قيام اللّيل
مُحَاضَرَةٌ
لِسَمَاحَةِ الشَّيْخِ العَلَّامَةِ
عَبْدِ اللَّهِ بنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بنِ جِبْرِيْنٍ
ـ شَفَاهُ اللَّهُ،وعَفَاهُ.آمين ـ
[ شريط مفرغ ]
قام بتنسيق المحاضرة ونشرها :
سَلْمَانُ بْنُ عَبْدِ القَادِرِ أبُوْ زَيْدٍ
ـ سَدَّدَهُ اللَّهُ فِيْمَا يُخْفِيْ وَيُبْدِيْ إِنَّهُ بِكُلِّ خَيْرٍ كَفِيْلٌ وَعَلَى كُلِّ شَئٍ وَكِيْلٌ ـ
المقدم : الحمد لله الأول فليس قبله شيء، والآخر فليس بعده شيء..
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أعطى فأكرم، وأجزل فأنعم، وأمات وأحيا، وأضحك وأبكى، له الكبرياء في السماوات والأرض وهو العزيز الحكيم. وأصلي وأسلم على المحبوب الذي هدى الله به القلوب صلى الله عليه وعلى آله وصحبه تسليما إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن القلب ليفرح، وإن العين لتدمع، ولا نقول إلا ما يحب ربنا ويرضى؛ فالحمد لله على قدوم شيخ جليل، وإمام فقيه نفع الله به العباد، وعلم في أقطار البلاد، رفع الله درجته، وأحسن عمله، ورفع قدره؛ ألا وهو الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين العالم المعروف، والمعلم النصوح؛ ولولا مخافة الإطالة والإطراء؛ لأطلنا الكلام في شكره، حفظه الله وأطال عمره على طاعته.
قدم إلينا.. ليحدثنا عن قيام الليل؛ وهو قدوة في ذلك، نسأل الله أن يكتب خطواته في ميزان حسناته، وفي ميزان الحاضرين أجمعين، وفي ميزان السامعين، هو ولي ذلك والقادر عليه.
والآن أيها الإخوة.. أترككم مع الشيخ -حفظه الله-؛ ليحدثنا عن هذا الموضوع.
« نصّ المحاضرة »
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله أوقاتكم بكل خير.(1/1)
نحمد الله ونشكره، ونثني عليه ونستغفره، ونسأله من فضله العظيم أن يوزعنا شكر النعم، وأن يدفع عنا النقم. ونصلي ونسلم على عبده ورسوله محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي علم الأمة وبين لهم ما ينفعهم، وبلغ ما أرسل به إليهم. ورضي الله عن صحابته الذين حملوا العلم، والذين بالغوا في حفظه وفي نقله إلى من بعدهم. وبعد:
أيها الإخوة: إنني كأحدكم لا أرى لي فضلا على أدناكم رجلا. أعترف -والحمد لله- بما فتح الله علي وعليكم من هذا العلم الذي هو علم كتاب الله، وعلم سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم- وبما ورثناه عن علمائنا الذين أخلصوا لنا النصيحة، وبينوا لنا وعلمونا؛ فجزاهم الله عن الإسلام والمسلمين خيرا؛ ومع ذلك فإني وإياكم -كلنا- بحاجة إلى أن نتعلم، وإلى أن نتزود من العلم النافع الذي تكون ثمرته العمل الصالح؛ فإن كل من اجتهد في العلم النافع أثمر ذلك في حقه؛ بحيث يظهر عليه أثر الأعمال؛ الأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى.
ولا شك أن من الأعمال الصالحة: الصلاة. هذه الصلاة التي أمر الله تعالى بها، ورغب فيها، وذكر ثوابها؛ هي من أفضل القربات، والأعمال الصالحة التي يتقرب بها العباد. جعل الله منها فريضة، وهي هذه الفرائض الخمس التي تتقربون بها إلى الله تعالى، وتؤدونها جماعة في هذه المساجد في كل يوم خمس مرات.
ثم إنه –سبحانه- رغب في النوافل؛ التي هي زيادة على هذه الفرائض. فرغب عباده في أن يتنفلوا له، وأن يصلوا له ما يستطيعون؛ وما ذاك إلا أن هذه الصلاة محبوبة عند الله تعالى، وكذلك محبوبة عند أولياء الله، وعند خيرة خلقه.
الأدلة على فضل قيام الليل
فأحب -في هذه الأمسية المباركة- أن أذكر شيئا من الأدلة على فضل قيام الليل، ومعناه، وكذلك –أيضا- على كيفيته.(1/2)
قيام الليل يراد به: التهجد الذي أمر الله به نبيه -صلى الله عليه وسلم-؛ فقال تعالى: { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا }[ سورة الإسراء ، الآية : 79 ] هكذا { وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ } ؛ أي: تهجد بالقرآن الذي أنزله الله تعالى عليك. يقول تعالى: { فَتَهَجَّدْ بِهِ } ؛ أي: بهذا القرآن. أخبر بأنه ينزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين، وأن المصلين مأمورون بأن يتهجدوا بهذا القرآن؛ فالتهجد: هو الصلاة في الليل.
وقال الله تعالى في صفة عباد الرحمن : { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا }[ سورة الفرقان ، الآية : 63 ] إلى قوله: { وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا }[ سورة الفرقان ، الآية : 64 ]،
{ يَبِيتُونَ }؛ يعني: يقطعون الليل. يقطعون ليلهم في هذا العمل { سُجَّدًا وَقِيَامًا } اقتصر على السجود؛ لأنه أفضل أركان الصلاة، ثم على القيام؛ لأنه أطولها. والسجود فيه: الدعاء، والذكر. والقيام فيه: قراءة القرآن، وفيه التأمين على قراءة الفاتحة. هكذا مدحهم أنهم { يَبِيتُونَ } ؛ يعني: ليلهم كله في هذا التهجد. يبيتون { سُجَّدًا وَقِيَامًا } .
ثم ذكر فضلهم، وذكر جزاءهم، فقال في آخر الآيات: { أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا }(1/3)
[ سورة الفرقان ، الآية : 75 ] هذا جزاؤهم { وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً } الغرفة: جنس الغرف -يعني- الغرف المبنية في الجنة { غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ } [ سورة الزّمر ، الآية : 20 ] جعلها الله تعالى مساكن لعباد الرحمن، وجعل من أعمالهم هذا القيام الذي هو أنهم { يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا } .
وهكذا –أيضا- وصفوا في آية أخرى بقوله تعالى: { إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ *كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ } [ سورة الذاريات ،الآيات : 15 ، 16 ،17 ، 18 ] ،{ قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ } الهجوع: هو النوم –يعني- لا ينامون إلا قليلا، لا ينامون في الليل إلا جزءا يسيرا بقية الليل، ماذا يفعلون؟ يصلون، ويتهجدون، ويركعون ويسجدون، ويتلذذون بهذه الصلاة التي يحبها الله تعالى.
