغني» رواه أبو داود والترمذي وحسنه.
ولأن أخذ الغني منها يمنع وصولها إلى أهلها ويخل بحكمة وجوبها وهو: سد حاجة الفقراءبها فلم يجز (1) .
واختلف العلماء في الغنى المانع من أخذ الزكاة.
1- فذهب الأحناف إلى أن الغنى الذي يحرم به أخذ الصدقة وقبولها هو ملك مائتي درهم أو عدلها من عرض أو غيره فاضلا عما يحتاج إليه من مسكن وخادم وأثاث...
واحتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم في حديث معاذ حين بعثه إلى اليمن «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم وغيرهما..
قالوا: فلما جعل النبي صلى الله عليه وسلم الناس صنفين: فقراء وأغنياء، وأوجب
أخذ الصدقة من صنف الأغنياء وردها في الفقراء لم تبق ههنا واسطة بينهم، قالوا: ولما كان الغني: هو الذي ملك مائتي درهم، وما دوناهما لم يكن مالكها غنيًّا وجب أن يكون داخلا في الفقراء فيجوز له أخذها (2) .
__________
(1) انظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 23 ونيل الأوطار ج4 ص 130 و179 وفقه الزكاة ج3 ص 695.
(2) أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 128- 129.(1/79)
2- وقال آخرون: الغنى الذي يحرم معه أخذ الزكاة والصدقات هو ملك خمسين درهمًا أو قيمتها من الذهب لأن النقود آلة الإنفاق المعدة له دون غيرها فيجوز الأخذ لمن لا يملك خمسين درهمًا أوقيمتها من الذهب ولا ما تحصل به الكافية من كسب أو أجرة عقار أو غير ذلك، وبهذا قال أحمد في رواية عنه اختارها الخرقي من أصحابه، وبه قال سفيان الثوري، وابن المبارك وإسحاق ابن راهويه (1) .
واستدلوا على ذلك بحديث ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سأل وله ما يغنيه، جاء يوم القيامة خموش أو خدوش أو كدوح في وجهه» فقيل يا رسول الله: وما غناه، قال «خمسون درهمًا أو حسابها من الذهب» (2) . رواه أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه، وابن ماجة (3) .
قال الترمذي بعد أن روى هذا الحديث وفيه «قيل يا رسول الله: وما يغنيه» قال «خمسون درهمًا أو قيمتها من الذهب» وبه يقول الثوري وعبد الله بن المبارك وأحمد وإسحاق: قالوا: إذا كان عند الرجل خمسون درهمًا لم تحل له
الصدقة.
ولم يذهب بعض أهل العلم إلى هذا الحديث لأن في إسناده حكيم بن جبير وهو ضعيف ووسعوا في هذا وقالوا: إذا كان عنده خمسون درهمًا أو أكثر وهو محتاج له أن يأخذ من الزكاة. وهو قول للشافعي وغيره من أهل الفقه والعلم (4) .
__________
(1) انظر معالم السنن للخطابي مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود ج2 ص 226 والمغني مع الشرح الكبير ج2 ص 523- 525.
(2) أو حسابها من الذهب: يعني قيمتها من الذهب وقدر ذلك بخمسة دنانير (نيل الأماني شرح الفتح الرباني) ج9 ص 91.
(3) مختصر سنن أبي داود ج2 ص 226، (الخموش): هي (الخدوش): بضم الخاء جمع (خدش) وهو: خمش الوجه بظفر أو حديدة أو نحوهما. و(الكدوح): الآثار من الخدش والعض ونحوه.
(4) جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ج7 ص 215- 216.(1/80)
3- وقال أبو عبيد بن سلام: الغني: من وجد أربعين درهمًا. واستدل بحديث أبي سعيد. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو داود وزاد هشام في روايته وكانت الأوقية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعين درهمًا.
والإلحاف في المسألة: هو أن يشتمل على وجوه الطلب بالمسألة كاشتمال اللحاف في التغطية (1) .
4- وقال بعضهم: الغني: من وجد ما يغديه ويعشيه. حكاه الخطابي واستدل بما أخرجه أبو داود وابن حبان وصححه عن سهل بن الحنظلية. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من سأل وعنده ما يغنيه فإنما يستكثر (2) من النار قالوا: يا رسول الله: وما يغنيه، قال: قدر ما يغديه ويعشيه» روي بالتخيير بين الغداء والعشاء فيكون المعنى: إن الإنسان إذا حصل له أكلة في النهار غداء أو عشاء كفته واستغنى بها عن المسألة.
وروي بالجمع بينهما فيكون المعنى أنه إذا حصل له في يومه أكلتان كفتاه. قال الخطابي: اختلفوا في تأويله فقال بعضهم: من وجد غداء يومه وعشاءه لم تحل له المسألة، على ظاهر الحديث.
وقال بعضهم: إنما هو فيمن وجد غداء وعشاء على دائم الأوقات، فإذا كان عنده ما يكفيه لقوته المدة الطويلة فقد حرمت عليه المسألة.
وقال آخرون هذا منسوخ بالأحاديث التي تقدم ذكرها، يعني الأحاديث التي فيها تقدير الغنى بملك خمسين درهمًا أو قيمتها أو بملك أوقية أو قيمتها.
__________
(1) انظر نيل الأوطار ج4 ص 180- 182.
(2) يستكثر: يطلب الكثرة.(1/81)
ودعوى النسخ مردودة بأنه لا تعارض بين الأحاديث حتى يدعى النسخ فيها ويمكن الجمع بينها بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعلم ما يغني كل واحد فخاطبه بما يناسبه فإن الناس مختلفون في قدر كفايتهم فمنهم من لا يكفيه أقل من خمسين درهمًا، ومنهم من لا يكفيه أقل من أربعين، ومنهم من يكون له كسب يوم يقوم أولا فأولا فيكون غنيًّا فلا يسأل والله أعلم (1) .
وأجيب عن هذه المقادير في حد الغني بأنها واردة في القدر الذي يحرم المسألة إذ هو وارد فيها لا في تحريم الأخذ من الزكاة فتحرم المسألة ولا يحرم الأخذ.
ويجمع بين ما ورد في ذلك من تحريم السؤال على من ملك الغداء والعشاء أو ملك أربعين درهمًا أو خمسين درهمًا بأن القدر الذي يحرم السؤال عنده هو أكثرها وهي الخمسون عملا بالزيادة (2) .
5- والرواية الثانية عن أحمد: أن الغنى ما تحصل به الكفاية فإن لم يكن محتاجًا حرمت عليه الصدقة، وإن لم يملك شيئًا، وإن كان محتاجا حلت له الصدقة وإن ملك نصابًا، والأثمان وغيرها في هذا سواء.
وهذا اختيار أبي الخطاب وابن شهاب العكبري من الحنابلة وهو قول مالك والشافعي (3) . وهو الصحيح الذي تؤيده الأدلة.
واستدلوا بما يلي:
أ- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لقبيصة بن المخارق: «إن المسألة لاتحل إلا لأحد ثلاثة: رجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه لقد أصابت فلانًا فاقة فحلت له المسألة حتى يصيب قوامًا من عيش أو سدادًا من عيش».. الحديث رواه أحمد ومسلم والنسائي وأبو داود (4) .
__________
(1) انظر معالم السنن للخطابي مع مختصر سنن أبي داود للمنذري ج2 ص229 وبلوغ الأماني شرح الفتح الرباني ج9 ص 98- 99.
(2) انظر نيل الأوطار ج4 ص 182.
(3) انظر معالم السنن للخطابي مع مختصر وتهذيب سنن أبي داود ج2 ص 226 والمغني مع الشرح الكبير ج2 ص 523- 525 والمجموع شرح المهذب ج 6 ص 196 ص 198. وتفسير القرطبي ج8 ص 171 – 174.
(4) نيل الأوطار ج4 ص 189.(1/82)
وجه الدلالة من الحديث: أنه أباح له المسألة إلى حصول الكفاية.
ب- ولأن الحاجة هي الفقر والغنى ضدها فمن كان محتاجًا فهو فقير يدخل في عموم النص ومن استغنى دخل في عموم النصوص المحرمة لأخذ الزكاة والدليل على أن الفقر هو الحاجة قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ } (سورة فاطر. آية/ 15) أي المحتاجون إليه.
وقال الخطابي: قال مالك والشافعي: لا حد للغنى معلوم وإنما يعتبر حال الإنسان بوسعه وطاقته، فإذا اكتفى بما عنده حرمت عليه الصدقة، وإذا احتاج حلت له (1) .
وبناء على ذلك فمن كان له مال يكفيه هو وعائلته ومن يمونه من كسب أو عمل أو أجرة عقار أو غير ذلك فليس له الأخذ من الزكاة، ومن ملك من الأموال نصابًا أو أكثر لا تتم به كفايته لنفسه ومن يعوله فله الأخذ من الزكاة لأنه ليس بغني (2) .
وأما الصرف إلى الغني من الزكاة من غير سهم الفقراء والمساكين فاختلف الفقهاء في ذلك:
فعند الحنفية: لا تعطي الزكاة لغني ولو كان في سبيل الله أو غارمًا
# لإصلاح ذات البين عملا بإطلاق حديث معاذ المتقدم «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» رواه البخاري ومسلم وغيرهما (3) . وحديث «لا تحل الصدقة لغني» (4) . رواه أحمد وأبو داود والترمذي. ولم يستثنوا من ذلك إلا العامل والمؤلف لأن ما يأخذه العامل إنما هو أجرة على عمله والمؤلفة قلوبهم لدخولهم في الإسلام وتثبتهم عليه غير أن سهمهم سقط بانتشار الإسلام على حد زعمهم (5) .
