فأجاب بقوله : الصلاة في النعال مشروعة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في نعليه كما رواه أنس بن مالك رضى الله عنه أخرجه البخاري ومسلم ، وعن شداد بن أوس رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم )) (2) . رواه أبو داود وله شواهد .
وأما السجاد فلا تمنع من الصلاة في النعال ، لكن المهم الذي أغفله كثير من الناس هو تفقد النعال قبل دخول المسجد ، وهذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم فق قال : (( إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأي في نعليه قذراً، أو أذى فليمسحه، وليصل فيهما) (3) . فلو عمل الناس بهذا الحديث لم يكن على السجاد ضرراً إذا صلى الناس عليها في نعالهم .
* * *
وسئل فضيلته : يحصل عند بعض الناس إشكال في الصلاة بالنعال ويحصل منهم الإنكار على من فعل ذلك فما قولكم ؟
فأجاب قائلاً : لا ريب أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في نعليه كما في صحيح البخاري أن أنس بن مالك رضى الله عنه سئل : أكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه ؟ فقال : نعم (1) .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله تعالى سلفاً وخلفاً هل الصلاة فيهما من باب المشروعات فيكون مستحباً ، أو من باب الرخص فيكون مباحاً ، والظاهر أن ذلك من باب المشروعات فيكون مستحباً ، ودليل ذلك من الأثر والنظر :
أما الأثر : فقوله صلى الله عليه وسلم : (( خالفوا اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم )) (2) . أخرجه أبو داود وابن حبان في صحيحه ، قال الشوكاني في شرح المنتقي : ولا مطعن في إسناده .
ومخالفة اليهود أمر مطلوب شرعاً .(44/18)
وأما النظر : فإن النعال والخفاف زينة الأقدام ، وقد قال الله تعالى : (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (3) . ولا يعارض هذا المصلحة إلا أن القدمين في النعال ترتفع أطرافها عن الأرض ، وأطراف القدمين مما أمرنا بالسجود عليه ، لكن يجاب عن ذلك ، بأن النعلين متصلان بالقدم وهما لباسه ، فاتصالهما بالأرض اتصال لأطراف القدمين ، ألا ترى أن الركبتين مما أمرنا بالسجود عليا وهما مستوران بالثياب ، ولو لبس المصلي قفازين في يديه وسجد فيهما أجزأه السجود مع أن اليدين مستوران بالقفازين .
ولكن الصلاة بالنعلين غير واجبة لحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي حافياً ومنتعلاً (1) . أخرجه أبو داود وابن ماجه . ولحديث أبي هريرة رضى الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا صلى أحدكم فخلع نعليه فلا يؤذ بهما أحداً ، ليجعلهما بين رجليه ، أو ليصل فيهما )) (2) . أخرجه أبو داود . قال العراقي : صحيح الإسناد . وعن أبي هريرة رضى الله عنه أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إذا صلى أحدكم فلا يضع نعليه عن يمينه ولا عن يساره فتكون عن يمين غيره ، إلا أن لا يكون عن يساره أحد ، وليضعهما بين رجليه )) (3) . رواه أبو داود وفي إسناده من اختلف فيه ويشبه أن يكون موقوفاً . وعن عبد الله بن السائب رضى الله عنه قال : رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يوم الفتح ووضع نعليه عن يساره (4) .وبهذا علم أن الصلاة بالنعال مشروعة كالصلاة في الخفين ، إلا أن يكون في ذلك أذية لمن بجوارك من المصلين ، مثل أن تكون النعال قاسية ففي هذه الحال يتجنب المصلي ما فيه أذية لإخوانه ، لأن كف الأذى عن المسلمين واجب ، لاسيما إذا كان ذلك الأذى يشغلهم عن كمال صلاتهم ، لأن المفسدة في هذه الحال تتضاعف حيث تحصل الأذية والإشغال عن الخشوع في الصلاة .(44/19)
وأما من قال:إن الصلاة في النعال حيث لا يكون المسجد مفروشاً فليس قوله بسديد ، لأن الحكمة في الصلاة في النعل مخالفة اليهود ، وكون النعلين من لباس القدمين ، وهذه الحكمة لا تختلف باختلاف المكان ، نعم لو كانت الحكمة وقاية الرجل من الأرض لكان قوله متجهاً . وأما قول من قال : إنك إذا صليت في نعليك أمامي فقد أهنتني أشد الإهانة .
فلا أدرى كيف كان ذلك إهانة له ، ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في نعليه وأصحابه خلفه ، أفيقال إن ذلك إهانة لهم ؟
قد يقول قائل : إن ذلك كان معروفاً عندهم فكان مألوفاً بينهم لا يتأثرون به ، ولا يتأذون به .
فيقال له : وليكن ذلك معروفاً عندنا ومألوفاً بيننا حتى لا نتأثر به ولا نتأذى به .
وأما قول من قال لمن صلى بنعليه:أأنت خير من الناس جميعاً ، أو من فلان وفلان ، لو كان خيراً لسبقوك إليه .
فيقال له : إن الشرع لا يوزن بما كان الناس عليه عموماً أو خصوصاً ، وإنما الميزان كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكم من عمل قولي ، أو فعلي عمله الناس وليس له أصل في الشرع ، وكم من عمل قولي أو فعلي تركه الناس وهو ثابت في السنة ، كما يعلم ذلك من استقرأ أحوال الناس ، ومن ترك الصلاة بالنعلين من أهل العلم فإنما ذلك لقيام شبهة أو مراعاة مصلحة .
ومن المصالح التي يراعيها بعض أهل العلم ما يحصل من العامة من امتهان المساجد، حيث يدخلون المساجد دون نظر في نعالهم وخفافهم اقتداء بمن دخل المسجد في نعليه ممن هو محل قدوه عندهم ، فيقتدون به في دخول المسجد بالنعلين دون النظر فيهما والصلاة فيهما فتجد العامي يدخل المسجد بنعليه الملوثتين بالأذى والقذر حتى يصل إلى الصف ثم يخلعهما ويصلي حافياً فلا هو الذي احترم المسجد ، ولا هو الذي أتى بالسنة .(44/20)
فمن ثم رأي بعض أهل العلم درء هذه المفسدة بترك هذه السنة ، والأمر في هذا واسع – إن شاء الله – فإن لمثل هذه المراعاة أصلاً في كتاب الله تعالى ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم :
أما في كتاب الله تعالى فقد نهى الله تعالى عن سبحانه وتعالى آلهة المشركين مع كونه مصلحة ، لئلا يترتب عليه مفسده وهي سبهم لإلهنا جل وعلا فقال تعالى ( وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْواً بِغَيْرِ ) (1) .
وأما في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فشواهده كثيرة :
منها : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة رضى الله عنه وهو يتحدث عن شأن الكعبة : (( لولا أن قومك حديث عهدهم بالجاهلية فأخاف أن تنكر قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت وأن ألصق بابه في الأرض ))(1) .
ومنها : أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك قتل قوم من المنافقين مع علمه بهم ، مراعاة للمصلحة ، وتشريعاً للأمة أن يحكموا بالظواهر ، ويدعوا السرائر إلى عالمها جل وعلا . ومنها : ترك الصيام في السفر .
ومنها : إيثار النبي صلى الله عليه وسلم المؤلفة قلوبهم مع استحقاق جميع المقاتلين لها مراعاة للمصالح .
فعلى المرء أن يتأمل سيرة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه ، ومراعاة للمصالح ويتبعه في ذلك ويعمل بسنته ما استطاع ، التزاماً بالواجب ، واغتناماً بالتطوع ، حتى يكون بذلك عالماً ربانياً وداعياً مصلحاً .
نسأل ا لله أن يوفقنا جميعاً لما فيه الخير ، والصلاح ، والفلاح ، والإصلاح ، وأن لا يزيغ قلوبنا بع إذ هدانا ، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين . في 10/8/1406 هـ .
* * *
وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم التزام الإنسان مكان معين في المسجد الحرام لغير المعتكف ليصلي فيه طيلة شهر رمضان ؟(44/21)
فأجاب فضيلته بقوله : المسجد الحرام كغيره من المساجد يكون لمن سبق ، ولا يحل لأحد خارج المسجد أن يتحجر مكاناً له في المسجد .
أما إذا كان في نفس المسجد ، ولكنه أحب أن يبتعد عن ضوضاء الناس ، وجلس في مكان واسع فإذا قربت الصلاة جاء ليصلي في مكانه الذي احتجزه فهذا لا بأس به ، لأن له الحق في أن يجلس في أي مكان في المسجد ، ولكن إذا ذهب ليصلي في مكان آخر أوسع له ثم لحقته الصفوف فإنه يجب عليه أن يتقدم إلى مكانه ، أو يتأخر لمكان أوسع ، لأنه إذا وصلته الصفوف وكان في مكانه هذا فقد اتخذ لنفسه مكاناً آخر من المسجد ، والإنسان لا يملك أن يتخذ مكانين له .
وإما التزام مكان معين لا يصلي إلا فيه فإن هذا منهي عنه بل ينبغي للإنسان أن يصلي حيث ما وجد المكان .
* * *
311 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى - : عن حكم حجز المكان في المسجد ؟
فأجاب قائلاً : إن حجر الأماكن إذ كان الذي حجزها خرج من المسجد فهذا حرام عليه ، ولا يجوز ، لأنه ليس له حق في هذا المكان ، فالمكان إنما يكون للأول فالأول ، حتى إن بعض فقهاء الحنابلة يقول : إن الإنسان إذا حجز مكاناً وخرج من المسجد فإنه إذا رجع وصلى فيه فصلاته باطلة ، لأنه قد غصب هذا المكان لأنه ليس من حقه أن يكون فيه وقد سبقه أحد أليه ، والإنسان إنما يتقدم ببدنه لا بسجادته أو منديله أو عصاه ، ولكن إذا كان الإنسان في المسجد ووضع هذا وهو في المسجد لكن يحب أن يكون في مكان آخر يسمع درساً ، أو يتقي عن الشمس ونحو ذلك فهذا لا بأس به بشرط أن لا يتخطى الناس عند رجوعه إلى مكانه ، فإن كان يلزم من رجوعه تخطي الناس وجب عليه أن يتقدم إلى مكانه إذا حاذاه الصف الذي يليه لئلا يؤذي الناس .
* * *
سئل فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى : إذا ضاق المسجد فما حكم الصلاة في السوق وما يحيط بالمسجد ؟(44/22)
فأجاب فضيلته بقوله : لا بأس بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الصلاة في السوق أو في الساحات التي حول المسجد فإن هذا لا بأس به ، حتى الذين يقولون إن الصلاة لا تصح في الطريق يستثنون من ذلك صلاة الجمعة وصلاة العيد إذا امتلأ المسجد وخرج الناس إلى الأسواق ، والصحيح أنه يستثنى من ذلك كل ما دعت الحاجة إليه فإذا امتلأ المسجد فإنه لا بأس أن يصلوا في الأسواق .
* * *
313 وسئل فضيلة الشيخ : عن الفرق بين المسجد والمصلي ؟ وما ضابط المسجد ؟
فأجاب بقوله : أما بالمعنى العام فكل الأرض مسجد لقوله صلى الله عليه وسلم : (( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) (1) . وأما بالمعنى الخاص فالمسجد : ما أعد للصلاة فيه دائماً وجعل خاصاً بها سواء بني بالحجارة والطين والإسمنت أم لم يبن ، وأما المصلى فهو ما اتخذه الإنسان ليصلي فيه ، ولكن لم يجعله موضعاً للصلاة دائماً ، إنما يصلي فيه إذا صادف الصلاة ولا يكون هذا مسجداً ، ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته النوافل ، ولم يكن بيته مسجداً ، وكذلك دعاه عتبان بن مالك إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى ولم يكن ذلك المكان مسجداً (2) . فالمصلى ما أعد للصلاة فيه دون أن يعين مسجداً عاماً يصلي فيه الناس ويعرف أنه قد خصص لهذا الشيء .
* * *
سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى - : هل مساجد مكة فيها من الأجر كما في المسجد الحرام ؟(44/23)
فأجاب فضيلته بقوله : قول السائل : هل مساجد مكة فيها من الأجر كما في المسجد الحرام جوابه : لا ليست مساجد مكة كالمسجد الحرام في الأجر ، بل المضاعفة إنما تكون في المسجد الحرام نفسه القديم والزيادة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة )) (1) . أخرجه مسلم . فخص الحكم بمسجد الكعبة ، ومسجد الكعبة واحد ، وكما أن التفضيل خاص في مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو خاص بالمسجد الحرام أيضاً ، ويدل لهذا أيضاً قوله صلى الله عليه وسلم : (( لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجدي هذا ، والمسجد الأقصى )) (2) . ومعلوم أننا لو شددنا الرحال إلى مسجد من مساجد مكة غير المسجد الحرام لم يكن هذا مشروعاً بل كان منهياً عنه ، فما يشد الرحل إليه هو الذي فيه المضاعفة ، لكن الصلاة في مساجد مكة بل في الحرم كله أفضل من الصلاة في الحل ، ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما نزل الحديبية ، والحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم كان يصلي في الحرم مع أنه نازل في الحل ، وهذا يدل على أن الصلاة في الحرم أفضل ، لكن لا يدل على حصول التضعيف الخاص في مسجد الكعبة .
فإن قيل : كيف تجيب عن قول الله تعالى ( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى) (1) . وقد أسرى به من مكة من بيت أم هاني ؟
فالجواب : أنه ثبت في صحيح البخاري أنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من الحجر ، قال : (( بينا أنا نائم في الحجر أتاني آت . . . )) (2) إلخ الحديث ، والحجر في المسجد الحرام ، وعلى هذا فيكون الحديث الذي فيه أنه أسرى به صلى الله عليه وسلم من بيت أم هاني – إن صحت الرواية – يراد ابتداء الإسراء ونهايته من الحجر ، كأنه نبه وهو في بيت أم هاني ، ثم قام فنام في الحجر فأسرى به من الحجر .
* * *(44/24)
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم هدم المساجد لصالح الشوارع ؟وهل يختلف الحكم فيما إذا كان يوجد مسجد آخر قريب منه يقوم مقامه ؟
فأجاب بقوله : هدم المساجد لمصلحة الشارع جائز إذا كان سيعمر بدله في مكان قريب منه بحيث لا يضر على أهل المسجد الأولين ، وقد ذكر الإمام أحمد وغيره عن عمر رضى الله عنه أنه أذن في نقل مسجد الكوفة لمصلحة بيت المال ، حيث إن بيت المال نقب وسرق ، فأمر عمر رضى الله عنه بنقل المسجد (1) ، وجعل بيت المال في قبلته ، معللاً ذلك بأنه ما زال في المسجد مصل ، فيمتنع من هم بالسرقة منها بسبب وجود المصلين في المسجد ، فصار المسجد في مكان سوق التمارين ، وسوق التمارين في مكان المسجد ، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – حكم هذه المسألة في الفتاوى ص 215- 238 مجلد 31 مجموعة ابن قاسم .
* * *
سئل فضيلة الشيخ : عن حكم إحضار الأولاد الصغار للمسجد إذا كانوا يشوشون على المصلين ؟
فأجاب بقوله : لا يجوز إحضار الأولاد للمسجد إذا كانوا يشوشون على المصلين ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون فقال : (( لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن أو قال في القراءة )) (2) . وإذا كان التشويش منهياً عنه حتى في قراءة القرآن فما بالك بلعب الصبيان ؟! .
أما إذا كانوا لا يشوشون فإحضارهم إلى المسجد خير ، لأنه يمرنهم على حضور الجماعة ويرغبهم في المساجد فيألفونها .
* * *
317 سئل فضيلة الشيخ : حفظه الله تعالى - : عن حكم منع الصبيان من الجلوس في الصف الأول ؟
فأجاب فضيلته بقوله : لا يمنع الصبيان من الصلاة في الصف
الأول من المسجد إلا إذا حصل منهم أذية ، أما ما داموا لا مؤدبين فإنه لا يجوز إخراجهم من الصف الأول لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به )) (1) . وهؤلاء سبقوا إلى ما لم يسبقهم إليه أحد ، فكانوا أحق به من غيرهم .(44/25)
فإذا قيل : قد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى )) (2) .
فالجواب : إن المراد بهذا الحديث حث أولي الأحلام والنهى على أن يتقدموا ، نعم لو قال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( لا يليني إلا أولوا الأحلام والنهى )) .لكان هذا نهياً عن تقدم الصبيان للصف الأول ، ولكنه إذا قال : (( ليليني أولوا الأحلام والنهى )) . فالمعنى حيث هؤلاء البالغين العقلاء على أن يتقدموا ليكونوا هم الذين يلون رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولأننا لو أخرنا الصبيان عن الصف الأول سيكونون وحدهم في الصف الثاني ، ويترتب على لعبهم ما لا يترتب لو كانوا في الصف الأول وفرقناهم وهذا أمر ظاهر . والله الموفق .
* * *
318 وسئل فضيلته : قال بعض الفقهاء إن من شروط الصلاة اجتناب النجاسة في البدن ، والثوب ، والبقعة ، وهو شرط عدمي ، فما الفرق بين الشرط الإيجابي والعدمي ؟(44/26)
فأجاب بقوله : الفرق بين الشرط الإيجابي والعدمي أن الأول يجب فعله والثاني يجب اجتنابه ، فإذا صلى الإنسان في ثوب نجس ناسياً ، أو جاهلاً فإن صلاته صحيحة ، وليس عليه إعادة الصلاة ، مثال ذلك : أصاب ثوبك بول ولم تغسله ثم صليت بعد ذلك ناسياً غسله ، أو أنه أصابك فإن صلاتك صحيحه ولا إعادة عليك ، لأنك معذور بالنسيان ، قال تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (1) . وقد روى أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي بأصحابه ذات يوم فخلع نعليه ، فخلع الصحابة نعالهم ، فلما سلم سألهم ، فقالوا : يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، فقال : (( إن جبريل أتاني وأخبرني أن فيهما أذى أو قذراً )) (2) . فدل هذا على أن من صلى بنجاسة جاهلاً بها فإن صلاته لا تبطل ، فإن علم بها أثناء الصلاة أزالها ومضى في صلاته ولا حرج عليه .فإذا قال قائل : ألستم تقولون : إن الإنسان إذا صلى بغير وضوء ناسياً فإن صلاته باطلة غير صحيحة ، فكيف تقولون إنه إذا صلى بالنجاسة ناسياً غسلها تكون صلاته صحيحة فما الفرق إذاً ؟
نقول : إن الوضوء شرط إيجابي أي أنه شرط وجودي والشرط الوجودي لابد من وجوده فإذا عدم عدمت الصحة ، وأما اجتناب النجاسة فهو شرط عدمي ، وقد قال أهل العلم : إنه يفرق بين ترك المأمور وفعل المحذور ، فترك المأمور لا يعذر فيه الإنسان بالجهل أو النسيان ، وفعل المحذور يعذر فيه الإنسان بالجهل أو النسيان ، وهذه قاعدة مقررة عند أهل العلم دل عليها كتاب الله ، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .
فصل
قال فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -:من إقام الصلاة الطهارة ، فإنها لا تقبل صلاة بغير طهور، قال النبي عليه الصلاة والسلام:(لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )) (1).(44/27)
فلابد أن يقوم الإنسان بالطهارة على الوجه الذي أمر به ، فإن أحدث حدثاً أصغر مثل البول ، والغائط ، والريح ، والنوم ، وأكل لحم الإبل فإنه يتوضأ .
وفروض الوضوء كما يلي : غسل الوجه ، واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس ، وغسل الرجلين إلى الكعبين ، كما أمر الله بذلك في قوله : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) (2) . ومن الوجه : المضمضة والإستنشاق ، ومن الرأس : الأذان ، فلابد في الوضوء من غسل هذه الأعضاء الأربعة ، غسل في ثلاثة ،ومسح في واحد .
وأما الاستنجاء أو الاستجمار فهو : إزالة نجاسة ولا علاقة له بالوضوء ، لو أن الإنسان بال أو تغوط واستنجى ، ثم ذهب لشغله ثم دخل الوقت فإنه يتوضأ بتطهيره الأعضاء الأربعة ، ولا حاجة إلى أن يستنجي ، لأن الاستنجاء إزالة نجاسة ، ومتى أزيلت فإنه لا يعاد الغسل مرة ثانية إلا إذا رجعت مرة ثانية . والصحيح : أنه لو نسي أن يستجمر استتجماراً شرعياً ثم توضأ فإن وضوءه صحيح ، لأنه ليس هناك علاقة بين الاستنجاء وبين الوضوء .
أما إذا كان محدثاً حدثاً أكبر مثل الجنابة فعليه أن يغتسل ، فيعم جميع بدنه بالماء لقوله تعالى : ( وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا) (1) . ومن ذلك المضمضة والاستنشاق لأنهما داخلان في الوجه فيجب تطهيرهما كما يجب تطهير الجبهة والخد واللحية .
والغسل الواجب الذي يكفي هو أن تعم جميع بدنك بالماء سواء بدأت بالرأس ، أو بالصدر ، أو بالظهر ، أو أسفل البدن ،أو انغمست في بركة وخرجت منها بنية الغسل .
والوضوء قبل الغسل سنة وليس واجب ، وإذا اغتسل فلا حاجة إلى الوضوء مرة ثانية لأنه لم يثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه توضأ بعد اغتساله .(44/28)
فإذا لم يجد الماء ، أو كان مريضاً يخشى من استخدام الماء ، أن كان برد شديد وليس عنده ما يسخن به الماء فإنه يتيمم لقوله تعالى:(وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)(2).
فبين الله حال السفر والمرض أنه يتيمم فيهما ، إذا لم يجد الماء في السفر .
أما خوف البرد فدليله قصة عمرو بن العاص رضى الله عنه قال : احتلمت في ليلة باردة في غزوة ذات السلاسل فأشفقت إن أغتسلت أن أهلك فتيممت ثم صليت بأصحابي الصبح فذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( يا عمرو أصليت بأصحابك وأنت جنب ؟ )) (1) فأخبرته بالذي منعني من الاغتسال وقلت : إني سمعت الله عز وجل يقول : ( وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً) (2) . فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً . فأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك ولم يأمره بالإعادة ، لأن من خاف الضرر كمن فيه الضرر ، لكن بشرط أن يكون الخوف غالباً أو قاطعاً ، أما مجرد الوهم فهذا ليس بشيء .
وأعلم أن طهارة التيمم تقوم مقام طهارة الماء ، ولا تنتقض إلا بما تنتقض به طهارة الماء ، أو بزوال العذر المبيح للتيمم .
فمن تيمم لعدم وجود الماء ثم وجده فإنه لابد أن يتطهر بالماء ، لأن الله تعالى إنما جعل التراب طهارة إذا عدم الماء ، وفي الحديث الذي أخرجه أهل السنن عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (( الصعيد الطيب وضوء المسلم أو قال : طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين ، فإن وجده فليتق الله وليمس بشرته )) (3) .(44/29)
وفي صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل في قصة الرجل الذي اعتزل فلم يصل مع النبي صلى الله عليه وسلم فسأله فقال : (( ما منعك أت تصلي معنا )) ؟ قال : أصابتني جنابة ولا ماء فقال : (( عليك بالصعيد فإنه يكفيك )) ، ثم حضر الماء فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم هذا الرجل ماء وقال : (( أفرغه على نفسك )) (1) أي اغتسل به ، فدل هذا على أنه إذا وجد الماء بطل التيمم ، أما إذا لم يحضر الماء ، ولم يزل العذر فإنه يقوم مقام طهارة الماء ولا يبطل بخروج الوقت ، فلو تيمم الإنسان وهو مسافر ولا ماء عنده لصلاة الظهر مثلاً وبقي لم يحدث إلى العشاء فإنه لا يلزمه إعادة التيمم ، لأن التيمم لا يبطل بخروج الوقت ، لأنه طهارة شرعية كما قال الله في القرآن الكريم : ( فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) (2). فبين الله أن طهارة التيمم طهارة ، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم : (( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) بفتح الطاء أي أنها تطهر (( فإيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل )) (3) وفي حديث آخر : (( فعنده مسجده وطهوره )) (4) يعني ليتطهر وليصل .
ومن المحافظة على الطهارة إزالة النجاسة من ثوبك ، ومصلاك وبدنك ، فلابد من الطهارة في هذه المواضع الثلاثة . ودليل هذا في الثوب أن النبي صلى الله عليه وسلم : (( أمر الحائض إذا أصابها الحيض أن تغسله ثم تصلي فيه )) (5) .
ولما صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعاله خلع نعليه فخلع الناس نعالهم فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم ؟ قالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، قال : (( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذراً )) (1) .
فدل هذا على أنه لابد من اجتناب النجاسة في الملبوس .(44/30)
أما المكان : فدليله أن أعرابياً جاء فبال في طائفة المسجد أي في طرف منه ، فصاح به الناس وزجروه ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم بحكمته نهاهم وقال : اتركوه فلما قضي بوله دعاه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له : (( إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من الأذى أو القذر إنما هي للصلاة والتسبيح ، وقراءة القرآن )) (2) .
فدل هذا على أنه لابد من التنزه من البول وهكذا بقية النجاسات ولكن لو فرض أن الإنسان في البر وتنجس ثوبه وليس معه ما يغسله به فهل يتيمم من أجل صلاته في هذا الثوب .
لا يتيمم ، وكذلك لو أصاب بدنه نجاسه ، رجله ، أو يده ، أو ساقه ، أو ذراعه وليس عنده ما يغسله فإنه لا يتيمم ، لأن التيمم إنما هو لطهارة الحدث فقط .
أما النجاسة فلا يتيمم لها لأن النجاسة عين قذرة ، وتطهيرها بإزالتها ، إن أمكن فذاك ، وإن لم يمكن تبقى حتى يمكن إزالتها ، والله أعلم
---
(1) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(2) تقدم تخريجه ص 301 .
(3) تقدم تخريجه ص 303 .
(1) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(1) أخرجه البخاري : كتاب الوضوء / باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن ، ومسلم : كتاب الحيض / باب الدليل على أن من تيقن الطهارة .
(1) أخرجه مسلم : كتاب الطهارة / باب وجوب الطهارة للصلاة .
(1) أخرجه البخاري : كتاب المساجد / باب الصلاة في البيعة ، ومسلم : كتاب المساجد / باب النهي عن بناء المساجد على القبور .
(1) أخرجه البخاري : كتاب الجنائز / باب بناء المساجد على القبر ، ومسلم : كتاب المساجد / باب النهي عن بناء المساجد على القبور .
(2) أخرجه الإمام أحمد 1/405 و435.
(1) أخرجه مسلم : كتاب الجنائز / باب النهي عن الجلوس على القبر والصلاة عليه .(44/31)
(2) أخرجه الإمام أحمد 3/83 و 96 ، وأبو داود : كتاب الصلاة / باب في المواضع التي لا تجوز فيها الصلاة ( 492 ) ، والترمذي : كتاب الصلاة / باب ما جاء أن الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام ( 317 ) ، وابن ماجة : كتاب المساجد / باب المواضع التي تكره فيها الصلاة ( 745 ) .
(3) تقدم تخريجه برقم (1)
(1) أخرجه البخاري : كتاب الصلاة / باب كنس المسجد .
(1) تقدم تخريجه ص 95 .
(1) تقدم تخريجه ص 95 .
(1) تقدم تخريجه ص 375 .
(2) تقدم تخريجه ص 373 .
(3) تقدم تخريجه ص 376 .
(1) أخرجه الإمام أحمد / 4/86 ، وابن ماجه : كتاب المساجد / باب الصلاة في أعطان الإبل ومراح الغنم ( 768 ، 769 ، 770 )
(1) سورة الأحزاب ، الآية : 36 .
(2) أخرجه الإمام أحمد 5/55 ، والنسائي في المساجد 2/56 ، وابن ماجه في المساجد ( 769 )
(1) تقدم تخريجه ص 95 .
(1) سورة المائدة ، الآيات : 90- 92 .
(2) أخرجه مسلم : كتاب الأشربة / بباب بيان أن كل مسكر خمر .
(3) أخرجه الإمام أحمد 2/167 .
(1) أخرجه البخاري : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعال ، ومسلم : كتاب المساجد / باب جواز الصلاة في النعال .
(2) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي 1/280 .
(1) أخرجه البخاري : كتاب الحج / باب فضل مكة وبنيانها ، ومسلم : كتاب الحج / باب نقض الكعبة وبنائها .
(2) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ( 652 ).
(3) أخرجه الإمام أحمد 3/20 ، وأبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ( 650 ).
(1) تقدم تخريجه ص 386 .
(2) تقدم تخريجه ص 376 .
(3) سورة الأعراف ، الآية : 31 .
(1) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ( 653 ) ، وابن ماجه : كتاب إقامة الصلاة / باب الصلاة في النعال ( 1038 ).
(1) (1) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما ؟ (655 ).(44/32)
(2) (2) أخرجه أبو داود : كتاب الصلاة / باب المصلي إذا خلع نعليه أين يضعهما ؟ ( 654 ).
(4) أخرجه الإمام أحمد 3/410 ، وأبو داود : كتاب الصلاة / باب الصلاة في النعل ( 648 ) ، والنسائي : كتاب القبلة / باب أين يضع الإمام نعليه إذا صلى بالناس ( 775 ) ، وابن ماجه : كتاب إقامة الصلاة / باب ما جاء في أين توضع النعل إذا خلعت في الصلاة ( 1431 ).
(1) سورة الأنعام ، الآية : 108 .
(1) تقدم تخريجه ص 387 .
(1) تقدم تخريجه ص 95 .
(2) أخرجه البخاري : كتاب المساجد / باب المساجد في البيوت ، ومسلم : كتاب المساجد / باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر .
(1) أخرجه مسلم : كتاب الحج / باب فضل الصلاة مسجدي مكة والمدينة .
(2) أخرجه البخاري : كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ، ومسلم : كتاب الحج / باب لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مسجد .
(1) سورة الإسراء ، الآية : 1 .
(2) أخرجه البخاري : كتاب فضائل الصحابة / باب المعراج ، ومسلم : كتاب الإيمان / باب الإسراء .
(1) ذكر هذا الأثر كثير من الفقهاء ، أنظر المغني 5/632 ، المبدع 5/353 ، والكشاف 4/324 . وذكره شيه الإسلام في الموضع الذي أشار إليه الشيخ أعلاه .
(2) أرحه الإمام أجمد 2/36 .
(1) أخرجه أبو داود : 3/177 .
(2) أخرجه مسلم : كتاب الصلاة / باب تسوية الصفوف وإقامتها .
(1) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(2) تقدم تخريجه ص 303 .
(1) (1) أخرجه البخاري : كتاب الحيل / باب في الصلاة ، ومسلم : كتاب الطهارة / باب وجوب الطهارة للصلاة .
(2) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(1) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(2) سورة المائدة ، الآية 6 .
(1) أخرجه الإمام أحمد في " المسند " 4/203 ، وأبو داود : كتاب الطهارة / باب إذا خاف الجنب البرد يتيمم ، وعلقه البخاري / كتاب التيمم وصححه الحافظ في " الفتح " 1/354 .
(2) سورة النساء ، الآية : 29 .
(3) تقدم تخريجه ص 260 .(44/33)
(1) أخرجه البخاري : كتاب التيمم / باب الصعيد الطيب وضوء المسلم ، ومسلم : كتاب المساجد / باب قضاء الصلاة الفائتة .
(2) سورة المائدة / باب قضاء الصلاة الفائتة .
(3) تقدم تخريجه ص 95 .
(4) أخرجه الإمام أحمد 5/248 .
(5) أخرجه البخاري : كتاب الحيض / باب غسل دم الحيض .
(1) تقدم تخريجه ص 303 .
(2) أخرجه البخاري : كتاب الوضوء / باب ترك النبي صلى الله عليه وسلم والناس الأعرابي ، ومسلم : كتاب الطهارة / باب وجوب غسل البول وغيره من النجاسات .(44/34)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثاني عشر
استقبال القبلة
محمد بن صالح العثيمين
سئل فضيلة الشيخ - أعلى الله درجته في المهديين - : يقع مشكلة بين بعض المصلين في المساجد حول الدفايات الكهربائية ووضعها أمام المصلين هل هذا حرام أو مكروه يتنزه عنه ؟ وهل الصلاة أمام النار محرمة أو مروهة ؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً .
فأجاب بقوله : اختلف العلماء ورحمهم الله تعالى في الصلاة إلى النار : فمنهم من كرهها ، ومنهم من لم يكرهها ، والذين كرهوها عللوا ذلك بمشابهة عباد النار ، والمعروف أن عبدة النار يعبدون النار ذات اللهب، أما ما ليس لهب فإن مقتضى التعليل أن لا تكره الصلاة إليها .
ثم إن الناس في حاجة إلى هذه الدفايات في أيام الشتاء للتدفئة فإن جعلوها خلفهم فاتت الفائدة منها أو قلت ، وإن جعلوها عن إيمانهم أو شمائلهم لم ينتفع بها إلا القليل منهم وهم الذين يلونها فلم يبق إلا أن تكون أمامهم ليتم انتفاعهم بها ، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة .
ثم إن الدفايات في الغالب لا تكون أمام الإمام وإنما تكون أمام المأمومين وهذا يخفف أمرها ، لأن الإمام هو القدوة ولهذا كانت سترته سترة للمأموم . الله أعلم . في 22/6/1409 هـ .
* * *
320 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين - : ما حكم وضع مدخنه البخور أما المصلين في المسجد ؟
فأجاب بقوله : لا حرج في ذلك ولا يدخل هذا فيما ذكره بعض الفقهاء من كراهة استقبال النار ، فإن الذين قالوا بكراهة استقبال النار عللوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران ، فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه ، وعلى هذا فلا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلي ، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلي أيضاً لاسيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام .
* * *(45/1)
321 سئل فضلية الشيخ : عندما ذهبنا إلى المدينة دخلنا مسجد القبلتين قيل لنا ونحن في المسجد صولا هكذا أي إلى بيت المسجد ، وصلوا ركعتين إلى الكعبة ما صحة هذا العمل ؟ وما أصل تسمية مسجد القبلتين بهذا الاسم ؟ وهل هو المسجد الموجود الآن ؟
فأجاب فضيلته بقوله : هذا من تزوير المزورين ، ولهذا قال بعض العلماء : إن المزورين بعضهم يكون مشتقاً من الزور لأ من الزيارة .
يكذب على البسطاء من الناس ويقول هذا محل كذا ، وهذا محل كذا وأحياناً يقول : هذا مبرك ناقة الرسول عليه الصلاة والسلام حينما قدم المدينة وهكذا .
وهذه الأمور تحتاج إلى إثبات أولاً وقبل كل شيء ، ثم إذا ثبتت فهل نحن نتخذها مزاراً ؟
الجواب : لا ، لأن الصاحبة الذين هم أشرف الخلق بعد الأنبياء لم يتخذوها مزاراً ، فلم يبلغنا أن أحداً من الصحابة يذهب إلى ما يسمى مسجد القبلتين ليصلي فيه ، وأنا لا أعلم أن هذا المسجد ذا قبلتين أو لا ، وكلن حتى لو صح إنه كان ذا قبلتين فإنه لا يجوز أن يصلي فيه أحد إلى الشام .
* * *
وسئل فضيلته : هل تصح صلاة العاجز بدون استقبال القبلة ؟
فأجاب بقوله : العاجز تصح صلاته بدون استقبال القبلة ، ودليل ذلك قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (1) . وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا) (2). وقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) (3) . فالعاجز لا يلزمه استقبال القبلة لعجزه ، مثل أن يكون مريضاً لا يستطيع الحركة ، وليس عنده أحد يوجهه إلى القبلة فهنا يتجه حيث كان وجهه لأنه عاجز .
* * *
وسئل : هل يجب على المتنفل في السفر أن يتجه إلى القبلة عند افتتاح الصلاة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : ذهب بعض العلماء إلى الوجوب ، ولكن الصحيح في هذه المسألة أن الأفضل أن يبتدئ الصلاة متجهاً إلى القبلة ثم يتجه حيث كان وجهه .
* * *(45/2)
وسئل فضيلته : عن حكم صلاة من كان في الحرم ولم يستطع مشاهدة الكعبة واتجه كاتجاه المصلين ، وبعد انقضاء الصلاة اتضح له أنه لم يتجه إلى عين الكعبة ؟
فأجاب بقوله : الذي أرى أن هؤلاء يجب عليهم إعادة الصلاة إذا لم يتحروا التحري الكامل ، والغالب أن الإنسان يمكنه أن يتحرى تحرياً كاملاً ، ولو كان في مكان لا يشاهد الكعبة إذا قام الناس فإنه ربما تتبين له الكعبة ، ولو قيل إنه في هذا الحال معذور لمشقة ذلكم عليه ، ولا سيما إذا جاء والناس قد ابتدأوا الصلاة ومكانه في الصف بعيد فإنه في هذه الحال يصعب عليه جداً ، بل قد يتعذر عليه أن يشاهد عين الكعبة فيكفي الاتجاه إلى جهة الكعبة في هذه الحال للمشقة .
* * *
وسئل فضيلة الشيخ : نشاهد بعض المصلين في الحرم لا يتجهون إلى عين الكعبة مع قدرتهم على ذلك فما حكم صلاتهم ؟
فأجاب فضيلته بقوله : صلاتهم باطلة ، لأنه إذا أمكن مشاهدة الكعبة وجب عليه استقبال عينها قد وضعت الحكومة – جزاهم الله خيراً – أخيراً علامات على الاتجاه الصحيح ، وذلك بمد خطين على الحصى فإذا اتجهت نحو هذا الاتجاه كان اتجاهك صحيحاً .
* * *
326 وسئل فضيلته : عن حكم اتخاذ المحاريب في المساجد ؟ وما الجواب عما روي من النهي عن مذابح كمذابح النصارى ؟
فأجاب بقوله : اختلف العلماء – رحمهم الله _ في اتخاذ المحراب هل هو سنة ، أو مستحب ، أو مباح ؟
والذي أرى أن اتخاذ المحاريب مباح ، وهذا ه المشهود من المذهب ولو قيل باستحبابه لغيره لما فيه من المصالح الكثيرة ، ومنها تعليم الجاهل القبلة لكان حسناً.
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : (( النهي عن مذابح كمذابح النصارى )) (1) أي : المحاريب ، فهذا النهي وارد على ما إذا اتخذت محاريب كمحاريب النصارى ، أما إذا اتخذت محاريب متميزة للمسلمين فإن هذا لا ينهى
عنه .
* * *(45/3)
327 سئل فضيلة الشيخ : عد بعض أهل العلم المحاريب في المساجد من البدع ومن التشبه بالكافرين فهل هذا القول صحيح ؟
فأجاب بقوله : هذا القول فيما أرى غير صحيح ، وذلك لأن الذين يتخذونه إنما يتخذونه علامة على القبلة ودليلاً على جهتها .
وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ مذابح كمذابح النصارى ، فإن المراد به أن نتخذ محاريب كمحاريب النصارى ، فإذا تميزت عنها زال الشبه .
* * *
وسئل فضيلة الشيخ : إذا تبين للمصلي أنه انحرف عن القبلة قليلاً فهل يعيد الصلاة ؟
فأجاب بقوله : الانحراف القليل لا يضر ، وهذا في غير ما كان في المسجد الحرام ، لأن المسجد الحرام قبلة المصل فيه هي عين الكعبة ، ولهذا قال العلماء : من أمكنه مشاهدة الكعبة فإن الواجب أن يستقبل عينها ، فإذا قدر أن المصلي في الحرم اتجه إلى جهتها لا إلى عينها فإنه يعيد الصلاة لأن صلاته لم تصح ، قال عز وجل ( فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (2) .
أما إذا كان الإنسان بعيداً عن الكعبة لا يمكنه مشاهدتها ولو في مكة فإن الواجب استقبال الجهة ، ولا يضر الانحراف اليسير ، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام لأهل المدينة ، (( ما بين المشرق والمغرب قبلة )) (1) ، لأن أهل المدينة يستقبلون الجنوب ، فكل ما بين المشرق والمغرب فهو في حقهم قبله ، كذلك مثلاً نقول للذين يصلون إلى الغرب نقول ما بين الجنوب والشمال قبله .
* * *
329 وسئل فضيلته : عن مسجد تنحرف فيه القبلة عن اتجاهها الصحيح بجوالي ثلاث درجات حسب البوصلة المعدة لتحديد جهة الكعبة ، وقد دأب الناس على الصلاة حسب اتجاه المسجد لعدم علم الكثيرين منهم بانحراف المسجد عن القبلة فهل هذا الأمر يؤثر على الصحة للصلاة ؟ وهل يجب تعديل المسجد ؟(45/4)
فأجاب بقوله : إذا كان الانحراف لا يخرج الإنسان عن الجهة فإن ذلك لا يضر ، والاستقامة أولى بلا ريب ، أما إذا كان هذا الانحراف يخرج الإنسان عن جهة القبلة ، مثل أن يكون متجهاً إلى الجنوب ، والقبلة شرقاً ، أو إلى الشمال والقبلة شرقاً ، أو إلى الشرق والقبلة جنوباً فلا ريب أنه يجب تعديل المسجد ، أو يجب الاتجاه إلى جهة القبلة وإن خالف جهة المسجد .
* * *
330 سئل فضيلة الشيخ : إذا صلى جماعة إلى غير القبلة فما الحكم في تلك الصلاة ؟
فأجاب بقوله : هذه المسألة لا تخلو من حالين :
الحال الأولى : أن يكونوا في موضع لا يمكنهم العلم بالقبلة مثل أن يكونوا في سفر ، وتكون السماء مغيمة ، ولم يهتدوا إلى جهة القبلة فإنهم إذا صلوا بالتحري ، ثم تبين أنهم على خلاف القبلة فلا شيء عليهم،لأنهم اتقوا الله ما استطاعوا،وقد قال تعالى(فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (1) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم :(( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) (2) . وقال الله تعالى في خصوص هذه المسألة : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (3) .(45/5)
الحال الثانية : أن يكونوا في موضع يمكنهم فيه السؤال عن القبلة ولكنهم فرطوا وأهملوا ففي هذه الحال يلزمهم قضاء الصلاة التي صلوها إلى غير القبلة سواء علموا بخطئهم قبل خروج وقت الصلاة أم بعده ، لأنهم في هذه الحال مخطئون خاطئون ، مخطئون في شأن القبلة ، لأنهم لم يتعمدوا الانحراف عنها ، لكنهم خاطئون في تهاونهم وإهمالهم السؤال عنها ، إلا أنه ينبغي أن نعلم أن الانحراف اليسير عن جهة القبلة لا يضر ، كما لو انحرف إلى جهة اليمين أو إلى جهة الشمال يسيراً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في أهل المدينة : (( ما بين المشرق والمغرب قبلة )) (1) . فالذين يكونون شمالاً عن الكعبة نقول لهم ما بين المشرق والمغرب قبلة ، وكذلك من يكونون جنوباً عنها ، ومن كانوا شرقاً عنها ، أو غرباً نقول لهم : ما بين الشمال والجنوب قبلة ، فالانحراف اليسير لا يؤثر ولا يضر .
وهاهنا مسألة أحب أن أنبه عليها وهي : أن من كان في المسجد الحرام يشاهد الكعبة فإنه يجب أن يتجه إلى عين الكعبة لا إلى جهتها ، لأنه إذا انحرف عن عين الكعبة لم يكن متجهاً إلى القبلة ، وأرى كثيراً من الناس في المسجد الحرام لا يتجهون إلى عبن الكعبة تجد الصف مستطيلاً طويلاً ، وتعلم علم اليقين أن كثيراً منهم لم يكن متجهاً إلى عين الكعبة ، وهذا خطأ عظيم يجب على المسلمين أن ينتبهوا له ، وأن يتلافوه لأنهم إذا صلوا على هذه الحال صلوا إلى غير القبلة .
* * *
وسئل حفظه الله : عن امرأة صلت إلى غير القبلة ، وبعد مضي مدة تبين لها أنها صلت على خلاف القبلة فهل صلاتها صحيحة أو تعيد الصلاة ؟
فأجاب بقوله : إذا صلى إنسان إلى غير القبلة وهو يظنها قبلة فإن كان في البلد فعيه إعادة الصلاة ،لأنه يستطيع أن يسأل أهل البيت ، أو يبحث عن مسجد ليعلم قبلتها ، وإن كان في السفر فإن كان مجتهد وهذا هو الذي أداه إليه الاجتهاد وليس عنده أحد يسأله فإنه لا يجب عليه الإعادة .
* * *(45/6)
وسئل فضيلة الشيخ : هل هناك طريقة لمعرفة اتجاه القبلة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : نعم هناك طريقة لمعرفة القبلة ، إن كان الإنسان في البر وذلك بمشاهدة الشمس ، والقمر ، والنجوم ، فإنها تشرق من المشرق وتغرب من المغرب ، فإذا كان الإنسان غرباً عن مكة اتجه شرقاً ، وإذا كان عنها شرقاً اتجه إلى الغرب ، وإذا كان عنها شمالاً اتجه إلى الجنوب ، وإذا كان عنها جنوباً اتجه إلى الشمال ، هذه من أكبر العلامات .
وإذا صلى الإنسان بالتحري ، ثم تبين له خطأ فعله ، فإنه لا إعادة عليه إذا كان في مكان لا يستطيع فيه سؤال الناس .
وقد يسر الله في زماننا هذا ما يعرف به جهة القبلة بواسطة دلائل القبلة ( البوصلة ) ، فإذا أراد الإنسان أن يسافر إلى جهة ما ، فليأخذ معه هذه الآلة حتى يكون على بصيرة من أمره ، والله الموفق .
* * *
وسئل فضيلته عمن كان في سفر ولم تتبين له جهة القبلة فماذا يعمل ؟
فأجاب بقوله : إذا كان الإنسان في سفر ولم يتبين جهة القبلة فإنه يتحرى أي الجهات أقرب إلى القبلة فيتجه إليها ، وإذا فعل ذلك واتقى الله ما استطاع فإنها لا تجب عليه الإعادة لو أخطأ لقول الله تعلى:(لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا)(1). قوله تعالى: ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (2) . ولقوله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) (1) .
ولقوله صلى الله عليه وسلم : ( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم ) (2) . والله الموفق .
* * *
وسئل فضيلته : عن جماعة حددوا القبلة بالبوصلة وعملوا بموجبها إلا شخصاً واحد خالف في ذلك وينحرف فما الحكم ؟(45/7)
فأجاب بقوله : هذا الرجل الذي يخالف إخوانه بالاتجاه إلى القبلة لا أظن أنه يفعل ذلك إلا لأنه يعتقد أن الصواب معه فيكون مأجوراً على عمله ، لكنه مخطئ في فعله ، وذلك لأنه خالف جماعته وشذ عنهم ، وإذا كانت البواصل – جمع بوصلة – تؤيد وتؤكد ما قام عليه الجماعة فقد وقع في محذورين :
الأول : أن يكون غير متجه إلى القبلة ، وهذا يخل بصلاته وبما يبطلها إذا كان الانحراف عن جهة القبلة .
الثاني : مخالفته للجماعة ، وإذا كان الرسول رأي يوماً وهو يصلي بالناس رجلاً بادياً صدره فقال:((عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم ) (3) . فيتفرقوا وتتفرق كلمتهم ، فإذا كان هذا تقدم يسيراً فكيف بمن خالف الجماعة واتجه إلى ناحية هو مخطئ فيها ؟!
فعلى هذا الرجل أن يتقي الله سبحانه وتعالى ، وأن لا يخالف ما أيدته هذه الدلائل – دلائل القبلة – لأن هذه الدلائل أصبحت قوية الدلالة لقوة العلم ودقته ، فإذ أصبحت تشير إلى جهة فإن الصواب غالباً فيها إن لم يكن المؤكد ، ولا أرى لهذا الرجل أن يخالف أصحابه ، وإذا قدر أن يكون إماماً فليتجه إلى جهة المسجد لا إلى ما يظنه هو ، والله أعلم
* * *
فصل
في شرح حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنهما (( أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسبح في راحلته حيث كان وجهه يومئ برأسه )) (1) ، وكان أبن عمر يفعله . وفي رواية : (( كان يوتر على بعيره )) ، وللبخاري ومسلم (( غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة )) ، وللبخاري (( الفرائض )) .(45/8)
القبلة هل الكعبة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما قدم المدينة يستقبل بين المقدس ، لأنه كان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر بخلافه ، ثم بعد ذلك كان يكره موافقة أهل الكتاب ، ويأمر بمخالفتهم ، فكان يستقبل بين المقدس لمدة ستة عشر شهراً ، وأو سبعة عشر شهراً إلا أنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يتشوف إلى أن يأمره الله تعالى باستقبال الكعبة كما قال الله تعالى: ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (2) .
ولكن ما الذي يستقبل ؟ قال أهل العلم : إذا كان بإمكانك مشاهدة الكعبة فالواجب استقبال عينها ، وإذا كان لا يمكنك فالواجب استقبال جهتها .
ونحن نشاهد مع الأسف أن كثيراً من المصلين في المسجد الحرام لا يتجهون إلى عين الكعبة ، وهذا خطر عظيم ، لأنه يقتضي أن تبطل صلاتهم ، أما من كان لا يمكنه مشاهدة الكعبة فالواجب استقبال الجهة ، والجهات الأربع : شمال ، وجنوب ، وشرق ، وغرب . قال النبي صلى الله عليه وسلم لأهل المدينة : (( ما بين المشرق والمغرب قبلة )) (1) . لأن المدينة تقع شمالاً عن مكة ، فإذا وقع الشمال عن مكة فإن جهة القبلة تكون ما بين المشرق والمغرب ، وعلى هذا فلو انحرفت ولكنك لم تخرج عن مسامته الجهة فإن ذلك لا يضر ، لأن الجهة واسعة ، وكلما أبعدت عن الكعبة اتسعت الجهة وكلما قربت ضاقت الجهة .
فإذا كان البلد يقع شرقاً عن مكة فنقول : ما بين الشمال والجنوب قبلة .
وإذا لم يقع غرباً نقول : ما بين الشمال والجنوب قبلة ، وهذا من تيسير الله ، لأن إصابة عين الكعبة مع البعد متعذر أو متعسر ، وإذا كان متعذراً أو متعسراً فإن الله قد يسر لعباده ، وجعل الواجب استقبال الجهة .(45/9)
وقد استثنى بعض العلماء – رحمهم الله – مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: إن قبلته مبنية على إصابة العين ، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي قيه ، ولكن في هذا نظر لأننا لو قلنا كل مسجد صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أو كان مكان صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم فهو استقبال عين ، لقلنا إن مسجد قباء أيضاً قبلته إلى عين الكعبة ، ولقنا إن بيت عتبان بن مالك الذي صلى فيه الرسول عليه الصلاة والسلام تكون قبلته عين الكعبة ، وكذلك نقول في بيت أنس بن مالك وغير ذلك .
ولكن الصواب أن مسجد الرسول عليه الصلاة والسلام وغيره من مساجد المدينة سواء صلى فيه الرسول صلى الله عليه وسلم أم لم يصل ، كلها قبلتها جهة الكعبة لا عين الكعبة .
واستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة إلا في ثلاث مواضع :
الأول : العجز :
مثاله أن يكون الإنسان مريضاً ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة بنفسه ، وليس عنده من يوجهه إلى القبلة فهذا يتجه حيث كان وجهه ودليل ذلك قوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم) (1) . وقوله : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) (2).وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) (3) .
الثاني : الخوف :
إذا كان الإنسان في شدة الخوف وهو هارب من عدوه مثلاً واتجاه سيره في حال فراره معاكس للقبلة ، كأن يكون عدوه لحقه من جهة القبلة ففي هذه الحال نقول : إن استقبال القبلة ساقط عن هذا الخائف لقول الله تعالى : ( حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ 238 فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً ) (4)
ويمكن أن ندخل هذا في النصوص الدالة على إسقاط الاستقبال في حال العجز ، لأن الخائف عاجز عن استقبال القبلة إذ لو وقف لاستقبال القبلة لأدركه عدوه الذي كان فاراً منه .
الثالث : النافلة في السفر :(45/10)
فإنه لا يشترط فيها استقبال القبلة بل يصلي الإنسان إلى جهة سيره ، ودليل ذلك فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به ، ويوتر عليها ، ولكنه لا يصلي عليها الفريضة .
والحكمة من هذا : تيسير النافلة على العباد .
فإذا قال قائل : إذا كان السفر في قطار فهل يسقط استقبال القبلة في هذا القطار ، أو نقول إن القطار كالبناء لا يشق على الإنسان أن يستقبل القبلة ؟
فالجواب : إن صعب الاستقبال يتنفل إلى جهة سيره ،وإن لم يصعب وجب عليه استقبال القبلة لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً .
كيف يستدل الإنسان على القبلة ؟
الجواب : نقول إذا كان في البلد يستدل عليها بالمساجد ، فإن مساجد المسلمين كلها متجهة إلى القبلة ، وإن كان في السفر يستدل بالشمس والقمر ، لأن الشمس والقمر يشرقان من المشرق ويغربان في المغرب ، فإذا كانت المنطقة التي هو فيها شمالاً عن مكة فإنه إذا أراد استقبال القبلة يجعل الشمس أو مشرق الشمس على يساره ، وإذا كان جنوباً يجعل مشرق الشمس عن يمينه ، وإذا كان غرباً يجعل مشرق الشمس أمامه ، وإذا كان شرقاً يجعله خلفه ، ويستدل عليها في الليل بالنجوم ، فيستدل عليها بالقطب ، والقطب : يقول العلماء إنه نجم خفي لا يراه إلا حديد البصر في ليلة ليس فيها قمر ، ولكن هناك نجم بين بجانب القطب ، وهو نجم الجدي فإنه يجم واضح ومداره قريب من مدار القطب ، ويمكن أن يستدل به على القبلة ، فمثلاً إذا كنت شرقي مكة فإن الجدي يكون خلف أذنك اليمنى فتجعله خلف أذنك اليمنى ، وإذا كنت شمالاً فإن الجدي يكون خلفك وهكذا تفعل في أي جهة .
وهنا مسألة : إذا قال سائل إنه استأجر بيتاً وصلى فيه لمدة عشر أيام وبعدها تبين له أنه صلى إلى غير القبلة ؟(45/11)
فالجواب : يعيد الصلاة لأنه ترك مأموراً ، والقاعدة : (( أن تارك المأمور لا يأثم بتركه إذا كان جاهلاً ، لكن يجب عليه إعادة الصلاة )) حينئذ نقول : يلزم إعادة الصلاة لأنه مفرط بعدم السؤال .
* * *
فصل
في شرح حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنه قال : بينما الناس في قباء في صلاة الصبح إذ الصبح إذ جاءهم آت فقال : إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن،وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها وكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة (1).
قوله : بينما الناس في قباء ( قباء ) مكان معروف عند المدينة فيه المسجد الذي قال الله فيه : ( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) (2) .
كان الناس يصلون فيه صلاة الصبح فجاءهم رجل خارج من المدينة وقال لهم : (( إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه الليلة قرآن ، وقد أمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فكانت وجوههم إلى الشام فاستداروا إلى الكعبة )) . ( وجوههم إلى الشام ) : فإذا كانت وجوههم إلى الشام صارت ظهورهم إلى الكعبة ( فاستداروا إلى الكعبة )) ، أي : صارت وجوههم إلى الكعبة ، وظهورهم إلى الشام ، وصار إمامهم في موضع المأمومين منهم يعني حتى الإمام تنحى عن مكانه ، أو المأمومين تنحوا عن أمكنتهم ، أو الجميع تنحى عن مكانه .
في هذا الحديث دليل على مسألتين :
الأولى : وهي من أهم ما دل عليه الحديث أن القرآن كلام الله عز وجل تكلم به حقيقة يؤخذ ذلك من:(أنزل عليه الليلة قرآن) والنزول لا يكون إلا من أعلى والله تعالى فوق كل شيء .
الثانية : إثبات علو الله ويؤخذ من قوله : (( أنزل عليه الليلة قرآن )) فالنزول لا يكون إلا من أعلى .(45/12)
الثالثة : أن القرآن يتحدد نزوله ( الليلة ) يعني لا فيما مضى فيكون دليلاً على أن القرآن يتحدد نزوله ، والقرآن نفسه دل على أن الله يتكلم بالقرآن بعد وقوع الحوادث قال تعالى : ( قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي ) (1) قال : (( قد سمع )) وسمع فعل ماض يدل على أن هذا الخبر بعد وقوع المخبر عنه ، والآيات في هذا كثيرة .
الرابعة : قبول خبر الواحد ، لأن الصحابة تحولوا بخير الصحابي وهو وجل واحد ، ولكن العلماء يقولون هذا في الأمور الدينية فالأخبار الدينية يكفي فيها رجل واحد ، فإذا قال لك إنسان قد غربت الشمس وهو ثقة فخذ بخبره وأفطر إذا كنت صائماً ن وصل المغرب ، لأن خبر الواحد في الأمور الدينية مقبول .
الخامسة: دقة تعبير الصحابة رضى الله عنهم ويؤخذ من قوله(وقد أمر أن يستقبل الكعبة) لو قال ( أمر أن يستقبل القبلة ) لقالوا نحن على قبلة فلم يحصل التحديد فلما قال (( أن يستقبل الكعبة )) صار هذا أدق مما لو قال القبلة .
ونحن الآن نقول في عبارتنا وكتبنا استقبال القبلة ، ولا نقول استقبال الكعبة ، لأن القبلة الآن تقررت وتحددت بأنها الاتجاه إلى الكعبة .
السادسة : جواز الحركة لمصلحة الصلاة ، وتؤخذ من كون الصحابة تحركوا وصار أقدمهم آخرهم ، ,هي حركة واجبة ، لأنه لابد من استقبال القبلة .
وتنقسم الحركات في الصلاة إلى خمسة أقسام :
1 - واجبة .
2 - مستحبة .
3 - محرمة .
4 - مكروهة .
5 - مباحة .
فتكون الحركة واجبة : إذا توقف عليها فعل واجب ، أو اجتناب محرم مثل المسألة التي معنا وهي إذا أخبر الإنسان بأن القبلة عن يمينه مثلاً فحينئذ يجب أن يتحرك ليكون مستقبل القبلة .
ومثل إذا وصف الإنسان وحده خلف الصف ثم تبين أن في الصف فرجه ، فالحركة هنا واجبة من أجل أن يدخل في الصف .(45/13)
كذلك إذا توقف عليها اجتناب محرم صارت واجبة ، مثل رجل وهو يصلي رأي في غترته نجاسة ، هنا يجب أن يتحرك لإلقاء الغترة التي فيها النجاسة ، ومن ذلك الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جبريل أتاه وهو يصلي بالناس فاخبره أن في نعليه قذراً فخلع نعليه (1) ، فهذا الخلع واجب .
وتكون الحركة مستحبة إذا توقف عليها فعل مستحب ، مثال ذلك أقام الجماعة ثلاثة رجال فوقف رجلان أحدهما عن يمين الإمام ، والثاني عن شماله فهنا يدفعهما الإمام ليكونا خلفه فهذا الدفع مستحب ، لأن تقدم الإمام مع الاثنين ، وما زاد سنة وليس بواجب ، أن يتوقف على الحركة المستحبة اجتناب مكروه مثل الإنسان أمامه شيء مشغل له كالنقوش مثلاً فهنا نقول : يستحب لك أن تزيل هذا المشغل لأنك بإزالته تتخلص من مكروه ، ومن ذلك أيضاً لو أصيب الإنسان بحكة وشغلته فيستحب أن يحكها لترد وهذا يقع كثيراً .
وتكون الحركة حراماً إذا كثرت ، متوالية ، من غير ضرورة ، فهنا ثلاث قيود : إذا كثرت ، متوالية ، من غير ضرورة .
والكثرة : قال بعض العلماء : تكون بثلاث حركات ، فإذا تحرك المصلي ثلاث حركات متوالية لغير ضرورة فهذه حركة كثيرة تبطل الصلاة ، وقال بعض العلماء ليس لنا أن نحدد ، لأن التحديد أمر توقيفي يحتاج إلى دليل ، ولكن الحركة الكثيرة ما عده الناس كثيراً ، بحيث إذا شوهد المصلي شوهد وكأنه لا يصلي لكثرة حركته .
المتوالية : يعني التي يلي بعضها بعضاً .
لغير ضرورة:احترازاً من الضرورة . مثال هذا الرجل نراه يتحرك كثيراً مرة يصلح الثوب ، ومرة يصلح الطافية ، ومرة يخرج القلم ، ومرة يكتب ما تفطن له في الصلاة فهذه حركة كثيرة متوالية لغير ضرورة .
وإذا كان الإنسان يصلي فسمع جلبة وراءه فإذا هي سبع يرد أن يأكله فهرب وهو يصلي ، فهذه حركة كثيرة لكنها لضرورة ولذلكم لا تبطل صلاته .(45/14)
الحركة المكروهة : هي الحركة اليسيرة لغير حاجة ولا ضرورة ، وما أكثرها عند الناس اليوم إلى حد أنني رأيت بعض الناس ينظر في الساعة وهو يصلي لأنه حريص على ضبط وقته ويخشى أن تزيد الصلاة دقيقة واحدة ، أو لأنه عابث وهذا هو الظاهر لأنه عابث ، وإلا فتجد الرجل يضيع أوقاتاً لا نهاية لها لكن الشيطان يأمر الإنسان بأن يتحرك في صلاته .
الحركة المباحة : هي الحركة اليسيرة لحاجة ، أو الكثيرة لضرورة . هذه حركة البدن .
وبقي علينا حركة أخرى هي لب الصلاة وهي :
حركة القلب : القلب إذا كان متجهاً إلى الله عز وجل ، ويشعر المصلي بأنه بين يدي الله ، ويشعر بأنه بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسه ، وعنده رغبة صادقة في التقرب إلى الله بهذه الصلاة ، وعنده خوف من الله فسوق يكون قلبه حاضراً خاشعاً لله، وهذا أكمل ما يكون ، أما إذا كان على خلاف ذلك فسوف يجول قلبه ، وتجول القلب حركة مخلة جاء في الحديث : (( إن الرجل ينصرف من صلاته ما كتب له إلا نصفها ، أو ربعها ، أو عشرها ، أن أقل من ذلك )) (1) .
فحركة القلب مخلة بالصلاة لكن هل هي مخلة بصحتها بمعنى أن الإنسان إذا كثرت هواجيسه في صلاته بطلت ؟
الجواب : لا ، لأن من نعمة الله علينا – ولله الحمد – أن ما حدث الإنسان به نفسه لا يؤاخذ به ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم )) (2) . فحديث النفس لا يبطل الصلاة لكنه ينقص الصلاة ويخل بكمالها .
المسألة السابعة : أن للأمة الإسلامية قبلة سابقة ، وقبلة لاحقة .(45/15)
نسمع تعبيراً عن المسجد الأقصى : ( إنه ثالث الحرمين وأولى القبلتين ) وهذا التعبير يحتاج إلى فهم إذا قلنا ثالث الحرمين فإنه ربما يفهم السامع أن المسجد الأقصى له حرم ، أو أنه حرم ، وليس كذلك فإن المسلمين أجمعوا على أنه لا حرم إلا في مكة والمدينة ، واختلفوا في وادي وج وهو واد في الطائف ، والصحيح أنه ليس بحرم ، أما المسجد الأقصى فليس بحرم ، لكنه مسجد معظم تشد الرحال إليه ، وأما أولى القبلتين فإنه قد يفهم السامع أن هناك قبلتين باقيتين ، وأن أولاهما المسجد الأقصى فيظن السامع أن الاتجاه إلى المسجد الأقصى ليس بمنسوخ من أنه منسوخ ، والذي ينبغي أن يتجنب الإنسان كل عبارة فيها إبهام ، ونقول في المسجد الأقصى إنه أحد المساجد الثلاثة التي تشد الرحال إليها وكفى به شرفاً أن تشد الرحال إليه .
* * *
سئل فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى : ما توجيهكم لمن يصلي في المسجد الحرام إلى جهة الكعبة لا إلى عينها وهم كثير ؟
فأجاب بقوله : نعم نجد كثيراً من المصلين في المسجد الحرام يخطئون كثيراً في استقبال القبلة ، لأن الذي يمكنه مشاهدة الكعبة يجب عليه أن يستقبل عين الكعبة لا جهتها ، وكثير من المصلين تشاهدهم في المسجد الحرام يستقبلون جهة الكعبة ويصلون إلى غير القبلة ، وصلاتهم حينئذ لا تصح ، ولهذا يجب أن ينتبهوا لهذا الأمر وينبههم أهل العلم في هذا ، لكن يستثنى من استقبال القبلة :
أولاً : العاجز عن استقبال القبلة ، فالإنسان المريض الذي لا يستطيع أن يتحرك وليس عنده من يوجهه إلى القبلة فإنه يصلي ولو كانت القبلة خلف ظهره ، أو على يمينه ، أو على يساره لقول الله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم ) (1) .(45/16)
ثانياً : المسافر إذا تنفل ، فإن المسافر إذا تنفل يجوز أن يستقبل جهة سيره ، وإن كانت القبلة على يمينه ، أو يساره ، أو خلف ظهره ، لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي النافلة في سفره حيثما توجهت راحلته (2) ، ولكن الأفضل أن يفتتح الصلاة باستقبال القبلة فيكبر إلى القبلة ثم يتجه جهة سيره ، وإن صلى على جهة سيرة من أول صلاته فر حرج عليه ، لأن استقبال القبلة عند تكبيرة الإحرام إنما للاستحباب ، هذا في النافلة ، أما في الفريضة فلا تصح إلا إلى القبلة في السفر والحضر ، وعلى هذا فمن كان في الطائرة وأراد أن يتنفل فإنه يتنقل وهو على كرسيه إلى أي جهة كان استقبال الطائرة ، أما إذا أراد أن يصلي الفريضة وكانت الطائرة لا تصل إلى المطار قبل خروج الوقت فإنه يصلي في الطائرة ويتجه إلى القبلة ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ، ولا يؤخر الصلاة عن وقتها ، لأن تأخير الصلاة عن وقتها محرم ولا يجوز ، مثال ذلك لنفرض أنك متجه بعد دخول وقت صلاة العصر إلى جهة المشرق من جهة المغرب وأنت تخشى إذا أخرجت الصلاة أن تغيب الشمس قبل أن تصل إلى المطار فنقول لك صلى الصلاة على وقتها واتجه إلى القبلة إن استطعت ، وإذا لم تستطع فعلى حسب ما تستطيع لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم ) (3) .
ثالثاً : إذا اشتبهت القبلة على الإنسان كإنسان في البر والسماء مغيمة ، أو في الليل ولا يعرف منازل النجوم ، واشتبهت عليه القبلة فإنه يتحرى ويصلي ، وإذا تبين له بعد ذلك أنه إلى غير القبلة فإن صلاته صحيحة ولا إعادة عليه لقول الله تعالى : (وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (1) . ولقوله تعالى : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم ) .
* * *
فصل
وقال فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين :(45/17)
من شروط صحة الصلاة استقبال القبلة ولا تصح الصلاة إلا به ، لأن الله تعالى أمر به وكرر الأمر به في القرآن الكريم ، قال تعالى : ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ ) (1) أي جهته .
وكان النبي عليه الصلاة والسلام أول ما قدم المدينة يصلي إلى بيت المقدس ، فيجعل الكعبة خلف ظهره والشام قبل وجهه ، ولكنه بعد ذلك ترقب أن الله سبحانه وتعالى يشرع له خلاف ذلك ، فجعل يقلب وجهه في السماء ينتظر متى ينزل عليه جبريل بالوحي في استقبال الكعبة كما قال الله : ( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) (2) .
فأمره الله أن يستقبل شطر المسجد الحرام أي جهته ، إلا أنه يستثنى من ذلك ثلاث مسائل :
المسألة الأولى : إذا كان عاجزاً كمريض وجهه إلى غير القبلة ولا يستطيع أن يتوجه إلى القبلة فإن استقبال القبلة يسقط عنه في هذه الحال لقوله : (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم ) (3) . وقوله تعالى : (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) (4) . وقول النبي صلى الله عليه وسلم (( إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم )) (1) .
المسألة الثانية : إذا كان في شدة الخوف كإنسان هارب من عدو ، أو هارب من سبع ، أو هارب من سيل يغرقه ، فهنا يصلي حيث كان وجهه ، ودليله قوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ 239) (2) . فإن قوله : (فَإِنْ خِفْتُمْ ) عام يشمل أي خوف وقوله : ( فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ 239) يدل على أن أي ذكر تركه الإنسان من أجل الخوف فلا حرج عليه فيه ومن ذلك استقبال القبلة .(45/18)
ويدل عليه أيضاً ما سبق من الآيتين الكريمتين ، والحديث النبوي في أن الوجوب معلق بالاستطاعة .
المسألة الثالثة : في النافلة في السفر سواء كان على طائرة أو على سيارة ، أو على بغير فإنه يصلي حيث كان وجهه في صلاة النفل مثل الوتر ، وصلاة الليل ، والضحى وما أشبه ذلك .
والمسافر ينبغي له أن يتنفل بجميع النوافل كالمقيم تماماً إلا في الرواتب كراتبة الظهر ، والمغرب ، والعشاء فالسنة تركها .
فإذا أراد أن يتنفل وهو مسافر فليتنفل حيث كان وجهه ذلك هو الثابت في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
فهذه ثلاث مسائل لا يجب فيها استقبال القبلة .
أما الجاهل فيجب عليه أن يستقبل القبلة ، لكن إذا اجتهد وتحرى ثم تبين له الخطأ بعد الاجتهاد فإنه لا إعادة عليه ، ولا نقول : إنه يسقط عنه الاستقبال بل يجب عليه الاستقبال ويتحرى بقدر استطاعته ، فإذا تحرى بقدر استطاعته ثم تبين له الخطأ فإنه لا يعيد صلاته ، ودليل ذلك أن الصحابة الذين لم يعلموا بتحويل القبلة إلى الكعبة كانوا يصلون ذات يوم صلاة الفجر في مسجد قباء فجاءهم رجل فقال : إن النبي صلى الله عليه وسلم أنزل عليه قرآن وأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها فاستداروا (1) ، بعد أن كانت الكعبة وراءهم جعلوها أمامهم ، فاستداروا واستمروا على صلاتهم وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكون إنكار له فيكون ذلك مشروعاً ، يعني أن الإنسان إذا أخطأ في القبلة جاهلاً فإنه ليس عليه إعادة ، ولكن إذا تبين له ولو في أثناء الصلاة وجب عليه أن يستقبل القبلة ، فاستقبال القبلة شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا به في المواضع الثلاثة ، وإلا إذا أخطأ الإنسان بعد الاجتهاد والتحري .(45/19)
وهنا مسألة : يحب على من تزل على شخص ضيفاً ، وأراد أن يتنفل أن يسأل عن القبلة فإذا أخبره اتجه إليها ، لأن بعض الناس تأخذه العزة بالإثم ومنعه الحياء وهو في غير محله عن السؤال عن القبلة ، بل أسال عن القبلة حتى يخبرك صاحب البيت .
أحياناً بعض الناس تأخذه العزة بالإثم ويتجه بناء على ظنه إلى جهة ما ، ويتبين أنها ليست القبلة ، وفي هذه الحال يجب عليه أن يعيد الصلاة، لأنه استند إلى غير مستند شرعي ، والمستند إلى غير مستند شرعي لا تقبل عبادته لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) (2) . أخرجه مسلم .
* * *
وسئل فضيلته : عن جماعة مسجد يصلون وفي قبلة المسجد دورة مياه فهل تصح الصلاة ؟
فأجاب بقوله : الصلاة صحيحة ، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم (( جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) (1) . ولكن قد يكون في الحمام رائحة كريهة تؤثر على المصلي وتشوش عليه ، فإذا تجنب استقباله من أجل هذا فهو أفضل ،لأن كل شيء يؤثر على المصلي فالمشروع للمصلي أن يبتعد عنه ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى ذات يوم بخميصة لها أعلام ، فنظر إلى أعلامها نظرة فلما انصرف من صلاته قال : (( اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم ، وأتوني بإنبجانية أبي جهم )) (2) ، لأنه صلى الله عليه وسلم نظر إليها نظرة ، وكان في هذا انشغال في الصلاة ، ومن ثم أم النبي صلى الله عليه وسلم بأن تعطى هذه الخميصة لأبي جهم ، وتؤخذ أنبجانيته .
ويستفاد من هذا الحديث أن كل شيء يلهي المصلي عن صلاته ويشغله فإنه ينبغي اجتنابه .
* * *
فائدة (1)
استشكل قول الأصحاب – رحمهم الله – في المجتهدين في القبلة إذا اختلفا جهة ، حيث قالوا : لا يصح اقتداء أحدهما بالآخر .(45/20)
ووجهة : أن اختلافهما في الاجتهاد إلى القبلة كاختلافهما في الاجتهاد في الأحكام الشرعية ، وقد نصوا على أن هذا غير مانع من الإقتداء ، فله أن يصلي خلف آكل حلم إبل لا يرى الوضوء منه ، وإن كان هو ممن يرى نقض الوضوء به .
وهذا التفريق في الحكم بين المسألتين قد يكون خفياً في بادي الأمر ، ولذلك قال الموفق – رحمه الله - : إن قياس المذهب صحة الاقتداء .
ولكن عند التأمل تجد الصواب عدم صحة اقتداء أحدهما بالآخر ، وذلك أن الجميع متفقون على اشتراط القبلة في هذه المسألة ، لكن أحدهما يقول : هذه هي ، والثاني يخالفه ، وكل واحد منهما يعتقد أن الثاني إلى غير القبلة فصلاة الآخر عنده باطلة ، فكيف يصح اقتداء أحدهما بالآخر ؟ فإنه إن كان الصواب مع المأموم فصلاة الإمام باطلة ، فيكون مقتدياً بمن يرى أنه لم يستقبل القبلة .
وإن كان الصواب مع الإمام فصلاة المأموم باطلة ! فكيف ينوي الإمامة بمن صلاته باطلة .
ونظير ذلك إذا سمعا صوتاً من أحدهما لا بعينه ، فإن صلاة كل واحد بالنسبة إليه صحيحة ،ولا يصح أن يقتدي أحدهما بالآخر ، وقد خالف الموفق في هذا وقال : إنه لا سواء بينهما ، بل بينهما فرق ، وهو أن من باب المحدث في الأخيرة لزمه الإعادة ، ومن بان أنه هو المخطئ للقبلة فلا إعادة عليه فصلاته صحيحة بكل حال ، بخلاف مسألة الحدث .
ولكن هذا الفرق غير مؤثر هنا ، فإن ذلك إنما يؤثر بالنسبة إلى صلاة الواحد بنفسه ، أما بالنسبة إلى الجماعة بينهما فلا فرق فإن كل واحد منهما يعتقد أن الآخر مخطئ أو محدث يقيناً ولا فرق بينهما . والله أعلم .
---
(1) سورة التغابن ، الآية 16 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(3) تقدم تخريجه ص 98 .
(1) أخرجه ابن أبي شيبة في " المصنف " 2/55 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 144 .(45/21)
(1) أخرجه الترمذي : كتاب الصلاة / باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب قبله ، وابن ماجة ( 1011 ) ، والحاكم وصححه ووافقه الذهبي " المستدرك " 14/225 .
(1) سورة التباغن ، الآية : 16 .
(2) تقدم تخريجه ص 98 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 115 .
(1) تقدم تخريجه ص 414 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(2) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 115 .
(2) تقدم تخريجه ص 98 .
(3) أخرجه البخاري : كتاب الجماعة والإمامة / باب تسوية الصفوف . .. ، ومسلم : كتاب الصلاة / باب تسوية الصفوف وإقامتها .
(1) أخرجه البخاري : كتاب تقصير الصلاة / باب ينزل للمكتوبة ، ومسلم : كتاب صلاة المسافرين / باب جواز صلاة النافلة على الدابة
(2) سورة البقرة ، الآية : 144 .
(1) تقدم تخريجه ص 414 .
(1) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(2) سورة البقرة ، الآية 286 .
(3) تقدم تخريجه ص 98 .
(4) سورة البقرة ، الآيتان : 238 ، 239 .
(1) أخرجه البخاري : كتاب القبلة ، باب ما جاء في القبلة ، ومسلم : كتاب المساجد / باب تحويل القبلة من القدس إلى الكعبة .
(2) سورة التوبة ، الآية : 108 .
(1) سورة المجادلة ، الآية : 1.
(1) تقدم تخريجه ص 303 .
(1) أخرجه الإمام أحمد 4/264 ، 319 ، 321 ، وأبو داود : كتاب الصلاة / باب فيما جاء في نقصان الصلاة ( 796 ) ، والنسائي في " الكبرى " : كتاب السهو / باب في نقصان الصلاة ( 611 ، 612 ) .
(2) أخرجه البخاري : كتاب الإيمان / باب تجاوز الله عن حديث النفس .
(1) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(2) تقدم تخرجه ص 420 .
(3) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 115 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 150 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 144 .
(3) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(4) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(1) تدم تخريجه ص 98 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 239 .
(1) تقدم تخريجه ص 425 .(45/22)
(2) تقدم تخريجه ص 21 .
(1) تقدم تخريجه ص 95 .
(2) تقدم تخريجه ص 362 .
(1) أنظر المنتقى من فرائد الفوائد لفضيلة الشيخ حفظه الله تعالى ص 109 .(45/23)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثاني عشر
النية
محمد بن صالح العثيمين
سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى - : عن حكم التلفظ بالنية في الصلاة وغيرها ؟
فأجاب بقوله : التلفظ بالنية لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ، وعهد السلف الصالح ، فهو مما أحدثه الناس ، ولا داعي له ، لأن النية محلها القلب ، والله تعالى عليم بما في قلوب عباده ، ولست تريد أن تقوم بين يدي من لا يعلم حتى تقول أتكلم بما أنوي ليعلم به ، وإنما تريد أن تقف بين يدي من يعلم ما توسوس به نفسك ، ويعلم متقلبك ، وماضيك ، وحاضرك ، فالتكلم بالنية من الأمور التي لم تكن معروفة عند السلف الصالح ، ولو كانت خيراً لسبقونا إليه ، فلا ينبغي للإنسان أن يتكلم بنيته لا في الصلاة ولا في غيرها من العبادات لا سراً ولا جهراً .
* * *
وسئل فضيلته : عن التلفظ بالنية ؟
فأجاب بقوله : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) (1) . والنية محلها القلب ولا يحتاج إلى نطق ، وأنت إذا قمت تتوضأ فهذه هي النية ، ولا يمكن لإنسان عاقل غير مكره على عمل أن يفعل ذلك العمل إلا وهو ناو له ، ولهذا قال بعض أهل العلم : لو كلفنا الله عملاً بلا نية لكان من التكليف ما لا يطاق .
ولم يرد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أصحابه – رضوان الله عليهم – أنهم كانوا يتلفظون بالنية ، والذين تسمعهم يتلفظون بالنية تجد ذلك إما جلاهً منهم ، أو تقليداً لمن قال بذلك من أهل العلم ، حيث قالوا إنه ينبغي أن يتلفظ بالنية من أجل أن يطابق القلب اللسان ، ولكننا نقول إن قولهم هذا ليس بصحيح ، فلو كان أمراً مشروعاً لبينه الرسول صلي الله عليه وسلم للأمة، إما بقوله وإما بفعله . والله الموفق .
* * *
وسئل فضيلة الشيخ : عن رجل دخل مع الإمام بنية صلاة الوتر ثم تذكر وهو يصلي أنه لم يصل العشاء فقلب النية عشاء فهل يصح ؟(46/1)
فأجاب فضيلته بقوله : لا يصح ، لأن من القواعد : (( إن الانتقال من معين إلى معين لا يصح )) مثل أن يدخل إنسان في صلاة العصر ثم ذكر أنه صلى الظهر بلا وضوء ،ففي أثناء الصلاة قلب العصر إلى ظهر فلا يصح ، لأن العبادة المعينة لابد أن ينويها من أولها قبل أن يدخل فيها ، لأنه لو نوى من أثنائها لزم أن يكون الجزء السابق على النية الجديدة خالياً من نية الصلاة التي انتقل إليها ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) (1) . ففي المثال السابق لا تصح لا الظهر ولا العصر ، العصر لا تصح ، لأنه أبطلها بانتقاله إلى الظهر ، ولا تصح الظهر لأنه لم ينوها من أولها .
وهناك انتقال من مطلق إلى معين ، ولا يصح أيضاً مثل : رجل قام يصل تطوعاً ، ثم ذكر أنه لم يصل الفجر فنواها عند صلاة الفجر فلا يصح تطوعاً ، لأنه انتقل من مطلق إلى معين ، والمعين لابد أن ينويه من أوله .
وهناك انتقال من معين إلى مطلق فيصح مثل : رجل دخل يصلي بنية الفجر ثم بدا له أن يجعلها سنة مطلقة – ليست السنة الراتبة لأن الراتبة معينة – فيصح لأن نية الصلاة المعينة تتضمن في الواقع نيتين : نية مطلق الصلاة ، ونية التعيين ، فإذا ألغي نية التعيين بقي مطلق الصلاة ، فهذا الرجل الذي حول نيته الفريضة التي هي الفجر إلى نفل مطلق عمله صحصح ، لأن نية الصلاة المفروضة تشتمل على تعيين وإطلاق فإذا ألفي التعيين بقي الإطلاق ، وبناء على ذلك ننظر إلى المسألة التي سأل عنها السائل ، فالسائل دخل مع الإمام بنية الوتر ثم ذكر أنه لم يصل العشاء فحول النية إلى صلاة العشاء فلا تصح ، وعلى السائل أن يعيد صلاة العشاء وكذلك الوتر إن أحب إعادته لكن يعيده شفعاً .
* * *
وسئل فضيلته : عن حكم صلاة الفريضة خلف المتنفل كمن صلى العشاء مع الذين يصلون التراويح ؟(46/2)
فأجاب بقوله : لا بأس أن يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح ، وقد نص على ذلك الإمام أحمد رحمه الله ، فإن كان مسافراً وأدرك الإمام من أول الصلاة سلم معه ، وإلا أتم ما بقي إذا سلم الإمام .
* * *
وسئل فضيلة الشيخ : عن حكم صلاة الفرض خلف من يصلي نافلة ؟
فأجاب بقوله : يجوز أن يصلي الإنسان فرضاً خلف من يصلي نافلة ، ويدل لذلك حديث معاذ بن جبل رضى الله عنه أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة (1) ، فتكون له نافلة فريضة ، وهذا وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن قال قائل : لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به .
فالجواب على ذلك من وجهين :
الأول : أن نقول يبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به ، لسيما وأنه قد شكى إليه في الإطالة حين صلى بهم ذات ليلة فأطال ، ثم دعاه النبي صلى الله عليه وسلم ووعظه والقصة معروفه ، فيبعد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بحال معاذ رضى الله عنه .(46/3)
الوجه الثاني : إنه على فرض أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم بصنيع معاذ هذا ، فإن الله سبحانه وتعالى قد علم به ولم ينزل وحي من الله تعالى بإنكار هذا العمل ، ولهذا نقول : كل ما يجرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه حجة بإقرار الله له ، والله سبحانه وتعالى لا يقر أحداً على باطل ، وإن خفي على النبي صلى الله عليه وسلم بدليل قوله تعالى : (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً 108) (1) . فلما كان هؤلاء القوم يبيتون ما لا يرضى الله عز وجل ، والناس لا يعلمون به ، بينه الله عز وجل ولم يقرهم عليه ، فدل هذا على أن ما وقع في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام فهو حجة ، وإن لم نعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم علم به فهو حجة بإقرار الله له ، ولهذا استدل جابر رضى الله عنه على جواز العزل بإقرار الله له حيث قال رضى الله عنه : (( كنا نعزل والقرآن ينزل )) (2) ، فالمهم أن فعل هذا حجة بكل تقدير ، وهو يصلي نافلة وأصحابه يصلون وراءه فريضة ، إذن فإذا صلى شخص وراء رجل يصلي نافلة وهو يصلي فريضة فلا حرج في ذلك ، ولهذا نص الإمام احمد رحمه الله على أن الرجل إذا دخل المسجد في رمضان وهم يصلون التراويح فإنه يصلي خلف الإمام بنية العشاء ، فإذا سلم الإمام من الصلاة التي هي التراويح أتي بما عليه من صلات العشاء وهذا فرض خلف نافلة .
* * *
343 وسئل فضيلته : إذا صلى شخص صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر فهل صلاته صحيحة ؟(46/4)
فأجاب بقوله : إذا صلى شخص صلاة الظهر خلف إمام يصلي العصر فلا حرج في ذلك وصلاته صحيحه على القول الراجح لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) (1) . ولم يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يدل على وجوب اتحاد نيتي الإمام والمأموم ، فيكون لكل واحد منهما نيته كما يدل عليه الحديث: (( وإنما لكل امرئ ما نوى )) .
* * *
344 سئل فضيلة الشيخ : عن الرجل يصلي وحده فيدخل معه آخر ويكون إماماً له فهل تصح صلاتهما ؟
فأجاب فضيلته بقوله : نعم تصح صلاتهما ، ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباس أنه بات عند خالته ميمونة فقام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في الليل ثم جاء ابن عباس فدخل معه ومضى في صلاته (1) ، وهذا في صلاة الليل ، وما جاز في النفل جاز في الفرض إلا بدليل ، ولا دليل على التفريق بين الفرض والنفل في هذه المسألة ، بل روى الإمام أحمد عن جابر رضى الله عنه قال : قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي المغرب فجئت فقمت عن يساره فجعلني عن يمينه (2). الحديث ، وهذا في الفرض ، وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك لا يصح لا في الفرض ولا في النفل وهو المشهور من المذهب ، وقيل : يصح في النفل دون الفرض . حرر في 24/2/1387 هـ .
* * *
345 وسئل فضيلته : إذا رأي إنسان رجلاً يصلي لوحده فهل يأتم به ؟ وهل يسأله هل يصلي فريضة أو نافلة ؟ وكيف يجيب ؟
فأجاب بقوله : يجوز أن تدخل مع رجل يصلي وحده وتنوي أن يكون إماماً لك ، ولا حاجة أن تسأله ماذا يصلي بل تدخل على نية التي تريد ، ثم إن كانت صلاته موافقة لصلاتك فذاك ، وإلا فأكمل صلاتك على حسب ما نويت ، فإذا تبين أنه يصلي العشاء ،وأنت قد نويت المغرب ودخلت معه في أول ركعة فإذا قام للرابعة فأجلس وتشهد وسلم ، ثم أدخل معه فيما بقي من صلاة العشاء إن كان يجوز لك أن تجمع .(46/5)
وأما سؤال المصلي إذا سألته عن شيء وهو يصلي فلا بأس إن يجيبك بالإشارة .
* * *
وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى - : عما يدركه المسبوق من الصلاة هل هو أولها أو آخرها ؟
فأجاب بقوله : الصحيح أن ما أدرك من صلاته فهو أولها ، وما يقضيه فهو آخرها ، فإذا أدرك ركعتين من الظهر وأمكنه أن يقرأ مع الإمام الفاتحة وسورة قرأ وإذا سلم الإمام ، وقام يقضي يقتصر على الفاتحة فقط لأن ما يقضيه هو آخر صلاته لقول الرسول صلى الله عليه الصلاة والسلام : (( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموه )) (1).
* * *
سئل فضيلة الشيخ : عن تغيير النية في الصلاة ؟
فأجاب بقوله : تغيير النية إما أن يكون من معين لمعين ، أو من مطلق لمعين ، فهذا لا يصح ، وإذا كان من معين لمطلق فلا بأس ، مثال ذلك .
من معين لمعين ، أراد أن ينتقل من سنة الضحى إلى راتبة الفجر التي يريد أن يقضيها ، كبر بنية أن يصلي ركعتي الضحى ، ثم ذكر أنه لم يصل راتبة الفجر فحولها إلى راتبة الفجر فهنا لا يصح ، لأن راتبة الفجر ركعتان ينويهما من أول الصلاة .
كذلك أيضاً رجل دخل في صلاة العصر وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصلي الظهر فنواها الظهر ، هذا أيضاً لا يصح ، لأن المعين لابد أن تكون نيتهمن أول الأمر .
وأما من مطلق لمعين ، فمثل أن يكون شخص يصلي صلاة مطلقة
نوافل – ثم ذكر أنه لم يصل الفجر ، أن لم يصل سنة الفجر فحول هذه النية إلى صلاة الفجر أو إلى سنة الفجر ، فهذا أيضاً لا يصح .
أما الانتقال من معين لمطلق ، فمثل أن يبدأ الصلاة على أنها راتبة الفجر ، وفي أثناء الصلاة تبين أنه قد صلاها فهنا يتحول من النية الأولى إلى نية الصلاة فقط .
ومثال آخر : إنسان شرع في صلاة فريضة وحده ثم حضر جماعة ، فأراد أن يحول الفريضة إلى نافلة ليقصر فيها على الركعتين، فهذا جائز لأنه حول من معين إلى مطلق . هذه القاعدة ، من معين لمعين لا يصح ، ومن مطلق لمعين لا يصح ، من معين لمطلق يصح .(46/6)
* * *
وسئل فضيلة الشيخ : هل يجوز تغيير النية من معين إلى معين ؟
فأجاب بقوله : لا يجوز تغيير النية من معين إلى معين ، أو من مطلق إلى ميعن ، وإنما يجوز تغيير النية من معين إلى مطلق .
مثال الأول : من معين إلى ميعن ، تغير النية من صلاة الظهر إلى صلاة العصر ، ففي هذه الحالة تبطل صلاة الظهر ، لأنه تحول عنها ، ولا تنعقد صلاة العصر ، لأنه لم ينوها من أولها وحينئذ يلزمه قضاء الصلاتين .
ومثال الثاني : من مطلق إلى معين ، أن يشرع في صلاة نفل مطلق ثم يحول النية إلى نفل معين فيحولها إلى الراتبة ، يعنى أن رجلاً دخل في الصلاة بنية مطلقة ، ثم أراد أن يحولها إلى راتبة الظهر مثلاً فلا تجزئه عن الراتبة ، لأنه لم ينوها من أولها .
ومثال الثالث : من معين إلى مطلق أن ينوي راتبة المغرب ثم بدا له أن يجعلها سنة مطلقة فهذا صحيح لا تبطل به الصلاة ، وذلك لأنه نية الصلاة المعينة متضمنة لنية مطلق الصلاة ، فإذا ألغى التعيين بقي مطلق الصلاة لكن لا يجزئه ذلك عن الراتبة لأنه تحول عنها .
* * *
سئل فضيلة الشيخ : إذا قطع الإنسان النية في أثناء الصلاة فما الحكم ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا قطع المصلي النية في أثناء الصلاة بطلت الصلاة لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات ، وإنما لكل امرئ ما نوى )) (1) . وهذا قد نوى القطع فانقطعت .
* * *
وسئل الشيخ : إذا سمع المصلي طارقاً يطرق الباب فتردد ، هل يقطع الصلاة فهل تبطل الصلاة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : ذهب بعض أهل العلم إلى بطلان الصلاة وإن لم يعزم على القطع ، وقال بعض أهل العلم لا تبطل الصلاة بالتردد ،لأن الأصل بقاء النية ، والتردد لا يبطلها ، وهذا القول هو الصحيح فما دام أنه لم يعزم على القطع فهو في الصلاة .
وسئل فضيلة الشيخ : هل يصح أن ينتفل المنفرد إلى إمامة في صلاة الفرض ؟(46/7)
فأجاب بقوله : نعم يصح أن ينتفل من انفراد إلى إمامه في الفرض والنفل ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ذات ليلة يصلي وقام ابن عباس فوقف عن يساره ، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من وراءه فجعله عن يمينه (1) ، وما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل .
وهنا مسألة : إذا كان المأموم مسافراً والإمام مقيماً فهل للمسافر أن ينفرد إذا صلى ركعتين ثم يسلم ؟
فالجواب : ليس للمأموم المسافر إذا اقتدى بمقيم أن ينفرد إذا صلى ركعتين ، لأن المأموم المسافر إذا اقتدى بإمام مقيم وجب عليه الإتمام لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به )) (2) . وقوله : (( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )) (3) .
* * *
وسئل فضيلة الشيخ : هل تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ؟
فأجاب بقوله : لا تبطل صلاة المأموم ببطلان صلاة الإمام ، لأن صلاة المأموم صحيحه ، والأصل بقاء الصحة ، ولا يمكن أن تبطل إلا بدليل صحيح ، فالإمام بطلت صلاته بمقتضى الدليل الصحيح ، ولكن المأموم دخل بأمر الله فلا يمكن أن تفسد صلاته إلا بأمر الله ، القاعدة : (( أن من دخل في عبادة حسب ما أمر به فإننا لا نبطلها إلا بدليل )) ويستثنى من ذلك ما يقوم به مقام المأموم مثل السترة ، فالسترة للإمام ستره لمن خلفه ، فإذا مرت امرأة بين الإمام وسترته بطلت صلاة الإمام وبطلت صلاة المأموم ، لأن هذه السترة مشتركة ،ولهذا لا نأمر المأموم أن يتخذ سترة ، بل لو اتخذ سترة لعد متنطعاً مبتدعاً .
* * *
سئل فضيلته : إذا أخر الإنسان صلاة الظهر إلى صلاة العصر ودخل المسجد فهل يصلي معهم العصر بنية الظهر ؟(46/8)
فأجاب فضيلته بقوله : لم يتبين في السؤال سبب تأخير صلاة الظهر إلى العصر ، فإن كان السبب عذراً شرعياً فإن له حكماً ، وإن كان السبب غير شرعي فإن صلاة الظهر لا تجزئ إذا أخرها عن وقتها بدون عذر شرعي ،وعليه أن يتوب إلى الله عز وجل مما وقع منه ، ولا تنفعه الصلاة حينئذ ، لأنه تعمد تأخيرها عن وقتها .
أما إذا كان السبب شرعياً وأتى إلى المسجد وهم يصلون العصر فهو بالخيار إن شاء صلى معهم بنية العصر ، فإذا فرغوا صلى الظهر ، ويسقط الترتيب حينئذ لئلا تفوت الجماعة ، وإن شاء صلى معهم العصر بنية الظهر ، ولا يضر اختلاف النية لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به ، فلا تختلفوا عليه فإذا كبر فكبروا )) (1) . فبين النبي صلى الله عليه وسلم معنى الاختلاف عليه ولهذا جاءت (( لا تختلفوا عليه )) ولم يقل (( لا تختلفوا عنه )) بل بال (( عليه )) مما يدل على أن المراد المخالفة في الأفعال وقد فسر ذلك في نفس الحديث فقال : (( فإذا كبر فكبروا )) وإذا ركع فأركعوا . . )) إلخ ، أما النية فإنها عمل باطن لا يظهر فيها الاختلاف على الإمام ولو اختلفت ، وعلى هذا فإنه يدخل معهم بنية الظهر وإن كانوا يصلون العصر ثم إذا انتهوا من الصلاة يأتي بصلاة العصر ، وهذا عندي أولى من الوجه الذي قبله .
* * *
سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى - : إذا أدرك المسافر مع الإمام المقيم الركعتين الأخيرتين فهل يسلم معه بنية القصر ؟
فأجاب بقوله : لا يجوز للمسافر إذا إئتم بالمقيم أن يقصر الصلاة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا )) (1) . وعلى هذا إذا أدرك المسافر مع الإمام المقيم الركعتين الأخيرتين وجب عليه أن يأتي بركعتين بعد سلام إمامه ، ولا يجوز أن يسلم مع الإمام مقتصراً على الركعتين . والله أعلم .
* * *(46/9)
سئل فضيلة الشيخ : إذا أحدث الإنسان في صلاته فما العمل إذا كان إماماً أو مأموماً ؟ وإذا كانت به غازات ؟
فأجاب قائلاً : إذا احدث الإنسان في صلاته فإنه بجب عليه أن يخرج من الصلاة ، ولا يجوز أن يبقى فيها حتى وإن كان إماماً أو مأموماً ، فإن كان مأموماً انصرف وتوضأ ورجع ، وإن كان إماماً انصرف أيضاً وقال لمن خلفه : تقدم يا فلان أكمل الصلاة بالناس ، وصلاة المأموم لا تبطل حينئذ ، وكذلك لو أن الإمام دخل في الصلاة وفي أثناء الصلاة ذكر أنه على غير وضوء فإن الواجب عليه أن ينصرف ويستخلف من يتم الصلاة بهم .
وإذا كان في الإنسان غازات ولا يتمكن من حبسها بمعنى أنه منطلق وتخرج بغير اختياره ،فإذا كانت مستمرة معه فإن حكمة حكم من به سلس البول يتوضأ بعد دخول وقتها ، ويتحفظ ويصلي ، وإذا خرج منه شيء أثناء الصلاة فإن الصلاة لا تبطل .
* * *
365 سئل فضيلة الشيخ : هل يجوز للإنسان أن يصلي الفريضة خلف من يصلي نافلة ؟
فأجاب بقوله : الصحيح أنه لا يضر اختلاف نية الإمام والمأموم ، وأنه يجوز للإنسان المفترض أن يصلي خلف الإنسان المتنفل ، كما كان معاذ بن جبل يفعل ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فإنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ، ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة (1) ، وهي له نافلة ، ولهم فريضة ، فإذا دخل إنسان المسجد وأنت تصلي فريضة ، أو نافلة وقام معك لتصليا جماعة فلا حرج ، وصلاتكما صحيحة فيدخل معك ويصلي ما يدركه معك ، وبعد انتهاء صلاتك تقوم فيقضي ما بقي عليه إن كان فاته شيء سواء كنت تصلي نافلة أو فريضة .
* * *
فصل
قال فضيلة الشيخ حفظه الله تعالى : ومن شروط الصلاة : النية :
فالصلاة لا تصح إلا بها لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما الأعمال بالنيات )) الحديث (1) .(46/10)
وقد دلت الآيات الكريمة على اعتبار النية في العبادات مثل قوله تعالى في وصف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه(تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً )(2) . وقال تعالى ( وَمَا تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّه) (3) وقال تعالى ( وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ً) (4). والآيات في هذا كثيرة . فالنية شرط من شروط الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها .
وهي في الحقيقة ليست بالأمر الصعب فكل إنسان عاقل مختار بفعل فعلاً فإنه قد نواه ، فلا تحتاج إلى تعب ولا إلى نطق فمحلها القلب (( إنما الأعمال بالنيات )) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية ، ولا أمر أمته بالنطق بها ، ولا فعلها أحد من أصحابه فأقره على ذلك ، فالنطق بالنية بدعة، هذا هو القول الراجح .
وما أظرف قصة ذكرها لي بعض الناس عليه رحمه الله قال لي : إن شخصاً في المسجد الحرام قديماً أراد أن يصلي فأقيمت الصلاة فقال : اللهم إني نويت أن أصلي الظهر أربع ركعات لله تعالى ، خلف إمام المسجد الحرام .
فلما أراد أن يكبر قال له:أصبر بقي عليك ، قال : ما الباقي ؟ قال له : قل في اليوم الفلاني ، وفي التاريخ الفلاني ،ومن الشهر والسنة حتى لا تضيع ، هذه وثيقة ، فتعجب الرجل ، والحقيقة أنها محل التعجب هل أنت تعلم الله عز وجل بما تريد؟الله يعلم ما توسوس به نفسك .
هل تعلم الله بعدد الركعات والأوقات ؟ لا داعي له، هو يعلم هذا ، فالنية محلها القلب .
والصلوات تنقسم إلى أقسام نفل مطلق ، ونفل معين ، وفريضة .
الفرائض الخمس : الفجر ، والظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء فإذا جاء الإنسان إلى المسجد في وقت الفجر فإن من المعلوم أنه يريد الفجر .(46/11)
وهناك مسألة : إذا جئت وكبرت وغاب عن ذهنك أي صلاة هي ، وهذا يقع كثيراً إذا جاء بسرعة يخشى أن تفوته الركعة ، فهنا وقوع الصلاة في وقتها دليل على أنه إنما أراد هذه الصلاة ، ولهذا لو سألك أي واحد هل أردت الظهر ، أو العصر ، أو المغرب ، أو العشاء ، لقلت أبداً ما أردت إلا الفجر فيكون تعيينها بالوقت .
إذاً الفرائض يكون تعيينها على وجهين .
الوجه الأول : أن يعينها بعينها فينوي بقلبه أنها الظهر وهذا واضح .
الوجه الثاني : الوقت فما دمت تصلي الصلاة في هذا الوقت فهي هي الصلاة .
هذا الوجه الثاني إنما يكون في الصلاة المؤداة في وقتها ، أما لو فرض أن على إنسان صلوات مقضية كما لو نام يوماً كاملاً عن الظهر والعصر والمغرب . فهنا إذا أراد أن يقضي لابد أن يعين بعينها لأنه لا يوقت لها .
ومن النوافل المعينة الوتر ، وركعتي الضحى ، والرواتب فهذه لابد أن تعينها بالاسم ، لكن بالقلب لا باللسان ، فإذا أردت أن تصلي مثلاً وكبرت ، ولكن ما نويت الوتر ، وفي أثناء الصلاة نويتها الوتر فهاذ لا يصح ، لأن الوتر نفل معين ، والنوافل المعينة لابد أن تعين بعينها .
وهنا مسألة : إذا أراد الإنسان أن ينتفل في الصلاة من نية إلى نية فهل هذا ممكن ؟
فالجواب أن الانتفال أنواع :
النوع الأول : من مطلق إلى معين فلا يصح ، ومثاله : إنسان قام يصلي صلاة نافلة مطلقة وفي أثناء الصلاة ذكر أنه لم يصل راتبه الفجر فنواها لراتبة الفجر .
نقول لا تصح لراتبة الفجر ، لأنه انتفل من مطلق إلى معين ، والمعين لابد أن تنويه من أوله فراتبه الفجر من التكبير إلى التسليم .
النوع الثاني : من معين إلى معين فلا يصح ، ومثاله رجل قام يصلي العصر وفي أثناء صلاته ذكر أنه لم يصل الظهر أو أنه صلاها بغير وضوء ، فقال : الآن نويتها للظهر .
هنا لا تصح للظهر لأنه من معين إلى معين ، ولا تصح أيضاً صلاة العصر التي ابتدأها لأنه قطعها بانتفاله إلى الظهر .(46/12)
النوع الثالث : من معين إلى مطلق فإنه لا يصح مثل : إنسان شرع في صلاة راتبة الفجر ، ثم ذكر أنه صلاها فنواها نفلاً مطلقاً فيصح .
فصارت الحالات ثلاث :
الحال الأولى : من مطلق إلى معين لا يصح المعين ويبقى المطلق .
الحال الثانية : من معين إلى معين يبطل الأول ولا ينعقد الثاني .
الحال الثالثة : من معين إلى مطلق .
* نية الإمامة والائتمام :
الجماعة تحتاج إلى إمام ومأموم ، وأقلها اثنان إمام ومأموم ، وكلما كان أكثر فهو أحب إلى الله .
ولابد من نية المأموم الائتمام وهذا شئ متفق عليه ، يعني دخلت في جماعة فلابد أن تنوي الائتمام بإمامك الذي دخلت عليه .
ولكن النية لا تحتاج إلى كبير عمل لأن من أتي إلى المسجد فإنه نوى أن يأتم ، ومن قال لشخص صلي بي فإنه قد نوى أن يأتم .
أما الإمام فقد اختلف العلماء رحمهم الله هل يجب أن تنوي أن يكون إماماً أو لا يجب ؟
فقال بعض أهل العلم : لابد أن ينوي أنه الإمام .
وقال بعضهم : لا يشترط ، وعلى هذا فلو جاء رجلان ووجدا رجلاً يصلي ونويا أن يكون الرجل إماماً لهما فصفا خلفه وهو لا يدري بهما ، فمن قال إنه لابد للإمام أن ينوي الإمامة ، قال : إن صلاة الرجلين لا تصح ، وذلك لأن الإمام يم ينو الإمامة .
ومن قال : إنه لا يشترط ، قال إن صلاة هذين الرجلين صحيحة لأنهما ائتما به .
فالأول هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ، والثاني هو مذهب الإمام مالك (1) واستدل بأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في رمضان وحده فدخل أناس المسجد فصلواخلفه(2) ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان أول من دخل الصلاة لم ينو أن يكون إماماً ، واستدلوا كذلك بأن ابن عباس رضى الله عنها بات عند النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فلما قام النبي صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ، قام يصلي وحده ، فقام ابن عباس فتوضأ ودخل معه الصلاة (3) .(46/13)
ولكن لا شك أن هذا الثاني ليس فيه دلالة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نوى الإمامة ، ولكن نواها في أثناء الصلاة ولا بأس أن ينويها في أثناء الصلاة .
وعلى كل حال الاحتياط في هذه المسألة أن نقول : إنه إذا جاء رجلان إلى شخص يصلي فلينبهاه على أنه إمام لهما ، فإن سكت فقد أقرهما، وإن رفض وأشار بيده أن لا تصليا خلفي ، فلا يصليا خلفه ، هذا هو الأحوط والأولى ,
* ثانياً : هل يشترط أن تتساوى صلاة الإمام مع صلاة المأموم في جنس المشروعة ؟
بمعنى هل يصح أن يصلي الفريضة خلف من يصلي النافلة ، أو أن يصلي النافلة خلف من يصلي الفريضة ؟
أما الإنسان الذي يصلي نافلة خلف من يصلي فريضة فلا بأس بهذا ، لأن السنة قد دلت على ذلك فإن الرسول صلى الله عليه وسلم انفلت من صلاة الفجر ذات يوم في مسجد الخيف بمنى فوجد رجلين لم يصليا فقال :أما منعكما أن تصليا في القوم ؟ )) قالا : يا رسول الله صلينا في رحالنا – يحتمل أنهما صليا في رحالهما لظنهما أنهما لا يدركان صلاة الجماعة أو لغير ذلك من الأسباب – فقال : (( إذا صليتما في رحالكما ، ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا فإنها لكما نافلة )) (1) . أي الثانية ، والأولى حصلت بها الفريضة وانتهت وبرئت الذمة .
أما إذا كان الإمام يصلي النافلة والمأموم يصلي الفريضة ، وأقرب مثال لذلك في أيام رمضان إذا دخل الإنسان وقد فاتته صلاة العشاء ووجد الناس يصلون التراويح فهل يدخل معهم بنية العشاء ، أو يصلي الفريضة وحده ثم يصلي التراويح ؟
هذا محل خلاف بين العلماء :
فمنهم من قال : لا يصح أن يصلي الفريضة خلف النافلة ، لأن الفريضة أعلى ، ولا يمكن أن تكون صلاة المأموم أعلى من صلاة الإمام .(46/14)
ومنهم من قال : بل يصح أن يصلي الفريضة خلف النافلة ، لأن السنة وردت بذلك وهي أن معاذ بن جبل رضى الله عنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة (2) ، فهي له نافلة ولهم فريضة ولم ينكر عليه النبي صلى الله عليه وسلم .
فإن قال قائل : لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم ؟
فالجواب عن ذلك أن نقول : إن كان قد علم فقد تم الاستدلال .
لأن معاذ بن جبل رضى الله عنه قد شكي إلى الرسول في كونه يطول صلاة العشاء ، فالظاهر أن الرسول اخبر بكل القضية وبكل القصة .
وإذا قدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعلم أن معاذاً يصلي معه ثم يذهب إلى قومه ويصلي بهم ، فإن رب الرسول صلى الله عليه وسلم قد علم ، والله جل وعلا لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء ، وإذا كان الله قد علم ولم ينزل على نبيه صلى الله عليه وسلم إنكاراً لهذا العمل دل ذلك على جوازه ، لأن الله لا يقر عباده على شئ غير مشروع لهم إطلاقاً ، فتم الاستدلال حينئذ على كل تقدير .
إذاً فالصحيح أنه يجوز أن يصلي الإنسان صلاة الفريضة خلف من يصلي النافلة ، والقياس الذي ذكر استدلالاً على المنع قياس في مقابلة نص فيكون مطروحاً فاسداً لا يعتبر .
إذا ً فإذا أتيت في أيام رمضان والناس يصلون صلاة التراويح ولم تصل العشاء فادخل معهم بنية صلاة العشاء ، ثم إن كنت قد خلت في أول ركعة فإذا سلم الإمام فصل ركعتين لتتم الأربع ركعات ، وإن كنت دخلت في الثانية فصل إذا سلم الإمام ثلاث ركعات لأنك صليت مع الأمام ركعة .
وهذا هو منصوص الإمام أحمد مع أن مذهبة خلاف ذلكم ، ولكن منصوصه الذي نص عليه شخصياً أن هذا جائز .
إذاً تخلص الآن :
1 - من صلى فريضة خلف فريضة فجائز .
2 - فريضة خلف نافلة فيها خلاف .
3 - نافلة خلف فريضة جائزة قلولاً واحداً .(46/15)
المسألة الثالثة : في جنس الصلاة هل يشترط أن تتفق صلاة الإمام والمأموم في نوع الصلاة أي ظهر مع ظهر ، وعصر مع عصر أو لا ؟
الجواب : هذه المسألة محل خلاف :
فمن العلماء من قال : يجب أن تتفق الصلاتان فيصلي الظهر خلف من يصلي الظهر ، ويصلي العصر خلف من يصلي العصر ، ويصلي المغرب خلف من يصلي المغرب ، وهكذا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( إنما جعلت الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه )) (1) .
ومن العلماء من قال : لا يشترط فيجوز أن تصلي العصر خلف من يصلي الظهر ، أو الظهر خلف من يصلي العصر ، أو العصر خلف من يصلي العشاء ، لأن الإتمام في هذا الحال لا يتأثر ، وإذا جاز أن يصلي الفريضة خلف النافلة مع اختلاف الحكم ، فكذلك اختلاف الاسم لا يضر وهذا القول أصح .
فإن قال قائل : كيف يصلي الظهر خلف من يصلي العشاء ؟
فنقول : يتصور ذلك بأن يحضر لصلاة العشاء بعد أن أذن ولما أقيمت الصلاة تذكر أنه صلى الظهر بغير وضوء .
فنقول له : أدخل مع الإمام أنت نيتك الظهر ، والإمام نيته العشاء ولا يضر ، (( إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى )) (2) . وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه )) . فليس معناه فلا تختلفوا عليه في النية لأنه فصل وبين فقال (( فإذا كبر فكبروا ، ولا تكبروا حتى يكبر )) . أي تابعوه ولا تسبقوه وكلام الرسول صلى الله عليه وسلم يفسربعضه بعضاً .
هذا البحث يتفرع عليه بحث آخر إذا اتفقت الصلاتان في العدد والهيئة فلا إشكال في هذا مثل ظهر خلف عصر فالعدد واحد ، والهيئة واحدة ، هذا لا إشكال فيه .
لكن إذا اختلفت الصلاتان بأن كانت صلاة المأموم ركعتين والإمام أربع أو العكس ، أو المأموم ثلاث ، والإمام أربع ، أو بالعكس .
فنقول :(46/16)
أولاً : إن كانت صلاة المأموم أكثر فلا إشكال ، مثل لو صلى العصر خلف من يصلي المغرب مثل رجل دخل المسجد يصلي المغرب ولما أقيمت الصلاة تذكر أنه صلى العصر بلا وضوء فهنا صار عليه صلاة العصر .
نقول : ادخل مع الإمام بنية صلاة العصر ، وإذا سلم الإمام فإنك تأتي بواحدة لتتم لك الأربع ، هذا لا إشكال فيه .
ثانياً : إذا كانت صلاة الإمام أكثر من صلاة المأموم ، فهنا نقول : إن دخل المأموم في الركعة الثانية فما بعدها فلا إشكال ، وإن دخل في الركعة الأولى فحينئذ يأتي الإشكال ، ولنمثل : إذا جئت والإمام يصلي العشاء وهذا يقع كثيراً في أيام الجمع ، يأتي الإنسان من البيت ، والمسجد جمع للمطر وما أشبه فإذا جاء وجدهم يصلون العشاء جمع تقديم ، لكن وجدهم يصلون في الركعتين الأخيرتين نقول : أدخل معهم بنية المغرب ، صلي الركعتين ، وإذا سلم الإمام تأتي بركعة ولا إشكال .
وإذا جئت ووجدتهم يصلون العشاء الآخر لكنهم في الركعة الثانية نقول : ادخل معهم بنية المغرب وسلم مع الإمام ولا يضر لأنك ما زدت ولا نقصت هذا أيضاً لا إشكال فيه .
وعند البعض فيه إشكال ويقول : إذا دخلت معه في الركعة الثانية ثم جلست في الركعة التي هي للإمام الثانية وهي لك الأولى فتكون جلست في الأولى للتشهد .
نقول هذا لا يضر ، ألست إذا دخلت مع الإمام في صلاة الظهر في الركعة الثانية فالإمام سوف يجلس للتشهد وهي لك الأولى فهذا مثله ولا إشكال .
الإشكال إذا جئت إلى المسجد ووجدتهم يصلون العشاء وهم في الركعة الأولى ، ودخلت معهم فيها حينئذ ستصلي ثلاثاً مع الإمام والإمام سيقوم للرابعة فماذا تصنع ؟
نقول : اجلس وإذا كنت تريد أن تجمع فانو المفارقة وأقرأ التحيات وسلم ، ثم ادخل من الإمام فيما بقي من صلاة العشاء لأنك يمكن أن تدركه .(46/17)
أما إذا كنت لا تنوي الجمع ، أو ممن لا يحق له الجمع فإنك في هذه الحال تخير إن شئت فأجلس للتشهد وانتظر الإمام حتى يكمل الركعة ويتشهد وتسلم معه ، وإن شئت فانو الانفراد وسلم .
وهذا الذي ذكرناه هو القول الراجح ، وهو اختيار شيخ الإسلام رحمه الله .
ونية الانفراد هنا للضرورة ، لأن الإنسان لا يمكن أن يزيد في صلاة المغرب على ثلاث فالجلوس لضرورة شرعية ولا بأس .
* * *
357 سئل فضيلة الشيخ : عن شروط الصلاة بعامة وبيان ما يترتب عليها ؟
فأجاب فضيلته بقوله : الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على نبينا محمد ، وعلى آله أصحابه أجمعين . أما بعد :
شروط الصلاة ما يتوقف عليه صحة الصلاة من أمور خارجة عن ماهيتها ، لأن الشرط في اللغة العلامة كما قال الله تعالى : ( فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ) (1) أي علاماتها ، والشرط في الشرع في اصطلاح أهل الأصول : ما يلزم عدمه العدم ، ولا يلزم من وجوده الوجود .
وأهم شروط الصلاة الوقت ، كما قال الله تعالى : ( فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَاباً مَوْقُوتاً 103) (2) ولهذا تسقط كثير من الواجبات مراعاة للوقت ، وينبغي بل يجب على الإنسان أن يحافظ على أن تكون الصلاة في وقتها .(46/18)
وأوقات الصلاة ذكرها الله تعالى مجملة في كتابه ، وذكرها النبي صلى الله عليه وسلم مفصلة في سنته ، أما في الكتاب العزيز فقد قال الله تعالى : (أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (3) . فقوله تعالى : ( لِدُلُوكِ الشَّمْسِ ) أي زوالها . وقوله : ( إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ) أي انتصاف الليل ، لأن أقوى غسق في الليل نصفه ، وهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل يشتمل على أوقات أربع صلوات : الظهر ، والعصر ، والمغرب ، والعشاء وهذه الأوقات كلها متتالية ليس بينها فاصل ، فوقت الظهر : من زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء كطوله ، ووقت العصر : من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس الوقت الاختياري ، وإلى غروب الشمس الوقت الاضطراري ، ووقت المغرب : من غروب الشمس إلى مغيب الشفق ، وهو الحمرة التي تكون في الأفق بعد غروب الشمس ، ووقت العشاء : من هذا الوقت إلى منتصف الليل هذه هي الأوقات الأربعة المتصلة بعضها ببعض ، وأما من نصف الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة فريضة ، ووقت صلاة الفجر من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ولهذا فضله الله تعالى عما قبله فقال : (لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ). ثم قال( وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً 78) (1) . والسنة جاءت مبينة لهذا على ما وصفته أنفاً .(46/19)
هذه الأوقات التي فرضها الله تعالى على عباده ، فلا يجوز للإنسان أن يقدم الصلاة عن وقتها ، ولا يجوز أن يؤخرها عن وقتها فإن قدمها عن وقتها ولو بقدر تكبيرة الإحرام لم تصح ، لأنه يجب أن تكون الصلاة في نفس الوقت ، لأن الوقت ظرف فلابد أن يكون المظروف داخله ، ومن أخر الصلاة عن وقتها فإن كان لعذر من نوم ، أو نسيان أو نحوه فإنه يصليها إذا زال العذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )) (2) . ثم تلا .قوله تعالى : ( وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي 14 ) وإن لم يكن له عذر فإن صلاته لا تصح ولو صلى ألف مرة ، فإذا ترك الإنسان الصلاة فلم يصلها في وقتها فإنها لا تنفعه ، ولا تبرأ به ذمته إذا كان تركه إياها لغير عذر ولو صلاها آلاف المرات ودليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : (( من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) (2) . ومن ترك الصلاة حتى خرج وقتها لغير عذر فقد صلاها على غير أمر الله ورسوله فتكون مردودة عليه ، لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن وسع لهم فيما إّا كان لهم عذر يشق عليهم أن يصلوا الصلاة في وقتها ، رخص لهم في الجمع بين الظهر والعصر ، أن بين المغرب والعشاء ، فإذا شق على الإنسان أن يصلي كل صلاة في وقتها من الصلاتين المجموعتين فإنه يجوز أن يجمع بينهما إما جمع تقديم ، وإما جمع تأخير على حسب ما يتيسر له لقوله الله تعالى : ( يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) (3) وثبت في صحيح مسلم من حديث ابن عباس – رضى الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر ، وبين المغرب والعشاء من غير خوف ولا مطر ، وسئل ابن عباس لماذا صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا قال : (( أراد أن لا يحرج أمته )) (4) . ففي هذا دليل على أن الإنسان إذا لحقه مشقة بترك الجمع بين الظهر والعصر ، أو بين المغرب(46/20)
والعشاء فإنه يجوز له أن يجمع بينهما .
ومن شروط الصلاة أيضاً : ستر العورة لقوله تعالى : ( يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا ) (1) . وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله في الثوب (( إن كان ضيقاً فاتزر به وإن كان واسعاً فالتحف به )) (2) . وقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة – رضى الله عنه - : (( لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شئ)) (3).وهذا يدل على أنه يجب الإنسان أن يكون متستراً في حال الصلاة ، وقد نقل ابن عبد البر – رحمه الله – إجماع العلماء على ذلك ، وأن من صلى عرياناً مع قدرته على السترة فإن صلاته لا تصح.وفي هذا المجال قسم العلماء العورة إلى ثلاثة أقسام :
القسم الأول : مغلظة .
القسم الثاني : مخففة .
القسم الثالث : متوسطة .
فالمغلظة : عورة المرأة الحرة البالغة قالوا : إن جميع بدنها عورة في الصلاة إلا وجهها واختلفوا في الكفين والقدمين .
والمخففة : عورة الذكر من سبع سنين إلى عشر سنين ، فإن عورته الفرجان ، القبل والدبر ، فلا يجب عليه أن يستر فخذه لأنه صغير .(46/21)
والمتوسطة : ما عدا ذلك قالوا : فالواجب فيها ستر ما بين السرة والركبة فيدخل في ذلك الرجل البالغ عشراً فما فوق ، ويدخل في ذلك المرأة التي لم تبلغ ، ويدخل في ذلك الأمة والمملوكة ، ومع هذا فإننا نقول للمشروع في حق كل إنسان أن يأخذ زينته عند كل مسجد ، وأن يلبس اللباس الكامل ، لكن لو فرض أنه كان هناك خرق في ثوبه على ما يكون داخلاً ضمن العورة فإنه حينئذ يناقش فيه هل تصح صلاته أو لا تصح ؟ إذ أنه يفرق بين اليسير والكثير ، ويفرق بين ما كان على حذاء العورة المغلظة كالفرجين ، وما كان متطرفاً ، كالذي يكون في طرف الفخذ وما أشبه ذلك ، أن يكون في الظهر من فوق الآليتين ، أو في البطن من دون السرة وفوق السوأة ، المهم أن كل مكان له حظه من تغليظ العورة .
ثم إن المرأة إذا كان حولها رجال غير محارم فإنه يجب عليها أن تستر وجهها ولو في الصلاة ، لأن المرأة لا يجوز لها كشف وجهها عند غير محارمها .
ومن المناسب التنبيه على مسألة يفعلها بعض الناس في أيام الصيف : يلبس سراويل بصيرة ، ثم يلبس فوقها ثوباً شفافاً يصف البشرة ويصلي ، فهذا لا تصح صلاته ، لأن السراويل القصيرة التي لا تستر ما بين السرة والركبة إذا لبس فوقها ثوباً خفيفاً يصف البشرة فإنه لم يكن ساتراً لعورته التي يجب عليه أن يسترها في الصلاة ، ومعنا قولنا : (( يصف البشرة )) أي يبين من وراءه لون الجلد هل هو أحمر ، أو أسود ، أو بين ذلك .
ومن شروط الصلاة:الطهارة وهي نوعان : طهارة من الحدث ، وطهارة من النجس . والحدث نوعان:حدث أكبر وهو ما يوجب الغسل ، وحدث أصغر: وهو ما يوجب الوضوء .(46/22)
ومن المهم هنا أن نبين أن الطهارة من الحدث شرط ، وهو من باب الأوامر التي يطلب فعلها ، لا التي يطلب اجتنابها والقاعدة المعروفة عند أهل العلم (( أن ترك المأمور لا يعذر فيه بالنسيان والجهل )) . وبناء على ذلك لو أن أحداً من الناس صلى بغير وضوء ناسياً فإنه يجب عليه أن يعيد صلاته بعد أن يتوضاً ، لأنه أخل بشرط إيجابي مأمور بفعله ، وصلاته بغير وضوء ناسياً ليس فهيا إثم لقوله تعالى:(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (1) لكنها صلاة غير صحيحة فلا تبرأ بها الذمة ، فيكون مطالباً بها ، ولا فرق في هذا بين أن يكون الإنسان منفرداً ، أو مأموماً ، أو إماماً فكل من صلى بغير وضوء ، أو بغير غسل من حدث أكبر ناسياً فإنه يجب عليه إعادة الصلاة بعد الطهارة متى ذكر ، حتى وإن كان إماماً ، إلا أنه إذا كان إماماً وذكر في أثناء الصلاة فإنه ينصرف ويأمر من خلفه أن يتموا الصلاة ، فيقول لأحدهم : تقدم أتم الصلاة بهم ، فإن لم يفعل أي لم يعين من يتم الصلاة بهم ، قدموا واحداً منهم يتم بهم ، فإن لم يفعلوا أتم كل واحد لنفسه ، ولا يلزمهم أن يستأنفوا الصلاة من جديد ، ولا أن يعيدوا الصلاة لو لم يعلموا إلا بعد ذلك ، لأنهم معذورون ، حيث إنهم لا يعلمون حال إمامهم ، وكذلك لو صلى بغير وضوء جاهلاً فلو قدم إليه طعام فيه لحم إبل ، وأكل من لحم الإبل وهو لا يدري أنه لحم إبل ، ثم قام فصلى ثم علم بعد ذلك أنه لحم إبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد صلاته ، ولا إثم عليه حين صلى وقد انتفض وضوءه وهو لا يدري بانتقاضه لقوله تعالى : (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (2) .(46/23)
ولا يخفى أيضاً أننا إذا قلنا أنه صلى بغير وضوء ، أو بغير غسل من الجنابة أنه كان معذوراً لا يتمكن من استعمال الماء فإنه يتيمم بدلاً عنه ، فالتيمم عند تعذر استعمال الماء يقوم مقام الماء ، فإذا قدر أن هذا الرجل لم يجد الماء وتيمم وصلى فصلاته صحيحة ولو بقي أشهراً لي عنده ماء ، أن بقي أشهراً مريضاً لا يستطيع أن يستعمل الماء فإن صلاته بالتيمم صحيحة ، فالتيمم يقوم مقام الماء عند تعذر استعماله ، وإذا قلنا : إنه يقوم مقامه عند تعذر استعماله ، فإنه إذا تطهر بالتيمم بقي على طهارته حتى تنتقض الطهارة ، حتى لو خرج الوقت وهو على تيممه فإنه لا يلزمه إعادة التيمم للصلاة الثانية ، لأن التيمم مطهر كما قال الله تعالى في سورة المائدة لما ذكر التيمم قال : ( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ)(1).وقال النبي عليه الصلاة والسلام:(جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً )) (2) .
أما النوع الثاني من الطهارة : فهو الطهارة من النجاسة ومواضعها ثلاثة : البدن ، والثوب ، والبقعة . فلابد أن يتنزه الإنسان عن النجاسة في بدنه ، وثوبه ، وبقعته ، ودليل ذلك في البدن : أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبرين فقال :(( إنهما ليعذبان ، وما يعذبان في كبير ن إما أحدهما فكان لا يستتر من البول )) (3). وأما الثوب فقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم الحائض إذا أصاب الحيض ثوبها أن تغسله ثم تصلي فيه ، ففيه دليل على وجوب تطهير الثوب من النجاسة ، وقد ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه أتى بصبي لم يأكل الطعام فوضعه في حجره فبال عليه فدعا بماء فأتبعه إياه (4) ، وأما البقعة ففي حديث أنس – رضى الله عنه - قال : جاء أعرابي فبال في طائفة المسجد فزجره الناس فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم فلما قضى بوله أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب من ماء فأهريق عليه (1) .(46/24)
إذن لابد أن يتجنب الإنسان النجاسة في بدنه ، وثوبه ، وبقعته التي يصلى عليها ، فإن صلى وبدنه نجس أي قد أصابته نجاسة لم يغسلها أو ثوبه نجس ، أن بقعته نجسه فصلاته غير صحيحة عند جمهور العلماء لكن لو لم يعلم بهذه النجاسة ، أن علم بها ثم نسي أن يغسلها حتى تمت صلاته فإن صلاته صحيحة ولا يلزمه أن يعيد ، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذاب يوم فخلع نعليه ، فخلع الناس نعالهم ، فما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم قالوا : رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ، فقال : (( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما خبثاً )) (2) . ولو كانت الصلاة تبطل باستصحاب النجاسة حال الجهل لا ستأنف النبي صلى الله عليه وسلم الصلاة .
إذن اجتناب النجاسة في البدن ، والثوب ، والبقعة شرط لصحة الصلاة ، لكن إذا لم يتجنب الإنسان النجاسة جاهلاً ، أو ناسياً فإن صلاته صحيحه سواء علم بها قبل الصلاة ثم نسي أن يغلسها ، أو لم يعلم بها إلا بعد الصلاة .
فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين ما إذا صلى بغير وضوء ناسياً أن جاهلاً ، حيث أمرنا من صلى بغير وضوء ناسياً أو جاهلاً بالإعادة ، ولم نأمر الذي صلى بالنجاسة ناسياً أو جاهلاً بالإعادة ؟
قلنا : الفرق بينهما أن الوضوء أو الغسل من باب فعل المأمور ، واجتناب النجاسة من باب ترك المحظور ، وترك المأمور لا يعذر فيه بالجهل والنسيان بخلاف فعل المحظور .
ومن شروط الصلاة : استقبال القبلة لقوله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (1) فاستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ن ومن صلى إلى غير القبلة فصلاته باطلة غير صحيحة ، ولا مبرئة لذمته إلا في أحوال أربع :(46/25)
الحال الأولى : إذا كان عاجزاً عن استقبال القبلة ، مثل أن يكون مريضاً ووجهه إلى غير القبلة ، ولا يتمكن من الانصراف إلى القبلة فإن صلاته تصح على أي جهة كان لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ) (2) . وهذا الرجل لا يستطيع أن يتحول إلى القبلة لا بنفسه ولا بغيره .
الحال الثانية : إذا كان خائفاً من عدو وكان هارباً واتجاهه إلى غير القبلة ففي هذه الحال يسقط عنه استقبال القبلة لقوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) (3) . ومعلوم أن الخائف قد يكون اتجاهه إلى القبلة ، وقد يكون اتجاهه إلى غير القبلة فإذا رخص الله له في الصلاة راجلاً أو راكباً فمقتضى ذلك أن يرخص له في الاتجاه إلى غير القبلة إذا يخاف على نفسه إذا أتجه للقبلة .
الحال الثالثة : إذا كان في سفر أراد أن يصل النافلة فإنه يصلي حيث كانت جهة سفره ، فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي في السفر على راحلته حيث كان وجهه ، إلا أنه لا يصلي عليها المكتوبة ، ففي النافلة يصلي المسافر حيث كان وجهه بخلاف الفريضة ، فإن الفريضة يجب عليه أن يستقبل القبلة فيها في السفر كما يجب عليه ذلك في الحضر .
الحال الرابعة : إذا كان قد اشتبهت عليه القبلة فلا يدري أي الجهات تكون القبلة ، ففي هذه الحال يتحرى بقدر ما يستطيع ويتجه حيث غلب على ظنه أن تلك الجهة ه القبلة ولا إعادة عليه لو تبين له فيما بعد أنه مصل إلى غير القبلة .
وقد يقول قائل : إن هذه الحال لا وجه لاستثنائها لأننا نلزمه أن يصلي إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها القبلة ولا يضره إذا لم يوافق القبلة ، لأن هذا منتهى قدرته واستطاعته وقد قال الله تعالى : ( لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا ) (1). وقال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم ) (2) .(46/26)
وعلى كل حال فإننا سواء جعلناها مما يستثنى ، أن مما لا يستثنى فإن الإنسان فيها يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع وأن يتحرى الصواب ويعمل به .
ولكن هاهنا مسألة وهي : إنه يجب أن نعرف أن استقبال القبلة يكون إما إلى عين القبلة وهي الكعبة ، وإما إلى جهتها ، فإن كان الإنسان قريباً من الكعبة يمكنه مشاهدتها ففرضه أن يستقبل عن الكعبة لأنها هي الأصل ، وأما إذا كان بعيداً لا يمكنه مشاهدة الكعبة ، فإن الواجب عليه أن يستقبل الجهة وكلما بعد الإنسان عن مكة كانت الجهة في حقه أوسع ، لأن الدائرة كلما تباعدت اتسعت ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في أهل المدينة : (( ما بين المشرق والمغرب قبلة ))(1) . وذكر أهل العلم أن الانحراف اليسير في الجهة لا يضر ، والجهات معروف أنها أربع : الشمال ، والجنوب ، والشرق ، والغرب ، فإذا كان الإنسان عن الكعبة شرقاً أو غرباً كانت القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب ، وإذا كان عن الكعبة شمالاً أو جنوباً صارت القبلة في حقه ما بين الشرق والغرب ، لأن الواجب استقبال الجهة ، فلو فرض أن الإنسان كان شرقاً من مكة واستقبل الشمال فإن ذلك لا يصح ، لأنه جعل القبلة عن يمينه ، وكذلك لو كان من أهل الشمال واستقبل الغرب فإن صلاته لا تصح ، لنه جعل القبلة عن يساره ، ولو استقبل الشرق فإن ذلك لا يصح ، لأنه جعل القبلة عن يمينه .
وقد يسر الله لعباده في هذا الوقت وسائل تبين القبلة بدقه ومجربة فينبغي للإنسان أن يصطحب هذه الوسائل معه في السفر لأنها تدله على القبلة إذا كان في حال لا يتمكن فيها من معرفة القبلة ، وكذلك ينبغي لمن أراد إنشاء مسجد أن يتبع ما تقتضيه هذه الوسائل المجرية والتي عرف صوابها .(46/27)
ومن شروط الصلاة : النية ، والنية محلها القلب ، واشتراط النية إنما يذكر من أجل التعيين والتخصيص ، أما من حيث الإطلاق فإنه لا يمكن لأحد عاقل مختار أن يقوم فيتوضأ ثم يذهب ويصلي لا يمكن أن يفعل ذلك إلا وقد نوى الصلاة ، لكن الكلام على التعيين ، فالتعيين لابد منه في النية ، فينوي الظهر ظهراً ، والعصر عصراً ، والمغرب مغرباً ، والعشاء عشاءً ، والفجر فجراً ، ولا تكفي نية الصلاة المطلقة ، لأن نية الصلاة المطلقة أعم من نية الصلاة المعينة ، فمن نوى الأعم لم يكن ناوياً للأخص ، ومن نوى الأخص كان ناوياً الأعم لدخوله فيه ولهذا نقول : إذا انتقل الإنسان من مطلق إلى معين ، أو من معين إلى معين بقيت نية الإطلاق ، وإن كان من معين إلى معين بطل الأول ولم ينعقد الثاني ، وإن انتقل من معين إلى مطلق بطل المعين وصح المطلق ، لأن المعين متضمن للإطلاق فإذا ألغي التعيين بقي الإطلاق ، ونوضح ذلك بالأمثلة :
رجل يصلي ناوياً نفلاً مطلقاً ، ثم أراد أن يقلب النية في أثناء الصلاة إلى نفل معين ، أراد أن يجعل هذا النفل المطلق راتبة فهنا نقول : لا تصح الراتبة ، لأن الراتبة لابد أن تكون منية من قبل تكبيرة الإحرام وإلا لم تكن راتبة ، لأن الجزء الأول الذي خلا من نية الراتبة وقع بغير نية الراتبة .
لكن لو كان يصلي راتبة ثم نواها نفلاً مطلقاً وألغى نية التعيين صح ذلك ، وذلك لأن الصلاة المعينة تتضمن نية التعيين ، ونية الإطلاق فإذا ألغى نية التعيين بقيت نية الإطلاق .
مثال آخر : رجل دخل بنية العصر ثم ذكر أثناء الصلاة أنه لم يصل فيحول نيته من العصر إلى الظهر فهنا لا تصح لا صلاة الظهر ، ولا صلاة العصر ، أما صلاة العصر فلا تصح لأنه قطعها ، وأما صلاة الظهر فلا تصح لأنه لم ينوها من أولها ، لكن إذا كان جاهلاً صارت هذه الصلاة في حقه نفلاً ، لأنه لما ألغى التعيين بقي الإطلاق .(46/28)
مثال ثالث : صلى بنية الراتبة ثم بدا له في أثنائها أن يجعلها نفلاً مطلقاً صح ، لأن نية الراتبة تتضمن الإطلاق والتعيين ، فإذا ألغى التعيين بقي الإطلاق .
والخلاصة : أنني أقول إن ا لنية المطلقة في العبادات لا أظن أحداً لا ينويها أبداً ، وإذ ما من شخص يقوم فيفعل إلا وقد نوى ، لكن الذي لا بد منه هو نية التعيين والتخصيص .
ومن المسائل التي تدخل في النية : نية الإمامة بعد أن كان منفرداً أو الائتمام بعد أن كان منفرداً وهذا فيه خلاف بين العلماء ، والصحيح أنه لا بأس به ، فنية الإمام بعد أن كان منفرداً مثل أن يشرع الإنسان في الصلاة وهو منفرد ثم يأتي رجل آخر يدخل معه ليصيرا جماعة فلا بأس بذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام يصلي من الليل وكان ابن عباس – رضى الله عنهما – نائماً ثم قام ابن عباس فتوضأ ودخل مع النبي صلى الله عليه وسلم (1) وأقره النبي صلى الله عليه وسلم . والأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض إلا بدليل ، لو شرع الإنسان يصلي وحده ثم جاء آخر فدخل معه ليجعله إماماً له فلا بأس ، فيكون الأول إماماً والثاني مأموماً ، وكذلك بالعكس لو أن أحداً شرع في الصلاة منفرداً ثم جاء جماعة فصلوا جماعة فانضم إليهم فقد انتقل من انفراد إلى ائتمام وهذا أيضاً لا بأس به ، لأن الانتقال هنا ليس إبطالاً للنية الأولى ولكنه انتقال من وصف إلى وصف فلا حرج فيه .
فهذه الشروط التي ذكرناها أهم الشروط التي ينبغي الكلام عليها وإلا فهناك شروط أخرى كالإسلام والتمييز والعقل لكن هذه شروط في كل عبادة .
* * *
فصل (1)
الحمد لله رب العالمين ، وأصلي واسلم على نبينا محمد خاتم النبيين ، وإمام المتقين ، وعلى آله وأصحابه أجمعين أما بعد :(46/29)
الصلاة : تلك العبادة العظيمة ، التي استهان بها كثير من الناس اليوم حتى حق عليهم قول الله تعالى:(فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً 59) (2) .
وإنه ليحدث للإنسان العجب الذي لا ينقضي أن تجد بعض الناس يحرصون غاية الحرص على الصيام ، ولكنهم لا يحرصون على الصلاة ، حتى إنه قيل لي إن بعض الناس يصوم ولا يصلي .
وإنني أشهد الله أن هذا الذي يصوم ولا يصلي أن صومه باطل غير مقبول منه بما أعلمه من دلالة الكتاب ، والسنة ، وأقوال الصحابة ، والنظر الصحيح من أن تارك الصلاة كافراً مخرجاً من الملة ، وإذا كان كافراً كفراً مخرجاً من الملة ، لم ينفعه صومه ، ولا صدقته ، ولا حجه ، ولا أي عمل صالح ، يقول الله تبارك وتعالى (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً 23) (3) . ويقول تعالى ( وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ ) (4) . النفقات التي نفعها متعد ، لا تقبل إذا صدرت من كافر مع أن نفعها متعد ،فكيف بالعبادات القاصرة كالصوم ؟ فإنه لا يقبل من باب أولى .هذه الصلاة التي هي أعمال يسيرة ، وذات آثار حميدة لو أننا أحصينا المدة التي يكون فيها أداء الصلاة بشرائطها وفروضها فكم تكون نسبة وقتها إلى أوقاتنا ؟
تكون على أقصى تقدير 6.25% من اليوم ، فهذا جزء بسيط في عمل عظيم جليل له آثار حميدة على الإنسان في حياته ، وفي قبره ، وفي حشرة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( الصلاة نور )) (1) . أي نور على القلب ، وإذا استنار القبل استنار الوجه وانشرح الصدر ، ولهذا قال الله تعالى : ( وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) (2) .(46/30)
وإذا حزب الإنسان أمر وضاق عليه فإنه يفزع إلى الصلاة ،وذلك لأن القلب يستنير بالصلاة ، فيستنير الوجه وينشرح الصدر ، ويجد الإنسان الدنيا أمامه سعة ولا نهاية لها .
والصلاة نور في القبر ، والقبر ظلمة لا يرى الإنسان شمساً ولا قمراً ن فإذن كان الإنسان من المصلين كان قبره نوراً ، وكذلك هي نور في الحشر ، قال تعالى : ( يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ) (3)
وكانت الصلاة نوراً ، لأن الإنسان يتصل بها بالله – عز وجل – فالإنسان عندما يقف ليصلي ، فإنه يناجي ربه عز وجل ، وهو على عرشه يسمعه ويجيبه ، كما قال عز وجل في الحديث القدسي " (( قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ، فإذا قال : الحمد لله رب العالمين ، قال الله حمدني عبدي . فإذا قال : الرحمن الرحيم ، قال الله عز وجل ، أثني علي عبدي . فإذا قال مالك يوم الدين ، قال الله : مجدني عبدي . فإذا قال : إياك نعبد وإياك نستعين قال الله : هذا بيني وبين عبدي نصفين . فإذا قال : اهدنا الصراط المستقيم . قال الله : هذا لعبدي ولعبدي ما سأل (1) .
والله إن أثر هذه المناجاة عظيم لا يعدله شيء ، ولكن نشكو إلى الله – عز وجل – ما نجده في قلوبنا من الغفلة واللهو ، ولا سيما إذا وقفنا بين يديه في الصلاة لا نجد الوساوس والهواجس التي تعتبر لغواً من التفكيرات ، إلا إذا دخلنا الصلاة ، لأن الشيطان في تلك الحال يحرص غاية الحرص على أن يصدنا عن الله – عز وجل - ، وعن الصلة به ، من أجل هذه الصلة كانت الصلاة نوراً يكتسب بها الإنسان نوراً في قلبه ، ويبدو ذلكم على وجهه ، ثم في قبره وحشرة .
إقام الصلاة
وهو أن يأتي بها الإنسان مستقيمة على الوجه الذي جاءت به الشريعة ويدخل في ذلك أمور :
أولاً : الصلاة على وقتها :(46/31)
وأوقات الصلاة خمسة : أشار إليها الله في القرآن إجمالاً ، وجاءت بها السنة تفصيلاً فقال تعالى : ( أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ ) (2) ، لدلوك الشمس أي لزوالها ، (( إلى غسق الليل )) أي إلى نصف الليل ، لأن تمام الغسق – وهو الظلمة – يكون في وسط الليل ، فهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل لا تخلو لحظة من وقت الصلاة .
وتفصيل ذلك جاءت به السنة ، فوقت الظهر : من الزوال إلى أن يصير ظل كل شيء مثله ، ووقت العصر : من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس اختيارياً ، وإلى الغروب اضطراراً ، ووقت المغرب : من غروب الشمس إلى مغيب الشفق ، وهو الحمرة التي تعقب غروب الشمس ، ووقت العشاء : من مغيب الشفق إلى نصف الليل .
وهذه الأوقات الأربعة المتصل بعضها ببعض قد دل عليها حديث عبد الله بن عمرو بن العاص الثابت في حديث مسلم ، أما الوقت الخامس فقال الله تعالى : (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ ) لكن الله – عز وجل – عبر عن الفجر بقرآنه ، لأن القراءة تطول في صلاة الفجر .(46/32)
وبهذا نعرف أن ما بين الليل إلى طلوع الفجر ليس وقتاً لصلاة مفروضة ، فلو أن امرأة طهرت من الحيض بعد منتصف الليل فلا تلزمها صلاة العشاء ، لأنها طهرت بعد الوقت ، كما أنها لو طهرت بعد طلوع الشمس لم تلزمها صلاة الفجر ، لأنها طهرت بعد الوقت . هذه الأوقات الخمسة ، لو صلى الإنسان الصلاة قبل وقتها بقدر تكبيرة الإحرام ، فلا تصح صلاته ، لأنه ابتدأها قبل دخول الوقت ، ولو أن أحداً أخر الصلاة عن وقتها بلا عذر شرعي ، فلا تصح صلاته ، كما لو تعمد رجل أن لا يصلي الفجر إلا بعد طلوع الشمس وصلى الفجر ، فإن الصلاة لا تقبل منه ولا يشرع له قضاؤها ، لأنه لا فائدة له من القضاء ، وعليه التوبة إلى الله ، عز وجل – فإن ا لتوبة تجب ما قبلها وهذا الكلام مبني على قاعدة مؤسسة على دليل وهي : (( كل عبادة مؤقتة إذا فعلها الإنسان في غير وقتها سواء قبله أو بعده فإنها لا تصح ولا تقبل منه )) ، لأن الله أمر بجعلها في هذا الوقت – ما بين الوقتين أول الوقت وآخره ، فإذا أخرتها عن الوقت أو قدمتها على الوقت ، فإنك حينئذ لم تكن قد فعلت ما أمرت به ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:(من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد )) (1). وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – أن الإنسان إذا تعمد تأخير الصلاة عن وقتها لم تقبل منه ، وإن صلاها ألف مرة .
بخلاف من أخرها عن وقتها لعذر ، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك )) (2) . ولهذا لما نام النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الصبح في أحد أسفاره ، فلم يستيقظ إلا بعد ارتفاع الشمس ، أمر بلال فأذن ثم صليت النافلة ، ثم صليت الفريضة ، فصلى بهم النبي صلى الله عليه وسلم جماعة (3) ، لأنه إنما يقضي شيئاً فائتاً فيقضيه على صفته .
ثانياً الطهارة لها :(46/33)
ومن إقامة الصلاة أن يقوم الإنسان بما يجب لها من الطهارة ، ويدل لذلك الكتاب ، والسنة ، والإجماع .
فمن الكتاب قال الله تعالى : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 6) (1) .
ومن السنة قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا يقبل الله صلاة بغير طهور )) (2) ، وقال صلى الله عليه وسلم : (( لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ )) (3) .
وقد بين الله تعالى في الآية الكرمية أن الطهارة نوعان : أصل ، وبدل ، فالأصل طهارة الماء ، والبدل طهارة التيمم ، وبين الله – عز وجل – أن طهارة الماء تنقسم إلى قسمين : كبرى ، وصغرى ، أما طهارة التيمم فهي على صفة واحدة في الكبرى والصغرى .
الطهارة الصغرى بالماء تطهير أربعة أعضاء فقط هي :
أولاً : الوجه وحده طولاً من منحنى الجبهة،إلى أسفل اللحية ، وعرضاً من الأذن إلى الأذن .(46/34)
ثانياً : اليد وقد حددها الله – عز وجل – فقال : ( وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ ) (1) و(إلى ) هنا بمعنى ( مع ) مثل قوله تعالى ( وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ) (2) أي مع أموالكم ،ولا شك أن المرفق داخل في الغسل كما بينت ذلك السنة فإن أبا هريرة – رضى الله عنه – توضأً فغسل يديه حتى أشرع في العضد ، وغسل رجليه حتى أشرع في الساق ، قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يفعل هكذا (3) .
وهنا أقف لأنبه على مسألة يفعلها بعض الناس ، إذا جاء يغسل يده لا يغسل إلا الذراع ، خصوصاً إذا جعلها تحت البزبوز – أي صنبور الماء – تجده يغسل الذراع ويدع الكف وهذا خطأ عظيم ، لأنه إذا غسل الذراع فقط دون الكف ، فإنه لا يصدق عليه أنه غسل يده ، لأنه سبحانه وتعالى قال (وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ ) .
ثالثاً : ( وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ) ، ومسح الرأس يعم جميع الرأس ، ولا يمسح بعضه إلا إذا كان عليه عمامة ، فإنه يمسح العمامة وما خرج من الرأس ، وحينئذ يكون مسح على بعض الرأس مع مسح العمامة .
رابعاً : ( وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ ) والكعبان هما العظمان النائتان أسف الساق ، ويدخل الكعبان في الغسل مع الأرجل ، وفي الآية الكريمة (وَأَرْجُلَكُمْ ) قراءتان الأولى بالكسر (وَأَرْجُلَكُمْ ) والثانية بالنصب (وَأَرْجُلَكُمْ ) وعلى هذه القراءة تكون الأرجل معطوفة على ( وُجُوهَكُمْ) ولا إشكال .
أما على القراءة الأولى وهي الكسر (وَأَرْجُلَكُمْ ) فإنها تكون معطوفة على الرأس (وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ ) .
كيف يتطهر الجنب ؟
قال الله تعالى : (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا ) ولم يبين شيئاً أكثر من قوله (فَاطَّهَّرُوا ) .
إذن فالجنب يغسل جميع جسمه ، ولو كان غير مرتب .(46/35)
فإن قال قائل : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان في اغتساله يبدأ فيتوضأ ، ثم يحثو على رأيه الماء ثلاثاً ، ثم يغسل بقية بدنه ، أفلا يمكن أن يقال : إن الآية مجملة والسنة قد فصلت ذلك ، فيحمل المجمل على الفصل .
فيجاب على ذلك : بأنه قد ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن الحصين في قصة نقص الماء عليهم ، حتى وجدوا الماء مع امرأة مشركة ، وجئ به إلى النبي صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة ، فاستقوا وسقوا الإبل ، وكان في الصحابة رجل ، رآه انبي صلى الله عليه وسلم معتزلاً لم يصل مع القوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (( ما منعك أن تصلي معنا ؟ فقال يا رسول الله : أصابتني جنابة ولا ماء ، فقال : عليك بالصعيد ، فإنه يكفيك )) ولما جاء الماء وبقي منه بقية قال صلى الله عليه وسلم للرجل : (( خذ هذا فإفرغه على نفسك ))(1) .
ولم يقل له أفعل كذا وكذا في اغتسالك ، فدل هذا على أن الجنب لا يلزمه الترتيب في الغسل .كيف يتيمم مع عدم الماء ؟
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) (1) .
فإذا لم يجد الإنسان الماء فإنه يتيمم .(46/36)
وكيفيته : أن يضرب التراب بيديه ، أو الأرض ، وإن لم يكن تراباً ويمسح وجهه كاملاً ويديه الكفين فقط ، لأن اليد إذا أطلقت يراد بها الكف فقط ، قال تعالى ( وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا ) (2).
ومعلوم أن السارق إنما يقطع من مفصل الكف .
ولا يختلف كيفية التيمم سواء بالنسبة للحدث الأصغر أو الأكبر ، ولهذا قال عز وجل : (فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً ) . بعد ذكر الطهارتين الصغرى والكبرى .
وفي قوله تعالى : (مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ ) دليل على أن التيمم مطهر وليس مبيحاً كما ذهب إليه بعض العلماء ، والفرق بين القولين أن الذين قالوا إنه مبيح يقولون : إنه مقيد بالزمن والنوع ، أي إذا تيمم الإنسان للصلاة وخرج الوقت بطل التيمم ، وإذا تيمم الإنسان للنافلة ، فلا يصلي الفريضة ، لأن نوع الفرائض أعلى من نوع النوافل ، ولكن الصحيح أن التيمم مطهر،وعلى هذا إذا تيممت للنافلة فصل به الفريضة ، وإذا تيممت للصلاة وخرج وقتها ولم يحدث ، فإن التيمم لا يبطل ، لهذا يمكن للإنسان أن يصلي بالتيمم الواحد جميع الصلوات الخمس إذا لم يحدث .
لكن هذا التطهير مخصوص بما إذا لم يجد الماء فإذا وجد الماء فإنه لابد أن يستعمله ، فإن كان تيممه عن جنابة ، ثم وجد الماء وجب عليه أن يغتسل ، والدليل على ذلك حديث عمران بن الحصين الذي ذكرناه آنفاً فإن هذا الرجل قد تيمم عن الجنابة ، ومع ذلك أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يغتسل لما وجد الماء ، وكذلك أيضاً حديث أبي هريرة : (( الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين،فإذا وجب فليتق الله ولمسه بشرته )) (1) .(46/37)
فعلى هذا نقول : إذا وجد الماء ،أو برئ من المرض ، وجب عليه إعادة الطهارة ، لو أن مريضاً صار عليه الجنابة ، وقال له الأطباء بأن الغسل يضرك ، فإنه يتيمم ، فإذا شفاه الله – عز وجل – من المرض ، وجب عليه أن يغتسل ، لأن هذه الطهارة مؤقتة .
فإذا قدر أن رجلاً لم يجد ماء ولا تراباً ن مثل أن يكون محبوساً ، أو مأسوراً على سرير وما أشبه ذلك ، فإننا نقول له صلى الله عليه وسلم على حسب حالك ، لأن الوقت من أهم شروط الصلاة .
وهنا مسألة يجب التنبيه لها ، ولاسيما بالنسبة للمرضى حيث إن كثيراً من المرضى لا يستطيعون الوضوء ، وليس عندهم تراب ، ولا يستطيعون التيمم ، وربما على ثيابهم نجاسة ، فنجد الواحد منهم يقول : أصبر حتى يعافيني الله – عز وجل – وأتوضأ وأغسل ثيابي وما أشبه ذلك .
نقول لهذا : إن تأخير الصلاة حرام عليك ، وما يدريك فلعلك تموت من هذا المرض قبل أن تصلي ؟ فالواجب أن تصلي على حسب حالك ، ولو كان عليك نجاسة لا تستطيع إزالتها ، ولو لم يكن عندك ماء تتوضأ به ، ولا يمكن أن تتيمم .
المحافظة على ستر العورة في الصلاة :
الواجب على الإنسان عند الصلاة أن يلبس ثيابه لقوله تعالى (: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ ) (1) .
وذكر ابن عبد البر – رحمه الله – أن العلماء أجمعوا على فساد من صلى عرياناً وهو قادر على ستر عورته ، وعورة الرجل ما بين السرة والركبة ، وكذلك الأنثى غير البالغة ، أما المرأة الحرة البالغة فكلها عورة في الصلاة إلا وجهها ، وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد عند أصحابه – إلا إذا كان حولها رجال أجانب ، فلا يحل لها كشف الوجه ووجب عليها أن تغطيه .(46/38)
وعورة الصبي من سبع سنين إلى عشر سنين الفرجان فقط ، وتصح إمامته الصبيان مثله ، وكذلك تصح إمامته لرجال بالغين ، ففي صحيح البخاري أن عمر بن سلمة الجرمي أم قومه وهو ابن ست،أو ابن سبع سنين (1) ، لأنه كان أقرأهم . وتسمى هذه العورة بالعورة المخففة .
ويجب أن تستر العورة بثوب طاهر مباح ، لا يصف البشرة ، فإذا كان الثوب نجساً ، فلا يجوز أن تستر به العورة ، ولو صلى به الإنسان فصلاته باطلة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه ذات يوم وكان عليه الصلاة والسلام يلبس نعليه في الصلاة ، فجاءه جبريل فأخبره أن في نعليه أذى ، فخلعهما ، وخلع الصحابة نعالهم ، فلما انصرف من صلاته قال : (( ما شأنكم )) ؟ قالوا : رأيناك خلعت نعالك فخلعنا نعالنا ، فقال : (( إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيها أذى فخلعتها )) (2) .
وهذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان إن يلبس شيئاً نجساً ، ولكن لو أن أحداً صلى بثوب نجس وهو لا يدري أنه نجس ، فصلاته صحيحه ، مثل أن لا يعلم بالنجاسة إلا بعد أن صلى فصلاته صحيحة ، ودليل ذلك قوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا ) (3) .
وكذلك الحديث السابق ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستأنف الصلاة .
ولو علم الإنسان بالنجاسة وهو يصلي ، فإن كان يمكن أن يخلعه مع بقاء العورة مستور فليفعل ، أما إذا كان لا يمكن أن يخلعه إلا بانكشاف العورة ، فيجب عليه أن ينصرف من صلاته ، وأن يلبس ثوباً آخر .
ومن شروط الساتر أن يكون الثوب مباحاً ، فيحرم على الرجل أن يلبس ثوب حرير ، فإن الحرير محرم على الرجال ، فإذا صلى الإنسان بثوب حرير فإن صلاته لا تصح ، لأنه غير مأذون في لبسه ، وكذلك لا تصح الصلاة في ثوب مغصوب أو مسروق ، أو ثوب فيه تصاوير .(46/39)
ومن الشروط أيضاً أن لا يصف البشرة، أي لا يكون خفيفاً بحيث يرى من ورائه لون الجلد ، وهنا أنبه على مسألة خطيرة يفعلها بعض الناس في أيام الصيف ، يلبس ثوباً خفيفاً وسروالاً قصيراً إلى نصف الفخذ يرى من ورائه لون الجلد ،فإذا صلى الإنسان على هذا الوجه فصلاته باطلة ، لأنه لم يتم الستر ، ولا يتم الستر إلا بثوب صفيق .
ثالثاً استقبال القبلة :
ومن إقامة الصلاة استقبال القبلة لقول الله تعالى : ( وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) (1) .
قال أهل العلم : فمن أمكنه مشاهدة الكعبة ، وجب عليه أن يتجه إلى نفس الكعبة ، ومن لا يمكنه وجب عليه أن يتجه إلى جهتها ، فالبعيد عن الكعبة ولو كان في مكة فرضه أن يتجه إلى جهة الكعبة ، لأنه لا يمكنه مشاهدتها .
وهنا أنبه على ما نشاهده في المسجد الحرام : نشاهد كثيراً من المصلين في المصابيح – أي في الجانب المسقوف بل ويصلون أحياناً في الصحن – أي الجانب المكشوف – فتجدهم يتجهون إلى غير عين الكعبة ، وهذا يقتضي أن تكون صلاتهم باطلة ، لأنه لابد أن يتجهوا إلى عين الكعبة – أي إلى البناية نفسها . .
وهنا سؤال هل يصح الاتجاه إلى الحجر .
قال العلماء : الحجر ليس كله من الكعبة بل الذي من الكعبة مقدار ستة أذرع ونصف تقريباً ، الزائد ليس من الكعبة ، فإذا اتجهت إلى طرف الحجر مما يلي البناية القائمة ، فإن اتجاهك صحيح وسليم .(46/40)
هذا الحجر يسميه كثير من العوام حجر إسماعيل ، ولكن هذه التسمية خطأ ليس لها أصل ، فإن إسماعيل لم يعلم عن هذا الحجر ، لأن سبب هذا الحجر أن قريشاً لما بنت الكعبة ، وكانت في الأول على قواعد إبراهيم ممتدة نحو الشمال ، فلما جمعت نفقة الكعبة وأرادت البناء ، قصرت النفقة فصارت لا تكفي لبناء الكعبة على قواعد إبراهيم ، فقالوا نبني ما تحتمله النفقة ، والباقي نجعله خارجاً ونحجر عليه حتى لا يطوف أحد من دونه ، ومن هنا سمى حجراً ، لأن قريشاً حجرته حين قصرت بها النفقة ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة – رضى الله عنها - : لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لبنيت الكعبة على قواعد إبراهيم ، ولجعلت لها بابين ، باب يدخل منه الناس ، وباباً يخرجون منه )) (1) .
ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم توفي وهي على ما كانت عليه ، لها باب مرتفع من جانب واحد ، ولها هذا الحجر .
والحمد لله الذي كان الأمر على ما كان عليه، لأنه لو بنيت الكعبة على ما أراده النبي صلى الله عليه وسلم – لولا المانع – لكان في هذا مشقة عظيمة على الناس ، لاسيما في مثل زماننا هذه ، أزمان الجهل والغشم وعدم المبالاة بعاد الله ، ولو كانت الكعبة كما أراد النبي صلى الله عليه وسلم لها بابان يدخل منه الناس وباب يخرجون منه لتقاتل الناس عند الخروج والدخول .
ولكن ما أراده النبي عليه الصلاة والسلام من كون الكعبة يكون لها بابان أحدهما للدخول والآخر للخروج ، فإنه قد تحقق في الواقع ، فالحجر الآن له بابان ، أحدهما للدخول والآخر للخروج ، مع أنه مكشوف واسع ، وهذا من نعمة الله .
واستقبال القبلة شرط لصحة الصلاة ولكن بشروط :
الأول : أن يكون الإنسان قادراً عليها ، فإن كان عاجزاً لم يجب عليه استقبال القبلة ، مثل أن يكون مريضاً وليس عنده من يوجهه إلى القبلة ، فنقول له : اتجه حيثما كان وجهك ؟(46/41)
الثاني : إذا كان الإنسان خائفاً لو استقبل القبلة ، مثل أن يكون هارباً من عدون ، أو هارباً من سيل ، أو هارباً من نار ، فحان وقت الصلاة وهو هارب على وجهه ، ففي هذه الحال نقول : صلى على حسب حالك ، وأتجه حيثما كان وجهك ، والسبب في ذلك أنه يعتبر عاجزاً عن القبلة في هذه الحال .
الثالث : أن يكون في تطوع في سفر ، فإن كان متطوعاً في سفر ، فإنه يصلي حيث كان وجهه ، ولا يجب عليه استقبال القبلة .
وبناء على ذلك فإن كنت في السيارة وأردت أن تطوع ، فلك أن تصلي حيث كان وجهك ، ولا حرج عليك سواء كنت راكباً أو سائقاً ، إلا أن السائق يخشى إذا اشتغل بالصلاة أن يغفل عن واجب الانتباه في القيادة ، ويكون معرضاً نفسه ومن معه للخطر .
وإذا كان الإنسان في الطائرة ، وحان وقت الفريضة ، فإن أمكن أن يأتي بالفريضة مستقبلاً القبلة ، يقوم في القيام ، ويركع في الركوع ، ويسجد في السجود ، فليصل في الطائرة ولا حرج ، أما إذا كان لا يمكنه الاستقبال ، ولا يمكن القيام ، والركوع ، ولا السجود ، فإنه يصلي الفريضة ، إلا إذا خاف الوقت ، فإذا لم يخف فوات الوقت ، فلينظر حتى يهبط ويصلي الفريضة على الأرض .
وأما النافلة ، فله أن يصليها على الطائرة ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي على راحلته حيثما توجهت به .
وإذا كان الإنسان في بلد وهو لا يعرف القبلة فليسأل ، ولا يجتهد كما قال بعض العلماء ، لأن الاجتهاد إنما يصار إليه عند الحاجة إليه .
وإن صلى الإنسان باجتهاده ثم تبين الخطأ فإن المعروف عند أهل العلم أنه يعيد ، قالوا : لأن الحضر ليس محلاً للاجتهاد ، بخلاف ما إذا كان في السفر واجتهد متحرياً القبلة وتبين الخطأ فإنه لا يعيد لقول الله تعالى : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) (1) .
رابعاً : الطمأنينة :(46/42)
ومن إقامة الصلاة أن يأتي بها الإنسان مطمئناً في القيام ، والقعود والركوع والسجود .
ومعنى الطمأنينة : التأني بحيث يستقر كل فقار في مفصله ، فإن أسرع في الصلاة على وجه لا طمأنينة فيها ، فإن صلاته باطلة ، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي صلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم وكان الرجل لا يطمئن في صلاته قال له : ((أرجع فصل فإنك لم تصل )) . فرجع الرجل وصلى ثم رجع إلى النبي عليه الصلاة والسلام ، فسلم عليه فقال له : (( أرجع فصل فإنك لم تصل )) فرجع فصلى ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال له : (( أرجع فصل فإنك لم تصل )) . فرجع الرجل فصلى ، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (( إذا قمت للصلاة فأسبغ الوضوء ، ثم استقبل القبلة فكبر ، ثم أقرأ ما تيسر معك من القرآن ، ثم أركع حتى تطمئن راكعاً ، ثم ارفع حتى تطمئن قائماً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم ارفع حتى تطمئن جالساً ، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً ، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها )) (1) .
والشاهد من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول له في كل ركن : (( حتى تطمئن )) إذن لابد من الطمأنينة .
ونحن نشاهد كثيراً من الناس لا يطمئنون ، ولاسيما في القيام بعد الركوع ، أو في الجلوس بين السجدتين ، هؤلاء لو صلوا ألف مرة على وجه لا طمأنينة فيه ، فإنه لا صلاة لهم ، ولذلك من حقهم علينا إذا رأيناهم أن نبين لهم ، لأنهم قد يكونون على جهل ، فنبين لهم الحق .
ثم إن الواجب في حال الصلاة أن يتدبر الإنسان أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينف الصلاة في قوله : (( لم تصل )) إلا لأنتقاء واجب فيها ، لأن الشئ لا يمكن أن ينفى إلا بانتفاء واجب فيه ، فلا ينفى لانتفاء مستحب )) اللهم إلا بدليل يدل على ذلك .(46/43)
وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث : (( أقرأ ما تيسر معك من القرآن )) ليس معناه أن يقرأ الإنسان آية أو آيتين ، ثم يركع ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( أقرأ ما تيسر معك من القرآن )) وبين في أحاديث أخرى أنه لابد من قراءة الفاتحة حيث قال : (( لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن )) (1) . وفي حديث آخر : (( كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج )) (2) . والخداج : الشيء الفاسد الذي لا نفع فيه .
