بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: :
فلقد من الله علي وكتبت رسالة صغيرة عنوانها .
( تنبيه الغلام على أمور نهى عنها الإسلام ) وطبعت عدة طبعات كانت الأولى في عام 1411هـ وقد وعدت في مقدمتها أن أقوم بشرح وافٍ لهذه الرسالة وفعلا قد شرعت في ذلك وجمعت شرحا مطولا ولكن في هذه الفترة قد خرج رسائل نافعة في بابها ومنها رسالة ( محرمات استهان بها كثير من الناس لأخينا الشيخ محمد بن صالح المنجد ) وكذلك رسالة المنظار في بيان كثير من الأخطاء الشائعة للشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ ومن أوسع ذلك كتاب موسوعة المناهي الشرعية للشيخ سليم بن عيد الهلالي . فلذلك توقفت عن إكمال هذا الشرح اكتفاء بما خرج من كتب ولكن بمشورة من عدد من الاخوة ممن علم بهذا الشرح وطالب بخروجه معللا ذلك بأن لكل أسلوبه وقد يكون في هذه ما ليس في تلك فاستخرت الله تعالى وعمدت إلى ما جمعت فاختصرت منه ما رأيته مناسبا وأعددته للنشر وسميته ( تنبيه الأنام عن أمور نهى عنها الإسلام ) فأسأل الله تعالى أن يجعل ذلك خالصا لوجه الله الكريم وأن لا يحرمني أجره وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .
وكتبه / عبد الله بن سفر العبدلي
في 20 / 6/ 1425هـ
الشرك الأكبر .
اعلم أخي المسلم أرشدك الله لطاعته أن أعظم ذنب عصى الله تعالى به هو الشرك بالله فهو أعظم نهي نهى الله تعالى عنه وقد رتب عليه من العقوبات في الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على ذنب سواه من إباحة دماء أهله وأموالهم وسبي نسائهم وأولادهم وعدم مغفرته من بين الذنوب إلا بالتوبة منه وما عداه من الذنوب فهو داخل تحت مشيئة الله إن شاء غفره بلا توبة وإن شاء عذب به .
فلهذا يجب على كل مسلم الحذر من الشرك والخوف منه لأنه أقبح القبح وأظلم الظلم .(1/1)
إذ مضمونة تنقيص لرب العالمين وصرف خالص حقه لغيره وعدل غيره به قال تعالى ( ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ)(الأنعام: من الآية1) ولأنه مناقض للمقصود بالخلق والأمر مناف له من كل وجه .
وذلك غاية المعاندة لرب العالمين والاستكبار عن طاعته والذل والانقياد لأوامره الذي لا صلاح للعالم إلا بذلك ، والشرك تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى وتقدس في خصائص الإلهية من ملك النفع والضر والعطاء والمنع الذي يوجب تعلق الدعاء والخوف والرجاء والتوكل وأنواع العبادة كلها لله وحده .
فمن علق ذلك لمخلوق فقد شبهه بالخالق وجعل من لا يملك لنفسه نفعا ولا ضرا ولا موتا ولا حياة ولا نشورا فضلا عن غيره تشبيها بمن له الخلق كله وله الملك كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله فأزمة الأمور كلها بيديه سبحانه ومرجعها إليه فما شاء كان ومالم يشأ لم يكن لا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع .
فلا بد أن تعرف أيها المسلم ضابط الشرك لكي تتجنبه فما هو الشرك قال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله ..
الشرك هو جعل شريك لله تعالى في ربوبيته وألهيته وأسمائه وصفاته والغالب الإشراك في الألوهية بأن يدعو مع الله غيره أو يصرف له أي نوع من أنواع العبادة كالذبح والنذر وغير ذلك . وقال الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى ..
حد الشرك الأكبر وتفسيره الذي يجمع جميع أنواعه وأفراده أن يصرف العبد نوعا أو فردا.
من أفراد العبادة لغير الله فكل اعتقاد أو قول أو عمل ثبت أنه مأمور به من الشارع فصرفه لله وحده توحيد وإيمان وإخلاص وصرفه لغيره شرك أكبر فعليك بهذا الضابط للشرك الأكبر الذي لا يشذ عنه شيء وأما الشرك الأصغر : فهو كل وسيلة وذريعة يتطرق منها إلى الشرك الأكبر من الأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبه العبادة ، أ . هـ
فبعد هذا أخي المسلم أستطيع أن أقول لك أحذر الشرك بجميع صوره وأنواعه فهو أعظم نهي نهى الله تعالى عنه ..لأنه :(1/2)
1- تشبيه للخالق بالمخلوق في خصائص الألوهية .
2- أن الله أخبر أنه لا يغفره لمن لم يتب منه كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48) 3- أن الله أخبر أنه حرم الجنة على المشرك وأنه خالد مخلد في نار جهنم قال تعالى(لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة:72).
4- أن الشرك يحبط جميع الأعمال قال تعالى ( وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)(الأنعام: من الآية88) .
وقال تعالى ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65). 5- أن المشرك حلال الدم والمال قال تعالى ( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ )(التوبة: من الآية5).
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ( أمرت أن قاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ) . الحديث .
6- أن الشرك أكبر الكبائر قال صلى الله عليه وسلم ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا بلى يا رسول الله قال : الإشراك بالله وعقوق الوالدين ....) . الحديث .
7- أن الشرك تنقيص وعيب نزه الرب سبحانه نفسه عنه فمن أشرك بالله فقد أثبت لله ما نزه الله عن نفسه وهذا غاية المحادة لله تعالى وغاية المعاندة والمشاقة لله .
أنواع الشرك :
ينقسم الشرك إلى نوعين :(1/3)
شرك أكبر يخرج من الملة ويخلد صاحبه في النار إذا مات ولم يتب منه وهو صرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كدعاء غير الله والتقرب بالذبائح وغير ذلك وقد سبق تعريفه .
وشرك أصغر لا يخرج من الملة ولكنه ينقص التوحيد وهو وسيلة إلى الشرك الأكبر وينقسم إلى قسمين :
شرك ظاهر على اللسان والجوارح كالحلف بغير الله وقول ما شاء الله وشئت ونحو ذلك .
شرك خفي وهو الشرك في الإرادات والنيات كالرياء والسمعة .
الفرق بين الشرك الأكبر والشرك الأصغر :
ولذلك لا بد لك أيها المسلم من معرفة الفرق بين الشرك الأكبر والأصغر :
الشرك الأكبر يخرج من الملة الأصغر لا يخرج من الملة ولكنه ينقص التوحيد .
الشرك الأكبر يخلد صاحبة في النار إن مات وهو مصر عليه ولم يتب منه . الشرك الأصغر لا يخلد صاحبة في النار وإن دخلها مصيره الخروج بعد التطهير .
الشرك الأكبر يحبط جميع الأعمال والشرك الأصغر لا يحبط جميع الأعمال وإنما يحبط الرياء والعمل لأجل الدنيا العمل الذي خالطه فقط .
الشرك الأكبر يبيح الدم والمال والشرك الأصغر لا يبيحهما .
إن الشرك الأكبر لا يغفر لصاحبة إلا بالتوبة أما الأصغر فهو تحت مشيئة الله سبحانه .
والله أعلم .
ولنذكر لك بعض أنواع الشرك الأكبر المنتشرة بين كثير من الناس اليوم في أكثر البلاد الإسلامية حتى يحذرها المسلم ويبتعد عنها :
دعاء غير الله ..
من الأمور التي نهى عنها الإسلام دعاء غير الله كمن يدعو الجن أو الأولياء أو غيرهم كالبدوي والجيلاني وابن علوان وأصحاب الكساء والزيلعى والعيدروس وغير ذلك فدعاء غير الله شرك أكبر مخرج من الملة .
والأدلة على ذلك كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى ()وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) (يونس:106).(1/4)
وقال تعالى ( فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ) (الشعراء:213) وقال تعالى ( وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) (المؤمنون:117).وقال تعالى ( وَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ لَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (القصص:88) وقال تعالى : ( وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً) (الجن:18) والآيات في تحريم دعاء غير الله كثيرة ...
ومن السنة أحاديث كثيرة دلت على تحريم دعاء غير الله نذكر منها ما يلي عن النعمان بن بشير رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء هو العبادة ثم قرأ ( وقال ربكم ادعوني استجب لكم أن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين ) أخرجه أبو داود والترمذي وبن ماجه واسناده صحيح .
وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه ركب خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ( يا غلام إني أعلمك كلمات احفظ الله يحفظك أحفظ الله تجده تجاهك إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله .... الحديث ).
فدلت الآيات والأحاديث السابقة على أن الدعاء وهو أن يضرع العبد إلى الله يدعوه ويسأله النجاة ويسأله الرزق كل هذا عبادة وإذا صرفها الإنسان للصنم أو للشجر أو للجن أو لميت صار شركا بالله عز وجل فيجب الحذر من الشرك كله دقيقه وجليلة وأن تكون العبادة لله وحده .
حكم دعاء أصحاب القبور :
سأل سائل فقال ما حكم دعاء أصحاب القبور فأجاب الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله رحمة واسعة .
قال : الدعاء ينقسم إلى قسمين :(1/5)
القسم الأول : دعاء عبادة ومثاله الصلاة والصوم وغير ذلك من العبادات فإذا صلى الإنسان أو صام فقد دعا ربه بلسان الحال أن يغفر له وأن يجيره من عذابه وأن يعطيه من نواله ويدل لهذا قوله تعالى ( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) (غافر:60) فجعل الدعاء عبادة فمن صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فقد كفر كفرا مخرجا عن الملة فلو ركع الإنسان أو سجد لشيء يعظمه كتعظيم الله في هذا الركوع أو السجود لكان مشركا خارجا من الإسلام ولهذا منع النبي صلى الله عليه وسلم من الانحناء عند الملاقاة سدا لذريعة الشرك .
فسئل عن الرجل يلقى أخاه أينحني له قال لا وما يفعله بعض الجهال إذا سلم عليك انحنى لك فهوا خطأ ويجب عليك أن تبين له ذلك وتنهاه عنه .
القسم الثاني :
دعاء المسألة وهذا ليس كله شركا بل فيه تفصيل .
أولا : إن كان المدعو حيا قادرا على ذلك فليس بشرك كقولك اسقني ماء لمن يستطيع ذلك قال صلى الله عليه وسلم ( من دعاكم فأجيبوه ). أخرجه البخاري ومسلم.
قال تعالى ( وَإِذَا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُو الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَعْرُوفاً) (النساء:8) فإن مد الفقير يده وقال ارزقني أي أعطني فهو جائز كما قال تعالى (فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ )( النساء : 8).
ثانيا : إن كان المدعو ميتا فإن دعاءه شرك مخرج من الملة ومع الأسف إن في بعض البلاد الإسلامية من يعتقد أن فلان المقبور الذي جثه أو أكلته في الأرض ينفع أو يضر أو يأتي بالنسل لمن لا يولد له وهذا والعياذ بالله شرك أكبر مخرج من الملة . وإقرار هذا أشد من إقرار شرب الخمر والزنا واللواط لأنه إقرار على كفر وليس إقرار على فسوق فنسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين . أ . هـ
فتاوى أركان الإسلام / لابن عثيمين ص149.(1/6)
حكم دعاء الجن والشياطين ..
للشيخ عبد العزيز بن باز
من عبد العزيز بن عبد الله بن باز إلى ... سلمه الله .
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد ..
فأشير إلى استفتائك المقيد بإدارة البحوث العلمية والإفتاء برقم 402 وتاريخ 24/ 1/ 1407هـ الذي تسأل فيه عن حكم دعاء الجن والشياطين سواء كان بقصد أو بغير قصد وعن الجهل بأمور العقيدة هل الإنسان معذور فيه ,
وأفيدكم أنه لا يجوز للمسلم أن يدعو غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله أيا كان المدعو سواء كان بقصد أو بغير قصد لا سيما الجن والشياطين وسبق أن صدر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء فتوى في حكم العذر والجهل فنرفق لك نسخه منها وفيها الكفاية إن شاء الله وفق الله الجميع لما فيه رضاه إنه سميع مجيب والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد
ب.. فتوى في عدم العذر بالجهل .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية برقم 9257وتاريخ 22/12/ 1405هـ .
السؤال الأول : هل كل من أتى بعمل من أعمال الكفر أو الشرك يكفر علما بأنه أتى بهذا الشيء جاهلا هل يعذر بجهله أم لا يعذر ؟ وما هي الأدلة بالعذر أو عدم العذر ؟
الجواب :
لا يعذر المكلف بعبادته غير الله أو تقربه بالذبائح لغير الله أو نذره لغيره ونحوه ذلك من العبادات التي هي من اختصاص الله إلا إذا كان في بلاد غير إسلامية ولم تبلغه الدعوة فيعذر لعدم البلاغ لا مجرد الجهل لما رواه مسلم عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار " . فلم يعذر النبي صلى الله عليه وسلم من سمع من يعيش في بلاد إسلامية قد سمع بالرسول صلى الله عليه وسلم فلا يعذر في أصول الإيمان بجهله .(1/7)
أما اللذين طلبوا من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل لهم ذات أنواط يعلقون بها أسلحتهم فهؤلاء كانوا حديثي عهد بكفر وقد طلبوا فقط ولم يفعلوا فكان ما حصل منهم مخالفا للشرع وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يدل على أنهم لو فعلوا ما طلبوا كفروا .
السؤال الثاني : شخص يقول لقد كنت في إحدى الدول وأعطاني أخ مبلغ من المال أحتفظ به عندي كوديعة حتى يصل من سفره وهو يعلم أن هذا المبلغ إذا ضبط معي في المطار سوف يؤخذ مني لأن الدولة لا تسمح بخروج هذا المبلغ لأنه زائد عن المبلغ الذي تسمح به فتم ضبط هذا المبلغ معي وأخذ مني – علما بأني وضعت بعض المال لي وأخذ مالي أيضا فما حكم رد هذا المبلغ ؟
الجواب ..
المودع أمين وإذا هلك ما في يده بدون تعد فلا ضمان فإذا كان الأمر كما ذكرت فلا يجب عليك رد بدله .
وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبة وسلم .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء.
عضو : عبد الله بن قعود .
عضو : عبد الله بن غديان .
نائب رئيس اللجنة : عبد الرزاق عفيفي .
الرئيس : عبد العزيز بن عبد الله بن باز .
ج- تكفير من يدعو الجن
فتوى رقم 433 وتاريخ 20/ 4/ 1393هـ
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله وآله وبعد .. فقد اطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على الاستفتاء المقدم منه إلى فضيلة رئيس إدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد والمحال إليها من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم 283 وتاريخ 6/3/ 1393هـ وقد اشتمل الاستفتاء على سؤالين وأجابت اللجنة عن كل منهما بمفرده ونص الأول .(1/8)
ما حكم المناذير وهو دعاء الجن والشياطين على شخص ما ليعملا به عملا مكروها كأن يقال خذوه أذهبوا به وانفروا به بقصد أو بغير قصد وما حكم من دعا بهذا القول حيث سمعت قول أحدهم أنه من دعا الجن لم تقبل له صلاة ولا صيام ولا يقبر في مقابر المسلمين ولا تتبع جنازته ولا يصلى عليه إذا مات وقد أجابت اللجنة بما يلي :
الاستعانة بالجن واللجوء إليهم في قضاء الحاجات من الإضرار بأحد أو نفعه شرك في العبادة لأنه نوع من الاستمتاع بالجني سؤاله وقضائه حوائجه في نظير استمتاع الجني بتعظيم الإنسي له ولجوئه إليه واستعانته به في تحقيق رغبته قال الله تعالى ( وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْأِنْسِ وَقَالَ أَوْلِيَاؤُهُمْ مِنَ الْأِنْسِ رَبَّنَا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنَا بِبَعْضٍ وَبَلَغْنَا أَجَلَنَا الَّذِي أَجَّلْتَ لَنَا قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ) (الأنعام:128). وقال تعالى (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْأِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً) (الجن:6). فاستعانة الإنسي بالجني في إنزال ضرر بغيره واستعاذته به في حفظه من شر من يخاف شره كله شرك .
ومن كان هذا شأنه فلا صلاة له ولا صيام لقوله تعالى : ( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (الزمر:65). ومن عرف عنه ذلك لا يصلى عليه إذا مات ولا تتبع جنازته ولا يدفن في مقابر المسلمين .
وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم ,
عضو : عبد الله بن منيع.
عضو : عبد الله بن غديان.
نائب الرئيس : عبد الرزاق عفيفي.
فتوى رقم 6009 .
سأل سائل فقال :(1/9)
أبي يعتقد في الشيخ المتوفى ويعرف عندنا بالولي فيتوسل به ويشركه في الدعاء مع الله فيقول مثلا ( يا رب يا سيدي عبد السلام) ما حكم الإسلام في ذلك مع أنه يصلي ويصوم ويزكي .
أجابت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز وعضوية الشيخ عبد الرزاق عفيفي والشيخ عبد الله بن غديان .
بما يلي :
دعاء الأموات والغائبين من الأنبياء والأولياء وغيرهم وحدهم أو مع الله شرك أكبر ولو صام وصلى وزكى لقوله الله سبحانه : ( وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ) (يونس:106) وقوله سبحانه () ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ * إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) (فاطر:13 ، 14) والآيات في هذا المعني كثيرة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
2ـ الذبح لغير الله ..
كمن يذبح للجن أو للصنم أو للصليب أو لموسى أو لعيسى أو الكعبة أو نحو ذلك فكل هذا حرام ولا تحل هذه الذبيحة سواء كان الذابح مسلما أو كتابيا نص على ذلك الشافعي واتفق عليه أصحابه وهذا من الشرك الأكبر المخرج من الملة .
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لعن الله من ذبح لغير الله ) .
فتوى رقم 5276.
س / يقول صلى الله عليه وسلم ( لعن الله من ذبح لغير الله ) ما هو المقصود من ذلك ونحن في الجنوب إذا ذبح شخص لضيف أو لأهل بيته يقول باسم الله وعلى ملة رسول الله صدقة لوجه الله اللهم أجعل ثوابها لي ولأهل بيتي .
أجابت اللجنة الدائمة بما يلي :(1/10)
المقصود من الحديث تحريم الذبح لمن مات من الأنبياء والأولياء رجاء بركتهم والذبح للحيين إرضاء لهم ورجاء قضائهم للحاجات أو دفعا لشرهم فإن هذا شرك أكبر يستحق فاعله لعنة من الله وغضبه .
أما الذبح للضيوف إكراما لهم أو للأهل توسعة عليهم والذبح تقربا إلى الله من أجل أن تجعل صدقة على الأموات يرجى ثوابها من الله للحي وللميت فهذا جائز بل هو إحسان يرجى ثوابه من الله .
وهكذا الضحايا يوم النحر عند الأموات والأحياء .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
عضو : عبد الله بن غديان .
عضو : عبد الله بن قعود .
نائب رئيس : عبد الرزاق عفيفي .
الرئيس : عبد العزيز بن باز .
3ـ النذر لغير الله تعالى :
النذر للأصنام أو للشمس أو القمر كل ذلك قد بين أهل العلم رحمهم الله أنه من الشرك الأكبر ولا يجوز .
فالنذر عبادة لله ولا يجوز صرفها لغير الله تعالى .
( قال الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين رحمه الله )(1) ...
النذر عباده لا تجوز إلا لله عز وجل وكل من صرف شيئا من أنواع العبادة لغير الله فإنه مشرك كافر قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار .
قال تعالى ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)(المائدة: من الآية72) .
الاستعانة والاستغاثة بغير الله .
ومن الشرك الأكبر الذي نهى عنه الإسلام الاستغاثة و الاستعانة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه إلا الله .
__________
(1) المجموع الثمين .(1/11)
أما الاستغاثة فهي طلب الغوث وهو إزالة الشدة لأن المستغيث هو الذي يدعو عند شدة الكرب كما إذا انزلت به شدة عظيمة فيدعو فيسمى مستغيثا كالذي يستغيث عند المرض أو كان في شدة الغرق في البحر مثلا فيستغيث بقوله يا بدوي يا فاطمة يا رسول الله أو نحو ذلك فكل هذا شرك أكبر فكل من استغاث أو استعان بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه من شفاء المرض أو جلب الخير أو دفع الشر أو الاستعانة بالموتى فهذا شرك أكبر لأنه صرف العبادة لغير الله تعالى فالاستعانة والاستغاثة هي أعظم أنواع العبادة قال تعالى : ( إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) (الفاتحة:5) وقال تعالى ( إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجَابَ لَكُمْ )(لأنفال: من الآية9).
أما إذا كانت الاستغاثة والاستعانة بالمخلوق الحي الحاضر فيما يقدر عليه من دفع عدو أو إعانة على حمل شيء فلا بأس بها لقوله تعالى ( فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ )(القصص: من الآية15).
وأما التوسل بالأحياء والأموات من الأنبياء وغيرهم بذواتهم أو جاههم أو حقهم فلا يجوز لأنه من البدع المحدثة ووسيلة إلى الشرك .
الشرك الأصغر .
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الشرك الأصغر وهو كل وسيلة وذريعة يتطرق فيها إلى الشرك الأكبر من الإرادات والأقوال والأفعال التي لم تبلغ رتبة العبادة وجاء في النصوص تسميته شركا وهو محرم بل أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر ولكنه لا يخرج من ارتكبه من ملة الإسلام .
قال تعالى ( قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) (الكهف:110) ومن السنة قال صلى الله عليه وسلم . ( أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر ) رواه أحمد وبن ماجه وسنده حسن .(1/12)
والشرك الأصغر يجب الحذر منه فهو يبطل ثواب العمل الذي خالطه وقد يؤدي بصاحبة إلى الشرك الأكبر .
وله أنواع منها ..
الشرك في النيات والمقاصد .
وهو أن يعمل الإنسان العمل لقصد رؤية الناس فيحمدوا صاحبها وهذا هو الرياء .
فإذا كان الرياء دخل في أساس العمل بمعنى أنه لا يأتي بأصل العبادة كالصلاة أو الصوم إلاَّ رياء ولولا ذلك ما صلى ولا صام فهذا مشرك شرك أكبر .
أما إذا كان الرياء دخل في تحسين العمل بمعنى أن العامل أراد بعمله وجه الله ولكنه حسنة رياء كأن يطيل في الصلاة مثلا ليراه الناس أو نحو ذلك فهذا العمل شرك أصغر لا يخرج صاحبة من الملة ولكنه هل يبطل العمل الذي قارنه أم لا فإن قارن العبادة من أولها إلى نهايتها واستمر فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانها . كقوله تعالى ( فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً)(الكهف: من الآية110) وفي الحديث الذي رواه هريرة قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول قال الله تعالى ( أنا أغنى الشركاء عن الشرك فمن عمل عملا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه ) رواه مسلم وان ماجه.
