التطير
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثره واستن بسنته أما بعد فمع التقدم العلمي والتقني إلا أنه لا يزال طائفة من هذه الأمة عامة وخاصة يتصفون ببعض الصفات المذمومة ولعل منها صفة التطير والتي سأتكلم عنها بإيجاز واختصار مبينا الحكم الشرعي لها وكذا بعض صورها وأقسام الناس فيها والعلاج فأقول مستعينا بالله تعالى :
تعريف التطير :
التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع . مفتاح دار السعادة 3/311 فتح المجيد 2/525
سبب تسمية التشاؤم تطيرا :
أن العرب في الجاهلية إذا خرج أحدهم لأمر قصد عش طائر فهيجه فإذا طار من جهة اليمين تيمن به ومضى في الأمر , ويسمون الطائر " السانح " , أما إذا طار جهة اليسار تشاءم به ورجع عما عزم عليه ، ويسمى الطائر هنا " البارح " انظر : مفتاح دار السعادة 3/268 قال النووي رحمه الله تعالى : " التطير هو التشاؤم وكانوا يتطيرون بالسوانح والبوارح فينفرون الظباء والطيور فإن أخذت ذات اليمين تبركوا به ومضوا في سفرهم وحوائجهم وإن أخذت ذات الشمال رجعوا عن سفرهم وحاجتهم وتشاءموا بها فكانت تصدهم في كثير من الأوقات عن مصالحهم فنفى الشرع ذلك وأبطله ونهى عنه وأخبر أنه ليس له تأثير ينفع ولا يضر " ا.هـ الديباج على مسلم 5/241(1/1)
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " وأصل التطير أنهم كانوا في الجاهلية يعتمدون على الطير فإذا خرج أحدهم لأمر فإن رأى الطير طار يمنة تيمن به واستمر وأن رآه طار يسرة تشاءم به ورجع وربما كان أحدهم يهيج الطير ليطير فيعتمدها فجاء الشرع بالنهي عن ذلك وكانوا يسمونه السانح بمهملة ثم نون ثم حاء مهملة والبارح بموحدة وآخره مهملة فالسانح ما ولاك ميامنه بأن يمر عن يسارك إلى يمينك والبارح بالعكس وكانوا يتيمنون بالسانح ويتشاءمون بالبارح لأنه لا يمكن رميه إلا بأن ينحرف إليه " ا.هـ فتح الباري 10/212عمدة القاري 21/273 شرح سنن ابن ماجه للسيوطي 1/252
التطير في القرآن :
قال ابن القيم رحمه الله تعالى :" لم يحك الله التطير إلا عن أعداء الرسل كما قالوا لرسلهم ( إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (18) قَالُوا طَائِرُكُمْ مَعَكُمْ أَئِنْ ذُكِّرْتُمْ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ مُسْرِفُونَ ) (يس:19) وكذلك حكى سبحانه عن قوم فرعون ( وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللهِ ) (الأعراف:131) " ا.هـ مفتاح دار السعادة 3/273 وقال قوم صالح عليه السلام ( قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ ) (النمل:47) .
الفرق بين الطيرة والتطير :
قال العز بن عبد السلام رحمه الله تعالى : " التطير هو الظن السيء الذي في القلب , والطيرة هي الفعل المرتب على الظن السيء " ا.هـ عون المعبود 10/406
الفرق بين الطيرة والفأل :(1/2)
الطيرة منهي عنها كما سيأتي أما الفأل فمحبوب مندوب إليه فعن أنس رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( لا عدوى ولا طيرة ويعجبني الفأل ) قالوا : وما الفأل ؟ قال ( الكلمة الطيبة ) رواه البخاري ( 5440) ومسلم (2224) وعن أَنَسٍ أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ( لَا عَدْوَى ولا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ الْكَلِمَةُ الْحَسَنَةُ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ ) رواه مسلم (2224). قال الكرماني رحمه الله تعالى : وقد جعل الله تعالى في الفطرة محبة ذلك كما جعل فيها الارتياح بالمنظر الأنيق والماء الصافي وإن لم يشرب منه ويستعمله . عون المعبود 10/293
ولأن الفأل تقوية لما فعله بإذن الله والتوكل عليه أما الطيرة فمعارضة ذلك . مجموع الفتاوى 4/81
ويعجبه الفأل لأن التشاؤم سوء ظن بالله تعالى بغير سبب محقق والفأل حسن ظن بالله تعالى والمؤمن مأمور بحسن الظن بالله تعالى على كل حال . انظر : فتح المجيد 2/519 والمنهاج 2/25
قال النووي رحمه الله تعالى : " قال العلماء وإنما أحب الفأل لأن الإنسان إذا أمَّل فائدة الله تعالى وفضله عند سبب قوى أو ضعيف فهو على خير في الحال وإن غلط في جهة الرجاء فالرجاء له خير وأما إذا قطع رجاءه وأمله من الله تعالى فإن ذلك شر له والطيرة فيها سوء الظن وتوقع البلاء ومن أمثال التفاؤل أن يكون له مريض فيتفاءل بما يسمعه فيسمع من يقول يا سالم أو يكون طالب حاجة فيسمع من يقول يا واجد فيقع في قلبه رجاء البرء أو الوجدان والله أعلم " ا.هـ شرح النووي على صحيح مسلم 14/ 220
قال الخطابي رحمه الله تعالى : " الفرق بين الفأل والطيرة أن الفأل من طريق حسن الظن بالله والطيرة لا تكون إلا في السوء فلذلك كرهت " ا.هـ فتح الباري 10/215(1/3)
وقال النووي رحمه الله تعالى " الفأل يستعمل فيما يسوء وفيما يسر وأكثره في السرور والطيرة لا تكون إلا في الشؤم وقد تستعمل مجازا في السرور ا.هـ شرح مسلم 14/219
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى " وكأن ذلك بحسب الواقع وأما الشرع فخص الطيرة بما يسوء والفأل بما يسر ومن شرطه أن لا يقصد إليه فيصير من الطيرة " ا.هـ فتح الباري 10/215
حكم التطير :
أولا : الطيرة باب من أبواب الشرك :
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ . رواه أحمد ( 3687) وأبو يعلى (5219) والبخاري في الأدب(909) وأبو داود (10/405 والترمذي (1614) وقال : حسن صحيح . وصححه ابن حبان (6122) والحاكم 1/65 وقوله : " وما منا إلا ولكن الله يذهبه بالتوكل " من كلام ابن مسعود أدرج في الخبر وقد بينه سليمان بن حرب شيخ البخاري فيما حكاه الترمذي عن البخاري عنه . علل الترمذي 1/266 فتح الباري 10/213 وصوب الإدراج ابن القيم في مفتاح دار السعادة 3/280 والمنذري في الترغيب والترهيب 4/33 وانظر : نيل الأوطار 7/372
وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ) رواه أحمد (7045) قال الهيثمي :" رواه أحمد والطبراني وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه ضعف وبقية رجاله ثقات " ا.هـ مجمع الزوائد 5/105
وإنما جعل ذلك شركا لاعتقادهم أن ذلك يجلب نفعا أو يدفع ضرا فكأنهم أشركوه مع الله تعالى . فتح الباري 10/213 شرح سنن ابن ماجه للسيوطي 1/10 مرقاة المفاتيح 10/398 عون المعبود 10/405 نيل الأوطار 7/372(1/4)
قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " ومن امتنع بها عما عزم عليه فقد قرع باب الشرك بل ولجه وبرئ من التوكل على الله وفتح على نفسه باب الخوف والتعلق بغير الله " ا.هـ مفتاح دار السعادة 3/311 وقال المناوي رحمه الله تعالى " إن العرب كانت تعتقد تأثيرها وتقصد بها دفع المقادير المكتوبة عليهم فطلبوا دفع الأذى من غير الله تعالى وهكذا كان اعتقاد الجاهلية " ا.هـ فيض القدير 2/342
والقاعدة في هذا كما قرره شيخنا العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : أن كل من اعتمد على سبب لم يجعله الشارع سببا لا بوحيه ولا بقدره فإنه مشرك . القول المفيد 2/93 فكيف وقد نهى الشارع عنه ونص على أنه شرك .
