مسافة قصر الصلاة ومدته
دراسة فقهية حديثية
عمار توفيق أحمد بدوي
مفتي محافظة طولكرم
بسم الله الرحمن الرحيم
ملخص البحث:
قصر الصلاة من الأحكام الشرعية الهامة؛ لتعلقها بفريضة من فرائض الدّين، وركن من أركان الإسلام. كما أنّ قصر الصلاة من الأحكام التي اشتمل عليها القرآن الكريم، ونزلت به آية كريمة من كتاب الله - سبحانه وتعالى - . ومن الفقهاء من عدّ قصر الصلاة واجباً من الواجبات الشرعية، ومنهم من عدّه رخصة من الرخص.
ولا يخلو مسلم من مفارقة بلده، والضرب في الأرض مسافراً؛ طال سفره، أم قصر. فشرع فقهاؤنا الأجلاء؛ في توضيح، وشرح أحكام قصر الصلاة بكل تفصيلاتها، ودقائقها، ومن ذلك مسافة القصر، والمدة التي يصح للمسافر أن يقصر الصلاة فيها. واستندوا في ذلك كعادتهم على النصوص النبوية؛ من حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ كونها المبينة للنص الحكيم من القرآن الكريم. وعند الوقوف على أقوال سادتنا الفقهاء؛ نرى شيئاً من التباين في الاجتهادات الفقهية؛ حول أحكام قصر الصلاة؛ ومن ذلك مسافة القصر، ومدّته.
ومن باب الوقوف على هذه الاجتهادات، وردّها إلى أصولها التي تفرعت عنها، وهي النصوص الحديثية من فم النبوة الكريم - صلى الله عليه وسلم - ؛ رأيت أنْ أقف على كل ذلك، مع الأخذ بعين الاعتبار ما رجح من الأقوال؛ بمقتضى الدليل.
والترجيح الذي أصل إليه؛ هو ترجيح اجتهادي أيضاً؛ ولكني بلغت الغاية في تحقيقه، والوصول إليه. وهذا ما سيلمسه القارئ في الصفحات القادمة؛ ولكي يتيسّر البحث، والنظر؛ قسمت البحث إلى مبحثين، ومطالب تندرج تحتهما؛ كي يستطيع القارئ التنقل بينها، والنظر فيها.
المبحث الأول
مسافة قصر، وبيان مذاهب الفقهاء فيها
المطلب الأول
أسباب اختلاف الفقهاء في مسافة القصر، وبيان طرقهم في ذلك
بيان كثرة اختلاف الفقهاء في مسافة القصر:(1/1)
قال ابن حجر: "هي من المواضيع التي انتشر فيها الخلاف جداً؛ فحكى ابن المنذر، وغيره، نحواً من عشرين قولاً" (1) .
أسباب اختلاف الفقهاء في تحديد مسافة القصر:
المتمعن في النصوص المروية في مسافة القصر في السفر؛ يجد أسباب الاختلاف تعود إلى ما يلي:
1- الآية الكريمة ذكرت قصر الصلاة، ولم تذكر المسافة المحددة؛ فاجتهد الفقهاء في تحديد المسافة؛ وفق الأحاديث الشريفة المروية في سفر الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وسفر الصحابة - رضي الله عنهم - .
2- كثرت الروايات التي تبين المسافات المختلفة التي كان يسافرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ويقصر الصلاة فيها. وطريقة استدلال الفقهاء بهذه المسافات.
3- حمل بعض الأحاديث في أحكام خاصة، رويت في السفر على أنها أحاديث تتحدث عن مسافة القصر في الصلاة؛ كحديث سفر المرأة، وحديث المسح على الخفين للمسافر.
4- اختلاف المسافات التي قصر الصحابة - رضي الله عنهم - فيها الصلاة.
5- إدخال منطق المعقول على النص المنقول؛ مما أدى إلى استهجان أن تكون مسافة القصر قصيرة.
6- إدخال مفهوم المشقة في تحديد مسافة القصر، وأنّ المسافة التي تقصر ينبغي أن يكون فيها مشقة.
7- حمل بعض الروايات على أنها هي المسافة المقصورة، وتأويل بقية الروايات؛ إما باستبعادها؛ أو بتأويلها تأويلات؛ تستبعد العمل بها.
8- الاختلاف في تصحيح، وتضعيف روايات مسافة القصر.
كيف نحدد مسافة القصر؟
قلتُ: عند دراسة أقوال الفقهاء في المسألة، والنظر فيما استدلوا به من أدلة؛ علينا أن نحدد مسبقاً كيف نحدد مسافة القصر، والأسس التي يقوم عليها هذا التحديد؟ وإلا وقعنا في بحر تلك الآراء المتعددة.
__________
(1) ابن حجر، أحمد بن علي: فتح الباري شرح صحيح البخاري. 13مج. بيروت: دار المعرفة. 1379هـ. ج2ص566.(1/2)
وأظن أنّ الدليل الأصح؛ هو الأساس الأقوى في تحديد ذلك؛ وبغضِّ النظر عمّن استدل به؛ وليس هناك تفضيل قول على قول؛ لأن قائله فلان؛ فكل العلماء الذين نقلت أقوالهم في مسافة القصر؛ علماء أجلاء فهماً، وعلماً.
ضرورة معرفة مسافة القصر، وبيان مذاهب الفقهاء في ذلك:
معرفة مسافة القصر ضرورية؛ لأنه ينبني عليها أحكام تختص بفريضة عظيمة؛ هي الصلاة. والعلماء متفقون على ضرورة ذلك.
قال السرخسي: "ولا بدّ من إثبات التقدير؛ لتحقيق اسم السفر" (1) .
وللعلماء في تحديد مسافة القصر طريقتان:
الطريقة الأولى: اعتماد عنصر المسافة المقدرة بالأميال. وهو ما ذهب إليه جمهور العلماء. ومنهم علماء المالكية، والشافعية، والحنابلة.
الطريقة الثانية: اعتماد عنصر الزمن الذي تستغرقه المسافة بالأيام. وهو ما ذهب إليه علماء الحنفية، ومن سار معهم.
وفي هذا المبحث سأعرض أقوال الفقهاء من المذهبين، مع بيان الأدلة ومناقشتها؛ لأصل بعدها إلى القول الراجح.
المطلب الثاني
المذهب الأول: مسافة القصر ثمانية وأربعون ميلاً
ذهب جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة إلى أنّ مسافة القصر أربعة بُرُد، وهي ستة عشر فرسخاً، وهي ثمانية وأربعون ميلاً (2) .
__________
(1) السرخسي، محمد بن أبي سهل: المبسوط. 30مج. بيروت: دار المعرفة. 1406هـ. ج1ص235.
(2) ابن أنس، مالك: المدونة الكبرى. 5مج. ط1. ضبطه وصححه أحمد عبد السلام. بيروت: دار الكتب العلمية. 1415هـ/1994م. ج1ص207. الماوردي، علي بن محمد: الحاوي الكبير شرح مختصر المزني. 18مج. ط1. تحقيق علي معوض وعادل عبد الموجود. بيروت: دار الكتب العلمية. 1414هـ/1994م. ج2ص360. الشافعي، محمد بن إدريس: الأم. 10مج. بيروت: دار الفكر.1410هـ/1990م. ج1ص211. وفيه ستة وأربعون ميلاً لم يعد ميل الابتداء ولا الانتهاء. ابن قدامة، عبد الله بن أحمد: المغني على مختصر الخرقي. 10مج. ط1. بيروت: دار الفكر. 1405هـ. ج2ص91.(1/3)
أدلة جمهور الفقهاء من المالكية، والشافعية، والحنابلة:
أولاً: الحديث المرفوع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
عن ابن عباس رضي الله عنهما أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "يا أهل مكة، لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة بُرُد" (2) .
ثانياً: فعل ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما (3) .
عن عطاء بن أبي رباح أنّ عبد الله بن عمر، وعبد الله بن عباس - رضي الله عنهم - : "كانا يصليان ركعتين، يقصران، ويفطران في أربعة بُرُد، فما فوق ذلك" (4) .
__________
(1) الماوردي: الحاوي الكبير شرح مختصر المزني. ج2ص219.
(2) البيهقي، أحمد بن الحسين: سنن البيهقي الكبرى. 10مج. تحقيق محمد عبد القادر عطا. مكة المكرمة: مكتبة الباز. 1414هـ/1994م. ج3ص137. الدارقطني، علي بن عمر: سنن الدارقطني. 4مج. بيروت: دار المعرفة. 1386هـ/1966م. ج1ص317. الطبراني، سليمان بن أحمد: المعجم الكبير. 20مج. ط2. تحقيق حمدي السلفي. الموصل: مكتبة العلوم والحكم. 1404هـ/1983م. ج11ص96.
(3) ابن أنس: المدونة الكبرى. ج1ص207. النووي، يحي بن شرف: المجموع شرح المهذب. 9مج. ط1. حققه وعلق عليه وأكمله محمد نجيب المطيعي. دار إحياء التراث العربي. 1415هـ/1995م. ج4ص212، ابن قدامة: المغني على مختصر الخرقي. ج2ص91.
(4) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص137. البخاري، محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري. 6مج. ط3. بيروت: دار ابن كثير، اليمامة. تحقيق د مصطفى ديب البغا. 1407هـ/1987م. ج1ص368. رواه معلقاً بلا سند.(1/4)
"وأنّ عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - ركب إلى ذات النُّصب؛ فقصر الصلاة في مسيرة ذلك. وقال مالك: وبين ذات النُّصب، والمدينة أربعة بُرُد" (1) .
ثالثا: قول ابن عباس رضي الله عنهما.
عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "تقصر الصلاة إلى عسفان، وإلى الطائف، وإلى جدة. وهذا كله أربعة بُرُد" (2) .
وقول ابن عباس رضي الله عنهما: "يا أهل مكة لا تقصروا الصلاة في أدنى من أربعة بُرُد" (3) .
وجواب ابن عباس رضي الله عنهما عن سؤال القصر (4) .
عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: "أنه سئل أتقصر إلى عرفة؟ فقال: لا. ولكن إلى عسفان، وإلى جدة، وإلى الطائف" (5) .
وقال الشافعي: هذا كله في أربعة بُرُد (6) .
رابعاً: اعتبارهم المشقة تتحقق في مسافة أربعة بُرُد. وهي مسافة ثمانية وأربعين ميلاً.
قال الماوردي: "ولأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - علق القصر بالسفر، ومنع منه في الحضر؛ فكان الفرق بينهما؛ لحوق المشقة في السفر، وعدمها في الحضر. والسفر القصير؛ لا تلحق المشقة فيه غالباً؛ فاقتضى أن لا يتعلق به القصر" (7) .
__________
(1) ابن أنس، مالك: الموطأ برواية يحيى الليثي. 2مج. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. مصر: دار إحياء التراث العربي. ج1ص147. الشافعي، محمد بن إدريس: مسند الشافعي. 1مج. بيروت: دار الكتب العلمية. ص388. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص136.
(2) الشافعي: مسند الشافعي. ص388.
(3) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص137، وذكر هذا الدليل ابن قدامة: المغني. ج2ص91. الماوردي: الحاوي الكبير. ج2ص359.
(4) النووي: المجموع. ج4ص213.