وأما إن كان الدافع للعبادة وجه الله ولكن طرأ عليه فيه الرياء فإن كان خاطرا ودفعه فلا يضره وإن استمر معه نقص العمل بحسب ما قام في قلبه من الرياء لكن لا يحبط العمل على القول الراجح من أقوال أهل العلم .
فينبغي الحذر من الرياء بجميع صورة وأنواعه ومعرفة عاقبة الرياء في الدنيا والآخرة.
فعن جندب بن عبد الله رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من سمع سمع الله به ومن يرائي يرائي الله به). رواه البخاري ومسلم .
ومعنى هذا الحديث أن من أظهر للناس العمل الصالح ليعظم عندهم أظهر الله سريرته على رؤوس الخلائق .
( إرادة الإنسان بعمله الدنيا )(1/13)
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام العمل لأجل الدنيا وتحصيل أغراضها كالذي يجاهد من أجل أخذ المال أو ليحتل منصبا أو يواظب على الصلاة لأجل المسجد أو نحو ذلك ..
فإن كانت إرادة العبد كلها لهذا المقصد ولم يكن له إرادة لوجه الله والدار الآخرة فهذا ليس له في الآخرة من نصيب .
وهذا العمل لا يصدر من مؤمن لأن المؤمن وإن ضعف إيمانه فلا بد أن يريد الله والدار الآخرة .
وأما من عمل العمل لوجه الله ولأجل الدنيا والقصدان متساويان أو متقاربان فهذا وإن كان مؤمنا فإنه ناقص الإيمان والتوحيد والإخلاص وعمله ناقص لفقد كمال الإخلاص.
وأما من عمل لله وحده وأخلص في عمله إخلاصا تاما ولكنه يأخذ على عمله جعلا ومعلوما يستعين به على العمل والدين فهذا لا يضره فقد حذر الله تعالى من العمل لأجل الدنيا قال تعالى ( مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (هود:16) وقال صلى الله عليه وسلم ( من تعلم علما مما يبتغي به وجه الله عز وجل لا يتعمله إلا ليصيب به عرضا من الدنيا لم يجد عرف الجنة يوم القيامة ) . أخرجه أبو داود وبن ماجه وأحمد.
الشرك في الألفاظ .
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الشرك في الألفاظ وله صور نذكر منها ما يلي:
الحلف بغير الله ..(1/14)
كقول الرجل وحياتي أو حياة النبي والكعبة والسيد والشرف والجاه أو رأس فلان فهذا كله حلف بغير الله تعالى . محرم بالاجتماع قال بن عبد البر رحمه الله ..ولا يجوز الحلف بغير الله بالإجماع وقال - صلى الله عليه وسلم - : (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك). رواه أبو داود والنسائي وهو صحيح . وقال - صلى الله عليه وسلم - (من كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت من حلف بالأمانة فليس منا). رواه أبو داود والترمذي .
فالحلف بغير الله شرك أصغر إذا كان الحالف بلسانه لم يعتقد بقلبه تعظيم من حلف به .
أما إذا عظم المحلوف به كتعظيم الله أو أشد وكان عالما بالحكم فهذا مشرك شركا أكبر.
فيجب على المسلم أن يحذر من الحلف بغير الله كالشرف والجاه والأمانة وغير ذلك .
قول ما شاء الله وشئت .
ومن شرك الألفاظ التي نهى عنها الإسلام قول ما شاء الله وشئت أو توكلت على الله وعليك أو مالي إلا الله وأنت ونحو ذلك مما فيه مساواة بين الخالق والمخلوق .
وحكم هذه الألفاظ التحريم فإن قالها قائلها وقام بقلبه تعظيم ذلك المسوّى بينه وبين الله وكان عالما بالتحريم فهذا شرك أكبر .
وأن كان جاهلا علم فإن أصر فهو والعالم ابتداء سواء كل منهما مشرك شرك أكبر وإن لم يقم بقلبه تعظيم لذلك المسوّى بينه وبين الله فهو شرك أصغر (1)فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان ) رواه أبو داود وسنده صحيح .
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال قال رجل للنبي - صلى الله عليه وسلم - ماشاء الله وشئت قال ( اجعلتني لله ندا قل ما شاء الله وحده ) وفي رواية جعلت لله عدلا قل ما شاء الله وحده ) .
رواه الإمام أحمد والبيهقي وابن أبي الدنيا في كتاب الصمت سنده حسن .
إسناد بعض الحوادث إلى غير الله عز وجل .
__________
(1) تيسير العزيز الحميد(1/15)
ومن الشرك في اللفظ الذي نهى عنه الإسلام إسناد بعض الحوادث إلى غير الله عز وجل .
واعتقاد تأثيره فيها كأن يقول مثلا لولا وجود الحارس لأتانا اللصوص ولولا الداوء الفلاني لهلكت ولولا حذقه الملاح لغرقت السفينة .
فيجب على المسلم الحذر منها والصواب أن يقول لولا الله ثم فلان .
مطرنا بنوء كذا
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام وهي من شرك الألفاظ قول البعض مطرنا بنوء كذا أو كذا وهو شرك أصغر لأنه نسب نعمة الله إلى غيره .
فعن زيد بن خالد رضي الله عنه قال صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( صلاة الصبح بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكواكب ) . رواه البخاري ومسلم .
التطير والطيرة ..
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام التطير وهو التشاؤم بالطيور والأسماء والألفاظ والبقاع وغيرها فقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك ويصدهم عن مقاصدهم فنفاه الشرع وأبطله وأخبر أنه لا تأثير له في طلب نفع أو دفع ضر وإنما هو خواطر وحدوس وتخمينات لا أصل لها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا عدوي ولا طيره ولا هامة ولاصغر ) متفق عليه .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الطيرة شرك الطيرة شرك الطيرة شرك ) . رواه أبوا داود والترميذي وصححه .
ومن الشرك الأصغر الرقى والتمائم والتوله ..
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام تعليق التمائم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من تعلق تميمة فلا أتم الله له ) .
وقال - صلى الله عليه وسلم - ( من تعلق تميمة فقد أشرك ) رواه أحمد .(1/16)
والتمائم جمع تميمة وهي خرزات كانت العرب تعلقها على أولادها يتقون بها العين في زعمهم ويتلمسون من أسمها أن يتم لهم مقصدوهم فأبطله الشرع حتى إذا كان المعلق من القرآن فقد اختلف فيه أهل العلم سلفا وخلفا والراجع من أقوال أهل العلم أنه لا يجوز .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي ..
فمنها ( أي التمائم ) ما هو شرك أكبر كالتي تشتمل على الاستغاثة بالشياطين أو غيرهم من المخلوقين فالاستغاثة بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله شرك ومنها ما هو محرم كالتي فيها أسماء لا يفهم معناها لأنها تجر إلى الشرك وأما التعاليق التي فيها قرآن أو أحاديث نبوية أو أدعية طبية محترمة فالأولى تركها لعدم ورودها عند الشارع ولكونها يتوصل بها إلى غيرها من المحرم ولأن الغالب على متعلقها أنه لا يحترمها ويدخل إلى المواضع القذرة .. أ . هـ
أسباب ووسائل الشرك .
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام كل ما يوصل إلى الشرك ويسبب وقوعه وقد حذر منه الإسلام وبينه بيانا واضحا .
وسنذكر من ذلك على وجه الإيجاز ما يلي ..
1- الغلو في الصالحين بناء المساجد على القبور .
اتخاذ القبور مساجد وشد الرحال إليها .
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام شد الرحال لزيارة القبور قال - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة المساجد المسجد الحرام والمسجد الأقصى ومسجدي هذا ) .
فعلى هذا لا يجوز شد الرحال إلى زيارة القبور أيا كانت هذه القبور سواء كانت للأنبياء أو الأولياء أو غيرهم .
وكذلك نهى الإسلام عن عبادة القبور بالطواف حولها والنذر لها والتبرك بها كأن يعتقد أنها تنفع من دون الله أو تضر فهذا شرك في الربوبية مخرج من الملة .
وإذا كان يعتقد أنها سبب وليست تنفع من دون الله فهو ضال غير مصيب وهذا من الشرك الأصغر المنافي لكمال التوحيد .(1/17)
ومما نهى عنه عند القبور البناء عليها وأسراجها فثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن البناء على القبور ونهى أن يجصص القبر وأن يبني عليه وذلك لما فيه من مفاسد أولها أن هذا وسيلة إلى عبادتها وثانيا أن هذا من فعل عباد القبور والروافض الذين يضعفون القباب على قبور الأنبياء والصالحين وفي ذلك ارتكاب لصريح النهي عن ذلك ومن الأمور
المنهي عنها اتخاذ القبور مساجد والصلاة عندها قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبائهم مساجد ) رواه البخاري ومسلم.
ويدخل في ذلك الذبح لها والنذر لها أو دعاؤها من غير الله كمن يقول يا بدوي يا سيده زينب أو يابن علوان أو غير ذلك مدد يا سيد أو مدد يا بدوي أو نحو ذلك فكل ذلك من الشرك الأكبر المنافي للتوحيد ومما ينبغي أن يُعلم أن الصلاة في المساجد التي بنيت على القبور ومن أجلها لا تجوز والله أعلم ومما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم الجلوس على قبر المسلم ففي صحيح الإمام مسلم من حديث سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( قال لأن يجلس أحدكم على جمرة فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده خير له من أن يجلس على قبر ) .
السحر .
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام السحر وهو ما خفي ولطف سببه وينقسم إلى قسمين :
الأول : عقد ورقى أي قراءات وطلاسم يتوصل بها الساحر إلى استخدام الشياطين فيما يريد من ضرر المسحور والله تعالى قال ( فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ)(البقرة: من الآية102) .(1/18)
والثاني : أدوية وعقاقير تؤثر في بدن المسحور وعقله وإرادته والسحر ينقسم حكمه إلى قسمين :
شرك وهو الذي يكون بواسطة الشياطين يعبدهم ويتقرب إليهم فهذا عمله كفر كما قال تعالى (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ )(البقرة: من الآية102) .
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله ..
من خرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل ردة ومن لم يخرج به السحر إلى الكفر فقتله قتل حد والحاصل أن المختار أن الساحر يقتل سواء قلنا بكفرهم أو لم نقل لأنهم يمرضون ويقتلون ويفرقون بين المرء وزوجه وكذلك بالعكس.
إتيان الكهان
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام إتيان الكهان والعرافين والمنجمين والرمالين وسؤالهم عن المغيبات وشفاء المرضى ونحو ذلك ..
فكل من يدعي علم الغيب بأي طريقة من الطرق فقد ادعى مشاركة الله في شيء من انفراد الله تعالى بعلم الغيب بكهانة أو عرافة ونحو ذلك أو صدّق من ادعى ذلك فقد جعل لله شريكا فيما هو من خصائصه وقد كذّب الله ورسوله ..
فقد روى الإمام مسلم في صحيحة عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( من أتى عرافا فسأله عن شيء فصدقه لم تقبل له صلاة أربعين يوما ).
وروى أبو داود عن أبي هريرة رضى الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( من أتى كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أُنزل على محمد صلى الله عليه وسلم ) .
التوله ..
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام التوله وهي شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها أو الرجل إلى امرأته قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن الرقى والتمائم والتوله شرك ).(1/19)
( طاعة العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله ) .
إعلم أخي المسلم أن من الأمور المحرمة طاعة العلماء والأمراء في تحريم ما أحل الله أو تحليل ما حرم الله فعن عدي بن حاتم رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقرأ هذه الآية (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (التوبة:31)
فقلت إنا لسنا نعبدهم قال صلى الله عليه وسلم أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه ويحلون ما حرم الله فتحلونه فقلت بلى قال صلى الله عليه وسلم فتلك عبادتهم ) .
قال الشيخ بن عثيمين رحمه الله ..
( واعلم أن اتباع العلماء والأمراء في تحليل ما حرم الله أو العكس ينقسم إلى ثلاثة أقسام :
أولا : أن يتابعهم في ذلك راضيا بقولهم مقدما لهم ساخطا بحكم الله فهو كافر لأنه كره ما أنزل الله فاحبط الله عمله ولا تحبط الأعمال إلا بالكفر فكل من كره ما أنزل الله فهو كافر .
الثاني : أن يتابعهم في ذلك راضيا في حكم الله وعالما بأنه أمثل وأصلح للعباد والبلاد ولكنه لهوى في نفسه اختاره كأن يريد مثلا وظيفة فهذا لا يكفر ولكنه فاسق وله حكم غيره من العصاة .
الثالث : أن يتابعهم جاهلا فيظن أن ذلك حكم الله فينقسم إلى قسمين :
أن يمكنه أن يعرف الحق بنفسه فهو مفرط أو مقصر فهو آثم لأن الله أمر بسؤال أهل العلم عند عدم العلم .
أن لا يكون عالما ولا يمكنه التعلم فيتابعهم تقليدا ويظن أن هذه هو الحق فهذا لا شيء عليه فيه لأنه فعل ما أمر به معذورا بذلك.
جحد شيء من أسماء الله وصفاته .
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام جحد شيء من أسماء الله وصفاته فمن أنكر إنكار تكذيب فهذا لا شك في كفره .(1/20)
فمن أنكر اسما من أسماء الله أو صفة من صفاته ثابتة في كتاب الله أو في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا كافر بإجماع المسلمين .
لأن هذا تكذيب لخبر الله ورسوله أما إن كان رده لها رد تأويل فإن كان تأويله له مسوغ في اللغة العربية فهذا لا يوجب كفره وإن كان ليس له مسوغ فهذا حكمه الكفر . فالواجب على المسلم الإيمان بالله وأسمائه وصفاته فالتوحيد لا يحصل إلا بها وأنواع التوحيد الثلاثة متلازمة فمن أقر بربوبيته و إلهيته وجحد أسماءه وصفاته أو شيئا منها فقد كفر .
التسمي بقاضي القضاة ..
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام التمسي بقاضي القضاة أو حاكم الحكام أو سلطان السلاطين أو سيد السادات وذلك كله صيانة وحماية لجناب التوحيد ولا يخفى ما في إطلاقه على غير الله من الجرأة على الله وسوء الأدب معه .
فإن كل لفظ يقتضي التعظيم والكمال لا يكون إلا لله وحده قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :( أن أخنع اسم عند الله رجل تسمى ملك الأملاك لا مالك إلا الله ) .
( سب الريح )
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام سب الريح لأن سب الريح نقص في الإيمان وقدح في التوحيد فالريح خلق من مخلوقات الله مدبرة ترسل بالخير والشر وهي إنما تهب عن إيجاد الله لها وأمره إياها فلا تأثير لها إلا بأمر الله فمسبتها مسبة لله واعتراض عليه سبحانه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا تسبوا الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت به ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به ) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله تعالى .
فالساب لها ( أي الريح) يقع سبه على من صرفها ولولا أن المتكلم بسب الريح لا يخطر هذا المعنى في قلبه غالبا لكان الأمر أفظع من ذلك ولكن لا يكاد يخطر بقلب مسلم .
الأقسام على الله ...(1/21)
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الأقسام على الله وهو التألي فالغالب أن هذا من باب العجب بالنفس والإدلال على الله وسوء الأدب معه ولا يتم الإيمان حتى يسلم المرء من ذلك كله .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( قال رجل والله لا يغفر الله لفلان فقال الله عز وجل ( من ذا الذي يتألي علي أن لا أغفر لفلان إني قد غفرت له وأحبطت عملك ).رواه مسلم.
..نقض عهد الله ...
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام نقض عهد الله وقطع ما أمر الله به أن يوصل قال تعالى : ( الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) (البقرة:27)
الكذب على الله وعلى رسوله
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الكذب على الله أ, على رسوله - صلى الله عليه وسلم - قال تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمَّا جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكَافِرِينَ ) (العنكبوت:68) . وقال تعالى ()فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) (البقرة:79) وفي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار ) .
فالكذب على الله يدخل فيه الكذب عليه سبحانه في عبادته وشريعته فالكذب في العبادة كدعاء غير الله واتخاذهم شفعاء ووسطاء داخل في الكذب على الله وكذلك الكذب على الله في التحليل والتحريم فلا يجوز للإنسان أن يتكلم في التحليل والتحريم إلا بدليل من الكتاب والسنة والله أعلم .(1/22)
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع ) رواه مسلم .
وعن سمره رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( من حدّث عني بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ) . رواه مسلم .
الأصول والضوابط في مسألة التكفير(1) .
قال الشيخ بكر أبو زيد وفقه الله ونظرا لما حصل من تسرب المذهبين المذكورين المخالفين لمذهب أهل السنة إلى عقائد بعض المعدودين من أهل السنة وخفاء أصول هذه المسألة شرعا على آخرين رأيت إيضاح ما يجب اعتباره شرعا في هذه المسألة مما يعرف به الحق بدليله وبطلان ما خالفه من المذاهب المردية والاتجاهات الفكرية الضالة وأنها مسألة خطيرة وعظيمة محاطة شرعا بما يحفظ للإسلام حرمته وللمسلمين حرمتهم وذلك فيما يأتي :
التكفير حكم شرعي لا مدخل للرأي المجرد فيه لأنه من المسائل الشرعية لا العقلية ، لذا صار القول فيه من خالص حق الله تعالى لا حق فيه لأحد من عباده ، فالكافر من كفره الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا غير . وكذلك الحكم بالفسق ، والحكم بالعدالة وعصمة الدم ، والسعادة في الدنيا والآخرة ، كل هذه ونحوها من المسائل الشرعية ، لا مدخل للرأي فيها ، وإنما الحكم فيها لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وهي المعروفة في كتب الاعتقاد بإسم : ( مسائل الأسماء والأحكام).
للحكم بالردة والكفر موجبات وأسباب هي نواقض الإيمان والإسلام ، من اعتقاد ، أو قول ، أو فعل ، أو شك ، أو ترك ، مما قام على اعتباره ناقضا الدليل الواضح ، والبرهان الساطع من الكتاب أو السنة ، أو الإجماع ، فلا يكفي الدليل الضعيف السند ، ولا مشكل الدلالة ، ولا عبرة بقول أحد كائنا من كان إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح .
__________
(1) درة الفتنة عند أهل السنة للشيخ بكر أبو زيد .(1/23)
وقد أوضح العلماء ـ رحمهم الله تعالى ـ هذه الأسباب في كتب الاعتقاد ، وفرعوا مسائلها في ( باب حكم المرتد ) من كتب الفقه.
وأولوها عناية فائقة ، لأنها من استبانة سبيل الكافرين والله تعالى يقول : (وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) (الأنعام:55) .
وفي استبانة سبيل المجرمين : تحذير للمسلمين من الوقوع في شيء منها ، وهو لا يشعر ، وليتبين له الإسلام من الكفر ، والخطأ من الصواب ، ويكون على بصيرة في دين الله تعالى.
وبقدر ما يحصل من الجهل بسبيل المؤمنين ، وبسبيل الكافرين ، أو بأحدهما يحصل اللبس ، ويكثر الخلط . وكما أن للحكم بالردة والكفر موجبات وأسبابا فله شروط وموانع .
فيشترط إقامة الحجة الرسالية التي تزيل الشبهة وخلوه من الموانع كالتأويل والجهل والخطأ والإكراه وفي بعضها تفاصيل مطولة معلومة في محلها .
يتعين التفريق بين التكفير المطلق وهو : التكفير على وجه العموم في حق من ارتكب ناقضا من نواقض الإسلام ، وبين تكفير المعين ، فإن الاعتقاد ، أو القول أو الفعل أو الشك أو الترك إذا كان كفرا فإنه يطلق القول بتكفير من فعل ذلك الفعل أو قال تلك المقالة وهكذا دون تحديد معين به أمّا المعين إذا قال هذه المقالة أو فعل هذا الفعل الذي يكون كفرا ، فينظر قبل الحكم بكفره ، بتوفر الشروط ، وانتفاء الموانع في حقه ، فإذا توفرت الشروط ، وانتفت الموانع ، حكم بكفره وردته فيستتاب فإن تاب وإلا قتل شرعا .
الحق عدم تكفير كل مخالف لأهل السنة والجماعة لمخالفته ، بل ينزل حكمه حسب مخالفته من كفر ، أو بدعة ، أو فسق أو معصية .
وهذا ما جرى عليه أهل السنة والجماعة من عدم تكفير كل من خالفهم ، وهو يدل على ما لديهم بحمد الله من العلم ، والإيمان ، والعدل ، والرحمة بالخلق ، وهذا بخلاف أهل الأهواء ، فإن كثيرا منهم يكفرون كل من خالفهم .(1/24)
كما أن الإيمان شعب متعددة ، ورتبها متفاوتة ، أعلاها قول : ( لا إله إلا الله ) وأدناها : إماطة الأذى عن الطريق ، والحياء شعبة من الإيمان ، فكذلك (الكفر) الذي هو في مقابلة الإيمان ، ذو شعب متعددة ، ورتب متفاوتة ، أشنعها : ( الكفر المخرج عن الملة ) مثل : الكفر بالله ، وتكذيب ما جاء به النبي - صلى الله عليه وسلم - .
وهناك كفر دون كفر ، ومنه تسمية بعض المعاصي كفرا .
ولهذا نبه علماء التفسير ، والوجوه والنظائر في كتاب الله تعالى وشراح الحديث ، والمؤلفون في : ( لغته ) وفي الأسماء المشتركة ، والمتواطئة ، أن لفظ ( الكفر ) جاء في نصوص الوحيين ، على وجوه عدة : ( الكفر الناقل عن الملة ) و ( كفر دون كفر ) و ( كفر النعمة ) و ( التبرؤ ) و ( الجحود ) و ( التغطية ) على اصل معناه اللغوي .
وبناء على هذا : فإنه لا يلزم من قيام شعبة من شعب الكفر بالعبد ، أن يصير كافرا الكفر المطلق ، الناقل عن الملة ، حتى يقوم به أصل الكفر ، بناقض من نواقض الإسلام ، الاعتقادية ، أو القولية ، أو العملية ، عن الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - لا غير. كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يكون مؤمنا حتى يقوم به أصل الإيمان .