ولا تسقط الفاتحة إلا في صورة واحدة فقط ، وهي ما إذا جاء الإنسان إلى المسجد ووجد الإمام راكعاً ، فإنه في هذه الحال يكبر تكبيرة الإحرام ، ثم يركع وتسقط عنه الفاتحة في هذه الصورة .ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي بكرة – رضى الله عنه - أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع ، فأسرع ثم ركع قبل أن يدخل في الصف ، ثم دخل في الصف ، فلما أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم سأل من الذي فعل ذلك ؟ فقال أبو بكرة:أنا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (زادك الله حرصاً ولا تعد )) (3) . والشاهد قوله : ( لا تعد ) ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي الركعة التي أسرع إليها ليدرك ركوعها ، ولو كان لم يدركها لبين له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة .
ولهذا لما صلى الرجل الذي لا يطمئن قال له : (( أرجع فصل فإنك لم تصل )) (1) . وهذا القول هو مقتضى الحديث من حيث الدلالة كما أنه مقتضى النظر من حيث القياس ، لأن قراءة الفاتحة إنما تجب في حال القيام،والقيام في هذه الصورة قد سقط من أجل متابعة الإمام ، فإذا سقط القيام سقط ماوجب فيه ، وهو قراءة الفاتحة ، وهذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة .
أما إذا كان الإنسان مأموماً فهل يكتفي بقراءة الإمام ؟(46/44)
الجواب : إن فيه خلافاً بين العلماء فمنهم من قال : إن قراءة الإمام تكفي عن قراءة المأموم مطلقاً ، في السرية والجهرية ، ومنهم من قال : إنها لا تكفي عن قراءة المأموم ،لا في السرية ولا في الجهرية ، ومنهم من قال : إنها تكفي عن قراءة المأموم ، في الجهرية والسرية .
والذي يظهر لي من الأدلة أن قراءة الإمام لا تسقط القراءة عن المأموم لا في السرية ولا في الجهرية ، وأن الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية ، لعموم الأدلة الدالة على ذلك التي ذكرناها آنفاً ، مثل حديث (( كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج )) (2) وهذا مطلق .
فإن قال قائل : لماذا لا نختار القول الوسط في هذه المسألة ونقول إن الإمام يتحملها في الصلاة الجهرية لقول الله تعالى : ( وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ 204 ) (3) . فإذا قرأ الإمام فأنا مأمور بالإنصات وقراءتي على خلاف هذا الأمر ؟
فالجواب : أن هذا القول يجب المصير إليه ، لولا أن أهل السنن رووا من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الفجر ، فلما انصرف قال : (( لعلكم تقرءون خلف إمامكم ؟ قالوا : نعم . قال : (( لا تفعلوا إلا بأم القرآن ، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها )) (1) .
وهذا الحديث نص في أن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم في الصلاة الجهرية ، ومادام الحديث قد دل على ذلك فإن الآية المشار إلها تحمل على غير قراءة الفاتحة ، وإن الإمام إذا كان يقرأ فإنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ سوى الفاتحة ، كالآيات أو السور التي يقرؤها الإمام أو غيرها .
خامساً : صلاة الجماعة :(46/45)
ومن إقامة الصلاة إن يصليها الإنسان في جماعة ، فإن الجماعة واجبة على الرجال في الحضر وفي السفر ، لأن الأدلة الدالى على وجوبها لم تقيد ذلك في الحضر ، بل إن الله أمر بإقامة الجماعة في حال القتال فقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : ( وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ ) (2) .
ومعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قتاله خارج المدينة في سفر ، ولم يسقط الله سبحانه وتعالى الجماعة عنهم في حال القتال ، فدل هذا على وجوب الجماعة على المسافر كما تجب على المقيم .
وما نشاهده كثيراً من وجود أناس مسافرين عند المساجد في الأسواق فإذا قلت له : هيا للصلاة قال لك إنه مسافر . يظن أن الجماعة تسقط عن المسافر ، هذا خطأ ، بل الواجب أن يصلي المسافر وغير المسافر مع جماعة المسلمين .
حال المأموم مع الإمام
حال المأموم مع إمامه تنقسم إلى أربعة أقسام :
الأول : مسابقة .
الثاني : تخلف .
الثالث . موافقة .
الرابع . متابعة .
القسم الأول : المسابقة :
وهي أن يصل المأموم إلى الركن قبل أن يصل إليه الإمام مثل أن يركع قبل ركوع الإمام ، أو يسجد قبل سجود الإمام ، أو يرفع من الركوع قبل رفع الإمام ، أو يرفع من السجود قبل رفع الإمام .
وهذا الذي يسبق الإمام قد عرض نفسه للعقوبة التي حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم وهي : (( أن يحول الله رأسه رأس حمار ، أو يحول صورته صورة حمار )) (1) . وظاهر الحديث أنه حسا يعني أن يكون رأسه رأس حمار ، أو صورته صورة حمار .
وذهب بعض العلماء إلى أن المراد بذلك التحويل المعنوي بأن يجعل رأسه رأس حمار أي رأساً بليداً ، لأن الحمار من أبلد الحيوانات ، ولهذا وصف الله اليهود الذين حملوا التوارة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفاراً .(46/46)
ووصف النبي صلى الله عليه وسلم الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب بأنه مثل الحمار يحمل أسفاراً .
وعلى كل حال فالحديث دال على أن مسابقة الإمام محرمة بل يوشك أن تكون من كبائر الذنوب .
ولكن هل تبطل الصلاة بذلك أو لا ؟
الصحيح أنه إذا تعمد السبق فإن صلاته تبطل سواء سبقه بركن أو سبقه إلى الركن ، فإذا تعمد السبق مع علمه بالنهي فإن صلاته تبطل ، لأنه أتى محظوراً من محظورات العبادات على وجه يختص بها ، والقاعدة أن من فعل محظوراً من محظورات العبادة على وجه يختص بها فإنها تبطل .
القسم الثاني : التخلف :
يعني أن يتأخر عن إمامه ، مثل أن يركع الإمام ويبقى المأموم قائماً إلى أن يقرب الإمام من الرفع من الركوع ، أو يسجد الإمام ويبقى المأموم قائماً إلى أن يقرب الإمام من الرفع من السجود أو يقوم الإمام من السجود ويبقى المأموم ساجداً حتى ربما ينتصف الإمام بقراءة الفاتحة أو يكلمها .
وحكم التخلف أنه حرام ، لأنه خلاف أمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : (( إذا ركع فأركعوا ، وإذا سجد فأسجدوا )) (1) . فإن الفاء في قوله (( فأركعوا )) وقوله : (( فاسجدوا )) تدل على التعقيب ، أي على أن فعل المأموم يقع عقب فعل الإمام لأن قوله : (( فاركعوا فاسجدوا )) جواب الشرط،وجواب الشرط يلي المشروط مباشرة ولا يجوز أن يتخلف عنه .
القسم الثالث : الموافق :(46/47)
بمعنى أن يشرع المأموم مع الإمام في أفعاله يركع معه ، ويسجد معه ويقوم معه ، وهذا أقل أحواله أن يكون مكروهاً ، وتحتمل أن يكون محرماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( لا تركعوا حتى يركع ، ولا تسجدوا حتى يسجد )) (2) . والأصل في النهي والتحريم ، إلا الموافقة في تكبيرة الإحرام فإن أهل العلم يقولون إنه إذا وافقه في تكبيرة الإحرام لم تنعقد صلاته فتكون باطلة ، بل يجب أن ينتظر حتى يكمل الإمام تكبيرة الإحرام ، ولا يجوز أن يشرع في تكبيرة الإحرام قبل أن يكمل الإمام تكبيرة الإحرام ، ويستثنى أيضاً التسليم فإن بعض أهل العلم يقول إذا سلم الإمام التسليمة الأولى وهي التي على اليمين فللمأموم أن يسلم التسليمة الأولى وإن لم يسلم الإمام التسليمة الثانية ، ثم يتابع التسليمة الثانية .
القسم الرابع : المتابعة :
بأن يفعل المأموم ما فعله الإمام بعد الأمام مباشرة ، بدون تخلف ، وهذا هو الموافق للسنة ولأمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وهو الذي ينبغي أن يكون عليه المؤمن ، لأن صفة المؤمن إذا أمر الله ورسوله بأمر أن يقول سمعنا وأطعنا .
كما قال الله تعالى ( إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ) (1) . كما قال الله تعالى : ( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (2) .
بيان كيف يأتم مفترض بمتنفل :
هناك مسألة يسأل عنها الناس كثيراً وهي إذا جاء شخص والإمام يصلي صلاة التراويح ، وهذا الشخص لم يصل صلاة العشاء فهل يدخل مع الإمام بنية صلاة العشاء أو يصلي وحده ؟(46/48)
والجواب : على ذلك أن نقول إنه يدخل مع الإمام بنية صلاة العشاء فإذا دخل معه في أول ركعة وسلم الإمام فإن كان مسافراً سلم معه ، لأن المسافر يصلي العشاء ركعتين ، وإن كان مقيماً فإنه إذا سلم الإمام وقد صلى معه ركعتين يقوم فيأتي بما تبقى أي بالركعتين الباقيتين ، وقد نص الإمام أحمد رحمه الله على هذه المسألة .
فإن قال قائل : كيف يأتم مفترض بمتنفل ؟ الفرض أعلى من النفل .
قلنا : هذا لا يؤثر إنما الذي يؤثر هو الاختلاف على الإمام في الأفعال كالموافقة ، والتأخر والمسابقة . وأما الاختلاف في النية فلا يؤثر .
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما عن معاذ بن جبل – رضى الله عنه – أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة (1) فهي له نافلة ولهم فريضة وهذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وما فعل في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأره الله فهو حجة .
ولا يقول قائل من الناس لعل النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به ؟
فإننا نجيب على ذلك بأنه على فرض بأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلم به فإن الله قد علم به فإذا لم ينكره الله علم أنه موافق لشريعة الله .
ودل على أن إقرار الله للشئ حجة أن الصحابة – رضى الله عنهم – استدلوا على جواز العزل بأنهم كانوا يفعلونه والقرآن ينزل . ويدل على ذلك أيضاً قوله تعالى : ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ ) (2) . فإن هؤلاء الذين يبيتون ما لا يرضى من القول يستخفون من الناس ولا يظهرون للناس ولا يعلم بهم الناس ولما كانوا يخفون المنكر فضحهم الله فقال تعالى ( يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطاً 108) .(46/49)
سادساً : الخشوع في الصلاة :
ومن إقامة الصلاة أن يكون الإنسان فيها خاشعاً لله تعالى بظاهره وباطنه ، فالخشوع في الباطن حضور القلب ، والخشوع في الظاهر السكون وعدم الحركة .
أقسام الحركة في الصلاة :
وهنا نبين أن الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام :
أولاً : الحركة الواجبة : وتجب الحركة إذا كان يتوقف عليها صحة الصلاة ، أي إذا كان ترك الحركة مبطلاً للصلاة ، فإن الحركة تكون حينئذ واجبة .
مثال : رجل كان يصلي إلى غير القبلة فجاءه آخر فقال : إن القبلة على يمينك ، فهنا يجب أن ينحرف إلى اليمين ، لأنه لو بقي على اتجاهه الأول ، لكانت صلاته باطلة ، فيجب أن يتجه إلى اليمين .
مثال آخر : رجل ذكر أن في غترته نجاسة فيجب عليه أن يتحرك لخلع الغترة ، ونظير ذلك ما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم حين جاءه جبريل فأخبره أن في نعليه أذى فخلعهما (1) .
ثانياً : الحركة المستحبة : وهي الحركة التي يتوقف عليها فعل مستحب .
مثال : أن يتقدم الإنسان إلى الصف الذي أمامه إذا انفرج فهذه حركة مستحبة ، لأن فيه وصلاً للصف وسداً للفرج وتقدماً إلى المكان الفاضل .
مثال آخر : كذلك أيضاً لو أن الصف قرب بعضه من بعض فإنك تقرب إلى الصف وهذه الحركة نعتبرها مستحبة ،لأنه يتوقف عليها فعل مستحب .
ثالثاً : الحركة المكروهة : وهي الحركة اليسيرة بلا حاجة ، هي مكروهة لأنها عبث مناف للخشوع ، كما نشاهده في كثير من الناس ينظر إلى الساعة وهو يصلي ، أو يصلح غترته ، أو يذكره الشيطان وهو في صلاته أمراً نسيه فيخرج القلم ويكتب الذي نسيه لئلا يضيعه بعد ذلك ، وأمثلتها كثيرة .
رابعاً : الحركة المحرمة : وهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة .
فقولنا ( الحركة الكثيرة ) خرج به الحركة اليسيرة ، فإنها من المكروهات .(46/50)
وقولنا ( المتوالية ) خرج به الحركة المتفرقة ، فلو تحرك الإنسان في الركعة الأولى حركة يسيرة ، وفي الثانية حركة يسيره ، وكذلك الثالثة والرابعة لو جمعنا هذه الحركات لوجدناها كثيرة لكن لتفرقها صارت يسيرة ، فر تأخذ حكم الحركة الكثيرة .
وقولنا ( لغير ضرورة ) احترازاً من الحركة التي للضرورة ، مثل أن يكون الإنسان في حالة أهبة للقتال ، يحتاج إلى حركة كثيرة في حمل السلاح وتوجيهه إلى العدو ، وما أشبه ذلك . وقد قال الله تبارك وتعالى : ( فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ) (1) وهذا أمر لابد منه للمجاهد في سبيل الله .
ومن ذاك لو أن عدواً لحقه وهو هارب منه ، فإن هذه الحركة الكثيرة مغتفرة ، لأنها للضرورة .
وكذلك أيضاً لو هاجمته حية وهو يصلي ، وحاول مدافعتها عن نفسه فإن هذه الحركة وإن كثرت فلا بأس بها ، لأنها ضرورة .
خامساً : الحركة المباحة : وهي الحركة اليسيرة للحاجة أو الحركة الكثيرة للضرورة .
مثال : لو كانت الأم عندها صبي ويصيح ، فإذا حملته سكت ، فلا خرج عليها حينئذ أن تحمله حال القيام ، وتضعه في حال السجود ، فهذه الحركة يسيره ولحاجة فهي مباحة ويدل لذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينب فإذا قام حملها ، وإذا سجد وضعها (1) . والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه .
تم بحمد الله تعالى المجلد الثاني عشر
ويليه بمشية الله عز وجل المجلد الثالث عشر
---
(1) تقدم تخريجه ص 153 .
(1) تقدم تخريجه ص 153 .
(1) أخرجه البخاري : كتاب الجماعة والإمامة / باب إذا صلى ثم أم قوماً ، ومسلم : كتاب الصلاة / باب القراءة في العشاء .
(1) سورة النساء ، الآية : 105 .
(2) أخرجه مسلم : كتاب النكاح / باب حكم العزل .
(1) تقدم تخريجه ص 153 .(46/51)
(1) أخرجه البخاري : كتاب الأذان / باب إذا قام الرجل عن يسار الإمام ، ومسلم : كتاب صلاة المسافرين / باب الدعاء في صلاة الليل وقيامه .
(2) أخرجه الإمام أحمد 3/326 ، وابن ماجه : كتاب إقامة الصلاة / باب الاثنان جماعة ( 974 ).
(1) أخرجه البخاري : كتاب الأذان / باب لا يسعى إلى الصلاة . .. ، ومسلم : كتاب المساجد / باب استحباب إتيان . ..
(1) تقدم تخريجه ص 153 .
(1) تقدم تخريجه ص 446 .
(2) أخرجه البخاري : كتاب الجماعة والإمامة / باب إقامة الصف من تمام الصلاة ، ومسلم : كتاب الصلاة / باب إئتمام المأموم بالإمام .
(3) تقدم تخريجه ص 447 .
(1) تقدم تخريجه ص 450
(1) تقدم تخريجه ص 447 .
(1) تقدم تخريجه ص 443 .
(1) تقدم تخريجه ص 153 .
(2) سورة الفتح ، الآية : 29 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 272 .
(4) سورة النساء ، الآية : 100 .
(1) قال الشيخ في شرح زاد المستقنع ج 2 ص 300 وهو أصح .
(2) أخرجه البخاري : كتاب الجمعة / باب من قال في الخطبة بعد الثناء : أما بعد ومسلم : كتاب صلاة المسافرين / باب الترغيب في قيام رمضان .
(3) تقدم تخريجه ص 446 .
(1) أخرجه الإمام أحمد 4/160 ، وأبو داود : كتاب الصلاة / باب في الجمع في المسجد مرتين ، والنسائي : كتاب الإمامة / باب إعادة الفجر مع الجماعة لمن صلى وحده ، والترمذي : كتاب الصلاة / باب : ما جاء في الرجل يصلي ثم يدرك الجماعة .
(2) تقدم تخريجه ص 343 .
(1) تقدم تخريجه ص 450 .
(2) تقدم تخريجه ص 153 .
(1) سورة محمد ، الآية : 18 .
(2) سورة النساء ، الآية : 103 .
(3) سورة الإسراء ، الآية : 78 .
(1) سورة الإسراء ، الآية : 78 .
(2) تقدم تخريجه ص 16 .
(2) تقدم تخريجه ص 21 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 185 .
(4) تقدم تخريجه ص 34 .
(1) سورة الأعراف، الآية : 31 .
(2) تقدم تخريجه ص 263 .
(3) تقدم تخريجه ص 266 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(2) سورة البقرة ، الآية : 286 .(46/52)
(1) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(2) تقدم تخريجه ص 95 .
(3) تقدم تخريجه ص 80 .
(4)أخرجه البخاري : كتاب الوضوء / باب بول الصبيان ، ومسلم : كتاب الطهارة / باب حكم بول الطفل الرضيع ..
(1) تقدم تخريجه ص 404 .
(2) تقدم تخريجه ص 303 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 144 .
(2) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 239 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(2) سورة التغابن ، الآية : 16 .
(1) تقدم تخريجه ص 414 .
(1) تقدم تخريجه ص 446 .
(1) من دروس المسجد الحرام .
(2) سورة مريم ، الآية : 59.
(3) سورة الفرقان ، الآية : 23 .
(4) سورة التوبة ، الآية : 54 .
(1) أخرجه مسلم : كتاب الطهارة / باب فضل الوضوء .
(2) سورة البقرة ، الآية : 45 .
(3) سورة الحديد ، الآية : 12 .
(1) تقدم تخريجه ص 150 .
(2) سورة الإسراء ، الآية :78 .
(1) تقدم تخريجه ص 21 .
(2) تقدم تخريجه ص 16 .
(3) تقدم تخريجه ص 27 .
(1) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(2) تقدم تخريجه ص 371 .
(3) تقدم تخريجه ص 400 .
(1) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(2) سورة النساء ، الآية : 2 .
(3) أخرجه مسلم : كتاب الطهارة ، باب استحباب إطالة الغرة.
(1) تقدم تخريجه ص 403 .
(1) سورة المائدة ، الآية : 6 .
(2) سورة المائدة ، الآية : 38 .
(1) تقدم تخريجه ص 260 .
(1) سورة الأعراف ، الآية : 31 .
(1) أخرجه البخاري : كتاب المغازي / باب من شهد الفتح .
(2) تقدم تخريجه ص 303 .
(3) سورة البقرة ، الآية : 286 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 150.
(1) تقدم تخريجه ص 387 .
(1) سورة البقرة ، الآية : 115 .
(1) أحرجه البخاري : كتاب الصلاة / باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها …، ومسلم كتاب الصلاة / باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة .(46/53)
(1) أخرجه البخاري : كتاب صفة الصلاة / باب وجوب القراءة للإمام والمأموم في الصلوات كلها … ،ومسلم : كتاب الصلاة / باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة .
(2) أخرجه مسلم : كتاب الصلاة / باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة .
(3) أخرجه البخاري : كتاب صفة الصلاة / باب إذا ركع دون الصف .
(1) تقدم تخريجه ص 494 .
(2) تقدم تخريجه ص 495 .
(3) سورة الأعراف ، الآية : 204 .
(1) أخرجه الإمام أحمد 5/313 ، و 321 و 322 ، وأبو داود : كتاب الصلاة ، باب من ترك القراءة في صلاته بفاتحة الكتاب ( 824 ) ، والترمذي : أبواب الصلاة ، باب ما جاء في القراءة خلف الإمام ( 311 )وقال : هذا حديث حسن .
(2) سورة النساء ، الآية : 102 .
(1) أخرجه البخاري : كتاب الجماعة والإمامة ، باب إثم من رفع رأسه قبل الإمام ، ومسلم : كتاب الصلاة ، باب تحريم سبق الإمام بركوع أو سجود ونحوهما .
(1) (1) تقدم تخريجه ص 450 .
(2) تقدم تخريجه .
(1) سورة النور ، الآية : 51 .
(2) سورة الأحزاب ، الآية : 26 .
(1) تقدم تخريجه ص 443 .
(2) سورة النساء ، الآية : 108 .
(1) تقدم تخريجه ص 303.
(1) صورة النساء ، الآية : 102 .
(1) أخرجه البخاري : كتاب سترة المصلي / باب إذا حمل جارية صغيرة على عاتقه في الصلاة ، ومسلم : كتاب المساجد / باب جواز حمل الصبيان في الصلاة .(46/54)
المجلد الثالث عشر(/)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
آداب الخروج إلى المسجد
محمد بن صالح العثيمين
358 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى – عن حكم الإسراع في المشي إلى الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إسراع الإنسان في مشيه إلى الصلاة منهي عنه؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أمرنا أن نمشي وعلينا السكينة والوقار ونهانا أن نسرع، إلا أن بعض أهل العلم قال: لا بأس أن يسرع سرعة لا تقبح إذا خاف أن تفوته الركعة مثل إن دخل والإمام راكع فأسرع سرعة ليست قبيحة كما يصنع بعض الناس تجده يأتي يركض شديداً، فإن هذا منهي عنه، مع أن الإتيان بالسكينة والوقار مع عدم الإسراع أفضل حتى وإن خاف أن تفوته الركعة لعموم الحديث.
359 وسئل: هل يجوز الإسراع لإدراك الركعة مع الإمام في صلاة الجماعة؟ أفتونا حفظكم الله ورعاكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخلت والإمام راكع فلا تسرع، ولا تدخل في الصلاة قبل أن تصل إلى الصف الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأبي بكرة رضي الله عنه حين فعل ذلك: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(1).
360 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم الركوع دون الصف، ثم المشي إليه، مع العلم بأنه قد ثبت عن ابن مسعود – رضي الله عنه – فعله، فعن زيد بن وهب قال: دخلت المسجد أنا وابن مسعود فأدركنا الإمام وهو راكع، فركعنا ثم مشينا حتى استوينا في الصف، فلما قضى الإمام الصلاة قمت لأقضي، فقال عبد الله: قد أدركت الصلاة"(2).
وعن ابن الزبير – رضي الله عنه – الأمر به على منبر الجمعة، وأخبر أنه السنة، فعن عطاء بن رباح أنه سمع عبد الله بن الزبير على المنبر يقول للناس: إذا دخل أحدكم المسجد والناس ركوع فليركع حين يدخل ثم ليدب راكعاً حتى يدخل في الصف فإن ذلك السنة. قال عطاء: وقد رأيته هو يفعل ذلك(3).(47/1)
وأيضاً قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث أبي بكرة: "زادك الله حرصاً ولا تعد" ليس بقاطع في أن المراد هو الركوع دون الصف؛ بل يحتمل أن المراد هو المجيء إلى المسجد مسرعاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصواب أنه لا يركع قبل أن يصل إلى الصف؛ لأن الحديث عام "لا تعد" ولا يخصص منه إلا الركوع المأموم إذا أدرك الإمام راكعاً فإنه يركع لقوله عليه الصلاة والسلام: "ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"(4).
وأما فعل ابن مسعود – رضي الله عنه – فلا يحتج به لأنه خالف الحديث، وذلك أن كل من خالف النص مهما كانت منزلته في الدين فإنه يعتذر عنه، ولا يحتج بقوله، ولا يعارض به سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
وأما حديث ابن الزبير فيحتاج إلى النظر في صحته وسياقه حتى يعرف هل صح عنه أم لا؟ وهل المراد بسياقه في قوله: "أثر السنة" هذه السنة أو مجموع الهيئة التي يقوم بها الإنسان.
وأما قول السائل: إن حديث أبي بكرة ليس بقاطع.
فيقال نعم هو ليس بقاطع؛ ولكن ليس من شرط الاستدلال بالنص أن تكون دلالته قاطعة بل يكتفي بالظاهر، فإذا وجد نص آخر يخالفه – أي يقتضي ما يخالف ظاهره – فحينئذ نؤول الظاهر.
361 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: بعض الناس إذا بدأت صلاة التراويح أو القيام انتظر حتى إذا ركع الإمام دخل في الصلاة وركع معه، فهل فعله صحيح؟
وكذلك إذا انتهى الإمام من ركعته وقام للثانية فإن بعض الناس يجلس، حتى إذا قارب الإمام الركوع قام وركع معه، فهل يجوز ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما تأخير الإنسان الدخول مع الإمام حتى يكبر للركوع، فهذا تصرف ليس بسليم، بل إنني أتوقف، هل تصح ركعته هذه أو لا تصح؟ لأنه تعمد التأخير الذي لا يتمكن معه من قراءة الفاتحة – وقراءة الفاتحة ركن، فلا تسقط عن الإمام ولا المأموم ولا المنفرد – فكونه يبقى حتى يركع الإمام ثم يقوم فيركع معه هذا خطأ بلا شك، وخطر على صلاته، أو على الأقل على ركعته ألا يكون أدركها.(47/2)
وأما التكبير مع الإمام جالساً فإذا قارب الركوع قام فركع، فلا بأس به؛ لأن التراويح نافلة، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم حين كبر وثقل يفعله، فيبدؤها جالساً، ويقرأ، فإذا قارب الركوع، قام وقرأ ما تيسر من القرآن ثم ركع(1).
وكذلك إذا ركع مع الإمام، ثم قام الإمام إلى الثانية، وجلس هو، فإذا قارب الإمام الركوع في الركعة الثانية قام فركع معه، كل هذا لا بأس به.
362 وسئل فضيلته: ما حكم التكبير دون الصف والركوع ثم المشي إلى الصف لإدراك الركوع؟
فأجاب فضيلته بقوله: التكبير قبل الدخول إلى الصف ثم المشي نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فإن أبا بكرة الثقفي – رضي الله عنه - دخل المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته سأل من الذي فعل ذلك؟ فقال أبو بكرة أنا، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصاً، ولا تعد"(2).
و (تَعُد) بضم العين، من العود، أي: لا تعد إلى ما فعلت، وهذا اللفظ "لا تعد" يغني عن قول ولا (تعد)، وعن قول ولا (تعد) ولذلك الرواية الصحيحة التي في الصحيحين (ولا تعد) بضم العين، وإنما قلت إنها تغني عنهما؛ لأنه إذا نهاه عن العود وسكت عن أمره بالإعادة دل على أن الإعادة غير واجبة، وإذا نهاه عن العود دخل فيه النهي عن العدو، وعلى هذا فلا حاجة إلى أن نورد هاتين الروايتين الخارجتين عن الصحيحين وهي (لا تعِدْ) و (لا تَّعْدُ) هذا إن صحت الرواية.
والحاصل أن الذي يفعل ذلك ينهى عنه، ويقال له: امش وعليك السكينة حتى تصل إلى الصف، فما أدركت فصل، وما لم تدرك فأتمه.
وإذا قال قائل: إذا وصلت إلى الصف وكبرت تكبيرة الإحرام، وركعت ورفع الإمام، وأنا لا أدري هل أدركت الإمام في الركوع، أو رفع قبل أن أدركه، فماذا أصنع؟(47/3)
الجواب: فنقول إن كان يغلب على ظنه أنه أدركه فقد أدركه، ثم إن كانت هذه أول ركعة، فإن الإمام يتحمل عنه سجود السهو؛ لأنه سيسلم مع الإمام، وإن كانت هذه الركعة الثانية أو ما بعدها، فإنه يسجد إذا قضى الصلاة سجدتين بعد السلام؛ لأن القاعدة في الشك إذا كان فيه غلبة الظن، أن يبنى عليه – أي على غلبة الظن – ويسجد بعد السلام.
وإذا كان لم يغلب على ظنه أنه أدرك الإمام، ولا أنه لم يدركه وتردد فإنه يلغي هذه الركعة، ليبني على اليقين ويسجد قبل السلام.
363 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم قول إن الله مع الصابرين لمن دخل والإمام راكع لينبه الإمام؟
فأجاب بقوله: هذا لا ينبغي أن يفعل، سواء قال: اصبر إن الله مع الصابرين، أو تنحنح، أو ضرب بقدميه وما أشبه ذلك من الأمور التي يعلم بها الإمام أنه داخل.
والواجب عليه في هذه الحال أن يأتي بهدوء وطمأنينة وبدون إسراع لقول النبي، عليه الصلاة والسلام: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم بالسكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"(1).
فهذا الحديث يوجب أن تأتي مطمئناً، وتقف في الصف وتدخل مع الإمام وما أدركت فصل وما فاتك فاقض. هذا ما أمر به النبي عليه الصلاة والسلام، وأما هذا التشويش والإزعاج للإمام والمأمومين وإحداث أمر ما كان في عهد الصحابة فهذا لا ينبغي.
364 وسئل فضيلته – حفظه الله تعالى -: ما حكم قراءة القرآن في المسجد بصوت مرتفع مما يسبب التشويش على المصلين؟(47/4)
فأجاب بقوله: حكم قراءة الرجل في المسجد في الحال التي يشوش بها على غيره من المصلين، أو الدارسين، أو قارئ القرآن، حكم ذلك حرام؛ لوقوعه فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مالك في الموطأ(2) عن البياضي (هو فروة بن عمرو) أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بض بالقرآن".وروى نحوه أبو داود(3) من حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه -.
365 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: بعض الناس عندما يدخل المسجد والإمام راكع يقول: إن الله مع الصابرين، فما حكم هذا القول؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا أصل له ولم يكن في عهد الصحابة ولا من هديهم، وفيه أيضاً تشويش على المصلين الذين مع الإمام، والتشويش على المصلين منهي عنه؛ لأنه يؤذيهم كما خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة على أصحابه وهم يصلون ويرفعون أصواتهم بالقراءة فنهاهم عن ذلك، وقال: "لا يجهرن بعضكم على بعض في القرآن"(4). وفي حديث آخر: "لا يؤذين بعضكم بعضاً في القرآن"(5)، وهذا يدل على أن كل ما يشوش على المأمومين في صلاتهم فإنه منهي عنه لما في ذلك من الإيذاء والحيلولة بين المصلي وبين صلاته.
أما بالنسبة للإمام فإن الفقهاء – رحمهم الله – يقولون: إذا أحس الإمام بداخل في الصلاة فإنه ينبغي انتظاره ما لم يشق على المأمومين، فإن شق عليهم فلا ينتظر؛ ولا سيما إذا كانت الركعة الأخيرة؛ لأن الركعة الأخيرة بها تدرك الجماعة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة"(1).
---
(1) رواه البخاري في الأذان باب 114، إذا ركع دون الصف (783).
(2) شرح معاني الآثار 3/207.
(3) البيهقي في "السنن" 2/106.
(4) رواه البخاري في الأذان باب 21، لا يسعى إلى الصلاة (636)، ومسلم في المساجد باب 28، استحباب إتيان الصلاة بوقار ح151 (602).(47/5)
(1) نص الحديث: عن عائشة – رضي الله عنها -: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي جالساً، فيقرأ وهو جالس، فإذا بقي من قراءته نحو من ثلاثين أو أربعين قام، فقرأها وهو قائم، ثم ركع، ثم سجد، يفعل في الركعة الثانية مثل ذلك.." رواه البخاري في تقصير الصلاة/ باب إذا صلى قاعداً (1068)، ومسلم في صلاة المسافرين/ باب جواز النافلة قائماً أو قاعداً (731).
(2) رواه البخاري، وتقدم تخريجه في ص"7".
(1) رواه البخاري في الأذان، باب لا يسعى إلى الصلاة (636)، ومسلم في المساجد باب استحباب إتيان الصلاة بوقار؛ 151 (602).
(2) في الصلاة باب العمل في القراءة 1/86 (225).
(3) في الصلاة باب رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل (1332).
(4) هذا جزء من حديث رواه مالك وتقدم في السؤال السابق ص"13".
(5) هذا جزء من حديث أبي سعيد الخدري وفي أوله: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين.." رواه أبو داود في الصلاة باب رفع الصوت بالقراءة في الليل ح (1332) وصححه ابن خزيمة 2/190 (1162).
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، فرواه البخاري في مواقيت الصلاة باب من أدرك من الصلاة ركعة (580)، ورواه مسلم في المساجد باب من أدرك ركعة... ح161 (607).(47/6)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
القيام للصلاة
محمد بن صالح العثيمين
366 سئل فضيلة الشيخ: عما يفعله بعض الناس إذا دخلوا المسجد قرب وقت الإقامة وقفوا ينتظرون قدوم الإمام وتركوا تحية المسجد فما حكم هذا العمل؟
فأجاب بقوله: إذا كانت المدة قصيرة بحيث لا يفوت فعل تحية المسجد فلا حرج عليهم، وأما إذا كانوا لا يدرون متى يأتي الإمام فالأفضل أن يصلوا تحية المسجد ثم إن جاء الإمام وأقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فاقطعها، وإن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة.
367 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -: ما رأيكم فيما يفعله بعض المصلين من الاشتغال بالسواليف والكلام حتى تقام الصلاة؟
فأجاب بقوله: إذا دخل هؤلاء المسجد صلوا تحية المسجد، أو صلوا الراتبة إن كانت الصلاة مما لها راتبة قبلها، فإذا فعلوا ذلك فالأفضل أن يشتغلوا بالقرآن أو يشتغلوا بالتسبيح؛ لأنهم لا يزالون في صلاة ما انتظروا الصلاة، فإن تشاغلوا بكلام آخر نظرنا، إن كان مما يحرم، فإن تحدثهم به وهم في المسجد وفي انتظار الصلاة يكون أشد إثماً، وإن كان من الأمور المباحة، فلا بأس بذلك ما لم يشوشوا على غيرهم، فإن شوشوا على غيرهم فإنه لا يحل لهم التشويش على المصلين.
368 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: عن قول بعض الناس عند قول المؤذن: "قد قامت الصلاة" "أقامها الله وأدامها"؟
فأجاب بقوله: قوله عند إقامة الصلاة "أقامها الله وأدامها" قد ورد فيه حديث، ولكن في صحته نظر(2)، فمن قالها لا ينكر عليه، ومن تركها لا ينكر عليه.
369 وسئل فضيلة الشيخ: هل ورد في السنة وقت محدد للقيام للصلاة عند الإقامة؟
فأجاب بقوله: لم ترد السنة محددة لموضع القيام؛ إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوموا حتى تروني"(3) فمتى قام الإنسان في أول الإقامة، أو في أثنائها، أو عند انتهائها فكل ذلك جائز.(48/1)
370 سئل الشيخ – وفقه الله تعالى -: ما درجة حديث: "صلاة بسواك تفضل سبعين صلاة بغير سواك"؟
فأجاب بقوله: هذا الحديث ضعيف(4)، والصلاة بالسواك أفضل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة". متفق عليه(5).
فينبغي للإنسان أن يستاك عند كل صلاة وعند الوضوء أيضاً، ومحله في الوضوء عند المضمضة، وينبغي أيضاً أن يغسل السواك وينظفه لقول عائشة – رضي الله عنها – حين حضر أخوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو قد نزل به الموت صلوات الله وسلامه عليه ومع عبد الرحمن بن أبي بكر أخي عائشة سواك يستن به فأبده رسول الله صلى الله عليه وسلم بصره – أي جعل ينظر إليه – قالت: فعرفت أنه يحب السواك – وهو في سياق الموت صلوات الله وسلامه عليه – فقلت آخذه لك؟ فأشار برأسه أن نعم، قالت: فأخذته فقضمته فطيبته ثم دفعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستن به(1)، وفي هذا دليل على أنه ينبغي العناية بالسواك لا كما يفعله كثير من الناس اليوم تجده يستاك بسواكه ولا يغسله فتبقى الأوساخ متراكمة في هذا السواك فلا يزيده التسوك إلا تلويثاً. والله أعلم.
371 سئل فضيلة الشيخ: عن بعض المصلين الذين يصطحبون معهم أطفالهم إلى بيوت الله مما يترتب عليه إحداث الفوضى، وإشغال المصلين عن صلاتهم، وإحداث الخلل بين الصفوف، وذلك بخروج الأطفال من الصف بعد وقوفهم فيه خاصة في رمضان حيث تأتي المرأة بأطفالها، فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الأطفال مميزين، ولا يحدث منهم تشويش على المصلين فإنه لا يجوز إخراجهم من المساجد أو إقامتهم من أماكنهم التي سبقوا إليها، ولكن يفرق بينهم في الصف إذا خيف لعبهم.(48/2)
وإذا كان يحدث من الأطفال صياح وركض في المسجد، وحركات تشوش على المصلين، فإنه لا يحل لأوليائهم إحضارهم في المساجد، فإن أحضروهم في هذه الحال أمروا بالخروج بهم، وتبقى أمهاتهم معهم في البيوت وبيت المرأة خير لها من حضورها إلى المسجد.
فإن لم يعرف أولياؤهم أخرجوا من المسجد لكن بالرفق واللين لا بالزجر والمطاردة والملاحقة التي تزعجهم ولا يزيد الأمر بها إلا شدة وفوضى. والله الموفق. حرر في 22 شعبان سنة 1413هـ.
---
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب 37 ما يقول إذا سمع الإقامة (528)، والبيهقي 1/411، والبغوي في "شرح السنة" 2/288، قال الحافظ في "التلخيص" 111/211: "ضعيف" وضعفه شيخنا – حفظه الله ورعاه – في هذا المجموع 12/201 فتوى رقم (130).
(3) رواه البخاري في الأذان باب متى يقوم الناس إذا رأوا الإمام (637)، ومسلم في المساجد باب 29 متى يقوم الناس للصلاة 156 (604).
(4) أخرجه الإمام أحمد 6/272، وابن خزيمة في "صحيحه" 1/71 (137)، والحاكم 1/245، قال في العلل المتناهية: "حديث لا يصح" 1/337، وقد أطال الكلام عليه العلامة ابن القيم في "المنار المنيف" برقم (1).
(5) رواه البخاري في الجمعة باب 8 السواك يوم الجمعة (887)، ومسلم في الطهارة باب 15 السواك ح42 (252).
(1) رواه البخاري في الموضع السابق باب 9 ح(890).(48/3)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
أحكام الصفوف
محمد بن صالح العثيمين
372 سئل فضيلة الشيخ: يلاحظ من بعض الرجال في المسجد الحرام أنهم يصفون خلف صفوف النساء في الصلاة المفروضة، فهل تقبل صلاتهم؟ وهل من توجيه لهم؟
فأجاب بقوله: إذا صلى الرجال خلف النساء فإن أهل العلم يقولون لا بأس، لكن هذا خلاف السنة؛ لأن السنة أن تكون النساء خلف الرجال، إلا أنه كما هو مشاهد في المسجد الحرام يكون هناك زحام وضيق فتأتي النساء وتصف، ويأتي رجال بعدهن فيصفون وراءهن، ولكن ينبغي للمصلي أن يحترز عن هذا بقدر ما يستطيع؛ لأنه ربما يحصل من ذلك فتنة للرجال فليتجنب الإنسان الصلاة خلف النساء وإن كان هذا جائزاً حسب ما قرره الفقهاء، لكننا نقول ينبغي للإنسان أن يتجنب هذا بقدر المستطاع. وينبغي للنساء أيضاً ألا يصلين في موطن يكون قريباً من الرجال.
373 وسئل فضيلته: كثير من المصلين في المسجد الحرام يتساهلون في تسوية الصفوف والتراص، وقد قرأت قوله عليه الصلاة والسلام: "لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين قلوبكم" فما توجيهكم؟
فأجاب بقوله: الواقع أن الصفوف في المسجد الحرام غير منتظمة على الوجه الشرعي وهذا مما يؤسف له.
والمشروع أن يكمل الصف الأول فالأول كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ قالوا: وكيف ذلك يا رسول الله؟ قال: يتراصون ويكملون الأول فالأول"(1).
ولكن نشاهد في هذا المسجد مع أنه افضل مسجد على وجه الأرض أن الناس يصلون أوزاعاً قل أن تجد صفاً تاماً، وهذا لاشك أنه من الخطأ، وأن الذي يجب تسوية الصف، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه الذي أخرجه البخاري وغيره، قال: "لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(2). أي بين وجهة نظركم حتى تتفرقوا وتتنازعوا وتفشلوا.(49/1)
وفي هذا المسجد أيضاً ملاحظة شاهدتها أن الناس في صلاة الجنازة يصف الواحد منفرداً خلف الصف وهذا لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"(3).
وشاهدت أيضاً أناساً يصلون أمام الإمام – أعني بين الإمام وبين الكعبة – وهذا أيضاً حرام ولا يجوز، وصلاتهم غير صحيحة، والمشكل أنهم يصلون صلاة فريضة من فرائض الإسلام أمام الإمام، وقد نص العلماء – رحمهم الله – على أن الصلاة أمام الإمام غير صحيحة فإذا كانت غير صحيحة لم تكن مقبولة فلينتبهوا لذلك.
وهنا مسألة: يسأل كثير من الناس أين الصف الأول في المسجد الحرام؟
والجواب: الأول ما كان خلف الإمام ونمشي حتى ندور كل الكعبة، أما من كان على يمين الإمام أو يساره فإن له حكم الصلاة على يمين الإمام وعلى يساره.
374 وسئل الشيخ – غفر الله له -: هل يأثم المصلي في المسجد الحرام إذا صلى في الصف وفي الصف الذي أمامه فرجة مع العلم أن هذه الفرجة ربما تكون كبيرة؟
فأجاب بقوله: الحقيقة أن هذه من الأمور المؤسفة في هذا المسجد الحرام وهي تقطع الصفوف وعدم وصلها، والسنة وصل الصفوف بعضها ببعض هذا هو السنة، ولكن إذا انقطع الصف الذي أمامك فإن كانت الفرجة قليلة بحيث تسدها إذا تقدمت إليها فتقدم وسدها وسييسر الله تبارك وتعالى للصف الذي انقطع بسبب تقدمه من يسده، أما إذا كانت الفرجة كبيرة لا تسدها إذا تقدمت فإنك تبقى في صفك لأنك لو تقدمت لم يحصل سد الصف المتقدم ويكون الصف الذي تركه منقطعاً فيحصل مضرة على الصف الذي تركت بدون فائدة للصف الذي تقدمت إليه.
فحاصل الجواب أنه إذا كانت الفرجة التي ظهرت في الصف الذي أمامك تنسد بتقدمك إليه فتقدم إليه وسدها، وإذا كانت الفرجة كبيرة فإنك تبقى في الصف الذي أنت فيه حتى لا ينقطع.
375 وسئل الشيخ: عن حكم تسوية الصفوف؟(49/2)
فأجاب بقوله: السنة تسوية الصفوف، بل قال بعض العلماء إن تسوية الصف واجبة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى رجلاً بادياً صدره قال: "عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(4). وهذا وعيد، ولا وعيد إلا على فعل محرم أو ترك واجب. والقول بوجوب تسوية الصفوف قول قوي، وقد ترجم البخاري – رحمه الله – على ذلك بقوله: "باب إثم من لم يتم الصفوف"(1).
376 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم تسوية الصفوف في صلاة الجنازة؟
فأجاب بقوله: عموم الأدلة تدل على تسوية الصفوف في كل جماعة، في الفريضة، أو النافلة كصلاة القيام، أو الجنازة، أو جماعة النساء. فمتى شرع الصف شرعت فيه المساواة.
وكثير من الناس يتهاونون في تسوية الصفوف مع أن الأدلة تدل أن تسوية الصفوف واجبة، ومن ذلك حرص النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه على تسوية الصفوف، حتى إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يمسح بصدور أصحابه ومناكبهم ويقول: "استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم"(2).
وكان الخلفاء الراشدون كعمر وعثمان يوكلون رجالاً يسوون الصفوف فإذا أخبروهم أن الصفوف استوت كبروا للصلاة.
ويجب على الإمام أن يعتني بتسوية الصف ولا تأخذه في الله لومة لائم؛ لأن كثيراً من الجهلة إذا تأخر الإمام في التكبير لتسوية الصفوف أخذهم الحمق والغضب، فلا ينبغي أن يبالي الإمام بأمثال هؤلاء لأن صلته بالله ما دامت وثيقة فستقوى الصلة بالناس بإذن الله.
ويرد كثيراً سؤال عن أفضل صفوف النساء أولها أم آخرها؟
وقد جاء في الحديث: أن "خير صفوف النساء آخرها وشرها أولها"(3). والظاهر أن هذا ليس عاماً وأن النساء إذا كن في مكان منفرد عن الرجال فالأفضل في حقهن أن يبدأن بالأول فالأول، لأن الحكمة من كون آخر صفوف النساء خيرها هو البعد عن الرجال، فإذا لم يكن هناك رجال بقين على الأصل وهو أن يكمل الصف الأول فالأول.(49/3)
377 سئل فضيلة الشيخ: هناك من المصلين من يقدم إحدى قدميه على الأخرى فما حكم هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: تقديم إحدى القدمين على الأخرى لا ينبغي، بل السنة أن تكون القدمان متساويتين، بل وجميع أقدام المصلين متساوية متحاذية، بل إن تسوية الصفوف أمر واجب لابد منه وإذا تركه الناس كانوا آثمين عاصين للرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه صلى الله عليه وسلم كان يسوي أصحابه فيمسح صدورهم ومناكبهم ويقول: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"(4)، وقد رأى يوماً بعدما عقلوا عنه رجلاً بادياً صدره فقال: "عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(5). والمهم أن تسوية الصف أمر واجب وهو من مسئوليات الإمام والمأمومين أيضاً فعليه تفقد الصف وتسويته، وعليهم تسوية صفوفهم وتراصهم.
378 سئل فضيلة الشيخ حفظه الله: أيهما أفضل الصلاة في الدور العلوي أم في الدور الأرضي من المسجد؟
فأجاب بقوله: الصلاة في الأسفل أفضل من الصلاة في الأعلى؛ لأنها أقرب إلى الإمام، والدنو من الإمام أفضل من البعد عنه، لكن إذا اقترن بالصلاة في الأعلى نشاط الإنسان فنشط، ويرى أنه يخشع أكثر فإن هذا أفضل، وذلك لأن المحافظة على الفضيلة المتعلقة بالعبادة أولى من المحافظة على الفضيلة المتعلقة بمكانها، هكذا قال العلماء، وضربوا لذلك مثلاً بالرمل، والدنو من الكعبة، الرمل في طواف القدوم أو الدنو من الكعبة، لو قال قائل: أنا إن دنوت من الكعبة لم يحصل لي الرمل، وإن أبعدت عن الكعبة حصل لي الرمل فأيهما أفضل، أن أدنو من الكعبة، أو أن أبتعد وأرمل، فأيهما أفضل؟
يقول العلماء: الأفضل أن تبتعد وترمل؛ لأن الفضيلة المتعلقة بذات العبادة أولى بالمحافظة من الفضيلة المتعلقة بمكانها.
379 وسئل حفظه الله: هل يجوز إبعاد الصبي عن مكانه في الصف؟(49/4)
فأجاب بقوله: الصحيح عدم جواز إبعاد الصبي عن مكانه في الصف لحديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم "لا يقيم الرجل ،الرجل من مقعده ثم يجلس فيه"(1). ولأنه فيه اعتداء على حق الصبي، وكسراً لقلبه، وتنفيراً له عن الصلاة، وزرعاً للبغضاء والحقد في قلبه.
ولأننا لو قلنا بجواز تأخير الصبيان إلى آخر الصفوف لاجتمعوا في صف واحد وحصل منهم اللعب والعبث في الصلاة، لكن لا بأس بزحزحته عن مكانه للتفريق بينهم إذا خيف منهم اللعب.
380 سئل الشيخ – وفقه الله تعالى:ـ ما حكم منع الصبيان من الجلوس في الصف الأول؟
فأجاب بقوله: لا يمنع الصبيان من الصلاة في الصف الأول من المسجد إلا إذا حصل منهم أذية، أما ما داموا مؤدبين فإنه لا يجوز إخراجهم من الصف الأول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به"(2). وهؤلاء سبقوا إلى ما لم يسبقهم إليه أحد فكانوا أحق به من غيرهم.
فإن قيل: قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليليني منكم أولوا الأحلام والنهى"(3).
فالجواب: أن المراد بهذا الحديث حث أولي الأحلام والنهى على أن يتقدموا، نعم لو قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يليني إلا أولوا الأحلام والنهى" لكن هذا نهياً عن تقدم الصبيان للصف الأول، ولكنه قال: "ليليني أولوا الأحلام والنهى"، فالمعنى حث هؤلاء البالغين العقلاء على أن يتقدموا ليكونوا هم الذين يلون رسول الله، ولأننا لو أخرنا الصبيان عن الصف الأول سيكونون وحدهم في الصف الثاني ويترتب على لعبهم ما لا يترتب لو كانوا في الصف الأول وفرقناهم وهذا أمر ظاهر.
381 وسئل فضيلة الشيخ: إذا رأى المصلي فرجة أمامه وهو في فريضة أو نافلة هل الأفضل أن يتقدم لسد هذه الفرجة؟
وإذا لم تكن أمامه تماماً فهل يجوز إبعاد من أمامه لسد تلك الفرجة ومن ثم يحل محله، وهل ينافي هذا الطمأنينة في الصلاة؟(49/5)
فأجاب بقوله: إذا رأى المصلي فرجة أمامه فالأفضل أن يتقدم إليها ليسدها، سواء كان في فريضة أو نافلة؛ لأن هذا عمل يسير لحصول شيء مأمور به لمصلحة الصلاة، وقد ثبت أن ابن عباس – رضي الله عنهما – صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فوقف عن يساره فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه(1)، وهذا عمل من الطرفين لمصلحة الصلاة، لكن إن حصل فرجة ثانية أمامك ثم ثالثة وهكذا فهنا قد يكون العمل كثيراً فلا تتقدم لكل الفرج التي أمامك؛ لأن العمل الكثير المتوالي يبطل الصلاة إلا إذا كان بين ظهور الفرجتين زمن يقطع الموالاة في المشي فلا بأس في التقدم.
وإذا كانت الفرجة بحذاء جارك فلا بأس أن تزحزح من أمامك إذا كنت تزحزحه إلى مكان أفضل من مكانه مثل أن تكون في يمين الصف فتزحزحه عن اليسار إلى اليمين، وكل هذه الأعمال اليسيرة التي هي من مكملات المصافة لا تنافي الطمأنينة في الصلاة.
382 وسئل فضيلته: يوجد جماعة يفرجون بين أرجلهم في الصلاة قدر ذراع، فقال لهم أحد الجماعة لو تقربون أرجلكم حتى يكون بين الرجلين بسطة كف اليد لكان أحسن، فردوا عليه بقولهم: إنك راد للحق لأن فعلنا هذا قد أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، آمل منك جزاك الله خيراً أن توضح لنا هذه المسألة توضيحاً وافياً؟
فأجاب بقوله: التفريج بين الرجلين إذا كان يؤدي إلى فرجة في الصف، بحيث يكون ما بين الرجل وصاحبه منفتحاً من فوق فإنه مكروه لما يلزم عليه من مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالتراص؛ ولأنه يفتح فرجة تدخل منها الشياطين.(49/6)
وكان بعض الناس يفعله أخذاً مما رواه البخاري عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال: "وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه"(2)، وهذا معناه: تحقيق المحاذاة والمراصة، والإنسان إذا فرج بين قدميه بمقدار ذراع سوف ينفتح ما بين المنكبين مع صاحبه، فيكون الفاعل مخالفاً لما ذكره أنس – رضي الله عنه – عن فعل الصحابة رضي الله عنهم.
وأما قول من يفرج: إن هذا قد أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم إنما أمر بالمحاذاة فقال: "أقيموا الصفوف(3)، وحاذوا بين المناكب، وسدوا الخلل، ولا تذروا فرجات الشيطان، ومن وصل صفاً وصله الله، ومن قطع صفاً قطعه الله". ولم يقل: "فرجوا بين أرجلكم"، ولم يقل: "ألزقوا المنكب بالمنكب والقدم بالقدم"، ولكن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يفعلونه تحقيقاً للمحاذاة ولكن إذا لزم من إلزاق الكعب بالكعب انفراج ما بين المنكبين صار وقوعاً فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من فرج الشيطان.
وأما قول أحد الجماعة خلوا بين أرجلكم بسطة كف فلا أعلم له أصلاً من السنة، والله أعلم. حرر في 16/1/1404هـ.
383 سئل فضيلة الشيخ وفقه الله تعلى عن قدر المسافة بين القدمين في القيام والسجود؟
فأجاب بقوله: المسافة في القيام لا أعرف في هذا سنة، فتكون المسافة بحسب الطبيعة، لأن كل شيء لم يرد به صفة شرعية فإنه يبقى على ما تقتضيه الطبيعة.
وأما المسافة بين القدمين في حال السجود فإنه لا مسافة بينهما، فالسنة أن يلصق إحدى القدمين بالأخرى كما جاء ذلك في صحيح ابن خزيمة(4).
وكما هو ظاهر حديث عائشة – رضي الله عنها – حين فقدت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت: "فالتمسته فوقعت يدي على قدميه وهو ساجد". فإن وقوع اليد الواحدة على القدمين جميعاً يدل على أن بعضها لاصق ببعض وقد جاء صريحاً في صحيح ابن خزيمة(1)، فيكون المشروع في حال السجود أن يضم بعض القدمين إلى بعض.(49/7)
384 وسئل فضيلته: أيهما أفضل للمصلي في الحرم قرب الإمام أو في الأدوار العلوية؟
وما قولكم فيما نشاهده من التسابق على الصف الأول في المطاف قبل الأذان بنصف ساعة أو أكثر ويحصل من جلوسهم في الصف الأول والذي يليه مضايقة على الطائفين؟
فأجاب قائلاً: لا شك أن الدنو من الإمام في المسجد الحرام أو غيره أفضل من البعد عنه، وأما الذين يجلسون إلى جنب الكعبة في انتظار الصلاة فليسوا على حق في أن يجلسوا في هذا المكان والطائفون يحتاجون إليه؛ لأن الطائفين في حاجة إلى هذا المكان، فالتضيق عليهم فيه إهدار لحقهم، وجناية عليهم، بل ينتظر الناس حتى إذا جاء الإمام صف كل إنسان في مكانه.
385 وسئل فضيلته: سمعنا أن الصلاة في الطابق السفلي من المسجد الحرام أفضل من الصلاة في الطابق العلوي، فهل هذا صحيح من حيث العلو على الإمام؟
فأجاب بقوله: الطابق السفلي قد يكون أفضل من حيث قربه من الإمام؛ لأنه بلا شك أقرب إلى الإمام، والصف الأول أفضل لأنه أقرب من الإمام.
وأما من حيث علو المأموم على الإمام فهذه المسألة فيها خلاف، مع أن كثير من أهل العلم يقيد هذه المسألة بما إذا صلى الإمام وحده بالأسفل وصلى بقية الجماعة كلهم فوقه فهذه هي التي تكره، وأما إذا كان مع الإمام أحد فإنه لا كراهة في علو المأموم على الإمام، والآن معروف في الحرم أن غالب المصلين يصلون في الأسفل، فعلى هذا فالذين يصلون فوق ليس في صلاتهم كراهة بل ذلك جائز ولكن كما قلت الأسفل أقرب إلى الإمام فيكون أولى.
386 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل دخل المسجد الحرام لصلاة العشاء في أيام رمضان ووجد الصفوف مختلطة من الرجال والنساء فتجد صف نساء وخلفه مجموعة من الرجال والعكس، أفتونا في ذلك مأجورين.(49/8)
فأجاب بقوله: الحكم الذي ينبغي هو أن تكون النساء في محل خاص في المسجد، وأن يكون الرجال بعيدين عن النساء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"(2) وهذا يدل دلالة واضحة على أن الرجال والنساء في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كل منهم متميز عن الآخر، كل منهم له مكان غير مكان الآخر، وهذا هو الذي ينبغي، ولكن في المسجد الحرام يصعب أن ينضبط فيه الرجال والنساء بحيث يميز بعضهم عن بعض.
وعلى هذا فإن وقف إنسان في الصف وأمامه نساء فإن صلاته صحيحة وليس فيها شيء، وكذلك لو جاءت امرأة وهو يصلي ووقفت إلى جانبه، وإن كان هذا لا ينبغي منها وأن تبتعد عن الرجل ولو فاتتها الصلاة ولو لم تصل، لكن لو فرض أن امرأة جاهلة وقفت إلى جانب رجل فإنه لا حرج على الرجل أن يكمل صلاته، فإن خاف من فتنة فإنه لا بأس أن ينصرف من الصلاة ويستأنف الصلاة في محل آخر.
387 وسئل فضيلة الشيخ عن حكم إقامة وتسوية الصفوف، هل هو واجب أو مندوب؟ وما الحكم إذا كان الصف مائلاً؟ وهل يستحب الانتقال منه؟
فأجاب بقوله: أكثر العلماء على أن تسوية الصف سنة وليس بواجبة، لكن إذا اختلف الصف بحيث لا يكون صفاً، بأن يكون كل واحد خلف الآخر يعني يكون يمين الرجل إلى يسار الرجل من خلفه وهكذا كالدرج، فإنه لا شك أن هذا العمل محرم، وأن الصلاة تبطل به؛ لأن حقيقة الأمر أن كل واحد صلى وحده.
أما الانتقال من الصف المائل إلى الصف المستقيم الذي خلفه فهذا محل نظر. مثال ذلك: لو كان الصف الأول مائلاً فدخل فيه والصف الثاني مستقيماً فهل نقول انتقل للصف الثاني لأنه مستقيم، أو يكون في الصف الأول لأنه الأول، وقد أمر الناس أن يكملوا الأول فالأول؟ نقول هذا محل نظر.
388 وسئل فضيلة الشيخ عن المقصود بإتمام الصلاة في قوله صلى الله عليه وسلم: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من تمام الصلاة"(1)؟(49/9)
فأجاب بقوله: المقصود بالتمام هنا تمام الكمال على القول الراجح.
389 وسئل فضيلته: ما حكم الصلاة بين الأعمدة والسواري؟
فأجاب بقوله: إذا كان لحاجة فلا بأس، وإن لم يكن لحاجة فإنه مكروه؛ لأن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يتقون ذلك.
390 وسئل الشيخ: عما ورد من أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يطردون عن الصف بين السواري طرداً، وكانوا يتقون الصف فيها، فهل الصف بينها محرم كما هو ظاهر النهي؟ وإذا ترتب على ترك الصف بين السواري إنكار من قبل العامة والمقلدين، الأمر الذي قد يؤدي إلى مشكلة في المسجد، فهل يجوز الصف بينها درءاً للفتنة، أفتونا أثابكم الله خيراً وحفظكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصف بين السواري جائز إذا ضاق المسجد، حكاه بعض العلماء إجماعاً، وأما عند السعة ففيه خلاف، والصحيح: أنه منهي عنه؛ لأنه يؤدي إلى انقطاع الصف لا سيما مع عرض السارية، وأما ترك الصف بينها إذا خيفت الفتنة فلا أظن ذلك وارداً، لإمكان الرجل أن يقف في الصف الذي يليه ويبين للناس حكم الصف بين السواري بدليله ومن أراد الحق سهل الله له قبوله بين الناس أو امتحنه بما يتبين به صدقه حتى يكون إماماً، قال الله تعالى: (وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ).
كتبه محمد الصالح العثيمين في 16/6/1418هـ.
391 وسئل فضيلته – وفقه الله تعالى -: عن حكم الصلاة بين السواري؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة بين السواري جائزة عند الضيق.
أما في حال السعة فلا يصلى بين السواري؛ لأنها تقطع الصفوف. حرر في 29/1/1419هـ.
392 وسئل فضيلته: بماذا تكون المحاذاة في الصف؟ برؤوس الأقدام أم بالأكعب أم بغير ذلك؟
فأجاب بقوله: المحاذاة تكون بالأكعب والمناكب، فإن لم يمكن بأن كان فيهم أحدب بالعبرة بالأكعب؛ لأنها هي التي يتركب عليها البدن.(49/10)
393 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم مصافة الصغير؟ وما الحكم إذا كان جميع المأمومين صغاراً؟
فأجاب بقوله: لا بأس بمصافة الصغير الذي لم يبلغ سواء كان مع الإمام وحده، أو كان مع الصف خلف الإمام.
وكذلك لا بأس أن يصف الصغار وحدهم، إلا أن يخاف منهم العبث واللعب فلا يتركهم وحدهم. ومصافة الصغير لا بأس بها في صلاة الفرض وصلاة النفل على القول الراجح.
394 وسئل حفظه الله: ما حكم إكمال الصفوف وتسويتها في صلاة الجنائز؟
فأجاب بقوله: الصفوف في صلاة الجنازة كغيرها إلا أن بعض العلماء استحب أن لا تقل الصفوف عن ثلاثة وإن لم يتموا الصف الأول فالأول.
395 وسئل فضيلة الشيخ: ما الحكم في صفوف النساء؟ هل شرها أولها وخيرها آخرها على الإطلاق، أو في حالة عدم وجود ساتر بين الرجال والنساء؟
فأجاب بقوله: المراد إذا كان الرجال مع النساء في مكان واحد فإن آخر صفوف النساء أفضل من أولها كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "خير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها"(1). وإنما كان كذلك لأن آخرها أبعد عن الرجال وأولها أقرب إلى الرجال.
وأما إذا كان لهن مكان خاص كما يوجد الآن في أكثر المساجد فإن خير صفوف النساء أولها كالرجال.
396 وسئل فضيلة الشيخ: هل الأولى في حق النساء البقاء في الصفوف الأخيرة مع وجود فرج في الصفوف الأولى أم تتقدم وتسد الفرج؟
فأجاب بقوله: الرسول صلى الله عليه وسلم نبه على خيرية الصفوف في الصلاة في صفوف الرجال، وخير صفوف النساء آخرها. والأولى بالنساء إذا لم يكن ثمة حاجز أن يبدأن بالأخيرة ثم التكملة حسب الحضور، أما إذا كان هناك جدار أو حاجز فلا بأس بالتقدم.
397 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة في الشارع والطرقات المجاورة للمسجد إذا امتلأ المسجد واتصلت الصفوف فيه؟ وهل يلزم فرش السجاد؟(49/11)
فأجاب بقوله: لا بأس بالصلاة في الشارع والطرقات التي حول المسجد إذا امتلأ المسجد واتصلت الصفوف، ولا يلزم أن تفرش الأسواق والأرصفة لأنها طاهرة.
398 وسئل فضيلته – حفظه الله ورعاه -: ما حكم صلاة من يصلي خارج المسجد كمن يصلي في الطرقات المتصلة بالمسجد؟
فأجاب بقوله: إذا كان المسجد لا يسع المصلين وصلوا بالطرقات المتصلة به فلا بأس؛ ماداموا يتمكنون من متابعة الإمام لأن هذا ضرورة. حرر في 6/6/1413هـ.
399 سئل الشيخ – وفقه الله تعالى -: إذا ضاق المسجد فما حكم الصلاة في السوق وما يحيط بالمسجد؟
فأجاب بقوله: لا بأس بذلك إذا اضطر الإنسان إلى الصلاة في السوق أو في الساحة التي حول المسجد فإن هذا لا بأس به، حتى الذين يقولون: إن الصلاة لا تصح في الطريق، يستثنون من ذلك صلاة الجمعة، وصلاة العيد؛ إذا امتلأ المسجد وخرج الناس إلى الأسواق، والصحيح أنه يستثنى من ذلك كل ما دعت الحاجة إليه، فإذا امتلأ المسجد فإنه لا بأس أن يصلوا في الأسواق.
400 وسئل فضيلة الشيخ: في الصفوف الخلفية من المسجد يحصل شدة خلاف بين المصلين في الغالب، وذلك في حالة وجود خلل أو فراغ في الصف فتنازع المصليان من الذي عليه أن يسد الخلل ويقترب من الآخر فيبقى المكان خالياً فما الحكم؟
فأجاب بقوله: من وجد فرجة في الصف المقدم فليتقدم إليها، ومن تقدم على هذه الفرجة فقد حاز الفضيلة لأن الصفوف أفضلها الأولى فالأولى. والمعلوم أن الدنو إنما يكون من نحو الإمام سواء من اليمين أو من اليسار. فالذي من اليمين يكون دنوه إلى اليسار والعكس بالعكس.
401 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة المنفرد خلف الصف؟ وهل يحق له أن يجذب أحداً من الصف المقابل لكي يقوم معه في الصف الجديد؟(49/12)
فأجاب بقوله: إذا تم الصف الذي قبله فإنه يصف وحده خلف الصف ويتابع الإمام، وليس له الحق في أن يجذب أحداً من الصف الذي قبله؛ لأنه يشوش عليه صلاته، وينقله من فاضل إلى مفضول، ويفتح فرجة في الصف، وحديث الجذب ضعيف(1).
402 وسئل فضيلته: ما حكم صلاة المرأة المنفردة؟
فأجاب بقوله: إذا كانت المرأة مع نساء فإن صلاتها وحدها خلف الصف لا تصح، وإذا لم يكن معها إلا رجال فإن صلاتها وحدها خلف الصف تصح وهذا هو المشروع في حقها.
403 وسئل فضيلة الشيخ: من الأولى بالصف الأول؟
فأجاب بقوله: الأولى بالصف الأول من سبق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم فهو أحق به"(2).
404 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم تأخير الصبيان عن الصف الأول إذا كانوا قد سبقوا إليه؟
فأجاب بقوله: لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يقيم الرجل أخاه فيجلس في مكانه(3)، إلا إذا حصل من هؤلاء الصبيان أذية فإنه يكلم أولياء أمورهم بهذا ليمنعهم من المسجد.
405 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة المأموم على يسار الإمام إذا كان لوحده مع الإمام؟
فأجاب بقوله: إذا صف عن يسار الإمام فالأفضل أن يفعل كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم بعبد الله بن عباس(1) يديره من ورائه فيجعله عن يمينه وتصح صلاته.
406 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة في الدور الثاني في سطح المسجد مع وجود سعة في الدور الأول سواء في المسجد الحرام أو في غيره من المساجد؟
فأجاب بقوله: الصلاة في الدور الثاني من المسجد جائزة إذا كان معه أحد في مكانه يعني لم ينفرد بالصف وحده، لكن الأفضل أن يكون مع الناس في مكانهم؛ لأنه إذا كان مع الناس في مكانهم كان أقرب للإمام، وما كان أقرب إلى الإمام فهو أفضل.(49/13)
407 وسئل فضيلة الشيخ: في المسجد الحرام يفرش الفرش غالباً بعد الكعبة بما يقرب عشرة صفوف فتبدأ صفوف المصلين من حيث الفرش. لكن يتقدم بعض المصلين في الصفين الأول والثاني مما يلي الكعبة فيسبب ذلك وجود تفاوت كبير بين الصفوف. فهل يلزم أهل الصف المفروش التقدم لأجل موالاة الصفوف أم لا؟ وما الصف الأول في المسجد الحرام؟
فأجاب بقوله: الصف الأول هو الذي يلي الإمام من خلفه والدائر حوله. وأما الذي في جهة غير الإمام فلهم أن يتقدموا إلى الكعبة ولا حرج كما نص على هذا أهل العلم لكن جهة الإمام لا يجوز لأحد أن يتقدم عليه فيها.
408 وسئل فضيلته: هل يعد المصلي في الجهة المقابلة للإمام مما يلي الكعبة مصلياً في الصف الأول وحاصلاً على ثواب الصف الأول أم لا؟
فأجاب بقوله: الصف الأول هو الذي خلف الإمام ودائرته هي الصف الأول. وعلى هذا فما بين يدي هذا الصف مع الجهات الأخرى لا يعتبر الصف الأول.
409 وسئل فضيلة الشيخ: في المسجد الحرام يصلي بعض الناس في المصابيح مع وجود صفوف خالية في ساحة الكعبة فهل يجوز ذلك؟ وما حكم موالاة الصفوف؟
فأجاب بقوله: الأولى أن تتوالى الصفوف يكمل الأول فالأول لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. فعن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتموا الصف المقدم، ثم الذي يليه، فما كان من نقص فليكن في الصف المؤخر"(2). لكن لو لم يفعلوا وصف أناس خلف الصف بعيداً فالصلاة صحيحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"(3). وهذا ليس فيه انفراد، لكنه لا شك انه مخالف للسنة؛ لأن السنة أن يكمل الأول فالأول.
410 وسئل فضيلة الشيخ/ هل الأفضل في صلاة الراتبة قبل المكتوبة أن تصلى قرب الإمام بدون سترة أو بعيداً عن الإمام مع وجود سترة؟(49/14)
فأجاب بقوله: السترة يمكن أن ينقلها معه إذا كانت مما ينقل وإلا فليضع في مكانه في الصف الأول علامة على أنه محجوز ثم يذهب ويصلي في المكان الذي فيه سترة.
411 وسئل فضيلته: بعض الناس المجاورين للحرم يصلون بمتابعة المذياع أو عن طريق سماع الصوت مباشرة فيصلون في محلاتهم أو في الطرق وعلى الأرصفة، فما حكم صلاتهم؟
فأجاب بقوله: صلاتهم لا تصح، والواجب عليهم أن يصلوا في المسجد فإن صلوا في أماكنهم بناء على سماع المذياع، أو على صوت مكبر الصوت "الميكروفون" فإن صلاتهم لا تصح؛ لأن من المقصود في صلاة الجماعة أن يجتمع الناس في مكان واحد ليعرف بعضهم بعضاً فيتآلفون ويتعلم بعضهم من بعض.
412 سئل فضيلة الشيخ: في بعض الأحيان يحصل شدة زحام في الحرم مما يؤدي إلى صلاة الرجل خلف النساء أو أن يصلي الرجل بجوار امرأة. فهل تصح الصلاة؟ وإن أتت امرأة أو نسوة فجاورنه وهو يصلي فماذا يفعل؟
فأجاب بقوله: إذا صلى الرجل خلف صف النساء فإن هذا لا بأس به كما ذكره الفقهاء؛ لأن الناس في حاجة إلى ذلك.
وأما إذا صلت إلى جنبه امرأة فأخشى عليه من الفتنة فليطردها إن كان هو الذي جاء قبلها، أما إذا كانت هي التي جاءت قبله فينقل إلى مكان آخر، وإن أتت امرأة أو نسوة فجاورنه وهو يصلي فليشر إليهن بالابتعاد عنه.
413 وسئل فضيلته: ما حكم صلاة الإمام مرتفعاً عن المأمومين؟ وما حكم العكس؟
فأجاب بقوله: لا بأس أن يعلو الإمام على المأمومين إذا كان معه أحد، كما لو صلى جماعة في السطح ومعهم الإمام وآخرون في الأسفل. أما إذا لم يكن معه أحد فقد كره العلماء – رحمهم الله – أن يعلو الإمام أكثر من ذراع، وأجازوه إذا كان ذراعاً أو نحوه فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صلى بأصحابه – رضوان الله عليهم – على المنبر(1)، وأما علو المأموم فلا بأس به لكن لا يصلي وحده منفرداً.(49/15)
414 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز تقدم المأموم على إمامه في الصف؟ وهل المعمول به في الحرم من تقدم المأمومين في الجهة المقابلة للإمام من التقدم على الإمام أم لا؟
فأجاب بقوله: أما إذا كان الإمام والمأموم في جهة واحدة فإنه لا يجوز تقدم المأموم على الإمام إلا عند الضرورة على قول شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله.
وأما إذا كان الإمام في جهة والمأموم في جهة كما في صف الناس حول الكعبة في المسجد الحرام فلا بأس أن يكون المأمومون أقرب إلى الكعبة من الإمام في جهتهم.
415 وسئل فضيلة الشيخ: - جزاه الله خيراً -: هل يجوز تقدم المأموم على الإمام؟
فأجاب قائلاً: الصحيح أن تقدم الإمام واجب، وأنه لا يجوز أن يتقدم المأموم على إمامه، لأن معنى كلمة إمام أن يكون إماماً يعني يكون قدوة ويكون مكانه قدام المأمومين فلا يجوز أن يصلي المأموم قدام إمامه، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي قدام الصحابة – رضي الله عنهم – وعلى هذا فالذين يصلون قدام الإمام ليس لهم صلاة ويجب عليهم أن يعيدوا صلاتهم إلا أن بعض أهل العلم استثنى من ذلك ما دعت الضرورة إليه مثل أن يكون المسجد ضيقاً وما حواليه لا يسع الناس فيصلي الناس عن اليمين واليسار والأمام والخلف لأجل الضرورة.
416 سئل فضيلة الشيخ: ورد في بعض الأحاديث: إن الملائكة تصلي على ميامن الصفوف، فهل الصلاة في الصف الأيمن أفضل من الصلاة في الصف الأيسر؟
فأجاب بقوله: هذا الحديث "إن الله وملائكته يصلون على ميامن الصفوف"(1) ضعيف وإن كان بعض العلماء حسنه، وأما الأيمن فلا شك أنه أفضل إذا تساوى مع الأيسر، أما إذا كان الأيسر اقرب إلى الإمام بفرق واضح فالأيسر أفضل.
417 سئل فضيلة الشيخ: هل يشرع للمصلي أن يلصق قدمه بجاره؟ وهل صح في ذلك حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم؟(49/16)
فأجاب بقوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر الصحابة بتسوية الصفوف والتراص. فكان أحدهم يلصق كعبه بكعب أخيه تحقيقاً لهذه المساواة والتراص(2). فإلصاق الكعب بالكعب مقصود لغيره.
418 وسئل فضيلة الشيخ: إذا ازدحم المصلون في المسجد فهل يجوز لبعضهم أن يصلي عن يمين الإمام ويساره. وهل يعتبر المصلي عن يمين الإمام مدركاً لأجر الصف الأول؟
فأجاب بقوله: إذا ازدحم المصلون في المسجد فلا بأس أن يصلوا عن يمين الإمام وعن يساره أو عن يمينه فقط، ولا يعتبر الذين إلى جانبه الصف الأول؛ لأن الصف الأول هو أول صف يلي الإمام من وراءه.
419 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم توسيط الإمام؟
فأجاب بقوله: توسيط الإمام هو السنة وهو الأفضل لأجل أن لا يميل مع أحد الجانبين، ولذلك إذا احتيج أن يصلي المأمومون إلى جانب الإمام فالأفضل أن يكون بعضهم عن يمينه وبعضهم عن يساره(3).
420 وسئل فضيلة الشيخ: هل تسوية جميع الصفوف وإقامتها من واجب الإمام بعينه أو هو واجب فردي على كل مصل؟
فأجاب بقوله: المسئول الأول عن ذلك هو الإمام، فإن كان لا يستطيع أن يفعل ذلك بنفسه وكل من يقوم مقامه. ومع ذلك فعلى المأمومين نصيب من ذلك فليساعدوه.
421 وسئل فضيلة الشيخ: هل المرور بين صفوف المصلين يقطع الصلاة أو ينقص من أجر المصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يضر إذا مر بين يدي الصفوف؛ لأن سترة الإمام سترة لهم، وقد أقر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – حين مر بين يدي بعض الصف وهم يصلون في منى(4).
422 وسئل فضيلة الشيخ: ماذا يسن للإمام أن يقول للمأمومين عند تسوية الصفوف؟
فأجاب بقوله: يقول ما يناسب الحال إذا رآهم لم يستووا قال: استووا، وإذا رآهم لم يتراصوا قال: تراصوا، وإذا رآهم لم يكملوا الصف الأول فالأول قال: أكملوا الصف الأول فالأول؛ لأن هذا القول ليس متعبداً به بذاته ولكنه يقال إذا دعت الحاجة إليه.(49/17)
423 وسئل فضيلة الشيخ: يحرص بعض المصلين على الجهة اليمنى من الصف بينما يقل عدد المصلين في الجهة اليسرى فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: من المعلوم أن يمين الصف أفضل من يساره، لكن هذا مع التقارب أو التساوي، أما إذا بعد اليمين فاليسار أفضل؛ لأنه يمتاز بقرب الإمام.
424 سئل فضيلة الشيخ: إذا كان في الصف طفل لم يبلغ السابعة، أو غير متوضئ أو يلعب ويأتي بحركات تبطل الصلاة، هل هذا يكون قاطعاً لاتصال الصف؟ وهل تشرع تنحيته من الصف؟ وهل يكون هذا الصف كالمقطوع بالسارية أم ماذا؟
فأجاب بقوله: قيام الطفل في الصف ليس قطعاً للصف، لكن إذا كان يشوش على المصلين فإنه يمنع. فيتصل بوليه ويقال له لا تأت به.
425 وسئل فضيلة الشيخ: هل يكفي أمر الإمام بتسوية الصفوف بدون توجيه المصلين والإشارة إلى بعض الأفراد المخالفين بالتقدم أو التأخر، خصوصاً وأن كثيراً من المصلين لا يلفت انتباهه إلى ما يقول الإمام نظراً لجهله أو نحو ذلك؟
فأجاب بقوله: لا يكفي ذلك، بل لابد أن يتفقدهم بعد أن يأمرهم بالتسوية. ويأمر من خالف السنة في التسوية والمراصة أن يوافقها. حرر في 29/2/1418هـ.
426 وسئل فضيلة الشيخ:عن قوم لا يسوون الصفوف في الصلاة ويتركون ثغرات بينهم؟
فأجاب بقوله: عدم تسوية الصفوف وترك ثغرات خطأ عظيم، فإن تسوية الصف من تمام الصلاة وقد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتسويتها والتراص فيها(1).
427 وسئل فضيلة الشيخ: أنا إمام مسجد أشكو من عدم تسوية المصلين صفوفهم عند إقامة الصلاة، فعندما أقول تراصوا يغضبون بل والعياذ بالله ترتفع أصواتهم في المسجد ويزعمون أن الشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله لم يفعل ذلك فنرجو من فضيلتكم إرشادهم ونصحهم؟(49/18)
فأجاب بقوله: المشروع للإمام إذا أقيمت الصلاة أن يستقبل المأمومين بوجهه ويأمرهم بإقامة الصفوف والتراص، ودليل ذلك حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بوجهه فقال: "أقيموا صفوفكم وتراصوا". أخرجه البخاري ومسلم(2). ولما رأى رجلاً بادياً صدره في الصف قال: "عباد الله لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(3) أي بين قلوبكم كما في رواية لأبي داود(4) فتوعدهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يسووا صفوفهم أن يخالف الله بين قلوبهم، وقال النعمان بن بشير – رضي الله عنه -: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسوي – يعني الصفوف – إذا قمنا للصلاة فإذا استوينا كبر. رواه أبو داود(1)، وفي الموطأ – موطأ الإمام مالك بن أنس – أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كان يأمر بتسوية الصفوف فإذا جاؤوا فأخبروه أن الصفوف قد استوت كبر(2)، وكان قد وكل رجالاً بتسوية الصفوف. وقال مالك بن أبي عامر: كنت مع عثمان بن عفان فقامت الصلاة وأنا أكلمه يعني في حاجة حتى جاء رجال كان قد وكلهم بتسوية الصفوف فأخبروه أن الصفوف قد استوت فقال لي استوفي الصف ثم كبر(3).
فهذا عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعمل الخليفتين الراشدين عمر وعثمان – رضي الله عنهما – لا يكبرون للصلاة حتى تستوي الصفوف، وقد قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ) وإذا فرط في هذا الأمر من فرط من بعض أئمة المساجد فإن السنة أحق بالاتباع.
وأما من قال: إن الشيخ عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – لا يفعل كذلك.
فأنا أشهد على الشيخ – رحمه الله – أنه كان يتلفت إذا أقيمت الصلاة يميناً وشمالاً فإذا رأى تقدماً أو تأخراً قال: تقدموا يا طرف الصف أو تأخروا.(49/19)
هذا وأسأل الله للجميع التوفيق لما يرضيه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 10/7/1412هـ.
428 سئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته – عن المعتمد في إقامة الصفوف؟ وهل يشرع للمصلي أن يلصق كعبه بكعب من بجانبه؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب حفظه الله بقوله: الصحيح أن المعتمد في تسوية الصف محاذاة الكعبين بعضهما بعضاً لا رؤوس الأصابع، وذلك لأن البدن مركب على الكعب، والأصابع تختلف الأقدام فيها فهناك القدم الطويل، وهناك القدم القصير فلا يمكن ضبط التساوي إلا بالكعب.
وأما إلصاق الكعبين بعضهما ببعض فلا شك أنه وارد عن الصحابة – رضي الله عنهم – فإنهم كانوا يسوون الصفوف بإلصاق الكعبين بعضهما ببعض(4)، أي أن كل واحد منهم يلصق كعبه بكعب جاره لتحقق المحاذاة وتسوية الصف، فهو ليس مقصوداً لذاته لكنه مقصود لغيره كما ذكر ذلك أهل العلم، ولهذا إذا تمت الصفوف وقام الناس ينبغي لكل واحد أن يلصق كعبه بكعب صاحبه لتحقق المساواة، وليس معنى ذلك أن يلازم هذا الإلصاق ويبقى ملازماً له في جميع الصلاة.
ومن الغلو في هذه المسألة ما يفعله بعض الناس من كونه يلصق كعبه بكعب صاحبه ويفتح قدميه فيما بينهما حتى يكون بينه وبين جاره في المناكب فرجة فيخالف السنة في ذلك، والمقصود أن المناكب والأكعب تتساوى.
429 وسئل فضيلة الشيخ: بعض المصلين خوفاً من وجود فرجة بينه وبين الذي بجانبه في الصلاة يضع إصبع رجليه على من بجانبه نرجو النصيحة؟
فأجاب بقوله: بعض الناس يظنون أن معنى قول الصحابة – رضي الله عنهم-: "وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه"(5) أن أهم شيء أن تلزق الكعب، فتجده يلزق رجله ثم يحاول أيضاً أن يفركها؛ لأن ا لكعب لا يمكن يلزق في الكعب إلا إذا فركته، ولو تركها طبيعية لا يمكن.(49/20)
ويقول ابن حجر في فتح الباري(1): "إنهم يفعلون ذلك مبالغة في المراصة والتسوية" حتى يعرف الواحد منا أنه مساو لصاحبه؛ لأن الكعب هو الذي عليه البدن، فإذا تساوى الكعبان بحيث إن وضعنا كل واحد على الثاني معناه تساوينا، فهذا التساوي، والمناكب أيضاً إذا تساوت فهذا هو التساوي.
لكن بعض الناس تجده يحاول أن يلصق كعبه بكعب صاحبه، وأما من فوق فبينهما فرجة؛ لأن يفتح رجليه، وبالضرورة سوف ينفتح ما بين الكتفين.
والسنة هي التراص والتساوي بقدر الإمكان، وعلى وجه لا يؤذي؛ لأن التراص الذي يؤذي أيضاً لاشك أنه غير وارد شرعاً لكن ا لتراص الذي يحصل به سد الخلل هذا هو المطلوب.
واعلموا أن الصحابة كانوا يتراصون، فعن جابر بن سمرة – رضي الله عنه – قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "مالي أراكم رافعي أيديكم كأنها أذناب خيل شمس، أسكنوا في الصلاة". قال ثم خرج علينا فرآنا خلقاً، فقال: "مالي أراكم عزين". قال ثم خرج علينا فقال: "ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها" فقلنا: يا رسول الله! وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: "يتمون الصفوف الأول ويتراصون في الصف". رواه مسلم(2).
ولا شك أنه يوجد في المسجد الحرام وفي غيره صفوف الفرج فيها ظاهرة جداً، وهذا خطأ والمبالغة التي ذكرها الأخ إلى حد أن يضع رجله على رجله هي خطأ أيضاً، وإنما يتراص الناس بحيث يمس المنكب، المنكب والقدم القدم حتى يتضح الأمر من التراص والتساوي.
430 سئل فضيلة الشيخ: ما معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصلاة حتى يؤخرهم الله"؟(49/21)
فأجاب بقوله: الحديث ليس كما قال السائل: "لا يزال قوم يتأخرون عن الصلاة" وإنما رأى النبي صلى الله عليه وسلم قوماً يتأخرون في المسجد يعني: لا يتقدمون إلى الصفوف الأولى فقال: "لا يزال قوم يتأخرون حتى يؤخرهم الله"(3). ولا شك أيضاً أن التأخر عن الصلاة أشد من التأخر عن الصف الأول، وعلى هذا فيخشى على الإنسان إذا عود نفسه التأخر في العبادة أن يبتلى بأن يؤخره الله عز وجل في جميع مواطن الخير.
431 وسئل الشيخ: هل المصافة في الصلاة والمساواة بالأكعب أو بأطراف الأصابع، وسد الخلل في الصف؟ نرجو من فضيلتكم توضيح ذلك؟
فأجاب بقوله: المساواة إنما هي بالأكعب لا بالأصابع؛ لأن الكعب هو الذي عليه اعتماد الجسم؛ حيث إنه في أسفل الساق، والساق يحمل الفخذ، والفخذ يحمل الجسم، وأما الأصابع فقد تكون رجل الرجل طويلة فتتقدم أصابع الرجل على أصابع الرجل الذي بجانبه وقد تكون قصيرة وهذا الاختلاف لا يضر، وليس التساوي بأطراف الأصابع بل بالأكعب، أكرر ذلك لأني رأيت كثيراً من الناس يجعلون مناط التسوية رؤوس الأصابع وهذا غلط.
وهناك أمر آخر يخطئ فيه المأمومون كثيراً، ألا وهو تكميل الصف الأول فالأول ولاسيما في المسجدين: المسجد الحرام والمسجد النبوي، فإنهم لا يبالون أن يصلوا أوزاعاً؛ أربعة هنا، وأربعة هناك، أو عشرة هنا وعشرة هناك، أو ما أشبه ذلك، وهذا لا شك أنه خلاف السنة.
والسنة إتمام الصف الأول فالأول حتى إن صلاة الرجل وحده خلف الصف والصف الذي أمامه لم يتم غير صحيحة وباطلة، ويجب عليه أن يعيدها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً يصلي وحده خلف الصف، فأمره أن يعيد الصلاة، وقال صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"(1).
فإن قال قائل: إذا ذهبت إلى طرف الصف فاتتني الركعة فهل أصلي وحدي خلف الصف اغتناماً لإدراك الركعة؟(49/22)
نقول: لا، اذهب إلى طرف الصف ولو فاتتك الركعة، ولو كانت الركعة الأخيرة، لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "ما أدرتكم فصلوا وما فاتكم فأتموا"(2)، وأنت مأمور بتكميل الصف الأول فالأول، فافعل ما أمرت به وما أدرك فصل وما فاتك فأتم.
وهنا تنبيه أرجو الله سبحانه وتعالى أن يجد آذاناً مصغية من إخواننا الأئمة والمأمومين وهو أن قول بعض الأئمة: إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج؛ لا يصح؛ حيث إن هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
432 وسئل فضيلة الشيخ: هل المراد بقول الإمام: استووا واعتدلوا استقامة الصف واعتداله، أو أنه متضمن لسد الفرجات، وإلصاق القدم بالقدم، والمنكب بالمنكب؟ وما صحة الحديث الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لتسوون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(3) فنرجو التوضيح والله يحفظكم؟
فأجاب بقوله: أولاً: يجب أن نعلم أن على الإمام مسئولية تسوية الصفوف، وأن يأمر الناس بذلك، وإذا لم يمتثلوا تقدم هو بنفسه إلى من تأخر عن الصف أو تقدم ليعدله؛ لأن نبينا وإمامنا وقدوتنا محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم كان يسوي الصفوف كأنما يسوي القداح، وكان يمر بالصف يمسح المناكب والصدور، ويأمرهم بالاستواء. والأئمة اليوم لا يفعلون ذلك، ولو فعلوا لقام الناس عليهم وصاحوا بهم، ولكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.
فعلى الإمام أن يعتني بتسوية الصفوف فيلتفت يميناً، ويستقبل الناس بوجهه، ويلتفت يساراً ويقول: استووا، سووا صفوفكم، لا تختلفوا قلوبكم، تراصوا، سدوا الخلل، كل هذه الكلمات وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم.(49/23)
وقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام بعد أن عقل الناس عنه تسوية الصفوف، وصاروا يسوونها بأنفسهم، فرأى رجلاً بادياً صدره، يعني متقدماً بعض الشيء، فقال: "عباد الله لتسون بين صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم"(4). وهو حديث صحيح، وفيه وعيد شديد؛ لأن مخالفة الله بين الوجوه قيل فيها معنيان:
إما أن الله يدير وجه الإنسان فيكون وجهه إلى كتفه والعياذ بالله.
وإما أن المراد ليخالفن الله بين وجهات نظركم فتفترق القلوب وتختلف لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تختلفوا فتختلف قلوبكم"(5). وأياً كان الأمر سواء لي الرقبة حتى يكون الوجه إلى جانب البدن، أو أن المراد اختلاف القلوب، فكله وعيد شديد، ويدل على وجوب تسوية الصفوف وأنه يجب على الإمام أن يعنى بتسوية الصف، لكن لو التفت ووجد الصف مستقيماً متراصاً والناس متساوون في أماكنهم، فالظاهر أنه لا يقول لهم استووا لأنه أمر بما قد حصل إلا أن يريد اثبتوا على ذلك.
لأن هذه الكلمات لها معناها، ليست كلمات تقال هكذا بلا فائدة، فالإمام إذا قال: استووا ورآهم لم يستووا، يجب أن يعيد القول وألا يكبر إلا وقد استوت الصفوف. ومما يدل على أهمية تسوية الصفوف في الصلاة أن أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، وكذلك عثمان رضي الله عنه لما كثر الناس جعل وكيلاً يمر بالصوف يسويها، حتى إذا جاء وقال إنها استوت كبر(1).
وهذا يدل على عناية الشرع بتسوية الصف.
فإلصاق القدم بالقدم والمنكب بالمنكب لأمرين:
الأمر الأول: التسوية.
الأمر الثاني: سد الفرج والخلل. كما قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري): "المراد بذلك المبالغة في تعديل الصف وسد خلله"(2). وبذلك يعلم خطأ من فهم من فعل الصحابة أنهم يفرجون بين أرجلهم حتى يلزق أحدهم قدمه بقدم صاحبه مع تباعد ما بين مناكبهم فإن هذا بدعة لا يحصل بها اتباع الصحابة – رضي الله عنهم – ولا يحصل بها سد الخلل.(49/24)
433 وسئل فضيلة الشيخ: إذا أقيمت الصلاة وبدأ المصلون يعتدلون للصلاة يحصل في الصف الأول مثلاً بعض الفرج، فيأتي من كان في الصف الثاني ليقف في الصف الأول وربما حجز الناس بيديه لتوسعة المكان الذي يريد الوقوف فيه، فهل يمنع أهل الصف الأول مثل هذا الداخل أم يتركونه مع أنه قد يضيق بهم المكان؟
فأجاب بقوله: لا يجوز لهذا الداخل أن يحجز الناس بيديه ليدخل في الفرجة التي كانوا يتهيئون لسدها؛ لأن في ذلك عدواناً على الغير والعدوان محرم.
أما إذا كانت هناك فرجة كبيرة ولم يسدها من هم بالصف الأول فلا بأس حينئذ أن يتقدم هذا ويقف في ذلك الموضع بشرط أن يسعه المكان ولا يحصل بذلك ضغط على الذين يقفون في الصف الأول.
434 وسئل فضيلة الشيخ: عن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمنفرد خلف الصف"(3) فلو جاء أكثر من رجل، وأدركوا الإمام وهو راكع، ووقفوا في الصف الثاني لإدراك الركعة مع وجود فجوات من اليمين والشمال، هل نقول إن صلاتهم لا تصح وعليهم الإعادة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا وقف اثنان خلف الصف الذي لم يتم، سواء خافوا فوات الركعة أم لم يخافوا، فصلاتهم صحيحة، لكنهم تركوا الأفضل، وهو إتمام الأول فالأول.
وأما صلاة المنفرد خلف الصف فالقول الراجح؛ إنك إذا وجدت الصف تاماً، فلا حرج عليك أن تصلي منفرداً(4).
وأما أيهما أفضل الصلاة عن يمين الإمام أم عن يساره؟(49/25)
فجوابه: إذا كان يصلي مع الإمام إلا رجل واحد فإن المأموم يقف عن يمينه ولا يقف عن يساره، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه بات عند خالته ميمونة – رضي الله عنها – فقام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل فقام ابن عباس عن يساره فأخذه ورائه وأقامه عن يمينه، فهذا دليل على أن المأموم إذا كان واحداً فإنه يكن عن اليمين ولا يكون عن اليسار، أما إذا كان المأموم أكثر من واحد فإنه يكون خلفه ويمين الصف أفضل من يساره وهذا إذا كانا متقاربين، فإذا بعد اليمين بعداً بيناً فإن اليسار والقرب من الإمام أفضل.
وعلى هذا فلا ينبغي للمأمومين أن يكونوا عن يمين الإمام حتى لا يبقى في اليسار إلا رجل أو رجلان، وذلك لأنه لما كان المشروع في حق الثلاثة أن يكون إمامهم بينهم كان أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره، ولم يكونوا كلهم عن اليمين، فدل هذا على أن يكون الإمام متوسطاً في الصف أو مقارباً.
والخلاصة: أن اليمين أفضل إذا كان متساويين أو متقاربين، وأما مع بعد اليمين فاليسار أفضل، لأنه أقرب إلى الإمام.
---
(1) رواه مسلم في الصلاة باب 27 الأمر بالسكون في الصلاة، ح116 – (430).
(2) رواه البخاري في الأذان، باب 71 تسوية الصفوف (717)، ومسلم في الصلاة باب 28 تسوية الصفوف ح127 (436).
(3) رواه الإمام أحمد 4/24، ولفظه: "لا صلاة لرجل فرد خلف الصف"، وابن ماجة في إقامة الصلاة، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده، وابن خزيمة 3/30، والبيهقي 3/105).
(4) تقدم تخريجه ص20.
(1) في كتاب الأذان باب 75 ح(724) وفيه ما قيل لأنس: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: "ما أنكرت شيئاً إلا أنكم لا تقيمون الصفوف".
(2) تقدم تخريجه ص20.
(3) رواه مسلم في الصلاة باب 28 – تسوية الصفوف 1/326 ؛132 – (440).
(4) الموضع السابق 1/323 ح122 (432).
(5) بهذا اللفظ رواه مسلم في الموضع السابق 1/324 ؛128 (436).(49/26)
(1) رواه البخاري في الجمعة باب: لا يقيم الرجل أخاه من مقعده ويجلس فيه ح(911) بنحوه. ورواه مسلم في السلام باب 11: تحريم إقامة الإنسان من موضعه المباح الذي سبق إليه، ح27 (2177).
(2) رواه أبو داود في الخراج باب إقطاع الأرضين 3/452 (3071) ومن طريقة رواه البيهقي في إحياء الموات، باب من أحيا أرضاً ميتة 6/142، والطبراني 1/280 (814).
(3) رواه مسلم في الصلاة باب 28- تسوية الصفوف 1/323 ح122 (432).
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 57 يقوم على يمين الإمام (697) وباب 58 (698) وباب 77 (726)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب 26 الدعاء في صلاة الليل وقيامه 1/526 ح181 (763).
(2) رواه البخاري في الأذان باب 74 – إلزاق المنكب بالمنكب (725).
(3) روى البخاري اللفظ الأول منه فقط في الأذان باب 71 تسوية الصفوف (718) أما الحديث كاملاً فرواه أبو داود في الصلاة باب تسوية الصفوف (666).
(4) في الصلاة باب ضم العقبين في السجود 1/328 (654).
(1) الموضع السابق ح(655). وعند مسلم في الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود ح222 (486): "فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان".
(2) رواه مسلم في الصلاة باب 28 – تسوية الصفوف ح132 (440).
(1) رواه البخاري في الأذان باب 74 إقامة الصف من تمام الصلاة، (723). ورواه مسلم في الصلاة باب 28 (تسوية الصفوف..) ح124 – (433).
(1) رواه مسلم في الصلاة باب 28 (تسوية الصفوف...) 1/326 ح132 – (440).
(1) رواه الطبراني في الأوسط 7/374 (7764) وقال عنه الهيثمي في المجمع 2/96: فيه بشر بن إبراهيم وهو ضعيف جداً. ولفظه: "إذا انتهى أحدكم إلى الصف وقد تم، فليجذب إليه رجلاً يقيمه إلى جنبه".
(2) رواه أبو داود في الخراج باب إقطاع الأرضين 3/452 (3071).
(3) راجع تخريجه في ص"25".
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص"27".(49/27)
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب: تسوية الصفوف ح(671)، ورواه النسائي في الإمامة باب: الصف المؤخر 2/428 (817).
(3) تقدم تخريجه ص"20".
(1) نص الحديث: قال سهل بن سعد: ثم رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى عليها وكبر وهو عليها ثم ركع وهو عليها، ثم نزل القهقرى، فسجد في أصل المنبر ثم عاد، فلما فرغ أقبل على الناس فقال: "أيها الناس إنما صنعت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي". رواه البخاري، وهذا لفظه في الجمعة باب: الخطبة على المنبر ح(917)، ورواه مسلم في المساجد باب: جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة ح44 (544).
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب من يستحب أن يلي الإمام 1/437 (676).
(2) تقدم تخريجه ص28 وهو في البخاري.
(3) الإشارة هنا إلى حديث: "وسطوا الإمام وسدوا الخلل". رواه أبو داود في الصلاة باب مقام الإمام من الصف 1/439 (681).
(4) روى حديثه البخاري في العلم باب متى يصح سماع الصغير (76) ومسلم في الصلاة، باب سترة المصلي 1/361 – 254 (504).
(1) ولفظ الحديث: "سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة". رواه البخاري في الأذان باب 74 إقامة الصف من تمام الصلاة (722)، وفي رواية مسلم: "من تمام الصلاة". رواه في الصلاة باب 28 تسوية الصفوف 1/324 ح124 (433).
(2) رواه البخاري في الأذان باب 72، إقبال الإمام على الناس عند تسوية الصفوف (719)، ومسلم في الصلاة، باب 28 تسوية الصفوف 1/324 ح124 (433) بلفظ: "سووا صفوفكم".
(3) رواه البخاري في الموضع السابق باب 71 تسوية الصفوف من قوله: "لتسون صفوفكم..." (717"، ورواه مسلم بهذا اللفظ في الموضع السابق ح128 – (436).
(4) رواه أبو داود في الصلاة، باب تسوية الصفوف 1/431 ح (662)، (665).
(1) تقدم تخريجه 41.
(2) رواه مالك في الصلاة، باب تسوية الصفوف 1/163 (422) و (423).
(3) تقدم تخريجه أعلاه.(49/28)
(4) فيه إشارة لقول أنس بن مالك: وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه. رواه البخاري في الأذان باب 76 إلزاق المنكب ح (725).
(5) رواه البخاري ح (725) ص51.
(1) الفتح 2/247.
(2) في الصلاة باب 27 الأمر بالسكون في الصلاة 1/322 ح119 (430).
(3) رواه مسلم في الصلاة باب 28 تسوية الصفوف 1/325 ح130 (438).
(1) تقدم تخريجه ص"20".
(2) جزء من حديث أبي هريرة المتفق عليه، وتقدم تخريجه في ص8.
(3) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير، وتقدم تخريجه في ص50.
(4) هذا بقية حديث النعمان وقد تقدم في الصفحة السابقة.
(5) رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص22.
(1) الإشارة إلى حديث رواه مالك سبق تخريجه في ص50.
(2) فتح الباري 2/247 مع شرح حديث أنس رقم (725).
(3) تقدم تخريجه في ص20.
(4) يأتي حكم صلاة المنفرد خلف الصف مفصلاً إن شاء الله تعالى في المجلد الخامس عشر ص186.(49/29)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
التكبير ومواضع رفع اليدين في الصلاة
محمد بن صالح العثيمين
435 وسئل فضيلة الشيخ: هل ثبت رفع اليدين في الصلاة في غير المواضع الأربعة؟ وكذلك في صلاة الجنازة والعيدين؟
فأجاب فضيلته بقوله: المواضع الأربعة التي ترفع فيها اليدان يجب أولاً أن نعرفها وهي: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول، فهذه المواضع صح بها الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يرفع يديه إذا كبر للصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا قال سمع الله لمن حمده". قال: "وكان لا يفعل ذلك في السجود"(1).
وإذا كان ابن عمر – رضي الله عنهما – الحريص على تتبع فعل الرسول صلى الله عليه وسلم وقد تتبعه فعلاً فرآه يرفع يده في التكبير، وفي الركوع وفي الرفع منه، والقيام من التشهد الأول وقال: "وكان لا يفعل ذلك في السجود" ولا يقال: إن هذا من باب المثبت والنافي، وأن من أثبت الرفع فهو مقدم على النافي في حديث ابن عمر؛ لأن حديث ابن عمر صريح بأنه تأكد من عدم الرفع، فالذي يشاهده إذا رفع للركوع والرفع من الركوع ثم يقول لا يفعل ذلك في السجود، فهل نقول إنه يمكن غفل ولم ينتبه؟ لا يمكن ذلك؛ لأنه جزم بأنه لم يفعله في السجود وجزم بأنه كان يفعله في الركوع وفي الرفع منه.
436 سئل فضيلة الشيخ: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفرق بين الفظة التكبير "الله أكبر" بزيادة مد أو نقصان في القيام أو الجلوس للتشهد الأول أو الأخير، كما تعارف عليه الناس.
فإن كان لم يرد فما موقف الإمام بالنسبة للمأمومين هل يوافقهم على ما اعتادوا عليه أو يجعل ألفاظ التكبير "الله أكبر" على وتيرة واحدة؟
وما الجواب على هذه الإشكالات:
1- ما يحدث للناس من مخالفة الإمام بسبب التعود على إطالة المد خاصة عند التشهد الأول والأخير.(50/1)
2- ما يحدث للمسبوق من مخالفة الإمام.
3- هناك من النساء من تخالف الإمام وذلك سبب عدم "مد التكبير" وغالباً يكون ذلك عند التشهد الأول أو التشهد الأخير، خاصة والنساء لا يتسنى لهن رؤية الإمام.
4- بعض المساجد يكون فيها الصف طويلاً فلا يتسنى للمصلي رؤية الإمام.
5- ما يحدث للأعمى في أي حالة من الحالات السابقة.
كما نرجو يا فضيلة الشيخ إيضاح الأصل فيما لم يرد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهل يتوقف فيه أو ينظر للمصلحة العامة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن خلفائه الراشدين ولا عن الصحابة فيما أعلم، ولا عن أئمة وأتباعهم التفريق بين تكبيرات الانتقال، بحيث يجعل للجلوس هيئة معينة كمد التكبير وللقيام هيئة أخرى مخالفة، ولا رأيت هذا في كتب الفقهاء – رحمهم الله – وغاية ما رأيت أن بعض الفقهاء استحب مد تكبير السجود من القيام والقيام من السجود حتى يستوعب التكبير ما بين الركنين القيام والقعود، ولم أجد لذلك دليلاً سوى هذا التعليل.
وبناء على ذلك فإن الأولى عدم التفريق بين التكبيرات اتباعاً للسنة؛ ولأن في عدم التفريق حملاً للمأمومين على الانتباه وحضور القلب، وضبط عدد الركعات؛ لأنه يعتمد على نفسه فيكون منتبهاً وقلبه حاضراً، أما إذا كان الإمام يفرق بين التكبير فإنه يعتمد على الفرق بين التكبيرات فيسهو قلبه.
وأما مشكلة النساء فإن أكثر الأوقات لا يكون في المسجد نساء، وإذا كان فيه نساء واعتدن على عدم التفريق زال عنهن الإشكال.
وأما المسبوق فهو يشاهد الناس إن قاموا قام، وإن قعدوا قعد والأعمى ينبهه من كان بجانبه على أن مشكلة الأعمى قليلة ولله الحمد.
وأما مخالفة بعض المأمومين للإمام إذا لم يفرق وذلك لعدم انتباههم وسهوهم فهم الذين أخلوا على أنفسهم ولو انتبهوا لعلموا أن الإمام قاعد أو قائم بدون أن يفرق بين التكبير.(50/2)
وأما عدم رؤية الإمام فليس من شرط إمكان المتابعة رؤية الإمام فالداخل مع الإمام يعرف ما الإمام فيه بانتباهه لا برؤية الإمام، والمسبوق يعرف ذلك بجاره ولو طال الصف.
والأصل فيما لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم من العبادات وهيئاتها أو صفاتها الإمساك حتى يرد ذلك، والمصلحة كل المصلحة في اتباع ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
وأرجو من إخواني إذا عثروا على دليل من قوله أو فعله حجة في التفريق بين التكبير أن يدلوني عليه فإني لهم عليه شاكر وله منقاد إن شاء الله. والله الموفق. حرر في 13/6/1409هـ.
437 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول سنة.
438 سئل فضيلة الشيخ: إذا أدرك الإنسان الإمام وهو راكع فهل يلزمه تكبيرة للإحرام وتكبيرة للركوع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل المسبوق في الصلاة والإمام راكع فإنه يلزمه تكبيرة الإحرام وهو قائم، ثم تكبيرة الركوع إن شاء كبر وإن شاء لم يكبر، تكون تكبيرة الركوع في هذه الحال مستحبة، هكذا قال أهل العلم – رحمهم الله -.
439 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: إذا أدرك المأموم الإمام راكعاً فهل يكبر تكبيرتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا دخل الإنسان والإمام راكع ثم كبر للإحرام فليركع فوراً وتكبيره للركوع حينئذ سنة وليس بواجب، فإن كبر للركوع فهو أفضل، وإن تركه فلا حرج عليه ثم بعد ذلك لا يخلو من حالات:
* الحال الأولى:
أن يتيقن أنه وصل إلى الركوع قبل أن ينهض الإمام منه، فيكون حينئذ مدركاً للركعة وتسقط عنه الفاتحة في هذه الحال.
* الحال الثانية:
أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يصل هو إلى الركوع وحينئذ تكون الركعة قد فاتته ويلزمه قضاؤها.
* الحال الثالثة:(50/3)
أن يتردد ويشك هل أدرك الإمام في ركوعه أو أن الإمام رفع قبل أن يدركه في الركوع وفي هذه الحال يبني على غالب ظنه فإن ترجح عنده أنه أدرك الإمام في الركوع فقد أدرك الركعة وإن ترجح عنده أنه لم يدرك الإمام في الركوع فقد فاتته الركعة وفي هذه الحال إن كان قد فاته شيء من الصلاة فإنه يسجد للسهو بعد السلام وإن لم يفته شيء من الصلاة بأن كانت الركعة المشكوك فيها هي الركعة الأولى وغلب على ظنه أنه أدركها فإن سجود السهو في هذه الحال يسقط عنه لارتباط صلاته بصلاة الإمام، والإمام يتحمل سجود السهو عن المأموم إذا لم يفت المأموم شيء من الصلاة.
وهناك حال أخرى في حال الشك يكون الإنسان متردداً في إدراك الإمام راكعاً بدون ترجيح، ففي هذه الحال يبني على المتيقن وهو عدم الإدراك لأنه الأصل وتكون هذه الركعة قد فاتته ويسجد للسهو قبل السلام.
وهاهنا مسألة أحب أن أنبه لها في هذه المناسبة وهي أن كثيراً من الناس إذا دخل المسجد والإمام راكع صار يتنحنح بشدة وتتابع، وربما يتكلم "إن الله مع الصابرين" وربما يخبط بقديمه وكل هذا خلاف السنة، وفيه إحداث التشويش على الإمام وعلى المأمومين، ومن الناس من إذا دخل والإمام راكع أسرع إسراعاً قبيحاً، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"(1).
440 سئل فضيلة الشيخ وفقه الله تعالى: إذا نسي المصلي أن يرفع يديه عند تكبيرة الإحرام فماذا عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا نسي المصلي أن يرفع يديه عند تكبير الإحرام فلا شيء عليه؛ لأن رفع اليدين عند تكبيرة الإحرام سنة إن فعله الإنسان كان مأجوراً وإن تركه فليس عليه شيء.
ورفع اليدين يكون في أربعة مواضع:
1- عند تكبيرة الإحرام.
2- عند الركوع.
3- عند الرفع منه.
4- عند القيام من التشهد الأول.(50/4)
وأما السجود والقيام منه فليس فيه رفع يدين.
441 وسئل فضيلته: ما حكم رفع اليدين في الصلاة؟ ومتى يكون؟ وهل يشرع رفع اليدين في صلاة الجنازة؟
فأجاب فضيلته بقوله: رفع اليدين في الصلاة له أربعة مواضع: عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام من التشهد الأول.
ويكون ابتداء الرفع مع ابتداء التكبير، وله أن يرفع ثم يكبر، أو يكبر ثم يرفع.
أما عند الركوع فإذا أراد أن يهوي إلى الركوع رفع يديه ثم أهوى ووضع يديه على ركبتيه.
وعند الرفع من الركوع يرفع يديه عن ركبتيه رافعاً لها حتى يستوي قائماً ثم يضعهما على صدره.
وفي القيام من التشهد الأول إذا قام رفع يديه إلى حذو المنكبين كما يكون كذلك عند تكبيرة الإحرام. وما عدا هذه المواضع الأربعة فإنه لا يرفع يديه.
أما رفع اليدين في صلاة الجنازة فإنه مشروع في كل تكبيرة.
442 سئل فضيلة الشيخ: هل ثبت رفع اليدين في الصلاة في غير المواضع الأربعة؟ وما الجواب عما روي أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يرفع يديه في كل خفض ورفع؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال السائل رفع اليدين في غير المواضع الأربعة وهذا يحتاج إلى بيان، فالمواضع الأربعة:
عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع، وعند الرفع من الركوع، وعند القيام من التشهد الأول فهذه المواضع صح بها الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما(1) – أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يرفع يديه إذا كبر للصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا قال سمع الله لمن حمده، وإذا قام من التشهد الأول، قال: وكان لا يفعل ذلك في السجود".
فهذه المواضع صح بها الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما ما عداها فلم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يرفع يديه لا إذا سجد، ولا إذا قام من السجود، وعلى هذا فلا يسن للإنسان أن يرفع يديه إذا سجد، ولا إذا قام من السجود.(50/5)
وأما ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه يرفع يديه في كل خفض ورفع" فقد حقق ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد(2) أن ذلك وهم من الراوي، أراد أن يقول: "كان يكبر في كل خفض ورفع" فقال: "كان يرفع يديه في كل خفض ورفع".
وإذا كان ابن عمر – رضي الله عنهما – وهو الحريص على تتبع فعل الرسول عليه الصلاة والسلام وقد تتبعه فعلاً فرآه يرفع يديه في التكبير، والركوع، والرفع منه، والقيام من التشهد الأول وقال: "لا يفعل ذلك في السجود". فهذا أصح من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يرفع يديه كلما خفض وكلما رفع"(3)، ولا يقال: إن هذا من باب المثبت والنافي، وأن من أثبت الرفع فهو مقدم على النافي في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – لأن حديث ابن عمر صريح في أن نفيه ليس لعدم علمه بالرفع، بل لعلمه بعدم الرفع، فقد تأكد ابن عمر من عدم الرفع وجزم بأنه لم يفعله في السجود، مع أنه جزم بأنه فعله في الركوع، والرفع منه وعند تكبيرة الإحرام، والقيام من التشهد الأول.
فليست هذه المسألة من باب المثبت والنافي التي يقدم فيها المثبت لاحتمال أن النافي كان جاهلاً بالأمر، لأن النافي هنا كان نفيه عن علم وتتبع وتقسيم فكان نفيه نفي علم لا احتمال للجهل فيه فتأمل هذا فإنه مهم مفيد، والله أعلم.
443 وسئل فضيلة الشيخ: هل رفع اليدين في الصلاة منسوخ؟
فأجاب فضيلته بقوله: رفع اليدين في المواضع الأربعة التي أشرنا إليها(4) ليس منسوخاً، فهو باق ولا دليل على نسخه. وإذا لم يكن هناك دليل على نسخ ما ثبت فيجب اعتباره، ودعوى النسخ تحتاج إلى شرطين أساسيين:
الأول: أن لا يمكن الجمع بين الدليلين.
الثاني: أن يعلم التاريخ.
فإن أمكن الجمع بين الدليلين عمل به، لأن الجمع بين الدليلين أعمال لهما جميعاً وهو واجب متى أمكن، وإن لم يمكن الجمع ولم نعلم التاريخ رجعنا إلى المرجح وإن لم يوجد مرجح وجب التوقف حتى يتبين الأمر.(50/6)
444 وسئل فضيلته: بعض الناس عند تكبيرة الإحرام لا يرفع يديه إلى المنكبين بل يرفع يديه قريباً من السرة أو فوقها بقليل فهل هذا الرفع مشروع؟
فأجاب بقوله: هذا الرفع الذي ذكر السائل ليس رفعاً مشروعاً، بل هو عبث منهي عنه؛ لأن الرفع المشروع إما إلى المنكبين، وإما إلى فروع الأذنين، وما تقاصر عن ذلك فهو قصور عن السنة فينهى عنه، ويقال: إما أن ترفع كاملاً وإما أن تتركه فينبه ويعلم بالسنة.
445 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: هل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وضع اليدين أثناء الوقوف في الصلاة على أعلى الصدر؟ وعن حديث وضع اليدين تحت السرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: وضع اليدين أثناء القيام ليس فيه حديث صحيح بين في هذا الأمر، وأمثل ما فيه حديث وائل بن حجر(1) أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يضعهما على صدره" لا أعلى الصدر. وأما حديث أنه "يضعها تحت السرة" فإنه حديث ضعيف(2).
446 سئل فضيلة الشيخ وفقه الله وغفر الله: هل يجب الجهر في صلاة الفجر، والمغرب، والعشاء؟ وإذا تعمد الإمام ترك الجهر في الصلاة الجهرية؟ وإذا صلى الإنسان منفرداً فهل يجهر؟ وإذ ترك الجهر فهل يسجد للسهو؟ وهل يشرع للمرأة رفع يديها في مواضع الرفع؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجهر بالقراءة في الصلاة الجهرية ليس على سبيل الوجوب بل هو على سبيل الأفضلية، فلو أن الإنسان قرأ سراً فيما يشرع فيه الجهر لم تكن صلاته باطلة، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"(3) ولم يقيد هذه القراءة بكونها جهراً أو سراً، فإذا قرأ الإنسان ما يجب قراءته سراً أو جهراً فقد أتى بالواجب، لكن الأفضل الجهر فيما يسن فيه الجهر مما هو معروف كصلاة الفجر والجمعة.
ولو تعمد الإنسان وهو إمام ألا يجهر فصلاته صحيحة لكنها ناقصة.(50/7)
أما المنفرد إذا صلى الصلاة الجهرية فإنه يخير بين الجهر والإسرار وينظر ما هو أنشط له وأقرب إلى الخشوع فيقدم به.
أما لو ترك القراءة في الصلاة الجهرية سهواً فإنه يسجد للسهو، ولكن لا على سبيل الوجوب؛ لأنه لا يبطل الصلاة عمده، وكل قول أو فعل لا يبطل الصلاة عمده لا تركاً ولا فعلاً فإنه لا يوجب سجود السهو.
وأما رفع اليدين فإنه مشروع في حق النساء كما هو مشروع في حق الرجال لأن الأصل أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء، وما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل يدل على خلاف ذلك.
---
(1) رواه البخاري في الأذان، باب 83 رفع اليدين في التكبيرة الأولى مع الافتتاح سواء. ح(735)، ورواه مسلم في الصلاة باب 9، "استحباب رفع اليدين..." ح21 و 22 (390).
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة, رواه البخاري في الأذان باب 21 – لا يسعى إلى الصلاة وليأت بالسكينة والوقار ح(636)، ورواه مسلم في المساجد باب 28 – استحباب إتيان الصلاة بوقار ح151 (602).
(1) رواه البخاري ومسلم، وتقدم في ص63.
(2) زاد المعاد 1/223.
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب رفع اليدين في الصلاة (723).
(4) انظر ص63.
(1) رواه ابن خزيمة في الصلاة، باب وضع اليمين على الشمال (479)، والبيهقي 2/30.
(2) رواه الإمام أحمد 1/110، وأبو داود في الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة (756).
(3) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت، رواه البخاري في الأذان باب 95 – وجوب القراءة للإمام و ... (756)، ومسلم في الصلاة باب 11 – وجوب قراءة الفاتحة... 1/295 ح34 (394) كلاهما من حديث عبادة بن الصامت.(50/8)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
استعمال مكبرات الصوت
محمد بن صالح العثيمين
447 سئل فضيلة الشيخ: كثر في الآونة الأخيرة استعمال أئمة المساجد لمكبرات الصوت الخارجية والتي غالباً ما تكون في المئذنة وبصوت مرتفع جداً وفي هذا العمل تشويش بعض المساجد على بعض في الصلاة الجهرية لاستعمالهم المكبرات في القراءة. فما حكم استعمال مكبرات الصوت في الصلاة الجهرية إذا كان مكبر الصوت في المئذنة ويشوش على المساجد الأخرى؟ نرجو من فضيلتكم الإجابة على هذا السؤال حيث إن كثير من أئمة المساجد في حرج من ذلك. والله يحفظكم ويرعاكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته: ما ذكرتم من استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية على المنارة فإنه منهي عنه؛ لأنه يحصل به كثير من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة، وقد روى الإمام مالك رحمه الله في الموطأ 1/167 من شرح الزرقاني في (باب العمل في القراءة) عن البياضي فروة بن عمرو – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن"(1). وروى أبو داود 2/38(2) تحت عنوان: (رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة". قال ابن عبد البر: حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان.(51/1)
ففي هذين الحديثين النهي عن الجهر بالقراءة في الصلاة حيث يكون فيه التشويش على الآخرين وأن في هذا أذية ينهى عنها. قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله 23/61 من مجموع الفتاوى: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين.
وفي جواب له 1/350 من الفتاوى الكبرى ط قديمة: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه. أهـ.
وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين:
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً).
ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه.
الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات – إن صح وجودها – فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك:
1- الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن جهر المصلين بعضهم على بعض.
2- أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يتحفظه بالتشويش عليهم.
3- شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها.
4- أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في مسجد كبير كثير الجماعة حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً.(51/2)
5- أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المسجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة، وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوته أكثر الصلاة أو كلها.
6- أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع.
7- أنه قد يكون في البيوت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراءة المجيدين للقراءة.
وأما قول رافع الصوت إنه قد يؤثر على بعض الناس فيحضر ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً، فهذا قد يكون حقاً، ولكنه فائدة فردية منغمرة في المحاذير السابقة.
والقاعدة العامة المتفق عليها: أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد، وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم، فحكم بما تقتضيه فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عباداتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء وذكر وقرآن.
ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر التشهد لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه.(51/3)
ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن"(1). وقوله: "فلا يؤذين بعضهم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة"(2). ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله ورسوله وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به.
وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله محمد وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان. كتبه الفقير إلى ربه محمد الصالح العثيمين.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى ....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد فشا في الآونة الأخيرة استعمال كثير من الأئمة لمكبر الصوت الذي فوق المنارة لتسمع منه الصلاة تكبيرها وقراءتها في الصلوات الخمس.
وهذا أمر لا تدعو الحاجة إليه، فإن الإمام إنما يصلي بأهل المسجد لا بمن كان خارجه وهو مع ذلك يوقع في أمور منها:
* أن بعض الناس قد يتهاون في المبادرة إلى حضور المسجد؛ لأنه يسمع الصلاة ركعة ركعة، وجزءاً جزءاً، فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة، فيمضي به الوقت حتى ربما تفوته الصلاة.
* ومنها: أن المقبل إلى المسجد وهو يسمع قراءة الإمام قريبة الانتهاء تجده يسرع إسراعاً يوقعه في النهي رغبة في إدراك الركوع.
* ومنها: أن في ذلك تشويشاً وأذية لمن يسمعه من المصلين في البيوت والمساجد كما اشتكى من ذلك بعض الناس، حتى أخبرني أحدهم أن بعض المصلين في مسجد أمن بتأمين إمام مسجد آخر سمع صوته، وكبر آخر بتكبيره، وعلمت أن رجلاً تشوش عليه التشهد لسماعة قراءة إمام مسجد آخر.(51/4)
ولا يخفى ما رواه الإمام مالك في الموطأ(1) 1/167 شرح الزرقاني في باب العمل في القراءة عن البياضي (فروة بن عمرو) – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلي يناجى ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وما رواه أبو داو(2) 2/38 تحت عنوان: رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة". وقد نقل الزرقاني في شرح الموطأ عن ابن عبد البر أنه قال: حديث البياضي وأبي سعيد ثابتان صحيحان.
وفي مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه لابن قاسم 23/64: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين. ومن جواب له 1/305 من الفتاوى المطبوعة قديماً: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه. أهـ.
وما ذكره الشيخ – رحمه الله تعالى – موافق لما دل عليه الحديثان المذكوران. ويزداد المنع قوة حين يكون التشويش أعظم إذا فتحت نوافذ المساجد أو كان الناس يصلون في الرحبات وفي إغلاقها درء لما يحصل من التشويش والأذية ولا مانع أن يستثنى من ذلك المسجدان المكي والنبوي، وكذلك الجوامع في صلاة الجمعة؛ لأنه ربما يكون بعض المصلين خارج المسجد فيحتاجون إلى سماع صوت الإمام بشرط أن لا تكون الجوامع متقاربة يشوش بعضها على بعض، فإن كانت كذلك فإنه توضع سماعات على جدار المسجد تسمع منها الخطبة والصلاة وتلفى حينئذ سماعات المنارة لتحصل الفائدة بدون أذية للآخرين.
هذا وأسأل الله تعالى للجميع التوفيق لما يحبه ويرضاه وأن يجعلنا جميعاً صالحين مصلحين وهداة مهتدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 7/7/1407هـ.(51/5)
448 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم استعمال مكبر الصوت في الصلاة الجهرية؟ وما رأي فضيلتكم فيمن يكره الصلاة في المسجد الذي فيه مكبر صوت ويتعرض لعرض من يستعمله؟ وبعض الناس يرى تحريمه؟
فأجاب بقوله: الذي أرى أن استعمال مكبر الصوت أثناء الصلاة إذا كان فيه تشويش على أهل البيوت أو المساجد التي حوله فإنه منهي عنه، لما فيه من أذية المسلمين والتشويش عليهم في صلواتهم، وقد بلغني أن بعض المصلين في المساجد التي حول من يستعملون مكبر الصوت ربما يؤمنون على قراءة المسجد الذي فيه مكبر الصوت، وربما يتابعونه دون إمامهم وفي هذا من الإخلال بصلاة الآخرين ما يقتضي المنع من استعمال مكبر الصوت، وقد أخرج الإمام مالك في الموطأ(1) 1/167 من شرح الزرقاني في (باب العمل في القراءة) عن البياضي فروة بن عمرو – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة، فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به ولا يجهر بعضهم على بعض في القرآن". وأخرج أبو داود 2/38(2) تحت عنوان: (رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل) عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة، أو قال في الصلاة". قال ابن عبد البر: حديث البياضي، وأبي سعيد، ثابتان، صحيحان.
وقال شيخ الإسلام ابن تيميه 23/61 مج الفتاوى: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين. وفي جواب له 1/305 من الفتاوى الكبرى: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد، أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه.أهـ.(51/6)
أما إذا كان استعمال مكبر الصوت لا يشوش على أحد، ولا يؤذي أحداً بحيث تكون السماعات داخل المسجد، فهذا إن كان فيه مصلحة كتنشيط القارئ والمصلين، أو كان له حاجة مثل: أن يكون المسجد كبيراً، أو يكون صوت الإمام ضعيفاً فلا بأس به، وقد يترجح جانب استعماله على جانب تركه.
وإن لم يكن في ذلك مصلحة ولا له حاجة فلا يستعمل لأن في ذلك استهلاكاً للكهرباء، واستعمالاً بلا مصلحة ولا حاجة وفي ذلك ما فيه.
وأما ما ذكرتهم من أن بعض الناس يكره الصلاة في المسجد الذي فيه مكبر الصوت وربما تحول عنه إلى مسجد آخر، وربما تعرض لعرض من يستعمله، فلا وجه لكراهته هذه، ولا ينبغي له أن يتحول عن المسجد من أجل هذا السبب؛ لأن الأحكام الشرعية لا تتبع أذواق الناس وما يهوونه، بل هي مضبوطة بحدود من قبل الله ورسوله، ولهذا يعبر الله تعالى عن كثير من الأحكام بأنها حدوده، فإن كانت أوامر قال: "فلا تعتدوها" وإن كانت نواهي قال: "فلا تقربوها".
وأما تعرضه لعرض من يستعمله فإنه في الحقيقة إنما يضر نفسه بانتهاك عرض أخيه، ولا يخفى أن الغيبة من كبائر الذنوب كما يدل على ذلك ظاهر القرآن والسنة، وقد نص الإمام أحمد على أنها من الكبائر.
قال صاحب النظم ابن عبد القوي:
وقد قيل صغرى غيبة ونميمة وكلتاهما كبرى على نص أحمد
وأما ما ذكرتهم من أن بعض الناس يرى تحريم استعمال مكبر الصوت، فهذا إن كان يرى ذلك في الحال التي يكون فيها تشويش أو أذية، فرأيه قريب؛ لأن الأصل أن أذية المسلمين والتشويش عليهم في عباداتهم التحريم لقوله تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَاناً وَإِثْماً مُبِيناً). ولنهي النبي صلى الله عليه وسلم المصلين عن أذية بعضهم بعضاً والتشويش عليهم بالجهر بالقراءة كما سبق.(51/7)
وإن كان يرى تحريم استعمال مكبر الصوت بكل حال فلا وجه لرأيه؛ لأن التحريم لا يثبت إلا بدليل شرعي، والأصل في غير العبادات الحل حتى يقوم دليل التحريم لقوله تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
ولا يحل لأحد أن يقول عن شيء إنه حلال أو حرام إلا بدليل لقوله تعالى: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ). وقوله تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ* مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ).
فتحريم ما أحل الله كتحليل ما حرم الله إن لم يكن أعظم، لما يحصل في التحريم من الإشقاق على الناس والتضييق عليهم، والرب عز وجل يريد بعباده اليسر ولا يريد بهم العسر، وهو سبحانه يحب أن تؤتى رخصه التي فيها إسقاط لما أصله واجب، أو تحليل لما أصله محرم لما في ذلك من التخفيف والتيسير، فكما أن على المسلم أن يحترز في تحليل الحرام فعليه أن يحترز في تحريم الحلال أولى.
449 سئل فضيلة الشيخ: أنا إمام مسجد في وسط حي وعندما أقوم بقراءة القرآن بمكبر الصوت في الصلاة الجهرية يوجد عندي من الإخوان المأمومين من يعارض ذلك ويقول إنه لا يصلح ذلك الشيء، علماً بأن من سمع القراءة في صلاة الفجر يحاول إدراك الصلاة مع الجماعة، أرجو الجواب من فضيلتكم حفظكم الله لما فيه الخير والسداد للإسلام والمسلمين؟ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(51/8)
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، الصواب معهم، ولا ينبغي لك أن تصلي بمكبر الصوت الخارجي لا صلاة الفجر ولا غيرها؛ لأن ذلك يشوش على من حولك من المصلين في المساجد أو في البيوت من النساء أو المعذورين.
والصلاة جماعة لأهل المسجد لا لمن كان خارجه. حرر في 17/7/1412هـ.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى المكرم إمام مسجد ....... حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإنكم – بارك الله فيكم – تظهرون الصلاة والقراءة فيها في مكبر الصوت (الميكرفون) من سماعات المنارة. وهذا أمر لا تدعوا الحاجة إليه؛ لأن الإمام إنما يصلي بمن كان داخل المسجد لا من كان خارجه، وحينئذ يكون إظهار الصوت من سماعات المنارة عديم الفائدة، ومع كونه عديم الفائدة فإن فيه تشويشاً على من يسمعه من أهل البيوت والمساجد، كما اشتكى من ذلك بعض الناس. وقد روى الإمام مالك في موطئه(1) 1/167 أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وروى أبو داود 2/97(2) (مختصر الخطابي)، أن النبي صلى الله عليه وسلم سمعهم يجهرون بالقراءة فقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة".
وفي مجموع الفتاوى لشيخ الإسلام ابن تيميه 23/64: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين.
ومن جواب له 1/305 من الفتاوى ط قديمة: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه أهـ.
وفي إظهار الصوت من سماعات المنارة – بالإضافة إلى التشويش والتأذي – تهاون الناس بالمسارعة إلى الحضور؛ لأنهم يسمعون الصلاة ركعة ،ركعة وجزءاً جزءاً فيتباطئون اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فلا يزال بهم التباطؤ حتى تفوتهم الصلاة.(51/9)
وفيه أيضاً أن المقبل إلى المسجد قد تحدوه رغبته في الإدراك إلى السرعة فيقع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا"(3).
والإنسان إذا علم أن فعله يترتب عليه أذية لإخوانه وتشويش عليهم في عبادتهم، ووقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من أذية المصلين بعضهم بعضاً بالجهر، وأن فعله عديم الفائدة، أو قليلها فلن يتردد في تركه طاعة لله تعالى ورسوله، وتفادياً لأذية إخوانه والتشويش عليهم، والله الموفق.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 24/5/1407هـ. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى المكرم إمام مسجد ....... حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد: فإن الداعي لتحريره أنه اتصل بي اليوم أحد جماعة المساجد القريبة منكم يذكر أن الميكرفون في مسجدكم مفتوح على سماعة المنارة، وأنه يشوش عليهم صلاتهم في استماع قراءة إمامهم وتسبيح ركوعهم وسجودهم ودعائهم.
ولقد كنا البارحة ونحن في الجامع نسمع القراءة في الميكرفون نسمعها بوضوح، حيث كان القارئ يقرأ في سورة مريم فلما وصل آية السجد مدها وسجد، ونسمعه كذلك في دعاء القنوت فإذا كنا نسمع ذلك ونحن في الجامع فما بالك في المساجد التي هي أقرب إلى الصوت من الجامع.
ثم ما بالك بمن يتهجد في بيته من شيخ كبير وعجوز، ومن لا يرغب الحضور إلى المسجد في آخر الليل؟ أظن أنهم لا يستطيعون إتقان قراءتهم، وتسبيحهم لله، ودعائهم له وهم يسمعون هذا الصوت الرفيع حولهم.(51/10)
وفي ظني أن الذي يقرأ في الميكرفون في سماعة المنارة المرتفعة صوتاً ومكاناً ظني أنه إنما قصد خيراً – إن شاء الله – ولم يقصد الإضرار بإخوانه، لكن هو في الحقيقة قد أضر بهم من حيث لا يشعر حيث شوش عليهم في صلاتهم ودعائهم، كما أنه وقع أيضاً فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، فقد خرج النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن". رواه الإمام مالك في الموطأ(1). قال ابن عبد البر: وهو حديث صحيح.
وإذا كان الجهر بالقرآن حيث يشوش على من حوله من المصلين والذاكرين والداعين وقوعاً فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وأذية على المسلمين فإنكم تعلمون ما يترتب على مخالفة أمر النبي صلى الله عليه وسلم وأذية المؤمنين.
وقد سئل شيخ الإسلام بن تيميه – رحمه الله – عمن يجهر بقراءته فيحصل به أذى على المصلين فأجاب بقوله: ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين. انتهى.
فالواجب على المسلم الابتعاد عن الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما فيه أذية إخوانه المسلمين لاسيما المتعبدون منهم بالصلاة والدعاء، وأن يقدر حال إخوانه ويعرف مدى الأذية التي تلحقهم في عبادتهم من أجل جهره في قراءته، فإن لو قدرت مسجداً حولك قد رفع إمامه، أو المحدث فيه صوته عالياً على المنارة حتى صار يشوش عليك، لا تدري ما تقول في صلاتك، يخلط عليك في قراءتك ودعائك، وتسبيحك في ركوعك وسجودك، أفلا ترى أنه أساء إليك وأن الواجب عليه كف هذه الإساءة، فما بال الإنسان يستسيغ هذا الفعل من نفسه ويرى أنه من غيره إساءة؟(51/11)
والمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فكما أن المرء يحب أن يقبل على صلاته ويعرف ما يقول فيها، ويكره أن يسمع ما يشوش عليه فيها، فإخوانه المسلمون يحبون ما يحب، ويكرهون ما يكره، يحبون أن يقبلوا على صلاتهم ويعرفوا ما يقولون فيها، ويكرهون أن يسمعوا ما يشوش عليهم، فاتقوا الله فيهم وابتعدوا عما يشوش عليهم، وكونوا عوناً لهم على كمال صلاتهم فإن الله سبحانه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه.
ولا طريق لكم إلى ذلك إلا باتباع أحد أمرين:
إما بوضع سماعة داخلية لأهل المسجد خاصة تكون داخل المسجد كما صنع الناس في مساجدهم.
وإما بإلغاء الميكرفون والاكتفاء بصوتكم وفيه كفاية إن شاء الله ومن ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه.
وأما فتح الصوت على سماعة المنارة ففيه تشويش على من يسمعه من المصلين والذاكرين والداعين وقد علمتم ما في ذلك من المخالفة للنبي صلى الله عليه وسلم، وأذية المؤمنين، ومثلكم لا يرضى بذلك.
وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح، وجعلنا جميعاً من دعاة الخير، وأنصار الحق، السائرين على نور من الله وبصيرة في أمرهم إنه جواد كريم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم ..... حفظه الله تعالى.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
وبعد، فإننا لا نرى بأساً بوضع مكبر الصوت الذي يسمى (الميكرفون) في المنارة للتأذين به، وذلك لما يشتمل عليه من المصالح الكثيرة وسلامته من المحذور، ويدل على ذلك أمور:
الأول: أنه مما خلق الله تعالى لنا في هذه الأرض، وقد قال الله تعالى ممتناً على عباده بإباحته لهم جميع ما في الأرض وتسخيره لهم ما في السموات والأرض (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً). وقال: (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْه).(51/12)
ولا ينبغي للعبد أن يرد نعمة الله عليه فيحرم نفسه منها بغير موجب شرعي، فإن الله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ). ويقول راداً على من يحللون ويحرمون بأهوائهم: (قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ). ويقول ناهياً عن ذلك: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ). وإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم قال كما ثبت عنه في صحيح مسلم(1) – في شأن البصل والكراث -: "إنه ليس بي تحريم ما أحل الله" فكيف يجوز لغيره أن يحرم ما أحل الله.
فإن قال قائل: إن الميكرفون حرام.
قلنا له: ليس لك أن تحرم شيئاً إلا بدليل، ولا دليل لك على تحريمه، بل الدليل كما أثبتنا يدل على حله؛ لأنه مما خلق الله لنا في تحريمه، وقد أحله لنا كما تفيده الآية السابقة: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً).
وأما السنة فمن قوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تعالى فرض فرائض فلا تضيعوها، وحد حدوداً فلا تعتدوها، وسكت عن أشياء رحمة بكم غير نسيان فلا تبحثوا عنها وأخبر أن ما سكت عنه فهو عفو"(2). والميكرفون مما خلق تعالى في الأرض وسكت عنه فيكون عفواً مباحاً.
الثالث: أن قاعدة الشرع الأساسية: "جلب المصالح، ودفع المفاسد".
والميكرفون يشتمل على مصالح كالمبالغة برفع الصوت بتكبير الله تعالى وتوحيده، والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة، والدعوة إلى الصلاة خصوصاً، وإلى الفلاح عموماً.(51/13)
ومن مصالحة: تنبيه الغافلين، وإيقاظ النائمين، ومع هذه المصالح ليس فيه مفسدة تقابل أو تقارب هذه المصالح، بل ليس فيه مفسدة مطلقاً فيما نعلم.
الرابع: أن من القواعد المقررة في الشريعة الإسلامية: "أن الوسائل لها أحكام المقاصد".
والميكرفون وسيلة ظاهرة إلى إسماع الناس الأذان والدعوة إلى الصلاة، وإبلاغهم ما يلقى في المساجد من خطب ومواعظ، وإسماع الناس الأذان، والدعوة إلى الصلاة، وإبلاغهم المواعظ والخطب من الأمور المأمور بها بإجماع أهل العلم، فما كان وسيلة إلى تعميمها وإيصالها إلى الناس كان مأموراً به أيضاً.
الخامس: أن أهل العلم قالوا ينبغي أن يكون المؤذن صيتاً – أي رفيع الصوت – ليكون أشمل لإبلاغ الأذان، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعبد الله بن زيد بن عبد ربه الذي رأى في المنام من يعمل الأذان: "اذهب فألقه على بلال فإنه أندى صوتاً منك"(1). فدل هذا على طلب علو الصوت في الأذان، والميكرفون من وسائله بلا شك فيكون مطلوباً.
السادس: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتحرى من كان عالي الصوت في إبلاغ الناس، كما أمر أبا طلحة أن ينادي عام خيبر: "إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية؛ فإنها رجس"(2)، وكما أمر العباس أن ينادي في الناس بأعلى صوته حين انصرفوا في حنين يقول مستحثاً لهم على الرجوع: "يا أصحاب السمرة(3)، يا أصحاب سورة البقرة، أو يا أهل".
وهذا يدل على التماس ما هو أبلغ في إيصال الأحكام الشرعية والدعوة إلى الله تعالى. ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يخطب الناس على راحلته ليكون أبلغ في سماع صوته.
السابع: أن الميكروفون آلة لتكبير الصوت وتقويته فكيف نقول إنه محرم ولا نقول إن نظارة العين التي تقوي النظر وتكبر الحرف إنها محرمة، هذه تكبر الحرف وتقوي نظر العين، وذاك يقوي الصوت ويضخم الكلمات ولا فرق بين الأمرين.(51/14)
وأما توهم بعض الناس أن الميكروفون لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم:
فنقول:
ما أكثر الأشياء التي وجدت بعد عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وأجمع المسلمون على جوازها، فإن تدوين السنة وتصنيفها في الكتب لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعارض في جواز ذلك إلا نفر قليل من الصدر الأول خوفاً من اختلاطها بالقرآن، ثم انعقد الإجماع على الجواز بعد ذلك، وبناء المدارس لم يكن معروفاً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقد أجمع المسلمون على جوازه. وتصنيف الكتب في علم التوحيد والفقه وغيرها لم يكن معروفاً في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المسلمون على جوازه، والمطابع التي تطبع الكتب لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد أجمع المسلمون من بعد حدوثها على جواز طباعة كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام أهل العلم في التفسير، وشرح السنة، وعلم التوحيد والفقه وغيرها بهذه المطابع ولم يقل أحد: إنا لا نطبع بها، لأنها لم تكن موجودة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم.
الثامن: أن الميكرفون يستعمل في أفضل المساجد المسجد الحرام، ومسجد النبي صلى الله عليه وسلم، وما علمنا أن أحداً ممن يقتدى به من أهل العلم عارض ذلك أو أنكر على ولاة الأمور.
وهذا أمر واضح ولله الحمد ولا حرج عليكم في استعمال الميكرفون في المنارة للتأذين به، وإذا كان أحد من الإخوان يكرهه فلا ينبغي أن يحرمه على غيره، كما قال البراء بن عازب – رضي الله عنه – لمن قال إنه يكره أن يكون في أذن الأضحية أو قرنا نقص، فقال له البراء: "ما كرهت فدعه ولا تحرمه على غيرك".
والله الموفق. قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين في 13/6/1399هـ.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ محمد الصالح العثيمين حفظه الله ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:(51/15)
فآمل من فضيلتكم التكرم ببيان حكم استعمال مكبر الصوت "الميكروفون" في الخطبة؟ وكذلك حكم استعمال المكبر في صلاة الجمعة وغيرها؟ والله يحفظكم ويرعاكم ويمدكم بعونه وتوفيقه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
المكرم إمام جامع .... حفظه الله تعالى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ... وبعد:
استعمل الميكرفون في الخطبة لينتفع بها من يسمعها خارج المسجد؛ إلا أن يكون حولك مساجد تشوش عليهم بذلك.
أما في الصلاة فلا تستعمله لا يوم الجمعة، ولا غيرها.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 22/6/1414هـ.
450 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على الصدر أو فوق القلب؟ وما حكم وضع اليدين تحت السرة؟ وهل هناك فرق بين الرجل والمرأة؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة سنة، لحديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة". أخرجه البخاري(1).
ولكن أين يكون الوضع؟
الجواب: أقرب الأقوال إلى الصحة في ذلك أن الوضع يكون على الصدر لحديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يضع يده اليمنى على اليسرى على صدره"(2). والحديث وإن كان فيه شيء من الضعف، لكنه أقرب من غيره إلى الصحة.
وأما وضعها على القلب على الجانب الأيسر فهو بدعة لا أصل لها.
وأما وضعها تحت السرة فقد روى ذلك أثراً عن علي – رضي الله عنه(3) – لكنه ضعيف، وحديث وائل بن حجر أقوى منه.
ولا فرق في هذا الحكم بين المرأة والرجل؛ لأن الأصل اتفاق النساء والرجال في الأحكام إلا أن يقوم دليل على التفريق أو على الفرق بينهما ولا أعلم دليلاً صحيحاً يفرق بين الرجل والمرأة في هذه السنة.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محبكم محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم الشيخ ..... حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:(51/16)
فقد تشرفت بكتابكم الكريم المؤرخ في 29 من الشهر الماضي، وسررت بصحتكم الحمد لله على ذلك. سؤالكم عن فصل الخطاب في موضوع وضع اليدين في الصلاة حال القيام.
جوابه: فصل الخطاب هو: أن من السنة الثابتة عن الرسول صلى الله عليه وسلم وضع اليد اليمنى على اليسرى، جاء عنه ذلك في الصحيحين وغيرهما.
ولكن أين يكون محل اليدين؟
حكى في نيل الأوطار قولين:
أحدهما: تحت السرة، استناداً إلى ما رواه الإمام أحمد(1) وأبو داود عن علي – رضي الله عنه – "أن ذلك من السنة"، والحديث في إسناده مقال.
الثاني: فوق السرة إما تحت الصدر، أو فوق السرة نفسها، وفيه أثر عن علي – رضي الله عنه - "أنه كان يمسك شماله بيمينه فوق السرة"(2). ذكر صاحب نيل الأوطار أن في إسناده أبا طالوت عبد السلام بن أبي حازم يكتب حديثه(3)، ثم ذكر بعد ذلك حديث وائل بن حجر قال: "صليت مع النبي صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره"(4)، وقال: لا شيء في الباب أصح من حديث وائل المذكور.
وقد حكى الأقوال الثلاثة القرطبي في تفسيره.
وإذا تبين أن حديث وائل أصح شيء في الباب كان العمل به أولى، وقد قال الشيخ الألباني في رسالته (صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ص79 ط7): "وضعهما على الصدر هو الذي ثبت في السنة، وخلافه إما ضعيف، أو لا أصل له". أهـ.
أما ما ذكره ابن القيم – رحمه الله – في البدائع عن مسائل الإمام أحمد، فلا أدري ما وجهه وقد فسر التكفير بوضع اليدين على الصدر، ولكن صاحب النهاية فسره: بأن ينحني الإنسان ويطأطئ رأسه قريباً من الركوع(5).
وأما ما أشرتم إليه من كلام ابن القيم في أعلام الموقعين فقد راجعته في طبعتين عندي فلم أجده، ولعلي أبحث في طبعة ثالثة إن شاء الله عسى أن أظفر به.
وأما انفراد مؤمل عن سفيان برواية "وضع اليدين على الصدر" فينظر في مؤمل، فإن كان ثقة لم يضر انفراده، وإن كان غير ثقة فهو مردود، وينظر هل له طريق آخر.(51/17)
هذا وقد ذكر صاحب الفروع أنه يكره وضع اليدين على الصدر وقال: نص عليه مع أنه رواه أحمد فكأنه استغرب ذلك.
ثم إني وجدت كلامه في أعلام الموقعين ص9 ج3 وتحققت من حال مؤمل بن إسماعيل فإذا العلماء مختلفون فيه: فمنهم من وثقه، ومنهم من ضعفه، ومقتضى صنيع ابن القيم في الأعلام تعليل الحديث بانفراده بذلك والله أعلم.
وقد ذكر الحديث في بلوغ المرام وعزاه لابن خزيمة وسكت عنه، وقد راجعت كثيراً من كتب الحديث التي عندي فوجدت كلاماً كثيراً حول هذه المسألة ووجدت حديثاً مرسلاً في أبي داود سنده حسن عن طاووس قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع يده اليمنى على يده اليسرى، ثم يشد بينهما على صدره وهو في الصلاة"(1). وهذا يؤيد حديث مؤمل ابن إسماعيل، والأمر في ذلك واسع إن شاء الله، لكن القول بكراهة وضعها على الصدر يحتاج إلى دليل تنبني عليه الكراهة. حرر في 4/3/1396هـ.
451 وسئل فضيلته: هل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أسدل يديه في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سدل يديه في الصلاة، ولا أنه أمر به، وإنما السنة في الصلاة أن يضع الرجل يده اليمنى على يده اليسرى فوق صدره، فإن شاء وضع اليد اليمنى على الرسغ – أي على المفصل الذي بين الكف والذراع – وإن شاء وضع اليد اليمنى على الذراع نفسه، قال سهل بن سعد – رضي الله عنه-: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"(2).
وأما السدل فإنه ليس بسنة لا قبل الركوع ولا بعد الركوع، وإنما السنة قبل الركوع وبعده أن يضع الرجل يده اليمنى على يده اليسرى كما ذكرنا.
452 وسئل أيضاً: هل يجب وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة؟
فأجاب قائلاً: لا يجب ذلك، ولا أعلم أحداً قال بوجوبه. ولعل أحداً يقول بوجوبه مستدلاً بقوله: "كان الناس يؤمرون"، والأصل في الأمر الوجوب ولكن رأي الجمهور أنه ليس بواجب إنما ذلك من السنة.(51/18)
453 سئل فضيلة الشيخ وفقه الله وحفظه: هل الأفضل لمن يصلي في الحرم أن ينظر إلى الكعبة أم إلى موضع السجود؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل لمن يصلي أن ينظر إلى موضع سجوده لا إلى الكعبة؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المصلي أن ينظر إلى الكعبة إذا كان يشاهدها؛ ولأن نظره إلى الكعبة وهو يصلي يستلزم أن ينشغل بصره بالطائفين؛ لأن الطائفين بالكعبة كثيرون ويلفتون النظر، وربما ينشغل بالنظر إلى الكعبة بهؤلاء الطائفين ويبعد عن صلاته، والنبي صلى الله عليه وسلم كان عليه ذات يوم خميصة، فنظر إلى أعلامها وهو يصلي نظرة، فلما انصرف من صلاته قال: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني – أي الخميصة – آنفاً عن صلاتي"(3).
فكل ما يلهي المصلي ينبغي له أن يبتعد عنه.
454 وسئل فضيلة الشيخ: ما هو الأفضل للمتمكنين من رؤية الكعبة في الصلاة خصوصاً في المطاف، النظر إلى الكعبة أم إلى مكان السجود؟
فأجاب بقوله: الأفضل للمصلي أن ينظر إلى موضع سجوده، لا إلى الكعبة، لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أمر المصلي أن ينظر إلى الكعبة إذا كان يشاهدها؛ ولأن نظره إلى الكعبة وهو يصلي يستلزم أن ينشغل بصره بالطائفين؛ لأن الطائفين حول الكعبة كثيرون ويلفتون النظر، فربما ينشغل بالنظر إلى الكعبة وبهؤلاء الطائفين ويبعد عن صلاته.(51/19)
والنبي صلى الله عليه وسلم كان عليه ذات يوم وهو يصلي خميصة فنظر إلى أعلامها وهو يصلي نظرة فلما انصرف من صلاته قال: "اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم، وائتوني بأنبجانية أبي جهم، فإنها ألهتني – أي الخميصة – آنفاً عن صلاتي"(4). فكل ما يلهي المصلي فإنه ينبغي أن يبتعد عنه، ولكن ما تقولون في مصل يتعمد اللهو حيث ينظر إلى الساعة وهو يصلي، وينظر إلى القلم، وهو يصلي، وإذا تذكر حاجة وهو يصلي أخرج القلم والورقة وكتبه، فلا شك أن هذا خطأ عظيم؛ ولأن الشيطان يأتي إلى الإنسان وهو يصلي يقول: اذكر كذا، أو اذكر كذا، فيذكره بشيء نسيه(1)، حتى إنه ذكر أن رجلاً جاء لأبي حنيفة رحمه الله؛ وأبو حنيفة إمام عالم جليل إمام من الأئمة الأربعة، وكان رجلاً قد أعطاه الله علماً وذكاء، والذكاء مع العقل، والعلم يفيد صاحبه، جاءه رجل فقال له: إني نسيت حاجة أهمتني وشغلتني فماذا تأمرني؟ قال: اذهب فتوضأ وصل ثم أتني بعد صلاتك، فذهب الرجل فتوضأ وصلى، وفي أثناء الصلاة ذكره الشيطان إياها، ثم جاء إلى أبي حنيفة بعد ذلك وأخبره أنه ذكرها حين شرع في الصلاة، لكنني أقول هذا ولست أريد منكم عبرة، إنما الإنسان إذا أقبل على صلاته فينبغي أن يقبل على ربه؛ لأنه واقف بين يديه.
---
(1) تقدم تخريجه ص14.
(2) تقدم تخريجه ص14.
(1) تقدم تخريجه ص14.
(2) تقدم تخريجه ص14.
(1) تقدم تخريجه في ص14.
(2) تقدم تخريجه في ص14.
(1) تقدم تخريجه ص13.
(2) تقدم تخريجه ص14.
(1) تقدم تخريجه في ص14.
(2) تقدم تخريجه في ص14.
(3) متفق عليه وهذا لفظ البخاري رواه في الأذان باب 21 – لا يسعى إلى الصلاة (636)، ورواه مسلم في المساجد باب 28 – استحباب إتيان الصلاة بوقار 1/420 ح151 (602).
(1) برقم (225) وسبق تخريجه في ص14.
(1) رواه مسلم في المساجد باب 17 – نهي من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوها 1/395 ح76 (565).(51/20)
(2) رواه الدارقطني في الرضاع 4/183، والبيهقي في الضحايا 10/12، والطبراني في الكبير 22/221 (589) وحسنه النووي في "رياض الصالحين" 457.
(1) رواه الإمام أحمد 4/42 – 43، وأبو داود في الصلاة/ باب كيف الأذان (499)، والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء في الأذان (189)، وابن ماجة في الأذان/ باب كيف بدء الأذان (706).
(2) رواه البخاري في المغازي باب 40 – غزوة خيبر (4199). ومسلم في الصيد باب 5 – تحريم أكل لحوم الحمر الإنسية 3/1540ح.
(3) رواه مسلم في الجهاد باب 28 – غزوة حنين 3/1398 ح76 – (1775).
(1) رواه في الأذان، باب وضع اليمنى على اليسرى ح(740).
(2) تقدم تخريجها ص73.
(3) تقدم تخريجها ص73.
(1) تقدم تخريجه ص73.
(2) رواه أبو داود في الصلاة، باب وضع اليمنى على اليسرى ح(757).
(3) نيل الأوطار 2/188.
(4) رواه ابن خزيمة وتقدم في ص73.
(5) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير 4/188.
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة (759).
(2) رواه البخاري في الأذان باب 87 وضع اليمنى على اليسرى (740).
(3) رواه البخاري في الصلاة باب 14 – إذا صلى في ثوب له أعلام. (373). ورواه مسلم في المساجد باب 15 – كراهة الصلاة في ثوب له أعلام 1/391 ح62 (556).
(4) تقدم تخريجه ص102.
(1) هذا جزء من حديث أبي هريرة المتفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب فضل التأذين ح (608)، ومسلم في الصلاة باب فضل الأذان وهرب الشيطان عند سماعه 1/291 ح19 (389).(51/21)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
الاستعاذة و البسملة
محمد بن صالح العثيمين
455 وسئل فضيلة الشيخ: هل تكفي الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند قراءة الفاتحة في الصلاة أو لابد من الإتيان بالبسملة؟ وإذا استعذت وبسملت للفاتحة هل أبسمل للسورة التي بعدها في الصلاة وإن تعددت السور؟
فأجاب فضيلته بقوله: التعوذ بالله من الشيطان الرجيم مشروع عند كل قراءة، كلما أراد الإنسان أن يقرأ شيئاً من القرآن في الصلاة أو غير الصلاة فإنه مشروع له أن يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، لقوله سبحانه وتعالى: (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ).
أما البسملة، فإن كان القارئ يريد أن يبتدئ السورة من أولها فبسمل؛ لأن البسملة آية فاصلة بين السور يؤتى بها في ابتداء كل سورة ما عدا سورة البراءة؛ فإن سورة براءة ليس في أولها بسملة.
وعلى هذا فإذا أراد الإنسان قراءة الفاتحة في الصلاة فيستعيذ بالله من الشيطان الرجيم أولاً ثم يقرأ: بسم الله الرحمن الرحيم.
وقد اختلف أهل العلم في البسملة في الفاتحة هل هي من الفاتحة أو لا؟
فذهب بعض أهل العلم إلى أنها من الفاتحة، ولكن الصحيح أنها ليست منها، وأن أول سورة الفاتحة (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)؛ لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – الثابت في الصحيح أن الله سبحانه وتعالى قال: "قسمت الصلاة بينى وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال الله تعالى: أثنى علي عبدي. وإذا قال: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال الله تعالى: مجدني عبدي، وإذا قال: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، وإذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال الله تعالى: هذا لعبدي، ولعبدي ما سأل"(1).(52/1)
وعلى هذا فتكون الفاتحة أولها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) وهي سبع آيات، الأولى: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، الثانية: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)، الثالثة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ)، والرابعة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ)، الخامسة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ)، السادسة: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ). السابعة: (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ).
أما على القول بأن البسملة منها؛ فأول آية هي البسملة والثانية هي: (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ). والثالثة: (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ). والرابعة: (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ). الخامسة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ). والسادسة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ). والسابعة: (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ).
ولكن الراجح أن البسملة ليست من الفاتحة، كما أنها ليست من غيرها من السور إلا في سورة النمل؛ فإنها بعض آية منها.
456 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم الجهر بالبسملة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الراجح أن الجهر بالبسملة لا ينبغي، وأن السنة الإسرار بها؛ لأنها ليست من الفاتحة، ولكن لو جهر بها أحياناً فلا حرج؛ بل قد قال بعض أهل العلم: إنه ينبغي أن يجهر بها أحياناً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد روي عنه "أنه كان يجهر بها"(2).
ولكن الثابت عنه صلى الله عليه وسلم "أنه كان لا يجهر بها"(1) وهذا هو الأولى أن لا يجهر بها.
ولكن لو جهر بها تأليفاً لقوم مذهبهم الجهر فأرجو أن لا يكون به بأس.
457 وسئل فضيلته: هل الاستعاذة في كل ركعة أو في الأولى فقط؟
فأجاب: الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم في الصلاة سنة.(52/2)
واختلف العلماء – رحمهم الله – هل يستعيد في كل ركعة، أم في الركعة الأولى فقط بناء على القراءة في الصلاة هل هي قراءة واحدة أم لكل ركعة قراءة منفردة؟
والجواب: الذي يظهر لي: أن قراءة الصلاة واحدة، فتكون الاستعاذة في أول ركعة، إلا إذا حدث ما يوجب الاستعاذة، كما لو انفتح عليه باب الوساوس، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر الإنسان إذا انفتح عليه باب الوساوس أن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم. فقد روى مسلم أن عثمان بن أبي العاص أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن الشيطان قد حال بيني وبين صلاتي وقراءتي يلبسها عليَّ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ذاك شيطان يقال له خنزب، فإذا أحسسته فتعوذ بالله منه، واتفل على يسارك ثلاثاً"(2).
---
(1) رواه مسلم في الصلاة باب 11 – وجوب قراءة الفاتحة 1/296 ح38 (395)، وأبو داود في الصلاة باب من ترك القراءة في صلاته (821)، والترمذي في التفسير باب ومن سورة فاتحة الكتاب (2953)، والنسائي في الافتتاح باب ترك قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (908).
(2) رواه النسائي في الافتتاح/ باب قراءة بسم الله الرحمن الرحيم (904)، وابن حبان 1788، وابن خزيمة 499، والدارقطني 1/305، والبيهقي 2/46، 58.
(1) لما رواه أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: "صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخلف أبي بكر، وخلف عمر، فلم أسمع أحد منهم يقرأ ببسم الله الرحمن الرحيم"، رواه مسلم في الصلاة، باب حجة من قال لا يجهر بالبسملة (399).
(2) رواه مسلم في السلام باب 25 – التعوذ من شيطان الوسوسة في الصلاة 4/1728 ح68 (2203).(52/3)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
دعاء الاستفتاح
محمد بن صالح العثيمين
458 سئل فضيلة الشيخ وفقه الله تعالى: ما حكم دعاء الاستفتاح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاستفتاح سنة وليس بواجب، لا في الفريضة ولا في النافلة.
والذي ينبغي أن يأتي الإنسان في الاستفتاح بكل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم يأتي بهذا أحياناً، وبهذا أحياناً، ليحصل له بذلك فعل السنة على جميع الوجوه، وإن كان لا يعرف إلا وجهاً واحداً من السنة واقتصر عليه فلا حرج؛ لأن الظاهر أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان ينوع هذه الوجوه في الاستفتاح، وفي التشهد من أجل التيسير على العباد، وكذلك في الذكر بعد الصلاة كان الرسول صلى الله عليه وسلم ينوعها لفائدتين:
الفائدة الأولى: أن لا يستمر الإنسان على نوع واحد، فإن الإنسان إذا استمر على نوع واحد صار إتيانه بهذا النوع كأنه أمر عادي، ولذلك لو غفل وجد نفسه يقول هذا الذكر، وإن كان من غير قصد؛ لأنه صار أمراً عادياً فإذا كانت الأذكار متنوعة وصار الإنسان يأتي أحياناً بهذا، وأحياناً بهذا صار ذلك أحضر لقلبه، وأدعى لفهم ما يقوله.
الفائدة الثانية: التيسير على الأمة، بحيث يأتي الإنسان تارة بهذا، وتارة بهذا، على حسب ما يناسبه.
فمن أجل هاتين الفائدتين صارت بعض العبادات تأتي على وجوه متنوعة مثل دعاء الاستفتاح، والتشهد، والأذكار بعد الصلاة.
459 سئل فضيلة الشيخ: هل يجمع الإنسان بين نوعين من دعاء الاستفتاح؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجمع بين نوعين من دعاء الاستفتاح، لما ثبت في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنيهة قبل أن يقرأ فسألته فقال: أقول: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء، والثلج، والبرد"(1).(53/1)
فالنبي عليه الصلاة والسلام ما أجابه عندما سأله ما يقول إلا بواحد فقط، فدل هذا على أنه ليس من المشروع الجمع بين الأنواع.
460 وسئل فضيلة الشيخ: إذا جاء المصلي والإمام قد شرع في الصلاة وهو يعلم أنه إن شرع في دعاء الاستفتاح ركع الإمام ولم يتمكن من قراءة الفاتحة فما العمل؟
فأجاب بقوله: إذا جاء الإنسان ودخل مع الإمام فإنه يكبر تكبيرة الإحرام، ويستفتح ويشرع بقراءة الفاتحة ثم إن تمكن من إتمامها قبل أن يفوته الركوع فعل، فإن لم يتمكن فإنها تسقط عنه ما لم يتمكن منه؛ لأنه مسبوق في القيام، وحينئذ يكون قد أتى بالصلاة على ترتيبها المشروع حسبما أمر به.(53/2)
461 وسئل فضيلته: لقد عقدت دورة لتلاوة القرآن الكريم وحفظه في دولة...، وقد أوفدت لنا الجهة المختصة رجلاً فاضلاً من علماء القرآن لتعليم الناس كيفية التلاوة الصحيحة – جزاه الله خيراً – وقد أثار هذا الشيخ المدرس منذ اللحظة الأولى مسألة وجوب الجهر ببسم الله الرحمن الرحيم، ثم قال: إننا في هذا البلد نقرأ القرآن على رواية حفص، وبما أن هذه الرواية تعتبر البسملة آية من الفاتحة إذن لابد من الجهر بها في الصلاة الجهرية، والذي لا يجهر بها تبطل صلاته حتى لو قرأها سراً. فكنت يا شيخنا من الذين ناقشوه حول هذه المسألة بفرعيها الأول: وهو قوله "بوجوب الجهر بالبسملة" والثاني: عن قوله ببطلان صلاة من أسر بها. لكنه لم يناقش الأمر بموضوعية ولم يأت بأدلة على كلامه وطلب إنهاء النقاش حول المسألة مع إصراره على قوله. فقمت من باب تبيان الحق للناس – إن شاء الله – بكتابة رد على أقواله ووزعته على بعض الناس وأعطيته نسخة من الرد معتذراً إليه، وقائلاً له: هذه وجهة نظر أرجو منك الإطلاع عليها، وكنت قد اتصلت بالشيخ...، قبل توزيع الرد عارضاً عليه المسألة فوافقني على ما كتبت جزاه الله خيراً، وقد أرفقت صورة عما كتبت مع هذه الرسالة لفضيلتكم أرجو منكم توجيهي حول ذلك، فما كان من ذلك الشيخ في الحصة التي بعدها إلا أن قام بالتهجم عليَّ بالكلام، واتهمني بسوء الأدب وغير ذلك، وهذا لا يهم، ثم أصر على كلامه السابق بالقول ببطلان صلاة من لم يجهر بالبسملة. لذا نرجو من فضيلتكم أن تفتونا مأجورين حول ما ذكرت بهذه الرسالة وبارك الله فيكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته وبعد:(53/3)
القول الراجح أن البسملة ليست من الفاتحة فلا يجهر بها في الجهرية ودليل ذلك ما ثبت في الصحيح من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله تعالى: قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: "الحمد لله رب العالمين" قال الله: "حمدني عبدي" أخرجه مسلم في صحيحه(2). وتمام الحديث فيه.
فبدأ بقوله الحمد لله رب العالمين ولم يذكر البسملة.
ويدل لذلك أيضاً ما رواه مسلم في صحيحه(3) عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر، وعثمان فلم أسمع أحداً منهم يقرأ بسم الله الرحمن الرحيم"، وفي لفظ: "صليت خلف النبي صلى الله عليه وسلم وخلف أبي بكر، وعمر، وعثمان فكانوا لا يجهرون ببسم الله الرحمن الرحيم". رواه أحمد(1) والنسائي(2) بإسناد على شرط الصحيح. قال الحافظ الدارقطني: إنه لم يصح بالجهر بها حديث.
