بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فمسح الوجه باليدين بعد رفعهما بالدعاء ورد فيه أحاديث مرفوعه، رويت عن جماعة من الصحابة_رضي الله عنهم_منهم: عبدالله بن عباس، وعمر بن الخطاب، وعبدالله بن عمر بن الخطاب ويزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي، ومرسل الزهري، والوليد بن عبدالله بن أبي مغيث.
أما حديث ابن عباس_رضي الله عنهما_فأخرجه ابن ماجه في السنن (1/373) رقم1181, (2/1272) رقم3866، والحاكم في المستدرك (1/536)، ومحمد بن نصر المروزي في الوتر ص167 رقم321، وابن حبان في المجروحين ترجمة صالح بن حسان ص364، والبغوي في شرح السنة (5/203) رقم1399،1400، والطبراني في الكبير (10/388) رقم10779، وأبو أحمد بن عدي في الكامل (4/1369)، وابن الجوزي في العلل المتناهيه (2/356)، وعبدبن حميد في المسند (1/600) رقم714، من طرق عن صالح بن حسان، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله": =إذا دعوت الله فادع ببطون كفيك، ولا تدع بظهورهما، فإذا فرغت فامسح بهما وجهك+.
وفي رواية: =إذا سألتم الله، فاسألوه ببطون أكفكم، ولا تسألوه بظهورها، وامسحوا بوجوهكم+.
قال البغوي: ضعيف. صالح بن حسان المدني الأنصاري منكر الحديث، قاله البخاري.
وقال ابن أبي حاتم في العلل (3/180) رقم2572: =قال أبي: حديث منكر+.
وسكت عليه الحاكم والذهبي.
وقال البوصيري في مصبباح الزجاجة (1/390) رقم1181_417: =هذا إسناد ضعيف؛ لاتفاقهم على ضعف صالح بن حسان+.
لكن السيوطي رمز لصحته كما في الجامع الصغير (ص289 رقم4706)، ورمز لحسنه في موضع آخر ص43 رقم604 من الجامع الصغير، ورقم664.
وأخرجه أبو داود في السنن (2/163) رقم1485، والبيهقي في السنن (2/212)، والدعوات الكبرى ص138 رقم183.
من طريق عبدالله بن يعقوب بن إسحاق، عمن حدثه، عن محمد بن كعب القرظي به.(1/1)
قال أبو داود: =رُوي هذا الحديث من غير وجه، عن محمد بن كعب، كلها واهية، وهذا الطريق أمثلها، وهو ضعيف أيضاً+اهـ.
وأخرجه محمد بن نصر المروزي في الوتر ص169 رقم322، وإسحاق بن راهويه كما في نصب الراية للزيلعي (3/52).
من طريق عيسى بن ميمون، عن محمد بن كعب القرظي، عن ابن عباس_رضي الله عنهما_عن رسول الله"قال: =إذا سألتم الله، فاسألوه ببطون أكفكم، ثم لا تردوها حتى تمسحوا بها وجوهكم+.
وفي رواية: =فإن الله جاعل فيها بركة+.
قال محمد بن نصر المروزي: =عيسى بن ميمون_هذا الذي روى حديث ابن عباس_ليس هو ممن يحتج بحديثه، وكذلك صالح بن حسان+ ا هـ.
طرق أخرى:
قال الحافظ المزي في تحفة الأشراف (5/335) رقم6448: =هذا حديث مشهور، من رواية أبي المقدام هشام بن زياد، عن محمد بن كعب. ورواه الناس عنه مطولاً، ومختصراً. ورواه هلال بن العلاء الرقي، قال: =وجدت في كتاب أبي بخطه: =ثنا طلحة بن زيد، عن الأوزاعي، عن حسان بن عطية، قال: =قدم محمد بن كعب القرظي على عمر بن عبدالعزيز بعد ما ولي الخلافة. . . فذكره بطوله+.
ونقل الحافظ ابن كثير في جامع المسانيد (مسند ابن عباس ص160 رقم2019) هذين السندين والمتن عن شيخه المزي.
قلت: حديث ابن عباس_رضي الله عنهما_هذا رواه عن محمد بن كعب القرظي خمسة رجال، وهم: صالح بن حسان، وعيسى بن ميمون، وأبو المقدام هشام بن زياد، وهؤلاء الثلاثة لا يحتج بواحد منهم_كما رأيت_ورواه حسان بن عطية، وهو ثقة فقيه عابد، لكن في الطريق إليه =طلحة بن زيد أبو مسكين وهو متروك الحديث+.
والخامس الرجل المبهم، لكن قال الحافظ في التقريب في باب المبهمات: يقال: هو أبو المقدام هشام بن زياد.(1/2)
وعلى هذا، فلا يزال الحديث ضعيفاً جداً؛ لأنه لا يقوي بعضهم بعضاً، لكن قال العلامة المناوي في فيض القدير (1/445) رقم604 في حكمة مشروعية المسح المذكور: =وحكمته، كما ورد في حديث الإفاضة عليه، مما أعطاه الله_تعالى_تفاؤلاً بتحقق الإجابة، وأن كفيه قد ملئتا خيراً، فأفاض منه عليه، فَفِعْلُ ذلك سنة، كما جرى عليه في التحقيق وغيره تمسكاً بعدة أخبار، هذا منها، وهي_وإن ضعفت أسانيدها_تقوت بالإجماع+ ا هـ.
وأما حديث عمر بن الخطاب÷فأخرجه الإمام الترمذي في الجامع (5/464) رقم3386، والحاكم في المستدرك (1/536)، وعبدبن حميد في المنتخب (1/90) رقم39، وابن الجوزي في العلل المتناهية (2/356) رقم1406، والطبراني في الدعاء (2/886) رقم212، 213، والأوسط (8/25) رقم7049
من طريق حماد بن عيسى الجهني، عن حنظلة بن أبي سفيان الجمحي، عن سالم بن عبدالله بن عمر ابن الخطاب_رضي الله عنهم_، عن أبيه عبدالله، عن جده عمر بن الخطاب، قال:
=كان رسول الله"إذا رفع يديه في الدعاء، لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه+.
قال الترمذي: =هذا حديث صحيح غريب، لا نعرفه إلا من حديث حماد بن عيسى، وقد تفرد به، وهو قليل الحديث، وقد حدث عنه الناس، وحنظلة بن أبي سفيان هو ثقة، وثَّقَهُ يحيى بن سعيد القطان+.
وفي بعض النسخ جاء فيها الاقتصار على: (غريب) فقط كما في تحفة الأحوذي (9/328) رقم3446، وتحفة الأشراف للحافظ المزي (8/58) رقم10530، وسكت عليه الحاكم والذهبي.