فالواجب وضع النصوص في مواضعها ، وتفسيرها حسب المراد منها من العلماء العاملين الراسخين ، وإن الغلط هنا إنما يحصل من جهة العمل ، وتفسير النصوص ، وعلى الناصح لنفسه أن يحس بخطورة الأمر ودقته وأن يقف عند حده ، ويكل العلم إلى عالمه .(1/25)
إصدار الحكم بالتكفير لا يكون لكل أحد من آحاد الناس أو جماعاتهم وإنما مرد الإصدار إلى العلماء الراسخين في العلم الشرعي المشهود لهم به وبالخيرية ، والفضل ، الذين أخذ الله عليهم العهد والميثاق أن يبلغوا الناس ما علموه ، وأن يبينوا لهم ما أشكل عليهم من أمر دينهم ، امتثالا لقول الله تعالى : (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) (آل عمران:187) . وقوله سبحانه (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ) (البقرة:159) . وقوله سبحانه : ( فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ)(النحل: من الآية43) .
فما أمر الله بالسؤال ، حتى أخذ ـ سبحانه ـ العهد والميثاق على العلماء بالبيان .
التحذير الشديد والنهي الأكيد عن سوء الظن بالمسلم فضلا عن النيل منه ، فكيف بتكفيره والحكم بردته ، والتسرع في ذلك بلا حجة ولا برهان من كتاب ولا سنة .(1/26)
ولهذا جاءت نصوص الوحيين الشريفين محذرة من تكفير أحد من المسلمين وهو ليس كذلك ، كما قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِناً تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء:94) . في عموم قول الله سبحانه : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58) وقد تواترت الأحاديث النبوية في النهي عن تكفير المسلم بغير حق ، منها : حديث أبي ذر - رضي الله عنهم - أنه سمع النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( لا يرمي رجل رجلا بالفسوق ، ولا يرميه بالكفر ، إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ). متفق على صحته . وعن ابن عمر - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أيما رجل قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما ) متفق على صحته . وعن أبي ذر - رضي الله عنهم - أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( ومن دعا رجلا بالفكر ، أو قال : عدو الله ، وليس كذلك ، إلا حار عليه ) متفق على صحته . ومعنى حار عليه : رجع عليه . وفي حديث ثابت بن الضحاك - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ومن رمى مؤمنا بكفر فهو كقتله ). رواه البخاري في صحيحه .(1/27)
فهذه النصوص وغيرها فيها الوعيد الشديد لمن كفّر أحدا من المسلمين وليس هو كذلك ؛ وهذا والله أعلم ـ لما في إطلاق الكفر بغير حق على المؤمن من الطعن في نفس الإيمان ، كما أن فيها التحذير من إطلاق التكفير إلا ببينة شرعية ، إذ هو حكم شرعي لا يصار إليه إلا بالدليل ، لا بالهوى والرأي العاطل من الدليل . وهذه الحماية الكريمة والحصانة العظيمة للمسلمين في أعراضهم وأديانهم من أصول الاعتقاد في ملة الإسلام .
بناء على جميع ما تقدم فليحذر المسلم أن يخوض مع الخائضين في هذا الأمر الخطير في المجالس الخاصة ، والمجتمعات العامة ، وفي الصحف والمجلات وغيرها ، من غير قدرة شرعية ، ولا قواعد علمية ، ولا أدلة قطعية ، فهذا تصرف يأباه الله ورسوله والمؤمنون ، وفاعله مأزور غير مأجور ، فالله تعالى يقول : ( وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36). ويقول سبحانه : (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)(الأعراف:33). وبذلك يكون المسلم في مأمن من الإثم والتبعة في الدارين ، وتسلم المجتمعات الإسلامية من مظاهر الانحراف التي سببها الجهل والميل إلى الهوى . والله المستعان.وفي هذا الفصل نقض لمذهب الخوارج في غلوهم وإفراطهم.
فصل في أنواع الكافرين وكفرهم
لا يجوز لمسلم التحاشي عن تكفير من كفرهم الله تعالى ورسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لما فيه من تكذيب لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - . والكفار على صنفين:(1/28)
الصنف الأول : الكفار كفرا أصليا ، وهم كل من لم يدخل في دين الله : ( الإسلام ) الذي بعث الله به نبيه محمدا - صلى الله عليه وسلم - ، من اليهود والنصارى ، والدهريين ، والوثنيين ، وغيرهم من أمم الكفر الذين قال الله تعالى فيهم : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة:29) والذين قال الله فيهم : (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) (المائدة:73) والذين قال الله فيهم : (لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنْفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ) (البينة:1) الذين قال الله فيهم : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً) (النساء:150). وهؤلاء الكفار كفرا أصليا لا يفرق في الحكم عليهم بالكفر ، سواء كانوا أفرادا أو جماعات ، أحياء وأمواتا ، كما دلت عليه نصوص الكتاب والسنة وهؤلاء يجب على المسلمين قتالهم متى استطاعوا . حتى يدخلوا في الإسلام أو يدفعوا الجزية . الصنف الثاني : المسلم الذي يرتد بعد إسلامه بارتكاب ناقض من نواقض الإسلام ـ نعوذ بالله من ذلك ـ ومن أمثلته في القرآن العظيم : كفر التكذيب : كما قال تعالى : ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا(1/29)
مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (لأعراف:147). ومثل كفر المستهزئين بالله ، ورسوله ، ودينه ، الذين قال الله فيهم : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (التوبة:66).
ومثل كفر : من سب الله ورسوله ودينه ، فإن السب ينافي التعظيم الواجب لله ولرسوله ولدينه وشرعه ، قال الله تعالى : ( ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ) (الحج:32).
ومثل كفر الإباء والاستكبار والامتناع عن طاعة الله تعالى : كما قال سبحانه عن إبليس : (وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ) (البقرة:34). وهذا النوع هو الغالب على كفر أعداء الرسل.
ومثل كفر الإعراض عن دين الله تعالى كما قال سبحانه : (مَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُسَمّىً وَالَّذِينَ كَفَرُوا عَمَّا أُنْذِرُوا مُعْرِضُونَ) (الأحقاف:3).
ومثل الكفر بالقول ، كما قال الله تعالى : ( وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ) (التوبة:66) وكما قال سبحانه ( وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلامِهِمْ )(التوبة: من الآية74) إذ قالوا : ( لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ )(المنافقون: من الآية8) .(1/30)
ومن قول المنافقين في غزاة تبوك : ( ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء ـ يعنون النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه رضي الله عنهم ـ أرغب بطونا ، وأكذب ألسنا ، وأجبن عند اللقاء ) ومنه صرف الدعاء لغير الله ، والاستغاثة بالأموات .
ومثل الكفر : بالعمل ، كما قال الله تعالى : (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) (الأنعام:163) فالسجود لغير الله ، والذبح لغير الله ، شرك وكفر بالله .
ومن الكفر العملي : السحر ، كما قال الله تعالى ( وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ ) (البقرة:102) وذلك لما فيه من استخدام الشياطين والتعلق بهم ، ودعوى علم الغيب ودعوى مشاركة الله في ذلك ، قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ ) (البقرة: من الآية102). ولأن السحر شرك وكفر ، أدخله العلماء المصنفون في : ( التوحيد ، وأبوابه ) في أنواع الشرك ، للتحذير منه ، وبيان أنه من نواقض التوحيد .(1/31)
ومثل الكفر : بالاعتقاد والشك ، كما قال الله تعالى : (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ) (الحجرات:15) وقال سبحانه : (إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ) (التوبة:45) وقال عز من قائل : (وَدَخَلَ جَنَّتَهُ وَهُوَ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ قَالَ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَداً * وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْهَا مُنْقَلَباً * قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلاً) (الكهف:37) . فكل هؤلاء قد كفرهم الله ورسوله بعد إيمانهم بأقوال وأفعال صدرت منهم ولو لم يعتقدوها بقلوبهم . لا كما يقول المرجئة المنحرفون ، نعوذ بالله من ذلك. مع العلم أن الحكم بكفر المعين المتلبس بشيء من هذه النواقض المذكورة موقوف على توافر الشروط وانتفاء الموانع في حقه كما هو مقرر معلوم ، وتقدم .
وفي هذا الفصل نقض لمذهب المرجئة في تقصيرهم وتفريطهم .
رمي المسلم بالكفر
أعلم أخي المسلم أن التكفير حكم شرعي لا يطلق على معين إلا بشروطه الشرعية ومن ثبت في حقه بتلك الشروط أطلق عليه حكم الردة بلا شك .
وكما أن ليس لأحد أن يحكم على قول أو فعل أنه شرك إلا بدليل شرعي فكذلك ليس لأحد أن يطلق حكم الردة على معين إلا بضوابط الشرع التي حددها أهل العلم مستنبطين من كتاب الله وسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومنهم سلف الأمة .
بيان هيئة كبار العلماء حول ظاهرة التكفير والتفجير .(1/32)
" الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبة ومن اهتدى بهداه أما بعد :
فقد درس مجلس هيئة كبار العلماء في دورته التاسعة والأربعين المنعقدة في الطائف ابتداء من تاريخ 2/4 / 1419هـ ما يجري في كثير من البلاد الإسلامية وغيرها من التكفير والتفجير وما ينشأ عنه من سفك الدماء وتخريب المنشآت .
ونظرا إلى خطورة هذا الأمر وما يترتب عليه من إزهاق أرواح بريئة وإتلاف أموال معصومة وإخافة للناس وزعزعة لأمنهم واستقرارهم فقد رأى المجلس إصدار بيان يوضح فيه حكم ذلك نصحا لله ولعباده وإبراء للذمة وإزالة للبس في المفاهيم لدى من اشتبه عليهم الأمر في ذلك فنقول وبالله التوفيق:
أولا : التكفير حكم شرعي مردة إلى الله ورسوله فكما أن التحليل والتحريم والإيجاب إلى الله ورسوله فكذلك التكفير وليس كل ما وصف بالكفر من قول أو فعل يكون كفرا أكبر مخرجا عن الملة . ولما كان مرد حكم التكفير إلى الله ورسوله لم يجز أن نكفّر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره دلالة واضحة فلا يكفي في ذلك مجرد الشبهة والظن لما يترتب على ذلك من الأحكام الخطيرة وإذا كانت الحدود وتدرأ بالشبهات مع أن ما يترتب عليها أقل مما يترتب على التكفير فالتكفير أولى أن يدرأ بالشبهات ولذلك حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الحكم بالتكفير على شخص ليس بكافر فقال : " أيما امرئ قال لأخيه : يا كافر فقد باء بها أحدهما إن كان كما قال وإلا رجعت عليه " .
وقد يرد في الكتاب والسنة ما يفهم منه أن هذا القول أو العمل أو الاعتقاد كفر ، ولا يكفر من أتصف به ، لوجود مانع يمنع من كفره .
هذا الحكم كغيرة من الأحكام التي لا تتم إلا بوجود أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها .
والتسرع في التكفير يترتب عليه أمور خطيرة ، من استحلال الدم والمال ، ومنع التوارث وفسخ النكاح ، وغيرها مما يترتب على الردة . فكيف يسوغ للمؤمن أن يقدم عليه لأدنى شبهة ؟!(1/33)
وإذا كان هذا في ولاة الأمور ، كان أشد ، لما يترتب عليه من التمرد عليهم ، وحمل السلاح عليهم ، وإشاعة الفوضى ، وسفك الدماء ، وفساد العباد والبلاد ، ولهذا منع النبي - صلى الله عليه وسلم - من منابذتهم ، فقال : ( إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم فيه من الله برهان ). فأفاد قوله : ( إلا أن تروا ) أنه لا يكفي مجرد الظن والإشاعة وأفاد قوله ( كفرا ) أنه لا يكفي الفسوق ـ ولو كبر ـ كالظلم ـ وشرب الخمر ـ ولعب القمار ـ والاستئثار المحرم ، وأفاد قوله : ( بواحا ) أنه لا يكفي الكفر الذي ليس ببواح ، أي صريح ظاهر ، وأفاد قوله : ( عندكم فيه من الله برهان ) أنه لا بد من دليل صريح ، بحيث يكون صحيح الثبوت ، صريح الدلالة ، فلا يكفي الدليل ضعيف السند ، ولا غامض الدلالة وأفاد قوله : ( من الله ) أنه لا عبرة بقول أحد من العلماء مهما بلغت منزلته في العلم والأمانة إذا لم يكن لقوله دليل صريح صحيح من كتاب الله أو سنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وهذه القيود تدل على خطورة الأمر .
وجملة القول : أن التسرع في التكفير له خطره العظيم ، لقول الله عز وجل (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) (لأعراف:33) .
ثانيا : ما نجم عن هذا الاعتقاد الخاطئ من استباحة الدماء ، وانتهاك الأعراض ، وسلب الأموال الخاصة والعامة ، وتفجير المساكن والمركبات ، وتخريب المنشآت ، فهذه الأعمال وأمثالها محرمة شرعا بإجماع المسلمين لما في ذلك من هتك لحرمة الأنفس المعصومة ، وهتك لحرمة الأموال ، وهتك لحرمات الأمن والاستقرار ، وحياة الناس الآمنين المطمئنين في مساكنهم ومعايشهم ، وغدوهم ورواحهم ، وهتك للمصالح العامة التي لا غنى للناس في حياتهم عنها.(1/34)
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهم ، وأعراضهم وأبدانهم وحرم انتهاكها ، وشدد في ذلك ، وكان من آخر ما بلّغ به النبي - صلى الله عليه وسلم - أمته فقال في خطبة حجة الوداع : ( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام ، كحرمة يومكم هذا ، في شهركم هذا ، في بلدكم هذا ) ثم قال - صلى الله عليه وسلم - : (ألا هل بلغت ؟ اللهم فاشهد ) متفق عليه ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( كل المسلم على المسلم حرام : دمه ، وماله ، وعرضه ) ، وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( اتقوا الظلم ؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة )وقد توعد الله سبحانه من قتل نفسا معصومة بأشد الوعيد ، فقال سبحانه في حق المؤمن : (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) . وقال سبحانه في حق الكافر الذي له ذمة في حكم قتل الخطأ : ( وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً)(النساء: من الآية92) فإذا كان الكافر الذي له أمان إذا قتل خطأ ؛ فيه الدية والكفارة ، فكيف إذا قتل عمدا ؟! فإن الجريمة تكون أعظم ، والإثم يكون أكبر ، وقد صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من قتل معاهدا ، لم يرح رائحة الجنة ).(1/35)
ثالثا : إن المجلس إذ يبين حكم تكفير الناس بغير برهان من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وخطورة إطلاق ذلك ، لما يترتب عليه من شرور وآثام ، فإنه يعلن للعالم أن الإسلام بريء من هذا المعتقد الخاطئ ، وأن ما يجري في بعض البلدان من سفك للدماء البريئة وتفجير للمساكن ، هو عمل إجرامي ، والإسلام بريء منه ، وهكذا كل مسلم يؤمن بالله واليوم الآخر بريء منه ، وإنما هو تصرف من صاحب فكر منحرف ، وعقيدة ضالة ، فهو يحمل إثمه وجرمه ، فلا يحتسب عمله على الإسلام ، ولا على المسلمين المهتدين بهدي الإسلام ، المعتصمين بالكتاب والسنة ، المتمسكين بحبل الله المتين ، وإنما هو محض إفساد وإجرام تأباه الشريعة والفطرة ، ولهذا جاءت نصوص الشريعة قاطعة بتحريمه ، محذرة من مصاحبة أهله ، قال الله تعالى : (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) (البقرة:204) .(1/36)
والواجب على جميع المسلمين في كل مكان التواصي بالحق والتناصح على البر والتقوى ، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن ، كما قال سبحانه وتعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة: من الآية2) وقال سبحانه (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ )(التوبة: من الآية71) وقال عز وجل (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (العصر:1ـ3) وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( الدين النصيحة ) قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : ( لله ، ولكتابه ، ولرسوله ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ) وقال عليه الصلاة والسلام : ( مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم : مثل الجسد ، إذا اشتكى منه عضو ؛ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى ) والآيات والأحاديث في هذا المعنى كثيرة.
ونسأل الله سبحانه بأسمائه الحسنى وصفاته العلى : أن يكف البأس عن جميع المسلمين ، وأن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين إلى ما فيه صلاح العباد ، والبلاد ، وقمع الفساد ، والمفسدين ، وأن ينصر بهم دينه ، ويعلي بهم كلمته ، وأن يصلح أحوال المسلمين جميعا في كل مكان ، وأن ينصر بهم الحق ، إنه ولي ذلك والقادر عليه ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .
إضاعة الصلاة والتهاون بها(1/37)
أعلم أرشدك لطاعته أن أعظم أركان الإسلام بعد الشهادتين هي الصلاة وقد تكلم العلماء عليها قديما وحديثا في وجوبها وأهميتها وصفتها وما يقع فيها من الأخطاء فما من كتاب من كتب الفقه والحديث إلا وقد أعتنى بها وقد أفردت رسائل خاصة في بيان ذلك ولكن سنذكر نبذة مختصره من أهم الأمور التي يقع فيها الناس في هذا الباب ومن ذلك :
إضاعة الصلاة والتهاون بها فمنهم من يتركها بالكلية ومنهم من يتركها أحيانا وأحيانا . فالصلاة فرض لازم على الحر والعبد والذكر والأنثى والصحيح والسقيم والغني والفقير لا تسقط بحال ما دام العقل ثابت وتارك الصلاة كافر لاحظ له في الإسلام .
ولن نطيل بذكر أدلة ذلك فهي معروفة ومن الأخطاء التهاون بها وتأخيرها عن وقتها وقد توعد الله تعالى المتخلف عن الصلاة بقوله تعالى (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) (الماعون:4،5) .
ومن الأخطاء التي نهى عنها الإسلام في الصلاة
الصلاة في الثياب الرقيقة الشفافة التي تصف العورة ويشف عما وراءها من البدن فإن الصلاة في هذه الثياب لا تجوز فكل من صلى وهو مكشوف العورة مع القدرة على سترها فصلاته غير صحيحة لأن ستر العورة لشرط من شروط الصلاة .
وكذلك حال من يصلي بالبنطلون أو السروال وعند الركوع أو السجود ينحسر القميص عن البنطلون ويظهر ظهر المصلي وجزء من سوأته في بعض الأحايين فصلاته في هذه الحالة تبطل .(1/38)
عدم الطمأنينة في الركوع والسجود ونحو ذلك ففي الحديث الصحيح ( أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل المسجد فدخل رجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال أرجع وصل فإنك لم تصل ثلاثا فقال والذي بعثك بالحق ما أحسن غيره قال إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن ثم أركع حتى تطمئن راكعا ثم ارفع حتى تعتدل قائما ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ثم ارفع حتى تطمئن جالسا ثم أسجد حتى تطمئن ساجدا ثم أفعل ذلك في صلاتك كله ) رواه البخاري ومسلم .
فهذا الحديث دليل على وجوب الطمأنينة وأن تركها لم يفعل ما أمر به ولا تصح صلاته .
أكل الثوم والبصل قبل الحضور للجماعة . فعن بن عمر رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أهل أكل من هذه الشجرة ( يعني الثوم ) فلا يقربن مسجدنا ) أخرجه البخاري ومسلم . وعن جابر رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من أكل ثوما أو بصلا فليعتزلنا ( أو : ليعتزل مسجدنا ) وليقعد في بيته ). البخاري .
مسابقة الإمام في الركوع والسجود أو مساواته في الصلاة فعن أنس رضي الله عنه ؛ قال : صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فلما قضى الصلاة ؛ أقبل علينا بوجهه فقال : ( أيتها الناس إني إمامكم ؛ فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود ولا بالقيام ولا بالانصراف؛ ) أخرجه مسلم وأخرج البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( ما يأمن الذي يرفع رأسه في صلاته قبل الإمام أن يحول الله صورته في صورة حمار ).
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام رفع البصر إلى السماء في الصلاة . عن أبي هريرة رضي الله عنه ، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لينتهين أقوام عن رفع أبصارهم عند الدعاء في الصلاة إلى السماء ، أو لتخطفن أبصارهم ). مسلم .(1/39)
وعن الأمور التي نهى عنها الإسلام الالتفات في الصلاة بغير عذر .
عن عائشة رضي الله عنها قالت : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الالتفات في الصلاة ؟ فقال : ( هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد ) رواه البخاري .
وهناك أخطاء كثيرة وتبيهات يحتاجها المصلي فأنصحك أخي المسلم بقراءة كتاب القول المبين في أخطاء المصلين .
الخيانة في الأمانة .
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام خيانة الأمانة قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (لأنفال:27) فخيانة الأمانة من صفات اليهود كما قال تعالى : ( وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِماً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) (آل عمران:75) وخيانة الأمانة من صفات المنافقين قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( أية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ) ولتعلم أخي المسلم أن التفريط في عبادة الله سبحانه وتعالى من خيانة الأمانة فالصلاة أمانة وترك المحرمات أمانة وتضيع الموظف لعمله خيانة لأمانته .
فالذي يعطل أعمال المسلمين ويحابي أقاربه وأصدقاءه ويضيع وقت الدوام فهو خائن في أمانته وكذلك من يمتنع من إنجاز المعاملات أو يؤخرها ويعطل مصالح المسلمين حتى يدفع له خارج الدوام أو ليأخذ رشوة من المراجعين فهذا خائن لأمانته وكذلك ما يفعله الباعة والتجار من الغش في المعاملات وتغير الصفات والشروط المتفق عليها والحيل الشيطانية التي يفعلونها في مختلف المهن كل ذلك داخل في خيانة الأمانة .
ترك المكلف الحج بدون عذر .(1/40)
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام ترك المكلف الذي لم يحج الفريضة الحج مع الاستطاعة فلا يجوز للمسلم التأخير وترك الحج مع القدرة قال تعالى ( وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)(آل عمران: من الآية97).
وقال - صلى الله عليه وسلم - ( من أطاق الحج فلم يحج فسواء عليه مات يهوديا أو نصرانيا ) .
منع الزكاة ..
ومن الأمور المحرمة منع الزكاة قال تعالى ( وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (آل عمران:180).
وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " من آتاه الله مالا فلم يود زكاته مثل له شجاعا اقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة يأخذ بلهزمنيه ثم يقول أنا مالك أنا كنزك ثم تلا هذه الآية (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ ) . رواه البخاري .
.. الربا ..(1/41)
أعلم أخي المسلم أن أكل الربا وتعاطيه من أكبر الكبائر عند الله وقد توعد الله تعالى المرابي بالنار وآذنه بحرب من الله ورسوله قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (البقرة:278) . وقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آكل الربا وموكله وشاهديه والربا حرام في جميع الشرائع السماوية فواجب على المسلم أن يحذر من الربا بجميع صوره وأنواعه ولتعلم أخي المسلم أن عقوبة الربا في الدنيا محق البركة وتعرض هذا المال للتلف والزوال حتى يصبح صاحبه من أفقر الناس هذا في الدنيا فأما الآخرة فقال تعالى : ( الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبا لا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) (البقرة:275) والله أعلم .
