مسائل مهمة من شروحات
كتاب الصيام
من زاد المستقنع
من شروح المشايخ :
1- محمد بن صالح العثيمين.
2- خالد بن علي المشيقح (1) .
3- حمد بن عبد الله الحمد.
4- أحمد بن محمد الخليل.
5- ومن كتاب : اختيارات شيخ الإسلام .
جمعه :
بدر بن نايف الرغيان.
قيل : هتف العلم بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل.
اللهم انفعنا بما علمتنا ، وعلمنا ما ينفعنا ، وزدنا علماً.
بسم الله الرحمن الرحيم
كتاب الصيام
- [ تعريف الصيام لغة واصطلاحاً]:
1- لغةً : [مجرد] الإمساك ، ومنه قوله تعالى : { إني نذرت للرحمن صوماً } أي إمساكاً عن الكلام .
2- واصطلاحاً : فهو التعبد لله سبحانه وتعالى بالإمساك عن المفطِّرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس .
? رمضان مشتق : من الرمَض ، رمِض يرمَض رمَضاً أي اشتد حره ؛ وإنما سمي رمضان بهذا الاسم لأنه وافق شدة حر ، فسمي بذلك (2) .
__________
(1) [علماً : 1- بأن شرح الشيخ : خالد المشيقح ، من كتاب : عمدة الطالب. .].
2- والقسم الذي قام في تحقيق : اختيارات شيخ الإسلام : الدكتور : صالح الجربوع . حفظه الله. .
3- وغالب القسم العلوي من المذكرة : فهو من شرح الشيخ الحمد ؛ لأني جعلته الأصل. ومعه تعليقات المشايخ.
4- وشرح الشيخ الحمد ، من موقع الزاد. 5- علماً : بأني لم أراجعه مراجعة تامة.
• جعله عملاً خالصاً لوجه الكريم. والله أعلم.
(2) [منقول من النت: اختلف علماء اللغة في أسباب تسمية رمضان بهذا الاسم:
1- فمنهم من قال: إنه مشتق من رمض، والرمضاء شدة الحر، وسُمِّي بذلك للارتماض من حر الجوع والعطش .
2- وقيل: إنما سُمِّي رمضان لأنه يرمض الذنوب ويحرقها بالأعمال الصالحة.
3- وقيل إن العرب فيه كانوا يرمضون أسلحتهم أي يشحذونها استعداداً للحرب في شوال قبل حلول الأشهر الحرم.
4- ويرى مجاهد رمضان اسم من أسماء الله، فلذلك يرفض أن يجمع كما يرفض أن يُقال جاء رمضان، بل جاء شهر رمضان، وشهر رمضان هو الشهر الوحيد الذي جاء ذكره في القرآن الكريم .].(1/1)
? [مسألة هل يقال رمضان مطلقاً أو شهر رمضان؟].
قال هنا " رمضان " ولم يقل شهر رمضان ، ولا كراهية في ذلك خلافاً لمن كرهه من أهل العلم وقال : يقال : شهر رمضان وفي البيهقي -والحديث ضعيف -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تقولوا رمضان ، فإن رمضان اسم من أسماء الله ) ، لكن الحديث فيه أبو مَعْشر ، وهو ضعيف .
وقد قال عليه - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين : ( إذا جاء رمضان فُتِّحت أبواب الجنة ) (1) .
•المشيقح: مسألة : متى فرض الصيام ؟
في السنة الثانية من الهجرة . قال ابن حجر : في شعبان . فصام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع رمضانات إجماعاً .
? مسألة : هل كان صيام رمضان مفروضاً على الأمم السابقة ؟
نعم كما قال تعالى :{كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم}. البقرة: 183 .
وقد ذكر بعض العلماء بأن الصيام مفروضاً من لدن نوح عليه السلام ، وهذا دليل على عظم هذا الركن وأنه محبوب عند الله .
•مسألة : شرعيت الصيام مرت على ثلاث مراحل ما هي ؟
1- إيجاب صيام يوم عاشورا ، ثم بعد ذلك نسخ .
2- ففرض الصيام على التخيير بين أن يصوم رمضان وبين أن يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً ، ويدل لذلك قول الله تعالى : {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}: 184 .
3- تعين صيام رمضان لقوله تعالى : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. البقرة: 185..اهـ].
- قوله : [ يجب صوم رمضان ] :يجب صوم رمضان إجماعاً:
1-قال تعالى : { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون } .
__________
(1) [اختيارات: وإذا ذكر معه ما يدل على أنه أراد به الشهر جاز كقوله : صمنا رمضان ، قال القرطبي : والصحيح جواز إطلاق رمضان من غير إضافة كما ثبت في الصحاح وغيرها..].(1/2)
2-وقال عليه - صلى الله عليه وسلم - : ( بني الإسلام على خمس : شهادة ألا إله إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان ، وحج البيت من استطاع إليه سبيلاً ). والحديث متفق عليه .
3-وقد أجمع أهل العلم على وجوب صوم رمضان ، فمن أنكره أي جحد وجوب صوم رمضان ، فهو كافر.
4-وقد أجمع أهل السير على أن الصوم قد شُرع في السنة الثانية من الهجرة ، فعلى ذلك : يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صام تسع رمضانات ، هذا بإجماع أهل السير .
- قوله : [أ- برؤية هلاله ]:
•[طرق وجوب صوم رمضان]:
أ – برؤية هلاله :
قال - صلى الله عليه وسلم - كما في الصحيحين : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .
ولا يُعتمد على الحساب ، أي على حساب النجوم ، قال شيخ الإسلام : " بالسنة الصحيحة واتفاق الصحابة " ، وقررت هيئة كبار العلماء بالإجماع أنه لا يعتمد على الحساب في صوم رمضان .
•قوله : [ ب- فإن لم يُر مع صحو ليلة ثلاثين أصبحوا مفطرين ] :
وعليه : فاليوم يكون هو يوم الثلاثين من شعبان .
• المشيقح: دلت الشريعة على وجوب الصوم بواحد من أمرين :
[1] رؤية هلاله والضمير يعود على هلال رمضان ، ويدل لهذا القرآن والسنة والإجماع .
أما القرآن فقول الله عز وجل : {فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. البقرة: 185 .
وأما السنة : حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )) .
والإجماع قائم على ذلك .
[2] إكمال العدة فإذا لم يرى الهلال فإننا نكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً .
• وليلة الثلاثين من شعبان لا تخلو من أمرين :
[1] أن تكون صحواً فبالاتفاق لا يجب الصيام ، فماذا علينا ؟.
نكمل عدة شعبان ثلاثين يوماً ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته )) .(1/3)
[2] أن تكون ليلة الثلاثين من شعبان غير صحو لغيم أو قتر ، فهل يجب أن نصوم أم نفطر ؟.خلاف بين الجمهور والحنابلة.
•والأقرب : أنه لا يجب صومه]. [ الخليل : والأقرب : أنه محرم الصيام ؛ لأن صومه معصية].
قوله : [ وإن حال دونه غيم أو قَتَرٌ فظاهر المذهب يجب صومه ]:
المشيقح مهم: المؤلف : يوم الثلاثين من شعبان :
1-إذا كانت ليلته صحواً ، تراءينا الهلال ليلتها ولم يكن غيم ولا قتر، ولم نره ، فيكره صيام يوم الثلاثين لأنه يوم الشك ،
2-إذا كانت الليلة غيماً وقتراً على المذهب يجب الصيام . .].
• اختيارات: [الصوم إذا حالت دون الرؤية عوالق]:
? المقصود بالمسألة :
حكم صيام يوم الثلاثين من شعبان إذا تراءى الناس السماء ، وحال دونها حائل من غيم أو قتر أو دخان ، ونحوها.
? تحرير محل النزاع :
اختلف العلماء في تسمية هذه الليلة ليلة الشك ،وساق شيخ الإسلام ثلاثة أقوال ؛ هي ثلاث روايات في مذهب الإمام أحمد ، كلها تعود إلى منهجين :
1-فمن أوجب صيام يومها أو استحبه أو أباحه ، لم يسمها ليلة الشك ، بل قصر الشك على ليلة الثلاثين إذا كانت السماء مصحية.
2-ومن رأى تحريم صوم نهارها ، أدخلها في مسمى ليلة الشك .
? سبب الخلاف :
الخلاف يعود إلى الأسباب التالية :
السبب الأول : الإجمال في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (فاقدروا له ) ؛ فمن الفقهاء من فسره بالتضييق ، ومنهم من فسره بإكمال العدة ثلاثين.
ويمكن إضافة الأسباب الآتية:
السبب الثاني : مخالفة آراء كثير من الصحابة لما رووه ،
السبب الثالث : تعارض الأدلة " صيام السرر" مع أدلة الجمهور.
السبب الرابع : اختلافهم في تعريف يوم الشك.
? اختيار شيخ الإسلام : أنه يباح الصيام. ? ورجح المحقق : مذهب القائلين بتحريم صوم يوم الشك....].
• [أقوال هذه المسألة ]:(1/4)
[ق1] فظاهر المذهب يجب صومه ، يعني يجب الصيام احتياطا ، وإنما قلتُ :" احتياطا " ؛ لأنهم لا يرتِّبون على الحكم هنا أحكاماً أخرى ، كحلول الدَّيْن ، فإذا كان الدين يحل في أول رمضان ، فإنه لا يحل في هذا اليوم الذي أوجبوا الصيام فيه ، وإذا عَلَّق طلاق امرأته على أول يوم من رمضان ، فإنها لا تطلق فيه ، لأنه إنما وجب احتياطاً ، كذلك لا تتم به العِدَّة ، إلى غير ذلك من الأحكام ، وإن كان في أصح الوجهين في المذهب تُصلى التراويح في تلك الليلة ؛ احتياطاً لقيام رمضان.
إذاً يُصام وتُقام ليلته احتياطا هذا هو المذهب . واستدلوا :
1- بما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غُمّ عليكم ، فاقْدُروا له ) .
قالوا : فقوله عليه الصلاة والسلام : ( فاقدروا له ) أي: ضيِّقوا عليه ، أي على شهر شعبان ، وعليه : فيكون شهر شعبان تسعةً وعشرين يوماً .
2- وفي سنن أبي داود بإسناد صحيح أن ابن عمر رضي الله عنه وهو راوي الحديث : "كان إذا حال دون منظره غيمٌ أو قتر ، أصبح صائما " (1) .
هذا هو المذهب ، وهذا القول لا تتوجه إضافته إلى الإمام أحمد رحمه الله ، كما قال صاحب الفروع ، وذكر أنه لم يقف على نص صريح على الوجوب عن الإمام أحمد ، ولا أَمَر به .
__________
(1) [ابن عثيمين: والدليل الثالث :أنه يحتمل أن يكون الهلال قد هَلَّ، ولكن منعه هذا الشيء الحاجب، فيصوم احتياطاً.
أما الاحتياط: فأولاً: إنما يكون فيما كان الأصل وجوبه، وأما إن كان الأصل عدمه، فلا احتياط في إيجابه.
ثانياً: ما كان سبيله الاحتياط، فقد ذكر الإمام أحمد وغيره أنه ليس بلازم، وإنما هو على سبيل الورع والاستحباب، وذلك لأننا إذا احتطنا وأوجبنا فإننا وقعنا في غير الاحتياط، من حيث تأثيم الناس بالترك، والاحتياط هو ألا يؤثم الناس إلا بدليل يكون حجة عند الله تعالى..].(1/5)
[ق2] والقول الثاني في المسألة ، وهو قول الجمهور : لا يجب صيام هذا اليوم . واستدلوا :
1-برواية مسلم في الحديث المتقدم ، قال : ( فإذا غُمّ عليكم فاقدروا له ثلاثين ) ، وفي رواية البخاري : ( فأكملوا العدة ثلاثين ) .
2- وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة : ( فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوماً ) ، وعلى ذلك : فمعنى قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فاقدروا له ) أي احسبوا له ، فالقَدْر : هو الإحاطة بالمقدار ، تقول : قدَرْتُ الشيء أَقْدُرُهُ قدْراً وقدَراً ، أي أحطتُ بمقداره ، والروايات الأخرى تُفسِّره كما تقدم.
3-وفي سنن أبي داود من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتحفّظ من شعبان ما لا يتحفّظ من غيره ) يعني في رؤية هلال شعبان ، قالت : ( فيصوم لرؤية هلال رمضان فإن غم عليه ، عدّ ثلاثين يوما ، ثم صام ) ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يتحفّظ ويتحرى في رؤية هلال شعبان ما لا يتحرى في غيره .
4- وروى الأربعة – أي أهل السنن - والبخاري معلقا عن عمار رضي الله تعالى عنه قال : " من صام اليوم الذي يُشك فيه ، فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - " ، وهذا هو اليوم الذي يشك فيه ، لأن ليلته فيها غيم أو قتر .
? وأما ما تقدم من أثر ابن عمر فإن العبرة بما روى لا بما رأى ، فالأحاديث الواردة صريحة في أنه لا يُصام ، و يصح أن يكون قد صامه من باب الاحتياط ، لكن الراجح كما تقدم من حديث عمار أن هذا يومٌ يُنهى عن صومه ، هذا هو مذهب جمهور العلماء ، إذاً المذهب وجوب صوم يوم الشك ، وهو مرجوح (1) .
__________
(1) [المشيقح: زاد صاحب عمدة الطالب : " ويجزئ إن ظهر منه " :
أي صوم ذلك اليوم ، بمعنى لو صام يوم الثلاثين وليلة الثلاثين حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر ثم تبين أنه من رمضان كيف ذلك ؟
رئاه أناس لم يكن عندهم غيم ولا قتر ، فالمذهب يقول يجزئ صومهم لاحتياطهم للعبادة فتصلى التراويح تلك الليلة ..].(1/6)
? وعلى ذلك : فهل يستحب أم يباح أم يكره أم يحرم ؟ .
أربعة أقوال لأهل العلم ، أصحها التحريم ؛ لحديث عمار - صلى الله عليه وسلم - : ( من صام اليوم الذي يُشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وآله وسلم ) .
وقد اختار القول بالنهي عن صيامه أبو الخطاب وابن عقيل من الحنابلة (1) .
? وهل يُنهى عنه تحريما أو كراهية ؟ .
على قولين كما تقدم ، و الذي عليه أئمة الدعوة ، كالشيخ محمد بن عبد الوهاب والشيخ عبد الرحمن بن حسن والشيخ محمد بن إبراهيم ، النهي عنه ؛ لأنه اليوم الذي يشك فيه ، وقد قال عمار بن ياسر - صلى الله عليه وسلم - : (من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - ) .
- قوله : [ وإن رُؤي نهاراً فهو لليلة المقبلة ] :
__________
(1) [ابن عثيمين: القول الثالث: أن صومه مستحب، وليس بواجب. واستدلوا: بفعل عبد الله بن عمر رضي الله عنهما .
القول الرابع: أن صومه مكروه، وليس بحرام ولعله لتعارض الأدلة عندهم.
القول الخامس: أن صومه مباح، وليس بواجب، ولا مكروه، ولا محرم ولا مستحب لتعارض الأدلة عندهم.
القول السادس: العمل بعادة غالبة فإذا مضى شهران كاملان فالثالث ناقص، وإذا مضى شهران ناقصان فالثالث كامل، فإذا كان شهر رجب وشعبان ناقصين، فرمضان كامل، وإذا كان رجب وجمادى الثانية ناقصين، فشعبان كامل .
القول السابع: أن الناس تبعٌ للإمام ، فإن صام الإمام صاموا، وإن أفطر أفطروا، لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس" .
وأصح هذه الأقوال هو التحريم، ولكن إذا رأى الإمام وجوب صوم هذا اليوم، وأمر الناس بصومه، فإنه لا ينابذ، ويحصل عدم منابذته بألا يظهر الإنسان فطره، وإنما يفطر سراً. والمسألة هنا لم يثبت فيها دخول الشهر، أما لو حكم ولي الأمر بدخول الشهر فالصوم واجب..].(1/7)
يعني ليس لليلة الماضية ، وإنما لليلة المقبلة . وهذه العبارة من المؤلف رحمه الله تعالى رد على من قال : إنه إن رُؤي نهاراً فهو لليلة الماضية .
1- فمن أهل العلم من قال : إنه إن رُؤي نهاراً فهو لليلة الماضية .
2- ومنهم من قال : إنه إن رُؤي قبل الزوال ، فهو للماضية ، وإن رؤي بعد الزوال ، فهو للمقبلة.
وليس مراد المؤلف أنهم يصومون وإن لم يُر بعد الغروب .
فيكون المعنى : أنه لليلة المقبلة مع رؤيته بعد غروب الشمس ؛ لأن الرؤية المعتبرة شرعاً هي الرؤية بعد الغروب لا قبل غروب الشمس . كما نبّه على هذا صاحب كشاف القناع وغيره من أهل العلم (1) .
- قوله : [ وإذا رآه أهل بلد لزم الناسَ كلَّهم الصومُ ]:
[اخبتارات: [اعتبار اختلاف المطالع]:
المقصود بالمسألة :
أنه عندما تقع الرؤية الشرعية للهلال في أي جزء من نواحي الأرض ، فهل هي ملزمة لبقية المسلمين أو لا ؟.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف إلى الأسباب الآتية :
السبب الأول : حكم الواقع ؛ إذ العقل يقطع باختلاف المطالع كما يقطع باختلاف مشارق ومغارب الشمس في اليوم الواحد.
__________
(1) [ابن عثيمين: والصحيح أنه ليس لليلة الماضية، اللهم إلا إذا رئي بعيداً عن الشمس بينه وبين غروب الشمس مسافة طويلة، فهذا قد يقال: إنه لليلة الماضية، ولكنه لم ير فيه لسبب من الأسباب، لكن مع ذلك لا نتيقن هذا الأمر.
وقوله: "لليلة المقبلة" ليس على إطلاقه أيضاً؛ لأنه إن رئي تحت الشمس بأن يكون أقرب للمغرب من الشمس فليس لليلة المقبلة قطعاً؛ لأنه سابق للشمس، والهلال لا يكون هلالاً إلا إذا تأخر عن الشمس.
فمثلاً: إذا رئي قبل غروب الشمس بنصف ساعة، وغرب قبل غروبها بربع ساعة، فلا يكون للمقبلة قطعاً لأنه غاب قبل أن تغرب الشمس، وإذا غاب قبل أن تغرب الشمس فلا عبرة برؤيته؛ لأن العبرة برؤيته أن يُرى بعد غروب الشمس متخلفاً عنها..].(1/8)
السبب الثاني : اختلافهم في تحديد المخاطبين في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته". هل هم عموم المسلمين أو جماعة الرائين وقومهم؟.
السبب الثالث : الاختلاف في فهم الرؤية الشرعية ، هل هي رؤيةٌ حقيقة أو اعتبارية؟.
?واختار شيخ الإسلام : القول باعتبار اختلاف المطالع خلافاً للحنابلة ، فقال –رحمه الله -: تختلف المطلع باتفاق أهل المعرفة ، فإن اتفقت لزم الصوم وإلا فلا.
? ورجح المحقق : القول : باعتبار وحدة المطالع من عدة أوجة هي :
1-أن الخطاب عام لجميع الأمة في مثل قوله - صلى الله عليه وسلم - : صوموا لرؤيته ، وأفطروا لرؤيته".
2-أن من مقاصد الشريعة اجتماع كلمة المسلمين ، ولا شك أن أعلى مظاهر وحدتهم توحدهم في مناسباتهم وأعيادهم الدينية ، وهذا لا يحصل إلا بالقول بوحدة المطالع .
3- أنه لو قلنا باختلاف المطالع ، فإن أرجح أقوال أهل العلم في تحديد المطلع هو : بلوغ الخبر في زمن يفيد". كما سيأتي ، وبانتشار المواصلات اليوم فإن الخبر يبلغ الآفاق بمجرد وقوعه ، بل يصل إلى بعض المسلمين وهم في النهار قبل الغروب ! وعليه فيكون العلم بوحدة المطالع.
4- أن كثيراً من الإشكالات التي تعلق بالذهن تزول عند حل عقدة الموضوع وهي : هل الرؤية الشرعية حقيقة أو اعتبارية؟.
فالصحيح المترجح : أن الرؤية الشرعية رؤية حكمية اعتبارية لا رؤية قطعية تأسيساً على قاعدة : " إن علامات الوقت مبنية على ظاهر الحس لا باطن الحقيقة"... ? وعليه : فمتى ما رأى المسلمون الهلال في قطر من الأقطار رؤية شرعية ، فعلى جميع المسلمين إعمال أثرها.].
•[الحمد : الأقوال في مسألة : اختلاف المطالع ]:(1/9)
[ق1] هذا هو مذهب الجمهور ؛ لحديث :( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) ، فإذا رُئي في البلاد الشامية ، فيجب على أهل البلاد المصرية والنجدية والحجازية وغيرها من البلدان الصوم ، وإذا رُؤي في المغرب ، فيجب على أهل المشرق أن يصوموا ، وعلى ذلك فتتوحّد الرؤية .
وهناك من يدعو إلى توحُّد الرؤية ، ويرى أن هذا مقصودا للشارع ، وهذا خطأ ، فإن مقصود الشارع هو توحد الناس في أصول الدين ، وفي فروعه بما يكون فيه نصٌ من كتاب الله وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - ، وأما الخلاف السائغ ، فإن من المعلوم أنه ليس من مقصود الشارع أن يتفق الناس على الخلاف السائغ ، ومن الخلاف السائغ هذه المسألة ، وكثير من الناس يهتم بهذه المسألة أكثر من اهتمامهم بتوحيد الناس في عقائدهم ، فتوضع الاجتماعات لمثل هذا ، ولا يجتمع هؤلاء لدعوة الناس إلى توحيد الله وتقرير أصول الدين .
فأقول : هذا ليس من المسائل المقصودة شرعا ، وما زال الخلاف بين أهل العلم قديما وحديثا في هذه المسألة (1) :
__________
(1) [المشيقح :
القول الرابع : إن ثبت عند الإمام الأعظم فيجب الصوم على الجميع ، لأنه إذا حكم الحاكم يرفع الخلاف وهناك رئي باعتبار الأقاليم .
القول الخامس : أن المعتبر رؤية أهل مكة ( أحمد شاكر ) . ويستدلون لهذا : بأن مكة معتبرة بمناسك الحج ولهذا قال - صلى الله عليه وسلم - : (( صومكم يوم تصومون وفطركم يوم تفطرون وأضحاكم يوم تضحون )) خطاب لأهل مكة .
القول الراجح : أن المعتبر اتحاد المطالع واختلافها ( الشافعي وابن تيمية ) وهو الراجح .[ ورجحه ابن عثمين أيضاً].
واستدلوا بحديث ابن عباس :... فابن عباس يرى أن معاوية له رؤية خاصة وأهل المدينة لهم رؤية خاصة .
وأيضاً يدل لهذا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا رئي عنده الهلال ما كان يبعث إلى الأمصار فالكل له رؤية ، وهو القول الراجح.
? للفائدة الشيخ عبدالله بن حميد له رسالة تبيان الأدلة في إثبات الأهلة ، أثنى الشيخ خالد عليها وأوصى بقراءتها.
?[ الخليل : رجح القول بلزوم الناس جميعهم الصوم ، وهو قول الأئمة الثلاثة ؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا رايتموه " ، واختلاف المطالع يشكل على كثير من الناس ، لم يأت فيه نصوص. ].
?[ابن عثيمين : مسألة: الأقليات الإسلامية في الدول الكافرة : إن كان هناك رابطة، أو مكتب، أو مركز إسلامي؛ فإنها تعمل بقولهم، وإذا لم يكن كذلك، فإنها تخيَّر، والأحسن أن تتبع أقرب بلد إليها..].(1/10)
[ق1] فقال الجمهور : إذا رؤي في بلد لزم الجميعَ الصومُ ، واستدلوا بالحديث المتقدم .
[ق2] والقول الثاني - وهو قول إسحاق - : أن لكل بلد رؤيته ، واستدل :
بما ثبت في مسلم عن كريب رحمه الله : " أن أم الفضل بنت الحارث بعثته إلى معاوية في الشام . قال : فقدمت الشام على معاوية فقضيت حاجتي واستهل رمضان وأنا بالشام فرأيت الهلال ليلة الجمعة . قال : ثم قدمت المدينة في آخر الشهر فسألني ابن عباس ثم ذكر الهلال فقال : متى رأيتم الهلال ؟ فقلت ليلة الجمعة . فقال : أنت رأيته ؟ قلت : نعم ورآه الناس فصاموا وصام معاوية . فقال : لكنا رأيناه ليلة السبت فلا نزال نصوم حتى نكمل ثلاثين أو نراه . قلت : أولا تكتفي برؤية معاوية وأصحابه ؟ فقال : لا ؛ هكذا أمرنا النبي - صلى الله عليه وسلم - " قالوا : هذا يدل على أن لكل بلد رؤيته .
[ق3] والقول الثالث ، وهو مذهب الشافعية ، وهو اختيار شيخ الإسلام : أنه إن اتحدت المطالع فيجب الصيام ، وإن اختلفت المطالع فلا يجب الصيام ،
والمطالع : يعني مطالع القمر ، ومطالع القمر تتحد وتختلف باتفاق علماء الفلك ، ولا خلاف في هذا أيضا بين علماء الفقه ، فهذا أمر متقرِّرٌ لا خلاف فيه ، لكن الخلاف هل يُعتبر ذلك أم لا يعتبر ؟.
[ق1] فالجمهور قالوا : إنه لا يعتبر .
[ق2] وقال الشافعية وهو اختيار شيخ الإسلام : إنه يعتبر ، وهذا هو القول الراجح ؛ وذلك لأنه إذا رؤي في بلد فإن البلد التي توافقها في مطلع القمر يُعلم أنه قد طلع فيها ، سواء رأوه أم لم يروه ، فقد يحول دونه غيم أو قتر أو نحو ذلك ، وعلى ذلك : فيكون كما لو رأوه ، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) وهؤلاء في حكم من رآه .
فإذا رؤي في هذه الإمارة مثلا ، فإنه يعلم أنه قد خرج في الإمارة الأخرى ؛ لاتفاق المطلع ، حيث كانت المطالع متفقة ، وهذا هو القول الراجح ، فإذا اتفقت المطالع ، فإنه يجب الصوم .(1/11)
? ويجاب عن حديث : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) ، بأن المقصود بذلك أهل البلد ومن وافقهم في الرؤية ، وأما إذا كانت المطالع مختلفة ، فلا يحكم عليها بحكم واحد .
وأما حديث : ( صومكم يوم تصومون ) ، فإنه إنما يراد به أهل البلد الواحد ، لئلا يختلفوا واختلافهم يؤدي إلى اختلاف قلوبهم ، فيكون بعضهم مفطرا وبعضهم صائماً.
وهذا المسألة مسألة اجتهاد ، فإذا قال الحاكم فيها بأي قول وجب على أهل ذلك البلد أن يعملوا بحكمه.
- [اختيارات: [تحديد المطلع]:
? المقصود بهذه المسألة :
القائلون باختلاف المطالع اختلفوا في تحديد المطلع الذي يجب على من اشترك فيه الاشتراك في أحكامه كتحديد بدء الصيام والأعياد:
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف إلى : عدم وجود نص خاص في هذه المسألة ، واختلافهم في تطبيق قواعد الشرع عليها.
? اختار شيخ الإسلام : والاعتبار ببلوغ الخبر في وقت يفيد ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - :" صوموا لرؤيته". فمن بلغه أنه رؤي ثبت في حقه من غير تحديد بمسافة أصلاً".
? رجح المحقق عندما ذكر الأقوال : إلى أنه يمكن إرجاع الأقوال في هذه المسألة إلى اتجاهات هي :
[أ] الاعتبار بمسافة القصر على الخلاف في تحديد المسافة.
[ب] الاتجاه الإقليمي أو السياسي باعتبار الرابطة الإقليمية أو السياسية.
[ج] الاتجاه الجغرافي وهو اجتهاد حاول وضع حد منضبط.
[د] الاتجاه العملي الذي يراعي العرف والأثر والنظر ، وهو ما يمثله القول :" باعتبار بلوغ الخبر في وقت يفيد".
ويتضح رجحان ما ذهب إليه شيخ الإسلام ؛ إذ به تجتمع الأدلة النقلية الراجحة ، وهي حديث كريب ، والأعرابي ،و" صوموا لرؤيته" ، وحديث :" فطركم يوم تفطرون ، وصومكم يوم تصومون ، وأضحاكم يوم تضحون".(1/12)
ويبقى إشكال واحد فقد في حديث كريب : وهو عدم بناء ابن عباس رضي الله عنهما الفطر على شهادته الأمر الذي جعل شيخ الإسلام لم يرجح في بناء الفطر على الخبر الذي يصل بعد فوات اليوم الأول فقال : وفي بناء الفطر عليه نظر".
? وأجيب :أن ابن عباس قد يكون من رأيه أن خبر كريب خبر شاهد واحد ، والفطر يحتاج إلى شاهدين...
كما أن هذا القول يتفق مع مقاصد الشريعة في اجتماع كلمة المسلمين .
? ثمرة الخلاف :
وفي الوقت الحاضر وبما أن الاتصالات جعلت المسلمين يعلمون في نفس اللحظة وفي جميع أنحاء العالم الإسلامي في وقت يفيد ، فيكون القول باختلاف المطالع لا أثر له على العمل ، ويؤول الأمر إلى القول بوحدة المطالع ، والله أعلم. .].
- قوله : [ ويصام برؤية : 1- عدل، 2- ولو أنثى ]:
المشيقح : [عدل] : لو كان فاسقاً لا تصح رؤيته ، وهذا فيه نظر .
والصحيح:أن العدالة ليست شرطاً وأنه يشترط الأمانة فإذا كان أميناً على خبره لم يجرب عليه الكذب فإن رؤيته صحيحة ومعتبرة.
والنبي - صلى الله عليه وسلم - اكتفى بوجود الإسلام ، فلابد أن يكون مسلماً أميناً.اهـ.
ابن عثيمين : ويشترط مع العدالة أن يكون قوي البصر بحيث يحتمل صدقه فيما ادعاه، فإن كان ضعيف البصر لم تقبل شهادته، وإن كان عدلاً؛ لأنه إذا كان ضعيف البصر وهو عدل، فإننا نعلم أنه متوهم.
? مسائل:
الأولى: لو تراءى عدل الهلال مع جماعة كثيرين، وهو قوي البصر ولم يره غيره فهل يصام برؤيته؟
الجواب: نعم يصام، وهذا هو المشهور من مذهبنا وعليه أكثر أهل العلم، وقال بعض العلماء: إنه إذا لم يره غيره مع كثرة الجمع فإنه لا يعتبر قوله؛ لأنه يبعد أنه ينفرد بالرؤية دونهم. والصحيح الأول لعدالته وثقته.
الثانية: من رأى الهلال وهو ممن يفعل الكبيرة، كشرب الخمر يلزمه أن يخبر أنه رأى الهلال، ولا يخبر أنه يفعل كبيرة؛ لأن الأحكام تتبعّض.
الثالثة: على المذهب لا تقبل شهادة مستور الحال؛ للجهل بعدالته.(1/13)
وعندي أن القاضي إذا وثق بقوله فلا يحتاج للبحث عن عدالته..].
•[مسألة : هل يشترط أن يراه عدلان]:
[ق1] فلا يشترط أن يراه عدلان :
1- لما ثبت في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال: " تراءى الناس الهلال ، فرأيته ، فأخبرت النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فصامه وأمر الناس بصيامه ".
2- ولأن رؤيته خبرٌ ديني ، والخبر الديني يكفي فيه خبر الواحد العدل بخلاف باب الشهادة ، فإنها تتعلق به أموال الناس و حقوقهم ، وأما الخبر الديني فليس فيه تهمة ، وهذا هو قول الشافعية.
المشيقح: 3- وكذلك حديث ابن عباس رضي الله عنهما ( أن أعرابياً جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فأخبره أنه رأى الهلال فقال : أتشهد أن لا إله إلا الله ، قال : نعم ، فقال : أتشهد أني رسول الله ، قال : نعم ، فأمر بلال أن يؤذن بالناس بالصيام ) ، وهو الراجح اهـ.
[ق2] وقال المالكية والأحناف : بل يشترط أن يراه عدلان ، واستدلوا بما رواه النسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :
( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) ، قال في رواية النسائي : ( فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ) فرتب على شهادة الشاهدين الصيام والفطر.
والجواب : إن هذا الحديث مفهومه يدل على أنه لا يقبل خبر الواحد ، ومنطوق حديث ابن عمر دال على قبول خبر الواحد ، والمنطوق مقدم على المفهوم ، ولأنه خبر ديني ، والخبر الديني يقبل فيه خبر الواحد (1) .
•[مسألة : سائر الشهور كم يشترط لرؤية الهلال]:
? وأما في خروجه ، يعني في دخول شهر شوال :
__________
(1) [الخليل: القول الثالث : تقبل شهادة رجل واحد قادم من خارج البلد لا من داخلها :
الدليل : حديث الأعرابي السابق ، فإنه قدم من خارج البلد ، والتعليل : لأن من كان خارج البلد يرى ما لا يراه الناس ، لوضوح موقع الرؤية ، دون وسط البلد.].(1/14)
[ق1] فقال الجمهور : إنه يشترط في ذلك رؤية اثنين ، فلابد أن يشهد شاهدان على ذلك ؛ قالوا : لأن الحديث المتقدم قد أخرجنا منه رؤية هلال رمضان بحديث ابن عمر ، فبقي لنا الفطر ، فيشترط فيه شاهدان ، لقوله عليه الصلاة والسلام : ( فإن شهد شاهدان فصوموا وأفطروا ) ، وقلنا : إن هذا المفهوم مخالف بالمنطوق ، فاستثنينا الصيام ، فلم نشترط فيه شهادة شاهدين ، وأما خروج الشهر ، فهو باق على مفهومه .
[ق2] وقال أبو ثور: يكتفي في خروج الشهر برؤية واحد عدل ، وهو إمام مجتهد من أئمة الشافعية رحمه الله تعالى ومال إليه الشوكاني في نيل الأوطار وذلك للقاعدة المتقدمة ، وهي أن الأخبار الدينية يكتفي فيها بخبر والواحد ، وهذا خبر ديني ، ويقوِّيه ما تقدم من استثناء دخول الشهر .
وعلى ذلك : يكون الحديث هنا على الاستحباب ، يعني الأكمل – من باب الاحتياط – أن يشهد شاهدان ، لكن إن شهد شاهد واحد وكان عدلا ، فإنه يقبل خبره ، كما يقبل خبر الواحد في الأحاديث التي قد تُقطع بها الأيدي وتزهق بها النفوس.
فما ذهب إليه رحمه الله تعالى هو الأقوى ، وإن كان الأحوط ما ذهب إليه جمهور العلماء ، والله أعلم .
- قوله : " ويصام برؤية عدل ولو أنثى " :
•قوله :" ولو أنثى ":
لأنه خبر ديني ، والخبر الديني تستوي فيه المرأة و الرجل ، فلا فرق بين الرجل والمرأة ، كما أن الأحاديث تُقبل فيها رواية الإناث ، فكذلك في رؤية الهلال .
•المشيقح: [ فهل الحرية شرط أم لا ؟].
المؤلف: يرى أن الحرية ليست شرطاً لعموم حديث ابن عمر ( تراءى الناس الهلال ) وهذا يشمل رؤية الرقيق والحر ، وهذا من الأخبار الدينية خلاف الشافعية الذين يشترطونه.
- قوله : [ فإن : أ- صاموا بشهادة واحد ثلاثين يوماً فلم يُر الهلال ،
ب- أو صاموا لأجل غيم = لم يفطروا. ] :(1/15)
[ق1] إذا شهد شاهد أنه رأى هلال [رمضان] وهو عدل ، فصمنا وتَمَّ لنا ثلاثون يوماً و لم نر هلال [شوال] بعد الثلاثين فيجب علينا الصوم:
1- لما تقدم من أن رؤية هلال شوال يشترط فيها رؤية شاهدين ، وعلى ذلك فلا نعتمد على شهادة الواحد ، هذا هو المشهور في المذهب ، وأما إذا شهد اثنان على أن رمضان قد دخل ، فتم لنا ثلاثون يوما فإنا نفطر.
2- المشيقح: لأن الصوم إنما كان احتياطاً ، والأصل بقاء رمضان. وهذه المسألة مترتبة على المذهب وهو أنه إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر فإنه يجب الصيام من الغد اهـ.
[ق2] وقال الشافعية : بل يفطرون ، لأن هذه الرؤية - التي هي رؤية الواحد - قد اعتُمد عليها شرعا ، فلم تكن شهادة مجرّدة ، فهذا الشاهد الذي رأى هلال رمضان ، وتم لنا ثلاثون يوما ، وقد اعتمدنا على شهادته ، وعلى ذلك : فهي شهادة قوية لاعتمادنا عليها شرعا ، وهذا القول هذا القول الراجح ، وحيث اخترنا ما تقدم من قول أبي ثور ، فلا إشكال على هذا.
- قوله : [ أو صاموا لأجل غيم = لم يفطروا ] :
وهذا ظاهر ، بل تقدم أن هذا اليوم لا يجوز صومه فضلا أن نعدّه من الثلاثين.
فإذا صاموا لأجل غيم أو قتر أصبحوا صائمين وإن تم لهم ثلاثون يوماً.
المشيقح: وهذه المسألة مرتب على المذهب وهو أنه إذا حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر فإنه يجب الصيام من الغد .
وعلى هذا إذا صمنا يوم الثلاثين من شعبان لوجود غيم أو قتر ثم لم نر الهلال هل نفطر أو لا ؟
المؤلف يقول : لا ، لماذا ؟.
لأن ليلة الثلاثين من شعبان لما حال دون مطلع الهلال غيم أو قتر يحتمل أنها ليست من رمضان فلا نفطر ، لأن هذا اليوم صمناه احتياطاً للعبادة فيحتمل أنه لم يكتمل رمضان ، ويدل على ضعف مسألتهم ، كيف يصام ثلاثين يوماً ثم لا نفطر ؟! لأن الشهر كما قال - صلى الله عليه وسلم - إما ثلاثون أو تسعة وعشرون يوماً . ?والصواب : لا نصوم لأنه يوم الشك .].(1/16)
? ابن عثيمين : مسألة: لو صام برؤية بلد، ثم سافر لبلد آخر قد صاموا بعدهم بيوم، وأتم هو ثلاثين يوماً ولم ير الهلال في تلك البلد التي سافر إليها، فهل يفطر، أو يصوم معهم؟
الصحيح : أنه يصوم معهم، ولو صام واحداً وثلاثين يوماً، وربما يقاس ذلك على ما لو سافر إلى بلد يتأخر غروب الشمس فيه، فإنه يفطر حسب غروب الشمس في تلك البلد التي سافر إليها.
وقيل: - وهو المذهب - إنه يفطر سراً؛ لأنه إذا رؤي في بلد لزم الناس كلهم حكم الصوم والفطر..
- قوله : [ أ- ومن رأى وحده هلال رمضان ورُدّ قوله ، ب- أو رأى هلال شوال صام ] :
•[اختيارات: [صيام مردود الشهادة]:
? المقصود بالمسألة : إذا انفرد مسلم برؤية هلال رمضان دخولاً أو خروجاً – وهو مقيم – ورُدَّت شهادته لأي سبب من الأسباب ، فهل يعمل برؤيته أو يتابع جمهور المسلمين ؟.
فيخرج من ذلك صورتان :
1-من رأى هلال ذي الحجة وردَّت شهادته .
2- من انفرد بمكان ... والمسافر في البرية ، فاتفق العلماء على أنهم يعملون برؤيتهم.
? سبب الخلاف :
الخلاف في هذه المسألة راجع إلى الأسباب التالية :
السبب الأول : " أن حكم الحاكم لا يدخل العبادات"؛ لأن حكمه فيها يعد إفتاء ، ... وإنما يدخل حكمه حقوق العباد من معاملات وغيرها ، عند بعض الفقهاء ، بينما يرى آخرون أن حكمه يدخل العبادات .
السبب الثاني : ما ذكره شيخ الإسلام : أن النزاع في أصل المسألة مبني على أصل وهو : أن الهلال هل هو اسم لما يطلع في السماء ، وإن لم يظهر أو أنه لا يسمى هلالاً إلا بالظهور والإشهاد؟.
السبب الثالث : كون بعض العلماء يرى أن الرؤية حقيقة ، وبعضهم يرى أنها اعتبارية.
? ورجح شيخ الإسلام والمحقق أيضاً : أنه يصوم مع الناس ، ويفطر معهم.
? لأن على القول بأنه يصوم وحده ويفطر سرّاً ، أو يصوم وحده ويفطر مع الناس ، لوازم باطلة منها :(1/17)
يلزم على الأول أن يقف الرائي وحده في عرفة ، ويرمي وحده ، وينحر وحده ... وعلى الثاني : أن يصوم المسلم واحداً وثلاثين يوماً إذا كمل الشهر عند الإمام .
? أن الرؤية الشرعية رؤية اعتبارية كما سبق تقريره : فما كان في الشرع مبني على أمر حسي فهو على ما يظهر لحواسنا الخمس ، وباطن الحقيقة غير مراد وإلا للزم لوازم باطلة . وأكتفي بمثال واحد : فقد أكد العلم بطريقة قطعية أن الشمس تغرب حقيقة قبل الغروب الذي نراه بأعيننا بعشر دقائق وهي مقدار المسافة الضوئية بين الأرض والشمس ، وعليه فلو أفطر المسلم في رمضان قبل الغروب بخمس دقائق عمداً بطل صومه عند الجميع ، ولا يشفع له أن الشمس غربت قطعاً قبل فطره بخمس دقائق.
? [مسألة : جماع مردود الشهادة]:
? المقصود بهذه المسألة : أن من جامع زوجته وكان قد رأى الهلال وردت شهادته فهل الواجب عليه : القضاء والكفارة أو أحدهما أو لا يلزمه شيء؟.
? تحرير محل النزاع : قد يكون فطر مردود الشهادة بالجماع ، وقد يكون بالأكل أو الشرب أو غير ذلك من المفطرات ، والمقصود بهذه المسألة الفطر بالجماع.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف في هذه المسألة إلى السببين الآتيين :
1- الخلاف في تكييف الرؤيا هل هي رؤية حقيقية أم رؤية اعتبارية؟. 2- ثم اختلاف الموجبين للصوم للكفارة.
? اختار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : أنه لا قضاء عليه ولا كفارة ؛ لأنه لم يلزمه الصوم أصلاً.
? ويلزم من القول : أنه يجب عليه القضاء والكفارة ، أو يجب عليه القضاء دون الكفارة لازمان باطلان :
1-أن من رأى هلال ذي الحجة وردت شهادته أنه يقف في عرفة وحده ، وينحر يوم العيد وحده ... وهذا خلاف إجماع المسلمين.
2-أن يصوم واحداً وثلاثين يوماً من رأى هلال رمضان وردت شهادته إذا أكمل المسلمون صيام رمضان بالعدد.
3-أن على قول الجمهور يلزم الافتئات على إمام المسلمين وتشجيع عوام المسلمين في التنقض عليه.(1/18)
•[ الأقوال في مسألة مردود الشهادة هل يصوم أو يفطر ؟.]:
[ق1] رجل رأى هلال رمضان ، لكن رُدّ قوله ، إما لفسقه أو لأنه مستور الحال لا تعرف عدالته ، أو كان في بلد لا تقبل إلا شاهدين ، فيجب عليه أن يصوم (1) ؛ لحديث : ( صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ) .
[ق2] والقول الثاني في المسألة ، وهو اختيار شيخ الإسلام : أنه لا يصوم إلا أن يكون منفرداً في موضع ليس فيه غيره ، كأن يكون في صحراء ، فإنه يصوم لأنه لا يتيقن مخالفة الجماعة ، وهذا هو القول الراجح .
1-لما روى الترمذي -والحديث حسن -أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون ، والأضحى يوم تضحُّون ) ، فالصوم يوم يصوم الناس ، وهذا اليوم لم يصمه الناس ,
2-ولأن الهلال الذي يثبت به الشهر هو الهلال الذي يعتمد عليه الناس ، فإذا اعتمد الناس على رؤيته فهو الشهر المعتبَر ، فالشهر الذي أهل هلاله هو الشهر المعتبر ؛ وذلك لأن الشهر من الاشتهار ، فإن لم يره إلا واحد فليس بشهر ، فلا يكون شهرا حتى يشتهر ، فإذا رآه واحداً وقبلت رؤيته كان شهراً ، وأما إذا رآه ولم يقبل فإنه لا يكون شهراً.
- قال : [" أو رأى هلال شوال: = صام " ] :
فإذا رأى هلال شوال فيجب عليه أن يصوم ؛ قالوا : احتياطا . وهذا راجع:
1- للحديث المتقدم فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( والفطر يوم تفطرون ) ،
__________
(1) [أقول : الأئمة الأربعة : اتفقوا على أنه يصوم وحده ،
واختلفوا في فطره : 1- فالشافعية ، يفطر سراً ، 2- والأئمة الثلاثة : يفطر مع الناس].
?[ ورجح الخليل : أنه لا يلزمه الصوم ، وقول الأئمة الأربعة أحوط. وأما مسألة : إذا رأى هلال شوال : فرجح : أنه يصوم مع الناس].(1/19)
2- ولأنه لا يثبت إلا بشاهد ثان , والذي رآه واحد . هذا على المذهب ، لكن تقدم لكم الحديث الذي رواه الترمذي ، فتدخل فيه هذه المسألة ، وعلى ذلك إذا رأى هلال شوال ولم تُقبل رؤيته فإنه يصوم مع الناس ولا يفطر ؛ لقوله عليه الصلاة والسلام : ( والصوم يوم تصومون ) .
مسألة :
ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تقدموا رمضان بصوم يوم ولا يومين ، إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه ) ، هذا الحديث يدل على أنه لا يجوز أن يُتقدم رمضان بصوم يوم ولا يومين ، أي لمعنى رمضان ، أي من باب الاحتياط لرمضان ، إلا رجلا كان يصوم صوما فليصمه ، فإذا وافق يوم الاثنين وكان يصومه ، فصامه فلا بأس بذلك ، وظاهر الحديث التحريم ، وهو قول لبعض أهل الحديث ، والجمهور على الكراهية ، والراجح ما ذهب إليه من قال بتحريم ذلك ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تقدموا رمضان ) وظاهر النهي التحريم .
فإذا تقدمه قبل ذلك فلا بأس ، وأما ما روى أبو داود في سننه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إذا كان النصف من شعبان ، فأمسكوا عن الصيام حتى يكون رمضان ) :(1/20)
فجمهور أهل الحديث على تضعيفه كما حكى ذلك ابن حجر لمخالفته ما ثبت في الصحيح من حديث عائشة أنه عليه الصلاة والسلام: ( كان يصوم شعبان كله إلا قليلا) ، وممن نص على تعليل الحديث الإمام أحمد والإمام عبد الرحمن بن مهدي ، وهذا الحديث يخالف الأحاديث الصحاح التي منها ما في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ( كان يصوم شعبان كله إلا قليلا ) وجمع الموفق ابن قدامة بين الحديثين : بأن حديث النهي فيه نهي من لم يصم النصف الأول من شعبان أن يصوم نصفه الثاني درءاً لذريعة إرادة الإلحاق بالفريضة احتياطاً ، وفيه نظر لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( فأمسكوا عن الصيام ) ، فظاهره الإمساك مطلقا سواء صام نصفه الأول أو لا ، فعلى ذلك ما قاله أهل العلم من نكارة هذا الحديث أولى .
إذاً الحديث معلول عند جمهور أهل العلم والله أعلم .
- قوله : [ ويلزم الصوم لكل : 1- مسلم ، 2- مكلف ، 3- قادر . ] : [هذا بيان شروط وجوب الصوم]:
[1] فالصوم يلزم المسلم ، وأما الكافر فإنه لا يصح منه إجماعا ؛ قال تعالى : { وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلا أنهم كفروا بالله } (1) .
وإذا أسلم الكافر أثناء النهار فيجب عليه الإمساك اتفاقا ، فلو أسلم بعد الظهر مثلاً فنقول : يجب عليك أن تمسك ؛ لقوله تعالى : { فمن شهد منكم الشهر فليصمه } وهذا قد شهده .
? واختلف أهل العلم ، هل يجب عليه القضاء أم لا ؟.
[ق1] فذهب الجمهور إلى وجوب القضاء . واستدلوا:
بما روى أبو داود في سننه : " أتت أسْلَمُ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( صوموا بقية يومكم واقضوه ) ، لكن الحديث ضعيف ، وممن ضعّفه عبد الحق الإشبيلي رحمه الله تعالى .
[ق2] ومذهب الأحناف ، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم أنه لا يجب القضاء.واستدلوا:
__________
(1) [الخليل: لأن العبادة تحتاج إلى نية ، والكافر لا يتأتى منه النية. .].(1/21)
1-بما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إلى القرى حول المدينة يوم عاشوراء : ( من كان صائما ، فليتم صومه ، ومن كان مفطرا ، فليصم بقية يومه ) ، وكان يوم عاشوراء واجبا ، ثم نسخ وجوبه إلى الاستحباب . فهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ومن كان مفطرا ) ، يعني قد أفطر في أول النهار : ( فليصم بقية يومه ) ، ولم يأمر بقضاء ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، ولأن الشرائع لا تجب إلا بعد العلم بها .
2-ولئلا يجمع بين وجوب الإمساك ووجوب القضاء وهذا القول هو الراجح،ولهذه المسألة نظائر يأتي ذكرها إن شاء الله .
[2] قال [ مكلف ] :[وهو البالغ العاقل] :
فلا يجب الصيام على غير المكلف كالصبي والمجنون ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( رفع القلم عن ثلاثة ) وذكر ( الصبي حتى يبلغ ، والمجنون حتى يفيق ) .
•[ مسألة : متى يؤمر الصبي]:
[ق1] واستحب جمهور العلماء أن يؤمر بالصيام لسبع ، ويضرب عليه لعشر ، كالصلاة ، ليتعود على هذه الفريضة .
[ق2] وقال الحنابلة : بل يؤمر ويضرب عند الإطاقة ، يعني إذا أطاق الصيام ، فإنه يؤمر ويضرب ، وعلى ذلك فلا نأمره ولا نضربه قبل أن يطيق ، ولا نرجع ذلك إلى السن كالصلاة ؛ لأن الصوم يشق ، فليس كالصلاة ، وهذا القول هو الراجح .
والصبيان يختلفون في قدرتهم على الصيام ، فقد يكون ابن ثمان قادراً على الصيام ، ولا يكون ابن عشر قادراً عليه.
•[3] قال [ قادر ]:
فإن كان عاجزاً ، كالمريض الذي لا يرجى برؤه ، أو الشيخ الكبير الذي يعجز عن الصيام فإن الصيام لا يجب عليهما وسيأتي إن شاء الله .
• ابن عثيمين: أن العجز ينقسم إلى قسمين: قسم طارئ، وقسم دائم.
1- فالطارئ: هو الذي يرجى زواله، وهو المذكور في الآية فينتظر العاجز حتى يزول عجزه ثم يقضي لقوله تعالى: { فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ }.(1/22)
2-والدائم : هو الذي لا يرجى زواله وهو المذكور في قوله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] حيث فسرها ابن عباس - رضي الله عنهما - بالشيخ والشيخة إذا كانا لا يطيقان الصوم فيطعمان عن كل يوم مسكيناً.].
?[ الخليل : ومن الأدلة على القدرة : قوله تعالى :{ فاتقوا الله ما استطتعم}. وقوله - صلى الله عليه وسلم - :" إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم".].
?[ ابن عثيمين : الشرط الرابع: أن يكون مقيماً، ولم يذكره المؤلف - رحمه الله - اعتماداً على ما سيذكره في حكم الصوم في السفر، فإن كان مسافراً فلا يجب عليه الصوم؛ لقوله تعالى: {وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 185].
وقد أجمع العلماء: أنه يجوز للمسافر الفطر].
- قوله :[ وإذا قامت البينة في أثناء النهار وجب الإمساك والقضاء على كل من صار في أثنائه أهلاً لوجوبه •[اختيارات: [مسألة : ثبوت الرؤية نهاراً]:
? المقصود من المسألة :
عندما تثبت الرؤية في نهار أول يوم على أنه من رمضان فهل يلزم قضاء ذلك اليوم أو يكتفى بالإمساك؟.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف إلى الأسباب التالية :
السبب الأول : عدم التصريح بالقضاء في حديث سلمة بن الأكوع ، عندما أمرهم - صلى الله عليه وسلم - بالإمساك.
السبب الثاني : الخلاف في إدخال الاحتياط على عبادة الصوم للنهي عن صيام يوم الشك.
? تحرير محل النزاع : هذه المسألة لها ثلاث صور هي :
1-أن يبلغ الخبر في اليوم الأول من رمضان قبل المغرب .
2-أن يبلغ الخبر أثناء شهر رمضان .
3- أن يبلغ خبر العيد نهاراً والناس صائمون . ومحل هذه المسألة هي الصورة الأولى وتخرج بقية الصور.
? اختيار شيخ الإسلام : أن الواجب الإمساك لا القضاء ، خلافاً للمذاهب الأربعة.
? ورجح المحقق : قول الجمهور : وهو أنه يجب الإمساك والقضاء ، احتياطاً من عدة أوجة هي :(1/23)
1-أن هذا القول لا تأثيم فيه عند جميع الفقهاء بخلاف الأخذ بغيره فهو آثم عند طائفة من العلماء.
2-أنه الأحوط لدين المرء ، لاسيما وأن الأمر يتعلق بعبادة الصيام التي هي ركن من أركان الإسلام.
3-أنه على اختيار شيخ الإسلام يلزم لوازم غير سليمة منها :
[أ] إعادة تحديد وقت الصيام ، وأنه من العلم إلى مغيب الشمس ، والإجماع منعقد على أن الصيام يبدأ من طلوع الفجر.