(5) الشافعي: مسند الشافعي. ص388. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص137.
(6) الشافعي: مسند الشافعي. ص388.
(7) الماوردي: الحاوي الكبير. ج2ص360.(1/5)
وقال ابن قدامة: "ولأنها مسافة تجمع مشقة السفر من الحلِّ، والسفر؛ فجاز التقصير فيها، كمسافة الثلاث، ولم يجز فيما دونها" (1) .
المطلب الثالث
مناقشة أدلة جمهور الفقهاء في مسافة القصر
استدل جمهور الفقهاء بحديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبفعل صحابيين، وقول صحابي، وهما عبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر رضي الله عنهما، وبأنّ المشقة تكمن في ثمانية وأربعين ميلاً.
ولنبدأ بمناقشة هذه الأدلة:
أولاًً: الحديث المرفوع في مسافة القصر أربعة بُرُد "ثمانية وأربعون ميلاً"؛ غير صحيح.
قال البيهقي راويه: "وهذا حديث ضعيف؛ لا يحتج به، وعبد الوهاب بن مجاهد ضعيف بمرة" (2) .
وقال ابن الجوزي: "إسماعيل بن عياش ضعيف، وعبد الوهاب بن مجاهد أشد ضعفاً. وقال النسائي: متروك الحديث" (3) .
وقال الثوري: "هو كذاب" (4) .
وقال أحمد: "ليس بشيء ضعيف الحديث. وقال يحيى بن معين: ضعيف" (5) .
وقال النووي: "إسماعيل بن عياش ضعيف في روايته عن غير الشاميين" (6) .
ثانياً: مناقشة استدلالهم بفعل ابن عباس، وابن عمر، وقول ابن عباس. - رضي الله عنهم - .
__________
(1) ابن قدامة: المغني. ج2ص91.
(2) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص138.
(3) ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي: التحقيق في أحاديث الخلاف. 2مج. ط1. تحقيق مسعد السعدني. بيروت: دار الكتب العلمية. 1415هـ. ج1ص493.
(4) ابن أبي حاتم، عبد الرحمن الرازي: الجرح والتعديل. 9مج. ط1. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 1271هـ/1952م. ج6ص69.
(5) ابن أبي حاتم: الجرح والتعديل. ج6ص69.
(6) النووي: المجموع. ج4ص263.(1/6)
الرواية التي استدل بها جمهور العلماء عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهم، في قصر السفر لمسافة ثمانية وأربعين ميلاً؛ هو استدلال مُعَارَضٌ بروايات أخرى عنهما، قصرا فيه السفر بمسافة أقل، فضلاً عن معارضتهما لروايات أخرى عن صحابة آخرين. فعملية الانتقاء من الروايات في الاستدلال؛ تضعف هذا الاستدلال، وتعرِّضه للانتقاد.
أما الروايات المعارضة لما استدل به جمهور العلماء فهي:
1- عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما "كان يقصر الصلاة في مسيرة اليوم التام" (1) .
2- وأن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا سافرت يوماً إلى الليل؛ فاقصر الصلاة" (2) .
3- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لا تقصروا الصلاة إلا في مسيرة اليوم التام" (3) .
4- روى محارب بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إني لأسافر الساعة من النهار؛ فأقصر" (4) .
ومحارب بن دينار قاضي الكوفة من كبار التابعين أحد الأئمة (5) .
5- وروى الثوري عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "لو خرجت ميلاً؛ قصرت الصلاة" (6) .
__________
(1) ابن أنس: الموطأ. ج1ص147. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص137. الصنعاني، عبد الرزاق: الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. 11مج. ط2. تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. بيروت: المكتب الإسلامي. 1403هـ. ج2ص525. ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد: مصنف ابن أبي شيبة. 7مج. ط1. تحقيق كمال يوسف الحوت. الرياض: مكتبة الرشد. 1409هـ. ج2ص201.
(2) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص137.
(3) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص524. ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص202.
(4) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص202.
(5) ابن حزم، علي بن أحمد: المحلى بالآثار. 12مج. تحقيق د عبد الغفار سليمان البنداري. بيروت: دار الكتب العلمية.ج3ص199.
(6) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص576.(1/7)
وقال ابن حجر: عن الروايتين السابقتين: "إسناد كل منهما صحيح" (1) .
6- وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "يقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال" (2) .
7- وعن نافع "أنّ ابن عمر تيمّم، وصلى العصر، وبينه، وبين المدينة، ميل، أو ميلين، ثم دخل المدينة، والشمس مرتفعة؛ فلم يُعِد" (3) .
8- وعن سالم "أنّ ابن عمر رضي الله عنهما سافر إلى ريم؛ فقصر الصلاة، وهي مسيرة ثلاثين ميلاً" (4) .
وجه التعارض في روايات ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما، مع ما ذهب إليه الجمهور:
التعارض ظاهر في روايات ابن عباس، وابن عمر، رضي الله عنهما، مع ما ذهب إليه جمهور العلماء.
فالإمام الشافعي اعتبر مسافة ثمانية وأربعين ميلاًً، " فيما كان مسيرة ليلتين" (5) .
وسئل الإمام أحمد في كم تقصر الصلاة؟ قال: في أربعة بُرُد قيل له: مسيرة يوم تام؟ قال: لا، أربعة بُرُد: ستة عشر فرسخاً. ومسيرة يومين (6) .
وابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما قصرا في مسيرة يوم تام؛ وليس في مسيرة يومين. وفي أقل من يوم؛ كما ثبت سابقاً.
وحاول ابن حجر أن يجمع بين ما اختلف فيه من الروايات فقال: "ويمكن الجمع بين هذه الروايات بأنّ مسافة أربعة بُرُد يمكن سيرها في يوم، وليلة" (7) .
وهذا تأويل بعيد، بالإضافة إلى كونه يهدم أساساً بني عليه حكم شرعي، وهو تأويل لا يحْتَمِلُ ما ذهبوا إليه.
__________
(1) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص576.
(2) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص200.
(3) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج1ص229. الحاكم، محمد بن عبد الله : المستدرك على الصحيحين. 4مج. ط1. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. بيروت: دار الكتب العلمية. 1411هـ/1991م. ج1ص289. الدارقطني: سنن الدارقطني. ج1ص186. البيهقي: سنن البيهقي. ج1ص231.
(4) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص525.
(5) الشافعي: الأم. ج1ص211.
(6) ابن قدامة: المغني. ج291.
(7) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص566.(1/8)
ثالثاً: مناقشة اعتبارهم المشقة تكون في مسافة ثمانية وأربعين ميلاً:
تخصيص المشقة في هذه المسافة؛ هو تخصيص لا يقوم عليه دليل شرعي، أو دليل من واقع الحال؛ فهناك مَنْ تلحق به المشقة بأطول من هذه المسافة، وهناك مَنْ تلحقه المشقة بأقل منها.
وقد تكون المشقة؛ لوعورة الطريق، وصعوبتها؛ وليس لطولها. والنفوس تتفاوت في هذا الأمر، وحصر المشقة في مسافة محددة؛ مبني على الرأي الذي قد يصيب، وقد يخطئ، ويبقى الأمر في دائرة الاحتمالات التي يصعب معها اعتبارها أساساً يركن إليه في تحديد مسافة السفر؛ محل الاختلاف.
المطلب الرابع
المذهب الثاني: مسافة القصر تقدر بالأيام، وهي ثلاثة أيام، أو يومان.
أصحاب هذا القول المذهب الحنفي، وقدروا مسافة القصر بالأيام. وهم على قولين:
القول الأول في المذهب الحنفي: مسافة القصر ثلاثة أيام:
قال الإمام أبو حنيفة: "لا تقصر الصلاة في أقل من ثلاثة أيام، ولياليها بسير الإبل، ومشي الأقدام" (1) .
وهذا مذهب ابن عباس رضي الله عنهما. وإحدى الروايتين عن ابن عمر رضي الله عنهما.
أدلة تقدير مسافة القصر ثلاثة أيام:
1- استدلوا بحديث سفر المرأة مع المحرم، لثلاثة. وهو قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها، إلا مع زوجها، أو ذو محرم منها" (2) .
2- قوله - صلى الله عليه وسلم - : " يمسح المقيم يوماً وليلة، والمسافر ثلاثة أيام ولياليهن" (3) .
__________
(1) الشيباني، محمد بن الحسن: الحجة. 4مج. ط3. تحقيق مهدي حسن الكيلاني القادري. بيروت: عالم الكتب. 1403هـ. ج1ص166. السرخسي: المبسوط. ج1ص235. الكاساني، علاء الدين: بدائع الصنائع. 7مج. ط2. بيروت: دار الكتاب العربي. 1982م. ج1ص93.
(2) السرخسي: المبسوط. ج1ص235. الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص93.
(3) السرخسي: المبسوط. ج1ص235.(1/9)
قال السرخسي: "فهو تنصيص على أنّ مدة السفر؛ لا تنقص عما يمكن استيفاء هذه الرخصة فيها. والمعنى فيه التخفيف؛ بسبب الرخصة؛ لما فيه من الحرج، والمشقة. ومعنى الحرج، والمشقة؛ أن يحتاج إلى أن يحمل رحله من أهله، ويجعله في غير أهله. وذلك لا يتحقق فيما دون الثلاثة؛ لأنّ في اليوم يحمل رحله من غير أهله، وفي اليوم الثاني إذا كان مقصده يحطه في غير أهله؛ فيتحقق معنى الحرج؛ لهذا قدرنا بثلاثة أيام ولياليها" (1) .
وقال الكاساني: "ولن يتصور أن يمسح المسافر ثلاثة أيام ولياليها، ومدة السفر أقل من هذه المدة" (2) .
وقال الكاساني: "مطلق الضرب في الأرض يقع على سير يسمى سفراً، والنزاع في تقديره شرعاً، والآية سكتت عن ذلك، وقد ورد الحديث بالتقدير؛ فوجب العمل به" (3) .
ولكثرة الروايات في مدة السفر، والتي قدرها الحنفية بالأيام. قال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة: "وقد جاء في هذا آثار مختلفة؛ فأخذنا في ذلك بالثقة، وجعلناه في مسيرة ثلاثة أيام ولياليها، فلأن يتم الرجل فيما لا يجب عليه؛ أحب إلينا أن يقصر فيما يجب فيه التمام" (4) .
القول الثاني في المذهب الحنفي: مسافة القصر يومان وأكثر الثالث:
عن أبي يوسف رحمه الله ، أنه قدَّر بيومين، والأكثر من اليوم الثالث؛ فأقام الأكثر من اليوم الثالث؛ مقام الكمال. وهكذا رواه الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله ، وابن سماعة عن محمد رحمهما الله (5) .
المطلب الخامس
مناقشة أدلة المذهب الحنفي في تقدير مسافة السفر
أولاً: استدلالهم بحديث سفر المرأة مع المحرم لثلاثة أيام.
__________
(1) السرخسي: المبسوط. ج1ص235.
(2) الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص93.
(3) الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص94.
(4) الشيباني: الحجة. ج1ص166.
(5) السرخسي: المبسوط. ج1ص236. الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص93.(1/10)
1- الرواية التي استدل بها علماء الحنفية، تقول: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسافر المرأة فوق ثلاثة أيام ولياليها، إلا معها زوجها، أو ذو محرم" (1) .