ثانيا : الطيرة ضرب من ضروب السحر :
عن قَبِيصَةَ بن مُخَارِقٍ رضي الله عنه أَنَّهُ سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( الْعِيَافَةُ وَالطِّيَرَةُ وَالطَّرْقُ مِنَ الْجِبْتِ ) رواه أحمد( 15956) وابن أبي شيبة (884) وأبو داود (3989) مع عون المعبود والطبراني في المعجم الكبير 18/369 وصححه ابن حبان (6131) وحسنه النووي في الرياض (1670) أما الألباني فقد ضعفه . ضعيف الترغيب والترهيب (1794) قال ابن الأثير : العيافة زجر الطير والتفاؤل بأسمائها وأصواتها وممرها . النهاية في غريب الأثر 3/330 عون المعبود 10/287
قال المناوي رحمه الله تعالى : العيافة بالكسر زجر الطير والطيرة أي التشاؤم بأسماء الطيور وأصواتها وألوانها وجهة مسيرها عند تنفيرها كما يتفاءل بالعقاب على العقوبة وبالغراب على الغربة وبالهدهد على الهدى كما ينظر إن طار إلى جهة اليمين تيمن أو اليسار تشاءم والطرق الضرب بالحصى والخط بالرمل من الجبت أي من أعمال السحر فكما أن السحر حرام فكذا هذه الأشياء أو مماثل عبادة الجبت في الحرمة . فيض القدير 4/395 مرقاة المفاتيح 8/398(1/5)
وذكر إبراهيم الحربي والجوهري : إن الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك . غريب الحديث للحربي 3/1177 رياض الصالحين /307 عون المعبود 10/287
ثالثا : الوعيد للمتطيرين
عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ليس منا من تطير أو تطير له ) رواه البزار (3578) والطبراني 18/132 رقم (355) قال المنذري : رواه البزار بإسناد جيد ورواه الطبراني من حديث ابن عباس .. بإسناد حسن . الترغيب والترهيب 4/17 وقال الهيثمي : رواه البزار ورجاله رجال الصحيح خلا اسحق بن الربيع وهو ثقة . مجمع الزوائد 5/117وقال الألباني : صحيح لغيره . صحيح الترغيب والترهيب 3/170
أقسام الناس في الطيرة
الأول : من يتطير ويستجيب لداعي التطير ويترك ما همَّ بفعله أو يفعله بدافع التطير فهذا قد وقع في المحرم وولج باب الشرك كما ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى للأدلة السابقة .
الثاني : مَن إذا وقع ما يدعو إلى الطيرة عند الناس لم يترك ما بدا له فعله ولكنه يمضي في قلق ويخشى من تأثير الطيرة . فهذا أهون من الأول حيث لم يُجب داعي الطيرة لكن بقي فيه شيء من أثرها والواجب عليه أن يمضي متوكلا على الله تعالى لحديث ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ . وقد تقدم تخريجه قريبا .(1/6)
الثالث : مَن لا يتطير ولا يستجيب لداعي التطير : فهؤلاء أفضل الأقسام وأكملهم وأرفعهم درجة عند الله تعالى فعن عِمْرَانَ بن حُصَيْنٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال ( يَدْخُلُ الْجَنَّةَ من أُمَّتِي سَبْعُونَ أَلْفًا بِغَيْرِ حِسَابٍ ) قالوا من هُمْ يا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قال ( هُمْ الَّذِينَ لَا يَسْتَرْقُونَ ولا يَتَطَيَّرُونَ ولا يَكْتَوُونَ وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) رواه البخاري (5378) ومسلم ( 218) واللفظ له .
صور مما يتشاءم الناس به
بعض الناس يتشاءم برؤية الأعور فقد خرج أحد الولاة لبعض مهماته فاستقبله رجل أعور فتطير به وأمر به إلى الحبس فلما رجع أمر بإطلاقه , فقال : سألتك بالله ما كان جرمي الذي حبستني لأجله ؟ فقال : تطيرت بك . فقال : فما أصبت في يومك برؤيتي ؟ فقال : لم ألق إلا خيرا . فقال : أيها الأمير أنا خرجت من منزلي فرأيتك فلقيت في يومي الشر والحبس , وأنت رأيتني فلقيت الخير والسرور فمن أشأمنا ؟ والطيرة بمن كانت ؟ فاستحيا منه الوالي ووصله . مفتاح دار السعادة 3/272
وآخرون يتشاءمون بيوم الأربعاء أو بشهر شوال عن عَائِشَةَ قالت تَزَوَّجَنِي رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم في شَوَّالٍ وَبَنَى بِي في شَوَّالٍ فَأَيُّ نِسَاءِ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كان أَحْظَى عِنْدَهُ منى قال وَكَانَتْ عَائِشَةُ تَسْتَحِبُّ أَنْ تُدْخِلَ نِسَاءَهَا في شَوَّالٍ . رواه مسلم (1423) قال النووي رحمه الله تعالى : " فيه استحباب التزويج والتزوج والدخول في شوال وقد نص أصحابنا على استحبابه واستدلوا بهذا الحديث وقصدت عائشة بهذا الكلام رد ما كانت الجاهلية عليه وما يتخيله بعض العوام اليوم من كراهة التزوج والتزويج والدخول في شوال وهذا باطل لا أصل له وهو من آثار الجاهلية كانوا يتطيرون بذلك لما في اسم شوال من الأشالة والرفع " ا.هـ شرح النووي على صحيح مسلم 9/209(1/7)
وقال القاري رحمه الله تعالى : " قيل إنما قالت هذا رداً على أهل الجاهلية فإنهم كانوا لا يرون يمناً في التزوّج والعرس في أشهر الحج وقيل لأنها سمعت بعض الناس يتطيرون ببناء الرجل على أهله في شوّال لتوّهم اشتقاق شوال من أشال بمعنى أزال فحكت ما حكت رداً لذلك وأزاحه للوهم وفي شرح النقاية لأبى المكارم كره بعض الروافض النكاح بين العيدين , وقال السيوطي في حاشيته على مسلم : روى ابن سعد في طبقاته عن أبى حاتم قال إنما كره الناس أن يتزوّجوا في شوال الطاعون وقع في الزمن الأوّل " ا.هـ مرقاة المفاتيح 6/276
الرافضة يكرهون التكلم بلفظ العشرة أو فعل شيء يكون عشرة لكونهم يبغضون خيار الصحابة وهم العشرة المشهود لهم بالجنة . منهاج السنة النبوية 1/38
وآخرون يتشاءمون بشهر صفر وقابلهم آخرون فصاروا يسمونه صفر الخير وذكر العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى أن هذا من باب مداواة البدعة بالبدعة والجهل بالجهل فهو ليس شهر خير ولا شهر شر .
وآخرون إذا سافر مثلا أو خرج إلى عمل ما وتلف أحد إطارات سيارته في الطريق يترك السفر ويرجع إلى أهله تشاؤما بما حصل .