[ب] أنه يلزم إذا كان الشهر 29 يوماً أن يصوم المسلمون 28 يوماً ، وهو خلاف الإجماع، إذ الشهر إما 30 أو 29 يوماً.
?وكما سبق فإن الخلاف اليوم لا معنى له ؛ إذ إن وسائل المواصلات والاتصالات الحديثة جعلت هذه المسألة من المسائل المهجورة (1) .
•[ الأقوال في مسألة إذا أتى الخبر أثناء النهار من رمضان ]:
[ق1] قالوا : يجب الإمساك والقضاء .
1-أما الإمساك ؛ فلأن الشهر قد ثبت فيجب الإمساك ، وهذا مما لا نزاع فيه ، فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : ( فإذا رأيتموه فصوموا ) .
2-وأما القضاء:
[ق2] فالراجح أنه لا يجب القضاء وهو اختيار شيخ الإسلام :
[1] لما تقدم ؛ فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أمر بصيام عاشوراء أمر من أصبح من مفطراً أن يصوم بقية يومه ، ومن أصبح صائماً أن يتم صومه ، ولم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء .
__________
(1) ?[ ابن عثيمين : وأجاب شيخ الإسلام : عن كونهم لم ينووا قبل الفجر بأن النية تتبع العلم ولا علم لهم بدخول الشهر، وما ليس لهم به علم فليس بوسعهم، ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها، ولهذا لو أخروا النية بعد علمهم بدخول الشهر لم يصح صومهم.
وتعليله وجوابه - رحمه الله - قوي ولكن لا تطيب النفس بقوله، وقياسه على من أكل يظن بقاء الليل أو غروب الشمس، فيه نظر؛ لأن هذا كان عنده نية للصوم لكن أكل يظن الليل باقياً أو يظنه داخلاً، ولهذا كان الخلاف في المسألتين أشهر من الخلاف في المسألة الأولى.].(1/24)
[2] ولأن النية تتبع العلم ، وهو لم يعلم وجوب الصوم عليه في هذا اليوم ، والشرائع لا تجب إلا بعد العلم بها , ولأنه لا فائدة للمكلف من أمره بالإمساك حيث لا يجزئ عنه ، ثم نأمره مرة أخرى بالقضاء ، والتكاليف لا يجب تكرارها إلا ما دل الشرع عليه ، ولذا نهى الشارع أن يصلي العبد مرتين كما في حديث ابن عمر وغيره.
?إذاً الراجح : أنه إذا قامت البينة نهارا وجب الإمساك ولو لم يأته الخبر إلا قبيل المغرب ، لأنه شهد الشهر ، ولا يجب عليه القضاء .
وكذا الصبي إذا بلغ ، والمجنون إذا أفاق ، فيجب عليهما الإمساك ولا قضاء .
?إذاً عندنا أربع مسائل : [المسألة ]:
الأولى : إذا قامت البينة نهاراً .
الثانية : إذا أسلم الكافر .
الثالثة : إذا بلغ الصبي .
الرابعة : إذا أفاق المجنون .
فهؤلاء يجب عليهم الإمساك ولا قضاء على الصحيح (1) .
•[اختيارات : [مسألة : صوم المجنون إذا أفاق ، والكافر إذا أسلم أثناء النهار]: [مكررة] :
? المقصود بالمسألة : أن من أسلم أو أفاق من جنونه في نهار رمضان فهل يلزمه القضاء مع الإمساك أو يكتفي بالإمساك ؛ لكون التكليف يبدأ من وجود السبب؟.
?سبب الخلاف : ويمكن إرجاع الخلاف إلى الأسباب الآتية :
1-اختلافهم في صوم عاشوراء هل كان واجباً قبل فرض صيام رمضان أم لا .
2-اختلافهم في ثبوت رواية : " فأتموا بقية يومكم ، واقضوه".
__________
(1) ?[ ابن عثيمين : وهذا القول هو الراجح وعلى هذا لو قدم المسافر إلى بلده مفطراً ووجد زوجته قد طهرت أثناء ذلك اليوم من
الحيض وتطهرت جاز له جماعها.
وإذا أفطر لإنقاذ غريق فأنقذه لم يلزمه الإمساك آخر النهار.
وإذا أفطرت مرضع خوفاً على ولدها ثم مات في أثناء اليوم لم يلزمها إمساك بقيته.
? والقاعدة على هذا القول الراجح أن من أفطر في رمضان لعذر يبيح الفطر، ثم زال ذلك العذر أثناء النهار لم يلزمه الإمساك بقية اليوم.].(1/25)
3-اختلافهم في سبب الوجوب هل هو شهود أول الوقت أي لحظة دخول النهار أو شهود أي جزء من النهار؟.
? ورجح المحقق : قول شيخ الإسلام : أن عليهما الإمساك فقط. وهو قول الأحناف من وجهين هما :
1-أن أصرح الأدلة النقلية في المسألة : حديث عبد الرحمن ابن سلمة عن عمة : " فأتموا يومكم واقضوه". وهو ضعيف. وحديث صيام يوم عاشوراء ، وهو صحيح ، فتبقى دلالته دون معارض ، وقد دل الحديث على وجوب الإمساك دون القضاء .
2-قوة أدلته العقلية الأخرى وسلامتها من المعارض. ] (1) .
- قوله : [ وكذا حائض ونفساء طهرتا ، ومسافرٌ قدم مفطراً ] :
هنا الآن ثلاث مسائل أخرى ، ولك أن تجعلها مسألة واحدة :
فإذا قدم المسافر وهو مفطر ، فيجب عليه الإمساك ، ويجب القضاء.
وإذا طهرت المرأة من حيضها أو نفاسها فيجب عليها الإمساك والقضاء .
أما القضاء : فلا خلاف فيه , إذاً هذه بعكس المسألة السابقة .
__________
(1) [?[المشيقح: المسألة الأولى : وجود شرط الوجوب في أثناء النهار ، الراجح : يمسك ولا يجب القضاء .[المسائل الأربع السابقة].
المسألة الثانية : انتفاء المانع في أثناء النهار ، الراجح : يجب القضاء ولا يمسك .
[1- كحائض ، 2- ونفساء طهرتا ، 3- ومسافر قدم مفطراً ، 4- وكالمريض إذا شفي في أثناء النهار وهو مفطر.].
?[ الخليل : ذكر في مسألة : إذا صار أهلاً للوجوب أثناء النهار : [وذكر أنها ثلاث روايات عن الإمام أحمد].
القول الثالث :رواية عن أحمد: أنه لا يجب عليه الإمساك ولا القضاء ؛ لأنه لا يجب عليهم الصيام لا ظاهراً ولا باطناً في أول النهار ، فجاز في آخره.
•ورجح الخليل: اختيار شيخ الإسلام. وكذلك في مسألة : إذا قامت البينة أثناء النهار: يلزم الإمساك دون القضاء.
وفي مسألة:انتفاء المانع في أثناء النهار : رجح أنه لا يجب أن يمسكوا ؛لأن فطرهم كان ظاهراً وباطناً في صدر النهار ، ففي آخره كذلك...].(1/26)
فإذا طهرت الحائض أثناء النهار فيجب عليها القضاء بلا خلاف ؛ للحديث المتفق عليه : ( كنا نؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة ) وكذلك النفساء.
وكذلك المسافر إذا قدم مفطراً فيجب عليه القضاء ؛ { فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } .
? وإنما وقع الخلاف في الإمساك هل يجب أم لا ؟
[ق1] فقال الحنابلة : يجب الإمساك ؛ لأن هذا من رمضان لزوال المانع.
[ق2] وقال الشافعية ، وهو رواية عن أحمد ، وهو اختيار شيخ الإسلام : لا يجب الإمساك ، لكن قال الشافعية : يسن أن يمسك ؛ لدفع التهمة .
والقول الثاني في المسألة هو الراجح :
1- لعدم الدليل على وجوب الإمساك ،
2- ولئلا يجمع بين القضاء والإمساك ،
3- ولحصول الفطر في أول النهار ، فلا فائدة من الإمساك في آخره قال تعالى : { ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم }.
وأما ما ذكره الشافعية من أنه يستحب له أن يمسك ؛ لدفع التهمة ، فهذا ظاهر حيث كانت هناك تهمة ، كأن يطعم أمام الناس بخلاف ما إذا كان يفطر سراً أو عند من يعلم عذره.
- قوله : [ ومن أفطر لكِبَرٍ أو مرض لا يرجى برؤه ] :
•المشيقح: الصيام يشترط له شروط :
الشرط الأول : الإسلام .
الشرط الثاني : التكليف ( البالغ العاقل ) .
الشرط الثالث : أن يكون مقيماً .
الشرط الرابع : أن يكون صحيحاً .
الشرط الخامس : انتفاء المانع (الحيض والنفاس وغيره ) .
إذا كان الشخص يعجز عن الصيام لكبر أو مرض لا يرجى برؤه أطعم لكل يوم مسكين .
•أما الهرم لا يرجى برؤه فإنه يطعم لكل يوم مسكين لقول ابن عباس في قوله تعالى : {وعلى الذين يطيقونه فدية}.[البقرة: 184]، ( ليست بمنسوخة هي للكبير الذي لا يستطيع الصوم ) رواه البخاري .
?لكن إذا خرف الكبير إذا شرع بالصلاة يتكلم ونحو ذلك لا يجب عليه ذلك ولا الإطعام ؛ لأنه أصبح في حكم المجنون أو المعتوه غير مكلف اهـ.
من أفطر لكبر بحيث يشق عليه الصيام بسببه ، وكذا من به مرض لا يرجى برؤه ،(1/27)
والمرض الذي لا يرجى برؤه: هو الذي لا يغلب على الظن أنه يشفى منه ، ويعلم الناس ذلك إما بكلام الأطباء أو بما يعلمونه من طبيعة هذا المرض .
- قوله : [ أطعم لكل يوم مسكينا ]:
•المشيقح: في الإطعام العلماء لهم مباحث :
•المبحث الأول : هل يجب الإطعام عن هذا الكبير أو المريض ؟
الجمهور : يجب الإطعام خلاف المالكية لا يجب الإطعام .
دليل المالكية أنه كالمريض فالله تعالى يقول في المريض : {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر}.[البقرة: 184]، يجب عليه العدة ، والعدة لا يستطيعها لا يجب عليه الإطعام .
والصحيح : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم ، لما تقدم من قول ابن عباس وورد أيضاً عن أنس - رضي الله عنه - لما كبر أفطر وأطعم ثلاثين مسكيناً .
•المبحث الثاني : ما قدر الإطعام ؟
القول الأول : المذهب مد بر أو نصف صاع من غيره ، مما يجزئ في الفطرة .
•ما الذي يجزئ في زكاة الفطر ؟
الأصناف الخمسة ، الأجناس الخمسة : 1- التمر ، 2- البر ، 3- الشعير ، 4- الإقط ، 5- الزبيب .
فيجزئ من هذه الأجناس مد بر أو نصف صاع من غيره من هذه الأجناس .
[زاد الخليل : الدليل : بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - : أوجب في فدية الحج ... نصف صاع. * وأما مد بر : فلأنه أغلى ثمناً وأنفس ، فهو يساوي مدين من غيره من الشعير والتمراهـ].
القول الثاني : الأحناف أنه نصف صاع من بر أو صاع من غيره .
القول الثالث : الشافعية يطعم المسكين مد .[ الخليل : دليله روي عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .].
القول الرابع : وهو الصحيح أن الإطعام غير مقدر في العرف لا قدراً ولا جنساً وهو قول شيخ الإسلام .[ورجحه الخليل ؛ لأن الله أمر بالإطعام ، ولم يذكر حداً ولا مقداراً ، وليس في السنة تحديداً مقدراً . والواجب هنا : كالواجب في كفارة اليمين ، {من أوسط ما تطعمون أهليكم}. ].(1/28)
فيعطون من غالب قوت أهل البلد وقدره ما يطعم المسكين أي يشبعه ، وأما الجنس فهو غالب قوت البلد (1) .
• مسألة : ما كيفية الإطعام ؟
الكيفية الأولى : أن يشتري طعاماً ويملكهم إياه .
__________
(1) [الحمد: •[ما هو الواجب في مسألة الكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه ؟]:
•والواجب فيهما : أن يطعم عن كل مسكينا ، مُداًّ من حنطة أو نصف صاع من غيره .
1- فقد ثبت في الدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح أنه قال في الحامل إذا خافت على ولدها : " تُفْطِر وتطعم مكان كل يوم مسكينا مداًّ من حنطة " .
2- وقال ابن عباس كما في الدارقطني بإسناد صحيح : " إذا عجز الشيخ الكبير عن الصيام أفطر مكان كل يوم مُداً مُداً". ، والمد ربع الصاع النبوي ، وهو كيلو ونصف تقريباً ، لأن الصاع النبوي نحو ثلاث كيلوجرامات ، وعلى ذلك فنصف الصاع : كيلو ونصف .
فإذا أخرجت نصف صاع من تمر أو شعير فإنها تخرج كيلو ونصف الكيلو ، وأما إذا أرادت أن تخرج حنطة أو أرزاً فإنها تخرج على النصف من ذلك ، لأن المد هو الحفنة في اليدين ، والصاع يتكون من أربع حفنات باليدين جميعا ، إذا كانت اليدان متوسطتين ، فالمد هو ما يملأ الكفين إذا اجتمعا .
لكن إن كان الطعام دون الحنطة ، فإن الواجب نصف الصاع كالتمر ، وكذلك الأرز إذا كان رديئا فالواجب نصف الصاع ، وأما إذا كان جيداً فإنه يَقوم مقام الحنطة ، بل هو أفضل من الحنطة . إذاً الواجب ربع الصاع - يعني مد – من حنطة ، أو نصف صاع من غيره .
[ق2] فإن صنع طعاما فجمع مساكين بعدد الأيام فأشبعهم فلا بأس بذلك ؛ ولذا روى الدارقطني وغيره بإسناد صحيح أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أفطر عاما ، فصنع جفنة ثريد ، فدعا ثلاثين مسكينا فأشبعهم " ، فإذا صنع طعاما من لحم أو أرز ، وجمع المساكين وأشبعهم فلا بأس ، ويجزئ ذلك ؛ لإطلاق الآية . إذاً له أن يصنع طعاما يطعم به المساكين ، بأن يجمعهم أو يرسل لهم الطعام الذي يشبعهم ..].(1/29)
الكيفية الثانية : أن يصنع طعاماً ويدعوهم إليه ، كما فعل أنس .
•مسألة : هل يجب عليه أن يطعم ثلاثين مسكيناً ؟
لا يجب عليه لأن الذي ورد إطعام مسكين ولم يقل مساكين ، كما قال في كفارة اليمين : {إطعام عشرة مساكين}. المائدة: 89 .
وفي كفارة الظهار :{فإطعام ستين مسكيناً}. [ المجادلة: 4 ].
فالصواب : أنه لو أطعم عشرة طعام ثلاثين فهذا جائز .
•مسألة : متى يكون الإطعام ؟
الإطعام يكون كل يوم بيومه أو أنه يؤخر الإطعام آخر الشهر .
فلو قدمهم في أول الشهر فقد أخطأ لأنه تقديم العبادة عن سببها وشرطها ما يصح اهـ.].
•إذاً الكبير والمريض مرضاً لا يرجى برؤه: 1- يفطران ، 2- ويطعمان مكان كل يوم مسكينا ، 3- ولا قضاء ، لأنه عندهم عجز عن القضاء والأداء ، فأوجبنا عليهما الكفارة :
1- ففي صحيح البخاري عن ابن عباس - رضي الله عنه - في قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين } قال : " هذه الآية ليست بمنسوخة ، هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، لا يستطيعان أن يصوما ، فيطعمان مكان كل يوم مسكينا " .
2- وقد روى البخاري في صحيحه معلقا : " أن أنس بن مالك - رضي الله عنه - أفطر لكبر عاما أو عامين ، فكان يُطعم الخبز واللحم " . والمريض الذي لا يرجى برؤه كذلك من باب القياس (1) .
- قوله : [ ويسن لمريض يضره ] :
المشيقح: وعلى هذا المريض له ثلاثة أقسام :
1-أن يكون ممن يضره الصوم ، مثال ذلك / يحتاج إلى علاج إن تناوله برئ أو تحسن حاله وإن ترك العلاج تضرر ، فهذا يجب أن يفطر ويقضي .
__________
(1) ?[ ابن عثيمين : والخلاصة أن من عجز عن الصوم عجزاً لا يرجى زواله وجب عليه الإطعام، عن كل يوم مسكيناً، سواء أطعمهم أو ملكهم على القول الراجح.
?مسألة: إذا أعسر المريض الذي لا يرجى برؤه أو الكبير، فإنها تسقط عنهما الكفارة؛ لأنه لا واجب مع العجز، والإطعام هنا ليس له بدل..].(1/30)
2-أن يكون ممن لا يضره الصوم لكن يشق عليه ، فالمؤلف : يستحب له أن يفطر ، وهو الصواب .
3-أن لا يضره ولا يشق عليه ، مثل / الزكام والصداع اليسير ، موضع خلاف .الجمهور : ليس له أن يفطر .والصحيح : أنه ليس له أن يفطر . اهـ.].
•[الأقوال في مسألة إذا كان يضره الصوم]:
[ق1] إذا كان المريض يضره الصيام ، قالوا : فيسن له الفطر .
[ق2] وقال بعض الحنابلة ، وهو الصواب : بل يجب عليه وصوبه شيخنا الشيخ محمد بن عثيمين :
1- لأن الله تعالى يقول :{ ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } .
2- ويقول - صلى الله عليه وسلم - : ( لا ضرر ولا ضرار ).
3- وقد أتت الشريعة بحفظ النفوس ، فكان ذلك واجباً ، إذاً المريض الذي يضره الصوم ، يجب عليه الفطر .
?وما هو المرض الذي يباح معه الفطر في رمضان ، والذي يدخل في قوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة } أي فأفطر فعدة { من أيام أخر } ؟
هو المرض الذي يشق معه الصيام ، كأن يكون عنده وجع شديد في رأسه ، ويحتاج إلى الدواء ، فله أن يفطر ، لكن لو كان صداعا يسيراً أو زكاماً أو نحو ذلك ، فليس له أن يفطر .
?إذاً : أ- إذا كان هناك مشقة ويلحقه حرج ؛لأن الحرج في الشرع منفي ، قال تعالى : { وما جعل عليكم في الدين من حرج } .
ب- أو كان يؤخر بُرْءَه ،
ج- أو يزيد في مرضه ، فإذا كان يؤخر البرء ، كأن يكون مريضا في معدته ، فيحتاج إلى أن يطعم ، ولا تبقى المعدة خالية ، بحيث إن صام تأخر البرء , فله الفطر .
كذلك إذا كان الصيام يزيد في مرضه فله أن يفطر .
إذاً :1- إذا كان يشق عليه، 2- أو كان يزيد في مرضه، 3- أو كان يؤخر البرء : فإن له أن يفطر . فإن كان يضره ، فيجب ، كما تقدم .
- قوله : [ ولمسافر يقصر ]:
•المشيقح: فالمسافر لا يخلو من أقسام :(1/31)
القسم الأول : مسافر يشق عليه الصوم أو يضره فهذا لا يجوز له أن يصوم ، ويدل لذلك حديث جابر بن عبد الله أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج في رمضان فقيل له : إن الناس قد شق عليهم الصوم وهم ينظرون ما تصنع فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - الماء فشرب ، فقيل له : إن بعض الناس لم يفطر ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( أولئك العصاة ، أولئك العصاة )) .
ولا تكون المعصية إلا على فعل محرم .
القسم الثاني : مسافر يشق عليه الصوم مشقة يسيرة ، فهذا الأفضل له أن يفطر ؛ لأن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تؤتى معصيته ؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر في السفر .
القسم الثالث : مسافر لا يشق عليه الصوم ولا يضره بل الصوم والفطر عنده سواء .
• فأيهما أفضل الفطر أم الصوم ؟.
القول الأول : المذهب الأفضل له أن يفطر ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أفطر .
القول الثاني : قول أكثر العلماء الأفضل الصوم ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام ، وهذا هو الصحيح [ ورجحه الخليل] ،
لماذا ؟.
1- لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام . 2- أنشط له مع الناس . 3- أبرأ لذمته في القضاء اهـ.
[زاد الخليل : والجواب على قوله - صلى الله عليه وسلم - لهم : "أولئك العصاة" لأنه شق عليهم الصوم ، وهو كذلك إذا كان يشق : فمكروه أو محرم . اهـ].
?وإن كان ابن حزم يقول : أن الصوم في السفر غير صحيح . .].
•[الأقوال في مسألة صوم المسافر]:
[ق1] المسافر سفراً تقصر فيه الصلاة يسن له الفطر على المذهب . واستدلوا :
1- بما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى زحاماً ورجلا قد ظُلِّل ، فسأل عنه ، فقيل : إنه صائم ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( ليس من البر الصيام في السفر ) .(1/32)
2- وبما ثبت في صحيح مسلم من حديث حمزة الأسلمي - رضي الله عنه - أن قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إني أجد بي قوة على الصيام في السفر ، فهل عليّ جناح ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( هي رخصة من الله ، فمن أخذ بها فحسن ، وإن أحببت أن تصوم فلا جناح عليك ) .
فدل ذلك على أن الفطر حسن ،فقد وصفه بهذا الوصف ، ونفى الحرج عن الصوم فحسب ، فدل على أن الأفضل هو الفطر.
3- ولقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه ).
[ق2] والقول الثاني ، وهو مذهب الجمهور وهو وجه عند الحنابلة ، قالوا : يستحب له الصيام في السفر إلا أن يشق عليه . واستدلوا:
1- بما ثبت في الصحيحين عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال : " كنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - في سفر رمضان في شدة حر حتى إن كان أحدنا ليضع يده على رأسه من شدة الحر ، وما فينا صائم إلا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعبد الله بن رواحة " .
2- وفي صحيح مسلم وسنن الترمذي عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : " كانوا يرون – أي أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن من وجد قوة فصام فإن ذلك حسن ، ومن وجد ضعفا فأفطر فإن ذلك حسن " ، فالذي يجد قوة فالصيام أفضل له ، والذي يضعف ويكون عليه مشقة ، فالفطر أفضل له .
3- وفي الصحيحين من حديث أنس - صلى الله عليه وسلم - قال : " كنا نسافر مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فمنا الصائم ومنا المفطر ، فلم يعب الصائم على المفطر ، ولم يعب المفطر على الصائم " ، فله الصوم وله الفطر ، لكن الكلام هنا في الاستحباب ، وأثر أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - دال على أن الأفضل هو الصوم ، وكذلك حديث أبي الدرداء من فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - .(1/33)
•وهذا القول هو الراجح ؛ لما فيه من: 1- إبراء للذمة ، 2- و إيقاع الصوم في رمضان ، وهو زمن الفضيلة ، وعلى ذلك : فالأفضل له أن يصوم إلا أن يجد ضعفا.
وأما حديث حمزة الأسلمي : فلأن الأصل في الصوم في السفر الضعف والمشقة .
وعلى ذلك الأظهر ما ذهب إليه الجمهور من أن الأفضل هو الصيام ،إلا أن يضعف فيشق عليه ، فالمستحب له أن يفطر .
•فإن كانت المشقة شديدة ، بحيث يُخشى عليه الضرر ، فلا يجوز له الصوم ، بل يجب عليه أن يفطر ، ويدل عليه:
1- الحديث المتقدم : ( ليس من البر الصيام في السفر ) ،
2- وفي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له : إن بعض الناس قد شق عليهم الصوم ، وهم ينظرون ما تفعل ؟ فدعا النبي - صلى الله عليه وسلم - بإناء فشرب ، فقيل له : إن بعض الناس قد صام ؟ فقال : ( أولئك العصاة ، أولئك العصاة ) .
- قوله : [ وإن نوى حاضرٌ صوم يومٍ ثم سافر في أثنائه ، فله الفطر ] :
[ق1] يعني سافر بعد الفجر ، فله الفطر ، هذا هو المذهب خلافا للجمهور .
[ق2] فالجمهور [الأئمة الثلاثة] قالوا : إذا نوى وسافر بعد الفجر ، فليس له أن يفطر ؛ تغليبا للحضَر ، فبعض الصيام وقع في الحضر ، وبعضه وقع في السفر ، فتغليبا للحضر أوجبنا عليه الصيام (1) .
__________
(1) [المشيقح: لأنه تلبس بالعبادة فلا يجوز له أن يقطعها ، وهذا فيه نظر .
فنقول : صحيح أنه تلبس بالعبادة ولا يجوز أن يقطعها مالم يوجد ما يقتضي القطع ، فإن وجد ما يقتضي القطع فلا بأس به.].
?[ الخليل: القول الثاني : الأئمة الثلاثة : لا يجوز الفطر ، التعليل : لأنه شرع في عبادة فوجب أن يتمها . هذا ضعيف ،
والجواب عليه : 1- الصحابة كانوا يفطرون . 2- الفطر في السفر أباحه الله لا يخص أوله وآخره .].(1/34)
?والراجح : ما ذهب إليه الحنابلة ؛ لما ثبت في الصحيحين عن جابر - رضي الله عنه - قال : " خرجنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - من المدينة عام الفتح ، حتى بلغ كُراع الغميم ،( فدعا بإناء فشرب ) ، وظاهر الحال أنه كان صائماً .
? [مسألة ] وهل يجوز للمسافر أن يفطر في البيت قبل أن يخرج أم لا ؟ .
[ق1] قال الجمهور : ليس له ذلك ، حتى يغادر خيام قومه أو عمران بلده ، فله الفطر ، كالصلاة ، فكما أنه ليس له أن يقصر حتى يغادر عمران قومه فكذلك في الصوم ؛ ولقوله تعالى : { فمن كان منكم مريضاً أو على سفر } .
[ق2] والقول الثاني في المسألة ، وهو قول إسحاق ، وطائفة من التابعين ، كالحسن وعطاء ، قال الترمذي : " وعليه العمل عند بعض أهل العلم " ، ولعل هؤلاء الذين أبهمهم هم من تقدم ذكرهم قالوا : له أن يفطر.
واستدلوا بما روى الترمذي وحسنه وهو كما قال عن محمد بن كعب قال : " أتيت أنس بن مالك - رضي الله عنه - وهو يريد السفر ، وقد رُحِّلَت له راحلته – فهو متهيء للسفر وعازم عليه – ولبس لباس سفره ، فدعا بطعام فأكل ، فقلت له : سنة ؟ فقال : سنة ، ثم ركب " ، فهذا الحديث دال على أن له أن يفطر ، وأن ذلك سنة وهذا هو القول الراجح (1) .
? [مسألة ] فإن قيل : ما الفارق بينه وبين قصر الصلاة ؟
__________
(1) [المشيقح: الصواب أنه لا يترخص لقول الله تعالى :{فمن كان منكم مريضاً أو على سَفَرٍ}. [البقرة: 184].ولم يقل على نية السفر.].
?[ ابن عثيمين : فالصحيح أنه لا يفطر حتى يفارق القرية، ولذلك لا يجوز أن يقصر الصلاة حتى يخرج من البلد، فكذلك لا يجوز أن يفطر حتى
يخرج من البلد.
وإذا جاز أن يفطر خلال اليوم، فهل له أن يفطر بالأكل والشرب أو بأي مفطر شاء؟
الجواب: له أن يفطر بالأكل والشرب وجماع أهله، وغير ذلك من المفطرات..].(1/35)
فالجواب : أن الصيام مستمر ، بخلاف الصلاة فإنها تنقضي وهو في موضعه حاضر ، وأما السفر فإنه مستمر ، فلا فائدة من أمره بالإمساك ثم تجويز الفطر له بعد ذلك ، وكثيرا من الناس يحتاج إلى أن يطعم قبل أن يخرج . هذا هو القول الراجح في هذه المسألة والأحوط ألا يفطر إلا بعد خروجه.
- قوله : [ وإن أفطرت حامل أو مرضع خوفاً على أنفسهما قضتاه فقط ] :
• المشيقح : الحامل والمرضع لهما ثلاثة أقسام :
القسم الأول : أن تخافا على نفسيهما فيجوز لهما أن تفطرا إلحاقاً لهما بالمريض قال تعالى : {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام آخر}.[البقرة: 184].
* هل يجب على الحامل والمرضع أن يقضيا ؟
الجمهور يجب عليهما القضاء كالمريض وهو الصواب . وسعيد بن المسيب وابن حزم قالا لا يجب عليهما القضاء واستدلوا بحديث أنس - رضي الله عنه - . [ زاد الخليل : إجماعاً ، وقد حكاه ابن قدامه وابن مفلح].
القسم الثاني : أن تخافا على نفسيهما وعلى الولد فلهما الفطر ويجب القضاء كالمريض .
القسم الثالث : أن تخافا على ولديهما فلهما الفطر ويجب القضاء .
* هل تجب الفدية على الحامل والمرضع إذا أفطرتا ؟ موضع خلاف .
الرأي الأول : الجمهور يجب الإطعام عن كل يوم مسكيناً . لأنه وارد عن ابن عمر وابن عباس .
الرأي الثاني : رأي أبي حنيفة أنه لا يجب الإطعام فقال كالمريض لا إطعام . ويظهر والله أعلم:أن الإطعام يقال بمشروعيته اهـ.
•إن أفطرت الحامل أو المرضع ، فإما :
1- أن يكون الفطر : خوفاً على النفس ، 2- وإما أن يكون خوفاً على الولد، 3- أو عليهما جميعاً ؛ فإن كان خوفاً على النفس أو عليهما جميعاً ، فالواجب القضاء فقط ، كالمريض الذي يرجى برؤه .
?قوله : [ وعلى ولديهما قضتاه وأطعمتا لكل يوم مسكينا ]
1- إذا كان الخوف على الولد فقط ، فيجب عليهما مع القضاء الإطعام .(1/36)
2- إذاً إن خافت على نفسها فيجب عليها القضاء فقط ، 3- كذلك لو خافت على ولدها مع نفسها . [القضاء فقط].
1- وإن خافت على ولدها فقط فيجب عليها مع القضاء الإطعام ، وإن صاحبه خوف على النفس ، لكن الخوف على الولد [هو الأصل]..
? [مسألة ] وإن خافت على نفسها وولدها جميعا (1) ؟
[ق1] فهي كالمسألة الأولى [القضاء] ، هذا هو المذهب .
__________
(1) ? [الخليل : [مسألة : خوفاً على الجنين فقط] :
[ق1] الحنابلة والشافعية : القضاء مع الإطعام . والدليل : أن ابن عباس وابن عمر أفتيا المرضع والحامل بذلك أي الإطعام . أما القضاء فقياس على المريض ، وهو الراجح. واختاره شيخ الإسلام.
[ق2] الإطعام فقط . والدليل : صح عنهما أنهما أفتيا المرضع والحامل بالإطعام فقط.
[ق3] ابن حزم : [لا يجب الإطعام ولا القضاء ]. والدليل : عن ابن عباس قال قال - صلى الله عليه وسلم - : وضع عن المسافر الصلاة ، وعن المرضع والحامل الصيام].
[ق4] القضاء دون الإطعام . والدليل : القضاء قياساً على المريض. ودليل عدم الإطعام : 1- عدم نقله بالسنة ، 2- ابن عباس في حديثه السابق لم يذكر الإطعام .
?[ ابن عثيمين : الحال الثالثة: إذا أفطرتا لمصلحتهما، ومصلحة الجنين، أو الطفل فالمؤلف سكت عن هذه الحال، والمذهب أنه يُغلب جانب مصلحة الأم...
القول الثالث: التخيير بين القضاء والإطعام.
القول الرابع: يلزمها القضاء فقط دون الإطعام ، وهذا القول أرجح الأقوال عندي؛ لأن غاية ما يكون أنهما كالمريض، والمسافر، فيلزمهما القضاء فقط،
وأما سكوت ابن عباس - رضي الله عنهما - عن القضاء فلأنه معلوم.
وأما حديث: "إن الله تعالى وضع الصيام عن الحبلى والمرضع" فالمراد بذلك وجوب أدائه، وعليهما القضاء.
? وسبب الخلاف : أنه ليس هناك نص قاطع صحيح وصريح في وجوب أحد هذه الأمور..].(1/37)
[ق2] والقول الثاني في المسألة ، وهو قول ابن عمر وابن عباس من الصحابة رضي الله عنهم ، وقول إسحاق من أتباع التابعين ، وهو قول طائفة من التابعين كسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والقاسم بن محمد ، قالوا :لا يجب إلا الإطعام .
فالحامل والمرضع إن أفطرتا ، سواء كان:
1- خوفاً على النفس ، 2- أو خوفاً على الولد ،[3- أو خوفا عليهما جميعاً] فلا يجب إلا الإطعام ، ولا يجب القضاء . وهذا القول هو الراجح ؛ لقوة أدلته ، ومنها :
1- ما ثبت في الترمذي والنسائي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله وضع عن المسافر شطر الصلاة ، ووضع عن الحامل والمرضع الصوم ).
فكما أن المسافر وضع عنه شطر الصلاة فلا يقضيه ، فكذلك الحامل والمرضع قد وضع عنهما الصوم فلا قضاء .
2- وفي أبي داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " رُخِّص للشيخ الكبير ، إلى أن قال : " والحُبلى والمرضع إذا خافتا أفطرتا وأطعمتا عن كل يوم مسكيناً " فهنا أطلق الخوف سواء كان على النفس أو على الولد ، وقال " أطعمتا " ولم يذكر قضاءً ، وقوله : " رُخِّص " يدل على أنه مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .
3- وفي سنن الدارقطني بإسناد صحيح عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما أنهما قالا في الحامل والمرضع : " تُطعمان ولا تقضيان " ،
4- وروى معمر في جامعه بإسناد صحيح كما في الاستذكار لابن عبد البر رحمه الله تعالى : أن ابن عمر رضي الله عنهما قال في الحامل إذا خافت على نفسها : " تفطر وتطعم ولا قضاء عليها " .
?فهذه الآثار التي لا يعلم لها مخالف دالة على أن الواجب هو الإطعام ولا قضاء ، وكذلك ما تقدم في الترمذي والنسائي ، وحديث ابن عباس في أبي داود " رُخص للشيخ الكبير ... ".
وهذا هو القول الراجح ، وإن كان الأحوط أمرها بالقضاء .
? [مسألة ] إذا أوجبنا عليها الإطعام ، فعلى من يجب ؟ .(1/38)
الراجح : أنه يجب على من تلزمه النفقة ؛ لأن ذلك إنما وجب بسبب هذا الجنين ، وعلى ذلك : يجب ذلك على أبيه أو على الوارث وهو المذهب (1) .
وهذا الحكم عام في الأم والظئر – المرضعة -، فلا يختص هذا الحكم بالأم ، فالظئر ، وهي المستأجرة للإرضاع تلحق بالأم ، لكن بشرط أن يكون الطفل محتاجاً إلى إرضاعها ، أو أن تكون هي محتاجة إلى الإرضاع لأخذ الأجرة عليها ، أما إن لم يكن ذلك ، فلا يجوز لها أن تفطر ، وهذا أمر ظاهر.
والمشهور في المذهب : أن الأم إن وجدت مرضعة وقدر الولي على الأجرة ، فلا يجوز لها أن تُفطر.
والراجح خلاف هذا ؛ لأن مصلحة الطفل في رضاعه من أمه ، والآثار المتقدمة عامة ، سواء كانت الأم تجد ظئرا أم كانت لا تجد ظئرا .
? [مسألة ] إذا احتاج من يريد أن يُنقذ غريقا أو نحوه إلى الفطر ، فإنه يفطر ؛ لما في ذلك من إنقاذ النفس من الهلكة.
وهل يجب عليه كفارة ؟
وجهان في مذهب الإمام أحمد ، والأرجح وهو اختيار ابن رجب في قواعده أن عليه الكفارة ، قياسا على الحُبلى والمرضع ، فإنهما إذا أفطرتا خوفا على الولد فإن عليهما – في المذهب – مع القضاء : الكفارة ، فكذلك هنا ، فإن الذي ينقذ من يُخشى عليه الهلكة ، أفطر لمصلحة غيره ، وعلى ذلك فإنه يُطعم .
والقضاء واجب عليه عند جمهور العلماء كما تقدم ، وتقدم الخلاف في الحبلى والمرضع ، وهل يحلق بهما هذا ؟ .
__________
(1) [ابن عثيمين: وعلى هذا فلا نخاطب الأم إلا بالصيام فقط، وأما الإطعام فنخاطب به الأب، ولو أن الأب لم يطعم، فليس على الأم في ذلك إثم، ولهذا يعتبر كلام المؤلف - رحمه الله - مخالفاً للمذهب في هذه المسألة.].(1/39)
فيه عندي قوة ، فيقوى أن يقال : يجب عليه الكفارة دون القضاء ، وإن كان الأحوط القضاء كما تقدم (1) .
__________
(1) [ابن عثيمين: مسألة: إذا قال قائل: أرأيتم لو أفطر شخص لمصلحة الغير في غير مسألة الحبلى والمرضع، مثل أن يفطر لإنقاذ غريق أو لإطفاء حريق، فهل يلزمه القضاء والإطعام؟
الجواب: أما على القول الذي رجحناه من أنه ليس على الحامل والمرضع إلا القضاء، فليس على المنقذ إلا القضاء، وأما على القول بوجوب القضاء والإطعام عليهما في محله ففيه قولان:
القول الأول: يلزمه القضاء والإطعام، قياساً على الحامل والمرضع إذا أفطرتا لمصلحة الولد.
والقول الثاني: لا يلزمه إلا القضاء فقط، واستدل لذلك بأن النص إنما ورد في الحبلى والمرضع دون غيرهما.
وأجيب عن هذا بأنه، وإن ورد النص بذلك، فالقياس في هذه المسألة تام، وهو أنه أفطر لمصلحة الغير.
والإفطار لمصلحة الغير له صور منها:
1 - إنقاذ غريق، مثل أن يسقط رجل معصوم في الماء، ولا يستطيع أن يخرجه إلا بعد أن يشرب، فنقول: اشرب وأنقذه.
2 - إطفاء الحريق، كأن يقول: لا أستطيع أن أطفئ الحريق حتى أشرب، فنقول: اشرب وأطفئ الحريق.
وفي هذه الحال إذا أخرج الغريق وأطفأ الحريق، هل له أن يأكل ويشرب بقية اليوم؟
•الجواب: نعم له أن يأكل ويشرب بقية اليوم، لأنه أذن له في فطر هذا اليوم، وإذا أذن له في فطر هذا اليوم، صار هذا اليوم في حقه من الأيام التي لا يجب إمساكها، فيبقى مفطراً إلى آخر النهار.
3 - وكذلك لو أن شخصاً احتيج إلى دمه، بحيث أصيب رجل آخر بحادث ونزف دمه، وقالوا: إن دم هذا الصائم يصلح له، وإن لم يتدارك هذا المريض قبل الغروب فإنه يموت، فله أن يأذن في استخراج دمه من أجل إنقاذ المريض، وفي هذه الحال يفطر بناءً على القول الراجح، في أن ما ساوى الحجامة فهو مثلها،
وسيأتي الخلاف في هذه المسألة، وأن المذهب لا يفطر بإخراج الدم إلا بالحجامة فقط دون الفصد والشرط، والصحيح أن ما كان بمعناها يأخذ حكمها. .].(1/40)
?مسألة في هذا الباب : اختار شيخ الإسلام جواز الفطر في الجهاد في سبيل الله ، ليتقوى المجاهد على قتال الأعداء ، سواء كان في سفر أو حضر ، وفَعَلَهُ رحمه الله تعالى لما أتى التتار إلى دمشق ، وصوَّب هذا صاحب الإنصاف واختاره في الفائق . وهذا هو القول الراجح ؛ لأن الفطر في مثل هذه الحال أولى من الفطر في السفر وأولى من الفطر في المرض ، لأن فيه حفظ الدين ، وكذلك حفظ الأعراض والأموال ، فإن الأعداء إذا تسلطوا ، فإنهم يتسلطون على الأديان والأعراض والأموال .
? ومن المسائل :
ما ذكره الآجُري رحمه الله تعالى ، وهو من فقهاء الحنابلة من أصحاب الإمام أحمد قال : إذا كان صاحب الصنعة يخشى على نفسه التلف إن صام ، فله الفطر ، هذا حيث كان مضطرا إلى هذه الصنعة لمعاشه ، كالذين يعملون في البناء إذا وافق صيفا شديدا وأصبحوا لا يتحملون الصيام ولا غُنية لهم عن هذا العمل ، وخشي التلف على نفسه ، فإن هذا أولى من المريض ، فله الفطر وعليه القضاء ، فيصوم في الأيام التي لا يعمل فيها ، لكن هذا كما تقدم إذا كان هذا العمل عملا شاقا وكان يخشى على نفسه التلف ، ولا مندوحة له عن هذا العمل ، وأما إن كان له عنه مندوحة ، فإنه يأثم .
- قوله:[ ومن نوى الصوم ثم:1- جن، 2- أو أغمي عليه جميع النهار ولم يُفق جزءاً منه = لم يصح صومه]:
• المشيقح: فالمجنون له أقسام :
القسم الأول : أن يجن من قبل طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، لا يصح صومه ولا يجب عليه القضاء ؛ لأنه غير مكلف .[ لأن القلم مرفوع عنه.] (1) .
القسم الثاني : أن يفيق في بعض النهار فصومه صحيح .
القسم الثالث : إذا كان يجن فترة ويفيق فترة أخرى ، فما أفاق فيه يجب عليه أن يصوم وما جن لا يجب الصوم.
__________
(1) [تنبيه: مسألة إذا أفاق المجنون أثناء النهار تقاس على مسألة إذا أسلم الكافر في نهار رمضان ، فلتراجع هناك. .].(1/41)
* الإغماء أقل حالة من الجنون ؛ لأن الإغماء تغطية على العقل ؛ ولأن الجنون فقد للعقل.
فالمغمى له أقسام :
القسم الأول : أن يغمى عليه من قبل طلوع الفجر إلى غروب الشمس ، فصومه غير صحيح وعليه القضاء لأنه مكلف .يجب عليه أن يقضي ؛ لأنه لم يزل به التكليف وهذا باتفاق الأئمة .[رجح الحمد : أنه لا قضاء عليه، وسيأتي].
مثال ذلك / شخص حصل له حادث مدة شهر وهو مغمى عليه فإذا أفاق يجب عليه أن يقضي الشهر .
القسم الثاني : أن يغمى عليه بعض النهار وأفاق فصومه صحيح .
القسم الثالث : أن يفيق أحياناً ويغمى عليه أحياناً فصومه صحيح.اهـ].
•[ مسألة المغمى عليه ، من قبل طلوع الفجر إلى غروب الشمس؟]:
2- والمغمى عليه أيضاً ، فلو أنه قبل أذان الفجر أُغمي عليه ، ولم يفق جزءاً من النهار ، فلم يفق إلا وقد غربت الشمس ، فإن صومه لا يصح ؛ لأنه لم يمسك شيئا من النهار والصوم يشترط فيه إمساك مع نية ، وقد قال عز وجل في الحديث القدسي :( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) . متفق عليه ، وهذا لا يضاف إليه أنه لم يأكل ولم يشرب ، وإن كان في الحقيقة ممسكا عن الأكل والشراب ، فإنه بمعنى زائل العقل.
?ولكن هل عليه القضاء أم لا ؟ قال المؤلف بعد :
- [ ويلزم المغمى عليه القضاء فقط ] :
[ق1] من أغمي عليه فلم يفق ساعة من النهار يجب عليه القضاء .
[ق2] والقول الثاني في المسألة ، وهو قول ابن سُريج من الشافعية ، واختاره صاحب الفائق من الحنابلة : أنه لا يجب عليه القضاء ؛ لأنه زائلٌ عقله أثناء النهار ، ولأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد ، وليس عندنا ما يدل على وجوب قضاء المغمى عليه ، وقد تقدم في مسألة سابقة ترجيح عدم قضاء الصلاة على المغمى عليه ، فكذا هنا.(1/42)
إذاً القول الراجح : أنه لا يجب عليه القضاء ؛ لأنه زائلٌ عقله ، ومعلوم أن الخطاب إنما يوجه إلى من معه عقل ، وأما المغمى عليه فإنه زائل العقل ، بخلاف النائم ، فإنه لا يصدق عليه أن زائل العقل ، فإن عنده نوع إحساس ، فإذا خوطب أو أوقظ فإنه يستيقظ ، ولذا فإن أهل العلم إجماعا قالوا : لو نام قبل الفجر ولم يستيقظ إلا بعد غروب الشمس ، فإن صومه صحيح بالإجماع.
وأما إذا أفاق جزءا من النهار ، وأمسك في هذا الجزء ، فإنه يصح صومه ولا قضاء عليه وهو المذهب.
- قوله : [ لا إن نام جميع النهار ] :
كما تقدم التنبيه عليه ، وهذا بإجماع العلماء .
- قوله : [ ويلزم المغمى عليه القضاء فقط ] :
دون المجنون .
- قوله : [ ويجب : 1- تعيين النية ، 2- من الليل ، 3- لصوم كل يوم واجب ] :
المشيقح: النية شرط من شروط صحة الصوم لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) .
والنية تميز بين العادة والعبادة ، ما هو وقت النية ؟
[ق1] وقت النية جميع الليل من غروب الشمس إلى طلوع الفجر وهو رأي الجمهور .
ويدل لهذا حديث حفصة (( من لم يبيت الصيام قبل طلوع الفجر فلا صيام له )) .
وهو ثابت عن حفصة وابن عمر بأسانيد صحيحة وهذا الحديث ضعيف لكن ثابت عن الصحابة .
[ق2] أما الحنفية : أن النية تمتد إلى الضحى واستدلوا بحديث سلمة بن الأكوع - رضي الله عنه - ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث رجلاً من أسلم ينادي من أصبح صائماً فليتم صومه ومن أصبح مفطراً فليمسك بقية يومه ؛ لأن اليوم يوم عاشورا ) ، فيما سبق كان واجباً ، وهذا فيه نظر .
?والصحيح : قول شيخ الإسلام أن النية تتبع العلم ، والذي يدل عليه الحديث أن النية تمتد إلا أن يعلم .].
•[كيفية تعيين النية]:
يجب أن يُعيِّن النية ، فينوي أنه يصوم من رمضان أو نذره أو الكفارة ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ).(1/43)
•قال " من الليل لصوم كل يوم واجب " : يدخل في قوله " لصوم كل يوم واجب " : النذر والكفارة وصوم رمضان .
لما روى أبو داود في سننه والحديث صحيح من حديث حفصة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من لم يُبيِّت الصيام من الليل ، فلا صيام له ) .
إذاً لابد أن ينوي الصيام قبل أذان الفجر ، فواجب عليه أن تستوعب النية يومَه ، فتكون النية شاملة لليوم كله ، فلو أنه أصبح ولم يطعم ، فنوى نذراً أو كفارة أو من رمضان ، فإنه لا يجزئه ، فلو قدم رجل من سفر وهو لم ينو الصيام ، ولم يطعم ، ولما حضر البلد قال : أريد أن أنوي صيام الفرض مادام أني لم آكل ولم أشرب ، فهذا لا يجزئه ، فلابد أن ينوي قبل طلوع الفجر ، فتشمل النية النهار كله ، ولابد أن تكون هذه النية جازمة ، فلابد أن يكون جازماً في نيته ، فإن كان عنده تردد ، فدخل عليه النهار ولم ينو ، فلا يجزئه ، فلابد أن يكون جازماً في نيته .
? قوله: [ من الليل لصوم كل يوم واجب ]:
[ق1] [المذهب والشافعي] : فلا يكفيه أن ينوي من أول الشهر .
[زاد المشيقح : لأن كل يوم عبادة مفردة ويستدلون بحديث حفصة الذي تقدم .].
[ق2] وذهب المالكية ، وهو اختيار ابن عقيل ورواية عن أحمد : إلى أن له أن ينوي من أول الشهر إذا لم يقطع هذه النية ، فإذا نوى من أول الشهر الصيام ، فإن ذلك يجزئه ما لم ينو القطع ، فإذا أفطر في يوم من الأيام لسفر أو نحوه ، فلا بد أن يستأنف النية ، لأن رمضان عبادة واحدة ، ولحديث : ( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى ) ، وهذا قد نوى .
[زاد المشيقح : لأن رمضان عبادة واحدة ما لم يقطع الصوم بسفر أو مرض أو حيض أو نفاس.
مثال ذلك / لو أن شخصاً نام من الليل حتى طلع الفجر ، فما حكم صومه ؟.
[ق1] عند المذهب والشافعي : لا يصح . [ق2] والمالكية : يصح ، وهو الصواب.].اهـ] .(1/44)
ومثله أيضا صيام الشهرين المتتابعين ، وهذا هو القول الراجح ، وعلى ذلك إذا نوى من أول الشهر فإن هذه النية تكفيه ما لم يقطعه بسفر أو مرض.
? [مسألة ] فإن حصل له تردد في النهار ؟ .
تقدم أنه لابد أن تكون النية جازمة ، لكن إن كان في أثناء النهار – يعني بعد النية الجازمة - حصل عنده تردد ، فهل يكون قد أفطر بذلك ؟
قولان لأهل العلم هما وجهان في المذهب :
[ق1] فالمذهب : أنه يبطل صومه.
[ق2] والقول الثاني : أنه لا يبطل ، وهو قول في المذهب ، وهذا هو الراجح ؛ لأن النية باقية على ما هي عليه ، لكنه تردد هل يقطعها أم لا.
- قوله : [ لا نية الفرضية ] (1) :
[مسألة] إذا نوى أن ما يصومه من رمضان ، فهل يشترط أن ينوي أنه فرضه ، أم يكفي أنه نوى من رمضان؟
الجواب : لا يشترط ، ولذا قال " لا نية الفرضية " ؛ لأن نية الفرضية تتضمنها نية أن هذا اليوم الذي يصومه من رمضان ، فكونه ينوي أنه يصوم من رمضان – هذا – متضمن لنية الفرضية .
- قوله : [ ويصح النفل بنية من النهار قبل الزوال وبعده ] :
[ق1] يصح في النفل أن ينوي الصيام إن لم يطعم أو يشرب أو يجامع – يعني لم يأت شيئا من المفطرات – قبل الزوال أو بعده .
__________
(1) [ ابن عثيمين : قوله: "لا نية الفرضية" أي: لا تجب نية الفريضة، يعني لا يجب أن ينوي أنه يصوم فرضاً، لأن التعيين يغني عن ذلك، فإذا نوى صيام رمضان، فمعلوم أن صيام رمضان فرض، وإذا نوى الصيام كفارة قتل أو يمين، فمعلوم أنه فرض، كما قلنا في الصلاة إذا نوى أن يصلي الظهر لا يحتاج أن ينوي أنها فريضة؛ لأنه معروف أن الظهر فريضة، وعلى هذا فنية الفريضة ليست بشرط.
ولكن هل الأفضل أن ينوي القيام بالفريضة أو لا؟
الجواب: الأفضل أن ينوي القيام بالفريضة، أي: أن ينوي صوم رمضان على أنه قائم بفريضة؛ لأن الفرض أحب إلى الله من النفل.(1/45)
لما ثبت في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " أتانا النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فقال :
( هل عندكم شيء ؟ ) فقلنا : لا ، فقال : ( إني إذاً صائم ) ، قالت : ثم أتانا يوماً آخر ، فقلتُ : أُهدي لنا حَيْسٌ ؟ فقال : ( أرنيه ، فلقد أصبحت صائما ) فأكل ، والشاهد قوله : ( إني إذاً صائم ) فظاهره أنه صام حينئذ ، فأصبح مفطرا ، فلما لم يجد طعاما نوى الصيام - صلى الله عليه وسلم - .
[ق2] وأما القول الثاني في المسألة ، وهو قول المالكية ، قالوا : لابد من نية من الليل ؛ لحديث : ( من لم يُبيِّت الصيام من الليل فلا صيام له ) .
لكن الحديث الذي رواه مسلم مُخصِّصٌ لعموم هذا الحديث الذي استدلوا به.
•المشيقح:
الرأي الثالث : أبي حنيفة يمتد إلى وقت الضحى ، استدلوا بحديث سلمة المتقدم .
?استدل الحنابلة والشافعية بحديث عائشة - رضي الله عنه - ( دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم فقال : (( هل عندكم من شيء ؟ )) فقلنا : لا ، قال : (( فإني إذاً صائم )) فشرع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالصوم .
?فهو وارد عن ابن عباس وأبي هريرة ومعاذ وابن مسعود وحذيفة رضي الله تعالى عنهم ، وهو الصواب ؛ لأن منزلة النفل أقل مرتبة من منزلة الفريضة ، وهو التسهيل في النفل وهذه قاعدة الشارع .
?يستثنى من ذلك : النفل المقيد ينوي من الليل ليحصل على الأجر الكامل ، مثل صيام عرفة أو عاشوراء إذا أردت الأجر المترتب عليهما تنوي من الليل ، وإن نويت من النهار فاتك أجر الصيام المقيد ونلت أجر الصيام المطلق . .]
? قال هنا : [ قبل الزوال أو بعده ]:
1- أما قبل الزوال : فهذا مذهب الجمهور خلافا للمالكية كما تقدم.(1/46)
2- وأما بعد الزوال فهذا من مفردات المذهب ، رجل لم يأت شيئا من المفطرات إلى أن بقي من غروب الشمس ساعة ، فقال : إذاً أنوي الصيام ، فله ذلك ، هذا في المشهور في مذهب الإمام أحمد ، وهو من مفردات المذهب ؛ قالوا : لأنه لمّا جاز أن ينوي قبل الزوال ، جاز أن ينوي بعده ، لأنهما يشتركان في أنهما جزء من الصيام ، فهذا جزء من اليوم ، وهذا جزء من اليوم ، فله أن ينوي بعد الزوال ، كما لو نوى قبل لحظة قبل الزوال ، فإذا كانت الشمس تزول في الساعة الثانية عشرة فلو نوى قبل الثانية عشرة بدقيقة ، يجزئ عند الجمهور ، فكذلك بعد الثانية عشرة بدقيقة ، فلا فرق بين الصورتين ، وهذا القول هو الراجح ؛ لأن الشرع متشوِّف إلى فعل العبد للتطوع ، وهذا من التخفيف في باب التطوع ، ترغيبا في فعله له ، كما تقدم في صلاة النافلة على الراحلة.