قلت: قال الحافظ في بلوغ المرام ص312 رقم1581: =وله شواهد، منها: حديث ابن عباس÷عن أبي داود وغيره، ومجموعهما يقضي بأنه حديث حسن+.
وأقره الأمير الصنعاني في سبل السلام (4/624) رقم1453، فقال:
=أخرجه الترمذي وله شواهد، منها: حديث ابن عباس عند أبي داود وغيره، ومجموعهما يقضي بأنه حديث حسن+اهـ.(1/3)
قلت: رجال إسناده ثقات، رجال الصحيح، غير حماد بن عيسى الجهني_وهو غريق الجحفة_. قال فيه الحافظ الذهبي في الميزان (1/598) رقم2263:
=ضعفه أبو داود، وأبو حاتم، والدارقطني ولم يتركه+.
قلت: ترجمه الدارقطني في الضعفاء ص299 رقم165، وسكت عليه.
وقال الحافظ المزي في تهذيب الكمال (7/282) رقم1486: =قال ابن معين: شيخ صالح+ ا هـ.
قال الأمير الصنعاني في سبل السلام (4/624) رقم453:
=فيه دليل على مشروعية مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء. قيل: =وكأن المناسبة: أنه_تعالى_لما كان لا يردهما صفراً، فكأن الرحمة أصابتهما، فناسب إفاضة ذلك على الوجه الذي هو أشرف الأعضاء، وأحقها بالتكريم+.
وأما حديث يزيد بن سعيد بن ثمامة الكندي÷، فأخرجه الإمام أحمد (4/221)، وأبو داود (2/166) رقم1492، والبيهقي في الدعوات الكبير ص139 رقم184
من طريق قتيبة بن سعيد، ثنا ابن لهيعة، عن حفص بن هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، عن السائب بن يزيد، عن أبيه: =أن النبي"كان إذا دعا، فرفع يديه مسح وجهه بيديه+.
وفي رواية: خلاد بن السائب، عن أبيه، عن النبي"به، وفي أخرى: خلاد ابن السائب، عن النبي"به.
قال عبدالله بن الإمام أحمد عقب رواية هذا الحديث:
=وقد خالفوا قتيبة في إسناد هذا الحديث. وأبي حَسِبَ قتيبة وَهِمَ فيه، يقولون: =عن خلاد بن السائب، عن أبيه+اهـ.
وقال الحافظ المزي في تحفة الأشراف (9/107) رقم11828:
رواه يحيى بن إسحاق السَّيْلَحِيني، عن ابن لهيعة، عن حَبان بن واسع بن حَبان، عن خلاد بن السائب، عن النبي".
وقال غيره: =عن خلاد بن السائب، عن أبيه، عن النبي"+.
وقال الحافظ ابن حجر في النكت الظراف (9/106) 11828:
=حديث مسح الوجه بعد الدعاء. . . وفي الصلاة: (14: 359) عن قتيبة. . الخ
قلت: أخرجه جعفر الفريابي في كتاب الذكر، عن قتيبة، بالسند الذي أخرجه، ولكن قال:
=عن خلاد بن السائب، عن أبيه (بدل) السائب بن يزيد، عن أبيه+.(1/4)
وقال الحافظ أيضاً في تهذيب التهذيب (2/420) رقم729:
=قلت: أظن الغلط فيه من ابن لهيعة؛ لأن يحيى بن إسحاق السَّيْلَحِيني من قدماء أصحابه، وقد حفظ عنه حَبان بن واسع: وأما حفص بن هاشم، فليس له ذكر في شيء من كتب التواريخ، ولا ذكر أحد أن لابن عتبة ابناً يسمى حفصاً+اهـ. يعني أن حفصاً هذا مجهول.
قلت: عبدالله بن لهيعة إمام ثقة قد يهمُ أحياناً. وما قاله الحافظ من كونه غلط هنا فليس ببعيد، ولعله هو القول الراجح، ولهذا رمز السيوطي في الجامع الصغير ص415 رقم6685 إلى أنه حديث حسن، وأقره عليه العلامة المناوي في فيض القدير (5/133) رقم6685، وقد نص الإمام أحمد على أن رواية قتيبة ابن سعيد عن ابن لهيعة صحيحة.
وعلى هذا، فإن كان شيخ ابن لهيعة هو حَبان بن واسع فالسند حسن.
وأما الاختلاف في الصحابي فلا يضر السند. والعلم عند الله.
حديث عبدالله بن عمر_رصي الله عنهما_
روى الجارود بن يزيد أبو الضحاك أو أبو علي العامري النيسابوري، عن عمر بن ذر، عن مجاهد، عن ابن عمر، قال: قال رسول الله":
=إن ربكم حيي كريم، يستحيي أن يرفع العبد يديه، فيردهما صفراً، لا خير فيهما، فإذا رفع أحدكم يديه، فليقل: =يا حي، يا قيوم، لا إله إلا أنت، يا أرحم الراحمين_ثلاث مرات_ثم إذا رَدَّ يديه، فليفرغ الخير على وجهه+.
أخرجه الطبراني في الكبير (12/423) رقم13557، وأبو أحمد بن عدي في الكامل (2/595).
قال الهيثمي في المجمع (10/169): رواه الطبراني، وفيه الجارود بن يزيد وهو متروك.
ونقل ابن عدي عن الإمام البخاري أنه قال: منكر الحديث. وعن النسائي: متروك الحديث.
وقال الخليلي في الإرشاد (2/806) رقم707: ضعفوه، ونقم عليه روايته حديث =أترعون عن ذكر الفاجر، متى يعرفه الناس؟ اذكروه بما فيه يحذره الناس+. أي أنه تفرد به.
وقد أجيب عن تفرده بهذا الحديث، قال أبو بكر الخطيب في تاريخ بغداد (7/262) رقم3745:(1/5)
=أخبرنا علي بن طلحة المقرئ، أخبرنا صالح بن أحمد بن محمد الهمذاني الحافظ، قال: حدثنا القاسم ابن بندار بن أبي صالح الهمذاني، قال: سمعت عمر بن مدرك_وأنا بريء من عهدته_يقول: كنا في مجلس مكي بن إبراهيم، فقام رجل، فقال: يا أبا السكن، هاهنا رجل يقال له: الجارود، روى عن بهز بن حكيم، عن أبيه عن جده: =أترعون عن ذكر الفاجر. . الحديث؟ فقال: ماتنكرون هذا ؟ إن الجارود رجل غني كثير الصدقة مستغن عن الكذب، هذا معمر قد تفرد عن بهز بن حكيم بأحاديث+.