وآخرون يتشاءمون ببعض منازل القمر والأبراج وهذا منتشر وتتبناه كثير من المجلات قال ابن عبد الحكم : خرج عمر بن عبد العزيز من المدينة والقمر في الدبران فكرهت أن أخرج به فقلت : ما أحسن استواء القمر في هذه الليلة فنظر فقال كأنك أردت أن تخبرني أن القمر في الدبران إنا لا نخرج بشمس ولا بقمر ولكنا نخرج بالله الواحد القهار . أبجد العلوم 2/368(1/8)
وآخرون يتشاءمون ببعض الحيوانات أو ببعض حركاتها عن زياد بن أبي مريم قال : خرج سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في سفر قال فأقبلت الظباء نحوه حتى إذا دنت منه رجعت فقال له رجل : أيها الأمير ارجع .فقال له سعد : أخبرني من أيها تطيرت أمن قرونها حين أقبلت أم من أذنابها حين أدبرت ثم قال سعد عند ذلك : إن الطيرة لشعبة من الشرك. رواه ابن أبي شيبة (26399) وعبد الرزاق (19506) وابن عبد البر في التمهيد 24/193
وكذا آخرون يتشاءمون برؤية بعض الطيور كالغربان والبومة وغيرها عن عكرمة أنه قال : كنا عند ابن عمر وعنده ابن عباس رضي الله عنهم ومر غراب يصيح فقال رجل من القوم : خير خير . فقال ابن عباس : لا خير ولا شر . التمهيد 24/ 194 فتح الباري 10/215
وآخرون قد يتشاءمون ببعض الآيات بحيث يقوم بفتح المصحف للتفاؤل فإذا رأى ذكر النار تشاءم وإذا رأى ذكر الجنة تفاءل قال العلامة ابن عثيمين رحمه الله تعالى : " وهذا مثل عمل الجاهلية الذين يستقسمون بالأزلام " ا.هـ القول المفيد 1/86
تشاؤم بعض الناس بمن يشبك أصابعه أو يكسر عودا في مجلس عقد النكاح وهذا مما لا أصل له شرعا .
وهناك من يتشبه بالمتشائمين فمثلا لو رأى رجلا أو شيئا لم يعجبه قال : خير يا طير . وهذا وإن لم يُرد معناها ولكنها من بقايا الجاهلية لذا ينبغي مجاهدة النفس على ترك تلك الكلمة .
علاج الطيرة وكفارتها
أولا : التوكل على الله تعالى وعدم الالتفات إليها عن ابن مسعود رضي الله عنه قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( الطِّيَرَةُ شِرْكٌ ) وما مِنَّا إلا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ .وتقدم تخريجه .(1/9)
ثانيا : أن يلح في دعائه الله تعالى أن يجنبه شرها فإن وقع فيها قال الدعاء الوارد في حديث عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( مَن رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ من حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ ) قالوا : يا رَسُولَ اللَّهِ ما كَفَّارَةُ ذلك ؟ قال ( أن يَقُولَ أَحَدُهُمْ اللهم لاَ خَيْرَ إلا خَيْرُكَ وَلاَ طَيْرَ إلا طَيْرُكَ وَلاَ إِلَهَ غَيْرُكَ ) رواه أحمد(7045 ) قال ابن عبد البر رحمه الله تعالى " ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن التطير وقال لا طيرة وذلك أنهم كانوا في الجاهلية يتطيرون فنهاهم عن ذلك وأمرهم بالتوكل على الله لأنه لا شيء في حكمه إلا ما شاء ولا يعلم الغيب غيره " ا.هـ التمهيد 24/195 وقال المناوي رحمه الله تعالى : " فينبغي لمن طرقته الطيرة أن يسأل الله تعالى الخير ويستعيذ به من الشر ويمضي في حاجته متوكلا عليه " ا.هـ فيض القدير 6/136
ثالثا : أن يرد الطيرة متى ما وردت عليه ولا يستجيب لداعيها فعن عروة بن عامر رضي الله عنه قال : ذُكِرتِ الطِيرةُ عندَ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ( أحْسَنُها الفألُ ولا تردَّ مسلماً فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل اللهمَّ لا يأتي بالحسناتِ إِلا أنتَ ولا يدفعُ السيِّئاتِ إِلا أنت ولا حولَ ولا قوَّةَ إِلا بالله ) رواه أبو داود (3919) والبيهقي 18/139قال النووي " أبو داود بإسناد صحيح " ا.هـ رياض الصالحين /494
الرابع : أن لا يتشبه بالمتطيرين ويأتي بأفعالهم(1/10)
عن أُمِّ كُرْزٍ رضي الله عنها قالت : سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( أَقِرُّوا الطَّيْرَ على مَكِنَاتِهَا ) رواه أحمد(27183) وأبو داود (2835) وصححه الحاكم 4/265 وابن حبان (6126) وقال ابن حبان " قوله صلى الله عليه وسلم ( أقروا الطير على مكناتها) لفظة أمر مقرونة بترك ضده وهو أن لا ينفروا الطيور عن مكناتها والقصد من هذا الزجر عن شيء ثالث وهو أن العرب كانت إذا أرادت أمرا جاءت إلى وكر الطير فنفرته فإن تيامن مضت للأمر الذي عزمت عليه وإن تياسر أغضت عنه وتشاءمت به فزجرهم النبي صلى الله عليه وسلم عن استعمال هذا الفعل بقوله اقروا الطير على مكناتها " ا.هـ مرقاة المفاتيح 8/76 فيض القدير 2/70 عون المعبود 10/29 غريب الحديث لابن الجوزي 2/369
وقال ابن جرير رحمه الله تعالى " معنى الكلام حينئذ أقروا الطير التي تزجرونها في مواضعها المتمكنة فيها التي هي بها مستقرة وامضوا لأموركم فإن زجركم إياها غير مجد عليكم نفعا ولا دافع عنكم ضرا " ا.هـ تهذيب الآثار مسند عمر بن الخطاب 1/204 غريب الحديث لأبي عبيد 2/138 النهاية في غريب الأثر 4/350
الخامس : استحضار الأدلة الناهية عن التطير فلو كان فيه خير لما نهينا عنه بل كان عقلاء الجاهلية لا يفعلونه قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى : " وإنما هو تكلف بتعاطي ما لا أصل له إذ لا نطق للطير ولا تمييز فيستدل بفعله على مضمون معنى فيه وطلب العلم من غير مظانه جهل من فاعله وقد كان بعض عقلاء الجاهلية ينكر التطير ويتمدح بتركه قال شاعر منهم
ولقد غدوت وكنت لا أغدو على واق وحاتم
فإذا الأشائم كالأيا من والأيامن كالأشائم
وقال آخر :
الزجر والطير والكهان كلهم مضللون ودون الغيب أقفال
وقال آخر :
وما عاجلات الطير تدنى من الفتى نجاحا ولا عن ريثهن قصور
وقال آخر :
لعمرك ما تدري الطوارق بالحصى ولا زاجرات الطير ما الله صانع
وقال آخر :
تخير طيرة فيها زياد لتخبره وما فيها خبير(1/11)
تعلم أنه لا طير إلا على متطير وهو الثبور
بلى شيء يوافق بعض شيء أحايينا وباطله كثير
وكان أكثرهم يتطيرون ويعتمدون على ذلك ويصح معهم غالبا لتزيين الشيطان ذلك وبقيت من ذلك بقايا في كثير من المسلمين " ا.هـ فتح الباري 10/213
السادس : أن التطير يفتح باب الوسواس والهموم على المتطير قال ابن القيم رحمه الله تعالى : " وأما من كان معتنيا بالطيرة فهي أسرع إليه من السيل إلى منحدره قد فتحت له أبواب الوسواس فيما يسمعه ويراه ويفتح له الشيطان فيها من المناسبات البعيدة والقريبة ما يفسد عليه دينه وينكر عليه معيشته " ا.هـ أبجد العلوم 2/368
وقال رحمه الله تعالى : " المتطير مُتْعب القلب مُنكَّد الصدر كاسف البال سيء الخلق يتخيَّل من كل ما يراه أو يسمعه , أشد الناس خوفا , وأنكدهم عيشا وأضيق الناس صدرا , وأحزنهم قلبا , كثير الاحتراز والمراعاة لما يضره ولا ينفعه , وكم قد حرم نفسه بذلك من حظٍّ , ومنعها من رزق وقطع عليها من فائدة " ا.هـ مفتاح دار السعادة 3/273
والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين حرر في 27/8/1427هـ كتبه د. نايف بن أحمد الحمد(1/12)
المطر: أحكام وعبر
د. نايف بن أحمد الحمد
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد:
فهذه بعض الأحكام المتعلقة بالأمطار، سائلاً المولى -جل جلاله- أن ينفعنا بها
قال تعالى: "وجعلنا من الماء كل شيء حي" فجميع المخلوقات لا تستغني عن الماء بحال من الأحوال، والأمطار من أهم مصادر المياه العذبة في الأرض، ولنزول المطر من علو على ما نراه حكم عظيمة، قال العلامة ابن القيم –رحمه الله تعالى-: "تأمل الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها ولو كان ربها تعالى إنما يسقيها من ناحية من نواحيها لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر وفي ذلك فساد، فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها فينشئ سبحانه السحاب وهي روايا الأرض ثم يرسل الرياح فتحمل الماء من البحر وتلقحها به كما يلقح الفحل الأنثى.." ا.هـ. مفتاح دار السعادة 1/323 وسأتحدث عن هذا الموضوع وفق العناصر التالية:
* الاستسقاء عند الجدب:
عن أنس بن مالك –رضي الله عنه- أن رجلا دخل المسجد يوم جمعة من باب كان نحو دار القضاء ورسول الله –صلى الله عليه وسلم- قائم يخطب فاستقبل رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قائمًا ثم قال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغثنا. قال: فرفع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يديه ثم قال: "اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا" قال أنس: ولا والله ما نرى في السماء من سحاب ولا قزعة وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار. قال: فطلعت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ثم أمطرت، قال فلا والله ما رأينا الشمس سبتا" رواه البخاري (698)، ومسلم (897)، وعند البخاري (1033) "ولم ينزل من منبره حتى رأيت المطر يتحادر من لحيته".