لكن إنما يؤجر بقدر ما نوى ؛ لأن الأعمال بالنيات ، وهذا هو نص الإمام أحمد ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ، فلا يكون كمن صام من أول النهار ، وإنما له من الأجر بقدر ما نوى (1) .
__________
(1) [ ابن عثيمين : ولكن هل يثاب ثواب يوم كامل، أو يثاب من النية؟.
في هذا قولان للعلماء:
القول الأول: أنه يثاب من أول النهار؛ لأن الصوم الشرعي لا بد أن يكون من أول النهار.
القول الثاني: أنه لا يثاب إلا من وقت النية فقط ، فإذا نوى عند الزوال، فأجره أجر نصف يوم.
وهذا القول هو الراجح لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى" وهذا الرجل لم ينو إلا أثناء النهار فيحسب له الأجر من حين نيته. .].(1/47)
- قوله : [ ولو نوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضي لم يُجْزِه ] (1) :
•[اختيارات: [مسألة : إطلاق أو تعليق النية ليلة الثلاثين من شعبان ] :
المقصود بهذه المسألة : 1- إذا نوى ليلة الثلاثين من شعبان الصيام بنية مطلقة، 2- أو نية معلقة بأن يقول : إن كان غداً من رمضان فهو فرضي , وإلا فلا ، 3- أو نية مقيدة بنفل أو نذر وغير ذلك ، ثم يتبين أنه من رمضان ، فهل يجزئه ذلك أو لا ؟.
? تحرير محل النزاع :
1-اتفق العلماء على وجوب تعيين النية في صوم القضاء والكفارة .
__________
(1) ? [ ابن عثيمين : قال في الروض: "من قال أنا صائم غداً إن شاء الله متردداً فسدت نيته، لا متبركاً" أي: إذا قال أنا صائم غداً إن شاء الله ننظر هل مراده الاستعانة بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده، إن قال: نعم، فصيامه صحيح؛ لأن هذا ليس تعليقاً، ولكنه استعانة بالتعليق بالمشيئة لتحقيق مراده؛ لأن التعليق بالمشيئة سبب لتحقيق المراد، ويدل لهذا حديث نبي الله سليمان بن داود - عليهما الصلاة والسلام - حين قال: "والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلاماً يقاتل في سبيل الله، فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل، فطاف على تسعين امرأة يجامعهن، ولم تلد منهن إلا واحدة شق إنسان" فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: "لو قال إن شاء الله لكان دركاً لحاجته" ، وإن قال ذلك متردداً يعني لا يدري هل يصوم أو لا يصوم، فإنه لا يصح؛ لأن النية لا بد فيها من الجزم، فلو بات على هذه النية بأن قال: أنا صائم غداً إن شاء الله متردداً، فإنّ صومه لا يصح إن كان فرضاً، إلا أن يستيقظ قبل الفجر وينويه.
? وقال في الروض: "ويكفي في النية الأكل والشرب، بنية الصوم" أي: لو قام في آخر الليل وأكل على أنه سحور لكفى؛ حتى قال شيخ الإسلام: إن عشاء الصائم الذي يصوم غداً يختلف عن عشاء من لا يصوم غداً، فالذي لا يصوم عشاؤه أكثر، لأن الصائم سوف يجعل فراغاً للسحور.].(1/48)
2-واتفقوا أيضاً على صحة صيام من تردد ليلة الثلاثين من رمضان.
3-واتفقوا على عدم جواز التردد في أصل الصيام بأن يقول : إن كان غداً من رمضان فإني صائم وإلا فمفطر.
? ويخرج عن هذه المسألة إذا صام بنية رمضان مطلقاً ، وعليه فيكون محل هذه المسألة الصور الثلاث المذكورة في المقصود منها.
?سبب الخلاف :
الخلاف في هذه المسألة يعود إلى سببين هما :
1-هل الكافي في تعيين النية في هذه العبادة : هو تعيين جنس العبادة أو تعيين شخصها ؟.
فالوضوء يكفي فيه تعيين الجنس بخلاف الصلاة ، فلا بد من تعيين شخصها هل هي ظهر أو عصر.
2-الخلاف في تصنيف الصيام " هل الصيام من العبادات التي تنقلب بنفسها أو لا ؟.
ذلك أن أكثر العبادات لا تنقلب بنفسها ، وبعضها ينقلب كالحج ، فمن حج متنفلاً وهو لم يحج حجة الإسلام انقلب حجه فرضاً ، وسيأتي مزيد بسط لذلك بعد قليل.
? اختار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : صحة الصوم بهذه النية إن كان جاهلاً ، خلافاً للمشهور من المذهب.
فقال رحمه الله تعالى : وتحقيق هذه المسألة : أن النية تتبع العلم :
1- فإن علم أن غداً من رمضان فلا بد من التعيين في هذه الصورة ،
2- فإن نولا نفلاً أو صوماً مطلقاً لم يجزه ؛ لأن الله أمره أن يقصد أداء الواجب عليه وهو شهر رمضان الذي علم وجوبه ، فإذا لم يفعل الواجب لم تبرأ ذمته .
وأما إذا كان لا يعلم أن غداً من شهر رمضان فهنا لا يجب عليه التعيين.اهـ ].
•[ الأقوال في هذه المسألة ، مع الأدلة ]:
[ق1] يقول ذلك ليلة الثلاثين من شعبان ، فقد يأتي الخبر في الليل وهو يريد أن ينام مبكرا أو يكون خارج البلد ، وليس عنده ما ينقل له الخبر فنوى إن كان غدا من رمضان فهو فرضه ، فقالوا هنا : " لم يجزه " ؛ لأنه لم يجزم ، والنية لابد فيها من الجزم.
[ق2] واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى : أنه يجزئه ذلك .(1/49)
قال : لأن النية تتبع العلم ، وهذا علمه غير مجزوم به ، فهو لا يدري هل غداً من رمضان أم لا ، لكن لو كان يعلم أن غدا من رمضان فلا يجزئه إلا الجزم ، لكن حيث كان لا يجزم أن غداً من رمضان ، فينوي بحسب علمه ،وعلمه فيه تردد وعدم جزم ، وهذا هو مقدوره ،وهذا هو الراجح .
إذا قال : إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فإني مفطر ، أو قال : إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فهو نفل ، فالراجح أن ذلك يجزئه ؛ لأن النية تتبع العلم , وهو اختيار شيخ الإسلام .
? أما إن كان في ليلة الثلاثين من رمضان وقال : إن كان غداً من رمضان فهو فرضي وإلا فإني مفطر ، فإنه يجزئه على المذهب ؛ لأن الأصل أن هذا اليوم من رمضان ، فالأصل هو بقاء رمضان ، لكن هناك في ليلة الثلاثين من شعبان الأصل بقاء شعبان.
- قوله : [ ومن نوى الإفطار أفطر ] :
أفطر : بمعنى أن له حكم المفطرين ، لا حكم الآكلين والشاربين .
فإذا قلنا " أفطر " ، فله أن ينوي نفلاً إن لم يكن ذلك في رمضان .
رجل نوى أن يكون هذا اليوم نذراً أو كفارة أو تطوعا ، وأثناء النهار نوى الفطر ، إذاً قطع نيته فقد فسد الصوم ، فله أن ينوي نفلا من جديد ؛ لأن النية يصح أن تكون من النهار وهو لم يأكل ولم يشرب .
ولذا قلنا : " كما لو أكل " ، فالآكل والشارب ليس له أن ينوي نفلا ، فإذا أكل في أول النهار ، فليس له أن ينوي الصيام في آخره .
وتقدم أن هذا يُقيَّد بأن لا يكون في رمضان ؛ لأن أيام رمضان وقتها مضيق على صوم رمضان ، فلو أن مسافراً نوى نفلاً لم يجزئه ذلك ، وإنما خُفِّف عنه بالفطر ، فإن صام فإنما يصوم رمضان ، وليس له أن ينوي النفل (1) .
•ابن عثيمين: مسائل:
__________
(1) ?[ الخليل : 2- أما إذا نوى أنه سيفطر : صح صيامه ، إلى أن يفطر ، والتعليل: لأنه لم ينوى الفطر ، كما لو قال : سأفطر إن جاء زيد ، ولأنه لم يقطع النية.].(1/50)
الأولى: إنسان صائم نفلاً، ثم نوى الإفطار، ثم قيل له: كيف تفطر لم يبق من الوقت إلا أقل من نصف اليوم؟ قال: إذاً أنا صائم، هل يكتب له صيام يوم أو من النية الثانية؟
الجواب: من النية الثانية؛ لأنه قطع النية الأولى وصار مفطراً.
الثانية: إنسان صائم وعزم على أنه إن وجد ماء شربه فهل يفسد صومه؟
الجواب: لا يفسد صومه؛ لأن المحظور في العبادة لا تفسد العبادة به، إلا بفعله ولا تفسد بنية فعله.
وهذه قاعدة مفيدة وهي أن من نوى الخروج من العبادة فسدت إلا في الحج والعمرة، ومن نوى فعل محظور في العبادة لم تفسد إلا بفعله.
? ولهذا أمثلة منها ما ذكرناه هنا في مسألة الصوم. ومنها ما لو كان متحرياً لكلام من الهاتف فدخل في الصلاة ومن نيته أنه إن كلمه من يتحراه، أجابه، فلم يكلمه فصلاته لا تفسد.].
باب ما يفسد الصوم ويوجب الكفارة :
•[مختصر ما يفسد الصوم وأقسامها]:
•الخليل: مفسدات الصوم :
1-لا يبطل الصيام ؛ لكنه يذهب الأجر عن الصائم ، كالشتم والسب.
2- يبطل الصيام ، ويترتب عليه وجوب القضاء ، وهو المقصود بهذا الباب. ].
[وقسم الفوزان هذا القسم إلى قسمين ، فقال:].
?[ قال : الصوم له مفسدات ومبطلات ، وهي تنقسم إلى قسمين :
1- ما يفسد الصوم ولا يوجب الكفارة : وهي على قسمين :
[أ] قسم داخِل إلى جوفه ، من قوله :" من أكل ، أو شرب ...إلى قوله : غير إحليله .
[ب] قسم خارج من جوفه : من قوله " أو استقاء ... إلى قوله : أو حجم أو احتجم وظهر دم.
2- ما يفسد الصوم ويوجب القضاء والكفارة : وهو الجماع في نهار رمضان.
وهناك جماعات التي ليس فيها كفارة في نهار رمضان :
[أ] وإن جامع دون الفرج فأنزل ،
[ب] أو كانت المرأة معذورة ،
[ج] أو جامع من نوى الصوم في سفره : أفطر ولا كفارة. .].
- قوله : [ من أكل أو شرب]:(1/51)
? المفطِّر الأول من مفطرات الصائم : الأكل والشرب ؛ قال تعالى : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر }.
[ المشيقح: ومن السنة ( من نسي أكل أو شرب وهو صائم فليتم صومه ) .
•وهذا يدل على أنه في حالة عدم النسيان يفطر .والإجماع منعقد على ذلك.].
- قوله : [أو استعط] :
[ المشيقح: السعوط : هو دواء يصب في الأنف .
[ق1] فالمذهب يرى أنه يفطر ، ويدل لهذا حديث لقيط بن جبرة قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً )) .
فدل ذلك على أن الأنف منفذ من المنافذ إلى المعدة ، وما يتعلق بقطرة الأنف فجمع من العلماء أنها مفطرة ، والمشهور عند الفقهاء أن السعوط إذا وصل إلى دماغه أو حلقه فإنه يفطر ، وهذا فيه نظر .
[ق2] فالصواب : أن المناط معلق بوصوله إلى الجوف وإلا فالأصل صحة الصيام ..].
- [أو احتقن ] :
الحقنة تكون من الدبر .
[ المشيقح: الرأي الأول : أنها مفطرة وهو رأي الجمهور ، واستدلوا بحديث لا يثبت (( الفطر مما دخل )).] .
•[اختيارات: [ مسألة : الحقنة للصائم]:
? المقصود بهذه المسألة : الحقنة : دواء يدخل في جوف المريض من الدبر ، فهل يفطر بها الصائم أم لا؟.
? تحرير محل الخلاف :
لهذه المسألة ثلاث صور كما يدل على ذلك السبر والتقسيم وهي :
1-أن يدخل آلة ويخرجها كآلات قياس الحرارة والمناظير.
2-أن يدخل معها أدوية غير مغذية كالصابون لاستطلاق البطن أو المراهم لتسهيل انزلاق المناظير.
3-أن يدخل بالحقنة مواد مغذية. ومحل هذه المسألة هي الصورة الأولى والثانية.
? سبب الخلاف :
وسبب الخلاف : في هذه هو قياس غير المغذي على المغذي ، وذلك أن المنطوق به إنما هو المغذي ،فمن رأى أن المقصود بالصوم معنى معقول لم يلحق غير المغذي بالمغذي ،ومن رأى أنها عبادة غير معقولة ، وأن المقصود منها هو الإمساك فقط عما يرد الجوف سوَّى بين المغذي وغير المغذي.(1/52)
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق: أن الحقنة لا تفطر ، خلافاً للمذاهب الأربعة. فقال : وأما الكحل والحقنة... الأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك.
? ثمرة الخلاف :
مما سبق عرضه يتضح أن الحقنة لا تفطر إذا كانت لاستطلاق البطن ، وأن المناظير الشرجية لا تفطر وإن كانت تدهن قبل استعمالها ، وأن الحقنة الطويلة التي تصل إلى الأمعاء الدقيقة وتحمل أغذية – إن وجدت – تفطر لأنها غذاء والأمعاء الدقيقة هي مكان لامتصاص الأغذية ، وأن الأدوية التي تدخل مع الدبر – دون استعمال حقنة – مثل ما يسمى التحاميل لا تفطر . والله أعلم.
? وعلى ما ترجح فإن المناظير التي تدخل إلى الجوف أو المعدة عن طريق الأنف والفم لا تفطر ، وأما إذا دهنت في مراهم فالأولى قضاء الصوم ، والله أعلم.] (1) .
- قوله [ أو اكتحل بما يصل إلى حلقه أو أدخل إلى جوفه شيئا من أي موضع كان غير إحليله ] :
1- فنازع الشافعية في الكُحل ، ورأوا أن العين ليست منفذاً للطعام والشراب ، فرأوا أن الكحل ليس بمفطِّر (2) .
•[اختيارات: [مسألة : الكحل للصائم ]:
__________
(1) ?[ الخليل : التفصيل :
1-أنه إذا احتقن في الأمعاء الغليظة والمادة المحقونة فيها – ماء أو مواد غذائية – يفطر ؛ لامتصاصها الماء والمواد.
2-أنه إذا احتقن في الدبر –ليس فيها لا ماء ولا مواد غذائية : لا تفطر. ].
(2) [ المشيقح: وهذا رأي مالك وأحمد ، واستدلوا ( أنه أمر بالأثمد المروح عند النوم ليتقه الصائم ) .
والرأي الثاني : أنه غير مفطر ، وهو رأي الشافعي و أبي حنيفة ، واستدلوا ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اكتحل وهو صائم ) رواه ابن ماجه .
وكلا الدليلين ضعيف لا يثبت والأصل عدم الفطر بقاء الصيام .
ومثل هذا قطرة العين لا تفطر لأن العين ليست منفذاً معتاداً إلى الجوف .].(1/53)
المقصود بهذه المسألة : أن الصائم عندما يقع الكحل على عينه أو ما جرى مجراه من ذرور أو علاج سائل أو دهني – مرهم – هل يفسد صومه ، سواء وجد الطعم في حلقه أم لا ؟.
? سبب الخلاف :
الخلاف في هذه المسألة يعود إلى سببين :
1-اختلاف النظر بين الفقهاء بالنسبة للصيام : هل له معنى معقول وهو الإمساك عن كل ما يغذي أم هي عبادة غير معقولة ، وأن المقصود منها هو الإمساك فقط عما يرد الجوف.
2-اختلافهم في ثبوت حديث : " أنه - صلى الله عليه وسلم - اكتحل في رمضان وهو صائم".
? اختار شيخ الإسلام ورجحه المحقق: عدم الفطر بالكحل ، خلافاً للحنابلة.
? ثمرة الخلاف :
فعلى اختيار شيخ الإسلام : تكون جميع الأدوية التي توضع على العين سواء كانت مائعة أو جامدة كالذرور أو على شكل مراهم غير مفطرة . والله أعلم. .].
•[مسألة : هل القطرة في الأذن تفطر؟]:
[ق1] ونازع المالكية في القطرة التي توضع في الأذن إذا لم تصل إلى الحلق ، فإذا ذهبت إلى الدماغ فإنها لا تفطر عند المالكية ، بخلاف ما إذا وَجد طعمها في حلقه .
[ق2] ونازع الأوزاعي والليث في أن الأذن منفذ ، ورأوا أن الأذن ليست بمنفذ للطعام والشراب ، سواء وصل الطعم إلى الحلق أم لم يصل .
? [قول شيخ الإسلام في المسائل السابقة (السعوط والحقنة والكحل والأذن) ] :
وقاعدة شيخ الإسلام رحمه الله تعالى في هذا الباب ، وهي التي دل عليها الكتاب والسنة :(1/54)
" أن الصائم لا يفطر إلا بما هو أكل أو شرب مما يصل إلى المعدة أو إلى الدم فيغذي البدن " ؛ لأن الله تعالى قال : { وكلوا واشربوا } ، والكحل أو القطرة التي في الأذن أو الحقنة التي توضع في الدبر ، هذه كلها ليست بطعام ولا شراب في عرف المخاطَبين بهذه الآية ؛ ثم إن الحاجة داعية شرعا إلى بيان ما يفطر به الصائم ، فلو كان ما ذكروه مفطِّراً لبيّنه الشارع ، كما بيّن نواقض الوضوء ومبطلات الصلاة ، فإن الصيام ركن من أركان الإسلام ، فلو كان الكحل أو نحوه مما ذكروه مفطراً لبينه الشارع ، وليس هذا بأكل وشرب .
إذاً الراجح - وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى - أن ما يصل إلى المعدة أو إلى الدم فيغذي البدن ، هو الذي يكون مفطراً .
1- فعلى ذلك الإبر المغذية أو المحاليل المغذية ، هذه مفطرة ؛ لأنها تصل إلى البدن فتغذيه ، بخلاف ما يكون من الإبر المداوية ، إذا كان الأطباء يقررون أن الإبرة ليس فيها غذاء ، وإنما هي دواء .
2- وكذلك ما يكون من غسيل الكلى ، فإنه يكون منظفاً للكليتين فتُغسل الكلى به ، وليس نافعاً ولا يقوم في البدن مقام الغذاء .
3- وكذلك البخور ؛ فإن البخور ليس بأكل ولا شرب ، ولذا اختار شيخ الإسلام أنه لا يفطِّر وإن وصل إلى الدماغ – يعني تبخر حتى وصل إلى الدماغ - ، خلافا للمشهور في مذهب أحمد وغيره وأنه مفطر ، والراجح أنه لا يفطر ؛ كالدهن الذي يدهن به البدن ، فيسري من المنافذ إلى داخل البدن ، فإنه لا يفطر عند أهل العلم ، فكذلك البخور ؛ ولذا قال ابن مسعود : " إذا كان صوم يوم أحدكم فليُصبح دهينا مترجِّلاً " رواه البخاري معلقا .
إذاً كما أن الدهن عند أهل العلم لا يبطل الصيام ، فكذلك البخور ، وليس التبخر عند العرب الذين نزل القرآن بلغتهم بأكل ولا شرب .(1/55)
? وأما الدخان الذي يشرب ، فهذا في عرف الناس شراب ، وقد اتفق الفقهاء على أنه يفطر ، كما ذكر هذا أصحاب الموسوعة الفقهية الكويتية ، فقد ذكروا الاتفاق على أن شرب الدخان المعروف أنه يُفطِّر ، ولا أعلم خلافا بين أهل العلم في ذلك .
4- كذلك في المذهب : إذا داوى المأمومة مثلا ، أو الجائفة بدواء ، فإنه يفطر بذلك ، وهذا خلاف مذهب المالكية .
والصواب ما ذهب إليه المالكية ، وأن دواء المأمومة – وهي الجرح الذي يكون في الرأس ويصل إلى أم الدماغ ، أو الجائفة التي تنفذ إلى الباطن – ليس بمفطر .
بل المشهور عند الحنابلة وعند كثير من أهل العلم أنه لو أدخل آلة ، كأن يحرّك سكينا داخل هذه الجائفة أو يُخرج منها شيئا ، كأن يكون فيها رصاص ، فيدخل فيها شيئا ليخرجها ، فتنفذ هذه الآلة إلى الباطن ، فإنه يفطر بذلك ؛ لأن كل ما دخل عندهم إلى الجوف – يعني المعدة - أو إلى مجوَّف في بدنه كالدماغ ، فإنه يفطر به .
[ق1] ولذا ذهب جمهور العلماء إلى أنه لو ابتلع حصاة – وهي لا تنماع في باطنه - أو خيطا ، فإنه يفطر بذلك .
[ق2] واختار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أنه لا يفطر ؛ لأن ابتلاع الحصاة ليس بطعام ولا شراب في عرف من نزل القرآن بلغتهم وهذا هو القول الراجح .
[اختيارات: [مسألة : ابتلاع الحصاة ]:
? المقصود بهذه المسألة : معرفة الحكم في ابتلاع المواد الصلبة التي لا تنماع في الجسد ولا تُغذي كالحصاة والدراهم وقطع الحديد ... ونحو ذلك.
? تحرير محل الخلاف :
يبحث الفقهاء في الاتبلاع المفطر عدة معايير منها :(1/56)
1-التلذذ في الابتلاع : فبعضهم لا يرى الفطر فيما لا يتلذذ به مثل ابتلاع اللقمة إذا تجشأها فإن النفوس تعاف ابتلاعها ثانية ، والبزاق لكن بزاق الغير يفرقون فيه بين ابتلاع بزاق الشخص العادي وابتلاع بزاق المحبوب ، فيرون الفطر في ابتلاع بزاق الحبيب ؛ لأنه يتلذذ به ، ولا يرون الفطر مع عدم اللذة ولو كان هذا المبلوع مما يغذي كالدقيق والعجين.
2-التغذية : فيرى بعض الفقهاء أن من ابتلع شيئاً غير مغذ فإنه لا يفطر ولو لم يكن صلباً كالخشب والتراب والحشيش.
3-الصلابة مع عدم التغذية كقطع الحديد والدراهم والحصى . وهذا المعيار هو محل هذه المسألة.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف إلى سببين هما :
1-اختلاف الفقهاء في المعتبر هل هو صورة الفطر وهو الابتلاع أو المعنى وهو الغذاء أو اللذة ؟.
2-ثم إن الذين اعتبروا الصورة والمعنى مجتمعتين اختلفوا في المعنى : هل هو اللذة أو التغذية ؟. والله أعلم.
? اختيار شيخ الإسلام واختاره المحقق : عدم الفطر خلافاً للمذاهب الأربعة.
? ثمرة الخلاف :
من نوازل العصر إعطاء المريض حقنة سائلة يشربها قبل إجراء ما يسمى الأشعة الملونة حتى تساعد الطبيب الفاحص تتبع مسار الطعام ، وهذه المادة أنواع :
منها : نوع محايد ليس فيه غذاء أو دواء ؛ فهل تخرج على قول شيخ الإسلام أو قول الجمهور .
يظهر لي أنها تفطر عند الجميع ؛ لأنها مادة سائلة يدخل الماء في تركيبها بنسبة كبيرة والماء مما يستفيد منه الجسد ويتقوى به .
وأما المناظير : إذا انزلقت بنفسها فلا ،وأما إن دهنت بمراهم غير مغذية من الدبر فكمها حكم الحقنة ، وإما إن كان طريقها الفم فلعل الأحوط القضاء ، والله أعلم .اهـ]. [ وسيأتي هذا في النوازل المعاصرة.].(1/57)
? لكن سفْتُ التراب ، يرجع فيه إلى أهل الخبرة ، فإن قالوا : إن سفت التراب يغذِّي ، فإنه يفطر بذلك ، والذي أعلمه عن النساء اللاتي يصبن بالوحام أن بعضهن تسف التراب ويغنيها عن الطعام والشراب ، بخلاف ما لا ينماع كالحصى أو الخيط أو نحو ذلك ، فإنه لا يفطر على الصحيح .
- [ ابن عثيمين : قوله: [أو أدخل إلى جوفه شيئاً من أي موضع كان] :
قوله: "إلى جوفه" أي: إلى مجوف في بدنه كحلقه وبطنه وصدره، والمراد أنه يفطر بذلك، فلو أن الإنسان أدخل منظاراً إلى المعدة حتى وصل إليها، فإنه يكون بذلك مفطراً.
والصحيح أنه لا يفطر إلا أن يكون في هذا المنظار، دهن أو نحوه يصل إلى المعدة بواسطة هذا المنظار فإنه يكون بذلك مفطراً، ولا يجوز استعماله في الصوم الواجب إلا للضرورة.
ولو أن الإنسان كان له فتحة في بطنه، وأدخل إلى بطنه شيئاً عن طريق هذه الفتحة، فعلى المذهب يفطر بذلك كما لو داوى الجائفة،
?والصحيح : أنه لا يفطر بذلك إلا أن تجعل هذه الفتحة بدلاً عن الفم بحيث يدخل الطعام والشراب منها لانسداد المرئ أو تقرحه، ونحو ذلك فيكون ما أدخل منها مفطراً كما لو أدخل من الفم، وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية. .].
- قال : " غير إحليله " :
يعني غير ذكره ، فلو وضع قطرة في إحليله [أي ذكره] فإنه لا يفطر بذلك ؛ لأنه ليس هناك طريق يوصل من المثانة إلى الباطن ، فليس هناك طريق بين المثانة والباطن ، وإنما البول يُرشح رشْحاً .
•وعلى كُلٍّ قد تقدم أن مثل هذا لا يفطر ، كالحقنة ونحوها .
فالذي دلت عليه الأدلة أن طريق الأكل والشرب هو الفم والأنف .
أما الفم فهذا ظاهر ، وأما الأنف فدليله قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه أبو داود وغيره : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً ) ، فدل ذلك خلافاً للظاهر على أن الأنف منفذ للشراب ، وهذا ظاهر فيما يقع في هذه الأزمان من إدخال الطعام إلى الأنف للمرضى .(1/58)
وأما غيرهما من المنافذ ، فقد قعد فقهاء الحنابلة قاعدة واسعة في هذا الباب ، فقالوا : كل ما يصل إلى جوفه أو إلى مجوف في بدنه كالدماغ والحلق ، فإنه يثبت به الفطر (1) .
- [القسم الثاني : وهو الذي يخرج من جوفه ] :
•قوله : [أو استقاء] :
[ق1] أي استدعى القيء فقاء ، فإنه يفطر بذلك ؛ لما روى أحمد وأبو داود والترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من ذرعه القيء فلا قضاء عليه ، ومن استقاء فليقض ) ، والحديث قد اختلف فيه :
[الرأي1 :في الحديث] وكثير من أهل العلم من أئمة النقاد كالبخاري وأحمد والترمذي وغيرهم أعلُّوه ولم يتبين لي ما هو طعن هؤلاء الأئمة في هذا الحديث إلا ما ذكره الترمذي من تفرد عيسى بن أيوب ، وهو ثقة من رجال الصحيحين ، لكنه لم يتفرد بهذا الحديث ، بل تابعه حفص بن غياث كما في سنن ابن ماجه وهو من رجال الصحيحين أيضاً ، ثم إنه لو تفرد به لقبل .
وقال عيسى بن أيوب : " زعم أهل البصرة أن هشاماً قد أوهم " وهذا هو الطعن الثاني ، وهذا المطعن مجرد دعوى ، فإن الأصل هو عدم وهمه ، ولم يتبين لنا سند آخر يثبت به الوقف أو نحو ذلك ،
[الرأي2 : في الحديث] وقد صححه طائفة من المتقدمين ، والمشهور عند المتأخرين هو تصحيحه ، وإن كان ما تقدم من أقوال الأئمة الكبار يجعل في النفس شيئاً من هذا الحكم المبني على هذا الحديث المتكلم فيه .
لكن الذي يترجح أنه صحيح ، وعليه العمل عند أهل العلم ، كما قال الترمذي رحمه الله تعالى ، وهو مذهب جمهور العلماء .
[ق2] وذهب طائفة من السلف والخلف ، وهو رواية عن مالك : إلى أن استدعاء القيء لا يفطر .
•والذي يترجح هو القول الأول ؛ للحديث الذي تقدم ذكره .
? [مقدار ما يفطر به إذا استقاء]: :
__________
(1) [ المشيقح: وقول المؤلف إلى جوفه فالمناط وهو وصول الشيء إلى الجوف .
الصواب:المراد الوصول إلى المعدة أما لو وصل إلى الحلق وشك هل نزل إلى المعدة أو الدماغ ؟. فالأصل صحة الصوم.].(1/59)
[ق1] ولو قلّ في المذهب ، وهو ظاهر الحديث .
[ق2] وعن أحمد وهو قول ابن عقيل : أنه لا يفطر حتى يخرج ملء الفم .
والذي يترجح هو الأول ؛ لعموم الحديث ، فإن هذا يسمى قيئاً .
ولعل العلة من ذلك – والله أعلم – خلافاً لإنكار شيخ الإسلام هذا التعليل ، وقد نص على هذا التعليل ابن عبد البر وغيره ، الأظهر أن خروج الطعام من المعدة إلى الحلق مظنة رجوع شيء منه إليه ، وهذا فيه معنى الأكل والشرب (1) .
•[ ابن عثيمين :أما ما خرج بالتعتعة من الحلق فإنه لا يفطر، فلا يفطر إلا ما خرج من المعدة، سواء كان قليلاً أو كثيراً.
واستدعاء القيء له طرق: النظر، الشم، والعصر، والجذب، وربما نقول السمع أيضاً.
أما النظر: فكأن ينظر الإنسان إلى شيءٍ كريهٍ فتتقزز نفسه ثم يقيء.
وأما الشم: فكأن يشم رائحة كريهة فيقيء.
وأما العصر: فكأن يعصر بطنه عصراً شديداً إلى فوق ثم يقيء.
وأما الجذب: بأن يدخل أصبعه في فمه حتى يصل إلى أقصى حلقه ثم يقيء.
أما السمع: فربما يسمع شيئاً كريهاً.].
- قوله : [ أو استمنى ] :
[ق1] يعني طلب خروج المني ، فأمنى ، فإنه يفطر بذلك ؛ يدل على ذلك ما ثبت في صحيح البخاري وغيره في الحديث القدسي وفيه : ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) متفق عليه ، فإخراج هذا الماء شهوة ، ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم لما قيل له : أيأتي أحدنا شهوته ويكون فيه أجر ؟ فقال : ( أرأيتم لو وضعها في الحرام ) ، فدل على أن هذا الماء شهوة ، وعلى ذلك : فتقصُّد إخراجه من البدن مفطِّر بأي طريق ، سواء كان 1- باليد، 2- أو المباشرة ، هذا هو مذهب عامة أهل العلم .
__________
(1) [المشيقح: واستدل شيخ الإسلام بالاستقراء أن الأدلة دلت على أن ما كان فيه استفراغ فإنه مفطر .
( الحيض فيه استفراغ فهو مفطر وكذا الحجامة والجماع ). وهو الراجح .
الرأي الثاني : ذهب القاسم وعكرمة: أنه لا يفطر لأن الأصل بقاء الصوم.].(1/60)
[ق2] خلافا لأهل الظاهر . وأما ما استدلوا به :
بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يباشر ، فإن المباشرة لا تقتضي إنزالاً ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ، قالت : " لكنه كان أملككم لأرَبه " أي لحاجته ، وضُبطت بالتسكين " لإرْبه " أي عضوه ، بل قد يكون هذا الحديث دالا على ما تقدم وأنه يباشر من غير إنزال ، فإنه يملك إرْبه ، إذاً ما ذهب إليه عامة أهل العلم هو الصواب ، خلافا لأهل الظاهر (1) .
•[ المشيقح: ويدل على أنه مفطر : قول شيخ الإسلام أن الاستغراقات مفطرة .
أقسام إخراج المني :
1-خروجه في أثناء النوم في النهار: لا يفطر . 2-خروجه عن طريق الفكر بأمور الجماع: لا يفطر .
3-خروجه عن طريق الاستمناء الجمهور: أنه مفطر . 4-إخراجه عن طريق المباشرة: هذا يفطر .
5-إخراجه عن طريق النظرة هذا: لا يفطر لأن الأولى معفو عنها .
6-إخراجه عن طريق تكرار النظر: المذهب يفطر ، والصواب : أنه يفطر للحديث : (( لك الأولى وليست لك الآخرة )) ، سئل عن نظر الفجأة فقال : (( اصرف بصرك )) .].
- قوله : [ أو باشر فأمنى ] :
[ق1] المباشرة هي ما دون الجماع ، سواء كانت بما هو قريب من الجماع أو كان ذلك بالقبلة أو نحوها .
__________
(1) ?[ الخليل :الراجح في الاستمناء والمباشرة فأمنى أنه يفسد صومه . وأما المذي بالمباشرة : لا يفسد صومه ؛ لأن المذي ليس كالمني الذي يوجب الغسل. وأما تكرار النظر فأمنى : يفسد الصوم ؛ لأنه شبيه بالمباشرة في استدعاء المني.].
?[ابن عثيمين : مسألة: لو تحدث الرجل مع امرأته حتى أنزل هل نلحقه بالمباشرة فنقول: يفسد صومه أو نلحقه بالنظر؟ الظاهر أنه يلحق بالنظر فيكون أخف من المباشرة، وعليه يلحق تكرار القول بتكرار النظر، فإن الإنسان مع القول قد يكون أشد تلذذاً من النظر..].(1/61)
فإذا باشر دون الفرج أو قبّل أو لمس فأمنى فإنه يفطر ، هذا هو مذهب جمهور العلماء ، حتى قال الموفق : " بغير خلاف نعلمه " ؛ لأن خروج المني تتم به الشهوة وقد قال الله تعالى فيما يرويه عنه النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يدع طعامه وشرابه وشهوته من أجلي ) فالشهوة قد امتنع عنها الصائم ، فهي مما يسمك عنه ، وحيث خرج المني باستدعاء ، فإن الشهوة قد وقعت تامة له ، فكان ذلك من مفسدات صومه.
[ق2] خلافاً لأهل الظاهر القائلين : بأنه لا يفطر إلا بالجماع ، فلو أمنى باستمناء أو مباشرة ، فلا يفطر بذلك .
والراجح ما تقدم ، وهو مذهب عامة العلماء.
أما إذا باشر دون الفرج فهذا واضح إن أمنى ، وكذلك الاستمناء ؛ لأنهما سبب ظاهر لخروج المني.
?[ مسألة : المباشرة بالقبلة أو اللمس ] :
وأما إن كان بالقبلة أو اللمس ، فمال صاحب الفروع - وهو الأظهر - إلى أنه لا يفطر بذلك ؛ لأن هذا ليس بسبب معتاد ، وعلى ذلك يكون خروجه عن غير قصد ، لأن القبلة ليست بسبيل معتاد لخروج الماء ، وعلى ذلك فإنه لا يفطر ، لأن الخروج هنا كما لو لم يقصد ، وسيأتي أنه إن لم يقصد فإنه لا يفطر .
إذاً الراجح : أنه كان دون المباشرة بقبلة أو لمس ، مما يكون خروج المني معه ليس بمعتاد ، فإنه لا يفطر بذلك .
- قوله : [ أو أمذى ] :
•[ اخيتارات : [مسألة : المذي للصائم] :
? المقصود بالمسألة : أن المذي يخرج نتيجة لأربعة أسباب :
1-تفكير ، 2- تكرار نظر ، 3-مباشرة ، 4-استمناء .
وهذه المسألة تبحث :
فطر الصائم بالمذي إذا حصل بأي سبب من هذه الأسباب الأربعة إذا فعل ذلك الصائم عمداً مختاراً.
أما غير العامد ، فقد قال ابن قدامة : " لا يفسد صومه لا نعلم فيه خلافاً".
? والمذي : هو ماء رقيق أبيض يخرج عند ثوران الشهوة بسبب ملاعبة أو نظر أو نحو ذلك.
? سبب الخلاف :(1/62)
يمكن إرجاع الخلاف إلى عدم وجود نص في هذه المسألة ، وأن ما ورد بخصوصها ورد عن أسبابه ومقدماته كالتقبيل والمباشرة ، فمن ألحق النتائج بالأسباب قال بعدم التفطير ومن لا فلا .
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : عدم الفطر خلافاً للحنابلة.
? ويظهر قوة اخيتار شيخ الإسلام لما يأتي :
1-أن الشرع أباح للزوج حال الصيام تقبيل زوجته ومباشرتها ، وهذه الأمور بين الزوجين الأصل فيه اللذة ، وفي الغالب تكون محركة للشهوة في أول درجاتها والتي يكون حاصلها المذي ، فإذا أجازت الشريعة المطهرة المقدمة أجازت النتيجة بالتبع.
2-أن المذي لا يلحق بالجماع ؛ لأن الشهوة لا تنكسر به مثل المني ،وهذا الفرق في الأثر يوجب الفرق في الحكم . والله أعلم.
? ثمرة الخلاف :
أن من كان ذا شهوة لا يجوز له التقبيل ولا المباشرة أو الملاعبة عند من يبطل الصوم بالمذي ، وتجوز كل هذه الأمور عند من لا يعده مفطراً إذا كان ممن يملكه إربه؛ لأن من لا يملك إربه قد ينزلق إلى الجماع.
•[ذكر الأقوال]:
[ق1] لو باشر أو قبل أو لمس فأمذى ، فإنه يفطر في المذهب وهو مذهب مالك.
[ق2] وقال الأحناف والشافعية : لا يفطر ، وهو أصح ، واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى ، فقياس المذي على المني قياس مع الفارق ؛ لأن المذي دليل الشهوة ومقدمها ، بخلاف المنى فهو الشهوة ، ولأن الأصل عدم الفطر ، ولا دليل يدل على الفطر به.
?[المشيقح : بقينا في المذي ، فالمذي يرونه يفطر .
الرأي الثاني : رأي ابن تيمية يقول أنه لا يفطر ، وهو الصواب ؛ لأن خروج المذي وإن كان يحصل به الشهوة لكن ليست تمام الشهوة .
وعلى هذا الأقسام السابقة ترد هنا .
1-خروجه في أثناء النوم في أثناء النهار لا يفطر . 2-خروجه عن طريق الفكر بأمور الجماع لا يفطر .
3-خروجه عن طريق الاستمناء المذهب يفطر ، والصواب : لا يفطر . 4-خروجه عن طريق المباشرة .(1/63)
5-خروجه عن طريق النظرة لا يفطر . 6-وخروجه عن طريق تكرار النظرة لا يفطر .
?المذي عند الحنابلة : لا يفطر إلا في حالتين : إذا استمنى أو باشر .
والصواب : أن الأقسام الستة كلها لا يفطر وهذا اختيار شيخ الإسلام . .].
قوله : [ أو كرّر النظر فأنزل ] :
فإنه يفطر ، لا إن كرّر فأمذى .
? إذاً فرّق الحنابلة هنا بين المذي والمني في هذه المسألة :
فقالوا : إن كرر النظر فأمذى ، فإنه لا يفطر ؛ لمشقة التحرز من ذلك ، فيشق عليه أن لا يقع منه تكرار نظر على أهله ، فربما حصل منه هذا المذي ، فإنه لا يفطر ، وأما المنى فإنه يفطر .
[ق2] وقال الأحناف و الشافعية بل لا يفطر أيضا ، حتى لو أمنى ، وهذا هو الراجح ؛ لما تقدم لكم في القبلة والمس ، وأن هذا ليس بسبيل معتاد ، لكن لو كان يعلم من نفسه ذلك وأنه إذا كرر فإنه يحصل مثل ذلك ، فنقول إنه يفطر ؛ لأنه في حقه سبب معتاد.
- قوله : [ أو حجم أو احتجم وظهر دم ] :
فيفطر الحاجم والمحجوم إذا ظهر دم ؛ واستدلوا بحديث شداد بن أوس الذي رواه الخمسة إلا الترمذي ، وإسناده صحيح أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) ، وهذا هو مذهب أكثر أهل الحديث ، كما قال شيخ الإسلام ، واختاره رحمه الله تعالى وتلميذه ابن القيم ، وهو المشهور في مذهب الإمام أحمد ، إذاً المذهب أنه يفطر – الحاجم والمحجوم – بالحجامة ، والحجامة معروفة .
? وهناك بعض التفاصيل التي خالف فيها شيخ الإسلام المذهب ، فمنها :
1- أن الفَصْد في المشهور في المذهب ليس بمفطر – وفي المسألة قولان في المذهب - واختار شيخ الإسلام أن الفصد أيضا يفطر.
2-وكذلك اختار شيخ الإسلام : أن العلة معقولة ، وليست تعبدية - والمذهب أن العلة تعبدية - قال : " إنما يفطر الحاجم إذا كان يمص الآلة " ، فحينئذ يكون ذلك مظنة لأنْ يطير في حلقه شيء من الدم ، فأُعطيت المظنة حكم الوقوع .(1/64)
وأما المذهب فقالوا : مطلقاً ، حتى لو كانت الحجامة باليد ، كما يفعله بعض الناس فيضع شيئا من القراطيس ويشعل فيها النار ، ثم يضعها على المكان الذي يراد حجامته .
إذاً المذهب أن الفصد يُفطِّر ، وأن العلة تعبدية ، وشيخ الإسلام يرى أن العلة ليست تعبدية ، وأن الحاجم لا يفطر إلا إذا كان يمص ، فيكون ذلك مظنة .
• وأما المحجوم ، فإنه لخروج هذا الدم الذي يضعفه عن الصيام ، فحكم عليه بالفطر.
1- والمشهور في المذهب : أنه لو جرح بدنه بحيث لا تغور الآلة في الجوف ، فإنه لا يفطر ، حتى لو خرج دم ،
2- وكذلك الإرعاف ، فلو استدعى خروج الدم من الأنف ، فإنه لا يفطر بذلك ، وعلى هذا فيكون إخراج الدم للتحاليل الطبية – حتى على المذهب القائلين بأن الحجامة تفطر – لا يفطر ، لأن هذه التحاليل شيء يسير ، لاسيما ما يؤخذ من أطراف الأصابع ، بخلاف ما إذا كان يسحب ، وأُريد من التحاليل مثل ما يكون من تحليل السكر أو نحو ذلك الذي غايته أن يجرح شيء من البدن ، وأما إذا كان بحيث يسحب كما يكون هذا في التبرع أو في التحاليل التي يسحب فيها الدم ويخرج من البدن ، فإن هذا له حكم الحجامة ، وإن كان هذا موضع تردد حتى في المذهب ؛ لأنه شيء يسير في العادة ، فإخراج الدم للتحاليل الطبية – ليس التبرع – هذا في الغالب يكون شيئا يسيراً.
إذن إذا جرح بدنه حتى لو خرج دم ، فإنه لا يفطر ، وعلى ذلك : يقوى أن يقال : حتى التحاليل التي تكون يسيرة لا تُنهك البدن ، كما ينهكه التبرع بالدم ، أنها لها حكم هذا الجرح ، لأن الجرح لا يخلو من خروج دم ، بحيث لو اجتمع لكان أكثر أو مثل ما يجمع للتحاليل الطبية . هذا هو تقرير مذهب الحنابلة في هذه المسألة.
[ق2] وأما الجمهور ، فقالوا : إن الحجامة لا تفطر ؛ واستدلوا :
بما روى البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " احتجم وهو صائم واحتجم وهو محرم " .(1/65)
وهذا الحديث رواه البخاري في صحيحه من حديث أيوب عن عكرمة عن ابن عباس ، وقد رواه وُهيب وعبد الوارث عن أيوب موصولا ، وروه ابن علية ومعمر مرسلا ، واختلف على حماد بن زيد ، فرواه بعضهم موصولا وبعضهم مرسلا ، ومثل هذا لا يؤثر في الحديث ،بل يكون ثابتا موصولاً ومرسلاً ، فإنه حيث تساوى الواصل والمرسل ، فإنه لا يقال بترجيح شيء من قوليهما ، وعلى ذلك فالحديث يصح موصولا ومرسلا .
وهذا الحديث إنما أعل الإمام أحمد رحمه الله تعالى بعض طرقه ، وأما الطريق الذي رواه البخاري فإن تعليل الإمام أحمد رحمه الله تعالى لا يتوجه إليه ، ولذا قال الإمام ابن عبد البر رحمه الله : " لا اختلاف بين أهل العلم في صحته وثبوته " ، •وقال ابن حجر رحمه الله في هذا الحديث :
" إنه لا مطعن فيه " ، على أن للحديث شواهد تثبت صحته ، كيف وقد أخرجه البخاري في صحيحه الذي تلقته الأمة بالقبول وأحاديث البخاري لا يقال بتعليل شيء منها إلا إذا كانت البينة ظاهرة في ذلك ، فهذا الحديث يدل على أن الحجامة لا تفطر .
? وأما حديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) ، فإنه منسوخ على الصحيح ، ويدل على ذلك أدلة منها :
1-ما ثبت في أبي داود عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الحجامة للصائم وعن المواصلة ولم يحرّمهما إبقاء على أصحابه " .
2-وفي الدارقطني بإسناد قوي كما قال الحافظ عن أنس رضي الله عنه قال : " أول ما كُرهت الحجامة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مر على جعفر بن أبي طالب وهو يحتجم ، فقال : ( أفطر هذان ) ، قال : ثم رُخِّص بعد في الحجامة للصائم " هذا الحديث نص في النسخ .
3-وفي الطبراني في الأوسط ، ورواه الدارقطني بإسناد صحيح عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص في القبلة للصائم وفي الحجامة " ، وكلمة " رُخِّص " دالة على سبْقِ عزيمة.(1/66)
4-وقد روى البخاري في صحيحه أن أنس بن مالك - صلى الله عليه وسلم - سئل : هل كنتم تكرهون الحجامة ؟ فقال : " لا ، إلا من أجل الضعف " .
فهذا يدل على أنه قول جمهور الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وإن كان فيه خلاف بين أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - في هذه المسألة .
? وأجاب الجمهور عن الاستدلال بحديث ( أفطر الحاجم والمحجوم ) :
بأن المراد : يؤول أمرهما إلى الفطر ، فإن ذلك مضعف للمحتجم ومظنة لدخول شيء من الدم إلى الحاجم ، فيؤول أمرهما إلى الفطر ، وهذا ظاهر للجمع بينهما ؛ لكن ينكر عليه الآثار والأحاديث المتقدمة ، فإن ظاهرها أن إفطار الحاجم والمحجوم كان عزيمة على الوجه المتقدم ، إلا أن يقال : إن كان منهيا عنه وإن لم يكن مفطراً ، والحاصل : أن مذهب جمهور الفقهاء هو القول الراجح في هذه المسألة.
والحديث الذي تقدم ، وهو حديث ابن عباس الذي رواه البخاري ، هو مذهب راويه - وهو ابن عباس – فإنه قال كما في ابن أبي شيبة بإسناد صحيح : " الفطر فيما دخل لا فيما خرج " .
إذاً الراجح أن الحجامة لا تفطر، وأما ما تقدم من جرح البدن وأخذ شيء من الدم ، سواء كان مما يسيل كما يسيل الجرح أو كان يسيرا ، فالأقوى – حتى على القول بأن الحجامة تفطر –أن مثله لا يفطر ، بخلاف ما يكون من تبرع الدم.
•[مسائل] :
1- [اختيارات: [مسألة : فطر الحاجم إذا لم يمص الآلة]:
? المقصود بهذه المسألة : حكم صيام الحاجم إذا لم يمص القارورة.
? وصورتها : أن يدخل الشمعة داخل القارورة ، فإذا أحرقت الشمعة الأكسجين حصل التفريغ الهوائي داخلها فيخرج الدم لملء هذا الفراغ الحادث.
? تحرير محل النزاع :
إن الحاجم في أثناء عملية الحجامة : 1- قد يباشر مص القارورة بفمه ، 2- أو يفرغ الهواء بإحراقه بالشمعة أو بأية آلة ، فهذه حالتان . وموضوع هذه المسألة الحالة الثانية.
? سبب الخلاف :(1/67)
يظهر أن الحنابلة علقوا الحكم على الفعل ؛ لحديث : " أفطر الحاجم والمحجوم" . بينما علق شيخ الإسلام الحكم على المعنى الذي سبق إيضاحه.
? والمعنى الذي يقصده شيخ الإسلام : هنا علة فطر الحاجم وهو مظنة أن يسبق إلى جوفه شيء من الدم قياساً على وضوء النائم مع أنه لا يقطع بنقض الوضوء.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : عدم الفطر الحاجم ، خلافاً للحنابلة.
? ثمرة الخلاف :
في الآلات الحديثة التي تعتمد على تفريغ الهواء آلياً يفطر الطبيب المباشر عند الحنابلة ، ولا يفطر عند شيخ الإسلام.].
•2- [اختيارات:[مسألة : فطر المحجوم إذا لم يخرج منه دم]:
المقصود بهذه المسألة : قد يحتجم المرء ويستعصى على الحاجم إخراج الدم لحال المحجوم أو طبيعة المناخ أو طبيعة البلاد أو غيرها من الأسباب . فهل نحكم بفطره حتى وإن لم يخرج منه دم؟.
? تحرير محل النزاع :
من التعريف السابق يظهر لنا أن المحجوم له حالتان :
1-أن يخرج الدم منه ، وهي موضع اتفاق بين شيخ الإسلام والحنابلة.
2-عدم خروج الدم منه ، وهو موضوع هذه المسألة .
? سبب الخلاف :
يرجع الخلاف في هذه المسألة إلى أن الحنابلة أجروا منطوق حديث : أفطر الحاجم والمحجوم ". وشيخ الإسلام وإن كان راعى النص وخالف مع الحنابلة الجمهور في فطر الحاجم والمحجوم ؛ لكنه – رحمه الله – لم ينس مقاصد التشريع فربط الحكم بغرض الحجامة وهو خروج الدم.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق: عدم الفطر خلافاً للحنابلة. وذلك :
1- لاتساقه مع مقاصد الشريعة.
2-ولأن الفصد دون دم يمكن قياسه على الجروح ، والجروح لا تفطر ولو خرج منه الدم.
3- ولأن الحجامة لا تكون حجامة بمجرد القطع إذ هو سبب لا بد من إضافته إلى نتيجته وهو حصول الدم لتسمى حجامة والذي خروجه هو مقصودها. .].
•3- [اختيارات:[مسألة : الفصد للصائم ] :(1/68)
? المقصود بهذه المسألة : عندما يفسد المسلم عرقاً من عروقه ويسيل الدم دون مص ، فهل يكون حكم الفصد حكم الحجامة؟.
? سبب الخلاف :
اختلافهم في قياس الفصد على الحجامة ، وهل هي بمعناه أم لا ؟.
? اختار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : الفطر بالفصد فقال – رحمه الله - : يفطر بالحجامة والفصاد ونحوهما ، وذلك لأن المعنى الموجود في الحجامة موجود في الفصاد شرعاً وطبعاً...
? 4- [مسألة : التشريط للصائم ] :
? المقصود بهذه المسألة : التشريط في اللغة : هو شقٌّ الجلد شقا يسيراً . والمقصود بهذه المسألة : هل يفطر المشروط إذا خرج منه الدم أم لا ؟. ويخرج بهذا التعريف الشارط ، وكذا المشروط حال عدم خروج الدم.
? سبب الخلاف :
يرجع الخلاف إلى أن الحنابلة اقتصروا على مورد النص لفظاً ، وأما شيخ الإسلام فطرد المعنى إلى التشريط.
? اختار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : فطر المشروط خلافاً للحنابلة .
? ثمرة الخلاف :
يتحرر على ترجيحات شيخ الإسلام في هذه المسألة وغيرها ضابط فقهي : أن من أخرج الدم – الكثير غير اليسير- عامداً بأي طريقة أفطر ، ويتخرج عليه : أن من جرح نفسه عامداً وأخرج الدم فسد صومه ، ومن تبرع بالدم في نهار رمضان أفطر ، والله أعلم.
? ملاحظة : هذه القاعدة من جهة خروج الدم ، والفقهاء يبحثون الخروج من باب دخول آلة الجرح في البدن وهي ليست مسألتنا.
- [ مسألة : الرعاف للصائم] :
?المقصود بهذه المسألة : حكم صيام من استرعف نفسه عامداً .
والرعاف : هو الدم الذي يخرج من الأنف ، يقال : رَعَف يرعَف ويرعف رعفاً ورُعافاً . واسترعف : استنزل الدم من أنفه.
? تحرير محل النزاع :
الرعاف له حالتان :
1-أن يخرج الدم بنفسه دون استدعاء منه . 2- أن يخرج الدم بفعله وقصده ، والحالة الثانية هي مسألة الباب.
? سبب الخلاف :(1/69)
أن شيخ الإسلام نظر إلى المعنى كمنهجه في مراعاة مقاصد الشريعة فألحق الرعاف بالحجامة ، بينما المذهب اقتصر على ما ورد به النص ، والله أعلم.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : أن من استرعف نفسه عامداً بطل صومه ، خلافاً للحنابلة. ].