وإذا كان في آخر الليل جلسوا يستغفرون –أي- يستغفرون ربهم، يُحسون بأنهم لم يقوموا بما يلزمهم، كأنهم مذنبون في ليلهم؛ فيختمون ليلهم بالاستغفار كما أمروا بذلك، أو كما مدحوا بذلك في آية أخرى؛ ففي قول الله تعالى: { الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالْقَانِتِينَ وَالْمُنْفِقِينَ وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ } [ سورة آل عمران ، الآية : 17 ] ؛ يعني: أنهم في آخر الليل يستغفرون. كيف ذلك مع أنهم طوال ليلهم وهم يصلون؟ إذا جاء في آخر الليل يقولون: ربنا اغفر لنا.. ربنا اغفر لنا.. ربنا اغفر لنا. نستغفرك ونتوب إليك من تقصيرنا ومن إساءتنا ومن نقصنا. هكذا كانت حالتهم؛ ليلهم في تهجد، وآخر ليلهم في استغفار. هذا -بلا شك- مدح لمثل هؤلاء.(1/4)
كذلك أيضا ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ذكر أفضل الأعمال فقال : « الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، وصلاة الرجل في جوف الليل، وقرأ قول الله تعالى: { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } [ سورة السجدة، الآيتان : 16 ، 17 ] » جزاؤهم على أعمالهم هذا الجزاء الأوفى { فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ } لا يعلم أحد ما جزاؤهم عند الله تعالى؛ حيث أخفى جزاءهم فلا يعلمونه إلا بعدما يشاهدونه { مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ }.
من عملهم: أنهم إذا تتلى عليهم آيات ربهم يخرون عليها. يخرون: يسجدون { خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ } [ سورة السجدة ، الآية : 15 ].
ثم ذكر أنهم { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ } – أي- ما تطمئن على الفرش، يتقلبون من جنب إلى جنب، ثم مع ذلك يقومون إلى الصلاة، لا يهنؤهم النوم.
ذكر عن كثير منهم أنه كلما اضطجع وجلس على فراشه ربع ساعة أو نصف ساعة وهو يتململ قام وكبر وصلى، ثم إذا سئم جاء واضطجع ولا يهنأه النوم؛ حتى يقوم مرة أخرى فيصلي. هكذا { تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ } –أي- تمل من المضجع ولا تريده؛ ولو كان فراشا وطيئا؛ ولو كان فراشا لذيذا، وما ذاك إلا أنهم يحسون بأن الصلاة التي يقومون إليها ويصلونها أنها لذتهم؛ فلذلك لا يهنأهم النوم.
كذلك أيضا ورد في الأحاديث أدلة كثيرة تفيد الحث على الصلاة في الليل، والتهجد، وذكر حالة المتهجدين، زيادة على ما ذكر الله تعالى في مثل هذه الآيات الكريمات.(1/5)
ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أول ما قدم المدينة سمعه عبد الله بن سلام أول ما سمع منه أنه قال: « أيها الناس: أفشوا السلام، وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام.. تدخلوا الجنة بسلام » يعني: أن صلاتك إذا هجع الناس حولك وأخذوا مضاجعهم، وقمت تصلي فإن ذلك من أشرف الأعمال؛ حيث إنك انفردت بهذا العمل دون غيرك ممن حولك « صلوا بالليل والناس نيام » .
وكذلك ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين » وهذا خير كثير، مجرد أنك تقوم الليل؛ ولو لم تقرأ إلا عشر آيات، عشر آيات فقط من القرآن في ليلتك، وفي صلاتك لا تكتب من الغافلين؛ فإن الغافلين.. هم الذين حرموا من فضل الله تعالى، وحرموا من أداء هذه العبادة.
كذلك أيضا ورد أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: « رحم الله رجلا قام من الليل، وأيقظ امرأته؛ فإن أبت نضح في وجهها الماء. رحم الله امرأة قامت من الليل، وأيقظت زوجها؛ فإن أبى نضحت في وجهه الماء » –يعني- من باب التنشيط، يعني: أنه قد يكون متثاقلا في النوم، فإذا صُب على وجهه الماء؛ فإنه يزول عنه النعاس، ويزول عنه الكسل؛ ويقوم نشيطا -بإذن الله تعالى-. هذا من فضل الله.. أنه يستحق الرحمة إذا أقام امرأته، أو أقامت زوجها.(1/6)
وورد –أيضا- في حديث آخر أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا قام الرجل من الليل، وأيقظ امرأته، فصليا، كتبا من القانتين والقانتات » -أي- كتب الله تعالى لهم هذا الأجر؛ وذلك لأنهما يتعاونان على الخير، يساعد الرجل امرأته، فيقوم وتقوم معه، وكل منهما يصلي؛ فيكونان بذلك من القانتين الذين مدحهم الله في قوله تعالى: { وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ } [ سورة الأحزاب ، الآية : 35 ] إلى قوله: { أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا }.
فنقول: لا شك أن هذه الأدلة الواضحة تفيد أن قيام الليل والصلاة فيه من أفضل القربات، وأشرف الأعمال.
اهتمام النبيّ ? وصحابته بقيام اللّيل
وقد كان السلف -رحمهم الله تعالى- يعتنون بقيام الليل، وقدوتهم النبي -صلى الله عليه وسلم- فإن الله تعالى أمره بقيام الليل فكان يمتثل ذلك. أمره في أول ما أنزل عليه قوله تعالى: { يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا } [ سورة المزمل ،الآيات : 1 ، 2 ، 3 ،4 ] ؛ فامتثل ذلك، فكان يقوم أكثر الليل.
وكذلك أيضا صحابته -رضي الله عنهم- يقومون مثل ما يقوم، أو قريبا منه، قال الله تعالى: { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ } [ سورة المزمل ، الآية : 20 ] –أي- قريبا من { ثُلُثَيِ اللَّيْلِ } ،{ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ } –أي- وتقوم نصفه أحيانا، وتقوم ثلثه؛ فكان هذا دأبه. ثم قال: { وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ } [ سورة المزمل ، الآية : 20 ] –أي- كان هذا عملهم. فكان -صلى الله عليه وسلم- يصلي نصف الليل، أو ثلث الليل على الأقل، أو ثلثيه؛ إمتثالا لهذا الأمر: { قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا } .(1/7)
حفظ عنه كما في حديث ابن عباس لما بات عند خالته قال له أبوه: اذهب فبت عند خالتك ميمونة في الليلة التي يكون فيها النبي -صلى الله عليه وسلم- عندها. يقول ابن عباس : « فلما كان نصف الليل، أو قبله بقليل، أو بعده بقليل، استيقظ النبي -صلى الله عليه وسلم- وجعل يمسح النوم عن وجهه، وقرأ العشر الآيات من آخر سورة آل عمران » وهي قوله تعالى: { إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ } [ سورة آل عمران، الآية : 190] ثم إنه قام وتوضأ. يقول ابن عباس : فكبر. ثم قال ابن عباس : « قمت، وتوضأت، وكبرت عن يساره، فأدارني عن يمينه » يقول: « فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر » ذكر أنه صلى ثلاثة عشر ركعة، يسلم من كل ركعتين، والثالثة عشر هي الوتر؛ الركعة الأخيرة. يقول: ثم اضطجع قليلا حتى أذن الفجر ؛ يعني: أنه مكث نحو خمس ساعات، أو ست ساعات وهو يصلي. ولا شك أنه قد يحس بشيء من التعب؛ فاضطجع قليلا ليريح نفسه، فلما أذن قام وصلى ركعتين خفيفتين؛ وهما سنة الفجر، ثم خرج إلى الصلاة.
فحفظ ابن عباس عنه : أنه صلى ثلاث عشرة ركعة في تلك الليلة، وأنه قضاها في نحو نصف الليل، أو ثلثه، أو ثلثيه. وهذا تطبيق لما أخبر الله تعالى، أو لما أمره به: { إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ }.