أكل مال اليتيم ..
لقد حرم الله تعالى أكل أموال اليتامى وحذر من ذلك حيث قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً) (النساء:10) ففي هذه الآية وعيد شديد على من يأكل مال اليتيم .
وقال تعالى : ( وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوباً كَبِيراً) (النساء:2) .(1/42)
والآيات في التحذير من أكل مال اليتامى كثيرة ومن السنة روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( اجتنبوا السبع الموبقات قالوا يا رسول الله وما هن قال الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) ولعظم مسئولية مال اليتيم وضرورة الحفاظ عليه نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا ذرا الغفاري رضي الله عنه من ولاية مال اليتيم فقال ( يا أبا ذر أني أراك ضعيفا وأني أحب لك ما أحب النفس لا تأمرن على أثنين ولا تولين مال اليتيم )رواه مسلم.
ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ...
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم صفات المؤمنين وتركها من أكبر صفات المنافقين قال تعالى (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة:67) وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أمر شنيع قد لعن الله بني إسرائيل بسببه كما قال تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ) (المائدة:79) وقال - صلى الله عليه وسلم - ( والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابا من عنده ثم لتدعنه فلا يستجيب لكم ) .
فواجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر على حسب قدرته واستطاعته قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من رأى منكم منكر فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان ).(1/43)
الدخان ..
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام شرب الدخان وهو من الخبائث الضارة بالبدن والدين والأموال والمجتمع لذلك تعالت أصوات المخلصين من العلماء والأطباء في التحذير من شربه وبيان أضراره وقد صدرت الفتاوى الكثيرة من العلماء لتحريمه فقد حرمه من علماء مصر الشيخ أحمد السنهوري الحنبلي وشيخ المالكية الكناني ومن علماء دمشق النجم الغزي العامري الشافعي ومن علماء اليمن إبراهيم بن جمعان ومن علماء المملكة سماحة الشيخ عبد الرحمن السعدي والعلامة الشيخ محمد بن إبراهيم وسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز والشيخ عبد الله بن حميد والشيخ بن عثيمين وغيرهم كثير ..
الزنا ..
الزنا كبيرة من كبائر الذنوب وقد اتفقت الملل على تحريمه ولم تأت شريعة قط بإباحته قال تعالى ( وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) (الاسراء:32).(1/44)
وقد وصف الله تعالى عباده المؤمنين بصفات منها ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (الفرقان:68). وقال - صلى الله عليه وسلم - ( لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) رواه البخاري ومسلم . عن أبي هريرة رضي الله عنه ومفاسد الزنا عظيمة فهو قاتل للأخلاق الفاضلة وناشر للأمراض الفتاكة فما تسمع عنه من أمراض مثل السيلان والزهري والإيدز وغيرها من الأمراض إلا أثر من آثاره الوخيمة وسر من أسراره المستقذرة فهو يجمع خلال الشر كلها من قلة الدين وذهاب الورع وفساد المروءة وقلة الغيرة ويقتل الحياء ويذهب حرمة فاعلة ويسقطه من عين ربه والزنا يذهب بكرامة الفتاة ويكسوها عارا لا يقف عندها بل يتعداها إلى أسرتها وأنظر إلى المرأة التي ينسب إليها الزنا كيف يتجنب الأزواج نكاحها وأن أظهرت توبتها مراعاة للوصمة التي ألصقت بعرضها سالفا فالزنا دمار للأمة يهيج العداوات ويقطع الصلات فلو فكر الفاعل لهذه الجريمة النكراء وفي أضرارها وأثارها وخطرها هل يرضى عاقل بخلاف مسلم أن ينتهك عرض امرأة مسلمة ففكر أخي المسلم هل ترضى أن ينتهك أحد عرض أمك أو أختك أو زوجتك أو أبنتك .
فإذا كنت لا ترضى ذلك لنفسك فما بالك ترضاه لغيرك أما سمعت قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " وقد ورد في السنة أحاديث كثيرة تدل على تحريم الزنا تذكر منها ما يلي :
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ) رواه البخاري ومسلم .(1/45)
وعن بن مسعود رضي الله عنه قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أي الذنب أعظم عند الله قال ( أن تجعل لله ندا وهو خلقك قلت إن ذلك لعظيم ثم أي قال أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك قلت ثم أي قال أن تزاني حليلة جارك ) رواه البخاري ومسلم.
وقد شرع دين الإسلام بعض الأحكام حراسة للمسلم من الوقوع في الزنا وهي تدابير واقية من الوقوع في هذه الفاحشة النكراء من ذلك.
حرم الاختلاط بين الرجال والنساء فالاختلاط هو أصل كل بليه وشر وهو من أعظم نزول العقوبات العامة كما أنه من أسباب فساد الأمور الخاصة والاختلاط سبب لكثرة الفواحش والزنا وكذلك حرم الإسلام دخول الرجال على المرأة الأجنبية والخلوة بها.
ومن ذلك خلوة السائق والخادم والخياط والطبيب ونحو ذلك.
وكذلك حرم الإسلام سفر المرأة بلا محرم وكذلك حرم الإسلام النظر العمد من أي منها إلى الآخر بنص القرآن والسنة وكذلك حرم الإسلام مس الرجل بدن الأجنبية ومنها المصافحة للسلام وغير ذلك .
ففاحشة الزنا من أعظم الفواحش وأقبحها وأشدها خطرا وضررا وعاقبة .
ولهذا صار تحريم الزنا معلوما من الدين بالضرورة ( ولهذا حرمت الأسباب الموصلة إليه من السفور ووسائله والتبرج ووسائله والاختلاط ووسائله وتشبه المرأة بالرجل وتشبهها بالكافرات وهكذا )(1)
( ومن أعظم الأسباب والتدابير الواقية من الزنا فرض الحجاب على النساء من المسلمين لما يحمله من حفظهن وحياتهن في عفة وستر تصون وحشمة وحياء ومجافاة للغناء وطرد لنواقضها من التبذل و التسفل وانتزاع الحياء)(2) .
__________
(1) حراسة الفضيلة .
(2) حراسة الفضيلة(1/46)
ولتعلم أن الزنا حرام وقد شدد الله العقوبة على فاعله بالحد لمن كان محصنا الرجم حتى الموت ومن لم يكن محصنا جلد مائة وتغريب عام نهى عباده أن تأخذهم بالزناة رأفة في دين الله تمعنهم من إقامة الحد عليهم ومما يبغي أن تعلم أخي المسلم أن الزنا حرام ولكن الزنا بذات زوج أشد من الزنا بالتي لا زوج لها لما فيه من الظلم والعدوان عليه وإفساد فراشه والزنا بحليلة الجار أعظم من الزنا ببعيدة الدار والزنا بامرأة الغازي في سبيل الله أعظم إثما من الزنا بغيرها وكذلك الزنا بذوات المحارم أعظم جرما وأشنع وأفضح وكذلك الزنا في الأوقات الفاضلة والأماكن الفاضلة أشد من غيرها فتذكر أخي المسلم جرم هذه الكبيرة وما تجره على صاحبها من الفضيحة والعار والإثم وابتعد عنها عصمنا الله وإياكم من هذه الفاحشة والله الموفق .
اللواط ..
أعلم أخي المسلم أن تحريم اللواط معلوم بالكتاب والسنة والإجماع قال تعالى (وَلُوطاً إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ أَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ) (لأعراف:80) ولعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( الفاعل والمفعول به ) .
وقد أجمع الصحابة رضي الله عنهم على قتل مرتكب هذه الكبيرة وإن اختلفت كيفية ذلك القتل وممن نقل الإجماع غير واحد من أهل العلم منهم ابن قدامه كما في المغنى وابن القيم في الجواب الكافي .
ولتعلم أخي المسلم أن هذه الفعلة الشنيعة لها أضرارها الدينية والخلقية والصحية والاجتماعية فهو كبيرة من كبائر الذنوب .
وهذا المنكر يجر صاحبة إلى معاصي أخرى ربما لا تقل عن اللواط قبحا كما يجر صاحبة إلى ترك الطاعات والوقوع في المعاصي والسيئات كما أن صاحبة يصاب بقلة الحياء وسوء الخلق وقسوة القلب وحب الجريمة والجرأة على فعلها.
ومن أضراره الوخيمة على المجتمعات زوال الخيرات والبركات وحلول العقوبات والمنكرات .(1/47)
وانتشار الأوبئة والأمراض التي تفتك بالمجتمعات وضعف الثقة بالناس وعزوف الرجال عن الزواج وما ينفق على هذه الفعلة الدنيئة من أموال في تطلبها في كل مكان هو خسارة على الأفراد والمجتمعات وكذلك ما يصاب به الإنسان من خوف شديد ووحشة واضطراب وحزن دائم وقلق ملازم وخوف من العار والفضيحة كله هم ملازم لصاحبة كما أن صاحبها معرض لكثير من الأمراض المستعصية الشاذة والعلل النفسية التي تجعل صاحبها معرض لكثير من الأمراض وغير ذلك من الأضرار الكثيرة التي تكلم عنها الأطباء وحذر منها العلماء وتناولها المصلحون في كثير من مؤلفاتهم وبحوثهم ولكن من المهم أن نعرف أهم الأسباب التي تؤدي إلى الوقوع في هذه الفاحشة ومعرفة علاجها وقد تكلم عليها بشيء من الإسهاب الشيخ محمد بن إبراهيم الحمد فذكر منها ضعف الإيمان والفراغ والصحبة السيئة وتعاطي الخمور والمخدرات وضعف الرقابة الأسرية وكثرة المزاح مع الأطفال والرحلات البرّية خارج البلد وأما العلاج فهو القيام بواجب المسئولية كل على حسب موقعه فالأب مسؤول عن أبنائه والمدير عن مدرسته والأخوة عن أخوانهم والمدرسون عن طلابهم وهكذا كل فرد من أفراد المجتمع عليه أن يقوم بواجب المسئولية الملقاة على عاتقه ولنحذر ونحذر أبناءنا من مجالسة الأشرار وتركيز الرقابة على المراكز الصيفية والأندية الرياضية والتجمعات الشبابية والله الموفق .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين .
.. القذف ..
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام القذف الذي هو رمي المسلم والمسلمة بالزنا أو اللواط وهو محرم بالكتاب والسنة والإجماع .
أما الكتاب فقوله تعالى ( وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:4).(1/48)
وقال تعالى ( إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) (النور:23).
وقال - صلى الله عليه وسلم - ( اجتنبوا السبع الموبقات وعد منها قذف المحصنات ) متفق عليه.
فانظر أيها المسلم رعاك الله ما رتبه القرآن على من رمى مسلم بالزنا ولم يقيم بينه أن يجلد ثمانين جلده وأن ترد شهادته وان يكون فاسقا ليس بعدل فيجب على المسلم أن يحذر قذف المسلم ورميه بالتهم الباطلة والقذف له لفظ صريح كان يقول يا زاني أو يا عاهر أو يا ولد الزاني أو يا ولد الزانية وأما الكناية فقوله يا خبيثة و يا فاجرة ونحو ذلك.
فاحفظ لسانك أيها المسلم ولا تطلقه في الحرام فيجلد ظهرك وترتكب الأثام قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إن الإنسان ليتكلم بالكلمة ما يتبين فيها يهوى في جهنم أبعد مما بين المشرق والمغرب ).
المسكرات والمخدرات
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام شرب المسكرات وتعاطي المخدرات قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (المائدة:90). ومن السنة قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - ( كل مسكر خمر وكل خمر حرام ) رواه أبو داود والإمام أحمد.
وعن عبدالله بن عمر - رضي الله عنهم - : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( لعن الله الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومبتاعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحموله إليه ). رواه أبو داود.
وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( من شرب الخمر في الدنيا ومات ولم يتب منها ، وهو مدمن لها لم يشربها في الآخرة ). رواه مسلم.(1/49)
فالمخدرات بجميع أنواعها طبيعية أو مخلوطة أو كيميائية كلها من المحرمات التي حرمها الإسلام لما لها من أضرار دينية أو صحية أو اقتصادية فمن أضرارها أن تصد عن ذكر الله وعن الصلاة وسائر الطاعات وتورث الأخلاق السافلة والخصال القبيحة وتغري بارتكاب الفواحش وفيها إهدار للأموال والثروات التي أمر الله بحفظها وتسبب الأمراض من تليف الكبد واضطراب بالدورة الدموية واضطرابات عقلية وغيرها من الأمراض الفتاكة وما ينجم عن ذلك من أضرار اجتماعية من نشوب الخلافات العائلية وخراب البيوت العامرة وكثرة حالات الطلاق والفشل الأسري وضياع الأبناء وتشردهم والوقوع في الجرائم الشنيعة كالقتل والسرقة للحصول على الأموال لشراء المخدرات وكذلك كثرة حوادث الطرق التي يكون ضحيتها العشرات من الأبرياء من أسبابها تعاطي المخدرات والمسكرات ومن أخطر أضرار المسكرات والمخدرات إقرار الخبث في الأهل للحصول على الأموال بل يؤدي في بعض الحالات إلى هتك أعراض المحارم.
فكل هذه الأسباب وغيرها كافية في تحريمها بجميع أنواعها سواء أكان التناول عن طريق الأكل أو الشرب أو التشفيط أو السعوط أو الشم أو الحقن أو بأي طريقة أخرى والمخدرات من أخبت الخبائث التي تعمل على إتلاف الدين والعقل والنفس والمال والعرض لذلك حرمها الإسلام فينبغي الحذر من أسباب تعاطيها من مرافقة أصدقاء السوء وتقليد المشاهير في المسلسلات ويمكن علاج ذلك بقيام الآباء والعلماء والمدرسين والدعاة بواجبهم في توعية الناس بأخطار المخدرات والمسكرات وتبين خطرها على الأفراد والمجتمعات وملء الفراغ للشباب وتشديد العقوبات على مروجي المخدرات .
الإسراف والتبذير(1/50)
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الإسراف والتبذير فقال تعالى (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (الاسراء:27) فالإسراف هو مجاوزة الحد في كل فعل أو قول وهو في الإنفاق أشهر وللإسراف نتائج ضارة ويدخل في ذلك الإسراف في المعصية والتمادي فيها وعدم التوبة والرجوع إلى الله وللإسراف في النفقات صور كثيرة أثرت في ظهور كثير من المشاكل في المجتمع من العجز والتسول والانحراف بين الأولاد وغير ذلك .
الرشوة
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الرشوة فهي حرام بإجماع المسلمين سواء كانت للقاضي أو للعامل على الصدقة أو لأي عامل في وظيفة من وظائف الدولة . فالإسلام يحرم الرشوة لأن أكل أموال الناس بالباطل وشيوع الرشوة في المجتمع شيوع للفساد والظلم لأنها تسبب منع صاحب الحق من حقه ودفعه إلى غير مستحقه فمتسبب الظلم والعدوان يقدم من يستحق التأخير ويؤخر من يستحق التقديم .
فما خالطت الرشوة عملا إلا أفسدته . ولا نظاما إلا قلبته وما فشت الرشوة في مجتمع إلا آذنت بهلاكه .(1/51)
فالرشوة حرام على أي هيئة قدمت وبأي أسم سميت سواء هدية أو كرامه أو غير ذلك . قال تعالى (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْأِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) (البقرة:188). فالواجب اجتنابها والحذر منها وتحذير الناس من تعاطيها لما فيها من الفساد العظيم والأثم الكبير والعواقب الوخيمة . فهي من الإثم والعدوان الذين نهى الله تعالى عن التعاون عليها قال تعالى ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة: من الآية2) فأحذر أخي المسلم من الرشوة فقد لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الراشي والمرتشي والرائش رواه أحمد والطبراني .
فالرشوة وغيرها من المعاصي تضعف الإيمان وتغضب الرب سبحانه وتسبب تسليط الشيطان على العبد في إيقاعه في معاصي أخرى .
عقوق الوالدين(1/52)
روى البخاري ومسلم عن أبي بكرة - رضي الله عنهم - قال كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ) قال : ( الإشراك بالله وعقوق الوالدين وكان متكئا فجلس فقال ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا ليته سكت ). متفق عليه . والعقوق هو كل ما يغضب الوالدين أو أحدهما عليه قال الله تعالى في النهي عن الإساءة إلى الوالدين حتى ولو يقول ( أف ) قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاهُمَا فَلا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلاً كَرِيماً)(الاسراء:23)وروى البخاري وغيره عن المغيرة بن شعبه - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنعا وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال ).
ففي هذا الحديث بيان لتحريم عقوق الوالدين وخاصة الأم لما لها من فضل كبير على ولدها فهي التي حملتك تسعة أشهر واعتنت بك وأرضعتك من لبنها وقاست الآلام والمتاعب كم من ليالي سهرت عليك وجاعت من أجلك . فيجب عليك أيها المسلم العناية ببر والديك وخاصة أمك واحذر من عقوقهما ( فكم من الناس هداهم الله يقصرون في بر أبويهم بل لا يكتفي بذلك حتى ويؤذيهما ويجاهر بالسوء وفاحش القول فيقهرهما وينهرهما ويرفع صوته عليها ويتأفف منها وخاصة من أصحاب المناصب أوالثروة ويدعو عليها(أرحنا الله منك) أو(أخذ عمرك) أو ( يا شيبة النحس ) أو ( يا عجوز الويل ) ونحو ذلك بل الأنكى من ذلك أن يتسبب في سب والديه )(1).
__________
(1) إصلاح المجتمع .(1/53)
فقد روى البخاري ومسلم وغيرهما عن ابن عمر - رضي الله عنهم - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ( من الكبائر شتم الرجل والديه قالوا : يا رسول الله وهل يشتم الرجل والديه قال : نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ويسب أمه فيسب أمه ) .
قطيعة الرحم
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام قطيعة الرحم وهي أن يقاطع الرجل قرابته فيمنع ما يجب لهم من حقوق بدنية أو مالية .
ففي الصحيحين عن جبير بن مطعم - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا يدخل الجنة قاطع ) قال سفيان يعني قاطع رحم .
وفيهما أيضا عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إن الرحم قامت فقالت لله عز وجل هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال : نعم أما ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك قالت بلى قال فذلك لك ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : اقرأو إن شئتم ( فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) (محمد:23) . ومن المؤسف أن كثيرا من المسلمين اليوم غفلوا عن القيام بحق الوالدين والأرحام وقطعوا حبل الوصل وحجة بعضهم أن أقاربه لا يصلون وهذه الحجة لا تنفع لأنه لو كان لا يصل إلا من وصله لم تكن صلته لله وإنما هي مكافأة كما في صحيح البخاري عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( ليس الواصل بالمكافئ ولكن الواصل الذي إذا قطعت رحمه وصلها ). وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - أن رجلا قال يا رسول الله أن لي قرابة أصلهم ويقطعوني وأحسن إليهم ويسيئون إلي وأحلم عليهم ويجهلون على فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( إن كنت كما قلت فكأنما تعسفهم المل ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك ) رواه مسلم .
تصوير ذوات الأرواح(1/54)
أعلم أرشدك الله لطاعته أيها المسلم أن تصوير ذوات الأرواح من الآدميين والبهائم والطيور حرام شديد التحريم والأدلة على ذلك كثيرة نذكر منها :
عن أبن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ( إن الذين يصنعون هذه الصور يعذبون يوم القيامة يقال لهم أحيوا ما خلقتم ) متفق عليه .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ( كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفس فيعذبه في جهنم قال ابن عباس فإن كنت ولا بد فاعل فأضع الشجر وما لا روح فيه ) متفق عليه .
وعنه - رضي الله عنهم - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( يقول من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ ) متفق عليه .
وعن أبن مسعود - رضي الله عنهم - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ( إن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ) . متفق عليه .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( قال الله تعالى ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي فيلخلقوا ذرة أو لتخلقوا حبه أو لتخلقوا *** ) متفق عليه .
وعن أبي طلحة - رضي الله عنهم - قال ( لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة ) متفق عليه .
ففي هذه الأحاديث وما جاء في معناها دلالة ظاهرة على تحريم التصوير لكل ذي روح وإن ذلك من كبائر الذنوب المتوعد عليها بالنار فالواجب على المسلم أن يحذر من التصوير والله الموفق .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله (1)فعلى المسلم الناصح لنفسه أن يحارب الصور في قوله وفعله واعتقاده ويجب إتلاف ما قدر عليه منها لأنها معصية . ومنكر وإنكار المنكر واجب وعليه أن لا يدع شيئا منها يدخل مسكنه وإن عمت البلوى بشيء منها فيجتهد في إزالتها أو طمسها لأن التصوير معصية وإقرارها في البيت رضى .
__________
(1) الدرر السنية(1/55)
رضى والرضا بالمعصية معصية ومن يتق الله يجعل له مخرجا ومما يؤسف له أن الكثير من أبناء المسلمين فتنوا بالمجلات والمصورات الخليعة الماجنة الداعرة والتي فيها السموم الفتاكة وفي طياتها الشرور الكامنة فيجب على أهل الحل والعقد والمسؤولية وبالأخص علمائنا الأفاضل أن يبذلوا جهدهم مبادرين بمنعها من الدخول إلى المملكة وعن بيعها في الأسواق جهارا لأن ضررها على الدين والمجتمعات الإسلامية عظيم ولا شك أنها من الجيوش الغربية التي غزتنا في عقر ديارنا ... إلخ .
إسبال الإزار
أعلم أخي المسلم أن إسبال الإزار والثوب والبشت والسراويل كله من المحرمات فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه ) رواه البخاري وغيره .
وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ينظر الله إلى من جر إزاره بطرا ) متفق عليه .
ولأحمد والبخاري ( ما أسفل من الكعبين من الإزار في النار ) النسائي من حديث أبي هريرة .
فعن أبي ذر - رضي الله عنهم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، قال : قلت يا رسول الله من هم خسروا وخابوا قال : فأعادها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاث مرات قال : ( المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب ).
فيتبين من هذه الأحاديث وغيرها أن الإسبال محرم كله بخيلاء أو بغيرها إلا أن إذا صاحبه الخيلاء فيكون تحريمه أشد من المسبل إزارة بدون خيلاء.