__________
(1) معالم السنن ج2 ص 227.
(2) فقه الزكاة ج2 ص 555- 556.
(3) نيل الأوطار ج4 ص 130.
(4) المصدر السابق ج4 ص 179.
(5) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 140 وبدائع الصنائع ج2 ص 905.(1/83)
أما بقية الأئمة فقالوا: إنما اقتصر في حديث معاذ على ردها للفقراء لأن المقصود الأهم من الزكاة إغناء الفقراء، ولو كانت الزكاة لا تعطى إلا للفقراء والمساكين لم يكن هناك فائدة لذكر أصناف ستة بعدهم لم يشترط فيهم الفقر فيجوز لهم الأخذ مع الغنى بظاهر الآية (1) .
وأصناف أهل الزكاة قسمان:
قسم لا يأخذون الزكاة إلا مع حاجتهم إليها وهم الفقراء والمساكين والمكاتبون والغارمون لمصلحة أنفسهم في مباح وابن السبيل.
والقسم الثاني يأخذونها مع الفقر والغنى لحاجتنا إليهم وهم العاملون عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمون لإصلاح ذات البين والمجاهدون في سبيل الله والدليل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم «لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، أو رجل اشتراها بماله أو غارم أو غاز في سبيل الله أو مسكين تصدق منها فأهدى منها لغني» رواه أحمد وأبو داود وابن ماجة والحاكم.
قال النووي: هذا الحديث حسن أو صحيح (2) .
مسألة: والمرأة الفقيرة إذا كان لها زوج غني ينفق عليها لم يجز دفع الزكاة إليها لأن الكفاية حاصلة لها، بما يصلها من النفقة الواجبة فأشبهت من له عقار يستغنى بأجرته، وإن لم ينفق عليها وتعذر ذلك جاز الدفع إليها كما إذا تعطلت منفعة العقار (3) .
2- الأقوياء المكتسبون
كما لا يحل دفع الزكاة للغني ولا يجوز له أخذها كذلك لا تحل للقوي المكتسب ولا يجوز له أخذها لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تحل الصدقة لغني ولا لذي مرة سوي » سواه أحمد وأبو داود والترمذي.
__________
(1) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 704 – 705 والمجموع شرح المهذب ج6 ص 247.
(2) انظر المجموع ج6 ص 218.
(3) المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 751.(1/84)
وعن عبيد الله بن عدي بن الخيار أن رجلين أخبراه أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم يسألانه من الصدقة، فقلب فيهما البصر، ورآهما جلدين، فقال: «إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب».
رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وقال أحمد: هذا أجودها إسنادًا (1) .
وقال النووي هذا الحديث صحيح رواه أبو داود والنسائي وغيرهما بأسانيد صحيحة (2) .
وقوله في حديث عبد الله بن عمرو: «ولا لذي مرة سوي».
قال الجوهري: المرة: القوة والشدة والعقل.
وقال غيره: المرة: القوة على الكسب والعمل.
قال الشوكاني وإطلاق المرة هنا: وهي القوة مقيدة بالحديث الذي بعده –أعني قوله «ولا لقوي مكتسب» فيؤخذ من الحديثين أن مجرد القوة لا يقتضي عدم الاستحقاق إلا إذا قرن بها الكسب.
وقوله «سوي» أي مستوي الخلق.
قال الجوهري: والمراد استواء الأعضاء وسلامتها.
وقوله «جلدين» أي قويين شديدين.
وقوله «مكتسب» أي يكتسب قدر كفايته.
وفيه دليل على أنه يستحب للإمام أو المالك الوعظ والتحذير وتعريف الناس بأن الصدقة لا تحل لغني ولا لذي قوة على الكسب كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ويكون ذلك برفق (3) .
واختلف الفقهاء فيمن يقدر على الكسب لصحته وقوته هل يجوز له الأخذ من الزكاة؟
فقال الشافعي وأحمد: لا يجوز له ذلك للحديثين المتقدمين، ولأن غناه بالكسب كغناه بالمال (4) .
وقال أبو حنيفة ومالك: يجوز له الأخذ من الصدقة وإن كان قويًّا مكتسبًا (5) .
قال أبو حنيفة: إذا كان يملك أقل من نصاب لأنه فقير، والفقراء هم المصارف، ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها فأدير الحكم على دليلها وهو فقد
__________
(1) نيل الأوطار ج4 ص 179.
(2) المجموع شرح المهذب ج6 ص 197.
(3) انظر نيل الأوطار ج4 ص 179- 180.
(4) انظر الإفصاح لابن هبيرة ج1 ص 154- 155 ورحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 91.
(5) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 130- 131 وتفسير القرطبي ج8 ص 700- 701.(1/85)
# النصاب، وحملوا الأحاديث المتقدمة وما في معناها على المنع من المسألة لا على أخذ الصدقة، وقالوا: إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعطيها الفقراء مع قوتهم.
والحديث الصحيح المتقدم يرد عليهم فإن النبي صلى الله عليه وسلم سوى بين الغنى والقوة وعلى الاكتساب، وإنما حرمت الزكاة على القوي لأنه مطالب بالاكتساب وبالعمل لا أن يكون كلا من الناس.
فإذا كان قويًّا لكنه لا يجد عملا فهو معذور ومن حقه أن يعان من الزكاة حتى يجد عملا ملائمًا له (1) .
3- الكفار
في الصحيحين من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ لما بعثه إلى اليمن «أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» (2) .
فخص المسلمين بصرفها إلى فقرائهم كما خصهم بوجوبها على أغنيائهم فاقتضى هذا أن الصدقة مقصورة على فقراء المسلمين فلا يجوز دفع شيء من الزكوات إلى الكافر سواء في ذلك زكاة الفطر أو زكاة المال.
وأجمع المسلمين على أن الكافر المحارب لأهل الإسلام لا يعطى من الزكاة شيئًا لأنه حرب على الإسلام وأهله وأي عون له يكون سلاحًا يقتل به المسلمين، ومثله الملحد الذي ينكر وجود الله ويجحد النبوة والآخرة.
وأما أهل الذمة وهم اليهود والنصارى ومن في حكمهم ممن يعيشون تحت حكم المسلمين أو بينهم وبين المسلمين عهد وأمان فالجمهور على عدم إعطائهم من الزكاة.
قال ابن المنذر: أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم أن الذمي لا يعطى من زكاة الأموال شيئًا (3) .
__________
(1) انظر فقه الزكاة ج2 ص 700- 701.
(2) نيل الأوطار ج4 ص 130.
(3) انظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 517 وفقه الزكاة ج2 ص 707 والمجموع شرح المهذب ج6 ص 246 وأحكام القرآن للجصاص ج3 ص 135- 136.(1/86)
وأجاز أبو حنيفة وبعض الفقهاء صرف زكاة الفطر والكفارات والنذور إلى أهل الذمة لعموم الأدلة في مثل قوله تعالى: { إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ } ولم يفرق بين فقير وفقير ولا بين مسكين ومسكين.
ولأن هذا من باب إيصال البر إليهم ولم ننه عنه قال تعالى: { لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ } (سورة الممتحنة/ 8) (1) .
ويجاب عن ذلك بأن آية الصدقات قد فسرت بحديث معاذ «تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم» وآية الممتحنة واردة في صدقة التطوع ولا مانع من صرفها إليهم ولهم أخذها (2) .
قال الخطابي: الزكاة حق للمسلمين لا يجوز صرفها إلى غيرهم. (3)
وقال القرطبي: ومطلق لفظ الفقراء لا يقتضي الاختصاص بالمسلمين دون أهل الذمة ولكن تظاهرت الأخبار في أن الصدقات تؤخذ من أغنياء المسلمين فترد في فقرائهم (4) .
ونوقشت دعوى الإجماع التي نقلها ابن المنذر: بأنها غير مسلمة فقد نقل غيره عن ابن سيرين والزهري جواز صرف الزكاة إلى الكفار (5) .
وعن عكرمة قال: لا تقولوا الفقراء المسلمين مساكين إنما المساكين مساكين أهل الكتاب. (6)
وقيد بعضهم جواز إعطاء الزكاة للذمي بما إذا لم يجد المزكي مسلمًا يستحقها.
وأجيب بأنه لو جاز إعطاؤها إياهم بحال لجاز في كل الإحوال لوجود الفقر كسائر فقراء المسلمين. ولما اتفقوا على أنه إذا كان هناك مسلمون لم يعط الكفار ثبت أن الكفار لا حظ لهم في الزكاة (7) .
__________
(1) انظر بدائع الصنائع ج2 ص 114.
(2) انظر الشرح الكبير مع المغني ج2 ص 712.
(3) انظر معالم السنن ج2 ص 251.
(4) تفسير القرطبي ج8 ص 174.
(5) المجموع ج6 ص 246.
(6) انظر تفسير الطبري ج14 ص 308.
(7) انظر أحكام القرآن، للجصاص ج3 ص 135- 136.(1/87)
فالراجح والله أعلم ما ذهب إليه الجمهور من عدم جواز إعطاء الذمي من الزكاة بل هي خاصة بالمسلمين فهي منهم وإليهم إلا أن يكون الكافر مؤلفًا قلبه فيجوز الدفع إليه كما تقدم.