إسناده ضعيف، رجاله ثقات، ماعدا عمر بن مدرك، وهو القاص البلخي الرازي.
قال الذهبي: ضعيف، ونقل عن ابن معين أنه قال: كذاب/ ميزان الاعتدال (3/223) رقم6214
ثم قال أبو بكر الخطيب في المصدر نفسه: =أنبأنا إبراهيم بن مخلد، أخبرنا أبو سعيد بن رميح النسوي،
قال: سمعت أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام يقول: قال أحمد بن سيار: روى الجارود بن يزيد العامري، عن بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، قال: قال_رسول "_: =أترعون عن ذكر الفاجر+ وأنكر عليه، وقد سمعت يوسف_وكان طلابة_يذكر أنه رأى هذا الحديث في كتاب مكي بن إبراهيم، قال: وامتنع أن يحدث به، فقيل له، في ذلك؟ فقال: أما ترى ما لقي فيه الجارود ؟!+اهـ.
رجال إسناده ثقات. يوسف هو ابن عيسى بن دينار الزهري، ثقة فاضل، وأحمد بن سيار هو ابن أيوب أبو الحسن المروزي، فقيه ثقة حافظ، وأبو سعيد بن رميح هو أحمد بن محمد بن رميح بن عصمة النخعي النسوي ثم المروزي ثقة ثبت حافظ مأمون، صاحب تصانيف. (1)
وأما أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام فلم أقف له على ترجمة.
ويشهد لحديث الجارود قول الإمام عبدالرزاق في مصنفه (2/252) رقم3256: =باب مسح الرجل وجهه بيده إذا دعا:
عن ابن جريج، عن يحيى بن سعيد، أن ابن عمر كان يبسط يديه مع القاص، وذكروا أن من مضى كانوا يدعون، ثم يردون أيديهم على وجوههم؛ ليردوا الدعاء والبركة+.(1/6)
قال عبدالرزاق: =رأيت أنا معمراً يدعو بيديه عند صدره، ثم يرد بيديه، فيمسح وجهه+ إسناده صحيح، رجاله ثقات حفاظ أئمة.
ابن جريج هو عبدالملك بن عبدالعزيز الإمام ثقة فقيه فاضل، وكان يدلس ويرسل وقد عنعن هنا، ولكنه ممن احتمل الأئمة تدليسه، فلا تضر عنعنته، قاله العلائي في جامع التحصيل ص113/ يعني لإمامته.
ويحيى بن سعيد هو الأنصاري شيخ الإسلام، العلامة المجود الحافظ، الثبت الثقة المأمون، أثبت الناس الحجة راوي حديث =إنما الأعمال بالنيات+، قد رأى عبدَالله بن عمر بن الخطاب_رضي الله عن الجميع_ قاله الحافظ الذهبي عن الحاكم. (2)
وقال الذهبي أيضاً: =جعفر بن عون: أخبرنا يحيى بن سعيد، قال: رأيت ابن عمر رافعاً يديه إلى منكبيه، عند القاص+. (3)
جعفر بن عون هو القرشي المخزومي الكوفي، ثقة أحد الأثبات.
القاص: هو الذي يأتي بالقصة على وجهها، كأنه يتتبع معانيها وألفاظها.
قاله ابن الأثير (4) يعني أن ابن عمر يرفع يديه بالدعاء عند القاص الذي يعظ الناس بما يقصه عليهم من المواعظ. والله أعلم.
مرسل الزهري
قال عبدالرزاق في المصنف (2/247) رقم3234:
=عن معمر، عن الزهري، قال: كان رسول الله"يرفع يديه عند صدره في الدعاء، ثم يمسح بهما وجهه+.
ثم قال بعده برقم3235:
=وربما رأيت معمراً يفعله، وأنا أفعله+.
ثم أعاده في (3/123) رقم5003 بقوله:
=عن معمر، عن الزهري، قال: كان رسول الله"يرفع يديه بحذاء صدره إذا دعا، ثم يمسح بهما وجهه+. قال: ورأيت معمراً يفعله.
قلنا لعبدالرزاق: أترفع يديك إذا دعوت في الوتر؟ قال: نعم في آخره.
قلت: وكون إمام مثل الزهري يجزم بأن النبي"يفعل المسح المذكور يدل على أن له أصلاً.
مرسل الوليد بن عبدالله بن أبي مغيث
قال الطبراني في كتاب الدعاء (2/887) رقم214:(1/7)
=حدثنا أبو مسلم الكجي، ثنا القعنبي، ثنا عيسى بن يونس، عن إبراهيم بن يزيد، عن الوليد بن عبدالله، أن النبي"قال: =إذا رفع أحدكم يديه يدعو، فإن الله_عز وجل_جاعل فيهما بركة، ورحمة، فإذا فرغ من دعائه فليمسح بهما وجهه+.
إسناده ضعيف جداً. إبراهيم بن يزيد هو الخوزي متروك الحديث، لكن قال أبو أحمد بن عدي (1/230): =وهو في عداد من يكتب حديثه، وإن كان قد نسب إلى الضعف+.
ويشهد لذلك أيضاً قول الإمام البخاري في الأدب المفرد ص214 رقم609 (ث152): باب رفع الأيدي في الدعاء
حدثنا إبراهيم بن المنذر، قال: حدثنا محمد بن فليح، قال: أخبرني أبي، عن أبي نعيم_وهو وهب_قال: رأيت ابن عمر وابن الزبير يدعوان يديران بالراحتين على الوجه+.
إسناده حسن.
فهذا ما وقفت عليه من الأحاديث الواردة في مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من رفعهما بالدعاء، وهي_كما مرَّ_ستة أحاديث: أربعة منها متصلة مرفوعة، واثنان مرسلان مرفوعان، وبعض رجال أسانيدها لا تقوم بهم الحجة.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية_× تعالى_:
=وأما مسحه وجهه بيديه، فليس عنه فيه إلا حديث أو حديثان، لا يقوم بهما حجة. والله أعلم+ ا هـ.
قلت: قد صحح بعض أئمة العلم في الحديث بعضها، وبعضهم حسنها، وهم ممن قَعَّدَ قواعد مصطلح علم الحديث، مثل الحافظ ابن حجر والسيوطي والأمير الصنعاني وغيرهم_كما تقدم_.
حكم العمل بهذه الأحاديث الواردة في مسح الوجه باليدين بعد الفراغ من رفعهما بالدعاء.