?[ابن عثيمين : مسألة: هل يلحق بالحجامة الفصد، والشرط، والإرعاف، وما أشبه ذلك، كالتبرع بالدم؟
الفصد: قطع العرق، والشرط: شق العرق.
فإن شققته طولاً فهو شرط، وإن شققته عرضاً فهو فصد. ? ورجح قول شيخ الإسلام أنه : يفطر..].
- قوله : [ عامداً ذاكراً لصومه فسد ] (1) :
إذاً لا يفطر إلا أن يكون عامدا وأن يكون ذاكرا لصومه ، وعلى ذلك : فلو كان ناسيا أو مكرها ، فإنه لا يفطر .
__________
(1) • مختصر : [المشيقح: هذه المفطرات يشترط لها شروط وهي ليست خاصة بمفطرات الصوم بل لكل المنهيات والمحظورات :
1-العلم ، وعلى هذا لو أنه جهل الحكم الشرعي أو الحال : لا يفطر .
[أ] كيف يجهل الحكم الشرعي ؟. لا يعلم أنه مفطر .
[ب] كيف يجهل الحال ؟ . كما لو جهل ليلاً فبان نهاراً فأكل .
ويدل لهذا حديث عدي بن حاتم أن عدياً عمد إلى عقالين أسود وأبيض وجعلهم تحت وسادته جعل يأكل وينظر إليهما فأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن المراد بياض النهار من سواد الليل .فعدي أكل بعد النهار ولم يأمره - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء .
2-الذكر ، وهذا إذا كان ناسياً فلا شيء عليه ويدل لهذا حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من نسي فأكل أو شرب وهو صائم فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه )) .
3-الاختيار ، وعلى هذا لو كان مكرهاً لا شيء عليه ، ويدل لهذا أن الله تعالى قال في أعظم المحظورات : {إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان}. [ النحل: 106]. .].(1/70)
1-أما الناسي ؛ فلما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه ) ، وقال كما في الحاكم بإسناد صحيح : ( من أفطر ناسيا فلا قضاء عليه ولا كفارة ).
2-وأما المكره ؛ فللأحاديث الواردة العامة في هذا ، منها حديث : ( إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه ).
3-ولم يذكر المؤلف هنا الجاهل ، سواء كان جاهلا بالتحريم أو بالوقت ؛ لأن الجاهل في مذهب الحنابلة والجمهور يفطر إن أكل أو شرب أو فعل مفطرا جاهلاً ، والمراد الجاهل بالحكم ، واستدلوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أفطر الحاجم والمحجوم ) لما مر على الرجلين وأحدهما يحتجم والآخر محتجم ، قالوا : فدل على أنه لا يعذر بالجهل.
أ- مثال الجاهل بالتحريم : كالذي يستقيء عمدا ، وهو يجهل أن هذا مفطر .
ب- ومثال الجاهل بالوقت : الذي يفطر قبل غروب الشمس حيث لم يتمكن من اليقين ، فيظن أن الشمس قد غربت ثم اتضح له أن الشمس لم تغرب ، ويكون قد عمل بغلبة ظنه حيث لم يقدر على اليقين ، بخلاف الذي يقدر على اليقين - كأن يفتح الباب وينظر إلى الشمس - ، فهذا ليس له أن يفطر كما سيأتي حتى يتيقن أن الشمس قد غربت .
فالجاهل بالتحريم والجاهل بالوقت في المذهب يفطران .(1/71)
[ق2] واختار شيخ الإسلام ، وهو قول أبي الخطاب من الحنابلة ، وهو مذهب طائفة من السلف كإسحاق ومجاهد والحسن : أن الجاهل معذور أيضا قياسا على الناسي والمكره ، ولما ثبت في الصحيحين في قصة عدي - صلى الله عليه وسلم - لما نزل قول الله عز وجل : { وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود ثم أتموا الصيام إلى الليل } قبل أن ينزل قوله { من الفجر } ، فأخذ عقالين أبيض وأسود وأخذ ينظر إليهما ، فقال له - صلى الله عليه وسلم - لما أخبره : ( إنما هو سواد الليل وبياض النهار ) ، فهنا النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يأمره بالقضاء .
وأما الجاهل بالوقت ، فيدل عليه حديث أسماء رضي الله عنها في صحيح البخاري قالت :
" أفطر الناس في يوم غيم ثم طلعت الشمس " قال هشام بن عروة ، وهو الراوي عن أبيه عن عائشة ، لما قيل له : هل قضوا ؟ قال : " بدٌّ من قضاء " ، لكن هذا من رأيه لا من روايته ، بدليل أنه سئل كما في البخاري أيضا : هل أُمروا بالقضاء ؟ قال : " لا أدري " .
والذي يترجح أنه لمّا لم يذكر القضاء فإنهم لم يأمروا به ، وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، وكذلك القاعدة الشرعية : أن الشارع لا يفرق بين الجاهل والناسي في فعل المحذورات والمفسدات .
وأما حديث :( أفطر الحاجم والمحجوم ) فليس صريحا في أنهما لا يفطران بل المقصود من ذلك أن من فعل ذلك فإنه يفطر ، على أن هذه قضية عين لا تخالف بها القاعدة الشرعية المتقدمة وهي قاعدة : إلحاق الجاهل بالناسي ، ويحتمل فيها أن مراد النبي - صلى الله عليه وسلم - مجرد الإخبار بأن من فعل ذلك فإنه يفطر بدليل تعميمه في الأخبار الأخرى .(1/72)
وعلى ذلك لو أن إنسانا كان في صحراء وكان هناك غيم ولا يسمع النداء وغلب عن ظنه أن الشمس قد غربت ، فأفطر ثم إن الشمس قد طلعت ، أو رجل كبير السن في بيته وليس عنده أحد يخدمه أو غاب من يخدمه ويخبره بالوقت ، فأفطر وهو يظن أن الشمس قد غربت ، فبان بعد أنها لم تغب ، فإنه حينئذ لا يجب عليه القضاء ، ونأمره بالإمساك لأن الشمس لم تغرب ، فلا زال النهار ، كمن يأكل ويشرب ناسيا ، فيؤمر بالإمساك وليس له أن يفطر ، ولذا ذكر بعض أهل العلم لو أن رجلا عنده عنقود من عنب فأخذ يأكل ، حتى لما بقيت عنبة تذكّر ، فقال : إن كان ما سبق لا يفطر ، فهذه لا تفطر ، فأكلها ، فحيث قلنا : إن الجاهل لا يعذر ، فإنا نفطره بهذه الحبة ، ولا نفطره بالشيء الكثير . وأما إن قلنا إن الجاهل يعذر ، فإنا ننظر في حاله ، فإن كانت هذه من المسائل التي يصح الجهل فيها ، وهذه قد يصح فيها ذلك ، فيعذر المكلف بذلك .
•[مسائل]:
•[اختيارات: [ قضاء المجامع الناسي]:
? المقصود بهذه المسألة :
لما تفرقت الأحكام في المفطر عامداً في نهار رمضان حسب نوع المفطر ، وجمع في الوطء بين القضاء والكفارة ، وقع الخلاف بين الفقهاء في من جامع زوجته ناسياً في فرج ولو لم ينزل أو دول الفرج وأنزل في شهر رمضان ، هل يلزمه القضاء والكفارة أو أحدهما أم لا يلزمه شيء أصلاً؟.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف في هذه المسألة إلى السببين الآتيين:
1-معارضة ظاهر الأثر في ذلك للقياس ، وأما القياس فهو تشبيه ناسي الصوم بناسي الصلاة ، فمن شبهه بناسي الصلاة أوجب عليه القضاء كوجوبه بالنص على ناسي الصلاة ، وأما الأثر المعارض بظاهره لهذا القياس ، فهو ما أخرجه البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه ، فإنما أطعمه الله وسقاه.(1/73)
2-يمكن أن يقال : اختلاف الحكم في المجامع العامد عن بقية المفطرات ؛ إذ إن المجامع العامد يجب عليه القضاء والكفارة.
? اختيار شيخ الإسلام وهو قول الجمهور واختاره المحقق : أن المجامع الناسي لا يلزمه قضاء ولا كفارة خلافاً للحنابلة.
لقوة أدلته واتساقه مع قواعد الإسلام العامة في رفع الحرج وعدم مؤاخذة الناسي. .].
•[اختيارات: [ قضاء المكره على الجماع ]:
?المقصود بهذه المسألة :
معرفة حكم صوم المكره على الجماع خاصة ، هل صومه صحيح أو يفسد بجماع الإكراه ؟. وإذا فسد الصوم فما الواجب : هل هو القضاء والكفارة أو القضاء فقط ؟. وإذا علم حكم المكره على الجماع علم حكم المكره على بقية المفطرات من باب أولى.
? تحرير محل النزاع :
لا شك أن الإكراه يلحق المرأة ولكن هل يلحق الرجل أيضاً ؟. محل خلاف ونظر؛ لأن الجماع لا يكون إلا بانتشار ، والانتشار ناتج عن إرادة داخلية ، والصحيح أن الإكراه يلحق الرجل أيضاً كأن تستدخل المكرهة ذكر النائم أو يكون الرجل منتشراً فتبرك عليه ، وعليه فيكون محل المسالة الرجل والمرأة المكرهين ، مع ملاحظة أنه : متى قدرت على الدفع عن نفسها فلم تفعل فهي كالمطاوعة ، وإن مانعته في أول الفعل ثم استلانت في أثنائه فهي كالمطاوعة ؛ لأن استدامة الوطء كابتدائه في إيجاب الكفارة.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف إلى السببين الآتيين :
1-اختلافهم في تصور أصل المسألة وهو الإكراه ، هل هو متصور في حق الرجل أو لا ؟ بل وفي المرأة أيضاً.
2-أن الشرع دل على التفريق بين المفطرات بالنسبة للعامد من حيث زاد الكفارة في حق المجامع.
? اختيار شيخ الإسلام وهو مذهب الشافعي ، واختاره المحقق : أنه لا يلزمه المكره ذكراً أو أنثى قضاء ولا كفارة ، خلافاً لمشهور الحنابلة ، وهذا ما تدل عليه إطلاقات شيخ الإسلام. .].
- [ سوف يذكر هنا المؤلف : الأشياء التي لا تفسد الصيام نظراً لعدم قدرة الإنسان على مَنْعِهَا :]:(1/74)
- قوله : [ أو طار إلى حلقه ذباب أو غبار ] :
لو طار إلى حلقه ذباب أو غبار لم يفطر ؛ لأنه غير مختار ، يعني غير عامد , كأن يدخل في غرفة وفيها أثر دخان ، فدخل في أنفه ، فلو قلنا : إن هذا يفطر ، فإنه لا يفطر بذلك . وكذلك البخور عند من يقول : إنه يفطِّر ، فلو دخل المسجد فوجد البخور فيه ، فوصل ذلك إلى دماغه ولم يتقصد ذلك ، فإنه لا يفطر .
- قوله : [ أو فكّر فأنزل ] :
فإنه لا يفطر بذلك ؛ لأن هذا ليس بسبب معتاد للفطر وهو مذهب جمهور العلماء . هناك كرر النظر فأنزل ، وهنا فكر فأنزل . واستدلوا بالحديث المشهور: ( إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم ) .
وظاهر كلامهم الإطلاق ، وفيه نظر .
• فإن الأظهر أنه إذا كان يستحضر الصور بقصد منه وتطلب مع علمه أن ذلك يورثه إنزالاً فالأظهر هو القول بأنه يفطر ، وهذا هو اختيار ابن عقيل ، وإن كان اختياره على هيئة الإطلاق ، فإن ابن عقيل قال : أن من فكر فأنزل فإنه يفطر ، واستدل على ذلك بأن الفكر يأتي باستحضاره ، وظاهر كلامه إذا لم يأت باستحضار منه ، بل كان عن غلبة ، فإنه لا يفطر بذلك ، وهذا هو الظاهر ، فإن هذا يشبه ما تقدم من تكرار النظر مع علمه أن ذلك يورثه إنزالاً ، أما إذا علم من نفسه ذلك واستدعى الفكر فإنه يفطر ؛ لأنه تعاطى سبباً يورث مفسداً من مفسدات الصوم ، تعاطاه باختيار منه ، فأشبه ذلك المباشرة والاستمناء اللذين يورثان إنزالاً.
- قوله : [ أو احتلم ] :
فإنه لا يفطر إجماعا ، وهو غير مختار .
وينبغي أن يستثنى من ذلك : ما لو سبقه فكر ويعلم أنه إذا وقع منه فكر قبل النوم فإنه يسبب له في الغالب الاحتلام ، فإنه إذا أوقع ذلك باستحضار عن غلبة فأورثه ذلك احتلاماً وهو يعلم من حاله أن ذلك يحدث منه ، فإنه يفطر فيما يظهر لي ، على ما تقدم من الفكر والنظر ونحو ذلك ، والله أعلم .
- قوله : [ أو أصبح في فيه طعام فلفظه ]:(1/75)
•[الخليل: وهو على قسمين :
1- طعام يسير مختلط بالريق : لا يفسد ولو ابتلعه ، إجماعاً.
2- طعام كثير ، وهو على قسمين : أ- إن أخرجه ولفظه : صح صيامه ، ب- وإن ابتلعه : بطل صيامه ؛ لأنه أكل عامداً.اهـ].
•أصبح وقد تجمع في فيه طعام مما يكون بين الأسنان ونحو ذلك ، فلفظه ، ولم يجرعه ، فإنه لا يفطر ، لكن لو جرعه ، أفطر بذلك ، لأن من أكل أو شرب ولو شيئا يسيرا – ولو كانت قدر الخردلة - فإنه يفطر بذلك . بخلاف ما يجري مع الريق ، فقد تقدم أنه لا يبطل الصلاة ، فكذلك هنا ، فالذي يجري مع الريق لا يفطر إجماعا والله أعلم .
- قوله : [ أو اغتسل أو تمضمض أو استنثر أو زاد على الثلاث أو بالغ فدخل الماء حلقه لم يفسد ] :أي صومه .
1-لاحرج على الصائم أن يغتسل ؛ ويدل عليه :
أ-ما ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يُصبح جُنُبا من غير احتلام ، ثم يغتسل وهو صائم " ، ولو كان لا يجوز للصائم أن يغتسل لاغتسل قبل طلوع الفجر .
ب- وفي سنن أبي داود وأحمد عن رجل من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بإسناد صحيح قال : " رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسكب الماء على رأسه إما من الحر وإما من العطش وهو صائم " .
ج- وفي البخاري معلقا : " وبَلّ ابن عمر رضي الله تعالى عنهما ثوبا فألقاه عليه وهو صائم " ، فلا حرج على الصائم أن يغتسل أو أن يطرح الثوب المبلول بالماء.
2- ولا حرج أن يدَّهن كما تقدم الأثر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - .
3-ولا بأس أيضا أن يتمضمض أو يستنثر ، ويدل عليه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر لما سأله عن القبلة للصائم : ( أرأيت لو مضمضت ؟ ) فقال عمر - رضي الله عنه - : لا بأس ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( فمه ؟) ، يعني لم السؤال ؟.(1/76)
وهذا من باب من القياس ، فلا حرج على الصائم أن يتمضمض ، ولو كان ذلك لغير وضوء ، ولو كانت المضمضة منهياً عنها ما أحدث في الصوم إلا للوضوء الواجب ، ولسنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وهذا لا خلاف بين أهل العلم فيه.
4- وأما الاستنشاق ؛ فلحديث : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ) ، فالنهي عن المبالغة ، فالمضمضة والاستنشاق جائزان للصائم وهذا لا خلاف فيه بين أهل العلم ولو كان ذلك في غير وضوء .
- قوله : [ أو زاد على الثلاث ] (1) :
لما تقدم ، فالمضمضة والاستنشاق جائزان للصائم ولو كان ذلك في غير وضوء ولو زاد على الثلاث ، وأما هل هو مشروع أم لا ؟ فقد تقدم أن من زاد على الثلاث فقد أساء وأظلم.
- قوله : [ أو بالغ فدخل الماء حلقه لم يفسد ] :
[ق1] إذا بالغ فاستنشق حتى دخل الماء حلقه ، قال : " لم يفسد صومه " ؛ لأنه لم يتعمد ، هذا هو المشهور في المذهب.
[ق2] وقال الجمهور ، وهو اختيار المجد ابن تيمية : بل يفسد صومه ؛ لأنه قد فعل ما هو سبب ظاهر لوصول الماء إلى الجوف ، وهذا القول أرجح ؛ لأن هذا الفعل ليس بمأذون فيه و ما ترتب على غير المأذون فيه فليس بمضمون ، بل قد نُهي عنه ، كما في الحديث المتقدم : ( وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائما ) ، وهذا كما لو استمنى أو باشر فأنزل ، فهو وإن لم يقصد بهما نزول المني ، فإنه يفطر بذلك ، فكذلك هنا.
بخلاف ما لو كان ناسيا ؛ لأنه لو شرب ناسيا فلا حرج عليه ، فضلا عن أن يكون قد استنشق مبالغا ناسيا .
__________
(1) [الخليل: [مسألة : الزيادة على ثلاث ، 2- أو بالغ في الاستنشاق.
[ق1] صومه صحيح ؛ لأنه بغير إرادة ولا قصد ، لم يؤاخذ عليه . وهو الراجح ، وعمله محرم ، أو مكروه.
[ق2] فسد صومه ، ولو كان بغير قصد منه ، التعليل: لأن هذا كان بتعدٍ منه، للأحكام الشرعية ؛ لأنه منهي عن الزيادة على الثلاث، ومنهي عن المبالغة في الاستنشاق. ].(1/77)
?إذاً الراجح أنه يفسد صومه إن بالغ في الاستنشاق حتى دخل الماء إلى حلقه أو جوفه .
[ق3] وذهب المالكية والأحناف : إلى أنه إن استنشق ولم يبالغ فنزل الماء إلى الحلق فإنه يفطر بذلك ، وهذا ضعيف ، فإنه قد فعل أمراً جائزاً ليس سبباً ظاهراً لدخول الماء إلى الحلق فدخول الماء لم يكن عن تقصد منه ولا اختيار ، فلا يفطر به .
?إذاً : إذا استنشق فإنه لا يفطر إلا أن يكون قد بالغ في الاستنشاق ووصل إلى الحلق شيء من الماء ، ومنه نزل إلى المعدة ، ومعلوم أنه لا يتيقن وصول ذلك إلى المعدة ، لكن وصوله إلى الحلق مظنة وصوله إلى المعدة ، ولأنه لا يتم الشعور بنزول الماء اليسير إلى المعدة.
? [ ابن عثيمين : تنبيه: ذكر المؤلف - رحمه الله - ست مسائل علق الحكم فيها بوصول الماء إلى حلق الصائم، فجعل مناط الحكم وصول الماء إلى الحلق لا إلى المعدة، .
وظاهر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية أن مناط الحكم وصول المفطر إلى المعدة، ولا شك أن هذا هو المقصود إذ لم يرد في الكتاب والسنة أن مناط الحكم هو الوصول إلى الحلق، لكن الفقهاء - رحمهم الله - قالوا: إن وصوله إلى الحلق مظنة وصوله إلى المعدة، أو إن مناط الحكم وصول المفطر إلى شيء مجوف والحلق مجوف.
مسألة: لو يبس فمه كما يوجد في أيام الصيف، ومع بعض الناس بحيث يكون ريقه قليلاً ينشف فمه، فيتمضمض من أجل أن يبتل فمه، أو تغرغر بالماء ونزل إلى بطنه، فلا يفطر بذلك؛ لأنه غير مقصود، إذ لم يقصد الإنسان أن ينزل الماء إلى بطنه، وإنما أراد أن يبل فمه، ونزل الماء بغير قصد. .].
- قوله : [ ومن أكل شاكا في طلوع الفجر ، صح صومه ]:
أكل شاكاً في طلوع الفجر ، ولم يتبين له طلوعه ، وليس هناك طريق لزوال هذا الشك أو لم يخطر بباله أن الفجر قد طلع فيصح صومه .(1/78)
أما لو كان يمكنه أن يخرج فينظر إلى جهة المشرق أو ينظر إلى الساعة أو التقويم أو نحو ذلك ، فهذا قد فرَّط ، لكن لو كان عنده شك يعذر بمثله – فحصل له شك لا يتمكن معه من اليقين - ، فأكل ، فلا حرج عليه ؛ لأن الأصل بقاء الليل هذا هو مذهب جمهور العلماء.
•[المشيقح: هاتان مسألتان :
المسألة الأولى : من أكل شاكاً في طلوع الفجر ؟
الجواب : أنه مأذون له أن يأكل لأن الأصل بقاء الليل ، والدليل :{حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى اليل}. [البقرة: 187].
من أكل شاكاً لا يخلو من ثلاث حالات :
1-أن يتبين له أنه ما طلع الفجر فصومه صحيح بالاتفاق .
2-أن لا يتبين له شيء فالجمهور على أن صومه صحيح لأنه مأذون له { وما ترتب على المأذون غير مضمون }، وهذا القول الأول .
القول الثاني : قول المالكية يلزمه القضاء . والصواب : ما ذهب إليه الجمهور .
3-أن يتبين له أن الفجر قد طلع وأنه أكل بعد الفجر .
القول الأول : الجمهور عليه القضاء لأنه أكل في النهار .
القول الثاني : اختيار شيخ الإسلام أنه لا يجب عليه القضاء لما تقدم من حديث عدي أكل في النهار مع أنه كان يشك وهو مأذون له بالأكل { وما ترتب على المأذون غير مضمون } .
* فائدة : أن كل حالات الشك لا يفطر لأنه مأذون له فيه.].
*[ ابن عثيمين : وهذه المسألة لها خمسة أقسام:
1 -أن يتيقن أن الفجر لم يطلع، مثل أن يكون طلوع الفجر في الساعة الخامسة، ويكون أكله وشربه في الساعة الرابعة والنصف فصومه صحيح.
2 -أن يتيقن أن الفجر طلع، كأن يأكل في المثال السابق في الساعة الخامسة والنصف فهذا صومه فاسد.
3 -أن يأكل وهو شاك هل طلع الفجر أو لا، ويغلب على ظنه أنه لم يطلع؟ فصومه صحيح.
4 -أن يأكل ويشرب، ويغلب على ظنه أن الفجر طالع فصومه صحيح أيضاً.
5 -أن يأكل ويشرب مع التردد الذي ليس فيه رجحان، فصومه صحيح.(1/79)
كل هذا يؤخذ من قوله تعالى: { وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ } [البقرة: 187] .
وهل يقيد هذا فيما إذا لم يتبين أنه أكل بعد طلوع الفجر؟
الراجح : أنه لا يقيد، حتى لو تبين له بعد ذلك أن الفجر قد طلع، فصومه صحيح بناءً على العذر بالجهل في الحال. .].
- قوله : [ لا : أ- إن أكل شاكا في غروب الشمس ]:
لأن الأصل بقاء النهار .
•[المشيقح:[ لا في غروب الشمس ]:
الأكل مع الشك في غروب الشمس محرم ولا يجوز لأن الأصل بقاء النهار ، وله ثلاث حالات :
1-أن يتبين له أنه أكل قبل غروب الشمس فهذا يأثم ويجب عليه القضاء لأنه لم يتم الصيام إلى الليل .
2-أن لا يتبين له شيء فحكمه حكم المسألة الأُولى ، لأنه لم يؤذن له بالأكل مع اليقين أو غلبة الظن .
3-أن يتبين له أنه أكل بعد غروب الشمس وهذا يأثم ولا قضاء عليه بالاتفاق لأنه أتم الصوم وإثمه لمخالفة المأمور .
- قوله : [ ب- أو معتقدا أنه ليلٌ فبان نهارا ]:
إن أفطر يعتقد أنه ليل فبان نهارا ، فإن عليه القضاء ، هذا هو المذهب ، وهو مذهب جمهور العلماء.
وتقدم أن الجاهل بالوقت لا قضاء عليه ، فالذي يأكل وهو يعتقد أنه في الليل ، فبان نهارا ، فإنه لا شيء عليه ، يعني إذا أكل وهو يظن أن الشمس قد غربت ، والشمس لم تغرب ، وكان هذا على وجه لا يمكنه إلا الرجوع إلى الظن ، وغلبة الظن معمول بها شرعا إذا لم يتمكن من اليقين .
فالراجح ما تقدم من أنه لا يجب عليه القضاء .
•[قسم المشيقح ، فقال :
- " وإن اعتقد ليلاً فبان نهاراً قضى " :
هذه المسألة لها حالتان :
?الحالة الأولى : أن يأكل يظن بقاء الليل ثم تبين أن الفجر قد طلع :
القول الأول : المذهب يقضي لاعتقاده وهو قول جمهور أهل العلم لأنه لم يتم الصيام .
القول الثاني : ما ذهب إليه شيخ الإسلام ليس عليه قضاء .(1/80)
واستدلوا بحديث عدي بن حاتم أن عدي عمد إلى عقالين أسود وأبيض وجعلهما تحت وسادته ولم يزل يأكل ولا شك أنه أكل بعد الفجر ولم يأمره - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء وهو الصواب .
?الحالة الثانية : إذا ظن غروب الشمس فأكل ثم تبين أن الشمس لم تغرب :
الخلاف في هذه المسألة كالخلاف في المسألة السابقة .
[ق1] : الجمهور يقضي واستدلوا بأنه لم يمسك إلى غروب الشمس .
وورد عن عمر - رضي الله عنه - أنهم أفطروا في عهده ثم طلعت الشمس فأمر بالقضاء .
[ق2] : ذهب إليه شيخ الإسلام ورواية عن الإمام أحمد أنه لا يجب القضاء ، ودليل ذلك حديث أسماء - رضي الله عنه - أنهم أفطروا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم غيم ثم طلعت الشمس ولم يرد أنهم أمروا بالقضاء .
وورد عن عمر - رضي الله عنه - أنهم أفطروا في عهده فصعد المؤذن وإذا الشمس لم تغرب فقال والله لا نقضي ولا يجانفنا الإثم .
ولأن الإنسان إذا ظن غروب الشمس أذن له بالفطر { وما ترتب على المأذون فهو غير مضمون } .
فالصواب : أنه لا يجب القضاء .
* فائدة : في كلا الحالتين لا يجب القضاء . *ويؤخذ من حديث أسماء أن الظن معتبر في الإفطار .اهـ.].
• [اختيارات: [مسألة : أكل معتقد النهار ليلاً]:
? المقصود بهذه المسألة :
إذا أكل الصائم طرفي النهار ظاناً أنه من الليل فبان أنه أكل نهاراً لدخوله أول النهار أو بقائه آخره ، فهل يلزمه بالقضاء أو لا .
? تحرير محل النزاع :
الشك في بقاء الليل أو دخوله ، له عدة صور منها :
1-أن يأكل شاكاً في بقاء الليل فيبين نهاراً. 2- أن يأكل ظاناً دخول الليل فيبين نهاراً.
3-أن يأكل شاكاً في بقاء الليل ولم يتبين شيئاً. 4-أن يأكل ظاناً دخول الليل ولم يتبين شيئاً.
5-أن يأكل ثم يشك بعد الفراغ من الأكل في بقاء الليل.
ومسألة الباب : الصورة الأول والثانية إذا كان أكله عن اجتهاد وتحرٍّ.
? سبب الخلاف :(1/81)
اختلافهم في هذه المسألة راجع إلى : الاحتمال الذي في قوله تعالى :{ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفطر}. هل الإمساك بالتبين نفسه أو بالشيء المتبين؟.
1-فمن كان الحد عنده هو الطلوع نفسه أوجب عليه القضاء ، 2-ومن قال : هو العلم الحاصل به لم يوجب عليه القضاء.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : عدم القضاء ، خلافاً للمذاهب الأربعة.
لأن هذه الواقعة حصلت زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم ينقل أحد عن صحابته أنهم أمروا بالقضاء ولو أمروا لنقل إلينا أمرهم بالقضاء كما نقل إلينا فطرهم ؛ ولأن أقوى دليل لمعارضيه قول عمر وقد روي عنه خلافه ، والله أعلم.اهـ.
? مسألة في قضاء الصوم:
إن أفطر معذوراً فلا خلاف بين أهل العلم في وجوب القضاء ، ويدخل فيه الحديث السابق فيمن استقاء ، فالذي يستقيء عمداً لمرض ، وإذا شرب المريض دواء أو نحو ذلك ، فيجب عليه القضاء فكذلك لو استقاء لإخراج هذا الأذى الذي ثقل عليه في معدته .
? وإنما اختلف أهل العلم فيمن أفطر متعمداً:
[ق1] فذهب جمهور العلماء : إلى أن المفطر على جهة التعمد يجب عليه القضاء ، ويدخل في ذلك من جامع في نهار رمضان ، فمن أكل أو شرب أو جامع أو استقاء أو نحو ذلك عامداً ، فإنه عليه القضاء - لا شك أن الذي يستقيء عمدا في الغالب أنه إنما يستقيء لمرض ، ولذا قوله - صلى الله عليه وسلم - :( فعليه القضاء ) في هذا الحديث ؛ لأن ذلك إنما يُفعل في العادة عن مرض ، فهذا الحديث إنما هو في المعذور لا في المتعمد ؛ لأن الذي يستقيء في الأصل إنما يستقيء لدفع أذى يجده في معدته.
واستدلوا بما روى أبو داود في سننه في حديث المجامع أهله في رمضان ، وفيه : ( وصم يوما مكانه ) ، قالوا : فهذا الحديث يدل على وجوب القضاء على المتعمد .(1/82)
[ق2] واختار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، وهو مذهب ابن حزم ، وحكاه ابن حزم عن أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وأبي هريرة ، فهو مذهب طائفة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم ، ذهبوا إلى : أن المفطر عمداً لا يقضي .
قالوا :
1- لأن القضاء يحتاج إلى أمر جديد وهذه قاعدة عند جمهور الأصوليين ، وهذا إنما أُمر بصوم رمضان وأما كونه يقضي فهذا يحتاج إلى أمر جديد ، والأمر الجديد إنما ورد في قضاء المعذور ، وأما قضاء المتعمد ، فلم يرد أمر جديد فيه .
وأما حديث :( فصم يوما مكانه ) والذي صححه الحافظ ابن حجر ، فإن هذه الجملة معلولة ، كما قرر هذا شيخ الإسلام ؛ لأن عامة الرواة عن الزهري – وهم نحو عشرة - لم يذكروا هذه الجملة ، وإنما تفرد بها بعضهم ، ومن ثم أعرض عنها صاحبا الصحيح ، فإن صاحبي الصحيح مع استقصائهم للروايات في هذا الحديث إلا أنهما لم يذكرا هذه الجملة ، وعلى ذلك : فإعراضهم لأنها معلولة ، مع أن فيها فائدة ، وهذا هو الراجح ، فإن هذا الحديث معلول .
? وعلى ذلك : فالراجح ما ذهب إليه أهل القول الثاني ، بل الآثار التي ذكرها ابن حزم رحمه الله لا يعلم لمن قال بها من الصحابة مخالف ، وعلى ذلك يكون هذا القول حجة ؛ لأن قول الصحابي الذي لا يعلم له مخالف حجة كما تقدم .
وأما ما رواه أبو داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أفطر يوما في رمضان متعمدا لم يكفه الدهر كله لو صامه ) فإن الحديث إسناده ضعيف .
•[اختيارات: [ مسألة : قضاء المفطر غير المعذور ]:
? المقصود بهذه المسألة :
أن من أتى مفطراً من المفطرات ذاكراً عامداً بلا عذر ، فهل يجب عليه القضاء والكفارة أو أحدهما أو لا يجب عليه شيء من ذلك.
? تحرير محل النزاع :
المفطرات بالنسبة لمسألة الباب تنقسم إلى قسمين :
1-من استقاء عامداً .
2-جميع المفطرات الأخرى بما فيها الجماع.(1/83)
وقد اتفق العلماء على أن من استقاء عامداً فعليه القضاء ، ولكن وقع الخلاف في القسم الثاني والذي هو موضوع مسألة الباب.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف في هذه المسالة إلى الأسباب الآتية :
1-اختلافهم في تصحيح حديث أمر المجامع في رمضان بالقضاء.
2-اختلافهم في قاعدة : أن العبادات المؤقتة بزمن إذا أخرت عن وقتها بغير عذر لا يصار إلى بدلها ولا تقضى .
3- اختلافهم في جواز دخول القياس على العبادات ، بمعنى هل يقاس المفطر عمداً على المعذور؟.
? اختيار شيخ الإسلام وهو قول الظاهرية.: عدم القضاء خلافاً للمذاهب الأربعة.
? ورجح المحقق : يمكن القول أن المفطر عامداً لا يخلو حاله أن يكون تاركاً للصلاة – كما هي العادة إذا كان المتروك أكثر من رمضان – أو لا .
فإن كان تاركاً للصلاة فلا يقضي مدة تركه للصلاة ؛ لأن كافر على الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
أما إذا كان تفريطه برمضان خاصة فيترجح لي قول الجمهور لحديث : " صم يوماً مكانه". وحديث : " من استقاء فعليه القضاء". وحديث :" اقضوا الله الذي له ، فإن الله أحق بالوفاء". ولأن قول الجمهور هو الأحوط. ولأنه لا قائل بتأثيم من فعل . والله أعلم. .].
? مسألة :
رجل أكل أو شرب ناسياً أو جاهلاً فهل تُبيِّن له ذلك أم يترك ويقال : قد أطعمه الله وسقاه ؟.
وجهان في مذهب الإمام أحمد :
الوجه الأول : أنه يترك ، فإن هذا رزق من الله ساقه إليه ، فلا يمنع منه .
الوجه الثاني : أنه يُنكر ، وهذا أظهر ؛ لوجوب إنكار المنكر ، ومعلوم أن من تعاطى محرماً وهو يظنه حلالاً فهو زرق قد ساقه الله إليه ؛ لأنه جاهل بالحكم الشرعي ، ومع ذلك لاشك أنه يبين له أنه حرام ، فهذا واجبنا من الإنكار ، على أنه لا يقطع أن يكون ناسياً ، فقد يكون فعله متعمداً ولاشك في وجوب الإنكار على المتعمد.
• [مسائل]:
[اختيارات: [مسألة : نزع المجامع بعد طلوع الفجر ]:
? المقصود بهذه المسألة :(1/84)
أنه لما حصل التلذذ بالنزع في الجماع كما حصل في الإيلاج بحث الفقهاء حكم الصائم إذا أدركه الفجر وهو يجامع زوجته فنزع من فوره ، هل يعتبر نزعه جماعاً يفسد الصوم أو لا ؟.
? تحرير محل الخلاف :
المجامع في هذه المسألة له حالتان :
1-أن يستديم الجماع بعد علمه حتى يقضي وطره . 2- أن ينزع من فوره . والحالة الثانية هل محل البحث في هذه المسألة.
? سبب الخلاف :
يرجع اختلافهم في هذه المسألة إلى السببين الآتيين :
1-اختلافهم بالنزع ، وهل هو وطء أو لا ؟.
2-اختلافهم في قاعدة : أن من " يمنعه الشارع من الفعل في وقت معين ويعلم بالمنع ، ولكن لا يشعر بوقت المنع حتى يتلبس بالفعل فيقلع عنه في الحال.
1-فمن قال : إن إقلاعه تركل للفعل ؛ لأن ابتداءه كان مباحاً فلا يترتب عليه شيء ، حكم بصحة الصيام في هذه المسألة.
2-ومن قال : إن حكمه حكم الفاعل بتركه ؛ لإقدامه على الفعل مع علمه بتحريمه في وقته لاسيما مع قرب الوقت. حكم بفساد الصوم.
?اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق وهو قول الجمهور ، خلافاً للحنابلة.
قال المحقق : مما سبق يتضح رجحان قول الجمهور ومعهم شيخ الإسلام لما يأتي :
1-قوة أدلتهم ؛ فقد رخص - صلى الله عليه وسلم - بإكمال شرب الماء بعد دخول الوقت والنزع أهون منه.
2-ولأن هذه المسألة مما تعم بها البلوى زمن الصحابة ، واثر ابن عمر - رضي الله عنه - دل على أن الصحابة كانوا يكملون الصيام.
3-أن هذه المسألة قد تفهم على أنها من التقعر غير المطلوب شرعاً كما قال ابن قدامة – رحمه الله - : وهذه المسألة تقرب من الاستحالة ، إذ لا يمكاد يعلم أوان طلوع الفجر على وجه يتعقبه النزع من غير ان يكون قبله شيء من الجماع فلا حاجة إلى فرضها والكلام فيها .
ولذلك أعرض رحمه الله عن الترجيح فيها ؛ لأنه لم تجر شريعة الإسلام بمثل هذا التقعر.(1/85)
4-أنه يلزم على القول بالفطر لوازم شنيعة ، فإذا أولج في أمته مثلاً ثم قال : إن جامعتك فأنت حرة ، فإن عد نزعه جماعاً عتقت وأقيم عليها الحد ؛ لأنها صرة حرة أجنبية عنه.
? ثمرة الخلاف :
1-أن من جامع ناسياً ثم تذكر الصوم لحظة إيلاجة ثم نزع فلا شيء عليه عند الجمهور ، وعند المالكية : عليه القضاء ، وعند الحنابلة : عليه القضاء والكفارة.
2-أن من قال لزوجته بعدما أولج : إن جامعتك فأنت طالق : فنزع لم تطلق على قول الجمهور ، وعند المالكية والحنابلة تطلق ، فإن أولج ثانية اعتبرت منه مراجعة لها . والله أعلم.].
? [ مسألة : جماع معتقد النهار ليلاً ]:
? المقصود بهذه المسألة :
إذا جامع الرجل زوجته في رمضان معتقداً بقاء الليل أو دخوله ، وبعد الفراغ من حاجته تبين له أن جماعه وقع في النهار فما الحكم؟.
? تحرير محل النزاع :
لا يدخل في مسألة الباب ما يأتي :
1-إذا جامع شاكاً واستدام شكه ولم يتبينه .
2- إذا علم أثناء الجماع فنزع أو استدام بعد علمه حتى قضى وطره.
? سبب الخلاف :
الخلاف في هذه المسألة راجع إلى الأسباب الآتية :
1-الاحتمال الذي في قوله تعالى :{ وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر}. هل ... الإمساك بالتبين نفسه أو بالشيء المتبين . وهو الطلوع؟.
2-اختلافهم في قياس الخطأ على النسيان.
3-اختلافهم في ترجيح الروايات المختلفة في حديث الأعرابي الذي جامع في نهار رمضان.
4-أن الجماع يختلف حكمه عن بقية المفطرات للعامد ؛ إذ يجب عليه الكفارة مع القضاء.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : أن الصائم في هذه المسألة لا يلزمه قضاء ولا كفارة خلافاً للمذاهب الأربعة.
فقال المحقق : وذلك لاتساقه مع قواعد الشريعة العامة من عدم التفريق بين الناسي والمخطئ ،ولأن الأعذار الشرعية لا تفرق بين الخطأ والنسيان ولا بين مفطر ومفطر ؛ فيستوي الجماع مع غيره ، والله تعالى أعلم. .].(1/86)
•[اختيارات: [مسألة : السواك بعد الزوال ]:
? المقصود بهذه المسألة :
معرفة حكم السواك للصائم إذا استاك بعد الزوال هل هو مسنون وباقٍ على سنيته أو يتحول إلى الكراهة .؟.
? تحرير محل النزاع :
في السواك للصائم يبحث الفقهاء مسألتين :
1-من جهة وقته ، فيفرق بعضهم بين السواك قبل الزوال والسواك بعده.
2-من جهة نوعه ، فيفرق بعضهم بين السواك الرطب والسواك اليابس ، وبين اليابس المبلول بالماء واليابس الباقي على يبوسته.
ومسألة الباب هي المسألة الأولى ، إذا وقع بعد الزوال ؛ لأن السواك قبل الزوال محل اتفاق.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف إلى سببين :
1-اختلافهم في ثبوت حديث : " إذا صمتم فاستاكوا بالغداة ، ولا تستاكوا بالعشية".
2-اختلافهم في نظرهم في مناط ثواب الخلوف : أي تغيرت ريح فمه :
أ- فمن جعل المناط متعلقاً بالخلوف جعله مقصوداً ، ب- ومن جعل الثواب متعلقاً بالصيام بحد ذاته وأن الخلوف أثر له أباح السواك.
? اختيار شيخ الإسلام واختاره المحقق : أن السواك مسنون للصائم في كل وقت ولو بعد الزوال خلافاً للحنابلة.
? وقال المحقق : ويتضح رجحان قول شيخ الإسلام :
لعوم الأدلة وأنها لا مخصص لها ، 2- ولأن الصوم عبادة متكررة فلو كان من هدية - صلى الله عليه وسلم - التفريق بين السواك قبل الزوال وبعده لبينه فإن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز ، أو لنقله صحابته رضي الله عنهم فإن ذلك مما تتداعى الهمم على نقله وبيانه ،
1- ولأن من مقاصد الشريعة الحث على النظافة وأسبابها ، ومعاذ الله أن نتعبد باستبقاء عوالق الفم.
? ثمرة الخلاف :
يتضح على ما ترجح جواز استعمال فرشة الأسنان في أي وقت للصائم ، وعلى الصائم أن يتحوط من المعاجين النفاذة ، ويختار الأنواع المحايدة. .].
فصل
? [ثانياً : ما يوجب القضاء والكفّارة] :
- قوله : [ من جامع في نهار رمضان في قُبُل أو دُبر ] :
[ق1] قالوا : ولو قُبُل بهيمة .(1/87)
[ق2] وقال أبو الخطاب ، وهو رواية عن أحمد : أن قُبُل البهيمة وإن كان مفسداً للصوم ، لكنه لا تجب فيه الكفارة ؛ لأن هذا شذوذ وليس محلا للشهوة كقُبل الآدمية .
والمذهب أظهر لأنه وطء فرجٍ مفسد للصوم فيقاس على وطء فرج الآدمية.
- قوله : [ أو دبر ] (1) :
[ق1] هذا هو مذهب الجمهور ؛ قالوا : لأنه وطء محرم مفسد للصوم ، فأشبه الجماع في القبل.
[ق2] وقال الأحناف ، ووجه صاحب الفروع تخريجاً : أنه إن جامع في الدبر ، فإنه ليس عليه كفارة ، وإن كان ذلك مفسدا للصوم والمذهب أرجح ؛ لما تقدم.
•[المشيقح: ذكر المؤلف في هذا الفصل الجماع لأنه أغلظ المفطرات ولهذا رتب عليها الكفارة المغلظة .
? " في نهار رمضان " يخرج :
1- ليل رمضان وكان في أول الإسلام محرم ثم نسخ قال تعالى : {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}. [البقرة: 187 ]. أحل بعد التحريم .
2- ونهار رمضان يخرج أيضاً قضاء رمضان .
?ما حكم لو جامع الرجل في قضاء رمضان ؟
القول الأول : جمهور العلماء على أنه لا تجب عليه الكفارة ، وهو الصواب لأن الدليل ورد كذا والأصل براءة الذمة .
القول الثاني : ذهب قتادة إلى أن الكفارة تجب في القضاء .
? المسألة الثانية : هل تجب الكفارة في الجماع فقط أو في جميع المفطرات ؟
القول الأول : المذهب والشافعي أنها خاصة في الجماع في نهار رمضان ، لأن الدليل ورد في الجماع فقط ، والأصل براءة الذمة وهو الصواب .
القول الثاني : مالك كل ما كان فيه هتكاً للصيام بغير عذر فإن الكفارة واجبة .
القول الثالث : أبي حنيفة إن أكل شيء يغذي وجبت الكفارة .].
- قوله : [ فعليه القضاء والكفارة ] (2)
__________
(1) [المشيقح : - " أو دبر فعليه القضاء والكفارة " :
لو وطئ في الدبر وجبت الكفارة وإن وطئ الدبر محرم شرعاً ، والمحرم شرعاً كالمعدوم حساً إلا أن هذا من باب التغليظ عليه .].
(2) [:[زاد المشيقح في ط: " ولو في يوم لزم إمساكه "
تقدم أن وجود شرط من شروط الوجوب وجب الإمساك لأن البينة قامت في أثناء النهار وهو الجماع ، وزوال المانع لا يجب الإمساك مثل الحائض إذا طهرت .
ومطلق كلام المؤلف أنه لو جامع وهو قادم من السفر مفطراً فعليه الكفارة لأنه لم يمسك .
والصحيح : أنه لا يمسك ولا كفارة .(1/88)
- (1) :
•أما القضاء فتقدم الكلام على حديث ( صم يوما مكانه ).
وأما الكفارة ؛ فلما ثبت في الصحيحين ( أن رجلاً قال : يا رسول الله هلكت ، وفي رواية : احترقت – إذاً هو عنده علم بالحكم ، وإن كان يجهل الكفارة ، ومعلوم أن الجهل بالكفارة ليس بعذر ، وإنما العذر هو الجهل بالحكم – فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : وأما أهلكك ؟ قال : وقعت على امرأتي في رمضان ، فقال عليه الصلاة والسلام : فهل تجد رقبة تعتقها ؟ قال : لا ، قال : هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين ؟ قال : لا ، قال : هل تجد ما تطعم ستين مسكينا ؟ قال : لا ، فجلس الرجل رضي الله عنه ، ثم أُتي النبي - صلى الله عليه وسلم - بعَرق من تمر ، فقال : تصدَّق بهذا فقال الرجل : وعلى أفقر منا يا رسول الله ، فوالله ما بين لابتيها أهل بيت أفقر من أهل بيتي ؟ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : تصدَّق به على أهلك ) .
فهذا الحديث فيه وجوب الكفارة على المجامع في نهار رمضان ، وأن ذلك واجب على الترتيب ، وهذا الحديث هو الأصل في هذه المسألة .
? [ابن عثيمين : ولكن ليس هذا على العموم بل لا بد من شروط:
__________
(1) ?[ الخليل : [مسألة : القضاء والكفارة]:
[ق1] المذهب : القضاء والكفارة : الدليل : أن الأمر العام بهذا اليوم ، ما زال قائماً وهو في ذمته لا بد أو يؤدي به.
والدليل الثاني : حديث أبي هريرة : وأمره أن يقضي يوماً مكانه ". شاذ. لمخافته رواته الثقات.
[ق2] وهو الصواب : الشافعية وابن حزم نصره : كفارة بلا قضاء : الدليل : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - : لم يأمر المجامع بالقضاء.
والدليل الثاني : أنه أفطر عمداً ، ومن أفطر عمداً عليه التوبة ، والاستغفار والإكثار من الطاعات.
تنبيه : قوله : قبل أو دبر : أي لا بد أن يكون فرج أصلي ، لا خنثى أولج في امرأة ، أو رجل أولج في خنثى .
مهم : الكفارة تكون وإن لم ينزل إذا جامع.].(1/89)
الشرط الأول: أن يكون ممن يلزمه الصوم، فإن كان ممن لا يلزمه الصوم، كالصغير، فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة.
الشرط الثاني: ألَّا يكون هناك مسقط للصوم، كما لو كان في سفر، وهو صائم، فجامع زوجته، فإنه لا إثم عليه، ولا كفارة، وإنما عليه القضاء فقط لقوله تعالى: { وَمَنْ كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 187] .
مثال آخر: رجل مريض صائم وهو ممن يباح له الفطر بالمرض، لكنه تكلف وصام، ثم جامع زوجته فلا كفارة عليه، لأنه ممن يحل له الفطر.
الشرط الثالث: أن يكون في قبل أو دبر وإليه الإشارة.
بقوله: "في قبل أو دبر فعليه القضاء والكفارة" والقبل يشمل الحلال والحرام، فلو زنى فهو كما لو جامع في فرج حلال.
وقوله: "أو دبر" الجماع في الدبر غير جائز لكن العلماء يذكرون المسائل بقطع النظر عن كونها حلالاً أو حراماً.اهـ ].
?[هذا بيان للجماعات التي ليس فيها كفارة في نهار رمضان ] :
- قوله : [ 1- وإن جامع دون الفرج فأنزل ، 2- أو كانت المرأة معذورة : ... أفطر ولا كفارة ] :
إن جامع دون الفرج فأنزل ، فلا كفارة عليه ، وإنما عليه القضاء ، وإنما تجب الكفارة في الجماع ، سواء أنزل أم لم ينزل بإجماع العلماء.
•[المشيقح : لم يجامع ولكن استمتع دون الفرج فما الحكم ؟: 1- إن أنزل فعليه القضاء ، 2- وإن لم ينزل فلا قضاء اهـ].
[ق2] وذهب المالكية : إلى أن من أفطر في رمضان بأي نوع من المفطرات ، فإن عليه الكفارة ؛ لأن في ذلك انتهاكا لحرمة الصوم ، فالجماع فيه انتهاك لحرمة رمضان والأكل والشرب فيهما انتهاك لحرمة الصوم ، فكلاهما فيه انتهاك لحرمة الصوم فتجب الكفارة .
وقال الحنابلة والأحناف ، وهو قول أهل الظاهر : لا تجب الكفارة إلا في الجماع ؛ قالوا : لعدم النص ولعدم القياس.(1/90)
أما عدم ورود النص ، فهذا واضح ، حتى أهل القول الأول لا يذكرون نصا إلا أن في بعض الروايات أن الرجل قال : " أفطرت في نهار رمضان "، لكن قوله " أفطرت " لفظ مجمل بينته الروايات الأخرى التي فيها ذكر أن فطره كان بالجماع .
أهل القول الثاني ، قالوا : لا نص ولا قياس . أما لا نص ، فهذا واضح ، وأما لا قياس ؛ لأن بينهما فارق ، وذلك لأن هذه العقوبة المغلظة قد شرعت في الجماع ؛ لأن النفس إليه أميل من الطعام والشراب ، فناسب أن توضع فيه هذه العقوبة للردع ، فلما كانت النفس إليه أميل ، شُرعت فيه الكفارة ، ولم تشرع في سائر المفطرات .
?ولذا فالراجح : أن الكفارة لا تجب إلا في الجماع خاصة ، كما أن الأصل براءة ذمة المكلف من الكفارة .
- قال : [" أو كانت المرأة معذورة " ]:
يعني كانت المرأة المجامعة معذورة أو بإكراه ، فعليها القضاء ولا كفارة ، هذا هو المشهور في المذهب ، وهذا ظاهر لما تقدم من الأدلة السابقة .
وهذه العبارة تدل على أن الرجل ليس بمعذور ؛ لأن الرجل لا يمكن أن يجامع مكرها ، فلا يمكن أن ينتشر ذكره مع الإكراه .
لكن هذا فيه نظر ؛ لأنه إذا هُدِّد بقتل ، فإن هذا إكراه ، ثم إنه قد يحصل منه ما يحصل من الرجل إذا قرب من المرأة .
? إذاً الراجح أن الإكراه ممكن واختاره شيخنا.
لكنهم قالوا : ولا يعذر بنسيان ولا بجهل ، واستدلوا بحديث المجامع المتقدم وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره بالكفارة وأمره بالقضاء في رواية أبي داود ، ولم يستفصل أهو ناس أم ذاكر أهو مكره أم لا ، أهو جاهل أم عالم ، وترك الاستفصال في مقام الاحتمال ينزل منزلة العموم من المقال . وهذا ضعيف ولذا تقدم في الجهل أن الجمهور يوافقون الحنابلة في سائر المفطرات .(1/91)
? وتقدم الراجح : وأن الجهل يعذر به ، فنقول هنا : أيضا النسيان ؛ لعموم قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من أفطر ناسياً فلا قضاء عليه ولا كفارة ) ، ولأن الجماع كسائر المفطرات ، فيقاس على الطعام والشراب في قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من نسي فأكل أو شرب ناسيا فليتم صومه ) ، وهذا هو مذهب جمهور العلماء .
إذاً قال جمهور العلماء : لا يجب على المجامع في نهار رمضان الكفارة ، وكذلك لا يجب عليه القضاء إن جامع ناسيا أو مكرها .
?واختار شيخ الإسلام : أو جاهلا ، إذاً الراجح أن من جامع ناسيا أو مكرها أو جاهلا فإنه لا قضاء عليه ولا كفارة ؛ لأن قوله : " هلكت " ونحو ذلك يدل على أنه لم يقع ذلك منه على سبيل النسيان أو الإكراه أو الجهل ، وإنما وقع ذلك على سبيل العلم والاختيار ، وإلا لَمَا قال ذلك ، قالوا : ولأن الأصل هو عدم النسيان وعدم الإكراه وعدم الجهل ، فالأصل في الفاعل للشيء أن يكون قد فعله عن علم واختيار وذكر ، فالحكم قد أنزل على الأصل ، ويؤيد هذا ما تقدم من سياق الحديث وأن ظاهر ذلك أنه فعله مختاراً ذاكراً .
?[ مسألة : هل على المرأة كفارة كالرجل !.]:
[ق1] وهنا أيضا ظاهره وهو المذهب : أن المرأة عليها كفارة أخرى ، وهذا هو مذهب جمهور العلماء ، فقد ذهب جمهور العلماء على أن الرجل إذا جامع المرأة ، وكانت المرأة مطاوعة ، فإن عليها القضاء والكفارة . إذاً على الرجل كفارة ، وعلى المرأة كفارة . قالوا : لأن الأحكام الشرعية تستوي فيها المرأة مع الرجل ، فما ثبت حقا على الرجل ، فهو كذلك على المرأة ، ما لم يدل دليل ، ولأن الكفارات لا يُتشارك فيها ، فهذه المرأة صائمة صوما في نهار رمضان وحصل منها من ينافي الصيام من الجماع ، فكان عليها الكفارة كما كان على الرجل.(1/92)
[ق2] والقول الثاني في المسألة ، وهو مذهب الشافعية ، و رواية عن أحمد : أن المرأة لا كفارة عليها ، فيجب عليهما كفارة واحدة ، واستدلوا بالحديث المتقدم ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر على المرأة كفارة ، قالوا : وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
?والراجح : ما ذهب إليه أهل القول الأول لما تقدم .