حكم دفع الزكاة لمن لا يصلي
أو يستعين بها على معصية
الزكاة في الأصل شرعت لسد الحاجات ودفع الضرورات وإقامة المصالح الخاصة والعامة فلا تدفع لمن لا يستعين بها على طاعة الله، ولا تدفع لمن يتوسل بها إلى محرم كالخمر والزنا والقمار والغناء أو يشتري بها آلة لهو أو دخان أو نحو ذلك من المحرمات لأن الله تعالى أمرنا بالتعاون على البر والتقوى ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان. قال تعالى: { وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ } (المائدة/ 2).
كما أن الزكاة لا تدفع لمن لا يصلي لكفره أو فسقه فقد سئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن إعطاء الزكاة لأهل البدع أو لمن لا يصلي، فقال: ينبغي للإنسان أن يتحرى بها المستحقين من الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم من
# أهل الدين المتبعين للشريعة، فمن أظهر بدعة أو فجورا فإنه يستحق العقوبة بالهجر وغيره، والاستتابة فكيف يعان على ذلك؟ (1) .
__________
(1) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ج25 ص 87، 89.(1/88)
وفي تارك الصلاة. قال: (ومن لم يكن مصليًا أمر بالصلاة فإن قال أنا أصلي أعطي) (1) . يعني أنه: إذا أظهر توبة ووعد بأن يصلي صدق في ذلك وأعطي (2) . (وإلا لم يعط) وفي (الاختيارات) قال شيخ الإسلام: لا ينبغي أن تعطى الزكاة لمن لا يستعين بها على طاعة الله فإن الله تعالى فرضها معونة على طاعته لمن يحتاج إليها من المؤمنين كالفقراء والغارمين أو لمن يعاون المؤمنين كالعاملين عليها والمجاهدين في سبيل الله فمن لا يصلي من أهل الحاجات لا يعطي شيئًا من الزكاة حتى يتوب ويلتزم بأداء الصلاة (3) .
4- أولاد المذكي ووالداه وزوجته وسائر الأقارب
اتفق العلماء على أنه لا يجوز دفع الزكاة إلى الوالدين والأجداد والجدات ولا إلى الأولاد وأولادهم ذكورًا كانوا أو إناثًا من سهم الفقراء والمساكين إذاكان المزكي موسرًا وهم فقراء لأن نفقتهم واجبة عليه (4) .
قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الزكاة لا يجوز دفعها إلى الوالدين في الحال التي يجبر الدافع إليهم على النفقة عليهم بأن كان موسرًا وهم فقراء لأن دفع زكاته إليهم تغنيهم عن نفقته وتسقطها عنه ويعود نفعها إليه فكأنه دفعها إلى نفسه فلم تجز كما لو قضى بها دينه (5) .
وروى عن مالك أنه أجاز الدفع إلى الجد والجدة وبني البنين لسقوط نفقتهم عنده. (6) .
والراجح قول الجمهور لأن مال الولد مال لوالديه ولهذا جاء في الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: «أنت ومالك لأبيك» رواه ابن ماجة عن جابر والطبراني في الأوسط وغيرهما (7) .
__________
(1) المصدر السابق.
(2) انظر فقه الزكاة ج2 ص 710.
(3) الاختيارات الفقهية ص 61.
(4) انظر رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ص 91 والإفصاح لابن هبيرة ج1 ص 155.
(5) انظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 511 وتفسير القرطبي ج 2 ص 189 والمجموع شرح المهذب ج6 ص 247.
(6) انظر رحمة الأمة ص 91 ونيل الأوطار ج4 ص 200.
(7) الجامع الصغير ج1 ص 108.(1/89)
وقال صلى الله عليه وسلم: «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم» رواه البخاري في التاريخ والترمذي والنسائي وابن ماجة عن عائشة (1) .
فإذا كان مال الرجل مضافًا إلى أبيه وموصوفًا بأنه من كسبه فهو متى أعطى ابنه فكأنه باق في ملكه لان ملك ابنه منسوب إليه فلم تحصل صدقة صحيحة، وإذا صح ذلك في الابن فالأب مثله إذ كل واحد منهما إلى الآخر من طريق الولادة، ولهذا لا تقبل شهادة بعضهم لبعض فلم يجز دفع زكاة بعضهم إلى بعض (2) .
وإن دفع زكاته إلى ولي الأمر ثم دفعها ولي الأمر لولده أو والده أو زوجته جاز (3) لأن الزكاة بدفعها إلى ولي الأمر المسلم قد بلغت محلها وبرئت ذمة المزكي منها ولولي الأمر أن يصرفها في مصرفها الشرعي بحسب الحاجة والمصلحة.
ويجوز أن يعطي الإنسان ذا قرابته من الزكاة لكونه غازيًا أو مؤلفًا أو عاملا أو غارمًا لإصلاح ذات البين (4) .
لأنه يستحق الزكاة هنا بوصف لا تأثير للقرابة فيه (5) .
هذا وقد قيد ابن المنذر الإجماع على عدم جواز الدفع إلى الوالدين بالحال التي يجبر فيها الدافع إليهم على النفقة عليهم بأن كان موسرًا وهم فقراء، فإذا لم تتحقق هذه الحال بأن كان الولد معسرًا وملك نصابًا وجبت فيه الزكاة فقد قال النووي: «وأما إذا كان الولد أو الوالد فقيرًا أو مسكينًا وقلنا في بعض الأحوال: لا تجب نفقته فيجوز لوالده وولده دفع الزكاة إليه من سهم الفقراء والمساكين بلا خلاف لأنه حينئذ كالأجنبي» (6) .
__________
(1) انظر فيض القدير شرح الجامع الصغير ج2 ص 425 ورمز له السيوطي بالصحة.
(2) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 134.
(3) انظر تفسير القرطبي ج8 ص 189.
(4) انظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 518.
(5) انظر فقه الزكاة ج2 ص 716.
(6) المجموع شرح المهذب ج6 ص 148.(1/90)
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (يجوز صرف الزكاة إلى الوالدين وإن علوا وإلى الوالد وإن سفل إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم) وأيد ذلك بوجود المقتضي للصرف وهو الفقر والحاجة السالم عن المعارض أي لم يوجد مانع شرعي يعارض هذا المقتضي.
قال ابن تيمية: وهو أحد القولين في مذهب أحمد: قال: وإذا كانت أم فقيرة ولها أولاد صغار لهم مال ونفقتها تضر بهم أعطيت من زكاتهم (1) .
حكم دفع الزكاة إلى أحد الزوجين
أما الزوجة فلا يجوز دفع الزكاة إليها إجماعًا كالوالدين والأولاد. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الرجل لا يعطي زوجته من الزكاة وذلك لأن نفقتها واجبة عليه فتستغني بها عن أخذ الزكاة، فلم يجز دفعها إليها كما لو دفعها إليها على سبيل الإنفاق عليها (2) .
وأما دفع الزوجة من زكاتها إلى زوجها الفقير أو المسكين ففيه للعلماء قولان:
الأول: أجل من امرأته كالمرأة من زوجها، وقد منعنا إعطاء الزوج للزوجة وكذلك الزوجة للزوج، وقد ثبت أن شهادة كل واحد من الزوجين لصاحبه غير جائزة فوجب أن لا يعطي أحد منهما صاحبه من زكاته لوجود العلة المانعة من دفعها إلى كل واحد منهما (3) .
ولأنها تنتفع بدفعها إليه لأنه إن كان عاجزًا عن نفقتها تمكن بأخذ الزكاة من النفقة فتلزمه، وإن لم يكن عاجزًا ولكنه أيسر بها لزمته نفقة الموسرين (4) ...
وقال مالك: إن كان يستعين بما يأخذه منها على نفقتها فلا يجوز وإن كان يصرفه في غير نفقتها كأولاده الفقراء من غيرها ونحو ذلك من شئونه الخاصة جاز (5) .
القول الثاني:
__________
(1) الاختيارات الفقهية ص 104.
(2) المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 513.
(3) انظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 135 والمغني مع الشرح الكبير ج2 ص 513.
(4) انظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 513.
(5) رحمة الأمة ص 91- 92 والإفصاح ج1 ص 155 وتفسير القرطبي ج8 ص 190.(1/91)
أنه يجوز للمرأة أن تدفع زكاتها إلى زوجها وبه قال الثوري والشافعي وصاحبا أبي حنيفة: أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم ومحمد بن الحسن الشيباني وإحدى الروايتين عن أحمد والرواية الصحيحة عن مالك (1) . وهو اختيار أبي عبيد. وهو الراجح إن شاء الله، وقياس إعطاء الزوج على إعطاء الزوجة قياس غير صحيح للأدلة الآتية:
1- روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي
# صلى الله عليه وسلم قال: «زوجك وولدك أحق من تصدقت به عليهم» (2) .
ووجه الدلالة من هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر أحقية الزوج بصدقة امرأته وهو يشمل الصدقة الواجبة والمستحبة.
ونوقش هذا الاستدلال بأن هذا الحديث وارد في صدقة التطوع قال مجد الدين ابن تيمية في (المنتقى): وهذا عند أكثر أهل العلم في صدقة التطوع.اهـ. قالوا: لأن الولد لا يعطى من الزكاة الواجبة بالإجماع.
وتعقب هذا بأن الذي يمتنع إعطاؤه من الصدقة الواجبة من تلزم المعطي نفقته والأم لا يلزمها نفقة ابنها مع وجود أبيه.