ولما ذكر في نيل الأوطار الخلاف في المسألة قال: وأكثر ما في المقام الاختلاف في مستحب أو مسنون، فليس شيء من الجهر وتركه يقدح في الصلاة ببطلان بالإجماع أهـ(3).
فتبين بهذا:
أولاً: أن البسملة ليست من الفاتحة لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه -.
ثانياً: أن السنة عدم الجهر بالبسملة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر، وعثمان لم يكونوا يجهرون بها، لحديث أنس بن مالك – رضي الله عنه -.
ثالثاً: أن الصلاة لا تبطل بترك الجهر بالإجماع، وأن من قال تبطل فقد خالف الإجماع.
فاجتمع في ترك الجهر بالبسملة سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الثلاثة، وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على اتباع سنته وسنة الخلفاء الراشدين من بعده.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 10 من محرم سنة 1418هـ.
462 وسئل فضيلة الشيخ: هل التأمين سنة؟(53/4)
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، التأمين سنة مؤكدة، لاسيما إذا أمن الإمام، لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإن من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"(4).
ويكون تأمين الإمام والمأموم في آن واحد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم وآله وسلم: "إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين"(5).
463 وسئل فضيلة الشيخ: ورد في الحديث: "إذا أمن الإمام فأمنوا، فإنه من وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه"، فهل من سبق إمامه يدخل في هذا الفضل؟
فأجاب فضيلته بقوله: من سبق إمامه في التأمين فإنه لا يدخل في هذا الفضل، لأنه قال: "إذا أمن الإمام فأمنوا فمن وافق"(6).
لكن لو فرض أن الإمام تأخر فحينئذ لا حرج على المأموم أن يؤمن.
464 سئل فضيلة الشيخ: إذا فرغ المصلي في الصلاة السرية من قراءة الفاتحة وسورة والإمام لم يركع فهل يسكت؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يسكت المأموم إذا فرغ من قراءة الفاتحة وسورة قبل أن يركع الإمام، بل يقرأ حتى يركع الإمام، حتى لو كان في الركعتين اللتين بعد التشهد الأول وانتهى من الفاتحة ولم يركع الإمام فإنه يقرأ سورة أخرى حتى يركع الإمام؛ لأنه ليس في الصلاة سكوت مشروع إلا في حال استماع المأموم لقراءة إمامه.
465 وسئل فضيلة الشيخ: إذا دخل الإنسان في صلاة سرية وركع الإمام ولم يتمكن هذا الشخص من إكمال الفاتحة فما العمل؟(53/5)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان مسبوقاً بمعنى أنه جاء والإمام قد شرع في الصلاة ثم كبر، واستفتح، وقرأ الفاتحة، وركع الإمام قبل انتهائه منها، فإنه يركع مع الإمام ولو فاته بعض الفاتحة؛ لأنه كان مسبوقاً فسقط عنه ما لم يتمكن من إدراكه قبل ركوع الإمام، وأما إذا كان دخل مع الإمام في أول الصلاة وعرف من الإمام أنه لا يتأنى في صلاته، وأنه لا يمكنه متابعة الإمام، إلا بالإخلال بأركان الصلاة ففي هذه الحال يجب عليه أن يفارق الإمام، وأن يكمل الصلاة وحده؛ لأن المتابعة هنا متعذرة إلا بترك الأركان، وترك الأركان مبطل للصلاة.
466 وسئل فضيلة الشيخ: بعض المأمومين إذا قرأ (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: استعنا بالله، فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: المشروع في حق المأموم أن ينصت لإمامه، فإذا فرغ من الفاتحة أمن الإمام، وأمن المأموم، وهذا التأمين يغني على كل شيء يقوله الإنسان في أثناء قراءة الإمام للفاتحة.
467 وسئل فضيلة الشيخ: بعض المأمومين حين يقرأ الإمام في الفاتحة (إياك نعبد وإياك نستعين) يقولون: استعنا بالله، وبعضهم يقول ذلك جهراً، فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في ذلك أنه لا ينبغي للمأموم هذا القول ولا وجه له، لأن قارئ الفاتحة حين يقول (إياك نعبد وإياك نستعين) فذلك خبر عما في نفسه وضميره من أنه لا يعبد إلا الله، ولا يستعين إلا به، والمطلوب من المأموم أن يؤمن على قراءة الإمام حين يقول (ولا الضالين) ذلك هو المطلوب فقط.
أما هذا الذي يقولونه فليس بمشروع، وأيضاً فهو يؤذي من حوله بالتشويش عليهم.
468 وسئل فضيلته: عن قول بعض الناس إذا قال الإمام (إياك نعبد وإياك نستعين) "استعنا بالله"؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: قول المأموم إذا قال الإمام (إياك نعبد وإياك نستعين) "استعنا بالله" لا أصل له، وينهى عنه؛ لأنه إذا انتهى الإمام من الفاتحة أمن المأموم، فتأمينه هذا كاف عن قوله استعنا بالله.
---(53/6)
(1) رواه البخاري في الأذان باب 89: ما يقول بعد التكبير (744)، ومسلم في المساجد باب 27: ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة 1/419 ح147 (598).
(2) وقد سبق تخريجه في ص108.
(3) في الصلاة باب 13: حجة من قال لا يجهر بالبسملة 1/299 ح50 (399) وهو في البخاري بمعناه في الأذان باب 89: ما يقول بعد التكبير (743).
(1) في مسند أنس 3/111.
(2) في الافتتاح باب: ترك الجهر بـ (بسم الله الرحمن الرحيم) (906).
(3) نيل الأوطار 2/205.
(4) أخرجه البخاري في الأذان باب 111: جهر الإمام بالتأمين (780)، ومسلم في الصلاة باب 18: التسميع والتحميد والتأمين 1/307 ح72 (410).
(5) أخرجه البخاري في الأذان باب 113: جهر المأموم بالتأمين (782)، ومسلم في الموضع السابق ح76 (410).
(6) أخرجه البخاري في الموضع السابق، ومسلم في الموضع السابق ح72 (410).(53/7)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
قراءة الفاتحة
محمد بن صالح العثيمين
469 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى-: ما حكم قراءة الفاتحة في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: اختلف العلماء في قراءة الفاتحة على أقوال متعددة:
القول الأول: أن الفاتحة لا تجب لا على الإمام، ولا المأموم، ولا المنفرد، لا في الصلاة السرية، ولا الجهرية، وأن الواجب قراءة ما تيسر من القرآن ويستدلون بقول الله تعالى في سورة المزمل: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ). وبقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل: "اقرأ ما تيسر معك من القرآن"(1).
القول الثاني: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام، والمأموم، والمنفرد، في الصلاة السرية والجهرية، وعلى المسبوق وعلى الداخل في جماعة من أول الصلاة.
القول الثالث: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام والمنفرد، وليست واجبة على المأموم مطلقاً لا في السرية، ولا في الجهرية.
القول الرابع: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، وركن في حق المأموم في الصلاة السرية دون الجهرية.
والراجح عندي: أن قراءة الفاتحة ركن في حق الإمام، والمأموم، والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، إلا المسبوق إذا أدرك الإمام راكعاً فإن قراءة الفاتحة تسقط عنه في هذه الحال، ويدل لذلك عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(1). وقوله صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"(2) – بمعنى فاسدة – وهذا عام، ويدل لذلك أيضاً حديث عبادة بن الصامت أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح فقال لأصحابه: "لعلكم تقرؤون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم يا رسول الله، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(3)، وهذا نص في الصلاة الجهرية.(54/1)
وأما سقوطها عن المسبوق فدليله: حديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه أدرك النبي صلى الله عليه وسلم راكعاً، فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم من صلاته سأل عمن فعل ذلك، فقال أبو بكرة: أنا يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(4)، فلم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة الركعة التي أسرع من أجل ألا تفوته، ولو كان ذلك واجباً عليه لأمره به النبي صلى الله عليه وسلم، كما أمر الذي يصلي بلا طمأنينة أن يعيد صلاته، هذا من جهة الدليل الأثري.
أما من جهة الدليل النظري فنقول:
إن هذا الرجل المسبوق لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة، فلما لم يدرك المحل سقط ما يجب فيه، بدليل أن الأقطع الذي تقطع يده لا يجب عليه أن يغسل العضد بدل الذراع، بل يسقط عنه الفرض لفوات محله، كذلك تسقط قراءة الفاتحة على من أدرك الإمام راكعاً؛ لأنه لم يدرك القيام الذي هو محل قراءة الفاتحة، وإنما سقط عنه القيام هنا من أجل متابعة الإمام.(54/2)
فهذا القول عندي هو الصحيح، ولولا حديث عبادة بن الصامت الذي أشرت إليه قبل قليل – وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح – لولا هذا لكان القول بأن قراءة الفاتحة لا تجب على المأموم في الصلاة الجهرية هو القول الراجح؛ لأن المستمع كالقارئ في حصول الأجر، ولهذا قال الله تعالى لموسى: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا)، مع أن الداعي موسى وحده، قال تعالى: (وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ). فهل ذكر الله لنا أن هارون دعا؟ فالجواب لا، ومع ذلك قال: (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا). قال العلماء في توجيه التثنية بعد الإفراد: إن موسى كان يدعو وهارون كان يؤمن.
وأما حديث أبي هريرة الذي فيه: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"(5) فلا يصح؛ لأنه مرسل كما قاله ابن كثير في مقدمة تفسيره، ثم إن هذا الحديث على إطلاقه لا يقول به من استدل به، فإن الذين استدلوا به بعضهم يقول: إن المأموم تجب عليه القراءة في الصلاة السرية فلا يأخذون به على الإطلاق.
فإن قيل: إذا كان الإمام لا يسكت فمتى يقرأ المأموم الفاتحة؟
فنقول: يقرأ الفاتحة والإمام يقرأ؛ لأن الصحابة كانوا يقرءون مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يقرأ، فقال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(1).(54/3)
470 سئل فضيلة الشيخ وفقه الله تعالى: ما وجه الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" وكذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج غير تمام" وبين قوله صلى الله عليه وسلم: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"، وحديث: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا، وإذا قرأ فأنصتوا"، ما وجه الجمع؟ وما الحكم إذا قرأ المصلي في الركعة الأولى (قل هو الله أحد) وفي الثانية: العاديات؟ أو في الأولى بسورة البقرة كلها، وفي الثانية بسورة آل عمران؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين وبعد:
فإن من المهم لطالب العلم خاصة أن يعرف الجمع بين النصوص التي ظاهرها التعارض، ليتمرن على الجمع بين الأدلة، ويتبين له عدم المعارضة؛ لأن شريعة الله لا تتعارض، فإنها من وحي الله عز وجل.
وكلام الله تبارك وتعالى، وما صح عن رسوله صلى الله عليه وسلم لا يتعارض، وما ذكره السائل من الأحاديث الأربعة التي قد يظهر منها التعارض فيما بينها فإن الجمع بينها – ولله الحمد – ممكن متيسر وذلك أن نحمل الحديثين الأخيرين "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"(2)، إن صح فإن بعض أهل العلم ضعفه، وقال: لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم لأنه مرسل، فإن هذا العموم وهو قوله: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة" يخصص بحديث الفاتحة: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"(3). فتكون قراءة الإمام في ما عدا سورة الفاتحة له قراءة.(54/4)
وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قرأ فأنصتوا" يحمل على ما عدا الفاتحة فيقال: إذا قرأ في غير الفاتحة وأنت قد قرأتها فأنصت له ولا تقرأ معه؛ لأن قراءة الإمام قراءة لك هذا هو الجمع بين الحديثين. والأخذ بالحديثين الأولين وهو "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"(4). وحديث: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج". الأخذ بهما أحوط؛ لأن القاري يكون قد أدى صلاته بيقين دون شك إذا قرأ الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ ففي السنة من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه الصبح فلما انصرف قال: لعلكم تقرءون خلف إمامكم؟ قالوا: نعم، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها".
وأما قول السائل: ما حكم قراءة قل هو الله أحد في الركعة الأولى وفي الثانية سورة العاديات؟
فهذا لا ينبغي، والذي ينبغي أن تقرأ القرآن في الركعتين مرتباً، فإذا قرأت سورة فالأولى أن تقرأ بما بعدها لا بما قبلها، فإذا قرأ الإنسان (قل يا أيها الكافرون) في الركعة الأولى، فليقرأ في الركعة الثانية (إذا جاء نصر الله والفتح) أو (قل هو الله أحد) ولا يقرأ (أرأيت الذي يكذب بالدين) أو ما كان قبلها وهكذا.
وأما قوله: هل يقرأ في الركعة الأولى بسورة البقرة كلها، والثانية بسورة آل عمران؟
فجوابه: أنه لا يجوز لك أن تفعل هذا إذا كنت إماماً، أن تقرأ بسورة البقرة كاملة وآل عمران كاملة، بل ولا بسورة البقرة وحدها، اللهم إلا أن تكون الجماعة عدداً محصوراً ويوافقوا على ذلك فلا حرج، ووجه هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم زجر معاذاً – رضي الله عنه – ووعظه موعظة عظيمة حينما أطال بأصحابه وقال: "أتريد يا معاذ أن تكون فتاناً". وليس للإمام أن يقرأ بأصحابه أكثر مما جاءت به السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن صلاة الرسول صلى الله عليه وسلم أتم الصلاة، وأحسنها، وأوفقها، وأرفقها بالخلق. والله الموفق.
رسالة(54/5)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد: فلا شك أنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(1)، وأن هذا النفي نفي للصحة لا نفي للكمال كما يدل عليه حديث أبي هريرة رضي الله عنه عند مسلم "من صلى صلاة لم يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"(2) وأن ذلك واجب في كل صلاة، وفي كل ركعة من الركعات لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته حين ذكر له ما يفعل بالركعة من قراءة وغيرها قال: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"(3).
وأنه لا فرق بين الإمام والمأموم والمنفرد لعموم الحديث، وأما الأحاديث الواردة في إخراج المأموم من ذلك فلا يصح الاستدلال بها إما لضعفها، وإما لضعف دلالتها على ذلك(4).
كما أن ظاهر الحديث أنه لا فرق بين أن تكون الصلاة جهرية سمع فيها المأموم قراءة الإمام الفاتحة، أم سرية لعموم الحديث، ولحديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح فتفلتت عليه القراءة، فلما انصرف قال: "إني أراكم تقرءون وراء إمامكم" قال: قلنا يا رسول الله أي والله، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها". رواه أبو داود والترمذي(5). وفي لفظ: "فلا تقرأوا بشيء من القرآن إذا جهرت به إلا بأم القرآن". رواه أبو داود والنسائي(6).(54/6)
لكن من جاء والإمام راكع فإنها تسقط عنه في هذه الركعة التي أدرك ركوعها لما في صحيح البخاري عن أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(7). وفي رواية لأحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع صوت نعل أبي بكرة وهو يحضر (أي يسعى عجلاً) يريد أن يدرك الركعة، فلما انصرف قال: "من الساعي"؟ قال أبو بكرة أنا. وعند الطبراني أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: خشيت أن تفوتني الركعة معك. وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تعد" بفتح التاء وضم العين، وسكون الدال، من العود وهو يتضمن الدلالة على النهي عن السعي، وعن الركوع قبل الوصول إلى الصف، وعلى إدراك أبي بكرة للركعة. ووجه الدلالة منه على إدراكها ما يأتي:
1- أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأمره بقضائها، ولو لم يدركها لأمره بقضائها، كما أمر المسيء في صلاته بإعادة صلاته حين لم يصلها بطمأنينة، ولم يتم ركوعها، ولا سجودها، ولو أمره بقضائها لنقل إلينا قطعاً لأنه من الشريعة، وقد تكفل الله بحفظها فلا يمكن أن يترك منها ثابت بدون نقل، فلما لم ينقل علم أنه لم يكن.
وهذه قاعدة هامة ينبغي مراعاتها.
2- أن سعي أبي بكرة وركوعه قبل أن يصل إلى الصف دليل على أنه ليدرك الركعة بذلك، وقد صرح للنبي صلى الله عليه وسلم بذلك في رواية الطبراني، وهو معلوم، وإن لم يصرح به إذ لا يمكن للعاقل أن يفعل مثل ذلك إلا لفائدة يحصل عليها وهي إدراك الركعة هنا، ولو لم يكن بينه وبين من فاته الركوع فرق في عدم الإدراك، لما كان يحسن أن يسعى ويركع قبل أن يصل إلى الصف.(54/7)
3- أنه لما كان يفهم من فعل أبي بكرة قصد إدراك الركعة ولم يبين له النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يدركها مع قيام هذا المقتضى القوي للبيان كان دليلاً واضحاً على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكرة لما قصده، وأنه قد أدرك الركعة، وهذا أقوى دلالة من الإقرار المجرد الذي لم يسبق بما يقتضي وجوب الإنكار، لو كان العمل مما يجب إنكاره.
هذا من حيث الدليل الأثري على إدراك الركعة إذا أدرك المأموم إمامه راكعاً، وأنه تسقط عنه الفاتحة في هذه الركعة حينئذ.
أما من حيث الدليل النظري فنقول: الفاتحة قرآن واجب حال القيام، وقد سقط القيام عنه حينئذ لوجوب متابعة الإمام، فسقط ما كان واجباً فيه؛ لسقوط محله، كما يسقط التشهد الأول عن المأموم إذا أدرك إمامه في الركعة الثانية من الرباعية، ويزيده في الركعة الأولى مع أنه لو تعمد ذلك في حال غير متابعة الإمام لبطلت صلاته. قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 29/4/1398هـ.
471 وسئل فضيلة الشيخ: في حالة الصلاة الجهرية كالفجر مثلاً هل يلزم المأموم قراءة الفاتحة مع العلم بأن بعض الأئمة بعد انتهائه من قراءة الفاتحة يقرأ سورة أخرى بسرعة لا تتيح للمأموم قراءة الفاتحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسألة تنبني على خلاف العلماء – رحمهم الله – في وجوب قراءة الفاتحة، وذلك أن أهل العلم اختلفوا في هذه المسألة:
فمنهم من قال: لا قراءة على المأموم مطلقاً لا في الصلاة السرية ولا في الصلاة الجهرية، لا الفاتحة ولا غيرها.(54/8)
ومنهم من قال: بل يجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في السرية والجهرية، ولا تسقط الفاتحة إلا في حق المسبوق الذي أدرك الإمام وهو راكع، وهذا القول أقرب إلى ظواهر النصوص، أعني أن الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد، وأنها واجبة على المأموم في الصلاة السرية والجهرية إلا المسبوق إذا دخل مع الإمام وهو راكع أو قبل ركوعه في حال لا يتمكن فيها من قراءة الفاتحة، ففي هذه الحالة تسقط عنه.
وعلى هذا فإذا كنت خلف إمام يشرع في قراءة السورة بعد الفاتحة مباشرة، فاقرأ الفاتحة ولو كان إمامك يقرأ، وقد يحصل من ذلك مشقة في أنك تقرأ وإمامك يقرأ، ولاسيما إن كان الإمام من الذين يقرأون بواسطة مكبر الصوت، ولكن نقول: تحمل واصبر ومن صبر ظفر.
472 وسئل أيضاً: رجل يصلي الفريضة، قرأ الفاتحة ثم ركع دون أن يقرأ سورة معها ناسياً، فما حكم صلاته؟
فأجاب بقوله: لا شيء عليه، لأن قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة ليس بواجب، وإنما هو سنة، إذا أتى به الإنسان فهو أفضل، وإن لم يأت به فلا حرج عليه، ولا فرق في ذلك بين الصلاة الجهرية والسرية وبين المأموم والإمام، والمأموم في الصلاة الجهرية إنما يقرأ الفاتحة فقط ثم يستمع لقراءة الإمام.
473 سئل فضيلة الشيخ: متى يقرأ المأموم الفاتحة في الصلاة مع قراءة الإمام للفاتحة أو عندما يقرأ في السورة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل أن تكون قراءة الفاتحة للمأموم بعد قراءة الإمام لها؛ لأجل أن ينصت للقراءة المفروضة الركن؛ لأنه لو قرأ الفاتحة والإمام يقرأ الفاتحة لم ينصت للركن، وصار إنصاته لما بعد الفاتحة وهو التطوع، فالأفضل أن ينصت لقراءة الفاتحة؛ لأن الاستماع إلى القراءة التي هي ركن أهم من الاستماع إلى السنة، هذه من جهة، ومن جهة أخرى أن الإمام إذا قال: (ولا الضالين) وأنت لم تتابع فلن تقول "آمين" وحينئذ تخرج عن الجماعة فالأفضل هو هذا.(54/9)
474 وسئل حفظه الله: هل تجب قراءة الفاتحة في كل الركعات، أو يكفي لو قرأها في بعض الركعات؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجب أن يقرأ الفاتحة في كل الركعات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم المسيء في صلاتِه صلاتَه وقال له: "افعل ذلك في صلاتك كلها"(1)، فما وجب في الركعة الأولى فإنه يجب في الركعات التي بعدها.
أما ما كان سنة في الركعة الأولى، كالاستفتاح والتعوذ فإنه لا يشرع في الركعات التي بعدها.
475 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم قراءة الفاتحة في صلاة التراويح؟ وما حكم من تركها؟ هل ينقص ثواب الصلاة أو تبطل؟ وكيف نقرأها مع الإمام وهو يقرأ القرآن؟
فأجاب فضيلته بقوله: قراءة الفاتحة قد تقدم الكلام عليه، وبينا أن الراجح من كلام أهل العلم أنها ركن في كل صلاة سواء كان إماماً أو مأموماً أو منفرداً، وأنه إذا كان خلف الإمام الذي يجهر بالقراءة فإنه يقرأ الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ، لحديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(2). وهذا ثابت في الصحيحين وغيرهما، وعام ليس في استثناء، وفي السنن أيضاً من حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أنهم صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر وهي صلاة جهرية فلما انصرف قال: "لعلكم تقرأون خلف إمامكم" قالوا: نعم، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(3).
وأما حديث أبي هريرة الذي في السنن أيضاً، وهو أنه ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"، قال: فانتهى الناس عن القراءة فيما يجهر به النبي صلى الله عليه وسلم(4).
فالمراد بالقراءة التي انتهى الناس عنها هي قراءة غير الفاتحة لأنه لا يمكن أن ينتهوا عن قراءة سورة قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها".(54/10)
ولهذا كان الصواب أن قول من أدعى أنه منسوخ، أي أن القراءة خلف الإمام الذي يجهر منسوخة. قوله هذا ليس بصواب لأنه لا يمكن ادعاء النسخ مع إمكان الجمع، ومن المعلوم أنه إذا أمكن الجمع بطريق التخصيص فإنه لا يصار إلى النسخ.
476 سئل فضيلة الشيخ: هل تصح الصلاة بدون قراءة الفاتحة؟ وهل يجوز للمأموم ترك قراءة سورة الفاتحة خلف الإمام؟ وهل يجوز للمنفرد والإمام ترك قراءة الفاتحة في الركعتين الأخيرتين من الفريضة؟ وهل يجوز ترك الفاتحة في صلاة الجنازة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على هذا السؤال أن الصلاة لا تصح بدون قراءة الفاتحة وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". متفق عليه(1) من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن، أو قال بفاتحة الكتاب فهي خداج، فهي خداج، فهي خداج". أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه(2)، وخداج معناه الشيء الفاسد الذي لا نفع فيه، وهذا البيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم بيان للمجمل في قوله تعالى: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ). وعلى هذا فمن لم يقرأ بها فإنه لا صلاة له، وعليه إعادة الصلاة، فإن لم يفعل فإن ذمته لا تبرأ بذلك، وظاهر الأدلة وعمومها يدل على أنها ركن في حق الإمام والمأموم والمنفرد، وذلك لعدم التفصيل في هذا، ولو كان أحدهم يختلف عن الآخر لبينه النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قوله فيما ينسب إليه: "من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة"(3).(54/11)
فإن هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إن ظاهر الأدلة أنها تجب على المأموم حتى في الصلاة الجهرية وذلك لعدم التفصيل، ولأن أهل السنن رووا من حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم صلاة الصبح، فلما انصرف سألهم من الذي يقرأ خلفه أو قال: "هل تقرأون خلف إمامكم؟" قالوا: نعم، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(4). فاستثنى النبي عليه الصلاة والسلام أم القرآن من النهي، مع أن الصلاة صلاة الفجر وهي صلاة جهرية، فدل هذا على وجوب قراءة الفاتحة على المأموم حتى في الصلاة الجهرية، وفي هذه الحال يقرأ، ولو كان إمامه يقرأ فيكون هذا مخصصاً لعموم قوله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ).
وأما قول السائل: هل يجوز ترك قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة؟
فجوابه: أن صلاة الجنازة صلاة مفتتحة بالتكبير مختتمة بالتسليم، فتدخل في عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(5)، فإذا صلى أحد على الجنازة ولم يقرأ بفاتحة الكتاب فإن الصلاة لا تصح، ولا تبرأ بها الذمة، ولا تقوم بما يجب قيامه جهة أخينا الميت من حق، وقد ثبت في صحيح البخاري أن ابن عباس – رضي الله عنهما – قرأ سورة الفاتحة في صلاة الجنازة وقال: "لتعلموا أنها سنة أو ليعلموا أنها سنة"(6)، ومراده بالسنة هنا الطريقة، وليست السنة الاصطلاحية عند الفقهاء، وهي التي يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها؛ لأن السنة في عرف المتقدمين تطلق على طريقة النبي صلى الله عليه وسلم سواء كانت واجبة أم مستحبة، كما في حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه قال (أي أنس): "من السنة إذا تزوج البكر على الثيب أقام عندها سبعاً"(7) والمراد بالسنة هنا السنة الواجبة.(54/12)
وعلى هذا فعلى المرء أن يتقي الله عز وجل في نفسه، وأن يرجع فيما يتعبد به لله، أو يعامل به عباد الله إلى كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ففيهما الكفاية، وفيهما الهدى والنور والشفاء.
477 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم من ترك الفاتحة سهواً في بعض ركعات الصلاة؟ وما الحكم إذا أدرك الإمام راكعاً؟ وإذا تركها المصلي عمداً فما الحكم؟ وما الحكم في رجل صلى مع جماعة صلاة رباعية من أول الصلاة فلما سلم الإمام قام هذا الرجل وأتى بركعة خامسة فلما سأله الإمام قال: إنني في الركعة الثالثة لم أتمكن من قراءة الفاتحة فأتيت بهذه الركعة بدلاً عنها؟
فأجاب فضيلته بقوله: جواب المسألة الأولى: إذا ترك المأموم الفاتحة سهواً في بعض ركعات الصلاة، فإن قلنا، إنها سنة في حق المأموم كما هو المذهب فلا يعيد الركعة التي ترك منها الفاتحة، وإن قلنا، إنها ركن وهو الراجح وجبت إعادتها كما لو كان منفرداً أو إماماً.
وأما إذا أدرك الإمام راكعاً فإن قراءة الفاتحة تسقط عنه حينئذ؛ لأن محل قراءة الفاتحة القيام، وقد سقط عنه هنا من أجل متابعة الإمام فسقطت عنه الفاتحة لفوات محلها.
أما إذا تركها عمداً وهو إمام أو منفرد أو مأموم وقلنا بأنها ركن في حقه، فإنها تبطل الصلاة كلها لا الركعة فقط.
جواب المسألة الثانية: هذا صحيح، وخير من ذلك أنه لما قام وركع الإمام قبل أن يكمل قراءة الفاتحة أن يكمل الفاتحة ويتابع الإمام ولو رفع الإمام من الركوع.
478 وسئل فضيلة الشيخ: هل تجب قراءة الفاتحة على المأموم في صلاة القيام والتهجد؟ وهل تعتبر قراءة الإمام قراءة له؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح من أقوال أهل العلم أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم والمنفرد في الصلاة السرية والجهرية، فإذا قال قائل: ما الدليل على قولك هذا؟
فالجواب: حديث عبادة بن الصامت: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(1)، والنفي هنا للصحة.(54/13)
وهناك قاعدة أصولية تقول: (إذا ورد النفي فالأصل أنه نفي للشيء بعينه، فإن لم يمكن ذلك فهو نفي للصحة، فإن لم يمكن ذلك فهي نفي للكمال)، وهذه القاعدة متفق عليها بين العلماء، لكن التطبيق يختلف بناء على تحقيق المناط في هذه المسألة.
وحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ليس فيه استثناء.
فإن قلت: هذا العموم معارض في القرآن بقوله: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فمادام أنني أقرأ فأنصت. فانصرف، فقال: "لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟" فقالوا: نعم، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(2).
وصلاة الفجر جهرية، إذن فهذا الحديث يرجع عموم قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"، ويكون مخصصاً لقول الله عز وجل: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا) فيكون (وَإِذَا قُرِئَ) في غير الفاتحة، فالفاتحة لابد من قراءتها.
وبناء على هذا نقول: إن من صلى خلف الإمام في التراويح أو القيام، وجب عليه أن يقرأ الفاتحة ولو كان إمامه يقرأ.
وأما قول السائل: هل يقرأ سورة بعد الفاتحة في الركعة الثالثة والرابعة؟
فجوابه: الصحيح أنه في الثلاثية والرباعية يقرأ في الركعتين الأوليين الفاتحة وسورة، وما بعد التشهد الأول يقتصر فيه على الفاتحة، ولا بأس في صلاة الظهر والعصر أن يزيد على الفاتحة أحياناً لا دائماً، فلو زاد على الفاتحة في الظهر والعصر في الثالثة والرابعة فإنه لا بأس به، والأفضل أن يكون الأكثر أن لا يقرأ شيئاً بعد الفاتحة في الركعة التي بعد التشهد الأول. والله الموفق.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم... حفظه الله تعالى.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
أشكركم على نشر العلم بين زملائكم، وأسأل الله تعالى أن يثيبكم على ذلك.(54/14)
وأما ما ذكرتم من جهة قراءة الفاتحة فأفيدكم بأن العلماء مختلفون في وجوب قراءتها على المأموم.
فمن العلماء من قال لا تجب قراءة الفاتحة على المأموم مطلقاً، لا في الصلاة السرية ولا في الصلاة الجهرية.
ومن العلماء من قال تجب قراءتها على المأموم في الصلاة السرية دون الجهرية.
ومن العلماء من قال تجب قراءتها على المأموم في الصلاة السرية والجهرية، وهذا هو القول الراجح لعموم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب". متفق عليه(1)، وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال صلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الصبح فثقلت عليه القراءة، فلما انصرف قال: "إني أراكم تقرأون وراء إمامكم"، قالوا: أي والله، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها". رواه أبو داود والنسائي بمعناه(2)، وقال الدارقطني: رجاله كلهم ثقات، وهذا نص في أن الصلاة لا تصح إلا بقراءة الفاتحة حتى في حق المأموم في الصلاة الجهرية، ولكنها تسقط عن المسبوق حين يدخل والإمام في الركوع، لحديث أبي بكرة رضي الله عنه أنه انتهى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو راكع فركع قبل أن يصل إلى الصف فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "زادك الله حرصاً ولا تعد". رواه البخاري(3)، ولم يأمره أن يقضي الركعة التي أدرك ركوعها ولم يقرأ فيها بفاتحة الكتاب، فدل ذلك على أن الفاتحة تسقط عمن أدرك الإمام راكعاً، لأنه لم يدرك القيام الذي هو محل القراءة لكنها لا تسقط عنه في بقية الركعات.
كتب ذلك محمد الصالح العثيمين ليلة 17/7/1415هـ.
479 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم التأمين خلف الإمام؟(54/15)
فأجاب بقوله: إذا كان المراد التأمين على قراءة الفاتحة فالتأمين على قراءة الفاتحة ثبت به النص، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أمن الإمام فأمنوا"، وفي لفظ "إذا قرأ (ولا الضالين) فقولوا آمين"(1)، والسنة فيه الجهر بالتأمين على الفاتحة، ومعنى "آمين" اللهم استجب، والله عز وجل قال في الحديث القدسي: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين) قال الله تعالى: حمدني عبدي، وإذا قال: (الرحمن الرحيم) قال الله تعالى: أثنى عليّ عبدي، وإذا قال: (مالك يوم الدين) قال: مجدني عبدي، وإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين) قال: هذا بيني وبين عبدي نصفين، وإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم) إلى آخره قال: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل"(2). إذن يكون قول الإمام (اهدنا الصراط المستقيم) دعاء والمأموم مستمع فالمشروع في حقه أن يؤمن.
أما التأمين على دعاء القنوت فإنه أيضاً بالقياس على التأمين على قراءة الفاتحة يكون مشروعاً؛ لأن القانت يدعو لنفسه ولغيره، ولهذا جاء في الحديث "ثلاث لا يحل لأحد أن يفعلهن: لا يؤم رجل قوماً فيخص نفسه بالدعاء دونهم، فإن فعل فقد خانهم..."(3).
والمراد بالدعاء الدعاء الذي يؤمن عليه المأموم، فإن الإمام لا يخص به نفسه، أما الدعاء الذي لا يؤمن عليه المأموم فله أن يخص نفسه به، فيقول اللهم اغفر لي، اللهم ارحمني.
480 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم الجهر بالتأمين؟ وهل ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم التأمين سراً في الصلاة الجهرية؟(54/16)
فأجاب فضيلته بقوله: الجهر بالتأمين في الصلاة الجهرية سنة؛ لأنه تبع للقراءة، وقد وردت في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أنه كان يجهر بهذا حتى إن المسجد يرتج من أصوات المأمومين بالجهر"(4)؛ ولأن المأموم يؤمن على قراءة إمامه التي يجهر بها، فالدعاء مجهور به فناسب أن يكون التأمين مجهوراً به أيضاً، هذا من الناحية النظرية، ولكن مع هذا فلا ينبغي أن تكون هذه المسألة مثاراً للجدل، والحقد بين المسلمين، فإن ذلك ليس من طريق السلف الصالح، فالسلف الصالح يختلفون في أمور كهذه، ولا يضلل بعضهم بعضاً من أجل هذا، فإذا أمن الإنسان ورفع صوته بالتأمين في الصلاة الجهرية كان ذلك خيراً وأفضل.
481 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم من يسخر بالذي يرفع يديه في صلاته، ويؤمن بجهر، ويقرأ سورة الفاتحة خلف الإمام، ويصلي التراويح إحدى عشرة ركعة، وأن طلاق الثلاث واحدة، ويعامله معاملة عداوة، ولا يصلي خلفه، ويلقبه بأنه وهابي وأنه خارج عن أهل السنة والجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يسخر بمن يقوم بهذه الأعمال المشروعة لا يخلو من حالين:
إما أن يسخر به لكونه طبق الأمر المشروع، ولهذا على خطر عظيم؛ لأنه إذا سخر به من أجل اتباع المشروع كان ساخراً بالمشروع نفسه، والسخرية بشرع الله كفر – والعياذ بالله – كما قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ* لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ).
وأما إن كان يسخر به لسوء فهم عنده، ولعدم معرفة بالشرع عنده، فإنه لا يكفر، لكنه يكون قد أتى معصية حيث احتقر أخاه المسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم"(1).(54/17)
فتبين أن السخرية بمن يقوم بشرائع الله تنقسم إلى هذين القسمين:
إن سخر به من أجل تطبيق ما يراه شرعاً فهو كافر؛ لأن سخريته به سخرية بالشرع.
وإن سخر به معتقداً أنه ناقص الفهم، قليل العلم، حيث خالف رأي أئمة عنده، فهذا لا يكفر، لكنه يكون فاعلاً لمعصية عظيمة، عليه أن يتوب إلى الله سبحانه وتعالى، ولا ينبغي أن يكون مثل هذا الخلاف سبباً للعداوة والبغضاء بين المسلمين، فإن هذه الأمور من الأمور الاجتهادية التي إذا بذل الإنسان فيها الجهد بقصد الوصول للحق من كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ثم أخطأ فيها فإن له أجراً واحداً، وإن أصاب فإن له أجرين، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري وغيره عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إذا اجتهد الحاكم فحكم فأخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران"(2).
وأما تلقيب من فعل هذه السنن وهذه الأمور المشروعة بأنه مبتدع، وأنه وهابي، وأنه خارج عن السنة والجماعة، فإن هذا منكر وذلك لأن الذي يفعل الأمور المشروعة التي ثبتت بها السنة أقرب إلى الحق ممن يعتمد على تقليد فلان وفلان ممن هم عرضة للخطأ، ومن العجب أن هؤلاء المقلدين يضللون من خالفهم في تقليدهم وهم يتناقضون، فإننا إذا أبحنا لمن يقلد واحداً من الأئمة الأربعة أن يقدح بمن يقلد الإمام الثاني، فإننا نبيح لمن يقلد الإمام أن يقدح بمن يقلدون الإمام الأول، وهكذا يعرف المسلمون كلهم لا يعرفون إلا بقدح بعضهم لبعض، ومثل هذا لا تأتي به الشريعة أبداً، وليس أبو حنيفة بأولى بالصواب من مالك، ولا مالك بأولى بالصواب من أبي حنيفة، ولا هذان بأولى بالصواب من الإمام أحمد، ولا الإمام أحمد بأولى بالصواب منهما ولا هؤلاء بأولى بالصواب من الشافعي، ولا الشافعي أولى بالصواب منهم، بل كلهم مجتهدون، والمصيب منهم من وافق الشريعة.(54/18)
وأما قول السائل: بأن من فعل هذا كان وهابياً، فإني أبلغ السامعين جميعاً بأن الوهابية ليست مذهباً مستقلاً أو مذهباً خارجاً عن المذاهب الإسلامية، بل إنها حركة لتجديد ما اندثر من الحق، وخفي على كثير من الناس، فهم في عقيدتهم متبعون للسلف، وفي مذهبهم في الفروع مقلدون للإمام أحمد – رحمه الله – ولا يعني ذلك أنه إذا تبين الصواب لا يدعون من قلدوه، بل هم إذا تبين لهم الصواب، ذهبوا إليه وإن كان مخالفاً لمن قلدوه؛ لأنهم يؤمنون بأن المقلد عرضة للخطأ، ولكن النصوص الشرعية ليس فيها خطأ.
وبهذا تبين أن هذه الدعوى التي يقصد بها التشويه لا حقيقة لها، وأن الوهابية ما هي إلا حركة لتجديد ما اندثر من علم السلف في شريعة الله سبحانه وتعالى، وهي لا تخلو أن تكون دعوة سلفية محضة كما يعرف ذلك من تتبعها بعلم وإنصاف.
حرر في 20/4/1407هـ.
482 وسئل فضيلة الشيخ: إذا انتهى الإنسان من الفاتحة في الصلاة السرية هل يؤمن أم لا؟ وهل يجهر بالتأمين؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا انتهى من الفاتحة يقول: آمين في الصلاة السرية والجهرية، لكن لا يجهر بها في الصلاة السرية، ويجهر بها في الصلاة الجهرية.
483 وسئل فضيلة الشيخ: كيف يمكننا الخشوع في الصلاة، وعند قراءة القرآن في الصلاة وخارجها؟
فأجاب فضيلته بقوله: الخشوع هو لب الصلاة ومخها، ومعناه حضور القلب، وألا يتجول قلب المصلي يميناً وشمالاً، وإذا أحس الإنسان بشيء يصرفه عن الخشوع فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم(1)، ولا شك أن الشيطان حريص على إفساد جميع العبادات لاسيما الصلاة التي هي أفضل العبادات بعد الشهادتين، فيأتي المصلي ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا(2)، ويجعله يسترسل في الهواجس التي ليس منها فائدة والتي تزول عن رأسه بمجرد انتهائه من الصلاة.(54/19)
فعلى الإنسان أن يحرص غاية الحرص على الإقبال على الله – عز وجل – وإذا أحسن بشيء من هذه الهواجس والوساوس فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم سواء كان راكعاً، أو في التشهد، أو القعود، أو في غير ذلك من صلاته.
ومن أفضل الأسباب التي تعينه على الخشوع في صلاته أن يستحضر أنه واقف بين يدي الله وأنه يناجي ربه عز وجل.
484 وسئل فضيلته الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: إني أصلي صلاة الظهر والعصر بصوت عالٍ حتى لا أخرج من جو الصلاة فما حكم ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا غلط؛ لأن السنة في صلاة الظهر والعصر الإسرار، وكون الإنسان لا يخشع إلا بمخالفة السنة غلط. بل يمرن نفسه على موافقة السنة، ويحاول أن يخشع بقدر ما يستطيع.
485 وسئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -: عندما يصلي الإنسان لوحده في صلاة جهرية، هل يجهر بالقراءة؟ أو هو مخير؟ وما حكم إقامة بعض الشباب صلاة التهجد جماعة في كل ليلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقول العلماء رحمهم الله تعالى: إن الإنسان إذا صلى وحده في صلاة الليل فهو مخير بين أن يجهر بالقراءة، أو يسر بها، ولكن إذا كان معه أحد يصلي فلابد من الجهر، ودليل ذلك حديث حذيفة بن اليمان أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة، فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم وشرع في سورة البقرة، وكان لا تمر به آية رحمة إلا سأل، ولا آية عذاب إلا تعوذ، قال حذيفة: فظننت أنه يركع عند المائة آية فمضى حتى أتمها، ثم قرأ بعدها سورة النساء، وآل عمران ثم ركع(3).
وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجهر بذلك، ولولا هذا ما علم حذيفة بما كان يقف له عند آية الرحمة، وآية العذاب، وآية تسبيح، وأنه كان صلى الله عليه وسلم إذا مر بآية تسبيح سبح.
وهنا إشكالان في هذا الحديث:
الأول: هل تشرع صلاة التهجد جماعة أم لا؟(54/20)
الجواب على هذا الإشكال أن يقال: لا تشرع صلاة التهجد على وجه الاستمرار، أما أحياناً فلا بأس، فإن النبي صلى الله عليه وسلم صلى معه حذيفة بن اليمان كما في هذا الحديث، ومرة أخرى صلى معه العباس – رضي الله عنهما – ومرة ثالثة صلى معه عبد الله بن مسعود، ولكنه عليه الصلاة والسلام لا يتخذ هذا دائماً، ولا يشرع ذلك إلا في أيام رمضان، فإذا كان أحياناً يصلي جماعة في التهجد فلا بأس، وهو من السنة.
وأما ما يفعله بعض الأخوة من الشباب الساكنين في مكان واحد من إقامة التهجد جماعة في كل ليلة هذا خلاف السنة.
الإشكال الثاني: في حديث حذيفة أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ سورة النساء بعد سورة البقرة، ثم آل عمران، والذي بين أيدينا أن سورة آل عمران بعد البقرة، والنساء بعد آل عمران، فكيف يكون الأمر؟
الجواب: أن يقال استقر الأمر على أن تكون سورة آل عمران بعد البقرة، ولهذا تأتي الأحاديث في فضائل القرآن بجمع سورة البقرة وسورة آل عمران، لقوله صلى الله عليه وسلم: "اقرأوا الزهراوين: البقرة وآل عمران، فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غيايتان، أو غمامتان، أو فرقان من طير صواف تحاجان عن أصحابهما يوم القيامة"(1). فكان الأمر على الترتيب الموجود الآن.
---
(1) رواه البخاري في الأذان/ باب وجوب القراءة للإمام والمأموم (757)، ومسلم في الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (397).
(1) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت وتقدم تخريجه في ص73.
(2) رواه مسلم في الصلاة/ باب وجوب قراءة الفاتحة (395).
(3) رواه الإمام أحمد 5/316، وأبو داود في الصلاة/ باب من ترك القراءة في الصلاة (823)، والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء في القراءة خلف الإمام، والحاكم 1/238 – 239 والدارقطني 1/120.
(4) رواه البخاري وتقدم في ص7.
(5) أخرجه الإمام أحمد 3/339، وابن ماجة في إقامة الصلاة/ باب إذا قرأ (850).(54/21)
(1) رواه البخاري في الجماعة/ باب إنما جعل الإمام ليؤتم به (657)، ومسلم في الصلاة/ باب ائتمام المأموم بالإمام (412)، وزيادة: "وإذا قرأ فأنصتوا" عند أبي داود في الصلاة/ باب الإمام يصلي من قعود (604)، والنسائي في الافتتاح (920) وابن ماجة (846)، والإمام أحمد 1/420.
(2) تقدم تخريجه ص122.
(3) رواه البخاري ومسلم وتقدم ص73.
(4) تقدم تخريجه ص73.
(1) متفق عليه وتقدم ص73.
(2) تقدم في ص120.
(3) رواه البخاري في الأذان، باب وجوب القراءة للإمام والمأموم (757)، ومسلم في الصلاة، باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة (397).
(4) تقدم تخريجها ص122.
(5) تقدم تخريجه ص120.
(6) تقدم تخريجه ص120.
(7) رواه البخاري وتقدم تخريجه في ص7.
(1) متفق عليه وتقدم ص125.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص73.
(3) تقدم تخريجه ص120.
(4) رواه أبو داود والنسائي وتقدم في ص120.
(1) تقدم تخريجه في ص73.
(2) تقدم تخريجه في ص120.
(3) تقدم تخريجه في ص122.
(4) تقدم تخريجه في ص120.
(5) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص73.
(6) رواه البخاري في الجنائز باب 65: قراءة فاتحة الكتاب على الجنازة (1335).
(7) رواه البخاري في النكاح باب 102 – إذا تزوج الثيب على البكر (5214) ورواه مسلم في الرضاع باب قدر ما تستحقه البكر.. ح44 و 45 (1461).
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص73.
(2) رواه أبو داود والترمذي وتقدم في ص120.
(1) تقدم في ص73.
(2) تقدم تخريجه ص120.
(3) تقدم تخريجه في ص7.
(1) متفق عليه وتقدم في ص116.
(2) رواه مسلم تقدم تخريجه في ص108.
(3) رواه أبو داود في الطهارة/ باب أيصلي الرجل وهو حاقن (90)، والترمذي في الصلاة/ باب ما جاء في كراهية أن يخص الإمام نفسه بالدعاء (357) وابن ماجة في إقامة الصلاة (853)، والإمام أحمد 5/280.
(4) رواه أبو داود في الصلاة/ باب التأمين وراء الإمام (934)، والبيهقي 2/9، والحاكم 1/23، وعند ابن ماجة بلفظ: "فيرتج المسجد" (853).(54/22)
(1) رواه مسلم في البر باب 10 – تحريم ظلم المسلم 4/1986 ح 32 – (2564) وفي أوله: لا تحاسدوا... وكونوا عباد الله إخواناً... إلخ.
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الاعتصام باب 21 – أجر الحاكم إذا اجتهد. ح(7352)، ورواه مسلم في القضاء (الأقضية) باب 6 – بيان أجر الحاكم 3/1342 ح15 (1716).
(1) سبق تخريجه في ص110 من حديث عثمان بن أبي العاص.
(2) تقدم في ص103.
(3) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب 27 – استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل 1/536 ح203 (772).
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب 42 – فضل قراءة القرآن وسورة البقرة 1/553 ح252 – (804).(54/23)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
السكوت بعد قراءة الفاتحة
محمد بن صالح العثيمين
486 وسئل فضيلة الشيخ: ما هي السكتات التي يسكتها الإمام في القراءة الجهرية؟ وكذلك ما حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: للاستفتاح، وهذه ثابتة في الصحيحين من حديث أبي هريرة أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم: بأبي وأمي يا رسول الله، إسكاتك بين التكبير والقراءة، ما تقول؟ قال: "أقول: اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسل خطاياي بالماء والثلج والبرد"(2).
والسكتة الثانية: بعد قراءة الفاتحة أخرجها أبو داود وغيره(3) من أهل السنن، وقال الحافظ في الفتح إنها ثابتة، ولكنها سكتة ليست كما قاله بعض الفقهاء، إنها طويلة بحيث يتمكن المأموم من قراءة الفاتحة بل هي سكتة يسيرة يتأمل الإمام فيها ما سيقرأ بعد الفاتحة، وينتظر شروع المأموم في قراءتها.
والسكتة الثالثة: وهي سكتة لا تكاد تذكر بعد القراءة التي بعد سورة الفاتحة قبل الركوع، لكنها سكتة يسيرة جداً ولهذا حذفت من بعض الأحاديث.(55/1)
وأما قراءة المأموم خلف إمامه: فإن كان في صلاة سرية فإنه يقرأ الفاتحة وما تيسر حتى يركع الإمام، وإن كان في صلاة جهرية فإنه لابد من قراءة الفاتحة، ثم ينصت لقراءة إمامه لحديث عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم انصرف من صلاة الصبح فقال لهم: "لعلكم تقرأون خلف إمامكم"، قالوا: نعم، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(4)، وهذا القول هو مذهب الإمام الشافعي رحمه الله، وهو الذي يدل عليه حديث عبادة بن الصامت الذي ذكرته آنفاً، إلا أن الفاتحة تسقط إذا جاء المأموم ودخل مع الإمام في حال لم يتمكن فيها من قراءة الفاتحة، كما لو أدرك الإمام راكعاً، أو أدركه قريباً من الركوع بحيث لم يتمكن من قراءة الفاتحة، فإنه في هذه الحال تسقط عنه لحديث أبي بكرة رضي الله عنه حين دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في الركوع واعتد بتلك الركعة ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضائها حين قال له صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(1).
487 وسئل فضيلة الشيخ: يرى شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – أن قراءة الفاتحة لا تجب على المأموم في الصلاة الجهرية، ويميل إلى تضعيف حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – "لعلكم تقرأون خلف إمامكم" فما تعليقكم على ذلك؟
فأجاب فضيلته: شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – كما قال السائل يرى أنها لا تجب على المأموم في الجهرية، ولا ريب أن شيخ الإسلام – رحمه الله – له ثقله ولكلامه وزنه، ولكن فيما أرى أن الصواب مع الإمام الشافعي – رحمه الله تعالى – في هذه المسألة، والحديث وإن ضعفه شيخ الإسلام فقد صححه غيره، ويؤيده عموم الحديث "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم الكتاب" وهو في الصحيحين(2).
488 وسئل فضيلة الشيخ: هناك بعض الأئمة يسكت سكتتين: سكتة قبل قراءة الفاتحة وسكتة بعد القراءة كلها فما هو تعليقكم على هذا؟(55/2)
فأجاب فضيلته بقوله: تعليقي على هذا يفهم من جوابي الأول في موضع السكتات والذي ذكرته هو الأقرب، وفي بعض ألفاظ حديث سمرة بن جندب فإذا قال (ولا الضالين)(3).
489 وسئل فضيلة الشيخ: هل ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم يسكت بين الفاتحة والسورة بعدها؟
فأجاب فضيلته بقوله: السكتة بين قراءة الفاتحة وقراءة السورة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، على حسب ما ذهب إليه بعض الفقهاء من أن الإمام يسكت سكوتاً يتمكن به المأموم من قراءة الفاتحة، وإنما هو سكوت يسير يرتد به النفس من جهة، ويفتح الباب للمأموم من جهة أخرى، حتى يشرع في القراءة ويكمل ولو كان الإمام يقرأ، فهي سكتة يسيرة ليست طويلة.
490 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم السكتة التي يفعلها بعض الأئمة بعد قراءة الفاتحة؟ وهل يجب على المأموم قراءة الفاتحة في الصلاة الجهرية؟
فأجاب فضيلته بقوله: السكتة التي يسكتها الإمام بعد الفاتحة سكتة يسيرة، للتمييز بين قراءة الفاتحة التي هي ركن، وبين القراءة التي بعدها وهي نفل، ويشرع فيها المأموم في قراءة الفاتحة.(55/3)
ويجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(4). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم انصرف ذات يوم من صلاة الصبح فقال: "لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟" قالوا: نعم. قال: "لا تفعلوا إلا بأم الكتاب، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(5). وهذا نص في أن قراءة الفاتحة واجبة حتى في الصلاة الجهرية. والنفي هنا نفي للصحة ويدل على ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث أبي هريرة: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب فهي خداج فهي خداج"(1). يعني فاسدة، فالنفي هنا نفي للصحة. و "من" في حديث: "لا صلاة لمن لم يقرأ.." اسم موصول، والاسم الموصول للعموم، في "لمن لم يقرأ" عام، يشمل الإمام، والمأموم، والمنفرد، فإذا كانت الصلاة سرية فواضح أن المأموم سيقرأ، أما إذا كانت جهرية فهل يقرأ المأموم الفاتحة والإمام يقرأ؟ الجواب: نعم، ولكن لا يقرأ غيرها.
491 وسئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -: إذا نسي المصلي قراءة سورة مع الفاتحة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا نسي المصلي قراءة سورة مع الفاتحة فلا شيء عليه؛ لأن السورة التي بعد الفاتحة لا تجب قراءتها، فغاية أمره أن يكون قد ترك سنة، وترك السنة لا شيء فيه، ولا سجود عليه للسهو.
492 سئل فضيلة الشيخ: هل يسن تطويل صلاة الفجر وخاصة القراءة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم. السنة في صلاة الفجر أن تطول القراءة فيها وأن تكون من طوال المفصل وهي من (ق) إلى (عم) فيطيلها أي قراءتها، ويطيل كذلك الركوع والسجود أكثر من غيرها.
493 سئل فضيلة الشيخ: كثير من الأئمة يداومون على قراءة بعض السور التي فيها سجدة وخاصة يوم الجمعة، هل ورد في ذلك شيء أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما قراءة السور التي فيها السجدة فلا بأس بها لقوله تعالى: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ).(55/4)
أما قراءة السجدة في يوم الجمعة فالمشروع أن يقرأ الإنسان (آلم* تَنْزِيل) السجدة في الركعة الأولى، و (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَان) في الركعة الثانية، وليس المقصود بقراءة (آلم السجدة) السجدة التي فيه بل المقصود نفس السورة، فإن تيسر له أن يقرأ هذه السورة في الركعة الأولى، (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَان) في الثانية فهذا هو المطلوب والمشروع، وإلا فلا يتقصد أن يقرأ سورة فيها سجدة عوضاً عن آلم تنزيل السجدة.
494 وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل فاتته ركعة من صلاة الفجر، هل يكمل جهراً أو سراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: هو مخير، ولكن الأفضل أن يتمها سراً، لأنه قد يكون هناك أحد يقضي فيشوش عليه لو جهر.
495 سئل فضيلة الشيخ: عن شخص له جدة حريصة على أداء الصلاة في وقتها، ولكن لتقدم سنها لا تقرأ قراءة صحيحة، فجميع الآيات تحرفها وذلك ليس من هواها، وأحياناً تقدم آية على آية، أو تحذف بعض الحروف، فكلما أراد أن يعلمها تأبى وتقول أنا أعرف، فتركها لعجزه عن إقناعها، فهل يأثم بذلك؟ وهل تأثم هي أيضاً؟ علماً بأنها ليس في سن الخرف؟
فأجاب فضيلته بقوله: الواجب عليه أن يعلم هذه المرأة باللطف واللين، وأنا أخشى أن قولها: أنا أعرف، وأنا أعلم أنها تقول ذلك؛ لأنه يؤذيها بالتوجيه والتعليم، فالواجب أن يعلمها باللطف، فيقول أذن الظهر مثلاً، ثم يقول صل الظهر، وإذا كانت تسنى كم صلت فليكن حولها حتى يعلمها أن هذه هي الركعة الأولى، وكذلك في الثانية والثالثة وهكذا.
ويتقي الله تعالى ما استطاع، وما عجز عنه فإن الله لا يكلف نفساً إلا وسعها.
496 وسئل فضيلة الشيخ: إذا فاتت الركعة الأولى أو الثانية مع الجماعة فهل يقرأ القاضي لصلاته سورة مع الفاتحة باعتبارها قضاء لما فاته أو يقتصر على قراءة الفاتحة؟(55/5)
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن ما يقضيه المأموم من الصلاة بعد سلام إمامه هو آخر صلاته، وعلى هذا فلا يقرأ فيه إلا الفاتحة إذا كان الفائت ركعتين، أو ركعة في الرباعية أو ركعة في المغرب، أما الفجر فيقرأ الفاتحة وسورة؛ لأن كلتا الركعتين تقرأ فيهما الفاتحة وسورة.
497 وسئل فضيلة الشيخ: إذا كان الإمام يصل القراءة بعد الفاتحة، فهل لي أن استمع إلى القراءة أو أقرأ الفاتحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإمام يصل القراءة بالفاتحة فاقرأ الفاتحة ولو كان يقرأ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(1). وفي حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: كل صلاة لا يقرأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج"(2). وخداج يعني فاسدة، فقيل لأبي هريرة: "إذا كان الإمام يقرأ فكيف اقرأ"؟ قال: "اقرأ بها في نفسك".
فالإنسان إذا كان لم يقرأ، يقرأ في نفسه سراً، وفي السنن من حديث عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الصبح فلما انصرف، قال: "مالي أنازع القرآن، لعلكم تقرأون خلف إمامكم؟" قالوا: نعم، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن، فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(3).
وعلى هذا فنقول: اقرأ القرآن ولو كان إمامك يقرأ، وإذا كانت السورة التي يقرأها الإمام قصيرة ولا تتمكن من قراءة الفاتحة فلا حرج أن تقرأها، ولو كان الإمام يقرأ الفاتحة.
498 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: ما حكم صلاة ركعتي سنة الفجر بالفاتحة في الركعتين بدون قراءة سورة أخرى مع الفاتحة؟(55/6)
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج أن تقتصر على الفاتحة في ركعتي الفجر، لكن الأفضل أن تقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الركعة الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، أو في الأولى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) الآية في سورة البقرة، و (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ)، الآية في سورة آل عمران، فأحياناً بسورتي الإخلاص، وأحياناً بآية البقرة، وآية آل عمران.
499 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: عن رجل يصلي الفريضة قرا الفاتحة ثم ركع دون أن يقرأ سورة معها ناسياً فما حكم صلاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شيء عليه؛ لأن قراءة ما زاد على الفاتحة في الصلاة ليس بواجب، وإنما هو سنة إذا أتى به الإنسان فهو أفضل، وإن لم يأت به فلا حرج عليه، ولا فرق في ذلك بين الصلاة الجهرية والسرية، وبين المأموم والإمام، والمأموم في الصلاة الجهرية لا يقرأ إلا الفاتحة فقط ثم يستمع لقراءة الإمام.
500 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجب تحريك اللسان بالقرآن في الصلاة أو يكفي بالقلب؟ وهل يجوز تكرار سورة واحدة بعد الفاتحة؟ وهل تجوز القراءة من أواسط السور في الركعة الأولى وفي الثانية بسورة قصيرة أو العكس؟
فأجاب فضيلته بقوله: القراءة لابد أن تكون باللسان فإذا قرأ الإنسان بقلبه في الصلاة فإن ذلك لا يجزئه، وكذلك أيضاً سائر الأذكار، لا تجزئ بالقلب، بل لابد أن يحرك الإنسان بها لسانه وشفتيه؛ لأنها أقوال، ولا تتحقق إلا بتحريك اللسان والشفتين.
ويجوز للإنسان أن يقرأ بعد الفاتحة سورتين، أو ثلاثاً، وله أن يقتصر على سورة واحدة، أو يقسم السورة إلى نصفين وكل ذلك جائز لعموم قوله تعالى: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) (المزمل، الآية: 20) ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن"(1).(55/7)
والأولى أن يقرا الإنسان في صلاته ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لأن المحافظة على ما كان يقرؤه رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل، وأما مسألة الجواز فالأمر في هذا واسع والله الموفق.
ويجوز للمصلي أن يقرأ في الركعة الأولى من أواسط السور، وفي الركعة الثانية سورة قصيرة.
وأما أن يقرأ في الركعة الأولى سورة قصيرة وفي الركعة الثانية سورة أطول فهذا خلاف الأفضل؛ لأن هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون القراءة في الركعة الأولى أطول منها في الركعة الثانية، إلا أن أهل العلم استثنوا ما إذا كان الفرق يسيراً، كما في سورة سبح والغاشية فإنه لا بأس به، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقرأ بسبح والغاشية في الجمعة والعيدين.
---
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة رواه البخاري في الأذان باب 89 – ما يقول بعد التكبير (744)، ومسلم في المساجد باب 27 – ما يقال بين تكبيرة الإحرام والقراءة 1/419 ح147- (598).
(3) من حديث سمرة بن جندب، رواه أبو داود في الصلاة باب السكتة عند الافتتاح (777 – 780). ورواه الترمذي وحسنه في الصلاة باب: ما جاء في السكتتين ح(251) وصححه الشيخ أحمد شاكر.
(4) رواه أبو داود والترمذي وسبق تخريجه في ص120.
(1) رواه البخاري وتقدم ص7.
(2) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت تقدم في ص73.
(3) حديث سمرة بن جندب رواه أبو داود وتقدم في ص147.
(4) متفق عليه وتقدم تخريجه ص73.
(5) تقدم تخريجه في ص120.
(1) رواه مسلم وغيره وتقدم في ص120.
(1) متفق عليه، وقد تقدم في ص73.
(2) رواه مسلم وتقدم في ص120.
(3) رواه أبو داود والترمذي وحسنه، وتقدم تخريجه في ص120.
(1) تقدم تخريجه ص125.(55/8)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
صفة الركوع
محمد بن صالح العثيمين
501 وسئل فضيلة الشيخ: جزاه الله تعالى خيراً -: عن حكم من ترك الركوع والطمأنينة عمداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الركوع ركن لابد منه، فمن لم يركع فإن صلاته باطلة، والطمأنينة في الأركان ركن لابد منه، فمن لم يطمئن لم يطمئن فيها، ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فرجع الرجل فصلى كما صلى أولاً، ثم رجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، فرجع الرجل فصلى كصلاته الأولى، ثم أتى فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فقال له: "ارجع فصل فإنك لم تصل"؛ وذلك لأنه كان لا يطمئن في صلاته.
فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة، فكبر، ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن، ثم اركع حتى تطمئن راكعاً، ثم ارفع حتى تطمئن قائماً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم ارفع حتى تطمئن رافعاً، ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً، ثم افعل ذلك في صلاتك كلها"(1). فمن ترك الركوع، أو السجود، أو لم يطمئن في ذلك فلا صلاة له.
502 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: قرأت في أحد الكتب عن كيفية صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بأن وضع اليدين على الصدر بعد الرفع من الركوع بدعة ضلالة، فما الصواب جزاكم الله عنا وعن المسلمين خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله:(56/1)
أولاً: أنا أتحرج من أن يكون مخالف السنة على وجه يسوغ فيه الاجتهاد مبتدعاً، فالذين يضعون أيديهم على صدورهم بعد الرفع من الركوع إنما يبنون قولهم هذا على دليل من السنة، فكوننا نقول: إن هذا مبتدع؛ لأنه خالف اجتهادنا، هذا ثقيل على الإنسان، ولا ينبغي للإنسان أن يطلق كلمة بدعة في مثل هذا؛ لأنه يؤدي إلى تبديع الناس بعضهم بعضاً في المسائل الاجتهادية التي يكون الحق فيها محتملاً في هذا القول أو ذاك، فيحصل به من الفرقة والتنافر ما لا يعلمه إلا الله.
فأقول: إن وصف من يضع يده بعد الركوع على صدره بأنه مبتدع، وأن عمله بدعة هذا ثقيل على الإنسان، ولا ينبغي أن يصف به إخوانه.
والصواب: أن وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد الرفع من الركوع هو السنة، ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"(2).
ووجه الدلالة من الحديث: الاستقراء والتتبع؛ لأننا نقول: أي توضع اليد حال السجود؟.
فالجواب: على الأرض.
ونقول أين توضع حال الركوع؟
والجواب: على الركبتين.
ونقول أين توضع اليد حال الجلوس؟
والجواب: على الفخذين، فيبقى حال القيام قبل الركوع أو بعد الركوع داخلاً في قوله رضي الله عنه: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة" فيكون الحديث دالاً على أن اليد اليمنى توضع على اليد اليسرى في القيام قبل الركوع وبعد الركوع، وهذا هو الحق الذي تدل عليه سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
فصار الجواب على هذا السؤال مكوناً من فقرتين:
الفقرة الأولى: أنه لا ينبغي لنا أن نتساهل في إطلاق بدعة على عمل فيه مجال للاجتهاد.
الفقرة الثانية: أن الصواب أن وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الرفع من الركوع سنة وليس ببدعة، بدليل الحديث الذي ذكرناه وهو حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه -.(56/2)
503 وسئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -: المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن طول ركوعه مثل أو مقارب لطول قيامه، وطول رفعه مقارب لركوعه، وطول سجوده مقارب لطول ركوعه، بمعنى أن طول الركوع أقصر قليلاً من القيام، والرفع من الركوع أقصر قليلاً من الركوع، والسجود أقصر قليلاً من الركوع فهل هذا صحيح؟
وإذا كانت السنة كذلك، فهل إذا قرأت بعد الفاتحة سورة الحجرات وسورة ق وسورة الملك وسورة القلم مثلاً، هل سيكون ركوعي قريباً من مدة هذا القيام؟ وماذا ستكون أذكار الرفع من الركوع، هل أقتصر على ذكر: ربنا ولك الحمد، ثم أكرر هذا الذكر عدة مرات إلى أن أتيقن أنه قارب زمن قيامي وطوله، أو أكرر ذكر: ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه عدة مرات، أو أذكر أنواعاً أخرى خاصة بالرفع من الركوع وأجمعها في وقفة واحدة، وباختصار هل آتي بجميع أذكار الركوع، وأذكار الرفع منه، أو أقتصر على نوع واحد وأكرره حتى يكون ركوعي ورفعي منه متقارباً؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال يشتمل على وهمين:
الوهم الأول: أنه ذكر أن الركوع أطول من القيام بعده، وأن القيام بعده أطول من السجود وهكذا. وهذا خطأ؛ فإن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم يكون الركوع والقيام منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين قريباً من السواء كما صح ذلك عنه صلى الله عليه وسلم(1)، فهذه الأركان الأربعة قريبة من السواء: الركوع والقيام منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، هذه قريبة من السواء وليست مقرونة بالقيام قبل الركوع، وهذا هو الوهم الثاني في سؤاله؛ حيث ظن أن القيام الذي قبل الركوع يكون مساوياً للركوع وليس الأمر كذلك؛ بل إن القيام قبل الركوع له سنة خاصة به ويكون أطول من الركوع.(56/3)
والحاصل أننا نقول: إن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم أن الركوع والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، أن هذه الأركان الأربعة متقاربة كما ثبت هذا عنه صلاة الله وسلامه عليه، وليست مساوية للقيام قبل الركوع، وحينئذ لا إشكال، ولكن إذا كان الرجل يطيل الركوع كما في صلاة الليل، فإنه ينبغي له أن يطيل القيام بعده بحيث يكون قريباً منه، وحينئذ يقول ما ورد في الحمد، "ربنا ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه(2) ملء السموات والأرض، وما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد.." إلى آخر ما هو معروف.
ثم إن كان القيام يقصر عن الركوع، إما أن يكرر هذا الحمد مرة أخرى أو يأتي بما وردت به السنة أيضاً في هذا المقام، وكذلك في الجلوس بين السجدتين يدعو الله تعالى بما ورد، ثم يدعوه بما شاء من أدعية.
504 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى بعد الرفع من الركوع؟(56/4)
فأجاب فضيلته بقوله: وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع سنة، كما دل على ذلك حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – الذي رواه البخاري في صحيحه قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"(1)، فإذا تأملت هذا الحديث وهو أن الناس مأمورون بوضع اليد اليمنى على ذراع اليسرى تبين لك: أن القيام بعد الركوع يشرع فيه هذا الفعل وهو وضع اليد اليمنى على اليسرى في الصلاة؛ لأن الحديث عام يخرج منه الركوع؛ لأن اليدين على الركبتين، ويخرج منه السجود؛ لأن اليدين على الأرض، ويخرج منه الجلوس؛ لأن اليدين على الفخذين أو على الركبتين، فيبقى ما عدا ذلك وهو: القيام قبل الركوع وبعد الركوع تكون اليد اليمنى توضع على اليد اليسرى، إما على الذراع، وإما على الرسغ وهو المفصل الذي بين الكف وبين الذراع، والأفضل أن يكون وضعهما على الصدر؛ لأن حديث وائل بن حجر هو أحسن ما روى في ذلك، قال: "صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضع يده اليمنى على يده اليسرى على صدره"(2).
505 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: أين توضع اليد بعد الركوع؟
فأجاب فضيلته بقوله: وضع اليدين بعد الركوع كوضعهما قبل الركوع، أي أن الإنسان إذا رفع من الركوع يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى، ودليل ذلك حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح البخاري قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"(3). فسهل رضي الله عنه لم يفصل بين ما قبل الركوع وبعده، وعلى هذا فيكون حديث سهل واضح الدلالة على أن اليد اليمنى توضع على اليد اليسرى بعد الركوع كما توضع قبله؛ لأنه عام، لكن يستثنى منه حال الركوع، والسجود، والقعود؛ لأن السنة جاءت بصفة خاصة في وضع اليد في هذه الأحوال.
506 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع؟(56/5)
فأجاب فضيلته بقوله: وضع اليد اليمنى على اليسرى بعد القيام من الركوع ليس فيه نص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك رأى الإمام أحمد – رحمه الله – أن المصلي يخير بينه وبين إرسالهما، ولكن الظاهر ترجيح وضعهما؛ لأن ظاهر حديث سهل بن سعد الذي رواه البخاري يدل على ذلك ولفظه: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل اليد اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة(4)، فإذا أخرج من هذا العموم حال الركوع، والسجود، والجلوس تعين أن يكون في القيام، وليس في الحديث تفريق بين القيام قبل الركوع وبعده.
فإن قيل: إن حديث وائل بن حجر في صحيح مسلم يدل على عدم الوضع ولفظه: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم رفع يديه حين دخل في الصلاة كبر، ثم التحف بثوبه، ثم وضع يده اليمنى على اليسرى، فلما أراد أن يركع أخرج يديه من الثوب ثم رفعهما ثم كبر وركع، فلما قال: سمع الله لمن حمده رفع يديه، فلما سجد ،سجد بين كفيه". فإنه ذكر الوضع قبل الركوع وسكت عنه بعده.
فالجواب: أن نقول إن السكوت ليس ذكراً للعدم، فلا يكون هذا الظاهر الذي مستنده السكوت معارضاً للظاهر الذي مستنده العموم في حديث سهل، نعم لو صرح بإرسالهما كان مقدماً على ظاهر العموم في حديث سهل، وقد روى النسائي حديث وائل بن حجر بلفظ: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان قائماً في الصلاة قبض بيمينه على شماله"(1)، وهو صحيح ولم يفرق فيه بين القيام قبل الركوع وبعده فيكون عاماً. والعموم يكون في العبادات، والمعاملات وغيرهما؛ لأنه من عوارض الألفاظ، فأي لفظ جاء بصيغة العموم في العبادات أو المعاملات، أو غيرهما، أخذ بعمومه ألا ترى أن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"(2) يعم كل صلاة وهو في العبادات، وأن قوله صلى الله عليه وسلم "كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل" يعم كل شرط وهو في المعاملات وغيرها. وهذا ظاهر وأمثلته كثيرة لا يمكن حصرها.(56/6)
507 وسئل فضيلة الشيخ: عن المنفرد هل يقول سمع الله لمن حمده، أو يقول ربنا ولك الحمد؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإمام والمنفرد يقولان: سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. والمأموم يقول: ربنا ولك الحمد ولا يقول "سمع الله لمن حمده، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قال – يعني الإمام – سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد"(3).
508 سئل فضيلة الشيخ: بعض الناس يزيد كلمة "والشكر" بعد قوله ربنا ولك الحمد فما رأي فضيلتكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن التقيد بالأذكار الواردة هو الأفضل، فإذا رفع الإنسان من الركوع فليقل: ربنا ولك الحمد، ولا يزد والشكر لعدم ورودها.
وبهذه المناسبة فإن الصفات الواردة في هذا المكان أربع:
1- 1- ربنا ولك الحمد.
2- 2- ربنا لك الحمد.
3- 3- اللهم ربنا لك الحمد.
4- 4- اللهم ربنا ولك الحمد.
فهذه الصفات الأربع تقولها لكن لا جميعاً، ولكن تقول هذه مرة وهذه مرة، ففي بعض الصلوات تقول: ربنا ولك الحمد، وفي بعض الصلوات تقول: ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا لك الحمد، وفي بعضها: اللهم ربنا ولك الحمد.
وأما الشكر فليست واردة فالأولى تركها.
509 وسئل فضيلة الشيخ: عن معنى هذا الدعاء "أحق ما قال العبد"؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الدعاء تابع لما قبله وهو "ربنا ولك الحمد ملء السماوات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد"(4) فأحق خبر لمبتدأ محذوف تقديره: ذلك أحق ما قال العبد – أي: ما سبق من الثناء والحمد، أحق ما قال العبد – أي أصدقه وأثبته.
510 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم رفع اليدين حذو المنكبين عند الركوع، وعند الرفع منه، وعند القيام للركعة الثالثة؟(56/7)
فأجاب فضيلته بقوله: رفع اليدين في هذه المواضع الثلاثة سنة كما ثبت في حديث ابن عمر(1) – رضي الله عنهما – "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه – أي حذو منكبيه – إذا كبر للصلاة، وإذا كبر للركوع، وإذا قال سمع الله لمن حمده"، وكذلك في صحيح البخاري(2): "أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا قام للتشهد الأول رفع يديه إلى حذو منكبيه" وهذا الرفع سنة، إذا فعله الإنسان كان أكمل لصلاته، وإن لم يفعله لا تبطل صلاته، لكن يفوته أجر هذه السنة، والذي ينبغي للمرء المحافظة على هذه السنة؛ لأن فيه من اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم التي ندب إليها في قوله صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(3). ولأن في هذا الرفع إشارة إلى تعظيم الله سبحانه وتعالى، فإذا كان عبادة وتعظيماً لله فينبغي للمؤمن أن يحافظ عليه ولا يدعه.
511 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: إذا كان الإنسان يصلي وأراد السجود وما زال واقفاً، هل يكبر ثم يسجد؟ أو يسجد ثم يكبر؟ أو يكبر وهو نازل للسجود؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: التكبير للانتقال في الصلاة من ركن إلى آخر، يكون فيما بين الركنين، فإذا أراد السجود فليكبر ما بين القيام والسجود، وإذا أراد القيام من السجود فليكبر ما بين السجود والقيام، هذا هو الأفضل.
وإن قدر أنه ابتدأ التكبير قبل أن يهوي إلى السجود وكمله في حال الهبوط فلا بأس، وكذلك لو ابتدأ في حال الهبوط ولم يكمله إلا وهو ساجد فلا بأس.
---
(1) حديث المسيء في صلاته: رواه البخاري في الأذان باب – وجوب القراءة للإمام والمأموم ح(757، 793)، ومسلم في الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة 1/298 ح45 (397) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
(2) رواه البخاري في الأذان باب 87 – وضع اليمنى على اليسرى ح(740).(56/8)
(1) متفق عليه من حديث البراء بن عازب ولفظه عند البخاري، "كان سجود النبي صلى الله عليه وسلم وركوعه وقعوده بين السجدتين قريباً من ....". رواه في الأذان باب المكث بين السجدتين ح(720) وبأطول من هذا ح (.....) ورواه مسلم في الصلاة باب اعتدال أركان الصلاة... ح193 (471).
(2) قوله صلى الله عليه وسلم: "ربنا ولك الحمد حمداً إلى .... مباركاً فيه" رواه البخاري في أثناء حديث رفاعة بن رافع في الأذان باب 126 ح(799)، وأما لفظ "ربنا ولك الحمد ملء السموات..." فرواه مسلم في الصلاة باب 40 – ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع 1/347 ح205 (477).
(1) تقدم تخريجه في ص160.
(2) رواه ابن خزيمة وتقدم في ص73.
(3) تقدم في ص160.
(4) تقدم تخريجه ص160.
(1) رواه في الافتتاح باب وضع اليمين على الشمال في الصلاة (886).
(2) متفق على صحته من حديث عبادة بن الصامت وتقدم ص73.
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة رواه البخاري في الأذان باب 124 وباب 125 – فضل اللهم ربنا لك الحمد ح(795) وح(796) ورواه مسلم في الصلاة باب 18- التسميع والتحميد والتأمين 1/306 ح71- (409).
(4) رواه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري وابن عباس في الصلاة باب 4 ما يقول إذا رفع رأسه من الركوع 1/347 ح205 (477) و 406 (478) وفي آخره زيادة: لا مانع لما أعطيت... إلخ.
(1) متفق عليه وتقدم ص63.
(2) في الأذان باب 86- رفع اليدين إذا قام من الركعتين (739). ولفظه: "أن ابن عمر كان إذا دخل في الصلاة كبر ورفع يديه، وإذا ركع رفع يديه، وإذا قال سمع الله لمن حمده رفع يديه، وإذا قام من الركعتين رفع يديه. ورفع ذلك ابن عمر إلى نبي الله صلى الله عليه وسلم".
(3) رواه البخاري في الأذان باب: 18- الأذان للمسافر.. (630)، وفي الأدب باب 27- رحمة الناس بالبهائم (6008) وفيه زيادة في أوله وآخره.(56/9)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
صفة السجود
محمد بن صالح العثيمين
512 سئل فضيلة الشيخ: ما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليبدأ بيديه قبل ركبتيه"(4)؟
فأجاب بقوله: هذا الحديث معناه أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى أن يبرك الإنسان في سجوده كما يبرك البعير؛ لأن الله تعالى فضل بني آدم على الحيوانات، ولاسيما في العبادة التي هي من أجل العبادات وهي الصلاة، فتشبه الإنسان بالبهائم مخالف لمقصود الصلاة ومخالف للحقيقة التي عليها بنو آدم من التفضيل على البهائم والحيوانات، ولهذا لم يذكر الله تعالى مشابهة الإنسان للحيوان إلا في مقام الذم كما في قوله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارا). وكما في قوله تعالى: (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا). وكما في قوله صلى الله عليه وسلم: "من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفاراً"(5). وكقوله صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالكلب يقي ثم يعود في قيئه"(1). فالتشبيه بالحيوان في أداء العبادة يكون النهي عنه أشد وأعظم، والبعير إذا برك كما نشاهده يبدأ بيديه، فأول ما يثني يديه ويخر عليهما، ثم يتمم بروكه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الساجد أن يبرك كما يبرك البعير، وذلك بأن يقدم يديه قبل ركبتيه فإذا قدم يديه قبل ركبتيه في حال السجود فقد برك كما يبرك البعير وعلى هذا يكون المشروع: أن يبدأ بركبتيه قبل يديه، كما في حديث وائل بن حجر قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبته قبل يديه"(2)، وكما أن هذا هو الموافق للنزول باعتبار البدن فتنزل الأسافل أولاً بأول، كما ترتفع الأعالي أولاً بأول، ولهذا عند(57/1)
النهوض من السجود يبدأ بالجبهة والأنف، ثم باليدين، ثم بالركبتين، ففي النزول كذلك يبدأ بالأسفل الركبتين، ثم باليدين، ثم الجبهة، والأنف.
وأما قوله في الحديث: "وليبدأ بيديه قبل ركبتيه" فهذا مما انقلب على الراوي، كما حقق ذلك ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد(3)، وكما هو ظاهر من اللفظ، لأنه لو قدر أن الحديث ليس فيه انقلاب، لكن آخره مخالفاً لأوله؛ لأنه إذا بدأ بيديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير، والنهي "لا يبرك كما يبرك البعير" مقدم على المثال لأن النهي محكم، والتمثيل قد يقع فيه الوهم من الراوي، وحينئذ نقول صواب الحديث: "وليبدأ بركبتيه قبل يديه" ليكون المثال مطابقاً للقاعدة، وهي: النهي عن البروك كما يبرك البعير.
فإن قال قائل: إن البعير يبرك على ركبتيه؛ لأن ركبتيه في يديه فإذا وضع الإنسان ركبتيه قبل يديه فقد برك على ما يبرك عليه البعير.
قلنا: نعم ركبتا البعير في يديه ولا إشكال في ذلك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: "فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير" حتى نقول إنك إذا بدأت بالركبتين عند السجود فقد بركت على ما يبرك عليه البعير، وهو الركبتان، وإنما قال صلى الله عليه وسلم: "كما يبرك البعير" فالنهي عن الكيفية والصفة، وليس عن العضو المسجود عليه، وبهذا يتبين جلياً أن حديث أبي هريرة رضي الله عنه في النهي عن بروك كبروك البعير موافق لحديث وائل بن حجر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبدأ بركبتيه قبل يديه. والله أعلم.
513 وسئل فضيلة الشيخ: عن كيفية الهوي للسجود؟
فأجاب فضيلته بقوله: يكون السجود على الركب أولاً، ثم على الكفين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يسجد على كفيه، حيث قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه"(4)، هذا لفظ الحديث.(57/2)
لكن سنتكلم عليه، فالجملة الأولى "فلا يبرك كما يبرك البعير" والنهي عن صفة السجود؛ لأنه أتى بالكاف الدالة على التشبيه، وليس نهياً عن العضو الذي يسجد عليه، فلو كان النهي هنا عن العضو الذي يسجد عليه لقال (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير)، وحينئذ نقول: لا تبرك على الركبتين؛ لأن البعير يبرك على ركبتيه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: "لا يبرك على ما يبرك عليه"، لكن قال: "لا يبرك كما يبرك" فالنهي عن الكيفية والصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه.
ولهذا جزم ابن القيم رحمه الله في زاد المعاد(5) بأن آخر الحديث منقلب على الراوي، وآخر الحديث (وليضع يديه قبل ركبتيه) وقال: إن الصواب "وليضع ركبتيه قبل يديه"؛ لأنه لو وضع يديه قبل ركبتيه لبرك كما يبرك البعير، فإن البعير إذا برك يقدم يديه، ومن شهد البعير عند البروك تبين له هذا.
فحينئذ يكون الصواب إذا أردنا أن يتطابق آخر الحديث وأوله "وليضع ركبتيه قبل يديه"؛ لأنه لو وضع اليدين قبل الركبتين كما قلت لبرك كما يبرك البعير. وحينئذ يكون أول الحديث وآخره متناقضان.
وقد ألف بعض الأخوة رسالة سماها (فتح المعبود في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود) وأجاد فيه وأفاد.
وعلى هذا فإن السنة التي أمر بها الرسول صلى الله عليه وسلم في السجود أن يضع الإنسان ركبتيه قبل يديه.
تقديم الركبتين على اليدين عند السجود
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من أخيكم محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم الشيخ: .... حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته .... وبعد:
فأشكركم على عنايتكم بهذه الأمور، وحرصكم على إبلاغ النصيحة، وأسأل الله تعالى لي ولكم التوفيق، وأن يجعلنا ممن رأى الحق حقاً واتبعه، ورأى الباطل باطلاً واجتنبه.
وأقول: إن طريقكم هذا هو سبيل أهل العلم الناصحين، وقد فهمت ما ذكرتم في حكم المسألة (مسألة تقديم اليدين، أو الركبتين عند السجود) ودليلها.(57/3)
والحقيقة أن من تأمل حديث أبي هريرة(1) تبين له أن لا معارضة بينه وبين حديث وائل(2) حتى يحتاج إلى ترجيح، فإن حديث أبي هريرة فيه النهي أن يبرك كما يبرك البعير، فهو نهي عن الهيئة، والبعير يقدم يديه فينحط مقدمه قبل مؤخره، وإذا قدم الساجد يديه كان باركاً كما يبرك البعير، حيث قدم يديه فانحط مقدمه قبل مؤخره، وبهذا نعرف توافق الحديثين ولله الحمد.
نعم لو كان لفظ حديث أبي هريرة (فلا يبرك على ما يبرك عليه) لكان معارضاً لحديث وائل؛ لأن البعير يبرك على ركبتيه.
وأما ما ذكرتم من أن دعوة القلب لا تقبل بلا دليل، فهذا حق، ولكن في هذا الحديث ما يدل عليها وهو أوله "فلا يبرك كما يبرك البعير" الموافق لحديث وائل.
هذا ما نراه في المسألة، فإن كان خطأ فمنا، ونستغفر الله تعالى، وإن كان صواباً فمن الله، وله الفضل أولاً وأخراً. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 10/8/1402هـ.
514 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: ما القول الراجح في الهوي إلى الأرض بعد الركوع؟
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح في الهوي إلى الأرض بعد الركوع: أن الإنسان يبدأ بركبتيه ثم يديه، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن البداءة باليدين حيث قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير"(1) فنهى أن يبرك الإنسان كما يبرك البعير، وبروك البعير كما هو معلوم لكل من شاهدها وهي تبرك أنها تقدم اليدين، وقد ظن بعض أهل العلم – رحمهم الله – من السابقين، ومن المعاصرين أن هذا نهي عن البروك على الركب، وقال: إن ركبة البعير في يديه، وإن نهي النبي صلى الله عليه وسلم أن يبرك الإنسان كما يبرك البعير معناه: النهي أن يبرك على ركبتيه.(57/4)
ولكن من تأمل الحديث وجد أنه لا يدل على هذا، فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يقل: (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير)، فلو قال: (لا يبرك على ما يبرك عليه البعير) لقلنا: نعم، لا تبدأ بالركبتين قبل؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عنه، ولكنه قال: "فلا يبرك كما يبرك البعير". فجعل النهي منصباً على الهيئة، ولاشك أن البعير ينزل مقدم جسمه قبل مؤخره فيهبط على يديه وهذا شيء معلوم لمن شاهده وتأمله، وقد بحث ابن القيم – رحمه الله – هذا في كتابه: "زاد المعاد"(2) بحثاً وافياً شافياً، وبين أن آخر الحديث "وليضع يديه قبل ركبتيه" مناقض لأوله وحكم – رحمه الله – بأنه منقلب على الراوي وأن الصواب: "وليضع ركبتيه قبل يديه" لأجل أن يوافق آخر الحديث أوله، لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم لا يتناقض، ومن المعلوم أن الإنسان منهي عن التشبه بالحيوان ولاسيما في أجل العبادات البدنية وهي الصلاة، ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "لا يبسط أحدكم ذراعية انبساط الكلب"(3). ولم يرد فيما أعلم في النصوص تشبيه الإنسان بالحيوان إلا على سبيل الذم، كما قال الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(4). وقال سبحانه وتعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(5). وقال النبي(57/5)
صلى الله عليه وسلم في الذي يتكلم والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً(6). وقال في الذي يعود في هبته: "كالكلب يقيء، ثم يعود في قيئه"(7).
فإذا كان كذلك فإننا نقول: إن البعير إذا برك يقدم يديه، فإذا كان كذلك كان الحديث كما قال ابن القيم فيه انقلاب على الراوي.
وهذه المسألة وإن كنت أنا أعتقد أن هذا هو الصواب، وأنه ينهى أن يقدم الإنسان يديه قبل ركبتيه لحديث أبي هريرة هذا، فأنا لا أحب أن تكون مثل هذه المسألة مثاراً للجدل، أو العداوة، أو البغضاء أو التضليل وما أشبه ذلك، لا هذه ولا غيرها من مسائل الاجتهاد، فكل المسائل الاجتهادية التي يعذر فيها الإنسان باجتهاده يجب أن يعذر الإنسان أخاه فيها، فكما أنه هو ينتصر لما يرى أن النصوص دلت عليه، فكذلك أيضاً يجب عليك أن تعامله بمثل ما تحب أن يعاملك به، كما أنه لو انتقدك لرأيته مخطئاً عليك، فأنت إذا انتقدته تكون مخطئاً عليه، أما ما لا يقبل الاجتهاد فلا تسكت عنه وأنكره وبين الحق، والصحابة رضي الله عنهم كانوا يختلفون في مسائل أعظم من هذه، ومع ذلك فالقلوب واحدة، والهدف واحد، والتآلف موجود. والله الموفق.
515 سئل فضيلة الشيح: كيف يتم الجمع بين حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقدم ركبتيه في السجود قبل يديه، وبين حديث أبي هريرة عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليضع يديه قبل ركبتيه". مع أن الحافظ ابن حجر رجح في بلوغ المرام حديث أبي هريرة وهو موقوف، والحافظ ابن القيم تكلم عليه من عشرة وجوه ما قولكم في ذلك؟(57/6)
فأجاب فضيلته بقوله: قولي في ذلك أنه ليس بينهما تعارض، وأن معناهما متفق، فحديث وائل بن حجر أن النبي صلى الله عليه وسلم يضع ركبتيه قبل يديه(1) يوافق حديث أبي هريرة تماماً؛ لأن حديث أبي هريرة يقول: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير"(2)، والبعير إذا برك يقدم يديه كما يعرفه من شاهده، فكان مطابقاً تماماً لحديث وائل بن حجر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى في حديث أبي هريرة أن يضع يديه قبل ركبتيه؛ لأنه إذا فعل ذلك صار كالبعير.
وقد توهم بعض الناس فقال: إن ركبتي البعير في يديه، وصدق فإن ركبتي البعير في يديه، ولكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يقل: (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير)، بل قال: "فلا يبرك كما يبرك البعير"، فإنه في الحقيقية نهي عن الهيئة والصفة، وكل من شاهد البعير عند بروكه يجد أنه يقدم يديه أولاً، وبذلك يتطابق حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – مع حديث وائل بن حجر، ويبقى النظر في قوله في آخر الحديث: "وليضع يديه قبل ركبتيه"(3). فإن هذا لا شك وهم من الراوي، وانقلاب عليه، إذ أنه لا يتطابق مع أول الحديث، وأول الحديث هو العمدة وهو الأساس، وآخره فرع عليه، وإذا كان فرعاً عليه وجب أن يكون الفرع مطابقاً للأصل، وحينئذ لا يطابق الأصل إلا إذا كان لفظه: "وليضع ركبتيه قبل يديه".
516 وسئل فضيلة الشيخ: لقد ظهر من بعض المصلين حركة جديدة في الصلاة ما كانت تفعل من قبل، فبعض الناس إذا أراد السجود نزل على يديه أولاً قبل ركبتيه، وذلك بوضع ظاهر أصابعه كأنه يعجن، وكذا إذا قام من السجدة الثانية، وأما البعض الآخر من هؤلاء المصلين فإنه إذا قام من جلسة الاستراحة وضع كذلك ظهر أصابع يديه يعتمد على يديه، ثم يرفع يديه ويضعهما على ركبتيه، ويعتمد على ركبتيه في القيام، فما حكم هذه الحركات الزائدة في الصلاة؟(57/7)
فأجاب بقوله: المشروع للإنسان أن يصلي كما صلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، لقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(4). وقد ذكر مالك بن الحويرث – رضي الله عنه -: "أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلي، فإذا كان في وتر من صلاته، لم ينهض حتى يستوي قاعداً"(5)، يعني يجلس في الركعة الأولى، ثم يقوم للثانية، ويجلس في الركعة الثالثة، ثم يقوم للرابعة، وهذه الجلسة سماها العلماء: جلسة الاستراحة، وروى مالك بن الحويرث – أيضاً – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "إذا رفع رأسه من السجدة الثانية جلس، واعتمد على الأرض ثم قام"(6).
ولكن هل هو على صفة العاجن أم لا؟
والجواب: هذا ينبني على صحة الحديث الوارد في ذلك، وقد أنكر النووي – رحمه لله – في المجموع صحة هذا الحديث، أي أنه يقوم كالعاجن(1)، وبعض المتأخرين صححه، وعلى كل حال فالذي يظهر من حال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يجلس لأنه كبر وأخذه اللحم، فكان لا يستطيع النهوض من السجود إلى القيام مرة واحدة، فكان يجلس ثم إذا أراد أن ينهض ويقوم اعتمد على يديه ليكون ذلك أسهل له، هذا هو الظاهر من حال النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم، ولهذا كان القول الراجح في هذه الجلسة – أعني الجلسة التي يسميها العلماء جلسة الاستراحة – أنه إن احتاج إليها لكبر، أو ثقل، أو مرض، أو ألم في ركبتيه أو ما أشبه ذلك فليجلس، ثم إذا احتاج أن يعتمد عند القيام على يديه فليعتمد على أي صفة كانت، سواء اعتمد على ظهور الأصابع، أي جميع أصابعه، أو على راحته، أو غير ذلك، المهم أنه إذا احتاج إلى الاعتماد فليعتمد، وإن لم يحتج فلا يعتمد.(57/8)
أما النزول للسجود فالصحيح أن الإنسان يبدأ بركبتيه قبل يديه؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى أن يضع الإنسان يديه قبل ركبتيه حيث قال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير"(2). ونحن نشاهد البعير إذا برك يقدم يديه، هذا شيء واضح، وقد فهم بعض العلماء أن المراد من ذلك أنه لا يقدم ركبتيه فقال: إن ركبتي البعير في يديه، فإذا قدم ركبتيه عند السجود فقد برك كما يبرك البعير، وهذا فهم فيه نظر، وذلك أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يقل: (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير)، فلوا قال ذلك لقلنا: لا تبرك على الركبتين، بل قال: "فلا يبرك كما يبرك البعير"، فالنهي عن الكيفية والهيئة، وعليه فيكون الرجل إذا قدم يديه قبل ركبتيه فقد برك كما يبرك البعير.
فإن قال قائل: يؤيد الفهم الثاني أن الحديث "وليضع يديه قبل ركبتيه" فالجواب عن هذا: أن هذه الجملة لا تصح، لأنها لا تتلاءم مع أول الحديث، بل هي منقلبة على الراوي وصوابها: "وليضع ركبتيه قبل يديه"، كما حقق ذلك ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد(3)، وعلى هذا فالسجود يكون على الركبتين، فإن احتاج الإنسان إلى أن يضع يديه قبل ركبتيه، كما لو كان يشق عليه النزول على الركبتين فلا بأس حينئذ بأن يضع اليدين قبل الركبتين.
517 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: انتشر في الآونة الأخيرة فرش المساجد الجديدة أو المجددة بنوع من الإسفنج الأبيض المتين، يوضع تحت السجاد الموضوع للصلاة مما يجعل المصلي يمشي على أرض لينة جداً، وأيضاً تمنع المصلي من ثبوت جبهته وأنفه وركبتيه في سجوده، فنرجو من فضيلتكم بيان الحكم في هذا الأمر، حيث أصبح ينتشر بين المساجد وقد يرفع السجاد الأول ويجدد مع وضع هذا الإسفنج الجديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإسفنج خفيفاً ينكبس عند السجود عليه فلا بأس، لكن تركه أولى لئلا يتباهى الناس بذلك. حرر في: 27/4/1414هـ.(57/9)
518 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: عن امرأة تعاني من ألم في المفاصل، وتصلي وهي جالسة، هل يجب عليها عند السجود أن تضع شيئاً تسجد عليه مثل وسادة أو غيرها؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب"(4).
فإذا كانت هذه المرأة لا تستطيع القيام، قلنا لها: صلي جالسة وتكون في حال القيام متربعة، كما صح ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم(1)، ثم تومئ بالركوع وهي متربعة، ثم إن استطاعت السجود سجدت وإلا أومأت برأسها أكثر من إيماء الركوع، وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئاً تسجد عليه، بل هذا إلى الكراهة أقرب؛ لأنه من التنطع والتشدد في دين الله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون"(2).
519 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: إذا سجد المصلي وجعل عمامته وقاية بينه وبين الأرض فما حكم صلاته؟(57/10)
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة ذلك المصلي صحيحة، ولكن لا ينبغي أن يتخذ العمامة وقاية بينه وبين الأرض إلا من حاجة، مثل: أن تكون الأرض صلبة جداً، أو فيه حجارة تؤذيه، أو شوك ففي هذه الحال لا بأس أن يتقي الأرض بما هو متصل به من عمامة، أو ثوب لقول أنس بن مالك رضي الله عنه: "كنا نصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم في شدة الحر فإذا لم يستطع أحدنا أن يمكن جبهته من الأرض بسط ثوبه فسجد عليه"(3). فهذا دليل على أن الأولى أن تباشر الجبهة مكان السجود، وأنه لا بأس أن يتقي الإنسان الأرض بشيء متصل به من ثوب، أو عمامة إذا كان محتاجاً لذلك لحرارة الأرض، أو لبرودتها، أو لشدتها، إلا أنه يجب أن يلاحظ أنه لابد أن يضع أنفه على الأرض في هذه الحال، لحديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين"(4).
520 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى-: عمن يلبس نظارات كبيرة جداً، لا تمكنه من السجود كاملاً على الأعضاء السبعة فقد تحول دون الأنف، كما أن البعض قد يلبس عقالاً سميكاً لا تتمكن جبهته من السجود، ويقولون إن مجرد ملامسة النظارة والعقال للأرض كافيان عن ملامسة الأنف أو الجبهة للأرض لأنهما ملتصقان بهما، فما قولكم – وفقكم الله تعالى-؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما العقال: فإن كان نازلاً إلى الجبهة فإن السجود عليه كاف، لكنه مكروه للحيلولة دون اتصال جبهته بمكان السجود.
وأما إذا كان العقال ليس على الجبهة كما هو الغالب، ولكنه على أسفل الرأس، أو على المنحنى من الجبهة وارتفعت الجبهة على الأرض فإن ذلك لا يجزئه، لأن الجبهة لم تمس الأرض ولا ما اتصل بالأرض.(57/11)
أما بالنسبة للنظارة فإن كانت تمنع من وصول طرف الأنف إلى الأرض فإن السجود لا يجزئ، وذلك لأن الذي يحمل الوجه هما النظارتان، وهما ليستا على طرف الأنف بل هما بحذاء العينين وعلى هذا فلا يصح السجود، ويجب على من عليه نظارة تمنعه من وصول أنفه إلى مكان السجود أن ينزعها في حال السجود.
521 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: لقد رأينا بعض المصلين – هدانا الله وإياهم – إذا سجدوا رفعوا جباههم عن الأرض حتى تلامس الأرض أوقد لا تلامسها، وإذا نصحوا عللوا ذلك بعلل واهية (كإفساد الشماغ وغير ذلك) فما صحة صلاتهم؟ وما هي نصيحتكم لهم؟ نفع الله بعلمكم وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين، ومن ابتعهم بإحسان إلى يوم الدين.
يجب عليهم أن يمكنوا جباههم من الأرض، وإذا كانوا لا يسجدون إلا بمجرد الملامسة فإن سجودهم غير صحيح، وإذا كان السجود غير صحيح صارت الصلاة غير صحيحة أيضاً، والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد. حرر في 23/5/1417هـ.
522 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً-: عن حكم الامتداد الزائد أثناء السجود؟
فأجاب فضيلته بقوله: الامتداد الزائد أثناء السجود خلاف السنة، فإن الواصفين لصلاته صلى الله عليه وسلم لم يقل أحد منهم أنه كان يمد ظهره في السجود، كما قالوا أنه يمد ظهره حال الركوع(1)، وإنما المشروع في حال السجود أن يرفع الإنسان بطنه عن فخذيه ويعلو بذلك، لا أن يمده كما يفعله بعض الناس.
523 وسئل فضيلة الشيخ: هل ورد أن العلامة التي يحدثها السجود في الجبهة من علامات الصالحين؟(57/12)
فأجاب فضيلته بقوله: ليس هذا من علامات الصالحين، وإنما هو النور الذي يكون في الوجه، وانشراح الصدر، وحسن الخلق وما أشبه ذلك، أما الأثر الذي يسببه السجود في الوجه فقد تظهر في وجوه من لا يصلون إلا الفرائض لرقة الجلد، وقد لا تظهر في وجه من يصلي كثيراً ويطيل السجود.
524 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في السجود؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، تجوز الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في السجود لأنها دعاء، والسجود من مواضع الدعاء.
525 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله وعفا عنه -: هل يجوز أن يسجد المسلم على ظهر أخيه عند الزحام؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسألة للعلماء فيها ثلاثة أقوال:
القول الأول: أنه يسجد على ظهر أخيه إذا كان زحام.
القول الثاني: قال بعض العلماء إنه يومئ إيماء.
القول الثالث: أنه ينتظر حتى يرفع من السجود ثم يسجد.
فهذه ثلاثة أقوال، والمشهور من المذهب أنه يسجد على ظهر أخيه أو رجله.
ولننظر ما الراجح من هذه الأقوال:
إذا قلنا: إنه يسجد على ظهره ففيه مشكلة وهي: التصرف في الغير، والتشويش عليه، ثم إن السجود لا يتم في الواقع؛ لأنه إذا سجد عليه لا يكون على هيئة الساجد لأن الظهر مرتفع.
وإذا قلنا: إنه يومئ، فإن الإيماء له أصل في الشرع وهو: أن العاجز عن السجود يومئ، وهذا في الحقيقة عاجز عن السجود؛ لأن السجود إنما يكون على الأرض وهنا لم يمكن.
وإذا قلنا: إنه ينتظر فله وجه؛ لأنه تخلف عن الإمام لعذر، فهو كالنائم، فإنه يوجد بعض الناس ينام وهو يصلي إذا سجد السجدة الأولى بقي، فيقوم الإمام ويجلس بين السجدتين ويسجد للثانية وهو على نومه فماذا يصنع إذا استيقظ؟
نقول: يقوم من السجود ويجلس بين السجدتين، ويسجد الثانية، ويلحق الإمام؛ لأنه تخلف لعذر، هذا إن كان نومه غير عميق، فإن كان نومه عميقاً بطلت صلاته، واستأنفها من جديد. والله الموفق.(57/13)
526 وسئل فضيلة الشيخ: في ليلة السابع والعشرين من رمضان ازداد الزحام في المسجد الحرام فلم أتمكن من الركوع والسجود في الصلاة، فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: قال تعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(1)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم"(2)، وهذا الرجل يفعل ما هو بديل عن السجود وهو الإيماء، وكذلك يومئ عند الركوع إن لم يستطع الركوع. وهذا هو القول الراجح.
وقال بعض العلماء: ينتظر حتى يقوم الناس فيركع ويسجد، وهذا وإن كان فيه تحقيق للركوع والسجود، لكن فيه تخلف عن الإمام.
وقال بعض العلماء: ينتظر حتى يقوم الناس فيركع ويسجد، وهذا وإن كان فيه تحقيق للركوع والسجود، لكن فيه تخلف عن الإمام.
وقال بعض العلماء: يسجد على ظهر من أمامه، وهذا وإن كان فيه حصول الركوع، والسجود، ومتابعة الإمام، لكن فيه تصرف في الغير وتشويش عليه، فكيف تجعل ظهر إنسان مصلى لك، وقد يشوش ذلك عليه جداً، ثم قد يكون في الأمر فتنة.
فالقول الأخير أضعف الأقوال، والراجح عندي الأول لما سبق من الدليل.
527 سئل فضيلة الشيخ: يحصل مع الزحام الشديد في مكة وغيرها ألا يتمكن المصلي من السجود على الأرض، فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا تمكن أن يسجد ولو على غير الصفة المشروعة التي هي تفريج الذراعين، فإنه يسجد على أي حال كانت، فإن لم يتمكن فإنه يجلس ويومئ بالسجود.
ويرى بعض العلماء أنه ينتظر حتى يقوم الإمام من السجود فيتسع المكان ثم يسجد. ويرى آخرون أن يسجد على ظهر إنسان.
ولكن القول الأول أقرب إلى الصواب أنه يومئ بالسجود إيماءً؛ لأنه عاجز عنه في هذه الحال، ومن عجز عن السجود أومأ به.
---(57/14)
(4) رواه الإمام أحمد 2/381 وأبو داود في الصلاة/ باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه (840)، والنسائي في التطبيق (الصلاة) باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده (1090)، والبيهقي 2/98، وانظر زاد المعاد 1/230.
(5) رواه أحمد 3/475 (2033).
(1) رواه البخاري في الهبة باب 30- لا يحل لأحد أن يرجع في هبته (2621) و (2622)، ومسلم في الهبات باب 2- تحريم الرجوع في الصدقة والهبة 3/1240 ح5- (1622).
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب كيف يضع ركبتيه قبل يديه (838)، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في وضع الركبتين قبل اليدين في السجود (268)، والنسائي في التطبيق (الصلاة) باب أول ما يصل إلى الأرض من الإنسان في سجوده (1088) و (1153).
(3) زاد المعاد 1/215 – 223.
(4) هذا حديث أبي هريرة، رواه أبو داود والنسائي والترمذي بمعناه وتقدم تخريجه في السؤال السابق.
(5) زاد المعاد 1/215.
(1) رواه أبو داود ولفظه: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير، وليبدأ بيديه قبل ركبتيه". وتقدم في السؤال السابق والذي قبله.
(2) رواه أبو داود ولفظه: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا سجد وضع ركبتيه قبل يديه، وإذا نهض رفع يديه قبل ركبتيه". وتقدم في السؤال السابق والذي قبله.
(1) حديث أبي هريرة رواه أبو داود، وتقدم ص170.
(2) زاد المعاد 1/215 – 223.
(3) متفق عليه من حديث أنس بن مالك وفي قوله: "اعتدلوا في السجود"، رواه البخاري في الأذان باب 141- لا يفترش ذراعيه في السجود (822)، ومسلم في الصلاة، باب 45- الاعتدال في السجود 1/355 ح233 (493).
(4) سورة الأعراف، الآيتان: 175، 176.
(5) سورة الجمعة، الآية: 5.
(6) رواه أحمد بلفظ: "من تكلم والإمام يخطب فهو كمثل الحمار" 3/475.
(7) متفق عليه وتقدم ص171.
(1) حديث وائل بن حجر رواه أبو داود والترمذي والنسائي وتقدم ص171.
(2) رواه أبو داود والنسائي والترمذي وتقدم ص170.(57/15)
(3) هو حديث أبي هريرة، تقدم ص170.
(4) رواه البخاري وتقدم ص169.
(5) رواه البخاري في الأذان/ باب من استوى قاعداً في وتر من صلاته ثم نهض (789).
(6) رواه البخاري في الأذان/ باب كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة (790).
(1) ولفظ الحديث: عن ابن عباس: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قام في صلاته وضع يديه على الأرض كما يضع العاجن"، أخرجه الطبراني في "الأوسط" (3371) وأورده ابن حجر في "التلخيص" 1/265.
(2) أخرجه أبو داود وتقدم تخريجه ص170.
(3) زاد المعاد 1/215.
(4) رواه البخاري في تقصير الصلاة باب 19- إذا لم يطق قاعداً صلى على جنب (1117).
(1) رواه النسائي في قيام الليل/ باب كيف صلاة القاعد (1660) ولفظه: عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي متربعاً".
(2) رواه مسلم في العلم باب 4- هاك المتنطعون 4/2055 ح7 (2670).
(3) متفق عليه، وهذا لفظ مسلم رواه البخاري في مواقيت الصلاة باب 11- وقت الظهر عند الزوال (542) ومسلم في المساجد باب 33- استحباب تقديم الظهر في أول الوقت في غير شدة الحر 1/433 ح191 (620).
(4) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 134- السجود على الأنف ح(812)، ومسلم في الصلاة باب 44- أعضاء السجود ح230 (490) 1/354.
(1) أخرج البخاري في صحيحه عن أبي حميد قال: "ركع النبي صلى الله عليه وسلم ثم هصر ظهره" في صفة الصلاة/ باب استواء الظهر في الركوع (758) وعند مسلم في صحيحه عن عائشة رضي الله عنها قالت: "... وكان إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك..." في الصلاة/ باب صفة الركوع والاعتدال منه (498).
(1) سورة التغابن، الآية: 16.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة رواه البخاري في الاعتصام باب (2): الاقتداء بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم (7288)، ورواه مسلم في الفضائل باب:(57/16)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
صفة الجلوس بين السجدتين
محمد بن صالح العثيمين
528 وسئل فضيلة الشيخ: هل ورد حديث صحيح في تحريك السبابة بين السجدتين في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، ورد الحديث الذي في صحيح مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في الصلاة وذكر أنه يشير بإصبعه(1)، وفي لفظ، إذا قعد في التشهد(2). فاللفظ الأول عام، والثاني خاص، والقاعدة أن ذكر الخاص بحكم يوافق العام لا يقتضي التخصيص، ومثال ذلك أن يقول رجل لآخر: أكرم طلبة العلم، ويقول له: أكرم محمداً، ومحمد من طلبة العلم، فهذا لا يقتضي أنه لا يكرم بقية طلبة العلم، وقد نص علماء الأصول على هذا، وذكره الشيخ الشنقيطي – رحمه الله – في أضواء البيان.
لكن لو قال: أكرم الطلبة، ثم قال: لا تكرم من ينام في الدرس، فهذا يقتضي التخصيص؛ لأنه ذكر بحكم يخالف الحكم العام.
ثم في هذا حديث خاص، رواه الإمام أحمد في مسنده(3) بسند قال فيه صاحب الفتح الرباني: سنده حسن(4)، وقال بعض المحدثين على زاد المعاد(5): سنده صحيح. "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس بين السجدتين قبض أصابعه وأشار بالسبابة".
ومن قال لا يحركها، فنقول له: فماذا يصنع باليد اليمنى؟ إذا قلت يبسطها على الفخذ فنطالبك بالدليل. ولم يرد في الأحاديث أنه كان يبسط يده اليمنى على فخذه، ولو كان يبسطها لبينه الصحابة كما بينوا أنه كان يبسط يده اليسرى على الفخذ اليسرى. فهذه ثلاثة أدلة.
529 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم تحريك السبابة حال الدعاء بين السجدتين في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه سنة، لحديث وائل بن حجر(6) في مسند الإمام أحمد، وقد صححه من المتقدمين ابن خزيمة، وابن حبان(7)، ومن المتأخرين الساعاتي في مسند الإمام أحمد فقد قال عنه: إن سنده جيد، قاله في الفتح الرباني(8)، والأرناؤوط في زاد المعاد(9).(58/1)
وفيه التصريح بأن وضع اليد اليمنى بين السجدتين كوضعها في التشهد سواء، ولي سلف من أهل العلم وهو ابن القيم – رحمه الله تعالى – في زاد المعاد فقد صرح أن وضع اليدين بين السجدتين كوضعهما في التشهدين.
ثم يقال: إنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وضع يده اليمنى على فخذه مبسوطة.
أما اليسرى فالسنة في هذا صريحة أنها تبسط على الفخذ أو تلقم الركبة، كل ذلك جائز، وهم صفتان.
لكن يبقى النظر، متى يشير بإصبع اليمنى.
والجواب: الذي بلغني من السنة أنه يشار بها عند الدعاء، فيحركها الإنسان إلى فوق كلما دعا، والمناسبة في ذلك أن الدعاء موجه إلى الله عز وجل؛ والإشارة إلى العلو إشارة إلى الله عز وجل، هذا ما تبين لي في هذه المسألة، والله أعلم.
530 وسئل فضيلة الشيخ: عن دليل مشروعية قبض أصابع اليد اليمنى والإشارة بالسبابة بين السجدتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: دليل ذلك عموم حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – فإن في بعض ألفاظه: "إذا قعد في الصلاة أو قعد يدعو"(1)، وكذلك حديث وائل بن حجر الذي رواه الإمام أحمد في مسنده(2)، وجوده صاحب الفتح الرباني قال: إسناده جيد، وكذلك نقول، إذا قلنا لا يقبض بين السجدتين فماذا يصنع باليمنى؟ فإن بسطها فما الدليل؟ لأن البسط ورد في اليسرى، واليمنى ما فيها إلا عموم حديث ابن عمر، وهذا الحديث بخصوصه حديث وائل بن حجر فيؤخذ به، وهذا الحديث وإن كان بعض أهل العلم ضعفه، فيؤخذ به لقوته بشاهد، وهو عموم حديث ابن عمر رضي الله عنهما في بعض ألفاظه.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه الشيخ المكرم الفاضل: .... حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(58/2)
وبعد: فإليكم إيضاح ما حصل فيه الإشكال في كيفية وضع اليد اليمنى بين السجدتين، فقد دلت السنة على أن وضعها بين السجدتين كوضعها في التشهدين، وأن المصلي يرفع أصبعه يدعو بها، ففي صحيح مسلم 1/408-409(1) عن عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – قال: "كان (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها وأشار بأصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى". وفي رواية له: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها"، فقوله: "إذا قعد في الصلاة" عام أو مطلق يتناول كل قعود حتى ما بين السجدتين، ويدل على ذلك ما رواه الإمام أحمد في المسند 4/317 من حديث وائل بن حجر رضي الله عنه قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر – فذكر الحديث وفيه – فسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه (وفي رواية) عقد ثلاثين وحلق واحدة، وأشار بإصبعه السبابة". قال في الفتح الرباني 3/147: وسنده جيد. وقال الأرناؤوطان في التعليق على زاد المعاد 1/238: وسنده صحيح. وقد رواه بنحوه أبو داود 1/219 والنسائي 3/30.
وأما ما ورد في بعض ألفاظ حديث ابن عمر في صحيح مسلم: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة"(2) فإن ذلك لا يقتضي تقييد المطلق؛ لأن ذكر بعض أفراد المطلق بحكم يوافق حكم المطلق غير مقتض للتقييد عند جمهور الأصوليين وهو الحق.(58/3)
وأما ما ادعاه بعضهم من أن حديث وائل بن حجر شاذ، فغير صحيح؛ لأن الشاذ عند أهل العلم بالحديث ما خالف فيه الثقة من هو أرجح منه، وأين المخالفة في حديث وائل؟! فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يبسط يده اليمنى على فخذه اليمنى بين السجدتين، فيكون مؤيداً لحديث وائل وشاهداً له.
ولهذا ذهب ابن القيم – رحمه الله – إلى أن ما بين السجدتين كالتشهدين في وضع اليد اليمنى. (زاد المعاد 1/238- تحقيق الأرناؤوطين).
وفي قول ابن عمر – رضي الله عنهما -: "ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها" دليل على أن السبابة ترفع عند الدعاء، وهو يؤيد حديث وائل بن حجر في المسند 4/318 "فرأيته يحركها يدعو بها". وعلى هذا يشرع تحريكها عند كل جملة دعائية إشارة على علو من يدعوه وهو الله تعالى، وهذا التحريك أمر زائد على مطلق الإشارة التي جاءت في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – فإن هذه الإشارة تكون في جميع الجلوس لا حال الدعاء فقط، فيرفعها كأنه يشير إلى شيء، لكن تكون محنية شيئاً يسيراً كما في سنن النسائي 3/32(3).
هذا وأرجو أن يكون فيما كتبته إيضاح للإشكال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 2/8/1411هـ.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم... حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم الكريم وصل وسرنا صحتكم، والحمد لله على ذلك، تهنئتكم بعيد الفطر لكم منا مثلها ونسأل الله أن يتقبل من الجميع.
تذكرون أنكم تصفحتم (رسالة في الوضوء، والغسل، والصلاة) وأنه لفت نظركم كيفية وضع اليد اليمنى بين السجدتين.(58/4)
فيا محب إن الذي في الرسالة هو مقتضى ما جاءت به السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه مسلم(1) ص408 تحقيق محمد فؤاد من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: "كان (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) إذا جلس في الصلاة وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى". وفي رواية: "وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها"، وظاهرة أن رفعها للدعاء بها، وهو رفع فوق مطلق الإشارة التي جاءت في الرواية الأولى، وفي حديث ابن الزبير(2)، وعلى هذا فتكون السبابة مرفوعة رفع إشارة، فإذا ذكر الجملة الدعائية رفعها زيادة، إشارة إلى علو من دعاه وهو الله تعالى، ويؤيد ذلك حديث وائل بن حجر(3)، "ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها"، وفي حديث ابن الزبير عند الدارمي: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يدعو هكذا في الصلاة وأشار ابن عيينة بإصبعه". رواه الدارمي(4).(58/5)
ولم يرد التفريق بين جلوس التشهد، والجلوس بين السجدتين فيما أعلم، ويدل على أنه لا فرق بين الجلستين ما رواه الإمام أحمد في المسند ص317 ج4 من حديث وائل بن حجر قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر" فذكر الحديث، وفيه: "وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى ووضع ذارعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته، ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه". وفي رواية: "عقد ثلاثين، وحلق واحدة، وأشار بإصبعه السبابة" وذكر الحديث في الفتح الرباني ترتيب المسند ص147 ج3 وقال: سنده جيد. وقد رواه بنحوه أبو داود(5) وقال فيه: "وقبض اثنتين وحلق حلقة" يعني حلق الإبهام مع الوسطى، وبهذا تبين أن لا فرق بين جلستي التشهد والجلوس بين السجدتين، فأما تقييد الجلوس في بعض روايات حديث ابن عمر بالجلوس للتشهد، فلا ينافي الإطلاق لأن ذكر بعض أفراد المطلق بحكم يطابق حكم المطلق لا يستلزم تقييده، وإن كان قد يقتضيه إذا لم يقم دليل على الإطلاق.
531 وسئل فضيلة الشيخ عن حكم تحريك الإصبع وضم أصابع اليد اليمنى بين السجدتين؟(58/6)
فأجاب فضيلته بقوله: حكم تحريك الإصبع وضم أصابع اليد بين السجدتين كحكمه في التشهد لما روى مسلم ص408 ج1(6) تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي في باب صفة الجلوس في الصلاة، وكيفية وضع اليدين على الفخذين عن عبد الله بن الزبير عن أبيه(1) قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو"، وفي رواية: "إذا قعد في الصلاة وضع يده اليمنى على فخذه اليمنى، ويده اليسرى على فخذه اليسرى وأشار بإصبعه السبابة، ووضع إبهامه على إصبعه الوسطى، ويلقم كفه اليسرى ركبته". وروي في نفس الصفحة عن ابن عمر – رضي الله عنهما – "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها". ففي حديث الزبير: "إذا قعد يدعو" والقعود بين السجدتين قعود دعاء، وفي حديث ابن عمر "إذا جلس في الصلاة" وهو عام في جميع الجلسات، فيشمل ما بين السجدتين لاسيما وأنه قال: "ورفع إصبعه اليمنى فدعا بها" ويؤيد العموم ما رواه الإمام أحمد في المسند ص317 ج4 عن وائل بن حجر – رضي الله عنه(2) – قال: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر" فذكر الحديث وفيه: "وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى ثم أشار بسبابته، ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه ثم سجد فكانت يداه حذو أذنيه". وفي رواية في الصفحة التي تليها: "فحلق حلقة، ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها". قال في الفتح الرباني ص147 ج3 سنده جيد. وفي حديث ابن عمر ووائل دليل على أن تحريك الإصبع يكون عند الدعاء فقط وليس كما فهمه بعض الناس، من كونه يحرك دائماً كالعابث بها، فالإشارة بالإصبع وهي رفعه تكون في كل الجلسة، وأما التحريك فلا يكون إلا حال الدعاء. تقول: "رب اغفر لي". فتحرك. "وارحمني"، فتحرك،(58/7)
وتقول: "السلام عليكم أيها النبي"، فتحرك، "السلام علينا"، فتحرك، "اللهم صل على محمد"، فتحرك، وهكذا.
532 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى-: ما حكم الإشارة بالسبابة بين السجدتين؟ وما جواب فضيلتكم لمن زعم أن حديث وائل ابن حجر شاذ؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإشارة بالسبابة بين السجدتين عند الدعاء مشروع وسنة، وذلك لعموم حديث ابن عمر الثابت في صحيح مسلم(3) في بعض ألفاظه: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قعد يدعو حلق بإبهامه والوسطى" وذكر بقية الحديث؛ ولأن في مسند الإمام أحمد(4) من حديث وائل بن حجر "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك بين السجدتين ويشير بها ويحركها"، وهذا الحديث ذكر صاحب الفتح الرباني بأن إسناده جيد، وذكر المعلق على زاد المعاد أن إسناده صحيح(5)، وابن القيم – رحمه الله – ذكره في زاد المعاد جازماً به، وذكر أنه يشرع للمصلي بين السجدتين أن يحلق إبهامه مع الوسطى، ويرفع السبابة ويشير بها عند الدعاء.
ونقول لمن زعم أن هذا الحديث شاذ: آت بالدليل الذي يثبت شذوذ ذلك؟ أين الدليل على أن اليد اليمنى تبسط على الفخذ؟
لا يوجد دليل على ذلك، فإذا لم يكن دليل، وكان لدينا دليل عام، أو دليل خاص بأنها تضم أصابعها كما في التشهد فأين الشذوذ؟
ولو قال قائل: إن عقد الأصابع أمر زائد عن طبيعة الوضع فيحتاج إلى دليل، ولو كان هذا ثابتاً لذكره الصحابة، ولا حاجة لذكر البسط لأنه الأصل.
قلنا: هذا ليس بصحيح، فالصحابة ذكروا أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يبسط يده اليسرى على فخذه اليسرى، فلما ذكروا البسط في اليسرى، علم أن ذكر البسط لابد منه، ولو كانت اليد اليمنى تبسط لكان ذكر بسطها في السنة ظاهراً كما كان ذكر بسط اليد اليسرى ظاهراً، والله أعلم.
533 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى-: ما حكم رفع السبابة بين السجدتين؟(58/8)
فأجاب فضيلته بقوله: نقول: إن رفع السبابة بين السجدتين مستحب وهو السنة، ودليل ذلك حديث ابن عمر – رضي الله عنهما(1) – في بعض ألفاظه حيث قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قعد في الصلاة" وذكر قبض الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام، ورفع السبابة. وهذا عام، وأما ذكر التشهد في بعض ألفاظ الحديث فهذا لا يقتضي التخصيص؛ لأن في علم الأصول قاعدة مهمة وهي: "أن ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يخالف العام لا يقتضي التخصيص، وإنما يقتضي التنصيص على هذا الفرد من إفراد العام فهو مقتض للتنصيص لا للتخصيص". هكذا حديث ابن عمر رضي الله عنهما إذا قعد يدعو في الصلاة فعل كذا وكذا لا يقتضي قوله "إذا قعد في التشهد" أن يكون مخصصاً لهذا العموم؛ لأنه ذكر هذا الخاص بحكم يوافق العام، ويؤيد ذلك حديث وائل بن حجر عند الإمام أحمد رحمه الله(2) وهو نص صريح في أن النبي صلى الله عليه وسلم سد ثم جلس وذكر قبض الأصابع قال ثم سجد. وقد قال مرتب المسند الساعاتي قال: إن سنده جيد. وقال المعلق على زاد المعاد: إن سنده صحيح، وابن القيم – رحمه الله – مشى على ذلك في زاد المعاد، وذكر أنه بين السجدتين يقبض كما يقبض في التشهد.
ثم نقول ثالثاً: لم يرد في السنة أن اليد اليمنى تبسط على الفخذ أبداً، ومن وجد في السنة أن اليد اليمنى تبسط على الفخذ بين السجدتين فليسعفنا به؛ لأننا نعتقد الآن أنه ليس في السنة ما يدل على أن اليد اليمنى تبسط على الفخذ اليمنى، لا في التشهد، ولا بين السجدتين، وإذا لم يكن هناك دليل على أنها تبسط بقيت على الحالة الموصوفة وهي أنها تقبض. والله أعلم.
534 وسئل فضيلة الشيخ: هل هناك أدلة شرعية على تحريك الإصبع في الجلسة بين السجدتين؟(58/9)
فأجاب بقوله: نعم، هناك أدلة شرعية، كل الأدلة التي أثبت بها من اثبت تحريك الأصابع في التشهد فإنه يدخل فيها الجلوس بين السجدتين، فحديث عبد الله بن الزبير، وحديث عبد الله بن عمر(3) في إثبات الإشارة يقول: "إذا قعد يدعو أشار بإصبعه" هذا لفظ حديث عبد الله بن الزبير. ومعلوم أننا لو سألناكم جميعاً ما هي القعدة التي فيها الدعاء، هل هي التشهد أو الجلوس بين السجدتين أو التشهد وحده أو هما جميعاً؟ والجواب: هما جميعاً. كل الجلستين محل للدعاء، بل إن الجلسة بين السجدتين ليس فيها إلا دعاء، بينما الجلوس في التشهد فيه تشهد ودعاء. فعلى هذا يكون دخول الجلسة بين السجدتين دخولاً أولياً في الإشارة بالإصبع وقبض الخنصر والبنصر، والتحليق بالإبهام مع الوسطى.
ثم إنه قد روى الإمام أحمد(4) من حديث وائل بن حجر حديثاً صريحاً في ذلك حيث ذكر صفة صلاة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وذكر أنه يسجد، ثم يقعد ويقبض الخنصر والبنصر، ويحلق بالإبهام والوسطى، ويشير بسبابته، ثم يسجد ثم يصنع في صلاته كذلك ما بقي. وهذا الحديث قال صاحب الفتح الرباني في ترتيب المسند إن إسناده جيد، وذكر الأرناؤوط الذي علق على زاد المعاد: أن سنده صحيح(1). وابن القيم ذكر ذلك أيضاً في زاد المعاد. وعلى هذا فالذي ينبغي للإنسان أن يصنع في الجلسة بين السجدتين كما يصنع في التشهد. والفقهاء فرقوا بينهما فقالوا: إذا جلس بين السجدتين فإنه يبسط أصابع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى، وأما في التشهد فإنه يقبض الخنصر والبنصر، ويحلق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة. لكن مقتضى السنة هو ما ذكرنا من قبل.
فإن قيل: هل يحرك في جلسة الاستراحة؟ قلنا: لا يحركها لأن جلسة الاستراحة ليس فيها دعاء، والحديث يقول: "إذا قعد في الصلاة حرك إصبعه يدعو بها".(58/10)
وعلى هذا فالتحريك في الدعاء فقط، أما تحريكها كما يفعل بعض الناس الذين يحركون دائماً كأنهم يلعبون بأصابعهم، فهذا ليس من السنة، إنما يحرك الإنسان إصبعه يدعو به، كلما قال مثلاً: "رب اغفر لي"، رفعه، "وارحمني"، رفعه، لأنه يدعو من في السماء تبارك وتعالى، فيشير، أما تحريكها سواء يحركها بتدوير أو بغير تدوير دائماً فهذا من العبث الذي تنزه الصلاة عنه.
535 سئل فضيلة الشيخ: نرى بعض الإخوان يرفع إصبعه أثناء التشهد، أو في الجلسة بين السجدتين، فهل لهذا أصل؟ وكذلك هل يرفع الإصبع عند النطق بالشهادة؟
فأجاب فضيلته بقوله: قلنا من قبل إنه يقبض الخنصر والبنصر والإبهام والوسطى، أو يحلق الإبهام مع الوسطى، وتبقى السبابة مفتوحة، لكنها عند الدعاء تحرك.
أما التشهد فقد ذكر الفقهاء أنه يشير بها أيضاً عند التشهد لكن قيل: إن الأحاديث الواردة في هذا ضعيفة، فالله أعلم لا أعلم عنها الآن.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
"بحث حول كيفية وضع اليد اليمنى على الفخذ بين السجدتين"
حديث وائل بن حجر الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/317 من طريق عبد الرزاق صريح في ذلك، وسياقه: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر – يعني استفتح الصلاة – ورفع يديه حين كبر ورفع يديه حين قال: سمع الله لمن حمده، وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه".(58/11)
وأخرجه من حديث عبد الصمد قال: حدثنا زائدة قال: حدثنا عاصم بن كليب، ثم تم السند إلى وائل أنه قال: "لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي، قال: فنظرت إليه قام فكبر ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى، والرسغ، والساعد، ثم قال لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ووضع يديه على ركبتيه، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها، ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه ثم قعد فافترش رجله اليسرى فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه لحلق حلقة، ثم رفع إصبعه، فرأيته يحركها يدعو بها".
وهذا صريح في أن هذه القعدة هي القعدة التي بين السجدتين؛ لأنه قال: "ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها ثم سجد... ثم قعد فافترش رجله اليسرى..." إلخ. وهل هذه القعدة إلا قعدة ما بين السجدتين؟!
وأخرجه أيضاً من حديث أسود بن عامر قال: حدثنا زهير بن معاوية عن عاصم بن كليب به، ولفظه أن وائل بن حجر قال: "قلت لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي"، وذكر الحديث، وفيه قال بعد ذكر الرفع من الركوع، "ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى فخذه – في صفة عاصم – ثم وضع حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثلاثاً، وحلق حلقة، ثم رأيته يقول هكذا" وأشار زهير بسبابته الأولى وقبض إصبعين، وحلق الإبهام على السبابة الثانية.
وظاهر هذا اللفظ أو صريحه كسابقيه في أن القبض والإشارة بين السجدتين كما في التشهدين.
وعلى هذا فلا يصح توهيم عبد الرزاق بذكر السجود بعد هذه القعدة؛ لأن ذكره زيادة لا تنافي ما رواه غير بل توافقه كما علم.
ولم أعلم من السنة حديثاً واحداً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبسط يده اليمنى حين يجلس بين السجدتين، ولا وجدت ذلك عن الصحابة.(58/12)
وما رواه مسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى، وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة"(1) فإنه لا ينافي حديث وائل، ولا يبطله لاختلاف الموضعين على أن حديث ابن عمر رضي الله عنهما قد رواه مسلم بلفظ الإطلاق: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه، ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها"(1) وفي لفظ آخر: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى"(2).
فقد روى مسلم هذا الحديث بثلاثة ألفاظ: اثنان مطلقان والثالث مقيد بالتشهد، ولا منافاة أيضاً لدخول المقيد في المطلق، ولم يرد في السنة التفريق بين الجلوس بين السجدتين والتشهدين.
وقد قال البنا في ترتيب مسند الإمام أحمد 3/149 عن حديث وائل بن حجر: سنده جيد. وقال الأرناؤوط في حاشية زاد المعاد 1/238: سنده صحيح.(58/13)
وكلام ابن القيم – رحمه الله – لا غبار عليه في ذلك، والنسبة إليه صحيحة وهذا نص عبارته قال 1/322: ثم كان يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه، وساق كلاماً كثيراً ثم قال 1/338 فصل: ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبراً غير رافع يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلس مفترشاً، يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى. وذكر النسائي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: "من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى واستقباله بأصابعها القبلة والجلوس على اليسرى"(3) ولم يحفظ عنه في هذا الموضع جلسة غير هذه. وكان يضع يديه على فخذيه يجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته ويقبض ثنتين من أصابعه، ويحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها ويحركها، هكذا قال وائل بن حجر عنه. إلى أن قال 339: ثم كان يقول (بين السجدتين) رب اغفر لي... إلخ وكان هديه إطالة هذا الركن بقدر السجود، وهكذا الثابت عنه في جميع الأحاديث انتهى المقصود منه.
والمقوس عليه بين السجدتين هو هكذا في الأصل وهو محذوف في نسخ أخرى.
وهذا صريح في إثباته القبض والتحريك بين السجدتين فإن قوله: "وكان يضع يديه على فخذيه" إلخ. إما أن يكون حاكماً به مستدلاً عليه بحديث وائل كما هو الظاهر من عبارته هنا وفي كثير من عباراته كما قال هنا: ثم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي إلخ. هكذا ذكره ابن عباس – رضي الله عنهما(4) -، وذكر حذيفة(5) أنه كان يقول: رب اغفر لي رب اغفر لي.
وإما أن يكون حاكياً له عن وائل مخبراً به عنه.
فإن كان حاكماً به مستدلاً عليه بقول وائل فنسبة القول به إليه واضحة.(58/14)
وإن كان حاكياً مخبراً فمن البعيد أن يجزم به عن وائل، ثم يكون المراد به أن يتعقبه لأنه – أي وائلاً – صحابي عدل مقبول الخبر فلا يمكن أن يجزم ابن القيم بما قاله بقصد تعقبه، وإنما يريد ابن القيم بقوله هذا: دفع حديث أبي داود عن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما – "أنه كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها"(6) حيث قال: فهذه الزيادة في صحتها نظر، ثم قال بعد ذلك: وأيضاً فليس في حديث أبي داود أن هذا كان في الصلاة، وأيضاً لو كان في الصلاة لكان نافياً، وحديث وائل مثبتاً وهو مقدم وهو حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه(7). انتهى.
536 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين-: عن الحكمة من تحريك الإصبع في الصلاة، وكيفية التحريك، وما صحة استدلال بعض العلماء بحديث عائشة – رضي الله عنها – في صحيح مسلم: "عندما أرسل إلى حسان بن ثابت، فلما دخل عليه، قال حسان: قد آن لكم أن ترسلوا إلى هذا الأسد الضارب بذنبه، ثم أدلع لسانه فجعل يحركه"(1) على تحريك الإصبع يميناً وشمالاً، وعن تضعيف بعض أهل العلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: "كان يشير بإصبعه إذا دعا، لا يحركها"(2)، وما معنى حديث: "لهي أشد على الشيطان من الحديد – يعني السبابة-"(3) وما حكم الدعاء في السجود وإذا كان طول السجود يتعب المصلي؟ أفتونا وفقكم الله وجزاكم خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: تحريك الإصبع في الصلاة من أسفل إلى أعلى إشارة إلى علو من يدعوه وهو الله تعالى، وأما الحديث الذي ذكرت فلا يدل على ما ذهب إليه بعضهم من التحريك يميناً وشمالاً في الصلاة بل ربما يدل على عكس ذلك لأننا نهينا أن نتشبه بالبهائم.
وأما تضعيف أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يحركها فيحتاج إلى مراجعة سبب الضعف الذي وصفه به من ضعفه.
وأما كون الإشارة بها أشد على الشيطان من الحديد، فالظاهر والله أعلم أن معناه أشد من الطعن بالحديد.(58/15)
وأما الدعاء في السجود: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الرجوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم"(4).
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم قوله: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(5).
وعلى هذا فإن الساجد أقرب ما يكون إلى ربه، واقرب ما يكون من الإجابة وأحرى ما يكون بها، فينبغي بعد أن يسبح التسبيح الواجب والمستحب أن يكثر من الدعاء بما شاء من أمور الدنيا والآخرة، ومن أجمع الدعاء وأفضله أن يقول: (ربنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار).
والأفضل أن يطيل المرء الدعاء في صلاة الليل، كما ينبغي أن تكون الصلاة متجانسة متفقة، إذا أطال فيها الركوع أطال القيام بعد الركوع، وأطال السجود، وأطال الجلسة بين السجدتين لقول البراء بن عازب – رضي الله عنه – قال: "كان ركوع النبي صلى الله عليه وسلم وسجوده، وإذا رفع رأسه من الركوع وبين السجدتين قريباً من السواء"(6). فهذا هو الأفضل الذي ينبغي.
أما إذا كان الأمر يتعبك فإنك تدعو الله بما تستطيع ولا تكلف نفسك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا بالعمل بما نطيق فقال: "عليكم بالعمل بما تطيقون"(7) ونهى أن يكلف الإنسان نفسه ويتعبها بالعمل، فإن النفس إذا تعبت كلت وملت، وأما إذا يسر الإنسان على نفسه وأعطاها من العمل ما تقدر عليه فإنه ينصرف منه وهو أشد ما يكون فيه حباً وأسلم عاقبة. والله أعلم.
---
(1) رواه مسلم في المساجد باب 21- صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح114 (580).
(2) الموضع السابق ح115.
(3) يأتي ص196.
(4) الفتح الرباني 3/147.
(5) زاد المعاد 1/231.
(6) انظر ص195.
(7) رواه ابن خزيمة في الصلاة باب وضع اليدين على الركبتين في التشهد وتحريك السبابة عند الإشارة بها 1/714 وصحح الألباني إسناده في تعليقه على ابن خزيمة، وابن حبان 5/170 (1860) "الإحسان".(58/16)
(8) الفتح الرباني 4/14.
(9) زاد المعاد 1/231 أو 1/238.
(1) رواه مسلم في المساجد باب 21- صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح114 و 115 (580).
(2) المسند 4/318.
(1) رواه مسلم وتقدم في ص194.
(2) رواه مسلم وتقدم في ص194.
(3) سنن النسائي في الافتتاح باب موضع اليمين من الشمال في الصلاة 2/463 ح(888). وفي السهو باب: موضع المرفقين 3/42 (1264).
(1) في المساجد باب 21- صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح114 و 115 (580).
(2) رواه مسلم في الموضع السابق ح112 (579).
(3) تقدم تخريجه ص196.
(4) في الصلاة/ باب صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(5) في الصلاة/ باب رفع اليدين في الصلاة (726).
(6) في المساجد عن ابن عمر ح114 و 115 (580).
(1) رواه مسلم أيضاً ح112 و 113 (579).
(2) تقدم تخريجه ص196.
(3) رواه مسلم في المساجد ح114 و 115 (580).
(4) المسند 4/317 وتقدم تخريجه ص196.
(5) الفتح الرباني 4/14، وزاد المعاد 1/231.
(1) رواه مسلم في المساجد ح114 و 115 (580) وتقدم ص194.
(2) المسند 4/ 317 ورواه غيره أيضاً راجع ص196.
(3) رواهما مسلم في المساجد باب 21- صفة الجلوس في الصلاة وحديث ابن الزبير برقم 112 و 113 (579) وحديث ابن عمر 114 و 115 و 116 (580).
(4) المسند 4/317 وتقدم ص196.
(1) راجع زاد المعاد 1/231.
(1) رواه مسلم في المساجد باب 21 – صفة الجلوس في الصلاة... 1/408 ح115 (580).
(1) المرجع السابق ح114 (580).
(2) المرجع السابق ح116 (580).
(3) رواه النسائي في التطبيق باب الاستقبال بأطراف أصابع القدم القبلة (1157)، والحديث عند البخاري بالمعنى في الأذان باب سنة الجلوس في التشهد (827).
(4) روى حديث ابن عباس وفيه: "رب اغفر لي وارحمني وعافني..." أبو داود في الصلاة باب الدعاء بين السجدتين (850) ورواه الترمذي في الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (284)، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (898).(58/17)
(5) رواه أبو داود في الصلاة باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده (874)، ورواه النسائي في التطبيق (الصلاة) باب الدعاء بين السجدتين (1144)، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما يقول بين السجدتين (897).
(6) رواه أبو داود في الصلاة باب الإشارة في التشهد ح(989).
(7) الإحسان 5/170 (1860).
(1) رواه مسلم في فضائل الصحابة باب 34- فضائل حسان 4/1935 ح157 (2490)، رواه في أثناء حديث.
(2) تقدم تخريجه ص211.
(3) رواه أحمد 2/119.
(4) رواه مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود (482).
(5) رواه مسلم في الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود (479).
(6) تقدم تخريجه ص162.
(7) رواه البخاري في الإيمان (43) ومسلم في صلاة المسافرين (782).(58/18)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
جلسة الاستراحة
محمد بن صالح العثيمين
537 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه-: ما حكم جلسة الاستراحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: للعلماء في جلسة الاستراحة ثلاثة أقوال:
القول الأول: الاستحباب مطلقاً.
القول الثاني: وعدم الاستحباب مطلقاً.
القول الثالث: التفصيل بين من يشق عليه القيام مباشرة فيجلس، ومن لا يشق عليه فلا يجلس، قال في المغني ص529 ج1 ط دار المنار" "وهذا فيه جمع بين الأخبار وتوسط بين القولين" وذكر في الصفحة التي تليها عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "إن من السنة في الصلاة المكتوبة إذا نهض الرجل في الركعتين الأوليين أن لا يعتمد بيديه على الأرض إلا أن يكون شيخاً كبيراً لا يستطيع". رواه الأثرم(1)،ثم قال: وحديث مالك (يعني ابن الحويرث)(2) "أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رفع رأسه من السجدة الثانية استوى قاعداً ثم اعتمد على الأرض"، محمول على أنه كان من النبي صلى الله عليه وسلم لمشقة القيام عليه لضعفه وكبره، فإنه قال عليه السلام: "إني قد بدنت فلا تسبقوني بالركوع ولا بالسجود". أهـ.(59/1)
وهذا القول هو الذي أميل إليه أخيراً وذلك لأن مالك بن الحويرث قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتجهز في غزوة تبوك(3) والنبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت قد كبر وبدأ به الضعف، وفي صحيح مسلم(4) ص506 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "لما بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم وثقل كان أكثر صلاته جالساً"، وسألها عبد الله بن شقيق هل كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وهو قاعد؟ قالت: "نعم، بعدما حطمه الناس"، وقالت حفصة – رضي الله عنها -: "ما رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في سبحته قاعداً حتى كان قبل وفاته بعام فكان يصلي في سبحته قاعداً"(5). وفي رواية: "بعام واحد أو اثنين"، وكل هذه الروايات في صحيح مسلم، ويؤيد ذلك أن في حديث مالك بن الحويرث ذكر الاعتماد على الأرض والاعتماد على الشيء إنما يكون عند الحاجة إليه، وربما يؤيد ذلك ما في حديث عبد الله بن بحينة – رضي الله عنه – عند البخاري وغيره: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر، فقام من الركعتين، ولم يجلس"(6) فإن قوله: "ولم يجلس" عام لم يستثن منه جلسة الاستراحة، وقد يقال إن الجلوس المنفي جلوس التشهد لا مطلق الجلوس، والله أعلم.
538 وسئل فضيلته: عن جلسة الاستراحة إذا علم المأموم أن إمامه لا يجلسها، فما هو الأفضل له في ذلك؟ وإذا فعلها فهل يكون مخالفاً لإمامه؟
فأجاب فضيلته بقوله: جلسة الاستراحة هي أن الإنسان إذا قام للثانية أو إلى الرابعة في الرباعية، جلس قليلاً ثم نهض، هذه ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث مالك بن الحويرث(7)، وهو في صحيح البخاري، ولكن ذكر الواصفون لصلاته، أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يجلس هذه الجلسة، فاختلف العلماء في ذلك:
فقال بعض العلماء: إن هذه الجلسة ليست مشروعة مطلقاً.
وقال آخرون: بل هي مشروعة بكل حال.(59/2)
وفصل آخرون فقالوا: إن كان الإنسان محتاجاً لهذه الجلسة لثقل بدنه، أو مرضه، أو شيخوخته، فيجلس، وإلا فلا، قال صاحب المغني: وهذا القول هو الذي تجتمع به الأدلة، واختاره كذلك ابن القيم في زاد المعاد.
على أنه إذا كان الإنسان محتاجاً لهذه الجلسة فالسنة أن يجلس، وإلا فلينهض معتمداً على صدور قدميه بدون جلوس.
وهذا فيما إذا كان المصلي منفرداً، أو كان إماماً، أما إذا كان مأموماً فهو تبع لإمامه، إن جلس الإمام فاجلس، وإن كنت لا ترى أنها سنة اجلس اتباعاً لإمامك، وإن لم يجلس فلا تجلس وإن كنت ترى أنها سنة، اتباعاً للإمام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بمتابعة الإمام فوراً، فإذا قام من السجود ولم يجلس، فتمام المتابعة أن تقوم ولا تجلس؛ لأنك لو جلست لتأخرت في متابعة القيام، لكن لما كانت هذه الجلسة يسيرة فإنه لو جلسها المأموم لا يعد مخالفاً لإمامه، لأنه سوف ينهض بسرعة إلا أن تمام المتابعة أن لا تجلس، ولا يضرك إذا تركت هذه الجلسة ولا ينقص صلاتك؛ لأن التشهد الأول أوكد منها، ومع ذلك لو نسي الإمام التشهد الأول، وقام وجب عليك أن تقوم ولا تجلس، فتترك هذه الجلسة الواجبة من أجل متابعة الإمام، ولو دخلت مع الإمام في الصلاة الرباعية، فدخلت معه في الركعة الثانية لوجب عليك الجلوس، وأنت في الركعة الأولى، ووجب عليك ترك الجلوس، وأنت في الركعة الثانية، كل هذا تحقيقاً لمتابعة الإمام.
فإذا سقط الجلوس في التشهد من أجل المتابعة فليسقط الجلوس للاستراحة من أجل المتابعة، لكني أقول لما كان التخلف في جلسة الاستراحة يسيراً فإن الجلسة لا تعد مخالفة للإمام ولا تبطل الصلاة لو جلس لكننا نأمره أن لا يجلس.
539 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم جلسة الاستراحة؟ وهل تشرع للإمام والمأموم؟(59/3)
فأجاب فضيلته بقوله: جلسة الاستراحة هي: التي تكون عند القيام إلى الركعة الثانية، أو الرابعة في الرباعية – يعني تكون في الرباعية في موضعين عند القيام للركعة الثانية، وعند القيام للركعة الرابعة، وفي الثلاثية والثنائية في موضع واحد وهو عند القيام للركعة الثانية.
وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان في وتر من صلاته أنه لا ينهض حتى يستوي قاعداً.
أي أن هذه الجلسة ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في حديث مالك بن حويرث(1).
وقد اختلف العلماء – رحمهم الله – هل هي جلسة للراحة أو جلسة للتعبد:
فمن قال أنها جلسة للراحة قال إنها لا تسن إلا عند الحاجة إليها كأن يكون الإنسان كبيراً في السن لا يستطيع النهوض مرة واحدة، أو في ركبتيه وجع أو مريضاً أو ما أشبه ذلك.
فإذا كان محتاجاً إليها فإنه يجلس وفي هذه الحال تكون مشروعة من جهة أن ذلك أرفق به، وما كان أرفق بالمرء فهو أولى.
ومن العلماء من قال: إنها جلسة عبادة وإنها مشروعة لكل مصل سواء كان نشيطاً أو غير نشيط.
ومنهم من قال: إنها غير مشروعة مطلقاً.
فالأقوال إذاً ثلاثة، وأرجح الأقوال عندي: أنها جلسة راحة ودليل ذلك أنها ليس لها تكبير عند الجلوس ولا عند القيام منها، وليس فيها ذكر مشروع وكل فعل مقصود فإنه يكون فيه ذكر مشروع، فعلم بهذا أنها جلسة راحة، وأن الإنسان إذا كان محتاجاً إليها فليرح نفسه اقتداءً بنبيه صلى الله عليه وسلم وإلا فلا يجلس.
وهذا اختيار صاحب المغني واختيار ابن القيم في زاد المعاد، وهو أرجح الأقوال فيما أرى.
ولكن يبقى النظر إذا كان الإمام يرى هذه الجلسة والمأموم لا يراها لأنه نشيط. فهل يجلس تبعاً لإمامه، أو يقوم وإن كان إمامه جالساً، أو ينتظر في السجود إذا كان يعلم أن إمامه يجلس حتى يغلب على ظنه أن إمامه استتم واقفاً؟(59/4)
والجواب على هذا نقول: إذا كان الإمام يرى أن يجلس وجلس فليجلس معه حتى وإن لم يكن المأموم يراها مشروعة اتباعاً لإمامه، وإذا كان الإمام لا يرى الجلسة والمأموم يراها فإن المأموم لا يجلس في هذه الحال اتباعاً للإمام؛ لأن موافقة المأموم للإمام أمر مطلوب حتى لو أن الإمام قام عن التشهد الأول ناسياً وجب على المأموم متابعته مع أن الأصل أن التشهد الأول واجب من واجبات الصلاة.
وقد ذكر شيخ الإسلام – رحمه الله – هذا في الفتاوى وقال: إن المأموم لا يجلس إذا كان إمامه لا يجلس للاستراحة.
540 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: إذا كان الإمام لا يجلس جلسة الاستراحة فهل يسن للمأموم أن يجلس؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان المأموم يرى جلسة الاستراحة والإمام لا يجلس فإن الأفضل للمأموم أن لا يجلس، كما نص على ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – لأن متابعة الإمام أهم، ولذلك وجب على المأموم أن يتابع إمامه حتى في ترك الواجب، وذلك فيما لو قام الإمام من التشهد الأول سهواً فإن المأموم لا يجلس، وكذلك لو دخل المأموم في الركعة الثانية من الظهر مثلاً فإنه سوف يجلس للتشهد في غير محله، وسوف يدع التشهد في محله كل ذلك من أجل متابعة الإمام.
ولهذا نقول: إن جلسة الاستراحة للمأموم إذا كان الإمام لا يجلس لا تنبغي بل الأفضل عدمها موافقة للإمام، والعكس بالعكس فلو كان الإمام يجلس لأنه يرى مشروعية الجلسة والمأموم لا يرى مشروعية الجلسة فإنه يجلس متابعة للإمام.
---
(1) أخرجه البيهقي 2/136، وابن قدامة في المغني 2/214.
(2) رواه البخاري في الأذان باب 143 – كيف يعتمد على الأرض إذا قام من الركعة (824) وراجع ص182.
(3) راجع فتح الباري 2/131.
(4) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب 16 – جواز النافلة قائماً وقاعداً. ح117 (732).
(5) الموضع السابق ح115 (732) و ح118 (733).(59/5)
(6) متفق عليه: رواه البخاري في الأذان باب من لم ير التشهد واجباً... (829) في السهو باب 1 – ما جاء في السهو.. (1225). ورواه مسلم في المساجد باب السهو في الصلاة.. ح85 (570).
(7) تقدم تخريجه ص181 وهو في البخاري.
(1) رواه البخاري وتقدم في ص181.(59/6)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
صفة الجلوس للتشهد
محمد بن صالح العثيمين
541 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم تحريك السبابة في التشهد من أوله إلى آخره؟
فأجاب فضيلته بقوله: تحريك السبابة إنما يكون عند الدعاء، وليس في جميع التشهد، فإذا دعى حركها كما جاء ذلك في بعض الأحاديث.. "يحركها يدعو بها"(1) ووجه ذلك أن الداعي إنما يدعو الله عز وجل، والله سبحانه وتعالى في السماء لقوله تعالى: (أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء"(2) فالله تعالى في السماء – أي في العلو – فوق كل شيء، فإذا دعوت الله فإنك تشير إلى العلو، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه خطب الناس في حجة الوداع وقال: "ألا هل بلغت"؟ قالوا: نعم، فرفع إصبعه إلى السماء وجعل ينكتها إلى الناس يقول: "اللهم اشهد، اللهم اشهد، اللهم اشهد ثلاثاً"(1)، وهذا يدل على أن الله تعالى فوق كل شيء، وهو أمر واضح معلوم بالفطرة، والعقل، والسمع، والإجماع، وعلى هذا فكلما دعوت الله عز وجل فإنك تحرك السبابة تشير بها إلى السماء، وفي غير ذلك تجعلها ساكنة، فلنتتبع الآن مواضع الدعاء في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال، هذه ثمانية مواضع يحرك الإنسان إصبعه فيها نحو السماء، وإن دعا بغير ذلك أيضاً رفعها؛ لأن القاعدة أن يرفعها عند كل دعاء.(60/1)
542 وسئل فضيلة الشيخ: يقال إن ضم الإبهام إلى الوسط ومد السبابة وتحريكها والنظر إليها أثناء التشهد في الصلاة أشد على الشيطان من ضرب الحديد. ما مدى صحة هذه الرواية؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه الرواية لا أعرف عنها شيئا(2)ً، لكن من الأمور المشروعة أن الإنسان يقبض الخنصر والبنصر، ويلحق الإبهام مع الوسطى، ويشير بالسبابة كلما دعا.
---
(1) تقدم تخريجه ص201.
(2) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري، رواه البخاري في المغازي باب 63 بعث علي بن أبي طالب وخالد بن الوليد إلى اليمن (4351)، ورواه مسلم في الزكاة باب 47 – ذكر الخوارج وصفاتهم ح144 (1064).
(1) هو جزء من حديث جابر في حجة الوداع وبهذا اللفظ رواه مسلم في الحج باب 19 – حجة النبي صلى الله عليه وسلم 2/890 ح147 (1218).
(2) أخرجها الإمام أحمد بلفظ: "لهي أشد على الشيطان من الحديد – يعني السبابة"، المسند 2/119، وانظر ما تقدم ص212.(60/2)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم
محمد بن صالح العثيمين
543 وسئل فضيلة الشيخ: عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد هل تكون بصيغة كاف الخطاب أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: أكثر العلماء على أن السلام على النبي صلى الله عليه وسلم يكون بكاف الخطاب (عليك) بعد وفاته كما هو كذلك قبل وفاته وذلك لأن الكاف ليست خطاب حاضر يكلم، بل كان الصحابة يقولون ذلك والنبي صلى الله عليه وسلم غير حاضر عندهم، فقد كانوا يقولونها وهم في بلد والنبي صلى الله عليه وسلم في بلد، وإذا قالوها في حضرته في الصلاة فلم يكونوا يسمعونها إياه، ولو أسمعوها إياه وكانت خطاب حاضر يكلم لأمكن أن يقال بوجوب الرد عليهم، وهذا دليل على أن الكاف هنا لتنزيل الغائب منزلة الحاضر لقوة استحضار القلب له.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – في كتاب (اقتضاء الصراط المستقيم) ص416 بعد كلام له: هذا وأمثاله نداء يطلب به استحضار المنادى في القلب فيخاطب لشهوده بالقلب كما يقول المصلي (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) والإنسان يفعل مثل هذا كثيراً يخاطب من يتصوره في نفسه إن لم يكن في الخارج من يسمع الخطاب أهـ.(61/1)
وإذا تبين أن الكاف هنا ليست خطاب حاضر يكلم علم أن الأولى اتباع ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم به فيؤتى بالسلام على اللفظ الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم كما قال بذلك جمهور أهل العلم. وروى مالك في الموطأ(3) بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن القاري أنه سمع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا التحيات لله فذكر الحديث وفيه السلام عليك أيها النبي إلخ. وهذا يدل على أن فعل ابن مسعود – رضي الله عنه(4) – كان اجتهاداً منه، وليس إجماعاً للصحابة وحينئذ يكون ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، وما أعلنه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب وأعلمه الناس على المنبر مقدماً على اجتهاد عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – فيقال: السلام عليك أيها النبي امتثالاً لما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، واقتداء بعمر بن الخطاب رضي الله عنه، ولا يقال السلام على النبي.
544 وسئل فضيلة الشيخ: هل تشرع الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأول؟ وهل يكمل المسبوق التشهد الأخير متابعة للإمام؟ وما حكم الدعاء في التشهد الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: مشروعية الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأولى اختارها كثير من العلماء، واختار الجمهور عدم استحباب ذلك وهو الأقرب عندي، ولو قالها المصلي فلا حرج.
والمسبوق يكمل التشهد ولا حرج عليه.
أما الدعاء في التشهد الأول فما علمت أحداً قال به، بل صرح بعض العلماء بكراهة تطويل التشهد الأول، والزيادة فيه على ما ورد، قال النووي في شرح المهذب: قال أصحابنا: يكره أن يزيد في التشهد الأول على لفظ التشهد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والآل إذا سنناهما فيكره أن يدعو فيه أو يطوله بذكر آخر.
وبناء على هذا يكون قوله من الدعاء الوارد فيه نظر إذ لم يرد دعاء في التشهد الأول.
وأما التشهد الذي فيه السلام فيدعو فيه بما أحب من الوارد وغيره.(61/2)
545 وسئل فضيلة الشيخ: هل يكره إفراد الصلاة أو السلام على النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح أنه لا كراهة في إفراد الصلاة أو السلام على النبي صلى الله عليه وسلم لعدم الدليل على ذلك، بل إن النبي صلى الله عليه وسلم علم أمته التشهد أولاً وليس فيه ذكر الصلاة. حرر في 19/1/1418هـ.
546 وسئل فضيلته: ما معنى قولنا "اللهم صل على محمد"؟
فأجاب بقوله: إذا قال القائل: "اللهم صل على محمد" فإن معناه: اللهم أثن عليه في الملأ الأعلى، أي كرر مدحه في الملأ الأعلى، أي في الملائكة. هكذا قال أبو العالية – رحمه الله – وهو القول الحق، وهو أصح من قول من قال: (إن صلاة الله على عبده هي رحمته) لأن هذا القول ضعيف لأن الله قال في كتابه: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ). فعطف الرحمة على الصلوات والعطف يقتضي المغايرة؛ ولأنه لو كانت الصلاة بمعنى الرحمة لكان الإنسان يصلي على كل أحد كما يدعو لكل أحد بالرحمة، والصلاة لا تكون إلا على النبي أو على غيره معه مثل قول: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد".
أما الصلاة على غير النبي فقد اختلف العلماء في جوازها. منهم من قال: إنها جائزة لقول الله تبارك وتعالى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ). وكان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقة قال: "اللهم صل على آل فلان"(1). ومنهم من قال: تجوز إذا كان لها سبب، ولم تتخذ شعاراً لشخص معين.
ومنهم من قال: تجوز مطلقاً إذا لم تتخذ شعاراً.
وعلى كل حال فهذا يدل على أن الصلاة ليست هي الرحمة، إذ لم يختلف العلماء في جواز الدعاء بالرحمة لكل مسلم، وعلى هذا يتبين بوضوح أن صلاة الله على عبده ثناؤه عليه في الملأ الأعلى.
547 وسئل فضيلة الشيخ: هل يقال في التشهد السلام على النبي أو يقال السلام عليك أيها النبي؟(61/3)
فأجاب فضيلته بقوله: الصواب بلا شك أننا نقول: السلام عليك أيها النبي كما قالها الصحابة رضي الله عنهم بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم، فقد روى مالك في الموطأ(1) عن عبد الرحمن بن عبد القاري أنه سمع عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو على المنبر يعلم الناس التشهد يقول: قولوا: التحيات لله الذاكيات لله الطيبات الصلوات لله ، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته.
فهو هو عمر – رضي الله عنه – يعلمه الناس كما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته بلفظ السلام عليك أيها النبي، وما أنكر ذلك عليه أحد، ثم إن الصحابة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم لم يكونوا يقصدون بكاف الخطاب مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم لأنهم في أماكن بعيدة عنه صلى الله عليه وسلم فهم في مكة والطائف، وبادية الجزيرة، وفي المدينة فلم يكن يسمعهم، بل الذين معه في مسجده لم يكونوا يقصدون إسماعه ذلك، وأنهم يسلمون عليه في الصلاة كما يسلمون عليه عند الملاقاة. حرر في 19/1/1418هـ.
548 سئل فضيلة الشيخ: ما الكيفية الصحيحة للصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟(61/4)
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل الأعمال كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً). وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بالإكثار من الصلاة عليه، وأخبر أنه من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه عشراً(2). وخير صيغة يقولها الإنسان في الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ما اختاره النبي صلى الله عليه وسلم للصلاة عليه بها مثل قوله: "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد"(3)، وغيرها من صيغ الصلوات التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن خير ما ألف في ذلك كتاب العلامة ابن القيم – رحمه الله – المسمى "جلاء الإفهام في الصلاة على خير الأنام" فليرجع إليه السائل وغيره للاستفادة منه.
549 وسئل فضيلته الشيخ: هل يقتصر المصلي في التشهد الأول على التشهد أو يزيد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: التشهد الأول في الثلاثية والرباعية يقتصر فيه على قول: (التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين. أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله)(4)، هذا هو الأفضل فإن زاد وقال: (اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد)(1)، فلا بأس.
ومن العلماء من استحب هذه الزيادة؛ لكن الأقرب عندي الاقتصار على الحد الأول، وإن زاد فلا بأس، لاسيما إذا أطال الإمام التشهد، فحينئذ يزيد الصلاة التي ذكرناها.(61/5)
550 وسئل فضيلة الشيخ: متى يكون التكبير عند القيام من التشهد الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: التكبير عند القيام من التشهد الأول يكون عند النهوض – أي فيما بين الجلوس والقيام – وليس وهو جالس، ففي صحيح البخاري(2) عن سعيد بن الحارث قال: (صلى لنا أبو سعيد فجهر بالتكبير حين رفع رأسه من السجود، وحين سجد، وحين رفع، وحين قام من الركعتين)، وقال: (هكذا رأيت النبي صلى الله عليه وسلم)، وقال مطرف: (صليت أنا وعمران صلاة خلف علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فكان إذا سجد كبر، وإذا رفع كبر، وإذا نهض من الركعتين كبر، فلما سلم أخذ عمران بيدي فقال: قد صلى بنا هذا صلاة محمد صلى الله عليه وسلم)(3).
وهكذا كل تكبيرات الانتقال محلها ما بين الركنين المنتقل منه والمنتقل إليه.
---
(3) رواه مالك في كتاب الجمعة باب التشهد في الصلاة 1/193 (499).
(4) حديث ابن مسعود متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 148 – التشهد في الآخرة ح(831)، مسلم في الصلاة باب 16- التشهد في الصلاة ح55 (402). ولفظه في البخاري: كنا إذا صلينا خلف النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: السلام على جبريل وميكائيل، السلام= = على الله، السلام على فلان وفلان. فالتفت إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله هو السلام فإذا صلى أحدكم فليقل: التحيات لله والصلوات الطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته... إلى أن محمداً عبده ورسوله". وفي البخاري ح(6265) قال عبد الله في نهاية الحديث: وهو بين ظهرانينا، فلما قبض قلنا: السلام يعني على النبي صلى الله عليه وسلم.(61/6)
(1) متفق عليه من حديث ابن أبي أوفى ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه أهل بيت بصدقة صلى عليهم فتصدق أبي بصدقة فقال: "اللهم صل على آل أبي أوفى". رواه البخاري في الزكاة باب صلاة الإمام ودعائه لصاحب الصدقة (1497) ورواه مسلم في الزكاة باب 54 – الدعاء لمن أتى بصدقة 2/756 ح176 (1078).
(1) في كتاب الجمعة باب التشهد في الصلاة 1/193 (499).
(2) رواه مسلم من حديث أبي هريرة في الصلاة باب 17 – في ثواب الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد 1/306 ح70 (408).
(3) متفق عليه من حديث كعب بن عجره رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب 11 (3369 و 3370) ومسلم في الصلاة باب 17 – الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بعد التشهد 1/305 ح66 (405).
(4) متفق عليه من حديث ابن مسعود راجع ص226.
(1) راجع التخريج في السؤال السابق.
(2) رواه البخاري في الأذان باب 144 – يكبر وهو ينهض من السجدتين ح(825).
(3) رواه البخاري في الموضع السابق ح(826) وراجع أيضاً ح(786).(61/7)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
صفة الجلوس للتشهد الأخير
محمد بن صالح العثيمين
551 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم التورك في الصلاة؟ وهل هو عام للرجال والنساء؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: جلسة التورك في الصلاة سنة في التشهد الأخير في كل صلاة فيها تشهدان؛ كصلاة المغرب، والعشاء، والظهر والعصر. وأما الصلاة التي ليس فيها إلا تشهد واحد فليس فيها تورك. بل يفترش. هذا عن حكم التورك.
أما كونه للرجال والنساء، فنعم فهو ثابت في حق النساء والرجال؛ لأن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلا بدليل شرعي يدل على عدم التساوي، وليس هناك دليل شرعي صحيح على أن المرأة تختلف عن الرجل في هيئات الصلاة؛ بل هي والرجل على حد سواء.