اعلم_رحمك الله_أن مسح الوجه باليدين بعد رفعهما بالدعاء =من فضائل الأعمال+ وعلمت_مما تقدم_أن بعض أسانيد الأدلة الواردة بالعمل بها لا تقوم بهم الحجة، إلا أن أهل العلم بالحديث، وعلله، نقلوا اتفاق أهل العلم على جواز العمل بها، واستحبابه، وإليك أمثلة لذلك:(1/8)
قال علي القارئ في مرقاة المفاتيح (2/640) في حديث ابن عباس =فإذا فرغتم، فامسحوا بها+ أي: بأكفكم وجوهكم؛ فإنها تنزل عليها آثار الرحمة، فتصل بركتها إليها، قال ابن حجر: =رأيت ذلك في حديث وهو الإفاضة عليه مما أعطاه الله_تعالى_تفاؤلاً بتحقق الإجابة، وقول ابن عبدالسلام: لا يسن مسح الوجه بهما ضعيف؛ إذ ضعف حديث المسح لا يؤثر؛ لما تقرر أن الضعيف حجة في الفضائل اتفاقاً+ ا هـ. وفيه أن الجزري عدَّ في الحصن من جملة آداب الدعاء: =مسح وجهه بيديه بعد فراغه+ ا هـ.
ونقل هذا القول السَّهارنفوري في بذل المجهود (7/334) عن القارئ، عن ابن حجر.
وقال المبارك فوري عبيدالله في مرقاة المفاتيح (7/362) في حديث ابن عباس:
=وفيه استحباب مسح اليدين بالوجه عقب الدعاء، واتفقوا على ذلك خارج الصلاة، وأما في الصلاة، فقال البيهقي (2/212) بعد روايته أثر عمر في رفع اليدين في القنوت:
=أما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء، فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة+ ا هـ.
وقال النووي في المجموع شرح المهذب (2/97):
=قلت: وقد اتفق العلماء على أن الحديث المرسل والضعيف والموقوف يتسامح به في فضائل الأعمال، ويعمل بمقتضاه+ا هـ.
وقال محمد بن نصر المروزي، بعد أن أورد أحاديث المسح المذكورة:
=ورأيت إسحاق يستحسن العمل بهذه الأحاديث+ ا هـ.
وقال في مقدمة الأربعين النووية ص4:
=وقد اتفق العلماء على جواز العمل بالحديث الضعيف في فضائل الأعمال+ ا هـ.
وقال الملا علي القارئ في الموضوعات الكبرى ص315:
=والضعيف يعمل به في فضائل الأعمال اتفاقاً+.(1/9)
وقال النووي في الأذكار ص4: =فصل: قال العلماء من المحدثين، والفقهاء، وغيرهم: يجوز العمل في الفضائل، والترغيب والترهيب، بالحديث ما لم يكن موضوعاً، وأما الأحكام، كالحلال، والحرام، والبيع، والنكاح، والطلاق، وغير ذلك، فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح، أو الحسن، إلا أن يكون في احتياط شيء من ذلك+ ا هـ.
وقال الحافظ الإمام السخاوي في الأجوبة المرضية (3/1071) رقم303، بعد أن ذكر أدلة مسح الوجه باليدين بعد الدعاء:
=ومفرداتها، وإن كانت ضعيفة، فبمجموعها ثبتت السنة. والله الموفق+ا هـ.
1_روى أبو بكر الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع (2/91) والحاكم في المستدرك (1/490) عن الإمام الحافظ الثبت الحجة في الحديث، وعلله، ورجاله، عبدالرحمن بن مهدي أنه قال: =إذا روينا في الثواب، والعقاب، وفضائل الأعمال، تساهلنا في الأسانيد، والرجال، وإذا روينا في الحلال، والحرام، والأحكام، تشددنا في الرجال+.
2_وروى أبو بكر الخطيب أيضاً في الكفاية ص134، والجامع (2/91)، وابن عدي في الكامل (1/160) عن سفيان الثوري الإمام الحافظ الحجة الثبت الفقيه أنه قال:
=لا تأخذوا هذا العلم في الحلال والحرام إلا من الرؤساء المشهورين بالعلم، الذين يعرفون الزيادة والنقصان. فلا بأس بما سوى ذلك من المشايخ+.
هذا لفظه في الكفاية. / ولفظه في الجامع:
=خذوا هذه الرغائب، وهذه الفضائل من المشيخة، فأما الحلال والحرام، فلا تأخذوه إلا عمن يَعْرِفُ الزيادة فيه من النقص+.
3_وروى أبو بكر الخطيب في الكفاية ص134 عن الإمام الثقة الثبت الحافظ الفقيه الحجة، أحمد ابن حنبل، أنه قال:
إذا روينا عن رسول الله"في الحلال، والحرام، والسنن، والأحكام، تشددنا في الأسانيد، وإذا روينا عن النبي"في فضائل الأعمال، وما لايضع حكماً، ولا يرفعه، تساهلنا في الأسانيد+.(1/10)
وجاء في تاريخ ابن معين (3/60،61)، والجرح والتعديل لابن أبي حاتم (7/193) رقم1087، أن عباس بن محمد الدوري، قال: سمعت أحمد بن حنبل أنه قال:
=فأما إذا جاء الحلال والحرام أردنا قوماً هكذا_وقبض أبو الفضل على أصابع يديه الأربع من كل يد، ولم يضم الإبهام_وأرانا أبو الفضل يديه، وأرانا أبو العباس+.
4_وروى الخطيب أيضاً في الكفاية ص134 عن أبي زكريا يحيى بن محمد بن عبدالله العنبري الإمام الثقة المفسر المحدث الأديب العلامة أنه قال:
الخبر إذا ورد لم يحرم حلالاً، ولا يحل حراماً، ولم يوجب حكماً، وكان في ترغيب، أو ترهيب، أو تشديد، أو ترخيص، وجب الإغماض عنه، والتساهل في رواته+.
وقال الإمام العراقي في الألفية:
وسهلوا في غير موضوع رووا
من غير تبيين لضعف، ورأوا
بيانَه في الحكم والعقائدي
عن ابن مهدي وغير واحدي
قال الإمام السخاوي في شرحه لهذين البيتين في فتح المغيث ص282_289، بعد أن ساق عبارات الأئمة_آنفة الذكر_قال:
=ولكن حكى النووي في عدة من تصانيفه إجماع أهل الحديث، وغيرهم، على العمل به في الفضائل، ونحوها، خاصة. . . ثم قال:
فهذه ثلاثة مذاهب، أفاد شيخنا أن محل الأخير فيها حيث لم يكن الضعف شديداً، وكان مندرجاً تحت أصل عام، حيث لم يقم على المنع منه دليل آخر أخص من ذلك العموم، ولم يعتقد عند العمل به ثبوته+.