قال الشوكاني: والظاهر أنه يجوز للزوجة صرف زكاتها إلى زوجها لعدم المانع من ذلك، ولأن ترك استفصاله صلى الله عليه وسلم لها منزل منزلة العموم فلما لم يستفصلها عن الصدقة هل هي تطوع أو واجبة فإنه قال: يجزي عنك فرضًا كان أو تطوعًا» (3) .
2- أن الرجل يجبر على نفقة امرأته وإن كانت موسرة وليست تجبر على نفقته وإن كان معسرًا، فأي اختلاف أشد تفاوتًا من هذين (4) .
3- أن الزوج لا تجب نفقته عليها فلا تمنع من دفع الزكاة إليه كالأجنبي، ويفارق الزوجة فإن نفقتها واجبة عليه.
4- أن الأصل جوز الدفع إليه لدخوله في عموم الأصناف المسمين في الزكاة..
__________
(1) انظر نيل الأوطار ج4 ص 199 وتفسير القرطبي ج8 ص 190.
(2) صحيح البخاري ج2 ص 102 -103.
(3) نيل الأوطار ج4 ص 199 وفتح الباري ج3 ص 329- 330.
(4) الأموال لأبي عبيد ص 701.(1/92)
قال ابن قدامة: وليس في المنع نص ولا إجماع وقياسه على من ثبت المنع في حقه غير صحيح لوضوح الفرق بينهما فيبقى جواز الدفع ثابتًا (1) .
حكم دفع الزكاة إلى بقية الأقارب
الأقارب ما عدا الوالدين والأولاد والأزواج: من لا يرث منهم يجوز دفع الزكاة إليه إذا كان فقيرًا سواء كان انتهاء الإرث لانتفاء سببه لكونه بعيد القرابة ممن لم يسم الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم له ميراثًا، أو كان لمانع مثل أن يكون محجوبًا عن الميراث كالأخ المحجوب الابن أو الأب والعم المحجوب بالأخ وابنه وإن نزل فيجوز دفع الزكاة إليه لأنه لا قرابة جزئية بينهما ولا ميراث فأشبها الأجانب (2) .
واختلف العلماء في دفع الزكاة إلى من يرثه من أقاربه كالأخوة والعمومة وأولادهم:
فقال أبو حنيفة والشافعي ومالك ورواية عن أحمد وهي الظاهرة عنه: يجوز لكل واحد منهما دفع زكاته إلى الآخر (3) . قال ابن قدامة: رواها عنه الجماعة، قال في رواية إسحاق بن إبراهيم وإسحاق بن منصور وقد سأله، يعطي الأخ والأخت والخالة من الزكاة. قال: يعطي كل القرابة إلا الأبوين والولد. قال ابن قدامة: وهذا قول أكثر أهل العلم.
قال أبو عبيد: هو القول عندي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم «الصدقة على المسكين صدقة وهي لذي الرحم صدقة وصلة» (4) .
فلم يشترط نافلة ولا فريضة، ولم يفرق بين الوالد وغيره، ولأنه ليس من عمودي نسبة فأشبه الأجنبي.
والرواية الثانية عن الإمام أحمد: لا يجوز دفع الزكاة إلى المورث لأنه يلزمه
# مؤونته فيغنيه بزكاته عن مؤنته ويعود نفع زكاته إليه فلم يجز كدفعها إلى والده أو قضاء دينه بها.
قالوا: والحديث يحتمل صدقة التطوع فيحمل عليها (5) .
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 514.
(2) المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 512.
(3) الإفصاح لابن هبيرة ج1 ص 155.
(4) رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنهن نيل الأوطار ج4 ص 199.
(5) المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 512.(1/93)
(الترجيح) والراجح: هو القول الأول قول أكثر أهل العلم الذي رجحه أبو عبيد ويدل على ذلك الحديث المتقدم «الصدقة على المسكين صدقة وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة» رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وحسنه وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن أفضل الصدقة: الصدقة على ذي الرحم الكاشح» (1) . رواه أحمد من حديث أبي أيوب وله مثله من حديث حكيم بن حزام (2) .
قال الشوكاني: وقد استدل بالحديثين على جواز صرف الزكاة إلى الأقارب سواء كانوا ممن تلزم لهم النفقة أم لا لأن الصدقة المذكورة فيهما لم تقيد بصدقة التطوع، ولكنه قد تقدم عن ابن المنذر حكاية الإجماع على عدم جواز صرف الزكاة إلى الوالدين والأولاد والأزواج، ثم الأصل عدم المانع فمن زعم أن القرابة أو وجوب النفقة مانعان فعليه الدليل ولا دليل (3) .
قال البخاري في صحيحه «باب الزكاة على الأقارب»: وقال النبي صلى الله عليه وسلم «لها أجران: أجر القرابة، وأجر الصدقة» (4) .
قاله صلى الله عليه وسلم لزينب امرأة عبد الله بن مسعود لما سألته عن الصدقة لزوجها وأيتام في حجرها
5- آل النبي صلى الله عليه وسلم
اتفق جمهور العلماء على أن الصدقة المفروضة حرام على بني هاشم وهم
# خمس بطون: آل العباس، وآل علي، وآل جعفر، وآل عقيل، وولد الحارث بن عبد المطلب للأدلة الآتية:
1- عن المطلب بن ربيعة بن الحارث رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدقة لا تنبغي لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس» رواه مسلم (5) .
__________
(1) الكاشح: المضمر للعداوة.
(2) نيل الأوطار ج4 ص 200.
(3) نيل الأوطار ج4 ص 199- 200.
(4) صحيح البخاري ج2 ص 102.
(5) سبل السلام ج2 ص 200- 201 وانظر مختصر صحيح مسلم ج 1 ص 141.(1/94)
وقوله «أوساخ الناس»: هذا بيان لعلة التحريم والإرشاد إلى تنزيه الآل عن أكل الأوساخ وإنما سميت أوساخًا لأنها طهرة لأموال الناس ونفوسهم كما قال تعالى { خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا } (التوبة/ 103) (1) .
2- وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أخذ الحسن بن علي تمرة من تمر الصدقة فجعلها في فيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «كخ، كخ، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» متفق عليه. ولمسلم «أنا لا تحل لنا الصدقة» (2) .
قوله «كخ، كخ» هي كلمة تقال للصبي عند تناوله ما يستقذر.
والحديث يدل على تحريم الصدقة عليه صلى الله عليه وسلم وعلى آله (3) .
قال ابن قدامة في المغني: لا نعلم خلافًا في أن بني هاشم لا تحل لهم الصدقة المفروضة (4) .
وروي عن أبي يوسف أن زكاة الهاشمي تحل للهاشمي.
ورجح شيخ الإسلام ابن تيمية: أنه يجوز لبني هاشم الأخذ من زكاة الهاشميين (5) .
ونقل عن أبي حنيفة: جواز الدفع إليهم.
وادعى بعضهم: أن الحرمة خاصة بزمانه صلى الله عليه وسلم.
قال الشوكاني: والأحاديث الدالة على التحريم على العموم ترد على الجميع. وأما ما استدل به القائلون بحلها للهاشميين من الهاشمي من حديث العباس الذي أخرجها الحاكم في النوع السابع والثلاثين من علوم الحديث بإسناد كله من بني هاشم: أن العباس بن عبد المطلب قال: قلت يا رسول الله: إنك حرمت علينا صدقات الناس، هل تحل لنا صدقات بعضنا لبعض قال «نعم» فهذا الحديث قد اتهم به بعض رواته، فليس بصالح لتخصيص تلك العمومات الصحيحة (6) .
__________
(1) نيل الأوطار ج4 ص185.
(2) انظر اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ج 1 ص 235 ونيل الأوطار ج 4 ص 193.
(3) المصدر السابق في نفس الصفحة.
(4) المغني مع الشرح الكبير ج2 ص519.
(5) انظر الاختيارات الفقهية ص104.
(6) انظر نيل الأوطار ج4 ص194.(1/95)
وقال أبو بكر الجصاص: وروي من وجوه كثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الصدقة لا تحل لآل محمد إنما هي أوساخ الناس. فثبت بهذه الأخبار تحريم الصدقات المفروضات عليهم (1) .
وقال القرطبي: ولا خلاف بين علماء المسلمين أن الصدقة المفروضة لا تحل للنبي صلى الله عليه وسلم ولا لبني هاشم ولا لمواليهم (2) .
ومن الأحاديث الواردة بجواز إعطاء بني هاشم من الزكاة:
ما رواه أبو داود في سننه عن ابن عباس قال: بعثني أبي إلى النبي صلى الله عليه وسلم في إبل أعطاها إياه من الصدقة وفي رواية آتي ببدلها، وأخرجه النسائي (3) . وقد أجاب النووي عن هذا الحديث بوجهين:
أحدهما: أن يكون قبل تحريم الصدقة على بني هاشم، ثم صار منسوخًا بما تقدم من الأحاديث.
الثاني: أن يكون قد اقترض من العباس للفقراء إبلا ثم وفاه إياها من الصدقة وقد جاء في رواية ما يدل على هذا (4) .
وبهذا الثاني أجاب الخطابي في معالم السنن (5) .
ما الحكم إذا منع بنو هاشم حقهم من الغنائم والفيء؟
بأن انقطع حقهم من خمس الخمس لعدم هذا الخمس كما في هذا الزمن لخلو بيت المال من الفيء والغنيمة، أو لاستيلاء الظلمة واستبدادهم بهما.