فاحذر أخي المسلم الإسبال في شيء من ملابسك وفقك الله لكل خير وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
الغضب
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الغضب . فروى البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال ( جاء رجل فقال يا رسول الله أوصني قال : ( لا تغضب ثم ردد مرارا قال : لا تغضب ).(1/56)
فالغضب المذموم هو الذي يعمي صاحبه عن الحق ويفقده البصيرة والفكر فتأخذه العزة بالإثم وقد يحدث ضررا على نفسه وعلى من حوله فالغضبان يتغير لونه وترتعش أعضائه فهذا الغضب يهدم الجسم ويتلف الصحة ويجعل صاحبه مختل الشعور ولذلك نهى عنه الإسلام . أما الغضب المحمود فهو ذلك الغضب إذا انتهكت محارم الله والغضب ينتج عنه التفرقة بين الأولاد وبسبب الطلاق ومن سيئات الغضب أن الإنسان الغضبان يطلق لنفسه العنان فيسب ويغتاب ويلعن فكم من معارك حدثت من جراء الغضب وكم من مشكلات كان نهايتها السجن أو القتل لا سبب لها إلا الغضب جنبنا الله وإياكم الغضب ورزقنا الحلم إنه ولي ذلك والقادر عليه .
الكذب
الكذب هو الإخبار بخلاف الواقع وهو كبيرة من كبائر الذنوب فكم جر الكذب من ويلات ومصائب ولخطره وعواقبه الوخيمة حذر منه الرسول - صلى الله عليه وسلم - .
فروى البخاري ومسلم عن ابن مسعود - رضي الله عنهم - قال ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( إن الصدق يهدي إلى البر وإن البر يهدي إلى الجنة وإن الرجل ليصدق حتى يكتب عن الله صديقا وإن الكذب يهدي إلى الفجور وإن الفجور يهدي إلى النار وأن الرجل ليكذب حتى يكتب عند الله كذابا). وعن ابن رضي الله عنهما قال : قال رسول الله ( أفرى الفرى أن يريا الرجل عيناه ما لم تريا ) رواه البخاري . والكذب صفة من صفات المنافقين فروى البخاري ومسلم عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( أربع من كن فيه كان منافقا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها ؛ إذا أؤتمن خان وإذا حدث كذب وإذا عاهد غدر وإذا خاصم فجر ).(1/57)
فأحذر أخي المسلم الكذب بجميع صورة وأنواعه ولتعلم أن الكذاب رجل تافه حقير لا يحبه الناس ولا يحترمونه ولا يسمعون له إذا قال ولا يصدقونه إذا أخبر ولا يعطونه إذا سأل ولا يقرضونه إذا عسر وكل ذلك بسبب كذبه والكذب له مظاهر كثيرة ذكرها أهل العلم ونذكر منها الكذب على الله ورسوله وهذا أشدها وأخطرها وكذلك الكذب في البيع والشراء والكذب لإضحاك السامعين وتشويقهم والكذب في القول والكذب في المطالبات والخصومات فاحرص أخي المسلم على الصدق واجتنب الكذب رزقنا الله وإياكم الصدق وجنبنا الكذب إنه ولي ذلك والقادر عليه .
الحسد
إن الحسد من الذنوب المهلكات ومعنى الحسد أن يجد الإنسان في صدره وقلبه ضيقا وحقدا وكراهية لنعمة أنعم الله بها على عبد من عباده في دينه أو دنياه حتى أنه يحب زوالها عنه وربما تمنى ذلك أو سعى في إزالتها وحسبك بذمه وقبحه .
أن الله أمر رسوله أن يتعوذ من شر الحاسد كما قال تعالى : (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق:5) وله مراتب منها زوال النعمة عن الغير والسعي في ذلك بكل الوسائل المحرمة الظالمة والسعي في حرمانه منها ليظفر هو بها .
المرتبة الثانية : أن يتمنى زوال النعمة ويحب ذلك وإن كانت لا تنتقل إليه .
المرتبة الثالثة : أن يجد في نفسه الرغبة في زوال النعمة عن المحسود سواء انتقلت إليه أو إلى غيره ولذلك نجد أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - حذر من الحسد وبين خطورته على المسلم . بقوله ( إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب أو قال العشب ). رواه أبو داود عن أبي هريرة - رضي الله عنهم - .
وعن أنس - رضي الله عنهم - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا ولا تقاطعوا وكونوا عباد الله إخوانا ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث ) متفق عليه .(1/58)
ولتعلم أخي المسلم أن الحسد له أسباب منها ضعف الإيمان وعدم الرضا بقضاء الله وقدره . وسوء الخلق والكبر من قبل المنعم عليه فهذا مما يسبب تسلط الناس عليه وكذلك كثرة تحدث الإنسان بنعم الله عليه .
فينبغي للمسلم أن يحذر من الحسد وأن يدرك أن الحاسد معترض على قدرة الله تعالى وأن يتذكر عذاب الآخرة وأنه واقع في محرم وإن يجاهد نفسه على ترك الحسد وأن يعلم أن لن تموت نفس حتى تستوفي رزقها وأجلها وأن يتذكر نعم الله تعالى التي أنعم بها عليه وانه إذا حسد غيره فإن هذا قد يكون سببا لزوال نعم الله عليه لأنه لم يشكر نعمة الله تعالى فاتق الله يا عبدالله وأحذر الحسد وتوكل على الله وأكثر من الاستغفار والتوبة والصدقة والإحسان إلى خلق الله فتنطفئ جذوة الحاسد عنك وأكثر من ذكر الله والتحصن بتلاوة كتاب الله والمحافظة على الذكر وإخفاء المحاسن والنعم التي أنعم الله بها عليك .
الغيبة
ومن الأمور المحرمة التي نهى عنها الإسلام وهي الغيبة قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (الحجرات:12) والغيبة أخي المسلم عرفها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : ( ذكرك أخاك بما يكره والغيبة محرمة بالإجماع ولو نظرنا إلى أسباب الغيبة الباعثة عليها نجدها كثيره نذكر منها :
أولا : موافقة الأقران ومجاملة الرفقاء ومنها تشقي الغيظ فكلما هاج غضب الإنسان تشفى بغيبة صاحبة .(1/59)
ثانيا : ومنها الحسد وذلك بأن يغتاب الشخص لإزالة محبته من قلوب الناس وإسقاطا من عيونهم ولذلك ينبغي لك أيها المسلم الحذر من هذه الأسباب وغيرها ومعالجة ذلك وهنا أمور قد ذكرها أهل العلم تباح فيها الغيبة من ذلك الاستفتاء والتظلم والاستعانة على تغيير المنكر ونصحة المسلمين من أصحاب الشر وذكر المجاهر بما فيه والتعريف بلقب معين لا يعرف إلا به ولكن ينبغي لك أيها المسلم أن تراعي هذه الأمور عند الغيبة المباحة وهو الإخلاص لله في النيه فلا تقل ما أبيح لك تشفيا لغيظ أو تنقيص لأهله المسلم .
ولذلك الحرص على عدم تعيين الشخص كلما أمكنك إبهامه وأن تتأكد من عدم وقوع مفسدة أكبر من ذكرك لهذه الفائدة .
واتق الله وتذكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - " أتدرون ما الغيبة قالوا الله ورسوله أعلم قال ذكرك أخاك بما يكره قيل أفرأيت أن كان فيه ما أقول قال أن كان فيه ما تقول فقد اغتبته وإن لم تكن فيه ما تقول فقد بهته " والله أعلم .
النميمة
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام النميمة قال تعالى : (وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ* هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) (القلم:11) وقال - صلى الله عليه وسلم - ( لا يدخل الجنة نمام ).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مر بقبرين يعذبان فقال إنهما يعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان يمشي بالنميمة وأما الآخر فكان لا يستبرئ من بوله ) رواه البخاري .
والنميمة هي نقل الكلام بين الناس بقصد الإفساد وإيقاع العداوة والبغضاء فكم جرت النميمة من ويلات على كثير من الأبرياء والمؤمنين الغافلين فقضت على أرواحهم وأموالهم . فكم قطعت من صلات وزرعت من أحقاد وفرقت من جماعات فلهذه الأخطار وغيرها حرم الإسلام النميمة فواجب على كل مسلم أن يحذرها ويحذّر منها والكلام عليها يطول ولكن في هذا القدر كفاية والله الحافظ والمعافي .
إيذاء المؤمنين والمؤمنات(1/60)
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام إيذاء المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا قال تعالى : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً) (الأحزاب:58) فمن أذية المؤمنين بالقول الغيبة والنميمة والسب والشتم وأذية الناس بالفعل لها أنواع كثيرة منها أذية الجيران باستعمال ما يؤذيهم بإسماعهم أصوات الأغاني من الراديو والتلفزيون ونحوه والنظر إليهم من على سطوح المنازل ومن الشبابيك وكذلك إلقاء الأوساخ والقمامة على منازلهم وأمام بيوتهم .
وكذلك من أذية المسلمين إيقاف السيارات في طرقاتهم ووسط الشوارع ومضايقتهم في ذلك والغش في البيت والشراء وغير ذلك كله داخل في أذية المؤمنين وخلاصة القول أن كل ما يسيء للمسلم من قول أو فعل فهو داخل في أذية المؤمنين وهو من المحرمات التي ينبغي للمسلم أن يحذوها ويبتعد عنها . والله الموفق .
إيذاء الجار
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام إيذاء الجار فروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليسكت ) البخاري ( 6475 ) ومسلم ( 47 ).
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل من يا رسول الله قال الذي لا يأمن جاره بوائقه ) رواه البخاري ( 1016 ) ( ومسلم 46 ).
وعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والذي نفسي بيده لا يؤمن عبد حتى يحب لجاره أو قال لأخيه ما يحبه لنفسه ). رواه مسلم .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس المؤمن الذي يشبع وجاره جائع ).(1/61)
فمن الأحاديث السابقة أعلم أخي المسلم أن أذية الجار بأي نوع من أنواع الأذية من كبائر الذنوب التي ينبغي للمسلم أن يحذوها .
سب المسلم بغير حق
من الأمور المحرمة الشتم وهو سب المسلم ورمي عرض الناس بالمعائب القبيحة فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( سباب المسلم فسوق وقتاله كفر ) رواه البخاري ومسلم .
وعن سهل بن سعد رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( من يضمن لي ما بين لحييه وما بين رجليه أضمن له الجنة ). رواه البخاري
وروى الإمام مسلم والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : أتدرون من المفلس قال المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع فقال إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي وقد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته . فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ).
فاحذر أخي المسلم من سب المسلم بغير حق . ولتعلم أن المسلم ليس شتام ولا لعان فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء ) رواه الترمذي وقال حديث حسن .
وعن أبي ذر رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ( لا يرمي رجل رجلا بالفسق أو الكفر إلا أرتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك ) رواه البخاري .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : المتسابان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم ). رواه مسلم .
احتقار المسلمين .(1/62)
من الأمور التي نهى عنها الإسلام احتقار المسلمين والسخرية بهم واستصغارهم قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْأِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (الحجرات:11) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ( بحسب أمرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم ). رواه مسلم .
فلا يحل لمسلم أن يسخر من أحد من الناس أو يجعل من بعض الناس موضع سخرية واستهزاء وتفكه وتندر فاتق الله عبدالله واحفظ لسانك عن كل أمرٍ حرمه الله.
سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام سوء الظن بالمسلمين من غير ضرورة والتسرع في الحكم قال الله تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )(الحجرات: من الآية12) . وقال - صلى الله عليه وسلم - ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ) متفق عليه من حديث أبي هريرة .
فالواجب على المسلم أن يحذر من الظن بالمسلمين من غير ضرورة ولا يخون أهله ولا أقاربه ولا المسلمين وإذا حدث شيء من ذلك الظن بسبب ما فلا يحقق حتى لا يقع في الإثم ) والله الموفق .
لأن الأصل في المسلمين أنهم أبرياء ووساوس الظن لا يصح أن تعرض ساحة البريء المسلم للاتهام .
وقد قال رسولنا - صلى الله عليه وسلم - ( إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث ). والله أعلم .
الطعن في الأنساب
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الطعن في الأنساب فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(اثنتان من الناس هما بهم كفر الطعن في النسب والنياحة على الميت) رواه مسلم .(1/63)
نشدان الضالة والبيع والشراء في المسجد
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام نشدان الضالة والبيع والشراء في المسجد فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ( من سمع رجلا ينشد ضالة في المسجد فليقل لا ردها الله عليك فإن المساجد لم تبن لهذا ). رواه مسلم .
وعنه رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال ( إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا لا أربح الله تجارتك وإذا رأيتم من ينشد ضالة فقولوا لا ردها الله عليك ). رواه الترمذي وقال حديث حسن .
فتبين من هذه الأحاديث أخي المسلم أن البيع والشراء في المسجد حرام والبيع فاسد والواجب على المسلم الحذر من البيع والشراء في المسجد ومن سمع من يبيع أو يشتري في المسجد فالواجب عليه أن يقول لا أربح الله تجارتك لأن المساجد لم تبنى لهذا ومن الأمور التي يجب الحذر منها نشدان الضالة في المسجد ومن سمع من ينشد ضالة فليقل لا ردها الله عليك . والله أعلم .
الأكل من آنية الذهب والفضة
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الأكل والشرب من آنية الذهب والفضة وكذا استعمالها على الرجال مطلقا إلا فيما استثنى(1) وعلى النساء في غير الحلي الذي جرت عادتهن بلبسه .
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( الذي يشرب في آنية الفضة إنما يجرجر في بطنه نار جهنم ) متفق عليه .
ومن حديث أم سلمة رضي الله عنها . وفي رواية لمسلم ( إن الذي يأكل أو يشرب في آنية الفضة والذهب ) .
__________
(1) أعلم أرشدك الله للحق أنه يباح للذكر من الفضة الخاتم لأنه عليه الصلاة والسلام أتخذ خاتما من ورق متفق عليه . ويباح له قيعة السيف من فضة وكذلك حلية المنطقة وما دعت إليه الضرورة كأنف ونحوه من ذهب ... وأما النساء فيباح لهن من الذهب والفضة ما جرت العادة بلبسة ولو كثر .(1/64)
وعن حذيفة رضي الله عنه قال إن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهانا عن الحرير والديباج والشرب في آنية الذهب والفضة وقال هن لهم في الدنيا وهي لكم في الآخرة ) متفق عليه . وفي رواية في الصحيحين عن حذيفة رضي الله عنه قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول ( لا تلبسوا(1) الحرير ولا الديباج ولا تشربوا في آنية الذهب والفضة ولا تأكلوا في صحافها ).
التشبه ( الرجل بالنساء )
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام تشبه الرجال بالنساء في حركاتهن ولين كلامهن وزينتهن ولباسهن وغير ذلك من الأمور الخاصة بهن عادة أو طبعا وكذلك يحرم على النساء أيضا أن يتشبهن بالرجال فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال : ( لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء ) وفي رواية لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المتشبهين من الرجال بالنساء والمتشبهات من النساء بالرجال قال الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله(2). ( فالمرأة المتشبهة بالرجال تكتسبه من أخلاقهم حتى يصير فيها من الظهور والتبرج والبروز ومشاركة الرجال ما قد يفضي لبعضهن أن تظهر بدنها كما يظهره الرجال أو أكثر لضعف عقلها وتطلب أن تعلو على الرجال كما يعلو الرجال على النساء وتفعل من الأفعال ما ينافي الحياء والحق المشروع من حق النساء كما أن الرجل المتشبه بالنساء يكتسب من أخلاقهن بحسب تشبهه حتى يفضي به الأمر إلى التخنث والميوعة والتمكين من نفسه كأنه أمرأة والعياذ بالله وهذا مشاهد في الواقع .
فصلوات الله وسلامة على من بلغ البلاغ المبين وبلغ الرسالة وأدى ونصح الأمة الأمانة قلت ( أي الشيخ محمد بن إبراهيم رحمة الله )
__________
(1) أما النساء فيباح لهن الحرير والديباج .
(2) الدرر السنية(1/65)
( وقد أفضى الحال بكثير ممن يقلدون المتفرنجين إلى أن تشارك كثير من النساء الرجال في البروز والخروج والوظائف والتجارة والأسفار بدون محرم وغير ذلك كما شارك كثير من الرجال النساء في المبالغة في الزينة والتخنث في الكلام وحلق اللحى والتميع عند المشي والتحلي بخواتم الذهب والأزارير وغيرها وساعات اليد التي فيها شيء من الذهب ونحو ذلك مما هو معروف حتى صارت العادة عندهم تطويل ثياب الرجال وتقصير ثياب المرأة إلى ركبتها أو ما فوق الركبة بحيث يبدو فخذها نعوذ بالله من قلة الحياء والتجرؤ على محارم الله ).
القزع
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام القزع وهو حلق بعض الرأس دون بعض كالتواليت وغيره . فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال : ( نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن القزع ) متفق عليه .
وعنه رضي الله عنه . ( قال رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صبيا قد حلق بعض رأسه وترك بعضه فنهاهم عن ذلك وقال أحلقوه كله أو أتركوه كله ) رواه أبو داود سند صحيح على شرط البخاري ومسلم .
الأكل والشرب بالشمال
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام الأكل والشرب بالشمال قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا يأكلن أحدكم بشماله ولا يشربن بها فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بها ). رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما .
وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لا تأكلوا بالشمال فإن الشيطان يأكل بشماله ) رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه .
التحلي بالذهب للرجال
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام التحلي بالذهب للرجال فعن عبدالله ابن عباس رضي الله عنهما ( أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال : ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيضعها في يده فقيل أذهب الرسول خذ خاتمك وانتفع به قال : لا والله لا آخذه وقد طرحه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ).(1/66)
فعلى هذا يحرم على الرجال التحلي بالذهب سواء كان ساعة أو خاتما أو نحوه .
تطويل الشارب وترك تقصيره
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام حلق اللحية وتطويل الشارب .
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( جزوا الشوارب وارخوا اللحى خالفوا المجوس ) رواه أحمد وعن ابن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : خالفوا المشركين وفروا اللحى واحفوا الشوارب ) متفق عليه .
والأدلة في وجوب تربية اللحى وتحريم حلقها كثيرة فعلى المسلم أن يلتزم بشرع الله ويوفر لحيته ويحذر من حلقها والأخطر من ذلك تطويل الشوارب وحلقه اللحى فالواجب على المسلم أن يسمع ويطيع لأمر الله ورسوله وليعلم أن توفير اللحى زينة للرجل وبنها ميز الله الرجال من النساء ، وفي إعفائها طاعة لله واقتداء بسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ومخالفة لهدي الكفار والمشركين والمجوس وفي حلقها معصية لله ومخالفة لسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وتشبه بالنساء المعلون فاعله وتشبه بأعداء الله من الكفرة والمشركين وقد نهينا عن مشابهتهم وأمرنا بمخالفتهم وقد اتفق العلماء من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة وغيرهم على وجوب توفير اللحية وحرمة حلقها . والله الموفق .
التبرج والسفور
( إن من أقبح المنكرات وأكبر البلايا وأعظم الأخطار على المجتمع أن تتبرج المرأة وتظهر زينتها للرجال الأجانب في الطرقات والأسواق . أو المساجد وغيرها من المجتمعات )(1).
فإن المرأة إذا خرجت من بيتها إلى السوق أو غيره عارية الذراعين والساقين كاشفة عن وجهها وصدرها بادية النهود والأرداف حاسرة الرأس فلا دين يمنعها ولا حياء يردعها.
__________
(1) الدرر السنية(1/67)
فهل هذا الفعل أيها العقلاء جائز فإن الناظر في الكتاب والسنة يجد أن الكتاب والسنة والإجماع دلت على تحريم تبرج المرأة وهو إظهارها شيئا من بدنها أو زينتها المكتسبة التي حرم الله عليها إبدائها أمام الرجال الأجانب عنها .
كما دل الكتاب والسنة والإجماع العملي على تحريم سفور المرأة وهو كشفها الغطاء عن وجهها . والتبرج يعبر عنه وعن غيره من مظاهر الفساد بلفظ التكشف والتهتك والعري والتحلل الخلفي والإخلال بناموس الحياة وداعية الإباحية ( الزنا ) ولتعلم أخي المسلم وأختي المسلمة أن التبرج يكون بأمور منها .
بخلع الحجاب وأظهار المرأة شيئا من بدنها أمام الرجال الأجانب عنها .
ويكون التبرج بأن تبدي المرأة شيئا من زينتها المكتسبة مثل ملابسها التي تحت جلبابها عباءتها ويكون التبرج بتثني المرأة في مشيتها وبخترتها وترفلها وتكسرها أمام الرجال .
ويكون بالضرب بالأرجل ليعلم ما تخفي من زينتها ويكون التبرج بالخضوع بالقول وعلانية في الكلام ويكون التبرج باختلاط الرجال بالنساء وملامسة أبدانهن أبدان الرجال بالمصافحة ولتزاحم في المراكب والممرات الضيقة ونحوها .
فثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ).
فالتبرج ضرره جسيم وخطره عظيم يخرب الديار ويجلب الخزي والعار )(1) .
__________
(1) الدرر السنية(1/68)
فالواجب على ولاة أمور المسلمين ومن بأيديهم السلطة من رجال الفكر والعلم والدين التيقظ لهذه المسألة الخطيرة والشر المتفاقم . كما يجب على ولاة أمور النساء محاربة ذلك والقيام بواجبهم الديني والخلقي والاجتماعي . كرعاة مسؤولية عن القيام على رعاية النساء وحمايتهن من العبث بشيمتهن وكرامتهن وحفظهن من السهام المسمومة سهام إبليس ( وليحذر المسلم كذلك من بدايات التبرج في محارمه وذلك بالتساهل في لباس بناته الصغيرات بأزياء لو كانت على بالغات لكانت فسقا وفجورا مثل لباسها القصير والضيق والبنطال والشفاف الواصف لبشرتها إلى غير ذلك من ألبسة أهل النار كما تقدم في الحديث الصحيح وفي هذا من الإلف للتبرج والسفور وكسر حاجز الغيرة وزوال الحياء مالا يخفى ونحو ذلك مما هو معروف حتى صارت العادة عندهم تطويل ثياب الرجال وتقصير ثياب المرأة إلى ركبتها أو ما فوق الركبة بحيث يبدو فخذها نعوذ بالله من قلة الحياء والتجرؤ على محارم الله .