وقال السيوطي في ألفيته في علم الحديث ص94:
في الوعظِ أو فضائل الأعمال
لا العَقْدِ والحرام والحلال
ولا إذا يَشْتَدُّ ضَعْفٌ ثُمَّ مَنْ
ضعفاً رأى في سند، ورام أنْ
وقال أبو عمر بن عبدالبر في جامع بيان العلم وفضله/ باب تفضيل العلم على العبادة (1/28) وفي بعض النسخ (1/22):
=أهل العلم بجماعتهم يتساهلون في الفضائل، فيروونها على كلٍ، وإنما يتشددون في أحاديث الأحكام+اهـ.
وقال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (1/6) في طبقات الرواة:(1/11)
=ومنهم الصدوق، الورع المغفل الغالب عليه الوهم، والخطأ، والسهو، والغلط، فهذا يكتب من حديثه الترغيب والترهيب، والزهد، والآداب، ولا يحتج بحديثه في الحلال، والحرام+اهـ.
وقال الحافظ ابن حجر في النكت على كتاب ابن صلاح(1/ 402):
=وقد صرح أبو الحسن بن القطان أحد الحفاظ النقاد من أهل المغرب في كتابه:
=بيان الوهم والإيهام+ بأن هذا القسم لا يحتج به كله، بل يعمل به في فضائل الأعمال، ويتوقف عن العمل به في الأحكام إلا إذا كثرت طرقه أو عضده اتصال عمل أو موافقة شاهد صحيح، أو ظاهر القرآن+.
وهذا حسن قوي رايق، ما أظن منصفاً يأباه، والله الموفق+اهـ.
وقال الإمام ابن الصلاح في علوم الحديث ص93:
=يجوز عند أهل الحديث، وغيرهم، التساهل في الأسانيد، ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة، من غير اهتمام ببيان ضعفها فيما سوى صفات الله_تعالى_وأحكام الشريعة من الحلال والحرام، وغيرهما، وذلك كالمواعظ والقصص وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب مالا تعلق له بالأحكام والعقائد، وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك: عبدالرحمن بن مهدي، وأحمد بن حنبل_رضي الله عنهما_+
وقيد بعض الأئمة العمل بذلك بقيود:
منها: أن يكون الضعف غير شديد، فيخرج من انفرد من الكذابين والمتهمين بالكذب، ومن فحش غلطه، نقل العلائي الاتفاق عليه.
ومنها: أن يندرج تحت أصل معمول به.
ومنها: أن لا يعتقد عند العمل به ثبوته، بل يعتقد الاحتياط.
نقله السيوطي في تدريب الراوي ص298 عن الحافظ ابن حجر.
_تقدم أن إسحاق بن راهويه استحسن العمل بأحاديث المسح.
_وفعله الحسن البصري، وأبو كعب عبدربه بن عبيد الأزدي صاحب الحرير، قال محمد بن نصر في كتاب الوترص170 رقم323:
=وعن المعتمر: رأيت أبا كعب صاحب الحرير يدعو رافعا يديه، فإذا فرغ من دعائه يمسح بهما وجهه، فقلت: من رأيت يفعل هذا؟ فقال: الحسن+.(1/12)
_وتقدم أن معمر بن راشد، وعبدالرزاق الصنعاني، كانا يفعلانه.
_وجاء في مسائل عبدالله بن الإمام أحمد ص95رقم33:
=قلت لأبي: يمسح بهما وجهه، قال: أرجو أن لا يكون به بأس+.
وذكره الإمام محمد بن محمد بن محمد الجزري في عدة الحصن الحصين / تحفة الذاكرين ص34 من آداب الدعاء.
_وذكره القاضي المحاملي في كتاب الدعاء ص 23_، 27 من آداب الدعاء، فقال:
=الثالث: استقبال القبلة، ورفع اليدين، يمسح بهما وجهه في آخره+.
_وترجمه الإمام أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني في الدعاء (2 / 886) بقوله:
=مسح الرجل وجهه عند الفراغ من الدعاء+.
_وترجمه الإمام الشوكاني في تحفة الذاكرين ص36 بقوله: =مسح الوجه باليدين في الدعاء+.
_وترجمه الإمام محمد بن نصر، في كتاب صلاة الوتر ص167 بقوله:
=باب مسح الرجل وجهه بيديه بعد فراغه من الدعاء+
_وترجمه الحاكم في المستدرك (1 / 536) بلفظ:
=مسح الوجه باليدين بعد الدعاء+.
روى ابن أبي شيبة (2 / 147)، وأحمد (4/261):
من طريق محمد بن فضيل، ثنا حصين بن عبدالرحمن، عن عُمارة بن رُوَيْبَة الثقفي، أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه، يشير بأصبعيه_يدعو_فقال عمارة:
=لعن الله هاتين اليديتين، رأيت رسول الله"على المنبر يدعو وهو يشير بأصبع = ولفظ أحمد: =لعن الله هاتين اليُديتين+.
ورواه أحمد (4 / 135، 136)، والدارمي ص366، والنسائي في المجتبى (3 / 108)، والكبرى (1 / 531) رقم1715:
من طريق سفيان الثوري، عن حصين بن عبدالرحمن به .. وفيه:
=رأيت رسول الله"على المنبر يوم الجمعة، وما يقول: إلا هكذا_وأشار بأصبعه_+.
وفي رواية: =وأشار بأصبعيه السبابة+. ولفظ الدارمي: =وأشار بالسبابة عند الخاصرة+.
ورواه ابن أبي شيبة (2/147) ومن طريقه مسلم (2/595) رقم874، وابن خزيمة في الصحيح (2/352) رقم1451، وابن حبان في صحيحه (3/165) رقم882، قال ابن أبي شيبة: حدثنا ابن إدريس، عن حصين به، ولفظه:(1/13)
=رأى بشر بن مروان رافعاً يديه على المنبر، فقال: قبح الله هاتين اليدين؛ لقد رأيت رسول الله"ما يزيد على أن يقول بيديه هكذا_وأشار بأصبعيه المسبحة_(ولفظ مسلم: ) بيده+.
ورواه أحمد في المسند (4 / 136):
من طريق زهير، عن حصين بن عبدالرحمن السلمي، قال: كنت إلى جنب عمارة بن رويبة وبشر يخطب، فلما دعا رفع يديه، فقال عمارة_يعني:
=قبح الله هاتين اليدين أو هاتين اليُدتين. رأيت رسول الله"وهو يخطب إذا دعا يقول: هكذا_ورفع السبابة وحدها_+.