وحق ذوي القربى هو المذكور في قوله تعالى: { وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ } الآية (سورة الأنفال/ 41) وقوله تعالى: { مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ } الآية (سورة الحشر/ 7).
__________
(1) أحكام القرآن للجصاص ج3 ص131.
(2) تفسير القرطبي ج 8ص 191.
(3) مختصر سنن أبي داود ج2 ص246.
(4) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 245.
(5) انظر معالم السنن ج2 ص 246.(1/96)
روى ابن جرير عن مجاهد قال: علم الله أن في بني هاشم فقراء فجعل لهم الخمس مكان الصدقة.
وروى ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لبني هاشم «رغبت لكم عن غسالة الأيدي لأن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم أو يكفيكم » قال ابن كثير هذا حديث حسن الإسناد (1) .
ولهذا قال بعض المالكية: عدم إعطاء بني هاشم من الزكاة إذا أعطوا ما يستحقونه من بيت المال فإن لم يعطوه وأضر بهم الفقر أعطوا منها وإعطاؤهم أفضل من إعطاء غيرهم. وقيد بعضهم جواز هذا الإعطاء بحال الضرورة وهي
# الحال التي يباح لهم فيها أكل الميتة، ومعنى هذا التعبير: أن التحريم باق وإنما جاز في حال الضرورة كسائر المحرمات.
وقال غيره: قد ضعف اليقين في هذه الأعصار المتأخرة فإعطاء الزكاة لهم أسهل من تعاطيهم خدمة الذمي والكافر والفاجر (2) .
وقال أبو سعيد الأصطخري من الشافعية: إن منعوا حقهم من الخمس جاز الدفع إليهم لأنهم إنما حرموا الزكاة لحقهم في خمس الخمس فإذا منعوا الخمس وجب أن يدفع إليهم.
وذكر النووي عن الرافعي قال: وكان محمد بن يحيى صاحب الغزالي يفتي بهذا (3) .
وكذا رجح شيخ الإسلام ابن تيمية والقاضي يعقوب من الحنابلة:جواز أخذ بني هاشم من زكاة الناس إذا منعوا من خمس الغنائم والفيء لأنه محل حاجة وضرورة (4) .
وبه قال أبو يوسف ومحمد بن الحسن من الحنفية (5) .
وجمهور العلماء: يرون عدم جواز إعطائهم وإن منعوا الخمس قالوا: لأن الزكاة إنما حرمت عليهم لشرفهم برسول الله صلى الله عليه وسلم وهذا المعنى لا يزول بمنع الخمس (6) .
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير ج 2 ص 312- 313.
(2) انظر الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك وحاشية الصاوي ج1 ص 660.
(3) انظر المجموع شرح المهذب ج2 ص 244- 246.
(4) انظر الاختيارات الفقهية ص 104.
(5) انظر فقه الزكاة ج2 ص 732.
(6) المجموع ج6 ص 244.(1/97)
الترجيح: وحيث عرفنا من الحديث المتقدم وأقوال أهل العلم أن الحكمة من إعطاء بني هاشم خمس الخمس عوض عن تحريم الزكاة عليهم، لذا أرى أن
# يعطوا من الزكاة لحرمانهم من خمس الغنائم والفيء الذي كان يعطى منه لذوي القربى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم تعويضًا من الله لهم عما حرم عليهم من الصدقة وهذا هو الذي رجحه فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في (فقه الزكاة) (1) .
وقد تبين بذكر أقوال من أجاز الزكاة لبني هاشم إذا منعوا من خمس الخمس أنه لا إجماع في المسألة حتى لا يتهم من أجاز لهم الزكاة إذا منعوا خمس الخمس بخرق الإجماع فالجواز كما تقدم منقول عن أبي حنيفة وصاحبيه وهو وجه لبعض الشافعية وقول عند المالكية.
والقول بأن الزكاة حرمت عليهم لشرفهم ليس بقوي والأولى أن يكون ذلك لدفاعهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ونصرتهم له حتى اشترك في ذلك مسلمهم وكافرهم وحوصروا في الشعب ثلاث سنوات وصبروا على الأذى والجوع ووقفوا في وجه قريش.
وقد أفتى جماعة من علماء المذاهب الأربعة وغيرها: بجواز أخذ بني هاشم من الزكاة أن منعوا الخمس لأنه محل ضرورة وحاجة (2) . بل حكى بعض المالكية أن إعطاءهم في هذا أفضل من إعطاء غيرهم (3) .
حكم دفع الزكاة إلى موالي بني هاشم
وهم من أعتقهم هاشمي اختلف العلماء في ذلك على قولين:
فقال أبو حنيفة وأحمد: لا يجوز، وهو الأصح في مذهب مالك والشافعي (4) . واستدلوا على ذلك بما رواه أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي وصححه عن أبي رافع واسمه: أسلم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم
__________
(1) انظر فقه الزكاة ج2 ص 732 -733.
(2) انظر شرح غاية المنتهى ج2 ص 157.
(3) انظر حاشية الصاوي على الشرح الصغير ج1 ص 660.
(4) انظر الإفصاح لابن هبيرة ج1 ص 155 ورحمة الأمة ص92.(1/98)
# بعث رجلا من بني مخزوم على الصدقة، فقال لأبي رافع: اصحبني كيما تصيب منها قال: لا، حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فأسأله، وانطلق فسأله، فقال «إن الصدقة لا تحل لنا وإن مولى القوم من أنفسهم» والحديث يدل على تحريم الزكاة على موالي بني هاشم ولو كان ذلك على جهة العمالة (1) .
والرواية الثانية: عن مالك والشافعي: إنها تحل لهم: وروي ذلك عن غيرهما، قال ابن قدامة في المغني: وقال أكثر العلماء –يجوز- أي إعطاء الزكاة لهم –لأنهم ليسوا بقرابة النبي صلى الله عليه وسلم فلم يمنعوا الصدقة كسائر الناس. ولأنهم لم يعوضوا عنها بخمس الخمس فإنهم لا يعطون منه فلم يجز أن يحرموها كسائر الناس، لأن علة التحريم مفقودة فيهم وهي الشرف بالنسب.
وأجيب عن ذلك بدلالة حديث أبي رافع المتقدم على تحريمها عليهم. ولأنهم من يرثه بنو هاشم بالتعصيب فلم يجز دفع الصدقة إليهم كبني هاشم، وقولهم: إنهم ليسوا بقرابة.
قلنا: هم بمنزلة القرابة بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: «الولاء، لحمة كلحمة النسب» (2) .
وقوله صلى الله عليه وسلم «مولى القوم من أنفسهم» رواه البخاري (3) .
وثبت فيهم حكم القرابة من الإرث والعقل والنفقة فلا يمتنع ثبوت حكم تحريم الصدقة فيهم.
وقولهم: لأن علة التحريم مفقودة فيهم وهي الشرف:
قلنا جزم الخبر بدفع ذلك وهو خبر أبي رافع المتقدم.
قال الشوكاني: ونصب هذه العلة في مقابل هذا الدليل الصحيح من الغرائب التي يعتبر بها المتيقض (4) .
__________
(1) انظر نيل الأوطار ج4 ص 195 -196.
(2) رواه الشافعي وصححه ابن حبان والحاكم مختصر الكلام على بلوغ المرام ص 357 وانظر أحكام القرآن للجصاص ج3 ص 133.
(3) صحيح البخاري ج8 ص 130.
(4) نيل الأوطار ج4 ص 196، وانظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 519 والمجموع ج6 ص 167و 244، وانظر شرح فتح القدير ج2 ص 25.(1/99)
وقال القرطبي: وشذ بعض أهل العلم فقال: إن موالي بني هاشم لا يحرم عليهم شيء من الصدقات، وهذا خلاف الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه قال لأبي رافع مولاه و«إن مولى القوم منهم» (1) .
وهذا هو الراجح لما تقدم من الأدلة والله أعلم.
حكم دفع الزكاة إلى بني المطلب
وهم أولاد المطلب بن عبد مناف.
اختلف العلماء في دفع الزكاة إلى بني المطلب على قولين:
فقال أبو حنيفة ومالك على الراجح عنه: لا يحرم عليهم.
وقال الشافعي يحرم عليهم.
وعن أحمد روايتان: أظهرهما: أنها حرام عليهم (2) .
واستدل الشافعي ومن معه على ذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم أشرك بني المطلب مع بني هاشم في سهم ذوي القربى ولم يعط أحدا من قبائل قريش غيرهم، وتلك العطية عوضًا عوضوه بدلا عما حرموه من الصفقة كما أخرج البخاري من حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه قال: مشيت أنا وعثمان بن عفان إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: يا رسول الله: أعطيت بني المطلب من خمس خيبر وتركتنا ونحن وهم بمنزلة واحدة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد» رواه أبو داود وغيره.
والحديث دليل على أن بني المطلب يشاركون بني هاشم في سهم ذوي القربى وتحريم الزكاة أيضا دون من عداهم لاستمرارهم على الموالاة، كما قال صلى الله عليه وسلم: «إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام» (3) .
قال ابن حزم: فصح أنه لا يجوز أن يفرق بين حكمهم في شيء أصلا لأنهم شيء واحد بنص كلامه عليه الصلاة والسلام فصح أنهم آل محمد وإذ هم آل محمد فالصدقة عليهم حرام (4) .