كان الصحابة أيضا -رضي الله عنهم- يتلذذون بقيام الليل، يقتدون بنبيهم، ويقتدون بعباد الله الصالحين الذين مدحهم بقوله: { وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ } فيقتدون بهم في هذا العمل الصالح، ويحبون أن يصلوا.(1/8)
كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يصلي كل ليلة الليل كله، إذا صلى العشاء كبر، وابتدأ يقرأ القرآن من أوله من سورة البقرة، وإذا كان في آخر الليل وإذا هو قد ختم، ولا يقطع قراءته؛ إلا لسجدات التلاوة، ويجعل قراءته القرآن كله في ركعة وترا. هذه صلاته. هكذا يقول بعض الصحابة: راقبت عثمان -رضي الله عنه- وإذا هو يقرأ، ثم يسجد، ثم يقوم فيقرأ ويقرأ ويقرأ ثم يسجد، ثم يقرأ ويقرأ ثم يسجد، وإذا هو إنما يسجد سجدات التلاوة. السجدات التي في القرآن: في آخر الأعراف، وفي الرعد، والنحل، والإسراء، ومريم، إلى آخرها... فهكذا قيامه.
عمر -رضي الله عنه- وكذلك أبو بكر كانوا يقومون الليل، وكانوا يقومون في آخره؛ يعني: الثلث الأخير من الليل، أو نحوه.
كان أبو بكر -رضي الله عنه- يسر بالقراءة، فسئل عن ذلك، فقال: أسمع نفسي وأناجي ربي. يعني: أن ربي يسمعني؛ ولو كانت قراءتي خفية.
أما عمر -رضي الله عنه- فإنه كان يجهر بالقراءة، فقيل له: لماذا؟ فقال: أوقظ الوسنان، وأطرد الشيطان. يعني: أن القراءة بجهر توقظ الوسنان الذي هو من المتثاقلين. الوسن: هو النعاس ونحوه، وأطرد الشيطان.
ولما كان كذلك كان الكثير من الصحابة -رضي الله عنهم- يحبون قراءة القرآن، والإكثار منه، منهم: عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- رأى رؤيا؛ أنه جاءه ملك، أو جاءه ملكان في المنام، وذهبا به إلى جهنم، ورأى النار. يقول: ورأيت فيها أناسا قد عرفتهم، فلقيني ملك فقال: لا تراع، لن تراع. فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- : « إن عبد الله رجل صالح؛ لو كان يقوم من الليل » ؛ فكان بعد ذلك لا ينام من الليل؛ إلا قليلا، كان يتهجد طوال ليله.(1/9)
ومنهم: عبد الله بن عمرو بن العاص ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- أنه كان يقوم الليل، ويختم في كل ليلة، يختم القرآن في قيام كل ليلة؛ ولكن النبي -صلى الله عليه وسلم- رفق به، وعلم بأن ذلك قد يكلفه، ويشق عليه، فقال له: « اختم القرآن في تهجدك في كل سبع » في كل ليلة تقرأ سبع القرآن .
فكان في الليلة الأولى في ليلة الجمعة يقرأ البقرة وآل عمران والنساء في ليلة واحدة في صلاة، وفي الليلة بعدها يقرأ من المائدة إلى آخر التوبة، وفي الليلة الثالثة من أول يونس إلى آخر النحل، وفي الليلة الرابعة من أول الإسراء إلى آخر الفرقان، وفي الليلة الخامسة من أول الشعراء إلى آخر يس، وفي الليلة السادسة من أول الصافات إلى آخر الحجرات، وفي الليلة السابعة من سورة ق إلى آخر القرآن، كل ليلة يقرأ هذا في تهجده، لا شك أن هذا دليل على أنهم يحبون قراءة القرآن في الصلاة ولا يملون.
حرص السَّلَف على قيام اللّيل
وكذلك أيضا السلف -رحمهم الله- كان أبو سليمان الداراني أحد التابعين يقول: أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. يريد بأهل الليل: أهل التهجد الذين يقطعون ليلهم في صلاة، وفي عبادة، وفي تهجد.
ويقول بعض السلف -رحمهم الله- إذا لم تقدر على قيام الليل فاعلم أنك محروم؛ قيدتك خطيئتك. ويقول آخر: لما سألوا الحسن -رحمه الله- قالوا له: ما لنا لا نقدر على قيام الليل؟ فقال: قيدتكم خطاياكم. أي: أن الذين لا يقدرون على قيام الليل؛ سبب ذلك.. أن ذنوبهم تراكمت عليهم، وأنهم تثاقلوا عن صلاة الليل.
ولا شك أن صلاة الليل يعتبرونها أفضل من صلاة النهار، وأنها أفضل التطوع؛ ففي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال النبي -صلى الله عليه وسلم- « أفضل الصيام بعد رمضان.. شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد المكتوبة.. قيام الليل» –يعني- التهجد.(1/10)
ويعتبره بعض العلماء من أسباب الرزق، ومن أسباب السعة. وما ذاك إلا أن هذه العبادة التي في الليل يتفرغ فيها المصلي، ويقبل على صلاته، ويزداد خشوعه وخضوعه، ويتواطأ قلبه ولسانه؛ ولذلك قال الله تعالى: { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } [ سورة المزمل، الآية : 6 ] { نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } –يعني- قائمه، إذا قام بعد أن نام يسمى ناشئا { إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ } يعني: إن قائمي الليل، أو قيام الليل { أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا } الوطء: التواطؤ -يعني- تواطؤ القلب واللسان. وأصوب قولا –أي- أنه في هذه الحالة يكون قراءته صوابا يسلم من الخطايا، ويسلم من الزلل، وما أشبه ذلك.
لقد عرفنا كثيرا من آبائنا وأجدادنا وإخواننا وجيراننا لا يتركون الصلاة في آخر الليل؛ ولو على الأقل ساعة أو ساعتين، وبعد ذلك.. فقدت هذه العبادة إلا ما شاء الله.
ولعل سبب ذلك.. أن أولئك الأولين كانوا ينامون أول الليل، نشاهدهم ساعة ما يفرغون من صلاة العشاء يأتون إلى فرشهم، وينامون مباشرة، وإذا كان في آخر الليل قبل الفجر بساعة أو بساعتين فكأن هناك من يوقظهم، يستيقظون نشيطين، ثم يتوضأ أحدهم، ولا يزال يصلي؛ وذلك لأنهم يعتبرون آخر الليل أفضل الأوقات، أفضل أوقات الليل؛ وذلك لأنه وقت النزول الإلهي الذي ثبت في الحديث: « أن الله تعالى ينزل آخر كل ليلة حين يبقى ثلث الليل الآخر، ثم يقول: هل من مستغفر فأغفر له؟ هل من تائب فأتوب عليه؟ هل من سائل فأعطيه؟ » يتودد إلى عباده وهو غني عنهم. فذلك الوقت الذي هو أشرف الأوقات، الذي هو آخر الليل -وقت هذا النزول، وقت هذا التودد- ليكون أقرب إلى أن المسلم يجتهد فيه، ويكون في ذلك الوقت منتبها متيقظا.(1/11)
أما في هذه الأزمنة.. حيث ابتلي الكثير بالسهر أول الليل؛ بحيث إنهم يسهرون إلى نصف الليل، وربما إلى آخر الليل، فعلى أي شيء يسهرون؟!! لا شك أن سهرهم أول الليل ووسطه إما على غناء وزمر، وإما على نظر إلى أفلام وصور عارية وفاتنة، وإما على لهو وسهو، وقيل وقال، وكلام لا أهمية له؛ فيقطعون جزءا من الليل على هذه الحالة، فإذا جاء آخر الليل وإذا هم كسالى، وكثير منهم لا ينامون إلا في الساعة الواحدة أو الثانية، ومتى يستيقظون تفوتهم صلاة الصبح كما تشاهدون أن المساجد يقل عدد المصلين فيها، فلا يكون فيها، أو لا يحضر فيها في صلاة الصبح إلا العدد القليل.