ورواه أبو داود في سننه (1 / 662) رقم1104:
حدثنا محمد بن يونس، حدثنا زائدة، عن حصين بن عبدالرحمن، قال: رأى عمارة بن رويبة بشر بن مروان وهو يدعو في يوم الجمعة، فقال:
=قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله"وهو على المنبر ما يزيد على هذه_يعني السبابة التي تلي الإبهام+.
ورواه الترمذي في سننه (2 / 391) رقم515:
من طريق هشيم، أخبرنا حصين، قال: سمعت عمارة بن رويبة الثقفي، وبشر بن مروان يخطب، فرفع يديه في الدعاء، فقال عمارة: فبح الله هاتين اليُديتين القصيرتين؛ لقد رأيت_رسول الله عليه وسلم_، وما يزيد على أن يقول هكذا وأشار هشيم بالسبابة+.
وقال: هذا حديث حسن صحيح
وأخرجه الدارمي في سننه ص366:
من طريق أبي زبيد، حدثنا حصين به، ولفظه:
=قبح الله هذه اليدين، لقد رأيت رسول الله"على المنبر وما يشير إلا بأصبعيه+.
ورواه النسائي في الكبرى (1 / 531) رقم1714
من طريق أبي عوانة، عن حصين بن عبدالرحمن، قال: رأيت بشر بن مروان يوم الجمعة يرفع يديه، فقال عمارة بن رويبة: =قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله"ما يزيد على هذا، وأشار أبو عوانة+.
وعن أنس بن مالك_رضي الله عنهما_قال:
=لم يكن رسول الله"يرفع يديه في شيء من دعائه_وقال يحيى مرة: =من الدعاء+ إلا في الاستسقاء، فإنه كان يرفع يديه حتى يرى بياض إبطيه+.(1/14)
رواه أحمد في المسند (3/181)، والبخاري في الصحيح (2/21)، ومسلم في الصحيح (2/612) رقم7_895، والنسائي في المجتبى (3/158)، وفي الكبرى (1/558) رقم1817، من طريق يحيى بن سعيد القطان، حدثنا ابن أبي عروبة، عن قتادة، أن أنساً حدثهم، قال: فذكره.
وعن سهل بن سعد الساعدي÷قال:
=ما رأيت رسول الله"شاهراً يديه قط يدعو على منبره، ولا على غيره، ولكن رأيته يقول هكذا_وأشار بالسبابة، وعقد الوسطى بالإبهام+.
أخرجه أحمد (5/337)، وأبوداود في السنن (1/662) رقم1105، وابن أبي شيبة في المصنف (2/486)، و (10/377) رقم9721، وابن خزيمة في الصحيح (2/351) رقم1450، والحاكم في المستدرك (1/536)، وأبويعلى في مسنده (13/545) رقم7551، من طريق عبدالرحمن بن إسحاق، عن عبدالرحمن بن معاوية، عن ابن أبي ذُباب، عن سهل بن سعد به.
هذا لفظ أبي داود، وابن خزيمة، إلا أنه قال: =وأشار بأصبعه السبابة يحركها+، ولفظ أحمد مثله إلا أنه قال: =ما كان يدعو إلا يضع يديه حذو منكبيه، ويشير بأصبعه إشارة+.
وعند ابن أبي شيبة: =ولقد رأيت يديه حذو منكبيه ويدعو+.
وعند الحاكم: =كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه+، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد: وأقره الذهبي.
قلت: إسناده ضعيف. عبدالرحمن بن معاوية هو ابن الحويرث الزرقي المدني صدوق سيء الحفظ، قاله الحافظ في التقريب.
وقال ابن أبي شيبة في المصنف (2/147):
حدثنا ابن نمير، وأبومعاوية، عن الأعمش، عن عبدالله بن مرة، عن مسروق قال: =رفع الإمام يوم الجمعة يديه على المنبر، فرفع الناس أيديهم، فقال مسروق: قطع الله أيديهم+. إسناده صحيح، رجاله ثقات.
اعلم_رحمك الله_أن رفع اليدين بالدعاء ثابت قطعاً، جاءت به الأحاديث الكثيرة في الصحيحين وغيرهما في حالات ووقائع تفوت الحصر، وقد ذكر بعض أهل العلم أنها متواترة، وخذ طائفةً من النقول عنهم في ذلك:(1/15)
1_قال النووي في شرح مسلم (6/190) في حديث أنس: أن النبي"كان لا يرفع يديه من دعائه إلا في الاستسقاء. . . الحديث:
=هذا الحديث يوهم ظاهره أنه لم يرفع " إلا في الاستسقاء، وليس الأمر كذلك، بل قد ثبت رفع يديه " في الدعاء في مواطن غير الاستسقاء، وهي أكثر من أن تحصر، وقد جمعت منها نحواً من ثلاثين حديثاً من الصحيحين أوأحدهما، وذكرتها في أواخر باب صفة الصلاة من شرح المهذب.
ويتأول هذا الحديث على أنه لم يرفع الرفع البليغ بحيث يرى بياض إبطيه إلا في الاستسقاء، أو أن المراد لم أره رفع، وقد رآه غيره رفع، فيقدم المثبتو ن في مواضع كثيرة، وهم جماعات على واحد لم يحضر ذلك، ولابد من تأويله؛ لما ذكرناه. والله أعلم+اهـ
وقال في شرح المهذب (3/450):
=وفي المسألة أحاديث كثيرة، غير ما ذكرته، وفيما ذكرته كفاية، والمقصود أن يعلم أن من ادعى حصر المواضع التي وردت الأحاديث بالرفع فيها_فهو غالط غلطاً فاحشاً. والله_تعالى_أعلم+اهـ
2_وقال الإمام البخاري في جزء رفع اليدين بتخريج السندي ص 187 رقم99، بعد أن روى طائفة منها:
=وهذه الأحاديث كلها صحيحة عن رسول الله"وأصحابه، لا يخالف بعضها بعضاً، وليس فيها تضاد؛ لأنها في مواطن مختلفة +أهـ.
3_وقال الحافظ في فتح الباري (2/507) و (11/142) في حديث أنس الوارد في الاستسقاء:
=وقد استدل به المصنف_يعني البخاري_في الدعوات على رفع اليدين في كل دعاء، وفي الباب عدة أحاديث
جمعها المنذري في جزء مفرد، وأورد النووي في صفة الصلاة في شرح المهذب قدر ثلاثين حديثاً_أهـ. / قلت:
4_وعدّها السيوطي من المتواتر، فقال في تدريب الراوي (2/180) في أمثلة المتواتر:(1/16)
=ومنه ما تواتر معناه، كأحاديث رفع اليدين بالدعاء، فقد ورد عنه"نحو مائة حديث، فيه رَفَعَ يديه في الدعاء، وقد جمعتها في جزء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها_وهو الرفع عند الدعاء_تَوَاتَرَ باعتبار المجموع+اهـ.