* أسباب الجدب:(1/1)
متى حل الجدب بالأرض لحق الناس والدواب وغيرها ضرر عظيم وهو من المصائب التي يبتلي بها الله تعالى عباده "ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم" [الحديد: 22]، قال قتادة: هي السنون. يعني الجدب. تفسير ابن كثير 4/315 وقال تعالى: "ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين" [الأعراف: 130] أي بالجدب والقحط.
وقال تعالى على لسان إخوة يوسف -عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام- لما دخلوا عليه يشكون حالهم "فلما دخلوا عليه قالوا يا أيها العزيز مسنا وأهلنا الضر وجئنا ببضاعة مزجاة فأوف لنا الكيل وتصدق علينا إن الله يجزي المتصدقين" [يوسف: 88]، والضر هنا : الشدة من الجدب والقحط. تفسير الطبري 13/49 تفسير ابن كثير 2/499.
* وأسباب الجدب كثيرة ولعل من أهمها كثرة الذنوب:
قال تعالى: "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ" [الروم: من الآية41]، قال القرطبي مفسرًا الآية (ظهر) الجدب (في البر) أي في الوادي وقراها وفي البحر أي في مدن البحر مثل "واسأل القرية" أي ظهر قلة الغيث وغلاء السعر "بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض" أي عقاب بعض الذي عملوا ثم حذف، والقول الآخر أنه ظهرت المعاصي من قطع السبيل والظلم فهذا هو الفساد على الحقيقة. ا.هـ. تفسير القرطبي 14/41 وانظر: تفسير ابن كثير 3/436، الجلالين 536.
وعن نجدة بن نفيع قال: سألت ابن عباس -رضي الله عنهما- عن قول الله عز وجل: "إِلاّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَاباً أَلِيماً" [التوبة: من الآية39] قال: استنفر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- حيا من أحياء العرب فتثاقلوا فأمسك عنهم المطر وكان عذابهم. رواه أبو داود (2506) وعبد بن حميد (681) وابن جرير (10/134) والحاكم (2/114) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.(1/2)
وقال تعالى: "وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ" [الأعراف: من الآية168]، قال القرطبي –رحمه الله تعالى-: "وبلونانهم" أي اختبرناهم "بالحسنات" أي بالخصب والعافية "والسيئات" أي الجدب والشدائد "لعلهم يرجعون" ليرجعوا عن كفرهم. أ.هـ. تفسير القرطبي (7/310).
وكان من دعاء النبي –صلى الله عليه وسلم- على الظلمة "اللهم اجعلها عليهم سنين كسني يوسف" رواه البخاري (771)، ومسلم (675) من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه-.
والتوبة لها أثر عظيم في نزول المطر:
قال تعالى حكاية عن نوح عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: "فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً" [نوح:10-12]، وقال تعالى حكاية عن هود عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: "وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ" [هود:52] قال ابن قدامة –رحمه الله تعالى-: "إن المعاصي سبب الجدب والطاعة تكون سببا للبركات، قال الله تعالى: "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ" [الأعراف:96] المغني (2/148).(1/3)
وقال العباس لما استسقى به عمر –رضي الله عنهما- عام الرمادة: اللهم إنه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة، وقد توجه القوم بي إليك لمكاني من نبيك وهذه أيدينا إليك بالذنوب ونواصينا إليك بالتوبة فاسقنا الغيث. فأرخت السماء مثل الجبال حتى أخصبت الأرض وعاش الناس. انظر: فتح الباري 2/497، ونيل الأوطار (4/32) والاستيعاب (2/814).
* حال النبي صلى الله عليه وسلم إذا تخيلت السماء:
عن عائشة –رضي الله عنها- قالت: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا رأى مخيلة في السماء أقبل وأدبر ودخل وخرج وتغير وجهه، فإذا أمطرت السماء سري عنه فعرفته عائشة ذلك فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أدري لعله كما قال قوم عاد (فلما رأوه عارضًا مستقبل أوديتهم)" الآية. رواه البخاري (3034).
وعنها رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ناشئًا من أفق من آفاق السماء ترك عمله وإن كان في صلاته، ثم يقول: "اللهم إني أعوذ بك من شر ما فيه" فإن كشفه الله (حمدا لله) وإن مطرت قال: "اللهم صيبًا نافعًا" رواه أحمد (6/190) والبخاري في الأدب (686) والنسائي في الكبرى (1829).
وقد عذب الله تعالى أقوامًا بالمطر منهم:
1- قوم نوح -عليه السلام- قال تعالى: "فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِر فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ"
[القمر:10-14].
2- قوم عاد: وذكرناه سابقًا.
3- قوم لوط -عليه السلام- قال تعالى: "وأمطرنا عليهم مطرًا فساء مطر المنذرين" فقد أرسل الله تعالى عليهم حجارة من سجيل لتكذيبهم رسولهم. تفسير القرطبي 13/133، وابن كثير 6/21.(1/4)
4- قوم سبأ قال تعالى: "فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ" [سبأ: من الآية16]، وهو الماء الغزير، تفسير ابن كثير (6/495) الجلالين (565).
وما واقعة تسونامي عنا ببعيد، فقد أهلك الله تعالى مئات الآلاف في دقائق معدودة نسأ الله تعالى العفو والعافية.
* السنة عند نزول المطر:
من السنن عند نزول المطر ما يلي:
1- التعرض له: عن أنس –رضي الله عنه- قال: أصابنا ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطر، قال: فحسر رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ثوبه حتى أصابه من المطر. فقلنا: يا رسول الله لم صنعت هذا؟ قال: "لأنه حديث عهد بربه تعالى" رواه مسلم (898).