وقال ابن حجر في (فتح الباري) والمراد بالآل هنا:
بنو هاشم وبنو المطلب على الأرجح من أقوال العلماء (5) .
__________
(1) تفسير القرطبي ج8 ص 191.
(2) الإفصاح لابن هبيرة ج1 ص 155 ورحمة الأمة ص 92.
(3) نيل الأوطار ج4 ص 193.
(4) المحلى ج6 ص 210.
(5) فتح الباري ج3 ص 354.(1/100)
ولأنه حكم واحد يتعلق بذوي القربى فاستوى فيه الهاشمي والمطلبي كاستحقاق الخمس (1) .
وقد أكد ذلك ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم علل منعهم الصدقة باستغنائهم عنها بخمس الخمس، فقال: «أليس في خمس الخمس ما يغنيكم» (2) . وفي رواية «رغبت لكم عن غسالة الأيدي لأن لكم من خمس الخمس ما يغنيكم» رواه ابن أبي حاتم بإسناد حسن (3) .
وأجيب بأنه إنما أعطاهم لموالاتهم لا عوضا عن الصدقة (4) .
#
واستدل أبو حنيفة وأحمد في الرواية الأخرى على جواز دفع الزكاة إلى بني المطلب: أن بني المطلب داخلون في عموم قوله تعالى: «إنما الصدقات للفقراء والمساكين» الآيةز لكن خرج بنو هاشم لقول النبي صلى الله عليه وسلم «أن الصدقة لا تنبغي لآل محمد» رواه مسلم فيجب أن يختص المنع بهم، ولا يصح قياس بني المطلب على بني هاشم لأن بني هاشم أقرب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشرف وهم آل النبي صلى الله عليه وسلم ومشاركة بني المطلب لهم في خمس الخمس ما استحقوه بمجرد القرابة بدليل أن بني عبد شمس، وبني نوفل، يساوونهم في القرابة ولم يعطوا شيئا، وإنما شاركوهم بالنصرة أو بهما جميعا، والنصرة لا تقتضي منع الزكاة (5) .
ويجاب عن ذلك بالحديث المتقدم «إنما بنو المطلب وبنو هاشم شيء واحد» رواه البخاري من حديث جبير بن مطعم لأن بني المطلب وازروا بني هاشم في الجاهلية وفي أول الإسلام ودخلوا معهم في الشعب غضبا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وحماية له.
وأما بنو عبد شمس وبنو نوفل وإن كانوا بني عمهم فلم يوافقوهم على ذلك بل حاربوهم ونابذوهم ومالؤوا بطون قريش على حر الرسول صلى الله عليه وسلم.
__________
(1) انظر المجموع شرح المهذب ج6 ص 244.
(2) انظر المغني مع الشرح الكبير ج2 ص 520.
(3) تفسير ابن كثير ج2 ص 313.
(4) انظر نيل الأوطار ج4 ص 193.
(5) انظر المغني مع الشرح الكبير ج3 ص 520.(1/101)
قال ابن كثير: وهو قول جمهور العلماء أنهم بنو هاشم وبنو المطلب (1) . أي آل النبي صلى الله عليه وسلم الذي تحرم عليهم الصدقة، وهذا هو الراجح لما تقدم من الأدلة وكلام أهل العلم.
#
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبعد:
فقد من الله علي بكتابة هذا البحث المختصر المتواضع الذي بذلت فيه جهدي في الاطلاع على المراجع أولا ثم بالكتابة فيه معتمدًا في ذلك على الله سبحانه وتعالى ثم على كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وكلام أهل العلم الموثوق بهم من مفسرين ومحدثين وفقهاء فرتبت أقوالهم وبينت الراجح من المرجوح منها بحسب الدليل. فقد بدأته بمقدمة ذكرت فيها أهمية الموضوع وسبب اختياره وبيان طريقتي فيه، ثم بتمهيد عن تعريف الزكاة وحكمها وحكم مانعها وبيان الحكمة فيها لأن أحكام الله تدور على وفق الحكمة والمصلحة وليعلم أن الله حكيم عليم يضع الأشياء مواضعها وينزلها منازلها اللائقة بها.
ثم ذكرت في الباب الأول مصارف الزكاة الثمانية مرتبة بحسب ما جاء في آية المصارف وذكرت خلاف العلماء في الفرق بين الفقير والمسكين، وتوصلت إلى أن الفقير أشد حاجة من المسكين مع أن كلا منهما تجمعه الحاجة، وأن كلا منهما يعطى من الزكاة كفايته لمدة سنة، وأن من الكفاية المعتبرة الزواج للفقير الأعزب وعلاج المرضى وكتب العلم المحتاج إليها..
وتوصلت في مصرف العاملين إلى أنهم يعطون قدر عمالتهم من الزكاة وإن
كانوا أغنياء إذا توفرت فيهم الشروط وهي أن يكون العامل مسلمًا بالغًا عاقلا أمينًا كافيًا لعمله.
وتوصلت في مبحث (المؤلفة قلوبهم) إلى أنهم مسلمون وكفار، وأن سهمهم باق لم ينسخ وأنهم يعطون من الزكاة ما يحصل به تأليفهم على الإسلام ونصرته والدفاع عنه.
وتبين لي في مصرف (الرقاب) ما قيل من أنه يشمل عتق العبيد ومساعدة المكاتبين وفك الأسرى من أسر العدو، وأن هذا هو الراجح.
__________
(1) انظر تفسير ابن كثير ج2 ص 312.(1/102)
وذكرت بعد ذلك الحكمة في العدول في آية المصارف عن (اللام) في الأربعة الأولى إلى (في) في الأربعة الأخيرة ما ذكره المفسرون من أن المذكورين بـ (في) أرسخ في استحقاق الصدقة عليهم ممن تقدمهم وأن الأولين يملكونها حيث أثبتت لهم بـ (لام) الملك، والآخرون لا تصرف لهم وإنما تصرف في جهات الحاجات المقيدة في الصفات التي لأجلها استحقوا الزكاة.
وذكرت في مصرف الغارمين ما رجحه بعض العلماء من جواز قضاء دين الميت من الزكاة لأنه غارم تخليصًا لذمته من حقوق الناس عليه فالغارم لا يشترط تمليكه وعلى هذا يجوز الوفاء عنه لأن الله جعل الزكاة فيهم ولم يجعلها لهم. وفي المصرف السابع «في سبيل الله» ذكرت اتفاق العلماء على أن المراد بـ«سبيل الله» الغزاة المتطوعون الذين لا يتقاضون راتبًا من الحكومة، ثم ذكرت اختلاف العلماء في الصرف على الحجاج وفي المرافق العامة، وأن الراجح في ذلك
هو رأي الجمهور في الصرف على الغزاة في سبيل الله إذا
# وجدوا والإصراف إلى بقية الأصناف الأخرى، وأنه لا يجوز صرفه في شيء من المرافق العامة إلا إذا لم يوجد لها مستحق في الأصناف الثمانية المنصوص عليها في آية الصدقات وهذا ما رجحه هيئة كبار العلماء.(1/103)
وبما أن وسائل الجهاد تتجدد من عصر لآخر ولم يعد مفهوم الجهاد مقصورًا على الحرب الدموية في القتال وعدته بل أصبح بمفهومه العام شاملا للتعبئة الفكرية وصد هجمات المغرضين ودرء شبهات المشبهين ورد الدعوات المنحرفة والمذاهب الهدامة وهذا كله يحتاج إلى إعداد فكري للدعوة لا يقل أثرا عن عدة الحرب في السلاح ويحتاج إلى تكوين جند للدعوة يحمل لواءها ويذود عنها بالقلم واللسان والبيان، لذا اخترت ما اختاره كل من الدكتور يوسف القرضاوي والشيخ مناع القطان من الصرف من سهم (في سبيل الله) على الدعاة إلى الله بأقلامهم وألسنتهم وبيانهم وما يحتاجون إليه في هذا المجال من وسائل مادية للدعوة إلى الله والجهاد في سبيله بكل ما أوتوا من قوة ما قال تعالى: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ } (سوة الأنفال/ 60) وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «جاهدوا المشركين بأموالكم وألسنتكم» رواه أبو داود بإسناد صحيح.
وبذلك نأخذ برأي الجمهور مع بعض التوسعة في مدلوله.
وتبين لي رجحان ما ذهب إليه الجمهور من عدم وجوب استيعاب الأصناف الثمانية في الصرف إليها ولكنه مستحب بحسب الحاجة والمصلحة وبحسب ما يراه الإمام أو نائبه أو المزكي
ثم ذكرت الأصناف الذين لا تصرف لهم الزكاة في الباب الثاني وهم الأغنياء والأقوياء المكتسبون وأصول المزكي وفروعه وزوجته وغير المسلمين وآل النبي
# صلى الله عليه وسلم وتبين لي أن الغنى المانع من أخذ الزكاة هو ما تحصل به الكفاية قل أو كثر.
وظهر لي رجحان ما اختاره بعض العلماء من جواز دفع الزكاة إلى
الوالدين والأولاد إذا كانوا فقراء وهو عاجز عن نفقتهم لعدم وجوبها عليه حينئذ.
وتبين لي جواز دفع المرأة زكاتها إلى زوجها الفقير لعدم الدليل المانع من ذلك.
كما تبين لي جواز دفع الزكاة إلى سائر الأقارب سوى الأصول والفروع والزوجة إذا كانوا فقراء.(1/104)
وظهر لي جواز دفع الزكاة إلى بني هاشم إذا منعوا خمس الخمس من الغنائم والفيء أو كان معدومًا وهم فقراء لأنه محل حاجة وضرورة.