فنتواصى أيها الإخوة.. بأن ننام مبكرين إذا كان أحدنا لا يكفيه إلا النوم الكثير؛ حتى نستيقظ آخر الليل؛ ولو قبل الفجر بنصف ساعة أو بساعة نصلي فيها ما تيسر. نقول هذا ونحن مفرطون، ونحن غافلون، ونحن متكاسلون. نسأل الله العفو والعافية.
الالتذاذ بالصَّلاةِ
لا شك أن جنس الصلاة لذيذة عند عباد الله تعالى، وأن المصلي هو الذي يلتذ بها، ويجد فيها راحته. وقد ذكرنا قول أبي سليمان الداراني أهل الليل في ليلهم ألذ من أهل اللهو في لهوهم. يعني: أن الذين يتهجدون، ويصلون الليل؛ ولو الليل كله يلتذون بهذه الصلاة، ويجدون لها راحة، ويجدون لها طمأنينة، ويخشعون فيها ويخضعون، يتلذذون بها غاية التلذذ.
أما أهل اللهو الذين هم أهل الغناء، والطرب، والزمر، والصور، وما أشبهها؛ فإنهم على باطل، ثم إنهم أذلة؛ إنهم وإن طقطقت بهم البغال، وهملجت بهم البراذين؛ فإن ذل المعاصي لا يفارق قلوبهم.(1/12)
وبكل حال.. نتواصى بأن نهجر اللهو والسهو، ونهجر السهر على المعاصي، أو على ما لا أهمية له، ونأخذ على أيدي أولادنا الذين يسهرون هذه السهرات الطويلة، ونمنعهم من ذلك، كما يشتكي كثير من الآباء أن أولادهم، أن أبناءهم يذهب أحدهم في أول الليل ولا يأتي إلا في آخره قبيل الفجر بساعة أو بساعتين يذهب في تلك المقاهي، أو في تلك الاستراحات، أو ما أشبه ذلك، وماذا يفعل؟ لا شك أنه ليس على خير؛ وإنما هو على لهو وسهو، أو على محرمات. ثم تكون نتيجة ذلك.. فوات الصلوات، فلا يصلي إلا في الضحى إذا كان يصلي، أو تثقل عليه هذه العبادة.
فإذا أخذنا على أيدي سفهائنا، وأمرناهم بالخير، ودربناهم على الطاعة، وكذلك أيضا دربنا أنفسنا على النوم مبكرا، وعلى الصلاة بما تيسر؛ فإن ذلك -والحمد لله- يكون من أسباب إعانتنا على طاعة الله.
نسأل الله أن يعيننا على ذكره وشكره وحسن عبادته، وأن يعيننا على طاعته، وأن يجعلنا من أحبابه الذين يلتذون بقيام الليل، والذين يتهجدون في ليلهم، ويتبعون سنة نبيهم؛ إنه على كل شيء قدير. والله أعلم، وصلى الله وسلم على محمد .
[ أسئلة و أجوبة ]
نسأل الله أن يجزيكم خير الجزاء، وأن يحسن عملكم، وأن يجري الحق على لسانكم.
س: أيها الشيخ، يقول السائل: ما حكم صلاة بعض النساء في عرفة خلف الإمام الذي يصلي في نمرة ؛ وذلك عن طريق سماع صوته عبر اللاقط، وهم في مكان خاص بعيد قليل عن الجامع؟
ج : يباح للمرأة أن تصلي صفا وحدها، ولا يشترط أن يكون معها من يصف؛ بخلاف الرجل فإنه لا يصف صفا وحده؛ بل لا بد أن يكونا اثنين أو أكثر.
فإذا كانت هذه المرأة، أو هؤلاء النساء خلف الإمام، أو عن أحد جانبيه، لسن قدامه؛ فلا بأس. لا بأس أنهن يقتدين بصلاته، ويتابعنه بقراءته وتكبيره وتسليمه.
س: يقول السائل: هل على المرأة المسلمة أن تأمر بمعروف وتنهى عن منكر أثناء رؤية المتبرجات في الأسواق أم لا؟(1/13)
ج : نعم. « من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه » يعم ذلك الذكور والإناث؛ فكل منهم مسئول، إذا كانت قادرة؛ ولو أن تنكر بالإشارة؛ ولو أن توقف تلك المرأة المتكشفة، وتناجيها بكلام خفي، وتنصحها لعل الله يهديها.
س: يقول السائل: امرأة مدرسة في محافظة القويعية أو ما يزيد وتمكث هناك أكثر من خمسة أيام؛ فهل تقصر وتجمع إذا جاءت للرياض عند زوجها أم لا؟ مع أن مجيئها إلى الزوج عند بقائه تمكث عنده يومين، ثم ترجع إلى تلك المنطقة؟
ج : ليس لها أن تقصر ولا تجمع إلا في الطريق. الطريق بين الرياض وبين مقر عملها، لها أن تقصر فيه وتجمع. أما إذا استقرت في مقر عملها فلا قصر ولا جمع؛ لأنها تعتبر مقيمة، وكذلك إذا جاءت إلى منزلها تعتبر –أيضا- مقيمة؛ لأنها في منزلها وفي بيتها وعند أولادها. نعم.
س: يقول السائل: فضيلة الشيخ.. يوجد مشاريع خيرية من الندوة العالمية للشباب، ومن ضمن هذه المشاريع: كفالة الأيتام، وكفالة طالب علم. سؤالي -يا فضيلة الشيخ- عن كفالة اليتيم؛ والدتي لديها رغبة بأن تكفل يتيما ؛ علما بأنها ليس لديها دخل شهري، وسوف أخصم -يا سماحة الشيخ- من مرتبي المبلغ المطلوب.
وسؤال آخر وهل كفالة الأيتام تكفي بمجرد دفع هذا المبلغ؟ أم لا بد من الرعاية وضم اليتيم إليه؟
ج : في كفالة اليتيم أجر؛ لقوله عليه السلام: « أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين » ؛ ذلك دليل على فضل كفالة اليتيم. وتكفي كفالة اليتيم بإعطاء ولي أمره ما يكفيه –يعني- نفقة وكسوة.(1/14)
ولا شك أن اليتامى أولئك لهم من يربيهم، الأم موجودة -مثلا- أو الخالة، أو العمة، أو نحوهم. فهناك من يربيهم، ومن يصلح أحوالهم. أنت إنما عليك أن تطعمه، تعطيه طعاما وكسوة، تعطيها الوكيل؛ ولكن إذا كان ذلك يضيق عليك نفقتك، ويكون عليك نقص في مرتبك يخل بنفقتك؛ فإن أولادك وأهلك أولى؛ لقوله في الحديث: « ابدأ بنفسك فتصدق عليها » وفي الحديث الآخر: « اليد العليا خير من اليد السفلى وابدأ بمن تعول ».
س: فضيلة الشيخ.. أحسن الله إليكم. إذا دعا المسلم لأخيه وهو يصلي، فهل يخصه بالدعاء في السجود أم بعد السلام؟ وهل يذكر اسمه ويبين حاجته إلى غير ذلك؟
ج : يجوز ذلك. إذا كان بحاجة إلى الدعاء له بالهداية، أو بالرحمة، أو بالشفاء، أو ما أشبه ذلك، فيجوز أن تدعو له؛ سواء في السجود أو بعد السلام، بعد السلام فيه فضل، قال النبي -صلى الله عليه وسلم- : « أفضل الدعاء: جوف الليل الآخر، ودبر الصلوات المكتوبة » فإذا دعوت له بعدما تسبح وتكبر بعد كل فريضة كان في ذلك أجر وثواب عند الله تعالى، إذا دعوت فإن الملك يقول: آمين، ولك بمثل.