وأما ما ذكره أهل القول الثاني ، فالجواب :
أن الرجل إنما يسأل عن نفسه ، وقد أخبره النبي - صلى الله عليه وسلم - بما يجب عليه من الكفارة ، وفي ذلك تنبيه على وجوبها من باب القياس على المرأة ، لأن المرأة مقيسة على الرجل ، فإذا ذُكر هذا الحكم في حق الرجل ، فإنه يُعلم ذلك في حق المرأة ؛ ولأن المرأة لم تكن سائلة وقد تكون معذورة ، كأن تكون قد طهرت من حيضها في أثناء النهار فجامعها ، ونحو ذلك من الأعذار الممكنة ، وعلى ذلك فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر الحكم في الرجل ، وفي ذلك تنبيه على الحكم في حق المرأة من باب القياس الصحيح ، فالمرأة مقيسة على الرجل فالنساء شقائق الرجال ، كما ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - .
إذاً الراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء ، من أن على كل منهما كفارة ، فعلى المرأة كفارة ، وعلى الرجل كفارة .
والمذهب أنها إن أكرهت فعليها القضاء واختار شيخ الإسلام وهو الراجح أنه لا قضاء مع الإكراه واختاره في الفائق.
- قوله : [ 3- أو جامع من نوى الصوم في سفره أفطر ولا كفارة ] :
رجل مسافر فجامع امرأته في السفر ، فإنه يكون بذلك مفطراً ولا كفارة عليه كما لو أكل أو شرب ، وهذا ظاهر.
- قوله : [ وإن جامع في يومين أو كرَّره في يوم ولم يكفِّر فكفارة واحدة في الثانية ، وفي الأولى اثنتان] :
? عندنا عدة صور في هذه المسألة :(1/93)
الصورة الأولى : أن يجامع في اليوم الأول ، ويجامع في اليوم الثاني ، ولم يكفِّر عن اليوم الأول ، فعليه كفارتان ، وإذا جامع في اليوم الثالث فعليه ثلاث كفارات ، فهنا لم يكفر , وهذا هو مذهب جماهير العلماء ؛ لأن كل يوم من أيام رمضان عبادة مستقلة ، وهذا قد انتهك هذه الأيام بما يترتب على الانتهاك به الكفارة ، فوجبت عليه كفارات متعددة (1) .
الصورة الثانية : أن يفطر بالجماع ، ثم يكفِّر ، ثم يجامع في اليوم الثاني ، وقد كفّر عن اليوم الأول ، فهذا أيضا عليه كفارات متعددة بعدد الأيام إذاً هنا تخللت الجماع الكفارة وهذا بإجماع العلماء .
إذاً إذا جامع في أيام متعددة ، فعليه كفارات بعدد هذه الأيام سواء كفر أم لم يكفر ، فإذا كفّر بينها ، فهذا بالإجماع ، وإذا لم يكفر ، فهذا عند جماهير العلماء.
الصورة الثالثة : أن يكون الجماع في يوم واحد ويكفر بعد الجماع الأول ، فهل نوجب عليه كفارة أخرى؟ .
[ق1] قال الجمهور[الأئمة الثلاثة] : لا تجب عليه إلا كفارة واحدة ؛ لأن اليوم واحد ، ولأن الإمساك الذي أمسكه بعد فأفسده بالصيام ، ليس كالإمساك الأول ، لأن الإمساك الأول لم يُفسَد ، وأما الإمساك الثاني فقد أُفسد .
[ق2] وأما الحنابلة ، فقالوا : إنا نوجب عليه كفارة أخرى ؛ لأنه أفطر حيث يجب عليه الإمساك .
إذاً أهل العلم متفقون على أن من أفطر في نهار رمضان بغير عذر ، فإن عليه أن يمسك بقيته.
__________
(1) [المشيقح: ولو جامع في عشرة أيام يلزمه عشر كفارات هذا ما ذهب إليه الجمهور .
القول الثاني : أبي حنيفة إذا لم يكن كفر تلزمه كفارة واحدة بناء على أن الكفارات تتداخل كما تتداخل الحدود .
وكل من القولين قوي وإذا ظهر منه التفريط فيجب عليه إذا جامع ثم كفر في اليوم الأول وجامع في اليوم الثاني يوجب عليه الكفارة بلا خلاف .].(1/94)
فالحنابلة قالوا : هذا الرجل قد أفطر بالجماع فأوجبنا عليه كفارة ، فكفر ، فبقية النهار واجب عليه الإمساك ، فأيضاً جامع فيه ، فعلى ذلك : نوجب عليه كفارة أخرى ، لأنه يجب عليه أن يمسك في بقية النهار.
وأما الجمهور فقالوا : وإن كان يجب عليه أن يمسك بقية النهار ، لكن هذا الإمساك ليس كالإمساك الأول ، فعلى ذلك يكون قياس مع الفارق ، فالإمساك الأول لم يُفسَد ، وأما الإمساك الثاني فقد أُفسد ، ولذا يوجبون القضاء ، وهذا قياس مع الفارق ، وعلى ذلك فالراجح ما ذهب إليه الجمهور (1) .
الصورة الرابعة : إن جامع مرتين أو ثلاثا في اليوم ولم يكفر ، فلا خلاف بين أهل العلم أنه لا يجب عليه إلا كفارة واحدة .
• [مختصر المسائل] :
إذاً إما أن يكون الرجل قد جامع أيام متعددة ، وإما أن يكون قد جامع في يوم واحد :
الحالة الأولى : فإن كان قد جامع في أيام متعددة ، فعليه كفارة متعددة ، سواء كفّر للجماع الأول أم لم يكفر .
والحال الثانية ، أن يكون الرجل قد جامع أكثر من جماع في اليوم نفسه ، فهذا ليس عليه إلا كفارة واحدة ، سواء كفّر للجماع الأول ، أم لم يكفّر .
وأما الحنابلة فقالوا : إذا كفر عن الجماع الأول فتجب كفارة عن الجماع الثاني ، وإذا كفر عن الجماع الثاني ، فجامع ثالثا فعليه أيضا كفارة أخرى . والراجح ما ذهب إليه جمهور العلماء .
- قوله : [ وإن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه فكفارة ثانية ] :
هذا في المذهب كما تقدم .
- قوله : [ وكذلك من لزمه الإمساك إذا جامع ] :
رجل لزمه الإمساك : يدخل في ذلك صور:
1-منها : إذا ثبتت البينة نهارا ، فأمسك ، فجامع ، فهل يجب عليه الكفارة ؟.
نعم ، هذا ظاهر وأما القضاء فتقدم أنه ليس بواجب في الأصح.
__________
(1) [المشيقح: 1- فإن فعل : بأن جامع ثم كفر ثم جامع في يومه لزمه كفارة ثانية لأنه وطئ محرم وقد تكرر وهذا بالاتفاق .
2- وإن كرر الوطئ في يومه ولم يكفر فعليه كفارة واحدة . .].(1/95)
2-ويدخل في ذلك ما لو قدم مسافرا ،
3-أو طهرت المرأة من حيضها ، فيجب عليهما كما تقدم الإمساك ، وعلى ذلك : لو جامعها زوجها وقد طهرت من حيضها ، فهل عليها كفارة ؟ .
[ق1] على المذهب : عليها كفارة ، وكذلك إذا جامع امرأته لما قدم من السفر وكان قد أكل في أول النهار ، فإن عليه كفارة .
[ق2] وهو نص الإمام أحمد رحمه الله : أنه لا تجب الكفارة ؛ ومرد ذلك لأن هذا الإمساك ليس بواجب ، ولو قلنا بأنه واجب ، فإنه ليس إمساكا لا يجب معه القضاء ، لأن الذين يوجبون الإمساك هنا ، يوجبون القضاء ، فليس كالإمساك الذي لا يجب معها القضاء ، وإنما هو إمساك لحرمة الشهر .
وتقدم أن الراجح : أنه لا يجب الإمساك . وعلى ذلك : إذا قدم مسافرا مفطرا ، فلا يجب عليه الإمساك ، ولو أجبنا عليه الإمساك فلا كفارة ، كذلك المرأة إذا طهرت من حيضها ، فلا يجب عليه الإمساك ، ولو أوجبنا عليها الإمساك ، فلا كفارة .
- قوله : [ ومن جامع وهو معافى ثم: 1- مرض ، 2- أو جُنّ ، 3- أو سافر ، لم تسقط ] :
لأنها استقرت في ذمته ، فإذا عوفي أو أفاق من جنونه فإنا نوجب عليه الكفارة .
أو رجل لما أصبح جامع امرأته ، قال : إذاً أسافر ، فسافر ، فهل تسقط عنه الكفارة ؟ لا تسقط عنه الكفارة .
- قوله : [ ولا تجب الكفارة: 1- بغير الجماع ، 2- في صيام رمضان ] :
فلو جامع في نذر أو في قضاء أو في كفارة ، فهل عليه الكفارة ؟.
الجواب : ليس عليه الكفارة ، لأن هذا ليس بمنصوص عليه ، وليس بمعنى المنصوص عليه ، يعني ليس فيه نص ولا قياس ، فالنص وارد في الجماع في نهار رمضان ، وهذا لا يقاس عليه وهذا مذهب جمهور العلماء.
- قوله : [ وهي : 1- عتق رقبة ، 2- فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين ، 3- فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ] :(1/96)
تقدم هذا في الحديث السابق ، ولكل مسكين مد من حنطة أو نصف صاع من غيره ، وإن صنع طعاما فأشبع ستين مسكينا فإنه يجزئه ذلك ، وهذه الواجبات إنما هي على الترتيب لا على التخيير ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قدر فيها على المجامع امرأته ، وهو مذهب جمهور العلماء.
•[الخليل: والصواب : أنها على الترتيب لا التخيير ، وقد روى الزهري 30 راوياً في الترتيب.
? [مسألة : كيفية صيام شهرين متتابعين ] :
1-إن صام من أول الشهر : يصوم شهرين كاملين ، سواء تم الشهر أو نقص . فإذا انتهى الشهر الثاني : انتهت الكفارة.
2-أن يبدأ من وسط الشهر : يصوم : أ- بعض الشهر الأول ، ب- وكل الشهر الثاني ، ج- وبعض الشهر الثالث.
الإشكال هنا : هو الشهر الثالث : على قولين :
[ق1] يتم مع الشهر الأول : 30 يوماً ، كان يكون صام شهر الأول : 10 أيام ، فيصوم الشهر الثالث : 20 يوماً. الأحوط.
[ق2] يصوم بحسب الشهر الأول : أ- الشهر الأول تام: أكمل الشهر الثالث : 30 يوماً.
ب- الشهر الثاني : ناقص : أكمل الشهر الثالث : 29 يوماً.
الراجح : أ- شهر 1 – 3 : ناقص صام 29 يوماً. ب- أحدهما تام : أكمل : 30 يوماً احتياطاً .].
- قوله : [ فإن لم يجد سقطت الكفارة ] (1) :
[ق1] هذا هو المشهور في مذهب الحنابلة خلافا للجمهور .
فالحنابلة قالوا : تسقط الكفارة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر للرجل وجوبها عليه في ذمته ، قالوا : وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز .
وإما إعطاؤه ذاك العرق من التمر ، فإن ذلك من جهة الصدقة لا من جهة الكفارة ، ولذا فإنه يطعمه أهله .
__________
(1) [المشيقح: ولم يبين له أن الكفارة استقرت في ذمته .
وإن كفر غيره عنه أجزأ ذلك بإذنه : سواء كان الإذن 1-متقدم ، 2- أو متأخر ، 1- وإن كان الإذن متقدم يسمى وكالة، 2- وإن كان متأخراً يسمى تصرف فضولي .].(1/97)
[ق2] وقال الجمهور ، وهو رواية عن أحمد : بل لا تسقط ، وإنما تبقى في ذمته ؛ لأنها دين لله عز وجل ، فتجب في ذمته ، قياسا على سائر الكفارات ، كما تقدم في كفارة المرضع والحامل.
والأرجح ما ذهب إليه الحنابلة ؛ ولأن حق الله تعالى من الديون مبني على المسامحة ، وهذا الرجل قد عجز عن الكفارة ، فعلى ذلك : تسقط عنه ، فالأظهر ما ذهب إليه الحنابلة ، وأنه إذا كان عاجزا ، فتسقط عنه الكفارة ، لأن حاله حال إعسار ، ولو أيسر بعد ذلك.
•[مسائل]:
• [اختيارات: [مسألة : النيابة في الصوم ]:
? المقصود بهذه المسألة :
أن من لا يطيق الصيام لعجز مستمر كالزمنى وكبار السن وهم فقراء لا يستطيعون إطعام عن كل يوم مسكين ، فهل يجزئ التبرع عنهم بالصيام قياساً على المال حال الحياة أو بعد الوفاة كمن عوفي من المرض واستطاع الصيام لكنه فرط فمات قبل القضاء؟.
? سبب الخلاف :
السبب في اختلافهم معارضة القياس للأثر ،وذلك أنه ثبت عنه من حديث عائشة أنه قال - صلى الله عليه وسلم - : " من مات وعليه صيام صامه عنه وليه". ... فمن رأى أن الأصول تعارضه ، وذلك أنه كما أنه لا يصلي أحد عن أحد ولا يتوضأ أحد عن أحد كذلك لا يصوم أحد عن أحد ، قال : لا صيام على الولي.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق وهو قول الشافعي في القديم ، وابن حزم: الجواز مطلقاً ، خلافاً للحنابلة.
?فقال المحقق : ويترجح قول شيخ الإسلام :
1-لأن أدلة المانعين لا تخلو من معارض ، 2- ولأن قوله يشهد له عموم الأحاديث ، خصوصاً حديث عائشة رضي الله عنها : من مات وعليه صيام صام عنه وليه".(1/98)
وصوم نكرة غير مقيدة بصوم معين ، وأيضاً كيف يقال : أن المراد به صوم النذر ، وصوم النذر بالنسبة لصوم الفرض قليل ، يعني : ربما يموت الإنسان وما نذر صوم يوم واحد ، لكن كونه يموت وعليه صيام رمضان هذا كثير ، فكيف ترفع دلالة الحديث عن ما هو غالب ونحملها على ما هو نادر ؟ . والأدلة إنما تحمل على الغالب الأكثر ، والغالب الأكثر في الذين يموتون وعليهم صيام ، أن يكون صيام رمضان أو كفارة أو ما أشبه ذلك.
- [ مسألة : الصيام عن المعسر غير المطيق]:
هذه المسألة مكررة مع المسألة السابقة والتي مرت بعنوان : النيابة في الصوم ، فهي إحدى صورها. .].
باب ما يُكره ويُستحب للصائم وحكم القضاء
? [الأشياء التي تكره في الصوم كراهة تنزيه ، ولا تفسد الصوم ] :
- قوله : [ يكره (1) جمع ريقه فيبتلعه ] :
•[ المشيقح: المكروه لغة : المُبغض عند الأصوليين .
اصطلاحاً : خطاب الشارع المتعلق بأفعال المكلفين بطلب الفعل لا على وجه اللزوم .يثاب فاعله ولا يعاقب تاركه ].
1- وأما ابتلاع الريق بلا جمع ، فإنه لا كراهية فيه لمشقة التحرز منه ، ولا يفطر بإجماع العلماء .
2- أما إن جمعه فابتلعه :
[ق1] فيكره في المشهور في مذهب أحمد ، ولا يفطر:
1- لأنه لا يعد أكلاً ولا شرباً ، فبلع الريق ليس بأكل ولا شرب ، فكما أنه إذا ابتلعه بلا جمع مع إمكان أن يلفظه لا يفطر ، فكذلك إذا جمعه .
2- ودليلهم على الكراهة بخلاف من قال بفطره ببلعه ، فبعض العلماء قال :لا يقتصر على الكراهة بل الفطر لمن فعل ذلك فمادام أنه هناك خلافاً في المسألة نقول : بأنه يكره.
__________
(1) ?[ الخليل : الأقرب : القول الثاني : أنه جائز بلا كراهة ، بل مباح ، لأمرين:
1-أن هذا مما يعتاد فعله ، ويفعله الصائمون ولم يأت في الشرع النهي عنه.
2- الكراهة حكم شرعي يحتاج إلى دليل. والاحتياط : عدم فعله. ].(1/99)
[ق2] والراجح أنه لا يكره لأنه لا دليل على الكراهية وهو اختيار شيخنا الشيخ محمد رحمه الله .
• [مسألة]: فإن أخرجه إلى شفتيه أو أخرجه إلى خرقة ثم امتصها ، ومثله لو ابتلع ريق غيره ، فهل يفطر ؟ .
[ق1] قالوا : يفطر ، هذا هو مذهب جمهور العلماء .
[ق2] والصواب ما تقدم من اختيار شيخ الإسلام ، وأن الصائم لا يفطر إلا بما هو أكل أو شرب وابتلاع الريق ليس بأكل ولا شرب ، سواء جمعه في فيه ثم ابتلعه أو أخرجه من فيه إلى شفتيه أو جمعه في إناء أو نحو ذلك فإنه لا يفطر على الصحيح .
•[المشيقح : والتعليل بالخلاف علة باطلة (شيخ الإسلام) ؛ لأن الخلاف لم يوجد إلا بعد النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس دليلاً من الأدلة الشرعية تبنى عليه الأحكام الشرعية ، فنقول : يكره بخلاف من قال بفطره ، لكن إذا كان للخلاف حظ من النظر وقوة من الأدلة ، فيقال يترك لوجود الدليل أما كونه يعلل بالخلاف فيه نظر .
فالخلاصة :أن الصائم لا يفطر بالريق إجماعاً . ].
•إذاً عندنا ثلاث مسائل :
الأولى : أن يبتلعه بلا جمع ، فهذا لا يفطر إجماعا .
الثانية : أن يجمعه فيبتلعه ، فيكره في المشهور في المذهب ، و الراجح عدم الكراهية.
الثالثة : أن يخرجه من الفم إلى شفتيه أو إلى خرقة أو يبتلع ريق غيره ، فهنا يفطر عند الجمهور، والصواب أنه لا يفطر.
- قوله : [ ويحرم بلع النخامة ويفطر بها فقط إن وصلت إلى فمه ] (1) :
__________
(1) [ المشيقح: أي 1- ويحرم بلع نخامة ، 2- ويفطر بهما : فهذان حكمان :
الحكم الأول : حكم تكليفي وهو التحريم .
الحكم الثاني : حكم وضعي هل يفطر أو لا يفطر ؟
المؤلف : يحرم أن يبلعها يأثم بذلك ، والدليل أنها مستقذرة والله عز وجل قال : {ويحرم عليهم الخبائث}. [الأعراف: 157].
هذه مستقذرة عند الناس .
والدليل الثاني : أنها مضرة ، والقاعدة { لا ضرر ولا ضرار } .
والله عز وجل يقول : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة}. [البقرة: 195] .
والمؤلف يرى أنه يفطر بالنخامة .
والرأي الثاني : لا يفطر بها لأنها ليست أكلاً ولا شرباً ولا في معنى الطعام والشراب ، والأقرب إلحاقها بالريق وهو الصواب .
ومن قال أنه يفطر يلحقونها بالأكل والشرب .
والإنسان ينبغي أن يحترز منها ولكن لو بلعها فإنها لا تضر ، ومثله لو حصل في حلقه قيء أو دم فلا يبتلعه فابتلاع الدم محرم ،والله عز وجل يقول :{حرمت عليكم الميتة والدم } .[المائدة: 3] .
والعلماء يقولون : إذا ابتلع الدم أو القيء الذي حصل في فمه يفطر .].
?[ ورجح الخليل : أنه يحرم مطلقاً.
وقال الأقرب : أن النخامة لا تفطر ، الدليل : لأنها معتاد أشبهة الريق ، والدليل الثاني: مما يكثر في الناس ، ولو كان مفطراً لبينه الشارع.
وأما دليل أنها تفطر : أنه بلع شيئا من خارج الفم ، يمكنه التحرز منه ، فأشبه الأكل. .].(1/100)
[ق1] إذا وصلت النخامة إلى فمه :
1- فابتلعها ، فإنه يفطر بذلك ،
2- وأما إن لم تصل إلى فيه ، بل ابتلعها من الدماغ أو من الصدر ، ولم يخرجها إلى فيه ثم يبتلعها ، فإنه لا يفطر ، هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد رحمه الله .
[ق2] ، وهو رواية عن أحمد : أنه لا يفطر ، كالريق و اختاره شيخنا ، فكما أن الريق إذا جُمع فابتلع فإنه لا يفطر ، فكذلك النخامة إذا وضعت في الفم ثم ابتلعت ، بجامع أن كليهما من الجوف ، فكلاهما قد خرج من البدن من داخله ، هذا هو الراجح ، وعلى ما تقدم من تقرير شيخ الإسلام فلا إشكال ، لأن النخامة ليست بطعام ولا بشراب .
? قال : " ويفطر بها فقط إن وصلت إلى فمه " :
تقدم ، وأنها إذا كانت من الصدر إلى المعدة ، أو من الدماغ إلى المعدة ، فإنه لا يفطر ؛ قالوا : لمشقة التحرز . وأما إذا أوصلها إلى فيه ، فلا يشق التحرز من ابتلاعها ، بل يمكنه أن يلفظ هذه النخامة .
والراجح ما تقدم وأنه لا يفطر بها مطلقا.
? إذا ابتلع الريق وبه دم ، كدم اللثة ونحو ذلك ، فإنه يفطر ؛ لأن الدم كما أنه محرم ، فإنه طعام ، قال تعالى : { قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير فإنه رجس } .
- قوله : [ ويكره ذوق طعام بلا حاجة ] :
يكره أن يتذوق الطعام إن لم تكن هناك حاجة ، والحاجة كأن يريد أن يتعرف على الطعام ، هل فيه ملوحة أو أنه ناقص الملوحة ، ويتعرف على ما يريد أن يشتريه من سمن أو عسل أو نحو ذلك ، فيتذوقه بطرف لسانه ، وكذلك الأدوية العشبية التي يضعها على طرف لسانه ليعرف مكوناتها وكذلك مضغ الطعام للطفل ، هذا لا بأس به.
ويدل عليه ما رواه البخاري معلقا عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لا بأس أن يذوق الخل أو الشيء يريد شراءه " .
إذاً يكره بلا حاجة ، فإنه كان هناك حاجة فلا كراهية .
•والمذهب : أنه إذا لم يستقصِ في البصق ووجد طعمه في حلقه فإنه يفطر بذلك.(1/101)
?[المشيقح : والصواب أن يقال : أن ذوق الطعام قسمان :
القسم الأول : ذوقه لحاجة لا بأس به ، وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما .
القسم الثاني : أن يذوقه لغير حاجة فكما ذكر المؤلف يكره لأنه طريق إلى فطره لأنه لو ابتلع هذا الطعام أفطر .].
?[ وفي الاختيارات : واختيار شيخ الإسلام موافقاً لمذهب الحنابلة. : أن ذوق الطعام يكره لغير حاجة .].
- قوله : [ ويكره مضغ علك قوي ]:
العلك القوي هو الذي لا يتحلل ، فإذا مضغه ، فإنه لا يتحلل فلا يخرج منه طعم يسري مع الريق حتى يصل المعدة ، فإذا كان العلك لا يتحلل ، فهو كما لو علك خرقة أو قطعة بلاستيك ، فإن ذلك لا يفطر الصائم , لكن قالوا : يكره .
• والذي يترجح : أن لا كراهية ، إلا إذا كان في موضع يساء فيه الظن .
• [ المشيقح: المؤلف : يكره للصائم أن يعك العلك القوي ، والعلك ليس المراد العلك الموجود عندنا فهذا فيه طعم ومحلى فإذا مضغه الإنسان وتحلل الطعم ثم ابتلع الطعم لا إشكال أنه يفطر .
? وهم يقسمون العلك قسمان :
القسم الأول : علك قوي لا يتحلل وهو كل ما مضغته صلب وقوي ليس له طعم وهو قريب من الجلد اللستك يعلكون في الزمن الأول ويجمعون الريق ، يقوم بجمع الريق .
المؤلف : هذا العلك القوي يكره أن يمضغ ، والعلة : يجمع الريق ويجلب العطش والبلغم .
القسم الثاني : علك غير قوي إذا علكته مضغته بأسنانك لا يصلب ولا يقوى ولكن يحلل ويتفتت في الفم فهذا ، يقولون : يحرم مضغه ، لماذا يحرم ؟.
لأنه طريق إلى أن يبتلع شيئاً من أجزائه فيذهب إلى المعدة فلا يسلم الإنسان من أن تذهب شيء من هذه الأجزاء إلى المعدة .].
?[ ابن عثيمين : وعلل ذلك في الروض بأنه:1- يجلب البلغم، 2- ويجمع الريق، 3- ويورث العطش ، فهذه ثلاث علل..].
- قوله : [ وإن وجد طعمهما في حلقه أفطر ] (1) :
__________
(1) [ المشيقح: الضمير يعود إلى ذوق الطعام ومضغ العلك القوي فلو ذاق الطعام وذهب طعمه إلى حلقه يقول : يفطر .
وكذلك العلك القوي لو مضغه وذهب طعمه إلى حلقه يفطر .
والمؤلف جعل التفطير بوصول الشيء إلى الحلق ، وهذا فيه نظر .
شيخ الإسلام : المناط ليس وصول الشيء إلى الحلق وإنما وصوله إل المعدة .
فالصواب : إذا ذاق الطعام أو علك العلك القوي وذهب الطعم إلى معدته ، نقول : أفطر ، أما إذا ذهب إلى الحلق ولم يصل إلى المعدة ، نقول : لم يفطر].
?[ ورجح الخليل: مجرد وجود الطعم : لا يفطر ، التعليل : لأنه لا يستلزم نزول شيء إلى المعدة. .].(1/102)
[ق1] إذا تذوق الصائم الطعام أو علك ، فوجد طعمه في حلقه ، فإنه يفطر .
[ق2] والقول الثاني في المسألة وهو وجه في المذهب ، واختاره شيخ الإسلام :
(1) أن مجرد وصول الطعم إلى الحلق لا يفطر به الصائم ؛ ولذا فإن أهل العلم قد أجمعوا على من وطئ حنظلة - نبات ينبت في البراري ، وهو شديد الحموضة والمرارة - فوجد طعمها في حلقه ، فإنه لا يفطر ، بالإجماع كما ذكره صحاب الفروع ، وهنا كذلك إذا وصل الطعم إلى الحلق ، فإنه لا يفطر ،
(2) لا إن وصلت الأجزاء ، فإن وصول الأجزاء إلى الحلق مظنة وصولها إلى المعدة ، بخلاف الطعم إذا وصل إلى الحلق ؛ فإنه يبعد وصوله إلى المعدة ، وأثر ابن عباس رضي الله عنهما مطلق ، فإن ذوق الطعام قد يصل إلى الحلق وقد لا يصل ، وقد أطلق ابن عباس رضي الله عنهما ولم يستثن .
?إذن القول الثاني وهو الراجح : أن وصول الطعم فقط إلى الحلق لا يفطر ، لا وصول الأجزاء ، فإذا كانت الأجزاء تصل ولو شيئاً يسيراً كما يكون بين الأسنان فجرعه ، فإنه يفطر به ، وأما إذا كان مجرد طعم يصل إلى الحلق ، فإنه لا يفطر ، لأن هذا ليس بغذاء ، فإن وصوله إلى المعدة بعيد في العادة ، بخلاف ما إذا كان أجزاء ، يعني قطعا - ولو صغيرة - فإنها تصل إلى المعدة عادة .
مسألة :
إذا كان في الفم رطوبة بعد مضمضة كأن يكون تمضمض أو شرب الماء قبل أذان الفجر ، فيبقى في فيه رطوبة :
[ق1] فقال فقهاء الأحناف : إنه يجب عليه أن يبصق ، فإذا بصق وابتلع بعد ذلك الريق ، فإنه لا يؤثر ؛ لمشقة التحرز .
[ق2] والأظهر : أنه لا يبصق ؛ لأن هذا لم ينقل ، فإن المضمضة جائزة في الشرع ، والناس يتوضؤون للصلاة المكتوبة اليوم خمس مرات ، ولم ينقل لنا أنهم كانوا يبصقون أو يؤمرون بالبصاق .(1/103)
فالراجح: أن ابتلاع الريق بعد المضمضة – يعني بعد إخراج الماء ؛ لأنه إذا تمضمض فقد مج الماء وأخرجه من فيه ، فلابد أن يبقى شيء من الريق في الفم – أن ذلك لا يؤثر , وهذا معفو عنه لمشقة التحرز منه .
- قوله : [ ويحرم العلك المتحلل إن بلع ريقه ] :
ويحرم ويفطر به أيضا إذا بلع ريقه ، وأما إذا لم يبلعه ، فلا يفطر بذلك .
- قوله : [ وتكره القبلة ] :
وكذا دواعي الوطء من ضم أو مس .
- قوله : [ لمن تُحرِّك شهوته ] :
1- فقد روى أبو داود في سننه بإسناد صحيح أن رجلا سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المباشرة للصائم فرخص له ، ثم أتاه آخر فنهاه ، قال أبو هريرة - رضي الله عنه - : " فإذا الذي رخص له شيخ ، وإذا الذي نهاه شاب " ،
2- وفي مصنف عبد الرزاق بإسناد : "صحيح أن ابن عباس رضي الله عنهما سئل عن القبلة للصائم فرخص للشيخ ونهى الشاب عن ذلك " .
وأما من لا تحرك شهوته ، فتقدم ما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " كان يقبل وهو صائم " .
? ولكن قول المؤلف : " لمن تُحرِّك شهوته " : ظاهره أنها تكره لمجرد أنها تحرك الشهوة وإن كان يأمن على نفسه ، وهذا فيه نظر ، بل الراجح أنه ينهى عنها إذا كان يخشى على نفسه من الوقوع فيما نهى الله عنه ، فحينئذ الأرجح وهو رواية عن أحمد أنها تحرم من باب سد الذرائع.
إذاً الراجح أن القبلة وإن تحركت الشهوة بها ، وكذلك المس والضم ، وإن تحركت الشهوة بها ، لا تكره إلا أن يكون بحيث لا يأمن على نفسه يعني يخاف ويخشى على نفسه ، فحينئذ تدخل هذه المسألة في باب سد الذرائع ، ونقول : إنه لا يجوز .
والغالب في حال الشاب أنه يخشى على نفسه .
1- وأما الشيخ فالأصل والغالب فيه أنه يأمن على نفسه ،
2- وأما الشاب فإن كان لا يأمن على نفسه فلا يجوز له ؛ لأن هذا ذريعة ،(1/104)
3- وأما إن كان يأمن على نفسه ، فالأولى له الترك ، والقول بالكراهية فيه قوة للشاب ، هذا حيث يأمن على نفسه ، وأما إن كان لا يأمن على نفسه فالذي يترجح وهو رواية عن أحمد أنه يحرم .
إذن القبلة للصائم جائزة في الأصل ، لكن إن كان لا يأمن على نفسه ويخشى على نفسه ، فالذي يترجح أنه يحرم ، وهو رواية عن أحمد .
•[تقسيم آخر للشيخ : المشيقح ]:
[ المشيقح: حكم الاستمتاع من المرأة للصائم :
[ق1] المؤلف : مكروه، لكن قيده بقوله لمن تحرك شهوته، يعني إذا قبلها أو لمسها وأن هذا يؤدي إلى إثارة الشهوة ، المؤلف : مكروه .
وإذا كان لا يؤدي إلى إثارة الشهوة فإن هذا جائز كما لو كان مريضاً ومثل هذا لا يحرك شهوته، وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله .
[ق2] مالك : أن الاستمتاع بالمرأة مكروه مطلقاً سواءً مما يحرك الشهوة أو لا يحركها .
[ق3] الشافعي أشد من ذلك محرم مطلقاً ،
[ق4] ويقابله ابن حزم يرى أن القبلة للصائم مستحبة فيجعلها من مستحبات الصيام .
[ق1] والذين قالوا بالتفصيل استدلوا بحديث أبي هريرة في أبي داود أن رجلاً سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن القبلة فنهاه فإذا هو شاب ، وآخر سأله عن القبلة للصائم فرخص له فإذا هو شيخ فأخذوا بهذا .
[ق2-3] ومن قال بالكراهة مطلقاً أو التحريم يستدلون بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - لهذا الشاب عن القبلة ؛ ولأن مثل هذه الأشياء طريق إلى الجماع وهو محرم لا يجوز وطريق إلى إنزال المني وهذا لا يجوز ، لأنه مفطر .
[ق4] ومن قال بالاستحباب كابن حزم استدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم ، ولكن كان أملككم لإربه ( لحاجته وقيل لعضوه ) .(1/105)
? والأقرب في مثل هذا يقال : الأصل الحل والإباحة لحديث عائشة ولا يقال بالاستحباب كابن حزم لأنه أمور جبلية ليست عبادية ليست من القرب حتى نقول : تقرب إلى الله عز وجل . ? لكن إذا ظن أنه يؤدي إلى الإنزال أو الجماع فلا يجوز.].
?[ ابن عثيمين :إذاً القبلة في حق الصائم تنقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم جائز، وقسم مكروه، وقسم محرم،
والصحيح أنهما قسمان فقط:
قسم جائز، وقسم محرم، فالقسم المحرم إذا كان لا يأمن فساد صومه، والقسم الجائز له صورتان:
الصورة الأولى: ألا تحرك القبلة شهوته إطلاقاً.
الصورة الثانية: أن تحرك شهوته، ولكن يأمن على نفسه من فساد صومه.
أما غير القبلة من دواعي الوطء كالضم ونحوه، فحكمها حكم القبلة ولا فرق..].
?[هناك أشياء تحرُمُ على الصائم ، ولكنَّها لا تُبطل الصيام ، وتسمى بالمفطرات المعنوية]:
- قوله : [ ويجب اجتناب : 1- كذب ، 2- وغيبة ، 3- وشتم . ] :
يجب ذلك في رمضان وفي غيره ، لكنه يتأكد في رمضان ؛ ولذا قال عليه الصلاة والسلام : ( من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل ، فليس لله حاجة – أي إرادة – في أن يدع طعامه وشرابه ) رواه البخاري في صحيحه ، أي هذا الصوم ليس هو الصوم الذي يريده الله شرعا ؛ لأن الصوم الذي يريده الله شرعا هو الصوم الذي يربي العبد على تقوى الله سبحانه وتعالى ، وقول الزور وكل قول محرم والعمل به وكل فعل محرم والجهل والسفه وعدم الحلم كالسب والشتم والصخب ونحو ذلك.
ولا يفطر بالغيبة ولا النميمة ولا بغيرها من المحرمات بإجماع العلماء ، ذكره الموفَّق رحمه الله ؛ ولأن هذا النهى خارج عن ذات العبادة ، فإنها تحرم في الصوم وفي غيره .
وأما الأكل والشرب والجماع ، فإنها تحرم في الصوم ، ولذا فإنها تفطِّر .
- قوله : [ وسن لمن شُتم قوله إني صائم ]:
•[اختيارات: [مسألة : الجهر بكلمة إني صائم في غير رمضان ]:
? المقصود بهذه المسألة :(1/106)
أن من شُتم في غير رمضان هل يقول : إني صائم سراً خشية الرياء أم يجهر بها ؟.
? تحرير محل الخلاف :
من شرح المقصود يظهر أن لهذه المسألة صورتين :
1-الجهر بها في رمضان ، وهذه محل اتفاق بين شيخ الإسلام والحنابلة.
2-الجهر بها في غير رمضان ، وهي محل البحث في هذه المسألة.
? سبب الخلاف :
يمكن أن يقال : أن سبب الخلاف هنا هو اختلافهم في المخاطب : هل هو:
1-الساب – الشخص المقابل " حتى يعلم ... أنه معتصم بالصيام عن اللغو والرفث والجهل " ،
2-أو أن المخاطب نفس الصائم فكأنه يقول لنفسه : " إذا كنت صائماً فلا ينبغي أن أخدش صومي بالجهل ونحوه فيزجر نفسه بذلك ".
3-أو أن الخطاب موجه للجميع فيعمل به في رمضان للسنة وأمن الرياء ، ويقال سراً في غير رمضان خشية الرياء .
فمن رأى المخاطب هو الساب أو الجميع جعل الجهر بهذه الكلمة مطلقاً وعلى كل حال ؛ لأنه لا يحصل المقصود إلا بذلك.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق: أنه يجهر به مطلقاً في صيام الفرض والنفل.
ويتضح رجحان قول شيخ الإسلام لما يأتي:
1-لظاهر الحديث ، ولسلامة أدلته الأخرى من المعارضة ،
2-ولأن أدلة منازعيه لا تسلم من معارض.
3-ولأنه ورد في بعض روايات الحديث:" فليقل : إني صائم مرتين". وهذا يقطع بأن المقصود كلام اللسان لا كلام القلب، والله أعلم.].
?[ ورجحه الشيخ الخليل والمشيقح ].
? [ ابن عثيمين : والصحيح أنه يقولها جهراً في صوم النافلة والفريضة؛ وذلك لأن فيه فائدتين:
الفائدة الأولى : بيان أن المشتوم لم يترك مقابلة الشاتم إلا لكونه صائماً لا لعجزه عن المقابلة؛ لأنه لو تركه عجزاً عن المقابلة لاستهان به الآخر، وصار في ذلك ذل له، فإذا قال: إني صائم كأنه يقول أنا لا أعجز عن مقابلتك، وأن أبين من عيوبك أكثر مما بينت من عيوبي، لكني امرؤ صائم.(1/107)
الفائدة الثانية : تذكير هذا الرجل بأن الصائم لا يشاتم أحداً، وربما يكون هذا الشاتم صائماً كما لو كان ذلك في رمضان، وكلاهما في الحضر، سواء حتى يكون قوله هذا متضمناً لنهيه عن الشتم، وتوبيخه عليه.
وينبغي للإنسان أن يبعد عن نفسه مسألة الرياء في العبادات؛ لأن مسألة الرياء إذا انفتحت للإنسان لعب به الشيطان حتى إنه يقول له لا تطمئن في الصلاة وأنت تصلي أمام الناس لئلا تكون مرائياً.].
•[الحمد : الأقوال في هذه المسألة ]:
•وفي المسألة ثلاثة أقوال :
القول الأول : هو هذا القول ، وأنه يستحب له أن يقول ذلك جهرا في الفرض والنفل . واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم ، وهو ظاهر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في الصحيحين : ( وإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم ، إني صائم ) ، ظاهره أنه يقول ذلك بلسانه ، بحيث يسمعه من سابه أو قاتله .
والقول الثاني : أنه يقول ذلك سرا ليردع نفسه .
والقول الثالث : أنه يقول ذلك جهرا في الفرض ، وسرا في النفل . [ زاد الخليل : ورجحه المجد وهو قول قوي].
والذي يترجح هو القول الأول ، إلا إن كان يخشى على نفسه الرياء ، فالأولى في حقه أن لا يقوله بلسانه ، بل يقوله سرا في النفل ، وأما الفرض فليس محلا للرياء ، فلا يرد في الفرض الرياء .
- قوله : [ وتأخير سحور ] :
?[ مسألة : هل السحور واجب أو مستحب ]:
السحور مستحب بالاتفاق ، وليس بواجب ، ومن أدلة ذلك :(1/108)
الأدلة الدالة على جواز الوصال مع كراهيته ، فقد ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن المواصلة ، فقالوا : إنك تواصل ؟ فقال : ( وأيكم مثلي ، فإني أبيت يطعمني ربي ويسقيني ) قال : فلما رآهم أبوا أن ينتهوا واصل بهم يوما ثم يوما ، فرأوا الهلال ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( لو تأخر لزدتكم ) كالمنكِّل لهم حيث أبوا أن ينتهوا " ، وهذا يدل على أنه ليس بمحرم ، إذ لو كان محرما لما أبى الصحابة ، وإنما رأوا أن ذلك من باب التخفيف عليهم ، ولذا قال بعض الصحابة كما تقدم في أبي داود : " إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن القبلة للصائم والمواصلة لم يحرمهما إبقاء على أصحابه " ، ففهموا منه أن ذلك للتخفيف عليهم ورحمة بهم ، فكان منهم أن واصلوا ، ولو كان الوصال محرما لما عاقبهم به ، وقال : ( لو تأخر الهلال لزدتكم ) كالمنكل لهم .
?[ مسألة : ما حكم السحور ]:
إذن : هذا يدل على أن السحور مستحب ، لكنه سنة مؤكدة ؛
1- ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت في الصحيحين : ( السحور بركة ) ،
2- وفي مسند أحمد : ( فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء ) ،
3- وقال كما في صحيح مسلم : ( فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحر ).
•[المشيقح : 4- لأنه هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - .
5-: يتقوى بهذه الأكلة على العبادة وعلى الصيام وما يشرع من الدعاء والقراءة .
? ما هو وقته ؟
بعض العلماء : يبدأ من نصف الليل ، وبعضهم: من السدس الأخير من الليل ، وقيل : في وقت السحر ،وهو الصواب .
أما القول يبدأ من نص الليل فهذا ضعيف ما يحقق الحكمة فكونه يأكل من نصف الليل ثم ينام لا يحقق الحكمة.(1/109)
والصواب: في آخر الليل في السحر ، والقول في السدس الأخير والسحر هذان القولان متقاربان لكن كلما أخر كان أفضل إلى قبيل طلوع الفجر ، ويدل لما ذهب إليه المؤلف حديث زيد - رضي الله عنه - أنه قال : ( تسحرنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة ، فسئل زيد كم بين السحور والصلاة ؟ قال : قدر خمسين آية ) فهذا يدل على أن السحور يستحب تأخيره ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أخره .اهـ].
?[ مسألة : حكم المواصلة ]:
إذن : المواصلة تكره إلا أن تكون إلى السحر ، فلا كراهية ؛ يدل على ذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تواصلوا ، وأيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر ) .
?[ مسألة : هل إذا غربت الشمس أفطر الصائم ولو لم يأكل !]:
ومن هنا يعلم أن ما ذهب إليه الحنابلة في المشهور عندهم من أنه يفطر حكما إذا غربت الشمس .
أن الراجح خلافه ، وأنه لا يفطر حكما إلا أن ينوي وأما قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم ) متفق عليه ، فقوله : ( فقد أفطر الصائم ) يعني هذا هو أوان الفطر .
وأما المشهور في المذهب : أنه يفطر حكما ، وإن لم يأكل ، لأن هذا هو الأوان الشرعي ، وهذا ظاهر لمن لم يرد الوصال ، وأما مع نية الوصال ، فإنه لا يفطر .
ولنا أن نجمع بين هذين القولين وفيه عندي قوة فنقول : إذا لم ينو الوصال فإنه يكون قد أفطر حكما وإن لم ينو الفطر .
إذاً المشهور في المذهب : أنه يفطر حكما ، وهذا فيه نظر لما تقدم من جواز المواصلة مع الكراهية.
? ويستحب تأخير السحور :(1/110)
لما ثبت في الصحيحين أن زيد بن ثابت - رضي الله عنه - قال : " تسحرنا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ثم قمنا إلى الصلاة ، فقيل له : كم قدر ما بينهما ؟ - يعني ما بين فراغكم من السحور والقيام إلى الصلاة ؟ - فقال : " خمسون آية " وهذا وقت يسير ، فكان بين فراغهم من السحور وبين قيامهم إلى الصلاة قدر خمسين آية ، وهذا وقت يسير .
وأما ما رواه أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور ) ، فإن زيادة ( وأخروا السحور ) ضعيفة منكرة ، تفرد بها ابن لهيعة ، وهو ضعيف الحديث .
والحديث متفق عليه بلفظ : ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر ) .
- قوله : [ وتعجيل فطر ]:
للحديث المتقدم : ( لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر ) .
• [ المشيقح: ومتى يكون تعجيل الفطر ؟.
1-إذا علم غروب الشمس بأن رآها سقطت ، رأى قرص الشمس اختفى في الأفق يستحب له أن يفطر .
2-أو ظن غروبها كأن يكون غيماً لكن جرت العادة أنه إذا مضى مثل هذا الوقت تكون الشمس قد غربت ، فإذا حصل علم أو ظن كفى ذلك ، ويدل لهذا حديث أسماء رضي الله عنها أنهم أفطروا على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في يوم غيم ثم طلعت الشمس ، فكون الشمس طلعت يدل أنهم أفطروا بناءً على الظن فلو أفطروا على العلم ما طلعت الشمس ، ومثل اليوم التقاويم هذه تفيد الظن فإذا كان هذا التقويم صادر من جهة معتمدة فإنه يصار إليه في غروب الشمس ودخول الوقت .].
- ويستحب كما ذكر المؤلف : [ على رطب ، فإن عدم فتمر ، فإن عدم فماء ]:
لما ثبت في أبي داود والترمذي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( كان يفطر على رطبات ، فإن لم تكن فتمرات ، فإن لم تكن حسا حسوات من ماء ) .
•[ المشيقح: إذا لم يجد هذه الأشياء حتى الماء يفطر على ما أباح الله من سائر الأطعمة والأشربة فإذا لم يجد فإنه ينوي الإفطار ، فإذا نوى الإفطار أفطر .].(1/111)
- قوله : [ وقول ما ورد ] (1) :
1- يستحب قول ما ورد ، ففي سنن أبي داود والدارقطني بإسناد حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يقول عند فطره : ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) .
2- وأما حديث : ( اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت ). فقد رواه أبو داود بإسناد فيه ضعف (2) .
- قوله : [ ويستحب القضاء 1- متتابعا ] (3) :
فلا يجب التتابع في القضاء ، لكنه يستحب:
1- لما فيه من إبراء الذمة ، 2- ولما فيه من الإسراع بفعل ما تعلق في الذمة .
__________
(1) [المشيقح: ماذا يستحب أن يقول عند فطره ؟.
1- يستحب أن يدعو ويدل لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( ثلاثة لا ترد دعوتهم ، وذكر منهم : الصائم حتى يفطر )) .
2- ويستحب أن يبسمل عند الأكل ويحمد الله بعده ،
3- ويستحب أن يقول : ( ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله ) .
4- أما ما ذكره المؤلف ( اللهم لك صمت ... ) فهذا الحديث ضعيف لا يثبت فلا يشرع].
? [ قال الخليل : حديث :" اللهم لك صمت "، وحديث : " ابتلت العروق ". ضعيف لا يثبت.
[ق1] كلها ضعيفة ، [ق2] بمجموع طرقها تصحح ، [ق3] لم يثبت في دعاء الفطر حديث : والدليل : لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - صام 9 رمضانات ولم ينقل في حديث صحيح بفعله ولا قوله . ? ويقاس : دعوة الصائم ، ضعيف كالأذكار فيها.].
(2) [المشيقح: : زاد في عمدة الطالب : قال المؤلف : " ومن فاته رمضان قضى عدد أيامه " :
لم يصم رمضان لعذر فإنه يقضي عدد أيامه : 1- فإن كان تاماً قضى ثلاثين يوماً ،
2- وإن كان ناقصاً قضى تسعة وعشرين يوماً ، والدليل قول الله عز وجل : {فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيّام أخر }. [البقرة: 184] ..].
(3) ?[ الخليل : ويستحب القضاء متتابعاً : قول الأئمة الأربعة. وهو الصواب.].(1/112)
إذن يستحب التتابع ، ولذا قال ابن عباس كما في البخاري : " لا بأس أن يفرق " ، ونحوه عن ابن عمر في الدارقطني ، وكان فيما أُنزل من القرآن كما روى الدارقطني من حديث عائشة بإسناد صحيح : { فعدة من أيام أخر متتابعات } ثم نسخت هذه اللفظة { متتابعات } وإلا فإنه كان يجب التتابع ، ثم نسخ . وهذا هو الذي يفيده إطلاق هذه الآية { فعدة من أيام أخر } إذاً لا يجب أن يتابع ، وإنما يستحب .
•[المشيقح: هاتان مسألتان :
[المسألة الأولى ] : يستحب لمن فاته شيء من رمضان أن يقضيه فوراً ، ويؤخذ من كلام المؤلف : يجوز له أن يؤخر، وهذا ما عليه جمهور العلماء لا بأس أن يؤخره ، والمستحب الفورية .
ويدل على أنه يستحب الفورية أمره سبحانه وتعالى بالمبادرة إلى الأعمال الصالحة : {فاستبقوا الخيرات }. [البقرة: 148 ]، {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين}. [ آل عمران: 133] ، {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات }. [ الأنبياء: 90 ]. والقضاء من ذلك .
ويجوز التأخير لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان يكون علي الصيام من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان ) فهذا دليل أنه يجوز أن يؤخر .
الشافعي : إن أفطر لعذر لا بأس أن يؤخر ، وإن كان لغير عذر يجب عليه القضاء فوراً ، وهذا التفصيل لا دليل عليه .
المسألة الثانية : متتابع ، يستحب أن يقضيه متتابعاً ويؤخذ من هذا أنه لو فرق جائز ولا بأس به ، ويدل لهذا قوله عز وجل : {فعدة من أيام آخر}. [ البقرة: 184] .
وهذا مطلق عن قيد التتابع ، وأيضاً هذا وارد عن جمع من الصحابة ، أبو عبيدة ومعاذ وعائشة وابن عباس رضي الله عنهم .
ويؤيد هذا أنه لا يجب المبادرة بالقضاء لأنه على التراخي .
والرأي الثاني : رأي ابن حزم يجب أن يكون متتابعاً ، وقالوا : وارد عن ابن عباس ، والقضاء يحكي الأداء .
والصواب : ما ذهب إليه الجمهور إن شاء فرق ، وإن شاء تابع.اهـ].(1/113)
- قوله : [ ولا يجوز إلى رمضان آخر من غير عذر ] :
لا يجوز باتفاق العلماء :
1-لقول عائشة رضي الله عنها : " كان يكون علي الصيام من رمضان فلا أستطيع أن أقضيه إلا في شعبان ، لمكان النبي - صلى الله عليه وسلم - مني " ، فدل على أنه لا يجوز لها أن تؤخره عن شعبان ،
2-وقياسا على الصلاة ، فكما أن الصلاة لا يجوز تأخيرها إلى وقت الصلاة الأخرى ، فكذلك الصيام لا يجوز تأخيره إلى وقت الصيام الآخر.
•[ المشيقح: ثالثاً : يؤدي هذا إلى تراكم الوجبات .
•وما حكم التطوع قبل القضاء جائز أو ليس جائز ؟.
[ق1] المذهب : لا يجوز أن يتطوع قبل القضاء .
[ق2] أبي حنيفة ومالك : أن هذا جائز ولا بأس به وهو الصواب ؛ لأن قضاء رمضان على التراخي .
? ويستثنى صيام الست من شوال : فالذي يظهر من الدليل إن أراد أن يصوم الست فإنه يبدأ بالقضاء لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال )) وقوله (( رمضان )) يشمل رمضان أداءً وقضاءً ، والذي عليه شيء من القضاء لا يسمى أنه صام رمضان .].
- قوله [ فإن فعل ] (1) :
فأخر بلا عذر ، والحكم الذي سيذكره المؤلف من الكفارة إنما هو في حق من أخر بلا عذر.
قوله : [ فعليه مع القضاء إطعامُ مسكينٍ لكل يوم ]:
•[ المشيقح: يعني لو أخر القضاء حتى جاء رمضان الثاني فلا يخلو من أمرين :
الأمر الأول : أن يكون لعذر مثل لو مرض واستمر المرض حتى جاء رمضان الثاني ، لا يأثم ولا يجب عليه كفارة يقضي بعد رمضان الثاني و لا شيء عليه . [رجحه الحمد].
الأمر الثاني : أن يكون أفطر لعذر وزال عذره ولم يقضي حتى جاء رمضان الثاني ، يأثم لأنه أخر إلى رمضان لغير عذر ،
? وهل يجب عليه كفارة أو لا تجب عليه الكفارة ؟.
__________
(1) [الخليل : فإن أخره : فهو آثم ويجب عليه أن يتوب ، أي علمه محرم. لحديث عائشة: كان يكون علي القضاء من رمضان....].(1/114)
[ق1] المؤلف : تجب عليه الكفارة أن يطعم عن كل يوم مسكيناً ، وهذا ما عليه أكثر أهل العلم ، ودليلهم أنه وارد عن ابن عباس وأبو هريرة بأسانيد صحيحة أنه تجب عليه الكفارة .
•[ زاد الحمد : وتدل عليه الآثار عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ففي سنن الدارقطني بإسناد صحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " يطعم عن الأول – يعني عن رمضان الأول – لكل يوم مدا من حنطة " ، ونحوه عن ابن عمر وابن عباس في سنن الدارقطني ، ولا يعلم لهم مخالف .
وأما الآية { فعدة من أيام أخر } ولم يذكر الإطعام ، فلأن الأصل أن يقضي قبل رمضان ، وأما هنا فحيث أخر حتى يأتي رمضان الآخر .رجحه الحمد].
[ق2] أبو حنيفة :لا تجب عليه الكفارة يقضي ، واستدل أن الله عز وجل أطلق :{فعدة من أيام أخر }. ولم يذكر كفارة .
والأحوط : ما ذهب إليه أكثر أهل العلم يكفر أحوط وأبرأ للذمة مادام أنه أخر لغير عذر ، لكن إذا كان معذور واستمر معه العذر أو جاهل لا يدري لا تجب عليه الكفارة .
? هل تتكرر الكفارة بتكرر الرمضانات ؟ .
رجل أفطر في هذه السنة 1427هـ جاء 28 ما قضى جاء 29 لم يقضي ثم قضى بعد ذلك فهل تتكرر الكفارة أو لا تتكرر ؟
[ق1] الجمهور : لا تتكرر ويجب أن يطعم عن كل يوم مسكيناً .
[ق2] والشافعية : تتكرر فلو أفطر يوم أخره رمضان يطعم مسكين ، وإذا أخره رمضانين يطعم مسكينين ، وإذا أخره ثلاث رمضانات يطعم ثلاثة مساكين .. وهكذا .