2- أن نقول الذكر الوارد عند نزول المطر، وقد وردت عدة أذكار منها:
أ – قول "اللهم صيبًا نافعًا" فعن عائشة –رضي الله عنها- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- كان إذا رأى المطر قال: "صيبًا نافعًا" رواه البخاري (985).
ب – قول "رحمة" لحديث عائشة –رضي الله عنها- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- كان يقول إذا رأى المطر "رحمة" رواه مسلم (899).
ج- قول "مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله" كما في حديث خالد بن زيد –رضي الله عنه- رواه البخاري (3916).
3- الدعاء العام عند نزول المطر: فهو من مواطن استجابة الدعاء، كما في الحديث الذي أخرجه الحاكم (2/114) وصححه، وانظر: مجموع الفتاوى (7/129).
4- إذا كثر المطر وخيف ضرره يسن أن يقول "اللهم حوالينا ولا علينا على الآكام –أي الهضاب- والجبال والآجام- أي منبت القصب- والظراب- أي الجبال- والأودية ومنابت الشجر" رواه البخاري (967) من حديث أنس –رضي الله عنه- ونحوه عند مسلم (897). وانظر: زاد المعاد (1/459).(1/5)
5- ويسن أن يقول عند سماع صوت الرعد والصواعق ما جاء في حديث ابن عمر –رضي الله عنهما- قال: كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- إذا سمع الرعد والصواعق قال: "اللهم لا تقتلنا بغضبك ولا تهلكنا بعذابك وعافنا قبل ذلك" رواه أحمد (2/100) والبخاري في الأدب (721) والترمذي (350) وقال: (هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه)، وصححه الحاكم (4/318)، وكان ابن الزبير –رضي الله عنه- إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: "سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته" رواه مالك (1801) والبخاري في الأدب (723). وأشير إلى أن الصواعق تكثر في آخر الزمان كما في حديث أبي سعيد الخدري –رضي الله عنه- أن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- قال: "تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة حتى يأتي الرجل القوم فيقول من صعق تلكم الغداة فيقولون: صعق فلان وفلان وفلان" رواه أحمد (3/64) والحاكم (4/491)، وصححه على شرط مسلم.
* ولا بأس بالجمع بين الصلاتين إذا كثر المطر:
لحديث ابن عباس –رضي الله عنهما- قال: صلى رسول الله –صلى الله عليه وسلم- الظهر والعصر جميعًا بالمدينة من غير خوف ولا سفر. قال أبو الزبير: فسألت سعيدًا لم فعل ذلك؟ فقال: سألت ابن عباس كما سألتني فقال: أراد أن لا يحرج أحدًا من أمته. رواه مسلم (705).
* كما يسن الصلاة في الرحال عند نزول المطر مع شدة البرد؛ لحديث ابن عمر –رضي الله عنهما- أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح، فقال: ألا صلوا في الرحال ثم قال كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يأمر المؤذن إذا كانت ليلة باردة ذات مطر يقول (ألا صلوا في الرحال) رواه مسلم (697) وفي رواية له تقييدها بالسفر.
* حكم الاستسقاء بالنجوم:(1/6)
قال تعالى: "أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ" [الواقعة:68-69]، وعن أبي مالك الأشعري –رضي الله عنه- أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: "أربع في أمتي من أمر الجاهلية لا يتركونهن الفخر في الأحساب والطعن في الأنساب والاستسقاء بالنجوم والنياحة" رواه مسلم (934).
وعن زيد بن خالد –رضي الله عنه- قال: خرجنا مع رسول الله –صلى الله عليه وسلم- عام الحديبية فأصابنا مطر ذات ليلة فصلى لنا رسول الله –صلى الله عليه وسلم- صلاة الصبح ثم أقبل علينا فقال: "أتدرون ماذا قال ربكم" ؟ قلنا: الله ورسوله أعلم. فقال: "قال الله أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر بي فأما من قال مطرنا برحمة الله وبرزق الله وبفضل الله فهو مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنجم كذا وكذا فهو مؤمن بالكوكب كافر بي" رواه البخاري (3916).
أقسام الاستسقاء بالنجوم وحكم كل قسم:
الأول: أن يدعو الأنواء بقوله مثلاً: يا نوء كذا اسقنا. وهذا شرك أكبر في الألوهية لأنه صرف شيئًا من العبادة وهي الدعاء لغير الله تعالى.
الثاني: أن ينسب حصول المطر للأنواء على أنها هي الفاعلة دون الله تعالى ولو لم يدعها وهذا شرك أكبر في الربوبية.
الثالث: أن يجعل هذه الأنواء سببًا مع اعتقاده أن الله تعالى هو الخالق الفاعل وهذا شرك أصغر؛ لأن من جعل سببًا لم يجعله الله تعالى سببًا لا بوحيه ولا بقدره فهو مشرك شركًا أصغر.
الرابع: أن يريد بقوله "مطرنا بنوء كذا" أي في وقت كذا، فتكون الباء ظرفية أي جاءنا المطر في وقت هذا النوء. وهذا جائز. انظر القول المفيد لشيخنا العلامة ابن عثيمين –رحمه الله تعالى- (3/18 و 2/31).(1/7)
وأختم بقول النبي –صلى الله عليه وسلم- "ليست السنة أن لا تمطروا ولكن السنة أن تمطروا وتمطروا ولا تنبت الأرض شيئًا" رواه مسلم (2904) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أسأل الله تعالى أن يجعل ما أنزله علينا متاعًا وبلاغًا إلى حين، وأن يجعله سقيا رحمة لا سقيا عذاب وهدم وغرق إنه جواد كريم، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(1/8)
حكم استخدام جوزة الطيب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وبعد : فقد كثر السؤال عن حكم استخدام ( جوزة الطيب ) ويسمى عند بعض المتقدمين ( جَوْز بَوَّا ) وَهُوَ فِي مِقْدَارِ الْعَفْصِ سَهْلُ الْمَكْسَرِ رَقِيقُ الْقِشْرِ طَيِّبُ الرَّائِحَةِ . ( انظر : المغرب في ترتيب المعرب وجامع الأدوية لابن البيطار حرف الجيم ) و جوزة الطيب نوع من أنواع التوابل تستعملها بعض ربات البيوت وأصحاب المطاعم كمادة منكهة للأكل بأنواعه أو القهوة حيث يضاف قطعة صغيرة من جوزة الطيب الكبيرة ولونها بني مخططة بخطوط بيضاء وقد ذكر بعض المعاصرين أن جوزة الطيب تحتوي على مادة دهنية مائلة للاصفرار تعرف بدهن الطيب ويحتوي هذا الدهن على نحو 4% من مادة مخدرة , وجوزة الطيب إذا استخدمت بكميات كبيرة أو استخدمت بطريقة عشوائية فإنها تسبب بعض المضار كالهلوسة وقد منعت الجهات المسئولة في السعودية بيعها بسبب ما ظهر من أضرارها وللعلماء المتقدمين قولان في حكم تناولها بناء على ما بلغهم من محتواها وأضرارها فقد نص جمع من العلماء على تحريمها وقد سئل ابن حجر الهيتمي رحمه الله تعالى عن جوزة الطيب فأجاب " الذي صرح به الإمام المجتهد شيخ الإسلام ابن دقيق العيد إنها مسكرة ونقله عنه المتأخرون من الشافعية والمالكية واعتمدوه وناهيك بذلك بل بالغ ابن العماد فجعل الحشيشة مقيسة على الجوزة المذكورة وذلك أنه لما حكى عن القرافي نقلا عن بعض فقهاء عصره أنه فرق في إنكاره الحشيشة بين كونها ورقا أخضر فلا إسكار فيها بخلافها بعد التحميص فإنها تسكر .(1/1)