س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: إذا زاد المسافر المسح على الخفين أكثر من المدة المحدودة ناسيا؛ هل يلزمه إعادة الوضوء للصلاة أم لا؟
ج : نعم؛ لأنه حُدد المسح للمقيم بيوم وليلة، فإذا زاد على ذلك يوم ونصف، أو يومين فإنه يخلع ويجدد الوضوء، ويصلي تلك الصلوات التي صلاها بعد انتهاء المدة. نعم.
س: يقول السائل: أحسن الله إليكم. علي صيام شهرين متتابعين، فصمت الشهر الأول منهما؛ إلا أنه في آخر يوم من تاريخ التسعة وعشرين من هذا الشهر الأول كنت أنتظر الأذان -أذان المغرب- وقد وضع الفطور أمامي، وبقي على الأذان أربع دقائق تقريبا، فسمعت زوجتي صوتا وظنته أذان المغرب؛ فقالت: أفطر؛ فقد أذن فوضعت تمرة في فمي، ثم بلعتها؛ إلا أنه تبين لي أني أفطرت قبل الوقت بثلاث دقائق.(1/15)
السؤال: هل أعيد الصيام من جديد مع أنني صمت خمسة وأربعين يوما حتى الآن؟
ج : لا تعيده؛ ولكن إذا تأكدت أنك تقضي ذلك اليوم فقط، وإن كنت معذورا بمعنى أنك ما تعمدت، وأنك لما علمت بأنه لم يؤذن توقفت أنت معذور، ولا ... تعيد ذلك اليوم. نعم.
س: أحسن الله إليكم.. هذه السائلة تقول: أنا امرأة مر على زواجي اثنا عشر عاما، وشاء الله ألا أنجب. طرقت أنا وزوجي أبواب المستشفيات، وصرفنا في سبيل ذلك أموالا كثيرة.
والآن يصر علي زوجي أن أجري عملية طفل الأنابيب وأنا أرفض هذا الأمر رفضا باتا؛ فما حكم هذا الإجراء؛ إجراء هذه العملية، أو إجراء هذا الأنبوب؟ وفقكم الله!
ج : ذكر مشائخنا أنه لا يجوز هذا الطفل؛ لأنه يلزم منه مس العورة، وقد لا يكون –أيضا- شيئا محققا؛ لأجل ذلك نرى أنه لا يجوز، وأن عليها ألا توافق زوجها على ذلك.
وإذا كان السبب من أحدهما فإنه يتسبب. إذا كان الزوج هو الذي فيه السبب فعليه أن يخلي سبيلها؛ لعلها أن ترزق أولادا، وإذا كان السبب منها هي فله أن يتزوج زوجة أخرى؛ لعله أن يرزق أولادا. الله تعالى قد ذكر أن من خلقه من هو عقيم: { وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا }[ سورة الشورى، الآية : 50 ] نعم .
س: أحسن الله إليكم. يا شيخ.. لو أن هذا الإجراء تم عن طريق الطبيبات النساء، وكانت الحجرة مأمونة، ولا –يعني- ينتقل هذا الماء إلا لهذه المرأة نفسها، هل –يعني- تتمكن من ذلك؟
ج : نرى أنه لا يجوز بحال، وأن كلا يقنع بما خلق الله. نعم.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: ما حكم الاستماع للأناشيد باستمرار؛ حتى أنه ربما يطغى على قراءة القرآن؟
ج : إذا طغى على قراءة القرآن فلا يجوز. وأما إذا كان يستمعها أحيانا هذه القصائد التي فيها مواعظ، وفيها إرشادات وأحكام وآداب؛ ففيها فوائد؛ ولكن لا يهجر لأجلها القرآن.
س: يقول السائل: ما حكم الاستماع لأشرطة الدف والزفاف والرقص في غير حفلات الزواج ولا العيد ؟(1/16)
ج : لا شك أنها لهو ولعب، وأن كل ما يصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، وعن الخير؛ فإنه منهي عنه. فنوصي بعدم الاستماع لهذه الأغاني، أو الضرب بالدفوف، أو ما أشبه ذلك؛ إنما أبيح في شيء مخصص كليالي زفاف. نعم.
س: ما حكم -يا فضيلة الشيخ- لبس الضيق قليلا، والشفاف؛ خاصة على الصدر وجزء من الظهر، ولبس الفستان المفتوح بقدر ذراع أمام النساء؛ علما بخروجي متسترة ومتحجبة حجابا كاملا؟
ج : لا شك أن هذا مما ابتلي به كثير من النساء في هذه الأزمنة، وتعتذر بأنها أمام النساء أو أمام المحارم، وما أشبه ذلك؛ فتلبس لباسا ضيقا؛ بحيث تبدو ثدياها، وتبدو –أيضا- عظام صدرها، وتبدو منكباها، وعضداها، وكأنه ليس عليها شيء، قد ضيقت ذلك اللباس حتى من رآها ظن أنها عارية تماما، وربما –أيضا- كان الضيق إلى أسفل بطنها، وإلى عجيزتها وفخذيها، وما أشبه ذلك؛ فتظهر كأنها لا لباس عليها –يعني- أمام هؤلاء. وهذا فتح للباب –أي- باب العري، وباب قلة التستر، وتعتذر بأنه ليس عندها إلا نساء؛ ولكن إن هذا يصير ديدنا لها، وتألفه وتحب هذا اللباس الضيق.
وكذلك أيضا ربما يقتدي بها الجهلة، تقتدي بها ابنتها، وابنة أخيها، وابنة أختها، ويألفن هذا اللباس. فنقول: عليك أن تأخذ على أيدي نسائك، وتمنعهن من هذه الأكسية الضيقة. على المرأة أن تلبس لباسا ساترا، فضفاضا، واسعا؛ ولو كانت عند النساء. يجوز لها عند النساء أن تبدي شعرها، أو وجهها، أو ساعديها، أو ساقيها، أو ثدييها؛ لإرضاع طفلها، وأما غير ذلك فلا.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: ما حكم قص الشعر من الأمام بالنسبة للنساء ؟
ج :الأصل أن النساء يربين شعورهن، وأنهن يفتخرن بهذا، يرين أنه من الزينة ومن تمام الزينة؛ في الجاهلية وفي الإسلام هكذا ذكروا، فإذا كان كذلك فنقول: لا يجوز للمرأة أن تقصر من شعرها.(1/17)
ابتلينا في هذه الأزمنة بمن يرى أن إطالة الشعر أنه تشويش، وأنه مثلة، وأنه قبح؛ فحتى أن الرجل يلزم امرأته أنها تقص من شعرها، وأنها تجعله كما يسمون، تصبغه بعدة أصباغ ما يسمونه الديش، أو كذلك أيضا تجعله مدرجات تقص منه شيئا ثم شيئا. وهذا كله خلاف الحق، وخلاف الزينة التي جبل الله تعالى عليها النساء.
س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: يا فضيلة الشيخ.. أخبركم أني أحبكم في الله. هل من فاتته صلاة الجماعة في المسجد، وأراد أن يصلي منفردا، أو معه اثنان ثلاثة هل يجب عليهم أن يقيموا الصلاة مرة أخرى؟ أم يكتفوا بالإقامة التي تمت في المسجد؟
ج : يشرع لهم أن يقيموا. إذا كانوا اثنين فأكثر، أن يقيموا؛ ولكن ليست الإقامة من شروط الصلاة؛ لو صلوا بدون إقامة أجزأهم ذلك؛ ولكن يشرع ذلك. أما الواحد فلا يلزم أن يقيم، وكذلك –أيضا- المرأة لا يلزم أنها تقيم.