هذا النص بتمامه لم أعثر عليه في كتب الرواية؛ فلم أجد حديثاً واحداً يذكر ثلاثة أيام ولياليها. ولعل هذا ما جعل الكاساني، والسرخسي يقولان: "معناه ثلاثة أيام" (2) .
وهناك روايات صحيحة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - تذكر ثلاثة أيام، دون ذكر الليالي. فعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسافر المرأة ثلاثة أيام، إلا مع ذي محرم" (3) .
أما جمع الأيام مع الليالي، فهناك رواية يوم وليلة، وهي ما رواه أبو هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحلّ لامرأة تؤمن بالله، واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة؛ ليس معها حرمة" (4) .
وفي رواية أخرى ذكرت يومين وليلتين، فعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسافر المرأة يومين وليلتين إلا مع زوج، أو ذي محرم" (5) .
هذا من حيث التعليق على الحديث محل الاستدلال.
وأنبه هنا: أنه قد يطلق اليوم ويقصد به اليوم والليلة.
__________
(1) السرخسي: المبسوط. ج1ص235. الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص93.
(2) السرخسي: المبسوط. ج1ص235. الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص93.
(3) البخاري: صحيح البخاري. ج1ص368. النيسابوري، مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم. 5مج. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار إحياء التراث العربي. ج2ص975. واللفظ للبخاري.
(4) البخاري: صحيح البخاري. ج1ص369.
(5) ابن حبان، محمد: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان. 18مج. ط2. تحقيق شعيب الأرنؤوط. بيروت: مؤسسة الرسالة. 1414هـ/1993م. ج6ص436. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص138.(1/11)
قال ابن خزيمة: "العرب تذكر يوماً تريد بليلته، وليلة تريد بيومها. قال الله - عز وجل - : { قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزًا } [سورة آل عمران:41]. وقال - سبحانه وتعالى - : { قَالَ آَيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلَاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا } [سورة مريم: 10]؛ فبان، وثبت أنه أراد ثلاثة أيام بلياليها" (1) .
2- أما الاستدلال بحديث سفر المرأة مع المحرم لثلاثة أيام؛ فليس في محله، من جهة اعتباره مسافة القصر في السفر؛ فصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهي المرأة عن السفر، بلا محرم في ثلاثة أيام، وفي يومين، وليليتين، وفي يوم وليلة، وفي ثلاث ليال، وفي مطلق السفر.
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر؛ تسافر مسيرة يوم إلا مع ذي محرم" (2) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسافر المرأة يومين من الدهر، إلا معها ذو محرم منها، أو زوجها" (3) .
عن عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر، تسافر مسيرة ثلاث ليال، إلا ومعها ذو محرم" (4) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسافر المرأة ثلاثاً، إلا ومعها ذو محرم" (5) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسافر امرأة مسيرة ليلة إلا مع ذي محرم" (6) .
__________
(1) ابن خزيمة، محمد بن إسحاق. صحيح ابن خزيمة. 4مج. تحقيق د محمد مصطفى الأعظمي. بيروت: المكتب الإسلامي. 1390هـ/1970م. ج4ص135.
(2) النيسابوي: صحيح مسلم. ج2ص977.
(3) النيسابوي: صحيح مسلم. ج2976.
(4) النيسابوي: صحيح مسلم. ج2 ص975.
(5) النيسابوي: صحيح مسلم. ج2ص975.
(6) ابن خزيمة: صحيح ابن خزيمة. ج4ص135.(1/12)
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسافر المرأة إلا ومعها ذو محرم" (1) .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر يوماً واحداً ليس معها ذو محرم" (2) .
وهناك روايات أخرى حددت سفر المرأة بالأميال. والبريد، الذي هو أربعة فراسخ، والفرسخ ثلاثة أميال؛ فالبريد يساوي اثني عشر ميلاً.
1- عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسافر المرأة بريداً إلا مع ذي محرم" (3) .
2- وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "لا تسافر المرأة ثلاثة أميال إلا معها زوج، أو مع ذي محرم" (4) .
وعن الاختلاف في الروايات السابقة، قال البيهقي: "فأدّى كلُّ واحد منهم ما حفظ، ولا يكون عدد من هذه الأعداد حَدّاً في السفر" (5) .
وقال النووي عن حديث سفر المرأة: "ليس فيه أنّ السفر لا ينطلق إلا على مسيرة ثلاثة أيام، وإنما فيه أنه لا يجوز للمرأة أن تسافر بغير محرم، هذا السفر الخاص" (6) .
وقال النووي: "فحصل أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ، لم يُرد تحديد ما يقع عليه السفر؛ بل أطلقه على ثلاثة أيام، وعلى يومين، وعن يوم وليلة، وعلى يوم، وعلى بريد، وهو مسيرة نصف يوم؛ فدلّ على أنّ الجميع يسمى سفراً. والله أعلم" (7) .
__________
(1) ابن حبان: صحيح ابن حبان. ج6ص440.
(2) ابن حبان: صحيح ابن حبان. ج6ص438.
(3) أبو داود، سليمان بن الأشعث. سنن أبي داود. 4مج. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. دار الفكر. ج2ص140. ابن حبان: صحيح ابن حبان. ج6ص439 وقال الأرنؤوط: إسناده صحيح. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص139، ابن خزيمة: صحيح ابن خزيمة. ج4ص136.
(4) الطبراني: المعجم الكبير. ج2ص121.
(5) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص139.
(6) النووي: المجموع. ج4ص214.
(7) النووي: المجموع. ج4ص214،215.(1/13)
ثانياً: مناقشة قولهم بنينا على الأكثر باختيار رواية ثلاثة أيام:
مر معنا قول محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة رحمهما الله عن تعدد الروايات: "وقد جاء في هذا آثار مختلفة؛ فأخذنا في ذلك بالثقة، وجعلناه مسيرة ثلاثة أيام ولياليها؛ فلأن يتم الرجل فيما لا يجب عليه؛ أحب إلينا من أن يقصر فيما يجب فيه التمام" (1) .
وما ذهب إليه محمد بن الحسن رحمه الله يتعارض مع الرواية الصحيحة عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - أنّ نبي الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تسافر امرأة فوق ثلاث إلا مع ذي محرم" (2) .
فالأكثر ثلاث فما فوق، وليس ثلاثاً، بالإضافة إلى ما عند الحنفية القصر لمسافة يومين وأكثر الثالث؛ فهذه أيضاً تخالف الرواية المذكورة.
ويتبين مما سبق أنّ الاستدلال بحديث سفر المرأة لثلاثة أيام؛ يعتريه كثير من النقد؛ يطعن في اعتباره أساساً لمعرفة حدّ السفر.
ثالثاً: مناقشة استدلالهم أنّ الحرج يتحقق في مسيرة ثلاثة أيام.
وأما قولهم: الحرج يتحقق في سفر ثلاثة أيام؛ فكان القصر لرفع هذا الحرج؛ فأقول: كيف إذن إذا وقع الحرج في أقلِّ من ثلاثة أيام؛ ألا يصح له القصر؛ لرفع هذا الحرج؟ ولئن كان رفع الحرج، والمشقة؛ هو علة القصر في السفر؛ فإنّ هذا يزيل الخلاف الفقهي في مسافة القصر، ويريح ضمائر العباد في فعل هذه الرخصة الشرعية؛ ولكن الفقهاء الذين خاضوا غِمار الجدل الفقهي؛ لم يركزوا على هذا الأمر؛ وإن أشاروا إليه إشارة في تعليل مذاهبهم المستندة للمذهبين اللذين ذكرتهما في مسافة القصر؛ وهما اعتماد عنصر المسافة بالأميال، والثانية اعتماد عنصر الزمن بالأيام.
__________
(1) الشيباني: الحجة. ج1ص166.
(2) النيسابوي: صحيح مسلم. ج2ص976.(1/14)
ومن الانتقاد الموجه إلى قول الحنفية؛ ما قاله ابن حزم الظاهري: "ومن العجب أنّ الله تعالى ذكر القصر في الضرب في الأرض مع الخوف، وذكر الفطر في السفر، والمرض، وذكر التيمم عند عدم الماء في السفر، والمرض؛ فجعل هؤلاء حكم نهي المرأة عن السفر إلا مع ذي محرم، وحكم مسح المسافر؛ دليلاً على ما يقصر فيه، ويفطر، دون ما لا قصر فيه، ولا فطر، ولم يجعلوه دليلاً على السفر الذي يتيمم فيه، والسفر الذي لا يتيمم فيه" (1) .
وعن تقدير المسافة بالأيام قال: "ما هذه الأيام؟ أمِنْ حزيران؟ أم مِنْ أيام كانون الأول، فما بينهما؟" (2) .
رابعاًً: مناقشة الاستدلال بحديث المسح على الخفين للمسافر لثلاثة أيام:
عن شريح بن هانيء قال: أتيت عائشة رضي الله عنها، أسألها عن المسح على الخفين، فقالت: عليك بابن أبي طالب؛ فَسَلْه؛ فإنه كان يسافر مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؛ فسألناه؛ فقال: "جعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام ولياليهن للمسافر، ويوماً وليلة للمقيم" (3) .
فكيف أطلق الحنفية اسم السفر على مسافة ثلاثة أيام، واستدلوا بحديث المسح للمسافر؛ والمسافر يصح له المسح ليوم وليلة، وليومين. ولم يعتبروا مسافة القصر يوماً واحداً مع أنّ المسافر يصح له المسح ليوم واحد؛ إن سافر ليوم واحد. واعتبروا مسافة القصر لسفر ثلاثة أيام؟؟
قال الماوردي: "وأما حديث المسح؛ فلا حجة فيه؛ لأنه يقدر على مسح الثلاث في مسافة يوم وليلة؛ إذا سارها في ثلاث" (4) .
والمسافر إذا سافر يوماً مسح؛ فأي علاقة بمسافة ثلاثة أيام في مسافة القصر، وبين حديث المسح؟
والحديث حدَّ الحدّ الأقصى لمدة المسح؛ فما علاقته بقصر الصلاة في السفر؟
__________
(1) ابن حزم: المحلى. ج3ص208 ـ 209.
(2) ابن حزم: المحلى. ج3ص209.
(3) النيسابوي: صحيح مسلم. ج1ص232.
(4) الماوردي: الحاوي الكبير. ج2361.(1/15)
خامساًً: مناقشة الاستدلال بقول ابن عباس، وإحدى الروايتين عن ابن عمر - رضي الله عنهم - .
أما الاستدلال بقول ابن عباس رضي الله عنهما، والقول: إنّ قصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أيام بلياليهن؛ هي مذهبه؛ فهذا القول غير سديد؛ فكتب الرواية روت عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه قصر في أقلّ من ثلاثة أيام. فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إذا سافرت يوماً إلى الليل؛ فاقصر الصلاة" (1) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "يقصر الصلاة في مسيرة يوم وليلة" (2) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "تقصر الصلاة في اليوم التام، ولا تقصر فيما دون ذلك" (3) .
أما الروايات عن ابن عمر رضي الله عنهما؛ فرويت عنه روايات مختلفة، وأسلوب انتقاء الرواية في الاستدلال؛ غير سديد. و الله أعلم.