بيان في لباس المرأة عند محارمها ونسائها
صادر من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . وبعد :
فقد كانت نساء المؤمنين في صدر الإسلام قد بلغن الغاية في الطهر والعفة ، والحياء والحشمة ببركة الإيمان بالله ورسوله واتباع القرآن والسنة ، وكانت النساء في ذلك العهد يلبسن الثياب الساترة ولا يعرف عنهن التكشف والتبذل عند اجتماعهن ببعضهن أو بمحارمهن ، وعلى هذه السنة القويمة جرى عمل نساء الأمة ولله الحمد قرنا بعد قرن إلى عهد قريب فدخل في كثير من النساء ما دخل من فساد في اللباس والأخلاق لأسباب عديدة ليس هذا موضع بسطها .(1/69)
ونظرا لكثرة الاستفتاءات الواردة إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن حدود نظر المرأة إلى المرأة وما يلزمها من اللباس فإن اللجنة تبين لعموم نساء المسلمين : أنه يجب على المرأة أن تتخلق بخلق الحياء الذي جعله النبي - صلى الله عليه وسلم - من الإيمان وشعبة من شعبه ، ومن الحياء المأمور به شرعا وعرفا تستر المرأة واحتشامها وتخلقها بالأخلاق التي تبعدها عن مواقع الفتنة ومواضع الريبة .
وقد دل ظاهر القرآن على أن المرأة لا تبدي للمرأة إلا ما تبديه لمحارمها مما جرت العادة بكشفه في البيت وحال المهنة كما قال تعالى : ( وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْأِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) (النور:31) وإذا كان هذا هو نص القرآن وهو ما دلت عليه السنة فإنه هو الذي جرى عليه عمل نساء الرسول - صلى الله عليه وسلم - ونساء الصحابة ومن اتبعهن بإحسان من نساء الأمة إلى عصرنا هذا . وما جرت العادة بكشفه للمذكورين في الآية الكريمة هو : ما يظهر من المرأة غالبا في البيت وحال المهنة ويشق عليها التحرز منه كانكشاف الرأس واليدين والعنق والقدمين ، وأما(1/70)
التوسع في التكشف فعلاوة على أنه لم يدل على جوازه دليل من كتاب أو سنة هو أيضا طريق لفتنة المرأة والافتتان بها من بنات جنسها وهذا موجود بينهن وفيه أيضا قدوة سيئة لغيرهن من النساء ، كما أن في ذلك تشبها بالكافرات والبغايا الماجنات في لباسهن وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( من تشبه بقوم فهو منهم ) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود . وفي صحيح مسلم عن عبدالله ابن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - رأى عليه ثوبين معصفرين فقال : ( إن هذه من ثياب الكفار فلا تلبسها ) وفي صحيح مسلم أيضا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( صنفان من أهل النار لم أرهما : قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس . ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ) ومعنى ( كاسيات عاريات ) : هو أن تكتسي المرأة ما لا يسترها فهي كاسية وهي في الحقيقة عارية ، مثل من تلبس الثوب الرقيق الذي يشف بشرتها ، أو الثوب الضيق الذي يبدي تقاطيع جسمها ، أو الثوب القصير الذي لا يستر بعض أعضائها .
فالمتعين على نساء المسلمين التزام الهدي الذي كان عليه أمهات المؤمنين ونساء الصحابة رضي الله عنهم ومن اتبعهن بإحسان من نساء هذه الأمة والحرص على التستر والاحتشام فذلك أبعد عن أسباب الفتنة ، وصيانة للنفس عما تثيره دواعي الهوى الموقع في الفواحش .
كما يجب على نساء المسلمين الحذر من الوقوع فيما حرمه الله ورسوله من الألبسة التي فيها تشبه بالكافرات والعاهرات طاعة لله ورسوله ورجاء لثواب الله وخوفا من عقابه .
كما يجب على كل مسلم أن يتقي الله فيمن تحت ولايته من النساء فلا يتركهن يلبسن ما حرمه الله ورسوله من الألبسة الخالعة والكاشفة والفاتنة وليعلم أنه راع ومسؤول عن رعيته يوم القيامة .(1/71)
نسأل الله أن يصلح أحوال المسلمين وأن يهدينا جميعا سواء السبيل إنه سميع قريب مجيب وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
فتوى في صفة العباءة الشرعية للمرأة
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ... ………وبعد :
فقد أطلعت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء على ما ورد إلى سماحة المفتي العام من المستفتي / عبدالعزيز الدهام . والمحال إلى اللجنة من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء برقم ( 934 ) وتاريخ 12/2/1421هـ وقد سأل المستفتي سؤال هذا نصه : ( فقد انتشر في الآونة الأخيرة عباءة مفصلة على الجسم وضيقة وتتكون من طبقتين خفيفتين من قماش الكريب ولها كم واسع وبها فصوص وتطريز وهي توضع على الكتف ، فما حكم الشرع في مثل هذه العباءة ؟
أفتونا مأجورين ، ونرغب حفظكم الله بمخاطبة وزارة التجارة لمنع هذه العباءة وأمثالها.
وبعد دراسة اللجنة للاستفتاء أجابت بأن العباءة الشرعية للمرأة هي : ( الجلباب ) وهي ما تحقق فيها قصد الشارع من كمال الستر والبعد عن الفتنة ، وبناء على ذلك فلابد لعباءة المرأة أن تتوافر فيها الأوصاف الآتية :
أولا : أن تكون سميكة لا تظهر ما تحتها ، ولا يكون لها خاصية الالتصاق .
ثانيا : أن تكون ساترة لجميع الجسم ، واسعة لا تبدي تقاطيعه .
ثالثا : أن تكون مفتوحة من الأمام فقط ، وتكون فتحة الأكمام ضيقة .
رابعا : ألا يكون فيها زينة تلفت إليها الأنظار ، وعليه فلابد أن تخلو من الرسوم والزخارف والكتابات والعلامات .
خامسا : ألا تكون مشابهة للباس الكافرات أو الرجال .
سادسا : أن توضع العباءة على هامة الرأس ابتداء .(1/72)
وعلى ما تقدم فإن العباءة المذكورة في السؤال ليست عباءة شرعية للمرأة فلا يجوز لبسها لعدم توافر الشروط الواجبة فيها ولا لبس غيرها من العباءات التي لم تتوافر فيها الشروط الواجبة ، ولا يجوز كذلك استيرادها ولا تصنيعها ولا بيعها وترويجها بين المسلمين لأن ذلك من التعاون على الإثم والعدوان والله جل وعلا يقول : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (المائدة:2) واللجنة إذ تبين ذلك فإنها توصي نساء المؤمنين بتقوى الله تعالى والتزام الستر الكامل للجسم بالجلباب والخمار عن الرجال الأجانب طاعة لله تعالى ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - وبعدا عن أسباب الفتنة والافتتان . وبالله التوفيق . وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
خروج النساء متعطرات
من الأمور التي نهى عنها الإسلام خروج النساء متعطرات متطيبات قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( أيما امرأة أصابت بخورا فلا تشهد معنا العشاء الآخرة ). وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( كل عين زانية وإن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا يعني زانية ).
لبس الباروكة
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام لبس الشعر المستعار المسمى بالباروكة فروى الإمام مسلم عن أسماء بنت أبي بكر قالت جاءت امرأة إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت يا رسول الله إن لي ابنه أصباتها حصبة فتمزق شعرها أفأصله فقال : ( لعن الله الواصلة والمستوصلة ) وعن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال زجر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن تصل المرأة برأسها شيئا ). رواه مسلم . ويدخل في ذلك الباروكة وما يفعل بصالونات التجميل التي تحتاج إلى دراسة خاصة لبيان منكراتها وأخطارها وكذلك ما يفعله أهل التمثيل في تمثيلياتهم ومسرحياتهم والله المعين.
النظر إلى المرأة الأجنبية(1/73)
إن غض البصر عن النظر المحرم إلى المرأة الأجنبية والرجل الأجنبي عن المرأة واجب شرعا على كل مسلم ومسلمة قال تعالى : (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) (النور:30) وقال تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً) (الاسراء:36) .
والنظر إلى المحرمات من النساء الأجانب والمناظر والشهوات المحرمة هو أساس كل بلاء فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( كتب على ابن آدم نصيبه من الزنا مدرك ذلك لا محالة العينان زناهما النظر والأذنان زناه الاستماع واللسان زناها الكلام واليد زناها البطش والرجل زناها الخطأ والقلب يهوى ويتمنى ويصدق ذلك الفرج أو يكذبه ). ولتعلم أخي المسلم أن الواجب على المسلم أن يصرف بصره عن نظر الفجأه .
فعن جرير - رضي الله عنه - قال سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن نظر الفجأه فقال ( أصرف بصرك ) رواه مسلم وعن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( إياكم والجلوس في الطرقات قالوا يا رسول الله مالنا من مجالسنا بد نتحدث فيها فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإذا أبيتم إلا المجلس فاعطوا الطريق حقه قالوا وما حق الطريق يا رسول الله قال غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) متفق عليه وروى الإمام مسلم عن أبي سعيد - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة ولا يفضي الرجل إلى الرجل في ثوب واحد ولا تفضي المرأة إلى المرأة في ثوب واحد).
المصافحة للمرأة الأجنبية(1/74)
ومن الأمور المحرمة التي نهى عنها الإسلام مصافحة المرأة الأجنبية فعن معقل بن يسار - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ). قال محمد بن إسماعيل المقدم نقلا عن العلامة المحدث الألباني رحمه الله وفي الحديث وعيد شديد عن مس امرأة لا تحل له ودليل على تحريم مصافحة النساء الأجانب لأن ذلك مما يشمله المس دون شك وقد بلي بهذا كثير من المسلمين في هذا العصر وفيهم بعض أهل العلم ولو أنهم استنكروا بقلوبهم لهان الخطب بعض الشيء.
الخلوة بالمرأة الأجنبية
إن الخلوة بالمرأة الأجنبية والاختلاط المستهتر بين الرجال والنساء حرام في دين الله وهما من عوامل الهدم لأخلاق الأمة الاجتماعية والأسرية ومدعاة لغضب الله وعذابه . فواجب علينا جميعا أن نتقي الله تعالى في بناتنا ونسائنا ولنعلم أننا مسؤولين عنهن بين يدي الله الذي ائتمننا عليهن قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) (التحريم:6) وعن ابن عباس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم ) متفق عليه وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال إياكم والدخول على النساء فقال رجل من الأنصار أفرأيت الحمو قال الحمو الموت ). متفق عليه .
صور من الخلوة المحرمة
قال الشيخ محمد بن عبدالله الهبدان " حفظه الله " (1):
__________
(1) رسالة تحريم الخلوة بالمرأة الأجنبية .(1/75)
أولا : خلوة المرأة بأخ الزوج : كأن يسكن في المنزل أخوين ، فيخلو أحدهما بامرأة الآخر ، وقد حدث من جراء ذلك قصص دامية ، منها على سبيل المثال : قصة الرجل الذي كان يعمل سائق أجرة ومكث سنوات طويلة مع زوجته ، وقد أنجبت عدة أولاد ، وذات يوم ذهب للمستشفى من أجل التحليل عن مرض السكر ، فأخبره الطبيب بالفاجعة التي أذهلت عقل هذا الرجل ، حيث أخبره الطبيب أنه مصاب بالعقم ، فقال الرجل : إن لي عدة أولاد من زوجتى كيف تقول هذا ؟!! فلما استقصا الموضوع وجد أن الأخ يضاجع زوجة أخيه وكانت تحمل منه سفاحا ، نسأل الله تعالى السلامة والعافية .
ثانيا : خلوة المرأة مع الطبيب ولها عدة حالات :
خلوة الطبيب مع الطبيبة في المكتب .
خلوة الطبيب مع الممرضة .
خلوة الطبيب مع المريضة .
خلوة الطبيب مع الطالبة المتدربة .
خلوة الصيدلي مع زميلته الصيدلية .
وقد نص العلماء على حرمة الخلوة بأجنبية ولو للعلاج إلا مع حضور محرم لها ، أو زوج ، أو امرأة ثقة على الراجح ، لأن الخلوة بها مع وجود هؤلاء يمنع وقوع المحظور ، وهذا عند المالكية والشافعية والحنابلة .
ثالثا : خلوة الخادمة مع الرجل ولها عدة صور :
خلوة الخادمة مع سائق المنزل الأجنبي عنها .
خلوة الخادمة مع صاحب المنزل أو أحد أبنائه .
خلوة الخادمة مع أحد العمالة الوافدة ، فتدخل الخادمة أحد الرجال ويمارس معها الفاحشة بدون علم أهل المنزل ، وقد حصل ذلك مرارا .
رابعا : خلوة الدكتور مع الطالبة بحجة الإشراف على رسالة الماجستير أو الدكتوراة أو البحوث الفصلية الجامعية أو غيرها من المبررات .
خامسا : خلوة المعلم مع الطالبات في الدروس الخصوصية ، فيأتي المعلم لمنزل الفتاة ويدرسها لوحدها وقد حصل هذا وإن كان في نطاق ضيق ولله الحمد ولكن في الآونة الأخيرة بدا ينتشر وللأسف الشديد .(1/76)
سادسا : خلوة البائع مع المرأة في المحل ، فتأتي المرأة للسوق ، وتدخل محلا تجاريا خاليا من الزبائن إلا من صاحب المحل ، ولذا يؤكد دائما على أولياء المرأة أن يكون معها حتى تتلافى السلبيات والتي هذه واحدة منها . سابعا : خلوة السكرتيرة مع مديرها في مكتبه ، مع العلم أن أصل هذا العمل ممنوع شرعا لكن لو حصل فلا يجوز الخلوة بها .
ثامنا : خلوة المرأة مع السائق في السيارة ولهذا عدة صور :
خلوة المرأة مع سائق العائلة الخاص في السيارة .
خلوة المرأة مع أصحاب الليموزين .
خلوة الطالبة مع سائق الحافلة كأن تكون هي أول طالبة وآخر طالبة .
خلوة المعلمة مع سائق الحافلة أوالليموزين كأن تكون هي أول معلمة أو آخر معلمة.(1/77)
تاسعا : خلوة المرأة مع القارئ الذي يقرأ عليها ، وقد ذكر الإمام البيهقي في ( شعب الإيمان ) عن عبيد بن رفاعة الزرقي يبلغ به أن امرأة كانت في بني إسرائيل فأخذها الشيطان فألقى في قلوب أهلها أن دواءها عند راهب كذا ، وكان الراهب في صومعته ، فلم يزالوا يكلمونه حتى قبلها ، ثم أتاه الشيطان فوسوس إليه حتى وقع بها فأحبلها ، ثم أتاه الشيطان فقال : الآن تفتضح فاقتلها وادفنها ، فإن أتوك فقل : ماتت ودفنتها . قال : فقتلها ودفنها فأتى أهلها فألقى في قلوبهم أنه قتلها ودفنها ، فأتوه فسألوه ، فقال : ماتت ودفنتها . فأتاه الشيطان فقال : أنا الذي أخذتها ، وأنا الذي ألقيت في قلوب أهلها أن دواءها عندك ، وأنا الذي وسوست إليك حتى قتلتها ودفنتها ، وأنا الذي ألقيت في قلوب أهلها أنك قتلتها ودفنتها ، فأطعنى لتنجو ، اسجد لي سجدتين . ففعل ، فهو الذي قال الله عز وجل : (كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلْإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) (الحشر:16) عاشرا : خلوة المرأة في المصعد مع الرجل الأجنبي عنها ، يقول الأبي رحمه الله : ( لا تعرض المرأة نفسها بالخلوة مع أحد ـ وإن قل الزمن ـ لعدم الأمن لاسيما مع فساد الزمن ، والمرأة فتنة إلا فيما جبلت عليه النفوس من النفرة من محارم النسب ).
الحادي عشر : خلوة الخطيب مع خطيبته قبل عقد النكاح وإعلانه ، فيتساهل بعض الأولياء في ترك الخطيب مع خطيبته بحجة التعرف عليها والنظر إليها ، وقد حصل من جراء ذلك مصائب كثيرة ، والواجب أن يبقى معهما أحد المحارم لينظر إلى ما يؤدم بينهما كما جاء في الحديث .(1/78)
الثاني عشر : خلوة المرأة مع أخو الزوج أو أحد أقاربه في السيارة ، وأصبح الناس اليوم يتساهلون في هذا الأمر حتى صار أخو الزوج أحيانا هو الذي يحضر زوجة أخيه من مكان عملها لوحدها أو نحو ذلك فنسأل الله تعالى السلامة والعافية .
الثالث عشر : خلوة المضيفة في الطائرة مع قائد الطائرة أو مع أحد أفراد طاقمها .
الرابع عشر : خلوة المحقق مع المرأة ، فإذا كان للمرأة قضية فلا يجوز للمحقق أو الضابط أن يخلو بالمرأة بل لا بد من حضور ولي أمرها معها أو نساء ثقات .
الخامس عشر : خلوة المراهق بالمرأة ، يقول الشيخ حمود التويجري رحمه الله : ( أخبرنا رجل كان ساكنا في بعض المدن الحجازية زمانا ثم انتقل منها إلى بلاد أخرى ، أن أهله أرسلوه إلى امرأة في حاجة ، وكان إذ ذاك صغيرا لم يبلغ الحلم ، وكان زوج المرأة غائبا في سفر ، ولم يكن معها في بيتها أحد ، فلما دخل عليها ذهبت به إلى غرفتها فأضجعته على فراش زوجها مستلقيا على ظهره ، وعالجت إحليله حتى انتشر ، فأدخلته في فرجها وجثمت عليه حتى قضت حاجتها ، ثم أعطته بعض ما يعطاه الصبيان وطلبت منه أن لا يخبر أحدا بما صنعت به . قلت ـ أي التويجري ـ هذا من مفاسد خلوة المرأة مع الرجل الأجنبي ولو كان مراهقا ). ولقد أحسن الشاعر حيث يقول :
إذا بلغ الوليد لديك عشرا ……فلا يدخل على الحرم الوليد
السادس عشر : الخلوة بالأمرد حسن الوجه ، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وتحرم الخلوة بأمرد حسن ومضاجعته كالمرأة الأجنبية ولو لمصلحة التعليم والتأديب ).
وقال النووي رحمه الله : ( والمختار أن الخلوة بالأمرد الأجنبي الحسن كالمرأة فتحرم الخلوة به حيث حرمت بالمرأة إلا إذا كان في جمع من الرجال المصونين ).
واستدل على التحريم بما يلي :(1/79)
حديث جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يخلون بامرأة ليس معها ذو محرم منها فإن ثالثهما الشيطان ). ففي هذا الحديث بيان بأن خلوة الرجل مع المرأة مشاركة للشيطان ـ وهو لا يوجد إلا للحث على فعل محرم ـ مما يدل على حرمة الخلوة بالمرأة ـ وفي المرد من يفوق النساء لحسنه ـ والفتنة به أعظم ، مما يدل على تحريم الخلوة به .
أنه يمكن معه من الشر والفتنة والقبائح ما لا يمكن من النساء ، ويسهل في حقه من طرق الريبة ما لا يسهل في حق النساء ، فكان بالتحريم أولى وأليق وبالزجر عن مخالطته والنظر إليه أحق .
أن في مخالطة المردان طريقا إلى القبح وفعل الشر مهما كانت منزلة المختلط معه.
أن السلف رضي الله عنهم كانوا ينهون عن مجالسة المرد من ذلك ما يلي :
قال الحسن بن ذكوان ـ من أكابر السلف ـ لا تجالسوا أولاد الأغنياء فإن لهم صورا كصور العذارى ، وهم أشد فتنة من النساء .
قال بعض التابعين : ما أنا بأخوف على الشاب الناسك من سبع ضار من الغلام الأمرد يقعد إليه .
أمر سفيان الثوري ـ وهو الذي أنتهت إليه رياسة العلم والصلاح بإخراج أمرد دخل عليه الحمام وقال : أخرجوه فإني أرى مع كل امرأة شيطانا ، ومع كل أمرد سبعة عشر شيطانا .
قال فتح الموصلي : أدركت ثلاثين من الأبدال كلهم نهاني عند مفارقتي إياهم عن صحبة الأحداث ، قال معروف الكرخي كانوا ينهون عن ذلك .
السابع عشر : خلوة المرأة بالحيوان الذي يشتهي : قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( وتحرم الخلوة بغير محرم ولو بحيوان يشتهي المرأة أو تشتهيه كالقرد وذكره ابن عقيل ).
الثامن عشر : خلوة المرأة بالرجل الخصي والمجبوب :(1/80)
قال ابن عقيل : ويحرم خلوة النساء بالخصيان والمجبوبين إذ غاية ما تجد فيهم عدم العضو أو ضعفه ، ولا يمنع ذلك لإمكان الاستمتاع بحسهم من القبلة واللمس والاعتناق ، والخصي يقرع قرع الفحل والمجبوب يساحق ).
التاسع عشر : خلوة الطالب مع الطالبة سواء كان في قاعات الدراسة إذا خرج الطلاب للتفسح ، أو في الساحات ، أو منزل أحدهما ، خاصة في وقت الاختبارات ونحوها .
عشرون : خلوة المعلمة مع الطالب ، وهذا يحصل في الدول التي سارت على السماح بتدريس النساء للطلاب ، سواء كان ذلك في المدارس أو في الجامعات ونحوها .
الحادي والعشرون : خلوة صديق العائلة الذي يعرف أسرار العائلة والمنزل ، وهذا قد حصل ، فقد ألقى رجال الأمن القبض على شاب مع فتاة متبرجة ، وقد ظنوا أن الفتاة هي أخته ، فكلموه من أجل أن يغار عليها ، فقال بكل هدوء : هذه ليست أختي بل هي أخت زميلي !! ولما جاء أخو البنت استنكر على رجال الأمن تصرفهم وتدخلهم !! ولا حول ولا قوة إلا بالله ، ولما علم الأب بذلك كاد أن يجن لتصرف ولده وابنته ، وكيف يرضى بذلك ؟
الثاني والعشرون : الخلوة بالمرأة في حال السفر ، كأن يذهب بها أخو الزوج أو أحد أقاربه إلى المدينة التي تعمل بها ، هذه قد جمعت سيئتين وهما : السفر بلا محرم ، والخلوة بأجنبي عنها .
الثالث والعشرون : خلوة المرأة بالمرأة إذا خيف عليهن من المساحقة .
الرابع والعشرون : الخلوة بالمرأة الكبيرة ، فلا فرق بين الصغيرة والكبيرة لأنه كما يقال : لكل ساقطة في الحي لاقطة .
الخامس والعشرون:خلوة المرأة بأكثر من رجل ، وهذا رأي الشافعية والراجح عند الحنابلة.
امتناع المرأة عن فراش زوجها(1/81)
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام امتناع المرأة عن فراش زوجها إذا دعاها قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها لعنتها الملائكة حتى تصبح ). متفق عليه من حديث أبي هريرة ومن رواية حتى ترجع .
والظاهر من الحديث أن الفراش كناية عن الجماع .