قال : والصواب إنه لا فرق ; لأنها ملحقة بجوزة الطيب والزعفران والعنبر والأفيون والشيكران بفتح الشين المعجمة وهو البنج وهو من المخدرات المسكرات ذكر ذلك ابن القسطلاني في تكريم المعيشة ، فتأمل تعبيره والصواب جعله الحشيشة التي أجمع العلماء على تحريمها لإسكارها وتخديرها مقيسة على الجوزة تعلم أنه لا مرية في تحريم الجوزة لإسكارها أو تخديرها وقد وافق المالكية والشافعية على إسكارها الحنابلة بنص إمام متأخريهم ابن تيمية وتبعوه على أنها مسكرة وهو قضية كلام بعض أئمة الحنفية ففي فتاوى المرغيناني منهم المسكر من البنج ولبن الرماك أي أناثي الخيل حرام ولا يحد شاربه قال الفقيه أبو حفص ونص عليه شمس الأئمة السرخسي ا هـ . وقد علمت من كلام ابن دقيق العيد وغيره أن الجوزة كالبنج فإذا قال الحنفية بإسكاره لزمهم القول بإسكار الجوزة فثبت بما تقرر أنها حرام عند الأئمة الأربعة الشافعية والمالكية والحنابلة بالنص والحنفية بالاقتضاء أنها إما مسكرة أو مخدرة . وأصل ذلك في الحشيشة المقيسة على الجوزة على ما مر والذي ذكره الشيخ أبو إسحاق في كتابه التذكرة والنووي في شرح المهذب وابن دقيق العيد إنها مسكرة قال الزركشي ولا نعرف فيه خلافا عندنا وقد يدخل في حدهم السكران بأنه الذي اختلط كلامه المنظوم وانكشف سره المكتوم , أو الذي لا يعرف السماء من الأرض ولا الطول من العرض .(1/2)
ثم نقل عن العراقي أنه خالف في ذلك فنفى عنها الإسكار وأثبت لها الإفساد ثم رده عليه وأطال في تخطئته وتغليظه وممن نص على إسكارها أيضا العلماء بالنبات من الأطباء وإليهم المرجع في ذلك وكذلك ابن تيمية وتبعه من جاء بعده من متأخري مذهبه والحق في ذلك خلاف الإطلاقين الإسكار إطلاق وإطلاق الإفساد وذلك أن الإسكار يطلق ويراد به مطلق تغطية العقل وهذا إطلاق أعم ويطلق ويراد به تغطية العقل مع نشأة وطرب وهذا إطلاق أخص وهو المراد من الإسكار حيث أطلق فعلى الإطلاق الأول بين المسكر والمخدر عموم مطلق إذ كل مخدر مسكر وليس كل مسكر مخدرا فإطلاق الإسكار على الحشيشة والجوزة ونحوهما المراد منه التخدير ومن نفاه عن ذلك أراد به معناه الأخص وتحقيقه أن من شأن السكر بنحو الخمر أنه يتولد عنه النشأة والطرب والعربدة والغضب والحمية ومن شأن السكر بنحو الحشيشة والجوزة أنه يتولد عنه أضداد ذلك من تخدير البدن وفتوره ومن طول السكوت والنوم وعدم الحمية . وبقولي من شأن فيهما يعلم رد ما أورده الزركشي على القرافي من أن بعض شربة الخمر يوجد فيه ما ذكر في نحو الحشيشة وبعض أكلة نحو الحشيشة يوجد فيه ما ذكر من الخمر ووجه الرد أن ما نيط بالمظنة لا يؤثر فيه خروج بعض الأفراد كما أن القصر في السفر لما نيط بمظنة المشقة جاز وإن لم توجد المشقة في كثير من جزئياته فاتضح بذلك أنه لا خلاف بين من عبر في نحو الحشيشة بالإسكار ومن عبر بالتخدير والإفساد والمراد به إفساد خاص هو ما سبق .(1/3)
فاندفع به قول الزركشي أن التعبير به يشمل الجنون والإغماء لأنهما مفسدان للعقل أيضا فظهر بما تقرر صحة قول الفقيه المذكور في السؤال إنها مخدرة وبطلان قول من نازعه في ذلك لكن إن كان لجهله عذر وبعد أن يطلع على ما ذكرناه عن العلماء متى زعم حلها , أو عدم تخديرها وإسكارها يعزر التعزير البليغ الزاجر له ولأمثاله بل قال ابن تيمية وأقره أهل مذهبه من زعم حل الحشيشة كفر فليحذر الإنسان من الوقوع في هذه الورطة عند أئمة هذا المذهب المعظم وعجيب ممن خاطر باستعمال الجوزة مع علمه بما ذكرناه فيها من المفاسد والإثم لأغراضه الفاسدة على تلك الأغراض التي يحصل جميعها بغيرها . فقد صرح رئيس الأطباء ابن سينا في قانونه بأنه يقوم مقامها وزنها ونصف وزنها من السنبل فمن كان يستعمل منها قدرا ما ثم استعمل وزنه ونصف وزنه من السنبل حصلت له جميع أغراضه مع السلامة عن الإثم والتعرض لعقاب الله سبحانه وتعالى على أن فيها بعض مضار بالرئة ذكرها بعض الأطباء وقد خلي السنبل عن تلك المضار وقد حصل به مقصودها وزاد عليها بالسلامة من مضارها الدنيوية والأخروية والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب ا هـ الفتاوى الفقهية 4/229 الزواجر عن اقتراف الكبائر 1/354 قال الطحطاوي رحمه الله تعالى " وصرح ابن حجر المكي بتحريم جوزة الطيب بإجماع الأئمة الأربعة ا هـ، ولعل حكاية الإجماع محمولة على حالة السكر " ا.(1/4)
هـ حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/363 وانظر حاشية البجيرمي على الخطيب 1/104 سبل السلام 2/451 وجاء في حاشية ابن عابدين " ومثل الحشيشة في الحرمة جوزة الطيب فقد أفتى كثير من علماء الشافعية بحرمتها , وممن صرح بذلك منهم ابن حجر نزيل مكة في فتاواه والشيخ كمال الدين بن أبي شريف في رسالة وضعها في ذلك , وأفتى بحرمتها الأقصراوي من أصحابنا , وقفت على ذلك بخطه الشريف لكن قال حرمتها دون حرمة الحشيش , والله أعلم ا هـ حاشية ابن عابدين 6/458 عون المعبود 10/96(1/5)
وقد رخص بعض العلماء باستخدام القليل منها مما لا يضر استخدامه قال ابن فرحون : وأما العقاقير الهندية فإن أكلت لما تؤكل له الحشيشة امتنع أكلها , وإن أكلت للهضم وغيره من المنافع لم تحرم ولا يحرم منها إلا ما أفسد العقل وذكر قبل هذا أن الجوزة وكثير الزعفران والبنج والسيكران من المفسدات , قليلها جائز وحكمها الطهارة وقال البرزلي أجاز بعض أئمتنا أكل القليل من جوزة الطيب لتسخين الدماغ واشترط بعضهم أن تختلط مع الأدوية , والصواب العموم ا.هـ مواهب الجليل 1/90 وانظر شرح مختصر خليل للخرشي 1/84 وسئل الشيخ الرملي رحمه الله تعالى عن أكل جوز الطيب هل يجوز أو لا ؟ ( فأجاب ) نعم يجوز إن كان قليلا , ويحرم إن كان كثيرا .ا.هـ فتاوى الرملي 4/71 وقال الطيب آبادي رحمه الله تعالى " وأما الجوز الطيب والبسباسة والعود الهندي فهذه كلها ليس فيها سكر أيضاً وإنما في بعضها التفتير، وفي بعضها التخدير، ولا ريب أن كل ما أسكر كثيره فقليله حرام سواء كان مفرداً أو مختلطاً بغيره، وسواء كان يقوى على الإسكار بعد الخلط أو لا يقوى، فكل هذه الأشياء الستة ليس من جنس المسكرات قطعاً بل بعضها ليس من جنس المفترات ولا المخدرات على التحقيق، وإنما بعضها من جنس المفترات على رأي البعض ومن جنس المضار على رأي البعض، فلا يحرم قليله سواء يؤكل مفرداً أو يستهلك في الطعام أو في الأدوية. نعم أن يؤكل المقدار الزائد الذي يحصل به التفتير لا يجوز أكله لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن كل مفتر ولم يقل إن كل ما أفتر كثيره فقليله حرام.