س: فضيلة الشيخ.. إذا دخل رجل مسافر المسجد، وفيه ناس يصلون صلاة غير مسافرين، وهو لم يكن يصلي المغرب، فهل يدخل معهم بنية المغرب؟ أم يدخل معهم بنية صلاة العشاء لعدم مخالفة الإمام؟
ج : المختار.. أنه يصلي المغرب وحده. فإذا صلى المغرب وحده دخل معهم في بقية العشاء؛ وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان، بينهما فرق في الكيفية، هذه ثلاث وهذه أربع؛ فيدخل معهم في بقية صلاة العشاء. هذا الذي نختاره. أجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم، فإذا صلوا ثلاث فارقهم، وتشهد لنفسه، وسلم، ونواها مغربا. ولكل اجتهاده.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: هل الذي يقرأ القرآن بدون صوت، وبدون أن يحرك شفتيه فقط؛ سواء في الصلاة، أو في غيرها، هل يحصل له الثواب والأجر، ويسقط عنه –يعني- عدم القيام بالركن؟(1/18)
ج : لا بد في القراءة من التلفظ، وإسماع نفسه، وتحريك شفتيه؛ بحيث إنه يسمع نفسه. فأما مجرد أنه يقرأ في قلبه فلا يجزيه في الصلاة، لا ذكر ولا قراءة؛ بل لا بد أنه يقرأ قراءة يحرك بها شفتيه ولسانه وحركات فمه إلى أن يتحقق أنه تلفظ بالحروف.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: أنا طالب في المدرسة، وعندنا معلم في مادة القرآن لا يخرجني من الفصل لكي أتوضأ لأقرأ القرآن. وإذا قلت له يقول: لماذا لا تتوضأ قبل الحصة، أو في الاستراحة؟ فأقول له: أني قد نسيت، فأضطر أن أمس القرآن وأنا على غير طهارة؛ فما رأي فضيلتكم؟
ج : عليك أن تكون منتبها، فيما بين الدرسين تتوضأ وتستعد، وإذا منعك من ذلك، واضطررت إلى أن تمسه؛ فإنك تجعله على الطاولة، وتتصفحه بعود أو نحوه، ولا يضرك، أو يكون الإثم عليه. نعم.
س: يقول السائل: نسمع اليوم أن بعض الشباب في فلسطين وفي غيرها يلقون أنفسهم بعمليات انتحارية؛ فهل هذا الشاب يحكم عليه بأنه شهيد؟
ج : إذا كان يقتل نفسه مجرد قتل فإنه يكون معذبا، أما الذين يلغم أحدهم نفسه ثم يتوسط في هؤلاء الأعداء، ويفجر نفسه، ويقتل منهم عددا؛ يريد بذلك النكاية بهم؛ فلعله معذور؛ ولعل له حكم الشهداء، أو قريبا منهم.
س: أحسن الله إليكم. يا سماحة الشيخ.. أنا رجل ساهمت بمبلغ من المال في إحدى الشركات، علما أن الأرباح تخرج بعد سنتين. فهل يجوز لي تزكيتها؟ وكيف؟ أفيدونا. جزاكم الله خيرا!
ج : نرى أنها ليست تحت تصرفك، فإذا قبضتها؛ ولو بعد سنتين فأخرج زكاتها عن سنة واحدة، ولا يلزمك أن تزكيها قبل ذلك.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: ما الحكم في الوسيط في شراء شهادة دراسية؟ فماذا يجب على الوسيط؟ أثابكم الله!!(1/19)
ج : لا يجوز شراء الشهادات؛ وذلك يدخل في التزوير، ويدخل في الكذب، والثمن الذي يأخذه ذلك الوسيط يأخذه حراما. الإنسان يدرس الدراسات التي يلزم بها إذا كان يريد مؤهلا، ويجتهد في الدراسة، والله تعالى يوفق من يشاء. نعم.
س: يقول السائل: إذا صليت ركعتين إلى أربع ركعات فقط من قيام الليل؛ ما حكم ذلك؟ هل يعتبر من قيام الليل؛ يعتبر تهجد؟ أم لا بد من إطالة؟
ج : يعتبر على حسب النشاط، وعلى حسب القدرة، من صلى ركعتين، من صلى أربع؛ -يعني- زيادة من غير الوتر فكل له أجره. ويكون الأجر –أيضا- على حسب الزمان، من صلى نصف ساعة فله أجر، أفضل منه من صلى ساعة، وهكذا. نعم.
س: أحسن الله إليكم. يقول السائل: فضيلة الشيخ.. لقد قام أحد أقاربي بقتل نفسه، فهل يعتبر خالدا مخلدا في النار على ظاهر قوله تعالى: { خَالِدًا فِيهَا } [ سورة النِّساء، الآية : 14 ] ؟ وهل يخرج من دائرة الإسلام؟ وهل أذكر هذه القصة للعبرة أم لا؟
ج : الأصل أنه لا يقتل الإنسان نفسه إلا إذا وقع في مشكلة، أو في حرج وشدة لم يستطع أن يتخلص منها؛ فيكون بذلك قد يكون معذورا.
نحن نقول: نذكره فيما بيننا، وندعو له، وأمره إلى الله، ولا تبدي هذه القصة، ولا تظن به هذا الظن؛ الله تعالى قد يعذره إذا كان هناك عذر. نعم.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: -لماذا أوصى الرسول- أو ما الحكمة في أن الرسول -صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أوصى بالوتر قبل المنام ؛ مع أن القيام في آخر الليل؟
ج : كان أبو هريرة يبيت أول الليل يتذكر الأحاديث، يدرس الأحاديث؛ فأمره أن يوتر قبل أن ينام احتياطا؛ لأنه إذا بات أول الليل فقد لا يتيسر له القيام آخر الليل.
أمره بأن يحتاط فينام على وتر، وكذلك أمر أبا ذر وأما بقية الصحابة أو أكثرهم فإنهم يوترون آخر الليل. نعم.(1/20)
س: السائلة تقول: حملت أمانة -من بعض الأخوات- وهي عبارة عن مبلغ من المال، وقد أعطيته أحد أقاربي لإيصاله للندوة العالمية؛ ولكن فقد هذا المبلغ، أو فقد ربعه، ولا يدري ما الذي أنقص منه هذا المبلغ؛ فهل عليه إثم في هذا التفريط؟
ج : ليس عليه إثم إذا لم يكن هناك تفريط. إن كان مفرطا بأن جعله -مثلا- على الأرض، وغفل عنه، أو كذلك أعطاه سفيها، أو نحوه فإنه يضمن. وأما إذا لم يكن مفرطا فالأصل أنه لا يضمن.
س: يقول السائل: أحسن الله إليكم.. ما حكم صلاة الرجل مع امرأته معا في صلاة الليل؟ وما حكم المداومة على ذلك يوميا؟
ج : لا بأس بذلك. الحديث الذي ذكرنا: إذا أيقظ الرجل امرأته فصليا كتبا من القانتين والقانتات ؛ فلا بأس أنها تصلي بصلاته، كمأمومة تكون خلفه، لا تكون إلى جانبه. نعم.
س: يقول السائل: ما حكم التصوير الفوتوغرافي ؟ هل يدخل فيه الصور المجسمة على شكل حيوان أو غيره؟
ج : القصد من الأحاديث التي وردت في التصوير: مضاهاة خلق الله، في الحديث: « أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله ».
ونرى أن هذه الصور التي بالكاميرا أو الفوتوغراف، أو ما أشبهه -أنهم أو أكثرهم- إنما يريدون الاحتفاظ بهذه الصورة؛ ليستفاد منها، أو نحو ذلك.
وبكل حال.. فإن هذا نرى أنه لا مانع؛ يعني: عند الحاجة من استعمال هذه الصور بقدر الحاجة.