والصواب : لا تتكرر لأن الأصل براءة الذمة ، ولأن أصل الإطعام موضع خلاف والخلاف فيه قوي ، فالحنفية مذهبهم فيه قوة أنه لا يجب أصلاً الإطعام لأن الله عز وجل أطلق ، فنقول : لا تتكرر الكفارة بتكرر الرمضانات .].
- قوله : [ وإن مات ولو بعد رمضان آخر ] :
•[ المشيقح: وهذا الذي عليه قضاء من رمضان لا يخلو من أمور :(1/115)
الأمر الأول : أن يفطر لعذر يرجى زواله ويستمر به العذر حتى يموت ، لا شيء عليه لا يجب أن يطعم ولا أن يصام عنه ؛ لأن الله عز وجل أوجب عليه عدة من أيام أخر وهذا لم يدرك العدة من أيام أخر .
مثاله : رجل أفطر لصداع لم يتحمله وشق عليه الصيام واستمر به الصداع حتى مات ، الصداع يرجى زواله عند الأطباء ، لا شيء عليه .
الأمر الثاني : رجل أفطر لعذر لا يرجى زواله ، مرض لا يرجى شفاءه ثم مات ، هذا يجب أن يطعم عنه لأن الأصل مخاطب بالإطعام .
كما تقدم لنا قوله تعالى : { وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}. [ البقرة: 184].
قال ابن عباس : ليست منسوخة هي في الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة يفطران ويطعمان فالذي مرض مرضٌ لا يرجى برؤه أصلاً ليس عليه قضاء عليه إطعام ، فإذا أفطر لعذر لا يرجى زواله كمرض .
? ولهذا قال المؤلف : ( وإن مات بعد أن أخره لعذر فلا شيء عليه ولغير عذر أطعم عنه ) .
الأمر الثالث : أفطر لعذر يرجى زواله وأدرك عدة من أيام أخر ، ففي الصورة الأولى لم يدرك عدة من أيام أخر، وهنا أدرك ، رجل سافر وأفطر في رمضان خمسة أيام ثم قدم وتمكن أن يصوم هذه الخمسة في الحضر لكن لم يصم أخر لغير عذر ، نقول : يطعم عنه .
فأصبح يطعم عنه في حالتين ولا يطعم عنه في حالة .
ويؤخذ من كلام المؤلف أن وليه في حال الإطعام يصوم أو لا يصوم ؟
لا يصوم لأنه قال : أطعم عنه ، ولم يقل : يصم .
والصواب : يجوز لوليه أن يصوم عنه ؛ لأنهم يفرقون بين الواجب بأصل الشرع والواجب بأصل النذر .
فنقول : يطعم عنه ، ولوليه أن يصوم عنه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )) حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم .
فوليه مخير : بين الإطعام والصيام ويجب عليه أن يطعم من تركته فإن لم يطعم يصوم ، وإذا لم يخلف تركة فلا يجب عليه أن يطعم بل يستحب أن يطعم ، فإن لم يطعم فيستحب له أن يصوم . اهـ].(1/116)
•[وقال الحمد في الحالة الثالثة]: وأما إذا كان قد تمكن من القضاء فلم يقض ثم مات ، فعليه الكفارة ، فتكون الكفارة في ذمته ، فتخرج من تركته ، وإن لم تكن له تركة فيستحب لأوليائه أن يخرجوها عنه .
[مسألة ] : فإذا أخر إلى رمضان آخر مع التفريط ؟ .
[مثالها ] رجل أتى عليه رمضان الثاني فلم يصم ، ثم مات بعد رمضان الآخر ، فهل عليه كفارة أو كفارتان ؟ .
[ق1] المذهب : أنه ليس عليه إلا كفارة .
[ق2] وقال الشافعية : عليه كفارتان ، وهو قول في المذهب ، وهو أصح ؛ لأنه لو كان حيا لوجب عليه قضاء وكفارة ، فهو الآن ميت لا يمكن منه القضاء ، فوجب مكان القضاء كفارة .
? وقول المؤلف هنا :" وإن مات ولو بعد رمضان " :
يفهم منه وهو مذهب الجمهور : أن الرجل إذا مات وعليه قضاء من رمضان ، فإنه يطعم عنه ولا يصام عنه .
ودليله ما ثبت عن عائشة رضي الله عنها عند الطحاوي وسنن سعيد بن منصور بإسناد جيد أن عمْرة سألتها : أن أمها ماتت وعليها صيام من رمضان قالت : أفأقضيه عنها ؟ قالت : " لا ، بل أطعمي عنها مكان كل يوم نصف صاع " .
وثبت نحوه عن ابن عباس رضي الله عنهما كما في سنن أبي داود ولا يعلم لهم مخالف .
وعلى ذلك هذا الأثران يخصصان حديث : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) ، والحديث متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها نفسها ، وقد استثنت من عموم هذا الحديث صوم رمضان ، وكذلك ابن عباس رضي الله عنهما ، فقد ثبت في الصحيحين أنه قال : أتت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن أمي عليها صوم نذر ، أفأقضيه عنها ؟ قال : ( لو كان على أمك دين فقضيتيه ، أكان يؤدي عنها ؟ ) قالت : نعم ، قال : ( فصومي عن أمك ) ،
وهنا أيضا ابن عباس راوي الحديث يرى أن صوم رمضان يطعم عن صاحبه ولا يصام عنه ، وتقدم في أصول الفقه أن أقوال الصحابة تخصص عموم الأحاديث .
? ولذا قال المؤلف هنا :[ وإن مات وعليه صومٌ أو صلاة نذر استُحب لوليه قضاؤه]:(1/117)
? وظاهر كلام المؤلف / أن ما وجب بأصل الشرع كالصيام الواجب فإن وليه لا يقضيه عنه ، فهم يفرقون بين الصيام المنذور والصيام الذي وجب بأصل الشرع .
1- فالصيام المنذور يستحب لوليه أن يقضيه عنه وإن خلف تركة فإنه يجب أن يخرج طعاماً أو يقضي عنه ، يقولون: الصيام الواجب بأصل الشرع لا يصام عنه وإنما يقتصر على الإطعام كما سلف .
2- الحج الواجب بأصل الشرع يخرج من تركته كما سبق .
3- أما إن ترك الصلاة فلا يصلى عنه ، الاعتكاف لا يجب بأصل الشرع ، القراءة الدعاء لا تجب بأصل الشرع .
هذا هو المشهور من المذهب .
والرأي الثاني : جمهور العلماء أبو حنيفة ومالك والشافعي / لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد ، لا يفرقون بين الصيام بأصل الشرع والصيام الواجب بالنذر ، هذا كله لا يقضى عن الميت .. لكن الشافعية يقولون : في الصيام يطعم عنه .
والحنفية والمالكية : يطعم عنه إن أوصى .
يقولون : لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد ، فإذا مات رجل وعليه نذر صلاة أو اعتكاف أو صيام فإن وليه لا يشرع له أن يأتي به ، كما يقول الحنابلة إذا مات وعليه نذر صلاة فإن وليه يستحب له أن يقضيه ، وإذا مات وعليه نذر اعتكاف يستحب لوليه أن يقضيه عنه .
الجمهور : لا يرون القضاء عنه لا صياماً ولا صلاة ولا اعتكاف .. لكن عند الحنفية والمالكية بالنسبة للصيام إن أوصى يطعم عنه إذا لم يوصي لا يطعم عنه .
الشافعية يطعم عنه مطلقاً .
الخلاصة / والصحيح في هذه المسألة أن يقال :
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهم : (( ومن مات وعليه صيام صام عنه وليه )) .
•والصحيح :
1- أن الولي يشرع له أن يقضي عنه الصيام الواجب بأصل الشرع والصيام الواجب بالنذر ..
2- لكن إن كان خلف تركة يجب عليه أن يطعم فإن لم يطعم فإنه يصوم ، وسبق متى يكون الإطعام ومتى لا يكون في الصور الثلاث السابقة في الدرس السابق .(1/118)
وكذلك كما قال الحنابلة : من مات وعليه نذر صلاة أو اعتكاف أو قراءة ولم يتمكن منها يشرع لوليه أن يقضيها عنه .
ودليل الحنابلة : أنهم خصوا بصوم النذر وقالوا : أن الواجب بأصل الشرع لا يصام عن الميت وإنما يطعم استدلوا بما في الصحيحين أن امرأة جاءت إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت : إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأصوم عنها ؟ قال : (( نعم )) .
ومن قال لا يصام عن الميت سواءً كان واجباً بأصل الشرع أو بالنذر (الجمهور) فاستدلوا بما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لا يصلي أحد عن أحد ولا يصم أحد عن أحد ) صحيح .
وورد عن عائشة رضي الله عنها ولكن الأثر ضعيف .
وأما الواجب بالنذر كما ذكر الحنابلة يشرع لوليه أن يقضيه عنه ولا يجب إلا إن خلف تركة لكن الصلاة والقراءة والاعتكاف الواجب بالنذر نقول على سبيل الاستحباب .
3- الحج إن خلف تركة يجب على وليه أن يخرج من تركته فإن لم يفعل يحج بنفسه .
? [مسالة ] : من هو الولي في قوله - صلى الله عليه وسلم - : (( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )) ؟
1-قيل : أنه الوارث وهو المشهور من المذهب . 2- وقيل : أنه سائر العصبة . 3- وقيل : كل قريب .
والأقرب : أن المراد بالولي هو سائر العصبة .
والعلماء يتوسعون في ذلك ويقولون : لو صام عنه أجنبي ليس من أولياءه فإن ذمته تبرأ سواءً أذن الولي أم لم يأذن ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )) هذا محمول على الغالب .
وبعض العلماء قالوا : لا يجزئ إلا إذا صام عنه الولي اقتصاراً على مورد النص .
?لكن الصحيح : إن صام عنه أحد فإن ذلك يجزئ ، وقوله - صلى الله عليه وسلم - :(( من مات وعليه صيام صام عنه وليه )) مبني على الغالب.اهـ].
•[الحمد ] : إذن حديث : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) :
1- هذا في النذر ،(1/119)
2- وأما في رمضان فإنه يُطعم عنه ، وكذا في الكفارات لأنها واجبة بالشرع كالصيام فيطعم عنه (1) .
? لكن لو معسرا ؟
رجل مريض مرضا لا يرجى برؤه وهو معسر ، فأراد رجل أن يتبرع عنه بالصيام ، وكان المتبرع أيضا معسر ، فيتوجه كما قال شيخ الإسلام أنه يجزئ عنه ؛ لأن المماثلة بالصيام أقوى من المماثلة بالمال ، فهنا مماثلة بالصيام ، لأنه صام عنه .
? إذن إذا مات وعليه صوم نذر أو اعتكاف نذر فإنه يستحب للولي القضاء لما تقدم : ( من مات وعليه صيام صام عنه وليه ) .
وهذا للاستحباب باتفاق العلماء ، خلافا لأهل الظاهر ، لقوله تعالى : { ولا تزر وازرة وزر أخرى } ، ولأنه لو كان عليه دين مالي لأحد من الناس ، فهل يجب على أوليائه أي ورثته القضاء ؟ .
لا يجب عليهم القضاء، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم :( لو كان على أمك دين فقضيتيه ، أكان يؤدي عنها ؟ ) قالت : نعم " .
فدل هذا على قياس دين الله على دين الآدمي ، وعلى ذلك : يستحب لوليه القضاء ، والولي هو الوارث ، لكن هذا من باب أن الولي أحق بالقضاء ، لكن لو قضى متبرع أجنبي فلا بأس ، فلو أن صديقه تبرع عنه فأطعم أو صام إذا كان نذرا فإنه لا بأس بذلك ؛ لأنه ذمته تبرأ كسائر الديون .
إذن :
__________
(1) ?[ الخليل :
1- الصيام : الراجح الحنابلة : لحديث :" من مات وعليه صيام صام عنه وليه".
2- الحج : سواء حجة الإسلام: لحديث :" حج عن أبيك " . أو حجة النذر : لحديث :" حجي عن أمك".
3- الاعتكاف : يجوز الغير ، التعليل : قياس على الصيام.
4-صلاة النذر : الأقرب : لا يصلي عنه : التعليل : لأنه فيه فرق بين الصيام والصلاة :
1-الصلاة بدنية لا يدخلها المال ، والصوم يدخله إذا لم يستطع الصوم يطعم.
2-الصلاة إجماع لا يصليها أحد عن أحد ، الصوم فيه خلاف كما سبق. وهو الأقرب : " لا يصلي أحد عن أحد". لا نذر ولا فرض..].(1/120)
1-إذا مات وعليه شيء من رمضان فإنه يطعم عنه ولا يُصام ، لما تقدم من الأثرين عن عائشة وابن عباس ، وهما راويا الأحاديث في هذا الباب ، وأقوال الصحابة ، لاسيما إذا كانوا رواة – بل على الإطلاق – تخصص العموم ، فإن هذا تفسير منهما .
2- وأما إن مات وعليه نذر أو كفارة ، فإن ذمته لا تبرأ بالإطعام ، وإنما تبرأ بالصيام ، لعموم حديث : ( من مات وعليه صيام ، صام عنه وليه ) والله أعلم .
باب صوم التطوع.
•[ المشيقح: لما انتهى المؤلف من أحكام الصيام ذكر صوم التطوع :
[أولاً] : وهو يجبر صوم الفرض ، وفي مسند الإمام أحمد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الصلاة ، فإن صلحت وإلا قال الله انظروا هل لعبدي من تطوع))
فالتطوعات لها حكم ويترتب عليها مصالح من ذلك : أنها تجبر ما حصل من نقص في الفرائض ، فالفرائض يعتريها شيء من الخلل واللهو والنقص بحسب طبيعة الإنسان .
ثانياً : ما يترتب عليها من الفضل العظيم ، ففي الصحيحين (( كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به )) فأضاف الصوم له إضافة تشريف وتعظيم مما يدل على فضله .
وفي البخاري من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله عز وجل : (( ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته ... )) الحديث .
? وهدي النبي - صلى الله عليه وسلم - في صيام التطوع ينقسم أربعة أقسام :
القسم الأول : صيام رغب فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - لكن لم يحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعله أو داوم عليه ، ومن أمثلته / صوم يوم وإفطار يوم ، رغب فيه وذكر أن أفضل الصيام صيام نبي الله داود ، كان يصوم يوماً ويفطر يوماً ، لكن لم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يفعل هذا .(1/121)
ومن ذلك صيام يوم الاثنين ، ففي صحيح مسلم سئل - صلى الله عليه وسلم - عن صيام يوم الاثنين قال : (( ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل علي فيه )) ولم يحفظ أنه كان يصوم يوم الاثنين .
ومن ذلك شهر الله المحرم ، ثبت في مسلم وغيره أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم)) ولم يحفظ عنه أنه كان يصومه ، بل المحفوظ ما صامه ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها : ( وما رأيته استكمل صيام شهر قط إلا رمضان ) .
فهذه أنواع من الصيام رغب فيها - صلى الله عليه وسلم - وشرعها لأمته ، وذكر فيها هذا الأجر العظيم ، ولم يحفظ أنه داوم عليها لما يتبين في القسم الرابع .
القسم الثاني : صيام حافظ عليه - صلى الله عليه وسلم - ، وهو صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، كما في حديث عائشة : ( ولم يكن النبي - صلى الله عليه وسلم - يبال صامها من أول الشهر أو في وسطه أو في آخره ) .
وأوصى بها أبا هريرة وأبا الدرداء وأبا ذر وقتادة بن ملحان وعبدالله بن عمرو ، وفي حديث عبدالله بن عمرو : ( أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر يعدل صيام الدهر ) ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها .
القسم الثالث : صيام أكثر منه النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو شهر شعبان ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يكثر من صيام شعبان ويدل لهذا حديث عائشة في مسلم وغيره : ( وما رأيته أكثر منه صياماً في شعبان ) .
وذكر ابن القيم في تهذيب السنن الحكمة من إكثار النبي - صلى الله عليه وسلم - من الصيام في شهر شعبان فقال : ( أما أن يقال بمنزلة السنة الراتبة لصيام رمضان كما أن الصلاة لها سنة راتبة قبله فكذلك يكون بمنزلة السنة القبلية الراتبة .
أو يقال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يكثر الصيام في شعبان توطئة لصيام شهر رمضان .(1/122)
أو يقال الحكمة الثالثة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يترك بعض الصيام في سائر السنة ثم يكثر من الصيام في شعبان استدراكاً لما ترك في سائر السنة .
? المهم / أن هديه - صلى الله عليه وسلم - الإكثار من الصيام في شهر شعبان .
القسم الرابع : سرد الصيام وسرد الفطر ، حسب ما يحصل للنبي - صلى الله عليه وسلم - من التخلي عن العمل أو الشغل بالعمل ، فتارة يسرد الفطر وتارة يسرد الصيام ، حسب تخليه عن العمل ، أو اشتغاله ببعض الأعمال .
ولهذا قالت عائشة رضي الله عنها : ( وكان يصوم حتى نقول لا يفطر ، وكان يفطر حتى كان لا يصوم ) .].
- قوله : [ يسن صيام أيام البيض ] :
أيام البيض هي : اليوم الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ، وسميت بأيام البيض ، لابيضاض ليلها بالقمر ، ولذا فلا يصح لغة أن يقال : الأيام البيض ، وإنما يقال : أيام البيض ؛ لأن الأيام كلها بيض ، وإنما يقال : أيام البيض ، أي أيام الليالي البيض :
?[ الأدلة على ذلك ]:
1-وقد روى النسائي من حديث مِلْحان القيسي ، والحديث صحيح قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يأمرنا أن نصوم البيض ، ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة " .
2-وفي الترمذي والحديث إسناده حسن ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يا أبا ذر إذا صمت من الشهر ، فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة ). إذاً يستحب صيام أيام البيض .
•[ المشيقح: وهذا الحديث أخرجه الإمام أحمد وأهل السنن وحسنه الترمذي وصححه ابن حبان ، وفي إسناده يحيى بن سام ولكن لم يتابع وبعض الأئمة يرى ضعف الحديث ولا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - (1) .
__________
(1) ?[ الخليل : موافقة أيام البيض : فيه أربعة أحاديث كلها ضعيفة ضعف يسير :
[ق1] لا يثبت فيه شيء ، [ق2] بمجموعها تصحح.
الأمر يسير : ما دام أنه - صلى الله عليه وسلم - يصوم 3 أيام من كل شهر لا يضر أن توافق أيام البيض. للسنة.
وأما صيامها أي يوم كانت : سنة بالإجماع. .].(1/123)
وعلى كل حال سواءً ثبت هذا الحديث أم لم يثبت فإن صيام ثلاثة أيام من كل شهر مشروعة سواءً صامها في أيام البيض أو صامها في غير أيام البيض].
?[مسألة : هل تصح متفرقة ] :
وإن صام ثلاثة أيام من الشهر من أوله أو من وسطه أو من آخره أو كانت متفرقة ، فذلك مستحب أيضا :
1- فقد ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : " أوصاني خليلي بثلاث : صيام ثلاثة أيام من كل شهر ، وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد " .
2- وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما : ( صم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ) ،
3- وعن عائشة رضي الله عنها في صحيح مسلم أنها قالت : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم من الشهر ثلاثة أيام " فقيل لها : من أيه كان يصوم ؟ قالت : " كان لا يبالي من أيه صام " .
إذاً يستحب أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر ، من أيه كانت ، فإن صامها من أيام البيض ، فإن هذا حسن للأحاديث المتقدمة (1) .
- قوله : [ والاثنين والخميس ] : [والأدلة على ذلك ]:
1- ففي سنن أبي داود من حديث أسامة قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصوم الاثنين والخميس ويقول : ( إن أعمال العباد تعرض على الله يوم الاثنين والخميس ) ،
2-ورواه الترمذي من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - وزاد ( فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم ) ،
3- وفي النسائي : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يتحرى صيام الاثنين والخميس ".
• [المشيقح: يستحب صيام يوم الاثنين ، ويدل لهذا ما ثبت في مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سئل عن صيام يوم الاثنين فقال : (( ذلك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل علي فيه )) .
__________
(1) [ المشيقح: وذكر بعض العلماء أن صيام ثلاثة أيام من كل شهر هو السنة الراتبة للصيام .].(1/124)
?والخميس : ودليل ذلك حديث أسامة - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( هما يومان تعرض فيهما الأعمال على رب العالمين وأحب أن يعرض عملي وأنا صائم )) وهذا الحديث أخرجه ح.ن ، ويحسنه كثير من المتأخرين ، وبعض العلماء ضعفه، وإذا ثبت ذا الحديث فيكون صيام يوم الخميس من الصيام المقيد ، وإن لم يثبت يكون من الصيام المطلق ، وسيأتي مزيد بحث على ثبوته ولأن الحديث له شواهد ]. (1) .
- قوله : [ وست من شوال ] :
1- لحديث مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر ) ،
2-وفي ابن ماجه وابن خزيمة وابن حبان بإسناد جيد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة ، ثم قرأ قوله تعالى : { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ) .
•[المشيقح : وصيام ستة أيام من شوال تحته مسائل :
• حكم صيام ستة من شوال ؟
للعلماء رأيان :
الرأي الأول : الاستحباب ، قول الجمهور ، ودليلهم هذا الحديث وغيره من الأحاديث الواردة في صيام الستة من شوال .
الرأي الثاني : عدم المشروعية ، مالك وحجته : أن عمل أهل المدينة لم يكن عليه ، وهذا فيه نظر .
? فعمل أهل المدينة موضع خلاف هل هو حجة أو ليس حجة ؟
وسبق أن تكلمنا على هذه المسألة وأن الليث بن سعد رحمه الله رد على الإمام مالك فيما يتعلق بعمل أهل المدينة وكتب له رسالة في ذلك ، وسبق أن شيخ الإسلام قال : أن عمل أهل المدينة لا يخلو من أربع حالات :
__________
(1) ?[ الخليل : أما يوم الخميس : فهو في السنن ليس في مسلم . وهو حسن. ... مشروع إن شاء الله..].(1/125)
فالاعتماد على عمل أهل المدينة فيه نظر ؛ لأن الإمام مالك اعتمد على عمل أهل المدينة ورد بعض السنن والأحكام الواردة الثابتة كل ذلك اعتماد على عمل أهل المدينة ، وهذا كما أسلفنا فيه نظر ، كما ذكر العلماء وأن أهل المدينة أنفسهم اختلفوا فيما بينهم ، وأن الصحابة رضي الله عنهم خرجوا من المدينة وتفرقوا في البلاد .. إلخ .
وعلى هذا فيكون المصير إلى ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله ، وأن صيام ستة من شوال مشروع اهـ].
? مسألة : هل يصح صيام النفل قبل القضاء (1) ؟ .
__________
(1) [ المشيقح: ? المسألة الثانية : من عليه قضاء من رمضان ، هل له أن يتطوع بالست قبل القضاء أو لابد أن يقضي ؟
قبل أن تبحث هذه المسألة هناك مسألة قريبة من هذه المسألة وهي حكم التطوع لمن عليه قضاء ، هل يجوز لمن عليه قضاء من رمضان أن يتطوع بالصيام قبل أن يقضي ؟
[ق1] المشهور من مذهب الإمام مالك وأبي حنيفة : لا بأس أن الإنسان يتطوع قبل أن يقضي ، واستدلوا :
1- أن الله عز وجل قال : {فعدة من أيام آخر}. [البقرة: 184 ].
وهذا مطلق ، فالقضاء مطلق سواءً قضى في شوال ، ذي القعدة ، ذي الحجة ... مطلق ، ومادام أنه مطلق يدل على أنه لا بأس أن الإنسان يتطوع قبل القضاء ؛ لأن القضاء لا يجب على الفور .
2- والدليل الثاني : حديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( كان يكون علي الصيام من رمضان فلا أقضيه إلا في شعبان )
لمكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهي أخرت إلى شعبان ولا يفهم أن عائشة رضي الله عنها كانت لا تتطوع ، بل يظهر أنها كانت تتطوع ولا يفوتها النفل المقيد وما رتب عليه من الفضل .
[ق2] المشهور من المذهب : لا يصح التطوع قبل القضاء بل لابد أن يقضي أولاً ثم يتطوع ، ودليلهم على هذا:
1- ما ورد عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : ( أحص العدة ثم تطوع ما شئت ) .
2-وكذلك استدلوا على ذلك : أن التطوع سنة والقضاء واجب ، والسنة لا تقدم على الواجب .
الشافعي : إن كان فطره لعذر لا بأس أن يتطوع قبل القضاء ، ولغير عذر لا يجوز أن يتطوع قبل القضاء .
والأقرب في هذه المسألة : ما ذهب إليه الحنفية والمالكية وأنه يجوز للإنسان أن يتطوع قبل القضاء ، ويؤيد ذلك/ ما ذكرنا أن القضاء لا يجب على الفور بل على التراخي ، وأن الشارع وسع فيه ، فإذا كان كذلك فالإنسان له أن يتطوع ، أو له أن يترك التطوع قبل القضاء ، ويؤيده أن الشارع كثير ما يرغب في التطوع ويسهل فيه وذلك بإسقاط بعض الأركان والشروط من أجل تكثير التطوع ، ولهذا يجوز أن يتطوع وهو على دابته فيسقط بذلك إن كان مسافراً استقبال القلبة والقيام والسجود والركوع يومئ بهما .. إلخ .
كل ذلك ترغيب في التطوع ، فالتطوع قبل القضاء اللذي يظهر والله أعلم أنه جائز.].(1/126)
قولان :
[ق1] فذهب الجمهور : إلى أنه يصح .
[ق2] وذهب الحنابلة : إلى أنه لا يصح .
استدل الحنابلة بما روى أحمد في مسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من صام تطوعا وعليه شيء من رمضان لم يقضه ، لم يُتقبل منه ) ، قالوا : وقياسا على الحج ، فإذا حج حج تطوع لم يجزه ذلك ، حتى يحج فرضه .
وأما الجمهور فذهبوا إلى أن الصوم يصح تطوعا قبل القضاء ، فإذا صام يوم عرفة أو عاشوراء أو الاثنين والخميس قبل أن يقضي ما عليه فلا بأس ؛ قالوا :
1- لأن الأصل الصحة ، ولا دليل على البطلان ، وأما الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده فإسناده ضعيف ،فإن فيه ابن لهيعة .
2- وأما القياس ، فإن هذا قياس مع الفارق ، وذلك لأن قضاء رمضان وقته موسع بخلاف الحج ، ولذا فقياس صوم التطوع على صلاة التطوع أولى ، فإن وقت الصلاة موسع ، فإذا تنفل قبل أن يصلي الفرض صح ذلك ، فكذلك التطوع من الصيام ، فإن وقت القضاء موسع ، فله أن يؤخر ما لم يأت رمضان الآخر ، كما تقدم.
إذاً الراجح: أن له أن يتطوع قبل قضاء فرضه ، لكن الأولى أن يقضي ما عليه لما في ذلك من إبراء الذمة .
? هل ينال الثواب المتقدم إذا صام ستاً من شوال قبل أن يقضي رمضان ثم قضاه أم أنه لا ينال الثواب المذكور في الحديث ؟ .
الجواب : أنه ينال هذا الأجر.
فإن قيل : إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من صام رمضان ثم أتبعه ستا من شوال ) فظاهره أنه إنما ينال ذلك إذا صام رمضان ، والذي عليه قضاء قد بقي عليه من رمضان ، وعلى ذلك : فإنه يقضي أولا ثم يصوم ؟.(1/127)
فالجواب : أنه لما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي رواه ابن خزيمة وابن ماجه ، وفيه ( من صام ستة أيام بعد الفطر كان تمام السنة { من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها } ) عُلم أنه إنما كان هذا الأجر في صوم ستة أيام بعد رمضان من شهر شوال ، لأن الحسنة بعشر أمثالها ، فشهر رمضان عن عشرة أشهر ، وستة أيام عن شهرين ، فيكون هذا تمام السنة كما تقدم ، وعلى ذلك : فكأنه صام ستة أيام ثم قضى ، فإن هذه المضاعفة تحصل له ، لأن الحسنة بعشر أمثالها ، حتى إن بعض أهل العلم قد ذهب إلى أنه لو صام ستة أيام من غير شوال لنال هذا الثواب ، والمعنى يدل عليه ، ولذا قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتقدم لعبد الله بن عمرو بن العاص : ( صم من الشهر ثلاثة أيام ، فإن الحسنة بعشر أمثالها ، وذلك مثل صيام الدهر ) ، فمن صام ثلاثة أيام من أي شهر كان ، سواء كان هذا من شهر شوال أو من غيره ، فإنه عن ثلاثين يوماً ، لأن الحسنة بعشر أمثالها ، وعلى ذلك : يكون ذكر الأيام من شوال من باب المسارعة في إتباع الحسنة بالحسنة بعدها .
?فنقول : إذاً يستحب له أن يصوم ستة أيام من شوال بعد رمضان ، لكن لو صام في غير شوال ، فإنه ينال الثواب المذكور ؛ لأن الحسنة بعشر أمثالها ، وهذا لا يختص بشوال (1) .
__________
(1) ?[المشيقح : مسألة : هل يجوز صيام ستاً من شوال قبل القضاء ؟.]:
ونفهم من هذا أنه على مذهب الحنفية والمالكية : يجوز أن يصوم ستاً من شوال قبل القضاء ، وعلى مذهب الحنابلة لا يجوز إلا بعد القضاء ، وعند الشافعية التفصيل كما سبق .
والأقرب في صيام ستاً من شوال : أنه لا يصح أن يصومها حتى يقضي ، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من صام رمضان ثم أتبعه ستاً من شوال )) والذي عليه شيء من القضاء لم يصم رمضان حتى الآن ؛ لأن قوله (( من صام رمضان )) يشمل الأداء والقضاء .
فالخلاصة في هذه المسألة / أن التطوع بالصيام قبل القضاء جائز إلا في مسألة ستة من شوال فإن الإنسان يبدأ بالقضاء ثم التطوع . [ورجحه الخليل].(1/128)
?[المشيقح : المسألة الثالثة : يقول المؤلف رحمه الله تعالى : " والأفضل عقب العيد متوالية "
الأفضل أن يبادر بصيام ست من شوال عقب العيد ، وأن تكون متوالية ؛ لأن هذا يوافق ظاهر الحديث ، فظاهر الحديث الإنسان يتابعها ، قال : (( ثم اتبعه )) يعني أن الإنسان يتابع هذه الست بعد رمضان .
وأيضاً تكون متتابعة ولا يفرق بينها لأن هذا ظاهر الحديث .
وثانياً : أنه أسرع في الخير ، والله عز وجل أثنى على المسرعين والمسابقين بالخيرات: {إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً}. [ الأنبياء: 90 ]. وقال : {فاستبقوا الخيرات}. [ البقرة: 148 ].
وعلى هذا يؤخذ من كلام المؤلف : لو أخرها بعد العيد أو فعلها متفرقة جائز ولا بأس به ويحصل له الأجر ، قوله : (( فكأنما صام الدهر )) كما في سنن النسائي ، الحسنة بعشر أمثالها فرمضان بعشرة شهور ، وستة أيام لها ستين يوماً شهرين ، فيكون صام الدهر السنة ، وإذا صام السنة صام الدهر .اهـ].
- قوله : [ وشهر الله المحرم ]:
لما ثبت في صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم ) .
وأما ما رواه أبو داود والنسائي بجمع الأشهر الحرم ،وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم الأشهر الحرم ، فإن الحديث إسناده ضعيف.
فالمستحب صيام شهر الله المحرم ، وأما الأشهر الحرم ، فإنه لم يرد في استحبابها ما يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
•[ المشيقح: [مسألة : متى يحقق الإنسان السنة في صوم شهر الله المحرم ؟] :
[ق1] وظاهر الحديث لا يحصل الأجر ولا السنية إلا إذا صامه كاملاً ولا يتحقق أن الإنسان حقق هذه السنة إلا إذا صام الشهر كاملاً .
[ق2] وذهب بعض العلماء : يصومه لكنه لا يكمله ، واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها قالت : ( وما رأيته استكمل صيام شهر قط غلا رمضان ) فقالوا : لا يكمل إلا رمضان ، وهذا ذهب إليه ابن قدامة في الكافي .(1/129)
والصواب : ظاهر ما ذكره العلماء وأن الإنسان يصومه كاملاً وهو ظاهر الحديث ، وأما كونه - صلى الله عليه وسلم - ما استكمل شهراً غير رمضان ، نقول : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - تتعلق به أعمال وأشغال لا تمكنه من الاستكمال .].
- قوله : [ وآكده العاشر ثم التاسع ]:
•[ المشيقح: صيام اليوم العاشر من شهر الله المحرم سنة وهو من الصيام المقيد ،
وصيام اليوم العاشر تحته مسائل :
?المسألة الأولى : ما هو اليوم العاشر ؟.
[ق1] الجمهور : هو اليوم العاشر من شهر الله المحرم ، وقالوا : يدل لهذا الاشتقاق والتسمية ، وهما تساعدان على أن اليوم العاشر هو اليوم الذي يكون بعد اليوم التاسع .
[ق2] : ظاهر ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما أن اليوم العاشر هو اليوم الذي بعد اليوم الثامن ، فيكون اليوم العاشر هو يوم تاسوعاء ، ويدل لهذا ما ثبت في مسلم من حديث الحكم سأل ابن عباس رضي الله عنهما عن اليوم العاشر فأمره أن يعد ثمانية أيام وأن يصبح في اليوم التاسع صائماً .
وأجاب ابن القيم على كلام ابن عباس رضي الله عنهما وقال : ابن عباس لم يرد أن اليوم العاشر هو اليوم التاسع ، وإنما أراد من السائل أن يصوم التاسع مع العاشر .
?المسألة الثانية: صيام يوم عاشوراء سنة مؤكدة وكان أول الإسلام واجباً وسبق أن ذكرنا ذلك عند مراحل تشريع الصيام إن الصيام شرع على ثلاث مراحل :
الأولى : وجوب صوم يوم عاشوراء .
الثانية : التخيير في صيام رمضان إن كان مطيقاً بين الصيام أو يفطر ويطعم عن كل يوم مسكيناً .
الثالثة : تعيين صيام رمضان :{فمن شهد منكم الشهر فليصمه}. [البقرة: 185 ].(1/130)
فصيام عاشوراء كان واجباً في أول الإسلام وكان الجاهلية يصومونه واليهود يعضمونه ، ولما قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - المدينة وجد اليهود تصومه فسألهم عن ذلك ، فقالوا : هذا يوم أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه فنحن نصومه شكراً لله عز وجل ، فقال - صلى الله عليه وسلم - نحن أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه .
?المسألة الثالثة : مراتب صيام يوم عاشوراء ، له مرتبتان :
المرتبة الأولى : أن يصوم التاسع والعاشر ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - : (( لئن بقيت إلى القابل لأصومن التاسع )) ، وهي أفضل المرتبتين .
المرتبة الثانية : أن يقتصر على صيام العاشر ، جائز ونص العلماء أنه لا يكره ويحصل له الأجر ، وهو كفارة سنة كما في حديث أبي قتادة - رضي الله عنه - .
المرتبة الثالثة : مرتبة يضفها العلماء كابن القيم رحمه الله ويجعلها أعلى المراتب وهي أن يصوم يوماً بعده ويوماً قبله ، يصوم ثلاثة أيام ، وهذا وارد له حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في مسند أحمد ، لكن الحديث ضعيف لا يثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وإذا كان ضعيفاً لا تثبت به السنية .
? اللهم إلا إذا كان الإنسان من عادته أن يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فصام اليوم التاسع والعاشر والحادي عشر بناءً على أنه صيام ثلاثة أيام من كل شهر جائز .
ومثله صيام ستة أيام من شوال إذا كان الإنسان من عادته صيام ثلاثة أيام من كل شهر فإنها تغني عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر..اهـ].
? [وهل كان واجباً قبل أن يفرض رمضان ؟] :
•[اختيارات: [مسألة : نسخ وجوب صوم عاشوراء ]:
? المقصود بهذه المسألة :
اختلف العلماء في حكم صيام عاشوراء قبل أن يفرض صيام رمضان هل كان واجباً ونسخ بفرض رمضان أو كان مستحباً حتى قبل فرض صوم رمضان ؟. وهذا الخلاف هو موضوع هذه المسألة.(1/131)
? وقد يثور تساؤل أن هذا الخلاف من الخلاف النظري المحض الذي لا يترتب عليه عمل أو حكم ، وسنرى في ثمرة الخلاف أثر ذلك في مسألة : من أنشأ نية الفرض عند العلم به من النهار.
? سبب الخلاف :
اختلافهم في فهم المتروك من صيام عاشوراء بعد فرض رمضان :
1- هل المتروك وجوب صومه فصار مندوباً أو مسنوناً ،
2- أو المتروك هو تأكد سنيته واستحبابه ، فيكون مستحباً كسائر المستحبات.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق ، وهو قول الحنفية والمالكية : أنه كان واجباً فنسخ الوجوب بفرض صيام رمضان.
السبب :
1-لما تقرر في الأصول أن الأمر يقتضي الوجوب .
2-ولأن الأمر بالإمساك لا يتصور إلا في الصيام الواجب خاصة .
3-وأن هذا قول صحابي جليل هو ابن مسعود - رضي الله عنه - الذي هو وعاء من أوعية العلم زمن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم .
ولأنه يلزم على قول الشافعية والحنابلة : أنه لم كن واجباً قبل فرض رمضان بل كان سنة وهو باقٍ على سنيته:
1- إما أن يقال بترك استحبابه ، ولم يبق مستحباً ،
2- أو يقول هذا قاله ابن مسعود - رضي الله عنه - برأيه وهذا بعيد ؛
1- فإنه - صلى الله عليه وسلم - حثهم على صومه ، واستمر عليه الصحابة إلى حين وفاته ، ولم يرد عنه حرف واحد بالنهي عنه ، فعلم أن الذي ترك وجوبه لا استحبابه.
? 2- وأبعد منه : أن يقول هذا ابن مسعود - رضي الله عنه - برأيه ؛ لأنه مما لا محل للاجتهاد فيه ، ولأنه من أوعية الحديث في طبقة الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.اهـ].
•[الحمد : الأدلة على وجوب صوم يوم عاشوراء] :
1- لما ثبت في الصحيحين أن قريشا كانت تصوم عاشوراء في الجاهلية ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومه ، فلما هاجر إلى المدينة صامه وأمر بصيامه ، فلما فرض عليه رمضان قال - صلى الله عليه وسلم - : ( من شاء صامه ، ومن شاء تركه ) .(1/132)
وهذا الحديث يدل على أن صيام عاشوراء كان واجبا ، لقوله في الحديث : ( فمن شاء صامه ومن شاء تركه ) ، وأما قبل فإنه يجب على العبد أن يصوم ولا خيرة له .
وهذا هو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم ، وهو مذهب الأحناف ، وهو رواية عن الإمام أحمد ، واختار هذه الرواية الموفق ابن قدامة .
إذاً الراجح : أن يوم عاشوراء كان واجباً ، ولذا فقد رتبنا عليه مسألة سابقة فيما إذا ثبتت البينة نهاراً ، وتقدم الكلام عليها في بابها .
2- وأيضاً ورد في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما قدم المدينة وجد اليهود يصومونه ، وذكروا أن هذا اليوم يوم أنجى الله تعالى موسى - عليه السلام - وبني إسرائيل من فرعون ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( نحن أحق بموسى منكم ) .
إذاً كان يوما تعظمه قريش واليهود ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يصومه ، فلما فرض عليه رمضان قال : ( من شاء صامه ، ومن شاء تركه ) ، وبقي الأمر على الاستحباب ، فكان - صلى الله عليه وسلم - يصوم هذا اليوم ، لكن على جهة الاستحباب ، كما تقدم .
?[ مسألة : هل يصومن مع العاشر التاسع!] :
ثم إنه - صلى الله عليه وسلم - ذُكر له أن اليهود والنصارى يعظمون هذا اليوم ، ففي صحيح مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قيل له : إن هذا اليوم تعظمه اليهود والنصارى ؟ فقال : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) ، والحديث من حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ، وقوله : ( لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع ) أي والعاشر ، فإن اليوم العاشر باق على استحبابه ، وإنما يصام التاسع لمخالفة اليهود والنصارى ، ولذا صح عن ابن عباس وهو الراوي ، كما في مصنف عبد الرزاق والبيهقي أنه قال : ( صوموا اليوم التاسع و العاشر و خالفوا اليهود ) .
فإن صام يوما بعده – وهو اليوم الحادي عشر – فلا بأس ، والحديث الوارد فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال :(1/133)
( صومو ا يوما قبله أو يوما بعده ) ، إسناده ضعيف .
? لكن المخالفة تحصل بصيام الحادي عشر ، فإن صام اليوم التاسع فهو أفضل ، لكن إن لم يصمه فصام اليوم العاشر والحادي عشر ، فلا بأس بذلك .
ولا يكره إفراد عاشوراء ، وهو المذهب واختيار شيخ الإسلام.
- قوله : [ وتسع ذي الحجة ] (1) :
أي وصوم تسعِ ذي الحجة ؛ للحديث الذي رواه البخاري : ( ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر ) ، ومن الأعمال الصالحة الصيام .
- قوله : [ ويوم عرفة ] :
هذا آكده ؛ لقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه مسلم في يوم عرفة : ( أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله والسنة التي بعده ) ، وقال في يوم عاشوراء كما في مسلم أيضا : ( أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله ) .
- قوله : [ لغير حاج بها ]:
فالحاج يستحب له الفطر ؛ ولذا ثبت في الصحيحين عن أم الفضل بنت الحارث رضي الله عنها أن ناسا تماروا عندها يوم عرفة في صيام النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال بعضهم : إنه صائم ، وقال بعضهم : إنه مفطر ، قالت : فأرسلت إليه بقدح لبن وهو واقف على بعيره فشربه " إذاً المستحب هو الفطر .
? [حكم صوم عرفة للحاج ] (2) :
وقد ورد النهي عن صيام يوم عرفة [للحاج] :
__________
(1) [ الخليل: وأما حديث عائشة – رضي الله عنها - : ما صام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في العشر قط .
الجواب عليه :1-ضعف هذا القول . 2- نفي صيام جميع العشر ، المثبت حقيقة هو صيام بعض العشر .والثاني قول وجيه.].
(2) [الخليل: [مسألة : حكم صوم يوم عرفة للحاج؟.]:
[ق1] لا يستحب ، [ق2] جائز بلا كراهة ، [ق3] مستحب ما لم يضعف الحاج . [ق4] مكروه .
?والراجح : الحكم يدور مع الكراهة والتحريم.].
?[اخيتارات : وهذه المسألة ليست داخلة في نطاق البحث ؛ لموافقة شيخ الإسلام للحنابلة في عدم استحباب صيام عرفة بعرفة....].(1/134)
1-في أبي داود لكن إسناده فيه جهالة : " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صوم يوم عرفة بعرفة " ، لكنه يوم عيد بالنسبة إلى الحاج ، لأنهم يجتمعون فيه ، ولأنهم بالفطر يتقوون على الدعاء ، ولذا فلا يستحب لهم الصوم بل يكره .
2- وقد روى الإمام أحمد في مسنده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام ، وهي أيام أكل وشرب ) ، لكن لفظة ( يوم عرفة ) شاذة كما قرر هذا الإمام ابن عبد البر رحمه الله تعالى ، فقد تفرد بهذه الزيادة موسى بن علي عن أبيه ، وأما بقية الحديث فلا علة فيها وعلى ذلك نقول : يستحب له ألا يصوم (1) .
- قوله : [ وأفضله صوم يوم وفطر يوم ] :
لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( أفضل الصيام صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ) ، وفي رواية : ( أحب الصيام إلى الله صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ) والحديث متفق عليه.
? وهل يكره صيام الدهر ؟ .
•[اختيارات: [ مسألة : صوم الدهر ] :
? المقصود بهذه المسألة :
معرفة حكم من صام الدهر سرداً ما عدا ( الأيام الخمسة : يومي العيد ، وأيام التشريق) ، هل فعله جائز أو مكروه ؟.
? تحرير محل الخلاف :
السرد له عدة صور منها :
1- من صام الدهر بما فيه هذه الأيام الخمسة .
2-من سرد الصوم وأدى صومه إلى ترك حق أو وقوع ضرر .
3-الوصال .
__________
(1) [المشيقح: زاد في عمدة الطالب : [ ثم يوم التروية] :
وهو اليوم الثامن من ذي الحجة ، وسمي بهذا الاسم لأنهم كانوا في الزمن السابق يتروّون الماء ، أو يروُّون الماء للخروج من مكة إلى منى ثم عرفات .
- وقوله : ثم يوم التروية .
هذا يحتاج إلى توقيف فهو يقول آكد الأيام التسعة يوم عرفة ثم بعد عرفة يوم التروية هذا يحتاج إلى دليل هذه الآكدية فصيام التسعة الأول من ذي الحجة فيه فضل وأفضلها يوم عرفة لورود الدليل ، وأما يوم التروية لم يثبت شيء على فضيلته .].(1/135)
4- قضاء الكفارات التي يشترط فيها التتابع.
? وجميع هذه الصور خارجة عن هذه المسألة ، وعليه فتكون مسألة الباب فيمن سرد الصوم ( ولم يترك به حقاً ، ولا خاف ضرراً ، ولم يصم هذه الأيام الخمسة ) ، ولم يواصل الليل ، وهذه المسألة متصورة في الرجل والآيسات من النساء ، وأما من تحيض من النساء فلا يتصور منها السرد ، والله أعلم.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف إلى اختلافهم في قراءة الأحاديث الواردة في هذه المسألة وفهمها ، فبعضهم أخذ بإطلاقات بعض الأحاديث مثل حديث متابعة الصيام – كما سيأتي - ؛ إذ فهم من المتابعة الوصال ، وبعضهم جعل صيام داود متابعة ، وبعضهم أخذ ببعض الأحاديث دون بعض ، وبعضهم اطلع على أحاديث الباب مجتمعة ورد المطلق إلى المقيد ، والله أعلم.
? اخيتار شيخ الإسلام ورجحه المحقق ، وهو قول الحنفية : كراهة الصوم.
1- لحديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - : لا صام من صام الدهر ". مع ملاحظة أن عبد الله بن عمرو من شباب الصحابة .
2-ولما في صيام الدهر من إضعاف المسلم ، وقد يؤدي إلى ترك الحقوق الأخرى مثل حق الزوج ، وحق النفس والتكسب وعمارة الأرض .
3- ولأن في صيام الدهر تحويل العبادة إلى عادة فتصير " طبعا له ، ومبنى العبادة على مخالفة العادة " .
4- بل قد يفضي ذلك إلى : " التبتل المنهي عنه " . والله أعلم. اهـ].
•[الحمد : والمراد بصيام الدهر : باستثناء أيام العيدين وأيام التشريق ، يعني الأيام التي يحرم صيامها ؟
[ق1] المشهور في المذهب : أنه يجوز بلا كراهية .
[ق2] : أنه يكره ، وهو اختيار الموفق وابن القيم . وهذا أصح ، ويدل عليه :
1-ما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعبد الله بن عمرو بن العاص : ( إنك لتصوم الدهر وتقوم الليل ، وإنك إن فعلت ذلك هجمت – أي غارت - له العين ، ونهكت – أي تعبت - ، لا صام من صام الدهر ) .(1/136)
2-ولما سئل كما في النسائي عمن يصوم الدهر ؟ قال : ( لا صام ولا أفطر ) .
3-وقال - صلى الله عليه وسلم - كما روى ذلك ابن خزيمة : ( من صام الدهر ضُيِّقت عليه جهنم هكذا ) وقبض كفه " .
? والذي يظهر : أن هذا الحديث فيمن صام الدهر وفي ذلك أيام العيدين يعني الأيام التي نهى الله عز وجل عن صيامها . فعلى ذلك نقول : إنه يكره أن يصوم الدهر .
? [ هذا شروع في بيان الصيام المكروه ، وهو كما يلي ]:
- قوله : [ ويكره : 1- إفراد رجب ]:
فعند ابن أبي شيبة : أن عمر - رضي الله عنه - كان يضرب أيدي المترجِّبين ، يعني الذين يفردون رجب بالصيام ويخصونه بالصيام ، فكان يضرب أيديهم على الطعام ، ويقول : " إنما هو شهر تعظمه أهل الجاهلية " .
وحكى شيخ الأسلام في تحريم إفراده وجهين والذي يظهر التحريم .
فإن : 1- لم يفرده بالصيام بل صام شهراً آخر فلا كراهة ، 2- وكذا إذا أفطر بعض أيامه.
•[ المشيقح : يكره أن يفرد رجباً بالصوم :
1- لأن فيه تشبهاً بأهل الجاهلية ، فقد كانوا يعظمون رجب ، وكذلك أهل البدع .
2- ورجب لم يرد ما يدل على تعظيمه على وجه الخصوص .
? وابن رجب رحمه الله له رسالة في إبطال ما ورد في شهر رجب ، وصيام شهر رجب له ثلاث حالات :
الحالة الأولى : أن يصوم شهراً قبله أو شهراً بعده ، هذا جائز ولا بأس به لأنه لم يفرد رجب بالصوم ، فإذا صام شهراً قبله وشهراً بعده جائز ولا بأس به .
الحالة الثانية : أن يفطر بعض أيامه هذا جائز ولا بأس به ؛ لأنه لم يصمه كاملاً والنهي أن يصمه كاملاً .
الحالة الثالثة : أن يصومه كاملاً وحده فهو الذي نص عليه المؤلف.].
?[ الخليل : لا يكره إلا رجب ، غيره لو صامه : جاز .].
- قوله : [ 2- والجمعة ]:
•[اختيارات: [ مسألة إفراد الجمعة بصوم ]:
? المقصود بهذه المسألة :
تقرر شرعاً تحريم صيام يومي العيد ، وكما هو معلوم فالجمعة عيد الأسبوع ، وموضوع هذه المسألة بحث جواز إفرادها بصيام.(1/137)
? تحرير محل الخلاف :
لهذه المسألة صور منها :
1-أن تصام الجمعة مع يوم قبلها أو بعدها كما لو وقعت في الأيام البيض.
2-أو يقع يوم عرفة أو عاشوراء يوم جمعة
3- أن تصام دون يوم قبلها أو يوم بعدها لكنها لم تقصد لذاتها كما يتأسى بصيام داود يصوم يوماً ويفطر يوماً ، فهو لا بد أن يصوم كل أسبوعين جمعة ويفطر قبلها وبعدها.
4- أن تصام دون غيرها قضاء لصوم واجب إذا تعينت كحال الموظف الذي لا يستطيع القضاء إلا يوم الجمعة ؛ لأنها يوم راحته.
5- أن تخص الجمعة لذاتها مفردة. وهذه الصورة الخامسة : هي محل البحث في هذه المسألة .
? سبب الخلاف :
والسبب في اختلافهم اختلاف الآثار في ذلك ، ويمكن أن يضاف أن بعض المبيحين كمالك لم تبلغه أحاديث النهي كما قال الداوودي : من أصحاب مالك : لم يبلغ مالكاً حديث النهي ، ولو بلغه لم يخالفه.
? اخيتار شيخ الإسلام وهو قول الظاهرية ورجحه المحقق : أنه يحرم صومه.
وسبب الترجيح :
1- لقوة أدلتهم وسلامتها من المعارض : كحديث أبي هريرة ، وحديث جويرة ، وأنه يوم عيد ...
2-وأن أقوى أدلة المجيزين حديث ابن مسعود - رضي الله عنه - : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصوم من كل غرة شهر ثلاثة أيام ، وقل ما كان يفطر يوم الجمعة.
وهو دليل فعل ، والقول مقدم عليه ، خاصة وأنه قد : " حكم الترمذي بغرابته ، فكيف تعارض به الأحاديث الصحيحة الصريحة ثم يقدم عليها؟!. فيحمل على أنه يصوم قبله أو بعده.
3- أنه القول الذي يتوافق مع مقاصد الشريعة في صيام الجمعة ، وهو " سد الذريعة من أن يلحق بالدين ما ليس فيه ، ويوجب التشبه بأهل الكتاب في تخصيص بعض الأيام بالتجرد عن الأعمال الدنيوية ".(1/138)
? فلما كان هذا اليوم :" ظاهر الفضل على الأيام كان الداعي إلى صومه قوياً فهو في مظنة تتابع الناس في صومه واحتفالهم به مالا يحتفلون بصوم يوم غيره ، وفي ذلك إلحاق بالشرع ما ليس منه ، ولهذا المعنى – والله أعلم – نهي عن تخصيص ليلة الجمعة بالقيام من بين الليالي ؛ لأنها من أفضل الليالي... فهي في مظنة تخصيصها بالعبادة ، فحسم الشارع الذريعة ، وسدها بالنهي عن تخصيصها بالقيام.].
•[الأقوال والأدلة في هذه المسألة ] :
[ق1] المؤلف والجمهور : يكره إفراد الجمعة بالصوم .
1- لما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده ) .
2- وفي صحيح البخاري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على جوريرة بنت الحارث أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها يوم الجمعة وكانت صائمة ، فقال لها - صلى الله عليه وسلم - : ( أصمت أمس ؟ ) قالت : لا ، قال : ( أتريدين أن تصومي غدا ؟ ) قالت : لا ، قال : ( فأفطري ) ، إذاً يكره إفراد الجمعة لهذين الحديثين .
•[زاد المشيقح :
3- ويؤيد ذلك / أن يوم الجمعة عيد الأسبوع ، والعيد لا يصام ، وسيأتي أن صيام عيد الفطر والأضحى محرم ، فهذا العيد الأكبر ، والعيد الذي أصغر تترك مرتبة النهي إلى الكراهة ،
4- ويدل على الكراهة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رخص أن يصام يوماً قبله أو يوماً بعده ، في العيدين يحرم ولو صام يوماً قبله أو يوماً بعده اهـ].