فنقول على الوجه الذي قاله صلى الله عليه وسلم ولا نحدث من قبلي شيئاً، فالتحريم للتفتير لا لنفس المفتر فيجوز قليله الذي لا يفتر ا.هـ عون المعبود 10/118(1/6)
وعلى كل حال فإن ثبت أن هذه الجوزة تشتمل على مواد مسكرة أو مفترة وهذا يقرره أهل الاختصاص فإنها محرمة لحديث أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قالت : نهى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عن كل مُسْكِرٍ وَمُفَتِّرٍ . رواه أبو داود (3686) بسند حسنه الحافظ في الفتح 10/44 وصححه المناوي في التيسير بشرح الجامع الصغير 2/475 وعن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ رضي الله عنهما قال : قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ( ما أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ ) رواه أحمد (14744) وأبو داود (3681) وعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( أنهاكم عن قليل ما أسكر كثيره ) رواه النسائي ( 5608) وأبو يعلى (694) وصححه ابن حبان (5370) لذا فالذي ينبغي ترك هذه المادة حتى ثبوت خلوها مما ذكرته فعن النُّعْمَانِ بن بَشِيرٍ رضي الله عنه قال سمعت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول ( إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ من الناس فَمَنْ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ وَقَعَ في الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فيه ) رواه البخاري (1946) ومسلم ( 1599) واللفظ له والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه حرر في 7/6/1427هـ كتبه د.نايف بن أحمد الحمد قاضي المحكمة العامة بمحافظة رماح(1/7)
حكم قتل رجال الأمن وغيرهم من الآمنين
د. نايف بن أحمد الحمد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) (آل عمران:102) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء:1) ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) (الأحزاب:71) اللهم صلِّ وسلِّم وزد وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد : فقد وقعت حادثة منكرة قبل أيام قام بها بعض الجهلة وهي الاعتداء على رجال الأمن حيث قُتل منهم خمسة وهم يؤدون عملهم في حفظ الأمن , ولا شك أن هذا العمل منكر ومحرم بأدلة شرعية مشهورة ومعروفة , إننا إذا رأينا أين وقعت تلك الحوادث ؟ نجدها قد وقعت في بلد آمن يحكم شرع الله تعالى في شئونه , ومَن الذي قُتل غدرا وظلما ؟ إنهم عدد من رجال الأمن الذي يبذلون الغالي والنفيس لحفظ الأرواح والأموال ويسعون جاهدين لمكافحة الجريمة واستتباب الأمن أهكذا يعاملون ؟ وهكذا يُشكرون ؟ إننا بالرجوع لما جاء في الكتاب والسنة من آيات وأحاديث نجد أن هذا العمل من كبائر الذنوب وقد توعد الله تعالى مرتكبه بعقوبات عظيمة منها :(1/1)
أولا : قال الله تعالى ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً) (النساء:93) فتأمل هذه العقوبات التي ذكرها الله جل جلاله ( خلود في جهنم - وغضب الجبار عليه -ولعنه له – والعذاب العظيم ) إن هذه العقوبات لا تكاد تجدها مجتمعة في ذنب واحد فكيف وقد توعد الله تعالى من قتل مؤمنا متعمدا بها لذا ذهب ابن عباس --رضي الله عنه-- إلى أن القاتل عمدا لا توبة له فعن سالم بن أبي الجعد قال : سئل ابن عباس عن قاتل مؤمن متعمدا ؟ قال ( فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ ) الآية قيل له : أرأيت له إن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى ؟ قال ابن عباس : أنى له الهدى قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( ثكلته أمه قاتل مؤمن متعمدا يجىء يوم القيامة حاملا رأسه بإحدى يديه يلزم صاحبه باليد الأخرى تشخب أوداجه في قبل عرش الرحمن جل وعز يقول سل هذا فيم قتلنى ) والذي نفسي بيده لقد نزلت وما نسخها من آية حتى قبض نبيكم -صلى الله عليه وسلم- وما أنزل بعدها من برهان . رواه أحمد 1/240 والنسائي (3999) وعبد بن حميد (680) واللفظ له .
ثانيا : قال تعالى ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً) (الفرقان:69)
ثالثا : أن قتل المسلم من الموبقات والمهلكات(1/2)
عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( اجتنبوا السبع الموبقات ) قالوا : يا رسول الله وما هن ؟ قال ( الشرك بالله والسحر وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل الربا وأكل مال اليتيم والتولي يوم الزحف وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات ) رواه البخاري ( 2615)ومسلم (89)
رابعا : أن من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا :
قال تعالى ( مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ) (المائدة:32).
خامسا : زوال الدنيا عند الله تعالى أهون من قتل المسلم
عن عبد الله بن عمرو عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم ) رواه النسائي (3987) وابن ماجه قال البوصيري : هذا إسناد صحيح رجاله ثقات . ا.هـ مصباح الزجاجة (933) وحسنه المنذري في الترغيب والترهيب 3/201 فتصور أخي الكريم زوال الدنيا كلها وأهون وأيسر من قتل مسلم واحد ألا تدرك معي عظم هذا الذنب . قال ابن العربي رحمه الله تعالى " ثبت النهي عن قتل البهيمة بغير حق والوعيد في ذلك فكيف بقتل الآدمي فكيف بالمسلم فكيف بالتقي الصالح " ا.هـ فتح الباري 12/189فيض القدير 4/506
بل جاء في رواية البراء بن عازب -رضي الله عنه- (لزوال الدنيا أهونُ على الله من قتل مؤمن بغير حق، ولو أنَّ أهلَ سماواته وأهل أرضه اشتركوا في دم مؤمن لأدخلهم الله النار ) رواه الأصبهاني (صحيح الترغيب والترهيب 1/629)(1/3)
سادسا : لعظم هذا الذنب فإنه أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة فيما يتعلق بحقوق العباد فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ( أول ما يقضى بين الناس يوم القيامة في الدماء ) رواه البخاري ( 6471)ومسلم ( 1678) .
سابعا : أنه لا يقدم على هذا العمل من وقر الإيمان في قلبه
عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( من حمل علينا السلاح فليس منا ) رواه البخاري ( 6480) فهذا الوعيد لمن حمل السلاح فكيف بمن باشر القتل قال شيخ الإسلام ابن تيمية-رحمه الله تعالى" وكذلك قوله (من غشنا فليس منا ومن حمل علينا السلاح فليس منا ) كله من هذا الباب لا يقوله إلا لمن ترك ما أوجب الله عليه أو فعل ما حرمه الله ورسوله فيكون قد ترك من الإيمان المفروض عليه ما ينفى عنه الاسم لأجله فلا يكون من المؤمنين المستحقين للوعد السالمين من الوعيد "ا.هـ مجموع الفتاوى 7/41
ثامنا : أن وقع في ذلك فقد ضيق على نفسه رحمة الله تعالى
عن ابن عمر -رضي الله عنهما- قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم – ( لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما ) رواه البخاري ( 6469) قال ابن العربي –رحمه الله تعالى- " الفسحة في الدين سعة الأعمال الصالحة حتى إذا جاء القتل ضاقت لأنها لا تفي بوزره والفسحة في الذنب قبوله الغفران بالتوبة حتى إذا جاء القتل ارتفع القبول " ا.هـ فتح الباري 12/188 عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال : ( إن من ورطات الأمور التي لا مخرج لمن أوقع نفسه فيها سفك الدم الحرام بغير حله ) رواه البخاري ( 6470) والورطات " جمع وَرْطة بسكون الراء وهي الهلاك يقال وقع فلان في ورطة أي في شيء لا ينجو منه " فتح الباري 12/188 .