فلا يجوز لها الامتناع عن فراش زوجها إلا إذا كان لها عذر من مرض أو غيره .
تخبيب المرأة على زوجها
ومن الأمور المنكرة التي حرمها الإسلام تخبيب المرأة على زوجها وتخبيب العبد على سيده قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ليس منا من خبب امرأة على زوجها او عبدا على سيده ).(1/82)
قلت ويدخل في هذا ما يفعله ضعاف النفوس من المعاكسة الهاتفية ولا يقع في ذلك إلا من ضعف إيمانه ، فمن ضعف إيمانه وقل خوفه من الله فلا يبالي أن يستخدم الهاتف في أذية المسلمين وانتهاك أعراضهم ، وكذلك مخالطة ضعاف النفوس وقرناء السوء من الجنسين فهم وراء كل تعاسه وضياع ودمار فمخالطتهم سبب لكل رذيلة فكم من شاب وفتاه لم تفلت من براثن الرفقة السيئة التي تجرها إلى المعصية وتحثها إليها وكذلك السماح لأفراد العائلة بمشاهدة القنوات الفضائية وقراءة المجلات الهابطة كل ذلك من أسباب الانحراف والوقوع في براثن الرذيلة وهو من أكبر أسباب التخبيب فالمعاكسات وما يتبعها من انحرافات تؤدي إلى إثارة الغريزة وانتشار الزنا فبداية المعاكسة كلام معسول ثم عشق وحب وغرام ووعود كاذبة بالزواج ثم تبدأ الجريمة الكبرى ثم نهايتها العار على الفتاة وعلى أهلها مدى العمر . فللشياطين أساليبهم في الحصول على صورتها أو تسجيل مكالمتها كل ذلك وسائل يستخدمها اللصوص للتهديد وتحت هذا التهديد ربما باعت المرأة عرضها خوفا من العار والفضيحة وإن كانت متزوجة فضيعت بيتها وزوجها وأولادها . فالطريق إلى الخلاص من ذلك الخوف من الله الذي يثمر التقوى التي تعود على فعل المأمور واجتناب المحذور ومن ذلك أن تعلم أن المعاكسة والمغازلة وأذيه المسلمين في أعراضهم وتخبيب النساء أو الرجال كل ذلك من المحرمات التي يجب على المسلم الحذر منها .
إتيان النساء في أدبارهن
ومن الأمور التي نهى عنها الإسلام إتيان النساء في أدبارهن قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ( ملعون من أتى المرأة في دبرها ) فاتق الله عبدالله وأحذر هذا المنكر العظيم واكتف بما أحل الله لك في موضع الحرث .
الأعمال الموجبة لغضب الله (1)
__________
(1) بقلم أحمد بن عبدالرحمن القاسم بواسطة كتاب الثمار اليانعة من الكلمات الجامعة للشيخ : عبدالله الجارالله رحمه الله .(1/83)
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه وبعد :
فقد حذر الله ونبه عباده المسلمين عن أعمال أهل النار في الدنيا وأفعالهم الباطلة المخالفة لهدي الإسلام ، ونهى عن مشابهتهم في أعيادهم وشعائرهم وتقاليدهم والاقتداء بمظاهرهم الخاصة بهم من اليهود والنصارى والملاحدة والوثنين الذين لا يقيمون لله وزنا ولا قدرا ولا وقارا ولا عظمة ولا عبادة ولا مخافة ولا اعتبارا ولا لأنفسهم لسعيهم في عذابها الأليم بعد انتقالهم من هذه الحياة مباشرة ، وذلك لما في مشابهتهم من ضعف الإيمان والغيرة الدينية ووجود النفاق والمحبة لهم وعدم الإنكار عليهم وهم لا يرضون من المسلمين المغفلين مع الأسف إلا بترك الإسلام والدخول في ديانتهم والوقوف في الألحاد والكفر والخلاعة والفجور ، وذلك لما يخافون من صحوة المسلمين ونهضتهم من غفلتهم ويقظتهم من سباتهم العميق وعودتهم إلى الإسلام الصحيح من جديد وتركهم للمعاصي والذل والخمول والجبن والكسل واستعدادهم لعدوهم اللدود المتربص بهم الفرص بقوة الإيمان الروحية والبشرية والميدانية لنصر دينه وإعلاء كلمته فإن الله ناصرهم ومؤيدهم لأنهم جنده وحزبه المفلحون قال تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7) وخاذل أعداءه من حزب الشيطان وجنوده ورسله.(1/84)
فمن أعمال أهل النار الردة عن الإسلام والدخول في متاهات الضلال والجهل كالشرك بالله تعالى من التبرك والتمسح والطواف بالأضرحة والمشاهد وسؤالهم المدد والرزق والشفاعة وجعلهم وسائط بينهم وبين الله تعالى في قضاء الحوائج وكشف الشدائد من الأمور والغائبين كالأنبياء والملائكة والصالحين وغيرهم كالشمس والقمر والكواكب والأشجار والأحجار والبقر وغيرها لقوله تعالى : ( إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَار ٍ) (المائدة: من الآية72) والوثني المنتسب إلى الإسلام لا ينفعه الانتساب في الآخرة إذا فقد الأصل والأساس وهو التوحيد لقوله تعالى : (ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (الأنعام:88) . وكذلك من أنكر وجود الله تعالى أو ربوبيته كفرعون ، أو إسما من أسمائه كالرحمن أو فعلا من أفعاله كاستوائه على العرش أو أباح له اتخاذ الصاحبة والولد كالنصارى ومشركي العرب وغيرهم ، ومن أعمال أهل النار تحكيم القوانين الوضعية لمخالفتها لكتاب الله الكريم وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم - وما عليه المسلمون ، من تعطيل وإلغاء الأحكام الإسلامية أو شيء منها كالحدود والسياسة والاقتصاد والاجتماع بدعوى قدمها وقسوتها وعدم صلاحيتها لعصر الحضارة والاستعمار الرأسمالي والشيوعي الأرهابي والتدمير والإباحية المطلقة واستبدالها بالقوانين البشرية القائمة على إباحة الشهوات المحرمة وغيرها كالزنا والربا والقمار واللواط والخمور والغناء وآلات اللهو إرضاء لعامة الشعوب الجهلة وتحطيمها لقوتها الروحية ومعنوياتها ومبادئها وشرفها وعلومها وإشغالا لها عن أمور الزعامة والرئاسة والإصلاح لقوله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ(1/85)
ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء:65).
وقوله تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44) ومن أعمال أهل النار ترك شيء من مباني الإسلام الخمسة مع القدرة أو إنكار شيء من أصول الإيمان الستة والأعراض عن تعاليم الإسلام وهديه وسلوكه مع معرفة فضله واختصاصه بصلاحية البشر في جميع الأحوال والأزمان وحريتهم من جميع الشرور والعناد والفوضى والرغبة في الدنيا وشهواتها والرضا بها بدل الآخرة لقوله تعالى ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ ) (السجدة:22) وقوله ( فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) (لنجم:29). وما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام ) متفق عليه . ومن أعمال أهل النار النفاق والمنافقون دعاة النار المقيمون بين المسلمين المظهرون للإسلام والمبطنون النفاق ، والتشكيك في الدين والمخادعة لله والمؤمنين الطاعنون في بعض نصوص الكتاب والسنة وما عليه المسلمون مما يخالف ذوقهم وشهواتهم ، لإخراجهم من دينهم بشتى الوسائل والأسباب الظاهرة والخفية من ترويج أسباب العناد والفجور والتثبيط عن الطاعة وفعل الخير وإظهار المسلمين بمظهر الجهل والضعف والتخلف ، والأعداء بمظهر القوة والسيادة والعلم .(1/86)
ومن صفاتهم تفضيلهم للقوانين الإنسانية على الشريعة الإسلامية لجهلهم وضعف إدراكهم وعقولهم لقوله تعالى : ( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ )(النساء: من الآية60) وقول تعالى : ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44). ومن صفاتهم تخلفهم عن الجماعات وكسلهم في أدائها ورغبتهم عنها لقوله تعالى : (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:142) وما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا) متفق عليه .(1/87)
ومن صفاتهم أمرهم بالمنكر قولا وفعلا ومباشرتهم له على وجه المحبة والرضا ونهيهم عن المعروف بلسان الحال والمقال ورغبتهم عنه وبخلهم وكراهتهم للصدقات لقوله تعالى : ( الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (التوبة:67) ومن صفاتهم ما في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا أؤتمن خان ) متفق عليه وفي لفظ (وإذا خاصم فجر وإذا عاهد غدر) وما في مسند الإمام أحمد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( إن للمنافقين علامات يعرفون بها تحيتهم لعنةوطعامهم نهبة وغنيمتهم غلول ولا يقربون المساجد إلا هجرا ولا يأتون الصلاة إلا دبرا مستكبرين لا يألفون ولا يؤلفون خشب بالليل صخب بالنهار ) وصفاتهم كثيرة كفا الله المؤمنين شرهم .
ومن أعمال أهل النار اعتقادهم عدم وجب اتباع محمد - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من الشريعة والأحكام والعبادات وأنه من جملة الدعاة المصالحين للبشر فيبتغ من أراد الخروج عن شريعته لأهل الكتاب القاديانية والبهائية والأسماعيلية البقاء على ديانتهم ومذهبهم ولأصحاب السياسة والقانونين أن يقرروا ما يشاءون من الأنظمة التي تتطلبها الحياة البشرية بزعهمم لتغير الزمن ومسايرة الأمم الراقية في الصناعة والإباحية المطلقة وأن هدي غير النبي لله إذا كان فيه تهذيب وترفيه للنفوس أو مصلحة سياسية فهو جائز وهذا كفر وضلال لقوله تعالى : (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْأِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) (آل عمران:85) .(1/88)
وما ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم .
ومن أعمال أصحاب النار مسبة الله تعالى أو كتابه أو دينه أو الاستهزاء بشيء مما جاء به من العبادات والحدود والقصاص والأخبار الغيبية كعذاب القبر ونعيمه والجن والشياطين والدجال وإساءة الظن بالله تعالى لقوله تعالى (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ ، لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ)(التوبة: من الآية66). ومن أعمال أهل النار موالاة أعداء الإسلام والمسلمين من سائر الملل والطوائف المخالفة للإسلام ومساعدتهم بالأموال وغيرها ، أو تصحيح مللهم وعدم تكفيرهم باعتبار أنهم على أديان سماوية يقصدون بها التقرب إلى الله لقوله تعالى : ( لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ )(المجادلة: من الآية22) وقوله تعالى : ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(المائدة: من الآية51) .(1/89)
ومن أعمال أهل النار طاعة الأمراء والعلماء في إباحة الحرام وتحريم الحلال وترك العمل بشيء مما في الكتاب والسنة لقوله : ( اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ )(التوبة: من الآية31) وتعلم السحر وتعليمه والعمل به وإباحته والرضا به والقنوط من رحمة الله واليأس من روحه والأمن من مكره وإدعاء النبوة وإنكار البعث والحساب والجنة والنار أو الملائكة وبعض الكتب والرسل والقدر أو القول عليه بلا علم في ذاته وصفاته وأفعاله وأحكامه.(1/90)
ومن الأعمال والمعاصي المسببة لغضب الله وسخطه والعذاب في القبر والآخرة ارتكاب شيء من الكبائر الموجبة للحد في الدنيا أو الوعيد في الآخرة بعذاب أو غضب أو لعنة أو نفي الإيمان إذا مات مصرا عليها ولم يعف الله عنه كالربا والرياء في الأعمال والزنا واللواط والخمر والقمار واللعب بالنرد ونحوه والكبر والفخر والخيلا وأسبال الثياب وترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مع القدرة والغيبة والنميمة وعدم التنزه من البول وقتل النفس المؤمنة أو المعاهدة بغير حق وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات وعقوق الوالدين وقطيعة الأرحام والتخلف عن الجماعات والحلف بغير الله والشفاعة في إسقاط الحدود والقصاص ولباس الحرير والذهب كالساعة للرجال واستعمال آنية الذهب والفضة للرجال والنساء والاستهانة بالمصحف والمرور بين يدي المصلي ومسبة الصحابة والسلف الصالح وشهادة الزور واليمين الفاجرة وتصوير ذوات الأرواح بأي شكل كان والغلول من الغنيمة أو بيت المال وأكل المال الحرام أو ظلم الرعية في دينهم أو دنياهم والسرقة والرشوة والغش والتدليس وسب الرسول - صلى الله عليه وسلم - وظلم العباد والغدر والخيانة والديوث الذي يقر الفساد في أهله والقواد الذي يجمع بين النساء والرجال والحسد وأذى الجار ونقص المكاييل وإفطار يوم من رمضان بلا عذر وغير ذلك من الكبائر والمحرمات التي يجب على المسلم اجتنابها فهي لا تكفر بصلاة ولا صوم ولا حج وإنما بالتوبة منها وكذلك ما دونها من الذنوب لما روي عن ابن عباس - رضي الله عنه - أنه قال لا كبيرة من استغفار ولا صغيرة مع إصرار . وفق الله المسلمين لما فيه صلاحهم وسعادتهم ووقاهم كل شر ومكروه .
النهي والتحذير عن محرمات وقع فيها أكثر الناس (1)
__________
(1) سبع رسائل للشيخ عبدالرحمن بن حماد آل عمر(1/91)
أعلم أيها المسلم أن الله تعالى كما افترض عليك الفرائض حرم عليك المحرمات وتوعد مرتكبيها بالوعيد الشديد والعذاب الأليم :
فحرم الشرك وأخبر سبحانه بأنه لا يغفره وأنه يحبط كل عمل صالح ، قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْماً عَظِيماً) (النساء:48).
وحرم الاستهزاء بالدين أو بشيء منه أو بأهله وأخبر أنه كفر : قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ )(التوبة: من الآية66) .
وحرم الحكم بغير ما أنزل وأخبر بأنه كفر به سبحانه . قال تعالى ( وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)(المائدة: من الآية44).
وحرم موالاة الكفار وتصحيح مذهبهم والتشبه بهم وأخبر بأنه كفر قال تعالى ( وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(المائدة: من الآية51). وقال - صلى الله عليه وسلم - : ( من تشبه بقوم فهو منهم ).
وحرم قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ، وحرم اليمين الفاجرة والظلم وشرب الخمر وشهادة الزور والكذب والخيانة ، والكبر والحسد والشحناء والغيبة والنميمة وأكل الربا وأموال اليتامى ظلما وتناول الحرام على أي وجه كان سواء أكان من سرقة أو اغتصاب أو خيانة أو غش أو قمار أو غير ذلك .
وحرم الزنى واللواط وأخبر سبحانه وتعالى ما فيهما من فحش عظيم وجرم شنيع توعد فاعلهما بالعذاب الأليم .
وحرم سبحانه وتعالى التصوير واقتناء الصور وجاءت الأحاديث الصحيحة بأن كل مصور بالنار ، وأن أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون ومن صور عن رضى منه واختيار أو رضي فهو كالفاعل .(1/92)
وحرم الله الغناء والعزف والاستماع إلى ذلك سواء أكان المغني رجلا أم امرأة لأن الغناء وآلات اللهو كالعود والمزمار والكمنجة والرباب ونحو ذلك لهو باطل يصد عن ذكر الله ويضل عن سبيله قال تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُواً أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) (لقمان:6) . فسر ابن عباس وابن مسعود وغيرهما لهو الحديث بالغناء والمزامير . وروى البخاري عن أبي مالك الأشعري أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف ولينزلن أقوام إلى جنب علم يروح عليهم بسارحة لهم .. يأتيهم بحاجة فيقولوا أرجع إلينا غدا فيبيتهم الله ويضع العلم ويمسخ آخرين قردة وخنازير إلى يوم القيامة ) وروى الترمذي عن عبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( إنما نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير شيطان وصوت عند مصيبة خمش وجوه وشق جيوب ورنة ) نسأل الله العافية في الدنيا والآخرة .
وحرم حلق اللحى : وجاء الأحاديث الصحيحة بالنهي الأكيد عن حلقها والأمر بإعفائها وقص الشوارب ففي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال ( حفوا الشوارب وارخو اللحى ) وكره - صلى الله عليه وسلم - النظر لرسولي كسرى لما رآهما قد حلقا لحيتيهما وأطالا شاربهما وقال لهما ( ويلكما من أمركما بهذا ) قالا : أمرنا ربنا ـ يعنيان كسرى ـ فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - ( ولكن ربي أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي ) واللحية أسم لكل ما نبت على اللحيين والعارضين والذقن من الشعر وهي ميزة ميز الله بها الرجل عن المرأة تدل على رجولته فكيف تستيغ يا حالق لحيته أن تتشبه بالنساء وبالمجوس وتغير خلق الله وقد حرم الله عليك ذلك .(1/93)
وحرم الله على الرجال لبس الذهب والحرير فقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاتما من الذهب في يد رجل فنزعه وطرحه وقال ( يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده ) واخبر عليه الصلاة والسلام في حديث آخر:( بأن الله حرم على ذكور أمته لبس الذهب والحرير وأحله لإناثهم). وشرب الدخان الذي تفشى بين الناس فلم يسلم منه إلا القليل ذكر المحققون من أهل العلم أنه محرم من أربعة أوجه :
الأول : ثبت بالطب والتجربة بأنه يضر بالبدن ضررا بالغا وأنه ينشأ عن شربه أمراض فتاكة كالسل الرئوي وسرطان المرى والكحة المزمنة واضطراب دقات القلب بالإضافة إلى أنه يؤدي إلى موت الفجأة وقد قال الله تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (النساء:29) . وجاء الحديث ( بأن قاتل نفسه في النار ) وفي الحديث المتفق عليه ( من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة ).
الوجه الثاني : ثبت أن الدخان مفتر وقد يسكر أحيانا إذا شربه من لم يعتده أو شربه فاقده بكثرة وقد حرم الله كل مسكر وكل مخدر ومفتر .
الوجه الثالث : أنه مستخبث ومكروه ، من جميع الوجوه فهو خبيث الرائحة ضار بالبدن يقرب شاربه من جلساء السوء ويبعده عن الصالحين وقد أحل الله الطيبات وحرم الخبائث .(1/94)
الوجه الرابع : أن النفقة فيه تبذير وقد قال الله تعالى : (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً) (الاسراء:27) والعجب ممن يدعي الرجولة والعقل وقوة الإرادة وفي الوقت نفسه لا يستطيع منع نفسه من شرب الدخان الضار بدينه وبدنه وماله مع أن الرضيع يفطم عن لبن أمه الحلال الطيب الذي به مطعمه ومشربه ولذته فينفطم ويسلو بعد أيام قلائل . لقد آن لكم أيها المقصرون أن ترجعوا إلى ربكم وتتوبوا إليه قال الله تعالى ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(النور: من الآية31)
بيان من اللجنة الدائمة للبحوث العلمية
بشأن المجلات الخليعة ومخاطرها
الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد :
فقد أصيب المسلمون في هذا العصر بمحن عظيمة ، وأحاطت بهم الفتن من كل جانب ووقع كثير من المسلمين فيها ، وظهرت المنكرات ، واستعلن الناس بالمعاصي بلا خوف ولا حياء ، وسبب ذلك كله : التهاون بدين الله وعدم تعظيم حدود الله وشريعته ، وغفلة كثير من المصلحين عن القيام بشرع الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وإنه لا خلاص للمسلمين ولا نجاة لهم من هذه المصائب والفتن إلا بالتوبة الصادقة إلى الله تعالى وتعظيم أوامره ونواهيه ، والأخذ على أيدي السفهاء ، وأطرهم على الحق أطرا .
وإن من أعظم الفتن التي ظهرت في عصرنا هذا ما يقوم به تجار الفساد وسماسرة الرذيلة ومحبو إشاعة الفاحشة في المؤمنين : مثل إصدار مجلات خبيثة تحاد الله ورسوله في أمره ونهيه فتحمل بين صفحاتها أنواعا من الصور العارية والوجه الفاتنة المثيرة للشهوة ، الجالبة للفساد .
وقد ثبت بالاستقراء أن هذه المجلات مشتملة على أساليب عديدة في الدعاية إلى الفسوق والفجور وإثارة الشهوات وتفريغها فيما حرمه الله ورسوله . ومن ذلك أن فيها :(1/95)
الصور الفاتنة على أغلفة تلك المجلات وفي باطنها .
النساء في كامل زينتهن يحملن الفتنة ويغرين بها .
الأقوال الساقطة الماجنة ، والكلمات المنظومة والمنثورة البعيدة عن الحياء والفضيلة ، والهادمة للأخلاق المفسدة للأمة .
القصص الغرامية المخزية ، وأخبار الممثلين والممثلات والراقصين والراقصات من الفاسقين والفاسقات .
في هذه المجلات الدعوة الصريحة إلى التبرج والسفور واختلاط الجنسين وتمزيق الحجاب .
عرض الألبسة الفاتنة الكاسية العارية على نساء المؤمنين لإغرائهن بالعري والخلاعة والتشبه بالبغايا والفاجرات.
في هذه المجلات العناق والضم والقبلات بين الرجال والنساء .
في هذه المجلات المقالات الملتهبة التي تثير موات الغريزة الجنسية في نفوس الشباب والشابات فتدفعهم بقوة ليسلكوا طريق الغواية والانحراف والوقوع في الفواحش والآثام والعشق والغرام .
فكم شغف بهذه المجلات السامة من شباب وشابات فهلكوا بسببها وخرجوا عن حدود الفطرة والدين . ولقد غيرت هذه المجلات في أذهان كثير من الناس كثيرا من أحكام الشريعة ، ومبادئ الفطرة السليمة بسبب ما تبثه من مقالات ومطارحات .
واستمرأ كثيرا من الناس المعاصي والفواحش وتعدي حدود الله بسبب الركون إلى هذه المجلات واستيلائها على عقولهم وأفكارهم .
والحاصل : أن هذه المجلات قوامها التجارة بجسد المرأة التي أسعفها الشيطان بجميع أسباب الإغراء ووسائل الفتنة للوصول إلى : نشر الإباحية ، وهتك الحرمات ، وإفساد نساء المؤمنين ، وتحويل المجتمعات الإسلامية إلى قطعان بهيمية لا تعرف معروفا ولا تنكر منكرا .(1/96)
ولا تقيم لشرع الله المطهر وزنا ، ولا ترفع به رأسها كما هو الحال في كثير من المجتمعات ، بل وصل الأمر ببعضها إلى التمتع بالجنسين عن طريق العري الكامل فيما يسمونه ( مدن العراة ) عياذا بالله من انتكاس الفطرة والوقوع فيما حرمه الله ورسوله . هذا وإنه بناء على ما تقدم ذكره من واقع هذه المجلات ومعرفة آثارها وأهدافها السيئة وكثرة ما يرد إلى اللجنة من تذمر الغيورين من العلماء وطلبة العلم وعامة المسلمين من انتشار عرض هذه المجلات في المكتبات والبقالات والأسواق التجارية .