المطلب السادس
المذهب الثالث: مسافة القصر مطلق السفر وأقله ميل
وهذا مذهب علي بن حزم الظاهري (4) .
أدلة هذا المذهب:
1- قول الله - سبحانه وتعالى - : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } [النساء:101].
2- قول عمر، وعائشة، وابن عباس رضي الله عنهم: "إنّ الله فرض الصلاة على لسان نبيكم في السفر ركعتين" (5) .
قال ابن حزم: "ولم يخصّ الله تعالى، ولا رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، ولا المسلمون بأجمعهم، سفراً من سفر؛ فليس لأحد أن يخصه إلا بنص، أو إجماع متيقن" (6) .
__________
(1) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص137.
(2) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص200.
(3) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص202.
(4) ابن حزم: المحلى. ج3ص213.
(5) انظر النيسابوي: صحيح مسلم. ج1ص478، 479.
(6) ابن حزم: المحلى. ج3ص212.(1/16)
3- قال ابن حزم: "والسفر هو البروز عن محل الإقامة، وكذلك الضرب في الأرض؛ هذا الذي لا يقول أحد من أهل اللغة ـ التي بها خوطبنا، وبها نزل القرآن ـ سواه؛ فلا يجوز أن يخرج عن هذا الحكم إلا ما صح النص بإخراجه. ثم وجدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد خرج إلى البقيع؛ لدفن الموتى، وخرج إلى الفضاء؛ للغائط، والناس معه؛ فلم يقصروا، ولا أفطروا، ولا أفطر، ولا قصر؛ فخرج هذا عن أن يسمّى سفراً، وعن أن يكون له حكم السفر؛ فلم يجز لنا أن نوقع اسم السفر، وحكم السفر إلا على من سماه من هو حجة في اللغة سفراً؛ فلم نجد ذلك في أقل من ميل" (1) .
4- وقال ابن حزم: وقد روينا عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: "لو خرجت ميلاً؛ لقصرت الصلاة" (2) .
فأوقعنا اسم السفر في الفطر، والقصر على الميل فصاعداً؛ إذ لم نجد عربياً، ولا شريعياً عالماً؛ أوقع على أقلّ منه اسم سفر (3) .
5- واستدل ابن حزم بأقلّ مسافة القصر بحديث أنس - رضي الله عنه - أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر في ثلاثة أميال. قال: "فإنْ قيل: فهلاّ جعلتم الثلاثة الأميال كما بين المدينة، وذي الحُليفة حداً للقصر، والفطر؛ إذ لم تجدوا عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قصر، ولا أفطر في أقل من ذلك. قلنا: ولا وجدنا - عليه السلام - ؛ منع من الفطر، والقصر في أقل من ذلك (4) ؛ بل وجدناه - عليه السلام - أوجب عن ربه تعالى الفطر في السفر مطلقاً، وجعل الصلاة في السفر ركعتين مطلقاً؛ فصح ما قلناه" (5) .
__________
(1) ابن حزم: المحلى. ج3ص213.
(2) ابن حزم: المحلى. ج3ص213. وقال ابن حجر: "إسناده صحيح ": فتح الباري.ج2ص567.
(3) ابن حزم: المحلى. ج3ص213.
(4) قلت: إذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يحدّ الميل؛ فمن أين أتى به ابن حزم.
(5) ابن حزم: المحلى. ج3ص213-214.(1/17)
قال ابن تيمية: "فإنّ الأرض لا تذرع بذرع مضبوط في عامة الأسفار، وحركة المسافر تختلف، والواجب أن يطلق ما أطلقه صاحب الشرع - صلى الله عليه وسلم - ، ويقيد ما قيده؛ فيقصر المسافر في كلِّ سفر. وكذلك جميع الأحكام المتعلقة بالسفر من القصر، والصلاة على الراحلة، والمسح على الخفين" (1) .
وقال ابن تيمية: "ومن قسّم الأسفار إلى قصير، وطويل، وخصّ بعض الأحكام بهذا، وبعضها بهذا، وجعلها متعلقة بالسفر الطويل؛ فليس معه حجة يجب الرجوع إليها. والله - سبحانه وتعالى - أعلم" (2) .
المطلب السابع
بيان مقدار الميل الهاشمي بالكيلومترات
قدّر جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة مسافة القصر بالأميال، وهي عندهم ثمانيةٌ وأربعون ميلاً.
وقال ابن حزم الظاهري: "أقل مسافة القصر ميل واحد" (3) .
وصح أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر لمسافة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ.
وقبل أنْ أنتقل إلى بيان القول الراجح من أقوال العلماء في مسافة القصر؛ أبين مقدار الميل الذي اعتمده العلماء في تقدير المسافات.
نسبة الميل الهاشمي:
نسب الميل الهاشمي إلى هشم جدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - . وقيل: لأنّ هاشم جدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - هو الذي حدّ الحدود،وقدّر هذا الميل. وقيل: الهاشمي؛ لأنّ بني هاشم حدّدوه، وأعلموه (4) .
تعريف الميل:
__________
(1) ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم: مجموع فتاوى ابن تيمية. 35مج. ج24ص13.
(2) ابن تيمية: مجموع فتاوى ابن تيمية. ج24ص13.
(3) ابن حزم: المحلى. ج3ص215.
(4) المطرز، أبو الفتح ناصر الدين بن عبد: المغرب في ترتيب المعرب. تحقيق عبد الحميد فاخوري، وعبد الحميد مختار. 2مج. ط1. حلب: مكتبة أسامة بن منقذ. 1979م. ج2ص281.(1/18)
الميل في الأرض منتهى مدّ البصر (1) ؛ لأنّ البصر يميل عنه على وجه الأرض؛ حتى يفنى إدراكه، وبذلك جزم الجوهري (2) .
وقيل: "حدّه أن ينظر إلى الشخص في أرض مسطحة؛ فلا يدري أهو رجل، أو امرأة، أهو ذاهب، أو آت" (3) .
ويقال للأعلام المبنية في طريق مكة: (أميال)؛ لأنها بنيت على مقادير مدى البصر من الميل إلى الميل (4) .
وقيل: الميل الهاشمي؛ لأنّ بني هاشم حدّدوه، وأعلموه (5) .
وقيل: لأنّ هاشم جدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ هو الذي حدّ الحدود، وقدر هذا الميل.
مقدار الميل بالأقدام.
الميل اثنا عشر ألف قدم (6) .
مقدار الميل بالخطوات.
قيل: ألف خطوة للجمل (7) .
مقدار الميل بالذراع.
اختلف العلماء في تقدير الميل بالذراع؛ اختلافاً بعيداً. وأذكر أقوالهم فيه.
القول الأول:
الميل لا يقع في أقل من ألفي ذراع (8) .
القول الثاني:
__________
(1) ابن منظور، جمال الدين محمد: لسان العرب. 15. بيروت: دار صادر. ج11ص639. مادة ميل.
(2) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.
(3) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.
(4) ابن منظور: لسان العرب. ج11ص639. الفيومي، أحمد بن محمد: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. 2مج. صححه مصطفى السَّقا. مصر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي. ج2ص256.
(5) الفيومي: المصباح المنير. ج2ص256.
(6) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص569. البعلي، محمد بن أبي الفتح: المطلع على أبواب الفقه. تحقيق محمد بشير الإدلبي. 1مج. بيروت: المكتب الإسلامي. 1410هـ/1981م. ص104.
(7) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.
(8) ابن حزم: المحلى. ج3ص214. ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567. النفراوي، أحمد بن غنيم: الفواكه الدواني. 2مج. بيروت: دار الفكر. 1415هـ. ج1ص253.(1/19)
قال النووي: الميل ستة آلاف ذراع. والذراع أربعة وعشرون إصبعاً معترضة معتدلة. والإصبع ست شعيرات معترضة معتدلة (1) .
وقال ابن حجر: وهذا الذي قاله؛ هو الأشهر (2) .
القول الثالث:
هو: أربعة آلاف ذراع (3) .
القول الرابع:
وقيل: ثلاثة آلاف ذراع (4) .
القول الخامس:
ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع (5) .
القول السادس:
وقيل: خمسة آلاف ذراع ومائتان وخمسون ذراعاً بذراع الحديد المستعمل في مصر، والحجاز بعصر ابن حجر العسقلاني (6) .
قال الساعاتي (7) : الميل:
أربعة آلاف ذراع: وهو اختيار الحنفية.
ثلاثة آلاف وخمسمائة ذراع: عند المالكية.
ألفا ذراع: مشهور المذهب عند المالكية.
ستة آلاف ذراع: عند الشافعية، والحنابلة (8) .
__________
(1) النووي: المجموع. ج4ص260. ابن مفلح، إبراهيم بن محمد. المبدع شرح المقنع. 10مج. بيروت: المكتب الإسلامي. 1400هـ. ج2ص115.
(2) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567
(3) الفيومي: المصباح المنير. ج2ص256. ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.
(4) الفيومي: المصباح المنير. ج2ص256. ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.
(5) النفراوي: الفواكه الدواني. ج1ص253.
(6) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567
(7) البنا، أحمد عبد الرحمن: بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني. 24مج. القاهرة: دار الشهاب. ج5ص103. والكتاب على حاشية الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. للبنا نفسه.
(8) الميل عند الحنابلة. انظر: ابن مفلح، محمد: الفروع. 6مج. ط3. راجعه عبد الستار فراج. بيروت: عالم الكتب. 1388هـ. 1967م.
ج2ص54. ابن مفلح، إبراهيم: المبدع. ج2ص115، وعند الشافعية انظر: النووي: المجموع. ج4ص260. وعند المالكية: انظر: النفراوي: الفواكه الدواني. ج1ص253. وعند الحنفية: انظر: ابن عابدين، محمد أمين: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار. 12مج. ط1. تحقيق عادل عبد المقصود. وعلي معوض. بيروت: دار الكتب العلمية. 1415هـ/1995م. ج2ص602.(1/20)
مقدار الذراع
الذراع يساوي46.2سم. وقيل الذراع يساوي: ما بين طرفي المرفق إلى آخر الأصبع المتوسط، وهو ستة وثلاثون أصبعاً، كلُّ أصبع ست شعيرات بطن إحداهما إلى ظهر الأخرى (1) .
مقدار الميل بالكيلو مترات، وبيان مسافة القصر بالكيلومترات
مر سابقاً مقدار الميل بالذراع، وكذلك مقدار الذراع، وعليه نستطيع أن نعرف مقدار الميل بالكيلو مترات في زماننا، والذي سنرى فيه اختلافاً بين العلماء.
وقبل بيان ذلك أؤكد مرة أخرى على أنّ مسافة القصر عند جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة هي: ثمانية وأربعون ميلاً. وعلى أساسها سنحسب المسافة بالكيلو مترات.
القول الأول في مسافة القصر:
48 ميل. والميل 2000 ذراع. وهذا يساوي: 44.35 كم.
القول الثاني:
48 ميل. والميل يساوي 6000 ذراع. وهذا يساوي: 133.056 كم.
القول الثالث:
48 ميل. والميل يساوي 4000 ذراع. وهذا يساوي: 88.704 كم.