552 سئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -: هناك أدعية ثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل: (ربي أجرني من النار)، فهل يجوز عند الدعاء بها إضافة شيء إليها كأن يقال: (ربي أجرني من النار ووالدي وإخواني)، بقصد الدعاء لهم؟ وهل يجوز الاستغفار والدعاء للوالدين وغيرهم في صلاة الفرض وأثناء خطبة الإمام يوم الجمعة؟ وكذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم والذكر والإمام يخطب؟
فأجاب فضيلته بقوله: ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأدعية فالأولى المحافظة فيه على الصيغة الواردة بدون زيادة، ثم بعد ذلك تدعو لمن أحببت.
والدعاء للوالدين وغيرهم من المؤمنين جائز في الفرض والنفل بعد المحافظة على الذكر الوارد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء"(4).(62/1)
أما الدعاء أثناء خطبة الجمعة فلا يجوز لا للوالدين ولا لغيرهم؛ لأنه يشغل عن استماع الخطبة، لكن لو ذكر الخطيب الجنة أو النار، وقلت: أسأل الله من فضله، أو أعوذ بالله من النار من غير أن يشغلك عن سماع الخطبة، أو تشويش على غيرك فلا بأس، ومثل ذلك الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره في الخطبة إذا لم يشغلك عن سماعها فصل عليه.
553 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى-: جمع الإمام بين المغرب والعشاء للمطر وعندما سلم الإمام من المغرب لم يسلم رجل من جماعة المسجد بل وصلها بصلاة العشاء ولم يكبر تكبيرة الإحرام للعشاء، فهل تصح صلاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: الرجل المذكور الذي قام مع الإمام في الجمع بدون سلام من صلاة المغرب، وبدون تكبيرة إحرام للعشاء هذا الرجل صلاته للمغرب باطلة؛ لأنه لم يسلم منها بل قرنها بصلاة أخرى، والسلام ركن، وقرن الصلاة بأخرى بدون سلام من الأولى لا يجوز.
وكذلك صلاته للعشاء باطلة لأنه لم يكبر لها تكبيرة الإحرام ووصلها بصلاة ثانية.
وعلى هذا فيجب عليه إعادة الصلاتين صلاة المغرب وصلاة العشاء مع التوبة إلى الله من هذا العمل. حرر في 28/2/1394هـ.
---
(4) رواه البخاري في الأذان/ باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد (800).(62/2)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
التسليم
محمد بن صالح العثيمين
554 وسئل فضيلة الشيخ: التسليم من الصلاة هل يكون مصاحباً للالتفات، أو قبله، أو بعده؟
فأجاب فضيلته بقوله: التسليم للصلاة مع الالتفات من حين تبدأ حتى تختم السلام وأنت ملتفت تماماً؛ لأنك تخاطب من ورائك.
أما بعض الناس يقول: السلام عليكم هكذا يرفع رأسه وإذا بقي "عليكم" التفت بسرعة هذا ليس بصحيح إنما تقول: "السلام عليكم" تبدأ من حين تبدأ بالجملة تبدأ بالالتفات حتى يكون التفاتك عند قولك "عليكم" لأنك تخاطب الجماعة وراءك.
555 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: عن إمام يسلم تسليمة واحدة عن يمينه فقط فهل يجزئ الاقتصار على تسليمه واحدة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: يرى بعض العلماء أنه يجوز الاقتصار على واحدة – أي على تسلميه واحدة – ويرى بعضهم أنه لابد من التسليمتين، ويرى آخرون أن التسليمه الواحدة تكفي في النفل دون الفرض.
والاحتياط للإنسان أن يسلم مرتين؛ لأن هذا أكثر ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو أحوط وأكثر ذكراً، لكن إذا سلم الإمام مرة واحدة وكان المأموم لا يرى الاقتصار على واحدة فليسلم المأموم مرتين ولا حرج عليه في هذا، أما لو سلم الإمام مرتين والمأموم يرى تسلميه واحدة فليسلم مع الإمام من أجل متابعته.
556 وسئل الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: ما حكم من يزيد في اليمين في السلام من الصلاة بقوله (وبركاته)؟(63/1)
فأجاب فضيلته بقوله: من زاد في السلام على اليمين (وبركاته) فقد وافق بعض العلماء في ذلك، وهذا مبني على صحة هذه الزيادة، وفيها مقال معروف، فقد قال النووي في كتاب (الأذكار) ولا يستحب أن يقول معه وبركاته لأنه خلاف المشهور عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن كان قد جاء في رواية لأبي داود وقد ذكره جماعة من أصحابنا منهم إمام الحرمين وزاهر السرخسي والروياني في الحلية، ولكنه شاذ، والمشهور ما قدمناه، والله أعلم.
ومراده في الشذوذ يعني في المذهب ورواية أبي داود فيها موسى بن قيس الحضرمي قل العقيلي: من الغلاة في الرفض، يلقب عصفور الجنة، يحدث بأحاديث مناكير وفي نسخة بواطيل، ووثقه ابن معين وغيره، وقال في التقريب: صدوق رمي بالتشيع من السادسة. أهـ. قلت: والظاهر عدم استحبابها ولا ينكر على من قالها.
حرر في 27/6/1418هـ.(63/2)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
انصراف الإمام
محمد بن صالح العثيمين
557 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: هل الأولى للإمام أن ينصرف بعد الصلاة مباشرة أو ينتظر قليلاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأولى للإمام أن يبقى مستقبل القبلة بقدر ما يستغفر الله ثلاثاً، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام، ثم ينصرف إلى جهة المأمومين(1).
أما بقاؤه في مكانه فإن كان يلزم من قيامه تخطي رقاب المأمومين فالأولى أن يبقى حتى يجد متسعاً، وإلا فله الانصراف.
أما المأموم فالأولى أن لا ينصرف قبل إمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تسبقوني بالانصراف"(2). لكن إذا أطال الإمام البقاء مستقبل القبلة أكثر من السنة فللمأموم أن ينصرف.
---
(1) هذا حديث ثوبان رواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح135 (591).
(2) رواه مسلم في الصلاة باب 25 – تحريم سبق الإمام 1/320 ح112 – (426) وفي أوله: "أيها الناس إني إمامكم فلا تسبقوني بالركوع ولا السجود ولا بالقيام ولا بالانصراف".(64/1)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
المصافحة بعد الصلاة
محمد بن صالح العثيمين
558 سئل فضيلة الشيخ: ما رأى فضيلتكم في المصافحة وقول "تقبل الله" بعد الفراغ من الصلاة مباشرة؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: لا أصل للمصافحة، ولا لقول، "تقبل الله" بعد الفراغ من الصلاة، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه – رضي الله عنهم -. حرر في 25/5/1409هـ.(65/1)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
استعمال المسبحة
محمد بن صالح العثيمين
559 سئل فضيلة الشيخ – أعلى الله مكانه ومكانته عنده -: ما حكم استعمال السبحة؟
فأجاب فضيلته بقوله: السبحة ليست بدعة دينية، وذلك لأن الإنسان لا يقصد التعبد لله بها، وإنما يقصد ضبط عدد التسبيح الذي يقوله، أو التهليل، أو التحميد، أو التكبير، فهي وسيلة وليس مقصودة، ولكن الأفضل منها أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله – أي بأصابعه – لأنهن "مستنطقات"(3) كما أرشد ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، ولأن عد التسبيح ونحوه بالمسبحة يؤدي إلى غفلة الإنسان، فإننا نشاهد كثيراً من أولئك الذين يستعملون المسبحة نجدهم يسبحون وأعينهم تدور هنا وهناك لأنهم قد جعلوا عدد الحبات على قدر ما يريدون تسبيحه، أو تهليله أو تحميده، أو تكبيره، فتجد الإنسان منهم يعد هذه الحبات بيده وهو غافل القلب، يتلفت يميناً وشمالاً، بخلاف ما إذا كان يعدها بالأصابع فإن ذلك أحضر لقلبه غالباً، الشيء الثالث أن استعمال المسبحة قد يدخله الرياء، فإننا نجد كثيراً من الناس الذين يحبون كثرة التسبيح يعلقون في أعناقهم مسابح طويلة كثيرة الخرزات، وكأن لسان حالهم يقول: انظروا إلينا فإننا نسبح الله بقدر هذه الخرزات.
وأنا أستغفر الله أن أتهمهم بهذا، لكنه يخشى منه، فهذه ثلاثة أمور كلها تقتضي بأن يتجنب الإنسان التسبيح بالمسبحة، وأن يسبح الله سبحانه وتعالى بأنامله.(66/1)
ثم أن الأولى أن يكون عقد التسبيح بالأنامل في اليد اليمنى؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه(4) واليمنى خير من اليسرى بلا شك، ولهذا كان الأيمن مفضلاً على الأيسر، ونهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله وأمر أن يأكل الإنسان بيمينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "يا غلام سم الله، وكل بيمينك وكل مما يليك"(1). وقال عليه الصلاة والسلام: "لا يأكلن أحدكم بشماله، ولا يشربن بشماله فإن الشيطان يأكل بشماله، ويشرب بشماله"(2). فاليد اليمنى أولى بالتسبيح من اليد اليسرى اتباعاً للسنة، وأخذاً باليمين فقد: "كان النبي عليه الصلاة والسلام يعجبه التيامن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله"(3).
وعلى هذا فإن التسبيح بالمسبحة لا يعد بدعة في الدين؛ لأن المراد بالبدعة المنهي عنها هي البدع في الدين، والتسبيح بالمسبحة إنما هو وسيلة لضبط العدد، وهي وسيلة مرجوحة مفضولة، والأفضل منها أن يكون عد التسبيح بالأصابع.
560 وسئل فضيلة الشيخ – غفر الله له-: ما رأيكم في استخدام المسبحة في التسبيح؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: استخدام المسبحة جائز، لكن الأفضل أن يسبح بالأنامل وبالأصابع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اعقدن بالأصابع فإنهن مستنطقات"(4).
ولأن حمل السبحة قد يكون فيه شيء من الرياء؛ ولأن الذي يسبح بالسبحة غالباً تجده لا يحضر قلبه فيسبح بالمسبحة وينظر يميناً وشمالاً. فالأصابع هي الأفضل وهي الأولى.
---
(3) لما رواه الإمام أحمد في المسند 611/370، وأبو داود في الصلاة/ باب التسبيح بالحصى (1501)، والترمذي في الدعوات، باب فضائل التسبيح (3583) ونص الحديث: عن يسيرة قالت: قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: "عليكن بالتهليل والتسبيح والتقديس، ولا تغفلن فتنسين الرحمة، واعقدن بالأنامل فإنهن مسؤولات مستنطقات".(66/2)
(4) رواه أبو داود في الصلاة/ باب التسبيح بالحصى (1502).
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الأطعمة باب 2 – التسمية على الطعام والأكل باليمين (5376)، ورواه مسلم في الأشربة باب 13 – آداب الطعام والشراب 3/1599 ح108 (2022).
(2) رواه مسلم في الموضع السابق ح106 (2020).
(3) متفق عليه، رواه البخاري في الوضوء، باب 31 – التيمن في الوضوء والغسل (168)، ورواه مسلم في الطهارة باب 19: التيمين في الطهور وغيره 1/226 ح66 و 67 (268).
(4) راجع تخريجه في السؤال السابق.(66/3)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
عد التسبيح
محمد بن صالح العثيمين
561 سئل فضيلة الشيخ: هل يعد الإنسان التسبيح بالأنامل أو بالأصابع؟
فأجاب فضيلته بقوله: التسبيح بالأنامل أو الأصابع واسع، إن شاء عقد بالأنامل، وإن شاء عقد بالأصابع، والأفضل أن يكون عقد التسبيح باليمين كما جاء به الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام(5).
562 سئل فضيلة الشيخ: عن عد التسبيح هل يكون باليد اليمنى فقط؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يسبح اليمنى لأن هذا هو ما رواه أبو داود من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعقد التسبيح بيمينه(6)، ولكن لا ينبغي التشديد في هذا الأمر بحيث ينكر على من يسبح بكلتا يديه، بل نقول إن السنة أن تقتصر على اليمين؛ لأن هذا هو الذي ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم، ولأن ذلك أفضل وأكمل؛ لأن اليمين تقدم في الأمور المحمودة، واليسرى في الأمور الأخرى.
563 وسئل الشيخ – حفظه الله تعالى – عن حكم التسبيح بالسبحة، وهل تعتبر من الوسائل المعينة على العبادة؟ أفتونا وفقكم الله تعالى.
فأجاب بقوله: التسبيح بالأصابع خير من التسبيح بالسبحة من وجوه ثلاثة:
الأول: أنه الذي أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله لجماعة نسوة: "اعقدن بالأنامل فإنهن مستنطقات"(7).
الثاني: أنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء.
الثالث: أنه أقرب إلى حضور القلب ولذلك ترى المسبح بالسبحة يتجول بصره حين التسبيح يميناً وشمالاً لا لكونه قد ضبط العدد بخرز السبحة فهو يسردها حتى ينتهي إلى آخرها ثم يقول سبحت مائة مرة أو ألف مرة مثلاً بخلاف الذي يعقد بالأنامل فقلبه حاضر.(67/1)
وأما وسائل العبادة فهو كل ما أوصل إلى العبادة فإذا لم يكن طريقاً محرماً لذاته ولم يكن موجباً للإعراض عن أصول الدعوة الشرعية فلا بأس به، أما إن كان محرماً لذاته كالكذب والمعازف فلا يصح أن يكون وسيلة للدعوة إلى الله تعالى ولا يحل فعله. وكذلك لو كان موجباً للإعراض عن أصول الدعوة الشرعية كالأناشيد التي تلهي عن أصول الدعوة الشرعية فإنه ينهى عنها.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 10 رجب 1418هـ.
---
(5) تقدم تخريجه ص240.
(6) تقدم تخريجه ص241.
(7) تقدم تخريجه ص240.(67/2)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
الجهر بالذكر بعد الصلاة
محمد بن صالح العثيمين
564 وسئل فضيلة الشيخ: ما الأذكار التي يرفع الإنسان بها صوته بعد الصلاة المكتوبة؟ وما قولكم في قول بعضهم إن رفع الصوت في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من أجل التعليم؟ وما رأيكم في قول شيخ الإسلام ابن تيميه وابن القيم – رحمهما الله-: إن الدعاء يكون قبل السلام والذكر بعده؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأذكار التي يرفع الإنسان بها صوته بعد المكتوبة: كل ذكر يشرع بعد الصلاة، لما ثبت في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعتهم"(1)، فدل هذا على أن كل ما يشرع من ذكر في أدبار الصلاة فإنه يجهر به.
وأما من زعم من أهل العلم أنه كان يجهر به في عهد النبي صلى الله عليه وسلم للتعليم، وأنه لا يسن الجهر به الآن فإن هذا في الحقيقة مبدأ خطير، لو كنا كلما جاءت سنة بمثل هذا الأمر قلنا إنها للتعليم، وأن الناس قد تعلموا الآن فلا تشرع هذه السنة لبطل كثير من السنن بهذه الطريقة، ثم نقول: الرسول عليه الصلاة والسلام قد أعلمهم بما يشرع بعد الصلاة، كما في قصة الفقراء الذين جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم [في أن الأغنياء سبقوهم فقال: "ألا أخبركم بشيء تدركون به من سبقكم"(2)؟ ثم ذكر لهم أن يسبحوا ويكبروا ويحمدوا ثلاثاً وثلاثين]. فقد علمهم بالقول صلى الله عليه وسلم.
فالصواب في هذا أنه يشرع أدبار الصلوات المكتوبة أن يجهر الإنسان بكل ما يشرع من ذكر سواء بالتهليل، أو بالتسبيح أو الاستغفار بعد السلام ثلاثاً أو بقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، وتباركت يا ذا الجلال والإكرام(3).(68/1)
وأما ذكر السائل عن شيخ الإسلام بن تيميه، وتلميذه ابن القيم – رحمهما الله – من أن الدعاء قبل السلام والذكر بعده، فهذا كلام جيد جداً ويدل عليه حديث ابن مسعود رضي الله عنه حينما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم التشهد، ثم قال بعد ذلك: "ثم ليتخير من الدعاء أعجبه إليه"(4). فأرشد النبي عليه الصلاة والسلام المصلي أن يدعو بعد التشهد مباشرة وقبل السلام.
وأما أن الذكر بعد السلام فلقول الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم). وعلى هذا فيكون ما بعد السلام ذكراً ويكون ما قبل السلام دعاءً هذا ما يقتضيه الحديث، وما يقتضيه القرآن، وكذلك المعنى يقتضيه أيضاً لأن المصلي بين يدي الله عز وجل فمادام في صلاته فإنه يناجي ربه كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم(1)، وإذا انصرف وسلم انصرف من ذلك فكيف نقول أجل الدعاء حتى تنصرف من مناجاة الله، المعقول يقتضي أن يكون الدعاء قبل أن تسلم ما دمت تناجي ربك تبارك وتعالى، وعلى هذا فيكون ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله وتلميذه ابن القيم، هو الصواب الذي دل عليه المنقول والمعقول، ولكن لا حرج أن الإنسان يدعو بعد الصلاة أحياناً، أما اتخاذ ذلك سنة راتبة كما يفعله بعض الناس كلما انصرف من السنة رفع يديه يدعو فإن هذا لا أعلم فيه سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
رسالة
الجهر بالذكر بعد الصلاة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم... حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كتابكم المؤرخ في الشهر الماضي وصل، وسؤالكم عن: حكم الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة وصورته.(68/2)
فالجواب: أن الجهر بالذكر بعد الصلوات المكتوبة سنة، دل عليها ما رواه البخاري(1) من حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وكنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته". ورواه الإمام أحمد(2) وأبو داود(3) وهذا الحديث من أحاديث العمدة، وفي الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول إذا قضى الصلاة: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له". الحديث(4)، ولا يسمع القول إلا إذا جهر به القائل.
وقد اختار الجهر بذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وجماعة من السلف، والخلف، لحديثي ابن عباس، والمغيرة – رضي الله عنهم – والجهر عام في كل ذكر مشروع بعد الصلاة سواء كان تهليلاً، أو تسبيحاً، أو تكبيراً، أو تحميداً لعموم حديث ابن عباس، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم التفريق بين التهليل وغيره بل جاء في حديث ابن عباس أنهم يعرفون انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالتكبير(5)، وبهذا يعرف الرد على من قال لا جهر في التسبيح والتحميد والتكبير.
وأما من قال: إن الجهر بذلك بدعة فقد أخطأ فكيف يكون الشيء المعهود في عهد النبي صلى الله عليه وسلم بدعة؟! قال الشيخ سليمان بن سحمان رحمه الله: (ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من فعله وتقريره، وكان الصحابة يفعلون ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بعد تعليمهم إياه، ويقرهم على ذلك فعلموه بتعليم الرسول صلى الله عليه وسلم إياهم، وعملوا وأقرهم على ذلك العمل بعد العلم به ولم ينكره عليهم).
وأما احتجاج منكر الجهر بقوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ).(68/3)
فنقول له: إن الذي أمر أن يذكر ربه في نفسه تضرعاً وخيفة هو الذي كان يجهر بالذكر خلف المكتوبة، فهل هذا المحتج أعلم بمراد الله من رسوله، أو يعتقد أن الرسول صلى الله عليه وسلم يعلم المراد ولكن خالفه، ثم إن الآية في ذكر أول النهار وآخره (بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ) وليست في الذكر المشروع خلف الصلوات، وقد حمل ابن كثير في تفسيره الجهر على الجهر البليغ.
وأما احتجاج منكر الجهر أيضاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "أيها الناس اربعوا على أنفسكم". الحديث(1).
فإن الذي قال: "أيها الناس أربعوا على أنفسكم" هو الذي كان يجهر بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، فهذا له محل، وذاك له محل، وتمام المتابعة أن تستعمل النصوص كل منها في محله.
ثم إن السياق في قوله: "اربعوا على أنفسكم" يدل على أنهم كانوا يرفعون رفعاً بليغاً يشق عليهم ويتكلفونه، ولهذا قال: "أربعوا على أنفسكم". أي: ارفقوا بها ولا تجهدوها، وليس في الجهر بالذكر بعد الصلاة مشقة ولا إجهاد.
أما من قال: إن في ذلك تشويشاً.
فيقال له: إن أردت أنه يشوش على من لم يكن له عادة بذلك، فإن المؤمن إذا تبين له أن هذا هو السنة زال عنه التشويش، إن أردت أنه يشوش على المصلين، فإن المصلين إن لم يكن فيهم مسبوق يقضي ما فاته فلن يشوش عليهم رفع الصوت كما هو الواقع، لأنهم مشتركون فيه، وإن كان فيهم مسبوق يقضي فإن كان قريباً منك بحيث تشوش عليه فلا تجهر الجهر الذي يشوش عليه لئلا تلبس عليه صلاته، وإن كان بعيداً منك فلن يحصل عليه تشوش بجهرك.
وبما ذكرنا يتبين أن السنة رفع الصوت بالذكر خلف الصلوات المكتوبة، وأنه لا معارض لذلك لا بنص صحيح ولا بنظر صريح، وأسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح، إنه قريب مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حرر في 15/6/1409هـ.
565 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم الجهر بالذكر بعد الصلاة؟(68/4)
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يجهر به كما كان عليه الصلاة والسلام يجهر بذلك، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم(2)، والناس إذا رفعوا أصواتهم جميعاً لم يشوش بعضهم على بعض. لكن يشوش بعضهم على بعض إذا كان أحدهم يجهر والآخر يسر، والذي يسر لاشك أنه يشوش عليه، فإذا كان الذي يقضي إلى جنب الإنسان وخاف أن يشوش عليه فحينئذ لا يرفع صوته على وجه يشوش، حتى على الذين يقضون؛ لأن الأصوات إذا اختلطت تداخل بعضها في بعض فارتفع التشويش، كما تشاهد الآن في يوم الجمعة الناس يقرأون كلهم القرآن يجهرون به ويأتي المصلي ويصلي ولا يحدث له تشويش.
566 سئل فضيلة الشيخ: وفقه الله تعالى -: ما الأذكار المشروعة بعد السلام من الصلاة؟(68/5)
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر الله تعالى بعد الصلوات قد أمر الله به في قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم). (النساء: 103). وهذا الذكر الذي أمر الله به مجملاً بينه النبي صلى الله عليه وسلم فتقول إذا سلمت: استغفر الله ثلاثاً، اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام(3)، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد(4) لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون(1)، وتسبح الله تعالى بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم فمن ذلك أن تسبح الله وتحمده وتكبره ثلاثاً وثلاثين تقول: سبحان الله والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين(2)، وتقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير(3). وسواء قلتها مجموعة سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، أو قلت التسبيح وحده، والتحميد وحده، والتكبير وحده وتختمها بلا إله إلا الله وحده لا شريك له ،له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
كذلك يجوز أن تسبح وتحمد وتكبر عشراً عشراً، بدلاً من الثلاثة وثلاثين فتقول: سبحاه الله، عشر مرات، والحمد لله، عشر مرات، والله أكبر، عشر مرات، فهذه ثلاثون وهذا مما جاءت به السنة(4).
ومما جاءت به السنة في هذا أن تقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله، والله أكبر هذه أربع تقال خمساً وعشرين فيكون المجموع مائة(5).(68/6)
فأي نوع من هذه الأنواع سبحت به فهو جائز؛ لأن القاعدة الشرعية: "أن العبادات الواردة على وجوه متنوعة يسن فعلها على هذه الوجوه كلها هذه مرة وهذه مرة" لأجل أن يأتي الإنسان بالسنة في جميع وجوهها، وهذه الأذكار التي قلت عامة في الصلوات: الفجر، والظهر، والعصر، والمغرب، والعشاء، وفي المغرب وفي الفجر يكون التهليل عشر مرات، وكذلك "ربي أجرني من النار" سبع مرات بعد المغرب والفجر، والله الموفق.
567 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم رفع اليدين والدعاء بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس من المشروع أن الإنسان إذا أتم الصلاة رفع يديه ودعا، وإذا كان يريد الدعاء فإن الدعاء في الصلاة أفضل من كونه يدعو بعد أن ينصرف منها، ولهذا أرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك في حديث ابن مسعود(6) حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء".
وأما ما يفعله بعض العامة من كونهم كلما صلوا تطوعاً رفعوا أيديهم حتى إن بعضهم تكاد تقول إنه لم يدع؛ لأنك تراه تقام الصلاة وهو في التشهد من تطوعه فإذا سلم رفع يديه رفعاً كأنه والله أعلم رفع مجرد، ثم مسح وجهه، كل هذا محافظة على هذا الدعاء الذي يظنون أنه مشروع، وهو ليس بمشروع. فالمحافظة عليه إلى هذا الحد يعتبر من البدع.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم... حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سؤالكم عن رفع الأيدي في الدعاء وعن الدعاء بعد الصلوات.
والجواب: وبالله التوفيق ومنه تستمد الهداية والصواب: اعلم أن دعاء الله تعالى من عبادته؛ لأن الله تعالى أمر به وجعله من عبادته في قوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ).(68/7)
وإذا كان الدعاء من العبادة فالعبادة تتوقف مشروعيتها على ورود الشرع بها في جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها، ووقتها، ومكانها، وسببها.
ولا ريب أن الأصل في الدعاء مشروعية رفع اليدين فيه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل رفع اليدين فيه من أسباب الإجابة، حيث قال فيما رواه مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيباً" (الحديث(1) وفيه): "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك".
وفي حديث سلمان الذي رواه أحمد وغيره أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حيي كريم يستحي إذا رفع العبد إليه يديه أن يردهما صفراً"(2).
لكن ما ورد فيه عدم الرفع كان السنة فيه عدم الرفع، والرفع فيه بدعة سواء ورد عدم الرفع فيه تصريحاً، أو استلزاماً.
فمثال ما ورد فيه عدم الرفع تصريحاً: الدعاء حال خطبة الجمعة، ففي صحيح مسلم عن عمارة ابن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: "قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه السبابة(3).
ويستثنى من ذلك ما إذا دعا الخطيب باستسقاء فإنه يرفع يديه والمأمومون كذلك، لما رواه البخاري من حديث أنس بن مالك – رضي الله عنه – في قصة الأعرابي الذي طلب من النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب يوم الجمعة أن يستسقي قال: "فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه يدعو ورفع الناس أيديهم معه يدعون". وقد ترجم عليه البخاري: باب رفع الناس أيديهم مع الإمام في الاستسقاء(4).(68/8)
وعلى هذا يحمل حديث أنس بن مالك الذي رواه البخاري أيضاً عنه قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يرفع يديه في شيء من دعائه إلا في الاستسقاء، وأنه يرفع حتى يرى بياض إبطيه"(5) فيكون المراد به دعاءه في الخطبة، ولا يرد على هذا رفع يديه في الخطبة للاستصحاء لأن القصة واحدة. وقد أيد صاحب الفتح (ابن حجر) حمل حديث أنس على أن المراد بالنفي في حديث أنس نفي الصفة لا أصل الرفع كما في ص517 ج2 طبعة الخطيب.
وأياً كان الأمر فإن حديث عمارة يدل على أنه لا ترفع الأيدي في خطبة الجمعة وإنما هي إشارة بالسبابة، وحديث أنس يدل على رفعها في الاستسقاء، والاستصحاء، فيؤخذ بحديث عمارة فيما عدا الاستسقاء، والاستصحاء، ليكون الخطيب عاملاً بالسنة في الرفع والإشارة بدون رفع.
ومثال ما ورد فيه عدم الرفع استلزاماً: دعاء الاستفتاح في الصلاة، والدعاء بين السجدتين، والدعاء في التشهدين، فإن النبي صلى الله عليه وسلم "كان يضع يديه على فخذيه في الجلوس، ويضع يده اليمنى على اليسرى في القيام". ولازم ذلك أن لا يكون رافعاً لهما.
وأما الدعاء أدبار الصلوات ورفع اليدين فيه فإن كان على وجه جماعي، بحيث يفعله الإمام ويؤمن عليه المأمومون، فهذا بدعة بلا شك. وإن كان على وجه انفرادي فما ورد به النص فهو سنة، مثل الاستغفار ثلاثاً(1) فإن الاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء ومثل قول: "اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"(2) عند من يرى أن ذلك بعد السلام، ومثل قول: "رب أجرني من النار سبع مرات"(3) بعد المغرب والفجر إلى غير ذلك مما وردت به السنة.(68/9)
أما ما لم يرد في السنة تعيينه بعد السلام فالأفضل أن يدعو به قبل السلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – حين ذكر التشهد: "ثم يتخير من الدعاء أعجبه إليه فيدعو"، رواه البخاري(4)، ولأنه في الصلاة يناجي ربه فينبغي أن يكون دعاؤه قبل أن ينصرف. وإن دعا بعد السلام فلا حرج، لكن لا ينبغي أن يتخذ ذلك سنة راتبة فيلحقه بالوارد لما سبق في أول الجواب من أن العبادات تتوقف على الوارد عن الشارع في جنسها، ونوعها، وقدرها، وهيئتها، ووقتها، ومكانها، وسببها.
والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبعه في هديه. قال ذلك كاتبه الفقير إلى ربه محمد الصالح العثيمين في 5/6/1405هـ.
568 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء الأقرب أنه غير مشروع؛ لأن الأحاديث الواردة في ذلك ضعيفة، حتى قال شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى -: إنها لا تقوم بها الحجة.
وإذا لم نتأكد أو يغلب على ظننا أن هذا الشيء مشروع فإن الأولى تركه؛ لأن الشرع لا يثبت بمجرد الظن إلا إذا كان الظن غالباً.
فالذي أرى في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء أنه ليس بسنة، والنبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف دعا في خطبة الجمعة بالاستسقاء ورفع يديه(5) ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وكذلك في عدة أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح وجهه.
---
(1) رواه البخاري في الأذان/ باب الذكر بعد الصلاة (841)، ومسلم في المساجد/ باب الذكر بعد الصلاة (583).
(2) هذا جزء من حديث أبي هريرة المتفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 155 – الذكر بعد الصلاة (843)، ورواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة 1/416 ح142 (595).
(3) هذا جزء من حديث ثوبان رواه مسلم في الموضع السابق ح135 (951).(68/10)
(4) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري وتقدم تخريجه ص234.
(1) حديث المناجاة رواه مالك في الموطأ في الصلاة باب 7 – العمل في القراءة 1/86 (225) وتقدم لفظه في ص13.
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 155 – الذكر بعد الصلاة (841) و (842)ن ورواه مسلم في المساجد باب 23 – الذكر بعد الصلاة 1/410 ح122 (583).
(2) رواه أحمد 1/367.
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب التكبير بعد الصلاة 1/609 (1003).
(4) متفق عليه، فرواه البخاري في الأذان باب 155 – الذكر بعد الصلاة (844)، ورواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح137 (593).
(5) متفق عليه رواه البخاري في الموضع السابق ح(842)، ومسلم في المساجد باب 23 – الذكر بعد الصلاة 1/410 ح120 (583).
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الجهاد باب 131 – ما يكره من رفع الصوت في التكبير (2992)، ومسلم في الذكر والدعاء باب 13 – استحباب خفض الصوت بالذكر 4/2076 ح44 (2704).
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص245.
(3) هذا من حديث ثوبان رواه مسلم وتقدم تخريجه ص245.
(4) هذا اللفظ متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة رواه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (844)، وفي الدعوات باب الدعاء بعد الصلاة (6329) وفي غيرهما، ورواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح137 (593).
(1) هذا حديث عبد الله بن الزبير رواه مسلم في الموضع السابق ح139 (594).
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة (حديث الفقراء) رواه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (843)، وفي مواضع أخرى، ورواه مسلم في الموضع السابق ح142 (595).
(3) هذه الزيادة رواها مسلم في المساجد باب 26: استحباب الذكر ح146 (597).(68/11)
(4) رواه أبو داود في الأدب باب في التسبيح عند النوم ح(5065)، ورواه الترمذي في الدعوات باب 25 – منه ح(3410)، النسائي في السهو باب عدد التسبيح بعد التسليم (1347)، وابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما يقال بعد التسليم (926).
(5) سيأتي تخريجه في ص285.
(6) متفق عليه وتقدم تخريجه ص234.
(1) رواه مسلم في الزكاة باب 19 – قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها 1/703 ح65 (1015).
(2) رواه الإمام أحمد 5/438 ورواه أبو داود في الصلاة باب الدعاء (1488)، ورواه الترمذي في الدعوات وحسنه باب 105 ح(3556)، ورواه ابن ماجة في الدعاء باب رفع اليدين في الدعاء (3865)، وصححه ابن حبان 3/160 (876).
(3) رواه مسلم في الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/595 ح53 (874) وفيه بإصبعه المسبحة وعند أحمد 4/135 والنسائي في الجمعة باب الإشارة في الخطبة (1411) بإصبعه السبابة.
(4) رواه في الاستسقاء باب 20 المذكور ح(1029) معلقاً، وفي الدعوات كذلك ح(6341).
(5) رواه في الموضع السابق باب 21 – رفع الإمام يده في الاستسقاء ح(1031).
(1) يشير إلى حديث ثوبان رواه مسلم في المساجد باب 26 – استحباب الذكر بعد الصلاة ح135 (591).
(2) حديث معاذ رواه أبو داود في الصلاة باب في الاستغفار 2/180 (1522). ورواه النسائي في السهو باب 60- نوع آخر من الدعاء 3/61 (1302)، وصححه ابن حبان 5/364 (2020).
(3) رواه أبو داود في الأدب باب ما يقول إذا أصبح 5/319 (5080) ورواه ابن حبان 5/366 (2022).
(4) متفق عليه، وهذا لفظ البخاري، وانظر تخريجه في ص234.
(5) متفق عليه، رواه البخاري في الاستسقاء/ باب الاستسقاء في خطبة الجمعة (1014)، ومسلم في الاستسقاء، باب الدعاء في الاستسقاء (897).(68/12)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
الذكر الجماعي
محمد بن صالح العثيمين
569 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: عن حكم ترديد الأذكار المسنونة بعد الصلاة بشكل جماعي؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد إن كل إنسان يستغفر ويذكر لنفسه.
لكن السنة الجهر بهذا الذكر بعد الصلاة، فقد ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف إذا سمعهم(1)، وهذا دليل على أن السنة الجهر به، خلافاً لما كان عليه أكثر الناس اليوم من الإسرار به، وبعضهم يجهر بالتهليل دون التسبيح، والتحميد، والتكبير، ولا أعلم لهذا أصلاً من السنة في التفريق بين هذا وهذا، وإنما السنة الجهر.
وقول بعض الناس: إن الرسول عليه الصلاة والسلام جهر به من أجل أن يعلمه الناس فقط.
هذا مردود، وذلك لأن التعليم من النبي عليه الصلاة والسلام قد حصل بالقول كما قال للفقراء من المهاجرين: "تسبحون، وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين"(2).
ثم إننا نقول: هب أن المقصود بذلك التعليم، فالتعليم كما يكون في أصل الدعاء، أو في أصل الذكر يكون أيضاً في صفته، فالرسول عليه الصلاة والسلام علمنا هذا الذكر أصله وصفته وهو: الجهر، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام يداوم على ذلك يدل على أنه سنة، ولو كان من أجل التعليم فقط لكان النبي عليه الصلاة والسلام يقتصر على ما يكون به علم الناس ثم يمسك.
فالمهم أن القول الراجح: أنه يسن الذكر أدبار الصلوات على الوجه المشروع، وأنه يسن الجهر به أيضاً – أعني رفع الصوت – ولا يكون رفعاً مزعجاً فإن هذا لا ينبغي، ولهذا لما رفع الناس أصواتهم بالذكر في عهد الرسول عليه الصلاة والسلام في قفولهم من خيبر قال: "أيها الناس، اربعوا على أنفسكم"(3)، فالمقصود بالرفع، الرفع الذي لا يكون فيه مشقة وإزعاج.(69/1)
570 وسئل فضيلة الشيخ: سمعت من بعض الناس إنكار رفع اليدين في الدعاء فرجعت إلى بعض كتب السنة وشروحها وجمعت منها الكلمة المرفقة في مشروعية رفع اليدين في الدعاء مطلقاً، وأنه من آدابه ومن أسباب إجابة الدعاء، ثم سمعت أخيراً أنه صدر منكم فتوى في عدم مشروعية ذلك أظنه قيل بعد السنة، أرجو الإفادة عن صحة ذلك؟
فأجاب بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اطلعت على الورقة المطبوعة المصاحبة لكتابكم التي تتضمن بيان أن رفع اليدين حال الدعاء من آداب الدعاء، وأسباب إجابته، ولاشك أن الأمر كما ذكرتم من أن رفع الأيدي حال الدعاء من آداب الدعاء، وأسباب إجابته للأحاديث الواردة في ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم وفعله، هذا هو الأصل.
وقد تأملت في ذلك فظهر لي أن ذلك على أربعة أقسام:
الأول: ما ثبت فيه رفع اليدين بخصوصه كرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه في خطبة الجمعة حين قال: "اللهم أغثنا"(1)، وحين قال: "اللهم حوالينا ولا علينا"(2).
الثاني: ما ثبت فيه عدم الرفع كالدعاء حال خطبة الجمعة بغير الاستسقاء، والاستصحاء، كما دل على ذلك ما رواه مسلم 2/595 عن حصين بن عبد الرحمن عن عمارة بن رؤيبة أنه رأى بشر بن مروان على المنبر رافعاً يديه فقال: "قبح الله هاتين اليدين لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا، وأشار بإصبعه المسبحة"(3)، وفي رواية: "رأيت بشر بن مروان يوم جمعة يرفع يديه فقال عمارة" فذكر نحوه.
الثالث: ما كان ظاهر السنة فيه عدم الرفع، كالدعاء بين السجدتين، وفي آخر التشهد، فإن الظاهر فيهما عدم رفع اليدين وكذلك دعاء الاستفتاح كما في حديث أبي هريرة، وكذلك الاستغفار بعد السلام.
وهذه الأقسام الثلاثة حكمها ظاهر؛ لأن الأدلة فيها خاصة.(69/2)
الرابع: ما سوى ذلك فالأصل فيه استحباب رفع اليدين؛ لأن رفعهما من آداب الدعاء، وأسباب أجابته لما فيه من إظهار اللجوء إلى الله عز وجل والافتقار إليه، كما يشير إليه حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله طيب لا يقبل إلا طيب" وفيه "ثم ذكر الرجل يطيل السفر أشعث أغبر يمد يديه إلى السماء يا رب، يا رب". الحديث(4).
وكذلك حديث سلمان المرفوع: "إن الله حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً"(5).
هذا ما تبين لي من السنة.
وأما ما ذكرتم من أنكم سمعتم أنه صدر مني فتوى في عدم مشروعية ذلك.
فهذا كذب علينا، إما عن سوء فهم من ناقله، أو سوء قصد منه، وما أكثر ما ينقل عن الناس من الأشياء المخالفة للواقع لهذين السببين، أو غيرهما، وكثير من الناس يصوغ السؤال للتعبير عما في نفسه، ويجيبه المسؤول بمقتضى ظاهر سؤاله المخالف لما في نفسه، فيفهم السائل الجواب عما في نفسه وينقله عن المسؤول على حسب فهمه، وكثير من الناس يجاب فيفهم الجواب خطأ وينقله كذلك.
وأما قولكم أظنه قيل بعد السنة: فهذا الذي وقع منكم موقع الظن، وصغتموه بصيغة التمريض، هو الواقع فإنه ليس من السنة أن يعتاد الرجل كلما صلى تطوعاً رفع يديه يدعو الله عز وجل، حتى ليكاد يجعله من الواجب، كما يفعله كثير من العامة ويشعر في نفسه أنه في هذه الحال أقوى رجاء، وأكثر قرباً، وأشد إنابة إلى الله من دعائه في الصلاة.
بل السنة لمن أراد أن يدعو الله عز وجل من المصلين أن يكون دعاؤه قبل السلام مثل أن يجعله في السجود، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم"(6)، أو يجعله بعد التشهد قبل السلام لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود(1) – رضي الله عنه – حين علمه التشهد وقال: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء"، أو قال: "ما أحب".(69/3)
وكما أن الدعاء قبل السلام مقتضى ما دلت عليه السنة، فهو أيضاً مقتضى النظر الصحيح، فإن دعاء المصلي ربه حين مناجاته له أولى من دعائه إذا انصرف من صلاته، وانقطعت المناجاة.
وأما قولكم: ما دام الدعاء لا يرد بين الأذان والإقامة وأدبار الصلوات المكتوبة فلماذا لا ترفع الأيدي في هذه المواطن وغيرها؟
فالدعاء بين الأذان والإقامة لا ينكر، ورفع اليدين فيه من القسم الرابع، ولكن الناس إذا صلوا النافلة بعد الأذان ثم دعوا لا يقصدون بذلك أنهم دعوا من أجل أن هذا وقت إجابة لكونه بين الأذان والإقامة، وإنما يدعون من أجل أنهم صلوا هذه النافلة ويدل على ذلك أمور:
الأول: أنهم يدعون بعد النافلة التي بعد الفريضة وليس هذا بين الأذان والإقامة.
الثاني: أنهم يدعون بهذا الدعاء أحياناً وإن لم يسلموا إلا بعد الإقامة كما نشاهدهم ويشاهدهم غيرنا وليس هذا بين الأذان والإقامة.
الثالث: أن الكثير منهم إذا دعا بعد الأذان بما يشرع الدعاء به كالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم وسؤال الوسيلة له لا تكاد تراه يرفع يديه بل ربما أنكر على من رفع يديه في هذا الدعاء مع أن هذا من القسم الرابع فالله المستعان.
فقد اتخذوا الدعاء بعد النافلة سنة راتبة ربما يحافظ عليها محافظته على الواجب، مع أن ذلك لا أصل له من السنة، فالدعاء من حيث هو دعاء من العبادة، لكن ربطه بسبب معين يحافظ عليه عنده بدون دليل يجعله من البدع، فإن العبادة لا تتحقق فيها المتابعة إلا حيث توافق الشرع في ستة أمور: سببها، وجنسها، وقدرها، وكيفيتها، وزمانها، ومكانها.
وأما الدعاء أدبار الصلوات المكتوبة ففيه الاستغفار، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر الله ثلاثاً(2)، والاستغفار طلب المغفرة وهو دعاء لكن ظاهر السنة فيه عدم الرفع.(69/4)
وفيه حديث أبي أمامه – رضي الله عنه – سئل أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل ودبر الصلوات المكتوبة". أخرجه الترمذي(3) من طريق عبد الرحيم بن سابط، لكن قال في التقريب عن عبد الرحمن هذا: إنه كثير الإرسال. وقال ابن معين: إنه لم يسمع من أبي أمامة.
وعلى تقدير ثبوته لا يتعين أن يكون المراد بدبر الصلوات ما بعدها فقد يكون المراد به آخرها فيكون مجملاً يفسر بالأحاديث الدالة على أن آخر الصلاة موضع الدعاء كما في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – في التشهد(4).
وفي صحيح مسلم 1/412 عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو في الصلاة: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، وأعوذ بك من فتنة المسيح الدجال، وأعوذ بك من فتنة المحيا والممات". (الحديث)(5). والظاهر أن ذلك في آخر صلاته؛ لأن ذلك هو الموافق لما أمر به أمته حيث قال: "إذا فرغ أحدكم من التشهد الآخر فيتعوذ بالله من أربع: من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن شر المسيح الدجال". أخرجه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه 1/412(6).
والظاهر أن المراد بدبر الصلوات المكتوبة (في حديث أبي أمامة إن صح) آخر الصلاة لأن دبر الصلاة إذا كان صالحاً لآخرها فتفسيره به أولى؛ لأن كلام الله ورسوله يفسر بعضه بعضاً.
والمتأمل في هذه المسألة يتبين له: أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان ذكراً فهو بعدها، وإن كان دعاء فهو في آخرها.
أما الأول: فلأن الله تعالى جعل ما بعد الصلاة محلاً للذكر فقال تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم) وجاءت السنة مبينة لما أجمل في هذه الآية من الذكر مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين" (الحديث)(1). فيحمل كل نص في الذكر مقيد بدبر الصلاة على ما بعدها ليطابق الآية الكريمة.(69/5)
وأما الثاني: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم جعل ما بعد التشهد الأخير محلاً للدعاء كما في حديثي ابن مسعود، وأبي هريرة – رضي الله عنهما – فيحمل كل نص في الدعاء مقيد بدبر الصلاة على آخرها، ليكون الدعاء في المحل الذي أرشد النبي صلى الله عليه وسلم فيه، إلا أن يكون حمل النص على ذلك ممتنعاً، أو بعيداً بمقتضى السياق المعين فيحمل على ما يقتضيه السياق.
واعلم أن الفتوى التي صدرت مني عبر برنامج (نور على الدرب) ونقلها بعض الناس ووزعها موضوعها المهم منها هو الدعاء المقرون برفع الأيدي، لا مجرد رفع الأيدي كما ستراه في صورة المنشور صحبة كتابنا هذا إن شاء الله تعالى.
أسأل الله أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يرزقنا علماً نافعاً تصلح به القلوب والأعمال. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 10/4/1408هـ.
571 سئل فضيلة الشيخ: في بعض البلاد وبعد الصلوات المفروضة يقرأون الفاتحة، والذكر، وآية الكرسي بصوت جماعي، فما الحكم في هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: قراءة الفاتحة، وآية الكرسي، والذكر بعد الصلاة بصوت مرتفع جماعي من البدع، فإن المعروف عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه أنهم بعد الصلاة يذكرون الله بصوت مرتفع،ولكن كل واحد منهم يذكر الله تعالى على انفراده دون أن يشتركوا،فرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة المفروضة سنة كما ثبت ذلك في صحيح البخاري(2) عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم".
وأما قراءة الفاتحة بعد الصلاة سواء كان ذلك سراً أو جهراً فلا أعلم فيه حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما ورد الحديث بقراءة آية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين فقط(3).
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد سألني الأخ... عن حكم رفع الصوت، فأجبته بما يلي:
رفع الصوت بالذكر الذي بعد الصلوات الخمس، والجمعة سنة بشرطين:(69/6)
الأول: أن لا يجهد نفسه بذلك بحيث يرفع رفعاً شديداً كالصراخ.
والثاني: أن لا يكون أحد إلى جانبه يقضي ما فاته فيشوش عليه.
ودليل رفع الصوت بذلك ما ثبت في صحيح البخاري عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم"(1).
ودليل أن لا يجهد نفسه بذلك أن الصحابة كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فلما رفعوا أصواتهم بالذكر قال: "يا أيها الناس اربعوا على أنفسكم"(2). أي هونوا عليها.
ودليل أن لا يشوش على من يقضي الصلاة بجانبه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه حين كانوا يصلون صلاة الليل ويجهرون بالقراءة: "لا يجهر بعضكم على بعض"(3). وفي حديث آخر قال: "لا يؤذين بعضكم بعضاً(4).
وعلى هذا فينبغي للمصلين أن يرفعوا أصواتهم بالذكر بعد الجمعة، والصلوات المكتوبة الخمس اقتداء بالصحابة رضي الله عنهم مع نبيهم صلى الله عليه وسلم، لكن بالشرطين السابقين. حرر في 3/2/1412هـ.
572 سئل فضيلة الشيخ: في بعض البلدان إذا سلم الإمام قرأ آية الكرسي جهراً، ثم يبدأ بالدعاء، والمأمومون يؤمنون، ثم بعد ذلك يجهرون بالذكر، كل على حده فما حكم هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما الأول: وهو قراءة الإمام لآية الكرسي جهراً ثم دعاؤه، وتأمين المأمومين عليه فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصحابه، وكل من تعبد بما لم يرد به الشرع فقد ابتدع.
وأما الثاني: وهو الجهر بالتسبيح، والتحميد، والتكبير، والتهليل بعد الصلاة المكتوبة فإن هذا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم كما قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم"(1)، فالذي ينبغي أن يجهر الإنسان بالذكر خلف الصلوات الخمس اقتداء بالصحابة – رضي الله عنهم – في عهد نبيهم صلى الله عليه وسلم.(69/7)
لكن لو كان أحد من المأمومين يقضي ما فاته وهو قريب بحيث يشوش عليه رفع الصوت فلا يرفع الصوت حينئذ.
573 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: عن حكم دعاء الإمام بعد الصلاة بصوت مرتفع وتأمين المصلين عليه؟
فأجاب فضيلته بقوله: دعاء الإمام بعد الصلاة بصوت جهوري، وتأمين المأمومين عليه من البدع المنكرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاءه الراشدين، وسائر الأئمة، والمحققين من أتباعهم لم يفعلوها ولم يروها مشروعة.
والمشروع رفع الصوت بالذكر المشروع كل على انفراده، كما كان ذلك على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، قال ابن عباس – رضي الله عنهما – "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس عن المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم"(2).
حرر في 24/7/1407هـ.
574 وسئل فضيلته: عن حكم الدعاء لشخص معين بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا من البدع، فلم يكن من عادة السلف الدعاء لمعين بعد الصلاة، بل أرشد النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى الدعاء بعد إكمال التشهد قبل التسليم كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه(3). حرر في 24 رجب 1407هـ.
575 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم الدعاء بعد الصلاة؟ وما صحة حديث "من صلى ولم يدع فقد مقته الله"؟
فأجاب فضيلته بقوله: الدعاء بعد الصلاة بغير ما ورد لا ينبغي، وذلك لأن الأفضل أن يكون الدعاء قبل السلام، هذا ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – بعد أن ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء"(4)، وهذا بمقتضى النظر الصحيح، فإن الإنسان قبل أن يسلم من صلاته بين يدي الله عز وجل، وفي حال مناجاته فلا ينبغي أن يؤخر الدعاء حتى ينصرف من مناجاة الله عز وجل، بل الدعاء في حالة المناجاة أفضل وأولى.(69/8)
أما ما ورد به النص مثل قول المصلي: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، حين يسلم فإن هذا يبقى على مشروعيته. وإنما شرع ذلك لما عسى أن يكون من خلل أو تقصير في الصلاة فكانت مشروعيته بعدها.
أما الحديث الذي ذكر السائل فليس بصحيح، وعلى فرض صحته فإن المراد من صلى ولم يدع في حال صلاته، لأن الصلاة فيها دعاء واجب، فإن قراءة الفاتحة فيها دعاء: اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم. وفي التشهد دعاء: السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، فيها أعوذ بالله من عذاب جهنم.
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم... حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته... وبعد:
كتابكم وصل، وما تضمنه من الأسئلة فهذا جوابها:
جـ1: حديث: "اللهم أعني على ذكرك..."(1) إلخ لا أعلم فيه رواية بتكرار (على) والمحافظة على لفظ الحديث أولى.
جـ2: لا أعلم أني قلت إن الدعاء بعد الفريضة بدعة، هكذا على الإطلاق، ولكني أقول إن المحافظة على الدعاء بعد الفريضة والنافلة كلتيهما ليس بسنة بل هو بدعة؛ لأن المحافظة عليه يلحقه بالسنة الراتبة سواء كان قبل الأذكار الواردة بعد الصلاة أم بعدها.
وأما فعله أحياناً فأرجو أن لا يكون به بأس، وإن كان الأولى تركه؛ لأن الله تعالى لم يشرع بعد الصلاة سوى الذكر لقوله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرشد إلى الدعاء بعد الصلاة، وإنما أرشد إلى الدعاء بعد التشهد قبل التسليم، وكما أن هذا هو المسموع أثراً فهو الأليق نظراً، لكون المصلي يدعو ربه حين مناجاته له في الصلاة قبل الانصراف.
فأما ما ذكرتم من حديث أبي أمامة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل أي الدعاء أسمع؟ قال: "جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات"(2).(69/9)
فقد أعله ابن معين بأنه من رواية عبد الرحمن بن سابط عن أبي أمامه ولم يسمع منه، وعلى تقدير سلامته من العلة، فالمراد بدبر الصلوات: أخرها قبل التسليم، وهذا وإن كان خلاف المتبادر، لكن يؤيده أن الله جعل ما بعد انتهاء الصلاة ذكراً، والنبي صلى الله عليه وسلم جعل ما بين التشهد والتسليم دعاء.
وأما حديث أم سلمه – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: إذا صلى الصبح حين يسلم: "اللهم إني أسألك علماً نافعاً ورزقاً طيباً وعملاً متقبلاً"(3) ففيه مولى أم سلمة وهو مجهول، وحديث المجهول غير مقبول حتى تعلم حاله.
وأما سؤالكم عن دبر الصلاة هل هو بعدها أو قبل السلام؟
فدبر الصلاة يطلق على آخرها قبل السلام، وعلى ما بعد السلام، لكن حسب التتبع يتبين أن ما قيد بدبر الصلاة إن كان دعاء فهو قبل السلام وإن كان ذكراً فهو بعد السلام، بناء على ما سبق من الآية والحديث.
وهذه قاعدة مفيدة.
وأما حديث فضالة بن عبيد(4) فذاك في التشهد في الصلاة، وليس بعد الفراغ منها كما يفيده سياقه في مشكاة المصابيح 1/293 قال: "بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم قاعداً إذ دخل رجل فصلى، فقال: اللهم اغفر لي وارحمني، فقال النبي صلى الله عليه وسلم عجلت أيها المصلي، إذا صليت فقعدت فاحمد الله بما هو أهله وصل عليّ ثم ادعه"، فالمراد بالقعود والله أعلم القعود للتشهد، ثم اطلعت عليه في زاد المعاد(5) كذلك، مع احتمال أن يكون المراد بالصلاة هنا معناها اللغوي، فإنها قد تأتي في السنة مراداً بها ذلك مثل قوله صلى الله عليه وسلم: "إذا دعى أحدكم فليجب، فإن كان صائماً فليصل وإن كان مفطراً فليطعم"(1)، فإن المراد بالصلاة هنا الدعاء كما في قوله تعلى: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ) أي ادع لهم بذلك(2).(69/10)
وأما سلام المصلي بعد السلام على من حوله ممن مر بهم فهذا دعاء له سبب ولا إشكال في جوازه لوجود سببه، ومن ذلك ما ثبت في صحيح البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه(3) – في قصة وضع المشركين سلا الجزور وهو ساجد عند الكعبة قال: "فلما قضى صلاته رفع صوته فدعا عليهم"، هكذا في مسلم "رفع صوته"، فهذا له سبب وذلك من أجل إرهاب قريش.
ولا شك أن الدعاء من العبادة وأنه مشروع كل وقت لكن يجب أن يعرف الفرق بين العموم والخصوص، فتقييد العام بشيء معين من زمان، أو مكان، أو حال، أو عمل يحتاج إلى دليل، فإذا قلنا يسن الدعاء بعد الصلاة؛ لأن الدعاء مشروع كل وقت، قلنا: يحتاج في تقييده بعد الصلاة إلى دليل.
ولو قال قائل: يسن للآكل إذا فرغ من أكله أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم لأن الصلاة عليه مشروعة كل وقت، قلنا: هذا يحتاج إلى دليل.
ولو قال قائل: يسن لمن فرغ من قضاء حاجته أن يذكر الله تعالى بالتهليل، والتسبيح؛ لأنه مشروع كل وقت. قلنا: تقييده بذلك يحتاج إلى دليل، وهلم جرا. فافهم هذه القاعدة فإنها مفيدة جداً.
وفقنا الله وإياكم لمرضاته، وجعلنا هداة مهتدين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 29/1/1417هـ.
576 وسئل فضيلة الشيخ: قلتم إنه يجوز أن يرفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، فهل يكون جماعياً؟
فأجاب فضيلته بقوله: في الواقع أني لم أقل يجوز، بل قلت: إنه من السنة يعني الأفضل، وأما أداء هذا الذكر جماعة فهذا بدعة؛ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه لم يكونوا يفعلون هذا، بل كل مصلي يقول الذكر وحده لكنهم يجهرون.(69/11)
577 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: اعتاد بعض الأخوة بعد الانتهاء من صلاة الفريضة وبعد الاستغفار أن يرفعوا أيديهم بالدعاء، وهذا العمل (رفع اليدين بالدعاء) يتكرر دائماً وبعد كل فريضة، وهناك من يسميه دعاء ختم الصلاة، فهل لهذا العمل أصل في الكتاب والسنة؟ وهل كان الرسول صلى الله عليه وسلم يرفع يديه بالدعاء بعد كل فريضة؟ وهل هناك دعاء يسمى دعاء ختم الصلاة؟ وما هو توجيهكم لمن يقوم بهذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الدعاء بعد الفريضة ليس بسنة، ولا ينبغي فعله، إلا ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم مثل: الاستغفار ثلاثاً بعد السلام(4)، والذي ينبغي للإنسان المصلي أن يدعو وهو في صلاته، إما في السجود لقول النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(1)، ولقوله: "وأما السجود فأكثروا من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم"(2)، أي حريّ أن يستجاب لكم.
وأما في آخر التشهد قبل السلام لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء"(3)، وأمر المصلي إذا تشهد التشهد الأخير "أن يتعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"(4). ولم يكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يرفع يديه بالدعاء بعد كل فريضة حتى الاستغفار ثلاثاً ولم ينقل عنه أنه كان يرفع يديه فيه.
وليس هناك دعاء يسمى دعاء ختم الصلاة بل المأمور به بعد الصلاة ذكر الله، قال الله تعالى: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم).
وتوجيهي لمن يدعو الله تعالى عقب كل فريضة رافعاً يديه أن يترك ذلك اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمسكاً بهديه، فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها.
وفي الله الجميع لما يحب ويرضى إنه قريب مجيب. حرر في 7/7/1414هـ.(69/12)
578 سئل فضيلة الشيخ: ما الأذكار التي تقال بعد الفرائض؟
فأجاب فضيلته بقوله: ينبغي للمصلي إذا فرغ من صلاته أن يذكر الله عز وجل، بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى أمر بذلك في قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُم)، ومن ذلك: أن يستغفر الإنسان ثلاث مرات، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، ويقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام(5)، ثم يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين(6)، إن شاء قالها كل واحدة على حدة، وإن شاء قالها جميعاً، أي إن شاء قال سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، وإن شاء قال: سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين، ثم الحمد لله، ثلاثاً وثلاثين، ثم: الله أكبر، ثلاثاً وثلاثين، كل ذلك جائز، بل وتجوز أيضاً صفة أخرى: أن يسبح عشراً، ويكبر عشراً، ويحمد عشراً. وتجوز صفة رابعة: أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فتتم مائة.
والمهم أن كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار بعد الصلاة فليقله، إما على سبيل البدل، أو على سبيل الجمع، لأن بعض الأذكار يذكر بعضها بدلاً عن بعض، وبعض الأذكار يذكر بعضها مع بعض فتكون مجموعة، فليحرص الإنسان على ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى في قوله: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.(69/13)
وإذا كان في المسجد فإن الأفضل أن يجهر بهذا الذكر، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري، من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم"(7) فيسن للمصلين أن يرفعوا أصواتهم بهذا الذكر اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يرفع صوته بذلك، كما قال ابن عباس: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير"(1).
وقول بعض أهل العلم: إنه يسن الإسرار بهذا الذكر، وإن جهر النبي صلى الله عليه وسلم كان للتعليم، فيه نظر، فإن الأصل فيما فعله الرسول عليه الصلاة والسلام، أن يكون مشروعاً في أصله ووصفه، ومن المعلوم أنه لو لم يكن وصفه وهو رفع الصوت به مشروعاً، لكان يكفي ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته فإنه قد علمهم هذا الذكر بقوله، فلا حاجة إلى أن يعلمهم برفع الصوت، ثم إنه لو كان المقصود التعليم لكان التعليم يحصل بمرة أو مرتين، ولا يحافظ عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، كلما سلم رفع صوته بالذكر، فالحاصل أن الجهر بالذكر بعد الصلاة سنة.
579 وسئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -: ما الأذكار والأدعية المشروعة التي تقال بعد الانتهاء من الصلاة؟ وهل هناك فرق بين الأدعية بالنسبة للصلوات؟ بمعنى: هل لكل صلاة دعاء خاص بها؟(69/14)
فأجاب بقوله: الأذكار الواردة بعد الصلوات متنوعة، فإذا أتى الإنسان بنوع منها كان كافياً؛ لأن العبادات المتنوعة يشرع للإنسان أن يفعلها على تلك الوجوه التي أتت عليها، فمثال ذلك: الاستفتاح هناك استفتاحات متنوعة إذا استفتح بواحد منها أتى بالمشروع. فمنا ما دل عليه حديث أبي هريرة – رضي الله عنه -: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد"(2). ومنها أيضاً: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك"(3).
فلو استفتح بالأول، أو الثاني، أو بغيرهما مما ورد من الاستفتاحات. فلا حرج عليه، بل الأفضل أن يستفتح بهذا تارة وبهذا تارة.
وكذلك ما ورد في التشهد، وكذلك ما ورد في أذكار الصلوات، فإذا فرغ الإنسان من الصلاة فإنه يستغفر ثلاثاً يقول: أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله. اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام(4). (لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير)(5). ثلاث مرات(6)، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه له النعمة، وله الفضل، وله الثناء الحسن. لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين ولو كره الكافرون)(7).
ويقول أيضاً: "اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"(8). ويقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمساً وعشرين مرة فهذه مائة(9)، وإن شاء قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين مرة، فهذه تسعة وتسعون(10). ويقول تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير(1). ويجوز أن يقول: سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة جميعاً.(69/15)
ويقول: الحمد لله، الحمد لله، الحمد لله، ثلاثاً وثلاثين مرة جميعاً. بمعنى أن يسبح ثلاثاً وثلاثين مرة وحدها، ويحمد الله ثلاثاً وثلاثين مرة وحدها، ويكبر أربعاً وثلاثين جميعا(2)ً؛ فهذه مائة، هذه الأنواع من الأذكار الأفضل أن يأتي الإنسان منها مرة بهذا، ومرة بهذا ليكون قد أتى بالسنة.
أما في صلاة المغرب وصلاة الفجر فإنه ورد أنه يقول بعدها عشر مرات: "لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد يحيي ويميت، وهو على كل شيء قدير"(3).
وكذلك يقول: "رب أجرني من النار" سبع مرات(4).
وأعلم أن تنوع العبادات والأذكار من نعمة الله عز وجل على الإنسان؛ وذلك لأنه يحصل بها عدة فوائد، منها:
أن تنوع العبادات يؤدي إلى استحضار الإنسان ما يقول من الذكر؛ فإن الإنسان إذا دام على ذكر واحد صار يأتي به بدون أن يحضر قلبه، فإذا تعمد وقصد تنويعها فإنه بذلك يحصل له حضور القلب.
ومن فوائد تنوع العبادات: أن الإنسان قد يختار الأسهل منها والأيسر لسبب من الأسباب، فيكون في ذلك تسهيل عليه.
ومنها: أن في كل نوع منها ما ليس في الآخر فيكون في ذلك زيادة ثناء على الله عز وجل.
والحاصل أن الأذكار الواردة في الصلوات متنوعة كما سبق.
580 وسئل فضيلة الشيخ: هل الأذكار بعد الصلاة بشكل منفرد أم يقولها الإمام ويرددون خلفه جماعياً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأذكار بعد الصلوات بشكل منفرد، ولا يرددونها وراء الإمام؛ لأن هذه بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم.
581 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم المصافحة في المسجد حيث اعتاد كثير من الناس ذلك بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته قائلاً: هذه المصافحة لا أعلم لها أصلاً من السنة أو من فعل الصحابة – رضي الله عنهم – ولكن الإنسان إذا فعلها بعد الصلاة لا على سبيل أنها مشروعة، ولكن على سبيل التأليف والمودة، فأرجو أن لا يكون بهذا بأس، لأن الناس اعتادوا ذلك.(69/16)
أما من فعلها معتقداً بأنها سنة فهذا لا ينبغي ولا يجوز له، حتى يثبت أنها سنة، ولا أعلم أنها سنة.
582 وسئل فضيلة الشيخ: ما هو الأفضل في الذكر بعد السلام من الصلاة؟ هل قوله: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر؟ أو سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر ثلاثاً وثلاثين؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذكر بالتسبيح والتهليل والتحميد بعد صلاة الفريضة له عدة صفات:
منها أن يقول الإنسان: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ثلاثاً وثلاثين، فهذه تسعة وتسعون، ويقو تمام المائة: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
ومنها أن يقول: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين، والحمد لله ثلاثاً وثلاثين، والله أكبر أربعاً وثلاثين. ولا يقول سوى ذلك.
ومنها أن يقول: سبحان الله عشر مرات، والحمد لله عشر مرات، والله أكبر عشر مرات.
ومنها أن يقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر خمساً وعشرين مرة، فهذه مائة مرة(1).
هذه كلها وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأي صفة ذكرت أجزأ ذلك، والأحسن إذا كان يحفظها جيداً أن يقول هذا مرة وهذا مرة.
583 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: جاءت السنة بمشروعية رفع الصوت بالذكر بعد الصلاة، فهل المقصود هو الذكر المباشر لانقضاء الصلاة، مثل: "اللهم أنت السلام" ونحوه، أو أنه يعم جميع الذكر مع التسبيح والتهليل والتكبير؟
فأجاب فضيلته بقوله: هو يعم كل ذكر مشروع بعد الصلاة؛ الاستغفار، وقول: "اللهم أنت السلام" والتسبيح، والتهليل، وقد ألف بعض علمائنا رسالة وقال: من فرق بين التهليل والتسبيح فقد ابتدع، وأنه لا فرق بين هذا وهذا، وهذا هو الصحيح.(69/17)
لكن إذا كان هناك شخص يصلي إلى جانبك، وقد فاته شيء من الصلاة، وخفت إذا رفعت صوتك أن تشوش عليه فلا ترفع صوتك؛ لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم خرج على الصحابة وهم يصلون ويجهرون بالقراءة ويوش بعضهم على بعض، فنهاهم أن يرفع الرجل صوته فيشوش على أخيه(2)، أما إذا لم يكن هناك تشويش، فالسنة أن يجهر.
584 سئل فضيلة الشيخ: متى يقول الإمام: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام(3)؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقول هذا الدعاء إذا فرغ من الصلاة قبل أن يقبل على الناس. حرر في 24/1/1407هـ.
585 وسئل فضيلة الشيخ: ما الحكمة من الاستغفار بعد الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكمة من الاستغفار بعد الصلاة، أن الإنسان لا يخلو من تقصير في صلاته؛ فلهذا شرع له أن يستغفر ثلاثاً ثم يقول: اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذات الجلال والإكرام(4). ثم يأتي بالأذكار الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام.
586 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: الأذكار بعد الصلاة هل تردد بشكل جماعي من قبل المصلين؟ وهل من السنة أن يقول الإمام وبصوت عال بعد الصلاة: جل ربنا الكريم، جل ربنا العظيم. سبحانك يا عظيم "سبحان الله": يعني قولوا: سبحان الله ثلاثاً وثلاثين مرة. ثم يقول: سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا، يا ربنا دائماً نشكرك شكراً كثيراً "الحمد لله" يعني قولوا: الحمد لله ثلاثاً وثلاثين مرة. ثم يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله جل شأنه "الله أكبر" يعني قولوا: الله أكبر أربعاً وثلاثين مرة، ثم يقول بعدها: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه الصفات التي ذكرها السائل من كون الإمام يقول: سبحان الجليل العظيم وما أشبه هذه بدعة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما الوارد أن كل إنسان يستغفر الله ويذكر لنفسه.(69/18)
لكن السنة الجهر بالذكر بعد السلام من الصلاة، فقد ثبت عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أنه قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم". وأنه كان يعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعهم(1)، وهذا دليل على أن السنة الجهر بالذكر بعد الصلاة، خلافاً لما عليه أكثر الناس اليوم من الإسرار به، وبعضهم يجهر بالتهليلات دون التسبيح، والتحميد، والتكبير، ولا أعلم لهذا أصلاً من السنة في التفريق بين هذا وهذا، وإنما لسنة الجهر.
وقول بعض الناس: إن الرسول صلى الله عليه وسلم جهر بالذكر بعد الصلاة من أجل أن يعلمه الناس، هذا قول فيه نظر؛ وذلك لأن التعليم من النبي عليه الصلاة والسلام قد حصل بالقول، كما قال للفقراء من المهاجرين: "تسبحون، وتحمدون، وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين"(2).
ثم إننا نقول: هب أن المقصود بذلك التعليم. فالتعليم كما يكون في أصل الدعاء، أو في أصل الذكر يكون أيضاً بصفته، فالرسول صلى الله عليه وسلم علم هذا الذكر أصله وصفته وهو الجهر، وكون الرسول عليه الصلاة والسلام يداوم على ذلك يدل على أنه سنة، ولو كان من أجل التعليم فقط لكان النبي عليه الصلاة والسلام يقتصر على أن يعلم الناس ثم يقول للناس: هذا الذكر سراً، فالمهم أن القول الراجح في هذه المسألة أنه يسن الذكر ورفع الصوت به.
587 سئل فضيلة الشيخ: هناك من الناس من يزيد في الأذكار بعد الصلاة كقول بعضهم: "تقبل الله" أو قولهم بعد الوضوء "زمزم" فما تعليقكم حفظكم الله تعالى ونفع بكم الإسلام والمسلمين آمين؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا ليس من الذكر، بل هذا من الدعاء إذا فرغ وقال: "تقبل الله منك" ومع ذلك لا نرى أن يفعلها الإنسان، لا بعد الوضوء، ولا بعد الصلاة، ولا بعد الشرب من ماء زمزم؛ لأن مثل هذه الأمور إذا فعلت لربما تتخذ سنة فتكون مشروعة بغير علم.
---
(1) تقدم تخريجه ص245.(69/19)
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه في ص252.
(3) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري، فرواه البخاري في مواضع منها الجهاد باب 131 – ما يكره من رفع الصوت في التكبير (2992)، ومسلم في الذكر والدعاء باب 13 – استحباب خفض الصوت بالذكر 4/2076 ح44 (2704).
(1) متفق عليه من حديث أنس، فرواه البخاري في أثناء قصة في الاستسقاء باب 6 – الاستسقاء في خطبة الجمعة غير مستقبل القبلة (1014)، وكذلك مسلم في الاستسقاء باب 2 – الدعاء في الاستسقاء 2/612 ح8 (897).
(2) المرجع السابق.
(3) رواه مسلم في الجمعة باب تخفيف الصلاة والخطبة 2/595 ح35 (874).
(4) رواه مسلم في الزكاة باب 19 – قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها 1/703 ح65 (1015).
(5) تقدم تخريجه ص256.
(6) رواه مسلم في الصلاة باب 41 – النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 ح207 (479) وفي أوله زيادة عن الرؤيا الصالحة.
(1) متفق عليه وهذا لفظ البخاري، وتقدم تخريجه في ص234.
(2) هذا جزء من حديث ثوبان رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص252.
(3) رواه في الدعوات باب 79 ح(3499).
(4) تقدم تخريجه في ص234.
(5) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب 149 – الدعاء قبل السلام (832)، ورواه مسلم في المساجد باب 25 – ما يستعاذ منه في الصلاة 129 (589).
(6) رواه مسلم في الموضع السابق ح130 (588).
(1) متفق عليه وهو جزء من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (843)، ومسلم في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة ح42 (595).
(2) متفق عليه وتقدم في ص245.
(3) يدل لذلك ما رواه أبو أمامة الخزرجي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت". رواه النسائي في "عمل اليوم والليلة" ص185، وحديث: "أنه صلى الله عليه وسلم قرأ المعوذات دبر كل صلاة" أخرجه الإمام أحمد 4/115.
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص245.(69/20)
(2) تقدم تخريجه ص249.
(3) تقدم تخريجه في ص13.
(4) تقدم تخريجه في ص14.
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص245.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص245.
(3) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص234.
(4) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص234.
(1) أخرجه الإمام أحمد 5/244، وأبو داود في الصلاة/ باب الاستغفار (1522) ونصه: عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ بيده وقال: "يا معاذ، والله إني لأحبك، أوصيك يا معاذ: لا تدعن دبر كل صلاة تقول: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك".
(2) رواه الترمذي في الدعوات (3499).
(3) رواه الإمام أحمد 6/317، وابن ماجة في إقامة الصلاة/ باب ما يقال بعد التسليم (925).
(4) رواه أبو داود في الصلاة باب الدعاء (1418)، والترمذي في الدعوات باب 66 ح(3476) و (3477) وصححه، والنسائي في السهو باب التمجيد والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة (1283).
(5) زاد المعاد 1/250.
(1) رواه مسلم في النكاح باب الأمر بإجابة الداعي.. 2/1045 ح106 (1431).
(2) راجع هذا التفسير في صحيح ابن حبان بعد روايته للحديث المذكور 12/120 (5306).
(3) رواه البخاري في الوضوء باب إذا ألقي على ظهر المصلي قذر... (240) ومسلم في الجهاد باب ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من أذى المشركين 3/1418 ح107 (1794).
(4) ورد ذلك في حديث ثوبان قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا انصرف من صلاته استغفر ثلاثاً وقال: "اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام". رواه مسلم في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/414 ح135 (591).
(1) رواه مسلم في الصلاة باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 ح215 (482).
(2) رواه مسلم في الصلاة باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 ح207 (479).
(3) تقدم تخريجه ص234.(69/21)
(4) ولفظ الحديث: "إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع يقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن شر فتنة المسيح الدجال" رواه مسلم من حديث أبي هريرة في المساجد باب ما يستعاذ منه في الصلاة 1/412 ح128 (588).
(5) رواه مسلم في حديث ثوبان وتقدم تخريجه ص445.
(6) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص252.
(7) متفق عليه من حديث ابن عباس وتقدم تخريجه في ص245.
(1) أخرجه البخاري في الأذان باب الذكر بعد الصلاة (842)، ومسلم في المساجد باب الذكر بعد الصلاة 1/410 ح120 (583).
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة تقدم في ص112.
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب من رأى الاستفتاح بسبحانك (776)، والترمذي في الصلاة باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة (243)، وابن ماجة في إقامة الصلاة باب افتتاح الصلاة (806).
(4) رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص245.
(5) متفق عليه من حديث المغيرة بن شعبة وتقدم في ص252.
(6) هذا اللفظ "ثلاث مرات" انفرد به النسائي عن الكتب الستة وقد رواه في السهو باب 86 كم مرة يقول ذلك 3/80 (1342).
(7) رواه مسلم من حديث عبد الله بن الزبير وتقدم في ص251.
(8) جزء من حديث المغيرة بن شعبة وتقدم في ص251.
(9) رواه الترمذي في الدعوات باب 25 – منه (3413) وصححه، والنسائي في السهو باب 93 نوع آخر من التسبيح 3/85 (1349) و (1350).
(10) وردت في حديث الفقراء أو فقراء المهاجرين المتفق عليه من حديث أبي هريرة، وتقدم في ص252.
(1) هذه الزيادة رواها مسلم في المساجد 1/418 ح145 (597).
(2) بهذه الصيغة رواه مسلم في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة 1/418 ح144 – (596). ورواه الترمذي في الدعوات باب: منه ح3412 و 3413، والنسائي في السهو باب: نوع آخر من عدد التسبيح 3/84 (1348) وفي أوله: "معقبات لا يخيب قائلهن دبر كل صلاة مكتوبة... الحديث".(69/22)
(3) رواه الإمام أحمد في "المسند" 4/227، والترمذي في الدعوات (3474).
(4) رواه الإمام أحمد في "المسند" 4/234، وأبو داود في الأدب، باب ما يقول إذا أصبح (5080).
(1) سبق تخريج الأحاديث في ص286.
(2) فيه إشارة إلى حديث البياضي تقدم في ص13 وحديث أبي سعيد الخدري في ص13..
(3) هذا حديث ثوبان وتقدم في ص245.
(4) هذا حديث ثوبان وتقدم في ص245.
(1) متفق عليه وتقدم في ص245.
(2) جزء من حديث أبي هريرة المتفق عليه وتقدم في ص252.(69/23)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
مكروهات الصلاة
محمد بن صالح العثيمين
588 وسئل فضيلة الشيخ: إذا حضر العشاء والإنسان يشتهيه فهل له أن يبدأ به ولو خرج الوقت؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا محل خلاف، فبعض العلماء يقول يؤخر الصلاة إذا انشغل قلبه بما حضر من طعام وشراب أو غيره، ولو خرج الوقت.
ولكن أكثر أهل العلم يقولون: إنه لا يعذر بحضور العشاء في تأخير الصلاة عن وقتها، وإنما يعذر بحضور العشاء بالنسبة للجماعة يعني أن الإنسان يعذر بترك الجماعة إذا حضر العشاء وتعلقت نفسه به فليأكل، ثم يذهب إلى المسجد فإن أدرك الجماعة وإلا فلا حرج عليه.
ولكن يجب أن لا يتخذ ذلك عادة بحيث لا يقدم عشاءه إلا وقت الصلاة؛ لأن هذا يعني أنه مصمم على ترك الجماعة، لكن إذا حدث هذا على وجه المصادفة فإنه يعذر بترك الجماعة، ويأكل حتى يشبع؛ لأنه إذا أكل لقمة أو لقمتين ربما يزداد تعلقاً به.
بخلاف الرجل المضطر إلى الطعام إذا وجد طعاماً حراماً مثل الميتة، فهل نقول إذا لم تجد إلا الميتة وخفت على نفسك الهلاك أو الضرر فكل من الميتة حتى تشبع؟ أو نقول كل بقدر الضرورة؟ نقول له كل بقدر الضرورة. فإذا كان يكفيك لقمتان فلا تأكل الثالثة.
وهل يلحق بالعشاء من الأشياء التي تشوش على الإنسان مثل البول والغائط والريح؟
الجواب: نعم يلحق به بل في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة بحضرة طعام ولا هو يدافعه الأخبثان"(1) يعني البول والغائط ومثل ذلك الريح.
فالقاعدة أن كل ما أشغل الإنسان عن حضور قلبه في الصلاة وتعلقت به نفسه إن كان مطلوباً، أو قلقت منه إن كان مكروهاً فإن يتخلص منه قبل أن يدخل في الصلاة.
ونخلص من هذا إلى فائدة: وهي أن لب الصلاة وروح الصلاة هو حضور القلب، ولذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإزالة كل ما يحول دون ذلك قبل أن يدخل الإنسان في صلاته.(70/1)
وإذا نظرنا إلى واقعنا اليوم وجدنا أن الوساوس والهواجس لا تأتي إلا إذا دخل المصلي في صلاته، ومن ذلك العبث في الصلاة فإن العبث يشغل القلب، فالإنسان إذا دخل في الصلاة جاء الشيطان يكره يقول اذكر كذا، اذكر كذا حتى يذكره ما لم يذكره من قبل، يذكر أن رجلاً جاء إلى أحد العلماء وقال: إنه أودع وديعة، وأنه نسي مكانها، وأن صاحب الوديعة جاء يطلبها فماذا أصنع؟ قال العالم: اذهب فصل، وستذكرها، فذهب الرجل وجعل يصلي فذكر مكانها.
استدل العالم على ذلك بقول النبي عليه الصلاة والسلام "إذا نودي للصلاة، أدبر الشيطان وله ضراط حتى لا يسمع التأذين، فإذا قضي النداء أقبل، حتى إذا قضي التثويب أقبل، حتى يحظر بين المرء ونفسه، يقول: اذكر كذا، اذكر كذا، لما لم يكن يذكر، حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى"(2).
ومما يشغل عن الصلاة ما يفعله بعض من يقف خلف الإمام تجده يمسك المصحف، ويتابع الإمام في قراءته، والحقيقة أن هذا العمل يترتب عليه أمور محاذير:
أولاً: أن الإنسان يتحرك بحركات لا حاجة إليها، إخراج المصحف، فتح المصحف.
ثانياً: أن هذا الفعل يشغله عن سنة مطلوبة منه، وهي وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى على صدره.
ثالثاً: أنه يشغل بصره بالانتقال من أعلى الصفحة إلى أسفلها وبالانتقال من أول السطر إلى آخره. والبصر له حركات كما أن اليد لها حركات لاشك في هذا.
رابعاً: أن هذا المتابع يشعر وكأنه منفصل عن الصلاة، كأنه يمسك على هذا القارئ من أجل النظر هل يخطئ أو يصيب فيشطح قلبه عن الصلاة ويبعد.
أما إذا وقف وراء الإمام من أجل إذا أخطأ يرده فهذا جائز من أجل الحاجة.
ولكن ما علاج هذه الوساوس الذي يثيرها الشيطان في الصلاة؟
علاجها بينه الرسول عليه الصلاة والسلام أن يتفل الإنسان عن يساره ثلاث مرات، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم هذا هو العلاج(1).
بقي أن يقول سائل هل يلتفت ويتفل عن يساره وهو يصلي؟(70/2)
والجواب: نقول نعم، يلتفت لأن هذا الالتفات لحاجة والالتفات لحاجة لا بأس به.
وقد يقول قائل: كيف أتفل والناس عن يساري؟
نقول إذا كنت مأموماً فلا تتفل لأنك ستؤذي من كان على يسارك، ولكن استعذ بالله.
589 سئل فضيلة الشيخ: إذا كان الإنسان حاقن وخشي أن قضى حاجته أن تفوته صلاة الجماعة فهل يصلي وهو حاقن ليدرك الجماعة، أو يقضي حاجته ولو فاتته الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقضي حاجته ويتوضأ، ولو فاتته الجماعة؛ لأن هذا عذر، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "لا صلاة بحضرة طعام، ولا هو يدافعه الأخبثان"(2).
590 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم تغميض العينين في الصلاة.
فأجاب فضيلته بقوله: تغميض العينين في الصلاة مكروه؛ لأنه خلاف ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم، إلا ما كان لسبب، كما لو كان أمامه زخرفة في الجدار أو في الفراش، أو كان أمامه نور قوي يؤذي عينيه. المهم إذا كان التغميض لسبب فلا بأس به، وإلا فإنه مكروه، ومن أراد الاستزادة فليرجع إلى كتاب زاد المعاد لابن القيم – رحمه الله تعالى-.
591 وسئل فضيلته: ما حكم تغميض العينين في الصلاة عند القراءة، وعند دعاء القنوت حتى يحصل الخشوع في الصلاة؟
فأجاب فضيلته قائلاً: تغميض العينين في الصلاة ذكر أهل العلم أنه مكروه، إلا إذا كان هناك سبب مثل أن يكون أمامه شيء يشغله، أو أنوار ساطعة قوية تؤثر على عينيه، ففي هذه الحال يغمض عينيه درءاً لهذه المفسدة.
وأما ما يدعيه بعض الناس من أنه إذا أغمض عينيه كان أخشع له في صلاته، فأخشى أن يكون هذا من تلبيس الشيطان ليوقعه في هذا المكروه من حيث لا يشعر، ولو عود نفسه على أن لا يخشع إلا إذا أغمض عينيه فهذا هو الذي يجعله يخشع في حال تغميض العينين أكثر مما يخشع لو كان فاتح العينين.
592 وسئل فضيلة الشيخ: عن الانحناء الزائد أثناء الوقوف في الصلاة؟(70/3)
فأجاب فضيلته بقوله: الانحناء الزائد أثناء الوقوف خلاف المشروع، فإن ظاهر الأدلة أن القائم ينتصب ويعتدل، ولا يكون حانياً رقبته أو ظهره، حتى إن بعض الفقهاء يقول: يكره أن تمس لحيته صدره.
593 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: هل يجوز أن يدخل المصلي المسجد وأن يصلي وعلبة السجائر معه؟ وهل الدخان حرام؟ وما هو الدليل؟
فأجا فضيلته بقوله: نعم يجوز أن يصلي ومعه السجائر.
والدخان حرام، والدليل قوله تعالى: (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُم)، وقوله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ)، وقوله: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً)، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن إضاعة المال، وثبت من الناحية الطبية أن الدخان ضار وربما أدى إلى الموت، فتناوله سبب لقتل شاربه لنفسه، وشاربه ملق بنفسه إلى التهلكة، وشاربه مفسد لماله حيث صرفه في غير ما جعله الله له، فإن الله جعله قياماً للناس، تقوم به مصالح دينهم ودنياهم، والدخان ليس مما تقوم به مصالح الدين ولا الدنيا، فصرف المال فيه إضاعة له، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال.
594 وسئل فضيلة الشيخ: أشاهد بعضاً من الناس يدخلون إلى المسجد لكي يصلوا وهم يحملون معهم السجائر في جيوبهم، هل عليهم إثم في هذا؟(70/4)
فأجاب فضيلته بقوله: ليس عليهم إثم في حملهم لهذه السجائر بالنسبة للصلاة؛ لأن حملها لا يؤثر في الصلاة؛ لأن السجائر ليست نجسة النجاسة الحسية، ولكن عليه إثم يشرب هذه السجائر. فإن شرب الدخان محرم؛ لأنه ثبت من الناحية الطبية أنه مضر وأنه يسبب الإصابة بأمراض مستعصية قد تؤدي إلى الهلاك، قال الله تعالى: (وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل البصل والثوم قبل الذهاب إلى المساجد وقال: "إن ذلك يؤذي، وإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم"(1). وإذا نظرنا إلى التدخين وجدنا أن الدخان فيه ضرر على البدن، وفيه إضاعة للمال، وفيه أذية للناس(2).
595 وسئل فضيلته: ما صحة ما يروى أن الصلاة في الظلام مكروهة؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: أنا لا أعرف هذا الحديث، وعلى من أتى به أن يتحقق منه.
والصلاة في الظلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كانت هي الأصل؛ لأن مساجد النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك الوقت ليس فيها مصابيح، كما قالت عائشة – رضي الله عنها – "والبيوت يومئذ ليست فيها مصابيح"(3).
596 وسئل فضيلة الشيخ: هل النهي الوارد في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم عن أكل الثوم والبصل والكراث يشمل إذا طبخت مع الطعام أو لا؟ وهل إذا أكلها الإنسان من دون طبخ ثم أكل ما يزيل ريحها هل يشمله النهي؟ وهل النهي خاص بمسجد الرسول صلى الله عليه وسلم أو عام؟ وبماذا نرد على الذي يأكل هذه الأشياء ويجعلها ذريعة إلى ترك الصلاة بالمسجد ويقول إن الرسول صلى الله عليه وسلم قد نهى من أكلها أن يأتي إلى المسجد؟ أفتونا مأجورين والله يحفظكم ويرعاكم ويمدكم بعونه وتوفيقه.(70/5)
فأجاب فضيلته بقوله: النهي عن أكل الثوم والبصل والكراث ليس نهياً عنها بذاتها، ولكن من أجل تأذي غير الآكل برائحتها، ولهذا إذا طبخت حتى ذهب ريحها فلا بأس، كما قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب: "أيها الناس تأكلون شجرتين لا أراهما إلا خبيثتين هذا البصل والثوم، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا وجد ريحهما من الرجل في المسجد أمر به فأخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخاً"(1).
وفي حديث أبي سعيد الخدري(2) – رضي الله عنه – في فتح خيبر أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: "من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئاً فلا يقربنا في المسجد". فقال الناس: حرمت، حرمت، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "أيها الناس إنه ليس بي تحريم ما أحل الله لي، ولكنها شجرة أكره ريحها". أخرجه مسلم.
فتبين بهذا أن هذه الشجرة الثوم حلال وليس حراماً ولا مكروهاً، ولكن هي مكروهة من جهة ريحها، فإذا أكل ما يزيل ريحها زالت الكراهة.
والنهي شامل للمسجد النبوي وغيره لحديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من أكل من هذه البقلة (الثوم) فلا يقربن مساجدنا حتى يذهب ريحها"(3). وفي لفظ: "فلا يأتين المساجد". أخرجه مسلم(4).
ولأن العلة وهي: تأذي الملائكة لا يختص بالمسجد النبوي.
ولا يحل لأحد أن يأكل منها ليتخذ ذلك ذريعة للتخلف عن صلاة الجماعة، كما لا يحل السفر في رمضان من أجل أن يفطر؛ لأن التحيل على إسقاط الواجبات لا يسقطها. حرر في 28/12/1414هـ.
597 وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل سقيم له رائحة كريهة فهل يجوز إخراجه من المسجد؟(70/6)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان في هذا الرجل السقيم الذي ذكر السائل رائحة كريهة فلا بأس من إخراجه من المسجد إذا لم يزل هذه الرائحة عنه؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى من أكل ثوماً أو نحوه مما له رائحة كريهة أن يقرب المساجد، وعلى هذا فإذا قرب المسجد من كان فيه رائحة كريهة فقد عصى النبي صلى الله عليه وسلم، ومعصية النبي صلى الله عليه وسلم منكر، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه"(5).
وإخراج صاحب الرائحة الكريهة من المسجد من إزالة المنكر فيكون مأموراً به. بل في صحيح مسلم عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قال: "لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا وجد ريحهما – يعني البصل والثوم – من الرجل في المسجد أمر به فخرج إلى البقيع فمن أكلهما فليمتهما طبخاً".
ولهذا قال في شرح المنتهى وفي شرح الإقناع: يستحب إخراجه من المسجد – يعني إخراج من فيه رائحة كريهة – من إصنان أو بصل أو نحوهما والله الموفق. حرر في 22/3/1399هـ.
598 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم تشبيك الأصابع بعد الصلاة، وقبلها، وأثنائها؟
فأجاب فضيلته بقوله: تشبيك الأصابع بعد الصلاة لا بأس به، فقد ثبت(6) أن النبي صلى الله عليه وسلم شبك بين أصابعه بعد الصلاة.
وأما إذا كان قبل الصلاة، أو في أثناء الصلاة فمكروه، لحديث ورد في هذا، فقد روى الإمام أحمد وأبو داود والترمذي(1) عن كعب بن عجرة – رضي الله عنه – قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا توضأ أحدكم ثم خرج عامداً إلى الصلاة فلا يشبكن بين يديه فإنه في صلاة".
599 سئل فضيلة الشيخ: عن فرقعة الأصابع أثناء الصلاة سهواً هل تبطل الصلاة؟(70/7)
فأجاب فضيلته بقوله: فرقعة الأصابع لا تبطل الصلاة، ولكن فرقعة الأصابع من العبث، وإذا كان ذلك في صلاة الجماعة أوجب التشويش على من يسمع فرقعتها فيكون ذلك أشد ضرراً مما لو لم يكن حوله أحد.
وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن الحركة في الصلاة تنقسم إلى خمسة أقسام: حركة واجبة، وحركة مسنونة، وحركة مكروهة، وحركة محرمة، وحركة جائزة.
أما الحركة الواجبة: فهي التي يتوقف عليها فعل واجب في الصلاة، مثل أن يقوم الإنسان يصلي ثم يذكر أن على غترته نجاسة فحينئذ يتعين عليه أن يخلع هذه الغترة، وهذه حركة واجبة، ودليل ذلك(2) أن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يصلي فأخبره أن في نعليه قذراً فخلعهما النبي صلى الله عليه وسلم في أثناء الصلاة ومضى في صلاته، وكذلك إذا كان يصلي متجهاً إلى غير القبلة مجتهداً ولكنه أخطأ اجتهاده، فجاءه رجل آخر أعلم منه وقال له: إن القبلة على يمينك فحينئذ يتعين عليه أن يدور حتى يتجه إلى القبلة. وهذه حركة واجبة. ودليل ذلك أن الناس كانوا يصلون في مسجد قباء في صلاة الصبح فجاءهم آتٍ فقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وأمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، فانصرفوا إلى الكعبة وهم يصلون(3)، وهذه حركة واجبة وضابطها أن يترتب عليها فعل واجب في الصلاة أو ترك محرم.
وأما الحركة المسنونة: فهي أن يتوقف عليها كمال الصلاة. مثل الدنو في الصف إذا انفتحت الفرجة فدنا الإنسان إلى جاره لسد هذه الفرجة فإن هذه سنة، فيكون هذا الفعل مسنوناً.
وأما الحركة المكروهة: فهي الحركة التي لا حاجة إليها ولا تتعلق بتكميل الصلاة.
وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية، مثل أن يكون الإنسان وهو قائم يعبث، وهو راكع يعبث، وهو ساجد يعبث، وهو جالس يعبث حتى تخرج الصلاة عن هيئتها، فهذه الحركة محرمة لأنها تبطل الصلاة.(70/8)
وأما الحركة المباحة: فهي ما عدا ذلك، مثل أن تشغل الإنسان حكة فيحكها، أو تنزل غترته على عينه فيرفعها فهذه من الحركة المباحة. أو يستأذنه إنسان فيرفع يده ويأذن له فهذه من الحركات المباحة.
600 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: عن مبطلات الصلاة.
فأجاب فضيلته بقوله: مبطلات الصلاة تدور على شيئين:
الأول: ترك ما يجب فيها.
الثاني: فعل ما يحرم فيها.
فأما ترك ما يجب، مثل أن يترك الإنسان ركناً من أركان الصلاة متعمداً، أو شرطاً من شروطها متعمداً أو واجباً من واجباتها متعمداً.
مثال ترك الركن أن يترك الركوع متعمداً، ومثال ترك الشرط أن ينحرف عن القبلة في أثناء الصلاة متعمداً، ومثال ترك الواجب أن يترك التشهد الأول متعمداً، فإذا ترك أي واجب من واجبات الصلاة متعمداً فصلاته باطلة سواء سمي ذلك الواجب شرطاً، أم ركناً، أم واجباً.
الشيء الثاني مما يدور عليه بطلان الصلاة: فعل ما يحرم فيها كأن يحدث في صلاته، أو يتكلم بكلام الآدميين، أو يضحك، أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي هي حرام في أثناء الصلاة يفعلها متعمداً عالماً فإن صلاته تبطل في هذه الحال.
601 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم كف الكم في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن كفه لأجل الصلاة فإنه يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، ولا أكف ثوباً ولا شعراً"(1). وإن كان قد كفه من قبل لعمل قبل أن يدخل في الصلاة، أو كفه لكثرة العرق وما أشبه ذلك فليس بمكروه.
أما إذا كان كفه لأجل أنه طويل، فينبغي عليه تقصيره حتى لا يدخل في الخيلاء.
602 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن الغترة أو الشماغ إذا جعله الإنسان على الورى، هل يعد ذلك من كف الثوب المنهي عنه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه لا يعد من كف الثوب المنهي عنه؛ لأن هذه من صفات لبس الغترة والشماغ، فهي كالثوب القصير كمه والعمامة الملوية على الرأس.
---(70/9)
(1) رواه مسلم في المساجد، باب 16، كراهة الصلاة بحضرة الطعام... 1/393 ح67 (560).
(2) تقدم تخريجه ص103.
(1) من حديث عثمان بن أبي العاص، رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص110.
(2) تقدم تخريجه ص296.
(1) رواه مسلم في المساجد باب 17 – نهي من أكل ثوماً.. 1/395 ح74 (564).
(2) سيأتي حكم شرب الدخان مفصلاً في موضعه من الفتاوى إن شاء الله تعالى.
(3) متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة باب 22 – الصلاة على الفراش (382)، ومسلم في الصلاة باب الاعتراض بين يدي المصلي 1/367 ح272 (512).
(1) رواه مسلم في المساجد باب نهى من أكل ثوماً أو بصلاً أو كراثاً أو نحوها 1/396 ح78 (567) وفي أوله خطبة عمر يوم جمعة.
(2) رواه مسلم في الموضع السابق ح76 (565).
(3) رواه البخاري في الأذان باب: ما جاء في الثوم.. (853)، ومسلم في باب: نهي من أكل ثوماً.. ح68 (561).
(4) هذه الزيادة وردت عند مسلم ح69 (561).
(5) رواه مسلم في الإيمان باب كون النهي عن المنكر من الإيمان 1/69 ح78 (49).
(6) رواه البخاري في التيمم باب تشبيك الأصابع (468)، ومسلم في المساجد/ باب السهو في الصلاة والسجود له (573).
(1) رواه أحمد 4/241، وأبو داود في الصلاة باب ما جاء في الهدي في المشي إلى الصلاة (562)، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في كراهية التشبيك بين الأصابع في الصلاة (386).
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب الصلاة في النعل ح(650) وصححه ابن خزيمة 1/384 (786)، وابن حبان 5/560 (2185).
(3) متفق عليه من حديث ابن عمر، فرواه البخاري في الصلاة باب ما جاء في القبلة (403) ورواه في مواضع أخرى، ورواه مسلم في المساجد باب تحويل القبلة 1/375 ح13 (526).
(1) متفق عليه من حديث ابن عباس، رواه البخاري في الأذان باب: السجود على سبعة أعظم ح(810)، ومسلم في الصلاة باب أعضاء السجود 1/354 ح227 (490).(70/10)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
الحركة في الصلاة
محمد بن صالح العثيمين
603 سئل فضيلة الشيخ: نرجو من فضيلتكم بيان حكم الحركة في الصلاة؟
فأجاب بقوله: الحركة في الصلاة الأصل فيها الكراهة إلا لحاجة، ومع ذلك فإنها تنقسم إلى خمسة أقسام:
القسم الأول: حركة واجبة.
القسم الثاني: حركة محرمة.
القسم الثالث: حركة مكروهة.
القسم الرابع: حركة مستحبة.
القسم الخامس: حركة مباحة.
فأما الحركة الواجبة: فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة، مثل أن يرى في غترته نجاسة، فيجب عليه أن يتحرك لإزالتها ويخلع غترته، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم أتاه جبريل وهو يصلي بالناس فأخبره أن في نعليه خبثاً فخلعها صلى الله عليه وسلم وهو في صلاته واستمر فيها(2)، ومثل أن يخبره أحد بأنه اتجه إلى غير القبلة فيجب عليه أن يتحرك إلى القبلة.
وأما الحركة المحرمة: فهي الحركة الكثيرة المتوالية لغير ضرورة؛ لأن مثل هذه الحركة تبطل الصلاة، وما يبطل الصلاة فإنه لا يحل فعله؛ لأنه من باب اتخاذ آيات الله هزواً.
وأما الحركة المستحبة: فهي الحركة لفعل مستحب في الصلاة، كما لو تحرك من أجل استواء الصف، أو رأى فرجة أمامه في الصف المقدم فتقدم نحوها وهو في صلاته، أو تقلص الصف فتحرك لسد الخلل، أو ما أشبه ذلك من الحركات التي يحصل بها فعل مستحب في الصلاة؛ لأن ذلك من أجل إكمال الصلاة، ولهذا لما صلى ابن عباس رضي الله عنهما مع النبي صلى الله عليه وسلم فقام عن يساره أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم برأسه من ورائه فجعله عن يمينه(1).
وأما الحركة المباحة: فهي اليسيرة لحاجة، أو الكثيرة للضرورة، أما اليسيرة لحاجة فمثلها فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو جدها من أمها فإذا قام حملها، وإذا سجد وضعها(2).(71/1)
وأما الحركة الكثيرة للضرورة: فمثل قوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ* فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ). فإن من يصلي وهو يمشي لا شك أن عمله كثير ولكنه لما كان للضرورة كان مباحاً لا يبطل الصلاة.
وأما الحركة المكروهة: فهي ما عدا ذلك وهو الأصل في الحركة في الصلاة، وعلى هذا نقول لمن يتحركون في الصلاة إن عملكم مكروه، منقص لصلاتكم، وهذا مشاهد عند كل أحد فتجد الفرد يعبث بساعته، أو بقلمه، أو بغترته، أو بأنفه، أو بلحيته، أو ما أشبه ذلك، وكل ذلك من القسم المكروه إلا أن يكون كثيراً متوالياً فإنه محرم مبطل للصلاة.
604 وسئل فضيلة الشيخ: كم عدد الحركات التي تبطل الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس لها عدد معين، بل الحركة التي تنافي الصلاة بحيث إذا رؤى هذا الرجل فكأنه ليس في صلاة، هذه هي التي تبطل؛ ولهذا حدده العلماء رحمهم الله بالعرف، فقالوا: "إن الحركات إذا كثرت وتوالت فإنها تبطل الصلاة" بدون ذكر عدد معين، وتحديد بعض العلماء إياها بثلاث حركات، يحتاج إلى دليل؛ لأن كل من حدد شيئاً بعدد معين، أو كيفية معينة، فإن عليه الدليل، وإلا صار متحكماً في شريعة الله.
605 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: ما حكم حمل المرأة لطفلها في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن تحمل المرأة طفلها إذا كان طاهراً واحتاج إلى حملها، لكونه يصيح ويشغلها عن صلاتها إذا لم تحمله، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي وهو حامل أمامه بنت زينت بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم "كان يصلي بالناس وهو حاملها صلى الله عليه وسلم إذا قام حملها وإذا سجد وضعها"(3)، فإذا فعلت المرأة ذلك بطفلها فلا بأس به، لكن الأفضل أن لا تفعل إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك، والله أعلم.(71/2)
606 وسئل فضيلة الشيخ: عن إمام مسجد إذا كبر للصلاة وانتهى من التكبيرة، يتقدم يمشي خطوتين أو ثلاث خطوات، وأصبحت عادة عنده فما حكم فعل هذا الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان هذا شيئاً بغير اختياره فهو معذور؛ لأن بعض الناس قد يكون معه شيء من الدوخة فيحاول أن يتماسك فيتقدم عندئذ، أو يتأخر، وإن كان باختياره فإنه ينهى عنه؛ لأن هذه حركة في الصلاة بدون حاجة، وكل حركة في الصلاة بدون حاجة فإنها مكروهة.
وهنا يحسن بنا أن نبين أقسام الحركات في الصلاة:
أقسام الحركات في الصلاة خمسة: حركة واجبة، وحركة محرمة، وحركة جائزة، وحركة مكروهة، وحركة مستحبة.
فالحركة الواجبة هي: التي يتوقف عليها صحة الصلاة، هذا ضابط الحركة الواجبة ونذكر لذلك مثالين:
المثال الأول: إنسان تذكر أن في غترته نجاسة وهو يصلي، فيجب عليه أن يتحرك لخلع الغترة ويتسمر في صلاته. والغترة نوع مما يلبس على الرأس.
المثال الثاني: رجل يصلي إلى غير القبلة، فجاءه عالم بالقبلة فقال له: القبلة على يمينك، فهنا يجب عليه أن يتجه إلى القبلة، ولكل واحدة من هاتين المسألتين دليل.
أما المسألة الأولى: فدليلها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يصلي في نعليه وفيهما قذراً(1) لم يعلم به، فجاءه جبريل فأخبره بذلك، فخلع نعليه واستمر في صلاته.
وأما الثانية: فإن أهل قباء كانوا يصلون صلاة الفجر إلى جهة بيت المقدس، وكانت مكة وراءهم، وأتاهم آت فقال لهم: إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنزل عليه قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة فاستقبلوها، فانحرفوا إلى جهة الكعبة وهم يصلون(2).
والحركة المستحبة: هي التي يتوقف عليها فعل مستحب هذا ضابطها.
مثال ذلك: انفتحت فرجة أمامك في الصف، وسد الفرج سنة، فتقدمت لهذه الفرجة، فهذه حركة مستحبة، وكذلك تقارب الصف، فإذا صار بينك وبين جارك فرجة فقربت منه فهذه أيضاً حركة مستحبة.(71/3)
والحركة المحرمة: هي الحركة التي تنافي الصلاة. يعني أنها كثيرة بحيث يقول من رآك تتحرك: إنك لست في صلاة، فهذه محرمة وضابطها أن تكون كثيرة متوالية.
والحركة المكروهة: هي الحركة القليلة بلا حاجة، مثل ما يحصل من بعض الناس حيث يعبث في صلاته بقلمه، أو ساعته، أو عقاله، أو مشلحه بدون حاجة، فهذه حركة مكروهة.
الحركة الجائزة: هي الحركة اليسيرة إذا كانت لحاجة، أو الحركة الكثيرة إذا كانت لضرورة.
مثال الحركة اليسيرة للحاجة: إنسان يشق عليه أن يصلي على الأرض مباشرة لأنها حارة، أو لأن فيها شوكاً، أو فيها حصى يؤلم جبهته، فصار يتحرك، ويضع المنديل ليسجد عليه، فهذه حركة جائزة؛ لأنها لحاجة، لكنها يسيرة، والمنديل ينبغي أن يكون واسعاً بحيث يتسع لكفيه وجبهته، هذا هو الأحسن، لكن إذا لم يكن معه إلا منديل صغير لا يتسع إلا الجبهة وهو محتاج أن يسجد عليه فلا بأس. فهذه حركة يسيرة لحاجة.
وهناك الحركة الكثيرة للضرورة: إن كنت تصلي فهاجمك سبع ففي هذه الحال تحتاج إلى حركات كثيرة وسريعة، فلا بأس بأن تدفع عن نفسك هذا الخطر ولو كنت في صلاتك لقوله تعالى: (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالاً أَوْ رُكْبَاناً) يعني إن خفتم على أنفسكم فصلوا رجالاً يعني: على أرجلكم ولو كنت تهرب، أو ركباناً على الرواحل.
هذه أقسام الحركات في الصلاة، فاحرص على أن يخشع قلبك وجوارحك، حتى تكون صلاتك تامة، فقد امتدح الله الذين هم في صلاتهم خاشعون.
607 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز لي أن أرد السلام وأنا أثناء الصلاة على من سلم عليَّ بصوت مرتفع، بحيث يسمعني من سلم عليَّ أو بصوت منخفض جداً بيني وبين نفسي؟(71/4)
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سلم الإنسان على المصلي فإن المصلي لا يرد عليه بالقول، ولو رد عليه لبطلت صلاته؛ لأن الرد عليه من كلام الآدميين، وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "إن الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما التكبير، والتسبيح، وقراءة القرآن"(1). ولكنه يرد عليه بالإشارة بأن يرفع يده – هكذا – مشيراً إلى أنه يرد عليه السلام، ثم إن بقي المسلم حتى انصراف المصلي من صلاته رد عليه باللفظ، وإن لم يبق وانصرف فالإشارة تكفي.
608 سئل فضيلة الشيخ: إذا كان الكلام في مصلحة الصلاة مثل أن ينسى الإمام قراءة الفاتحة فنقول له اقرأ الفاتحة، وإذا نسي الركوع وسجد وقيل له سبحان الله فلم يفهم فنقول له لم تركع فهل ذلك يبطل الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، الكلام يبطل الصلاة، وأعني بالكلام كلام الآدميين، والدليل على ذلك قصة معاوية بن الحكم(2) – رضي الله عنه – حين جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله، فقال معاوية: يرحمك الله، فرماه الناس بأبصارهم فقال: وا ثكل أماه فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت فلما قضى صلاته دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال معاوية: فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه صلوات الله وسلامه عليه، والله ما كهرني، ولا نهرني، وإنما قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن" الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" وهذا عام فشيء نكرة في سياق النفي يفيد العموم سواء لمصلحة الصلاة، أو لغير مصلحة الصلاة، وعلى هذا فلا يجوز لنا أن ننبه الإمام بشيء من الكلام، فإذا سجد في غير موضع السجود فلا نقول له: قم. بل نقول: سبحان الله؛ وإذا قام في غير موضع القيام، فلا نقول له: اجلس؛ لأنك إن قلت: اجلس، فإنك تكون قد كلمت الآدمي فتبطل صلاتك.(71/5)
فإذا تكلم أحد الناس جاهلاً فلا عليه إعادة، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بالإعادة، مع أنه تكلم مرتين، مرة قال للعاطس (يرحمك الله) ومرة قال: (وا ثكل أماه) ولم يأمره بالإعادة، لكن لو أن الإمام في صلاة جهرية نسي أن يجهر فقلنا له: سبحان الله، فلم يفهم نقرأ جهراً يرفع أحد المصلين صوته بقراءة الفاتحة فينتبه الإمام.
---
(2) رواه أبو داود وتقدم في ص306.
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه في ص27.
(2) رواه البخاري/ الصلاة/ باب: إذا حمل جارية (516) ومسلم/ المساجد/ بال جواز حمل الصبيان في الصلاة (543).
(3) تقدم تخريجه ص310.
(1) رواه أبو داود وغيره، وتقدم في ص306.
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر، وتقدم في ص306.
(1) هذا جزء من حديث معاوية بن الحكم وسيأتي كاملاً في السؤال الذي بعده.
(2) رواه مسلم في المساجد، باب تحريم الكلام في الصلاة 1/381 ح33 (537).(71/6)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
السترة في الصلاة
محمد بن صالح العثيمين
609 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: ما حكم السترة؟ وما مقدارها؟
فأجاب فضيلته بقوله: السترة في الصلاة سنة مؤكدة إلا للمأموم، فإن المأموم لا يسن له اتخاذ السترة اكتفاءً بسترة الإمام.
فأما مقدارها فقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم عنها فقال: "مثل مؤخرة الرحل"(3).
لكن هذا أعلاها ويجزئ ما دون ذلك فقد جاء في الحديث: "إذا صلى أحدكم فليستتر ولو بسهم"(4). وجاء في الحديث الآخر الذي رواه أبو داود بإسناد حسن "أن من لم يجد فليخط خطاً. قال الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام(1): لم يصب من زعم أنه مضطرب، فالحديث ليس فيه علة توجب رده. فنقول: أقلها خط، وأعلاها مثل مؤخرة الرحل.
610 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: إذا مرت المرأة أمام امرأة تصلي وليس أمامها سترة فهل عليها إعادة الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: أقول إن المرأة، والكلب الأسود، والحمار إذا مر واحد منها بين المصلي وبين سترته، بطلت الصلاة، ووجب استئنافها من جديد، إلا إذا كان يصلي خلف الإمام، فإنه لا يقطع صلاته شيء؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، هذا إذا كان للمصلي سترة، فإذا لم يكن له سترة وكان له مصلى فإن من مر وراء المصلى لا يقطع الصلاة ولو كان أحد الثلاثة، فإذا كانت المرأة تصلي على سجادة فمر من وراء السجادة أحد من رجل أو امرأة أو كبير أو صغير فإن ذلك لا يخل بالصلاة لأنه من وراء المصلى، فإن لم يكن له سترة ولا مصلى خاص فإن منتهى ذلك منتهى سجوده أي موضع جبهته حال السجود، وما وراء ذلك فإنه لا يضره من مر فيه.
611 سئل فضيلة الشيخ: هل تقطع المرأة صلاة المرأة إذا مرت بين يديها؟(72/1)
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، تقطع لأنه لا فرق في الأحكام بين الرجل والنساء إلا بدليل. ولكن إذا مرت من وراء سترتها إن كان لها سترة، أو من وراء سجادتها إن كانت تصلي على سجادة، أو من وراء موضع سجودها إن لم يكن لها سترة ولا سجادة فإن ذلك لا يضر ولا يؤثر.
612 وسئل فضيلة الشيخ: هل يستثنى الحرمان الشريفان من قطع الصلاة لوجود المشقة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحديث لم يستثن شيئاً، وليس في هذا مشقة لأن في الإمكان أن تمنع، والناس سوف يمتنعون، وإذا لم يتيسر ذلك فأجل النافلة إلى وقت يكون فيه المكان غير مزدحم، أو تقدم إلى مكان آخر يكون خالياً، أو إذا كانت نافلة اجعلها في البيت، فإن النافلة في البيت أفضل من النافلة في المسجد سواء في المسجد الحرام، أو المسجد النبوي، أو في غيرها من المساجد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال وهو في المدينة: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(2)، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يتطوع في بيته.
613 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن حكم مرور المرأة بين يدي المصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: مرور المرأة بين يدي المصلي مبطل للصلاة إلا إذا كان تابعاً لإمامه، فإن سترة الإمام سترة له ولمن خلفه، فأما إذا كان يصلي منفرداً، أو كان هو الإمام ومرت بينه وبين سترته، أو بينه وبين موضع سجوده إن لم يكن له سترة امرأة بالغة فإن صلاته تبطل ويجب عليه أن يستأنف الصلاة من جديد، هكذا ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه(3)، ولا يرد على هذا أن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها كانت تنام بين يدي الرسول صلى الله عليه وسلم(4)، لأن الحديث الذي فيه أن المرأة تقطع الصلاة إنما هو في المرور، والنوم ليس مروراً، والله أعلم.
614 سئل فضيلة الشيخ: عن الأشياء التي تقطع الصلاة إذا مرت أمام المصلي؟(72/2)
فأجاب فضيلته بقوله: الذي يقطع الصلاة ثلاثة: الحمار، والكلب الأسود، والمرأة البالغة، كما ثبت ذلك في صحيح مسلم عن أبي ذر – رضي الله عنه – عن النبي صلى الله عليه وسلم "أنه إذا لم يكن بين المصلي وبين هؤلاء المارين مثل مؤخرة الرحل"(1) فإنهم يقطعون صلاته.
وعلى هذا فنقول: إذا كان للإنسان سترة ثم مر هؤلاء من وراءها فإنهم لا يقطعون الصلاة ولا ينقضونها حتى لو كانت السترة قريبة من موضع السجود ولم يكن بينهم وبين قدميه إلا أقل من ثلاثة أذرع فإن الصلاة صحيحة ما داموا من وراء السترة.
أما إذا لم يكن للمصلي سترة ومروا بين يديه فإنهم يقطعون صلاته فإذا مر الحمار بين يديه قطع صلاته ووجب عليه أن يعيدها من جديد، وإذا مر الكلب الأسود بين يديه قطع صلاته ووجب عليه أن يعيدها من جديد، وإذا مرت المرأة البالغة من بين يديه فإنها تقطع صلاته ويجب عليه أن يعيد الصلاة من جديد.
ولكن ما المراد بما بين يديه؟
كثير من أهل العلم يقولون إن المراد بما بين يديه مسافة ثلاثة أذرع – أي متر ونصف تقريباً من قدميه -.
وبعض العلماء يقول: ما بين يديه هو منتهى سجوده يعني موضع جبهته، وما وراء ذلك فإنه لا حق له فيه؛ لأن الإنسان يستحق من الأرض ما يحتاج إليه في صلاته، وهو لا يحتاج في صلاته، إلى أكثر من موضع سجوده، وهذا القول هو الأصح عندي، وهو أن المصلي إذا لم يكن له سترة فإن منتهى المكان المحترم له هو موضع سجوده، وما وراء مكان جبهته من السجود لا حق له فيه ولا يضره من مر من ورائه.
والخلاصة: أن المرأة البالغة، والحمار، والكلب الأسود إذا مرت إحدى هذه الثلاثة بين المصلي وبين سترته بطلت صلاته ووجب عليه إعادتها من جديد، وإذا لم يكن له سترة ومروا من بينه وبين موضع سجوده بطلت صلاته ووجب إعادتها من جديد.
615 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: هل تقطع المرأة الصلاة؟ وهل هناك فرق بين المسجد الحرام وغيره؟ وهل يشمل ذلك المسبوق؟(72/3)
فأجاب فضيلته بقوله: ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي ذر – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقطع صلاة الرجل المسلم – أو قال – المرء المسلم إذا لم يكن بين يديه مثل مؤخرة الرحل: المرأة، والحمار والكلب الأسود"(2)، فإذا مرت المرأة بين المصلي وسترته إن كان له سترة، أو بينه وبين موضع سجوده إن لم يكن له سترة، بطلت صلاته ووجب عليه استئنافها حتى ولو كان في الركعة الأخيرة فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة من جديد.
ولا فرق في ذلك بين المسجد وغيره على القول الراجح؛ لأن النصوص عامة، وليس فيها تخصيص بقعة دون أخرى، ولهذا ترجم البخاري على هذه المسألة بقوله: "باب السترة بمكة وغيرها"(3) واستدل بالعموم.
وعليه فإذا مرت المرأة بين الرجل وبين سترته، أو بينه وبين موضع سجوده وجب عليه إعادة الصلاة، إلا إذا كان مأموماً فإن سترة الإمام سترة لمن خلفه، فيجوز أن يمر الإنسان بين يدي المصلين الذين يصلون خلف إمام ولا إثم عليه، ولا يحل له أن يمر بين يدي غير المأمومين فإن ذلك حرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خير له من أن يمر بين يديه"(1). وهذا الأربعين في الصحيحين مطلقة، لكن روى البزار(2) أن المراد بالأربعين أربعون خريفاً يعني أربعين سنة لو يبقى الإنسان أربعين سنة واقفاً لكان خيراً من أن يمر بين يدي المصلين.
أما المسبوق فإنه إذا كان يصلي ما فاته في حكم المنفرد.
616 سئل الشيخ – وفقه الله تعالى -: هل يجوز المرور أمام الصف في صلاة الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: اختلف العلماء رحمهم الله هل يأثم المار بين يدي المصلين خلف الإمام؟(72/4)
فقال بعض العلماء: إنه يأثم لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لكان أن يقف أربعين خيراً له من أن يمر بين يديه". متفق عليه. وأخرجه البزار(2) بلفظ: "لكان أن يقف أربعين خريفاً" أي أربعين سنة خيراً من أن يمر بين يديه، وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يمر بين يدي المصلي لعموم الحديث.
وقال بعض العلماء: إن المرور بين يدي المأمومين ليس بمحرم، لأن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: "أقبلت راكباً على حمار أتان، وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بمنى إلى غير جدار، فمررت بين يدي بعض الصف فنزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف فلم ينكر ذلك أحد"(3). فدل هذا على أنه لا يحرم على الإنسان أن يمر بين يدي المصلين إذا كان لهم إمام وهذا القول أقرب إلى الصواب، وهو أنه يجوز للإنسان أن يمر بين يدي المصلين خلف الإمام، لكن إذا كان يخشى من التشويش فلا يمر لأن بعض الناس المصلين إذا رأى الإنسان قد مر يلاحظه حين يقبل إلى أن يتجاوزه، فيحصل في ذلك تشويش على المصلين، فإذا حصل أن يبتعد الإنسان عن المرور بين يدي المصلين فهو أفضل، ولكنه لو مر لا يأثم بذلك، ولو كانت امرأة فإنها لا تقطع الصلاة، والله الموفق.
617 سئل فضيلة الشيخ: هل يأثم من يترك السترة في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قلنا إن السترة واجبة أثم، ولكن الصحيح أنها ليست بواجبة، بل هي سنة، إلا للمأموم فإنه لا يتخذ سترة؛ لأن سترة الإمام سترة له، وعلى هذا لا يأثم المصلي إذا صلى دون سترة.
618 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم المرور بين يدي المصلي في المسجد الحرام سواء كان المصلي مفترضاً أو متنفلاً مأموماً أو منفرداً؟(72/5)
فأجاب فضيلته بقوله: أما المرور بين يدي المأموم فلا بأس به في المسجد الحرام وفي غيره، لأن ابن عباس – رضي الله عنهما – جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في منى وهو يصلي بالناس إلى غير جدار فمر بين يدي الصف، وهو راكب على حمار أتان، ولم ينكر عليه أحد(4).
وأما إذا كان المصلي إماماً أو منفرداً فإنه لا يجوز المرور بين يديه لا في المسجد الحرام ولا في غيره لعموم الأدلة، وليس هناك دليل يخص مكة، أو المسجد الحرام يدل على أن المرور بين يدي المصلي فيهما لا يضر ولا يأثم به المار.
619 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: عن حكم وضع الحذاء سترة للمصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: السترة للمصلي جائزة بكل شيء حتى لو كان سهماً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا صلى أحدكم فليستر لصلاته ولو بسهم"(1)، بل قال العلماء إنه يمكن أن يستر بالخيط وبطرف السجادة بل جاء في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام أن من لم يجد عصاً فليخط خطاً، كما في حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا صلى أحدكم فليجعل تلقاء وجهه شيئاً، فإن لم يجد فلينصب عصاً، فإن لم يكن معه عصاً فليخط خطاً، ولا يضره ما مر بين يديه"(2). رواه الإمام أحمد، وقال ابن حجر في البلوغ: ولم يصب من زعم أنه مضطرب، بل هو حسن. وكل هذا يدل على أن السترة لا يشترط أن تكون كبيرة، وإنما يكتفي فيها بما يدل على التستر.
فالنعال لاشك أنها ذات جسم وكبيرة إلا أني أرى أنه لا ينبغي أن يجعلها سترة له؛ لأن النعال في العرف مستقذرة، ولا ينبغي أن تكون بين يديك وأنت واقف بين يدي الله عز وجل، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يتنخع بين يديه يعني يتفل النخامة بين يديه، وقال عليه الصلاة والسلام معللاً ذلك: "فإن الله تعالى قبل وجهه"(3).
620 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: عن مقدار السترة للمصلي؟(72/6)
فأجاب فضيلته بقوله: السترة التي يضعها المصلي الأفضل أن تكون كمؤخرة الرحل نحو ثلثي ذراع، وإن كانت أقل من ذلك فلا حرج حتى لو كانت سهماً أو عصاً فإنه تجزئ، فإذا وضع الإنسان سترة ومر من ورائها شيء رجل، أو امرأة، أو كلب، أو حمار أو غير ذلك فإنه لا يضره؛ لأن السترة تحجز عن المصلي ذلك المار، وإذا لم يكن له سترة ومر أحد من وراء مصلاة – سجادته – فإنه لا يضر أيضاً فإذا كانت المرأة تصلي في بيتها على سجادة ومر من وراء السجادة أحد رجل أو امرأة فإن ذلك لا يضر لأنه خارج مصلاها.
621 وسئل الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: هل السترة في صلاة الجماعة كما هي في صلاة الفرد؟
فأجاب بقوله: السترة في صلاة الجماعة بالنسبة للإمام كما هي في صلاة المنفرد، أما بالنسبة للمأموم فإنه لا يشرع للمأموم أن يتخذ سترة؛ لأن سترة الإمام سترة لمن خلفه، ولهذا قال ابن عباس – رضي الله عنهما – "أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي في الناس بمنى إلى غير جدار فأرسلت الأتان ترتع فمرت أو قال فمررت بين يدي بعض الصف"(4) وهذا دليل على أن سترة الإمام سترة لمن خلفه وأنه إذا مر أحد يقطع الصلاة بين يدي المأمومين فإن صلاتهم لا تنقطع؛ لأن سترة الإمام سترة لهم.(72/7)
وقد ظن بعض الناس أن قول ابن عباس: "ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى غير جدار". أن الحرم أي ما كان داخل الأميال لا تشرع فيه السترة، وقالوا: "إن قوله: "إلى غير جدار" يدل على أن الحرم لا تتخذ فيه السترة يعني ما كان داخل الأميال. ولكن من تأمل الحديث وجد أنه يدل على خلاف ذلك؛ لأن قول ابن عباس: "إلى غير جدار"، غير صفة ولا تقع غير إلا صفة لموصوف، فعليه يكون تقدير الكلام إلى شيء غير جدار، والمعروف أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يصلي فتركز له العنزه كما في حديث أبي جحيفة وهو ثابت في الصحيحين أنه قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في قبة حمراء من أدم، ورأيت بلالاً أخذ وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورأيت الناس يبتدرون ذلك الوضوء، فمن أصاب منه شيئاً تمسح منه، ومن لم يصب منه شيئاً أخذ من بلل يد صاحبه، ثم رأيت بلالاً أخذ عنزة وركزها، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء مشمراً صلى بالناس ركعتين، ورأيت الناس يمرون بين يدي العنزة"(1). وهذا نص صريح في أن السترة تتخذ حتى فيما كان داخل الأميال؛ لأن الأبطح أقرب إلى الكعبة من منى، ومع ذلك كان الرسول عليه الصلاة والسلام يتخذ فيه السترة.
622 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم اتخاذ النعل سترة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس إلا إذا كان فيها شيء بين من نجاسة أو أذى، فلا يتخذها سترة؛ إلا أن الأولى أن لا يجعلها سترة له؛ لأن النعال في العرف مستقذرة، ولهذا فالنبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم نهى أن يبصق المصلي أمام وجهه(2).
623 وسئل فضيلة الشيخ: ذكر ابن القيم – رحمه الله تعالى – في زاد المعاد(3) أن من السنة في اتخاذ السترة للمصلي أنها لا تكون أمامه مباشرة، بل تكون عن يمينه، أو عن يساره، فنريد توضح ذلك وجزاكم الله خيراً.(72/8)
فأجاب فضيلته بقوله: يريد ابن القيم – رحمه الله – أنك إذا اتخذت سترة في الصلاة فلا تقابلها مقابلة تامة، اجعلها عن يمينك شيئاً ما، أو عن يسارك شيئاً ما، لورود حديث بذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام(4)، لكن الحديث الذي ورد في هذا لين، فيه شيء من الضعف، وظاهر الأدلة أن السترة تكون بين يدي المصلي تماماً، وأنه يستقبلها بدون أن تكون عن يمينه أو عن شماله، والأمر في هذا واسع؛ إن صمد إليها صمداً فلا بأس، والإنسان بعيد عن أن يجعلها كالصنم، وإن جعلها عن يمينه أو عن يساره شيئاً ما فلا بأس.
624 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: عن المسافة التي يمنع فيها المرور من بين يدي المصلي؟
فأجاب فضيلته بقوله: المسافة التي يمنع فيها المرور بين يدي المصلي إن كان للمصلي سترة فما بينه وبين سترته محرم لا يحل لأحد أن يمر منه.
وإن لم يكن له سترة؛ فإن كان له مصلى كسجادة يصلي عليها فإن هذه السجادة محترمة؛ فإنه لا يحل لأحد أن يمر بين يدي المصلي فيها.
وإن كان ليس له مصلى فإن المحرم ما بين قدمه وموضع سجوده، فلا يمر بينه وبين هذا الموضع.
625 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: هل يأثم الإنسان إذا مر بين يدي المصلي في المسجد الحرام؟
فأجاب فضيلته بقوله: يأثم الإنسان إذا مر بين يدي المصلي مطلقاً في مكة وفي غيرها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان أن يقف أربعين خيراً من أن يمر بين يديه"(1). وأمر المصلي أن يدفعه إذا أراد المرور بين يديه، وهذا عام يشمل مكة وغيرها، وقد ترجم البخاري على ذلك في صحيحه فقال: "باب السترة بمكة وغيرها"(2). إلا أن أهل العلم يقولون: إذا صلى الإنسان في مكان يحتاج الناس إلى المرور به كالطريق فإن الجناية منه؛ لأن الحق للمارة.(72/9)
ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يصلي في مكان الطواف ويمنع الناس، ولا يلزم الناس أن يتحاشوا من المرور بين يديه؛ لأنه هو الذي وقف يصلي في مكانهم.
626 وسئل فضيلة الشيخ: معلوم أن سترة المأموم هي سترة إمامه، ولكن إذا سلم الإمام فهل تبقى السترة للمسبوقين أم لابد من وجود سترة جديدة، فقد لاحظت أن بعض الناس يمر أمام المسبوق ولا يفعل له شيئاً.. فما الحكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سلم الإمام وقام المسبوق لقضاء ما فاته فإنه يكون في هذا القضاء منفرداً حقيقة، وعليه أن يمنع من يمر بين يديه لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وترك بعض الناس منع المار قد يكون عن جهل منهم بهذا، أو قد يكون عن تأويل حيث إنهم ظنوا أنهم لما أدركوا الجماعة صاروا بعد انفرادهم عن الإمام بحكم الذين خلف الإمام، لكن لابد أن يمنع المسبوق من يمر بين يديه إذا قام لقضاء ما فاته.
627 سئل فضيلة الشيخ: ما رأي فضيلتكم فيمن يرفع صوته بالبكاء في الصلاة؟(72/10)
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن البكاء من خشية الله عز وجل من صفات أهل الخير والصلاح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشع في صلاته ويكون لصدره أزيز كأزيز المرجل(3)، وقال الله تبارك وتعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً). فالبكاء عند قراءة القرآن، وعند السجود، وعند الدعاء من صفات الصالحين، والإنسان يحمد عليه، والأصوات التي تسمع أحياناً من بعض الناس هي بغير اختيارهم فيما يظهر، لا هو شيء يجده في نفسه ويقع بغير اختياره، وقد قال العلماء – رحمهم الله -: إن الإنسان إذا بكى من خشية الله فإن صلاته لا تبطل ولو بان من ذلك حرفان فأكثر، لأن هذا أمر لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه، ولا يمكن أن نقول للناس لا تخشعوا في الصلاة ولا تبكوا، بل نقول إن البكاء الذي يأتي بتأثر القلب مما سمع أو مما استحضره إذا سجد؛ لأن الإنسان إذا سجد يستحضر أنه أقرب ما يكون إلى ربه عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(4). والقلب إذا استحضر هذا وهو ساجد لاشك أنه يخشع ويحصل البكاء.
ولا أستطيع أن أقول للناس امتنعوا عن البكاء، ولكني أقول: إن البكاء من خشية الله محمود، والصوت الذي لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه لا يلام عليه.
628 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله وحفظه -: عن كيفية رد السلام في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: رد السلام في الصلاة بالإشارة دون اللفظ باللسان، فإن بقي عندك حتى انتهت الصلاة فرد عليه باللفظ، وإن انصرف فإنه تكفي الإشارة.
ولكن هل يسلم على المصلي، أولا يسلم؟
فنقول: ينظر، فإن كان يخشى أن يشوش على المصلي فإنه لا يسلم عليه، وإن كان لا يخشى ذلك فلا بأس أن يسلم، والله الموفق.
حكم الدفايات والمدخنة أمام المصلي(72/11)
629 وسئل فضيلة الشيخ: لا يخفى على فضيلتكم حاجة الناس في الأيام الباردة في فصل الشتاء إلى استخدام الدفايات الكهربائية في المساجد، ولكن ظهر بعض الخلاف بين بعض المصلين حول جواز الصلاة أمام هذه الدفايات حيث إن الأمر مهم، والناس بحاجة إلى توضيح الحكم الصحيح في هذا ونشره لهم، لذا نرجو من فضيلتكم كتابة ما تراه في هذا الحكم، وبمناسبة قرب موعد إجازة الربيع، حيث يكثر جلوس بعض الشباب في مخيمات في البر، نرجو بيان حكم الصلاة أمام المكان الذي يكون مخصص لشب النار (الوجار) إذا كانت النار مشتعلة.
فأجاب فضيلته بقوله: وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلين ليس مكروهاً، بل هو جائز، ولا يدخل في استقبال النار التي ذكر بعض الفقهاء أنه مكروه؛ لأن الذي ذكره بعض الفقهاء هي النار التي تشبه نار المجوس التي يعبدونها وهي نار مشتعلة ذات لهب.
وأما ما يقع في المخيمات فإن كان دفايات كهربائية فقد بان حكمها، وإن كانت نار موقدة مشتعلة فإنها تدخل فيما كره بعض الفقهاء فليجعلوها خلفهم، أو عن أيمانهم، أو عن شمائلهم.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 4/7/1412هـ.
630 سئل فضيلة الشيخ: وقع مشكلة بين بعض المصلين في المساجد حول الدفايات الكهربائية، ووضعها أمام المصلين هل هذا حرام؟ أو مكروه يتنزه عنه، أو لا بأس به؟ وهل الصلاة أمام النار محرمة أو مكروهة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً بالجواب المحرر لكي يقرأ على المصلين ويزول الإشكال، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب فضيلته بقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اختلف العلماء – رحمهم الله تعالى – في الصلاة إلى النار:
فمنهم من كرهها، ومنهم من لم يكرهها، والذين كرهوها عللوا ذلك بمشابهة عباد النار. والمعروف أن عبدة النار يعبدون النار ذات اللهب، أما ما ليس لها لهب فإن مقتضى التعليل أن لا تكره الصلاة إليها.(72/12)
ثم إن الناس في حاجة إلى هذه الدفايات في أيام الشتاء للتدفئة، فإن جعلوها خلفهم فاتت الفائدة منها أو قلت، وإن جعلوها عن أيمانهم، أو شمائلهم لم ينتفع بها إلا القليل منهم، وهم الذي يلونها، فلم يبق إلا أن تكون أمامهم ليتم انتفاعهم بها، والقاعدة المعروفة عند أهل العلم أن المكروه تبيحه الحاجة.
ثم إن هذه الدفايات في الغالب لا تكون أمام الإمام وإنما تكون أمام المأمومين وهذا يخفف أمرها؛ لأن الإمام هو القدوة ولهذا كانت سترته سترة للمأموم. والله أعلم. كتبه محمد الصالح العثيمين في 22/6/1409هـ.
631 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن حكم وضع مدخنة البخور، أمام المصلين في المسجد؟
فأجاب بقوله: لا حرج في ذلك، ولا يدخل هذا فيما ذكره بعض الفقهاء من كراهة استقبال النار، عللوا هذا بأنه يشبه المجوس في عبادتهم للنيران، فالمجوس لا يعبدون النار على هذا الوجه.
وعلى هذا فلا حرج من وضع حامل البخور أمام المصلي، ولا من وضع الدفايات الكهربائية أمام المصلي أيضاً لاسيما إذا كانت أمام المأمومين وحدهم دون الإمام.
632 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم وضع المدفأة الكهربائية أمام المصلين أثناء تأديتهم للصلاة، وهل ورد في ذلك محذور شرعي؟ أثابكم الله ونفع المسلمين بكم وبعلمكم.
فأجاب فضيلته بقوله: لا بأس أن توضع الدفايات في قبلة المسجد أمام المصلين، ولا أعلم في ذلك محذوراً شرعياً.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 11/8/1418هـ.
633 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن حديث "أمرت أن لا أكف ثوباً" هل هو صحيح؟ وما معناه؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث صحيح، والمراد أنه لا يكف الثوب في حال الصلاة، فإن الذي ينبغي للمصلي أن يبقي ثيابه على حالها، ولا يكفها رفعاً عن الأرض، ولا يكف أكمامه أيضاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم، وأن لا أكف شعراً، ولا ثوباً"(1). والله أعلم.
---(72/13)
(3) رواه مسلم في الصلاة، باب سترة المصلي 1/358 ح241 (499).
(4) رواه ابن خزيمة في أبواب سترة المصلي 2/12 (811)، ورواه أحمد 3/404 (وط الرسالة 24/57 (15340).
(1) انظر سبل السلام شرح بلوغ المرام باب سترة المصلي 1/283 ح8.
(2) رواه ابو داود في الصلاة باب صلاة الرجل التطوع في بيته ح(1044)، ورواه الترمذي في الصلاة، باب ما جاء في فضل التطوع في البيت (450) وحسنه.
(3) رواه مسلم في الصلاة باب قدر ما يستر المصلي 1/365 ح265 (510) وسيأتي في س 615.
(4) متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الصلاة باب الصلاة على الفراش (382) و (508) و (511) ومواضع أخرى، ومسلم في الصلاة باب الاعتراض بين يدي المصلي 1/366 ح267 و 272 (512).
(1) تقدم في السؤال الذي قبله ص317.
(2) تقدم تخريجه في ص317.
(3) البخاري في الصلاة باب 94.
(1) متفق عليه من حديث أبي جهيم، فرواه البخاري في الصلاة باب: إثم المار بين يدي المصلي (510). ومسلم في الصلاة باب منع المار بين يدي المصلي 1/363 ح261 (507).
(2) أورده الهيثمي في المجمع في كتاب الصلاة، باب فيمن يمر بين يدي المصلي وصححه 2/202 (2302).
(3) متفق عليه، رواه البخاري في العلم باب 19 متى يصح سماع الصغير (76) وفي مواضع أخرى، ومسلم في الصلاة باب 47 سترة المصلي 1/361 ح254 (504).
(4) تقدم تخريجه ص324.
(1) رواه الإمام أحمد في "المسند" 3/404، والبيهقي 2/270.
(2) رواه أبو داود وتقدم في ص317.
(3) متفق عليه من حديث ابن عمر ولفظه: "إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه، فإن الله قبل وجهه إذا صلى". رواه البخاري في الصلاة باب حك البزاق من المسجد (406). ورواه مسلم في المساجد باب النهي عن البصاق في المسجد 1/388 ح50 (547).
(4) تقدم تخريجه في ص324.(72/14)
(1) متفق عليه من حديث أبي جحيفة، فرواه البخاري في الصلاة باب الصلاة في الثوب الأحمر (376)، ورواه مسلم في الصلاة باب سترة المصلي 1/360 ح249 و 250 (503).
(2) تقدم تخريجه في ص326.
(3) زاد المعاد 1/305.
(4) رواه الإمام أحمد 6/4، وأبو داود في الصلاة/ باب إذا صلى على سارية أو نحوها أين يجعلها منه (693) ونصه: عن ضباعة بنت المقداد بن الأسود عن أبيها، قال: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إلى عود ولا عمود ولا شجرة إلا جعله حاجبه الأيمن أو الأيسر ولا يصمد له صمداً".
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص323.
(2) الباب 94 من كتاب الصلاة.
(3) رواه النسائي في السهو باب البكاء في الصلاة 3/18 (1213).
(4) رواه مسلم، وتقدم تخريجه في ص280.
(1) متفق عليه، تقدم تخريجه في ص308.(72/15)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
السؤال عند آيات الرحمة و الاستعاذة و التسبيح
محمد بن صالح العثيمين
634 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للمصلي إذا مر في قراءة على ذكر الجنة والنار أن يسأل الله الجنة، ويتعوذ به من النار؟ وهل هناك فرق بين المأموم والمنفرد في ذلك.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يجوز ذلك، ولا فرق بين الإمام والمنفرد والمأموم، غير أن المأموم يشترط فيه أن لا يشغله ذلك عن الإنصات المأمور به.
635 وسئل فضيلة الشيخ: ثبت في صحيح مسلم عن حذيفة أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية وعيد إلا تعوذ، هل هذا في صلاة النافلة الجهرية والسرية؟
فأجاب فضيلته قائلاً: نعم، ثبت في صحيح مسلم من حديث حذيفة(2) أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة فافتتح البقرة فقلت: يركع عند المائة.. ثم مضى وذكر تمام الحديث وفيه: "كان إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ" وهذا في صلاة الليل، لكن العلماء قالوا: إنه يجوز في الفريضة؛ لأن الأصل أن ما ثبت في النفل ثبت في الفرض، وما ثبت في الفرض ثبت في النفل إلا بدليل، لكن يعكر على هذا: أن الذين وصفوا صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه يفعله في الفرض ولو كان يفعله لنقلوه، ولكن ليس هناك دليل على منعه في الفريضة لأن غاية ما فيه أنه دعاء وتسبيح وهذا لا ينافي الصلاة، ولا فرق في هذا بين الإمام والمنفرد، وإن كان في صلاة الجهر وأشغله فلينصت لإمامه إلا أن يسكت الإمام بحيث تمكن من ذلك فيكون حكمة كالإمام والمنفرد.
636 وسئل فضيلته: هل يجوز للمصلي أن يحمد الله إذا عطس، ويتعوذ بالله إذا سمع نهيق الحمار؟ وهل هناك فرق في ذلك بين الفرض والنفل؟(73/1)
فأجاب – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً – بقوله: أما حمده إذا عطس، وتعوذه عند سماع نهيق الحمار فهو جائز على اختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – ومكروه على المشهور من المذهب، والأصح اختيار شيخ الإسلام بالنسبة لحمده عند العطاس، أما بالنسبة لتعوذه عند سماع النهيق فالأولى أن لا يتعوذ، والفرق بينهما: أن الحمد عند العطاس جاءت به السنة، ولأنه مشروع بأمر يتعلق به نفسه، بخلاف نهيق الحمار فإنه لأمر خارج، ولا ينبغي أن يشغل نفسه بسماع ما هو خارج عن الصلاة.
ولا فرق فيما تقدم بين الصلاة المكتوبة والنافلة.
637 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: إذا عطس المصلي هل يحمد الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم إذا عطس المصلي فإنه يقول: الحمد لله، كما صح ذلك في قصة معاوية بن الحكم – رضي الله عنه – أنه دخل مع النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله. فقال له معاوية: يرحمك الله. فرما الناس معاوية بأبصارهم منكرين عليه ما قال، فقال: واثكل أماه، فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه فسكت، فلما انصرف من الصلاة دعاه النبي صلى الله عليه وسلم قال معاوية: بأبي هو وأمي والله ما كهرني، ولا نهرني، وإنما قال: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هي التسبيح، والتكبير، وقراءة القرآن"(1).
ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على العاطس الذي حمد الله؛ فدل ذلك على أن الإنسان إذا عطس في الصلاة حمد الله لوجود السبب القاضي بالحمد، ولكن لا يكون ذلك في كل ما يوجد سببه من الأذكار في الصلاة.
---
(2) تقدم تخريجه في ص145.
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه في ص315.(73/2)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الثالث عشر
أركان الصلاة
محمد بن صالح العثيمين
638 سئل فضيلة الشيخ: عن أركان الصلاة؟ وحكم من ترك شيئاً منها؟
فأجاب فضيلته بقوله: من الأركان:
الركن الأول: القيام مع القدرة: وهذا ركن في الفرض خاصة لقوله تعالى: (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) (البقرة: 238). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب"(2).
أما النافلة فتصح من القاعد وإن كان قادراً على القيام، لكن أجره نصف أجر القائم.
الثاني من الأركان: تكبيرة الإحرام لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر"(3). ولابد أن يقول الله أكبر فلا يجزي أن يقول: الله أجل، أو الله أعظم وما أشبه ذلك، ولا يصح التكبير بمد هزة آل فلا يقول: "الله أكبر" لأنها تنقلب حينئذ استفهاماً، ولا يصح أن يمد الباء فيقول: "أكبار" لأنه حينئذ تكون جمعاً للكبر، والكبر هو الطبل فهو أكبار كأسباب جمع سبب وأكبار جمع كبر هكذا قال أهل العلم.
وأما ما يقوله بعض الناس "الله وكبر" فيجعل الهمزة واواً، فهذا له مساغ في اللغة العربية فلا تبطل به الصلاة.
الركن الثالث: قراءة الفاتحة لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(4). ولكن إذا كان لا يعرفها فإنه يلزمه أن يتعلمها، فإن لم يتمكن من تعلمها قرأ ما يقوم مقامها من القرآن إن كان يعلمه، وإلا سبح الله وحمده وهلل.
الركن الرابع: الركوع لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا)، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي أساء في صلاته ولم يصلها على وجه التمام: "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً".(74/1)
الركن الخامس: الرفع من الركوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً".
الركن السادس: السجود لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً".
الركن السابع: الجلوس بين السجدتين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً".
الركن الثامن: السجود الثاني لأنه لابد في كل ركعة من سجودين لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً". بعد قوله: "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً"(1).
الركن التاسع: التشهد الأخير لقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد"(2)، فدل هذا على أن التشهد فرض.
الركن العاشر: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير على المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله -.
الركن الحادي عشر: الترتيب بين الأركان فلو بدأ بالسجود قبل الركوع لم تصح صلاته؛ لأنه أخل بالترتيب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث المسيء في صلاته: "ثم اركع، ثم ارفع، ثم اسجد" إلخ فعلمه إياها مرتبة بـ "ثم".(74/2)
الثاني عشر: الطمأنينة في الأركان لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ثم اركع حتى تطمئن، ثم ارفع حتى تطمئن، ثم اسجد حتى تطمئن" إلخ، والطمأنينة أن يسكن الإنسان في الركن حتى يرجع كل فقار إلى موضعه، قال العلماء: "وهي السكون وإن قل" فمن لم يطمئن في صلاته فلا صلاة له، ولو صلى ألف مرة، وبهذا نعرف خطأ ما نشاهده من كثير من المصلين من كونهم لا يطمئنون، ولاسيما في القيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، فإنك تراهم قبل أن يعتمد الإنسان قائماً إذا هو ساجد، وقبل أن يعتدل جالساً إذا هو ساجد، وهذا خطأ عظيم، فلو صلى الإنسان على هذا الوصف ألف صلاة لم تقبل منه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي كان يخل بالطمأنينة فجاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ارجع فصل فإنك لم تصل"، وهذا يدل على أن من صلى صلاة أخل فيها بشيء من أركانها، أو واجباتها على وجه العمد فإنه لا صلاة له ولو كان جاهلاً في مسألة الأركان فإنه لا صلاة له.
الركن الأخير وهو الثالث عشر: التسليم بأن يقول في منتهى صلاته السلام عليكم ورحمة الله، السلام عليكم ورحمة الله، والصحيح أن التسليمتين كلتاهما ركن، وأنه لا يجوز أن يخل بواحدة منهما لا في الفرض ولا في النفل، وذهب بعض أهل العلم إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في الفرض والنافلة.
وذهب آخرون إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في النافلة دون الفريضة فلابد فيها من التسليمتين.
لكن الأحوط أن يسلم الإنسان التسليمتين كلتيهما.(74/3)
وإذا ترك الإنسان ركناً من هذه الأركان متعمداً فصلاته باطلة بمجرد تركه، أما إذا كان ناسياً فإنه يعود إليه، فلو نسي أن يركع ثم سجد حين أكمل قراءته، ثم ذكر وهو ساجد أنه لم يركع، فإنه يجب عليه أن يقوم فيركع، ثم يكمل صلاته، ويجب عليه أن يرجع إلى الركن الذي تركه ما لم يصل إلى مكانه من الركعة الثانية فإن وصل إلى مكانه من الركعة الثانية، قامت الركعة الثانية مقام الركعة التي ترك الركن منها، فلو أنه لم يركع، ثم سجد وجلس بين السجدتين، وسجد الثانية، ثم ذكر فإنه يجب عليه أن يقوم فيركع، ثم يستمر فيكمل صلاته، أما لو لم يذكر أنه لم يركع إلا بعد أن وصل إلى موضع الركوع من الركعة التالية، فإن الركعة هذه الثانية تقوم مقام الركعة التي ترك ركوعها، وهكذا لو نسى الإنسان السجدة الثانية ثم قام من السجدة الأولى، ولما قرأ ذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية ولم يجلس بين السجدتين، فيجب عليه حينئذ أن يرجع ويجلس بين السجدتين ثم يسجد السجدة الثانية، ثم يكمل صلاته، بل لو لم يذكر أنه ترك السجدة الثانية والجلوس بين السجدتين إلا بعد أن ركع فإنه يجب عليه أن ينزل ويجلس، ويسجد ثم يستمر في صلاته.
أما لو لم يذكر أنه ترك السجود من الركعة الأولى إلا بعد أن جلس بين السجدتين في الركعة الثانية فإن الركعة الثانية تقوم مقام الأولى وتكون هي ركعته الأولى.
وفي كل هذه الأحوال يجب عليه أن يسجد سجود السهو لما حصل من الزيادة في الصلاة في هذه الأفعال، ويكون سجوده بعد السلام؛ لأن سجود السهو إذا كان سببه الزيادة فإن محله بعد السلام كما تدل على ذلك سنة الرسول صلى الله عليه وسلم.
639 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: ما قولكم حفظكم الله في رسم صور توضيحية لكيفية الصلاة، خصوصاً لبعض أفعال الصلاة التي قد لا تفهم بالشرح، وكذلك رسم بعض الأفعال الخاطئة مع توضيح الخطأ فيها، أفتونا جزاكم الله خيراً؟(74/4)
فأجاب فضيلته بقوله: لا أرى بأساً برسم كيفية الصلاة بصور توضيحية بشرط أن لا تكون محرمة، لكن ترك ذلك أولى، ويكتفى بالتعليم العملي أمام الطالب.
640 وسئل فضيلته: ما حكم الصلاة بالبنطال؟ وما المقصود بأن النبي عليه الصلاة والسلام "نهى عن لبستين، ومنها أن يصلي في سروال ليس عليه شيء غيره" أخرجه ابن أبي شيبة جـ8 ص486؟
فأجاب فضيلة الشيخ قائلاً: الصلاة أعني صلاة الرجل بالبنطال لا بأس بها إذا تمكن من إقامة الصلاة من التجافي في موضعه، والاعتدال في السجود، والجلوس بشرط أن لا يكون ضيقاً يصف حجم البدن، ولعل الحديث المذكور في السؤال محمول على ذلك.
641 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: صلى بنا الإمام، وفي الركعة الثانية تذكر أنه ليس على طهارة، فقطع صلاته وقدم المؤذن، وقال له: أعد الصلاة، فكبر وأعاد الصلاة من أولها، وعلى ذلك صلى الجماعة خمس ركعات؛ لأنهم صلوا مع الإمام ركعة ومع المؤذن أربع ركعات، إلا ثلاثة فقط صلوا الرباعية وخالفوا المؤذن، فجلسوا في الركعة الخامسة إلى أن سلم فسلموا معه، فما الحكم في هذه المسألة وفقكم الله تعالى؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأفضل في هذه المسألة إذا تذكر الإمام أنه ليس على طهارة، أن يخلف من يصلي بهم بقية الصلاة بدون استئناف، فيقول مثلاً للمؤذن أو من ورائه ممن يمكن أن يصلي بالجماعة يقول: يا فلان تقدم أكمل الصلاة بهم ثم يكمل الصلاة بهم ويبني على ما فعل بهم الإمام الأول، إلا أنه في قراءة الفاتحة ينبغي أن يقرأها من أولها، ليكون الركن مبتدءاً من أوله هذا هو الأفضل.
فإذا لم يفعل هذا وانصرف ولم يوكل أحداً يقوم مقامه، فللمأمومين أن يقدموا واحداً يقوم بهم، فإن لم يفعلوا أتموا فرادى، أما استئناف الصلاة فقد قال به بعض أهل العلم، لكن لا وجه له، لأن المأمومين معذورون، ولا يعلمون عن حدث الإمام، ولو علموا عن حدث الإمام ما صلوا وراءه، ولنبهوه قبل أن يصلي بهم.(74/5)
أما بالنسبة لهؤلاء الذين صلوا خمساً بناءاً على أن هذا هو الواجب عليهم، فليس عليهم شيء، ولا تلزمهم الإعادة، لأنهم معذورون بالجهل، ومجتهدون متأولون، وقد قال الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) (البقرة: 286). والمتأول لاسيما الباني على أصل، ليس عليه شيء، ولهذا لم يأمر النبي عليه الصلاة والسلام المرأة المستحاضة أن تقضي ما فاتها من الصلاة، بناء على أن الاستحاضة حيض، فليس عليهم شيء، لا إعادة، ولا حتى سجود سهو.
642 وسئل الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: عمن يصلي جالساً؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصلاة جالساً إن كان عاجزاً عن القيام فلا حرج عليه، وإن كان قادراً لم تصح صلاته إلا أن يكون في تطوع غير فريضة.
643 سئل فضيلة الشيخ: نأمل من فضيلتكم التكرم ببيان أركان الصلاة على وجه التفصيل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الأركان هي: الأعمال القولية، أو الفعلية التي لا تصح الصلاة إلا بها، ولا تقوم إلا بها.
فمن ذلك: القيام مع القدرة وهذا ركن في الفرض خاصة.
ومن ذلك: تكبيرة الإحرام أن يقوم الإنسان عند الدخول في الصلاة "الله أكبر" ولا يمكن أن تنعقد الصلاة إلا بذلك، فلو نسى الإنسان تكبيرة الإحرام فصلاته غير صحيحة وغير منعقدة إطلاقاً؛ لأن تكبيرة الإحرام لا تنعقد الصلاة إلا بها، قال النبي صلى الله عليه وسلم لرجل علمه كيف يصلي قال: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء، ثم استقبل القبلة فكبر"(1).
فلابد من التكبير، وكان النبي صلى الله عليه وسلم مداوماً على ذلك.(74/6)
ومن ذلك قراءة الفاتحة: فإن قراءة الفاتحة ركن لا تصح الصلاة إلا به لقوله تعالى: (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن). وهذا أمر مبهم، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم هذا المبهم في قوله (مَا تَيَسَّرَ) بأنه الفاتحة فقال صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(2). وقال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم الكتاب أو بأم القرآن فهي خداج"(3). أي فاسدة غير صحيحة.
فقراءة الفاتحة ركن على كل مصل: الإمام، والمأموم والمنفرد؛ لأن النصوص الواردة في ذلك عامة لم تستثن شيئاً، وإذا لم يستثن الله – تعالى – ورسوله صلى الله عليه وسلم شيئاً فإن الواجب الحكم بالعموم؛ لأنه لو كان هناك مستثنى لبينه الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم كما قال الله: (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْء).
ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث صحيح صريح في سقوط الفاتحة عن المأموم لا في السرية ولا في الجهرية.
لكن الفرق بين السرية والجهرية: أن الجهرية لا تقرأ فيها إلا الفاتحة وتسكت وتسمع لقراءة إمامك.
أما السرية فتقرأ الفاتحة وغيرها حتى يركع الإمام، لكن دلت السنة على أنه يستثنى من ذلك ما إذا جاء الإنسان والإمام راكع، فإنه إذا جاء والإمام راكع تسقط عنه قراءة الفاتحة، ودليل ذلك ما أخرجه البخاري عن أبي بكرة – رضي الله عنه -: أنه دخل والرسول صلى الله عليه وسلم راكع في المسجد فأسرع وركع قبل أن يدخل في الصف، ثم دخل في الصف، فلما سلم النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيكم الذي صنع هذا؟" قال أبو بكرة: أنا يا رسول الله قال: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(4)، فقال له: "زادك الله حرصاً ولا تعد" أي لا تعد لمثل هذا العمل فتركع قبل الدخول في الصف وتسرع، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا أتيتم الصلاة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار"(5).(74/7)
ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بقضاء الركعة التي أسرع لإدراكها، ولو كان لم يدركها لأمره الرسول صلى الله عليه وسلم بقضائها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يمكن أن يؤخر البيان عن وقت الحاجة؛ لأنه مبلغ والمبلغ يبلغ متى احتيج إلى التبليغ، فإذا كان الرسول عليه الصلاة والسلام لم يقل له إنك لم تدرك الركعة علم أنه قد أدركها وفي هذا الحال تسقط عنه الفاتحة، وهناك تعليل مع الدليل وهو: أن الفاتحة إنما تجب مع القيام، والقيام في هذه الحال قد سقط من أجل متابعة الإمام، فإذا سقط القيام سقط الذكر الواجب فيه.
فصار الدليل والتعليل يدلان على أن من جاء والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم ولا يقرأ، بل يركع مباشرة، ولكن إن كبر للركوع مرة ثانية فهو أفضل، وإن لم يكبر فلا حرج وتكفيه التكبيرة الأولى.
ويجب أن يقرأ الإنسان الفاتحة وهو قائم، وأما ما يفعله بعض الناس إذا قام الإمام للركعة الثانية مثلاً تجده يجلس ولا يقوم مع الإمام وهو يقرأ الفاتحة فتجده يجلس إلى أن يصل نصف الفاتحة ثم يقوم وهو قادر على القيام.
نقول لهذا الرجل: إن قراءتك للفاتحة غير صحيحة؛ لأن الفاتحة يجب أن تكون في حال القيام، وأنت قادر على القيام وقد قرأت بعضها وأنت قاعد، فلا تصح هذه القراءة.
أما ما زاد على الفاتحة فهو سنة في الركعة الأولى والثانية، وأما في الركعة الثالثة في المغرب، أو في الثالثة والرابعة في الظهر والعصر والعشاء فليس بسنة، فالسنة الاقتصار فيما بعد الركعتين على الفاتحة، وإن قرأ أحياناً في العصر والظهر شيئاً زائداً على الفاتحة فلا بأس به، لكن الأصل الاقتصار على الفاتحة في الركعتين اللتين بعد التشهد الأول إن كانت رباعية، أو الركعة الثالثة إن كانت ثلاثية.
ومن أركان الصلاة: الركوع وهو الانحناء تعظيماً لله عز وجل لأن تستحضر أنك واقف بين يدي الله فتنحني تعظيماً له عز وجل.(74/8)
ولهذا قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "أما الركوع فعظموا فيه الرب"(1). أي قولوا: "سبحان ربي العظيم"؛ لأن الركوع تعظيم بالفعل، وقول "سبحان ربي العظيم" تعظيم بالقول، فيجتمع التعظيمان، بالإضافة إلى التعظيم الأصلي وهو تعظيم القلب لله.
فيجتمع في الركوع ثلاث تعظيمات:
الأول: تعظيم القلب.
الثاني: تعظيم الجوارح.
الثالث: تعظيم اللسان.
والواجب في الركوع الانحناء بحيث يتمكن الإنسان من مس ركبتيه بيديه، فالانحناء اليسير لا ينفع فلابد من أن تهصر ظهرك حتى تتمكن من مس ركبتيك بيديك.
وقال بعض العلماء: إن الواجب أن يكون إلى الركوع التام أقرب منه إلى القيام التام.
والمؤدي متقارب، والمهم أنه لابد من هصر الظهر.
ومما ينبغي في الركوع أن: يكون الإنسان مستوي الظهر لا محدوباً، وأن يكون رأسه محاذياً لظهره، وأن يضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، وأن يجافي عضديه عن جنبيه ويقول سبحان ربي العظيم يكررها ويقول: "سبحانك اللهم وبحمد اللهم اغفر لي"(2). ويقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"(3).
ومن أركان الصلاة: الرفع من الركوع لقوله عليه الصلاة والسلام: "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً"(4).
ومن أركان الصلاة: السجود، قال الله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين"(1).
فالسجود لابد منه لأنه ركن لا تتم الصلاة إلا به.
ويقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"، وتأمل الحكمة أنك في الركوع تقول: "سبحان ربي العظيم"؛ لأن الهيئة هيئة تعظيم، وفي السجود تقول: "سبحان ربي الأعلى" لأن الهيئة هيئة نزول.(74/9)
فالإنسان نزل أعلى ما في جسده وهو الوجه إلى أسفل ما في جسده وهو القدمين، فترى في السجود أن الجبهة والقدمين في مكان واحد، وهذا غاية ما يكون من النزول، ولهذا تقول: "سبحان ربي الأعلى" أي أنزه ربي الأعلى الذي هو فوق كل شيء عن كل سفل ونزول، أما أنا فمنزل رأسي وأشرف أعضائي إلى محل القدمين ومداسها، فتقول سبحان ربي الأعلى تكررها ما شاء ثلاثاً، أو أكثر حسب الحال وتقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"(2). وتقول: "سبوح قدوس ربك الملائكة والروح"(3) وتكثر من الدعاء بما شئت من أمور الدين، ومن أمور الدنيا، لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم"(4). وقال: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء"(5). فأكثر من الدعاء بما شئت من سؤال الجنة، والتعوذ من النار، وسؤال علم نافع، وعمل صالح، وإيمان راسخ وهكذا، وما شئت من خير الدين والدنيا، لأن الدعاء عبادة ولو في أمور الدنيا قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُم)، وقال: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ).
وعلى الإنسان أن لا يستبطئ الإجابة؛ لأن الله حكيم قد لا يجيب الدعوة بأول مرة، أو ثانية، أو ثالثة من أجل أن يعرف الناس شدة افتقارهم إلى الله، فيزدادوا دعاء، والله سبحانه وتعالى أحكم الحاكمين، حكمته بالغة لا نستطيع أن نصل إلى معرفتها، ولكن علينا أن نفعل ما أمرنا به من كثرة الدعاء.
وصفة السجود أن يسجد على ركبتيه أولاً، ثم كفيه، ثم جبهته وأنفه. ولا يسجد على اليدين أولاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك فقال: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك بروك البعير"(6).(74/10)
وبروك البعير يكون على اليدين أولاً كما هو مشاهد، وإنما نهى الرسول عن ذلك لأن تشبه بني آدم بالحيوان، ولا سيما في الصلاة أمر غير مرغوب فيه، ولم يذكر الله تشبيه بني آدم بالحيوان إلا في مقام الذم، استمع إلى قول الله تعالى: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ* وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) (الأعراف: 175-176)، وقال تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ) (الجمعة: 5)، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: "العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه"(7)، وقال: "الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفاراً"(8).
فأنت ترى أن تشبيه بني آدم بالحيوان لم يكن إلا في مقام الذم، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم المصلي أن يبرك كما يبرك البعير فيقدم يديه، بل قدم الركبتين إلا إذا كان هناك عذر كرجل كبير يشق عليه أن ينزل على الركبتين أولاً فلا حرج، أو إنسان مريض، أو إنسان في ركبته أذى وما أشبه ذلك.
ولابد أن يكون السجود على الأعضاء السبعة: الجبهة، والأنف والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم على الجبهة وأشار بيده إلى أنفه، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين"(1). ونسجد على الأعضاء السبعة في جميع السجود، فما دمنا ساجدين فلا يجوز أن نرفع شيئاً من هذه الأعضاء، بل لابد أن تبقى هذه الأعضاء مادمنا ساجدين.(74/11)
وفي حال السجود ينبغي للإنسان أن يضم قدميه بعضهما إلى بعض ولا يفرج.
أما الركبتان فلم يرد فيهما شيء فتبقى على ما هي عليه.
وأما اليدان فتكون على حذو المنكبين أي الكتفين، أو تقدمها قليلاً حتى تسجد بينهما، فلها صفتان كلتاهما وردتا عن الرسول عليه الصلاة والسلام.
وينبغي أن تجافي عضديك عن جنبيك وأن ترفع ظهرك، إلا إذا كنت في الصف وخفت أن يتأذى جارك من مجافاة العضدين فلا تؤذي جارك؛ لأنه لا ينبغي أن تفعل سنة يتأذى بها أخوك المسلم وتشوش عليه.
وقد رأيت بعض الأخوة الذين يحبون أن يطبقوا السنة يمتدون في حال السجود امتداداً طويلاً حتى تكاد تقول: إنهم مبطحون وهذا لا شك أنه خلاف السنة، وهذه الصفة كما أنها خلاف السنة ففيها إرهاق عظيم للبدن؛ لأن التحمل يكون على الجبهة والأنف في هذه الحال وتجد الإنسان يضجر من إطالة السجود.
ففيها مخالفة السنة، وتعذيب البدن، فلهذا ينبغي أن يرشد من يفعل ذلك، وأن يبين له أن ذلك ليس بسنة.
وينبغي في حال السجود أيضاً أن يكون الإنسان خاشعاً لله عز وجل، مستحضراً علو الله سبحانه وتعالى، لأنك سوف تقول: "سبحان ربي الأعلى" أي تنزيهاً له بعلوه عز وجل عن كل سفل ونزول، ونحن نعتقد بأن الله عال بذاته فوق جميع مخلوقاته كما قال الله: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى). وإثبات علو الله في القرآن والسنة أكثر من أن يحصر. وقد تقدم الكلام على ذلك بحمد الله تعالى.
ومن أركان الصلاة: الجلوس بين السجدتين، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ثم رافع حتى تطمئن جالساً".
ومن أركان الصلاة: السجود الثاني؛ لأنه لابد في كل ركعة من سجودين.
ومن الأركان: التشهد الأخير لقول ابن مسعود – رضي الله عنه -: "كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد" فدل هذا على أن التشهد فرض.
ومن الأركان: الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير على المشهور من مذهب الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -.(74/12)
ومن الأركان: الترتيب بين الأركان، فلو بدأ بالسجود قبل الركوع لم تصح صلاته؛ لأنه أخل بالترتيب.
ومن أركان الصلاة: الطمأنينة: أي الاستقرار والسكون في أركان الصلاة.