وقد استفدت كثيرًا مما كتبه فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في (فقه الزكاة) وكل من الشيخ محمد علي السايس والشيخ مناع خليل القطان مما كتباه في (تفسير آيات الأحكام) لأن الحكمة ضالة المؤمن حيث وجدها أمسكها.
وحيث كان موضوع البحث هو مصارف الزكاة فقد رأيت أن أمهد له بتعريف الزكاة وحكمها والحكمة فيها، وأن أكمله بذكر ضده وهم الأصناف الذين لا تصرف لهم الزكاة ليتضح بذلك كما قيل: وبضدها تتبين الأشياء.
وأشكر الله تعالى على توفيقي لكتابة هذا البحث ثم أشكر مشايخي وأساتذتي في المعهد العالي للقضاء على جهودهم وإخلاصهم ونصحهم في أداء مهمتهم وشمول رعايتهم.
ثم أشكر كل من ساعدني في إعداد هذا البحث بأي وسيلة
# وأنا معترف بالتقصير في ذلك وما في هذا البحث من صواب فمن الله وما كان فيه من خطأ فمني ومن الشيطان.
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
#
فهرس المراجع
كتب التفسير:
1- تفسير الطبري (جامع البيان تأويل آي القرآن) أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، بتحقيق محمود محمد شاكر، دار المعارف بمصر.
2- تفسير القرطبي (الجامع لأحكام القرآن) أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي دار الكتاب العربي للطباعة والنشر بالقاهرة سنة 1387 هـ.
3- تفسير القرآن العظيم إسماعيل بن كثير القرشي الدمشقي ط الثانية سنة 1373 هـ.
4- تفسير الخازن (لباب التأويل في معاني التنزيل) علاء الدين محمد بن إبراهيم البغدادي المعروف بالخازن ط الأولى سنة 1374 هـ مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
5- تفسير النسفي (مدارك التنزيل وحقائق التأويل) عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي ط الأولى سنة 1374 هـ مطبعة الاستقامة بالقاهرة.
6- التفسير الكبير (مفاتيح الغيب) فخر الدين الرازي المطبعة المصرية سنة 1938 م.(1/105)
7- تفسير المنار (تفسير محمد رشيد رضا القرآن الكريم)
8- أحكام القرآن أبو بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص مطبعة الأوقاف الإسلامية بالقسطنطينية سنة 1338 هـ.
9- أحكام القرآن القاضي أبو بكر بن العربي بتحقيق الأستاذ علي البجاوي مطبعة عيسى البابي الحلبي وأولاده بمصر.
10- تفسير البحر المحيط محمد بن يوسف بن حيان الأندلسي نشر مكتبة النصر الحديثة بالرياض.
11- الدر المنثور في التفسير بالمأثور عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ط الميمنية بالقاهرة
12- تفسير آيات الأحكام الشيخ محمد علي السايس ط محمد علي صبيح.
13- تفسير آيات الأحكام الشيخ مناع خليل القطان ط الثانية مطبعة المدني بالقاهرة.
14- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير. محمد بن علي الشوكاني ط مصطفى البابي الحلبي بمصر.
#
كتب الحديث وشروحه
العدد ... اسم الكتاب ... اسم المؤلف ... الطبعة
1 ... صحيح البخاري ... محمد بن إسماعيل بن إبراهيم البخاري ... مطبعة الفجالة الجديدة عام 1376هـ.
2 ... صحيح مسلم ... أبو الحسن مسلم بن الحجاج ... مطبعة دار الكتب العربية الكبرى بمصر
3 ... مختصر صحيح مسلم بتحقيق محمد ناصر الدين الألباني ... الحافظ المنذري ... المكتب الإسلامي بيروت
4 ... فتح الباري شرح صحيح البخاري ... أحمد بن علي بن حجر العسقلاني ... ط السلفية ومكتبتها بالقاهرة
5 ... رياض الصالحين من كلام سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم ... يحيى بن شرف النووي ... ط الفجالة الجديدة سنة 1380 هـ.
6 ... دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين بتحقيق وتعليق محمود حسن ربيع ... محمد بن علان الشافعي المكي ... ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
7 ... الجامع الصغير في أحاديث البشير النذير صلى الله عليه وسلم ... عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ... ط الرابعة مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
8 ... فيض القدير شرح الجامع الصغير ... محمد المدعو بعبد الرؤوف المناوي ... ط الأولى سنة 1357 هـ المكتبة التجارية الكبرى بمصر(1/106)
9 ... الترغيب والترهيب ... عبد العظيم بن عبد القوي المنذري ... ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
10 ... إحكام الأحكام شرح أصول الأحكام ... عبد الرحمن بن محمد بن القاسم ... ط الأولى سنة 1375 هـ.
11 ... اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان ... محمد فؤاد عبد الباقي ... دار إحياء الكتب العربية بمصر
12 ... نيل الأوطار شرح منتقى الأخبار من أحاديث سيد الأخيار ... محمد بن علي الشوكاني ... ط الأخيرة مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
13 ... سبل السلام شرح بلوغ المرام من أدلة الأحكام ... محمد بن إسماعيل الصنعاني ... ط الثالثة سنة 1369هـ مطبعة دار الاستقامة بالقاهرة.
14 ... الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد مع شرحه بلوغ الأماني ... أحمد بن عبد الرحمن البنا الشهير بالساعاتي ... ط الأولى سنة 1356 هـ
15 ... طرح التثريب في شرح التقريب ... عبد الرحيم بن حسين العراقي وولده أبو زرعة ... دار المعارف بحلب سورية.
16 ... مختصر سنن أبي داود ... الحافظ المنذري ... ط أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ.
17 ... معالم السنن المطبوع مع مختصر سنن أبي داود ... أبو سليمان الخطابي ... ط أنصار السنة المحمدية بمصر سنة 1367 هـ.
18 ... الأموال ... أبو عبيد القاسم بن سلام ... ط الثانية 1395 هـ
19 ... شرح السنة ... الإمام البغوي ... ط الأولى 1394 هـ المكتب الإسلامي دمشق
20 ... موطأ الإمام مالك مع شرحه تنوير الحوالك ... الإمام مالك بن أنس ... ملتزم الطبع والنشر عبد الحميد أحمد حنفي بمصر سنة 1353 هـ
21 ... جامع الترمذي مع شرحه تحفة الأحوذي ... أبو العلى محمد عبد الرحمن المباركفوري ... دار الاتحاد للطباعة
22 ... مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح ... عبد الله بن محمد عبد السلام المباركفوري ... ط الهند سنة 1382 هـ.
23 ... مختصر الكلام على بلوغ المرام ضمن المجموعة الجليلة ... فيصل بن عبد العزيز بن مبارك ... ط مصطفى الحلبي وأولاده بمصر ط الأولى سنة 1373 هـ.
كتب الفقه
الفقه الحنفي
العدد ... اسم الكتاب ... اسم المؤلف ... الطبعة(1/107)
1 ... بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع ... علاء الدين أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي ... مطبعة الإمام بمصر
2 ... حاشية «رد المحتار على الدر المختار تنوير الأبصار» ... محمد أمين الشهير بابن عابدين ... ط الثانية سنة 1386 هـ مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
3 ... شرح فتح القدير ... محمد بن عبد الواحد المعروف بابن الهمام الحنفي ... ط مصطفى محمد صاحب المكتبة التجارية الكبرى بمصر
الفقة المالكي
1 ... بداية المجتهد ونهاية المقتصد ... محمد بن أحمد بن رشد القرطبي ... ط الاستقامة بالقاهرة
2 ... قوانين الأحكام الشرعية ومسائل الفروع الفقهية ... محمد بن أحمد بن جزي الغرناطي المالكي ... دار العلم للملايين ببيروت
3 ... الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك ... أحمد بن محمد بن أحمد الدردير ... دار المعارف بمصر سنة 1392 هـ
4 ... حاشية الصاوي على الشرح الصغير ... أحمد بن محمد الصاوي المالكي ... دار المعارف بمصر سنة 1392 هـ
5 ... حاشية الدسوقي على الشرح الكبير على مختصر خليل ... محمد بن عرفة الدسوقي
الفقه الشافعي
العدد ... اسم الكتاب ... اسم المؤلف ... الطبعة
1 ... المهذب في فقه مذهب الإمام الشافعي ... أبو إسحاق إبراهيم بن علي الفيروز أبادي الشيرازي ... مطبعة عيسى البابي الحلبي وشركاه بمصر
2 ... المجموع شرح المهذب ... محيي الدين يحيى بن شرف النووي ... مطبعة الإمام بمصر
3 ... منهاج الطالبين وعمدة المفتين ... أبو زكريا يحيى بن شرف النووي ... مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
4 ... مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ... محمد الشربيني الخطيب ... مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر سنة 1377هـ
5 ... رحمة الأمة في اختلاف الأئمة ... محمد بن عبد الرحمن الدمشقي الشافعي ... ط الثانية سنة 1386 هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر
6 ... الأحكام السلطانية والولايات الدينية ... أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي ... ط الثانية سنة 1386 هـ مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
7 ... الزكاة فقهها وأسرارها ... محيي الدين مستو ... ط الأولى سنة 1391هـ دار العلم بيروت(1/108)
الفقه الحنبلي
1 ... مختصر الخرقي ... أبو القاسم عمر بن الحسين الخرقي ... ط الأولى 1378 هـ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر بدمشق.