القول الرابع:
48 ميل. والميل يساوي 3000 ذراع. وهذا يساوي: 66.52 كم.
القول الخامس:
48 ميل. والميل يساوي 3500 ذراع. وهذا يساوي: 77.61 كم.
القول السادس:
48 ميل. والميل يساوي 5250 ذراع. وهذا يساوي: 16.42 كم.
مقدار المسافة التي قصر فيها الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالكيلومترات
الأولى: ثلاثة أميال: وعلى حساب الميل 4000 ذراع تكون: 5.54 كم.
الثانية: ثلاثة فراسخ. وهي تسعة أميال. وعلى حساب 4000 ذراع تكون مسافة القصر:16.63كم.
المطلب الثامن
القول الراجح في تحديد مسافة القصر
استعرضتُ في الصفحات السابقة مذاهب الفقهاء في مسافة القصر، وبينت أدلتهم، وأوضحت مذاهبهم، والأسس التي بنوا عليها تقدير مسافة القصر، وناقشت تلك الأدلة، وعلقت عليها بما قاله العلماء.
__________
(1) النفراوي: الفواكه الدواني. ج1ص253.(1/21)
وأوضحت مقدار الميل الهاشمي بالأذرع، والكيلو مترات، وظهر الخلاف الواضح بين الفقهاء في تحديد مقدار الميل، وأنّ التفاوت كبير في تقدير المسافات عند جمهور الفقهاء الذين قدروا مسافة القصر بثمانية وأربعين ميلاً؛ فأصبحت مسافة ثمانية وأربعين ميلاً متفاوتة تفاوتاً كبيراً؛ ولم تعد كلمة واحدة، ومسافة واحدة على ما تبادر. ومسافة القصر تعني لكل مذهب مسافة تختلف عن الأخرى.
وبعد تلك الصفحات الممتلئة بالأقوال، وأدلتها؛ أقول: إذا أمعنا النظر في استدلالات الفقهاء؛ نجدها ترتكز إلى:
1- الآية الكريمة: وهي قول الله - سبحانه وتعالى - : { وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا } [سورة النساء: 101].
والآية الكريمة ذكرت القصر في السفر مطلقاً، ولم تحدّ له مسافة، وإذا نظرنا في القرآن الكريم؛ نجد للآية الكريمة أمثالاً، منها قول الله - سبحانه وتعالى - : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا } [سورة النساء:94]. وقوله تعالى عن الشهادة في الوصية في حال السفر: { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ } [سورة المائدة: 106].(1/22)
أما الآية الأولى، قال القرطبي: "الضرب: السير في الأرض. تقول العرب: ضربت في الأرض؛ إذا سرت لتجارة، أو غزو، أو عمرة. وتقول: ضربت الأرض دون "في"؛ إذا قصدت حاجة الإنسان، ومنه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "لا يخرج الرجلان يضربان الغائط يتحدثان" (1) .
قال ابن قدامة: "ولا يكون ضارباً في الأرض حتى يخرج" (2) .
والآية الثانية: قول الله - سبحانه وتعالى - : { إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ } قال القرطبي: أي سافرتم (3) .
وواضح من الآيات السابقة؛ ترك تحديد المسافة التي يقطعها المسافر؛ لتنفيذ الأحكام الشرعية المذكورة في الآيات. وإنما علق الحكم على مقتضى السفر؛ بغض النظر عن المسافة المقطوعة؛ فالأصل كل ما سمي سفراً؛ يحمل المعنى المذكور.
2- الحديث الشريف الصحيح: وإذا ما دققنا في كتب الرواية التي نقلت أسفار النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ نجد الرواية الصحيحة تذكر أقل مسافة سافرها النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقصر فيها الصلاة؛ هي مسافة ثلاثة أميال. أو ثلاثة فراسخ: أي تسعة أميال.
فعن يحيى بن يزيد الهنائي قال: "سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن قصر الصلاة، فقال: "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ؛ صلى ركعتين" (4) .
__________
(1) القرطبي، محمد بن أحمد: الجامع لأحكام القرآن. 20مج. ط2. تحقيق أحمد عبد العليم البردوني. القاهرة: دار الشعب. 1372هـ. ج5ص336. انظر الحديث: ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد. 6مج. القاهرة: مؤسسة قرطبة. ج3ص36. أبو داود: سنن أبي داود. ج1ص51. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج1ص99. والحديث ضعفه الألباني: انظر: الألباني، محمد ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الضعيفة. 11مج. الرياض: مكتبة المعارف. ج11ص36.
(2) ابن قدامة: المغني. ج2ص97.
(3) القرطبي: الجامع لأحكام القرآن. ج6ص351.
(4) النيسابوي: صحيح مسلم. ج1ص481.(1/23)
وقال ابن حجر عن هذا الحديث الذي يبين مسافة القصر: "وهو أصح حديث ورد في بيان ذلك، وأصرحه" (1) .
وقال ابن قدامة الحنبلي: "التقدير بابه التوقيف؛ فلا يجوز المصير إليه برأي مجرد؛ سيما وليس له أصل يُرَدُّ إليه، ولا نظير يقاس عليه" (2) .
وقال ابن قدامة: "والحجّة مع من أباح القصر لكل مسافر، إلا أن ينعقد الإجماع على خلافه" (3) .
ومعلوم أنه لا يوجد إجماع بين العلماء على تحديد مسافة القصر؛ فقد "عدَّ ابن المنذر فيها عشرين قولاً" (4) .
وهناك رواية أخرى تؤيد رواية صحيح مسلم، في قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - لمسافة ثلاثة أميال. فعن أبي سعيد "أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - كان إذا سافر فرسخاً؛ قصر الصلاة" (5) . والفرسخ ثلاثة أميال.
محاولة تأويل قصره - صلى الله عليه وسلم - لمسافة ثلاثة أميال:
حاول بعض الفقهاء تأويل قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - لمسافة ثلاثة أميال؛ تأويلاً يُبعِدُ الاستدلال بالحديث محلِّ الدليل؛ فمنهم من قال: "يحتمل أنه أراد به إذا سافر سفراً طويلاً قصر؛ إذا بلغ ثلاثة أميال" (6) .
ومنهم من قال: "ليس معناه أنّ غاية سفره كانت ثلاثة أميال؛ بل معناه إذا سافر سفراً طويلاً؛ فتباعد ثلاثة أميال قصر" (7) .
الرد على محاولة تأويل قصره - صلى الله عليه وسلم - لمسافة ثلاثة أميال:
قال ابن حجر: "وقد حمله [الحديث] من خالفه على أنّ المراد به المسافة التي يبتدأ منها القصر؛ لا غاية السفر، ولا يخفى بُعْدُ هذا المحمل" (8) .
__________
(1) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.
(2) ابن قدامة: المغني. ج2ص91.
(3) ابن قدامة: المغني. ج2ص91.
(4) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص566.
(5) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص200. الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص529. والسند فيه ضعف.
(6) ابن قدامة: المغني. ج2ص91.
(7) النووي: المجموع. ج4ص214.
(8) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.(1/24)
وبيّن ابن حجر أنّ رواية البيهقي للحديث تردُ هذا المحمل وهي: ما رواه يحيى بن هانيء قال: سألت أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن قصر الصلاة، وكنت أخرج إلى الكوفة؛ فأصلي ركعتين؛ حتى أرجع. فقال أنس - رضي الله عنه - : "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ ـ شك شعبة ـ؛ قصر الصلاة (1) .
فهذه الرواية صريحة في ردّ ادعاء ما حمله بعض الفقهاء؛ في تأويل قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - مسافة ثلاثة أميال، أو فراسخ. وهي رواية صريحة تنص على أنه سأل أنس بن مالك - رضي الله عنه - عن قصر الصلاة، ولم يسأله عن مكان ابتداء قصر الصلاة؛ بدليل قوله "كنت أقصر إذا خرجت من الكوفة إلى البصرة؛ حتى أرجع". فيحيى سأل أنس - رضي الله عنه - عن قصر الصلاة بتلك المسافة من البصرة إلى الكوفة؛ فأجابه أنس قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ لثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ.
وهناك رواية أخرى تؤكد قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسافة أقل من ثمانية وأربعين ميلاً، وهي رواية صحيحة.
عن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السِّمْط إلى قرية على رأس سبعة عشر، أو ثمانية عشر ميلاً؛ فصلى ركعتين؛ فقلت له، فقال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فقال: "إنما أفعل كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل" (2) .
وهذه رواية تتحدث عن سفر من أسفار النبي - صلى الله عليه وسلم - .
قال ابن حزم: "لو كان هذا السفر في طريق الحج؛ لم يسأله، ولا أنكر ذلك" (3) .
ومعلوم أنّ المسافر يصح له القصر؛ إذا فارق بيوت بلده، وليس لذلك مسافة محددة؛ فمن أين أتى التأويل المذكور؟
__________
(1) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص146.
(2) النيسابوي: صحيح مسلم. ج1ص481.
(3) ابن حزم: المحلى. ج2ص198.(1/25)
وهذا يدلّ على أنّ القصر؛ ليس قصراً في طريق الحج، ولا هو موضع التباعد عن المدينة؛ ليبدأ منه القصر؛ كما أنّ جماهير الفقهاء يقولون بالقصر؛ إذا فارق بنيان بلده، ولا يتعلق ذلك بمسافة محددة، أو قياس معيّن.
وقال ابن القيم: "ولم يَحُدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لأمته مسافة محددة للقصر، والفطر؛ بل أطلق ذلك في مطلق السفر، والضرب في الأرض؛ كما أطلق لهم التيمم في كلِّ سفر. وأما ما يروى بالتحديد باليوم، أو اليومين، أو الثلاثة؛ فلم يصح عنه شيء البتة. والله أعلم" (1) .
ويتضح مما سبق أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - قصر لمسافة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ، وكلُّ تأويل لهذا القصر؛ بعيد عن حقيقة الرواية. وإذا أخذنا بالأحوط من جهة الرواية؛ تكون مسافة قصره - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة فراسخ، وتساوي تسعة أميال.
3- الروايات عن الصحابة الكرام - رضي الله عنهم - :
استدل جمهور الفقهاء، وكذلك فقهاء الحنفية، وغيرهم بروايات تؤيد ما ذهبوا إليه عن الصحابة - رضي الله عنهم - ، وعلى رأسهم ابن عباس، وابن عمر - رضي الله عنهم - . وسبق لي أن ذكرت هذه الروايات، وما يخالفها أيضاً.
والذي أريد أن أصل إليه أمرين:
الأول: إنّ هناك روايات عن الصحابة - رضي الله عنهم - ؛ تثبت أنهم قصروا الصلاة؛ لثلاثة أميال كما فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - .
فعن اللجلاج قال: "كنا نسافر مع عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - ؛ فنسير ثلاثة أميال؛ فيتجوَّز في الصلاة ويقصر" (2) .
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "يقصر الصلاة في مسيرة ثلاثة أميال" (3) .
__________
(1) ابن القيم، محمد بن أبي بكر: زاد المعاد في هدي خير العباد. 5مج. ط1. تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط. بيروت: مؤسسة الرسالة. الكويت: مكتبة المنار الإسلامية. 1399هـ/1979م. ج1ص481.
(2) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص202.