يطمئن في القيام، وفي الركوع، وفي القيام بعد الركوع، وفي السجود وفي الجلوس بين السجدتين وفي بقية أركان الصلاة، وذلك لما أخرج الشيخان من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً جاء فدخل المسجد فصلى ثم سلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه السلام وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل"(1) أي لم تصل صلاة تجزئك، فرجع الرجل فصلى ثم جاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فرد عليه وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فرجع وصلى ولكنه كصلاته الأولى، ثم جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم عليه فرد عليه وقال: "ارجع فصل فإنك لم تصل" فقال: والذي بعثك بالحق لا أحسن غير هذا فعلمني، وهذه هي الفائدة من كون النبي صلى الله عليه وسلم لم يعلمه لأول مرة بل ردده حتى صلى ثلاث مرات من أجل أن يكون متشوقاً للعلم، مشتاقاً إليه حتى يأتيه العلم ويكون كالمطر النازل على أرض يابسة تقبل الماء، ولهذا أقسم بأنه لا يحسن غير هذا، وطلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يعلمه، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم سيعلمه لكن فرق بين المطلوب والمجلوب، إذا كان هو الذي طلب أن يعلم صار أشد تمسكاً وحفظاً لما بلغ إليه، وتأمل قسمه بالذي بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بالحق، فقال: "والذي بعثك بالحق" ولم يقل والله. لأجل أن يكون معترفاً غاية الاعتراف بأنما يقوله النبي صلى الله عليه وسلم حق.(74/13)
فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: "إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء" أي توضأ وضوءً كاملاً "ثم استقبل القبلة فكبر" أي قل الله أكبر وهذه تكبيرة الإحرام "ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن" وقد بينت السنة أنه لابد من قراءة الفاتحة "ثم اركع حتى تطمئن راكعاً" أي لا تسرع بل اطمئن واستقر "ثم ارفع حتى تطمئن قائماً" أي إذا رفعت من الركوع اطمئن كما كنت في الركوع، ولهذا من السنة أن يكون الركوع والقيام من الركوع متساويين أو متقاربين "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" أي تطمئن وتستقر، "ثم ارفع حتى تطمئن جالساً" وهذه الجلسة بين السجدتين "ثم اسجد حتى تطمئن ساجداً" هذا هو السجود الثاني "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" أي افعل هذه الأركان: القيام، والركوع، والرفع منه، والسجود، والجلوس بين السجدتين، والسجدة الثانية في جميع الصلاة.
والشاهد من هذا قوله: "حتى تطمئن" وقوله فيما قبل: "إنك لم تصل". فدل هذا على أن من لا يطمئن في صلاته فلا صلاة له.
ولا فرق في هذا بين الركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود والجلوس بين السجدتين كلها لابد أن يطمئن الإنسان فيها.
قال بعض العلماء: إن الطمأنينة أن يستقر بقدر ما يقول الذكر الواجب في الركن، ففي الركوع بقدر ما تقول "سبحان ربي العظيم"، وفي السجود كذلك وهكذا، ولكن الذي يظهر من السنة أن الطمأنينة أمر فوق ذلك؛ لأن كون الطمأنينة بمقدار أن تقول "سبحان ربي العظيم" في الركوع لا يظهر أثر، لأن الإنسان إذا قال: "الله أكبر سبحان ربي العظيم" ثم يرفع أين الطمأنينة؟
الظاهر أنه لابد من استقرار بحيث يقال هذا الرجل مطمئناً، وعجباً لابن آدم كيف يلعب به الشيطان وهو واقف بين يدي الله عز وجل، يناجي الله، ويتقرب إليه بكلامه، وبالثناء عليه، وبالدعاء ثم كأنه ملحوق في صلاته كأنما كان عدواً لاحق له فتراه يهرب من الصلاة.(74/14)
أنت لو وقفت بين يدي ملك من ملوك الدنيا يناجيك ويخاطبك لو بقيت معه ساعتين تكلمه لوجدت ذلك سهلاً، وتفرح أن هذا الملك يكلمك، فكيف وأنت تناجي ربك الذي خلقك، ورزقك، وأمدك، وأعدك، تناجيه وتهرب هذا الهروب.
لكن الشيطان عدو للإنسان والعاقل الحازم المؤمن هو الذي يتخذ الشيطان عدواً كما قال الله تعالى: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوّاً إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) (فاطر: 6).
فالواجب على الإنسان أن يطمئن في صلاته طمأنينة تظهر عليه في جميع أفعال الصلاة وكذلك أقوالها.
ومن أركان الصلاة وهو الأخير: التسليم بأن يقول في منتهى صلاته: السلام عليكم ورحمة الله.
والصحيح: أن التسليمتين كلتاهما ركن، ولا يجوز أن يخل بواحدة منهما لا في الفرض أو النفل.
وذهب بعض العلماء: إلى أن الركن التسليمة الأولى فقط في الفرض والنافلة.
وذهب بعض أهل العلم: إلى أن الركن التسليمة الأولى في النافلة فقط، دون الفريضة فلابد من التسليمتين.
644 وسئل فضيلة الشيخ: لي أطفال لم يتجاوز أكبرهم ثلاثة أعوام، يقفون خلفي أثناء صلاتي بالمنزل، وذلك لأعلمهم كيفية الصلاة، ويكون ذلك بدون وضوء منهم، فهل يجوز ذلك؟ وماذا أفعل تجاه زوجتي التي تتهاون أحياناً في أداء الصلاة؟(74/15)
فأجاب فضيلته بقوله: جواب الشق الأول من السؤال: أنه يجوز للإنسان أن يعلم أولاده الصلاة بالقول وبالفعل، ولهذا لما صنع المنبر للنبي صلى الله عليه وسلم، صعد عليه وجعل يصلي عليه، فإذا أراد السجود نزل وسجد على الأرض، ثم قال عليه الصلاة والسلام: "إنما فعلت هذا لتأتموا بي ولتعلموا صلاتي"(1). وينبغي أيضاً أن يعلم هؤلاء الوضوء ماداموا يفقهون ويفهمون، لكن الذين في السن التي ذكرها السائل وهو أن أكبرهم له ثلاث سنوات لا أظنهم يعقلون كما ينبغي. والنبي عليه الصلاة والسلام أمر أن نأمر أولادنا بالصلاة لسبع سنين، وأن نضربهم عليها لعشر(2).
وأما جواب الشق الثاني وهو أن الزوجة لا تصلي: فإن الواجب على زوجها أن يأمرها بالصلاة ويؤدبها عليها، فإن أصرت إلا أن تدع الصلاة فإنها بذلك تكون كافرة والعياذ بالله، وحينئذ ينفسخ النكاح ولا تحل له مادامت قد تركت الصلاة لقول الله تعالى في المهاجرات: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُن) (الممتحنة: 10). فالمسلم لا يحل له أن يتزوج بكافرة مرتدة عن الإسلام، وإذا وقعت منها هذه الردة بعد النكاح فإن النكاح ينفسخ، ثم إن عادت إلى الإسلام قبل انتهاء العدة لهي زوجته وإلا فإنها تبين منه(3).
رسالة في
صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله، وأصحابه أجمعين، أما بعد: فنتكلم هذه الليلة عن صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
أولاً: أعتقد أنك إذا قمت إلى الصلاة فإنما تقوم بين يدي الله عز وجل، الذي يعلم خائنة الأعين، وما تخفي الصدور، ويعلم ما توسوس به نفسك، وحينئذ حافظ على أن يكون قلبك مشغولاً بصلاتك، كما أن جسمك مشغولاً بصلاتك، جسمك متجه إلى القبلة، إلى الجهة التي أمرك الله عز وجل، فيكن قلبك أيضاً متجهاً إلى الله.(74/16)
أما أن يتجه الجسم إلى ما أمر الله بالتوجه إليه، ولكن القلب ضائع فهذا نقص كبير، حتى إن بعض العلماء يقول: إذا غلب الوسواس – أي الهواجس – على أكثر الصلاة فإنها تبطل، والأمر شديد.
فإذا أقبلت إلى الصلاة فاعتقد أنك مقبل إلى الله عز وجل.
وإذا وقفت تصلي فاعتقد أنك تناجي الله عز وجل، كما قال ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم "إذا كان أحدكم في صلاة، فإنه يناجي ربه"(1).
وإذا وقفت في الصلاة فاعتقد أن الله عز وجل قبل وجهك، ليس في الأرض التي أنت فيها، ولكنه قبل وجهك، وهو على عرشه عز وجل، وما ذلك على الله بعسير، لأن الله (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْء) في جميع صفاته، فهو فوق عرشه، وهو قبل وجه المصلي إذا صلى، وحينئذ تدخل وقلبك مملوء بتعظيم الله عز وجل، ومحبته، والتقرب إليه.
فتكبر وتقول: "الله أكبر"، ومع هذا التكبير ترفع يديك إلى حذو منكبيك، أو إلى فروع أذنيك.
والمنكب هو: الكتف وفروع الأذنين أعلاها، ثم تضع يدك اليمنى على يدك اليسرى، على الذراع كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة)(2).
ثم تخفض رأسك فلا ترفعه إلى السماء لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة، واشتد قوله في ذلك حتى قال: "لينتهين – أي الذين يرفعون أبصارهم إلى السماء في الصلاة – عن ذلك، أو لتخطفن أبصارهم"(3).
ولهذا ذهب بعض من أهل العلم إلى تحريم رفع المصلي رأسه إلى السماء أو بصره إلى السماء، وهو قول وجيه جداً؛ لأنه لا وعيد على شيء إلا وهو محرم.
فتخفض بصرك وتطأطيء رأسك، لكن كما قال العلماء: لا يضع ذقنه على صدره – أي لا يخفضه كثيراً – حتى يقع الذقن – وهو مجمع اللحيين – على الصدر بل يخفضه مع فاصل يسير عن صدره.
أدعية الاستفتاح(74/17)
ويستفتح ويقول: (اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج والبرد)، وهذا هو الاستفتاح الذي سأل أبو هريرة النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "أقول اللهم باعد بيني وبين خطاياي..." إلى آخر الحديث، فذكر له الحديث(1).
وله أن يستفتح بغير ذلك وهو (سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك)(2).
ويستفتح صلاة الليل بما كان الرسول صلى الله عليه وسلم يستفتح به وهو (اللهم رب جبرائيل وميكائيل، وإسرافيل، فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة، أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون، اهدني لما اختلف فيه من الحق بإذنك، إنك تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم)(3).
ولكن لا يجمع بين هذه الاستفتاحات، بل يقول هذا مرة وهذا مرة، ليأتي بالسنة على جميع وجوهها.
ثم يقول بعد الاستفتاح: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، ثم يقول: بسم الله الرحمن الرحيم.
ثم يقرأ الفاتحة، والفاتحة سبع آيات أولها (الحمد لله رب العالمين)، وآخرها: (غير المغضوب عليهم ولا الضالين). ودليل ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى: "قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال: (الحمد لله رب العالمين)، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال: (الرحمن الرحيم)، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: (مالك يوم الدين)، قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال: (إياك نعبد وإياك نستعين)، قال الله: هذا بيني وبين عبدي نصفين، فإذا قال: (اهدنا الصراط المستقيم)، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل"(4).
فتبين بهذا الحديث أن أول الفاتحة: (الحمد لله رب العالمين).(74/18)
أما البسملة فهي آية في كتاب الله، ولكنها ليست آية من كل سورة، بل هي آية مستقلة يؤتى بها في كل سورة سوى سورة براءة فإنها ليس فيها بسملة وليس فيها بدل، خلافاً لما يوجد في بعض المصاحف عند ابتداء براءة: "أعوذ بالله من النار، ومن كيد الفجار، ومن غضب الجبار، العزة لله ولرسوله وللمؤمنين"، وهذا خطأ ليس بصواب، فهي ليس فيها بسملة، وليس فيها شيء بديل عن البسملة.
مسألة: حكم قراءة الفاتحة في الصلاة
قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "اقرأ ما تيسر معك من القرآن"، ولم يعين ما يقرأ، فهل يجوز للإنسان أن يقرأ آية أو آيتين ثم يركع؟
الجواب: لا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اقرأ ما تيسر معك من القرآن"(1) وبين في أحاديث أخرى أنه لابد من قراءة الفاتحة حيث قال صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بأم القرآن"(2).
وفي حديث آخر قال: "كل صلاة لا يقرأ فيها بأم القرآن فهي خداج"(3)، والخداج الشيء الفاسد الذي لا ينفع.
ولا تسقط الفاتحة إلا في صورة واحدة فقط وهي إذا جاء الإنسان إلى المسجد ووجد الإمام راكعاً فإنه في هذه الحال يكبر تكبيرة الإحرام ثم يركع، وتسقط عنه الفاتحة في هذه الصورة.
فإذا قال قائل: ما الدليل؟
فالجواب: الدليل ما ثبت في صحيح البخاري من حديث أبي بكرة – رضي الله عنه – أنه دخل المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم راكع، فركع دون الصف، ثم مشى إلى الصف، فلما قضى النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أيكم الذي ركع دون الصف ثم مشى إلى الصف"؟ فقال أبو بكرة: أنا، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(4).
فالشاهد قوله: "لا تعد" ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي الركعة التي أسرع إليها ليدرك ركوعها، ولو كان لم يدركها لبين له النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يؤخر البيان عن وقت الحاجة.(74/19)
وهذا القول هو مقتضى هذا الحديث من حيث الدلالة، كما أنه مقتضى النظر.
لأن قراءة الفاتحة إنما تجب في حال القيام، والقيام في هذه الصورة قد سقط من أجل متابعة الإمام، فإذا سقط القيام سقط ما وجب فيه وهو قراءة الفاتحة، هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة.
مسألة: إذا كان الإنسان مأموماً فهل يكتفي بقراءة الإمام؟
الجواب: في هذه المسألة خلاف بين العلماء، منهم من قال: إن قراءة الإمام تكفي عن قراءة المأموم مطلقاً في السرية والجهرية.
ومنهم من قال: إنها لا تكفي عن قراءة المأموم لا في السرية ولا في الجهرية.
ومنهم من قال: إنها تكفي عن قراءة المأموم في الجهرية دون السرية.
والذي يظهر لي من الأدلة أن قراءة الإمام لا تسقط القراءة عن المأموم لا في السرية ولا في الجهرية، وأن الواجب على المأموم أن يقرأ الفاتحة في الصلاة السرية والجهرية لعموم الأدلة الدالة على ذلك.
فمنها: حديث عبادة بن الصامت رضي الله عنه: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(5).
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: "كل صلاة لا يقرا فيها بفاتحة الكتاب فهي خداج"(6)، وهذا مطلق.
فإن قال قائل: لماذا لا نختار القول الوسط في هذه المسألة؟
ونقول: إن الإمام يتحملها في الصلاة الجهرية لقول الله تعالى: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ). فإذا قرأ إمامي فأنا مأمور بالإنصات وقراءتي على خلاف هذا الأمر.
فالجواب: أن هذا القول يجب المصير إليه لولا أن أهل السنن رووا من حديث عبادة بن الصامت أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة الفجر فلما انصرف قال: "لعلكم تقرءون خلف إمامكم" قالوا: نعم، قال: "لا تفعلوا إلا بأم القرآن فإنه لا صلاة لمن لم يقرأ بها"(1).(74/20)
وهذا الحديث نص في أن الإمام لا يتحمل قراءة الفاتحة عن المأموم في الصلاة الجهرية، ومادام الحديث قد دل على ذلك فإن الآية: (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) تحمل على غير قراءة الفاتحة، وأن الإمام إذا كان يقرأ فإنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ سوى الفاتحة كالآيات أو السور التي يقرأها الإمام أو غيرها.
ثم إذا انتهى من الفاتحة يقول: (آمين) لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام غير المغضوب عليهم ولا الضالين، فقولوا: آمين، فإنه من وافق قوله قول الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه" متفق عليه(2).
ومعناها: اللهم استجب، فهي اسم فعل أمر بمعنى استجب، ثم يقرأ بعد ذلك سورة ينبغي أن تكون في المغرب غالباً بقصار المفصل.
وفي الفجر من طوال المفصل، وفي باقي الصلوات الخمس من أوساطه، والمفصل أوله (ق) وآخره (قل أعوذ برب الناس) وسمي مفصلاً لكثرة فواصله، وطوال المفصل من (ق) إلى (عم)، وأوساطه من (عم) إلى (الضحى)، وقصاره من (الضحى) إلى (الناس) ولا بأس بل من السنة أن يقرأ الإنسان أحياناً في المغرب بطوال المفصل فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن قرأ في المغرب بـ (الطور) و (المرسلات)(3).
كيفية الركوع
وبعد أن يقرأ السورة مع الفاتحة، ويرفع يديه مكبراً ليركع، فيرفع يديه إلى حذو منكبيه أو فروع أذنيه ثم يضع اليدين على الركبتين مفرجتي الأصابع، ويجافي عضديه عن جنبيه، ويسوي ظهره برأسه ويهصر ظهره فلا يقوسه، قالت عائشة رضي الله عنها: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يشخص رأسه ولم يصوبه ولكن بين ذلك"(4) ويقول: (سبحان ربي العظيم) يكررها ثلاث مرات(5)، ويقول أيضاً: (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي)(6) ويقول أيضاً: (سبوح قدوس رب الملائكة والروح)(7)، ويكثر من تعظيم الله سبحانه وتعالى في حال الركوع.(74/21)
ثم يرفع رأسه قائلاً: (سمع الله لمن حمده) رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، ويضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى في هذا القيام لقول سهل بن سعد: (كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة)(8)، وهذا عام يستثنى منه السجود، والجلوس، والركوع، لأن السجود توضع فيه اليد على الأرض، والجلوس على الفخذين، والركوع على الركبتين، فيبقى القيام الذي قبل الركوع والذي بعده داخلاً في عموم قوله: (في الصلاة).
ويقول بعد رفعه: (ربنا لك الحمد)، أو (ربنا ولك الحمد) أو (اللهم ربنا لك الحمد) أو (اللهم ربنا ولك الحمد)، فالصفات أربع مختلفة وهل يقولها في آن واحد؟
الجواب: يقول هذا مرة وهذا مرة.
وهذه قاعدة ينبغي لطالب العلم أن يفهمها: أن العبادات إذا وردت على وجوه متنوعة فإنها تفعل على هذه الوجوه، على هذا مرة وعلى هذا مرة.
وفي ذلك ثلاث فوائد:
الفائدة الأولى: الإتيان بالسنة على جميع وجوهها.
الفائدة الثانية: حفظ السنة، لأنه لو أهملت إحدى الصفتين لنسيت ولم تحفظ.
الفائدة الثالثة: أن لا يكون فعل الإنسان لهذه السنة على سبيل العادة، لأن كثيراً من الناس إذا أخذ بسنة واحدة صار يفعلها على سبيل العادة ولا يستحضرها، لكن إذا كان يعود نفسه أن يقول هذا مرة وهذا مرة صار منتبهاً للسنة، قلنا بعد الرفع من الركوع يقول أحد هذه الوجوه، فمتى يقول ذلك؟(74/22)
الجواب: يقول ذلك بعد أن يقوم؛ لأنه في حال القيام يقول: "سمع الله لمن حمده" إلا إذا كان مأموماً فإن المأموم لا يقول (سمع الله لمن حمده)، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإذا قال – أي الإمام – سمع الله لمن حمده فقولوا: ربنا ولك الحمد"(1) ويكون هذا في حال نهوضه من الركوع قبل أن يستتم قائماً، وبعد أن يقول (ربنا ولك الحمد) أو إحدى الصفات الأخرى، يقول (ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد)(2).
كيفية السجود
ثم يكبر للسجود بدون رفع اليدين، لقول ابن عمر: "وكان لا يفعل ذلك في السجود"(3)، ويخر على الركبتين لا على يديه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير"(4).
والبعير عند بروكه يقدم اليدين فيخر البعير لوجهه، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخر الإنسان في سجوده على يديه؛ لأنه إذا فعل ذلك برك كما يبرك البعير.
هذا ما يدل على الحديث خلافاً لمن قال: إنه يدل على أنك تقدم يديك ولا تخر على ركبتيك؛ لأن البعير عند البروك يخر على ركبتيه، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل: (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير)؛ لأنه لو قال ذلك، قلنا: نعم، إذاً لا تبرك على الركبتين لأن البعير يبرك على ركبتيه لكنه قال: "فلا يبرك كما يبرك البعير" فالنهي إذن عن الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه الإنسان ويخر عليه، والأمر في هذا واضح جداً لمن تأمله، فلا حاجة إلى أن نتعب أنفسنا وأن نقول: إن ركبتي البعير في يديه وإنه يبرك عليهما لأننا في غنى عن هذا الجدل، حيث إن النهي ظاهر في أنه نهي عن الصفة لا عن العضو الذي يسجد عليه.(74/23)
ولهذا قال ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد: إن قوله في آخر الحديث: "وليضع يديه قبل ركبتيه" منقلب على الراوي؛ لأنه لا يتطابق مع أول الحديث، وإذا كان لا يتطابق مع أول الحديث فإننا نأخذ بالأصل لا بالمثال، فإن قوله: "وليضع يديه قبل ركبتيه" هذا على سبيل التمثيل والتفريغ، وحينئذ إذا أردنا أن نرده إلى أصل الحديث صار صوابه: "وليضع ركبتيه قبل يديه".
فيخر على ركبتيه ثم يديه ثم جبهته وأنفه، ويسجد على سبعة أعضاء، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أسجد على سبعة أعظم: على الجبهة – وأشار بيده إلى أنفه – ليبين أن الأنف من الجبهة، واليدين والركبتين، وأطراف القدمين"(1).
فيسجد المصلي على هذه الأعضاء وينصب ذراعيه فلا يضعهما على الأرض(2) ولا على ركبتيه بل ينصبهما ويجافي عضديه عن جنبيه(3) وبطنه عن فخذيه فيكون الظهر مرفوعاً ولا يمد ظهره – كما يفعله بعض الناس تجده يمد ظهره ويبالغ فيه، فلا يمد الظهر بل يرفع حتى يتجافى عن الفخذين ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "اعتدلوا في السجود"(4).
وهذا الامتداد الذي يفعله بعض الناس في السجود يظن أنه السنة، فهو مخالف للسنة وفيه مشقة على الإنسان شديدة؛ لأنه إذا امتد تحمل ثقل البدن على الجبهة، وتأثرت رقبته وشق ذلك عليه كثيراً وعلى كل حال فهذا ليس هو السنة.
أذكار السجود
وفي حال السجود يقول: "سبحان ربي الأعلى"(5) يقولها ثلاث مرات:
ويقول: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"
ويقول: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"(6).
ويكثر في السجود من الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم"(7). أي حري أن يستجاب لكم.
لماذا كان حرياً أن يستجاب لنا؟(74/24)
الجواب: لأنه أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(8).
ولكن لاحظ إذا كنت مع الإمام فالمشروع في حقك متابعة الإمام، لا تمكث في السجود لتدعو لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "إنما جعل الإمام ليؤتم به، فإذا كبر فكبروا ولا تكبروا حتى يكبر..." إلى أخر الحديث(9).
فأمرنا أن نتابع الإمام وأن لا نتأخر عنه.
الرفع من السجود
ثم ينهض من السجود مكبراً ويجلس بين السجدتين، مفترشاً، والافتراش هو: أن يجعل الرجل اليسرى فراشاً له وينصب الرجل اليمنى من الجانب الأيمن، هذا هو الافتراش.
أما اليدان فيضع اليد اليمنى على الفخذ اليمنى أو على رأس الركبة، واليد اليسرى على الفخذ اليسرى، أو يلقمها الركبة كلتاها صفتان واردتان عن النبي صلى الله عليه وسلم، لكن اليد اليمنى يضم منها الخنصر والبنصر والوسطى والإبهام أو تحلق الإبهام مع الوسطى، وأما السبابة فإنها تبقى مفتوحة غير مضمومة ويحركها عند الدعاء فقط لا تحريكاً دائماً ولا سكوناً دائماً ولكن يحركها يدعو بها، فمثلاً إذا قال: رب اغفر لي يحركها، وارحمني يحركها، واجبرني يحركها، وعند كل جملة دعائية يحركها(1).
أما اليد اليسرى فإنها مبسوطة على الفخذ أو ملقمة الركبة – ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما أعلم أن اليد اليمنى تكون مبسوطة لا بين السجدتين ولا في التشهدين بل في سياق حديث وائل بن حجر – رضي الله عنه – عند الإمام أحمد النص على أن هذه حال اليد اليمنى بين السجدتين وعليه مشى في زاد المعاد(2)، وفي بعض ألفاظ حديث ابن عمر – رضي الله عنهما -: "كان إذا قعد في الصلاة". وفي بعضها: إذا قعد في التشهد(3)، وتقييد ذلك بالتشهد لا يعني أنه لا يعم جميع جلسات الصلاة.(74/25)
لأن الراجح من أقوال الأصوليين أنه إذا ذكر العموم، ثم ذكر بعض أفراده بحكم يطابقه فإن ذلك لا يقتضي التخصيص، كما نص على هذا أهل الأصول، وهذا هو قول جمهورهم.
الأذكار بين السجدتين
وفي هذا الجلوس يقول: "اللهم اغفر لي، وارحمني، واهدني، وعافني، وارزقني"(4)، سواء كان إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً.
هل الإمام يقول رب اغفر لي؟
الجواب: نعم.
فإن قال قائل: كيف يفرد الإمام الضمير وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الرجل إذا كان إماماً وخص نفسه بالدعاء فقد خان المأمومين(5)؟
والجواب: نقول هذا في دعاء يؤمن عليه المأمومون، فإن الإمام إذا أفرده يكون قد خان المأمومين، مثل دعاء القنوت علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي – رضي الله عنه – بصيغة الإفراد: اللهم اهدني فيمن هديت(6)، فلو قال الإمام: اللهم اهدني فيمن هديت لكان هذا خيانة؛ لأن المأموم سيقول: آمين. والإمام دعا لنفسه وترك المأمومين إذاً فلابد أن يقول: اللهم اهدنا فيمن هديت فلا يخص نفسه بالدعاء دون المأمومين في دعاء يؤمن عليه المأموم.
لو قال قائل: دع الإمام يقول: اللهم اهدني فيمن هديت ونقول للمأموم: قل: وأنا مثلك هل يصلح أم لا؟
الجواب: لا يصلح، لأن المشروع في حق المأموم أن يقول: آمين إذاً لابد من صيغة تكون شاملة للإمام والمأموم.
ثم يسجد السجدة الثانية وكيفية السجود الثاني كالأول ويقال فيه ما يقال في السجود الأول.
جلسة الاستراحة
ثم ينهض إلى الركعة الثانية مكبراً معتمداً على ركبتيه قائماً بدون جلوس، هذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد رحمه الله.
وقيل: بل يجلس ثم يقوم معتمداً على يديه كما هو المشهور من مذهب الشافعي، وهذه الجلسة مشهورة عند العلماء بجلسة الاستراحة، وقد اختلف العلماء – رحمهم الله – في مشروعيتها.
* فمنهم من يرى أنها مستحبة مطلقاً.
* ومنهم من يرى أنها غير مستحبة مطلقاً.(74/26)
* ومنهم من يفصل ويقول: إن احتجت إليها لضعف أو كبر أو مرض أو ما أشبه ذلك فإنك تجلس ثم تنهض، وأما إذا لم تحتج إليها فلا تجلس، واستدل لذلك بأن هذه الجلسة ليس لها داء، وليس لها تكبير عند الانتقال منها بل التكبير واحد من السجود إلى القيام. فلما لم يكن لها تكبير قبلها ولا بعدها، وليس فيها ذكر دل على أنها غير مقصودة في ذاتها، لأن كل مقصود في ذاته في الصلاة لابد فيه من ذكر مشروع وتكبير سابق وتكبير لاحق.
وقالوا أيضاً في حديث مالك بن الحويرث(1) أنه صلى الله عليه وسلم يعتمد على يديه، والاعتماد على اليدين لا يكون غالباً إلا من حاجة وثقل بالجسم لا يتمكن معه من النهوض بدون اعتماد.
فلهذا نقول: إن احتجت إليها فلا تكلف نفسك في النهوض من السجود إلى القيام مباشرة، وإن لم تحتج فالأولى أن تنهض من السجود إلى القيام مباشرة.
وهذا هو ما اختاره صاحب المغني ابن قدامة المعروف بالموفق – رحمه الله – وهو اختيار ابن القيم – رحمه الله – في زاد المعاد(2).
ويقول صاحب المغني: إن هذا هو الذي تجتمع فيه الأدلة التي فيها إثبات هذه الجلسة ونفيها.
والتفصيل هذا عندي أرجح من الإطلاق وإن كان رجحانه عندي ليس بذاك الرجحان القوي.
فالمراتب عندي ثلاث:
أولاً: مشروعية هذه الجلسة عند الحاجة إليها وهذا لا إشكال فيه.
يليه ثانياً: مشروعيتها مطلقاً وليس بعيداً عنه في الرجحان.
ثالثاً: أنها لا تشرع مطلقاً وهذا عندي ضعيف لأن الأحاديث فيها ثابتة، لكن هل هي ثابتة عند الحاجة أو مطلقاً.. هذا هو محل البحث.
والذي يترجح عندي يسيراً أنها تشرع للحاجة فقط.(74/27)
ثم في الركعة الثانية يفعل كما يفعل في الركعة الأولى، لقوله صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلاته: "ثم افعل ذلك في صلاتك كلها" متفق عليه. إلا الاستفتاح فلا يستفتح، قال ابن القيم – رحمه الله – في الزاد: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي الثانية كالأولى سواء إلا في أربعة أشياء: السكوت، والاستفتاح، وتكبيرة الإحرام، وتطويلها أي القراءة، وأما التعوذ ففيه خلاف بين العلماء.
* منهم من يرى أنه يتعوذ في كل ركعة.
* ومنهم من يرى أنه لا يتعوذ إلا في الركعة الأولى.
فإذا صلى الركعة الثانية جلس للتشهد.
كيفية الجلوس للتشهد الأول
يجلس للتشهد كجلوسه بين السجدتين في كيفية الرجلين وفي كيفية اليدين ويقرأ التشهد.
التشهد الأول:
التشهد ورد على صفات متعددة وقولنا فيه كقولنا في دعاء الاستفتاح، أي أن الإنسان ينبغي له أن يقول مرة تشهد ابن عباس(1)، ولفظه: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله". رواه مسلم. ومرة تشهد ابن مسعود ولفظه: "التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله". متفق عليه، ومرة بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير هاتين الصفتين.
فيقول: التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله(2).(74/28)
فإن كان في ثنائية أتم التشهد، وإن كان في ثلاثية أو رباعية قام بعد التشهد الأول وصلى بقية الصلاة، وتكون الصلاة بعد هذا التشهد بالفاتحة فقط لا يقرأ مع الفاتحة سورة أخرى، وإن قرأ أحياناً فلا بأس لوروده في ظاهر حديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه-(3).
ويرفع يديه إذا قام من هذا التشهد إلى حذو منكبيه أو على فروع أذنيه.
التشهد الثاني:
ثم يجلس للتشهد الثاني، وهذا التشهد يختلف عن التشهد الأول في كيفية الجلوس؛ لأنه يجلس متوركاً، والتورك له ثلاث صفات:
الصفة الأولى: أن ينصب الرجل اليمنى ويخرج الرجل اليسرى من تحت الساق ويجلس بأليتيه على الأرض(4).
الصفة الثانية: أن يفرش رجليه جميعاً ويخرجهما من الجانب الأيمن وتكون الرجل اليسرى تحت الساق اليمنى(5).
الصفة الثالثة: أن يفرش الرجل اليمنى ويجعل الرجل اليسرى بين الفخذ والساق(6). فهذه ثلاث صفات للتورك ينبغي له أن يفعل هذا تارة، وأن يفعل هذا تارة أخرى.
ثم يقرأ التشهد الأخير ويضيف على ما قاله في التشهد الأول: اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد(1).
ثم يقول: اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال(2).
والتعوذ بالله من هذه الأربع في التشهد الأخير أمر به النبي صلى الله عليه وسلم كما ثبت ذلك في صحيح مسلم.
وقد ذهب بعض العلماء إلى وجوب التعوذ من هذه الأربع في التشهد الأخير. وقالوا: لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها.
وكثير من الناس اليوم لا يبالي بها، تجده إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم سلم، مع أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر بأن يستعيذ بالله من هذه الأربع.(74/29)
وكان طاووس – رحمه الله – وهو من التابعين يأمر من لم يتعوذ بالله من هذه الأربع أن يعيد الصلاة كما أمر ابنه بذلك.
فالذي ينبغي لك أن لا تدع التعوذ بالله من هذه الأربع لما في النجاة منها من السعادة في الدنيا والآخرة.
ثم يدعو بما أحب من خير الدنيا والآخرة.
السلام
ثم تسلم عن يمينك السلام عليكم ورحمة الله، وعن يسارك السلام عليكم ورحمة الله، وبهذا تنتهي الصلاة.
أفضلية الدعاء في الصلاة
وينبغي للإنسان إذا كان يحب أن يدعو الله عز وجل أن يجعل الدعاء قبل أن يسلم، يعني بعد أن يكمل التشهد وما أمر به النبي صلى الله عليه سلم من التعوذ يدعو بما شاء من خيري الدنيا والآخرة.
مسألة: هل يصح أن يدعو بشيء يتعلق بالدنيا؟ فيقول مثلاً: اللهم ارزقني زوجة صالحة، أو داراً واسعة أو ما أشبه ذلك؟
والجواب: نعم يصح؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في حديث ابن مسعود: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء"(3).
والإنسان مفتقر إلى ربه في حوائج دينه ودنياه.
ومن قال من أهل العلم إنه لا يدعو بأمر يتعلق بالدنيا، فقوله ضعيف؛ لأنه يخالف عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "ثم ليتخير من الدعاء ما شاء".
فأنت إذا كنت تريد الدعاء فادع الله قبل أن تسلم.
وبهذا نعرف أن ما اعتاده كثير من الناس اليوم كلما سلم من التطوع ذهب يدعو الله عز وجل حتى يجعله من الأمور الراتبة والسنن اللازمة لهذا أمر لا دليل عليه، والسنة إنما جاءت بالدعاء قبل السلام.
فصل
في التسبيح خلف الصلوات
التسبيح أدبار الصلوات قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه: "من سبح الله في دبر كل صلاة ثلاثاً وثلاثين، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين، وكبر الله ثلاثاً وثلاثين، وقال تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، محيت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر"(1).(74/30)
والأذكار خلف الصلوات(2) وردت على أنواع متنوعة منها (سبحان الله والحمد لله والله أكبر ثلاثاً وثلاثين، فيكون المجموع تسعة وتسعين، وتختم بالمائة بوحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير).
ومنها سبحان الله، سبحان الله، سبحان الله، ثلاثاً وثلاثين، الحمد لله، الحمد لله، ثلاثاً وثلاثين، الله أكبر، الله أكبر أربعاً وثلاثين) فيكون الجميع مائة.
(ومنها سبحان الله عشر مرات والحمد لله عشر مرات والله أكبر عشر مرات) فالجميع ثلاثون.
(ومنها سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر خمسة وعشرين مرة) فيكون الجميع مائة، فإذا سبحت وذكرت مرة بهذا ومرة بهذا، فهذا خير، وإن اقتصرت على نوع واحد منها فلا بأس.
وأعلم أن بعض العبادات يرد على وجوه متنوعة، والأفضل أن تأتي بهذا الوجه تارة وبهذا الوجه تارة أخرى، لأجل أن تحصل على سنته كلها.
فإن قلت ما الحكمة من أن هذه العبادات تأتي على وجوه متنوعة؟
لماذا لا تكون نوعاً واحداً؟
والجواب عن ذلك: أن فيه فائدتين.
الفائدة الأولى: حتى لا يتبلد الذهن والحس فتكون مجرد عادة، يسبح الإنسان ولا يدري كم سبح؛ لأنه أخذ على العادة، فإذا تنوعت انتبه.
فأتى هذه المرة بهذا النوع والمرة الأخرى بالنوع الثاني وهكذا.
والفائدة الثانية: تحقق الاتباع لرسول الله؛ لأنك تسبح من أجل موافقته صلى الله عليه وسلم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات. نسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا مخلصين لوجهه الكريم محققين المتابعة لرسوله الأمين صلى الله عليه وسلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
645 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه – عن صفة الصلاة؟(74/31)
فأجاب فضيلته بقوله: معرفة صفة الصلاة كمعرفة صفة غيرها من العبادات من أهم ما يكون ذلك؛ لأن العبادة لا تتم إلا بالإخلاص لله، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم والمتابعة لا تمكن إلا بمعرفة كيفية عبادة الرسول صلى الله عليه وسلم حتى يتبعه الإنسان فيها، فمعرفة صفة الصلاة مهم جداً، وإني أحث نفسي، وإخواني المسلمين على أن يتلقوا صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الكتب الصحيحة: من كتب الحديث المعتبرة حتى يقيموها على حسب ما أقامها رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي هو قدوتنا، وإمامنا، وأسوتنا – صلوات الله وسلامه عليه – وجعلنا من أتباعه بإخلاص.(74/32)
فصفة الصلاة: أن يقوم الإنسان بشروطها السابقة التي تسبقها كالطهارة من الحدث والخبث، واستقبال القبلة وغيرها من الشروط؛ لأن شروط الصلاة تتقدم عليها، ثم يكبر فيقول: "الله أكبر" رافعاً يديه إلى حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه، ثم يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره(1) ثم يستفتح بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الاستفتاح. يستفتح بأي نوع ورد، إما بقول "اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي، كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء، والثلج، والبرد"(2). أو بقول: "سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك، ولا إله غيرك"(3). أو بغيرهما مما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، ثم يقرأ الفاتحة، ويقف على كل آية منها، فيقول كل آية ويقف. ثم يقرأ ما تيسر من القرآن، والأفضل أن يقرا سورة تامة تكون في الفجر من طوال المفصل، وفي المغرب من قصاره غالباً، وفي الباقي من أوساطه، ثم يرفع يديه مكبراً للركوع فيقول: "الله أكبر" ويضع يديه مفرجة الأصابع على ركبتيه، ويمد ظهره مستوياً مع رأسه لا يرفع ولا يصوبه ويقول: "سبحان ربي العظيم" ويكررها ثلاثاً وهو أدنى الكمال، وإن زاد فلا بأس، ثم يرفع رأسه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" ويرفع يديه كذلك، كما رفعها عند تكبيرة الإحرام، وعند الركوع ثم يقول بعد قيامه" "ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً، طيباً مباركاً فيه، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما شئت من شيء بعد"، ثم يسجد مكبراً ولا يرفع يديه حال السجود، ولا يرفع يديه إذا هوى إلى السجود، قال ابن عمر – رضي الله عنهما -: "وكان لا يفعل ذلك أي الرفع في السجود(4). ويسجد على ركبتيه، ثم يديه، ثم جبهته وأنفه، يسجد على أعضاء سبعة: الجبهة والأنف وهما عضو واحد، والكفين، والركبتين، وأطراف القدمين، ويجافي(74/33)
عضديه عن جنبيه، ويرفع ظهره ولا يمده، ويجعل يديه حذاء وجهه، أو حذاء منكبيه، مضمومتي الأصابع، مبسوطة، ورؤوس الأصابع نحو القبلة، ويقول "سبحان ربي الأعلى" أدنى الكمال ثلاث، ويزيد ما شاء، ولكن ليغلب في السجود جانب الدعاء لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن أن يستجاب لكم"(5). ثم يرفع من السجود مكبراً، ولا يرفع يديه(6)، ويجلس مفترشاً رجله اليسرى ناصباً، رجله اليمنى، ويضع يديه على فخذيه أو على أعلى ركبتيه، وتكون اليمنى مضمومة الأصابع الثلاثة الخنصر والبنصر والإبهام، وإن شاء حلق الإبهام مع الوسطى، وأما السبابة فتبقى مفتوحة ويحركها عند الدعاء ويقول: "رب اغفر لي، وارحمني، واجبرني، وعافني، وارزقني" وكلما دعا حرك إصبعه نحو السماء إشارة إلى علو المدعو، وهو الله عز وجل.
أما اليد اليسرى فإنها تبقى على الفخذ أو على طرف الركبة مبسوطة أصابعها، متجهاً بها إلى القبلة، ثم يسجد السجدة الثانية كالأولى فيما يقال وما يفعل، ثم يرفع من السجود إلى القيام مكبراً، ولا يرفع يديه عند هذا القيام؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث صحيح.(74/34)
ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر، لكن تكون قراءته دون قراءته في الركعة الأولى، ويصلي الركعة الثانية كما صلاها في الركعة الأولى ثم يجلس للتشهد، ويجلس للتشهد كجلوسه للدعاء بين السجدتين، أي يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى، ويضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويده اليسرى على فخذه اليسرى على صفة ما سبق في الجلوس بين السجدتين، ويقرأ التشهد "التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمد عبده ورسوله"(1) وإن كان في ثنائية كالفجر والنوافل فإنه يكمل: "اللهم صل على محمد، وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد، وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم، وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد، اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال". ثم إن أحب أطال في الدعاء ما شاء، ثم يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
أما إذا كان في ثلاثية أو رباعية فإنه بعد أن يقول في التشهد "أشهد أن لا إله إلا الله، أشهد أن محمداً عبده ورسوله" يقوم فيصلي ما بقي من صلاته مقتصراً على قراءة الفاتحة، أما الركوع، والسجود فكما سبق في الركعتين الأوليين، ثم يجلس للتشهد الثاني وهو الأخير، ولكن يكون جلوسه توركاً، والتورك له ثلاثة صفات(2):
أما أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساقها. وإما أن يفرش الرجل اليمنى واليسرى من تحت ساقها أي من تحت الساق اليمنى، وإما أن يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين ساقه اليمنى وفخذها، كل ذلك ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم إذا أكمل التشهد سلم عن يمينه وعن يساره كما سبق.
وهنا مسألة يكثر السؤال عنها وهي: وضع الرجلين في الصلاة، فأقول:(74/35)
وضع الرجلين في حال القيام طبيعي بمعنى أنه لا يلصق بعضهما ببعض، ولا يباعد ما بينهما، كما روي ذلك عن ابن عمر – رضي الله عنهما – ذكره في شرح السنة "أنه كان رضي الله عنه لا يباعد بين رجليه ولا يقارب بينهما"(3) هذا في حال القيام، وفي حال الركوع، أما في حال الجلوس: فقد عرفت فيما سبق.
وأما في حال السجود فمن الأفضل أن يلصق إحدى القدمين بالأخرى، وأن لا يفرق بينهما كما يدل على ذلك حديث عائشة – رضي الله عنها – حين وقعت يدها على قدم النبي صلى الله عليه وسلم منصوبتين وهو ساجد(4)، ومعلوم أن اليد الواحدة لا تقع على قدمين منصوبتين إلا وبعضهما قد ضم إلى بعض، وكذلك جاء صريحاً في صحيح ابن خزيمة(5) – رحمه الله – أنه يلصق إحدى القدمين بالأخرى في حال السجود.
هذه هي صفة الصلاة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، فليجتهد الإنسان باتباعها ما استطاع؛ لأن ذلك أكمل في عبادته، وأقوى في إيمانه، وأشد في اتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
الأذكار بعد الصلاة: ينبغي على الإنسان إذا فرغ من صلاته أن يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم لأن الله تعالى أمر بذلك في قوله: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِكُمْ)، ومن ذلك أن يستغفر الإنسان ثلاث مرات (أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله) ويقول: "اللهم أنت السلام، ومنك السلام، تباركت يا ذا الجلال والإكرام"(6)، ثم يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم يسبح الله ثلاثاً وثلاثين، ويكبر ثلاثاً وثلاثين، ويحمد ثلاثاً وثلاثين، إن شاء قالها كل واحدة على حدة، وإن شاء قالها جميع، كل ذلك جائز.
ويجوز أيضاً صفة أخرى: أن يسبح عشراً، ويكبر عشراً، ويحمد عشراً.
ويجوز أيضاً صفة أخرى: أن يقول سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمساً وعشرين مرة فتتم مائة.(74/36)
فالمهم أن كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الأذكار بعد الصلاة فليقله إما على سبيل البدل، أو على سبيل الجمع؛ لأن بعض الأذكار يذكر بعضها بدلاً عن بعض، وبعضها يذكر بعضها مع بعض فتكون مجموعة، فليحرص الإنسان على ذلك امتثالاً لأمر الله تعالى لقوله: (فَاذْكُرُوا اللَّهَ) واتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإذا كان في المسجد فإن الأفضل أن يجهر بهذا الذكر كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة على عهد النبي صلى الله عليه وسلم(1) فعلى المصلين أن يرفعوا أصواتهم بهذا الذكر، اقتداء بالصحابة في عهد سول الله صلى الله عليه وسلم، بل اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان يرفع صوته بذلك كما قال ابن عباس: "ما كنا نعرف انقضاء صلاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا بالتكبير"(2).
وقول بعض أهل العلم: إنه يسن الإسرار بهذا الذكر، وأن جهر النبي صلى الله عليه وسلم كان للتعليم، فيه نظر، فإن الأصل فيما فعله الرسول صلى الله عليه وسلم أن يكون مشروعاً في أصله ووصفه، ومن المعلوم أنه لو لم يكن وصفه – وهو رفع الصوت به – مشروعاً لكان يكفي ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأمته، فإنه قد علمهم هذا الذكر بقوله، فلا حاجة لأن يعلمهم برفع الصوت، ثم إنه لو كان المقصود التعليم لكان التعليم يحصل بمرة أو مرتين، ولا يحافظ عليه الرسول عليه الصلاة والسلام كلما سلم رفع صوته بالذكر.
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
646 وسئل فضيلته – حفظه الله ورعاه -: كيف كانت صفة صلاة النبي عليه الصلاة والسلام؟
فأجاب بقوله: إذا توضأ الإنسان وارتفع حدثه فإنه يصلي على الصفة التالية:(74/37)
يستقبل القبلة، ويكبر تكبيرة الإحرام، ومع هذه التكبيرة يرفع يديه حتى تكون حذو منكبيه، أو إلى فروع أذنيه. كل ذلك ثبت به الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم بعد هذا يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره، ثم يستفتح بالاستفتاح الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم، وبأي استفتاح استفتح مما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم فإنه يجزئه.
وأصح ما ورد في ذلك: حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – الثابت في الصحيحين قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كبر للصلاة سكت هنيهة، فقلت: يا رسول الله، أرأيت سكوتك بين التكبير والقراءة ما تقول؟ قال: "اللهم باعد بيني وبين خطاياي، كما باعدت بين المشرق والمغرب، اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، اللهم اغسلني من خطاياي بالماء، والثلج، والبرد"(3). هذا أصح حديث ورد في هذا الاستفتاح.
وإن استفتح بغيره مما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا حرج، ومنه قول: "سبحانك اللهم وبحمدك، وتبارك اسمك، وتعالى جدك، ولا إله غيرك"(4).
ثم بعد ذلك يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويقرأ البسملة، ثم يقرأ الفاتحة ثم يقرأ بعدها سورة؛ وهذه السورة تكون طويلة في الفجر، وتكون قصيرة في المغرب، وتكون بين ذلك فيما عداهما، ثم بعد هذا يرفع يديه إلى حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه ويكبر للركوع، فيركع ويضع يديه على ركبتيه مفرجتي الأصابع، ويمد ظهره مستوياً، مساوياً رأسه ظهره، قالت عائشة – رضي الله عنها -: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ركع لم يشخص رأسه، ولم يصوبه، ولكن بين ذلك"(1). ويقول في هذا الركوع: "سبحان ربي العظيم"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل قول الله تعالى: (فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ) (الواقعة: 74). قال: "اجعلوها في ركوعكم"(2).(74/38)
ويقول أيضاً، "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"(3)، ويقول أيضاً: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"(4)، ثم يرفع رأسه قائلاً: "سمع الله لمن حمده" رافعاً يديه حتى يكونا حذو منكبيه أو إلى فروع أذنيه، وبعد قيامه وانتصابه يقول: "ربنا ولك الحمد"، وإذا كان مأموماً يقول في رفعه: "ربنا ولك الحمد" ولا يقول: "سمع الله لمن حمده" لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا قال الإمام: سمع الله لمن حمده، فقولوا: "ربنا ولك الحمد"(5)، ثم يقول: "ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد"(6).
وفي هذا القيام يضع يده اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره كما وضعهما قبل الركوع.
وأما من قال: إنه يرسلهما. فإنه ليس له حجة من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، بل السنة أن يضعهما كما وضعهما قبل الركوع؛ لأنه ثبت في صحيح البخاري في حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه - قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"(7)، وهذا في جميع الحالات، ويستثنى منه ما استثنته السنة وذلك حال السجود، فإن اليدين توضعان على الأرض، وحال الجلوس فإنهما توضعان على الفخذين، وحال الركوع توضعان الركبتين. ويبقى ما سوى هذه الأحوال الثلاثة على العموم في حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه -.
ويجوز للإنسان أن يقول: ربنا ولك الحمد، وأن يقول: ربنا لك الحمد دون واو، وأن يقول: اللهم ربنا ولك الحمد – كل هذه الصفات الأربع جاءت بها السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.(74/39)
ثم يكبر ساجداً أي: يكبر من القيام ساجداً على سبعة أعظم، ولا يرفع يديه؛ لقول ابن عمر – رضي الله عنهما – حين ذكر المواضع التي رفع فيها صلى الله عليه وسلم يديه قال: "وكان لا يفعل ذلك في السجود"(8). يسجد على سبعة أعظم، على الجبهة والأنف، وعلى الكفين، وعلى الركبتين، وعلى أطراف القدمين، وفي حال هويه إلى الأرض للسجود يقدم ركبتيه ثم رجليه، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سجد أحدكم فلا يبرك كما يبرك البعير"(9).
فنهى النبي صلى الله عليه وسلم الساجد أن يبرك كما يبرك البعير. أي على صفة بروك البعير، وبروك البعير يقدم يديه قبل رجليه، وهنا لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: (فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير) حتى نقول: إن ذلك نهي عن تقديم الركبتين، ولكنه قال: "كما يبرك البعير"؛ فالنهي عن الصفة، وليس عن العضو المسجود عليه، ولهذا ينبغي أن يتنبه لهذا حتى يكون هذا الحديث وهو حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – موافقاً لحديث وائل بن حجر(1) الدال على أن الركبتين تقدمان حال السجود.
ومن كان عاجزاً أو في ركبتيه وجع أو ما أشبه ذلك فلا حرج عليه أن يقدم يديه قبل ركبتيه، وفي السجود ينبغي أن يجعل يديه إما حذو منكبيه، وإما أن يقدمهما حتى تكون الجبهة والأنف بينهما، وأما بالنسبة إلى ظهره فإنه لا يمده ولكنه يرفعه عن فخذه، ويرفع فخذيه عن ساقيه، ويضم قديمه بعضهما إلى بعض، ولا يفرق بينهما.
وأما من قال من أهل العلم: إنه يفرق بينهما (بين القدمين) حال السجود بمقدار شبر فإني لا أعلم في ذلك سنة، فالظاهر من حديث عائشة – رضي الله عنها – حين فقدت النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فخرجت فوجدته ساجداً قالت: "فوقعت يدي على قدميه"(2)، ومن المعلوم أن اليد الواحدة لا تقع على القدمين إلا إذا كان بعضهما مضموماً إلى بعض.(74/40)
وقد جاء ذلك أيضاً في صحيح ابن خزيمة – رحمه الله -: أن النبي صلى الله عليه وسلم يضم إحدى رجليه إلى الأخرى في حال السجود(3). ويقول في سجوده: "سبحان ربي الأعلى"(4)، ويقول أيضاً: "سبوح قدوس رب الملائكة والروح"(5). ويقول أيضاً: "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي"(6) كل هذا مما جاءت به السنة.
وإذا أطال الركوع والسجود، فإنه يكثر في الركوع من الثناء وتعظيم الله عز وجل، ويكثر في السجود من الدعاء، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه عليه الصلاة والسلام: "ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم"(7). أي حري أن يستجاب لكم إذا دعوتم الله سبحانه وتعالى في حال السجود، ولهذا ورد في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: "أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(8).
والدعاء هنا وفي غيره من الأماكن التي يشرع فيها في الصلاة، ينبغي أن يحافظ الإنسان فيه على الوارد، فإذا فعل الوارد فله أن يدعو بما أحب؛ يدعو لنفسه، ويدعو لوالديه في الفريضة وفي النفل أيضاً، ويدعو لمن أحب من المسلمين، ويدعو أيضاً بما شاء من أمور الدنيا والدين والآخرة.
ولا تبطل الصلاة إذا دعا بشيء يتعلق بأمر الدنيا؛ لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ابن مسعود حين ذكر التشهد قال: "ليتخير في الدعاء ما شاء"(9).
وبعد السجدة يقوم مكبراً، ولا يرفع يديه، ويجلس بين السجدتين مفترشاً جالساً على رجله اليسرى، ناصباً رجله اليمنى، فينصب الرجل اليمنى ويجعل بطون أصابعها إلى الأرض.
أما اليدان فإنه يضع يده اليمنى على فخذه اليمنى ويقبض منها الأصابع الثلاثة: الخنصر والبنصر والوسطى، فيضع الإبهام عليها ويشير بالسبابة كلما دعا فيقول مثلاً: رب اغفر لي فيرفع إصبعه، وارحمني فيرفع إصبعه، هكذا كلما دعا يحركها إشارة إلى علو البارئ جل وعلا الذي دعاه.(74/41)
أما يده اليسرى فإن فيها صفتين:
الصفة الأولى: أن يلقمها ركبته.
والصفة الثانية: أن يضعها مبسوطة على فخذه، كل من تلك الصفتين جائزة. ويقول في هذا الجلوس: "رب اغفر لي، وارحمني، وعافني، واهدني، وارزقني(1).
ثم يسجد السجدة الثانية، ثم يكمل صلاته على صفة الركعة الأولى التي سبق ذكرها، إلا أنه لا يستفتح فيها؛ لأن الاستفتاح محله أول ركعة، ولهذا يسمى استفتاحاً؛ لأنه تستفتح به الصلاة.
وأما التعوذ بالله من الشيطان الرجيم في الركعة الثانية وفي الركعة الثالثة والرابعة فإن العلماء اختلفوا فيه:
فمنهم من يرى أنه يتعوذ بناء على أن قراءة الصلاة كل ركعة مستقلة عن الأخرى.
ومنهم من يرى: أنه يكفيه التعوذ الأول؛ لأن الصلاة قراءة واحدة في جميع الركعات.
وعلى كل حال فإني لا أعلم في ذلك سنة تفصل بين القولين ولكن إذا تعوذ في الركعة الثانية والثالثة والرابعة فلا حرج عليه، وإن ترك فلا حرج عليه.
ثم يجلس للتشهد بعد الركعتين فيجلس مفترشاً كما يجلس بين السجدتين ويقرأ التحيات، إن قرأ التحيات بما ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه(2) ولفظه: "التحيات لله، والصلوات، والطيبات، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله"، أو بما ورد عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا التشهد كما يعلمنا السورة من القرآن، فكان يقول: "التحيات المباركات الصلوات الطيبات لله، السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله"(3)، فكل ذلك جائز؛ لأن الصواب من أقوال أهل العلم أن ما وردت به السنة مختلفاً، فإنه يفعل هذا مرة وهذا مرة؛ ليأتي الإنسان بالسنة على وجهيها أو وجوهها.(74/42)
فإذا قال قائل: ما الحكمة في أن ترد السنة مختلفة في بعض الأمور في صفاتها؟
نقول:
من الحكمة – والله أعلم – أن لا يحصل الملل للمتعبد؛ لأنه إذا بقي على شيء واحد قد يلحقه الملل في ذلك.
ومنها: أنه يكون أخف في بعض الأحيان؛ لأن بعض الصفات الواردة في العبادات تكون أخف من بعض في بعض الأحيان، فيكون في ذلك مراعاة التخفيف على العباد، وأضرب لهذا مثلاً بالتخفيف، لقد ورد أن الإنسان يحمد، ويكبر، ويهلل دبر الصلاة حتى يبلغ تسعاً وتسعين ويختم بقوله: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير.
وورد أيضاً صفة أخرى وهو أن يسبح عشراً، ويحمد عشراً، ويكبر عشراً(4)، ولا ريب أن هذه الصفة الأخيرة أخف على المكلف من الصفة الأولى.
ومن الحكم أيضاً: تنويع العبادات، فإنه أحضر لقلبه؛ لأن الإنسان إذا اتخذ عبادة واحدة دائمة فقد يفعلها بصفة اعتيادية لا يحس بها؛ لأنها عادته، لكن إذا كان يراعي الصفات المختلفة الواردة فإنه بذلك يكون أحضر لقلبه وأجمع.
هذه بعض الحكم من حكم اختلاف الصفات في بعض العبادات.
ترجع إلى صفة الصلاة.. فإذا تشهد المصلي بما رواه ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم فحسن، وإذا تشهد بما رواه ابن عباس فحسن، ولكن الذي ينبغي أن يفعل هذا مرة، وهذا مرة، ليأتي بالسنة على وجهيها.
ثم إذا كان في صلاة ثلاثية أو رباعية فإنه ينهض بعد التشهد الأول ليكمل صلاته، وإن كان في ثنائية وهي الصلاة الثنائية مفروضة كانت كالفجر والصلاة المقصورة للمسافر فإنه يتم التشهد. وكذلك السنن، فإن الإنسان يقتصر فيها على ركعتين ويسلم من ركعتين، لاسيما في صلاة الليل، فإن الواجب أن يقتصر فيها الإنسان على ركعتين؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صلاة الليل فقال: "مثنى مثنى"(1).(74/43)
وقال الإمام أحمد – رحمه الله -: إنه إذا قام إلى الثالثة ليلاً فكأنما قال إلى ثالثة في الفجر، يعني: أنه إن لم يرجع فإن صلاته تبطل.
وبهذا نعرف أنه إذا أخطأ الإمام في التراويح، وقام إلى الثالثة فإنه يجب عليه أن يرجع متى ذكر؛ قبل القراءة، أو في أثناء القراءة، أو في الركوع، أو بعد الركوع، يجب أن يرجع ويجلس ويقرأ التشهد ويكمل، ويسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو بعد السلام، وإن تعمد المضي في الثالثة عامداً وكملها رابعة فإن صلاته تبطل لمخالفة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى"، وهذا في غير الوتر، أما في الوتر فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أوتر بخمس لم يجلس إلا في آخرها(2)، وأوتر بسبع ولم يجلس إلا في آخرها(3)، وأوتر بتسع فجلس في الثامنة فتشهد، ثم قام فأتى بالتاسعة ثم سلم(4).
وينبغي للمرء أن لا يترك الدعاء الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير؛ حيث أمر عليه الصلاة والسلام أن يتعوذ الإنسان في التشهد الأخير من أربع فيقول: "اللهم إني أعوذ بك من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"(5).
وقد ذهب بعض أصحاب الإمام أحمد – رحمه الله – إلى وجوب التعوذ بالله من هذه الأربع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بها، ولأن التعوذ منها أمر مهم لا ينبغي للإنسان أن يدعه، ويجلس في التشهد الأخير متوركاً.
* إما أن ينصب رجله اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساقها.
* وإما أن يفرش الرجل اليمنى ويخرج اليسرى من تحت ساق اليمنى.
* وإما أن يفرش اليمنى ويدخل رجله اليسرى بين ساقه اليمنى وفخذها.
ثم بعد أن يكمل التشهد الأخير، يسلم عن يمينه: السلام عليكم ورحمة الله، وعن يساره: السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الشيخ المكرم الفاضل... حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:(74/44)
فإنه يسرني ما تقومون به من كتابات قيمة من الرسائل وما فوقها، أسأل الله تعالى أن ينفع بها، وأن يجعلنا وإياكم ممن دعا إلى الله على بصيرة.
ثم إنه وقع في يدي رسالة ألفتموها بعنوان: "........." وهي رسالة مفيدة إلا أنه استوقفني فيها مسائل:
الأولى: أن من ألفاظ التسوية للصف: "استقيموا" فهل ثبتت هذه عندكم بسنة، أو أثر، فإني أحب أن أتبين.
الثانية: قبض أصابع اليد اليمنى، والإشارة بالسبابة في الجلوس بين السجدتين كما في التشهدين، قلتم: إنه من الحركات الجديدة، وأن عمل المسلمين المتوارث على عدم الإشارة والتحريك بين السجدتين، وأن نسبة القول بالتحريك بين السجدتين إلى ابن القيم غلط عليه. أ.هـ.
مع أن حديث وائل بن حجر(1) الذي أخرجه الإمام أحمد في المسند 4/317 من طريق عبد الرزاق صريح في ذلك وسياقه: "رأيت النبي صلى الله عليه وسلم كبر فرفع يديه حين كبر – يعني استفتح الصلاة – ورفع يديه حين كبر، ورفع يديه حين قال سمع الله لمن حمده، وسجد فوضع يديه حذو أذنيه، ثم جلس فافترش رجله اليسرى، ثم وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع ذراعه اليمنى على فخذه اليمنى، ثم أشار بسبابته ووضع الإبهام على الوسطى، وقبض سائر أصابعه، ثم سجد فكانت يداه حذاء أذنيه".
وأخرجه من حديث عبد الصمد قال: حدثنا زائدة، قال: حدثنا عاصم بن كليب، ثم تم السند إلى وائل أنه قال: "لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي" قال: "فنظرت إليه قام فكبر، ورفع يديه حتى حاذتا أذنيه، ثم وضع يده اليمنى على ظهر كفه اليسرى والرسغ والساعد، ثم قال: لما أراد أن يركع رفع يديه مثلها، ووضع يديه على ركبتيه، ثم رفع رأسه فرفع يديه مثلها، ثم سجد فجعل كفيه بحذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى، فوضع كفه اليسرى على فخذه وركبته اليسرى، وجعل حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، ثم قبض بين أصابعه، فحلق حلقة ثم رفع إصبعه فرأيته يحركها يدعو بها"(2).(74/45)
وهذا صريح في أن هذه القعدة هي القعدة التي بين السجدتين؛ لأنه قال: "ثم رفع رأسه، فرفع يديه مثلها ثم سجد، ثم قعد فافترش رجله اليسرى" إلخ، وهل هذه القعدة إلا قعدة ما بين السجدتين؟!
وأخرجه أيضاً من حديث أسود بن عامر قال: حدثنا زهير بن معاوية عن عاصم بن كليب به. ولفظه: أن وائل بن حجر قال: "قلت: لأنظرن إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي" وذكر الحديث، وفيه قال بعد ذكر الرفع من الركوع: "ثم سجد فوضع يديه حذاء أذنيه، ثم قعد فافترش رجله اليسرى، ووضع كفه اليسرى على ركبته اليسرى (فخذه في صفة عاصم) ثم وضع حد مرفقه الأيمن على فخذه اليمنى، وقبض ثلاثاً، وحلق حلقة، ثم رأيته يقولك هكذا"، وأشار زهير بسبابته الأولى وقبض إصبعين، وحلق الإبهام على السبابة الثانية.
وظاهر هذا اللفظ أو صريحه كسابقيه في أن القبض والإشارة بين السجدتين كما في التشهدين، وعلى هذا فلا يصح توهيم عبد الرزاق بذكر السجود بعد هذه القعدة؛ لأن ذكره زيادة لا تنافي ما رواه غيره، بل توافقه كما علم.
ولم أعلم من السنة حديثاً واحداً فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبسط يده اليمنى حين يجلس بين السجدتين، ولا وجدت ذلك عن الصحابة.
وما رواه مسلم عن ابن عمر – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا قعد في التشهد وضع يده اليسرى على ركبته اليسرى، ووضع يده اليمنى على ركبته اليمنى وعقد ثلاثاً وخمسين وأشار بالسبابة"(1).
فإنه لا ينافي حديث وائل ولا يبطله، لاختلاف الموضعين، على أن حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – قد رواه مسلم بلفظ الإطلاق: "أن النبي صلى الله عليه وسلم "كان إذا جلس في الصلاة وضع يديه على ركبتيه ورفع إصبعه اليمنى التي تلي الإبهام فدعا بها، ويده اليسرى على ركبته اليسرى باسطها عليها". وفي لفظ آخر: "وضع كفه اليمنى على فخذه اليمنى، وقبض أصابعه كلها، وأشار بإصبعه التي تلي الإبهام، ووضع كفه اليسرى على فخذه اليسرى".(74/46)
فقد روى مسلم هذا الحديث بثلاثة ألفاظ: اثنان مطلقان، والثالث مقيد بالتشهد، ولا منافاة أيضاً لدخول المقيد في المطلق، ولم يرد في السنة التفريق بين الجلوس بين السجدتين والتشهدين.
وأما ما ذكر فضيلتكم من أن القبض والتحريك ليس عليه عمل المسلمين المتوارث.
فقد راجعت ما تيسر لي من كتب الآثار فلم أجد عن الصحابة والتابعين ما يقتضي التفريق بين جلسات الصلاة، ثم لو فرض أن هناك آثاراً صحيحة عنهم فالأخذ بما دلت عليه السنة.
وقد قال البناء في ترتيب مسند الإمام أحمد 3/149 عن حديث وائل بن حجر: سنده جيد، وقال الأرناؤوط في حاشية زاد المعاد 1/238: سنده صحيح.
وأما قول فضيلتكم: إن نسبة القول بالتحري بين السجدتين إلى ابن القيم غلط عليه.
فإن كلام ابن القيم رحمه الله لا غبار عليه في ذلك، والنسبة إليه صحيحة وهذا نص عبارته: قال 1/322: ثم كان يكبر ويخر ساجداً ولا يرفع يديه، وساق كلاماً كثيراً ثم قال 1/338: فصل: ثم كان صلى الله عليه وسلم يرفع رأسه مكبراً غير رافع يديه، ويرفع من السجود رأسه قبل يديه، ثم يجلس مفترشاً: يفرش رجله اليسرى ويجلس عليها، وينصب اليمنى، وذكر النسائي عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: من سنة الصلاة أن ينصب القدم اليمنى، واستقباله بأصابعها القبلة، والجلوس على اليسرى، ولم يحفظ عنه في هذا الموضع جلسة غير هذه، وكان يضع يديه على فخذيه، ويجعل مرفقه على فخذه، وطرف يده على ركبته، ويقبض ثنتين من أصابعه ويحلق حلقة، ثم يرفع إصبعه يدعو بها، ويحركها هكذا قال وائل بن حجر عنه – إلى أن قال 239: ثم كان يقول (بين السجدتين) رب اغفر لي إلخ... وكان هديه إطالة هذا الركن بقدر السجود، وهكذا الثابت عنه في جميع الأحاديث أهـ المقصود منه. – والمقوس عليه هو هكذا في الأصل وهو محذوف في طبعة أخرى -.(74/47)
وهذا صريح في إثباته القبض والتحريك بين السجدتين؛ فإن قوله: "وكان يضع يديه على فخذيه"، إلخ إما أن يكون حاكماً به مستدلاً عليه بحديث وائل كما هو الظاهر من عبارته هنا، وفي كثير من عباراته كما قال هنا "ثم كان يقول بين السجدتين رب اغفر لي" إلخ، هكذا ذكره ابن عباس(1) – رضي الله عنهما -، وذكر حذيفة أنه كان يقول: "رب اغفر لي رب اغفر لي"(2).
وإما أن يكون حاكياً له عن وائل مخبراً به عنه.
فإن كان حاكماً به مستدلاً عليه بقول وائل فنسبة القول به إليه واضحة.
وإن كان حاكياً مخبراً فمن البعيد أن يجزم به عن وائل، ثم يكون المراد به أن يتعقبه لأنه – أي وائلاً – صحابي عدل مقبول الخبر، فلا يمكن أن يجزم ابن القيم بما قاله بقصد تعقبه، وإنما يريد ابن القيم بقوله هذا دفع حديث أبي داود عن عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما – أنه كان يشير بإصبعه إذا دعا ولا يحركها حيث قال: "فهذه الزيادة في صحتها نظر" ثم قال عن ذلك: "وأيضاً فليس في حديث أبي داود أن هذا كان في الصلاة، وأيضاً لو كان في الصلاة لكان نافياً، وحديث وائل مثبتاً وهو مقدم حديث صحيح ذكره أبو حاتم في صحيحه" أهـ(3).
وهذا واضح جداً بأدنى تأمل، وليس غرضي من كتابة هذا لفضيلتكم أن أواجهكم للقول به، فإن هذه مسألة من مسائل الاجتهاد التي من أصاب فيها فله أجران، ومن أخطأ فله واحد، وإنما غرضي أنه كلما أمكن تفادي توهيم الحفاظ فهو أولى، وكلما أمكن تفادي تغليط الناقل فهو أولى.
وقد تبين مما كتب أنه لا وهم في رواية عبد الرزاق، ولا غلط فيما نقل عن ابن القيم – رحم الله الجميع -.
هذا وقد ذكر فضيلتكم أن البيهقي – رحمه الله – أشار إلى ضعفها وترجيح حديث ابن عمر وابن الزبير – رضي الله عنهم – وهو إنما رجحهما من حيث قبض الأصابع كلها على التحليق بين الإبهام والوسطى؛ لأنه احتج بحديث عاصم في الباب الثاني مما بعده.(74/48)
ثم إن البيهقي لما ذكر حديث وائل في التحليق قال: "ونحن نجيزه ونختار ما روينا في حديث ابن عمر ثم ما روينا في حديث ابن الزبير". والضعيف لا يعمل به، ولا يظن بالبيهقي أن يجيز العمل به.
المسألة الثالثة: ذكر فضيلتكم مثالاً للترتيب الذكرى في حرف العطف (ثم) هو قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) وقلتم: ليست (ثم) للترتيب؛ لأن الاستواء على العرش قبل رفع السموات.
ومن المعلوم أن الأصل في ترتيب (ثم) أنه ذكري حكمي، ولا ينتقل عن هذا الأصل إلا بدليل.
ومن المعلوم أيضاً أن استواء الله تعالى على عرشه من صفاته الفعلية المتوقفة على الأدلة السمعية، ولم يبين الله لنا أنه كان مستوياً على عرشه قبل خلق السموات والأرض.
ومن المعلوم أن قوله تعالى: : (اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) كقوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْش) فإن السموات خلقت مرفوعة لقوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ* فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ).
ومن المعلوم أن الواجب في نصوص الصفات القرآنية والحديثية إجراؤها على أصل الكلام وظاهره، وحينئذ لا يمكن الجزم بأن الاستواء على العرش كان قبل خلق السموات أو رفعها.
المسألة الرابعة: ما ترجمتم عنه بقولكم: التطبيق العملي الجديد لحديث عبد الله بن الزبير – رضي الله عنهما -: "أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا قعد في الصلاة جعل قدمه اليسرى بين فخذه وساقه، وفرش قدمه اليمنى"، رواه مسلم ص408(1) والبيهقي 2/130 وابن خزيمة في صحيحه 1/345.(74/49)
قال ابن القيم في زاد المعاد 1/243: ومعنى حديث ابن الزبير – رضي الله عنه – "أنه فرش قدمه اليمنى" أنه كان يجلس في هذا الجلوس على مقعدته، فتكون قدمه اليمنى مفروشة، وقدمه اليسرى بين فخذه وساقه ومقعدته على الأرض، وفي ص253 قال بعد ذكر هذا الحديث: وهذه هي الصفة التي اختارها أبو القاسم الخرقي في مختصره، وهذا مخالف للصفتين الأوليين في إخراج اليسرى من جانبه الأيمن وفي نصب اليمنى، ولعله كان يفعل هذا تارة، وهذا تارة، وهذا أظهر ويحتمل أن تكون من اختلاف الرواة. أهـ.
وهذا الحديث رواه مسلم بهذا اللفظ من طريق أبي هشام المخزومي، عن عبد الواحد بن زياد، وكذلك البيهقي، ورواه ابن خزيمة من طريق العلاء بن عبد الجبار عن عبد الواحد.
وقد رواه أبو داود(2) بلفظ: "جعل قدمه اليسرى تحت فخذه اليمنى وساقه وفرش قدمه اليمنى"، رواه من طريق عفان بن مسلم عن عبد الواحد.
ولا شك أن ما أخرجه ثلاثة حفاظ من طريقين أقرب إلى الصواب مما رواه حافظ من طريق واحد.
ولا شك أن معنى قوله "بين فخذه وساقه" غير معنى "تحت فخذه وساقه" ولا يمكن حمل البينة على التحت؛ لأن هذا تأباه اللغة العربية وحينئذ الترجيح بما سبق، والله أعلم.
المسألة الخامسة: عقد التسبيح هل هو باليمين وحدها، أو باليدين جميعاً، وبناء على ما ذكر فضيلتكم من ألفاظ الحديث يتبين أنها لا تتنافى؛ فإن لفظ اليد مجمل، ولفظ اليمين مبين، فلفظ اليد صالح لليمين واليسار، فإذا بين أنها اليمين فلا اختلاف حتى نلجأ إلى الترجيح؛ لأنه لا يخفى أن الترجيح يعني إلغاء أحد اللفظين وفضيلتكم يعرف ما في هذا.
ولما كان هذا اللفظ ورد بالإفراد صار المتعين أن يكون بإحدى اليدين: إما اليمنى، وإما اليسرى، ولا يحمل على الثنتين إلا بدليل لأن الأصل أن ما كان بصيغة المفرد فهو فرد، ولو كان صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيديه لقالوا: بيديه، كما هو المعتاد حين يذكرون مثل ذلك كما في رفع اليدين للدعاء.(74/50)
هذا ما أحببت كتابته فضيلتكم؛ لأن الواجب التعاون فيما يقرب إلى الله تعالى، وأرجو أن يكون ذلك منه، وأن يكون منكم عناية فيما كتبناه.
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر في 3/7/1413هـ.
---
(2) رواه البخاري تقدم تخريجه في ص184.
(3) تقدم تخريجه ص125.
(4) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت، تقدم تخريجه ص73.
(1) الأركان من 4-9 ثم 10 و 11 من حديث المسيء صلاته تقدم في ص125.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه في ص119.
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص119.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص73.
(3) رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص120.
(4) رواه البخاري وتقدم تخريجه في ص7.
(5) متفق عليه وتقدم في ص12.
(1) رواه مسلم في الصلاة، باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود 1/348 ح207 (479).
(2) متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الأذان، باب الدعاء في الركوع (794)، ومسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/350 ح217 (484).
(3) رواه مسلم في الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود 1/353 ح223 (487).
(4) تقدم تخريجه في ص125.
(1) رواه البخاري في الأذان، باب السجود على الأنف (812)، ومسلم في الصلاة، باب أعضاء السجود 1/354 ح230 (490).
(2) متفق عليه وتقدم في الصفحة السابقة.
(3) رواه مسلم، وتقدم في الصفحة السابقة.
(4) رواه مسلم وتقدم تخريجه ص280.
(5) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(6) رواه أبو داود وغيره، وتقدم الكلام عليه بالتفصيل في ص170.
(7) متفق عليه من حديث ابن عباس وتقدم في ص171.
(8) رواه أحمد وغيره وتقدم تخريجه في ص171.
(1) تقدم تخريجه ص186.
(1) حديث المسيء صلاته متفق عليه، وتقدم تخريجه في ص125.
(1) رواه البخاري في الجمعة/ باب الخطبة على المنبر (875)، ومسلم في المساجد/ باب جواز الخطوة والخطوتين في الصلاة (544).(74/51)
(2) أخرجه الإمام أحمد 2/187، وأبو داود في الصلاة/ باب متى يؤمر الغلام بالصلاة (495).
(3) تقدم حكم تارك الصلاة مفصلاً في المجلد الثاني عشر ص20 – 154 من هذا المجموع.
(1) متفق عليه من حديث أنس بن مالك رواه البخاري في الصلاة باب ليبزق عن يساره.. (413)، ومسلم في المساجد باب النهي عن البصاق في المسجد ح54 (551).
(2) رواه البخاري، وتقدم في ص160.
(3) رواه البخاري في الأذان، باب رفع البصر إلى السماء في الصلاة، ح(750) من حديث أنس، ورواه مسلم من حديث جابر بن سمرة، وأبي هريرة في الصلاة، باب النهي عن رفع البصر إلى السماء في الصلاة ح117 (428) و ح118 (429).
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص112.
(2) رواه أبو داود في الصلاة، باب: من رأى الاستفتاح بسبحانك (775) و (776)، ورواه الترمذي في الصلاة باب: ما يقول عند افتتاح الصلاة (242) و (243).
(3) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح200 (770).
(4) رواه مسلم وتقدم في ص108.
(1) جزء من حديث المسيء صلاته، متفق عليه، وتقدم في ص125.
(2) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت وتقدم في ص73.
(3) رواه مسلم وتقدم في ص120.
(4) رواه البخاري وتقدم في ص7.
(5) متفق عليه، وتقدم في ص73.
(6) رواه مسلم، وتقدم في ص120.
(1) رواه أبو داود وغيره، تقدم في 120.
(2) تقدم تخريجه في ص116.
(3) حديث القراءة بالطور في المغرب متفق عليه من حديث جبير بن مطعم، رواه البخاري في الأذان باب الجهر في المغرب (765)، ومسلم في الصلاة باب القراءة في الصبح ح174 (463). وحديث المرسلات متفق عليه من حديث أم الفضل، رواه البخاري في الأذان باب القراءة في المغرب (763)، ومسلم في الموضع السابق ح173 (462).
(4) رواه مسلم في الصلاة، باب ما يجمع صفة الصلاة 1/357 ح240 (498).(74/52)
(5) رواه أبو داود في الصلاة، باب مقدار الركوع والسجود (886)، والترمذي فيه باب: ما جاء في التسبيح في الركوع والسجود (261)، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب التسبيح في الركوع والسجود (890) ثلاثتهم من حديث ابن مسعود، وعند ابن ماجة (888) من حديث حذيفة.
(6) متفق عليه من حديث عائشة وتقدم في ص354.
(7) رواه مسلم وتقدم في ص354.
(8) رواه البخاري وتقدم في ص160.
(1) متفق عليه، وتقدم في ص167.
(2) رواه مسلم وتقدم في ص168.
(3) متفق عليه من حديث ابن عمر، رواه البخاري في الأذان باب 83 و 84، رفع اليدين في التكبيرة الأولى (735) و (736) ومسلم في الصلاة باب استحباب رفع اليدين ح21 و 22 (390).
(4) رواه أبو داود وغيره، وراجع التفصيل في ص170.
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص308.
(2) لحديث البراء بن عازب رضي الله عنه أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "إذا سجدت فضع كفيك ورافع مرفقيك". رواه مسلم في الصلاة باب 45: الاعتدال في السجود ح234 (494).
(3) لحديث ابن بحينة، "إذا سجد فرج بين يديه حتى يبدو بياض إبطيه". متفق عليه. رواه البخاري في الصلاة باب: يبدي ضبعيه ويجافي في السجود (390) ومسلم في الصلاة باب 46 – ما يجمع صفة الصلاة ح235 (495).
(4) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب: لا يفترش ذراعيه في السجود (822) ومسلم في الصلاة باب 45 ح(233 (493).
(5) هذا جزء من حديث حذيفة رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل ح203 (772).
(6) رواه مسلم، وتقدم في ص354.
(7) رواه مسلم، وتقدم في ص280.
(8) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(9) متفق عليه بهذا اللفظ غير قوله: "ولا تكبروا حتى يكبر" فهي لأحمد 2/341، وأبو داود في الصلاة، باب الإمام يصلي قعوداً (603).
(1) راجع ص192.
(2) راجع ص193.
(3) راجع ص194.(74/53)
(4) رواه أبو داود في الصلاة باب: الدعاء بين السجدتين ح(850) وهذا لفظه: والترمذي فيه باب: ما يقول بين السجدتين ح (284) و (285) وابن ماجة في إقامة الصلاة باب: ما يقول بين السجدتين ح(897). وراجع أيضاً صحيح أبي داود للألباني (756).
(5) تقدم تخريجه ص140.
(6) رواه أبو داود في الصلاة باب: القنوت في الوتر (1425)، والنسائي في قيام الليل باب الدعاء في الوتر (1744) وابن ماجة في إقامة الصلاة باب: ما جاء في القنوت في الوتر (1178).
(1) تقدم تخريجه في ص182.
(2) راجع ص217.
(1) رواه مسلم في الصلاة باب 16 – التشهد في الصلاة ح60 (403).
(2) هذا لفظ حديث ابن مسعود المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص226.
(3) رواه مسلم في الصلاة باب القراءة في الظهر والعصر ح156 و 157 (452).
(4) رواها البخاري في الأذان باب سنة الجلوس في التشهد (828) في حديث أبي حميد الساعدي.
(5) رواها أبو داود في الصلاة باب: من ذكر التورك في الرابعة ح(965) من حديث أبي حميد أيضاً.
(6) رواها مسلم في المساجد باب صفة الجلوس في الصلاة 1/408 ح112 (579) من حديث عبد الله بن الزبير.
(1) متفق عليه من حديث كعب بن عجرة وسيأتي تخريجه في فصل حول معاني التشهد.
(2) بهذا اللفظ رواه مسلم من حديث أبي هريرة في المساجد باب: ما يستعاذ منه في الصلاة ح28 (588)، وأما في حديث عائشة المتفق عليه: التعوذ من المأتم والمغرم بدلاً من النار.
(3) متفق عليه وتقدم في ص234.
(1) رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في المساجد باب استحباب الذكر بعد الصلاة ح146 (597).
(2) تقدم تخريج هذه الأنواع في ص251 + 252.
(1) رواه ابن خزيمة وتقدم في ص72.
(2) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص112.
(3) رواه أبو داود وتقدم في ص369.
(4) متفق عليه، تقدم تخريجه في ص63.
(5) رواه مسلم وتقدم في ص280.(74/54)
(6) بقية صفة الصلاة تقدم تخريج الأحاديث الواردة فيها في فصل صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم قبل هذه الرسالة.
(1) تقدم تخريجها في رسالة صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم.
(2) تقدم تخريجها في رسالة صفة الصلاة تحت عنوان التشهد الثاني.
(3) شرح السنة للبغوي 3/33.
(4) رواه ابن خزيمة ح(654) تقدم في ص29 – 30.
(5) ح(655) تقدم في ص29 – 30.
(6) تقدم تخريجه في ص245.
(1) متفق عليه وتقدم في ص245.
(2) متفق عليه، تقدم تخريجه في ص283.
(3) متفق عليه وتقدم في ص112.
(4) تقدم تخريجه ص369.
(1) رواه مسلم في الصلاة باب ما يجمع صفة الصلاة ح240 (498).
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده، وابن ماجة في إقامة الصلاة، باب التسبيح في الركوع والسجود.
(3) رواه مسلم وتقدم في ص354.
(4) متفق عليه وتقدم في ص354.
(5) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص167.
(6) رواه مسلم وتقدم تخريجه في ص168.
(7) رواه البخاري وتقدم في ص160.
(8) متفق عليه وتقدم في ص186.
(9) هذا حديث أبي هريرة وتقدم تخريجه في ص170.
(1) تقدم تخريجه في ص172.
(2) رواه مسلم وتقدم في ص30.
(3) في ح(654) و (655) وتقدم أيضاً في ص29.
(4) هذا جزء من حديث حذيفة رواه مسلم في صلاة المسافرين باب استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل ح203 (772). وتقدم تخريجه في ص374.
(5) رواه مسلم وتقدم في ص351.
(6) متفق عليه وتقدم في ص354.
(7) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(8) رواه مسلم وتقدم في ص280.
(9) متفق عليه وتقدم تخريجه في ص234.
(1) رواه أبو داود وتقدم تخريجه تحت عنوان "الأذكار بين السجدتين من رسالة صفة الصلاة".
(2) راجع صفة الصلاة تحت عنوان التشهد الأول.
(3) راجع صفة الصلاة تحت عنوان التشهد الأول.
(4) تقدم تخريج هذه الصفات في ص252.(74/55)
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر، رواه البخاري في أول الوتر (990)، ومسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الليل مثنى مثنى ح145 (749).
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب صلاة الليل ح123 (737)، ورواه أبو داود في الصلاة رقم (1338)، والترمذي في الصلاة باب ما جاء في الوتر بخمس ح(459)، ورواه النسائي في قيام الليل باب كيف الوتر بخمس 3/266 )1716) من حديث عائشة.
(3) رواه الترمذي في الصلاة باب ما جاء في الوتر بسبع ح(457)، ورواه النسائي في الموضع السابق ح(1713) (1714) عن أم سلمة.
(4) هذا جزء من حديث عائشة الطويل رواه مسلم في صلاة المسافرين باب جامع صلاة الليل ح139 (746.
(5) تقدم تخريجه في صفة الصلاة – الاستعاذة من أربع.
(1) راجع ص194.
(2) راجع ص194.
(1) تقدم في ص192.
(1) و(2) راجع ص211.
(3) صحيح ابن حبان 5/170 (1860).
(1) ورقمه 112 (579) وتقدم في صفة الصلاة تحت عنوان: التشهد الثاني.
(2) في الصلاة باب الإشارة في التشهد 1/603 ح(988).(74/56)
المجلد الرابع عشر(/)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الرابع عشر
باب سجود السهو
محمد بن صالح العثيمين
الفرق بين السهو والنسيان
647 سئل فضيلة الشيخ: عن تعريف السهو، والفرق بينه وبين النسيان، والحكمة من مشروعية سجود السهو؟
فأجاب فضيلة بقوله: السهو هو "الغفلة والذهول"
والفرق بينه وبين النسيان: أن الناسي إذا ذكرته تذكر والساهي إذا ذكرته لا يتذكر هذا الفرق فيما إذا كان السهو سهواّ عن الشيء وأما السهو في الشيء فهو بمعنى النسيان، كذا قال العلماء.
كما فرق العلما بين السهو في الشيء والسهو عن الشيء، فالسهو في الشيئ ليس بمذموم، بخلاف السهو عن الشيء فإنه مذموم، ولذا قال الله – عز وجل – ذاماً الساهين عن الصلاة فقال: (فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّين َ*الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ)، [سورة الماعون، الآيتان:4،5] وذلك لأن السهو في الشيء ترك له من غير قصد، والسهو عن الشيء ترك له مع القصد.
وأما الحكمة من مشروعية سجود السهو:
فإن من محاسن الشريعة النبوية مشروعية سجود السهو حيث إن كل إنسان لا يمكنه التحرز منه، فلابد من وقوعه منه في هذه العبادة العظيمة، ولما كانت هذه العبادة مطلوبة على وجه مخصوص، وكان الإنسان معرضاً للزيادة والنقص، والشك فيها وبذلك يكون الإنسان قد أتى بها على غير الوجه المشروع فينقص ثوابها، لذلك شرع سجود السهو فيها من أجل أن يتلافى النقص في ثوابها، أو بطلانها، ولذلك أجمع العلماء على مشروعيته.
أسباب سجود السهو
648 سئل فضيلة الشيخ: عن أسباب سجود السهو.
فأجاب فضيلته بقوله : سجود السهو في الصلاة أسبابه في الجملة ثلاثة:
1- الزيادة.
2- والنقص.
3- والشك.
فالزيادة: مثل أن يزيد الإنسان ركوعاً أو سجوداً، أو قياماً، أو قعوداً.
والنقص: مثل أن ينقص الإنسان ركناً، أو ينقص واجباً من واجبات الصلاة.
والشك: أن يتردد، كم صلى ثلاثاً، أم أربعاً مثلاً.(75/1)
أما الزيدة فإن الإنسان إذا زاد الصلاة ركوعاً أو سجوداً أو قياماً أو قعوداً متعمداً بطلت صلاته، لأنه إذا زاد فقد أتى بالصلاة على غير الوجه الذي أمره به الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(1).
أما إذا زاد ذلك ناسياً فإن صلاته لا تبطل ، ولكنه يسجد للسهو بعد السلام، ودليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم من الركعتين في إحدى صلاتي العشي، إما الظهر وإما العصر فلما ذكروه أتى صلى الله عليه وسلم، بما بقى من صلاته، ثم سلم ثم سجد سجدتين بعدما سلم(2). وحديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر خمساً فلما انصرف قيل له أزيد في الصلاة ؟ قال: (( وما ذاك ))؟ قالوا : صليت خمساً . فثنى رجليه واستقبل القبلة ، وسجد سجدتين(1).
أما النقص : فأن نقص الإنسان ركناً من أركان الصلاة فلا يخلو :
إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية فحينئذ يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده .
إما أن لا يذكره إلا حين يصل إلى موضعه من الركعة الثانية ، وحينئذ تكون الركعة الثانية بدلاً عن التي ترك ركناً منها فيأتي بدلها بركعة ، وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلام ، مثال ذلك : رجل قام حين سجد السجدة الأولى من الركعة الأولى ولم يجلس ولم يسجد السجدة الثانية ولما شرع في القراءة ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين ، فحينئذ يرجع ويجلس بين السجدتين ، ثم يسجد ، ثم يقوم فيأتي بما بقى من صلاته ، ويسجد السهو بعد السلام .(75/2)
ومثل لمن لم يذكره إلا بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية : أنه قام من السجدة الأولى في الركعة الأولى ولم يسجد السجدة الثانية ولم يجلس بين السجدتين ، ولكنه لم يذكر إلا حين جلس بين السجدتين في الركعة الثانية . ففي هذه الحال تكون الركعة الثانية هي الركعة الأولى ، ويزيد ركعة في صلاته ، ويسلم ثم يسجد للسهو .
أما نقص الواجب : فإذا نقص واجباً وانتقل من موضعه إلى الموضع الذي يليه مثل : أن ينسى قول (( سبحان ربي الأعلى )) ولم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود ، فهذا قد ترك واجباً من الواجبات الصلاة سهواً فميضي في صلاته ، ويسجد للسهو قبل السلام ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الأول مضى في صلاته ولم يرجع وسجد للسهو قبل السلام(2).
أما الشك فإن الشك وهو : التردد بين الزيادة والنقص ، مثل : أن يتردد هل صلى ثلاثاً أو اربعاً فلا يخلو من حلين :
إما أن يترجح عنده أحد الطرفين الزيادة ، أو النقص ، فيبني على ما ترجح عنده ويتم عليه ويسجد للسهو بعد السلام ، وإما أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيبنى على اليقين وهو الأقل ويتم عليه ، ويسجد للسهو قبل السلام مثل ذلك : رجل يصلى الظهر ثم شك هل هو في الركعة الثالثة أو الرابعة ، وترجح عنده أنها الثالثة فيأتي بركعة ، ثم يسلم ، ثم يسجد للسهو .
ومثال ما استوى فيه الأمران : رجل يصلي الظهر فشك هل هذه الركعة الثالثة ، أو الرابعة ، ولم يترجح عنده أنها الثالثة ، أو الرابعة فيبني على اليقين وهو الأقل ، ويجعلها الثالثة ثم يأتي بركعة ويسجد للسهو قبل أن يسلم .
وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلام : في ما إذا ترك واجباً من الواجبات ، أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده أحد الطرفين .
وأنه يكون بعد السلام : في ما إذا زاد في صلاته ، أو شك وترجح عنده أحد الطرفين.
649 سئل فضيلة الشيخ : أفتونا أثابكم الله في الحكم الشرعي في المسألة التالية وما تفرع منها :(75/3)
قام الإمام للرابعة في صلاة المغرب ، وسبح المأمومون مراراً ، ولكنه استمر وأتى بالرابعة كاملة وسجد للسهو وسلم ، ولما سأله المأمومون أجابهم بأنه على علم بأنه أتى بالرابعة وكان نواها بدلاً من الثالثة ( السرية ) لشكه في قراءة الفاتحة فيها وبالنسبة للمأمومين فمنهم من تابع الإمام حتى السلام ومنهم من انفرد عنه بعد قيامه للرابعة وعند تسليم الإمام سلموا معه ، وهؤلاء المنفردون منهم من سجد مع الإمام للسهو ومنهم من لم يسجد معه ، ثم إن أحد المأمومين أرشد المصلين إلى أن من تابع الإمام عند قيامه للرابعة مع علمه بأنها رابعة فقد بطلت صلاته وعليه الإعادة وفعلاً أعادوا صلاتهم ، أفتونا مأجورين أثابكم الله وجزاكم خيراً ، والسلام عليكم .
فأجاب بقوله : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، أما من جهة الإمام فإن كان شكه وهماً كالوسواس فلا ينبغي أن يلتفت إليه ، لأنه لا أثر له بل يكمل صلاته ملغياً هذا الوهم.
وإن كان شكه كثيراً فلا ينبغي أن يلتفت إليه ايضاً ، أما إن كان شكه حقيقة أو تيقن أنه لم يقرأ الفاتحة فإن ركعته تلغىو ويأتي بدلها بركعة .
وأما من جهة المأمومين فتجب عليهم متابعته في هذه الحال لأن هذه الركعة التي أتى بها ليست زائدة في حقه بل هي تكميل صلاته ، بخلاف ما إذا زاد ركعة ناسياً فإنهم لا يتابعونه ، لأن الركعة التي أتى بها زائدة ، وإنما قلنا بوجوب متابعتهم له في الصورة الأولى مع عدم الخلل في صلاتهم ، قياساً على وجوب متابعتهم له في سجود السهو فيما لو ترك واجباً من واجبات الصلاة لم يشاركوه في تركه ، كما لونسي أن يقول (( سبحان ربي العظيم )) في الركوع فسجد لذلك فإن المأمومين يلزمهم متابعته وإن لم ينسوا قولها ، مع أن هذا السجود زيادة في صلاتهم لو لا متابعة الإمام لبطلت صلاتهم به ، والله يحفظكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ، كتبه محمد الصالح العثيمين في 6/11/1401هـ .(75/4)
650 سئل فضيلة الشيخ : يقول السائل : إذا زاد الإمام ركعة واعتديت بها وأنا مسبوق هل صلاتي صحيحة ؟ وما الحكم إذا لم أعتد بها وزادت ركعة ؟
فأجاب بقوله : القول الصحيح أن صلاتك صحيحة ، لأنك صليتها تامة ، وزيادة الإمام لنفسه ، وهو معذور فيها لنسيانه .
أما انت فلو قمت وأتيت بركعة بعده لكنت قد زدت ركعة بلا عذر وهذا يبطل الصلاة. حرر في 25/7/1407هـ .
651 سئل فضيلة الشيخ : إذا صلى الإمام خمساً سهواً فما حكم صلاته وصلاة من خلفه؟ وهل يعتد المسبوق بتلك الركعة الزائدة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا صلى الإمام خمساً سهواً فإن صلاته صحيحة ، وصلاة من اتبعه في ذلك ساهياً أو جاهلاً صحيحة ايضاً .
وأما من علم بالزيادة فإنه إذا قام الإمام إلى الزائدة وجب عليه أن يجلس ويسلم ، لأنه في هذه الحالة يعتقد أن صلاة إمامه باطلة إلا إذا كان يخشى أن إمامه قام إلى الزائدة ، لأنه أخل بقراءة الفاتحة ( مثلاً ) في إحدى الركعات فحينئذ ينتظر ولا يسلم .
وأما بالنسبة للمسبوق الذي دخل مع الإمام في الثانية فما بعدها فإن هذه الركعة الزائدة تحسب له ، فإذا دخل مع الإمام في الثانية مثلاً سلم مع الإمام الذي زاد ركعة ، وإن دخل في الثالثة أتى بركعة بعد سلام الإمام من الزائدة ، وذلك لأننا لو قلنا بأن المسبوق لا يعتد بالزائدة للزم من ذلك أن يزيد ركعة عمداً ، وهذا موجب لبطلان الصلاة ، أما الإمام فهو معذور بالزيادة ، لأنه كان ناسياً فلا تبطل صلاته.
652 سئل فضيلة الشيخ : لو صلى الإمام خمساً ودخل معه شخص في الثانية فهل يسلم مع الإمام أو يأتي بركعة ؟(75/5)
فأجاب فضيلته بقوله : اختلف العلماء في هذه المسألة ، فرأى بعض العلماء أنه إذا سلم الإمام الذي صلى خمساً فإنه يجب على المسبوق أن يأتي بركعة فيكون قد صلى خمساً كما صلى إمامه خمساً ، والدليل قول النبى صلى الله عليه وسلم (( ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا ))(1) . قالوا فهذا الرجل فاته ركعة فيجب أن يأتي بها .
ولكن القول الراجح : أنه لا يجوز له أن يأتي بركعة خامسة بل يسلم مع الإمام في هذه الحال ، لأن الإمام أتى بالخامسة معذوراً ،وأما هذا فلا عذر له بعد أن علم أنه صلى أربعاً فلا يحل له أن يزيد في الصلاة .
وأما الجواب عن قول النبي صلى الله عليه وسلم : ((ما فاتكم فأتموا )) فإن قوله (( فأتموا )) يدل على أن هذا الذي فاته نقصت به صلاته وهو إذا صلى مع الإمام أربعاً لم تنقص صلاته هذا هو الجواب عن هذا الحديث والله اعلم .
653 وسئل فضيلة الشيخ : عن كثرة التصفيق في الصلاة للتنبيه ؟
فأجاب فضيلته قائلاً : إذا كثر التصفيق للتنبيه حتى صار كأنه لعب ، فهذا لا يجوز في الصلاة ، أما إذا كان لحاجة فإنه لا بأس والتصفيق للنساء ، والتسبيح للرجال إذا دعت الحاجة .
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محبكم محمد الصالح العثيمين إلى المحب الأخ المكرم . . . حفظه الله تعالى .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
ارجو الله تعالى أن تكونوا ومن تحبون بخير ، كما أننا بذلك ولله الحمد ، رزقنا الله وإياكم شكر نعمته وحسن عبادته . نشكركم على تقديمكم هذه الأسئلة المفيدة ونرجو الله تعالى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح .
سؤالكم الأول عن المسبوق الذي سلم إمامه عن نقص فقضى ركعة ثم ذكر إمامه فماذا يصنع ؟(75/6)
فالجواب : أنه مخير بين أن يستمر في قضاء ما فاته منفرداً ، وبين متابعة الإمام ، وإذا تابع الإمام فهل تحتسب له ركعته التي قضاها ويسلم مع الإمام ، أو لا تحتسب ، لأنها وقعت في غير محلها ، لأن محل قضاء المأموم بعد تمام إمامه وهذا قد قضاها قبل تمام الإمام فتكون في غير محلها فتلغى ، ذكر بعض المحشين في ذلك احتمالين ، ولم يتبين لى أيهما أرجح(1).
654 سئل فضيلة الشيخ – رعاه الله تعالى -: عن رجل يصلي التراويح فقام إلى ثالثة فذكر أو ذكر فماذا يفعل ؟ وما صحة قول من قال إنه إذا رجع بطلت صلاته قياساً على من قام من التشهد الأول في صلاة الفريضة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا قام من يصلي التراويح إلى ثالثة فذكر أو ذكر وجب عليه الرجوع ، وسجود السهو ، ويكون سجود السهو بعد السلام ، لأنه عن زيادة ، فأن لم يرجع بطلت صلاته إن كان عالماً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (( صلاة الليل مثنى مثنى )) (2) .
فإذا زاد المصلي على ذلك فقد أتى بما ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، ونص الإمام أحمد على أنه إذا قام المصلي في الليل إلى الثالثة فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر، أي كما لو قام من يصلي الفجر إلى ثالثة ، ومن المعلوم أن من قام إلى ثالثة في صلاة الفجر وجب عليه الرجوع لئلا يزيد على المفروض ، وقد بين الفقهاء – رحمهم الله – هذا في باب صلاة التطوع .
وأما قياس هذا على من قام عن التشهد الأول ، وقال إنه لا يرجع إذا استتم قائماً فلا وجه لقياسه ، لأن القيام عن التشهد ترك لواجب جاءت السنة بجبره بسجود السهو ، وهو ترك لا يزيد الرجوع إليه إلا خللاً في الصلاة ، لا حاجة إليه لأنه يجبر بسجود السهو ، أما من قام إلى زيادة فهو استمرار في زائد غير مشروع . قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 17/9/1409هـ .
655 سئل فضيلة الشيخ : إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أن الإمام ركع فركع فما الحكم ؟(75/7)
فأجاب فضيلته بقوله : إذا سجد الإمام للتلاوة فظن المأموم أنه ركع ثم ركع بناء على أن الإمام قد ركع ، فلا يخلو من حالين :
إحداهما : أن يعلم بأن الإمام ساجد وهو راكع ، ففي هذه الحالة يجب عليه أن يسجد اتباعاً لإمامه .
الحال الثانية : أن لا يشعر أن الإمام ساجد إلا بعد أن يقوم من السجدة ، وحينئذ نقول للمأموم الذي ركع ارفع الآن وتابع الإمام واركع مع إمامك واستمر ، وسجود التلاوة سقط عنك حينئذ ، لأن سجود التلاوة ليس ركناً في الصلاة حتى يحتاج أن تأتي به بعد إمامك ، وإنما يجب عليك متابعة للإمام . والمتابعة هنا قد فاتت فهي سنة قد فات محلها وتستمر في صلاتك .
656 656 سئل فضيلة الشيخ : مسالة يكثر فيها الجهل والجدل ، نعرضها بين يديك لنعلم حكمها مقروناً بالدليل والتعليل : هل على المسبوق إذا أخطأ إمامه وسجد للسهو بعد السلام، أو قبله أن يسجد للسهو بعد أن يكمل صلاته ؟ وهل يتصور أن يسجد للسهو مرتين؟
فأجاب فضيله بقوله : إذا سها الإمام وسجد للسهو قبل السلام فإن على المسبوق أن يتابعه لأنه مرتبط بإمامه حتى يسلم ، فإذا قضى ما فاته لزمه السجود أيضاً ، لأن سجوده مع إمامه في غير محله ، فإن سجود السهو لا يكون في إثناء الصلاة وإنما كان سجوده مع إمامه تبعاً لإمامه فقط .
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه المسبوق فإنه لا يعيد السجود مرة ثانية ، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه فإنه كان قبل أن يدخل معه .
أما إذا كان سجود الإمام بعد السلام فإن المسبوق لا يسجد معه ، لأن متابعة الإمام في هذه الحال متعذرة إلا بالسلام معه ، وهذا غير ممكن ، لأن المسبوق لا يسلم إلا بعد انتهاء الصلاة.
ولكن إذا كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه فإنه لاسجود عليه ، لأنه لم يلحقه حكم سهو إمامه ، وإن كان سهو بعد أن دخل معه سجد إذا سلم .(75/8)
هذا ما تقضيه الأدلة بعضها سمعية ، مثل وجوب سجود المأموم تبعاً لإمامه لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( إنما جعل الإمام ليؤتم به ))(1).
وبعضها بالنظر الصحيح كما في تعليل الأحكام المذكورة ، وانظر الشرح الكبير على المقنع ، والمجموع شرح المهذب . حرر في 8/3/1417هـ .
657 وسئل فضيلة الشيخ : إذا سهى الإمام ، وجاء مأموم مسبوق بركعة أو أكثر وكان سجود السهو بعد السلام ولم يشارك المسبوق إمامه في السهو الذي حصل ، فهل يلزم المأموم أن يسجد مع الإمام قبل أن يتم ما عليه ولو أتم ما عليه فهل يسجد بعد ذلك ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا كان سجود الإمام بعد السلام ، فإن المأموم المسبوق لا يتابعه لتعذر المتابعة حينئذ ، لأنه لا يمكن أن يتابعه إلا إذا سلم ، ولاسلام متعذر بالنسبة للمسبوق فيقوم المسبوق ويقضي مافاته ، ثم إن كان مدركاً للسهو الذي أوجب السجود على الإمام ، سجد المأموم بعد إتمامه ما فاته ، وإن كان لم يدرك هذا السهو فلا سجود عليه .
658 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: إذا صليت مع إمام ثم قام يصلي الركعة الخامسة ، وأنا متأكد من أنها الخامسة ، فنبهته ولكنه مضى في صلاته فهل أتابعه أو أنفرد؟
وإذا نبهه اثنان أيتابعه المأمومون أم ينفردون ؟ وما حكم صلاته في المسألة الثانية ؟
فأجاب فضيلته بقوله : في هذا السؤال مسألتان :
إحداهما : إذا قام الإمام إلى زائدة كخامسة في رباعية وتأكد المأموم زيادتها ونبهه فلم يرجع ، ففي هذه الصورة يلزم المأموم الذي تيقن زيادة إمامه أن يفارقه ويسلم منفرداً .
وأما المسألة الثانية : فهي إذا نبهه اثنان هل يتابعه المامومون أم ينفردون ، فأن هذه المسألة إما أن يكون المأمومون غير الذين نبهوه جازمين بصوابه أم لا .
فإن كانوا جازمين بصوابه تبعوه ، وإلا رجعوا إلى ما قاله المنبهان ويفارقونه ، وينبغي أن يلاحظ أن لا بد من كون المنبهين ثفتين إذ لا عبرة بقول غير الثفة .(75/9)
وأما حكم صلاة الإمام الذي نبه اثنان فإن كان جازماً بصواب نفسه فصلاته صحيحة، وإن كان غير جازم بطلت صلاته ، لأنه يجب عليه الرجوع إلى قولهما وقد تركه ، إلا أن يكون جاهلاً أو ناسياً فصلاته صحيحة وعليه سجود السهو .
659 وسئل فضيلته : إذا سهى المسبوق مع إمامه ثم سجد الإمام للسهو فماذا يصنع المسبوق وقد قام ليقضي ما فاته ؟
فأجاب الشيخ بقوله : إن كان قد استتم قائماً فإنه يمضي في صلاته ويسجد للسهو ، وإن لم يستتم وجب عليه الرجوع ويسجد للسهو إن كان قد خرج عن هيئة الجلوس بأن فارقت إليتاه عقبيه .
660 وسئل فضيلته : إذا سلم الإمام عن نقص ركعة ثم قام المسبوق ليقضي ما فاته ثم نبه الإمام فقام ليإتي بالركعة فهل يدخل معه هذا المسبوق أو لا ؟
فأجاب الشيخ بقوله : نعم ، يرجع حتى ولو كان قد استتم قائماً ويصلي معه ، ثم بعد سلام الإمام يقضي ما فاته ، وإنما قلنا إنه يرجع لأنه تبين أن الإمام لم يفرغ صلاته .
661 وسئل فضيلة الشيخ : إذا شك المصلي وكان كثير الكشوك أنه ما قرأ السورة هل يقرأها ثانية ؟ وكذلك يشك هل قرأ التحيات فما الحكم .
فأجاب فضيلته بقوله : لا يقرأها أبداً ، إذا قرأها مرة يكفي ، لو شك في القراءة يعرض عن هذا ويدعه ، لأنه من الوسواس ، ولأنه إن فتح على نفسه باب الوسواس تعب وجاءه الشيطان يشككه في الصلاة ، يشككه حتى في الله – عز وجل – ربما تصل به الحال إلى الشك في الله ، وربما يشككه في زوجته ، هل طلق أو ما طلق ، أو ما أشبه ذلك ، فكون الإنسان يدع هذا هو الواجب عليه ، فيجب عليه أن يعرض عنه – يعني لو شك لا يلتفت لهذا الشك –.
662 سئل فضيلة الشيخ : متى يشرع سجود السهو ؟
فأجاب فضيلته بقوله : يشرع سجود السهو في ثلاثة حالات بسبب زيادة ، أو نقص ، أو شك في الجملة لا في كل صورة ، لأن بعض الزيادة والنقصان لا يشرع لها السجود ، وكذلك بعض الكشوك لا يشرع لها السجود .(75/10)
663 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: هل يشرع سجود السهو عند تعمد الإنسان ترك ركن ، أو واجب ، أوسنة في صلاة النفل أو الفرض ؟
فأجاب فضيلته بقوله : لا يشرع في العمد ، وذلك لأن العمد إن كان تعمد ترك واجب، أو ركن فالصلاة باطلة لا ينفع فيها سجود السهو ، وإن كان تعمد ترك سنة فالصلاة صحيحة ، وليس هناك ضرورة لجبرها بسجود السهو .
664 سئل فضيلته – رعاه الله -: هل يشرع سجو السهو لمن زاد في الصلاة سهواً ؟
فأجاب الشيخ بقوله : يشرع سجود السهو لمن زاد في صلاته سهواً وهذا السجود المشروع ، إما واجب ، أو مستحب سواء في النفل أو في الفرض ، بشرط أن تكون الصلاة ذات ركوع وسجود احترازاً من صلاة الجنازة ، فإن صلاة الجنازة لا يشرع فيها سجود السهو ، لأن أصلها ليست ذات ركوع وسجود فكيف تجبر بالسجود ، لكن كل صلاة فيها سجود وركوع فإنها تجبر بسجود السهو الفريضة والنافلة .
665 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: إذا زاد الإنسان في صلاته قياماً ، أو قعوداً ، أو ركوعاً ، أو سجوداً عمداً فما الحكم ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا زاد الإنسان في صلاته ركوعاً ، أو سجوداً ، أو قياماً ، أو قعوداً عمداً بطلت ولا ينفع فيها سجود سهو وإنما تبطل لأنه أتى بها على غير الوجه المشروع. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم ((من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد))(1) أي مردود .
666 وسئل فضيلة الشيخ : إذا زاد الإنسان في صلاته قياماً ، أو قعوداً ، أو ركوعاً ، أو سجوداً سهواً فما الحكم ؟
فأجاب فضيلته بقوله :إذا زاد الإنسان في صلاته قياماً ، أوقعوداً ، أو ركوعاً ، أوسجوداً ،سهواً فإنه يسجد له ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من زاد في صلاته أن يسجد سجدتين ، هذا دليل من القول .
ودليل من الفعل لما صلى خمساً كما في حديث عبدالله بن مسعود(2) ، وقيل له صليت خمساً ثنى رجليه فسجد سجدتين .(75/11)
667 وسئل فضيلة الشيخ : إذا كان الإمام في صلاة سرية مثل العصر أو الظهر قرأ الفاتحة جهراً ونبهه بعض المصلين . . فهل يسجد سجود السهو في هذه الحال ؟ وهل هذا العمل نفص أو زيادة في الصلاة ؟
فأجاب فضيلته بقوله : سجود السهو في هذه الحال ليس بواجب ، لأن غايته أنه أخل بالسنة وهي الإسرار في الصلاة السرية ، على أنه من السنة أن يسمع الإمام القراءة أحياناً ، جاء ذلك مصرحاً به في حديث أبى قتادة – رضي الله عنه – الثابت في الصحيحين (3) أن النبي صلى الله عليه وسلم (( كان يسمعهم الآية أحياناً في قراءة السر )) ولا يجب عليه سجود السهو في هذه الحال ، ولكن إن سجد فلا حرج .
وموضع السجود في هذه الحال بعد السلام ، لأن الجهر زيادة ، وإن سجد قبل السلام فلا حرج .
668 وسئل فضيلته : عن رجل صلى الظهر خمساً ولم يعلم إلا في التشهد ، فما الحكم ؟
فأجاب الشيخ بقوله : إذا زاد الإنسان في صلاته ركعة ولم يعلم حتى فرغ من الركعة فإنه يسجد للسهو وجوباً ، وهذا السجود يكون بعد السلام من الصلاة ، ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما صلى خمساً وأخبروه بعد السلام ثنى رجليه وسجد سجدتين (4) وقال: (( إذا شك أحدكم فليتحر الصواب ثم ليبن عليه ))(5) ولم يقل متى علم قبل السلام فليسجد قبل السلام ، فلما سجد بعد السلام ، ولم ينبه أن محل السجود في هذه الزيادة قبل السلام ، علم أن السجود للزيادة بعد السلام ، ويشهد لذلك حديث ذي اليدين (1) فإن النبي صلى الله عليه وسلم سلم من ركعتين ثم ذكروه وأتم الصلاة وسلم ثم سجد سجدتين وسلم .
ويؤيده أيضاً المعنى وهو : أن الزيادة في الصلاة زيادة وسجود السهو زيادة أيضاً فاذا كان من الحكمة أن يؤخر سجود اسهو إلى ما بعد السلام مخافة أن يجتمع في الصلاة زيادتان .(75/12)
669 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته المهديين -: عن رجل قام إلى ركعة ثالثة في صلاة الفجر وذكر أثناءها ، فهل حكمها حكم من قام عن التشهد الأول أنه إذا قام وشرع في القراءة حرم عليه الرجوع ؟ وهل عليه سجود سهو ؟ وهل هو قبل السلام أو بعده ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا ذكر في أثناء الركعة الزائدة في أي موضع منها فإنه يجلس فوراً ، وليس صحيحاً ما يتوهمه كثير من طلبة العلم أن حكم هذه الركعة الزائدة حكم من قام عن التشهد الأول فلا يرجع إذا استتم قائماً ، بل يجب عليه الرجوع متى علم ولو استمر المصلي في الزيادة مع علمه بذلك فإنه يكون زاد في صلاته شيئاً عمداً ، وهذا يبطل الصلاة ، وعليه سجود السهو إذا رجع وموضعه بعد السلام .
670 وسئل فضيلته : عن رجل مسافر قام إلى ثالثة في الصلاة التي نوى قصرها فهل يلزمه الرجوع في الحال أو له أن يكمل ؟ وماذا عليه ؟
فأجاب فضيلته بقوله : في هذه الحال نقول له يلزمك الرجوع ، لأنك دخلت على أنك تريد أن تصلي ركعتين فلتصل ركعتين ولا تزيد عليهما ، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام، وإن استمر فأتم الصلاة فلا حرج عليه .
671 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: عن رجل يصلي الليل ، وصلاة الليل مثنى ، مثنى ، فقام إلى ثالثة ناسياً فماذا يفعل ؟
فأجاب فضيلته بقوله : يرجع فإن لم يرجع بطلت صلاته ، لأنه تعمد الزيادة ، ولهذا نص الإمام أحمد على أنه إذا قام في صلاة الليل إلى ثالثة فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر يعني إن لم يرجع بطلت صلاته ، لكن يستثنى من هذا الوتر فإن الوتر يجوز أن يزيد الإنسان فيه على ركعتين فلو أوتر بثلاث جاز .
وعلى هذا فإن الإنسان إذا دخل في الوتر بنية أن يصلي ركعتين ثم يسلم ثم يأتي بالثالثة ، لكنه نسي فقام إلى ثالثة بدون سلام ، فنقول له أتم الثالثة فإن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين .(75/13)
672 سئل فضيلة الشيخ : إذا أتى المصلي بقول قد شرعه الشارع لكن في غير موضعه المشروع سهواً ، مثل أن يقرأ القرآن في السجود ، فهل يجب عليه سجود سهو ؟ وهل هو قبل السلام أو بعده ؟
فأجاب بقوله : أولاً : القراءة في السجود غير مشروعة ، بل منهى عنها ، وكذلك في الركوع لقول النبي صلى الله عليه وسلم : (( ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعاً أو ساجداً ، أما الركوع فعظموا فيه الرب ،وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء فقمن ان يستجاب لكم ))(2) وصلاته صحيحة على القول الراجح .
ثانياً : إذا أتى الإنسان بالقول المشروع في غير موضعه مع الإتيان بالقول المشروع في الموضع ، كان يقرأ في السجود مع قول (( سبحان ربي الأعلى )) ، فإنه لا يجب عليه سجود السهو بل يشرع له ، ولكن لو أتى بالقول المشروع في غير موضعه مع عدم الإتيان بالقول المشروع في موضعه ، كأن يقرأ في السجود مع عدم قول (( سبحان ربي الأعلى )) فإنه يجب عليه سجود السهو ، لأنه ترك واجباً ، ويكون قبل السلام .
673 وسئل فضيلة الشيخ : عن رجل دخل في الوتر ونوى أن يصلي ركعتين ثم يسلم ويأتي بالثالثة مفردة ، ولكنه سهى وقام إلى الثالثة فما العمل ؟
فأجاب فضيلته بقوله : نقول له : أتم الثالثة ، لأن الوتر يجوز فيه الزيادة على ركعتين .
674 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن إمام سلم من ثلاث ركعات في صلاة الظهر يظن أنها تمت فنبهه المأمومون مباشرة فماذا يفعل في تلك الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله : بم أنه علم قريباً فإنه يبنى على ما سبق ، فيأتي بركعة بنية أنها تكملة الصلاة لا أنها مستقلة ، ثم يسجد سجدتين بعد السلام .(75/14)
ودليل هذه المسألة : حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (( صلى الظهر ، أو العصر فسلم من ركعتين ، ثم قام فتقدم إلى خشبة في مقدمة المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان ، وكان الناس فيهم خيار الصحابة كأبي بكر ، وعمر ، لكن لهيبتهم رسول الله صلى الله عليه وسلم هابا أن يكلماه مع أنهما أخص الناس به ، وكان في القوم رجل يداعبه النبي صلى الله عليه وسلم يسميه ذا اليدين لطول يديه ، فقال يارسول الله : (( أنسيت ، أم قصرت الصلاة ؟ )) فقال : (( لم أنس ولم تقصر )) ، قال : بلى قد نسيت ، فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم إلى الناس وقال : (( أحق ما يقول ذو اليدين )) ؟ قالوا نعم ، فتقدم فصلى ما ترك ، ثم سلم ، ثم سجد سجدتين ثم سلم ))(1).
675 سئل فضيلة الشيخ- رعاه الله تعالى -: عن مصل سلم من صلاته يظن أنها قد تمت، ففعل ما ينافي الصلاة فأكل وشرب ثم تذكر أنه قد بقى عليه من صلاته فما الحكم ؟
فأجاب فضيلته بقوله : يبنى على ماسبق ، لأن فعله ما ينافي الصلاة كان بناء على أنها تمت صلاته ، فيكون صادراً عن نسيان ، أو عن جهل بحقيقة الحال ، والنسيان ، والجهل عذر يسقط بهما فعل المنهى وهو الأكل مثلاً ، أو الشرب ، أو ما أشبه ذلك ، ولهذا بنى النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على صلاتهم مع فعلهم ما ينافي الصلاة وهو الكلام ، ولكن لو كان الفعل المنافي للصلاة هو الحدث فلا يبني على صلاته ، لأنه إذا أحدث تعذر بناء بعض الصلاة على بعض لانقطاعهم بالحدث . وخلاصة جواب السائل : بما أنه كان الفاصل الأكل والشرب فإنه يبني على ما سبق ويسجد للسهو بعد السلام .
676 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: إذا كانت قراءة الفاتحة ركناً من أركان الصلاة ، لا تصح الصلاة إلا به ، فما الحكم في إمام أو مأموم نسي قراءة الفاتحة ؟(75/15)
فأجاب فضيلته بقوله : هذا سؤال وجيه ، فالفاتحة ركن لا تصح الصلاة إلا بها في كل ركعة ، فإذا نسيها الإمام في الركعة الأولى ، ولم يتذكر إلا حين قام للركعة الثانية ، صارت الثانية هي الأولى في حقه ، وعلى هذا فلا بد أن يأتي بركعة أخرى عوضاً عن الركعة التي ترك فيها الفاتحة .
أما المأموم فإنه لا يتابعه في هذه الركعة ، لكن يجلس للتشهد ، وينتظر حتى يسلم مع إمامه .
أما بالنسبة للمأموم إذا تركها ، فمن قال : إن المأموم ليست عليه قراءة الفاتحة ، فالأمر واضح أنه ليس عليه شيء .
ومن قال : إنها ركن في حقه ، فهو كالإمام فإذا تركها يأتي بعد سلام إمامه بركعة ، إلا إذا جاء والإمام راكع ، أو جاء والإمام قائم ، ولكن ركع قبل أن يتمها ، ففي هذه الحال تسقط عنه – أي عن المأموم – في الركعة الأولى .
677 وسئل فضيلة الشيخ حفظه الله : إذا ترك الإنسان تكبيرة الإحرام سهواً فما الحكم ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا ترك المصلي تكبيرة الإحرام سهواً أو عمداً ، لم تنعقد صلاته ، لأن الصلاة لا تنعقد إلا بتكبيرة الإحرام ، فلو فرضنا أن شخصاً وقف في الصف ثم شرع في الاستفتاح ، وقرأ الفاتحة واستمر فإننا نقول إن صلاته لم تنعقد أصلاً ولو صلى كل الركعات .
678 سئل فضيلة الشيخ : عن رجل يصلي فقام في الركعة الأولي بعد أن سجد السجود الأول إلى الركعة الثانية ، فلما شرع في قراءة الفاتحة ذكر أنه لم يسجد إلا سجدة واحدة ، فما الحكم ؟
فاجاب الشيخ بقوله : بما أن المصلي ذكر قبل أن يصل إلى موضع السجود من الركعة الثانية فإنه يرجع وجوباً ويجلس بين السجدتين ويسجد ، ثم يتم صلاته ، ويسجد للسهو بعد السلام .
أما لو لم يذكر إلا بعد أن رفع من السجود في الركعة التالية فإن الركعة الأولي تلغو وتقوم التي تليها مقامها .(75/16)
679 وسئل فضيلة الشيخ : عن مصل لما جلس بين السجدتين في الركعة الثانية ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأولي إلا سجدة واحدة ، فهل نقول له ارجع إلى الركعة الأولى ؟
فأجاب فضيلته بقوله : لا نقول له ارجع إلى الركعة الأولي ، لأننا لو قنا له : ارجع فسيرجع إلى نفس الموضع الذي هو فيه من الركعة الثانية ، وعلى هذا تكون الركعة الثانية التي هو فيها هي الأولي ، وعليه في ذلك سجود سهو ، ويكون بعد السلام .
680 سئل فضيلة الشيخ : عن رجل صلى ، ولما فرغ من صلاته ذكر أنه لم يسجد في الركعة الأخيرة إلا سجدة واحدة فهل يعيد الركعة ، أم ماذا يفعل ؟
فأجاب فضيلته بقوله : لا يلزمه أن يأتي بركعة كاملة على القول الصحيح ، وإنما يأتي بما ترك وبما بعده ، لأن ما قبل المتروك واقع في محله وصحيح فلا يلزم الإتيان به مرة اخري .
اما ما بعد المتروك فقلنا : بوجوب الإتيان به من إجل الترتيب .
وعلى هذا فنقول في هذه الحال : ارجع واجلس بين السجدتين ، واسجد السجدة الثانية، ثم اقرأ التشهد ، ثم سلم ، ثم اسجد للسهو وسلم .
681 وسئل فضيلته : عن مصل نوى أن ينهض عن التشهد الأول ولكنه ذكر قبل أن ينهض فما الحكم ؟
فأجاب الشيخ بقوله : في هذه الحال التي ذكر السائل والتي نوى فيها النهوض عن التشهد الأول وذكر قبل أن ينه، يعني قبل أن تفارق ركبتاه الأرض أن هذا محل التشهد الأول، فعليه أن يستقر ويتشهد وليس عليه شيء ، لأنه لم يزد في صلاته ، وغاية ما هنالك أنه نوى أن يقوم ثم ذكر فاستقر جالساً ، ولم يؤثر في صلاته شيئاً لا بزيادة ولا نقص .
682 وسئل فضيلته : عن مصل قام عن التشهد الأول وقبل أن يشرع في القراءة ذكر هل يرجع ؟ ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال ؟(75/17)
فأجاب الشيخ بقوله : في هذه الحال لا يرجع ، لأنه انفصل عن التشهد تماماً حيث وصل إلى الركن الذي يليه ، فيكره له الرجوع وإن رجع لم تبطل صلاته ، لأنه لم يفعل حراماً ولكن عليه أن يسجد للسهو ، ويكون قبل السلام .
وقال بعض العلماء يجب عليه المضي ولا يرجع وعليه سجود السهو لجبر ما نقص من الواجب ، ويكون قبل السلام .
683 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن مصل قام عن التشهد الأول ، ولما شرع في قراءة الفاتحة ذكر أنه ترك التشهد الأول فهل يرجع ؟ ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا ذكر المصلي الذي نسي التشهد الأول بعد الشروع في قراءة الركعة الأخري ، فيحرم الرجوع إلى التشهد ، ولكن عليه أن يسجد للسهو ، ويكون قبل السلام .
684 سئل فضيلة الشيخ : عن مصل نهض عن التشهد الأول وذكر قبل أن يستتم قائماً فهل يرجع إلى التشهد أو يستتم قائماً ومتى يسجد للسهو قبل السلام أو بعده في تلك الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا نهض المصلي عن التشهد الاول وذكر قبل أن يستتم قائماً فيجب عليه الرجوع ، ويسجد للسهو ، وموضعه قبل السلام .
685 وسئل فضيلته : عن رجل نسي أن يقول في الركوع (( سبحان ربي العظيم )) فما الحكم ؟ ومتى يسجد للسهو ؟ قبل السلام ، أو بعده في تلك الحال ؟
فأجاب الشيخ بقوله : إذا نهض المصلي من الركوع ولم يقل : (( سبحان ربي العظيم)) فإن ذكر قبل أن يستتم قائماً فإنه يلزمه الرجوع ، وإن استتم قائماً حرم الرجوع ، وعليه أن يسجد للسهو لأنه ترك واجباً ، ويكون قبل لأنه عن نقص .
686 سئل فضيلة الشيخ : عن رجل صلى وشك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في صلاة العصر وترجح عنده أنها أربع ، فماذا يفعل ؟ ومتى يسجد للسهو في تلك الحال قبل السلام أو بعده؟(75/18)
فأجاب فضيلته بقلوله : نقول له اجعلها أربعاً ، لانه ترجح عندك ذلك ، ومثله لو ترجح عنده إنها ثلاث يجعلها ثلاثاً ، ويأتي بالباقي ، ويسجد في كلتا الحالين للسهو ، وموضعه بعد السلام ، ودليل ذلك حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيمن شك فتردد هل صلى ثلاثاً أم أربعاً ؟ قال : (( فليتحر الصواب ثم ليتم عليه – يبني على التحري – ثم ليسلم ، ثم ليسجد سجدتين بعد أن يسلم ))(1)
687 وسئل فضيلته : عن رجل صلى الفجر ، وشك هل صلى ركعة أم ركعتين ، ولم يترجح لديه شيء ، فماذا يفعل ؟ ومتى يسجد للسهو ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا شك الإنسان في عدد الركعات ولم يترجح عنده شيء ، أخذ بالأقل ، وبناء على هذا نقول لهذا الرجل : خذ بالأقل الذي هو ركعة واحدة ، ثم أتم الصلاة ، واسجد للسهو قبل السلام .
688 وسئل فضيلة الشيخ : رجل صلى وشك هل صلى ثلاثاً أم اربعة ، لكنه في أثناء هذه الركعة تيقن أنها الرابعة وليس فيها زيادة فهل يلزمه أن يسجد أو لا يلزمه ؟
فأجاب فضيلته بقوله : نعم يلزمه سجود السهو ، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال (( فلم يدركم صلى ))(1) هذا لأجل أن يبني على ما عنده وظاهره أنه لو درى فيما بعد فإنه يسجد لقوله : (( فإن كان صلى خمساً شفعن صلاته وإن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان ))(2) ولأنه إدي الركعة وهو شاك هل هي زائدة ، أو غير زائدة ؟
فيكون أدى جزءً من صلاته متردداً في كونه منها ، فيلزمه السجود ، وموضعه قبل السلام .
وقال بعض العلماء : إذا تبين له أنه مصيب فيما فعله ، فإنه لا سجود عليه ، لأن شكه زال ، وسجود السهو إنما كان لجبر الصلاة من الشك الذي حصل فيها وقد زال .
689 وسئل فضيلة الشيخ – رعاه الله -: عن المصلي إذا شك في ترك الركن ، كأن قام إلى الركعة الثانية وشك هل سجد مرتين أم مرة واحدة في الركعة الأولى ولم يترجح لديه شيء ؟(75/19)
فأجاب فضيلته بقوله : إذا شك الإنسان في ترك الركن ولم يترجح لديه شيء ، فالأصل عدم فعله ، ولهذا نقول للسائل : ارجع واجلس بين السجدتين ، ثم اسجد ، وأتم صلاتك ، ثم اسجد للسهو بعد السلام .
690 سئل فضيلته : عن المصلي إذا شك في الركن ، كأن قام إلى ثانية وشك هل سجد مرتين أم مرة واحدة وترجح عنده أنها اثنتان فما الحكم ؟
فأجاب الشيخ بقوله : الحكم في هذه المسألة : بما أنه ترجح عنده أنه سجد سجدتين يكون فاعلاً لهما حكماً ولا يرجع ، ولكن عليه سجود سهو بعد السلام .
691 وسئل فضيلة الشيخ : عن المصلي إذا شك في الواجب كأن شك هل تشهد التشهد الأو أم لا ولم يترجح عنده شيء ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذ شك المصلي في ترك الواجب فهو كتركه وعليه سجود السهو ، لأنه شك في فعله وعدمه ، والأصل عدم الفعل فيجب عليه سجود السهو ، ويكون قبل السلام ، لأنه عن نقص .
692 وسئل فضيلة الشيخ : عن مصل شك هل قال : (( سبحان ربي العظيم )) في الركوع أم لا ، وترجح عنده أنه قاله فما الحكم ؟
فأجاب فضيلته بقوله : إذا شك المصلي في ترك الواجب وترجح لديه فعله ، فلا سجود عليه .
وعلى هذا فنقول لهذا المصلي بما أنه ترجح لديك فعل الواجب الذي هو قول : (( سبحان ربي العظيم )) في الركوع فلا سجود عليك .
693 سئل فضيلة الشيخ : عن مصل شك وهو يتشهد التشهد الأخير في صلاة الظهر هل صلى خمساً أم اربعاً ؟ هل عليه سجود سهو أم لا ؟
فأجاب الشيخ بقوله : نقول لهذا المصلي لا سجود عليك ، لأن الأصل عدم الزيادة ، فهذا الشك في سبب وجوب سجود السهو ، وهو الزيادة ، والأصل عدمها .
694 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله : إذا شك المصلي في الزيادة حين فعلها ، كأن شك وهو في الرابعة هل هذه خامسة أم رابعة ؟ فهل عليه سجود سهو أم لا ؟(75/20)
فأجاب بقوله : الشك في الزيادة حين فعلها يوجب سجود السهو ، لأنه أدى جزءً من صلاته متردداً في كونه منها ، وعليه فنقول لهذا المصلي : عليك سجود سهو ، ويكون بعد السلام إن كان عنده ترجيح ، وإلا فقبل السلام .
695 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: إذا سجد الإمام سجود السهو ، فهل يجب على المأموم أن يتابعه في ذلك مع أنه لم يسه في صلاته ؟
فأجاب فضيلته بقوله : يجب على المأموم إذا سجد الإمام للسهو أن يسجد معه سواءً سها أم لم يسه ، لعموم قوله صلى الله عليه وسلم (( إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفو عليه))(1) ، وسواء كان سجود السهو قبل السلام ، أو بعده ، وهذا ظاهر فيما إذا كان سهو الإمام قد أدركه المأموم ، يعني أن المأموم لم يفته شيء من الصلاة فهنا يجب أن يسجد مع الإمام ولو بعد السلام ، ولكن إذا كان المأموم مسبوقاً وسجد مع الأمام ولو بعد السلام فإنه لا يلزم المأموم متابعته ، لأن المتابعة حينئذ متعذرة لوجود الحائل دونها وهو السلام ، وحينئذ لا يتابعه إذا سجد بعد السلام وهو مسبوق .
ولكن هل يلزمه إذا أتم صلاه أن يسجد بعد السلام كما سجد الإمام ؟ فيه تفصيل :
1- إذا كان سهو الإمام فيما إدركه المسبوق من الصلاة ، وجب عليه أن يسجد بعد السلام .
2- وإن كان سهو الإمام فيما مضى من الصلاة قبل أن يدخل معه فلا يجب عليه أن يسجد.
فمثلاً على الحال الأولى: أن يكون سهو الإمام زيادة بأن ركع مرتين في الركعة الثانية، وأنت أدركته في ذلك، فهنا يلزمك أن تسجد إذا أتممت صلاتك؛ لأنك أدركت الإمام في السهو فارتبطت صلاتك بصلاته، صار ما حصل من نقص حاصلاً لك.(75/21)
والمثال على الحال الثانية: أن تكون زيادة الركوع في الركعة الأولى، وأنت لم تدخل معه في الركعة الثانية، فإنه لا يلزمك الأولى، لأن الأصل في وجوب السجود هنا متابعة الإمام، المتابعة هنا متعذرة، لأنه بعد السلام، وأنت لم تدرك الإمام في الركعة التي سها فيها، فارتبطت به في صلاة ليس فيها سهو فلم يلزمك أن تسجد.
والخلاصة: أنه إن كان سجود الإمام قبل السلام لزم المأموم متابعته فيه بكل حال، وإن كان بعده، فإن كان لم يفته شيء لزمته متابعته، وإن فاته شيء من الصلاة لم يتابعه لتعذر المتابعة – كما سبق – ولكن إن كان قد أدرك سهو الإمام وجب أن يسجد بعد السلام، وإن كان سهو الإمام قبل أن يدخل معه لم يلزمه السجود.
696 وسئل فضيلة الشيخ: إذا قام الإمام من التشهد الأول ناسياً فهل يلزم المأموم متابعة الإمام في ذلك مع أن المأموم يعلم أنه ترك التشهد الأول؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يلزم المأموم متابعة الإمام إذا قام عن التشهد الأول ناسياً وإن كان المأموم ذاكراً.
697 سئل فضيلة الشيخ: غفر الله له وجزاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: عن رجل صلى مع إمامه صلاة العصر كاملة من أولها، ولكنه سها في إحدى السجدات ولم يقل: "سبحان ربي الأعلى" فهل يسجد للسهو أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول لهذا الرجل لا سجود عليك؛ لأنه في هذه الحال التي ذكر سيكون السجود قبل السلام، ومعلوم أنه سيحصل بسجوده الذي قبل السلام مخالفة للإمام، والقاعدة أن الواجب يسقط عن المأموم من أجل متابعة الإمام، وسجود السهو واجب، إذاً: فيسقط عن المأموم من أجل متابعة الإمام.
698 وسئل فضيلته: عن رجل مسبوق نسي أن يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، وقد أدرك الإمام في الركعة الثانية فهل يجب عليه سجود السهود أم لا؟(75/22)
فأجاب الشيخ بقوله: نعم، يجب عليه سجود السهو؛ لأنه ترك واجباً، فإذا أتى بالركعة التي فاتته وجب عليه أن يسجد سجود السهو عن ترك الواجب، لأنه الآن إذا سجد لا يحصل منه مخالفة للإمام؛ لأنه انفرد في قضاء ما فاته من الصلاة.
وعليه فنقول: إذا سها المأموم في صلاته وكان مسبوقاً وجب عليه أن يسجد للسهو إذا كان سهوه مما يوجب السجود.
699 سئل فضيلة الشيخ: إذا ترك المصلي دعاء الاستفتاح فهل يجب عليه سجود السهو؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه تعمد تركه، ولا تبطل صلاته؛ لأنه سنة، ولكن إذا تركه ناسياً وهو من عادته أن يفعله، فإنه يسن له سجود السهو؛ لأنه قول مشروع نسيه فيجبره بسجود السهو.
700 وسئل فضيلته: إذا فعل الإنسان ما يبطل الصلاة كأن يتكلم فيها فما الحكم؟
فأجاب الشيخ بقوله: إذا فعل الإنسان ما يبطل الصلاة، فإن كان متعمداً بطلت صلاته، وإن فعل ذلك جاهلاً، أو ناسياً لم تبطل صلاته، وبناء عليه: إذا تكلم عالماً عامداً في صلاته بطلت، وإن كان جاهلاً أو ناسياً لم تبطل.
التنبه بغير التسبيح
701 وسئل فضيلة الشيخ: إذا كان الكلام في مصلحة الصلاة، مثل نسي الإمام قراءة الفاتحة، فنقول له اقرأ الفاتحة، وإذا نسي الركوع وسجد وقيل له سبحان الله فلم يفهم خطأه، فنقول له لم تركع... فهل ذلك يبطل الصلاة؟(75/23)
فأجاب فضيلته بقوله: نعم الكلام يبطل الصلاة، وأعني بالكلام كلام الآدميين والدليل على ذلك قصة معاوية بن الحاكم – رضي الله عنه – حين جاء والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه فعطس رجل من القوم فقال: الحمد لله – قاله العاطس – فقال معاوية يرحكم الله، فرماه الناس بأبصارهم، فقال: واثكل أمياه – قاله معاوية – فجعلوا يضربون على أفخاذهم يسكتونه، فسكت، فلما قضى صلاته دعاه النبي صلى الله عليه وسلم، قال معاوية: فبأبي هو وأمي، ما رأيت معلماً أحسن تعليماً منه – صلوات الله وتسليمه عليه – والله ما كهرني، ولا نهرني وإنما قال: "إن هذه الصلا ة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس، إنما هو التسبيح والتكبير وقراءة القرآن"، الشاهد قوله صلى الله عليه وسلم: "إن هذه الصلاة لا يصلح فيها شيء من كلام الناس" وهذا عام، فشيء نكرة في سياق النفي يفيد العموم سواء لمصلحة الصلاة لغير مصلحة الصلاة، وعلى هذا فلا يجوز لنا أن ننبه الإمام بشيء من الكلام، فإذا سجد قلنا سبحان الله في غير موضع السجود وقام وقلنا سبحان الله؛ لأنه ليس موضع القيام فلا نقول له اجلس لأنك إن قلت اجلس فإنك تكون قد كلمت الآدمي فتبطل صلاتك.
فإذا تكلم أحد الناس جاهلاً فلا عليه إعادة، ولهذا لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم معاوية بالإعادة مع أنه تكلم مرتين، مرة قال للعاطس (يرحمك الله) ومرة قال: (واثكل أمياه) ولم يأمره بالإعادة، لكن لو أن الإمام في صلاة جهرية نسي أن يجهر فقلنا له سبحان الله فلم يفهم، فكيف ننبهه؟
الجواب: نقرأ جهراً يرفع أحد المصلين صوته بقراءة الفاتحة فينتبه الإمام.
702 وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل نسي التشهد الأول فعلم أنه يجب عليه سجود سهو قبل السلام ولكنه نسي وسلم فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن ذكر في زمن قريب سجد، وإن طال الفصل سقط، مثل أن لا يذكر إلا بعد مدة طويلة، فلو خرج من المسجد فإنه لا يرجع إلى المسجد ويسقط عنه.(75/24)
703 وسئل فضيلته: عن من سها مراراً، كأن ترك قول "سبحان ربي العظيم" في الركوع، وترك التشهد الأول، وترك قول "سبحان ربي الأعلى" في السجود فكم مرة يسجد للسهو؟
فأجاب الشيخ بقوله: إذا سها الإنسان مراراً، فنقول له يكفيك سجدتان؛ لأن الواجب من جنس واحد فدخل بعضه في بعض، كما لو أحدث ببول، وغائط، وريح، وأكل لحم إبل، فإن يكفيه وضوء واحد، ولا يلزمه أن يتوضأ لكل سبب وضوء.
704 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: ما المشروع في تنبيه الإمام إذا سها في صلاته؟
فأجاب الشيخ بقوله: المشروع في تنبيه الإمام أن يسبح من وراءه بالنسبة للرجل، والتصفيق بالنسبة للنساء، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إذا نابكم شيء في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء".
705 وسئل فضيلته: إذا نبه الإمام من قبل المأمومين بدون تسبيح فهل يعطى ذلك حكم التسبيح مثل أن يتنحنحوا؟
فأجاب الشيخ بقوله: نعم إذا نبه الإمام من قبل المأمومين بغير تسبيح فكما لو نبهوه بتسبيح.
706 وسئل فضيلته: عن إمام سبح به رجل واحد فقط فهل يلزمه الرجوع؟
فأجاب الشيخ بقوله: لا يلزمه الرجوع، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرجع إلى قول ذي اليدين، لكن إن غلب على ظنه صدقه أخذ بقوله، فإن سبح به رجلان ثقتان وجب عليه الرجوع، إلا أن يجزم بصواب نفسه، فإن لم يرجع وهو لم يجزم بصواب نفسه بطلت صلاته؛ لأنه ترك الواجب عمداً، وإن جزم بصواب نفسه لم يرجع وبنى على ما جزم به.
707 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: عن إمام سبح به رجل على أنه زاد في صلاته، وسبح به رجل آخر بما يدل على أنه لم يزد في صلاته.. فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في ذلك أنهما يتساقطان، فلو قال أحدهما لما قام الإمام: "سبحان الله" إذاً تعارض عنده قولان للجلوس قال الثاني: "سبحان الله" إذاً تعارض عنده قولان فيتساقطان، كل قول يسقط الآخر، ويرجع إلى ما عنده ويبني عليه.(75/25)
708 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل صلى بأمه وأخته وأخطأ فنبهتاه بالتصفيق فهل يرجع أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: يرجع لأن هذا خبر ديني، فاستوى فيه الذكور والإناث، ولأنه خبر عن عمل تشاركان فيه العامل، فلا يمكن أن تكذبا عليه؛ لأنه لو أخطأ أخطأتا معه، فلهذا نقول: أن المرأتين كالرجلين ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا نابكم في صلاتكم فليسبح الرجال، ولتصفق النساء".
فوائد مختصرة في أحكام سجود السهو
1- من ترك ركناً ناسياً لا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: إن ذكره قبل أن يصل إلى محله وجب عليه الرجوع.
الحال الثانية: إن ذكره بعدما وصل إلى محله، فإنه لا يرجع؛ لأنه لو رجع لم يستفد شيئاً وتكون الركعة الثانية بدلاً عن التي قبلها.
الحال الثالثة: إن ذكره بعد السلام فإن كان في الركعة الأخيرة أتى بها وبما بعده فقط، وإن كان فيما قبلها أتى بركعة كاملة.
وفي كل الحالات يجب عليه سجود السهو، ومحله بعد السلام.
2- لا يشرع سجود السهود في العمد؛ لأنه إن كان تعمد ترك واجب، أو ركن فالصلاة باطلة، لا ينفع فيها سجود السهو، أما إن كان تعمد ترك سنة فالصلاة صحيحة.
3- من ترك واجباً ناسياً كالتشهد الأول فلا يخلو من ثلاث حالات:
الحال الأولى: إذا ذكر بعد أن تهيأ للقيام، ولم ينفصل عن المكان الذي هو فيه، فإنه يستقر فيه، وليس عليه سجود سهو.
الحال الثانية: إذا انفصل عن المكان، ولم يصل إلى المكان الذي قام إليه فيجب عليه الرجوع، وعليه السجود.
الحال الثالثة: إذا وصل إلى المكان الذي قام إليه، فإنه لا يرجع، وعليه سجود السهو.
4- إذا شك المصلي ولم يترجح لديه شيء، أخذ بالأقل.
5- إذا شك المصلي وترجح لديه شيء، بنى على الراجح عنده.
6- الشك في الزيادة حال فعل الزيادة يوجب سجود سهو.
7- الشك في الزيادة بعد الانتهاء منها لا يوجب سجود سهو.
8- سجود السهو واجب لكل شيء يبطل الصلاة عمده مما كان من جنس الصلاة.(75/26)
9- إذا ترك المصلي سنة كان يفعلها فسجوده للسهو سنة وليس بواجب.
10- من سها مراراً كفته سجدتان.
11- إذا اجتمع سجودان أحدهما قبل السلام والثاني بعده سجد قبل السلام.
709 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: إذا نسي الإمام سجدة وقام إلى الركعة التالية فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: مثل هذه الحال إذا وقعت للمصلي فقام من سجدة واحدة إلى الركعة التي تليها، فإنه يجب عليه أن يرجع ليأتي بالسجود ثم يستمر في صلاته، ويكمل الصلاة ويسلم منها ثم يسجد بعد السلام سجدتين للسهو، ويسلم إلا إذا لم يذكر أنه نسي السجدة حتى وصل إلى المحل الذي قام منه، فإنه حينئذ يلغي الركعة التي نسي السجود فيها ويجعل الركعة التي أتى بها بدل الركعة التي نسي منها السجود.
مثال ذلك: رجل قام من السجدة الأولى في الركعة الثالثة إلى الركعة الرابعة ولما شرع في القراءة واستمر ذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية ولم يجلس بين السجدتين فنقول له: ارجع واجلس بين السجدتين، ثم اسجد السجدة الثانية، وبهذا تتم الركعة الثالثة، ثم تقوم إلى الركعة الرابعة وتكمل الصلاة وتسلم، ثم تسجد سجدتين للسهو وتسلم؛ وذلك لأن السهو هنا حصل فيه زيادة في الصلاة وهو القيام، وسجود السهو إذا كان سببه الزيادة فإنه يكون بعد السلام، أما إذا لم يذكر حتى قام من السجدة الأولى في الركعة الرابعة فإنه يلغي الركعة الثالثة، وتكون هذه الرابعة هي الثالثة فيأتي بالرابعة ويسلم، ويسجد بعد السلام سجدتين للسهو، ويسلم.(75/27)
710 وسئل فضيلة الشيخ: عن إمام صلى المغرب، وعندما أكمل ركعتين لم يجلس للتشهد، ووقف ليأتي بالركعة الثالثة فقال بعض الجماعة: سبحان الله، فجلس فوراً وأتى بالجلوس ثم وقف واستتم واقفاً للركعة الثالثة، وأكمل الصلاة، فقال له بعض الجماعة، كيف رجعت من الفرض للسنة؟ فأجاب لم أبدأ بالقراءة، ولذلك رجعت للجلوس، أفيدونا عن حكم ذلك بارك الله فيكم وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: عمله هذا خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولأن الإنسان إذا قام عن التشهد الأول واستتم قائماً فإنه لا يرجع، وعليه أن يسجد للسهو قبل السلام سجدتين، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم "حين صلى بأصحابه الظهر فقام من الركعتين ولم يجلس فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس وسجد سجدتين ثم سلم"(1).
وقد روي من حديث المغيرة بن شعبة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "فإن استوى قائماً فلا يجلس"(2).
فالقاعدة: إذاً: أن من قام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً، فإنه لا يجلس، ولكن يجب عليه سجود السهو سجدتين قبل السلام.
وأما قول الجماعة له: كيف رجعت من الفرض إلى السنة؟
فهذا فيه نظر؛ لأن جعلهم التشهد الأول من السنة ليس بصحيح؛ لأن التشهد الأول واجب لحديث ابن مسعود – رضي الله عنه قال: (كنا نقول قبل أن يفرض علينا التشهد)(3) فإن قوله: "قبل أن يفرض علينا التشهد" يعم التشهد الأول والثاني، لكن لما جبر النبي صلى الله عليه وسلم التشهد الأول بسجود السهو علم إنه ليس بركن، وأنه واجب يجبر إذا تركه المصلي بسجود السهو.
711 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: إذا نسي المصلي السجدة الثانية ثم تذكر بعد السلام فما العمل؟
فأجاب فضيلته قائلاً: إن كانت السجدة الثانية من آخر ركعة فإنه يأتي بها وبالتشهد الأخير بعدها ويسلم ثم يسجد للسهو سجدتين ويسلم.(75/28)
وإن كانت من ركعة قبل الأخيرة فإن تلك الركعة التي نسي فيها السجدة تلغو وتكون التي تليها بدلها، ويحتاج إلى أن يأتي بركعة ثم يسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
712 وسئل فضيلة الشيخ: عن رجل صلى مع الإمام صلاة القيام، وعندما سلم الإمام قام وصلى الثانية، إلا أنه نسي الركوع ولم يتذكر إلا بعد السجود... فهل عليه سجود سهو؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا تذكر المصلي أنه نسي الركوع، وهو ساجد فإن الواجب عليه أن يقوم من سجوده، ثم يكمل قراءته إذا كانت لم تكمل، ثم يركع ويكمل صلاته، ويسلم، ثم يسجد سجدتين ويسلم.
713 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: من صلى العشاء ثلاثاً ثم تكلم أو مشى قليلاً فهل يعيد الصلاة أو يبني على ما مضى ويسجد للسهو؟
فأجاب فضيلته قائلاً: الواجب عليه أن لا يعيد الصلاة من أولها، بل الواجب أن يكمل الصلاة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه عمران بن حصين: "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى العصر فسلم في ثلاث ركعات، ثم دخل منزله، فقام إليه رجل يقال له الخرباق وكان في يديه طول، فقال: يا رسول الله – فذكر له صنيعه – وخرج غضبان يجر رداءه حتى انتهى إلى الناس فقال: أصدق هذا؟ قالوا: نعم، فصلى ركعتين ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم"(1).
فإذا حصل هذا فالواجب على المرء أن يكمل صلاته ثم يسلم، ثم يسجد سجدتين للسهو ثم يسلم، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم وقال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(2). لكن إذا طال الفصل أو انتقض وضوءه، وجب عليه استئناف الصلاة من جديد؛ لأنه يتعذر عليه بناء بعضها على بعض حينئذ.
714 وسئل فضيلته: عن امرأة صلت مع الإمام في المسجد الحرام صلاة الفجر، وقد فاتها ركعة، وعندما سلم الإمام سلمت معه جهل، وبعد السلام تكلمت وسألت عن حكم هذا، فقيل لها: صلي ركعة واحدة واسجدي سجود السهو ففعلت، فما الحكم أثابكم الله؟(75/29)
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم عملها صحيح، فإذا سلم الإنسان مع الإمام، وهو يظن أنه قد أتم صلاته ثم ذكر فإنه يأتي بالباقي، ويأتي بسجود السهو بعد السلام، وتتم بذلك صلاته.
715 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: إذا أتم المسافر الصلاة ناسياً فما الحكم؟
فأجاب فضيلته قائلاً: إذا أتم المسافر الصلاة ناسياً، فإن صلاته صحيحة، ولكن يسجد للسهو؛ لأنه زاد زيادة غير مشروعة ناسياً، فإن المشروع في حق المسافر أن يقتصر على ركعتين، إما وجوباً على مذهب أبي حنيفة وأهل الظاهر، وإما استحباباً على مذهب أكثر أهل العلم. والله أعلم.
716 وسئل فضيلة الشيخ: قرأت في بعض الكتب بأن الصلاة إذا انتهت وشك المصلي في عدد ركعاتها بأنها باطلة، وفي بعض الكتب بأنه إذا شك المصلي يسجد سجدتين بعد انتهاء الصلاة، فما هو الصحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن الصلاة لا تبطل، لأن هذا الشك يأتي على الإنسان كثيراً بغير اختياره، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم حكم من شك في صلاته، وأن الشك على قسمين:
القسم الأول: أن يشك الإنسان في عدد الركعات مع كونه يرجح أحد الطرفين، ففي هذا القسم يبني الإنسان على ما ترجح عنده، فيتم الصلاة عليه، ويسلم، ويسجد للسهو بعد السلام.
القسم الثاني: أن يشك الإنسان في عدد الركعات، ولم يترجح عنده أحد الطرفين، ففي هذا القسم يبني على الأقل، لأنه متيقن، والزائد مشكوك فيه، فيتم على الأقل ويسجد للسهو سجدتين قبل السلام، ولا تبطل صلاته بذلك. هذا حكم الشك في عدد الركعات.
وكذلك لو شك هل سجد السجدة الثانية أم لم يسجد؟ وهل ركع أم لم يركع؟ فإنه إذا كان لديه ترجيح لأحد الطرفين عمل بالراجح وأتم صلاته عليه وسجد للسهو بعد السلام، وإن لم يكن لديه ترجيح لأحد الطرفين فإنه يعمل بالأحوط وأنه لم يأت بهذا الركوع، أوهذا السجود الذي شك فيه، فليأت به وبما بعده ويتم صلاته عليه ويسجد للسهو قبل السلام.(75/30)
إلا إنه إذا وصل إلى مكان الركن المشكوك فيه تركه، فإن الركعة الثانية تكون بمقام الركعة التي ترك منها ذلك الركن.
717 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك الإنسان في صلاته فلم يدر كم صلي أربعاً صلى أو ثلاثاً، فهل يقطع الصلاة ويصلي من جديد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك الإنسان في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أو أربعاً، فإنه لا يحل له أن يخرج من صلاته بهذا الشك إذا كانت فرضاً؛ لأن قطع الفرض لا يجوز، وعليه أن يفعل ما جاءت به السنة، والسنة جاءت أنه إذا شك الإنسان في صلاته فلم يدر كم صلى أثلاثاً أم أربعاً فلا يخلو من حالين:
إحداهما: أن يشك شكاً متساوياً، بمعنى أنه لايترجح عنده الثلاث أو الأربع، وفي هذه الحال يبني على الأقل. فيبني على أنها ثلاث، ويأتي بالرابعة، ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
الحال الثانية: أن يشك شكاً بين طرفيه رجحان على الآخر بمعنى أن يشك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، ولكنه يترجح عنده أنه صلى أربعاً، ففي هذه الحال يبني على الأربع، ويسلم ويسجد للسهو بعد السلام.
هكذا جاءت السنة بالتفريق بين الحالين في الشك.
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبني على ما استيقن في الحال الأولى، وأن يتحر الصواب في الحال الثانية، يدل على أنه لا يخرج من الصلاة بهذا الشك، فإن كان فرضاً فالخروج منه حرام؛ لأن قطع الفريضة محرم، وإن كانت نفلاً فلا يخرج منها من أجل هذا الشك، ولكن يفعل ما أمره به النبي صلى الله عليه وسلم، وإن شاء فليقطعها فإن قطع النافلة جائز، إلا أن العلماء قالوا: يكره قطع النافلة بدون غرض صحيح، هذا إذا لم تكن النافلة حجاً أو عمرة، فإن كانت النافلة حجاً أو عمرة، فإنه لا يجوز قطعهما إلا مع الحصر لقوله تعالى: (وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ). وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج، نزلت في الحديبية، والحج فرض في السنة التاسعة. والله أعلم.(75/31)
718 سئل فضيلة الشيخ – أعلى الله مكانه ومكانته -: إذا شك المصلي كم صلى من الركعات فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك المصلي كم صلى من الركعات فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يغلب على ظنه عدد معين سواء كان الأقل أو الأكثر، فإذا غلب على ظنه عدد معين أخذ بهذا الظن وبنى عليه، فإذا أتم صلاته وسلم، سجد سجدتين للسهو ثم سلم، وحينئذ يكون محل السجود بعد السلام، كما يدل على ذلك حديث ابن مسعود – رضي الله عنه -.
الحال الثانية: أن يشك في عدد الركعات، ولا يغلب على ظنه رجحان عدد معين، ففي هذه الحال يبني على اليقين وهو الأقل، فإذا شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، ولم يترجح عنده أنها أربع ولا أنها ثلاث، جعلها ثلاثاً وأتى بالرابعة ثم سجد للسهو قبل أن يسلم، وحينئذ يفرق في الشك بينما إذا كان يغلب على ظنه أحد الطرفين، وما إذا لم يكن يغلب على ظنه، ففيما إذا كان يغلب على ظنه أحد الطرفين يأخذ بما غلب على ظنه ويسجد للسهو بعد السلام.
وفيما إذا لم يغلب على ظنه شيء، يأخذ بالأقل ويسجد للسهو قبل السلام.
وأرجو من إخوتي الأئمة أن يعتنوا بهذا الباب أعني: باب سجود السهو؛ لأنه يشكل على كثير من الناس، والإمام يقتدي به فإذا أتقنوا أحكام سجود السهو، حصل في ذلك خير كثير.(75/32)
وهاهنا مسألة أحب أن أنبه لها وهي: أن بعض الأئمة يعلمون أن محل سجود السهو بعد السلام فيما وقع منهم من السهو، لكنهم لا يفعلون ذلك يقولون: إننا نخاف من التشويش على الناس، وهذا حق أنه يشوش على الناس، لكنهم إذا أخبروا بالحكم الشرعي وبين لهم الفرق بين ما كان قبل السلام وما بعده زال عنهم هذا اللبس وألفوا ذلك، ونحن قد جربنا هذا بأنفسنا ووجدنا أننا إذا سجدنا بعد السلام في سهو يكون محله السجود فيه بعده لم يحصل إشكال على المأمومين؛ لأنهم علموا أن ذلك هو الحكم الشرعي، وكوننا ندع السنة خوفاً من التشويش معناه: أن كل سنة تشوش على الناس وهم يجهلونها ندعها، وهذا لا ينبغي بل الذي ينبغي إحياء الأمر المشروع بين الناس، وإذا كان ميتاً لا يعلم عنه كان الحرص عليه وعلى إحيائه أولى وأوجب حتى لا تمت هذه الشريعة بين المسلمين، وفي هذه الحال إذا سجد الإمام بعد السلام فيما كان محل السجود فيه بعد السلام فإنه إذا سلم ينبه الجماعة ويقول: إنما سجدت بعد السلام؛ لأن هذا السهو محل سجوده بعد السلام، ويبين لهم ما يعرفه من هذه الأحكام حتى يكونوا على بصيرة من الأمر.
719 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: عمن انتقل من سورة إلى سورة قبلها خطأ وهو في الصلاة... فهل يجب عليه سجود السهو؟
فأجاب فضيلته قائلاً: لا يجب عليه سجود السهو، إذا عكس الترتيب في القرآن يعني بأن بدأ من آخر القرآن ثم رجع إلى أوله، لكن الأفضل أن يرتب القرآن كما رتبه الصحابة – رضي الله عنهم – على هذا الوجه المعروف في المصحف.
واعلم أن ترتيب القرآن بالآيات أمر توقيفي، بمعنى أنه متلقى من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز فيه العكس. أما ترتيبه بالسور فإن للعلماء في ذلك قولين والصحيح أن بعضه توقيف كالترتيب بين سبح والغاشية، وبعضه باجتهاد من الصحابة – رضي الله عنهم -.
رسالة
فوائد عن سجود السهو(75/33)
1- إذا سلم المصلي قبل إتمام الصلاة ناسياً، فإن ذكر بعد مضي زمن طويل استأنف الصلاة من جديد، وإن ذكر بعد زمن قليل كخمس دقائق فإنه يكمل صلاته ويسلم منها، ويسجد بعد السلام للسهو سجدتين ويسلم.
2- إذا زاد المصلي في صلاته قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو سجوداً، فإن ذكر بعد الفراغ من الزيادة فليس عليه إلا السجود للسهو، وإن ذكر في أثناء الزيادة وجب عليه الرجوع عن الزيادة، يسجد للسهو بعد السلام ويسلم.
3- إذا ترك ركناً من أركان الصلاة غير تكبيرة الإحرام ناسياً فإن وصل إلى مكانه من الركعة التي تليها لغت الركعة التي تركه منها وقامت التي تليها مقامها، وإن لم يصل إلى مكانه من الركعة التي تليها وجب عليه الرجوع إلى محل الركن المتروك وأتى به وبما بعده، وفي كلتا الحالتين يجب عليه سجود السهو ومحله بعد السلام.
4- إذا شك في عدد الركعات هل صلى ركعتين أو ثلاثاً فلا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بالراجح ويتم عليه صلاته ثم يسلم.
الحال الثانية: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فإنه يبني على اليقين وهو الأقل ثم يتم عليه.
فيسجد للسهو بعد السلام في الحال الأولى.
ويسجد للسهو قبل السلام في الحال الثانية.
5- إذا ترك التشهد الأول ناسياً – وحكم بقية الواجبات حكم التشهد الأول -:
1- إن لم يذكر إلا بعد أن استتم قائماً فإنه يستمر في صلاته ولا يرجع للتشهد، ويسجد للسهو قبل السلام.
2- إن ذكر بعد نهوضه وقبل أن يستتم قائماً فإنه يرجع ويجلس ويتشهد ويكمل صلاته ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
3- إن ذكر قبل أن ينهض فخذيه عن ساقيه فإنه يستقر جالساً ويتشهد ثم يكمل صلاته ولا يسجد للسهو؛ لأنه لم يحصل منه زيادة ولا نقص.
6- إذا سلم المصلي قبل تمام الصلاة متعمداً بطلت صلاته.
7- إذا زاد المصلي في صلاته قياماً أو قعوداً أو ركوعاً أو سجوداً متعمداً بطلت صلاته.(75/34)
8- إذا ترك ركناً من أركان الصلاة: فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له سواء تركها عمداً أو سهواً؛ لأن صلاته لم تنعقد، وإن كان الركن المتروك غير تكبيرة الإحرام فتركه عمداً بطلت صلاته.
9- إذا ترك واجباً من واجبات الصلاة متعمداً بطلت صلاته.
10- إذا كان سجود السهو بعد السلام فلابد من التسليم مرة ثانية بعده.
حرر في 11/6/1410هـ.
720 وسئل فضيلته: سجود السهو هل هو سجدة أو سجدتان؟ وهل يسجد المصلي للسهو في الفرض والنفل أو يسجد للسهو في الفرض فقط؟ وهل يقرأ التحيات بعد السجدتين أم يسلم مباشرة؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود السهو سجدتان، لا سجدة واحدة، ويكون في الفرض وفي النفل إذا وجد سببه.
وسؤاله: هل فيه تشهد آخر أم لا؟
نقول: إن كان سجود السهو قبل السلام فإنه لا تشهد فيه.
وإن كان سجود السهو بعد السلام فإن القول الراجح أنه لا تشهد فيه وإنما فيه التسليم.
وبهذه المناسبة: من أجل جهل كثير من الناس بأحكام سجود السهو أحب أن أنبه بعض الشيء على أحكام سجود السهو.
فنقول:
سجود السهو له ثلاث أسباب:
الأول: زيادة في الصلاة.
الثاني: نقص في الصلاة.
الثالث: شك فيها، والشك في الصلاة: هل زاد في صلاته أم نقص منها.
السبب الأول: أن يزيد في صلاته ركوعاً فيركع في الركعة الواحدة ركوعين، أو سجوداً فيسجد ثلاث مرات، أو قياماً فيقوم للركعة الخامسة مثلاً في الرباعية ثم يذكر فيرجع؛ فإن كان سجود السهو من أجل هذا، فإنه يكون بعد السلام، ولا يكون قبله، بمعنى أنك تتشهد وتسلم ثم تسجد سجدتين وتسلم، هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم (حين صلى خمساً فكذروه بعد السلام فسجد صلى الله عليه وسلم بعد السلام)(1).(75/35)
ولا يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سجد بعد السلام، هنا ضرورة أنه لم يعلم إلا بعد السلام؛ لأننا نقول: لو كان الحكم يختلف عما فعل لقال لهم عليه الصلاة والسلام: إذا علمتم بالزيادة قبل أن تسلموا فاسجدوا لها قبل السلام، فلما أقر الأمر على ما كان عليه علم أن سجود السهود للزيادة يكون بعد السلام.
ويدل على ذلك أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سلم من ركعتين من صلاة الظهر أو العصر ثم ذكروه أتم صلاته، ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم(2).
وذلك لأن السلام في أثناء الصلاة زيادة، فسجد النبي صلى الله عليه وسلم لها بعد السلام، وكما أن هذا مقتضى الأثر، فإنه مقتضى النظر أيضاً، فإنه إذا زاد في الصلاة وقلنا: يسجد للسهو قبل أن يسلم صار في الصلاة زيادتان، وإذا قلنا: إنه يسجد بعد السلام، صار فيها زيادة واحدة وقعت سهواً.