[ق2] وذهب الآجري [وابن حزم وشيخ الإسلام] : إلى التحريم وهو أصح ؛ لظاهر الحديث ( فأفطري ) ، وعليه : فيجب عليه أن يفطر (1) .
__________
(1) [ المشيقح :
فالصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف والجمهور رحمهم الله وهو أن إفراد الجمعة بالصيام مكروه .
حديث الترمذي لا يثبت ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان قلما يفطر يوم الجمعة ) ولو ثبت محمول على أنه صام يوماً قبله أو يوماً بعده ، ولهذا تعرف الجواب على ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله وأنه يحرم إفراده بالصيام .
فالصواب : لا يحرم ولكنه يكره لما ذكرنا من الدليلين . .].(1/139)
•[زاد المشيقح : [ق3] الإمام مالك : جائز ولا بأس به .
دليل مالك : لم يرد عمل المدينة على هذا ، وفي الترمذي حديث ابن مسعود ( أنه قلما كان يفطر النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة ) ويدل هذا أنه لا يكره إفراده . اهـ].
? [ مسألة : إذا وافق يوم الجمعة يوم تطوع !] :
هذا إذا كان لمعنى الجمعة ، لكن لو كان لغير ذلك ، كأن توافق الجمعة:
1- يوم عرفة ،
2- أو أن توافق الجمعة يوم عاشوراء ،
3- أو أن يصوم الجمعة ؛ لأنه يصوم يوما ويفطر يوما ، فلا بأس بذلك ؛ لأنه لا يقصد الجمعة ، ولذا تقدم في الحديث : ( أفضل الصيام صيام داود ، كان يصوم يوما ويفطر يوما ) .
وعلى ذلك يدخل يوم الجمعة ، لأنه إذا صام يوما وأفطر يوما فإنه يدخل في ذلك في كل أسبوعين يوم الجمعة ، وعلى ذلك : فالمقصود أن يقصد هذا اليوم ، وأما إذا لم يقصده ، وكان هذا لمعنى آخر كصيام يوم وفطر يوم ، فإنه لا بأس ، حتى إنه لو صامه هكذا لغير معنى الجمعة ولغير معنى آخر ، فإنه ينهى عن ذلك ، لعموم الأحاديث ، لكن إن كان إنما يصوم لكونه يوم عرفة أو عاشوراء ، ولا يخطر بقلبه بأن ذلك هو يوم الجمعة ولا يرد إليه ، بخلاف رجل وقع في قلبه أن يصوم غدا وكان ذلك يوافق يوم الجمعة وكان تنفلا مطلقا ، فإنه ينهى عن ذلك إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده .
إذاً إذا كان لمعنى آخر فلا بأس ، وأما إذا كان تنفلا مطلقا أو لمعنى الجمعة – ليعظم الجمعة - ، فإنه ينهى عن ذلك ، لما تقدم .
•[ المشيقح : وثبت في صحيح مسلم أن الكراهة فيما إذا قصد التخصيص من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - (( لا تخصوا يوم الجمعة بصيام بين سائر الأيام ولا تخصوا ليلة الجمعة بقيام من بين سائر الليالي )).
فإذا قصد تخصيصها بصيام يكره ، أما إذا ما قصد التخصيص:
1- مثلاً / رجل احتاج أن يفرد يوم الجمعة لأنه لا يجد يوماً يصوم فيه إلا الجمعة جائز ولا يكره .(1/140)
2- مثلاً / إنسان احتاج أن يصوم يوم الجمعة قضاءً أو لا يتمكن أن يقضي سائر الأيام ؛ لأنه عنده أعمال لا يكره؛ لأنه لم يقصد التخصيص وإنما جاء تبعاً .
?والقاعدة { التابع تابع وأنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع } .
?فالصحيح : إذا لم يقصد التخصيص ولكن لحاجة إنسان لا يتمكن من القضاء التطوع إلا في مثل هذا اليوم ، نقول : لا بأس .].
- قوله : [ 3- والسبت ]:
•[اختيارات: [ مسألة : إفراد السبت بصوم ] :
? المقصود بهذه المسألة :
تعظم اليهود يوم السبت ؛ لأنه " لما كان تمام الخلق فيه ظنت أن ذلك يوجب فضيلة ، وعظمت النصارى يوم الأحد لما كان بدء الخلق فيه ، بحكم عقولهم ".
ومسألة الباب في حكم تخصيص يوم السبت بالصوم لذاته هل ذلك جائز أو لا ؟.
? تحرير محل الخلاف :
لهذه المسألة صور هي نفسها صور مسألة إفراد الجمعة ، ونعيدها للتذكير منها :
1-أن يصام يوم السبت مع يوم قبله أو بعده كما لو وقع يوماً من أيام البيض.
2-أو يقع يوم عرفة أو عاشوراء يوم سبت.
3- أن يصام يوم السبت دون يوم قبله أو يوم بعده ، لا لقصد اليوم كصيام داود يصوم يوماً ويفطر يوماً .
4- أن يصومه الموظف قضاء لواجب ؛ لأنه يوم راحته.
5- أن يقصد السبت لذاته بالصوم ؛ لكنه يوم سبت ، ويخصه بالصيام . وهذه الصورة الخامسة :هي محل البحث في هذه المسألة.
? سبب الخلاف :
يرجع سبب خلاف الفقهاء في هذه المسألة إلى : " اختلافهم في تصحيح ما روي من أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ".
? اختيار شيخ الإسلام وهو قول المالكية : أن صيامه جائز .
? ورجح المحقق : أنه مكروه وهو قول الجمهور : الحنفية والشافعية ، والحنابلة : للحديث .
ولكن إذا تصادف وأن وقع فيه عيد أو مناسبة من مناسبات غير المسلمين كان الصيام في حق من ساكنهم محل نظر ، فإن كان تعظيمهم لذلك السبت بالصيام كره الصيام كراهة تحريم ،(1/141)
وإن كان تعظيمهم له بأنه عيد من أعيادهم يظهرون فيه الفرح والأكل والشرب ندب إلى صيامه .
فالحاصل : أن الحرمة لا تعلق لها بذات السبت ، ولكن بظرفه وما يقع فيه ؛ لأن الأمر يدور على قاعدة : " المخالفة وعدم التشبه ". أما المسلم غير المساكن فيبقى الحكم عنده على الكراهة الأصلية . والله أعلم.].
•[الأقوال في إفراد يوم السبت بصوم]:
[ق1] يعني يكره إفراد السبت ، هذا هو المشهور في المذهب ، واستدلوا بحديث ( لا تصوموا يوم السبت إلا فيما افترض عليكم ، فإن لم يجد أحدكم إلا لحاء شجرة أوعود عنبة فليمضغه ) .
والحديث رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابن ماجه ، فهذا الحديث في المشهور في المذهب دال على النهي عن أفراد يوم السبت وعلى كراهية ذلك ، وهذا أيضا هو مسلك الترمذي رحمه تعالى ، فالحديث يُحمل عنده على النهى عن الإفراد ، فيكون عندئذ كيوم الجمعة ، لكن لو صامه لمعنى يوم عرفة أو لمعنى يوم عاشوراء أو كان يصوم يوما ويفطر يوما فلا بأس بذلك .
[ق2] والمسلك الآخر ، وهو مسلك أكثر أهل العلم ، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن يتيمة رحمه الله : أنه لا يكره صيام يوم السبت لا مفرداً ، بل له أن يصومه وإن أفرده بالصيام .(1/142)
وأما هذا الحديث فإنه كما قال شيخ الإسلام : إما منسوخ وإما شاذ ، وقد ذكر النسخ أيضا أبو داود رحمه الله تعالى . وذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى كما في شرحه للعدة : أن ظاهر هذا الحديث يخالف الإجماع ، وإن كان قد ذهب بعض كبار العلماء من المتأخرين إلى القول بظاهره ، لكن هذا القول مسبوق بهذا الإجماع الذي ذكره شيخ الإسلام رحمه الله ، ولذا قال الأثرم رحمه الله تعالى : " جاء هذا الحديث ثم جاءت الأحاديث كلها بخلافه " وذكر أنه روي عن السلف أنهم أنكروه ، وممن نص على عدم صحته من الإئمة يحيى بن سعيد والزهري والإمام مالك والنسائي وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمهم الله تعالى ، بل قال الإمام مالك : " إنه كذب " ؛ لأن الأحاديث كلها بخلافه :
1- فإن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - في صحيح البخاري : ( أصمت أمس ؟ ) قالت : لا ، قال : ( أتصومين غدا ؟ ) قالت : لا ، قال : ( فأفطري ) .
2- وقال في البخاري : ( لا يصومن أحدكم يوم الجمعة إلا أن يصوم يوما قبله أو يوما بعده ) وذلك يوم السبت .
3- وكذلك صيام داود ، وأنه كان يصوم يوما ويفطر يوما ، ويدخل في ذلك صوم السبت .
4- وكذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم شعبان كله إلا قليلا ، وتدخل في ذلك أيام السبت .
5- وكذلك شهر الله المحرم .
6- وأيام البيض يدخل فيها أيضا في بعض الأشهر يوم السبت ، إلى غير ذلك من الأحاديث .
? ثم إنه لا معنى للمنع من صيامه ، فإن قيل : بل هو يوم تعظمه اليهود ، فناسب أن يفطر ، فيقال : أيضا يوم الأحد يوم تعظمه النصارى ، بل قد روى الإمام أحمد في مسنده والحديث إسناده لا بأس به أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يصوم السبت والأحد ، ويقول : ( إن هذين يومان تعظمهما اليهود والنصارى ، فأحب أن أصومهما ) .(1/143)
? إذاً على ذلك الصواب : أنه لا مانع من صيامه مطلقا ، وأما الحديث السابق فهو حديث فرد شاذ مخالف لسائر الأحاديث الواردة في هذا الباب ، ولا يعضده أيضا المعنى ، فإن يوم الجمعة وهو اليوم الذي يعظمه أهل الإسلام إنما ينهى عن إفراده ، فكيف ينهى عن صيام يوم السبت إلا في اليوم الذي افترض ، فيكون تحريمه أعظم ، لأن ظاهر الحديث أنه حتى لو وافق عرفة أو عاشوراء أو كان في الأيام البيض أو وافق صوم يوم وفطر يوم ، فإنه ينهى عن ذلك ، وليس هذا ليوم الجمعة ، فيكون المنع منه أشد ، فهذا لا إشكال أنه لا مناسبة لذلك ، فليس له من الشرع ما يعضده ، فهو حديث فرد ، لا توافقه الأحاديث ، ولا توافقه أيضا قواعد ومعاني الشرع.
- قوله : [ 4- والشك ]:
•[ المشيقح : لكن ما هو يوم الشك الذي نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن صيامه ؟.
للعلماء رأيان :
الرأي الأول المؤلف : يوم الثلاثين من شعبان:
1- إذا كانت ليلته صحواً ، تراءينا الهلال ليلتها ولم يكن غيم ولا قتر، ولم نره ، فيكره صيام يوم الثلاثين لأنه يوم الشك ،
2- وأما إذا كانت الليلة غيماً وقتراً على المذهب يجب الصيام .
الرأي الثاني : أن يوم الشك هو يوم الثلاثين من شعبان إذا كانت ليلة غيماً أو قتراً ، وهو الصواب ؛ لأن الليلة إذا كانت صحواً ليس هناك شك قطعنا الآن أن هذا اليوم من شعبان فليس فيه شك ، فالذي فيه شك ، والشك فيه هو الذي ليلته غيماً أو قتراً ، هل هو من رمضان أو من شعبان .].[وكذلك قال الحمد].
?[ الخليل : والصحيح أنه يحرم صوم يوم الشك . 1- لحديث عمار - رضي الله عنه - من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم - صلى الله عليه وسلم - .
2- ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن تقدم رمضان بصوم يوم أو يومين..].
- قوله : [ وعيد للكفار : بصوم]. :
•[اختيارات: [ مسالة : صيام أعياد الكفار ]:
? المقصود في هذه المسألة :(1/144)
معرفة حكم صيام الأيام التي يعظمها الكفار قصداً كيوم النيروز : وهو أول أيام السنة الشمسية الفارسية ؛ إذ تبدأ السنة عندهم بأول أيام الربيع الذي يوافق 21 مارس من كل سنة.
والمهرجان : وهو عيد تقيمه الفرس احتفالاً بالاعتدال الخريفي .
سواء كان سبب التعظيم مناسبة قومية ، أو وطنية أو دينية .
? تحرير محل الخلاف :
أعياد المشركين أو الكفار عموماً على ضربين هما :
(أ) الأعياد الدينية : وهي التي أصل مشروعيتها في أديانهم كأعياد الميلاد أو جعلوها باعتقادهم مناسبة دينية كعيد الشكر : وهو ما يسمى بـ : thanks giving. وسببه : أن قدامى المهاجرين الأوروبيين الذين وصلوا إلى الساحل الشرقي لأمريكا كادوا أن يهلكوا جوعاً فوجدوا في هذا اليوم ديوكاً رومية فهم يعتقدون أنها مرسلة لهم من الله ، ولذا فهم يحيون هذه المناسبة بالشكر في 24 نوفمبر من كل سنة تخليداً لهذه المناسبة. وهو في أمريكا الشمالية.
(ب) الأعياد الأخرى : كالأعياد الوطنية ، وأعياد الاستقلال ، أو الأعياد الفلكية كالاحتفال ببداية السنة الفارسية ، وغيرها من المناسبات التي تحولت إلى أعياد حضارية لغير المسلمين وصارت جزءاً من حضارتهم .
وجميع الكتب التي اطلعت عليها يمثلون بعيدي النيروز والمهرجان ، وهي أعياد أمْيل إلى القسم الثاني ، وإن كانت الديانة المجوسية تحتفل بعيد النيروز ، وعليه فإن الأعياد الدينية تكون داخلة من باب أولى.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف إلى سببين هما :
السبب الأول : راجع إلى التعارض بين أصلين:
1- أن الشارع قسم أيام السنة بالنسبة إلى الصوم إلى أقسام : منها ما يجب صومه ، ومنها ما يحرم ، ومنها ما يستحب ، ومنها ما يكره ، وما وراء ذلك فالأصل فيه الإباحة ، وتتأكد الإباحة بعد هذا التفصيل الدقيق.
2- حرمة مشابهة الكفار في شعائرهم الدينية.(1/145)
والسبب الثاني : سبب تطبيقي ، وهو راجع إلى الأصل الثاني السابق ، وهو في كيفية المخالفة هل تتم بالصوم ؛ لأن عيد الكفار عيد أكل وشرب وفرح أو (بترك تخصيصه بعمل أصلاً)؟.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : تحريم صيامها .
وأننا أمام مسألة من مسائل العقيدة لا من فروع الفقه ، وأن مخالفة المشركين وغيرهم من الملل الكفرية أصل من أصول عقيدتنا ،
فيحرم صيام أعيادهم وتعظيمها إذا قصد الصوم لذاتها ، خاصة إذا كان تعظيمهم لها بالصيام ، لكن إذا كان من تعظمهم لها إظهار الفرح والسرور بالأكل والشرب ، فهل يشرع الصوم ؛ لأن الصوم فيه تحقيق تمام المخالفة ، فهذا له حظ من النظر لحديث كريب المتقدم ، وفيه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علل صيام السبت والأحد بأنهما : " يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم ".
فإن كان الصيام لأعيادهم فيه لفت نظر لها ، وتعزيز لها كانت المصلحة في ترك الالتفات لأعيادهم بالكلية ، والله أعلم.
? ثمرة الخلاف :
يتخرج على أعيادهم الدينية أعيادهم القومية والوطنية والتي صارت شعاراً وعلماً لهم أو لحضارتهم.
? ومسالة : تخصيص صوم يوم من أعياد المشركين : داخلة في المسألة السابقة. ].
•[ المشيقح : زاد في عمدة الطالب : [ وعيد الكفار بصوم ] :
يقول المؤلف : يكره إفراد يوم عيد الكفار بالصوم ، وإفراد عيد الكفار بالصوم قسمان :
القسم الأول : أن يقصد بهذا الصوم تعظيم هذا العيد ، هذا لا يقتصر على الكراهة ، فكونه يعظم عيد الكفار لا يقتصر على الكراهة وخصوصاً فيما يتعلق بالأعياد الدينية ، بل يخشى فيها من الردة ؛
1- لأن تعظيم أعياد الكفار تعظيم للكافر ، وتعظيم الكفر كفر خروج من الملة .
2-لأن تعظيم الأعياد الدينية للكفار رضى بها والرضا بالكفر كفر .
[ الخليل: والراجح : أنه يحرم ؛ لحديث :"من تشبه بقوم فهو منهم".اهـ].(1/146)
القسم الثاني : ألا يقصد تعظيم هذا العيد بل فعله على وجه العبادة لله عز وجل ، فنقول : هذا جائز ولا بأس به .].
? [ هذا شروع في بيان الأيام التي يحرم صومها وهي ]:
- قوله : [ ويحرم : 1- صوم العيدين ] :
إجماعا ، وقد ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن صيام يومي العيدين ، عيد الأضحى وعيد الفطر .
- قوله [ ولو في فرض ] :
وحتى القضاء ليس له أن يقضي في العيدين ولا في أيام التشريق .
- قوله : [ 2- وصيام أيام التشريق ] :
•[ المشيقح : كذلك أيام التشريق يحرم صومها وهي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر من شهر ذي الحجة .
? وسميت بأيام التشريق :
لأن الناس كانوا يشرقون اللحم أي يقطعونه ويبرزونه للشمس حتى ييبس ولا يتسارع إليه الفساد .
ودليلهم تحريم صومها :
1- حديث نبيشة الهذلي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل ))
2- ولما ثبت في البخاري عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : " لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي " ..[هذا الحديث ذكره الحمد].
والقول بتحريم صيامها ما عليه جمهور أهل العلم.].
- قال المؤلف –رحمه الله- [ إلا عند دم متعة أو قران ] :.
•[ المشيقح : المتمتع إذا لم يجد الهدي فلا بأس أن يصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر أيام التشريق ؛ لأن المتمتع والقارن إذا لم يجدا الهدي فإنه يجب عليهما الصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم .
? [ مسألة : متى يبدأ صيام الثلاثة أيام في الحج ] :
صيام الثلاثة في الحج يبدأ وقتها من حين الإحرام بالعمرة إلى آخر أيام التشريق ، فإذا ما صام قبل عرفات فيصوم أيام التشريق الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ، لأن أيام الحج تنتهي بغروب الشمس من اليوم الثالث عشر .
ويدل لهذا حديث ابن عمر وعائشة قالا : ( لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا للمتمتع الذي لا يجد الهدي ) .(1/147)
[ق2] أبو حنيفة : أن المتمتع لا يصوم في أيام التشريق إذا لم يجد الهدي لحديث نبشة .
لكن حديث نبشة خصه حديث عائشة وابن عمر في الترخيص للمتمتع الذي لا يجد الهدي بصيامها.].
? [ الفوزان : وأما غير الممتع والقارن إذا لم يجد الهدي : فلا يجوز له أن يصوم في هذه الأيام لا فرضاً ولا تطوعاً ، بل يكون مفطراً فيها..].
- قوله : [ ومن دخل في فرض موسَّع حرم قطعه ]:
هذا باتفاق العلماء ؛ ويدل عليه :
ما رواه أبو داود والترمذي بإسناد حسن من حديث أم هانئ رضي الله تعالى عنها : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتي بشراب فشرب ، قالت : ثم ناولني فشربت ، ثم قلت : يا رسول إني أذنبت فاستغفر لي ، فسألها فقالت : إني كنت صائمة فأفطرت ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( أفمن قضاء كنت تقضينه ؟ ) قالت : لا ، قال : ( فلا يضرك ) .
فدل هذا الحديث على أنه لو كان قضاء لضرها ، وأنه لا يجوز الفطر في القضاء وإن كان موسعاً.
•[ المشيقح : قول المؤلف : [في فرض] :
يشمل ما إذا كان أداءً أو قضاءً ، أداءً كصيام رمضان ، صلاة الفريضة .
قضاءً كقضاء رمضان ، وقضاء الفريضة ، فإنه إذا دخل في هذا الواجب سواءً كان أداءً أو قضاءً فإنه يحرم عليه أن يقطعه .
وذكر ابن قدامة : أن هذا بغير خلاف .
?وعلى هذا :إذا شرع في قضاء رمضان لا يجوز له قطعه ،وهذا خلاف ما يظنه بعض الناس أن هذا جائز ولا بأس به.
ويدل لذلك قوله تعالى : {ثم أتموا الصيام إلى اليل}. [البقرة: 187]، والأمر يقتضي الوجوب ،
وقوله تعالى : {وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدى }. [ البقرة: 196]. .].
- قوله : [ ولا يلزم في النفل ]:
فلا يلزمه إتمام النفل ؛ والدليل على جواز قطع النفل : :
1-الحديث المقتدم وهو حديث أم هانئ ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها : ( فلا يضرك ) ،(1/148)
2-وفي الترمذي من حديثها : ( الصائم المتطوع أمير نفسه إن شاء صام وإن شاء أفطر ) . •[زاد المشيقح :
3- حديث أبي جحيفة في صحيح البخاري أن سلمان - رضي الله عنه - لما زار أبي الدرداء وشاهد من صيامه وقيامه فأصبح أبو الدرداء صائماً ، فقال سلمان : ما أنا بآكل حتى تأكل ، فأكل أبو الدرداء ، ولما ذكر ذلك للرسول - صلى الله عليه وسلم - قال : صدق سلمان .
4- ويدل أيضاً حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل عليها فقال : هل عندكم شيء ؟ فقالت رضي الله عنها : أهدي لنا حيس ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : أرينيه فلقد أصبحت صائماً ، فأكل .
وهذا يدل على أنه لا بأس أن يقطع صوم النفل .
? وسبق قول العلماء أنه يكره قطعه لغير عذر ومصلحة :
1- لقوله تعالى : {ولا تبطلوا أعمالكم}. [ محمد: 33]. ، وإذا قطعه يستحب له أن يقضيه .
2- ويدل لذلك ما ثبت عند أبي داود بإسناد حسن أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أخوكم دعاكم وتكلف لكم كل وصم يوماً مكانه )) فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( صم يوماً مكانه )) فهذا يدل على أن الإنسان إذا قطع النفل فإنه يستحب له أن يقضيه .
3- وأيضاً يدل لهذا قوله - صلى الله عليه وسلم - لعائشة وأم سلمة رضي الله عنهما لما أفطرتا قال : (( صوما يوماً مكانه )) .
•لكن هل يجب ذلك أو لا يجب ؟
فيه خلاف ، قضاء النفل عند الجمهور ليس واجباً.اهـ].
- قوله : [ ولا قضاء فاسده ]:
يعني لا يلزم قضاء فاسد الصوم التطوع ، فإذا جامع في نفل ، فلا يلزمه القضاء ؛ لأنه يجوز له أن يفطر كما تقدم ، فإذا جاز له الفطر ، ثم أفسده بشيء من مفسدات الصوم فإنه لا يلزمه أن يقضيه .
•[ المشيقح : [الأقوال في المسألة ]:
[ق1] إذا فسد هذا التطوع لا يجب قضاؤه الجمهور،
[ق2] خلافاً لأبي حنيفة: يري أنه يجب قضاء فاسده .(1/149)
والصواب : لا يجب قضاء فاسده ؛ لأننا لو قلنا بوجوب قضاء الفاسد للزم إشغال الذمة ، والأصل / براءة الذمة، فما ورد عنه - صلى الله عليه وسلم - بالقضاء يحمل على الاستحباب خلافاً لما ذهب إليه أبي حنيفة رحمه الله أنه يجب قضاء فاسده .
[ق3] مالك : يفصل : 1- إن كان لعذر يقضى ، 2- وإن كان لغير عذر لا يقضى .
والصواب : كما سبق الجمهور لا يجب قضاء فاسده .].
- قوله : [ إلا الحج ]:
أي و العمرة ، فلا يلزم ما فسد من النفل إلا الحج و العمرة ؛ لقوله تعالى : { وأتموا الحج والعمرة لله } ، فالحج والعمرة يجب قضاء فاسدهما ، لأنه يجب إتمامهما ، وتقدم هذا في أصول الفقه .
•[ المشيقح : فالحج والعمرة:
1- يجب قضاء فاسدهما إذا كان نفلاً ،
2- أما إذا كان فرضاً إجماعاً يجب قضاء فاسد الحج والعمرة ؛ لأن الذمة لم تبرأ من هذا الواجب .
? لكن إذا كان نفلاً وأفسده فهل يجب عليه أن يقضي أو لا يجب عليه أن يقضي ؟.
تقدم في كتاب الحج وذكرنا خلاف أهل العلم .
وأن الجمهور يجب أن يقضي لأن هذا هو الوارد عن الصحابة رضي الله عنهم خلافاً للظاهرية فهم يخالفون في المضي فيه ].
?[ الخليل : يلزمه : 1- إتمام نفله ، 2- وقضاء فاسده . وسيأتي .].
- قوله : [ وترجى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وأوتاره آكد ]:
•[ المشيقح : ليلة القدر تحتها مسائل :
? المسألة الأولى : سبب تسميتها بهذا الاسم .
1- قال بعض العلماء : سميت بهذا الاسم لأن الطاعات فيها لها قدر عظيم ،
2- وقيل : لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة ،
3- وقيل : لعظم قدرها عند الله عز وجل .
ولا يمنع أن تكون لكل ما سبق من العلل ، ويدل لهذا أن الله عز وجل أنزل فيها سورة كاملة وذكر في هذه السورة فضلها وعظيم أجرها وعظيم منزلتها ، وفي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )) .
? المسألة الثانية : زمنها .(1/150)
[ق1] الجمهور : أنها في رمضان .
[ق2] أبو حنيفة : في جميع السنة .
والصواب : ما ذهب إليه جمهور أهل العلم رحمهم الله .
ويدل لذلك ما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان )) .
وأبو حنيفة يقول : في جميع السنة لورود ذلك عن ابن مسعود - رضي الله عنه - .
والصواب : ما ذهب إليه الجمهور للأحاديث الواردة في ذلك .
? المسألة الثالثة : وهل ليلة القدر أفضل أم ليلة الإسراء ؟. خلاف :
[ق1] ليلة الإسراء فرضت فيها الصلاة وكلم الله عز وجل نبيه بلا واسطة .
[ق2] قال شيخ الإسلام رحمه الله : ليلة القدر أفضل في حق الأمة ، وليلة الإسراء أفضل في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - .
? والمسألة الرابعة : قال المؤلف :" وأوتاره آكد "...].
?[ اختيارات : [مسألة : أفضل الليالي في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ]:
يرى الحنابلة أن أفضل ليلة في العام هي ليلة القدر ، واستدرك شيخ الإسلام على هذا الإطلاق ليلة الإسراء في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ إذ يرى أنها أفضل في حقه من ليلة القدر .
? وقد حذفتها لأمرين :
1- أنه لا يبني عليها حكم فقهي ، وبالتالي ليست من مسائل الفقه ،2- ندرة من تحدث عنها. اهـ.].
- قال " وترجى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ":
1- في الشفع ، 2- وفي الوتر :
لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( التمسوا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان ) متفق عليه .
? [ متى تكون ليلة القدر ]:
?[أ] إذاً يجوز أن تكون في: 1- أوتار العشر ، 2- ويجوز أن تكون في أشفاعها :
ومما يدل على جواز أن تكون في أشفاع العشر :
1- ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وفيه : ( لتاسعة تبقى ، لسابعة تبقى ، لخامسة تبقى ، لثالثة تبقى ) ،
2- وفي الترمذي من حديث أبي بكرة : ( أو آخر ليلة ) .
? فإذا كان الشهر ثلاثين يوما:(1/151)
فإن التاسعة التي تبقى هي الليلة الثانية والعشرين ، والسابعة التي تبقى هي ليلة أربع وعشرين ، وهكذا ، كما بيّن هذا الرواي ، وهو أبو سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، وممن قرر هذا شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (1) .
إذاً جائز أن تكون في الشفع من ليالي العشر .
?[ب] ولكنها في الوتر آكد : ولذا قال - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت صحيح البخاري : ( تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر ) .
?[ج] وهي في السبع الأواخر آكد : ففي الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر ، فمن تحراها فليتحرها في السبع الأواخر ) ، إذاً هي في الأوتار آكد ، وفي السبع الأواخر آكد .
- قوله : [ وليلة سبع وعشرين أبلغ ] :
? يعني أرجى :
1- لما روى أحمد في مسنده أن شيخا كبيرا ذكر للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يثقل عليه القيام ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يأمره بليلة يلتمس فيها ليلة القدر ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( عليك بالسابعة ) والحديث إسناده جيد .
2- وفي سنن أبي داود من حديث معاوية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ليلة القدر ليلة سبع وعشرين) .
لكن الصواب وقفه على معاوية كما ذكر هذا الإمام أحمد والإمام الدارقطني ،
__________
(1) [ الخليل: الأوتار : هي خمس ليال : [ 21-23-25-27-29]. تختلف بتمام الشهر ونقصانه :
1- النقص : فالشفع هي الآكد ، 2- وإذا تم الشهر : فالأوتار هي الآكد. .].(1/152)
3- وفي صحيح مسلم أن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال : " من يقم الحول يصب ليلة القدر " ، فقيل لأبي بن كعب - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال : " أراد أن لا يتكل الناس ، لقد علم أنها في رمضان وأنها في العشر الأواخر وأنها ليلة سبع وعشرين " ثم حلف لا يستثني - رضي الله عنه - أنها ليلة سبع وعشرين ، فقيل له : بم قلت هذا ؟ فقال - رضي الله عنه - : " بالعلامة التي أخبرنا بها النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الشمس تطلع صبيحتها لا شعاع لها " . إذاً هي في ليلة سبع وعشرين آكد .
? وقد اختلف أهل العلم ، هل ليلة القدر تتنقل في العشر أم أنها ليلة معينة لا تنتقل ؟.
[ق1] فذهب بعض أهل العلم : إلى أنها ليلة معينة ، وهو ظاهر القرآن { إنا أنزلناه في ليلة القدر ، وأما أدراك ما ليلة القدر ، ليلة القدر خير من ألف شهر } (1) .
[ق2] وهو ظاهر كلام الشافعي رحمه الله ، وهو رواية عن أحمد وصوبه صاحب الإنصاف واختاره شيخنا : أن ليلة القدر تنتقل ، يعني في سنة تكون في ليلة إحدى وعشرين ، وفي أخرى تكون ليلة ثلاث وعشرين ، وهكذا .
ويدل عليه :
__________
(1) [ الخليل: [ق1] أنها ليلة 27 . والدليل : أن أبي بن كعب - رضي الله عنه - : يحلف لا يستثني أنها ليلة 27 ...
[ق2] ليلة 21 . والدليل : في الحديث : أنه رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد في طين وماء. ليلة 21. أي علامة على ليلة القدر .
[ق3] أنها ليلة 23 . والدليل : في الحديث : أنه رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - يسجد في طين وماء ليلة 23 .أي علامة على ليلة القدر .
? والراجح : أنها تنتقل . ليست واحدة دائما ً ، بل كل سنة تكون في ليلة مختلفة.].(1/153)
1- ما ثبت في الصحيحين أن أبا سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إني أريت ليلة القدر ، وإني أنسيتها ، وإني رأيت أني أسجد صبيحتها بماء وطين ) قال : " فرأت عيناي النبي - صلى الله عليه وسلم - وعلى جبهته وأنفه الطين صبيحة إحدى وعشرين " .
2- ونحوه من حديث عبد الله بن أُنيس في صحيح مسلم ، وفيه " أنها ليلة ثلاث وعشرين ".
3- وتقدم أثر أبي بن كعب - رضي الله عنه - ، وأن ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين ، وأنه قد رأى في صبيحتها الشمس لا شعاع لها .
وهذه الآثار دالة على أنها تنتقل ، وهذا أقرب لظاهر الأدلة المتقدمة .
4- وقد روى البخاري في صحيحه من حديث عبادة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خرج ليخبرنا بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( إني خرجت لأخبركم بليلة القدر ، فتلاحى فلان وفلان فرفعت ، وعسى أن يكون خيرا ، فالتمسوها في التاسعة والسابعة والخامسة ) .
وفي قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وعسى أن يكون خيراً) هذا من حِكَم هذا الإخفاء ، فإن الناس يجتهدون في العبادة ، وعلى ذلك : لو تُوقِّف في الترجيح لم يكن له ذلك أثر عملي ، لأن الناس يجتهدون العبادة.
•[ فائدة من ابن عثيمين : المبحث السادس: ورد أن من قام ليلة القدر غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخر، لكن قال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: كل حديث ورد فيه "وما تأخر" غير صحيح؛ لأن هذا من خصائص النبي - صلى الله عليه وسلم - ؛ حتى أهل بدرٍ ما قيل لهم ذلك؛ بل قيل: "اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم" ؛ لأنهم فعلوا هذه الحسنة العظيمة في هذه الغزوة، فصارت هذه الحسنة العظيمة كفارة لما بعدها، وما قاله - رحمه الله - صحيح.].
- قوله : [ ويدعو فيها بما ورد ] :(1/154)
في سنن الترمذي من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لها لما سألته ما تقول إن وافقت ليلة القدر ؟ فقال : ( قولي : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عني ).
•[ المشيقح : [علامات ليلة القدر] :
ورد لها علامات كما في حديث أبي بن كعب وواثلة وابن عباس - رضي الله عنهم - .
أولاً : أن الشمس تطلع في صبيحتها لا شعاع لها .
ثانياً : أنها ليلة طلقة بلجة ليست حارة ولا باردة .
ثالثاً : أنه لا يرمى في ليلتها بنجم .
•[ زاد ابن عثيمين : المبحث السابع: في علامات ليلة القدر.
ليلة القدر لها علامات مقارنة وعلامات لاحقة.
(أ) أما علاماتها المقارنة فهي:
1 -قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة، وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار.
2 -الطمأنينة، أي: طمأنينة القلب، وانشراح الصدر من المؤمن، فإنه يجد راحة وطمأنينة، وانشراح صدر في تلك الليلة، أكثر مما يجده في بقية الليالي.
3 -قال بعض أهل العلم: إن الرياح تكون فيها ساكنة، أي: لا يأتي فيها عواصف أو قواصف، بل يكون الجو مناسباً .
4 -أن الله يُري الإنسانَ الليلةَ في المنام، كما حصل ذلك لبعض الصحابة.
5 -أن الإنسان يجد في القيام لذة ونشاطاً، أكثر مما في غيرها من الليالي.
(ب) أما العلامات اللاحقة:
فمنها: أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع صافية، ليست كعادتها في بقية الأيام.
وأما ما يذكر أنه يقل فيها نباح الكلاب، أو يعدم بالكلية، فهذا لا يستقيم، ففي بعض الأحيان ينتبه الإنسان لجميع الليالي العشر، فيجد أن الكلاب تنبح ولا تسكت، فإن قال قائل ما الفائدة من العلامات اللاحقة؟ فالجواب: استبشار المجتهد في تلك الليلة وقوة إيمانه وتصديقه، وأنه يعظم رجاؤه فيما فعل في تلك الليلة. اهـ. ]. [ثم تابع الشيخ المشيقح :(1/155)
? ففضل قيامها : كما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه قال : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه )).
? [مسألة مهمة ]:
والقيام ليس خاصاً بالصلاة ، وإنما يشمل القيام بالصلاة والذكر من الدعاء والقراءة والتسبيح ، حتى أن العلماء رحمهم الله ذكروا أن الكل يدرك ليلة القدر فالحائض تدركها بالذكر والدعاء ، والمسافر يدركها إذا لم يتمكن من الصلاة بالذكر والدعاء والقراءة فرحمة الله واسعة .].
باب الاعتكاف
? تعريف الاعتكاف:
•[ المشيقح :1- الاعتكاف لغة : لزوم الشيء ، ومنه قوله تعالى :{يعكفون على أصنام لهم}. [الأعراف: 138]، أي يلازمون هذه الأصنام .].
?[ زاد الفوزان : في اللغة : هو المكث والبقاء في المكان ، فكلُّ من بقي في مكان وداوم الجلوس فيه ، فإنه يقال له معتكف].
اصطلاحاً : فهو التعبد لله عز وجل بلزوم المسجد على وجه مخصوص .
?[ مسألة : حكم الاعتكاف ]:
[ق1] والاعتكاف سنة ، ودل على ذلك القرآن والسنة وإجماع المسلمين .
1- القرآن قوله تعالى : {ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد}. [البقرة: 187].
2- السنة : فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - ومداومته على ذلك حتى توفى ، وكذلك فعل الصحابة رضي الله عنهم .
3- والإجماع : فالمسلمون مجمعون على الاعتكاف ، والصحابة رضي الله عنهم اعتكفوا كما في حديث أبي سعيد في مسلم وغيره مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، واعتكف أزواجه - صلى الله عليه وسلم - من بعده .
[ق2] وقد ورد عن الإمام مالك رحمه الله كراهة الاعتكاف وأنه لشدته كالوصال .
والوصال هو : قرن اليومين فأكثر بالصيام ، هذا الوصال .
?وحكم الوصال : خلاف بين العلماء هل هو جائز أو غير جائز؟ .(1/156)
والصواب : ليس جائزاً إلا من أراد أن يواصل للسحر ، ويدل لهذا حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( أيكم أراد أن يواصل فليواصل إلى السحر )) .
فالإمام مالك ألحق الاعتكاف بالوصال بجامع الشدة في كل منهما ، وهذا القياس ، نظر في مقابلة الأثر فلا يصار إليه .
واستدل : أن الناس تركوا الاعتكاف ، وهذا غير مسلم فقد كان الصحابة يعتكفون ، وأزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكفن من بعده ، وكون الناس هجروه في زمن لا يقتضي عدم سنيته .اهـ.].
? [ مسألة : ما هو أقل الاعتكاف ] (1) :
__________
(1) [ المشيقح :? ما هو أقل الاعتكاف ، وما هو أكثره إذا أراد أن يتطوع ؟ أما إذا نذر فهو حسب ما نذر
[ق1] أكثر العلماء أن أقله لحظة ، الحنفية والشافعية والحنابلة في الجملة ، لكن منهم :
1- من يشترط أن تمكث في المسجد ، 2- ومنهم من لا يشترط أن تمكث في المسجد حتى لو دخل الإنسان وهو لا يريد أن يمكث بل يريد أن يخرج على سبيل المرور ينوي الاعتكاف .
ويستدلون بإطلاق الآية :{ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد} .[ البقرة: 187].
[ق2] أقله يوم وليلة ، الإمام مالك رحمه الله .
[ق3] : قيل بأن أقله يوم .
[ق4] : قيل المشروع اعتكاف جميع العشر وأما اعتكاف أقل من العشر فهو من قبيل المباح غير المشروع .
والذي يظهر والله أعلم / أقله يوم أو ليلة ؛ لأن هذا هو أقل ما ورد ، ويدل لهذا حديث عمر - رضي الله عنه - في الصحيحين أنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله إني نذرت أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال له عليه الصلاة والسلام : (( أوف بنذرك )) .
? وأما اعتكاف لحظة : لم يحفظ عنه - صلى الله عليه وسلم - ولا عن الصحابة ، فكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل المسجد للصلاة وكذلك الصحابة للصلاة وينتظرون الصلاة ويمكثون ويطيلون المكث ولم يحفظ عنهم أنهم كانوا ينوون الاعتكاف ، ولو كان خيراً لسبقونا إليه .
? وأما أكثره : فهذا لا حد له . .].(1/157)
والمشهور في مذهب أحمد والشافعي ، وهو مذهب الظاهرية : أنه لا أقل للاعتكاف ، فلو اعتكف ساعة في المسجد ، فإن له أجرا ويصدق على مكثه أنه اعتكاف .
ويدل على ذلك إطلاق الآية قال تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } ، فإذا جلس زمنا يسيرا بنية الاعتكاف ، فإن هذا اعتكاف ، والآية مطلقة .
وفي مصنف عبد الرزاق بإسناد صحيح عن يعلى بن أمية رضي الله عنه أنه قال : " إني لأمكث في المسجد الساعة ما أريد إلا أن أعتكف " , وهذا هو أصح القولين ، وسيأتي ما ذهب إليه المالكية والأحناف من أن أقله يوم.
•[اختيارات: [مسألة : نية الاعتكاف لمنتظر الصلاة ]:
? المقصود بهذه المسألة : أن من بَدَّر في رواحه للمسجد فهل يسن له استصحاب نية الاعتكاف ما دام في مصلاه والصلاة تحبسه أو لا ؟.
? تحرير محل النزاع :
هذا في الانتظار الذي يقل عن اليوم والليلة كمن يجلس بين صلاتي المغرب والعشاء انتظاراً للأخيرة منهما أو من يحضر إلى الصلاة قبل الأذان وهكذا.
ويخرج عن المسألة : من أراد المكث يوماً وليلةً أو من لبث في المسجد " لإقراء قرآن وعلم ونحوه".
? سبب الاختلاف :
يظهر أن الخلاف راجع إلى سببين هما :
1-اختلافهم في أقل مدة الاعتكاف هل هي عشرة أيام أو يوم وليلة أو يصح ولو ساعة من نهار؟.
2-اختلافهم في شرط الصوم للمعتكف ؛ فمن اشترط الصوم فلا يتصور الاعتكاف عنده بأقل من يوم وليلة وهكذا.
?وهذه المسالة جارية على قول القائلين بأن أقل مدة الاعتكاف ما يطلق عليه أنه لبث.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : عدم الاستحباب ، خلافاً للحنابلة والشافعية.
لانسجامه مع قاعدة أن الأصل في العبادات الحظر ، وقاعدة أن الأمر المتروك إذا قام موجبه دل تركه على عدم المشروعية ؛ إذ لا يتصور أن نسبق إلى فضل لم يدركه محمد - صلى الله عليه وسلم - ، والله أعلم.(1/158)
?[ ابن عثيمين : مسألة: من اعتكف اعتكافاً مؤقتاً كساعة، أو ساعتين، ومن قال: كلما دخلت المسجد فانو الاعتكاف، فمثل هذا ينكر عليه؛ لأن هذا لم يكن من هدي الرسول - صلى الله عليه وسلم - .].
? [ مسالة : التعبد بالصمت ]:
? وصورة هذه المسألة :
أن يصمت يوماً أو أكثر بقصد التعبد أو اجتماع الهمة على العبادة وعدم الانشغال بأمور الدنيا ، وهذه المسألة ليست داخلة في نطاق البحث ؛ لموافقة شيخ الإسلام للحنابلة ، من أنه بدعة منكرة وليست من دين الإسلام ، وإذا طال الصمت أو تضمن ترك واجب حرم.].
- قوله : [ مسنون ]:
فقد ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله ثم اعتكف أزواجه من بعده " .
وهي سنة فعلية .
وأما القول فلم يصح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في فضيلة الاعتكاف ، ولذا لما سئل الإمام أحمد رحمه الله : هل تعرف في الاعتكاف شيئا ؟ فقال : " لا ، إلا شيئا ضعيفا " .
وهي من السنن المهجورة ، ولا يخفى ما في إحياء السنن المهجورة من الأجر والثواب .
•[مسألة : هل يشرع الاعتكاف في غير رمضان؟]: •[ المشيقح :
[ق1] يؤخذ من كلامه رحمه الله أنه يشرع في رمضان وغير رمضان ،
[ق2] وبعض العلماء : خصه برمضان ، وقالوا : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتكف إلا في رمضان .
لكن الجمهور : لا يخص في رمضان بل في رمضان وفي غيره ، ويدل لذلك أمران :
الأمر الأول : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما ترك الاعتكاف في بعض السنوات قضاه في شوال ، وهذا يدل على أن غير رمضان محل للاعتكاف .
الأمر الثاني : أن الحكمة من الاعتكاف جمع القلب على الله ، والانقطاع عن الخلق إلى الخالق ، والتخفف من فضول الخلطة والطعام والشراب ونحو ذلك ، وهذه الحكمة كما أنها في رمضان تكون في غير رمضان .
?فيظهر والله أعلم : أن السنة كلها محل للاعتكاف لما سبق من أدلة.(1/159)
? هو سنة في رمضان وغير رمضان ، ويتأكد في رمضان ، ويشتد تأكده في العشر الأواخر من رمضان .
وكما سبق بعض العلماء :
1- يرى أنه ليس مشروعاً إلا في العشر الأواخر من رمضان ،
2- وفي غير العشر الأواخر هذا من قبيل المباح والجائز ليس مشروعاً .].
- قوله : [ ويصح بلا صوم ] :
? [ مسألة : من شروط صحة الاعتكاف :1- الصيام ، فهل يشترط لصحة الاعتكاف الصيام أو يصح بلا صوم ؟.]:
[ق1] يصح الاعتكاف بلا صوم ، هذا أحد القولين ، وهو مذهب الجمهور .
[ق2] وقال المالكية [ وأبو حنيفة ] وهو اختيار ابن القيم : لا يصح إلا بصوم .
استدل أهل القول الأول :
1- بما ثبت في الصحيحين أن عمر رضي الله عنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( أوف بنذرك) ، وأكثر الرواة على لفظ : ( إني نذرت أن اعتكف ليلة ) ومعلوم أن الليل لا صيام فيه .
2- وثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يدخل معتكفه رأى فإذا أخبية – خباء عائشة وخباء حفصة وخباء زينب رضي الله عنهن- فقال : ( آلبر تقولون بهن ؟ ) يعني خشي النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تكون الغيرة في هذا الباب قد دخلت في شيء من الأعمال الصالحة ، ثم لم يعتكف النبي - صلى الله عليه وسلم - واعتكف عشرا من شوال .
وفي رواية للبخاري: أنه اعتكف العشر الأواخر من شوال .
ولم يصح لنا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان صائما في اعتكافه العشر التي هي من شوال .
3- واستدلوا أيضا : بأن الاعتكاف عمل صالح مستقل عن الصيام ، والأدلة في كتاب الله عز وجل فيها أن الاعتكاف مطلق ، فتقييده بالصيام ، وأنه لا يصح إلا بصيام يحتاج إلى دليل يرجع إليه. [ المشيقح زاد:(1/160)
4- وورد في حديث ابن عباس رضي الله عنهما وإن كان ضعيفاً ( ليس على المعتكف صيام إلا أن يجعله على نفسه) ضعيف ، وورد عن ابن مسعود رضي الله عنهما .اهـ.].
? وأما أهل القول الثاني ، فاستدلوا :
1- بحديث عائشة رضي الله عنها ، ففي سنن أبي داود وغيره أن عائشة رضي الله عنها قالت : " السنة للمعتكف ألا يخرج إلا لحاجة لابد له منها ، ولا يعود مريضا ولا يمس امرأته ولا يباشرها ، ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة ، والسنة للمعتكف أن يصوم " ، وفي سنن أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لعمر : ( اعتكف وصم ) (1) .
والجواب : أن حديث عائشة ، فالمحفوظ أنه من قولها ، وعلى ذلك ذكر السنة غير محفوظ ، وهذا القول من عائشة رضي الله عنها قد خالفه قول ابن عباس رضي الله عنهما ، فقد روى الحاكم في مستدركه وصححه ووافقه الذهبي مرفوعا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( ليس على المعتكف صيام إلا أن يشاء ) .
والصواب : أنه موقوف على ابن عباس رضي الله عنهما .
__________
(1) [ المشيقح: أدلة أبو حنيفة ومالك يشترط لصحة الاعتكاف الصوم استدلوا :
2- أن الله عز وجل ذكر آيات الصيام ثم ذكر الاعتكاف ، فهذا يدل على أن الصيام معتبر في الاعتكاف .
وهذا الاستدلال فيه نظر / وجمهور الأصوليين يقولون : أن دلالة الاقتران ليست حجة ، كون الشارع يقرن بين اثنين لا يلزم من ذلك أن ننقل حكم أحدهما إلى الآخر .
فمثلاً قوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - في الصحيحين (( خمس من الفطرة : الختان ، والاستحداد ، وقص الشارب ، ونتف الإبط ... )) الحديث .
لا يلزم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قرن بين الختان والاستحداد ، فنقول أن هذا مستحب كما هذا مستحب ، وهذا واجب كما أن هذا واجب .
وحديث عائشة رضي الله عنها : لا يثبت مرفوعاً .
الصواب في هذه المسألة : ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله وأن الاعتكاف لا يشترط فيه الصيام .].(1/161)
? وعلى ذلك : فهذا القول الموقوف عن ابن عباس رضي الله عنهما عارض قول الموقوف على عائشة رضي الله عنها ، وأقوال الصحابة إذا تعارضت تساقطت .
وأما حديث ( اعتكف وصم ) فلا يصح .
? وعلى ذلك : فالراجح ما ذهب إليه أهل القول الأول ، وأنه لا يشترط في الاعتكاف الصيام ، فلا يشترط للمعتكف أن يكون صائما ، وعلى القول باشتراط ذلك ، فإن القائلين به قالوا : إن أقل الاعتكاف يوم ، ومعلوم أن هذا ليس بلازم ؛ لأنه إذا قلنا أنه يشترط الصيام ، فقد يأتي ويمكث ساعة في المسجد وهو صائم ، فلا يلزم ، لكن القائلين بهذا القول قالوا : إن أقل الاعتكاف يوم (1) .
? [ذكر المؤلف أن الاعتكاف سنة ، لكن متى يجب ؟ فقال :]:
- قوله : [ ويلزمان (2) بالنذر ]:
لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( من نذر أن يطيع الله فليطعه ) متفق عليه .
فإذا قال : لله علي أن أعتكف العشر الأواخر من رمضان ، لزمه ذلك.
- قوله : [ ولا يصح إلا في: 1- مسجد، 2- يجمع فيه ، إلا المرأة ففي كل مسجد ] (3) :
__________
(1) [ المشيقح: زاد في عمدة الطالب : [ لا بلا نية ] :
هذا هو الشرط الثاني : النية ، ، لأنه عبادة ، والعبادة يشترط لصحتها النية ، لقوله - صلى الله عليه وسلم - من حديث عمر - رضي الله عنه - (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) .
الشرط الثالث : الإسلام ، لأن الاعتكاف كما سلف عبادة ، والعبادة لا تصح من الكافر لأنه فاقد للأصل وهو التوحيد ، والله عز وجل يقول : {ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعلمون}. [الأنعام: 88].
الشرط الرابع : العقل .
الشرط الخامس : التمييز ، لما تقدم أنه يشترط أن يكون الاعتكاف بنية والمجنون وغير المميز لا قصد لهما صحيح.
الشرط السادس : يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد.].
(2) [الفوزان : فإنه يلزمه الأمران : 1- الاعتكاف طاعة ، 2- والصيام طاعة : قد نذرهما فليزمانه بالنذر..].
(3) [الخليل: مسألتان في الاعتكاف :
1-قوله :[ في مسجد ]: الإجماع على هذا ، والدليل : قوله تعالى :{ عاكفون في المساجد}. والدليل الثاني : النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يعتكف إلا بمسجد.
2- في مسجد جامع : الفرائض لا يشترط الجمعة. وهو الراجح .].
•[ مختصر الأقوال : 1- يصح في مسجد جماعة لا جمعة. 2- أي مسجد ولو مهجور ؛ لكن إن تخللت اعتكافه جمعة : يشترط جمعة، 3- المساجد الثلاثة فقط. ].(1/162)
[ق1] هذا هو المشهور في المذهب [وأبو حنيفة] ، واستدلوا بأثر عائشة المتقدم ، وفيه : ( لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة) ، وهذا الراجح أنه موقوف من قولها .
قالوا : وقول الله تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } ، والمساجد هي التي تقام فيها الصلوات المكتوبة (1) .
[ق2] وذهب الشافعية والمالكية : إلى أنه يجزئ في المسجد المهجور التي لا تقام فيه الصلاة ، قال الشافعية : إلا أن تتخلل جمعة ، فإذا تخللت جمعة ، فلابد وأن يكون في مسجد جامع .
وقول عائشة المتقدم لا يعلم له مخالف من الصحابة إلا ما سيأتي من قول حذيفة - رضي الله عنه - ، وهو أضيق من هذا القول ، فكلاهما قد اتفقا على أنه لا يجوز أن يعتكف في المساجد المهجورة .
إذاً :له أن يعتكف في المساجد التي تقام فيها الصلوات ، كما هو ظاهر القرآن { وأنتم عاكفون في المساجد } (2) .
__________
(1) [المشيقح : هذا الشرط السادس : يشترط لصحة الاعتكاف أن يكون في مسجد ويدل لهذا:
1- قوله تعالى : {وأنتم عاكفون في المساجد}. [البقرة : 187].
2- وأيضاً ما ثبت من حديث عائشة رضي الله عنها ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف في المسجد ) ...
الرأي الأول : ذهب إليه المؤلف أنه يشترط أن يكون المسجد ممن تقام فيه الجماعة ، إذا كان من أهل الجماعة ، وهو مذهب الإمام أحمد وأبو حنيفة ، ولا يصح أن يعتكف في أي مسجد ، ويدل لهذا :
1-الأدلة الدالة على وجوب صلاة الجماعة ؛ لأنه لو اعتكف في مسجد لا تقام فيه الجماعة أدى ذلك إلى واحد من محذورين :
الأول : أن يترك صلاة الجماعة .
الثاني : أن يتكرر خروجه لابد أن يخرج .
2- ويدل أيضاً لهذا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف في مسجده ، ومسجده تقام فيه الجماعة.].
(2) [المشيقح : الرأي الثاني : مالك والشافعي : يصح في كل مسجد...
وأيضاً أن صلاة الجمعة واجبة ، وأيضاً في حديث عائشة رضي الله عنها في أبي داود أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( ولا اعتكاف إلا في مسجد جامع )) ولا يثبت مرفوعاً ، مع أنه ورد (( ولا اعتكاف إلا في مسجد جماعة )) .].(1/163)
فإذا تخللت جمعة ، فهذا خروج يسير ، فلا يؤثر في اعتكافه .