س: أحسن الله إليكم.. يقول: ما الفرق بين الوتر والقنوت ؟
ج : الوتر: هو ركعة في آخر تهجده، وأما القنوت: فهو الدعاء الذي يكون بعد الرفع من الركوع، والذي تسمعونه في قنوت الوتر في رمضان يدعو الإمام بقوله: اللهم اهدنا فيمن هديت وما أشبه ذلك من الدعاء.(1/21)
فالدعاء يسمى: قنوت، والوتر: الركعة الأخيرة. هذا هو الاصطلاح؛ ومع ذلك فإن طول القيام يسمى قنوتا في قوله تعالى: { وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ } [ سورة البقرة، الآية : 238 ] وفي قوله: { وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ } [ سورة الأحزاب، الآية : 35 ] ؛ فالقنوت: هو طول القيام. وهو مما يرغب فيه. نعم.
س: هذه سائلة -يا فضيلة الشيخ- تقول تسأل عن ابنتها التي أصبحت ووجدتها بجوارها ميتة؛ فهل عليها شيء؟
ج : ينظر في سبب الموت؛ إذا كان أنها من قبل مريضة يمكن أن سبب الموت هو المرض، أما إذا خافت أنها فرطت، إما أنها انقلبت عليها إذا كانت في الشهر الأول، أو في الشهرين الأولين؛ فإنها إذا انقلبت عليها، أو ضغطتها يكون ذلك سببا في موتها؛ فيكون عليها كفارة؛ صيام شهرين متتابعين. أما إذا لم يكن منها تفريط فالظاهر أن موتها بالمرض.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: دخل شخصان للصلاة والصف مكتمل، فكبر أحدهما في الصف الثاني لوحده ظنا منه أن رفيقه سيصف معه؛ ولكن هذا الصاحب تأخر؛ حتى ركعت ثم قمت، فهل يعتبر في ذلك شيء؟
ج : إذا كبر معك قبل أن تسجد فإنه تتم ركعتك، يعني: المطلوب أنك لا تسجد السجدتين وأنت وحدك؛ إن فعلت ذلك فإنك تعيد تلك الركعة، فإذا جاء وكبرت وحدك، ثم جاء بعدما رفعت، وكبر معك أجزأتك الركعة.
س: أحسن الله إليكم.. تقول السائلة: أنا فتاة تقدم لي خطاب كثير؛ ولكن والدي يرفض –دائما- بالرغم من أنهم أكِفَّاء، وأريد أن يكون لي زوجا متدين؛ فماذا أفعل مع والدي؟
ج : لعلها تريد أَكْفَاء؛ الأَكِفَّاء:ُ هم من فقدوا البصر. فيمكن أنه عابهم بسبب فقد البصر. وأما إذا كانوا أَكْفَاءَ، الْكُفْء: هو المماثل الذي ليس فيه عيب. فنرى أنه لا يجوز له أن يرده؛ ورد ذلك في قوله -عليه السلام- : « إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه؛ إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير ».(1/22)
فعلى المسلمين أن ينصحوا إخوانهم هؤلاء الذين يمنعون الإناث من الزواج؛ حتى تتقدم بها السن، فبعد ذلك يعزف عنها الرجال، وتحرم من هذه الحياة السعيدة، وتحرم من الأولاد؛ فيكون هو السبب في حرمانها. نعم.
س: تقول السائلة: ما حكم امتناع المرأة عن فراش زوجها لعذر ؛ كتعب، أو مرض، أو انشغال بالأولاد، أو غير ذلك؟
ج : إذا كان هناك عذر يمنعها، عذرا قويا؛ فلها أن تعتذر عنه؛ ولعله أن يعذرها. وأما إذا لم يكن هناك عذر إلا ما ليس بعذر قوي فليس لها أن تمتنع؛ ورد في ذلك وعيد -كما هو معروف-. نعم.
س: يقول السائل: قال -عليه الصلاة والسلام- كما قال؛ يعني: فيما يذكر السائل:من لم يقم الليل فليس منا. نرجوا توضيح هذا الحديث؟
ج : ما أذكر بهذا اللفظ؛ لكن « ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- رجل نام حتى أصبح، فقال: ذاك رجل بال الشيطان في أذنه » يعني: يكره مثل هذا؛ ولعله أراد بذلك أنه نام إلى أن طلعت الشمس، أو نحو ذلك. وأما من ليس منا، فهذا يمكن أنه ورد؛ ولكن الظاهر أنه لم يثبت. نعم.
س: يقول السائل: أحسن الله إليكم.. تعلم يا فضيلة الشيخ، ما فُتنا به في هذه الأيام من مشاغل الدنيا التي صرفتنا عن كثير مما كان يؤديه السلف من الطاعات، ومنها قيام الليل؛ ولكن ما هو الحد الأدنى من الصلاة التي يعتبر بها الإنسان من القائمين أو من القانتين؟
ج : ما تيسر؛ سواء من أول الليل أو من آخره. فإذا خاف الإنسان أنه لا يستيقظ آخر الليل بأن سهر إلى الساعة العاشرة أو الحادية عشر؛ فله -والحال هذه- أن يصلي؛ ولو نصف ساعة، أو ثلث ساعة يصلي فيها ما تيسر أربع ركعات مع الوتر، أو ستا أو نحو ذلك، فلا يحرم نفسه.
وإذا كان هناك عذر يمنعه، فلو لم يصل إلا ثلاث ركعات الوتر كفاه ذلك، ولا يكون من الغافلين -إن شاء الله-.(1/23)
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: أفيدكم أن لي ولدا يبلغ من العمر إحدى وعشرين سنة، وهو يشرب الدخان. والسؤال: هل يجوز لي أن أعطيه مالا؛ علما أنه في المرحلة التوجيهية؟ وأرجو منكم الدعاء له!
ج : لا شك أن شرب هذا الدخان بلية هذا الزمان، ومصيبة الإنسان؛ وذلك لأن الذين يشيعونه ويدعون إليه ما قصدوا بذلك نصيحة المسلمين.
الحكومات التي تورده تعتذر بكثرة الذين يرغبونه، والذين يروجونه أو يشربونه، وأنهم لا يستغنون عنه في زعمهم؛ ولأجل ذلك تلزم الشركات التي تنتجه بالتحذير الرسمي، فيكتب في كل علبة تحذير رسمي، أيها المواطن.. الدخان يضر بصحتك، ننصحك بالامتناع عنه.
فعليك أن تأخذ على يديه، وأن تأمره بالإقلاع عنه إقلاعا كليا، وتبين له أنه يضر بالصحة، وأنه يتلف المال، وأنه كما قال بعضهم: أنه ينتن الفاه، ويخلي المخباه، لا في أوله بسم الله، ولا في آخره الحمد لله.
زيادة على ما فيه من الأضرار التي عددها الذين حللوه؛ فلا تعطه حتى يقلع عنه، والإقلاع سهل. كم عرفت، وكم عرفتم ممن تابوا منه صبروا. صبر يوم ثم يومين ثم خمسة أيام، ثم كل يوم؛ ولو كان يحس بألم هذا السم الذي فيه الذي يسمى النيكوتين، لو كان يحس بذلك فإن عاقبته أنه بعد خمسة أيام عشرة أيام يقلع عنه، ويسلم من هذا الداء. فلا تعطه حتى يتوب منه، وادع له، وانصحه. نعم.