السبب الثاني: النقص، وهذا سجوده قبل السلام، مثل أن يقوم عن التشهد الأول ناسياً، أو أن ينسى أن يقول: "سبحان ربي الأعلى" في السجود، أو أن ينسى أن يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، فهذا يسجد قبل أن يسلم؛ لأن الصلاة نقصت بسبب هذا الترك، فكان مقتضى الحكمة أن يسجد للسهو قبل أن يسلم ليجبر النقص قبل أن يفارق الصلاة، وقد دل على ذلك حديث عبد الله بن بحينة أن الرسول صلى الله عليه وسلم "صلى بهم الظهر فقام من الركعتين فلم يجلس للتشهد الأول، فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر صلى الله عليه وسلم وهو جالس فسجد سجدتين ثم سلم"(3).
السبب الثالث: الشك في الصلاة، في الزيادة أو النقص.
مثال: شك هل صلى أربعاً أو ثلاثاً، فهذا له حالان:
الحال الأولى: أن يغلب على ظنه أحد الأمرين: إما الزيادة أو النقص، فيبني على غالب ظنه ويسجد للسهو بعد السلام، كما في حديث ابن مسعود – رضي الله عنهما -: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب، فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم ليسجد سجدتين"(1).(75/36)
أما إذا شك في الزيادة أو النقص دون أن يترجح عنده أحد الطرفين؛ فإنه يبني على اليقين وهو الأقل ثم يتم عليه، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم، هكذا جاءت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلى الأئمة خاصة وعلى سائر الناس عامة أن يعرفوا أحكام سجود السهو، حتى إذا وقع لهم مثل هذه الأمور يكونون على بصيرة من أمرهم، فيسجدون للسهو قبل السلام إن كان موضعه قبل السلام، أو بعده إذا كان موضعه بعد السلام.
721 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: إن كان هناك داع لسجود السهو ولم يتذكر إلا بعد أن سلم وربما تفرق بعض المصلين ثم تذكر بعد ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: يسجد إذا ذكر، إلا أن بعض أهل العلم يقولون: إذا طال الفصل سقط عنه السجود حينئذ لكونه لا ينبني على الصلاة لطول الفصل بينه وبينها.
وقال بعض أهل العلم: إنه متى ذكر سجد للسهو. والله أعلم بالصواب، والراجح أنه إذا طال الفصل فإنه لا يسجد.
أما من تفرق دون أن يسجد للسهو فصلاته صحيحة.
722 وسئل فضيلة الشيخ: إذا نسي المصلي أن يقرأ الفاتحة وبدأ يقرأ سورة من القرآن بعد دعاء الاستفتاح مباشرة، ثم تذكر خلال القراءة فرجع وقرأ الفاتحة ثم قرأ السورة التي كان يقرؤها، بمعنى أنه استدرك على نفسه هذا السهو، فهل يسجد للسهو؟
فأجاب بقوله: لا يجب عليه سجود السهو؛ ذلك لأنه لم يغير شيئاً من الصلاة، غير أنه أتى بذكر مشروع في غير موضعه، وهو قراءة السور قبل قراءة الفاتحة، ومثل هذا ذكر أهل العلم أنه يستحب له سجود السهو ولا يجب عليه السجود.
723 سئل فضيلة الشيخ: هل يسجد الإنسان للسهو إذا أخطأ في القراءة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يسجد الإنسان للسهو إذا أخطأ في القراءة؛ لأن هذا الخطأ لا يترتب عليه تغيير هيئة الصلاة، ولكن إذا أخطأ المصلي فإن على من سمعه أن يرد عليه.
724 وسئل فضيلته:من هم بقيام ثم لم يقم،أوهم بزيادة سجود ولم يفعل، هل عليه شيء؟(75/37)
فأجاب الشيخ بقوله:إذاهم ولم يفعل، فليس عليه شيء إطلاقاً؛لأنه لم يحصل منه فعل.
725 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك المصلي خلال قراءته للسورة أنه لم يأت بالفاتحة، ولم يترجح عنده أنه أتى بها أو لم يأت، فهل يأتي بالفاتحة دفعاً لهذا الشك، أو يستمر في السورة ويسجد للسهو لدفع الشك؟
فأجاب بقوله: يجب عليه أن يأتي بالفاتحة ما دام عنده شك، ولكن بشرط:
ألا يكون كثير الشكوك، فإن كان كثير الشكوك، أو كان الشك عنده مجرد وهم لا أصل له، فإنه لا يعتبر بهذا الشك؛ لأن بعض الناس كلما صلى شك في الزيادة، أو النقص، أو في النية، أو في التكبير وما أشبه ذلك، فإذا كان هذا شأنه في جميع صلواته فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك؛ لأنه من الوسواس، والوسواس ربما يفسد على الإنسان عبادته إذا استمر معه.
726 وسئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: ما أسباب سجود السهو، وكيفيته، ومحله؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود السهو سببه واحد من أمور ثلاثة: إما الزيادة، وإما النقص، وإما الشك.
والمراد بالزيادة: الزيادة الفعلية؛ فمن ركع مرتين في ركعة واحدة ناسياً وجب عليه سجود السهو، ويكون محله بعد السلام؛ لأنه كان عن زيادة، ومن صلى خمساً في رباعية ناسياً لم تبطل صلاته، لكن عليه سجود السهو بعد السلام.
وأما النقص فمثاله: من قام عن التشهد الأول ناسياً لم تبطل صلاته لكن عليه سجود السهو ويكون قبل السلام.
ومن ترك قول: "سبحان ربي الأعلى" في السجود، أو "سبحان ربي العظيم" في الركوع، وجب عليه سجود السهو، ويكون قبل السلام.
وأما الشك: فهو التردد؛ بأن يتردد الإنسان، هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، فالحكم في ذلك أن يقال: إن كان الإنسان كثير الشكوك لا يكاد يصلي صلاة إلا شك فيها، فلا عبرة في شكه ولا يلتفت له.
وإن كان معتدلاً ليس فيه وسواس وليس فيه شكوك، نظرنا: فإن غلب على ظنه ترجيح شيء، فليأخذ بما غلب على ظنه وليتم عليه، ثم يسجد سجدتين بعد السلام.(75/38)
وإن قال: ليس عندي ترجيح قلنا: ابن على اليقين وهو الأقل وتتم عليه، ثم اسجد قبل السلام.
مثال ذلك: رجل شك؛ هل صلى ثلاثاً أم أربعاً، نسأله ما الذي يغلب على ظنك؟ قال: يغلب أنها ثلاث. نقول: ائت بالرابعة واسجد بعد السلام.
إنسان آخر شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً. قلنا له: ما الذي يغلب على ظنك؟ قال: ليس عندي غلبة ظن والشك عندي متساوٍ. نقول: اجعلها ثلاثاً؛ لأنها الأقل، ثم ائت بالرابعة واسجد سجدتين قبل السلام.
727 وسئل فضيلته – حفظه الله ورعاه – عن مأموم يدخل مع الإمام وينسى كم صلى فهل يقتدي بمن إلى جنبه؟
فأجاب الشيخ بقوله: هذا يقع كثيراً، فقد يدخل اثنان مع الإمام، ثم ينسى أحدهما كم صلى، أو كم أدرك مع إمامه، فيقتدي بالشخص الذي إلى جنبه.
فنقول: لا بأس أن يقتدي بالشخص الذي إلى جنبه، إذا لم يكن عنده ظن يخالفه، أو يقين يخالفه؛ لأن هذا رجوع إلى ما يغلب على ظنه، والرجوع إلى ما يغلب على ظنه في باب العبادات لا بأس به على القول الراجح.
728 وسئل فضيلته: إذا كان السجود بعد السلام هل يلزم له سلام أيضاً؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، إذا كان السجود بعد السلام، فإنه يجب له السلام فيسجد سجدتين ثم يسلم.
وهل يجب له التشهد؟
الجواب: في هذا خلاف بين العلماء، والراجح أنه لا يجب له تشهد.
729 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك المصلي في ترك ركن من أركان الصلاة فماذا يعمل؟
فأجاب بقوله: إذا شك في تركه، فهو لا يخلو من ثلاث حالات:
1- 1- إما أن يكون هذا الشك وهماً لا حقيقة له، فهذا لا يؤثر عليه، يستمر في صلاته ولا يلتفت إلى هذا الشك.
2- 2- أن يكون هذا الشك كثيراً، معه، كما يوجد في كثير من الموسوسين – نسأل الله لنا ولهم العافية – فلا يلتفت إليه أيضاً، بل يستمر في صلاته حتى لو خرج من صلاته وهو يرى أنه مقصر فيها فليفعل ولا يلتفت إلى هذا الشك.(75/39)
3- 3- أن يكون شكه بعد الفراغ من الصلاة، فلا يلتفت إليه ولا يهتم به أيضاً، ما لم يتيقن أنه ترك.
أما إذا كان الشك في أثناء الصلاة، وكان شكاً حقيقياً، ليس وهماً ولا وسواساً فلو أنه سجد، وفي أثناء سجوده شك هل ركع أو لم يركع، فنقول له: قم فاركع؛ لأن الأصل عدم الركوع، إلا إذا غلب على ظنه أنه ركع، فإن الصحيح إذا غلب على ظنه أنه راكع، أنه يعتد بهذا الظن الغالب، ولكن يسجد للسهو بعد السلام.
وسجود السهو باب مهم، ينبغي للإنسان أن يعرفه، ولا سيما الأئمة، لأن الجهل به أمر لا ينبغي من مثلهم، بل الواجب على المؤمن أن يعرف حدود ما أنزل الله على رسوله.
730 وسئل فضيلة الشيخ: متى يكون سجود السهو بعد السلام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان سببه الزيادة، أو الشك مع الرجحان؛ يعني شككت هل صليت ثلاثاً أم أربعاً وترجح عندك أنها ثلاث فإنك تأتي بالرابعة وتسجد للسهو بعد السلام.
731 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للمأموم إذا سهى ثم سلم الإمام أن يسجد سجود السهو؟ أم يسلم مع الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: ظاهر السؤال أن هذا المأموم قد أدرك الصلاة مع الإمام من أولها. وإذا كان كذلك فليس عليه سجود سهو، فإن الإمام يتحمله عنه، لكن لو فرض أن المأموم سهى سهواً تبطل معه إحدى الركعات، فهنا لابد أن يقوم إذا سلم الإمام ويأتي بالركعة التي بطلت من أجل السهو. ثم يتشهد ويسلم ويسجد بعد السلام.
732 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -: إذا ترك المصلي التشهد الأول فرفع، ولكن تراجع قبل أن يتم القيام، فهل يشرع له سجود السهو أم لا؟
فأجاب بقوله: إذا نسي التشهد الأول ونهض لكن لم يستتم قائماً، فإنه يجب عليه أن يرجع إذا ذكر؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه.
ولكن هل يجب عليه سجود السهو أم لا؟
الجواب: من العلماء من قال: إنه لا يجب عليه سجود السهو؛ لأنه لم يصل إلى الركن الذي يليه، ولحديث ورد في ذلك وفيه شيء من الضعف(1).(75/40)
ومنهم من قال: ينظر إن كان إلى القيام أقرب وجب عليه سجود السهو، وإن كان إلى الجلوس أقرب لم يجب عليه سجود السهو، فإن سجد فإننا لا ننكر عليه، وإن لم يسجد فإننا لا نأمره بذلك.
733 وسئل فضيلة الشيخ: صليت في أحد المساجد وحدث أن نسي الإمام التشهد الأول واستقام واقفاً، وأخذ من خلفه يسبحون فعاد الإمام فجلس للتشهد، ثم قام فأكمل الصلاة بشكل صحيح، وبعد أن انتهينا من الصلاة قال رجل: أيها الناس إن صلاتكم باطلة؛ فنأمل من فضيلتكم التكرم ببيان الحكم في هذه المسألة؟
فأجاب فضيلته بقوله: يقولون: إن الجهل المركب شر من الجهل البسيط، والجهل المركب هو: أن الإنسان لا يدري، ولا يدري أنه لا يدري، وهذه هي المصيبة؛ يفتيك شخص بأمر ليس له عنده به علم، لا من كتاب الله، ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا في قوله عالم معتبر أخذ عنه متأكداً منه، فيفتي بغير علم فيضل هو ويضل غيره، فهذا الذي أفتاهم ببطلان الصلاة، ووجوب الإعادة ليس عنده في ذلك دليل.
ومثل هذه الصورة: إذا قام الإمام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً، فإنه يحرم عليه أن يرجع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام عن التشهد الأول ذات يوم فسبحوا به فمضى ولم يرجع، فلما قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه سجد سجدتين ثم سلم(1). فهذا هو الواجب إذا قام الإمام عن التشهد الأول حتى استتم قائماً. فإن رجوعه محرم ولا يجوز أن يرجع، كما في هذا الإمام الذي سبحوا به فرجع، فإن كان عالماً بأن رجوعه محرم فإن صلاته باطلة، فإن كان لا يدري أن رجوعه محرم، وظن أن الواجب أن يرجع ويجلس للتشهد الأول، وأن الإنسان إذا نبه للتشهد الأول بعد أن قام وجب عليه أن يرجع فرجع هو وظن أن هذا هو الواجب – فإن صلاته لا تبطل وصلاته صحيحة، وعليه أن يسجد للسهو بعد السلام من أجل الزيادة التي زادها وهي القيام، هذا هو حكم هذه المسألة.(75/41)
734 وسئل فضيلة الشيخ: إذا سهى المصلي في التشهد الأخير فهل يعيد التشهد من أوله؟ أو من حيث أخطأ؟ وكذلك في بقية الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: يعيد من حيث الخطأ، ثم يأتي بما أخطأ فيه وبما بعده؛ لأن الترتيب لابد منه، وعلى هذا فلو أن الإنسان وقف يصلي ونسي أن يقرأ الفاتحة، ثم ركع وذكر أنه نسي أن يقرأ الفاتحة، فليقم ويقرأ الفاتحة وسورة معها إن كانت السورة مشروعة معها في تلك الوقفة ثم يركع، فمن ترك ركناً فعليه أن يأتي به وبما بعده إلا إذا وصل إليه في الركعة التالية فإن الركعة التالية تقوم مقام الأولى، ويأتي بعد ذلك بركعة بعدها؛ أي بدل الأولى ويسجد للسهو بعد السلام.
735 وسئل فضيلته: رجل صلى خلف الإمام فترك الرفع من السجود؛ لأنه لم يسمع صوت الإمام، ولم يأت بهذا الركن، وبعدما انتهت الصلاة جاء ليسأل الإمام، فهل يأتي بركعة أو يجلس ويسلم مع الإمام؟
فأجاب الشيخ بقوله: نقول يأتي بركعة؛ لأنه ترك ركناً من أركان الصلاة، ومن ترك ركناً من أركان الصلاة حتى سلم، فإنه يجب عليه أن يأتي بركعة تامة، ثم يسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
736 سئل فضيلة الشيخ: إذا سها المأموم ولزمه السجود فسلم الإمام فهل يسلم معه؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سها المأموم لزمه سجود السهو، فإن كان لم يفته شيء من الصلاة، سلم مع الإمام وسقط عنه سجود السهو؛ لأن الواجب يسقط عن المأموم مراعاة للمتابعة، كما سقط عنه التشهد الأول إذا نسيه الإمام مراعاة للمتابعة.
وإن كان قد فاته شيء من الصلاة لم يسقط عنه سجود السهو؛ لأنه إذا سجد لم يحصل منه مخالفة لإمامه حيث إن الإمام قد انتهى من صلاته.
737 وسئل فضيلته: إذا سها المصلي عن ركن فما العمل؟
فأجاب فضيلة الشيخ: إذا سها المصلي عن ركن أتى به وبما بعده، إلا أن يصل إلى محله من الركعة التي تليها فتلغو الأولى وتقوم التي تليها مقامها، وفي كلتا الحالين يجب عليه سجود السهو.(75/42)
738 وسئل فضيلة الشيخ: إذا كان في المصلي نعاس ولا يدري هل سلم أو لا فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان فيه نعاس ولا يدري هل سلم أو لا فليسلم ويسجد للسهو.
739 وسئل فضيلة الشيخ: إذا سها المصلي عن قراءة الفاتحة فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سها عن قراءة الفاتحة فكسهوه عن بقية الأركان؛ إن كان قد ركع رجع فقرأها إلا أن يصل إلى القيام في الركعة التي تليها فإنها تلغو الأولى وتقوم التي تليها مقامها وعليه سجود السهو، وإن ذكر أنه تركها قبل أن يركع قرأها واستمر في صلاته ولا سجود عليه.
740 وسئل فضيلة الشيخ: إذا شك المصلي هل سجد السجدة الثانية فما العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا شك هل سجد السجدة الثانية فليرجع ويأت بها ويسجد للسهو.
741 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى وأعلى درجته -: إذا سجد الإمام للسهو بعد السلام فيما محله قبل السلام فكيف يصنع المسبوق في هذه الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم: فالمشهور من مذهب الحنابلة: أنهم يتابعون الإمام في السجود بعد السلام لكن لا يسلمون؛ لأن صلاتهم لم تتم ثم إذا انتهى وسلم من سجود السهو قاموا لقضاء ما فاتهم.
ومن أهل العلم من يقول: إنهم لا يتابعون الإمام في السجود بعد السلام؛ لأن المتابعة متعذرة، إذ أن متابعة الإمام لابد أن تكون بالسلام معه التسليم الأول الذي قبل السجود، وهذا متعذر بالنسبة لمن فاته شيء من الصلاة، وعلى هذا فيقومون بدون أن يتابعوه، ثم إذا قاموا وأكملوا صلاتهم فإن كان سهو الإمام في الجزء الذي أدركوه معه سجدوا للسهو بعد السلام، وإن كان في الجزء السابق فإنهم لم يدركوا الإمام فيه فلا يلزمهم السجود حينئذ، وهذا القول هو الراجح عندي، لأن متابعة الإمام والسجود بعد السلام أمر متعذر في هذه الحال.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه.... حفظه الله تعالى.(75/43)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
سجود السهو تارة يكون قبل السلام، وتارة يكون بعد السلام.
فإن كان قبل السلام سجد سجدتين إذا أكمل التشهد وسلم، وإن كان بعد السلام سجد سجدتين بعد أن يسلم ثم سلم مرة ثانية بعد السجدتين.
* يكون السجود قبل السلام في موضعين:
أحدهما: إذا كان عن نقص، مثل: أن ينسى التشهد الأول، أو ينسى أن يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، أو ينسى أن يقول: "سبحان ربي الأعلى في السجود، أو ينسى أن يكبر غير تكبيرة الإحرام، أو ينسى أن يقول: "سمع الله لمن حمده" عند الرفع من الركوع.
فإن نسي مثل هذه الواجبات؛ وجب عليه سجود السهو قبل السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم "قام عن التشهد الأول في صلاته فسبحوا به فمضى في صلاته فلما قضى صلاته وانتظر الناس تلسيمه، كبر قبل التسليم فسجد سجدتين يكبر في كل سجدة وهو جالس قبل أن يسلم ثم سلم". رواه البخاري ومسلم وغيرهما(1).
الثاني: إذا شك في عدد الركعات فلم يدر كم صلى ولم يترجح عنده شيء، فإنه يبني على الأقل ويسجد للسهو قبل السلام، فإذا شك هل صلى ثلاثاً أم اربعاً ولم يترجح أنها ثلاث أو أربع فليجعلها ثلاثاً ويصلي الرابعة، ثم يسجد للسهو قبل أن يسلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً فليطرح الشك، وليبن على ما استيقن، ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم". رواه مسلم(2).
* ويكون السجود بعد السلام في موضعين:(75/44)
أحدهما: إذا كان عن زيادة، مثل أن ينسى فيركع مرتين، أو يسجد ثلاث مرات، أو ينسى فيزيد ركعة، أو ينسى فيسلم قبل تمام صلاته ثم يذكر فيتمها، فإذا فعل مثل هذه الأمور، وجب عليه سجود السهود بعد السلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم "صلى بأصحابه الظهر خمساً فأخبروه فانتفل، فثنى رجليه واستقبل القبلة، ثم سجد سجدتين ثم سلم". رواه البخاري ومسلم(3)، وصلى بهم مرة أخرى: "فسلم من ركعتين فأخبروه فصلى الركعتين الباقيتين ثم سلم ثم سجد سجدتين بعد السلام". رواه البخاري ومسلم(4).
الثاني: إذا شك في عدد الركعات، فلم يدر كم صلى وترجح عنده أحد الطرفين فإنه يبني على ما ترجح عنده فيتم صلاته عليه ويسلم ثم يسجد سجدتين ويسلم.
فإذا شك هل صلى ثلاثاً أم أربعاً وترجح عنده أنها ثلاث، فليصل الرابعة ويسلم ثم يسجد سجدتين، ويسلم، وإذا شك هل صلى ثلاثاً أم اثنتين وترجح عنده أنها ثلاث، جعلها ثلاثاً وصلى الرابعة ثم سلم ثم سجد سجدتين ثم سلم(5)؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الذي يرى أنه الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم ثم يسجد سجدتين". رواه البخاري ومسلم(6). والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، كتبه محمد الصالح العثيمين في 4/12/1402هـ.
742 وسألت فضيلة الشيخ: امرأة فقالت: أنا امرأة أفعل ما فرضه الله عليَّ من العبادات، إلا أنني في الصلاة كثيرة السهو، بحيث أصلي وأنا أفكر في بعض ما حدث من الأحداث في ذلك اليوم، ولا أفكر فيه إلا عند البدء في الصلاة، ولا أستطيع التخلص منه عند الجهر بالقراءة، فبتم تنصحني؟(75/45)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الأمر الذي تشتكين منه، يشتكي منه كثير من المصلين، وهو أن الشيطان يفتح عليه باب الوساوس أثناء الصلاة، فربما يخرج الإنسان وهو لا يدري عما يقول في صلاته، ولكن دواء ذلك أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم وهو أن ينفث الإنسان عن يساره ثلاث مراة وليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم(1)، فإذا فعل ذلك زال عنه ما يجده بإذن الله.
وعلى المرء إذا دخل في الصلاة أن يعتقد أنه بين يدي الله عز وجل، وأنه يناجي الله تبارك وتعالى، ويتقرب إليه بتكبيره وتعظيمه، وتلاوة كلامه سبحانه وتعالى، وبالدعاء في مواطن الدعاء في الصلاة، فإذا شعر الإنسان بهذا الشعور، فإنه يدخل في الصلاة بخشوع وتعظيم الله سبحانه وتعالى ومحبة لما عنده من الخير، وخوف من عقابه إذا فرط فيما أوجب الله عليه.
743 وسئل فضيلته: إذا غلب على المصلين الوسواس أكثر الصلاة فهل تصح صلاتهم؟
فأجاب الشيخ بقوله: اختلف العلماء – رحمهم الله – فيما إذا لم يحضر القلب في أكثر الصلاة.
فمن العلماء من قال: إذا غلب الوسواس يعني: الهواجس أكثر الصلاة بطلت الصلاة، لكن قول الجمهور: لا تبطل ولو غلب الوسواس على أكثرها.
واستدل الجمهور بحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم" إذا نودي بالصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، فإذا قضي أقبل فإذا ثوب بها أدبر قضي أقبل حتى يخطر بين الإنسان وقلبه فيقول: اذكر كذا وكذا حتى لا يدري أثلاثاً صلى أم أربعاً، فإذا لم يدر ثلاثاً صلى أو أربعاً سجد سجدتي السهو". وفي رواية: "حتى إذا قضي التثويب أقبل حتى يخطر بين المرء ونفسه يقول: اذكر كذا اذكر كذا – لما لم يكن يذكر – حتى يظل الرجل لا يدري كم صلى"(2).(75/46)
وهذا يدل على أن الوسواس لا تبطل الصلاة به، وهذا القول أرفق بالناس، وأقرب إلى ما تقتضيه الشريعة الإسلامية في اليسر والتسهيل؛ لأننا لو قلنا ببطلان الصلاة في حال غفلة الإنسان، وعدم حضور قلبه لبطلت صلاة كثير من الناس.
وإن كان القول بالبطلان لا يستلزم هذا؛ لأنه ربما قلنا: إنه إذا غلبت الوساوس على الصلاة بطلت، ربما يكون هذا سبباً لشد الناس إلى حضور قلوبهم في الصلاة، لكن على كل حال يظهر أن رأي الجمهور هو الصحيح، أن الإنسان إذا لم يحضر قلبه في الصلاة فصلاته صحيحة، لكنها ناقصة بحسب ما غفل عن صلاته، وعلى الإنسان أن يجاهد نفسه، وأن يحاول بقدر ما يستطيع حضور قلبه في الصلاة.
744 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: إذا غلبت الهواجس على المصلي فما حكم صلاته؟ وما طريق الخلاص منه؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في هذه الحالة أن الإنسان إذا غلب على صلاته الهواجس في أمور الدنيا، أو في أمور الدين، كمن كان طالب علم وصار ينشغل إذا دخل في الصلاة بالتدبر في مسائل العلم، إذا غلب هذا على أكثر الصلاة فإن أكثر أهل العلم يرون أن الصلاة صحيحة، وأنها لا تبطل بهذه الوساوس، لكنها ناقصة جداً فقد ينصرف الإنسان من صلاته، ولم يكتب له إلا نصفها، أو ربعها، أو عشرها أو أقل(1).
أما ذمته فتبرأ بذلك ولو كثر، لكن ينبغي للإنسان أن يكون حاضر القلب في صلاته؛ لأن ذلك هو الخشوع، والخشوع هو لب الصلاة وروحها.
ودواء ذلك أن يفعل الإنسان ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتفل عن يساره ثلاثاً، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم(2)، فإذا فعل ذلك أذهبه الله وإذا كان مأموماً في الصف، فإن التفل لا يمكنه لأن الناس عن يساره، ولكن يقتصر على الأستعاذة بالله من الشيطان الرجيم، فإذا فعل ذلك وكرره أذهب الله ذلك عنه. والله الموفق.
745 وسئل فضيلته: عن حضور القلب في الصلاة؟(75/47)
فأجاب فضيلته بقوله: المشروع في حق المصلي، إماماً كان أو مأموماً، أو منفرداً أن يحضر قلبه في صلاته، فيقبل عليها، ويعقل ما يقوله ويفعله ليكون مصلياً بقلبه وجوارحه، فأما صلاته بجوارحه مع غفلة قلبه فهي صلاة ناقصة، حتى قال بعض العلماء: إن الهواجس إذا غلبت على أكثر الصلاة بطلت الصلاة، وإذا أدت هذه الهواجس إلى ترك ما يلزم في الصلاة كان ذلك كتركه عمداً إن كان من الأركان، وكتركه سهواً إن كان من الواجبات، وعلى هذا فلا يتحمله الإمام عنه إن كان ركناً، أما إن كان واجباً فعليه سجود السهو لتركه، ويتحمل الإمام عنه سجود السهو إذا لم يفته شيء من الصلاة.
746 وسئل فضيلة الشيخ: عن شخص كثير الشكوك في الصلاة فما توجيهكم؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: الشكوك الكثيرة يجب طرحها وعدم الالتفات لها؛ لأنها تلحق الإنسان بالموسوس، ولا يقتصر الشيطان على تشكيكه في ذلك، بل يشككه في أمور أخرى حتى إنه قد تبلغ به الحال إلى أن تشككه الوساوس فيما يتعلق بالتوحيد، وصفات الله عز وجل، ويشككه في طلاق زوجته وبقائها معه، وهذا خطير على عقل الإنسان وعلى دينه.
ولهذا قال العلماء: إن الشكوك لا يلتفت إليها في ثلاث حالات:
الأولى: أن تكون مجرد وهم لا حقيقة له، فهذه مطرحة ولا يلتفت إليها إطلاقاً.
الثانية: أن تكثر الشكوك، ويكون الإنسان كلما توضأ شك، وكلما صلى شك، وكلما فعل فعلاً شك، فهذا أيضاً يجب طرحه وعدم اعتباره.
الثالثة: إذا كان الشك بعد انتهاء العبادة، فإنه لا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر.
مثال ذلك: لو شك بعد أن سلم من صلاته هل صلى ثلاثاً أم أربعاً في رباعية، فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك، لأن العبادة قد فرغت، إلا إذا تيقن أنه لم يصل إلا ثلاثاً فليأت بالرابعة ما دام الوقت قصيراً وليسجد للسهو بعد السلام، فإن طال الفصل أعاد الصلاة كلها من جديد.(75/48)
747 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيراً -: عن الأسباب التي تعين على الخشوع في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الخشوع في الصلاة هو: حضور القلب، ومما يعين عليه ما أرشد إليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث شكي إليه أن الرجل يأتيه الشيطان ويوسوس له في صلاته، ويحول بينه وبين صلاته، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتفل الرجل عن يساره ثلاث مرات، ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم(1) وهذا من أنفع الأدوية، بل أنفعها.
ومنها أيضاً: أن يستحضر الإنسان عظمة من هو واقف بين يديه، وهو الله عز وجل ويقبل على صلاته يتدبر ما يقول من كلام الله، وما يقول من ذكر، وما يفعل من أفعال وحركات حتى يتبين له عظمة الصلاة. وحينئذ تزول عنه هذه الوساوس.
748 وسئل فضيلة الشيخ: كيف يمكننا الخشوع في الصلاة، وعند قراءة القرآن في الصلاة وخارجها؟
فأجاب فضيلته بقوله: الخشوع هو لب الصلاة ومخها، ومعناه: حضور القلب وأن لا يتجول قلب المصلي يميناً وشمالاً.
وإذا أحس الإنسان بشيء يصرفه عن الخشوع فليتفل عن يساره ثلاث مرات، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم(2).
ولا شك أن الشيطان حريص على إفساد جميع العبادات؛ لاسيما الصلاة التي هي أفضل العبادات بعد الشهادتين، فيأتي المصلي ويقول: اذكر كذا، اذكر كذا. ويجعله يسترسل في الهواجس التي ليس منها فائدة والتي تزول عن رأسه بمجرد انتهائه من الصلاة.
فعلى الإنسان أن يحرص غاية الحرص على الإقبال على الله – عز وجل – وإذا أحس بشيء من هذه الهواجس، والوساوس فليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، سواء كان راكعاً أو في التشهد أو القعود أو في غير ذلك من صلاته.
ومن أفضل الأسباب التي تعينه على الخشوع في صلاته: أن يستحضر أنه واقف بين يدي الله وأنه يناجي ربه.(75/49)
749 وسئل فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيما يفعله كثير من المصلين حينما يسمعون الآيات تتلى لا يبكون وعندما يسمعون الدعاء يبكون؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا لا يمكن الإجابة عليه من قبلي أنا، وإنما يمكن أن يوجه السؤال إلى نفس الذي يتصف بهذا الوصف، فإن كثيراً من الناس لا تلين قلوبهم للقرآن؛ لأن القرآن كثير التردد عليهم، وتلين قلوبهم للدعاء؛ لأنه يندر سماعهم إياه، ونحن نعرف أن الشيء إذا كان يكثر تردده لا يكون كالشيء الغريب.
ولكني مع هذا أقول: إننا لو قرأنا القرآن بتدبر حقيقي، لكان هو السبب الوحيد لتليين القلوب، وإقبالها إلى الله عز وجل.
وإنني بهذه المناسبة: أحث نفسي وإخواني على قراءة القرآن بتدبر وتأمل حتى ينتفعوا به، قال الله عز وجل في سورة (ق) بعد أن ذكر حال الإنسان عند موته وحال الإنسان عند الجزاء قال تعالى: (إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ) (قّ: 37).
رسالة في سجود السهو
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بلغ البلاغ المبين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن كثيراً من الناس يجهلون كثيراً من أحكام سجود السهو في الصلاة.
فمنهم من يترك سجود السهو في محل وجوبه.
ومنهم من يسجد في غير محله.
ومنهم من يجعل سجود السهو قبل السلام وإن كان موضعه بعده.
ومنهم من يسجد بعد السلام وإن كان موضعه قبله.
ولذا كانت معرفة أحكامه مهمة جداً، لاسيما للأئمة الذين يقتدي الناس بهم وتقلدوا المسؤولية في اتباع المشروع في صلاتهم التي يؤمون المسلمين بها، فأحببت أن أقدم لإخواني بعضاً من أحكام هذا الباب راجياً من الله تعالى أن ينفع به عباده المؤمنين فأقول مستعيناً بالله تعالى مستلهماً منه التوفيق للصواب:(75/50)
سجود السهو: عبارة عن سجدتين يسجدهما المصلي لجبر الخلل الحاصل في صلاته من أجل السهو، وأسبابه ثلاثه: الزيادة، والنقص، والشك.
أولاً: الزيادة:
إذا زاد المصلي في صلاته قياماً، أو قعوداً، أو ركوعاً، أو سجوداً متعمداً بطلت صلاته، وإن كان ناسياً ولم يذكر الزيادة حتى فرغ منها فليس عليه إلا سجود السهو، وصلاته صحيحة، وإن ذكر الزيادة في أثنائها وجب عليه الرجوع عنها وسجود السهو، وصلاته صحيحة.
مثال ذلك: شخص صلى الظهر (مثلاً) خمس ركعات ولم يذكر الزيادة إلا وهو في التشهد، فيكمل التشهد، ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
فإن لم يذكر الزيادة إلا بعد السلام سجد للسهو وسلم، وإن ذكر الزيادة وهو في أثناء الركعة الخامسة جلس في الحال فيتشهد ويسلم ثم يسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه(1) – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً فقيل له: أزيد في الصلاة؟ فقال: "وما ذاك؟" قالوا: صليت خمساً، فسجد سجدتين بعدما سلم. وفي رواية: فثنى رجليه واستقبل القبلة فسجد سجدتين ثم سلم. رواه الجماعة(2).
السلام قبل تمام الصلاة:
السلام قبل تمام الصلاة من الزيادة في الصلاة، ووجه كونه من الزيادة أنه زاد تسليماً في أثناء الصلاة، فإذا سلم المصلي قبل تمام صلاته متعمداً بطلت صلاته.
وإن كان ناسياً ولم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد ا لصلاة من جديد.(75/51)
وإن ذكر بعد زمن قليل كدقيقتين وثلاث فإنه يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم، دليل ذلك حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر أو العصر فسلم من ركعتين فخرج السرعان من أبواب المسجد يقولون: قصرت الصلاة، وقام النبي صلى الله عليه وسلم إلى خشبة المسجد فاتكأ عليها كأنه غضبان، فقام رجل فقال يا رسول الله: أنسيت أم قصرت الصلاة؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لم أنس ولم تقصر" فقال الرجل: بلى قد نسيت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم للصحابة: "أحق ما يقول؟" قالوا: نعم، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فصلى ما بقي من صلاته ثم سلم، ثم سجد سجدتين ثم سلم. متفق عليه(1).
وإذا سلم الإمام قبل تمام صلاته وفي المأمومين من فاتهم بعض الصلاة فقاموا لقضاء ما فاتهم ثم ذكر الإمام أن عليه نقصاً في صلاته فقام ليتمها، فإن المأمومين الذين قاموا لقضاء ما فاتهم يخيرون بين أن يستمروا في قضاء ما فاتهم ويسجدوا للسهو، وبين أن يرجعوا مع الإمام فيتابعوه، فإذا سلم قضوا ما فاتهم، وسجدوا للسهو بعد السلام. وهذا أولى وأحوط.
ثانياً: النقص:
أ- نقص الأركان:
إذا نقص المصلي ركناً من صلاته فإن كان تكبيرة الإحرام فلا صلاة له سواء تركها عمداً أم سهواً؛ لأن صلاته لم تنعقد.
وإن كان غير تكبيرة الإحرام فإن تركه متعمداً بطلت صلاته.
وإن تركه سهواً فإن وصل إلى موضعه من الركعة الثانية لغت الركعة التي تركه منها، وقامت التي تليها مقامها، وإن لم يصل إلى موضعه من الركعة الثانية وجب عليه أن يعود إلى الركن المتروك فيأتي به وبما بعده، وفي كلتا الحالين يجب عليه أن يسجد للسهو بعد السلام.
مثال ذلك: شخص نسي السجدة الثانية من الركعة الأولى فذكر ذلك وهو جالس بين السجدتين في الركعة الثانية فتلغو الركعة الأولى وتقوم الثانية مقامها، فيعتبرها الركعة الأولى ويكمل عليها صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.(75/52)
ومثال آخر: شخص نسي السجدة الثانية والجلوس قبلها من الركعة الأولى فذكر ذلك بعد أن قام من الركوع في الركعة الثانية فإنه يعود ويجلس ويسجد، ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
ب- نقص الواجبات:
إذا ترك المصلي واجباً من واجبات الصلاة متعمداً بطلت صلاته.
وإن كان ناسياً وذكره قبل أن يفارق محله من الصلاة أتى به ولا شيء عليه.
وإن ذكره بعد مفارقة محله قبل أن يصل إلى الركن الذي يليه رجع فأتى به ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
وإن ذكره بعد وصوله إلى الركن الذي يليه سقط فلا يرجع إليه فيستمر في صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
مثال ذلك: شخص رفع من السجود الثاني في الركعة الثانية ليقوم إلى الثالثة ناسياً التشهد الأول فذكر قبل أن ينهض فإنه يستقر جالساً فيتشهد، ثم يكمل صلاته ولا شيء عليه.
وإن ذكر بعد أن نهض قبل أن يستتم قائماً رجع فجلس وتشهد، ثم يكمل صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
وإن ذكر بعد أن استتم قائماً سقط عنه التشهد فلا يرجع إليه فيكمل صلاته، ويسجد للسهو قبل أن يسلم.
دليل ذلك: ما رواه البخاري وغيره(2) عن عبد الله بن بحينة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم الظهر فقام في الركعتين الأوليين ولم يجلس (يعني التشهد الأول) فقام الناس معه حتى إذا قضى الصلاة وانتظر الناس تسليمه كبر وهو جالس فسجد سجدتين قبل أن يسلم ثم سلم.
ثالثاً: الشك:
الشك: هو التردد بين أمرين أيهما الذي وقع.
والشك لا يلتفت إليه في العبادات في ثلاث حالات:
الأولى: إذا كان مجرد وهم لا حقيقة له كالوساوس.
الثانية: إذا كثر مع الشخص بحيث لا يفعل عبادة إلا حصل له فيه شك.
الثالثة: إذا كان بعد الفراغ من العبادة فلا يلتفت إليه ما لم يتيقن الأمر فيعمل بمقتضى يقينه.(75/53)
مثال ذلك: شخص صلى الظهر فلما فرغ من صلاته شك هل صلى ثلاثاً أو أربعاً فلا يلتفت لهذا الشك إلا أن يتيقن أنه لم يصل إلا ثلاثاً فإنه يكمل صلاته إن قرب الزمن ثم يسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم، فإن لم يذكر إلا بعد زمن طويل أعاد الصلاة من جديد.
وأما الشك في غير هذه المواضع الثلاثة فإنه معتبر.
ولا يخلو الشك في الصلاة من حالين:
الحال الأولى: أن يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل بما ترجح عنده فيتم عليه صلاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
مثال ذلك: شخص يصلي الظهر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة لكن ترجح عنده أنها الثالثة فإنه يجعلها الثالثة فيأتي بعدها بركعة ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فليتحر الصواب فليتم عليه، ثم ليسلم، ثم يسجد سجدتين" هذا لفظ البخاري(1).
الحال الثانية: أن لا يترجح عنده أحد الأمرين فيعمل باليقين وهو الأقل فيتم عليه صلاته، ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم.
مثال ذلك: شخص يصلي العصر فشك في الركعة هل هي الثانية أو الثالثة ولم يترجح عنده أنها الثانية أو الثالثة فإنه يجعلها الثانية فيتشهد التشهد الأول، ويأتي بعده بركعتين، ويسجد للسهو ويسلم.
دليل ذلك: ما رواه مسلم(2) عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا شك أحدكم في صلاته فلم يدر كم صلى ثلاثاً أم أربعاً؟ فليطرح الشك وليبن على ما استيقن ثم يسجد سجدتين قبل أن يسلم فإن كان صلى خمساً شفعن له صلاته، وإن كان صلى إتماماً – أي أربع – كانتا ترغيماً للشيطان".
ومن أمثلة الشك: إذا جاء الشخص والإمام راكع فإنه يكبر تكبيرة الإحرام وهو قائم معتدل، ثم يركع وحينئذ لا يخلو من ثلاث حالات:(75/54)
الأولى: أن يتيقن أنه أدرك الإمام في ركوعه قبل أن يرفع منه فيكون مدركاً للركعة وتسقط عنه قراءة الفاتحة.
الثانية: أن يتيقن أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه فيه فقد فاتته الركعة.
الثالثة: أن يشك هل أدرك الإمام في ركوعه فيكون مدركاً للركعة، أو أن الإمام رفع من الركوع قبل أن يدركه ففاتته الركعة، فإن ترجح عنده أحد الأمرين عمل بما ترجح فأتم عليه صلاته وسلم، ثم سجد للسهو وسلم إلا أن لا يفوته شيء من الصلاة فإنه لا سجود عليه حينئذ.
وإن لم يترجح عنده أحد الأمرين عمل باليقين (وهو أن الركعة فاتته) فيتم عليه صلاته ويسجد للسهو قبل أن يسلم ثم يسلم.
فائدة:
إذا شك في صلاته فعمل باليقين أو بما ترجح عنده حسب التفصيل المذكور ثم تبين له أن ما فعله مطابق للواقع وأنه لا زيادة في صلاته ولا نقص سقط عنه سجود السهو على المشهور من المذهب لزوال موجب السجود وهو الشك.
وقيل: لا يسقط عنه ليراغم به الشيطان لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وإن كان صلى إتماماً كانتا ترغيماً للشيطان"(1). ولأنه أدى جزءاً من صلاته شاكاً فيه حين أدائه وهذا هو الراجح.
مثال ذلك: شخص يصلي فشك في الركعة أهي الثانية أم الثالثة؟ ولم يترجح عنده أحد الأمرين فجعلها الثانية وأتم عليها صلاته، ثم تبين له أنها هي الثانية في الواقع، فلا سجود عليه على المشهور من المذهب، وعليه السجود قبل السلام على القول الثاني الذي رجحناه.
سجود السهو على المأموم:
إذا سها الإمام وجب على المأموم متابعته في سجود السهو لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إنما جعل الإمام ليؤتم به فلا تختلفوا عليه" إلى أن قال: "وإذا سجد فاسجدوا" متفق عليه من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه(2) -.(75/55)
وسواء سجد الإمام للسهو قبل السلام أو بعده فيجب على المأموم متابعته إلا أن يكون مسبوقاً أي قد فاته بعض الصلاة فإنه لا يتابعه في السجود بعده لتعذر ذلك إذ المسبوق لا يمكن أن يسلم مع إمامه، وعلى هذا فيقضي ما فاته ويسلم، ثم يسجد للسهو ويسلم.
مثال ذلك: رجل دخل مع الإمام في الركعة الأخيرة، وكان على الإمام سجود سهو بعد السلام، فإذا سلم الإمام فليقم هذا المسبوق لقضاء ما فاته ولا يسجد مع الإمام فإذا أتم ما فاته وسلم سجد بعد السلام.
وإذا سها المأموم دون الإمام ولم يفته شيء من الصلاة فلا سجود عليه؛ لأن سجوده يؤدي إلى الاختلاف على الإمام واختلال متابعته؛ ولأن الصحابة – رضي الله عنهم – تركوا التشهد الأول حين نسيه النبي صلى الله عليه وسلم فقاموا معه ولم يجلسوا للتشهد مراعاة للمتابعة وعدم الاختلاف عليه.
فإن فاته شيء من الصلاة فسها مع إمامه أو فيما قضاه بعده لم يسقط عنه السجود فيسجد للسهو إذا قضى ما فاته قبل السلام، أو بعده حسب التفصيل السابق.
مثال ذلك: مأموم نسي أن يقول: "سبحان ربي العظيم" في الركوع، ولم يفته شيء في الصلاة، فلا سجود عليه. فإن فاتته ركعة أو أكثر قضاها ثم سجد للسهو قبل السلام.
مثال آخر: مأموم يصلي الظهر مع إمامه فلما قام الإمام إلى الرابعة جلس المأموم ظناً منه أن هذه الركعة الأخيرة، فلما علم أن الإمام قائم قام فإن كان لم يفته شيء من الصلاة فلا سجود عليه، وإن كان قد فاتته ركعة فأكثر قضاها وسلم، ثم سجد للسهو وسلم. وهذا السجود من أجل الجلوس الذي زاده أثناء قيام الإمام إلى الرابعة.
تنبيه:
تبين مما سبق أن سجود السهو تارة يكون قبل السلام، وتارة يكون بعده.
فيكون قبل السلام في موضعين:
الأول: إذا كان عن نقص، لحديث عبد الله بن بحينة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد للسهو قبل السلام حين ترك التشهد الأول. وسبق ذكر الحديث بلفظه.(75/56)
الثاني: إذا كان عن شك لم يترجح فيه أحد الأمرين، لحديث أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – فيمن شك في صلاته فلم يدر كم صلى؟ ثلاثاً أم أربعاً؟ حيث أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد سجدتين قبل أن يسلم، وسبق ذكر الحديث بلفظه.
ويكون سجود السهو بعد السلام في موضعين:
الأول: إذا كان عن زيادة لحديث عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – حين صلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر خمساً فذكروه بعد السلام فسجد سجدتين ثم سلم، ولم يبين أن سجوده بعد السلام من أجل أنه لم يعلم بالزيادة إلا بعده، فدل على عموم الحكم وأن السجود عن الزيادة يكون بعد السلام سواء علم بالزيادة قبل السلام أم بعده.
ومن ذلك: إذا سلم قبل إتمام صلاته ناسياً ثم ذكر فأتمها فإنه زاد سلاماً في أثناء صلاته فيسجد بعد السلام لحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – حين سلم النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة الظهر أو العصر من ركعتين فذكروه فأتم صلاته وسلم ثم سجد للسهو وسلم وسبق ذكر الحديث بلفظه.
الثاني: إذا كان عن شك ترجح فيه أحد الأمرين لحديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من شك في صلاته أن يتحرى الصواب فيتم عليه، ثم يسلم ويسجد. وسبق ذكر الحديث بلفظه.
وإذا اجتمع عليه سهوان موضع أحدهما قبل السلام، وموضع الثاني بعده فقد قال العلماء: يغلب ما قبل السلام فيسجد قبله.
مثال ذلك: شخص يصلي الظهر فقام إلى الثالثة ولم يجلس للتشهد الأول وجلس في الثالثة يظنها الثانية ثم ذكر أنها الثالثة فإنه يقوم ويأتي بركعة ويسجد للسهو ثم يسلم.
فهذا الشخص ترك التشهد الأول وسجوده قبل السلام، وزاد جلوساً في الركعة الثالثة وسجوده بعد السلام فغلب ما قبل السلام. والله أعلم.(75/57)
والله أسأل أن يوفقنا وإخواننا المسلمين لفهم كتابه، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والعمل بهما ظاهراً وباطناً في العقيدة، والعبادة، والمعاملة، وأن يحسن العاقبة لنا جميعاً، إنه جواد كريم.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
تم تحريره بقلم الفقير إلى الله تعالى محمد الصالح العثيمين في 4/3/1400هـ.
---
(1) بهذا اللفظ رواه مسلم ورواه البخاري معلقاً في البيوع باب 60، ورواه مسنداً في الصلح باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصالح مردود، ولكن بلفظ "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) (2697 ) ومسلم في الأقضية باب: نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور ح18 (1718) وبلفظ : (( من أحدث )) ح17.
(2) متفق عليه وسيأتي بتمامه في ص58 ، رواه البخاري في الصلاة باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره ( 482) مطولاً ، وفي الأذان مختصراً (714) و (715) وفي السهو (1226) وفي مواضع أخرى ، ورواه مسلم في المساجد باب السهو في الصلاة ح97 (573).
(1) متفق عليه ، رواه البخاري في الصلاة باب ما جاء في القبلة ( 404) مختصراً و( 401) مطولاً ، وفي السهو ( 1227 ) وفي مواضع أخرى ، ورواه مسلم في الموضع السابق ح91 (572).
(2) من حديث عبدالله بن بحينة متفق عليه ، فرواه البخاري في الأذان باب من لم ير التشهد واجباً . . (829 ) ، وفي السهو (1224،1225) وفي مواضع أخرى ، ورواه مسلم في المساجد باب السهو في الصلاة ح85(570).
(1) متفق عليه وتقدم في ص 12ج 13 .
(1) بقية الأسئلة الواردة في الرسالة نقلت إلى مواضعها وهي مؤرخة في 17/3/1389هـ .
(2) رواه البخاري في الصلاة / باب الحلق والجلوس في المسجد ، ومسلم في المسافرين / باب صلاة الليل مثنى مثنى .
(1) متفق عليه وتقدم في ج13/122
(1) متفق عليه وتقدم في ص14.
(2) متفق عليه وتقدم في ص15.(75/58)
(3) رواه البخاري في الأذان باب : الفراءة في الظهر ح(759)، ومسلم في الصلاة باب :القراءة في الظهر والعصر ح154(451)
(4) متفق عليه وتقدم في ص15.
(5) متفق عليه من حديث ابن مسعود رواه البخاري في الصلاة باب : التوجه نحو القبلة (401)، ومسلم في المساجد باب : السهو في الصلاة ح89(572) .
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم في ص 15 .
(2) رواه مسلم في الصلاة باب : النهي عن قراءة القرآن في الركوع والسجود ح207 (479).
(1) متفق عليه وتقدم تخريجة في ص 15
(1) رواه البخاري في الصلاة باب : التوجه نحو القبلة ( 401 ) ، ومسلم في المساجد باب : السهو في الصلاة ح89 ( 572 ).
(1) هذا حديث أبي سعيد الخدري وفي أوله : (( إذا شك أحدكم في صلاته . . . )) رواه مسلم في المساجد باب : السهو في الصلاة ح88(571) ، ويسأتي كاملاً ص 100 .
(1) متفق عليه وتقدم في ج13/122
(1) تقدم من حديث ابن بحينة المتفق عليه، راجع ص15.
(2) رواه أبو دواد في الصلاة باب: من نسي أن يتشهد وهو جالس (1036) بنحوه و ح (1037) ورواه الترمذي في الصلاة باب ما جاء في الإمام ينهض في الركعتين ناسياً ح(364) و (365) وصححه ورواه الإمام أحمد 4/247.
(3) رواه مسلم في المساجد باب: السهو في الصلاة ح101 (574).
(1) رواه مسلم في المساجد باب: السهو في الصلاة ح101 (574).
(2) هو جزء من حديث رواه البخاري وتقدم في ج13/169.
(1) هذا من حديث ابن مسعود المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص15.
(2) هذا من حديث أبي هريرة المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص15.
(3) متفق عليه وتقدم في ص16.
(1) متفق عليه وتقدم في ص31.
(1) الحديث رواه أبو داود والترمذي تقدم في ص56.
(1) تقدم تخريجه في ص16.
(1) هذا حديث ابن بحينة المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص16.
(2) هذا حديث أبي سعيد الخدري رواه مسلم تقدم تخريجه في ص31.
(3) هذا من حديث ابن مسعود المتفق عليه، تقدم تخريجه في ص15.(75/59)
(4) هذا من حديث أبي هريرة المتفق عليه، تقدم تخريجه في ص15.
(5) هذا من حديث أبي سعيد الخدري رواه مسلم وتقدم في ص41.
(6) هذا من حديث ابن مسعود المتفق عليه وتقدم تخريجه في ص31.
(1) تقدم تخريجه في ج13/110.
(2) تقدم تخريجه في ج13/110.
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: ما جاء في نقصان الصلاة (796)، ولفظه: "إن الرجل لينصرف، وما كتب له إلا عشر صلاته تسعها ثمنها سبعها سدسها خمسها ربعها ثلثها نصفها".
(2) ورد ذلك في حديث عثمان بن أبي العاص رواه مسلم وتقدم في ج13/110.
(1) هذا حديث عثمان بن أبي العاص، رواه مسلم وتقدم تخريجه في ج13/110.
(2) تقدم في ج13/110.
(1) تقدم ص15.
(2) بقية الجماعة: رواه أبو داود في الصلاة باب: إذا صلى خمساً ح(2019) و ح(1020)، والترمذي في باب: ما جاء في سجدتي السهو بعد السلام والكلام ح(392)، والنسائي في السهو باب التحري 3/33 ح(1242) و (1243) وابن ماجة في إقامة الصلاة باب ما جاء فيمن شك في صلاته (1211).
(1) تقدم تخريجه في ص15.
(2) متفق عليه وتقدم في ص16.
(1) تقدم تخريجه في ص31.
(2) تقدم تخريجه في ص42.
(1) من حديث أبي سعيد الخدري، تقدم تخريجه ص42.
(2) تقدم تخريجه في ج13/122.(75/60)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الرابع عشر
باب صلاة التطوع
محمد بن صالح العثيمين
750 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: عن صلاة التطوع من حيث الفضل والأنواع؟
فأجاب فضيلته بقوله: من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، أن جعل لكل نوع من أنواع الفريضة تطوعاً يشبهه، فالصلاة لها تطوع يشبهها من الصلوات، والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات، والصيام له تطوع يشبهه من الصيام، وكذلك الحج. وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده، ليزدادوا ثواباً وقرباً إلى الله تعالى، وليرقعوا الخلل الحاصل في الفرائض، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة.
فمن التطوع في الصلاة: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة، وهي أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة، وركعتان بعدها، فهذه ست ركعات، كلها راتبة للظهر، أما العصر فليس لها راتبة، أما المغرب فلها راتبة ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر، وتخص الركعتان قبل الفجر، بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين، وأن يقرأ فيهما بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعة الثانية، أو بقوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).(76/1)
(البقرة: 136) الآية في سورة البقرة في الركعة الأولى. و (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64) الآية في سورة آل عمران في الركعة الثانية. وبأنها – أي راتبة الفجر – تصلى في الحضر والسفر، وبأن فيها فضلاً عظيماً، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"(1).
ومن النوافل في الصلوات: الوتر، وهو من أوكد النوافل، حتى قال بعض العلماء بوجوبه، وقال فيه الإمام أحمد رحمه الله: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة".
والوتر تختم به صلاة الليل، فمن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام، ومن طمع أن يقوم آخر الليل، فليوتر آخر الليل بعد إنهاء تطوعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(2). وأقله ركعة واحدة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال: ثلاث ركعات، فإن أوتر بثلاث فهو بالخيار، إن شاء سردها سرداً بتشهد واحد، وإن شاء سلم من ركعتين، ثم صلى واحدة، وإن أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بسبع فكذلك يسردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بتسع فإنه يسردها، ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويسلم. فيكون فيها تشهدان وسلام واحد. وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة، فإنه يسلم من كل ركعتين ويأتي بالحادية عشرة وحدها.(76/2)
وإذا نسي الوتر، أو نام عنه، فإنه يقضيه من النهار، لكن مشفوعاً، لا وتراً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث، صلى أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بخمس، صلى ستاً وهكذا. لأنه ثبت في الصحيح، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل، صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة"(3).
751 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: أيهما أفضل قيام الليل أو طلب العلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: طلب العلم أفضل من قيام الليل؛ لأن طلب العلم كما قال الإمام أحمد لا يعدله شيء لمن صحت نيته، بأن ينوي به رفع الجهل عن نفسه وعن غيره، فإذا كان الإنسان يسهر في أول الليل لطلب العلم ابتغاء وجه الله سواءً كان يدرسه أو كان يدرسه ويعلمه الناس فإنه خير من قيام الليل، وإن أمكنه أن يجمع بين الأمرين فهو أولى، لكن إذا تزاحم الأمران فطلب العلم الشرعي أفضل وأولى، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا هريرة أن يوتر قبل أن ينام(1)، قال العلماء: وسبب ذلك أن أبا هريرة كان يتحفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم أول الليل وينام آخر الليل، فأرشده النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يوتر قبل أن ينام.
752 سئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته -: ما حكم الوتر وهل هو خاص برمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوتر سنة مؤكدة في رمضان وغيره، حتى إن الإمام أحمد وغيره يقول: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل شهادته" فهو سنة مؤكدة لا ينبغي للمسلم تركه لا في رمضان ولا في غيره، والوتر هو أن يختم صلاة الليل ركعة، وليس الوتر كما يفهمه بعض العوام أنه القنوت، فالقنوت شيء، والوتر شيء، فالوتر أن يختم صلاة الليل بركعة أو بثلاث سرداً.
وعلى كل حال فالوتر سنة مؤكدة في رمضان وفي غيره ولا ينبغي للمسلم أن يدعه.(76/3)
753 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: أحرص على الوتر في وقته الفاضل قبل طلوع الفجر؛ ولكن أحياناً لا أستطيع فعله قبل طلوع الفجر، فهل يجوز لي الوتر بعد طلوع الفجر؟
فأجاب فضيلته قائلاً: إذا طلع الفجر وأنت لم توتر فلا توتر، ولكن صل في النهار أربع ركعات إن كنت توتر بثلاث، وست ركعات إن كنت توتر بخمس وهكذا.
لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا فاتته صلاة الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة(2).
754 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله خيراً -: عن حكم من فاته الوتر ولم يتمكن من فعله قبل الفجر فهل يجوز له الوتر بعد طلوع الفجر؟ أفتونا وفقكم الله تعالى؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا يوتر بعد طلوع الفجر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى"(3). فدل على أن الوتر ينتهي وقته بطلوع الفجر؛ ولأنه صلاة تختم به الليل فلا تكون بعد انتهائه.
755 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل يصلي الوتر وأثناء صلاته أذن المؤذن لصلاة الفجر، فهل يتم صلاته؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، إذا أذن وهو أثناء الوتر فإنه يتم صلاته ولا حرج عليه.
756 وسئل فضيلة الشيخ: هل تجوز صلاة الوتر قبل النوم؟ وهل يحتسب من قيام الليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان من عادة المصلي أن لا يقوم إلا عند أذان الفجر فمن الأفضل أن يقدم الصلاة التي يريد أن يؤديها قبل أن ينام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل أن ينام(1).
فأنت صل ما كتب الله لك من الصلاة، وأوتر قبل النوم، ونم على وتر، وإذا قدر لك القيام قبل إذان الفجر وأردت أن تصلي نفلاً فلا حرج عليك على أن تصلي هذا النفل ركعتين، ولا تعيد الوتر.
757 وسئل فضيلته: هل يجوز للمصلي قضاء صلاة الوتر إذا قام صباحاً ولم يستيقظ قبل أذان الفجر، وكذلك صلاة الفجر، وراتبة الفجر؟(76/4)
فأجاب فضيلته بقوله: يقضي الوتر إذا نام عنه في النهار لكن يكون شفعاً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث قضاه أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بواحدة قضاه ركعتين.
وأما الفريضة والراتبة فيقضيها على صفتها.
758 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز الإيتار بثلاث بتشهد واحد لا يجلس إلا في آخر الثلاث؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز لمن أوتر بثلاث أن يوتر على صفتين:
إحداهما: أن يصلي ركعتين ثم يوتر بواحدة منفردة.
والثانية: أن يوتر بثلاث جميعاً لا يفصل بينهن بجلوس ولا بتسليم لأن ذلك كله قد ورد عن السلف، وأظن فيه حديثاً مرفوعاً عن النبي صلى الله عليه وسلم في الثلاث(2).
759 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: هل يجوز جمع الشفع والوتر في صلاة واحدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أوتر الإنسان بثلاث، فيجوز أن يصليها على وجهين:
إما أن يجمعها جميعاً في تشهد واحد فيصلي الثلاث ركعات جميعاً في تشهد واحد، وتسليم واحد.
وإما أن يصلي ركعتين ويتشهد ويسلم، ثم يصلي الثالثة.
وأما إذا أوتر بخمس فإن الأفضل أن يسردها جميعاً ويتشهد في الخامسة ويسلم. وإذا أوتر بسبع فكذلك يسردها جميعاً ويتشهد في السابعة ويسلم. وإذا أوتر بتسع سردها جميعاً لكنه يتشهد بعد الثامنة ولا يسلم، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويسلم.
وإذا أوتر بإحدى عشرة فإنه يسلم من كل ركعتين هكذا جاءت السنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
760 سئل فضيلة الشيخ: عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى..." الحديث(1) يدل على جواز الصلاة إلى عدد غير محدد؛ لأن هذا الحديث مطلق، وقد صلى النبي عليه الصلاة والسلام إحدى عشرة ركعة فهل يعد ذلك تقييداً للحديث؟(76/5)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا حديث مطلق، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم داخل في هذا المطلق، وفعل بعض الأفراد على وجه لا يخالف الإطلاق لا يعد تقييداً كما هو معروف عند الأصوليين، فأنت لو قلت: أكرم رجلاً. وقلت: أكرم محمداً: فلا يعني ذلك أن الحكم يتقيد بمحمد؛ لأنه داخل في أفراد المطلق، ولكن يصدق عليه أنك التزمت الأمر، وكذلك لو قلت: أكرم الرجال، فأكرمت واحداً بعينه، فلا يعتبر ذلك تخصيصاً، بل نقول: إذا ذكر بعض أفراد العام بحكم لا يتنافى مع حكم العام فليس هذا من باب التخصيص فكذلك في التقييد.
761 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم الإيتار بركعة، وخمس، وتسع؟ وهل يجوز الوتر مثل صلاة المغرب بحيث يصلي الرجل ركعتين ثم يجلس للتشهد ويقوم للثالثة قبل أن يسلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوتر بركعة وبالثلاث وبالخمس والسبع والتسع كله جائز وردت به السنة، وفي الصحيحين من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى"(2). فهذا واضح بأن الوتر بركعة جائز. وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحب أن يوتر بثلاث فليفعل، ومن أحب أن يوتر بواحدة فليفعل"(3)، وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان يوتر بخمس لا يجلس إلا في آخرها(4)، ويوتر بسبع لا يجلس إلا في آخرها، وأنه يوتر بتسع ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم للتاسعة بدون تسليم، ثم يختمها بالتشهد والتسليم(5).
وأما الإيتار بثلاث كصلاة المغرب فإنه منهي عنه؛ لأن النافلة لا ينبغي أن تشبه بالفريضة، فإن لكل حكمه وشأنه، فالإيتار بالثلاث على وجهين:
إما أن يسلم عند الركعتين ويوتر بالثالثة كما صح ذلك من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – من فعله(6).(76/6)
وإما أن يوتر بثلاث بدون تشهد إلا في الأخيرة كما في حديث عائشة الثابت في الصحيحين أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "كان لا يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشر ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسال عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً"(7)، وظاهر هذا أن هذه الثلاث بتسليم واحد.
وأما الصفة الثالثة للإيتار بالثلاث وهي أن يجعلها كصلاة المغرب فإنها لم ترد، والذي يحضرني الآن أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يشبه الوتر بالمغرب.
762 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز للإنسان أن يصلي الشفع والوتر بثلاث ركعات وتسليم واحد، أو يسلم للشفع ثم يأتي بالوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: كلاهما صواب، فإذا أوتر الإنسان بثلاث فإنه يجوز أن يصلي ركعتين ويسلم، ثم يأتي بالثالثة ويسلم، ويجوز أن يسرد الثلاث جميعاً بسلام واحد وبتشهد واحد لا بتشهدين كالمغرب، وعلى هذا فالذي يوتر بثلاث نقول لك الخيار؛ إن شئت فأوتر بثلاث مقرونة جميعاً لكن بتشهد واحد، وإن شئت أوتر بثلاث؛ ركعتين وحدهما، وركعة واحدة وحدها. والله الموفق.
763 وسئل فضيلة الشيخ: عن قضاء صلاة الوتر في النهار هل يكون ثلاث ركعات أو ركعتين؟
فأجاب فضيلته بقوله: الوتر سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، ولكن إذا غلبك النوم فاقض الوتر من النهار شفعاً، فإذا كان الإنسان يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإذا كان يوتر بخمس صلى ستاً، وإذا كان يوتر بسبع صلى ثمان، وإذا كان يوتر بتسع صلى عشراً، وإذا كان يوتر بإحدى عشرة صلى اثنتي عشرة ركعة، وينبغي للإنسان إذا كان يخشى أن لا يقوم آخر الليل أن يوتر قبل أن ينام، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة رضي الله عنه أن يوتر قبل أن ينام(1)، أما إذا كان يطمع أن يقوم آخر الليل، فإنه يؤخر الوتر إلى آخر الليل؛ لأن صلاة آخر الليل مشهودة.(76/7)
764 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: أورد العلامة ابن القيم – رحمه الله تعالى – في كتابه زاد المعاد(2) في معرض كلامه عن صلاة القيام، أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد الوتر ركعتين وهو جالس(3)، هل هذه من السنة التي وردت عن الرسول صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب فضيلته بقوله: كان النبي عليه الصلاة والسلام أحياناً يصلي بعد الوتر ركعتين جالساً، فاختلف العلماء في تخريج هذا، مع قوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(4).
فقال بعض العلماء: نأخذ بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما فعله فهو خاص به؛ لأننا إذا واجهنا الله عز وجل يوم القيامة وقلنا، إننا نصلي ركعتين بعد الوتر، لأن نبيك صلى الله عليه وسلم صلاها سيقول الله عز وجل: ألم يقل لك نبيي: اجعل آخر صلاتك بالليل وتراً؟ ولم يقل صل ركعتين بعد الوتر وأنت جالس؟ فلماذا لم تتبع القول، فقد يكون الفعل خاصاً بالرسول صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا التقدير ليس هناك إشكال، فهاتان الركعتان ليستا تشريعاً للأمة، بل هما من خصائص النبي صلى الله عليه وسلم.
وقال بعض العلماء: إن هاتي الركعتين لا تنافيان قول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" لأن هاتين الركعتين للوتر بمنزلة الراتبة للفريضة، فهما دون الوتر مرتبة، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يصليهما جالساً لا قائماً، وعلى هذا فلا يكون في الحديث مخالفة لقوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"، وهذا هو الذي ذهب إليه ابن القيم وجماعة من أهل العلم، فاعمل بذلك أحياناً.
765 سئل فضيلة الشيخ: هل الركعة بعد صلاة العشاء تعد وتراً؟ أي بعد الركعتين الأخيرتين، وهل تكون جهراً أو سراً؟ وهل تكون من قصار السور أو من طوال السور؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: يريد السائل أن يقول: هل يجوز أن يوتر الإنسان بركعة واحدة، بعد راتبة العشاء؟(76/8)
الجواب: يجوز أن يوتر بواحدة بعد صلاة العشاء وارتبتها. وأن يوتر بثلاث سرداً بتشهد بآخرها، وأن يوتر بثلاث يسلم من ركعتين ثم يأتي بالثالثة، وأن يوتر بخمس سرداً بتسليم واحد، وسبع ركعات سرداً كذلك بسلام واحد، وأن يوتر بتسع سرداً، وأن يتشهد عقب الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم، ويجوز أن يوتر بإحدى عشرة ركعبة يسلم من كل ركعتين ويوتر بواحدة. فالأمر في هذا واسع(1).
وأما القراءة: فيقرأ ما تيسر له سواء أوتر بواحدة، أو ثلاث، أو خمس، أو سبع، أو تسع، أو إحدى عشرة، إلا إذا أوتر بثلاث، فالأفضل أن يقرأ في الأولى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى). وفي اركعة الثانية: (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ). وفي الركعة الثالثة: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
766 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -: نرجو من فضيلتكم التفصيل في مسألة نقض الوتر، وكيف تفسر أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم القائل فيها: "لا وتران في ليلة"(2) وحديث: "اجعلوا آخر صلاتكم في الليل وتراً"(3)؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقض الوتر عند من يقول به أن الإنسان إذا أوتر في أول الليل ثم قام من آخر الليل يتهجد، بدأ قيامه في آخر الليل بركعة لتشفع الركعة الأولى، حتى تكون الركعتان شفعاً، ثم يصلي ركعتين ركعتين وإذا انتهى صلى الوتر.
ولكن هذا القول ضعيف وليس بصحيح، ولكن إذا أوتر الإنسان في أول الليل بناء على أنه لا يقوم من آخر الليل فإنه يكون ممتثلاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" فإن قدر أن يقوم من آخر الليل فيصلي ركعتين ركعتين ولا يعارض هذا قوله صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً". وهذا قد فعل ثم قدر له أن يقوم فيصلي ركعتين ركعتين لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى"(4).(76/9)
767 وسئل فضيلة الشيخ: ورد في الحديث: "لا وتران في ليلة"، فماذا يفعل من أراد أن يصلي التراويح ثم بعد ذلك القيام؟ وهل من صلى التراويح ثم انصرف يكتب له قيام ليلة كما ورد في الحديث؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى الإنسان مع الإمام الأول وأوتر(5) فإذا كان من نيته أن يصلي مع الإمام الثاني فإنه يشفع الوتر، أي إذا سلم الإمام قام فأتى بركعة، فإذا أتى بركعة صارت صلاته شفعاً، وصار الوتر في آخر الليل.
ولكن قد يقول لنا قائل: ما دليلكم على أنه يجوز للإنسان أن يزيد على إمامه ركعة؟
فالجواب على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه في غزوة الفتح يصلي ركعتين ويقول لأهل مكة: "أتموا فإنا قوم سفر"(6) أي مسافرون، فأهل مكة زادوا على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين. فهذا الذي يريد أن يشفع وتره، ويكون زاد ركعة لغرض، وهو شفع صلاته.
ولكن نقول إذا صلى مع الإمام الأول حتى انصرف وأوتر معه، فهل يحسب له قيام ليلة؟ هذا محل نظر:
فقد يقول قائل: إن اتحاد المكان يقتضي اتحاد الإمام؛ لأن المصلى واحد فالإمام الثاني كأنه نائب عن الإمام الأول.
وقد يقول آخر: إن انفراد الأول بصلاة كاملة فيها وترها يقتضي أنها صلاة مستقلة عن الثاني، وتكون الصلاة الثانية قياماً جديداً.
فبناء على الاحتمال الأول يكون الإنسان الذي يريد أن يبقى مع الإمام حتى ينصرف، لا ينصرف إلا بعد القيام الثاني.
وعلى الاحتمال الثاني نقول: من انصرف مع الإمام الأول وأوتر معه، فقد حصل له قيام الليلة.
وحيث كان هذان الاحتمالان واقعين فإن الأفضل فيما أرى أن يصلي الإنسان مع الأول فإذا سلم الإمام من وتره، أتى بركعة يشفعه، ثم قام مع الإمام الثاني، وانصرف مع إذا أوتر.
768 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -: كيف نصلي الوتر هذه الليالي، أنصليه مع التراويح أو في آخر الليل؟ وكيف يحصل لنا متابعة الإمام؟(76/10)
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أن تصلي مع الإمام الأول حتى يسلم، فإذا سلم من الوتر أتيت بركعة ليلكون هذا شفعاً للوتر، ثم توتر مع الإمام الثاني في آخر الليل، بهذا تكون ممتثلاً لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(1).
ولكن هنا مسألة، وهي أن بعض الناس يورد علينا إيراداً على هذا القول فيقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي إلا إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة؟
قلنا: أيضاً هذا من السنة، إذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم قال في الإمام "إذا صلى قائماً فصلوا قياماً، وإذا صلى قاعداً فصلوا قعوداً"(2)، وأنت إذا صليت خلف الإمام قاعداً وأنت قادر على القيام فقد تركت ركناً من أركان الصلاة، كل ذلك من أجل المتابعة، والصحابة رضي الله عنهم حين أنكروا على عثمان بن عفان – رضي الله عنه – إتمام الصلاة في منى في الحج، حتى ابن مسعود لما بلغه أن عثمان أتم استرجع(3) قال: إنا لله وإنا إليه راجعون، ومع ذلك كانوا يصلون معه أربعاً، كل ذلك من أجل المتابعة، وعدم المخالفة، وإذا أتينا إلى فعل الأئمة – أئمة المسلمين – الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – كان يرى أن القنوت في صلاة الفجر بدعة، ومع ذلك يقول: من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابعه وليؤمن على دعائه، ولم يقل ينصرف عنه، إذن عندنا من السنة ومن عمل الصحابة، ومن أقوال الأئمة ما يثبت أن الأفضل للإنسان أن يتابع إمامه، ولو عد ذلك خلافاً للسنة؛ لأن خلاف المسلمين وتفرقهم شرك بلا شك، فالذين يجتهدون من الإخوة إذا صلى الإمام عشر ركعات يعني خمس تسليمات جلسوا وانتظروا حتى يأتي الوتر ثم أوتروا، لا شك أنه فيما نرى حرموا أنفسهم خيراً كثيراً، ولو صلوا مع الإمام لكان في ذلك موافقة الجماعة، وزيادة الصلاة، الزيادة في الصلاة على إحدى عشرة ركعة ليست ممنوعة أبداً، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "أعني على نفسك بكثرة السجود"(4).(76/11)
وقال حيث سئل عن صلاة الليل: "صلاة الليل مثنى مثنى"(1) ولم يحددها بركعات، والسلف روي عنهم في قيام الليل في رمضان ألوان من الزيادة والنقص، فكانوا إذا خففوا في القراءة زادوا في الركعات، وإذا أطالوا القراءة قللوا.
769 وسئل فضيلة الشيخ: إذا قمت قبيل الفجر لصلاة الليل، ولم يسع الوقت إلا أن أصلي ركعتين، أو أربعاً، فهل أصلي ما تبقى من الصلاة في النهار؟ أفيدونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا قمت متأخر فصل ركعتين خفيفتين ثم أوتر، إما بركعة، أو بثلاث ركعات في تشهد واحد؛ لأنه يمكنك في هذه الحال أن توتر، وكونك توتر بركعة، أو بثلاث خير من تأخيرك إياها في النهار.
770 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: من قام لصلاة الفجر وقد فاتته صلاة الوتر متى يقضيها وما صفتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: من فاته الوتر في الليل فإنه يقضيه في النهار في الضحى ويجعله شفعاً بدل أن يكون وتراً؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه إذا كان غلبه النوم صلى في النهار ثنتي عشرة ركعة(2).
771 وسئل فضيلة الشيخ – غفر الله له -: عن رجل دخل المسجد والإمام في القنوت فكبر وركع ورفع من الركوع ثم رفع يديه وقنت مع الإمام وسلم معه هل يصح ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الفعل لا يصح؛ لأنه ليس من التعبد لله أن تتعبد له بركعة مبتورة إذ لابد في الركعة من قيام، وركوع، وسجود وقعود. وهذا الرجل ما ركع ولا قام قبل الركوع مع الإمام، وإنما وقف بعد الركوع. فنقول لا يجوز مثل هذا الفعل؛ لأنه من الاستهزاء بآيات الله وعليه إذا سلم إمامه وقد أدركه في القنوت أن يأتي بالركعة التي فاتته.
772 وسئل فضيلة الشيخ: هل يشرع دعاء الوتر في الركعة الأخيرة من صلاة الفجر؟(76/12)
فأجاب فضيلته بقوله: دعاء الوتر المعروف الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي – رضي الله عنهما – "اللهم اهدني فيمن هديت"(3)، إلى آخره لم يرد في غير الوتر، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقنت به لا في الفجر ولا في غيرها، والقنوت به في الفجر لا أصل له من السنة، وأما القنوت في الفجر بغير هذا الدعاء فهو محل خلاف بين أهل العلم على قولين: أصوبهما أنه لا قنوت في الفجر إلا إذا كان هناك سبب يتعلق بالمسلمين عموماً، كما لو نزلت بهم نازلة غير الطاعون فإنهم يقنتون في الفرائض أن يرفع الله تعالى عنهم.
ومع ذلك لو أن إمامه يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه على قنوته، ويؤمن على دعائه كما نص على ذلك الإمام أحمد – رحمه الله – لأن هذا من باب توحيد المسلمين وجمع كلمتهم.
وأما حدوث العدواة والبغضاء في مثل هذه الخلافات في أمر يسعه اجتهاد أمة محمد صلى الله عليه وسلم فإنه لا ينبغي، بل الذي يجب وخصوصاً طالب العلم أن يكون صدره رحباً واسعاً، يسع الخلاف بينه وبين إخوانه، وخصوصاً إذا علم من إخوانه حسن القصد وسلامة الهدف وأنهم لا يريدون إلا الحق، وكانت المسألة مما تدخل في باب الاجتهاد؛ لأن اجتهادك المخالف له ليس أولى بالصواب من قوله المخالف لقولك؛ لأن القول بالاجتهاد وليس فيه نص، فكيف تنكر عليه الاجتهاد ولا تنكر على نفسك؟ فهل هذا إلا جور وعدوان في الحكم.
773 وسئل فضيلته أيضاً: ما حكم دعاء القنوت في الركعة الأخيرة بعد الرفع من الركوع في صلاة الفجر؟(76/13)
فأجاب فضيلته قائلاً: القنوت في صلاة الفجر لا ينبغي إلا إذا كان هناك سبب، مثل أن ينزل بالمسلمين نازلة من نوازل الدهر، فإنه لا بأس أن يقنت الإمام ويدعو الله برفع هذه النازلة في صلاة الفجر وغيرها، وأما بدون سبب فإنه لا يقنت، وهذا هو القول الصحيح، ولكن لو صلى الإنسان مع إمام يقنت فإنه يتابعه، ويؤمن على دعائه، كما نص على ذلك الإمام أحمد – رحمه الله -.
774 وسئل فضيلته – جزاه الله خيراً -: بعض أئمة المساجد يقنتون في صلاة الفجر في الركعة الثانية ويدعون بدعاء: "اللهم اهدنا فيمن هديت"، ويزيدون عليه أدعية أخرى مختلفة، ويجعلون هذا الدعاء مختصاً بصلاة الفجر دون الصلوات الأخرى وبشكل مستمر، وبعضهم إذا نسي هذا الدعاء سجد سجود السهو، فما حكم هذا القنوت؟ وماذا يفعل المؤتم إذا قنت الإمام؟ هل يرفع يديه ويقول: آمين، أو يبقي يديه إلى جنبه ويبقى صامتاً ولا يشترك معهم في هذا القنوت؟ أرجو التوجيه مأجورين.
فأجاب قائلاً: الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد:
القنوت في صلاة الفجر بصفة مستمرة لغير سبب شرعي يقتضيه مخالف لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم. فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يقنت في صلاة الفجر على وجه مستمر لغير سبب شرعي، والذي ثبت عنه من القنوت في الفرائض أنه كان يقنت في الفرائض عند وجود سبب، وقد ذكر أهل العلم رحمهم الله أنه يقنت في الفرائض إذا نزلت بالمسلمين نازلة تستدعي ذلك، ولا يختص هذا بصلاة الفجر، بل في جميع الصلوات.
ثم اختلفوا؛ هل الذي يقنت الإمام وحده. والمراد بالإمام: الذي له السلطة العليا في الدولة أو يقنت كل إمام بجماعة في مسجد. أو يقنت كل مصل ولو منفرداً؟(76/14)
فمن أهل العلم من قال: إن القنوت في النوازل خاص بالإمام؛ أي بذي السلطة العليا في الدولة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي كان يقنت في مسجده، ولم ينقل أن غيره كان يقنت في الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت فيه.
ومنهم من قال: إنه يقنت كل إمام جماعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقنت لأنه إمام المسجد. وقد قال صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(1).
ومنهم من قال: يقنت كل مصل؛ لأن هذا أمر نازل بالمسلمين، والمؤمنون كالبنيان يشد بعضه بعضاً.
والقول الراجح أنه يقنت الإمام العام، ويقنت غيره من أئمة المساجد، وكذلك من المصلمين وحدهم لكن لا يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة لغير سبب شرعي، وأن ذلك خلاف هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما إذا كان هناك سبب فإنه يقنت في جميع الصلوات الخمس، على الخلاف الذي أشرت إليه آنفاً.
ولكن القنوت كما قال السائل: ليس هو قنوت الوتر؛ "اللهم اهدنا فيمن هديت"، ولكن القنوت هو الدعاء بما يناسب الحال التي من أجلها شرع القنوت كما كان ذلك هدي رسول صلى الله عليه وسلم.
ثم إذا كان الإنسان مأموماً هل يتابع هذا الإمام فيرفع يديه ويؤمن معه، أم يرسل يديه على جنبيه؟
والجواب على ذلك أن نقول: بل يؤمن على دعاء الإمام ويرفع يديه تبعاً للإمام خوفاً من المخالفة. وقد نص الإمام أحمد – رحمه الله – على أن الرجل إذا ائتم برجل يقنت في صلاة الفجر، فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه، مع أن الإمام أحمد – رحمه الله – لا يرى مشروعية القنوت في صلاة الفجر في المشهور عنه، لكنه – رحمه الله – رخص في ذلك؛ أي في متابعة الإمام الذي يقنت في صلاة الفجر خوفاً من الخلاف الذي قد يحدث معه اختلاف القلوب.(76/15)
وهذا هو الذي جاء عن الصحابة – رضي الله عنهم – فإن أمير المؤمنين عثمان – رضي الله عنه – في آخر خلافته كان يتم الصلاة في منى في الحج، فأنكر عليه من أنكر من الصحابة، لكنهم كانوا يتابعونه ويتمون الصلاة. ويذكر عن عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قيل له: يا أبا عبد الرحمن كيف تصلي مع أمير المؤمنين عثمان أربعاً ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أبو بكر، ولا عمر يفعلون ذلك؟ فقال – رضي الله عنه -: "الخلاف شر"(1).
وبقي في قول السائل: أو يرسل يديه على فخذيه".
فإن ظاهر كلامه أنه يظن أن المشروع بعد الرفع من الركوع إرسال اليدين على الفخذين، وهذا – وإن قال به من قال من أهل العلم – قول مرجوح، والذي دلت عليه السنة أن الإنسان المصلي إذا رفع من الركوع فإنه يضع يديه كما صنع فيها قبل الركوع؛ أي يضع يده اليمنى على اليسرى فوق الصدر.
ودليل ذلك حديث سهل بن سعد – رضي الله عنه – قال: "كان الناس يؤمرون أن يضع الرجل يده اليمنى على ذراعه اليسرى في الصلاة"(2). وهذا ثابت في صحيح البخاري.
وقوله: "في الصلاة" يعم جميع أحوال الصلاة، لكن يخرج منه حال السجود؛ لأن الإنسان في السجود تكون يديه على الأرض، وحال الجلوس؛ لأن اليدين على الفخذين، وحال الركوع؛ لأن اليدين على الركبتين. فما عدا ذلك تكون اليد اليمنى على اليسرى، كما يقتضيه هذا العموم.
هذا هو القول الراجح في هذه المسألة، وبعض العلماء قال: إن السنة أن يرسل يديه بعد الركوع. والإمام أحمد – رحمه الله – قال: يخير بين أن يضع أو يرسل.
775 وسئل فضيلته: نرجو من فضيلتكم توضيح السنة في دعاء القنوت، وهل له أدعية مخصوصة؟ وهل تشرع إطالته في صلاة الوتر؟(76/16)
فأجاب فضيلته بقوله: دعاء القنوت منه ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي بن أبي طالب: "اللهم اهدني فيمن هديت، وعافني فيمن عافيت"(1)، إلى آخر الدعاء المشهور. والإمام يقول: اللهم اهدنا بضمير الجمع؛ لأنه يدعو لنفسه ولمن خلفه، وإن أتى بشيء مناسب فلا حرج، ولكن لا ينبغي أن يطيل إطالة تشق على المأمومين، أو توجب مللهم لأن النبي صلى عليه الصلاة والسلام غضب على معاذ – رضي الله عنه – حين أطال الصلاة بقومه وقال: "أفتان أنت يا معاذ"(2).
776 وسئل فضيلة الشيخ: بعض أئمة المساجد في رمضان يطيلون في الدعاء وبعضهم يقصر فما هو الصحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: الصحيح أن لا يكون غلو ولا تقصير، فالإطالة التي تشق على الناس منهي عنها، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما بلغه أن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أطال الصلاة في قومه غضب صلى الله عليه وسلم غضباً لم يغضب في موعظة مثله قط، وقال لمعاذ بن جبل: "أفتان أنت يا معاذ"(3).
فالذي ينبغي أن يقتصر على الكلمات الواردة، ولا شك في أن الإطالة شاقة على الناس وترهقهم، ولا سيما الضعفاء منهم، ومن الناس من يكون وراءه أعمال ولا يحب أن ينصرف قبل الإمام ويشق عليه أن يبقى مع الإمام، فنصيحتي لإخواني الأئمة أن يكونوا بين بين، كذلك ينبغي أن يترك الدعاء أحياناً حتى لا يظن العامة أن الدعاء واجب.
777 وسئل فضيلة الشيخ: هل من السنة رفع اليدين عند دعاء القنوت مع ذكر الدليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم من السنة أن يرفع الإنسان يديه عند دعاء القنوت؛ لأن ذلك وارد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قنوته حين كان يقنت في الفرائض عند النوازل(4)، وكذلك صح عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – رفع اليدين في قنوت الوتر(5)، وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم.
فرفع اليدين عند قنوت الوتر سنة، سواء كان إماماً، أو مأموماً، أو منفرداً، فكلما قنت فارفع يديك.(76/17)
778 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: عن حكم الزيادة في دعاء القنوت على الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في تعليمه الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما -؟
فأجاب – حفظه الله – بقوله: الزيادة على ذلك لا بأس بها؛ لأنه إذا ثبت أن هذا موضع دعاء ولم يحدد هذا الدعاء بحد ينهى عن الزيادة فيه فالأصل أن الإنسان يدعو بما شاء، ولكن بعد المحافظة على ما ورد. بمعنى أن يقدم الوارد ومن شاء أن يزيد فلا حرج، ولهذا ورد عن الصحابة – رضي الله عنهم – أنهم يلعنون الكفرة في قنوتهم مع أن هذا لم يرد فيما علمه النبي صلى الله عليه وسلم الحسن بن علي بن أبي طالب، وحينئذ لا يبقى في المسألة إشكال، على أن لفظ الحديث: "علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر"(6) وهذا قد يقال إن ظاهره أن هناك دعاء آخر سوى ذلك؛ لأنه يقول: "دعاء أدعو به في قنوت الوتر". وعلى كل فإن الجواب أن الزيادة على ذلك لا بأس بها وعلى الإنسان أن يدعو بدعاء مناسب من جوامع الدعاء مما يهم المسلمين في أمور دينهم ودنياهم.
779 وسئل فضيلة الشيخ: ثبت في دعاء القنوت أنه صلى الله عليه وسلم كان يدعو بقوله: "اللهم اهدنا فيمن هديت.. إلى قوله: تبارك ربنا وتعاليت". وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(1). فهل تجوز الزيادة على هذا الدعاء؟
فأجاب بقوله: هذا القول لم يثبت من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإنما من تعليمه للحسن بن علي، وقد قال الحسن للرسول صلى الله عليه وسلم: "علمني دعاءً أدعو به في قنوت الوتر"(2). ولم يقل علمني دعاء قنوت الوتر. وهذا يدل على أن قنوت الوتر أوسع من هذا الدعاء؛ لأن (في) للظرفية، والظرف أوسع من المظروف، وهذا يدل أن الدعاء في قنوت الوتر أوسع من هذا.(76/18)
فلا بأس أن يزيد الإنسان على هذا الدعاء في قنوت الوتر، وإن كان وحده فليدع بما شاء، ولكن الأفضل أن يختار الإنسان جوامع الدعاء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بجوامع الدعاء، ويدع ما دون ذلك. وينبغي للإمام أن لا يطيل على الناس وألا يشق عليهم. ولهذا لما جاء الرجل يشكو معاذاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يطيل بهم في صلاة العشاء، فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال: "أيها الناس إن منكم منفرين، فأيكم أم الناس فليوجز"(3). وهذا دليل على أن الإمام يجب عليه أن يراعي حال من وراءه، فلا يشق عليهم حتى بقراءة الصلاة.
780 وسئل فضيلته: ذكرتم أن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم مكانها في الصلاة هو التشهد، ولا تفعل في القنوت، وإن فعلت لا يداوم عليها. ولكن روى القاضي إسماعيل بن إسحاق الجهضمي المالكي في كتابه: "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" قال: حدثنا محمد بن المثنى قال: حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن الحارث أن أبا حليمة معاذ كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت، وعبد الله بن الحارث: هو أبو الوليد البصري ثقة من رجال الشيخين، وأبو حليمة معاذ: هو ابن الحارث الأنصاري القارئ. قال ابن أبي حاتم: وهو الذي أقامه عمر يصلي بهم في شهر رمضان صلاة التراويح. والأثر رواه ابن نصر في قيام الليل بلفظ: "كان يقوم في القنوت في رمضان يدعو ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويستسقي الغيث". في هذا الأثر أنه كان يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في القنوت بمحضر أكابر الصحابة من المهاجرين والأنصار ولم ينكر عليه أحد، فهو كالإجماع على جواز ذلك. ولفظ (كان) يشعر بالمداومة على ذلك، نرجو البيان؟(76/19)
فأجاب فضيلته بقوله: أولاً: قبل الإجابة على هذا السؤال أنا أحمد الله سبحانه وتعالى أننا نجد من إخواننا من يعتنون بالحديث وبأسانيد الحديث ويحرصون عليه؛ لأن هذه طريقة طيبة جداً، ونحن نحبذها، ونود أن تكون علوم الشباب مبنية على ذلك؛ لأن السند هو الطريق إلى ثبوت الأحكام أو نفيها. ولكن في هذا السند شيء من الآفات: أولها: عنعنة قتادة، وقتادة – رحمه الله – وإن كان ثقة لكنه من المدلسين، والمدلس إذا عنعن فإنه لا يقبل حديثه إلا إذا علم أنه جاء من طريق آخر مصرحاً فيه بالسماع.
وكذلك أيضاً يقول معاذ بن هشام عن أبيه.
ثم إن قول السائل في آخر السؤال إن ذلك بمحضر أكابر الصحابة – رضي الله عنهم – (من المهاجرين والأنصار).
هذا في الحقيقة غير مسلم؛ لأن المهاجرين والأنصار في عهد أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – تفرق منهم أناس في الأمصار، في البصرة وفي الكوفة وفي غيرهما، فليس ذلك بمحضر منهم، وإنما هو بمحضر من هؤلاء الذين يصلون في المسجد – إن صح الأثر – ثم إن هذه المقدمة التي توصل بها السائل إلى أن يجعل ذلك مثل الإجماع أو إجماعاً، فأنا ما علمت أحداً من أهل العلم سلك مثل هذه الطريقة بحيث يجعل ما عمل في مسجد من مساجد المدينة من الأمور التي تكون كالإجماع، وإنما يعدون ما كان كالإجماع إذا اشتهر بين الناس ولم ينكر. فلو كان هذا من الأمور المشتهرة التي لم تنكر قلنا إنه قد يكون كالإجماع، فعلى هذا نحن نشكر الأخ على هذا السؤال، ونسأل الله أن يزيدنا وإياه علماً، ونقول:(76/20)
إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم هي من الدعاء الذي ينبغي للإنسان أن يلازمه دائماً؛ لأنه في الحقيقة إذا صلى الإنسان على رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه بها عشراً(1). وبهذه المناسبة أقول: إن جاء طريقة غير هذه الطريق لهذا الأثر فإنه قد يكون حجة؛ لأنه عمل صحابي وإن لم يكن إجماعاً. فلا حاجة للإجماع إذا ثبت أنه عمل صحابي لم يخالفه أحد فإن قول الصحابي قد يحتج به. وأما إذا لم يثبت الأثر فإننا نقول: إن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم أمر محبوب وينبغي أن يقرن بها كل دعاء، لكن كوننا نجعلها من سنن القنوت، هذا محل نظر وقبل الانتهاء من هذا أود أن أسأل: ما معنى الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؟
الصلاة مني أنا مثلاً (إذا قلت اللهم صل على محمد) فأنا أسأل الله أن يصلي عليه. لكن ما معنى صلاة الله عليه؟
قال بعض العلماء: إن صلاة الله على رسوله رحمته.
ولكن هذا ليس بصحيح؛ لأن الله تعالى قال في القرآن: (أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) (البقرة: 157). ففرق الله بين الصلاة والرحمة، ومعلوم أن العطف يقتضي التغاير، كما هو معروف ومقرر في اللغة العربية، لكن صلاة الله على نبيه صلى الله عليه وسلم هي كما قال أبو العالية – رحمه الله -: ثناؤه عليه في الملأ الأعلى، أي أن الله يثني على محمد صلى الله عليه وسلم لدى الملائكة في الملأ الأعلى، وعلى هذا فأنت إذا صليت على نبيك فمعنى ذلك أثنى الله عليك بها عند الملا الأعلى عشر مرات، وهذه نعمة كبيرة تدل على فضيلة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في يوم الجمعة.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم(76/21)
فضيلة شيخنا العلامة: محمد الصالح العثيمين حفظه الله ورعاه.. ما قولكم فيمن يقول في دعائه في القنوت في رمضان أو غيره: يا من لا تراه العيون أو يخصص [في الدنيا العيون] ولا تخالطه الظنون ولا يخشى الدوائر ولا تغيره الحوادث، ويقول: يا سامع الصوت ويا سابق الفوت ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت، ويقول: يا من يعلم مثاقيل الجبال ومكاييل البحار وعدد قطر الأمطار وعدد ورق الأشجار وعدد ما أظلم عليه الليل وأشرق عليه النهار.
آفتونا مأجورين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب: هذه أسجاع غير واردة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيما ورد عنه من الأدعية ما هو خير منها من غير تكلف.
والجملة الأولى: يا من لا تراه العيون إن أراد في الآخرة أو مطلقاً فخطأ مخالف لما دل عليه الكتاب والسنة وإجماع السلف الصالح من أن الله تعالى يرى في الآخرة. وإن أراد في الدنيا فإن الله تعالى يثنى عليه بالصفات على الكمال والإثبات لا بالصفات السلبية. والتفصيل في الصفات السلبية بغير ما ورد من ديدن أهل التعطيل.
فعليك بالوارد، ودع عنك الجمل الشوارد.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 12/8/1417هـ.
فصل
في شرح دعاء القنوت
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، واصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
فإننا نسمع دعاء القنوت المشهور الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما – وهذا بيان لمعاني هذا الدعاء والله الموفق:
"اللهم اهدنا" ما المراد بالهداية هنا؟
هل المعنى لدنا على الحق فيمن دللت؟ أو أن المعنى دلنا على الحق ووفقنا لسلوكه؟(76/22)
الجواب الثاني: أن المعنى دلنا على الحق ووفقنا لسلوك الحق وذلك؛ لأن الهداية التامة النافعة هي التي يجمع الله فيها للعبد بين العلم والعمل؛ لأن الهداية بدون عمل لا تنفع بل هي ضرر؛ لأن الإنسان إذا لم يعمل بما علم صار علمه وبالاً عليه.
مثال الهداية العلمية بدون العمل: قوله تعالى: (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى) (فصلت: 17). ومعنى هديناهم:
أي بينا لهم الطريق وأبلغناهم العلم، ولكنهم – والعياذ بالله – استحبوا العمى على الهدى.
ومن الهداية التي هي العلم وبيان الحق قول الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) (الشورى: 52). ومعنى تهدي:
أي تدل وتبين، وتعلم الناس الصراط المستقيم.
وأما الهداية التي بمعنى التوفيق، فمثل قول المصلي (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) (الفاتحة: 6).
فعندما نقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) هل أنت تسأل الله علماً بلا عمل، أو عملاً بلا علم، أو علماً وعملاً؟
الجواب: ينبغي للإنسان إذا دعا الله بقول: "أهدنا الصراط المستقيم" أن يستحضر أنه يسأل ربه العلم والعمل.
فالعلم الذي هو الإرشاد، والعمل هو التوفيق، وهذا فيما أظن – والعلم عند الله – أنه يغيب عن بال كثير من الناس عندما يقول: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ).
وقوله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ).(76/23)
هذه هداية إرشاد وبيان. لكن قوله تعالى: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) (القصص: 56). فهذه الهداية هداية التوفيق للعمل، فالرسول صلى الله عليه وسلم لا يستطيع أن يوفق أحداً للعمل الصالح أبداً ولو كان يستطيع ذلك لاستطاع أن يهدي عمه أبا طالب، وقد حاول معه حتى قال له عند وفاته: "يا عم قل: "لا إله إلا الله" كلمة أحاج لك بها عند الله" ولكن قد سبقت له من الله عز وجل الكلمة بأنه من أهل النار – والعياذ بالله -. فلم يقل لا إله إلا الله وكان آخر ما قال: هو على ملة عبد المطلب(1). ولكن الله عز وجل أذن لرسوله صلى الله عليه وسلم أن يشفع له، لا لأنه عمه، لكن لأنه قام بسعي مشكور في الدفاع عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الإسلام. فشفع النبي صلى الله عليه وسلم فيه فكان في ضحضاح من نار وعليه نعلان من نار يغلي منهما دماغه، وإنه لأهون أهل النار عذاباً. قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ولو لا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار"(1).
إذا قلنا في دعاء القنوت: اللهم اهدنا فيمن هديت، فإننا نسأل الله تعالى الهدايتين: هداية العلم، وهداية العمل.
وقوله: "فيمن هديت" ما الذي جاء بها هنا يعني لو اقتصر الإنسان وقال: "اللهم اهدنا" حصل المقصود؟
الجواب: ليكون ذلك من باب التوسل بنعم الله عز وجل على من هداه أن ينعم علينا نحن أيضاً بالهداية، يعني أننا نسألك الهداية فإن ذلك من مقتضى رحمتك وحكمتك ومن سابق فضلك فإنك قد هديت أناس آخرين. وهذا فيه نوع من التوسل بفعل الله تعالى وهو هدايته من هدى.
"وعافنا فيمن عافيت".
هل المعافاة من أمراض البدن، أو من أمراض القلوب، أو من الأمراض البدنية والقلبية؟
فالجواب: من الاثنين أي عافنا من أمراض القلوب، وأمراض البدن.(76/24)
وما الذي يتبادر إلى أذهانكم إذا دعوتم الله بهذا الدعاء: "وعافنا فيمن عافيت"؟ الظاهر: أن المتبادر أنه العافية من أمراض البدن، لكن ينبغي لك يا أخي أن تستحضر أن الله يعافيك من أمراض البدن وأمراض القلب؛ لأن أمراض القلوب هي المصائب، ولذلك نقول في دعاء القنوت: "ولا تجعل مصيبتنا في ديننا".
وأمراض القلوب تعود إلى شيئين:
1- أمراض الشهوات ومنشؤها الهوى، فإن الإنسان يعرف الحق لكن لا يريده، فله هوى مخالف لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم.
2- أمراض الشبهات ومنشؤها الجهل، فإن الإنسان الجاهل يفعل الباطل ويظنه حق، وهذا مرض خطير.
فأنت تسأل الله العافية من أمراض الأبدان وأمراض القلوب التي هي أمراض الشبهات، وأمراض الشهوات.
وعندما نقول أمراض الشهوات فلا تظن أننا نزيد أمراض الشهوة الجنسية – وهي شهوة النكاح – ولكننا نريد كل ما يريده الإنسان مما يخالف الحق، فإنها شهوة – بمعنى: إرادة: اشتهى أن يبتدع في دين الله أو اشتهى أن يحرف نصوص الكتاب والسنة لهواه، أو اشتهى أن يسرق، أو أن يشرب الخمر، أو يزني، وما أشبه ذلك.
"وتولنا فيمن توليت":
معناه: أي كن ولياً لنا بالولاية الخاصة للمؤمنين كما قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ) (البقرة: 257). وقوله جل وعلا: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ) (المائدة: 55). فتسأل الله تعالى الولاية الخاصة التي تقتضي العناية بمن تولاه الله عز وجل.(76/25)
أما الولاية العامة: فهي تشمل كل أحد، فالله ولي كل أحد، كما قال تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) (الأنعام: 61). وهذا عام لكل أحد ثم قال: (ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ ) (الأنعام: 62). أي: الولاية العامة.
لكن عندما نقول: "اللهم اجعلنا من أوليائك"، أو "اللهم تولنا" فإننا نريد بها الولاية الخاصة، والولاية الخاصة تقتضي التوفيق، والنصرة، والصد عن كل ما يغضب الله عز وجل.
"وبارك لنا فيما أعطيت":
البركة يقول العلماء: إنها هي الخير الكثير الثابت، ويعيدون ذلك إلى اشتقاق هذه الكلمة، فإنها من البركة وهي مجمع الماء مكان واسع ماؤه كثير ثابت.
فالبركة هي الخيرات الكثيرة الثابتة.
والمعنى أي انزل لي البركة فيما أعطيتني.
"فيما أعطيت":
أي من كل شيء أعطى الله عز وجل (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ) (النحل: 53). فتسأل الله البركة فيه؛ لأن الله إذا لم يبارك لك فيما أعطاك حرمت خيراً كثيراً.
ما أكثر الناس الذين عندهم المال الكثير وهم في عداد الفقراء؛ لأنهم لا ينتفعون بمالهم، تجد عندهم من الأموال ما لا يحصى، لكن يقصر على أهله في النفقة، وعلى نفسه ولا ينتفع بماله، والغالب أن من كان هذه حاله وبخل بما يجب عليه، أن يسلط على أمواله آفات تذهبها.
كثير من الناس عنده أولاد لكن أولاده لم ينفعوه، عندهم عقوق واستكبار على الأب، حتى إنه – أي الولد – يجلس إلى صديقه الساعات الطويلة يتحدث إليه ويأنس به ويفضي إليه بأسراره، لكنه إذا جلس عند أبيه، وإذا هو كالطير المحبوس في الققص – والعياذ بالله – لا يأنس بأبيه، ولا يتحدث إليه، ولا يفضي إليه بشيء من أسراره، ويستثقل حتى رؤية أبيه، فهؤلاء لم يبارك لهم في أولادهم.(76/26)
تجد بعض الناس أعطاه الله علماً كثيراً لكنه بمنزلة الأمي لا يظهر أثر العلم عليه في عباداته، ولا في أخلاقه، ولا في سلوكه، ولا في معاملته مع الناس، بل قد يكسبه العلم استكباراً على عباد الله وعلواً عليهم واحتقاراً لهم، وما علم هذا أن الذي من عليه بالعلم هو الله، وأن الله لو شاء لجعله مثل هؤلاء الجهال. تجده قد أعطاه الله علماً، ولكن لم يتنفع الناس بعلمه، لا بتدريس، ولا بتوجيه، ولا بتأليف، بل هو منحصر على نفسه لم يبارك الله له في العلم، وهذا بلا شك حرمان عظيم، مع أن العلم من أبرك ما يعطيه الله للعبد؛ لأن العلم إذا علمته غيرك، ونشرته بين الناس أجرت على ذلك من عدة وجوه:
أولاً: أن في نشرك للعلم نشراً لدين الله عز وجل، فتكون من المجاهدين في سبيل الله؛ فالمجاهد في سبيل الله يفتح البلاد بلداً بلداً حتى ينشر فيها الدين، وأنت تفتح القلوب بالعلم حتى تنشر فيها شريعة الله عز وجل.
ثانياً: من بركة نشر العلم وتعليمه، أن فيه حفظاً لشريعة الله وحماية لها، لأنه لولا العلم لم تحفظ الشريعة، فالشريعة لا تحفظ إلا برجالها رجال العلم، ولا يمكن حماية الشريعة إلا برجال العلم، فإذا نشرت العلم، وانتفع الناس بعلمك، حصل في هذا حماية لشريعة الله، وحفظ لها.
ثالثاً: فيه أنك تحسن إلى هذا الذي علمته؛ لأنك تبصره بدين الله عز وجل، فإذا عبد الله على بصيرة؛ كان لك من الأجر مثل أجره؛ لأنك أنت الذي دللته على الخير، والدال على الخير كفاعل الخير. فالعلم في نشره خير وبركة لناشره ولمن نشر إليه.
رابعاً: أن في نشر العلم وتعليمه زيادة له، فعلم العالم يزيد إذا علم الناس؛ لأنه استذكار لما حفظ وانفتاح لما لم يحفظ كما قال القائل:
يزيد بكثرة الإنفاق منه
وينقص إن به كفاً شددتا
أي إذا أمسكته ولم تعلمه نقص.
"وقنا شر ما قضيت":
الله عز وجل يقضي بالخير ويقضي بالشر.
أما قضاؤه بالخير فهو: خير محض في القضاء والمقضي.(76/27)
مثال: القضاء للناس بالرزق الواسع والأمن والطمأنينة والهداية والنصر... إلخ.
فهذا الخير في القضاء والمقضي.
وأما قضاؤه بالشر فهو خير في القضاء، شر في المقضي.
مثال ذلك: القحط وامتناع المطر، فهذا شر لكن قضاء الله به خير.
قال الله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) (الروم: 41).
فلهذا القضاء غاية حميدة، وهي: الرجوع إلى الله تعالى من معصيته إلى طاعته، فصار المقضي شراً، وصار القضاء خيراً.
"وقنا شر ما قضيت":
"ما" هنا اسم موصول، والمعنى أي شر الذي قضيته، فإن الله تعالى يقضي بالشر لحمة بالغة حميدة.
"إنك تقضي ولا يقضى عليك":
فالله تعالى يقضي على كل شيء؛ لأن له الحكم التام الشامل.
"ولا يقضى عليك":
فلا يقضي عليه أحد. فالعباد لا يحكمون على الله، والله يحكم عليهم، العباد يسألون عما عملوا، وهو سبحانه (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) (الانبياء: 23).
"إنه لا يذل من واليت ولا يعز من عاديت":
وهذا كالتعليل لقولنا فيما سبق: "وتولنا فيمن توليت" فإذا تولى الله سبحانه الإنسان فإنه لا يذل، وإذا عادى الله الإنسان فإنه لا يعز – ومعنى ذلك – أننا نطلب العز من الله سبحانه، ونتقي من الذل بالله عز وجل فلا يمكن أن يذل أحد والله تعالى وليه، فالمهم هو تحقيق هذه الولاية، وبماذا تكون هذه الولاية؟
الجواب: هذه الولاية تكون بوصفين بينهما الله عز وجل في كتابه فقال عز وجل: )أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: 62- 63) وصفان أحدهما في القلب والثاني في الجوارح. (الذين آمنوا) هذه في القلب (وكانوا يتقون) هذه في الجوارح، فإذا صلح القلب والجوارح نال الإنسان الولاية بهذين الوصفين.(76/28)
وليست الولاية فيمن يدعيها من أولئك القوم الذين يسلكون طرق الرهبان وأهل البدع الذين يبتدعون في شرع الله ما ليس منه ويقولون نحن الأولياء.
فولاية الله عز وجل التي بها العز هي مجموعة في هذين الوصفين الإيمان والتقوى.
قال شيخ الإسلام ابن تيميه أخذاً من هذه الآية: (الذين آمنوا وكانوا يتقون):
"من كان مؤمناً تقياً، كان لله ولياً". وصدق – رحمه الله – لأن هذا ما دل عليه القرآن.
"ولا يعز من عاديت":
يعني أن من كان عدواً لله فإنه لا يعز، بل حاله الذل والخسران والفشل، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوّاً لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) (البقرة: 98). فكل الكافرين في ذلك وهم أذلة. ولهذا لو كان عند المسلمين عز الإسلام، وعز الدين، وعز الولاية ما كان هؤلاء الكفار على هذا الوضع الذي نحن فيه الآن؛ حتى إننا ننظر إليهم من طرف خفي؛ ننظر إليهم من طريق الذل لنا والعز لهم؛ لأن أكثر المسلمين اليوم مع الأسف لم يعتزوا بدينهم ولم يأخذوا بتعاليم الدين، وركنوا إلى مادة الدنيا وزخارفها، ولهذا أصيبوا بالذل، فصار الآن الكفار في نفوسهم أعز منهم. لكننا نؤمن بأن الكفار أعداء الله، وأن الله كتب الذل على كل عدو له.
قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) (المجادلة: 20) وهذا خبر مؤكد ثم قال: (كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (المجادلة: 21).
فمن عادى الله عز وجل فهو ذليل لا يمكن أن يكون عزيزاً أبداً لكن قد يكون عزيزاً في نظر من لا يرى العزة إلا في مصل ما كان عليه هذا الكافر، وأما من نظر إلى أن العزة لا تكون إلا بولاية الله عز وجل والاستقامة على دينه فإنه لا يرى هؤلاء إلا أذل خلق الله.
"تباركت ربنا وتعاليت":
هذا ثناء على الله عز وجل بأمرين:(76/29)
أحدهما: التبارك والتاء هنا للمبالغة؛ لأن الله عز وجل هو أهل البركة.
تباركت: أي كثرت خيراتك وعمت ووسعت الخلق؛ لأن البركة كما قلنا فيما سبق هي الخير الكثير الدائم.
وقوله: "ربنا":
أي يا ربنا فهو منادى حذفت منه ياء النداء لكثرة الاستعمال، وللتبرك بالبداءة باسم الله تعالى.
وقوله: "وتعاليت":
من العلو الذاتي والوصفي. فالله سبحانه عليٌّ بذاته وعليٌّ بصفاته، فعلو الذات معناه: أن الله تعالى فوق كل شيء، وعلو الصفات معناه: أن الله تعالى موصوف بكل صفات عليا، فليس في صفاته نقص بوجه من الوجوه(1).
"اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك" هذا من باب التوسل برضاء الله أن يعيذك من سخطه.
"وبمعافاتك من عقوبتك". أي أن يعافيك الله من كل بلية في الدين والدنيا.
"وبك منك" في هذا غاية اللجوء إلى الله، فلا يمكن أن تستعيذ من الله إلا بالله، إذ لا أحد يعيذك من الله إلا الله، فالإنسان يقر بقلبه ولسانه أنه لا مرجع له إلا ربه سبحانه وتعالى.
"لا نحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك" أي لا ندركه، ولا نبلغه. فلا يمكن أن تحصي الثناء على الله أبداً؛ لأن أفعال الله غير محصورة وكل فعل من أفعال الله فهو كمال، وأقواله كذلك غير محصورة، وكذلك ما يدفعه عن عبادة غير محصورة، فالثناء على الله لا يمكن أن يصل الإنسان فيه إلى غاية ما يجب لله من الثناء مهما بلغ من الثناء على الله تعالى، وغاية الإنسان أن يعترف بالنقص والتقصير فيقول: "لا أحصي ثناء عليك، أنت كما أثنيت على نفسك". وفي هذا من الإقرار بكمال صفات الله ما هو ظاهر معلوم.
"اللهم صل على محمد" أي: أثني عليه في الملأ الأعلى.
"وعلى آل محمد" إذا ذكر الآل وحده فالمراد جميع أتباعه على دينه، وإذا ذكر معه غيره صار المراد بالآل المؤمنين من أهل بيته وغيرهم بحسب السياق.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
781 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم مسح الوجه باليدين بعد الدعاء؟(76/30)
فأجاب فضيلته بقوله: مسح الوجه باليدين بعد الدعاء الأقرب أنه غير مشروع؛ لأن الأحاديث(1) الواردة في ذلك ضعيفة حتى قال شيخ الإسلام – رحمه الله -: إنها لا تقوم بها الحجة، وإذا لم نتأكد أو يغلب على ظننا أن هذا الشيء مشروع فإن الأولى تركه؛ لأن الشرع لا يثبت بمجرد الظن إلا إذا كان الظن غالباً.
فالذي أرى في مسح الوجه باليدين بعد الدعاء أنه ليس بسنة والنبي صلى الله عليه وسلم كما هو معروف دعا في خطبة الجمعة بالاستسقاء ورفع يديه ولم يرد أنه مسح بهما وجهه، وكذلك في عدة أحاديث جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه دعا ورفع يديه ولم يثبت أنه مسح وجهه.
782 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: ما رأي المذاهب الأربعة في القنوت؟
فأجاب فضيلته بقوله: رأي المذاهب الأربعة في القنوت كما يلي:
1- المالكية قالوا لا قنوت إلا في صلاة الفجر خاصة؛ فلا قنوت في الوتر ولا غيره من الصلوات.
2- الشافعية قالوا: لا قنوت في الوتر إلا في النصف الأخير من رمضان ولا قنوت في غيره من الصلوات، إلا في صلاة الفجر على كل حال، وفي غيرها من الفرائض إن نزلت بالمسلمين نازلة من نوائب الدهر.
3- الحنفية قالوا: يقنت في الوتر، ولا يقنت في غيره من الصلوات إلا في النوازل وشدائد الدهر في الفجر خاصة يقنت الإمام ويؤمن من خلفه ولا يقنت المنفرد.
4- الحنابلة قالوا: يقنت في الوتر ولا يقنت في غيره إلا في النوازل وشدائد الدهر غير الطاعون فيقنت الإمام أو نائبه في الصلوات الخمس غير الجمعة.
وقال الإمام أحمد نفسه لا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في قنوت الوتر قبل الركوع أو بعده شيء.
هذه أقوال أهل المذاهب الأربعة.(76/31)
والراجح أنه لا يقنت في الفرائض إلا لأمر نزل بالمسلمين، أما الوتر فلم يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت في الوتر لكن في السنن أنه علم الحسن بن علي كلمات يقولهن في قنوت الوتر: اللهم اهدني فيمن هديت إلى آخره، وقد صححه بعض أهل العلم(2)، فإن قنت فحسن، وإن ترك القنوت فحسن أيضاً والله الموفق. كتبه محمد الصالح العثيمين في 7/3/1398هـ.
783 وسئل فضيلة الشيخ: هل تشرع قراءة الفاتحة في آخر الدعاء أو في البداية؟ وهل هذا من البدع؟
فأجاب فضيلته بقوله: إن قراءة الفاتحة بين يدي الدعاء، أو في خاتمة الدعاء من البدع؛ لأنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفتتح بقراءة الفاتحة، أو يختم دعاءه بالفاتحة، وكل أمر تعبدي لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإن إحداثه بدعة.
وبهذه المناسبة: فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الفاتحة رقية(1)، اي يقرأ بها على المريض يستشفى بها، وهذا واقع مجرب. فإن قراءة الفاتحة على المريض من أقرب العلاج للشفاء.
784 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله وعفا عنه -: ما كيفية الجلسة للتشهد في صلاة الوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإنسان في صلاة الوتر يجلس مفترشاً؛ لأن الأصل في جلسات الصلاة الافتراش، إلا إذا قام دليل على خلاف ذلك، وعلى هذا فنقول يجلس للتشهد في الوتر مفترشاً، ولا تورك إلا في صلاة يكون لها تشهدان فيكون التورك في التشهد الأخير للفرق بينه وبين التشهد الأول هكذا جاءت السنة، والله أعلم.
785 سئل فضيلة الشيخ: هل زيادة ركعة بعد تسليم الإمام من الوتر إذا كان المأموم يريد التهجد بعده له أصل من السنة؟(76/32)
فأجاب فضيلته بقوله: نعم له أصل من السنة، وذلك قوله صلى الله عليه وسلم حين كان يصلي بأهل مكة وهو مسافر كان يقول لهم: "يا أهل مكة أتموا فإنا قوم سفر"(2). فهؤلاء الذين يصلون خلف الإمام وهو يوتر نقول إنهم نووا التهجد بعد هذا، صلوا مع الإمام، فإذا سلم فأتموا بركعة ليكون آخر صلاتكم في الليل وتراً.
786 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة قيام الليل جماعة في غير رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: الشفع والوتر والتهجد تجوز فيه الجماعة أحياناً لا دائماً، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة ببعض أصحابه، فمرة صلى معه عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما(3) -، ومرة صلى معه عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه(4) -، ومرة صلى معه حذيفة بن اليمان(5) – رضي الله عنه -.
لكن هذا ليس راتباً أي لا يفعله كل ليلة، ولكن أحياناً: فإذا قام الإنسان بتهجد وقد نزل به ضيف وصلى معه هذا الضيف جاء في تهجده ووتره فلا بأس به، أما دائماً، فلا.
وهذا في غير رمضان؛ أما في رمضان فإنه تسن فيه الجماعة من أوله إلى آخره من التراويح ومنها الوتر.
787 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الوتر؟ وهل يجب القنوت فيه؟ وهل يمسح وجهه بعد انتهاء الدعاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الوتر سنة مؤكدة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(6).
ووقتها: من صلاة العشاء ولو كانت مجموعة إلى المغرب جمع تقديم إلى طلوع الفجر. ولكن يجعله الإنسان آخر صلاته من الليل، ثم إن كان ممن يقوم في آخر الليل، فليؤخر الوتر إلى آخر الليل حتى ينتهي من التهجد، وإن كان ممن لا يقوم، فإنه يوتر قبل أن ينام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أوصى أبا هريرة – رضي الله عنه – أن يوتر قبل أن ينام(1). قال العلماء: وسبب ذلك أن أبا هريرة – رضي الله عنه – كان يسهر أول ليلة في حفظ أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم.(76/33)
وأما القنوت في الوتر فليس بواجب، والذي ينبغي للإنسان أن لا يداوم عليه؛ بل يقنت أحياناً، ويترك أحياناً.
وأما مسح الوجه باليدين بعد الدعاء فمن العلماء من قال: إنه بدعة؛ لأن الأحاديث الواردة فيه ضعيفة(2)، كشيخ الإسلام بن تيميه – رحمه الله – فإنه يقول للداعي إذا انتهى من دائه ولو كان رافعاً يديه لا يمسح بيديه؛ لأن الأحاديث الواردة بهذا ضعيفة. والأحاديث الصحيحة الواردة عن النبي عليه الصلاة والسلام في دعائه أنه إذا رفع يديه فإنه لا يمسح بها وجهه صلى الله عليه وسلم.
ومن العلماء من قال: إن المسح سنة بناء على أن الأحاديث الضعيفة إذا تكاثرت قوى بعضها بعضاً.
والذي أراه أن مسح الوجه بعد الدعاء ليس بسنة؛ لكن من مسح فلا ينكر عليه، ومن ترك فلا ينكر عليه.
فصل
في صلاة الوتر(1)
قال فضيلة الشيخ – جزاه الله عن والمسلمين خير الجزاء -:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد:
فإن الوتر سنة سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وأكده، حتى ذهب العلماء إلى أن الوتر واجب.
قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله -: "من ترك الوتر فهو رجل سوء، لا ينبغي أن تقبل له شهادة".
والوتر ركعة يختم بها الإنسان صلاة الليل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى"(2).
وأدنى الوتر ركعة، ويوتر بثلاث، وإذا أوتر بثلاث فإن شاء جعلها بسلامين، وإن شاء جعلها بسلام واحد وبتشهد واحد.(76/34)
فإن كان بسلامين فيصلي ركعتين ويسلم، ثم يصلي الثالثة ويسلم، أو بثلاث معاً، فيصلي ثلاثاً فرداً بتشهد واحد وسلام واحد، وبهذا تخرج عن مشابهة المغرب؛ لأن المغرب ثلاث، لكن بتشهدين.
ويوتر بخمس، وإذا أوتر بخمس سردها ولم يجلس إلا مرة واحدة ويسلم. فتكون الخمس بسلام واحد وتشهد واحد.
ويوتر كذلك بسبع ويسردها وتكون بسلام واحد وتشهد واحد.
ويوتر بتسع ويسردها، لكن بتشهد بعد الثامنة ولا يسلم، ثم يصلي التاسعة ويسلم.
ويوتر بإحدى عشرة ركعة ويسلم من كل ركعتين.
فإذا أخر الوتر إلى آخر الليل بناء على أنه سيقوم ولكنه لم يقم فطلع الفجر عليه قبل أن يوتر فماذا يصنع؟
يقضيه، ولكن شفعاً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث قضاه أربعاً، وإذا كان من عادته أن يوتر بخمس قضاه ستاً وهكذا؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عائشة – رضي الله عنها – "أنه ذا غلبه نوم، أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"(3).
ووجه ذلك أن الوتر إنما تختم به صلاة الليل. وصلاة الليل قد انتهت، فيقضي الإنسان ورده الذي كان يصليه في الليل ولا يوتر؛ لأن زمن الوتر انقضى.
وإذا كان يظن أن لا يقوم من آخر الليل فأوتر في أوله، ثم قدر له القيام من آخر الليل فقام فماذا يصنع؟
قال بعض العلماء: إنه ينقض وتره الأول فيصلي أول ما يصلي إذا استقيظ ركعة واحدة، لتكون مع الركعة التي في أول الليل شفعاً، ثم يصلي ركعتين ركعتين، ثم يوتر بواحدة، ويسمى هذا عند أهل العلم نقض الوتر، ولكن هذا القول ضعيف جداً؛ لأنه لا يمكن أن تبنى ركعة على الأخرى وبينهما هذه المدة الطويلة أو النوم أيضاً.
والقول الصحيح إنه إذا أوتر في أول الليل ثم قدر له أن يقوم في آخره فإنه يصلي ركعتين ركعتين حتى يطلع الفجر.
فإن قلت: هذا ينافي قول النبي صلى الله عليه وسلم "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(1).(76/35)
فالجواب: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل لا تصلوا بعد الوتر، فلو قال "لا تصلوا بعد الوتر" ما صلينا، ولكن قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".
وهذا الرجل حين أوتر من أول الليل يعتقد أن هذا آخر صلاة الليل فقد امتثل ما أمر به النبي صلى الله عليه وسلم لكن قدر له أن يصلي فصلى، ولذلك لو أوترت ثم أتيت المسجد فإنك تصلي تحية المسجد ولا ينافي هذا قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً" لأن هناك فرقاً بين العبارتين، وهناك فرق بين أن يقول لا تصلوا بعد الوتر وبين أن يقول: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً".
ولا يجب أن يقرأ الناس في الوتر بـ (سبح) و (قل يا أيها الكافرون) ولكن يقرأ ما تيسر، ولكن صحيح أن (سبح) و (قل يا أيها الكافرون) أفضل من غيرهما في هذه الصلاة، كما أن سبح والغاشية في صلاة الجمعة أفضل من غيرهما، والجمعة والمنافقون في صلاة الجمعة أفضل من غيرهما، لكن يجوز أن تقرأ بما تيسر كل القرآن، يمكن أن يقرأ في أي صلاة (فَاقْرَأُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآن) (المزمل: 20)، لو قرأ في الوتر غير سورة (قل هو الله أحد) فلا بأس؛ لأن قراءة الإخلاص ما هي إلا من باب السنية لا للوجوب.
أيضاً يوجد بعض الأئمة يتركون القنوت في الوتر عمداً، وهذا أيضاً من فقههم ليبينوا للعامة أن القنوت في الوتر ليس بواجب؛ لأن التبيين بالفعل أبلغ من التبيين بالقول.
فإذا بين الإمام للناس مثل هذه الأمور بالفعل حصل في هذا خير كثير ومعرفة لشرع الله.
وعلى هذا نقول: يجوز للإنسان في صلاة الوتر أن يقرأ (بسبح) و (الكافرون) و (الإخلاص) وأن يقرأ بغيرهما ولا حرج عليهم في ذلك.
ويجوز أيضاً أن يترك القنوت في الوتر، بل ذلك أولى من أجل أن يبين للناس أن القنوت ليس بواجب.
كيف يكون الوتر إذا أوتر الإنسان بثلاث؟
يكون على وجهين:
الوجه الأول: أن يسلم من الركعتين الأوليين، ثم يأتي بالثالثة وحدها.(76/36)
الوجه الثاني: أن يسرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد، وهذا هو ظاهر حديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً)(2). فظاهر قولها يصلي ثلاثاً أنه يسردها.
ولا يصلي الثلاث بتشهدين؛ لأنه لو فعل ذلك لكانت شبيهة بصلاة المغرب، وقد نهى أن تشبه صلاة الوتر بصلاة المغرب.
فإذا أوتر بخمس ففي حديث عائشة تقول: (يصلي أربعاً) فهل يسردها؟ فهم بعض الناس أن المعنى أنه يسردها، فصار يسرد اربعاً بسلام واحد وتشهد واحد، ثم يصلي أربعاً بتشهد واحد وسلام واحد، ثم يصلي ثلاثاً بتشهد واحد وسلام واحد.
وهذا وإن كان اللفظ محتملاً له، لكن ينبغي لطالب العلم أن يكون أفقه واسعاً، وأن يجمع بين أطراف الأدلة حتى لا تتناقض ولا تتنافى، فهذا الظاهر الذي هو كما قلنا يعارضه قول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن صلاة الليل قال: "مثنى مثنى"(1) وعلى هذا فيحمل قولها يصلي اربعاً على أنه يصلي أربعاً بتسليمتين، لكنه يستريح بعد الأربع، ثم يستأنف الأربع الأخرى بدليل قولها: "يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي" وثم في اللغة العربية تفيد التراخي، وعلى هذا فيكون المعنى أنه يسلم من ركعتين، ثم من ركعتين، ثم يستريح، ثم يأتي بركعتين، ثم ركعتين، ثم يستريح، ثم يأتي بالثلاث.
بقي قولها "ثم يصلي ثلاثاً" لماذا لا نحمل قوله "ثلاثاً" على أنه يركع ركعتين ثم يأتي بواحدة، كما حملنا "يصلي أربعاً" على أنه يأتي بركعتين ثم ركعتين؟
نقول: لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى"(2).
فكان لابد من أن نقول يصلي أربعاً أي على ركعتين ركعتين، مثنى مثنى، أما الوتر، فالوتر يكون بواحدة، ويكون بالثلاث، لأن الثلاث وتر، ويكون بخمس، وبسبع، وبتسع، وبإحدى عشرة، وحيث ذكرنا الصور للوتر فلابد من أن نذكر كيفية هذه الصورة(3):(76/37)
فالثلاث ذكرنا لها صورتين، والخمس لها صورة واحدة فقط، وهي أن يصلي الخمس جميعاً ولا يسلم إلا في آخرها، والسبع يسردها سرداً بتشهد واحد وسلام واحد.
والتسع يسردها سرداً بسلام واحد وبتشهدين بعد الثامنة يجلس ويتشهد ولا يسلم، ثم يأتي بالتاسعة ويتشهد ويسلم.
إذن الخمس، والسبع، والتسع، ليس لها إلا جلسة واحدة، وسلام واحد.
لكن تمتاز التسع بأن فيها تشهدين، والإحدى عشرة يسلم من كل ركعتين، ويوتر بواحدة.
وهنا سؤال: هل من المستحسن إذا كان الإنسان إماماً في رمضان أن يصلي بالناس خمساً فرداً؟
قد يقول قائل: نعم من المستحسن أن يفعل ذلك ليعلم الناس السنة؛ لأن التعليم بالفعل أبلغ من التعليم بالقول، وقد يقول قائل لا؛ لأن الإيتار بالخمس لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم إلا وهو يصلي وحده في بيته.
والإيتار بالخمس أو صلاة الناس بخمس قد يشق عليهم، فلو جاء إنسان ودخل المسجد ووجد الإمام يصلي التراويح خمساً ودخل معه وهو لا يعلم، فقد يكون له شغل، وقد يكون محصوراً احتبس بوله، أو يريد أن يتغوط، أو خروج ريح ففي هذا مشقة على الناس.
ولا يخفى علينا جميعاً ما صنع النبي صلى الله عليه وسلم بالنسبة لمعاذ بن جبل – رضي الله عنه – فمعاذ كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء ثم يذهب إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فشرع ذات ليلة بسورة البقرة وكان معه رجل من أهل المزارع ومن المعلوم أن صاحب الزرع يكون مستعجلاً متعباً يريد النوم، فلما شرع في البقرة انصرف الرجل وترك الصلاة معه وصلى وحده، فتكلم في حقه معاذ بن جبل، ولكن لما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "يا معاذ أتريد أن تكون فتاناً"(4).
ومعنى "فتاناً" يعني صد الناس عن سبيل الله؛ لأن الإمام إذا طول هذا التطويل ترك الناس الصلاة معه، فتركوا صلاة الجماعة.
فهذا الذي يقوم الناس بخمس، أو سبع، أو تسع فرداً، قد ينفر الناس ويشق عليهم.(76/38)
فالإنسان إذا صلى وحده فيصلي ما شاء، وإذا صلى بالناس فلابد أن يراعي أحوال الناس؛ لأنه ولي أمر.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به"(1).
فالإنسان الذي له ولاية على طائفة من الناس يجب أن يراعي الناس إذا كان إماماً فليخفف، ولكن ما ميزان التخفيف المطلوب؟
ميزانه هي صلاة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال أنس: "ما صليت وراء إمام قط أخف ولا أتم صلاة من صلاة النبي صلى الله عليه وسلم"(2)، فالتخفيف ليس ينقرها الإنسان نقر الغراب، ولكن أن يصلي كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي.
فما تقولون في رجل صلى بالناس صلاة العيد وقرأ في الركعة الأولى سورة (ق) وفي الركعة الثانية سورة (القمر).
هل هذا مطول أو مخفف؟
هذا مخفف؛ لأن هذا من السنة، فمن السنة أن تقرأ في صلاة العيد بسورة (ق) في الركعة الأولى، وسورة (القمر) في الركة الثانية وأحياناً بسبح والغاشية، وفي الجمعة أحياناً بسبح والغاشية وأحياناً بالجمعة والمنافقون.
إذن ينبغي للإنسان إذا كان ولياً على شيء أن يلاحظ أحوال المولى عليهم.
"حتى كان الرسول صلى الله عليه وسلم إذا سمع بكاء الصبي خفف في صلاته مخافة أن تفتن أمه وينشغل قلبها"(3).
وهذا من تمام الرعاية؛ لأن هذا التخفيف طارئ لعارض ولم يلاحظ للأم دائماً، ولكن لما طرأ هذا الشيء وصاح طفلها خفف الرسول صلى الله عليه وسلم.
ومن ثم أخذ العلماء – رحمهم الله – أن ينبغي للإمام إذا أحس بداخل في الصلاة وهو راكع أخذ العلماء منه أنه ينبغي أن ينتظره لكن بشرط أن لا يشق على المأمومين الذين معه؛ لأنهم أحق بالمراعاة من الداخل.(76/39)
ولكن كما نقول للإمام انتظر قليلاً ليدرك الداخل الركوع، نقول للداخل أيضاً لا تسرع، فبعض الناس إذا دخل ووجد الإمام راكعاً تراه يتنحنح أو يقول: اصبر إن الله مع الصابرين، أو يخبط برجليه، وهذا كله لا ينبغي.
فامش بهدوء كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"(4).
وهذه رخصة من الله، ودخل أبو بكرة – رضي الله عنه – والنبي صلى الله عليه وسلم راكع فأسرع وركع قبل أن يصل إلى الصف، ودخل في الصف من أجل إدراك الركوع؛ لأنه إذا أدرك الركوع، أدرك الركعة، فلما انصرف النبي صلى الله عليه وسلم سأل من الذي فعل هذا؟ قال أبو بكرة – رضي الله عنه – أنا يا رسول الله، قال صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصاً ولا تعد"(5).
وهذا من حسن التعليم منه صلى الله عليه وسلم، فهذا الرجل أسرع وخالف المشروع بإسراعه وركوعه قبل أن يصل إلى الصف ومع ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "زادك الله حرصاً"؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم علم بأنه إنما أسرع من أجل الحرص على الخير فقال: "زادك الله حرصاً".
وبهذا نعرف أن أبا بكرة – رضي الله عنه – حينما أدرك الركوع يكون قد أدرك الركعة، وتكون هذه الحال مستثناة من قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب"(1).
فنقول: إن فاتحة الكتاب تسقط عن الإنسان إذا أدرك الإمام راكعاً، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل لأبي بكرة اقض الركعة التي لم تدرك قراءة الفاتحة فيها.
وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أنه إنما أسرع من أجل إدراك الركوع الذي به أدراك الركعة، فتكون هذه الصورة مستثناة من عموم قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب".(76/40)
هذا وأسأل الله أن يجعلنا جميعاً من عباده المخلصين، ومن حزبه المفلحين، ومن أوليائه المتقين، وأن يجعلنا ممن يغتنمون أوقاتهم في طاعة مولاهم، وأن يتقبل منا جميعاً، إنه هو السميع العليم.
788 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم القنوت في الفرائض؟
فأجاب فضيلته بقوله: القنوت في الفرائض لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم إلا في أحوال مخصوصة فإن النبي صلى الله عليه وسلم قنت شهراً يدعو على رعل وذكوان الذين قتلوا القراء السبعين الذين بعثهم النبي صلى الله عليه وسلم ثم تركه(2) وقنت صلى الله عليه وسلم لإنجاء الله تعالى المستضعفين من المؤمنين في مكة حتى قدموا ثم تركه(3)، وكان صلى الله عليه وسلم يقنت في مثل هذه الأحوال، ولكن ظاهر السنة أنه يقنت في المغرب وفي الفجر فقط. أما فقهاء الحنابلة – رحمهم الله – فقالوا: أنه يقنت إذا نزلت بالمسلمين نازلة في جميع الفرائض ما عدا صلاة الجمعة وعللوا ذلك – أعني ترك القنوت في صلاة الجمعة – بأنه يكفي الدعاء الذي يدعو به في الخطبة، إلا أن فقهاء الحنابلة يقولون في المشهور من مذهب الإمام أحمد إن القنوت خاص بإمام المسلمين دون غيره إلا من وكل إليه الإمام ذلك فإنه يقنت؛ يعني أنهم لا يرون القنوت لكل إمام مسجد ولكل مصل وحده؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام إنما قنت ولم يأمر أمته بالقنوت، ولم يرد أن مساجد المدينة كانت تقنت في ذلك الوقت الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقنت فيه.(76/41)
ولكن القول الراجح: أنه يقنت الإمام العام الذي هو رئيس الدولة، ويقنت أيضاً غيره من أئمة المساجد، وكذلك من المصلين وحدهم، إلا أني أحب أن يكون الأمر منضبطاً بحيث لا يعن لكل واحد من الناس أن يقوم فيقنت بمجرد أن يرى أن هذه نازلة وهي قد تكون نازلة في نظره دون حقيقة الواقع، فإذا ضبط الأمر وتبين أن هذه نازلة حقيقية تستحق أن يقنت المسلمون لها ليشعروا المسلم بأن المسلمين في كل مكان أمة واحدة، يتألم المسلم لأخيه ولو كان بعيداً عنه، ففي هذه الحال نقول: إنه يقنت كل إمام، وكل مصل ولو وحده.(76/42)
وأما عدم أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فإن فعله عليه الصلاة والسلام سنة يقتدى بها، ونحن مأمورون بالاقتداء به، قال الله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً) (الأحزاب: 21). فإذا فعل فعلاً يتعبد به لله عز وجل فإننا مأمورون أن نفعل مثل فعله بمقتضى هذه الآية الكريمة وغيرها من الآيات الدالة على أنه إمامنا وقدوتنا وأسوتنا صلى الله عليه وسلم، لكن المهم عندي أن تكون الأمور منضبطة، وأن لا يذهب كل إنسان إلى رأيه بدون مشاورة أهل العلم ومن لهم النظر في هذه الأمور؛ لأن الشيء إذا كان فوضى تذبذب الناس واشتبه الأمر على العامة، لكن إذا ضبط وصار له جهة معينة تستشار في هذا الأمر كان هذا أحسن؛ هذا بالنسبة للأمر المعلن الذي يكون من أئمة المساجد مثلاً، أما الشيء الخاص الذي يفعله الإنسان في نفسه فهذا أمر يرجع إلى اجتهاده فمتى رأى أن في المسلمين نازلة تستحق أن يقنت لها فليقنت، ولا حرج عليه في ذلك والرسول عليه الصلاة والسلام مثل المسلمين بالجسد الواحد فقال صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادهم، وتراحمهم، وتعاطفهم، كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر"(1). والحاصل أن القنوت في الفرائض غير مشروع لا في الفجر ولا في غيرها إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة تستحق القنوت لها، فيشرع القنوت لكل مصل في المغرب وفي الفجر، وإن قنت في جميع الصلوات فإن هذا لا بأس به كما رآه بعض أهل العلم فإذا انجلت هذه النازلة توقف عن القنوت.
وأهم شيء أن يكون الأمر منضبطاً بحيث لا يكون فوضى وأن يرجع في ذلك إلى أهل الرأي في هذه الأشياء وهم أهل العلم.
789 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم القنوت في صلاة الفجر؟ وما حكم القنوت في الوتر؟ وهل يصلي الإنسان الوتر كصلاة المغرب؟(76/43)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السؤال تضمن ثلاث مسائل:
المسألة الأولى: القنوت في صلاة الفجر، وهذه المسألة قد اختلف فيها أهل العلم وهي مبنية على ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قنت شهراً يدعو لقوم أو يدعو على قوم؛ فقنت يدعو للمستضعفين من المؤمنين في مكة، وقنت يدعو على من قتلوا أصحابه القراء عليه الصلاة والسلام قنت شهراً يدعو الله عليهم(2). ومن تأمل سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وجد أن القول الصواب في هذه المسألة أنه لا قنوت في الفرائض إلا إذا نزلت بالمسلمين نازلة وحدثت حادثة تحتاج إلى الابتهال إلى الله عز وجل على اجتماع، فإنه يقنت، وظاهر الأدلة أن القنوت ليس خاصاً بصلاة الفجر عند نزول النوازل بل هو عام في كل الصلوات، وعلى هذا فإذا كان القنوت في صلاة جهرية جهر به، وإن كان في صلاة سرية يسر به.
والذي نراه أن الحوادث المهمة يقنت وقت حدوثها ثم إذا صارت مستمرة فلا يقنت.
المسألة الثانية: حكم القنوت في الوتر: القنوت في الوتر سنة، لكن الاستمرار عليه دائماً ليس من السنة بل إذا قنت أحياناً فهو خير، وإذا ترك فهو خير؛ لأن القنوت علمه عليه الصلاة والسلام ابن ابنته الحسن بن علي بن أبي طالب – رضي الله عنهما(3) – ولكنه عليه الصلاة والسلام لا أعلم أنه كان يقنت في وتره.
المسألة الثالثة: قول السائل: هل يصلي الوتر كصلاة المغرب؟
فهذا لا ينبغي، فإذا أوتر الإنسان بثلاث ركعات فإنه مخير بين أن يصليها بتسليمتين يعني يصلي ركعتين ثم يسلم، ثم يصلي الثالثة وحدها، أو أن يسردها جميعاً بتشهد واحد عند السلام، وأما أن يسردها بتشهدين فتشبه صلاة المغرب فهذا قد روي فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث في النهي عنه(1). والله أعلم.
790 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: عندنا إمام يقنت في صلاة الفجر بصفة دائمة فهل نتابعه؟ وهل نؤمن على دعائه؟(76/44)
فأجاب فضيلته بقوله: من صلى خلف إمام يقنت في صلاة الفجر فليتابع الإمام في القنوت في صلاة الفجر ويؤمن على دعائه بالخير، وقد نص على ذلك الإمام أحمد – رحمه الله تعالى -.
791 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم القنوت في صلاة الفريضة؛ والصلاة خلف إمام يقنت في الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي نرى أن لا قنوت في الفرائض إلا في النوازل، لكن من صلى خلف إمام يقنت فليتابعه درءاً للفتنة، وتأليفاً للقلوب.
792 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم القنوت في الفرائض؟ وما الحكم إذا نزل بالمسلمين نازلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: القنوت في الفرائض ليس بمشروع ولا ينبغي فعله، لكن إن قنت الإمام فتابعه لأن الخلاف شر.
وإن نزل بالمسلمين نازلة فلا بأس بالقنوت حينئذ لسؤال الله تعالى رفعها. حرر في 24/7/1401هـ.
793 سئل فضيلة الشيخ – حظفه الله ورعاه -: بعض المساجد تواظب على دعاء القنوت في صلاة الفجر، والبعض الآخر لا يأتي به على الإطلاق في صلاة الفجر، ما تعليقكم يا فضيلة الشيخ؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: القول الراجح في هذه المسألة أنه لا قنوت في صلاة الفجر؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقنت في الفرائض إلا بسبب نوازل نزلت بالأمة الإسلامية، ثم ترك القنوت عليه الصلاة والسلام فلم يقنت حتى توفاه الله عز وجل.
لكن من ائتم بإمام يقنت في صلاة الفجر فلا ينفرد عنه، بل يتابعه ويقف، ويؤمن على دعائه، هكذا نص عليه الإمام أحمد – رحمه الله – وإنما نص – رحمه الله – على هذا؛ لأن الخلاف شر، والخروج عن الجماعة شر.
وانظر إلى كلام ابن مسعود – رضي لله عنه – لما كره إتمام عثمان بمنى كان يصلي خلفه أربعاً، فقيل له: يا أبا عبد الرحمن ما هذا؟ يعني كيف يصلي أربعاً وأنت تنكر على عثمان؟ فقال – رضي الله عنه -: "الخلاف شر"(2)، وهذه قاعدة مهمة.(76/45)
وهي أنه ينبغي للإنسان أن لا يخالف إخوانه ولا يشذ عنهم، ولقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يرسل البعوث للدعوة إلى الله أو للجهاد في سبيل الله ويأمرهم أن يتطاوعوا؛ يعني يؤمر أميرين ويقول لهما: "تطاوعا ولا تختلفا"(3)، يعني فليطع بعضكم بعضاً، ولا تختلفوا؛ لأن الخلاف لا شك أنه شر، وتفريق للأمة وتمزيق لشملها، وهذا الدين الإسلام له عناية كبيرة بالاجتماع وعدم التفرق وعدم التباغض.
ولهذا نهى عن كل معاملة تكون سبباً للتعادي والتباغض؛ فنهى عن البيع على بيع المسلم، ونهى عن الخطبة على خطبة المسلم، ونهى عن السوم على سوم أخيه(1)، ونهى عن أشياء كثيرة مما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يريد من أمته أن تتفرق وتتمزق. قال الله سبحانه وتعالى: (وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103).
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم...
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
جـ1: أشكركم على التهنئة بعيد الفطر، وأسأل الله أن يجزيكم عنا خيراً، وأن يتقبل منا ومنكم ومن جميع المسلمين، وأن يعيده علينا جميعاً بخير.
جـ2: تابعوا إمامكم في القنوت في صلاة الفجر، وأمنوا على دعائه بالخير. وفق الله الجميع لما فيه الخير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته 19/10/1412هـ.
"قنوت فضيلة الشيخ في النوازل"
قال فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -:
بسم الله الرحمن الرحيم
كنت إذا رفعت من الركوع قلت عند الرفع: سمع الله لمن حمده، وبعد الرفع: ربنا ولك الحمد، حمداً كثيراً، طيباً مباركاً فيه، ثم دعوت بما اخترته في صلاتي المغربي والفجر في الجماعة:(76/46)
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنصر إخواننا المسلمين في الشيشان وفي البوسنة والهرسك، اللهم انصرهم على عدوهم، اللهم ثبت أقدامهم، اللهم اغفر لموتاهم، اللهم كن لأراملهم وذرياتهم، اللهم امنحهم رقاب أعدائهم، وأورثهم ديارهم، وأموالهم، وذرياتهم ونساءهم يا رب العالمين.
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا قوي، يا قهار، يا عزيز، يا جبار، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنزل بعدوهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أهلك طاغيتهم وأفسد أمرهم، وفرق كلمتهم، وألق بينهم العداوة والبغضاء، اللهم شتت شملهم، واهزم جندهم، واجعلهم نكالاً للعالمين، اللهم كما سلطتهم بحكمتك على إخواننا في الشيشان فسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، ويكسر شوكتهم، ويستبيح بيضتهم، اللهم اشدد وطأتك عليهم، اللهم عليك بهم فإنهم لا يعجزونك.(76/47)
اللهم إنا نسألك بأنا نشهد أنك أنت الله، لا إله إلا أنت، الأحد الصمد، يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم، يا منان، يا بديع السموات والأرض، يا قوي، يا قهار، يا عزيز، يا جبار، أنت الأول فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء، نسألك اللهم بذلك أن تنزل بالصرب المعتدين بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أنزل بهم بأسك الذي لا يرد عن القوم المجرمين، اللهم أهلك طاغيتهم، وأفسد أمرهم، وفرق كلمتهم، واهزم جندهم، وسلط عليهم من يسومهم سوء العذاب، ويذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم.
اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وهازم الأحزاب اهزم كل عدو للمسلمين في كل مكان، اللهم إنا نجعلك في نحور أعدائنا، ونعوذ بك من شرورهم، اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وصل اللهم وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
وربما حذفت بعضه أو زدت عليه. كتبه محمد الصالح العثيمين في 4/8/1415هـ.
? ? التراويح.
? ? عدد ركعات التراويح.
? ? دعاء ختم القرآن الكريم.
? ? حمل المصحف لمتابعة الإمام.
? ? ليلة القدر.
? ? السنن الرواتب.
794 وسئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة التراويح، وعدد ركعاتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة وصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة وكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة، أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان(1).(76/48)
وأما عددها: فإحدى عشرة ركعة، لما في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"(2).
وإن صلاها ثلاث عشرة ركعة فلا بأس، لقول ابن عباس – رضي الله عنهما – "كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة" يعني من الليل. رواه البخاري(3).
والإحدى عشرة هي الثابتة عن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – كما في الموطأ بإسناد من أصح الأسانيد(4).
وإن زاد على ذلك فلا بأس، لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن صلاة الليل قال: "مثنى، مثنى"(5) ولم يحدد.
وقد ورد عن السلف في ذلك أنواع، والأمر في ذلك واسع لكن الأفضل الاقتصار على ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم وهي الإحدى عشرة أو الثلاث عشرة.
ولم يصح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي هو أو أحد من الخلفاء ثلاثاً وعشرين بل الثابت عن عمر – رضي الله عنه – إحدى عشرة، حيث أمر أبي كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة(6). وهذا هو اللائق بمثل عمر – رضي الله عنه – أن تكون سيرته في هذا سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولا نعلم أن الصحابة رضي الله عنهم زادوا على ثلاث وعشرين ركعة، بل الظاهر خلاف ذلك، وقد سبق قول عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة".
وإما إجماع الصحابة رضي الله عنهم فلا ريب أنه حجة؛ لأن فيهم الخلفاء الراشدين الذين أمر النبي صلى الله عليه وسلم باتباعهم، ولأنهم خير القرون من هذه الأمة.(76/49)
واعلم أن الخلاف في عدد ركعات التراويح ونحوها مما يسوغ فيه الاجتهاد لا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك، وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها، وما أحسن ما قال أحد أهل العلم لشخص خالفه في الاجتهاد في أمر سائغ: إنك بمخالفتك إياي قد وافقتني فكلانا يرى وجوب اتباع ما يرى أنه الحق حيث يسوغ الاجتهاد.
نسأل الله تعالى للجميع التوفيق لما يحب ويرضى.
قاله كاتبه محمد الصالح العثيمين في 18/5/1405هـ.
795 وسئل فضيلة الشيخ: هل التراويح من القيام؟ وما هي السنة في قيام رمضان؟ وما أفضل عدد تصلى به؟
فأجاب فضيلته بقوله: التراويح من القيام.
السنة في قيام رمضان أن يؤدى جماعة في المساجد لفعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قام بأصحابه ثلاث ليال، ثم تخلف عنهم مخالفة أن تفرض عليهم.
والأفضل أن يقتصر على العدد الذي قام به النبي صلى الله عليه وسلم، فقد سئلت عائشة – رضي الله عنها – كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"(1). وصح عنه صلى الله عليه وسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أنه قام بثلاث عشرة ركعة(2)، فيكون العدد إما إحدى عشرة ركعة وإما ثلاث عشرة ركعة.
وإن زاد على هذا العدد فلا حرج، لكن المهم الطمأنينة وعدم السرعة حتى يتمكن المصلون خلفه من إتمام صلاتهم، فإن الإمام مؤتمن عليهم، فعليه أن يراعيهم، وأن لا يحرمهم من الطمأنينة التي يتمكنون بها من فعل الأتم الأكمل.
796 سئل فضيلة الشيخ: بعض الناس في المسجد الحرام يصلون القيام دون التراويح بحجة المحافظة على السنة وعدم الزيادة على إحدى عشرة ركعة فما رأي فضيلتكم؟(76/50)
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه ينبغي للإنسان أن يحافظ على التراويح والقيام جميعاً، فيصلي مع الإمام الأول حتى ينصرف ويصلي مع الإمام الثاني حتى ينصرف؛ لأن تعدد الأئمة في مكان واحد يجعل ذلك كأن الإمامين إمام واحد، كأن الثاني ناب عن الأول في الصلاة الأخيرة، فالذي أرى في هذه المسألة أن يحافظ الإنسان على الصلاة مع الأول والثاني ليشمله قول الرسول عليه الصلاة والسلام: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"(3).
فإن قيل: المحافظة على الإمامين تستلزم أن يوتر الإنسان مرتين.
فنقول: يزول هذا المحظور بأن تنوي مع الإمام الأول إذا قام إلى الوتر أنك تريد الصلاة ركعتين، فإذا سلم من وتره قمت فأتيت بالركعة الثانية، وتجعل الوتر مع الإمام الأخير، فيشفع الإنسان مع الإمام الأول ويوتر مع الثاني لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(4).
أما قولهم: السنة إحدى عشرة ركعة.
فنقول: نعم، إذا صليت وحدك فالسنة أن لا تزيد على إحدى عشرة ركعة، أو كنت إماماً فالسنة أن لا تزيد على إحدى عشرة ركعة، لكن إذا كنت مأموماً تابعاً لغيرك فصل كما يصلي هذا الإمام، ولو صلى ثلاثاً وعشرين، أو ثلاثاً وثلاثين، أو تسعاً وثلاثين هذا هو الأفضل وهو الموافق للشرع؛ لأن الشرع يحث على وحدة الأمة الإسلامية واتفاقها، وعدم تنافرها واختلافها، وعموم قوله صلى الله عليه وسلم: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة" يشمل هذا. ولقد تابع الصحابة رضي الله عنهم أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – في إتمام الصلاة في منى مع إنكارهم ذلك(5)، كل هذا من أجل ائتلاف الكلمة وعدم التفرق.
797 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة التراويح؟ وكم عدد ركعاتها؟(76/51)
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة لا ينبغي تركها ودليل ذلك حديث عائشة – رضي الله عنها – المتفق عليه، واللفظ لمسلم: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في المسجد ذات ليلة فصلى بصلاته أناس، ثم صلى في القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما اصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أنتفرض عليكم"(1)، حيث علل النبي صلى الله عليه وسلم تأخره عنها بخوف فرضيتها على هذه الأمة.
أما عدد ركعاتها فأفضله ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه، وهي إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة. وقد ثبت في صحيح البخاري أن عائشة – رضي الله عنها – سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة"(2). فهذا العدد هو أفضل ما تصلى به التراويح.
أو ثلاث عشرة ركعة كما يدل عليه حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة(3).
ولكن لو صلاها الإنسان ثلاث وعشرين ركعة فإنه لا ينكر عليه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحدد صلاة الليل بعدد معين، بل سئل كما في صحيح البخاري عن ابن عمر – رضي الله عنهما – عن صلاة الليل ما ترى فيها؟ فقال: "صلاة الليل مثنى، مثنى فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما صلى"(4)، فبين النبي صلى الله عليه وسلم أنها مثنى مثنى، ولم يحدد العدد، ولو كان العدد واجباً بشيء معين لبينه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى هذا فلا ينكر على من صلاها ثلاث وعشرين ركعة.(76/52)
ولكن الذي ينكر ما يفعله بعض الأئمة – هدانا الله وإياهم – من السرعة العظيمة في الركوع، والقيام بعد الركوع، والسجود، والجلسة بين السجدتين، والتشهد، فإن بعض الأئمة يسرعون في هذه الأركان إسراعاً عظيماً يمنع كثيراً من المصلين خلفهم من القيام بواجب الطمأنينة، فضلاً عن القيام بالمستحب، وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع بعض المأمومين، من فعل ما يسن، فكيف بمن أسرع سرعة تمنع بعض المأمومين أو أكثرهم من فعل ما يجب؟!! وهذه لا شك أنها محرمة، وأنها خلاف أداء الأمانة التي أؤتمن الإمام عليها، فإنه لو لم يكن إماماً لقلنا لا حرج أن تصلي صلاة تقتصر فيها على الواجب ولكن إذا كنت إماماً فإنه يجب عليك أن تراعي المأمومين، وأن تصلي فيهم أفضل صلاة، تمكنهم من مراعاة فعل الواجب والمستحب فيها.
وأرجو أن يفهم إخواني الأئمة أنه ليس المقصود سرد عدد الركعات، وإنما المقصود التطوع لله بفعل هذه العبادة، والخشوع فيها وأدائها على وجه الطمأنينة، وإن ركعتين يطمئن الإنسان فيها خير من عشرين لا يطمئن فيها، بل قد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للذي لم يطمئن في صلاته: "ارجع فصل فإنك لم تصل"(5).
798 وسئل فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، يوجد لدينا في القرية بعض الإخوة الملتزمين بشرع الله وهم حريصون على تطبيق السنة والأخذ بأعلى الكمال، وطرقت مسألة قيام رمضان وما هو الأفضل فيه، وهناك من يفتيهم بعدم جواز الزيادة على فعل النبي صلى الله عليه وسلم سواء في العشرين الأول من شهر رمضان أو حتى في العشر الأواخر منه مستدلاً بحديث: "من أحدث في أمرنا..." وقد ذكرت لبعضهم أن ما عليه مشايخنا الإطلاق في العدد بالذات في رمضان، فكان أو طلبوا مني ما هو الأفضل لمن يريد تطبيق السنة والأخذ بالكمال في هذا الموضوع، أفتونا مأجورين بشيء من التفصيل لنبلغ عنكم نفع الله بكم.
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم.(76/53)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
القوم الراجح في عدد الركعات في قيام رمضان أن يكون إحدى عشرة ركعة أو ثلاث عشرة ركعة، لما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عائشة – رضي الله عنها – أنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"(1)، لكن قد ثبت أنه صلى ثلاث عشرة ركعة، ففي صحيح مسلم(2) من حديث عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: "فصلى ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر، ثم اضطجع حتى جاء المؤذن فقام فصلى ركعتين خفيفتين، ثم خرج فصلى الصبح" 1/527، وفيه عن زيد بن خالد الجهني قال: "لأرمقن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم الليلة، فصلى ركعتين خفيفتين، ثم صلى ركعتين طويلتين، طويلتين، طويلتين، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم صلى ركعتين وهما دون اللتين قبلهما، ثم أوتر فذلك ثلاث عشرة ركعة"، 1/532(3).
ولا بأس بالزيادة على ذلك لما ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل مثنى، مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى"(4).
ولم يحدد له النبي صلى الله عليه وسلم عدداً مع أن الحال تقتضي ذلك؛ لأن الرجل السائل لا يعلم عن صلاة الليل كمية ولا كيفية، فلما بين له النبي صلى الله عليه وسلم الكيفية وسكت عن الكمية علم أن الأمر في العدد واسع ولهذا اختلف عمل السلف الصالح في ذلك.(76/54)
والقول بأنه لا تجوز الزيادة عن العدد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يقوم به، وأن الزيادة عليه داخلة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(5) قول ضعيف لما علمت من حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – وعمل السلف الصالح.
ولكن الأمر الذي ينبغي أن يهتم به التأني في صلاة التراويح، وأن لا يفعل ما يقوم به بعض الناس من الإسراع الذي قد يخل بواجب الطمانينة، أو يمنع بعض المأمومين منها. كتبه محمد الصالح العثيمين في 19/1/1412هـ.
799 وسئل فضيلة الشيخ – رعاه الله تعالى -: ما هي الركعات المسنونة في التراويح؟ وما حقيقة أمر عمر رضي الله عنه أنه جمع الناس أحد عشرة ركعة مع الوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: عدد الركعات في التراويح أمره واسع وليس فيه شيء واجب لا ثلاث وعشرون، ولا إحدى عشر ولا ثلاث عشرة ركعة، ولا تسع وثلاثون ركعة، الأمر فيه واسع فمن صلى التراويح ثلاثاً وعشرين لم ينكر عليه، ومن صلاها إحدى عشرة لم ينكر عليه، ومن صلاها ثلاث عشرة فلا ينكر عليه، ومن صلاها سبعة عشرة فلا ينكر عليه، ومن صلاها أكثر من ذلك فلا ينكر عليه؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل ما ترى في صلاة الليل؟ قال: " مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة توتر له ما قد صلى"(1) لم يحددها بعدد، بل قال: "مثنى مثنى"، وما قال: لا تزيدوا عن العدد المعين ولكن لا شك أن ما واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم من العدد أفضل من غيره، وقد سئلت عائشة – رضي الله عنها – كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"(2).
وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه صلى من الليل ثلاث عشرة ركعة(3).(76/55)
وأما عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فالذي صح عنه أنه أمر تميماً الداري وأبي بن كعب أن يقوم للناس بإحدى عشرة ركعة، هكذا جاء بموطأ الإمام مالك(4) وهذا هو الجدير بعمر، واللائق به – رضي الله عنه – لأنه كان من أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما روي من حديث ابن عباس من أن النبي صلى الله عليه وسلم صلاها ثلاثاً وعشرين فإنه حديث ضعيف(5)، كما ذكر ذلك صاحب الفتح، وأما ما ذكر عن عمر أنها ثلاث وعشرون ركعة فإنه حديث رواه يزيد بن رومان ولم ينسبه إلى عمر نفسه، وإنما نسبه إلى عهده فقال: "كان الناس يقومون في عهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب بثلاث وعشرين ركعة"(6)، ومعلوم أن ما ثبت من قوله وفعله أقوى مما ثبت في عهده، على أن بعض أهل العلم أعلن حديث يزيد بن رومان بالانقطاع وقال: "يزيد بن رومان لم يدرك زمن عمر.
800 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة التراويح؟ وما هي السنة في عدد ركعاتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته، فقد قام بأصحابه ثلاث ليال، ولكنه صلى الله عليه وسلم ترك ذلك خوفاً من أن تفرض عليهم، ثم بقي المسلمون بعد ذلك في عهد أبي بكر – رضي الله عنه – وصدراً من خلافة عمر – رضي الله عنه – ثم جمعهم أمير المؤمنين عمر – رضي الله عنه – على تميم الداري وأبي بن كعب، فصاروا يصلون جماعة إلى يومنا هذا ولله الحمد، وهي سنة في رمضان.
وأما عدد ركعاتها فهي إحدى عشرة أو ثلاث عشرة ركعة، هذه هي السنة في ذلك.(76/56)
ولكن لو زاد على هذا فلا حرج ولا بأس به لأنه روي في ذلك عن السلف أنواع متعددة في الزيادة والنقص، ولم ينكر بعضهم على بعض فمن زاد فإنه لا ينكر عليه، ومن اقتصر على العدد الوارد فهو أفضل، وقد دلت السنة على أنه لا بأس بالزيادة حيث صح في البخاري وغيره من حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – إن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل، فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى"(1). ولم يحدد النبي صلى الله عليه وسلم عدداً معيناً يقتصر عليه، ولكن المهم في صلاة التراويح الخشوع والطمأنينة في الركوع والسجود والرفع منهما، وأن لا يفعل ما يفعله بعض الناس من العجلة السريعة التي تمنع المصلين من فعل ما يسن، بل ربما تمنعهم من فعل ما يجب، حرصاً منه على أن يكون أول من يخرج من المساجد من أجل أن ينتبه الناس بكثرة، فإن هذا خلاف المشروع.
والواجب على الإمام أن يتقي الله تعالى فيمن وراءه، ولا يطيل إطالة تشق عليهم، خارجة عن النفس، ولا يخفف تخفيفاً يخل بما يجب أو بما يسن على من وراءه، ولهذا قال العلماء: إنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأموم فعل ما يسن. فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب؟! فإن هذه السرعة حرام في حق هذا الإمام.. فنسأل الله لنا ولإخواننا الاستقامة والسلامة.
801 سئل فضيلة الشيخ: هل لقيام رمضان عدد معين؟(76/57)
فأجاب فضيلته بقوله: ليس له عدد معين على سبيل الوجوب، فلو أن الإنسان قام الليل كله فلا حرج، ولو قام بعشرين ركعة، أو خمسين ركعة فلا حرج، ولكن العدد الأفضل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله وهو إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، فإن أم المؤمنين عائشة – رضي الله عنها – سئلت: كيف كان النبي يصلي في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان أو غيره على إحدى عشرة ركعة"(2)، ولكن يجب أن تكون هذه الركعات على الوجه المشروع، وينبغي أن يطيل فيها القراءة والركوع، والسجود، والقيام بعد الركوع، والجلوس بين السجدتين، خلاف ما يفعله الناس اليوم، يصليها بسرعة تمنع المأمومين أن يفعلوا ما ينبغي أن يفعلوه، وهذه الإمامة ولاية، والوالي يجب عليه أن يفعل ما هو أنفع. وكون الإمام لا يهتم إلا أن يخرج مبكراً هذا خطأ، بل الذي ينبغي أن يفعل ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، من إطالة القيام، والركوع، والسجود، حتى ينصرف.
802 وسئل فضيلة الشيخ: إذا صلى الإنسان خلف إمام يزيد على إحدى عشرة ركعة، فهل يوافق الإمام أو ينصرف أثناء القيام؟ وما توجيهكم لمن يكذب ويغتاب وهو صائم؟(76/58)
فأجاب فضيلته بقوله: السنة أن يوافق الإمام؛ لأنه إذا انصرف قبل تمام الإمام لم يحصل له أجر قيام الليل والرسول صلى الله عليه وسلم إنما قال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"(3). من أجل أن يحثنا على المحافظة على البقاء مع الإمام حتى ينصرف، وإذا كان الصحابة – رضي الله عنهم – تابعوا الإمام في الزيادة الواحدة، فما بالك فيما كان مشروعاً في صلوات منفرد بعضها من بعض؟ الصحابة – رضي الله عنهم – وافقوا إمامهم في أمر زائد عن المشروع في صلاة واحدة، وذلك حدث من أمير المؤمنين عثمان بن عفان – رضي الله عنه – أتم الصلاة في منى في الحج، أي صلاها أربع ركعات، مع أن النبي صلى الله عليه وسلم وأبا بكر، وعمر، وعثمان في أول خلافته، حتى مضى ثماني سنوات وهو يصلي ركعتين، ثم صلى أربعاً(4)، وأنكر الصحابة عليه ذلك ومع هذا كانوا يتبعونه يصلون معه أربعاً، فإذا كان هذا هدي الصحابة وهو الحرص على متابعة الإمام، فما بالنا نحن إذا رأينا الإمام زائداً عن العدد الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم يحافظ عليه وهو إحدى عشرة ركعة، انصرفوا في أثناء الصلاة، كما نشاهد بعض الناس في المسجد الحرام ينصرفون قبل الإمام بحجة أن المشروع إحدى عشرة ركعة؟!