5_وقال أبو الفيض الكتاني في نظم المتناثر من الحديث المتواتر ص 113:
=كتاب الأذكار والدعوات... ثم أخذ يمثل... إلى أن قال:
=أحاديث رفع اليدين في الدعاء، تقدم عن السيوطي في إتمام الدراية بشرح النقاية، قال: =وقد جمعت جزءاً في حديث رفع اليدين في الدعاء، فوقع لي من طرقٍ تبلغ المائة+اهـ.
وعنه أيضاً في شرح التقريب، قال: =ومنه_أي من الحديث_ما تواتر معناه كأحاديث رفع اليدين في الدعاء، فقد روي عنه"نحو مائة حديث، فيها رفع اليدين في الدعاء، وقد جمعتها في جزء، لكنها في قضايا مختلفة، فكل قضية منها لم تتواتر، والقدر المشترك فيها_وهو الرفع عند الدعاء_تَوَاتَرَ باعتبار المجموع+اهـ. قال ذلك مقرراً له.
الجمع بين أدلة رفع اليدين بالدعاء وبين أدلة نفيها
قال الحافظ في الفتح (2/517) في أدلة إثبات الرفع:(1/17)
=فذهب بعضهم إلى أن العمل بها أولى، وحَمَلَ حديث أنس على نفي رؤيته؛ وذلك لا يستلزم نفي رؤية غيره. وذهب آخرون إلى تأويل حديث أنس المذكور، لأجل الجمع: بأن يحمل النفي على صفة مخصوصة، إما الرفع البليغ؛ فيدل عليه قول: =حتى يرى بياض إبطيه+ ويؤيده أن غالب الأحاديث التي وردت في رفع اليدين في الدعاء إنما المراد به: =مَدُّ اليدين، وبَسْطهُما عند الدعاء+، وكأنه عند الاستسقاء مع ذلك زاد، فرفعها إلى جهة وجهه حتى حاذتاه؛ وبه حينئذٍ يُرى بياض إبطيه. وأما صفة اليدين في ذلك، فلما رواه مسلم من رواية ثابت، عن أنس، أن رسول الله"=استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء+. ولأبي داود من حديث أنس أيضاً: =كان يستسقي هكذا: =ومد يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض، حتى رأيت بياض إبطيه+. قال النووي: قال العلماء: =السنة في كل دعاء لرفع البلاء: أن يرفع يديه جاعلاً ظهور كفيه إلى السماء، وإذا دعا بسؤال شيء، وتحصيله أن يجعل كفيه إلى السماء+اهـ.
وقال غيره: =الحكمة في الإشارة بظهور الكفين في الاستسقاء دون غيره للتفاؤل بتقلب الحال ظهراً لبطن، كما قيل في تحويل الرداء، أو هو إشارة إلى صفة المسئول وهو نزول السحاب إلى الأرض+اهـ.
وقال الحافظ أيضاً (11/142) في الجمع بين الأدلة:
لكن الجمع بينه وبين أحاديث الباب، وما في معناها: بأن المنفي صفة خاصة، لا أصل الرفع، وقد أشرت إلى ذلك في أبواب الاستسقاء، وحاصله: أن الرفع في الاستسقاء يخالف غيره، إما بالمبالغة إلى أن تصير اليدان في حذو الوجه مثلاً، وفي الدعاء إلى حذو المنكبين ولا يعكر على ذلك أنه ثبت في كل منهما =حتى يرى بياض إبطيه+، بل يجمع بأن تكون رؤية البياض في الاستسقاء أبلغ منها في غيره، وإما أن الكفين في الاستسقاء يليان الأرض، وفي الدعاء يليان السماء.
قال المنذري: =وبتقدير تعذر الجمع، فجانب الإثبات أرجح+.
قلت: ولا سيما مع كثرة الأحاديث الواردة في ذلك+اهـ.(1/18)
قلت: الذي أنكره عمارة بن رويبة على بشر بن مروان هو رفع يديه بالدعاء على المنبر حال خطبة الجمعة، ومبالغته في الرفع حتى كاد يتلقى.
والذي أثبته عمارة من فعل الرسول"في تلك الحال المذكورة_هو الإشارة بأصبعه السبابة (المسبحة) وحدها بالدعاء عند الخاصرة.
والذي أنكره سهل بن سعد الساعدي من صفة رفع اليدين بالدعاء أنه ما رأى رسول الله"شاهراً يديه بالدعاء على منبره ولا على غيره.
والذي أثبته من فعل الرسول"أنه رآه يفعله_هو الإشارة بالسبابة محركاً لها مع عقد الوسطى بالإبهام من يده اليمنى_يقَوِّسها_+.
وفي رواية عند ابن أبي شيبة: =أنه يرفع يديه حذو منكبيه+ وفي أخرى عند أحمد: =ما كان يدعو إلا يضع يديه حذو منكبيه، ويشير بأصبعه إشارة+. وعند الحاكم: =كان يجعل أصبعيه بحذاء منكبيه، ويدعو+.
ومن هنا نقول:
=هذا الإنكار الشديد على بشر بن مروان فيه نظر لوجوه:
الأول: =أن النبي"كان يرفع يديه على المنبر في دعاء الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه+ كما سلف.
وهذا تشريع عام في الاستسقاء وغيره؛ إذ لم يوجد مقيد له ولا مخصص يقصره على الاستسقاء.
والثاني: وجود الاختلاف الكثير في صفة رفع اليدين بالدعاء، ومن ذلك ما يلي:
قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم ص269 في آداب الدعاء المستفادة من حديث أبي هريرة: =إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً: فذكر الأول والثاني، ثم قال: الثالث: مد يديه إلى السماء وهو من آداب الدعاء التي يرجى بسببها إجابته. . إلى أن قال: وكان النبي"يرفع يديه في الاستسقاء حتى يرى بياض إبطيه+، ورفع يديه يوم بدر يستنصر على المشركين حتى سقط رداؤه عن منكبيه وقد روي عن النبي"في صفة رفع اليدين في الدعاء أنواع متعددة، منها:
1_أنه كان يشير بأصبعه السبابة فقط، وروي عنه كان يفعل ذلك على المنبر، وفعله لما ركب راحلته.(1/19)
وذهب جماعة من العلماء إلى أن دعاء القنوت في الصلاة يشير فيه بأصبعه، منهم: الأوزاعي، وسعيد بن عبدالعزيز، وإسحاق بن راهويه، وقال ابن عباس وغيره: هذا هو الإخلاص في الدعاء، وعن ابن سيرين: إذا أثنيت على الله فأشر بأصبع واحدة.