(3) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص200.(1/26)
وعن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما "أنه كان يقيم بمكة؛ فإذا خرج إلى منى؛ قصر" (1) .
وعن نافع "أنّ ابن عمر تيمّم، وصلى العصر، وبينه وبين المدينة ميل أو ميلين، ثم دخل المدينة، والشمس مرتفعة؛ فلم يُعِد" (2) .
وهناك روايات عن الصحابة - رضي الله عنهم - ، قصروا الصلاة فيها، لأقل من ثلاثة أميال.
روى محارب بن دينار قال: سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "إني لأسافر الساعة من النهار؛ فأقصر" (3) .
ومحارب بن دينار قاضي الكوفة من كبار التابعين أحد الأئمة (4) .
وروى الثوري عن ابن عمر رضي الله عنهما يقول: "لو خرجت ميلاً؛ قصرت الصلاة" (5) .
وقال ابن حجر عن الروايتين السابقتين: "إسناد كل منهما صحيح" (6) .
وهذه الروايات تؤكد أنّ القصر يتعلق بما يسمى سفراً؛ بغض النظر عن المسافة المقطوعة، أو المدة الزمنية المستغرقة.
الأمر الثاني: وهو يتعلق بالروايات عن الصحابة - رضي الله عنهم - .
الروايات المروية عن الصحابة - رضي الله عنهم - ؛ اختلفت عن الصحابي الواحد، وتضاربت الروايات؛ فكيف بمن خالفه من بقية الصحابة - رضي الله عنهم - .
أمثلة للروايات المختلفة عن الصحابة في مسافة القصر:
قال ابن قدامة: "روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه كان يقصر في مسيرة عشرة فراسخ.
قال ابن المنذر: ثبت أنّ ابن عمر رضي الله عنهما كان يقصر إلى أرض له، وهي ثلاثون ميلاً.
__________
(1) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص206.
(2) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج1ص229. الحاكم: المستدرك. ج1ص289. الدارقطني: سنن الدارقطني. ج1ص186. البيهقي: سنن البيهقي. ج1ص231.
(3) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص202.
(4) ابن حزم: المحلى. ج3ص199.
(5) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.
(6) ابن حجر: فتح الباري. ج2ص567.(1/27)
وروي نحو ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، فإنه قال: يقصر في اليوم، ولا يقصر فيما دونه. ويروى عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أنه يقصر في مسيرة ثلاثة أيام.
قال الأوزاعي: كان أنس - رضي الله عنه - يقصر فيما بينه، وبين خمسة فراسخ.
وروي عن علي - رضي الله عنه - أنه خرج من قصره بالكوفة حتى أتى النخيلة؛ فصلى بها الظهر، والعصر ركعتين، ثم رجع من يومه، فقال: أردت أن أعلمكم سُنة نبيكم (1) .
عن جبير بن نفير قال: خرجت مع شرحبيل بن السِّمْط إلى قرية على رأس سبعة عشر، أو ثمانية عشر ميلاً؛ فصلى ركعتين. فقلت له، فقال: رأيت عمر صلى بذي الحليفة ركعتين، فقلت له، فقال: "إنما أفعل؛ كما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعل" (2) .
وروي أنّ دحية الكلبي خرج من قرية في دمشق مرة إلى قدر ثلاثة أميال في رمضان، ثم إنه أفطر، وأفطر معه أناس، وكره آخرون أن يفطروا" (3) (4) .
ولهذا وجدنا العالِم الحنبلي أبا القاسم الخرقي يقول: "ولا أرى لما صار إليه الأئمة حجة؛ لأن أقوال الصحابة متعارضة مختلفة؛ ولا حجة فيها مع الاختلاف" (5) .
وقال ابن تيمية: "فليس الكتاب، ولا السنة يخصان سفراً دون سفر، لا بقصر، ولا بفطر، ولا تيمم، ولم يحدّ النبي - صلى الله عليه وسلم - مسافة القصر بحدٍّ زماني ولا مكاني، والأقوال في ذلك متعارضة؛ ليس على شيء منها حُجّة، وهي متناقضة" (6) .
__________
(1) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص200.
(2) النيسابوي: صحيح مسلم. ج1ص481.
(3) أبو داود: سنن أبي داود. ج2ص319.
(4) ابن قدامة: المغني. ج2ص91.
(5) ابن قدامة: المغني. ج2ص91.
(6) ابن تيمية: مجموع الفتاوى. ج24ص13.(1/28)
ويرجح ابن تيمية القصر في السفر الطويل، والقصير. قال: "لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يوقِّت للقصر مسافة، ولا وقتاً، وقد قصر خلفه أهل مكة بعرفة، ومزدلفة، وهذا قول كثير من السلف، والخلف؛ وهو أصح الأقوال في الدليل؛ ولكن لا بدّ أن يكون ذلك مما يُعدّ في العرف سفراً" (1) .
والذي أريد أن أذهب إليه في مسألة الروايات المختلفة عن الصحابة؛ هو اعتماد الرواية عنهم فيما اتفق مع فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وما صحت الرواية عنه - صلى الله عليه وسلم - . وأما ما عارض فعله - صلى الله عليه وسلم - وما صح عنه - صلى الله عليه وسلم - ؛ فيعدّ من الحالات التي وقعت في حياتهم، وقصروا - رضي الله عنهم - فيها، ولا تُعارِض قصر النبي - صلى الله عليه وسلم - في مسافة ثلاثة أميال، أو ثلاثة فراسخ؛ بل تدل كلها أنهم كانوا يقصرون - رضي الله عنهم - ؛ لكل ما يسمى سفراً. والله أعلم.
4- تقدير الأميال الهاشمية (48ميلاً) بالكيلو مترات:
تعدّ مسألة تقدير الأميال الهاشمية بالكيلومترات، من المسائل المشتتة لمذهب جمهور الفقهاء؛ بتقدير المسافة بتلك الأميال، وحسابها بالمقاييس الحديثة في زماننا؛ فهناك فوارق كبيرة في تقدير تلك الأميال؛ فأقل تقدير لها: 44 كم، وأكبر تقدير لها: 133 كم. وإذا اعتمدنا الأشهر على ترجيح ابن حجر: تكون 116كم. وإذا اعتمدنا الأقل 44 كم، يكون الفرق بين أقل تقدير وأكبر تقدير 89كم، وهي مسافة لا يستهان بها في المقاييس.
وهذه مشكلة أخرى تبرز فيما ذهب إليه جمهور الفقهاء من أنّ مسافة القصر ثمانية وأربعون ميلاً. والاختلاف الشديد في تقديرها بالمقاييس المعاصرة.
__________
(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى. ج24ص15.(1/29)
وهذا يجعلنا نتشبث أكثر بالرواية الصحيحة في قصر الصلاة، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، والروايات التي وافقتها عن الصحابة - رضي الله عنهم - ؛ ففيها المخرج من الخلاف الفقهي، والجدل العلمي، وأنجى، وأَسْلم. والله أعلم.
خلاصة القول:
بعد هذا العرض والمناقشات أقول: إنّ الأسلم للباحث بعد هذا الجهد أن يقول: إنه لا نكير على من قصر في ثلاثة فراسخ، وهي مسافة تسعة أميال، أو مسافة ثلاثة أميال في رواية؛ لقوة هذا المذهب في أدلته، وعلى رأسها فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفعل عدد من الصحابة - رضي الله عنهم - . ومن اطمأنت نفسه لقصر المسافة في ثمانية وأربعين ميلاً على الاختلاف البعيد بمساواتها بالكيلومترات؛ فله ذلك.
فالقصر رخصة على التخيير، وصدقة من العلي القدير، وسنة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - ، البشير النذير. والأولى فعلها، ولا يأثم المسافر بتركها. والله تعالى أعلم.
قال ابن تيمية: "ولكن هذه مسائل اجتهاد؛ فمن فعل بقول بعض العلماء؛ لم يُنكر عليه" (1) . والله أعلم.
المبحث الثاني
مدّة القصر
المطلب الأول
المدة التي يباح للمسافر القصر فيها
للعلماء في المدة التي يباح للمسافر القصر فيها مذاهب، وسأعرض أشهر مذاهبهم بأدلتها، وأبين الراجح منها، وعدَّ النووي في مدة القصر أقوالاً منها:"
1- أربعة أيام غير يومي الدخول، والخروج: وهو مذهب الشافعية، وقول عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وابن المسيب، ومالك، وأبي ثور.
2- خمسة عشر يوماً مع يوم الدخول: مذهب الحنفية، والثوري، والمزني، ورواية عن ابن عمر.
3- اثنا عشر يوماً: وهو قول الأوزاعي، وابن عمر في رواية، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة.
4- تسعة عشر يوماً: وهو قول ابن عباس، وإسحاق بن راهويه.
5- عشرة أيام: مذهب الحسن بن صالح.
6- أكثر من خمسة عشر يوماً: قول أنس، وابن عمر، وسعيد بن جبير والليث.
__________
(1) ابن تيمية: مجموع الفتاوى. ج24ص15-16.(1/30)
7- ما يزيد على أربعة أيام: مذهب أحمد.
8- اثنان وعشرون صلاة: رواية عن أحمد.
9- ثلاثة أيام: مذهب سعيد بن المسيب.
10- يقصر إلا أن يدخل مصراً من الأمصار: وهو قول الحسن البصري، وعن عائشة نحوه.
11- يوم وليلة: قول إسحاق بن راهويه، ورواية عن أنس، وابن عمر.
12- يقصر أبداً؛ حتى يدخل وطنه، أو بلداً له فيه أهل، أو مال: قول إسحاق بن راهويه" (1) .
13- عشرون يوماً، فإن نوى إقامة مدة صلاة واحدة فأكثر؛ أتم: قول ابن حزم (2) .
المطلب الثاني
أشهر المذاهب في مدة القصر
المذهب الأول: مدة القصر أربعة أيام:
وهذا قول جمهور العلماء من المالكية، والشافعية، والحنابلة (3) .
وعند الحنابلة لمن نوى إقامة اثنتين وعشرين صلاة (4) .
الأدلة:
أولاً: استدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : "يقيم المهاجر بمكة بعد قضاء نسكه ثلاثاً" (5) .
وهو ما رواه العلاء بن الحضرمي قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "للمهاجر إقامة ثلاث بعد الصَّدر بمكة" (6) .
قال النووي: "لأنّ المهاجرين - رضي الله عنهم - حرم عليهم الإقامة، ثم رخص لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : أن يقيموا ثلاثة أيام" (7) .
واستثناء الثلاثة؛ دلّ على أنها ليست بإقامة، وإنّ ما زاد عليها إقامة (8) .
__________
(1) النووي: المجموع. ج4ص244.
(2) ابن حزم: المحلى. ج3ص216.
(3) ابن أنس: المدونة الكبرى. ج1ص207. الشافعي: الأم. ج1ص215. ابن مفلح، محمد: الفروع. ج2ص63.
(4) ابن مفلح، إبراهيم: المبدع. ج2ص121.
(5) الشافعي: الأم. ج1ص215. ابن مفلح، إبراهيم: المبدع. ج2ص122.
(6) البخاري: صحيح البخاري. ج3ص1431. النيسابوي: صحيح مسلم. ج2ص985. واللفظ له.
(7) النووي: المجموع. ج4ص238.