س: يقول السائل: أثابكم الله.. وأطال عمركم على طاعته والسامعين. أريد كلمة مختصرة عن سجود السهو، متى يكون قبل التسليمتين، ومتى يكون بعدهما ؟
ج : الإمام أحمد اختار أن السجود كله قبل السلام، أنه جزء من الصلاة. سجود السهو يسجده قبل أن يسلم؛ لكن ذكر ثلاث حالات اتبع فيها النص.(1/24)
الحالة الأولى: إذا سلم قبل تمام الصلاة، بأن صلى ركعتين، ثم سلم ناسيا في الظهر، فإذا تذكر صلى الركعتين الأخيرتين ثم سلم، ثم أتى بالسجدتين ثم سلم. إذا سلم عن نقص -عن نقص ركعتين أو عن نقص ركعة- فإنه يتم ثم يسلم، ثم يسجد ثم يسلم. هذه الحالة الأولى.
الحالة الثانية: إذا بنى الإمام على غالب ظنه؛ فإنه يسلم ثم يسجد، ودليل ذلك أنه -عليه السلام- قال: « إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد » هذه صورتان.
والصورة الثالثة: إذا ما تذكره إلا بعد السلام. وتجدون هذه الحالات الثلاثة في كتاب العمدة ؛ عمدة الفقه الذي يدرس في المدارس المتوسطة للذكور والإناث.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: كيف يستطيع الإنسان تعويد نفسه على قيام الليل ؛ بحيث إنه يبقى الإنسان مجتهدا في البداية ومتحمسا ثم بعد ذلك يفتر؟
ج : في الحديث: « اكلفوا من الأعمال ما تطيقون؛ فإن الله لا يمل حتى تملوا » لا يكلف الإنسان نفسه فوق طاقتها، ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: « إذا نعس أحدكم في صلاته فليرقد؛ فإنه لا يدري إذا قرأ لعله يسب نفسه » إذا كان -مثلا- يصلي وهو ناعس؛ ولكن أنصح فنقول: عليكم أن تجدوا وتجتهدوا في العبادة، وكذلك –أيضا- في ترويض النفس على هذه الصلاة؛ فإن من درب نفسه عليها سهلت عليه.
فنعرف بعض الشباب الذين فوق العشرين، أو قبل العشرين –أيضا- درب نفسه على أن يصلي كل ليلة ساعة؛ فهان ذلك عليه، وأراد أبوه، أو أخوه الذي هو أكبر منه أن يفعل كفعله فعجز؛ وذلك لأن هذا يخضع للتمرن والتدرب والاستمرار على هذا العمل. أما الذي يأتيه لأول مرة؛ فإنه يجد صعوبة. فعليك أن تدرب نفسك؛ ولعل ذلك يسهله عليك.
س: أحسن الله إليكم، يقول السائل: تعلمون -رعاكم الله- في هذه الأزمان انتشار الفتن، وانتشار ما يعين على هذه الفتن؛ فكيف يقي الإنسان نفسه من الشهوة المحرمة خاصة من الشباب؟(1/25)
ج : أولا: يفضل أنه يبادر بالزواج. في الحديث: « يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج » ؛ فإنه بذلك يكسر حدة هذه الشهوة التي ركبها الله في جنس الإنسان -ذكر أو أنثى-.
ثانيا: إذا صعب ذلك عليه في أول الأمر كالذين يؤخرون الزواج إلى أن يستغنوا، أو يحصل على وظيفة، أو عمل، أو نحو ذلك؛ مع أنه ورد: أن الله تعالى يعين من تزوج يريد العفاف. فينصح بأن يكثر من الصوم، أرشد إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأخبر بأنه: له وجاء ، يكسر حدة الشهوة؛ ولكن يمرن نفسه على الجوع، وعلى الشغل والعمل البدني؛ فإن ذلك مما يخفف من حدة الشهوة.
ثالثا: يتجنب ما يثير الشهوة. فلا ينظر إلى الصور التي في الشاشات ونحوها ولا في المجلات، وكذلك أيضا لا يدخل الأسواق التي يكون فيها النساء المتكشفات؛ لعله بذلك يصون نفسه. نعم.
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله، وصلى الله وسلم على رسول الله.
س: فضيلة الشيخ، هل يصح فتح الكتاب، أو فتح القرآن أثناء الصلاة في الليل؟ أم لا بد من القراءة من الحفظ؟
ج : يصح أن يقرأ في المصحف إذا لم يستطع أن يقرأ من حفظه، كما يفعل ذلك في صلاة التراويح. كثير من الأئمة لا يحسنون أو لا يحفظون القرآن؛ فيقرءون من المصحف. نعم.
س: أحسن الله إليكم.. ما حكم شراء السيارة عن طريق الإيجار المنتهي بالتمليك ؟
ج : صدرت فيه فتوى من كبار العلماء؛ ولعلها انتشرت وصلت إلى السائل بمنعه. ثم جعلوا بدله إذا اشترى سيارة أن يرهنها لهم -للشركة- فيجعلها رهنا لهم، وإذا حلت الأقساط ولم يعطهم؛ فإنه -والحال هذه- يملكون بيعها؛ لأنهم يرهنونها ويمسكون وثائقها؛ فهذا الذي يقوم مقام هذه المعاملة.
س: أحسن الله إليكم.. هذا السائل يقول: أعطاني شخص مبلغا من المال، ووضعته عندي أمانة. وقد تصرفت في هذا المال دون علمه، وسوف أرجعه إذا طلبه. هل علي إثم في ذلك؟(1/26)
ج : لا إثم عليك إذا عرفت بأنه لا يحتاج إليه؛ إلا وقد جمعته؛ ولكن –يعني- الأولى أنك ما تصرف فيه إلا بإذنه. وبكل حال.. فإنه إن تلف عندك فإنك تضمنه؛ لأنك تصرفت فيه بدون إذن منه، وتعد مفرطا، وأما إذا جاءك وقد جمعته فإنه لا يضر ذلك.
س: أحسن الله إليكم.. يقول السائل: أشهد الله على محبتكم فيه. شخص حج متمتعا، وبعد الانتهاء من العمرة تحلل من العمرة ولم يحلق، وبعد الانتهاء من الحج حلق؛ فماذا عليه؟
ج : يظهر أنه -والحال هذه- بقي على إحرامه؛ لأن التحلل من العمرة لا بد أن يكون بالحلق أو بالتقصير. ويظهر أنه أحرم بالحج بعد الانتهاء من العمرة مباشرة.
فنقول: إذا لم يلبس ثيابه بين الحج والعمرة، وبقي على لباس العمرة، ثم أحرم بالحج؛ فلا شيء عليه. وأما إذا لبس ثيابه قبل أن يحلق؛ فإن عليه فدية، يعني: صيام ثلاثة أيام عن لباس المخيط، وصيام ثلاثة أيام عن تغطية الرأس، وإن كان تطيب –أيضا- فعليه صيام ثلاثة أيام؛ وذلك لأنه لبس قبل أن يتحلل. نعم.
س: أحسن الله إليكم..يقول السائل: متى تنتهي صلاة الوتر ووقت صلاة الوتر؛ هل بمجرد الأذان -أذان الفجر-؟ أم بغير ذلك؟
ج : الأصل ما ورد أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: إذا طلع الفجر فقد ذهب وقت صلاة الليل والوتر؛ فأوتروا قبل أن تصبحوا ؛ ومع ذلك فإن المؤذنين في هذه البلاد يبكرون قليلا، لا يتبين الصبح إلا بعد الأذان بخمس أو عشر دقائق، فمن صلى الوتر وهو يؤذن، أو بعد الأذان مباشرة أدرك ذلك.
[ انتهت الأسئلة ،
والْحَمْدُ للَّهِ أولاً وآخرًا.
وَصَلَّى اللَّهُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ ، وَعَلَى آلِهِ ،وَأَصْحَابِهِ أَجْمَعِيْن. ](1/27)