تاسعا : أن حرمة المسلم أعظم عند الله من حرمة الكعبة(1/4)
عباد الله لا يخفى على أحد من المسلمين حرمة الكعبة المشرفة أتدري أن حرمة دم المسلم عند أعظم من حرمتها فلو رأينا رجلا يهم بهدم الكعبة لقامت قيامتنا غيرةً على بيت الله الحرام فكيف ونحن نرى من يقتل أبناء المسلمين فقد نظر ابن عمر -رضي الله عنه- يوماً إلى الكعبة فقال: ( ما أعظمك وأعظم حرمتك والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك ) رواه الترمذي (2032) وحسنه .
عاشرا : أن الكافر في أرض المعركة إذا نطق بالشهادة حرم قتله مع أن ظاهره إنما نطق بها خوفا من القتل :
عن أسامة بن زيد -رضي الله عنه-قال : بعثنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى الحرقة ، فصبحنا القوم فهزمناهم ، ولحقت أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، فلما غشيناه قال : لا اله إلا الله ، فكفَّ الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته ، فلما قدمنا بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال ( يا أسامة أقتلته بعدما قال لا اله إلا الله ) ، قلت : كان متعوذاً ، فما زال يكررها حتى تمنيت أنى لم أكن أسلمت قبل ذلك اليوم. رواه البخاري (4021) ومسلم (96) وفي لفظ لمسلم فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ( أقال لا إله إلا الله وقتلته ) ؟ قال : قلت يا رسول الله إنما قالها خوفا من السلاح . قال : ( أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا ) قال النووي -رحمه الله تعالى- " فيه دليل للقاعدة المعروفة في الفقه والأصول أن الأحكام يعمل فيها بالظواهر والله يتولى السرائر " ا.هـ شرح مسلم 2/107 . ومما جاء في قرار لهيئة كبار العلماء تعليقا على هذا الحديث : " وهذا يدل أعظم الدلالة على حرمة الدماء، فهذا رجل مشرك، وهم مجاهدون في ساحة القتال، لما ظفروا به وتمكنوا منه؛ نطق بالتوحيد، فتأول أسامة -رضي الله عنه- قتله على انه ما قالها إلا ليكفوا عن قتله، ولم يقبل النبي -صلى الله عليه وسلم- عذره وتأويله ، وهذا من أعظم ما يدل على حرمة دماء المسلمين وعظيم جرم من يتعرض لها " ا.هـ(1/5)
أما ما يتعلق بحكم إيواء المحدثين
فاسمع أخي الكريم للحديث الذي رواه أمير المؤمنين علي –رضي الله عنه- قال : قال رسول الله –صلى الله عليه وسلم-( لعن الله من آوى محدثا ) رواه مسلم (1978) وعنه -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال ( المدينة حرم ما بين عائر إلى كذا من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يُقبل منه صرف ولا عدل ) رواه البخاري (1771) قال الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى – " وفيه أن المحدث والمؤوي للمحدث في الإثم سواء والمراد بالحدث والمحدث الظلم والظالم على ما قيل أو ما هو أعم من ذلك " ا.هـ فتح الباري 4/84 وقال شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله تعالى- " ومن آوى محاربا أو سارقا أو قاتلا ونحوهم ممن وجب عليه حد أو حق لله تعالى أو لآدمي ومنعه ممن يستوفي منه الواجب بلا عدوان فهو شريكه في الجرم وقد لعنه الله ورسوله روى مسلم في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال : قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم – ( لعن الله من أحدث حدثا أو آوى محدثا ) وإذا ظفر بهذا الذي آوى المحدث فإنه يطلب منه إحضاره أو الإعلام به فإن امتنع عوقب بالحبس والضرب مرة بعد مرة حتى يمكن من ذلك المحدث كما ذكرنا أنه يعاقب الممتنع من أداء المال الواجب فما وجب حضوره من النفوس والأموال يعاقب من منع حضورها ولو كان رجلا يعرف مكان المال المطلوب بحق أو الرجل المطلوب بحق وهو الذي يمنعه فإنه يجب عليه الإعلام به والدلالة عليه ولا يجوز كتمانه فإن هذا من باب التعاون على البر والتقوى وذلك واجب بخلاف ما لو كان النفس أو المال مطلوبا بباطل فإنه لا يحل الإعلام به لأنه من التعاون على الإثم والعدوان بل يجب الدفع عنه لأنه نصر المظلوم واجب " ا.(1/6)
هـ السياسة الشرعية /67 مجموع الفتاوى 28/323 لذا الحذر الحذر من إيواء المحدثين بل الواجب نصحهم وإرشادهم ودلالتهم إلى الطريق المستقيم ومن تلبَّس بشيء من ذلك فالواجب عليه تسليم نفسه لولاة الأمر وليعلم أن ذلك خير له من التمادي في الباطل فالرجوع إلى الخير خير وأبقى فلعل الله تعالى أن يكرمه بتوبة نصوح تكفر عنه ما اقترفت يداه قال تعالى ( وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً) (68) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً (69)إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) (الفرقان:70) .(1/7)
وأختم بأمر مهم وهو أن بعض الغيورين -وفقهم الله تعالى- يظنون أن من حقهم إقامة الحدود سواء بالقتل أو غيره ولا شك أن هذا مخالف لهدي النبي -صلى الله عليه وسلم- ففي قصة حاطب -رضي الله عنه- عندما خاطب أهل مكة يخبرهم بخروج رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لحربهم وهذا بلا شكك ظاهره خيانة لله ورسوله حتى قال عمر –رضي الله عنه- "يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق " فقال له النبي –صلى الله عليه وسلم ( إنه قد شهد بدرا وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال " اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم ") رواه البخاري (2845) ومسلم (2494) فهنا نلاحظ أن عمر –رضي الله عنه-قد استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في قتله ولم يبادر إلى تطبيق الحكم الشرعي الذي ظنه وهو قتل المرتد مما يدل على أن إقامة الحدود منوط بولي الأمر لكونه أعلم بشروط إقامتها وانتفاء الموانع ولا أعلم حادثة واحدة قام فيها صحابي بقتل رجل بدون إذن النبي –صلى الله عليه وسلم- مع وجود المنافقين في عهده وقد نزلت فيهم آيات كثيرة وقد أخبر النبي –صلى الله عليه وسلم- حذيفة بن اليمان بأسمائهم ولو أن إقامة الحدود منوطة بعامة الناس لقتل بعضهم بعضا وكل مَن وقع بينه وبين أحد خصومة أو نزاع بادر بقتله مدعيا أنه رأى المقتول مرتكبا لما يوجب قتله من سب أو استهزاء أو زنا وغيرها من موجبات القتل ولانتشر بسبب ذلك الخوف والقتل وانعدم الأمن الذي حفظه من مقاصد الشريعة .(1/8)
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا اللهم من أراد بلادنا أو بلاد المسلمين بسوء فأشغله بنفسه ورد كيده في نحره اللهم وتقبل من قضى من رجال الأمن شهداء واغفر لهم وارحمهم واخلف على ذويهم خيرا منهم اللهم ورد ضال المسلمين إليك ردا جميلا اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات (ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار ) (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (الصافات:182) كتبه : د. نايف بن أحمد الحمد تحريرا في 28/11/1426هـ(1/9)