? وإذا خرج للجمعة ، فهل له أن يخرج مبكرا ؟.
الجواب : له ذلك ، وهو منصوص الإمام أحمد ؛ لأنه إنما ينتقل من مسجد إلى مسجد ، ولذا أجازوا أن يمكث في هذا المسجد ويتم اعتكافه به ، فله أن يعود إلى مسجده وله أن يمكث في هذا المسجد الذي صلى فيه الجمعة ، فيتم اعتكافه به .
[ق3] وذهب بعض أهل العلم خلافا لعامة العلماء : إلى أنه لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة (1) :
وهذا القول قول طائفة من السلف والخلف ؛ واستدلوا :
بما روى البيهقي والطحاوي أن حذيفة - رضي الله عنه - ذكر لابن مسعود أن أناسا عكوفا بين داره ودار أبي موسى ، قال حذيفة : " ولقد علمتَ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) فقال له ابن مسعود - رضي الله عنه - : " لعلك نسيت وحفظوا ، أو أخطأت وأصابوا " .
__________
(1) [ المشيقح: وهذا ما ذهب إليه حذيفة - رضي الله عنه - ، واختاره من المتأخرين الشيخ الألباني رحمه الله ، وأن الاعتكاف لا يصح إلا في هذه المساجد الثلاثة .
واستدلوا بحديث حذيفة مرفوعاً أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : (( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )) .
والصحيح في هذه المسألة : ما ذهب إليه أحمد وأبو حنيفة ، وأنه يصح الاعتكاف في كل مسجد ، لكن يشترط إذا كان من أهل الجماعة أن يكون المسجد مما تقام فيه الجماعة .
وذكر شيخ الإسلام : أن الوارد عن الصحابة صحة الاعتكاف في كل مسجد تقام فيه الجماعة .
? وأما حديث حذيفة (( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة )) فالجواب عنه من وجهين :
الأول : أنه لا يثبت مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بل موقوفاً على حذيفة - رضي الله عنه - ، وحذيفة خالفه ابن مسعود .
الثاني : لو ثبت يحمل على أنه لا اعتكاف كاملاً إلا في هذه المساجد الثلاثة.].(1/164)
هذا الحديث رواه محمود بن آدم و هو ثقة عن سفيان بن عيينة مرفوعا يعني أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة ) ، وقد تابعه هشام بن عمار ، وفي حفظه بعض الضعف ، وإن كان صدوقا ، وكذلك تابعه محمد بن الفرج في الإسماعيلي ، لكن في الإسناد إليه جهالة .
ورواه الإمام عبد الرزاق في مصنفه عن سفيان موقوفا إلى حذيفة ، وليس من قول النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ورواه الإمام الحافظ الحجة سعيد بن منصور صاحب السنن بالشك في رفعه – يعني أنه مرفوع أو موقوف - ، وبالشك في لفظه – ( لا اعتكاف إلا في المساجد الثلاثة أو في مسجد جماعة ) .
?وعلى ذلك فالراجح : أنه موقوف على حذيفة - رضي الله عنه - ، ولذا قال ابن مسعود - رضي الله عنه - : " لعلك نسيت وحفظوا أو أخطأت وأصابوا " ، وهذا شك من ابن مسعود - رضي الله عنه - ، وحيث كان عندنا شيء من الشك في مثل هذا ، كما لو رجعنا إلى رواية سعيد بن منصور رحمه الله ، فإنا نبقى على الأصل ، والأصل عندنا صحة الاعتكاف في المساجد كلها .
وظاهر كلام ابن مسعود أن الذين خالفوا حذيفة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ورضي الله عنهم ، ولذا قال :
" لعلك نسيت وحفظوا " ، ويقرب فيما يظهر لي أن يكون هناك وهم من حذيفة - رضي الله عنه - بين الاعتكاف وبين شد الرحال إلى المساجد الثلاثة وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد ) ، ولذا فإن هذا الحديث لم يحفظ لنا كما حفظت لنا ما تشبهه من مسائل العلم ، فهذا الحديث لم يرو في السنن الأربعة ولا في الصحيحين ولا في مسند الإمام أحمد ولا غيرها من الكتب التي هي أشهر في أحاديث الأحكام والتي لا تكاد تخرج عنها الأحاديث التي عليها مدار الأحكام ، كل ذلك يوجب عندنا شكا فيما روي في ذلك .(1/165)
? وعلى ذلك : فالراجح : هو صحة الاعتكاف مع مخالفة أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وهي التي روت لنا كثيرا من أحاديث الاعتكاف ، فإن عائشة رضي الله عنها قد اعتنت في أحاديث الاعتكاف ، فروت لنا الاعتكاف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في غير ما حديث ، وقد قالت رضي الله عنها : " لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة " .
وعلى ذلك فالراجح: أن له أن يعتكف في أي مسجد من المساجد ، وهذا هو ظاهر القرآن ، فلا نترك ظاهر القرآن لمثل هذا الأثر وعندنا فيه ذاك الشك المتقدم ، بل الذي يترجح أنه موقوف ، فإن الله تعالى قال : { وأنتم عاكفون في المساجد } ، وظاهر الآية الكريمة عموم المساجد كلها ، فإن الخطاب هنا لعموم المؤمنين .
وإذا قلنا : إن المساجد هنا هي المساجد الثلاثة ، كان ذلك خطابا لطائفة من المؤمنين ، ثم إن المقصود من الاعتكاف حاصل في كل مسجد ، فلا معنى لتخصيص المساجد الثلاثة به ، فإن المقصود منه أن يخلو ويتفرغ للعبادة ، وهذا حاصل في كل مسجد ، وهذا القول هو الذي عليه جماهير علماء الأمة ، والله أعلم .
- قوله [ إلا المرأة ففي كل مسجد سوى مسجد بيتها ] (1) :
__________
(1) [ المشيقح : هل المرأة كالرجل أو يصح أن تعتكف في مسجد بيتها ؟
[ق1] الجمهور : أن المرأة كالرجل لابد أن تعتكف في المسجد ، ولا يصح أن تعتكف في مسجد بيتها ، لكن المرأة ليست من أهل الجماعة ، فإذا كان هذا المسجد مهجوراً لا تصلى فيه الجماعة تركه الناس ، فيصح أن تعتكف فيه خلاف الرجل الذي لابد أن يعتكف في مسجد تقام فيه الجماعة .
[ق2] الرأي الثاني : أبو حنيفة رحمه الله أن المرأة لها أن تعتكف في مسجد بيتها إذا كان في بيتها مصلى لها أن تعتكف فيه ، وفيه نظر .
والصواب : ما ذهب إليه الجمهور ، ويدل لذلك :
فعل زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - في عهده وبعد عهده ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أذن في اعتكاف بعض زوجاته معه ضربن خبائهن في المسجد ، ولو كان الاعتكاف جائز في البيت لاعتكفت في بيتها، وزوجاته - صلى الله عليه وسلم - اعتكفن بعده في المسجد . .].(1/166)
[ق1] [المذهب] قالوا : المرأة لها أن تعتكف في المسجد المهجور . إذاً الرجل ليس له أن يعتكف في المسجد المهجور ، وأما المرأة فلها أن تعتكف في المسجد المهجور ، هذا هو المذهب .
[ق2] والراجح : أنه ليس لها أن تعتكف :
1- لأثر عائشة المتقدم ، فإنها قالت : " لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة " ، وهذا عام في الرجال والنساء .
2- وقال تعالى : { وأنتم عاكفون في المساجد } وأل هنا عهدية ، فهي المساجد التي تقام فيها الصلوات المكتوبة .
? [تعريف المسجد المهجور] :
هو الذي كان يُصلى فيه ثم بني غيره ، وتُرك على حاله ، لكنه لا تقام فيه الصلوات الخمس .
قال " سوى مسجد بيتها " ، ليس للمرأة خلافا للأحناف أن تعتكف في مسجد بيتها ؛ وذلك لأن أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - وهن أحرص الناس على أن يلزمن البيوت ، كن يعتكفن في المسجد ، ولأثر عائشة المتقدم " لا اعتكاف إلا في مسجد جماعة " ، وهذا عام في الرجال وفي النساء .
- قوله : [ ومن نذره – أي الاعتكاف - أو الصلاة في غير المساجد الثلاثة ، وأفضلها الحرام ، فمسجد المدينة ، فالأقصى ، لم يلزمه فيه ] :
أفضلها الحرم ، فمسجد المدينة ، فالأقصى:
1- قال - صلى الله عليه وسلم - فيما ثبت في الصحيحين : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه من المساجد إلا المسجد الحرام ) .
2- وفي المسند بإسناد صحيح : ( فصلاة في المسجد الحرام أفضل من مئة ألف صلاة فيما سواه من المساجد ) .
? وأما المسجد الأقصى :
1- فقد روى ابن خزيمة بإسناد ضعيف أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( صلاة في المسجد الأقصى أفضل من خمسمائة صلاة فيما سواه من المساجد ) .
2- وروى الحاكم في مستدركه بإسناد جيد أن النبي قال : ( صلاة في مسجدي هذا أفضل من أربع صلوات فيه ، ولنعم المصلى ) .
فقوله : ( أفضل من أربع صلوات فيه ) يدل على أن الصلاة في المسجد الأقصى أفضل من مئتين وخمسين صلاة .(1/167)
•[المشيقح : أفضل المساجد للاعتكاف المسجد الحرام ، ثم المسجد النبوي ، ثم الأقصى ثم الجامع ثم سائر المساجد ، وكلما كان المسجد أكثر تحقيقاً لحكمة الاعتكاف فهو أفضل:
?للقاعدة : { أن الفضل المتعلق بذات العبادة أولى من المراعاة من الفضل المتعلق بزمانها ومكانها } .اهـ..].
? قال " ومن نذره – أي الاعتكاف – أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة ":
•[اختيارات: [مسألة : نقل الاعتكاف المنذور في مسجد فاضل إلى آخر مفضول]:
? المقصود بهذه المسألة :
أن من نذر أن يعتكف بمسجد معين ، ولهذا المسجد ميزة شرعية كقدم وكثرة جماعة ، فهل له أن يعتكف بمسجد أقل ميزة أو لا؟.
? تحرير محل النزاع :
اتفقوا على أن المساجد الثلاثة : المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى : تتعين بالتعين ، وكذلك ( مسجد قباء إذا نذر الاعتكاف... لا يفعله في غيره).
واختلفوا في ما عدا ذلك ، ونزاعهم في الباقي هو موضوع هذه المسألة إذا لم يترتب على الوفاء سفر.
? سبب الخلاف :
يمكن إرجاع الخلاف في هذه المسألة إلى اختلاف العلماء في تحديد مكان العبادة هل هو أمر توقيفي أو أن في الأمر سعة ؛ فيجوز أن يحدد مكان العبادة على وجه الإلزام بالنذر ، وإن كان في الأمر سعة فهل ينوب المفضول عن الفاضل أو لا قياساً على المساجد الثلاثة؟.
? اختيار شيخ الإسلام ورجحه المحقق : أن من نذر الاعتكاف بمسجد له ميزة على غيره أنه يتعين ، خلافاً للمذاهب الأربعة.
دليله1: قوله - صلى الله عليه وسلم - : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه ؛ إلا المسجد الحرام.
دليل 2: أن عمر - رضي الله عنه - نذر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام ، فسأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : أوف بنذرك...
? ثمرة الخلاف :
أن من نذر أن يعتكف في مسجد فاضل ولكنه اعتكف في مسجد مفضول : أن عليه الإعادة عند القائلين بالتعيين، ويجزئه عند الجمهور. .].
•[الحمد : الأقوال في هذه المسألة ]:(1/168)
[ق1] نذر أن يعتكف في مسجد بلده الجامع ، أو في مسجده الذي يصلي فيه ، فلا يجب أن يعتكف فيه ، فله أن يعتكف في مسجد آخر (1) - (2) .
[ق2] واختار شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : أنه يجب أن يعتكف به إذا كانت الصلاة فيه أفضل ، كأن تكون جماعته أكثر ، وكذا كل ما امتاز بمزية شرعيه أخرى كقِدم (3) .
[مثال] : رجل نذر أن يعتكف في المسجد الجامع ، ويحضر هذا المسجد مثلا مائة من المصلين ، فهل له أن يعتكف في مسجد الذي لا يحضره إلا عشرة ؟ .
الجواب : في المذهب له ذلك .
والراجح هو : اختيار شيخ الإسلام أنه ليس ذلك ؛ لأن من نذر أن يطيع الله فليطعه ، وهذا المسجد الجامع أفضل لكثرة المصلين فيه ، ولأنه لا يحتاج أن يخرج منه.
__________
(1) [ المشيقح : والعلة / أنه يلزم شد الرحال لغير المساجد الثلاثة ، والرحال لا تشد إلا لهذه المساجد الثلاثة ، هذا ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله تعالى .].
(2) [اختيارات: [مسألة : السفر إلى مسجد نذر الاعتكاف فيه]:
هذه المسألة فيمن نذر الاعتكاف في مسجد يحتاج إلى سفر غير المساجد الثلاثة ، وهي ليست داخلة في نطاق البحث لموافقة شيخ الإسلام للحنابلة ، قال شيخ الإسلام : ولو سافر من بلد إلى بلد مثل أن سافر إلى دمشق من أجل مسجدها... أو سافر إلى مسجد قباء من مكان بعيد لم يكن هذا مشروعاً باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم ، ولو نذر ذلك لم يفِ بنذره باتفاق الأئمة الأربعة وغيرهم. اهـ..].
(3) [ المشيقح : الرأي الثاني : التفصيل في المسألة : إذا تميز هذا المسجد بميزة شرعية فإنه يتعين إذا لم يترتب شد رحل ، أبو الخطاب واختاره شيخ الإسلام وهو الصواب .
? ولا شك أن الجامع أفضل من غير الجامع ؛ لأنه إذا اعتكف في الجامع ترتب على ذلك ألاّ يخرج لصلاة الجمعة.].
?[الخليل : رجح : أنه يلزمه المسجد إلا إذا كان يلزمه شد الرحال : فلا يلزمه ، لحديث : من نذر أن يطيع الله فليطعه"..].(1/169)
لكن إن اعتكف في مسجد أفضل منه ، فلا بأس .
[مثال ] : رجل نذر أن يعتكف في مسجده هو ، فاعتكف في المسجد الجامع الذي فيه مصلون أكثر ، فله ذلك .
? وقال في كشاف القناع : ولعل مرادهم إلا مسجد قباء لفضيلة الصلاة فيه وهو ظاهر ، إن لم يكن فيه شد رحل.
1- أما إن نذر أن يعتكف في أحد المساجد الثلاثة ، فيلزمه أن يعتكف فيه أو في ما هو أفضل منه .
2- نذر أن يعتكف في المسجد النبوي ، فله أن يعتكف في المسجد الحرام .
3- نذر أن يعتكف في المسجد الحرام ، ليس له أن يعتكف في المسجد النبوي .
4- نذر أن يصلي أو يعتكف في المسجد الأقصى ، فله أن يعتكف في المسجد النبوي .
يدل على هذا ما ثبت في سنن أبي داود والحديث إسناده صحيح أن رجلا قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - : يا رسول الله ، إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في البيت المقدس ، - قال ذلك في فتح مكة - ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( صل هاهنا ) فسأله – يعني أعاد السؤال – فقال : ( صل هاهنا ) فسأله ثالثا ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( شأنك إذاً ).
? إذاً : له أن يعتكف في هذا المسجد أو في مسجد أفضل منه ، فلو نذر أن يعتكف في مسجد بلده ، فاعتكف في المسجد النبوي ، فله ذلك ، ولذا قال المؤلف : " لم يلزمه فيه " .
- قوله : [ وإن عيّن الأفضل لم يجز فيما دونه ، وعكسه بعكسه ]:
•[ المشيقح : إذا عين المسجد الحرام فلا يجزئه في غيره ، وإذا عين المسجد النبوي فإنه يجزئه المسجد الحرام ، وهكذا فالمساجد الثلاثة هي التي تتعين .(1/170)
?وما عداها فلا يتعين ؛ لأنه لو قلنا أنه يتعين غير المساجد الثلاثة لزم من ذلك شد الرحال إلى ذات البقعة ، فلا يشد الرحال إلى بقعة من البقع إلا لهذه البقع الثلاث ، فإذا عين الأقصى له أن يعتكف في الأقصى أو في النبوي أو في الحرام ، لحديث جابر - رضي الله عنه - أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - إني نذرت إن فتح الله عليك أن أصلي في المسجد الأقصى ، فقال - صلى الله عليه وسلم - : (( صل ها هنا ، فلما كان في الرابعة ، قال : شأنك إذاً )) فالنبي - صلى الله عليه وسلم - نقله من المسجد الأقصى المفضول إلى المسجد الحرام الفاضل.اهـ].
? [الحمد : مسألة : حدود المسجد ]:
1- أن المسجد تتبعه الرحبة التي فيه ، يعني فناء المسجد ، هذا إذا كان للرحبة أبوابا ، وأما إذا كانت الرحبة مفتوحة ، كالمواقف مثلا ، فليس له أن يعتكف في مثل هذا الموضع ، فإذا نصبت خيمة في مواقف المسجد ، فليس له أن يعتكف ، لكن في فناء المسجد المحوط – يعني الذي أحيط به سور - ، فإنه له أن يعتكف فيه ؛ لأنه من المسجد .
2- وكذلك المنارة التي بابها منه .
3- وكذلك الغرف التي تبنى فيه ، كالمكتبة مثلا يفتح بابها إلى المسجد ، فإنها من المسجد .
4- وكذلك سطح المسجد وهكذا .
إذاً ما يتبع المسجد ، منه ، يعني مما يصدق عليه أنه مسجد ، بخلاف بيت الإمام أو بيت المؤذن ، فإنه لا يصدق عليه أنه مسجد .
•[اختيارات: [ مسالة: الزيادة في المسجد]:
? هذه المسألة ليست داخلة في نطاق البحث ؛ لموافقة شيخ الإسلام للحنابلة في أن الزيادة في المسجد تأخذ حكمه في الثواب ، وبقية الأحكام كالاعتكاف المنذور].
?[ المشيقح : ، هل هو خاص بالمسجد أو بجميع الحرم ؟
أما التضعيف في المسجد النبوي فهو خاص بالمسجد ولا يتعداه إلى غير المسجد ، لكن ما زيد في المسجد النبوي .
? فهل الزيادة لها حكم المزيد ؟.(1/171)
والصحيح : وما عليه أكثر أهل العلم أن الزيادة لها حكم المزيد وأن التضعيف في المسجد النبوي يكون في المسجد وما زيد فيه ، وأما سائر الحرم المدني فلا تضعيف فيه .
? أما الحرم المكي موضع خلاف ؟. .
[ق1] الإمام مالك وظاهر كلام الحنابلة واختاره الشيخ محمد ، أنه خاص بالمسجد ولا يتعداه لغيره .
واستدلوا بقوله تعالى : {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام}. الإسراء: 1 .
فقالوا : المراد بالمسجد الحرام ليس عموم الحرم ، وإنما المسجد فقط ، بدليل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسري به من المسجد .
واستدلوا بحديث ميمونة رضي الله عنها (( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة )) مسلم .
[ق2] الحنفية واختيار الشيخ عبدالعزيز ، أن التضعيف شامل لكل الحرم .
واستدلوا بالآية : {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام}.
فقالوا : أن المراد بالمسجد الحرام عموم الحرم ، بدليل أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أسري به من بيت أم هانئ ، ضعيف لا يثبت .
لكن هذا يخالف حديث أنس في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسري به من المسجد .
واستدلوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - في صلح الحديبية كان في الحل فإذا دخلت الصلاة دخل في الحرم وصلى فيه ، وفي إسناده ابن إسحاق ، ولو ثبت يدل على أن الصلاة في الحرم أفضل منها في الحل ، لكن لا يدل على التضعيف .
ويظهر والله أعلم : أن كلا القولين فيهما قوة ؛ لأن قوله - صلى الله عليه وسلم - (( إلا مسجد الكعبة )) هذا لا يدل على التخصيص ، فالمسجد الحرام ومسجد الكعبة لا يدل على التخصيص .
وعندنا قاعدة { أن ذكر بعض أفراد العام بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص }
? والتضعيف هل هو خاص بالصلاة أم يشمل غيرها من القرب ، وهل هو خاص بصلاة معينة أو لا ؟
هذه مسائل اختلف فيها أهل العلم رحمهم الله .(1/172)
والصواب : أن التضعيف خاص بالصلاة ، أما ما يتعلق بالصيام والصدقة ونحو ذلك فهذا لم يرد فيها شيء ، لكنها أفضل في تلك الأماكن من غيرها ، والآثار في ذلك غير ثابتة .
? وهل هو خاص بصلاة معينة أو كل صلاة ؟.
خلاف ، قيل : يشمل كل صلاة ، وقيل : يشمل الصلاة التي تشرع لها الجماعة .
والصواب : أنه شامل لكل صلاة تفعل في المسجد الحرام .
والاستدلال بالقياس على الصلاة عند الأصوليين مسائل الثواب لا قياس فيها .
تم الإنتهاء من كتاب الصيام ..... وبالله التوفيق.].
•[ المرأة إذا اعتكفت : 1- وحاضت ،2- أو استحاضت ماذا تفعل؟]:
1- المرأة إذا حاضت ، فيجب عليها أن تخرج من المسجد عند جمهور العلماء .
قال الحنابلة : تبني خباءها في رحبته غير المحوطة لقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( وتعتزل الحُيَّض المصلى ).
والحنابلة قد استدلوا :
بما رواه ابن بطة رحمه الله تعالى ، وقال صاحب الفروع : إسناده جيد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : " كن المعتكفات إذا حضن أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإخراجهن من المسجد وأن يضربن بأخبيتهن في رحبة المسجد حتى يطهرن " .
2- وأما المستحاضة ، فإن لها أن تعتكف ؛
ولذا روى البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها : " اعتكفت امرأة من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - مستحاضة ، ترى الصفرة والحمرة ، وربما وضعت الطست حين تصلي " ، يعني حتى لا يقع الدم في المسجد ، إذاً المستحاضة لا تمنع من الاعتكاف .
- قوله : [ ومن نذر زمنا معينا ، دخل معتكَفه قبل ليلته الأولى وخرج بعد آخره ]:
•[ المشيقح : وهذا ينقسم إلى أقسام :
القسم الأول : أن ينذر اعتكاف يوم فيدخل من قبل طلوع الفجر إلى غروب الشمس ؛ لأن هذا هو اليوم لغةً وشرعاً .
القسم الثاني : أن ينذر اعتكاف ليلة يدخل قبل غروب الشمس ويخرج بعد طلوع الفجر ؛ لأن هذه الليلة لغةً وشرعاً .(1/173)
القسم الثالث : أن ينذر اعتكاف أسبوع ، نقول الأسبوع سبعة أيام ولا يلزم ولا يجب فيها التتابع إلا إذا شرط ذلك أو نواه .
القسم الرابع : أن ينذر اعتكاف شهر لا يجب التتابع فله أن يتابع وله أن يفرق كالأسبوع ، إلا إذا شرط ذلك أو نواه ، ويدل على أنه لا يجب عليه أن يتابع أن الله عز وجل قال في كفارة الظهار : {فصيام شهرين متتابعين} [ المجادلة: 4 ]، فدل على أن إطلاق الشهر لا يقتضي التتابع .
القسم الخامس : أن ينذر اعتكاف أيام معينة كما لو قال : لله علي أن اعتكف شهر رمضان ، هنا يجب عليه أن يتابع ؛ لأن مقتضى التعيين أن يتابع فيدخل من قبل غروب الشمس من آخر يوم من أيام شعبان ويخرج بعد غروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان ،
? ومثل ذلك لو عين وقال : لله علي أن اعتكف العشر الأواخر من رمضان ، أو لله علي أن اعتكف العشر الأول من شوال ، فنقول : التعيين يقتضي التتابع ، فإذا نذر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان يدخل من قبل غروب الشمس من اليوم العشرين من رمضان ويخرج من بعد غروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان .].
?[ ابن عثيمين : والحاصل: أنه إذا نذر عدداً، فإما أن يشترط التتابع بلفظه، أو لا، فإن اشترطه فيلزمه، وإن لم يشترطه فهو على ثلاثة أقسام:
الأول: أن ينوي التفريق؛ فلا يلزمه إلا مفرقة.
الثاني: أن ينوي التتابع، فيلزمه التتابع.
الثالث: أن يطلق فلا يلزمه التتابع، لكنه أفضل؛ لأنه أسرع في إبراء ذمته.
أما إذا نذر أياماً معينة : فيلزمه التتابع..].
?وأما في التطوع (1) :
__________
(1) [ المشيقح : إذا لم ينذر وأراد أن يتطوع بالاعتكاف فمتى يدخل ومتى يخرج في العشر الأواخر من رمضان !.
? فإذا أراد أن يتطوع متى يدخل ؟.
[ق1] جمهور العلماء : يدخل من قبل غروب الشمس من اليوم العشرين ، واستدلوا بدليلين :
أن العشر تدخل بغروب الشمس من اليوم العشرين .
أن من حكم الاعتكاف في هذه العشر تلمس ليلة القدر ، وليلة إحدى وعشرين من الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر .
[ق2] والرأي الثاني : رواية عن الإمام أحمد وذهب إليه الزهري يدخل معتكفه بعد صلاة الصبح من اليوم الحادي والعشرين .
واستدلوا بحديث عائشة رضي الله عنها في مسلم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا صلى الصبح دخل معتكفه .
وأجاب عليه الجمهور قالوا : المراد هنا المعتكف الخاص وإلا فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يدخل في جملة المسجد قبل ذلك، ثم إذا صلى الصبح دخل المعتكف الخاص ؛ لأنه من آداب الاعتكاف – من مستحباته – أن يكون المعتكف له معتكف خاص إذا تيسر له ذلك كغرفة يأوي إليها ونحو ذلك ، فحملوا هذا على المعتكف الخاص .
وما ذهب إليه الجمهور : أحوط .(1/174)
فإذا أراد أن يعتكف في العشر الأواخر من رمضان :
[ق1] فالمستحب أيضا أن يدخل عند غروب الشمس ، يعني تغرب عليه الشمس ليلة إحدى وعشرين وهو في المسجد . هذا هو المشهور في مذهب الإمام أحمد ، وهو مذهب الجمهور ، واستدلوا :
بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر الأواخر ، والعشر مذكر ، فالمعدود مؤنث ، فقوله " العشر " يعني العشر الليالي ، وعلى ذلك : هل يكون في معتكفه ليلة إحدى وعشرين ؟.
الجواب : نعم .
[ق2] وأما القول الثاني ، وهو قول إسحاق والليث والأوزاعي وابن المنذر وطائفة من أهل العلم ، فقالوا : يدخل صبيحة إحدى وعشرين بعد صلاة الفجر ، وعلى ذلك : فيبيت في أهله ليلة إحدى وعشرين ، فإذا كانت صبيحة إحدى وعشرين دخل معتكفه ، واستدلوا بما ثبت في الصحيحين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - " كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه " .
وهنا احتمال ذكره القاضي من الحنابلة ، ومال إليه شيخ الإسلام في شرح العمدة ، في تفسير هذا الحديث : أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا صلى الصبح دخل معتكفه " أن ذلك صبيحة عشرين ، وبه تجتمع الأدلة ، لأنه إذا دخل صبيحة عشرين ، فإن ليلة إحدى وعشرين تدخل في اعتكافه.
وهذا هو الراجح : ويدل عليه ما ثبت في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يعتكف العشر الأوسط من رمضان يلتمس ليلة القدر ، فخرجنا صبيحة عشرين ، فخطبنا النبي عليه الصلاة والسلام صبيحة عشرين ، فقال : ( إني أريت ليلة القدر ، وإني أنسيتها ) ، الحديث وفيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ومن كان اعتكف معي فليرجع ) يعني ليعتكف العشر الأواخر ، قال : فرجع الناس إلى المسجد " .
هذا ظاهره أن دخولهم كان صبيحة عشرين .(1/175)
وعلى ذلك : فالراجح : أنه يدخل صبيحة عشرين ، لتكون ليلة إحدى وعشرين داخلة في اعتكافه ، ومعلوم أن هذا أهيأ له ، فإنه إذا دخل في النهار ، فإنه يكون متهيأ للعبادة ليلاً .
? ومتى يخرج (1) ؟ .
قالوا : يخرج إذا غربت الشمس من يوم ثلاثين.
[ق1] واستحب الحنابلة ، وهو مروي عن بعض السلف : أن يبيت ليلة العيد في معتكفه ، قال إبراهيم النخعي كما في سعيد بن منصور : " كانوا يستحبون ذلك ".
[ق2] وقال المالكية والشافعية : بل المستحب له أن لا يبيت ليلة العيد في معتكفه ، بل يخرج إذا غربت الشمس ، وهذا أصح ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم ينقل عنه أنه كان يبيت ليلة العيد في معتكفه عليه الصلاة والسلام .
__________
(1) [المشيقح: ? ومتى يخرج إذا تطوع ؟
قلنا إذا نذر يخرج بغروب الشمس من آخر يوم من أيام العشر ، لكن إذا كان متطوعاً متى يخرج ؟
[ق1] قيل : بغروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان ؛ لأنه إذا غربت الشمس خرج رمضان ودخل شوال وانتهت العشر .
[ق2] وقيل : يخرج عند خروجه لصلاة العيد .
وكما ذكر الإمام مالك في الموطأ أنه أدرك السلف يستحبون المكث ليلة العيد في المعتكف ويخرج لصلاة العيد .
والذي يظهر والله أعلم : أن الإنسان إذا غربت الشمس آخر يوم من رمضان أنه يخرج من المعتكف لأن العشر انتهت ودخل شوال ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف العشر ، والعشر انتهت ، ولم يحفظ أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يعتكف ليلة العيد، المحفوظ أنه كان يعتكف العشر وهذه العشر تنتهي بغروب الشمس من آخر يوم من أيام رمضان . .].(1/176)
بل الراجح : أنه يخرج صبيحة ثلاثين ، كما تقدم في أثر أبي سعيد ، فإن الناس خرجوا صبيحة عشرين ، وصبيحة عشرين تقابلها ليلة ثلاثين فيمن اعتكف العشر الأواخر ، وعلى ذلك فالأقوى فيما يظهر لي أنه يخرج صبيحة ثلاثين ، وفي ذلك مصلحة ؛ لأنه يعلم أن الليلة المقبلة ليست من رمضان قطعا ، فيخرج صبيحة ثلاثين و يهيئ نفسه للعيد.
- قوله : [ ولا يخرج المُعتكِف إلا لما لابد له منه ]:
•[ المشيقح : خروج المعتكف ، المعتكف يلازم المسجد ، والاعتكاف لزوم المسجد .
والعلماء يقولون : أن ركن الاعتكاف هو ملازمة المسجد ، فالخروج من المسجد يخالف ركن الاعتكاف ، ولهذا كان العلماء يهتمون في أمر الخروج من المسجد ؛ لأن الخروج يخالف ركن الاعتكاف، والخروج أقسام :
القسم الأول : أن يخرج لأمر لابد له منه طبعاً جائز ، ويدل له حديث عائشة رضي الله عنها ( أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ) .
مثل الخروج: لقضاء الحاجة للأكل إذا كان لا يتمكن أن يأكل في المسجد ليس له من يأتي له بالأكل ونحو ذلك.
القسم الثاني : أن يخرج لأمر لابد له شرعاً جائز كالخروج للغسل لصلاة الجمعة .
أمور مستثناة شرعاً أدلة هذه المسائل تستثني هذه المسائل .
القسم الثالث : إخراج بعض البدن جائز ، ويدل لهذا حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فإنه يخرج لها رأسه وهو معتكف فترجله وهي حائض .
القسم الرابع : الخروج لقربة من القرب كما لو خرج لحضور درس ، عيادة مريض ، صلاة على جنازة ، وغيرها من العبادات التي ليست واجبة . فالخروج لها يبطل الاعتكاف .
? لكن هل يجوز الخروج لهذه القربه بالشرط ؟.
أكثر العلماء يجوز الخروج لها بالشرط ، يعني لابد أن تشترط في بدء الاعتكاف أنه يخرج لها .(1/177)
واستدلوا : بحديث ضباعة بنت الزبير وأنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تريد الحج وتجدها شاكية فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( حجي واشترطي )) .
ففيه الاشتراط في العبادة ، وورد الاشتراط في الدعاء وهو عبادة :{والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}.[النور: 9] ، كما في آيات اللعان .
القسم الخامس : الخروج لأمر ينافي الاعتكاف ، مثل البيع والشراء ومجامعة المرأة ، هذا يبطل الاعتكاف ولو كان بالشرط ، وتقدم:
1- من حديث عائشة رضي الله عنها ( أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لا يخرج إلا لحاجة الإنسان ) وأن اللبث ركن الاعتكاف .
2- وفي مسلم عن عائشة رضي الله عنها أنها ذكرت أن المريض في البيت فلا تسأل عنه إلا وهي مارة لا تعرج عليه.
القسم السادس : الخروج جهلاً أو نسياناً أو إكراهاً : لا يبطل الاعتكاف ، لأننا قررنا قاعدة { أن سائر المحظورات يشترط فيها : العلم والذكر والاختيار } .
القسم السابع : الخروج للضرورة إذا اضطر للخروج كما لو حصل خوف في المسجد ، أو حريق ، أو مرض مرضاً لا يحتمله فخرج للتداوي ، فهذه ضرورات ، والضرورات تقدر بقدرها .
ويستدل العلماء بخروج النبي - صلى الله عليه وسلم - مع صفية يشيعها ، وحملوا ذلك على الضرورة .
? إذا خرج إلى الجمعة هل له أن يبكر في الخروج أو ليس له ذلك ؟.
[ق1] الحنابلة لا يبكر للخروج وفيه نظر .
[ق2] والصحيح : له أن يبكر للخروج ؛
1-لأن الموضع الذي يخرج إليه صالح للاعتكاف ، فسواءً بقي في هذا المسجد أو تقدم للمسجد الجامع ،
2-وأيضاً الأمر بالتبكير للخروج لصلاة الجمعة يؤيد هذا .
? وهل يجب عليه أن يبادر بالرجوع أو لا يجب إذا صلى ؟.
لا يجب له أن يبادر لأن المكان صالح للاعتكاف حتى لو جلس وواصل اعتكافه في الجامع لا بأس به ، إلا إذا كان نذراً وله ميزة شرعية يبادر بالخروج.].
?[ الخليل : [مسألة : مقدار إذا خرج يبطل]:(1/178)
1- إذا خرج خروج لا يجوز : يبطل اعتكافه وإن قل : عليه استئناف الاعتكاف : وهو الراجح وهو قول الجمهور.
[ق2] الحنفية : الذي يبطل نصف يوم فأكثر : والدليل: ما دون نصف يوم يسير واليسير لا حكم له.
والجواب : هذا إن كان يعتكف العشر الأواخر ، لا إن اعتكف نصف يوم ، فنصف يوم قليلة بالنسبة للعشر. أما من اعتكف يوم ، فنصف يوم كثيرة عليه ، والجواب : لا دليل عليه. .].
•[وذكر الشيخ الحمد]:
1- وعائشة ل ، لما قالت : " السنة في المعتكف ألا يخرج إلا للحاجة التي لابد له منها " .
2- وفي الصحيحين ل قالت : " كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدخل علي رأسه وهو في المسجد فأرجله ، وكان عليه الصلاة والسلام لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان " .
فالحديث الأول الراجح أنه موقوف ، والثاني متفق عليه مرفوع ، فيهما أن المعتكف لا يخرج إلا لما لابد له منه وهذا بإجماع العلماء .
فإذا كان لا يُحضر له الطعام ، فيخرج ليطعم عند أهله أو يُحضر الطعام ، كالذي يعتكف في المسجد الحرام فيخرج ليطعم في العشاء والسحور ، فلا بأس بذلك .
إذاً يخرج للحاجة التي لابد منها ، كأن تتعين عليه الشهادة ، يعني دُعي إلى الشهادة ، والشهادة متعينة ، فإنه يخرج ليشهد ثم يعود .
لكن لو كان الطعام يُحضر له – يحضره له أهله - فليس له أن يخرج .
فإذا كان الأمر منه بد وله مندوحة عنه ، فإنه إن خرج له ، بطل اعتكافه ، كأن يخرج إلى البيت لطعام وهو يمكن أن يحضر له في المسجد أو خرج لمبيت ، فإنه يبطل اعتكافه .
فإن كان الاعتكاف نذراً فإنه يفسد اعتكافه ويجب عليه القضاء .
قوله : [ ولا يعود مريضا ولا يشهد جنازة ] :
لما تقدم ؛ لأن هذا منه بد ، وتقدم أثر عائشة رضي الله عنها ، وأن المعتكف لا يعود مريضا ، ومثل ذلك شهادة الجنازة ، ونحو ذلك من الأفعال الصالحة ، فهي وإن كانت أفعالاً صالحة ، لكن فعلها خارج المسجد يبطل الاعتكاف ؛ لأن الاعتكاف حقيقته لزوم المسجد.(1/179)
قوله : [ إلا أن يشترطه ] (1) :
إذا اشترط ما له منه بد ، أو اشترط قربة ، فله ذلك ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لبضاعة في الحج ، وهذه المسألة تقاس عليه ، قال لها فيما ثبت في الصحيحين : ( حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني ).
قال في رواية النسائي : ( فإن لك على ربك ما استثنيت ) .
إذاً له أن يشترط ، فلو أن رجلا قال : لله علي نذرٌ أن اعتكف العشر الأواخر من رمضان ، لكنه إذا حضرت جنازة فإني أشهدها – يعني أتبعها – حتى تدفن ، وقال : أعود والدي المريض أو قال : أزور والدي في البيت لأنظر حاجته ، أو قال : أخرج إلى الطعام وآكل في البيت ، أو قال : أبيت عند أهلي في البيت ، فإذا اشترط ، فله ما اشترط ، فإذا اشترط ما له منه بد مما يحتاجه ولا ينافي الاعتكاف فإنه يصح ،
[ق1] وأما إذا اشترط ما له منه بد وهو ينافي الاعتكاف كتجارة أو نحو ذلك ، فإن هذا الاشتراط لا يجوز ؛ لأنه ينافي الاعتكاف ، هذا هو مذهب الحنابلة .
__________
(1) [الخليل: [مسألة : حكم الشرط]:
[ق1] الجماهير : مشروع : الدليل : القياس على شرط في الحج ؛ لأن الحج اللزوم فيه آكد من الاعتكاف ، ولأن الحج يجب قضاء فاسده دون الاعتكاف.وهو الراجح.
[ق2] لا يشرع : والدليل: ليس في الشرع ما يدل على مشروعية الاشتراط ، مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - اعتكف وأصحابه.
? [مسألة حدود الاشتراط]:
[ق1] الحنابلة : يشترط الخروج : لكل قربة وكل أمر مباح : لا ينافي مع حقيقة الاعتكاف،
فالمباح : 1- أن يتعش مع أهله كل ليلة. 2- يمكث عندهم ساعة.
وأمثلة ما يتنافى مع الاعتكاف : 1- الجماع ، 2- المباشرة ، 3- التجارة. وهو الصواب.
[ق2] لا يشرع الاشتراط إلا للعبادات دون المباحات : .].(1/180)
[ق2] وخالف من الحنابلة ابن عقيل والمجد ابن تيمية ، وهو رواية عن أحمد في مسألة اشتراط ما له منه بد مما ليس بقربة ، كأن يشترط طعاماً أو مبيتاً في البيت ؛ قالوا : إن اشترط ذلك فإنه لا يصح وأولى منه لو شرط الخروج لتجارة ونحوها ، قالوا : لأن ذلك ينافي الاعتكاف ، فإنه خرج من المعتكف لغير عيادة أو شهادة ؛ لأن العبادة لا تنافي الاعتكاف ، فكلاهما عبادة لله عز وجل .
[ق3] وذهب الإمام مالك : إلى أن الاشتراط من أصله لا يصح ؛ لأن حقيقة الاعتكاف في لزوم الشيء والاشتراط فيه يقتضي الخروج من هذا لالتزام في هذا الموضع ، فحينئذ لا يصح الاشتراط مطلقاً .
? والذي يظهر لي في هذه المسألة :
1- أنه إن شرط عدم الاعتكاف إن مرض فلا بأس وكذا لعدم نفقه لقوله - صلى الله عليه وسلم - لضباعة بنت الزبير : ( اشترطي على ربك فإن لك على ربك ما استثنيت ) .
أما أن يشترط أمراً من الأمور التي تنافي الاعتكاف منافاة ظاهرة ، كما يكون ذلك في أمور التجارة ونحو ذلك ، فإن القول بعدم جواز الاشتراط ظاهر كما تقدم ، ولعله اتفاق بين أهل العلم فلم أر فيه بينهم اختلافاً .
2- وأما اشتراط القربة أو ما له منه بد ، فالذي يظهر جوازه أيضاً ؛ لأن غاية الأمر في الناذر أن نذره وقع على هذه ، ولا يشكل هذا مع ما تقدم من أن الاعتكاف يصح ولو قلّ ، كما لو قال رجل : لله علي أن اعتكف يوم الاثنين باستثناء ما بين صلاة الظهر والعصر .
إذاً له أن يشترط ، وأما المعتكف تطوعاً فإن الأمر فيه واسع ، فإذا نوى أن يعتكف ويخرج للطعام والشراب ونحو ذلك ، ثم يعود إلى معتكفه ، فالأمر فيه واسع (1) .
__________
(1) [المشيقح: ? لكن هل يجوز الخروج لهذه القربه بالشرط ؟.
[ق1] أكثر العلماء يجوز الخروج لها بالشرط ، يعني لابد أن تشترط في بدء الاعتكاف أنه يخرج لها .
واستدلوا : بحديث ضباعة بنت الزبير وأنها قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تريد الحج وتجدها شاكية فقال لها النبي - صلى الله عليه وسلم - : (( حجي واشترطي )) .
ففيه الاشتراط في العبادة ، وورد الاشتراط في الدعاء وهو عبادة :{والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين}.[النور: 9] ، كما في آيات اللعان .
[ق2] : مالك رحمه الله ، لا يصح الشرط ؛ لأن العبادات توقيفية .
ويظهر والله أعلم : ما ذهب إليه الجمهور ؛ لأن الشروط وردت في العبادات فمادام أن الشرط جنسه ورد في العبادة فيظهر أنه جائز ولا بأس به إن شاء الله.].(1/181)
فالذي يظهر لي والله أعلم : صحة الاشتراط مطلقاً كما ذهب إليه الحنابلة ، إذ لا دليل يمنع من ذلك ، والاعتكاف ، بل لو رأيت خلافاً بين أهل العلم فيما لو اشترط خروجاً للتجارة ونحوها لقلت بجوازه ؛ وذلك أن هذه الأعمال وإن نافت الاعتكاف منافاة ظاهرة في المسجد ، لأن المسجد ليس محلاً للتكسب والعمل ، ومن هنا أجمع العلماء على تحريم التكسب والتجارة للمعتكف في المسجد ، فإنها ليست منافية له خارج المسجد ، والأكمل ألا يخرج وأن يبقى في المسجد ، كما تقدم من سنة النبي - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا خرج يفوته من الأجر بقدر خروجه .
•[اختيارات: [مسألة : صحة بيع المعتكف]:
? المقصود بهذه المسألة :
اتفق أكثر العلماء على أن المساجد ليست محلاً للبيع والشراء ، فيكون المعتكف أولى بالمنع منه ، لكن إذا وقع منه البيع أو الشراء فهل يصح أو يقع باطلاً ابتداء؟. هذا هو موضوع هذه المسألة.
? تحرير محل النزاع :
لبيع المعتكف وشرائه في المسجد حالتان :
1-أن يشتري ما لابد له منه في اعتكافه كطعام وشراب وثوب ونحوه .
2-أن يبيع أو يشتري ما لا حاجة له في الاعتكاف كإجراء صفقة عقار مثلاً.
وموضوع هذه المسألة تتناول الحالة الثانية.
? سبب الخلاف :
اختلافهم في فهم أحاديث النهي عن البيع في المسجد هل النهي فيها يقتضي الفساد أو لا ؟.
? اختيار شيخ الإسلام وهو قول الحنفية ، والمالكية ، والشافعية : أنه يصح البيع مع الكراهة.
ودليلهم : حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا : لا أربح الله تجارتك.
وجه الاستدلال : أن قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : قولوا : لا أربح الله تجارتك". من غير إخبار بفساد البيع ، دليل على صحته.
والدليل 2: عمومات البيع والشراء من الكتاب والسنة ، من غير فصل بين المسجد وغيره.
? ثمرة الخلاف :(1/182)
إذا اشترط المعتكف على ربه أن يبيع ويشتري أثناء اعتكافه نفعه ذلك عند الجمهور في رفع الكراهة عنه ، وعند الحنابلة : لم ينفعه في إجازة البيع ؛ لأن النهي متعلق بالمسجد ، فلو وقع البيع والشراء منه أثناء خروجه لقضاء حاجة فقياس المذهب أن ذلك ينفعه ويقع البيع صحيحاً.
? [مسألة : السؤال في المسجد للضرورة]:
هذه المسالة ليست داخلة في نطاق البحث ، لموافقة شيخ الإسلام للحنابلة في جواز السؤال في المسجد للضرورة إذا لم يتأذ من فيه.].
- قوله : [ وإن وطئ في فرج فسد اعتكافه ] :
لقوله تعالى : { ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد } ، وهذا بالاتفاق ، فإذا جامع في المسجد وهو معتكف بطل اعتكافه .
? [مسألة ] : فإن قبّل أو مس أو باشر – يعني بشهوة – ؟ .
[ق1] فقال الحنابلة والأحناف والشافعية : لا يبطل اعتكافه قياسا على الصوم ، فكما أن المباشرة والقبلة ومس المرأة بشهوة لا تبطل الصوم ، فكذلك لا يبطل ذلك الاعتكاف .
إذاً الذي يبطله فقط هو الجماع أو الإنزال .
[ق2] وقال المالكية و القول الآخر للشافعي : بل يفسد بما دون الجماع ، فمقدمات الجماع تفسده .
وهذا القول أصح (1) ؛ لأن ذلك منهي عنه ، وقد تقدم في حديث عائشة ولا يعلم لها مخالف قالت : " ولا يمس امرأة ولا يباشرها " فإذا فسر المس بالجماع ، فإن المباشرة هي ما دونه.
وأما قياس الحنابلة و الشافعية ، فهو قياس مع الفارق ، لأنهم قاسوا ما حرمه الله تعالى على ما أحله ، فالقبلة والمباشرة للصائم حلال ، وهي محرمة على المعتكف .
إذاً الراجح أن الجماع ومقدماته يبطلان الاعتكاف (2) .
__________
(1) [المشيقح : ومن قال لا يفسد فقالوا :
1- أن قوله تعالى : {أو لامستم النساء}. المراد الجماع كما ورد ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما .
2- وأيضاً الأصل صحة الاعتكاف فلا يصار إلى إبطاله إلا بدليل. وهذا أقرب . .].
(2) [ المشيقح : زاد في عمدة الطالب : قوله : [ وسكر] :
فإذا سكر بطل اعتكافه ؛ لأنه ينافي حالة الاعتكاف .
المبطل الأول : الخروج إلا ما يستثنى .
المبطل الثاني : بالوطء
المبطل الثالث : السكر .
المبطل الرابع : إخراج المني ، وتحته ستة أقسام تقدمت في الصيام ، فالأقسام السابقة في الصيام تأتي هنا :
أ- إذا حصل الإنزال بمباشرة المرأة فسد اعتكافه كما يفسد الصيام .
ب- بالاستمناء يفسد الاعتكاف كما يفسد الصيام .
[الخليل: الأحوط : إذا فعله المعتكف أن يجدد نية الاعتكاف ، والأقرب : بطلان هذا العمل].
ج- بالتفكير لا يفسد . د- بالاحتلام في النوم لا يفسد . ه- تكرار النظر يفسد . و- النظرة لا يفسد .
المفسد الخامس : خروج المذي .
? والصحيح : أن خروج المذي بالأقسام السابقة أنها لا تفسد الاعتكاف .
المفسد السادس : الردة تبطل الاعتكاف لقوله تعالى : {ولو أشركوا لحبط عنهما ما كانوا يعملون}. [ الأنعام:88].
المفسد السابع : خروج دم الحيض إذا اعتكفت المرأة ، هل يبطل اعتكافها ؟
?الصحيح : أن اعتكافها لا يبطل ، فإذا خرج دم الحيض فإنها تخرج ، فإذا زال فإنها ترجع .].(1/183)
- قوله : [ ويستحب اشتغاله بالقرب ] (1) :
•[ المشيقح : والقرب جمع قربة وهي : كل ما يتقرب به إلى الله سبحانه وتعالى من الأعمال الصالحة من الذكر والقرآن والدعاء والصلاة ونحو ذلك . وهذا هو المقصود من الاعتكاف.
والعلماء يستحبون له القرب القاصرة من الصلاة والذكر والدعاء دون القرب المتعدية من إقراء القرآن وتعليم العلم ونحو ذلك .
والصحيح : أن المعتكف يشتغل بالجميع لأنه في عبادة وفي خير ، وصلاح القلب كما يكون في القرب القاصرة يكون في القرب المتعدية ، من إقراء القرآن وتعليم العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر].
- قوله : [ واجتناب ما لا يعنيه ]:
فقد قال - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه الترمذي وغيره : ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ).
•[ المشيقح : هذه من آداب الاعتكاف .
أولاً : الاشتغال بالقرب .
ثانياً أن يجتنب ما لا يعنيه ، من الآداب ويتأكد في حق المعتكف ؛ لأن المعتكف إنما تربص في هذا المسجد لكي ينقطع من الخلق إلى الخالق ، ويدل لهذا حديث (( من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه )).
و (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت )) .
ثالثاً : التقليل من فضول الطعام والشراب والنوم حتى أن الفقهاء يقولون : إذا أراد أن ينام ينام متربعاً لئلا يستغرق في النوم فيفوت عليه كثير من الوقت .
رابعاً : أن يكون له خباء إذا تيسر ذلك أو غرفة يخلو فيها للذكر والقراءة .
خامساً : التقليل من الخلطة والجلوس معهم ، لولا بأس أن يزوره أهله أو صديقه ، فإن زوجات النبي - صلى الله عليه وسلم - أتينه لزيارته وتحدثن معه ، فهذا جائز ولا بأس به .
__________
(1) ?[ الخليل: رجح أنه لا يستحب تدريس المعتكف : ليشتغل بما ينفع قلبه ؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يشتغل في الاعتكاف بالتعليم .].(1/184)
سادساً : أن يأخذ ما يحتاج إليه من ثياب ومخدة ولحاف ، ويدل لهذا حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - في مسلم لما انتهوا من الاعتكاف نقلوا متاعهم ، هذا يدل على أنهم يأخذون ما يحتاجون إليه .
سابعاً : التضعيف في المسجد الحرام .]. والله أعلم.
•[مسألة]:
[اختيارات: [مسألة : استعمال القرآن بدلاً عن الكلام ]:
? المقصود بهذه المسألة : معرفة حكم استعمال القرآن بدلاً من الحديث العادي عندما يناسبه كقوله لمن دعاه لذنب :{ ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك}. وقد يكون الداعي لذلك حال الاعتكاف في الغالب.
? تحرير محل الخلاف :
لهذا التكلم صورتان :
1-أن يلتزم الصمت ولا يتكلم إلا بالقرآن كما يفعله بعض العباد ، وذلك حتى لا ينطق إلا بذكر على حد زعمه .
2-أن يتكلم بما يتكلم الناس به ، لكنه عندما تناسب الآية المقال يقولها أو عندما تناسب (الحكم الذي أنزل له ) ، (كقوله لمن دعاه لذنب تاب عنه { ما يكون لنا أن نتكلم بهذا}، وقوله عندما أهمه :{ إنما أشكوا بثي وحزني إلى الله}. والصورة الثانية هل محل هذه المسالة.
? اختيار شيخ الإسلام وهو المشهور من مذهب المالكية ، وقول الشافعية ورجحه المحقق : أنه جائز .
والدليل : بفعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما طرق فاطمة وعلياً – رضي الله عنهما – ليلة فقال : " ألا تصليان ؟. ثم انصرف وهو يقول :{ وكان الإنسان أكثر شيء جدلاً}.
والدليل 2 : أن تلاوة القرآن في موقعها المناسب لا يخلو من ثلاثة أمور : 1- تذكير السامع ، 2- أو تذكير التالي نفسه ، 3- أو التعبد بتلاوة القرآن ، وكل هذه الأمور مشروعة.
والدليل 3: بالقياس على الاستشهاد بالقرآن في الخطب والمواعظ ، فإذا جاز استشهاد لمناسبة المقال جاز الاستشهاد بمناسبة الحال أيضاً.
? ثمرة الخلاف :
على هذا الترجيح هل يمكن القول بجواز تلاوة سورة أو مقطع من القرآن الكريم في صلاة الجمعة تناسب الخطبة؟.(1/185)
المسألة محل نظر ؛ لأن السنة دلت على أنه - صلى الله عليه وسلم - كان يتلو سوراً معروفة ويكررها في الجمع والأعياد على كثرة تنوع خطبه - صلى الله عليه وسلم - يوم الجمعة ، لذا أجد حرجاً في الترجيح ولا أراه في خصوص قراءة الجمعة يتجاوز خلاف الأولى،والله أعلم.].
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
تم بحمد الله.
وذلك في شهر شعبان ، لعام : 1430هـ . في رفحاء.
• من لديه : زيادة توضيح ، أو رأي آخر في هذا البحث ، فلا يبخل بالإرسال على :
abo-ya7ea@hotmail.com
والله الموفق .(1/186)