نقول إن متابعة الإمام أوجب في الشرع، والخلاف شر، والخلاف فيما يسوغ فيه الاجتهاد لا ينبغي أن يكون مثاراً للخلاف والشقاق بين الأمة، خصوصاً وأن السلف اختلفوا في ذلك وليس في المسألة دليل يمنع جريان الاجتهاد فيها.(76/59)
يجب على الإنسان تجنب الكذب، والغيبة والنميمة، والقول المحرم، والفعل المحرم إذا كان صائماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: "من لم يدع قول الزور، والعمل به، والجهل فليس لله حاجة في أن يدع طعام وشرابه"(1). فعلى الصائم أن يحافظ على تجنب هذه المحرمات. وينبغي أن يشتغل بقراءة القرآن في رمضان، لأن قراءة القرآن في رمضان لها مزية حيث نزل في رمضان؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأتيه جبريل في رمضان فيدارسه القرآن، وكان النبي صلى الله عليه وسلم حين يدارسه جبريل القرآن أجود بالخير من الريح المرسلة، أي أنه صلى الله عليه وسلم إذا قرأ القرآن تأثر به، ثم يتبين جوده صلوات الله وسلامه عليه.
وفي هذا الشهر ينبغي أن نكثر من الصدقة، والصدقة نوعان: صدقة واجبة، وهي الزكاة، وصدقة نافلة، وهي صدقة التطوع. فأكثر من الصدقة في هذا الشهر على الفقراء والمساكين والمدينين وغيرهم من ذوي الحاجات، فإن للصدقة في هذا الشهر مزية على غيره، أما الزكاة فهي صدقة واجبة وهي أفضل من الصدقة النافلة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عن ربه عز وجل: "ما تقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه"(2). ولهذا يظن بعض الناس أن النافلة أفضل من الفريضة، وليس كذلك بل الفريضة أفضل من النافلة لهذا الحديث، ولولا أنها أفضل وأحب إلى الله ما فرضها الله على العباد. والله الموفق.
803 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم جمع صلاة التراويح كلها أو بعضها مع الوتر في سلام واحد؟(76/60)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا عمل مفسد للصلاة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى"(3). فإذا جمعها بسلام واحد، لم تكن مثنى مثنى، وحينئذ تكون على خلاف ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(4). ونص الإمام أحمد – رحمه الله -: (على أن من قام إلى ثالثة في صلاة الليل فكأنما قام إلى ثالثة في صلاة الفجر). أي أنه إن استمر بعد أن تذكر فإن صلاته تبطل كما لو كان ذلك في صلاة الفجر، ولهذا يلزمه إذا قام إلى الثالثة في صلاة التراويح ناسياً يلزمه أن يرجع ويتشهد، ويسجد للسهو بعد السلام، فإن لم يفعل بطلت صلاته.
وهنا مسألة وهي: أن بعض الناس فهم من حديث عائشة رضي الله عنها حين سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة، يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن، ثم يصلي ثلاثاً"(5). حيث ظن أن الأربع الأولى بسلام واحد، والأربع الثانية بسلام واحد، والثلاث الباقية بسلام واحد.
ولكن هذا الحديث يحتمل ما ذكر، ويحتمل أن مرادها أنه يصلي أربعاً ثم يجلس للاستراحة واستعادة النشاط، ثم يصلي أربعاً وهذا الاحتمال أقرب أي أنه يصلي ركعتين ركعتين، لكن الأربع الأولى يجلس بعدها ليستريح ويستعيد نشاطه، وكذلك الأربع الثانية يصلي ركعتين ركعتين ثم يجلس ليستريح ويستعيد نشاطه. ويؤيد هذا قوله عليه الصلاة والسلام: "صلاة الليل مثنى مثنى"(1). فيكون في هذا جمع بين فعله وقوله صلى الله عليه وسلم، واحتمال أن تكون أربعاً بسلام واحد وارد لكنه مرجوح لما ذكرنا من أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى".
وأما الوتر فإذا أوتر بثلاث فلها صفتان:
- الصفة الأولى: أن يسلم بركعتين ثم يأتي بالثالثة.(76/61)
- الصفة الثانية: أن يسرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد.
804 سئل فضيلة الشيخ: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. أرجو التكرم بالإجابة عن هذا السؤال: رجل يصلي التراويح فقام إلى ثالثة فذكر أو ذكر فماذا يفعل؟ وما صحة قول من قال: إنه إذا رجع بطلت صلاته قياساً على من قام من التشهد الأول في صلاة الفريضة؟ أرجو تحرير الإجابة، وفقك الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
إذا قام من يصلي التراويح إلى ثالثة فذكر أو ذكر وجب عليه الرجوع وسجود السهود، ويكون سجود السهو بعد السلام؛ لأنه عن زيادة، فإن لم يرجع بطلت صلاته إن كان عالماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى"(2). فإذا زاد المصلي على ذلك فقد أتى بما ليس عليه أمر النبي صلى الله عليه وسلم، ونص الإمام أحمد – رحمه الله – على أنه إذا قام المصلي في الليل إلى الثالثة فكما لو قام إلى ثالثة في الفجر، أي كما لو قام من يصلي الفجر إلى ثالثة، ومن المعلوم أن من قام إلى ثالثة في صلاة الفجر وجب عليه الرجوع لئلا يزيد على المفروض. وقد بين الفقهاء رحمهم الله هذا في باب صلاة التطوع.
وأما قياس هذا على من قام عن التشهد الأول، وقال إنه لا يرجع إذا استتم قائماً.
فلا وجه لقياسه؛ لأن القيام عن التشهد ترك لواجب جاءت السنة بجبره بسجود السهو وهو ترك لا يزيد الرجوع إليه إلا خللاً في الصلاة، لا حاجة إليه لأنه يجبر بسجود السهو، أما من قام إلى زيادة فهو استمرار في زائد غير مشروع. قال ذلك كاتبه محمد الصالح العثيمين في 17/9/1409هـ.
805 وسئل فضيلته: هناك من يصلي مع الإمام إحدى عشرة ركعة ثم يفارقه بحجة أن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان لا يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة؟(76/62)
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: هذا الفعل وهو مفارقة الإمام الذي يصلي التراويح أكثر من إحدى عشرة ركعة خلاف السنة، وحرمان لما يرجى من الأجر والثواب، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح وذلك أن الذين صلوا مع النبي صلى الله عليه وسلم، لم ينصرفوا قبله، وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يوافقون إمامهم حتى فيما زاد على ما يرونه مشروعاً، فإن عثمان – رضي الله عنه – لما أتم الصلاة في منى أنكروا عليه، ولكن كانوا يتابعونه في الإتمام، ويقولون: إن الخلاف شر(3)، وهو أيضاً حرمان لما يحصل من الثواب؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"(4).
والزيادة على إحدى عشرة ركعة ليست حراماً بل هي من الأمور الجائزة، ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل عن صلاة الليل فقال: "مثنى، مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى"(1). ولم يحدد له النبي صلى الله عليه وسلم عدداً، ولو كانت الزيادة على إحدى عشرة ركعة حراماً لبين ذلك النبي صلى الله عليه وسلم، فنصيحتي لإخواني هؤلاء أن يتابعوا الإمام حتى ينصرف.
806 سئل فضيلة الشيخ: من صلى مع الإمام الأول صلاة التراويح ثم انصرف، وقال: لي قيام ليلة بنص الحديث: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"، فإنني بدأت مع الإمام وانصرفت معه؟
فأجاب فضيلته بقوله: أما قوله: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة". فهذا صحيح ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم حين طلب منه الصحابة أن ينفلهم بقية الليل، وقد قطع الصلاة لنصف الليل فقالوا يا رسول الله لو نفلتنا بقية ليلتنا، فقال: "إنه من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"(2)، ولكن هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلاً، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟(76/63)
الذي يظهر الاحتمال الثاني – أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له، وعلى هذا فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول.
وعلى هذا فالذي أنصح به إخواني أن يتابعوا الأئمة هنا في الحرم حتى ينصرفوا نهائياً، وإن كان بعض الإخوة ينصرف إذا صلى إحدى عشرة ركعة، ويقول: إن هذا هو العدد الذي كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، ونحن معه في أن العدد الذي فعله الرسول صلى الله عليه وسلم واقتصر عليه هو الأفضل، ولا أحد يشك في هذا، ولكني أرى أنه لا مانع من الزيادة، لا على أساس الرغبة عن العدد الذي اختاره النبي صلى الله عليه وسلم، ولكن على أساس أن هذا من الخير الذي وسع فيه الشرع، حيث سئل صلى الله عليه وسلم عن صلاة الليل فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشيء أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى"(3).
وإذا كان هذا الأمر مما يسوغ فيه الزيادة فإن الأولى بالإنسان أن لا يخرج عن الجماعة بل يتابع، فالصحابة – رضي الله عنهم – لما أتم عثمان – رضي الله عنه – الصلاة في منى، استرجع بعضهم لما بلغه ذلك(4)، ومع هذا كانوا يصلون خلفه أربعاً فيزيدون ركعتين في صلاة لا تتجاوز الركعتين من أجل موافقة الجماعة، وائتلاف الكلمة، وعدم التفرق.
والموافقة شأنها عظيم جداً، لا يذهب أحدكم مذهباً ينفرد به عن الجماعة، ويحزب الأمة ويقول: أنت معي أو مع فلان، فهذا خطأ.(76/64)
وعلى هذا فمادام الأمر سائغاً وليس فيه محظور شرعي، فإن موافقة الجماعة لا يظهر فيها ضغائن ولا أحقاد، فمادام الأمر واسعاً، والسلف الصالح روي عنهم في ذلك أولان متعددة كما قال الإمام أحمد، وشيخ الإسلام ابن تيميه – رحمهما الله – فليسعنا ما وسع السلف، وقد سبقنا من السلف من سبقنا فلا ينبغي أن نشذ، وأنا أكرر الدعاء إلى الائتلاف، وعدم الاختلاف فيما يسوغ فيه الاجتهاد، ولكن الإشكال الوارد وهو حقيقة إشكال إن كان هناك وتران في ليلة واحدة، فماذا يصنع المأموم؟
نقول: إذا كنت تريد أن تصلي مع الإمام الثاني التهجد، فإذا أوتر الإمام الأول، فأت بركعة لتكون مثنى مثنى، وإذا كنت لا تريد التهجد آخر الليل، فأوتر مع الإمام الأول، ثم إن قدر لك بعد ذلك أن تتهجد فاشفع الوتر مع الإمام الثاني.
807 وسئل فضيلة الشيخ: عن ثلاثة أشخاص في البادية هل تشرع في حقهم صلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، يجوز لمن لم يكن حولهم مسجد يصلون فيه أن يقيموا صلاة التراويح ولو كانوا اثنين، أو ثلاثة، أو أربعة، بل لو كان واحداً فله أن يقوم بذلك؛ لأن التراويح هي قيام رمضان، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً، غفر له ما تقدم من ذنبه"(1).
808 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله -: هل يشرع للمرأة صلاة التراويح؟ وهل تقضيها إذا حاضت؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم يشرع للمرأة أن تصلي صلاة التراويح إما في بيتها، وإما في المسجد.
وإذا أتاها الحيض فإنها لا تقضيها، وذلك لأن الصلاة لا تقتضى لا فرضها ولا نفلها بالنسبة للحائض فلا يشرع لها أن تقضيها إذا ظهرت. والله أعلم.
رسالة
قال فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -:
بسم الله الرحمن الرحيم(76/65)
التراويح: قيام الليل جماعة في رمضان، ووقتها من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر، وقد رغب النبي صلى الله عليه وسلم في قيام رمضان حيث قال: "من قام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(1). وفي صحيح البخاري عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قام ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس، ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم فلم يمنعني من الخروج إليكم إلا أني خشيت أن تفرض عليكم"(2) وذلك في رمضان.
والسنة أن يقتصر على إحدى عشرة ركعة يسلم من كل ركعتين؛ لأن عائشة رضي الله عنها سئلت كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة"، متفق عليه(3). وفي الموطأ عن محمد بن يوسف (وهو ثقة ثبت) عن السائب بن يزيد (وهو صحابي) أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة(4).
وإن زاد على إحدى عشرة ركعة فلا حرج؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قيام الليل فقال: "مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى ركعة واحدة توتر له ما قد صلى". أخرجاه في الصحيحين(5). لكن المحافظة على العدد الذي جاءت به السنة مع التأني والتطويل الذي لا يشق على الناس أفضل وأكمل.
وأما ما يفعله بعض الناس من الإسراع المفرط فإنه خلاف المشروع، فإن أدى إلى الإخلال بواجب أو ركن كان مبطلاً للصلاة.
وكثير من الأئمة لا يتأنى في صلاة التراويح، وهذا خطأ منهم فإن الإمام لا يصلي لنفسه فقط، وإنما يصلي لنفسه ولغيره، فهو كالولي يجب عليه فعل الأصلح. وقد ذكر أهل العلم أنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يسن فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين فعل ما يجب؟(76/66)
وينبغي للناس أن يحرصوا على إقامة هذه التراويح، وأن لا يضيعوها بالذهاب من مسجد إلى مسجد فإن "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"(6) وإن نام بعد على فراشه.
ولا بأس بحضور النساء صلاة التراويح إذا أمنت الفتنة بشرط أن يخرجن محتشمات غير متبرجات بزينة ولا متطيبات.
809 سئل فضيلة الشيخ: هل للختمة أصل من السنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعلم أن للختمة عند انتهاء القرآن أصلاً من السنة، وغاية ما ورد في ذلك ما ذكر عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – "أنه كان إذا أراد أن يختم القرآن جمع أهله فدعا"(1)، أما أن تكون في الصلاة فلا أعلم في ذلك سنة، ولكن من علم سنة في ذلك فإن الواجب عليه أن يعمل بمقتضى ذلك الدليل عنده إذا كان يدل على الوجوب أو يستحب له أن يعمل به إذا كان يدل على الاستحباب، ومن لم يعلم في ذلك سنة فلا يفعل؛ لأن العبادات مبناها على التوفيق.
810 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم دعاء ختم القرآن في قيام الليل في شهر رمضان؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا أعلم في ختمة القرآن في قيام الليل في شهر رمضان سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولا عن أصحابه أيضاً، وغاية ما ورد في ذلك أن أنس بن مالك – رضي الله عنه -: "كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعى" وهذا في غير الصلاة.
ثم إن في هذه الختمة مع كونها لم يثبت لها أصل من السنة فيها أن الناس ولاسيما النساء يكثرون في هذا المسجد المعين ويحصل بذلك من الاختلاط بين الرجال والنساء عند الخروج ما هو معلوم لمن شاهده.
ولكن بعض أهل العلم قال إنه يستحب أن يختم القرآن بهذا الدعاء.
ولو أن الإمام جعل الختمة في القيام في آخر الليل وجعلها مكان القنوت من الوتر وقنت لم يكن في هذا بأس؛ لأن القنوت مشروع.
رسالة
حول دعاء ختم القرآن
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم....
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.... وبعد:(76/67)
كتابكم المؤرخ في 2/10/1398هـ ورديفه المؤرخ في 6 منه قرأتهما كليهما، وفهمت ما فيهما، وإني لأشكر أخي على ما أبداه من النصح ومحبة الخير، وأسأل الله لي وله التوفيق لما فيه الخير والصلاح والإصلاح، ثم أقول له:
إنني حينما تكلمت على مسألة الدعاء عند ختم القرآن وبينت أنه لم يتبين لي فيها سنة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأن المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق ليحكم عليها بما تستحق من تصويب أو تخطئة، إنما تكلمت به عرضاً لا قصداً، لأني لما ذكرت الإنكار على من يرفعونها فوق المنابر بمكبر الصوت كان من المعلوم أن الناس، أو الكثير سيفهمون أن أصل هذا الدعاء من السنن المطلوبة فيما أرى، فتحرجت من ذلك الفهم وذكرت أن المسألة تحتاج إلى نظر وتحقيق.
ثم يا أخي تعلم أن المسالة ليست مما علم ثبوته بالضرورة من الدين حتى يكون التوقف فيها على النظر والتحقيق من الأمر الذي لا ينبغي، بل هي من المسائل التي لم يعلم لها أصل ثابت من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا كرهها من كرهها من أهل العلم، كمالك – رحمه الله – إمام دار الهجرة، فالواجب النظر والتحقيق اتباعاً لقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59). فإذا تبين الصواب للمرء وجب عليه اتباعه عملاً ودعوة؛ لأنه من تمام النصيحة لله، ولكتابه، ولرسوله ولأئمة المسلمين، وعامتهم.
وأما ما ذكرت من أن الأدعية التي يدعى بها عند ختم القرآن أدعية نبوية.(76/68)
فما كان منها كذلك فإنه لا يتوقف فيما ثبت منها عن النبي صلى الله عليه وسلم أو كان من الأدعية المباحة غير الواردة، وإنما التوقف في اتخاذ ذلك الدعاء سنة رابتة عند ختم كتاب الله بدون سنة مأثورة، حتى إن بعض العوام يكاد يظن أنها واجبة، وإذا كان كثير من أهل العلم كرهوا المداومة على ما تسن قراءته من بعض السور المعينة في الصلاة خوفاً من أن يظن وجوبها، فما بالك في هذا الدعاء المعتاد عند ختم كتاب الله عز وجل؟!
وأما ما ذكرت من أن مشائخنا المرضيين كانوا يفعلونها.
فلنعم المشائخ من ذكرت، وإذا كانوا على سنة ماثورة فنرجو الله تعالى الذي بيده الفضل أن يتفضل علينا بالهداية إليها، ويوفقنا للعمل بها، والدعوة إليها فإنها لها طالبون، ولما تقتضيه إن شاء الله متبعون.
وأما ما ذكرت من اعتراض بعض الناس عليّ.
فإني أسأل الله تعالى أن يرزقني الصبر على ما يقولون، وأن يرزقني وإياكم الثبات على الحق، ويجعلنا ممن لا تأخذه في الله لومة لائم، وأن يبعدنا عن طريق من إذا أوذي في الله جعل فتنة الناس كعذاب الله.(76/69)
ويا أخي إن كلام الناس في مثل ذلك ليس بغريب، فأنت تعلم كلامهم في شيخنا عبد الرحمن السعدي – رحمه الله – وفي شيخه الشيخ صالح وفي غيرهما من أهل العلم والأئمة، بل كلامهم في أشرف الخلق، واعظمهم قدراً، وأعلمهم بالله، وأنصحهم لعباد الله سول الله محمد صلى الله عليه وسلم حيث قال الكافرون: (هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ* أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) (صّ، الآيتان: 4-5). وقالوا: (أَإِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ) (الصافات: 36)، فكذبوه في أبين الأشياء، وأظهرها واستكبروا عن قوله، وأنكروا أن يتركوا آلهتهم التي اعتادوا عبادتها من أجله وكذلك قد فعل قوم هود حين قالوا له: (قَالُوا يَا هُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي آلِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ* إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ) (هود، الآيتان: 53- 54).
وأما ما ذكرت من سماعك بعض الناس يقولون: هو يظن أنني نبي نتعطل لما يعلمنا برايه.(76/70)
فهذا القول الذي يقولونه خطير جداً نسأل الله أن يعفو عنا وعنهم، وكان عليهم أن يقولوا بما قاله المؤمنون إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم: (أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (النور: 51) فأنا إن دعوتهم للأخذ برأيي مجرداً، - وأبرأ إلى الله تعالى أن أدعو الناس لذلك، وأسأل الله أن يعصمني منه – إن دعوتهم لذلك فلهم الحق كل الحق في رفضه، وأما إذا دعى الناس للتحاكم إلى كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فعلاً لما فعل، وتركاً لما ترك فإن عليهم قبول ذلك وإن خالف ما اعتادوه (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: 36).
وأنت قد سمعت ما قلت في الخطبة من أن المسألة تحتاج إلى بحث وتحقيق، هل لها أصل من السنة أو لا أصل لها؟ وهذا واجب المؤمن في الأمور كلها إذا لم تكن معلومة.
وأما ما ذكرت في كتابك المردف من الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة".
فالحديث لا يدل على مثل مسألتنا، وإنما المراد به – والله أعلم – واحد من أمرين:
أحدهما: أن يراد بالسنة الطريقة الموصلة إلى أمر مشروع ثبت شرعه بكتاب الله، أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كبناء المدارس لجمع الطلبة، وتصنيف السنة لتقريبها على طالبيها، ووضع الدواوين لرزق الجند ونحو ذلك من الوسائل الموصلة إلى أمر مشروع وهي كثيرة جداً.(76/71)
الثاني: أن يراد بمن سن سنة حسنة: من سبق إلى العمل بها فيكون المراد بالسنة سنة العمل لا سنة التشريع كما جاء ذلك مبيناً في سياق الحديث، فعن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم في صدر النهار فجاء قوم حفاة عراة مجتابي النمار أو العباء متقلدي السيوف، عامتهم من مضر، بل كلهم من مضر، فتمعر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى بهم من الفاقة، وفيه أنه صلى الله عليه وسلم حث الناس على الصدقة ولو بشق تمرة، فتصدق الناس حتى اجتمع عنده كومان من طعام وثياب، فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم كأنه مذهبة، فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء". الحديث رواه مسلم(1). وفي رواية له أنه حث الناس على الصدقة فأبطأوا عنه حتى رؤي ذلك في وجهه قام ثم إن رجلاً من الأنصار جاء بصرة من ورق ثم جاء آخر ثم تتابعوا حتى عرف السرور في وجهه فقال: "من سن في الإسلام سنة حسنة" الحديث(2). وفي رواية ثالثة عن جرير قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يسن عبد سنة صالحة يعمل بها بعده" ثم ذكر تمام الحديث(3).
ومن المعلوم من سياق الحديث أن الصحابة – رضي الله عنهم – لم يأتوا بشرع جديد، أو عبادة جديدة سنوها من عند أنفسهم، وإنما أتوا بما أمرهم به النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقة وحثهم عليه. والرواية الثانية تدل بوضوح على أن المراد بالسنة المذكورة سنة العمل والسبق إلى تنفيذ ما أمر به الشارع حيث أبطأ الناس حتى جاء الأنصاري بصدقته فتتابع الناس في ذلك فكان الأنصاري الذي سبق إلى الصدقة هو الذي سن هذه السنة الحسنة، وإنما كانت حسنة لأمر الشارع بها، ويدل على ذلك لفظ الرواية الثالثة: "لا يسن عبد سنة صالحة" فإن السنة الصالحة كما قال أهل العلم في العمل الصالح: هو ما جمع شرطين: الإخلاص لله تعالى، والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.(76/72)
وعلى هذا فإن السنة في الإسلام إذا لم يكن متبعاً فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فليست صالحة، فلا تكون حسنة، وإن استحسنها من سنها، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(1) أي مردود على صاحبه غير مقبول، فلا يكون فيه أجر، وصح عنه أنه كان يقول في الخطبة: "خير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة"(2)، رواه مسلم وللنسائي: "وكل ضلالة في النار"(3).
ولا يمكن أن يراد بقوله صلى الله عليه وسلم: "من سن سنة حسنة": السنة التي أحدثها سانها واستحسنها ولم ترد بها سنة النبي صلى الله عليه وسلم وذلك لوجهين:
أحدهما: أن هذا ينافي قوله صلى الله عليه وسلم: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد"(4) وتحذيره من البدع؛ بل هو مناف للرواية الثانية للحديث نفسه، وهي ثالث الروايات التي سقناها عن مسلم حيث قيد السنة بالصالحة، ولا يمكن أن تكون صالحة إلا حيث كانت فيها المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والسنة التي أحدثها سانها ليست من أمر النبي صلى الله عليه وسلم فلا تكون صالحة، ولا مقبولة، ولا مأجوراً عليها سانها.
الثاني: انتشار معنى السنة الحسنة، وعدم انضباطه بضابط يرجع إليه ويتميز به ما كان حسناً مما كان سيئاً، فإن كل صاحب بدعة يدعي أنه سن في الإسلام سنة حسنة.
فالمعتزلة الذين ابتدعوا تحريف نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته بتأويلها إلى معان مجازية يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة، حيث قربوا بزعمهم نصوص الكتاب والسنة إلى المعقول فيما يجب لله تعالى، وأبعدوا بذلك التحريف ما يتوهمونه فيها من التمثيل والتخييل.(76/73)
والصوفية الذين ابتدعوا عدداً معيناً لذكر الله تعالى، وصفة معينة حين القيام بذلك، يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة لحمل النفوس بزعمهم على القيام بهذا العدد المعين من ذكر الله تعالى وتنشيطها على العمل إذا كان على تلك الصفة من الهز والتمايل والرقص والتلحين ونحو ذلك.
والذين ابتدعوا المواسم والأعياد بذكرى ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم وبعض الانتصارات الإسلامية يزعمون أنهم سنوا بذلك سنة حسنة بالثناء على النبي صلى الله عليه وسلم، وكثرة الصلاة عليه، وتذكير النفوس بنعمة الله على المسلمين بولادته وانتصار الإسلام ونحو ذلك.
بل المنافقون الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم وما أنزل من قبله وأرادوا أن يتحاكموا إلى الطاغوت وهو كل ما خالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول صدوا وأعرضوا يأتون إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيحلفون بالله إن أردنا إلا إحساناً وتوفيقاً.
فبماذا نزن هذه المناهج والطرق إذا كان كل من سلكها يدعي أنه سن بها سنة حسنة، وأورد على ما يدعي في ذلك شبهة؟!(76/74)
والجواب على ذلك: أن نزنها بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم فإذا لم توجد في كتاب الله تعالى، ولا في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع قيام المقتضي لها في عهده علم يقيناً أنها ليست من دين الله تعالى، ولا من شريعته، وأن دعوى أنها سنة حسنة دعوى باطلة؛ لأنها لو كانت كذلك لجاءت في كتاب الله تعالى، أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم من قوله، أو سانها أنها سنة حسنة، ولم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا أحد من اصحابه في عهده فيكون عليها إقرار الله تعالى، أو إقرار نبيه صلى الله عليه وسلم علم أنها ليست سنة حسنة في الإسلام، وإن استحسنها سانها، بل هي مما حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم من البدع ولذلك تجد أنه يترتب على هذه البدع من الشرور والمفاسد أكثر مما يحصل فيها من الخير والمصلحة، وهذا من آيات الله تعالى الدالة على كمال شريعته.
ولهذا تجد الصحابة – رضي الله عنهم – ينكرون مثل هذه الأمور وإن كان ظاهرها الخير والإحسان.
فقد أنكر ابن عباس – رضي الله عنهما – على معاوية – رضي الله عنه – استلام أركان الكعبة فقال له معاوية: "ليس شيء من البيت مهجوراً"، فقال ابن عباس – رضي الله عنه -: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) (الأحزاب: 21) فقال معاوية: صدقت(1)، فجعل ابن عباس – رضي الله عنهما – ترك استلام الركنين الشاميين من السنة مع أن معاوية رضي الله عنه قصد باستلامهما تعظيم البيت الذي هو من تعظيم الله عز وجل؛ ووافقه معاوية على ذلك فجعلا ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم تركه من السنة، كما أن ما فعله فالسنة فعله، فتمام الأسوة به والاتباع له فعل ما فعل، وترك ما ترك من كل ما يقصد به العبد عبادة ربه، والتقرب إليه، وأن لا يعبد الله تعالى إلا بما شرع.(76/75)
وفي السنن من حديث سعيد بن طارق الأشجعي قال: قلت لأبي يا أبتي إنك قد صليت خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر، وعمر وعثمان، وعلي – رضي الله عنهم – ههنا في الكوفة منذ خمس سنين أفكانوا يقنتون في الفجر؟ فقال: "أي بني محدث"(2) ذكره ابن القيم في زاد المعاد، وهذا إنكار منه للقنوت في الفجر مع أنه دعاء، والدعاء مشروع كل وقت، لكن تقييده بعبادة معينة والنبي صلى الله عليه وسلم لم يقيده بها يكون بدعة. وذلك أن تمام التأسي والاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم أن يتقيد العبد بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم في أصل العبادة، وسببها، وهيئتها، ووقتها ومكانها، فما ورد مطلقاً تعبد به مطلقاً، وما ورد مقيداً بسبب، أو بهيئة، أو وقت، أو مكان تعبد به على ما قيد به.
ولذلك لو أراد الإنسان أن يتعبد لله تعالى بصلاة كصلاة الكسوف بدون حدوث كسوف.
لقلنا له: هذا بدعة، وإن كان أصل صلاة الكسوف عبادة؛ لأنها عبادة مقيدة بسبب فلا تكون مشروعة مع عدمه.
ولو أراد أن يتعبد لله بالوقوف بعرفة في غير وقته.
لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الوقوف بعرفة عبادة؛ لأنه عبادة مقيدة بوقت فلا تكون مشروعة في غيره.
ولو أراد أن يتعبد لله تعالى بالاعتكاف في منزله، أو مدرسته.
لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الاعتكاف عبادة؛ لأنه عبادة مقيدة بمكان وهو المسجد فلا تكو مشروعة في غيره.
ولو أراد أن يتعبد لله تعلى بصلاة ركعتين كلما دخل بيته.
لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الصلاة عبادة؛ لأنها عبادة مقيدة بدخول المسجد فلا تكون مشروعة بدخول غيره.
ولو أراد أن يتعبد لله تعالى بقوله عند إزالة النجاسة من بدنه أو ثوبه: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين، واجعلني من المتطهرين.(76/76)
لقلنا: هذا بدعة، وإن كان أصل الذكر والدعاء عبادة؛ لأنه ورد مقيداً بعد إسباغ الوضوء فلا يكون مشروعاً بعد التطهر من النجاسة.
والأمثلة على ذلك كثيرة وكلها يتضح بها أن ما ورد من العبادة مطلقاً فإن تقييده بمكان، أو وقت، أو سبب بدون دليل شرعي يجعله من البدع سواء كان ذكراً أم دعاء.
وعلى هذا فنقول: الدعاء الذي يدعو به من يختم القرآن عند ختمه وإن كان أصله مما ورد بعينه أو بجنسه، فإنما ورد عاماً غير مقيد بختم القرآن، فجعل ختم القرآن سبباً للدعاء به تقييد له بسبب لم يرد به الشرع فإنه من المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ القرآن ويختمه ولم ينقل عنه أنه كان يدعو عند ختمه. فعلم أنه لم يفعله، ولما لم يفعله علم أنه ليس من سنته، إذ لو كان من سنته لفعله، أو أقر عليه ثم نقل ذلك للأمة؛ لأن الله تعالى تكفل ببيان شريعته وحفظها، ولم يكن الله تعالى ليدع أمراً محبوباً إليه ثابتاً من دينه بدون بيان لعباده فلا يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أحد من أصحابه في عهده فيقر عليه، أو يفعل ذلك ولا ينقل للأمة فإن هذا خلاف قوله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) (المائدة: 3) وخلاف قوله: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر: 9).
وبعد، فهذا ما انتهى علمنا إليه في هذه المسألة الآن، ولا تزال تحت البحث والتحقيق، فنرجو إذا وجدتم زيادة علم أن تخبرونا به وأنا قد مر عليّ أن الدعاء مستجاب عند قراءة القرآن، ولكني نسيت موضعه، ولفظه، ومرتبته فنرجو أن تبحثوا عنه.
وأما قولك – حفظك الله – في الكتاب الثاني: أني إذا كنت ما أرى الختمة أن لا أختم وأترك الناس كل بهواه.(76/77)
فيا محب تعلم أنه إذا تبين للإنسان الحق بدليله فقد أخذ الله تعالى عليه العهد والميثاق بما أعطاه من العلم أن يبينه للناس ولا يكتمه، لاسيما في الأمور التي يفعلها الناس، ويقدر أنها ليست على صواب، فإن بيان حكمها يكون أوكد ليتمشى الناس فيها على الصواب.
هذا وأسأل الله لي ولك الزيادة من العلم والفقه في دين الله تعالى، وإخلاص العبادة له، والاتباع لهدي نبيه، وأن يجعلنا هداة مهتدين، ومن دعاة الحق وأنصاره، وأن يثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يهب لنا منه رحمة إنه هو الوهاب.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، وأتباعه والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. حرر في 9/10/1398هـ.
811 وسئل فضيلة الشيخ: إذا أنهيت قراءة القرآن فهل يشرع لي دعاء ختم القرآن؟ وما مدى صحة نسبة دعاء ختم القرآن لشيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: سبق أن قلنا إنه روي عن أنس بن مالك – رضي الله عنه – أنه إذا ختم القرآن جمع أهله ودعى(1) فمن اغتدى به في هذا فلا حرج عليه.
وأما الدعاء المنسوب إلى شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – فلا أظنه يصح عنه؛ لأنه لم يذكر في مصنفاته.
812 وسئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: أيهما أفضل لمن كان في مكة الطواف أو صلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: نقول إن الأفضل صلاة التراويح؛ لأن صلاة التراويح إذا تركها وطاف، فإنها تفوته مع الجماعة ومع الإمام ويفوته قيام الليل كله؛ أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة"(2). أما الطواف فإن وقته لا يفوت. فبإمكانه إذا انتهى من التراويح أن يذهب فيطوف، أو يطوف في النهار فليس له وقت محدد يفوت بفواته.
وعلى هذا فنقول الأفضل للإنسان أن يصلي مع الإمام حتى يكتب له قيام ليله.(76/78)
813 سئل فضيلة الشيخ: لو قدر أن جاء الإنسان وقد فاتته صلاة العشاء الآخرة ثم دخل مع الإمام في صلاة التراويح حتى إذا ما سلم الإمام من الركعتين قام هذا المأموم ليكمل صلاته. ما حكم ذلك إذا كان هذا الإنسان متعمداً دخوله في صلاة التراويح؟ وما حكم ذلك إذا كان جاهلاً أن هذه صلاة التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: المذهب لا تصح صلاته سواء كان جاهلاً أم لا، والصحيح صحتها سواء كان جاهلاً أم لا.
814 وسئل فضيلة الشيخ: هل ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان؟ وهل تنتقل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم. ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان، والصحيح أنها تنتقل كما قال ذلك ابن حجر – رحمه الله – في (فتح الباري) وكما دلت عليه السنة أيضاً، فقد تكون في ليلة إحدى والعشرين، وفي ليلة ثلاث وعشرين، وفي ليلة خمس وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين، وفي ليلة تسع وعشرين، وقد تكون في الأشفاع، كل هذا ممكن أن تكون فيه ليلة القدر، والإنسان مأمور بأن يحرص فيها على القيام سواء مع الجماعة إن كان في بلد تقام فيه الجماعة فهو مع الجماعة أفضل، وإلا إذا كان في البادية في البر فإنه يصلي ولو كان وحده.
واعلم أيضاً أنه من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً نال أجرها سواء علم بها أو لم يعلم، حتى لو فرض أن الإنسان ما عرف أماراتها، أو لم ينبه لها بنوم أو غيره، ولكنه قامها إيماناً واحتساباً فإن الله تعلى يعطيه ما رتب على ذلك، وهو أن الله تعالى يغفر له ما تقدم من ذنبه ولو كان وحده.
815 سئل فضيلة الشيخ – جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء -: هل ليلة القدر ثابتة في ليلة معينة من كل عام أو أنها تنتقل من ليلة إلى ليلة؟(76/79)
فأجاب فضيلته بقوله: ليلة القدر لا شك أنها في رمضان لقول الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ). وبين الله تعالى في آية أخرى أن الله أنزل القرآن في رمضان فقال عز وجل: (شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأول من رمضان يطلب ليلة القدر، ثم اعتكف في العشر الأوسط، ثم رآها صلى الله عليه وسلم في العشر الأواخر من رمضان(1)، ثم تواطأت رؤيا عدد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم أنها في السبع الأواخر من رمضان فقال: "أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر"(2). وهذا أقل ما قيل في حصرها في زمن معين.
وإذا تأملنا الأدلة الواردة في ليلة القدر تبين لنا أنها تنتقل من ليلة إلى أخرى وأنها لا تكون في ليلة معينة كل عام، فالنبي صلى الله عليه وسلم "أري ليلة القدر في المنام وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين، وكانت تلك الليلة ليلة إحدى وعشرين"(3)، وقال عليه الصلاة والسلام: "تحروا ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان"(4) وهذا يدل على أنها لا تنحصر في ليلة معينة، وبهذا تجتمع الأدلة، ويكون الإنسان في كل ليلة من ليالي العشر يرجو أن يصادف ليلة القدر، وثبوت أجر ليلة القدر حاصل لمن قامها إيماناً واحتساباً سواء علم بها أو لم يعلم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه"(5). ولم يقل إذا علم أنه أصابها فلا يشترط في حصول ثواب ليلة القدر أن يكون العامل عالماً بها بعينها، ولكن من قام العشر الأواخر من رمضان كلها إيماناً واحتساباً فإننا نجزم بأنه أصاب ليلة القدر سواء في أول العشر أو في وسطها أو في آخرها. والله الموفق.
816 سئل فضيلة الشيخ: عن أحرى الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر؟ وما أفضل دعاء يقال فيها؟ وما علاماتها؟(76/80)
فأجاب فضيلته بقوله: أحرى الليالي التي ترجى فيها ليلة القدر هي ليلة سبع وعشرين، ولكنها ليست هي ليلة القدر جزماً بل هي أرجاها ومع ذلك فإن القول الراجح عند أهل العلم: أن ليلة القدر تنتقل تارة تكون في ليلة إحدى وعشرين، وتارة تكون في ليلة ثلاث وعشرين وفي ليلة خمس وعشرين، وفي ليلة سبع وعشرين، وفي ليلة تسع وعشرين، وفي الأشفاع قد تكون، وقد أخفاها الله عز وجل على عباده لحكمتين عظيمتين:
إحداهما: أن يتبين الجاد في طلبها الذي يجتهد في كل الليالي لعله يدركها، أو يصيبها، فإنها لو كانت ليلة معينة لم يجد الناس إلا في تلك الليلة فقط.
والحكمة الثانية: أن يزداد الناس عملاً صالحاً يتقربون به إلى ربهم وينتفعون به.
أما أفضل دعاء يدعى فيها فسؤال العفو كما في حديث عائشة – رضي الله عنها – أنها قالت: يا رسول الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: "قولي: اللهم إنك عفو تحب العفو، فاعف عني"(6). فهذا من أفضل الأدعية التي تقال فيها.
وأما علاماتها:
فإن من علاماتها أن تخرج الشمس صبيحتها صافية لا شعاع(1) فيها، وهذه علامة متأخرة، وفيها علامات أخرى كزيادة الأنوار فيها، وطمأنينة المؤمن، وراحته، وانشراح صدره، كل هذه من علامات ليلة القدر.
817 سئل فضيلة الشيخ: هل تصح صلاة من يصلي العشاء خلف من يصلي التراويح؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى رجل صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح فلما سلم الإمام من التراويح أتم الرجل صلاة العشاء فهذا جائز ولا بأس به، وقد نص على جوازه الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – وصح عن معاذ بن جبل – رضي الله عنه – أنه كان يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي بهم تلك الصلاة، فتكون له نافلة، ولمن خلفه فريضة(2).
لكن إن كان مع هذا الرجل جماعة فالأولى أن يصلوا وحدهم صلاة العشاء في جانب من المسجد ليدركوا الصلاة كلها من أولها إلى آخرها في الجماعة.(76/81)
818 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم حمل المصاحف من قبل المأمومين في صلاة التراويح في رمضان بحجة متابعة الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: حمل المصحف لهذا الغرض فيه مخالفة للسنة وذلك من وجوه:
الوجه الأول: أنه يفوت الإنسان وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام.
الوجه الثاني: أنه يؤدي إلى حركة كثيرة لا حاجة إليها، وهي فتح المصحف، وإغلاقه، ووضعه في الإبط وفي الجيب ونحوهما.
الوجه الثالث: أنه يشغل المصلي في الحقيقة بحركاته هذه.
الوجه الرابع: أنه يفوت المصلي النظر إلى موضع السجود وأكثر العلماء يرون أن النظر إلى موضع السجود هو السنة والأفضل.
الوجه الخامس: أن فاعل ذلك ربما ينسى أنه في صلاة إذا كان لم يستحضر قلبه أنه في صلاة، بخلاف ما إذا كان خاشعاً واضعاً يده اليمنى على اليسرى، مطأطأ رأسه نحو سجوده، فإنه يكون أقرب إلى استحضار أنه يصلي وأنه خلف إمام.
819 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم متابعة الإمام من المصحف في الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: متابعة الإمام في المصحف معناه أن المأموم يأخذ المصحف ليتابع الإمام في قراءته، وهذا إن احتيج إليه بحيث يكون الإمام ضعيف الحفظ فيقول لأحد المأمومين: أمسك المصحف حتى ترد عليّ إن أخطأت فهذا لا بأس به لأنه لحاجة.(76/82)
وأما إذا لم يكن على هذا الوجه فإنني لا أرى أن الإنسان يتابع الإمام من المصحف؛ لأنه يفوت مطلوباً ويقع في غير مرغوب فيه، فيفوت النظر إلى موضع سجوده، وكذلك وضع اليدين على الصدر وهو من السنة، ويقع في غير مرغوب فيه وهو الحركة بحمل المصحف، وفتحه، وطيه، ووضعه، وهذه كلها حركات لا حاجة إليها، وقد قال أهل العلم: إن الحركة في الصلاة إذا لم يكن لها حاجة مكروهة؛ لأنها تنافي كمال الخشوع. بل قال بعض العلماء: إن حركة البصر تبطل الصلاة؛ لأن البصر سوف يتابع القراءة من أول السطر إلى آخره ومن أول الثاني إلى آخره وهكذا مع أن فيه حروفاً كثيرة وكلمات كثيرة فيكون حركة كثيرة للبصر، وهذا مبطل للصلاة.
فنصيحتي لإخواني أن يدعوا هذا الأمر ويعودوا أنفسهم الخشوع بدون أن ينظروا إلى المصحف.
820 وسئل فضيلة الشيخ: اعتاد كثير من أئمة المساجد في منطقتنا رفع أصواتهم في الميكرفون أثناء صلاة التراويح ومعروف لدى فضيلتكم ما يحصل من تشويش على بعض المساجد المجاورة لهذا المسجد، وإذا نصح بعضهم أجاب بأن عمله هذا فيه فائدة عظيمة وهي أن كثيراً من النساء داخل البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها وكذلك قد تؤثر على بعض الناس فيأتي إلى المسجد ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً فماذا ترون يا فضيلة الشيخ؟ وجزاكم الله خيراً.(76/83)
فأجاب فضيلته بقوله: نعم معروف عندي وعند غيري ما يحصل برفع الصوت في الميكرفون من المنابر أثناء صلاة التراويح وغيرها من التشويش على أهل البيوت والمساجد القريبة، وقد روى الإمام مالك – رحمه الله – في الموطأ 1/167 من شرح الزرقاني في (باب العمل في القراءة) عن البياضي فروة بن عمرو – رضي الله عنه – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج على الناس وهم يصلون، وقد علت أصواتهم بالقراءة فقال: "إن المصلي يناجي ربه فلينظر بما يناجيه به، ولا يجهر بعضكم على بعض بالقرآن". وروى أبو داود 2/38 تحت عنوان: رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – قال: اعتكف رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: "ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة". أو قال: "في الصلاة". قال ابن عبد البر: حديث البياضي، وأبي سعيد ثابتان صحيحان.
ففي هذين الحديثين النهي عن الجهر بالقراءة في الصلاة حيث يكون فيه التشويش على الآخرين وأن في هذا أذية ينهى عنها، قال شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله 23/61 من مجموع الفتاوى، ليس لأحد أن يجهر بالقراءة بحيث يؤذي غيره كالمصلين، وفي جواب له 1/305 من الفتاوى الكبرى ط قديمة: ومن فعل ما يشوش به على أهل المسجد أو فعل ما يفضي إلى ذلك منع منه. أهـ.
وأما ما يدعيه من يرفع الصوت من المبررات فجوابه من وجهين:(76/84)
الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجهر بعض الناس على بعض في القرآن وبين أن ذلك أذية، ومن المعلوم أنه لا اختيار للمؤمن ولا خيار له في العدول عما قضى به النبي صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) (الأحزاب: 36).
ومن المعلوم أيضاً أن المؤمن لا يرضى لنفسه أن تقع منه أذية لإخوانه.
الوجه الثاني: أن ما يدعيه من المبررات – إن صح وجودها – فهي معارضة بما يحصل برفع الصوت من المحذورات فمن ذلك:
1- الوقوع فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن جهر المصلين بعضهم على بعض.
2- أذية من يسمعه من المصلين وغيرهم ممن يدرس علماً أو يحفظه بالتشويش عليهم.
3- شغل المأمومين في المساجد المجاورة عن الاستماع لقراءة إمامهم التي أمروا بالاستماع إليها.
4- أن بعض المأمومين في المساجد المجاورة قد يتابعون في الركوع والسجود الإمام الرافع صوته، لاسيما إذا كانوا في مسجد كبير كثير الجماعة، حيث يلتبس عليهم الصوت الوافد بصوت إمامهم، وقد بلغنا أن ذلك يقع كثيراً.
5- أنه يفضي إلى تهاون بعض الناس في المبادرة إلى الحضور إلى المساجد؛ لأنه يسمع صلاة الإمام ركعة ركعة وجزءاً جزءاً فيتباطأ اعتماداً على أن الإمام في أول الصلاة فيمضي به الوقت حتى يفوت أكثر الصلاة أو كلها.
6- أنه يفضي إلى إسراع المقبلين إلى المسجد إذا سمعوا الإمام في آخر قراءته كما هو مشاهد، فيقعون فيما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من الإسراع بسبب سماعهم هذا الصوت المرفوع.(76/85)
7- أنه قد يكون في البيت من يسمع هذه القراءة وهم في سهو ولغو كأنما يتحدون القارئ، وهذا على عكس ما ذكره رافع الصوت من أن كثيراً من النساء في البيوت يسمعن القراءة ويستفدن منها، وهذه الفائدة تحصل بسماع الأشرطة التي سجل عليها قراءة القراء المجيدين للقراءة.
وأما قول رافع الصوت إنه قد يؤثر على بعض الناس فيحضر ويصلي لاسيما إذا كان صوت القارئ جميلاً.
فهذا قد يكون حقاً ولكنه فائدة فردية منغمرة في المحاذير السابقة.
والقاعدة العامة المتفق عليها أنه إذا تعارضت المصالح والمفاسد وجب مراعاة الأكثر منها والأعظم، فحكم بما تقتضيه، فإن تساوت فدرء المفاسد أولى من جلب المصالح.
فنصيحتي لإخواني المسلمين أن يسلكوا طريق السلامة، وأن يرحموا إخوانهم المسلمين الذين تتشوش عليهم عبادتهم بما يسمعون من هذه الأصوات العالية، حتى لا يدري المصلي ماذا قال ولا ماذا يقول في الصلاة من دعاء، وذكر، وقرآن، ولقد علمت أن رجلاً كان إماماً وكان في التشهد وحوله مسجد يسمع قراءة إمامه فجعل السامع يكرر الشيء؛ لأنه عجز أن يضبط ما يقول فأطال على نفسه وعلى من خلفه.
ثم إنهم إذا سلكوا هذه الطريق وتركوا رفع الصوت من على المنارات حصل لهم مع الرحمة بإخوانهم امتثال قول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن"(1). وقوله: "فلا يؤذين بعضكم بعضاً، ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة"(2).
ولا يخفى ما يحصل للقلب من اللذة الإيمانية في امتثال أمر الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم وانشراح الصدر لذلك وسرور النفس به.
وما توفيقي إلا بالله، عليه توكلت، وإليه أنيب، وصلى الله وسلم على عبده، ورسوله محمد وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان.
كتبه الفقير إلى ربه محمد الصالح العثيمين في 9/9/1407هـ.
821 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم حمل المأموم للمصحف في صلاة التراويح؟(76/86)
فأجاب فضيلته بقوله: لا ينبغي حمل المأموم للمصحف، بل لو قيل بكراهيته لكان له وجه؛ لأن ذلك يؤدي إلى حركة لا حاجة إليها، فالإنسان يتحرك لفتح المصحف، وإغلاقه، وحمله وتفوته سنة وضع اليدين على الصدر ويكون منه حركة بصرية كثيرة؛ لأن عينيه تجول في الصفحات ولهذا ذهب بعض العلماء إلى بطلان صلاة الإنسان إذا قرأ من المصحف، والصحيح أن الصلاة لا تبطل، لكن لا شك أن متابعة الإمام في المصحف إذا لم يكن هناك حاجة مكروه، أما لو كان الإمام محتاجاً إلى من يتابعه لكونه ضعيف الحفظ فطلب من أحد المصلين أن يتابعه ليقرأ عليه إن أخطأ فإن ذلك لا بأس به.
822 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم حمل المصحف في الصلاة للمتابعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: حمل المصحف والإمام يقرأ ينافي الخشوع وفيه عدة محاذير:
المحذور الأول: أنه يحول بين المصلي وبين رؤية محل سجوده، والمشروع للمصلي أن ينظر إلى محل سجوده عند أكثر العلماء، وهذا الذي بيده المصحف لا ينظر إليه.
المحذور الثاني: أنه يحول بين المصلي وبين اتباع السنة في وضع اليدين؛ لأن المشروع للمصلي في حال القيام قبل الركوع وبعد الركوع أن تكون يده اليمنى على اليسرى، وهذا الذي أخذ المصحف لا يتمكن من ذلك كما هو معلوم.
المحذور الثالث: أن فيه حركة لا داعي لها، والحركة في الصلاة مكروهة؛ لأنها عبث، وهذا يحرك المصحف في تقليبه، وفي حمله، وفي وضعه حركة لا داعي لها.
المحذور الرابع: أنه يشغل بصره بحركات كثيرة فهو ينظر إلى الآيات، وإلى كل كلمة، وكل حرف، وكل حركة، وكل سطر، وكل صفحة، ولهذا ذهب بعض العلماء إلى أن الإنسان المصلي إذا قرأ في المصحف بطلت صلاته، وعللوا بذلك بكثرة الحركات، وهذا المتابع لا شك أن حركات عينيه تكثر كثرة عظيمة.(76/87)
المحذور الخامس: أنني أشعر أن الذي يتابع الإمام سوف يذهب عن قلبه أنه في صلاة، يعني ينشغل بالمتابعة عن كونه يصلي يشعر كأن إمامه رجلاً يقرأ وهو يتابعه، ما كأنه في صلاة، لكن إذا كان الإنسان قد وضع يده اليمنى على اليسرى، وأخبت لله، ووضع بصره موضع سجوده، فإنه يجد من الإنابة إلى الله والخشوع ما لا يجده عند تقليب المصحف، ولهذا أنصح إخواني بترك هذه العادة، اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك كما لو كان الإمام غير حافظ فطلب من بعض المأمومين حمل المصحف ليرد عليه عند الخطأ فهذه حاجة ولا بأس بها.
823 سئل فضيلة الشيخ: نحن جماعة في سفر فهل نصلى التراويح مع قصر الصلاة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تصلون التراويح، وتقومون الليل، وتصلون صلاة الضحى وغيرها من النوافل، لكن لا تصلون راتبة الظهر، أو المغرب أو العشاء.
824 سئل فضيلة الشيخ: بعض أئمة المساجد يحاول ترقيق قلوب الناس والتأثير فيهم بتغيير نبرة صوته أحياناً أثناء صلاة التراويح، وقد سمعت بعض الناس ينكر ذلك، فما قولكم حفظكم الله في هذا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الذي أرى أنه إذا كان هذا العمل في الحدود الشرعية بدون غلو فإنه لا باس به، ولا حرج فيه، ولهذا قال أبو موسى الأشعري للنبي صلى الله عليه وسلم: "لو كنت أعلم أنك تستمع إلى قراءتي لحبرته لك تحبيراً"(1). أي حسنتها وزينتها، فإذا حسن بعض الناس صوته، أو أتى به على صفة ترقق القلوب فلا أرى في ذلك بأساً، لكن الغلو في هذا بكونه لا يتعدى كلمة في القرآن إلا فعل مثل هذا الفعل الذي ذكر في السؤال أرى أن هذا من باب الغلو ولا ينبغي فعله. والعلم عند الله.
825 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم ذهاب أهل جدة إلى مكة لصلاة التراويح؟(76/88)
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج في أن يذهب الإنسان إلى المسجد الحرام كي يصلي فيه التراويح، لأن المسجد الحرام مما يشد إليه الرحال، ولكن إذا كان الإنسان موظفاً، أو كان إماماً في مسجد فإنه لا يدع الوظيفة، أو يدع الإمامة ويذهب إلى الصلاة في المسجد الحرام، لأن الصلاة في المسجد الحرام سنة، وأما القيام بالواجب الوظيفي فإنه واجب ولا يمكن أن يترك الواجب من أجل فعل السنة، وقد بلغني أن بعض الأئمة يتركون مساجدهم ويذهبون إلى مكة من أجل الاعتكاف في المسجد الحرام، أو من أجل صلاة التراويح، وهذا خطأ لأن القيام بالواجب واجب، والقيام والذهاب إلى مكة لإقامة التراويح أو الاعتكاف ليس بواجب.
826 سئل فضيلة الشيخ: بعض الناس في شهر رمضان يترك المسجد القريب منه ويصلي في مسجد آخر لكونه أخشع لقلبه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ليصل الرجل في المسجد الذي يليه ولا يتبع المساجد"(1) أفتونا مغفوراً لكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث فيما أعرفه مختلف في صحته وعلى تقدير ثبوته فإنه يحمل على ما إذا كان في ذلك تفريق للمصلين عن المسجد الذي حولهم، وإلا فمن المعلوم أن الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يرتادون المسجد النبوي ليصلوا خلف النبي صلى الله عليه وسلم بل كان معاذ – رضي الله عنه – يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة العشاء الآخرة ثم يرجع إلى قومه فيصلي(2) بهم مع تأخر الزمن.
وارتياد الإنسان المسجد من أجل حسن القراءة، واستعانته بحسن قراءة إمامه على القيام لا بأس به، اللهم إلا إذا خشي من ذلك فتنة، أو خشي من ذلك إهانة للإمام الذي حوله، مثل أن يكون هذا الرجل من كبراء القوم وانصرافه عن مسجده إلى مسجد آخر يكون فيه شيء من القدح في الإمام، فهنا قد نقول: إنه ينبغي أن يراعي هذه المفسدة فيتجنبها.(76/89)
827 وسئل فضيلة الشيخ – أعلى الله درجته في المهديين -: اعتاد بعض الناس وصف ليلة سبع وعشرين من رمضان بأنها ليلة القدر، فهل لهذا التحديد أصل؟ وهل عليه دليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم لهذا التحديد أصل وهو أن ليلة سبع وعشرين أرجى ما تكون ليلة للقدر كما جاء ذلك في صحيح مسلم من حديث أبي بن كعب – رضي الله عنه -(3).
ولكن القول الراجح من أقوال أهل العلم التي بلغت فوق أربعين قولاً أن ليلة القدر في العشر الأواخر، ولاسيما في السبع الأواخر منها، فقد تكون ليلة سبع وعشرين، وقد تكون ليلة خمس وعشرين، وقد تكون ليلة السادس والعشرين، وقد تكون ليلة الرابع والعشرين، ولذلك ينبغي للإنسان أن يجتهد في كل الليالي حتى لا يحرم من فضلها وأجرها، فقد قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ) (الدخان: 3). وقال عز وجل: (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ* وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ* لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ* تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ* سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ) (القدر: 1 - 5).
828 وسئل فضيلة الشيخ: إذا ثبت الهلال ليلة الثلاثين من رمضان فهل تقام صلاة التراويح وصلاة القيام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا ثبت الهلال ليلة الثلاثين من رمضان، فإنها لا تقام صلاة التراويح، ولا صلاة القيام، ذلك لأن صلاة التراويح والقيام إنما هي في رمضان، فإذا ثبت خروج الشهر فإنها لا تقام.
829 سئل ضيلة الشيخ: من أدرك مع الإمام في صلاة التراويح تسليمة واحدة مع الشفع والوتر هل يكون له أجر قيام ليلة؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: لا يكتب لهذا قيام ليلة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من قام مع الإمام حتى ينصرف"(1) وهذا لم يقم مع الإمام.(76/90)
830 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم رفع الصوت بالبكاء في صلاة التراويح وغيرها علماً بأنه قد يسبب تشويشاً للآخرين؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا شك أن البكاء من خشية الله عز وجل من صفات أهل الخير والصلاح، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يخشع في صلاته ويكون لصدره أزيز كأزيز المرجل(2)، وقال الله تبارك وتعالى: (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ خُشُوعاً) (الاسراء: 109).
فالبكاء عند قراءة القرآن، وعند السجود، وعند الدعاء من صفات الصالحين، والإنسان يحمد عليه، والأصوات التي تسمع أحياناً من بعض الناس هي بغير اختيارهم فيما يظهر، وقد قال العلماء رحمهم الله: إن الإنسان إذا بكى من خشية الله، فإن صلاته لا تبطل، ولو بان من ذلك حرفان فأكثر. لأن هذا أمر لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه، ولا يمكن أن نقول للناس لا تخشعوا في الصلاة ولا تبكوا.
بل نقول: إن البكاء الذي يأتي بتأثر القلب مما سمع، أو مما استحضره إذا سجد؛ لأن الإنسان إذا سجد استحضر أنه أقرب ما يكون إلى ربه عز وجل كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"(3). والقلب إذا استحضر هذا وهو ساجد، لا شك أنه سيخشع ويحصل البكاء، ولا أستطيع أن أقول للناس امتنعوا عن البكاء، ولكني أقول إن البكاء من خشية الله والصوت الذي لا يمكن للإنسان أن يتحكم فيه لا بأس به، بل كما تقدم البكاء من خشية الله تعالى من صفات أهل الخير والصلاح.
فصل
قال فضيلة الشيخ – حفظه الله ورعاه -:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد خاتم النبيين وعلى آله، وصحبه أجمعين. أما بعد:
فقد أطلعت على رسالة موجهة إلى من يراها أو يسمعها من المسلمين في موضوع صلاة التراويح، وبلغني أنها قرئت في بعض المساجد، وهي رسالة قيمة حث فيها كاتبها على الخشوع في التراويح، والطمأنينة – فجزاه الله خيراً على خيره -.(76/91)
ولكن هذه الرسالة عليها ملاحظات يجب بيانها منها:
أنه نقل فيها ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي في رمضان عشرين ركعة(1).
وجوابه: هذا الحديث ضعيف، قال ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ص (524) ج2: "وأما ما رواه ابن أبي شيبة"(2) من حديث ابن عباس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان عشرين ركعة والوتر، فإسناده ضعيف، وقد عارضه حديث عائشة هذا الذي في الصحيحين(3) مع كونها أعلم بحال النبي صلى الله عليه وسلم ليلاً من غيرها. أهـ.
وحديث عائشة الذي أشار إليه صاحب الفتح هو ما رواه البخاري ص (59) ج3 ومسلم ص (166) ج2 عن عائشة – رضي الله عنها – أن أبا سلمة بن عبد الرحمن سألها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"، وفي لفظ لمسلم: "يصلي ثمان ركعات، ثم يوتر".
وحديث عائشة يوحي بشدة لهجته بشيء من إنكار الزيادة على هذا العدد، وعن ابن عباس – رضي الله عنهما – في صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم من الليل قال: "فصلى (يعني النبي صلى الله عليه وسلم) ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم ركعتين، ثم أوتر"، أخرجه مسلم(4) ص (179) ج2.
وبهذا تبين أن صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في الليل دائرة بين الإحدى عشرة والثلاث عشرة.
فإن قيل: إن صلاة الليل هذه ليست هي التراويح؛ لأن التراويح من سنن عمر – رضي الله عنه -؟(76/92)
فالجواب: بل صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان هي التراويح ولكنهم سموها تراويح؛ لأنهم كانوا يطيلونها ثم يستريحون بعد كل تسليمتين، فسميت تراويح لذلك، ولقد كانت التراويح من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، ففي صحيح البخاري ص (10) ج3 من الفتح وفي صحيح مسلم (177) ج2 عن عائشة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى ذات ليلة في المسجد فصلى بصلاته ناس، ثم صلى من القابلة فكثر الناس ثم اجتمعوا من الليلة الثالثة أو الرابعة فلم يخرج إليهم، فلما أصبح قال: "قد رأيت الذي صنعتم، فلم يمنعني من الخروج إليكم إلأ أني خشيت أن تفرض عليكم" وذلك في رمضان(5).
فإن قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم اقتصر على هذه الركعات ولم يمنع الزيادة عليها، وزيادة الركعات خير وثواب.
فالجواب: أنه إما أن يكون الخير في الاقتصار على هذه الركعات؛ لأنه هدي النبي صلى الله عليه وسلم، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، فإن كان الخير في الاقتصار عليها كان الاقتصار عليها أولى، وإما أن يكون الخير في الزيادة، وحينئذ يكون النبي صلى الله عليه وسلم متقاصراً عن فعل الخير وراضياً بالمفضول عن الفاضل مع عدم البيان لأمته وهذا شيء مستحيل.
فإن قيل: فما الجواب عما روى مالك في الموطأ عن يزيد بن رومان أنه قال: "كان الناس يقومون في زمان عمر بن الخطاب في رمضان بثلاث وعشرين ركعة" موطأ شرح الزرقاني ص (239) ج1.
فالجواب: أن هذا الحديث معلول ومعارض.
أما علته: فهو منقطع؛ لأن يزيد بن رومان لم يدرك عمر، كما نص على ذلك أهل الحديث كالنووي وغيره.
وأما معارضته: فقد عارضه ما رواه مالك في الموطأ عن محمد بن يوسف، وهو ثقة ثبت، عن السائب بن يزيد، وهو صحابي قال: "أمر عمر بن الخطاب أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما للناس بإحدى عشرة ركعة"(1). الموطأ شرح الزرقاني ص (138) ج1.
فإن هذا الحديث أرجح من حديث يزيد بن رومان من وجوه ثلاثة:(76/93)
الأول: أنه أقوم عملاً وأحسن لموافقته للعدد الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وما كان عمر – رضي الله عنه – ليختار سوى الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم مع علمه به، ويبعد أن يكون غير عالم به.
الثاني: أن حديث السائب بن يزيد في الإحدى عشرة منسوب إلى أمر عمر – رضي الله عنه – فيكون من قوله، وحديث يزيد بن رومان في الثلاث والعشرين منسوب إلى زمان عمر – رضي الله عنه - فيكون من إقراره، والقول أقوى من الإقرار؛ لأنه صريح في اختياره إياه، أما الإقرار فقد يكون من باب الإقرار على الجائز لا على المختار، فأقرهم عمر على الثلاث والعشرين حيث لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك منع، وكانوا مجتهدين في ذلك فأقرهم على اجتهادهم، وإن كان هو يختار الإحدى عشرة لأمره بها.
الثالث: أن حديث السائب بن يزيد في الإحدى عشرة سالم من العلة، فسنده متصل، وحديث يزيد بن رومان معلول كما سبق وأيضاً فتوثيق الراوي عن السائب بن يزيد، وهو محمد بن يوسف أقوى من توثيق يزيد بن رومان، حيث قيل في الأول: إنه ثقة ثبت، وفي الثاني ثقة فقط، وهذا من المرجحات كما في علم مصطلح الحديث.
هذا ولو فرض أن حديث يزيد بن رومان في الثلاث والعشرين ثابت عن عمر، وسالم عن العلة والمعارضة فإنه لا يمكن أن يرجح على العدد الذي واظب عليه النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزد عليه في رمضان ولا غيره. لقوله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59). فأوجب الله الرد عند النزاع إلى الله يعني كتابه، وإلى رسوله في حياته وسنته بعد وفاته، وأخبر سبحانه أن هذا خير وأحسن تأويلاً – أي عاقبة -.(76/94)
وقال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) (النساء: 65). فجعل الله التحاكم إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فيما شجر بين الناس من النزاع من مقتضيات الإيمان، ونفي الإيمان نفياً مؤكداً بالقسم عمن لم يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم ويطمئن إلى حكمه، وينقاد له انقياداً تاماً.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلن في خطبة الجمعة فيقول: "أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم"(1)، وهذا أمر مجمع عليه إجماعاً قطعياً بين المسلمين أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن هديه خير من هدي كل أحد كائناً من كان، بل إن كان في هدي أحد خير فما هو إلا من هدي النبي صلى الله عليه وسلم.
وكان الصحابة – رضي الله عنهم – يحذرون غاية التحذير من معارضة قول النبي صلى الله عليه وسلم بقول غيره، أو هديه بهدي غيره، قال ابن عباس – رضي الله عنهما -: "يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء، أقول قال رسول الله، وتقولون قال أبو بكر، وعمر"، بل إن عمر – رضي الله عنه – لما ترافع إليه خصمان، قال للذي لم يرض ذكر هذا الأثر الشيخ محمد بن عبد الوهاب في كتاب التوحيد، وفي شرحه تيسير العزيز الحميد ص (510) قال: هذه القصة مشهورة متداولة بين السلف والخلف تداولاً يغني عن الإسناد، ولها طرق كثيرة، ولا يضر ضعف إسنادها. أهـ(2).(76/95)
ولو قيل لشخص مسلم: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس بإحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة، وهذا آخر غيره يصلي بهم بثلاث وعشرين ركعة، أو بتسع وثلاثين، فإنه لا يسعه إلا أن يتبع رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذ بهديه؛ لأن العمل الموافق للرسول صلى الله عليه وسلم هو الأحسن والأقوم، والعمل بالأحسن هو الذي خلق الناس، وخلقت السموات والأرض من أجله، قال الله تعالى: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (الملك: 2). وقال تعالى: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (هود: 7). لم يقل سبحانه (ليبلوكم أكثر عملاً)، ومعلوم أنه كلما كان العمل أخلص لله، وأتبع لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحسن، فالإحدى عشرة، أو الثلاث عشرة أحسن مما زاد عليها لموافقتها لما ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتكون أولى وأفضل، لاسيما إذا اقترن بها تمهل، وخشوع، وحضور قلب، وطمأنينة يتمكن بها الإمام والمأمومون من الذكر والدعاء.
فإن قيل: إن الثلاث والعشرين هي سنة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – وهو أحد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباعهم حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي"(3).(76/96)
فالجواب: لعمر الله، إن عمر لمن الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، بل هو أحد الرجلين اللذين أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالاقتداء بهما حيث قال: "إني لا أدري ما بقائي فيكم فاقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر"(4). رواه الترمذي. بل هو الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه"(5). رواه الترمذي، وهو الرجل الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "لقد كان فيما قبلكم من الأمم محدثون، فإن بك في أمتي أحد فإنه عمر". متفق عليه(6). ولكن ما هي سنة عمر – رضي الله عنه – في عدد ركعات التراويح؟
إن إثبات تعينها في ثلاث وعشرين دونه خرط القتاد، فقد سبق أن سند إثباتها – فضلاً عن تعينها – معلوم ومعارض بما هو أرجح سنداً، وأقوى دلالة وأقوم عملاً، وأن الثابت عن عمر أنه أمر أبي بن كعب وتميماً الداري أن يصليا للناس بإحدى عشرة ركعة(1).
ثم إن فرض ثبوت تعيينها بثلاث وعشرين ركعة عن عمر – رضي الله عنه – لم يكن ذلك حجة على فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا معارضاً له لدلالة الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة، والإجماع على أنه لا يعدل بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة غيره كائناً من كان، ولا تعارض بها أبداً، قال الإمام الشافعي – رحمه الله -: "أجمع المسلمون على أن من استبانت له سنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يحل له أن يدعها لقول أحد". أهـ.
ومن الملاحظات قوله: إن المسلمين لم يزالوا على الثلاث والعشرين من عهد الصحابة إلى زماننا هذا، فيكون إجماعاً.(76/97)
فالجواب: ليس الأمر كذلك، فالخلاف موجود بين المسلمين منذ عصر الصحابة إلى اليوم، وقد ذكر في فتح الباري الخلاف ص (253) ج4 المطبعة السلفية وملخصه: 11 – 13 – 19 – 21 – 23 – 25 – 27 – 35 – 37 – 39 قال: وكان ذلك يعني التسع والثلاثين في المدينة في إمارة أبان بن عثمان وعمر بن عبد العزيز، قال مالك: وعلى هذا العمل منذ بضع ومائة سنة 41 – 47 – 49.
فإذا تبين ثبوت الخلاف بين المسلمين فالحكم في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قال سبحانه: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً) (النساء: 59).
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. تم ذلك في 8/9/395هـ.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى أخيه المكرم الشيخ ... حفظه الله
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اطلعت اطلاعة سريعة على هذه الرسالة التي كتبتموها (.....) ولا ريب أن التحقيق في مثل هذه المسائل التي تخفى فيها السنة على كثير من الناس أمر مهم ونافع لما فيه من إحياء السنة، ومعلوم أن السنة إذا خفيت كان إظهارها واجباً، وإن كانت في الأصل سنة لما في ذلك من حفظ الشريعة وإبلاغ ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.
والرسالة المذكورة أرجو أن لا يكون في نشرها بأس لكن عليها بعض التنبيهات.(76/98)
فمنها: ما في آخر ص 14 من أن الاقتصار على إحدى عشرة ركعة ظناً أن هذا العدد أفضل من الزيادة عليه حيث يقع هذا من الأئمة الذين لا يعرفون رغبة من خلفهم على إحدى عشرة ركعة. قلتم: إن هذا ليس له دليل من الكتاب والسنة، بل فيه مخالفة صريحة لكتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؛ لأنهم إن أطالوا فقد عصوا أبا القاسم، وإن خففوا فقد حرموا أنفسهم ومن يصلي خلفهم من التزود من العمل الذي أمر الله به ومدح المكثرين منه الذي يقضون معظم ليلهم بالقيام، والركوع، والسجود، وقراءة القرآن.
ثم قلتم في ص 15 إن هذا ليس من النصيحة في الدين، ولا بعد نصيحة لله، ولا لكتابه، ولا لعامة المسلمين. أهـ.
ولا يخفى عليكم أن عائشة – رضي الله عنها – سئلت كيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة" ثم فصلتها كما رواه البخاري وغيره. انظر الفتح 3/33 وصحيح مسلم 1/509(1).
ولا يخفى أن هذا العدد هو غاية الزيادة إلا ما صح من حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة(2). انظر صحيح مسلم 1/531 وفصل هذه الركعات ص 527 منه(3)، وفصلها في البخاري أيضاً، انظر الفتح 2/477، ولعل الركعتين كما في الأوليين هما الركعتان الخفيفتان اللتان يفتتح بهما صلاة الليل كما في حديث زيد بن خالد الجهني(4) في صحيح مسلم 1/531 – 532.
ولا يخفى أنه ربما اقتصر على السبع والتسع كما في حديث عائشة في البخاري(5) انظر الفتح 3/20.
ولا يخفى أن العدد أحد عشرة هو المرجح عند كثير من أهل العلم، ومنهم شيخنا عبد العزيز ابن باز كما نقلتموه عنه ص 22 من الرسالة، وأن الزيادة على ذلك لا حرج فيها ولا كراهية.(76/99)
ولا يخفى أن النقص عنه جائز أيضاً لورود السنة به، لكن زيادة العدد إلى إحدى عشرة أو ثلاث عشرة مع حسن العمل أولى لتميزه بالكثرة، اللهم إلا أن يكون على المكلف نوع من المشقة فيقتصر على ما دونه تيسيراً على نفسه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "اكلفوا من العمل ما تطيقون"(1).
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيل صلاة الليل وهو إمام كما في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – حين صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم فأطال الصلاة حتى هم أن يقعد ويترك النبي صلى الله عليه وسلم(2)، انظر الفتح 3/19، وصحيح مسلم 1/537 وكما في حديث حذيفة(3) حين صلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم البقرة، والنساء، وآل عمران، إذا مر بآية فيها تسبيح سبح، وإذا مر بسؤال سأل، وإذا مر بتعوذ تعوذ، انظر صحيح مسلم 1/536 – 537.
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في رمضان بأصحابه ثلاث ليال وتأخر في الرابعة كما في صحيح البخاري(4)، انظر الفتح 4/253 وصحيح مسلم 1/524.
ولا يخفى أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بأصحابه حين بقي سبع من شهر رمضان حتى ذهب ثلث الليل، وفي ليلة ثانية حتى ذهب شطر الليل، وفي ليلة ثالثة حتى تخوفوا الفلاح – أي السحور – أخرجه أحمد وأهل السنن،ورجاله عند أهل السنن رجال الصحيح، كما في نيل الأوطار (صلاة التراويح)(5).
ولا يخفى التطويل بالجماعة في ذلك، وهكذا كان عمل السلف من الصحابة والتابعين كما في موطأ الإمام مالك(6)، انظر شرح الزرقاني 1/238 – 240.
والفرق بين هذا وبين حديث معاذ – رضي الله عنه – في نهي النبي صلى الله عليه وسلم له عن التطويل (والمراد التطويل الزائد عما جاءت به السنة) أن هذا في النفل الذي يجوز للناس التخلف عنه والخروج منه، وحديث معاذ في الفرض الذي لا يجوز لهم التخلف عنه ولا الخروج منه إلا بعذر شرعي فهم ملزمون به قصداً وإتماماً.(76/100)
وأظنكم بعد هذا ستعيدون النظر فيما كتبتم حول هذا الموضوع.
ومن الأمور التي ينبه عليها قولكم ص (16) إن شفع المأموم صلاته خلف إمام يصلي الوتر مخالفة منهي عنها، والمتابعة مأمور بها في السنة المطهرة... إلخ.
ولا ريب أن المخالفة للإمام منهي عنها، والمتابعة مأمور بها ولكن المخالفة والمتابعة بينها النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: "فإذا كبر فكبروا"(7) إلخ، وفي تحذيره من مسابقة الإمام.
فأما إتمام المأموم صلاته فليس بمخالفة سواه كان مسبوقاً أم لا؛ لأن الإمام أتم صلاته بالسلام فانفصل المأموم منه، ولهذا كان أهل مكة عام الفتح يصلون خلف النبي صلى الله عليه وسلم فيتمون الصلاة بعد سلام النبي صلى الله عليه وسلم(8) ونص على جواز ذلك أهل العلم، ونص الإمام أحمد على جواز صلاة العشاء خلف من يصلي التراويح، ومعلوم أن المأموم في هذه الحال سيقوم بعد سلام الإمام لإتمام صلاة العشاء.
وعلى هذا فإذا نوى المأموم المصلي خلف إمام يوتر صلاة نفل غير الوتر، كانت صلاته ركعتين، فيتمها بعد سلام إمامه من وتره كالمقيم خلف المسافر، ومصلي العشاء خلف مصلى التراويح.
وفي المغني 2/164 في الكلام على الوتر: فإن صلى مع الإمام وأحب متابعته في الوتر، وأحب أن يوتر آخر الليل فإنه إذا سلم الإمام لم يسلم معه وقام فصلى ركعة أخرى يشفع بها صلاته مع الإمام، نص عليه، ثم قال عن الإمام أحمد: يشفع مع الإمام بركعة أحب إليّ أهـ. وبهذا يحصل للمأموم القيام مع الإمام حتى ينصرف مع جعل آخر صلاته بالليل وتراً.
ومنها أنكم في ص (45) وهمتم من قال: إن الإحدى عشرة ركعة هو العدد الذي جاءت به السنة واتبعه على ذلك عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فهو خير الهدي، وأكمله، وأتمه، وأحسنه، وقلتم: لا دليل هنا لمن فضل الإحدى عشرة على غيرها.
ومعلوم أن المقصود بتفضيل الإحدى عشرة يعني على غيرها من الأعداد الأخرى التي عليها الناس اليوم.(76/101)
أما كونها أفضل من الأعداد الأخرى التي جاءت بها السنة فقد يقال به أيضاً لأنه أكثر عملاً، وقد وردت به السنة، ويحمل ما ورد دونه على حال تقتضيه إما ضعف أو نحوه كما في صحيح مسلم 1/513 – 514 أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي تسع ركعات، فلما أسن وأخذه الحم أوتر بسبع(1).
وقد يقال إن هذا من تنوع العبادات، والأفضل على القول الراجح في العبادات المتنوعة أن يأتي بكل نوع منها، هذا ارة، وهذا تارة ليأتي بجميع أنواع السنة.
ولكن قد ترجح الإحدى عشرة في التراويح حتى لا يحصل الاضطراب والبلبلة عند العامة، ويرجحها أيضاً أمر عمر – رضي الله عنه – أبي بن كعب وتميماً الداري أن يقوما بها في الناس(2).
وقد سبق ما نقلتم عن الشيخ عبد العزيز ابن باز ص (22) أن الأفضل في ذلك كله هو صلاة إحدى عشرة ركعة، أو ثلاث عشرة ركعة في رمضان وغيره لكون ذلك هو الموافق لفعل النبي صلى الله عليه وسلم في غالب أحواله. وهذا مرجح رابع.
ومنها قولكم ص (46): ومن فضل الإحدى عشرة على غيرها فقد أخذ بسنة ورد سنن (كذا) أخرى بلا دليل.
ومن المعلوم أن هذا ليس بلازم بل إن التفضيل بين شيئين يدل على جوازهما مع رجحان أحدهما على الآخر، وقد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل من الفاضل، كما هو معروف عند أهل العلم.
ومنها قولكم ص (47): وليس من أوصاف حسنة (كذا) كونه قليلاً.
ومن المعلوم أن القليل إذا كان أتبع للسنة كان أحسن من الكثير، سواء كان ذلك في الكم، أو في الكيف. ألم تر أن صوم يوم وفطر يوم أفضل من صوم وفطر يوم كما في قصة عبد الله بن عمرو بن العاص الثابتة في صحيح البخاري وغيره(3).
ثم ألم تر أن تخفيف ركعتي الفجر أفضل من إطالتهما، مع أن صوم يومين وفطر يوم، وتطويل الركعتين أكثر عملاً.
وبهذا علم أن القلة من حسن العمل إذا كانت أوفق للسنة.(76/102)
ومن المعلوم أن الإحدى عشرة ركعة في التراويح أوفق للسنة مما زاد عليها كما يشعر بذلك جواب عائشة – رضي الله عنها – لمن سألها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان(1)؟ وعلى ذلك تكون أحسن لاسيما أن كثيراً من الذين يصلون التراويح ثلاثاً وعشرين ركعة يأتون بها بسرعة تكاد تكون مخلة بالطمأنينة التي لا تصح الصلاة بدونها.
أما إذا اجتمعت الكثرة والموافقة للسنة فالكثير أولى وهذا لا ريب فيه.
ومنها أنكم قلتم في ص (48): إنه يشرع في الإيتار بخمس، أو سبع، أو تسع أن تصلي مثنى مثنى، بل إن صلاتها مثنى مثنى أفضل من سردها، ثم استدللتم بحديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة الليل مثنى مثنى"(2).
ومن المعلوم أن الأحاديث الواردة في الإيتار بهذا العدد ليس فيها حديث واحد يدل على تفريق عددها مثنى مثنى، بل تدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقصد سردها، والسنة قولاً وفعلاً قد فرقت بين صلاة الليل وبين الوتر، وكذلك أهل العلم فرقوا بينهما حكماً، وكيفية:
أما تفريق السنة بينهما قولاً: ففي حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – أن رجلاً سال النبي صلى الله عليه وسلم كيف صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خفت الصبح فأوتر بواحدة"(3). رواه البخاري، انظر الفتح 3/20.(76/103)
وأما تفريق السنة بينهما فعلاً: ففي حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي وأنا راقدة معترضة على فراشه، فإذا أراد أن يوترأيقظني فأوتر. رواه البخاري، انظر الفتح 2/487، ورواه مسلم 1/51 بلفظ: كان يصلي صلاته بالليل وأنا معترضة بين يديه فإذا بقي الوتر أيقظها فأوترت(4). وروى 1/508 عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة يوتر من ذلك بخمس لا يجلس في شيء إلا في آخرها(5). وروى 1/513 عنها حين قال لها سعد بن هشام بن عامر: أنبئيني عن وتر رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ويصلي تسع ركعات لا يجلس فيها إلا في الثامنة فيذكر الله ويحمده، ويدعوه، ثم ينهض ولا يسلم، ثم يقوم فيصلي التاسعة، ثم يقعد فيذكر الله، ويحمده، ويدعوه، ثم يسلم تسليماً يسمعناً(6).
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل حكماً: فإن العلماء اختلفوا في وجوب الوتر، فذهب أبو حنيفة إلى وجوبه وهو رواية عن أحمد ذكرها في الإنصاف والفروع قال أحمد: من ترك الوتر عمداً فهو رجل سوء ولا ينبغي أن تقبل له شهادة.
والمشهور من المذهب أن الوتر سنة، وهو مذهب مالك؛ والشافعي.
وأما صلاة ا لليل فليس فيها هذا الخلاف، ففي فتح الباري 3/27: "ولم أر النقل في القول بإيجابه إلا عن بعض التابعين قال ابن عبد البر: شذ بعض التابعين فأوجب قيام الليل ولو قدر حلب شاة، والذي عليه جماعة العلماء أنه مندوب إليه". أهـ.
وأما تفريق العلماء بين الوتر وصلاة الليل في الكيفية: فقد صرح فقهاؤنا الحنابلة بالتفريق بينهما فقالوا: صلاة الليل مثنى مثنى وقالوا في الوتر: إن أوتر بخمس، أو سبع لم يجلس إلا في آخرها، وإن أوتر بتسع جلس عقب الثامنة فتشهد، ثم قام قبل أن يسلم فيصلي التاسعة، ثم يتشهد ويسلم، هذا ما قاله صابح زاد المستقنع.(76/104)
ومنها أي مما ينبه عليه في رسالتكم أن ظاهر كلامكم ص (49) في العبادات الواردة على وجوه متعددة تفضيل أحد الوجوه مطلقاً على الآخر.
وهذا مسلك سلكه بعض العلماء، والصواب أن الأفضل فعل هذا تارة، وهذا تارة ليحصل له العمل بالسنتين جميعاً، إلا أن يكون ورودها على أحد الوجوه لسبب يقتضيه فيقتصر عليه حينئذ.
هذا ما أردت التنبيه عليه في رسالتكم، وأسأل الله تعالى أن يجعل عمل الجميع خالصاً لوجهه، نافعاً لعباده، إنه جواد كريم، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله، وصحبه أجمعين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته. 22/2/1408هـ.
831 سئل فضيلة الشيخ: عن الرواتب التي كان النبي صلى الله عليه وسلم يصليها؟ وعن ركعتي الضحى، وعن تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن إعادة الوتر؟
فأجاب فضيلته بقوله: الرواتب التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها عشر كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما(1) -: ركعتان قبل الظهر، وركعتان بعدها، وركعتان بعد المغرب، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل صلاة الصبح، هذه عشر.
وقالت عائشة – رضي الله عنها(2) -: "كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدع أربعاً قبل الظهر" وعلى هذا فتكون الرواتب ثنتي عشرة ركعة، أربعاً قبل الظهر، وركعتين بعدها، وركعتين بعد المغرب، وركعتين بعد العشاء، وركعتين قبل صلاة الصبح، إلا أنه ينبغي في الركعتين قبل الصبح، أمران:
أحدهما: التخفيف(3).(76/105)
والثاني: قراءة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى مع الفاتحة، و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعة الثانية مع الفاتحة، أو في الركعة الأولى مع الفاتحة قوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ).
(البقرة:136).
وفي الركعة الثانية مع الفاتحة قوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ)(4) (آل عمران: 64).
وأما ركعتا الضحى ففي صحيح مسلم(5) عن عائشة – رضي الله عنها – قالت: "كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي الضحى أربعاً ويزيد ما شاء الله". وأقل سنة الضحى ركعتان.
وأما تهجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد سئلت عائشة رضي الله عنها كيف كانت صلاة النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان؟ فقالت: "ما كان يزيد في رمضان ولا غيره على إحدى عشرة ركعة"(6).
فهذا ما كان يصليه النبي عليه الصلاة والسلام في الليل إحدى عشرة ركعة، ولا يزيد على ذلك، ومع هذا فلو أن الإنسان تهجد بأكثر وزاد على إحدى عشرة ركعة فلا حرج عليه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل كما في حديث ابن عمر – رضي الله عنهما – ما ترى في صلاة الليل؟ قال: "مثنى مثنى، فإذا خشي أحدكم الصبح صلى واحدة فأوترت له ما قد صلى"(1). فعلى هذا نقول عدد صلاة الليل ليس محصوراً بإحدى عشرة بل يصلي الإنسان نشاطه.(76/106)
وأما إذا أوتر في أول الليل وكان من نيته أن لا يقوم في آخره، فإنه إذا قدر له أن يقوم بعد فإنه يصلي ركعتين حتى يطلع الفجر، ولا بعيد الوتر؛ لأن الوتر ختم به صلاة الليل في ظنه قبل أن ينام، ولكن ينبغي للإنسان الذي من عادته أن يقوم من آخر الليل أن يجعل وتره في آخر الليل كما ثبت فيه الحديث: أن "من طمع أن يقوم من آخر الليل فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل"(2).
832 سئل فضيلة الشيخ: عن كيفية صلاة النافلة، وكم عدد ركعاتها؟ وهل لها إقامة؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: جميع النوافل ليس لها أذان ولا إقامة، وإنما الأذان والإقامة للصلوات الخمس والجمعة، أما السنن الرواتب فهي ركعتان قبل الفجر خفيفتان، يقرأ في الأولى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ). وفي الثانية (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ). أو يقرأ في الأولى (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) (البقرة، الآية: 136). إلى آخر الآية، وفي الركعة الثانية يقرأ (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64). وذلك بعد الفاتحة(3).
وفي الظهر أربع ركعات قبلها بتسليمتين، وبعدها ركعتين، وأما العصر فلا راتبة لها لا قبلها ولا بعدها، وفي المغرب يصلي ركعتين بعدها، وفي العشاء يصلي ركعتين بعدها، فهذا اثنتا عشرة ركعة.
وأما صلاة الليل فهي على ركعتين ركعتين بدون حصر.(76/107)
وأما الوتر فأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، فإن أوتر بثلاث فله الخيار: إن شاء سلم من اثنتين وأتى بركعة ثالثة وحدها، وإن شاء سرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد، وإن شاء أوتر بخمس سردهن جميعاً بتشهد واحد، وإن أوتر بسبع سردهن بتشهد واحد، وإن أوتر بتسع سردهن جميعاً، إلا أنه يتشهد في الثامنة، ثم يقوم ويأتي بالتاسعة ويسلم، وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة صلى ركعتين ركعتين ويجعل الأخيرة وحدها. والله الموفق.
833 وسئل فضيلة الشيخ: عن الفرق بين المسجد والمصلى، وهل أحكامهما واحدة من حيث تحية المسجد وإنشاد الضالة، والبيع، والشراء وغير ذلك؟ وما حكم تحية المسجد فيما ظهر لكم، وإن قيل بأنها سنة مؤكدة فكيف نوجه أدلة القائلين بالوجوب؟
فأجاب فضيلته بقوله: الفرق بين المصلى والمسجد أن المصلى مكان صلاة فقط، والمسجد معد للصلاة عموماً كل من جاء فيه فإنه يصلي فيه، ويعرف أن هذا وقف لا يمكن بيعه ولا التصرف فيه، وأما المصلى فإنه يمكن أن يترك ولا يصلى فيه، وأن يباع تبعاً للبيت الذي هو فيه وبناء على ذلك يختلف الحكم.
فالمساجد لابد لها من تحية، ولا تمكث فيها الحائض مطلقاً ولا الجنب إلا بوضوء، ولا يجوز فيه البيع والشراء بخلاف المصلى.
أما حكم تحية المسجد فالقول بوجوبها قوي جداً لأن النبي صلى الله عليه وسلم قطع الخطبة ليأمر من جلس أن يقوم فيصلي ركعتين(1). ومن المعلوم أن التشاغل بصلاة الركعتين يوجب التشاغل عن الخطبة وسماع الخطبة واجب، ولا يتشاغل بشيء عن واجب إلا وهو واجب.
ولكن جمهور أهل العلم على أنها سنة مؤكدة. لأنه وردت أحاديث تدل على أنها كذلك:
فالخطيب إذا دخل يوم الجمعة لا يصلي ركعتين.(76/108)
وكذلك قصة الثلاثة الذين دخلوا المسجد والنبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه، فانقسموا، منهم من جلس في الحلقة، ومنهم من جلس وراءها، ومنهم من انصرف(2). ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم على من جلس في الحلقة، أو وراءها، وكذلك ظاهر حديث كعب بن مالك حين دخل المسجد بعد أن تاب الله عليه، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه فقام إليه طلحة، فظاهر القصة أن كعباً لم يصل(3).
والذي يظهر لي أنها ليست بواجبة، ولكنها سنة مؤكدة أقل أحوال تاركها أن يكون قد ارتكب مكروهاً.
834 وسئل فضيلة الشيخ: عن قول بعض العلماء بأن وقت السنن الرواتب القبلية والبعدية هو بدخول وقت الفريضة وينتهي بخروج وقت الفريضة، وقول بعضهم، القبلية تنتهي بقضاء الفريضة فما الراجح في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الراجح أن السنة القبلية وقتها ما بين دخول وقت الصلاة وفعل الصلاة فراتبة الظهر القبلية يدخل وقتها من أذان الظهر أي من زوال الشمس وينتهي بفعل الصلاة أي بصلاة الظهر.
والسنة البعدية يبتدئ وقتها بانتهاء الصلاة وينتهي بخروج الوقت.
ولكن إذا فات وقت السنة القبلية من إثر تفريط من الإنسان فإنه يقضيها بعد الصلاة، أما إذا أخر الراتبة القبلية عن وقتها بلا عذر فلا تنفعه ولو قضاها، لأن القول الصحيح أن كل عبادة مؤقتة بوقت إذا خرج وقتها بلا عذر لا تصح ولا تقبل.
835 وسئل فضيلة الشيخ: هناك بعض الناس يقدمون من مناطق مختلفة ليعتكفوا العشر الأواخر من رمضان في المسجد الحرام ولكنهم يتركون السنن الرواتب، أرجو الإجابة بالتفصيل، والله يحفظكم.(76/109)
فأجاب فضيلته بقوله: الحقيقة أن الإنسان إذا من الله عليه أن يصل إلى هذا المسجد فإنه ينبغي له أن يكثر من الصلاة، سواء كانت من الصلاة المشروعة، أو من الصلوات الأخرى الجائزة، وأمام الإنسان الذي يكون في هذا المكان النوافل المطلقة، يعني إذا قلنا إن المسافر لا يصلي راتبة الظهر، ولا راتبة المغرب، ولا راتبة العشاء فليس معنى ذلك أن نقول: لا تصل أبداً، نقول: صل وأكثر من الصلاة، والصلاة خير موضوع، والصلاة كما قال الله عز وجل: (تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر) (العنكبوت: 45) ولهذا نحن نحث إخواننا على أن يكثروا من نوافل الصلوات في هذا المسجد وإن كانوا مسافرين؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان لا يمنعه السفر من أن يتطوع بالصلاة، بل كان صلى الله عليه وسلم يدع سنة الظهر، وسنة المغرب، وسنة العشاء فقط، وبقية النوافل باقية على استحبابها وحينئذ لا يكون في المسألة إشكال.
836 سئل فضيلة الشيخ: هل من السنة أن يصلي الإنسان قبل المغرب ركعتين بعد الأذان؟ أفتونا جزاكم الله خير الجزاء.
فأجاب فضيلته بقوله: نعم من السنة أن يصلي ركعتين قبل صلاة المغرب أي بين الأذان والإقامة فقد أمر بها النبي عليه الصلاة والسلام ثلاث مرات، فقال: "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب" لكنه قال في الثالثة "لمن شاء"(1) كراهية أن يتخذها الناس سنة، أي سنة راتبة، فصلاة ركعتين قبل صلاة المغرب أي بين الأذان والإقامة سنة لكنها ليست راتبة، فلا ينبغي المحافظة عليها دائماً؛ لأنه لو حافظ عليها لكانت راتبة بخلاف الركعتين بعد المغرب فإنها راتبة تسن المحافظة عليها إلا في السفر فإن المسافر لا يسن له أن يأتي براتبة الظهر، أو المغرب، أو العشاء بل إن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: "بين كل أذانين صلاة"(2) أي بين كل أذان وإقامة صلاة أي صلاة نافلة لكنها في الفجر، والظهر راتبة، وفي العصر والمغرب، والعشاء غير راتبة.
رسالة(76/110)
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله تعالى.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعض الناس يدخلون في المسجد قبل آذان صلاة المغرب فيصلون ركعتين ثم إذا جاء المؤذن وأذن قاموا وصلوا ركعتين، وكذلك الحال في صلاة العشاء فما حكم صلاة الركعتين التي بعد الأذان؟ أفيدونا أفادكم الله.
الجواب: بسم الله الرحمن الرحيم. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
الصلاة عند دخول المسجد سنة مؤكدة في أي وقت دخل. وصلاة الركعتين بين الأذان والإقامة مشروعة أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة"(1).
حرر في 23/11/1417هـ.
837 سئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: يصلي بعض الناس ست ركعات بعد المغرب، ويقولون إنها صلاة الأوابين فهل لها أصل؟ وما حكم التنفل المطلق بين المغرب والعشاء؟
فأجاب فضيلته بقوله: المغرب لها سنة راتبة، وهي ركعتان كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بعدها ركعتين.
وأما ست ركعات(1) التي تسمى صلاة الأوابين فلا أعلم لها أصلاً.
وأما التنفل المطلق بين المغرب والعشاء فإنه مشروع؛ لأن جميع الأوقات التي ليست بوقت نهي كلها يشرع فيها الصلاة نفلاً مطلقاً، فإن الصلاة خير موضوع، والإكثار منها مما يقرب إلى الله تعالى، وقد مدح الله الذين هم على صلاتهم دائمون.
838 سئل فضيلة الشيخ: هل يؤدي الإنسان راتبة الفجر بعد صلاة الفجر أو يؤخرها حتى يزول وقت النهي؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجواب على هذه المسألة ينبني على خلاف العلماء في جواز فعل النوافل ذات السبب في وقت النهي، فمن قال إن النوافل لا يجوز فعلها في وقت النهي ولو كانت ذات سبب، قال إن الرجل إذا فاتته سنة الفجر فلا يجوز له أن يقضيها بعد صلاة الفجر، بل يجب أن يؤخرها حتى ترتفع الشمس قيد رمح وهذا هو المشهور من مذهب الحنابلة رضي الله عنهم.(76/111)
والقول الثاني: أن النوافل ذوات الأسباب يجوز أن تفعل في أوقات النهي. وهذا القول هو مذهب الإمام الشافعي – رحمه الله – ورواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – وبناء على هذا القول يجوز للإنسان أن يصلي سنة الفجر بعد صلاة الفجر بعد الذكر المشروع للصلاة.
وهذا القول هو الراجح لأن القاعدة: "أن كل صلاة ذات سبب فلا نهي عنها" وذلك مثل تحية المسجد، وسنة الوضوء، وكذلك صلاة الكسوف تفعل في أوقات النهي.
839 سئل فضيلة الشيخ: هل يصلي الإنسان صلاة الاستخارة في وقت النهي؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الاستخارة إن كانت لأمر مستعجل لا يتأخر حتى يزول النهي فإنها تفعل، وإن كانت لسبب يمكن أن يتأخر فإنه يجب أن تؤخر.
840 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى الإنسان صلاة الإشراف وقد فاتته سنة الفجر فهل تجزي عن سنة الفجر؟ وإذا صلى سنة الفجر فهل تجزي عن صلاة الإشراق؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا صلى الإنسان صلاة الإشراق وقد فاتته سنة الفجر، فإنها لا تجزئ عن سنة الفجر وإذا صلى سنة الفجر فقد نقول إنها تجزئ عن صلاة الإشراق؛ لأنه حصل المقصود فصلى الإنسان ركعتين.
وقد نقول: إنها لا تجزئ؛ لأن المقصود أن يصلي الإنسان ركعتين خاصتين بالإشراق، وهذا أحوط، وعلى هذا فيصلي سنة الفجر، ثم ركعتي الإشراق. والله أعلم.
841 وسئل فضيلة الشيخ: هل ركعتا الفجر مثل صلاة الفجر في اشتراط دخول الوقت؟
فأجاب فضيلته بقوله: ركعتا الفجر مثل صلاة الفجر فلا تصلى سنة الفجر إلا بعد طلوع الفجر، وكذلك سنة الظهر الأولى لا تصلى إلا بعد دخول وقته.
842 سئل فضيلة الشيخ: كيف تؤدى ركعتا الفجر؟ وما هي السور التي تقرأ فيها؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.(76/112)
فأجاب فضيلته بقوله: ركعتا الفجر إذا كان المراد بهما سنة الفجر فإنها هي راتبة الفجر، وهي قبل الصلاة، ويؤديها الإنسان خفيفة، قالت عائشة رضي الله عنها في وصف فعل النبي صلى الله عليه وسلم لهاتين الركعتين: "كان يخففهما، حتى أقول: أقرأ بأم القرآن"(1)، ويقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)، وفي الركعة الثانية بـ (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)(2). أو في الأولى يقرأ: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ). (البقرة: 136). وفي الثانية: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران: 64). فإن عرف كلتا الآيتين قرأ بهما أحياناً، وإن لم يعرفهما فيقرأ بالكافرون والإخلاص، ولا حرج عليه.
وإن كان المراد بهما الفريضة فإن الأفضل التطويل؛ لأن الني صلى الله عليه وسلم كان يطيل فيهما؛ لأنهما ركعتان، وقد قال الله تعالى: (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً) (الإسراء: 78). ويستحب أن يقرأ في فجر يوم الجمعة بـ (الم* تَنْزِيل) السجدة من الركعتين، أو: (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ) (الانسان: 1).(76/113)
وليحذر من فعل بعض الناس الذين يخالفون السنة في هذا، فنجدهم يقتصرون على سورة من هاتين السورتين في الركعتين، فيقرأون: (الم* تَنْزِيل) السجدة من الركعتين: أو: (هَلْ أَتَى عَلَى الْأِنْسَانِ) فيهما، وهذا خلاف السنة، فإما أن يقرأ بهما، كل سورة في ركعة أو يقرا مما سواهما.
843 وسئل فضيلة الشيخ: هل تجزئ تحية المسجد عن سنة صلاة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: تحية المسجد لا تجزئ عن سنة الفجر إذا نواها عن التحية وحدها، ولكن إذا نوى سنة الفجر سقطت تحية المسجد. وعلى هذا إذا دخلت المسجد ولم تصل راتبة الفجر فصل ركعتين بنية سنة الفجر، ويكفيك ذلك عن تحية المسجد؛ كما لو دخلت المسجد والإمام يصلي الفجر ودخلت معه فإن تحية المسجد تسقط عنك حينئذ، وكذلك يفعل في الأربع التي قبل الظهر.
واعلم أن الإنسان إذا دخل المسدد في أي وقت فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين، حتى ولو كان الخطيب يخطب يوم الجمعة؛ فقد دخل رجل ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب يوم الجمعة فجلس، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "أصليت؟" قال: لا. قال: "قم فصل ركعتين"(3).
إلا إذا دخل المسجد الحرام ونيته الطواف فإنه يبدأ بالطواف كما فعل صلى الله عليه وسلم لما دخل المسجد الحرام؛ طاف قبل. ولم يصل ركعتي تحية المسجد.
أما إذا دخله وهو لا يريد الطواف فإنه يصلي ركعتين، فتكون تحيته الركعتين كغيره من المساجد؛ فلا يجلس حتى يصليهما، فينبغي أن نعرف الفرق بين من دخله للطواف ومن دخله لغيره، ومعروف أنه إذا فرغ من الطواف سوف يصلي ركعتين خلف المقام، والله أعلم.
844 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: عن وقت الأربع ركعات التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "رحم الله امرءاً صلى قبل العصر أربعاً"(1)؟.
فأجاب فضيلته بقوله: وقت هذه الأربع ركعات بعد الأذان وقبل الصلاة.(76/114)
845 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز تأخير السنن القبلية التي قبل صلاة الظهر بحيث نبدأ صلاة الظهر وبعد ساعة تقريباً نصلي السنن القبلية والبعدية، لأن الوقت الذي يسمح لنا بالصلاة فيه في مكان الدراسة خارج المملكة لا يكفي إلا للوضوء والصلاة فقط؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: إذا أخر إنسان السنة القبلية إلى بعد الصلاة، فإن كان لعذر فلا حرج عليه أن يقضيها بعدها وتجزئه، وإذا كان لغير عذر فإنها لا تجزئه، وما ذكرت السائلة من أن الوقت لا يتسع إلا للوضوء ولصلاة الفرض فإنه عذر، وعلى هذا فيجوز قضاء الرواتب القبلية بعد الصلاة، ولكنه في هذه الحال يبدأ أولاً بالسنة البعدية ثم يقضي السنن القبلية.
846 وسئل فضيلة الشيخ: عن قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لمن لم يتمكن من أدائها قبل الصلاة؟ وهل يعارض ذلك النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لا بأس به على القول الراجح.
ولا يعارض ذلك حديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؛ لأن المنهي عنه الصلاة التي لا سبب لها.
ولكن إن أخر قضاءها إلى الضحى ولم يخش من نسيانها، أو الانشغال عنها فهو أولى.
847 وسئل فضيلة الشيخ: إذا دخل الإنسان المسجد قبل الأذان وصلى تحية المسجد، ثم أذن المؤذن فهل يشرع له أن يأتي بنافلة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الأذان لصلاة الفجر، أو الظهر فإنه إذا أتم المؤذن الأذان يصلي الراتبة ركعتين للفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وإذا كان الأذان لغيرهما فإنه يسن له أن يتطوع أيضاً لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة"(2).
848 سئل فضيلة الشيخ: هل تقضى الرواتب؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تقضى الرواتب تبعاً للفرائض كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة نومهم عن صلاة الصبح في السفر حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم الراتبة ثم الفريضة(3).(76/115)
849 وسئل فضيلة الشيخ: هل تقضى السنن الرواتب، ولو نسي المصلي قراءة سورة مع الفاتحة في الفريضة أو النافلة فما الحكم؟ وهل يشرع له سجود السهو؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم تقضى الرواتب تبعاً للفرائض كما ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم في قصة نومهم عن صلاة الصبح في السفر حيث صلى النبي صلى الله عليه وسلم الراتبة ثم الفريضة.
وإذا نسي المصلي قراءة سورة مع الفاتحة فلا شيء عليه، لأن السورة التي بعد الفاتحة لا تجب قراءتها، فغاية أمره أن يكون قد ترك سنة وترك السنة لا شيء فيه، ولا سجود عليه للسهو.
850 سئل فضيلة الشيخ: إذا لم يتمكن الإنسان من أداء راتبة الفجر قبل صلاة الفجر فمتى يقضيها؟ وما حكم أداءها في البيت؟
فأجاب فضيلته بقوله: يجوز للإنسان إذا فاتته سنة الفجر قبل صلاة الفجر أن يقضيها بعد الصلاة إذا انتهى من التسبيح الوارد خلف الصلاة، وله أن يؤخر القضاء إلى الضحى، لكن إذا كان يخشى أن ينسى، أو ينشغل عنها فإنه يصليها بعد صلاة الفجر.
وأما صلاته إياها في بيته فهذا هو الأفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها في بيته بل قد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(1).
ولكن إذا علم الإنسان أن الصلاة قد أقيمت في المسجد الذي يريد أن يصلي فيه الفريضة فإنه لا يصليها في البيت لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: "إذا أقيمت الصلاة فلا صلاة إلا المكتوبة"(2). وعليه أن يخرج إلى المسجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا، فما أدركتم فصلوا، وما فاتكم فأتموا"(3).
851 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله -: هل تقضى صلاة الليل في النهار على صفتها في الليل؟(76/116)
فأجاب فضيلته بقوله: صفة قضاءها بالنهار أن تكون شفعاً فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس صلى ستاً "وكان الرسول عليه الصلاة والسلام إذا غلبه النوم أو وجع صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"(4). هذا إن كان السائل يقصد صلاة الليل النافلة.
أما إن كان قصده الفريضة مثل أن تفوته صلاة الليل فيقضيها في النهار فإنه يقضيها على صفتها كما جاءت بذلك السنة.
852 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل فاتته ركعة من صلاة الفجر هل يقضيها سراً أو جهراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: هو مخير لكن الأفضل أن يتمها سراً لأنه قد يكون هناك أحد يقضي فيشوش عليه لو جهر.
853 سئل فضيلة الشيخ: هل تقضى الرواتب إذا فات وقتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم الرواتب إذا ذهب وقتها نسياناً أو لنوم فإنها تقضى، لدخولها في عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فيصليها إذا ذكرها"(1). ولحديث أم سلمة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم شغل عن الركعتين بعد صلاة الظهر وقضاهما بعد صلاة العصر(2).
أما إذا تركها عمداً حتى فات وقتها فإنه لا يقضيها، لأن الرواتب عبادات مؤقتة والعبادات إذا تعمد الإنسان إخراجها عن وقتها لم تقبل منه.
854 سئل فضيلة الشيخ: هل تحية المسجد الحرام الطواف، أو تحية المسجد الحرام صلاة ركعتين؟(76/117)
فأجاب فضيلته بقوله: اشتهر عند كثير من الناس أن تحية المسجد الحرام الطواف، وليس كذلك، ولكن تحية الطواف لمن أراد أن يطوف، فإذا دخلت المسجد الحرام تريد الطواف فإن طوافك يغني عن تحية المسجد، لكن إذا دخلت المسجد الحرام بنية انتظار الصلاة، أو حضور مجلس العلم، أو ما أشبه ذلك فإن تحيته أن تصلي ركعتين كغيره من المساجد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"(3). وهذا يشمل المسجد الحرام، وأما إذا دخلت للطواف فإن الطواف يغني عن التحية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم دخل المسجد الحرام للطواف فلم يصل التحية.
855 سئل فضيلة الشيخ: هل تتداخل ركعتا الطواف مع الراتبة؟
فأجاب فضيلته بقوله: حكم هذه المسألة مبني على القول في ركعتي الطواف، فإن قلنا: إن الشارع له غرض في ركعتين خلف المقام مستقلتين، فإنها لا تجزئ عن الراتبة؛ لأنها أيضاً مقصودة بذاتها، فلابد حينئذ من صلاة ركعتين خلف المقام، وصلاة راتبة.
وإذا قلنا: إن الشارع قصد صلاة ركعتين بقطع النظر عن كونهما للطواف أو لأي شيء آخر فيجزئ حينئذ أن تتداخل.
والذي يترجح عندي أنه لابد من صلاة ركعتين لكل واحد منهما للطواف، وللراتبة.
856 سئل فضيلة الشيخ: هل قيام الليل كله مخالف للسنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان يديم ذلك ويقوم الليل كله فهو مخالف للسنة، لما ثبت في الصحيحين من حديث النفر الثلاثة الذين أتوا يسألون عن عمل النبي صلى الله عليه وسلم فلما أخبروا بذلك، فكأنهم تقالوا العمل، فقال أحدهم: أنا أقوم ولا أنام، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك وقال: "أقوم وأنام، فمن رغب عن سنتي فليس مني"(4). وهذا يدل أن قيام الليل كله دائماً خلاف السنة.
وكذلك عندما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص قال: أنا أصوم أبداً وأقوم أبداً، فمنعه من ذلك(5).(76/118)
وأما قيام بعض الليالي فقد جاءت به السنة، كما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخلت العشر الأواخر من رمضان أحيا الليل"(1).
857 سئل فضيلة الشيخ: هل صلاة نصف الليل تكفي عن صلاة الضحى؟ فإن رغبتي أن أصلي نصف الليل والضحى معاً فهل يجوز؟ وأحياناً إذا صليت العشاء صليت بعدها الوتر خوفاً من أن يغلبني النوم فلا أصلي وأحياناً أقوم نصف الليل وأصلي الوتر مرة أخرى زيادة على صلاتي له بعد صلاة العشاء فما رأيكم في ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الجمع بين صلاة الليل وصلاة الضحى لا بأس به فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أنه يصبح على كل سلامى من الناس صدقة، وعدد ما عدده عليه الصلاة والسلام من أنواع الصدقات قال: "ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى"(2) وهذا دليل على أن ركعتين في الضحى سنة؛ لأنها تجزئ عن كل الصدقات التي تلزم الإنسان على كل عضو من أعضاءه، وكل مفصل، فالجمع بين صلاة الليل وصلاة الضحى لا بأس به.
وأما كونها توتر من أول الليل وآخره فإن هذا خطأ فإن الوتر ركعة في آخر الليل كما قال النبي عليه الصلاة والسلام قال: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(3) وقوله: "لا وتران في ليلة"(4) بل وتر واحد، وعلى هذا فنقول إذا أوترت في أول الليل وهي تخشى أن لا تقوم من آخره، ثم يسر لها القيام في آخر الليل فإنها تصلي مثنى، مثنى ولا تعيد الوتر مرة أخرى، ولكن إذا كانت تطمع أن تقوم من آخر الليل فإن الأفضل أن تؤخر الوتر إلى آخر الليل عند قيامها، فإن لم تقم ولم توتر فإنها تقضي الوتر في النهار، ولكنها تقضيه شفعاً فإذا كان من عادتها أن توتر بثلاث فتصلي أربعاً، وإذا كان من عادتها أن تصلي أربعاً وتوتر بركعة فتصلي ست ركعات، وهكذا تشفع الوتر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا غلبه النوم، أو الوجع صلى في النهار ثنتي عشرة ركعة"(5).(76/119)
858 سئل فضيلة الشيخ: عن السنن الرواتب مثل سنة الظهر الأربع القبلية هل يجوز للإنسان أن يصليها أربعاً سرداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: السنن الرواتب فيها تسليم، أي يصلي الإنسان من الرواتب أربعاً بتسليمتين، لا بتسليمة واحدة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم قال: "صلاة الليل والنهار مثنى مثنى"(6).
859 وسئل فضيلة الشيخ: عفا الله عنه بمنه وكرمه -: إذا أدى الإنسان تحية المسجد ثم أذن المؤذن فهل يصلي ركعتين بعد الأذان؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الأذان لصلاة الفجر، أو الظهر فإنه يصلي الراتبة ركعتين للفجر، وأربع ركعات قبل الظهر، وإذا كان الأذان لغيرهما فإنه يسن أن يتطوع أيضاً لقوله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة"(7).
860 سئل فضيلة الشيخ: هل يصلي الإنسان النافلة في المسجد الحرام لمضاعفة الثواب أو يصلي في المنزل لموافقة السنة؟
فأجاب فضيلته بقوله: المحافظة على السنة أولى من فعل غير السنة، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(1). ولم يحفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يصلي النوافل في المسجد، إلا النوافل الخاصة بالمسجد فإنه كان يصليها في المسجد مثل صلاة القدوم، فالإنسان إذا قدم إلى بلده سن له أن يدخل المسجد فيصلي ركعتين قبل أن يدخل البيت، لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك وأمر به أيضاً، كما في قصة جابر في بيع الجمل المشهورة لما قدم المدينة قال له النبي صلى الله عليه وسلم: "هل دخلت المسجد وصليت فيه؟" قال: لا، قال: "ادخل فصل فيه"(2). فالمشروع للإنسان إذا قدم بلده أول ما يقدم أن يذهب للمسجد ويصلي ركعتين.(76/120)
فالأفضل المحافظة على السنة، وأن يصلي الإنسان الرواتب في بيته، لأن الذي قال: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(3) هو الذي قال: "صلاة في مسجدي هذا خير من ألف صلاة فيما عداه إلا المسجد الحرام"(4). فأثبت الخيرية في مسجده، وبين أن الأفضل أن تصلي غير المكتوبة في البيت.
وبهذه المناسبة أود أن أبين أن مضاعفة ثواب الصلاة في المسجد الحرام إلى أفضل من مائة ألف تختص بالمسجد الذي فيه الكعبة، ولا تشمل بقية مكة والحرم لما رواه مسلم عن ميمونة – رضي الله عنها – أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة"(5). ولأن مسجد الكعبة هو المسجد الذي تشد إليه الرحال دون بقية مساجد مكة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى"(6). فأما قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى). فقد ثبت في صحيح البخاري(7) أنه أسري به صلى الله عليه وسلم من الحجر حجر الكعبة فيكون المراد بالمسجد الحرام مسجد الكعبة لا عموم مكة.
وأما ما ثبت من كونه صلى الله عليه وسلم حين أقام في الحديبية يدخل داخل حدود الحرم فيصلي وهو نازل في الحل فهو دليل على أن الصلاة في الحرم أفضل من الصلاة في الحل، ولا يستلزم ذلك حصول خصوصية التفضيل المذكور.
861 سئل فضيلة الشيخ: هل ورد دليل على تغيير المكان لأداء السنة بعد صلاة الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، ورد في حديث معاوية – رضي الله عنه – أنه قال: "إن النبي صلى الله عليه وسلم أمرنا أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم، أو نخرج"(8). فأخذ من هذا أهل العلم أنه ينبغي الفصل بين الفرض وسنته، إما بكلام، أو بانتقال عن مكانه.(76/121)
862 سئل فضيلة الشيخ: هل يشرع للمصلي أن يتحول من الموضع الذي صلى فيه الفريضة ليصلي النافلة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: قال العلماء: إذا صلى الإنسان الفريضة في مكان فإنه ينبغي أن ينتقل إلى مكان آخر استدلالاً بحديث معاوية – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر ان لا توصل صلاة بصلاة حتى يخرج أو يتكلم. ولأن مما يراعى في الشريعة الفصل بين الفريضة والنافلة.
ولكن إذا كانت الصفوف مزدوجة فإنه لا ينبغي أن تؤذي الناس بانتقالك من مكان الفريضة إلى مكان آخر لتتنفل فيه، على أنه ينبغي للإنسان أن يصلي جميع النوافل في البيت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(1). ولأن النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي النوافل إلا في بيته إلا ما تشرع له الجماعة أو ما يختص بالمسجد.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله ورعاه وسدد على طريق الخير خطاه.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
هل من بأس في رفع اليدين عند الدعاء:
1- بعد أداء السنن والرواتب قبل الصلاة وبعدها.
2- وعند دعاء الإمام آخر الخطبة يوم الجمعة.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
ليس من المشروع أن الإنسان إذا أتم الصلاة رفع يديه ودعى، وإذا كان يريد الدعاء فإن الدعاء في الصلاة أفضل من كونه يدعو بعد أن ينصرف منها، ولهذا أرشد النبي عليه الصلاة والسلام إلى ذلك في حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – حين ذكر التشهد قال: "ثم ليتخير من المسألة ما شاء"(1).(76/122)
وأما ما يفعله بعض العامة من كونهم كلما صلوا تطوعاً رفعوا أيديهم حتى إن بعضهم تكاد تقول: إنه لم يدع؛ لأنك تراه تقام الصلاة وهو في التشهد من تطوعه فإذا سلم رفع يديه رفعاً كأنه – والله أعلم – رفع مجرد، ثم مسح وجهه، كل هذا محافظة على هذا الدعاء الذي يظنون أنه مشروع، وهو ليس بمشروع.
فالمحافظة عليه إلى هذا الحد يعتبر من البدع.
وأما رفع الأيدي والإمام يخطب يوم الجمعة فإن ذلك ليس بمشروع أيضاً، وقد أنكر الصحابة على بشر بن مروان حين رفع يديه في خطبة الجمعة(2).
ولكن يستثنى من ذلك الدعاء بالاستسقاء، فإنه ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه رفع يديه يدعو الله تعالى بالغيث وهو في خطبة الجمعة(3)، ورفع الناس أيديهم معه، وما عدا ذلك فإنه لا ينبغي رفع اليدين في حال الدعاء في خطبة يوم الجمعة.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه. حرر في 3/6/1407هـ.
863 سئل فضيلة الشيخ: هل تسقط السنن الرواتب عن المسافر؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تسقط عن المسافر من السنن الرواتب إلا سنة الظهر، وسنة المغرب، وراتبة العشاء، وما عدا ذلك من النوافل فهو باق على مشروعيته، فهو سنة للمسافر والمقيم، وصلاة الليل سنة للمسافر والمقيم، وركعتا الضحى سنة للمسافر والمقيم، وسنة الفجر للمسافر والمقيم.
ثم المسافر بالنسبة إلى راتبة الظهر، وراتبة المغرب، وراتبة العشاء لو صلى نفلاً، لا على أنه راتبة فالمشروعية باقية لا يقال له: لا تفعل.
864 سئل فضيلة الشيخ: إذا دخلت المسجد والمؤذن يؤذن فهل الأولى أن أصلي تحية المسجد أو أتابع المؤذن؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا فيه تفصيل: إذا دخلت والمؤذن يؤذن صلاة الجمعة، الأذان الذي بين يدي الخطيب؛ لأنه قد دخل الخطيب وشرع المؤذن في الأذان، فهاهنا نقول: بادر بتحية المسجد، ولا تنتظر انتهاء المؤذن؛ لأن تفرغك لسماع الخطبة أولى من متابعتك للمؤذن؛ حيث إن استماع الخطبة واجب، وإجابة المؤذن غير واجبة.(76/123)
وأما إذا كان الأذان لغير ذلك. فالأفضل أن تبغى قائماً حتى تجيب المؤذن، وتدعو بالدعاء المعروف بعد الأذان: "اللهم صل على محمد(1)، اللهم رب هذه الدعوة التامة، والصلاة القائمة، آت محمداً الوسيلة والفضيلة وابعثه المقام المحمود الذي وعدته"(2)، "إنك لا تخلف الميعاد"(3). ثم بعد ذلك تأتي بتحية المسجد.
865 وسئل فضلته – حفظه الله تعالى -: بعض المصلين يغيرون أماكنهم ويتبادلونها لأداء صلاة السنة. فهل لهذا أصل من سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: نعم، لهذا أصل، حيث ثبت من حديث معاوية رضي الله عنه أنه قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا توصل صلاة بصلاة حتى نتكلم أو نخرج"(4). فهذا يدل على أن الأفضل أن نميز صلاة الفريضة عن صلاة النافلة، وذلك بالانتقال من المكان أو بالتحدث مع الجار، حتى يكون هناك فاصل بين الفرض وسنته، وقد قال بذلك أهل العلم بأنه ينبغي الفصل بين الفرض وسنته بالكلام، أو الانتقال من موضعه.
866 سئل فضيلة الشيخ: سمعت أن الإنسان إذا صلى سنة، لا يجوز له تركها أبداً، ما مدى صحة ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: الإنسان لا يلزم بغير ما أوجب الله عليه، فإذا قام بالفرائض من الصلاة، والزكاة، والصيام، والحج، فإن التطوع هو فيه مخير، إن شاء فعله، وإن شاء لم يفعله، ولا يلزم التطوع إذا فعله مرة أو مرتين ثم تركه فلا حرج عليه في ذلك.(76/124)
لكن "كان من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم إذا عمل عملاً أثبته"(5). يعني داوم عليه، وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل"(6)، وقال لعبد الله بن عمرو بن العاص – رضي الله عنهما -: "يا عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل"(1)، ويدل على أن قيام الليل للإنسان أن يفعله مرة، ويدعه مرة قوله صلى الله عليه وسلم: "من خاف أن لا يقوم آخر الليل فليوتر أوله، ومن طمع أن يقوم من آخره فليوتر آخره فإن صلاة آخر الليل مشهودة وذلك أفضل"(2)، فبين الرسول صلى الله عليه وسلم أن الإنسان يخاف أن لا يقوم ويطمع أن يقوم.
وعلى كل حال فالأصل أن الإنسان لا يجب عليه إلا ما أوجبه الله عليه من الواجبات الأصلية الثابتة بأصل الشرع، أو من الواجبات العارضة التي يلزم الإنسان بها نفسه كالنذر.
867 سئل فضيلة الشيخ – وفقه الله تعالى -: عن حكم ركعتي الفجر بالفاتحة دون قراءة سورة معها؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا حرج أن يقتصر على الفاتحة في ركعتي الفجر، لكن الأفضل أن يقرأ مع الفاتحة في الركعة الأولى: الكافرون، وفي الثانية: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ).
868 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل فاتته صلاة الفجر مع الجماعة فهل يصلي الراتبة أو الفريضة، مع العلم بأن الجماعة قد خرجوا؟ أفتونا مأجورين.
فأجاب فضيلته بقوله: يقدم الراتبة على الفريضة؛ لأن سنة الفجر قبل الفريضة، ولو خرج المصلون من المسجد.
869 سئل فضيلة الشيخ: عن رجل جلس حتى الإشراق ولم يصل راتبة الفجر فهل تجزئ سنة الإشراق عن راتبة الفجر؟
فأجاب فضيلته بقوله: هل نقول إلى الإشراق، أو إلى الشروق؟(76/125)
الشروق: طلوع الشمس دون أن ترتفع قيد رمح، والإشراق: انتشار ضوئها، المهم إذا صليت صلاة الإشراق فإنها لا تجزئ عن سنة الفجر، وإذا صليت سنة الفجر فإنها لا تجزئ عن صلاة الإشراق، لأن الظاهر أن يصلي ركعتين خاصتين بالإشراق وهذا أحوط، فصل سنة الفجر، ثم صل صلاة الإشراق.
870 سئل فضيلة الشيخ: سمعت حديثاً وهو: "من صلى الفجر في جماعة، ثم جلس يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، تامة، تامة"(3)، السؤال: هل هذا الحديث صحيح أو ضعيف؟ وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: هذا الحديث له شاهد في صحيح مسلم(4)، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلى الفجر جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسناً، لكن الذي في الصحيح ليس فيه ذكر أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بعد ذلك، والحديث الذي ذكره السائل لا بأس به، إسناده حسن.
771 سئل فضيلة الشيخ: هل يجوز أن ننوي أكثر من عبادة في عبادة واحدة، مثل إذا دخل المسجد عند أذان الظهر صلى ركعتين فنوى بها تحية المسجد، وسنة الوضوء، والسنة الراتبة للظهر، فهل يصح ذلك؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذه القاعدة مهمة وهي: "هل تتداخل العبادات؟" فنقول: إذا كانت العبادة تبعاً لعبادة أخرى فإنه لا تداخل بينهما، هذه قاعدة، مثال ذلك: صلاة الفجر ركعتان، وسنتها ركعتان، وهذه السنة مستقلة، لكنها تابعة، يعني هي راتبة للفجر مكملة لها، فلا تقوم السنة مقام صلاة الفجر، ولا صلاة الفجر مقام السنة؛ لأن الراتبة تبعاً للفريضة، فإذا كانت العبادة تبعاً لغيرها، فإنها لا تقوم مقامها، لا التابع ولا الأصل.
مثال آخر: الجمعة لها راتبة بعدها، فهل يقتصر الإنسان على صلاة الجمعة ليستغني بها عن الراتبة التي بعدها؟
الجواب: لا، لماذا؟ لأن سنة الجمعة تابعة لها.(76/126)
ثانياً: إذا كانت العبادتان مستقلتين، كل عبادة مستقلة عن الأخرى، وهي مقصودة لذاتها، فإن العبادتين لا تتداخلان، مثال ذلك: لو قال قائل: أنا سأصلي ركعتين قبل الظهر أنوي بهما الأربع ركعات؛ لأن راتبة الظهر التي قبلها أربع ركعات بتسليمتين، فلو قال: سأصلي ركعتين وأنوي بهما الأربع ركعات فهذا لا يجوز؛ لأن العبادتين هنا مستقلتان كل واحدة منفصلة عن الأخرى، وكل واحدة مقصودة لذاتها، فلا تغني إحداهما عن الأخرى.
مثال آخر: بعد العشاء سنة راتبة، وبعد السنة وتر، والوتر يجوز أن نصلي الثلاث بتسليمتين، فيصلي ركعتين ثم يصلي الوتر، فلو قال: أنا أريد أن أجعل راتبة العشاء عن الشفع والوتر وعن راتبة العشاء؟ فهذا لا يجوز؛ لأن كل عبادة مستقلة عن الأخرى، ومقصودة بذاتها فلا يصح.
ثالثاً: إذا كانت إحدى العبادتين غير مقصودة لذاتها، وإنما المقصود فعل هذا النوع من العبادة فهنا يكتفى بإحداهما عن الأخرى، لكن يكتفي بالأصل عن الفرع، مثال ذلك: رجل دخل المسجد قبل أن يصلي الفجر وبعد الأذان، فهنا مطالب بأمرين: تحية المسجد، لأن تحية المسجد غير مقصودة بذاتها، فالمقصود أن لا تجلس حتى تصلي ركعتين، فإذا صليت راتبة الفجر، صدق عليك أن لم تجلس حتى صليت ركعتين، وحصل المقصود فإن نويت الفرع، يعني نويت التحية دون الراتبة لم تجزئ عن الراتبة؛ لأن الراتبة مقصودة لذاتها والتحية ليست مقصودة ركعتين.
أما سؤال السائل: وهو إذا دخل المسجد عند أذان الظهر صلى ركعتين فنوى بهما تحية المسجد، وسنة الوضوء، والسنة الراتبة للظهر؟
إذا نوى بها تحية المسجد والراتبة، فهذا يجزئ.(76/127)
وأما سنة الوضوء ننظر هل قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "من توضأ نحو وضوئي هذا ثم صلى ركعتين لا يحدث فيهما نفسه غفر له ما تقدم من ذنبه"(1). فهل مراده صلى الله عليه وسلم أنه يوجد ركعتان بعد الوضوء، أو أنه يريد إذا توضأت فصل ركعتين، ننظر إذا كان المقصود إذا توضأت فصل ركعتين، صارت الركعتان مقصودتين، وإذا كان المقصود أن من صلى ركعتين بعد الوضوء على أي صفة كانت الركعتان، فحينئذ تجزئ هاتان الركعتان عن سنة الوضوء، وتحية المسجد، وراتبة الظهر، والذي يظهر لي والعلم عند الله أن قول الرسول صلى الله عليه وسلم "ثم صلى ركعتين" لايقصد بهما ركعتين لذاتيهما، إنما المقصود أن يصلي ركعتين ولو فريضة، وبناء على ذلك نقول: في المثال الذي ذكره السائل: إن هاتين الركعتين تجزئان عن تحية المسجد، والراتبة، وسنة الوضوء.
مثال آخر: رجل اغتسل يوم الجمعة من الجنابة فهل يجزئه عن غسل الجمعة؟
إذا نوى بغسله الجنابة غسل الجمعة يحصل له لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "وإنما لكل امرئ ما نوى"(1). لكن إذا نوى غسل الجنابة فهل يجزئ عن غسل الجمعة، ننظر هل غسل الجمعة مقصود لذاته، أو المقصود أن يتطهر الإنسان لهذا اليوم؛ المقصود الطهارة لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا"(2) إذن المقصود من هذا الغسل أن يكون الإنسان نظيفاً يوم الجمعة، وهذا يحصل بغسل الجنابة، وبناء على ذلك لو اغتسل الإنسان من الجنابة يوم الجمعة أجزأه عن غسل الجمعة، وإن كان لم ينو، فإن نوى فالأمر واضح، فصار عندنا الآن ثلاث قواعد.
? ? سنة الضحى.
? ? سنة التلاوة.
? ? سجودالشكر.
? ? صلاة الاستخارة.
? ? صلاة الحاجة.
? ? صلاة التسبيح.
? ? صلاة الفائدة.
? ? إقامة النافلة جماعة.
872 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة الإشراق هل هي الضحى؟ وهل تصلى في البيت أو في المسجد؟(76/128)
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الإشراق وهي التي تصلى بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح ومقدار ذلك بالساعة أن يمضي على طلوع الشمس ربع ساعة أو نحو ذلك. هذه هي صلاة الإشراق، وهي صلاة الضحى أيضاً؛ لأن صلاة الضحى من حين أن ترتفع الشمس قيد رمح إلى قبيل الزوال، وهي في آخر الوقت أفضل منها في أوله.
وخلاصة الجواب أن ركعتي الضحى هما ركعتا الإشراق، لكن إن قدمت الركعتين في أول الوقت وهو ما بعد أن ترتفع الشمس قيد رمح فتكون صلاة إشراق وضحى، وإن أخرتهما إلى آخر الوقت فهما ضحى وليل بإشراق.
873 وسئل فضيلة الشيخ: ما أقل صلاة الضحى وما أكثرها؟
فأجاب فضيلته بقوله: أقلها ركعتان، وأما أكثرها فلا حد لها، يصلي الإنسان نشاطه.
874 سئل فضيلة الشيخ: إذا فاتت سنة الضحى هل تقضى أم لا؟
فأجاب فضيلته بقوله: الضحى إذا فات محلها فاتت؛ لأن سنة الضحى مقيدة بهذا، لكن الرواتب لما كانت تابعة للمكتوبات صارت تقضى وكذلك الوتر لما ثبت في السنة "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذا غلبه النوم، أو المرض في الليل صلى من النهار ثنتي عشرة ركعة"(1) فالوتر يقضى أيضاً.
875 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: متى يبدأ وقت صلاة الضحى؟ ومتى ينتهي؟
فأجاب فضيلته بقوله: وقت صلاة الضحى من ارتفاع الشمس قدر رمح يعني حوالي ربع ساعة أو ثلث ساعة بعد طلوعها، إلى قبيل الزوال، وقبيل الزوال ما بين عشر دقائق إلى خمس دقائق فقط، وهذا هو أقصر أوقات النهي على القول الراجح.
رسالة
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم...
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته ... وبعد:(76/129)
سجود التلاوة عبادة لله تعالى بلا شك، والعبادة مبناها على ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة، ولا حجة بقول أحد من الناس حتى يكون مبنياً على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فإذا كان له دليل من الكتاب والسنة وجب قبوله لقيام الدليل عليه، وإن لم يكن له دليل لم يقبل، وعلى هذا فإن سجود التلاوة لم يرد فيه تكبير حين الرفع منه ولا تسليم، وإذا لم يرد ذلك لم يكن مشروعاً.
وأما التكبير عند السجود ففيه حديث عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ علينا القرآن، فإذا مر بالسجدة كبر وسجد، وسجدنا. رواه أبو داود، وفي سنده مقال، وكأنه لم يصح عند شيخ الإسلام ابن تيمية، أو لم يبلغه، ولهذا قال في الاختيارات: لا يشرع فيه تحريم ولا تحليل. هذا هو السنة المعروفة عن النبي صلى الله عليه وسلم وعليها عامة السلف. أهـ. وفي مجموع الفتاوى لابن قاسم 166/ 23 والمروي عن النبي صلى الله عليه وسلم فيها تكبيرة واحدة فإنه لا ينتقل من عبادة إلى عبادة. أهـ. هذا يدل على ضعف الحديث عنده إن كانت الصيغة في كلامه للتضعيف.(76/130)
وأما ما ذكره فضيلتكم عن كلام الشيخ في القواعد النورانية فإما حكى مذهب الإمام أحمد في ذلك. وأما ما ذكرتموه عن المبدع والمغني والشرح الكبير والإنصاف من التكبير والتسليم فهذا معارض بقول من لا يرى ذلك، وإذا حصل الاختلاف والتنازع بين العلماء وجب الرجوع إلى حكم الله في كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ). وقال: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً). وإذا رددنا هذا النزاع إلى الله والرسول لم نجد في الكتاب ولا في السنة ما يدل على التكبير الثاني، والتسليم في سجود التلاوة، فيكون الصواب نفي ذلك، وهذا كما أنه الصواب فهو الاحتياط أيضاً؛ لأن احتياط المرء في دينه أن يتبع ما يقتضيه الدليل نفياً أو إثباتاً.
876 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم سجود التلاوة؟ وهل هو واجب؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود التلاوة سنة مؤكدة لا ينبغي تركها، فإذا مر الإنسان بآيت سجدة فليسجد سواء كان يقرأ في المصحف، أو عن ظهر قلب، أو في الصلاة، أو خارج الصلاة.
وأما الواجب فلا يجب ولا يأثم الإنسان بتركه؛ لأنه ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أنه قرأ السجدة التي في سورة النحل على المنبر، فنزل وسجد، ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد، ثم قال: "إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء"(1)، وذلك بحضور الصحابة – رضي الله عنهم -.
ولأنه ثبت أن زيد بن ثابت قرأ على النبي صلى الله عليه وسلم السجدة التي في سورة النجم فلم يسجد(2)، ولو كان واجباً لأمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يسجد.(76/131)
فهو سنة مؤكدة والأفضل عدم تركه حتى لو كان في وقت النهي بعد الفجر مثلاً، أو بعد العصر؛ لأن هذا السجود له سبب، وكل صلاة لها سبب فإنها تفعل ولو في وقت النهي، كسجود التلاوة، وتحية المسجد، وما أشبه ذلك.
877 وسئل فضيلته: هل يجب على المرأة إذا أرادت أن تسجد للتلاوة أن تكون متحجبة حجاب الصلاة؟
فأجاب فضيلة الشيخ بقوله: هذا ينبني على اختلاف العلماء في سجدة التلاوة: هل حكمها حكم الصلاة؟
فإن قلنا: حكمها حكم الصلاة فلابد فيها من ستر العورة، واستقبال القبلة، والطهارة.
وإن قلنا: إنها سجدة مجردة لا يشترط فيها ما يشترط في الصلاة، فإنه لا يشترط فيها في هذه الحال أن تكون المرأة متحجبة حجاب الصلاة، بل ولا أن يكون الإنسان على وضوء.
ولكن لا شك أن الأحوط الأخذ بالقول الأول وأن لا يسجد الإنسان إلا على وضوء، وأن تكون المرأة والرجل أيضاً ساتراً ما يجب ستره في الصلاة.
878 وسئل فضيلة الشيخ: هل تشترط الطهارة في سجدة التلاوة؟ وما وهو اللفظ الصحيح لهذه السجدة؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجدة التلاوة هي السجدة المشروعة عند تلاوة الإنسان آية السجدة والسجدات في القرآن معروفة، فإذا أراد أن يسجد كبر وسجد وقال: "سبحان ربي الأعلى"(3)، "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"(4)، "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي للذي خلقه، وصوره، وشق سمعه بحوله وقوته"(5)، "اللهم اكتب لي بها أجراءً وحط عني بها وزراً واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود"(6). ثم يرفع بدون تكبير ولا سلام، إلا إذا كانت السجدة في أثناء الصلاة مثل أن يقرأ القارئ آية فيها سجدة وهو يصلي فيجب عليه أن يكبر إذا سجد ويجب عليه أن يكبر إذا قام؛ لأن الواصفين لصلاة النبي صلى الله عليه وسلم ذكروا أنه يكبر كلما خفض ورفع(1) وهذا يشمل سجود صلب الصلاة، وسجود التلاوة.(76/132)
وأما ما يفعله بعض الناس من كونه يكبر إذا سجد، ولا يكبر إذا قام من السجود في نفس الصلاة فلا أعلم له وجهاً من السنة، ولا من أقوال أهل العلم أيضاً.
وأما قول السائل: هل تشترط الطهارة في سجود التلاوة؟
فهذا موضع خلاف بين أهل العلم: فمنهم من قال:إنه لابد أن يكون على طهارة.
ومنهم من قال: إنه لا يشترط وكان ابن عمر – رضي الله عنهما – يسجد على غير طهارة.
ولكن الذي أراه أن الأحوط أن لا يسجد إلا وهو على وضوء.
879 سئل فضيلة الشيخ: إذا سجد الإمام سجدة التلاوة، ولكن المصلين خلفه لم ينتبهوا لذلك فركع بعضهم ولم يسجد مع إمامه ولم يتنبه إلا بعد أن رفع الإمام من سجدته، ويكون بذلك قد أضاف شيئاً جديداً وهو الركوع فما الحكم؟
فأجاب فضيلته بقوله: لقد ورد عليّ سؤال بعكس هذه المسألة فركع الإمام وسجد المأموم.
والسؤال: سجد الإمام وركع المأموم، فهذا الذي ركع وإمامه ساجد كيف يتبين له أن الإمام ساجد ولم يركع؟ إذا قام الإمام من السجود سيقول: الله أكبر، فلما قام الإمام من السجود وقال: الله أكبر، عرف المأموم أن الإمام ساجد فماذا يصنع؟
يقوم تبعاً للإمام.
ولكن هل يجب عليه السجود؛ لأن الإمام سجد، أو لا يجب؟
لا يجب عليه السجود؛ لأن هذا السجود ليس واجباً في الصلاة، إنما هو سجود تلاوة، يجب فيه متابعة الإمام، ومتابعة الإمام الآن زالت، فعلى هذا يستمر مع إمامه وينحل الإشكال.
الصورة الثانية: يقول السائل: إن الإمام قرأ (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ* فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ* وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ) ثم قال: الله أكبر. ظن المأموم أنه سجد فسجد لماذا؟ لقوله: (وكن من الساجدين) ولكن الإمام ركع فلما قال: "سمع الله لمن حمده" انتبه المأموم، فماذا يصنع هذا المأموم؟(76/133)
والجواب: يركع المأموم ويتابع إمامه؛ لأن تخلف المأموم هنا عن الإمام كان لعذر فسومح فيه، وأمكنه متابعة الإمام فيما بقي من صلاته.
880 سئل فضيلة الشيخ: إذا سجد المصلي سجود التلاوة فهل يكبر إذا سجد وإذا قام؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا سجد المصلي سجود التلاوة فإنه يكبر إذا سجد وإذا قام، وذلك أنه ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يكبر كلما خفض وكلما رفع، ففي صحيح البخاري(2) عن عمران بن حصين – رضي الله عنه – أنه صلى مع علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – فقال: ذكرنا هذا صلاة كنا نصليها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكر أنه كان يكبر كلما رفع، وكلما وضع، وفي صحيح مسلم(3) عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه كان يكبر كلما خفض ورفع، ويحدث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك، وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يكبر في كل رفع وخفض وقيام، وقعود، رواه الإمام أحمد(4) والنسائي(1) والترمذي وصححه(2). وهذا عام فيشمل سجود التلاوة إذا كان في الصلاة لأنه لم يستثن، ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم يسجد سجدة التلاوة في الصلاة.
881 سئل فضيلة الشيخ: نرجو إرشادنا إلى الكيفية الصحيحة لسجود التلاوة؟ وما يقال فيه؟ وهل يكبر الإنسان إذا رفع منه؟
فأجاب فضيلته بقوله: كيفية سجود التلاوة أن يكبر الإنسان ويسجد كسجود الصلاة على الأعضاء السبعة ويقول: "سبحان ربي الأعلى"(3)، "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"، ويدعو بالدعاء المشهور "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي لله الذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته"، "اللهم اكتب لي بها أجراً، وضع عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود"(4).
ثم يقوم بلا تكبير ولا تسليم.(76/134)
أما إذا سجد في الصلاة فإنه يكبر إذا سجد ويكبر إذا رفع؛ لأن جميع الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وسلم يذكرون أنه يكبر كلما رفع وكلما خفض(5) ويدخل في هذا سجود التلاوة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يسجد للتلاوة في الصلاة كما صح ذلك من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – أنه قرأ صلى الله عليه وسلم في صلاة العشاء: (إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ) فسجد فيها(6)، والذين يصفون صلاة النبي صلى الله عليه وسلم لا يستثنون من هذا سجود التلاوة فدل هذا على أن سجود التلاوة في الصلاة كسجود صلب الصلاة، أي انه يكبر إذا سجد، وإذا رفع، ولا فرق بين أن تكون السجدة في آخر آية قرأها، أو في أثناء قراءته فإنه يكبر إذا سجد، ويكبر إذا رفع، ثم يكبر للركوع عند ركوعه، ولا يضر توالي التكبيرتين؛ لأن سببيهما مختلف، وما يفعله بعض الناس إذا قرأ السجدة في الصلاة فسجد كبر للسجود دون الرفع منه فإنني لا أعلم له أصلاً، والخلاف الوارد في التكبير عند الرفع من سجود التلاوة إنما هو في السجود المجرد الذي يكون خارج الصلاة أما إذا كان السجود في أثناء الصلاة فإنه يعطى حكم سجود صلب الصلاة فيكبر إذا سجد، ويكبر إذا قام من السجود.
882 سئل فضيلة الشيخ: هل لسجود التلاوة تكبير وتسليم؟
فأجاب فضيلته بقوله: سجود التلاوة إذا كان في الصلاة فإنه يكبر إذا سجد وإذا قام.
أما إذا كان خارج الصلاة فإنه يكبر إذا سجد ولا يكبر إذا قام، ولا يسلم فيه، هذا أقرب الأقوال إلى الصواب.
ويرى بعض العلماء أن سجود التلاوة حكمه حكم الصلاة، وأنه يكبر للسجود وللرفع، ويسلم منه تسليمة واحدة.
ويرى آخرون أنه لا تكبير فيه ولا سلام.
883 سئل فضيلة الشيخ: هل لسجود التلاوة دعاء معين؟(76/135)
فأجاب فضيلته بقوله: سجود التلاوة كغيره من السجود، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم حين نزل قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى) قال "اجعلوها في سجودكم"(1) على ما في هذا الحديث من مقال بين أهل العلم.
وعليه فنقول: إذا سجد الإنسان للتلاوة فيقول: "سبحان ربي الأعلى"(2)، "سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي"(3)، "اللهم لك سجدت، وبك آمنت، ولك أسلمت، سجد وجهي لله الذي خلقه، وصوره، وشق سمعه وبصره، بحوله وقوته"(4)، "اللهم اكتب لي بها أجراً وحط عني بها وزراً، واجعلها لي عندك ذخراً، وتقبلها مني كما تقبلتها من عبدك داود"(5). وإن دعا الإنسان بغير ذلك إذا لم يكن حافظاً له فلا حرج.
884 سئل فضيلة الشيخ: ماذا أفعل إذا قرأت سورة فيها سجدة، وأنا أصلي خلف الإمام؟
فأجاب فضيلته بقوله: لا تسجد لأن متابعة الإمام واجبة، وسجود التلاوة سنة، وفي حال كون الإنسان مأموماً لا يجوز له أن يسجد، فإن سجد متعمداً مع علمه بأن ذلك لا يجوز بطلت صلاته.
885 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم استقبال القبلة والوضوء لسجود التلاوة مع الأدلة حفظكم الله؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس في هذا أدلة واضحة صريحة، ومن ثم اختلف العلماء هل حكمها حكم صلاة النافلة أو هي سجود مجرد، إن سجد على طهارة فهو أكمل وإلا فلا.
والذي يظهر لي أنه لا يسجد إلا متطهراً مستقبلاً القبلة؛ لأن ذلك أحوط وأبلغ في تعظيم الله عز وجل، ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء بين في أنه سجد إلىغير القبلة أوسجد على غير وضوء، بل الظاهر من حال الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا يقرأ القرآن إلا متوضئاً؛ لأنه لما سلم عليه الرجل لم يرد عليه السلام حتى تطهر بالتيمم(6)، وقال:"اجببت ألا أذكر الله إلا على طهر"(7).(76/136)
886 سئل فضيلة الشيخ: هل يجب على قارئ القرآن عندما يمر بآية فيها سجدة أن يسجد؟ وإذا كان الإنسان يكرر الآية للحفظ فهل يسجد في كل مرة؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: لا يجب عليه أن يسجد، سواء قرأ الآية التي فيها السجود مرة واحدة أم تكررت عليه الآيات التي فيها سجود، فسجود التلاوة سنة وليس بواجب، والدليل على هذا أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قرأ في إحدى خطب الجمع آية فيها سجدة، وهي التي في سورة النحل فنزل وسجد، ثم قرأها في جمعة أخرى ولم يسجد، ثم قال: "إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء"(8). فسجود التلاوة سنة وليس بواجب.
وإذا تكررت الآيات فإن كان الإنسان يكرر ليحفظ القرآن فسجوده الأول يغني عن الباقي، ولا حاجة أن يعيد السجود، وإن كان يقرأ مثلاً في سورة الحج، فسجد في السجدة الأولى، وأتى على السجدة الثانية فليسجد فيها أيضاً، وإن كان الفصل ليس طويلاً.
887 سئل فضيلة الشيخ: إذا قرأ الطلبة في المدرسة آية فيها سجدة ولم يسجدوا فهل في ذلك حرج؟ وما هو الأولى في حقهم السجود أو عدمه؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس في ذلك حرج؛ لأن سجود التلاوة ليس أمراً واجباً، بل هو سنة إن فعله الإنسان فهو أفضل، وإن لم يفعله فلا حرج عليه.
وأما فعله مع الطلبة فقد يكون في ذلك تشويشاً أو انقطاعاً للدرس، وكذلك قد يكون فيه لعب وضحك، فالأولى أن لا يفعل ذلك، نعم لو كان الطلبة في مسجد وكانوا مؤدبين وقرأ القارئ سجدة فسجد وسجدوا معه كان هذا طيباً، والله أعلم.
888 سئل فضيلة الشيخ: إذا سجد الإمام سجدة التلاوة ولم ينتبه بعض المصلين فركعوا ولم يعلموا بأن الإمام ساجد حتى رفع من سجدته فهل يلزمهم سجود أو لا؟(76/137)
فأجاب فضيلته بقوله: عليهم أن يرفعوا من الركوع ليركعوا بعد الإمام، ولا يجب عليهم السجود الذي فاتهم مع الإمام لأن هذا السجود ليس واجباً في الصلاة إنما هو سجود تلاوة يجب فيه متابعة الإمام ومتابعة الإمام زالت فعلى هذا يستمر مع إمامه.
889 سئل فضيلة الشيخ: عن إمام قرأ قوله تعالى: (فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين. واعبد ربك حتى يأتيك اليقين) ثم ركع فظن بعض المأمومين أنه سجد ولم ينتبهوا أنه راكع حتى قال سمع الله لمن حمده، السؤال كيف يصنع المأموم في مثل هذه الحال؟
فأجاب فضيلته بقوله: عليه أن يقوم من السجود ويركع ويتابع إمامه؛ لأن تخلف المأموم هنا عن الإمام كان لعذر فسومح فيه، وأمكنه متابعة الإمام فيما بقي من صلاته ولا يلزمه سجود السهو.
890 سئل فضيلة الشيخ: متى يسجد لله سجود شكر؟ وما صفته؟ وهل يشترط له وضوء؟
فأجاب فضيلته بقوله: يكون سجود الشكر عن مصيبة اندفعت، أو لنعمة تهيأت للإنسان، وهو كالتلاوة خارج الصلاة، فبعض العلماء يرى له الوضوء والتكبير، وبعضهم يرى التكبيرة الأولى فقط ثم يخر ساجداً ويدعو بعد قوله: "سبحان ربي الأعلى".
891 سئل فضيلة الشيخ: يوجد في بلدتنا بعض المصلين يسجدون سجدتين عقب كل صلاة مباشرة بعد أن يسلموا تسليمة الصلاة وعند سؤالهم عن ذلك أجابوا بأنهم يسجدون السجدة الأولى شكراً لله على توفيقه لهم أن أدوا الصلاة المكتوبة في جماعة، أما السجدة الثانية فشكراً على الشكر، ويزعمون أن لهذا العمل أصل في السنة فما حكم ذلك؟(76/138)
فأجاب فضيلته بقوله: على قياس قولهم: أنهم إذا سجدوا السجدة الثانية يجب أن يسجدوا سجدة ثالثة شكراً لله على شكرهم، ثم يسجدون سجدة رابعة وهكذا ويبقون دائماً في سجود، ولكني أقول: إن هاتين السجدتين بدعتان، وأنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد لله بما لم يشرعه لقوله صلى الله عليه وسلم: "من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد"(1). وهاتان السجدتان لا شك أنهما غير مشروعتين، والواجب عليهم الانتهاء عن ذلك، والكف عنه، والتوبة إلى الله سبحانه وتعالى مما وقع سابقاً والله تعالى يتوب على من تاب.
892 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الاستخارة؟ وهل يقال دعاء الاستخارة إذا صلى الإنسان تحية المسجد أو الراتبة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الاستخارة سنة إذا هم بشيء ولم يتبين له رجحان فعله، أو تركه.
أما ما تبين له رجحان فعله، أو تركه فلا تشرع فيه الاستخارة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل الأمور الكثيرة، ولا يفعلها إلا بعد الهم بها قطعاً، ولم ينقل عنه أنه كان يصلي صلاة الاستخارة، فلو هم الرجل بالصلاة، أو أداء الزكاة، أو ترك المحرمات، أو نحو ذلك، أو هم أن يأكل، أو يشرب، أو ينام لم يشرع له صلاة الاستخارة.
ولا يقال دعاء الاستخارة إذا صلى تحية المسجد، أو الراتبة ولم ينوه من قبل؛ لأن الحديث صريح بطلب صلاة الركعتين من أجل الاستخارة فإذا صلاهما بغير هذه النية لم يحصل الامتثال.
وأما إذا نوى الاستخارة قبل التحية، والراتبة ثم دعا بدعاء الاستخارة فظاهر الحديث أن ذلك يجزئه لقوله: "فليركع ركعتين من غير الفريضة"(1) فإنه لم يستثن سوى الفريضة، ويحتمل أن لا يجزئه؛ لأن قوله: "إذا هم فليركع" يدل على أنه لا سبب لهاتين الركعتين سوى الاستخارة والأولى عندي أن يركع ركعتين مستقلتين؛ لأن هذا الاحتمال قائم وتخصيص الفريضة بالاستثناء قد يكون المراد به أن يتطوع بركعتين فكأنه قال فليتطوع بركعتين والله أعلم.(76/139)
893 سئل فضيلة الشيخ: هل انشراح الصدر عقب صلاة الاستخارة دليل على أن الله اختار هذا الأمر؟ وما العمل إذا استخار الإنسان وبقي متردداً؟
فأجاب فضيلته بقوله: نعم، إذا استخار الإنسان ربه بشيء وانشرح صدره له فهذا دليل على أن هذا هو الذي اختاره الله تعالى.
وأما إذا بقي متردداً فإنه يعيد الاستخارة مرة ثانية وثالثة، فإن تبين له، وإلا استشار غيره، بما هو عليه. ويكون ما قدره الله هو الخير إن شاء الله.
894 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة الحاجة وصلاة حفظ القرآن هل ثبتت مشروعيتها؟
فأجاب فضيلته بقوله: كلتاهما غير صحيحة، لا صلاة الحاجة(2)، ولا صلاة حفظ القرآن(3)؛ لأن مثل هذه العبادات لا يمكن إثباتها إلا بدليل شرعي يكون حجة، وليس فيهما ديل شرعي يكون حجة، وعليه تكونان غير مشروعتين.
895 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة التسبيح:
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التسبيح(4) وردت فيها أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم حسنها بعض أهل العلم، واعتبروها، وعملوا بها، ولكن الراجح من أقوال أهل العلم أنها أحاديث ضعيفة لا تقوم به حجة كما قال ذلك شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وقال: إن حديثها باطل، أو كذب وأنه لم يستحبها أحد من الأئمة وما قاله – رحمه الله – هو الحق، وأنها صلاة غير مستحبة لعدم ثبوتها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والأصل في العبادة الحظر إلا ما قام الدليل الصحيح على مشروعيته، وفيما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من النوافل ما يكفي عن مثل هذه الصلاة المختلف فيها، وإذا تأمل الإنسان متنها، وما رتب عليها من الثواب تبين له أنه شاذ لمخالفته لصفات الصلاة المعهودة في الشرع؛ ولأن الثواب مرتب على فعلها في الأسبوع، أو في الشهر، أو في السنة، أو في العمر وهو غريب في جزاء الأعمال أن يتفق الثواب مع تباين الأعمال هذا التباين، فالصواب في هذه المسألة أن صلاة التسبيح غير مشروعة، والله أعلم.(76/140)
896 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة التسبيح كيف تؤدى؟ ومتى تصلى؟
فأجاب فضيلته بقوله: قبل أن نجيب على حكم صلاة التسبيح نبين صفتها على حسب ما روي عن ابن عباس – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: "يا عباس، يا عماة: ألا أعطيك؟ ألا أمنحك؟ ألا أحبوك؟ ألا أفعل بك عشر خصال إذا أنت فعلت ذلك غفر الله لك ذنبك، أوله وأخره، وقديمه وحديثه، وخطأه وعمده، وصغيره وكبيره، وسره وعلانيته؟ عشر خصال: إن تصلي أربع ركعات، تقرأ في كل ركعة بفاتحة الكتاب وسورة، فإذا فرغت من القراءة في أول ركعة فقل وأنت قائم: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، خمس عشرة مرة، ثم تركع فتقولها وأنت راكع عشراً، ثم ترفع رأسك من الركوع فتقولها عشراً، ثم تهوي ساجداً وتقولها وأنت ساجد عشراً ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، ثم تسجد فتقولها عشراً، ثم ترفع رأسك من السجود فتقولها عشراً، فذلك خمس وسبعون في كل ركعة، تفعل ذلك في أربع ركعات، وإن استطعت أن تصليها في كل يوم مرة فافعل، فإن لم تستطع ففي كل جمعة مرة، فإن لم تفعل ففي كل شهر مرة، فإن لم تفعل ففي كل سنة مرة، فإن لم تفعل ففي عمرك مرة"، هذا أمثل ما روي فيها.
والحديث رواه أبو داود(1)، وابن ماجة(2)، وابن خزيمه(3) في صحيحه وقال: إن صح الخبر فإن في القلب من هذا الإسناد شيئاً.
وقد اختلف الناس في صلاة التسبيح في صحة حديثها والعمل به:
فمنهم من صححه، ومنهم من حسنه، ومنهم من ضعفه ومنهم من جعله في الموضوعات.
وقد ذكر ابن الجوزي أحاديث صلاة التسبيح وطرقها وضعفها كلها، وبين ضعفها وذكره في كتابه الموضوعات.
قال الترمذي: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في صلاة التسبيح غير حديث، قال: ولا يصح منه كبير شيء.(76/141)
ونقل النووي عن العقيلي: ليس في صلاة التسبيح حديث يثبت، وكذا ذكره ابن العربي وآخرونليس فيه حديث صحيح ولا حسن، وقال النووي: في استحبابها نظراً؛ لأن حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروفة فينبغي أن لا تفعل بغير حديث، وليس حدينها ثابت. ذكره في شرح المهذب.
ونقل السيوطي في اللآلئ عن الحافظ ابن حجر قوله: والحق أن طرقه كلها ضعيفة، وأن حديث ابن عباس يقرب من شرط الحسن إلا نه شاذ لشدة الفردية فيه، وعدم المتابع، والشاهد من وجه معتبر ومخالفة هيئتها لهيئة باقي الصلوات.
وموسى بن عبد العزيز وإن كان صادقاً صالحاً فلا يحتمل منه هذا التفرد، وقد ضعفها ابن تيميه، والمزي، وتوقف الذهبي، حكاه ابن عبد الهادي عنهم في أحكامه أهـ كلامه.
مع أنه في جوابه عما قيل في بعض أحاديث المشكاة قال: "الحق أنه في درجة الحسن لكثرة طرقه" فاختلف كلامه فيه – رحمه الله – والله أعلم.
وقال صاحب الفروع في حديث صلاة التسبيح: رواه أحمد، وقال: لا يصح، قال: وادعى شيخنا أنه كذب، كذا قال، ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها، ولم يستحبها إمام. واستحبها ابن المبارك على صفة لم يرد بها الخبر لئلا تثبت سنة بخبر لا أصل له، قال: وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكلية.
هذا كلام صاحب الفروع أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمهم الله تعالى -.
والذي يترجح عندي أن صلاة التسبيح ليست بسنة، وأن خيرها ضعيف وذلك من وجوه:
الأول: أن الاصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل تثبت به مشروعيتها.
الثاني: أن حديثها مضطرب، فقد اختلف فيه على عدة أوجه.
الثالث: أنها لم يستحبها أحد من الأئمة، قل شيخ الإسلام ابن تيميه رحمه الله تعالى: "قد نص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام". قال: "وأما ابو حنيفة ومالك والشافعي فلم يسمعوها بالكلية".(76/142)
الرابع: أنه لو كانت هذه الصلاة مشروعة لنقلت للأمة نقلاً لا ريب فيه، واشتهرت بينهم لعظم فائدتها، ولخروجها عن جنس العبادات. فإننا لا نعلم عبادة يخير فيها هذا التخير، بحيث تفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العمر مرة، فلما كانت عظيمة الفائدة، ارجة عن جنس الصلوات، ولم تشتهر، ولم تنقل علم أنه لا أصل لها، وذلك لأن ما خرج عن نظائره، وعظمت فائدته فإن الناس يهتمون به وينقلونه ويشيع بينهم شيوعاً ظاهراً، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة علم أنها ليست مشروعة، ولذلك لم يستحبها أحد من الأئمة كما قال شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله تعالى -.
وإن فيما ثبتت مشروعيته من النوافل لخير وبركة لمن أراد المزيد، وهو في غنى بما ثبت عما فيه الخلاف والشبهة، والله المستعان.
897 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة التسبيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة التسبيح لا تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال الإمام أحمد – رحمه الله تعالى – في حديثها لا يصح، وقال شيخ الإسلام بن تيميه – رحمه الله -: "إنه كذب، ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام، وأما أبو حنيفة، ومالك، والشافعي فلم يسمعوها بالكلية"، هذا كلام شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وما ذكره – رحمه الله تعالى – فهو حق، فإن هذه الصلاة لو كانت صحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم لنقلت إلى الأئمة نقلاً لا ريب فيه لعظم فائدتها ولخروجها عن جنس الصلوات، بل وعن جنس العبادات فلا نعلم عبادة يخير فيها هذا التخيير بحيث تفعل كل يوم، أو في الأسبوع مرة، أو في الشهر مرة، أو في الحول مرة، أو في العمر مرة فإن ما خرج عن نظائره اهتم الناس بنقله، وشاع فيهم لغرابته، فلما لم يكن هذا في هذه الصلاة علم أنها ليست مشروعة، ولهذا لم يستحبها أحد من الأئمة.(76/143)
898 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة التسبيح؟ وعن حديث ابن عباس – رضي الله عنهما – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للعباس بن عبد المطلب: "يا عباس، يا عماه... إلخ"(1) في فضل صلاة التسابيح؟
فأجاب فضيلته بقوله: وأما صلاة التسبيح فالصواب أنها ليست بسنة بل هي بدعة، والحديث الذي ذكرت عنها في سؤالك غير صحيح، قال الإمام أحمد – رحمه الله -: لا تعجبني صلاة التسبيح، قيل لم؟ قال: ليس فيها شيء يصح، ونفض يده كلمنكر، وقال النووي: حديثها ضعيف، وفيها تغيير لنظم الصلاة المعروفة، وقال العقيلي: ليس فيها حديث يثبت، وقال أبو بكر ابن العربي: ليس فيها حديث صحيح ولا حسن، ونقل في الفروع عن شيخه أبي العباس شيخ الإسلام ابن تيميه أنه ادعى أن الحديث فيها كذب، قال كذا، قال: ونص أحمد وأئمة أصحابه على كراهتها ولم يستحبها إمام أهـ.
وعلى هذا فصلاة التسبيح غير مشروعة ولا يتعبد لله تعالى بها لعدم صحة الحديث الوارد فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم.
899 وسئل فضيلته أيضاً: عن صلاة التسبيح؟
فاجاب بقوله: صلاة التسبيح ورد فيها حديث(2) عن النبي صلى الله عليه وسلم. ولكن هذا الحديث ل يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم. قال شيخ الإسلام: هو حديث باطل، ويدل لبطلانه أمران:
الأمر الأول: أن هذه الصلاة لو كانت من الصلوات المشروعة، لكانت من الصلوات المشهورة؛ لأن فائدتها عظيمة، ولأنها من شريعة الله، وشريعة الله لابد أن تكون محفوظة بين الأمة من لدن النبي صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا. ولما لم تكن هذه الصلاة مشهورة، وإنما ورد فيه هذا الحديث الضعيف، ولم يستحبها أحد من الأئمة: مالك، والشافعي، وأحمد، وأبي حنيفة، كل الأئمة لم يستحبوها دل ذلك على أنها صلاة ليست من شريعة النبي صلى الله عليه وسلم.(76/144)
الأمر الثاني: مما يدل على أنها ليست مشروعة: أنها صلاة ذكر فيها أن الإنسان يصليها كل يوم، أو كل أسبوع، أو كل شهر، أو كل سنة، أو في العمر مرة. ومثل هذا لا يستقيم في عبادة تكون مصلحة للقلوب، لأن العبادة المصلحة للقلوب لابد أن تكون مصلحة للقلوب، لأن العبادة المصلحة للقلوب لابد أن تكون مستمرة دائماً، ولا تكون على هذا التخيير البعيد المدى من يوم إلى سنة، إلى العمر كله. ولا يرد علينا الحج، حيث لم يجب على المرء في العمر إلا مرة واحدة، لأن الحج إنما فرضه الله على عباده مرة واحدة؛ لأنه شاق عليهم وصعب عليهم، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما يروى عنه حين سئل الحج في كل عام؟ قال: "لو قلت نعم لوجبت، ولما استطعتم، الحج مرة، فما زاد فهو تطوع"(3). فالحج لا تقاس عليه صلاة التسبيح، لأن الحج لو وجب كل عام لشق على كل فرد من أفراد الناس ممن يستطيع الحج أن يحج كل عام، ثم لشق أيضاً اجتماع الناس في هذا المكان، ما ظنكم لو أن المسلمين جميعاً القادرين في أقطار الدنيا يجتمعون كل عام في هذه المشاعر؟ ألا يكون عليهم مشقة عظيمة؟ لا يمكن أن تطاق هذا هو الواقع. ولهذا خفف الله على عباده فجعل الحج واجباً في العمر مرة. أما صلاة التسبيح فليس فيها مشقة لو ثبتت، ولو أنها شرعت كل يوم لم يكن في ذلك مشقة، بل شرع للناس كل يوم ما هو أكثر منها عدداً وكيفية، فدل هذا على أن هذه الصلاة ليست من الأمور المشروعة، ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يتعبد لله بها، وإنما يتعبد لله بما ثبت من شريعته في كتابه، أو على لسان رسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
900 سئل فضيلة الشيخ: عن صلاة الفائدة وهي مائة ركعة، وقيل أربع ركعات تصلى في آخر جمعة من رمضان، فهل هذا القول صحيح؟ وما حكم هذه الصلاة؟(76/145)
فأجاب فضيلته بقوله: هذا القول ليس بصحيح، وليس هناك صلاة تسمى صلاة الفائدة، وجميع الصلوات فوائد، وصلاة الفريضة أكبر الفوائد؛ لأن جنس العبادة إذا كان فريضة فهو أفضل من نافلتها، لما ثبت في الحديث الصحيح أن الله تعالى يقول: "ما تقرب إليّ عبدي بشي أحب إلي مما فرضت عليه"(1). ولأن الله أوجبها وهو دليل على محبته لها، وعلى أنها أنفع للعبد من النافلة، ولهذا ألزم بها لمصلحته بما يكون فيها من الأجر، فكل الصلوات فوائد.
وأما صلاة خاصة تسمى صلاة الفائدة فهي بدعة لا أصل لها، وليحذرالمرء من أذكار وصلوات شاعت بين الناس وليس لها أصل من السنة، وليعلم أن الأصل في العبادات الحظر والمنع، فلا يجوز لأحد أن يتعبد لله بشيء لم يشرعه الله في كتابه، أو في سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ومتى شك الإنسان في شيء أمن أعمال العبادة أو لا؟ فالأصل أنه ليس بعبادة حتى يقوم دليل على أنه عبادة. والله أعلم.