(8) البغدادي، عبد الوهاب بن علي: المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس. 3مج. تحقيق جميش عبد الحق. بيروت: دار الفكر. ج1ص270.(1/31)
وقال ابن عبد البَرّ: "فوجب بهذا أن يكون من نوى التمام أكثر من ثلاث؛ فهو مقيم، ومن كان مقيماً؛ لزمه الإتمام" (1) .
ثانياً: أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقصر بمنى ثلاثاً (2) .
ثالثاً: أجلى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - اليهود من الحجاز، ثم أذن لمن قدم تاجراً؛ أن يقيم ثلاثاً (3) .
وأما رواية عمر - رضي الله عنه - ؛ فهي: أنه "كان عمر - رضي الله عنه - لا يدع اليهودي، والنصراني، والمجوسي؛ إذا دخلوا المدينة؛ أن يقيموا بها إلا ثلاثاً قدر ما يبيعون سلعتهم" (4) .
وفي رواية أخرى عن نافع عن أسلم مولى عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - عنه "ضرب لليهود، والنصارى، والمجوس بالمدينة إقامة ثلاث ليال يتسوقون بها، ويقضون حوائجهم، ولا يقيم أحد منهم فوق ثلاث ليال" (5) .
رابعاً: كان عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ، وسعيد بن المسيب يقولان: "إذا أجمع المسافر على المقام أربعة أيام؛ أتم الصلاة" (6) .
ورواية سعيد بن المسيب رواها عنه قتادة عن سعيد قال: "إذا أقمت بأرض أربعاً؛ فصلِّ أربعاً" (7) .
وفي رواية عنه: "من أجمع على إقامة أربع ليال، وهو مسافر؛ أتمّ الصلاة" (8) .
__________
(1) ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله : الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار. 30مج. ط1. تحقيق د عبد المعطي أمين قلعجي. دمشق، بيروت: دار قتيبة. وحلب، القاهرة: دار الوعي. 1414هـ/1993م. ج6ص102.
(2) الشافعي: الأم. ج1ص215.
(3) الشافعي: الأم. ج1ص215. ابن مفلح، إبراهيم: المبدع. ج2ص122.
(4) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج10ص357.
(5) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص148.
(6) ابن أنس: المدونة الكبرى. ج1ص 209.
(7) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص534. ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص209.
(8) ابن أنس: الموطأ. ج1ص149. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص148.(1/32)
وقال مالك: "وذلك أحب ما سمعت إليّ" (1) .
المذهب الثاني: مدة القصر خمسة عشر يوماً.
وهو مذهب الحنفية، وقول ابن عمر رضي الله عنهما (2) .
وهو مروي عن ابن عباس رضي الله عنهما (3) .
قال الكاساني: "معناه لا يتوصل إليه بالاجتهاد؛ ولأنه من جملة المقادير، ولا يظن بهما التكلم فيه جزافاً؛ فالظاهر أنهما قالاه سماعاً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " (4) .
الأدلة:
أولاً: عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أقام النبي - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة؛ يقصر الصلاة" (5) .
وفي رواية أخرى: "أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمكة خمس عشرة ليلة؛ يصلي ركعتين" (6) .
ثانياً: رواية ابن عمر رضي الله عنهما (7) .
وفي رواية أخرى، عن مجاهد كان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قدم مكة؛ فأراد أن يقيم خمس عشرة ليلة؛ سرّح ظهره؛ فأتم الصلاة (8) .
__________
(1) ابن أنس: الموطأ. ج1ص149.
(2) السرخسي: المبسوط. ج1ص236. الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص97.
(3) الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص97.
(4) الكاساني: بدائع الصنائع. ج1ص97.
(5) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص151. ابن ماجه، محمد بن يزيد: سنن ابن ماجه. 2مج. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار الفكر. ج1ص342. ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص207. قال ابن حجر عن هذه الرواية: ضعفها النووي في الخلاصة؛ وليس بجيد؛ لأنّ رواتها ثقات. انظر: ابن حجر: فتح الباري. ج2ص562.
(6) النسائي، أحمد بن شعيب: سنن النسائي. 8مج. ط2. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية. 1406هـ/1986م. ج3ص121. أبو داود: سنن أبي داود. ج2ص10.
(7) الشيباني: الحجة. ج1ص173. الترمذي: سنن الترمذي. ج2ص432.
(8) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص534. ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص208.(1/33)
وفي رواية كتب عبيد الله بن عمر إلى ابن عمر رضي الله عنهما وهو بأرض فارس: إنّا مقيمون إلى الهلال؛ فكتب أن أصلي ركعتين (1) .
ثالثاً: وعن سعيد بن المسيب قال: "إذا أزمعت قيام خمس عشرة ليلة؛ فأتم الصلاة" (2) .
وروى مثله محمد بن الحسن عن سعيد (3) .
رابعاً: عن سعيد بن جبير قال: إذا أقمت أكثر من خمس عشرة؛ فأتم الصلاة (4) .
وقال السرخسي: "وإنما قدرنا بخمسة عشر يوماً؛ لأنّ التقدير إنما يكون بالأيام، أو بالشهور، والمسافر لا يجد بدّاً من المقام في المنازل أياماً للاستراحة، أو لطلب الرفقة؛ فقدرنا أدنى مدة الإقامة بالشهور؛ وذلك نصف شهر" (5) .
خامساً: لأنّ مدة الإقامة في معنى الطهر؛ لأنه يعيد ما سقط من الصوم والصلاة؛ فكما يتقدر أدنى مدة الإقامة في معنى الطهر بخمسة عشر يوماً؛ فكذلك أدنى مدة الإقامة؛ ولهذا قدرنا أدنى مدة السفر بثلاثة أيام اعتباراً بأدنى مدة الحيض (6) .
المطلب الثالث
القول الراجح في مدة القصر
للمسافر القصر؛ وإن طالت مدة السفر؛ ما لم ينو الإقامة
الأدلة السابقة التي استدل بها العلماء على المدة التي يجوز للمسافر أن يقصرها؛ أرى فيها أنها حالات وقعت في أسفار النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأسفار الصحابة - رضي الله عنهم - .
وهذه الحالات لم تكن لتحديد مدة معينة محدودة للسفر، لا يجوز تجاوزها؛ بقدر ما بينت وقائع حدثت في أسفار النبي - صلى الله عليه وسلم - .
__________
(1) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص534.
(2) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص535. ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص208.
(3) الشيباني: الحجة. ج1ص173.
(4) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص209.
(5) السرخسي: المبسوط. ج1ص236.
(6) السرخسي: المبسوط. ج1ص236.(1/34)
وبالإضافة إلى ذلك لم نجد رواية واحدة تنص على مدة القصر صراحة، أو قولاً واحداً؛ يأمر بمدة القصر، أو ينهى عن الزيادة على مدة معينة للقصر؛ وبالتالي كان تعيين مدة محددة بناء على الوقائع، والأفعال؛ أمراً ليس سهلاً، وصعب التحقق.
ووجدنا علماء أجلاء؛ اعتمدوا على تحديد مدة القصر على رواية، وأوّلوا كل رواية تتعارض مع المدة التي حددوها، وأجهدوا أنفسهم في التأويل، والتحليل؛ لتستقر في نظرهم المدة التي اعتمدوها.
وهناك جملة من الأدلة التي تؤكد أنّ الأصل في مدة القصر، أن يقصر المسافر؛ ما لم ينو الإقامة؛ وإن طالت المدة.
وقبل ذلك أذكر أقوالاً للفقهاء في هذه المسألة.
قال ابن المنذر: "أجمع أهل العلم أنّ للمسافر أن يقصر؛ ما لم يُجْمِع على إقامة، ولو أتى عليه سنون" (1) .
وعن عامر الشعبي قال: "كنت أقيم سنة، أو سنتين؛ أصلي ركعتين" (2) .
وعن مسروق: أقام سنتين يصلي ركعتين بالسلسلة؛ فقيل: ما حملك على هذا يا أبا عائشة؟ قال: التماس السنة (3) .
وعن الحسن قال: يصلي ركعتين؛ وإن أقام سنة (4) .
وعن علقمة أنه أقام بخوارزم سنتين؛ فصلى ركعتين (5) .
الأدلة:
1- عن يحيى بن أبي إسحاق قال: سمعت أنساً - رضي الله عنه - يقول: "خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة إلى مكة؛ فكان يصلي ركعتين، ركعتين؛ حتى رجعنا إلى المدينة. قلت: كم أقمتم بمكة شيئاً؟ قال: أقمنا بها عشراً" (6) .
__________
(1) ابن قدامة، عبد الرحمن: الشرح الكبير. ج2ص112.
(2) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص538.
(3) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص537. ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص208.
(4) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص537.
(5) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص536. ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص208.
(6) البخاري: صحيح البخاري. ج1ص191. النيسابوي: صحيح مسلم. ج1ص481.(1/35)
فالرواية صريحة عن أنس - رضي الله عنه - أنّ قصره - صلى الله عليه وسلم - استمر طيلة بقائه في مكة، وانتهى برجوعه إلى المدينة، وأن ذلك استغرق عشراً. فمدة العشر لم تدل على أنها مدة محددة للقصر؛ بقدر ما دلت أنها مدة السفر الذي تم القصر فيه.
2- وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - "أقام بتبوك عشرين يوماً؛ يقصر الصلاة" (1) .
3- عن سالم بن عبد الله أنّ عبد الله بن عمر كان يقول: "أصلي صلاة المسافر؛ ما لم أُجمِع مكثاً؛ وإن حبسني ذلك اثنتي عشرة ليلة" (2) .
4- عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "أقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بخيبر أربعين ليلة؛ يقصر الصلاة" (3) .
5- عن نافع: أنّ ابن عمر رضي الله عنهما أقام بأذربيجان ستة أشهر؛ يقصر الصلاة. وكان يقول: إذا أزمعت "نويت" إقامة؛ فَأَتِمّ (4) .
وفي رواية عن ابن عمر: قال: "يا أيها الرجل كنت بأذربيجان لا أدري قال: أربعة أشهر، أو شهرين؛ فرأيتهم يصلونها ركعتين، ركعتين" (5) .
__________
(1) ابن حنبل: مسند أحمد. ج3ص295. أبو داود: سنن أبي داود. ج2ص11. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص152، ابن حبان: صحيح ابن حبان. ج5ص456. الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص532، ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص208.
(2) ابن أنس، مالك: الموطأ برواية محمد بن الحسن. 3مج. ط1. تحقيق د تقي الدين الندوي. دمشق: دار القلم. 1413هـ/1991م. ج1ص295. الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص533.
(3) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص533. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص152.
(4) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص533. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص152.
(5) ابن حنبل: مسند أحمد. ج2ص154.(1/36)
6- عن عبد الرحمن بن المسْوَر عن سعد قال: "كنا معه بالشام شهرين، فكنا نتم، وكان يقصر، فقلنا له؛ فقال: إنّا نحن أعلم" (1) .
7- عن زكريا بن عمر أنّ سعد بن أبي وقاص وفد إلى معاوية، فأقام عنده شهراً يقصره (2) .
8- عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة قال: كنا معه في بعض بلاد فارس سنتين، وكان لا يجمِّع، ولا يزيد على ركعتين (3) .
9- إنّ أنس بن مالك - رضي الله عنه - "أقام بالشام شهرين مع عبد الملك بن مروان؛ يصلي ركعتين ركعتين" (4) .
10- عن زائدة بن عمير قال: قلت لابن عباس: "إني أخرج مسافراً؛ فأقيم سنين؛ فأقصر؟ قال: ليس بقصر؛ ولكن تمام؛ فصلِّ ركعتين" (5) .
11- سأل رجل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما؛ فقال: "يا أبا عبد الرحمن، آتي المدينة طالب حاجة؛ فأقيم بها السبعة الأشهر؛ فكيف أصلي؟ قال: صلِّ ركعتين ركعتين" (6) .
12- عن سعيد بن جبير قال: "إذا وضعت رحلك بأرض؛ فأتمَّ الصلاة" (7) .
13- سأل رجل ابن عباس رضي الله عنهما قال: "إني أقيم بالمدينة حولاً، لا أشدّ على سير. قال: صلِّ ركعتين" (8) .
14- عن أبي جمرة نصر بن عمران قال لابن عباس: "إنا نطيل القيام بالغزو بخراسان؛ فكيف ترى؟ فقال: صل ركعتين؛ وإن أقمت عشر سنين" (9) .
__________
(1) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص535. ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص207.
(2) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص535.
(3) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص536.
(4) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص536. البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص152.
(5) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص537.
(6) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص539.
(7) الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. ج2ص539.
(8) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص207.
(9) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص207.(1/37)
15- عن الحسن أنّ عبد الرحمن بن سمرة "شتّى بكابل شتوة، أو شتوتين؛ يصلي ركعتين" (1) .
16- عن الحسن أنّ أنس بن مالك - رضي الله عنه - "أقام بنيسابور سنة، أو سنتين؛ يصلي ركعتين، ثم يسلم، ثم يصلي ركعتين" (2) . وقال الهيثمي: "رجاله موثوقون" (3) .
17- عن أنس - رضي الله عنه - : "أنّ أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أقاموا برامهرمز تسعة أشهر؛ يقصرون الصلاة" (4) .
كشاف المراجع
كتب التفسير
القرطبي، محمد بن أحمد: الجامع لأحكام القرآن. 20مج. ط2. تحقيق أحمد عبد العليم البردوني. القاهرة: دار الشعب. 1372هـ.
كتب الحديث
ابن أبي شيبة، أبو بكر عبد الله بن محمد: مصنف ابن أبي شيبة. 7مج. ط1. تحقيق كمال يوسف الحوت. الرياض: مكتبة الرشد. 1409هـ.
ابن الجوزي، عبد الرحمن بن علي: التحقيق في أحاديث الخلاف. 2مج. ط1. تحقيق مسعد السعدني. بيروت: دار الكتب العلمية. 1415هـ.
ابن أنس، مالك: الموطأ برواية محمد بن الحسن. 3مج. ط1. تحقيق د تقي الدين الندوي. دمشق: دار القلم. 1413هـ/1991م.
ابن أنس، مالك: الموطأ برواية يحيى الليثي. 2مج. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. مصر: دار إحياء التراث العربي.
ابن حبان، محمد: صحيح ابن حبان بترتيب ابن بلبان. 18مج. ط2. تحقيق شعيب الأرنؤوط. بيروت: مؤسسة الرسالة. 1414هـ/1993م.
ابن حجر، أحمد بن علي: فتح الباري شرح صحيح البخاري. 13مج. بيروت: دار المعرفة. 1379هـ.
ابن حنبل، أحمد: مسند أحمد. 6مج. القاهرة: مؤسسة قرطبة.
__________
(1) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص208.
(2) ابن أبي شيبة: مصنف ابن أبي شيبة. ج2ص208. الطبراني: المعجم الكبير. ج1ص243.
(3) الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. 10مج. بيروت: دار الفكر. 1412هـ. ج2ص161.
(4) البيهقي: سنن البيهقي الكبرى. ج3ص152.(1/38)
ابن خزيمة، محمد بن إسحاق. صحيح ابن خزيمة. 4مج. تحقيق د محمد مصطفى الأعظمي. بيروت: المكتب الإسلامي. 1390هـ/1970م.
ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله : التمهيد. 22مج. تحقيق مصطفى بن أحمد العلوي، ومحمد عبد الكبير البكري. المغرب: وزارة عموم الأوقاف والشؤون الإسلامية. 1387هـ.
ابن ماجه، محمد بن يزيد: سنن ابن ماجه. 2مج. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار الفكر.
أبو داود، سليمان بن الأشعث. سنن أبي داود. 4مج. تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد. دار الفكر.
الألباني، محمد ناصر الدين: سلسلة الأحاديث الضعيفة. 11مج. الرياض: مكتبة المعارف.
البخاري، محمد بن إسماعيل: صحيح البخاري. 6مج. ط3. بيروت: دار ابن كثير، اليمامة. تحقيق د مصطفى ديب البغا. 1407هـ/1987م.
البنا، أحمد عبد الرحمن: بلوغ الأماني من أسرار الفتح الرباني. 24مج. القاهرة: دار الشهاب. والكتاب على حاشية الفتح الرباني لترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل الشيباني. للبنا نفسه.
البيهقي، أحمد بن الحسين: سنن البيهقي الكبرى. 10مج. تحقيق محمد عبد القادر عطا. مكة المكرمة: مكتبة الباز. 1414هـ/1994م.
الترمذي، محمد بن عيسى: سنن الترمذي. 5مج. تحقيق أحمد شاكر وآخرون. بيروت: دار إحياء التراث العربي.
الحاكم، محمد بن عبد الله : المستدرك على الصحيحين. 4مج. ط1. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا. بيروت: دار الكتب العلمية. 1411هـ/1991م.
الدارقطني، علي بن عمر: سنن الدارقطني. 4مج. بيروت: دار المعرفة. 1386هـ/1966م.
الشافعي، محمد بن إدريس: مسند الشافعي. 1مج. بيروت: دار الكتب العلمية.
الصنعاني، عبد الرزاق: الصنعاني: مصنف عبد الرزاق. 11مج. ط2. تحقيق حبيب الرحمن الأعظمي. بيروت: المكتب الإسلامي. 1403هـ.
الطبراني، سليمان بن أحمد: المعجم الكبير. 20مج. ط2. تحقيق حمدي السلفي. الموصل: مكتبة العلوم والحكم. 1404هـ/1983م.(1/39)
النسائي، أحمد بن شعيب: سنن النسائي. 8مج. ط2. تحقيق عبد الفتاح أبو غدة. حلب: مكتب المطبوعات الإسلامية. 1406هـ/1986م.
النيسابوري، مسلم بن الحجاج: صحيح مسلم. 5مج. تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي. بيروت: دار إحياء التراث العربي.
الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر: مجمع الزوائد ومنبع الفوائد. 10مج. بيروت: دار الفكر. 1412هـ.
كتب الفقه
ابن أنس، مالك: المدونة الكبرى. 5مج. ط1. ضبطه وصححه أحمد عبد السلام. بيروت: دار الكتب العلمية. 1415هـ/1994م.
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم: الفتاوى الكبرى. 5مج. بيروت: دار الفكر. 1400هـ/1980م. .
ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم: مجموع فتاوى ابن تيمية. 35مج.
ابن حزم، علي بن أحمد: المحلى بالآثار. 12مج. تحقيق د عبد الغفار سليمان البنداري. بيروت: دار الكتب العلمية.
ابن عابدين، محمد أمين: رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار. 12مج. ط1. تحقيق عادل عبد المقصود. وعلي معوض. بيروت: دار الكتب العلمية. 1415هـ/1995م.
ابن قدامة، عبد الله بن أحمد: المغني على مختصر الخرقي. 10مج. ط1. بيروت: دار الفكر. 1405هـ.
ابن قدامة، عبد الرحمن بن أبي عمر: الشرح الكبير على متن المقنع. ط1. بيروت: دار الفكر. 1404هـ/1984م.
ابن مفلح، إبراهيم بن محمد. المبدع شرح المقنع. 10مج. بيروت: المكتب الإسلامي. 1400هـ.
ابن مفلح، محمد: الفروع. 6مج. ط3. راجعه عبد الستار فراج. بيروت: عالم الكتب. 1388هـ. 1967م.
البعلي، محمد بن أبي الفتح: المطلع على أبواب الفقه. تحقيق محمد بشير الإدلبي. 1مج. بيروت: المكتب الإسلامي. 1410هـ/1981م.
البغدادي، عبد الوهاب بن علي: المعونة على مذهب عالم المدينة الإمام مالك بن أنس. 3مج. تحقيق جميش عبد الحق. بيروت: دار الفكر.
الرافعي، عبد الكريم بن محمد: العزيز شرح الوجيز المعروف بالشرح الكبير. 13مج. ط1. تحقيق علي معوض، وعادل عبد الموجود. بيروت: دار الكتب العلمية. 1417هـ/1997م.(1/40)
السرخسي، محمد بن أبي سهل: المبسوط. 30مج. بيروت: دار المعرفة. 1406هـ.
الشافعي، محمد بن إدريس: الأم. 10مج. بيروت: دار الفكر.1410هـ/1990م.
الشيباني، محمد بن الحسن: الحجة. 4مج. ط3. تحقيق مهدي حسن الكيلاني القادري. بيروت: عالم الكتب. 1403هـ.
الكاساني، علاء الدين: بدائع الصنائع. 7مج. ط2. بيروت: دار الكتاب العربي. 1982م.
الماوردي، علي بن محمد: الحاوي الكبير شرح مختصر المزني. 18مج. ط1. تحقيق علي معوض وعادل عبد الموجود. بيروت: دار الكتب العلمية. 1414هـ/1994م.
النفراوي، أحمد بن غنيم: الفواكه الدواني. 2مج. بيروت: دار الفكر. 1415هـ.
النووي، يحي بن شرف: المجموع شرح المهذب. 9مج. ط1. حققه وعلق عليه وأكمله محمد نجيب المطيعي. دار إحياء التراث العربي. 1415هـ/1995م.
كتب متنوعة
ابن أبي حاتم، عبد الرحمن الرازي: الجرح والتعديل. 9مج. ط1. بيروت: دار إحياء التراث العربي. 1271هـ/1952م. .
ابن القيم، محمد بن أبي بكر: زاد المعاد في هدي خير العباد. 5مج. ط1. تحقيق شعيب الأرنؤوط وعبد القادر الأرنؤوط. بيروت: مؤسسة الرسالة. الكويت: مكتبة المنار الإسلامية. 1399هـ/1979م.
ابن منظور، جمال الدين محمد: لسان العرب. 15. بيروت: دار صادر.
الفيومي، أحمد بن محمد: المصباح المنير في غريب الشرح الكبير. 2مج. صححه مصطفى السَّقا. مصر: مطبعة مصطفى البابي الحلبي.
المطرز، أبو الفتح ناصر الدين بن عبد: المغرب في ترتيب المعرب. تحقيق عبد الحميد فاخوري، وعبد الحميد مختار. 2مج. ط1. حلب: مكتبة أسامة بن منقذ. 1979م. .(1/41)