فإن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء ترى ما يلي :
أولا : يحرم إصدار مثل هذه المجلات الهابطة ، سواء كانت مجلات عامة ، أو خاصة بالأزياء النسائية ، ومن فعل ذلك فله نصيب من قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) (النور:19) .
ثانيا : يحرم العمل في هذه المجلات على أي وجه كان ، سواء كان العمل في إدارتها أو تحريرها أو طباعتها أو توزيعها ، لأن ذلك من الإعانة على الإثم والباطل والفساد ، والله جل وعلا يقول : ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الْأِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)(المائدة: من الآية2) .
ثالثا : تحرم الدعاية لهذه المجلات وترويجها بأية وسيلة ، لأن ذلك من الدلالة على الشر والدعوة إليه ، وقد ثبت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : ( من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا ).
رابعا : يحرم بيع هذه المجلات ، والكسب الحاصل من ورائها كسب حرام ، ومن وقع في شيء من ذلك وجب عليه التوبة إلى الله تعالى والتخلص من هذا الكسب الخبيث.(1/97)
خامسا : يحرم على المسلم شراء هذه المجلات واقتناؤها ، لما فيها من الفتنة والمنكرات ، كما أن في شرائها تقوية لنفوذ أصحاب هذه المجلات ورفعا لرصيدهم المالي وتشجيعا لهم على الإنتاج والترويج ، وعلى المسلم أيضا أن يحذر من تمكين أهل بيته ذكورا وإناثا ـ من هذه المجلات ، حفاظا لهم من الفتنة والافتتان بها ، وليعلم المسلم أنه راع ومسؤول عن رعيته يوم القيامة .
سادسا : على المسلم أن يغض بصره عن النظر في تلك المجلات الفاسدة ، طاعة لله ولرسوله - صلى الله عليه وسلم - ، وبعدا عن الفتنة ومواقعها ، وعلى الإنسان ألا يدعي العصمة لنفسه ، فقد أخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم ، وقال الإمام أحمد ـ رحمه الله تعالى : ( كم نظرة ألقت في قلب صاحبها البلاء ). فمن تعلق بما في تلك المجلات من صور وغيرها أفسدت عليه قلبه وحياته وصرفته إلى ما لا ينفعه في دنياه وآخرته ، لأن صلاح القلب وحياته إنما هو في التعلق بالله جل جلالة وعبادته وحلاوة مناجاته والإخلاص له وامتلائه بحبه سبحانه.
سابعا : يجب على من ولاّه الله على أي من بلاد الإسلام أن ينصح للمسلمين وأن يجنبهم الفساد وأهله ويباعدهم عن كل ما يضرهم في دينهم ودنياهم ، ومن ذلك منع هذه المجلات المفسدة من النشر والتوزيع وكف شرها عنهم ، وهذا من نصر الله ودينه ومن أسباب الفلاح والنجاح والتمكين في الأرض ، كما قال الله سبحانه وتعالى (وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ * الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ) (الحج:40 ـ 41) والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء(1/98)
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد آل الشيخ
عضو : عبدالله بن عبدالرحمن الغديان
عضو : بكر بن عبدالله أبو زيد
عضو : صالح بن فوزان الفوزان
ماينبغي أن يحذره المسلم (1)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد :
فيا أخي المسلم أحذرك أن تفعل شيئا مما نهاك الله عنه ورسوله لتفوز بسعادة الدنيا والآخرة وتسلم من شقاوة الدنيا والآخرة .
أحذرك أن تشرك بالله شيئا في القول أو الاعتقاد أو العمل كدعوة غير الله أو الذبح لغيره أو التوكل على غيره في جلب نفع أو دفع ضر أو حصول نصر أو غير ذلك مما لا يقدر عليه إلا الله وحده لا شريك له ( إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ )(النساء: من الآية48).
أحذر أن تترك الصلاة متعمدا فتكون من الخاسرين .
أحذر أن تمنع زكاة مالك فيكون عذابا عليك .
أحذر أن تفطر يوما من رمضان لغير عذر فإنه كبيرة من الكبائر .
أحذر أن تؤخر حج الفريضة مع القدرة عليه فتموت عاصيا قبل أن تحج .
أحذر أن تعصي والديك أو تقطع أقاربك أو تسيء إلى جيرانك فتكون من الآثمين .
أحذر أن تفعل جريمة الزنا واللواط ومقدماتها كالنظر المحرم والكلام المحرم والسماع المحرم .
أحذر ظلم الناس في دمائهم وأموالهم وأعراضهم فإنه حرام يذهب الحسنات .
أحذر التعامل بالربا فإنه جريمة شنيعة وعاقبته وخيمة .
أحذر الكذب والخيانة والغش في المعاملات وتناول الحرام على أي وجه كان فأي لحم نبت من سحت فالنار أولى به .
أحذر الكبر والخيلاء وإسبال الثياب أسفل من الكعبين فإنه حرام .
أحذر لبس الذهب والحرير والتشبه بالنساء في أي مظهر فإن فاعله معلون .
أحذر شرب المسكرات والمخدرات كالخمر والدخان الضار بدينك وصحتك ومالك ومجتمعك .
أحذر الغيبة والنميمة والشتم واللعن والسباب والقذف وشهادة الزور وإخلاف الوعد فإنها من كبائر الذنوب .
__________
(1) من كتاب كلمات مختاره للشيخ / عبدالله الجارالله رحمه الله(1/99)
أحذر التشبه بالكفار فيما يختص بهم فإن من تشبه بقوم فهو منهم .
أحذر أذية أولياء الله المؤمنين ومعاداتهم فإنها محاربة لله .
أحذر رياء الناس في الطاعات فإنه يحبط العمل .
أحذر أن تخالف سنة نبيك بقول او فعل وقد أوجب الله عليك طاعته وحرم عليك مخالفته ولك فيه أسوة حسنة .
أحذر تصوير ذوات الأرواح من الآدميين والبهائم لغير ضرورة فإنه متوعد عليه بأشد العقوبات .
أحذر أن تعصي الله بالقول والعمل ، واحذر عقاب الله وارج ثوابه ليستقيم إيمانك .
أحذر الاستهزاء بشيء فيه ذكر الله أو القرآن أو الرسول - صلى الله عليه وسلم - فإن ذلك كفر .
أحذر أن تحرم ما أحل الله أو تحل ما حرم الله فإن ذلك كفر .
أحذر الأعراض عن دين الله بعدم تعلمه والعمل به فإن ذلك من نواقض الإسلام .
أحذر هجر القرآن الكريم بعدم قراءته وتدبره والعمل به فيكون حجة عليك عند ربك .
أحذر أن تحب الكفرة والمشركين والعصاة والملحدين فإن المرء مع من أحب يوم القيامة .
أحذر أن تجحد شيئا من أسماء الله وصفاته أو تأولها عن مدلولها أو تشبهها بصفات المخلوقين فإن الله تعالى : ( لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِير)(الشورى: من الآية11)
أحذر أن تعمل عمل الآخرة للدنيا كتعلم العلم الشرعي وتعليمه والحج والجهاد والآذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنه متوعد على ذلك بحبوط العمل وبطلانه ودخول النار .
أحذر أن تكفر نعم الله عليك بإنكارها أو الاستعانة بها على معاصيه .
أحذر أن تترك نساءك وبناتك يخرجن سافرات أو متبرجات فاتنات فإنك سوف تسأل عن ذلك .(1/100)
أحذر أن تؤخر التوبة فتموت فجأة قبل أن تتوب نادما مع الخاسرين قال الله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ)(النور:من الآية63) وقال تعالى ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(النور:من الآية31)وفقك الله يا أخي المسلم لموجبات رحمته وعزائم مغفرته وأعاذك من موجبات غضبه وأليم عقابه .
وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
من آثار وعقوبات المعاصي (1)
للمعاصي من الآثار القبيحة المذمومة المضرة بالقلب والبدن في الدنيا والآخرة مالا يعلمه إلا الله ، ذكر كثيرا منها الإمام ابن القيم رحمه الله بأدلتها وشرحها في كتابه ( الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي ). نختصر منها ما يلي تحذيرا منها ومن سوء عاقبتها ونحيل القارئ بأدلتها وشرحها إلى ذلك الكتاب القيم :
من عقوبات المعاصي حرمان العلم .
حرمان الرزق .
وحشة يجدها العاصي في قلبه بينه وبين الله وبينه وبين الناس .
تعسير أموره .
ظلمة يجدها في قلبه حقيقة يحس بها .
أن المعاصي توهن القلب والبدن .
أنها تحرم الطاعة لله ولرسوله .
أن المعاصي تقصر العمر وتمحق بركته .
أن المعاصي تزرع أمثالها ويولد بعضها بعضا .
أنها تضعف القلب عن إرادته فتقوي فيه إرادة المعصية .
أنه ينسلخ عن القلب استقباحها فتصير له عادة .
أن كل معصية من المعاصي فهي ميراث عن أمة من الأمم التي أهلكها الله عز وجل وفي ذلك لنا عظة وعبرة والسعيد من وعظ بغيره .
أن المعصية سبب لهوان العبد على ربه وسقوطه من عينه .
أن المعصية تورث الذل ولا بد فإن العز كله في طاعة الله سبحانه والذل كله في معصيته .
أن المعاصي تفسد العقل .
أن الذنوب إذا تكاثرت طبع على قلب صاحبها فكان من الغافلين .
__________
(1) من كتاب كلمات مختاره للشيخ عبدالله الجارالله رحمه الله(1/101)
أن الذنوب تدخل العبد تحت لعنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
حرمان دعوة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودعوة الملائكة للمؤمنين والمؤمنات .
من عقوبات المعاصي حصول أنواع العذاب في الدنيا وفي القبر ويوم القيامة .
من آثار الذنوب والمعاصي أنها تحدث في الأرض أنواعا من الفساد في المياه والهواء والزرع والثمار والمساكن ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ).
أن المعاصي تطفئ من القلب نار الغيرة على نفسه وأهله وعموم الناس وأصل الدين الغيرة .
ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب وهو أصل كل خير .
أنها تضعف القلب تعظيم الرب جل جلاله .
أن الله يرفع مهابة العاصي من قلوب الخلق فيهون عليهم ويستخفون به .
أنها تستدعي نسيان الله لعبده وتركه وتخليته بينه وبين نفسه وهواه وشيطانه .
أنها تخرج العبد من دائرة الاحسان وتمنعه ثواب المحسنين .
أنها تضعف سير القلب إلى الله والدار الآخرة .
أنها تزيل النعم وتحل النقم كما قال تعالى : ( وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ) (الشورى:30).
ما يلقيه لله من الرعب والخوف في قلب العاصي لا تراه إلا خائفا مرعوبا .
أنها تصرف القلب عن صحته إلى مرضه وعن استقامته إلى انحرافه .
أنها تعمي بصيرة القلب وتطمس نوره وتسد طريق العلم وتحجب مواد الهداية .
أنها تصغر النفس وتقمعها وتدسيها وتحقرها حتى تصير أصغر من كل شيء وأحقره .
أن العاصي دائما في أسر شيطانه وسجن شهواته وقيود هواه فهو أسير مسجون مقيد.
من عقوبات المعاصي سقوط الجاه والمنزلة والكرامة عند الله وعند خلقه وأكرم الخلق عند الله أتقاهم .
أنه تسلم صاحبها أسماء المدح والشرف وتكسوه أسماء الذم والصغار .
أنها تؤثر في نقصان العقل ولهذا تجد خطاب القرآن إنما هو مع أولي الألباب والعقول .
ومن أعظم عقوبات المعاصي أنها توجب القطيعة بين العبد وربه تبارك وتعالى .(1/102)
أنها تمحق بركة العمر وبركات الرزق والعلم والعمل والطاعة والدين والدنيا .
أنها تجعل العاصي من الأسفلين في الدنيا والآخرة .
أنها تسلط عليه أنواع المخلوقات بالأذى والأغواء والوسوسة والتغرير.
أنها تخون العبد أحوج ما يكون إلى نفسه فإذا وقع العاصي في شدة أو كربة أو بلية خانه قلبه ولسانه وجوارحه عما ينفعه .
أن العاصي يخونه لسانه عند الموت فلا ينطق بالشهادة .
أنها تعمي القلب وتضعف بصيرته فإذا عمى وضعف فاته معرفة الهدى وما ينفعه ويضره .
أنها تنسي العبد نفسه فإذا نسيها أهملها وأفسدها وأهلكها .
أنها تزيل النعم الحاضرة وتقطع الواصلة فتزيل الحاصل وتمنع الواصل .
ومن عقوباتها أنها تباعد عن العبد وليه من الملائكة وتدني عدوه من الشياطين .
أنها تستجلب مواد هلاك العبد في دنياه وآخرته فإن الذنوب هي أمراض القلوب .
من عقوبات المعاصي العاجلة قطع يد السارق وجلد الزاني أو رجمه وجلد الشارب والقاذف وقتل القاتل ومن وقع على ذات محرم أو ترك الصلاة المفروضة متعمدا أو تكلم بكلمة كفر أو وطئ ذكرا مثله أو أتى بهيمة .
من عقوبات المعاصي الختم على القلوب والأسماع والغشاوة على الأبصار والأقفال على القلوب وجعل الأكنة والرين والطبع عليها وتقليب الأفئدة والأبصار .
التثبيط عن الطاعة والابتعاد عنها .
جعل القلب أصم لا يسمع الحق أبكم لا ينطق به أعمى لا يراه .
أن جميع شرور الدنيا والآخرة أسبابها الذنوب والمعاصي .
مكر الله بالماكر ومخادعته للمخادع واستهزاؤه بالمستهزء وازاغته لقلب الزائغ عن الحق .
انتكاس القلب حتى يرى الحق باطلا والباطل حقا والمعروف منكرا والمنكر معروفا ( كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون ) سورة المطففين .(1/103)
هذه الأربعة : لفظات اللسان ولحظات الأعين وخطرات القلوب وخطوات الأقدام من حفظها فقد حفظ دينه ونفسه ومن أهملها وقع في المعاصي والشرور وحفظها بسلوك طرق الخير المشروعة وأهمالها باتباع الهوى عياذا بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه وبالله التوفيق والعصمة.
نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا وإخواننا المسلمين بما قرانا وسمعنا وأن لا يجعله حجة علينا . آمين . وصلى الله على نبينا وسيدنا محمد وآله وصحبه وسلم وتسليما كثيرا .
* قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين ـ رحمه الله(1/104)
إخواني ... بادروا بالتوبة إلى الله من معاصيه ، والإنابة إلية بفعل ما يرضيه ، فإن الإنسان لا يخلو من الخطأ والتقصير ، وكل بني آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون ، وقد حث الله في كتابه وحث النبي - صلى الله عليه وسلم - في خطابه على استغفار الله تعالى والتوبة إليه فقال سبحانه : (وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعاً حَسَناً إِلَى أَجَلٍ مُسَمّىً وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ) (هود:3). وقال تعالى (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ) (فصلت:6) وقال تعالى : ( وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(النور: من الآية31). وقال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ )(التحريم: من الآية8) وقال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)(البقرة: من الآية222). والآيات في ذكر التوبة عديدة. وأما الأحاديث فمنها : عن الأغر بن يسار المزني - رضي الله عنهم - قال : قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( يا أيها الناس توبوا إلى الله واستغفروه فإني أتوب في اليوم مئة مرة ) رواه مسلم . وعن أبي هريرة - رضي الله عنهم - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( إني لأستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة ) رواه البخاري . وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( لله أشد فرحا بتوبة عبده حين يتوب(1/105)
إليه من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة فانفلتت منه وعليها طعامه وشرابه فأيس منها ، فأتى شجرة فاضطجع في ظلها وقد أيس من راحلته ، فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده ، فأخذ بخطامها ، ثم قال من شدة الفرح : اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح ) . رواه مسلم .
وإنما يفرح سبحانه بتوبة عبده لمحبته للتوبة والعفو ورجوع عبده إليه بعد هربه منه ، وعن أنس وابن عباس رضي الله عنهم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لو أن لابن آدم واديا من ذهب أحب أن يكون له واديان ولن يملأ فاه إلا التراب ويتوب الله على من تاب ) . متفق عليه .
فالتوبة هي الرجوع من معصية الله إلى طاعته لأنه سبحانه هو المعبود حقا ، وحقيقة العبودية هي التذلل والخضوع للمعبود محبة وتعظيما ، فإذا حصل من العبد شرود عن طاعة ربه فتوبته أن يرجع إليه ويقف ببابه موقف الفقير الذليل الخائف المنكسر بين يديه .
والتوبة واجبة على الفور لا يجوز تأخيرها ولا التسويف بها ، لأن الله أمر بها ورسوله وأوامر الله ورسوله كلها على الفور والمبادرة لأن العبد لا يدري ماذا يحصل له بالتأخير ، فلعله أن يفجأه الموت فلا يستطيع التوبة ، ولأن الإصرار على المعصية يوجب قسوة القلب وبعده عن الله عز وجل وضعف إيمانه ، فإن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالعصيان ، ولأن الإصرار على المعصية يوجب إلفها والتشبث بها ، فإن النفس إذا اعتادت على شيء صعب عليها فراقه وحينئذ يعسر عليه التخلص من معصيته ويفتح عليه الشيطان باب معاص أخرى أكبر وأعظم مما كان عليه . ولذلك قال أهل العلم وأرباب السلوك : إن المعاصي بريد الكفر ينتقل الإنسان فيها مرحلة مرحلة حتى يزيغ عن دينه كله نسأل الله العافية والسلامة .
والتوبة التي أمر الله بها هي التوبة النصوح التي تشتمل على شرائط التوبة وهي خمسة :(1/106)
الأول : أن تكون خالصة لله عز وجل بأن يكون الباعث لها حب الله وتعظيمه ورجاء ثوابه والخوف من عقابه ، فلا يريد بها شيئا من الدنيا ولا تزلفا عند مخلوق ، فإن أراد هذا لم تقبل توبته لأنه لم يتب إلى الله وإنما تاب إلى الغرض الذي قصده .
الثاني : أن يكون نادما حزنا على ما سلف من ذنبه يتمنى أنه لم يحصل منه لأجل أن يحدث له ذلك الندم إنابة إلى الله وانكسارا بين يديه ومقتا لنفسه التي أمرته بالسوء فتكون توبته عن عقيدة وبصيرة .
الثالث : أن يقلع عن المعصية فورا ، فإن كانت المعصية بفعل محرم تركه في الحال ، وإن كانت المعصية بترك واجب فعله في الحال إن كان مما يمكن قضاؤه كالزكاة والحج ، فلا تصح التوبة مع الإصرار على المعصية فلو قال : إنه تاب من الربا مثلا وهو مستمر على التعامل به لم تصح توبته ولم تكن توبته هذه إلا نوع استهزاء بالله وآياته لا تزيده من الله إلا بعدا . ولو تاب من ترك الصلاة مع الجماعة وهو مستمر على تركها لم تصح توبته .
وإذا كانت المعصية فيما يتعلق بحقوق الخلق لم تصح التوبة منها حتى يتخلص من تلك الحقوق ، فإذا كانت معصيته بأخذ مال للغير أو جحده لم تصح توبته حتى يؤدي المال إلى صاحبه إن كان حيا أو إلى ورثته إن كان ميتا ، فإن لم يكن له ورثة أداه إلى بيت المال ، وإن كان لا يدري من صاحب المال تصدق به له والله سبحانه يعلم به ، وإن كانت معصيته بغيبة مسلم وجب أن يستحله من ذلك إن كان قد علم بغيبته إياه أو خاف أن يعلم بها وإلا استغفر له وأثنى عليه بصفاته المحمودة في المجلس الذي اغتابه فيه فإن الحسنات يذهبن السيئات .
وتصح التوبة من ذنب مع الإصرار على غيره ، لأن الأعمال تتبعض والإيمان يتفاضل ، لكن لا يستحق الوصف المطلق للتوبة وما يستحقه التائبون على الإطلاق من الأوصاف الحميدة والمنازل العالية حتى يتوب إلى الله من جميع الذنوب .(1/107)
الرابع : أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل إلى المعصية ، لأن هذه ثمرة التوبة ودليل صدق صاحبها . فإن قال : إنه تائب وهو عازم أو متردد في فعل المعصية يوما ما لم تصح توبته لأن هذه توبة مؤقتة يتحين فيها صاحبها الفرص المناسبة ولا تدل على كراهيته للمعصية وفراره منها إلى طاعة الله عز وجل .
الخامس : أن لا تكون بعد انتهاء وقت قبول التوبة . فإن كانت بعد انتهاء وقت القبول لم تقبل . وانتهاء وقت القبول نوعان . عام لكل أحد وخاص لكل شخص بنفسه .
فأما العام : فهو طلوع الشمس من مغربها . فإذا طلعت الشمس من مغربها لم تنفع التوبة قال الله تعالى : ( يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً )(الأنعام: من الآية158).
والمراد ببعض الآيات طلوع الشمس من مغربها فسرها بذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وعن عبدالله بن عمرو ابن العاص رضي الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( لا تزال التوبة تقبل حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل . قال ابن كثير : حسن الإسناد وعن أبي هريرة - صلى الله عليه وسلم - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ( من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها تاب الله عليه ) . رواه مسلم .
وأما الخاص : فهو عند حضور الأجل فمتى حضر أجل الإنسان وعاين الموت لم تنفعه التوبة ولم تقبل منه قال الله تعالى : (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ )(النساء: من الآية18). وعن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر يعني بروحه ) رواه أحمد والترمذي وقال : حديث حسن .(1/108)
ومتى صحت التوبة باجتماع شروطها وقبلت محا الله بها ذلك الذنب الذي تاب منه وإن عظم . قال الله تعالى : (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53) وهذه الآية في التائبين المنيبين إلى ربهم المسلمين له قال الله تعالى : ( وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً) (النساء:110) فبادروا رحمكم الله أعماركم بالتوبة النصوح إلى ربكم قبل أن يفاجئكم الموت فلا تستطيعون الخلاص .
اللهم وفقنا للتوبة النصوح التي تمحو بها ما سلف من ذنوبنا ويسرنا لليسرى ، وجنبنا العسرى ، واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين في الآخرة والأولى ، برحمتك يا أرحم الراحمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.أ . هـ من كتاب مجالس شهر رمضان(1/109)