901 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم إقامة صلاة النافلة جماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كان الإنسان يريد أن يجعل النوافل دائماً في جماعة كلما تطوع، فهذا غير مشروع، وأما صلاتها أحياناً في جماعة فإنه لا بأس به لورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم كما في صلاة ابن عباس معه في صلاة الليل(2)، وكما صلى معه أنس بن مالك رضي الله عنه واليتيم في بيت أم سليم وما أشبه ذلك(3).
902 وسئل فضيلة الشيخ: هل يجوز أن أصلي نافلة بنية مطلقة؟ فمثلاً صلى رجل نافلة ولم يحدد عدد ركعاتها وهو يريد أن يصلي ما شاء الله من الركعات بتسليمة واحدة. فهل هذا يجوز مع الدليل؟(76/146)
فأجاب فضيلته بقوله: الحكم في هذا أن الإنسان ليس مخيراً فيما شاء من الركعات؛ لأنه مقيد بما جاء به الشرع، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "صلاة الليل والنهار مثنى، مثنى"(4). فالمشروع أن يصلي الإنسان ركعتين ركعتين في النهار والليل، ولا يقرن بين الأربع، أوبين الست أو بين الثمان وما أشبه ذلك، إلا أنه جاء في الوتر ما يدل على جواز سرد الثلاث جميعاً بتشهد واحد، وكذلك السنة في الخمس أن تكون سرداً بسلام واحد وتشهد واحد، وفي السبع كذلك، وفي التسع بسلام واحد وتشهدين: تشهد عقب الثامنة، وتشهد عقب التاسعة ويسلم. فالإنسان ليس مخيراً في أن يصي ما شاء من العدد.
أما أنه يصلي ما شاء من الصلوات فلا حرج عليه، يصلي ما شاء من الصلوات، وإن كان الأفضل في الليل أن لا يتجاوز إحدى عشرة أو ثلاث عشرة كما كان الرسول عليه الصلاة والسلام يفعل.
903 سئل فضيلة الشيخ: عما يفعله بعض الناس إذا دخلوا المسجد قرب وقت الإقامة وقفوا ينتظرون قدوم الإمام وتركوا تحية المسجد فما حكم هذا العمل؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت المدة قصيرة بحيث لا يفوت فالأفضل أن يصلوا تحية المسجد، ثم إن جاء الإمام وأقيمت الصلاة وأنت في الركعة الأولى فاقطعها، وإن كنت في الركعة الثانية فأتمها خفيفة.
904 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة النافلة جماعة، مثل صلاة الضحى؟(76/147)
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة النافلة جماعة أحياناً لا بأس بها لأن النبي صلى الله عليه وسلم صلى جماعة في أصحابه في بعض الليالي فصلى معه ذات مرة عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – وصلى معه مرة عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – وصلى معه مرة حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أما حذيفة فأخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ بالبقرة، والنساء، وآل عمران لا يمر بآية وعيد إلا تعوذ، ولا بآية رحمة إلا سأل(1)، وأما عبد الله بن مسعود فصلى مع النبي صلى الله عليه وسلم ذات ليلة فأطال النبي صلى الله عليه وسلم القيام، قال عبد الله بن مسعود حتى هممت بأمر سوء قيل: وما أمر السوء الذي هممت به؟ قال: أن أجلس وأدعه(2) وذلك من طول قيامه عليه الصلاة والسلام. وأما عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – فإنه قام يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل عن يساره، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم برأسه فجعله عن يمينه(3).
والحاصل أنه لا بأس أن يصلي الجماعة بعض النوافل جماعة ولكن لا تكون هذه سنة راتبة كلما صلوا السنة صلوها جماعة؛ لأن هذا غير مشروع.
905 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم صلاة الركعتين ليلة الزواج عند الدخول على الزوجة؟
فأجاب فضيلته بقوله: الركعتان عند الدخول على الزوجة في أول ليلة فعلها بعض الصحابة(4)، ولا أعرف في هذا سنة صحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكن المشروع أن يأخذ بناصية المرأة ويسأل الله خيرها، وخير ما جبلت عليه، ويستعيذ بالله من شرها، وشر ما جبلت عليه(5)، وإذا كان يخشى في هذه الحال أن تنفر منه المرأة فليمسك بناصيتها كأنه يريد أن يدنوا منها ويدعو بهذا الدعاء سراً بحيث لا تسمعه؛ لأن بعض النساء قد يخيل لها إذا قال أعوذ بك من شرها وشر ما جبلت عليه، فتقول: هل في شر؟
906 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم صلاة الحاجة؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة الحاجة غير مشروعة(6).(76/148)
907 سئل فضيلة الشيخ: كيف نجمع بين قول النبي صلى الله عليه وسلم – عندما جاءه رجل – يسأله عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خمس صلوات في اليوم والليلة" فقال: هل عليّ غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وصيام رمضان. قل: هل علي غيره؟ قالك لا، إلا أن تطوع. وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة قال: هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أفلح إن صدق"(1). وبين ما ورد من الأمر ببعض النوافل مثل تحية المسجد وغير ذلك والأمر يقتضي الوجوب؟ جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: نقول: إن النوافل لا يأثم تاركها بتركها أبداً. ولهذا قال الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر له الصلوات الخمس: هل علي غيرها. قال: "لا، إلا أن تطوع"، فلا شيء من النوافل يكون واجباً أبداً؛ لا تحية المسجد ولا غيرها.
وإن كان بعض العلماء يقول بوجوب تحية المسجد. وكذلك بوجوب صلاة الكسوف. ومن العلماء من قال: إن صلاة الكسوف فرض كفاية، وهو أقرب الأقوال إلى الصواب. لكن ليس هناك شيء من الصلوات غير الخمس يكون واجباً. اللهم إلا بسبب؛ كالنذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"(2).
لكن هذه المسألة سبب عارض يكون من فعل المكلف، وعلى هذا فلا إشكال في الحديث.
لكن قد يقول قائل: إن هناك واجبات أخرى سوى ما ذكرت في الحديث؟
فالجواب: إما أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد علم من حال الرجل السائل أن شروط الوجوب في غير ما ذكر لم تتحق فيه، وإما أن يقال: إن هذا كان قبل وجوب ما لم يذكر؛ لأن واجبات الدين لم يقع وجوبها دفعة واحدة. وإنما هي تأتي بحسب الحكمة التي تقتضيها.
? ? أوقات النهي.
? ? تحية المسجد.
? ? الفرق بين صلاة الفريضة وصلاة التطوع.(76/149)
908 سئل فضيلة الشيخ: عن أوقات النهي، وعن تحية المسجد قبل صلاة المغرب، هل تكون قبل الأذان أو بعده، أفتونا جزاكم الله خيراً؟
فأجاب فضيلته بقوله: أوقات النهي:
الوقت الأول: من صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح؛ أي إلى ما بعد طلوع الشمس بربع ساعة إلى ثلث ساعة.
الوقت الثاني: قبل الزوال بنحو عشر دقائق؛ وهو قبل دخول وقت الظهر بنحو عشر دقائق.
والوقت الثالث: من صلاة العصر إلى أن يستكمل غروب الشمس. هذه هي أوقات النهي.
أما بالنسبة لتحية المسجد فمشروعة في كل وقت، فمتى دخلت المسجد فلا تجلس حتى تصلي ركعتين. حتى في أوقات النهي.
وينبغي أن يعلم أن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن جميع النوافل من ذوات الأسباب، ليس فيها نهي، بل تفعل حتى في وقت النهي: فإذا دخلت المسجد بعد صلاة الفجر فصل ركعتين، وإذا دخلت بعد صلاة العصر فصل ركعتين، وإذا دخلت المسجد قبيل الزوال فصل ركعتين، وإذا دخلت في أي ساعة من ليل أو نهار فلا تجلس حتى تصلي ركعتين.
909 سئل فضيلة الشيخ: عن الأوقات التي تكره فيها الصلاة، وما سبب كراهة الصلاة فيها؟
فأجاب فضيلته بقوله: أوقات النهي:
أولاً: من بعد صلاة الفجر إلى أن ترتفع الشمس مقدار رمح، يعني مقدار متر تقريباً وذلك بعد طلوعها بنحو ربع ساعة، والمعتبر بصلاة الفجر صلاة كل إنسان بنفسه.
الوقت الثاني: حين يقوم قائم الظهيرة إلى أن تزول الشمس، وذلك في منتصف النهار قبل زوال الشمس بنحو عشر دقائق أو قريباً منها.(76/150)
الوقت الثالث: من بعد صلاة العصر إلى غروب الشمس، والمعتبر صلاة كل إنسان بنفسه، فإذا صلى الإنسان العصر حرمت عليه الصلاة حتى تغرب الشمس، لكن يستثنى من ذلك صلاة الفرائض مثل أن يكون على الإنسان فائتة يتذكرها في هذه الأوقات فإنه يصليها، لعموم قوله عليه الصلاة والسلام: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها"(1). ويستثنى من ذلك على القول الراجح كل صلاة نفل لها سبب، لأن هذه الصلاة التي لها سبب مقرونة بسببها وتحال الصلاة على هذا السبب بحيث ينتفي فيها الحكمة التي من أجلها وجد النهي، فمثلاً لو دخلت المسجد بعد صلاة العصر فإنك تصلي ركعتين لقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا دخل أحدكم المسجد فلا يجلس حتى يصلي ركعتين"(2). وكذلك لو دخلته بعد صلاة الفجر، أو عند زوال الشمس، وكذلك لو كسفت الشمس بعد صلاة العصر فإنه يصلي للكسوف؛ لأنها ذات سبب، وكذلك لو قرأ الإنسان القرآن ومر بآية سجدة فإنه يسجد ولو في هذه الأوقات لأن ذلك سبب.
أما الحكمة من النهي في هذه الأوقات: فلأن الإنسان إذا أذن له بالتطوع في هذه الأوقات فقد يستمر يتطوع حتى عند طلوع الشمس وعند غروبها، وحينئذ يكون مشابهاً للكفار الذين يسجدون للشمس إذا طلعت تحريباً بها وفرحاً، ويسجدون لها إذا غربت وداعاً لها، والنبي عليه الصلاة والسلام حرص على سد كل باب يوصل إلى الشرك أو يكون فيه مشابهة للمشركين. وأما النهي عند قيامها حتى تزول فلأنه وقت تسجر فيه جنهم كما ثبت ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام(1) فينبغي الإمساك عن الصلاة في هذا الوقت.
910 سئل فضيلة الشيخ: إذا أتيت المسجد وصلاة العصر قائمة فهل يجوز لي أن أصلي سنة العصر بعد أداء الفريضة؟(76/151)
فأجاب فضيلته بقوله: صلاة العصر ليس لها راتبة لا قبلها ولا بعدها، وإنما يسن للإنسان أن يصلي قبلها على سبيل الإطلاق، وإذا لم تدركها قبل الصلاة فإنك لا تصلها بعد العصر، فإن الإنسان يحرم عليه أن يؤدي تطوعاً في أوقات النهي إلا صلاة ذات سبب، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس"(2).
وأما صلاة ذات السبب مثل تحية المسجد فإنه يؤديها ولو كانت في وقت النهي.
ومثل أن تكسف الشمس بعد العصر فإنه يصلي لكسوفها، ومثل أن يصلي العصر في مسجده فيحضر إلى مسجد آخر فيجدهم يصلون فإنه يصلي معهم.
911 وسئل فضيلة الشيخ: عن قوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة بعد الصبح حتى ترتفع الشمس، ولا صلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس" فهل هذا العموم مراد أو ليس بمراد؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا العموم ليس بمراد، بل يخرج منه بعض أفراده. وهنا نأخذ قاعدة وهي: أن اللفظ العام في أصل وضعه يتناول جميع الأفراد، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين علم أصحابه التشهد ومنه (السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين) قال: "إذا قلتم ذلك فقد سلمتم على كل عبد صالح في السماء والأرض"(3). وذلك يؤخذ من أن قوله (عباد الله الصالحين) عام، وهذا نص في أن العام يشمل جميع الأفراد.
إذن قوله صلى الله عليه وسلم: "لا صلاة" يشمل جميع الصلوات، ولكن قد خص منه بعض الصلوات بالنص، وبعضها بالإجماع.
ومن ذلك:
أولاً: إعادة الجماعة مثل أن يصلي الإنسان الصبح في مسجده، ثم إذا ذهب إلى مسجد آخر فوجدهم يصلون الصبح فإنه يصلي معهم، ولا إثم عليه ولا نهي، والدليل: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى الفجر ذات يوم في منى، فلما انصرف رأى رجلين لم يصليا معه فسألهما لماذا لم تصليا؟ قالا: صلينا في رحالنا، قال: "إذا صليتما في رحالكما، ثم أتيتما مسجد الجماعة فصليا معهم"(4)، وهذا بعد صلاة الصبح.(76/152)
ثانياً: إذا طاف الإنسان بالبيت، فإن من السنة أن يصلي بعد الطواف ركعتين خلف مقام إبراهيم، فإذا طاف بعد صلاة الصبح فيصلي ركعتين للطواف. ومن أدلة ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يا بني عبد مناف لا تمنعوا أحداً طاف بهذا البيت أو صى فيه أية ساعة شاء من ليل أو نهار"(5).
فإن بعض العلماء استدل بهذا الحديث على أنه يجوز إذا طاف أن يصلي ركعتين ولو في وقت النهي.
ثالثاً: إذا دخل يوم الجمعة والإمام يخطب وكان ذلك عند زوال الشمس فإنه يجوز أن يصلي تحية المسجد؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب الناس فدخل رجل فجلس فقال له: "أصليت"؟ قال: لا، قال: "قم فصل ركعتين وتجوز فيهما"(1).
رابعاً: دخول المسجد: فلو أن شخصاً دخل المسجد بعد صلاة الصبح، أو بعد الفجر؛ لأن هذه الصلاة لها سبب.
خامساً: كسوف الشمس: فلو كسفت الشمس بعد صلاة العصر، وقلنا إن صلاة الكسوف سنة فإنه يصلي الكسوف، أما إذا قلنا بأن صلاة الكسوف واجبة فالأمر في هذا ظاهر؛ لأن الصلاة الواجبة ليس عنها وقت نهي إطلاقاً.
سادساً: إذا توضأ الإنسان: فإذا توضأ الإنسان جاز أن يصلي ركعتين في وقت النهي؛ لأن هذه الصلاة لها سبب.
سابعاً: صلاة الاستخارة: فلو أن إنساناً أراد أن يستخير فإنه يصلي ركعتين، ثم يدعو دعاء الاستخارة، فإذا أتاه أمر لا يحتمل التأخير فاستخار في وقت النهي فإن ذلك جائز.
والخلاصة أن هذا الحديث "لا صلاة بعد الصبح، ولا صلاة بعد العصر" مخصوص بما إذا صلى صلاة لها سبب فإنه لا نهي عنها.
وهذا الذي ذكرته هو مذهب الشافعي – رحمه الله – وإحدى الروايتين عن الإمام أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله – وهو الصحيح أن ذوات الأسباب ليس عنها نهي.
912 سئل فضيلة الشيخ: هل المعتبر في دخول وقت النهي بعد صلاة الفجر، أو العصر صلاة الناس، أو صلاة الشخص نفسه؟(76/153)
فأجاب فضيلته بقوله: المعتبر صلاة الشخص نفسه فلو فرض أن الناس صلوا صلاة العصر وأنت لم تصل فإن وقت النهي في حقك لم يدخل ولو فرض أنك صليت قبل الناس فإن وقت النهي في حقك دخل، وإن لم يصل الناس.
913 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم قضاء صلاة الفرض لمن فاتته الصلاة مثل الفجر والعصر وغيرها في أوقات النهي المغلظة؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا السائل فتح علينا باباً نحب أن نبينه: وذلك أن أوقات النهي خمسة، ثلاثة منها مغلظة (كما يقول)، واثنان منها أخف.
فالخمسة: من صلاة الفجر إلى طلوع الشمس.
ومنها طلوعها إلى أن ترتفع قد رمح.
وعند قيامها عند منتصف النهار حتى تزول.
ومن صلاة العصر حتى يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح، ومن هذا إلى الغروب. هذه خمسة أوقات.
المغلظة منها ثلاثة: وهي الأوقات القصيرة: من طلوع الشمس إلى أن ترتفع قيد رمح.
ومن قبيل الزوال إلى الزوال.
ومن حيث يكون بينها وبين الغروب مقدار رمح إلى أن تغرب. هذه الأوقات الثلاثة المغلظة تختلف عن الوقتين الآخرين؛ لأن هذه الأوقات الثلاثة المغلظة لا يجوز فيها دفن الميت، لحديث عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "ثلاث ساعات نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي فيهن، أو أن نقبر فيهن موتانا: حين تطلع الشمس بازغة حتى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة، وحين تضيف الشمس للغروب حتى تغرب"(1). فإذا وصلنا بالميت إلى المقبرة وقد طلعت الشمس، فإنه لا يجوز دفنه حتى ترتفع الشمس قيد رمح، وغذا وصلنا به إلى المقبرة وقد قام قائم الظهيرة يعني قبيل الزوال بنحو خمس دقائق فإنه لا يجوز دفنه حتى تزول الشمس، وإذا وصلنا به إلى المقبرة قبل الغروب بمقدار رمح فإنه لا يجوز دفنه حتى تغرب الشمس.
أما الصلاة فإنها محرمة في هذه الأوقات الخمسة جميعاً، لكن يستثنى من ذلك.(76/154)
أولاً: الصلاة الفائتة: يعني إذا فات الإنسان فريضة فإنه يصليها ولو في أوقات النهي االمغلطة القصيرة لعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها، لا كفارة لها إلا ذلك"(2). فقوله: "فليصلها إذا ذكرها" عام لا يستثنى منه شيء، ولأنها فريضة مؤكدة فلا ينبغي تأخيرها عن وقت ذكرها أو استيقاظ النائم.
ثانياً: كل صلاة ذات سبب على القول الراجح، وهو رواية عن الإمام أحمد – رحمه الله – واختيار شيخ الإسلام ابن تيميه – رحمه الله -. فكل صلاة لها سبب فإنها تصلى في أوقات النهي. مثال ذلك: طاف الإنسان بعد العصر فإنه يصلي ركعتي الطواف؛ لأن ركعتي الطواف لهما سبب وهو الطواف، وإذا دخل الإنسان المسجد بعد صلاة العصر فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين؛ لأن تحية المسجد لها سبب وهو دخول المسجد، وإذا كسفت الشمس بعد صلاة العصر أو حين طلعت قبل أن ترتفع، فإنها تصلى صلاة الكسوف؛ لأنها صلاة ذات سبب.
وعلى هذا فكل صلاة لها سبب فإنها تشرع عند سببها سواء وجد هذا السبب في أوقات النهي، أو في غير أوقات النهي.
وعلى هذا فالذي عليه قضاء يقضي الصلاة متى ذكرها أو استيقظ.
914 وسئل فضيلة الشيخ: إذا قلنا إن النهي عام عن الصلاة بعد الفجر، وجاءت أحاديث تخصص بعض الصلوات بعينها مثل قضاء راتبة الصبح، أو ركعتي الطواف، أما غير ذلك فيكون النهي عاماً. ويرد على من استدل بحديث الرجل الذي دخل المسجد وأمره النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقوم ويصلي تحية المسجد، بأنه أمره في وقت لم يكن فيه نهي، ويقول إن النهي قوي في قوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة بعد الصبح" وأيضاً يقول ورد أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – ينهى عن الصلاة بعد الصبح ويطرد من يفعل ذلك، فما جوابكم حفظكم الله وجزاكم عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء؟(76/155)
فأجاب فضيلته بقوله: نقول إن ألفاظ النهي في بعضها "لا تتحروا الصلاة عند طلوع الشمس، وعند غروبها"(3) فدل هذا على أن المنهي عنه أن يتحرى الإنسان هذا الوقت فيقوم يصلي، وأما إذا كان له سبب فإن الصلاة تحال على سببها، ويدل لهذا أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم علل النهي عن الصلاة بعد صلاة الصبح، وبعد صلاة العصر بأن المشركين كانوا يسجدون للشمس عند طلوعها، وعند غروبها، فإذا وجد سبب تحال الصلاة عليه زالت هذه العلة، ويدل لذلك أيضاً القاعدة المعروفة عن العلماء وهي (أن العام المحفوظ مقدم على العام المخصوص).
وأحاديث النوافل ذات الأسباب المعينة عامة محفوظة وأحاديث النهي عامة مخصوصة بعدة مخصصات، والعام المحفوظ الذي لم يخصص أقوى من العام الذي يخصص، حتى إن بعض أهل العلم من الأصوليين قال: إن النص العام إذا خصص بطلت دلالته على العموم، معللاً قوله هذا بأن العام إذا خصص فهو قرينة على أن عمومه غير مراد، فيحمل على أقل ما يطلق عليه الاسم، ويكون حكمه في هذه الحال حكم المطلق لا حكم العام.
ولكن الصحيح أن العام إذا خصص يبقى على عمومه فيما عدا المخصص.
915 وسئل فضيلة الشيخ – حفظه الله تعالى -: عن حكم قضاء سنة الفجر بعد أداء صلاة الفجر في وقت النهي؟
فأجاب فضيلته بقوله: قضاء سنة الفجر بعد صلاة الفجر لا بأس به على القول الراجح، ولا يعارض ذلك حديث النهي عن الصلاة بعد صلاة الفجر؛ لأن المنهي عنه الصلاة التي لا سبب لها، ولكن إن أخر قضاءها إلى الضحى، ولم يخش من نسيانها، أو الانشغال عنها فهو أولى.
916 وسئل فضيلة الشيخ: ما حكم تحية المسجد بالنسبة للداخل إلى مكتبة المسجد في الحالات التالية:
1- إذا كان باب المكتبة داخل المسجد.
2- إذا كان باب المكتبة خارج المسجد.
3- إذا كان للمكتبة بابان أحدهما داخله والآخر خارجه؟ والله يحفظكم ويرعاكم ويمدكم بعونه وتوفيقه.
فأجاب فضيلته بقوله: بسم الله الرحمن الرحيم.(76/156)
في الحال الأولى وهي: ما إذا كان باب المكتبة داخل المسجد تكون المكتبة من المسجد فلها حكمه، فتشرع تحية المسجد لمن دخلها، ولا يحل للجنب المكث فيها إلا بوضوء، ويصح الاعتكاف فيها، ويحرم فيها البيع والشراء، وهكذا بقية أحكام المسجد المعروفة.
وفي الحال الثانية وهي: ما إذا كان بابها خارج المسجد، وليس لها باب على المسجد، لا تكون من المسجد فلا يثبت لها أحكام المساجد، فليس لها تحية مسجد، ولا يصح الاعتكاف فيها، ولا يحرم فيها البيع والشراء، لأنها ليست من المسجد لانفصالها عنه.
وفي الحال الثالثة وهي: ما إذا كان لها بابان، أحدهما: داخل المسجد. والثاني: خارجه، إن كان سور المسجد محيطاً بها فهي من المسجد فتثبت لها أحكام المسجد، وإن كان غير محيط بها بل لها سور مستقل فليس لها حكم المسجد فلا تثبت لها أحكامه؛ لأنها منفصلة عن المسجد، ولهذا لم تكن بيوت النبي صلى الله عليه وسلم من مسجده، مع أن لها أبواباً على ا لمسجد؛ لأنها منفصلة عنه. حرر في 22/12/1410هـ.
917 سئل فضيلة الشيخ: ما صحة حديث: "بين كل أذانين صلاة"(1)؟ وهل إذا خرج الرجل من المسجد ثم عاد عن قرب فإنه لا يصلي تحية المسجد؟ وما الدليل؟
فأجاب فضيلته بقوله: الحديث صحيح، وننظر في الصلوات، ففي الفجر سنة الفجر، وفي الظهر أربع ركعات بين الأذان والإقامة بتسليمتين، وصلاة العصر ليس لها راتبة قبلها ولا بعدها، ولكن يسن أن يصلي بين الأذان والإقامة أربع ركعات أو ما شاء الله. والمغرب كذلك ليس لها سنة راتبة قبلها، لكن ينبغي للإنسان أن يصلي ولا يجعل ذلك راتباً؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب، صلوا قبل المغرب". وقال في الثالثة: "لمن شاء"(2). كراهية أن يتخذها الناس سنة راتبة يحافظون عليها. والعشاء لها راتبة بعدها وليس لها راتبة قبلها، ولكن يسن أن يصلى ولا يجعل ذلك راتباً.(76/157)
أما الذي يخرج من المسجد ويعود عن قرب فلا يصلي تحية المسجد؛ لأنه لم يخرج خروجاً منقطعاً، ولهذا لم ينقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا خرج لبيته لحاجة وهو معتكف ثم عاد أنه كان يصلي ركعتين، وأيضاً فإن هذا الخروج لا يعد خروجاً، بدليل أنه لا يقطع اعتكاف المعتكف، ولو كان خروجه يعتبر مفارقة للمسجد لقطع الاعتكاف به، ولهذا لو خرج شخص من المسجد على نية أنه لن يرجع إلا في وقت الفرض التالي، وبعد أن خطا خطوة رجع إلى المسجد ليتحدث مع شخص آخر ولو بعد نصف دقيقة فهذا يصلي ركعتين؛ لأنه خرج بنية الخروج المنقطع.
918 سئل فضيلة الشيخ: هل تجب على من دخل مكتبة المسجد تحية المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله: إذا كانت المكتبة من المسجد بمعنى أنها محاطة بحائطه فإنها تكون منه، أما إذا كانت مستقلة عنه بأن بني المسجد، ثم بنيت بجواره وفتح لها باب إلى المسجد فإنها لا تكون منه، ولهذا كانت بيوت الرسول عليه الصلاة والسلام أبوابها في المسجد، ومع ذلك فإن البيوت ليست منه؛ لأنها مستقلة عنه.
فينظر في وضع هذه المكتبة هل هي متقطعة من المسجد فإنها تكون منه، أو أنها مستقلة بجوار المسجد، وفتح لها باب إلى المسجد فإنها لا تكون منه، وفي هذه الحال الأخيرة إذا مر الإنسان عابراً من المسجد إليها فإنه لا يصلي تحية المسجد؛ لأنه لا يجلس في المسجد، وإنما يريد الجلوس في هذه المكتبة، أما إذا كانت منه فإنه لا يجلس حتى يصلي ركعتين كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم.
وقول السائل: هل تجب تحية المسجد؟
نقول فيه إن القول بوجوب تحية المسجد قول قوي، ولكن الأقرب القول بأنها سنة مؤكدة، والعلم عند الله تعالى.
919 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم تغيير المكان بعد قضاء الفريضة وذلك لأداء السنة؟ وهل يعتبر من البدع؟(76/158)
فأجاب فضيلته بقوله: ذكر الفقهاء – رحمهم الله – أنه يسن للإنسان أن يفصل النافلة عن الفريضة، إما بكلام، أو بانتقال من موضعه، لحديث معاوية قال: "أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن لا نصل صلاة بصلاة، حتى نخرج أو نتكلم"(1).
وعلى هذا فالأفضل أن تفصل بين الفرض والسنة، لكن هناك شيء أفضل منه، وهو أن تجعل السنة في البيت؛ لأن أداء السنة في البيت أفضل من أدائها في المسجد، حتى المسجد الحرام، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: "أفضل صلاة المرء في بيته إلا المكتوبة"(2). يقول ذلك عليه الصلاة والسلام وهو في المدينة، وهو في مسجد الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام.
وكان هو نفسه يصلي النافلة في البيت.
وبعض الناس يظن أن النافلة في المسجد الحرام، أو النبوي أفضل، وليس كذلك، نعم لو فرض أنه رجل ذو عمل يخشى إن خرج من المسجد أن ينسى الراتبة، فهنا نقول: صل في المسجد أفضل، وكذلك لو كان في بيته فيه صبيان كثيرون فيخشى من التشويش، فتكون الصلاة في المسجد أفضل.
والصلاة في البيت أفضل إلا المكتوبة؛ لأن الصلاة في البيت أبعد عن الرياء، إذ أنك في بيتك لا يطلع عليك إلا أهلك، وقد لا يرونك وأنت تصلي، أما في المسجد فالكل مطلع عليك، ولأن فيها تعويداً لأهل البيت على الصلاة، ولذلك إذا كنت تصلي وكان عندك صبي له سنتان أو ثلاث سنوات تجده يصلي معك، مع أنك لم تأمره بالصلاة، ففي صلاة النافلة في البيت فوائد عظيمة.
وفيها أيضاً أنك لا ترتكب ما نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوله: "لا تجعلوا بيوتكم مقابر"(1). يعني لا تجعلوها كالقبور لا تصلون فيها، فهذه ثلاث فوائد:
الأولى: أنها أبعد عن الرياء.
الثانية: تعويد أهل البيت على الصلاة.
الثالثة: عدم الوقوع فيما نهى عنه الرسول صلى الله عليه وسلم.
920 سئل فضيلة الشيخ: أيهما أفضل الذكر أم قراءة القرآن؟(76/159)
فأجاب فضيلته بقوله: المفاضلة بين الذكر والقرآن، فالقرآن من حيث الإطلاق أفضل من الذكر لكن الذكر عند وجود أسبابه أفضل من القراءة، مثال ذلك الذكر الوارد أدبار الصلوات أفضل في محله من قراءة القرآن، وكذلك إجابة المؤذن في محلها أفضل من قراءة القرآن وهكذا.
وأما إذا لم يكن للذكر سبب يقتضيه فإن قراءة القرآن أفضل.
921 وسئل فضيلة الشيخ: ما الأفضل للمسافر هل يأتي بالسنن الرواتب وما يتطوع به من النوافل خاصة إذا كان في المسجد الحرام، أم يقتصر على الوتر وركعتي سنة الفجر؟ أفتونا جزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله: المسافر يسن له أن يأتي بالنوافل كلها: صلاة الليل، وركعتي الضحى، والاستخارة، وجميع النوافل، ما عدا راتبة الظهر، والمغرب، والعشاء، فإن السنة أن لا يصلي هذه الرواتب فقط، وأما بقية النوافل فإنه يشرع في حقه أن يقوم بها؛ لأن السنة لم ترد إلا بترك هذه النوافل الثلاث، وما عدا ذلك فإنه باق على مشروعيته، فإذا كان الإنسان في المسجد الحرام وتطوع وزاد من النوافل فلا حرج عليه ولا يقال إنه مخالف للسنة، وبهذا يزول ما في نفس المرء من التأثر، حيث إن بعض الناس يتأثر يقول أنا لا أحب أن أدع النوافل، فنقول: لا تدعها لكن الراتبة المخصوصة التي تتبع الظهر، والمغرب، والعشاء الأولى تركها للمسافر، ولا يعني ذلك أن نقول لا تتنفل، بل تتنفل بما شئت.
922 سئل فضيلة الشيخ – غفر الله له وأعلى منزلته -: عن صلاة التطوع والفرق بين صلاة الفريضة وصلاة التطوع؟(76/160)
فأجاب فضيلته بقوله: من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده أن جعل لكل نوع من أنواع الفريضة تطوعاً يشبهه، فالصلاة لها تطوع يشبهها من الصلوات، والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات، والصيام له تطوع يشبهه من الصيام، وكذلك الحج، وهذا من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ليزدادوا ثواباً وقرباً من الله تعالى، وليرقعوا الخلل الحاصل في الفرائض، فإن النوافل تكمل بها الفرائض يوم القيامة، فمن التطوع في الصلوات: الرواتب التابعة للصلوات المفروضة وهي أربع ركعات قبل الظهر بسلامين، وتكون بعد دخول وقت صلاة الظهر، ولا تكون قبل دخول وقت الصلاة، وركعتان بعدها، فهذه ست ركعات كلها راتبة للظهر، وأما العصر فليس لها راتبة، وأما المغرب فلها راتبة، ركعتان بعدها، وركعتان بعد العشاء، وركعتان قبل الفجر وتختص الركعتان قبل الفجر بأن الأفضل أن يصليهما الإنسان خفيفتين وأن يقرأ فيهما بـ (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) في الركعة الأولى و (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) في الركعة الثانية(1)، أو بقوله تعالى: (قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا) في الركعة الأولى وبقوله تعالى: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ) في الركعة الثانية؛ وبأنها – أي راتبة الفجر تصلى في الحضر والسفر، وبأن فيها فضلاً عظيماً، قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: "ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها"(2).(76/161)
ومن النوافل في الصلوات: الوتر وهو من أوكد النوافل حتى قال بعض العلماء بوجوبه، وقال فيه الإمام أحمد – رحمه الله -: "من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة". وتختم به صلاة الليل، فمن خاف أن لا يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام ومع طمع أن يقوم آخر الليل فليوتر آخر الليل بعد إنهاء تطوعه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وتراً"(3). وأقله ركعة، وأكثره إحدى عشرة ركعة، وأدنى الكمال ثلاث ركعات، فإن أوتر بثلاث فهو بالخيار إن شاء سردها سرداً بتشهد واحد، وإن شاء سلم من ركعتين ثم صلى واحدة، وإن أوتر بخمس سردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بسبع فكذلك يسردها جميعاً بتشهد واحد وسلام واحد، وإن أوتر بتسع فكذلك يسردها ويجلس في الثامنة ويتشهد، ثم يقوم فيأتي بالتاسعة، ويتشهد ويسلم، فيكون فيها تشهدان وسلام واحد، وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة فإنه يسلم من كل ركعتين، ويأتي بالحادية عشرة وحدها، وإذا نسي الوتر أو نام عنه فإنه يقضيه من النهار، لكنه مشفوعاً لا وتراً، فإذا كان من عادته أن يوتر بثلاث صلى أربعاً، وإن كان من عادته أن يوتر بخمس صلى ستاً وهكذا؛ لأنه ثبت في الصحيح "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا نام عن وتره أو غلبه وجع صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة"(4).
وأما الفرق بين صلاة الفرض وصلاة النافلة:
فمن أوضحها: أن النافلة تصح في السفر على الراحلة ولو بدون ضرورة، فإذا كان الإنسان في سفر وأحب أن يتنفل وهو على راحلته سواء كانت الراحلة سيارة، أم طيارة، أم بعيراً، أم غير ذلك فإنه يصلي النافلة على راحلته متجهاً حيث يكون وجهه، يومئ بالركوع والسجود؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يفعل ذلك.(76/162)
ومن الفروق: أن الإنسان إذا شرع في فريضة حرم أن يخرج منها إلا لضرورة قصوى، وأما النافلة فيجوز أن يخرج منها لغرض صحيح، وإن كان لغير غرض فإنه لا تشرع الجماعة فيها إلا في صلوات معينة كالاستسقاء وصلاة الكسوف على القول بأنها سنة؛ ولا بأس بأن يصلي الإنسان النافلة أحياناً جماعة كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه جماعة في بعض الليالي، فقد صلى معه مرة ابن عباس، ومرة حذيفة، ومرة ابن مسعود(5).
وأما في رمضان فقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم قام بهم ثلاث ليال ثم تأخر خوفاً أن تفرض على الناس(6)، وهذا يدل على أن صلاة الجماعة في قيام رمضان سنة لأن الرسول صلى الله عليه وسلم فعلها، ولكن تركها خوفاً من أن تفرض وهذا مأمون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم.
وهناك فروق أخرى ذكرها بعض العلماء تبلغ فوق العشرين فرقاً.
923 سئل فضيلة الشيخ: هل أجر النافلة كأجر الفريضة؟ وهل تجزئ النافلة عن الفريضة؟
فأجاب فضيلته بقوله: ليس أجر النافلة كأجر الفريضة، فإن أجر الفريضة أكثر وأعظم؛ لأن الفريضة أهم وأعظم، ولهذا أوجبها الله تعالى على عباده لأهميتها وعظمها، وفي الحديث الصحيح القدسي أن الله سبحانه وتعالى يقول: "ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه"(1).
ولا تجزئ النافلة عن الفريضة، فإذا قدر أن على إنسان صلاة الفجر مثلاً، ثم تطوع بركعتين في الضحى فإن هاتين الركعتين لا تجزئان عن صلاة الفجر؛ لأن النافلة لا تجزئ عن صلاة الفريضة؛ ولأنه لابد من تعيين الصلاة بالنية عندما تريد أن تصلي الفجر تنوي أنها الفجر، وعندما تريد أن تصلي الظهر تنوي أنها الظهر وهكذا، والله الموفق.
---
(1) أخرجه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب ركعتي سنة الفجر ح96 (725).
(2) أخرجه البخاري في الوتر باب: ليجعل آخر صلاته وتراً ح(998). ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب: صلاة اليل مثنى مثنى ح151 (751).(76/163)
(3) أخرجه مسلم في كتاب صلاة المسافرين باب: جامع صلاة الليل ح139 (746).
(1) رواه البخاري/ كتاب التهجد: باب صلاة الضحى في الحضر، ومسلم/ كتاب صلاة المسافرين: باب استحباب صلاة الضحى.
(2) تقدم تخريجه ص113.
(3) متفق عليه من حديث ابن عمر: رواه البخاري في أول الوتر ح(990) ومسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل مثنى مثنى ح145 (749).
(1) تقدم تخريجه ص113.
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب: كم الوتر ح(1422) وسيأتي ص119 بسياق الشيخ له.
(1) متفق عليه وتقدم ص115.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب: كم الوتر ح(1422).
(4) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل ح123 (737).
(5) رواه أيضاً الترمذي في الصلاة باب: ما جاء في الوتر بخمس ح(459)، ورواه النسائي في قيام الليل، باب 41: كيف الوتر بخمس وباب 42 و 43 ح(1714 – 1726)، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب: ما جاء في الوتر بثلاث وخمس وسبع وتسع ح(1190) و (1191).
(6) تقدم حديثه ص115، أما فعله فرواه مالك في موطأه باب: الأمر بالوتر 1/121 (306).
(7) متفق عليه، رواه البخاري في التهجد باب: قيام النبي صلى الله عليه وسلم بالليل ح(1147) ومسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل... ح125 (738).
(1) متفق عليه وتقدم ص113.
(2) انظر: زاد المعاد 1/321 وما بعدها.
(3) ورد ذكر هاتين الركعتين فيما رواه مسلم ح126 (738) كتاب صلاة المسافرين عن أبي سلمة قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "كان يصلي ثلاث عشرة ركعة، يصلي ثمان ركعات ثم يوتر، ثم يصلي ركعتين وهو جالس..." الحديث.
(4) متفق عليه وتقدم تخريجه ص112.
(1) راجع ص118.
(2) رواه أبو داود في الصلاة باب: في نقض الوتر ح(1439).
(3) متفق عليه وتقدم ص112.
(4) متفق عليه وتقدم ص115.(76/164)
(5) إشارة إلى ما كان في المسجد الحرام من الوتر في أول الليل والوتر في آخره.
(6) رواه أبو داود في الصلاة – باب متى يتم المسافر 2/23 (1229).
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص112.
(2) متفق عليه من حديث أنس وفي أوله: "وإنما جعل الإمام ليؤتم به". رواه البخاري في الصلاة باب: الصلاة في السطوح... ح(378) ومسلم في الصلاة ائتمام المأموم بالإمام ح(77 – 81 (411).
(3) متفق عليه، رواه البخاري في تقصير الصلاة باب: الصلاة بمنى ح(1084) ومسلم في صلاة المسافرين باب: قصر الصلاة بمنى ح19 (695).
(4) وهو جواب لسؤال ربيعة الأسلمي لما قال للرسول صلى الله عليه وسلم أسألك مرافقتك في الجنة، قال: أو غير ذلك" قلت: هو ذاك. قال: "فأعني على...." الحديث رواه مسلم في الصلاة باب: فضل السجود ح226 (489).
(1) ?8??????[1][1]???"??
?????[2][1][2][1]?[2][1]
(1)متفق عليهوتقدم تخريجهص 115.
(2)رواه مسلم وتقدم ص113.
(4) رواه ابو داوود في الصلاة باب : القنوت في الوتر ح (1425) ، والترمزي في الصلاة باب: ما جاء في القنوت في الوتر، وابن ماجة في إقامة الصلاة، باب: ما جاء في القنوت في الوتر ح(1178).
(1) جزء من حديث طويل رواه البخاري في الأذان باب: الأذان للمسافر ح(631).
(1) رواه أبو داود في المناسك باب: الصلاة بمنى ح(1960).
(2) رواه البخاري في الأذان باب: وضع اليمنى على اليسرى ح(740).
(1) رواه أبو داود وغيره، وتقدم تخريجه ص130.
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الجماعة والإمامة باب: إذا طول الإمام (668)، ومسلم في الصلاة باب: القراءة في العشاء ح178 (465).
(3) متفق عليه وتقدم تخريجه ص135.
(4) رواه أحمد 3/137 وانظر ص173.
(5) سنن البيهقي في الصلاة باب: رفع اليدين في القنوت 3/41.
(6) رواه أبو داود وغيره. وتقدم تخريجه ص130.
(1) رواه البخاري وتقدم ص132.
(2) تقدم تخريجه ص130.(76/165)
(3) متفق عليه من حديث أبي مسعود الأنصاري، رواه البخاري في العلم باب: الغضب في الموعظة ح(90)، ومسلم في الصلاة باب: أمر الأئمة بتخفيف الصلاة ح(182 (466) وهذا لفظ مسلم.
(1) رواه مسلم/ كتاب الصلاة: باب في ثواب الصلاة على الني صلى الله عليه وسلم.
(1) متفق عليه من حديث المسيب بن حزن، رواه البخاري في الجنائز باب: ماذا قال للمشترك عند الموت... ح(1360). ورواه مسلم في الإيمان باب 9: الدليل على صحة إسلام... ح39 (24).
(1) متفق عليه من حديث العباس بن عبد المطلب، رواه البخاري في مناقب الأنصار باب قصة أبي طالب ح(3883)، ومسلم في الإيمان باب: شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لعمه ح357 (209).
(1) انظر المجلد الثامن من هذا المجموع، ص327.
(1) جاء فيه حديث السائب بن يزيد عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دعا رفع يديه، ومسح بهما وجهه. رواه أبو داود (1492)، وحديث عمر بن الخطاب قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رفع يديه في الدعاء لم يحطهما حتى يمسح بهما وجهه. رواه الترمذي (3386).
(2) رواه أبو داود وغيره، وتقدم ص130.
(1) رواه البخاري في فضائل القرآن، باب: فضل الفاتحة (4721).
(2) رواه أبو داود وتقدم تخريجه ص125.
(3) رواه البخاري في العلم، باب: السهر في العلم ح(117)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح181 (763).
(4) رواه البخاري في التهجد باب: طول القيام في صلاة الليل ح (1135)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة، ح204 (773).
(5) رواه مسلم في الموضع السابق ح203 (772).
(6) متفق عليه وتقدم تخريجه ص112.
(1) تقدم تخريجه ص113.
(2) تقدم تخريج الأحاديث ص157.
(1) من دروس المسجد الحرام.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص115.
(3) رواه مسلم وتقدم تخريجه ص113.
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص112.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص120.
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص115.(76/166)
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص114.
(3) راجع ما تقدم ص118.
(4) متفق عليه وتقدم تخريجه ص136.
(1) رواه مسلم في كتاب الإمارة، باب: فضيلة الإمام العادل ح18 (1828).
(2) رواه البخاري في الأذان، باب: من أخف الصلاة عند بكاء الصبي ح(708). رواه مسلم في الصلاة، باب: أمر الآئمة بتخفيف الصلاة في تمام ح190 (469).
(3) متفق عليه من حديث أنس رواه البخاري في الأذان باب 65: من أخف الصلاة عند بكاء الصبي ح(707)، ورواه مسلم في الصلاة، باب: الأمر بتخفيف الصلاة ح192 (470).
(4) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الأذان باب: لا يسعى إلى الصلاة وليأتها بالسكينة والوقار ح(636)، ومسلم في المساجد باب: استحباب إتيان الصلاة بوقار... ح151 (602).
(5) رواه البخاري في كتاب الأذان، باب 114: إذا ركع دون الصف ح(783).
(1) متفق عليه من حديث عبادة بن الصامت، رواه البخاري في الأذان، باب: وجوب القراءة للإمام والمأموم، ح(756)، ومسلم في الصلاة باب: وجوب قراءة الفاتحة ح34 (394).
(2) متفق عليه من حديث أنس رواه البخاري في المغازي باب: غزوة الرجيع و ... ح(4095)، ومسلم في المساجد باب: استحباب القنوت... ح297 (677).
(3) رواه مسلم في الموضع السابق ح294 (675).
(1) متفق عليه من حديث النعمان بن بشير، رواه البخاري في الأدب، باب: رحمة الناس والبهائم ح(6011)، ورواه مسلم في البر باب: تراحم المؤمنين... ح66 (2586) وهذا لفظ مسلم.
(2) تقدم تخريجه ص173.
(3) تقدم تخريجه ص130.
(1) رواه الحاكم في مستدركه في الوتر باب: الوتر حق 1/446 (1137) و (1138). وصححه ووافقه الذهبي وصححه ابن حجر، راجع التلخيص الحبير 2/-3 (512)، ولفظه: "لا توتروا بثلاث ولا تشبهوا بصلاة المغرب أوتروا بخمس أو سبع".
(2) رواه أبو داود، وتقدم تخريجه ص134.(76/167)
(3) متفق عليه من حديث أبي موسى الأشعري، رواه البخاري في الجهاد باب: ما يكره من التنازع... ح(3038). ورواه مسلم في الجهاد، باب: الأمر بالتيسير... ح7 (1733).
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر، رواه البخاري في البيوع باب: لا يبيع على بيع أخيه... ح(2139) و (2140)، ومسلم في البيوع باب: تحريم بيع الرجل... ح7 و 8 (1412) و 9 (1515) من حديث أبي هريرة.
(1) رواه البخاري في التهجد باب: تحريض النبي صلى الله عليه وسلم على صلاة الليل... ح(1129)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الترغيب في قيام رمضان... ح177 – (761).
(2) تقدم تخريجه ص16.
(3) في كتاب التهجد باب: كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم... ح(1138)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح194 (764).
(4) في الصلاة باب: ما جاء في قيام رمضان 1/110 (280).
(5) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص115.
(6) رواه مالك في الموضع السابق ح(280).
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص120.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص187.
(3) رواه أبو داود في الصلاة باب: قيام شهر رمضان ح(1375) ورواه الترمذي وصححه في الصوم باب: ما جاء في قيام رمضان ح(806)، والنسائي في السهو باب: 103: ثواب من صلى مع الإمام حتى ينصرف 3/93 (1363)، ورواه ابن ماجة في إقامة الصلاة باب 173: ما جاء في قيام شهر رمضان ح(1327).
(4) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص112.
(5) تقدم تخريجه ص127.
(1) متفق عليه تقدم تخريجه ص187.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص120.
(3) متفق عليه وتقدم ص187.
(4) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم ص115.
(5) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الأذان، ومسلم في الصلاة باب وجوب قراءة الفاتحة في كل ركعة ح45 (398).
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص120.
(2) في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح182 (763).
(3) في الموضع السابق ح195 (765).(76/168)
(4) تقدم تخريجه ص115.
(5) متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الصلح باب 5: إذا اصطلحوا على صلح جور ح(2697)، ومسلم في الأقضية باب: نقض الحكام.... ح17 (1718).
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص115.
(2) متفق عليه وتقدم ص120.
(3) متفق عليه من حديث ابن عباس، وتقدم ص187.
(4) تقدم تخريجه ص188.
(5) رواه البيهقي في الصلاة باب: عدد ركعات القيام... 2/496 وراجع التلخيص الحبير 2/45 (541). وانظر ص246 من هذا الكتاب.
(6) رواه مالك في الصلاة، باب: ما جاء في قيام رمضان 1/110 (281) وضعفه البيهقي في الصلاة 2/496.
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص120.
(3) تقدم تخريجه ص190.
(4) تقدم تخريجه ص127.
(1) رواه البخاري في الصوم باب: من لم يدع... ح(1903).
(2) رواه البخاري في الرقاق باب: التواضع ح(6502) من حديث أبي هريرة القدسي.
(3) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص115.
(4) متفق عليه وتقدم تخريجه ص195.
(5) متفق عليه وتقدم ص120.
(1) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم ص115.
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر وتقدم تخريجه ص115.
(3) رواه أبو داود وتقدم تخريجه ص134.
(4) رواه أصحاب السنن وتقدم ص190.
(1) متفق عليه وتقدم ص115.
(2) تقدم تخريجه ص190.
(3) متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.
(4) تقدم تخريج حديثه ص127.
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الإيمان باب: تطوع قيام رمضان من الإيمان ح(37)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الترغيب في قيام رمضان... ح173 (759).
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة وتقدم ص109.
(2) متفق عليه وتقدم تخريجه ص187.
(3) تقدم تخريجه ص120.
(4) تقدم تخريجه ص188.
(5) تقدم تخريجه ص115.
(6) تقدم تخريجه ص190.
(1) رواه الدارمي في فضائل القرآن باب: في ختم القرآن 2/468.
(1) في الزكاة باب: الحث على الصدقة... ح69 (1017).
(2) رواها أحمد 4/361 (1953).(76/169)
(3) رواها أحمد 4/361 (1957).
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص196.
(2) رواه مسلم في الجمعة باب: تخفيف الصلاة والخطبة ح43 (867).
(3) رواه النسائي في العيدين باب: كيف الخطبة ح1577.
(4) تقدم تخريجه ص196.
(1) رواه أحمد 3/369.
(2) رواه الترمذي في الصلاة باب: ما جاء في ترك القنوت وصححه وتابعه محققاً زاد المعاد 1/263.
(1) رواه الدرامي وتقدم ص212.
(2) رواه أصحاب السنن وتقدم تخريجه ص190.
(1) رواه البخاري في فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر (2016)، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (215).
(2) رواه البخاري في فضل ليلة القدر، باب: التماس ليلة القدر (2015)، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (215).
(3) تقدم في الموضع السابق.
(4) رواه البخاري في صلاة التراويح، باب: تحري ليلة القدر في الوتر من العشر الأواخر (1913)، ومسلم في الصيام، باب: فضل ليلة القدر (1169).
(5) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وتقدم تخريجه ص209.
(6) رواه الترمذي في الدعوات 5/534 باب: 85 ح(3513) وقال: حسن صحيح.
(1) من حديث أبي بن كعب، رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الترغيب في قيام رمضان ح179 (762).
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الجماعة والإمامة/ باب إذا صلى ثم أم قوماً... ح(465)، ومسلم في الصلاة/ باب القراءة في العشاء... ح(679).
(1) رواه مالك، في الصلاة باب 7: العمل في القراءة 1/86 (225).
(2) رواه أبو داود، في الصلاة باب: رفع الصوت بالقراءة في صلاة الليل ح(1332).
(1) رواه البيهقي في الشهادات باب: تحسين الصوت بالقرآن 10/231، وأبو يعلى 13/266 (7279).
(1) رواه الطبري في "الكبير" 12/370، والهيثمي في "المجمع" 2/23.
(2) تقدم تخريجه ص231.
(3) رواه مسلم في صلاة المسافرين، باب: الترغيب في قيام رمضان (762).
(1) رواه أهل السنن وتقدم تخريجه ص190.(76/170)
(2) رواه النسائي في السهو، باب: البكاء في الصلاة ح(1213) ورواه بنحوه أبو داود في الصلاة ح(904).
(3) رواه مسلم في الصلاة، باب: ما يقال في الركوع والسجود ح215 (482).
(1) رواه البيهقي، وتقدم تخريجه ص197.
(2) راجع المصنف في صلاة التطوع باب: كم يصلي في رمضان 2/386 (13).
(3) تقدم تخريجه ص120.
(4) تقدم تخريجه ص195.
(5) متفق عليه وتقدم تخريجه ص187.
(1) تقدم تخريجه ص188.
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص219.
(2) قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله – في "الفتح" (5/37): "رواه الكلبي في تفسيره عن ابن عباس...، وإسناده وإن كان ضعيفاً، لكن تقوى بطريق مجاهد". وانظر المجلد العاشر من هذا المجموع ص741.
(3) رواه أبو داود في السنة باب: لزوم السنة ح(4607)، والترمذي في العلم باب: ما جاء في الأخذ بالسنة... ح(2676) وقال: حسن صحيح.
(4) رواه الترمذي في مناقب أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ح(3662).
(5) رواه الترمذي في مناقب عمر ح3672 وحسنه.
(6) رواه البخاري في فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب: مناقب عمر ح(3689) من حديث أبي هريرة، ورواه مسلم في فضائل الصحاب في فضائل عمر من حديث عائشة ح23 (2398).
(1) رواه مالك وتقدم تخريجه ص188.
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص120.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص187.
(3) متفق عليه من حديث ابن عباس، رواه البخاري في الوضوء باب: قراءة القرآن بعد الحدث ح(183)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح182 (763).
(4) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل وقيامه ح195 (765).
(5) رواه البخاري في التهجد باب: كيف صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ح1139.
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في الصوم باب 49: التنكيل لمن أكثر الوصال ح(1966). ورواه مسلم في الصيام باب: النهي عن الوصال في الصوم ح58 (1103).(76/171)
(2) رواه البخاري في التهجد باب: طول القيام في صلاة الليل ح(1135) ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تطويل القراءة في صلاة الليل ح204 (773).
(3) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص160.
(4) متفق عليه من حديث عائشة وتقدم تخريجه ص187.
(5) رواه أحمد 5/159 (21411)، ونيل الأوطار 3/50.
(6) راجع الموطأ باب: ما جاء في قيام رمضان 1/110 ح280 و 282 و 283.
(7) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص126.
(8) رواه أبو داود وتقدم تخريجه ص125.
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: جامع صلاة الليل ح139 (746).
(2) رواه مالك وتقدم ص188.
(3) متفق عليه، رواه البخاري في الصوم باب: حق الجسم في الصوم ح(1975)، ومسلم في الصيام باب: النهي عن صوم الدهر ح181 (1159).
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص120.
(2) متفق عليه من حديث ابن عمر، وتقدم تخريجه ص115.
(3) متفق عليه وتقدم تخريجه ص115.
(4) رواه البخاري في الوتر، باب: إيقاظ النبي صلى الله عليه وسلم أهله بالوتر ح(997)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: صلاة الليل... ح135 (744).
(5) في الموضع السابق ح139 (737).
(6) في الموضع السابق ح139 (746).
(1) متفق عليه، رواه البخاري في التهجد باب: الركعتين بعد الظهر ح(1180)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: فضل السنن الراتبة... ح104 (729).
(2) رواه البخاري في الموضع السابق ح(1182).
(3) راجع حديث حفصة في تخفيف ركعتي الفجر وهو متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب: الأذان بعد الفجر ح(618)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب ركعتي سنة الفجر... ح87 (723) وراجع بقية أحاديث الباب من 87 إلى 95.
(4) رواه مسلم في الموضع السابق ح98 (726) و99 (727).
(5) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب صلاة الضحى... ح78 (719).
(6) متفق عليه وتقدم ص120.
(1) متفق عليه وتقدم ص115.
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: من خاف أن لا يقوم من آخر الليل... ح162 (755).(76/172)
(3) راجع ص266.
(1) متفق عليه من حديث جابر بن عبد الله، رواه البخاري في الجمعة باب: إذا رأى الإمام رجلاً... ح(930)، ومسلم في الجمعة باب: التحية والإمام يخطب ح54 (875).
(2) رواه البخاري في العلم، باب: من قعد حيث ينتهي به المجلس... ح(66)، ورواه مسلم في السلام، باب من أتى مجلساً... ح26 (2176).
(3) متفق عليه، رواه البخاري في مواضع منها المغازي باب: حديث كعب بن مالك (4418)، ومسلم في التوبة باب: توبة كعب ح53 (2769).
(1) رواه أبو داود في الصلاة، باب: الصلاة قبل المغرب ح(1281).
(2) متفق عليه من حديث عبد الله بن مغفل المزني، رواه البخاري في الأذان باب: بين كل أذانين صلاة ح(627)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: بين كل أذانين صلاة ح304 (838).
(1) تقدم تخريجه ص272.
(1) رواه الترمذي وضعفه ولفظه: "من صلى بعد المغرب ست ركعات لم يتكلم فيما بينهم بسوء عدلن بعبادة ثنتي عشرة سنة" في الصلاة باب: ما جاء في التطوع بعد المغرب ح(435).
(1) متفق عليه، أخرجه البخاري في التهجد باب: ما يقرأ في ركعتي الفجر ح(1171)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب ركعتي سنة الفجر... ح92 (724)، وراجع أيضاً حديث حفصة تقدم تخريجه ص262.
(2) تقدم تخريجه ص266.
(3) متفق عليه من حديث جابر، وتقدم ص269.
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: الصلاة قبل العصر ح(1271)، والترمذي في الصلاة باب: ما جاء في الأربع قبل العصر ح(430) وحسنه.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص272.
(3) متفق عليه من حديث عمران بن حصين، رواه البخاري في المناقب باب: علامات النبوة في الإسلام ح(3571)، ومسلم في المساجد باب: قضاء الصلاة الفائتة واستحباب ... ح312 (682).
(1) متفق عليه من حديث زيد بن ثابت، رواه البخاري في الأذان باب: صلاة الليل ح(731)، ورواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب صلاة النافلة في بيته...ح213 (781).(76/173)
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: كراهة الشروع في نافلة... ح63 (710).
(3) متفق عليه من حديث أبي هريرة، وتقدم تخريجه ص171.
(4) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص113.
(1) متفق عليه من حديث أنس، وأخرجه البخاري ح(597) في مواقيت الصلاة باب: من نسي صلاة فليصل إذا ذكر... ح(597)، ورواه مسلم في المساجد باب: قضاء الصلاة ... ح316 (684).
(2) رواه البخاري في السهو، باب إذا كلم وهو يصلي فأشار بيده واستمع (1176)، ومسلم في المسافرين/ باب معرفة الركعتين اللتين كان يصليهما (834).
(3) متفق عليه من حديث أبي قتادة، رواه البخاري في الصلاة باب: إذا دخل المسجد فليركع ركعتين ح(444)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب تحية المسجد... ح69 و 70 (714).
(4) متفق عليه من حديث أنس، رواه البخاري/ كتاب النكاح: باب الترغيب في النكاح... ح(5063)، ومسلم/ كتاب النكاح: باب استحباب النكاح... ح5 (1401).
(5) متفق عليه وتقدم تخريجه ص261.
(1) متفق عليه من حديث عائشة رواه البخاري في فضل ليلة القدر باب: العمل في العشر الأواخر... ح(2024)، ومسلم في الاعتكاف باب: الاجتهاد في العشر... ح7 (1174).
(2) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب الضحى... ح84 (720).
(3) تقدم تخريجه ص112.
(4) تقدم تخريجه ص123.
(5) وتقدم تخريجه ص113.
(6) متفق عليه وتقدم ص115.
(7) متفق عليه وتقدم ص272.
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص282.
(2) متفق عليه، رواه البخاري في مواضع منها في الصلاة مختصراً باب: الصلاة إذا قدم من سفر ح(443)، القصة كاملة في البيوع ح(2097)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: استحباب الركعتين في المسجد لمن قدم من سفر... ح71 – 73 (715).
(3) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص282.
(4) رواه البخاري في صفة الصلاة، باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1133)، ومسلم في الحج، باب: فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة (1394).
(5) رواه مسلم في الموضع السابق (1396).(76/174)
(6) رواه البخاري في صفة الصلاة، باب: فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة (1332)، ومسلم في الحج، باب: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد... (1397).
(7) رواه البخاري في الصلاة، باب: كيف فرضت الصلوات في الإسراء (342)، ومسلم في الإيمان باب: الإسراء (163).
(8) رواه مسلم في الجمعة باب: الصلاة بعد الجمعة ح73 (883).
(1) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص282.
(1) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان، باب: ما يتخير من الدعاء بعد التشهد... ح(385)، ومسلم في الصلاة، باب التشهد في الصلاة ح55 (402).
(2) رواه مسلم في الجمعة باب: تخفيف الصلاة والخطبة ح53 (874) ولفظه: "قبح الله هاتين اليدين، لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يزيد على أن يقول بيده هكذا وأشار بإصبعه المسبحة" والقائل هو: عمارة بن روبية.
(3) متفق عليه من حديث أنس، رواه البخاري في الجمعة باب: رفع اليدين... ح(932) و (933)، ومسلم في الاستسقاء باب: الدعاء في الاستسقاء ح8 (897).
(1) رواه مسلم بلفظ: "إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً..." في الصلاة باب: استحباب القول مثل قول المؤذن (384).
(2) رواه البخاري في الأذان، باب: الدعاء عند النداء (614).
(3) أخرجه البيهقي في "السنن الكبرى" 1/410، وتقدم في المجلد الثاني عشر ص199 من هذا المجموع فتوى برقم 125 عن زيادة: "إنك لا تخلف الميعاد".
(4) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص291.
(5) رواه مسلم من حديث عائشة رضي الله عنها في صلاة المسافرين باب: جامع صلاة الليل ح141 (746).
(6) رواه البخاري ح(6464) في الرقاق باب: القصد والمداومة على العمل، ومسلم في صلاة المسافرين باب: فضيلة العمل الدائم ح216 (782).
(1) رواه البخاري رقم (1152) كتاب التهجد، باب: ما يكره من ترك قيام الليل... ومسلم في الصيام باب: النهي عن صوم الدهر... ح185 (1159).(76/175)
(2) الحديث رواه مسلم وتقدم تخريجه ص267.
(3) رواه الترمذي في الصلاة باب: ما يستحب من الجلوس في المسجد... ح(586) وقال: حسن غريب.
(4) رواه مسلم في المساجد باب: فضل الجلوس في مصلاه بعد الصبح... ح287 (670).
(1) متفق عليه من حديث عثمان رضي الله عنه، رواه البخاري في الوضوء باب: الوضوء ثلاثاً ثلاثاً ح(159)، ومسلم في الطهارة باب: صفة الوضوء وكماله ح3 (226).
(1) متفق عليه من حديث عمر – رضي الله عنه – رواه البخاري في أول بدء الوحي ح(1)، ومسلم في الإمارة باب: إنما الأعمال بالنية... ح155 (1907).
(2) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها، رواه البخاري في الجمعة باب: من أين يؤتى الجمعة... ح(902)، ومسلم في الجمعة باب: وجوب غسل الجمعة ح6 (847).
(1) رواه مسلم وتقدم ص113.
(1) رواه البخاري في سجود القرآن باب 10: من رأى أن الله عز وجل لم يوجب السجود ح(1077).
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الموضع السابق باب 6 ح(1072)، ومسلم في المساجد باب: سجود التلاوة ح106 (577).
(3) ورد في نهاية حديث حذيفة الذي رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص159.
(4) متفق عليه من حديث عائشة، رواه البخاري في الأذان باب: التسبيح والدعاء في السجود ح(817)، ومسلم في الصلاة باب: ما يقال في الركوع والسجود ح217 (484).
(5) جزء من حديث علي الطويل، رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح201 (771). ورواه أبو داود في الصلاة باب: ما يقول إذا سجد (580) وصححه.
(6) رواه الترمذي في الموضع السابق ح(579) وحسنه.
(1) متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رواه البخاري في الأذان باب: إتمام التكبير في الركوع ح(785) ومسلم في الصلاة باب: إثبات التكبير في كل... ح27 (392).
(2) في الأذان باب: إتمام التكبير في الركوع ح(784).
(3) متفق عليه وتقدم تخريجه ص311.
(4) رواه أحمد 1/418 (3972).
(1) في التطبيق: باب التكبير للسجود ح(1082) و (1141).(76/176)
(2) في الصلاة باب: التكبير في الركوع والسجود ح(253).
(3) رواه الترمذي وتقدم ص309.
(4) متفق عليه وتقدم ص311.
(5) متفق عليه وتقدم ص311.
(6) متفق عليه من حديث أبي هريرة، رواه البخاري في سجود القرآن باب: سجدة (إذا السماء انشقت) ح(1074) وسلم في المساجد باب: سجود التلاوة ح107 (578).
(1) رواه أبو داود في الصلاة، باب: ما يقول الرجل في ركوعه وسجوده ح(869). وقول: سبحان ربي الأعلى ورد في أحاديث أخرى منها ما تقدم ص175.
(2) متفق عليه، وتقدم ص159.
(3) رواه مسلم، وتقدم ص310.
(4) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص311.
(5) رواه الترمذي، وتقدم ص311.
(6) الحديث متفق عليه من حديث ابن عباس، رواه البخاري في التيمم، باب: التيمم في الحضر... ح(337)، ورواه مسلم في الحيض، بالب التيمم... ح114 (369).
(7) رواه أبو داود في الطهارة، باب: التيمم في الحضر ح(330) ولفظه: "إنه لم يمنعني أن أرد عليك السلام إلا أني لم أكن على طهارة".
(8) تقدم تخريجه ص309.
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص196.
(1) رواه البخاري في التهجد باب: ما جاء في التطوع مثنى مثنى ح(1166).
(2) حديث صلاة الحاجة رواه الإمام أحمد عن أبي الدرداء 1/443 (27486). ورواه الترمذي وضعفه من حديث عبد الله بن أبي أوفى في الصلاة باب: ما جاء في صلاة الحاجة ح(479).
(3) رواه الترمذي في الدعوات باب: دعاء الحفظ ح(3570) وقال: حسن غريب.
(4) انظر صفتها في الفتاوى التالية.
(1) في الصلاة، باب: صلاة التسبيح ح(1297)، ورواه الترمذي في الصلاة باب: ما جاء في صلاة التسبيح ح(482) وقال: حديث غريب.
(2) في إقامة الصلاة باب: ما جاء في صلاة التسبيح ح(1386) و (1387).
(3) في أبواب التطوع باب: صلاة التسبيح 2/223 ح(1216).
(1) راجع تخريجه ص325.
(2) تقدم تخريجه ص325.
(3) رواه مسلم في الحج باب: فرض الحج مرة في العمر ح412 (1337).
(1) تقدم تخريجه ص202.
(2) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص160.(76/177)
(3) متفق عليه، رواه البخاري في الصلاة باب: الصلاة على الحصير ح(380)، ومسلم في المساجد باب: جواز الجماعة في النافلة ح266 (658).
(4) تقدم تخيجه ص115.
(1) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص160.
(2) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان باب: إذا قام الرجل عن يسار الإمام ح(726)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: الدعاء في صلاة الليل ح181 (763).
(3) متفق عليه، وتقدم تخريجه ص160.
(4) انظر "المصنف" لعبد الرزاق 6/191، والهيثمي في "المجمع" 4/291.
(5) رواه أبو داود في النكاح باب: في جامع النكاح ح(2160).
(6) راجع تخريج حديث صلاة الحاجة ص323.
(1) متفق عليه من حديث طلحة بن عبيد الله، رواه البخاري في الإيمان، باب: الزكاة من الإسلام ح(46)، ومسلم في الإيمان باب: بيان الصلوات... ح8 (11).
(2) رواه البخاري في الإيمان والنذور باب: النذر في الطاعة ح(6696).
(1) تقدم تخريجه ص283.
(2) تقدم تخريجه ص284.
(1) رواه أبو داود في الصلاة باب: الصلاة يوم الجمعة قبل الزوال ح(1083).
(2) متفق عليه من حديث أبي سعيد الخدري، رواه البخاري في المواقيت باب: لا تتحرى الصلاة. ح(586)، ومسلم في صلاة المسافرين باب: الأوقات التي نهى عن الصلاة فيها ح288 (827).
(3) متفق عليه، رواه البخاري في الأذان، باب: ما يتخير من الدعاء... ح(835)، ومسلم في باب: التشهد في الصلاة ح55 (402).
(4) رواه أبو داود في الصلاة، باب: الجمع في المسجد مرتين ح(575) و (576).
(5) رواه أبو داود في المناسك، باب: الطواف بعد العصر ح(1894)، ورواه الترمذي في الحج، باب: ما جاء في الصلاة بعد العصر... ح(868) وقال: حسن صحيح.
(1) حديث المسيء صلاته وتقدم ج13/119.
(1) رواه مسلم في المساجد، باب الأوقات التي نهي عن الصلاة فيها ح293 (831).
(2) تقدم تخريجه ص283.
(3) رواه مسلم في صلاة المسافرين باب: لا تتحروا بصلاتكم... ح295 (833).
(1) متفق عليه وتقدم تخريجه ص272.(76/178)
(2) رواه البخاري في التهجد، باب: الصلاة قبل المغرب.
(1) رواه مسلم، وتقدم ص291.
(2) تقدم تخريجه ص282.
(1) رواه مسلم في صلاة المسافرين، باب: استحباب صلاة النافلة في بيته... ح208 (777).
(1) تقدم تخريجه ص2.
(2) رواه مسلم، وتقدم تخريجه ص112.
(3) تقدم تخريجه ص112.
(4) تقدم تخريجه ص213.
(5) تقدم تخريجها ص160.
(6) تقدم تخريجه ص287.
(1) رواه البخاري وتقدم ص202.(76/179)
المجلد الخامس عشر(/)
مجموع فتاوى و رسائل - المجلد الخامس عشر
باب صلاة الجماعة
محمد بن صالح العثيمين
باب صلاة الجماعة
______________________
924/ سئل فضيلة الشيخ : عن حكم صلاة الجماعة ؟
فأجاب فضيلته بقوله:صلاة الجماعة اتفق العلماء على أنها من أجل الطاعات , وأوكدها , وأفضلها , وقد ذكرها الله تعالى في كتابه , وأمر بها حتى في صلاة الخوف فقال الله تعالى:(وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَخُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيناً) (النساء:102)
وفي سنة رسول الله صلي الله عليه وسلم من الأحاديث العدد الكثير الدال على وجوب صلاة الجماعة , مثل قوله صلي الله عليه وسلم:((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام , ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس , ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار))(1) .
وكقوله صلي الله عليه وسلم ((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) (2) .(77/1)
وكقوله صلي الله عليه وسلم للرجل الأعمى الذي طلب منه أن يرخص له ((أتسمع النداء؟))قال:نعم,قال ((فأجب))(1). وقال ابن مسعود – رضي الله عنه – ((لقد رأيتنا – يعني الصحابة مع رسول الله صلي الله عليه وسلم -وما يختلف عنها – أي عن صلاة الجماعة – إلا منافق معلوم النفاق,أو مريض, ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف))(2).
والنظر الصحيح يقتضي وجوبها,فإن الأمة الإسلامية أمة واحدة,ولا يتحقق كمال إلا بكونها تجتمع على عبادتها وأجل العبادات وأفضلها و أو كدها الصلاة,فكان من الواجب على الأمة الإسلامية أن تجتمع على هذه الصلاة .
وقد اختلف العلماء رحمهم الله بعد اتفاقهم على أنها من أو كد العبادات وأجل الطاعات اختلفوا هل هي شرط لصحة الصلاة؟ أو أن الصلاة تصح بدونها مع الإثم؟مع خلافات أخرى .
والصحيح:أنها واجب للصلاة,وليست شرط في صحتها,لكن من تركها فهو آثم إلا أن يكون له عذر شرعي,ودليل كونها ليست شرطاً لصحة الصلاة أن الرسول عليه الصلاة والسلام فضل صلاة الجماعة على صلاة الفذ(3)
وتفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ يدل على أن في صلاة الفذ فضلاً,وذلك لا يكون إلا إذا كانت صحيحة.
وعلى كل حال فيجب على المسلم العاقل الذكر البالغ أن يشهد صلاة الجماعة سواء كان ذلك في السفر أم في الحضر.
* * *
925/ سئل فضيلة الشيخ:عن قوم يصلون الجماعة في البيت؟(77/2)
فأجاب فضيلته بقوله:ننصح هؤلاء بأن يتقوا الله سبحانه وتعالى ويصلوا الجماعة مع المسلمين في المساجد فإن الراجح من أقوال أهل العلم في هذه المسألة أن صلاة الجماعة واجبة في المساجد وأنه لا يجوز للرجل أن يتخلف عن صلاة الجماعة في المساجد إلا إذا كان لعذر,لأن النبي صلي الله عليه وسلم يقول((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس,ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الجماعة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار )) (1) . هؤلاء القوم قد يكونون يصلون,لكن الرسول عليه الصلاة والسلام أراد أن يصلوا مع الجماعة الذين نصبهم الشرع,والجماعة الذين نصبهم الشرع,هم الجماعة الذين يصلون في المساجد, المساجد التي يدعى إلى الحضور إليها عند الصلاة,ولهذا قال عبد الله بن مسعود ((من سره أن يلقى الله غداً مسلماً فليحافظ على هؤلاء الصلوات حيث ينادى بهن)) (1) .
فقال ((حيث ينادى بهن)),و(حيث) ظرف مكان,أي فليحافظ عليها في المكان الذي ينادى لها فيه.هذا في الصلوات الخمس.
أما الجمعة فواجبة في المساجد قطعاً.
وأما النافلة فيقول النبي صلي الله عليه وسلم(أفضل صلاة في بيته إلا المكتوبة)(2). وعلى هذا فالأفضل للإنسان أن يصلي صلاة التطوع في بيته ماعدا التطوع الذي شرع في المساجد كصلاة الكسوف مثلاً على القول بأنها غير واجبة,والله الموفق.
* * *
926/ سئل فضيلة الشيخ:مجموعة من الأشخاص يسكنون في مكان واحد,فهل يجوز لهم أن يصلوا جماعة في ذلك المسكن أو يلزمهم الخروج إلى المسجد؟(77/3)
فأجاب فضيلته بقوله:الواجب على هؤلاء الجماعة الذين هم في مسكن أن يصلوا في المساجد,ولا يجوز لأحد,أو لجماعة أن يصلوا في البيت والمسجد قريب منهم,أما إذا كان المسجد بعيداً ولا يسمعون النداء فلا حرج عليهم أن يصلوا جماعة في البيت ,وتهاون بعض الناس في هذه المسألة مبني على لبعض العلماء-رحمهم الله- من أن المقصود في الصلاة الجماعة أن يجتمع الناس على الصلاة ولو في غير المسجد,فإذا صلى الناس جماعة ولو في بيوتهم فإنهم قد قاموا بالواجب.
ولكن الصحيح أنه لابد أن تكون الجماعة في المساجد لقول النبي صلي الله عليه وسلم ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس,ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) .مع أن هؤلاء القوم قد يكونوا صلوا في أماكنهم.
فيجب على تلك المجموعة أن يصلوا مع الجماعة في المسجد إلا إذا كانوا بعيدين يشق عليهم.
* * *
927/ سئل فضيلة الشيخ:بعض الناس لا يصلي مع الجماعة فهل يجوز هجرهم؟
فأجاب فضيلته بقوله:هؤلاء الذين لا يصلون مع الجماعة لاشك أنهم تركوا واجباً من الواجبات التي دل عليها كتاب الله,وسنة رسوله صلي الله عليه وسلم,فإن الله أوجب الجماعة في حال الخوف ,فقال تعالى:(وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ )النساء:102) وإذا وجبت الجماعة في حال الخوف ففي حال الأمن من باب أولى.(77/4)
وأما الأحاديث فوجوب الجماعة فيها ظاهر فمن ترك الصلاة مع الجماعة فهو آثم ، بل قال بعض العلماء : إن من ترك الصلاة مع الجماعة بلا عذر فصلاته باطلة ، وهو إحدى الروايات عن الإمام احمد ـ رحمه الله ـ أختارها شيخ الإسلام ابن تيميه ، رحمه الله ـ فهؤلاء الذين يتركون الجماعة يجب على جميع إخوانهم المسلمين ولا سيما أقاربهم أن يبادلوهم النصيحة ، ويخوفوهم من الله عز وجل ، ولا يحل هجرهم بهذه المعصية إلا أن يكون هجرهم سبباً لاستقامتهم وقيامهم بالواجب فيجوز هجرهم بعد نصيحتهم وإصرارهم على المعصية .
***
928 سئل فضيلة الشيخ : نحن جماعة نجتمع في حوش قريب من المسجد ونسمع النداء ونصلي جماعة في الحوش ، فهل عملنا هذا جائز ؟ وهل لي الحق في أن أقيمهم من الحوش ليصلوا في المسجد ؟
فأجاب فضيلته بقوله : عملكم هذا غير جائز ، والواجب عليكم أن تصلوا مع جماعة المسلمين في المسجد، لأن رجلا استأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الصلاة في بيته فقال : (هل تسمع النداء ) ؟ قال : نعم ، قال : ( فأجب)(1) .
ولك الحق في أن تقيمهم من الحوش لتصلوا مع الجماعة بل هذا واجب عليك , في 23/ 7 /1410هـ .
رسالة
فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
نحن مجموعة من المشاركين في مؤتمر . . . . . . . والمنعقد في منطقة . . . . . . وقد قدمنا من خارج المنطقة . . . . . . . وحددت مهمة بعضنا بخمسة أيام وبعضنا الآخر بثلاثة أيام,ولا نعلم أحكام الصلاة في سفرنا هذا, هل نصلي جمع وقصر ,أو قصر بدون جمع أو يلزمنا أداء الصلاة في المساجد؟أفيدونا أفادكم الله.
فأجاب فضيلته بقوله:بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة وبركاته.(77/5)
الأصل أن الجماعة تلزمكم في المساجد مع الناس إذا كنتم في مكان تسمعون فيه النداء بدون مكبر لقربكم من المسجد,فإن كنتم في مكان بعيد لا تسمعون فيه النداء لولا مكبر الصوت فصلوا جماعة في أماكنكم,وكذلك إذا كان في ذهابكم إلى المسجد إخلال بمهمتكم التي قدمتم من أجلها فصلوا جماعة في أماكنكم.
ولكم قصر الصلاة الرباعية إلى ركعتين؛لأنكم في سفر وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه أقام عام الفتح في مكة تسعة عشر يوماً يقصر الصلاة (1) ,وأقام في تبوك عشرين يوماً يقصر الصلاة (2) ,وإقامتكم أنتم دون ذلك . أما الجمع فالأفضل أن لا تجتمعوا إلا أن يشق عليكم ترك الجمع فاجمعوا,وإن جمعتم بدون مشقة فلا حرج لأنكم على سفر .وفقكم الله وبارك فيكم .
كتبه محمد الصالح العثيمين في 18/4/1413هـ .
رسالة
فضيلة الشيخ/محمد بن صالح العثيمين حفظه الله .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . . . وبعد:
أرجو من فضيلتكم الإجابة عن هذين السؤالين:السؤال الأول ويتكون من شقين:
الأول:أننا نلحظ على بعض الشباب أو بعض العوائل يكونون متواجدين إما في حديقة أو استراحة ويدخل وقت الصلاة ويكون المسجد غير بعيد عنهم بحيث يسمعون الأذان,فهل لهم أن يصلوا جماعة في أماكنهم؟
الثاني:توجد في بعض الاستراحات ملاعب للكرة يلعبون بها بعد المغرب ويؤذن لصلاة العشاء فيكملون اللعب ولا يصلون إلا بعد خروج المصلين من مساجدهم بساعة تقريبا كونهم جماعة,ولكي لا يؤذوا المصلين برائحة العرق المنبعثة من أجسادهم بعد لعبهم الكرة,وعذرهم أيضاً بجواز تأخير صلاة العشاء عن وقتها,ما حكم عملهم هذا؟(77/6)
الثالث:عادة عندما تقام مباراة في الملعب الرياضي يكون توقيت بدايتها بعد أذان العصر بعشرين دقيقة تقريبا,فنرى الكثير من الشباب يصلونها جماعات متفرقة بالأماكن المزروعة داخل المدينة الرياضية,ما حكم صلاتهم تلك؟وعن الأرض المزروعة وحكم الصلاة فيها حيث إن بعض المزروعات تسقى بماء التصريف الصحي؟أفتونا بذلك مأجورين,علماً بأن الكثير منا يجهل حكم ذلك,وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
جواب السؤال الأول:إذا كانوا يسمعون الأذان وإن لم يكن بالمكبر مكبر الصوت فعليهم الحضور إلى المسجد على القول الراجح ليحضروا جماعة,أما إذا كانوا لولا المكبر ما سمعوا الأذان فلهم الصلاة جماعة في أماكنهم.
جواب السؤال الثاني:إذا الأمر كما ذكر أعني أنه تحصل لهم رائحة تؤذي أهل المسجد فإنهم يصلون في استراحتهم لئلا يتأذى الناس بهم.
جواب السؤال الثالث:الجواب على ما كانوا داخل المدينة الرياضية أن يصلوا جميعاً خلف إمام واحد وأن يعطي المجتمعون مهلة يمكنهم فيها الوضوء والاجتماع في الغالب.
أما الصلاة في الأماكن المزروعة فلا بأس بها بشرط أن يكبس على الأرض بجبهته حتى يمكنها من الأرض.والمياه الصحية إذا زال عنها أثر النجاسة بطعمها ولونها وريحها فهي طاهرة.
كتبه محمد الصالح العثيمين في 16/3/1419هـ .
929/ سئل فضيلة الشيخ: إذا خرج جماعة إلى ضواحي المدينة للنزهة ويسمعون الأذان من أطراف المدينة فهل تلزمهم الصلاة في المسجد أو يصلون في مكانهم؟(77/7)
فأجاب فضيلته بقوله:أما على المشهور من المذهب من أن الواجب صلاة الجماعة في مكانهم, وأما على رأي من يرى أنه يجب على الإنسان أن يصلي في المسجد,وأن الجماعة لابد أن تكون في المسجد كما هو القول الراجح؛فالظاهر أن هؤلاء لا يلزمهم صلاة الجماعة في المسجد إذا كانوا إنما يسمعون صوت المؤذن بواسطة مكبر الصوت؛وأنه لولا المكبر ما سمعوا,فالظاهر أنه لا يجب عليهم حضور الجماعة في الحال,لأن هذا السماع غير معتاد ولا ضابط له,ولا يقول قائل إن عموم قول النبي صلي الله عليه وسلم:((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) (1) يتناول ما سمع بواسطة المكبر وما سمع بدون المكبر؛لأن خطاب الشارع يحمل على المعهود المعروف,والحقيقة أن سماع المكبر لا ضابط له,فبعض المكبرات يكون صوته عالياً يسمع من بعيد,وبعضها دون ذلك,والمرجع في هذا إلى ما كان معروفاً في عهد الرسول صلي الله عليه وسلم وهو السماع بدون مكبر,والله أعلم.
* * *
930/ سئل فضيلة الشيخ:توجيه نصيحة لمن يتخلف عن صلاة الجماعة؟(77/8)
فأجاب فضيلته بقوله:النصيحة هي أن الله عز وجل قال لنبيه محمد صلي الله عليه وسلم:(وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ) (النساء:102) فأمر الله تعالى بإقامة صلاة الجماعة حتى في حال القتال ومجابهة الأعداء,وهذا يدل على أن الصلاة مع الجماعة واجبة في حال الأمن من باب أولى,وثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال ((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)(1) . فهمه بهذه العقوبة العظيمة يدل على ترك الجماعة إثم عظيم وهو كذلك,حتى قال بعض العلماء,ومنهم شيخ الإسلام ابن تيميه:إن الإنسان إذا تخلف عن الجماعة بلا عذر لم تصح صلاته ولو صلى ألف مرة.فجعلوا حضور الجماعة شرطاً لصحة الصلاة.
* * *
931/ سئل فضيلة الشيخ:عن شباب يجلسون في استراحة,وبينهم وبين المسجد تقريباً كيلو أو كيلو إلا ربع ويصلون في الاستراحة,فهل تجب عليهم صلاة الجماعة؟وبماذا تنصحهم على ضياع أوقاتهم بغير ثمرة ولا فائدة ؟
فأجاب فضيلته بقوله:أنشأ الناس ما يسمى بالاستراحات وفيها شئ من الأشجار والنبات,وصاروا يجلسون فيها من بعد صلاة العصر إلى منتصف الليل,أو قريبا من منتصف الليل,والغالب أنهم لا يحصلون على فائدة إلا مجرد ضياع الوقت,وأنس بعضهم ببعض وما أشبه ذلك,وقد تشتمل هذه الجلسات على شئ محرم,فقد سمعنا أن في بعض هذه الاستراحات توضع الدشوش التي لا يشك أحد اليوم في أنها تفسد الأخلاق وتدمر الأديان؛لأنها تلتقط ما يبث في البلاد الفاسدة من بلاد الكفر وغيرها.(77/9)
فيكون عندهم هذا الدش,ثم يبقون يشاهدون ما يجلبه من المفاسد والمناكر؛لأنهم يمارسونها ويشاهدونها,ومن المعلوم أن من اعتاد على شئ هان عليه,ويقال في المثل السائر:
مع كثرة الإمساس يقل الإحساس.
فهذه الاستراحات والأحواش يحصل فيها مثل هذه المفسدة,ويحصل فيها مفسدة أخرى,حيث يترك مرتادوها الصلاة مع الجماعة,فتجد هذا المكان قريباً من مسجد,يمكن أن يذهبوا إليه بكل راحة,فليسوا كالذين يكونوا في دائرة عمل,لو خرجوا إلى المسجد تفرقوا وتوزعوا وتعطل العمل,أو في المدرسة لو خرج الطلاب إلى المسجد لانتشروا في المسجد,وأساءوا إلى المسجد,أو تفرقوا إلى أهليهم ولم يصلوا,يعني:نحن لو عذرنا أصحاب المكاتب وأصحاب المدارس,إذا صلوا في مدارسهم ومكاتبهم,لم نعذر هؤلاء,لأن هؤلاء عدد محصور يمكن أن يذهبوا جميعاً ويرجعوا جميعاً,فلا عذر لهم فيما نرى,بترك الصلاة في المساجد حتى لو صلوا جماعة,فإن ذلك لا يكفي في حضور المسجد,لقول النبي صلي الله عليه وسلم:
((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجل فيصلي بالناس,ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1). هؤلاء القوم الذين لا يشهدون الصلاة هم النبي صلي الله عليه وسلم أن يحرق عليهم بيوتهم علناً مع احتمال أن يقيموا الجماعة فيها.لكن الرسول صلي الله عليه وسلم أراد أن يحضروا إلى المسجد.وقال صلي الله عليه وسلم للرجل حين استأذنه في ترك الحضور,قال ((هل تسمع النداء؟)) قال:نعم.قال((فأجب)) (2) .فهؤلاء وأمثالهم يجب عليهم أن يصلوا في المسجد ثم يرجعوا إلى مكانهم .
وكذلك أوجه النصيحة إلى من يضع الدش في هذه الاستراحات,وأقول له أتق الله في نفسك,ولاتكن سبباً لفساد الأخلاق,ودمار الأديان,بما يشاهد في هذه الدشوش,كما أنني بالمناسبة أحذر صاحب كل بيت من أن يضع في بيته مثل هذا الدش؛لأنه سوف يخلفه بعد موته,فيكون وبالاً عليه في حياته وبعد مماته.(77/10)
وإني أسأل واضع الدش في بيته وهو يرى هذه المناكر التي تبث منه,هل هو بهذا ناصح لأهل بيته أو غاش لهم؟والجواب ولابد أنه غاش,إلا أن يكون ممن طبع الله على قلبه فلا يحس,لكن سيقول: أنه غاش,فأقول له:اذكر قول الرسول صلي الله عليه وسلم:((ما من عبد يسترعيه الله رعية فيموت حين يموت وهو غاش لها إلا حرم الله عليه الجنة)) (1) .
فأنت الآن إذا مت وقد وضعت لأهلك هذا الدش الذي لا يشك أحد أنه غش في البيت,لأن البيت فيه نساء,وفيه سفهاء صغار,لا يتحاشون الشيء المحرم,فأنت بهذا من يموت وهو غاش لرعيته,فتكون أهلاً للوعيد الشديد الذي جاء في الحديث,من الأسد,وإلا فكيف يليق بالإنسان أن يدمر أخلاقه وأخلاق أهله.
نسأل الله العافية.
أما ضياع الوقت من صلاة العصر إلى قريب منتصف الليل دون فائدة,فلا شك أن ذلك قد يفضي إلى المنكرات العظيمة من الغيبة والنميمة,وضياع الصلوات والاجتماع على الغناء والموسيقى وغيرها من المحرمات,فلو أنهم استغلوا هذه الأوقات في بعض الألعاب النافعة,أن يكون عندهم مسبح مثلاً يتعلمون فيه السباحة أو يتعلمون الرماية بالبنادق الصغيرة,أو يتسابقون أو يستغلوا هذا الوقت في قراءة ما تيسر من كتب العلم النافعة,أو القصص الهادفة للخير,أو أهم من ذلك كله أن يقرءوا القرآن وسيرة النبي صلي الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين.
* * *
932/ سئل فضيلة الشيخ:هل الأفضل في حق الموظف المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان,أو الانتظار لإنجاز بعض المعاملات؟وما حكم التنفل بعدها بغير الرواتب؟
فأجاب فضيلته بقوله:الأفضل في حق جميع المسلمين المبادرة إلى الصلاة عند سماع الأذان؛لأن المؤذن يقول((حي على الصلاة)),والتثاقل عنها يؤدي إلى فواتها.
أما التنفل بعد الصلاة بغير الراتبة فلا يجوز؛لأن وقته مستحق لغيره بمقتضى عقد الإجازة أو الوظيفة,وأما الراتبة فلا بأس بها لأنها ممن جرت العادة بالتسامح فيه من المسؤولين.والله الموفق.
* * *(77/11)
933/ سئل فضيلة الشيخ:عن الأعذار التي تبيح للرجل ترك الجماعة؟وماذا تفيد كلمة ((لا)) في قوله صلي الله عليه وسلم ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد))(1) ؟ وما المراد بسماع النداء؟
فأجاب فضيلته بقوله:
أولاً:هذا الحديث ضعيف فلا حجة فيه,ولكن هناك حديث آخر ثابت وحجة وهو((من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) (2) .
والنفي في قوله ((لا صلاة))ليس المراد به نفي الصحة,وإنما المراد به نفي الكمال,فلا تكمل صلاة من سمع النداء إلا في المسجد,لكن هذا الكمال كمال واجب ,وليس كمالاً مستحباً,فإن الحضور إلى المسجد لأداء صلاة الجماعة واجب الرجال,ولا يجوز لهم التخلف عنها,قال ابن مسعود – رضي الله عنه- ((لقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق,أو مريض)) (1) .فيجب على كل من سمع النداء من الرجال أن يحضر إلى المسجد,ويصلي مع جماعة المسلمين إلا أن يكون هناك عذر شرعي,ومن الأعذار الشرعية ما ذكره النبي صلي الله عليه وسلم في قوله ((لا صلاة بحضرة طعام,ولا وهو يدافعه الأخبثان)) (2) ,فإذا كان الإنسان قد حضر إليه الطعام وهو في حاجة إليه ونفسه متعلقة به,فإن له أن يجلس ويأكل,ويعذر بترك الجماعة وإلا فهو معذور,وكذلك من كان الأخبثان البول أو الغائط يدافعانه ويلحان على الخروج فإنه في هذه الحال يقضي حاجته,ثم يتوضأ ولو خرج الناس من المسجد؛ لأنه معذور,ومن العذر أيضاً أن يكون هناك مطر ووحل فإن في ذلك مشقة في حضور المساجد فللإنسان أن يصلي في بيته,وإلا فالأصل وجوب حضور صلاة الجماعة على كل الرجال في المسجد.
والمراد بسماع الأذان هو بالنسبة للأذان المعتاد الذي ليس فيه مكبر صوت وحتى بالنسبة للأذان المعتاد الذي لا يكون المؤذن فيه خفي الصوت لأنه قد يكون المؤذن ضعيف الصوت وبيتك قريب من المسجد لو أذن غيره لسمعته فالعبرة بذلك القرب المعتاد الذي يسمع فيه النداء في العادة.
* * *(77/12)
934/ سئل فضيلة الشيخ: ما حكم تخلف الحارس للأسواق عن صلاة الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله:من كانت هذه حاله وكان مسؤولا عن حراسة الأسواق والأحياء فإنه معذور بترك الجماعة,وقد نص على ذلك أهل العلم - رحمهم الله – فذكروا في أعذار الجماعة من كان موكلاً بحراسه مال,أو بستان,أو نحو ذلك,وحراسة الأحياء عن الشر والفساد حاجة الناس إليها أعظم من حاجة صاحب البستان إلى حراسة بستانه,وعلى هذا فيكون هذا الرجل الموكل بحراسة الأحياء معذور بترك الجماعة,ولكن يجب عليه أن يصلي الصلاة في وقتها,ولا يحل له تأخيرها عن الوقت,وعليه فتجب مراعاة التناوب بين الحراس ليتمكن كل منهم من أداء الصلاة في الوقت .
* * *
رسالة
صاحب الفضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين حفظه الله
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فإن بعض أعضاء الهيئة يتحرجون من بقائهم إلى ما بعد خروج بعض المساجد من الصلاة,وتعلم يا فضيلة الشيخ أننا نضطر في بعض الأحيان على التأخر,ونرجو من فضيلتكم التكرم بإفتائنا في هذا الموضوع؟علماً أنه لا يخرج وقت الصلاة,وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته . . . . وبعد:
ليس عليكم حرج إذا بقيتم في توجيه الناس إلى الصلاة,ولو تأخرتم عن الصلاة في المساجد ؛لأن هذه المصلحة عامة وتوجيه للخير,فإن أدركتم آخر المساجد فصليتم فيه فذاك,وإلا فأنتم تصلون جماعة,وفق الله الجميع لما فيه رضاه . كتبه محمد الصالح العثيمين في 9/7/1410هـ .
* * *
935/ سئل فضيلة الشيخ:نحن بعيدون عن المسجد,فهل يجوز لنا الصلاة في العمارة؟(77/13)
فأجاب فضيلته بقوله:الواجب على هؤلاء أن يصلوا في المساجد,بل كل إنسان حوله مسجد يجب عليه أن يصلي في المسجد,ولا يجوز لأحد أو جماعة أن يصلوا في البيت والمسجد قريب منهم,لقول النبي صلي الله عليه وسلم:((لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) .
فقال :((إلى قوم)) مع أن هؤلاء القوم يكونون قد صلوا في أماكنهم,فيجب على هؤلاء أن يصلوا مع الجماعة,إلا إذا كانوا لا يسمعون النداء.
* * *
936 سئل فضيلة الشيخ:عن رجل أراد الذهاب إلى الصلاة في مسجد له فيه موعد مع أناس فانطلق من بيته متأخراً قليلاً وفي طريقه إلى المسجد سمع إقامة مسجد آخر,فهل يلزمه الصلاة في هذا المسجد أو يواصل السير إلى المسجد الأول مع علمه بأنه سوف يفوته شيء من الصلاة فيه؟
فأجاب فضيلته بقوله:إذا كان سيره إلى المسجد الذي أراده لا تفوت به الجماعة أي أنه يدرك ما تدرك به الجماعة وهو ركعة,وكان صلاته في المسجد الذي سمع إقامته يفوت مقصوده فلا حرج عليه أن يستمر إلى المسجد الأول الذي أراده,أما إذا كان يخشى أن لا يدرك جماعة في المسجد الذي أراده,أو كان ذهابه إلى المسجد الثاني لا يفوت مقصودة فإن الواجب عليه أن يذهب إلى المسجد الثاني الذي سمع إقامته.
937 سئل فضيلة الشيخ:نحن مجموعة من الشباب عددنا تسعة في استراحة لنا طلعة شبه ليلية ولا نشاهد الدش,وكلامنا فيها طيب – إن شاء الله - فهل يلزم الذهاب للمسجد,علماً أن أقرب مسجد مزرعة يبعد عنا حوالي (800) إلى (1000م),ولو أذن دون المكبر لما سمعناه,ويحصل منا في بعض الليالي أن يكون هناك مباريات ونضطر إلى تأخير صلاة العشاء نصف ساعة ونصليها جماعة فما حكم ذلك؟(77/14)
فأجاب فضيلته بقوله:إذا كانت المسافة بينكم وبين المسجد إلى هذا البعد,ولو قدر أنه أذن بغير مكبر الصوت لم تسمعوه؛فإنه لا يلزمكم الذهاب إلى المسجد,ولكم أن تصلوا في المكان الذي أنتم فيه؛لكن لا شك أن الأفضل أن تذهبوا إلى المسجد مع إخوانكم في بيوت الله عز وجل.
أما تأخيركم الصلاة من أجل مشاهدة المباراة:فإني والله أنصحكم نصيحة أخ مشفق,ألا تذهبوا أوقاتكم الثمينة في مشاهدة المباراة لأني لا أعلم لكم خيراً في ذلك,لا في الدنيا,ولا في الآخرة,وإنما هي إضاعة أوقات,ثم إن كثيراً من المباريات,حسب ما نسمع عنها يكون فيها إبداء عورة,فتجد السراويل إلى نصف الفخذ,أو ما أشبه ذلك وهم شباب,والشباب لاشك أنهم فتنة إذا كشف عن فخذيه ثم إن هذه المباريات قد ينجح فيها من يعظمه الناس المشاهدون تعظيماً ليس أهلاً له؛من جهات أخرى,فأرجو أن يكون اجتماعكم في هذه الحال على دراسة شيء نافع؛مثل رياض الصالحين,أو غيره من الكتب التي فيها مصلحة تصلح القلوب والأعمال,وكما تعلمون أن ساعات العمر محدودة,وإن الإنسان لا يدري متى تنتهي هذه الساعات فاغتنموا الفرصة بارك الله فيكم.
رسالة
فضيلة الشيخ:محمد بن صالح العثيمين أمد الله في عمره على طاعته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد :
لا يخفى على فضيلتكم أهمية عمل أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وما يحتاج ذلك من الوقت والمتابعة بحيث يتطلب الأمر في بعض الأحيان تأخيرهم للصلاة إلى حين خروج المساجد وتفويتهم للصلاة مع الجماعة ولكثرة كلام الناس في ذلك,نأمل من فضيلتكم تبيان ذلك بفتوى خطية,فلكم من الله الأجر والمثوبة إن شاء الله,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب فضيلته بقوله:بسم الله الرحمن الرحيم وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(77/15)
لاحرج على الأعضاء إذا بقوا يوجهون الناس للصلاة و يأمرونهم بها ولو تأخروا عن الجماعة في المساجد؛لأن عملهم هذا مصلحة عامة ودعوة للخير, فإن أدركوا آخر المساجد فصلوا معهم فذاك,وإلا صلوا وحدهم جماعة في أي مسجد.
ولا عبرة باتهام من اتهمهم بعدم المحافظة على الجماعة؛لأن الأعضاء محل ثقة وعملهم هذا في مصلحة المسلمين,ولقد هم النبي صلي الله عليه وسلم أن يأمر بالصلاة فتقام,ثم ينطلق إلى قوم لا يشهدون الصلاة,ومعه رجال معهم حزم من حطب فيحرق على المتخلفين بيوتهم بالنار (1) , ومعلوم أن هؤلاء الرجال لن يحضروا الصلاة التي أقيمت لأنهم مشتغلون بمصلحة تأديب المتخلفين,فمن اتهم الأعضاء بما ذكر فليبين له الحكم في ذلك,الله الموفق
كتبه محمد الصالح العثيمين في 2/11/1410 هـ
938 سئل فضيلة الشيخ:من الملاحظ في أكثر المساجد تخلف كثير من المصلين عن صلاة الفجر,وحيث إن هؤلاء قد عرضوا أنسفهم لعذاب الله وغضبه,ويخشى عليهم من الزيغ وانتكاس القلوب بعد الهدى أعاذنا الله من ذلك,ونظراً لعظم هذه البلية واستفحالها بين المسلمين نرجو منكم توجيه نصيحة إلى هؤلاء المتخلفين وبيان الأحاديث التي تبين خطر هذا الذنب,مع توجيه نصيحة إلى الجيران وأئمة المساجد الذين لا ينصحون هؤلاء المتخلفين عن صلاة الفجر متغافلين عن قوله تعالى: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) (لأنفال:25) وجزاكم الله خيراً.
فأجاب فضيلته بقوله:من المعلوم أن صلاة الجماعة فريضة,وأنه لا يجوز للقادر أن يتخلف عنها,وقد ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال((لقد هممت أن آمر الناس بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس,ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)(1) وهذا لاشك أنه تهديد.(77/16)
وثبت عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال:((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء,وصلاة الفجر,ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)) (2) .
فعلى المسلمين أن يتقوا الله عز وجل,وأن يحرصوا على أداء الصلوات جماعة في المساجد,صلاة الفجر,وصلاة العصر,وغيرها من الصلوات.
وعلى أهل الحي والجيران أن ينصح بعضهم بعضاً؛لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال:((الدين النصيحة, لدين النصيحة,الدين النصيحة)),قالوا لمن يا رسول الله؟قال:((لله,ولكتابه,ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) (1) .
ولأن المؤمن أخو المؤمن,ومرآة أخيه,فالواجب عليه أن يناصحه,وأن يناصره على نفسه الأمارة بالسوء,وعلى الإمام إذا تمكن أن ينصح الجماعة أحياناً كما((كان النبي صلي الله عليه وسلم يتخول أصحابه بالموعظة))(2) فمن استقام وأدى الصلاة مع الجماعة بمناصحة إخوانه له وبموعظة الإمام فهذا هو المطلوب,ومن لم يفعل فهناك جهة مسؤولة يمكن رفع الأمر إليها .
* * *
939 سئل فضيلة الشيخ:عن اختلاف الروايات في فضل صلاة الجماعة جاءت بسبع وعشرين درجة وبخمس وعشرين درجة كيف يكون الجمع بينهما؟
فأجاب فضيلته بقوله:الجمع بينهما سهل جداً إذا قلت لك: إذا أحضرت الشيء الفلاني أعطيتك خمساً وعشرين درهماً,ثم قلت إذا أحضرت الشيء الفلاني نفسه أعطيتك سبعاً وعشرين درهماً هل في هذا تناقض؟فليس في ذلك تناقض.بأي شيء نأخذ بالناقص أم بالزائد؟
الجواب بالزائد
إذن يكون النبي صلى الله عليه وسلم بين أن التفاضل بخمس وعشرين درجة ثم بين ثانياً أن التفاضل بسبع وعشرين يعني زاد الناس خيراً وليس هناك تناقض . فنأخذ بالزائد الذي هو بسبع وعشرين درجة .
* * *
فصل
في شرح أحاديث من كتاب (عمدة الأحكام)
باب صلاة الجماعة ووجوبها (1)(77/17)
بسم الله الرحمن الرحيم,إن الحمد لله,نحمده,ونستعينه,ونستغفره,ونعوذ بالله من شرور أنفسنا,ومن سيئات أعمالنا,من يهده الله فلا مضل له,ومن يضلل فلا هادي له,وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له,وأشهد أن محمد عبده ورسوله صلى الله عليه,وعلى آله,وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً أما بعد:
عن ابن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)) (2) .
قال المؤلف – رحمه الله - :((باب فضل صلاة الجماعة ووجوبها)),قد يقول قائل:هذه الترجمة متناقضة,كيف يقول باب فضل,ثم يقول ووجوب؟والمعروف أن الفضل للاستحباب مناف للوجوب.
فيقال:إن المؤلف أراد بفضل أي بثواب الجماعة والثواب لا ينافي الوجوب,وأما قوله:((ووجوبها))فيريد به أنها واجبة. واجبة على الرجال لا على النساء.
والواجب هو إذا تركه الإنسان أستحق العقوبة,وإذا فعله استحق المثوبة.
وهنا سؤال أيهما أفضل الواجب أو التطوع؟
والجواب:والواجب أفضل,بالدليل والتعليل:
أما الدليل:فما جاء في الحديث القدسي أن الله تعالى قال:((ما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلى ممن افترضته عليه))(3) إذن الواجب أحب إلى الله من التطوع.
وأما التعليل:فإنه لولا أهمية ما أوجبه الله,وإيجاب الله له دليل على أهميته؛لأن الإيجاب تكليف وإلزام فلولا أنه مهم ما كلف العباد به ولا ألزموا به.
ثم ذكر في فضل صلاة الجماعة حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أن النبي صلي الله عليه وسلم قال:((صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة))(1).(77/18)
((أفضل)) يعني أكثر ثواباً من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة فتكون الواحدة عن سبع وعشرين,وإذا كانت الحسنة بعشر أمثالها يكون ثواب صلاة الجماعة مائتين وسبعين حسنة,ولو صليت وحدك لكانت عشر حسنات فقط,فالربح عظيم جداً,ونحن نشاهد أن الناس في الدنيا لو قيل لهم:إنك إذا حملت بضاعتك لمسيرة شهر ربحت العشرة عشرين فسوف يسافر ولو بعد السفر,بينما هنا تربح الواحدة سبعاً وعشرين ومع هذا نجد التكاسل العظيم عن صلاة الجماعة.
والربح الذي في الآخرة غير الربح الذي في الدنيا,قال النبي صلي الله عليه وسلم فيما رواه الإمام أحمد في المسند عن المستورد بن شداد قال:((موضع سوط أحدكم في الجنة خير من الدنيا وما فيها)) (1) . سبحان الله موضع السوط حوالي متر خير من الدنيا وما فيها,وليس المراد الدنيا التي أنت فيها الآن ولكن الدنيا من أولها إلى آخرها,
ولهذا قال الله تعالى في القران الكريم: (بلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) (الأعلى,الآيتان:16, 17).
فأرباح الدنيا عرضه للزوال وعرضه للفناء,أما أرباح الآخرة باقية,فصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة.
فإذا قال قائل:لماذا خص بسبع وعشرين درجة؟
فالجواب:العلم عند الله,تخصيص الشيء بعدد أمر توقيفي في غالب المسائل.
ما يستفاد من هذا الحديث:
أولاً:تفاضل الأعمال.
ثانياً:تفاضل العمال يعني أن الناس بعضهم أفضل من بعض,ووجه ذلك أنه إذا كانت الأعمال تتفاضل,فإن القائمين بالأعمال يتفاضلون بحسب تفاضل الأعمال.
وهذا موجود في القرآن:
(لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلّاً وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)(الحديد: من الآية10)(77/19)
لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِم)(النساء: من الآية95).
ثالثاً:يؤخذ من هذا الحديث تفاضل الإيمان,وأنه يزيد وينقص,وجه ذلك أن الأعمال من الإيمان فإذا تفاضلت الأعمال لزم أن يتفاضل الإيمان.
إذن نأخذ من هذا دليلاً على ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من أن الإيمان يزيد وينقص.
هل الإيمان الذي يزيد وينقص هو أعمال الجوارح أو حتى يقين القلب؟
الجواب:حتى يقين القلب يتفاضل,والدليل قول الله تبارك وتعالى :(َإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي)(البقرة: من الآية260)
ولما بشر الله ذكريا بالود آمن بذلك ولكن قال : (رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً)ليطمئن قلبه.
وقال النبي صلي الله عليه وسلم ((ما رأيت من ناقصات عقل ودين – ويخاطب النساء – أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن)) (1).
فقال:((ناقصات عقل ودين)) إذن الدين وهذا نص صريح.وفي القرآن ما يدل على نقص الإيمان؛لأنه إذا كان يزداد فالزيادة في مقابل النقصان.
نأخذ من هذا القاعدة (كل نص يدل على زيادة الإيمان فإنه يدل على نقص الإيمان,وكل نص يدل على نقص الإيمان,فإنه يدل على زيادة الإيمان)وإذ إن النقصان والزيادة متقابلان,إذا فقد أحداهما ثبت الآخر.
فالإيمان يزيد وينقص وهذا أهل السنة والجماعة.
أما الخوارج والمعتزلة والمرجئة فإنهم لا يقرون بزيادة الإيمان ونقصه ولكنهما طرفا نقيض.
ولنضرب لهذا مثلاً:رجل زنى,والزنا فاحشة فهو عند الخوارج كافر,وعند المعتزلة لا مؤمن ولا كافر فهو في منزلة بين المنزلتين,وعند المرجئة مؤمن كامل الإيمان,عند أهل السنة مؤمن ناقص الإيمان,أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته,فباعتبار العمل يكون فاسقاً وباعتبار ما في القلب من الإيمان يكون مؤمناً.(77/20)
الحديث الثاني:عن أبي هريرة- رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:((صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً,وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء,ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة,لم يخط خطوة إلا رفعت له بها درجة,وحط عنه بها خطيئة,فإذا صلى لم تزل الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه,اللهم صل عليه,اللهم اغفر له,اللهم ارحمه,ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة)) (1) .
هذا الحديث ساقه المؤلف من أجل قوله((تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه خمساً وعشرين ضعفاً)).
وقد سبق لنا الجمع بين هذا الحديث وحديث عبد الله بن عمر الدال على أنها أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين والجمع أن السبع والعشرين زيادة فيأخذها.
أما حديث أبي هريرة فقد أخبر النبي أن صلاة الرجل في الجماعة تضعف أي تزاد على صلاته في بيته وفي سوقه.
((في بيته))إن صلى في السوق ((خمساً وعشرين ضعفاً))ضعف الشيء مثله مكرراً,فإذا قلت الاثنان ضعف الواحد,فضعف الاثنين أربعة,وهكذا أي أنها تكرر خمساً وعشرين مرة.ولكن نأخذ بالزيادة كما سبق,ثم شرح السبب فقال:((وذلك)) المشار إليه التضعيفه أي سببه:((أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء)).
وإحسان الوضوء يكون بالإتيان به على مقتضى الشريعة .
((ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة)) .خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة؛هذه نية يعني أنه خرج مخلصاً لله,لم يخرج للدنيا ولكن لم يخرج إلا للصلاة والعبادة لله عز وجل.
((لم يخط خطوة إلا رفع الله بها درجة,وحط عنه بها خطيئة)) .- اللهم لك الحمد – لم يخط خطوة واحدة إلا حصل له بها فائدتان هما:
*رفع الله له بها درجة.
*حط عنه بها خطيئة.
((فإذا صلى)) يعني إذا دخل المسجد وصلى,لأن هذه الخطى لا تزال تكتب له حتى يدخل المسجد,فإذا دخل المسجد,وصلى,وبقي ينتظر الصلاة فإن الملائكة تصلي عليه مادم في مصلاه.(77/21)
والملائكة عالم غيبي,لا نراهم إلا إذا أراد الله عز وجل فإنهم يرون,لكن الأصل فيهم الغيب,فهم عالم غيبي خلقهم الله عز وجل من نور,لم يخلقوا من تراب,ولا من نار,بل من نور,وأقدرهم الله عز وجل على أعمالهم,لا يسأمون,ولا يملون,ولا يعجزون أبداً قال الله تعالى: ( لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)(التحريم: من الآية6),قال هذا في الملائكة النار وكذلك بقية الملائكة(فَإِنِ اسْتَكْبَرُوا فَالَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ يُسَبِّحُونَ لَهُ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُمْ لا يَسْأَمُونَ)(فصلت:38) هؤلاء الملائكة خلقهم الله عز وجل من نور للقيام بطاعته ولهم وظائف وأعمال مخصوصة,وأعمال عامة.
الأعمال العامة أن كلهم قائمون بأمر الله,وعبادة الله.
ولهذا نحن نحب الملائكة لله؛لأنهم مسلمون لله,مطيعون له.ومن وظائف الخاصة: ما جاء في هذا الحديث أن الله وكل ملائكته إذا دخل الرجل المسجد وأحسن الوضوء وصلى فإن الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه ماذا تقول؟
تقول:((اللهم صلى عليه,اللهم اغفر له,اللهم ارحمه)) .
((اللهم صل عليه)):أي أثن عليه في الملأ الأعلى,والثناء في الملأ الأعلى في الملائكة هذا معنى اللهم صل عليه,ونحن نقول في صلاتنا:اللهم صل على محمد,يعني أثن عليه في الملأ الأعلى.
((اللهم اغفر له))اغفر له الذنوب يعني ستر الذنب والتجاوز عنه.
((اللهم ارحمه))الرحمة بها حصول المطلوب,وتمام الإنعام.فهؤلاء الملائكة يدعون للإنسان بهذه الدعوات الثلاث:
((اللهم صل عليه,اللهم اغفر له,اللهم ارحمه)) فالذي لا يحضر الجماعة يحرم هذا الأجر العظيم,ولا يزداد إلا كسلاً عن الخيرات – نسأل الله العافية - .(77/22)
((لا يزال في صلاة)) أي في حكم الصلاة ثواباً؛ لأننا لو قلنا أنه في حكم الصلاة عملاً لقلنا لا تتكلم,ولا تنصرف عن القبلة,ولا بد فيها من ترك الكلام, والمبطلات؛لكن المراد لا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة أي في حكم الصلاة ثواباً
يعني كأنه يصلي حتى يحضر الإمام.
يستفاد من هذا الحديث:
أولاً:استحباب إحسان الوضوء.
ثانياً:بيان موقع الإخلاص,وأن لإخلاص تأثيراً في الجزاء وذلك يؤخذ من قوله ((لا يخرجه إلا الصلاة )).ثالثاً:لا يستحب تقصير الخطى لأن قوله((يخطو خطوة))يحمل على الخطوة المعهودة المعروفة,ولم يقل الرسول فقصروا خطواتكم.فلو قال هكذا انفصل الأمر وصار فصلاً بينا لكن قال:((إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار ولا تسرعوا)) (1) امشوا المشي العادي.
رابعاً:يستفاد من هذا الحديث أن الملائكة تتكلم ويستدل ذلك من قوله:((اللهم صل عليه,اللهم اغفر له,اللهم ارحمه)).
وكأني بواحد من المتنطعين يقول أي لغة تتكلم الملائكة؟
بالعربية؟بالعبرية؟ بالسريانية؟
وهذا كقول بعض الناس لما سمع حديث ابن مسعود – رضي الله عنه – أن الله تعالى يجعل الأرضين على إصبع والشجر على إصبع (2) وما أشبه ذلك. وتقدم بسؤال وقال:كم أصابع الله؟ أعوذ بالله ما هذا السؤال؟ هل أنت أحرص من الصحابة على معرفة صفات الله؟
الجواب:لا.هل الصحابة لما حدثهم الرسول بهذا الحديث أو أقر اليهودي عليه هل قالوا كم أصابع الرحمن؟أبداً.
ولهذا أنا أحذر طلبة العلم من التنطع فيما يتعلق بأمور الغيب,أمور الشهادة لا بأس أن للإنسان يبحث,أما أمور الغيب فليأخذ بظاهر ما ورد,وليدع ما سوى ذلك؛لأنه إذا أخذ بالتنطع في أمور الغيب سواء فيما يتعلق بصفات الله,أو بصفات,الملائكة,أو بأحوال اليوم الآخر إذا أخذ بالتنطع فيها فإنه ربما يهلك فيقع في الشك,أو في الردة والعياذ بالله .(77/23)
إذن علينا في مثل هذه الأمور أن نترك التنطع وأن نأخذ بظواهر الأدلة.كان الإمام مالك – رحمه الله – عند أصحابه في المسجد فقال رجل:يا أبا عبد الله )الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) (طه:5) كيف استوى؟فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء (العرق) من شدة وقع هذا السؤال في قلبه,ثم رفع رأسه وقال له:((الاستواء غير مجهول,والكيف غير معقول,والإيمان به واجب,والسؤال عنه بدعة)). ثم قال:((وما أراك إلا مبتدعاً)) . ثم أمر به فأخرج.
أنكر مالك سؤال الرجل عن الكيفية.وقول مالك :((ما أراك إلا مبتدعاً)) يحتمل معنيين:
أحدهما:أن السؤال ديدن أهل البدع فهم الذين يسألون عن كيفية الصفات,من أجل أن يحرجوا المثبتين للصفات.
الثاني:أنك بسؤالك صرت من أهل البدع؛لأن الصحابة لم يسألوا عن كيفية الاستواء,وشيء لم يسأل عنه الصحابة يعتبر بدعة في الدين.
الحديث الثالث:
عن أبى هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال:(( أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء,وصلاة الفجر,ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً,ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس,ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) .
في هذا الحديث يخبر النبي صلي الله عليه وسلم عن اتصاف المنافقين بأنهم يستثقلون الصلاة.يقول ((أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر)) وبقية الصلوات ثقيلة عليهم لكن هذه أثقل الصلوات,وإنما كانت أثقل لسببين:
السبب الأول:مشقة الذهاب إليهما.
السبب الثاني:خفاء الرياء فيهما.
((ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً)).
((لو يعلمون)) الضمير يعود على المنافقين.
((ما فيهما))أي في صلاتين العشاء والفجر .
((لأتوهما ولو حبواً))يعني ولو حبواً على الركب.
ولكن ما مبهم في ((ما فيهما))؟ المبهم:الثواب والعقاب.
الثواب إن أتوا إليها. والعقاب إن تخلفوا عنهما.(77/24)
((لأتوهما ولو حبواً))رغبة لما فيهما من الثواب وخوفاً مما فيهما من عقاب.
ثم قال:((ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس,ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)). (هممت): يعني أردت أن أفعل .
(أن آمر بالصلاة ) : واحدة من الصلوات الخمس .
(فتقام ) : يعني فتقام جماعة .
فهم النبي صلي الله عليه وسلم أن يحرق بيوت المتخلفين عن الجماعة يدل على أهمية الجماعة وأنها واجبة ، لأن النبي صلي الله عليه وسلم لا يمكن أن يهم بأمر محرم ، ولكن منعه منه مانع إما أن يكون ما فيها من النساء والذرية أو غير ذلك .
ما يستفاد من هذا الحديث :
أولاً : أن المنافقين يصلون وذلك يؤخذ من قوله صلي الله عليه وسلم: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء، وصلاة الفجر ) . فهذا يدل على أنهم يصلون .
ثانيا : ان الصلاة على المنافقين ثقيلة .
ثالثا :يستفاد من هذا أن من ثقلت عليه الصلاة فإن فيه شعبة من النفاق ؛ لأن الرسول صلي الله عليه وسلم وصف المنافقين بأن الصلاة ثقيلة عليهم .
رابعاً : إن ثواب الصلاة أمر عظيم حتى لو أن الإنسان مشي على ركبه من أجل الهروب من العقاب، ومن أجل الحصول على الثواب لكان جديرا بذلك .
خامسا ً : وجوب صلاة الجماعة لقوله صلي الله عليه وسلم : (ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس,ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار) .
فلقد هم رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يحرق بيوت من لا يشهدون الجماعة,ولا يهم بالعقوبة إلا ترك شيء واجب,لكن قال بعض العلماء:هذا لا يدل على الوجوب؛لأن النبي صلي الله عليه وسلم هم ولم يفعل,وإنما يدل على الوجوب لو أن النبي صلي الله عليه وسلم حرق.
الحديث الرابع:(77/25)
وعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – قال:إن النبي صلي الله عليه وسلم قال:((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)),قال فقال بلابل بن عبد الله والله لنمنعهن, وفي لفظ مسلم:((لا تمنعوا إماء الله مساجد الله)) (1) .
هذا الحديث يقول النبي صلي الله عليه وسلم:((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)).
((استأذنت أحدكم امرأته))أي طلبت الإذن,وأحدكم يعني الواحد منكم وامرأته : يحتمل أن تكون الزوجة,ويحتمل أن تكون المرأة التي له عليها ولاية,مثل ابنته,أخته,أمه وما أشبه ذلك.
((إلى المسجد)):يعني المسجد الذي يصلي فيه الجماعة.
((فلا يمنعها)):أي لا يردها عنه بل يأذن لها.
((فقال بلال بن عبد الله)):هو أحد أبناء عبد الله بن عمر.
((قال والله لنمنعهن)) أقسم على ضد ما النبي صلي الله عليه وسلم.الرسول صلي الله عليه وسلم يقول:((لا تمنعوا)) وبلابل يقول(والله لنمنعهن) وهذا الكلام ظاهر المضادة والمخالفة لكلام رسول الله عليه وآله وسلم.
ولكن قصد بلابل غير المتبادر من لفظه,فقصده أن يمنعهن لفساد الناس وكثرة الفتن. ((فأقبل عليه عبد الله))يعني عبد الله بن عمر.
((فسبه سباً شديداً ما سمعته سبه مثله قط)) لماذا؟ لأن ظاهر لفظ بلابل مخالفة أمر النبي صلي الله عليه وسلم ومعارضته.
الجواب:جاء بلفظين لأن الرواة يجوزون الرواية بالمعنى فيكون بعضهم نقله بهذا الوجه,وبعضهم نقله على هذا الوجه والمعنى واحد.
ما يستفاد من هذا الحديث:
أولاً:أن المرأة لا تخرج إلى المسجد إلا باستئذان زوجها لقوله:((إذا استأذنت)) ووجه الدلالة أن هذه الصيغة تدل على أن من عادتهم أن تستأذن المرأة من وليها أن تذهب إلى المسجد.
ثانياً:ليس للإنسان أن يمنع امرأة غيره فليس لي حق أن أمنع امرأة جارى أو امرأة قريبي إلا إذا كانت لي سلطة وولاية عليها.(77/26)
ثالثاً:أن الرجل له أن يمنع زوجته من الخروج إلى المسجد لقوله:((إذا استأذنت أحدكم امرأته إلى المسجد فلا يمنعها)) دل أن في المسجد ربما تسمع ذكراً أو موعظة فتستفيد,وأما غير المسجد فالغالب أنه لا فائدة منه.فيجوز للرجل أن يمنع زوجته من الخروج لغير المسجد.سؤال:هل للإنسان أن يمنع زوجته من الدراسة أو لا؟
الجواب:أن نقول إن كانت قد اشترطت عليه عند العقد أن تكمل الدراسة فإنه لا يجوز أن يمنعها لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وأما إذا لم تشترط عليه ذلك فله أن يمنع؛لأن الظاهر أن المدارس حكمها حكم بقية الأمكنة بخلاف المساجد .
رابعاً:بيان حكم علة الحكم في تعبير النبي صلي الله عليه وسلم ((لا تمنعوا إماء الله,مساجد الله))ووجه ذلك أنه إذا كانت النساء إماء لله والمساجد بيوتاً لله,فليس لأحد أن يتدخل بينهن وبين المساجد التي لله.
خامساً:قوله:((مساجد الله)) ((إماء الله)) هذه إضافة فهل لله إماء,وهل لله مساجد؟
الجواب:الإضافة هنا من باب التكريم والعناية وإلا فمن المعلوم أن لله ملك السموات والأرض ولكن هذه الإضافة من باب التكريم والتشريف للمساجد.
وفي بعض ألفاظ هذا الحديث لكن في الصحيحين قال:((وبيوتهن خير لهن))فيستفاد من هذا أن المرأة كلما كانت في بيتها فهو أفضل,حتى لو قالت أنا أريد أن أخرج إلى المسجد لأصلي مع الجماعة,قلنا لها إن صلاتك في بيتك أفضل وأحسن؛لأنه كلما بعدت المرأة عن الاختلاط بالرجال كان ذلك أبعد عن الفتنة.
والله الموفق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين:
* * *
940 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم الخروج للنزهة قبل المغرب مع أنه يستلزم أن لا يصلي الإنسان مع الجماعة؟
فأجاب فضيلته بقوله:لا بأس بالخروج قبل المغرب للنزهة إذا لم يقصد الهرب من صلاة الجماعة,ولكن يجب عليه إذا سمع الأذان أن يحضر إلى المسجد .
* * *(77/27)
941 سئل فضيلة الشيخ:عن حكم صلاة الرجل بأهله في السفر؟
فأجاب فضيلته بقوله:لا بأس أن يصلي الرجل بأهله ومحارمه في السفر فقد كان النساء يحضرن الصلاة في عهد النبي صلي الله عليه وسلم بأنس ,أمه , واليتيم (1).
رسالة
فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين حفظه الله تعالى
السلام عليكم ورحمة وبركاته وبعد:
فلا يخفى على فضيلتكم وضع بعض الدوائر الحكومية,أو الشركات,أو المؤسسات الأهلية خاصة التي يوجد بها أكثر من مسجد أو مصلى بمبنى واحد ونحن في الحقيقة نعيش نفس هذه المشكلة حيث يوجد لدينا مصلى بمبنى الإدارة بالمركز يصلي فيه أفراد الإدارة وبعض المراجعين والزوار صلاة الظهر أثناء الدوام الرسمي في الظروف العادية,وبقية الأوقات الأخرى في الظروف الطارئة,وأثناء المرابطة والتي تستدعي التواجد بالمركز خلال الأربع وعشرين ساعة,علماً أنه يوجد مسجد خاص بالفرقة المستلمة على مدار الأربع وعشرين ساعة تقام فيه جميع الصلوات الخمس في اليوم والليلة وهو يستوعب العدد كامل نظراً لاتساع مساحته ونحن في حيرة من أمرنا هل تجوز صلاتنا بالمصلى الذي بمبنى الإرادة مع وجود المسجد الذي تقام فيه الصلوات الخمس,كما أنني أنتهز هذه الفرصة للاستفسار عن موضوع آخر ألا وهو:الأذان في المساجد التي في الدوائر الحكومية سواء التي تقام فيها جميع الصلوات أو التي تقام فيها صلاة الظهر أثناء الدوام الرسمي للموظفين هل يجب الأذان في هذه المساجد مع سماع المؤذن من المساجد القريبة والمجاورة أو لا؟
أفيدونا أفادكم الله,وجزاكم الله عنا وعن المسلمين عامة خير الجزاء,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
فأجاب فضيلته بقوله:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الواجب عليكم أن تصلوا في المسجد المعد للصلاة فيه؛لأنه تقام فيه الصلوات الخمس.(77/28)
وأما الأذان فلا يجب عليكم إذا كنتم تسمعون أذان المساجد التي حولكم,لكن الأفضل أن تؤذنوا؛لأن المسجد قائم فلا ينبغي أن يهمل الأذان فيه,ولأن آذانكم في مسجدكم أقرب إلى الانتباه للأفراد الذين عندكم. وفق الله الجميع لما فيه الصلاح والسلام عليكم ورحمة وبركاته.28/12/1411هـ .
942 سئل فضيلة الشيخ: من المعلوم أن صلاة الجماعة في حق النساء غير واجبة,ولكن عندما تصلي المرأة مع الجماعة في المسجد,أو في الحرمين سواء كان في رمضان أو في غيره,أوفي المصليات الخاصة بمدارس البنات فهل يكون لها فضل الجماعة كما هو الحال في حق الرجل؟أرجو توضيح ذلك أحسن الله إليكم.
فأجاب فضيلته بقوله:المرأة ليست من ذوات الجماعة,أي ليست مأمورة بحضور الجماعة,وإنما ذلك على سبيل الإباحة فقط,إلا في صلاة العيد فإن النبي صلي الله عليه وسلم أمر أن تخرج النساء إلى صلاة العيد,ولكن غير متبرجات بزينة.
وإذا كان الأمر كذلك فإن التضعيف الحاصل في صلاة الجماعة يختص بالرجال؛ لأنهم هم المدعون إليها على سبيل الوجوب,ولهذا كان لفظ الحديث:((صلاة الرجل في جماعة تضعف على صلاته في بيته وفي سوقه,خمساً وعشرين ضعفاً)(1).
وعلى هذا فإن المرأة لا تنال هذا الأجر,بل إن العلماء اختلفوا في مشروعية صلاة الجماعة للنساء منفرادت عن الرجال في المصليات التي في البيوت,أو التي في المدارس.
فمنهم من قال:إنه تسن لهن الجماعة.
ومنهم من قال:إنه تباح لهن الجماعة.
ومنهم من قال:إنه تكره لهن الجماعة.
* * *
943 سئل فضيلة الشيخ:أناس لا يعرفون الصلاة مع الجماعة في المساجد إلا في شهر رمضان,وبقية الأشهر يصلون في المكتب,وقد أبلغناهم أنه لا يجوز هذا العمل.فلم يردوا علينا إلا بقولهم:إنكم أناس متشددون,ولا يعرفون الدين,وإن الدين يسر وليس عسراً,والأعمال بالنيات فهل من كلمة توجيهية حفظكم الله ورعاكم؟(77/29)
فأجاب فضيلته بقوله:لابد أن ننظر لهؤلاء الذين يصلون في مكتبهم,هل عذر في ذلك أو لا,فإذا كان المسجد بعيداً عنهم والخروج إلى المسجد يشل حركة العمل,فإنهم في هذا معذرون ولهم أن يصلوا جماعة في مكاتبهم,ولكن يحسن أن يجتمع جميع من في المكتب على إمام واحد,وأما إذا لم يكن لهم عذر كأن كان العمل قليلاً,والمسجد قربياً منهم فإن القول الراجح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة لابد أن تكون في المساجد.
أما قولهم (إن الدين يسر)),فقد صدقوا بل قاله من قبلهم رسول الله صلي الله عليه وسلم.ولكن يسر الدين ليس تبعاً للهوى,بل هو تبع لما جاءت به الشريعة,والشريعة كلها يسر سهولة,فإذا كان المسجد قريباً والشغل خفيفاً قليلاً,فأي عسر في أن يخرج الإنسان من مكتبه على المسجد ويصلي فيه,أما إذا كان بعيداً والشغل كثيراً بحيث إذا خرج الإنسان صار الشغل مشلولاً بخروجه فهنا التيسير أن يصلوا في مكاتبهم جماعة كما ذكرنا آنفاً.
* * *
944 سئل فضيلة الشيخ:شباب لديهم استراحة يجلسون بها وهم في الغالب يتعدون عشرة أشخاص والمسجد يبعد عنهم حوالي ثلاثمائة متر,هل تلزمهم صلاة الجماعة في الاستراحة مع الاعتراف بأفضيلة صلاة المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله:يرى بعض العلماء أن الواجب إقامة الجماعة سواء في المسجد أو في غيره,ولكن الراجح أنه يجب أن تقام صلاة الجماعة في المساجد مع المسلمين ولو كانوا لا يسمعون الأذان لولا مكبر الصوت ففي هذه الحال لا يلزمهم الحضور فإنهم يصلون جماعة في مكانهم سواء صلوا قبل صلاة الإمام بعده.
* * *
945 سئل فضيلة الشيخ:ابني في الحادية عشرة من عمره,فهل أنا ملزمة بإيقاظه لأداء صلاة الصبح مع الجماعة أو أتركه حتى يصل إلى سن البلوغ,الخامسة عشرة.خصوصاً وأنني أجد صعوبة في إيقاظه؟(77/30)
فأجاب فضيلته بقوله:الظاهر أنه يجب أن توقظيه للصلاة مع الجماعة لعموم قول النبي صلي الله عليه وسلم (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)) (1) فهي وإن وجدت صعوبة فإنها مأجورة على هذه التي تجدها.
* * *
946 سئل فضيلة الشيخ:يحضر بعض المصلين إلى المسجد ومعهم صبيانهم الذين لم يبلغوا سن التمييز وهم لا يحسنون الصلاة ويصفون مع المصلين في الصف وبعضهم يعبث ويزعج من حوله,فما حكم ذلك؟وما توجيهكم لأولياء أمور أولئك الصبيان؟
فأجاب فضيلته بقوله:الذي أرى أن إحضار الصبيان الذين يشوشون على المصلين لا يجوز؛لأن في ذلك أذية للمسلمين الذين يؤدون فريضة من فرائض الله,وقد سمع النبي صلي الله عليه وسلم بعض أصحابه يصلون ويجهرون بالقراءة فقال صلي الله عليه وسلم ((لا يجهر بعضكم على بعض في القرآن)) (2) .
وفي الحديث آخر قال صلي الله عليه وسلم (فلا يؤذين بعضكم بعضاً)(1) فكل ما فيه أذية للمصلين فإنه لا يحل للإنسان أن يفعله.
فنصيحتي لأولياء أمور هؤلاء الصبيان أن لا يحضروهم إلى المسجد وأن يسترشدوا بما أرشد إليه النبي صلي الله عليه وسلم حيث قال (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)).
كما أنني أيضاً أوجه النصيحة لأهل المسجد بأن تتسع صدورهم للصبيان الذين يشرع مجيئهم إلى المسجد,وأن لا يشقوا عليهم,أو يقيموهم من أماكنهم التي سبقوا إليها,فإن من سبق إلى شيء فهو أحق به,سواء كان صبياً,أو بالغاً,فأقامه الصبيان من أماكنهم في الصف فيه:
أولاً:إهدار لحقهم؛لأن من سبق إلى ما لم يسبقه إليه أحد من المسلمين فهو أحق به.
وثانياً:فيه تنفير لهم عن الحضور إلى المساجد .
وثالثاً:فيه أن الصبي يحمل حقداً أو كراهية على الذي أقامه من المكان الذي سبق إليه.(77/31)
ورابعاً:أنه يؤدي إلى اجتماع الصبيان بعضهم إلى بعض فيحصل منهم من اللعب والتشويش على أهل المسجد ما لم يكن ليحصل إذا كان الصبيان بين الرجال البالغين.وأما ما ذكره بعض أهل العلم من أن الصبي يقام من مكانه حتى يكون الصبيان في آخر الصف,أو في آخر صف المسجد استدلالاً بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) (2) فإنه قول مرجوح معارض بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم (من سبق إلى ما لم يسبقه إليه فهو أحق به)) (3) .والاستدلال بقول النبي صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى)) لايتم؛لأن معنى الحديث:حث أولي الأحلام والنهى على التقدم حتى يلوا النبي صلي الله عليه وسلم لأنهم أقرب إلى الفقه من الصغار,وأتقن لوعي ما رأوه من النبي صلي الله عليه وسلم أو سمعوه,ولم يقل النبي صلي الله عليه وسلم لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى.ولو قال (لا يلني إلا أولو الأحلام والنهى)) لكان القول بإقامة الصبيان من أماكنهم في الصفوف المتقدمة وجيهاً.لكن الصيغة التي جاء بها الحديث هي أمره لأولي الأحلام والنهى أن يتقدموا حتى يلوا رسول الله صلي الله عليه وسلم.
* * *
947 سئل فضيلة الشيخ: في هذا الزمان كثرت مكبرات الأصوات فنحن نسمع النداء للصلاة,ولكن من مساجد بعيدة جداً عن حينا.ويشق علينا الذهاب إليها,فهل ينطبق علينا قول النبي صلى الله عليه وسلم للصحابي (هل تسمع النداء))؟قال:نعم,قال ((فأجب)) (1)
وما حكم إذا كان المسجد في منطقة جبلية وعرة والصعود إلى هذه المنطقة صعب جداً,وإذا حاولنا الصعود لا نصل إلا إذا أقيمت الصلاة وفاتنا بعض الركعات هل يكفينا أن نصلي في المنزل؟(77/32)
فأجاب فضيلته بقوله:الأصل أن المرأة لا تحضر الصلاة. ولكن الرجل يلزمه أن يحضر الجماعة إذا سمع النداء,ولكن النداء ليس الذي عبر مكبر الصوت؛لأن مكبر الصوت لو أخذنا به لكان يسمع من بعيد كما قلت,إنما المراد أنه لو كان الأذان بغير مكبر الصوت لسمعه هؤلاء وحينئذ وجب عليهم الحضور,وكذلك إذا كان الطريق المسجد وعراً لا يتمكنون الوصول إلى المسجد إلا بمشقة شديدة,ولا يتمكنون من الوصول إلى المسجد إلا بعد أن تمت الجماعة الصلاة.فإنه لا يلزمهم بهذا الحال,ويصلون جماعة في مكانهم,لقول الله ( فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ)(التغابن: من الآية16) .
* * *
948 سئل فضيلة الشيخ: يبعد المسجد عن مقر العمل قرابة أربعمائة متر,فبعض الأخوان في العمل قالوا:نضع مصلى في أحد المكاتب نصلي فيه؛لأن المسجد بعيد وهم يتأذون من حرارة الشمس عند الذهاب إليه,فهل هذا العمل صحيح؟
فأجاب فضيلته بقوله:الأصل الصلاة في المساجد,ولا بأس أن يصلي أهل المكاتب في مكاتبهم إذا كان خروجهم إلى المسجد يؤدي إلى تعطل العمل,أو يؤدي إلى تلاعب بعض الموظفين الذين يخرجون للصلاة ويتأخرون,وإذا كان المسجد بعيداً أيضاً جاز لهم الصلاة في مكان عملهم,فالمهم إذا كان هناك مصلحة,أو حاجة إلى أن يصلوا في مكاتبهم فلا حرج.
* * *
949 سئل فضيلة الشيخ: قال الخطيب في خطبة الجمعة:إن الصلاة في جماعة المسجد تعادل سبعاً وعشرين صلاة,وهذا معروف,لكنه قال:إن الله لا يقبل صلاة الفرد خارج المسجد
ويكون من المشركين والعياذ بالله.فهل هذا صحيح؟مع ذكر الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة؟وما حكم الصلاة في المنزل أو في أي مكان خارج المسجد؟
فأجاب فضيلته بقوله:الشق الأول من سؤالك تقول:إن الخطيب ذكر أن صلاة الجماعة تفضل صلاة المنفرد بسبع وعشرين صلاة,وهو كما قال.
الشق الثاني قوله:(إن من صلى فإنه لا صلاة له,ويكون مشركاً)).(77/33)
وقوله : (يكون مشركاً)) لا يصح هذا الكلام,اللهم إلا بالمعنى الأعم, أن كل من اتبع هواه بمخالفة أمر الله عز وجل فإنه يكون فيه نوع من الإشراك,لكنه ليس هو الشرك الذي يطلق عليه أنه شرك في القرآن,والسنة,وكلام أهل العلم.
وأما قوله:(بأنها لا تقبل صلاته))فإن هذا قول لبعض أهل العلم,أن من صلى في بيته بدون عذر فإنه لا صلاة له؛وهذا القول ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله – وهو رواية عن الإمام أحمد,اختارها ابن عقيل أحد أتباع الإمام أحمد – رحمه الله- وحجة هؤلاء من الأثر والنظر.
أما الأثر فهو ما جاء في الحديث عن النبي صلي الله عليه وسلم (من سمع النداء فلم يجب فلا صلاة له إلا من عذر)) (1) .
وأما من النظر فقالوا:إن صلاة الجماعة واجبة,وإن من ترك واجباً في العبادة بدون عذر بطلت تلك العبادة بهذا الترك.
ولكن هذا القول مرجوح,والراجح أن المصلي في بيته تاركاً للواجب من غير عذر آثم وعاص,وإذا أستمر على ذلك صار فاسقاً تسقط ولايته وشهادته,كما ذهب إليه كثير من أهل العلم,ولكن صلاته تصح,ويدل لذلك حديث ابن عمر وحديث أبي هريرة (2) ,في تفضيل صلاة الجماعة على صلاة الفذ,فإن التفضيل لصلاة الجماعة يدل على أن في صلاة الفذ أجراً,ومادام فيها أجر فإنه يدل على صحتها,لأن ثبوت الأجر فرع عن الصحة,إذ لو تصح لم
يكن فيها أجر,لكنه بلا شك آثم عاص يعاقب على ذلك إلا أن يتوب إلى الله عز وجل,أو يعفو الله عنه.
وعلى كل حال فإن البيت بدون عذر أمر محرم,لا يحل للمسلم فعله,ولهذا قال ابن مسعود – رضي الله عنه - (ما يتخلف عنها إلا منافق أو معذور)) (1) ,والمؤمن لا ينبغي له أن يتصف بعمل المنافقين,الذين إذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى.
وأما إذا أقامها جماعة في البيت فهذا محل خلاف بين أهل العلم أيضاً.
فمهنم من رخص له في ذلك,وقال:إن الجماعة قد حصلت, وهذا هو المقصود,ولكن هذا القول الضعيف.(77/34)
والصواب أنه لابد أن يصلي الإنسان في المسجد,ولا يجوز له التخلف حتى ولو صلى جماعة في البيت,وذلك لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال(لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس,ثم أخالف إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم)) (2) . فقوله((إلى قوم))يشمل ما إذا صلوا في بيوتهم جماعة,أو كل واحد منهم منفرداً.
ثم إنه ثبت في صحيح مسلم أن ابن أم مكتوم قال:يا رسول الله:إنني رجل أعمى,وليس قائد يقودني إلى المسجد,فرخص له النبي صلي الله عليه وسلم,فلما ولى دعاه وقال له صلي الله عليه وسلم (أتسمع النداء))؟قال: نعم,قال صلي الله عليه وسلم (فأجب)) (3) , فلو كان يجوز أن يقيم الجماعة قي بيته لأرشده النبي صلي الله عليه وسلم إلى ذلك,ولم يأمره بالحضور إلى المسجد,ثم إن الجماعة إذا أقيمت في البيت,فات بعض المقصود من مشروعيتها وإيجابها على المسلمين.
فعلى المؤمن الناصح لنفسه أن يحضر إلى بيوت الله عز وجل ويؤدي الصلاة مع جماعة المسلمين,وأن يخرج من بيته متطهراً,قاصداً المسجد فإنه إذا فعل ذلك لم يخرجه إلا للصلاة,لم يخط خطوة إلا رفعه الله بها درجة,وحط عنه بها خطيئة,فإذا دخل المسجد وصلى فإن الملائكة تصلي عليه مادام في مصلاه,تقول:اللهم صل عليه,اللهم اغفر له,اللهم ارحمه,ولا يزال في صلاة ما انتظر الصلاة,كما ثبت عن النبي صلي الله عليه وسلم من حديث أبي هريرة (1) , فلا ينبغي للمسلم أن يفرط في هذه المثوبة العظيمة,فإنه سوف يحتاج إليها في يوم لا يستطيع أن يحصل عليها,نسأل الله تعالى أن يعيننا و إخواننا المسلمين على ذكره,وشكره,وحسن,عبادته.والله الموفق.
* * *
50 سئل فضيلة الشيخ: عن الفرق بين المسجد والمصلى؟وما هو ضابط المسجد؟وماذا لو أذن جماعة من الناس للصلوات الخمس وأقاموا الصلاة وصلوا أيصبح هذا المكان مسجداً؟(77/35)
فأجاب فضيلته بقوله:أما بالمعنى العام فكل الأرض مسجد,لقوله صلي الله عليه وسلم (جعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً)) (1) .
وأما بالمعنى الخاص فالمسجد ما أعد للصلاة فيه دائماً,وجعل خاصاً بها سواء بني بالحجارة والطين والأسمنت أم لم يبن,وأما المصلى فهو ما اتخذه الإنسان ليصلي فيه,ولكن لم يجعله موضعاً للصلاة دائماً,إنما يصلي فيه إذا صادف الصلاة ولا يكون هذا مسجداً,ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي في بيته النوافل,ولم يكن بيته مسجداً,وكذلك دعاه عتبان بن مالك إلى بيته ليصلي في مكان يتخذه عتبان مصلى ولم يكن ذلك مسجداً (2) ,فالمصلى ما أعد للصلاة فيه دون أن يعين مسجداً عاماً يصلي فيه الناس ويعرف أنه قد خصص لهذا الشيء.
* * *
951 سئل فضيلة الشيخ: إذا صلى الإنسان في بيته مع الأذان والإقامة جميع الفروض هل يعد ذلك مسجداً؟
فأجاب فضيلته بقوله:لا يعد مسجداً.
* * *
952 سئل فضيلة الشيخ: ما حكم من يتخلف عن صلاة الجماعة؟وما حكم من يقول:إذا نصح(الصلاة بكيفي إن شئت صليت وإن لم شئت لم أصل)؟
فأجاب فضيلته بقوله:المتخلفون عن الجماعة عاصون لله ورسوله لقوله تعالى: (وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ )(النساء: من الآية102).(77/36)
ولقوله صلي الله عليه وسلم صلي الله عليه وسلم (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء,وصلاة الفجر,ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً,ولقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم آمر رجلاً فيصلي بالناس,ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم بيوتهم بالنار)) (1) ,وقال ابن مسعود رضي الله عنه:(ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق,ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى في الصف)) (2) , وهذا دليل على أن صلاة الجماعة من أجل الطاعات وأعظم القربات.
لكن العلماء اختلفوا فيها على ثلاثة أقوال:
1. فمنهم من قال:إنها شرط لصحة الصلاة,أن من صلى في بيته بدون عذر شرعي فإن صلاته باطلة,وإلى هذا ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – وهو رواية عن الإمام أحمد واختيار ابن عقيل – رحمهما الله -.
2. ومنهم من قال:إنها فرض عين,وإن تركها يأثم.
3. ومنهم من قال:إنها فرض كفاية,فإذا قام بها البعض سقط عن الباقين.
4. ومنهم من قال:إنها مؤكدة وفسروها بأن تاركها يأثم.
والصواب أن صلاة الجماعة واجبة لا يجوز التخلف عنها,وأن المتخلف عنها آثم وعاص لله ولرسوله صلي الله عليه وسلم(صلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة)(1) ولو كانت صلاة الفذ لا تصح ما كان فيها فضل,ولا يصح مع الجماعة يكتب له الأجر كاملاً إذا تخلف عن الجماعة لعذر.
وقول هذا الرجل الذي يدعوه صاحبه إلى الصلاة مع الجماعة يقول :بكيفي إن شئت صليت وإن شئت لم أصل).
إن أراد بهذا ترك الصلاة بالكلية فهو على خطر عظيم يخشى أن تكون كلمته هذا كفراً,لأنه كالمنكر لوجوب الصلاة,ومنكر وجوب الصلاة كافر.
وإن عني بذلك صلاة الجماعة فيجب أن يعلم أن صلاة الجماعة ليست بكيف الإنسان, بل هي واجبة يجب أداؤها على المسلم مع المسلمين,إلا أن يكون من أهل الأعذار.
* * *
رسالة
من محمد الصالح العثيمين إلى الأخ المكرم حفظه الله تعالى(77/37)
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته . .وبعد:
كتابكم الكريم وصلني,سررت بصحتكم,وحسن أحوالكم,نحن ولله الحمد بخير,نسأل الله تعالى أن يزيدنا وإياكم من فضله,وأن يرزقنا شكر نعمته,وحسن عبادته.
سؤالكم عن حكم إقامة الجماعة في مبنى الكلية.
جوابه:وبالله التوفيق ومنه العصمة.هذه المسألة فيها للعلماء ثلاثة أقوال:
أحدهما:أن الواجب إقامة الجماعة في أي مكان سواء في المساجد,أو البيوت,أو المدارس,أو مكان العمل,أو غير ذلك.
والثاني:أن الواجب إقامتها في المساجد خاصة.
والثالث:أن الواجب إقامتها في المساجد إن كانت قريبة وإلا فلا.
وهذه الأقوال عند القائلين بوجوب الجماعة.
وظاهر الأدلة يشهد للقول الثاني وهو أن الواجب إقامتها في المسجد إلا لعذر,كبعد يشق معه حضور الجماعة,وكإخلال في العمل كما يتعلل به من يقيمون الجماعة في محل أعمالهم بحجة أنهم لو خرجوا إلى المساجد لفات من العمل,أو تخلف بعض الموظفين فلم يرجعوا أو نحو ذلك مما يقال.ويدل على ذلك:
1. ما أخرجه البخاري ص131 جـ 2 فتح ط السلفية عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (صلاة الرجل في الجماعة تضعف على صلاته في بيته وسوقه خمساً وعشرين ضعفاً,وذلك أنه إذا توضأ فأحسن الوضوء, ثم خرج إلى المسجد لا يخرجه إلا الصلاة)) وذكر تمام الحديث (1) ,فتأمل قولهصلي الله عليه وسلم (خرج إلى المسجد)) فدل على أن الجماعة هي جماعة المسجد,وأخرج ص141 من الجزء المذكور من حديثه أيضاًصلي الله عليه وسلم (ثم آخذ شعلاً من نار , فأحرق على من لا يخرُجُ إلى الصلاة بعدُ)). فتأمل قوله(على من لا يخرج إلى الصلاة).(77/38)
2. ما أخرجه ص 156 من الجزء المذكور عن ابن عمر أنه أذن بالصلاة في ليلة ذات برد وريح ثم قال:ألا صلوا في الحال , ثم قال (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر المؤذن إذا كانت ليلة ذات برد ومطر يقول:ألا صلوا في الرحال)) (2).فخص الإذن الصلاة في الرحال,وعمومه ولو جماعة بما إذا كانت الليلة ذات برد ومطر فدل على وجوب حضور الجماعة في المسجد إذا لم يكن عذر. وحديث (إذا صليتما في رجالكما,ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم)) (3) لا يدل على جواز إقامة الجماعة في الرحل مطلقاً لجواز أن يقيمها في الرحل خوفاً من فوات جماعة المسجد أو غير ذلك,وعلى كل حال فهو في محل احتمال واشتباه فلا يعارض به المحكم.
3. ما رواه مسلم ص 490 – 491 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن ابن عباس – رضي الله عنه – قال:(جمع النبي صلي الله عليه وسلم بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء بالمدينة في غير خوف ولا مطر)) (1) . وجه الدلالة منه أن الصلاة في غير وقتها لا تجوز والجمع بينها وبين الأخرى إخراج لها عن وقتها,ومن الممكن تلافيه إذا صلى الناس في بيوتهم جماعة أو فرادى,فلولا وجوب الحضور للمسجد لفعل الجماعة فيه ما جاز الجمع الذي يتضمن إخراج الصلاة عن وقتها.
4. ما رواه البخاري ص 519 جـ 1 فتح ط السلفية عن محمود بن الربيع أن عتبان بن مالك قال : (يا رسول الله قد أنكرت بصري وأنا أصلي لقومي,فإذا كانت الأمطار سال الوادي الذي بيني وبينهم لم أستطع أن آتي مسجدهم فأصلي بهم)) (2) وذكر الحديث. وجه الدلالة منه أنه لو لم يكن حضور المسجد واجباً لأمكنه أن يقيم الجماعة في بيته,لاسيما على قول من يقول بانعقاد الجماعة بالأنثى فيمكنه أن يقيمها بأهله في بيته.(77/39)
5. ما رواه البخاري ص 74 جـ 5 فتح ط السلفية عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن النبي صلي الله عليه وسلم قال (لقد هممت أن آمر بالصلاة فتقام,ثم أخالف إلى المنازل قوم لا يشهدون الصلاة فأحرق عليهم)), ولم يفرق النبي صلي الله عليه وسلم بين ما إذا صلوها قي منازلهم جماعة أو فرادى ...ورواه أبو داود ص 130 ج 1ط الحلبي وفيه(ثم آتي قوم يصلون في بيوتهم,ليست بهم علة فأحرقها عليهم)) . وظاهر كانوا يصلون جماعة.
6. ما رواه مسلم ص 452 تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي عن أبي هريرة – رضي الله عنه قال:أتى النبي صلي الله عليه وسلم رجل أعمى فقال:يا رسول الله,إني ليس لي قائد يقودني إلى المسجد,فسأل رسول الله صلي الله عليه وسلم أن يرخص له فيصلي في بيته فرخص له,فلما ولى دعاه فقال صلي الله عليه وسلم (هل تسمع النداء))؟ قال: نعم قال صلي الله عليه وسلم (فأجب)) (1) .ولو كانت الجماعة في البيت مجزئه لأرشده إليها لأنها أهون عليه وأسهل.
7. ما رواه مسلم ص 453 الكتاب المذكور عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمنا سنن الهدى,وإن من سنن الهدى الصلاة في المسجد الذي يؤذن فيه))وفي رواية(ولو أنكم صليتم في بيوتكم كما يصلي هذا المتخلف في بيته لتركتم سنة نبيكم ولو تركتم سنة نبيكم لضللتم,وما من رجل يتطهر فيحسن الطهور,ثم يعمد إلى مسجد من هذه المساجد إلا كتب الله له بكل خطوة يخطوها حسنة,ويرفعه بها درجة,ويحط عنه بها سيئة,ولقد رأيتنا وما يتخلف عنها إلا منافق معلوم النفاق.
ولقد كان الرجل يؤتي به يهادى بين الرجلين حتى يقام في الصف)) (1)
وفي رواية أبي داود ص 130 جـ 1 ط الحلبي (وما منكم من أحد إلا وله مسجد في بيته ولو صليتم في بيوتكم,وتركتم مساجدكم تركتم سنة نبيكم صلي الله عليه وسلم)) (2) .(77/40)
فهذه الأدلة الأثرية تؤيدها الأدلة النظرية:فإن صلاة الجماعة لو لم تجب في المساجد لفاتت بها مصلحة هامة:من إظهار الشعائر واجتماع المسلمين,والتعارف بينهم,وهداية ضالهم,وتقويم معوجهم, وحصل بذلك مفاسد كبيرة:من تعطيل المساجد,وتفريق المسلمين,وفتورهم عن الصلاة,وغير ذلك لمن يتأمل.
وقال الإمام أحمد – رحمه الله – في رسالة الصلاة ص 373 مجموعة الحديث ط السلفية:وأمروا رحمكم الله بالصلاة في المساجد من تخلف عنها,وعاتبوهم إذا تخلفوا عنها,وأنكروا عليهم بأيديكم,فإن لم تستطيعوا فبألسنتكم,واعلموا أنه لا يسعكم السكوت عنهم؛لأن التخلف عن الصلاة من عظيم المعصية,ثم ذكر الحديث أبي هريرة – رضي الله عنه – وقال:فلو لا أن تخلفوا عن الصلاة في المسجد معصية كبيرة عظيمة ما تهددهم النبي صلي الله عليه وسلم بحرق منازلهم, ثم ذكر أثر عمر في المتخلفين وقوله:ليحضرن المسجد أو لأبعثن إليهم من يجافي رقابهم .ا.هـ .
وقال الإمام الشافعي – رحمه الله – في الأم ص 154 ج 1 ط دار المعرفة:فلا أرخص لمن قدر على صلاة الجماعة في ترك إتيانها إلا من عذر .ا.هـ .
وقال ابن قيم – رحمه الله – في كتاب الصلاة له ص 461 مجموعة الحديث ط السلفية:ومن تأمل السنة حق التأمل تبين له أن فعلها في المساجد فرض على الأعيان إلا لعارض يجوز معه ترك الجمعة والجماعة فترك حضور المسجد لغير عذر كترك أصل الجماعة لغير عذر,وبهذا تتفق جميع الأحاديث والآثار,ثم ذكر خطبة عتاب بن أسيد في أهل مكة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وقوله:يا أهل مكة والله لا يبلغني أن أحداً منكم تخلف عن الصلاة في المسجد في الجماعة إلا ضربت عنقه,ثم قال ابن قيم:فالذي ندين الله به أنه لا يجوز لأحد التخلف عن الجماعة في المسجد إلا من عذر ا.هـ .كلامه .(77/41)
وقال المجد في المحرر ص 91 _ 92 ج 1 ط السنة المحمدية:وفعلها في المسجد فرض كفاية,وعنه فرض عين,قال في النكت عليه:وزاد غير واحد على أنها فرض عين على القريب منه,وقطع به في الرعاية ودليل هذا واضح .ا.هـ .
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوى ص 225 مج 23 مجموع ابن قاسم:والمقصود هنا أن أئمة المسلمين متفقون على أن إقامة الصلات الخمس في المساجد هي من أعظم العبادات وأجل القربات .ا.هـ .
أما ابن حزم فإنه يرى أنها لا تجزئ صلاة فرض من رجل يسمع الأذان إلا في المسجد مع الإمام,فإن كان لا يسمع الأذان صلى جماعة في مكانه إن وجد أحداً,وإلا أجزأته الصلاة وحده,صرح بذلك في المحلى ص 188 ج 4 ط المنيرية.
هذا ما تيسرت كتابته على سؤالكم نرجو الله تعالى أن يكون فيه البيان والشفاء إنه جواد كريم,والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
حرر في 21/1/1401هـ .
* * *
953 سئل فضيلة الشيخ:إذا فاتت الركعة الأولى أو الثانية مع الجماعة فهل يقرأ القاضي لصلاته سور مع الفاتحة باعتبارها قضاء لما فاته أو يقتصر على قراءة الفاتحة؟
فأجاب فضيلته بقوله:الصحيح أن ما يقضيه المأموم من الصلاة بعد سلام إمامه هو آخر صلاته,وعلى هذا فلا يقرأ فيه إلا الفاتحة إذا كان الفائت ركعتين,أو ركعة في الرباعية,أو ركعة في المغرب,أما الفجر فيقرأ الفاتحة وسورة؛لأن كلتا الركعتين تقرأ فيهما الفاتحة وسورة.
* * *
954 سئل فضيلة الشيخ: ماحكم من يقيم جماعة ثانية في المسجد,علماً بأن الجماعة الأولى لم تنته من الصلاة؟وهل تعتبر صلاتهم باطلة؟
فأجاب فضيلته بقوله:الأولى إذا جئت و الأمام في التشهد الأخير وأنت معك جماعة,أن لا تبدءوا بالصلاة حتى تتم الجماعة
الأولى,لئلا يجتمع جماعتان في آن واحد,ولكن إذا فعلوا ذلك وكانوا بعيدين من الجماعة الأولى,لا يشوشون عليهم فلا بأس بهذا.(77/42)
وننتقل من هذه المسألة إلى المسألة أخرى وهي:ما إذا جئنا إلى المسجد ونحن لم نصل صلاة العشاء الآخرة,ووجدنا هم يصلون صلاة التراويح,فإننا ندخل معهم في صلاة التراويح بنية العشاء,ثم إن كنا مسافرين,فإننا نسلم مع الإمام إذا كنا قد صلينا الركعتين,وإن كنا مقيمين أتينا بما بقي من صلاة العشاء,ولا نقيم جماعة أخرى لصلاة العشاء,لأنه لا ينبغي أن يكون جماعتان في مسجد واحد,فأن هذا عنوان التفرق,حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم لما سلم ذات يوم ووجد رجلين معتزلين لم يصليا في رحالنا.قال (ما منعكما أن تصليا))؟قالا:يا رسول الله صلينا في رحالنا.قال (لا تفعلا,إذا صليتما في رحالكم,ثم أتيتما مسجد جماعة فصليا معهم)) فأمرهما النبي صلى الله عليه وسلم أن يصليا مع الناس وإن كانا قد صليا في رحالهما,لئلا يحصل التفرق,وقال(إنها لكما نافلة)(1) .
* * *
955 سئل فضيلة الشيخ: عن حكم تكرر الجماعة في المسجد واحد؟
فأجاب فضيلته بقوله:إقامة جماعة ثانية في مسجد واحد على ثلاثة أقسام:
الأول:أن يكون المسجد مسجد طريق كالذي يكون على خطوط المسافرين فلا إشكال في إقامة جماعة ثانية إذا فاتت الأولى,لأنه ليس له إمام راتب بل من جاء صلى.
القسم الثاني:أن تكون إقامة الجماعتين راتبة بحيث يجعل للمسجد إمامان أحدهما يصلي أول الوقت,والثاني آخره,فهذا بدعة لا إشكال فيه,لأنه لم يرد عن السلف,وفيه تفريق الناس,وإدخال الكسل عليهم.(77/43)
القسم الثالث:أن تكون إقامة الجماعتين عارضة بحيث يأتي جماعة بعد انتهاء الجماعة الأولى فإقامة الجماعة الثانية هنا أفضل من الصلاة فرادى لقول النبي صلي الله عليه وسلم (صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده,وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل ,وما كان أكثر فهو أحب إلى الله))(1) . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه (من يتصدق على هذا فيصلي معه)) (2) ؟يريد رجلاً دخل وقد فاتته الصلاة,فقام أحد القوم فصلى معه,فهنا أقيمت الجماعة الثانية بعد الجماعة الأولى,ولو كانت غير مشروعة ما ندب النبي صلى الله عليه وسلم إليها.
ولا يصح القول بأن المبرر لها أن صلاة الثاني نفل؛لأن المقصود الذي هو محل الاستدلال إقامة الجماعة الثانية وقد حصل,ولأنه إذا ندب إلى إقامة أولى,ثم إنه هل يمكن لو كان مع الرجل الداخل الرجل آخر فأقاما الجماعة أن يمنعهما النبي صلى الله عليه وسلم من إقامتها مع أنه صلى الله عليه وسلم ندب من كان قد صلى أن يقوم مع الداخل ليقيما الجماعة ؟!
وبهذا يتبين أنه لا وجه لإنكار إقامة الجماعة الثانية في هذا القسم وهو – أعني إقامتها – هو الذي درج عليه علماؤنا لوضوح الدليل فيه,والله أعلم.حرر 8/10/1417هـ .
* * *
956 سئل فضيلة الشيخ: ما رأيكم فيمن يقول في إقامة الجماعة الثانية وفي الحديث ((ألا رجل يتصدق على هذا))(1) إن هذا الحديث فيه متصدق عليه,واللذان تأخر عن الصلاة فأقاما جماعة ثانية؛لأن الأصل في العبادة المنع؟أفيدونا جزاكم الله خيراً؟(77/44)
فأجاب فضيلته بقوله:من قال إن الأصل في إقامة الجماعة الثانية المنع نطالبه بالدليل.فهل جاء عن رسول صلى الله عليه وسلم حرف واحد يقول:لا تعيدوا الجماعة؟ثم إذا كان الرسول الله صلى الله عليه وسلم أمر واحداً يقوم ليصلي مع هذا المتخلف مع أنه أدى الواجب الذي عليه,فكيف إذا دخل اثنان فاتتهم الجماعة,فالاثنان مطالبان بالجماعة,فإذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم أقام من لم يطالب بالجماعة أن يصلي مع هذا,فكيف نقول لمن تلزمه الجماعة لاتصل جماعة؟! هذا قياس منقلب.وأما تسميتها صدقة فنعم,لأن الرجل الذي يقوم معه قد أدى الواجب الذي عليه,فصلاته الثانية تكون صدقة,ولو كانت إقامة الجماعة الثانية ممنوعة ما أجاز النبي صلي الله عليه وسلم الصدقة فيها,لأن الصدقة التي تستلزم فعل المحرم لا تجوز,فلا يمكن أن نفعل مستحباً بانتهاك محرم.
فالمهم أن هذا تعليل لا شك أنه عليل بل أقول:إنه تعليل ميت لا روح إطلاقاً,لكنهم استدلوا بأن ابن مسعود جاء مع أصحابه يوماً وقد فاتتهم الصلاة,فانصرف وصلى في بيته,لكن ليس في فعل ابن مسعود – رضي الله عنه – حجة مع وجود السنة,هذه واحدة.
ثانياً:روى ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن مسعود – رضي الله عنه – أنه دخل المسجد وقد صلوا فجمع بعلقمة ومسروق والأسود. ذكره صاحب الفتح الرباني.وقال:إسناده صحيح.
ثالثاً:هل ابن مسعود – رضي الله عنه – رجع إلى بيته وصلى لأن الصلاة الثانية لا تقام في المسجد؟أو لسبب آخر؟لا ندري.
ربما ابن مسعود – رضي الله عنه – خاف أن يقيم الجماعة الثانية وهو من خواص أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم فيغتدي به الناس,ويتهاونون بشأن الجماعة ويقولون هذا ابن مسعود – رضي الله عنه – تفوته الجماعة فنحن من باب أولى.وربما كان ابن مسعود – ه – انصرف إلى بيته خشية أن يقع في قلب إمام المسجد شيء فيقول الإمام:ابن مسعود تأخر ليصلي بأصحابه؛لأنه يكره إمامتي مثلاً,فيقع في قلبه شي.(77/45)