2 ... المغني مع الشرح الكبير ... أبو محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة ... ط الأولى مطبعة المنار بمصر سنة 1345 هـ
3 ... الشرح الكبير مع المغني ... عبد الرحمن بن محمد بن قدامة المقدسي
4 ... الأحكام السلطانية ... محمد بن الحسين الفرا الملقب بأبي يعلى ... ط الثانية سنة 1386 هـ مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
5 ... الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف ... علي بن سليمان المرداوي ... ط الأولى سنة 1375 هـ السنة المحمدية بالقاهرة.
6 ... المقنع مع حاشيته ... عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي ... المطبعة السلفية
7 ... الإقناع ... موسى الحجاوي المقدسي ... المطبعة المصرية بالأزهر
8 ... كشاف القناع عن متن الإقناع ... منصور بن يونس البهوتي ... مكتبة النصر الحديثة.
9 ... الروض المربع شرح زاد المستقنع ... منصور بن يونس البهوتي ... مطبعة السنة المحمدية
وحاشية العنقري عليه ... عبد الله بن عبد العزيز العنقري
10 ... الروض المربع شرح زاد المستقنع ... منصور بن يونس البهوتي ... ط السادسة سنة 1380 هـ.
11 ... مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى ... مصطفى السيوطي الرحباني ... المكتب الإسلامي بدمشق ط الأولى سنة 1380
12 ... الإفصاح عن معاني الصحاح ... يحيى بن محمد بن هبيرة الحنبلي ... ط الثانية سنة 1366 هـ. المكتبة الحلبية بحلب
13 ... الاختيارات الفقهية من فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية ... علي بن محمد بن عباس البعلي الدمشقي ... مطبعة السنة المحمدية سنة 1369 هـ
الفقه الظاهري
1 ... المحلى ... علي بن أحمد بن سعيد بن حزم ... مكتبة الجمهورية العربية بمصر
كتب التاريخ
العدد ... اسم الكتاب ... اسم المؤلف ... الطبعة
1 ... البداية والنهاية في التاريخ ... إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي ... مطبعة السعادة بمصر
2 ... مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ... الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب ... مطبعة السنة المحمدية بالقاهرة
كتب اللغة(1/109)
1 ... مختار القاموس ... الطاهر أحمد الزاوي الطرابلسي ... ط الأولى سنة 1383 عيسى البابي الحلبي وشركاه.
2 ... المصباح المنير في غريب الشرح الكبير للرافعي ... محمد بن محمد بن علي المقري الفيومي ... ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر
3 ... المختار من صحاح اللغة ... محمد محيي الدين عبد الحميد ومحمد عبد اللطيف السبكي ... ط الثانية ط الاستقامة بالقاهرة
4 ... المفردات في غريب القرآن ... الحسين بن محمد الأصفهاني ... ط مصطفى البابي الحلبي وأولاده بمصر ط الأخيرة سنة 1381
5 ... النهاية في غريب الحديث والأثر ... المبارك بن محمد الجزري ابن الأثير ... دار إحياء الكتب العربية
6 ... المطلع على أبواب المقنع ... محمد بن أبي الفتح البعلي الحنبلي ... ط الأولى سنة 1385 هـ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر دمشق وبيروت.
7 ... المعجم الوسيط ... إبراهيم مصطفى وزملاؤه
المجلات
1 ... مجلة البحوث الإسلامية المجلد الأولى العدد الثاني ... رئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والإرشاد ... المطابع الأهلية للأوفست بالرياض
2 ... رسالة المعاهد العلمية العدد الحادي عشر 1395- 1396 هـ ... المطابع الأهلية للأوفست بالرياض.
معهد الرياض العلمي
فقه عام
العدد ... اسم الكتاب ... اسم المؤلف ... الطبعة
1 ... فقه الزكاة ... الدكتور يوسف القرضاوي ... دار الإرشاد للطباعة والنشر والتوزيع بيروت
2 ... مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية ... عبد الرحمن بن محمد بن قاسم الحنبلي ... ط الأولى سنة 1381 مطابع الرياض
3 ... الفتاوى الكبرى ... أحمد بن عبد الحليم بن تيمية ... مكتبة المثنى ببغداد
4 ... مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ... الدكتور يوسف القرضاوي ... ط الثانية مطبعة حسان
5 ... الروضة الندية شرح الدرر البهية ... صديق بن حسن بن علي الحسني البخاري ... إدارة الطباعة المنيرية بمصر
6 ... الزكاة في الإسلام ... حسن أيوب ... ط الثانية سنة 1394 هـ
7 ... دراسات في فقه الكتاب والسنة ... محمد نصار وزملاؤه ... مطبعة لجنة البيان العربي بمصر
8 ... زاد المعاد في هدي خير العباد ... محمد بن أبي بكر بن القيم ... مطبعة السنة المحمدية(1/110)
9 ... العبادة في الإسلام ... الدكتور يوسف القرضاوي ... ط الثالثة سنة 1393 هـ
10 ... مختصر منهاج القاصدين ... أحمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي ... ط الثانية 1380 هـ المكتب الإسلامي
11 ... الرياض الناضرة والحدائق النيرة المتنوعة الفاخرة ... الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ... مطابع قطر الوطنية بالدوحة
12 ... الإسلام عقيدة شريعة ... محمود شلتوت ... ط دار القلم بالقاهرة
13 ... حكمة التشريع وفلسفته ... علي أحمد الجرجاوي ... ط الخامسة سنة 1381
14 ... من حكم الشريعة وأسرارها ... حامد بن محمد العبادي ... المطبعة اليوسفية بمصر ط الأولى سنة 1387 هـ مطابع دار الثقافة بمكة.
فهرس الموضوعات
الموضوع ... الصفحة
المقدمة ... 5
مخطط البحث ... 7
تمهيد ... 9
تعريف الزكاة ... 11
حكم الزكاة ... 13
حكم مانع الزكاة ... 16
حكمة مشروعية الزكاة ... 20
الباب الأول: في مصارف الزكاة ... 27
المصرف الأول والثاني: الفقراء والمساكين ... 31
مقدار ما يعطى الفقير والمسكين من الزكاة ... 39
الكفاية المعتبرة ... 41
شروط إعطاء الفقراء والمساكين من الزكاة ... 43
المصرف الثالث من مصارف الزكاة العاملون عليها ... 45
مقدار ما يعطى العامل من الزكاة ... 45
شروط العاملين على الزكاة ... 47
الهدية للعمال رشوة ... 49
المصرف الرابع من المصارف للمؤلفة قلوبهم ... 51
هل سقط سهم المؤلفة قلوبهم بعد موت الرسول صلى الله عليه وسلم ... 56
أين يصرف سهم المؤلفة قلوبهم في عصرنا ... 58
المصرف الخامس من مصارف الزكاة في الرقاب ... 60
هل يفك الأسير المسلم من سهم الرقاب ... 63
لماذا عبر القرآن عن بعض المصارف بـ (اللام) وبعضها بـ(في) ... 64
المصرف السادس من مصارف الزكاة: في الغارمين ... 67
شروط إعطاء الغارم لنفسه ... 67
النوع الثاني من الغارمين: الغارم لمصلحة غيره ... 69
هل يجوز قضاء دين الميت من الزكاة ... 71
الترجيح ... 72
المصرف السابع من مصارف الزكاة: في سبيل الله ... 73
أدلة الجمهور على أن مصرف في سبيل الله هو الغزو والجهاد ... 78
القول الثاني أن المراد بسبيل الله: الغزاة والحجاج والعمار ... 79(1/111)
القول الثالث: أن المراد بسبيل الله جميع وجوه البر ... 80
أدلة أصحاب القول الثالث ... 82
قرار هيئة كبار العلماء بتأييد رأي الجمهور ... 86
صور متنوعة للجهاد الإسلامي في عصرنا ... 88
المصرف الثامن من مصارف الزكاة: ابن السبيل ... 90
شروط إعطاء ابن السبيل من مال الزكاة ... 91
مقدار ما يعطى ابن السبيل من الزكاة ... 93
فصل: هل يجب توزيع الزكاة على الأصناف الثمانية، أم يجوز صرفها إلى واحد منهم؟ ... 95
أدلة الشافعية على وجوب توزيع الزكاة على جميع الأصناف ... 96
أدلة الجمهور على عدم وجوب استيعاب الأصناف الثمانية في توزيع الزكاة ... 97
الباب الثاني: في الأصناف الذين تصرف لهم الزكاة ... 101
الأغنياء مقدار الغنى المانع من أخذ الزكاة ... 104
الأقوياء المكتسبون ... 110
الكافر ... 112
حكم دفع الزكاة لمن لا يصلي أو يستعين بها على معصية ... 114
أولاد المزكي ووالداه وزوجته وسائر الأقارب ... 115
حكم دفع الزكاة إلى أحد الزوجين ... 117
حكم دفع الزكاة إلى بقية الأقارب ... 120
آل النبي صلى الله عليه وسلم ... 121
ما الحكم إذا منع بنو هاشم حقهم من الغنائم والفيء؟ ... 124
حكم دفع الزكاة إلى موالي بني هاشم ... 126
حكم دفع الزكاة إلى بني المطلب ... 128
الخاتمة ... 131
فهرس المراجع ... 137
فهرس الموضوعات ... 150(1/112)