2_ومنها: أنه"رفع يديه، وجعل ظهورهما إلى جهة القبلة، وهو مستقبلها، وجعل بطونهما مما يلي وجهه، وقد رويت هذه الصفة عن النبي"في دعاء الاستسقاء، واستحب بعضهم الرفع في الاستسقاء على هذه الصفة، منهم الجوزجاني. وقال بعض السلف: الرفع على هذا الوجه تضرع.
3_ومنها: عكس ذلك_أي رفع يديه وجعل بطونهما إلى جهة القبلة وهو مستقبلها، وجعل ظهورهما مما يلي وجهه_قال:
=وقد روي عن النبي"في الاستسقاء أيضاً، وروي عن جماعة من السلف أنهم كانوا يدعون كذلك، وقال بعضهم: الرفع على هذا الوجه استجارة بالله_عز وجل_واستعاذة به. منهم ابن عمر وابن عباس وأبو هريرة.
وروي عن النبي"انه كان إذا استعاذ رفع يديه على هذا الوجه.
4_منها: رفع يديه ( و ) جعل ( بطون ) كفيه إلى السماء، وظهورهما إلى الأرض، وقد ورد الأمر بذلك في سؤال الله_عز و جل_في غير حديث، وعن ابن عمر وأبي هريرة وابن سيرين: أن هذا هو الدعاء والسؤال لله_عز وجل_.
5_ومنها عكس ذلك_وهو قلب كفيه، وجعل ظهورهما إلى السماء وبطونهما مما يلي الأرض_وفي صحيح مسلم، عن أنس، أن النبي"=استسقى، فأشار بظهر كفيه إلى السماء+ وخرجه الإمام أحمد_×_ولفظه: =فبسط يديه وجعل ظاهرهما مما يلي السماء+، وخرجه أبو داود ولفظه: =استسقى هكذا: يعني: مَدَّ يديه، وجعل بطونهما مما يلي الأرض+.
وخرجه الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري، قال: =كان النبي"واقفاً بعرفة يدعو هكذا، ورفع يديه حيال ثندوتيه، وجعل بطون كفيه مما يلي الأرض+. هذا وصف حماد بن سلمة: =رفع النبي"يديه بعرفة، وروي عن ابن سيرين: أن هذا هو الاستجارة. وقال الحميدي: هذا هو الابتهال.(1/20)
وأخرج أبو داود في السنن (2/165) رقم1489 بسند صحيح، عن ابن عباس، قال:
=المسألة: أن ترفع يديك حذو منكبيك أو نحوهما، والاستغفار: أن تشير بأصبع واحدة، والابتهال: أن تمد يديك جميعاً+.
وفي رواية عنده أيضاً (2/166) رقم1490، سندها صحيح، قال ابن عباس: =والابتهال: هكذا: ورفع يديه، وجعل ظهورهما مما يلي وجهه.
ورواه أبو داود مرفوعاً (2 / 166) رقم1491 بقوله:
حدثنا محمد بن يحيى بن فارس، حدثنا إبراهيم بن حمزة، حدثنا عبدالعزيز بن محمد، عن العباس بن عبدالله بن معبدبن عباس، عن أخيه إبراهيم بن عبدالله عن ابن عباس، أن رسول الله"قال: فذكر نحوه+.
قال المنذري في مختصر السنن (2/144) رقم1436: =وهو حديث حسن+.
قلت: رجاله ثقات، رجال الصحيح.
وقال الحافظ في فتح الباري (11/143):
=وقد صح عن ابن عمر خلاف ما تقدم، أخرجه البخاري في الأدب المفرد، من طريق القاسم بن محمد: =رأيت ابن عمر يدعو عند القاص، يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، باطنهما مما يليه، وظاهرهما مما يلي وجهه+.
فالحاصل: أن رفع اليدين بالدعاء ثابت شرعاً، لا مرية فيه البتة، وأنه جاء على أنواع متعددة، فالأمر فيه واسع، فيعمل بكل ما ورد عنه"في ذلك، ولا يقصر العمل فيه على بعض أنواعه دون بعض، ولا على حال دون حال بلا دليل. والعلم عند الله_تعالى_.
وأما قول أنس بن مالك÷:
=لم يكن النبي"يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستقاء فقد أجاب عنه أهل العلم فيما سلف، ونزيد هنا جواباً عنه للعلامة الشوكاني؛ لما فيه من زيادة التوضيح، فقد نقل عنه العلامة الساعاتي في بلوغ الأماني (6/248) ما نصه:(1/21)
قال الشوكاني: =والظاهر أنه ينبغي البقاء على النفي المذكور عن أنس، فلا ترفع اليد في شيء من الأدعية إلا في المواضع التي ورد فيها الرفع، ويعمل فيما سواها بمقتضى النفي، وتكون الأحاديث الواردة في الرفع في غير الاستسقاء أرجح من النفي المذكور في حديث أنس، إما لأنها خاصة، فيبنى العام على الخاص، أو لأنها مثبتة، وهي أولى من النفي، وغاية ما في حديث أنس أنه نفى الرفع فيما يعلمه، ومن علم الحجة على من يعلم+اهـ.
وأما تقبيل اليدين ويمسح بهما وجهه، فلا يجوز؛ لأنه لا أصل له_فيما أعلم_في الشرع، فيجب الامتناع عنه، ونصح من يفعله أن لا يفعله. والعلم عند الله تعالى.
اعلم أن المسح المذكور لم يرد منه شيء يدل على أنه يفعل داخل الصلاة_فيما أعلم_فينبغي الاقتصار على ما ورد، وقد صرح بهذا الإمام البيهقي حيث يقول:
=فأما مسح اليدين بالوجه عند الفراغ من الدعاء، فلست أحفظه عن أحد من السلف في دعاء القنوت، وإن كان يروى عن بعضهم في الدعاء خارج الصلاة، وقد روي فيه عن النبي"حديث فيه ضعف، وهو مستعمل عند بعضهم خارج الصلاة، وأما في الصلاة فهو عمل لم يثبت بخبر صحيح، ولا أثر ثابت، ولا قياس، فالأولى أن لا يفعله، ويقتصر على ما فعله به السلف_رضي الله عنهم_من رفع اليدين دون مسحهما بالوجه في الصلاة، وبالله التوفيق+اهـ.
هذا وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
(1)انظر سير أعلام النبلاء (5 / 470).
(2) انظر سير أعلام النبلاء (5 / 470).
(3) انظر سير أعلام النبلاء (5 / 470).
(4) انظر سير أعلام النبلاء (5 / 470).
??
??
??
??(1/22)